عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - صبحي ساله يي

صفحات: [1]
1
آخر وأخطر الهجمات على شعب  كوردستان
صبحي ساله يي
 لقد عمل إقليم كوردستان، منذ البداية على حفظ سيادته وحماية وقوة وجوده وحضوره على المسرح السياسي العراقي والإقليمي والدولي، وكرس عناصر القوة التي يمتلكها وموقعه الجيوسياسي لصالح القرار السياسي المستقل عن التأثيرات الخارجية، والمنسجم مع مصالح الإقليم ومصالحوالعراقيين وعموم المنطقة. وكان الدافع الأساسي لبناء علاقاته مع جميع الأطراف، خاصة لدى الرئيس مسعود بارزاني وحزبه، يكمن في التفاعل الإيجابي مع الجميع، والإبتعاد عن الشعارات والمزايدات والإشكاليات والمزاج السياسي الشخصي أو العاطفي، والإقتراب قدر الإمكان من المعادلات الكفيلة بتطبيق القوانين. وحاول قدر الإمكان التعامل مع الأحداث، وإيجاد أرضية مشتركة بينه وبين الآخرين على أسس مغايرة، لكنه إكتشف أن البعض من (الشركاء) في بغداد يعانون من تناقضات عدم الإنصاف وموروثات الحقب السابقة وتداعيات الحاضر ومآلات المستقبل، لذلك تعرض الإقليم وشعب كوردستان منذ 2012 الى الهجمات والحروب السياسية والإقتصادية والأمنية على الإقليم، وآخرها وربما أخطرها، تجسد بشكل واضح وفضيح في القرارات القضائية الصادرة عن المحكمة الإتحادية قبل أيام .
   لا نريد إضاعة الوقت والإسهاب في سرد ممارسات هذه المحكمة وتدخلاتها الكثيرة فی الشۆون الكوردستانیة منذ سنوات، لأن ما قالتها هذه المرة بشأن رواتب موظفي الإقليم والواردات النفطية وغير النفطية ومقاعد الكوتا للتركمان والمسيحيين وقانون إنتخابات الإقليم ومحاولتها المساس بالعملية التشريعية فيه بطريقة غير دستورية ليس تحولاً جديداً عن مواقفها السياسية السلبية السابقة تجاه مختلف الملفات التي تتعلق بالكورد وكوردستان وإنخراطها في الصراعات المدمرة ومشاريع و مواقف وأفكار قانون القوة لا قوة القانون، وتدخلاتها التي تثير الجدل في أمور ليست من إختصاصها، والتي لا يمكن فصلها عن مؤشرات غياب مؤسسات الدولة وتراجع أداء السلطات في بغداد عن إلتزاماتها الدستورية والقانونية وتأثيرات التجاذبات الإقليمية والدولية والذهاب بالبلاد نحو اللاديمقراطية التي تستثنى بعض المكونات القومية والدينية في سبيل إرضاء نزوات مكونات سياسية تريد البقاء على مسرح السياسة أو الفوز بمقاعد أكثر في الإنتخابات، من خلال المزايدات السياسية وإفتعال الصراعات والخلافات الحادة بين القوى الأساسية في البلاد، أو تنفيذاً لأوامر قادمة من الشرق أو مفروضة عليها من قبل ميليشيات تحتكر السلاح والمال. كما يمكن إعتبارها تعبيراً عن الرغبة في هدم الإستقرار الهش الحالي في العراق، وعدم إفساح المجال أمام حكومتي بغداد وأربيل لكي تتوصلا عن طريق الحوار والتفاهم إلى إتفاقات على أساس الدستور الذي صوّت عليه شعوب العراق.
   إهتم الكثير من وسائل الإعلام والمراقبين السياسيين ورجال القانون بسبر غور الأحكام الصادرة من المحكمة الإتحادية في العراق، وتوزّعت الاهتمامات في هذا الصدد على مناحٍ كثيرة، منها ما يتصل بمستقبل العملية السياسية في البلاد، ومنها ما يتعلق بمدى قدرة النظام القضائي الحالي على صيانة الدستور وحماية وحدة البلاد في ظل العداء الواضح لكل ما هو كوردي وكوردستاني، دون اكتراث لقيم المواطنة والشرعية والقانون، ومنها أيضاً ما يختص بفشل المنظور السياسي الذي يبدو أقل قدرة على ضبط الخطاب السياسي وصياغته وتوزيعه وبالذات عندما راح ينسى ويسيء للعلاقات المكوناتية، ويرتجل من دون قدرة على الفرز بين الحق وغيره.
  أما بخصوص المؤيدون للقرارات القديمة والجديدة فيُرجح أن بعضهم مُصاب بأمراض تؤثر في الذاكرة، فتجعلهم ينسون بشكل مستديم القضايا الرئيسية الحساسة والثوابت القومية والوطنية والدستورية، وأن أشياء كثيرة تغيّرت في هذا البلد، وأن الموجود اليوم يشبه ما كان موجوداً البارحة، أو يخلطون بين الأمور البسيطة والخطيرة رغبة في تسجيل موقف أو الحصول على كلمة شكر من هذا أو ذاك، ولا يُفوّتون أي فرصة للظهورعلى الشاشات والدخول في مقايضات وصفقات وحسابات مادية، وسياسة (شيلني وأشيلك)، رغم أن الكثير من المتابعين لا يأخذون هفواتهم المُكلفة وأخطائهم المتكررة وقدرتهم في الدفاع عن الباطل على محمل الجد.
 


2
قصف أربيل بَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ
صبحي ساله يي
  بعد إنتهاك الحرس الثوري الإيراني سيادة العراق وإقليم كوردستان وأمن شعبه وقصف مواقع مدنية في أربيل، بطائرات مسيرة وصواريخ بالستية أدى الى إستشهاد وإصابة عدد من الأبرياء، تبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.
  الرشد تبَيَّنَ عبر إطلاع الجميع على الظلم الذي أرتكب ضد شعب كوردستان، وعلى زيف ادعاءات لاصحة لها ولا أساس، وعلى السبب الذي يدفع هؤلاء الى تنفيذ الاعتداءات الغادرة البعيدة عن الشجاعة والشهامة، كما أشار الى ذلك الرئيس مسعود بارزاني، و(للتغطية على مشاكلهم وازماتهم الداخلية)، وعلى الخسائر التي لحقت بالقوى الموالية لهم في المنطقة، وتصدير تلك الأزمات والإختناقات الى الخارج. كما تبَيَّنَ في بيانات الإدانة والإستنكار الشديدة اللهجة الصادرة من رئاسة اقليم وحكومة إقليم كوردستان والحكومة العراقية التي فندت الحجج الواهية التي نشرت لتبريرالهجمات.
الحكومة العراقية المعنية بالأمر وفق الدستور والقيم والأعراف الإنسانية والقوانين والإتفاقات والعهود والمواثيق الدولية، أدت ( حتى الآن) دورها المطلوب، حيث أعلنت عن موقف هو من أشد مواقف العراق منذ عام 2003 تجاه إيران، ونددت بالضربات وأعلنت إنها ستتخذ كافة الإجراءات الدبلوماسية والقانونية ضد (العدوان الصريح) بما يشمل تشكيل لجنة برئاسة مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي لتقصي الحقائق، ولإطلاع الرأي العام العراقي والدولي على الحقائق وإثبات زيف ادعاءات الجهات التي تقف وراء هذه الأفعال المدانة، وتقديم شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما استدعت بغداد سفيرها في طهران للتشاور، وإستدعت القائم بالأعمال الإيراني في بغداد للاحتجاج على شن بلاده تلك الهجمات التي تعتبرتطوراً خطيراً يقوض العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تحدثت أنباء غير مؤكدة عن إحتمال إلغاء بغداد للإتفاق الأمني الموقع مع طهران. وفي خطوة يمكن إعتبارها دليلا على جدية بغداد، وصلت المذكورة الى أربيل بعد ساعات من تشكيلها، وتفقدت المنزل المستهدف، وبعد تجولها في كل زاوياه، ولقائها بعدد من الجرحى والمصابين وعوائل الشهداء، وتبين لها (أن الإدعاءات التي تتحدث عن إستهداف مقر للموساد لا أساس لها من الصحة).
   أما الغي فقد تبَيَّنَ بشكل واضح وصريح في ما ذكرتها وسائل إعلام إيرانية عندما قالت أن الحرس الثوري الإيراني هاجم المنطقة التي تستخدم كنقطة انطلاق للجماعات الانفصالية الإيرانية، وفي بيان لاحق كذبت البيان السابق وقالت: إن الحرس إستهدف تجمعات للجماعات الإرهابية المناهضة لإيران في المنطقة. ثم كذبت البيانين السابقين وقالت : استهدف مرتكبي العمليات الإرهابية في الجمهورية الإسلامية، وأخيراً وليس آخراً قالت: أن الحرس هاجم مراكز تجسس إسرائيلية.
   كما أن الغي تبين عندما غابت مصلحة الوطن والوطنية وعدم إحترام العراق وسيادته من قبل بعض القوى السياسية، وفي خطابات شعبوية طائفية شوفينية، وفي برامج تلفزيونية حوارية شارك فيها من يبيعون أنفسهم في نخاسة العمالة والدفاع عن العدوان الخارجي بتضليلاتهم ويقدمون الولاء للمعتدي، أي كان، مقابل حفنة دولارات .


3
ماذا بعد سياسة تجويع شعب كوردستان؟
صبحي ساله يي
  إعتاد البارعون في فضاء التشويش في العراق منذ عقود عديدة على تزييف الحقائق وتغيير الوقائع لصالح أجندات ومصالح حزبية وسياسية تارة، أو قومية وطائفية ومذهبية تارة أخرى، أو خدمة لأجندات إقليمية ودولية على حساب منع رؤية الصور الواضحة.
  في عراق ما قبل 2003، عندما وصل النفاق الى ذروته، حولوا الإنقلاب والمؤامرة الى ثورة، ونزوات الرئيس الى أفكار البطل القومي، وقراراته ورغباته الى ضرورات تاريخية، والمنهاج الحزبي وقرارات مجلس قيادة المؤامرة الى دستور وقوانين. وبعد 2003 ونتيجة لقراءات خاطئة غيروا التحرير الى إحتلال، والفساد المأساوي غير المنتظر الى شطارة غير مسبوقة، ومن خلال وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي دمروا التفاهمات وأطلقوا على ممارسات خرق الدستور تسمية فرض القانون، وغيروا الهزائم والكوارث المكتملة الأركان الى إنتصارات وهمية، والتضليل المرفوض الى صمود مقبول ومنظم يدفع ثمنه العراقيون من دمائهم وأرواحهم وأموالهم. كما شنوا الحروب الشعواء كل الذين يطرحون الأسئلة الجادة، حول نواياهم وما يريدون تحقيقه، وما حققوه إلى الآن؟ وإتهموه بالتخوين والتهييج وبمحاولة إجهاض الجهود التي تراهن على الخروج من المخانق والطريق المجهول وإنهاء الأزمات والإخفاقات، ومشاهد التراجيديا الإنسانية التي تذل وتهين.
  وبالنسبة الى شعب كوردستان، وخلال عقدين من الزمن، كررت حكومات العراق المختلفة والعائشين في هوس وشهوة السلطة ومراكمة المال والثروات عبارات وبيانات وتصريحات على مسامع الكوردستانيين، ك (نحرص على تنفيذ الدستور ونلتزم بالشراكة والمساواة والديمقراطية)، ولكن، على المستوى الميداني مارسوا بحقه كل السياسات المعيبة القاسية التي بدأت بالترهيب والإقصاء والتهميش والحصار الاقتصادي ووصلت الى التجويع، وخلال الأيام الماضية تحولت الى القصف بالدرونات المستوردة من الخارج والمدفوعة اثمانها من أموال العراقيين.
  يفسر الكوردستانيون بكل مشاربهم ما نفذتها جماعات مشبوهة ضدهم، بحجة متغيرات سياسية وعسكرية تواجهها حلفائها، ولهجة الآخرين في الاعلام التقليدي التي تعد قبولاً بفكرة التجويع والقصف،  بأنها إشارات واضحة إلى إحتمالات التفكير بشن حرب واسعة على كيانهم، وإجابة لسؤال:
  ماذا بعد سياسة التجويع التي أسفرت عن أضرار جسيمة؟
  وماذا بعد التهديدات المبطنة لكل من سبق أن ألب المشاعرالشوفينية والعنصرية البغيضة وبات يبحث عن أرض بديلة لاستمرار الصراع والإبتزاز؟
  أما الفاعل السياسي الكوردستاني الذي يتفهم دوافع القوى المعادية ويدرك تكتيكات تبادل وتوزيع الأدوار بين بعض أطراف الاطار التنسيقي، ويدرك ان ثقافة معاداة الكورد متأصلة في عقول الكثيرين ولا تموت، فإنه ما زال متحفظاً، لاعتبارات سياسية وأمنية وإقتصادية، في خطابه الدبلوماسي وحذرا في تعامله مع السلطات التنفيذية التي لا تمتلك سوى المناورة، ومع الأحزاب السياسية الشيعية التي لها مجموعات مسلحة موالية للخارج ولا تستطيع تغيير استراتيجية إرتباطاتها، كما لا يريد أن يقطع الخيط الرفيع بينه وبينها، ولا يريد أن يتقاطع مع موقف محمد شياع السوداني الذي يواجه أزمة الدور المزدوج، إذ يدفعه طموحه في إنجاح حكومته الى تنفيذ الدستوروالإتفاقات السياسية والإيفاء بالألتزاماته التي طالما أعلن عنها، وخلق الأجواء الهادئة والمستقرة ووقف سياسة التجويع والترهيب التي تصاعدت وتيرتها في العام الماضي ضد الكورد من جهة، والظهور بمظهر القوي المستقبل غير المكبل بالضغوط الخارجية والنفوذ السياسي الذي أوصله الى سدة الحكم من جهة أخرى. لذلك يحاول السوداني تفنيد ممارسة سياسة التجويع، وتحميل جماعة صغيرة عبء تنفيذ الهجمات التي تشن على كوردستان، دون  الذهاب بعيداً معها ودون تحديدها علناً، لآنه على يقين بوجود مصاعب جدية وكبيرة تواجهه وتواجه فريقه الوزاري منذ تشكيل حكومته .
 
 
 


4
لعبة بغداد مع أربيل ... لعبة لا تنتهي
صبحي ساله يي
الألعاب أنواع، وأكثرها شيوعاً بعد الرياضية، هي السياسية. ولا شك أن لكل لعبة سياسية لاعبين وجمهور وملعب وقواعد تستخدم فيها الأوراق المتاحة لتغيير المعطيات وتحقيق الفوز ونيل رضا وتصفيق المتابعين دون تجاوز لغة العقل والمنطق، ولكن عندما تكون بجرأة ممزوجة بخبث وصلافة إنتقامية تكسر التقاليد، وعندما يكون لاعبوها ساسة لا يسمعون ولا يفهمون، ويجدون صعوبة في التمييز بين الحق والباطل، ويغذون في طروحاتهم وتحليلاتهم وتفسيراتهم الميول المذهبية والعنصرية، ولم يصلوا مرحلة النضج التي تؤهلهم لفهم الحاضر وقراءة المستقبل لا أحد ينتصر فيها وتخلف ورائها الغدر والقذارة والخيانة والكراهية العمياء وسلسلة طويلة من الأخطاء والمصائب والكوارث والمآسي والتجارب القاسية التي تهدم وتسهم في تضييع المكاسب وإشاعة العبثية. وتدفع الفريق المقابل نحو التفكير بمواقفهم متغيرة والبحث عن صيغة أخرى للعب قبل إعلان نهاية اللعبة.
اللاعب الذكي، بعد أن يلمس الحقيقة، يتجاوز الصمت دون أن يبالغ في مواقفه، ولايتردد ولايقع في حيرة، ويبدأ بإعادة ترتيب أولوياته ويبحث عن مخرج ليجعله نقطة انطلاقة جديدة ليخرج من اللعبة مرفوع الرأس ودون أن يتنازل عن أي شىء.
وغير الذكي، يلعب على الحبال، ويجازف ويرهق نفسه قبل الآخرين، ويزيد الضغوط والمناورات ويمعن بالإساءة لتحريف الرؤية نحو صورة مختلفة عن الواقع ويحاول توجيه كل شيء لدعم قراءته، وفي النهاية لاينجح  في مساعيه ولا يصح إلّا الصحيح.
سقت بهذه المقدمة لأتحدث عن لعبة منع تصدير نفط كوردستان خلال الأشهر الثمانية السابقة، وشروط بغداد التي لم تنته ولا تنتهي، وعن تكرارخلط الأوراق وكثرة المشاغبات والبدع والتحايل والمزاجات الشخصية وهدرالوقت، والرغبات المميتة لتسجيل نقاط الفوز على الإقليم بأدوات ناقصة وأعذار هشة ومكشوفة وبخيارات عقيمة قادت إلى نتائج خاطئة والى تأخير إعلان النهاية وتبلورالنتيجة، وإرتفاع الأصوات المحذرة للسقوط في الفخ، والإعتداء على اللاعبين في إحدى الفريقين من قبل طرف ثالث منحاز دخل الى دهاليز اللعبة دون أن يحسب أي حساب لأي شيء في سبيل تغييرموازين القوى والدفع لتأجيج التوترات وإرغام طرف على الرضوخ للطرف الاخروالقبول بالأمرالواقع والتوقيع على صفقات مليئة بالخلل. أو الإستمرار في هذه اللعبة أو أي لعبة أخرى من شأنها تغيير الوضع الميداني على الأرض.
جرى تبادل العشرات من الزيارات بين اربيل وبغداد وعقد خلالها الكثير من الاجتماعات التي وصفت بالمهمة، وسمعنا بعدها تصريحات واعدة تحمل في ثناياها التفاؤل، وتتحدث عن قرب التوصل الى إتفاق واضح المعالم على تصدير نفط إقليم كوردستان، يقوم على مراعاة القانون والدستور، ولكن اللعبة التي لا مثيل لها لم تنته، وبالتأكيد ستستأنف في العام الجديد، وطبعاً سيعود معها اللاعبون السلبيون الى مواقعهم القديمة لإدارة الأزمات وممارسة الاستفزازات، ويعود الخطاب السابق، المنساق خلف الأوهام والإدعاءات المضللة، لعباقرة الفضائيات للتعاطي مع الأكاذيب التي تسوق الى إثبات الفشل في عقد التسويات، كما ستعود صراعات ما قبل تشكيل حكومة السوداني إلى الواجهة، والدوران فوق خرائب تراجع الثقة بين اللاعبين، ويظهر على أرض الواقع ما يشير الى أن مرحلة ما قبل التصدير ستكون طويلة من خلال تكرار اإدعاءات الفارغة غير القابلة للحياة والترويج للحاجة الى بعض التعديلات الطفيفة ضمن ما يتلاءم مع مصالح الجانبين، أو من خلال المراهنة على تكريس الانقسام الكوردي وخوض مغامرة اللجوء الى الوعيد والتهديد وعدم القبول بمجمل الشروط الكوردستانية.
كما يتأكد للجميع تحويل حلم التغيير في العراق إلى خيبة أمل، خصوصاً أن المتحكم بما يدور فيه يريد الإستفادة من كل شىء، ولا يهمه مستقبل العراقيين عموماً أوخوض مغامرة تكلفهم خسائر كبيرة وتأخذهم نحو الكارثة والمأزق.
 


5

البارتي لم يغادر كركوك !
   صبحى ساله يي
مع إطلاق صافرة إنطلاق الحملة الدعائية لإنتخابات مجالس المحافظات المقبلة في العراق في 18 من الشهر الحالي، إتجهت الأنظار إلى البارتي الذي أعلن رسمياً نيّته خوض المنافسة في عدد من المحافظات، من بينها كركوك (قلب كوردستان) المختلطة قومياً ودينياً والمختلفة سياسياً.
لقد قالوا خطأً : لقد عاد البارتي (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) الى مدينة كركوك. ولكن الصحيح هو أن البارتي لم يغادر كركوك وضمائر وجدان الكركوكيين حتى يعود اليها، والذي جرى هو أنه إستعاد، حسب إتفاق سياسي، مقراته التي تم الإستيلاء عليها عندما سقطت الأقنعة وتم خرق القانون والدستور والأعراف والقيم الديمقراطية.
نعم عاد الى مقراته ليتنافس مع القوى السياسية الكوردستانية والعراقية، لذلك أحسن أدائه وعبرعن نواياه بصدق وشجع جمهوره للمشاركة في الأنتخابات بكثافة وأظهر قدرته على ترتيب أوضاعه وتنسيق إستراتيجياته بهدوء وهو يحمل مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة والتسامح والتعايش الذي توارثه عن مؤسسه الخالد مصطفى البارزاني، وهو على يقين بأن الشعب الكركوكي بكورده وعربه وتركمانه ومسيحييه يجمعون على حبه وتقديره ويسيرون على نهجه الوطني الذي يعتبر مصدراً للفكر الإنساني الذي لا يحمل في طياته أية نزعة شوفينية أو عنصرية أو مذهبية، ويصوتون له في الانتخابات المحلية‌ كما صوتوا له في الإنتخابات السابقة‌ بسبب تاريخه الحافل بالفداء والبطولات والتضحيات وثوراته المتتالية وبصماته الواضحة ونتائج نضاله وإنجازاته خلال أكثر من ثلاثة‌ أرباع قرن .
دخل التنافس الإنتخابي ورشح لعضوية قائمته الإنتخابية مرشحين أكفاء وأصحاب شهادات عليا من الكورد والعرب والتركمان، وراهن على قوى نسائية وشبابية في التأثير على مجريات العملية الانتخابية، وهذا يعكس الأهمية التي تحظى بها هذه الفئات لديه، وهذا الأمر جديد نسبياً في المشهد الانتخابي في هذه المحافظة المحرومة منذ سنوات من هذا الحق الدستوري، ولكنه ليس بجديد في تأريخ البارتي.
خلال أيام الحملة الدعائية، بدا ملحوظاً لدى المراقبين حالات الثقة بالنفس والإطمئنان النفسي عند أعضاء ومؤيدي هذا الحزب لقناعتهم بالفوز الأكيد، والسبب في ذلك يعود الى أن حزبهم متماسك يحظى بتأييد جماهيري واسع، ولا يعاني من تصدع أو خلاف داخل صفوفه، رغم التباين في بعض الرؤى والأفكار والإختلاف حول بعض القضايا، كما يعود الى أنهم على يقين بأن الناخب الكوردستاني الذي يتوجه نحو صندوق الإقتراع، سيختار حزبهم الذي يضمن لهم حرية التعبير والتعددية السياسية والعدالة الاجتماعية، ويحاول ترسيخ أسس القانون وحماية الأمن والإستقرار. وإنه سيختار الحزب الذي طوى إلى الأبد صفحات سياسات الإنكار للوجود الكوردي، وأثبت أن الشعب الكوردي من خلال ممارساته، أنه شعب يتطلع إلى الوئام والسلام وينبذ العنف والكراهية والإرهاب، وسيصوت للحزب الذي تعرض لهجمات وحملات شرسة من عدة أطراف، مع ذلك يوصي على الدوام أنصاره وأعضاءه، بالإبتعاد عن العنف والتشدد وبضبط النفس والالتزام بالسلوك الإنساني الحضاري والمدني.
 


6
المحكمة الإتحادية وتركمان كوردستان
  صبحي ساله يي
   خلال انتخابات برلمان كوردستان في أيلول 2018 فازالحزب الديمقراطي الكوردستاني ( البارتي) بالأكثرية، وكان ذلك أمراً متوقعاً بالنسبة للكوردستانيين، وكذلك للآخرين الذين يراقبون وضع الإقليم، فمسيرته الطويلة وإنجازاته التي إرتكزت على الأولويات المهمة، وإنتهاجه مساراً حكيماً في التعامل مع مختلف الأطياف من قوميات وإثنيات تعيش على أرض كوردستان، منحوه الأحقية في قيادة الإقليم ورسم سياسته ورعاية مصالحه، ودفعت الناخب الكوردستاني لأختياره والتصويت له.
   أما الأحزاب الأخرى التي حصلت على مقاعد أقل من توقعاتها، أو بالأحرى التي تراجعت ونالت ما تسحق من مقاعد برلمانية، فقد بادرت في إلقاء اللوم على قانون ومفوضية إنتخابات الإقليم وساهمت بعضها في تبليد الاجواء والتخندق خلف ستار التضليل والتشويه والتشبث بأفكار عفا عليها الزمن، كي تستغلها كذريعة للمطالبة بإمتيازات خاصة وصلت بعضها الى درجة المستحيل في ظل القانون. وخلال الدورة البرلمانية الخامسة التي بدأت في 2018 وإستمرت لغاية 2023، طالبت بعض الأحزاب بتعديل قانون الإنتخابات، ووصفت القانون الانتخابي بأنه :  (قديم جداً وفقد روحه، ولم يعد نافعاً في الوقت الحالي، ولا يتناسب مع متغيرات الحياة السياسية)، على الرغم من تعديله من قبل برلمان كوردستان،  ووصفه من قبل فقهاء القانون بأنه قانون مكتمل ليس فيه أي ثغرات قانونية.
   مع ذلك جرت مداولات ومناقشات مستفيضة وتوافقات وطنية وسياسية لإعادة النظر في القانون المذكور وتعديله، ولكن وجود النوايا المبيتة التي كانت تهدف الى تأخير الحسم فيه الى حين إنتهاء الدورة البرلمانية، ومحاولات إغتيال الحقيقة خوفاً من النتائج المتوقعة في ظل أزمة المصداقية والانهيار التي كانت تعيشها بعض الأحزاب نتيجة لأخطائها الفادحة التي إقترفتها. حالت دون ذلك، وبقي القانون مركوناً على رفوف البرلمان الكوردستاني لنحو سنتين كاملتين. ولم يتم إجراء الإنتخابات في موعدها الدستوري. وهذا ما حدى برئاسة الإقليم الى تأجيل موعد الإنتخابات لعام كامل وتحديد موعد جديد. وخلال ذلك، لم يحاول بعضهم التعاطي مع التحديات القائمة بحكمة لحين إنتهاء العواصف، وطرحوا مطالب لا تخلو من التراجع الى الوراء في المجالات التي تتعلق بمبادئ الديموقراطية والحقوق المدنية والحريات العامة والاستحقاق المكوناتي في سبيل إستثمار المواقف سياسياً وشعبياً، ورفعوا سقف مطالبهم عالياً على غرار دعوتهم الى طاولة المشاورات في مسارات معينة كانت من أولوياتها، إعاقة إجراء الإنتخابات بكل الوسائل، وبعثرة أصوات البارتي والعصف بحقوق المكونات التركمانية والمسيحية والبحث عن تصورات جديدة لتقليل عدد مقاعدهم في الكوتا، أو توزيعها على الجغرافيا الكوردستانية.
   وعوضاً عن تناول الأمور بوعي ورؤية واقعية واضحة، والتصرف بعقلانية، وتهرباً من مأزق الانتخابات، وتغطية للخلافات الناشبة بين صفوفهم، لجأ البعض الى المحكمة الإتحادية لتسجيل دعاوي تتعلق بالكوتا وقانون الإنتخابات، ظناً منهم (وبعض الظن إثم) أن المحكمة ستنصرهم ما دام الطرف الآخر هو البارتي.
   المحكمة الإتحادية أجلت إصدار الحكم بهذا الشأن لعدة مرات، ومن المقرر أن تعقد جلسة جديدة حول الموضوع في يوم  5 - 11 -  2023 لتحسم الجدل والسجال. وإذا قررت رد الدعوة، وهذا هو المتوقع لأنها على علم بأن الإقليم والعراق والمنطقة برمتها تعيش على صفيح ساخن وفي ظروف مليئة بالهموم والتنازع والتعقيد ولا تريد أن تصب الزيت على النار، سيتم إجراء الانتخابات التشريعية المزمعة في 25 من شهر شباط المقبل وفق القانون النافذ دون توترات، أما إذا حكمت لصالح المشتكي الذي يطالب بإلغاء التعديلات وإعادة القانون إلى  نسخته الأصلية، عندها تتحمل مساءلة التاريخ، وستجرى الإنتخابات وفقا لقانون المجلس الوطني الكوردستاني لعام 1992، ويحرم تركمان كوردستان من المشاركة في البرلمان . 
   والمفارقة المضحكة المبكية هنا هي أن الذين رفضوا القانون الحالي، المعدل ست مرات بالإعتماد على الشرعية القانونية والبرلمانية، ووصفوه بالقديم الفاقد للروح وغير المناسب مع متغيرات الحياة السياسية، سيتعاملون مع قانون قديم شرع في 1992 من قبل الجبهة الكوردستانية بالإستناد على الشرعية الثورية، قانون لايحتوي على وجود الكوتا للتركمان،   ويحرم الأحزاب التي لا تفوز بأكثر من 7% من المقاعد من المشاركة في البرلمان، وهذا يعني أننا ( ربما) نجد برلماناً بدون التركمان والأحزاب الإسلامية والأحزاب الصغيرة التي تضيف الثقة والجمالية للمشهد السياسي والبرلماني في الإقليم.
 


7

الكورد والسنة أمهلوا الحكومة،
والحكومة أهملت مطالبهم
صبحي ساله يي
    بعدما تسلم محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة في العراق، أطلق الكثير من الوعود للجميع، وتعهد بإنجازها خلال مدة أقصاها عام واحد، كما تحدث الكثير من المسؤولين السياسيين والحكوميين والنواب الإطاريين عن الإرادة والعزم وتجاوز السلبيات وفتح صفحات جديدة لتمتين العلاقات والوصول الى تفاهمات حول مختلف القضايا بين أربيل وبغداد وبين العراقيين عموماً، والبعض منهم، إستعار تعابيرعجيبة وغريبة من أجل تمجيد الجهود المبذولة لتشكيل الحكومة. لذلك إعتقد البعض (سهواً) أن العلاقات السياسية بين المشتركين في ائتلاف إدارة‌ الدولة ستكون طبيعية وراسخة في شتى الاتجاهات والميادين، وسيتمكنون من إجراء عمليات تغيير جذرية على القيم والافکار السلبية التي کانت سائدة في ما قبل، وأن العراقيين سيدخلون مرحلة تلقف الفرص للتطور وإرساء ركائز الإستقرار، وأن الفاعلين السياسيين سيركزون على بناء جسور الثقة بينهم ويسهمون في إنهاء معاناتهم، وسيعيدون النظر في السياسات المتبعة، تجاه السلاح المنفلت وأمريكا والتوغل الإيراني والتركي في أراضي إقليم كوردستان وخرق سيادة العراق، وسيتحركون بنشاط في سبيل الوصول الى تفاهمات وإتفاقات مع أنقرة وطهران، ويرسخون الشعور بالثقة في النفس أكثر من أي وقت مضى. ولكن ذهب إعتقادهم أدراج الرياح، لأنهم ، رغم مرور عام على تشكيل حكومة السوداني، يستطيعون رصد مجموعة من تقديرات ومواقف سياسية وإعتراضات علنية وأخرى صامتة، تسهم في رفع منسوب التفرقة والإرباك والارتباك والغضب بين أوساط الرأي العام، وما زالوا يعانون من الفوضى والإنقسام، ومن الفجوات العميقة وضيق الأفق والتقصير والإنتقائية في تنفيذ الدستور، وهدر الجهود وغياب الوعي والخطاب السياسي الجامع، بل يدركون أن البعض من الجهات المشاركة في الحكومة إبتعدت عن الحنكة السياسية، ولا تأخذ في الحسبان الظروف والأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية وتصاعد المشكلات، وتفتح ملفات محيرة بجرة قلم متهورة، دون الاستفادة من التاريخ القريب الذي يحفل بدروس طوقت أعناق الجميع.
   البعض الآخر يعتبر تلك التصرفات مغامرات مشكوكة فيها تشير الى عدم الاكتراث بهموم الناس ومآساتهم، وتعبيراً عن عقليات متكلسة لا يهمها سوى تحقيق مصالح حزبية او فئوية أو مذهبية ضيقة تتعارض مع المصالح العامة. ويتحدث بيقين مطلق عن وجود مؤامرة مكتملة الإركان في الداخل ومكملة للمؤامرات الخارجية، تحاول عن قصد تغذية المزاعم والافتراءات بحق الشركاء في الحكومة والوطن للفت الانتباه ولمحاولة التحلل من عبء الأخطاء وتراكماتها، وتريد جرالجميع نحو صراعات تصب في خانة التخلص من المتنافسين على المواقع والمناصب والمكاسب المادية. وبسبب تعنت وسياسات بعض الجهات، وبعد مضي عام على تشكيل حكومة السوداني، لم تطبق أي من النقاط المتفق عليها بين الكورد الإطار التنسيقي والسنة والإطار، وما حصل عليه الكورد يمكن إختصاره في (تخفيف تعرضه للهجمات والاتهامات الشرسة والهجمات الصاروخية التي كانت تطلق ضده)، وهنا نؤكد على كلمة تخفيف وليس إنتهاء. وكذلك الحال بالنسبة لتحالف السيادة السني. والطرفان يشاهدان بوضوح النكث والتسويف والتهرب والتنصل من الوعود التي قطعت لهم قبل تشكيل الحكومة، رغم أنهم إستجابوا أكثر من مرة لطلبات السوداني بالانتظار والإمهال، وتجنب التصعيد أو الدخول في المناكفات الإعلامية مع مثيري الفوضى، و(ربما) مازالوا يعتقدون أن السوداني والعقلاء من قادة الإطار لديهم نية جادة لتطبيق فقرات ورقة الاتفاق السياسي. ويريدون تنفيذ شروطهم لكونها حقوق وواجبات، وإنهم (أي قادة الإطار والسوداني) يعرفون أكثر من غيرهم أن توقيت تنفيذ الورقة ليس مفتوحاً، وأن عدم تنفيذ تلك الفقرات وتسويف بعضها لفترة أطول، بسبب ضغوط تمارسها أطراف خارجية وأطراف قريبة من السوداني، سيدفع الكورد والسنة إلى إتخاذ مواقف سياسية تهدد إستمرار ائتلاف إدارة الدولة وإستقرارالحكومة، وترفع عنها الغطاء البرلماني والدعم السياسي، وهذا الأمر يخشى منه السوداني وبعض الإطاريين، خاصة وأن تصريحات ودعوات البارتي وتحالف السيادة المطالبة بتنفيذ ورقة الإتفاق السياسي التي تم توقيعها خلال مفاوضات تشكيل حكومة السوداني تجابه بردود فعل حادة من قادة مليشيات مسلحة وأعضاء في أحزاب وقوى رافضة للوعود التي قطعت لهم.
 


8
الإستفتاء والذين إنحنوا لغير الله
صبحي ساله يي
  خلال فترة الإعداد لإجراء الإستفتاء في أيلول 2017 في كوردستان، إدعى الكثير من السياسيين وأشباههم، ومن الذين لم يسبق لهم أن تشرفوا بحمل سلاح الثورة الكوردستانية أو رموا حجر ضد أعداء الكورد، أو تصدوا بكلمة حق واحدة لصالح الكورد وكوردستان، إدعوا البطولة والوطنية ونشروا وأصدروا ما شاؤا من بيانات وتصريحات تفاخروا فيها بأنهم مع الإستفتاء وحق تقريرالمصير، ومن مؤيدي وأصدقاء الرئيس مسعود بارزاني وكانوا يعرضون صورهم معه خلال اللقاءات الشخصية والإجتماعات والكرنفالات الجماهيرية، وحتى البعض منهم لجأ الى الفوتوشوب ليظهر نفسه في صورة مزيفة مع الرئيس بارزاني للإفتخار أمام أهله وأصدقائه أو للاستقواء على رفاقه في الحزب والإستحوازعلى تمثيلهم السياسي، ولكن بعد تعرض الإقليم لأزمات ما بعد الإستفتاء، وعندما تبين أن الاتفاق بين أربيل وبغداد ليس سهلاً بسبب النقاط الخلافية والكثير من القضايا المفتعلة من قبل بغداد وبحثها الدائم عن قضايا تثير التجييش والاستنفار والتحريض والكراهية ضد الكورد، وتقديمها لمطالب وشروط مستحيلة. وبعد رصد الخسائر الكوردستانية المترتبة على تراجع الدعم والتأييد الدوليين للنظام القائم في إقليم كوردستان، إستنفر بعضهم مع الكثير من المنتمين للأحزاب الباهتة وللتجمعات الشبيهة بالأحزاب التي تقاد من قبل أشباه سياسيين في كوردستان، وهم مدفوعين برغبات ذاتية، أو بتحريض ووعود وإغراءات من ميليشيات بغداد وأطراف خارجية أخرى وخصوصاً أنقرة وطهران، فإنتقدوا وهاجموا رئاسة وحكومة وبرلمان كوردستان، وفي سعي ساذج للحفاظ على أوضاعهم المريحة، ولكسب مصداقية مزيفة وشرعية وهمية، بحثوا عن مواقع ومكاسب هنا وهناك ولم يتورع بعضهم في إطلاق الشائعات والأكاذيب حول مستقبل الإقليم وتهديد استقراره وأمنه. كما لعبوا أدوأرا خبيثة وتضليلية ساهمت في تأجيج التضليل والتزييف وقلب الحقائق والصراع بين أربيل وبغداد وبين الكوردستانيين، وتجرؤا على قادة الإستفتاء وركبوا موجة ما تسمى (المعارضة)، والبعض منهم وبخطوات فاشلة سعوا الى الوصول للسلطة من خلال الدعوة الى حكومة الانقاذ الوطني تارة، والاستقالة من البرلمان والحكومة تارة أخرى، وتبرئة أنفسهم من المسؤولية والتنظير لعهد جديد. وربما، خوفاً من إتهامات بالتخوين أو طمعاً في الحصول على منصب أو تماهياً مع رغبات الأعداء، إدعوا إنهم كانوا يعلمون بأن الإستفتاء، غلطة، بل وتبجح بعضهم بالقول إنه عارض إجراء الاستفتاء، لعدم توفر الأرضية الملائمة، ونصح القيادة الكوردستانية بهذا وذاك ولم تسمع كلامه، ولو سمعوا كلامه لكانت الأمورمختلفة وعلى غير وضعها الحالي.
  هؤلاء إنحنوا أمام التافهين، وصدرت عنهم سلوكيات غريبة وعجيبة، وتصريحات تهدف لخلق الفتن، وساهموا في إرباك التجربة الديمقراطية، ومهّدوا دعائياً وتعبوياً وسياسياً، لحكم البلاد بالتسويف وسياسات الأمرالواقع وقرارات إرتجالية وقضائية أحادية خارجة عن الدستور، وأيّدوا مخرجاتها، وظنوا أنّهم بتأييدهم للمسار المعادي للإقليم وبراءتهم من الإستفتاء الشعبي، ستتعزّز شعبيّتهم، وسيفوزون بمقاعد كثيرة في الإنتخابات، ولكن تبيّن لاحقا أنّ حساباتهم  الصبيانية في الحقل كانت خاطئة، وذهبت أحلامهم الوردية في البيدر أدْراج الرياح، وثمّ عادوا بأيدى لا شيء فيها.
  مع ذلك ظل الرهان يداهمهم على أن الشعب طيب القلب وسريع النسيان، ولن يتذَكرَ ماضيهم، وظنوا أن حضورهم المستمر في المشهد السياسي والإعلامي يؤهلم لتولي زمام الامور أو بعضها، ويساعدهم في تبييض ماضيهم وتضخيم أنفسهم وتعظيم أدوارهم، ومحو ذاكرة الكوردستانيين وتضليلهم بماكينة إعلامية قوية من فضائيات وإذاعات ووسائط تواصل اجتماعي وبخطابات وبيانات ومقالات مدفوعة الثمن من المال الحرام. ولكن تم عزلهم وتهميشهم ويقفون الآن عراة لا يملكون ما يسترون فيه حقيقة فشلهم وينظر اليهم الكثيرون بنظرات إحتقار.
وفي المقابل كان هناك أناس كانت لهم مواقف وطنية واضحة تجاه الإستفتاء ونتائجه وتداعياته،  وإستمروا على مواقفهم ونهجهم وإبراز الإيجابيات دون مبالغة، ولم يغيروا إنتماءاتهم وولاءاتهم وتفاعلوا بإنصاف مع الأحداث والمتغيرات ورفضوا الانحاء لغير الله، وأدرجت أسمائهم على لائحة المتفائلين، ومازالوا يسيرون بخطى صحيحة وثابتة، ويفكون الألغاز المتراكمة، ويرون أن المراجعة الشاملة لرصد أخطاء الماضي فريضة واجبة، ويتدخلون في الأوقات المناسبة للإشادة بالإستفتاء، وحثّ الكوردستانيين على تحمل الأزمات، ويشاركون في البحث عن الآليات التي يمكن من خلالها تجاوز التحديات في المستقبل القريب، بإعتبار أن الأمورغير قاتمة بالمطلق، وأن لا وجود لمشكلة مهما كانت معقدة دون حل حاسم، وبأن ثمة انفراجاً سوف يحدث في البلاد قريباً أنشأ الله.
 


9
كل عام وصوت كوردستان بخير
صبحي ساله يي
ما حدث في العراق بعد إنحراف ثورة تموز 1958 عن سبيلها الصحيح، كان خسارة صعبة ومعقدة للوطن والشعب وبالذات للكوردستانيين الذين حاولوا تعويض تلك الخسارة وتطييب جراحاتها العميقة، بأرادة وروح وطنية صادقة وقوية، ولكن ومع الأسف، كان تأثيرات القوى السيئة والمدسوسة وعدم أنضباطها بالدستور والقوانين أقوى بكثير من قوى الخير، لذلك تم خلط السم مع العسل لتقديمه لعبدالكريم قاسم دون أن يشعر بذلك.
كثرت علامات الإستفهام وتعكرت العلاقات الكوردية مع الزعيم قاسم، والأخطر من ذلك هو أن السلطات في بغداد أرغمت الكوردستانيين بالمضايقات والصعوبات وزرع الخوف واليأس على حمل السلاح للدفاع عن النفس بعزيمة واعدة، والإنطلاق بثورة مضيئة حققت الكثير من النجاحات، وأرغمت حكومة البعث على الإعتراف بالحكم الذاتي للكورد في 1970.
خلال عهد الثورة ، وفي 28أيلول 1963، إنطلقت إذاعة صوت كوردستان التي تعد المدرسة الإعلامية الكوردستانية العريقة والتي كان تأسيسها بتوجيه من البارزاني الخالد وقيادة ثورة أيلول التحررية وذلك لأيصال صوت الثورة الى الشعب الكوردي وصوت الكورد الى العالم.
وفي ظل واقع صعب وقاسي، وفي ظل ظروف دولية كانت لصالح الحكام على حساب الشعوب، ولصالح المصالح على المباديء والقيم والاعراف الانسانية والسماوية، أصبحت تلك الاذاعة صوتاً هادراً للبيشمركه الرابضين في سهول و روابي وجبال كوردستان، صوتاً للعمال والفلاحين والطلبة والمثقفين ،ولعموم الكورد والعراقيين الذين تعرضوا لشتى أنواع التعذيب في سجون الحكومات العراقية المتتالية، صوتاً لإناس عاهدوا الله والوطن وأرواح الشهداء، أن يظلوا من جهة أشواكاً في عيون أعداء الإنسانية، ويكونوا لهم بالمرصاد في ساحات الوغى ومن جهة أخرى يناضلوا من أجل الحياة ونشر أجواء السلام والمحبة والمودة والأمان والأطمئنان.
لقد حظيت هذه الاذاعة، ومنذ البداية عهدها، بالعشق الاسطوري للعاملين فيها، والذين ضحوا بكافة ملذات الحياة في المدن، وفي أوقات كانت تحرق أرض كوردستان بقنابل النابالم و الفسفور والاسلحة المحرّمة دولياً، إستطاعت إشباع رغبات المستمعين في كافة أجزاء كوردستان، ونشر النهج التربوي الأخلاقي للثورة الكوردية، وترسيخ الفكر الديمقراطي، وفضح أساليب النظم الوحشية الحاكمة في بغداد وممارساتها القمعية ضد الشعب الكوردي التواق للحرية والكرامة الإنسانية. كما نجحت في رفع عزيمة ومعنويات البيشمركه لصد الهجمات الشرسة لجيوش وجحوش السلطات الباغية، وأوقدت بصوتها الجياش أوار المقاومة والصمود والثورة ووجهت مسيرة النضال نحو النصر، ورافقت مختلف مراحل النضال لشعب كوردستان والعراقيين الاحرار الذين لجؤا الى المناطق المحررة في كوردستان هرباً من تعسف الحكومات، وحباً للحرية والانعتاق، وأدت رسالتها الإعلامية الثورية النضالية الإيجابية الفاعلة والصادقة بأمانة وإخلاص ووفاء وإتقان ..
واليوم ، يمكننا القول أن إذاعة صوت كوردستان لاتزال شامخة كشموخ جبالنا الشماء، وتحافظ على ثقلها الإعلامي وتؤدي رسالتها القومية والوطنية بكل مصداقية وواقعية وبمهنية صحفية رائعة من خلال برامجها المتنوعة المختلفة، وتضحي وتناضل وتكفاح من أجل إيصال كلمة الحق إلى مستمعيها، وتعتبر الظهير القوي للمؤسسات الحكومية الرسمية في إقليمنا الناهض، والتي تعمل من أجل بناء الإنسان الكوردستاني الحر الصادق والوطن المستقل وتدير شؤون البلاد والعباد وفق القانون، وما زالت تعتبر الصوت الحقيقي المعبرعن طموح الشعب الكوردستاني بكل أطيافه وقومياته ومذاهبه، والمدافع الأمين عن آمال ورغبات المواطنين ومطالبهم المشروعة وعن حقوقهم وحرياتهم العامة والخاصة، وعن الحياة الديمقراطية الحرة السعيدة في المجتمع الكوردستاني.
في هذه المناسبة العزيزة على قلوب الملايين من الكوردستانيين، لا يسعنا إلا أن نحيي بإجلال أرواح شهداء الحركة التحررية الكوردستانية، وأرواح كل الخيرين من اولئك المناضلين الذين عملوا في تلك الاذاعة، والذين ببنادقهم وأقلامهم وأصواتهم دافعوا عن أسمى ما نملك، وأوصلوا الرسالة المقدسة لثورة ايلول، ونهنيء مديرها الأخ العزيز عبد الرزاق علي، وكافة العاملين فيها ونشد على أيديهم ونتمنى لهم ولإذاعتنا الحبيبة العمر المديد والنجاح والتوفيق.


10
في ذكرى العبور نحو البقاء
صبحي ساله يي
   بعد تغيير النظام في العراق، عمل الكورد بجد لبناء عراق جديد، وشاركوا بفاعلية في صياغة دستور يضمن ويحمي حقوقهم وحقوق جميع العراقيين. وظنوا أن السلوكيات والممارسات المتخلفة والإتهامات والمزايدات المهيجة والمستفزة ستختفي من القاموس السياسي والإعلامي العراقي بشأن مجمل الإستحقاقات الكوردستانية، لكنهم تفاجأوا بإستمرارها، بل وزيادتها بوتائر كبيرة وسريعة عبر سياسات مذهبية وشوفينية ونعرات قومية جديدة تجسدت في الإنقلاب على الشراكة، والإلتفاف على الدستور ومخالفته، وتخطي وتجاوز الاتفاقيات السياسية، ومحاولة إغتصاب حقوق الكورد المتعارف عليها، وثني عزيمتهم والضغط عليهم بممارسات تحمل الغل والعداء لإقليمهم وتأريخهم.
   وبعد سنوات عجاف، إحتدم الصراع بين إقليمهم والحكومة الإتحادية، وإنتقل الخلاف، الى مراحل حرجة ومستويات خطرة، والى تضارب المصالح، ولكن حكمة وذكاء القيادة السياسية الكوردستانية وتحليها بالعقلانية والصبر، بددت المخاوف وأنعشت الامال، وإتجهت الجهود نحو البحث عن حلول للمشكلات. وبدأت بإزاحة نوري المالكي عن السلطة، وتشكيل حكومة عراقية جديدة برئاسة حيدر العبادي. شارك الكوردستانيون فيها، وتم التوقيع على إتفاقات حظيت بترحيب واسع من أطراف وطنية وإقليمية ودولية، إتفاقات تفتح الطريق للبدء بوضع حلول عادلة للقضايا العالقة بين أربيل وبغداد، ولمد جسور الثقة بين الطرفين بعد سنوات من الشكوك والخلافات، وردم هوة الانقسام ومعالجة الأخطاء، والدفع باتجاه توحيد الصفوف من اجل التفرغ للمعركة المصيرية ضد داعش الإرهابي وإبعاد البلاد عن الكوارث.
   ولكن للأسف الشديد، عاد الحكام في بغداد، مرة أخرى، الى عاداتهم القديمة وبدلاً عن السعي في سبيل التلاشي التدريجي للأفكار السلبية وقصصها المأساوية في كل المجالات والصور المقولبة لها في أذهان الكوردستانيين، لجأوا الى إجراءات إستفزازية وغير دستورية وغير قانونية والى التهديد والترهيب، وحاولوا تكرار الماضي الأليم، تارة بدعم المعادين للكوردستانيين وتارة بقطع أرزاقهم وتارة أخرى بمحاولة تفتيت صفوفهم وقولبة كيانهم الدستوري. 
   كانت لتلك المواقف والاجراءات وقع الصاعقة على الكوردستانيين، وجعلتهم يشعرون بعمق المأساة ومرارة التعايش مع أناس لايؤمنون بالتعايش السلمي. وفرضت عليهم الإلتفات الى أن الخطر الذي كان يهددهم منذ بداية تأسيس الدولة العراقية مازال قائماً، وأن الثقافة العدائية تجاههم متأصلة في النفوس المريضة، كما إستوجبت إعادة النظر في علاقاتهم مع الآخرين، وفرضت عليهم عدم التغاضي عما قيل من تصريحات وما أعلن من مواقف وما جرت من أحداث، والتوقف لبحث العلاقات بين مكونات بلد كان تأسيسه مبنياً على إفتراضات خاطئة.
   وعندما قرر الكوردستانيون العبور نحو البقاء وإجراء الاستفتاء في الـ 25 من أيلول 2017، للتعبير عن رأيهم ورغبتهم في تقرير مصيرهم، في أروع تظاهرة سلمية ديموقراطية شهدتها المنطقة، وأوصلوا أصواتهم الى أسماع العالم وحققوا واحداً من أكبر الانجازات الوطنية والقومية. أهاج روح العصبية القومية والكراهية المذهبية والشوفينية عند المتناحرين والمتنافرين فيما بينهم والمتحدين ضد التطلعات الكوردستانية، وأعادهم الى حقدهم الاعمى الذي هو الأساس في تعاملهم مع الكورد والقضية الكوردية، وراحوا يصبون جام حقدهم الأعمى وبغضهم المسموم على الموقعين على قرار إجراء الإستفتاء والمتجهين نحو صناديق الإقتراع ، وإنقلبت المعادلة في نفوس الذين تسري في عروقهم الجهل والغباء، والذين لم يستفيدوا من تجارب الماضي وآلام الحاضر والتخوفات من المستقبل، بل من التاريخ كله.
   اتخذت الحكومة العراقية وبرلمان بغداد، خطوات كثيرة لتعطيل ذلك المسار المنسجم مع الدستور العراقي، وتجاهلت الحقائق وممارست أساليب عنصرية بشعة وخبيثة للنيل من وجود وإرادة الكورد، وقد كانت لتلك الخطوات تداعيات سلبية أكبر وأخطر من تداعيات إجراء الاستفتاء نفسها وخلقت شروخاً جديدة وكبيرة بين الكورد والعرب وعلى جميع المستويات الرسمية والشعبية. وفي ظل الصمت الدولي المخزي المتعارض مع كل مبادئ حقوق الانسان، تعرض الكوردستانيون للتآمر العنصري المحلي والاقليمي النتن، وتم اجتياح 51% من أراضيهم من قبل الذين لايؤمنون بأي حق ديمقراطي ولايعترفون بالوسائل السلمية للتعبير عن الرأي.
  حكومة إقليم كوردستان، حقناً للدماء إختارت عدم اللجوء الى القوة، وقررت تجميد نتائج الإستفتاء، ولم تلغها لأنها لا تستطيع فعل ذلك، كما قررت إستمرار التواصل والحوار والتفاهم مع بغداد، ولكن من في بغداد الآن، مع يقينهم التام بأن نتيجة الاستفتاء وإنتصاره الساحق قد دخل التأريخ من أوسع أبوابه كوثيقة قانونية لا يمكن بأي حال من الاحوال التنازل عنها أو الغاؤها فإنهم ما زالوا يتعنتون ويريدون فرض آرائهم الخاطئة وعرقلة تنفيذ الدستور
   هؤلاء لايفهمون حقائق الأمور الواضحة والصريحة، وربما لا يريدون قراءة الأمر الواقع ومواجهة المرحلة حسب وجهة نظر منطقية ومعالجة مشكلة قديمة بعمر الدولة العراقية. لذلك مازالوا يحاولون العودة إلى الوراء، وما زلنا نسمع منهم كل يوم شعارات جوفاء ومزايدات سياسية رخيصة لتأجيج الفتن، وما شاهدناه خلال مناقشة قانون الموازنة قبل أشهر، وما نشاهده من التسويف والتهرب من دفع رواتب ومستحقات موظفي وفلاحي كوردستان خير دليل على عدم تشخيص الأخطاء والنواقص ومكامن الخلل وعدم وضع الأصبع على الجرح لدرء المخاطر وتحمل المسؤولية بأعذار متضاربة.
---------
ملاحظة ( كوردستان ، العبور نحو البقاء) عنوان كتاب قيّم للكاتب والصحفي بختيار شاخي، صدر في الذكرى الثانية للإستفتاء، يضم أكثر من 700 صفحة من الحجم الكبير، تشرفت بمراجعته قبل طبعه باللغة العربية.
 


11
الشرطي وآمره ، ومعاقبة الكورد
صبحي ساله يي
  لا يختلف إثنان على أن الإستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي الحالي في العراق مؤقت ومخادع وهش ومعرض للإنهيار في أية لحظة، بسبب الانقسامات الداخلية والبينية، وعدم الثقة السائدة بين الساسة العراقيين، وقائمة التهديدات الطويلة، وأطماع الآخرين ورغباتهم في الهيمنة والتدخل في شؤونه، وإشعال الفتن والصراعات فيما بين العراقيين. وبسبب محاصرة الحكومة الحالية من قبل الذين يعتبرون أنفسهم أعلى وأهم منها ومن الدستور، وبسبب أصحاب السلاح المنفلت والميليشيات التي تتلقى الأوامر من خارج الحدود وتمنع رئيسها من تنفيذ إلتزاماته القانونية وتعهداته دون أن يعرفوا أن الخروج عن الدستور والقانون والتعهدات والإتفاقات الموقعة والمعلنة في البرلمان العراقي هو خطأ استراتيجي، ومطلب يتمناه أعداء العراق والعراقيين، بل انتحار سياسي بطيء.
الجميع في توجس وفي إنتظار تغيير يعيد المياه الى مجاريها الطبيعية، والحصول على إجابات للأسئلة التي تتبادر الى الاذهان، ومعرفة مواقعهم من المستجدات السياسية ومواقف الأحزاب السياسية الرئيسية من الأزمات، واستعداداتها لمواجهة المحن وتجنب الكوارث والتكيف مع الأحداث بعقلانية مطلقة، وقطع الطريق أمام كل من يحاول أن يمزق النسيج الإجتماعي، ولو استدعى الأمر تقديم بعض التنازلات لهذا الطرف أو ذاك حفاظاً على السلم الأهلي، لأن بعض التنازل في أيام المحن والمصائب تعقل وحرص وحكمة.
الأحاديث والمواقف التي طفت على السطح في الآونة الآخيرة بشأن ما حدث في كركوك وبسبب الإستحقاقات الدستورية والقانونية الكوردستانية في بغداد، ومراهنات ومهاترات بعض السياسيين السذج على كسب أصوات الناخبين في الإنتخابات المقبلة، والتفسيرات المختلفة لبنود الدستور وفقرات قانون الموازنة الفدرالية والتعنت في تأخير تسديد رواتب موظفي إقليم كوردستان، عبر شروط جديدة وكثيرة تعلن كل يوم إرضاءاً للمعادين للكورد، أعادت الى ذاكرتي قصة آمر مفرزة في شرطة المرور، كان يراقب أداء رجال المفرزة من بعيد.
أراد آمر المفرزة أن يسجل غرامة نقدية على سائق سيارة يكن له الحقد والعداء. حيث أنه وبمجرد توقف السائق، وبإشارة مقصودة وسريعة منه، فهم المنتسب (أي الشرطي) ، أن سيده يريد كتابة غرامة نقدية ضد السائق.
طلب الشرطي من السائق رخصة القيادة وبطاقة تسجيل السيارة لدى دائرة المرور، فأخرجهما وتأريخ نفاذهما ما زال بعيداً، ولا غش أو غبار عليهما.
فطلب الشرطي مطفأة الحريق والمثلث الفسفوري ، فمد السائق يده وأخرجهما.
بعدها طلب الشرطي من السائق إشعال الإنارات الأمامية والخلفية، وإشارات الإستدارة يميناً ويساراً، وضياء الضباب والسير نحو الوراء، فشاهدها تعمل دون نقص، داخ الشرطي ووقع في حيرة من أمره، فطلب من السائق ركن سيارته جانباً ريثما يذهب الى سيده، آخذاً معه رخصة القيادة، فقال لسيده : سيدي لم أجد عذراً لأكتب على هذا السائق غرامة معقولة، فقال الآمر: يا أحمق أطلب منه أن يغني لك نشيداً وطنياً، وأن عرف الغناء وحفظ الكلمات واللحن، فاكتب له غرامة بسبب رداءة صوته.
وأخيراً نقول : شروط وطلبات بعض الفاعلين السياسيين في بغداد من الكورد ، لا تنتهي لأن الآمر الخارجي يريد معاقبة الكوردي .
 


12
المنبر الحر / كرة النار في كركوك
« في: 11:09 05/09/2023  »
كرة النار في كركوك
صبحي ساله يي
في يوم تعيس، وبالذات في 4/10/ 2008 إستقبل السيد نوري المالكي/ رئيس حكومة العراق الفدرالي، عدداً من وجهاء ورؤساء عشائر محافظة كركوك، وقال لهم : (يجب أن تكون الحلول المتعلقة بمدينة كركوك خارج إطار القانون والدستور والمادة 140).
ذلك الكلام غير المسؤول من مسؤول من المفروض أن يكون حريصاً على تنفيذ الدستور، فاقم الانقسامات السياسية والقومية في كركوك، ودفع المواطن الكركوكي الى التشاؤم بشأن حلّ الأزمات التي يعاني منها وبخلق الفرص المتكاقئة أمامه والتوصل إلى اتفاق لتنفيذ الدستور، والتوصل الى يقين بأن الضغوط التي تمارس على الطبقة السياسية، الرافضة للتنازل عن إمتيازاتها ومصالحا وإرتباطاتها الخارجية وغير المستعدة لإيجاد طريقة معقولة للخروج من المآزق الطويلة الأمد في كركوك، لا تخرج عن نطاق التلوّيح والمجاملة وسوق التبريرات السياسية التي كثرت وتعفنت، وأن الخلافات ستبقى في سبيل إحتجاز مدينته كرهينة دون مساءلة أو خشية من مواجهة العدالة.
 أما الذي جاء بعده بالصدفة، أقصد حيدر العبادي، وبعد خرقه للدستور والقانون في 16/ إكتوبر 2017، فقد غض الطرف عن جرائم الهدم والحرق والنسف والإغتيال والاختطاف والتعذيب والتهجير والترهيب والتعريب، وعن الكثير من الانتهاكات الصارخة المنافية للمبادئ الأساسية للقانون والدستور والمعايير الاخلاقية، وإكتفى بإطلاق وعود وتعهدات جوفاء بمعاقبة الجناة، دون أي خطوات على أرض الواقع، ولأن الضالين في عهده كانوا يتمتعون بالحصانة المطلقة، أصبح الإفلات من العقاب سمة من سمات الوضع السياسي والإداري والأمني المفروض على كركوك .
بعد الاتفاق على تشكيل حكومة السوداني كان لا بد من اللجوء إلى استخدام آليات بديلة ومحايدة للتخفيف من معاناة الكركوكيين والإطاحة بالذين يتصرفون أو يدعمون التحركات التي تمنع وتعثر أو تقوض وتربك تنفيذ الدستور. ولكن دون أي إجراءات قانونية أو دستورية ودون مناصرة الحق، مارس بعضهم الظهور بمظهر الشوفيني والعنصري المتبجح الذي يتفوق على غيره من الشوفينيين وحاول كسب أصواتهم والظهور بمظهر المدافع عنهم، ولأنهم، أي الشوفينيون، يدركون أنهم لا يمتلكون الحق الكافي لهزيمة إرادة الكورد أو حتى المساس بها، أخذوا يلعبون على وتر المتناقضات المحلية والإقليمية ويستغلون إستمرار الكورد في لعب دور الطرف الحريص الذي يحترم مصالح الجميع وينصاع لرغبات الساعين للوئام. فقد زجوا ببعض الغوغائيين المسلحين في إعتصام مدفوع الثمن أمام مقر قيادة كركوك للبارتي، وبعد أيام من الفوضى إنتهى الاعتصام بعد ان أستشهد عدد من المواطنين الكورد، وتم إعتقال عدد من المتظاهرين السلميين الكورد، أيضاً، ومحاصرة الأحياء والمناطق الكوردية، فقط، بقوات وآليات عسكرية، ودون معاقبة أو أحد من المجرمين المعروفين، أعلنت الحكومة العراقية تشكيل لجنة تحقيقية لكشف ملابسات الحوادث المؤسفة ومعاقبة المسؤولين عنها، علماً أن جميع العراقيين يعرفون أن (تشكيل اللجنة التحقيقية) يعني التسويف والتماطل والتسجيل ضد مجهول.
وإذا أردنا أن نشير الى الوسائل الكفيلة بتصحيح المسار وإنهاء الأزمات المصطنعة والمأساة المتفاقمة التي تزداد سوءاً، كل يوم، لابد من توجيه النقد دون مواربة الى الأحزاب الكوردستانية التي خرجت عن الإجماع الكوردستاني، والى حكومات بغداد المتعاقبة التي مارست دور المتفرج تارة ودور المثير للشغب تارة اخرى والوقوف مع طرف ضد آخر في آحايين كثيرة، ممارسات دفعت الكركوكيين الذين يعانون من كل أشكال القهر والاضطهاد والشعور بالغبن الحكومي غير المبرر، الى الشعور بأنهم غير مشمولون بالمواطنة الحقيقية، وبأن كرة النار في مدينتهم تكبر وقد تنفجر في لحظة لا ينفع بعدها الندم.
 


13
مباحثات أربيل وبغداد ..
وعراق غاب عنها الإستقرارطويلاً
صبحي ساله يي
  المباحثات التي جرت خلال الأشهر السابقة بين بغداد وأربيل، والتي كانت حافلة بجملة موضوعات وقضايا محورية وملفات مهمة مختلفة، كانت عناوين للأخبار و التقارير الإعلامية المتداولة التي تناولت مستقبل العلاقات بين العراق وإقليم كوردستان.
  لندع، جانباً، التصريحات والأخبار والبيانات الرسمية التي صدرت والصخب الإعلامي الذي رافق الإجتماعات، والمراسلين الصحفيين الذين يبحثون عن السبق الصحفي، لأننا على يقين بأن الذي يذاع في الإعلام يختلف كثيراً عن الذي يقال في الإجتماعات المغلقة، وهذا هو نهج السياسة والدبلوماسية في التعامل مع الكثير من الملفات بدواع الحفاظ على السرية والتكتم حتى الإنتهاء من ترتيب الأوراق بشكل رسمي. ولنركز على العموميات الحالية على أرض الواقع في اللحظة التاريخية الراهنة وعلى الفرص المناسبة وغير المناسبة لإعادة هندسة وتوصيف وترسيم علاقات أربيل وبغداد وفقاً للمعطيات الاستراتيجية الراهنة، والتي يراها الكثيرون بأنها قريبة عن فكر وتطلعات العامة من المواطنين في العراق وإقليم كوردستان، ولكنها مرهونة بحسابات إستراتيجية متشابكة، فللعراق وضع استثنائي لم يتغير بشكل جوهري رغم تغيير النظام وتبدل الحكومات، ولم يستطع حتى الآن بناء علاقات متوازنة مع شعب كوردستان وحتى مع دول الجوار، عدى الجارة إيران.  وللكورد حسابات تتعلق بالحاضر والمستقبل بالشكل الذي يحقق لهم مصالحهم وفق الدستور والتفاهمات والتوافقات الجديدة التي تتناسب مع الواقع الجديد في عراق غاب عنه الاستقرارطويلاً. 
بغداد التي لم تنفذ إلتزاماتها وتعهدتها لأربيل، ترى في قرارغرفة تجارة باريس تحولاً كبيراً ونجاحاً وإنجازاً نوعياً مهماً وتريد إستغلالها في إعادة صياغة كاملة لمسيرة العلاقات التي تربطها بأربيل، وبمناوراتها المتعددة وتسويفاتها وتماطلها في تنفيذ الإتفاقات والقوانين والدستور العراقي، تسعى بدقة لكسب المزيد من الوقت من أجل إرضاء المعادين لأربيل وتحقيق أهداف محددة تتحول إلى أوراق ضغط عليه. وتحاول مصادرة حقوق أربيل الدستورية وتشتيت صفوف الأطراف السياسية الكوردستانية وكسرعظم الأطراف السياسية التي تدافع عن كيان الإقليم وقطع أرزاق الكوردستانيين، رغم أن هذا الطرف مشارك في إئتلاف إدارة الدولة التي رشحت السوداني لرئاسة الوزراء، وهذا الموقف يحسب عليها وليس لها لأنها منافية للعقلانية وللخارطة الجيوسياسية. وخلال مفاضلتها بين المبادئ والمصالح تتدبر ما تريد بالعاطفة لا العقل، وتمتلك حججاً وذرائع ومقدمات تسهل لها إثارة موضوع ما والترويج لأفكارها وإعتبارها من الضروريات، والتغاضي عن أفكار تريد تجاهلها بسرعة وتعتبرها سذاجة وباطلاً، دون الإهتمام باللوم الكوردستاني وإنتقادات المراقبين. وهي الآن، على دراية بضائقة اربيل المالية، لذلك تلجأ الى الاستكبار والاستعلاء تارة والى لعبة المقايضات وتحاول استغلال هذه المشكلة لسحب تنازلات من أربيل حول النفط والمادة 140من الدستور والبيشمركه وحصة الإقليم من الموازنة.
وأربيل، التي قالت ذات يوم : ( نعم للإستقلال عن العراق). والتي عليها التزامات وروابط مادية ومعنوية لا يمكن التضحية بها، والتي نجحت في تغيير الصورة النمطية التي إرتبطت بالكورد طويلاً وفي تموضع إقليم كوردستان على خارطة الطاقة الدولية في غضون سنوات قلائل، والتي باتت أحدى مراكز الجذب السياسي والإقتصادي والإستثماري التي تستقطب إهتمام الآخرين، تتفهم جيدا رسائل بغداد وتعلم أن تشكيل اللجان يعني التسويف وعدم حل المشكلات، لذلك نراها الآن منزعجة من سياسات بغداد، وربما قد فقدت الأمل بها كلياً، مع ذلك ما زالت تصارع بذكاء مشهود من أجل البقاء قوية، وتمارس دبلوماسية تتسم بقدرعال من الهدوء والحكمة والكياسة، وترى أنه من الطبيعي للغاية أن تكون لها علاقات طبيعية مع الجميع لترسيخ الأمن والاستقرار والتعايش في منطقة غاب عنها الاستقرار طويلاً..
 


14
البارتي وذكرى تأسيسه
   صبحى ساله يى
  يصادف يوم (16/8/2023) الذكرى الـ77 لتأسيس البارتي (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) ، في وقت كان شعبنا يواجه العديد من التهديدات الخطيرة، ويعيش مرحلة في غاية الصعوبة عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية. في تلك الأيام، عندما كانت التهديدات متنوعة ومختلفة المديات، والآثار المحتملة لها كانت تهدد المجتمع الكوردستاني ومستقبل الاجيال اللاحقة، دعا البارزاني الخالد، ببصيرة وحكمة متناهية، وأسلوب حضاري جديد في العمل السياسي، وشكل مختلف عن الاشكال السائدة في الساحات السياسية في منطقة الشرق الاوسط، الى تأسيس حزب سياسي كوردستاني يتكفل بمهمة النهوض والدفاع عن حقوق شعب كوردستان وبناء الانسان الكوردستاني الذي يرفض الاستسلام لرغبات الاعداء الطامعين في ارضهم. في مثل تلك الظروف، لم يكن تأسيس حزب سياسي يجتمع حوله كافة الشرائح الكوردستانية بالأمر الهين والبسيط، حيث كان الأعداء يتربصون نخبهم السياسية والثقافية الثورية، ويعتبرون تجمعهم في حزب سياسي ذي قاعدة جماهيرية عريضة أمراً مستحيلاً، ولكن البارزاني الخالد ورفاقه الأوفياء لنهجه الحكيم، جعلوا من المستحيل واقعاً، ومشوا بثبات في سياسة هادئة، وأسسوا البارتي، وعقد الكوردستانيون الأمل بذلك التنظيم الناهض، وآمنوا بإرادة الشعب وأهدافه المشروعة، وتجمعوا حوله بالآلاف، وأصبح البارتي قنديلاً يضيء طريق الكوردايتي...
مر الحزب الديمقراطي الكوردستاني، منذ يوم تأسيسه الى يومنا الحالي، بالعديد من المراحل، وواجه التهديدات والعقبات والمخاطر الكثيرة والمتعددة، لكنه لم يتخل عن النضال والعمل الدؤوب من أجل الكورد وكوردستان، وقاد على مدى ثلاثة عقود متتالية ثورتين عظيمتين، هما ثورة ايلول التحررية، وثورة كولان التقدمية، ولم يخش أو يستسلم لليأس ولو للحظة، لانه كان يدرك بواقعية ووضوح مهام ومتطلبات المراحل، ويواجه المشكلات والمصائب بالمنطق والعقلانية، وقاد بنجاح، مع الاحزاب السياسية الكوردستانية الاخرى، انتفاضة شعبنا في آذار 1991. وفي وقت كانت المنطقة تعاني بشدة من المشكلات وآثار الويلات والكوارث، دعا الرئيس مسعود بارزاني، الى حكم الشعب، واجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وفي عملية ديمقراطية منقطعة النظير، شهد على نجاحها الاعداء قبل الاصدقاء، تم انتخاب أول برلمان كوردستاني، وتشكيل حكومة لادارة الاقليم بعيداً عن سيطرة حكام بغداد، ورفع الاقليم  شعار الفدرالية لشكل العلاقة مع حكومة بغداد، وفيما بعد، وبالذات بعد 2003، تغير الشعار وحسب متطلبات المرحلة ومستجدات الاحداث الى حق تقرير المصير والاتحاد الاختياري في العراق الفدرالي التعددي الديمقراطي، وتم تثبيت ذلك في ديباجة الدستور العراقي.
اليوم ونحن نستذكر يوم تأسيس البارتي الذي قاتل بشرف وفاوض بمصداقية وترفع عن العنف والإنتقام وأذهل الكثيرين وما زال يؤرق غيرهم، يعتبر الحريصون المخلصون من ابناء شعبنا، الثبات على المبادئ والوفاء للقيم الإنسانية والتقاليد الحضارية والتمسك بنهج البارزاني الخالد والحفاظ على المكاسب المتحققة واجباً وطنياً وقومياً وديمقراطياً وانسانياً، ويعتبرون حماية هذه المكتسبات وتطويرها تتحقق بوحدة صف القوى السياسية الكوردستانية والخطاب الوطني والقومي الموحد، وتحمل المسؤوليات المشتركة والتضحية في سبيلها لاتقل أهمية عن تحقيقها، وفي ظلها تتمكن جميع القوى السياسية، وفي هذه المرحلة المفصلية المهمة في تاريخ شعبنا، من مواصلة النضال لأداء المهام التاريخية والوطنية والقومية، وايصال قضيتنا العادلة الى برالأمان وتحقيق أهدافنا المشروعة، والتمكن من مواجهة التهديدات والتحديات، واستغلال الفرص المؤاتية لتفعيل الدستور وتنفيذ الاتفاقات بين الاقليم وبغداد، لان خلاف ذلك سيعرض مستقبلنا الى الخطر والتهديد، ويمزق علاقاتنا الدستورية القائمة مع بغداد، وسيستغل (طبعاً) أعداء العراق الاتحادي الديمقراطي الوضع، ليخلقوا ظروفاً أمنيةً خطرةً ومعقدةً بهدف انجاح مخططهم الذي يرمي الى إفشال الديمقراطية في العراق خاصةً والمنطقة بشكل عام .
في هذه الايام ونحن نحتفل بهذه الذكرى العزيزة الزاخرة بالأمجاد لحزبنا، نقول:
أن مشاكلنا مع بغداد، والتوترات في المناطق الكوردستانية الواقعة خارج الاقليم، يمكن أن تشهد انفراجاً بتطبيق الدستور والاتفاقات السياسية، وبالتفاهم والمرونة والتوافق الوطني. والنقاشات والتجاذبات بين الاحزاب الكوردستانية حول كافة المواضيع والملفات، يمكن أن تتجه نحو الحل والتفاهم، لان البارتي اعتاد على التسامح والتضحية وسعة الصدر وقبول الآخر المختلف، ويؤمن ايماناً راسخاً بالأسس الديمقراطية والمبادئ الانسانية، وينظر الى المرحلة الحالية كمرحلة تحول، ويؤكد على ضرورة استعداد شعب كوردستان لكل الاحتمالات على ضوء المستجدات الدولية والاقليمية .
 هذه الذكرى المجيدة بطبائعها التنظيمية، أكبر من أية ذكرى، لذلك يقف عندها الكورد ليستذكروا عقلانية مؤسس الحزب ورئيسه البارزاني مصطفى، وجرأة قيادته، وعظمة مسيرته، وجسامة تضحيات بيشمركته، وغزارة دماء شهدائه، واننا لا نبالغ حينما نقول بأن المرحلة الحالية والمستقبلية تستمدان الشرعية ومعاني النضال من المرحلة البارزانية التي كانت أعظم مرحلة في التاريخ الحديث والمعاصر للأمة الكوردية فمؤسس البارتي (البارزاني الأب) الحاضر بيننا والذي لم يغب أبداً، جعل بيت الأمان الكوردستاني حصناً منيعاً في وجه أعداء الكورد، وأسس مدرسة تعلّمنا كيف نسالم من يسالمنا، ونعادي من يعادينا ونصفح عند المقدرة عن الذي يطلب العفو منا، ونحترم الجوار ونبادلهم السلام، ولا نعتدي على أحد ولا نقبل اعتداءات الآخرين، وكيف نصنع العزة والكرامة لأمتنا، وكيف نضحي بمصالحنا الخاصة من أجل المصلحة العامة، وكيف نعمل من أجل تعزيز شخصيتنا القومية والوطنية بوحدتنا وإرادة شعبنا، وكيف نوفر أسس ومقومات وديمومة نضالنا حتى الحصول على حقوقنا القومية المشروعة إسوة بباقي الشعوب الأخرى.
 
 


15
فاضل ميراني والحوار والردود الدبلوماسية
صبحي ساله يي
عقد الحزبان البارتي واليكيتي الكوردستانيين، جولة مباحثات في مصيف بيرمام بأربيل لحلّ الخلافات بينهما والتباحث حول الاوضاع في اقليم كوردستان والعراق، وانتخابات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانية في كوردستان.
 بداية الإجتماع كانت مفعمة بالأمل والتفاؤل ولكن لم تجر الرياح فيه كما تشتهي السفن. إذ خرج رئيس وفد اليكيتي السيد بافل الطالباني من الاجتماع، وأجاب على أسئلة المراسلين الصحفيين بجمل وعبارات فهم منها إنه كان منزعجاً من أمر ما، قيل لاحقاً إنه إنزعج من أقوال مسؤول إعلام البارتي، رغم إن ذلك المسؤول لم يقل غير الحق والحقيقة، وآخرون قالوا  إنه إنفعل من رفض طلبه بتأجيل إنتخابات برلمان كوردستان من قبل وفد البارتي، وغادر بيرمام دون أن يصافح مودعيه الذين إستقبلوه صبيحة ذات اليوم أحسن إستقبال. وفي مطار اربيل إعتذر لوفد البارتي وألقى باللائمة على الصحفيين الذين حاصروه في بيرمام وفي المطار كذلك. والحق يقال ان بعض الصحفيين يتخطون المهنية ويزعجون المسؤولين بحركات وأسئلة يمكن أن تسمى بتافهة وغير مسؤولة.
بعد مغادرة وفد اليكيتي لبيرمام تحدث رئيس وفد البارتي السيد فاضل ميراني للصحفيين بلغة دبلوماسية ذكية عن الإجتماع والتفاهمات والإختلافات، وفي اليوم التالي، نشر مقالا في صحيفة الزمان اللندنية تحت عنوان (الاتحاد الوطني و نحن)، أشار فيه الى الاجتماع المذكور  بين الحزبين، وتحدث (بخلاف الصورة التي ظهرت للإعلام والتي لم تخلُ من تشنج مكتوم، تشنج نتفهمه و نضعه بحدود إنفعال نرجو ان لا يطول و يتسع)، وقال: (نحن نعمل على مشتركات منتجة لمعادلة مفيدة واقعية ومطلوبة، وننأى بشعبنا عن افعال و ردات افعال تكون منتجة لما هو خلاف النظم القانونية والاطر الحياتية والسياسية التي عملنا عليها جميعاً وكل بثقله لتكون كوردستان بعيدة عن الخطر).
حديث السيد ميراني للصحفيين خلال التوتر المكتوم، بعد إنتهاء أو إنهاء الإجتماع، دليل على إنه مثقف وخبير في الحوار واللياقة والحنكة في الفكر والتخاطب، وبارع في استخدام فن الرد اللفظي، الذي يشترط أن يكون صاحبه ذكياً حازماً دقيقاً ومهذباً بلسانه، كما دلّ على إنه يمتلك قدرة هائلة في الرد الذكي على الاسئلة، وعلى التحكم والتركيز في لغة الجسد التي تمنحه الفرصة لترتيب الأفكار في رأسه.. أما رأيه الواضح والصريح في مقاله المنشور في صحيفة الزمان فهو متجانس مع ما جاء في أدبيات السياسة التي تعني أن الحوار والدبلوماسية بكافة أشكالها وأنواعها وتشعباتها هو الحل الذي يمنع وقوع تطورات سلبية، ودليل على انه يمتلك في حقيبته الذهنية معلومات شاملة وكاملة عن كل مناحي الحوار والدبلوماسية، وإنه بثنائية اللسان والقلم معاً إختار الوقت والمكان المناسبين ليعلن عن وجود إرادة لا تدع مجالاً للشك في امكانية تجاوز الخلافات التي أوقعت بالكوردستانيين الكثير من المظالم، وليقدم بضع عبارات إيجابية رزينة وهادئة وبعض إيحاءات للطرف الآخر تخفف من توتره وإمتعاضه، ويمكن القول إنه نجح في ترتيب إجتماع أخر بين الجانبين.


16
الأنفال.. جرح مازال ينزف
   صبحى ساله يى
عندما كان الاعتداء على الكورد جزءاً رئيسياً من سياسة الحكومة في بغداد، تم اقتراف الآلاف من الجرائم بحق الكوردستانيين، وحملات الأنفال التي اعتبرتهم أقلية أو مجموعة لادينية، أظهرت الوجه الحقيقي لسياسات النظام الشوفيني كأكثر انظمة الحكم وحشية في العصر الجديد. والحديث الذي يتجدد كل عام عن الأنفال والقتل الجماعي والابادة المنظمة، حديث عن سلسلة من الجرائم المختلفة استخدمت فيها جميع انواع الأسلحة المحرمة دولياً وخاصة السلاح الكيمياوي من نوع الخردل والسيانيد وغاز الأعصاب والفسفور، وبالاستفادة من الأوضاع الدولية في ذلك الوقت، وكان اختيار اسم الانفال بهدف جذب عطف وتأييد العروبيين في العراق والعالم العربي ومنح الشرعية للجريمة، وتعريف الكورد بأنهم كفار لادين لهم.
كانت حملات الأنفال التي بدأت يوم 22 شباط سنة 1988، واستمرت لغاية 6 أيلول من نفس العام البائس، من أخطر صفحات الابادة الجماعية في تاريخ المنطقة، وربما في التاريخ الانساني، اذ ان الوثائق المتوفرة تؤكد على انها كانت حملة إستراتيجية تم التخطيط والتحضير لها مسبقاً، من أجل محو الوجود الانساني الكامل لقومية آمنة تعيش على أرضها، ومسح معارفها وخصوصياتها المادية والمعنوية واذابتها في قومية أخرى، وذلك بممارسة عمليات عسكرية طويلة الأمد، وإستخدام المدافع والطائرات والمروحيات وقتل أكبر عدد من سكان القرى والمدن الصغيرة، بالاضافة الى إعدام الذين تبلغ أعمارهم بين (15-70) عاماً وتغييبهم في مقابر جماعية في الصحارى الجنوبية للعراق.
في اليوم الأول من الحملات، بدأت المؤسسات الاعلامية البعثية بالاعلان عن بداية النهاية للمعارضين، وفي يوم 19/3/1988، تم الاعلان عن إنتهاء المرحلة الأولى من الأنفال وفي ذات اليوم نشر برقية تهنئة من المجرم المقبور (سلطان هاشم) قائد حملات الأنفال الأولى الى صدام حسين (علما انه لم يعاقب كما يجب رغم صدور الحكم عليه بالاعدام )، وبعد ذلك الاعلان لم تبق اجراءات البعث من القتل والحرق في كوردستان مخفية أو سرية، وأصبحوا يظهرون وحشية جرائمهم بفخر ويتحدثون عنها باعتزاز، جرائم نفذت في ثماني مراحل، تسببت في ابادة (182) الف انسان كوردي، وكانت المرحلة النهائية لحملات الأنفال في منطقة بادينان وأعلن في 6/9/1988عن انتهائها، وعرفت بخاتمة الأنفال.
وفي هذه الايام ونحن نستذكر تلك الايام  المأساوية المؤلمة، لابد ان نؤكد على المسؤوليات التي تقع على عاتق مراكز القرار، ومنها معاقبة مجرمي تنفيذ حملات الابادة الجماعية ضد شعب كوردستان، وضمان حقوق الضحايا المادية والمعنوية والقانونية، وتعويضهم وفقاً للمعايير العالمية في اطار عملية توفير العدالة الاجتماعية والاخلاقية، والعمل من اجل منع تكرار هذه الجرائم وتخفيف المخاوف من تكرار عمليات مماثلة (وخاصة ونحن نرى ونلمس بقاء الميول الشوفينية في العراق)، وتخصيص مبالغ سنوية خاصة من الموازنة الوطنية لإعادة إعمار المناطق المتضررة، والعمل على إجبار الشركات والمراكز الدولية التي ساعدت نظام البعث في تنفيذ حملات الأنفال والقصف الكيمياوي بدفع تعويضات مادية لذوي الضحايا والمتضررين، والعمل على إرغام حكومة بغداد لتقديم إعتذار رسمي لذوي الضحايا والشعب الكوردستاني باعتبارها وريثة الحكومة السابقة، وتعريف الأجيال بهذه الأحداث لكي لاتنسى، وعدم إعفاء أو تخفيف الاحكام والعقوبات الصادرة والتي تصدر من المحاكم بحق المتهمين بجرائم الانفال.

17
كيان إقليم كوردستان، خط أحمر لا يمكن تجاوزه
صبحي ساله يي
تلقفت بعض القنوات الإعلامية والمواقع الألكترونية تقرير مجلة فورين بوليسي الأمريكية ضد إقليم كوردستان والذي لا يمتُّ للحقيقة بِصِلة ويقف خلفه أناس معروفي النوايا والولاء والآماني، ونشرتها على صفحاتها الرئيسية وهى تتمنى إيصال صدى زيفها إلى كلّ العالم، وتظن إنه ( أي التقرير) بمثابة عاصفة غير مسبوقة تقلب كل شىء رأساً على عقب، وتفتح على الكوردستانيين أبواب جهنم. وهي لا تعرف أن التقرير الذي هو بمثابة قتل للانصاف وتجسيد حي لسياسة إزدواجية المعايير وممارسة الإبتزاز لا يؤثر على معنويات الكوردستانيون المعتادون على منغصّات إنتشار الإشاعات المغرضة التي تسيء إلى كيان إقليمهم وجوهر معتقداتهم. ولكن لحسن الحظ، إن مثل هذه التقرير التهويلي سرعان ما ينكشف ويشيع جنازته ويجهز موكبه، وبالتالي، يؤدّي إلى نتائج عكس المرجوّ منه لمن دفع ثمنه ولمن كتبه وإختلق الإشاعات وإستحضرها ولمن ساهم بترويجه بين الناس بغرض الإضرار بسمعة كيان الإقليم أمام العالم.
يمكن إعتبار هذا التقرير، الذي لا يستحق الوقوف أمامه طويلاً، جزءاً من الحملات الممنهجة التي تهدف النيل من سمعة الكوردستانيين وبالتالي تخديش مكانة كيان إقليمهم، ويمكن اعتباره الأسوأ الذي يقدم خدمة غير مجانية لأناس سيئين لكي يروجونه ظلماً وعدواناً، ويجعلوه بضاعة للتأثير على نفوس الكوردستانيين ومعنوياتهم الصلبة التي تتحطم عليها مؤامرات الأعداء والحاقدين. والغريب فيه إنه يحمل في ثناياه أوهاماً وتصورات وأساطير خيالية متجذرة في أعماق أناس منساقين وراء النفاق والخداع والتخوين.. والأغرب من ذلك مراهنة بعض السياسيين السذج عليه لأسباب واهية وغير موضوعية، مع أنّه يخالف وجهات نظر وسائل إعلام عربية وأمريكية وأوروبية مرموقة تشيد على الدوام بإيجابيات كيان اقليم كوردستان وجدارته وقدراته ومواقفه السياسية والدستورية وممارسته الديمقراطية المنهجية وخططه المتوافقة مع إستراتيجيات الدفاع عن حقوق الكورد وكوردستان والحفاظ على المكتسبات الواضحة على أرض الواقع وتحقيق المزيد من المنجزات في أجواء مليئة بالتسامح والوئام.
وأخير نقول لكاتب التقرير المنشور في فورين بوليسي وللمواقع التي نشرت ترجمته وللطفيلي والإنتهازي لذي نشره على حسابه الخاص :
صحيح أن كياننا يمرّ بأوضاع بالغة الدقّة، ويواجه التحديات، ويتعرض لمؤامرات وشرور الذئاب الكاسرة التي تتحين الفرص لتنقلب علىه وعلى شعبنا ووطننا. ولكن عليكم ان تعرفوا إن هذا الكيان، خط أحمر لا يمكن تجاوزه لأنه ثمرة نضال طويل رسم طريقنا نحو التحرر بأنهار من الدماء والدموع، وأنقذنا من ظلم وجور النظام البعثي، وضمن لنا حقوقنا القومية المشروعة والحياة الحرة الشريفة والكريمة. وأثبت للعالم كله، كيف تدار الأزمات العسكرية والأمنية (في عهد داعش)، والإقتصادية والمالية (في عهدي المالكي والعبادي)، والصحية خلال إنتشار كورونا، بالحكمة والعلم والاخلاص وبإتخاذه العديد من التدابير الوقائية والإجراءات الاحترازية، وإصدار الكثير من القرارات المسؤولة. وإنه فاق في فن إدارة الأزمات وعبورها، وفقا لخطط مدروسة بدقة ومهنية، على دول كثيرة. ودون أدنى قدر من الشك، وبقرارات منطقية نابعة من قوة العقل والحكمة، إستطاع أن يكون إنموذجاً لقصة النجاح والإنتصار والأمان والتعايش والتسامح والإستقرار، ونقطة للإزدهار في منطقة مليئة بالعنف والإضطرابات والأزمات.
 


18

القضية‌ عند الرئيس مسعود بارزاني
صبحي ساله يي
من يتابع تفاصيل حوارات ولقاءات الرئيس مسعود بارزاني مع وسائل الإعلام يلاحظ أن سيادته يربط الماضي النضالي بالحاضر والمستقبل بموضوعية علمية دقيقة، ويتبنى أشكالاً منتظمة متفقاً عليها في عالمي الإعلام والسياسة، ويرتكز في الغالب على الثوابت الإنسانية والوطنية والقومية من جهة وعلى المستجدات والظروف والوسائل المتاحة من جهة أخرى، لذلك يسمح لمن يحاوره بأن يفهم الإشارات التي ترمز الى التفاؤل أو التوتر والقلق، ويبرع في مساعدة الإعلامي الساعي لفتح الأبواب الهادفة إلى توسيع نطاق تساؤلاته دون عوائق والتحكم المطلق في أسس وشروط الحوار، وإدراك الحقائق كما هي، والقبول بالشروط التي تفرضها تلك الحقائق وسط لعبة الصراع المستمرة في العراق والمنطقة، والتي لا مجال للقضاء عليها نهائياً، بسبب الكثير من الأسباب السياسية والثقافية والاقتصادية والآيديولوجية.
سقت بهذه المقدمة لأتحدث عن جزئية صغيرة في حوار الرئيس بارزاني مع هيئة الإذاعة البريطانية، جزئية تتعلق بمبدأ الكوردستانيين وقضيتهم العادلة، حيث ساعَدَ المحاور ليطرح في الدقائق الاخيرة من اللقاء مجموعة أسئلة ضمن إطار سؤال واحد، حيث قال :
(ترتب على ما جرى بعد الإستفتاء جرح كبير، هل تم تضميد هذا الجرح ؟ خاصة بعد أن إلتقيتم بمجموعة من القيادات العراقية، والتي كانت إحداها قائداً لغرفة العمليات للهجوم على كوردستان؟ هل تم طي هذه الصفحة، وتم تضميد الجراح ؟).
كان المحاور يقصد، إستقبال ذلك الشخص الذي حاول خوض غمارالسياسة بلا دراية، وإستسهل الإرتماء في أحضان أقطاب الشرق والغرب ليصل إلى رئاسة الوزراء، والذي توهم بصعود سهل وسريع نحو العلى، وظن أن الأبواب ستفتح أمامه على كل الإتجاهات صوب المستقبل. ولكنه دفع ثمن إستسهاله عندما لم يأبه بالتحفظات على تجاوزاته ولم يعرف أن عدم الدراية السياسية تشكل وثيقة جاهزة للفشل. ولأنه كان طارئاً على السياسة أصيب بداء النرجسية والغرور ومرض التعالي، وبعد فوات الآوان أصيب بالندم.
ورداً على سؤال المحاور، أجاب الرئيس بارزاني : (نحن عندنا مبدأ وعندنا قضية، لن نساوم على قضيتنا ولن نساوم على مبادئنا، لكن هذه هي السياسة وهذه هي الظروف. والقضية تستوجب الدفاع عنها والتضحية في سبيلها والتحاور مع الطرف المقابل من أجل إيجاد الحلول الناجحة لها، في إكتوبر 2017 قاومنا وإنتصرنا وأوقفنا الهجوم على كوردستان، وقفنا وقفة لا نندم عليها مدى الحياة، وكركوك ما كانت تسقط لولا خيانة طرف معين).   
المبدأ : هو أهم ركيزة أساسية للسيرعلى طريق النجاح، وتقويم الحال وتصحيح المسار، لذلك يستوجب حسن إختيار وتوظيف التوقيت الصحيح للتحرك في دائرة معرفية معنية والتفريق بين الإستراتيجية والتكتيك، وبين الثوابت والمتغيرات لتجاوز المنعطفات، وأخذ العبرة من أخطاء وتجارب الماضي لتعزيز الهوية الوطنية والقومية وربطها بقيم أصيلة وممتدة إلى عمق التاريخ الذي لا تستمر فيه الخلافات إلى ما لا نهاية، لأنها حتماً ستأتي لحظة تتغير فيها المعادلات والقناعات، وتسهم في تحقيق حلول ترضي الأطراف المختلفة، وتدشن معها مرحلة طبيعية زاخرة بالأمن والإستقرار، وتليها إجراءات معينة لبناء الثقة والاقتناع بأن مراحل الإنكار والتجاهل والتهميش قد ولَّت. ولكن تلك اللحظة التي ستلغي التراكمات العنيفة السابقة التي جلبت الكثير من الخسائر لا تأتي فجأة، ولا تحدث بين عشية وضحاها.
أما بشأن (القضية) العادلة، فإنها تعني الإستعداد للتضحية والدفاع عنها وتقبل الشدائد، وخوض النضال بإيمان وعزيمة صلبة وتصميم قاطع على صون الكرامة والحفاظ على المكتسبات وتنفيذ الدستور دون إنتقائية وتحقيق النصر، وتسلتزم الإدراك أن للسياسة أصولها ودروبها وفنونها، والنجاح فيها يستلزم الإعداد السليم والرؤية الدقيقة والممارسة الصحيحة، ومواجهة المحن والشدائد بحكمة كبيرة وإرادة قوية ومرونة شديدة.
وأخيرا نكرر ما قاله الروائي السوري حنا مينه : (نحن لا نلعب، إننا أصحاب قضية، ومن يكن دون قضية يكون تافهاً).
 


19
هل تختلف حكومة السوداني عن سابقاتها ؟
صبحي ساله يي
مهما حاولنا أن نثق ونتفاءل بحكومة السيد محمد شياع السوداني، وأن نبتعد عن الظنون وإستباق الاحداث ومآلاتها، ونبعد عن أذهاننا أفكاراً توحي الى وجود رغبات ونوايا ونزعات للتسويف والمماطلة في الإلتزام بالمسؤولية، ونبذل جهوداً حثيثةً ومنطقيةً لفك طلاسم المشهد المتعلق بعدم تنفيذ أي فقرة من فقرات الإتفاق الموقع مع الكورد وتداعياته، رغم مرور أشهر عديدة . نرى أن المشهد، هذه المرة أيضاً، ودلائله وعلاماته وترك الامور كلها للمجهول، يدفعنا الى تقديم اليقين على الشك، والى الإيمان بأن المشهد الحالي لا يختلف عن المشاهد السابقة التي شاهدناها بعد تشكيل كل الحكومات في بغداد منذ قيام الجمهورية، حيث كانت هناك مراحل لتبادل الرسائل وعقد الحوارات والإجتماعات وإصدار البيانات الإيجابية من جهة، والعمل الجاد في سبيل تثبيت الأقدام في السلطة وتصفية الخصوم والإستقواء والإستعداد والتسلح للرد على المطالب الكوردية بالعنف والسلاح وإعلان الحرب. فحكومة تموز 1958 التي أعتبرت الكورد شركاء في الوطن بموجب الدستور 1958، وبعد أشهر من الوئام والإستقرار النسبي في علاقاتها مع الكورد، ردت على المطالب الكوردية بأغلاق جريدة (خبات) لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني وسحب أجازته وغلق مكاتبه وفروعه بالعراق وملاحقة كوادره وزجهم في السجون والمعتقلات وقصف قرى بارزان، ومن هناك إنطلقت ثورة أيلول المجيدة في كوردستان بقيادة الزعيم الخالد مصطفى البارزاني. أما الحكومة التي جاءت بعد الإنقلاب على الزعيم قاسم في شباط 1963، أي حكومة عبد السلام عارف، وفي الأيام الأولى من عمرها أعلنت إعترافها بالحقوق القومية للشعب الكـوردي في الحكم الذاتي، ولكن في حزيران من ذات السنة استأنفت عملياتها العسكرية في كوردستان. وبعد 18 / تشرين الثاني / 1963 وتدبير أنقلاب عسكري أطاح بالحكومة البعثية من قبل مجموعة من الضباط القوميين العرب بدعم من عبد السلام عارف، أمر رئيس الوزراء العراقي ( الفريق طاهر يحيى ) إيقاف العمليات العسكرية وفتح باب المفاوضات مع القيادة الكوردية. وفي  شباط / 1964 أصدر الرئيس عارف وثورة أيلول، في آن واحد، بيانين يعلنان فيه وقف إطلاق النار. وبدأت مرحلة جديدة من المفاوضات بين الجانبين، وبعد هدنة لعدة أشهر تجددت العمليات الحربية بين القوات الحكومية وثورة أيلول، وفي يوم 13 / نيسان / 1966 بعد وفاة عبد السلام عارف، في 13 / نيسان / 1966 أثر تحطم طائرتة العسكرية، وتنصيب شقيقه الفريق عبد الرحمن عارف رئيساً للجمهورية، أكد الرئيس الجديد أنه يقر بالحكم الذاتي الذي يضمن هوية الكورد القومية، وإستنادا الى ذلك أمر البارزاني الخالد بإقاف القتال بين الجانبين وبدأت المفاوضات على أساس أقرار الحقوق الذاتية الكاملة للشعب الكوردستاني، و في يوم 26 / حزيران / 1966 أعلن  رئيس الوزراء العراقي (عبد الرحمن البزاز) بياناً أكد فيه إعتراف الحكومة العراقية بالحقوق القومية الكوردية.
وفي 17 / تمــوز / 1968 تمت الأطاحة بحكومة الرئيس عارف وتشكيل حكومة برئاسة المقدم عبدالرزاق النايف اشترك فيها أربعة وزراء من الكورد، وفي 30 / تمــوز / 1968 قام حزب البعث بإنقلاب ثان على رئيس الوزراء وأطاح به، وإشترك الوزراء الكورد الأربعة السابقين في الحكومة الجديدة ولكن بعد أسبوع واحد أستقالوا وذلك لتأكدهم من عدم جدية الحكومة بحل القضية الكوردية. وفي 22/ تشرين الأول/ 1968 تجدد القتال مرة أخرى في جبال كوردستان ، وفي أيـار 1969 أبدت الحكومة العـراقية رغبتها في إيجاد حـل عادل للقضية الكوردية. وإتخذت عدة إجراءات لاثبات حسن نياتها تجاه الكورد، وبعد زيارات متبادلة وحوارات ومفاوضات إتفق الجانبان في 1970على إعلان إتفاقية آذار. وفي آذار / 1974 تجدد القتال بين الحكومة العراقية والثورة الكوردستانية. أما بخصوص رؤساء حكومات ما بعد 2003 فقد أعلن الرئيس الذي لم يكن يعرف من أين تنبع نهري دجلة والفرات وسمى الجارة الشرقي بالأرجنتين فقد أعلن عدائه الفاضح للكورد وتم عزله، وبعدها جاء المالكي الذي حرك القوات ضد الكورد ولكن الظروف لم تسمح له بإستعمالها، بعدها لجأ الى خوض حرب إقتصادية ضد الإقليم وقطع رواتب ومستحقات الموظفين والمتقاعدين الكورد، وبعده جاء سىء الصيت الذي إستلم المحاصيل الزراعية من الفلاحين الكورد وإمتنع عن دفع أثمانها، وحرك الجيش والحشد بالتعاون مع الباسدار الإيراني وحزب الله اللبناني ضد الإقليم، ولو كان يملك الأسلحة الكيمياوية لكان يستعملها ضد الكورد كما إستعملها على الكيمياوي. وبشأن ما يقال عن أن عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي كانا صديقين للكورد فإنهما مارسا التجاهل والتسويف والتماطل والتهرب من الألتزامات الدستورية والقانونية بشكل لافت.
واليوم جاء دور حكومة محمد السوداني، التي ربما تظهر وفق طريقة ما بعض المقاربات للأمور التي توحي الى الانطلاق نحو تسوية متكاملة بين أربيل وبغداد تشمل الملفات العالقة منذ سنوات، ولكن الكثيرون على يقين بأنها لا تختلف عن الحكومات العراقية السابقة، لذلك فإنها إما تمارس سياسات حكومتي عبد المهدي والكاظمي، أو تقلد حكومتي العبادي والمالكي أو تتجاوزهما لتقلد الحكومات التي تولت زمام الأمور قبل 2003.


20
أسئلة معلقة تزيد التوترات
صبحي ساله يي
في المساحة السياسية بين الطموح والواقع في العراق، وما بعد التهدئة والإنفراج ، تبدو الكثير من الأسئلة الكبرى معلقة في حسابات القوى السياسية المشاركة في تحالف إدارة الدولة وحكومة السيد محمد شياع السوداني التي تجاوزت مائة يوم من عمرها، غالبيتها تأتي متزامنة من الجانبين الكوردي والسني اللذان يبديان توجسهما وإنزعاجهما من تأخر الحكومة الجديدة في تلبية مطالبهما المُلحة.
أما الطرف الرئيسي في الحكومة وأعني به شيعة السلطة فيبدو بأنه يمارس ضغوطات سلبية على المواقف السياسية ويمازج بين المشهد السياسي الحالي وتعقيدات سابقة، ويحاول بصورة أو أخرى أن يوفر الغطاء السياسي لكل إجراءات حكومة السوداني وينحاز لها ولأجنداتها المهمة والصعبة. ويحاول أن يستغل الخلافات الداخلية الكوردية - الكوردية والسنية - السنية ليعتبر موقفهما سلبياً ومستغرباً لأسباب مختلفة، لذلك يتغافل عن مطالباتهم ولا يريد قراءة الإحتمالات بصورة واقعية وإدراك ثقل التحديات التي تواجه العراق والعراقيين بصورة عامة.  وإن إستوجبت الأحداث إصدار بيانات، فإنه في العادة يصدر بيانات مرتبكة ومتجه نحو المثاليات، وملامحها الحقيقية تثير فضول الرأي العام وتدفع المراقبين للبحث عن تفاصيلها ومحاولة مقارنتها بالغربال الذي يحاول حجب نور الشمس.
جميع قادة الطرف الرئيسي في الحكومة ودون إستثناء، يتصورون أن بإمكانهم لعب دورين في الوقت ذاته، لذلك يحرصون على ترتيب أولوياتهم الداخلية والذاتية والتهرب من المسؤولية وإيهام الآخرين بإمتلاك تصورات معينة ورفض التصعيد، والتشبث بمغازلتهم للكورد والعرب السنة بزيارات وإجتماعات وعبارات وتصريحات ومصطلحات تهدف الى تفريغ شحنة الشك والريبة من ممارساتهم ونشاطاتهم، وجميعهم مشتركون بشكل أو بآخر في إعاقة تنفيذ إتفاقاتهم المبرمة مع الطرفين الآخرين.
أما الأسئلة المعلقة، فإنها لا تأخذ مداها الحقيقي، بعضها تتعطل في منتصف الطريق بسبب الحرص على تصفية الاجواء وتعظيم المصالح المشتركة، أو على خلفية الخشية من التصعيد والمواجهة المحتملة وإتساع دوائر الخلافات وتدهور صورة حكومة السوداني أمام العراقيين وغيرهم وهي بالكاد أكملت شهرها الثالث، وبعضها تصل الى موائد التفاوض، ولكن المناورات المتدافعة تمنعها من الحصول على الإجابات المقنعة.
حتى الان، رغم البيئة السياسية المتقلبة، ربما لم يحن الوقت المناسب لإضافة المزيد من الأزمات من خلال إعلان الكورد والسنة إنهم غير مستعدين للمضي مع الاطار التنسيقي في جموحه السياسي والحكومي لحسابات إستراتيجية تتعلق بتصوراتهما للأزمات العراقية التي تحمل الكثير من الأوجه والتبعات ويحتاج إلى حذر ودقة متناهية وأثمان باهضة، ولكنه غير مستبعد ولا ينبغي أن يكون مفاجأة، وبالذات عندما يجدان نفسيهما إذا ما تصدع تحالف إدارة الدولة تحت ضغط تصادم الإرادات، أمام تصورات وأوضاع جديدة تلقي بظلالها الكثيفة على مستقبل تحالفهم، وأمام إعادة ترتيب أوراق وفرص حلحلة مشكلاتهما بوسائل أخرى بعيدة عن تقديم المزيد من التنازلات.
لا أحد يمكنه التنبؤ بما سيحصل خلال الأسابيع المقبلة، كما أنه لا أحد ينتظر مواجه مسائل بالغة الحساسية ونقاط خلافية بين المشاركين في حكومة السوداني بالأمنيات والخطط البديلة غير المبررة المليئة بالمآخذ. وليس من المنطق السكوت عما يجري من استخفاف بالحقوق والوقوف دون حراك والاكتفاء بمشاهدة الخطر المحدق، وتوجيه إنتقادات واعتراضات لفظية دون إتخاذ خطوات إجرائية منطقية ومقنعة سياسياً وشعبياً ووطنياً.
خلاصة الكلام : كلما طال الإنتظار، كلما أصبح المسار الصحيح لحل الخلافات الجوهرية أكثر عرضة للتصعيد والعرقلة والتراجع عن الإتفاق، وللوصول الى الاستقرار النهائي لا بد من قبول الحقائق.
 


21
قالت بلاسخارت، ولم تقل
صبحي ساله يي
تحظى السيدة جينين بلاسخارت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق باهتمام وتقدير الكثير من العراقيين، لإعتقادهم بأنها تحمل في جعبتها أفكاراً ومبادرات ذات مضامين يمكن أن تسهم في معالجة همومهم المتنوعة، وأن بإستطاعتها، عبر إحاطاتها وتقاريرها وبياناتها نقل الحقائق عن حياتهم ومعاناتهم والتأثير على الرأي العام الدولي وقض مضاجع الفاسدين. وخلال إحاطتها الآخيرة التي ألقتها يوم 2 شباط 2023 أمام مجلس الامن الدولي، أرادت بكلمات هادئة أن تؤكد على جدوى الحوار والامتثال للدستور واحترام مبادئ الديمقراطية، وأن تشعر العراقيين، في ظل الظروف المعقدة التي تحيط بهم، ببعض الارتياح وتقنعهم بالتريث وعدم البحث عن حلول ووسائل أخرى، فتحدثت عن إحتياجات وتحديات وإهتمامات وملفات وأولويات كثيرة، وكأنها تريد أن يبقي العراقيون متمسكين بالوهم ومتعلقين بالأحلام والأمنيات. ولكنها لم تفلح، لأنها لم تقل سوى نصف الحقيقة التي فتحت الأبواب أمام تساؤلات لا نهاية لها، وبالذات عندما تحدثت عن:
*حكومة السوداني التي أبدت التزامها بالتصدي للفساد المستشري، واتخاذها عدداً من الخطوات الهامة، بما في ذلك ما يخص إسترداد الأموال المنهوبة.
ولم تقل أن ما تم إسترداده من الفاسدين نور زهير وهيثم الجبوري لا يعادل سوى عشرة بالمئة من الأموال المنهوبة. ولم تذكر، بل لم تجرؤ على ذكر الذين يسعون إلى عرقلة جهود الحكومة في مجال مكافحة الفساد وإسترداد الأموال المنهوبة، والذي مارسوا نفوذهم في سبيل إطلاق سراح نور وهيثم.
* برنامج حكومة السوداني الذي يؤكد على الالتزام بحلّ المسائل العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان، بما في ذلك تشريع قانون النفط والغاز في غضون ستة أشهر.
ولم تتطرق الى تعديل قانون الإنتخابات الذي كان من المفروض أن يعدل خلال ثلاثة أشهر، ولم تقل أن كل الحكومات في بغداد تعهدت بالالتزام بالدستور والإتفاقات وحلّ المسائل العالقة بين أربيل وبغداد، وإتخذت في بدايات عهدها بعض الخطوات الأولية لتحقيق هذه الغاية، وأجرت زيارات رفيعة المستوى الى أربيل وإستقبلت وفوداً رفيعة المستوى في بغداد، وتشكلت لجان مالية وفنية وأمنية ودستورية مشتركة، وقد وصفت جميع الإجتماعات بين الجانبين بإيجابية. ولكن النتيجة كانت قرارات حكومية وقضائية وبرلمانية مجحفة وخروقات واضحة للدستور وتنصلات من الوعود والإتفاقات.
* الحكم الصادر مؤخراً عن المحكمة الإتحادية ضد إقليم كوردستان وتمنت مواصلة المفاوضات بين أربيل وبغداد، ولم تشر الى تدخل المحكمة الاتحادية في إعاقة تشكيل الحكومة من خلال بدعة الثلث المعطل الذي أثار الشكوك وشكل علامات استفهام كثيرة، وعن قرارها السياسي بالغاء قانون النفط والغاز في كوردستان، والقرار المعادي لمتقاضي الرواتب وأبناء كوردستان ومجمل العملية والاستقرار السياسيين، والاتفاق الذي تم بموجبه تشكيل الحكومة الاتحادية العراقية الجديدة.
*دعت إلى تنفيذ إتفاق شنكال الموقع بين بغداد واربيل في 2020، والانتهاء من حوار كركوك. ولم تشر الى الجهات والأسباب التي تمنع تنفيذ إتفاق شنكال، وسبب عدم إنتهاء حوار كركوك، الذي طال إنتظاره.
*نظرتها الإيجابية الى إستلام ثلاث نساء لمناصب وزارية من بين (23) وزيراً، ومشاركتهن في صنع القرار. بيد أنها لم تشر الى ان إحداهن لم تنفذ قرار رئيس الحكومة ومجلس الوزراء، وإمتنعت عن صرف مسحقات الموظفين الكورد. كما إمتنع سلفها من صرف مستحقات الفلاحين الكورد الذين سلموا محاصيلهم الزراعية لحكومة العراق في عامي 2014و 2015. 
*علاقات العراق الخارجية، وتلقيه الرسائل عبر المسيرات والصواريخ، والتي أدت الى زيادة التوترات على نحوٍ متهور وتسببت بقتل الناس الأبرياء وتدمير الممتلكات. ولم تذكر أسماء الجهات التي أرسلت تلك الرسائل، ولا المناطق التي تعرضت للقصف والمواطنين المتضررين. ولا عن تصوراتها لرد الفعل العراقي لو تم قصف مناطق في جنوب العراق من قبل الكويت أو السعودية .
* المفقودين الكويتيين ورعايا البلدان الأخرى في العراق. ولكنها لم تتحدث عن الألم والعذاب الذي يتعرض له أبناء وبنات وأمهات وزوجات وآباء المفقودين والمغيبين الذين تم إلقاء القبض عليهم في مداخل مدن وقصبات الأنبار وصلاح الدين والموصل خلال هروبهم من تحت سيطرة داعش في سنة 2014 وأثناء عودتهم الى ديارهم بعد هروب داعش من مناطقهم قي سنة 2017.
 

22
معادلة غامضة بين العراقيين !
صبحي ساله يي
  ترتاح الكثير من الاحزاب والشخصيات الى السكوت عن فسادها وقضاياها وتصرفاتها وقراراتها ومواقفها، وتتمنى نسايانها أو في الأقل تجاهل الحديث عنها وعدم الإكتراث بها علناً. ولكن الرياح لا تجري دائماً كما تشتهي السفن. والمتورطون مع رئيس اللجنة المالية النيابية للدورة السابقة والمستشار السابق في رئاسة الوزراء هيثم الجبوري في سرقة القرن، والتي يمكن وصفها بسرقة الساعة أواليوم أو الأسبوع أو الشهر مقارنة بمئات المليارات المسروقة، لم يعلقوا على أمر السرقة والقاء القبض عليه، وإختاروا الصمت المتباين والتحلي بدرجة عالية من الهدوء الحذر الملىء بالفزع، خوفاً من رد الفعل الشعبي، وربما إعتقاداً منهم بأن صمتهم يجنبهم التورط مع المحاكم، أو قد يُفهم منه الموافقة على مكافحة الفساد، أو إعطاء صورة إيجابية عن تحركاتهم.
  الذين إعتقلوا سمسار صفقات السياسة والاخلاق هيثم الجبوري كانوا متأكدين من أن شركائه من الفاسدين والسُرّاق لايقبلون بإعتقاله، ليس حباً به أو مودة له، بل خشية من القضايا التي تحيط بملفاتهم القذرة، وكانوا على يقين بأنه سيطلق سراحه في أقرب وقت، مع ذلك إعتقلوه لجس نبض القوى التي شاركت في هذه الجزئية، ولإختبار قدرتهم على البقاء في مواقعهم دون مباركة أصحاب المفاتيح الرئيسية في العراق.
  أما التباسات إطلاق سراحه، ببدعة إعادة جزء من الأموال المنهوبة من قبل زوجته المتسترة على سرقاته ( وفي القانون كما يعلم الجميع التستر على الجريمة - جريمة)، بعد أيام قليلة من الإعلان عن اطلاق سراح أستاذه نور زهير بإيعاز مباشر من شركائه الذين يبحثون عن هدوء ولو مدفوع الثمن، يخفف عن كاهلهم بعض الضغوط التي حشرتهم في الزاوية الضيقة المليئة بالتحديات والتي أسهمت في تغذية الكثير من الغضب الشعبي ضدهم، فهو قصة مليئة بالشجون ووصول لمرحلة القبول بوضعية يتساوى فيها المجرم والبريء، وإفصاح عن حقيقة سهولة خرق القانون، وتعبير هدفه الإيحاء بأن مهمة الهيئة التي ألقت القبض على هيثم وأية هيئة أو لجنة أخرى ستكون شكلية، وأن تحررها من القيود المفروضة عليها وعلى أمثالها تحرر نسبي، ولا تستطيع الحفاظ على الحد الأدنى من التزاماتها، وجميع التصورات التي تتبناها هذه اللجان يجب أن تخضع لتفاهمات خلفية وحسابات سياسية ومصالح ميلشيات مسلحة تأتمر بأوامر خارجية، لا تعرف معنى المواطنة وتصر على النهب والتخريب وممارسة عقدها المرضية.
  بين الهيئة التي ألقت القبض على هيثم الجبوري الذي مارس لعبة الإرتشاء والإساءة والابتزاز والصراخ في البرلمان ونشر الفساد والإفساد وإثارة الفتنة الطائفية في الإعلام، والسياسيين المتنفذين الذين إستباحوا هيبة القضاء وأمعنوا في إنهاك العراقيين وأصروا على تشويه صورة ما جرى من قبل حكومة محمد شياع السوداني ومارسوا الضغوطات المختلفة لإطلاق سراحه رغماً عن إعترافه ووجود الادلة التي تثبت جرائمه من جهة، وبين الشعب العراقي المغلوب على أمره والوطنيين الصامتين حتى الان من جهة اخرى، معادلة غامضة وغير متوازنة وحكاية مليئة بالشد والجذب والإثارة والإرباك والارتباك والتلعثم، تتضارب فيها الإرادات المحلية والاقليمية التي تستهدف مستقبل وثروات ومقدرات وأمن العراق  السياسي والإجتماعي.
 
 


23
المستقبل كما الماضي في علاقات البارتي واليكيتي
صبحي ساله يي
الكلام الحاسم عن العلاقات بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في كوردستان (البارتي واليكيتي)، متعذر ويقتضي التمعن بتجارب وحقائق رسمتها أيام مرة كالعلقم وأخرى حلوة كالعسل. كما يصعب التكهن بتداعيات علاقاتهما على الممارسة الديمقراطية وعلى الشعب الكوردستاني عامة وعلى نشاطات ونشاحات حكومة الإقليم التي نسجت علاقات إقليمية ودولية متوازنة.
ما يحصل الآن بين الحزبين ليس بجديد، لإنهما الثنائي الشقيق المتخاصمين والأكثر قرباً في آن واحد لجهة الحفاظ على مصالحهما ومصالح الكوردستانيين عامة، وإنهما اللذين كانا ألد عدوين، قررا بهدوء أن يصبحا حليفين إستراتيجيين ويمهدا كل الطرق ونقاط التحول بينهما، الى المشاركة والمصالحة وتصويب البوصلة باتجاه الإنفتاح وعدم التشدد إزاء ما حصل في الماضي وما سيحصل في المستقبل.
الحزبان يواجهان تحديات كثيرة متشابهة، بعضها داخلية تكمن في تشابك عدد من العوامل والمصالح، كالحرص على الديمقراطية والحفاظ على المكتسبات المتحققة بدماء الشهداء وتعزيز الحريات العامة والعلاقات مع بقية الاحزاب الكوردستانية والعراقية والدول الإقليمية والعالم، وإحتمالات عودة ظهور داعش، أو أي تنظيم إرهابي آخر على حدود الإقليم. أما الخارجية فأبرزها إحتمال تأزم العلاقات بين أربيل وبغداد مرة أخرى وتدهور الحالة الاقتصادية والمالية، وإستمرار الجانبين التركي والإيراني في الإعتداء على أراضي ومدن الإقليم، إضافة الى إحتمال حدوث المواجهة العسكرية بين إيران وأمريكا على أرض الإقليم والعراق.
البارتي، المصر على إستخدام كل الوسائل المتاحة، لتجنب النزاع والصراع مع اليكيتي ومنع تفجر الأوضاع، والواثق من إمكانياته وقدرته على تصحيح أخطائه والتغلب على المؤمرات التي تستهدفه والصمود أمام الضغوطات الكثيرة، وتجاوز العقبات والتهم التي تطاله من الآخرين، والمتطلع الى تطبيق قرارات مؤتمره الأخير على أرض الواقع. متأكد من سهولة تطبيع علاقاته مع اليكيتي وإعادتها الى أوضاعها الصحيحة.
اليكيتي، الذي يمكن وصف وضعه بالمعقد والصعب، بسبب تعرضه لإنقسامات متتالية ورحيل سكرتيره العام، وطغيان نفوذ البعض على حساب الحرس القديم، لا سيما بعد مؤتمره الرابع، وتداعيات إتفاق أحدى أجنحته على تسليم كركوك والمناطق الكوردستانية الإخرى الى الحشد الشعبي في 16 إكتوبر 2017، وتداعيات أحداث الثامن من تموز2021، وزيادة حركات الاحتجاج والتذمر في معقله وداخل صفوفه والتي لايمكن ان تخبو بسهولة، ناهيك عن الاصطفاف والانخراط مع الاطار التنسيقي الشيعي في جهود تشكيل حكومة العراق دون برنامج معلوم، وخسارة مرشحه لرئاسة الجمهورية. والتشكيك الكبير في شرعية قيادته، والذي يهدد وجوده بشكل غير مسبوق. وما يلوح في الأفق من إنقسامات وشقوق وتناقضات مريبة بين أركانه، والتي ظهرت ملامحها بشكل جلي بعد تصفية قائد شرطة رانية وضابط إستخبارات في أربيل، والتي إعتبرها الكثيرون إستفزازاً وإنتهاكاً للقانون، فقد خسر جانباً كبيراً من سمعته وهيبته ومكانته التقليدية، ولكنه لم يخسر كل شىء.
في المحصلة، يمكن القول: رغم وجود التردد في إتخاذ قرارات نهائية، ووجود سوء التفاهم والإستياء من المبادرات التي إتخذها الطرف الآخر من دون استشارة مسبقة، وسلسلة طويلة من القضايا القديمة، يستطيع الحزبان طي صفحة خلافاتهما وتجاوزها، وتحويل الخلافات والمصالح المتباينة إلى شراكة وعمل مشترك.
 


24
السوداني وجرَّة القلم
صبحي ساله يي
بعد صراع وخلاف ولعب بالأوراق وخلطها، ونشر أخبار يومية وتصريحات مخدرة وخادعة ومضللة للرأي العام، وتهديات بالحرب الأهلية تارةً، والمسيرات والصواريخ تارةً أخرى، وبعد الوقوف لسنة عاجفة كاملة أمام الخطرالمفتوح على كل الاحتمالات جراء الإستخفافات المتعمدة بنتائج الانتخابات النيابية والمهل الدستورية والقيم الديمقراطية، وخاصة فيما يتعلق بتقاسم المناصب العليا وتشكيل الحكومة في المهلة المقبولة، وجد العراقيون أنفسهم أمام إنقلاب مفاجىء في موازين القوى.
ما كان هذا الانقلاب أن ينجح ويرى النور ويؤدي الى ولادة قيصرية لحكومة إطارية برئاسة محمد شياع السوداني. لولا إنسحاب الصدريين من الساحة السياسية والتوقيع على ورقة الإتفاق السياسي من قبل أحزاب الاطار التنسيقي الشيعي والكورد والعرب السنة، وما كان الكورد والعرب السنة يقبلون التوقيع على هذه الورقة والمشاركة في الحكومة لو لم يؤمنوا بضرورات إتاحة فرصة جديدة للبحث عن الحلول بالحوار والتفاهم ونبذ العصبية والتطرف، ولو لم يحصلوا على ضمانات موثقة بتنفيذ مطالبهم القانونية والدستورية خلال مدد محددة.
هؤلاء ساندوا السوداني وتمنوا أن يصبح إستثناءاً في المشهد السياسي العراقي المليء بالعواصف الكارثية، وربما السوداني أيضاً تمنى أكثر من ذلك. ولكن الواقع المفروض والتوجهات السياسية المذهبية والمجاميع المسلحة والأجندة الخارجية لم تسمح له حتى الآن بأن يكون إستثناءً، علماً أن مجىء الإستثناء غير مستحيل في المرحلة العسيرة.
البعض، كما يقال في الإعلام، لا يسمحون لحكومته تطبيق البرنامج الحكومي المتفق عليه سواء في الأحداث اليومية أو الاستحقاقات الدستورية. والبعض الآخر يحاولون منعه من أن يصبح إستثناءً، أو أن يصدق أنه يتقلد فعلاً منصباً رفيعاً في إدارة العراق، ويريدونه أن يقف حائرا ومربكاً خلال النقاش بينه وبينهم، وأن ينصاع لهم ويحاول إسترضائهم، وأن لا يمتلك مواصفات الرئيس الكاملة وأن يقبل بالتجاوزعلى هيبته وهيبة حكومته وشعبه، وأن لا يشعر بالقوة أمام نفسه وأمام الآخرين ولا يتحدث برؤية واضحة عن المشكلات الرئيسية التي تواجه العراقيين وعن خطط مواجهتها، وأن لا يستفيد من إخفاقات ونجاحات قادة وشعوب بعض دول العالم، رغم أن لكل دولة تجربتها الخاصة في حل المشكلات. وأن لا يطرح الحقائق الأساسية والتفاصيل التي تؤكد على أن كل المشكلات يمكن حلها عندما يفكر القائد بضمير حي ويؤمن بضرورات مكافحة الفساد ونشر المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع، ولا يريدونه أن يلتزم بالوعد والعهد.
ولكن إذا أراد السوداني أن يكون إستثناءً حقيقياً، ومصدراً لقرار يمكن للتاريخ الذي سيدون لاحقاً أن يتخذه مثالاً، عليه أن يؤدي المهمات الملقاة على عاتقه في سبيل تحقيق طموحات العراقيين السياسية والإقتصادية والأمنية، دون أن يصبح دكتاتوراً صارماً أو قاسياً أو ظالماً يسهم في تحول غضب العراقيين الى ثورة. وأن يتبنى الخيارات السلمية في التعاطي مع الفاسدين و(الإستثنائيين)، وأصحاب الأجنحة المسلحة الذين يمكنهم إبتكار أساليب جديدة بدفعات متنوعة تفشل جهوده وتمنع تنفيذ المطالب الكوردية والسنية، خاصة الفقرات التي تم الإتفاق عليها والتي يمكن تنفيذها بجرة قلم.
 


25
جائحة الميديا في إقليم كوردستان
صبحي ساله يي
عندما يحاول أي حزب سياسي أن يستفيد من الصراع مع حزب سياسي آخر، بهدف الإستئثار بمفاصل القرار، أو تجحيم دور منافسه، أو التخلص من مشاكله الداخلية ولتحريف أنظار قواعده عن أزماته المتراكمة وترتيب أوضاعه أو إنتكاساته أو حتى إستغلال نجاحاته المدوية. ينسى أو يتناسى ما يقوله الصيينيون بشأن الصراع، وإنه كالثعبان الذي لو تمسكته من رأسه سيضربك بذيله، وإن تمسكته من ذيله سيلدغك، وإن مسكته من وسطه سيلدغك ويضربك بذيله في آن واحد. سقت بهذه المقدمة لأقول أن الصراع بين الحزبين الرئيسيين في كوردستان (الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني) ليس حديث العهد، وليس بعيداً عنا كم خسرنا في الصراعات العصيبة التي عشناها، وخلال النزاعات المسلحة التي يتحدث عنها العقلاء بألم في مذكراتهم وروايات أحداثها المأساوية التي تؤرقهم، وتأكيدهم خلال أحاديثهم عن الماضي (بأن لا معنىً لها)، ويقولون كل مرة: كان بالإمكان منعها لو تصرفنا بشكل آخر ولو لجأنا لإسلوب آخر. لكنه (أي الصراع بين الحزبين) تعمق في الأسابيع والأشهرالأخيرة مع إنتشار فايروس جائحة الميديا التي أعتلت منصات الزيف والخديعة، ومع تصريحات ومواقف النافخين في رماد الفتنة والقاصدين لإثارة المكائد والدسائس، ظناً منهم بأنهم سيستفيدون من الصراع وتأزيم الأوضاع والعبث بالمستقبل.
تلك الجراثيم، إنحرفت عندها بوصلة القراءة الاستراتيجية الصحيحة، لذلك تتجاهل ما يحاك ضد اقليم كوردستان، ومروره بمرحلة حرجة مثقلة بمشكلات كثيرة، أبرز سماتها التهديدات الخارجية لمقومات الهوية القومية وإسترخاص دماء الكوردستانيين وجرف إنتمائهم الوطني، ومحاولات فتح الباب على مصراعيه لدورة جديدة من الفوضى العارمة، ليتحول الإقليم الى كيان هش ومثخن بالتوترات والاضطرابات الأمنية والسياسية. وتطلق العنان لأوهامها المريضة بلا أي ضوابط في ساحة النزاع، وتنادي المتعبين وتزعق بملء افواهها للترويج لبضائعها الفكرية الفاسدة، وإتصفت تصرفاتها بالتخبط وغياب الرؤية السياسية الوطنية ووحدة الهدف والمصير، ومن خلال ما تعلن من مواقف نتنة وما تمارسه من تفنن في نبش الماضي وإظهار المواقف الخاطئة النخرة لتقديسها وعبادة الصراع القديم الملوّث بالدماء، يمكن بسهولة التأكد من إنفصامها وتناقضها الواضح ودفعها المستميت نحو المزيد من التخندق وتوسيع الهوة بين الأطراف المختلفة، ومحاولة إفضاء هذا الصراع الى خلق واقع جديد يعيد رسم خريطة كوردستان السياسية، أوتدشين مرحلة تكون فيها جذوة نار الصراع مشتعلة وكفيلة باستمرارالحرائق وإعادة تدويرالاحتراب الأهلي المثقل بالدم والكراهية وضيق الافق، ويكون فيها الكوردستانيون مشاريعاً للعنف.
في مقابل تلك الجائحة هناك فرق طبية ، لو أرادت، تحسن غربلة من يحاولون أن يعصّبوا عيون الكوردستانيين ويختاروا لهم الطريق المظلم، لكي يضيّعوا أنفسهم وأهليهم وآمالهم وأهدافهم وحاضرهم ومستقبلهم في الدهاليز المعتمة ومتاهاتها التي لا مخرج منها، وتعي أن قيم التسامح والمحبة والعفو والوئام مع الآخرين الموجودة بين الكوردستانيين، والقيادات الوازنة العريقة والنخب البارزة الواعية والمخلصة الذكية في صفوف الحزبين الكوردستانيين، تستطيع إنهاء الصراع الدائر حالياً وإعادة الثقة فيما بينهما وتغييرعقلية وطريقة العمل الإداري والسياسي والأمني، واستيعاب الخلافات ووجهات النظرالأخرى بقلب مفتوح، خصوصاً لو حرصوا بحزم على تشخيص الصيادين في المستنقعات الراكدة التي تعلو فيها نقيق الضفادع، وتعطيل توجهاتهم ومواقفهم السلبية التي تهوى الكراهية والعنف وإشاعة الموت المجاني وتفخيخ العقل والقلب بهوس العداوة والبغضاء مع الآخرين، وإبعاد كل الذين يعتاشون على إثارة الأزمات وإصطناع العداوة والنفخ في الرماد لإظهار جمراته، عن صفوفهما وبالذات في الإعلام الفوضوي الذي لا يشعر بالحرج والذي لا يجني منه أحد أي شيء.
 
.
 


26
المخطؤن في كوردستان
صبحي ساله يي
كان يفترض بعد تشكيل حكومة اقليم كوردستان الحالية، من قبل الأحزاب الرئيسية الثلاثة في الإقليم، أن تكون العلاقات السياسية الكوردية – الكوردية في شتى الاتجاهات والميادين طبيعية وراسخة، وأن تدخل مرحلة تلقف الفرص للتطوير والتوطيد، وكان ينبغي أن يجري التركيزعلى توحيد الصف والكلمة، والتخطيط بين المؤسسات السياسية والمدنية والثقافية والإعلامية ومختلف شرائح المجتمع الكوردستاني، بغية محاكاة العقول والضمائر وبناء جسور دائمة وقوية بين الكوردستانيين وإنهاء معاناتهم، وإعادة النظر في السياسات المتبعة، تجاه بغداد والتوغل الإيراني و التركي في أراضي الإقليم والتحرك المكثف في سبيل إستبدال سوء فهم خطاب الاستهانة والكراهية ضدنا، والوصول الى قنوات تفاهم وفهم مع بغداد وأنقرة وطهران، والشعور بالثقة في النفس أكثر من أي وقت. خاصة وأنها (أي حكومة االإقليم) قد نجحت الى حد كبير في مواجهة الكثير من التحديات التي واجهتها عقب تشكيلها، وتمكنت من صد العديد من الهجمات التي استهدفتها، ومحاولات تقويض ما حققتها وما تحققها من إنجازات. ولكن واقع الحال يقول العكس، وإنها ما زالت تعاني من الفوضى والإنقسام، ومن الفجوة العميقة وضيق الأفق والتقصير والقصور والإنتقائية وهدر الجهود وغياب الوعي والخطاب السياسي والإعلامي وردود الفعل التقليدية لدى البعض، أو فتح ملفات محيرة بجرة قلم متهورة، دون الإستفادة من التاريخ الكوردي القريب الذي يحفل بدروس طوقت أعناقنا وكادت أن تخنقنا أكثر من مرة.
هذه الحكومة إنتبهت جيداً الى خصومها غير الواضحين في الداخل والذين حاولوا عن قصد أو جهل أن يسيؤا إليها أمام الرأي العام ويوقعوها في الحرج، وأن يستغلوا عدم التقدير الناضج للمسؤولية الملقاة على عاتق البعض، والإجراءات الضرورية والأخطاء مهما كانت حجمها ليزيدوا من حجم الضغوط عليها وتشويه صورتها، ويتهموها بتغافل أوجاع الناس ومعاناتهم وعدم تلبية إحتياجاتهم الأساسية.
هنا لا نوجه أصابع الاتهام إلى جهة بعينها، حتى الذين أبتعدوا عن الحنكة السياسية ولم يتخذوا في الحسبان الأزمات الاقتصادية والأمنية والمرحلة التي تتصاعد فيها المشكلات، ولا نريد أن نتحدث عن وجود مؤامرة مكتملة الإركان في الداخل ومكتملة للمؤامرات الخارجية التي نعلم أبعادها، لكن من السهولة رصد مجموعة من تقديرات ومواقف سياسية واعتراضات علنية وأخرى صامتة، تؤدي الى رفع منسوب التفرقة والارتباك والغضب بين أوساط الرأي العام. ويمكن اعتبارها مغامرة مشكوك فيها وتعبيراً عن عقلية متكلسة لايهمها سوى تحقيق مصالح ضيقة تتعارض مع المصالح العامة، وتعني عدم الاكتراث بهموم الناس والعجز عن معالجة المشكلات.
 
 
وأخيراً نقول: بإمكان كل حزب سياسي كوردستاني أن يكون شريكا في الحلّ أو التصعيد، وبإمكانه أن يضيع وقته في التعبير عن المواقف والآراء المُضللة وخوض معارك إعلامية للفت الانتباه ومحاولة التحلل من عبء الأخطاء وتراكماتها، والإنجرار نحو صراعات داخليّة تصب في التخلص من المتنافسين على المواقع والمناصب الحزبية، لكن لن يكون في إستطاعته تغذية المزاعم والافتراءات بحق شركائه في الحكومة أو التحكّم بوحده في الوضع الكوردستاني، لأن هذا الأمر يؤدي الى السخرية والنقمة وتوترات تعرض الأمن القومي لتهديد لا يقل خطورة عما يأتيه من الخارج، ولا أحد يمكنه توقع أبعاده في المستقبل.
أما رواية الحكاية بين الأحزاب السياسية الكوردستانية وبين حكومة الإقليم طويلة والكل يعتبر نفسه فيها بطل وصاحب فضل وحق، ولكن مهما تنوعت الإدعاءات، هناك حقيقة واحدة سيسجلها التاريخ على الإطلاق وهى أن الخطر الذي يأتي من المخطئين في كوردستان يهيئ الفرصة لزيادة معاول الهدم الخارجية.
 
 
 


27
كل الأوقات ملائمة لقتل الكوردي
صبحي ساله يي
العوار التاريخي والسياسي والأخلاقي، غيّر أموراً كثيرةً وطغى على الوطنية وعطل الإنسانية، وهدم الكثير من جسور التعايش في منطقتنا، وقسّمها بين (عرب، ترك، فرس) المسحقين لكي يكونوا أصحاب سلطات دول ومقاعد في الأمم المتحدة وجيوش جرارة مدرّبة تمتلك كل أنواع الأسلحة الحديثة، وبين أناس (كورد) مجرّدين من أي سلاح، يستحقون القهر والشقاء والحرمان والتمييز والقتل والإبادة والصهر والتهجير والترحيل.
لذلك على الكورد، أينما كانوا، أن يعلموا أن هناك ثلاث حقائق لا يمكن إغفالها : 
أولها، أن الحكومات التي تحكمهم، سواء كانت الحكومات ملكية أو جمهورية قومية أوعسكرية أو دينية أو عقائدية، تتغير، وربما تنقلب على حالها أو ينقلب عليها، أو تتقاتل فيما بينها، أو تتورط ولا تستطيع أن تفرق بين المخاطروالفرص، ولكن السياسات تجاههم تبقى ثابتة ولاتختلف، وسيعانون من الشوفينية أو العنصرية أو المذهبية ومن التطرف والعنف والإرهاب والحروب التي تفرض عليهم كما تم فرضها قبل الآن، وستنهال عليهم الصواريخ والدرونات والقذائف الشرقية والغربية.
وثانيها، أن التسهيلات والإنفراجات، أو لنقل، الإنعطافات في أحوالهم المليئة بالألم والأمل، تثير الإهتمام، وبالذات عندما تتخللها بعض الوئام والإستقرار والبناء والمبادرات العقلانية، بعد ثورة هنا أو إنقلاب هناك أو بعد عملية ديمقراطية شكلية وبروتوكولية، وتتولد عنها بعض الإمكانات للانتعاش، وتصاحبها مجموعة تطورات تعمل على تقنين التوافقات والإتفاقات، لكنها لن تكون دائمية ولا تفتح أمامهم أبواب جديدة، لأنها تدور وتمضي حسب الوقت والمكان وتتوقف عند خطوط حمراء التصعيد والوعيد والنهديد وإعلان الطوارىء والأحكام العرفية والحرب المقدسة ضدهم.
وثالثها، رغم أن قدراتهم الإنسانية ليست قليلة ولايمكن الإستهانة بها، ولكن مهما حاولوا الإمعان في فتح أذرعهم للإحتفاء بالآخرين، سيبقون أنصاف مواطنين لا يؤخذ برأيهم في القضايا المصيرية، وضحايا اتّجاهات وميول وأوهام الذين يرفضون الاستفادة من تجربة الماضي وتسمية الأشياء بأسمائها. وعند الذين يعانون من العقدة الكورديّة، يعتبرون أبناء الجن وكفرة وإنفصاليين وإرهابيين وعملاء للصهاينة وأحياناً محتجين ضد الله، ولا يستحقون الحياة من الأساس. والأزمات التي عانوا منها في الأمس تبقى على حالها في الغد، والتحديات التي تواجههم تتضاعف نتيجة ملائمة سفك دمائهم في كل الفصول والمناسبات، ولا يحصلون على فرص العيش كمواطنين متساوين مع غيرهم في الحقوق، رغم انهم أثبتوا أكثر من آلاف المرات أنهم ليسوا الخاسرين الوحيدين، وأن السياسات العدائية التي تفرض عليهم تلحق الضرر بهم وبالذين يرفضون التطور والتخلص من أسر عقد الماضي.


28
هل يتحول إئتلاف إدارة الدولة في العراق الى حقيقة ؟
صبحي ساله يي
  بعد أن أصيب الشعب العراقي بخيبة أمل كبرى بالعملية الديموقراطية التي كانوا يصبون اليها، وبعدما تم تفريغ تلك العملية من محتواها الرصين، وتخريبها وتشويهها وإيصالها الى حافة الهاوية وحالة اليأس نتيجة لتهميش الدستور وعدم إحترام نتائج الإنتخابات وتحويل الخاسرين الى فائزين، وتمكينهم وفق عملية ممنهجة من سلب حق الآخرين، تدارك الخاسرون الوضع وتناقض إدعاءاتهم مع الزمن فأخذوا يبحثون بشتى الوسائل والطرق عن خارطة طريق غير محددة لعبور النفق المظلم، وعن ترقيعات تنتشلهم أو في أقل تقدير توقف الإنهيار الشامل لمنظومتهم وتدحرجهم نحو النهاية الصفرية.
  لبسوا لباس الوطنية وطرحوا مبادرات تهدف لترطيب الأجواء وفك العقد، وأعلنوا عزمهم على تسوية كل المشكلات مع الكورد والعرب السنة (رغم أنهم لم يعتبروهم شركاء حقيقيين ولم ينظروا اليهم بعين الود)، وأعلنوا عن رغبتهم في تشكيل (إئتلاف لإدارة الدولة) معهم.
  الكورد والسنة الذين لديهم حساباتهم القومية والوطنية، رغم يقينهم من أن التحالف أو حتى الإتفاق معهم صعب وبعيد عن المنال وعقد الآمال عليه سيكون دون جدوى ومن المستحيل أن يؤسس لدولة تليق بالعراق وأهله، تجاوبوا لدعوتهم ليخففوا من حدة التوترات وليتحدثوا معهم بصراحة عن قضايا تستوجب تقديم تنازلات ملموسة، وإنخرطوا معهم في حوارات دخلت بعضها في أدق تفاصيل المشكلات. وأكدت بعضها الآخر على ضرورة رؤية الماضي كما هو بحسناته وسيئاته، ووضع الأمور في نصابها وعدم إهدار الفرص وإضاعة الوقت في أخذ المسكنات والهدن المؤقتة وترحيل الأزمات، وتحدثوا معهم عن تجاوزاتهم ومراوغاتهم ومناوراتهم وعدم التزامهم بالعهود والوعود والمواثيق والإتفاقات، وقالوا لهم إنكم السبب لإنعدام الثقة بيننا وبينكم، وبخطواتكم تسببتم بإفتعال مشكلات معقدة ومتشابكة، وأسهمتم في الخلط بين عناصر خارجية وداخلية لتشكيل تهديدات ومؤثرات قوية على المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، وبمغالطاتكم وعمليات تشويش متعمدة وبكل ما تملكون من وسائل، حاولتم خنق ثقافة التسامح والقضاء على كلّ ما هو جميل،  وحرمان العراقيين عموماً من حقوقهم الدستورية ومكاسبهم التي حصلوا عليها بتضحياتهم ودمائهم.
  للأسف، قبل أن يتم إختبار نواياهم، أحسن البعض الظن بهم أكثر من اللازم فعبروا عن تفاؤلهم بالتوصل معهم إلى إتفاقات تضمن الشراكة والتوافق والتوازن في الحكومة المقبلة، وصدرت عنهم بيانات وبلاغات يستطيع كل طرف أن يجد فيها ما يريد، ويؤكد على تحقيق نصر سياسي ومعنوي. علما أن المراقب للاوضاع يعلم ان عقد إجتماع واحد، أو عشرة إجتماعات أو مئة مع هؤلاء لا تكفي لتسوية المشكلات وإنهاء الخلافات المستمرة معهم منذ سنوات، ولا يستطيع التفاؤل بتنفيذ الإتفاقات معهم لأنهم سبق لهم وأن ضربوا عرض الحائط باتفاقيات كثيرة. مع ذلك يمكن إنتظار التطورات التي تتكفل بفك الألغاز وحل المعادلات المختلفة وتحويل إئتلاف إدارة الدولة الى حقيقة تتعايش مع الواقع العراقي الراهن أو الى وَهمٌ يمنح العراقيين بعض المسكنات التي لا تعالج جراحهم التي مازالت تنزف، وَهَمٌّ يُعقد التشابكات، خاصة وأن الإتجاهات السياسية في العراق لا تبشر بالخير، والكثير من اللاعبين السياسين لا يكترثون بالنتائج التي تأتي بعد نسف الإتفاقات، وحتما حينها، وبكل بساطة، سيديرون ظهورهم للكورد والعرب السنة ويمضون في طريق إيجاد المبررات التي تساعدهم على الهروب إلى الأمام وإلقاء المسؤولية على الآخرين.
 
 


29
مؤتمر البارتي ورئيسه والبيشمركه
صبحي ساله يي
بعيداً عن المبالغة، وقريباً من المعطيات الحقيقة، يمكن القول أن مجرّد انعقاد المؤتمر الرابع عشر للحزب الديمقراطي الكوردستاني، البارتي الاكثر فاعلية على الساحة السياسية الكوردستانية والعراقية، هو نصر كوردستاني قائم بذاته، وتأكيد لوضوح الرؤية الفكرية لصلابة الموقف السياسي في الحفاظ على المصالح القومية وحمايتها. ودليل على أنه حزب قادر على النهوض والإنطلاق نحو الأحسن والبناء و التطور وتقديم الأفضل والصعود الى العلا، رغم وجود المنافسين والمخالفين. حزب إتجه نحوه كل الأنظار وإستوعب الحقائق وأعطى حق النقد وإبداء الرأي لكل كوادره وأعضائه، وتقبّل الآراء المخالفة الثقيلة والصعبة، لأنه كان على يقين بأن الواقع يفرض قبول الجديد الجميل الذي لا يمس بالقديم الأجمل. وأدرك أن رفض المخالف رهان له خطورة وتأثيرات سلبية، ويعني رفض الكثيرين وتعطيل طاقاتهم وعقلياتهم المختلفة، وبفضل تنوع العقلية السياسية النابعة من تنوع وأختلاف الآراء والوعي والشعور بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية، دوخ أعداءه ونال دعم وإحترام وإعتزاز الشعب الكوردستاني وغالبية الفعاليات السياسية الدينية والمذهبية العراقية. وقاد بنجاح مسيرة طويلة حافلة بالتفاني والتضحيات، لخدمة تطلعات الجماهير في كوردستان والعراق.
 المؤتمر حظي بإهتمام لافت من قبل وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية والمراقبين السياسيين المحبين والكارهين، لإنعقاده في هذه الظروف الحساسة والدقيقة التي يشهدها العراق وكوردستان وإشتداد حدّة أزمات عديدة، تأتي في مقدمتها تأثيرات وتداعيات خرق الأصدقاء، الذين كانوا بالأمس القريب حلفاء، للدستور والوعود والعهود والإتفاقات وما أحدثتها من إنقسامات وتوترات، وما تركتها من جراح ما زالت تنزف. وأعاد (المؤتمر) الى الذاكرة جمال وروعة صمود البارتي أمام المحاولات البائسة والهجمات الشرسة التي أرادت قهر وحدة وتماسك الكوردستانيين، وعملت بکل مالدیها من قوة من أجل هدم إستقرار الإقليم وأمنه وإيقاف نهضته الإقتصادية والعمرانية والمدنية. وعندما وضع  الرئيس مسعود بارزاني على المسميات أسماءها بعيداً عن المجازات والاستعارات البلاغية والتشبيهات وبفصاحة كوردية وصوت جهوري إنه (بيشمركه)، وقال: (أعظم مهمة وأرفع منصب أفتخر به دائماً هو أنني بيشمركه)، تساءل البعض:
من هو البيشمركه، وما هو سر قدسيته، وما سبب إعتزاز الرئيس مسعود بارزاني وغالبية أبناء شعب كوردستان بكونهم من البيشمركه؟
البيشمركه الذي يمكن وصفه بأنه (الإنسان الذي يستبق الموت لتحقيق الهدف الأسمى)، مواطن متطوع ملتزم بكامل حريته للقيام بعمل وطني وقومي وإنساني، مؤمن بقضية وعقيدة نابعة من القلب لتحقيق الذات من خلال تقديم خدمة تطوعية يهدف إلى الحفاظ على حياة وكرامة الإنسان، ويسعى للتغييرالإيجابي ولتعزيز وإعلاء القيم الذاتية الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية السامية من خلال التوجه نحو العطاء بأغلى وأثمن ما يملك دون مقابل .ومن خلال عمله يعزز روح المبادرة والإبداع وينمي الشعور بالالتزام والمسؤولية والمشاركة الجماعية البعيدة عن الأنانية.
وفي الحرب ضد داعش الإرهابي أصبح البيشمركه رمزاً عالمياً للمقاومة وعنواناً للشجاعة.
ويمكن القول أنه صمام أمان للديمقراطية والفيدرالية في كوردستان والعراق، وفارس شجاع يستمد قوته وبعده الروحي والأخلاقي من القضية التاريخية لشعب كوردستان، ويعتمد في تعامله مع الأسرى والجرحى والقتلى على قوانين ومواثيق الحرب المتفق عليها دوليا، وإنه حب للانسانية وغرس للثقافة البعيدة عن التعالي والإنحدار إلى مستويات متدنية في الإنتقام أو اللجوء الى الإرهاب أو الإيمان بالعنف طريقا أو أسلوبا في الحياة، وعمل يؤدي الى تقوية التقدير الذاتي والشعور بالرضا والسمو الاخلاقي والنفسي والوقوف عند الاخطاء ومحاولة تصحيحها، دون تضييع أولويات العمل السياسي ومتبنياته الموضوعية، أو التفريط بالقضايا الجادة التي يناضل من أجلها.
 


30
المنبر الحر / رسالة رئيس
« في: 16:00 23/10/2022  »
رسالة رئيس
صبحي ساله يي
  كان إنتخاب رئيس جديد لجمهورية العراق مناسبة ليؤكّد فيها الرئيس مسعود بارزاني من خلال رسالة وجهها الى الرأي العام أهمّية منصب رئيس الجمهورية، ودوره في حماية الدستور والسهرعلى تطبيقه، فضلا عن حماية مكاسب العراقيين والكوردستانيين المتحققة خلال السنوات الماضية، ومواجهة التحديات الملحة الآنية والمستقبلية التي تهيء المناخ السياسي الجديد الذي يضع حداً للمعوقات والأزمات والذي يمكن أن يحافظ فيه على مصالح جمهورية العراق الاتحادي الفدرالي وإقليم كوردستان.
  ركز الرئيس في رسالته على فشل المحاولات العديدة التي جرت لمصادرة إرادة وحقوق الشعب الكوردستاني، وفرض شخص خارج إجماع الكوردستانيين وإرادتهم، وعدم السماح بتجاهل تلك الإرادة الصلبة، مؤكداً على أن الأهم بالنسبة للكورد من المناصب والمراتب هو ما يتعلّق بـ"بالمبدأ"، الذي نجح في عدم القبول بفرض أي شخص خارج إرادة الشعب الكوردستاني ليصبح رئيساً لجمهورية العراق.
 لقد صارح الرئيس بارزاني الرأي العام بشأن ما تفرضه العملية السياسية في المرحلة المقبلة التي ستكون صعبة للغاية، والتي لايمكن تحصينها وحل جميع إشكالاتها إلا بإتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الاستباقية، ودراسة أبعاد وأسباب كل مشكلة والتفاصيل المتعلقة بها ومضاعفة الجهود الجدية لرفع العراقيل والإبتعاد عن المواقف الاعلامية الإستهلاكية والمزايدات السياسية التي لا تغير شيئا من المعادلات السياسية.
  أما الذي كان لافتاً، فهو خلو الرسالة ولو بالإشارة الى إسم الرئيس السابق للجمهورية الذي توهم أنه يستطيع أن يسير على مناوراته وأخطأ في حساباته وراهن على غير الكوردستانيين في سبيل نيله للموقع قبل أربع سنوات وفي سبيل البقاء فيه للفترة المقبلة، والذي أتكل على توازن لم يعد موجوداً، وعلى عوامل عدّة سمحت له في العام 2018 بتحقيق شبه فوز أو شبه إنتصار لا يمكن إستثماره بعيداً عن البيت الكوردي، أو الدخول في مساومات تخلط بين المسموح والمحظور.
  لهذا التجاهل للرئيس الخاسر أسباب منطقية وأخرى واقعية. كما لعدم التطرق الى الرئيس المنتخب، أهمّية خاصة في عالم السياسة المليء بالتعقيدات، وفي إختلاف حسابات البيدر مع الحقل، وفي تغيير ما هو غير مشروع، والتصميم على إعادة ما هو مسروق، والتأجيل في التطرق الى الرئيس المنتخب في أقل تقدير الى بعد مئة يوم من تاريخ إستلامه لمفاتيح قصر السلام.
  وأخيراً يمكن التأكيد على أن الرئيس الخاسر لم يتوقع الصدمة التي جاءته، ولم يعرف ان العراقيين عموما والكورد بشكل خاص تيقنوا من أنه لم يرس أسس الديقراطية ولم يفهم معانيها وما زال بعيداً عن التقرب من مقوماتها وتقاليدها، بل لم يحترم القانون والاقوال والوعود واللياقة وحسن التصرف. ورفض التسليم بالأمر الواقع أو حتى مراعاة ذلك الشىء الذي يسمى (بروتوكول)، وضرب عرض الحائط كل القيم والأعراف الديمقراطية التي صدع بها رؤوسنا طوال السنوات السابقة. وأن ما لم يفهمه على وجه التحديد قوة الذين تحداهم ومكانتهم .
 


31
خيانة اكتوبر 2017، لا تنسى بالتقادم
صبحي ساله يي
لم ينتظر الكوردستانيون، قبل وخلال وبعد الإستفتاء الشعبي العام الذي جرى في 25 أيلول 2017، من جيرانهم ذلك الإعتراض الشديد الذي وصل الى الحصار والتجويع وحشد القوات على حدودهم وشن الهجمات العسكرية المباشرة عليهم، وغلق مطاراتهم لمجرد توجههم نحو صناديق الإقتراع للتعبير عن رغبتهم في العيش كالشعوب الأخرى. كما لم ينتظروا منهم  التهديد من عواقب وخيمة، وبالأخص بعد أن أكدوا أكثر من مرة، وفي أكثر من مجال، إنهم لايشكلون تهديداً لأحد. ولكن الحقد والعداء الدائميين في قلوب وضمائر هؤلاء تجاه الكورد بشكل عام وإقليم كوردستان بشكل خاص ورغبتهم الشديدة في رؤية الكورد ضعفاء ينهشهم الفقر والحرمان، قادتهم الى التعامل مع الحاضر بروح وسياسة الغزوات القديمة .
حكومة (حيدر العبادي) الضعيفة المتهالكة تناست الدستور العراقي الذي أقره أكثر من 80% من العراقيين والتاريخ المشترك وسيادة ومصالح العراق ولم تضعها في الحسبان حين شجعت الإيرانيين والأتراك على غلق المنافذ الحدودية والمضي في تحشيد القوات العسكرية على حدود إقليم كوردستان. وحاولت شخصنة الواقع السياسي الكوردستاني مع الرئيس مسعود بارزاني لكي تتمكن من إستغفال الرأي العام العراقي والعربي، وأظهرت المشهد وكأن الرئيس بارزاني، الذي خطف كلّ الأضواء خلال سنوات الكفاح والنضال في جبال كوردستان وفي انتفاضة الكوردستانيين في ربيع 1991 وإنتخابات برلمان كوردستان وتشكيل أول حكومة للاقليم وفي إعادة بناء العراق الجديد وممارساته العقلانية المليئة بالهدوء والتروي والحكمة والتواضع وفي إظهار الشجاعة والإستبسال خلال سنوات الحرب ضد داعش ودحره وكسر شوكة الإرهاب والإرهابيين، وكأنه خطر يهدد الجميع، كما قامت ( حكومة العبادي) بتقديم الاستفتاء في الإعلام العراقي والتركي والإيراني الملوث بسموم الثقافة العنصرية، بإعتباره وحش يسعى إلى إلتهام دول المنطقة.
الذي ساهم في مساندة تلك التوجهات الظالمة ضد الكورد فى إطار أكذوبة (خطة فرض القانون والدستور) والإصابة بالغرور والغطرسة والشعور الزائف بالثقة بالنفس، ومحاولة ممارسة الإستعلاء على الكورد، هو وجود رئيس جمهورية ضعيف (فؤاد معصوم)، ورئيس برلمان شوفيني (سليم الجبوري) وسفير أمريكي غبي وسفير بريطاني طامع في نفط كركوك، ولولا وجود هؤلاء في تلك المواقع لكان الأمر مختلفاً بكل تأكيد. ما أقصده هو أن العبادي ما كان يجرؤ على مجرد الإقتراب من سواتر ودفاعات قوات البيشمركه، ناهيك عن زج قواته وقوات الميليشيات المسلحة التابعة لإيران وقوات حزب الله اللبناني والسلاح الامريكي في معارك كركوك وبردي وسحيله والحمدانية، ولما كان قادراً على جر جماعة كوردية ذيلية خائنة إلى جانبه في معاداة الكوردستانيين وشن الحرب على شعب كوردستان.
خلال الخيانة وما بعدها تنبه المجتمع الدولي إلى الأمر ولكنه لم  يحرك ساكناً، بل أدار ظهره لشعب وحكومة الإقليم، كما غيرت جهات عدة الشك الى اليقين عندما إتحدت تحت خيام الوهم، وأخذت تبحث عن ورقة رابحة تحقق لها طموحاتها عبر بث الفتن لإرباك الأوضاع، وإعادة الإقليم الى المربع الأول. ولكن شجاعة قوات البيشمركه وبسالتهم في الدفاع عن أرض كوردستان وإلحاق الهزيمة بالقوات المعتدية، والعداء التاريخي بين إيران وتركيا وفقدان الثقة بينهما،  قد سهل التعقيد وساهم بكسر الحصار المفروض على الكوردستانيين.
اليوم ونحن نستذكر تلك الخيانة المشؤومة لابد أن نقول بإنها تركت جرحاً عميقاً لا تنسى بالتقادم، وغطت على الكثير من الخيانات السابقة التي أرتكبت ضد الكوردستانيين، أما التأريخ فقد أعاد نفسه بإسلوب أقذر ووجه أقبح، وأضاف مآساة مروعة أخرى الى مآسينا الكثيرة.
 


32
واقعية البارتي وتغيَر الإطارالتنسيقي
صبحي ساله يي
ينظرالكوردستانيون بريبة إلى مواقف الإطاريين التنسيقيين وتغيير تصريحاتهم ومواقفهم من النقيض إلى النقيض، وإلى إيقاف الهجمة الإعلامية الأكثر عدوانية والأقل مجاراة للواقع تجاههم وتجاه حكومتهم وبالذات تجاه الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كما ينظرون بريبة أكبر إلى تحركاتهم السريعة التي توحي أنهم يريدون إنعاش الثقة الهامدة بحسن نواياهم وتبديد المخاوف ومن أجل إقناع الديمقراطي الكوردستاني بأنهم تغيروا، ويريدون إعادة العلاقات إلى ما كانت عليها قبل أكثر من عقد، وبدء حقبة جديدة من التعاون لتسهيل تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ورسم صورة مختلفة عن الصورة التي أدت الى الكثير من التوترات وإلى تشنج العلاقات وإنعدام الثقة بينهم وبين الكورد.
أغلب هؤلاء (الأطاريون) مارسوا ضد الكوردستانيين كل أنواع الدسائس الشوفينية والتضليل والقمع التعسفي، وفرضوا عليهم الحصار وقطعوا عنهم الميزانية، وخلال الحرب ضد داعش منعوا عن البيشمركه حصته من المساعدات الخارجية، وإستعملوا القوة العسكرية وقرارات البرلمان والقضاء ضده، خلافاً للدستور، وضربوا منشآتهم النفطية ومطاراتهم وبنيتهم التحتية بالصواريخ والدرونات وحاولوا زرع الفتنة والإنقسام بينهم لإضعافهم والنيل منهم.
وبالأمس إلتفوا على نتائج الانتخابات وشككوا في الأرقام المعلنة وتظاهروا أمام المنطقة الخضراء وإشتكوا من التزوير وإتهموا دولاً خارجية بالتدخل في فرض النتائج، وبعد بدعة الثلث المعطل منعوا تشكيل حكومة الأغلبية، ومارسوا الضغوط على الفائزين، تارة بالترغيب، وتارة أخرى بالترهيب والتخويف والتهديد والتأليب المذهبي والطائفي وحرق المقرات وإستخدام المسيّرات والقصف المدفعي والكاتيوشات والإرهاب وتوزيع الإتهامات الشنيعة. أما اليوم فإنهم يظنون (وبعض الظن إثم) أن الكرة الآن في ملعبهم، لذلك يبدون فرحين بما كسبوه، وأن حكومتهم الجديدة باتت قاب قوسين أو أدنى، لذلك يحاولون بتصريحاتهم وتلميحاتهم وزياراتهم التسويق لمرحلة جديدة، وتوظيف دبلوماسية الكواليس لتحقيق مآربهم. وربما، لمقتضيات مصالحهم الخاصة وسعياً وراء تغيير صورتهم المألوفة سيظهرون بمظهر الحريص على تنفيذ الإتفاقات والتعهدات الواضحة والإلتزام بالدستور والقانون والمواثيق. مع ذلك، يتعامل الديمقراطيون الكوردستانيون معهم بواقعية، ولكنهم لا يثقون بهم لأنهم يعرفون أن تاريخ السياسة، حتى الميكافيلية منها، لم يشهد خيانة أبشع من خيانة اكتوبر 2016، التي شارك فيها هؤلاء بالسلاح والميليشيات أوالكلام والتصريحات أو السكوت تجاه تلك الخيانة التي يندى لها الجبين. ولا يثقون بهم لأنهم على يقين بأن الظروف أجبرتهم على التغيَر، وربما سيعودون إلى سالف عهدهم إذا نالوا ما يبتغون، أو فشلوا في الحصول على ما يريدون، وأنهم قد يستعملون مرة أخرى المكائد والإعلام والفضائيات المأجورة والمسيرات والصواريخ كطريقة للابتزاز، وبالألعابهم المتداخلة سيسعون إلى إثارة القلق وتعقيد المواقف، وإجبار الناس على التفكير في أسوأ النتائج الممكنة، وسحب العراق نحو الهاوية.
أما تعامل البارتي معهم ومع الأحداث بواقعية، فلا يعني الاتفاق ونسيان خيانة اكتوبر 2016، ولا يعني التجانس مع المصالح والآراء المتنوعة لأناس زعموا أن الإستفتاء في كوردستان ينتهك الدستور، ولجأوا الى التصعيد والإقتتال، بينما تركوا التفاصيل غامضة، بل هو إبداء الرغبة في عودة تدريجية للعلاقات الإيجابية من أجل إعطاء الفرصة لتصويب الأخطاء التي قادت إلى المشكلات في السنوات الأخيرة، ويمكن إعتباره، (أعني التعامل الواقعي مع الأحداث)، حكمة تقليدية بارزانية ورسالة لإثبات حسن النوايا البعيدة عن الإنتقام. ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن ما يفعله البارتي في تعاطيه مع الأزمات في العراق نابع من حرصه على إنقاذ ما يمكن إنقاذه في العراق.
 
 

33
في الإستفتاء.. كان عند الرئيس بارزاني مَنْ يسمعه
صبحي ساله يي
بسبب تهميش الدستور العراقي والخرق المشين لأكثر من خمس و خمسين مادة  من مواده المتفرقة الواضحة والغامضة، وتعمد الطائفيين والمذهبيين والشوفينيين بإنتهاج سياسات مشحونة بالقلق والشكوك والشبهات، وأعتمادهم على الأكاذيب والشائعات والمفتريات والإختلاقات كمراجع ثابتة تتخذ عليها مواقف وحسابات ضيقة تزعزع اليقين والثقة وتفضي الى نشر الفوضى والخراب وتجاوز الخطوط الحمراء بكل أريحية، تضخمت الأزمات بين أربيل وبغداد، وأصبح الحديث عنها في العلن وبمنتهى الوضوح والصراحة. وشارك الدعي المسلح، والدجال والمشعوذ ونكرات الاعلام الشوفيني والمسؤول الفاشل الذي كان يريد الاحتفاظ بمركزه في الإدلاء بدلوه في حملة معاداة الكوردستانيين وتجربتهم. كما تم توظيف وعاظ الفتنة والنطيحة والمتردية، الذين عشعشوا في رحم الفساد، في سبيل بث السموم وإثارة نعرات الحقد والكراهية، وللتعبير كسيل جارف عن ما يتغلغل في قلبوبهم وأفكارهم تجاه الكورد وكوردستان من أحقاد مطعمة بالتفاهة البعيدة عن الأخلاق والضمير، والتي لا علاقة لها بالسياسة ولا بحرية الرأي.
الكوردستانيون، من جانبهم، وقفوا عند مفصل تاريخي هام وتحتم عليهم الاختيار بين الوقوف على خيوط رفيعة ودفن الرأس في رمال متحركة دون معرفة المآلات والنتائج والتداعيات، وبين التصرف بحكمة نبيهة وقناعة غير مهزوزة أومغشوشة والصمود على أرض صلبة أمام الهجمات، ورفض التقهقر والتمزق، والذهاب بخطوة دستورية وقانونية تنسجم مع كل القيم الارضية والسماوية نحو المستقبل.
 بين هذا وذاك وبعد الإتكال على الله والشعب الكوردستاني، شكلوا وصاغوا وعياً جمعياً كان يسكن في نفوس وأذهان الكثير منهم رغم إختلاف رؤاهم وتوجهاتهم، وأتخذوا قرار اللجوء الى الاستفتاء الشعبي العام حول تقرير مصيرهم، وفي الخامس والعشرين من ايلول عام 2017 دخلوا مرحلة جديدة في تاريخهم، بآليات وادوات وأهداف مشروعة، وجميعهم تقريباً، إصطفوا أمام مراكز الإقتراع ينتظرون لحظة قول الحق وما في قلوبهم والمطالبة بالعدالة والحرية والاستقلال بالاتفاق والتفاهم. هؤلاء شدوا الإنتباه والعين وأرسلوا رسالتهم المكشوفة المليئة بالحصافة والنباهة والذكاء والصدق الى أسماع العالم وحققوا إنجازا ما بعده إنجاز، وأكدوا مرة أخرى على سلمية نضالهم وإحترام العلاقات التأريخية التي تربطهم ببقية العراقيين وحماية مصالحهم المشتركة والمتشابكة.
لكن الذي حدث بعد تلك التظاهرة السلمية الديموقراطية الرائعة التي شهدتها المنطقة لأول مرة، وشهدها العالم أجمع هو : أن إنتصار الإستفتاء الذي دخل التأريخ من أوسع ابوابه كوثيقة رسمية، قد أعمى بصر وبصيرة المصابين بحالة الغباء، وتآمر ضده أطراف مختلفة، وتحالف مراكز القرار العنصرية والطائفية في بغداد مع قوى اقليمية ضدنا وسط صمت دولي مخزي متعارض مع كل مبادئ حقوق الانسان، وتجاهل متعمد للدعوة السلمية النبيلة للقيادة الكوردستانية من أجل الحوار والتفاهم والاتفاق، وإجتياح 51% من أراضي كوردستان بالإعتماد على القوات الاجنبية.
اليوم ونحن نسنذكر ذلك اليوم العظيم، نؤكد على أن إجراء الإستفتاء على الإستقلال (في 25 أيلول 2017) كانت دعوة نبيلة طاهرة المقصد إلى كتابة عقد سياسي وإجتماعي جديد، وبحث مخلص عن سبيل للنجاة، لذلك لاقت تجاوباً واسعاً من الجماهير الكوردستانية، وأثبتت أن الرئيس مسعود بارزاني كان عنده مَنْ يسمعه، وما زال عنده من يسمعه. وللأسف نلاحظ أن العراق ما زال جريحاً يعاني من كل أنواع التعقيدات، والأمل بإنقاذ ما يمكن إنقاذه وبتحسن الوضع العراقي وتعايش مكوناته بسلام وحصول مواطنيه على الأمن والأمان والخدمات الأساسية محض خيال..
 


34
الكوردستانيون وعطر ثورة أيلول
صبحي ساله يي
في الحادي عشر من أيلول عام 1961، أي قبل 61 عاماً، تعاهد وتعاقد جمع من الابطال الكوردستانيين، بإمكانات وإدوات مادية متواضعة وقدرات وأفكار وتطلعات قوية، على السير في طريق الثبات لتحقيق السلام والحرية لشعب يحلم في العيش الحر الكريم في وطن. وساروا، وهم مدفوعين بالحرص والمسؤولية عن كل ما يخص الكوردستانيين وكل ما يضمن الخير لهذا الشعب وحاضره ومستقبله، في المنعرجات والدروب الوعرة والقاسية في سبيل التغلب على العثرات وتجاوز الصعاب أياً كانت.
قصة هؤلاء الابطال قصة صمود ووعد وأمانة الأمس واليوم والغد، قصة أضفت بجذوتها وقدرتها الجبارة الشرعية والموضوعية على إمكانية مجابهة النزعات الفردية والآلة والإمكانيات والقوات العسكرية المدعومة اقليمياً ودولياً، بنزعة نفسية بناءة وإرادة ترفض الانكسار والإستسلام وتتصدي للوثة التخوين والتعالي والتنصل من الأخطاء برؤى وأفكار قابلة للحياة .
 بعد ذلك الخريف، وبعد أن فاح عطر ثورة أيلول التحررية وبات مسارها بقيادة الخالد مصطفى البارزاني أكثر إتضاحاً للجميع، وبعد أن تمتعت بخصوصية جعلتها مختلفة عما سجله التاريخ من ثورات، من حيث الدوافع والترتيبات والحسابات، وبعد ما فاح عنها من عطر وما نتج عنها من تغييرات سياسية وعسكرية هائلة ورفع شعار(الحكم الذاتي لكوردستان والديمقراطية للعراق)، وبعد ما دفع الحزب الديمقراطي الكوردستاني من الأثمان الباهضة لحسن نواياه وصبره وضبط نفس أعضائه ومؤيديه من أجل الحرية. إستطاعت الثورة بإمكانيات العمل المتاحة والنضال وفق محددات الواقع ومتغيراته برؤية واعية، إستقطاب الرأي العام الكوردستاني والعراقي والإقليمي والدولي وبناء جسور التواصل مع الأحرار في كل مكان، وإثبات حفظ الامانة بهدوء وتعقل، وحظيت بتشجيع وبركة ورضى أعلى مرجعية دينية شيعية في العراق، حيث أبى السيد الحكيم الكبير أن يصدر فتوى بعدم شرعيتها، رغم أنف حكام بغداد وضغوطهم المتواصلة. وفي المقابل تهرب المختطفون للقانون والمستغلون للعواطف والحاجات والطاقات، من التزاماتهم وعهودهم، وتجاهلوا الحقائق وشوهوها، وإنتقاماً من ثورة أيلول العارمة التي شارك فيها الكوردستانيون جميعاً والكثير من العراقيين، ألحقوا بالكورد الكثير من الأذى والكوارث الرهيبة، وتعددت الاجراءات السلبية، وبدأت حملات واسعة لإعتقال أعضاء وأنصار الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وأصبح التنكيل بالكورد نوعاً من أنواع الوطنية.
اليوم ونحن نستذكر تلك الثورة ومساعيها السلمية والوطنية والإنسانية وجهودها في سبيل نشر قيم ومبادىء التسامح والتعايش، نشعر بأن وجع الذاكرة مازال يئنّ، لأننا نلاحظ بألم وكأن الذين حاولوا إفتراسنا في الماضي مازالوا أحياء يمارسون ذات الطقوس والتعنت والصلف النفسي وبعثرة الوئام وزرع الاحباط واليأس في القلوب ومنع لملمة الصف والكلمة ووأد الأحلام المتبقية بالعبث والأنانيات الفردية ونزوات النفس الأمارة بالسوء من خلال التعامل مع متغيرات الأحداث بطريقة ساذجة وسطحية.
في ذكرى تلك الثورة، ولأنه يجب قول الحقيقة كاملة، ولأجل أن يعرف الأبناء والأحفاد الذين باتوا مشغولين بقضايا وأمور كثيرة قد فرضتها معطيات الزمان المستجدة هي : أنّ الزعيم والقائد مصطفى البارزاني الخالد الذي تجلت مواهبه السياسية والقيادية منذ مطلع شبابه، والذي امتزج تاريخ الوطنية والسياسة في كوردستان بحياته وبحياة عائلته الكريمة، قد تحدى الواقع المرير والأوضاع البائسة وبحضوره الفاعل والمؤثر، وبحزمه وهيبته وقدرته الفائقة على الإستشراف وسرعة البديهة وعقله المدبر القادر على إتخاذ القرارات الصائبة في الأوقات المناسبة غيّر مسيرة التاريخ بالنسبة لشعبنا وأمتنا.
 


35
العراق بين نوايا وهواجس الحاج والسيد
صبحي ساله يي
الحقيقة التي لا يمكن إخفائها في العراق هي أن العملية السياسية، بعد تفريغها من محتواها نتيجة تهميش وخرق الدستور والتدخل الخارجي وتشريع قوانين وإصدار قرارات تخدم الفساد والتخلف والنهب، وبعد تدمير البنى التحتية للبلاد وتفشي البطالة وإنتشار الميليشيات والمخدرات والعصابات المنظمة ووضع قطاعات واسعة تحت خط الفقر، وبعد حالات الشدّ والجذب بين قوى الإطار التنسيقي والتيار الصدري، والمشهد المعقد الملىء بالإنفعال والاتهامات المتبادلة وتضائل الثقة ببعض الفرقاء وشعاراتهم المليئة بالكلام المكرر، أصيب الشعب العراقي بخيبة أمل كبرى بالنظام الذي كان يصبوا اليه، وصلت (العملية السياسية) الى الاحتضار ونهايتها المحتومة.
مع ذلك نلاحظ (في الوقت الضائع) أن الذين يتمنون إنقاذ العراق والعراقيين، يعلقون آمالهم على الحوار، لأنهم متيقنين من أن فتح الانغلاق بحاجة الى مفتاح تحكيم العقل، وأن الحوار المباشر الواضح والصريح، خاصة في اللحظات التاريخية الفاصلة هو أفضل السبل لاستيعاب أبعاد الخلافات والإختلافات وفهم مضامينها وتذليل العقبات التي تعترض التفاهم والاتفاق، وهو أقصر الطرق لتسمية المشكلات بمسمياتها ومنع الإنزلاق نحو مناطق الفوضى العارمة والإنهيار والدخول في متاهات الظلمات. ولكن هذا يعني أيضاً أن المتحاور بدوره يجب أن يتحلى بالإتزان والهدوء والإخلاص والنأى بالنفس عن الغرور والغموض والالتفاف على الحقائق أو تغييب الثوابت وضبط النفس وإحترام إرادة الطرف الآخر، والشجاعة في الدفاع عن الحق وبيان جدواه، والدقة في تفسير الأمور وتحديد مكامن الخلل والتفريق بين المفيد وغيره، والكياسة في وضع الآليات المناسبة للحل ولتذليل العقبات. وهنا فإن الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح هي: هل الطرفان المتنازعان في العراق من محسومي الولاء للعراق والعراقيين، وهل هما من المستعدين للنزول من أبراجهم العالية لتسوية المشكلات وفق مبدأ لا غالب ومغلوب ؟.
حتى الآن، كل المراقبين للأوضاع السياسية في العراق يؤكدون على إن هؤلاء أخفقوا في تحليل الأمور والتعبير عن رؤية واقعية دقيقة عن أهدافهم، ومارسوا سياسات الإندفاع والتراجع والصراع ولي الأذرع بين أنفسهم ومع الآخرين في سبيل الحصول على منافع شخصية وحزبية وطائفية وأهدروا الجهود والأوقات، وتجاهلوا تضحيات العراقيين والمصالح العليا للبلد والعمل المشترك مع الأطراف الساعية الى تقديم الخدمات المواطنين وإنهاء أو تقليل معاناتهم، لذلك يتحملون قسطاً من الواجبات والمسؤوليات. ولكنهم نجحوا في إختيار الجمل الفصيحة والمفردات اللغوية والعناوين الدقيقة للوطنية والإخلاص والوفاء للوطن والمذهب وأبناء المكون الأكبر، وبعضهم خانوا الشعب وسرقوه وإضطهدوه وجبلوا على المراوغة والمناورة وعدم الالتزام بالعهود والوعود والمواثيق والإتفاقات، وكانوا سبباً لانعدام الثقة بين العراقيين. وبخطواتهم الإستفزازية وإدعاءاتهم الكاذبة، تسببوا بإفتعال مشكلات معقدة ومتشابكة، وإسهموا في الخلط بين عناصر خارجية وداخلية لتشكل تهديدات ومؤثرات قوية على المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والإجتماعية. وبمغالطاتهم وعملياتهم البهلوانية المتعمدة وبكل ما يملكون من مكائد، حاولوا حجب الواقع الحقيقي المأساوي لحياة العراقيين .
مع ذلك يمكن القول : أن الحوار بين الجانبين ( الحاج نوري المالكي والسيد مقتدى الصدر)، إن لم يكن إضاعة للوقت أو هدنة مؤقته، فإنه لن يقدم شيئاً للصدر ولن يأخذ شيئاً من المالكي ولايستطيع ترطيب الأجواء وتسوية الأمور المعقدة. لأنه ليس في إستطاعة الحاج المالكي الإعتذار والتحدث بصراحة عن نواياه، ولا يمتلك الشجاعة التي يمتلكها الفرسان أثناء التعاطي مع الأزمات والإعتراف بالأخطاء التي ارتكبها، نظرا إلى سجله الطويل الملىء بالإنكار وجهود التخلص من الصدر وانصاره وافكاره.
وفي المقابل، ليس في استطاعة السيد الصدر التعاطي مع الواقع وحساباته وإستيعاب الحاضر بحسناته وسيئاته، من دون البقاء في أسر عقده وهواجسه من المالكي والخوف من التطلّع إلى المستقبل في ظل حكومة إطارية ( لو تشكلت تحت الضغط والترهيب والترغيب).
بكلام أوضح لا يستطيع أي من الطرفين (السيد والحاج) الإستغناء عن الإستثمار في تاريخ العلاقة بينهما.
   
 
 


36
وإذا الإطاريُّ سُئِلَ
صبحي ساله يي
حالة الانقسام السياسي والمخاوف من الانزلاق إلى حرب أهلية، وتعنت الأطراف السياسية المتخاصمة على مدى الأشهر الماضية، والتخبّط والتعثّر والإرباك الذي يسود صفوف الإطار التنسيقي الشيعي والذي يراوح ما بين القلق والحذر والفوضى، ويقين الجميع من ان الشعب العراقي منهك جراء الفساد وإنه لم يعد يحتمل المزيد من التصارع، وضغط التيار الصدري، حتماً سيسهم في إستشعار الإطاريين للأخطار القادمة وتداعياتهـا وإنعكاساتها التي تؤشر الى مالا يُحمد عُقباه، ويدعوهم الى التوجه نحو حسم الإستحقاقات الدستورية بأسرع وقت ممكن خوفاً من الإنتقام من جهة، ورغبة في ترتيب الأوراق المبعثرة، والخروج من هذه الأزمات بأقل الخسائر من جهة أخرى، سيرغم الإطاريين على تقديم التنازلات غير الحقيقية الى الأطراف الأخرى، وبالذات البارتي ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني).
الإطاريون، يعرفون جيداً من يرسم الملامح الواضحة والمعاني الختامية في تحديد إتجاهات ومسارات المعادلة السياسية في العراق. ولكن بعنادهم ومبادراتهم العديدة وشعاراتهم وتصريحاتهم، يريدون إستقطاب بعض أطراف المعادلة، والتهرب من الحقيقة وإقناع الآخرين عبر تقاسم رمزي للسلطة، وليس حل المشكلات بين الأطراف المتنازعة، ويريدون تكرار المشاهد السياسية السابقة لضمان حصصهم وإمتيازاتهم ومواقعهم الحساسة وإستئثارهم بالسلطة والانفراد بالقرار السياسي، ويعرفون أن كلامهم وإتفاقاتهم ومخرجات حوارهم مع الكورد والعرب السنة لن تسري على جميعهم، وسيجدون دوماً في صفوفهم من يعارض تلك النتائج وبالذات الجماعات المسلحة الموالية للخارج.
في هذا التوقيت العراقي الصعب، يريد الإطار التنسيقي، المضي بعملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وحتماً، يستعد عدد من قادة الإطار لزيارة اربيل، أو الإجتماع مع وفد البارتي في بغداد. وهم يعرفون أن البارتي الراسخ على أرضية قويَّة، ليس بالرقم البسيط أو السهل الذي يمكن إرغامه على التعاون معهم ضد التيار الصدري، أوالتنازل عن ثوابته وإستحقاقه الإنتخابي وحقوق شعب كوردستان الدستورية.
و(لو) فرضناً أنهم ردوا خلال الاجتماع على كل أسئلة البارتيين المعروفة والواضحة لدى المراقبين، وأكدوا أنهم يريدون تصحيح المسارات بحكمة، وتسوية القضايا الخلافية بحصافة، وتصويب الأخطاء في العراق بصورة مغايرة. وأعربوا أنهم حسبوا الحجم والنفوذ الحقيقي للبارتي ولا يُنكرون أن له تأثيره المحلي والإقليمي والدولي، وجمهوره وقواعده الشعبية، وقالوا عكس كل ما كانوا يزعمون، وإعتذروا بشأن الإتهامات التي وجهت للرئيس مسعود بارزاني والبارتي وشعب كوردستان وعن إطلاق الدرونات والصواريخ والكاتيوشات وعن إصدار القرارات القضائية المسيسة وحرق مقرالبارتي في بغداد ومنع مرشحه السابق (السيد هوشيار زيباري) من تسلم مهام رئاسة الجمهورية، ووعدوا بتلبية كل المطالب التي تدور حول إختيار رئيس الجمهورية، وتسوية بل حتى الغاء قرار المحكمة الاتحادية المتعلق بنفط وغاز كوردستان الذي صدر بضغطهم، وإقرار قانون النفط والغازفي البرلمان العراقي بأسرع وقت ممكن، وتنفيذ إتفاقية شنكال والمادة 140، وتخصيص 17% أو أكثر من الموازنة الإتحادية لإقليم كوردستان، إضافة إلى تخصيصات البيشمركه، وحددوا سقوف زمنية ملزمة لتنفيذ مجمل الإتفاقات .
مع ذلك كله : وبالإستناد على المنطق السياسي السليم المعبر عن حال كوردستان والعراق، وحاجات وتطلعات العراقيين، لا نتوقع أن يثق البارتي بهم وبوعودهم والتفاعل أو الإتفاق معهم على حساب الطرف الشيعي الآخر .
 


37
الاطار لا يختار الحلول
صبحي ساله يي
بعد رفض التخلي عن السلطة، حبًا بها، وخوفاً مما يمكن أن ينتج عن فقدانها من فضائح ومحاكمات، وبعد الإلتفاف على نتائج الانتخابات التي بدأت بالتشكيك في الأرقام المعلنة والتظاهر أمام المنطقة الخضراء والشكوى من التزوير وإتهام الآخرين بالتدخل في فرض النتائج، وبعد بدعة الثلث المعطل التي منعت تشكيل حكومة الاغلبية وممارسة حملة انقلابية منهجية مستندة على ضغوط خارجية وداخلية على كل الفائزين بإستخدام الرشوة والمال الحرام ووعود الحصول على المواقع والمناصب وسلاح التخويف والتهديد بالقتل والتأليب المذهبي والطائفي تارة، وبالمسيّرات والقصف المدفعي والكاتيوشات والصواريخ البالستية البعيدة المدى، والارهاب وتوزيع الاتهامات الشنيعة تارة أخرى، وبعد إنسحاب الصدريين من البرلمان، وصل الخاسرون، بفضل النواب الناجحين بقرار الزحف والتجاوز على الاستحقاقات الانتخابية، الى مرحلة تسمية رئيس الوزراء العراقي وتشكيل حكومة يتحكمون بها.
هؤلاء، في ظل رمال العراق المتحركة، والمتغيراتٌ الكبيرةٌ، والأحداثٌ الخطيرة، ومكائدهم ودوافعهم السياسية المعروفة لدى القاصي والداني، يبدون فرحين تجاه ماكسبوه، ويعتقدون أن الكرة وصلت الى ملعبهم وستبقى فيها، وحكومتهم الجديدة باتت قاب قوسين أو أدنى، لذلك حاولوا بتصريحاتهم وتلميحاتهم الباهتة تغيير بوصلتهم وفق التطورات المحيطة بهم، والتسويق لمرحلة توفر لهم الفرصة ليكونوا لاعبين مؤثرين في العراق. مع ذلك لا يؤمن أحداً، حتى الآن، إن الرغبات المضادّة للديمقراطية قد انتصرت، لأن الإرادة باقية ولم تستسلم، وقد تم ترشيح الكثيرين قبل المرشح الحالي لرئاسة الوزراء وفشلوا وإصطدموا بالواقع السياسي المعبر عن حال العراق، وحاجات وتطلعات الكتل البرلمانية.
أما دلالات فوزهم ومستقبلهم الذي يندرج ضمن إطار معيّن من الجهل السياسي فلا يوجع المتمرّسين في معرفة الحقائق، ولا يؤثر على من يستند إلى الشعب وقيمه الوطنية والقومية والإنسانية، وعلى من لديهم إرادة قوية تمكنهم دراسة السيناريوهات المحتملة. 
   لقد خاب ظنهم، وتبددت أحلامهم وفشلت خططهم وإنهارت مشاريعهم وسط هتافات وشعارات المتظاهرين من انصار التيار الصدري الذين دخلوا مبنى البرلمان العراقي بسلاسة وبخطى سريعة، أسرع مما كان يعتقد الكثيرون، ولم يبق لهم سوى قضم الأظافر وعض الأصابع والجلوس صامتين مهمومين محتارين متألمين كالضائعين على الأرصفة الذين يلتفتون يميناً ويساراً ويسرحون بأفكارهم ويحكون رؤوسهم قلقاً وهماً.
التظاهرة قدمت صورة إيجابية بالغة الأهمية عن آخر التطورات، وأوصلت رسائل واضحة ترسم ملامح حقبة جديدة في المشهد السياسي العراقي، وينتظر أن تكون لها تأثيرات في طي صفحة إفتراضية بعيدة عن مجاراة الواقع، وأفشلت خطوة إكمال نصاب جلسة البرلمان العراقي وتمرير المرشح الذي يريدونه لرئاسة الجمهورية، دون الإكتراث الى تصاعد حدة الأزمات، وتمزيق المشهد السياسي، وتصدع العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتدخل التنفيذية في عمل التشريعية وتخلي التشريعية عن القيام بدورها المطلوب،  الخطوة التي كانت ستدفع عرب سنة الإطار الى التفكير في إزاحة محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان مادام الخاسرون حصلوا على موقعي رئاسة  الجمهورية والحكومة.
وأخيراً ، وبلا شك ستكون الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت، وستكون العودة عن الخطأ فضيلة حين تكون وليدة قناعة وطنية، ولكن من أوصل العراق إلى هذا الدرك يصعب عليه إخراجه منه، وإعداد الترتيبات السياسية والقانونية اللازمة لذلك.


38
حجر البارتي في مياه الاطار
صبحي ساله يي
جدد الرئيس مسعود بارزاني خلال لقائه مع كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في البرلمان العراقي على إننا أصحاب قضية عادلة مهما كانت المتغيرات والمعادلات السياسية، وإن حل المشكلات يجب أن يكون من خلال الالتزام بالدستور وبالمبادئ الثلاثة المتمثلة في الشراكة والتوافق والتوازن. وجاء في توضيح من مقر البارزاني صدر بخصوص مرشح رئيس مجلس وزراء العراق: (أنه في العملية السياسية في العراق والحكومة المقبلة، فإن أسماء الأشخاص والأحزاب ليست مهمة بالنسبة للرئيس بارزاني، بل هي تنفيذ الدستور وأن يكون برنامج الحكومة المقبلة موافقة للمبادئ الثلاثة المتمثلة في الشراكة والتوازن والتوافق ).
هذا هو الرأي والمنطق الواضح والصريح للرئيس بارزاني والبارتي الذي يثبت الرغبة في الإتفاق والإلتزام بالدستور وبث روح الأمل بالشراكة الحقيقية في الحكومة المقبلة والتوازن في المؤسسات والتوافق في اصدار القرارات والتشريعات، وتهيئة بيئة إيجابية تسودها التفاهم والإلتزام بالحقوق والواجبات في سبيل حماية الحقوق الدستورية وكرامة المواطنين.
 البارتي لم يظهر بمظهر الطرف الذي يحاول أن يفرض إرادته خارج المصلحة الوطنية، ولم يعلن إصراره على تعطيل العملية السياسية ولا يخطط لأمر يقع خارج مطالبه المعلنة، لا يقرر الرهان على المجهول، ولا يخطأ ولا يغامر كونه مسؤولا عن حياة مئات الالاف من منتسبيه وقاعدته الشعبية، وعن حياة الملايين من الكوردستانيين الذين كافح وناضل من أجلهم، ولأنه أحد أهم الأطراف التي تُلقى عليه مسؤولية ما سيحدث في المرحلة المقبلة.
بين هذه المواقف وتلك الحقائق هناك مشهدان ينبغي تسجيلهما للتاريخ، أولهما، مشهد الإنتصار الكوردستاني في شيم التسامح والمحبة والعدالة والحكمة والتحضر بالشكل الذي يليق بإنسانية نهج البارزاني الخالد، وتلوين مدن الاقليم ونسيجها الاجتماعي بألوان المحبة والألق الجميل البعيد عن عواصف الحقد والإقصاء والإبعاد والاجتثاث والكراهية والطائفية.
وثانيها المشهد السوداوي المزعج الملىء بالخيبات والنكسات الذي يغلي على نار شوفينية وطائفية متقدة، وتعمل بآلية عنصرية مخجلة لتهديم البشر والحجر ونشر الكراهية وللتهييج ضد الكورد وتشويه سمعتهم وقطع أرزاقهم وأواصر القربى معهم عبر حملات إعلامية سوداء مصابة بداء الحقد والتحريض ضدهم، ومرتبطة بالقرار الخارجي الهادف الى إشعال نار الفتنة بطريقة انتقامية مقيتة وتحقيق مصالح ضيقة لا تتعدى إطار التواجد في دوامة الأزمات المستمرة التي تفسد الناس وتصبح وبالا عليهم.
وبين المشهدين السابقين يعيش العراق في وضع شائك ومعقد وقريب من التلاشي والأنهيار التام، وبالتأكيد لا يمكنه الاستمرار في ظل أساليب وسياسات وأفكار مليئة بالمآسي، وإن كان الاطاريون يريدون معالجة المشكلات الحالية عليهم ان لا يستمروا في النظر إلى الوراء، لأن مشكلات اليوم هي ليست مشكلات الأمس. كل شيء تغير. تغيرت مصالح الشعب وتغيرت حكاية وطريقة تفكيك العقد وتغيرت شروط الحياة السياسية السوية والسليمة. زعليهم ان يعرفوا أنه : حان الوقت لإغتنام الفرصة الأخيرة ومناقشة القضايا المصيرية الموجودة على الطاولة وما تحتها، وأن يعترفوا بأخطائهم دون ان يوجهوا سهام الانتقاد والتخوين للآخرين، وتصحيح المسار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
 
 


39
إستقالة الصدريين والتوقعات المخيبة
صبحي ساله يي
بعد ثمانية اشهر على اجراء الانتخابات العراقيّة، التي وصفت بأنها الأنزه من سابقاتها، ما زال الغموض سيّد الموقف، والطريق مسدود أمام انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة وتشكيل حكومة جديدة، ومازال الإعتقاد السائد هو أن العراق المرهون لدى أصحاب السلاح الذين يريدون التوصل إلى صفقة تضمن لهم لعب دور المهيمن في العراق كلّه، ومتابعة السير في مشروعهم الذي ينمّ عن قصر نظر وسذاجة غير قابلة للحياة، ويؤمن بمشروعية كلّ الوسائل في سبيل تأمين احتكار السلطة وفرض قوانين اللعبة السياسيّة.
أما الشعور باليأس والعجز عن تشكيل حكومة جديدة، أو العمل والتحرك وفق برنامج مختلف عن كل التحركات السابقة التي كانت مثار أخذ وردٍّ، أو زيادة التكالب على تحالف إنقاذ الوطن من الداخل والخارج وعلى فكرة تشكيل حكومة أغلبية وطنية ومكافحة الفساد، فقد دفع مقتدى الصدر ليطلب من كتلته البرلمانية تقديم الإستقالة من البرلمان واختيار المعارضة من خارج مجلس النواب، أي في الشارع.
البعض إعتبر هذه الخطوة مناورة سياسية أو مغامرة فاقت التوقعات، وحدَّدت مجموعة من الخطوط الحمراء يبدو أن التيار الصدري ملتزم بها ومصرٌّ على تبليغها للأطراف الداخلية والخارجية حتى لو كانت لها تبعات كارثية على كل الاصعدة، والبعض الآخر يعتبرها مقدمة لأحداث كبيرة تزيد التشابك والتعقيد وسيكون من الصعب تجاوزها أو تجاوز تبعاتها، وهناك من يعتبرها انتصارًا رمزيًّا وواقعيًّا لإيران ويعتقد أن من تعمد صنع المأزق الحالي بإمكانه إستغلالها والإستفادة منها.
في هذا الفضاء السياسي الملبد بالغيوم الداكنة ظهر محللون ومراقبون، رغم الشك في عدم إستحقاقهم لتلك الألقاب، مصابون بداء الكذب والتلفيق والترويج والتجاوز على الآخرين، يخلطون الحابل بالنابل ويضربون الاخماس في الأسداس، اذا سمعتهم ستجد فيهم التناقض المقزز والأمنيات الافتراضية التي لا أساس لها.
أحدهم (شبه سياسي ونصف محلل)، طمعًا في نيل رضا مسؤول سياسي معين، أو كسب وجاهة ونوع من ألمعية بين أصحابه أو في صفوف حزبه، أو لنيل الشهرة وبلوغ هدف محدد، حاول دون حياء، إستغفال عقل المشاهد وأهان وعيه وتحدث عن توقعاته المخيبة لتشكيل الحكومة من قبل القوى الموالية لإيران، وبزلة لسان، وربما بجهالة أو سذاجة مفرطة نقل جزءاً مما يدور في أروقة أسياده، حينما قال أن الألوية الستة للحشد الشعبي الموجودة على حدود كوردستان قادرة على حسم الأمر (بسلاحها الديمقراطي)، وإرغام الحزب الديمقراطي الكوردستاني على الدخول في تحالف مع قوى الاطار التنسيقي.
هذا العبقري الغارق في الفرح والوهم جراء إستقالة الصدريين، بقوله البخس نشر الجهالة والضلالة،  وتجاوز جميع القيم الأخلاقية والأعراف السياسية، وأثار حفيظة وغضب كل الكورد، ودق مسماراً آخرا في نعش التفاهم والتعايش في العراق، ونسف الإدعاءات التي تؤكد على ( ان الحشد الشعبي غير منحاز سياسياً) . وهو على علم يقين بأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يتعامل مع جميع المتغيرات وفق منهجية منطقية واضحة منسجمة ومتطلبات الواقع، ويديرعمليات التفاوض ضمن أطر وضوابط محددة، ولا يوقع على أي إتفاق لا يستجيب لمطالبه الجوهرية التي تضمن مصالح الكورد الوطنية والقومية، ونسى أو تناسى أن فرق وفيالق عسكرية وطائرات ودبابات ومدافع كثيرة فشلت في إجبار البارتي على تقديم أية التنازلات.
 


40
تأثير الإحقاد الدفينة على القرار السياسي في بغداد
صبحى ساله يى
كل الذين يحملون في دواخلهم الكراهية المقيتة تجاه الكورد، يبثون بشكل يومي، وبسوء قصد وتعنت وإصرار، سموم الكراهية بهدف إثارة النعرات الشوفينية والمذهبية والقومية.
هؤلاء صنف من بشر لايرتاحون ولا يتهنأون دون أن يشتموا ويسيؤا وينالوا من غيرهم بدون وجه حق، ولا يرتاحون أيضاً دون أن يقذفهم الآخرون بشتائم تبلغ ذروة البشاعة.
المتابعون للملف النفطي، يعلمون أن الحكومة الإتحادية وافقت على قيام حكومة الإقليم بتطوير قطاعي النفط والغاز في حقول النفط الجديدة، بجميع مفرداتها من تنقيب وتصنيع وتسويق (في حالة تأخر تشريع قانون النفط والغاز بعد 2007 )، ويعلمون أن الدستور العراقي، حدد في الفقرات المتعلقة بالموارد الطبيعية لاسيما النفط والغاز، العلاقة بين بغداد وإقليم كوردستان وصلاحياتهما، ولكن الإخفاق البرلماني العراقي في تشريع (قانون النفط والغاز)، وفشل القطاع النفطي في العراق، والحقد الشخصي الدفين لمسؤول ملف الطاقة الاتحادي في عهد نوري المالكي حسين الشهرستاني تجاه الإقليم، وإصراره على أن يكون البيع من قبل شركة سومو التي تدار مركزيا من قبل الحكومة الاتحادية  دون أن يكون للكورد تمثيل فيها لرسم سياستها، كان وراء تعقد المشكلات وتراكمها وإرتفاع وتيرة التوتر بين بغداد وأربيل، والتساؤل عن مستقبل الكورد وإقليم كوردستان السياسي، ضمن دولة فدرالية عراقية موحدة.
حكومة الإقليم، المتمسكة بالنهج الديمقراطي والمؤمنة بضرورة مواجهة التحديات والصعوبات بجرأة وحزم الديمقراطي السلمي وعدم سد باب الإتفاقات، أعلنت أكثر من مرة عن حسن نيتها وقدمت مبادرات عدة، لكن الحكومات الاتحادية السابقة، تعنتت وأرادت فرض رأيها الخاطىء، وعرقلة الصفقات والعقود المبرمة بين الأقليم والشركات الاجنبية والدول التي ترغب الاستثمار في الاقليم وشراء النفط الكوردستاني، ووصفت إنتاج النفط وتسويقه ببيع الطماطم والخيار، ولجأت الى التهديد والترهيب ورفع الدعاوى لدى المحاكم المحلية والدولية، ولأنها لم تكن على حق، ولأن تصرفات الاقليم كانت دستورية، أصيبت بخيبة الامل ولجأت الى حرب إقتصادية وسياسية ضد الاقليم وإجراء غير دستوري وغير قانوني بل وغير أخلاقي، فقطعت حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية ورواتب موظفيه، وهذا الاجراء الاستفزازي دفع الاقليم الى تصدير النفط لحسابه الخاص، تعويضاً عن حصته من الموازنة الاتحادية ولتأمين رواتب الموظفين العموميين.
واحتدم الصراع بين الإقليم والحكومة الإتحادية، وإنتقل الخلاف، الى مراحل حرجة ومستويات خطرة، والى تضارب المصالح، ولكن حكمة وذكاء القيادة السياسية الكوردستانية وتحلي الكوردستانيين بالعقلانية والصبر، والإجماع الوطني والاقليمي والدولي على إزاحة نوري المالكي ومنعه من الولاية الثالثة، أنعشت الامال، وإتجهت الجهود نحو البحث عن حلول للمشكلات، وعندما أزيح المالكي وتشكلت الحكومة العراقية وشارك الكوردستانيون فيها، وتولى عادل عبد المهدي وزارة النفط الاتحادية، تفاءل الجميع، وأصبح الحل قاب قوسين أو أدنى، وتم تبادل الإتصالات ووجهات النظر، وفي أول زيارة للسيد عبد المهدي لأربيل تم التوقيع على إتفاق أولي بشأن الخلاف على النفط والغاز، إتفاق حظي بترحيب واسع من أطراف وطنية ودولية، وفتح الطريق للبدء بوضع حلول (شاملة وعادلة ودستورية) لجميع القضايا العالقة بين بغداد وأربيل..
اما الشواهد والقرائن فقد دلت على أن التوقيع على ذلك الإتفاق الأولي، سيغير واقع الحال، ويخفف الهجمات اللفظية المتبادلة، ويمد جسور الثقة بين الطرفين بعد سنوات من الشكوك والخلافات، وسيردم هوة الانقسام ويعالج الأخطاء، وسيدفع باتجاه توحيد الصفوف من أجل إبعاد البلاد عن الكوارث.
ولكن، وجود الإرادة العنصرية والشوفينية  المقيتة، ومحاولة توليف سيناريوهات ملفقة لخدش شعور الكوردستانيين بإدعاءات باطلة، والإصرار على إصدار القرار السياسي المعادي للكوردستانيين، كالقرار السياسي الصادر بشأن النفط والغاز في كوردستان وتصريحات وزير النفط العراقي الحالي وبيان شركة نفط الشمال بشأن سيطرة قوات البيشمركه على حقول للنفط في كركوك، لم  تدع مجالاً للشك في إستحالة الإتفاق مع أناس لايتفقون حتى مع أنفسهم، كما فضحت العقل الباطن الجامع للفكر والقناعات المتعلقة بتكوينهم الثقافي والفكري والسياسي، وسلوكهم المتوارث.
وفي ذات الوقت دفعت الكوردستانيين إلى توحيد الصفوف لمواجهة التحديات والتعلق بفكرة الاحتماء بالدستور الذي يجنبهم ويلات هذه المظالم ومظالم أخرى متوقعة.
 


41
لا ضوء في نهاية النفق العراقي
صبحي ساله يي
كل المراقبين للأوضاع والمتابعين للإعلام متأكدون من أن الخارطة السياسية للعراق والحياة الاجتماعية والاقتصادية والامنية تعيش أحرج وأخطر مراحلها، وتنذر بتغيير الكثير من الأمور، وتتجه نحو الأسوأ الأشد فتكاً وخراباً ودماراً من كل الكوارث، وتقترب من الوصول الى نتائج غير متوقعة، تصب في خانة مصادرة إرادة الملايين من قبل بعض المسؤولين وقادة المليشيات المختلفة والسلاح المنفلت وتسعى إلى تفويت الفرص وإستثمارها في غلق الأبواب والنوافذ التي تهب منها الأمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه للحفاظ على المصالح والعلاقات الإنسانية بين العراقيين، وتنسف فرص السلام والتعايش.
المنطق والعقل عندما يلمسان عدم التفاعل مع الخطوات الإيجابية والواقعية، وتسخير القضاء لمآرب سياسية، وعدم الجدية في البحث عن الحلول السياسية والعملية السهلة، وطرح وجهات نظر ومبادرات مستعصية بخصوص معالجة المشكلات والتعامل مع المتغيرات بطرق غير عقلانية، وركن الدستور والقوانين على الرفوف العالية، فإنهما ( العقل والمنطق) لا يخفيان تشاؤمهما تجاه ما يحصل داخل النفق العراقي الذي بدأ عندما تظاهر العرب السنة، ضد التهميش والإقصاء والحرمان،  وعندما تم تجاهل فحوى رسالتهم وتم التعامل معهم باللامبالية التي تدل على الاخفاق المريع والفشل الذريع والنقص الكبير في الخبرة والدراية بأمور السياسة والإدارة والحكم، وعندما تم تهريب السجناء نحو المناطق السنية لينخراطوا في صفوف المتظاهرين ويمهدوا لإستيلاء داعش الإرهابي على أراضي شاسعة وواسعة، وليتم تشريد الملايين وتدمير مناطقهم.
وإمتد (هذا النفق) عندما لمس الكورد الاتجاهات العنصرية والطائفية التي تدفع باتجاه شن حرب شاملة ضدهم، رغم إنهم كانوا يوصفون بالحلفاء، وحينما نادوا بالإستقلال وتوجهوا نحو صناديق الإقتراع في عملية إستفتاء ديمقراطية، ودعوا الى إلغاء شراكتهم الصورية في العراق، ليتركوا من قبل الخاضعين لثقافة الاستعلاء والتسلط والعقلية الإستبدادية تحت رحمة الحصار الجائر وهجمات قوات الحشد وحزب الله اللبناني والقوات الايرانية وليتم الإستيلاء على أكثر من نصف أراضي كوردستان وقلبها(كركوك).
كما إستوعب هذا النفق الشيعة العرب عندما إنتفضوا ضد الظلم والفساد والبطالة وطالبوا بالوطن وبأبسط الخدمات، وجلبوا الإنتباه وأثاروا الإهتمام، ولكن ليس من قبل المسيطرين على المال والسلطة والقرار والمتجاهلين للواقع وحدوده المعقولة والمؤمنين بأن العنف يصلح كوسيلة لمعالجة المشكلات، بل من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان والحريصين على الأمن والاستقرار في العراق، عبر الدعوة الى نبذ العنف والسعي الى التوصل الى حلول مقبولة وتلبية مطالبهم المشروعة والعدول عن الممارسات التعسفية.
وختاماً : لا أحد يريد أن يفرط في التشاؤم، وأنا أيضاً، ولكن عندما نترقب الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية ونجدها محتقنة ومثخنة بالجراح وتحاول إلحاق الضرر بالسلم الأهلي، وعندما نستمع الى الأخبار ونجدها شائكة وكئيبة ومريرة وغير مطمئنة، ولا نجد فيها ما يدل على السعي لإعادة ترتيب أوضاع العراق وفق نتائج صناديق الاقتراع ونتائج الانتخابات ومفاهيم الشراكة والتوافق والتوازن والتعويل على تحقيق المصالح الوطنية والقومية، وعندما نلاحظ أناساً لا يفوتون الفرصة لتفويت الفرص ويرتكبون الأخطاء الكبيرة ويفلتون من العقاب ويتحصنون خلف السلاح المنفلت الراهن لمصير البلد، ويمتنعون من المثول أمام القضاء، وعندما لأننا لا نرى ما يمنع تكرار التجاهل المخيف والتعنت والشر الحارق والزلزال المدمر. نحاول أن نعبر عن تصوّراتنا الواضحة والحقائق التي يتجنبها الآخرون، ونقول بصراحة متناهية : لا نرى أي ضوء في نهاية النفق العراقي.
 


42
ماذا يريدون من حكومة إقليم كوردستان ؟
صبحي ساله يي
 رغم أن الكلام العشوائي الذي نسمعه من نواب وقيادات الأحزاب الكوردستانية غير المشاركة في حكومة الإقليم، لا يغادر مربع التسقيط السياسي ونشر الإرباك وتعطيل المشهد والحياة السياسية، لأنه كلام مليء بالنقد غير البناء، وبعيد عن طرح البدائل عبر القنوات القانونية والدستورية ولايكشف أوراق ونظرة أصحابه للسلطة، ويقدم نفسه على الدوام بأنه صاحب المشروع الوطني القادر على مواجهة التحديات وحل كل المشكلات. وهو محاولة يائسة لتقديم (البعض) كمصلحين وواعظين وطنيين، وكأوصياء الصواب السياسي، وتعبير واضح عن السعي المحموم لتعزيز الحظوظ وإستقطاب أصوات الناخبين من خلال رسم خرائط وهمية لتحالفات محتملة لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة في كوردستان. ورغم ما يحمله من شوائب الفكر السياسي، إلا أنه أفضل بكثير من كلام بعض نواب أحزاب كوردستانية مشاركة في حكومة الإقليم، يحاولون خلط الاوراق في سبيل التمتع بإمتيازات السلطة وممارسة المعارضة معاً في سبيل نفوذ ومصالح وطموحات شخصية وحزبية ضيقة.
تكمن مشكلة الفئة الثانية (أي بعض نواب أحزاب كوردستانية مشاركة في حكومة الإقليم) في انّهم لا يجيدون سوى الكلام الكثير الذي يثير الازدراء والنقمة ويغذي الكراهية ويمزق التعايش، ولاعلاقة له بالواقع وما يدور في أروقة حكومة الإقليم وعلى أرض كوردستان وما يجري في المنطقة والعالم. فلا هم  قادرون على إستيعاب معنى المشاركة في الحكم والمحافظة على العلاقة مع الأحزاب الاخرى المشاركة معهم، ولا هم قادرون على إختيار المعارضة لكي يكون الرابط الوطني عندهم فوق الرابط السياسي. لذلك، يحاولون إيقاع البسطاء في فخ الوهم والدعاية المضللة وجعلهم ضحايا للتشويش الرخيص في زمن يطغى فيه الشك على اليقين، ويحاولون توتير الأجواء وبثّ الشائعات المغرضة، وإرساء معادلة سياسية عجيبة لا تستقيم مع الروابط والقيم الوطنية وروعة التسامح والألفة والدفء الاجتماعي. ولا يدركون إستحالة الجمع بين المشاركة في الحكم والتمتع بإمتيازات السلطة وممارسة المعارضة.
أما المواطن الكوردستاني الذي يتمتع بذهنية ذكية وعقلية مستنيرة ونفسية نظيفة، والبعيد عن آفات التعصب والانغلاق، فقد إختبر مصداقيتهم في تجسيد شعاراتهم الرنانة، التي رفعوها سابقاً، ويروجون لها حالياً، وشاهد سقوط أوراق التوت عنهم في أحلك الظروف، سواء حين وصول داعش الى أطراف أربيل، أو بعد إنقلاب حيدر العبادي على الدستور وإستيلائه على كركوك وأجزاء من المناطق الكوردستانية بقوة السلاح والدعم الأجنبي، أو خلال تعامل بعض الأحزاب الشيعية مع المشهدين السياسي والإقتصادي بعقلية السيطرة والإقصاء للكورد، وخلال السباق المحموم للطبقة السياسية الحاكمة التي رسمت برنامجًا غير معلن لما سموه (إقليم شمال العراق) أو (محافظات شمال العراق) في سبيل السيطرة على كل المفاصل وجني المكاسب السياسية والمادية اللامشروعة وتدمير الإقليم وإلغاءه بالكامل. كما إنه يدرك جيداً، ولله الحمد والشكر، أن السلوك السياسي السيىء للمعادين لحكومة الإقليم وشعب كوردستان والمبررات غير الأخلاقية تهدف الى تنشيط وترسيخ ظاهرة العداء لكل المنظومة القيمية الكوردستانية. وهو امتداد طبيعي للسياسات التي لا يجنى منها أحد سوى ديمومة الانقسام والصراع، ويعلم أن هذه الظاهرة تدل بكل بساطة على غياب القيادة السياسيّة لهؤلاء، لا أكثر ولا أقلّ.
 


43
قصر السلام ... وإن جار علينا
صبحي ساله يي
ترشيح أكثر من شخص لمنصب رئيس جمهورية العراق، لا يعد نسفاً للديمقراطية ولا تهديماً لخطوات تشكيل الحكومة الوطنية ولا يخل بالتوازنات السياسية القائمة ولايلقي بظلال داكنة على العملية السياسية في كوردستان أو العراق، كما يدعي البعض ويجانب الحقيقة عمداً وعن سابق إصرار، لأن المنطق والديمقراطية وأعرافها والتعهدات والوعود المتكررة التي أوجعت رؤوسنا وآلمت آذاننا خلال السنوات الماضية تبيح التنافس الحر الكامل والواضح، ولا تستثني أحداً حتى لو كان انتقائيّا في تفكيره وحاول أن يضحك على ذقوننا بعبارات وجمل مكررة أو عبر إغداق الأموال بسخاء على المنجمين والمنافقين وأفراد ومجاميع انتهازية مستعدة لرفع اللافتات في الشوارع، أو كتابة مقالات وتقارير باهتة في الصحف والمواقع الألكترونية أو الدخول في مهاترات على الفضائيات.
شخصياً، كنت أتمنى أن يتم الاتفاق والتوافق خلف الأبواب المغلقة وفي جلسات سرية وبطريقة صائبة وسليمة، على مرشح كوردي واحد لمنصب رئاسة جمهورية العراق. مرشح يمتلك تاريخاً نضالياً ومؤهّل علمياً وذو خبرة في العمل السياسي والدبلوماسي الحكومي، ولائق بالكورد وبالحركة السياسية الكوردستانية، لأن الذي يجلس في قصر السلام يجب أن يحظى بأوسع تقدير وإحترام ومهابة في الأوساط السياسية الإقليمية والدولية، ولكن يبدو أن الرسائل الواضحة الموجهة من البارتي الى يكيتي والتي إحتوت على حلول بديلة ودعت الى ترشيح أكثر من شخص من يكيتي للمنصب ليتم إختيار أحدهم، قد تم فهمها وتفسيرها بشكل خاطىء وأثارت المطامع ودفعت نحو الدخول في مغامرة عجيبة وغير محسوبة. وسارت السفن كما لا نشتهي عندما سمعنا العناد الغريب على إعادة ترشيح الدكتور برهم صالح بحجة الإصرار على إمتلاك الإرادة، رغم اليقين من ضعفه وعدم تمكنه من مواجهة مرشح البارتي السيد هوشيار زيباري، ورغم اليقين من أنه قد حصل على الولاية السابقة بطريقة مضطربة، وكان لا يستحق هذا المركز المرموق والجلوس في قصر السلام، ولأنه لم يؤد دوره الحيوي الأمين في صيانة الدستور ورعاية أحكامه ومراقبة تطبيقاته.
 وبموازات ذلك الإصرار العجيب، إنتشرت الشكوك والإشاعات، والكثير من القيل والقال في وسائل الإعلام، بعضها أزالت الغموض عن القضية وتحدثت بصراحة متناهية عن فشل مساعي التوافق بين الطرفين وحاولت وضع الأمور في سياقاتها الطبيعية وقدمت حجج مقنعة، وبعضها الآخر حاولت إخفاء الحقائق عن أناس من حقهم أن يسمعوا ويفهموا ما جرى، وزادت الإرباك وسعت لتبرئة مواقف مزاجية تم إدانتها وإهتزت الثقة بها وخضعت لإنحيازات وإملاءات مخالفة. وبين هذا وذاك أراد البارتي، ولأنه يدرك الأخطار التي تحدق بالعراقيين عموماً، التمتع بموقع أفضل في عملية صنع القرار في بغداد، ليسهر على ضمان الالتزام بالدستور وتمثيل المكونات القومية والدينية والسياسية في العراق، من جهة، وليترك انطباعاً طيباً لدى الرأي العام العراقي من خلال مواقف وخطوات موزونة تعبأ بأمن وإستقرار الشعب وتراعيه وتقدم المصالح العليا على المصالح الحزبية، ورشح السيد هوشيار زيباري لإستلام مفاتيح قصر السلام خلال الدورة المقبلة.
أخيراً ورغم اننا لا نريد ان نسبق الاحداث، إلأ اننا نقول أن زيباري الذي يمتلك الخبرة والحكمة والحنكة السياسية والدبلوماسية، هو الاوفر حظاً للجلوس في قصر السلام، وسيفوز بفارق كبير عن أقرب منافسيه.


44
المنبر الحر / هل في العراق دولة؟
« في: 18:32 17/01/2022  »
هل في العراق دولة؟
صبحي ساله يي
كلما أسمع بعض السياسيين العراقيين وهم يذكرون عبارة (هيبة وسيادة الدولة)، أتلمس ظلم ذوي القربى عند المفترق المصيري، وأشاهد الظواهر الخطيرة والمعبرة عن توجه العراق نحو التهاوي والإنهيار على جميع الأصعدة بسبب والتسويفات والتناقضات والصراعات الطائفية والمذهبية، وأتذكر إستسلام الكثيرين لضغوطات الفساد والسلاح المنفلت والغرور والغطرسة المتعاظمة. وأسأل نفسي : هل في العراق دولة كي نبحث هيبتها ونستعيدها ونحافظ على سيادتها؟
للإجابة على هذا السؤال، والحديث عن الدولة في العراق، لابد من العودة الى المقدمات التي صنعت النتائج، والى تاريخ معقد وطويل، يبدأ بتشكيل العراق الخاطىء ضمن حدود جغرافية ينتهك فيه الحقوق الأساسية لأصحاب الأرض الحقيقيين ومصالحهم، حفاظاً على مصالح المتسلطين الذين قاموا بتقسيم المنطقة فيما بينهم في معاهدة ( سايكس- بيكو)، والمرور بمشكلات ديموغرافية وتاريخية ومذهبية متعددة، والوصول الى مرحلة ترديد شعارات رنانة مزيفة وأطروحات وأوهام وخرافات ونزعات طائفية وعنصرية متطرفة لا تساير الواقع ولا تحقق ولو جزءاً قليلاً من طموحات وغايات الذين تم دمجهم في هذه الكيان تحت صيغ واهية.
هذا الكيان المصاب حالياً بعاهات مستديمة أخفى منذ تأسيسه وفي كافة المراحل الزمنية طموحات المتعصبين القوميين تحت غطاء الوطنية والعصبيات القبلية، وتعامل مع القضايا المشروعة المطروحة فيه بطرق ملتوية، ولبس عباءة التضليل والتحريف والخداع، وفشل في إنجاز أبسط مهماته، وغرق في الفضائح في الكثير من مراحله، لأنه انتهج سبل معاداة التحضر والتقدم والتطور، واستغلال المشكلات من أجل خلق الأزمات والاستمرار في إدارته، بشكل يتلاءم مع مصالح الحكام ويسهل لهم الهيمنة ونهب الخيرات، وإستنهض الفكر المتخلف وسخر الدين والوطنية وشعارات حسن النية والإخلاص في العمل والتفاني من أجل الجميع لتمرير أجندات المتسلطين ومكائدهم العدائية المبنية إما على الآيديولوجيا الفاشية القومية، أوالطائفية والمذهبية البغيضة التي تستنهض الفكر المتخلف في إيقاد نار الفتنة.
 في كل العهود (منذ تأسيس أول حكومة في العراق الى يومنا الحالي)، رغم شيوع مفاهيم التمدن والتقدم والوطنية والسيادة وجهود الذين ظهروا مع الموجات الفكرية والإنسانية بين الأحزاب السياسية ومحاولاتهم من أجل تخطي النزعات القومية والمذهبية والعمل تحت خيمة ترسيخ إسم الدولة وهيبتها وسيادتها، تعاملوا مع الكورد بروح إستعلائية وأنكروا عليهم حقوقهم الطبيعية، وأذاقوهم الويلات وإستكثروا عليهم كل شيء، ومارسوا الإستفزاز والتحريض والقطيعة والعداء ضدهم، وجميعهم إستخدموا السلاح في مواجهتهم في لحظات قوتهم، ولجأوا إلى التفاوض وعقد الإتفاقات معهم بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة في لحظات ضعفهم، دون أن يغيروا نهجهم وسياساتهم. وقبل 2003، وهكذا دواليك، إستخدموا ذات النهج مع الشيعة العرب، وبعده إستخدموه مع العرب السنة. وهذا يعني أن جميع المكونات في العراق تلقوا طعنات تلو أخرى بأساليب خبيثة، وبأشكال وتواريخ مختلفة، وعانوا على الدوام من طغيان العنصرية والإستبداد وشيوع الرغبة في إحتكار السلطة ونهب الخيرات وإستفحال التناقضات وكثرة الأيام والسنوات العجاف المشوبة بأوحال المعضلات والتمييز والقلق والهواجس والمعاناة التي تبدد الإنتماء وتمنعه من سلك سياقه الحقيقي.
خلاصة القول، العراق ومنذ ما يقارب من مئة عام، يشبه المسافر المتعب الظمآن الجائع التائه في صحراء قاحلة ينتظر من يعينه على إلتقاط أنفاسه وإعادته الى أهله، وسكانه مازالوا يسمعون في كل مناسبة عبارة (هيبة وسيادة الدولة).
 
 
 


45
الثنائي بيكر وسيليمان، في كتاب الرئيس بارزاني ( للتأريخ)
صبحي ساله يي
سلط الرئيس مسعود بارزاني في مقدمة كتابه (للتأريخ) الضوء على بعض ما جرى في تاريخ الكورد، وعلى من أجحف بحقوقهم وحارب أمنياتهم، ومن وضع العراقيل أمام عجلة تحقيق طموحاتهم المشروعة، ومن تورط بتجزئة وتقسيم كوردستان دون التفكير بما هو صحيح وأصح، وذكر من كان وراء غالبية مشكلات ومآسي الكوردستانيين المتلاحقة.
الكتاب أثار إهتماما كبيراً لدى من يسعى الى معرفة الحقائق، حول أحداث وتطورات تاريخية ترتبط بملابسات سياسية خلال فترة حرجة ومتوترة من تاريخ كوردستان والعراق والمنطقة، لأنه، أولاً، جاء من شخص تبوّء مركز القرار، وتحمّل المسؤولية بأمانة وإقتدار حين ألقي عليه المسؤولية، وخاض المعارك بشجاعةٍ حين عُهد اليه بقيادتها. وثانياً لأنه يكشف جوانب ومعلومات ووقائع غير معروفة جاءت من لاعب رئيسي يتحدّث بمرارة عن تجربته مع أناس لا يحافظون على الوعد والعهد ولا يريدون التعايش والتشارك والتوافق، وفسحوا المجال أمام التدخلات الخارجية لإدارة التوازنات وإرتكاب الموبقات والجرائم، كما يكشف أيضاً عن معاناته في التعامل مع مواقف تستحق التركيزعليها وتوضيح العلاقة بين الأجندات الإقليمية والدولية المتناقضة في المنطقة وفي العراق بشكل خاص. وفي سياق عرضه للدورين الأمريكي والبريطاني في العراق ومواقف الثنائي (بيكر وسيليمان) سفيري بريطانيا وأمريكا في العراق في تلك المرحلة والتي أظهرت أن بلديهما تضعان مصالحهما الاقتصادية فوق كلّ اعتبار، وتضربان القيم والقواعد الأخلاقية والإنسانية والعهود والمواثيق عرض الحائط، وأثبتت أنهما لم تؤمنا يوماً بالحقوق الكوردية، ولم تسعيا لتحقيقها، بل حاولتا دائماً إستغلال مأساة الكورد لتحقيق أهدافهما وأطماعهما، لذلك لم تكن لديهما أي مانع من التراجع عن وعودهما وتصريحاتهما للكورد حيال تمتعهم بحقوقهم المشروعة على أرضهم التاريخية.
لم يتوانَ ( الرئيس بارزاني) عن توجيه نقد لاذع مرير وصريح، يستند إلى وثائق وشهادات، الى الثنائي (بيكرو سيليمان) اللذين أديا أدواراً مشبوهة، تنمّ عن نفسية حاقدة ونزعة قوية للانتقام والتنكيل. واللذين تجاوزا الحدود وتخليا عن لباقتهما الدبلوماسية وخلقا بمواقفهما بيئة وثقافة تحريض عالية المستوى ضد الكورد وظهرا وكأنهما لايستندان على أية خطة أو منهج معين، ولا يضمران في عقليهما غير النرجسية والانانية والمصالح الضيقة الافق. واللذين فشلا في تنظيم العلاقات المتعددة الاوجه مع الكورد وفي التعامل المناسب مع متطلبات الكورد المصيرية وما تفرضه مصالح ونفوذ بلديهما، وفي إثبات الذات كدبلوماسيين يتحتم عليهما أن يدرسا بشكل دقيق وعقلاني كل الاحتمالات التي تؤثر على مسار التفاهم والتوافق والتنسيق لإختيار أحسنها.
 
 
يقول الرئيس بارزاني بشأن فرانك بيكر السفير البريطاني لدى العراق ، (كان على علم بالكثير من الفتن والمؤمرات السرية ضد كوردستان، وكان متورطاً فيها). وبخصوص دوكلاس سيليمان سفير أمريكا في العراق. يقول الرئيس بارزاني: (لقد أدى دوراً سيئاً في تشجيع أعداء كوردستان بصورة مضاعفة لكي يعلنوا النفير العام ضد الإقليم من جهة، وفي رفع التقارير والمعلومات المضللة حول كوردستان الى واشنطن، من جهة أخرى).


46
ما قبل إستفتاء كوردستان، وما بعده
صبحي ساله يي
في عام 2003، كان الكورد يظنون إختفاء السلوكيات والممارسات المتخلفة والإتهامات والمزايدات المهيجة والمستفزة من القاموس السياسي والإعلامي العراقي بخصوص مجمل الإستحقاقات الكوردستانية، لكنهم تفاجأوا بإستمرارها، بل وزيادتها بوتائر كبيرة وسريعة عبر سياسات شوفينية ونعرات قومية جديدة تجسدت في الإنقلاب على الشراكة، والإلتفاف على الدستور ومخالفته، وتخطي وتجاوز الاتفاقيات السياسية، ومحاولة إغتصاب حقوق الكورد المتعارف عليها، وثني عزيمتهم والضغط عليهم بممارسات تحمل الغل والعداء لإقليمهم وتأريخهم، وتثبت أن (الآخرين) في العراق إن لم يكونوا أعداء متربصين بهم على الدوام، فهم لم يكونوا أيضاً أصدقاء، ولايعتبرونهم شركاء، ولايكترثون لتجويعهم وتهميشهم، وخلق واقع مأساوي يسود فيه التدمير والتخريب.
لكنهم (الكورد)، بعد عام 2003 تيقنوا أن الحاكم في بغداد سواء كان إسلامياً أو قومياً أو بعثياً أو رجعياً أو تقدمياً يخضع لإجندات خارجية معادية لهم، ويضيع في بحر معاداتهم، ولايمتلك الرغبة أو النوايا الحسنة لتسوية مشاكلهم الدائمة، ولا يخطو خطوة جدية واحدة في سبيل إنهاء المصائب والأوضاع المأساوية التي يعاني منها العراقيين عموماً منذ عقود عدّة، ولا يتوتنى في جرهم إلى الفتنة.
رئاسة إقليم كوردستان وبرلمان وحكومة الإقليم، التيـأكدت من نوايا الآخرين، أعلنت أكثر من مرة عن حسن نيتها وقدمت مبادرات عدة من أجل التخفيف من التشنّج والتعصّب ، لكن الحكام في بغداد، وبتأثير مباشر من أصحاب المواقف العدائية والمخيلات المريضة والواقفين وراء حملات التحريض على الكراهية العرقية والمذهبية التي مارستها الأجهزة الاعلامية الملوثة بسموم الثقافة العنصرية وبضغوطات خارجية، تناسوا قوة الكورد المادية والمعنوية في بلد يفترض إنه ديمقراطي وتعددي وفدرالي، وتنكروا الدور الكوردي في تعزيز مقومات العيش المشترك وتقريب وجهات النظر حول مستقبل التعايش في العراق والمنطقة، وتعنتوا وحاولوا فرض آرائهم الخاطئة ولجأوا الى إجراءات إستفزازية وغير دستورية وغير قانونية والى التهديد والترهيب، والى حرب إقتصادية وسياسية ضد الاقليم، فقطعوا حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية إعتباراً من شهر شباط 2014، وإتحدوا تحت خيام الوهم، وخططوا لتهيئة الأرضية الخصبة للعدوان على الإقليم وشعب كوردستان.
كانت لتلك المواقف والاجراءات وقع الصاعقة على الكوردستانيين، وجعلتهم يشعرون بعمق المأساة ومرارة التعايش مع أناس لا]امنون بالتعايش السلمي. وفرضت عليهم الإلتفات الى أن الخطر الذي كان يهددهم منذ بداية تأسيس الدولة العراقية مازال قائماً، وأن الثقافة العدائية تجاههم متأصلة في النفوس المريضة، كما إستوجبت إعادة النظر في علاقاتهم مع الآخرين، ومع الذين يؤيدون تلك الثقافة العدائية علناً ودون وجل، أو الذين يؤيدونها بسكوتهم، وفرضت عليهم عدم التغاضي عما قيل من تصريحات وما أعلن من مواقف وما جرت من أحداث، والتوقف لبحث العلاقات بين مكونات بلد كان تأسيسه مبنياً على إفتراضات خاطئة.
في الخامس والعشرين من ايلول عام 2017 قال أكثر من 92% من الكوردستانيين كلمتهم المدوية، في أروع تظاهرة سلمية ديموقراطية شهدتها المنطقة، من خلال الاستفتاء الشعبي العام حول الاستقلال والحرية والديمقراطية، وأوصلوا أصواتهم الى أسماع العالم وحققوا واحداً من أكبر الانجازات الوطنية والقومية. ودخلت نتيجة الاستفتاء وإنتصاره الساحق التأريخ من أوسع أبوابه كوثيقة قانونية ملزمة لا يمكن بأي حال من الاحوال التنازل عنها أو الغاؤها.
في المقابل، وفي ظل الصمت الدولي المخزي المتعارض مع كل مبادئ حقوق الانسان، تعرض الكوردستانيون للتآمر العنصري المحلي والاقليمي النتن، وتم اجتياح 51% من أراضيهم من قبل الذين لايؤمنون بأي حق ديمقراطي ولايعترفون بالوسائل السلمية للتعبير عن الرأي.
حكومة الإقليم، حقناً للدماء إختارت عدم اللجوء الى القوة، وقررت تجميد نتائج الإستفتاء، ولم تلغها لأنها لا تستطيع فعل ذلك، كما قررت إستمرار التواصل والحوار والتفاهم مع بغداد، ولكن من في بغداد مازال يحاول العودة إلى الوراء والى التسويف والتهرب من تشخيص الأخطاء والنواقص ومكامن الخلل ووضع الأصبع على الجرح لدرء المخاطر وتحمل المسؤولية بأعذار متضاربة، إما لأنه لايفهم حقائق الأمور الواضحة والصريحة، أو لا يريد قراءة الأمر الواقع ومواجهة المرحلة حسب وجهة نظر منطقية.
 


47
مازال حزب ثورة أيلول في أقوى مراحله..
صبحي ساله يي
عندما نريد أن نتحدث عن ثورة أيلول 1961، ونفهم ونفسر الأحداث التي رافقت تلك الثورة ومستوى تأثيرها على الكوردستانيين، لابد أن نتحدث عن البريطانيين الذين شكلوا على عجالة كياناً سموه العراق، ودمجوا فيه ثلاث مكونات غير متجانسة، وإستوردوا له ملكاً من الخارج ظناً منهم أن العراق من أقصاها الى أقصاه لا يمتلك رجلاً يستحق أن يصبح ملكاً، أو إمرأة لتصبح ملكة. ولابد ان نؤكد أنهم ( أي الإنكليز) أرادوا عدم الإستقرار وفقدان الأمن والسلام في هذا البلد، لذلك لم يضعوا له دستور أو عقد سياسي وأجتماعي منطقي يخلق نظاماً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً جامعاً لكل مكوناته، ويبعد عنهم الحالات المليئة بالخوف من الآخر على مصيره.
لقد عاش الذين دُمجوا داخل هذا الكيان الجديد في أزمات مركبة أفشلتهم في بناء طبيعي لمفهوم المواطنة وتأسيس (دولة المواطن). وخاضوا صراعات مريرة لإزالة الآثار السلبية للدمج القسري بينهم، وتصحيح حالات الخلل التي عمت مناطقهم. كما إحتفظ كل طرف بمفاهيمه وتوجهاته وتوجساته الخاصة خلال تعامله مع القضايا الوطنية وسعى لتوالمها مع مصالحه، إما خوفاً من العنف والاقصاء والتهميش أو طمعاً في الغلبة والجلوس في أعلى هرم السلطة.
الكورد، وجدوا أنفسهم مظلومين، وأن جميع الذين تناوبوا على حكم العراق، يريدون منهم الرضوخ والإستسلام للأمر الواقع، والقبول بالباطل المرير ومحاولة هضمه. وبعد ثورة تموز 1958، تنفسوا الصعداء وتوقعوا خطوات ومبادرات تمهد لعلاقات صحيحة بينهم وبين غيرهم. ولكن عدم الإهتمام بمفهوم الدولة والإعتدال ومقتضيات الأمن والإستقرار والإعمار، أو إرادة التوازن الوطني الذي لم يبلغ يوماً المستوى المرغوب، والتمركز والتمترس خلف الهوية الشوفينية والتأرجح بين القبول بالتعايش السلمي ورفضه، تسببت في خلق اختلالات كثيرة في كافة جوانب الحياة، وغلبة طرف على حساب الآخرين، ومهدت للتفكير بخُطىً متسارعة لحكم العراق بالقوة والسلاح، وتعميم الفوضى ومحاربة الكورد بوتيرة السيطرة والخراب.
ورداً على المذكرة التي رفعت من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة الخالد مصطفى البارزاني الى حكومة بغداد، والتي كانت تتجسد في الإلتزام بالدستور وسيادة القانون والحفاظ على القيم الديمقراطية وحقوق الانسان وعدم إساءة معاملة السجناء، وعدم التناقض مع المبادىء والالتزامات والعهود التي أعلنت بعد ثورة تموز، جاء الرد العراقي عبر اللجوء السريع الى مغامرة سيئة، وإعلان حرب لا يمكن الفوز بها. لذلك فقد الكورد ثقتهم بالرهان على الحلّ السياسي الوطني، خاصة وأن الكثيرين كانوا يشاهدون الفضائع الحكومية ويصابون بالتخرسن والذهول والتخاذل. لذلك توجهوا مرغمين نحو خيار التصدي والمقاومة العسكرية وحمل السلاح ضد الإستبداد. وإعتمادا على إمكانات بسيطة ومحدودة، إنطلقت ثورة أيلول في (11/ أيلول/ 1961). وقاد الحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة الخالد مصطفى البارزاني الثورة نحو وجهتها الصحيحة على أسس متينة بعيدة عن العصبية والإنفعالات وعادات أخذ الثأر ومجافاة الحقائق، ورفعت شعار (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان)، وعلمت المشاركين فيها الإنضباط والإنحياز التام للشعب، والمشاركة القوية في المعارك، وكتابة تأريخ ملىء بالمآثر النضالية. كما أصبحت ملاذاً آماناً للمضطهدين العراقيين، وبنت بشموخها أساساً للتفاهم والتشاور الاستراتيجي الأخوي بين مكونات كوردستان، كما كسرت إرادة الأعداء وإرغمتهم على الإعتراف بحقوق الكورد المشروعة في آذار 1970.
وختاماً: وفي الذكرى السنوية الستين لإنطلاق ثورة أيلول، لابد أن نقول أن الحزب الذي فجر تلك الثورة وقادها بإقتدار وتفان، ولم يدخر جهداً في سبيل نيل الكوردستانيين عموماً لحقوقهم المشروعة، هو الآن في أقوى مراحله.


48
الرئيس بارزاني : أربيل ليست كابول
صبحي ساله يي
أشار الرئيس مسعود بارزاني في رسالة الى شعب كوردستان (في 22/ آب الحالي) الى المقارنات والكتابات والتصريحات التي تناولت الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان والإجتياح السلس لطالبان لمدن وأراضي ذلك البلد بما في ذلك كابول، والتي حاولت مقارنة تلك الأحداث مع ما يحدث في أربيل، بعد الإنسحاب الأمريكي من العراق، ورسمت صوراً بعيدة عن الواقع من باب القياس وإثارة السخرية، لبث خيبة الأمل، وزعزعة الثقة بالنفس بين الكوردستانيين. وركزت في سبيل تمرير إدعاءات زائفة على إحتمالات الإنسحاب بكلام دبلوماسي معسول ولغة ومشاعر رقيقة  تبدى القلق والشفقة الشديدين على مصير حقوق الانسان هنا وهناك، وتحدثت عن الصور المرعبة للمذعورين الهاربين من الجحيم الذي ينتظرهم على أيدي مسلحين متوحشين يخفون وراء مظهرهم كل قبح العالم وشروره. وتجاهلت ذكر أو تسمية اللاعب الذي سيؤدي دور طالبان في أربيل ويدخلها ليبسط يده عليها، وليعيث فيها الفساد.
أصحاب المقارنات لا يعرفون أن الدور الذي تلعبه طالبان ليس صدفة، ولا يعكس قوة طالبان وعقليتها المتصلبة، أوبسبب تعلمها السياسة جراء رعاية الإرهاب والتستر على قيادات القاعدة وفي مقدمتهم أسامة بن لادن، أو ضعف أمريكا وتراجعها الميداني وإرغامها على التفاوض معها، هو نتاج قناعات ومسار سياسي واجتماعات مكثفة جرت بين الحكومة الأفغانية السابقة وطالبان وأمريكا، ونتج عنها التسليم الهادئ للسلطة في أفغانستان لطالبان، مقابل تنازلات طالبانية كثيرة، مقبولة أمريكياً، يصعب التكهن بها أو التحدث عنها، في سبيل كسب ورقة الإعتراف الاقليمي والدولي بالأمر الواقع ووجودها في السلطة .
كما قال الرئيس بارزاني: (يبدو أن هؤلاء المقارنين لم يتمكنوا حتى الآن من فهم إرادة وصمود شعب كوردستان) الذي يمتلك تاريخاً لا ينسى مع أناس من أمثال طالبان أو أقبح منهم بكثير، سواء ألتحوا بذقون طويلة ولبسوا الملابس الغريبة وأغطية الرأس غير المعتادة، أو إرتدوا الملابس العسكرية النظامية أو رفعوا رايات مذهبية وشعارات شوفينية. ولا يرون نقاط الإختلاف الجوهرية بين أربيل وكابول وبين البيشمركه الأبطال وقوات أفغانية تشكلت بأوامر خارجية. كما أشار سيادته الى ملاحم تاريخية تشجّع على الوثوق بالإرادة الفولاذية للبيشمركه والكوردستانيين الذين إتكلوا على الله وعلى أنفسهم في دحر إسطورة داعش والتصدي لهجمات الغادرين والخونة على كوردستان في بردي وسحيلا .
ربما سيكون الإنسحاب الأمريكي غير المنطقي من العراق في لحظة حاسمة، وبالذات عندما يلحقهم الأوروبيون في رفع اليد عن حكومة بغداد، أكثر تعقيداً من الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، وأخطر في نتائجه في ظل التطورات المتسارعة وما يحيط بالعراق من سيناريوهات مقلقة وصعبة، والزيادة الملحوظة في نشاطات داعش وممارساته الإجرامية، وهشاشة العملية السياسية، وعدم وجود جيش أو قوات عسكرية عراقية متماسكة، رغم حجم الأموال التي صرفت على هذه القوات والخسائر البشريّة التي لحقت بالعراقيين،  وصراعات الأجنحة السياسية الممثلة للفصائل المسلحة، التي ترى الإنسحاب الأمريكي فرصة لزيادة نفوذها في السلطتين التشريعية والتنفيذية. وربما تسيطر قوة مذهبية أو طائفية أو ظلامية أو حركة راديكالية منبوذة محلياً وإقليمياً ودولياً على بغداد ولا تقر بالدستور وبأي لوائح لحقوق الإنسان، ولا تتردّد في التحريض على العنف والإرهاب والاحتكام للسلاح وفرض ثقافة الموت والتأسيس للمجهول العقائدي، وتحاول تحويل العراق الى بؤرة توتر جديدة ترفع منسوب الفوضى الى درجات غير معهودة، وتضع الجميع  أمام معضلة كبيرة إسمها التراجع في كافة مجالات الحياة.
ولكن، وألف لكن، هذه الأوضاع ستكون بعيدة عن الكورد الذين لديهم قوات البيشمركه، والقائد العظيم والمرجع القومي والوطني والسياسي الذي هو الرئيس مسعود بارزاني، والذي يتعامل مع نتائج الانسحاب العسكري الأميركي، أو عدم إنسحابه، بطريقة هادئة وعقلانيّة ويوجه ضربات موجعة لآمال وأهداف الحاقدين أينما كانوا .


49
جراحات تأبى الإندمال
صبحي ساله يي
رسالة الرئيس مسعود بارزاني في الذكرى الثامنة والثلاثين لأنفلة البارزانيين، وما فيها من حقائق عن حلقات مسلسل المظالم التي تعرض لها أبناء شعب كوردستان، من تغييب إثني عشر الف شاب من الكورد الفيليين وعمليات الأنفال التي نفذت في كرميان وقصف هلبجه والعديد من المناطق الأخرى بالسلاح الكيمياوي، إلى حملات التعريب والترحيل وهجمات الإرهابيين وإرتكاب أبشع الجرائم بحق الإيزيديين. وحادث الاعتداء والهجوم الإجرامي العنصري على عائلة كوردية في كونيا التركية الذي أودى بحياة سبعة من الكورد وحرق منزلهم من قبل جماعة مسلحة متطرفة، وما سبقه من حوادث مماثلة. والعمليات العسكرية التي تشنها القوات التركية والإيرانية ضد قرى وقصبات إقليم كوردستان، وتضييق الخناق على السياسيين الكورد وزجهم في السجون، والقتل المستمر للشباب الكورد في وضح النهار بإطلاق النار مباشرةً ومن مسافات قريبة في شرق كوردستان، سواء الذين يمارسون مهنة العتالة من أجل لقمة العيش، أو الذين يطالبون بأبسط الحقوق. والإنتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان الكوردي في غرب كوردستان، وكذلك في المناطق الكوردستانية التي تقع خارج إدارة حكومة إقليم كوردستان، والهجمات الصاروخية التي إستهدفت مدينة أربيل من قبل الفئة الميليشياوية في العراق. كلها دلائل تشير الى أن جيران الكورد، العقائديون والقوميون والطائفيون والمذهبيون، لا يكترثون في صراعاتهم ومماحكاتهم وتجاذباتهم تجاوز كل حقوق الإنسان الكوردستاني، ولا بسقوط الأقنعة عن وجوههم التي تدعي الإسلام والإيمان بشتى القيم ومعاني الحرية والعدالة، وتؤكد أن هؤلاء يعيشون في دوامة حلقة مُفرغة يتقاذفها الكلام العابر الذي يتحطم على صخرة المصالح الآنية، ويعانون أزمات لا نهاية قريبة لها، أو بالأحرى أزمات لا تنتهي وتلقي بظلالها السلبية على الأوضاع الصعبة التي يعيشها معظم مكونات المنطقة، وتنمّي أزمة الثقة بينهم، وتنعكس تداعياتها على السير نحو الخراب الاجتماعي والأمني بوصفه مقدّمة لإنهيار شامل يتوج الفشل الذريع لأنظمة ونخب تتحكّم بمفاصل الحياة في منطقة مليئة بأزلام وميليشيات وأجندات تستخدم كوقود للدفاع عن النعرات القومية والعصبيات العنصرية والمذهبية والطائفية، وتعمل على تحشيدها تحت يافطة إنتظار المتغيرات والتطورات الإقليمية والدولية، وبالتحديد الصراعات الجيوسياسية في المنطقة وعليها.
المؤسف في هذا الشأن، أن أكثرية الشعوب في دول الجوار، إن لم نقل جميعها، لا تعارض الممارسات العدوانية للأنظمة عندما تتعلق بالكورد، وحتى الأحزاب والقوى المعارضة فيها لا تعارض ذلك السلوك إلا حين ترغب في أن تستعمله أداة في صراعها مع السلطات، وعادة تكون حذرة من ذلك الاستعمال خشية أن ينفض عنها مناصروها الذين لا يحملون الود للكورد، أو خوفاً من دفع الثمن الباهظ الذي يكلفه ذلك الإعتراض. وهذا يمثّل قمة اليأس من إحتمال حصول تغيير أو تصحيح العلاقة بين الكورد وغيرهم على يد قوة وطنية، خاصة وإن قسماً كبيراً من الإعلام الآخر مازال يستفز الشارع الكوردستاني عبر خطابات مدفوعة الثمن تنطوي على الكراهية التي تزايدت وتيرتها في السنوات الأخيرة .
أما المواطن الكوردي المنكوب بسياسات الآخرين والصابرعلى إعتداءاتهم، فلم يتأخر في فهم عدوانية الحاقدين، لذلك وقف مع الرئيس مسعود بارزاني في الثورة والعملية الديمقراطية والإعمار والحرب ضد الإرهاب والإستفتاء على حق تقرير المصير، ومازال يشعر بإنتمائه الحقيقي لهذه المنطقة، ويريد أن يتفاعل مع محيطه بقوة، لا أن يستجدي عطفاً من هنا ودعماً من هناك، ولكن يبدو أن محاولاته المتكررة للتهدئة لا تنفع، بل تزيد من عدوانية الآخرين ويعتبرونها ضعفاً، لأنهم بالأساس لا يعترفون إلا بلغة القوة، ولا يستمعون لغير الأقوياء.
بإختصار شديد، جراحات الكورد تأبى الإندمال ما دام أعدائه الجهلة يخطأون في حق أنفسهم، حين يبدون عاجزين عن فهم ما يريده الكورد وما يجري حولهم، ويخطأون في حق الكورد حين يستخفون بمصيره وبثمرة نضالاته وتضحياته. 


50
العراقيون بين المآسي واليأس والحوار الإستراتيجي
صبحي ساله يي
العراقيون المنخرطون في السر والعلن في مناقشات حيثيات المؤامرات التي تستهدفهم، والمتحسرين والمتألمين والمبعثرين بين المآسي واليأس من أناس كانوا يظنونهم قد جاؤا لينقذوهم، والمتيقنين من أن الكلام لا يحوّلُ أحداً إلى بطل، ولا يُخفي حقائق التحريض على زعزعة استقرار بلادهم، ولا يعيق حرص جماعات السلاح المنفلت على نشر الفوضى. لا تعنيهم طريقة إستقبال مصطفى الكاظمي في واشنطن، سواء كانت تقليدية أو ديبلوماسيّة. ولا تعنيهم إن صافح بايدن الكاظمي كما كانت المصافحات قبل إنتشار وباء كورونا أو بعدها. ولا تعنيهم ما يذكر في الإعلام، أو سماع ورؤية المحللين والمراقبين السياسيين في هذا الوقت للإدلاء بآرائهم وشهاداتهم وتأويلاتهم حول الزيارة ونتائجها، ولا تعنيهم العبارات التي تعاد خلال هكذا زيارات كالحرص على التعاون الوثيق في كافة المجالات وبناء العلاقات الدائمة والاستراتيجية بين البلدين، والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل، والدور الحيوي الذي يضطلع به العراق في المنطقة، أو وصف رئيس حكومتهم بالشجاع والصديق العزيز لأمريكا، لأنهم على يقين بأن عموم ما ينشر في الإعلام أقرب إلى جبل الثلج الذي يظهر رأسه فقط طافياً على السطح بينما يبقى جسده في الأعماق.
خلال الاجتماعات بين العراق وأمريكا في واشنطن سيكون الكلام بين الطرفين طويلاً، لو أرادا التطرق الى القضايا التي بدأت قبل 18 عاماً ومازالت مستمرة، وبالذات عندما يسأل الأمريكان :
ماذا فعلتم مع الذين إستخدموا الصواريخ والطائرات في أكثر من خمسين عملية عسكرية ضد مصالحنا وقواتنا في بلدكم؟. ومن هي الجهات التي تمنع وتعرقل تنفيذ الدستور العراقي، والإتفاقات الموقعة بينكم وبين الآخرين؟. وكيف رضختم لشروط الميليشيات التي قامت بحركات إستعراضية في بغداد؟ ولماذا لا تذكرون أسماء الجهات التي تقف وراء قتلة الناشطين والمتظاهرين؟. وكذلك عندما يقول العراقيون:
أنتم تتحملون الجزء الأكبر من مسؤوليّة الأوضاع الشاذة القائمة، والأضرار التي لحقت بالعراق. عليكم إصلاح الأخطاء المرتكبة خلال السنوات السابقة، وعليكم القيام بدور يساعدنا على استعادة سيادة بلدنا لكي نستطيع حماية شعبنا ووطننا من داعش ومن المشاريع التوسعية الخارجية الطامعة في أراضينا، ولا نريد هيمنتكم وهيمنة غيركم على قراراتنا.
وبما أن هذا الكلام الصريح سيكون جارحاً للجانبين، والحديث كما يقال ذو شجون، لذلك يمكن إستيعاب عدم الفائدة من الدخول في متاهاته ويستحسن أن يكون الكلام حول المستقبل فقط. وهذا يعني أن أمريكا ستطلب من مصطفى الكاظمي إتخاذ موقف حاسم تجاه المليشيات المنفلتة التي تسمى مرة بالطرف الثالث وأخرى بالخارجة عن القانون أو المعادية أو المخربة أو الإرهابية، والتي تأخذ تخصيصاتها المالية من خزينة الحكومة وتنمّي مشاعر الغضب، وتزيد من إحراج المنظومة السياسية. كما يدعون الكاظمي الى تحقيق العدالة والحفاظ على حقوق الانسان العراقي والإستجابة لنداءات إبعاد العراق عن الفتن والكوارث، وعدم الإكتفاء ببلاغات الإدانة والإستنكار التي تزيد الشكوك، وتعيد الجدل بشأن أزمة السلاح المنفلت وعدم شرعية الجماعات المثيرة للفوضى.
 في المقابل سيطلب الوفد العراقي حزمة دعم من أمريكا لتجاوز أزماته الكثيرة، وأمريكا طبعاً، تتعهد بتلبية غالبيتها، أو بالأحرى جميعها عبر الشراكة الإستراتيجية الموقعة سابقاً، وعبر التوقيع على إتفاقات ومذكرات تفاهم جديدة تعكس التوجهات (الطيبة) للجانبين، لكنها ستبقى حبراً على ورق ما لم يقم الكاظمي بتقليم أظافر المليشيات التي تستفز قواتها وما لم يحد من نفوذها. فالدعم الأمريكي للآخرين مشروط بالاغلب، أي أن كل الإتفاقات التي توقعها والوعود التي تعلنها لن تتحقق ما لم ينفذ الكاظمي الشروط الأمريكية.   
وبين الموقفين الأمريكي والعراقي: يريد المواطن العراقي أن يعرف معنى الشراكة الاستراتيجية بين بلده والولايات المتحدة. ورؤية نتائج الإجتماعات والتفاهمات والإتفاقات وهذه الشراكة فوق الأرض.
 
 
 


51
العراق والثنائيات المتعارضة
صبحي ساله يي
التسويقات الاعلامية المضللة عبر الثنائيات المتناقضة كالدولة واللادولة، والنجاح والفشل والنزاهة والفساد  والإعمار والدمار، وتعالي الأصوات الصاخبة الهادفة الى إخفاء الصراعات القائمة التي تشتد كل يوم، ولإضفاء الشرعية القانونية على وجود السلاح المنفلت لصالح الفوضى في المديين المنظور والبعيد، ولتقوية مكانته وموقعه وإمتيازاته العسكرية والسياسية والمالية، تلقي بظلالها الأمنية والسياسية والإقتصادية على المجتمع العراقي، وتعرقل القانون والدستور، وتسرع من وتيرة جمع المكاسب والمغانم المالية والسياسية التي لا تتّفق مع الشريعة والقانون، وتسهم في تمتين وتعزيز استغلال السيناريوهات لعرقلة إجراء الإنتخابات المقبلة بهدف ترحيل الازمات الحالية أو السيطرة على نتائجها وإدارة عملية تزويرها بإتقان، أو حرق الصناديق وإعلان النتائج لصالح مالكي المال السياسي والسلاح المنفلت الذي بات أقوى من المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة، وبالذات لصالح الذين لهم أصوات متدشقة تنادي بضرورة إحترام (هيبة الدولة) وهم متأكدون من حالة الضياع القائمة وهشاشة غالبيّة السلطات، وتمرّد أو سيطرة عشرات الميليشيات الفاعلة على القانون، وتحكّمها بالملفّات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة وغيرها، ومتأكدون من عدم وجود الدولة أصلاً فما البال بهيبتها.
العراق الحالي في وضع لا يحسد عليه، وأضعف من كل المراحل التي مر بها، ولا نأتي بجديد عندما نقول إنه وصل الى مرحلة اللعب بالورقة الأخيرة. والسلطات فيه، تلتزم بالصمت الإجباري تارة والإختياري تارة أخرى، وتغض الطرف عن الكثير من جرائم التهديد والاختطاف والاغتيالات التي تنفذ بسرية، أو التي تنفذ بوضح النهار أمام الجماهير وأمام قواتها الرسمية، ولا تستطيع حسم أمرها في وضع حد لإسطورة الإستهتار، أو حتى أن تبوح بأسماء من ورائها، كما حصل أثناء عرض إعترافات المتهم بإغتيال الشهيد هشام الهاشمي، تحت ذريعة منع تفجير الأوضاع، أو خوفاً من الفوضى والتطويق كما حصل خلال إعتقال المتهم بقضية الشهيد إيهاب الوزني. أما السلاح المنفلت فيسجل الإنتصار السياسي اليومي ويفرض إرادته على الحكومة التي تعاني من الأزمات الحقيقية والمصطنعة، ويأمرها بأن لا تذهب الى أي إتفاق مع أي طرف كان، أو أية دولة كانت، دون التشاور معه وموافقته.  كما يروج ( السلاح المنفلت) الراغب في اقتلاع السلطات من جذورها لتحل محلها، عبر إعلام مأجور وفضائيات باحثة عن الفتن لثنائيات متعارضة كثيرة توجه من خلالها ضربات سياسية موجعة لأطراف متعددة، وتترك ظهورها مكشوفة. كما تضع الحكومة ومن ورائها، أمام ثلاث خيارات، الأول :
 هو التخبط في إثبات الوجود، والفشل في القضاء على التشرذم ومحاولة ذر الرماد في العيون عبر الجعجعة الإعلامية، وغض الطرف عن إستمرار الفوضى والاستعراضات العسكرية وعمليات الإختطاف والاغتيال والتصفيات الجسدية، أي القبول بالذهاب نحو الهاوية والعدم.
والثاني : هو التورط في حرب أهلية يحصل فيها الجميع على نتائج لاتحمد عقباها.
والثالث : هو الإرتقاء الى مستوى طموح العراقيين، والتمترس وراء نظرية الضرورة التاريخية التي أنتجت هذه الحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من عراق يتجه نحو المجهول، والإستعداد لمواجهة الأزمات برؤية وطنية ثاقبة تستطيع أن تستثمر التحولات السياسية لصالح قلب معادلة الصراع لصالح العراقيين، وإنتهاج الطريق نحو الأمن والأمان الذي لا يكون خالياً من الدم. وهذا الخيار هو الأصلح والأقل تكلفة بالأرواح والخسائر البشرية من الخيارين الآخرين، ولإكتمال تلك الرؤية وتحاشي الضياع وسط مشكلات لا تمت للعراقيين بصلة، يمكن الإستناد على الخيرين والإحتماء بمساندي العملية السياسية، وإن إقتضت الحاجة اللجوء الى الماكنة العسكرية الصديقة لحسم الصراع وجمع السلاح المنفلت من أيدي جميع القوى الشرّيرة، وحل الميليشيات المنفلتة والمنضبطة دون قيد أو شرط .
 


52
العراق والإغتيالات المسجلة ضد (مجهول)
صبحي ساله يي
قصة الإغتيالات والتصفيات السياسية في العراق قصة طويلة وشائكة بالنسبة للذين يريدون التعرف على السلوكيات الخسيسة للمتورطين بها والجهات الداعمة لها، أما ملفها، فمفتوح منذ تأسيس الدولة العراقية قبل مئة عام وحتى اليوم، وثقيل على ضمائر كل الشرفاء الذين عاشوا المأساة تلو المأساة، وأثقل على أهالي الضحايا الذين لايشفي غليلهم التعبير عن القلق أو الإدانة أو دراسة الموضوع من خلال تشكيل اللجان التحقيقية المبعثرة، وبالتأكيد لا تنقطع معاناتهم بإختراع القصص الواهية غير المجدية التي لا تقدم نتائج من شأنها القبض على الجناة، ووصمة عار على جبين الفاشلين في مقارعة الحجة بالحجة، ومواجهة الرأي بالرأي، والفكرة بالفكرة، والمتواطئين حيالها والذين ساهموا ويسهمون في منع الكشف عن ظروفها الحقيقية وإضاعة معالمها .
هذه القصة، رغم أنها جزء لا يتجزأ من التاريخ العراقي المأساوي الزاخر بالويلات والحروب والانقلابات والمعتقلات والمؤامرات، لكنها توسعت في ظل حكومات ما بعد 2003، عندما أطلقت الرصاصة في مقابل الكلمة ووقف كاتم الصوت في مواجهة الرأي، وعندما حل إسكات الخصم أو المناوىء أو حتى الصديق المنافس أو المختلف أو المغاير. وعندما حلت الضرورات الحزبية والمذهبية والوطنية والقومية والأفعال الدنيئة والإنتفاع الفئوي اللامشروع والغدر وتدنيس البراءة محلّ الحب والرأفة. وعندما طالت الإغيالات فئات مختلفة من العراقيين وشملت العلماء والأطباء والضباط والسياسيين والفنانين والكتاب والمثقفين والصحفيين والشعراء والناشطين المدنيين والكثير من أصحاب المشاريع الفكرية والإجتماعية بهدف تغييبهم وإستئصالهم.
سقت بهذه المقدمة لأتحدث عن الإغتيالات التي إستباحت دماء العراقيين خلال العهود الملكية والجمهورية والدكتاتورية و(الديمقراطية)، وعن تخبط الحكومات في منعها وفي معالجة أسبابها والإحاطة الكاملة بأحجامها الحقيقية المؤلمة، والتي وصلت الى ذروتها في ظل حكومة عادل عبد المهدي التي تراجعت أمام السلاح الميليشياوي، حيث كان القتلة يمارسون عمليات الإغتيال في وضح النهار وأمام كاميرات الأجهزة الأمنية ثم ينصرفون كرجال قاموا بتنفيذ واجبهم الاعتيادي والروتيني برؤية وتأن وإطمئنان كامل من عدم الملاحقة والمحاسبة. إغتيالات تواصلت في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، ومازالت تثيرالجدل لتسجيلها ضد (مجهول) بسبب تشتت الجهد الوطني، ولعدم رصدها من قبل الهيئات والمؤسسات الدولية أو مراكز الدراسات والبحوث المستقلة أوالأكاديمية أوحتى التابعة للحكومة العراقية من أجل دراستها وتحليلها والتطرق الى دوافعها وذكر أرقامها بعيداً عن الظنون والنوايا المسبقة.
إغتيالات، تحولت الى ظاهرة تغذي الحقد والكراهية والفوضى والتصادم بين الأفراد والمجموعات، وتزرع الإرتباك وبذور عدم الاستقرار في النسيج الاجتماعي والسياسي، وترتبط باللاتسامح والفظاعة والأنانية وسفك الدماء والاستحواذ على الوجود وإحتكار الحياة، ويشمئز منها الضمير وتنفر منها فطرة الانسان السليمة، وتعبر عن مواقف جبانة ونوايا تريد حجب الحقيقة وتفعيل غريزة القضاء على منابع الفضيلة والحب.
والأمر الذي يدعو للأسف الشديد هو وصول الشعور الى درجة اليقين لدى العراقيين بأن الخلط المتعمد للخطاب السياسي بين الحقيقة والكذب، ومحاولة تحويل الضحية الى جلاد والمعتدى عليه الى معتدى، وتسجيل حوادث الإغتيال الكثيرة ضد (مجهول)، سيجعل المصائب والحوادث الأليمة تتوالى عليهم لا محالة، وسيظلون يعانون من تبعات  الهشاشة والضعف على جميع الأصعدة، ولا يتنفسون الصعداء ويتلقون الصفعات تلو الصفعات وكأن هذا القدر لايفارقهم. ويسئمون الحياة في وطن يفتقر الى غالبية معايير الوطن.
وأخيراً، صحيح أن وضع العراق صعب والحلول ليست سهلة، ولكنها موجودة، وهناك بصيص أمل . 
 
 
 


53
رسالة تلرسون في كتاب الرئيس بارزاني ( للتأريخ )
صبحي ساله يي
تحديد يوم الخامس والعشرين من أيلول 2017 كموعد لإجراء الإستفتاء في إقليم كوردستان، أثلج قلوب المصممين على الدفاع عن الأنفس والمكتسبات وإنتزاع الحرية والتمتع بها، وأثار إهتمام المدافعين عن حقوق الإنسان والحريصين على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، عبرالحوار والتفاهم، والسعي الى التوصل الى الحلول المقبولة. ولكن تم تجاهله من قبل المتجاهلين للواقع وحدوده المعقولة، والخاضعين لثقافة الاستعلاء والتسلط والعقلية الإستبدادية وسوء النية، والمؤمنين بأن العنف يصلح كوسيلة لمعالجة المشكلات. 
الرئيس مسعود بارزاني أشار في كتابة ( للتاريخ) الى أنه خلال الفترة التي تلت إتخاذ قرار الإستفتاء. كان البعض يعتبر أن الإقليم ليس جدياً في هذه العملية، ويستعمله كورقة ضغط فقط ضد بغداد. بينما كانت مواقف البعض الآخر تتمحور حول عدم وجود أي مشكلة لهم مع ممارسة شعب كوردستان لحقوقه، وبعضها كانت لها مشكلات مع وقت الإستفتاء.
ولكنK عندما تأكدت جميع الأطراف من جدية إجراء الإستفتاء وتحوله من قضية سياسية الى موضوع وطني وقومي، بدأوا بإطلاق التهديدات وممارسة الضغوط الكثيرة والمختلفة على الإقليم في سبيل تأجيله أو التخلي عنه. دون أن يتعاطوا بواقعية مع الحدث، أو يقدموا البديل المناسب لشعب كوردستان ليتنازل عن هذا الحق المشروع.
كانت ضغوطات ( الأصدقاء كما كانوا يسمون أنفسهم ) متزامنة مع وعيد وتهديدات دول الجوار والأطراف العراقية التي كانت متشبعة بروائح الشوفينية، ووصلت الأمور الى حد محاولة تحطيم إرادة شعب كوردستان وتجاهل عدالة رغباته، وتجريده من حق الكلام ومنعه من التعبير عما يريد.
الموضوع الذي أثار جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام والمراكز السياسية خلال الأيام التي سبقت الإستفتاء والأيام التي تلته، هو رسالة ريكس تلرسون وزير الخارجية الأمريكي الموجهة الى الرئيس مسعود بارزاني، والتي بدأت ب ( عزيزي الرئيس بارزاني)، ذكر فيها مجموعة من الأفكار والمقترحات مقابل عدم إجراء الإستفتاء أو تأجيله.
الرسالة، كما يقول الرئيس بارزاني : (كانت جيدة من ناحيتي الصياغة والمضمون، ولكنها كانت خالية من الضمان المطلوب لكي نستطيع أن نعتمد عليها أو نثق بها، ولكي نتمكن عن طريقها إقناع شعبنا للتنازل عن حقه الطبيعي المشروع). مع كل ذلك، ومع ما كان عند الكورد من مبررات للقلق تجاه الرسالة، تم تقييمها من قبل المجلس الأعلى للإستفتاء. وفي أعقاب الكشف عن الشكوك حول نوايا وإمكانيات صاحب الرسالة في التعامل بشكل مناسب مع التحديات العراقية والإقليمية الكثيرة، تم رفضها ووصفت بأنها لا تروج للإستقرار ولا يمكن أن يعتمد عليها لأنها لا تلزم الجانب الأمريكي بمبادىء مقبولة كوردستانياً.
في ضوء التطورات التي تسارعت في المنطقة، وإستناداً الى خبرته الواسعة، وإلمامه بالأمور الجيوسياسية، وقراءته المتأنية للرسالة، يقول الرئيس بارزاني :
((كان يمكن أن تصبح رسالة تلرسون مبدأً يتضمن بديلاً يقنع شعب كوردستان للتنازل عن الإستفتاء. وبشأن الفقرة التي تحدثت عن تأجيل الإستفتاء لسنتين وقالت إذا لم تفلح المفاوضات مع العراق، في حينه يجري شعب كوردستان الإستفتاء، وأمريكا (تحترم) نتائجه. طلبت من الحكومة الأمريكية تغيير كلمة ( تحترم ) في الرسالة الى كلمة – تدعم -- ، لكن الأمريكيون أعفوا أنفسهم من ذلك، وقالوا: لا نستطيع إستعمال كلمة – ندعم -- . وأنا بدوري قلت لهم، إذا كنتم لاتستطيعون تبديل كلمة واحدة، كيف تنتظرون منا أن نقنع شعب كوردستان لكي يتنازل عن الإستفتاء؟)).
أما الأحداث التي تلت إجراء الإستفتاء، وبالذات بعد 16/ إكتوبر 2017، والسكوت الامريكي تجاه إعتداءات القوات العراقية والإيرانية والقوات التابعة لحسن نصرالله، وإستعمال الأسلحة والدبابات الأمريكية ضد قوات البيشمركه وشعب كوردستان الآمن، وتماديها في دعم حكومة العبادي، وتناسيها لكل ما قدمه الكورد من تضحيات جسام، وتغريدات ترامب اللامبالية التي كانت تدل على نقص كبير في الخبرة والدراية بأمور السياسة وموازين القوة العسكرية والمثيرة للسخرية لدى الاميركيين قبل غيرهم، فقد أثبتت صواب الرئيس مسعود بارزاني في رفض تأجيل الإستفتاء وعدم الوثوق بالوعود الأمريكية التي ذكرت في رسالة ريكس تلرسون، والإستناد بثقة عالية وقناعة راسخة على شرعية المقصود والهدف.
 


54
(جوهرة كوردستان) في كتاب الرئيس بارزاني ( للتأريخ )
صبحي ساله يي
كتب الرئيس بارزاني كتابه (للتأريخ) بشغف وتأن، متطرقاً الى الحقائق والأسرار الشائكة والتحولات الكبرى ومفاصلها والوقائع المثيرة، ودقائق ما دار في العراق وإقليم كوردستان في مرحلة معينة بلغة واضحة تميل الى الوضوح والسلاسة والتشويق. ومن يقرأ الكتاب يخال نفسه إنه يسبح في بحر من المعلومات التي بقيت لفترة طي الكتمان.
بعض التفاصيل الواردة في الكتاب يفصح عن الدور التاريخي البارز لقوات بيشمركة كوردستان في تحرير أراضي كوردستان من دنس داعش في مرحلة متفجّرة وعنيفة، ويكشف الخلافات السياسية والأداء السىء والأخطاء الفادحة للحكام العراقيين، والفرص الكثيرة الضائعة التي أربكت وأبكت العراقيين.
وبخصوص شنكال (جوهرة كوردستان) يشير الى ظلم وجورالأنظمة الشوفينية والشمولية المتعاقبة على حكم العراق، التي حاولت حرمان الكورد في شنكال وغيرها من الحياة الحرة الكريمة. وأهدرت حقوقهم القومية المشروعة، وأرتكبت ضدهم جرائم عنصرية بشعة بدأت منذ تأسيس دولة العراق.
ويتحدث سيادته عن القلوب العامرة بالأحقاد والضغائن، والنهج الشوفيني الجاثم على صدور الكثيرين والمتعمد لايذاء الكورد، الذي كان سارياً على جميع الاصعدة والمستويات في تلك المرحلة التي فرض فيها العراق حصار الأسلحة على البيشمركه، في حين كانت أمريكا لاتسمح للبلدان الأخرى أن تبيع السلاح للبيشمركه. في المقابل، كان داعش قد إستولى على قسم كبير من سلاح وإمكانات جيشي دولتي العراق وسوريا وأموال كثيرة كانت مودعة في مصارف الموصل وتكريت.
إستولى داعش على شنكال وارتكب فيها جرائم وحشية قاسية تجاوزت القيم السماوية والانسانية، وإستغل فيها اسم الدين لتشويه التاريخ. وفي خضم تلك المأساة العصيبة، شاهدنا الرئيس بارزاني، مسيطراً على مشاعره الحزينة، يستجمع القوة والقوات لمواجهة الدواعش. كما عبرعن قلقه البالغ تجاه ( كيفية التمكن من إعادة كوردستان والمواطنين والبيشمركه الى أوضاع طبيعية تكون فيها كوردستان مهيأة لخوض حرب طويلة، وإيصال البيشمركه من نواحي البرامج والتنظيم والتوعية الى مستوى يبدأ فيه الهجوم ليحرر بالقوة كافة المناطق من قبضة داعش، وليسد الطريق أمام داعش للتفكير في إحتلال أراضي ومناطق أخرى).
وفي 4/8/2014، خلال إستقبال سيادته لرئيس المجلس الروحاني للكورد الأيزديين المرحوم بابا شيخ والوفد المرافق له. أشار إلى إن قدر الشعب الكوردي دائما كان مواجهة الكوارث من أعداء مجردين من الضمير والرحمة، وخاطب الرئيس بارزاني الوفد قائلا:
إننا مستعدون بأن نضحي بأرواحنا وأنفسنا لحماية أرض وكرامة الأخوة الايزيديين، ونبذل كل ما في وسعنا لمساعدتهم وإنقاذهم وتحرير أرض كوردستان من الإرهابيين.
يقول الرئيس بارزاني في كتابه :
(بعد أن توصلتُ الى قناعة أن البيشمركه وكذلك المواطنون إمتلكوا الإستعداد اللازم لنقل كوردستان الى مرحلة الهجوم الشامل في سبيل تحرير المناطق المحتلة، أصدرت يوم 30/ أيلول/ 2014 أمر البدء بعمليات تحرير ربيعة. تلك العملية التي تسببت في تحطيم إسطورة داعش على يد البيشمركه. كما أسهمت في تسهيل الوصول الى جبل شنكال الذي كان هدفاً إستراتيجياً لقوات بيشمركة كوردستان. بعد ذلك الإنتصار، وفي يوم 25/ تشرين الأول/ 2014 حررت قوات البيشمركه ناحية زمار والقرى المحيطة بها ووجهت ضربة قاسية للإرهابيين الدواعش، وبعدها إستطاعت قوات البيشمركه دحر كل الهجمات المتتالية للأعداء في عموم جبهات الحرب ).
و(في يوم 17/ كانون الأول/ 2014 الذي صادف يوم العلم الكوردستاني، تم إصدار أمر إطلاق عمليات تحرير منطقة شنكال. وخلال فترة قصيرة تم تسجيل نصر تاريخي، وتحطيم الحصار المفروض على جبل شنكال الذي كان يأوي إثني عشر ألف أيزيدي. وفي 12/ تشرين الثاني/2015 وبهدف التحرير التام لمدينة شنكال ومحيطها من سيطرة الإرهابيين وتطهير المنطقة من داعش وقطع إتصالات داعش بين العراق وسوريا، في تلك العملية تم تحرير شنكال). 
وفي يوم 21/12/ 2014 أعلن الرئيس بارزاني من على جبل شنكال إن قوات البيشمركه سجلت اسطورة تاريخية باستعادتها قضاء شنكال (جوهرة كوردستان) من أيدي مسلحي تنظيم داعش.
حينها قال المرحوم بابا شيخ رئيس المجلس الروحاني للكورد الأيزديين:
كان الرئيس بارزاني قد وعدنا، وها هو يفي بوعده، نتمنى لهم النصر، وندعو من الله أن يحفظهم جميعاً، ندعو من الله الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى. الرفعة والسؤدد للرئيس بارزاني الذي بر بوعده لنا.
لكن للأسف الشديد، تعرضت منطقة شنكال في السادس عشر من إكتوبر 2017 الى موجة غادرة جديدة ومؤامرة سوداء. وحتى الآن لم تعد شنكال الى أيدي الأيزيديين، ومازال الآخرون يحكمون هناك، رغم توقيع إتفاق بين أربيل وبغداد برعاية الأمم المتحدة بشأن تطبيع الأوضاع في شنكال منذ أكثر من عشرة أشهر.
 


55
الحوار في كتاب الرئيس بارزاني ( للتأريخ)
صبحي ساله يي
في كتابه ( للتاريخ)، إضافة الى التأكيد على حق الكورد في الإستقلال كبقية شعوب العالم، وتوثيق الدوافع والمنطلقات التي جعلت السعي من أجل تقرير المصير أمراً حتمياً ومشروعاً، أشار الرئيس مسعود بارزاني الى ضرورة إتباع الكورد لسياسات متوازنة عنوانها الانفتاح على الجميع، واللجوء الى الحوار الجدي البناء في سبيل معالجة الإشكالات مع الحكومة العراقية، بهدف التوصل الى إتفاقات وحلول معقولة ومقبولة لدى غالبية الاطراف السياسية  كما تطرق سيادته الى إستمرار الكورد في إرسال رسائل السلام، وجنوحهم للسلم كلما لمسوا جهوزية الطرف الآخر للسلام، وكلما رأوا الفرصة مواتية للوئام والإستقرار وتثبيت مبادىء الشراكة، رغم أن نصيبهم من الشراكة في الدولة التي بنيت على أساس الشراكة بينهم وبين العرب، (للأسف الشديد) كان الجينوسايد والأنفال والقصف بالأسلحة الكيمياوية والتعريب ومحاولة صهره وتدمير قراه ومدنه الآمنة وتدمير بيئته ونهب ثرواته.
في ضوء ذلك نركز في هذه القراءة ل(للتأريخ)، على تأكيد الرئيس بارزاني على الحوار ومغزاه في هذا العصر الذي يمكن أن نسميه بعصرالحوارات، ورفضه الشديد للإستسلام والخضوع للسياسات العدوانية وتقديم التنازلات دون خطوات ملموسة من الآخرين، لأنه كان على يقين بأن تقديم التنازلات أو حتى التلويح بتقديمها سيتم تفسيرها وفهمها بشكل خاطىء، وكموقف ضعف وعجز يدفع الآخرين للتشدد والتمادي في مواقفهم وسياساتهم العدائية التعنتية.
بعد إنتفاضة عام 1991، وفي سبيل طي صفحة مورس فيها بحقهم كل الجرائم البشعة التي يندى لها جبين البشرية، والتي تمت تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، أبدى الكورد الكثير من المرونة ولم يجنحوا إلى الأخذ بالثأر من الآخرين، ومن أجل إنهاء المعاناة والمآسي زارت القيادات الكوردستانية بغداد عدة مرات، وألتقت هناك بمجرمي البعث، ولكن من كانوا على رأس السلطة في بغداد لم يستلموا الرسالة الراقية لشعب كوردستان، ولم يتعظوا من التأريخ. بل إستمروا في تجاوزاتهم وإجرامهم. وفي عام 2003، كان الكوردستانيون يتأملون العيش في عراق جديد على أساس دستوري وديمقراطي، يتمتعون فيه بحقوق متساوية، وساهموا في صياغة الدستور وصوتوا له وأبدوا حسن نواياهم تجاه العديد من الملفات الشائكة.
وفي المرحلة التي عاش فيها العراقيون في ظل ظروف بالغة الخطورة والتي كانت مثخنة بالجراحات والإقتتال الطائفي، كان الكوردستانيون بقيادة الرئيس مسعود بارزاني على الدوام عاملاً للوحدة والتآلف، وتحاوروا مع الجميع ووقعوا على الكثير من الاتفاقات مع أناس (للأسف الشديد) لايؤمنون بالإتفاق، وكان مصير جميعها متشابها لمصير إتفاقية آذار 1970التي وقعت مع البعث. وتم التثبت من أن هناك بوناً شاسعاً بين الأقوال والأفعال، وانقلاباً دائما على كل الإتفاقات.
وخلال العملية السياسية العراقية ما بعد 2010، أي ما بعد إيقاف اللإقتتال الشيعي السني، واجه الكوردستانيون أجندات تهدف الى تقليص حضورهم ودورهم وسحب إمتيازاتهم وتحديد مستقبلهم وفق ترتيبات وتفاهمات وخرافات تصب في خانة السعي لوضعهم على هامش الأحداث، أو حتى خارج الحسابات السياسية، وتطفيء عندهم مصادر القوة وعوامل الصمود وإضعاف روح ومشاعر الإنتماء والولاء إلى كوردستان، بحجة مسارات المواطنة والولاء للعراق.
أما خلال سنوات الحرب ضد داعش الارهابي، فقد قدم الكوردستانيون الكثير من التضحيات، وحققوا إنتصارات مادية ومعنوية وكسبوا صداقات في دول الجوار وأصحاب القرار والدول الفاعلة، وحصلوا على الدعم من أطراف مختلفة، وربما كانت المفارقة الفريدة من نوعها هي إحتفاظهم بصداقات، وحصولهم على مساعدات، من أطراف لها أجندات مختلفة ومتنافسة فيما بينها على النفوذ والمصالح، بل كانت تكن العداء لبعضها لكنها إجتمعت وإتفقت على التشاور والحوار مع الرئيس بارزاني وحكومة إقليم كوردستان ومساعدة البيشمركه ودعمهم. ولكن مع من كان يحكم (في بغداد)، رفض مساعدة الكورد وقطع عنهم الموازنة السنوية وحاول منع إيصال المساعدات الخارجية لقوات البيشمركه. عندها تم التثبت، مرة أخرى، من أن هناك بوناً شاسعاً بين الأقوال والأفعال، وإنقلاباً دائما على كل الإتفاقات. وتبين أن مواقف الكثير من الذين من المفروض أن نتحاور معهم، لاتختلف كثيراً ًعن مواقف أسلافهم الذين قاتلونا من أجل رهن مستقبل ومصير وطننا وشعبنا بمصالحهم، وأجلوا وتماطلوا في الحلول ريثما يؤمنوا القوة وما يمكنهم من فرض نفوذهم وهيمنتهم وأحلامهم وأطماعهم، دون الإهتمام بمأساة شعب أو مصير أمة. 
 



56
ماذا جنى الكورد من رئاسة جمهورية العراق؟
صبحي ساله يي
عوضاً عن مواكبة ومراقبة التغيرات المرتقبة في المشهد السياسي العراقي الذي يزداد تعقيداً كلما إقتربنا من موعد الإنتخابات المقبلة، وبدلاً عن الجنوح نحو التهدئة ومباركة التفاهمات والتقاربات والجهود المبذولة في سبيل تلطيف الأجواء ووحدة الصف والكلمة تجاه كل الأمور التي تمثل قضايا قومية ووطنية لا يجوز معها الحياد، كالإحتلال التركي لأراضي الإقليم، وتحرشات حزب العمال الكوردستاني بالإقليم، وممارسات بغداد غير المبررة تجاه شعب كوردستان وإبتعادها عن الخطوط الموضوعية. وبدلا عن محاولة إجتياز المشكلات بطرق إحترافية، نرى في الأفق مؤشرات إعادة إثارة الجدل والمغالاة وكيل الهجوم والتماهي في فقدان رصانة المعالجة حول أمر أحقية الكورد في تسلم منصب رئيس جمهورية العراق، وحصر الموقع في اتجاه معين بشكل يسيء الى صورة الكوردستانيين، ويترك إنطباعاً لدى الذين اعتادوا تلقي رسائل إيجابية ثابتة حول مواقف سياسية ووطنية وقومية كوردستانية تتسم بالثبات. ويؤشر الى أننا نعاني من عدم وجود المشكلات، لذلك نبحث بترف عن مشكلة نلهي بها أنفسنا وأبناء شعبنا وننسى أو نتناسى أن الظفر بالرئاسات في العراق لا علاقة له بالانتخابات حتى لو جرت أو تأجلت، بل هو مرهون بالمقايضات والمفاوضات والمصالح، وطروحات الأطراف الاقليمية والدولية المؤثرة على القرار السياسي في العراقي .
وفي هذا الشأن، أصبح من المنطقي أن نسأل : ماذا جنى الكورد من رئاسة جمهورية العراق؟
في الدورة الأولى لرئاسة جمهورية العراق، كان المرحوم جلال الطالباني منهمكاً بوقف نزيف دماء الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة من جهة، ومحاصراً من قبل نائبين كانا ينفخان في نار الحرب الاهلية، ويؤججان الصراع بين العراقيين، ويكنان العداء لبعضهما ولرئيسهما، من جهة أخرى، والمصيبة الكبرى كانت في إمتلاكهما حق “فيتو” القرارات التي لا تنسجم مع رغباتهم وطموحاتهم ونواياهم المذهبية والطائفية. لذلك يمكن القول أن رئيسنا الكوردي إنشغل بالهموم العربية العراقية.
بعد إنتخابات 2009 أرادوا تسليم رئاسة العراق الى شخص آخر (غير كوردي)، ولكن بجهود الرئيس مسعود بارزاني وإصراره الشديد إستلم الراحل جلال الطالباني رئاسة الجمهورية للمرة الثانية. خلال  السنتين الأوليتين خرق نوري المالكي الدستور وضرب الإتفاقات عرض الحائط وتراجع عن العهود، وتمرد على رئاسة الجمهورية والبرلمان العراقي، وأصبح الحاكم المطلق للعراق، وعندما أرادوا إزاحته عن السلطة، تدخلت ايران وإبقاه في موقعه. وبعدها أصيب الرئيس الراحل بالمرض وأصبح العراق بلا رئيس للجمهورية لسنتين تعتبران من أشد سنوات العراق عجافة.
بعدها أي بعد إنتخابات 2014 تم إختيار الدكتور فؤاد معصوم لرئاسة الجمهورية وفق حسابات حزبية وكتلوية ضيقة، وكان وجوده وعدم وجوده لا يختلفان بالنسبة للعراقيين بشكل عام وبالنسبة للكورد بشكل خاص. يكفي أن نذكر بأنه إنشغل بتعيين المستشارين والمستشارات، وأدار ظهره لكيان الإقليم وشعب كوردستان حين خان حيدر العبادي العهد والوعد وخرق الدستور وأصيب بالغرور وتخلى عن مسؤولياته الإدارية والوطنية والدينية، وإستمد قوته من ولائه للدول الأجنبية وحاصر كوردستان إقتصادياً ودبلوماسياً ولجأ الى محاربة الكورد. كما لم يستطع ( الرئيس) إطلاق سراح عدد من حراسه الشخصيين كانوا قد أختطفوا من قبل الحشد، ولم يحرك ساكناً عندما انتهج الحشد في طوزخورماتو ( أقرب المدن الكوردستانية الى بغداد) بعد أحداث إكتوبر 2017عمليات تدمير وحرق 3598 منزلاً للكورد لازالت أنقاضها باقية، ونهب عشرات المحال التجارية، و19 ورشة ومعملاً انتاجيا، و15 سيارة وآلية، ونهب 30 مولدة كهرباء وحرق ونهب 13 مقراً للاحزاب الكوردستانية. ناهيك عن التجاوزات والإعتداءات الكثيرة وترحيل وتهجير الآلاف من الكورد في كركوك وضواحيها.
 في عهد الرئيس الحالي لجمهورية العراق الذي تولى المنصب بإرادة وسطوة ونفوذ إيران دون أن يصوت له النواب الكورد في الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحركة التغيير والحزبيين الإسلاميين الكوردستانيين والجيل الجديد وأكثر من نصف أعضاء الإتحاد الوطني الكوردستاني، زاد تهميش وحرمان الكورد، وزاد تهرب بغداد من التزاماتها تجاه شعب كوردستان. وزادت حملات التعريب في المناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان. وبالتزامن مع استمرار محاولات العرب الوافدين الاستيلاء على أراضي المزارعين الكورد، تواصل عمليات نقل هويات الأحوال المدنية والبطاقات التموينية الخاصة بالعرب الوافدين إلى مدينة كركوك وإبعاد المدراء الكورد من مواقعهم، دون أن يتخذ رئيس الجمهورية أي موقف يذكر حيال تلك الأمورالمأساوية.
وختاماً نقول: أن عموم المعطيات تشير إلى أن المواطن الكوردي لم يجني شيئأ، حتى الآن، من رئاسة جمهورية العراق.
 


57
التهويد في الشيخ جراح، والتعريب في بلكانه
صبحي ساله يي
هي (إمرأة فلسطينية) : (يعقوب، أنت تعلم إن هذا ليس منزلك. أنت تسرق بيتي).
 هو(مستوطن إسرائيلي) : (إذا لم أسرقه أنا، سيسرقه أحد آخر).
هذا الحوار القصير الذي دار بين سيدة فلسطينية من حي الشيخ جراح في مدينة القدس، وبين مستوطن إسرائيلي ( يدعى يعقوب) يحاول الإستيلاء على الجزء الآخر من منزل آل الكورد، والذي حصد أكثر من ثلاثة ملايين مشاهد على اليوتيوب. كان قبل جولة القتال الآخيرة بين حماس وإسرائيل .
وبعد الجولة وإعلان الهدنة، ظهر يعقوب ليرد، بصلافة ووقاحة أكثر من السابق، على سؤال مراسلة تلفزيونية: أي حق تملك للسكن هنا ؟..
قال : ((الحق الذي أملكه هو أن صاحب المنزل يريدني أن أعيش هنا.. هو يريد أن يعيش اليهود هنا.. وقع الإختيار عليَّ، ولسبب معين أنا هنا.. كما قال : هم لن يعودوا الى هنا، سواء أنا كنت هنا أو لم أكن، سواء كان لغيري، سواء كان لقرد أو زرافة، هم لن يعودوا الى هذا البيت أبدا)) .
الحوارالأول، أعاد الى ذاكرتي مشاهد التعريب القاسية التي مورست في أجزاء عزيزة من كوردستان، خلال عهود كل الذين تسلطوا على رقاب العراقيين منذ تشكيل أول حكومة عراقية، ودخلوا من باب إحتكار القومية أو الدين، وإدعوا كذباً تمثيلهم لكافة القوميات والأديان، وساهموا عملياً في جميع الكوارث التي عانى ويعاني منها العراقيين. وذكرني بالكثير من المواقف المؤسفة والمعيبة والمثيرة للغضب تجاه ردات الفعل المحلية والدولية التي لم ترتق لمستوى خطورة سياسات التعريب المنهلة من الفكر الشوفيني المقيت، وبالذات حينما أخذت كركوك رهينة وحوّلتها الى سجن في الهواء الطلق للكورد .
أما الظهور الثاني ليعقوب الذي مازال يسكن في جزء من ذلك المنزل، وحديثه الوقح مع المراسلة الصحفية، فقد ذكرني بمشهد مماثل، وربما أكثر منه وقاحة، شاهدناه عندما تم خرق الدستور والقانون بإسم فرض القانون من قبل أصدقاء الأمس، حيث كان (العم صابر) من قرية (بلكانه) الكوردية في أطراف كركوك، يعبر عن سأمه الشديد من العرب الوافدين الذين إستوطنهم صدام في قريته وإستولوا على أرضه، والذين تركوا قريته بعد العام 2003 وعادوا الى مناطقهم الأصلية وإستلموا التعويضات بموجب المادة 140 من الدستور، وعادوا بنذالة وسفاهة، ليستغلوا، ما فعلتها القوات الاجنبية التي إستقوى بها العبادي في كركوك في 2017، بشكل محموم وإعتبروه فرصة منحت لهم ولا تتكرر. عادوا مرة اخرى بحماية ومساعدة القوات الامنية والعسكرية العراقية لإغتصاب الأرض وإجبار العائلات الكوردية على الخروج من منازلها، وهم يلوحون بوثائق مزورة حصلوا عليها بالتواطؤ مع الشوفينيين الذين يساندون جرائم البعث في كل ما يتعلق بالكورد، ولهم علاقات ملتبسة مع مفاهيم الدين والوطن والإنسانية والشرف والكرامة.
المشاهد السابقة، بعيداً عن المزايدات والشعارات الفارغة المضحكة المبكية، توقفنا أمام حقيقة دامغة هي ان التهويد لا يختلف عن التعريب، والإثنان وجهان لعملة واحدة، يشكلان جرائم حرب حسب القانون الدولي، ويقع عبئهما الثقيل على كاهل أناس صاروا يتنقلون بين دور الرهينة والضحية. ويؤكدان أن الذين يمارسون الضغوط التي تلامس حدود البلطجة في التهويد والتعريب، مجرمون يريدون إشاعة الفوضى وسلب الحقوق والحريات وزعزعة الاستقرار وتقويض الأمن، وبالتالي السقوط في وحل القتل وسفك الدماء والحروب.


58
كولان .. ثورة الذين لم يبدلوا تبديلا
صبحي ساله يي
جراء مؤامرة جزائر (1975) التي أعدت مشاهدها بإتقان وغفا تجاهها الضمير الانساني، لحق بالكورد الكثير من الأذى والكوارث الرهيبة، وحل بهم من الأم ما لم يكن في البال إنتقاماً من ثورتهم الأيلولية العارمة، ومحاولةً لزرع الاحباط واليأس في قلوبهم، ولمنعهم من لملمة الصف والكلمة وإستعادة قوتهم الطبيعية في الساحة النضالية.
بعد المؤامرة، هدأت البنادق والمدافع لأشهر معدودات، وتغيرت الحقائق على الأرض، وإعتقد الساذجون أن البعث ربح المعركة والحرب، وأن القضية الكوردستانية انتهت إلى غير رجعة. وإستأسد الثعلب وتغول، وتعامل مع متغيرات الأحداث بطريقة ساذجة وسطحية، ومارس الترهيب والتعريب عبر توطين العرب في بعض المناطق لتغيير التركيبية السكانية، خاصة في مدينة كركوك وأطرافها. وتعامل بصلافة، ووقع في المحظور، وإرتكب المجازر.
هدأت البنادق والمدافع، لكن إيمان الذين لم يبدلوا تبديلا لم تهدأ وظلت شاخصة ضاغطة تأبى المغادرة، وحاولت تحويل النكبة والنكسة الى إنتصار لإكمال المسيرة التحررية لشعب كوردستان.
وبعد مضي سنة عاجفة من المعاناة، ذهبت الخيبة وحضرت الإرادة وإستيقظت الحفيظة، وساد  الشعور بأن ثورة الكورد ليست اختياراً بل هي قدرهم الذي لا فكاك منه في سبيل الدفاع عن وجودهم. وبدافع من الرغبة في التفاعل بإيجابية مع الأحداث، والإنطلاق من المشتركات، وبوتيرة متجانسة بدأت الحياة تدب في صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي نجح في إعادة توحيد الصف، وفي التحكم بجوهر وصياغة الآراء والتوجهات، وفي تنميتها وتقويتها وتحويلها إلى معطيات مثمرة متكاملة الأبعاد. ودون إثارة أو ضجيج أعاد الحزب برئاسة الرئيس مسعود بارزاني ترتيب الملفات والاوراق، وإستعد لسيناريوهات جديدة، وحمل السلاح مرة أخرى، مضطراً، في وجه حكومة قوية غنية مدعومة اقليمياً ودولياً. وإنطلقت ثورة كولان في 26/ آيارم 1976، وتمتعت بخصوصية جعلتها مختلفة عما سجله التاريخ من ثورات، من حيث الدوافع والترتيبات والحسابات، ومن حيث ما نتج عنها من تغييرات سياسية وعسكرية هائلة، وما دفع فيها من الأثمان الباهضة من أجل الحرية.
وبعيدا عن حالات الإنفعال والضوضاء إستطاع، الحزب الذي قاد ثورتي أيلول وكولان وإنتفاضة آذار، وساهم في بفاعلية في إسقاط البعث، إستطاع إستقطاب الرأي العام الكوردستاني والعراقي والإقليمي والدولي. وبعد إنتصار إنتفاضة آذار 1991، والتغيير الجوهري والأساسي في حياة شعب كوردستان، وإنتخاب برلمان كوردستان، وتشكيل حكومة الإقليم، رفع الرئيس مسعود بارزاني، المجبول على الصدق والصراحة وقول الحق والحقيقة، شعار الديمقراطية للعراق والفدرالية لكوردستان، وبمهنية محترفة أمام المجتمع الإقليمي الدولي أثبت أن الكورد شعب يستحق التقدير والثناء والبقاء، وجدير بحق تقرير مصيره. وتحمل الحزب الديمقراطي الكوردستاني جميع المسؤوليات بخطط وأفكار وتوجهات تتميز بالعقلانية والهدوء، وتحرك ضمن الواقع لصنع المستقبل. وفي أحايين كثيرة، دفع تكاليف باهضة لحسن نواياه وصبره وضبط نفس أعضائه ومؤيديه في سبيل التوصل الى إتفاقات تحقق العدالة، وتضمن الحفاظ على المكتسبات المتحققة بأنهار من الدماء والدموع، خاصة مع الأطراف المختطفة للقانون والمستغلة للعواطف والحاجات والطاقات، والباحثة عن الفرص لرفع سقف مطالبها، والمشوهة للحقائق، والهشة في مواقفها، والمستغلة للمواقف الوطنية والقومية، والمتصنعة للحرص المخادع على التحلي بالرؤية الحكيمة. مع ذلك فإن المفارقة العجيبة تجاه هذا الحزب، هي : إنه يزداد قوةً وتماسكاً وإلتفاف الجماهير حوله كلما تعرض لمؤامرة أو خيانة أو طعنة في الظهر .
 
 

59
مؤتمر الوحدة والدستور والمعارضة الفائضة

صبحي ساله يي
مشاركة الرئاسات الثلاث لإقليم كوردستان، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، ورؤساء وقادة غالبية أحزاب إقليم كوردستان وعدد من الباحثين والأكاديميين وقناصل 29 دولة في الإقليم. في مؤتمر (الوحدة والدستور)، للحديث بلغةٍ واضحةٍ وصريحةٍ عن مسألتي الوحدة في كوردستان ودستور يجسد واقع الإقليم بكل مكوناته، رسالة واضحة وعلامة بارزة تدل على الإستعداد لمنح الضمانات والذهاب نحو إعادة  بناء الثقة، وتقديم كل طرف تنازلات للآخرين، للوصول إلى تصوّرات مشتركة، وأرضية صلبة للقواسم المشتركة.
أما ترسيم الطريق من خلال جلسات حوارٍ مكثفة فقد وضعت هواجس ومخاوف وقلق القوى المختلفة على الطاولة. وكشفت الأهداف الإيجابية المرجوة من كتابة الدستور كوثيقة تاريخية مهمة تضمن إستمرار حماية القيم التي طالما نفتخر بها ضمن إطار وحدة  تصون وتعزز جمال التنوع، والإتفاق على صياغة الهوية الجامعة للجميع وعلى مواجهة التحديات المصيرية والمهمات الصعبة. لكن للأسف، لاحظ المراقبون لوقائع الجلسات أن تأثيرالانتخابات المقبلة وإنهماك البعض في المزايدات وإعادة تنظيم الصفوف الحزبية استعداداً لتلك المرحلة، كان حاضراً في خطاب المعارضة التي لم تفلح في كوردستان إلّا في ترديد الأقوال المسمومة وإنتاج شخصية هلامية تدور حول نفسها وتتكيّف مع لعبة الجلوس على مقاعد المتفرجين، وتتهيأ لتعليب مشاعر مؤيديها وتوجيهها نحو صيغة قابلة لحمل الشيء ونقيضه معاً، ليصبح بإمكانها ان تذرف الدموع وتبكي وتصرخ عندما تجد نفسها في موقفٍ يحتاج التباكي، وتعلن التعاطف وتطرب لأمر آخر عندما تدعو الحاجة لتكريس وجودها أو للتطبيل ونشر حالة الإحباط وخيبة الأمل وتقزيم المطلوب سياسياً وتغييب التوافقات الوطنية التي تسهم في تشخيص الواقع وتقديم البدائل المقنعة.
أحد الأطراف المشاركة في حكومة الإقليم والمعارضة لها، وهذه مفارقة، إستوقف الكثيرين حينما أعد خطابين متعاكسين من المشاعر لحدثٍ واحد أولهما، (مع) برزه عند المشاركة في الحكومة والتي كان ينتظرها بشوق عارم، وما سيترتب عنها من الغبطة والهيجان الفائق المزدان بعناوين الإحتفال بالفوز بالمناصب والمواقع . والثانية (ضد) يبرزه في حالة بحثه عن أصوات الناخبين، لذلك حاول خلال كلمته إستصغار بعض الأمور وتكبير غيرها، دون التجوّل في متجره الحزبي وإنتقاء الكلمات المناسبة للحدث. وبدلا عن تجنب المسّ بالمشاعر التي جذرها سلوك نواب حزبه في البرلمان العراقي ونصف نوابه في برلمان كوردستان، ومن خلال شبكة أعصاب ضربها العطب أثار موضوعاً لا علاقة له بالدستور والوحدة. وتصرّف ضمن الواقع السياسي المضلّل في كوردستان والعراق، الذي أصبح فيه بعض الخطاب السياسي حاملاً لرزمتين من المشاعر، أولها ذرف الدموع، وثانيها، فوران البركان حسب إشارات الزمان والمكان، وإذا إقتضى الأمر تبديل الجلود وفق التضاريس والألوان. 
أما المعارض الآخر، والذي لم يغادر دهاليز السلطة بإرادته، رغم إنه سلك طرقاً ملتوية مختلفة ولعبا شبه بارعة للمشاركة في الحكومة الحالية فما زال يعاني من مأزقه وشعوره بالهزيمة النكراء التي تحمل بين طياتها كل الأبجديات الكئيبة. فقد حاول، بمواقفه المستترة التي كان قد إتخذها في أوقات سابقة، زرع الشكوك وترويجها لدى القوى السياسية والشارع الكوردستاني تجاه الديمقراطية الكوردستانية، طبعاً غير الخالية من العيوب والنواقص، وتجاه حالة التعايش السلمي والتسامح الديني والتعددية، وتجاه جدّية البحث عن دستور مدني ينسجم مع الواقع الجديد ويتأسس على ثوابت معتمدة عالميأ، ويقره الدستور العراقي والقانون الدولي.
ختاما يمكن القول، أن المعارضة المخفقة في الخروج من متاهة الافكار غير الناضجة، والفاشلة في الولوج إلى النقاش المعمّق لتشخيص الأوضاع الراهنة، وترسيم طريق تحقيق الوحدة  وكتابة الدستور، وإحداث قفزة نوعية في اللعبة السياسية هى معارضة فائضة يمكن الإستغناء عنها.


60
صيحات البلاهة والبلادة ...
ظاهرة تستدعي المعالجة والرثاء
صبحي ساله يي
منذ مثول عدد من الاشخاص أمام المحاكم في أربيل بتهم تتعلق بمحاولة زعزعة أمن الإقليم وإستقراره. وإصدار الحكم القضائي بحقهم، بعد التحقيق القانوني بأقصى درجات الحرفية القانونية وبالاستناد الى المعلومات والأدلة والوثائق وإعترافات المتهمين، من قبل الجهة القانونية المختصة التي تعاملت مع القضية باستقلالية وحياد. دخل البعض المزايدين السياسيين في السباق الانتخابي قبل غيرهم وبدأت أنشطتهم وفعالياتهم الانتخابية مبكراً، فطفت صراخاتهم على السطح. وباتت تتعالى صيحات البلاهة ودعوات البلادة ضمن موجة عاتية من السجال الداخلي المحتدم حيال الطعن في نزاهة القضاء في كوردستان،  رغم يقينهم من أن الحكم الصادر ليس نهائياً وهناك مرحلة يتمكن فيها المتهمين الطعن بالقرار وفق القانون..
بعضهم يرفضون الحكم رفضاً مطلقاً لأهداف إنتخابية ونوايا خبيثة تؤكد التدخل الصارخ في شؤون المحاكم وتسييس الملفات، وبعضهم يرتدون ثياب خبراء القانون وحقوق الإنسان، ويوجهون النقد واللوم والعتاب للعقوبة، ويعتبرونه تقويضاً لحالة الإستقرار والعدالة. وآخرون يتناولونه بالرصد والتحليل والتأويل ويبدون طروحات لاتتناسب مع المعطيات المتاحة من جهة، ومع التطورات والمستجدات من جهة أخرى، لأنهم بالأساس يجهلون ألف باء القانون والقضاء.
الرافضون له بالمطلق، هم الذين يعانون من عقد الكراهية ويرغبون نشر التفرقة والفتنة لعقد شخصية أو حالة من الشر الذاتية، لذلك لا يتركون كل شاردة أو واردة إلا ويصبون الزيت على نارها، ويدغدغون مشاعر المواطنين بشعارات إنتخابية مضطربة بدلاً من الإعتماد على البرامج والمشاريع، وبقصص وروايات مفبركة دون مراعاة سيادة القوانين وأعراف السلطة القضائية.
أما علة ومعضلة المدافعين زوراً عن حقوق المتهمين، المنتشرين في مواقع التواصل الإجتماعي والإعلام الممول السائر في فلك الإرهاب الفكري، والراغبين في إمتطاء جواد الشهرة لدى الأصدقاء والخصوم، فإنها ظاهرة تستدعي النظر والمعالجة وتستحق في ذات الوقت الرثاء، خاصة وأنهم يظهرون للملأ وكأنهم كائنات عمياء، أو معصوبة العين ولم تبلغ النضج، وتوجه بآليات وإنفعالات سلبية لنشر الحقد والكراهية.
ولأن المزايدين المغالين الذين يظهرون مع كل الازمات، لايمتلكون المعلومات القانونية والقدرات السلوكية ومهارات الحديث والحوار وتقييم وتقدير ما يقولون وما يفعلون وتداعياتها الأليمة، يعانون من مرارة علاقاتهم المتلبسة وبؤس عيشهم في بحر الفشل والفضائح والإخفاقات، ويعانون من وقوفهم في مكان جامد ملىء بالإنزعاجات الواضحة، ويعانون من قدان الرصيد الرصين الجاد، لذلك يطرحون رؤاهم ومنطلقاتهم وفق إرادة ورغبات الآخرين.
على العموم، هذه الأزمة كالأزمات الفاشلة السابقة، التي سعت الى تسييس القضايا الصحية والإجتماعية والمالية، مختلقة ومتشعبة في مضمونها ومدلولاتها، ومعلومة الصلات. ويمتلك عنها الشعب الكوردستاني معلومات كافية تلجم الغاوين، لذلك يستطيع ( الشعب الكوردستاني) تجاوزها بكل شموخ تعزيزاً للقيم،  ومراعاة للأوضاع السائدة في الإقليم والعراق والمنطقة، ودون الرضوخ لأي إملاءات يحددها الآخرون.  يتجاوزها من خلال التعامل معها بمرونة وحرص وحكمة، ومن خلال منع الفاشلين من التدخل في شؤون القضاء والمؤسسات القانونية، وإرغامهم على إحترام المؤسسات القضائية وتركها لتؤدي واجباتها، ومن خلال التأثير في تفكير المسببين لها، وطمأنتهم بأنهم لا يستطيعون إحداث الفوضى، ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً في سبيل إعادة ما فقدوه، أو لإخفاء عجزهم من خلال سياسة إلهاء الآخرين.
 
 


61
الصحافة الحرة في كوردستان !
صبحي ساله يي
إستذكر العالم قبل أيام مناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، والصحافة، كما هو معلوم، سلاح ذو حدين،  ولها دور كبير في المرحلة الحالية والمقبلة، وفي كوردستان والعراق والعالم جدد الكثيرون دعمهم لحرية الصحافة والتعبير وأكدوا على مواصلة العمل من أجل بناء صحافة حرة ومهنية وأخلاقية تتحمل المسؤولية في صناعة رأي عام محترم، أملاً في أن تكون الركيزة القوية للديمقراطية الناشئة. أما المنظمات المعنية بالصحافة وحريتها فقد دعت الى توفير بيئة تمكينية آمنة ومناسبة لحرية العمل الصحفي، وإعتبرت الصحافة الموضوعية العقلانية والصادقة والمجردة من الأهواء والرغبات الشخصية، هيئة رقابية تعزز الشفافية والمساءلة وسيادة القانون.
أما من يتابع الصحافة الكوردستانية، خاصة إذا كان من العاملين في إحدى حقولها، فيجد إنها في مفترق طرق، ومقسمة بين:
•        الصحافة السياسية الحزبية التابعة للأحزاب السياسية بشكل علني، دون إخداع الآخرين بالشعارات البراقة. وتعمل في بيئة غير مضطربة وفق سياسة الحزب الذي يرفرف رايته على مكاتبها، وتتنافس مع الأخريات على كسب ثقة المواطنين. وبفعل تأثرها وتأثر الكثير من العاملين فيها بالعديد من العوامل التي تبدأ بالأفعال وردودها، تحاول أن تحتفظ بقوتها وأن تلعب دورها الحقيقي والصادق في مواجهة التحديات الخطيرة، وتفضح النوايا الخبيثة التي تحاول المس بالسلم الاهلي، كما تبذل المساعي في سبيل طي الصفحات السوداء في التاريخ السياسي الكوردستاني. وهذه الصحافة تخضع لعمليات إعادة التنظيم والإصلاح الجادة لجعلها أكثر قوة وقدرة على التجرد من الأهواء والرغبات الشخصية.
•        كما يجد نوع آخر من الصحافة، تسمى بصحافة الظل، تستلم تمويلاتها من الأحزاب الكوردستانية، ولكنها ترفع شعارات الإستقلالية والوقوف على الحياد والعمل بمهنية، وتلجأ(بعضها) لإرهاب الطرف الآخر للحط من كرامته الانسانية عن طريق تشويه الحقائق، وإستعمال عبارات وطعون وإتهامات وأكاذيب تنتمي الى فترات التخاصم والعداء، وتسعى الى الترويج لما يمثل خطرا على الفرد والمجتمع، عبر تحويل الخلافات السياسية الى أحقاد ونزاعات اجتماعية، والتشبث بألغاز مفقودة الحلول ومجهولة التفسيرات بطريقة بدائية، لا يختلف عن إستعراض القوة وإستعمال السلاح بطريقة إنتقامية. وهذه الممارسات تسقطت عنها أوراق التوت وعن كل إدعاءاتها التي تروج للتعايش والتسامح والحرص على الهدوء والاستقرار في المرحلة الحالية والقادمة. و(بعضها الآخر)، تلجأ الى النبش في مخلفات الماضي للبحث عن السلبيات والعيوب وإعادتها الى الواجهة مع صور مزورة وفيديوهات مركبة تكشف رغبتها في البحث عن الأسباب الخفية التي تدعو إلى التمسك بالنزاعات الغامضة التي صارت جزءا من بنيتها الهشة المنهكة. وهذه الصحافة لا تهمها تمضية الكثير من الجهد والوقت في نقاشات بيزنطية لا طائل منها، وفيما تشتهيه النفس الأمارة بالسوء.
•        وهناك صحافة أخرى مفضوحة الهوية والانتماء، تتجاهل الإيجابيات، تسمي نفسها بالحرة، ولكنها تضع نفسها تحت تصرف الآخرين وترتمي في أحضان كل من يدفع الثمن ولو كانت قوى ومخابرات خارجية معادية للكورد بشكل عام. لا تخجل من عمل أي شيء من أجل أن تتسلم أجورها. وأسوأ ما في هذه الصحافة هو تغطيها بلباس معاداة هذا الطرف أو ذاك، في سبيل الترويج لخطاب الكراهية والبغضاء واليأس والإحباط. وهذه الصحافة تحاول إفشال كل الجهود الرامية الى تعزيز الثقة بين الكوردستانيين بشذوذ الكلام. وهذا النوع من الصحافة صارت أشبه ببضاعة معروضة في سوق البضائع التالفة التي لاتنفع أصحابها، لكي يحتفظوا بها، ولا تنفع الذين يريدون شرائها أو الاستيلاء عليها، لأنها تشكل انحرافاً واضحاً عن المسؤولية الإعلامية.
وختاماً نقول: في كوردستان صحفيين أحرار، ولكن لا وجود لصحافة حرة.
 


62
المنبر الحر / (وقد خاب من افترى)
« في: 22:00 28/04/2021  »
(وقد خاب من افترى)
صبحي ساله يي
لقد لعب إقليم كوردستان دورا إيجابياً لا يستهان به في المشهد السياسي الجديد في العراق والمنطقة، وفي المعادلة السياسية العراقية التي تغيرت بشكل كلي بعد إزاحة النظام البعثي، من خلال الوقوف على أساس التوافق المباشر بين علاقاته الخارجية بين الجانبين الأميركي والإيراني، والداخلية العراقية بين الشيعة والسنة، وإبتعاده العقلاني عن الاحتقانات والاصطفافات السياسية والمذهبية، من جهة. ومن خلال الإلتزام الراسخ بالحرب ضد الإرهاب وتقزيم الفكر المتطرف المؤمن بالعنف، والدعوة المستمرة الى التعايش والحوار بين ومع المكونات العراقية، من جهة أخرى. وكذلك من خلال العلاقة الوثيقة التي تربطه بالمرجعية الدينية في النجف، ومع مختلف الأحزاب السياسية في البلاد.
مع ذلك تعرض الإقليم خلال السنوات السابقة لتصعيد اللهجات وللتحدي والإعتداء والهجوم، من قبل القوى الفاشلة في العراق، وباتت العديد من الأطراف تضع يدها على زناد أسلحتها الموجهة نحوه، وتشن هجمات إعلامية نابعة من الغيرة والحقد والحسد من نجاحات الكوردستانيين، معتقدة أن بأكاذيبها وتلفيقاتها المختلفة، والمعلومات المزيفة التي تنشرها في قنواتها الإعلامية، تستطيع تغطية فشلها الذريع وخرقها المتعمد لحقوق الإنسان خلال السنوات السابقة، وللأسف الشديد إستطاعت تحريض جزء من العراقيين ضد الكورد. أما الطرفان الأمريكي والإيراني فلم تدعوا، أدواتهما في العراق، الى السكوت أو حتى التعقل مع تأكدهما المطلق من أن التهديد الحقيقي الذي يواجه العراق بشكل عام هو الثقافة والفكر الشوفيني المترسخ في أذان البعض والأسلحة المنفلتة والمليشيات القذرة التي باتت تمتلك قنوات فضائية وأسلحة متطورة. 
آخرالتلفيقات والاتهامات، التي تبعد كل البعد عن الحقائق، وتخالف المبادئ الأساسية الإنسانية والقانونية، والتي تعد تعبيراً واضحاً عن الطغيان المتجذر في نفوس الحاقدين، جاءت من قناة الآفاق التابعة لحزب الدعوة التي تبذل قصارى جهودها لتضليل الرأي العام والتشهير بإقليم كوردستان، وتشويش الصورة اليانعة للازدهار والاستقرار في الإقليم، وتسعى وراء صرف النظر عن المشاكل الداخلية لحزب الدعوة، وزرع بذور الشقاق وتغذية العنصرية والمذهبية المقيتة عبر ذر الرماد في العيون من خلال خدع تثير الضحك والسخرية، حيث إفترت وإدعت بوجود ما يسمى مركز للموساد الإسرائيلي في الإقليم.
الكوردستانيون إعتادوا على وصول خصومة أصدقاء الأمس الى حد الإفتراء ضدهم من أجل مصالح حزبية ومذهبية، منذ أن تشاركوا مع أناس لايؤتمنون ولا يحفظون الأمانة، أناس يمتلكون قنوات فضائية  تستغل الفرص لتهييج الشارع العراقي عبر تبني قضايا وهمية، وتكرس برامجها لبث الفرقة والاقتتال وبعث الرياح الصفراء النتنة. ولكن سبحانه وتعالى يقول : (وقد خاب من افترى).
ومن أجل استئصال الإفتراءات وتقويض البيئة المغذية للكذب والإدعاءات الوهمية بصرامة ووفقا للقانون، ولكي يتم وضع حد لكل الاتهامات الباطلة والخطيرة بحق إقليم كوردستان. أصدر المتحدث بإسم حكومة الإقليم توضيحاً للرأي العام حول التقرير المنشور على موقع قناة آفاق أكد فيه عدم وجود أي إسرائيلي أو مركز إسرائيلي في إقليم كوردستان. كما أكد عزم حكومة الإقليم على إقامة دعوى قضائية ضد هذه القناة التي تفوح من برامجها وتقاريرها رائحة الإنتقام والتحريض على الكراهية والبغضاء، وتنفث السم والرذيلة وتنشرالأحقاد والضغائن، لغرض تحقيق مكاسب سياسية على حساب الاساءة الى سمعة الإقليم وشعبه الغيور .


63
في بغداد ملوكاً يُظلم عندهم الجميع
صبحي ساله يي
بداية أؤكد أن كلمة (ملوك) المذكورة في العنوان لا أعني بها الرؤساء الثلاثة للجمهورية والحكومة والبرلمان، ليس خوفاً من ردة الفعل، وإنما إحتراماً لهم، ولأنهم بالأساس ليسوا ملوكاً، ولايمكنهم الظهور بمظهر الملك، ولا يملكون جزءاً من صلاحيات الملك أو حتى ولي العهد، أو خيار الخروج عن السياسة التي ترسم أبعادها من قبل الذين جاؤا بهم عندما كانوا يحتاجون رجالاً بمواصفات خاصة ليرضخوا لتقلباتهم المزاجية ويستغفلوا قسماً من مكوناتهم.
لذلك لا أقصدهم، ولا يؤخذ عليهم عندما نسمع خطاباتهم وآرائهم ووجهات نظرهم الهادفة الى تدعيم قناعاتهم ورغباتهم من جهة، وإستغلال طيبة وحسن نوايا مكوناتهم من جهة أخرى، وهم أيضاً، لا يعتبون على أبناء مكوناتهم عندما لا يصفقون لهم، بل يشنون ضدهم حملات تخترق مزاجهم وتعكر أجوائهم .
في عهد الرؤساء الثلاثة الحاليين، وفي عهد الثلاثة الذين سبقوهم، أستبيح الدم العراقي وإستقوت الميليشيات وإنتعشت بأسلحة وآليات وأموال العراقيين، وأسست ملكيات طامعة تتجرأ على ذبح وإغتيال وإختطاف كل من يريد أو يحلم بوطن حر، وكل من يرفض الركوع والسجود لملوك يتجرأون على إهانة الرؤساء الثلاثة قبل غيرهم.
في عهد تلك الملكيات زادت المآسي، وبرز على السطح عقبة الأقلية النافذة من النواب في البرلمان العراقي، لعرقلة المسارات السياسية ورفض التفاهمات والإتفاقات مع الكورد ومع الجوار العربي والإنفتاح على الشركاء الدوليين لأهداف مختلفة تبدأ بالشوفينية الخبيثة والمذهبية المقيتة، وتمر عبر وضع العقبات أمام حكومة الكاظمي ومحاصرتها وتعطيلها في سبيل إسقاطها، أو في الأقل إضعافها وتجميدها ومنعها من إجراء الإنتخابات المبكرة، وتنتهي بالإمتثال والولاء للخارج.
من يتخذ في العراق موقفاً مغايراً أو معارضاً لأي ملك، يتعرض لانتقادات عنيفة وتشكيك شرس، ولحملات التحريض والتخوين والتهديد والإختطاف أو القتل، ومن يكون محظوظاً فيفبرك بحقه عدد من القضايا ليزج به في السجن، وهذا التعميم الإنتقامي لا يقتصر على أبناء مكون دون الآخر.
أما التوصل الى إتفاقات وتفاهمات مختلفة عن الكثير من الإتفاقات السابقة، من حيث طرح الأفكار بوضوح شديد، وتعيين الدلالات المهمة والمشتركات الإيجابية، بين أربيل وبغداد، حول شنكال وكركوك والموازنة السنوية وإنتشار البيشمركه لمحاربة داعش في المناطق الكوردستانية الواقعة خارج إدارة حكومة إقليم كوردستان، فقد أهاجت روح العصبية الشوفينية والكراهية المقيتة عند الملوك المتناحرين والمتنافرين فيما بينهم والمتحدين ضد التطلعات الكوردستانية، وأعادهم الى حقدهم الاعمى الذي هو الأساس في تعاملهم مع الكورد وحقوقهم المشروعة والدستور والديمقراطية. وتجاهلوا الحقائق ولجأوا الى الأساليب العنصرية البشعة والخبيثة للنيل من إرادة ووجود الكورد، وإتخذوا خطوات إستفزازية وتعجيزية لإرغام الحكومة العراقية على تعطيل مسار الإتفاق والتفاهم مع الكورد، دون الالتفات الى التداعيات السلبية لتلك الخطوة الخطرة التي ستخلق شروخاً جديدة وكبيرة بين العراقيين، وعلى جميع المستويات الرسمية والشعبية.
وأخيراً نقول حال العراق الحالي بحاجة الى صولة ضد الملوك، ولكن الصولة بحاجة لقائد.
\\\
 

64
إخراج الامريكان من العراق ... بين المكافأة والمعاقبة
صبحي ساله يي
المكونات الرئيسية في العراق، الكورد والشيعة والسنة، كل منها قادرة على لعب دور مهم في خلط الاوراق وترتيبها وفي إخلال وضبط المعادلات والتوازن في الملفات المهمة في البلاد، وفي إعادة رسم الخرائط. وجميعها تدرك أن الاستهانة بدور أي منها تجاوز للدستور ولعب بالنار، مع ذلك تعيش حالة ترقب وانتظار لما سيذهب اليه الأمور.
الثلاثة قلقة ومتوترة ولاتثق ببعضها في العمل البرلماني والسياسي والحكومي، والتقارب بينها مرتبط بعوامل مختلفة، وقد يفشل هذا التقارب في أية لحظة، لأن قدرته على البقاء والإستمرار، رغم التأكيدات على عدم التفريط به، مسألة غير محسومة. أما القطيعة بينها، فتولد الفراغ الذي يسمح للآخرين ممارسة سياسة إشعال الحرائق، وتسهم في إمتداد التدخل الخارجي وتحريك الخلايا الإرهابية المستيقظة، للنيل من قوة وعافية الجميع.
أقلية من الشيعة، وهنا نذكر كلمة (أقلية) لأن الذين صوتوا، في بداية السنة الماضية، في البرلمان العراقي، لصالح إخراج القوات الاجنبية من العراق، وبالذات الامريكية، لا يمثلون سوى قلة قليلة من المكون الشيعي، لعدة أسباب، نذكر منها:
•        نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية في المناطق الشيعية كانت ضئيلة جداً، لذلك فإن النواب الشيعة الخاضعين لتأثيرات الضوضاء والصوت العالي للإعلام، يمثلون فقط النسبة السكانية التي صوتت لهم. أي ما يقارب ربع عدد الذين كان يحق لهم التصويت، وهذا ينطبق على النواب الكورد والسنة أيضاً .
•        عدد النواب المشاركون في التصويت على ردة الفعل، أقل بكثير من عدد نواب المكون الشيعي، وهذا يعني عدم وجود إجماع شيعي حول القرار.
•        رفض الشارع الشيعي للنواب الموجودين في البرلمان، وهذا ما تم ملاحظته بجلاء خلال التظاهرات الجماهيرية غير المحسومة التي سادت في المناطق الشيعية من خلال مهاجمة وحرق مقرات الأحزاب الشيعية ومنازل ممتلكات النواب والسياسيين الذين يؤكدون ويشددون على السلبيات ويكررون البرامج الإنشائية المعلبة .
هؤلاء يعتبرون إخراج الأمريكان من العراق، وبالتالي تراجع دورهم، نصراً لهم، وباباً ستفتح على مصراعيها للتمدد الأكثر، والاستفادة منه وتوظيفه لصالحهم، وأداة ضغط مهمة وورقة رابحة لحصولهم على الدعم الايراني، وستسمح لهم بتعزيز وجودهم وإعادة تمركزهم. ويظنون (وبعض الظن إثم) سيحجم الدور الكوردي والسني اللذين رفضا إخراج وطرد الأمريكان من العراق، رغم تحفظاتهما الكثيرة تجاه الأداء الأمريكي خلال المراحل السابقة.
الكورد والسنة يرحبون ببقاء الأمريكان، ليس حباً بأمريكا أو تماشياً مع سياساتها، بل من أجل الخفاظ على الهدوء الهش الموجود، لأنه أفضل بكثير من الفوضى. ويريدون بقاء الامريكان لمنع عودة داعش لممارسة أعماله البشعة ونشر الخراب والدمار. ومنع الإستفراد بالسلطات، من قبل شخص لا يعترف بالشرعية والقوانين والمواثيق والقرارات، ويستند على الميليشيات الوقحة المنفلتة التي لا يوجد لديها أساساً أي إحساس بالمسؤولية تجاه المكون الشيعي قبل المكونين السني والكوردي.
لذلك لو أرادت المكونات الثلاثة إعادة التفكير في الأمور بهدوء، وتحركت ضمن الواقع لصنع مستقبل بعيد عن الإثارة الإعلامية، ولو شاءت إمتحان قدرتها الحقيقية على العمل السياسي والنيابي والتنفيذي الموحد والتقارب فيما بينها، ولو فهمت المغزى الموجود بين سطور رسائل التطميع والترغيب والترهيب الخارجية، ولو وضعت المصالح العامة للبلاد ولمكوناتها تحت المجهر مرة أخرى، فإنها سترى حقيقة مفادها: من أجل التغلب على العوائق، لا بد من الصبر والتحمل والخطة والفكر، والإلتزام بالتوجهات التي تتميز بالرزانة والحكمة والتعقل، والتمييز بين مكافأة الآخرين ومعاقبة العراقيين، ولابد من تقديم بعض التنازلات، والبحث عن آليات مناسبة للمضي في إجراءات بناء الثقة أولاً، مروراً بتفاهمات مبدئية في هذا الملف وملفات عديدة مختلفة، والوصول في النهاية الى إتفاقات شاملة تخدم حصول كل طرف على ما يريد.
 
 


65
( الأسوأ )، لم يأت الى العراق حتى الآن
صبحي ساله يي
بعد سنوات من الإنتصار على النظام البعثي، وتخصيص مواقع رئاسة جمهورية العراق للكورد، ورئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة البرلمان للعرب السنة، يبدو أن العراقيون بكوردهم وشيعتهم وسنتهم أكثر يأسا وأقل حماسة من أي وقت آخر، جراء انتاج طبقة سياسية عملت وتعمل على وأد الإنتماء للوطن، وإطفاء حماسة البناء والتقدم، وجراء عدم إتضاح المواقف والمشاريع السياسية، وتغييرها مع تغير الظروف والتطورات.
موقعا رئاسة الجمهورية والحكومة كانتا بالنسبة للكورد والشيعة بمثابة أحلام وآمال بعيدة المنال، ولولا الأمريكان لكانتا من المستحيلات، لذلك كان تغيير النظام السابق بالنسبة لهم حدثا سارا وبداية طيبة. ولكن الكورد خاب ظنهم بعد أن فقدوا الثقة فيما بينهم من جهة، وبينهم وبين من فتحوا لهم بيوتهم وقلوبهم، وكانوا يعتبرونهم إخوة في النضال والتعرض للمظلومية، من جهة أخرى، وبعد أن تأكدوا أنهم أناس لايحترمون فكرة الدولة والديمقراطية والفدرالية، ولا يحترمون الدستور الذي كتوبوه معاً والقوانين التي شرعوها، ولا يلتزمون بالوعود والإتفاقات.
أما الشيعة، وبعد ان شاهدوا دخول سياسييهم في مواجهات وصراعات بينية وجانبية، وإدخالهم البلاد في متاهات لا نهاية لها من الجدل حول مشكلات الحكم، وأصل البيضة والدجاج. وتفضيلهم للمصالح الأجنبية على مصالحهم الوطنية وحتى المذهبية، وبعد ان تيقنوا من أن سياسييهم يريدون بناء نظام سياسي خاص، يقع خارج المألوف الديمقراطي والمدني، يأسوا من تحسين مستويات عيشهم وتغيير نمط حياتهم نحو الأفضل.
والسنة يعتقدون أن سياسييهم، بمختلف اتجاهاتهم، والمشتبكين فيما بينهم بخلافات ليس لها حل ولا علاقة لها بالسياسة، والمتبادلين للاتهامات والشتائم، هم السبب في جعلهم المكون الأضعف في العراق، رغم إنهم (أي السياسيون) تمكنوا من خلال إستدراج العواطف المهمشة من فرض وجودهم السياسي والانتخابي وإكتسبوا القدرة على التحكم بالمسار السياسي السني الذي مازال الكثيرون يعتبرونه فاشلاً وغير عادل، وسبباً لإفساد خيال المواطنين السنة وتحريف واقع حياتهم من سىء الى الأسوأ.
في ضوء ما ورد أعلاه يمكن القول أن مشكلة العراقيين الأساسية، وتعرضهم المستمر للإجحاف والإنتكاس، وإضعاف دور الدولة وتغييب مضمونها وإزالة آثارها على مستوى خدمة المجتمع. ليست في محاولات الخصوم والأعداء ومخابرات دول الجوار لإضعافهم، إنما فيهم لأنهّم إما لا يؤمنون بدورهم ولا بقوّتهم لذلك يبررون تكاسلهم وفشلهم، وإما يرضخون لحسابات آنية تنطلق من مصالح ضيّقة سياسية ومذهبية وقومية، أو انتخابية تحاول أن تزيد من عدد الفقراء الذين يعتبرونهم رصيدهم الانتخابي المؤكد، أو إنهم لايملكون أية دراية وإدراك للسياسة ويتحركون ضمن دورة عبثية لا نهاية لها. وفي ظل الحقائق الواردة أعلاه، وفي ظل الصراع السياسي الحالي، وتردي الحياة السياسية والأمنية. وعودة ظهور داعش في العديد من المناطق، وفلتان السلاح الميليشياوي وإنتشار الفوضى، ونسيان الوظائف الاصلية وتعمد الكثيرون الى إطالة أمد المشكلات والازمات التي تطارد العراقيين وتهدد وجودهم والسلم الاهلي في بلادهم، وتقويض كل محاولات تقديم الخدمات وتنفيذ المشاريع التي يمكن من خلالها إسدال الستار على سنوات من المحن. ليس من السهل لحكومة الكاظمي الحالية، والحكومة القادمة التي تتشكل بعد الإنتخابات، هذا لو جرت الإنتخابات وتم تشكيل حكومة جديدة، أن تؤدي واجباتها، وتحافظ على أدوات الاقناع دون أن تتعرض مصداقيتها للإندثار.
وأخيراً نقول: مع مرور الوقت وإستفحال الأزمات، وإستمرار الحماقات والأخطاء، أصبح الرهان على أي سياسي في قيادة حركة إنقاذ أو مشروع إصلاحي حقيقي او حتى خجول وغير مباشر في حكم المستحيل، وسيكون القادم محسوماً لصالح الفوضى العارمة، وسيكون هو الاسوأ الذي لم يأت الى العراق حتى الآن، وتهون أمامه ما نعيشه الآن من تعاسات.
 
 


66
الأخلاق والسياسة عند البارزاني الخالد
صبحي ساله يي
هناك إختلاف طبيعي كبير بين الأخلاق والسياسة، والبعض يتحدث عن إستحالة إحتواء إحداهما للآخر، لكن هذا الإختلاف عند الخالد مصطفى البارزاني إختلف مع الكثير من القادة والسياسيين الذين سبقوه والذين جاؤا من بعده. حيث إستطاع بوعه الحضاري والإنساني الربط بينهما ودمجهما في أجواء الحرية والاعتدال وفي الحركة التحررية والإنتفاضات والثورات التي قادها، والحزب الذي أسسه، بحزمة من القيم الإنسانية العامة المرتبطة أصلاً بكينونته وإنسانيته، التي تتمحور حول الصدق والوفاء والشجاعة وضروراتها البعيدة عن مناخات التطرف والعنف.
 هذا الإختلاف مع الآخرين ناتج مما غرسه الله في نفسه من طبائع وأخلاق حميدة متأصلة، ومن تنشأته الاجتماعية وأصوله الدينية التي ساعدته على العزم والإصرار والعطاء دون انتظار المقابل، عطاء وصل إلى حد التضحية بالنفس. ونابع من الاعتداد بالذات واستجماع قيم الأخلاق الأساسية، واكتشاف الآخرين بالعقل والحكمة المتراكمة والمبادئَ العامة للنظام الأخلاقي، وتوجيه صفعات قوية الى وجوه المؤمنين بالقوة والعنف والساعين الى جر الجميع نحو الحروب والقتل والدمار وإلى المناخات التي تسوغ لهم إستخدام الوسائل الإجرامية ضد الكورد. وناتج من الوقوف ضد ظلم وجور الأنظمة الشوفينية والشمولية المتعاقبة على حكم العراق التي حاولت حرمان الكورد من الحياة الحرة الشريفة والكريمة، وأهدرت حقوقهم القومية المشروعة، وأرتكبت ضدهم جرائم عنصرية بشعة.
خلال تاريخه النضالي الطويل تمكن البارزاني الخالد من استقراء التجارب الإنسانية، وتعلم منها أن (الشر لا يقتل الشر، كما النار لا تطفئ النار)، لذلك لم يحاول تحرير وسائل الكفاح من معاييرها الأخلاقية، ولم يعتبر إغتصاب حقوق الكورد من قبل الأعداء مبرراً وذريعةً للإخلال بالواجبات الأخلاقية والسياسية تجاه الآخرين، ولم يغفر اللجوء إلى الآثام والفظائع والكثير من الأساليب المتاحة لنصرة قضيته التي كانت مشروعة وعادلة وغاياتها نبيلة وسامية.
في الظروف العصيبة، وانطلاقا من مبدأ المسؤولية ومبدأ الحرية الإنسانية، كان يوقظ ضمائر الناس ويحفز هممهم لمقاومة الاستبداد ورفض الخنوع والذل، وكان على الدوام ينصح ويعاتب المخطىء، ويرشد ويسامح المذنب، ويعاقب المجرم، ويكافىء الشجاع والوفي والمخلص.
وكان يستقوي بقاعدة اللجوء إلى الأساليب الصحية التي تنسجم مع أهدافه في الحرية. لذلك كسب التأييد الإنساني أولا، وحصّن بيته القومي والسياسي جيدا، وربح تاليا في جميع معاركه ضد أعداء مدججين بأعتى أنواع الأسلحة.
لقد رسم البارزاني الخالد في العهد الملكي طريق النضال التحرري للمحافظة على الكرامة وحماية الأعراض ونيل الحقوق الانسانية المشروعة، وبزوغ يوم مشرق ومستقبل منير، وغد أفضل لأبناء وبنات الكورد. وفي العهد الجمهوري، وبعد الإنتصار في معارك عديدة وتحقيق المستحيل، أرغم السلطات البعثية على الركوع أمام مطالبه ومطالب شعبه، والتوقيع على إتفاقية آذار 1970.
لكن القلوب العامرة بالأحقاد والضغائن، والنهج البعثي الشوفيني الجاثم على صدور العراقيين والمتعمد لايذاء الكورد، الذي كان سارياً على جميع الاصعدة والمستويات، وفي كافة الوزارات والمؤسسات والدوائر والاجهزة الرسمية وشبه الرسمية. والذي إستقوى جراء تأميم النفط والتوقيع على إتفاقية واسعة مع الإتحاد السوفيتي السابق، وتغيير الكثير من الأوضاع في المنطقة والعالم، شرعن إيقاد شرارة الحرب الجديدة ضد الكورد في 1974.
 
 
 


67
المعركة مع مسعود بارزاني، ليست سهلة
صبحي ساله يي
 
لا يختلف إثنان على أن الإستهدافات السياسية المجحفة والهجمات الغادرة التي تشن ضد قوات بيشمركة كوردستان والرئيس مسعود بارزاني، في هذا الوقت بالذات، تكشف :
•        أن الكبير القوي والمهم الناجح والمخلص الكفوء الحريص، يستهدف من قبل الصغار والضعفاء الحاقدين والفاشلين الناكثين للوعود والعهود، ومن قبل المؤججين للمشكلات والمثيرين للفتن. وأن البيشمركه والرئيس بارزاني سواء خلال مواجهة الدكتاتوريات أو في البناء والاعمار وتعميق مبادىء التعايش والتسامح، أو في الحرب ضد داعش او في مرحلة ما بعد الإستفتاء وبالذات في معارك بردي ومخمور وسحيلا والمحمودية أصابوا الكثيرين بسوء الحال والخدر العقلي.
•        أن تغييب العقول بإنتاج فلم ايراني هابط وساذج ومغاير للواقع والحقيقة يعني عدم الشعور بأن المرحلة الحالية حرجة ودقيقة وخطرة، وتجاوزها والخروج منها بأقل الخسائر، يتطلب التفهم والتفكر والتذكر الجهل والسذاجة، وخطوة بعيدة كل البعد عن كل الحسابات السياسية. ويعني أن تصديق الأحداث والأحاديث المفبركة والغرق في الأحلام يعني تضييع المشيتين والمضي نحو الهاوية والفناء. وتكشف في الوقت ذاته، جوانب من أطماع دفينة ورغبات غير مشروعة وأزمات عميقة وتشتتات يعاني منها الواقفون وراء إنتاج الفلم وتمويله.
•        إنه لو تمعن الذين شاركوا في الفلم الايراني والذين يقفون وراءه، في حيثيات استهداف البيشمركه والرئيس بارزاني بعلمية، ودرسوا معطيات الواقع بموضوعية، وتعاملوا مع الأحداث والمتغيرات بذكاء، سيفهمون بأن زمن النفاق وطمس الهويات والتلاعب بالمشاعر قد إنقضى، وسيضحكون على جهلهم قبل أن يضحك عليهم الآخرون.
•         إنه تجاهل صريح وواضح لمبدأ (كوردستان محمية بأبنائها البيشمركه) الذي تم تأكيده من قبل أكثر من مسؤول سياسي وعسكري عراقي وإيراني وإقليمي ودولي. والذي جاء بعد التيقن من أن قوات بيشمركة كوردستان أثبتت فعلياً إنها كفيلة بحماية كوردستان وحدودها، واعتبرت حماية جميع مكوناتها من أي خطر يداهمهم واجباً وطنياً وإنسانياً. وبعد التيقن من حقيقة مفادها أنه لولا البيشمركه الذين قدموا 1921 شهيداً، و 10757 جريحاً، إضافة الى 63 أسير ومفقود،  لكانت الكثير من دول المنطقة والعالم الآن تحت سيطرة داعش.
الرئيس مسعود بارزاني الواضح في أهدافه، والعقلاني في التخطيط، والديناميكي في الحركة، يعي ويفهم النيات المبيتة والمخططات السياسية المتعلقة بإمتداد السياسات المعادية للكورد، ويعلم أن الذين يسخرون المال السحت والسياسة الخبيثة لإستغلال مشاعرالأبرياء ومشاعر الذين أغلقوا أبصارهم وبصائرهم، والذين يفكرون في الإصطياد في الماء العكر. يريدون بدوافع الحقد ونشر الفوضى، توسيع هوة الخلافات القومية والمذهبية، وإرتفاع الدخان ليغطي على المشهد، ويقود إلى حالات من الانفلات والعمليات الإنتقامية غير المألوفة، وتحويل إقليم كوردستان والعراق الى ساحة للصراعات القومية والمذهبية.
المعركة مع مسعود بارزاني، خاصة بعد أن أصبحت الرؤيا واضحة، وإتجاه البوصلة معروفاً، ليست سهلة، لأن له مكانة‌ معلومة‌ ومعه الكثير من الأوراق المهمة، ولو أشعل الضوء الأخضر لكوادر حزبه الأدبية والإعلامية والفنية، لأوقفوا أنفاس الكثيرين، بمختلف فئاتهم، بطوفان الأفلام والمسلسلات التي تنشر فضائح وفضائع ورذائل المصطفين ضده، طوفان مرتفع المنسوب، يهز الرأي العام ويحير الجميع.
 
 


68
متى يطالب الكاظمي بإطلاق سراح عهده ؟

صبحي ساله يي

  يعرف مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي، كغيره من السياسيين أو أحسن بكثير من بعضهم، داء ودواء العراق وأقصر الطرق التي تؤدي الى وقف المنحى الانحداري والانهيار الشامل في غالبية مفاصل الحياة السياسية والأمنية والإقتصادية والمالية في البلاد والسبل التي تؤدي الى إنقاذه. وربما يرغب بإنتهاجها لينتشل البلد من براثن الانهيار والفوضى، رغم أنه على يقين بأنها طويلة وملتوية ومحفوفة بالأخطار والتغييرات الراديكالية. وربما أيضاً، يمتلك الإرادة لسلوكها، وعدم الهروب من فكره وضميره، وتحقيق النجاحات الممكنة وإن كانت بنسب مختلفة، خاصة وإنه لا يريد ان يخسر ما حققه سابقاً ويخذل سمعته، ولأنه (الكاظمي) في الأساس ليس مسؤولا عن سوء أداء المنظومات السياسية والأمنية والإقتصادية وعن الكوارث والفتن الكثيرة المتراكمة منذ عهود أسلافه. وربما، أيضاً، لا يشك في قدرته على تحمل هذه المسؤولية.

لكنه على يقين بأن الأجواء التي تعيشها حكومته ما زالت محتقنة، والكثير من الأحزاب والكتل السياسية التي وافقت، أو رحبت، بتوليه رئاسة الحكومة لاتريد أن تبتعد الأوضاع عن الإنفجار، وتؤكد على أن الشرعية التي يمتلكها تبتعد وتقترب من القوة والضعف، لأنها مبنية على رهانات تتعلق بخسائر وأرباح القوى السياسية المساندة والمناوئة له، ولا تسمح له بتجاوز الخطوط الحمر المرسومة أمامه. ويعلم (الكاظمي) أن القوة التي يمتلكها، والخارجة من عباءات السياسيين، لم تتحول الى القوة المحورية التي تستطيع أن تنقلب على البعض، وتحط على جميع المدارج لكثرة الألغام المزروعة في عمومها.

القرارات التي أصدرها (الكاظمي) حتى الآن قرارات جريئة وموفقة وغير مسبوقة، وتشكل بارقة أمل لإنهاء الحالات الشاذة، ويمكن أن تبعث التفاؤل، وتسهم في إعادة القانون الى مساره والعدالة الى مجراها، وإعادة النظر في السياسات والخيارات الإستراتيجية في ضوء الأحداث والتحولات والثوابت. أما التراجع عن بعضها تحت الضغط السياسي والإنحناء أمام التهديدات والعربدات، فلا يمكن إعتباره نهاية المطاف، أو حتى رسالة تنازل من الحكومة وغض لنظرها حيال تصرفات معينة، بقدر ما هي تصويب وتصحيح لمسار الحكومة ومراجعة خياراتها حيال منع تفاقم المآزق المزمنة وبلوغها حالة الإنفجار، والعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخالب الأزمات الهجينة، ومن الفتن. والحد من سلطات المستفيدين من المال السياسي والفساد المنظم والسلاح المنفلت .

الآن وقد بلغ التوتر ذروته، حان الوقت لرئيس حكومة العراق، تحويل كلماته الى أفعال ويطبقها على أرض الواقع.

 وأن يدعو رجالات الاعلام وأصحاب الكلمات الحرة الملتزمة الى تشخيص حالات الخلل ومسبباتها.

 وأن يعمل ويعيد ترتيب أولويات إعادة الاعتبار للشعب الذي يعاني من شظف العيش، وأن يرفع هاماتهم التي أنزلت الى أسفل الدرجات .

 وأن يصارح الذين أوصلوه الى سدة الحكم، وكل الذين يدعون الوقوف الى جانبه، بأن يختاروا بين الشروط والإملاءات الخارجية وبين الواجبات الوطنية، من خلال إحترام الدستور والنظام والحد من خطر الميليشيات وتقليم أظافرها والتعهد بملاحقة المسؤولين عن الفساد والإفساد، وأن يبعدوا أنفسهم والعراق والعراقيين عن حروب المنطقة. وأن يطالب بإطلاق سراح عهده .

 

 

69
حوارات اربيل وبغداد.. تراوح مكانها

صبحي ساله يي

  كانت القصة الخبيثة لقطع موازنة الإقليم، التي صنعته الأيدي الآثمة عند إشتداد الإرهاب وتوجه داعش نحو كوردستان، وهبوط أسعار النفط، ولجوء ما يقارب مليوني نازح ولاجىء الى مدن الإقليم، أحد وسائل المعاداة للكورد في أبشع صورها، وإعتداءاً سافرا وإستهتارا لا حدود لها، وكانت حلقة من سلسلة سياسات الحكومات العراقية المتعاقبة، منذ عام 2003، والتي عملت على إختراق الأوضاع الداخلية في الإقليم بشكل مقصود، وإستندت على تبريرات تهدم المكاسب التي حققها الكوردستانيون، منذ إنشاء إقليمهم، وهي مكاسب لا يمكن مقارنتها مع مكاسب أهل الوسط والجنوب العراقي، لأسباب كثيرة أهمها الفساد المستشري هناك.

سعت تلك الحكومات لتحقيق أهداف مشبوهة ووضع الإقليم في حالة من الإستنزاف الداخلي، وتشجيع التناحر بين الكوردستانيين، وتدمير الإقتصاد، ودعم ورعاية الفوضى، وهدم القيم والأخلاق، وصولا الى تدمير المجتمع الكوردستاني أو في الأقل تفكيكه بشكل وقح، وإعادة صياغته وفقاً لرؤية وثقافة تناحرية، تمهيداً للإطاحة بسيادة كوردستان وكرامة الكوردستانيين والنيل من الكيان الدستوري للإقليم وتحويله الى كانتونات صغيرة تدور في فلك أسيادهم.

شعب كوردستان الذي تحمل العناء والغبن والحيف الذي لحق به، وصمد أمام العواصف العاتية، رسم الخطوط الحمر التي لا يمكن للإندفاعات الشوفينية بنوعيها المذهبية والقومية من  أن تتجاوزها، ومازال قادراً على التعامل مع الحكومة العراقية بحسابات رشيدة تمنع التأثير على سيادة إقليمه وكرامته. ورغم تغير الحكومات في بغداد، يواجه اليوم وضعاً خطرا، جراء عدم تغير العقليات الشوفينية، وجراء التفاقم الواضح والسعي الجامح للنرجسيين المذهبيين والقوميين العاملين في الساحة السياسية والبرلمانية العراقية، وجراء ممارسة بعض الكورد لسياسة لي الأذرع وركوب كل الموجات التي تخلف التداعيات الثقيلة على الكوردستانيين المتضررين أصلا من وجود هؤلاء في الساحة السياسية، وبرلماني بغداد واربيل.

هؤلاء، أعني المذهبيين والقوميين، المبهرون بالمواقع التي ما كانوا يحلمون بالوصول اليها، والمحيرون للذين أوصلوهم الى هناك والمضللون للحقائق، بولاءاتهم  المبنية على عدم الولاء للشعب والوطن وتخليهم عن الدستور وتجاوزهم على القانون وعجزهم عن التفكير، اثقبوا سفينة العراق في اكثر من مكان وتسببوا في تراجعه التام في كل المجالات وتآكل سيادته التي وصلت الى حالة الإختفاء، وتسببوا في انحسار دور الدولة ونفوذها، وبعد ان انكشف أمرهم ورفضهم قواعدهم ومؤيديهم والمصوتين لهم في الإنتخابات السابقة، وبعد ان احرقت مقراتهم ومزقت صورهم، يجدون اليوم ان وجودهم وكراسيهم مهددة بالفناء، وأن كياناتهم المصطنعة تتوجه بشدة نحو الزوال والتلاشي يستنجدون بالشعارات الطائفية والمذهبية، المستوطنة أصلا في خطاباتهم، في سبيل البقاء في سدة الحكم لفترة أخرى، وبكل دهاء و خبث يحاولون أن يعلقوا كل فشلهم على شماعة النجاح الكورستاني، وإخفاء ما نهبوه من المال العام عبر لغة شوفينية متحيزة وسامة تغلب عليها البغضاء، لتضخيم حجم مواقفهم الرافضة لأي إتفاق أو تفاهم بين حكومتي بغداد وأربيل. ودون خجل أو وجل يظهرون في وسائل الإعلام للتهديد والوعيد والتأكيد على وضع القيود الصارمة والعراقيل أمام التوصل إلى حل يضمن حقوق وواجبات الجانبين.

ولأنهم لا يريدون أن يقيّدهم اتفاق يمنعهم من التجاوز على حقوق الكورد الدستورية مرة أخرى، خاصة فيما يتعلق بالموازنة والمستحقات المالية لذلك نجد ان الحوارات بين أربيل وبغداد ما زالت تراوح في مكانها.

 


70
معاداة البارزاني نطح للصخور

صبحي ساله يي

الهجمات الارهابية التي إستهدفت قوات البيشمركه خلال الفترة الماضية، والهجمات الصاروخية التي إستهدفت أربيل، والهجوم الوحشي على مقر الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد ونهبه وحرقه، والوقوف ضد إتفاقية تطبيع الأوضاع في شنكال، والأنتقادات التي توجه دون وجه حق للسلطة في الإقليم والحزب الديمقراطي الكوردستاني وللرئيس بارزاني في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، والتي أصبحت ديدن جميع المرتزقة والطفيليين والإنتهازيين وشرذمة أصحاب الأقلام المأجورة المتجردة من الضمير الانساني والقومي والوطني، والتي تسترزق من وراء الدعوة الى تخريب وتدمير كل شيء جميل في الوطن. جميعها تحركات وتصرفات متشابهة من حيث فداحة العدوان وشناعة التصرف الذي ينم عن فقدان الرجاحة وانعدام الحكمة في إتخاذ القرار، ومن حيث إنها مدفوعة الثمن، ووقوعها في خانة رمي الشجرة المثمرة بالحجارة ونطح الصخور.

وبمناسبة ذكر مصطلح (نطح الصخور)، لابد من سرد حكاية الوعل الكبير الذي بلغ به البغض والحقد والغرور والتكبر، الى أن يعزم على مناطحة جبل شاهق شامخ ليزيله من الوجود أو في الأقل ليزحزحه من مكانه طمعاً في الوجاهة وسماع تصفيق الآخرين له وإشادتهم بشجاعته وقوته. ففكر في الأمر وطلب المساعدة من إخوته الوعول، وبعد أن وعدهم بشتى الوعود، إستطاع حشد بعض الوعول الغبية والحمقاء. وبدؤا ينطحون الجبل بقرونهم، ومع كل نظرة وصيحة لصاحبهم الأحمق الكبير، كان الأغبياء يزيدون من شدّة وقوة نطحاتهم. ولكن بعد فترة تكسرت قرونهم وسالت من رؤوسهم دماء كثيرة، حينها إكتشفوا غبائهم في إطاعة صاحبهم المغفل. وقرروا تركه، والنجاة قبل الهلاك. أما الوعل المغرور فقد بقى وحيداً وواصل نطح الجبل وضربه وركله.

خلال العقود الماضية حاول الكثيرون من النطاح التجمع حول الرئيس بارزاني، من أجل نطحه وإحداث الشقوق والخدوش بين صفوف شعبه وحزبه والنيل من مكانته، ولكنه ولأنه جبل أشم، صمد وإنتصر.  وفي كل مرة وبعدما كان يتبين جهل الجاحدين ويظهر حقدهم، إختفوا جميعاً وإختفى آثارهم ولم يبق من أخبارهم، وحتى أوزارهم إلا ما ندر. ومن بقايا تلك الأوزار النادرة يستقي الناطحون الجدد، القادمون من كل حدب وصوب، ومعهم بعض النكرات الذين يحاولون طمس الحقائق، وإلباس الباطل لباس الحق، ونطح حكومة الاقليم والرئيس بارزاني، فيبدون إنهم لم يتعظوا من هزيمة مَن مضوا وهاموا في التيه وإختفوا، ويعتقدون أنهم أذكى من غيرهم في المكر والكيد، وفي التصويب وهدم كوردستان والتنقيص من مكانة حكومة الإقليم، ويظنون إنهم أقوى من غيرهم في النطح، لذلك يجمعون أمرهم على مهاجمة البارزاني والطعن في مقاصده وأهدافه.

الفهم المتأخر لمن يفكر في معاداة البارزاني، والعدول عن نطح الجبل الشامخ، خيرٌ له من الاستمرار في التخبّط والتلعثم والعنجهية الغبية والحماقات، وعليه أن يتعظ من دروس التاريخ ويسأل نفسه ومن الذين حوله : لماذا هذا الإستجماع لكل ما بالدواخل من مخزونات الغباء والعناد والحقد، ومحاولة هدم الجبل الأشمّ الذي لايمكن حتى إضعافه أو النيل منه؟.

وأخيراً نقول: شتان بين رجل أغاظ الأعداء وأذنابهم طوال حياته، همه الأول تنمية الإنسان والوطن وتحقيق النجاحات في مختلف المجالات ومقارعة الإرهاب والإرهابيين وحصول أبناء شعبه على حقوقهم المشروعة. وبين أشباه رجال، أعداء وفاشلين وعملاء وخونة، يسعون بالتعليمات والأوامر والأموال القادمة من وراء الحدود الى نشر الفوضى والرعب وزرع الفتن.



71
(للتأريخ) … كتاب لا يشبه غيره

صبحي ساله يي

(للتأريخ) يعني توثيق الحقائق والأحداث التاريخية والمجريات والوقائع على صفحات يتدخل فيها رأي الكاتب ووعيه وميله السياسي وإنتمائه الوطني والقومي، وتأثيرات المدلولات والاسباب والضغوط الذاتية والموضوعية. كما يعني البحث عن خلفيات الأحداث والمواقف وما ورائها وتوجيهها نحو ما هو مرسوم للوصول الى الهدف من الكتابة.

و(للتأريخ) الذي كتبه الرئيس مسعود بارزاني، يكشف بصراحة متناهية وموضوعية عن الحقائق، ويضم بين ثناياه تفاصيل كثيرة تشير بكل شفافية ووضوح وعقلانية متناهية الى عدد من الأحداث التاريخية خلال القرن الماضي من خلال إلقاء الضوء الكاشف على الوثائق والخرائط التي ارتبطت بالملفات الساخنة التي إحتفظت بحيويتها خلال العقود المنصرمة. من يقرأه يطلع على أسرار الزوايا الدبلوماسية وخفاياها وعجائبها وما دار في اروقتها وكيف تعامل الدبلوماسيون الغربيون والشرقيون بغير واقعية مع تجزئة كوردستان قبل وبعد الحرب العالمية الأولى من خلال عقد صفقات مشبوهة تحت مسميات المشاريع والاتفاقات والمعاهدات التي عقدت في الغرف المظلمة. كما يطلع على معلومات وافرة عن مراحل هامة في تأريخ الكورد المعاصر والمشهد السياسي الكوردستاني والعراقي والأقليمي والدولي. ويطلع على آراء ومواقف المعارضين العراقيين وأحزابهم، وكيفية كيلهم بمكاييل عديدة تجاه قضايا الكورد المصيرية والتوافق والشراكة والتعايش والفدرالية والديمقراطية قبل وبعد الإطاحة بنظام صدام.

الكتاب تفكير بصوتٍ عالٍ مع القارىء، وتقديم لتجربة تستحق الوقوف عندها، وبحكم إمتلاك كاتبه (الرئيس مسعود بارزاني) لخبرة طويلة في التاريخ والسياسة والتعامل مع الإنتصارات والمحن والمفاوضات مع الاعداء، يأخذك معه، بإستقراءاته إلى عالم يكشف فيه عن شخصيات كبيرة ساندت الكورد في أوقات معينة ويثني على مواقفهم، وأخرى اعترضت طريقه وعارضت وجوده وضربت عرض الحائط كل القوانين والأعراف والصور الحقيقية المألوفة، وساهمت عبر الخطاب السياسي المتشدد بإثارة النعرات القومية وخلق النظرة والبيئة المعادية للكورد قبل وبعد الإستفتاء على الإستقلال. وفي إستنزاف الطاقات في صراعات تصب في صالح الدول الاخرى، أي المناوئة للكورد ولغالبية العراقيين. كما يبعدك عن لغة التأزيم بكلام إستشرافي دقيق وواقعي محسوب، وبالذات عندما يمتعض من الذين دخلوا عالم السياسة بالصدفة ونسفوا الدستور العراقي الذي وافق عليه أكثر من ثلاثة أرباع العراقيين، وينتقد سلوك البعض الآخر وإستكبارهم وعدم إتقانهم للغة الحوار في النقاشات حينما يعتمدون على فرض وجهات نظرهم حسب مفهوم الثقافة الشعاراتية التي تخدع الشعوب .

الكتاب يثير إعجاب القارىء بمصطلحات وكلمات وهوامش وتوضيحات وافية، وبالذات حيال الإستفتاء على الإستقلال ويتطرق بصراحة متناهية الى غالبية الملفات والمستجدات والأحداث والتحولات السياسية في كوردستان والعراق والإحتقانات المتزايدة في المنطقة، ويحدد ماهية المخاطر والتحديات والمشكلات التي يعاني منها الكوردستانيون بشكل غير مسبوق، ويعبر بموضوعية ودقة عن الموقف الكوردي وإسهاماته وأدواره الرئيسية في بناء العراق الجديد بعد العام 2003 ، والحرب ضد داعش الإرهابي ومشروعه الخرافي التدميري الذي هدد العالم كله بالإنهاك والإستنزاف على المدى الطويل، والسبل التي تم بها قلعه ومكافحته بالسلاح والفكر من خلال التكاتف وتوحيد المواقف بين المحبين للخير والإنسانية. كما يتناول أوضاع الكورد في المناطق المستقطعة من كوردستان ومواقف الأحزاب السياسية العراقية بعد خيانة إكتوبر 2017وعدائهم المزمن للكورد، موضحاً وجهات نظره بشأن غالبية الأحداث في تلك المناطق، ويتحدث عن التعريب والترحيل والمأساة والكوارث الانسانية والحضارية الناجمة جراء تلك الخيانة المشينة، وعن ممارسات السلطات الرسمية ومؤسساتها ومحاولاتها لفرض الحصار والتجويع وتقييد حقوق الكورد لأسباب قومية وأفكار مذهبية ومآرب حزبية وآيدولوجية معينة، عبر نشر العواطف الرخيصة والاكاذيب وتشويه وتغيير الحقائق الراسخة.   

72
الإستفتاء.. حصاد شعب
صبحي ساله يي
قبل الإستفتاء الذي جرى في 25/ أيلول/2017، أقفلت بغداد أبوابها بوجه الكوردستانيين، ورفضت قبولهم كشركاء في الوطن الذي رسموا حدوده في عشرينيات القرن المنصرم، حينما صوتوا لصالح ضم ولاية الموصل الى العراق. وتناست دورهم ويدهم الطولى في بناء العملية السياسية والعراق بعد إسقاط صدام.
 بغداد خرقت الكثير من المواد الدستورية، وإفتعلت الإشكالات والأزمات النابعة من عدم وضع النقاط على الحروف والتفسير الخاطيء للدستور، وتعاملت بإنتقائية مع الاستحقاقات الدستورية. ولم تتسلح بالصراحة والموضوعية، وحاولت التستر على ما كان يجري في الأروقة السياسية التي فسحت المجال أمام من يريد أن يجيرها وفقاً لأفكاره وتصوراته.
بغداد قيدت العملية السياسية في العراق ووضعتها في حالة إرباك قاتلة. وساهمت في تحول طموحات الأكثرية الشيعية الى أطماع تسلطية وإحتكارية والتلويح بالسلاح وخيار القوة وفرض الأمر الواقع، إما بالإستناد الى نظريات المؤامرة، أو تضليل الحقائق.
بغداد نفذت الصفحة الثانية من الأنفال التي تمثلت بقطع الرواتب والمستحقات المالية الدستورية للكوردستانيين، وبخوضها للمزايات السياسية ولجوئها الى التعنت والعناد والإستعلاء وبمحاولتها فرض السطوة والبغض والكراهية والخلافات القومية والمذهبية، غيرت الأوضاع لصالح إنعدام الحلول.
بغداد تسببت في تصاعد دخان الأزمات في كل مكان، وجعلت الكوردستانيين يعيشون في حيرة بين ماضي حكمته الديكتاتورية، وحاضر يلعنونه ولا يستطيعون التعايش فيه، ودفعتهم الى مراجعة الحسابات والمواقف ودراسة عمق المستجدات والأحداث للعبور نحو المستقبل بشجاعة.
وبما أن الرئيس مسعود بارزاني، كان ولا يزال هو المعني بتصويب الأمور، والبحث عن الحلول المناسبة لكافة المشكلات والقضايا المصيرية وإتخاذ القرارات المناسبة، سواء في تعويض الخسائر السابقة التي لحقت بنا، أو في الرغبة بعدم إلحاقنا المزيد من الخسائر. أعاد سيادته النظر في الأحداث، باحثاً عن فرص وخيوط النجاة، معتبراً أن كوردستان سفينة على متنها كل المكونات والقوميات، إذا ما غرقت فالجميع يغرق، واذا عبرت الى بر الامام فالجميع ينجو.
وإعتماداً على الحقائق، حذر الرئيس بارزاني وأنذر، ولكن كانت دون جدوى، وفي الختام، وجد في فض الشراكة بين أربيل وبغداد بطريقة دستورية عبر الحوار والتفاهم سبيلاً ناجعاً وأميناً لحل المشكلات والأزمات، وإحقاقاً للحقوق المهدورة بسلام وأمان، ومنعاً لعودة الخيبة والخسارة وتجنباً للويلات و تكرار المآسي. فإلتف حوله غالبية قادة الأحزاب الكوردية والتركمانية والمسيحية والشخصيات والرموز الوطنية والقومية والدينية، وقرروا إجراء الإستفتاء على الإستقلال في الخامس والعشرين من شهر أيلول 2017.
مرحلة ما قبل الإستفتاء شهدت تحولات وتفاهمات كثيرة على أساس العودة الى اللحمة والإنسجام وتسامي الفرقاء فوق صراعاتهم، والتركيز على تصفير المشكلات عبر سبل الاعتدال في السياسة والفكر وقبول الآخر. وإعتبرت مرحلة مثالية لإختبار المواقف والهواجس والنوايا عموماً، ونتج عنها صياغة رؤية مبدئية نضالية وطنية جديدة مستندة على أرضية الإستقلال والإستقرار، وعقد فيها الكوردستانيون العزم على التوجه بفرح غامر نحو صناديق الإقتراع في يوم الإستفتاء لقول (نعم) للإستقلال دون الألتفات الى المخاطر والمصاعب أو تهديدات الآخرين.
في المقابل، على الرغم من تسريع اللقاءات الصريحة والواضحة والمراجعات العميقة لطبيعة التطورات السريعة في المنطقة ، طالب البعض،  في كوردستان والعراق ودول الجوار والعالم، بالمحال وتشبثوا بالأماني الجوفاء التي تتعارض مع العدالة والواقعية، وتحدث بعضهم بلغة الخيانة والتعصب والتطرف والتهديد والوعيد.
أما بعد الإستفتاء، وفي خضم دفاعنا السلمي والقانوني والدستوري عن قضيتنا العادلة، مارس الحاكم في بغداد الكذب والتضليل في الاعلام والسياسة والبرلمان على عامة الناس لكي يمنع رؤية الأشياء كما هي. وأغلب المؤيدين له كانوا غير منصفين معنا. وكيف يكونون منصفين معنا،  وهم في الأساس غير منصفين مع أنفسهم وذويهم وأبناء مذهبهم وقوميتهم؟
 


73
العراق بلد لا يسقط فيه الخوف
صبحي ساله يي
الخوف يلاحق الإنسان العراقي منذ بداية تشكيل أول حكومة عراقية بشكل خاطىء من مكونات غير متجانسة وغير متفاهمة فيما بينها وغير راغبة في العيش معاً تحت مظلة واحدة، يخذله ويرغمه على عدم التحدث دوماً عن مشاعره، ويفتح أمامه باب الشقاء والفزع. وخلال الأحداث الكبيرة والمتكررة بوتائر مقلقة، كان ( الخوف) يلتهمه دون النظر الى وجهه المتوتر، ودون الاستماع لمناجاته وبعثرته بين الكوابيس والكوارث التي تبدو شبيهة بالمتاهات التي لن تنته .
من يتابع التطورات على أرض الواقع خلال السنوات العجاف القليلة السابقة في العراق يرصد أن ما يحدث معاكس تمامًا لما ورد في الدستور العراقي الحالي والدساتير السابقة. وأن الجحيم يحاصر العراقيين من كل الجهات، والمخاطر على حياتهم تتضاعف بشكل كبير، ويجد في إقليم كوردستان، والمناطق العربية السنية، والمناطق الشيعية، تفسيرات ورؤى وتحليلات مختلفة لأسباب الإخفاقات العراقية المتوالية، وتعثر مسيرة التعايش والتوازن الحضاري والانسجام الوطني وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في بلد يتعرض لانهيارات متتالية. ولكنه يجد أيضاً أن هناك إجماعاً، بالذات بين المنصفين والموضوعيين، على أن تعدد الولاءات للدول والتيارات الخارجية تثير الحفيظة من باب الموضوعية أو من باب ردّ الفعل، وأن اللعب المكشوفة والممجوجة والمناورات غير الصادقة لخداع الآخرين وإلهائهم، سقطات أخلاقية لا تليق استخدامها بين مكونات تدعي إنها تريد تثبيت قاعدة للقانون والتعايش والمساواة والاعتدال والانفتاح والتكامل.
الحديث الممل والمكرر عن الدستور في العراق وتهميشه وضربه بعرض الحائط وخرق أكثرية مواده، حديث ينشر الخوف ويقلق الكثيرين، ويغيب الأمن والأمان ويسهم في تصاعد دخان الخلافات، خصوصاً أن الخارقين للدستور، والذين ابتدعوا بدع كثيرة في الخطاب والتطويع والمحاججة والاتفاق أو التحرّك السياسي والتمظهر وحتى أساليب التذكر والتذكير، ونشروا الفساد والإفساد وارتكبوا خطايا كبرى، مازالوا يمثلون مراكز للقوة ويمتلكون السطوة والنفوذ، ولهم أجندات تتعارض مع أجندة غيرهم ومن الصعب التوفيق فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين الآخرين من جهة أخرى، ومازالوا يفرضون هيمنتهم ويبسطون سيطرتهم على المشهد السياسي ويريدون أن يلعبوا دور اللاعب الأساسي في التعامل مع الحلفاء والداعمين لأفكارهم، ويتوعدون خصومهم وكل المتحدثين عن فسادهم وخروقاتهم التي أوصلت البلاد الى حافة الانهيار التام، ويتهمونهم بشتى التهم، مع ذلك يعيشون في خوف دائم على حياتهم ومصيرهم ومصير أبنائهم وثرواتهم.
أما المكونات العراقية التي دفعت ثمنا باهظا من أجل الحرية، فإنها (تعيش في خوف مزمن)، لذلك إبتعدت عن إطلاق مفردات الأمل والتفاؤل والتغيير المنشود، وترقيع الأخطاء والانتهاكات، أوحتى تقديم الاعتذارات. وقد أصبحت تعتبر (عدم الخوف) انعداماً للرؤية الملموسة وفقداناً للبصر والبصيرة، لذلك تخاف من بعضها وتتبادل فيما بينها التهم الجاهزة والمعلبة وتسعى الى تسويقها في الأفق عبر تسويقات وسرديات نظرية وسلسلة تلويحات وأخبار وادعاءات، بعضها صحيحة وموثوقة، وبعضها لا أساس لها من الصحة تتعمّد التلاعب بالألفاظ وخلط الأوراق، والترويج العنيف إعلامياً وسياسياً بلغة منفصلة عن الواقع لموضوع يثير الحفيظة ويتماهى مع أهواء الراغبين في التحايل والإلتفاف على القانون وبتصعيد التوتر والإحراج والإرباك لإستغلال للأوضاع وصبّ الزيت على النار لمنافع خاصة لا تدوم طويلا.
وأخيرا نقول: الكوارث والفواجع التي حلّت بالعراقيين، كشفت أن الخوف لايسقط في العراق.

74
إقليم كوردستان ونسخ المؤامرات الجديدة القديمة
صبحي ساله يي
على خلفية الهجمات الإعلامية والإقتصادية والسياسية والعسكرية الكثيرة التي تشن ضد إقليم كوردستان، ابتداءً من نشر المعلومات المضللة على مدار الساعة في السوشيال الميديا، والتي تهدف الى إعاقة قدرة الفرد الكوردستاني على تكوين صورة دقيقة صادقة عن مشكلات الإقليم، مروراً بآراء الأشرار المعزولين سياسياً وإجتماعياً، والتي تتجاوز حدود حرية التعبير وتسعى في سبيل نشر الانحلال، وإرغام الناس على عدم مواكبة وتتبع الحقائق وتخديعهم للتوجه نحو سلوكيات خاطئة قد تودي الى إضافات غثه تنمي مشاعر الخوف على الحاضر والقلق من المستقبل، وصولاً الى القصف المدفعي والجوي الإيراني والتركي لأراضي وقرى الإقليم، والتي أدت إلى خسائر بشرية ومادية للمدنيين وسكان قرى المنطقة، والرد المخجل لبغداد التي لاتتوقف عن ذكر (السيادة وهيبة الدولة) والتي فيها رئيس جمهورية (كوردي)، ونائب رئيس مجلس النواب وعدد من الوزراء والنواب الكورد. يمكن القول أن إقليم كوردستان يتعرض الى نسخ مؤامراتية جديدة وقديمة تشارك فيها حبكها جهات متعددة، لكل منها أهدافاً عدائية خاصة.
مواقف طهران وأنقرة وانجرافهما المستمر خلف الأفكار والرؤى البالية، وتدخلاتهما وأعمالهما العدائية وإنتهاكاتهما المتكررة المخالفة لكافة المواثيق والعهود الدولية، وعدم إحترامهما لمبادئ حسن الجوار معروفة لدى القاصي والداني لذلك لا داع للإربحار في أغوارها. ولكن الموقف المخجل الواضح لبغداد الذي لا يختلف كثيراً عن الصمت، يحمل في طياته معاني ودلالات كثيرة، وأغلبها تدور في دائرة الضعف والرضا والقبول والرضوخ والإستسلام للأمر الواقع، والتناغم مع مواقف الشوفينيين والعنصريين، والإسهام في تعميق حالة اللاستقرار التي تمر بها العراق والمنطقة، خاصة وأن الأتراك صرحوا بأن العمليات العسكرية جاءت بعد التباحث مع المسؤولين العراقيين، هذه من جهة، ومن جهة أخرى، فإن حكومة الأقليم، التي تصنع قراراتها بمشاركة جميع الكتل والأحزاب السياسية الكوردستانية المشاركة فيها، تتعرض لمؤامرة داخلية مستفزة، وربما أشد خطورة من المؤامرات الخارجية.
 المتآمرون المتأكدون من مرور الإقلیم بمرحلة حساسة وحرجة تتطلب تظافر الجهود وتقديم الاقتراحات البناءة وخلق الفضاء الملائم لمعالجة القضايا الشائكة، يجندون کل طاقاتهم وعقولهم وأفكارهم المتناقضة في سبيل إشاعة الخرافات وإثارة التوترات وإضفاء الفوضى على حياة الكوردستانيين ولإخفاء الحقائق الأساسية المهمة التي تمس كرامتهم.
جهودهم هؤلاء كشفت عن الخبث في مواجهة العواصف والتحديات التي تواجه الكوردستانيين، والجهل بأبسط المعلومات العلمية الشائعة حيال التشكيك بفرض سياسات حظر التجوال والتباعد الجسماني التي تم إطلاقها بهدف حماية المواطنين من فيروس كورونا، وحيال إجراءات تخفيف الحظر والعودة التدريجية إلى ممارسة الحياة الطبيعية. فوصفوا الاولى بالتمثيلية التي تهدف الى حبس الناس داخل بيوتهم، ونعتوا الثانية باللامبالات في إتخاذ القرارات الكبرى. ومازالوا يحاولون إستغلال الضائقة المالية التي تمر بها الإقليم، في سبيل إسترجاع شرعيتهم المفقودة وهدم أسس السلام والديمقراطية والتسامح وتقبل الآخر، ويعملون بکل الأجندات العدائیة الملوثة والنوایا الخبيثة المبيتة الخارجة عن إطار ما يسمح به القانون، لتحريض الناس وتحفيزهم علی الخروج في التظاهرات المناوئة للقرارات والقوانين والإجراءات الحكومية الهادفة الى الإصلاح الشامل، وتصويب وتصحيح مسار الحكومة، ويكرسون كل إمكاناتهم في سبيل إعاقة تلك الإصلاحات وخلق بؤر جديدة للخلافات السياسية الحادة وتأزيم الأوضاع. كما يحاولون ذرّ الرماد على العيون وتحويل أنظار الناس عن السرّ الحقيقي، والخفايا الكثيرة، ويعيشون في أوضاع لايمكن فهمها، حيث من جهة إنهم شركاء في الحكومة الكوردستانية، ومن جهة يتصرفون كمعارضين لهم أساليب واضحة وإنتهاكات وممارسات مملة خرجت عن إطار الإبتزاز السياسي الممجوج الى ممارسة لعبة لا تليق استخدامها.
 
 
 


75
فلويد الامريكي ومحمد الخانقيني
صبحي ساله يي
للعنصرية والشوفينية والطائفية والمذهبية معاني إصطلاحية كثيرة في قواميس اللغة، يمكن الإسهاب في شرحها وتأصيلها وفي اختلاف منطلقاتها وتسببها في إضطرابات القيم والمفاهيم وإختلال الموازين، ولكن جميعها تشترك في المضمون الذي يعني إستغلال الجنس أو اللون أو القومية أو الدين أو المذهب للغدر والخيانة. أما العنصري والشوفيني والطائفي والمذهبي فلا يردعه دين أو قانون أو أعراف اجتماعية في إقصاء الآخر المخالف والتنكيل به معنويًا وماديًا، وتسفيه معتقداته، ويدعي دوماً بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وله مبررات لا يمتلكها سواه، خصوصاً إذا كان محنكاً في تحقيق مكاسب ومنافع شخصية أو للجماعة التي يدعي الانتماء إليها، عبر مواقف وتصرفات إجتماعية أو فكرية أو سياسية غير إنسانية وغير أخلاقية، أو بهدف الحفاظ على مصالح محددة ذات طبيعة مجردة من أي مبدأ أو عقيدة أو فكرة.
في أمريكا قتل فلويد الأسود البرىء المظلوم، بتهمة السرقة والإبتزاز، من قبل شرطي أبيض يتحرك بنوازع الغرور والإستعلاء، وفي خانقين أستشهد محمد نوري الدوشمجي، خلال مشاركته في تظاهرة مناهضة لممارسات الحشد الشعبي وإنزال علم كوردستان من على المباني الحكومية وحرقه، إستشهد من قبل الحشد الشعبي أو القوات العراقية في يوم 19/ إكتوبر/ 2017، بتهمة الإنتماء للوطن وحب الأرض ورفع علم كوردستان المعترف به دستورياً. 
كلاهما ضحايا لعقليا عقيمة ولأزمات عميقة الجذور، وكلاهما قتلا دون وجل أو خوف من الله والقانون. ولكن عندما قتل الأمريكي قامت الدنيا ولم تقعد في سبيل إدانة قتله والتنديد بالقاتل وإعتقاله وإعتقال من كل كان معه أثناء إرتكاب الجريمة، وإعتبار الجريمة من جرائم الدرجة الأولى. أما الثاني، الكوردي الخانقيني، الذي كان له قضية وطنية وقومية يناضل ويضحي في سبيلها، وتحرك مع أبناء مدينته لأداء واجب الدفاع عن القيم والحرية والحقوق، أستشهد وعموم الذين شاهدوا بشاعة الجريمة والبغي والعدوان أو سمعوها، تغاضوا عنها ولم يحركوا ساكناً، وتصرفوا وكأن شيئاً لم يحدث، وهم يعلمون قباحة وخطورة ممارسة الصمت المخزي المهين الذي يقوض السلم والأمن. ذلك التغاضي أثبت أن المجتمع الدولي يتعامل مع قضايا الحق والباطل والإستقرار، والفوضى والظلم والإعتداء بمعايير إنتقائية واضحة وصريحة.
السود هناك، والكورد هنا حصلا بموجب الدستور على حقوقهما، ورغم إنهما لا يشكلان خطراً على أحد، مازالا يستهدفان بصورةٍ يومية، ويتعرضان من قبل العقليات العنصرية المجرمة، للغدر والخيانة اللتان تمسان كرامتهما وحقوقهما ومستقبل وجودهما، ويمارس بحقهما شتى السياسات العنصرية، ويعانيان من التمييز والتهميش والحرمان.
القاتل هناك، مارس الاستعلاء والاستكبار بعضلاته المفتولة وقوة القانون الذي يمنع الرد على رجال الشرطة حتى لو كانوا على باطل. والقاتل هنا مارس الظلم والعنجهية والقتل وإستعمل سلاحه المتفوق لترويع المتظاهرين الخانقينيين الكورد، أصحاب المبادىء الأصيلة، ليقتلهم وليكرر ممارسات ومنهاج حزب البعث الذي حاول طردهم من مدينتهم، ليحل في أرضهم وديارهم العرب الوافدين.
الجريمة هناك، أثبتت أن الديمقراطية التي يتبجح بها الأمريكان في كل مناسبة، وبدون أي مناسبة، هي ديمقراطية نسبية لا يمكنها الحفاظ على كرامة الجميع ونشر الإستقرار والعدل والمساواة بين الأمريكيين.
والجريمة في خانقين أثبتت ضحالة الفكر السياسي للذين تسلموا زمام السلطات في بغداد، بلا تاريخ في العمل السياسي، ودون تجارب سياسية. وأن شعارات التعايش والتآخي والشراكة التي كانت ترفع للتسويق بشكل يومي طوال السابقة لم تكن سوى وسائل وحجج وذرائع للتلاعب والتجاوز على الدستور والاستحواذ على القرارات الخارجة عن الإطار الإداري والقانوني، والتآمر المتعمد على الكورد وتاريخهم ورسالتهم. وأثبتت أن الأصوات والدعوات التي ارتفعت وهي تطالب وتدعو إلى الاستقلال لكوردستان كانت صائبة.

76
إنهم يستكثرون على الكورد ذكر المظالم
صبحي ساله يي
قسم من الإعلاميين والسياسيين والكتاب والصحفيين العرب في العراق، مستمرون منذ سنوات بعرض آراء ووجهات نظر وبيانات وأرقام تستكثر على الإنسان الكوردي الحديث عن المنسوب العالي للمظالم التي وقعت عليه. تلك المحاولات تصب في سبع إتجاهات، أولها :
إشغال الإنسان الكوردي بقضايا جانبية تبعده عن التفكير في خسارته الدائمة في شراكته مع العرب في العراق، الشراكة القسرية قبل 2003 والإختيارية بعد 2003، وقبوله ببدعة الأراضي المتنازع عليها.
وثانيها: تشويه الوازع النفسي الكوردي الحقيقي المتجه نحو الإستقلال، من خلال التركيز على  أقوال وتصرفات أناس لا يتجاوزون نسبة 7% من الكوردستانيين، وتجاهل الرغبة الحقيقية لأكثر من 93% الذين صوتوا لصالح الإستقلال عن العراق في الإستفتاء الذي جرى في أيلول 2017.
وثالثها : تجميل الوجه القبيح للحكومات المتعاقبة على الحكم في العراق وتغطية ظلمها وإساءاتها السياسية والإدارية والإقتصادية والعسكرية والإجتماعية، وخرقها المستمر لحقوق وحريات الإنسان الكوردي. 
ورابعها : إيصال رسائل تثبت أن السلطات في بغداد، رغم إرهاقها وتعرضها للأزمات، وتغييرها بإنقلابات أو عن طريق الإنتخابات، وتعرض بعضها لتصفيات سياسية أو جسدية، كانت عادلة في ظلمها للعراقيين عموماً. علماً أن عدم عدالة السلطات العراقية تجاه الكورد معروفة لدى الجميع، كحقائق حلول الجمعة بعد الخميس وعيد الفطر بعد رمضان، والنهار بعد الليل.
وخامسها: التبرير لمحاولات لي أذرع الكورد، بالإمتناع عن إرسال رواتب البيشمركه وموظفي ومتقاعدي إقليم كوردستان، وعدم تسديد مستحقات الفلاحين منذ العام 2014، وعدم تحريك الساكن تجاه إعادة حملات التعريب والتغيير الديمغرافي والأداري ومحاولات الإستيلاء على أراضي الكورد في أطراف كركوك، وتغيير كبار الموظفين الكورد بالعرب، وتجاهل أمور كثيرة ومعطيات إنسانية وسياسية في غاية الأهمّية.
وسادسها : تذكير الكورد الذين حاولوا إسقاط وتغيير الحكومات المستبدّة وسيّئة السّمعة قبل 2003، والتي سقطت بعضها وتغيرت بعضها الآخر، أن الفئات التي تنجوا تعود بمظهر آخر لتمارس ذات النهج، بل وأكثر منها سوءاً في الكثير من الأحيان.
وسابعها : التأكيد على أن الضائعين في بحر معاداة الكورد منذ عقود، لايتمتلكون الرغبة أو النوايا الحسنة لتسوية مشاكلهم الدائمة، ولايريدون الإلتزام بالدستور. والحاكم في بغداد سواء كان إسلامياً أو قومياً أو بعثياً أو رجعياً أو تقدمياً يخضع لإجندات خارجية معادية للكورد، ولا يخطو خطوة جدية واحدة في سبيل إنهاء المصائب والأوضاع المأساوية التي يعاني منها العراقيين عموماً منذ عقود عدّة، خصوصا بعد العام 2003.
لذلك من حق الكوردي أن يستكثر من ذكر المظالم التي أرتكبت بحقه. ما دامت ممارسات المعادين له لا تعني أيّ انتصار من أيّ نوع، وليست أحداثاً جديدة. ومادام غير المتصالحين فيما بينهم ومع أنفسهم، والمهددين بالغرق في جوف بحر الازمات، يستمرون في صنع الأزمات لإقليم كوردستان للحؤول دون استمرار تقدّمه.  ومادام تصدير المشكلات الى كوردستان مستمراً، وبالذات الى المناطق التي تقع خارج إدارة حكومة الإقليم، حيث عجز القوات العراقية عن تحمّل مسؤولياتها، ووجود داعش والميليشيات المسلحة المنفلتة التي تتبادل الأدوار بشكل عفوي أحيانا وبشكل مقصود في أحايين أخرى .
 


77
الدستور وفضاء السياسة المفتوح

صبحي ساله يي
الذين انشغلوا قبل حوالي خمسة عشر عاماً بكتابة الدستور العراقي، والذين قدموا التنازلات والتسهيلات في سبيل إخراجه الى النور، والذين رحبوا به وصوتوا لصالحه في إستفتاء شعبي، بلغت نسبتهم أكثر من 80% ، كانوا يتوقعون أن مضمون هذا الدستور وسعة آفاقه وجمعه للكثير من الأمور الإيجابية، سيتعدى الغرض السياسي المؤقت، ويصبح مشروعاً حضارياً وإنسانياً يدعم التفكير في القوانين التي تضع الإنسان في الصدارة، ويدعم العلاقات الدينية والقومية والسياسية والاجتماعية والثقافية بين المكونات العراقية، وينهي الخلافات والرؤية الخاطئة تجاه الكثير من الأمور المتعلقة بحرياتهم وحياتهم.
ولكن هذا الدستور بتسهيلاته الفنية والقانونية، وفضاء السياسة المفتوح الخاضع للمزايدات. والكثرة المؤثرة وغير المؤثرة من الأحزاب السياسية، جعلت السياسة والتوجه إلى الفعل السياسي مهنة وهواية سهلة لكل من هب ودب، تغري البعض لكي يحلم بأن يصبح رقماً مهماً في عالم السياسة، ويحتل مكانة متميزة في ذاكرة الآخرين وفي المشهد السياسي والإجتماعي عموماً، ويحقق أهدافاً وغايات كثيرة،  وينال تكريمات مختلفة.     
تلك السهولة في دخول الساحة السياسية، وضعت عموم متابعي الشأن السياسي أمام متاهاتٍ من التساؤل. وجعلت الكثير من التصوّرات والتقديرات دون معنى، وقابلة للشك والتأويل في أحايين كثيرة، وبالذات عندما أصبح الإنتماء الى الحزب لسد الفراغ الفاقد للمضمون المفيد، وعندما أكثرت المشاغل والازمات والمستحيلات وعقدت الحياة، وكشفت المستور والنوايا الدفينة، وأبعدت الكثيرين عن الواقع والمهنية والمصداقية والدقة وحسن الإختيار.
أما الذين إستغلوه لصالح مآربهم الخاصة وصالح أحزابهم، لم يهمهم شىء سوى الإحتفاظ بالسلطة، لذلك جلبوا المصائب، وقسموا العراقيين عمودياً وأفقياً، ومارسوا الظلم الفادح والجرائم الكثيرة تجاه الجميع، بما فيهم أبناء طائفتهم لإجبارهم على الالتصاق والإحتماء بهم أو الإضطرار للهرب واللجوء إلى الخارج أو الى إقليم كوردستان. كما فرضوا عليهم الاختيار بين حقيقة ما تهمهم من أهداف ورؤى وأفكار وأدلة وشواهد مؤثرة، وما يستفيدون منه بأقل قدر من الجهود وبأسرع وقت ولو على حساب العمل مع جهات رسمية وغير رسمية محلية وخارجية.   
في إكتوبر الماضي، أيد أكثر من نصف العراقيين على الأقل، الاحتجاجات التي إستهدفت الأحزاب السياسية المتنفذة، والدائرة الضيقة القريبة من قمة هرم السلطة، والرموز التي أوجدت الظروف الاستثنائية ومرحلة طويلة من التعب والإرهاق، وهتفوا للحرية وتمنوا الموت الزؤام لتلك الأحزاب وقادتها. والأقل من النصف الآخر لم يعد يؤيدون تلك الأحزاب لأنهم يتذكرون ما حلّ بهم من مظالم، ومجريات سنيِّ حكمها ومساهمتها في صناعة الدمار الشامل والفضائح التي أحدثوها والذيول التي خلفوها والتي تشكل ثقلاً موجعاً، وكيفية مصادرة حقوقهم في التفكير والاختلاف.
أما الساسة الذين أغرتهم السياسة، رغم إقترابهم من مرحلة الفناء، فمازالوا ينطقون عن هوى، ويحسبون الحسابات وفق مصالحهم ورغباتهم وأمانيهم التي تنقط الكراهية. ويتسابقون نحو إبراز المشكلات وإختلاق الأزمات، وقضايا تشغل الرأي العام تحت عباءة الدفاع عن مستقبل وحقوق مكونهم أو حقوق الإنسان بشكل عام. ويكشفون في المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام، جزءاً من اهدافهم الخبيثة والمسمومة في الشكل والمضمون، ويتسترون خلف شعارات متفاوتة لإطالة أمد البقاء التشبث بالأحلام المستميتة، ويفصحون عن مكنونات قلوبهم وتوجهاتهم وتعليقاتهم التي توحي الى أنَّ العملية السياسية برمتها تؤول إلى السقوط  بدونهم.
 
 
 


78
وتغيرت سياسة معاداة الكورد الى إستراتيجية

صبحي ساله يي
  في عهد نظام صدام، عندما كانت كل الأبواب مغلقة في وجه العراقيين، كان هناك من يعتقد انّ في الإمكان التنسيق بين المهمات المستحيلة والمواقف المتناقضة والإتجاهات المختلفة في سبيل نفض غبار التخلف والعصبية والشوفينية المقيتة،  وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في العراق، وبناء نظام جديد قابل للحياة على انقاض نظام البعث، ينهض ويرسم خارطة تقود العراق الى الرقي والتقدم والازدهار. وبالذات عند توافر الظروف أو الوسائل المناسبة لتحقيق الأهداف الإنسانية وتنفيذها على أرض الواقع، وإخراجها من حيز التنظير إلى حيز التطبيق.
  الكورد، أشخاص وجماعات وأحزاب، شاركوا في التغيير الذي حدث في سنة 2003 والذي حمل معه نواة الأمل، ولكن بعد إقرار الدستور ومرور وقت قصير هادىء نسبياً، وإستقواء سواعد الانتهازيين، تغيرت أنماط ومراحل السياسات العراقية تجاههم، وتأثرت بمحددات وترتيبات أظهرت أن تعليق الأمل ببغداد خطاً فادح، وإنهم بدلوا بضاعة نظام البعث الكاسدة بأخرى فاسدة، وأن الخلف في بغداد سواء كان معرفاً بالإسلامي أو القومي، لايختلف عن السلف من حيث العقلية والإيمان بوحدة العراق القسرية، والتفكير في البطش بكل الداعين الى المساواة والشراكة والفدرالية والديمقراطية الحقيقية المثبتة في الدستور. كما إنهم ( أي الكورد) سمعوا الآخرين وهم يعاتبون صدام لعدم إبادة جميع الكورد.
الذين أصبحوا رؤساء للحكومات، ولإعتبارات عقائدية وطائفية ومذهبية، لعبوا أدورا لا تليق برئيس أي حكومة أن يلعبه، أو حتى برئيس بلدية لقضاء أو ناحية أو مدير لمدرسة إبتدائية. أصابهم الغرور الخرافي بعدما تحولوا الى سلاطين وأثرياء فاحشين، وإستماتوا في تهميش الدستور وخرقه من أجل الإحتفاظ بالسلطة والمال والثروات التي هبطت عليهم. وارتبطت اسمائهم بالأزمات التي تشهدها البلاد وبحالات الاحتقان وانسداد الأفق، وأصابوا الكثيرين باليأس وبالأخص أولئك المطلعون على أحوالهم يوم كانوا لاجئين في خارج البلاد .
والذين أصبحوا رؤساء للبرلمان العراقي، وغالبية النواب في السلطة التشريعية، استغلوا مناصبهم لغايات مذهبية وطائفية وقومية، ومنعوا تلك السلطة لكي تكون أمينة على مهماتها التي تختص بتشريع القوانين. وكان من الصعب عليهم أن يمرروا قوانين تتناقض مع قناعتهم الأصلية. بل كان وجودهم حجر عثرة في طريق تطبيق الدستور، وبالذات المادة 140.
أما تصريحات غالبية الإنتهازيين على الشاشات المغرضة وأزلام المواقع الألكترونية، فقد أصبحت توظيفات للقومية والدين والمذهب لصالح السياسة والسياسيين، وتحريضات على منع الالتقاء ونشر الفتنة والاقتتال، ونداءاتهم دعت الى التخريب وتوسيع شقوق الخلافات المنهكة بين أبناء جلدتهم وبين الكورد، وتشديد لحدة العداء لكل ما هو كوردستاني، ودوران في حلقات مفرغة لتقديس الطائفية والمذهبية ورفعهما إلى مرتبة المقدّس الذي لا يصح ولا يمكن نقدهما أو تجاوزهما. ومواقفهم بشكل عام تجسدت في رفض الواقع الحقيقي وإغماض العين لعدم رؤية التغييرات التي تحدث في المنطقة.
وخلال سيطرة داعش على مناطق واسعة ومدن كثيرة في العراق، وخلال الحرب ضده وبعد طرده من المدن والمواقع التي إحتلها، تغيّرت الأوضاع بوتيرة جدّية وخطيرة وسيئة لا سابق لها، وسعى الكثيرون على تفاقمها، وأنذرت بعواصف عاتية تفني كل معاني الشراكة والعدالة والحرية، وفتحت ملفات لاحصر لها، وزجت الجميع في نزاعات قومية ودينية وطائفية. وأكدت أن الرؤى والثقافة والسياسات العدائية ضد الكورد قد تحولت من حالات ومواقف وظواهر شخصية الى إستراتيجية ممنهجة وشاملة.
وأخيراً نقول : الغيض من فيض جبل الجليد الذي يثبت أن الخلف في بغداد لا يمكن أن يكون أحسن من السلف، وأن العداء للكورد تحول الى إستراتيجية ممنهجة، فهي هجمات إكتوبر 2017 على كركوك والمناطق الكوردستانية الأخرى، والعودة الى ممارسة التعريب السيئة الصيت، وإيقاف ارسال رواتب الموظفين والمتقاعدين في الاقليم، والإمتناع عن تسديد مستحقات الفلاحين الكورد، وعدم تنفيذ الإتفاقات المتعلقة بعودة البيشمركه الى المناطق الكوردستانية التي تقع خارج إدارة حكومة الإقليم.


79
رسالة البارزاني، والحقوق غير القابلة للجدل
صبحي ساله يي
  ماذا حدث في إقليم كوردستان، ليعلن الرئيس مسعود بارزاني، الذي يمتلك في الساحة السياسية الكوردستانية وفي حكومة برلمان كوردستان عوامل كثيرة للتوازن والرد، ليعلن في رسالة مقتضبة موجهة الى الرأي العام الكوردستاني وبكلمات نظيفة ونقية تحمل فكراً إنسانياً تجديد التمسك بمواقفه الثابتة المتعلقة بحماية المكونات القومية والدينية الكوردستانية وخصوصياتهم التاريخية.
تؤدي الى
  من يقرأ الرسالة يعلم إنها تدل على أن موجهها رجل المرحلة القادر على تحمل المهمات الوطنية، ويتخذ من القيم والمبادىء الإنسانية نظاماً لعمله القيادي والسياسي والوطني وينبذ الإقصاء والتهميش. وتشير الى صراحته المعهودة ومواقفه المبدئية الصارمة ووعوده الجازمة  وعزمه على ترتيب البيت الكوردستاني، ورفضه لإقحام الكوردستانيين في نزاعات شخصية متضخمة ومطامع حزبية غير واقعية، وخلافات مبنية على الأوهام. كما تنبه الذين يخزنون السهام في ترساناتهم بهدف اللجوء إليها في الوقت المناسب وفي لحظات محاولة إثارة الفوضى الممنهجة وفرض النفس بعيدا عن مبادىء وروحية التوافق والعمل السياسي المشترك الذي تشكلت على أساسه رئاسة البرلمان وحكومة الإقليم ومنحت لهما الثقة والسلطة، كما تفيق  المنفعلين الذين التبست عندهم مفاهيم حقوق الإنسان والقيم الوطنية والإنسانية، وإختلط لديهم العام بالخاص، وتجاهلوا النيران الملتهبة والمرتفعة في اطراف الاقليم الاربعة، والازمات الناتجة جراء قطع ميزانية الاقليم من قبل الحكومة الاتحادية، والتأثيرات الاقتصادية والخدمية لوباء كورونا، وإنخفاض أسعار النفط، وتوقف معظم المشاريع الاستثمارية والعمرانية والحالة النفسية السائدة بين الناس بشكل عام، وتزايد نشاطات داعش الإرهابي في المناطق الكوردستانية التي تقع خارج إدارة حكومة الإقليم. وعموم الذين وجدوا في التهجم على المكونات القومية والدينية في كوردستان، شهادة تبرئة لحراك منظم جديد قديم، وأيدوا اللغة التخوينية الفجة والأساليب الفضفاضة والفبركات التي أطلقت وكتبت بسماجة، وباركوا سريعاً كل ما أطلق من تهم ونقد لاذع للعملية السياسية التي هم شركاء فعليون فيها. وجافوا كل الحقائق في سبيل إستعار المزايدات والتوترات والتخبطات المسكونة بالحساسية والمناوشات الإعلامية، وإنطلاق التوجهات المتلهفة لزرع الإرباك ومضاعفة الحيرة في الفضاء السياسي، وبيع العواطف وتثوير الروح الفوضوية وسلب التوازن العقلي دون التفكير في النتائج أو في الظروف الحالية التي تستدعي التكاتف والتريث وإستحضار الحكمة وحسن النيات والتأمل في أبعاد تأثير التهجم، بنعوت غليظة ومدافع صوتية على المكونات الكوردستانية القومية والدينية، وعلى الاستقرار المجتمعي الكوردستاني، وتوقع ضرراً شديداً بسمعة الشعب الكوردي وقيمه الإجتماعية والسياسية، وثرواته الثقافية والتزامه بحقوق الإنسان، وتضعف مكانة الكوردستانيين، بعد أن أظهر لهم العالم إحترامًا وإعجابًا هائلين، وتخفت نجم ديمقراطيتهم وتمزق نسيجهم الإجتماعي وتشكّل تهديداً للقيم والقوانين التي تربط بينهم منذ قرون.
الرسالة، تدعو بشكل غير مباشر من أداروا هذه اللعبة والضجة البعيدة عن المنطق الكوردستاني المُتوارث، الذي يؤكد أن قضية حقوق المكونات عند الرئيس بارزاني غير قابلة لأي جدل أو تصرف، الى ضرورة العودة الى الرشد والرصانة والموضوعية والدقة في التعامل مع التطلعات والمصالح العامة والإنسجام مع الواقع ومع منظور ما يفرضه العصر.  وتقول لهم أن  الكوردستانيين لايستفيدون من الإحتقان والاضافات الغامضة والسريعة والغريبة وغير المناسبة التي جاءت في هذا الوقت الذي يستلزم تواجد الرصانة والإطمئنان وحسن النيات. وأن الكودرستانيين لا يريدون أن يخسروا ولو جزءاً بسيطاً من محتوى الأماني والمبتغيات التي ينشدونها. وتقول لهم بصريح العبارة:
لاتعتقدوا أن بإمكانكم أن تلعبوا أدوراً أكبر من أحجامكم، ولا تظنوا أن كل مشكلة، مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حتى لو لم تمت للحقيقة والمعايير الأخلاقية بصلة وتضرب الأخلاق والتاريخ عرض الحائط، تكسبكم ما تحلمون به. وإعلموا أن أبناء المكونات الدينية والقومية الكوردستانية يستحقون الإحترام والتقدير والحصول على المواقع المضيئة والمتوهجة.
 


80
الكورد ومصائب المصابين بإفلونزا السياسة
صبحي ساله يي
   إبّان عهد البعث، كان هناك برلمانيون وسياسيون وإعلاميون يكرهون الكورد، ويحملون في قلوبهم الحقد تجاه كل ما هو كوردي وكوردستاني، وتعشعش في أفكارهم غايات شيطانية مقيتة، وكانوا يعملون في سبيل أهداف جهنمية دنيئة، والكثير منهم شارك في الجرائم الشنيعة ضد الكورد، بل كانوا يعتبرون الكورد أعداء أزليين لهم ولحزبهم، ويحملونه مسؤولية كوارث وحروب صدام العبثية.
   مع ذلك، كانت وسائل إعلام البعث المقروءة والمسموعة والمرئية، والتغطيات الإعلامية آنذاك لا ترتكب خطأ نقل خطاب الكراهية ضد الكورد كشعب، رغبة في إحراز سبق صحفي أو تلبية لرغبة قوة خارجية، ولا تسهم في تشويه صورة الإنسان الكوردي عند المواطن العربي والرأي العام العراقي، بل كانت تتحدث عن حقوق الكورد المشروعة.  وكانت تحتضن عدداً من المثقفين الكورد وتدعمهم معنوياً وفنياً كي يسهموا في إظهار الوجه الناصع والمشرق للشعب الكوردي.
   لكن، في (العهد الديمقراطي) الذي يتشارك فيه الكورد برئيس للجمهورية ونائب رئيس للبرلمان العراقي وعدد من النواب والوزراء. وفي العصر الذهبي للإعلام بكل أشكاله المختلفة، وصلت الأمور الى شن هجمات إعلامية ممنهجة تقف وراءها جهات وشخصيات سياسية، تسعى لتشويه سمعة الكورد وكوردستان عبر منصات التواصل الاجتماعي، وممارسة سياسة تكريس حرمان الشعب الكوردي من حقوقه القومية وسحق ارادته. وبلغت الوقاحة لدى العنصريين والمؤدلجين بالعقلية الشوفينية والذين يسيرون في ركاب الحاقدين الفاقدين للذمة والضمير، ولهم مآرب وأهداف متعددة تبدأ بتفرقة المجتمع العراقي الى مجموعات متعارضة ومتناحرة فيما بينها وإشغاله بفوضى، أن يسخروا المال المسروق وأذنابهم على مدار الساعة، للتطبيل والتهليل ولحبك الأكاذيب والتلفيقات المزوقة لتشويه كل شيء كوردي عند المواطن العربي، وتحريض الشارع العربي العراقي ضد إقليم كوردستان، وتحميل الكورد وزر كل ماهم فيه من بؤس وشقاء وفقر وحرمان.
   وبالعودة الى عنوان المقال ( المصابين بإفلونزا السياسة) نقول : هم شلة وجوه كالحة تجمعها الآراء والمواقف والأدوار والوظائف الكثيرة، وصفات تسخير النفس لحملات التشهير البشعة، ونماذج من نواب حاليين وسابقين وسياسيين وكتاب وإعلاميين، شتامين منغمسين في الأوهام المتهرئة، خالين من الحياء والكرامة وعزة النفس، نبذهم الشارع العراقي وحرق صورهم وغالبية مقراتهم الحزبية ومنازلهم في وسط وجنوب العراق لنهبهم المال العام بقوة السلاح ومساهمتهم الفعالة في استشراء الفساد يعانون من الفقر المعرفي المزمن. ولكنهم أمنوا الملاحقة والمتابعة، فأدمنوا على إطلاق وإجترار خطاب الكراهية في خلطاتهم العجيبة والغريبة كيفما يشاؤون ويستغلون المنابر الرسمية والمواقع الألكترونية وشاشات الفضائيات، وبالذات التي لا تستخدم أسلوب الفلترة والحجب والمنع والمراقبة.
   هؤلاء المصابين بإفلونزا السياسة لايرتاحون ولا يتهنأون دون أن يشتموا ويسيؤا وينالوا من غيرهم بدون وجه حق، ولا يرتاحون أيضاً دون أن يقذفهم الآخرون بشتائم تبلغ ذروة البشاعة. لذلك يبثون بشكل يومي، وبسوء قصد وتعنت وإصرار، سموم الكراهية بهدف التسقيط السياسي والإساءة وإثارة النعرات الشوفينية والمذهبية والقومية المقيتة.


81
الوفدان الكوردستانيان الى بغداد. ربما أخطأْ في العنوان
صبحي ساله يي
 
الواقع الحقيقي في العراق، رغم صراعات السلطة ونزاعات الاستحواذ والنفوذ والاستئثار المشوب بالحذر بين الأحزاب والكتل والإئتلافات السياسية والرئاسات الثلاثة، يؤكد وجود سلطة أخرى، صاحبة القرار والنفوذ الواسعين، مصرّح لها، تعلو على السلطات الثلاث، وتضبط أمورها وإيقاع الصراع والنزاع بينها، وتبسط سلطانها عليها وتوجهها كما تريد، وتحميها من معارضيها إذا شاءت، وتستجيب لبعض نداءاتها المنسجمة من رغباتها. وفي ذات الوقت تؤرقها بضغوطاتها وبوصايتها السياسية والأمنية على البلاد، وترعبها بالتخلى عنها ودفعها نحو العزلة والتقوقع والقطيعة والتغيير وحتى الألغاء والإقصاء والاستئصال إن إعتبرتها مخالفة أو شكت في أمرها.
التخلي والحماية، عند هذه السلطة التي تمكنت من هندسة تشكيل الحكومات المتعاقبة في بغداد، والتحكم بالعديد من الملفات المهمة في العراق والتي تستقوي بالقوة التي تمتلكها وقوة الجهات التي تسير في فلكها وتأتمر بأوامرها في سبيل تحقيق أهدافها، مرهونان بطريق ذي إتجاهين:
 الأول، الإلتزام بقناعاتها وقواعدها الفكرية ومعاييرها وأساليبها السلوكية الشائعة.
والثاني، الخروج عن ثوابتها السياسية والأمنية والإقتصادية. كما يتفاوت حدهما من زمن لآخر، فمن كان يعد محمياً ومستقطباً بالأمس قد لا يكون كذلك في الغد.
الوفدان الكوردستانيان اللذان زارا بغداد خلال الإسبوعين الماضيين، بحثا خلال إجتماعات ولقاءات متشبعة وعميقة مع رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة، ووزراء المالية والتخطيط والنفط، وسفيري أمريكا وبريطانيا وممثلة الأمم المتحدة في العراق والكثير من الأطراف السياسية العراقية، بحثا عن معالجة المشكلات العالقة بين أربيل وبغداد، وكل ما بين ثنايا الأزمات المتعلقة بالنفط والموازنة والتجاوز على القانون والدستور. وقرعا بهدوء الحجة بالحجة، وحاججا الفكرة بالفكرة، والرأي بالرأي. وتمكّنا من النجاح عبر بيانات واشارات وشعارات متعارف عليها، وتضمينات تعنى بالتفاصيل المتعلقة بالأزمات المزمنة بين أربيل وبغداد.   
الآخرون جميعهم، عدا الذين تدب الكراهية في نفوسهم والذين يعانون من العطب الفاضح في فهم القانون والدستور، أقروا بالحقوق الكوردستانية وإعتبروها حقوقاً وطنية وإنسانية، ورفضوا التعصب والتشدد وتعميق الهوة والتسويف والانقسام وتراكم الأزمات والزعم بامتلاك الحقيقة الكاملة. وأكدوا أن الظلم والإستهداف لا ينتجان العدالة والمساواة، وبالتالي لا يخلقان البيئة المناسبة لحل الخلافات بالحوار والتفاهم المشترك ولا يسهمان في تجفيف منابع التوتر. وقالوا أن العمل خلف كواليس الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب العراقي، إستهانة بحياة وحقوق المواطنين، ولعبة قذرة بمقدراته بشعارات مظللة في سبيل زيادة قتامة المشهد السياسي وإرباكه.
وفي ضوء تلك البيانات والإدعاءات تطرح أسئلة غريبة ومثيرة نفسها بشأن هذا النمط من التناقض الجوهري مع الدستور واختيار هذا التوقيت للإنقضاض على مستحقات الإقليم، وهي:
 إذا كان الجميع يعتبرون قطع مستحقات الإقليم عمل غير قانوني وتجاوز على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص، ويؤكدون على عدم جواز قطعه. فمن أوعز بوقف تمويل رواتب موظفي الإقليم ؟ من قطعه وتحت أي ذريعة؟ ومن هو الملام والمتهم والمذنب ؟ ولماذا مازالت المعالجات الفعلية برمتها مشلولة من حيث التطبيق؟.
الجواب هو: أن الوفدين الكوردستانيين، ربما أخطأَ في العنوان، أو لأنهما يمتلكان الإرادة والاستقلالية في القرار السياسي، ولهما قراءة مغايرة للأحداث في العراق والمنطقة، أهملا أو تجاهلا ذاك العنوان عن عمد. ولم يدخلا (مبنى السفارة) العالي للسلطة التي تعلو على بقية السلطات، والتي تمتلك قوة المعالجة الحقيقية للمشكلات .
 


82
إله التمر في بغداد ونفط كوردستان
صبحي ساله يي
إشتداد الهجمة الظالمة المغرضة، خلال الأيام الأخيرة، وبنفس شوفيني شديد الوضوح ضد إقليم كوردستان، والتصريحات والتهديدات الجديدة القديمة للمحسوبين والتابعين للخارج على الحلبة السياسية وداخل أروقة السلطة في العراق ضد الكورد، فتحت الباب مجدداً أمام الكثيرين للتخبط والتهريج السياسي والتحدث حول القانون والدستور والكاسب والخاسر منهما. وتجدد على سطح الأحداث الرغبة الرهيبة في تحقيق بعض المكاسب السياسية والإقتصادية سواء بشكل مباشر أو عن طريق لي الأذرع وشراء ذمم بعض المرتزقة.
هذه الهجمة تجددت بسبب :
* عدم حضور النواب الكورد في جلسة تصويت البرلمان العراقي على إخراج القوات الأمريكية من العراق، والذي كان محاولة كوردستانية للنأي بالنفس عن لعبة الشدّ والجذب والصراع الأمريكي الإيراني، اللذان يغيران الاستراتيجيات والرهانات والأسلحة والرهانات ولا يغامران ويتجاهلان المواجهة الجدية، لأنهما يدركان المخاطر.
* وعلى خلفية النجاح في تحول إقليم كوردستان الى الواحة والرقعة الوحيدة في المنطقة، والتي تنعم بالأمان والنجاح والهدوء والسلام والاستقرار، وتبنى مشروعاً ديموقراطياً، وتتبنى سياسة متزنة هادئة بعيدة عن المحاور وخلق المشكلات.
* وبسبب التواصل الكوردي مع القوى العراقية المعتدلة المؤمنة بالدولة العراقية، كدولة وطنية مدنية ذات سيادة مستقلة.
* ولأن ما يعرفه المهاجمون عن الدستور وسيادة القانون لايتجاوز ما يرد عنه في الاعلام سواء كان معه أو ضده، لذلك لجؤا إلى آراء أبناء جلدتهم الخاطئة وبحثوا عن النقائص عند الكورد. رغم إنهم لم يجدوا شيئا يذكر إلا إنهم عزموا على الإنتقام من الكورد ولوحوا باللعب بأوراق نفط كوردستان، وبإستعمال سلاح الموازنة وحصة الإقليم من الموازنة العراقية لتنفيذ الاستراتيجية الخارجية المعادية للكورد. وعادوا الى (اله التمر) الذي صنعوه، وأعني به الدستور العراقي الذي كتبوه ووافقوا عليه،  وقانون الموازنة الذي صوتوا له تحت قبة البرلمان، والى المصطلحات التي ينادون بها منذ عقود من الزمان كالديمقراطية والشراكة والتعايش والتآخي والتوازن وإحترام حقوق الآخرين، عادوا اليه (لا ليعبدوه بل) ليأكلوه لأنهم جاعوا،  ولأنهم ينفذون ما يطلب منهم من الخارج بالحرف الواحد. وإشتغلوا لمهاجمة الإقليم ودعوا إلى إجراءات عاجلة لمعاقبة الكوردستانيين وإجبارهم على الرضوخ والإستسلام. وإتخذوا قرار قطع أرزاق الكوردستانيين، قرار يثير التخوف والمزيد من الأزمات والتوترات عند الكورد الذين توقعوا تداعيات مواقفهم وترقبوا الرد القوي هنا أو هناك، ويكشف ويؤكد إستحالة العيش مع أناس في كيان يئن منذ أكثر من عقد ونصف تحت وطأة القلاقل والاضطرابات وعدم الاستقرار، ويئن من التواجد الخارجي في كل مفاصلها.
أما الكوردستانيون المتابعون للجدل الدائر بشأن أزمة نفط كورستان وقطع موازنة الإقليم، يعتقدون أن الذرائع الموجودة في المخيال الشيعي القديم القائم على معاداة الكورد في كل صغيرة وكبيرة لاسترضاء الآخرين لن تتغيّر بسرعة ولن تصبح من الماضي خاصة بعد أن فشلوا خلال السنوات الماضية في معالجة مخلفات الصور القديمة وإعادة رسم صورة مغايرة. ويعرفون كل التفاصيل عن الاتهامات المجحفة الموجهة إلى حكومة إقليمهم وسياساتها النفطية، ومتأكدون من أن هذه العاصفة لن تكون الأخيرة بين أربيل وبغداد، ومتأكدون من أن عقارب الساعة ( عندهم ) لا تعود إلى الوراء، ولم تعد نظرية الاختيار بين شرين، شر الديكتاتورية أو الفوضى مقنعة لديهم، لأنهم يمتلكون خيارات كثيرة،  وسينجحون بهدوء ووفق إستراتيجية متعددة الوسائط والأشكال في تجاوزها دون تنازلات أو خضوع للابتزاز.


83
السياسة المستباحة في العراق
صبحي ساله يي
مرحلة ما بعد 3003، أفرزت مهنة دسمة جديدة وفضفاضة في مجال السياسة، تكاد تكون معكوسة لكل ما ورد في قواميس السياسة، يلجأ اليها من لا مهنة له، ويمكن تسمية العاملين فيها بشتى الأسماء والألقاب، سوى (السياسي) لأنهم بعيدون عن السياسة بل يحاربون السياسة أصلاً.
في الواقع السياسي العراقي (لا نعمم، بل نقول بعضهم ) أناس خالين من الصدق والمصداقية، وكل معايير ومقومات الخبرة والثقافة وأساليب ولياقة الحديث. خصصوا أنفسهم للظهور في الإعلام والحديث عن كل شيء وأيّ شيء، في سبيل التباهي والشهرة الفارغة وجذب المعجبين، وإبراز إعوجاج توجهاتهم، وترديد الكلمات والعبارات التي تملى عليهم دون فهم. وأحياناً يجرؤون على إتهام غيرهم بإتهامات جاهزة وغير صالحة للتداول في مجال الإعلام، ويحاولون التعبير وكأنهم أوصياء، وغيرهم قاصرين ومتخلفين .
يستميتون في سبيل إستضافتهم في هذه القناة أو تلك، ليستعرضوا آرائهم وأفكارهم غير الصحيحة، أو ليشتموا ويخوّنوا هذا، ويلعنوا ذاك. ويتوسلون ليأخذوا منهم تصريحاً حول أي موضوع حتى لو في مجال الفضاء أو الطب أو الاقتصاد أو القضاء أو حتى أفلام الكارتون.
سردت هذه المقدمة لأتحدث عن لجوء بعض السيئين المستفيدين من ظاهرة السلاح المنفلت في مدن وسط وجنوب العراق، الى الطرق الملتوية لنشر الكراهية والأحقاد وإعلاء الباطل وتحريف وتزييف الحقائق وتلفيق الواقع وترويج الشائعات المسمومة خوفاً من تشكيل الحكومة العراقية المقبلة برئاسة مصطفى الكاظمي، التي ستعمل (حسب ما يقال) على إخراج البلد من ساحة الصراع الاميركي الايراني، وإجراء الانتخابات المبكرة وحفظ هيبة وسيادة الدولة التي تعني نزع سلاح الميليشيات المنفلتة، وتحقيق مطالب الجماهير بالقضاء على الفساد والمفسدين. 
 هؤلاء (الذين إستباحوا السياسة) على يقين بأنهم سيخسرون في الإنتخابات النزيهة، ويفقدون إمتيازاتهم لو تم حفظ هيبة وسيادة الدولة وتطبيق الدستور، وسيحاسبون على فسادهم المقرف. لذلك يحاولون منع تشكيل الحكومة بأي ثمن كان، حتى لو إقتضى إدخال المجتمع في حالة الفوضى، وإعادة سيناريو مشابه لما حدث في 2014، خاصة وأن داعش الإرهابي قد أعاد تنظيم صفوفه، وبدأ بفرض الإتاوات على السكان، ويؤسس المحاكم الشرعية التي تعاقب فيها الناس، ويستغل حالة الفراغ الأمني في بعض المناطق لشن هجماته القاتلة.
بعضهم يتغابى ويخلط بين قوات البيشمركه وبين القوات التي تفتقد الشرعية الدستورية والقانونية، ويرهن قضية حصر السلاح بيد الدولة، بنزع سلاح  قوات البيشمركه، وهو على يقين بأن هذا الموضوع غير مقبول من القوى الكوردستانية كافة، نظراً لتاريخ البيشمركه  النضالي وتضحياتها الجسيمة في مقارعة الأنظمة الدكتاتورية خلال العقود السابقة، ولأنها قوات نظامية مثبتة رسمياً في الدستور العراقي. كما أن بعضهم يثرثر ويرهن بين نزع سلاح الميليشيات والعشائر بإخراج الأمريكان من العراق. 
هؤلاء إما لايفهمون الدستور، أو لا يؤمنون به، أو يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وفي جميع الحالات إنهم جهلة وأنصاف متعلمين يشكلون عبئاً ثقيلاً على العراقيين ومستقبلهم.
 


84
المعلن والمخفي في فرض الكاظمي ورفض الزرفي
صبحي ساله يي
في ظلّ تجاذبات حزبية وطموحات فردية وحسابات وسجالات سياسية غير بريئة، وبعد إخفاق وفشل محمد توفيق علاوي في تشكيل حكومة عراقية عجيبة تحت إسم (المستقلة)، وهروب معلوم من المسؤولية في واقعة خارجة عن الأعراف والسياقات الدستورية، وفي خطوة غير محسوبة العواقب والأولى من نوعها بعد عام 2003، تم تكليف السيد عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة العراقية.
 البعض إعتبر التكليف مخالفة دستورية مقصودة، ومجاملة لأطراف داخلية وخارجية، وإهانة بالتوافق السائد بين القوى السياسية، وقلباً للطاولة عليها واستخفافاً بها.
  في يوم التكليف، وتحت عنوان (تكليف الزرفي بين الهزيمة والانتصار) كتبت مقالاً، قلت فيه :
(السيد رئيس الجمهورية، الذي كلف الزرفي، خرج عن نطاق العملية السياسية المعمول بها منذ 200، رغم أنه على يقين تام بأن الزرفي لايستطيع الحصول على المباركة السياسية ما لم يرضخ لطلبات القوى السياسية العراقية، ولا يستطيع التقرب من الشارع المحتج وإقناعه، ولا يستطيع إكمال مهمته، وسيقدم ، بل سيجبر على الاعتذارعن تشكيل الحكومة).
آنذاك، دخل رئيس الجمهورية لعبة الصراع المكشوف في إغاضة بعض الأطراف السياسية وإشعال نار غضبهم بتكليف الزرفي خارج ارادتهم لأهداف ومكاسب شخصية معروفة للقاصي والداني، على شاكلة تمرير نفسه في البرلمان، إعتماداً على الاتصالات والعلاقات مع النواب وإرضائهم بالمناصب، وليس مع قادة الأحزاب والأطراف السياسية. كما أراد الزرفي، عبر الاستخفاف المتعمد بعقول البسطاء وممارسة لعبة الضحك على الذقون، تكرار ما فعله صالح أثناء ترشيحه ونيل الثقة بالبرلمان.
الكتل الشيعية، قرأت المشهد، وبعد إخفاقات متتالية وإجتماعات للجان سباعية وأخرى خماسية، توصلت قبل فوات الأوان الى القرار الذي يكسر شوكة رئيس الجمهورية، ويبعد الزرفي عن رئاسة الوزراء، وأرسلت ضوء التأييد لترشيح مصطفى الكاظمي لتولي رئاسة الحكومة المقبلة.   
أما الكورد والسنة، الذين ملوا من عدم الإتفاق الذي طال وقته بين السياسيين الشيعة، ومن التصريحات المتناقضة والمعلومات المتسربة غير الناجزة، والتهديدات والمفاجأت، وتأجيجات المصابين بداء الظهور في الاعلام. وعلى قاعدة الشراكة الوطنية وإستمرار العمل المشترك في سبيل الخروج من المآزق، ودون أن يقولوا، علناً، شيئاً للزرفي ولرئيس الجمهورية، أعلنوا تأييدهم لتوافق الكتل السياسية الشيعية، ودعمهم القوي لمصطفى الكاظمي، وإعتبروه مرشح المرحلة الذي بإمكانه معالجة الأوضاع الحالية، والتمهيد لاجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة بإشراف أممي وفق قانون انتخابي جديد وعادل، وإختصار المسافات للوصول الى الأمن والأمان والأستقرار ، ومراعاة خصوصياتهم وحقوقهم المثبتة في الدستور.
إتفاق آراء الأطراف الشيعية والسنية والكوردية جاء بثماره، حيث قبل إنتهاء المهلة الدستورية، تيقن الزرفي من رفضه وفرض الكاظمي، فرفع راية الإستسلام، وأعلن إعتذاره.
رئيس الجمهورية، دعا الكاظمي الى قصر السلام لإستلام قرار التكليف، وخلافاً لمراسم تكليف الزرفي، وكرسالة مباشرة لفرض الزرفي، حضرت غالبية القوى السياسية الشيعية والسنية وممثلين عن الطرف الكوردستاني في مراسم التكليف.
بعدها تعالت الأصوات التي أشادت بالكاظمي ونضاله، وبخلفياته الثقافية والمهنية والإدارية ونزاهته وإعتداله، وشخصيته القوية الهادئة، وحرصه على حقوق عموم العراقيين، ودرايته بالأزمات الصعبة والعسيرة للعراق.
كما إرتفعت، في المقابل، أصواتاً أخرى تزعم، أن الكاظمي نال الدعم وإرتقى المجد بين ليلة وضحاها. والكتل السياسية إقتنعت به بعد زيارة فلان للعراق أو تدخل علان، ونكاية بالزرفي وإنتقاماً من برهم صالح.
للرد على تلك الأصوات نقول: لقد تداول إسم الكاظمي لتولي رئاسة الحكومة بعد إستقالة الدكتور عادل عبد المهدي مباشرة، ولكنه رفض الترشيح أكثر من مرة، وأن الكثيرين كانوا مقتنعين به منذ مدة طويلة، وكان الحزب الديمقراطي الكوردستاني من المقتنعين، لذلك أعلن الرئيس مسعود بارزاني دعمه للكاظمي بعد تكليفه مباشرةً. أما زعيم ائتلاف الوطنية الدكتور إياد علاوي فقد كشف عن اتفاقه مع الرئيس مسعود بارزاني على مفاتحة القوى السياسية لطرح اسم الكاظمي لتشكيل الحكومة المؤقتة منذ أكثر من شهرين .
 
 

85
نعم نخشى على كيان الإقليم
صبحي ساله يي
عندما تبيض دجاجة الصحافة بيضة لم ترد ذكرها في عالم الإعلام. ولا علاقة لها بالأخلاق المهنية والوطنية والقومية والإنسانية، ولا صلة لها بكل أنواع الممارسات الأدبية أو السياسية أو النقدية، ولا تمت بالقرابة إلى سلوكيات الذمة والضمير، حتما ستكون فاسدة وتستحق الرمي في القمامة.
 وعندما تكون البيضة (مقالة) تحمل في ثناياها أوهاماً وتصورات وأساطير خيالية متجذرة في أعماق شخص باحث عن الشهرة والمال، منساق وراء النفاق والخداع والتخوين، يظهر غير ما يبطن، وحاقد تجاه كل ما هو جميل، ومراهن على الكتابة في سبيل الاستجداء، أو إيهام إبناء شعبه وحثهم على العبث وإلغاء الحق وعدم الإذعان للقوانين والأنظمة وافراغ العقيدة القومية والوطنية من محتواها، ويحاول تشويه الحقائق وقلب الأوراق والحصول على حفنة دنانير من هذه الجهة أو تلك، ولايربطه تواصل مع الخرائط الجديدة والعتيقة للمبادىء، سيكون( ذلك المقال) مجرد إستعراض وتصفيت وترقيع لكلمات متفرقة، لذلك سيتوقف ويشطب بمجرد طي الصفحة. ولا يستحق الذكر والوقوف أمامه طويلاً أو حتى إعتراضه والرد عليه، وبالذات من قبل المتابعين والسياسيين. مع ذلك ربما يكون مؤلماً وغامضاً عند أناس تمس جوهر معتقداتهم ويحبون الحقيقة والحفاظ على حقوقهم الدستورية، والبنية التحتية لمدنهم وكيانهم، والسلم المجتمعي والتنمية الاقتصادية والتعليمية والعمرانية، ورؤية النقاط على الحروف، وروعة الجمال والامل .
سقت بهذه المقدمة لأتحدث عن مكالمة هاتفية، من صديق (غير كوردي) يسكن في بلد بعيد،  ويتابع أخبار كوردستان بشكل عام والإقليم بشكل خاص من مصادر مختلفة، تلقيتها خلال أيام الحجر المنزلي خشية من وباء كورونا البغيض الذي إجتاح العالم. أيام إختلفت فيها الأمور، وتباينت فيها المواقف، وأظهرت معادن الناس في التعامل فيما بينهم، ومع الازمة، وفي نشر الأخبار الإيجابية التي تشد العزم وترفع المعنويات وتنشرالإطمئنان والتفاؤل وتتحدث عن أعداد الذين تماثلوا للشفاء، وحتمية مرورهذه الأزمة أيضا كسابقاتها. وفي نشر الاخبار المفبركة والمزيفة التي تنثر القلق والرعب والهلع والتي بمحصلتها تشكل مصدراً للإزعاج والمعاناة .
بعد مقدمة قصيرة دارت حول الأمور الشخصية، إستوقفني وأثارني موقف ( الصديق) المتغير، وهو يحاول إخفاء حسراته التي تسللت مع الكلمات، عندما قال :
ترددون على الدوام الأسطوانة المشروخة المضحكة التي تقول بأن الأوضاع حساسة، وهناك مخاوف على حقوق الكورد الدستورية، ومؤامرات ضد الكورد وكيانهم الدستوري ...
ماذا حقق لكم هذا الكيان، من الرقي والتقدم، لكي يحسدكم الآخرين ويتآمروا ضدكم، هل وصلتم الى مستويات السويد وسويسرا؟.
إستمعت لما يقول، وقد حبست أنفاسي ومصدوم من تغير هذا الصديق بين ليلة وضحاها. وقلت في نفسي، ربما الوباء غيره كما تغير الكثيرون، وربما وربما.
ولكنه قطع سلسلة أفكاري، عندما قال: هذا ليس رأيي بل هو رأي كاتب طفيلي وإنتهازي (كوردي) تجرد من الضمير الوطني والقومي عندما رفض الاستفتاء على إستقلال الإقليم، ديدنه الإرتزاق، وقلمه مأجور، وبمقالاته يحاول أن يدمر كل شىء جميل في وطنكم .
تنفست الصعداء، وقلت له : متى كانت تجربتنا لا تمرّ بأوضاع بالغة الدقّة، ولا تواجه التحديات، ولا تتعرض لمؤامرات وشرور الذئاب الكاسرة التي تتحين الفرص لتنقلب على شعبنا ووطننا؟
هذا الكيان، ثمرة نضال طويل رسم طريقنا نحو التحرر بأنهار من الدماء والدموع، وأنقذنا من ظلم وجور النظام الشوفيني والشمولي البعثي، وضمن لنا حقوقنا القومية المشروعة والحياة الحرة الشريفة والكريمة.
هذا الكيان أثبت للعالم كله، كيف تدار الأزمات العسكرية والأمنية (في عهد داعش)، والإقتصادية والمالية (في عهدي المالكي والعبادي)، ويثبت الآن (في عهد كورونا) نجاحه في التصدي للأزمة الصحية الشديدة، بالحكمة والعلم والاخلاص وبإتخاذه العديد من التدابير الوقائية والإجراءات الاحترازية، وإصدار الكثير من القرارات المسؤولة.
هذا الكيان فاق في فن إدارة الأزمات وعبورها، وفقا لخطط مدروسة بدقة ومهنية، على دول كثيرة.
و دون أدنى قدر من الشك أو الإهمال أو التغافل، وبقرارات منطقية نابعة من قوة العقل والحكمة، إستطاع أن يكون إنموذجاً لقصة النجاح والإنتصار والأمان والتعايش والتسامح والإستقرار، ونقطة للإزدهار في منطقة مليئة بالعنف والإضطرابات والأزمات.
هذا الكيان، وضد كل الصعاب، ووفق خطط ملهمة تم التخطيط لها بتصور ورؤية متحضرة متكاملة، جعل الإنسان الكوردستاني في صدارة أولوياته، وفوق أي إعتبار.
لهذا نخشى عليه وندافع عنه .
 


86
تكليف الزرفي بين الهزيمة والانتصار
صبحي ساله يي
في هذا الوقت الحسّاس، وبعد المشاورات السرية والعلنية في الغرف المغلقة بين الزعامات السياسية الشيعية للإتفاق على تكليف شخصية لتشكيل الحكومة الجديدة في العراق. وبعد إنقسام المنقسمون بينهم مرة أخرى، بين من يخشى على فقدان نفوذه السياسي ويهدد بإغراق الجميع في بحر الفوضى، وبين من يريد أن يعمل بشكل عقلاني وحكيم للتوصل إلى اتفاق وطني، واختيار رئيس للحكومة يقبل به الشعب، ويجمع بين كل الأطراف ويشاركهم في تشكيل حكومة قوية تدعمها غالبية القوى السياسية العراقية والمحتجون، لإخراج العراق من الأزمات.
وفي ظلّ تجاذبات حزبية وطموحات فردية، تم تكليف عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة الجديدة في العراق، كحدث غير مهم، ويبدو إنه سيمرّ كأي حدث عادي آخر، بغض النظر عمّا اذا كان مرشحاً خارج السياقات الدستورية، أو مقدمة لخطة أعدت مسبقا تتضمن قلب الطاولة على بعض الأطراف السياسية، بهدف تفجير صراعات متعددة الجوانب، أو إستغلالاً لنقاط ضعف القوى السياسية الشيعية،  أومغامرة جديدة غير واقعية تبغي تحقيق أهداف تتجاوز الواقع المفروض، أو خطوة غير محسوبة العواقب، أوتجاوز واستخفاف بالتوافق بين القوى السياسية، أو أملا في عبور الأزمات ولو بمخالفة دستورية مقصودة، أو مجاملة لأطراف سياسية على حساب أخرى، أو تعبير عن وجود رغبة جدّية في محاولة الانتقال بالعراق الى مرحلة جديدة مختلفة من جهة، والتعاطي مع الأحداث الصعبة والمعقدة في مرحلة لن تكون سهلة.
السيد رئيس الجمهورية، الذي كلف الزرفي، خرج عن نطاق العملية السياسية المعمول بها منذ 200، رغم أنه على يقين تام بأن الزرفي لايستطيع الحصول على المباركة السياسية ما لم يرضخ لطلبات القوى السياسية العراقية، ولا يستطيع التقرب من الشارع المحتج وإقناعه. ولا يستطيع إكمال مهمته، وسيقدم ، بل سيجبر على الاعتذار عن تشكيل الحكومة.
أما الزرفي، فهو على يقين، أكثر من تام، بأنه سيقع في المحظور، وسيفشل أمام الفريق السياسي الراسخ الذي يتحكّم بغالبية مقدّرات البلاد ويريد الإستمرار في الهيمنة على المشهد السياسي، والمناهض له ولرئيس إئتلاف النصر، وسيتم رفضه من قبل الشعب، وإسقاطه من قبل البرلمان.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كان رئيس الجمهورية واثقاً من فشل الزرفي، لما قام بتكليفه؟ .وإذا كان الزرفي واثقاً من عدم التمكن من العبور ونيل الثقة في البرلمان، لماذا قبل بالتكليف؟
الجواب هو: حسابات تدور في فلك الهزيمة والإنتصار، وسجال سياسي غير برىء، وتضخيم وتهويل للمواقف في سبيل توجيه رسالة لشعب يتوق للتغيير ويفتقد الثقة بالطبقة السياسية، وهروب من المسؤولية في واقعة ربما هي الأولى من نوعها بعد عام 2003، وبالذات بعد حدث إخفاق محمد توفيق علاوي، الذي تم تكليفه اعتماداً على المحاصصة من الأساس، في تشكيل حكومة عراقية جديدة، من طراز خاص لاتشبه كل أنواع وأشكال الحكومات في كل الأنظمة السياسية في العالم. أي حكومة غير أغلبية وغير توافقية  وغير ائتلافية وغير انتقالية، وغير مؤقتة، وغير عسكرية، وليست حكومة وحدة وطنية، ولكن تحت إسم (المستقلة) التي لايخضع ولا يتقيد صاحبها في أحكامه و تصرفاته وما يصدر عنه من قرارات لأية قواعد قانونية أوأنظمة ثابتة.  وإثر تعنته ومواقفه المتباينة وغير الواضحة حيال إقليم كوردستان وتجاهله للعرب السنة ولبعض الشخصيات والأحزاب الشيعية وعدم إحساسه بالقضايا الدستورية وعدم إحترامه للحقوق والحريات العامة، وركوبه صهوة الغرور والغطرسة، وإطلاقه الاتهامات بحق قوى سياسية فاعلة في البلاد.
 


87
في ذكرى إتفاقية آذار وما بعدها...
صبحى سالەيى
قاد الخالد مصطفى البارزاني، الكورد والمناضلين الكوردستانيين لعقود عدة في سبيل تحقيق حقوقهم المشروعة، والتصدي لإعتداءات وتجاوزات الحكومات العراقية الملكية والجمهورية. وفي عهد ثورة أيلول المجيدة التي إنطلقت في 11/ أيلول/1961، فاوض البارزاني الخالد حكومات الزعيم قاسم، والاخوين عارف، ونظام البعث ووقع مع الأخير في آذار 1970 على إتفاقية تاريخية، وبموجب تلك الاتفاقية كان من المفترض أن يتم تشريع وتطبيق قانون للحكم الذاتي في كوردستان.
ولكن نظام البعث الذي إشتد عوده، كما كان يعتقد واهماً، جراء تأميم النفط والإتفاق مع الإتحاد السوفيتي السابق، وتشكيل جبهة وطنية داخلية مزيفة، خرق الإتفاقية وأفرغها من محتواها، وإلتف على غالبية موادها، رغبة في إصابة الكوردستانيين باليأس والتنازل عن وجودهم وحقوقهم .
في المقابل واصل الكوردستانيون بقيادة البارزاني الخالد، السير في طريق تحقيق أحلامهم وحقوقهم المشروعة بتأن وعقلانية. وحتى عندما تم التآمر على ثورتهم في الجزائر في سنة 1975، لم يجازفوا ولم يغامروا. بل انتظروا وراعوا الظروف السياسية المحلية والدولية، وقرؤا المستجدات والمتغيرات بدقة وعقلانية، واتجهوا بخطى واثقة نحو الامام في ثورة كولان التقدمية التي تعتبر إمتداداً طبيعياً لثورة أيلول.
كما كانوا معتمدين على أنفسهم ومؤمنين بسياسة التدرج ومفهوم عدم حرق المراحل، ولم يصبحوا يوما جزءاً من مشكلات المنطقة المتشابكة والملتهبة، لأنهم لم يتحركوا بعواطفهم ولم يستغلوا الفرص لتحقيق المكاسب على حساب الآخرين، سواءاً كانوا ضعفاء أم متداعين، ولأنهم كانوا أصحاب رؤى وأهداف واضحة، لم ينحازوا الى جهة على حساب جهة أخرى، ولم يشكلوا يوماً تهديداً على أحد.
خلال عمليات تحرير العراق من نظام البعث، شاركوا فيها بفعالية، وبعدها شاركوا بإخلاص في إعادة تشكيل الدولة العراقية، ولكنهم لم ينجحوا فيها لأن شركائهم لم يلتزموا بالإتفاقات والعهود. وتبين لاحقاً أن الكثيرين منهم يحملون في دواخلهم أطناناً من الحقد الدفين تجاه الكورد وكوردستان، ومازالوا، حتى الآن، يخدشون شعور الكوردستانيين، مرة بتوليف سيناريوهات ملفقة، ومرات أخرى بإدعات باطلة وبحركات وتصريحات بعيدة عن اللياقة والثقافة وقيم التفاهم والتعايش والتسامح.
في المرحلة التي عاش فيها العراقيون في ظل ظروف بالغة الخطورة، ومثخنة بالجراحات والإقتتال الطائفي، وخلال سنوات الحرب ضد داعش الارهابي، كان الكوردستانيون على الدوام عاملاً للوحدة والتآلف، ووقعوا على الكثير من الاتفاقات مع أناس (للأسف الشديد) لايؤمنون بالإتفاق، ولكن مصير جميعها كان متشابها لمصير إتفاقية آذار 1970، وتم التثبت من أن هناك بوناً شاسعا بين الأقوال والأفعال وانقلاباً دائما على كل الإتفاقات، مع ذلك، ورغم أن الكوردستانيين قدموا الكثير من التضحيات، حققوا إنتصارات مادية ومعنوية وكسبوا صداقات الكثيرين في دول الجوار وأصحاب القرار والدول الفاعلة، وحصلوا على الدعم من أطراف مختلفة، وربما تكون المفارقة الفريدة من نوعها هي إحتفاظهم بصداقات، وحصولهم على مساعدات، من أطراف لها أجندات مختلفة ومتنافسة فيما بينها على النفوذ والمصالح، بل تكن العداء لبعضها لكنها تجتمع وتتفق على مساعدة الكوردستانيين ودعمهم، وتنسج معهم علاقات إستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى.
في هذه الأيام ونحن نستذكر إتفاقية آذار، ونتمسك بالنهج الديمقراطي السلمي، ونواجه وباء كورونا الشرس والكثير من التحديات والصعوبات، من جهة. ومشكلة إنخفاض أسعار النفط، وعدم الإتفاق على تسمية رئيس جديد للحكومة في بغداد، من جهة أخرى، لابد أن نقول: إن فشل الإتفاقات السابقة لايعني سد باب الإتفاقات.


88
أولوية البارزاني وإخفاق العلاوي
صبحي ساله يي
بعدما قدم رئيس مجلس الوزراء السابق الدكتور عادل عبد المهدي الاستقالة من منصبه، عاد السيد محمد علاوي الى الساحة السياسية. وبمجرد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة الجديدة في العراق، أضاف العلاوي عدد لابأس بها من المفارقات الى بيدر المفارقات والتنقاضات المتراكمة في المشهد السياسي.
في كلمته الأولى، بعد التكليف، والتي كانت أقرب الى الخيال، تبني شعارات مستحيلة التحقق، وإدعى إنه مرشح من الشعب، ونادى بحكومة كفاءات مستقلة، وتعهد وتوعد وهدد مختلف الأحزاب والكتل السياسية، وفي المقابل دعاها الى التصويت لصالحه في البرلمان.
الكوردستانيون عموماً، أحزاباً وشخصيات وكتاب ومراقبين (ومنهم كاتب هذه السطور)، أدركوا إنه يريد اتباع سياسة النظام البائد في تهميش الكورد واستبعادهم، وعدم التعامل مع الإقليم ككيان دستوري وقانوني، ويحاول أن ينقلب على الموازين السياسية التي جرت عليها العملية السياسية بعد عام 2005، وكتب (كاتب هذه السطور) مقالا بعنوان (الحكومة الجديدة في العراق، إذا تشكلت !). شكك فيه بقدرة السيد علاوي على تشكيل الحكومة، وأوضح أن العلاوي ومن يساندونه يسعون إلى فرض رؤية وإرادة سياسية معينة تتمثل بالإستحواذ على كل شىء. وقال :
إن السيد علاوي الذي تم إختياره نتيجة لصفقة معروفة، سيواجه الكثير من الاستحقاقات السياسية والدستورية، وسترافق تلك الاستحقاقات مشكلات واختلافات شكلية وجوهرية، وسيجد نفسه في مأزق وفي مهمة صعبة، وربما سيفشل في تشكيل الحكومة ضمن المهلة الدستورية المقررة، خاصة وإن شخصيته خلافية وجدلية وتتحمل تفسيرات قد تبعده عن فرصة الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة.
وقال في نهاية المقال: أن الرئيس المكلف برسم خارطة المرحلة القادمة، لو حالفه الحظ واستطاع تشكيل الحكومة، ستلازمه الأزمات التي لازمت غيره، وأن الجهات التي أوصلته الى سدة الحكم قد تسقطه في أول إمتحان، وستفشل حكومته في الرهان.
في زحمة التنديدات الشيعية والسنية وأصوات الحراك الشعبي في مناطق وسط وجنوب العراق التي توالت خلال فترة مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، والتي تجاوزت في أحايين كثيرة، الإنتقادات الكوردستانية، تناولت بعض وسائل الإعلام الكوردية والعربية، شائعات تشير الى أن المشكلة بين الرئيس مسعود بارزاني والسيد محمد علاوي وعملية تشكيل الحكومة الجديدة هي بسبب المشكلات الشخصية وإصرار الرئيس بارزاني على تنصيب بعض المقربين منه في المواقع الوزارية.
مقر البارزاني، اوضح في بيان مقتضب، بأن الموضوع برمته عار عن الصحة، وأن للرئيس بارزاني ملاحظات على منهاج وآلية عمل علاوي، وآلية تعيين المرشحین للوزارات في الحكومة العراقية. ذلك المنهاج وتلك الآلية التي لا تراعي حقوق ومطالب المكونات وخصوصية إقليم كوردستان، والتي بكل تأكيد ستتسبب في تعميق الأزمات السياسية في العراق.
كما أكد البيان: إن أسماء الأشخاص ليست أولوية بالنسبة للرئيس مسعود بارزاني، بل المهم عند سيادته هو إلتزام جميع الأطراف بمبادئ (الشراكة والتوازن والتوافق) في العملية السياسية والحكومة المقبلة ومراعاة تلك المبادئ.
وبعد مداولات ومفاوضات كثيرة، أخفق العلاوي في الخروج من الدائرة الأولى، ولم تنفعه الإجتماعات المغلقة، وتهديدات الذين لايحترمون قواعد العمل بالقانون والدستور. ووعود الذين يتحدثون عن الإستقلالية، وفي أذهانهم كل أنواع التبعية والإنتماء، ويعبؤون المجتمع بالمتفجرات والألغام. كما لم تنفعه طروحات المغرمين بالشعارات كضرورة مراعاة الواقع الحالي للبلاد، وسهولة تحقيق الأغلبية خلال جلسة البرلمان للتصويت على حكومته.
وأخيراً حالف الحظ السيد علاوي في الإخفاق في تشكيل الحكومة، وخرج بخفي حنين من أوحال لعبة تتجاوز احلامه الطوباوية، وعاد العراق الى مربع إختيار الشخص المناسب لتولي رئاسة الحكومة المقبلة، وستبقى الأوليات ثابتة لدى الرئيس بارزاني .


89
الحكومة الجديدة في العراق، إذا تشكلت !
صبحي ساله يي
لقد جاء تكليف السيد محمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة العراقية في زمن المؤامرات السياسية، والأرقام المتحركة وغير الصحيحة في المعادلة السياسية العراقية، وإنجراف البعض بوعي أو بدون وعي وراء الخطاب الذي يتاجر به المتربصين بمستقبل العراقيين لتبرير فشلهم وما يقومون به فساد، وفشل البعض الآخر في أداء دور المعارض الوطني النزيه، وشعور البعض بالخواء وضياع البوصلة وانسداد الأفق، وإتسام حال المشهد السياسي العراقي بالخطورة والتوتر، وإحتمال الانزلاق نحو المزيد من الفوضى وتصاعد الخلافات ومرحلة تصفية الحسابات وتجاوز كل الخطوط الحمراء. وخلال صراع سياسي يتكأ على مفردات وأجندات مختلفة بين قوى وأحزاب سياسية توظّف الولاءات الخارجية والإنتمائات المذهبية والطائفية في صراعها مع بعضها البعض، وتسعى إلى فرض رؤيتها وإرادتها السياسية وتستغل المسلحين المدعومين من قبلها في مساومات سياسية في سبيل الوصول الى أهداف معينة تتمثل بالإستحواذ على السلطة وعلى أكبر قدر ممكن من الإمتيازات.
وهذا يعني، إن السيد علاوي الذي تم إختياره نتيجة لصفقة معروفة، سواجه الكثير من الاستحقاقات السياسية والدستورية، وسترافق تلك الاستحقاقات مشكلات و اختلافات شكلية و جوهرية، وسيجد نفسه في مأزق وفي مهمة صعبة ومجبرا على الالتزام بمصالح الذين رشحوه لتولي المنصب، ولاخيار أمامه سوى الخضوع لإملاءات الآخرين، ومحاصر يفقد هامش المناورة ولا يمكنه أن يبالغ في تقييم مكانته ووضعه الذي لا يسمح له بفرض رؤيته على الآخرين، وربما سيفشل في تشكيل الحكومة ضمن المهلة الدستورية المقررة، خاصة وإن شخصيته خلافية وجدلية وتتحمل تفسيرات قد تبعده عن فرصة الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة.
لقد أعلن السيد علاوي، إنه مستعد لكل السيناريوهات القادمة، وأن لديه مبادرات استراتيجية جادة للغاية، وإنه لن ينتظر طويلا، وسيسارع لرؤية كل المواضيع المثارة من مصدرها الأول. وسينطلق في رحلة المباحثات مع الأحزاب السياسية، من أجل ضمان حزام سياسي واسع للحكومته تحت قبة البرلمان. وطبعاً، ستكون للاحزاب التي لديها إمكانيات مادية وجماهير، ووسائل إعلام يمكنها شن حملات ونشر تقارير تعد خصيصًا لإنجاحه أو إفشاله، شروطاً تعاقدية لشكل وعمل الحكومة، وقد تكون مزعجة وقاسية ومليئة بالمناورات.
ولإنهاء المسار المتعثر، سيتجه السيد علاوي نحو ساحات التظاهر لتهدئة التوتر والتحدث مع المتظاهرين الذين لايملون من مواصلة الحضور في تلك الساحات، ويؤرقون الكثير من الساسة ويقضون مضاجع المستحوذين على المناصب والمهيمنين على المواقع الحساسة في العراق، هؤلاء أيضاً لو قبلوا بالجلوس والتفاوض مع السيد علاوي، ستكون لهم شروطاً أقسى بكثير من شروط الأحزاب السياسية، حيث يطالبون بتحقيق الاستقرار والأمان واقامة نظام العدالة الاجتماعية الذي يضمن المساواة بين المواطنين وينقذ الشرائح المهمشة والساكنة في العشوائيات والتي تعيش الفاقة والعوز والبطالة، وتنظيم انتخابات مبكرة حرة ونزيهة، وترتيب العلاقة مع طهران وواشنطن، ومحاسبة قتلة المتظاهرين وتحريك ملفات حيتان الفساد وتطبيق القرارات التي تخفف من معاناة المواطنين وتحقيق القرار الوطني المستقل، وسحب السلاح  من الجماعات المسلحة.
 وهذا يعني، أن الرئيس المكلف برسم خارطة المرحلة القادمة، لو حالفه الحظ وإستطاع تشكيل الحكومة، ستلازمه الأزمات التي لازمت غيره، وأن الجهات التي أوصلته الى سدة الحكم قد تسقطه في أول إمتحان، وستفشل حكومته في الرهان.
 
 


90
غربال  نصر الله وشمس كوردستان
صبحي ساله يي
في ظل الأحداث المتصاعدة والحساسة التي يشهدها العراق بشكل خاص، والمنطقة بصورة عامة، وفي قراءة متأنية بعيدة عن إنفعال اللحظة، يمكن وصف تدخل السيد حسن نصر الله، قبل أيام، في شأن لا يعنيه، بإنه سقطة الشاطر وإرتكاب الغلطة الفادحة. لأنه ببساطة تامة عبر بهجومه المتشنج وإنفعاله عن عقليته الغابرة وأهوائه الطائفية، وعما يضمره في داخله من أحقاد متراكمة تجاه الكورد وقائدهم  والبيشمركه الذين أبهروا العالم بتضحياتهم وبسالاتهم. كما أظهر إنه يعاني بشدة من هستيريا حياة مليئة بالعثرات والتألم من العزلة، وإنه ينظر بهلع وخوف الى مستقبله، ويخشى من زوال الغطاء الخارجي الذي يستره .
مع ذلك، لا إستغربت هجومه، ولست في وارد مهاجمته، لأن الكثيرين في المنطقة والعالم وبالذات اللبنانيون، يرفضونه ويهاجمونه ليل نهار، ويحتجون على ممارساته وتصرفات عناصره غير المنضبطة، وتحويل بلدهم الجميل من بلد التسامح والتعايش الى بلد الخراب والذعر والخوف و التخريب والبطالة والطائفية المقيتة. ويصفونه بأوصاف تكفي لكي يخجل الإنسان من تكرارها. كما أعلم أن الرد على هجماته وإساءاته المتكررة والخوض في تفنيد ادعاءاته مضيعة للوقت.
كما لست في وارد الدفاع عن الرئيس مسعود بارزاني الذي يحمل هموم وهواجس الأمة الكوردية، لأن صورته المؤثرة في المنطقة والعالم، واضحة لاتقبل المزايدات، ولا مجال لتشويهها، والذي يدافع عنه هو : الشعب الكوردستاني بكل مكوناته، وتاريخه النضالي الطويل الناصع المليء بالوضوح والمنطق والعقل والحنكة والذكاء والصراحة، وما قدّمه من تضحيات وبطولات، وما أظهره من شجاعة وسلوك قتالي واخلاقي رفيع المستوى خلال ما يقارب ستة عقود من الزمن، دون إنقطاع. ولأن سياسيي ومثقفي وكتاب وشعوب المنطقة والعالم يعرفونه جيداً، وجميعهم يصفونه برجل السياسة والثورة والدولة، وبالوفي المخلص لأمته ووطنه والإنسانية جمعاء. ولأن الذي يحميه هو الله وجبال كوردستان الشماء.
ولكني أذكر بعض الحقائق التي تجاهلها السيد حسن نصر الله، منها :
•         يخفي نفسه من الهلع ويعيش في الأنفاق والسراديب ولا يتورع بتشنج وتوتر ودون وقار ان يذكرنا بداعش ووصوله الى المناطق القريبة من أربيل، ومساعدة الإيرانيين للكورد. وكأنه هو صاحب القرار في إيران .
•        أن أربيل التي صمدت بوجه هولاكو وهزمت البعث وجيشه الجرار المليوني، والرئيس بارزاني وشعب كوردستان عبروا عن شكرهم  وتقديرهم، أكثر من مرة، لكل الذين وقفوا معهم في تلك الأيام، وكل الأيام العصيبة.
•        الإيعاز الخارجي لداعش، الذي كان متجهاً نحو وسط وجنوب العراق، لتغيير إتجاهه نحو إقليم كوردستان وبالذات أربيل.
•        قطع مستحقات إقليم كوردستان المالية ورواتب الموظفين والمتقاعدين الكورد من قبل بغداد، لتشديد الخناق على أربيل وإلحاق الضرر بالكيان الدستوري للإقليم .
•        منع وإعاقة بغداد لوصول المساعدات العسكرية الأجنبية لقوات البيشمركه، والمساعدات المادية والإنسانية للنازحين في مدن ومخيمات النازحين واللاجئين في الإقليم، والذين بلغ عددهم مايقارب مليوني شخص، بحجج وأوهام كثيرة.
•        أيام محاربة كوردستان لداعش أثبتت أن الجهد القتالي الذي كان مقتصرا على البيشمركه (فقط) بقيادة الرئيس مسعود بارزاني، وبالتنسيق مع طيران التحالف الدولي، حافظت على أمن وإستقرار وطهارة مدن وقصبات كوردستان.
•        أرساله لبعض عناصره الغريبة لمقاتلة الكورد في اطراف اربيل ودهوك، وكيف أن البيشمركه لقونهم دروساً لاتنسى في معارك بردي وسحيلة.
•        تحريضاته الإعلامية ضد أطراف مختلفة كانت سبباً وراء تصنيفه كإرهابي، وتصنيف حزبه كمنظمة إرهابية في معظم بلدان العالم.
وأخيرا نقول للسيد نصر الله وغيره : لايمكن حجب نور شمس كوردستان بالغربال ..
 


91
ناقة العراقيين في قافلة الصراع الايراني الأمريكي
صبحي ساله يي
لا يمكن عدم الربط بين كل ما حدث في العراق، خلال الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات السابقة، مع سياق الصراع القديم الجديد وملابساته التاريخية بين إيران وأمريكا اللتان تستغلان وتستثمران الكثير في الخفاء والعلن، من أجل الهيمنة على العراق والسيطرة على كافة القرارات السياسية والعسكرية والإقتصادية، وتأمين مصالحهما وتقسيم المغانم بينهما، وجعل الفوضى والإنقسام قاعدة للتفاهمات بين العراقيين.
  طهران تمتلك مبررات ومسوغات للتدخل في الشؤون العراقية الكبيرة والصغيرة، تحت ستار حماية الشيعة وإنقاذهم من المظلومية. وأمريكا منهمكة بتقليد إيران ولكن تحت يافطة محاربة الإرهاب وتفرعاته في العراق. والإثنتان إستفادتا من المواقف السياسية العراقية التي لا تتسم بالعقلانية والخارجة عن الاستحقاقات الوطنية، ومن ضعف الحكومات العراقية المتعاقبة، وعدم التفكير بحكمة وتأن لضمان الخروج من لعبة شد الحبال بين الطرفين المتصارعين بسلامة. كما إستفادتا من ظهور داعش وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي، فبسطتا نفوذهما، وتواجدتا بشكل علني في الساحتين العسكرية والسياسية، وقد إنبهر بكل منهما فئة من السياسيين. كما نجحتا حتى الآن في إقناع الكثيرين بمبرراتهما التي تدور حول مواجهة التهديدات المحدقة، والعمل على حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، ودعم وحدة الأراضي العراقية وإنقاذها من التقسيم، والعمل في سبيل تحسين الأوضاع الاجتماعية وحمـاية الحريات الديموقراطية، ومنع إندلاع الحرب الأهلية بين العراقيين.
  أما بغداد التي كانت ومازالت تعاني، واقعياً، من التناقضات والتجاوزات والأوضاع المتهالكة بسبب حجم الأزمات التي تعصف بها، والمكتوية بنيران التدخلات الإمريكية والإيرانية، ولعبة الصراع المحفوفة بمخاطر كبيرة واضرار جسيمة بينهما، فلم تكترث بها ولم تحاول إخمادها ولو بأضعف الإيمان، ولم تتضايق من إستشراء نفوذهما وأدوارهما المشبوه،  وحاولت الظهور للملأ وكأنها لم تذق الويلات، وكأنها صاحبة سيادة وواثقة من النوايا الطيبة لواشنطن، حيناً، ومن نوايا طهران، في حين آخر.
غالبية العراقيين، وبالذات الذين ليس لهم دخل في الصراعات الداخلية والخارجية الجارية ولا يعنيهم أمرهما بمقدار ما يهمهم أمنهم واستقرار بلدهم والعيش في حياة حرة كريمة لهم ولأولادهم، يتخوفون من دفع ثمن الصراع الايراني الأميركي. وكذلك الحال بالنسبة للمتنورين والوطنيين الذين لاناقة لهم ولا جمل في قافلة الصراع الأمريكي الإيراني، والذين يريدون أن يكون العراق سيد نفسه، يعيشون في حالات القلق والتوجس إزاء الأزمة الراهنة وتداعياتها، وبالذات بعد أن طغى الحديث بلغة طائفية صريحة في برلمان البلاد، وبعدما تم التخلي عن المصالح الوطنية لصالح المصالح الخارجية. لأنهم متأكدون وعلى ثقة تامة بأن بلدهم بات اليوم في مرحلة تضييع فرص التوصل إلى رؤية جامعة للمستقبل، وفي أعلى درجات إفتقاد الاستقلالية، وأن مصيرهم على كف عفريت. كما يخافون من تهيئة وتمهيد الأرضية والاجواء لحروب ومحن وشدائد على مختلف الصعد، ولبقاء الأمريكان والإيرانيين في بلدهم من خلال إختلاق المشكلات والسيناريوهات الغريبة والمواجهات الطائفية والمذهبية والقومية، ووضع بلدهم العليل المليئ بالمقابر الجماعية والأمراض المستعصية، أمام أزمات جديدة تحمل كل الأخطار والممارسات المشبوهة التي تدفعها نحو الهاوية.
الأحداث والأوضاع الصاخبة خلال الأيام العجاف السابقة والتصادمات والمواجهات التي حدثت على الارض العراقية، أثبتت أن الكثير من السياسيين المنغمسين بعمق في أحواض الفشل والتورط، بدلاً من الهداية والتعقل والإحتكام الى المنطق وتحديد الأهم قبل المهم والإنحياز للمصلحة الوطنية اولا واخيرا، داروا ظهورهم لهموم الناس، دون وجل من الفوضى والدمار والقتل، أو خجل من الضمير، إما غباءاً وجهلاً بموازين القوى وحسابات الربح والخسارة دون دراية بهول كارثة إستدراج العراق نحو آتون حرب مدمرة وهو بعيد عنها، أو بهدف تضخيم حساباتهم وزيادة سرقاتهم وصفقاتها المشبوهة والتمعن في إفقار أبناء الشعب .
 
 


92
المنبر الحر / فجر إعدام صدام
« في: 21:58 29/12/2019  »
فجر إعدام صدام
صبحي ساله يي
تنفيذ حكم الإعدام بحق صدام حسين، بعد ادانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في فجر يوم 30 كانون الأول 2006، أنهى مرحلة صعبة من تاريخ العراق، وغمر الكثيرين في الفرح والسعادة، وحسموا مواقفهم بالتأييد والتظاهر والإحتفال، وبدا لهم وكأنه نفذ من أجلهم. وتوجهوا بسرعة نحو الديمقراطية، بسبب لهفتهم لها، وبما رسموه من أحلام وردية، وبسبب ميولهم ورغباتهم الطبيعية المشروعة للمسك بمقدرات حياتهم والتحكم بخياراتهم ومحاولتهم توصيفها كطريقة للتعامل مع شؤونهم، وإدارة حياتهم العامة بكل تفاصيلها، ومافيها من حقوق وواجبات.
الفرحة، لم تدم بسبب نقل البلاد الى مرحلة الإرتباط الخفي والخطير بإتفاقيات وبروتوكولات تجعله تابعاً الى الخارج، وبسبب التصدعات الجيواجتماعية التي انعكست ارتداداتها السلبية على عمل الشخصيات والأحزاب والحكومة العراقية، والتي أدت تحولاتها الى تكاثر المراكز لصناعة القرار في بغداد، وإضعاف الحكومة وغياب السلطات والكثير من القوانين، والى الإرتباك والخلل العميقين في التعامل مع المواطنين الرافضين للتغيير والديمقراطية، خاصة من خلال التمسك بالقراءة الأمنية لمعالجة المشكلات الموجودة والمصطنعة والتي أدت الى معضلات اجتماعية وثقافية وسياسية وأمنية، خسر فيها العراقيون الكثير من دمائهم وأموالهم وإمتيازاتهم، كما أضاعوا فرصاً كثيرة لا تعوض، وخسروا التعاطف العربي والدولي، بعدما أساءوا التصرف فيما بينهم وبحق ديمقراطيتهم الوليدة وتعاملهم السلبي فيما بينهم ومع حكومتهم ومع من أسقط حكومة البعث، أعني الأمريكان، وبعدما دخلوا في مواجهات بينية ومنحوا ثقتهم بدول وحكومات إقليمية اعتقدوا أنها حليفات لهم، ونقلوا البلاد والعباد الى مرحلة اللا ضمير واللا ولاء للوطن.
الذين حذروا المواطنين عموماً، والطبقة السياسية والحكومة خصوصاً، من عواقب الإتكال على النعرات اللعينة، وسياسة اللعب بالنار، والتماطل في تطبيق الدستور والتماهي في إتخاذ الإجراءات التعسفية. والذين دعوا الى التخلي عن الحذر المبالغ فيه عند العرب تجاه الكورد، وبالعكس، وعند الشيعة تجاه السنة، وبالعكس، وكذلك الذين رفضوا تقسيم العراقيين الى منتصرين ومنهزمين، أو أقوياء وضعفاء، أو أكثرية وأقلية، كانوا على ثقة ودراية تامة بأن المصالح العامة تكمن في الإتكال على الدستور لردم الهوة بين العراقيين، والتعقل في خلق التوازن في العلاقات بين العراق ودول الجوار وأمريكا. 
الخطوة السياسية الأكثر خسارة في تاريخ العراق، والأكثر سوءاً للتقدير، كانت العودة إلى ممارسة السياسات التقليدية تجاه المعارضين والتنكيل بهم، دون وجود طرف محايد. خطوة أدت إلى خلط الأوراق وإعادة التموضع وفقاً لحسابات ومناهج مستفزة، ونتجت عنها تحولات كبيرة في المواقف وتغييرات في خريطة التوازنات العراقية الجديدة، وكشفت عن تناقضات لا يمكن التكهن بتداعياتها، خصوصاً بعد ظهور بوادر الحرب الأهلية، وصدمة داعش الكبرى وإنفجار الأوضاع وتحول ربع العراقيين الى مهجرين ونازحين ومشردين.   
في البداية تم مخادعة العراقيين، عندما قالوا: أن القضية برمتها، مسألة أيام أو أشهر في الأكثر وستعود الحياة الى حالتها. ولكن مرت سنوات عجاف تم فيها إستشراء الفساد الفاحش، وتجاهل مفاهيم الكرامة والمواطنة والحرية والشراكة والعدالة والمساواة والتضامن والاعتدال وتعزيز البيئة الإنسانية والأخلاقية من خلال الحوار والتفاهم العقلاني بين مختلف المكوّنات القومية والدينية والمذهبية واحترام الخصوصيات.
اليوم، يمكن أن القول أن التاريخ يعيد نفسه، والعراق يقف في ذات مفترق الطرق، وإحتمالات حدوث الكوارث مازالت قائمة. وخلاصة القول ( دون تشاؤم) هي : لو لم يتم إحتواء المرحلة  الحالية وتجاوز التحديات بمعالجة الإشكالات السياسية وتعقيداتها وتقاطعاتها القائمة والخلافات الطاغية والتوترات والتحديات والمخاطر والهموم الكثيرة، واحترام إرادة الشعب العراقي في الإصلاح، بسحب الأسلحة من أيدي الجماعات المسلحة، وبمنع ورفض التدخلات الخارجية المؤثرة، سيدخل العراقيون في دوامة العنف، وسيصبح العراق ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، وأسيراً لإملاءات خارجية، وسيصبح الحديث عن الدولة والديمقراطية وحقوق الإنسان رديفا للموت، وسيتم تشريد الملايين من الأبرياء، وسيتحسر العراقيون على صدام حسين وحكمه، ويكفرون بكل ما جرى بعد 30 كانون الأول 2006.
 
 
 

93

حكومة كوردستان السابقة، لاتستحق أن تذكر بسوء
صبحي ساله يي
دون مراعاة للالتباسات والمقاربات الكثيرة التي تطرح هنا وهناك بإسم الديمقراطية، والتي تجعل مهمة الحفاظ على مكتسبات  الكوردستانيين ليست باليسيرة، ولاسيما أمام تعنت وتعصّب الطائفيين والشوفينيين الذين يكفّرون الفدرالية وجميع الممارسات الديمقراطية ومفاهيم حقوق الانسان المثبتة في كل الشرائع.  يطرح المبتلين بما هو سيئ في الإعلام والسياسة، في مجالسهم ونقاشاتهم الخاصة، وكتاباتهم في المواقع الألكترونية البسيطة والعميقة، كلمات وعبارات سماتها الرئيسية الوعي المشوه الملتصق جملة وتفصيلاً مع المخططات المعادية لمصالح الشعب الكوردستاني، ومضامينها، وإرضاء أشخاص يرتبطون معهم في حلف غير مقدس لزرع اليأس ورعايته، من خلال شطب ما قامت به الحكومة السابقة لإقليم كوردستان، برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، طيلة الأعوام الماضية.
ومن سخريات القدر، ان بعضهم يصهلون ببعرانهم في المستنقعات الآسنة، ويعملون بتواطؤ مكشوف من خلال مزاعم وافتراءات مهزوزة وساذجة تثير السخرية وحتى الخجل كأذرع للتطاول والهجوم الغادر في سبيل إلحاق الإساءة بالأبطال الذين أضيفوا الى قائمة الشهداء الذين افتدوا كوردستان بدمائهم وأرواحهم، وبأهاليهم الذين دعموا وساندوا واصروا بثوريتهم المعهودة على ثبات الحكومة وديمومتها، وكنس أعدائها وإلقاءهم في قاع مزبلة التاريخ.
وفي سبيل تأويل وكشف العلاقة بين الحق والأخلاق، وليس دفاعاً عن الحكومة السابقة ومساراتها، لابد من التطرق الى الظروف التي تشكلت فيها، والعقبات والمشكلات والأزمات التي واجهتها، والإنتصارات والمكاسب التي حققتها، ولو بشكل سريع.
الحكومة السابقة، تشكلت برئاسة نيجيرفان بارزاني بعد إنتخابات برلمانية، وبعد جولات تفاوضية ماراثونية إستغرقت عدة أشهر، وبعد أن تنازل الفائز الأول (الحزب الديمقراطي الكوردستاني)، عن الكثير من مستحقاته القانونية والإنتخابية من أجل مشاركة جميع الأحزاب الكوردستانية الفائزة في الإنتخابات في تشكيلها.
بدأت مهامها، وكانت حكومة بغداد قد قطعت موازنة الإقليم ورواتب الموظفين والمتقاعدين. وجاء داعش الإرهابي ليؤسس دولته المزعومة بجوار الإقليم، وكان عليها التصدي له على جبهة تزيد طولها عن ألف كيلومتر، كما لزم عليها تأمين السلاح والرواتب والمسلتزمات الضرورية للبيشمركه.
وفي الجهة الأخرى، إستقبل الإقليم ما يقارب مليوني نازح ولاجىء من غرب كوردستان والمدن العراقية التي إستولى عليها داعش، وكان عليها ضمان الأمن والإستقرار والخدمات الضرورية لهؤلاء، كما هبط سعر النفط الى أدنى مستوياته.
أما المعارضة التي شاركت في الحكومة، وبدلا من المشاركة في تخفيف المعاناة وتحمل المسؤولية وجزءاً من الأعباء الثقيلة، فقد إستمرت في إنهاك الحكومة ومعارضتها الشرسة،  وفي محاولاتها غير الرحيمة لعرقلة أداء المؤسسات لأدوارها وواجباتها وتلغيمها عبر إفراغها من مضمونها القانوني، وتشويه صورة الحكومة في الداخل الكوردستاني والخارج.
وعندما تهيأ للكوردستانيون فرصة التوجه نحو صناديق الإقتراع لتقرير مصيرهم في إستفتاء شعبي عام، بعضهم وقف ضد أماني وتطلعات الشعب الكوردستاني، وتخلى عن الشعب وإنسحب من الحكومة معتمداً  على تبريرات واهية، وغيرهم سلكوا طريق بغداد ليعلنوا براءتهم من الإستفتاء ونتائجه، والكثيرون منهم، بعد فرض الحصار الإقتصادي والسياسي، وغلق مطارات الإقليم، ودق طبول الحرب ضد الكورد  وشن الهجمات على قوات البيشمركه في محاور كثيرة، حاولوا إغراق الإقليم في الفتن الرهيبة وتغیب الشرعية، وتحريك الشارع ضد الحكومة، ونادوا بإسقاطها وتشكيل حكومة إنقاذ.
مع ذلك بقيت الحكومة السابقة صامدة، وإستطاعت، بشكل سريع كالبرق الخاطف، توفير مستلزمات الحياة المطلوبة للشعب، وكسر الحصار، وإعادة ترميم علاقات حسن الجوار المبنية علي مباديء الإحترام المتبادل والمنافع المشتركة، وإجراء إنتخابات برلمانية ناجحة، كما إعادت الحركة لعجلة التنمية والحياة المدنية.
وأخيراً نقول، الحكومة السابقة، كأي حكومة أخرى، لم تكن معصومة من الأخطاء، ولكنها حفظت للكوردستانيين كرامتهم ووحدتهم وحقوقهم الدستورية، وقدمت الكثير بآليات مدروسة ومنظمة، وكانت تمتلك رٶیة وأهداف مستقبلية تستند على القيم الإنسانية التي تضمن الأمن والاستقرار المجتمعي وتعزز الحرية والتسامح والتعايش واحترام وحماية حقوق الإنسان، لذلك لاتستحق أن تذكر بسوء .
 

94
شهادة وفاة داعش... مزورة
صبحي ساله يي
  عندما خرج الأمريكان من العراق، كان العراق في وضع سياسي ملىء بالانتهازية والفساد، ونمط سياسي وإداري يتعمد تقليل الخدمات الأساسية وإستشراء البطالة، وعدم إجراء أي إصلاح أو إعادة  إعمار للبنية التحتية، وإبقاء المواطن العراقي تحت وطأة الفقر والفاقة والبطالة، ورهيناً للوعود الزائفة. وفي المقابل كان الصراع السياسي على أشده سعياً لاغتنام المغانم، والفوز بأسباب الترف والبذخ والإسراف، وسلطة تلوح فيها ملامح المذهبية الطائفية.
  تلك المعادلة رسخت بعض المصالح والأهواء والنزعات الطائفية، وأدخلت العراق في خضم تناحرات وأزمات متفاقمة ومتتالية لا يخرج من أحدها إلا ويدخل في أخرى، وكان أبرزها إستئثار نوري المالكي بقدر كبير من السلطة، ومحاولة استغلالها في ترسيخ موقفه السياسي وملاحقة خصومه وإقصائهم من المشهد السياسي، كما أدت الى إثارة احتجاجات كبيرة في المناطق السنية، وخيمت غيوماً  داكنة على العلاقات بين أربيل وبغداد، وأصبحت التجربة الديمقراطية في مهب الريح .
  إنعدم في الأفق آمال العيش الحر الكريم في وطن يضمن الحد الأدنى من الكرامة والشراكة والتسامح،  وتدخل الداني والقاصي في الشأن العراقي تحقيقاً لمصالحه .ونتيجة لأخطاء السياسيين الجسيمة، وإختلال التوازن، والتجاوز على القانون والدستور، والانفراد في اتخاذ القرار والابتعاد عن روح الشراكة وشيوع الظلم والتهميش على أساس الهوية، ولعبة دولية قذرة قادتها أكثر من جهة تؤمن بلا أخلاقية السياسة، سيطر داعش في حزيران 2014 على الموصل، وتمدد وإستولى على أراضي شاسعة ومدناً كثيرة، وتدفق عليه المال والسلاح والمقاتلين، وسنحوا الفرصة أمامه لتنفيذ ابشع الجرائم ضد أبناء كل المكونات في العراق.
  حالة الهوس بالأوهام التي عاني منها داعش تجاوزت حدود التصور، وبالذات عندما رسم خريطة لدولته المزعومة، وأطلق عليها اسم (الدولة الإسلامية)، ودفع العراقيون الثمن باهضاً بسماحهم لبقاء الفاسدين والمستبدين والمحرضين على الكراهية في السلطة، ليقودوا بلادهم إلى الهاوية.
  أما مختار العصر(المالكي)، الذي حصل على الثقة من مجلس النواب، إتهم المجلس بعدم الشرعية، وأراد ان يكون العرب السنة والكورد عموماً مواطنين من الدرجة الثانية. وقطع موازنة الإقليم ورواتب الموظفين والمتقاعدين، ووجد في داعش الفرصة للحصول على الولاية الثالثة. وفي سابقة خطيرة، أعتبرت انقلاباً سياسياً وإدارياً على الدستور، وعودة صريحة الى زمن الأحكام العرفية، تدخل لتعطيل الحياة الدستورية وعمل البرلمان العراقي الذي صادق على حكومته. وبدأ يفعل ما يريد من دون الرجوع إلى البرلمان أو المؤسسات الأخرى. كما إعلن صرف الأموال سواءً وافق البرلمان أم لم يوافق. مع ذلك كله، أبعد عن الولاية الثالثة لصالح السيد حيدر العبادي.
  في حينه إعتقد البعض، أن العبادي سيغير بعضاً من سياسات المالكي، وسيعالج المشكلات التي أثارها الأخير مع (السنة والكورد)، ولكنه سار على نهج سلفه وكرر أخطائه. وإستمر المحيطون به في التبذير والاختلاس والسرقة، ابتداءً من النفط وصفقات شرار الطائرات والأسلحة وإنتهاءاً بسرقة مواد البطاقة التموينية للمواطن.
  وبسبب هوسه المسكون بجنون العظمة والأوهام، إندفع بشدة نحو التلاعب والإطاحة بالشركاء وبث الفرقة بين العراقيين، وفي خطوة إرتجالية فردية متسرعة، وإختيار إعتباطي للظرف، ينطوي على الكثير من خلط الأوراق والمغالطات، أعلن العبادي في 10/كانون الأول/ 2017، القضاء على داعش. بعدها، أثار الكثيرون الجدل الطويل حول مصير الدواعش الذين كانوا موجودين في تلعفر والحويجة والموصل .
  حالة العراق في هذه الأيام، رغم كل إمكانياته وثرواته الهائلة، في ظل سياسة التعنت والعناد والارتجال وتصفية الحسابات المبنية على روح الثأر والإنتقام، وتراكمات الماضي الثابتة في سلوكيات الكثيرين، وبعد عامين على إًصدار شهادة الوفاة المزورة لداعش، في وضع يرثى له، وأصعب وأعقد بكثير من كل التصريحات والبيانات التبسيطية للمحللين والسياسيين، وكل الدلالات تشير إلى أن داعش حي يرزق وفي طريقه إلى إدخال البلاد، مرة أخرى، في متاهات جديدة يحترق فيها وينشب النار في جسمه المتهالك.
 
 

95
زيارة بنس لأربيل والحديث الرومانسي عن السيادة
صبحي ساله يي
زيارة نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس الى إقليم كوردستان، في 23 تشرين الثاني 2019، ولقائه مع رئيسي الاقليم نيجيرفان بارزاني، والحكومة مسرور بارزاني، وتأكيد بنس أهمية التحالف بين واشنطن وإقليم كوردستان والعمل مع الكورد للوصول للسلام والرفاهية في المنطقة. وأشادته ببسالة البيشمركه، وتشديده على إن قوات بلاده باقية في سوريا والعراق لتعزيز الشراكة مع الحلفاء. وقوله لبارزاني: (فخامة الرئيس شكراً لكم على إعطائي هذه الفرصة، وسماحكم لي اليوم أن أكون هنا، ومن هنا استغل الفرصة لأبلغكم شكر الرئيس دونالد ترمب وشكر الولايات المتحدة الأمريكية، للشعب الكوردي). وقوله: (كما أؤكد على دور الكورد كحلفاء مهمين للولايات المتحدة في المنطقة). أصبحت محور حديث الإعلام العالمي ومحل اهتمام دولي، وعدم زيارته لبغداد، سواء بسبب التظاهرات التي تعمها، أو بسبب الفجوة الكبيرة في العلاقات بين العراق وأميركا والتي مازالت تتسع وتزداد، أو بسبب الكشف عن مئات التقارير الاستخباراتية الإيرانية المسرّبة التي تظهر عمق نفوذ طهران في العراق، أثارت جدلا واسعاً لدى سياسيين عراقيين أضاعوا الفرص، وشتتوا المجتمع ودمروا العلاقات الإنسانية والاجتماعية، ونشروا عدم الثقة بين الناس، وغيبوا القوانين وقواعد التعامل بين أفراد المجتمع، وغيبوا سلطة القانون واستبدلوها بالنفاق. ولدى نواب انقضى رصيدهم ورأسمالهم الذي كانوا يظنون أنه سيدوم إلى الأبد، وبكلماتهم الرومانسية، أخذوا يتحدثون بأصوات تضجّ بالنقد عن السيادة وإنتهاكها، دون أن يشعروا بأن السيادة العراقية مخترقة ومنتهكة منذ سنوات من قبل كل من هب ودب، ويسترسلون في الحديث والتنظير عن هذه الزيارة وأهدافها ونتائجها بصيغ جازمة.
بعيداً عن النصائح المجانية التي أطلقت، والتي تدعو الى عدم المجازفة والتعويل على أمريكا، وعدم الانجرار وراء توجهاتها وعدم الوثوق بوعودها وترتيباتها، وتكرر غدرها خلال السنوات الماضية، وعدم غفران ونسيان تعرض الكورد لخيانات متتالية من الصعب تجاوز مخلفاتها. وبعيداً عن حالات نفاق مزدوجي الشخصية في القول والفعل، الذين غاب عندهم قيم الصدق والأمانة واحترام الذات وعزة النفس، وكذلك الذين نجدهم في الكلام يخوضون في المثاليات والحكم والمواعظ ، ويظهرون غير ما يبطنون، وبالذات عندما يقفون أمام أبواب السفارة الأمريكية، أو باب البيت الأبيض الأمريكي وهم يكيلون لسيده التمجيد والمديح بالقنطار ويصفونه بصفات الإطراء والثناء، ظناً منهم أنه سيأخذ بيدهم إلى السمو والارتقاء.
وبعيداً عن الإنفعال والعاطفة نستقرىء تغريدة نيجيرفان بارزاني، كما نستقرىء تغريدة مايك بنس على موقع تويتر. حيث نجد فيهما ما يثبتان أن سياسة رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني ورؤيته الاستراتيجية الواعية في مواجهة التحديات لنصرة القضية الكوردية العادلة والمشروعة، تمثل امتداداً لسياسة الرئيس مسعود بارزاني، وجميعها تتمحور حول شحذ الهمم على المزيد من العمل، وضرورة تحمل المهام من أجل خدمة الكوردستانين وتلبية تطلعاتهم وطموحاتهم طبقاً لمقررات الشرعية الدولية متمثلة في لوائح حقوق الانسان، وتؤكد  المقدرة الفائقة على الإبحار وسط الأمواج التي تتلاطم في بحر المنطقة، وفي التعاطي بحرص وحكمة وتأني شديد مع المتغيرات، التي تشهدها المنطقة. كما نستطيع أن نتلمس فيها ركائز الثوابت  الكوردستانية والموقف حيال مختلف القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء، و تعزيز العلاقات الكوردستانية مع جميع الدول، وفي مقدمتها دول الجوار والدول الكبيرة ذات التأثير على القرار في المحافل الدولية. كما يمكن القول أن مايك بنس في زيارته لأربيل، رغم قصرها، قد وجه العديد من الرسائل الى مختلف الأطراف. أما قضية فهم محتواها، فإنها متروكة للذين تعنيهم تلك الرسائل، ومدى إستعداهم للفهم .
 


96
نستطيع أن نلقم المنفلتين بأحجار
صبحي ساله يي
 
الإفتراءات والتهم الباطلة والشتائم التي تنشر في بعض الصحف والمواقع الألكترونية، بحق الكورد وحكومتهم وأحزابهم السياسية ورموزهم الوطنية والقومية، من قبل ( بعض العرب )، أصحاب الأقلام الملوثة والعقليات المريضة،  وبالذات الذين يترعرعون كالقطعان في أحضان المخابرات الأجنبية، والمولودين والمتربين في الحقبة السوداء من تاريخ العراق، والذين يصطادون في مستنقعات التناحر والاحتراب الدائمين. تحولت للأسف من حالات فردية الى ظاهرة عنصرية، لايمكن السكوت عنها، يشترك فيها الكثير من المنفلتين الذين باعوا ضمائرهم وإختاروا العمى لكي لايشاهدوا مساوىء أهليهم، ولا يشمون عفونتهم ولايشعرون بنتانتهم، وخرقهم لأكثر من خمس وخمسين مادة من الدستور. ظاهرة تثبت أنهم يعيشون حقاً في عهد السمسرة الإعلامية الكارثية، ويعانون من الإسهال المادي الذي تغلغل في حياتهم وثقافتهم كتغلغل النار في الهشيم. وتؤكد أنهم أناس غير قابلين للإصلاح والتغيير، ولايمكن أن يشفوا من مرضهم، ويتخلصوا من عفونتهم لأنهم مدفوعين بخلفيات شوفينية وأحقاد متغلغلة في عظامهم، ويعانون من التفكك والتشرذم النفسي والفكري المؤمن بالانتقام والكراهية والتشفّي والخيانة وتأجيج المشاعر ضد كل ما هو كوردي وكوردستاني. ومولعون بالغوص في الفوضى والشقاق.
  وبما أن هؤلاء يصبون الزيت على النار، ولا يراعون التوقيت والظرف التاريخي وخطورة المتغيرات الدولية والإقليمية والفوضى واختلاف وتباين وكثرة اللاعبين في المنطقة، وتشابك المخاطر والمصالح وإزدواجية المواقف السلبية والمريبة، وتضارب الأهداف وتقاطع السياسات في التعاطي مع الأزمات التي تواجهها بغداد، والتي، بالتأكيد، ليست هينة أو يسيرة، ولا يجيدون إستقراء وتحليل الموقف الإقليمي والأمريكي الإنتقائيين والإزدواجيين تجاه العراق والعراقيين. 
وبما أن الدعوة إلى التهدئة وتحكيم العقل، أصبحت الوسيلة غير المجدية في هذا الزمن، فإننا نقول للطبالين والمزمرين الذين لانريد ذكر أسمائهم، ولكنهم يعرفون أنفسهم جيداً :
في كوردستان إمكانيات وطاقات مختلفة ومتعددة، وعندنا بنات و أبناء يتقنون قراءة الأهداف السياسية ووصف النوايا والغايات الصبيانية والعدوانية، ويعرفون إستعمال الحاسوب بمهارة عالية، ويستطيعون (لو أرادوا) نشر السباب والشتائم الى مدى يتجاوز سقف التوقعات، والإقتراب من ذات الكلمات الموجهة ضدهم وضد حكومتهم وأحزابهم ورموزهم القومية والوطنية، وإستحضار أسرار استغلال الصحف والمواقع الالكترونية في خدمة الأحقاد والأهداف المذهبية والطائفية والقومية الشوفينية. وتوجيهها ضد غيرهم ، ولكنهم لا يريدون ان يعدموا خياراتهم من خلال الزج في مشروع ذرائعي يلبي رغبات وقتية عابرة، ولا يريدون سلك طريق الثأر أو تعقب خط الانتقام، أو إستغلال العقيدة والإنتماء لأهداف قومية وسياسية. لأنهم لو أردوا خلاف ما أقول، ولو حاولوا الرد على ما قيل ضدهم، فمن السهل جداً أن يضعوا على الطاولة، دون إضافة أو تحوير أو تبديل حقائق الأمور وخفاياها، وما يقوله بعض العرب بإستخفاف وتحقير بحق البعض الآخر من العرب أيضاً. ومن السهل أيضاً أن نلقمهم بأحجار كلما شتموا، حتى لو أصبح مثقال الحجر بدينار.
وأخيراً نقول لهم ولغيرهم بصراحة متناهية :
جذوة الاستفتاء مازالت متقدة، ولا تنطفىء إلا في حال النظر الى المستقبل بعقلانية راسخة ونيات صادقة، وتوصل الشعب الكوردستاني الى قناعة ذاتية بأن بقاءه مع العراق مجدية أكثر من إستقلاله. وهذه القناعة لاتتجسد الا في حال تعميق القدرة على إدارة الاستقرار والتحكم الناجح في مسؤولية الحفاظ على الأمن المجتمعي، وتجسيد التفاهم العقلاني المبني على أسس المواطنة الحقيقية المبنية على الإحترام الحرية والسلام والتعايش والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والمصالحة العامة المشتركة الإحترام المتبادل. وهذه الأمور لايمكن ان تتحقق في عراق تسيطر عليه العقلية المستندة على السياسات الطائفية والعرقية والدينية المذهبية والعنصرية.
 


97
تعديل الدستور العراقي... خدعة وتضييع للوقت
صبحي ساله يي
يتفق الكثيرون على أن الحراك الجماهيري الحالي في العراق، نتيجة حتمية لفقدان الثقة بين العراقيين وإهمال الدستور وتراكم الفشل خلال السنوات الماضية. ويتفقون على أن رفع مناسيب التصعيد وإشعال فتيل التوترات في الحراك الحالي الذي لا يخضع لقيادة معلومة، سيؤدي الى ولادة أزمات كبيرة وجديدة. خاصة وأن المتظاهرين يختلفون في رفع الشعارات التي تتراوح بين الحق والباطل، والمشروع وغيره، والممكن والمستحيل.
حاول الكثيرون إيجاد موطئ قدم في خارطة الحراك وملء فراغ قيادة التظاهرات، وركوب موجتها، والتموضع فيها، وتحريف مسارها، ولكن مشاعر الذين يشعرون بالتهميش، إضافة إلى النقمة على الفساد المستشري وعجز الحكومة في بغداد وكذلك الحكومات المحلية في وسط وجنوب العراق عن تقديم أبسط الخدمات. بقيت حاضرة عند الذين أنهكتهم التصدعات والصراعات والفساد، وأجمعتهم على رفض الوعود والتطمينات والدعوات والبيانات والمبادرات والتصريحات التكتيكية التي حاولت إخفاء الحقائق وإختزال مطالبهم في إستقالة عادل عبد المهدي أوسحب الثقة منه. خاصة وأن الجميع على يقين بأن عبد المهدي رجل لا يتشبث بالكرسي على حساب شعبه، وجاد في تضميد الجراح، والبحث عن الحلول الناجعة لأوضاع العراق الذي نخره فساد الذين سبقوه في الحكم، ويتألم ويتأذى مما يشهده الشارع العراقي من إراقة للدماء، وزيادة في اعداد الشهداء والجرحى، وتوسع هوة الانقسامات التي تنذر بالمزيد من التصعيد والصدام.
هذا الرفض، يهدد بزلزال يحول الشروخ الى إنشقاقات تربك الذين حاولوا ويحاولون ترسيخ حكم الطائفة والمذهب، وربما تلحق بهم هزائم مذلة تكسرهم وتبعدهم عن المشهد السياسي. ووضع الجميع في وضع يصعب فيه التكهن بمآلات المستقبل. كما دفع الخلافات القديمة الى السطح، وإنقسم المنقسمين الذين ثبت فشلهم وفسادهم فيما بينهم بين مؤيدين للتظاهرات في العلن ومعارضين لها في الخفاء، وفي إعلان المواقف، وفي وصف البعض من المتظاهرين بالمندسين والمحرضين على العنف. كما شتت الناطقين بإسم الأحزاب السياسية والبرلمان والحكومة ووزارات الداخلية والدفاع، وأصاب أصحاب الوجوه المكروهة بالخوف والتخوف وجنون الإرتعاب والإرتياب.
الذين إستهوتهم أحلامهم المريضة، وارتضوا والخنوع والارتماء والارتهان في أحضان الكراسي المكسورة المتهرئة وجاء بهم الاقدار في غفلة من الزمان، فكروا ملياً في حسابات تنقذهم وتنتشل واقعهم من المصير المأساوي المرير الذي ينتظرهم في مزابل التاريخ، وفي فرصة للبقاء والنجاة، واحتواء الاحتجاجات والتهرب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة وتهدئة المحتجين بأي ثمن، وبعد عدد من الاجتماعات، إصطفوا وراء خدعة الترويج لتعديل الدستور بهدف تخديع المحتجين وتضييع الوقت من جهة، وإحياء المشروع الشوفيني المعادي للكورد وحقوقهم من جهة أخرى. ويعتبرونه استراتيجية طويلة المدى تضمن لهم البقاء، لأنها لاتكتمل، وترسم خارطة طريق للدوران في دائرة مغلقة لتضييع الوقت وتسويف المطالب المشروعة، والإستمرار لأطول فترة ممكنة للتحكم بمصير العراقيين. 
الواهمون يعرفون أن لجنة التعديلات الدستورية ستدخل في حوارات بيزنطية لا نهاية لها، وتضيع بين دهاليز مراجعة الدستور، والمواد التي تستدعي التعديل، والبحث عن تغيير المرتكزات السياسية في العراق تحت الأطر الديمقراطية، والمشاورات القانونية وآراء أساتذة الجامعات والمختصين في القانون الدولي والدعم الفني من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وتدخلات إيران وأمريكا. وإن إكتملت ( بعد أشهر وربما سنة أو سنوات عدة) حسب أهواء ورغبات معينة بعيداً عن التوافق ومبدأ التوازن بين المكونات العراقية، ستطرح للاستفتاء من قبل العراقيين.
وفي الإستفتاء، إن لم يطمئن العرب السنة أو الكورد على أن لهم فيه مستقبلا يمكن ان يركنوا اليه، تتدنى عندهم مستويات التفاؤل والأمل، وتضيق بهم سبل الحياة، وستدفعهم غيرتهم الوطنية والشعور العالي بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية، الى الوقوف ضد التعديل، خاصة وفي الدستور مواد وفقرات تضمن لهم حق الرفض. وهذا يعني، في النهاية تفسير الماء بالماء وتحقيق مآرب الفاسدين، وتخطيهم المرحلة بأمان، كما سيجدون في الرفض سفينة للنجاة والخروج من الأزمة بفوائد شخصية وحزبية جديدة.
 
 
 

98
الفشل يغلف المشهد العراقي
صبحي ساله يي
تحرير العراق من قبل الأمريكان، أو إحتلاله (كما يحلو للبعض)، مثل نقلة نوعية وتحولاً نادراً في سجل العراق الجديد، وأنهى عهداً إستمر لفترة طويلة من الزمن.
الكورد تنازلوا عن كيانهم الذي كان مستقلاً بشكل كامل عن بغداد (منذ 1991)، وشاركوا بفاعلية في كتابة الدستور العراقي الجديد، والإستفتاء حوله، وشاركوا في الإنتخابات البرلمانية، وإعتبروها أحداثاً ديمقراطية فريدة من نوعها على مستوى العراق والمنطقة. ولكنهم إصطدموا  بعقد جديدة عدة أضيفت الى العلاقة بينهم وبين غيرهم، وبالذات عندما تأسست المعادلة السياسية المذهلة التي عملت في سبيل إستمرار الشروخ على حالها دون أن تتخذ خطوة واحدة لردمها، وتحويل السؤال عن الممكنات أو ما ينبغي تعلمه، إلى صدمات مضاعفة تنتج الكآبة والازدراء والتردي والترهل والفشل المستمر في الكثير من الأمور. وعندما لمسوا إيقاظ الخرافة والاهتراء والجهل وإغراق سفينة العراق في بحر المفاجآت غير المتوقعة والصادمة، تبين لهم أنهم حاولوا بناء القصور على رمال متحركة. ونتيجة لإنتهاك حقوقهم وإستفزازهم المستمرين إندفعوا نحو تبنى خيار الإستفتاء، وصوت 92% منهم لصالح الإستقلال عن العراق.   
التحرير، أو الإحتلال، أو التغيير، أزاح (السنة) المتربعين على العرش ومركز القرار السياسي وهزمهم. ولأنهم تجاهلوا اللعبة وصرخات محبيهم، وضعوا أنفسهم في زاوية ضيقة، ودون أن يعيدوا فيها حساباتهم، أخذوا يفكرون في إعادة عجلة الزمن إلى الوراء. وبعدما أضاعوا كل فرصهم، تباعاً، في المشاركة والحضور في المعادلة الجديدة، ولم يبق لهم شيء، أخذوا يتباكون على مجد ونفوذ  فقدوه. وأتهم بعضهم بالإرهاب زوراً، وإرتمى بعضهم في حضن الإرهاب حقيقة، وساهم البعض الآخر في فتح الأبواب والنوافذ التي هبت منها العواصف السياسية والأمنية الكثيرة، والبقية الباقية (الكثيرة) إكتوت، دون حق، بنار الإرهاب وأسبابه ومآلاته ونتائجه، وحل بهم الدمار والنزوح والتهميش وانعدام الحياة الكريمة وعدم الشعور بسقف حام للوطن، وأصبح عندهم الحديث عن الأمل والإنفراج درباً من الخيال. وفي المعترك السياسي تغيرت التقاليد السائدة وغالبية التصورات والتحركات، والشارع السياسي إستنفر طاقاته وقدراته لنبذ ونسيان الكثيرين منهم، وقطع الصلة معهم.
كما جاء ( الإحتلال) بأناس (من الشيعة) بعضهم معروفين من قبل المعارضين، وآخرين لم يعرفهم أحد من قبل، ومنحهم الشرعية ليجنوا الثمار ويمسكوا زمام السلطات. فنادوا بالشراكة بين المكونات، وبديمقراطية يحسم فيها الشعب إرادته، ولكنهم عندما إبتلعوا سم السلطة، أصيبوا بالإغراء والغرور، فنادوا بالموت من أجل المذهب وإعتبروه الحقيقة الناجزة التي لا يمكن التراجع عنها. وإنشغلوا بالرهانات والصراعات الحزبية والطائفية والقومية، وبتحريك دواليب الحكم بالإتجاه المعاكس من أجل الهيمنة على القرار السياسي والاستيلاء المطلق على السلطة.  تجاهلوا القواسم المشتركة الكثيرة والمتشعبة بين العراقيين، والرياح الخارجية التي تتقاذفهم وتتقاذف وطنهم. أما لاعبوهم الأساسيون فقد سعوا الى ترسيخ كل الصور التي تستفز الكورد والعرب السنة وشرائح واسعة من الشيعة أيضاً، معتقدين أن استمرار التوتر يمثل الركيزة الأساسية للبقاء في السلطة ومنع تسليمها الى الآخر. تعثروا وعطلوا إرادة الشعب ولم يقبلوا بخيارته واسترداد عافيته، فإستنزفوا الواردات الخيالية وخزائن الحكومة دون أن يقودوا أي عملية إعمار أوتنمية إقتصادية تستوعب العاطلين والمهمشين، ودون أن يضمنوا الأمن والسلم الاجتماعيين.
أما ( الشارع السياسي) الذي منحهم الكثير من المهل الزمنية لترتيب أوضاعهم، فقد إنبرى ليكشف إلتفافاتهم وتزويراتهم وعوراتهم وانكساراتهم المتنوعة، ونظرياتهم الوهمية والخرافية غير القابلة للتطبيق. وبعدما وصل العراق الى أحرج مراحله، تم تسليم الحكم الى السيد عادل عبد المهدي، وهو بدوره بعث مجموعة من الرسائل والأدلة السياسية والإشارات الكفيلة التي تعبر عن النوايا الحسنة، وتعزز التجاوب الفعلي مع المساعي الرامية الى فتح الباب على مصراعيه لتجاوز العقبات التي منعت تنفيذ الدستور، والتوصل إلى معالجة غالبية مشكلات العراقيين.
ولكن، بدلاً عن عقد العزم على تحديد الأولويات على أساس جملة من المصالح المشتركة بين المكونات، والنظر الى الأمام، وطي الصفحات السابقة الملتبسة والقاتمة التي وقفت حائلا أمام التفاهم بشأن الملفات الخلافية. إستثمر أصحاب المواقف المغرضة في مشاريع منع الاستقرار، وإستمر الفشل يغلف المشهد العراقي برمته. ومازال العراقيون مضطرون للشعور بالتوتر والإرتباك،  والقلق على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
 

99
العلة فيكم وليست في الدستور
صبحي ساله يي
في خضم التطورات المتلاحقة، وفي تناغم واضح مع الأهداف والمآرب الشخصية والمذهبية والطائفية، يطلق الراغبون في ركوب موجة التظاهرات والإحتجاجات الشعبية في العراق، المبادرات والدعوات التي تتشابه من حيث المعنى والمضمون والأهداف والدوافع. وتحت عنوان التصدي للفوضى والعدوان والمؤامرة الخارجية وفرض الأمن والوقوف ضد الفتنة، يصفون المتظاهرين (الشيعة) مرة بالعملاء ومرة أخرى بالجهلاء. بينما يتفادون الإشارة الى الآفات والأزمات، وكشف الحقائق والوقائع بوضوح للرأي العام، وتوجيه الأصابع الى الجهات التي أوصلت البلاد الى حافة الإنهيار.
ويروج البعض الى تعديل الدستور وتغيير منظومة الحكم في البلاد، وكأن الدستور ونظام الحكم عاثا في الارض فساداً، والحقا الأذى بالحرث والنسل، وهؤلاء: إما لهم دوافع طائفية ومذهبية ويردون حكم الأكثرية وهضم حقوق بقية المكونات، وزيادة تأزيم الأوضاع في البلاد، وتقويض الديمقراطية والفدرالية. أو يريدون تصفية حساباتهم مع خصومهم السياسيين. أو احتواء الغضب المتصاعد في الشارع العراقي وقلب الطاولة على الحراك الشعبي، عبر إقحام الدستور في الأحداث، وإختزال مطالب المتظاهرين في تعديله، وبالتالي الدعوة الى الحق بهدف باطل.
هؤلاء وغيرهم، على يقين تام بأن علل العراق وأزماته تتخلص، بدون تردد أو مواربة، في إهمال الدستور الذي يتقدم على كل دساتير دول الجوار والمنطقة، ولا نجافي الحقيقة إنه ( رغم بعض الملاحظات على بعض بنوده) يضاهي أرقى دساتير العالم. والسؤال الأكبر الذي من الضروري توجيهه للذين يصدقون الأكاذيب واشتباكاتها ويكذبون الحقائق وصراعاتها والظروف وملابساتها، هو :
ماذا جنى الشيعة، الذين يدفعون فاتورة شيعيتهم، من حكوماتكم الشيعية؟
بعد إسقاط صدام، وصل الكثير من سياسيي الشيعة الى مواقع المسؤولية، والمناصب الحساسة في الحكومة، ولكنهم بدلاً من التحرك على الساحة السياسية لخدمة مكونهم وبقية المكونات العراقية، باتوا بارعين في الحيل، وخداع البسطاء من الناس، وربطهم بدوامة الخضوع لإرادتهم بأسم الله والدين والمذهب، وفشلوا في إقرار الأمن والسلام بما يكفل للمواطن حريته في النوم الهادىء في داره، وسيره في الشارع دون توجس، وفي عمله دون وجل. كما إستولوا على المال والسلاح، وحولوا مع المحيطين بهم طوال السنوات العجاف، محنة الشيعة الى مكاسب ذاتية وحزبية، والى منح مالية ومادية لأقاربهم وأتباعهم ومؤيديهم، وفي عهدهم تم إستغلال المناصب للفساد والافساد والنهب والاثراء غير المشروع، والترهيب والكذب والتبجح.
في المناطق الشيعية الواسعة التي كانت محرومة من كل شىء، لم يتم تشييد البنى التحتية الارتكازية، كالطرق والجسور، ومحطات توليد الطاقة، كما تم تعطيل المصانع التي كانت تعمل.
وعلى مدى السنوات العجاف من حكم نوري المالكي وحيدر العبادي عاش الكثير من المواطنون الشرفاء في جنوب العراق الزاخر بالخيرات، على ضوء الفوانيس، عاطلين عن العمل، وهم يواجهون البرد والحر دون ساعة راحة مع شبح الجوع والعوز والحاجة والبؤس، محرومين من السكن الصالح الذي يليق بإنسانية الإنسان، ويشربون المياه المالحة وغير الصافية. ومحرومين من البيئة النظيفة الخالية من المستنقعات، والحفر، والمطبات، والبعوض والذباب، والإمراض، وما زال الكثير منهم يعيش في مساكن من الطين والبردي والقصب أو من الصفائح، وحتى الذين يعيشون في المدن والقرى المهملة غالبيتهم يعانون من الأتربة والغبار ومن مصاعب العيش في الازقة المملوءة بالعفونة والمياه الآسنة.
الاطفال والمعلمون والمدرسون لم يشاهدوا مدارس عصرية تتوفر فيها الإنارة والتدفئة والتكييف، والمناهج الجديدة أو طرق التدريس الحديثة.
المشافي والمستوصفات القليلة عانت من قلة الأطباء وشحة الأدوية اللازمة والكلاب والقطط السائبة والصراصير والفئران والأجهزة القديمة العاطلة، وكانت النظافة فيها رجساً من عمل الشيطان.
أما الفلاح فقد حرم من المكننة الزراعية والبذور المحسنة والاسمدة الكيمياوية، وعانى من الآفات وهدم الترع وإنسداد المبازل.
 وأخيراً نقول: في غمرة الأحداث التي نشهدها، تستحضر الذاكرة العطاء الثر والتضحيات الكبيرة والمواقف الوطنية التي قدمها الشيعة عبر مسيرتهم الطويلة على طريق الحرية والعدالة ومقارعة الظلم. ولا نعتقد إنهم سينخدعون مرة أخرى بأكاذيب وإفتراءات بعض السياسيين، وبالذات الذين يعلقون فشلهم الذريع على شماعة الدستور .


100
العبادي ورقصة الديك المذبوح
صبحي ساله يي
يسهل لكل من يراقب الأحداث في العراق، أن يفهم ويفسر لماذا مازال حيدر العبادي يحلم بأن يعود الى السلطة التي الهمته الغرور والتهور والعنجهية والتعالي. ولكن القليلون يعرفون لماذا يلهث وراء الأوهام وأسبابه، ويصر على التغطية على فشله الذريع بالتفصيل الممل، ويتملص من المسؤولية ويدحض الحقائق، ويحاول أن يكون سيئاً في أقواله وتصريحاته التي تنطوي على الريبة والشك والحقد الأعمى تجاه أناس يظن إنهم كانوا السبب للأطاحة به، ووراء حرمانه من الولاية الثانية وسد الطريق أمامه ودفعه نحو التقهقر والجلوس في مهب الريح.
هذا الرجل المستعد لتقديم كل أنواع التنازلات من أجل الوصول الى هدفه، والذي لم يتعلم أي درس من الذين سبقوه، ومن تخلي الجميع عنهم، مازال يهدد ويمارس الابتزاز ولا يتردد في التذكير في كل مناسبة بأنه كافح الفساد وحرر الأرض ونفذ القانون والدستور. وينسى أو يتناسى أن في عهده السىء الصيت، أكمل داعش السيطرة على ثلث العراق عندما  إجتاح الأنبار والكثير من المناطق القريبة من بغداد، ووينسى وقوف عشرات الآلاف من العرب السنة من أهالي المناطق الغربية على الطرف الآخر لجسر بزيبز ولم يسمح لهم بدخول بغداد. ويتناسى معاناة أبناء المحافظات الجنوبية، وبالذات البصرة الفيحاء، من العطش وإنعدام الكهرباء والخدمات الصحية والتربوية، وتفاقم وإنتشار الفساد، ويتجاهل كيف وجه ضربة قاصمة للإقتصاد العراقي عندما مد يده الى الإحتياطي النقدي العراقي، وكيف وضع الجميع على حافة الهاوية عندما حاول إشعال الحرب القومية بين العرب والكورد، وإرتكب الكثير من الجرائم بحق المدنيين الآمنين في طوز وكركوك وشنكال، ودمر الموصل.
في قراءة خاطئة للإحتجاجات الشعبية التي وصفت من قبل الجميع، بأنها دستورية وقانونية، أعطي العبادي إشارات متناقضة أشعلت الحرائق في جميع أوراقه، فقد رحب أولاً بالحراك الشعبي ووصفه بالخطوة الإيجابية، وأيّد مطالب المتظاهرين وجدد إنتقاده للحكومة والعملية السياسية برمتها، وعاد ليؤيد الانتهاكات ضد المحتجين ووصف الإحتجاجات بالفوضى الذي يجب التصدي له بقوة وحزم. وأيّد رجال الأمن، وكذلك الهجوم والتجاوز عليهم. والأنكى من ذلك فأن جنونه الاستعراضي قاده أخيرا إلى الدعوة المبهمة لإستقالة الحكومة العراقية الحالية، ظناً منه بأنه سيكون البديل عن عادل عبد المهدي في رئاسة الحكومة. ولايعرف أن الهزيمة التي لحقت به في الإنتخابات السابقة، وهو في السلطة، والتي هزت صورته وأضعفت شعبيته، ستلاحقه هذه المرة، فيما لو تمسك بعناده، ولو إستمر على هذا المسار الخطير والمدمر، وستخرجه من المشهد السياسي نهائياً، وتسلمه الى القضاء لينال جزائه. ولايعلم أن الذين يستند عليهم في حياته السياسية، والذين أوقعوه في الفخ، سيتبرؤون منه في حال إعطاء الضوء الأخضر لهيئات الرقابة والمساءلة والنزاهة وحقوق الإنسان للقيام بدورها الحقيقي في العراق.
على العموم يمكن القول أن العبادي الذي أكمل مشوار سلفه في صنع الخراب ونشر الفوضى والتخلف ومظاهر الفساد في البلاد، بأنفاسه المتعبة ونرجسيته، ولم يعد يمثل شيئا بالنسبة للشيعة أو السنة أو الكورد، لأنه لايستطيع أن يقارع خصومه ببضع أوراق مهترئة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولأن كل الموازين إنقلبت ضده، وما يفعله ويقوله تشبه رقصة الديك المذبوح، ولأن السياسة التي كان يتغنى بها انتهت، وأن سفينته، وفق الوقائع الموضوعية، بدأت تغرق.
 

101
إكتوبر، والثلاثي الأمريكي الأحمق
صبحي ساله يي
بعد الإستفتاء الشعبي في 25/ أيلول/ 2017، الذي قرر فيه الكوردستانيون بإرادتهم الإنطلاق نحو الإنعتاق والاستقلال والتخلص من وصاية الآخرين. وبعد فرض الحصار والحزمة الأشد من العقوبات الاقتصاديّة من قبل بغداد وطهران على كوردستان، إضافة الى التهديدات التركية المستمرة بغلق الحدود.  كان الكورد والعراقيين والإيرانيين والأمريكيين، على يقينٍ تام بأنّ حيدر العبادي الذي تحمّل خلال سنوات حكمه الإهانات المتتالية والمختلفة، سعياً لنصر مزعوم وعلى أمل الخروج من أزماته، أجبن من أن يشن هجوماً عسكريا ضد قوات البيشمركه في كركوك وغيرها من المناطق التي كانت تتواجد فيها، سواءً لإفشال الإستفتاء أو للانتقام من قائد الإستفتاء.
العراقيون المحرضين للعبادي كانوا يعيشون بين حالات من الفوضى والخوف من الاختفاء من المشهد السياسي، وخيارات الهروب الى الخارج أو القبول بالإقامة في الزنازين. لذلك فكروا بخباثة وبحثوا عن طريقة مبتكرة وجديدة لتحميهم ولو الى حين، ولتعميق أقصى الألم بين الكورد والعرب.
الإيرانيون شعروا إنه بإلسيطرة كركوك، سيكونون في موقفٍ قوي يؤهلهم لفرض شروطهم وإرادتهم على الكورد، وعلى رأسِهم الرئيس مسعود بارزاني وحزبه، وسيشلون حركتهم في الإقليم والعراق وسيضمنون طريقاً للوصول الى الشام، وتدفّقا سهلاً للنفط من كركوك الى بلادهم.
والثلاثي الأمريكي الأحمق، تلرسون -- وزير خارجية أمريكا، وسيليمان-- سفير واشنطن في بغداد، وماككورك -- ممثل ترامب في التحالف الدولي للحرب ضد داعش، باتوا متأكدين من أن العبادي الضعيف يواجه أزمات متفاقمة قد تؤدّي إلى عزله، وحتى ان لم يكن ذلك الاحتمال ممكنا، فإنهم كانوا متيقنين من أن فرصه في الفوز بولاية ثانية تراجعت لأسباب كثيرة، أبرزها، هيمنة الاستراتيجية العسكرية والسياسية لحلفاء إيران على الأوضاع في العراق، ومؤشرات التراجع الأمني والخدماتي والاقتصادي، وإساءة استخدام السلطة، ومحاولة اللجوء إلى طرق المالكي المتخلفة في إدارة البلاد. وكانوا على يقين أيضاً بأن الرياح لا تسير كما يشتهون، ولا ينجحون في الوصول إلى النتائج التي يرجونها، وقد يفتح عليهم أبواب الجحيم. مع ذلك لم يتورّعوا عن محاولة صناعة بطل من الورق، وإعتقدوا أن النيل من الكورد سيقوي موقع وموقف تابعهم الذليل العبادي، ويكسر الحصار المفروض عليه وينهون عزلته، بل سيوصلونه الى الولاية الثانية دون أي عقبات.
الأمريكان خدعوا الكورد في ليلة السيطرة على كركوك، وتعمّدوا رش الملح على الجراح، وفاجأوا الجميع بالصمت والسكوت تجاه العمليات العسكرية ضد الكورد، سكوت بمعني القبول. ومن الغريب أنهم لم ينفوا المعلومات التي تحدثت عن موافقة أمريكا على السيطرة على كركوك، أما الانقلاب والتراجع الكبيرين في المواقف، فيمكن فهمهما من خلال النظر إلى التطوّرات اللاحقة.  وحتى تبريراتهم تناقضت كلياً مع امكانياتهم العسكرية الهائلة وراداراتها الحديثة وأقمارهم الصناعية ورصدها لتحركات الجيش والميليشيات وهي تمارس الإعتداءات المختلفة في طوز خورماتو وتقترب من كركوك. كما كان الهدف الآخر لأمريكا من السماح بالاعتداء على  الكورد، هو دفعهم إلى الدخول في حرب غير محسوبة مع إيران، قد تبدأ ليتم إضعافهما، واستنزاف مقدراتهما، وتدمير اقتصاديهما، ولا أحد يعرف متى تنتهي.
قال الرئيس مسعود بارزاني في إجتماع حضره، كاتب المقال، مع عدد من الصحفيين والإعلاميين:
في اليوم التالي للسيطرة على كركوك، إتصل بمكتبنا، سفير أمريكا في بغداد، وقال: (إبلغوا البارزاني بأن يعيد حساباته، فاليوم يوم آخر ويختلف كثيراً عن الأمس). وقال الرئيس: طلبت من المكتب تأجيل الرد عليه.
الرئيس بارزاني الذي يعلم ويدرك أن العالم يحترم القوي الذي يحافظ على كرامة شعبه وعزّة بلده. رفض الخضوع للابتزاز، والرضوخ للشروط الأمريكية والإيرانية والعراقية كلها، وإعتمد على شعبه وقوّة وإرادة البيشمركه في الدفاع عن سيادة الإقليم، وتبنّى المبادئ والقيم البارزانية المدعومة بالإيمان وانفس الطّويل. واجه الأزمات المتفاقمة، وقوات البيشمركه دمرت وأحرقت بإرادتها في (بردي—ألتون كوبري) دبابة أبرامز الشهيرة، والتي يقال عنها، إنها عصية على التدمير. وقال الرئيس بارزاني، للحاضرين : طلبت حينها من المكتب، الإتصال بالسفير الأمريكي ليقولوا له : حقاً إنه يوم آخر ومختلف، تعالوا وخذوا أبرامزكم المحترق.
ومضت الأيام الصعبة، وعزل الوزير تيلرسون من منصبه، وكذلك السفير سيليمان، أما ماككورك فقد قال عنه ترامب، إنه لايعرفه .
 


102
فوضى السياسة وسياسة الفوضى في العراق
صبحي ساله يي
  للفوضى مرتكز أساسي للهدم، ولإعاقة عمل القوانين النافذة، وتخريب العلاقة بين السلطات والمواطنين، وهضم الحقوق والحريات العامة والخاصة، وخلط الأوراق. والعراق الذي جرب الملكية والجمهورية بأنواع مختلفة، والذي مازال يمر في مرحلة انتقالية غير معلومة الملامح، أصبح أرضاً خصبة لاستنبات الفوضى المذهلة، خاصة وأنه يمرهذه الأيام بمخاض عسير، ويواجه تحديات داخلية وخارجية وعقبات وعراقيل تهدد مستقبله.
  هذه الفوضى، التي تعيد إلى الأذهان كل التجارب الفاشلة الممتدة منذ تشكيل أول حكومة  عراقية سنة 1921 وإخفاقاتها المستمرة، ما كانت تترسخ جذورها بدون وجود البيئة الملائمة، ومن غير وجود الفوضوي المبادر والفعال، والمشاركة بفاعلية في صياغة سياسة الفوضى لضمان بقائه وحماية خياراته. وماكانت هذه الفوضى تنتشر، كالنار في الهشيم، لولا فوضى السياسة التي تعم العراق، والتي إستنفذت الكثير من الطاقات، وأوصلت الكثيرين الى مواقع لا يستحقونها، كما أوصلت آخرين الى قناعات بأن الأوضاع لم تعد تحتمل، وأن خياراتهم تتنقل بين  المر والأمر.
  الخشية لدى العراقيين مسوَّغة، وإثارة الرأي العام النخبوي والشعبي لتكون لها مواقف جدية، تجاه المعاندين السياسيين، ولفت الانتباه الى الأخطار عبر آليات عملية جوهرية ومترابطة ومستديمة تهدف الى تجنيب البلاد والعباد الكوارث والمأساة ، واجب إنساني وديني، قبل أن يكون وطني أو سياسي. وأمر في غاية الأهمية لصناع القرار والقوى والأحزاب التي تعلن انها تريد البحث عن مسارات تجذر المواطنة الفعالة، وتبني الديمقراطية في الإطار الدستوري والمؤسساتي.
  في سياق الترابط المصيري الوثيق بين سياسة الفوضى وفوضى السياسة، سنكون مضطرين الى تحديد ماهية الفوضى وعلاقتها بالسياسة.
  الفوضى في منهج التحليل الوصفي، فلسفة وآليات عمل سلبية عميقة لنشر الخداع والانحراف والفساد المالي والإداري، والتشكيك في النوايا أو التخوين أو الاتهام بالعمالة أو ما شابه ذلك من المواقف، وعرقلة محاسبة المقصرين في الأداء، والمتجاوزين على المال العام والحقوق الخاصة، وتهديد الإستقرار، ومنع تنفيذ القواعد والأحكام بصورة مباشرة وغير مباشرة. وتكون، في العادة، مقرونة بإذلال المواطن وإخضاعه لإطاعة جميع الأوامر، حتى لو كانت جائرة، والتمرد على أخرى وإن كانت مناسبة مع مقتضيات مطالبه وحاجاته، أو حتى شعوره وعاطفته.
  أما السياسة التي تعرف بفن الممكنات، والفكرة القائمة على الأساس الإجتماعي والتضامني بين الناس بإرادة حرة واعية، ومافيها من مفردات جميلة وزاهية. فلا تنضج ولا تستقيم إن أحتضنت في وعاء بعيد عن الجرأة والوضوح والإدراك والإنسجام، وعن طرح المطالب وفقا للحقوق الأصيلة في الاختيار. وإن لم تفلح في إبقاء المنافسة والخلافات والنقد السياسي في دائرة السجال السلمي والاحترام المتبادل بين السياسيين والقوى السياسية والمكونات القومية والدينية على قاعدة المشاركة والحرية وتقبل الرأي والرأي الآخر .
في ظل تصاعد الفوضى وإحتدامها، ومالها من إنعكاسات في العراق، يمكن استخلاص قاعدة مشتركة بين فوضى السياسة وسياسة الفوضى المنتشرتان اللتان تحاولان عبر توظيف الشعارات الإعلامية والسياسية، فرض الأوامرعلى المواطنين وتقييدهم، وجعلهم مجرد رعايا وأتباع مطيعين خاضعين يعلنون السمع والطاعة عند الخير والشر. ويمكن القول إنهما تخطيتا المرحلة التحضيرية الواسعة، ومرحلة اتخاذ القرار الشامل، ووصلتا الى مرحلة النضج والممارسة والتحول وانتظار النتائج التي تمنحهما، فرصة أخرى كافية للإستمرار والتمدد.


103
لذكرى الإستفتاء، عبق وشذى
صبحي ساله يي
عندما أبحرَ الكوردستانيون الأوفياء في يوم الإستفتاء نحو الاتجاه الصحيح المتوقع، وممارسة حقهم الطبيعي عبرعملية ديمقراطية، لتهيئة أسباب الحضارة، وغرس شجرة للولاء ليتفيؤا في ظلها ويحصدوا ثمارها، ويشعلوا الضوء الذي ينير أرجاء وطنهم الشامخ، ويحولوا حلمهم التاريخي الى حقيقة تنعم بالأمن والأمان، وعندما صوت 93% منهم لصالح الرغبة الحقيقية في الإستقلال. زلزلوا الأرض تحت أقدام المخالفين الصريحين للدستور العراقي والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، وسطروا بالاصرار والعزيمة الصادقة والايمان، أسطورة وملحمة وطنية نادرة تحمل بين طياتها أروع صفات الصدق وعمق التلاحم الصميمي بينهم وبين قيادتهم التي قلما شهد التاريخ الإنساني مثيل لها. وأثبتوا أنهم أصحاب صوت هادر يهز عروش الذين يحاولون إقامة الحواجز بينهم، وإنهم أقوياء وقادرين متمرسين على صدّ الهجمات التي تسعى للنيل من كوردستان، وإنهم قادرين على الإتفاق وقول الحق وإتباع سبيل تحدى الصعاب وحماية مكتسبات ثورتي أيلول وكولان وإنتفاضة آذار، وتسخير تلك المكتسبات في سبيل تهيئة مناخ سياسي مشبع بالعطاء والعزة والشموخ .
قبل الإستفتاء، خطط الأعداء التقليديين للكورد، لتمرير مشاريعهم ومعتقداتهم الفردية والجماعية، وزوروا الحقائق في سبيل خرق الدستور وكسر جدار التفاف الشعب الكوردستاني الأبي حول قيادته وبالذات الرئيس مسعود بارزاني الذي حمل بنفسه لواء الاستفتاء، وبدأوا أولاً، بخطوة الدعوة الى إلغاء أو تأجيل الإستفتاء وتذويبه، ففشلوا. ثم حاولوا شخصنة الإستفتاء وراهنوا على كسبها، فخسروا، وبعدها هددوا بالمقاطعة والحصار وفرضوهما، ولكنهم خابوا كما خاب الذين أنفلوا الكورد وقطعوا الموازنة السنوية للإقليم وحولوا وجهة داعش نحو كوردستان وحاربوا البيشمركه وضغطوا على الشركات النفطية والقنصليات الأجنبية للانسحاب من كوردستان.
للأسف كان في كوردستان، في تلك الأيام العظيمة، مجموعة معروفة لكل ذي بصيرة، مرتبكة سياسياً، سعت إلى شق وحدة الكورد والحركة الوطنية الكوردستانية، وممارسة الابتزاز من خلال الهلوسة والحديث عن عدم تهيئة الأرضية المناسبة للإستفتاء، والترويج بصيغ عدة لممانعات الدول الإقليمية، وعدم ملائمة الأجواء السياسية، والأهوال التي تنتظر كوردستان، وحاولت اللعب الساذج في الوقت الضائع، بل قبلت بشد عربات الآخرين إلى ظهورها، ولعب دور الكومبارس الغبي والحصان الأعرج في طبخات الكواليس المظلمة المعادية للإستفتاء ولأصحاب الفكرة والمشروع، وبالذات عندما خلطت كلامها وربطتها بقضايا تتصل باللا عقل والا منطق بقصد الاساءة للمجلس الأعلى للإستفتاء، وأثنت على المعادين للإستفتاء في بغداد، وشدت الرحال اليهم وأعلنت عن برائتها من الإستفتاء. ولكن أدائها المتدني المستوى وهرطقاتها ورطانتها وضحالتها السياسية وأطماعها وغباءها التاريخي، والنكرات المتجمعة حولها، بكل المعايير، جعلتها هزيلة ومشبوهة لدى المؤيدين والمعادين للإستفتاء، في آن واحد. وأصبحت لأسابيع وأشهر عدة، مادة إعلامية مضحكة في تفاصيلها، تفضح مدى سطحيتها وغبائها وحجم تورطها. ووقعت في مستنقعات مابعد السياسة النتنة، وعندما دخلت حلبة الانتخابات البرلمانية العراقية والكوردستانية، تقزمت وأصيبت باليأس وإستعدت مرة أخرى للاستمرار في النهج الخاطىء .
وأخيراً نقول : للذكرى السعيدة البهيجة الراسخة في العقول، والساكنة في أعماق الوجدان، شذاها الفوّاح، وعبقها الباعث عن الانتشاء فخراً واعتزازاً، عبق الجهد والجد والإخلاص الذي يلامس القلب مشاعر فياضة بحبّ الوطن الأشم والمشرق الوضاء، وشرف الانتماء إليه، والوفاء له ، والذّود عنه، والعمل في سبيله.
 
 


104
إلتقينا في السليمانية... وإفترقنا
صبحي ساله يي
أسعدني كثيراً المشاركة مع نخبة من الأدباء والكتاب والمثقفين والأكاديميين والصحفيين الكورد والعرب من العراق والأردن وفلسطين ولبنان ومصر وتونس والسودان، في (ملتقى الديمقراطية وحق التقرير المصير) الذي أقيم في مدينة السليمانية يومي 16ــ 17/ 9 / 2017،  والذي تم تنظيمه من قبل المجلس الأعلى للاستفتاء في إقليم كوردستان. للتحاور الجاد والتفاعل الحيوي وتبادل الآراء ووجهات النظر المبنية على المحاججة بالمنطق وبشكل عقلاني حول الديمقراطية وحق تقرير المصير، والهوية، وقضية الاستفتاء، ومشروع سايكس بيكو،  والمسألة القومية كظاهرة تاريخية في بلد متعدد القوميات، والكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك، والإستماع الى بعض الدراسات المتعلقة بالخلفية التاريخية لتطور القضية الكوردستانية، وسياقاتها التاريخية. جاء اللقاء، لتأكيد أهمية العمق العربي بالنسبة لكوردستان، ولترسيخ العلاقات بين الشعب الكوردستاني والشعب العربي، وصيانتها وتطويرها لما يخدم إطفاء بؤر التوتر في المنطقة، ومن أجل بناء السلام العادل بين الشعوب، على أسس المساواة واحترام إرادة الشعوب في تقرير مصيرها بالصيغة التي تريدها.
كما أسعدني مواقف غالبية المشاركين الذين كانوا يؤيدون بالمطلق في الحوارات والمداخلات المتعددة التي دارت في الملتقى، حق الشعوب في تقرير مصيرها، وكانوا يعرفون الكثير عن المأساة التي تعرض لها الكورد في العراق، والسياسات الشوفينية للأنظمة المتعاقبة في الحكم وأفكارها القومية الضيقة، والاشكالية التاريخية في بناء الدولة العراقية وطبيعتها، والأسباب التي أدت الى طرح الإستفتاء.
قالوا لنا بصراحة تامة: أننا نعرف إنكم لاتطيقون البقاء في بلد فاشل ينطبق عليه كل معايير الدولة الفاشلة. وتهربون من بلد يفشل يومياً في ادارة الملفات الروتينية المتعلقة بحياة الناس، يتعثر ويتخبط في خطواته منذ عقود عدة، ويحكمه أناس، ينسفون الثقة بالعملية السياسية والديمقراطية والفدرالية. أناس جل رصيدهم في الحياة السياسية، لا يتجاوز معارضة صدام والاستثمار بالشعارات الطائفية، والبلاغة في الخطاب السياسي والتبعية للخارج. نعرف إنهم لايريدونكم شركاء معهم في بلد تعم عليه مظاهر اللادولة ومعالم التحايل وخرق الدستور والفساد السياسي والإداري والعبث بالقوانين. ويهددونكم كل يوم بفتح البوابات الجديدة للعنف والأنفال والمقابر الجماعية والقصف الكيمياوي بعد إنتهاء داعش.
أما كلمة ( وإفترقنا ) المذكورة في عنوان المقال، فأعني بها: الفراق مع الزميل المرحوم أحمد ناصر الفيلي، رئيس تحرير صحيفة التآخي.
قبل بدء الجلسة المسائية، جلسنا وتحدثنا عن نقص التواصل بين العرب والكورد، وإقتصار الحوارات بين الجانبين على مستوى القيادات، وفي الغرف المغلقة، وإهمال المثقفين وصناع الرأي. كما تبادلنا الآراء حول مواقف الدول الإقليمية تجاه الاستفتاء، ومواقف بعض القلقين من الاستقلال، والمروجين لخيار البقاء ضمن العراق، ودعوات عدم إجراء الإستفتاء، أو تأجيله، بحجة مراعاة فن الممكن وعدم إثارة حفيظة الآخرين وفهم التوازنات، وعدم امكانية شعبنا الذي يريد هذا الخيار على ادارة دولته الجديدة، أو عدم صلاحية الوضع الدولي. وإتفقنا على أن هذا المشروع لايقدم لنا، اليوم أو غداً أو بعد مئة عام، على طبق من ذهب من قبل المجتمع الدولي أو القوى الإقليمية. وإعتبرنا قرار الإستفتاء مهمة نضالية، يجب أن تكون مدعومة بتضحيات ومرتكزة على الاستعداد في العطاء، ومن هذا المنطلق لم نعتبره مغامرة ثورية.
 كما تحدثنا عن هموم الصحافة الكوردستانية وإسباب إخفاقها في الساحة العربية العراقية والإقليمية، خاصة بعد (وقف، أو إيقاف، أو حجب) صحيفة التآخي ومجلة صوت الآخر( كنت مديراً لتحريرها)، اللتين كانتا تصدران في بغداد وأربيل باللغة العربية. وإتفقنا في الرأي حول ضرورات تواجدهما في الساحة الإعلامية للمساهمة  في ترسيخ مبادئ التعايش والسلام والديمقراطية والارتقاء بالقيم والمثل الانسانية العليا، ونشر الوعي والثقافة الوطنية، وتعزيز مفاهيم الاخوة والوئام والمودة ومد جسور (التآخي) الإنساني، وقبول (صوت الآخر)، والدفاع عن الإستفتاء وإستقلال كوردستان عن العراق، وبالذات، في تلك الفترة الحرجة من تاريخ كوردستان والعراق.. في تلك الأثناء، مرَّ من جانبنا السيد محمود محمد، عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني ومسؤول مكتب الإعلام للحزب، وجلس في مقعد قريب. دعاني المرحوم أن نذهب إليه ونجلس معه، وندعوه الى العمل من أجل معاودة صدورالصحيفة والمجلة، ولكني ( للأسف الشديد) لم أذهب معه، لأسباب لم أذكره له في حينه، ولا أذكره الآن.
وبعد الدخول الى قاعة المؤتمرات، وأثناء تعبيره عما في داخله بشأن قضية شعبه وحقوقه العادلة، والمشاركة في تعريف المثقف من وجهة نظر كرامشي، وافته المنية اثر نوبة قلبية.
في اليوم التالي، وقف جميع المشاركون في الملتقى في توديع جثمانه الطاهرالمغطى بعلم كوردستان الزاهي الى مثواه الأخير، وغاب عن عيوننا ولكنه سيبقى في قلوبنا ووجداننا الى الأبد.
 


105
في ذكرى ثورة أيلول
صبحي ساله يي
 الثورة بطبيعتها تطلع نحو الأحسن، ورفض صريح لواقع، ودعوة للتغيير، وتجربة تستحضر فيها الشعور بالإنتماء والارتباط ضمن أبعاد وسياقات غير معتادة. بدايتها إختبار صعب للشخصية، وصياغة لسياسة الحاضر واتجاهات المستقبل على ضوء معايير ذاتية وموضوعية، أما إستمرارها على الطريق، فهو بقاء مشحون بالمحبة المعززة بالرغبة، واكتساب للخبرات والتجارب للذين لايكتفون بالتفرج، ولكنهم يحبذون الصبر الى حين تلمس النتائج الفعلية وتحقيق المكاسب، ويدفعون كلفتها وضريبتها دون أن يُطالبوا بها.
ثورة أيلول، بقيادة القائد الخالد مصطفى البارزاني، لم تكن رغبة كوردية، ولم تكن نزهة لأنها كانت مليئة بالتعب والعناء المعقد، بل كانت رفضاً، من قبل الواثقين بالنفس، لفرض واقع غير منطقي مثخن بالأتراح والجراح، بمنطق القوة. وكانت رداً على الانحراف الواضح لثورة تموز 1958عن مسارها ومشروعها الوطني، وتهربها من الالتزامات والعهود، ومن الدستور، وميلها نحو التفريق بين القوة السياسية والقومية والدينية، ونحو المواجهات الجانبية التي تعكس الجهل السياسي. إنحراف أنهى الهدوء والإستقرار اللذين كانا يهيمنان على الساحة السياسية العراقية، وتحول الى عبء إضافي على حياة العراقيين، وعكس طموح الشوفينيين الذين كانوا لا يجيدون العمل السياسي كما يجب. وأظهر كما قال البارزاني الخالد، أن (ما قيل عن عبد الكريم قاسم من مدح وثناء لم يكن في محله).   
عندما إنطلق قطار ثورة أيلول في (11/ أيلول/ 1961) كلمح البصر، كان لابد من قيادتها نحو وجهتها الصحيحة على أساس متين، وتركيز الجهود وتقوية شكيمة العزيمة، وزيادة الإصرار على المضي قدماً، والتضحية  بالغالي والنفيس من أجل إعلاء الحق والوقوف في خنادق التحديات والصعاب ومواجهة الأعداء. وتقوية عضد الأخوة، وقد ظهر ذلك بوضوح في ممارساتها اليومية وخطابها العقلاني الذي إستند على فكر البارزاني الخالد وفلسفته الرفيعة المستوى في الحياة.
كان البيشمركه طوال سنوات ثورة أيلول، رغم ما عانوه من مشكلات، يتنافسون فيما بينهم على الانتماء للهوية الوطنية الجامعة والجودة في أداء الواجبات، وعلى مواجهة الصعاب وإجراءات بغداد التعسفية وغير القانونية والتغلب عليها، بقوة وصراحة، وتقديم التضحيات في حدودها العليا، وفي مجالات خدمة المواطنين القرويين في عموم مناحي الحياة بعيداً عن الاعتبارات المصالحية القائمة على العلاقات الشخصية والمحسوبيات القبلية أو المناطقية.
في الثورة المجيدة، التي نستذكرها هذه الأيام، اختلطت الدماء الطاهرة الزكية والعزيزة الكوردية والتركمانية والمسيحية والأيزيدية، ورغم تعرضها لحملات ظالمة وهجمات شرسة من أعدائها، فإنها:
* فندت مزاعم المناهضين لها، أو الذين كانوا يريدون وفق سياسة مقصودة، إستغلال الأوضاع لمصالحهم ذاتية، أو التتسبب في خلق رأى عام متذمر، أو إعطاء صورة سلبية عن أداء البيشمركه. وأصبحت ملاذاً آماناً للمضطهدين العراقيين.
* خلصت المشاركين فيها من العصبية والإنفعالات، وأقلعتهم عن عادات أخذ الثأر ومجافاة الحقائق والجلوس على البرج العاجي، وعلمتهم الإنضباط والإنحياز التام للشعب، والمشاركة القوية في المعارك، وكتابة تأريخ ملىء بالمآثر النضالية.
* لجمت وأخرست بأحداثها الجسام، وحالاتها الإيجابية الصحيحة والواضحة وضوح الشمس، كل المشككين والحاقدين والمتربصين بها، والمتخاذلين الخائبين المرتجفين والمغردين خارج السرب.
* أبطلت بصلابتها الراسخة، كجبال كوردستان أمام عاديات الزمن، كل النوايا السيئة للموهومين والمرضى الذين كانوا يتصيدون في المياه العكرة، والذين كانت لديهم مآرب شريرة. 
* كسرت الخناجر السامة التي كانت تحاول أن تغدر وتطعن من الخلف من دون وازع قومي أو وطني أو ديني.
* بنت بشموخها أساساً للتفاهم والتشاور الاستراتيجي الأخوي بين مكونات كوردستان لهدف كبير ومصير مشترك ومستقبل آمن.
* كبحت، وفق رؤية وفطنة، جماح الغرائز التي كانت تريد لهذا القطار أن يكون مصدراً للتدافع ولتداخل المصالح، وبيئة تنمو فيها التصرفات السلبية وتنشر المشكلات بين الكورد والعرب .
* حافظت على الهوية الكوردستانية، وبإعتمادها على ارادة الكوردستانيين ومقدراتهم ومعتقداتهم، نجحت في كسر إرادة الأعداء وإرغامهم على الإعتراف بحقوق الكورد المشروعة.
*  أرست قواعد متينة للقيم والمبادىء الحرة بين الكوردستانيين.


106
المنبر الحر / تجاعيد كركوك
« في: 16:19 07/09/2019  »
تجاعيد كركوك
صبحي ساله يي
كركوك التي كانت مزهوة بنفسها وبتنوعها القومي والديني، شهدت التراجع في كل شىء ودون إستثناء، وشهدت أهوالاً لا يمكن وصفها بعجالة. والذي يزورها يدرك أن كل شىء فيها يدعو الى التشاؤم، ولا يطيق النظر الى المسخ المتروك على صورتها التي تنعكس سلباً على ملامح أبنائها الذين دفعوا الأثمان غالياً، وعاشوا في حالات الترقب وإنتظار اللعبة العصيبة التي أفسدت مدينتهم، وجعلتها تأن تحت النوايا الخبيثة والخطيرة التي تستهدف بث الفرقة بينهم وتفكيك قيمهم المجتمعية وتسطيح وعيهم وإنتمائهم.
دخلت كركوك الى المتاهات الحالكة عندما بدأ حيدر العبادي في إكتوبر 2017 يتخبط في حيرة وجوده الاستفهامية، وبحث بين المبالغة والتزوير والنرجسية والطمع الشخصي عن الوجاهة المفقودة، فلم يجدها، بل بلغ الى درجة من الإذلال لم يبلغها أي رئيس حكومة في التاريخ العراقي، ولم يدري هل هو رئيس دولة أم مأمور صاغر؟ هل لديه حكومة وصلاحيات أم هو مجرد واجهة يُراد من خلاله تعطيل كل الإستحقاقات الدستورية وكل ما له علاقة بالكورد، وإخضاعهم بقوة السلاح الأمريكي المتطور والمعادلات الإقليمية القاسية ومعزوفة فرض القانون؟ ..
كل واحدة من المكونات الثلاثة في كركوك تعلن عن الرغبة في إرساء الأمن والإستقرار في المدينة وفتح باب التعايش السلمي على مصراعيه، وتوافق على أن وضع المدينة ليس على ما يرام، والإدراة الحالية غير قادرة على مواجهة التحديات وتغطية الاستحقاقات. وكل واحدة منها، تحاول الظهور بمظهر المستقل في الإرادة والقرار، وإنه المدافع عن المواطن الكركوكي والمؤيد للقانون، وتعلن عن الرغبة في إنهاء الصراعات السياسية والإنطلاق نحو عهد جديد مليء بالعدل والإنصاف والوضوح والشفافية. عهد يمتلك رؤية سياسية وإدارية وعسكرية شاملة بعيدة عن التشنج والتعصب الطائفي والقومي، وينفذ سياسة تطمئن الناس وتبدّد مخاوفهم وقلقهم وكوابيسهم اليومية. ولكن بعض السياسيين لايعترفون بأن سبب أزمات كركوك الخانقة، ناتجة عن التعلق بالأوهام، وإهمال الحقائق، والرغبة في التنافس للسيطرة على المراكز المهمة، والتدخل الخارجي في كل صغيرة وكبيرة وإهمال الدستور وخرقه، وشعور المواطن الكركوكي بخيبة أمل كبيرة، وبأنه يعيش في مدينة مدماة ومدمرة وبناها التحتية منهكة، تحكمها فئة فاشلة مفروضة بقوة السلاح مع سبق الإصرار والترصد. ولا يعترفون بإزدواجية بعضهم، في السلوك، وفي التعلق بالأوهام وفي ترديد العبارات والجمل التي تصاغ خلف أجندات المصالح الشخصية والحزبية والقومية الضيقة، وإنتقاد كل الأمور على الفضائيات تحت غطاء الخطاب الأخلاقي والمشروع الوطني.
أما نجاح مكوناتها في إعادة أوضاع مدينتهم الى حالتها الطبيعية، وإنهاء تجاعيدها السياسية والإدارية والأمنية، وسد الثقوب التي تسلل منها الشوفينية المقيتة، فهي بمثابة الخطوة الجريئة التي ستجد فيها الدعم الشعبي، خاصة وأن الكركوكي الأصيل يأمل ويظن، أن الحل بين الاطراف يجعل من قضية التعايش بين الكركوكيين ممكنة، وأن الإدراة التوافقية الجديدة المبنية على الشراكة الحقيقية والتوازن، ستخفف الأعباء والآلام المزمنة ومن الإحساس بالاختناق، وستستطيع أن تقدم حلولاً للمشكلات، هذه الرؤية التفاؤلية ناتجة عن مبررات كثيرة، أولها وأكثرها أهمية، توافق الجميع على فشل أداء حكومة حيدر العبادي، بجميع مؤسساتها، في إدارة شؤون البلاد ولجوئها المتكرر للقوة وكشف وجهها القبيح، ونجاحها الباهر في تسفيه القانون وخرق الدستور والشراكة والتوافق، وفي تعطيل حركة الحياة ورفع معدلات الفساد والجريمة وإنعدام المساواة وتشويه كل الصور الجميلة.


107
التقارب اللافت بين أربيل وبغداد
صبحي ساله يي
بعد تشكيل السيد عادل عبد المهدي للحكومة العراقية بمشاركة الكورد، وإعلان الرئيس مسعود بارزاني تأييده للسيد عبد المهدي، دبّت الحيوية والدفء على نحو طبيعي في شرايين العلاقات بين أربيل وبغداد عبر إتصالات ولقاءات معلنة، وأخرى غير معلنة. وسادت الأجواء التفاؤلية على المقاربات والعلاقات بين الجانبين، وقطعت شوطاً كبيراَ في الفهم المتبادل، كما أكدت على وجود إرادة جامعة لمحاصرة كل الظواهر السلبية، ودلت على إمكانية معالجة النقاط العالقة بتقريب وجهات النظر والحوار والإنفتاح على جميع الإتجاهات لتسهيل العقد المستعصية ومعالجة الإشكالات الجوهرية.
هذه الأجواء التفاؤلية، أسعدت البعض لأنها ستمهّد حتماً لإستحقاقات وطنية وقومية مهمة، ألا وهي، تطبيق الدستور دون إنتقائية، وتجسيد الشراكة الحقيقية والتوازن في مؤسسات الحكومة والإستقرار والإنفتاح الدائم على مبدأ العلاقات الجيدة الدائمة بين الجانبين وتطويرها وتحسينها وفق المصالح المشتركة.
كما أغاضت، تلك الأجواء التفاؤلية، كل الذين يحاولون الصيد في المياه الآسنة.
الذين سعدوا في كوردستان والعراق، أناس يعتبرون المرحلة الحالية وقتاً مهماً يمتحن فيه الذكاء والإخلاص، وتختبر فيه الإرادة والشجاعة دفاعاً عن الثوابت والقيم والمبادىء، كما يعدونه إستحقاقاً وطنياً لإثبات الهوية والذات والقرار الصحيح الذي يعي الدور الكوردي المؤثر في كل القضايا، والذي يرسم معالم الحياة السياسية الحالية والمقبلة، والبرامج والمشاريع التي تخدم المواطن وتجسد تطلعاته المشروعة.
أما الممتعظون، أصحاب العقليات المتحجرة والمتخلفة المؤمنة بالعنف والهيمنة والتحايل والطمع والجشع، فيظهرون عداءاً واضحاً تجاه الأجواء الإيجابية الجديدة، والتقارب اللافت الجدي والمنطقي بين أربيل وبغداد، ويعترضون على القرارات والإتفاقات التي تدل تؤشر الى الصبر الطويل، والنفس الواسع، والتي تهم الغالبية، وعلى المواقف والرؤى التي تدعو الى تنفيذ الدستور وبالذات المادة 140 منه، وتلافي الثغرات والعيوب في العلاقات القديمة.
هؤلاء الممتعظون المتخبطون، لهم قدرة عجيبة على التغير غير المنطقي وغير الموضوعي بين إتجاهات متناقضة، أغلبها تستدعي القوة بدلاً عن المنطق، وخطاباتهم المتناقضة بأصنافها وتصنيفاتها، تتشابه مع الخطابات القومية الشوفينية التي سمعناها طوال العقود السابقة، وتصب في مصلحة أعداء الكورد والعراقيين وخصومهم الذين يتغذون على الأزمات ويستغلونها لمصالح شخصية أو حزبية أو آيديولوجية، ويحزنون لما يسرّ الكورد والعراقيين، ويفرحون لما يضرهم ويزعزع أمنهم وإستقرارهم. لذلك لا يمكن فصل الإعتراضات الحاضرةً بقوة على تنفيذ المادة 140 من الدستور مع السياسات العدائية غير المبرّرة ضد الكورد، والانخراط في الحروب الإعلامية والسياسية والاقتصادية الإعلامية ضدهم، ومع الجهود التي تبذل من أجل التأثير السلبي على أوضاع العراق السياسية الاقتصادية والأمنية، واستقراره، ومع التحركات والحماقات المشبوهة المتحمسة لتمكين داعش و الإرهاب والإرهابيين من العودة إلى الساحة،  ولتكريس تلك الصورة النمطية البشعة في ذاكرة العراقيين، وكذلك مع الرغبات الدفينة التي تحاول ترك عادل عبدالمهدي وحيداً أمام أزمات داخلية متفاقمة، والضغط عليه، وتهديده وإبتزازه، وتحميله سبب كل التداعيات السلبية.
أما لإنجاح الإتفاق الكامل الممكن بين أربيل وبغداد وديمومته، ولكي يكون للتقارب والإتفاق إنعكاسات على العلاقات بمستوياتها المختلفة الشعبية والرسمية. فإننا بحاجة الى أن يكون الدستورهو الأساس الجوهري للمفاوضات بين الجانبين. وأن يكون عندنا الإستعداد للتساهل، وحتى تقديم التنازلات التي لا تتعارض ولا تتناقض، بل تنسجم جوهرياً، مع المصالح الوطنية والقواسم المشتركة الكبيرة، والعمل على تغيير الوعي الشعبي والنخبوي السياسي. والمضي في سياسة الانفتاح بإعتبارها القاعدة الأساس لمواجهة التحديات المعقدة والصعبة التي تواجهنا والتي تمنع تشعب المسائل. كما إننا بحاجة الى أن نعلم أن في كوردستان والعراق، أناس يريدون إثارة المشكلات للتغطية على مشكلاتهم وفسادهم وجرائمهم، وزج الجميع في معادلات خيالية تؤدي الى الخراب والدمار.
 


108
المنبر الحر / ليلة عودة داعش...
« في: 21:58 21/08/2019  »
ليلة عودة داعش...
صبحي ساله يي
  قبل صعود وتيرة الكلام الكبير والحساس عن داعش، وقبل أن تمطرنا وسائل الاعلام بأخباره ونشاطاته المربكة، وعودته الى ممارسات ما قبل سنة 2014، في المناطق الرخوة التي تعاني من الفراغ الأمني والعسكري والإداري، وإحتمالات إعادة تلك المناطق الى المربع الاول. كنا نعلم أن النصر المزعوم الذي أعلنه حيدر العبادي على داعش كان (كذبة كبرى). وأن سياسات تفويت فرص التقارب والتحريض و العنصرية و الطائفية وتقطيع اوصال النسيج الإجتماعي وحالات سوء الظن و عدم الثقة بين المكونات، تؤدي الى تقويض العلاقات المستقبلية والإبتعاد أميالا عن التعايش المشترك والآمان والإستقرار.
عندما أعد حيدر العبادي العدة للإستمرار في ممارسة الألعاب، وأعلن (وهم ) النصر على داعش الذي لم يكن سحابة صيف عابرة، بل ايديولوجية ترتكز على العنف والتدمير والقتل، وأضافت مآزق كبيرة ومشاهدة مؤلمة على المشهد العراقي، شكك الكثيرون في مصير الدواعش الذين كانوا موجودين في الموصل، وكذلك الحال بالنسبة لتلعفر والحويجة. وسألوا:
هل ذابوا  في الصحراء وأصبحوا رمالاً؟
كان طريق انسحاب المقاتلين مفتوحاً، تسهيلاً لمجريات المعركة، أو وفق مهزلة الإتفاقات بين التنظيم وجهات معينة، لذلك توجه قسم منهم نحو عشائرهم وتحولوا بين عشية وضحاها إلى مدنيين يستفيدون من نفوذ وحمايات عشائرهم ومناطقهم. وبعضهم تسللوا الى خارج الحدود ومكثوا هناك لأيام معدودات حلقوا خلالها لحاهم وغيروا ملامحهم، وعادوا الى أهاليهم. أما أكثريتهم فقد إختبوا في المناطق الصحراوية الشاسعة وأطراف الحويجة وبساتينها، ومرتفعات حمرين وقرجوغ وشمال ديالى، أي في المناطق الكوردستانية التي تقع خارج إدارة الإقليم والتي تسمى بالمتنازع عليها. أما الذي ساعدهم على استئناف حضورهم في تلك المناطق، فهو الفراغ الأمني الذي حصل هناك نتيجة لعمليات خرق الدستور والقانون ضد الكورد وإقليم كوردستان.
   
قد يكون توقّع مصير أسود وحفلة دماء مماثلة لما حدث في 2014، واثارة الصورة المأساوية المرعبة، استباقاً للاحتمالات وتكبيراً لما يجري على كل المستويات، وغلقاً لنوافذ الأمل، وإضاعة للوقت بفعل الجدل الطويل حول داعش،  لكن الحقائق تقول أن :
* التنظيم الذي يعاني في الوقت الحالي من أزمة قيادة، بسبب إختفاء البغدادي أو إصابته بجراح أو موته أو إحتمال سحبه الى جهة آمنة من قبل أجهزة مخابراتية، مازال بانتظار ظروف سياسية وعسكرية تساعده على استئناف حضوره وتجديد نفوذهم والإنقضاض على مدن جديدة. ويهىء نفسه وجمهوره، وبإستطاعته أن يقنعهم بأن الهزيمة ليست في خسارة الأرض التي تركوها ورائهم مليئة بكل الاحتمالات الدموية.
* العراق يعيش أيام وئام غير حقيقية وحالات سوء الظن و عدم الثقة بين قوى مراوغة باحثة عن الإثارة بسبب عوامل وأسباب خفية يخشى الكثيرون التحدث عنها وتنتظر الفرصة للغدر ببعضها، وربما تكون لحظة سيطرة داعش في ليلة ظلماء على مدن أو مناطق لم يسبق لها أن اختبرت داعش، بداية لعمليات جديدة للتضليل ولإبتعاد أميالا عن التعايش.
* عندما يحقق هذا التنظيم المسخ شيئاً جديداً، ويختل ميزان القوى لصالحه في منطقة معينة، وعندما يصبح أقوى عسكرياً ممن يقف في وجهه، سيتدفق عليه الناس وسيعود إلى صلب المشهد محملاً بفتيل إنفجار كبير.
* هناك جهات وأطراف كثيرة تتمنى عودة داعش أو ولادة مسخ جديد، لتستثمره بالدم العراقي في السيطرة على الساحة السياسية والأمنية والإقتصادية في العراق والمنطقة، وفق غيات ومآرب أقل ما يقال عنها ، أنها شيطانية ودنيئة بائسة.
 

109
ثلاث وسبعون عاماً .. والمسيرة المستمرة
صبحي ساله يي
  في سجل تاريخ الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وذاكرة أعضائه وكوادره الذين أدوا المهمات الموكلة اليهم، في كل المراحل، وأدركوا عظمة المسؤوليات ونبل المهمات التي ينهضون بها دفاعاً عن مستقبل يريدون فيه أن يبنوا ويعمروا ويعيشوا في أمان وسلام وإستقرار، محطات كثيرة للفخر، وإشراقات للعز محفوظة في الوجدان.
  ناضل هذا الحزب على مدى عشرات السنين من أجل حقوق الكوردستانيين المشروعة، وتصدى لإعتداءات وتجاوزات كل الحكومات العراقية المتعاقبة، وقاد بجدارة ثورة أيلول العظيمة، وفاوض حكومات الزعيم قاسم، والاخوين عارف، ونظام البعث ووقع في العام 1970 على اتفاقية تاريخية، وبموجب تلك الاتفاقية كان من المفترض أن يحصل كوردستان على الحكم الذاتي، ولكن الإتفاقية انتكست بسبب إلتفاف البعثيين عليها وإفراغها من محتواها، وإصرارهم على شن الحرب على الكورد وتجديد القتال في عموم أرجاء كوردستان، وبعدها بسنة عجفاء، وقع صدام بشكل مخز وذليل مع شاه ايران في الجزائر في 6 آذار1975، على إتفاقية مشينة، تنازل فيها عن مساحات شاسعة من شط العرب والاراضي العراقية لإيران، لقاء ضرب الثورة الكوردية بخنجر مسموم من الظهر، الا أن البارتي لم يصب باليأس بل واصل الدفاع عن وجود الكوردستانيين وحقوقهم، وسار في طريق تحقيقها بتأني وعقلانية، وثورة  الكوردستانيين لم تفشل بل إنطلقت نحو الأمام واستكملت مسيرتها بثورة كولان التقدمية عام 1976.
  يتصف هذا الحزب بعدم المجازفة أو المغامرة من أجل تحقيق أهدافه المشروعة، بل انتظر طويلاً وراعى الظروف السياسية المحلية والدولية، وقرأ المستجدات والمتغيرات بدقة وعقلانية،  واتجه نحو الأمام بخطى واثقة وتأن كبير، معتمداً على نهج وعقيدة البارزاني الخالد وعلى سياسة التدرج ومفهوم عدم حرق المراحل، ولم يصبح يوماً جزءاً من مشكلات المنطقة المتشابكة والملتهبة، لأنه لم يتحرك بالعواطف ولم يستغل الفرص لتحقيق المكاسب على حساب الآخرين، سواءاً كانوا ضعفاء أم متداعين، ولأنه كان يمتلك رؤى وأهداف واضحة، لم ينحاز الى جهة على حساب جهة أخرى، ولم يشكل يوما تهديداً على أحد.
  قاد إنتفاضة شعب كوردستان في آذار 1991، وكان له الدور الأساس في الصفح عن المخطئين، ونشر التسامح بين الكوردستانيين، وسعى بحرص شديد وبخطى ثابتة ليكون المشهد بداية لمرحلة جديدة، كما أبدى المرونة الفائقة خلال إجراء الإنتخابات وتأسيس برلمان كوردستان ومباحثات تشكيل أول حكومة في الإقليم.
وأثناء تحرير العراق من الطاغية (صدام) شارك بفعالية في عملية التحرير، وبعدها شارك بإخلاص في إعادة تشكيل الدولة العراقية، ولكن شركائه لم يلتزموا بالإتفاقات والعهود وما زال الكثيرون منهم يحملون في دواخلهم أطناناً من الحقد الدفين تجاهه وتجاه الكورد عموماً، ومازالوا يبتزون شعور الكوردستانيين  بتوصيفات وتصريحات ومواقف عجيبة.
  بعد التحرير، حيث عاش العراقيون في ظروف بالغة الخطورة ومثخنة بالجراحات، وكان (البارتي) على الدوام عاملاً للوحدة والتآلف، ووقع على الكثير من الاتفاقات مع أطراف وأناس لايؤمنون بالإتفاق، وكان مصير جميعها متشابها لمصير إتفاقية آذار 1970، رغم ذلك حقق إنتصارات عظيمة، وكسب صداقات الكثير من الأحزاب في دول الجوار والعالم، وأصحاب القرار والدول الفاعلة، وحصل رئيسه السيد مسعود بارزاني، على التقدير والدعم من أطراف مختلفة، وبالذات خلال سنوات الحرب مع داعش الإرهابي، وربما تكون المفارقة الفريدة من نوعها هي إحتفاظه بصداقات وحصوله على تأييد من أطراف لها أجندات مختلفة ومتنافسة فيما بينها على النفوذ والمصالح، بل تكن العداء لبعضها لكنها تجتمع وتتفق على الصداقة مع البارتي، وتنسج معه علاقات إستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى.
  وفي هذه الأيام ونحن نستذكر يوم تأسيسه من قبل البارزاني الخالد، وذكرى ميلاد الرئيس مسعود بارزاني، في 16/ آب /1946، لابد أن نقول: إن الكراهية المقيتة الدفينة بدواخل الكثيرين متشابهة، تجاه الكورد والحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه، وجميعها تخدش الشعور، مرة بتوليف سيناريوهات ملفقة ومرة أخرى بإدعات باطلة، وتفضح سلوكهم وتكوينهم الثقافي والفكري والسياسي المقلوب، وثبتت ضرورة مواجهة التحديات والصعوبات بجرأة وحزم، والتأكيد الدائم على التمسك بالنهج الديمقراطي السلمي وعدم سد أبواب الحوار من أجل تصحيح الأوضاع وتعديل مساراتها والخروج من المطبات والازمات بأقل الخسائر.
 
 


110
المنبر الحر / سفينة كركوك...
« في: 18:11 07/08/2019  »
سفينة كركوك...
صبحي ساله يي
يعيش الكركوكيون على متن سفينة عائمة على مياه تتلاطم أمواجها، وتسير نحو المجهول. وربانها لايملك القوة ولا أي إطار قانوني أو سياسي أو أخلاقي لكي يواجه التحديات ويضبط سلوك العناصر الضعيفة والفاسدة المحيطة به، ناهيك عن القوى القوية التي صعدت على متنها في غفلة من الزمن، والتي تساهم في تسعير التنافس على الهيمنة، وتستخدمها منصة لتأسيس أمجاد شخصية فارغة، وللوصول إلى مآرب عنصرية وطائفية مقيتة.
الفوضى هي الظاهرة السائدة والمعبّرة الحقيقية عن نوعية العلاقات التي تجمع بين من هم على متنها، ويتنازع، عليها وعلى كل شيء فيها، جميع الذين فضلوا السير في طريق الغطرسة من أجل أوهام مستحيلة، لإثبات وجودهم وتحسين مواقعهم وتأكيد شرعياتهم وإختياراتهم، وللحصول على مكاسب منتظرة، والسيطرة على مستقبلها القريب والبعيد معا. أما الفساد فيضرب أطنابه ويحاول إجهاض الجهود التي تراهن على الخروج من المخانق والطريق المجهول الذي قادته إليه العائشين في هوس وشهوة السلطة ومراكمة المال والثروات.
 بفضل الفوضى العارمة والفساد المستشري، وكنتيجة طبيعية ومنتظرة لمراكمة الأزمات والإخفاقات، ومشاهد التراجيديا الإنسانية التي تذل وتهين، لم يعد هناك كركوكي واحد، سواء كان غنياً أو فقيراً، قادراً على الإطمئنان لأمنه أو الثقة بمستقبله وإستقراره الاجتماعي والسياسي. وبعضهم، يرتعب ويعرب عن خشيته من تحويل كركوك بشكل كامل إلى منطقة لعبور وتقاطع مصالح الأخرين ومسرحاً لتصفية الحسابات المعلقة بين المتصارعين، والآخرون يعلنون صراحة حنينهم إلى النظام الاستبدادي الصدامي، ويعيدون تثمينه وتثمين كل السلبيات التي رافقه من قمع ممنهج وقهر وإحتقار وإذلال وخضوع لسياسات التدجين وضبط السلوك والتأهيل للعبودية والطاعة من خلال القمع والعقاب، وخسائر في الأرواح والممتلكات وانهيارات في القيم.
وفي كركوك وخارجه، الكثيرون يرمون مسؤولية ما حصل في المدينة وضواحيها من إخفاقات وإنهيارات، على سياسات الآخرين، وأكثرهم لا يخفون تبنيهم لروح التهرب من القانون والتمرّد والاعتراض والاحتجاج عليه في سبيل توسيع دائرة نفوذهم وإنتزاع المواقع الإدارية والسياسية بأكملها، وتأبيد السلطات والمغانم والمكتسبات. بينما المشكلات التاريخية المديدة تتعمق، والأزمات السياسية تتفاقم، وكل الآمال مهددة بالتفكّك والانحلال، وجدران التعايش آيلة الى السقوط، والأوضاع المترنحة على شفير الهاوية، وتتجه نحو التفجير وربما الخروج عن السيطرة.
السؤال الذي يبرز بقوة هنا، هو: كيف يتوقف في القريب ما يعيشه الكركوكيون من أزماتٍ ملتهبة وتوترات متواترة، وكيف ترسو سفينة مدينتهم على شاطىء الآمان والإستقرار ؟
الحل يكمن في مواجهة الأزمات التي قادت الى السياسات الكارثية، وتركيز الجهود على استدراك ما فات، وحجم التحدّيات الحالية والمهام التي تنتظر الذين لم يفقدوا شرعيتهم وعلاقتهم لوضع الخطط لإخراج الكركوكيين من دائرة الصراعت الدائمة، وحالات اليأس وإنعدام الأمل والقنوط. ويكمن في إستعادة المبادرة بتنفيذ الدستور، وتجفيف ينابيع ومستنقعات الأفكار الإنكارية التي لا يمكن إحراز أي تقدم اجتماعي وسياسي مع وجودها، والعودة الى الانسجام والتجانس على أساس الدستور والمواطنة المتساوية والحريات الفردية التي تضمن للإنسان استقلاله الشخصي وتصون كرامته، والشراكة والتوافق والتوازن، بعيداً عن البدع والضلالات، وإستيعاب ما يرتبط به من قيم المدنية والحرية والعدالة والمساواة وحكم القانون. وبالتالي بلورة إرادة، وبناء إستراتيجية وطنية ناجعة تحمي الجميع من التهديدات، وتقود سفينة كركوك نحو شاطىء الآمان. 
 


111
الأنفال.. نصيب الكورد من الشراكة
صبحي ساله يي
  جراحات جرائم الأنفال عميقة وتكشف النقاب عن وحشية وشوفينية منفذيها وسوء أدبهم وضحالة أخلاقهم. كما تأبى الإندمال، وآلامها لا تفارقنا في الحل والترحال، ودماء المؤنفلين مازالت تنزف، والأرواح الطاهرة للشهداء تقول :
 ((كان نصيبنا من الشراكة في العراق، الجينوسايد والأنفال والقصف بالأسلحة الكيمياوية والتعريب والترحيل والتهجير، وتدمير أكثر من أربعة آلاف وخمسمئة قرية آمنة، وجرائم القتل الجماعي بحق اكثر من 182 الف شخص، وتغييب 12 الف كوردي فيلي و 8 الاف بارزاني في (31/7/1983)، و قتل خمسة الاف برىء في القصف الكيمياوي على هلبجه)).
 بعد إنتفاضة عام 1991، وفي سبيل فتح صفحة جديدة، زارت القيادات الكوردستانية بغداد أكثر من مرة، والتقت هناك بقتلة شعبنا ومجرمي البعث، ولم يستلم من كانوا على رأس السلطة هناك تلك الرسالة الراقية التي أرسلت لهم من قبل شعب كوردستان، بل إستمروا في تجاوزاتهم وإجرامهم.
  وفي عام 2003، شارك الكورد بفاعلية وقوة في إسقاط نظام القمع والإجرام، وكانوا يأملون العيش في عراق جديد مبني على أسس دستورية وديمقراطية، يتنعم فيه الجميع بحقوق متساوية على أساس المواطنة، وساهموا في صياغة دستور جاء في ديباجته، وبشكل صريح وواضح، (ان الالتزام بمبادئه وبنوده هو مفتاح بقاء العراق بشكل موحد)، لكن أحدهم، ويدعى نوري المالكي، عندما كان رئيساً للوزراء العراقي أنهى كل شىء بـ(جرة قلم). وشرع، رغم إنه عاش لفترة طويلة على أكتاف شعب كوردستان، إلى قطع أرزاق الكوردستانيين، وقام بقطع حصة الاقليم من الموازنة العامة العراقية.
  وجاء بعده (العبادي) الذي سار على نهج سلفه، ولم يف بالتزاماته، وأدار ظهره للوعود والإتفاقات التي وقعها. ونظر إلى الكورد بروح إستعلائية، وعندما لجأنا الى الإستفتاء على فض الشراكة، إستند في أحقاده الدفينة، على الأيديولوجيتين المذهبية والقومية، وعلى قوات وجهات أجنبية تستكثر علينا كل حقوقنا، ومارس جميع الأساليب الاستفزازية والتحريضية ضدنا، ولو لم يمرغ أنفه في تراب بردي وسحيله ومحموديه ومخمور، لكان قد أعاد الأنفال بنسخة جديدة ومنقحة،  وفعل أسوأ مما فعله صدام .
  في كل (31/7) نتذكر بألم عميق جريمة تغييب ثمانية ألاف من البارزانيين الآمنين، ويتبين للجميع، أكثر، أن المشكلة الأساسية في هذا البلد، هي العقلية والثقافة السائدة التي تقطع أوصال التعايش المشترك ولا تسمح بتعزيزه، ولا تلتزم بالدستور ولا تقبل بالشراكة والتوافق والتوازن. وما شاهدناه ولمسناه خلال السنوات العجاف السابقة كشفت أن نفايات صدام، وفلول وأيتام وأبناء البعث الذين وجدوا لهم أماكن في الأحزاب الشيعية والسنية، وعثروا لهم فيها على ملاذات وحصانات برلمانية، وحمايات من الإجراءات القانونية، أنهم لايختلفون عن أسلافهم الذين قاتلونا من أجل رهن مستقبل ومصير وطننا وشعبنا بمصالحهم، وأنهم ما زالوا يؤجلون ويماطلون في الحلول، ريثما يحصلوا على ما يُمكنهم من فرض نفوذهم وهيمنتهم وأحلامهم وأطماعهم. وما زالوا يعملون من أجل تقليص حضور الكورد ودورهم، وسحب إمتيازاتهم، وتحديد مستقبلهم وفق ترتيبات وتفاهمات وخرافات تصب في خانة السعي لوضعهم على هامش الأحداث، أو حتى خارج الحسابات السياسية، وتُطفيء عندهم مصادر القوة وعوامل الصمود وإضعاف روح المقاومة ومشاعر الإنتماء والولاء إلى كوردستان، بحجة مسارات المواطنة والولاء للعراق الذي كان نصيبنا من الشراكة القسرية فيه (الأنفال) والمقابر الجماعية.
 


112
مشكلات كركوك، أكبر من تعيين محافظ
صبحي ساله يي
   بعد أحداث إكتوبر 2017، إندفع العديد من السياسيين المتعلقين بموروثات البعث وتركات داعش، والمقتصرين في أحاديثهم على تدوير الماضي، نحو التغني بتسمية فرض القانون بدلاً عن خرق وحرق القانون والدستور. وأطلقوا العنان لأحلامهم وتمنياتهم التي كانوا وما زالوا يأملون حدوثها في كركوك، وكانت النتيجة، زيادة المشهد تعقيداً في مدينة، وممارسة السياسات التعسفية بحق الكورد والتمييز ضدهم وإبعادهم عن الوظائف والمناصب الإدارية وعودة التعريب والعرب الوافدين الذين نقلهم صدام حسين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي إلى المدينة لتغيير التركيبة الديموغرافية، وغياب كل المظاهر المدنية الحديثة من حيث المظهر والتنظيم، بداً بنظافة الشوارع والأحياء السكنية، مروراً بالإختراقات الأمنية والتجاوزات الإدارية وتردي الخدمات الصحية والتعليمية، وإنتهاءاً بتحريك الدعاوي القضائية الكيدية ضد الذين شاركوا وساندوا الإستفتاء.
   في الجانب الآخر كانت الشكوك المتبادلة بين الكورد أنفسهم، وبينهم وبين المكونات الأخرى في كركوك تجاه إنتخاب محافظ جديد للمدينة، قد وجدت طريقها الى الشارع الكركوكي والكوردستاني ومواقع التواصل الإجتماعي. وتفاعل معها الكثيرون. وتبين، أن كل طرف وكل مكون متمسك بخطته ولا يريد ان يتوقف عن العمل لصالحه، أو التخلي عنها، وإن قبل بتأجيلها فأنه يريد الحفاظ عليها قيد التداول والدراسة. وعمليات التأجيل المستمرة لإنتخاب المحافظ فسرت ذلك بوضوح وعكست الشكوك بقوة مرة تلو الاخرى. وبعد إتفاق الحزب الديمقراطي الكوردستاني مع الإتحاد الوطني الكوردستاني على إنتخاب محافظ جديد لكركوك وتطبيع الأوضاع فيها ضمن الأطر القانونية والدستورية البعيدة عن نهج وثقافة الاقصاء والاستحواذ،  وبالإتفاق مع بغداد ومكونات المدينة، عادت قضية كركوك الى واجهة نشرات الأخبار، وركز المتحدثون عنها على واقع التحديات الحالية وأبعادها وتأثيراتها الإيجابية على المصالح السياسية والإستراتيجية الوطنية والقومية وعلى مستقبل المدينة. وفي المقابل حرك الشوفنيون والبعثيين وبقايا داعش عدد من المواطنين في كركوك، وأخرجوهم في تظاهرة رفعوا خلالها شعارات معادية للكورد ولإنتخاب المحافظ الجديد للمدينة، وتتنافى كلياً مع قيم التعايش والوئام.
رغم أن عدد المشاركين في التظاهرة لم يزد على المئة، إلا أن الحادثة مهمة ويجب الوقوف عليها، وذكر أسبابها التي هي :
* عدم التفريق بين حق التظاهر الديمقراطي، والتسيب والإعتداء على خصوصيات الآخرين.
* عدم تنفيذ المادة 140 من الدستور.التي تتجسد في تطبيع المدينة التي تشمل إعادة الحدود الإدارية للمحافظة الى ما قبل إستيلاء البعث على السطة، وا<راء الإحصاء والإستفتاء.
*عدم إعادة الوافدين العرب الى أماكنهم الأصلية التي جاؤا منها، رغم حصولهم على تعويضات مغرية.
*عدم تطهير المناطق المحاذية للمدينة من الإرهابيين، وبالذات منطقة الحويجة التي ترتع فيها بقايا البعث وداعش اللذين لم يفارقا الحويجة وأطرافها مطلقاً، ولديهما أماكن وملاذات آمنة فيها، ويسعيان الى جذب الأنظار اليهما ويوصلان رسائل تشير الى أنهما مازالا موجودين.
  عدم تنفيذ هذه العدمات تعني :
أن مشكلات كركوك، اكبر من تعيين محافظ جديد، ولها أبعاد تاريخية وجغرافية وسياسية وإدارية وأمنية وإجتماعية، وإنها لا تهدأ بمجرد إنتخاب المحافظ ما لم يتم تطبيع كافة أوضاعها، وما لم يتم تثبيت الحقوق المشروعة لجميع المكونات الدينية والقومية، وتصفية كل السلبيات التي تتعارض مع النظام الديمقراطي والشراكة الوطنية، وكل التجاوزات التي تخل بالدستور والقيم والمبادىء الإنسانية.
 


113
المنبر الحر / الحكومة التاسعة...
« في: 22:38 11/07/2019  »
الحكومة التاسعة...
صبحي ساله يي
  بعد مخاض عسير، وجولات سرية وعلنية، أعلن مسرور بارزاني رئيس الحكومة الكوردستانية التاسعة، تشكيلته الوزارية، وبدأت بذلك محطة سياسية ذات قيمة إستثنائية، وعهد حكومة زعيم جديد، لكنه من ذات المدرسة التي تخرج منها زعيم الحكومة السابقة، نيجيرفان بارزاني، مدرسة حزب الديمقراطي الكوردستاني.
  بعد الإعلان عن أسماء الوزراء ونيلهم الثقة من البرلمان، طرح بارزاني برنامج حكومته للأعوام الأربعة المقبلة. البرنامج الذي تم صياغته من قبل المشاركين في الحكومة يدفع الناس نحو التفاؤل، لأنه يؤكد على اللجوء الى لغة الحوار والتفاهم وخوض النقاش المتاح في جميع المسائل التي تستدعي النقاش في مناخات بعيدة عن الممنوعات والمحظورات، وإنتقاء الزمان والمكان المناسبين. وإنتهاج التقاليد السياسية الرشيدة في منع تحول البسيط الى المعقد، وطرح التوجهات التي تحمل الصفات الوطنية والقومية التي تتطابق مع المنطلقات العقلانية، والتي تردم شروخ التفرقة، وتتصدى للأفكار المفعمة بتشويه الحقائق، كما يدعم التوجهات المتطابقة مع الواقع في المعنى والمضمون، والمتوافقة مع الرغبات والتطلعات والمصالح العامة والتي تحمل بين جنباتها المفاهيم التي تضمن العدالة والمساواة والتعايش، وتكرس بناء ثقة التواصل والعمل المشترك إستناداً الى منطق موضوعي وعقلاني يتجسد في إدراك أبعاد التحديات التي تواجهنا والمخاطر المحدقة بنا، واعادة المسارات الى سبلها الصحيحة ومستحقاتها. 
  مع طرح البرنامج الحكومي، تبادر إلى الأذهان العديد من الأسئلة، ومنها: هل يستطيع الفريق الحكومي الجديد أن يعبر الحزبية الضيقة؟ وهل سيجمع رئيس الحكومة نخبة من المستشارين المهنيين لإعانته في مهماته؟ وهل تستطيع هذه حكومة مواجه العقبات والصعوبات المتوقعة، وتأدية واجباتها، وتلبية مطالب الكوردستانيين وطموحاتهم؟ وهل ستعزز الثقة الموجودة بين المكونات القومية والدينية في كوردستان؟ وهل تستطيع التفاهم والتوافق مع حكومة عادل عبد المهدي  على الإلتزام بروح الدستور في حل كل القضايا العالقة بين أربيل وبغداد؟ 
  المتابعون للحكومات السابقة يعرفون أن أدائها، كان جيدا في إدارة الملفات الصعبة، وخاصة خلال الأزمة الإقتصادية التي نتجت عن قطع موازنة الإقليم من قبل بغداد، والحرب مع داعش الإرهابي على جبهة زاد طولها عن ألف كيلو متر، ولجوء مايقارب مليوني نازح الى الإقليم وإنخفاض أسعار النفط. وكانت ناجحةً في كسر الحصار الذي فرض على كوردستان وإدارة البلاد بعد تهرب عدد من الإحزاب السياسية من المسؤولية، والإنسحاب من الحكومة التي كانوا يشاركون فيها نهاراً وينتقدون أدائها وإدارتها ليلاً، ويرددون على الفضائيات، تحت غطاء الخطاب الأخلاقي والمشروع الوطني والوازع الديني، عبارات وجمل لا تصاغ إلا خلف أجندات المصالح الحزبية والشخصية الضيقة، ومن ثم حاولوا استغلالها في الدعاية الانتخابية.
  المراقبون، يعرفون أن رئيس الحكومة الجديدة واحد من قيادات الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الحزب المهم والفعال وصاحب الأغلبية البرلمانية، وهذا يجعل الذين يريدون أن يصنعوا لها المطبات تماشياً مع سياسات الحقد والإنتقام، أو يثيروا إشكاليات عبثية تؤدي الى شروخ إجتماعية وتؤذي اللحمة الوطنية، أو يشاكسوا بشكل غير محمود أو نافع، أويمارسوا عليها الضغوطات لتحقيق مكاسب خارج نطاق القانون، سيفكرون أكثر من مرة قبل أن يقدموا على أي خطوة تؤدي بهم الى التجاهل وتنتهي بهم الى الوقوف على الأرضية الرخوة. لذلك يتفاءلون ويجزمون أن التركة التي خلفها البارزاني (نيجيرفان) للبارزاني (مسرور) ليست ثقيلة ومعقدة، ويمكن فك ألغازها بسهولة، خاصة وهم يتوقعون إستمرار هيبة القانون في عموم مرافق الحياة، وتطبيق قانون الإصلاح المعطل حتى الآن في البرلمان الكوردستاني، والقضاء التام على آفات الفساد المالي والإداري وفقا لقوانين جادة وحازمة رادعة لكل من تسول له نفسه العبث بالمال العام.
 


114
المحافظ المحظوظ لكركوك
صبحي ساله يي
يبدو أن الجدل والضجيج الذي يثار بإستمرار حول تعيين محافظ جديد ( محظوظ ) لكركوك، من أجل إنهاء أزمات كركوك، التي غدت قضية من أعقد المسائل السياسية، ومن أجل إسترداد حقوق الكورد وكبح جماح الشوفينيين ولجم مطامعهم وإنهاء حالة التعريب وتفعيل الخدمات ونشر الأمان والإستقرار، كالمباراة الأدبية التي يلقي فيها الهواة مجموعة من المفردات والكلمات والجمل البعيدة عن الشعر والقصة، وخارجة عن السياق اللغوي.
بعض الذين يثيرون الجدل، ويصرون ويلحون إلحاحا ( كما قال عادل إمام)، يتجاهلون سبب إبعاد المحافظ السابق غير المحظوظ. ويتجاهلون واقع التحديات الحالية وأبعادها وتداعياتها على المصالح السياسية والإستراتيجية الوطنية والقومية وعلى مستقبل المدينة.
وبعضهم، بغض النظر عن أخلاقية القيم التي ينفخون فيها وزلاتهم المبرمجة، يتقصدون بدهاء كامل، لدرجة الإسفاف والافتعال المعيبين، على قلب الحقائق وتلفيق الوقائع، وزرع بذور الكراهية، وإستفزاز الآخرين وفق خطاب يتجاهل النتيجة والتبعات المتوقعة لكل حل ضمن إطار الخيال والمصالح الحزبية الضيقة والمشاهد الافتراضية المستقبلية، ويساعدهم في ذلك مواقف وتعبيرات بعض المنابر الرائجة هذه الأيام في الفضائيات ومواقع التواصل الإجتماعي.
كركوك، التي مازالت تعاني من التدخلات الخارجية، ومن مخلفات البعث والمشكلات المتراكمة والسياسات الخاطئة المكلفة للإدراة الحالية والتي سبقتها، أيضاً، ومن وجود الخلايا النائمة والنشطة لداعش، ومن حواضن تلك الخلايا وغيرها التي تهدد الاستقرار والتعايش فيها، لاتحتاج الى محافظ (مكبل اليدين). بل هي بحاجة الى وثيقة شرف سياسية وطنية بين الأطراف الكوردستانية، ترفض بشكل مطلق، منح الشرعية لكل التجاوزات التي حدثت بعد 16/ إكتوبر/2017، وتهيئ الأجواء لخلق التماسك والتكامل السياسي بينها، وتعيد حسابات الماضي وتفهم الحاضر وتقدر ضرورات المستقبل، وتشخص الأخطاء القابلة للإرتداد، وتقدر المتغيرات التي حدثت والتي يمكن أن تحدث، وتبحث عن المخرجات الآنية الواقعية التي تستند الى توافق سياسي ووئام وطني يرسخان التواصل والتفاهم والتحاور والتنسيق والتعاون بين المكونات، ويكرسان التوازن في الادارة والمشاركة الحقيقية بين مكوناتها، بعقلية جديدة مختلفة عن السابق، ولكن ليس على أساس 32% لكل مكون.
كركوك بحاجة الى أناس يفقهون أن التدخلات الخارجية وتداخل المصالح والمشاريع فيها، تعادل التدخلات الخارجية الاستراتيجية في العراق، وربما أكثر، وتعتبر السبب المباشر لإدامة الازمات فيها وعدم إستقرارها وتفاقم مشكلاتها، وسبباً لكافة الخروقات الأمنية المتكررة فيها.. تدخلات تريد أن تبقى كركوك كبؤرة للتوتر السياسي والقومي وإثارة الحفائظ، ومصدراً للمشكلات، ولتدمير بنيتها التحتية، ولصنع شخصيات سياسية كارتونية منغمسة بشكل تام في أحضان المخابرات الأجنبية، تتشاكس وتتآمر بشتى الأعذار والمبررات من أجل وضع العراقيل والعقبات أمام التعايش، وزعزعة الاوضاع وضرب وحدة المجتمع الكركوكي، وإثارة القلاقل السياسية والمذهبية والقومية ونشر الارهاب، والحيلولة دون الإلتزام بالدستور، والطعن في هيبته، وفقدان الثقة بين المواطنين، وإلحاق الأذى الأمني والإعلامي والسياسي والاقتصادي بسكان المدينة الأصليين من الكورد والتركمان والعرب. 
وآخر الكلام للذين يريدون حقاً ترجمة المواقف السياسية الى خطوات عملية، وإطفاء السنة اللهب المتصاعدة: إن حل مشكلات كركوك ليس بالمستحيل، والخطوة الاولى لتطبيع الاوضاع تبدأ بإخلاء مقرات الحزب الديمقراطي الكوردستاني. واخراج المظاهر المسلحة من المدينة وإعادة الأوضاع الى ما قبل 16/10/2017. وبعد ذلك كله، الطلب من المحافظ السابق تقديم إستقالته، وإنتخاب محافظ جديد (عسى أن يكون محظوظاً)، ولكن بتوافق كوردي- عربي- تركماني. 
 
 
 


115
الموازنة بين البارزاني وعبد المهدي
صبحي ساله يي
لا يختلف إثنان على أن المنطقة بكاملها تعيش على بركان، وأن الذي يحدث بين أمريكا وإيران، ليس مسلسل القط والفئران، أو لعبة الدرج والثعبان، وأن العراق بحكم موقعه وعلاقاته المتداخلة والمتشابكة مع الإثنان، بمثابة المركز للزلزال المتوقع الهيجان، وبين عشية وضحاها سيكون المتضرر الأول والأكبر من أي تندلع بعد الآن. ولايختلف إثنان على أن العراق بحاجة ماسة الى السلم المجتمعي أكثر من أي وقت آخر.
مع ذلك نلاحظ أن البعض من السياسيين والنواب والكتاب، على العكس من كل السياسيين والنواب والكتاب في العالم، أمام حالة من التناقض السلوكي، لا يدركون– أو بمعنى أدق لا يريدون أن يدركوا– لنقص في خبرتهم، ولعدم إمتلاكهم رؤية إستراتيجية تستشرف المستقبل. ينجرون مع الشكوك والأفكار الضحلة التي تداعب خيالهم، وتتعلق قلوبهم الضعيفة بأستار المؤامرة ويترقبون الأحداث المهولة، ولا يستطيعون الفصل بين حدود اللياقة التي تتطلبها الدبلوماسية ومسؤوليات التصريح لوسائل الإعلام، وبين العقد القديمة والانفعالات الخاصة والارتجالية، فيطلقون كلمات وتعابير متشابهة ومعادية ومتقاطعة في معضمها.
عندما صرح السيد عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء بأن حكومته ستلتزم بقانون الموازنة وتصرف رواتب موظفي الاقليم، أقاموا الدنيا ضده، وتسكيناً للتساؤلات واختفاءاً خلف الشعارات الخائبة. بدأوا في سعيهم الحثيث بإختيار الكذب، لإفتعال الأزمات وإنتاج عقد جديدة مرتبطة بالماضي المؤلم، والزج باسم الموازنة السنوية غير المغلفة بالسرية، والتحكم بحصة الإقليم، والبعض ذهب بعيداً وأعلن عن تطوعه ليقف بوجهه والإطاحة به وبحكومته، ولعن التوافق والتصالح والسلم المجتمعي بكل الوسائل الممكنة. دون التفكير بما يستنزفون وما يستهلكون من كلام  وما ينشرون من الكراهية والعقد والشكوك. ودون أن يعرفوا أن لا أحد يستطيع إقناع العقلاء بأمر ما ونقيضه في آن واحد، أو حتى إبعاده عن التفسير المنطقي، أو الإيمان بفكر مخالف ثم مخالفة ما كان يدعو له.
 عادل عبدالمهدي وضح الجدل الدائر بشأن موازنة كوردستان حينما قال: لم نستلم النفط من الاقليم، ولم نسلم حصة الاقليم كاملة. وأضاف، ان حكومته تدفع الرواتب والمستحقات لاقليم كوردستان بموجب الموازنة ولاتدفع الجزء الباقي لان قانون الموازنة الزمها بخصم مايقابل المبالغ التي تمثلها قيمة 250 الف برميل من النفط يومياً.
ما قاله عبد المهدي، واضح ومعلوم، ولايوجد فيه محابات أو مرونة أو تفريط.
وما قاله رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان البارزاني: من حيث المبدأ، ليس لدينا أي مشكلة في تسليم 250 ألف برميل من النفط إلى بغداد، وفي بغداد تحدثت مع رئيس الوزراء حول هذا الأمر، ولا بد من بحث هذا الموضوع، فالأمر لا يتعلق فقط بتسليم 250 ألف برميل فقط بل هنالك مسائل قانونية، لأن قطع حصة إقليم كوردستان من الموازنة منذ عام 2014، أدى إلى تراكم القروض على إقليم كوردستان. ولا بد من الحديث عن كل هذه الأمور للتوصل إلى حل مرض لإقليم كوردستان ولبغداد، ومن المهم للطرفين إيجاد آلية تسوية هذه المسألة، وأن إقليم كوردستان مستعد للتنسيق الكامل مع بغداد للتوصل إلى نتيجة مشتركة ترضي الطرفين.
وهذا الكلام، أيضاً، منطقي وواضح ودقيق، ولايوجد فيه لبس أو نقيض لما جاء في قانون الموازنة.
وبين ماقاله البارزاني وعبد المهدي، يختفي المحرضون وأصحاب المواقف الواهنة والمخزية، والنازعون لثياب العقل، والمرتدون لثياب التمرد على الطبيعة، والمغادرون لمجالس العقلاء، وغيرالمؤمنين بالدستور والقوانين والأعراف المتبعة بين الشعوب، خلف الشعارات الخائبة، من أجل تضليل وخداع الرأي العام وإيذاء الشعب العراقي.
 


116
كركوك والحكومة الكوردستانية الجديدة
  صبحى ساله يى
قبل بدء ماراثون تشكيل الحكومة الجديدة في إقليم كوردستان برئاسة مسرور بارزاني، إستناداً على الحقائق التي نعيش فيها، وإستيعاباً لمتطلبات المرحلة الحالية، وإدراكاً لواقع حال التحرك ضمن قواعد وسياقات ومتطلبات المناورة على أكثر من إتجاه في آن واحد، بدأ تفعيل الحوار بين الأحزاب السياسية الكوردستانية للتوصل الى اتفاقات تمهد لتشكيل الحكومة في المدة القانونية.
وبدأ مع تلك الحوارات ظهور الإختلافات، وسمعنا، بعد ذلك، من يقول أن الإتفاقات الموقعة بين الأحزاب الكوردستانية، لتشكيل الحكومة والعمل السياسي المشترك خلال الأعوام الأربعة المقبلة، هي إتفاقات الحد الأدنى من الاتفاق الكوردي، ويوجد في بنودها نوع من التردد أو التحفظ إزاء مسائل مصيرية لم يتم مناقشتها بإسهاب. وأن الجهود المبذولة من قبل الحزب الأكبر في التقريب بين وجهات النظر المختلفة ليست واضحة، ولا تصل الى حجم التحديات والصعوبات التي تواجه الكوردستانيين، وبالذات، التحديات التي تتمحور حول الجراح التي ما زالت تنزف، والملفات والمتاعب والهموم والمشكلات الساخنة المفتوحة، وأولها وأهمها هو إيجاد حلول ناجعة وعاجلة لإنقاذ كركوك والمناطق الكوردستانية الأخرى التي تقع خارج إدارة الإقليم من التعريب والارهاب، وما يتطلبه ذلك من قرارات وإتخاذ خطوات جريئة لمعالجة الأوضاع المتردية الأمنية والإجتماعية والاقتصادية فيها.
كثرة الأقاويل والمواقف المعلنة تجاه كركوك والتصريحات والمزايدات غير المسؤولة، وبالأخص، من قبل الذين لايستطيعون قراءة المتغيرات والخائفون من مواجهة الحقائق والتحديات، أدت الى خلط الكثير من الأمور. وسماع بعضها تأخذك الى الريبة وإمتلاك الفزع، لأنها غير مسؤولة، وأصحابها يطلقونها لتضييع إنجازات البيشمركه ودفاعهم البطولي عن المدينة ومكوناتها وتضحياتها الكثيرة في سبيل دحر الإرهاب وحماية الكركوكيين من البطش والإرهاب، وتهدف الى إثارة النعرات بين الكوردستانيين أنفسهم من جهة، وبين مكونات المدينة من جهة أخرى، وصب الزيت على النار خوفاً من خيالهم وإفتضاح نواياهم المشبوهة ومؤامرات ومكائد أسيادهم المدبرة في الغرف المغلقة. والجدل والضجيج الذي يثار بإستمرار حول تعيين محافظ (كوردي) لكركوك، من أجل إنهاء أزمات كركوك وإسترداد حقوق الكورد وتفعيل الخدمات ونشر الأمان والإستقرار، فأنه يبدو كالمباراة التدريبية على ساحة لعب مليئة بالأحجار والأطيان. أو كالمبارات الأدبية التي يلقي فيها الهواة مفردات وكلمات لاتشبه الشعر أوالقصة وخارجة عن السياق اللغوي .
أما بخصوص الإتفاقات، فنلاحظ إنها واضحة، وتعبر عن نضج سياسي، وفهم عميق لأوضاع المنطقة المعقدة والمتغيرات السياسية، وإنها سياسية مقتضبة وخالصة ترتكز على قاعدة تفاهمات كوردستانية، تسمي الأشياء بأسمائها ولا تتخللها التعابير الإنشائية، وفيها بنود ومواد مركزة، تصف الأوضاع وترسم خارطة طريق المرحلة المقبلة، وأساليب التفاعل معها وطرق معالجتها.
وبشأن الصعوبات التي تواجه الإتفاقات والحكومة المقبلة، رغم كبرها، فإنها لا تعادل حجم الدعم والتشجيع الذي يمنحه الكوردستانيون لحكومتهم، ذلك الدعم الذي يؤهلها لتحقيق الرهانات المعلقة عليها وقيادة السفينة بنجاح نحو شاطىء الأمان، أو قطع المسافة المعقولة نحو تحقيقه.
 وبالنسبة لكركوك وغيرها من المناطق الكوردستانية التي تقع خارج إدارة الإقليم، فإن الحكومة الكوردستانية الجديدة (وبالتأكيد) ستضع التجارب التفاوضية السابقة مع بغداد في حساباتها،  وستؤكد على الاستحقاقات الكوردية التي تتعلق بتطبيق المادة 140 الدستورية، والإحصاء السكاني الذي أصبح عصياً على حكومات متتالية، لذلك لاأحد يتوقع منها الغرق في القضايا التكتيكية على حساب الإستراتيجيات والثوابت.
 


117
حدث تاريخي ومعطيات كثيرة
صبحي ساله يي
 الحدث هو إنتخاب السيد نيجيرفان بارزاني في مناسبة تاريخية مهمة، كثاني رئيس لإقليم كوردستان بعد الرئيس مسعود بارزاني، وأدائه اليمين القانونية أمام برلمان كوردستان في مراسم مهيبة نظمت بحضور رسمي كوردستاني وعراقي واقليمي ودولي واسع، جاؤا مهنئين ومباركين ومتمنين له التوفيق والنجاح في مهامه، ومثمنين تمسك شعب كوردستان بالخيار الديمقراطي والنهج السليم في مداواة جروح الماضي بالتسامح والتطلع نحو المستقبل بأمل عريض، ومؤكدين أن هذا الحدث يضفي على التجربة الديمقراطية في الإقليم الكثير من الجمالية والتنوع والألق، وأن هذا الرجل المشهود له بالحنكة والالتزام وتقريب وجهات النظر والتواصل المستمر مع الناس، والذي يستمع الى الجميع بصبر شديد واحترام كبير، ويأخذ آراءهم ومقترحاتهم المهمة والبسيطة بعين الاعتبار، ويقوم بدراستها ويتخذ القرارات المناسبة بشأنها، والذي يحظى بالمقبولية من قبل جميع الأطراف سيكون مصدراً لحلحلة الخلافات ومعالجة الملفات والمشكلات العالقة بين بغداد وأربيل، وساعياً بمنتهى الاقتدار وبشكل مباشر من أجل تحقيق الرؤية الوطنية السليمة، وقيادة الإقليم والفوز بحب شعب كوردستان، والصمود أمام التحديات الكبيرة والتطلع للعبور نحو شاطىء الأمان والسلام والاستقرار والنجاح والبناء والإعمار وتعزيز التجربة الديمقراطية في إقليم كوردستان. والسهر دون كلل في خدمة وحماية الانسان وكرامته، والتوجه الصحيح نحو المستقبل. والحفاظ على علاقات حسن الجوار مع الدول المجاورة، ومع الاصدقاء والحلفاء في العالم على اساس المصالح المشتركة.
أما المعطيات، فإنها كثيرة، تبداً بالتأكيد على مواصلة المسيرة الشجاعة على نهج البارزاني الخالد وحكمته ودرايته وخبرته في حماية شعب كوردستان من المخاطر والتهديدات الحقيقية، وفي نشر ثقافة النضال والتسامح والتعايش المشترك بين كافة المكونات القومية والدينية، والعفو عند المقدرة، والصبر والتعاون والبشاشة والتفاؤل، وفي رفع مستوى الحماس وتشجيع الجميع على الدفاع عن الحقوق المشروعة.
وتعرج  على ما نراه اليوم، الذي ما كنا نراه لولا تضحيات شعب كوردستان ودماء الشهداء وشجاعة البيشمركه والإرادة الحقيقية والقيادة الحكيمة للرئيس مسعود بارزاني الذي قدم خلال سبع وخمسين عاماً جهداً حقيقياً في صفوف البيشمركه ومسيرة النضال السياسي من أجل حقوق الشعب الكوردي وخدمة الاقليم والعراق بأسره، ودوره المؤثر في كتابة الدستور العراقي، وتجربته الطويلة في رئاسة الاقليم والعلاقات الداخلية والدولية المتشعبة وبصماته الواضحة في مسار الأحداث والتطورات، وتفانيه في التصدي لارهابيي داعش وتحطيم أحلامهم الظلامية والتخريبية. وتؤكد ان الرئيس مسعود بارزاني، الذي تولى الإشراف على كل خطط الإرتقاء بالإقليم خاصة بعد الإنتفاضة المباركة في آذار 1991، والكثير من خطط التطوير والبناء، والذي دعا الى إجراء إنتخابات ديمقراطية في الإقليم من أجل إدارة البلاد، مرجع مهم يمتلك مكانة مرموقة، وهامة كبيرة ورمز تأريخي عظيم نحتاجه دوماً لمداواة الجراح وإعادة ترتيب البيت الكوردستاني، ولايمكننا الإستغناء عنه وعن تجربته وحكمته ونصائحه وسيكون ملهماً للجميع خلال الفترة المقبلة.
وتصل، المعطيات، الى تحديد مسؤوليات نيجيرفان بارزاني، أمام الله والشعب والتاريخ، وترجمة الديمقراطية الشاقة والطويلة الأمد بمعناها الواسع والأشمل إلى عمل ملموس يحظى باهتمام الجميع، ويعزز أدوار السياسيين الذين اكتسبوا خبرات مهمة طوال عملهم.
وأخيراً، تبين وتؤكد أن الذين رفعوا شعارات، (التواجد بقوة في بغداد) و (مكاسب أكثر لكوردستان) و( كوردستان قوية)، إضافة الى شعارات التآخي والتسامح والتعايش،  وتعهدهم باللجوء الى الدستور العراقي، الذي لابديل عنه وعن إحترامه وتنفيذ بنوده ومواده، ورسم خريطة طريق تسهل ترسيخ الحوار وتخطي الأزمات، كانوا صادقين مع أنفسهم ومع شعبهم. وإختاروا رئيساً يتولى المسؤولية عبر صناديق الإنتخاب.


118
المنبر الحر / نعم ينجح...
« في: 22:44 05/06/2019  »
نعم ينجح...
صبحي ساله يي
بعد إنتخاب الرئيس، أو رئيس الحكومة في أي دولة، الكثيرون يسألون :
هل ينجح؟ وهل يضع الشخص المناسب في المكان المناسب؟ وهل يستطيع مواجهة التحديات والصعاب؟ وهل يجمع حوله وفي الحلقة القريبة منه أناساً يمتلكون الخبرة والكفاءة ومقومات الموهبة والاخلاص، ويعززون إيمان الناس بالمبادیء الصحيحة، ويسهمون في توطيد العلاقة بين الناس والسلطة، ويخضعون الى الرقابة والإختبار اليومي، وعلى يقين بأن الإقصاء والمحاسبة أقرب اليهم من حبل الوريد؟.وهلات أخرى كثيرة..
وبما إن السيد نيجيرفان بارزاني تم إنتخابه من قبل برلمان كوردستان لتولي رئاسة الإقليم في المرحلة  المقبلة، فإنه يواجه ذات الأسئلة وربما أكثر، وهذا الأكثر يتعلق بخصوصيات وطبيعة الإقليم، والمنطقة الجيوسياسية، والأزمات الملتهبة التي تعصف بها عموماً والعراق بشكل خاص، كما يتعلق ببقاء العديد من الملفات العالقة الشائكة بين أربيل وبغداد دون حلول.
من حيث المبدأ، ومن خلال قراءة ما جاء في خطابات التهنئة والدعم والإسناد التي وجهت له من الأحزاب والشخصيات السياسية في الداخل الكوردستاني والمسؤولين والدبلوماسيين في العراق ودول المنطقة والعالم، والتي أشادت به وبخبرته وقدراته السياسية والإدارية وحنكته وواقعيته، يمكن القول إنه سينجح بشكل مطلق، وسيقف بشموخ على رأس الدبلوماسية الكوردية، لاسيما في ظل إمتلاكه الواسع للدعم التشريعي والبرلماني. كما سيحافظ على مكانته المرموقة في مراكز القرار الإقليمي والأوروبي والدولي, وسيكون رجل المرحلة والمهمات الصعبة، والقوي الذي يظهر المهارة في حل الأزمات .
أما من خلال التمعن في البيان الذي أصدره (هو) عشية إنتخابه رئيساً للإقليم، فيبدو أنه يتطلع بجدية وبعين الأمل والترقب الى المستقبل، ويفهم بشكل واسع أبعاد التحديات الكبيرة والمعادلات الصعبة، التي ستطال كل التفاصيل المتعلقة بإدارة البلاد على كافة المستويات والأصعدة، وسيمارس سياسة واقعية تجاه جميع الفرقاء السياسيين في كوردستان، ويحاول إرضائهم رغم  تضارب مصالحهم وإتجاهاتهم السياسية المتباينة التي يتبنوها بعيداً عن منطق الهيمنة وفرض الإرادة والأجندة.
وللتذكير نقول، أنه دعا، بعد أحداث إكتوبر المأساوية في 2017، الى تناسي الخلافات وتوحيد الصفوف والحوار والتفاهم وإحترام الآخر والتوقيع على إتفاقات سياسية ملزمة، وإحتواء الأزمات ومعالجة القضايا العالقة والمستفحلة، وعمل من أجل تسريع الخطى نحو فتح الأبواب المغلقة والإجتماع في أروقة مؤسسات صناعة القرار، وصنع فرص جديدة للتعاون السياسي الأمثل بين الكوردستانيين بالإستناد على قاعدة المصالح العليا للاقليم وشعب كوردستان ومغادرة لغة التصلب والتشدد وإلغاء نظرية المؤامرة، والإحتكام الى مبدأ المواطنة الحقيقية والمساواة في الواجبات والحقوق ، بإعتباره الخيار الافضل والأسلم لشعب كافح لعقود متعددة ضد أعداء في منتهى الشراسة والوحشية. ودعا خلال الحملة الدعائية التي سبقت الإنتخابات التشريعية في 2018 الى وضع الأسس العملية للمشاركة الحقيقية في إدارة البلاد وصنع القرار، وإلغاء التشنج والفرقة والتباعد، دون المطالبة بالإعتراف بأخطاء المرحلة السابقة، ودون ذكر وإستعراض المشكلات التي واجهت الاقليم خلال السنوات الماضية وأسماء وعناوين المتسببين وغاياتهم، لأنه كان يدرك أن  ذلك سيطول، خاصة لو تم ذكر آثار سياسات التحدي والتنافس التي أدت الى خسائر فادحة.
لذلك، سينجح في رئاسة البلاد وقيادة الدبلوماسية الكوردستانية بحكمة وتأني ومرونة وأسلوب حضاري ومدني، ويعالج الإشكاليات المعقدة والمشكلات الداخلية والأزمات السياسية، ويحرص على وحدة الصف والأمن والسلم الاجتماعيين في كوردستان، وسيتعاطي مع الأحداث إعتماداً على نهج البارزاني الخالد، ونصائح وتوجيهات الرئيس مسعود بارزاني.
 


119
عندما تصبح الحرب ضرورة
صبحي ساله يي
المقالات والتقارير التي كتبت خلال الأسابيع السابقة عن إحتمالات الحرب والسلام بين إيران وأمريكا، تشبه، في بعض جوانبها، الأمطار الغزيرة التي هطلت في الربيع الماضي، والتي نست أوتناست أن موسم هطولها إنتهى، وبقيت ترفض مغادرة نشرات الأخبار التي تتحدث عن الأنواء الجوية. وقد كتبت وفقاً للرغبات الشخصية والتمنيات ووجهات النظر الذاتية والتوجهات الحزبية والمذهبية والقومية، أي بعيداً عن المسؤوليات الأخلاقية والمهنية، وذكرت فيها نصف الحقائق، وحاولت بإستمرار إعطاء الحق لأحد الطرفين على حساب الطرف الآخر. وهذا الأمر ينطبق على صياغة الكثير من الأخبار المتعلقة بالنزاع الإيراني الأمريكي، لذلك نراها مليئة بالأحقاد والتلاعب والخداع.
أما الإيحاءات والتصريحات والتحركات والإجتماعات السرية والعلنية والإستعدادات والترتيبات وإستقدام البارجات وعرض العضلات، فتوحي الى ان شبح الحرب المدمرة يلوح في الأفق، وأن الحدث السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي الجديد المفترض في منطقتنا المضطربة، قاب قوسين أو أدنى، وأن التطمينات التي تأتي من واشنطن وطهران، وتحذيرات البعض من تداعياتها، وأية وساطة بين الجانبين لاتفضي إلى انهاء التوتر وتليين المواقف وتفادي وقوع الحرب. لأن الأمريكان ومن معهم على يقين بأن تفادي الحرب أو التريث في إشعالها، حماية وإنقاذ لإيران ودعم لمشروعه في المنطقة التي ستتعرض للإنهيار بسبب تحولها الى معسكرات، ولأن تجار الاسلحة يرون فيها فرصة كبيرة لإنتعاش تجارتهم ونهب اموال المنطقة.  ولأن الإيرانيين على علم مسبق بإستعدادات الأمريكان الذين يعتبرون الحرب ضرورة ملحة ولابد منها.
وبخصوص وضع العراق، الذي نجده في الواقع الصعب، في الفترة المقبلة فيتمحورت حول فرضيات الخوف من الهجمات التي تشنها قوات هذا الجانب ضد الآخر. وسيكون مرهوناً بتنفيذ التزامات يعتبرها البعض من العراقيين ثابتة وتاريخية ودينية ومذهبية وإستراتيجية امام طهران من جهة، وشراكة حقيقية على مختلف الأصعدة أمام واشنطن من جهة أخرى. وفي المقابل يعتبرها آخرون أنها لا تأخذ بنظرِ الإعتبار مصالح العراقيين ولا تعير أية حرمة للدماء الزكية التي سالت خلال السنوات السابقة. وسيبقى مأزوماً وقابلاً للتَّصعيد الذي لا يسلم منه أحد. وإنه (أي العراق) سيكون من بين الأطراف الخاسرة التي تقع في مهب الريح، والحقيقة المتعلقة بهذا الإستنتاج نابع من عدم تجانس العراقيين فيما بينهم، وإختلافاتهم وتناقضاتهم المبطنة والظاهرة، وإنشغال كل الأطراف بالصراعات والمنافسات وبإزاحة أو تهميش الآخرين، والإصرار على التعنت ورفض الاستحقاقات المطلوبة، ولعب أدوار أكبر من أحجامهم وقدراتهم، أدوار ترهقهم وتلخبط أوراقهم.
هذا يعني إننا سنرى الكثير من الأحداث في الفترة المقبلة في العراق المشرع أمام مختلف التحديات. خصوصاً وأنه عصيٌّ على التَّغيير ولايملك سيادته ولايمكنه التفكير بصوت عال في مصالحه وتقديم أمنه الوطني على مصالح الآخرين، ولا يمكنه إتخاذ قرارات تخص إعلان إنتفاء الحاجة للجانبين، أو البدء بتحييد نفسه عن الصراعات عبر التفكير بسياسة النأي بالنفس، أو حتى التقيّد بدقة والوقوف مع أحد الجانبين. (طبعاً) عدا الذين قالوا علنا انهم يقفون مع ايران ضد العراق إذا إندلعت الحرب بين إيران والعراق، وهذا يعني، وبالتأكيد المطلق إنهم يقفون مع إيران ضد امريكا، بدون الحاجة الى خلق الذرائع. وإنهم يجعلون العراق ساحة حرب ضد الأميركان.
أما العراقيون العقلاء فيشعرون أنهم يقتربون من الصدمة الهاوية ويشعرون بظلم وغبن شديدين جراء كيل المديح للساسة الذين لم يكونوا صريحين وصادقين ولو لمرة واحدة فيما قالوه بخصوص أولوياتهم وإهتماماتهم. ويتذكرون السياسات والممارسات التي آذت مشاعرهم، والقرارات المجحفة التي إنتهكت حقوقهم الوطنية والدستورية والقانونية والشرعية.


120
ثلاثة حالفهم الحظ ، ولكنهم خانوه
صبحي ساله يي
قبل أيام، مر عام على الإنتخابات التشريعية العراقية التي أنهت المشوار السياسي لثلاثة من السياسيين الضعفاء، بين أقرانهم في أحزابهم، سليم الجبوري وفؤاد معصوم وحيدر العبادي، ورحلتهم دون أن يأسف على رحيلهم احد. وكشفت سوءاتهم وأظهرت عيوبهم، وصارت مرتعاً للانتقادات من كل حدب صوب.
قبل خمس سنوات، وقفوا على الجانب الأول لجسر العبور إلى تلك المرحلة، ووصلوا الى إدارة البلاد والرئاسات الثلاثة دون الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. وحالفهم الحظ في تسلم السلطة دون أن يحظوا بشعبية أو يفوزوا بأصوات كثيرة، ولكن إصرار جهات عدة على رفض غيرهم رجح كفاتهم. وساعدهم الحظ عندما ساندهم المرجعية والكورد ضد الإرهاب، وتعاون الأمريكان والإيرانيين في العراق ضد داعش. وحالفهم الحظ مرة أخرى عندما عمل كل واحد منهم مع إثنين ضعيفين.
الأول حسب ترتيب الإنتخاب من قبل البرلمان العراقي، سليم الجبوري، تولى الموقع بعد تبرئته بدقائق معدودات من قبل المحاكم من كل التهم الموجهة ضده، وبفضله حصلت المحاكم المختصة في العراق على الرقم القياسي في سرعة حسم القضايا المتعلقة بالإرهاب،  طبعاً، بعد زيارة لطهران إستغرقت عدة ساعات.
جلس في مكتب رئيس البرلمان وأمامه لوحة كبيرة تذكره دوماً بالتهم الموجهة ضده، وتهدده بالويل والثبور، وتمنعه من التفكير في إسلاميته وعروبته وسنيته وعراقيته. وتفرض عليه ما تريد. وفي يوم واحد، بعيداً عن الحق الإنساني المثبت في غالبية الشرائع الإنسانية والدساتير المدنية، وبعيداً عن القدر الأدنى من الواقعيّة، أبدع في شوفينيته المقيتة فأصدر أكثر من عشرة قرارات سياسية وإدارية وإقتصادية جائرة ضد الكورد.
في الإنتخابات الأخيرة، رشح نفسه، وكما يقال وهو في السلطة ويملك الأطنان من المال، ولم يحصل على عضوية البرلمان، لذلك حاول عبر الطعن والتشبث بالنوافذ المغلقة، تمديد عمل البرلمان خلافاً للدستوروظل مصراً على المضي قدماً في ممارسات تهدف الى إصدار قانون يجيز تمدد عمله .
الثاني، فؤاد معصوم، رئيس الجمهورية، رغم إنه يجيد العربية، الفصيحة والصحيحة والعامية، فقد ظل صامتاً تجاه ممارسات العبادي والجبوري، وكما يعلم الجميع فإن الصمت عن شيء بمثابة الموافقة عليه. لم نره يوماً يسعى نحو تحقيق العدالة والمساواة، ولم يلتزم بمسؤولية بمهماته الآنية والملحة ولم يرفض العنصرية والشوفينية وضيق الأفق القومي والطائفية المقيتة المفرقة، وإستعمال القوات المسلحة ضد الكورد.
 والمكسب الرئيس له خلال أربع سنوات، كان التكلم بالنطق العربي السليم وضبط العبارات. وقيل إنه يرعى الدستور الذي تم خرق أكثر من خمس وخمسين مادة منه، من قبل حكومة العبادي.
الثالث، حيدر العبادي، في بداية عهده وضع يده على حقائق محرجة، ولكن لم يتخذ أي إجراءات لمواجهتها، فسقطت الأنبار بيد داعش، وبسبب فشل سياساته وعدم الكفاءة في إدارة أمور البلاد، إستمر الفوضى والاضطرابات والعنف، وإستشرى الفساد. وظل الأمن العراقي مستباحاً، وإنخفض الاحتياطي العراقي من العملة الصعبة من 180 مليار دولار الى 30 مليار دولار فقط. وفي عهده شاهدنا الآلاف من أطفال العراق يبحثون حفاة وعراة في أكوام القمامة بحثاً عن لقمة العيش، أما المطالبون بالعدالة ومحاسبة الفاسدين فقد بحت أصواتهم وخرجت صرخاتهم موجوعة دامية.
تخلى عن مسؤولياته الحزبية والوطنية والدينية، ودفع البلاد بإتجاه التفكك والعزلة والانهيار. إستدعى الدستور فقط عندما كان يحتاجه. حاصر كوردستان إقتصادياً ودبلوماسياً، ولجأ الى الجيش والحشد والقوات الأجنبية لمحاربة الكورد، وحاول إشعال الحرب بين المكونات وإعادة التعريب، خاصة في أعقاب أحداث إكتوبر 2017 في كركوك وطوز خورماتو، ليس حباً بالعرب والعروبة وإنما لإشعال نار الفتنة والتقاتل بين السكان الأصليين، أصحاب الأرض الحقيقيين من الكورد، وبين الوافدين العرب الى المنطقة في عهد البعث.
وما زال يحلم ويلمح بشأن إمكانية عودته إلى منصبه.
بإختصار شديد، الثلاثة حالفهم الحظ، ولكنهم خانوه، وبفضل نتائج الإنتخابات الأخيرة، باتوا كالبضاعة المنتهية الصلاحية.


121
نيجيرفان بارزاني والدبلوماسية الناعمة
صبحي ساله يي
علماء النفس والإجتماع يؤكدون على أن السمات القيادية للشخصية المتكاملة من حيث القوة والقدرة على التأثير في المجتمع والحصول على المكانة المعتبرة والمقام المهم، هي حصيلة تفاعلات سلوكية مختلفة، وسمات وراثية يكتسبها الفرد، وتضاف لها لمسات مهمة في كل مرحلة وعند التسلح بالمعرفة والخبرة والمهارات المختلفة.
ويؤكدون على أن الشخصيات الكبرى لاتقاس بالأحلام الوردية الكبيرة وتسليط الأضواء عليه والقوة الإعلامية والبدع والخرافات، وأن الشخصيات لا تمتلك الزعامة مالم تمتلك مقومات قوة حقيقية تؤهلها لقيادة حقيقية، والزعامة نتيجة وليست مطالبات ودعوات وتنقل بين الأحزاب وتغييرات في المواقف.
لقد حظيت كوردستان خلال العقود الماضية بشخصيات قيادية جعلتها متميزة في الكثير من نواحي الحياة. وشاهد الجميع إنجازات كثيرة وكبيرة ويشاهد نتائجها الآن.
ولم يكن هذا ليحدث لولا وجود تلك القيادة ، بدءاً بالبارزاني الخالد، صاحب السمات الشخصية القوية، الذي لم يهدأ ولم يكف عن السعي، من أجل الكورد وكوردستان. والذي نشر ثقافة النضال والتسامح والعفو عند المقدرة، وثقافة الصبر والتعاون والبشاشة والتفاؤل، ورفع مستوى الحماس وشجع الجميع على الدفاع عن الحقوق المشروعة ولتحقيق الرؤية الوطنية. ومروراً بالرئيس مسعود بارزاني الذي تولى الإشراف على كل خطط الإرتقاء بالإقليم بعد الإنتفاضة المباركة في آذار 1991، والكثير من خطط التطوير والبناء. والذي دعا الى إجراء إنتخابات ديمقراطية في الإقليم من أجل إدارة البلاد. وإهتم بالعملية الديمقراطية بشكل لافت. وإعتاد على تقديم رؤية واضحة المعالم، وشرحها للجميع لكي يسهم الفريق المقرب منه بالدرجة الأولى، والجميع بشكل عام في تحقيق هذه الرؤية كل من موقعه، وإعتاد على الحضور الشخصي في المناسبات الوطنية والقومية ومواقع المشاريع وبين صفوف البيشمركه، كما قاد حملة التصدي لداعش الإرهابي الذي أراد أن يفرض على الناس حياة الظلم والظلام. ووصولاً الى نيجيرفان بارزاني، عندما تولى رئاسة حكومة إقليم كوردستان، وسعي بدبلوماسيته الهادئة من أجل أن تكون الشخصية الكوردستانية متميزة، والذي إهتم بقطاعات النفط والغاز والصناعة والزراعة والتجارة والصحة والتربية والتعليم والتدريب الأكاديمي والفني والمهني، وتطوير جميع المؤسسات والأجهزة الحكومية، كما عمل من أجل الإستفادة من التكنولوجيا الحديثة لخدمة المواطنين. عمل وأنجز مهمات كبيرة وشاقة وعظيمة، وأصبح الإقليم كياناً فريداً حديثاً يعيش الجميع فيه تحت حكم القانون بصرف النظر على العرق واللون والديانة والمذهب والطائفة.
وبعد الإستفتاء الشعبي الذي قال فيه الشعب الكوردستاني كلمته النابعة من القلب والضمير، وعندما تم محاصرة الإقليم مكن كل الجوانب، إستطاع نيجيرفان بارزاني بدبلوماسيته الناعمة أن يفتح الأبواب المغلقة ويكسر الحصار .
وعندما يصبح بعد أيام، رئيساً للإقليم، فإنه ليس بحاجة الى تضخيم إعلامي من قبل كاتب هنا وآخر هناك لكي يدافع عنه ويتحدث عن واقعيته السياسية، لأن غالبية مواطني كوردستان والعراق وسياسيي وقادة المنطقة والعالم يعرفون قدراته كسياسي محنك يتطلع الى مستقبل شعبه، ويعترفون بإنه مهم ومؤثر يتمتع بثقل سياسي وشعبي كبيرين، والأقدر فهماً للتحولات والمتغيرات المحلية والإقليمية، وفي حياته محطات مليئة بالفخر والجذب والشد. وله شبكة متينة من العلاقات مع الكثير من اللاعبين الإقليميين وقادة الأحزاب السياسية في العراق والمنطقة والعالم، علاقات ترتقي مع بعضهم الى الصداقة ومع البعض الآخر الى الشراكة في المواقف. وحتى خصومه وأعداء شعب كوردستان رضخوا للأمر الواقع ويعترفون مجبرين بقيادته وحكمته وهدوئه وإتزانه وقوة شخصيته ووضوحه وشفافيته وإنخراطه الكامل في عملية البناء.
 
 


122
الحكومة الجديدة بين الزهور والمستحيلات
صبحي ساله يي
  الكوردستانيون مقبلون على تشكيل حكومة جديدة في اقليمهم، ومن المقرر أن تشترك فيها الأحزاب السياسية الكوردستانية الرئيسية، وستمثل المجتمع الكوردستاني وفعالياته السياسية والاجتماعية في مرحلة دقيقة ومعقدة، حكومة تأتي بعد الحرب مع الإرهاب طيلة الأعوام الأربعة الأخيرة، وبعد الأزمة الإقتصادية، والأيام الصعبة التي كانت فيها كوردستان ملاذاً وحضناً آمناً لمايقارب المليوني نازح وهارب من بطش الإرهاب والإرهابيين ومحاصرةً من جهاتها الأربعة بسبب الإستفتاء الذي يعتبر حقاً مشروعاً وفق الدستور العراقي والقيم الديمقراطية وكافة القوانين الأرضية والسماوية، وتنتظرها ملفات عالقة مع الحكومة الاتحادية بخصوص المادة 140 من الدستور العراقي والنفط والغاز وقوات البيشمركه.
  لن تكون الطريق أمام هذه الحكومة مفروشة بالزهور، بمجرد مشاركة الأحزاب الرئيسية فيها، وبلوغ حد معقول من الوئام على الساحة السياسية وفرض صيغة يقبلها ويتقبلها الكوردستانيون طوعاً، كما يتصورها البعض، لأنها ستواجه مجموعة شروخ محلية وتحديات وتهديدات خارجية معروفة وثابتة. وفي ذات الوقت لن تكون أمام مهمات مستحيلة، وبالذات:
* لو بدأت بالآليات الفعلية لصياغة برنامج وطني يأخذ في أولوياته الإستحقاقات الوطنية والقومية والدستورية، وإلتزمت بشعارات (لاتنحنوا) و(كوردستان أقوى).
 * ولو إستطاعت تنظيم الأوضاع الداخلية، وترتيب الأولويات والحفاظ على هدوء الشارع الكوردستاني وتضميد الجراح وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، وعلى موقعها في المعادلات الجيوسياسية، وتوازن علاقاتها مع بغداد ودول الجوار، عبر آليات دبلوماسية ناعمة ذات أبعاد منطقية.
* ولو إستطاعت الإلتزام بنهج وإستراتيجيات الحكومة الحالية في التعايش والتسامح والسلم وسياسات الأمن والدفاع والإقتصاد والبناء والتعليم والصحة والسياحة والبناء، وأن تكون متممة لها في حلحلة العقد.
*ولو إستطاعت تعزيز العلاقات مع بغداد وعواصم دول الجوار والعالم، والنأى بالنفس حيال المشكلات المعقدة في المنطقة، وعدم المشاركة في الصراعات الدائرة أو التي ستدور بين التكتلات والأقطاب الموجودة أو التي تتشكل لاحقاً.
  مسرور بارزاني الذي سيتم تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، والذي رحبت بترشيحه أطراف دوليّة وأمميّة وعراقيّة وكوردستانيّة كثيرة، ملم بحكم موقعه ومسؤولياته خلال السنوات السابقة وتأهيله العلمي وعلاقاته القوية مع الرئيس مسعود بارزاني ورئيس الحكومة الحالية بكل التفاصيل التي تتعلق بالسياسة ودهاليزها وبحال وحياة الكوردستانيين، ويدرك جيداً من خلال متابعته لمجريات الأحداث نقاط الضعف والقوة لدى جميع الفرقاء والأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه، أن المرحلة الحالية وفق كل المقاييس هي مرحلة التحولات التاريخيّة، والمنعطفات السياسيّة. ويؤمن بأن مهمته ليست سهلة أبداً، وان إستلام المسؤولية في أي بلد لن يكون نزهة او ترف سلطة، بل هي مهمة مثقلة بالهموم والمطالب وتحتاج الى الشجاعة والتسامح والحكمة والتروي والتضحية والصبر والمصارحة والمصالحة والشفافية وإعتماد الأساليب الديموقراطية ومعايير العدالة ونزع صواعق القنابل الموقوتة.
  وبعيداً عن المؤامرة ونظريتها، وبعيداً عن الغرق في بحر الأمنيات، نقول سيجد الآخرون أنفسهم مضطرين على الموافقة على ما يرفضونه اليوم أو كانوا ما يرفضونه بالأمس عندما وضعوا الحكومة الحالية برئاسة نيجيرفان بارزاني أمام إختبارات متعددة، والذي كرّم في الإمتحان وفتح صفحة جديدة في وقت الجد، وقاد سفينة نجاة كوردستان وأوصلها الى بر الأمان. وبشكل جديد ومغاير وبحكمة ومنطق سيغيرون نظرتهم الى الثوابت السياسية والتاريخية، والشرعية الديمقراطية، لمصلحة إندماج حقيقي وعميق مع السلطة الوطنية، والمشاركة فيها.
 
 
 


123



صبحي ساله يي

يعتقد البعض، وبالذات المصابون باليأس من الأوضاع العراقية الحالية، أنّ الفارق بين العراق الحالي والعراق في عهد صدام، قليل. وأن العراق الحالي بحاجة الى تحرير ثان، أو عملية تكميل للتحرير الأول.

يعتبر هذا الإعتقاد صحيحاً إذا نظرنا الى الواقع الرث الحالي للعراق الذي يعيش أزمات متراكمة يكاد أن يصعب الفصل بينها، وكذلك من خلال النظر الى عدم وجود الآمان والإستقرار في الكثير من المناطق، وعدم وجود الحلول الوطنية للمشكلات وعدم تنفيذ الدستور العراقي، وانعدام الشفافيّة والبناء والإعمار، وقلة الخدمات التي تقدم للمواطنين في كافة المجالات، وفشل التجربة الديمقراطية.

 ولكن لو نظرنا بحيادية وموضوعية، فنراه إنه يجافي حقائق كثيرة على الأرض، لأن التغيير المكلف الحاصل قد غيّر الكثير من الأمور.

في عهد صدام كان البعث والأجهزة الأمنية السرية والعلنية التابعة له تمثل الوجه الوحيد لوجود السلطة الحاكمة. وتبعاً للمصالح التي تشكّلت بموجبها كانت تمارس السياسة والإستئصال وتوطيد الحكم الاستبدادي بالنار والدم والتآمر. أما المتضررين وقطاعات واسعة من أبناء الشعب العراقي فقد كانوا على إستعداد لتقبل الوجود الأجنبي ووصايته عليهم بشرط إنقاذهم من صدام ونظامه، من دون النظر الى هويته وغاياته. وكانت صفوف المكونات العراقية أكثر تماسكاً من الآن، وعندما رحبوا بالأمريكان لتحرير بلدهم، أرادوا أن يستكشفوا إمكانات نضالهم السياسي بالاستفادة من الظروف التي تعقب التحرير ومظلومياتهم وتضحاتهم الكثيرة. وحينها لم نسمع إلا القليل من ضجيج المعارضة.

بعد التحرير رسم السياسيون خرائط ملحمية ترشد الآخرين الى أنهم وأحزابهم مصادر للشرعية. وتوازى الانفتاح وتشكيل الأحزاب الجديدة والتعدّديّة والإنشقاقات الحزبيّة والقليل من الديمقراطية وإنتخابات تجبر على الاستقالة. مع الحرب المذهبية التي إندلعت، وفظاعاتها، وإرتماءات الكثير من السياسيين في أحضان المخابرات الإقليمية والدولية، وإرتباطاتهم الغامضة معها، وإستشراء الفساد والتكتّم عن أسبابه والتستر على الفاسدين وظهور الإعلام المنفلت الذي يسوده خطاب الإتهام والتخوين والتشهير العبثي والتحريف والتزييف. وأدت الأحداث بشكلها العام الى تشتيت الصفوف وتخبط التوجهات والأهداف وفقدان الثقة والتجانس وإضعاف التماسك بين السياسيين أنفسهم وبين المكونات. والى إنحرافات أخلاقية وسياسية وقانونية والى الإعتقاد بتوجّهات متضاربة ومتناقضة.

وما عدا بقاء المهمّة المُلحّة عند العامة من الناس هي البحث عن الأمن والأمان. والتقارب في الأوضاع المعيشية حيث البطالة والفقر والعيش تحت خطّ الفقر،  وعدم الاتّعاظ من الماضي، ليس هناك إلا القليل من التشابة بين الأمس واليوم بالعراق. حتى العذابات المشتركة تغدو أقلّ اشتراكاً بين إثنين من أبناء مدينة وقومية واحدة، وإن كانا ينتميان الى حزب ومذهب واحد.

هذا بمجمله، بعيداً عن الدخول في متاهات الحديث، يعني أن القوى والشخصيات المأزومة التي إستخفت بالشعب والدستور وتعاملت مع الآخرين كقاصرين، هم المسؤولين عن رداءة الأوضاع الحالية، بينما المواطن بات يعلم أن الحلّ يأتي مع تغيير جديد، وأن مقولة (التحرير الثاني) هو التوصيف الأفضل والأنجح لكشف أوجه القصور والعجز المتأصل في مفاصل الحكم، والانطلاق من قدرته على التأثير والتغيير وطرح الأفكار والبرامج الطامحة للنهوض بالواقع، والتمهيد لمناقشة الأزمات، واحدة تلو الآخر، في منتديات وملتقيات تسودها النقاشات والجدالات الموضوعية المبنية على استيعاب المطالب الشعبية وحقائق ميدانية وعلمية. وأن (التحرير الثاني)، وبالذات عند المتفائلين لايعني فتح الأبواب أمام قوة تحرير أجنبية أو قوة إحتلال جديدة أو ادخال البلاد في متاهات جديدة، بل يعني إتخاذ سلسلة من المواقف الحازمة.


124

آل بارزان وبيئة كوردستان

صبحي ساله يي

عندما أعلن السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، والمرشح لتولي رئاسة الإقليم عن انطلاق حملة لتنظيف البيئة وحماية وجمال الطبيعة، ودعا الى تعاون الحكومة والمؤسسات المعنية وكل المواطنين في كوردستان، التي تعرضت سكانها لهجمات الأنفال والإبادة الجماعية بالغازات السامة وأرضها لمآسي الألغام والمتفجرات ومياهها وهواؤها بشكل منظم إلى التخريب والتلوث بالغازات السامة والتشويه والحرق والمحو والإبادة الجماعية، إلى المشاركة بمنتهى الإخلاص في تلك الحملة والتعامل معها كجزء من الواجب الإنساني والقومي والوطني والعمل من أجل توعية وتعزيز أسس الحفاظ على البيئة. وأشار الى العوامل التي تلوث البيئة وتخل توازنها والتهديدات التي تتمخض عنها، والتي تتسبب بعشرات الأمراض الفتاكة والخطيرة والولادات المشوهة. تذكرت أن (البارزاني الخالد) الذي كان من أوائل دعاة حماية البيئة والمحافظة عليها، رغم عمليات الدفاع عن الأرض والكرامة والتصدي الجيش العراقي في ظل أنظمة حكم عراقية مختلفة، قد وضع عدة تشريعات لإنقاذها وحمايتها وإبقائها نظيفة، ومنها : منع قطع الأشجار، ومنع صيد الطيور والغزلان والكثير من الحيوانات البرية وحظر صيد الأسماك خلال مواسم التكاثر. وعملاً بتوصياته القيمة وتوجيهاته، أصبحت منطقة بارزان والمناطق القريبة منها، من أبهى المناطق التي يشد لها الرحال، ويتزاحم الكوردستانيون على طرقات السفر للوصول إليها بسعادة وفرح، وبالذات في شهري آذار ونيسان من كل عام لزيارة أضرحة الخالدين ورؤية البيئة الجميلة والطبيعة الخلابة.

وتذكرت أن الإقليم خلال تولي الرئيس مسعود بارزاني لرئاسته، المعروف بحكمته وتقديره وروحه الواثقة والحانية والإنسانية، حقق إزدهاراً غير معهود في كافة مجالات الحياة الإجتماعية والإقتصادية والبيئية، وأصبح البقعة الهادئة المستقرة في منطقة مضطربة تغلي على صفيح ساخن، والحصن الأمين والمدافع عن الإنسانية،  والساعي إلى السلام والمخفف للإحتقان والباحث عن الحلول لأزمات العراق، والبيئة المحتضنة لأكثر من مليوني نازح ولاجىء من العراق وغرب كوردستان، وسجل الإعلام تلك المواقف النبيلة والإنسانية العالية. 

كما تذكرت أن في كوردستان خلال تولي السيد نيجيرفان لرئاسة الحكومة، تبدلت الأحوال، ورغم حداثة مؤسسات حكومة الإقليم كوردستان، خلقت ديمقراطية مستقرة وهانئة تألف لها القلوب، ونمط اقتصادي متقدم ورائع، وفتحت فيها المطارات الدولية والمعابر الحدودية والكثير من الجامعات والمعاهد والمستشفيات والبنوك على أحدث طراز. وأربيل العزيزة، بأبراجها الشاهقة باتت أشبه في عمرانها وشوارعها بالمدن المتقدمة في الخليج وأوروبا. وشهدت نضجاً سياسياً كبيراً مدعوماً من صحافة حرة في التعبير عن الرأى وإعلام متنوع يتم فيه السماح للمنادين بالحرية والمدنية وحقوق الإنسان.. وأن حكومة الإقليم، وفي عهده، قامت بإعادة إعمار آلاف القرى المهدمة، وإعادت الحياة إليها، وأعادت إحياء البيئة والطبيعة والروح الجديدة إلى كوردستان. وأن كوردستان في عهده نهضت ديمقراطياً، في وقت كان العراق والكثير من دول المنطقة لم تبدأ فيها الديمقراطية.

لاشك أن مواقف البارزاني الخالد والرئيس مسعود بارزاني ورئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني من البيئة وضرورات الحفاظ عليها، في ظل فكر ومباديء السلام والعدالة الإنسانية التي تتفق عليها البشرية جمعاء، تمثل تعبيراً حقيقياً عن الدور الإيجابي العالي لآل بارزان ورعايتهم المباشرة للبيئة ورغبتهم في تطوير الحياة والبحث عن الوسائل والآليات الكفيلة للمضي نحو المستقبل المشرق.

125
المنبر الحر / شعب قيد الانتظار
« في: 22:08 10/04/2019  »
شعب قيد الانتظار
صبحي ساله يي
عانى العراقيون كثيراً من هول الإنتظار للتخلص من الإحتلالين العثماني والإنكليزي والحكم الملكي والسلطات العميلة التابعة للخارج، حتى ظهر من بينهم الزعيم عبد الكريم قاسم، وفجر ثورته المباركة، فتنفسوا الصعداء وإعتبروا أنفسهم أحراراً، ولكن فرحتهم لم تدم طويلاً. إنحرفت الثورة عن أهدافها، وإحتلهم البعث شر إحتلال، وأصبحوا يتحسرون، وظلوا ينتظرون الفرج. فجائهم الأمريكان ليحررونهم ويحرروا بلادهم، أو لنقل (كما يحلو للبعض) ليحتلوهم ويحتلوا بلادهم، وبعدها سلموا الحكم لنخبة سياسية عراقية. وإستبشر العراقيون خيراً، وإنتظروا. 
قبل أيام مرت ستة عشر سنة، على التحرير وتقويض نظام البعث، وعلى بداية عهد كان من المفروض أن يكون وطنياً وديمقراطياً وفدرالياً، عهد تحول فيه الإنسجام بين أصدقاء الأمس الى خصام، والتفاهم الى تنافر وإختلاف. وطغى عليه الصراع على السلطة. أما عدم احترام الحقائق فقد أربك حياة العراقيين وجعل خياراتهم محدودة وصعبة ومشحونة بالمتاعب والمصائب والأزمات, ومزق نسيج وعيهم الوطني وأرادتهم الوطنية, وجعل معظم مشاكلهم البسيطة معقدة وعسيرة الحل، وبالذات عندما إشتد ساعد بعضهم على حساب الهدف الأساسي المتمثل بإقامة كيان سياسي قادرعلى توحيد العراقيين وصياغة إجماع وطني، واستعادة مكانة المواطن وحقوقه وحريته ومساواته بطريقة موضوعية تتناسب مع معاناته وتضحياته.
 الضعفاء، الذين تحولوا بين ليلة وضحاها الى أقوياء، دمروا العقل العراقي وأوقعوه في دوامة الأوهام والخرافات المفضلة عندهم، عن طريق نشر ثقافة الكراهية والعنف، والتخطيط في العمق لتسيير الأمور بإتجاه الإطاحة بالآمال عموماً عبر تضييق الخناق عليهم وتركيعهم للإملاءات المزاجية والإنسياق مع مشاريعهم، وتجاهل كل طلباتهم وحقوقهم  الدستورية والقانونية. وبسببهم، إختلطت تجربة العمل السياسي بالفساد والفشل، وتم إفتقاد الرؤية لتجاوز التحديات والتركة الثقلية وإنطباعات المرحلة الدكتاتورية البعثية، وفي تحديد المسارات والمنطلقات والأولويات والمسؤوليات الوطنية والأخلاقية، وساهمت حكومتي نوري المالكي بإجراءاتها التصعيدية في تفاقم الخلافات بين العراقيين، ووصلت الى مرحلة التشنج والإصرار على الأخطاء الفضيعة، وتناسلت الأزمات وكانت لكل أزمة إرتباط بسابقتها وأسوأ منها، وظهر على الساحة أناس يتلاعبون على حبل المزايدات الرخيصة فأثاروا ألفتن وإختلقوا المعضلات.
وتصاعد أعمال العنف والإرهاب والحرب الأهلية الطائفية والتطهير العرقي والمجازر والإغتيالات والتفجيرات وإنتشار فرق الموت، والتعذيب والبطالة والتهجير وتدمير البنى التحتية وتهريب السجناء المجرمين وتبديد الثروات وتوقيع العقود الفاسدة والصفقات الوهمية، ووضعوه في عزلة غير مسبوقة.
وسيطر شبح الخوف والحيرة على الجميع، وتجرع العراقيون كأس المرارة وتلقوا كيل من الضربات المؤلمة التي لايمكن نسيانها.
بعد ذلك الخراب والتمزيق، وتلك الظروف الصعبة المؤلمة. أزاحوا المالكي من الحكم رغم فوزه في الإنتخابات. فجاؤا بحيدر العبادي الذي بشر بمكافحة الفساد، ولكنه إكتفي بالكلام وببعض الإجراءات الشكلية وتشكيل لجان رئيسية تتبعها لجان أخرى فرعية وتتبع تلك اللجان لجان هامشية، وتبين لاحقاً إنه لم يكن مختلفاً عن الذين سبقوه، ولم يحترم تعهداته، بل نشر التردد والإرتباك وخيبة الآمال المرتبطة بالغدر والخديعة، وفقد المصداقية التي تؤهله لقيادة البلد. وحاول إشعال نار الحرب الأهلية بين الكورد والعرب . وثبت لدى الجميع بأنه المتخبط الذي يستجيب لأفكاره المتناثرة والمتضاربة، وأسوأ من المالكي بألف مرة، فعاقبوه في الإنتخابات التي جرت في مايس من العام الماضي.
العراقيون اليوم، وهم يستذكرون سقوط صدام، يسألون عن سبب المآسٍ الفظيعة والكوارث المدمرة، ولايجدون لها أجوبة نابعة من الجرأة السياسية والأخلاقية، حتى من الذين يتغطون بالإسلام، أو الذين يدعون البطولة ومناصرة الحق والوقوف ضد الباطل. 
بعضهم مازال يقارن بين منافع التحرير ومساوىء الإحتلال، وبين معاناته وإضطهاده في عهد البعث وتحطيمه وتكسيره فيما بعد البعث. ويقيم التكاليف الباهظة الثمن التي دفعت خلال السنوات السابقة نتيجة للتدخلات الخارجية المضرة والمكلفة.
وغيرهم يتحسر ويتألم ويواسي نفسه، ويحاول أن يرضي ذاته بأمنيات وأهداف ربما لاتتحقق في القريب العاجل أو حتى الآجل.
وبعضهم يتمنى الوصول الى محطة تاريخية جديدة تأخذ مساراً مختلفاً، يتكسر فيها حاجز الخوف والريبة والشك.
أما الأمر الذي يجمعهم فهو: إنهم يعيشون قيد الإنتظار، ويلعنون الذين انقضوا على أحلامهم كأنقضاض الذئاب على الفريسة خلال السنوات العجاف الطويلة والصعبة والمعقّدة.
 
 
 
 


126
شهداء دون أكفان وقبور
صبحي ساله يي
مأساة وفواجع وكوارث الكورد بشكل عام، والكورد الفيليين المضطهدين بشكل خاص، جراح ملتهبة في الجسد الكوردي. جراح لا تندمل بتعريفها من قبل هذا بالإبادة الجماعية (الجينوسايد)، أو استذكارها سنوياً من قبل ذاك، أو بعقد ندوات ومؤتمرات، أو بإحياء نشاطات معينة في أيام معدودات. جراح لها أبعاد وطنية، وبحاجة الى الرؤية الواقعية الرصينة المستندة على العقل والمنطق، توحد المواقف تجاهها وتجعلها واجباً إنسانياً وقومياً ووطنياً وقانونياً.
النظام البعثي العروبي العنصري المليء بالحقد والكراهية، صبّ جام غضبه على المكون الكوردي الفيلي، وقام بمصادرة وثائقهم الثبوتية وأموالهم المنقولة وغير المنقولة، وغيّب الآلاف من شبابهم في أحواض التيزاب والصحارى المترامية الأطراف، كما قام بتهجير الكثيرين منهم الى إيران.
وبعد سقوط صدام في العام 2003، وبعد أن جاءت حكومات لاتلتزم بواجباتها، ولابقرارات محكمة الجنايات العليا فيما يخص تحديد مصير الشهداء والمفقودين من الكورد الفيليين وتعويض ذوي الضحايا وجميع المتضررين. مازال الحقد الشوفيني تجاه الكورد كما هو، بل زاد في الكثير من الأحيان. والكورد الفيلية نالوا القسط الأكبر من تلك الأحقاد ومازالوا يذوقون مرارات السياسات العدوانية، ويسمعون الأصوات النكرة والأنغام الغثيثة والخطابات السياسية التي تغذي الحقد الدفين ضدهم وتفوح منها النذالة والحقارة ورائحة الفكر البعثي الصدامي المقبور, وما زال الفيليون يتعرضون في الواقع المتداعي الى ذات الممارسات التي إعتادوا عليها من  قبل أجهزة الجهلة حتى النخاع والأمية في كل شئ.
قبل الإستفتاء الذي جرى في أيلول 2017 في كوردستان، وبعده، سمعنا الكثير من التهديدات، الموجهة نحو الكورد، من قبل الحاقدين الذين لايختلفون كثيراً عن (الرفاق البعثيين)، أشارت معضمها بوضوح تام الى التكاثر الأميبي للفكر الشوفيني الإفتراسي الإستعلائي، والركون الى القنوط والتهاوي في مستنقع ال ( أمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة ). مستنقع يتخبط فيه مثيري المشكلات والأغبياء الذين يفقدون القدرة على الربط بين الوقائع والمواقف والتوجهات التي تعودوا عليها في عهد البعث القذر، والتي هددت وتهدد السلم الأهلي وتشيع العنصرية والكراهية والنعرات والخلافات بين المواطنين وتصنفهم الى درجات حسب إنتماءاتهم القومية والمذهبية والطائفية.
 
أخر ما جادت به قريحة أحدهم، في عهد حيدر العبادي، والذي كان يقف قبل ذلك  خلف مختار العصر ويقدم المشورة له، ونسى التضحيات والتاريخ المشرف للكورد الفيليين، وأكثر من عشرين ألف شهيد كوردي فيلي، تمادى وتطاول وحلق في فضاء الطائفية والارتزاق والتملق والهذيان وأفرغ في تصريحاته جزءاً مما عنده من دناءة التفكير والتحليل، حيث قال :  أن مصير الكورد في بغداد بعد الاستفتاء على إستقلال كوردستان هو التهجير. وطبعاً هذا التهديد بالتهجير والإقصاء والتسليب لم يكن وليد لحظته، كما هو حال التهديات الكثيرة التي سمعناها في الإعلام ولاحظناها في مواقع التواصل الاجتماعي، والمنتفخة بالتعالي والتكبر والغرور العربي والاستهزاء والتشكيك والاستصغار للشعب الكوردي، أساء للعراقيين عموماً وأثار الخلافات وغذى الأحقاد بين الكورد والشيعة، وفي الوقت ذاته زاد من تمسك الكورد الفيليين بكورديتهم الأصيلة.
 


127
هجرة شعب كوردستان... وفرنسا
صبحي ساله يي
  الهجرة المليونية للكورد نحو الحدود الإيرانية والتركية في نهاية شهر آذار وبداية نيسان 1991، جاءت لتبعث الروح في إنتفاضتهم العارمة، التي إنطلقت في الخامس من آذار من ذات العام، والتي بدأت بمدينة رانيه وانتشر لهيبها، وفي غضون أسبوعين استطاع البيشمركه الأبطال والمنتفضون أن يحرّروا معظم قرى ومدن وقصبات كوردستان، وتزامن حلول عيد نوروز مع تحرير مدينة كركوك الكوردستانية.
تلك الهجرة آذنت بمرحلةٍ جديدةٍ، عنوانها التحرّر من قيود فرضته نظام البعث الاستبدادي، والخلاص من آفات التعريب والترحيل والتبعيث والإبادة والمقابر الجماعية، ومعناها الأوسع والأكبر كان التعلَّق بآمال وطموحات مشروعة وفق جميع الشرائع والقوانين. وقالت( الهجرة): كانت الإنتفاضة ضرورة موضوعية ونتيجة طبيعية لتراكماتٍ وتركات كثيرة لها علاقات بمواقف سياسية وإجراءات اقتصادية وعسكرية وفظائع بعثية وجراح مفتوحة، وثقافة كوردستانية أصيلة تمتد جذورها في عمق تاريخ شعب فهم لغة العصر والتخاطب مع العالم، رفض الذل والهوان، لا يقهر ولاينحني، سعى نحو التقدّم تطوير الحياة والنصر واللحاق بركب الديمقراطية، وهناك العشرات من الحوادث والمعطيات التاريخية التي تؤكد هذه الحقيقة.
المتوجهون نحو الحدود الدولية، وبعد أن ذاقوا طعم الحرية والانعتاق، لم يكونوا متأكدين من فتح الحدود أمامهم، ولكنهم كانوا متأكدين من تخلي البعض عنهم وعن إنتفاضتهم وتغاضي الطرف عن ممارسات وحشية وعدوانية بعثية تنتهك الحقوق الإنسانية وجميع القيم وأعراف العدالة وحقوق الانسان والثوابت الدينية والأخلاقية، بعد توقيع النظام العراقي على إتفاقية الاستسلام الشهيرة، تحت خيمة صفوان. ألإتفاق الذي سمح للبعث بإستخدام طائراته المروحية وجنوده المنهزمون العائدون من الكويت ضد المنتفضين الشيعة في الجنوب والكورد في كوردستان. كما كانوا متأكدين من أن النظام أصيب بالغرور والشعور بسكرة النصر المزعوم على الشيعة في جنوب العراق، الذي لم يكن ممكناً لولا خيانة الأمريكان، سيحاول أن يستعيض عن هزيمته السريعة والمذلة والمهينة بتحقيق إنتصار يمحي جزءاً مما لحق به من عار، وسيستخدم ما يملك من قوة وإمكانات بوحشية مفرطة، لاستعادة المناطق المحررة. وكانوا على علم بتصرفات الصداميين ووحشيتهم. لذلك رفضوا قبول العيش مرة أخرى في ظل حكومة فاشية لاتراعي أبسط القواعد الانسانية. وقرروا، بعد أن وجدوا دوافع ومسوغات كثيرة لترك ما يملكون والتوجه نحو الأعالي، وبدؤا بالهجرة المليونية نحو الحدود الإيرانية والتركية، وتحملوا تبعات وويلات قرارهم. ودفعوا الثمن ومات المئات من الأطفال والنساء والشيوخ على الحدود بسبب الظروفٍ المناخية القاسية.
لكن أشراف العالم ومنهم (فرنسا) صديقة الكورد التي تحترم وتدعم إرادة شعب كوردستان، والتي كانت وما زالت تدرك تماما معاناة الكورد، لم تترك الكورد لمصيره في ظلّ غياب الرعاية الدولية والأممية، بل وقفت الى جانبهم في تلك الأوقات الضيقة ودافعت عنهم في المحافل الدولية، وأوصلت القضية الكوردية بفضل موقفها الى مراتب متقدمة، وطالبت في عهد رئيسها فرانسوا ميتران، مجلس الأمن الدولي بتوفير الحماية للكورد، حيث صدر القرار 688 في 5 نيسان عام 1991 الذي فرض المنطقة الأمنة والحماية الدولية لكوردستان، ودعا النظام العراقي الى الكف عن مطاردة الكورد الذين يرفضون سياساته ووقف القمع الذي يمارسه بحق المدنيين في العراق، وناشد جميع الدول والمنظمات الانسانية للمساهمة في جهود الإغاثة في تلك المناطق، وبدأ المواطنون الكوردستانيون بالعودة إلى مدنهم وقراهم، بعد أن حصلوا على المنطقة الأمنة، واصبحوا اصحاب برلمان منتخب وحكومة كوردستانية تسهم في تحقيق تطلعاتهم المشروعة. وهنا لابد من التذكير، بأن فرنسا ذاتها، وفي عهد الجنرال ديكول، ألغت صفقة لبيع سربين من طائرات الميراج الى العراق في الستينيات من القرن الماضي بعدما تلقت رسالة من البارزاني الخالد، يذكر فيها أن الطائرات ستستعمل لقصف الكورد.
وللتذكير أيضاً، بالوقف الفرنسي، نقول : من سمع الكلام السليم للرئيس الفرنسي، ماكرون بشكل دقيق، عندما إستقبل السيد نيجيرفان بارزاني في الأيام الصعبة التي تلت الهجوم على كركوك وبقية المناطق الكوردستانية، بعد إستفتاء إستقلال شعب كوردستان والتعبير عن رغبته، يدرك ان الحكومة الفرنسية ما زالت تدرك تماما من هم الكورد، وما يشكلونه من عامل للإستقرار في المنطقة ككلّ، وتقدر دورهم المشرف في الحرب ضد الإرهاب وإستقبال النازحين والمهجرين، كما يعلم إنه اظهر أن إدارته ليست مستعدة للتضحية بعلاقاتها القديمة والوثيقة مع الكورد من أجل حماية مصالح معينة مع الذين يثيرون الغرائز القومية والمذهبية ويؤججونها، ويعلم إنها لا تريد أن تبقى مجرّد متفرّج على ما يدور في العراق والمنطقة ولاتترك الكورد لمصيره في ظلّ غياب الرعاية الدولية والأممية.
 


128
المنبر الحر / ثروة البارزاني
« في: 22:24 24/03/2019  »
ثروة البارزاني
صبحى ساله يى
رغم أن الرئيس مسعود بارزاني ليس بحاجة الى تضخيم إعلامي من قبل كاتب هنا،  وآخر يدافع عنه هناك ويتحدث عن نزاهته وشجاعته وإخلاصه وواقعيته السياسية، لأن غالبية مواطني كوردستان والعراق وسياسيي وقادة المنطقة والعالم يعرفونه ويعرفون قدراته كقائد وطني وقومي يتطلع الى مستقبل شعبه، ويعترفون بإنه مهم ومؤثر يتمتع بثقل سياسي وشعبي كبيرين، وهو الأقدر فهماً للتحولات والمتغيرات المحلية والإقليمية، وفي حياته محطات مليئة بالفخر والجذب والشد. وله شبكة متينة من العلاقات مع الكثير من اللاعبين الإقليميين وقادة الأحزاب السياسية في العراق والمنطقة والعالم، علاقات ترتقي مع بعضهم الى الصداقة ومع البعض الآخر الى الشراكة في المواقف. وحتى خصومه وأعداء شعب كوردستان رضخوا للأمر الواقع ويعترفون مجبرين بقيادته وحكمته.
سقت بهذا الكلام كي أتحدث عن التقرير الصحفي الذي تحدث قبل أكثر من عام عن ثروة الرئيس مسعود بارزاني، عندما، عجز عدد من القنوات الاعلامية والنواب والسياسيين والكتاب عن قراءة التقرير بموضوعية وحيادية، وتحليلها بلغة الحكمة والعقل، أو بعيداً عن نطاق نظرية المؤامرة والتمنيات الشخصية والصراعات السياسية والمنافع الحزبية (رغم أن الصحيفة التي نشرت التقرير قدمت إعتذاراً، وقالت : ان معلوماتها لم تكن دقيقة).
 البعض من العاجزين، وبالذات الذين كانوا مرتهنين للتخمينات والاستنتاجات البسيطة التي تحظى بقبول ثلة منتفعة من تعقيد وتوتير الاوضاع، روجوا بحفاوة وتأييد للموضوع عبر تصريحاتهم وفق خطط مقصودة وبمرافعات طويلة ومناقشات وقحة، أو من خلال كتابات ركيكة مثيرة ومنافية للحقيقة. وإستبسلوا في تصعيد وتيرة القلق، والظهورعلى القنوات الفضائية وأمام المئات بل الآلاف من المرهقين والمساكين ليوجهوا اليهم خطاباً ممزوجاً بالخداع والغش عن الجواز وعدم الجواز والحق والباطل.
بعضهم ونتيجة لموروثات سلبية سابقة وعقد تاريخية وضغائن قديمة، لم يستطعوا إسقاط الحمل الذي عاش في أحشائهم فوجدوا في ذلك التقرير الصحفي شهادة تأييد لأكاذيب منظمة جديدة قديمة مليئة بالتهم الخطيرة، فباركوا سريعاً كل المقالات التخوينية الفجة التي إعتمدت على التقرير المذكور، والتي أستخدمت فيها الجمل والعبارات القريبة من الخيالات العتيقة، بهدف التدليس على الجميع. وأيدوا الأساليب الفضفاضة والفبركات التي كتبت بسماجة، والمقولات التي أطلقت وتناقلتها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، وخلقوا التوتر بتوصيفات خالية من التحليل، وجافوا كل الحقائق لغايات ومآرب خاصة ومعلومة بهدف إلهاء الشعب وتخديره، وربما تنويمه الى أجل معين، وإلتبست عندهم المفاهيم والعادات والتقاليد والقيم، وإختلط لديهم العام بالخاص، وكانت النتيجة ثمرة عفنة لا يأكلها العاقل، ورائحة نتنة لا يقبلها الذوق، وتناسوا أو تجاهلوا الأعداء المتربصين بالكورد.
الرئيس مسعود بارزاني، قرأ ودرس تلك الشائعة بسلاسة وهدوء، ونظر إلى القضية بموضوعية وعمق، فسمى الشىء بإسمه، وكشف عن الحقيقة بواقعها، وأدرك حجم الصخور الموجودة امام أبواب ونوافذ عقول المشككين الذين يستحقون ألقاباً يخجل الإنسان من حملها، ورأى إنهم بحاجة الى الصحوة والاتعاض والعودة الى جادة الصواب، لأنهم كانوا في غفوة. فظهر وتحدث عن ثروته الحقيقية، فقال :   
(يتحدثون عن ثروتي، ولا يعلمون أنني أغنى رجل في العالم، وثروتي الفعلية تبلغ 48 مليون كوردي).
 
 


129
جريمة هلبجه والعدالة المتأخرة
صبحي ساله يي
كتب الكثير حول جريمة قصف هلبجه بالسلاح الكيمياوي وقتل أكثر من (5000) إنسان بريء من قبل حكومة البعث القمعية المتجردة من الاخلاق، والخارقة لكل التعاليم السماوية والقوانين الوضعية والاتفاقيات والعهود الدولية في تعاملها مع الكوردستانيين عامة وقسماً من العراقيين. بعض الآراء إنطلقت من الثوابت الإنسانية المتعلقة بمكان وزمان تنفيذها، وبتأويلها وتفسيرها ووصفها بأكبر الجرائم المروعة المرتكبة ضد الكورد كشعب لا دولة له، وكشعب معروف بالتسامح وسعة الصدر ونشر المحبة والتآلف بين الناس جميعاً. وإنطلقت بعضها الآخر من أجل التعريف بوحشية النظام البعثي الذي إنتهج الحماقة تجاه كل ما هو كوردي وكوردستاني، ولم يفرق في وحشيته المفرطة وغير المبررة بين البيشمركه المؤمن بقضايا شعبه ووطنه العادلة والذي كان يحمل السلاح دفاعاً عن أرضه وعرضه، وبين المريض وكبير السن والحامل والطفل الرضيع. كما أنطلق آخرون في كتاباتهم عن هلبجه من أجل تذكير الجميع بسياسات الحرق والقتل والتهجير والتدمير، وبالأنفال بمراحلها المأساوية الثمانية وشهدائها، وبثمانية آلاف شهيد من البارزانيين المغدورين، وتهجير أكثر من نصف مليون كوردي فيلي الى إيران بذريعة انهم من اصول إيرانية، بعد حجز وتغييب اكثر من 20,000 من أطفالهم وشبيبتهم ورجالهم ونسائهم، واستخدام القسم الاكبر منهم في تجاربه الاجرامية على الاسلحة الكيمياوية والجرثومية، وإستخدام ناتج تلك التجارب البشعة في قصف هلبجه ومناطق أخرى في كوردستان كعسكر وجافايتي وباليسان.
لكننا في الذكرى الحادية والثلاثين لقصف هلبجه، نكتب لنوضح بعض الحقائق، أولها: جرائم البعث وما جاءت معها من ويلات ومآسي وتدمير، لم تحرك (في حينها) ضمائر الكثيرين من (الإخوة) في الدين والشركاء في الوطن والساسة والكتب والأدباء وأئمة الاسلام في العراق ودول الجوار والعالم.
وثانيها: (بعد) سقوط الصنم سمعنا الكثير من الكلام الطيب والجميل، وإستبشرنا خيراً وتوقعنا نهاية المعاناة وتحقيق العدالة، وكاد أن نقتنع بأننا شركاء حقيقيين في الوطن، وبالذات عندما اتخذت السلطات التشريعية والقضائية الاتحادية قرارات واضحة وصريحة تؤكد أن ما ارتكبه النظام السابق من جرائم ضد الكورد هي جرائم ابادة جماعية.
وثالثها: عندما إشتد ساعد (الشركاء) في بغداد، نسوا التعهدات والمنطق والعقل والواقع والاستدلال والتجربة، وعجزوا عن التحليل والقيام بأداء المسؤوليات المنهجية، وتنكروا لكل الحقائق الموضوعية. ووضعوا القرارات على الرفوف العالية ولم تنفذ بسبب وجود التلكؤ الواضح، والتهرب المقصود لدى الاجهزة التنفيذية للدولة، وبسبب إستمرار عقلية العداء تجاه الكورد لدى أناس تولوا زمام المسؤولية.
ورابعها: بعد جريمة هلبجه التي لاتغتفر، والفريدة من نوعها، والتي إرتكبها واحداً من دعاة القومية العربية، مارس الدواعش خلال السنوات الماضية ذات النهج الصدامي ضد الكورد. كما شاهدنا تصرفات عدوانية من الشركاء في العملية السياسية تتطابق مع تصرفات الصداميين الإجرامية اللاإنسانية السابقة، تصرفات تدل على إنهم يتوجّسون منا ويمارسون التعالي معنا وأنواعاً مبتكرة من المؤامرات الهادفة إلى إضعافنا، ويكررون المواقف والشعارات الالتوائية.
وخامسها : مازال أهالي الضحايا ينتظرون تحقيق العدالة المتأخرة.


130
مفاوضات تشكيل الحكومة،
والثوابت غير القابلة للمساومات
صبحي ساله يي
  بعد إعلان نتائج الإنتخابات البرلمانية في إقليم كوردستان، وبعد ترشيح السيد مسرور بارزاني من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الفائز الأول في الإنتخابات، لتشكيل الحكومة الجديدة، توقع المراقبون للشأن السياسي الكوردستاني تشكيل الحكومة الجديدة المتجانسة والقادرة على اتخاذ القرارات، في وقت قصير، ووفق معايير التشكيل الطبيعية، وذلك لأسباب كثيرة :
 أولها، ثقة الأطراف الفائزة، التي تريد المشاركة في الحكومة، بقوة شخصية مسرور بارزاني وإمكاناته السياسية والإدارية والأمنية، تلك الثقة النابعة من نجاحه بشكل كبير في جعل كوردستان واحة للأمان والإستقرار، رغم الحرب مع داعش، وقطع الموازنة السنوية من قبل الحكومة الاتحادية والمشكلات الداخلية، ورغم قسوة البعض وتحاملهم غير المبرر، ومساهمته المميزة والفعالة في جعل الإقليم مثلا رائعاً في مجالات العدالة الاجتماعية والحماية الحقيقية لحقوق الانسان، حماية تستند إلى أرفع القيم الإنسانية، وتحقيق التطور الافت في مجال حماية وإيواء مئات الالاف من النازحين، وتبني نهج عقلاني حكيم في التعامل مع جميع الملفات المهمة.
وثانيها، بسبب التصريحات والرغبات المعلنة قبل وبعد الإنتخابات، من قبل غالبية السياسيين، التي أشارت الى تقارب وجهات النظر بينهم، وتأكيد حرصهم على الإستمرار في الحفاظ على الأوضاع القائمة والتعايش والنظام الديمقراطي وصيغتها النموذجية وتصحيح العلاقات البينية، وإزاحة العقبات غير الجوهرية عبر مغادرة الأفكار غير الواقعية وعدم المطالبة بأكثر من المستحقات الإنتخابية في عملية التشكيل، لتكون الوليدة، حكومة إنطلاقة جديدة للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وثالثها، بسبب تفاؤل البعض وتوقعهم تنازل البعض عن قسم من حصصهم ومستحقاتهم من أجل التوافق ومن أجل مواجهة تحديات الأوضاع المعقدة وتهديدات الإرهاب التي مازالت قائمة في المنطقة.
 ولكن، ما جرى حتى اليوم من مشاورات لتشكيل الحكومة، مسار لا يناقض التوقعات تماماً، ولايتطابق معها ولا مع التمنيات القائمة، خاصة أن البعض يتمسك بشدة بشروطه العالية السقف، وهو يعلم أنها مرفوضة جملة وتفصيلا، ويلجأ الى تعقيد الأوضاع وعرقلة المساعي التي تستند على معايير معروفة لدى القاصي والداني. والبعض الآخر يمارس إستعراضات علنية معتادة لتوتير الأجواء عبر إساءات لفظية بحق الآخرين ويخوِّنهم ولا يطمئن لهم، ويخشى من إسناد هذه الحقيبة الوزارية لذاك الحزب أو هذا، ويبدي شكوكه إزاء كل كلمة أو تعقيب أو تلميح لا يعجبه ولا يتوافق مع رغباته. علماً أن الفائز الأول مازال متمسكاً بالدبلوماسية الهادئة في التعاطي مع جميع الملفات، وأن غالبية الأحزاب تسعى للمشاركة في الحكومة وتعزيز دورها فيها. والسجالات الدائرة بينها، رغم تسميمها للأجواء، تؤكد عدم تقاطع الأوضاع الداخلية للأحزاب السياسية مع عقبات تتعلق بالنقاط الخلافية أو الصراعات السابقة التي حصلت على الساحة السياسية، وعدم وجود عقد دينية أو قومية أو مناطقية تؤثر سلباً على التوافقات أو تؤخر عملية إنضاج جهود تشكيل الحكومة. 
بين هذا وذاك، يمكن القول أن الإتفاق الآخير بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني، قد سلط الضوء على الإتفاقات السابقة بينهما والتي إكتسبت شهرة كبيرة في الداخل والخارج. كما أكد أن المفاوضات بين القوى الكوردستانية لا تفشل لو تم مراعاة القضايا المتعلقة بالمصير المشترك، وتثمر لو إبتعد الجميع عن المناكفات والاتهامات المتبادلة، ولو تمسكوا بمواقف لا تعارض التوافق السياسي في بناء العملية السياسية، وفي دفع الجهود إلى مربع النجاح التام ومكانها الصحيح، وفي تشكيل حكومة الاقليم وتوزيع المناصب، طبعاً، دون التفريط بالثوابت الوطنية غير القابلة لأي مساومات.


131
رحل البارزاني، ولم يرحل
صبحي ساله يي
في آذار 1975، وبعد التوقيع على إتفاقية جزائر المشؤومة التي دبرت في الكواليس، وشاركت فيها أطراف عدة، تعرض الكورد وثورتهم التحررية، ثورة أيلول، وقائدهم الخالد مصطفى البارزاني، لغدر الأعداء وخيانة الأصدقاء، في مقابل عن تنازلات عراقية كبيرة لشاه إيران. وتجنباً للويلات وحقناً للدماء، قرر البارزاني الخالد، المعروف بحكمته وخبرته وذكائه الاسطوري الخارق وشجاعته وحرصه على شعب كوردستان وبيشمركته البواسل، القبول بالخيار الصعب والحرج، والايقاف المؤقت للقتال والعمليات العسكرية.
 حينها، سكت العالم على حصار شعب أعزل، وغلق كل الطرق بوجههم، وسكت على جبروت وعدوانية البعث وسلطاته المتغطرسة بعنصر القوة من دون الاعتراف بالكورد كشعب يحق له ما يحق لغيره، ورضى وصمت على الجرائم الشوفينية اليومية التي إرتكبت من قبل الدوائر والأجهزة القمعية البعثية في المدن والقرى والمدارس والدوائر وحتى المساجد والكنائس الكوردستانية، وقبل بمقارباتها وأقوالها وأفعالها الخادعة ومكائدها ودسائسها في المحافل الدولية.
بغداد لم تتوقف للحظة من التفكير في الإعتداء وإرتكاب أبشع الجرائم بحق الانسان الكوردي، وتدمير بنية كوردستان التحتية. والأمر المؤسف الذي يجب التنويه اليه هو إستدراج العراقيين الى معاداة المواطن الكوردي وإستفزازه، وإنجرار شريحة من الحمقى الكورد والعرب وشذاذ الآفاق نحو الفخ البعثي ومغرياته وكلامه المعسول ووسائله الاعلامية الخبيثة التي كانت تطرح الأكاذيب لتشرعن وتبارك إغراق الكورد في الوحل متى ماشاء الدكتاتور، والبعض منهم تمادى في مدح البعث وتلميع صورته وزمر للنزعات الإجرامية التي كانت تعشعش في عقله وفي العقل السياسي المتخلف الذي كان يعبر عن أحقاده تجاه كل ما هو غير عربي بأشكال مختلفة وفي فترات متفاوتة، ومع ما كان يتوافق مع طبيعة الظروف. 
حكمة البارزاني الأب، في ذلك الظرف التاريخي الصعب وغير الاعتيادي، وتمسكه بالكوردايتي، ورؤية نجليه، الشهيد إدريس والرئيس مسعود، وتصوراتهما، أصبحت الاستراتيجية السياسية الوطنية والقومية للثوار، إستراتيجية النضال والوقوف بوجه الصلف والارتجال الحكومي البعثي، ورفض كل أنواع الخضوع والخنوع والانصياع، فأنطلقت ثورة كولان في 26/ أيار / 1976. وللأسف الشديد أصيب البارزاني الخالد بمرض عضال، فإضطر الى السفر الى الولايات المتحدة الأمريكية لتلقي العلاج.
حينما سقط شاه إيران، وفي ظل ظروف جديدة، كان الجميع ينتظرون تنقية الأجواء المشحونة بالتوتر وإنعدام الثقة ورفع المعاناة عن كواهل الكورد وشفاء وعودة البارزاني الخالد لمواصلة مسيرة التحرر ورسم رؤية جديدة تحدد معالم المستقبل، ولكن، جاءت جهينة في الأول من آذار 1979، بالخبر المؤلم الذي ما كان منتظراً، ونقلت الإذاعات العالمية نبأً أبكت الكثيرين. وقالت : لقد رحل مصطفى البارزاني.
اليوم وبعد أربعين عاماً على رحيل البارزاني الخالد، عند الحديث عن رحيله، لايمكن قياس الخسائر والأحزان بحساب الأيام والأشهر، أو بحجم الشعور بالألم والأسى، بل بالظروف المحلية والاقليمية الصعبة والمعقدة التي أحاطت بذلك الحدث الجلل، وبالمعاني التي جاءت بها الفعاليات الميدانية للكورد في الوطن والجاليات الكوردية في الخارج، وبحرص الكوردستانيون، المتمسكون بنهجه وعقيدته على مواصلة النضال، الذين يمتلكون أوراقاً كثيرة يستطيعون أن يلعبوا بها ويحددوا المسارات والمنطلقات والأولويات والمسؤوليات الوطنية والأخلاقية. وبرؤية الرئيس مسعود بارزاني وبحرصه الشديد على التعايش والتسامح مثلما كان دائماً، وبفتحه أبواب الحوار لإستيعاب كل وجهات النظر والإتفاق، وبحثه الدؤوب بجدية عن الحلول المناسبة التي تجلب التآخي والتعايش والإستقرار والأمان.
 


132
كوردستان وسماسرة السياسة ومرتزقة الإعلام
صبحي ساله يي
بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على المصادقة على نتائج إنتخابات برلمان كوردستان، النتائج التي بينت الحقوق ورسمت خارطة الطريق للدخول التدريجي الى مرحلة عقد الاتفاقات لتشكيل الحكومة الكوردستانية الجديدة التي تحافظ على المكتسبات، والتي تتمكن من التعامل مع الملفات الخطرة والحساسة. وبعد خلق وضع جديد بطريقة تعتبر علامة صحية وصحيحة، وتموضع جديد على الساحة السياسية. أنهى برلمان كوردستان جلسته المفتوحة في الثامن عشر من شباط 2019، بإنتخاب هيئة رئاسته وبشكل ديمقراطي، تمهيداً لتشكيل الحكومة الجديدة ودعمها ودعم النظام السياسي في كوردستان.
الذين قاطعوا الجلسة وغادروا قاعة البرلمان، والذين لم يصوتوا لصالح أحد، والذين صوتوا لإنتخابات هيئة الرئاسة، مارسوا حقوقهم الطبيعية والدستورية والقانونية. وجميع رؤساء الكتل البرلمانية أو الناطقين بأسمائها دافعوا عن مواقفهم، وعن كل الوقائع والحقائق على الأرض بشكل حضاري بعيد عن السجال والتشنج والتوتر.
ولكن مواقف سماسرة السياسة، المرتهنين للتخمينات والاستنتاجات البسيطة، والعاجزين عن قراءة المسألة بموضوعية وحيادية، وتحليلها بعيداً عن نطاق الصراعات السياسية والمنافع الحزبية، والذين لا يرون حجم التحديات ولا حجم مسؤولياتهم، ولا يقدرون مخاطر التموضع والإصطفاف مع الجهات المتنازعة مع كل ما هو كوردي وكوردستاني، والذين لا يدركون مخاطر التهديدات المستمرة المتتالية والضغوطات الإضافية من أطراف عدة، ومحاولات إغراق البلاد في صراعات عنيفة وشائكة ومعقدة يتم دفع ثمنها باهظا على كافة الأصعدة. تطابقت مع مواقف ومآرب ونوايا الذين يهددون الكوردستانيين ويحاولون إقلاقهم الى نهاية المطاف الذي يضمن مصالحهم، عبر فتح كل الأبواب أمام الفوضى وجميع الإحتمالات والتوقعات، وصب الزيت على النار. كما تم إلتقاطها وإستغلالها من قبل مرتزقة الإعلام الذين يريدون اشغال الرأي العام بقضايا وخلافات هامشية.
هؤلاء، ونتيجة للجهالة وعدم الدراية لم يستطعوا إسقاط الحمل الذي عاش في أحشائهم فوجدوا في الإختلاف بين الحزبين الرئيسيين في كوردستان، الديمقراطي والإتحاد الوطني الكوردستانيين، شهادة تبرئة لكل التصرفات والأقوال التي تدفع عنهم التهم، وباركوا سريعاً كل التصريحات والمقولات، التي أطلقت وتناقلتها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تضمنت النقد اللاذع والسخيف لمن يتهمونه، وحتى للبرلمان الذي إنتخبه الشعب. كما أيدوا اللغة التخوينية الفجة والأساليب الفضفاضة والفبركات التي كتبت بسماجة، والتبست عندهم المفاهيم والعادات والتقاليد والقيم وإختلط لديهم العام بالخاص، وروجوا للاتجاهات السلبية بحفاوة، وإستبسلوا في قذف التهم على الآخرين، والظهورعلى القنوات الفضائية وأمام المئات بل الآلاف من المرهقين والمساكين ليوجهوا اليهم خطابا ممزوجاً بالخداع والغش عن كركوك والمناطق الكوردستانية الأخرى. وإنتظروا موسم قطف الثمرة العفنة التي لا يأكلها العاقل، وتنفس الرائحة النتنة التي لا يقبلها الذوق، وتناسوا أو تجاهلوا النيران الملتهبة والمرتفعة في أطراف الإقليم الأربعة، وآثار الحرب مع داعش وتداعياتها وتأثيراتها، وتوقف الكثير من المشاريع الاستثمارية والعمرانية والخدمية، والحالة النفسية السائدة بين الناس بشكل عام، كما تناسوا خطورة توجيه البلاد والعباد نحو الفوضى والانزلاق نحو الضفة التي يستفيد منها الاعداء.
وبين هؤلاء وأولئك، البعض يقول إن بعض الإعلاميين ضحايا لتصريحات السياسيين وتهويلاتهم ووجهات نظرهم المتعددة وإداعاءاتهم من أجل تحقيق غايات شخصية. والبعض الآخر يقول إن بعض السياسيين ضحايا لأخبار تسوقها وسائل الإعلام غير المهنية لتضليلهم وتظليل الرأي العام. 
ولكننا نقول: الحزبان سيتفقان غداً، أو بعد غد. وهؤلاء وأولئك ولأنهم الآن في غفوة ولا يخشون المحاسبة، إعطوا نماذج سيئة عن الشخصية السياسية والإعلامية الهزيلة، وكشفوا ضحالة أفكارهم، من خلال ترجل ما يشتهون من الكلام، ومقولات سوقية ومعلومات كاذبة تهدف الى الإثارة ولتكرار الظهور والكتابة. لذلك يستحقون أن تطلق عليهم ألقاباً يخجلون من حملها.
 
 
 

133
الكورد وغيرهم وكركوك
صبحي ساله يي
الكورد في كركوك يتشاركون مع البعض من التركمان والعرب والمسيحيين في الأماني والتطلعات والمصالح وفي تجارب حلوة ولذيذة كالعسل، ولهم مع البعض الآخر تجارب مرة كالحنظل، ألحقت بهم أضراراً بالغة، وأحدثت إشكالات كثيرة، وأوقعت آثارا مؤسفة إستوجبت دفع الثمن باهظاً.
ولكنهم (أي الكورد) يختلفون مع الآخرين في التاريخ السياسي الحديث، وفي التعرض للمآسي والكوارث والمصائب. لأن كل الذين تولوا الحكم في العراق في عهوده الملكية والجمهورية و(الديمقراطية الفدرالية)، إعتبروا أنفسهم على حق وعلى الآخرين الخضوع لهم، وجميعهم سخروا ما عندهم من الحيل والمال والسلطات والسلاح ضد الكورد. وتعاملوا مع الكورد الكركوكيين كأبناء قومية من الدرجة الثانية أو حتى العاشرة، وجميعهم عانوا من عقدة اسمها كوردستانية كركوك، لأنهم ما كانوا يفقهون أن السياسة خيارات، وأحسنها الاعتدال والتعاون والتفاهم وقراءة الواقع كما هو، وسياسة كل شيء أو لاشيء سياسة ساذجة وفاشلة ومخادعة للذات, ولايعرفون أن إطالة أمد الصراع ستؤدي إلى ردود أفعال ربما تكون عنيفة. وأنكروا عليهم حقوقهم وأذاقوهم العلقم ووصلت الوقاحة بأحدهم الى تسخير آية في القرآن الكريم ليستخدمه كأخطر سلاح ضد الكورد. وآخر جاء من بعده مستندا على أيديولوجيته المذهبية والقومية، متعالياً بغيضاً مقلداً ممارسات صدام الانتقامية والشوفينية، راغباً في بسط سيطرته المطلقة على كل شيء، ومتكلاً على سياسيين باحثين عن الفوضى. قطع رواتب الموظفين والعمال والمتقاعدين الكوردستانيين، ولو كانت الظروف كظروف الحرب الباردة، ولو كان يملك أسلحة وجيش صدام، لما توانى عن استخدامهما ضد الكورد.
وآخر جاء وهو يكن عداءً دفينا ضد الكورد عموماً ويستكثر عليهم ما يعتبره الآخرون حقوقاً مشروعة، وتعاون مع الذين سعوا الى محاصرة كوردستان وإجهاض تجربة الكوردستانيين النموذجية، ومنح المزيد من الزخم للسياسة غير الواقعية تجاه الكورد بشكل عام والكورد في كركوك بشكل خاص، وتحالف مع الذين وصفوه بأوصاف بذيئة ليس من اللياقة تكرارها. كما مارس أخبث أساليب الكذب والخداع والاستفزاز والتحريض تجاه تطور إقليم كوردستان وتقدمه، تحت يافطة تطبيق القانون والدستور، وغذى الانقسامات السياسية والقومية والمذهبية التي تفرضها الانتماءات والمصالح، وتاجر بدماء الأبرياء الذين وقعوا ضحية التعصب المذهبي والقومي. وما حدث في خورماتو وكركوك خلال شهر إكتوبر 2017،  من سلب ونهب وحرق وإراقة للدماء وتهجير وترحيل وإبعاد عن الوظائف الحكومية، وإغلاق للمدارس الكوردية، دليل دامغ وواضح على أن العقليات المسكونة بالوهم والخرافة لاتؤمن بالمساواة والعدالة والقانون والدستور ولايمكن أن تتعاطى مع الأمور السياسية بإيجابية.
سبب هذا الكلام هو الأحاديث التي تدور هذه الأيام، حول كركوك، والتذكير بنار داعش الهادئة التي تحاول أن تكبر وتشتعل في أجواء مليئة بالمفاجآت، والرد على أصوات المنتفعين والانتهازيين المستعدين لتبرير أخطاء الآخرين في حق جميع الشرعيات، والذين يظنون بأنهم لايجدون في الميدان السياسي والإعلامي من يتصدى لهم، وإنهم سيتمكنون من خلال إزدراء القانون ونبرة المؤامرة والمفردات الموروثة والخواء السياسي المبالغ في الكذب والدجل والتزييف، إفساد الرأي العام، وتمرير أجنداتهم الشوفينية الضيقة، واختراع أعداء خارجيين وداخليين وهميين ضد عودة البيشمركه الى كركوك وعودة كركوك إلى أحضان كوردستان.
ولنقول أن : كركوك بحاجة إلى أفعال وطنية مبهرة، وليس إلى أقوال ومزايدات، بحاجة إلى تصويب السياسات والمواقف، وليس التوتر والتأجيج والفوضى.
 


134
كل الطرق تؤدي الى كركوك
صبحي ساله يي
  قبل أحداث إكتوبر2017، لم يخمن أو يتوقع الكثيرون، وربما لم يتوقع أحد، أن الوضع في كركوك سيصل إلى مرحلة تقوية دور الشوفينيين بمساعدة الميليشيات على حساب الكورد وبعض التركمان  وتشتتهم، وتحول المناكفات والجدالات الى تهديدات ومعارك كسر الإرادات وتجديد الحرب المستمرة ضد الكورد منذ عقود، ولإجهاض المكتسبات الكوردية، وإطلاق يد مسؤول شوفيني حاقد ومتعطش لنشر الفوضى في كل مكان ويكن العداء للآخرين ولايؤمن إلا بلون واحد، وليمارس التهميش والترهيب والتعريب والتهجير والتغيير الديمغرافي. وأن تصل الأمور الى هذه الدرجة من التعقيد والتشابك في المصالح والتغيير في المواقف السياسية والمفاجئات في النتائج، وفرض الحلول بأي طريقة كانت على حساب الكورد لمجرد كونهم كورداً.
  كثرة التصريحات والمواقف المعلنة تجاه كركوك، فقد أدت الى خلط الكثير من الأمور. وسماع بعضها كانت تأخذك الى الريبة وإمتلاك الفزع، لأنها كانت غير مسؤولة، وأصحابها أطلقوها لإثارة النعرات بين مكونات المدينة، خوفاً من خيالهم وإفتضاح نواياهم المشبوهة ومؤامرات ومكائد أسيادهم المدبرة في الغرف المغلقة. وبعضها كانت ردات فعل، أيضاً غير مسؤولة، وأصحابها زايدوا وأرادوا صب الزيت على النار ليقولوا للآخرين أن كركوك (برميل بارود)، وأرادوا تضييع إنجازات البيشمركه ودفاعهم البطولي عن المدينة ومكوناتها وتضحياتها الكثيرة في سبيل دحر الإرهاب وحماية الكركوكيين من بطش وإرهاب داعش.
وفي هذه الايام، وفي ظل الاجواء السياسية الحالية التي ربما تساهم في تطبيع الأوضاع في كركوك وفقاً للمادة ١٤٠ من الدستور العراقي، عادت قضايا كركوك الى واجهة الاخبار، وعاد البعض من الكتاب والإعلاميين والسياسيين، وبالذات، أصحاب الأحقاد الدفينة والإدعاءات والإيحاءات المزيفة، الى التحدث عن الممكن وغير الممكن والمقبول واللامقبول، والظهور كأنهم متخندقون في سواتر الدفاع عن الحق أينما كان، عبر أقوال وتصريحات وكتابات تدور في فلك الشطحات والهرطقات الهزيلة المبتذلة والنفاق على الطريقة الشيطانية والعابرة لحدود ومعايير المنطق والعقل، وتؤكد عبثية الهروب نحو الوهم والسراب والركض من أزمة إلى أخرى بالإنتقاد والهجوم والصراخ والوقوع في المحظور، وإتهام الآخرين وترديد النغمات الممجوجة عن الحقوق والقانون التي ظاهرها العدالة والقانون، وباطنها اللاعدالة واللاقانون، وبعضها تدخل في باب الأعاجيب والإشاعات وتدل على الحماقة والتسقيط والصلف.
السؤال هنا هو:
  ماذا نفعل مع أناس لايفقهون شيئا من علم السياسة وأركانها، واعماهم الله فلا يرون الاشياء على حقيقتها الا ضمن الذي يريحهم، وقد استبدلوا التعايش والتسامح وإحترام الآخرين بالصراع والأنانية والحقد والتفكير بالمصالح الشخصية والحزبية، ويسعون لبلوغها مع كل أزمة أو مشكلة، ولايفرقون بين تطبيق الدستور لكي يكون منهاجاً للعمل المستقبلي في التعامل بين المكونات القومية؟
   ماذا نفعل مع أناس يعانون من عقد عدة تحكمت سابقاً في إرتباطاتهم وخلفياتهم الفكرية والعقائدية والتنظيمية، وتتحكم حالياً في توجهاتهم وأدائهم وأهوائهم وإنتمائهم ؟
  ماذا نفعل مع أناس من الظلم أن نسميهم كتاب وإعلاميين وسياسيين، لأنهم خائبون منهزمون خائفون من المواجهة في الظروف الصعبة والحالات الشديدة، ويندبون حظهم العاثر في حالات الانفراج والانفتاح، يرددون ما يقوله المسؤولون في العواصم المجاورة، ويريدون عدم عودة الفرحة التي غابت عن كركوك جراء النيات السيئة، ولايشعرون بالمسوؤلية الوطنية والقومية، وبوجع وألم أبناء كركوك، ولانراهم يتحدثون بصدق عن الصورة الحقيقية الحالية والتي يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها، ولايعرفون أن الظروف تغيرت في مشارق الارض ومغاربها وألوانها وأشكالها واصبحت طليقة في كل مكان بينما يريدونها أن تكون عندنا فقط، حبيسة لا تقدر ان تكشف مافيها، مراعاةً لرغبة فلان وعدم زعل علان أو خوفا من سطوة الجيران؟
ماذا نفعل، والكل يعلم أن كل الطرق تؤدي الى كركوك والواجب الوطني والقومي والإنساني يحتم على أبناء المكونات والمذاهب والاديان التوحد لتفويت الفرصة على المتربصين والمسخرين والمتاجرين الذين يريدون زعزعة الأجواء السياسية الايجابية في العراق، والذين يريدون لنا الصراع والتصادم والتقاتل، ويحتم اللجوء للدستور والقوانين النافذة والحوار والتفاهم لحل المشكلات العالقة بشان كركوك ؟
 


135
الواقعية وغيرها في كوردستان
صبحي ساله يي
التجارب السياسية التي تمتلك الخبرات المتراكمة والتي تؤمن بردم الفجوة بين التنظير والتطبيق, تؤكد أن مؤشرات النمو السياسي لا يمكن أن تتحقق أو تستثمر الا من خلال الواقعية السياسية التي تمثل بكسب الثقة وتأييد الجمهور، والمرونة الفكرية، والتخلص من قيود الروتين وتراكماته بخطوات ممکنة التفعيل والتطبيق, وتقبل التغييرات التي تطرأ على مستوى طموحات الشارع, والتصرف طبقا لمقتضيات الأوضاع والأحداث المتسارعة، وتقويم المفاهيم المشوهة للخروج من أفق الإحباطات والجمود, وضخ دماء جديدة لشرايين الواقع السياسي، وتطوير سبل الأرتقاء بالعمل السياسي الذي ينعكس بصورة أيجابية فيما بعد على تقديم الأفضل للجمهور.
وفي مقابل تلك الواقعية، يمثل الجمهور وإنطباعاته ومؤشرات رضاه عن الأداء والنهج السياسي وما يعتبره تتناسب مع المقتضيات بسبب واقعيتها أو ميلها نحو الواقعية والإمكانات المتوفرة أو رجحانها نحو العقلانية، السبب الرئيسي في بقاء الكيانات السياسية أو تقلبها على  صفيح ساخن والتالي الخسارة والندم والفناء.
ما وراء ماقلناه أعلاه يتحقق عند قراءة المشهد السياسي الواقعي في كوردستان، خاصة بعد أن تأكدت الأحزاب الكوردستانية من حجمها في عمليتين إنتخابيتين.
عند تصفح تاريخ الأحزاب السياسية في كوردستان، نرى مشاهد الواقع والخيال معاً، ومشاهد وقفزات مليئة بالأمور الحية والجامدة. كما نرى الثابت الموجود الذي يصارع ويناقض ويفيد ويقترح ويفند ويرفض ما لايريد. ونرى أختصار بعض التجارب في الشعارات دون العمل بها،  والتعامل مع المعضلات بسطحية, والبحث عن حلول خارج أطر التطبيق, وكل ما يمكن تقديمه تغيير الشعارات والطروحات التنظيرية التي لا تمت للواقع بصلة, أما خدمة الجمهور مجرد واجهة. كما نقرأ ملاحظات كتبت بالخط الاحمر العريض تفيد بأن التحديات الموجودة قابلة للتضاعف ما لم يتجاوز الكوردستانيون آليات انتاج تلك التحديات، وما لم يمتلكوا رؤية واضحة لبناء الثقة من خلال الاستئناس بالآراء التي تصب في مصلحة الواقع الكوردستاني، وبأن إستنباط الأسباب أهم بكثير من النظر الى النتائج ومحاولة خلط الأوراق والمراهنة على سذاجة الآخرين وتقديم الحلول الخيالية التي تصطدم بعقبات التطبيق، فتفقد محتواها وتضمحل.
منذ تأسيس الحزب الثاني بعد الأول، أعني تأسيس الإتحاد الوطني الكوردستاني بعد الديمقراطي الكوردستاني، سمعنا إدعاءات تتعلق وتدور حول أنتهاء مفعول الأول ودوره وإختفائه من الساحة، وبعد ذلك أيضاً، كلما تأسس حزب جديد قالوا أن السابق أنتهى، أو السابقون إنتهوا وفقدوا الصلاحية، آخر هذه الموضة شاهدناها قبل أشهر، عندما تم عرض بضاعة بإسم جديد، بينما في الحقيقة كانت إمتداداً للبضائع التي نقلها التاريخ السياسي الكوردستاني وتم إستهلاكها في مراحل سابقة، وتعبيراً عن الرغبة في إغتنام الفرص وإثارة الفوضى بالمزاج والمزايدة السياسية ونعراتها الحزبية والمناطقية ومؤاخذاتها السطحية، وعن عقد وخلافات موجودة في مخيلات الذين مازالوا بحاجة الى علاجات. وأصبحوا أرقاماً لا يؤثرون إلا جزئياً في الساحة وبعض الأحداث فيها، ولا يؤثرون على وجود الحزبين الأول والثاني. وفي الإنتخابات الأخيرة ظهر أن الأول مازال الأول ثابتاً على موقعه، وملامحه النقية الصافية لم تهتز، وصامداً على مواقفه أمام الرياح التي لا تراعي المشكلات العديدة بين اربيل وبغداد والوضع الاقتصادي.
لايختلف إثنان على أننا في كوردستان نعاني من تكريس بعض الحالات السلبية ونواجه أزمات ومشكلات لها تعقيدات وأبعاد مختلفة أخذت أحجاماً أكبر مما ينبغي، لكنها لم تصل الى الطريق المسدود، وليست خانقة أو مستعصية، وليست خارجة عن الارادة، ويمكن تلافيها بسهولة من خلال تسليط الضوء على الافرازات السلبية والإبتعاد عن الشعارات والأحاديث الشائعة التي لاتغير من الأزمات شيئاً، ومن خلال الاستجابة للنداءات المخلصة المتكررة والتحاور والتفاهم والتعاون ضمن اجراءات عملية حاسمة لمعالجة الازمات العالقة في الإقليم وبشكل عملي، والتعهد بضرورة التوافق بشأن القضايا التي لها أبعاد وطنية وقومية والتعامل معها بشكل حضاري.
 
 


136
تفاءلوا بالخير تجدوه
  صبحى ساله يى
  في كوردستان، كما في العديد من بلدان العالم، لمنصب رئيس الحكومة أهمية خاصة، ودور محوري، ولكن رئيس الحكومة وحده لا يستطيع منفرداً أن يحقق ما يريده هو، أو ما يريده الشعب. مهمته تقتضي أن يقود ويوجه، وأن يدير المؤسسات طبقا لسلطاته القانونية، مع التركيز على الإصلاح الشامل، ومع ذلك فإن نجاحه يستدعي تعاون وعمل الجميع، لاسيما الفريق الوزاري الذي يرافقه، كما أن للانسجام والتعاون بين السلطات أهمية قصوى في عبور التحديات وتحقيق النجاحات. وخلال السنوات الماضية التي وصفت من قبل الكثيرين بالقاسية، قاد نيجيرفان بارزاني دفة سفينة الحكومة وإستطاع تجاوز الموجات العاتية. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده عقب إجتماع حكومة الإقليم، يوم 27 كانون الثاني 2019، أعرب (نيجيرفان بارزاني) عن تفاؤله تجاه العلاقات العلاقات مع بغداد، ووضع الكثير من النقاط على الحروف، وحدد الأولويات السياسية والاقتصادية والتنموية والعدالة الاجتماعية، كما جدد تأكيده على ضرورة أخذ العبرة من الماضي من أجل حلحلة المشكلات بين أربيل وبغداد عبر التفاهم والحوار على أساس الدستور. وتحدث عن أولويات أخرى إقليمية ودولية، وعن الوجود العسكري الأمريكي في العراق لمساعدة القوات الأمنية في إطار مصلحة البلاد. وتحدث بصراحة متناهية عن المهمات الصعبة التي واجهت حكومته في السنوات الأربعة الماضية، والتي إنعكست بشكل واضح على حياة المواطنين الكوردستانيين. حكومة ربما تصبح بعد أسابيع، حكومة سابقة، بدأت عهدها، في ظروف صعبة ومعقدة، وجدول أعمال رئيسها كان أثقل من جداول حكومات الإقليم السابقة، واللاحقة أيضاً. رغم إنها جاءت في البداية بغالبية مريحة كادت أن تكون مطلقة في البرلمان، وسط دلالات ومؤشرات أكدت على أن ممثلي الشعب أرادوا رئيساً قوياً يقود حكومة قوية ذات قاعدة عريضة، تضمن إستمرار الاستقرار السياسي والإقتصادي والأمني في الإقليم.
الكوردستانيون بطبعهم ورغم كل المأساة والكوارث التي حلت بهم، متفاءلون. ومظاهر التفاؤل التي تسود الشارع الكوردستاني بعد الإعلان عن ترشيح مسرور بارزاني لتشكيل الحكومة الجديدة، وترشيح نيجيرفان بارزاني لرئاسة الإقليم، والتي تعتبر بمثابة تفويض شعبي، فإنها تعود الى الثقة الكبيرة بالدعم اللامتناهي للرئيس مسعود بارزاني للإثنين، وبقدرة السيدين مسرور ونيجيرفان على تحمل الأعباء الثقيلة، ورسم سياسات جديدة وخطط جدية وجذرية، لمواجهة المشكلات والتحديات الكثيرة، على رأسها الخطة السليمة التي تتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية والمقبلة بمقاييسها ومتطلباتها ومعاييرها والعزيمة القوية التي يمكن استثمارها في تحريك الأنشطة وقيادتها، وحسن الإدارة في ترتيب البيت الداخلي الكوردستاني وتسوية الخلافات الكوردية – الكوردية، والكوردستانية مع الحكومة الإتحادية والتوصل إلى حلول لجميع  المشكلات من خلال النقاش الهادئ، والتفاهم على حدود دنيا وقصوى، وعلى أساليب عمل، والإستعداد لذلك بالفكر والتصور والتخطيط، وإقناع القادة السياسيين والحكوميين والنواب في كوردستان وبغداد لتسمية الاشياء بمسمياتها و كشف الحقائق بوقائعها، وفضح الذين يخرقون الدستور لمآرب قومية وطائفية وسياسية، والاستفادة من الأجواء الإيجابية الجديدة المختلفة عن سائر الأجواء السابقة، وبضرورات وعناصر ثابتة لا بد أن يضعوها في الاعتبار، أولها: أن الكورد ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية، والتذكر بأننا لعبنا دورا أساسياً في مسارات التغيير التي حدثت وسنلعب كذلك في التي ستحدث لاحقاً. ويمكننا فتح صفحات جديدة ومختلفة في العلاقات من أجل ضمان الإستقرار وتحقيق مطالبنا الدستورية والقانونية المشروعة.
 


137
هل يعيد التاريخ نفسه في العراق؟
صبحي ساله يي
غالبية البلدان التي شهدت التغييرات الجذرية، عن طريق تنفيذ إنقلاب عسكري أبيض أو دموي والبيان رقم واحد، أو إشعال ثورة مدنية أو عسكرية حقيقية، أو إنتخابات ديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، عندما تخفق حكوماتها وتجد ذاتها في مآزق وأزمات متتالية، وترى شعبها يعيش في اليأس ويتجه نحو الهاوية، أو تتدهور الأمور الخدمية أوالمعيشية أوالسياسية أوالأمنية. تفكر مرة أخرى في اللجوء الى التغيير وتلجأ للإنقلاب على الإنقلابيين، أو ثورة على الثوريين، أو الى إنتخابات جديدة لتحقيق المأمول.
في العراق الذي تدهورت فيه غالبية الحالات بطرق غير متوقعة من أحد، بسبب السياسات الهوجاء. وتعرض كرامة الانسان الى الانتهاكات، وإفتعال الأزمات بدوافع حزبية وطائفية ومذهبية ودينية وقومية، وفي خضم التطورات السريعة في المنطقة، والمشهد السياسي المربك ومطباته الظاهرة والخفية، والجولات السرية والعلنية للمسؤولين الأجانب في العراق والمنطقة، والتركة الثقيلة والمعقدة التي خلفها حيدر العبادي الذي فاق كل رؤساء الحكومات العراقية في الكذب والمراوغة والتوتر والاضطراب، والتراجع عما إتخذه من قرارات وما أعلنه من مواقف، وما صدر عنه من أقوال عن كل الأمور. تتبادر إلى الذهن العديد من الأسئلة، ومنها: هل يعيد التاريخ نفسه في العراق؟ وإن أعاد نفسه هل يكون بشكل أحسن أم أقذر؟  وهل يفكر العراقيون أو بعضهم في تكرارعملية التغيير؟ خاصة وأن كل أسباب التغيير لا تزال قائمة. الفساد والفشل والفقر وسوء الخدمات والفساد والمحسوبية وهدر المال العام، وإنتشار السلاح وضعف قدرة الدولة على فرض الأمن والقانون وتنفيذ الدستور، وعدم تقديم أي منجز، والتعامل بفوقية مع أجزاء مهمة من الشعب.
التغيير الذي حصل في العام 2003، لم يكن نتيجة لإنقلاب أو ثورة أو إنتخابات، بل كان نتيجة لإحتلال خارجي. رغم ذلك فرح به الكثير من العراقيين وسموا الإحتلال تحريراً، ولكن فرحهم لم يستمر، ولم يقطفوا ثمار التغيير بعد نضجها، بل أصبحوا وقودا لنار حامية، وضحايا لنفاق سياسي مذهل يفوق كل أنواع النفاق.
العراقيون يعرفون الداء ولكنهم لايعرفون من أين يأتوا بالدواء، والأوضاع الآن لاتتحمل الحلول التخديرية أو الترقعية لتحقيق مأرب خاصة. لذلك يتعثر التفكير عندهم تحت ظلال السحب الداكنة ودخان الألغاز والنداءات والآهات. لايوجد في الأفق شيء يوحي بأن هناك مشروع وطني جامع يمكنه إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر إنتخابات ديمقراطية. ولايوجد ثوار يمكن الإعتماد عليهم في قيادة وإشعال ثورة.
العراقيون لايفكرون، قطعاً، في تسليم بلدهم الى محتل جديد. لأنهم لايضمنون أن التغيير الجديد، أي الإحتلال الجديد، لو حصل، سيسد الطريق أمام الخوف ولايأتى بشخص أكثر حماقة من بول بريمر الكذاب ليحكم البلد ويسمم الحياة السياسية وينهب ما تبقى. ولا يضمنون أن الحكومة التي تأتي ستكون مختلفة عن الحكومات التي حكمت بعد التغيير الأول، ولاتكون غنيمة لسياسيين إنتهازيين يتم تدويرهم لتكريس الإنقسامات، ولا يضمنون عدم تكرار استسلام جماعي آخر لليأس، وعدم الإنغمار بتعاسات تفتك وتفكك وتمزق الحرث والنسل.


138
المنبر الحر / للصبر حدود ..
« في: 20:48 16/01/2019  »
للصبر حدود ..
صبحي ساله يي
 منذ فترة والمواطنون الكوردستانيون، وبالذات الذين شاركوا في الإنتخابات الأخيرة، يقفون أمام إستحقاق إنتقالي ديمقراطي جديد، وهم يراقبون المنشغلون بالسياسة، من أجل تحديد موقفهم السياسي، بكل معطياته وحيثياته، تجاه العملية السياسية والحكومة الكوردستانية القادمة، وترتيب امورهم وفق قرار أو ارادة لها القدرة على تقديم الخدمات والصمود أمام التحديات وتجاوزها دون خسائر، أو لنقل وفق استراتيجية تؤسس اعرافاً وقوانين ذات ديناميكية تتسم بالمرونة اللازمة والحزم الاستباقي لاستيعاب المتغيرات وطمأنة الشواغل المتجددة لدى الرأي العام الكوردستاني وتستند على حقائق واعية تمثل جوهر المعرفة بالاهداف، واستنتاج واقع ادائي لا يتغير بتغير الظروف،  وهذا يعني أنهم يعتقدون أنه آن الأوان لتلاقي أصواتهم ومواقفهم وتوحيد صفوفهم، لأن هذا التلاقي يشكل نقلة نوعية تمنح قوة سياسية أكبر لكوردستان والكوردستانيين. ويعني الإلتقاء عند النهج التسامحي الكوردستاني وإنهاء حالات الانقسام الجانبية التي سادت خلال السنوات السابقة، ودفن المؤامرات التي حيكت ضد الكورد. والجلوس حول الطاولة الكوردية المستديرة، وتقدير جسامة المسؤولية التاريخية والتحديات الكبيرة، ولمّ الشمل ومتابعة المسعى دون يأس والتحرك بكل الاتجاهات وعلى كل الاصعدة من أجل حلحلة القضايا الخلافية بين السياسيين، والحفاظ على المكتسبات المتحققة.
الباحث أو المتابع للشأن الكوردستاني يستطيع دون عناء أن يرى شكل التجانس أو التناسق في التطلعات والأماني في جميع العموميات والخصوصيات الكوردستانية، وان يفسر ( في الوقت ذاته) أسباب الحديث عن الإنقسام الكوردي الذي طفا على السطح في الآونة الآخيرة بسبب الـتأخر في تشكيل الحكومة الكوردستانية الجديدة، وكذلك أسباب عدم تشكيل الحكومة الجديدة، رغم مرور فترة ليست بقصيرة على إعلان نتائج الإنتخابات، وتكليف مسرور بارزاني بتشكيلها.
خلال اللقاءات التي تجرى بين الاحزاب من أجل تشكيل الحكومة، يحاول كل فريق التأكيد على وجهة نظره بالمزيد من الايضاح، كي يستدل على مجموعة من النماذج، ويحاول تحليل المواقف المتداخلة من خلال طرح مقترحات مختلفة لمعالجة المشكلات. ويجتهد آخر في توظيف عناصر فكرية في مجرى طروحاته، ولكن يظل رصد المقومات التي تعتبر قواسم مشتركة لحلقات الإلتقاء والتوافق المختلفة ضمن التفكير والغاية الاستراتيجية التي يجب الإتفاق عليها بشكلها المبدئي من قبل الأحزاب التي تريد المشاركة في الحكومة الجديدة.
الحزب الفائز الأول (الديمقراطي الكوردستاني) الذي يرأس الحكومة الحالية بشخص نيجيرفان بارزاني، والذي سيرأس الحكومة المقبلة أيضاً، بشخص مسرور بارزاني، يصر على الإستمرار في الحوار والتفاهم مع الأحزاب الأخرى، وبالذات الإتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير، من أجل تشكيل الحكومة. هذا الإصرار لايعني العودة الى نقطة البداية أو اضاعة للوقت أو الدوران في حلقة مقفلة، كما يروج لها البعض، وليس انتقالاً الى مرحلة ممارسة السياسة بطريقة مختلفة. فهو يمارس المرونة لإمتصاص الصدمات، ويتنازل عن بعض من مستحقاته الإنتخابية، لتحييد النزعات الفردية وتجنب الهزات والنتائج الكارثية. وفي الوقت ذاته يمتلك خبرة طويلة في مجال المفاوضات السياسية، ويبدو إنه مستعد لممارسة أعلى درجات الصبر وضبط النفس، ويريد أن يلعب الدور المطلوب منه وطنياً وقومياً. لأن الأوضاع الحالية تتطلب كل هذا الصبر وأكثر، ولأن هناك حقائق كثيرة لايمكن تجاهلها تتمثل في طبيعة التغييرات التي طرأت على موازين القوى الراهنة، مع ذلك للصبر حدود كما قالتها الراحلة (أم كلثوم).
بصريح العبارة، يريد الديمقراطي الكوردستاني تحقيق شعار "كوردستان أقوى"، الذي رفعه في الإنتخابات على أرض الواقع، ويريد أن يتحمل دوره ومسؤوليته في ضمان الحريات العامة والخاصة وتحقيق المزيد من المكاسب للكوردستانيين، والحفاظ على الأمان والهدوء والتضامن بينم، وتفويت الفرصة على الذين يلجأون الى التهديد والوعيد والكذب المستمر.‏ ويريد إبعاد الكوردستانيين عن النعرات والصراعات المرفوضة وعن كل أنواع الخطر.
 


139
من يتشارك في الحكومة الكوردستانية الجديدة ؟
صبحي ساله يي
بعد أن رشح الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الإنتخابات التشريعية الكوردستانية، السيد مسرور بارزاني لتشكيل الحكومة الجديدة، وبعد عقد العزم على إيجاد صيغة سياسية تحظى بقبول غالبية الأطراف، وتحافظ على الاستقرار في كوردستان. بدأ فصل جديد من التحركات والزيارت واللقاءات حول طاولة محادثات مطبوعة بروح التوافق بين الأحزاب حول برنامج وشكل الحكومة الكوردستانية المقبلة.
الجولة الأولى التي بدأت قبل أسابيع، رغم نظر كل طرف الى الأمور من زاوية مختلفة، أذابت الجليد بين الأحزاب الفائزة بالمراتب الثلاثة الأولى، وجعلت الأوضاع في الإعلام وعلى الأرض هادئة في العموم الإقليم. وفي إنتظار التوصل لصيغة معينة لبرنامج عمل الحكومة الجديدة خلال الأعوام الأربعة المقبلة، وصياغة رؤية مستقبلية للعلاقات بين الأطراف التي تتشارك في تشكيل الحكومة والتي تتعارض معها، تتمثل بتحقيق الاستقرار والعمل المشترك وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، ولتكون (الحكومة) على مستوى المرحلة التي تشهد أحداثاً سريعة ومهمة وكبيرة، والأكثر شجاعة وأخلاقاً وجرأة وإلتزاماً بالقيم العالية في إختيار أولويات المرحلة، وفي الحفاظ على مصالح الاقليم ومصيره. حكومة تمتلك قدرات القفز الطبيعية والاستثنائية على جراحات الماضي وسلبياته، دون تجاوز الحقائق الدامغة والثابتة للعيان، ودون خداع الذات أو الإضرار بالمصالح  العامة.
المراقب الذي يمتلك الخزين المعرفي والوجدان المتحضر، يعرف أن اللقاءات الإيجابية تحقق النتائج على الارض، و تعيد الإعتبار الى القوى، والثقة الضعيفة أو المفقودة بين المتحاورين. واللقاءات السلبية تكون عقيمةً، خاصة عندما يسعى (طرف معين) الى تكريس شىء لا وجود حقيقي له على الأرض، ولايقدم (الطرف الآخر) أي تنازل من أي نوع من أجل الوصول الى صيغة للإتفاق. ويعرف أن بحث البعض عن المواقع والمناصب والإغراءات تغير بعض المواقف لحين، لكنها لن تغير من السياسات، خصوصاً مع التصريحات السمجة التي تؤشر الى النوايا المبيتة والأحقاد الإنتقامية التي تهدف الى إدخال الاقليم في فوضى التقلبات السياسية وإرباك الوضع وإرتباك المواقف، وتهييج الرأي العام، وتفكيك وتفتيت الاقليم سياسياً عن طريق زعزعة أمنه السياسي والإجتماعي وهدم ما تم بناؤه، وإعادة ماكنة التطور الى الوراء.
كان من الضروري عرض هذا الموجز، والتوقف عند محطة من المحطات الكثيرة التي يمكن التوقف عندها، من اجل بلوغ مرحلة طرح سؤال :
مع من يتشارك الحزب الديمقراطي الكوردستاني في تشكيل الحكومة الجديدة؟
 للإجابة عن السؤال، حتى وفق المعطيات القائمة والتغييرات الجادّة في المواقف التي تبدو ممكنة لدى الراغبين بالمشاركة، لا يمكن بسهولة تحديد الجهة، أو الجهات، التي ستتشارك في الحكومة المقبلة.
ولانتكلم عن علاقات الحزب الديمقراطي الكوردستاني بحزب الإتحاد الوطني الكوردستاني،  بإعتبارها ناتجة عن معاهدات وإتفاقات أُبرمت بينهما، وليست زائدة عن الحدّ على الأقل، ولأنها ليست وليدة اللحظة، بل هي مستمرة على مدار الزمن، وكثيراً ما كانت تغلب عليها روح المنافسة، وتتعرض لإنعطافات وتقلبات، ومد وجزر، والبعض يجد لها مبررات كثيرة لقبول الأسباب، والبعض الكثير الآخر، لا يجد أي سبب.
ولا نذكر، ولانستعرض المشكلات التي واجهت الإقليم خلال السنوات الماضية وأسماء وعناوين المتسببين وغاياتهم، لأن ذلك سيطول، خاصة لو تم ذكر آثار سياسات التحدي والتنافس التي أدت الى خسائر فادحة.
ولكننا نقول: ثمّة حاجة الى تسريع الخطى نحو فتح الأبواب المغلقة والإجتماع في أروقة مؤسسات صناعة القرار، وصنع فرص جديدة للتعاون السياسي الأمثل بين الكوردستانيين بالإستناد على قاعدة المصالح العليا للاقليم وشعب كوردستان ومغادرة لغة التصلب والتشدد، لأنه الخيار الافضل والأسلم لشعب كافح لعقود متعددة ضد أعداء في منتهى الشراسة والوحشية. وثمة حاجة ملحة الى الصبر لمعرفة النوايا وإنهاء الصراع وتدشين مرحلة جديدة ومناسبة مع مستلزمات المرحلة، والتصدي من غير جدال للتصريحات التي تطلق هنا وهناك وبالذات التي تطلق من أناس مشاغبين وفوضويين موجودين للصراخ وحسب، لا ينتمون الى اللجان التفاوضية، ولا يتبؤون مواقع المسؤولية، ولايذكرون عندما يغيبون ولايعدون حينما يحضرون، أمثال فلان وعلان.
ونقول، أحدهم قال قبل أيام : نريد المشاركة في الحكومة، لتنفيذ ما وعدنا به جمهورنا،  لنمنع إحتضان الحزبان الرئيسيان لبعضيهما.
 


140
أسوأ وأخطر وأفسد السياسيين
صبحي ساله يي
   السياسيون أنواع، هاوون وطارئون ودخلاء متكلسي الافكار، دخلوا عالم السياسة، بسهولة أو بشكل عفوي أو بالصدفة أو نتيجة لصلة قرابة معينة، ليلهوا ويعبثوا في أزقتها وهم لايعرفون الثوابت الشاخصة في أبجديات علم السياسة. يكررون الخطايا سيراً على مبدأ في الإعادة إفادة، ويمنحون المال لأناس كثيرين لتلميع صورتهم. لا يتفاعلون مع الوجدان والثقافة الملهمة والفكر، ويتعجلون في التصريح وإتخاذ المواقف. يراهنون على سذاجة الآخرين وبلادتهم، ويلجأون الى الشك والريبة والإنتقام والتجني الفاحش على الإنسانية والحياة من أجل الحصول على مكاسب سياسية ومواقع وقتية. ينظرون الى الواقع بشكل إفتراضي، وينساقون مع الوهم والخيال والتأويلات والتحريفات وما عندهم من أطماع عبر تضخيم وتهويل قدراتهم والمبالغة في تقدير إمكاناتهم. وفي النهاية لا يخلدون إلى الراحة، وسيكون مصيرهم المعاناة المريرة والإكتواء والإنزواء والجلوس في ركن النسيان.
  سقت بهذا الكلام لأتحدث عن النماذج الواضحة لمخاطر السياسات التدميرية لبعض السياسيين الموجودين في مجتمعنا الكوردستاني، وفي المجتمع العراقي، وفي غالبية المجتمعات الأخرى، ولأقول أن :
  * أسوأ أنواع السياسيين، هم الذين يبيعون الوهم للناس، ويتخبطون في دروب السياسة بحثاً عن منافع شخصية بين أنقاض الأزمات. ويحاولون زعزعة الإستقرار برمي الشرر فيه، والضرب على وتر الفتن السياسية بهدف إستثمار الظروف، وخلط الأوراق في أواني الصراع لتعقيدها، من جهة، وللتفرغ للخيانات والخيبات الكبيرة، من جهة أخرى.
  * وأخطرهم هم الذين يتجهون نحو الأهواء، فيطلقون تصريحاتهم الترهاتية وخطاباتهم العدائية على غير هدى ودون أن تكون لهم مواقف واضحة، ويلعبون بالعواطف ويرفعون الشعارات الشعبوية وغير الواقعية، ويكون كلامهم دون المستوى. يرفضون الآراء والتوجهات التي تقدم من أجل تجاوز الأزمات الحقيقية والمصطنعة، ويصرون على شروطهم ومطالبهم، ويحاولون وضع الشعب على حافة كارثة غير محسوبة العواقب.
  * وأفسدهم، يتحدثون أكثر مما يفعلون، يستغلون الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومواهبهم الخطابية والمشكلات الخدمية، لتفجير قضايا مثيرة، وربما متناقضة، ولتمرير آرائهم النتنة وفرض مشاريعهم العفنة، والمتاجرة بمصائر الشعب والبلد. وفي ساعات حلمهم، أو لحظات سكرتهم بالسلطة يستبقون في قراءة النتائج وتسويقها كما يحلو لهم، وتختلط عندهم المعلومة بالرأي. فيندفعون ليبشروا في تحليلاتهم بأن حسم الأوضاع سيكون لصالحهم.
  * وأفشلهم، هم الذين لا يؤمنون بقدراتهم فيهربون من المسؤولية عبر استهداف غيرهم، ويحاولون الكسب والعيش والترقي على طعن الآخرين من الظهر، أو شق وحدة الصف ودغدغة المشاعر بعناوين عريضة، والبحث عن الدلائل والقرائن التى تخرب وتهدم ما بناه الخيرون وتزعزع الأمور وتوترها بهدف إثبات تورط الآخرين. ويهددون، أويروجون لكشف الدلائل فى الوقت المناسب دون الاكتراث للنتائج، لأنهم رموز للتضليل.
  وأخيراً لابد من القول: في مقابل هؤلاء، هناك أيضاً في جميع المجتمعات، سياسيون عقلاء وفوق الشبهات، ومحترفون مبدعون رفيعي المستوى، ملتزمون يعرفون أين تبدأ حدود مسؤولياتهم، وأين تنتهي. يجيدون الحوار والأفعال والأقوال، ويتحسسون المشكلات عن كثب، فيطرحون الحلول بشكل موضوعي بعيداً عن التشنج والتعصب. ينظرون الى الواقع بواقعية و شجاعة وجرأة، ويعلمون معاني الإلتزام بالقيم العالية في إختيار أولويات المرحلة وتغليب العدالة على المصالح الخاصة والحزبية، وحقيقة ما يجول في الأفكار، وما يستطيعون أن يفعلوه ويحققوه من مجموع ما يريدونه ويقصدونه، وما لا يستطيعون أن ينجزوه من رغبات وطموحات، بسبب عدم إمتلاكهم لكل الأوراق اللازمة. كما يجيدون التعبير عن المواقف التي تجسد الواقع والتجارب والظواهر والمشكلات، وفي تقديمها للرأى العام، ويشخصون ما يجب إحتوائه أو مواجهته، وفي مراحل معينة يفرضون المنهج والمفهوم الذي يؤمنون به، وعندما يقولون كلمتهم، يسكت ويخرس الحاقدون. وهؤلاء، يحيط بهم الناس أثناء حياتهم، ويخلون عندما يرحلون. 
 


141
لعنوا التوافقية... وعادوا لها
صبحي ساله يي
   خلال السنوات الثمانية المنصرمة، أي في ظل حكومة العبادي وولاية المالكي الثانية، تم  إشغال العراقيين بقضايا هامشية، وسياسات خلط الأوراق، وبث روح اليأس والتخبط والفوضى بين صفوفهم، وإرغامهم على الجلوس على أرصفة الإنتظار. وسمعنا الكثير من السياسيين، وبالذات الذين كانوا متوافقين فيما بينهم، ومازالوا متوافقين على تعزيز نفوذهم وتحقيق مآربهم الخاصة، وهم يعلقون فشلهم وإخفاقاتهم على شماعة التوافق والديمقراطية التوافقية، وعملوا جاهدين على الدفع ببراءتهم من الإنهيارات المروّعة في جميع مجرلات الحياة، وإستمروا على نهج كيل الإتهامات وحملات التشويه الإعلامي الإنفعالي دون الإلتفات الى مصائب إنعدام الثقة بينهم كسياسيين ينتمون الى حزب أو تيار واحد أو بينهم وبين القوى السياسية الأخرى أو حتى بين المكونات الرئيسية، ودون التعلم من المحن والفواجع الكثيرة التي كانت قابلة للتجاوز بأقل الخسائر المادية والبشرية.
دعوا الى الأغلبية ولعنوا وشتموا التوافقية وهم يعلمون أن التوافق والنظرية الديمقراطية التوافقية بشكلها العام، النموذج الأمثل للحكم في مجتمع متعدد يطبعه الانقسام المجتمعي والتباينات القومية والمذهبية والطائفية، ويعاني من ضعف وحدته الوطنية ومن هشاشة الاستقرار السياسي وعسر ديمومته، ناهيك عن تواتر موجات العنف الاجتماعي وما لديه من مشكلات. هاجموها دون التسليم بأن عملية تطبيقها، كأي عملية تطبيق أخرى، قد تترافق مع بعض النواقص والسلبيات، وقد لاتتلاءم (أحياناً) مع خصائص وسمات وبنى سياسية معينة. لعنوها لأنهم كانوا متأكيدن من أنها تمنعهم من الوصاية على الحكومة الجديدة وأخذ الجمل بما حمل، ولا تقبل على الإطلاق وصايتهم على أفكار ومعتقدات الآخرين، وبما فعلوه في الماضي القريب، وبما يريدون أن يفعلوه لاحقاً خارج فضاء المواطنة، ولاتقبل فرض إجتهاداتهم وممارساتهم المدمنة على تصنيف الأمور وفق منطلقات نظرية لايمكن تطبيقها على أرض الواقع، ومصادرة حقوق الآخرين في المساهمة في تمشية أمور البلاد.
خلال الحملات الإنتخابية البرلمانية التي جرت في آيار الماضي، نسوا معاناة العراقيين جراء العناد الأجوف لبعضهم، فأعادوا موضة الهجوم على التوافقية الى الواجهة من خلال وسائل الإعلام وثنايا التصريحات التي كانت تصدر لغايات مختلفة، والبيانات المتناغمة مع الإملاءات الشخصية والحزبية والمناورات التي كانت تطبخ في الكواليس.
بعد إجراء الإنتخابات وإعلان النتائج وعقد العشرات أو المئات من الإجتماعات، ومن أجل تفادي الفراغ الدستوري، عادوا الى التوافقية. وإتفقوا، وقلوبهم شتى، على عادل عبد المهدي لتكليفه بتشكيل حكومة وفاقية، بعضهم، وبالذات الذين يمتلكون التحصينات التي تعزز مواضعهم، قبلوا به لإدارة جلسات مجلس الوزراء، دون أن يتصرف بالصلاحيات الدستورية التي يسمح له هذا الموقع بممارستها، ويتحكم به وزرائهم الذين يتم تمريرهم بأسماء مختلفة. ولم يعلموا أن عبدالمهدي لا يقبل تقييد صلاحياته ووضع اليد على حكومته، ولا يقبل البقاء في السلطة على غرار بقاء فؤاد معصوم في رئاسة الجمهورية وسليم الجبوري في رئاسة البرلمان خلال السنوات الأربعة الماضية، لأن لديه نظرة مختلفة لما عند الكثيرين ويمتلك شخصية مستقلة، ويرفض تعميق الجروح التي يعاني منها العراق بكلّ قومياته وطوائفه وجعله أسيراً لدى هذا السفير أو ذاك. 
ومن هذا المنطلق، ولتبسيط الأمور ولو قليلا، ومن أجل فهم الوضع العراقي وأسباب تعقيداته، بما في ذلك صعوبة تكملة تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي، ومنعه من التقاط أنفاسه، يمكن وصف الذين هاجموا الديمقراطية التوافقية، وحسبوها سبباً لكل شاردة وواردة سلبية في الحياة العراقية، وحملوها مسؤولية الذئب عن دم يوسف، بأناس يمقتون الديمقراطية بكل صيغها وتطبيقاتها. ولا همَّ لهم غير كشف عثراتها وتضخيمها وتشويه منجزاتها. وأن عادل عبد المهدي ( وهذا ليس دفاع عنه) والجزء المتشكل من حكومته، حتى الآن، بريء من الأزمات لأنها دخيلة عليه. وإنه سيقاوم كلّ الأزمات السياسية والدستورية والإقتصادية التي يعاني منها البلاد، وأنه يعرف الفارق الضخم بين وجود حكومة معقولة، أو حتى شبه معقولة، وبين حصول الفراغ الدستوري والقانوني. ويعرف عدم وجود طرف سياسي يستطيع تحمّل النتائج التي يمكن أن تترتب على الدخول في الفراغ، أو إدخال البلاد في نفق لا أفق فيه.
 
 


142
المرجعية للرئيس بارزاني
صبحي ساله يي
قبل وبعد الإستفتاء الكوردستاني في أيلول 2017، وفي وقت الفوضى العارمة لسيول الخطابات والتوصيفات المليئة بالاساءات، في بغداد، تجاه الكورد وكوردستان، وصلت العلاقات السياسية بين الحكومة العراقية، وبشكل خاص بين جزء من المتنفذين في بغداد، أو بصورة أكثر دقة بين حيدر العبادي وبين حكومة إقليم كوردستان الى ادنى المستويات. وبدلا من البحث عن مسارات معقولة ومقبولة لحلول ممكنة ترضى بها جميع الأطراف، تحول الكثيرون في بغداد إلى أجزاء من المشكلات، فحاولوا تعقيدها وتأزميها وتأجيجها وتركها مأزومة ومتدهورة.
الذين أخطأوا التقدير في مسألة تطبيق الدستور بإنتقائية، أخطأوا أيضاً بشعورهم بالقوة وبالإستفادة من الموقف الأمريكي الفاتر من الإستفتاء، وأخطأؤا مرة أخرى في ما يتعلق بإستغلال الخلافات بين الأحزاب الكوردستانية، إنطلاقا من إعتقادهم بأن تلك الخلافات تقوي مواقفهم المحلية والإقليمية والدولية وموقعهم في السلطة.
وفي أكتوبر الذي تلى الإستفتاء، وعبر الإصرار على محاولة تفجير الأوضاع، تزايد إهتمام حكومة العبادي بدعم وإسناد المكروهين من الكورد، وكذلك المعادين للكورد ووجودهم بشكل عام، وتواجدهم بشكل خاص في المناطق القابلة للاشتعال، كالمناطق التي تقع خارج إدارة حكومة الاقليم.
هؤلاء لم يتعلموا من دروس التاريخ، ولم يكتفوا بخرق الدستور وجلب المتاعب والشكوك، وبعد أن شعروا أن في إمكانهم الاستغناء عن الكورد. نفذوا عمليات عسكرية عدوانية ضد الكورد الآمنين، وشجعوا عمليات القتل والخطف والسلب والنهب والحرق والهدم والإبتزاز في كركوك وطوزخورماتو، بل زادوا من جرعة قطع الثقة مع الكورد من خلال إعادة الوافدين العرب الى كركوك وضواحيها لتكملة التعريب الشؤم الذي مارسه صدام وحزب البعث في تلك المناطق. تلك العمليات المشينة فضحت خلو سلوكهم من أية رغبة في التعايش والتآخي والمساهمة في بناء الديمقراطية والدولة الفدرالية.
ضيع العبادي البوصلة وقاده عماه العقائدي ورؤيته القاصرة إلى موقع لا يقره المنطق الواقعي، وأصيب بلوثة الغرور والتعصب والنزعة الاستعلائية وعقدة التفوق التي لا تفرق بين الخير والشر، ولم ينتبه إلى خطورة النتائج التي يمكن أن يدفع ثمنها الشعب العراقي من جراء الاستمرار في نهج العدوان.
وبدأ الموهومون والشاعرين بعقد النقص، وبتشجيع ومباركة قوى خارجية، محاولة البحث، بمختلف السبل والأساليب، عن بديل للرئيس مسعود بارزاني، وإخراج حزبه من الساحة السياسية أو إضعافه قدر الإمكان. وأخذ البعض يطبل ويزمر ويدعي بوجود الآلاف من البدائل للبارزاني.
أما المراقبون السياسيون فقد إعتبروا من يدعو إلى محاولة البحث عن بديل للبارزاني واحدا من أثنين، إما أحمق ساذج لا يفهم شيئا في السياسة، أو لئيم خبيث محتال يسعى إلى توريط الجميع بمشكلات لن تجر عليهم إلا الخيبة والإحباط.
في المقابل صمد الكوردستانيون الذين قالوا كلمتهم من خلال الاستفتاء، وصبر رئيسهم مسعود بارزاني المستند على قوة الشعب الكوردستاني، ولم يختاروا العزلة أسلوبا لمعاقبة بغداد، بل عملوا على رفع ألغام الفتنة التي زرعها الشوفينيين.
وعلى أرض الواقع تبين أن البديل للبارزاني هو البارزاني فقط وأن الرئيس بارزاني هو المرجع الواقعي والمقبول سياسياً وشعبياً في كوردستان، وهذ االقبول السياسي والشعبي جعله مقبولاً عراقياً وإقليمياً ودولياً. وظل الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الساحة بقوة وصلابة. وفي عمليتين إنتخابيتين متتاليتين إحتل حزب البارزاني الموقع الأول بين الأحزاب الكوردستانية والعراقية. وتوصل الجميع الى يقين مطلق بأن الرئيس بارزاني هو المرجع القوي والوحيد في كوردستان .
وخلال الفترة التي سبقت تشكيل الحكومة في بغداد كان مقر البارزاني قبلة للكتل والشخصيات السياسية والوفود الإقليمية والدولية، وبحثوا معه القضايا والملفات الشائكة، وتمحورت تساؤلاتهم الكثيرة والعميقة حول مدى إمكانية الشروع بعهد جديد من العلاقات بين بغداد وأربيل. وتعاملوا معه، ونظروا له ليس كرئيس لحزب عريق كبير، بل كمرجع كاريزمي غير تقليدي لشعب له أهداف إستراتيجية.
وبما أن البارزاني الخالد لم يسد باب الحوار في كل الظروف. وإستناداً الى التاريخ الكوردستاني الذي يتسم بالانفتاح على الآخر والتحاور معه بحثاً عن الأمن والإستقرار والسلم والأحسن والأفضل، وفي خطوة دبلوماسية عقلانية هادئة، زار الرئيس بارزاني، بغداد والنجف منطلقاً من الادراك الواسع بان الفترتين الحالية والمقبلة حساستين وخطرتين تفرضان الحوار والتباحث والتفاهم والتأكيد على مرجعية الدستور في حلّ المشكلات والمفارقات والتقاطعات.
 


143
المنبر الحر / كوردستان قوية...
« في: 21:06 05/12/2018  »
كوردستان قوية...
صبحي ساله يي
في كوردستان أناس يفهمون السياسة والحاجيات والإمكانات والأولويات، ويواصلون اللعب في دروب السياسة ومتاهاتها، لذلك يرفعون شعار (كوردستان قوية)، ويحاولون التهدئة والانفتاح الممنهج على الأحزاب السياسية الكوردستانية  والتحاور معها بحثاً عن الأمن والإستقرار والسلم والأحسن والأفضل، وخفض منسوب التوترات، ورسم لوحة وطنية تتناغم مع العطاء والقيم المبدئية التي ترتكز عليها المقتضيات الموضوعية والذاتية، وفي الوقت ذاته، يتجاهلون تعرضهم للتهجمات والإتهامات وما إلى هنالك من إساءات وخيانات طالتهم من إخوان وأصدقاء الأمس، رغبة في إتاحة الفرصة أمام نجاح اللقاءات والمداولات وفك العقد وتذليل العقبات، ومناقشة الاستحقاقات الدستورية والسياسية والإنتخابية في المرحلة الحالية والمقبلة. ومراجعة المرحلة الماضية، وعرض الخيارات المتاحة، وبحث الفرص والتحديات التي تواجه كوردستان وما تستوجبها من زيادة تماسك الكوردستانيين، وتوحيد الخطاب بخصوص الملفات المهمة التي تضع الجميع أمام مسؤوليات أخلاقية ووطنية لايمكن إغفالها، بالذات في هذه المرحلة التي يفترض فيها أن تكون مواقف الأحزاب مفهومة وصريحة وشجاعة، وبعيدة عن الحساسيات الشخصية لتنجح في التعامل مع المكاسب المشتركة.
أصحاب شعار(كوردستان قوية)، بعد أن تأكدوا من حجمهم من خلال التفويض الشعبي لهم عبر صناديق الإقتراع، وبعد أن تأكد الآخرون من حجمهم الحقيقي، وجهوا رسالة واضحة المعالم الى كل الأطراف وأعلنوا تفهمهم للأوضاع الصعبة التي تواجهنا، وتطالبهم بالحفاظ على الثوابت، وعدم اللجوء نحو صراعات جديدة تعكس الرغبة في إغتنام الفرص وإثارة الفوضى بالمزاج والمزايدة السياسية ونعراتها الحزبية والمناطقية ومؤاخذاتها السطحية. وعدم محاولة سحب البساط من تحت أقدام الآخرين في عملية تشكيل الحكومة الكوردستانية الجديدة، وأثناء كتابة دستور الإقليم أو تعديل قانون رئاسة الإقليم من قبل البرلمان الكوردستاني، لأن ذلك لن يحقق سوى الإحباط والاحتقار والاحتقان. كما دعوا الى إحتساب طرح مواقف معينة في الغرف المغلقة، وإن كانت فيها شيئاً من التنازل، ضمن الأسرار التي يجب ان تحفظ، وأن تحتسب كنقاط قوة للطرف المبادر، لإن إصلاح الواقع لا يتحقق إلا بأخذ العبرة من الماضي، وإحترام قواعد اللعب الجديدة الجيدة، وبتشخيص الواقع، وتوفر الإرادة ونقاء العزائم وإستيقاظ الضمير الجمعي والتصالح والتسامح مع الآخر إستكمالاً للصورة التي نحلم بها.
وبالعودة الى شعار( كوردستان قوية)، وعند النظر الى الواقع بواقعية، وما يمتلكه أصحاب الشعار من أوراق وخيارات مختلفة، نعلم حقيقة ما يستطيعون أن يفعلوه  ويحققوه من رغبات وطموحات ومن مجموع ما يريدونه ويقصدونه، وكل ما هو ممكن التطبيق والتفعيل بسبب واقعيتها أو ميلها نحو الواقعية والإمكانات المتوفرة أو رجحانها نحو العقلانية. ونعرف ما يجب مواجهته من ضغوطات وتهديدات.
أصحاب شعار( كوردستان قوية) بعد قراءة كل المؤشرات التي تدل على أن المنطقة برمتها تمر بظروف حساسة وخطيرة جداً، وكوردستان والعراق، جزء من هذه المنطقة التي تغلي على صفيح ساخن وتقف على عتبة تطورات مصيرية في ظل ما يجري بين الأقوياء، ومن أجل التعاطي الإيجابي مع المعطيات الجديدة، ومنع التداعيات المحتملة التي تفترض سيناريوهات سياسية عديدة، ومن أجل إستشراف المستقبل، وتجاوز الصعوبات، ونتيجة لضرورات كثيرة، رشحوا نيجيرفان بارزاني لرئاسة الإقليم، ومسرور بارزاني لرئاسة حكومة كوردستان المقبلة. ولكي تكون المرحلة المقبلة متجانسة بين الجميع، لابد من الوقوف وقفة واحدة وإعادة اللحمة للوضع السياسي الكوردستاني من أجل مجابهة التحديات، ولابد من تسريع وتيرة التحضيرات لتشكيل الحكومة الجديدة، عبر تسهيل المشاورات بين الأحزاب التي تريد المشاركة في الحكومة، وتبسيط برامج الأطراف الفائزة في الانتخابات البرلمانية وآلية توزيع المناصب، وعدم الإصرار على الحصول على مناصب حكومية تتجاوز الإستحقاق الانتخابي، لكي لا تأخذ اللقاءات أكثر من نصيبها في مناقشة آلية وهيكلة الحكومة الكوردستانية الجديدة .
 

144
مقر للبارزاني في بغداد !
صبحي ساله يي
  أراد إختصار المسافات وختم حقبة من النزاعات والمناوشات بين الأقليم وبغداد، وإتكل على الشجاعة والحكمة، فزار بغداد وهو يذكر الجميع بأننا شركاء في العراق ولنا الثقل والموقع على الساحة السياسية الجديدة، وكنا ومازلنا نتحمل مهمة الدفاع عن الديمقراطية ونحميها. ووجه رسالة إلى الداخل والخارج مفادها، أننا مستعدون لدعم الفرصة الجديدة التي أتيحت لنا في العراق، ودعم رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، ولدينا الرغبة الحقيقية بنقل العراق إلى مرحلة جديدة من الوئام والتصالح والتفاهم والانسجام، وأن نكون جميعاً شركاء في البلد.
زار بغداد والنجف، وفي قرارة نفسه يراهن على تجاوب الساسة مع مبادرته لأسباب كثيرة، وبجعبته ملفات كبيرة، وتحدث مباشرة مع الجميع للإنهاء الإرتباكات والأوضاع الشاذة الموجود في العراق وطي صفحة شابها الكثير من التوتر وإمتدت لسنوات عجاف، وفتح صفحة جديدة من العلاقات، وهنأه الجميع على شجاعته ومبادرته.
 زيارة تختلف عن سابقاتها، في المضمون والأجواء السياسية والمرحلة وقناعة كل الأطراف بإنتهاج الحوار والدستور، كسبيل لحل المشكلات العالقة، لذلك وصفت بالمهمة والتاريخية، وبداية مهمة، وفاتحة خير، وتوجه جديد وإيجابي للعملية السياسية في العراق ومنع لتكرار الأخطاء وبناء للثقة ومعالجة للخلافات وتجسيد للشراكة الحقيقية.
 قيمة الزيارة التي يمكن البناء عليها، هي بحصولها أولاً, وببعثها الإرتياح والاطمئنان في قلوب العراقيين والتفاؤل وبإمكانية تحويل خنادق الأمس الكئيب، إلى طاولات للحوار والتفاهم ورأب الصدع وتقريب وجهات النظر ولمّ الشمل والاتفاق على الالتزام بالدستور ثانياً. وتحويل الجفاء الى الحضور بقوة في بغداد، ذلك الحضور الذي دعا اليه الرئيس مسعود بارزاني ونائبه نيجيرفان بارزاني قبل إنتخابات مجلس النواب العراقي في آيار الماضي، ثالثاً.
أما الإستقبال الباهرة والبهيج للرئيس بارزاني في بغداد، فقد دفع البعض الى إستباق الأحداث فوصفوها بالناجحة والمثمرة، رغم أن نجاح الزيارات تعرف من نتائجها، ولكن في نظر هؤلاء عرفت منذ بدايتها، ومن خلال دلالات الإستقبال واللقاءات المكثقة مع كبار السياسيين العراقيين.
  والعقلاء الذين يعرفون ثقله ومكانته وقدرته على التأثير في العملية السياسية وعلى السياسيين العراقيين بشكل عام، والذين يدركون حاجة العراق الى راع وطني محايد قادر على تحييد المؤثرات الإقليمية والدولية التي تمنع الإتفاقات البينية، ومقبول لدى جميع الأطراف. فقد أشادوا به كثيراً ووجهوا له دعوات لفتح مقر له في بغداد.
خلال يومي الزيارة، وما بعدهما قالوا كثيراً: لماذا كل هذا الترحيب والإبتهاج بها؟
الجواب: لأن المرحبين والمبتهجين متأكدون من أنه يحمل ذكاءاً سياسياً خارقاً وفكراً إنسانياً راقياً، ويتخذ من القيم والمبادىء نظاماً لعمله القيادي والسياسي والوطني. ويملك الدراية والمعرفة بمسالك ودهاليز السياسة، ولأنه الرجل القادر على تحمل المهمة الوطنية العظيمة، ويمتلك التقدير الأمثل لجسامة المسؤولية التاريخية والتحديات الكبيرة. ولأنهم يثقون بصراحته المعهودة ومواقفه المبدئية الصارمة، وإمكاناته الكبيرة في وتوجيه الأمور نحو تحقيق نتائج مذهلة بكل المقايس، ويمكن الإعتماد عليه في إعادة الثقة بين العراقيين وفق رؤية إستراتيجية وطنية شاملة تنهي كل الصراعات.
والأهم من ذلك كله إنهم يعوّلون على مواقفه وإلتزامه الكامل بالنهج التسامحي للبارزاني الخالد. ولأنهم يعرفون إنه مازال مؤثراً وممسكاً بأسباب صناعة القرار السياسي في كوردستان، ويحتفظ بعلاقات دولية راسخة، ولديه تفاهمات مع الكثير من الدول والشخصيات المحلية والاقليمية والدولية. ويملك أوراق لعب لا تحترق، وله جمهور كبير، وكبير جداً، يؤيده ويحبه ويمجده، ويناصره، ويسانده.
 
 
 


145
التعريب في ظل العمائم
صبحي ساله يي
كل الذين تسلطوا على رقاب العراقيين منذ تشكيل أول حكومة في عشرينيات القرن الماضي، ليس منذ تأسيس الدولة كما يروج له البعض لأن الدولة مازالت غير متأسسه، دخلوا من باب إحتكار القومية أو الدين، وإدعوا تمثيلهم لكافة القوميات والأديان وساهموا مساهمة فعّالة في جميع الكوارث التي عانى ويعاني منها العراقيين. ومارسوا بحق الكورد سياسات التعريب المنهلة من الفكر الشوفيني المقيت.
بعد العام 2003، أصبحت للعمائم السنية والشيعية أدواراً محورية في الحياة السياسية بالعراق، وقد إستبشر الكوردستانيون (المسلمون) خيراً بدور العمائم، وخاصة الشيعية منها. وإعتبروها بداية لحياة جديدة من التعايش والتسامح والاستقرار، ونهاية لمعاناتهم الطويلة ولحرب إبادة الآلاف من خيرة بناتهم وأبنائهم.
وفي خضم الاحداث المتسارعة في المنطقة، وبسبب المتغيرات الكثيرة والعميقة في الساحة السياسية العراقية، وتحويل العراق الى ساحة خصبة لتصفية الحسابات بين الدول، إنشغل البعض وتحت مسميات عديدة بالضلال والبهتان وسوء الرؤى والتقدير وأعلن معاداة التصالح ودعم الإرهاب بكل أشكاله، وفي مقابل هؤلاء إنشغل آخرون بمواجهة الإرهاب. وغرق غيرهم في الخطأ والإنحراف والتشويه وإتجهوا نحوالطائفية المقيتة. ووضعوا الجميع على مفترق طرق يجيد فيها الجهلة صياغة آليات التداعي والخسران. ودخل العراق في نفق مظلم ومرعب. وبات الكوردستانيون يلمسون ممارسات غير لائقة، ويسمعون الكثير من التحامل عليهم وعلى وقيادتهم, بحجج واهية بعيدة عن المنطق ولا تساهم في حل أية عقدة مهما كانت صغيرة, بل تصب الزيت على النار وتأزم المشكلات وتعمقها, وحتى خلال التظاهرات التي كانت تنطلق، في العراق، للمطالبة بالخدمات الأساسية، كنا نشاهد تدخل النواب والسياسيين الذين يؤيدون الحكومة سواءاً كانت ظالمة أو مظلومة, ليبعدوا انظار الناس عن الامور الحقيقية وكانوا يقولون: لاتتظاهروا ضد الحكومة ولاتطالبوا بالخدمات والكهرباء والماء الصالح للشرب ومكافحة الفساد ومعالجة الفقر والبطالة، لان مشكلتنا مع كوردستان وليست مع الحكومة.
بعد أحداث إكتوبر 2017، وبعد أن تهربت بغداد من تطبيق الدستور ولجأت الى فرض الحصار الجائر على الكورد، وممارسة القوة العسكرية ضدهم والإستقواء بالأجنبي، وبعد إتباع سياسة التعريب لتغيير خارطة المناطق الكوردستانية خارج إدارة حكومة الإقليم عبر الترغيب والتهديد والترهيب والعودة الى القرارات الصادرة في عهد البعث، وبعد أن فرضت سلطتها علی أكثرية المفاصل في كركوك، قامت بتهميش بفرديتها بتهميش الكورد بطريقة غير قانونية وغير دستورية. عاد بعض الساسة والإداريين الصغار الذين لايستحقون ذكر اسمائهم، لانهم لا يرون الا امتارا أمامهم فحاولوا اطلاق التسميات والمسميات العجيبة والغريبة على المناطق الكوردستانية خارج الإقليم وعلى الذين استساغواً دوما خرق الدستور وبالمخالفات الصريحة، وسمحوا لانفسهم التنصل من الاتفاقيات والعهود ومن مبادئ الدستوروتشويه الحقائق الجغرافية والتاريخية التي تعتبر من الوقائع على الارض، فدعوا الى حملة تعريب جديدة، وإعادة العرب الذين استقدمهم البعث المنحل والانظمة الحاكمة منذ بدايات القرن الماضي, الى القرى الكوردية ليسيطروا على أراضي الكورد، رغم إنهم متيقنون بأن هذه الارض ليست ارضهم، وان الديار التي استضافتهم رغما عنها ليست ديارهم، ويعرفون ان هناك اصحاب اصلاء لتلك الاراضي، وإستمرت المعاندة في سبیل إنکار کوردستانية کرکوك وبقية المناطق الكوردستانية، أما أصحاب العمائم فلم يحركوا ساكناً ولم ينبسوا ببنت شفة.
وأخيراً نقول : العمل بهدف التعريب ونفي الواقع في کرکوك في ظل العمائم، قفز فوق الأحداث ونفي للمتغيّرات وإنشداد الی الوراء، وهروب من الحاضر والمستقبل، وسعي للإنسلاخ من الحكمة والمنطق وتوجه نحو الأيديولوجية الفاسدة والمكابرة الوقحة وتهرب من المسؤولية وإنكار الحقائق الصارخة وترويج لجحيم. لذلك على العقلاء في العراق الإعتراف بحق الآخر وبالفيدرالية والديمقراطية لانها لغة العصر.
ما ذكرناه ليس من باب التعصب بقدر من انه حرص على التعايش والتسامح  وتوضيح للحقائق.


146
نيجيرفان بارزاني. الباحث عن الحوار
صبحي ساله يي
مع إقتراب العد التنازلي لبدء جولات الحوار بين الأطراف الكوردستانية بهدف تشكيل الحكومة الكوردستانية الجديدة، والتي كما هو واضح، يراد لها أن تكون الأقوى والأكثر تأثيراً في الداخل والخارج، والتي ستتشكل من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني، لأنه الفائز الأول في الإنتخابات البرلمانية السابقة، تشير الأنباء والتصريحات التي تتوارد من أروقة القرار الى أنه سيتم تكليف السيد نيجيرفان بارزاني لرئاسة وفد الحزب الديمقراطي الكوردستاني للتفاوض مع الأطراف الكوردستانية الأخرى ولتشكيل الحكومة.
بدلاً عن الخوض في التفاصيل، وفيما يجوز وما لا يجوز والإستحقاقات الإنتخابية، وضرورات طمأنة الآخرين عموماً والتوجه اليهم بخطاب منطقي شفاف وعقلاني، والإستجابة لكل المطالب المعقولة، ومغادرة الماضي الأليم، ومواكبة متطلبات وإستحقاقات الديمقراطية الحقيقية التي ينشدها المواطن الكوردستاني. لابد من التحدث أولاً عن الحكومة الحالية التي تعيش أيامها أو أسابيعها الأخيرة، والتي تشكلت برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، وسلكت طريقها بإتفاق تام بين الكتل السياسية المختلفة، وبدأت في أداء مهامها بمواجهة الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية والتحديات الأمنية. ولابد أن نتحدث، ولو قليلاً، عن المشكلات التي حدثت وأصطنعت بين الكتل والأحزاب السياسية تحت قبة البرلمان، وكيف تم إشراك الشارع الكوردي في المواجهات العبثية التي تقشعر لها الأبدان، وكيف حاول الفاقدون للرشد زعزعة الاستقرار برمي الشرر فيه، وإيقاد الفتنة السياسية بهدف إستثمار الظروف الإستثنائية الحاصلة جراء قطع موازنة الإقليم من قبل بغداد وإستقبال ما يقارب المليوني نازح ولاجىء والإنخفاظ الحاد لأسعار النفط والحرب ضد داعش، وخلط الأوراق في سلة صراع أكثر تعقيداً، والتفرغ لخيانات وخيبات أكبر، من خلال رفض كل المشاريع والأوراق التي قدمت لتجاوز الأزمة السياسية التي إصطنعوها في الاقليم، وأصرارهم على شروطهم ومطالبهم، محاولين وضع الشعب على حافة كارثة غير محسوبة العواقب. وكيف إستبقوا في قراءة النتائج وتسويقها كما يحلو لهم، وكيف إختلطت عندهم المعلومة بالرأي، فاندفعوا ليبشروا في تحليلاتهم بأن حسم الأوضاع سيكون لصالحهم لأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومن خلال حرصه الشديد على مصالح الكوردستانيين سيقدم لهم المزيد من التنازلات ويرضخ لمطالبهم خوفًا من الثمن الذي سيترتب على الدخول في متاهات أزمات جديدة تضاف الى الأزمات المتعددة التي كانت تعصف بالإقليم، أو تحت ضغط الظروف والجهات الخارجية. ولم يعد سرّا ان محاولة إنقلاب وقف وراءها بعض المزاجيين جرت في العام 2015 تحت قبة البرلمان الكوردستاني،  تبيّن خلالها ان رموز تلك الحركة الانقلابية كانوا يريدون التخلّص من الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه السيد مسعود بارزاني والسيطرة على برلمان وحكومة الإقليم وتولّي السلطة بأي ثمن. وكيف خططوا لذلك عبر تظاهرات وفوضى عمّت الشوارع وأحرقت خلالها عدد من المقرات والدوائر الحكومية. وكيف تهربت بعض الأطراف من تحمل دورها ومسؤولياتها الأخلاقية عندما تعرض الإقليم للعقوبات العدوانية الجائرة، وعملت عبر تصريحات معبئة للشارع ومهيئة للفوضى، من أجل الإنقضاض على حكومة الإقليم أو إصابتها بحالة من الكساح والشلل، وكيف ركب بعضهم موجات إحتجاجات الموظفين والمعلمين بهدف تفجير الاوضاع الداخلية والوصول الى حالة لا يمكن السيطرة عليها. ولكن خابت ظنونهم، كما خابت ظنون أعداء الكورد وكوردستان، ووضعوا أنفسهم وأحزابهم وحلفائهم في زاويا ضيقة وفي مواقف حرجة لايمكن تبريرها بسهولة أو تجاهلها خلال مباحثات تشكيل الحكومة الجديدة.
في المقابل نجحت حكومة الإقليم في تجاوز الاوضاع الصعبة في كوردستان، ولعبت دوراً بارزاً في وقف الهجمات التي استهدفت الإقليم برمته ودفن طموحات الأعداء. وأصبح ميزان القوة لصالحها ولصالح الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي لم يصب بالغرور والوهم، ولم يتبن خطاباً مضاداً لمواجهة الشركاء في الوطن، ولم يخطأ في تقدير المواقع الميدانية التي فيها الآخرين حسب، بل أنه يستطيع قراءة المواقع السياسية للآخرين.  ولأنه لايريد ان يدخل البلاد في دوامة صراع جديد وإرباك للوضع وإرتباك في المواقف، يبحث عن فرصة للحوار معهم، هذا إذا تفضلوا وفتحوا أمامه أبواب الحوار. وإن لم يعتمدوا مع سبق الإصرار والترصد، رغم المآزق الاستثنائية التي هم فيها جراء عنادهم، على سياسات البحث عن الثغرات، والمشي على خطى إضاعة الفرص. والأيام القادمة ، خلال مباحثات تشكيل الحكومة الجديدة بين وفد الحزب الديمقراطي الكوردستاني والأحزاب الكوردستانية الأخرى، ستثبت الكثير لمن يريدون أن يعرفوا الحقائق ومآلات الأوضاع.
 


147
وما زال العراقي يريد أن يعرف
صبحي ساله يي
  توجه العراقيون بسرعة نحو الديمقراطية في العام 2003، بسبب لهفتهم لها, وبسبب ما رسموه من أحلام وردية في خيالاتهم، وميولهم ورغباتهم الطبيعية المشروعة للمسك بمقدراتهم والتحكم بخياراتهم وإدارة حياتهم العامة بكل تفاصيلها. ولكن فرحة بعضهم، وغضب البعض الآخر بزوال البعث، أدى إلى تصدعات جيو اجتماعية وإنعكست إرتداداتها السلبية على ما كانت تعمل عليه الأحزاب العراقية والشخصيات الوطنية والسياسية. وقد كشفت تحولاتها، عن تكاثر مراكز صناعة القرار في بغداد، وعن إضعاف الحكومات التي تشكلت بعد 2003، وعن غياب الدولة، والإرتباك والخلل العميق في التعامل مع المواطنين الرافضين للتغيير والديمقراطية، خاصة من خلال التمسك بالقراءة الأمنية لمعالجة المشكلات الموجودة والمصطنعة والذي أدى الى معضلات كثيرة خسر فيها العراقيون الكثير من دمائهم وأموالهم، كما أدى الى إضاعة فرص كثيرة لا تعوض. كما خسروا  التعاطف العربي والدولي بشكل أوسع حينما أساءوا التصرف فيما بينهم، وبحق ديمقراطيتهم الوليدة وتعاملوا بسلبية مع حكومتهم ومع من أسقط البعث، أعني الأمريكان، ودخلوا في مواجهات بينية ومنحوا ثقتهم بدول وحكومات إقليمية إعتقدوا أنها حلفاء لهم.
  الذين كانوا على ثقة ودراية تامة بأن المصالح العامة تكمن في الإتكال على الدستور لردم الهوة بين العراقيين وفي التعقل في خلق التوازن في العلاقات بين العراق ودول الجوار وأمريكا، حذّروا المواطنين عموماً، والطبقة السياسية والحكومة خصوصاً، من عواقب الإتكال على الأجندات الإقليمية وسياسة اللعب بالنار، والتماطل في تطبيق الدستور والتماهي في إتخاذ الإجراءات التعسفية، كما دعوا الى التخلي عن الحذر المبالغ فيه عند العرب تجاه الكورد، وبالعكس، وعند الشيعة تجاه السنة، وبالعكس، وأكدوا على ضرورات تعزيز البيئة الإنسانية والأخلاقية والانفتاح على الآخر والحوار والتفاهم العقلاني بين المكوّنات القومية والدينية والمذهبية، وتفعيل القواسم المشتركة، وعدم تقسيم العراقيين الى منتصرين ومنهزمين، أو أقوياء وضعفاء، أو أكثرية وأقلية.
  ولكن، من تولى زمام الأمور خطوا الخطوة الأكثر خسارة وسوءاً للتقدير، عندما دعوا القوات الأمريكية لمغادرة البلاد. خطوة فسرت حينها بأن الداعين لها قرروا علنياً ودون تردد، التخلي عن الأمريكان وتأزيم العلاقة مع واشنطن، خوفاً من الغضب الإيراني. ورغبة في العودة إلى ممارسة السياسات التقليدية، دون وجود طرف محايد. تلك الخطوة أدت إلى خلط الأوراق وإعادة التموضع وفقاً لحسابات ومناهج مستفزة، ونتجت عنها تحولات كبيرة في المواقف، وتغييرات في خريطة التوازنات العراقية الجديدة، وكشفت عن تناقضات لا يمكن التكهن بتداعياتها، خصوصاً بعد ظهور بوادر الحرب الأهلية الشاملة، وإشتعال حرب الملفات، وخرق الشراكة والطعن في مفاهيم الكرامة والمواطنة والحرية والعدالة والمساواة والتضامن والإعتدال، وصدمة داعش الكبرى وإنفجار الأوضاع وتحول ربع العراقيين الى مهجرين ونازحين ومشردين.   
في البداية تم مخادعة العراقيين، وقالوا أن القضية برمتها، مسألة أيام أو أشهر، وستعود الحياة الى حالتها، ولكن المأساة والكوارث إستمرت لسنوات عجاف. وبخسائر كبيرة وتضحيات لا تقدر بثمن وجهود دولية، تم دحر داعش ( ليس بشكل نهائي لأنه مازال موجوداً وينفذ علميات إرهابية).
 الآن، يمكن القول أن التاريخ يعيد نفسه، بذات الشكل وربما أخطر، ويتم مرة أخرى تجاهل الإشكالات السياسية وتعقيداتها وتقاطعاتها، والخلافات والتوترات والتحديات والمخاطر والهموم الكثيرة، والتطورات السريعة والمحتدمة، والتدخلات المؤثرة، حيث نسمع أصواتاً تدعو الى طرد الأمريكان ثانية، وبعضها تدعو الى مواجهتهم بقوة السلاح .
المواطن العراقي الذي عانى ويعاني من الحيرة والارتباك والخيبة واليأس، ومن نتائج التدخلات الخارجية والخيانات الداخلية، فقد صبره وثقته بالديمقراطية كنظام، وبالمتصدين لقيادة البلد، وإختلط عنده غالبية الأمور والمفاهيم لكثرة التنافس والمماحكات السياسية والتسقيط والتجهيل والتعتيم, ولكنه يريد أن يعرف مآلات الوضع في بلده المفتوح على شتى الإحتمالات في الشهور الباردة القادمة، خاصة مع إرتفاع سخونة الأجواء بين طهران وواشنطن وتصاعد دخان التوترات في المنطقة التي ستلقي بظلالها على واقعه وحاله.
 


148
مابين الأمس واليوم في كوردستان
صبحي ساله يي
  في الأيام الصعبة، وبالذات عندما إستعر الصراع بين أربيل وبغداد وأنكر الكثير تضحيات شعب كوردستان ضد داعش والفواتير الباهضة التي دفعها، أغفل الكثيرمن السياسيين الكورد صورة المشهد بكامله ونظروا اليه من زاوية محددة، فأخذوا يتنافسون على لقب الأكثر بعدًا عن حكومة إقليم كوردستان والأسرع إنسحاباً منها، والأعلى صوتًا في إنتقادها من أجل مكاسب خاصة ورفض جميع توجهاتها وسياساتها الإقتصادية والسياسية والخدمية وأي شيءٍ تفعله أو تقوم به، والأوضح موقفًا في التمسّك بحلها أوإسقاطها أوتغييرها، والأشد الغضب عليها. وبات الإبتعاد عنها والسير في الطريق المعاكس لها نهجاً ومفاخرة عند الذين لايمتلكون القدرة على قراءة الواقع والمستقبل والتأقلم مع الأحداث والمستجدات.
أما الآن، بعد إنحسار المخاطر التي كانت تهدد الإقليم، وتغيير المواقف المحلية والإقليمية والدولية حيال الإقليم، وبعد أن أصبح الفوز الكبير للحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة الرئيس مسعود بارزاني، في عمليتين إنتخابيتين، قابلاً للتجيير والتوظيف حسب القانون ورغبات الفائزين وميولهم. نرى منسحبي الأمس، ومن دون أدنى ممانعةٍ وعبر بيانات صريحة ومباشرة، يتنافسون ويتهافتون، بل يهرولون ويتسابقون ويتصارعون من أجل أن يكونوا الأكثر قرباً منها، إستقواءً وحجزًا للمواقع المميزة في القطار الحكومي الجديد، ويعتبرون الحزب الديمقراطي الكوردستاني المخرج من الأزمات، يغازلونه ويتصلون به يشدّون إليه الرحال لتجديد العلاقات السابقة أو إقامة علاقات جديدة.
الكل في كوردستان، بما فيهم الفائز الأول، باتوا يطمحون الى أن يقال عنهم، إنهم الأكثر تسامحًا وسعة للصدر مع الآخرين. هذا الطموح، وبالذات عند الديمقراطي الكوردستاني، معلوم وثابت. ولكن عند الذين أنتجوا المزايدات غير المقبولة أخلاقياً، بلا أدنى إحساس بالمسؤولية االوطنية والقومية، تظهر اندهاشًا وإمتعاضًا لدى الكثيرين، وتتيح فرصة للتندر والسخرية من قبل جمهور يرفض التماهي والإنصهار الكاملين بين جانبين أحدهما قاد الإستفتاء وضحى ودافع عن كيان الإقليم وحكومته والمكتسبات الدستورية وحياة وكرامة الكوردستانيين، وآخر مدعوم خارجيًا، ومخدوم سياسيًا، عارض الإستفتاء وبرر الهجمات على كوردستان والحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه، بصرف النظر عن بشاعة حجمها وعن مرتكبها، في نقطات عدة. وكان يهاجم من وقف الى جانبه من قيادات الإتحاد الوطني الكوردستاني في نقطة أخرى.
وبالنظر إلى الأصوات التي تطالب بإعادة تأهيل هؤلاء وإشراكهم في حكومة الإقليم. نلاحظ أن بعضهم يطلب ذلك علناً وبشكل مكشوف ويفهم المعادلات ويدرك أضرار مراكمة الوقائع ومساوىء رفع اللافتات والخرق البالية التي لا تعني شيئا في عالمنا الحالي، وينظر بموضوعية إلى الوضع الكوردستاني بعد فشل السياسات السابقة تجاه الحزب الأول والأقوى والأعرق، والمقصود هنا أنه طالما أن الحزب الديمقراطي قد إنتصر ولايعرف الهزيمة لم تعد هناك خياراتٌ أخرى للتعامل معه سوى القبول الواقعي بحجمه وإمكاناته. بينما يسلط الآخرون إعلامهم وبعض قيادييهم للقيام بتلك المهمة عبر مناورات غير نظيفة وبتكتيكاتٍ غيربريئة، من نوع إعادة قراءة تاريخ الإستفتاء والتشكيك به وأحداث 16 إكتوبر ضد الكورد، مع التشكيك بدورالإتحاد الوطني الكوردستاني، بشكل عام، للإبقاء على حالة عدم الاستقرار في العلاقات بين الحزبين الرئيسيين، والإيحاء بأن الإتحاد الوطني لايختلف عن الأحزاب الثلاثة المنسحبة من الحكومة ورابعها الذي تأسس في الربيع وتمزق في الخريف دون أن يصبح حزباً، بينما الأحداث تثبت إنه يختلف عنهم كثيراً ولايمكن تحميله وزر أخطاء بعض المنتمين إليه أو المحسوبين عليه.
وما بين الأمس واليوم في كوردستان، الواقع يقول: هناك أحزاب موجودة على الساحة وفازت في الإنتخابات ولها كامل الحقوق الإنتخابية، ويجب أن تصان، ولكن رغبة المشاركة في الحكومة تختلف عن رغبة إختيار موقع المعارضة. الأولى يجب أن تكون متبادلة ولاتتحقق إلا مع رغبة وقبول الذي يتم تكليفه بتشكيل الحكومة، بينما الثانية، يمكن تحقيقها من جانب واحد. ويقول: القبول بعودة أو إعادة هؤلاء، مراعاةً لبعض الحجج المنطقية، ودمجهم في الحكومة المقبلة لا تغير حقيقة أن هؤلاء تنازلوا عن الشعب من أجل كسب ود البعض في بغداد والعواصم المختلفة مع أصحاب القرار في الإقليم، ولا تبيض سجلات لم ترتكز على منطق الموضوعية والقيم الأخلاقية والمتبنيات الفكريّة والمفاهيم الثقافية والإجتماعية والدينية في مرحلة عزل الإقليم ةتعرض شعب كوردستان الى المظالم.
 


149
التعقل الضروري ... يعني
صبحي ساله يي
  الحديث في المرحلة الحالية عن الساعات الصعبة المليئة بالمشكلات المفتعلة والتشنجات  والجدالات العقيمة والإتهامات الموجهة يميناً ويساراً، والتراشقات الكلامية التي بلغت الذروة العالية على الفضائيات في مرحلة ما قبل الإنتخابات الكوردستانية. إحراج للبعض ومحاولة لسحب البساط من تحت أقدام آخرين. وتذكير لعبارات ومصطلحات وأفكار ومقولات يخجل الإنسان من تكرارها، إضاعة للوقت، وإشغال للجميع بكلام لا طائل من ورائه، وإهانة للعملية الديمقراطية غير الخالية، أساسا،ً من السلبيات. كما يعتبر إهمالاً للتاريخ الكوردستاني الذي يتسم بالإنفتاح على الآخر والتحاور معه بحثاً عن الأمن والإستقرار والسلم والأحسن والأفضل، وتأريخ الثورات الكوردستانية التي أبلت البلاء الحسن في سعيها بكل ما كانت تملك من أجل أن ترسم لوحة وطنية تتناغم مع العطاء والقيم المبدئية التي تركزت عليها المقتضيات الموضوعية والذاتية عبر الحوار والتفاهم.
أما محاولة التهدئة وخفض منسوب التوتر الى الصفر في العلاقات البينية بين الكوردستانيين وأحزابهم السياسية التي كانت تختلف فيما بينها على خلفية التباين في العديد من الملفات السياسية، والتي إنعكست سلباً على علاقتها، سواء قبل الحملات الدعائية التي سبقت الانتخابات أوخلالها أو بعدها. فهي إستجابة عقلانية لرسالتي الرئيس مسعود بارزاني ونائبه نيجيرفان بارزاني، الموجهتين الى شعب كوردستان بمناسبة إعلان نتائج الإنتخابات، واللذين أكدا فيهما على ضرورة توحيد الصف والكلمة والموقف والتعقل الضروري الذي يعني :
  * التعقل والحكمة والإتزان والرغبة في إتاحة الفرصة أمام إستئناف اللقاءات والمداولات وفك العقد وتذليل العقبات، ومناقشة الاستحقاقات القانونية والسياسية والإنتخابية في المرحلة الحالية، ومراجعة المرحلة الماضية، وعرض الخيارات المتاحة أمام الوصول إلى تفاهمات مشتركة، وكذلك لبحث الفرص والتحديات التي تواجه الإقليم.
  * الإنفتاح الممنهج والتحاور بين الأحزاب السياسية الكوردستانية أمر طبيعي وواجب وطني وأخلاقي لايمكن إغفاله، بالذات في هذه المرحلة الصعبة التي تواجهنا، والتي يفترض فيها أن تكون مواقف الأحزاب مفهومة وصريحة وشجاعة وبعيدة عن الحساسيات الشخصية لتنجح في التعامل مع المكاسب المشتركة.
  * دعوة كافة الأطراف السياسية إلى حماية كوردستان، وتجاهل تعرضها للتهجمات والإتهامات والإساءات التي طالتها، والاستمرار بروح مطمئنة وبناءة لحماية وحدة الصف والوئام والتحاور بشأن تشكيل الحكومة القادمة.
  * تعزيز الإستقرار والأمن والشراكة والتعايش والإعمار، وتجاوز الأزمات والمضي نحو الأحسن الذي نطمح إليه، ورفض الفوضى والتعصب والاكاذيب والأوهام والتلفيقات والفبركات والشتائم والمصطلحات الغريبة على التمدن .
 
  * إتخاذ المزيد من الخطوات لتحديد الحاجيات والإمكانات والأولويات، ولتوحيد الضغط على الحكومة العراقية الجديدة لكي لا تكرر أخطاء الحكومة السابقة والتي سبقتها، ولتنفيذ ما نص عليه الدستور من حماية المدنيين وتأمين سلامتهم، بالذات في المناطق الكوردستانية التي تقطع خارج ادارة حكومة الاقليم.
  * تقديم تنازلات معينة في السر والعلن، أو الإعتراف بالخطأ، ينبغي أن تحتسب كنقاط قوة للطرف المبادر، خاصة وإن إصلاح الواقع يتحقق بأخذ العبرة من الماضي، وإحترام قواعد اللعب الجديدة الجيدة، وبتشخيص الواقع، وتوفر الإرادة ونقاء العزائم وإستيقاظ الضميرالجمعي والتصالح والتسامح مع الآخر إستكمالاً للصورة التي نحلم بها.
  * ويعني إننا قادرون على الإلتزام بما تعهدنا به، وقادرون على نثبت للعالم على المضي إلى الأمام رغم الإكراهات. وقراءة الواقع السياسي وفق ضوابط متصلة بتحولات محلية وإقليمية ودولية، وممارسة أعلى درجات الصبر الذي يطلق عليه ضبط النفس، والتمسك بالأفكار الإنسانية التي تعظم حقوق الأفراد ومنافعهم وإستقرارهم ورخائهم بعيداً عن الصراعات بأشكالها المختلفة، وتطوير الآليات المختلفة للحفاظ على الثقافة المتشبعة بالقيم الحضارية، والإستمرار في تطبيقه.
  * ويعني بعث رسالة الى الجميع مفادها: أن الكورد الذين عجزوا (قبل الإنتخابات) عن حل خلافاتهم، وأخطأ بعضهم بحق بعضهم الآخر، مازالوا قادرين على إغاظة الأعداء بالصبر والتصميم الكبيرين في الحفاظ على الثوابت الوطنية والقومية والتعامل مع المخطئين بحالة من التعقل والشعور بالمسؤولية، بعيداً عن ردات الأفعال غير المدروسة، وما زالوا قادرين على المحافظة على مكانتهم وهيبتهم .
 
 

150
صحة المواطن في أجندة حكومة إقليم كوردستان
صبحى ساله يى
  عندما قرر الكوردستانيون، بشكل منطقي نابع من قوة العقل والحكمة، وضد كل الصعاب، أن يكونوا مثالاً لقصة نجاح وإنتصار، ويبتعدوا عن الصراع، ويجعلوا من كوردستان، منطقة للأمان والتعايش والتسامح والإستقرار، ونقطة لإزدهار إمكانات النمو والتنمية وفق خطط ملهمة تم التخطيط لها بتصور ورؤية متحضرة متكاملة تتألف من إدراك الإمكانات وتكاليف التفاعلات الدبلوماسية في منطقة تكاد أن تكون جزيرة من العنف والاضطرابات. قادت حكومة الإقليم خطة تنفيذ ذلك القرار، ونفذت واجباتها، وجعلت كوردستان منطقة مستقرة بعيدة عن المنحدرات المنذرة بالخطر. وأصبح من الممكن، بسهولة ويسر، أن يبنى فيها الديمقراطية وصولاً الى تحقيق الطموحات في مختلف مناحي الحياة، وأن تزدهر فيها البنية الأساسية العالية الجودة، وخصوصاً في مجالات صناعة النفط والطاقة والإقتصاد وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، والاستثمارات الأجنبية، وكل المشاريع الحقيقية التي تخدم الحياة الإقتصادية والنمو الاقتصادي السريع والمجالات الخدمية وعلى رأسها التعليم والصحة.
  وبعد أن قطعنا طريقاً طويلاً، أصبحت كوردستان لامعة راقية متقدمة تنعم  بالعمران والنماء والإستقرار والأمن والتسامح والتعايش، ومؤهلة للديمقراطية الواعدة ،وخطت نحوها بإنتخابات محلية، وتوافقات وطنية. وقبل أسابيع إنتخب الكوردستانيون من يمثلونهم للبرلمان الكوردستاني، لتحقيق طموحاتهم ولتفعيل العناصر الايجابية في المجتمع وتحجيم العناصر السلبية وتسخير الطاقات، ولردم هوة الاختلافات والتناقضات السياسية والعمل على محوها، ولتشكيل حكومة قوية ومنسجمة تدير البلاد وهي مؤمنة بالقيم والمثل العليا، وتمتلك معارف وطرق تسيير وتنظيم الأمور، وتجنح نحو الفئات الكادحة لتلبية طلباتها جزاءً لمشاركتها الفعالة في الثورات والإنتفاضات المتتالية والأعراس والكرنفالات الديمقراطية خلال العقدين الماضيين.
  قبل أيام إلتفت نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم نحو المجال الصحي، وطرح برنامج شامل يعتمد على فريق عمل متخصص، حدد نقاط الضعف والخلل والتخبط في القطاع الصحي الذي صرفت عليه حكومة الإقليم خلال السنوات السابقة مئات المليارات من الدنانير. برنامج يتألف من عدة قرارات شجاعة ومسؤولة تحدد طريقة بيع وشراء الأدوية، وتضع الجميع تحت الرقابة الدقيقة. قرارات تبداً بإستيراد الأدوية من المناشىء وتمر عبر الموانىء والمطارات ومخازن وعنابر التجار المختصين بتجارة الأدوية، لتصل الى الصيدليات الأهلية، ولتنتهي عند المريض الذي لاحول له ولاقوة، المريض الراقد بين مطرقة الادوية المزورة والمهربة والمنتهية المفعول  وسندان الغلاء الفاحش للأسعار.
لا أتحدث بشكل تفصيلي عن القرارات التي صدرت من أجل فرض السيطرة وبشكل أفضل على سوق الدواء، لأنها جاءت في وقتها المناسب، وتنم عن عمق التفكير والحرص الشديد من رئيس حكومة الإقليم على الاهتمام بكافة فئات المجتمع. ولأنها قرارات نابعة من الشعور بالمسؤولية، ومبنية على أسس ومقاييس علمية، تراعي حقوق المريض وحقوق العاملين في المجال الصحي وخاصة الحاصلين على الدرجات والتحصيلات والخبرات والتخصصات العلمية، كما تضع الضوابط العامة بتأسيس الشركات الخاصة بتجارة الأدوية، وعمل العيادات أو المستشفيات، وتسد الطريق أمام التعاملات غير الأخلاقية بمأساة المريض من قبل كل من تسول لهم أنفسهم التلاعب بالأدوية والمستلزمات الطبية من حيث الكم والنوع وتاريخ وجهات الإنتاج، وبمقدرات الإنسان.
وختاماً نقول: غالبية الفعاليات المجتمعية ثمنت قرارات حكومة إقليم كوردستان المتعلقة بالأدوية والمتاجرة بها، والتي تخفف من الأعباء على المواطنين في ظل الالتزامات الكثيرة ومتطلبات الحياة التي لا تنتهي، وأكدت أن هذه القرارات أثلجت الصدور وأدخلت البهجة على قلوب الجميع وبالذات الفئات التي تستحق المساعدة والمرضى الذين تصب في صالحهم. وأكدت على أن مثل هذه القرارات تؤدي إلى زيادة التلاحم بين المواطنين وحكومتهم وتشجعهم على مواكبة التطورات الحاصلة في الإقليم وبلوغ ذروة الاطمئنان والتحاب والتعاون والاستقرار النفسي لدى المواطنين.
 


151
خيانة إكتوبر ،  لم تتوقف في حدود كركوك
صبحي ساله يي
  قبل الإستفتاء الذي جرى في أيلول 2017، بسنوات عدة، بدأت حملات التحريض والكراهية ضد الكورد، وبدأ اللجوء لخداع المواطنين العراقيين بأن الإقتتال مع الكورد أفضل لهم بكثير من التريث والتأمل ودراسة الأضرار المحتملة والحوار السلمي والفعاليات السياسية. كما مارست الأجهزة الاعلامية الملوثة بسموم الثقافة العنصرية أدواراً قذرة بنى عليها أصحاب المواقف العدائية والمخيلات المريضة  أفكارهم وثقافاتهم وأوهامهم.
  أما بعد الإستفتاء، فقد إنتقلت فكرة الإضرار المباشر بمصالح الكورد وإستهداف إقليم كوردستان، من مرحلة الأمنيات الى مرحلة كسر الإرادات والصراع الدموي التي تزهق الأرواح. وإختلفت الآراء والمواقف وتحوّلت الصداقات إلى ترقب لمآلات الأحداث التي تهاوت وإنهارت فيها الكثير من المفاهيم الإنسانية.
  جهات عدة غيرت الشك الى اليقين وإتحدت تحت خيام الوهم، فأدارت ظهرها لشعب وحكومة الاقليم، وأخذت تبحث عن ورقة رابحة تحقق لها ما تطمح إليه، ومن تحت قبة البرلمان العراقي صدر ضد الكورد، في يوم واحد، أكثر من عشرة قرارات يندى لها الجبين. قرارات جسدت أنانية وعفن الكثير من الشوفينيين الذين كانوا يريدون بقاء الكورد تحت رحمتهم وأمرتهم. وتحوّلت جهات اخرى الى ممارسة العداوات والتجاوزات العنيفة وفرض الحصار وضرب البنية التحتية لكوردستان، وبث الفتن لإرباك الأوضاع، وإعادة الإقليم الى المربع الأول. فخططت وصنعت الأزمات، وبعد أن تم تهيئة الأرضية الخصبة للعدوان على شعبنا جراء مؤامرة خيانية، تم إستهداف كركوك والكثير من المناطق الأخرى في 16/إكتوبر/2018، وأعاد التاريخ نفسه بإسلوب قذر ووجه قبيح، وأضيف مآساة مروعة أخرى الى مأسي الأنفال وكارثة هلبجه والإبادات الجماعية.
  الخيانة الجديدة تركت جراحاً عميقة وغطت على الكثير من الخيانات السابقة التي إرتكبت ضدنا طوال التاريخ، لأن لولاها لما كانت القوات العراقية ومن كان معها من قوات أجنبية تجرؤ على مجرد الإقتراب من سواتر ودفاعات قوات البيشمركه. وفى إطار أكذوبة ( خطة فرض القانون والدستور)، عاشت الفئة الواهمة نشوة نصر متخيّل، وأصيبت بالغرور والغطرسة والشعور الزائف بالثقة بالنفس، وحاولت ممارسة الإستعلاء على الكورد .
  الخيانة لم تتوقف في حدود كركوك، بل أصبحت إستراتيجية لفئة إنتهازية تتميز بالتعصب والطموح اللا محدود والمواقف المتناقضة تجاه الكثير من المشكلات بين الكوردستانيين، وكذلك بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم. تلك الإستراتيجية جمعت وجوهاً خسرت الساحة السياسية، ومكونات متناقضة ومتنافرة لا يجمعها جامع ولا يوحدها موحد، وعكست خطورة دور الخونة، وأنذرت بنتائج تهدد شعب كوردستان ومكتسباته المتحققة بأنهار من الدماء الطاهرة، ووصلت بها الوقاحة الى درجة مساندة الجهات التي كانت تصر على عدم الحوار مع الكورد. وأرادت تكريس الأمر الواقع الجديد ورفع سقف التوترات، ولي الأذرع ورمي الكوردستانيين خارج التأثير السياسي ، وسلب الشرعية والصدارة عن أي دور لحكومة الإقليم وإفراغها من محتواها، وتجاهلت المؤامرات التي تحاك بالخفاء لإفشال التجربة الديمقراطية والفيدرالية في العراق وكوردستان، فنادت بحكومة الإنقاذ من أجل السيطرة على السلطة بأي ثمن، وربطت سياساتها وحركاتها المشبوهة ومناوراتها الخبيثة وبرامجها مع التخطيط الدائم لممارسة الضغط على الحكومة والبرلمان الكوردستانيين ومحاصرتهما بعيدًا عن الأنساق الحزبية أو السياسية الدستورية المألوفة.
  في مقابل تلك الخيانات، تجلت عظمة قوات البيشمركه وعزيمة وعقيدة الأيمان بالتضحية والنصر أو الشهادة من أجل قضية عادلة، فوقفوا مع المخلصين من أبناء شعب كوردستان خلف الرئيس مسعود بارزاني وحكومة الإقليم، وبحثوا عن أنبل تعبير وأكبرعلامة فارقة ليسجلوه في التاريخ، فلم يجدوا غير رفض الإستسلام وعدم الإنحناء واللجوء الى المقاومة البطولية، وبعد الاستعداد العسكري والنفسي، كسروا أنوف الحاقدين وأحرقوا دباباتهم ومدرعاتهم المتطورة في الكثير من المواقع، ووجهوا صفعة مريرة الى وجه العبادي ومن كانوا يحيطونه، صفعة أعادت تقييم صورة البيشمركه السياسية والعسكرية وصورة المواطن الكوردستاني الذي يأبى الإنحناء أمام العواصف. 
   قرار عدم الإنحناء الجرىء، رغم الخيارات المحدودة، أحال رغبات الحاقدين وأحلام الخونة إلى حطام وأطلال، وأصبح بدايةً لانطلاقة جديدة تستدعي التوقف وتأمل المعايير والإشارات التي تعتمد على قوة العقل السياسي الجرىء في لحظات التحولات التاريخية الكبرى.
 


152
العراق والمرحلة التي لا تنتهي
صبحي ساله يي
  مع نهاية كل مرحلة في العراق، وبدلاً من القراءة المنصفة والعقلانية للمرحلة السابقة وتداعياتها وتراكماتها السلبية، ووضع الأحداث تحت المجهر لمعرفة دلالاتها. تختل المعادلات وتظهر فى الآفاق مؤشرات وبوادر لأزمات عاصفة وحالات إحتقان جديدة وربما غير مسبوقة تثير السخرية وتوجع المضاجع. أزمات ظاهرها مبني على تبادل الإتهامات، وغاياتها تحتمل تفسيرات عديدة تستند الى سياسة الإمساك بخيوط وملفات تعرج على نظرية المؤامرة وتمر بالتخوين والإسقاط والتعامل المبالغ فيه بين الشركاء، وتنتهي بفقدان الثقة المتبادلة وشيوع الفوضى، وخلط الأوراق لتسييس المعاني وإختلاق تناقضات جديدة، وتشخيص الأسباب وفق المصالح والأهواء، وللبحث عن المعالجات بأساليب مغلوطة ومضللة وخارجة عن السياق الواقعي لتطور الأحداث، وبعيداَ عن الإستحقاقات والمنظور المتكامل لرؤية الاحداث كما هى.
  هذا النمط من البحث الذي يعشعش فى العقول مع إنتهاء كل مرحلة وبداية مرحلة أخرى، هو النقيض الكامل للنقاء والتصالح والتسامح، يشوه الصور و يهدف لإزاحة  المسؤولية عن جهات معينة كانت موجودة بقوة في المشهد السياسي، ويلقي بها، عن قصد ودراية على أطراف أخرى، ويتهمها بالضلوع فى التهرب من المسؤولية والتآمر على الثوابت الوطنية. كما يؤسس لإستمرار الأزمات أو في الأقل يكفل بإعادتها .
  في العلن، الأطراف جميعها تعلن رغبتها في البحث عن الحلول والمشتركات والمزيد من المكتسبات، وتطلق تسميات (الخطرة، الحساسة، الدقيقة، الحرجة،  المعقدة، الصعبة والغامضة) على المرحلة الحالية والقادمة، وتدعو الى وحدة الصف والكلمة لمواجهة التحديات والمخاطر، وفي الخفاء تتربص ببعضها وبالشعب المسكين الذي يعاني من عشرات وربما المئات من الويلات والمآسي .
   أما الذين يستطيعون تحديد طبيعة الأوضاع التي يعانون منها وأسبابها، ويعرفون خطورة الأزمات القادمة وجذورها الاصلية، والمتيقنون من تزايدها المستمر من حيث الكم والنوع، فقد ملوا من سماع التسميات التي تطلق على مراحل حياتهم، لأنها متشابهة من حيث المضمون ومختلفة فقط من حيث الحروف التي تتشكل منها التسمية. ملوا من تسميات تجاوزت المعقول وأغرقتهم وبلدهم في بحر من الأزمات، ولم تنته حتى الآن. وهم على يقين بأن التسميات القادمة لاتكون أقل سوداوية وتدميرية من التسميات السابقة بسبب الحالات السلبية التي تركتها الحكومات الضعيفة السابقة، والإستفحال المزمن لأمراض قديمة فى ثنايا جسد العراق المنكوب المشوه الصورة، وبسبب الفوضى السياسية العارمة التي تهدف الى التغطية على الأسباب الحقيقية للفشل في غالبية المجالات، والفساد المستشري في كل مفاصل البلاد، والمليارات الضائعة والحرب ضد داعش التي منحت الفرصة والحق للبعض لإمتلاك الأنصار والمؤيدين والإمكانات والسلاح والمال وحق التصرف من موقع المنتصر والوصي على الحكومة بغية فرض رأيه ووجهات نظره وفرض الأمر الواقع، وطرح مرشحه لهذا المنصب أو ذاك ورفضه لذلك الإجراء أوالقرار، وأن يهدد بمنتهى الشجاعة والجرأة بعدم إستبعاد كل الخيارات وبإصطناع المزيد من العراقيل والمجازفة بمصير البلاد والعباد وصب الزيت على النار في منطقة ملتهبة أصلا، وإغراق الشوارع بالدم في حال تجاهل شروطه المعلومة والضمنية، أوتهميشه أو التفكير في عزله عن المشهد والقرار السياسي. 
  مع ذلك، ووسط الظروف المحيطة والمرافقة للمرحلة التي تبدو :انها لا تنتهي، بعضهم يريد التغاضي عن أخطاء الآخرين وطموحاتهم غير الديمقراطية وتجاهلهم للدستور وعدم إحترامهم للقانون، والهيمنة المطلقة على السلطات. يريدون التأني والتفاؤل عسى أن يجدوه، والإثبات على أن الأمور غير خارجة عن الإرادة والسيطرة، ومازال المستحيل ممكناً، لذلك يريدون المشاركة في حكومة تسترجع حقوقهم عبر التوافق في إصدار القرارات وتعيد العملية السياسية الى مسارها الصحيح، معتمدين على شخصية (عادل عبد المهدي) ومنطلقاته الفكرية وتاريخه، والوعود والتطمينات والإتفاقات الخارجية والداخلية، وعلى الدستور الذي يضيق ويضائل هامش المناورة معهم والمؤامرة ضدهم، ويريدون تجاهل الماضي القريب والتهديدات المستمرة والتصريحات الإستفزازية التي كانت توجه نحوهم، والإنسدادات السياسية ونزعات الاستئثار والغلبة والتهميش، ويريدون تجربة كل إختلافات الفرقاء.
 
 

153
الأحقية في قيادة الإقليم
صبحي ساله يي
   من خلال متابعة تطورات الأوضاع في كوردستان والعراق، وتفحص وقراءة الذي لاح في الأفق وبانت ملامحه، وما جري على الارض من تطورات لها علاقات مباشرة بالشأن السياسي، وما حصل خلال إختيار رئيس جمهورية العراق الاتحادية، خارج إطار التوافق بين القوى الكوردستانية، وضرب وتخريب ذلك التوافق، وفتح الباب في وجه الآخرين ليقرروا من يحظى بإستحقاق الكوردستانيين بدلاً من أن يقرر ممثلو شعب كوردستان ذلك، وتحويل الإرتباكات في المواقف الحرجة الى تهديد للاستقرار، وإستدراج الكوردستانيين نحو اليأس والغضب. يمكن الخروج بإستنتاجات عديدة تؤكد أن المرتقب سيساهم بشكل مباشر في رسم الملامح الحقيقية لخارطة جديدة في التوازنات السياسية في الإقليم والعراق، وقد تكون مفاجئة للكثيرين. الخارطة الجديدة لا تكون سيناريو أو تكهنات يطرحها سياسي معين وفق مصالحه الحزبية ورغباته الشخصية، وإنما ستكون رؤية ووجهات نظر حول الأحداث والعملية السياسية في العراق وكوردستان وتداعياتها، وستفرض واقعاً جديداً تسهم في نشوء وتكوين توازنات سياسية جديدة قائمة على أساس التطور والإنفتاح في العلاقات الداخلية بين الأحزاب والكتل السياسية, علاقات تحترم فيها إرادة الكوردستانيين، وستستند على معطيات وحقائق على الارض, وستكون، بلا شك ودون إنحياز، لصالح الحفاظ على وحدة الصف والعلاقات الطيبة داخل البيت الكوردي ولصالح الكوردستانيين الذين عبروا عن إرادتهم ومنحوا الثقة للحزب الديمقراطي الكوردستاني، بما يمتلكه ويمثله على الساحة السياسية الكوردستانية والعراقية من تمسك بالمبادىء الوطنية والقومية ودوره ومكانته التاريخية اقليمياً ودولياً.
  البعض يقول، أن التحالفات التي تلي الانتخابات هي التي تعالج التوترات الحاصلة في العلاقات بين الأحزاب الكوردستانية، وتحدّد مواقع الأحزاب ووضع النواب في البرلمان في مواجهة بعضهم البعض. وعندها يظهر في العلن من يلتزم بالقيم والمبادئ. ولكن من يحاول تحليل طبيعة الذين منحهم الكثير من الكوردستانيين، عبر صناديق الإقتراع، الأحقية في قيادة الإقليم ورسم سياساته ورعاية مصالحهم،  وحصل على عدد كبير من المقاعد النيابية في العمليتين الإنتخابيتين، عندما دعوا في الاولى  الى (مكاسب أكثر لكوردستان)، وفي الثانية الى (بناء كوردستان أقوى)، ويسلط الضوء عليهم بشكل واقعي حيادي، يخرج بنتيجة مفادها أنهم أناس تجمعهم قواسم مشتركة جعلتهم أكثر اقتداراً والتزاماً وإستقراراً وامتلاكاً للرصيد الشعبي من غيرهم، وأنهم أبناء حزب سياسي يمارس السياسة وفق ظوابط أخلاقية وقيم رفيعة، حزب يحترمه الخصوم والإصدقاء على حد سواء، ويمتلك تاريخاً نضالياً وينتهج مساراً حكيماً في التعامل مع مختلف الأطياف من قوميات وإثنيات تعيش على ارض كوردستان. يحترم سلطة القانون، ومستعد للتضحية في سبيل خدمة المواطنين، وقادر على تنفيذ برنامج واقعي لحلّ الأزمات والمشكلات المتفاقمة الناجمة من شراكات مهزوزة وتوترة ونيل بعض الأحزاب لإمتيازات ومواقع ومصالح أكبر بكثير من الإستحقاقات الإنتخابية.
  المشهد السياسي الكوردستاني، وفق العمليات الحسابية للنتائج الأولية للإنتخابات البرلمانية تشير الى إمكانية تصحيح مسار العملية السياسية في كوردستان، وإستعادة هيبة الكورد، واللجوء الى معادلة سياسية واضحة المعالم وقائمة على المصالح العامة. مستندة على مقومات إيجابية غير تقليدية تضمن الأمن والاستقرار في كوردستان، وتحرر البعض من إفرازات العلاقات السابقة والمفاهيم البالية ورغبة اللعب بأوراق محترقة. وبالذات الذين في أذهانهم عقد وخلافات موروثة مازالت بحاجة الى علاجات .

154
المنبر الحر / لماذا فؤاد حسين ؟
« في: 20:27 27/09/2018  »
لماذا فؤاد حسين ؟
صبحي ساله يي
الانتخابات البرلمانية التي نظمت في آيار الماضي، حظيت بإهتمام الكوردستانيين وأحزابهم السياسية، وبالذات الحزب الديمقراطي الكوردستاني، برئاسة السيد مسعود بارزاني.
في بداية الحملة الانتخابية، قال نيجيرفان بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بأنه يجب على الديمقراطي الكوردستاني أن يكون حاضراً وبقوة في بغداد وفي دائرة صنع القرارات والمشاركة الفعالة في إدارة البلاد، لكي يحافظ على المكتسبات التي حصل عليها الكورد ولكي يكون عوناً لبغداد في حل القضايا العالقة والخلافات عن طريق المناقشة والحوار.
خلال الإنتخابات تحلى أعضاء الحزب ومؤيديه بالنضج السياسي والوعي الوطني والقومي وجددوا ثقتهم بحزبهم وبرئيسهم، وبعد إعلان النتائج، تبين أنه يتربع في المقدمة وحصل على الموقع الأول على مستوى الإقليم وعموم العراق.
كوردستانياً خاض وفد الحزب الديمقراطي الكوردستاني عدة جولات ماراثونية من المشاورات مع قادة الأطراف الفائزة في الانتخابات البرلمانية، وواجه خلالها صعوبات عدة، وتحديدا مع الأحزاب التي إنسحبت من حكومة الإقليم قبل أشهر وتهربت من المسؤوليات من جهة، وسعت من أجل كسب الشارع الكوردستاني من جهة أخرى. وأخذت اللقاءات أوقاتاً أكثر من نصيبها في المناقشة، ولم يتم التوصل إلى تفاهمات متجانسة أو حتى الوقوف وقفة واحدة لإعادة اللحمة للوضع السياسي الكوردستاني.
وعراقياً عقد الحزب الديمقراطي الكوردستاني الكثير من اللقاءات في أربيل وبغداد مع الأحزاب العراقية، وإستنتج الجميع من كلام وتصريحات وتأكيدات الرئيس بارزاني ونائبه وقيادات حزبه، وجود إرادة لا تدع مجالاً للشك في امكانية تجاوز الخلافات التي أوقعت بالكوردستانيين الكثير من المظالم، وأن الحزب الذي يؤمن بالسلام ولا يفوت أية فرصة لتحقيقه، يريد إعادة بناء الثقة بين أربيل وبغداد، وردم هوة الإنقسام ومعالجة الأخطاء، والدفع بإتجاه فتح الطريق لمعالجة شاملة وعادلة ودستورية لجميع القضايا العالقة.
ومع الإقتراب من المواعيد النهائية للإستحقات الدستورية في العراق، ونتيجة لضرورات داخلية ولمنع التداعيات المحتملة التي تفترض سيناريوهات سياسية عديدة. تحتمت كوردستانياً وعراقياً تسريع وتيرة التحضيرات لتشكيل الحكومة الجديدة في بغداد، ووسط توقعات تتمحور غالبيتها حول المواقف المعلنة للأطراف الكوردستانية والعراقية التي تؤكد على التمسك بالأسس والمبادئ الثلاثة التي تضمن الشراكة الحقيقية والفاعلة في حكومة تصح فيها فعلا تسميتها بالحكومة العراقية، والتوافق في إصدار القرارات بعيداً عن (أكثرية عربية وأقلية كوردية). والتوازن بين المكونات في كافة مؤسسات الحكومة العراقية، وبالذات في المواقع والمراكز الحساسة. جاء ترشيح الدكتور فؤاد حسين لمنصب رئيس الجمهورية من قبل الرئيس مسعود بارزاني .
وللإجابة على السؤال الذي تم طرحه بكثرة خلال الأيام الماضية وهو : لماذا الدكتور فؤاد حسين ؟
نقول : من محصلة الرصيد السياسي للدكتور حسين الذي بدأ في ستينيات القرن الماضي في صفوف إتحاد طلبة كوردستان مروراً بمحطات كثيرة مهمة وإستراتيجية، ودبلوماسيته العالية، يمكن الإستنتاج بأنه سيكون رئيساً قوياً للبلاد، رئيساً يجسد مقولة التواجد الكوردي بقوة في بغداد، رئيساً يمتلك إرادة رعاية  الدستور والعمل بإخلاص وتفان من أجل الوفاق الوطني القائم على إدراك المؤشرات التي تدل على أن المنطقة تمر بظروف حساسة وخطيرة جداً وأن  العراق جزء من هذه المنطقة التي تشهد خطوات تصعيدية وتغلي على صفيح ساخن، وربما تتجه نحو فوضى مكتملة الأركان. فؤاد حسين سيكون الرجل المناسب في المكان المناسب الذي يمكن إعتباره المخرج والمنقذ للمستقبل في ظل الظروف والتعقيدات والتوترات الداخلية والتحديات والمتغيرات الاقليمية والدولية ومـآلاتها، وهذا الظرف السياسي المفصلي لكي يخرج فيه الجميع منتصرين. والله المستعان ..
 
 

155
الإستفتاء وبغداد ومفارقاتها
صبحى سالەيى
بعدما لمسنا إصرار الساسة في بغداد على الاستمرار في ممارسات تدل على أنهم ليسوا بحاجة إلينا كشركاء والى الدولة ككيان، وبعدما أدركنا خلو سلوكهم ورغباتهم ونواياهم من أي عزم على تنفيذ الدستور والمساهمة في بناء الديمقراطية والفدرالية، وعدم إهتمامهم بحقوق الإنسان العراقي بشكل عام والكوردستاني بشكل خاص. شارك الغلبية المطلقة من الكوردستانيين في كرنفال وثورة بنفسجية ليسجلوا في التاريخ الكوردستاني ملحمة جديدة لها طعم ومذاق تشبهان الى حد كبير طعم ومذاق ثورتي أيلول وكولان في 1961و 1976.
 في ثورة أيلول قدم الشعب الكوردستاني التضحايات، وحقق الإنتصارات، وبعد جولات من التصدي والمجابهة والمفاوضات، وفترات تهدئة، وجراء مؤامرة دنيئة حيكت خيوطها في دهاليز العديد من عواصم العالم، أصبنا بنكسة. أما كولان فقد توجت بإنتفاضة عارمة في آذار 1991، بعدها إنتخبنا برلمان كوردستان وشكلنا حكومة الإقليم.
 وفي كرنفال الإستفتاء (الثورة البنفسجية)، في الخامس والعشرين من أيلول 2017، توجهنا نحو صناديق الإقتراع بفخر وشموخ لنقول ما نريد ولنقرر مصيرنا وفق طريقة ديمقراطية متناغمة مع الدستور العراقي والمواثيق والقرارات والمبادئ المثبتة في مواثيق الامم المتحدة، وجميع الأعراف والقوانين الدولية والسماوية التى تساوى بين البشر.
بالرغم من السنوات الطوال التي تقع بين 1961و2017، بقيت المفارقات المضحكة المبكية تلاحق حكام بغداد وبقيت العقليات كما هي، تنتقد سابقتها في البداية وتصفها بأوصاف عجيبة، وتقلدها بعد أشهر في التصرفات، وتمارس القلق والحرج في حسابات التوازن، وتبدأ بخطوات التراجع عن الإلتزام بالدستور والوعود، وتتمسك بالنظرة الإستعلائية الشوفينية والثقافة الإحادية ونمطية إتخاذ القرار. تجنح للمستحيل بدلاً من الممكن، ودون أن تتقن اللعبة السياسية تحاول ممارسة السلاح وكل وسائل الضغط والاستفزاز ضد الكورد وإستثمار التقاطعات والتضادات والمصالح الإستراتيجية للدول المحيطة بنا وتطويعها من أجل أن تبقى وأن تظهر أنها الأقوى والأكثر أهميةً.
خلال ثورتي أيلول وكولان قصفتنا بغداد بالقنابل والغازات السامة، ودفنت شبابنا وأطفالنا ونسائنا وشيوخنا في مقابر جماعية، وأحرقت قرانا، ونفذت حملات الأنفال السيئة الصيت والترحيل القسري والتعريب. وبعد ثورة الإستفتاء، بغداد التي تريدنا أن نبقى معها، إستنسخت رسائل الكراهية القديمة وبعثتها لنا، وإستخدمت كل الأسلحة الحديثة ضدنا، وفرضت علينا حصاراً إقتصادياً. ولولا ضعفها ومشكلاتها الداخلية وتعقيدات الظروف الإقليمية والدولية لأعادت الأنفال والقصف الكيمياوي والمقابر الجماعية بشكل أبشع وأشرس .
خلال الثورات الثلاثة، رفضت بغداد مراجعة موقفها الاستراتيجي ولم تمنح نفسها فرصة اكتشاف الأخطاء التي ارتكبتها بحق الكورد أولاً، وبقية العراقيين ثانياً. ولجأت الى حسم الأمور الدستورية والسياسية بالوسائل العسكرية البعيدة عن منطق الحكمة والعدل والإنصاف، وأغلقت السبل أمام الكورد وقيادته السياسية، ولم تبق أمامهم سوى خيار الدفاع عن النفس، وحمل السلاح .
اليوم ونحن نتجه نحو تشكيل حكومة جديدة في العراق، نتمنى أن لاتخطأ بحق الكورد والعراقيين، وأن لا تعيد أخطاء السابقات، وأن لاتعتقد أن الكوردستانيين سيتراجعون عن مطالبهم المصيرية وحقوقهم الدستورية، أو يرضخون الآن أو في المستقبل للضغوط  أو للمطالب غير القانونية وغيرالدستورية، لأن ذلك الإعتقاد سذاجة وبلاهة.
 

156
مرحلة ما بعد العبادي
صبحي ساله يي
بعد أن أصبحت ملامح الكتلة الأكبر واضحة وملموسة، وتشير بصراحة متناهية الى إنكشاف الغطاء عن السيد حيدر العبادي وإستبعاده عن رئاسة الحكومة الجديدة، وبعد الإقتراب من مرحلة ما بعده، وتأريخ نهاية صلاحيته. لابد من بعض الشىء  عنه وعن عهده الذي بدأ قبل أربع سنوات، عندما كان العراق على حافة الإنهيار.
(حيدرالعبادي)، رغم أنه ليس صاحب تضحية، ولا سابقة له في الجهاد والنضال، وإنه ليس من المفكرين والرموز الحركية والقيادات التاريخية في حزبه، ولم يحصل في إنتخابات 2014 على أصوات كافية توصله الى قصر الرئاسة أو حتى عتبة البرلمان، حصل (بالصدفة وكمرشح تسوية) على ما لم يحصل عليه كل الذين سبقوه، ولايحصل عليه من يليه، حصل على دعم أمريكا وإيران والسنة والشيعة والكورد وأحزابهم، وجعلوه عنوة رقماً من الأرقام.
راهن عليه الكثيرون وإعتبروه رئيساً وسطياً قادراً على إنهاء المشكلات والأزمات وإجراء إصلاحات سياسية وإقتصادية، وتقديم الخدمات في مجالات الكهرباء والصحة والمياه والتعليم وإعادة الحياة الى البنى التحتية المدمرة. أما هو الذي كان الأدرى بعدم إمتلاكه للشجاعة الكافية والحزم اللازم للتصدي للآفات التي تهدد العراق والعراقيين، فقد إستغلها في بيع الوهم، وراهن بالكامل على إطلاق الوعود السخية الكثيرة التي لا تكفي لطمأنة نصف العاقل، وإعتبرها أوراقاً رابحة يمكن أن تحمل معها الايجابيات.
كابر وعدد الإنجازات قبل أن يباشر بتنفيذها وتباها كثيراً بإنتصاراته المزعومة و ديمقراطيته وعدالته من أجل أن يغطي على أمور أخرى. لم يحقق من وعوده الكثيرة سوى الجزء اليسير. تفنن في تقديم المبررات، وكل برامجه بقيت في إطار خدمة ضمان البقاء على قطار السلطة.
نهجه في الحكم وفي التعامل مع الأحداث والوقائع لم يختلف عن نهج السابقين له، ولم يفهم الدرس، ولم يفعل أي شيء من أجل تهدئة أسوأ التجاوزات التي حصلت في عهده. حاول التفرد بالقرار وأثار الكثير من الاستفهام والأسئلة والإعتراض والإنتقاد.
بصريح العبارة يمكن القول أن فترة حكمه كانت أضعف فترة في تاريخ العراق، وإنه فشل وعجز حيال التعهدات التي قدمها، والفاشل العاجز، خاصة وإن كان كثير الجدل والكلام ويتعب السامعين ببعثرته وتشتته، فإنه يفقد المصداقية ويكشف نقاط ضعفه إن إختار الدخول في السجالات والمواجهات، أو تهرب منها، ويتسبب بخيبات الأمل ويسجل تراجعاً في شعبيته، ويفقد الغطاء الذي كان يحميه، ولايحظى بأي تعاطف في أوساط الذين ساندوه بالأمس خشية من إتساع رقعة الاضطرابات ضدهم وتوجيه الإتهامات نحوهم، وحتى الذين يؤكدون على تنحية الخلافات جانباً للحفاظ على المصلحة الوطنية أدركوا أن لدى العبادي مشكلات كبيرة على مستوى الشعبية.
أما مرحلة ما بعده، فهي بحاجة الى حكومة تتحلى بالارادة القوية والرغبة في إعادة الثقة المفقودة بين المكونات والأحزاب والكيانات والكتل من منطلقات أساسية سليمة، وتفاهمات مشتركة لإنهاء التوترات والأزمات ولملمة الجراح. حكومة تتخذ خطوات جدية بإتجاه تدارك أخطاء الحالية والسابقة، تخلص في أداء واجبها وتضع حلول ناجعة وعاجلة للمشكلات التي أصابت كل المؤسسات في البلاد، وترتكز على أسس وطنية واقعية وتتعامل بعدالة مع جميع مكونات الشعب العراقي، لكي تخلق الثقة بالمستقبل وتوقض الأمل في النفوس وتحصل على الدعم والمساندة والمشورة الداخلية والخارجية معاً.

157
المنبر الحر / ثورة أيلول...
« في: 19:27 10/09/2018  »
ثورة أيلول...
صبحي ساله يي
سيادة النزوع الموضوعي في التعامل مع الماضي والأحداث التاريخية بصراحة منهجية مدفوعة بالحرص والمسؤولية على كل مايخص الكورد وما يضمن الخير لحاضر هذا الشعب ومستقبله، تدعونا الى إستذكار الكثير من الأحداث والأيام، وبالذات العظيمة فيها، والتي تتوج  الطاقات المخلصة والأفكار الحريصة والجهود النيرة التي قارعت الظلم والغدر وناضلت بشكل أو بآخر من أجل الدفاع عن كرامة الشعب وإستقلاله.
سقت بالمقدمة أعلاه لأتحدث عن ثورة أيلول التي :
*  إستندت على مبادىء الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
*  وإستنارت بعقيدة البارزاني الخالد الذي ولد في بيت كوردستاني ذي زعامة وطنية وسياسية حملته إرثاً كبيراً فحافظ عليه بأكمل وجه، بل أضاف اليه وزناً ووهجاً.
*  ونبتت على الأرض الوطنية والقومية.
*  وأدركت الواقع ولم تغرق في النظرياتز
*  ولم تنزلق نحو السلبيات على حساب المبادىء والمطامح.
*  وعاشت الواقع بكل حقائقه وتفاعلت معه من خلال الرؤية الواعية وسعت لفهمه وتطويره. *    *  والتي حظيت بدعم كل الكورد وكل العراقيين الشرفاء .
في الحديث عن هذه الثورة لابد من الحديث عن الطرف الآخر الذي تهرب من إلتزاماته وعهوده، وإنتهج إزاء الكورد كل أساليب ووسائل حكام العراق وتركيا وإيران السابقين، وذلك بتأجيج بعض الكورد على البعض الآخر، وتسليح بعضه من أجل إستخدامه ضد بعضه الآخر. وإتهم الكورد بالعمالة للخارج، وجمع عدد من الغوغائيين أمام دار البارزاني ومقر البارتي في بغداد، ليهتفوا ضد الكورد وليقولوا ما لايصح قوله في مثل تلك الأيام، وليحاولوا إقتحام الداروالمقر والإعتداء على من فيهما، والذي رفض مقابلة الوفد الكوردي، وطلب منهم تقديم مذكرة بدلاً من المقابلة، ولكنه لم يجب عليها..
بعد تلك الأحداث، إستعد البارزاني الخالد الذي تجلت مواهبه السياسية والقيادية منذ مطلع شبابه، والذي إمتزج تاريخ الوطنية والسياسية بحياته وحياة عائلته الكريمة، لترك بغداد والعودة الى كوردستان. ولأنه كان يمتلك إرثاً نضالياً يتصف بالحزم والصرامة في أوقات الأزمات، ولأنه كان حريصاً على الوحدة الوطنية ومانعاً لتعميق الإنقسام الوطني، ومفكراً في ما بعد إندلاع القتال بين الكورد والحكومة أكثر من تفكيره بكسب المعركة، آثر التريث والإنتظار.
وفي المقابل توالت تراجعات الحكومة وتعددت إجراءاتها السلبية، وتجاهلت دور الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الممثل الشرعي للكورد، وبدأت حملات واسعة لإعتقال أنصار الحزب، وإنحازت بشدة نحو رؤساء بعض العشائر الكوردية المعروفة بعدائها للبارزاني والبارتي ومنحتهم المال والسلاح والنفوذ، فإنتقموا من الفلاحين الكورد شر إنتقام. وأصبح التنكيل بالكورد في العراق نوعاً من أنواع الوطنية، وبلغ التوتر ذروته.
وخلال آخر لقاء بين البارزاني الخالد وممثل الحكومة العقيد حسن عبود  آمر موقع الموصل، أخفقت المفاوضات، لأن الطائرات الحكومية قصفت بشكل مركز وشديد، المكان المقرر لعقد الاجتماع. بعدها قدم البارزاني الخالد مذكرة شديدة اللهجة الى الحكومة، تضمنت أحد عشر مطلباً. ورد عليها قاسم بإتهام الشركات النفطية بتحريض الكورد على الثورة ودعمهم. وإتجه الطرفان نحو نقطة اللاعودة .
وإنطلقت الشرارة الأولى للثورة في 11/أيلول/ 1961، وتلاحم فيها الكوردي المثقف مع الفلاح والعامل وعالم الدين والموظف. وفي بداية سريعة ومدة قياسية، إستطاع الثوار تطهير مناطق واسعة من العشائر التي سلحتها بغداد، ومن القوات العراقية النظامية التي كانت تتواجد في المنطقة.
ومثلما إكتمل الوعي والإدراك السياسي لدى الكورد، نمت عندهم الروح القتالية وظهرت في الأفق علامات ولادة جيش ثوري كوردستاني دائم ( البيشمركه)، ذي إعداد وتدريب وتربية سليمة. وكان الجيش العراقي نفسه المصدر الرئيسي لأسلحة البيشمركه، وسلك البارتي الذي لايعرف الإستسلام للأعداء طريق النضال والثورة، وشهدت كوردستان أعظم ثورة كوردية معاصرة تعتبر إنعطافة تاريخية في مسار الحركة التحررية التي رسمت المستقبل الكوردي بخيوط من ذهب. وكانت للثورة جولات دفاعية عن الذات والحقوق الكوردية، وجولات في الحوار، إذ كان قائد الثورة مؤمناً بأن الحوار جزء النضال. وكانت الهدن الهشة تنهار بسرعة جراء المشكلات المستعصية وعدم الوفاء بالوعود وعدم إحترام الإتفاقات.
إستمرت هذه الحالات حتى  11 آذار 1970، حيث الإتفاقية التاريخية التي أقرت للكورد حقوقهم القومية. ولكن هذه الإتفاقية لم تصمد أيضاً، وإندلع القتال مرة أخرى في 1974 بين الكورد والحكومة لتستمر حولاً كاملاً، وجاءت مؤامرة جزائر الشنيعة سنة 1975. مع ذلك لم يستكن البارتي، بل شدد من نضاله وقدم خيرة مناضليه فداءاً لمسيرته وتحقيق أمانيه حتى توج ذلك بثورة جديدة ( ثورة كولان ) التي تعتبر خير نموذج للثورة الحديثة ومنهلاً من مناهل النهوض الوطني والقومي.

158
المنبر الحر / توترات لا ظل لها
« في: 23:14 07/09/2018  »
توترات لا ظل لها
   صبحى ساله يى
خلال الأيام الأخيرة، إتجهت الأنظار نحو تحركات وسلسلة زيارات الوفد الرفيع المستوى للحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي رأسه نائب رئيس الحزب، نيجيرفان بارزاني، للأحزاب والقوى الكوردستانية الأخرى من أجل التوصل إلى برنامج عمل كوردستاني مشترك يعتمد في بغداد خلال محادثات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. كما راقبت مواكبة المحادثات والتوصل الى إتفاقات ونتائج ترضي الجميع وتعالج الإشكاليات والأزمات والتصدعات التي نجمت عن السياسات والممارسات السابقة.
مباحثات هذا الوفد مع بقية الأحزاب الكوردستانية، جاءت للإصغاء وإتاحة الفرصة أمام كل طرف لقول ما لديه، إصغاء مقرون بمحاولة الفهم وللإفصاح عما في الخواطر وعدم كتمان المشاعر واحتباسها. وجاءت إستكمالاً لمباحثات كثيرة وفعالة عقدها الحزب الديمقراطي الكوردستاني مع الإتحاد الوطني الكوردستاني، شددت في جميع جوانبها على الثوابت الكوردستانية وأشرت لواقع كوردستاني جديد، وتفاعلات تحمي المصالح الكوردستانية المتداخلة في العراق وفق الاستحقاقات القومية والوطنية والدستورية والانتخابية. كما جاءت في أجواء إيجابية مختلفة في كوردستان والعراق ومواقف مختلفة للأحزاب العراقية خلال الاجتماعات والمحادثات مع الكورد، سواءاً التي جرت في بغداد أو التي جرت في أربيل، مواقف إختلفت عن السابقة التي كانت تضع العراقيل والمشكلات في طريق التفاوض والتفاهم .
أهمية ذلك الوفد تكمن في وعيه بالحقائق التي نعيشها، وإستيعابه لمتطلبات الواقع الجديد، وإدراكه بأننا مقبلون على التحرك ضمن قواعد وسياقات ومتطلبات جديدة، وقطع المسافة المعقولة نحو تحقيق الأهداف الوطنية والقومية. كما تكمن في التوترات التي لاظل لها مقابل الجراح الكوردستانية التي ما زالت تنزف، والملفات الساخنة المغلقة والمفتوحة، والهموم والمتاعب والمشكلات الكثيرة. وأهميته، وهو يقود سفينة التفاوض بنجاح نحو شاطىء الأمان ، تتجسد في قدرته على تحمل الضغوط والتغلب عليها، وإيجاد حلول ناجعة وعاجلة للمشكلات، وإتخاذ قرارات وخطوات جريئة لمعالجة الأوضاع في البلاد، وتصفية كل ما يتعارض مع النظام الديمقراطي والشراكة الوطنية، وكل ما يخل بالقوانين ويتجاوز على القيم التي كانت في أساس بناء التجربة السياسية في الإقليم. وفي قوته التي تؤهله لتحقيق الرهانات المعلقة عليه وإفشال رهانات الحاقدين وقطع المسافة المعقولة نحو تحقيق الأولوية التي هو التوصل الى حل، وإفهام الآخرين، بأنه ينوي بحق التوصل الى علاج للملفات العالقة من خلال مناقشات واضحة وشفافة، وإعادة الثقة بين جميع الأطراف، وعدم الغرق في القضايا التكتيكية على حساب الإستراتيجيات والثوابت .
نتائج المباحثات والإجتماعات السابقة، ستضع النواب الكورد في بغداد، وأعضاء الوفود التفاوضية الكوردستانية، أمام تجاربنا التفاوضية السابقة في وطن إنقلبت فيه المعادلات مع إختلاف المصالح الشخصية والحزبية والطائفية والمذهبية والقومية وتعاني من المتغيرات المؤثرة فيها. وتشجعهم على أن يقدموا العروض والمقترحات بالنسبة لكل قضية، ويقروا الاتفاقات بشكل مكتوب ويحددوا التفاصيل القانونية والسقوف الزمنية بمنتهى الدقة. وترغمهم على التأكيد على شراكة الكورد الحقيقية في العراق، والتوافق في إتخاذ القرارات والتوازن والاستحقاق الكوردي في الحكومة العراقية القادمة.
وبما أنه لم يتم التركيز خلال المباحثات على الماضي وحكاياته، فإنه يمكن القول إن كل التوترات السابقة بين الأحزاب الكوردستانية والتي حاولت إرباك المواقف وتهديد الاستقرار، وإستدراج الآخرين نحو اليأس. إما فقدت ظلها عند البحث عن ثقل أكبر تمنح لكوردستان، وقوة لمواجهة التحديات وإتفاق حول المصالح الوطنية والقومية الكوردية، وعمل مشترك ودفاع عن الحقوق الدستورية لكوردستان وتعزيز النقاط المشتركة، والإصرار على تجاوز نقاط الاختلاف ، أو إنها كانت في الأساس لا ظل لها .
 

159
تجربة تريد الإستمرار
صبحى ساله يى
  التجربة السياسية والإدارية والخدماتية والإستثمارية في إقليم كوردستان خلال السنوات التي تولي فيها السيدين مسعود بارزاني رئاسة الإقليم ونيجيرفان بارزاني رئاسة الحكومة، تجربة، بشهادة الجميع ووفق غالبية المقاييس، بناءة وناجحة، ومن يريد أن يتحدث عن مشاريع البنى التحتية والتطور الحاصل في الإقليم، الذي كان يعاني من الحرمان في كافة المجالات إبان حكم حزب البعث لدواعي عنصرية، والذي تأذى كثيراً جراء الخيبة والفوضى والمصاعب والمرارات التي شابت الحياة الخاصة والعامة، والحصارات المفروضة عليه من الأمم المتحدة وحكومة بغداد وأجهزتها الأمنية. ومن يريد التحدث عن الإقليم بكامله الذي أصبح أنموذجاً رائعاً يخطو نحو التألق، لابد أن يذكر الذين تعهدوا بالعمل الدؤوب من أجل تحقيق الأهداف المنشودة، والسعي إلى تطوير البلاد نحو مستويات أفضل، ووضعوا الأسس الصحيحة للتطور، الذين تحلوا بالثقة والصبر من أجل بناء الوطن والمواطن، ومن أجل أن يكون اليوم أفضل من الأمس، وغداً أفضل من اليوم.
الساكن في الإقليم، أو الزائر له يعلم أنه، رغم كل العراقيل والمعوقات والتحديات،  نمى وتطور وتألق ضمن سياق علمي وبشكل رائع خلال السنوات الماضية، سواءً على صعيد، طرق، جسور، مطار، مولات وأسواق عصرية، بساتين وحدائق ومتنزهات. أم من حيث مستوى الخدمات التي تقدم للمواطنين، مدن سكنية، مستشفيات، مدارس، جامعات، أم في مجال الخدمات العامة الأخرى كالصحة والماء الصافي والكهرباء والإتصالات. ويعلم أن التفان والإخلاص والحركة الدؤوبة والمتواصلة لأبنائه، والحنكة والرؤية الحكيمة للقيادة السياسية المصطفة مع المنطق والتي تريد تطبيق الديمقراطية بمفهومها البسيط والمتوائم مع مجتمعنا الكوردستاني، القيادة التي لم تبتعد عن أرض الواقع، والتي حاولت خلق قواعد وأصول مواكبة العصر والفهم الواعي لمستجداته، وأدركت أن مستقبل البلاد يعتمد بشكل أساس على الإستفادة من طاقات أبناء الوطن. والتي بذلت جهوداً كبيرةً لحفظ الأمن والإستقرار، وللنهوض بقطاع التعليم وتعزيز دور المرأة وتطوير الاقتصاد، وتمكين المجتمع من التأقلم مع التغيرات المستقبلية، والإستمرار في مسيرة النهوض بإصرار ومواصلة تنفيذ المشاريع بهمة تجعل المستحيل ممكناً، قدمت اقصى ما لديها، في مجالات البناء والتغيير والتعمير وخلق الفرص للوصول الى قمة التطور.
وعندما نقارن ماجرى في الإقليم مع بقية مناطق العراق، نجد أن حكومة الإقليم ومؤسساتها قد أنجزت الكثير من البرامج في وقتها، ونجد أن النجاحات التي تحققت لم تأت من فراغ أو نتيجة دعاية سياسية أو مجاملات، ولذا لا يكون مستغرباً أن نجد شعوراً عاماً بالفرح والإبتهاج والفخر بعد كل نجاح يأتي كثمرة مهمة لمشوار ومسيرة طويلة من العمل الدؤوب، خاصة وأننا في منطقة مليئة بإضطرابات وتقلبات وأحداث سياسية، وتحديات وأوضاع مضطربة، وصراعات تسمم الأفكار وتشيع روح اليأس والشعور بالعجز.
الدرس الأكبر الذي يستحق أن يحظى بالعناية، والجدير بالإقتداء، هو أن العمل الدؤوب المنظم، والأفكار الخلاقة والطموح والوضوح والصراحة والمصداقية في معالجة المعوقات والمعضلات والمشكلات التي تعترض طريق البناء، ومعالجة المشكلات المحتملة والمتوقعة بقدر كبير ورائع من الواقعية، لابد وأن تؤتي ثمارها في النهاية، وطالما توفرت الإرادة والإدارة الجيدة والخبرات اللازمة، فلا أحد يستطيع أن يقف أمام تجربة تريد أن تنجح، وهذا لايعني أن نطيل الوقوف أمام المكاسب والإنجازات الكثيرة التي تحققت، بل علينا أن نواصل التخطيط والعمل لنكون جاهزين للمستقبل، وأن نتجه نحو الهدف الأكبر والأسمى الذي يسهم في تعزيز مكانة الكورد جميعاً، وصيانة أمننا وإستقرارنا وإزدهار بلادنا، وأن نرفع بمؤهلاتنا وطاقاتنا الإيجابية سقف طموحاتنا لتحقيق أكبر الأهداف القومية والوطنية.
 


160
عين الإعلام وسين السياسة
صبحي ساله يي
الأداء غير المقبول لبعض الإعلاميين الذين لا يحسنون استغلال المواقع التي منحت لهم في كوردستان، وعدم خدمة الأفكار والتوجهات التي من المفروض أن يخدموها، جراء عدم وضعهم تحت الإختبار والتقييم وعدم مراجعة ما يفعلونه ويقولونه، وجراء بحثهم المستمر عن المشاغبات لتأجيج الصراعات والخلافات الجانبية، وتعاملهم مع التطورات دون استراتيجية إعلامية واضحة الأهداف والأدوات، وجراء بحثهم المستمر عن المناخ الذي تزدهر فيه بكتيريا الشائعات، ونسجهم لبعض القصص والحكايات الخيالية وترويج لها، أدى الى فقدان الكثير من جسور التواصل بين الإعلام والجمهور، من جهة، وبمتاعب ومشكلات تتصادم مع الواقع من جهة أخرى.
 والأداء السىء لبعض السياسيين الكورد الذين لايستطيعون نقل الحقائق والدفاع عنها دون لبس، وفشلهم في عرض مالديهم من حقائق تستطيع أن تهزم الشائعات التي يتم إطلاقها ضدهم أو ضد أحزابهم أو ضد حكومة الإقليم والكورد بشكل عام، وبالذات الذين يرفضون الانزواء، ليأكلوا ويشكروا. وإصرارالبعض الآخر على الظهور المستمر في الإعلام، وإخداع المواطن وتزييف الحقائق والمعلومات، والذين يكاد أن يكون مهمتهم الأساسية تحقيق مآربهم وأهدافهم الخاصة وإظهار غالبية الأمور بحالة الفشل وصولاً لنشر الروح الإنهزامية، وبث حالة الإحباط بين المواطنين للتشكيك في كل شىء وزعزعة ثقتهم وصولا الى إثارة الفوضى العارمة. أدى أيضاً، الى فقدان جسور التواصل بين بعض السياسيين والجمهور، من جهة، وبمتاعب ومشكلات تتصادم مع الواقع من جهة أخرى. 
الأداء السىء وغير المقبول لبعض الإعلاميين وبعض السياسيين، أعادا الى ذاكرتي صور ومهمات وواجبات المتحدث الرسمي الذي يمتلك الخبرة اللازمة ويحمل مهارات صحافية تمكنه من التعامل مع مختلف الأسئلة والاستفسارات التي يستقبلها. وما قاله قبل سنوات السياسي (س)، الذي إختار الظهور في وسائل الإعلام على فترات متباعدة، حيث قال عن الإعلامي (ع) الذي زاره في مكتبه : زارني الإعلامي (ع)، وطلب مني أن أتحدث له عن العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية لحكومة الإقليم مع إيران وتركيا. فإعتذرت وقلت له: هناك متحدث بإسم حكومة الإقليم، يمكنك أخذ التصريح منه. فقال لقد إلتقيت به قبل يومين لذلك لا أريد تكرار ظهوره، بعدها طلب مني أن أتحدث عن تلكؤ بعض الشركات الإستثمارية في تنفيذ المشاريع السكنية وتحايلهم على المواطنين. فإعتذرت ثانية ووجهته ليتصل بهيئة الإستثمار. بعدها طلب مني أن أدلي له بتصريح حول إعادة دستور الإقليم الى البرلمان. فإعتذرت للمرة الثالثة.
 وقال : تبين لي بأن الأخ الإعلامي يريد تصريحاً (مني) بالذات عن السياسة أو الإقتصاد أو حتى مباراة لكرة القدم أو الأفلام المتحركة. فودعدته دون أن أتحدث له ودون أن أشعره بالحرج.
الإعلاميون الذين على شاكلة (ع) مازالوا موجودين ويكررون ممارساته، ويريدون ملء  الفراغ بكلامات مناسبة. ولكن، (الكثير) من السياسيين الحاليين لايشبهون (س). يريدون الظهور الدائم في الإعلام، ويدلون بدلوهم في كل الجداول والآبار، وأحياناً يفضحون ما يرغب حزبهم في أن يبقى مستوراً، فيورطون أنفسهم وغيرهم. كما نلاحظ إستمرار التجاوز على حقوق وصلاحيات الناطق الرسمي، حيث النائب في البرلمان والوزير ونائبه والعضو في القيادة أوالمسؤول وزوجته أو إخوانه وأخواته وأولاده، وأحياناً مسؤولين من الدرجة الثالثة أو الرابعة، يتحدثون عن مسائل حسّاسة لاعلاقة لهم بها، ويتجاهلون أن الناطق أو المتحدث الرسمي، موقع ووظيفة وإمتياز يمنح لشخص معين يعتبر مناسباً للتحدث في الإعلام، وإذاعة الأخبار والمعلومات والإتجاهات والقرارات التي تتعلق بالسياسات والمواقف المختلفة. علماً أنه في المجتمعات المتقدمة لا يستطيع أحد أن ينكر الدور المهم الذي يقوم به المتحدث الرسمي الذي يجلس تارة مع المسؤول الأول، ليلتقط الدلائل والرسائل الهامة التي تعطي المؤشرات عن ما هو مهم، وما هو الأهم، وما يوضح الرؤية عنده، وخاصة في أوقات الأزمات وتدفق نهر الأخبار العاجلة. ويقف تارة أخرى، أمام عدسات الكاميرات والصحفيين ليوجهوا له الأسئلة التي تخطر في أذهانهم وعقولهم، وليفتحوا معه كل الملفات. وليرسل رسائل واضحة تم صياغة مضمونها بشكل جيد لتحقيق المطلوب.
وأخيراً نسأل: متى يترك أمثال (عين) من الاعلاميين تصرفاتهم؟. ومتى يقتدي السياسيين ب(سين)؟
 
 

161
يفوز وهو في الثانية والسبعين
صبحي ساله يي
في وقت كان العالم يحاول نزع فتيل المشكلات الكثيرة الناجمة عن تداعيات الحرب العالمية الثانية، نجح الكورد بقيادة الخالد مصطفى البارزاني في (16/آب/ 1946)،  في تأسيس حزب سياسي اْجاد اْداء الرسالة بالإعتماد على رجال يصدقون القول ويحسنون العمل، وبشخصيات مهيبة السمعة تتميز بالثقة والاحترام، فإمتلك المصداقية والهيبة وتأييد الجماهير.
كان تأسيس هذا الحزب، في تلك المرحلة، ضرورةً وأمراً في غاية الاهمّية، بل تحولاً على الصعيد التاريخي. وخطوة في الاتجاه الصحيح، خصوصاً إنه وفي زمن قياسي، إستطاع بلورة سياسة شاملة تجاه الكورد في المنطقة كلّها، وتحمل المسؤولية العظيمة والثقيلة في الحالات المستعصية المليئة بالمصالح وتشابكاتها وتاْثيراتها على الارض.
تولى زمام اْمور الكوردستانيين واْسدى الكثير من الخدمات والمساعدات والنصح والتوجيه للمتطلعين للحرية والهدوء والاستقرار في كوردستان والعراق والمنطقة. مشى وسط حقول الألغام نحو هدف لم يكن الطريق اليه سهلاً بل كان طويلاً ومفعماً بالدماء والمشاق. وكان دائماً عنواناً للمحبة والتسامح والحوار وقبول الاخر والتعايش بين القوميات والأديان، ومحاربة العنصرية والتعصب بكل أشكاله وعدم التحريض على إنتهاج العنف والكراهية.
حاول تغيير العقلية الحاكمة في بغداد وذلك من أجل ان يكون العراق لكل العراقيين، ورفع شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، ولكن بغداد لم تستطع الاستجابة لطلباته ونداءاته، وفي ذروة نضاله المسلح كان يمد يد العون والمحبة والمودة لأبناء العراق من غير الكورد، واستطاع تحويل قرى وقصبات كوردستان الى مأوى وقاعدة يلجأ إليها أحرار العراق. وبعد إنتفاضة آذار 1991 وفوزه في أولى الإنتخابات البرلمانية التي جرت في الإقليم، رفع شعار الفدرالية.
بعد تحرير العراق في العام 2003، سعى إلى إرساء النظام الديمقراطي البرلماني الفدرالي في العراق وفق مناهج علمية، وبطرق سلمية وديمقراطية مستوحاة من تجارب الحركة التحررية الكوردية والتراث الوطني والنضالي للبارزاني الخالد. وعمل على إيجاد الحلول المناسبة لحل القضايا العالقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية وفق الدستور، وضمان الحقوق القومية والثقافية والإدارية للتركمان والكلدان والآشوريين والأرمن وإعادة كافة المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان وفق الآليات الواردة في المادة 140 من دستور العراق الاتحادي.
فاز بالمرتبة الأولى في جميع الإنتخابات التي جرت في كوردستان، وفي الإنتخابات التي جرت في 12 آيار الماضي، كان الأول على كوردستان والعراق، وفوزه بالأكثرية كان أمراً متوقعاً بالنسبة للكوردستانيين، وكذلك للآخرين الذين يراقبون وضع الإقليم، فمسيرته الطويلة وإنجازاته التي إرتكزت على الأولويات المهمة والخبرة والعمل الجاد والإدارة الناهضة، وتاريخه النضالي وإنتهاجه مساراً حكيماً في التعامل مع مختلف الأطياف من قوميات وإثنيات التي تعيش على ارض كوردستان، منحوه الأحقية في قيادة الإقليم ورسم سياسته ورعاية مصالحه، ودفعت الناخب الكوردستاني لأختياره والتصويت له..
اليوم ونحن نستذكر يوم تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الذي يعتبر رمزاً للنجاح الكوردستاني، لابد من القول أن المنطقة برمتها تعيش في مرحلة عدم اليقين، والظروف الحالية في كوردستان والعراق والمنطقة، مليئة بالهموم والتنازع والتعقيد، ولاتختلف كثيراً عن ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا من حيث الزمان والمكان واللاعبين والأسباب، وربما ستكون تداعياتها أخطر من تداعيات تلك الحرب التي شدت رحالها. لذلك لابد من تناول الأمور بوعي ورؤية واقعية واضحة، والتصرف بعقلانية، والبحث الموضوعي والعلمي عن الممكنات في السياسة والتوفيق بين الواقع وبين الطموح، وتفعيل القدرات والإمكانات والسير بها حتى الوصول الى بر الأمان.
 

162
المنبر الحر / ونحن منقسمون...
« في: 19:46 09/08/2018  »
ونحن منقسمون...
صبحي ساله يي
  قال السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، يوم 7 آب 2018، خلال مؤتمر صحفي عقده في أربيل، أن (المشاركة الموحدة للكورد في الحكومة العراقية المقبلة أمر في غاية الأهمية).
  هذه العبارة تبدو أقرب إلى رسالة موجهة إلى الأحزاب الكوردستانية التي إستفحلت عندها المآخذ والتخوفات وما تفرع عنها من ملفات، وهي تراقب، عن بعد، تواصل ماراثون مشاورات الكتل السياسية العراقية المختلفة المتعلقة بتشكيل الكتلة الاكبر، وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. 
  الخارطة السياسية الجديدة في العراق تنطوي على فرص ثمينة لإعادة ترتيب الأمور وكل مايتعلق بالحاضر والمستقبل، خاصة وأن للسياسة أصول ودروب وفنون، والنجاح فيها يستلزم الدراية والإعداد السليم والرؤية الدقيقة والممارسة الصحيحة، ومواجهة المحن والشدائد بحكمة كبيرة وإرادة صلبة ومرونة شديدة. العمل السياسي المتكامل، يستوجب حسن إختيار وتوظيف التوقيت الصحيح للتحرك في دائرة معرفية معنية بالتفريق بين الإستراتيجية والتكتيك، وبين الثوابت والمتغيرات لتجاوز المنعطفات، وأخذ العبرة من أخطاء وتجارب الماضي، وأهم ركيزة أساسية للسير على طريق النجاح، هو تقويم الحال وتصحيح المسار.
  أحياناً يكون إحناء الرأس قليلاً أمام العاصفة الى أن تمر، ذكاءاً وحكمةً وليس كما يتصوره البعض جبناً، لأن السياسة فن الممكن قولاً وفعلاً، وأن أي محاولة للسباحة ضد هذه القاعدة ربما سيقود المحاول إلى العواقب السيئة والنتائج الفادحة. أما محاولة خوض غمار السياسة بلا دراية والإبحار في قلب الأمواج والتحديات، رغبة في الوصول إلى بر يتحقق فيه الثأر والإنتقام، فإنها تشكل الوثيقة الجاهزة للفشل. 
  الأخطار التي تهدد الكورد كثيرة، وقائمة التهديدات طويلة وأطماع الآخرين ورغباتهم في الهيمنة والتدخل في شؤوننا كبيرة، والعاقل يعلم أن الانقسام والفرقة وإختلاف الرؤى والمشارب أشد أنواع الأخطار، لأنه يضيع مكتسباتنا ويسبب هدراً للطاقات التي إستطاعت عبر عقود من النضال المسلح، وسنوات من الجدالات السياسية والدستورية، ووفق خطط متوافقة وإستراتيجيات قومية، الدفاع عن الكورد وكوردستان وتحقيق بعض المنجزات .
  الحديث عن الإنقسام الكوردي طفا على السطح في الآونة الآخيرة بسبب الإستفتاء، وأحداث إكتوبر والإنسحابات غير المبررة من حكومة الإقليم، والدعاية الإنتخابية التي سبقت الإنتخابات النيابية العراقية، وإنحدار مستوى الأخلاق في التخاطب والممارسة، وتردي لغة بعض السياسيين ومراهناتهم ومهاتراتهم وبث أحقادهم وشكاواهم الكريهة وآرائهم المتطرفة في الإعلام ومجالسهم الخاصة. ولكن الجميع يعلم أن الإنقسام أو عدم الثقة بين الكوردستانيين، مطلب يتمناه الكثيرون (غير الكورد) وحتى الذين كانوا حلفاؤنا ووقّعنا معهم الاتفاقيات، ويعلمون أن الخروج عن الإجماع الكوردي تجاه الثوابت القومية والوطنية هو خطأ استراتيجي، بل إنتحار سياسي بطيء، ولا أحد يجرؤ على الإقدام عليه مهما كانت الظروف والمغريات، ولا أحد يرضى بالإنتحار والوقوع في الخطأ العمد. ولعل البعد الإنساني فيما قاله البارزاني بخصوص أهمية المشاركة الموحدة للكورد في الحكومة العراقية المقبلة تتجلى أكثر لو سألنا:
  ماذا لو جاءت تركيبة النظام الجديد في بغداد متشابهة للنظام الحالي والسابق؟ وتم إسناد بعض المواقع المهمة للكورد، ولكن مع وقف التنفيذ، وظل تهميشنا مستمراً في كل مؤسسات الدولة، ونظروا الينا كضيوف ثقيلي الظل وغير مرحب بنا في بغداد ؟. وإعتبرونا عالة على ثروات الجنوب النفطية، في حين كان نفط كركوك الكوردستانية مصدراً لكل ثروة العراق طوال عقود، وما كنا نحصل عليه لم يكن إلا مدافع وطائرات ودبابات تقصف مدننا وقرانا، وماذا لو حاولوا وبشكل أوسع تكرار الحصار وتهميش دور حكومة الإقليم وإلغاء الفدرالية ؟ ونحن منقسمون..
 

163
المنبر الحر / دموع البارزاني
« في: 23:22 03/08/2018  »
دموع البارزاني
صبحي ساله يي
   إذا كانت للدموع أسماء مختلفة في اللغة، ولها دلالات كثيرة في علم النفس، وإن كانت كشفاً للأسرار والخفايا في النفوس وتعبيراً صادقاً عن مشاعر كبيرة وآلام قاسية وآهات وأحزان، مرة، وعن الفرح والسرور مرة أخرى.  وإذا كانت لغتها، أي لغة الدموع، لغةٌ إنسانيّة لا يجيدها إلّا الإنسان، ومع ذلك لا يستطيع التحكّم بها أو منعها. فإن أغلى الدموع وأصدقها وأكثرها براءةً، هي الدموع التي تسلّب دفء القلوب وتخرج ساخنةً ملتهبة في زمان ومكان معيين، وتتحول الى شموع تضيء الطريق، لذلك علينا أن لانتعجب ولانستغرب من دموع الرجال أصحاب القلوب. أما الدموع التي إنهمرت من عيون الرئيس مسعود بارزاني، إثناء إحتضانه لإبن أحد الشهداء خلال مراسم إحياء ذكرى أنفلة البارزانيين من قبل صدام وحكومة البعث، فلها عناوين كثيرة وشاملة، وتعكس أروع المشاهد الإنسانية، وهموم الرئيس بارزاني منذ حمله للبندقية في ستينيات القرن الماضي من أجل الحياة الحرة والكريمة للإنسان الكوردستاني، وتحسين ظروفه والعمل من أجل الانطلاق بكوردستان في اتجاه آفاق جديدة، وتؤكد قربه من هموم الجميع وحساسيته الزائدة لأي أذى يلحق بأي شخص، بغض النظرعن الدين والقومية والمنطقة التي ينتمي اليها. وقالت: نحن شعب لاننصياع لمنطق الفوضى والانفلات، وهناك غد مشرق ينتظرنا، خاصة بعد أن استطاعنا تفادي أزمات كثيرة وتجاوز مرحلة الصعاب وبدأنا نلتقط الأنفاس شيئا فشيئا.
  تلك الدموع إنهمرت لتزيد المؤمنين بنهج البارزاني الخالد إيماناً، وتقوي عزمهم على مواجهة الصعاب ومواصلة السير والعمل معاً، لتجاوز المعوقات الظرفية والموضوعية، وتوفير الظروف الملائمة، لرسم خارطة الوطن وحدوده ولمواصلة الكفاح والحؤول دون سيل المزيد من الدماء. كما أشارت الدموع الى حرص القائد الأصيل الذي يتألم لآلام شعبه ويفرح لأفراحه على التعاطي مع التفاصيل والاولويات عندما يتعلّق الامر بالوقوف إلى جانب المواطنين في السراء والضراء ومنع الظالم من ممارسة الظلم ومناصرة المظلوم، وتفهم كلّ ما يمكن ان يعاني منه الطفل الفاقد للأب، في مراحل مختلفة في الحياة ومواجهتها في ظل تقلبات الظروف وقساوتها.
  الدموع عصرت القلوب وقالت: أن أولاد الشهداء يحظون عند الرئيس بإهتمام وإنشغال بالغين، كرئيس وكوالد وكإنسان. فمنذ أن أصبح بيشمركه، وهو دائم الإصغاء لنبض ذوي الشهداء، وهو دائم العمل ويأمل تحسين ظروفهم المعيشية. وإذا كان ما تحقق لأسر الشهداء، خلال السنوات السابقة يبعث على الارتياح والاعتزاز، فإنه في نفس الوقت سيواصل العمل في هذا المجال بكل التزام وحزم.
وقالت للرئيس بارزاني : حملت مشروعاً لنهوض الأمة وإستقلال الشعب وإرثاً ثقيلاً ورثته من والدكم الكريم البارزاني الخالد. لم تسعى للحرب يوما، ونشدت دائماً الحلول السلمية في إطار الحفاظ على حقوق الشعب الكوردستاني. والمهام والواجبات التي نفذتها في الخنادق الأمامية مع إخوانك وأبنائك البيشمركه الأمناء والنجباء ضد أعداء الكورد والإنسانية، أو على سفوح جبال كوردستان ضد الهمجيين الشوفينيين وحكومات جبانة لا أخلاق لها ولا قيم. أو في قصر الرئاسة وبين بروتوكولاته دون أن تغلق باب الديموقراطية ولو لدقيقة واحدة في الوقت الذي كانت المنطقة كلّها تغلي. تدل على أنك الفارس الصلب والمقاتل العنيد الذي عاش وتربى في كنف أمة الأخلاق والوفاء. لذلك نراك قدوة لكل الأحرار في العالم في النضال و الفكر الانساني النبيل والكرم والشجاعة والصبر والعدل والحكمة. 
 

164
ذكرى أنفال البارزانيين..
ورأس الكوردي المطلوب
صبحي ساله يي
نستذكر كل عام في 31تموز، الذكرى الأليمة لجرائم الأنفال التي مورست ضد البارزانيين الآمنين من قبل حكومة البعث القمعية التي حاولت تسييس الإسلام وأسلمة السياسة من خلال إستغلال مفردة الأنفال. المفردة التي ذكرت في القرآن الكريم مرتين، ووظفت ضدنا لمآرب سيئة عشرات المرات، وحرب لإبادة أكثر من (182) ألف إنسان كوردي.
تلك الجريمة الكبيرة وما جاءت معها من ويلات ومآسي وتدمير، لم تحرك ضمائر (الإخوة) في الدين، والشركاء في الوطن، والساسة وأئمة الإسلام في العالم ودول الجوار ليقولوا كلاماً يشير الى عدم جواز قتل النفس البريئة، وكذلك الحال بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان والجامعة العربية والإتحاد الإسلامي والأمم المتحدة. ولم يخرج أحد من وعاظ السلاطين وفقهاء الحاكم الذين نسوا وتناسوا الحكمة والموعظة الحسنة من دائرة الصمت، أما ضباط الجيش الذي كان يسمى زوراً وبهتاناً بالعراقي، فلم يترددوا في توجيه السلاح ضدنا، بل كانوا يتفننون في تنفيذ مهامهم الاجرامية، ويبرعون في التدمير المقرون بالكراهية والممزوج بالتدني الأخلاقي وفي شحذ الهمم لصالح صدام وحزبه.
بعد تحرير العراق، إستبشرنا خيراً وتوقعنا نهاية المعاناة، وكانت هناك علاقات جيدة بين أربيل وبغداد وإنسجام وتفاهم بين السياسيين، واجتماعات دورية لتخطي العقد ومواجهة التحديات التي تواجه العملية السياسية وبناء الدولة، ومناقشات لجميع القضايا قبل إتخاذ القرارات وتنفيذ الإجراءات، وكاد أن نقتنع بأننا شركاء حقيقيين في الوطن. ولكن .. عندما إشتد ساعد الشركاء في بغداد إنفرط عقد اللقاءات، وتحول الإنسجام الى خصام والتفاهم الى تنافر وإختلاف، وأراد بعضهم أن يوظفه علنياً لصالح أجندته ومشروعه المذهبي والقومي، وتحولت الفضائيات والمنابر الإعلامية الى ساحات لتوجيه الإتهامات ضدنا وممارسة الضغوط علينا. وفي الخفاء تم نشر ثقافة المعاداة لكل ما هو كوردي وكوردستاني، والتخطيط في العمق لتسيير الأمور بإتجاه الإطاحة بكل الآمال الكوردستانية، وتم تجاهل طلبات الإقليم الدستورية والقانونية، ومارسوا الضغوطات من أجل تضييق الخناق على الكورد وتركيعهم للإملاءات المزاجية والإنسياق مع مشاريعهم. وعندما وصلت العلاقة بين اربيل وبغداد الى الطريق المسدود، أردنا إنهاء الواقع المر والقلق والإنزعاج ومنع تكرار جرائم الأنفال التي لاتغتفر، والحيلولة دون إقامة المزيد من المآتم، ومنع إشعال الحرائق ونزف الدماء، وفض الشراكة القسرية بيننا بالحوار والتراضي، فلجأنا نحو الإستفتاء الشعبي في أيلول الماضي.
ولأن علة الحكام في العراق واحدة فى الأصل، وهي عدم إعتمادهم على المنطق والعقل والواقع والاستدلال والتجربة، وعجزهم عن التحليل والقيام بأداء المسؤوليات المنهجية، وتنكرهم لكل الحقائق الموضوعية، ولأنهم يحفظون الكثير من العبارات المجحفة بحقنا ويرددونها في كل مناسبة، ويعتبروننا أسباباً لكل المشكلات والمصائب التي نزلت وتنزل على رؤوس العراقيين، حاولوا تشويه صورتنا ووصفونا بالمتمرد والخائن والانفصالي والإسرائيلي، وبات رأس الكوردي مطلوباً في غالبية الحسابات السياسية.
فرضوا علينا الحصار الإقتصادي والسياسي، وإستقووا بدول الجوار، وشنوا علينا الحرب بجيشهم وحشدهم وأسلحتهم الحديثة والقديمة مستعينين بقوات أجنبية. وما فعلوه في كركوك وخوماتو لايختلف عما فعله جيش صدام في كوردستان، وبفعلتهم المشينة تلك، أثبتوا لنا أن الخلف في بغداد يقلد السلف، ويؤمن بأن ما حدث فى الماضي من كوارث وويلات ومآسٍ ومظالم، لابد أن يتكرر فى الحاضر والمستقبل.
اليوم، وبعد مضي خمس وثلاثين سنة على تلك الجريمة، وأكثر من ثمانية أشهر على الجرائم التي نفذت في كركوك وخورماتو، مازال الكوردستانيون ينتظرون تنقية الأجواء المشحونة بالتوتر وإنعدام الثقة ورفع المعاناة عن كواهلهم بالحوار والتشاور البناء ورسم رؤية مستقبلية واضحة تحدد معالم المستقبل، ويريدون المشاركة في حكومة بغداد بشرط قيامها على أسس التوافق والشراكة والتوازن.

165

العملة غير الصعبة في كوردستان
صبحي ساله يي
  نعيش هذه الأيام وسط زحمة الحديث عن الطموح الكوردي المشروع، وعن الإقدام والعطاء والصدق والانتماء والشجاعة والإعتزاز بالذات، وغير ذلك من صفات وخصائص وسمات مستمدة من مؤشرات ودلالات وإحداث سياسية. وحين الحديث عن دور رجال الدين في المجتمع الكوردستاني، يجب تسمية الأشياء بأسمائها، فهو يفهم وظيفته ويشعر بالإنتماء، ويملك القدرة على التفكير المنطقي المنّظم وتشكيل الوعي الجماهيري، ودفعهم نحو مسارات وإتجاهات محددة. يهمه الحاضر الذي هو فيه والمستقبل أيضاً، ويتذكر الجميل ويمد اليد لليد التي تمد له، ولا يقع بسهولة تحت تأثير أفكار غريبة لايؤمن بها.
  طوال التاريخ الإسلامي ظل رجل الدين الكوردي متمسكاً بالقيم الدينية والأخلاقية، شديد الحرص على أداء فرائضه، أما عن الدور التقليدي لل (ملا)، فإنه يؤم الناس ويخطب فيهم، ويربيهم على الأخلاق الحميدة، وفي جامعه يعلم الأجيال الناشئة قراءة القرآن والتفسير والحديث والفقه وأصوله، ويلقنهم مبادئ اللغة والقراءة والأدب والمنطق والنحو والبلاغة. وله سلطة إجتماعية وتأثير كبير في المجتمع، وفي أحايين كثيرة يجمع المساعدات للمحتاجين وإعانة المنكوبين، ويهتم بالضعفاء والمساكين والمرضى، وعندما يدلي برأيه في موضوع معين فلا راد لقوله، إلا نادراً، ويفض الكثير من النزاعات ومشكلات القروض الآجلة والميراث والقضايا الإجتماعية.
  خلال الثورات والانتفاضات الكوردستانية، وفي أيام المحن، لم يكتف رجل الدين الكوردستاني بالترقب والمتابعة من بعيد، قسم منهم، إنخرط بقوة في علمية الدفاع عن الكورد الذين أرادوا ممارسة حقوقهم الدستورية والقانونية والانسانية المشروعة على أراضيهم، وحمل السلاح مع أبناء جلدته. كما اشترك في التفاعل العقلاني الهادئ والمهذب البناء مع الثوار، وفي تبني خطاب السلام والمحبة والتعايش الديني والقومي الذي يفند مزاعم خصوم الكورد التقليديين. وإستطاع في المساجد إنتاج عقول وطنية شجاعة، وشخصيات سياسية متمكنة وهادئة ومتعلمة، تعي حجم المهمة والمسؤولية المترتبة اللتين تقعان على عائقها، وقادرة على الدفاع عن مصلحة شعبها، بطريقةٍ تحتكم إلى مبادئ حقوق الإنسان والقيم الدينية. شخصيات لم تنفصل عن الشعب، بل إنحازت إليه، وراحت تحمل السلاح دفاعاً عن القيم العليا، ونجحت في التوفيق بين البعدين الديني والقومي في محاربة الطغاة الظالمين وتحدي ظلمهم وطغيانهم حتى أصبح من المستحيل التطرق الى تاريخ الحركة التحررية الكوردية دون التطرق الى الدور التاريخي الذي قام به رجال الدين، ومن هؤلاء الخالد مصطفى البارزاني والشيخ محمود الحفيد والشيخ سعيد بيران. وفي إنتقالة نحو عهد ثورة أيلول العظيمة، وإستذكار أيامها، نستطيع الإستشهاد بثبات آراء الكثير من رجال الدين وبلوغهم أعلى مراتب الإنتماء الذي وصل إلى درجة الفداء والتضحية.
  البعض يقول : (بسبب إختلاط الدين بالسياسة، أصبح رجل الدين المعتدل عملة صعبة ونادرة هذه الايام، ويصعب الحصول عليه)، ولكننا نقول: هذا لاينطبق على كوردستان، لأنهم موجودين بكثرة في مجتمعنا. ولا يمكن إنكار أدوارهم الإنسانية في السلم والحرب، وحماية المجتمع، وخلال سنوات الحرب ضد الإرهاب الداعشي، شاهد العالم بأسره رجل الدين الكوردي الصادق والأمين والنزيه والمتجاهل لرغباته وهو في الصفوف الاولى للنضال القومي الكوردي لايصال رسالة الاسلام الحقيقية والقيم الانسانية. وفي هذا الخصوص لايمكن تجاهل الدور الإيجابي لحكومة إقليم كوردستان، برئاسة نيجيرفان بارزاني، التي أدركت ثقل المسؤولية التي يتقلدها رجل الدين الكوردستاني في المسار التطوري والنوعي لمسيرة شعبنا، والتي مهدت السبيل أمام الجميع لتحكيم الضمائر بمعزل عن العواطف والانتماءات، وللإنخراط في العملية السياسية والانتخابية، وأمنت المناخ الديمقراطي الذي يضمن إستقرار الحياة الحزبية والسياسية والإعلامية، ويتيح التعايش الديني والقومي والإجتماعي، ويمهد للإبتعاد عن العنف والتشدد والتطرف.
 

166
رسالة وكلمة ودين وشعب
صبحي ساله يي
  من قرأ رسالة الرئيس مسعود بارزاني الى المؤتمر السادس لاتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان، وإستمع الى كلمة رئيس حكومة الإقليم، نيجيرفان بارزاني خلال المؤتمر المذكور، يلاحظ أن مشاريع عدة تتبلور في الرسالة والكلمة. مشاريع تختلف في درجة الخطاب من حيث الطرح وبيان الأهداف والمبررات، وتتوحد في الرؤية المنسجمة مع مبادىء الدين الإسلامي وحقوق الإنسان والأسس والثوابت الممكنة من خلالها التعامل مع المتغيرات، وتدل على الإرث الغالي والرصيد السياسي والتاريخي الذي يمنح التدين والتسامح والتعايش في كوردستان أنواعاً من قوة الدفاع عن مشروع وطني وقومي واضح المعالم، وإستيعاب المسؤولية وإستشراف المستقبل. كما يمكن إعتباره السبيل الآمن نحو المستقبل في ظل الظروف والتعقيدات والتحديات والمتغيرات الاقليمية والدولية ومـآلاتها الخطرة، وهذا الظرف السياسي المفصلي الذي يخرج فيه الجميع إما منتصرين او منكسرين.
  يتفق الكثير من المراقبين للمسار الديني في الاقليم، على أنه لم يخضع للوهم والمزاج، إلا نادراً، ولم يتم فيه تعقيد البسيط وتحريم الحلال. وحتى الواهم والمعقد والمزاجي الباني أساس طموحاته على أريكة الأوهام، والبعيد عن أرض الواقع المنظور، عندما كان يحاول ان يدفع الناس بإتجاه العنف والتطرف والتشدد، والخروج عن السكة والحاضنة القانونية والإنسانية، وتعميم حالة الفوضى، عبر التجاوز والتطاول والمبالغة الممجوجة والتخطيط لإثارة الفتن والافتراء والتضليل والخداع، كان يعلم و يدرك بأنه سيتم تجريده من التخيلات بمجرد إنكشاف أبعاد نياته المبيتة المربكة، لذلك كان يتهرب من مواجهة الحقائق من أجل إخفاء رأس جبل الجليد الذي لايمكن تقبله، أو يترك التمسك بأذيال أحلامه.
في مقابل هؤلاء، وطوال التاريخ كان هناك أناس متدينون وعلماء دين يدفعون الناس نحو التفاؤل وإنتهاج الإخلاق والقيم العالية والتقاليد الرشيدة، لمنع تحول المشكلات الصغيرة الى كوارث تصعب معها لغة الحوار والتفاهم والتصالح والتعايش، فيطرحون التوجهات التي تحمل الصفات الدينية والوطنية والقومية التي تتطابق مع المنطلقات العقلانية، والتي تردم شروخ التفرقة، بين أبناء شعب سالت منه أنهاراً من الدماء وضحى بمئات الآلاف من أبنائه، شعب يريد الخلاص من الاستعباد والظلم وأن يحدد رغبته ومصيره ومستقبله وأن يعيش كباقي الشعوب الحرة. كما تصدوا للأفكار العنفية والفوضوية المفعمة بتشويه الحقائق والتوتر والبلبلة، ودعموا  التوجهات المتطابقة مع الواقع في المعنى والمضمون والمتوافقة مع الرغبات والتطلعات والمصالح العامة والتي تحمل بين جنباتها المفاهيم التي تضمن العدالة والمساواة والتعايش، وتكرس بناء ثقة التواصل والعمل المشترك إستناداً الى منطق موضوعي وعقلاني يتجسد في إدراك أبعاد التحديات التي تواجهنا والمخاطر المحدقة بنا، واعادة المسارات ومستحقاتها الى سبلها الصحيحة..
 في كل أيام المحن التي مرت علينا، كان (غالبية) رجال الدين يؤكدون على ضرورة إدراك المخاطر، وقراءة الحقائق، وعلى ضرورة تجاوز التناقضات والأوهام والخلافات، والوحدة للدفاع عن مصالحنا. وكانوا يؤكدون على أننا أصحاب ضمائر حية، ولسنا عنصريون منهمكون في صناعة الأعداء، ولسنا متعامون عن الحقائق، وبفضل إرشادات ونصائح هؤلاء، وأولهم البارزاني الخالد،  لم نفكر يوماً في الإنتقام، ولم نقع يوماً ضحية للسذاجة أوالعصبية، ولم نقم بدفن أحد حياً في مقابر فردية أو جماعية. وحتى عندما كانت الحرب العراقية مستعرة ضد الكورد، وكانت كل مدن العراق تعج بمئات آلاف من الكورد المؤيدين للثورة والرئيس بارزاني، لم نشاهد كوردياً مفخخاً أو أنتحارياً يلجأ الى تنفيذ التفجيرات أو يمارس الإغتيالات والإختطافات في سوق شعبي أو أمام مدرسة أو جامع أو حسينية أو بين العمال والكسبة أو بين الجنود ورجال الأمن..
 

167
إرادة الإصلاح في كوردستان
صبحي ساله يي
  الإصلاح عملية قابلة للتنفيذ في كل لحظة، يعني التعدیل والتحسين والتحديث والتطوير والعمل علی عقلنة الحياة العامة بالإعتماد على مقاييس إيجابية محددة، والتفاهم والتعاون وصولاً للتكامل والمشترك الإنساني.
  يمكن تسمية أي عملية تغيير بالإصلاح، إذا ضمنت تجاوز الأخطاء والإخفاقات والإنتقال بالمجتمع الى مرحلة متقدمة وحديثة تواكب العصر ومتغيراته، وتراعى المتطلبات والاحتياجات المادية والمعنوية التي تتطابق مع القيم الانسانية والحضارية المرتبطة بالإنتماء والولاء للشعب والوطن، وبالذات إذا أحدثت تغييراً فعلياً ونقلة نوعية في حیاة المواطنين وإراداتهم.
   أما عرقلة الإصلاح فيعني خلط الأوراق والتوجه نحو مصادرة ما يمكن مصادرته، بإستخدام وتوظيف أدوات متنوعة كالغش والخداع وجبروت القوة، وما بين سطور القانون. ويعني التشبث بالخصوصيات ووصول الأمور إلى مفترق طرق، واستمرار الخراب والتناحر وتبديد الطاقات البشرية والمادية وتعطيل التنمية.
  خطر ببالي التحدث عن الإصلاح وأنا أستمع الى كلمة نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، خلال مراسم افتتاح مركز التدريب والتطوير في وزارة كهرباء إقليم كوردستان بأربيل، يوم 18 تموز 2018، عندما قال:
  (حكومة الإقليم وفي أصعب الظروف والأيام، عبّرت دائماً عن إرادتها الجادة للإصلاح، وواصلت قدر المستطاع وقدر ما سمحت به الظروف تنفيذ برامجها الإصلاحية في كل المجالات، وستستمر في هذا).
  هذا الإعتراف الرسمي بضرورة الإصلاح الدائمي في الإقليم، يعني وجود (الفساد)، ويعني تسهيل تحديد مفهومه الدقيق، ويعني، أيضاً، إننا بحاجة الى البحث عن مؤشراته ودلائله وتداعياته، كما يعني ضرورة الإسراع بتجاوزه وتجاوز آثاره (بالإصلاح)، لكي لا يشعر أبناء المجتمع بالإغتراب واليأس وضعف الإنتماء.
  فهل ثمة فرصة لإقليم كوردستان لتعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية فيه، والنهوض بمستلزمات التحدّي التي تحمل في حقيقتها مصالح وطنية وقوميّة، خصوصاً وأن هناك استهدافاً متعدد الجوانب له؟. وهل يمكنه إستثمار اللحظة التاريخية وإلتقاط ما هو جوهري ومستقبلي لعملية الإصلاح وفقاً لقيم ومبادئ لا يجوز التنصّل منها، قوامها: المساواة والعدالة واحترام الإنسان وحقوقه؟.
  في العام الماضي إستبشرنا خيراً عندما علمنا بالإستنفار الهادىء الرصين المبني على قاعدة الاستشارة بمشاركة أصحاب الخبرة والتخصص المالي والإداري لتقديم مشروع إصلاحي صادق يتعلق برواتب المتقاعدين بدرجات خاصة. وبعيداً عن الضجة والبهرجة الإعلامية، عرفنا أن تنفيذ المشروع يعيد الكثير من الحقوق المهضومة، ويعيد أكثر من مئة مليار دينار لخزينة الحكومة.
  وصل المشروع الحكومي الى برلمان كوردستان، وإغلق عليه الأبواب وتعرض للدراسة والنقد والتخدير والتغيير، وتم تفسير وتعديل عدد من مواده بالمزاج وبالسلوك الانتهازي من قبل أصحاب المعالي وبموافقة هزازي الرؤوس. بعد أشهر، خرج المشروع من مشرحة البرلمان وإذا به ما يصدم المشاركين في إعداده، ووصل الأمر ببعضهم الى أن لايعرفه لكثرة ما حدث فيه من تغييرات وتشويهات. ووسط ضجيج الرفض، أعيد المشروع الى البرلمان ليعدله، وليعدل المسار ويبرر ويتحمل وزر ما فعل. ولكن ما زال المشروع، منذ أشهر، مركوناً على رفوف البرلمان بسبب المتاجرات السياسية، وحالات التنافر، والسجالات الصاخبة، والصور الصادمة، والمواقف الإرتجالية، والمهاترات الفجة، والتعليقات والتجاوزات لكل الخطوط.
  الكوردستانيون بحاجة الى المشروع الإصلاحي، والتفكير الجدي بالإصلاح القائم على الإرادة والرغبة الجدية المنطلقة من الوازع الوطني، والى الركون إلى إتفاقات سياسية ومواثيق شرف ساندة تعضد عملية الإصلاح الحكومي لتكون بمثابة أرضية صالحة للإصلاح المستمر.
 
 
 

168
المنبر الحر / ماذا نفعل؟
« في: 23:18 18/07/2018  »
ماذا نفعل؟
صبحي ساله يي
  عندما إجتمع الحزبان الديمقراطي والاتحاد الوطني الكوردستانيين، في أربيل في السادس عشر من شهر تموز الجاري، بحضور نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان-- نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني. بهدف تشكيل لجنة مشتركة من المكتبين السياسيين للحزبين لإعداد برنامج مشترك طموح يضم مطالب الكورد، للتفاوض مع الأطراف العراقية الفائزة في الانتخابات، وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. بادر المجتمعون الى دعوة بقية الأطراف الكوردستانية الفائزة في الإنتخابات للمشاركة في كتابة المشروع المشترك والذهاب معاً الى بغداد.
  الإجتماع وما تمخض عنه من إتفاق، وضع الآخرين أمام أمرين، الأول: مطالب الكورد، وهي معروفة لدى الجميع، ولا تخرج عن مستحقات دستورية وقانونية، وقد أكد عليها الرئيس مسعود بارزاني في لقاءاته الأخيرة مع العراقيين والأمريكيين والبريطانيين والأوروبيين، وتتجسد في الشراكة والتوافق والتوازن. والثاني، السعي لضم بقية الاطراف الكوردستانية الى اللجنة المشتركة التي تتولى كتابة البرنامج والذهاب معاً الى بغداد. وهذا الأمر مهم لأنه يؤثر على وحدة الموقف وتجاوز الأزمات الموجودة في الإقليم.
  نيجيرفان بارزاني، لم ينتظر الرد الرسمي للأحزاب الكوردستانية الأخرى الفائزة في الإنتخابات، إذ إنه وبعد مبادرة الحزبين الرئيسيين بيومين فقط، و خلال مراسم افتتاح مركز التدريب والتطوير في وزارة كهرباء إقليم كوردستان، كرر توجيه الدعوة إلى الأطراف الكوردستانية لإصلاح ذات البين وتحسين العلاقات وتوحيد الصفوف والمشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية القادمة ببرنامج كوردستاني مشترك لتحقيق شراكة حقيقية في العراق وتحقيق الحقوق الدستورية لأقليم كوردستان، خاصة بعد وصول الأيام الصعبة الى نهايتها وبروز أفق مضيء ومستقبل أكثر إشراقاً أمام إقليم كوردستان.
  الأوضاع الحالية ومواقف الأحزاب الثلاثة (التغيير، الجماعة الإسلامية، والإتحاد الإسلامي) الذين كانوا في صلب العملية السياسية ومشاركين في حكومة الإقليم، ويتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية، والذين حاولوا إعلامياً تغيير خطابهم بعد أحداث إكتوبر الماضي، وناوروا لإحراج حكومة الإقليم وتبليغها رسالة غريبة وعجيبة وغامضة وقابلة للتأويل حسب المبتغى، و ضربوا عرض الحائط إتفاقاتهم الصريحة التي وقعوها خلال تشكيل الحكومة الحالية. تثير الكثير من التساؤلات وفي مقدمتها : ما هي الأخطاء التي حدثت؟. من الذي أخطأ؟. هل كان المخطيء متعمداً؟. وهل نحاسب المخطيء ونعاقبه، أم نسامحه كما سامحنا الكثيرين قبله؟. وماذا نفعل تجاه الأخطاء؟. أجوبة غالبية الاسئلة معروفة، ولكن الوقت الحالي ونحن نعاني من أزمات لا تخلو من إفتعال، ومن الصبغة الشخصية في الصراع السياسي، وأمامنا تحديات عديدة مترابطة تكشف عنها الوقائع، والإحتقان الداخلي النابع من النزعات الاستحواذية، والمواقف الضيقة التي تثقل كاهل المواطن وتستنزف طاقاته، والرغبة الشديدة في إزاحة الخصم لإثبات الذات، يستدعي الإجابة على التساؤل الأخير، وهو (ماذا نفعل ؟).
  حرصاً وتأكيداً على هذا ال (ماذا نفعل). نسمع كل يوم أصواتاً تدعو الى الحوار والإنفتاح والتعاون ومنح الفرصة للإنخراط في حوار سياسي بناء بين الكوردستانيين. ولكن للأسف الشديد نسمع الذين لا يفهمون قواعد اللعبة الديمقراطية، ولا يجيدون العزف على أوتار المواقف السياسية التي تتطلبها كل مرحلة، والذين لايعرفون خصوم الكورد ولايفهمون لغتهم، يتحججون بعدم توفير الأرضية المناسبة للحوار، ويحاولون فرض لغة مغايرة لأمر الواقع. لذلك يصفهم البعض بأنهم أطراف سياسية لا يمكن التفاهم معها، وان الحوار معهم أشبه بحوار الطرشان، وهدر للوقت وزيادة للمعاناة.
  الأرضية التي يتحدثون عنها، ربما لم تكن موجودة قبل الآن، لكن عدم وجودها لا يعني إستحالة ظهورها الآن، أو في المستقبل القريب، وبالذات عندما يلاحظ نيجيرفان بارزاني، صاحب المواقف المشرفة، والذي سطر بمداد من ذهب ثوابت كوردستانية أصيلة، وتحمل تبعات المواقف الأخلاقية المصيرية بسرور، عندما يلاحظ النية الحسنة لدى الآخرين، سوف لا يألوا جهداً في دفع عجلة التفاهم للأمام وإتخاذ خطواتٍ قوية، لإيجاد حلول واقعية ومنطقية للمشكلات.

169
التوترات والإرهاب الفكري

صبحي ساله يي

 منذ الاعلان عن النتائج الأولية للانتخابات النيابية العراقية التي جرت في 12 ايار الماضي، وربما قبل ذلك بفترة، والقوى السياسية المختلفة تتحرك بإتجاهين، أولهما: للبحث عن التقارب في وجهات النظر وبلورة تفاهمات ومشتركات وإتفاقات تسعى إلى خلق حالة وطنية جديدة ورؤية مشتركة تقلص الفجوات، وتعهدات لتصل في نهاية المطاف الى تحالفات مقبولة من قبل القوى الإقليمية والدولية، وتعجل إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة. وثانيهما: لبث الفرقة بين الأحزاب الأخرى وتفكيك الكتل والإئتلافات وتشتيتها، وإجهاض الإتفاقات التي تعلن، والتقليل من شأنها، والحيلولة دون صمودها ووصولها الى تحالفات.

   هذان الإتجاهان، وشروط وضغوط ومحاذير وتخوفات القوى الإقليمية والدولية، وإنتظار حسم الجدل الدائر حول النتائج بعد العد والفرز اليدوي، فرضت نفسها على غالبية اللقاءات التي ناقشت المشهد السياسي الذي أفرزته الانتخابات وآفاق التحالفات المتوقعة لتشكيل حكومة عراقية جديدة. وأدت الى تعقيد الوضع السياسي في العراق إلى أبعد الحدود والى صعوبة التكهن بتحولاته السريعة وتحولات القوى السياسية فيه وتقلب مواقفها بين عشية وضحاها، والى توقف الكثير من المباحثات العلنية، والعمل خلف الكواليس لبحث الطموحات والإمكانات وتفادي التوجه نحو أزمات جديدة.

   سقت هذه المقدمة لأتحدث عن القيمة الرمزية للتوترات القائمة بين الأحزاب الكوردستانية وعلاقاتها التي ليست على ما يرام، والتي يعتبرها البعض (سهواً) بأنها تضع مستقبل الإقليم على المحك، قلت (سهواً) لأن الأحزاب الكوردستانية والكوردستانيين عموماً، طوال العقود الماضية، لم يرفضوا الحوار مع غيرهم، لذلك لايرفضونه أيضاً فيما بينهم. ولأن التوترات المفتوحة بينها ليست جديدة كما يقول البعض، بل تعود لسنوات خلت وبالذات عندما أراد بعضهم تسوية كل حساباتهم السياسية مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وتدبير إنقلاب تحت قبة البرلمان الكوردستاني، وبالإرهاب الفكري عندما أحرقوا الكثير من مقراته في السليمانية وهلبجه، وعندما إفتعل بعض البرلمانيين مشكلات لا تغني ولا تضيف أثناء تطرقهم الى مواضيع تمس الشهداء والبيشمركه والرموز الوطنية والقومية والدينية، وأثناء إصرارهم المؤلم على إعطاء مؤشرات تدل على فيضان نوازعهم التي تم تصميمها من قبل مهندسي المشكلات.

  الكوردستانيون لم يستفيدوا من تلك الاضافات الغامضة والسريعة والغريبة وغير المناسبة، والتي صعدت الاحتقان في وطن تستلزم ظروفه وطبيعته إستيعاب مفردات الواقع وتواجد الرصانة والإطمئنان وحسن النيات ورسم الصور المريحة، بل خسروا بعضاً من محتوى أمانيهم ومبتغياتهم التي ينشدونها.

   بإمكان التوترات القائمة بين الأحزاب السياسية الكوردستانية، أن تجعل المفاوضات صعبة، وتجعل الاتفاق السياسي الجمعي بعيداً، ولكن ليس أمام الأحزاب سوى التحلي بالعقلانية والصبر والتشجيع على تراكم الايجابيات لعلّ وعسى أن تنزاح السلبيات التي إستمرّت أكثر مما يجب. لذلك على الأرجح سيتم اللجوء الى إتفاقات ثنائية أو ثلاثية ملزمة، تنص على تدابير معينة، تطلق إشارات إيجابية مشجعة على إمكانية إحتواء الأزمات ومعالجة القضايا العالقة والمستفحلة، وتضع الأسس العملية للمشاركة الحقيقية في إدارة البلاد وصنع القرار، وتتخطى الاعتراضات لتفرض واقعاً متناغماً مع الأصوات المخلصة والحريصة على ردم هوة الخلافات والتناقضات بين السياسيين، والتي تدعو الى إدراك أوضاع المنطقة والتغييرات المتوقعة وحجم المسؤولية الحقيقية الملقاة على عاتق الذين يناضلون من أجل الحفاظ على المكتسبات المتحققة بدماء الشهداء ودموع الأمهات. ومن أجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تحدق بالكوردستانيين في جبهات عدة.


 

170
العبادي إتخذ قرارات لا يملك حق إتخاذها
صبحي ساله يي
  في الاعوام الأربعة السابقة كتب الكثير من المقالات والتقارير عن حيدر العبادي، وقد تناوله البعض وفقاً لرغبات شخصية ووجهات نظر ذاتية وتوجهات حزبية ومذهبية وقومية، بينما تناوله آخرون بحيادية شديدة بعيدة عن الأحقاد والتلاعب والخداع. والبعض الآخر تجاهل مسؤولياته الأخلاقية والمهنية، فذكر نصف الحقيقة وحاول بإستمرار تلميع صورته وزيادة شعبيته، وهذه الفئة المتهمة بالإنحياز والكذب والتضليل، نشطت بعد تحرير الموصل والسيطرة على كركوك في أكتوبر الماضي.
  المواطن الكوردي يشعر بظلم وغبن شديدين جراء كيل المديح للعبادي، وينظر له بموضوعية وبمنظور مختلف عن الفئات أعلاه، أو كما يتمنى الكثيرون، لأن الكثير من مواقفه وسياساته وممارساته وأولوياته وإهتماماته قد آذت مشاعره، وأن الكثير من قراراته إنتهكت حقوقه الدستورية والقانونية والشرعية، والأنكى من ذلك كله إنه لم يكن صريحاً وصادقاً ولو لمرة واحدة فيما قاله بحق الكورد وكوردستان. وله في تقييمه حسابات ذهنية مغايرة عن تلك التي ينظر بها الكثيرون، وترسم مستقبله.
  العبادي، ليس أقوى رئيس للحكومة في مرحلة ما بعد صدام، كما يقال، وكما يروج البعض لإعادة إنتخابه، ولكن حالفه الحظ ليعمل مع رئيس جمهورية وبرلمان ضعيفين، وهذا أمر بديهي ومعلوم لدى الجميع. وساعده الحظ في تسلم السلطة دون أن يحظى بشعبية أو يفوز بأصوات كثيرة، ولكن إصرار جهات عدة على رفض المالكي رجح كفته. وحالفه الحظ مرة أخرى عندما سانده المرجعية والكورد ضد الإرهاب، وتعاون الأمريكان والإيرانيين في العراق ضد داعش، ليأتي هو وليعلن النصر، وهو غير منتصر ولم يفعل شيئاً، غير القبول بما رسم من قبل غيره. مع ذلك أصيب بالغرور، وتجاهل تضحيات وبطولات البيشمركه، وإتخذ قرارات مجحفة ضد الكورد، لا يملك حق إتخاذها.
  في بداية عهده وضع يده على حقائق محرجة، ولكن لم يتخذ أي إجراءات لمواجهتها، فسقطت الأنبار بيد داعش، وبسبب فشل سياساته وعدم الكفاءة في إدارة أمورالبلاد، وتعثر شعاراته الخاصة، وتمرده على التقاليد الديمقراطية، إستمر الفوضى والاضطرابات والعنف، وإستشرى الفساد. وظل الأمن العراقي مستباحاً، وإنخفض الاحتياطي العراقي من العملة الصعبة من 180 مليار دولار الى 30 مليار دولار فقط. وفي عهده نشاهد الآلاف من أطفال العراق يبحثون حفاة وعراة في أكوام القمامة بحثاً عن لقمة العيش، أما المطالبون بالعدالة ومحاسبة الفاسدين فقد بحت أصواتهم لذلك خرجت صرخاتهم موجوعة دامية.
  أما كوردستانياً، فإنه لا يصلح لأن يكون رئيس لحكومة بغداد، لأنه إستدعى الدستور فقط عندما كان يحتاجه، وحاصر كوردستان إقتصادياً ودبلوماسياً، ولجأ الى الجيش والحشد الشيعي والقوات الأجنبية لمحاربة الكورد، وحاول إشعال الحرب بين المكونات وإعادة التعريب، وخاصة في أعقاب أحداث كركوك وطوز خورماتو، ليس حباً بالعرب والعروبة وإنما لإشعال نار التقاتل بين السكان الأصليين، أصحاب الأرض الحقيقيين من الكورد، وبين الوافدين العرب الى المنطقة في عهد البعث.
  بإختصار شديد سياساته باتت كالبضاعة المنتهية الصلاحية، ونماذج سلبية خاصة وفريدة في عالم اليوم، وأفكاره تعود لزمن ما قبل السياسة‌. لذلك ليس من المعقول  قبوله كرئيس معاد التصنيع، ومن يقبل به من الكورد في الغرف المغلقة سيدفع الثمن في الشارع الكوردستاني، خاصة‌ وإننا مقبلون على إنتخابات برلمانية‌ في 30 أيلول..
 
 

171
القرار الكوردي والضوابط المثالية
صبحي ساله يي
  لايمكن إعتماد الضوابط المثالية في العلاقات بين الأحزاب الكوردستانية، خاصة  في حالات بحث الأخطاء السابقة والأزمات القائمة، وفي إتخاذ القرارات التي تخص الشؤون الداخلية والعلاقات البينية، ولايمكن أن تكون(الضوابط المثالية) غطاءً لإخفاء مشروع سياسي معين، لأنها: أولاً، غير مبرّرة وتعمل على تفريغ الصورة الحقيقية من محتوياتها.  ثانياً، تشكل عقبة أمام النظر إلى المصلحة العامة والانضباط عند توافر القدرة ونية التراجع عن القرار وإبداء المرونة. ثالثاً، تشل القدرة على الاستدارة في لحظات التأزم، وحينما تكون الظروف حرجة أو مساعدة أو راجحة. وأخيراً، تعد تجاهلاً لطبيعة التحديات التي جعلت الإنسان الكوردستاني أصلب عوداً، ومعتاداً على الصعاب والمصاعب والحصار والتجويع وتحمّلها، وعازماً على مواصلة النضال والصمود وعدم الركوع والاستسلام مهما كانت التضحيات.
دراسة مسار الضوابط المثالية في كوردستان تقودنا إلى التوقف عند مواقف جهات أدارت ظهرها لشعب وحكومة الاقليم، وأخذت تبحث عن ورقة رابحة تحقق لها ما تطمح إليه، في بقائها في أروقة السياسة والسيطرة عليها من جهة، وممارسة دور المعارضة ونشر الفوضى وإعادة الإقليم الى المربع الأول من جهة أخرى، فخططت وإفتعلت الأزمات للإطاحة بحكومة الإقليم بالإشتراك مع المعادين لعملية الاستفتاء التي جرت في أيلول 2017، والإنسحاب من حكومة الإقليم، وإحتقار الشعور الوطني، عبر تقديم التنازلات لجهات متربصة بالكورد، وجدت ضالتها فيهم. لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، فلم يستلموا من بغداد وعواصم دول الجوار ومراكز القرار في العالم وحتى الجهات الأخرى، غير الإقرار بتمسكها بالدستور العراقي وقناعتها بأن القرار الكوردي هو في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ورئيسه مسعود بارزاني، وحكومة الإقليم ورئيسها نيجيرفان بارزاني، كما أكدت حقيقة الثراء السياسي لجمهور البارزاني وحزبه، وهذا ما كان بمثابة الضربة القاضية لتوجهات تلك الجهات وعجزها أمام إرادة وقوة وتحدي الكوردستانيين وإعتزازهم بأنفسهم.
 بعدها جمعوا مواقف متناقضة وسعوا الى تغيير معادلات الخريطة السياسية الكوردستانية بالإعتماد على تنفيذ أجندات بديلة والعودة للواجهة، والتنمّر على الآخرين من خلال بوابة الإنتخابات البرلمانية العراقية، ورفع شعارات تتجاوز الخطوط الحمراء للتأثير على خيارت وقناعات الكوردستانيين، فشخصوا مبدأ تقرير المصير والاستفتاء على أنه خطأ كبير، وإجراء غير مناسب من حيث الزمان والمكان، رغم أنهم شاركوا فيه. ولكن الإنتخابات جعلت مهماتهم مستحيلة في أروقة القرار، وخذلتهم وكبحت مطامعهم وإكتسحت آمالهم وتوقعاتهم، لأن نتائجها أشارت الى منح ثقة المؤيدين لحق تقرير المصير الى الرئيس المتواضع الذي تعرض للهجوم والتسقيط والضغوطات والإرهاب الفكري، وله القدرة والخبرة والمكانة في النظام السياسي، ومصداقية شعبية وسياسية. وإنجازات مميزة تتيح له عقلانية القرار والتأني في النظر إلى الوقائع وتفادي الأزمات وفهم طبيعة التوازنات الداخلية المعقدة، وتدل على تضحياته وتواضعه وإصراره على إتخاذ القرارات الاستراتيجية المبنية على أسس موضوعية، ومراعاة حقوق الآخرين وتحقيق الأمن والسلام والإستقرار والتحرك تحت سقف حفظ البيت الكوردستاني والمحافظة على لغة هادئة قابلة للنقاش لاتقطع الخيوط الممدودة مع غالبية القوى الكوردستانية والعراقية.
ما تعرّض له الشعب الكوردستاني في عهود الحكومات العراقية كان قاسياً،  ولكن ما تعرّض له بعد الإستفتاء على حق تقرير المصير، وسط أجواء من الخذلان والتآمر والخيانة من البعيد والقريب وبالذات من أشقاء وأصدقاء الأمس، والذين يتمسكون بالضوابط المثالية في إتخاذ القرارات، كان الأقسى من كل جولات القتل والإجرام، ولكن رغم ذلك، ورغم كل الظروف الصعبة خرج الكوردستانيون من بين الركام والأنقاض ليجدوا سبيلاً إلى الحياة وليرفعوا رايات التحدي المنضبطة، وهم يسعون الى مستقبل أفضل تحقق فيه أهدافهم الاستراتيجية. ونتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة خير دليل على ما نقول، وأبلغ درس للسياسيين الذين تجاوزوا مرحلة العتب من المنصات الإعلامية الى مرحلة الشتم والشك والريبة من الطروحات والإجتهادات وكل الكلام الذي يقال بخصوص الأولويات وحسن النيات، والذين لا يقرون أبداً بأخطائهم ولا يعترفون بالفشل، ويبحثون دائماً عن أطراف أخرى يحملونها مسؤولية عثراتهم.
 
 

172
التسكع في أروقة السياسة
صبحي ساله يي
  مضت الأيام الصعبة المليئة بالتشنج وعدم التفاهم في مرحلة ما بعد الإنتخابات بالنسبة الذين رفضوا الجدال العقيم وإضاعة الوقت في كلام لا طائل من ورائه. وبدأت الأيام الصعبة للذين إنشغلوا بالتراشق الكلامي الذي بلغ ذروة عالية على الفضائيات التي تبحث عن الإثارة، ورددوا عبارات يخجل الإنسان من تكرارها، وإرادوا إشغال الآخرين بمشكلات مفتعلة وإسقاط عملية الإنتخابات، عبر الدعوة لإلغائها، أو إلغاء جزء منها، تارة، والعد والفرز اليدوي الكلي وتوجيه الإتهامات يميناً ويساراً، تارة أخرى، حيث نشاهد بشكل جلي تغير الأوضاع تدريجياً لصالح العملية الديمقراطية التي لم تكن خالية من السلبيات. كما نلاحظ خفض التوتر في العلاقات البينية بين الأحزاب الشيعية، وكذلك الأحزاب السنية التي كانت تختلف فيما بينها على خلفية التباين في العديد من الملفات السياسية، والتي إنعكست سلباً على علاقتها، سواء قبل الحملات الدعائية التي سبقت الانتخابات النيابية أوخلالها أو بعدها.
  في كوردستان مازال البعض يتسكع في أروقة السياسة ويواصل سجالاته، والبعض الآخر يحاول التهدئة وخفض منسوب التوتر، ويتجاهل تعرضه للتهجمات والإتهامات وما إلى هنالك من إساءات تطاوله، رغبة في إتاحة الفرصة أمام إستئناف اللقاءات والمداولات وفك العقد وتذليل العقبات، ومناقشة الاستحقاقات الدستورية والسياسية والإنتخابية في المرحلة الحالية، ومراجعة المرحلة الماضية، وعرض الخيارات المتاحة أمام الوصول إلى إنهاء الأوضاع الشاذة، وكذلك لبحث الفرص والتحديات التي تواجه العملية السياسية وما تستوجبها من زيادة تماسك الكوردستانيين، وتوحيد خطابهم بخصوص الملفات المهمة التي تضع الجميع أمام مسؤوليات أخلاقية ووطنية. واتخاذ المزيد من الخطوات لتحديد الحاجيات والإمكانات والأولويات، ولتوحيد الضغط على الحكومة العراقية الجديدة لكي لا تكرر أخطاء الحكومة الحالية والتي سبقتها، ولتنفيذ ما نص عليه الدستور من حماية المدنيين وتأمين سلامتهم في كافة أنحاء العراق بما فيها المناطق الكوردستانية التي تقطع خارج ادارة حكومة الاقليم. وتمتين العلاقة مع الأحزاب والشعوب والدول الصديقة لكسب تأييدها ودفعها نحو الإعتراف بحقوقنا الطبيعية في تقرير المصير.
   تاريخ الكورد يتسم بالانفتاح على الآخر والتحاور معه بحثاً عن الأمن والإستقرار والسلم والأحسن والأفضل، وهذا شرف لكل كوردي. والثورات الكوردستانية أبلت البلاء الحسن في سعيها بكل ما كانت تملك من أجل أن ترسم لوحة وطنية تتناغم مع العطاء والقيم المبدئية التي تركزت عليها المقتضيات الموضوعية والذاتية. لذلك فإن الإنفتاح الممنهج والتحاور بين الأحزاب السياسية الكوردستانية أمر طبيعي وواجب وطني وأخلاقي لايمكن إغفاله، بالذات في هذه المرحلة التي يفترض فيها أن تكون مواقف الأحزاب مفهومة وصريحة وشجاعة وبعيدة عن الحساسيات الشخصية لتنجح في التعامل مع المكاسب المشتركة. وعندما توجه أحداها رسالة واضحة المعالم الى الآخرين وتعلن تفهمها للأوضاع الصعبة التي تواجهنا وتطالبهم  بالحفاظ على الثوابت، لابد أن لا تلجأ الأحزاب الأخرى الى سحب البساط من تحت أقدامها، لأن ذلك لن يحقق سوى المزيد من الإحباط والاحتقار والاحتقان. وعندما تطرح إحداها مواقف معينة في الغرف المغلقة، حتى إن كان فيه شىء من التنازل أو الإعتراف بالخطأ، ينبغي أن تبقى هذه الطروحات ضمن الأسرار التي يجب ان تحفظ، وأن تحتسب كنقاط قوة للطرف المبادر، خاصة وإن إصلاح الواقع يتحقق بأخذ العبرة من الماضي، وإحترام قواعد اللعب الجديدة الجيدة، وبتشخيص الواقع، وتوفر الإرادة ونقاء العزائم وإستيقاظ الضمير الجمعي والتصالح والتسامح مع الآخر إستكمالاً للصورة التي نحلم بها.
   فهل نحن قادرون على إنجاز ما التزمنا به، ونحققه في ظرف قياسي حتى نثبت للعالم أننا قادرون على المضي إلى الأمام رغم الإكراهات؟
 

173
البزاز ... السياسي الذي لم ينصفه التاريخ
صبحي ساله يي
 عند التعمق بين خبايا التاريخ نجد حقائق تائهة وصادمة ومحزنة عن شخصيات لمعت بفضل ذكائها وأفكارها وكفاءاتها وإنجازاتها ومواقفها وحرصها على المبادىء والقيم السامية، شخصيات تستحق الإهتمام والتقدير ولكن همشت ونسيت ولم تنصف. كما نجد قصصاً عشوائية مغايرة للحقيقة عن أناس أخذوا أكثر من حقهم في أغلب الأوقات، تم تمجيدهم وهم يستحقون الشتم والتحقير، وكتبت أسماءهم في سجلات لايستحقون الدخول اليها، أو حتى الوقوف أمام عتباتها.
سقت بالمقدمة أعلاه لأتحدث عن ذكرى رجل ذاق الأمرَّين، وتعرض لكل أنواع الظلم والاضطهاد، شطبوا إسمه من الكتب رغم دوره البارز كأول رئيس وزراء مدني  بعد إنتهاء الملكية في العراق، وكانت آخر أيامه، بيد البعث، كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معان. فهو القانوني والدستوري والمفكر الذي حصل على أعلى الشهادات، وخرج من الدنيا محروماً من أبسط حقوقه. إنه الدكتور عبدالرحمن البزاز الذي كان رئيساً للوزراء عندما تحطمت طائرة الرئيس العراقي، عبدالسلام محمد عارف. في (13نيسان 1966) في البصرة. وأصدر في اليوم التالي بياناً نعي فيه الرئيس، وأناط مهمات رئيس الجمهورية برئيس الوزراء وفق الدستور المؤقت.
بعد إنتهاء مراسيم العزاء، عقد إجتماعين مشتركين بين مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني لاختيار رئيس الجمهورية، وتنافس على المنصب كل من الفريق عبد الرحمن عارف وعبد الرحمن البزاز وعبد العزيز العقيلي. وقبل ان تبدأ الانتخابات طرح البزاز مشروعاً يهدف الى إنهاء الإحتقان الطائفي والقومي الذي إمتاز به عهد عبد السلام عارف، يقضي بإلغاء منصب رئيس الجمهورية وإستحداث مجلس رئاسة ثلاثي يضم ممثلاً عن السنة وممثلاً عن الشيعة وآخر من الكورد، ولكن العسكريين عارضوا المشروع ورفضوه رفضاً قاطعاً وبشدة. في (17نيسان 1966) جرت الانتخابات بين المرشحين الثلاثة وحصل البزاز على (14) صوتاً وعارف على (13) صوتاً والعقيلي حصل على صوته فقط. وبدأ الخلاف بين المجتمعين، وبهذا الشأن يقول الرئيس مسعود بارزاني في كتابه (البارزاني والحركة التحررية الكوردية، الجزء الثالث، ص173).. (بعدها نهض العقيد سعيد صليبي آمر موقع بغداد، وقال وهو يلوح بمسدسه : عبدالرحمن عارف هو الرئيس. والمخالف سأنثر دماغه نثراً بهذا المسدس. فقضى بذلك على كل خلاف وقدم العقيلي إستقالته وخرج من الوزارة، وكلف البزاز ثانية بأعادة تشكيل الوزارة).
ولكن ما الذي حدث بين يومي 18 نيسان و6 آب، حيث استقال البزاز تحت تأثير ضباط الجيش؟
في 18 نيسان، وفي مؤتمر صحفي ناشد عبدالرحمن عارف الكورد الى المحافظة على وحدة البلاد والتعاون مع إخوانهم العرب في تأمين سلامة الوطن ووحدته. وبادر بعد عشرة أيام من تصريحه الى إرسال وفد للقاء البارزاني الخالد، طالباً الدخول في حوار، فرحب البارزاني بالفكرة. إلا أن ضباط الجيش الكبار إحتجوا على المبادرة وإشتد ضغطهم على عارف بتنفيذ خطة ( توكلت على الله ) المؤجلة بسبب مقتل عارف الأول، والتي كانت تتألف من عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد البيشمركه.
نفذوا الخطة وحصلوا على الخيبة والإحباط، وتكبد الجيش خسائر فادحة في كافة جبهات القتال. وفقدت الحكومة كل أمالها في إحراز النصر العسكري، فعادت الى الحوار. وفي حزيران أعلن البزاز، عن إستعداد حكومته للأعتراف بالحقوق القومية الكوردية، والدخول في مفاوضات جديدة مع الحركة التحررية الكوردية بقيادة البارزاني. وأرسل في 15حزيران وفداً يتألف من شخصيات كوردية الى كلاله، تمهيداً لمجىء وفد ثاني، فوافقت قيادة الثورة الكوردية على المبادرة، وفي 18 حزيران وصل الوفد الثاني المخول من رئاسة الجمهورية بإجراء المفاوضات، وأكدوا على جدية الحكومة في الوصول الى حل سلمي للقضية الكوردية، ودعوا الى حضور وفد كوردي الى بغداد لإستكمال المباحثات، وفي 22 حزيران وصل الوفد الكوردي المفاوض الى بغداد ومكث فيها ثلاثة أيام.
 وفي 29 حزيان تم التوقيع على إتفاق بين الجانبين، تألف من إثنتي عشرة فقرة، وأذاع البزاز البيان، في ذات اليوم، وعرف فيما بعد ببيان حزيران.
بعدها وقف الضباط الشوفينيين والمستفيدين من القتال في كوردستان مادياً ضد إتفاقية البزاز، وإستغلوا ضعف عارف فإنصاع لهم، وطلب من البزاز تقديم استقالته، وفي 6 أب، قدم إستقالته وبقي بيان التاسع والعشرين من حزيران 1966 حبراً على ورق.

174
المخاطر بين الإدراك والتجاهل
صبحي ساله يي
أوضاع المنطقة ليست سهلة على الإطلاق، لا بل هي مريرة وخطيرة وتزداد خطورة ومرارة يوماً بعد يوم، والعراق يمر بأخطر مراحله الملتهبة، وهو ما يفسر حالة التوتر القائمة بين السلطات والمكونات والأحزاب والشخصيات السياسية والتخوف من التطورات، خاصة وأن تحدي الإرهاب مازال يقرع الأبواب، والكتل السياسية العراقية تنتظر الانتهاء من إجراءات العد والفرد اليديوي لأصوات الناخبين وهي تضع أيديها على قلوبنا في إنتظار الكوارث المأساوية والأضرار المدمرة، نتيجة للمواقف الغامضة وردود الأفعال غير المتوقعة والمفاجآت والقرارات العنيفة التي تمزج بين الحقيقة والخيال. أما الأوضاع في إقليم كوردستان فهي حرجة ومعقدة ومن الصعب التكهن بتحولاتها وتحولات القوى السياسية فيها، وما زال البعض لايدرك تأثيرات تلك المخاطر، ويغير مواقعه وسياساته ومواقفه ووعوده وتعهداته، ويتلهى بتبادل الإتهامات، ويمارس سلوكيات تكرس الإنقسام، ومازال يتحدث عن أمور جانبية وعابرة أو مجرد نتائج وتداعيات وليست الأسباب الحقيقية للمشكلات، والتركيز عليها يخفي نية مبيتة تهدف إما لنشر حالة من الفوضى أو التواطؤ من أجل إخفاء الأسباب الحقيقية للمشكلات أو رغبة في عدم التخلص من الورطة التي أوقع نفسه فيها. لذلك يشكك في كل شىء، ويطرح مبررات سياسية واهية، ويتخذ قراراته بشكل مرتجل دون وجود إستراتيجية أو رؤية واضحة للتداعيات المترتبة عن هذه القرارات والآراء المتباينة.
  في المقابل، يشدد الرئيس مسعود بارزاني على ضرورة دخول كافة الأطراف السياسية، بروح بناءة في حوار عقلاني من أجل التوصل الى معالجة سلمية معقولة لكل المشكلات.
أما نيجيرفان بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، فقد دعا جميع الأطراف إلى تنحية كافة الخلافات الداخلية جانباً، وإلى الاستعداد للجلوس معاً والحوار لوضع برنامج عمل مشترك من أجل التحاور مع الأطراف الفائزة في الانتخابات العراقية بشأن حقوقنا في الدستور العراقي والمشاركة في الحكومة العراقية القادمة.
هذا يعني أن هناك من يدرك المخاطر والتهديدات ويحرص على المصلحة العامة ويحاول تحمل المسؤولية الصعبة ويتحاشى إستفزازات الآخرين، ويعتبر كل المشكلات قضايا داخلية، ومواقف الآخرين غير نهائية وقابلة للتغيير والتغير،  ويترك الأبواب مفتوحة لمزيد من التشاور والحوار، ويدعو الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية الكوردستانية للرضوخ الى منطق العقل والدخول بشكل جدي في نقاش وإجتماعات موسعة حول توحيد الصف الكوردي وإعادة تشكيل التحالف الكوردستاني ليكون لاعباً مهماً في عملية الانضمام للتحالفات الساعية للفوز بتشكيل الحكومة القادمة، وفي المشاركة بالعملية السياسية، وليساعد على تحسين فرص اختياراتنا وفق الظروف المستجدة.
الجهود الإيجابية خرجت من الفضاء الإعلامي، وتشهد حالياً تدرجاً ملموساً لنقلها لأرض الواقع، والإتصالات باتت ليس سراً على المستويات كافة، ولكن من الضروري أن تقدم الكتل السياسية الكوردستانية التنازلات الجوهرية لبعضها وتخفض سقف مطالبها من أجل تفويت الفرصة على المتربصين بالكورد، والساعين الى تشتيت الكوردستانيين، وضمان مشاركتها بفعالية في التشكيل الحكومي الجديد.
وأخيراً نقول: طوال التاريخ لم نرفض الحوار مع الآخرين، لذلك لا يعقل أن نرفضه بيننا، خاصة وأن الخلافات بين الكتل الكوردستانية بشأن سلبيات الفترة الماضية لم تصل إلى نقطة اللاعودة، والإعتراضات على نتائج الانتخابات والاجراءات المتخذة، أقل بكثير من المشتركات التي تجمعهم.
لكل طرف كوردستاني أولويات وخيارات، وكل طرف حر ويعرف مصلحته فيما يختار، ولكن الأولوية الأبرز هي الاقتناع بأن مصلحة البلاد والدفاع عن المكتسبات والحقوق الكوردستانية والإلتزام بأحلام الشهداء، تستدعي التمسك بالحوار بشأن المسائل الخلافية والتحالف وعدم الانطواء والانعزال والتوقف كثيراً عند المناصب.
 
 

175

بغداد بين عصا طهران وسوط الأمريكان

 صبحي ساله يي

في وقت تشهد فيه العلاقة بين واشنطن وطهران مزيداً من التوتر على خلفيات كثيرة، أكبرها الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، تقف بغداد على صفيح ساخن وتحاول ترتيب أوراقها بعد الإنتخابات البرلمانية التي خلفت تداعيات كثيرة،  لترسم الخطوط العريضة للعملية السياسية في البلاد للأعوام الأربعة المقبلة، وهي على يقين بأن العاصمتين (طهران وواشنطن) المختلفتين في كل شىء لايمكن أن تتفقان بشأنها، وليس في مقدورهما في الوقت الراهن، أن تكونا متفرجتان ودودتين تجاه بعضيهما، ولا تمتلكان القدرة الكافية التي تؤهلهما لكي تؤديا دور الوساطة الحاسمة بين الأطراف العراقية، وكل واحدة تريد الحكومة الجديدة، في بغداد، تابعة لها. ولا تخفيان قدرتهما على تفجير الأوضاع في البلاد في أي لحظة، في حالة تجاهلهما أو تهميش المفضلين عندهما، مع ذلك ما زالت (بغداد) ترفع يافطات ليست لها رصيد على أرض الواقع وبعيدة عن حسابات المنطق، لأنها في ظل إمكانياتها الحالية من الصعب أن تحافظ على إستقلالية قراراتها المؤثرة.

ظاهر الحال يوحي بأن غالبية السياسيين العراقيين ينتمون لخطين سياسيين متباعدين، وبغداد ذاتها تعاني من التأثير الإيراني الواسع عليها من جهة، وتعد جزءاً من منطقة النفوذ الأميركي من جهة أخرى، ومشكلاتها ليست قليلة، مع ذلك تحاول الرهان على موقعها والتوازنات التي تخلقها. وتتجاهل الحديث عن حالة عدم التمكن من الإلتزام بالمواعيد الدستورية، وتشكيل الحكومة الجديدة، إما إستهانة بالقانون والدستور، أو رغبة في قلب الطاولة على رؤوس البعض، أو محاباةً للسياسات الاستنزافية السابقة التي جسدتها حكوماتها السابقة ضد العراقيين، أو استمراراً لاستراتيجيات الترقيع في ميادين السياسة، أو أن الذين يريدون تولي مقاليد الحكم لا يعرفون مستلزمات العمل في المعادلة العراقية، ولاتتوافر عندهم الثقة في قدراتهم وقدرات شركائهم في الوطن.

واشنطن تعرف أن كلفة الفوضى أصبحت باهظة في العراق، ونتائج الأزمات المتتالية الجاثمة ستزيد الوضع تفاقماً، لذلك تعبر عن قلقها من إنهيار العملية السياسية الهشة الموجودة في البلاد، خصوصاً أن داعش ما زال ينتشر في مناطق عديدة وينفذ فيها عملياته الاجرامية، والخلافات بين العراقيين كثيرة ومعقدة وعصية عن الحل، لذلك تعمل على تنشيط المحادثات بين المكونات العراقية، ويتدخل مسؤولوها الكبار في خط التفاهمات والاجتماعات ورص صفوف السياسيين المقربين منها، لإنقاذ مايمكن إنقاذه وتشكيل حكومة تتناغم مع عقوباتها على إيران، وتدور في دائرة الدائرين بوجه طهران ونفوذها.

ولدى طهران الكثير لتؤثر به على المشهد السياسي العراقي، ولها الكلمة الفصل في مجريات الكثير من الأمور وتتعامل بصيغة آمرة ناهية، مع كتل وأحزاب سياسية وشخصيات عراقية معينة، وتريد التغلب على الإرادة الأمريكية وإحراجها، وأن ترى ثمرة تفوقها، لذلك تمارس ضغوطاً مختلفة على أصدقائها وإن كانوا في خصومة واضحة فيما بينهم منذ سنوات، وتمارس دوراً مهماً ومباشراً وتضغط عليهم للتآلف والتحالف، ولمسك زمام السلطة بقوة في الحكومة الجديدة، لتكون حكومة موالية تستند عليها في إستبعاد خصومها المشاغبين، وتمارس دوراً معرقلاً ضد أي تحرك أمريكي يستهدفها.

بين عصا طهران وسوط الأمريكان، تجرع العراقيون كأس المرارة وتلقوا كيل من الضربات المؤلمة التي لايمكن نسيانها. وهناك أناس يحبسون أنفاسهم، لأنهم يعون أن الأيام حبلى بالمناورات والمفاجآت والتفاهمات وخروقات قواعد اللعب، وأن إنهيار العملية السياسية يعني العودة الى المربع الاول والاستمرار في الاستنزاف. ويعلمون أن إنقاذ المستقبل معلق على قرارات شجاعة وإجراءات جريئة، وعلى تنفيذ خطة عملية وواقعية في تشكيل الحكومة الجديدة، وتلبية رغبة الذين يريدون تبسيط المعادلة عبر تبني سياسة التنازل مقابل تنازل الاخرين، وسحب البساط من تحت أقدام الذين يحاولون الإستفادة من سياسة الاستنزاف التي قد تصبح مستنقعاً يورط الآخرين عاجلاً أم آجلاً ويستنزف طاقاتهم، وان يدار العراق بالشراكة والتوافق.


176
لعبتان متشابهتان في كوردستان
صبحي ساله يي
  اللعبة التي تلت الإنتخابات البرلمانية العراقية في كوردستان، شبيهة بلعبة صيف 2015 من حيث الرائحة واللاعبين، والإنقسام الحاصل، وعدم التوافق بين الأطراف الكوردستانية، وإطلاق العنان لرغبات إدخال البلاد في الفوضى وجر الأوضاع الى اللحظات الحرجة وحافة الهاوية. ومن حيث تقليل الخيارات المتاحة أمام الكوردستانيين، من أجل الحصول على أكبر قدر من المكتسبات أو الفوز بالجمل بما حمل أو وضع العصا في العجلة وعرقلة سير الامور كما هي. ومن حيث اللجوء الى لي الأذرع وعدم القبول بالسياقات الدستورية والقانونية.
  من أدار تلك اللعبة والضجة غير المسبوقة البعيدة عن التوقع في تلك الأيام الحارة، والتي جلبت معها الكثير من العقد، يحاول إعادتها في هذه الأيام الأكثر حرارة لنتجه نحو مرحلة أكثر تعقيداً وتشويشاً على العملية السياسية برمتها.
في صيف 2015، أثناء مناقشة برلمان كوردستان لقانون رئاسة الإقليم، حاول الذين كانوا يعتقدون أن بإمكانهم أن يلعبوا أدوراً أكبر من أحجامهم، وأن كل مشكلة، مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حتى لو لم تمت للحقيقة بصلة، تشكل الجائزة الكبرى التي تسمح لهم بلعب دور أكبر على الصعيد الداخلي والإقليمي من جهة، وخطف الانتصارات التي تحققت في الإقليم من جهة اخرى، إقحام الكوردستانيين في خلاف مبني على أوهام تقيم في عقول مريضة ليس الّا، وكاد هذا الإقحام وإنعكاساته أن يؤدي الى التصادم البيني وتشتيت الإقليم وتدمير ما تم بنائه، ولكن بحكمة ووعي الرئيس مسعود بارزاني وتمسكه بوعده الجازم على أن الدم الكوردي على الكوردي حرام، والصبر الكبير الذي يتمتع به في امتصاص الغضب. وبالأداء المهني لحكومة الإقليم، برئاسة نيجيرفان بارزاني، التي إستطاعت رغم كل تلك العواصف الشديدة أن تتخطى محاولات إثارة الفوضى الممنهجة، وبشق أنفس المخلصين من أبناء كوردستان،  تم تداركه.
اللعبة الحالية لاتختلف عن القديمة التي طرحت ومهدت لتدخل الآخرين في شؤوننا الداخلية، والدعوة لإلغاء الأصوات الخاصة بالبيشمركه والقوات الأمنية الكوردستانية دون سبب، لصالح أهداف ومرامي سياسية، لاتختلف عن دعوات صيف 2015، خاصة وأن الغاء التصويت الخاص ليس من مصلحة الكورد عموماً، وليس هناك أسباباً مقنعة وكافية للدخول في مأزق معلوم النتيجة، والإنصياع لنزوات ونزعات شخصية متضخمة ومطامع حزبية غير واقعية، رغم وجود خيارات أخرى، أسهلها الطعن والإعتراض وتقديم الشكوى الى الجهات المختصة، وإنتظار النتيجة القانونية والدستورية، وبعد ذلك القبول بالأمر الواقع والإعلان عن الموقف الرسمي ببيان يذكر فيه كل التفاصيل الدقيقة.
  الظروف الموضوعية الحالية في كوردستان والعراق والمنطقة برمتها، تفرض التقرب الجاد بين جميع القادة السياسيين والفاعلين في صنع القرار، خصوصاً وأن غالبيتهم صرحوا، ولو بتعابير مختلفة، بأنهم مع طي صفحة الماضي وتقديم بعض التنازلات عن الحقوق والإستحقاقات السياسية والقانونية وتخفيض سقف المطالب، وتفرض على المخلصين بالذات الإرتقاء الى مواقع المسؤولية التاريخية، وترك السكوت أو التحدث مع الذات لصنع الأفكار ورسم الصور عن طريق همسات خافتة وغامضة، والتشاور مع غيرهم وأبداء الحكمة والفضيلة وطرح المبادرات والمشاريع وأوراق وخرائط الطرق التي تؤكد على ضرورة تجاوز الخلافات وتضميد الجراحات النازفة بروح وطنية وبثقة عالية بالنفس، وبعث الأمل والطمأنينة للجميع عبر مناقشة الخلافات والاشكاليات وإستجداء الحلول السياسية الآنية من خلال إدارة حوارات جادة هادئة بعيدة عن التشنج، والوصول الى تحديد الأولويات وضبط النفس والتحكم بها.

177
البيان رقم واحد للبرلمان العراقي
صبحي ساله يي
بداية لا أحد يستطيع أن ينكر وجود التزوير في الإنتخابات، ليس في العراق وحده، بل في جميع بلدان العالم، ولست في وارد الدفاع عن مفوضية الإنتخابات العراقية، لأنه ليس من المعقول وجود مؤسسة نزيهة في بلد ينخره الفساد وينتشر في كافة مفاصله كالسرطان. ولكن يمكن القول أن نتائج الانتخابات الأخيرة كشفت المستور ورفعت القناع عن وجوه الغارقين في الأوهام والذين إنهار شعبيتهم وتراجع عدد مؤيديهم وإنكشف زيف إدعاءاتهم بحيث لايستطيعون معها إخفاء أحجامهم الحقيقية، والتي باتت تهدّد مستقبلهم السياسي وباتوا معها في مرمى العدالة، لذلك كان لابد لهم من محاولة للتغطية على فشلهم والنجاة بجلدهم خوفاً من المساءلة والمحاسبة والتحقيقاتٍ القضائية بشأن شبهات فساد والتورط بالارهاب، عبر النيل من الإنتخابات وكيل الإتهامات للفائزين، والإشتراك في السيناريوهات المبنية على القيل والقال، دون أن يدركوا أن ذلك يوقعهم في مآزق ليس من السهل التملص منها دون دفع الثمن، وربما تحولوهم إلى طرائد تلاحقهم القضاء في منازلهم ومقراتهم وحتى في بلدانهم البديلة.
بعض الخاسرين ركب موجة إرادة تعطيل العدالة عندما قرّروا تعطيل التفكير وإنخرطوا في العجالة البرلمانية المتلهفة لتمرير التوتر دون تعقل أو تفكير في النتائج، أو في الظرف الذي كان يستدعي التريث وإستحضار الحكمة وحسن النيات، والتأمل في أبعاد تأثيراتها على الاستقرار المجتمعي وعلى مناخ التوافق. فحرموا أنفسهم من الاستماع الى الرأي الناصح، ونفذوا على عجالة ما في أذهانهم، فعقدوا ثلاث جلسات سريعة ومتتالية في أسبوع واحد، خلال العطلة التشريعية، جرت فيها القراءتان الأولى والثانية لتعديل قانون الانتخابات وإتخاذ قرارات سياسية وغير دستورية بحتة تستهدف الأحزاب الفائزة، تؤدي إلى تجميد العملية السياسية في العراق وتوتيرها.
 تلك الجلسات أثارت أسئلة سياسية وقضائية كثيرة لا توجد لها أجوبة شافية، ودفعت الكثيرين إلى التشكيك في نزاهة القرارات وعدالتها وتسميتها بالإنقلاب، بالذات عند النقطة التي طالبت بإلغاء التصويت الخاص في كوردستان، النقطة التي تعادي البيشمركه وقوات الأمن الكوردستانية التي ضحت بأكثر من ألفي شهيد وأكثر من عشرة آلاف جريح في الحرب ضد داعش، دون اتتطرق الى أصوات الحشد الشعبي والجيش العراقي.
تلك العجالة التي يمكن تسميتها بالانقلاب على الدستور والوضع الموجود، والبيان رقم واحد الصادر من البرلمان العراقي، سيزيد من مساحة المشاكسات المسكونة بالحساسية، ومن النعوت الغليظة التي تطلق في الفضاء السياسي عبر مشاريع خاصة لافتعال الازمات، وستزيد من التباعد بين أفكار الخاسرين وبين تطلعات الفائزين، وستصبح الأولوية لحشد المزيد من السهام وتخزينها في ترسانات يمكن اللجوء إليها في الوقت المناسب وفي اللحظات الضرورية سواء لفرض النفس بعيداً عن مبادىء وروحية التوافق والعمل السياسي المشترك، أو للدفاع عن الحق المكتسب من خلال صناديق الإقتراع.
العراقيون لا يستفيدون من هذه الاضافات الغامضة والسريعة والغريبة وغير المناسبة التي جاءت في أوقات غير مناسبة، والتي صعدت الاحتقان في وطن تستلزم ظروفه وطبيعته تواجد الرصانة والإطمئنان وحسن النيات، ورسم الصور المريحة. بل سيخسرون بعضا من محتوى أمانيهم ومبتغياتهم التي ينشدونها. وربما عندما يتم تبليغهم كل الحقائق والاحداث، فإنهم لا يستطيعون ضبط أنفسهم عن الانفلات المؤذي. أما المستعجلين المجادلين، الذين إعتدوا بشكل صارخ على كل الأعراف والقيم والمبادئ دون إستيعاب الحقائق، ومارسوا اللاعقلانية السياسية، فإنهم سيعيشون في بيئة الوهن الفكري ويحملون أثقال أحلامهم الكبيرة وأوهامهم الكثيرة ويفكرون في التآمر والانقلاب حتى لو تطلب ذلك التحالف مع الشيطان.
 لذلك لابد من الجهات المختصة وبالذات القضاء العراقي، مراجعة هذه الخطوات والمواقف الانفعالية التي لا تمت للقانون والدستور بصلة، ولابد من إلغاء القرارات اللاقانونية واللادستورية بأسرع وقت حرصاً على الدستور والمصلحة العامة، لأنها بداية خطرة نحو المزيد من التعقيد والتصعيد وعدم الإستقرار.

178
المنبر الحر / موسكو وأربيل
« في: 21:03 07/06/2018  »
موسكو وأربيل
صبحي ساله يي
  نحن الكورد شهدنا سنوات متشابهات تهاوت وإنهارت فيها المفاهيم الإنسانية، وخضنا مع الحكومات العراقية تجارب مرة ما زالت آثار ندوبها واضحة للعيان، تفاعلنا مع أحداثها، بعضها غيرت الشك الى يقين، وبعضها الآخر شكلت علامات فارقة تدل إستحالة إعتراف الآخرين بحقوقنا.
  العام الماضي ليس مثل غيره من الأعوام، وما يميّزه هو الإصرار عدم الإستسلام أو الإنحناء وشكّل علامة فارقة على الجبين، لأنه غيّر مسار الكثير من المحاور السياسية التي كانت قائمة، وكان عاماً حافلًا بالتجاوزات العنيفة تجاهنا، لأنه بعد أيام معدودة من الإستفتاء الذي جرى في أيلول 2017، تحوّلت بعض المواقف المؤيدة والصداقات إلى ترقب لمآلات الأحداث. وجهات أخرى أدارت ظهرها لشعب وحكومة الاقليم، وأخذت تبحث عن ورقة رابحة تحقق لها ما تطمح إليه، وتحوّلت غيرها الى ممارسة العداوات وفرض الحصار وشن الهجمات، وضرب البنية التحتية لكوردستان، وتحريض الناس ضد بعضهم البعض وبث الفتن لإرباك الأوضاع، وإعادة الإقليم الى المربع الأول، فخططت وصنعت الأزمات وعاشت نشوة نصر متخيّل، وبعضها  ركضت وراء قرص الشمس لتسدها عنا بأيديها.
في المقابل كانت هناك محاولات جريئة من جهات عدة بلغت مرتبة الإنقاذ، رغم خياراتها المحدودة، فتحملت المسؤولية وأصبحت مؤيدة ومساندة، وبحثت عن أنبل  تعبير ليسجل كبدايةً لانطلاق علاقات حقيقية جديدة. من بين تلك المواقف موقف موسكو والرئيس فلاديمير بوتن، تلك المواقف التي تستدعي منّا وقفة تأمل أمام معايير الربح والخسارة في مسار العلاقات بين الشعوب، خاصة وإنها قدمت  إشارات تعتمد على القرارات القوية والعقل السياسي الجرىء في لحظات التحولات التاريخية الكبرى. وأشارت الى أنه لابد من التعامل مع الأحداث بإسلوب البحث عن الحلول المناسبة لكافة المشكلات والقضايا المصيرية، وإحقاق الحقوق المهدورة بسلام وأمان، ومنع عودة الخيبة والخسارة وتجنب الويلات و تكرار المآسي.
في العام الماضي، خلال الجلسة العامة لمنتدى أسبوع الطاقة الروسي، قال الرئيس بوتين: (موسكو لا تتدخل في مسألة كوردستان، وتصرفاتنا تهدف إلى عدم اشتعال الموقف، وموسكو لا تقوم باستفزاز أحد، ونحن لدينا علاقات طيبة مع الكورد، ونحاول دعوتهم للحوار). كما قال:  (لذلك فإن تصريحاتنا حذرة جداً، وموجهة ليس نحو التأزيم، بل لتصحيح الوضع، وتهدف الى إيجاد سبيل للتواصل حتى في أصعب حالات النزاع، والتعاون للبحث عن خيارات مقبولة للجميع).
وبالأمس، 7/6/2018، قال الرئيس بوتين: (لدينا مع الشعب الكوردي بالمعنى الواسع للكلمة علاقات ودية تاريخياً ونثمن عالياً سعي الشعب الكوردي إلى حماية حقوقه، ونحن نرى ما يجري من تطورات في العراق ونرى كيفية تأثير القرارات في سياق الاستفتاء العام في كوردستان العراق وكيف يتم تحقيقها وتحويلها إلى أرض الواقع، وذلك في إطار الحفاظ على وحدة الدولة العراقية، ونحن نحتفظ بعلاقاتنا مع السلطات المركزية في بغداد ونعتبر كل خططنا في إقليم كوردستان شرعية وواعدة وليست موجهة للتدخل في النزاعات أو التشجيع على النزاعات الداخلية في العراق، بل بالعكس كل مشاريعنا تهدف إلى تطوير العلاقات الطبيعية والتعاون الطبيعي مع العراق ومع مكوناته بما في ذلك إقليم كوردستان، فهذه المشاريع واعدة ونتمنى أن يتم تنفيذها).
هذه المواقف، ترسل رسائل قوية للعراق أولاً والدول الإقليمية وكل العالم مفادها، أن كوردستان منطقة حيوية جديرة بالإهتمام والتقدير والتعامل معها على أساس الدستور والإحترام المتبادل والمصالح المتبادلة. وتثبت نجاح السياسة النفطية لحكومة الإقليم برئاسة نيجيرفان بارزاني، ومتانة العلاقات بين موسكو وأربيل، كما تثبت أن روسيا مطمئنة من عدم وجود مخاطر وتهديدات جدية في الإقليم، وغير قلقة من مستقبل كوردستان.

179
المنبر الحر / الإطفائي الواقعي
« في: 09:08 06/06/2018  »
الإطفائي الواقعي
صبحي ساله يي
  قبل أيام، استضافت شبكة روداو الإعلامية المفكر والسياسي والإعلامي حسن العلوي ليتحدث بوضوحه وصراحته، وبقوة وعنف نقده، دون الخشية من لومة لائم، عن غالبية التناقضات السابقة والحالية في العراق، والمرشحةٌ لكي تكون في واجهة الأحداث القادمة، والسيناريوهات المتداولة التي تأخذ بعين الإعتبار كل الإحتمالات الممكنة التي توحي بأننا في ظل غياب دولة المواطنة، والشراكة الحقيقية والتوافق والتوازن، وفي ظل إستمرار تسليم الشؤون الداخلية الى الدول الإقليمية، نتجه نحو الهاوية والدمار.
  تحدث العلوي عن أمور تتعلق بتوجه الكورد نحو الإستفتاء، ودورهم في راهن الأوضاع والاستحقاقات والمستجدات القادمة والخيارات الممكنة والإمكانيات المتوفرة، وعن صدمة فوز الحزب الديمقراطي في الإنتخابات البرلمانية بالنسبة للذين اعتقدوا أن البارتي أصيب بصدمة 16 إكتوبر، عندما واجه علامات إستفهام كبيرة وكثيرة تتعلق بإستقراء الظروف والاختيار السليم لزمان ومكان وآلية معالجة الازمات السياسية والإقتصادية والأمنية، والتكفل بعدم زيادة التهابها.
تحدث العلوي وذهب، ولكنه إستوقفني كثيراً عند  حديثه عن نيجيرفان بارزاني، حيث قال : (هو رجل براغماتي، ويمتلك من الدهاء ما لا يمتلكه غيره، كما أنه واقعي، وأنا أسميه (الإطفائي)، فكلما تندلع النيران، هو من يقوم بإطفائها، وأنا لم أكن مقرباً منه لأنه لم يكن من جيلي ولم أكن أعرفه. ولكن عند مراقبة سياسة نيجيرفان كمؤرخ ومراقب للقضية الكوردية، فقد نجح نجاحاً هائلاً، وهو من أبقى الإقليم قائماً حتى الآن).
كان العلوي محقاً ومنصفاً في قوله ورأيه تجاه نيجيرفان بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، رئيس حكومة الإقليم. أما وصفه بأنه (يمتلك من الدهاء ما لا يمتلكه غيره) فيعود الى متابعته كباحث لسيرة حياته التي تدل على أنه لاعب بارز وأحد أقطاب المعادلة الجيوسياسية في المنطقة، وأحد صناع القرار السياسي الكوردي، ويقف بشموخ على رأس الدبلوماسية الكوردية ويحظى بمكانة مرموقة في مراكز القرار الإقليمي والأوروبي والدولي كرجل له حضور قوي أظهر مهارة في حل أزمات عديدة وهو رجل المرحلة والمهمات الصعبة. ووصفه ب(الواقعي) نابع من يقينه بأن له الفضل في نجاح تجربة التعايش المشترك في الاقليم، والتي أصبحت مثار إعجاب العالم. وأنه واحد من الذين إعتادوا على مقارعة الظلم والمطالبة بالحقوق وتطبيق القانون والعدالة والمساواة بين الجميع وإختاروا أنبل الطرق للدفاع عن الكورد، والثبات على ماهم عليه، دون التأثر بعواصف الظلم والتنكيل، ودون الإنحناء أمام الإغراءات مهما كانت كبيرة ومغرية، والهجمات مهما كانت شرسة وقوية. 
  العلوي سمى نيجيرفان بارزاني، ب(الإطفائي) ، لأنه يدرك أنه أطفأ  الكثير من النيران بحكمة وتأني ومرونة وأسلوب حضاري ومدني، وعالج إشكاليات معقدة كالصراعات والمشكلات الداخلية والأزمات السياسية بين الأحزاب الكوردستانية، وحرص على وحدة الصف والأمن والسلم الاجتماعيين في كوردستان. وفي وسط الزحمة والأحداث المؤسفة، بعد إستفتاء أيلول الماضي، وعندما كان الكوردستانيون يراقبون التطورات الميدانية والمتغيرات الإقليمية والتحولات التي تستوجب النظر والاستيعاب والتعامل والتجاوب معها، وكذلك التي تستحق مقاومتها، أرسل رسائل عدة لبغداد، لإطفاء النيران الملتهبة، مفادها أن العودة الى منطق العقل ولغة التفاهم والحوار والإعتراف بالحقوق المشروعة للاقليم تخدم الوضع الراهن والمستقبل لكل الأطراف وتشكل عاملا أساسيا وضروريا لمعالجة الأزمات العالقة بين أربيل وبغداد.
يعلم العلوي أن بارزاني نجح في إطفاء نار الحصار السياسي والإقتصادي والدبلوماسي المفروض على كوردستان، وفي فتح القنوات الدبلوماسية أمام الكوردستانيين وايصال همومهم ومعاناتهم الى ألاروقة الدولية، لذلك شبهه بالأطفائي الواقعي.


180
ماذا جنى العراقيون من برلمانهم
صبحي ساله يي
 مهام السلطة التشريعية في غالبية بلدان العالم، هي سن القوانين والتشريعات والأنظمة، وتنظيم عموم مجالات حياة المواطنين وحماية مصالحهم وحقوقهم المدنية والسياسية، وصيانة كرامتهم والدفاع عن حرياتهم الشخصية، ومراقبة الأداء الحكومي، وتحدي الفساد وإستجواب وسحب الثقة عن المسؤولين الذين يخرجون عن الدستور إو ينتهكون نصوصه، وإحالة من يفتضح أمره، ويثبت تورطه بالإخلال بالعدالة والنزاهة الى القضاء تمهيداً لمحاسبته.
  ولكن مجلس النواب العراقي الحالي، والذي سيصبح بعد أقل من شهر، البرلمان السابق، بدلاً عن أداء مهامه الدستورية والقانونية، تحايل طوال السنوات الأربعة الماضية على الدستور من أجل مكاسب ومزايا لأعضائه، وأشاع الفساد، وهنا لانقصد التعميم، لأن التعميم في الحياة السياسية بشاعة، ولابد من القول أنه ليس كل النواب فاسدون، فمنهم من دخل مبنى البرلمان وخرج منها دون أن يفسد، ومنهم من دخله نزيهاً ووطنياً وغيوراً على شعبه وخرج منه وهو فاسد مساوم، ومنهم من كان فاسداً في الأساس، دخل البرلمان وهو مفلس مختفي خلف يافطات الوطنية وخرج منه وهو ثرياً وأكثر فساداً.
  السنوات الأربعة الماضية في عمر البرلمان العراقي، حافلة بالأخطاء والصراعات والأحداث، حيك في أروقته الكثير من مؤامرات الإستهداف والتسقيط السياسي. أقرت في جلساته غير المنتظمة، بدوافع أنانية وذاتية، عشرات القرارات غير الضرورية والمثيرة للجدل التي لاتنفع المجتمع، وأهملت وأجلت أخرى مهمة تصب في صالح العراقيين عموماً، وأبرزها قانون مجلس الإتحاد، وقانون النفط والغاز الذي يعتبر المشكلة الأساسية بين بغداد وأربيل والمحافظات المنتجة للنفط.
  كما شهدنا فيه التجاوز والشجار والتلاسن والتشاتم والتشابك بالأيدي بين النواب، وإعترف بعض النواب المحتمين بالفاسدين والمستبدين السياسيين والعقائديين، دون أي وازع أخلاقي أو وطني، ودون خوف أو وجل بإستلام الرشاوي، وعقد مساومات مثيرة خلال الإستضافات بحثاً عن الجاه المزيف والمال المدنس.
  أما الهجوم على الكورد من تحت قبة البرلمان وإصدار أكثر من عشرة قرارات يندى لها الجبين في يوم واحد ضدهم، فإنه جسد أنانية وعفن الكثير من النواب الشوفينيين الذين يريدون بقاء الكورد تحت رحمتهم وأمرتهم، ولم يكن الحراك التآمري على أحلام وطموحات الشعب الكوردستاني، إلا إنتهاكاً لتضحيات دماء الشهداء والجرحى والمناضلين البيشمركه، ودليلاً على الرغبة الدفينة في الانتقام من الكورد.
  الوصف الأدق والمختصر للبرلمان المنتهية ولايته هو: برلمان قاده السياسة المزاجية والإرتجال والتخبط والتقلب والإنفعال والجنوح والتهور والعبثية، فرغ القانون من محتواه قبل تشريعه، إما بتلغيمه وتبهيمه ليكون قابلاً للتأويل ولشرعنة عمل الفساد وحمايته في البلاد، وأما بتعارضه مع غيره، أو بتأثيره السلبي على البلاد وتسببه لأزمات جديدة.
  مرر ما يريد من مكائد وقوانين وعطل ما أراد دون النظر إلى الصالح العام. القوانين التي شرعت كانت مليئة بالأخطاء والثغرات ومخالفة لأحكام الدستور والقوانين النافذة، ومتوافقة مع المساومات والصفقات السياسية، ومعرقلة ومعطلة لعمل المؤسسات التي كانت تحارب الفساد وتعمل على كشف الجهات التي تدعمه، أو كانت بالأساس لإنتشال الفاسدين من أروقة القضاء.
   وأخيراً نقول: أصابت الصحيفة البريطانية التي صنفت مجلس النواب العراقي الحالي كأفسد مؤسسة في التاريخ لأنه كان عبئاً على الشعب.
  الأمر الوحيد الذي نجح فيه، هو الانقلاب على التوافق والشراكة، لزيادة التوتر والأحقاد والضغائن السياسية والمناطقية في البلد، وإثارة إستياء المواطنين وإرهاقهم، وفقدان ثقتهم بالسياسة والسياسيين وعزوفهم عن المشاركة في إنتخابات آيار 2018.
 
 



181
المفهوم الثلاثي في كوردستان
صبحي ساله يي
  من خلال متابعة تطورات الأوضاع في كوردستان والعراق، وتفحص وقراءة ما جري فيها على الأرض، بعد 2003، وما حصل من تطورات لها علاقات مباشرة بالتعدديات الدينية والقومية والسياسية، يمكن الخروج بإستنتاجات عديدة مستندة على المعطيات والحقائق، تدل على أن الذي يلوح في الأفق، وبانت ملامحه سيساهم بشكل مباشر في تنامي نجاحات شعب وحكومة إقليم كوردستان برئاسة نيجيرفان بارزاني، وتوفير مستلزمات وحقائق ستفرض واقعاً جديداً تسهم في تمتين وتكوين علاقات قومية ودينية وتوازنات سياسية جديدة قائمة على أساس التطور والإنفتاح, علاقات تحترم فيها إرادة الكوردستانيين.
  المنطقة التي نعيش فيها مليئة بالآثار السلبية للتطرف و التوتر والتعصب الديني والقومي، وإمتدت سلبياتها إلى سيادة أهواء الإستعلاء وتحكيم النزوات والإستجابة لعوامل الفتنة، وإختزان صور الكراهية القومية الشوفينية والدينية وحتى المذهبية والساسية, ولانبالغ عندما نقول أن كل النشاطات الإرهابية التي تقذف بالإنسان في أتون الفوضى والمشكلات والمصائب، تنبثق عن المشاعر والنزعات العصبية الضيقة، وفقدان الرؤية عبر إبطال الحق، وإحقاق الباطل.
  في العراق بعد صدام، بسبب ضعف القانون وفقدان الدولة والفهم الخاطىء للديمقراطية والموروث البائد المتخلف، إتسع خطاب الكراهية والحط من الآخر، وساد التعصب والإستهتار والتحريض والإزدراء والتمييز عبر التعلق والإصرار والتمسك  بالأفكار والمبادئ التي لاتدع مكاناً للتسامح ولا تمنح مجالاً للتفاهم، ووفق تصورات معينة تم تصنيف العراقيين إلى فئات مختلفة، وتعرضت الأقليات الدينية والقومية في وسط وجنوب العراق، الى ممارسات مروعة بدأت بالإستفزاز والتجريح والتحقير والإقصاء، ووصلت الى التهديد والوعيد والإيذاء الجسدي والعنف والتصفية الجسدية ومصادرة الأملاك على نطاق واسع.
  وفي كوردستان تم التصدي لخطاب الكراهية المقيتة، وجرى العمل على ترسيخ منطق التسامح وتقبل الاخر، وتعميق المفاهيم الوطنية والإنسانية الأخلاقية وفق المعايير الإنسانية والدولية السائدة بما يضمن إحترام حقوق الاخرين وبالتالي ضمان الأمن الوطني والنظام العام، وتحقيق السلم الأهلي، مع التشديد على وضع إستراتيجيات بعيدة المدى التي تؤكد على التسامح والتضامن بين المواطنين بغض النظر عن الدين أو القومية.. هذه الأجواء هنا، وتلك الممارسات هناك أدت الى توجه الكثير من أبناء الديانات والأقليات الدينية من وسط وجنوب العراق الى الإقليم. في المقابل قدم اقليم كوردستان حكومةً وشعباً مثالاً رائعاً على التسامح والتضامن من خلال توفير الملاذ الآمن لمئات الآلاف من النازحين المسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين والمجموعات الدينية الصغيرة، ومن الذين عانوا من التشرد والإضطهاد، وقد قدم قداسة البابا بنديكت السادس عشر، بابا الفاتيكان السابق، وقداسة البابا فرانسيس الأول، خلال لقاءاتهما مع الرئيس مسعود بارزاني، ونيجيرفان بارزاني في الفاتيكان، شكرهما لإقليم كوردستان حكومة وشعباً وأشادا بالتسامح والتآخي والتعايش السلمي بين الأقليات الدينية والقومية والطائفية، والسلم والامان والوئام والاستقرار والتنمية والازدهار في الاقليم، كما قيموا عالياً سعي حكومة الإقليم من أجل ترسيخ أسس التسامح والتعايش. كما أشاد المتوجهون الى كوردستان، ومراجعهم الدينية والسياسية والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بحكومة الإقليم لحمايتها وإيوائها عدداً كبيراً جداً من النازحين واللاجئين، كما قيمت عالياً حالة التعايش والتسامح الديني والقومي في الإقليم.
  آخر تلك الشهادات، وحتماً لن تكون الأخيرة، هي ما قاله السفير المتجول الأمريكي للحريات الدينية الدولية سام براون باك، حينما أشاد بالكورد وأكد نجاح (المفهوم الثلاثي) في كوردستان، الذي يتمثل ب(التسامح الديني) و(النجاح الاقتصادي) و(نبذ الإرهاب).
 


182
المنبر الحر / كل حزب بما لديهم ....
« في: 23:26 29/05/2018  »
كل حزب بما لديهم ....
صبحي ساله يي
  بتفاؤل مفرط وثقة عالية ونتيجة لحسابات ومصالح سياسية قديمة وجديدة، شاركت الاحزاب السياسية الكوردستانية في الإنتخابات البرلمانية العراقية، وعوّلت عليها كثيرًا، وسخرت في سبيلها الكثير من الإمكانات المادية والمعنوية، و على مدى الأسابيع التي سبقتها، عقدت من أجلها المهرجانات ونظمت الحملات الدعائية واللقاءات. وإدعت جميعها تحمل دورها ومسؤوليتها في ضمان الحقوق والحريات العامة والخاصة وتحقيق المكتسبات التي تحفظ كرامة الكوردستانيين وتبعدهم عن حافة الخطر، وتعهدت بتبني قضاياهم المصيرية بآليات ديموقراطية ودستورية، ومواجهة السياسات الخاطئة بوحدة الصف. مع ذلك عجزت (الأحزاب) عن حل خلافاتها الحزبية وفشلت في تشكيل ائتلاف إنتخابي واسع يفوز بعدد كبير من المقاعد، وحينها حذر نيجيرفان بارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي، من خطورة الإنقسام وتشتت الصوت الكوردستاني وعدم  تنحية كافة الخلافات الداخلية، مع ذلك تفاءل فقال: لدينا خطة، ونخطط أن نجتمع معاً جميعاً بعد الانتخابات، وأن نوحد صفوفنا، والأهم هو التحالفات التي تتبع الانتخابات.
  كل الاحزاب، التي ليس لها قاعدة شعبية واسعة ومشروع سياسي واضح المعالم، والتي تفتقدانهما، وصفت الإنتخابات البرلمانية، بالأكثر تأثيراً على مستقبل العملية السياسية في العراق، وأكدت على ضرورة المشاركة فيها بكثافة، على إعتبار أن الظروف الداخلية والخارجية تشهد تجاذبات وتناقضات مختلفة وتعيد تقييم المواقع في المعادلة السياسية وعلى خريطة التوازنات السياسية الجديدة وفق ضوابط متصلة بتحولات محلية وإقليمية ودولية. وقالت: من أجل الحفاظ على المكاسب الدستورية، لابد من ممارسة أعلى درجات الصبر وضبط النفس، والتمسك بالأفكار الإنسانية التي تعظم حقوق الأفراد ومنافعهم وإستقرارهم ورخائهم بعيداً عن العنف والصراعات بأشكالها المختلفة وتطوير الآليات المختلفة للحفاظ على الثقافة المتشبعة بالقيم الحضارية، والإستمرار في تطبيقه خلال الحملات الإنتخابية وبعد إعلان نتائج الانتخابات، وأثناء مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، لكي نبعث رسالة الى الذين يشتاقون الى إضعاف وإقصاء الكورد عن العملية السياسية، وتلمس ترهل دورهم في العراق، والحد من مكانتهم وهيبتهم وقدرتهم على التأثير على القوى السياسية العراقية ومراكز القرار في المنطقة والعالم، مفادها، أن الكورد باقون ويستطيعون الحفاظ على الثوابت الديمقراطية والوطنية والقومية والإنسانية.
  بعض الأحزاب، خلال الأيام العصيبة التي سبقت الإنتخابات، تبنت الخطاب السياسي العقلاني المرن الذي يستطيع إمتصاص الصدمات للحفاظ على الأمان والهدوء والتضامن بين الكوردستانيين، فتغاضت عن التجاوزات والأخطاء المرتكبة بحقها، وأعلنت الإستعداد عن التنازل عن بعض من مستحقات الإنتخابية ومصالحها الحزبية والشخصية، لتحييد النزعات الفردية وتجنب الهزات والنتائج الكارثية،  ولتفويت الفرصة على الذين يلجأون الى تزوير الحقائق والإدعاءات المضللة التي تهدف الى تفريغ الانتصارات الكبيرة والاستراتيجية التي حققه شعبنا خلال العقود الماضية. ولكن بعضها، رغم النداءات المخلصة التي صدرت، لجأت الى خطاب التسقيط والتحرض وكأنها تخوض إنتخابات برلمان كوردستان، وليست انتخابات مجلس النواب العراقي.
  بعد إعلان نتائج الإنتخابات، بانت الفجوات الكبيرة، ودلت على أن المواطن الكوردستاني منح ثقته بمن هو المدافع الحقيقي عن حقوقه المشروعة والدستورية. ودلت أيضاً على الجهل الكبير للبعض وعدم معرفتها بالواقع السياسي، وعلى أن إعتقاداتها كانت مبنيًة على أوهام وأمنيات ليست لها رصيد على أرض الواقع، تم تسويقها من قبل دوائر خاصة تابعة لها، تديرها شخصيات باحثة عن مصالحها الشخصية. مع ذلك تعالت الأصوات، مرة أخرى، من أجل السعي لتحقيق وحدة الصف وكلمة القوى السياسية والذهاب الى بغداد بهدف الدفاع عن حقوق شعب كوردستان وتأمين وضمان مستقبل أفضل للحاضر والمستقبل، وإسترجاع مبادىء الشراكة والتوازن والتوافق، والإصرار على تنفيذ الدستور الذي يعتبر الضمان الوحيد لحقوق الجميع وعدم التمييز بينهم لأسباب قومية ودينية، وليس للصراع والسجالات والدعاية الإعلامية على شاشات التلفزيون.
  الأيام والأسابيع المقبلة تبين الذي لايفوت أي فرصة للحوار والتفاهم من أجل وحدة الصف والكلمة، ومن همه هو كيفية الدفاع عن حقوق الشعب وحماية منجزاته التي تحققت بدماء قوافل من الشهداء، وتبين الذي يملك عقدة المناصب والإمتيازات والعناوين الوظيفية،  ومن هو مستعد للإستهانة والإستخفاف بقضايانا الوطنية والقومية ويجعلها ضحية أطماعه الشخصية الضيقة.
 

183
كلمات في ذكرى ثورة كولان
صبحي ساله يي
   في آذار ١٩٧٠، عندما كانت حكومة البعث في أشد حالات الضعف العسكري، وتقترب من الإنهيار الكلي أمام ضربات وتقدم البيشمركه، وقعت على إتفاقية مع البارزاني الخالد، قائد ثورة أيلول، عرفت فيما بعد بإتفاقية آذار التاريخية، أقرت بموجبها بشكل رسمي بعض الحقوق الأساسية للكوردستانيين، ولكن بعد مرور فترة قصيرة تخلت عنها وتنصلت من بنودها. في المقابل إلتزمت القيادة الكوردية بها وحاولت جاهدة أن تلتزم الحكومة العراقية بها وبوعودها وتعهداتها، ولكن الأحداث أظهرت إصرار الحكومة البعثية على تبني سياسة المؤامرات والمخادعات المتتالية من أجل إفراغ الاتفاقية من محتواها، وتمكين الجانب العسكري، وبعد إنقضاء سنوات الهدنة الأربعة والاستقرار النسبي، بدأت القوات الحكومية بمهاجمة قوات ثورة أيلول، وفي محاور عدة إستخدمت كل ما لديها من قوة وأسلحة حديثة فتاكة، إلا أن البيشمركه تصدوا لها ولقنوها دروساً بليغة. وعندما فشلت في ميادين القتال لجأت الى أساليب الغدر والخيانة والخبث فنجحت في الوصول الى إتفاقية الجزائر الخيانية يوم 6/ آذار/1975 مع شاه إيران، والتي بموجبها تنازل العراق عن نصف شط العرب للحكومة الإيرانية مع مساحات واسعة من الأراضي الحدودية المهمة، مقابل قطع طرق الإمدادات عن ثورة أيلول وبذلك وجهت طعنة غادرة بخنجر مسموم نحو ظهر الحركة التحررية الكوردية في كوردستان. وتوقفت عجلة ثورة أيلول ودخل الشعب الكوردي في فترة مظلمة لم يشهد له تاريخ الكورد مثيلاً، وتعرض الكوردستانيين على يد السلطة الفاشية الى العنف والتعذيب والتعريب والتبعيث والترحيل القسري وسيق آلاف الشباب الكورد الى المشانق و تم تدمير الآلاف من القرى وتسويتها بالأرض، وتم تجميع سكانها العزل في مجمعات قسرية، وكنتيجة حتمية و كرد فعل لما تعرض له الكورد على يد الأعداء، وبتوجيه من البارزاني الخالد، تمكن الرئيس مسعود بارزاني مع الشهيد ادريس بازراني ومجموعة من رفاقهما، إعادة تنظيم صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني والبيشمركه، لإدامة النضال والتمهيد لإندلاع ثورة كولان في (26/ أيار/ 1976).
   اليوم ونحن نستذكر إنطلاق تلك الثورة، لابد أن نؤكد على أنه في المسيرة التحررية الكوردستانية وتأریخ شعبنا المكافح برزت قامات عالية لأسماء العدید من السیاسیین والمناضلین والقادة‌، وأسهمت بكتابة صفحات ذلك التاریخ بأحرف من نور، وصارعت أقسی الظروف وأصعبها، وأضحت رموزاً تتوهج بالإعتزاز والاستذكار الجميل. ومن بين تلك القامات نستذكر المئات من الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم الطاهرة من أجل الشعب والوطن ونستذكر الشهيد ادريس بارزاني، الذي حمل الأمانة الثقيلة بإقتدار، وكان أهلاً للمسؤولية النضالية الجسيمة في أصعب الظروف وأخطرها، حيث كان المناضل الفذ في ميادين المواجهات الساخنة، ومخطط وبطل الكثير من الملاحم، والسياسي المقتدر ورجل السلام الذي أسهم في ترسيخ أسس الانطلاق الى المستقبل عبر ركائز القيم والمبادىء التي ارسى قواعدها النضالية مع رفاق دربه المناضلين وفي طليعتهم الرئيس مسعود بارزاني.
   الشهيد ادريس الذي كان يفكر دائما بقضية شعبه من منطلق الحكمة والصبر والثقة بالنفس، والذي وظف مهارته السياسية لإعادة ترتيب البيت الكوردي، إستطاع التقريب بين وجهات النظر المختلفة التي ظهرت على الساحة الكوردستانية، ويعتبر مهندساً للمصالحة الوطنية التي مهدت لإعلان الجبهة الكوردستانية التي أثبتت جدارتها في قيادة الانتفاضة الكوردستانية في آذار1991، وما تلاها من إدارة شؤون كوردستان، وإجراء الإنتخابات الديمقراطية، وتكوين المؤسسات الحكومية.
  وأخيراُ نقول: ثورة كولان التقدمية إنطلقت، بأردة الشعب الكوردستاني، لتنتصر، والحمد لله إنتصرت وأسقطت كل أدوات وملحقات البعث ومرتكزاته ومؤسساته, التي كانت تقمع الكوردستانيين, وساهمت في بناء مؤسسات ديمقراطية سليمة وخلق مناخ ديمقراطي صحي ضمن رؤية وطنية شاملة.
 



184
كل الطرق تلتقي عند بارزاني
صبحي ساله يي
   كلما يقف الكوردستانيون على أعتاب المتغيرات المتوقعة الحادة وفي مواجهة الأزمات المفتعلة والخانقة واستحقاقات المستقبل، وأثناء المحن والمصائب والظروف الحالكة، وكلما يدركون أن التجربة الكوردستانية ومشروعها الديموقراطي في خطر، وكلما يرون أنهم يقتربون من الانقسام والتشرذم والصراعات العبثية، يتذكرون ضرورات توحيد الصفوف والخطاب، وبنبرات هادئة يدعون الى وحدة البيت الكوردي، وتتجه أنظارهم الى الرئيس مسعود بارزاني ليعلن عن مبادرة أو مشروع وطني لإنهاء الازمة، ورأب الصدع وتقريب وجهات النظر، وفتح صفحة جديدة في العلاقات وتمتين وتعزيز وحدة البيت الكوردي.
   الكورد اليوم، بعد أن أدلوا بأصواتهم في الإنتخابات، وفي إطار الحراك الجاري لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، وفي سياق مراكمة وتكثيف الجهود من أجل الوصول الى صيغة توافقية تمنح الاطراف الكوردستانية مساحتها السياسية للمشاركة الفعلية في عملية صنع القرار السياسي العراقي. يقفون أمام إستحقاق إنتقالي وطني وقومي جديد يحددون فيه موقفهم السياسي، بكل معطياته وحيثياته، تجاه العملية السياسية والحكومة العراقية القادمة، وهذا يعني أنه آن الأوان لتلاقي كلمتهم وموقفهم وتوحيد صفوفهم، لأن هذا التلاقي سيشكل نقلة نوعية تمنح قوة سياسية أكبر للكوردستانيين. ويعني الإلتقاء عند الرئيس بارزاني الملتزم بالنهج التسامحي للبارزاني الخالد، لإنهاء حالة الانقسام ودفن المؤامرات التي تحاك ضد الكورد، ولمّ الشمل ومتابعة المسعى دون يأس والجلوس حول الطاولة الكوردية المستديرة، وتقدير جسامة المسؤولية التاريخية والتحديات الكبيرة والتحرك بكل الاتجاهات وعلى كل الاصعدة من أجل حلحلة القضايا الخلافية، وضمان حقوق الكوردستانيين، والحفاظ على المكتسبات المتحققة.
   الجلوس حول الطاولة الكوردية المستديرة والاتفاق على المباديء المشتركة والالتزام بالدستور، والبحث عن خارطة طريق تنهي جميع المشكلات القائمة، فاتحة خير تبرهن أن الحاضرين وطنيون وسياسيون محترفون يمكن الوثوق بهم في توجيه الأمور نحو تحقيق نتائج مذهلة بكل المقايس، ويمكن الإعتماد عليهم في إعادة الثقة المفقودة بينهم وفق رؤية إستراتيجية وطنية تنهي الصراع، والإقرار بالخلافات والتأكيد على إمكانية تطبيعها، والمبادرة بإنتقاد الذات قبل الآخرين وقراءة المشهد السياسي بعقلانية واضحة ورصينة والإسهام في إصلاح ما أفسده الدهر في العلاقات التي دفع ضريبتها الناس البسطاء. خاصة مع بدء العد التنازلي لموعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وتوافد قادة ومسؤولي الكتل والأطراف السياسية العراقية إلى أربيل للإجتماع مع الرئيس بارزاني، وهم يعوّلون على مواقفه لأنه مازال مؤثراً ومتحكماً بأوراق اللعبة في الإقليم وبالقرار الكوردي على الأرض.
   وهنا يطرح السؤال نفسه : لماذا تتجه الأنظار نحو الرئيس مسعود البارزاني؟
  الجواب: لأنه يحمل ذكاءاً سياسياً خارقاً وفكراً إنسانياً قومياً بعيداً عن المفردات الحزبية والانتماء السياسي، ويتخذ من القيم والمبادىء نظاماً لعمله القيادي والسياسي والوطني ويملك الدراية والمعرفة بمسالك ودهاليز السياسة، ولأنه هو رجل المرحلة وهو القادر على تحمل هذا المهمة الوطنية العظيمة والتي ستكون بداية لتحقيق آمال وطموحات كبيرة.
   ولأنه يثق الجميع بأنه بصراحته المعهودة ومواقفه المبدئية الصارمة، عازم على ترتيب البيت الكوردستاني، وهذا الترتيب يأتي في مقدمة أولوياته ويشغل المساحة الاكبر من وقته وجهده، وإنه على إستعداد  ليزيد من لقاءاته مع مختلف الاحزاب الكوردستانية والشرائح الاجتماعية ومكونات المجتمع الكوردستاني القومية والدينية.
    ولأنه راع وطني محايد قادر على تحييد المؤثرات الإقليمية والدولية التي تمنع الإتفاقات البينية، ومقبول لدى جميع الأطراف، وقد شاهدناه مراراً وهو المترجم الأمين لرسالته الدائمة في التواضع والتفاني ونبذ سياسات العنف والإنتقام. ونورد هنا ماقاله، معهد بروكينغز للدراسات الإستراتيجية الدولية على لسان كينس بولاك رئيس مركز سابات بشأنه: (بالنسبة لمن لايعرفون السيد مسعود بارزاني أقول إن هذا البيشمركه هو في الشرق الأوسط بمثابة باريس لفرنسا، حيث تلتقي كل الطرق عند بارزاني).



185
رسالتان وثلاثة أسئلة
صبحي ساله يي
بعد أسابيع عاصفة، شهد خلالها العراقيون حملات إنتخابية محمومة، أصبح العراق اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب التروي والحذر والحكمة والتعقل، مرحلة يتم فيها إعادة صياغة الأولويات وفق رؤى ومعطيات جديدة بعيدة عن التوجهات الضيقة ورغبات التصعيد والتوريط. مرحلة يتم فيها معالجة المشكلات القديمة بمنطق جديد.
ظاهراً عاد الهدوء الحذر الى السماء الكوردستاني والعراقي، وسيعود ذلك الهدوء إلى العلاقات بين الأحزاب والكتل السياسية التي شاركت في الإنتخابات، وربما سيتم التوصل إلى توافقات تسقط أوهام الذين إعتقدوا أن التموضع والصراع والتقاطع والتخاصم لاتغادر الساحة السياسية.
رسالتا الرئيس مسعود بارزاني، ونائبه نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، بعد إعلان نتائج الإنتخابات البرلمانية، شخصتا جوهر الأزمات التى نعيشها وكيفية مواجهتها بالحقائق مهما تكن مؤلمة وصعبة، وتحمل المسؤولية.
 وتطرقتا إلى الكثير من القضايا والمفاهيم الجوهرية التي تنبع من التشخيص الدقيق لمكامن الضعف والخطر ومواطن القوة وكيفية التغلب على السلبيات وتمتين الإيجابيات، ورؤية شاملة لأسباب المشكلات بين أربيل وبغداد، كما تناولتا مفهوم العلاقة بين المواطن الكوردستاني والحكومات العراقية التي كانت تستند على الأفكار السطحية الشائعة والمغلوطة، وإنتقدتا النظرة القصيرة المدى للحكومات المتعاقبة في بغداد والتي كانت تتورط وتحتاج إلى من ينقذها. كما أشادتا بشعب كوردستان  القادر على العطاء وتجاوز الأزمات المصنعة، ومساندة القيادة السياسية الكوردستانية في تحطيم مخطط عزل الكورد عن العالم، المخطط الذى كان يرمي الى تغيير ملامح وهوية وشكل ومضمون كيانهم الدستوري الذي له المكانة التي يستحقها في العراق والمنطقة والعالم.
كما لم تتجاهل الرسالتان ما في أذهان البعض من الكورد، من عقد وخلافات موروثة مازالت بحاجة الى علاجات وتفاهمات واتفاقات، والتعهد بضرورة التوافق بشأن القضايا التي لها أبعاد وطنية وقومية والتعامل معها بشكل حضاري، والصمود أمام الرياح التي لا تراعي المشكلات العديدة بين اربيل وبغداد وحال الكوردستانين الذين هم في غنى عن مشكلات جديدة، والأوضاع التي لا تتحمل إستحداث صراعات جديدة تعكس الرغبة في إغتنام الفرص وإثارة الفوضى بالمزاج والمزايدة السياسية ونعراتها الحزبية ومؤاخذاتها السطحية.
الرسالتان ذكرتا أن محور الصراع بين أربيل وبغداد يدور حول خرق الدستور بالشكل العلني أو الضمني وتحويله إلى شعارات استهلاكية ليس للعراقيين مصلحة فيها، بإستثناء الذين يطمحون إلى لعب الدور الرئيسي في رسم المستقبل، على حساب التفكّك، وتدهور العلاقات، وتنامي مشاعر العداء في ما بين العراقيين، والذين يريدون الاحتفاظ بالسلطات والمكاسب الشخصية والحزبية والإبقاء على الصراعات القومية والطائفية بين العرب والكورد، والسنة والشيعة، وتسعيرها.
الرسالتان وضعتا النقاط فوق الحروف، بشأن الحوار لأن المصلحة الأساسية للعراقيين عموماً تكمن في ترك باب الحوار مفتوحاً وجسدتا حال الكوردستانيين، الذين مازالوا حريصين على التعايش والتسامح مثلما كانوا دائماً، وما زالوا يفتحون أبواب الحوار لإستيعاب كل وجهات النظر والإتفاق، لأنهم على ثقة بأن الصداقات الوثيقة تصنع السياسات الناجحة، وينتظرون تنقية الأجواء المشحونة بالتوتر وإنعدام الثقة ورفع المعاناة عن كواهلهم بالحوار والتشاور البناء وتشكيل حكومة جديدة تمتلك  إرادة تنفيذ الدستور، والرؤية المستقبلية الواضحة التي تحدد معالم المستقبل، لكي يخرج الجميع منتصرين رابحين. والسؤال هنا:
هل في الأفق ما يفيد بأن هناك مؤشرات على نجاح الحوار القادم بين أربيل وبغداد ؟
وهل تحرر بغداد ذاتها من إفرازات العلاقات المتوترة السابقة والمفاهيم البالية ورغبة اللعب بأوراق محترقة؟
وهل تبتعد بغداد عن ممارسة السياسات العدائية والاستعلائية السابقة التي كلفت الجميع أثماناً باهظةً؟
الجواب، ربما، لأن بغداد تدرك أهمية الدور الكوردستاني في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وحل مشكلات العراق وتصحيح مسار العملية السياسية وضمان الأمن والإستقرار فيه.
 



186
الإنتخابات وطي صفحة الماضي
صبحي ساله يي
 في أجواء مليئة بالصراع والتجاذب والإنقسام، إمتثل الكوردستانيون الذين ينشدون التغيير، لقاعدة ديمقراطية، وتوجهوا نحو صناديق الإقتراع، فأدلوا بأصواتهم كي ينقذوا ما يمكن إنقاذه، وليسهموا في إنجاز ضرورة وطنية وإنسانية وأخلاقية ودينية. أدلوا بأصواتهم وهم يتمنون عدم تكرار التجارب السابقة التي أفزعتهم، وعدم إستمرارها لسنوات لاحقة، لأن ذلك يعني وصولهم الى نقطة اللاعودة والدخول في الأنفاق المظلمة، وهذه حقيقة دامغة لا تحتاج إلى إثباتات أو هتافات أو اللجوء لحملات دعائية.
عندما أدلى رئيس وزراء إقليم كوردستان، نیجیرفان بارزاني، بصوته كأول المشاركين بعملية التصويت في الإنتخابات البرلمانية، وصف يوم الإنتخابات بالتاريخي والمهم للشعب العراقي وشعب كوردستان. كما دعا الكوردستانيين الى المشاركة في الإنتخابات وعدم تضييع الفرصة وتعلم الدروس من السنوات السابقة، وأعرب عن الإستعداد لطي صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة مع بغداد بعد إجراء انتخابات البرلمان العراقي. هذا التأكيد على أهمية الإنتخابات، وهذا الإستعداد (لطي صفحة الماضي) في كلمة نائب رئيس رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، نيجيرفان بارزاني، ذكرهما أيضاً في كلمة ألقاها في احتفال جماهيري حضره الالاف من أنصار الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العاصمة أربيل في العاشر من الشهر الجاري.
إنتهت الإنتخابات، ودخلنا في مرحلة ما بعد الانتخابات التي تعتبر الأهم والأخطرعلى كل المستويات لأن العراق يمر بمرحلة استثنائية معقدة بمعايير كثيرة، مرحلة لا تكون في معزل عن التداخلات الإقليمية والدولية، وبعد إعلان نتائج الإنتخابات يتحدد من يكون الرئيس الجديد لحكومة العراق، وعلى ضوء تلك النتائج أيضاً يسعى المتنافسون من أجل الحصول على المناصب العليا، كما تحدد نتائجها ملامح المرحلة القادمة ومعالم النظام السياسي الذي يتشكل، وتطرح فيها تساؤلات إضافية عن إمكانية نجاح الأطراف الكوردستانية المختلفة، في بناء موقف سياسي موحد من بغداد وفي بغداد، وتجاه جميع القضايا المصيرية الكوردستانية.
في مرحلة الإستعداد للإنتخابات شاهدنا التشويه والتسقيط والتخريب والتهديد والأبتزاز، وتبادل الإتهامات والكذب والخداع وتمزيق صور المتنافسين، وفي يوم إجرائها، بعد ساعات من بدء عملية الأقتراع، سمعنا أحاديث وبيانات تتحدث عن تعطل الأجهزة وعدم دراية الموظفين وأعمال شغب وخرق وفوضى وتجاوز هنا وهناك، ومع الإعلان عن النتائج الأولية، إنهالت التصريحات التي تشكك وتشير الى التزوير واختراق الأجهزة الألكترونية، وهذه المسائل، مسائل عادية ترافق غالبية الإنتخابات، وحتى التي تجرى في أحسن الظروف والأحوال.
 أما صناديق الإقتراع فلم تمنح أي حزب بطاقة الفوز الرابحة، ليستطيع تشكيل الحكومة الجديدة وتسمية رئيسها، والتطورات الاقليمية المتسارعة تضغط  وتفرض تسريعاً لتشكيل حكومة توفر السبل الممكنة للاستقرار، وهذا يعني اللجوء الى الإستعجال في إجراء المشاورات، والأخذ في الاعتبار كل الحسابات المختلفة، وطرح المطالب والشروط التي تنهال من الكتل الفائزة والشروط المضادة، دون مغالاة، للتوصل الى عقد صفقة معينة بين أطراف متناغمة ومتفقة تحدد شكل الحكومة وعنوانها وتعمل من أجل تشكيلها وخروجها الى النور، لتكون الملاذ الذي ينتظر منه فعل الكثير، حكومة حاضرة و راسخة فى النفوس، تنفذ الدستور وتحل المشكلات وتكفل تحسن الأحوال المعيشية، وتقدم الخدمات، وتمحو الصورة السلبية للحكومات التى انطبعت فى الأذهان وإرتبطت تحديداً بشبكات مصالح معقدة وأسباباً للفساد، وتحول الأقوال والشعارات خلال الحملة الإنتخابية إلى أفعال على أرض الواقع، وتمحو الكثير من الاخطاء التي ارتكبت في الماضي، وتواكب التطورات الاقليمية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تكون الانتخابات سبباً حقيقياً (لطي صفحة الماضي)، وتحقيق الاستقرار والرفاهية وترسيخ الديمقراطية في العراق، وتشكيل حكومة ممثلة للشعب وقادرة على تطبيق الدستور، وتعالج أزمة الفقر في بلد يعتبر من أكبر بلدان العالم إنتاجاً للنفط، حكومة لا تصعد التوترات بين الشيعة والسنة من جهة، وبين العرب والكورد من جهة أخرى، ولاتلجأ الى الخيارات العسكرية ضد البعض، ولاتستخدم العقوبات الإقتصادية وقطع رواتب موظفي الدولة لأسباب سياسية؟..
 
 

187
المنبر الحر / لقاءان في الكرملين
« في: 10:36 10/05/2018  »
لقاءان في الكرملين
صبحي ساله ي
  قبل ما يقرب من أربع وستين عاماً، توجه الخالد مصطفى البارزاني الى موسكو حيث الحرية والإشتراكية، تاركاً بلاده الذي كان يعاني من قساوة العنصرية المقيتة والرجعية والشوفينية والتخلف، وإجتمع في الكرملين، مركز قرار الدولة الاشتراكية الأولى في العالم، مع نيكيتا خروشوف، وهو يحمل ملف شعب كوردستان ومستقبل رفاق طريقه الطويل الملىء بالمخاطر والمفاخر والبطولات. إستمع اليه خروشوف، وتفهم مشاعره وعمق معاناة ومأساة الشعب الكوردستاني.   
  واليوم، وفي ظل ظروف إستثنائية في كوردستان والعراق والمنطقة، وتلبية لدعوة رسمية موجهة اليه من الرئاسة الروسية، للمشاركة في احتفالات الذكرى الثالثة والسبعين للنصر في الحرب العالمية الثانية، حط في ذات المكان (الكرملين) نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، حفيد مصطفى البارزاني الخالد، وإجمع مع فلاديمير بوتين، رئيس روسيا الاتحادية، وهو يتأبط العديد من الملفات المعقدة التي يود مناقشتها مع كبار المسؤولين الروس، وفي يده مفاتيح الأمان والإستقرار والسلام والتطور لإقليم بات رقعة للإزدهار في منطقة تتلاطم فيها العواصف، إقليم تواق للتقدم والبناء وتمتين العلاقات الإقتصادية والسياسية مع الجميع.
  زيارة بارزاني لموسكو، في مرحلة ما بعد الإستفتاء الذي جرى في كوردستان بشأن حق تقرير المصير، وبعد تضييق الخناق على اقليم كوردستان سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً، وشن الهجمات العسكرية على أراضي الإقليم من قبل القوات العراقية، وإستخدام الكثير من الأسلحة المتطورة ضد البيشمركه، وتزامناً مع شعور بوتين بالانزعاج البالغ من إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووى مع إيران، وإعلان دونالد ترامب عن عزمه فرض المزيد من العقوبات على طهران، وتنفيذ إسرائيل لعدد من الضربات الصاروخية فى سوريا. تحمل في طياتها الكثير من العلامات، من جهة الملفات الإقتصادية التي تناقش فيها، كملف عقود شركة روزنفت الروسية العاملة في الاقليم، أو التباحث وتبادل الآراء بشأن إتفاقيات جديدة في مجالات استثمارية روسية في الاقليم. أو المجال السياسي والدبلوماسي، حيث وكما هو معلوم، بإمكان روسيا بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر عبر تأثيرات إيران، لعب دور على المستوى السياسي في كوردستان والعراق، وتقريب وجهات النظر بين أربيل، وبلورة التسويات للعديد من القضايا العالقة بينهما، والتأثير في المعادلة السياسية العراقية. وهنا لابد من التذكير بالنقاط المضيئة في تاريخ العلاقات الروسية الكوردية، حيث توسطت روسيا في العام 1970، عبر يفغيني بريماكوف، قبل أن يصبح وزيرا للخارجية، ورئيساً للوزراء الروسي، بين بغداد والثورة الكوردستانية بقيادة البارزاني الخالد، للتوصل الى اتفاقية آذار التاريخية، وأن موسكو من أوائل الدول التي قامت بفتح قنصلية عامة لها في أربيل .   
  الأنباء التي تسربت حتى الآن عن الإجتماع بين بوتين والبارزاني، بمناسبة عيد النصر تتحدث عن العموميات، ولكن لايمكن الإقتناع فقط بما يذكر في الإعلام، لأن تطور الأحداث على نحو متسارع على الأرض في منطقة الشرق الأوسط والتحولات الكبيرة المتوقعة لخارطة المنطقة تضع الرجلين (بوتين ونيجيرفان) أمام مهمات صعبة. بل تحتم إعادة النظر في سياسات الجانبين، والنظر إلى العلاقات القديمة الجديدة بين روسيا و الكورد، لأن روسيا دولة عظمى وصديقة ويمكنها أن تؤمن الحماية الدبلوماسية وحتى العسكرية لشعب كوردستان. ولأن مواقف موسكو السياسية تجاه القضية الكوردية وحقوق شعب كوردستان المشروعة و التضحيات التي قدمها البيشمركه في القتال ضد الإرهاب الداعشي، وحماسها وتعاطفها مع الكوردستانيين، مشرفة. ولأن ورؤيتها البعيدة المدى في حفظ مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، عقلانية. ولأن أعداء الكورد أينما كانوا يختلفون في كل شيء الا تجاه المطالب والمصالح الكوردستانية. ولأن ضمان وقوف روسيا بجانب الكورد، أو في الأقل منع الاعتداء عليهم سيحافظ على الاستقرار والسلم في المنطقة، ويسهم بشكل كبير في إقامة شراكة إستراتيجية بعيدة المدى تضمن مصالح الطرفين وتعزز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والطاقة بينهما.
 

188
مشاركة الكورد في إنتخابات مآلها التكرار
صبحي ساله يي
  لاجدال بشأن نتائج الإنتخابات التشريعية المقبلة في العراق، لأنها معلومة ومحسومة لصالح الأكثرية الشيعية، ولاخلاف على المرحلة القادمة التي ستكون بمثابة فترة إستراحة للإلتقاط الأنفاس في طريق التحوّل نحو مستقبل سياسي تتكرر فيه التجارب السابقة بكل تناقضاتها المتعمقة وانعكاساتها ومخاطرها على أوضاع المواطنين، مضافاُ لها إشكالات دخول الحشد الشعبي الى البرلمان وفرضه لشروط جديدة تميل لصالح دعم توجهات معينة وتطويق خيارات وإستحقاقات الآخرين.
أما قضية مشاركة الكورد فيها ( بقوة)، فهى إثبات على تمسكهم بالحوار والتفاوض والحلول السلمية وتطبيق الدستور، وتأكيد إصرارهم على التوصل الى إتفاقات تضمن حقوقهم، كما إنها إظهار لحسن نواياهم تجاه بقية المكونات، وإستثمار نتائجها في البحث عن إستعادة الدولة المفقودة. وقضية البحث عن الدولة المفقودة، قضية شائكة خاضعة لمصالح وغايات وأجندات كثيرة، تبدأ بالبحث عن الإستقلال من ضغوط وسيطرة المهيمنين الخارجيين على القرار العراقي عن طريق تسليم الأمور الى رجل دولة مستقل وقوي لايلتفت لخلفياته الحزبية والمذهبية والقومية والدينية، ولكن الأمرين كما يبدوان مستحيلين، لأن الهيمنة الخارجية في إستقواء مستمر ومتجذر في كافة المؤسسات المدنية والعسكرية المهمة، وتؤثر بشكل سلبي على طبيعة العلاقات بين المكونات العراقية، ولأن المرشحين الثلاثة ( العامري، العبادي، المالكي) المحتملين لتسلم الحكم في العراق ليسوا أقوياء بسبب المشكلات المتنوعة التي يعانون منها، وبسبب قائمة الإتهامات الطويلة والصادمة الموجهة اليهم، والمعلومة لدى الكثيرين، والتي لا يمكن أن يجادل فيها مراقب عاقل، وبسبب عدم إمتلاكهم لميزات الرجال المستقلين أو حتى أشباه مستقلين، ولأننا نلمس عندهم عدم الإهتمام بإستعادة الثقة بين العراقيين المتفككين والمتمزقين، وحذرهم الشديد تجاه التطرق الى خطورة التوجهات الدينية والمذهبية الطاغية على المشهد السياسي، وعدم أخذهم بعين الجد كل التهديدات والأخطار الماثلة للعيان والسياسات التي تكرس الإنقسام، وعدم تعاملهم معها بمسؤولية أو كما تقتضيها التحديات، رغم أنها تستند على مرتكزات قوية على الأرض، ولها إتجاهات واضحة وخطيرة ومفتوحة على إحتمالات سيئة، وكذلك تجاهلهم للتدخلات الخارجية التي أصبحت حاضرة بقوة في المشهد الإنتخابي.
أما كوردستانياً، وبعد الإستفتاء الذي جرى في أيلول الماضي، فقد بذل الأول (العامري) العازم على تمكين قبضته على السلطة، كل مساعيه الحثيثة لاستخدام النصر الذي تحقق على داعش، من أجل ترسيخ أقدامه في العملية السياسية المقبلة، وليكون رئيساً جديداً للحكومة.
   وسعى الثاني (المالكي) إلى استعادة ما كان له أيام توليه رئاسة الحكومة، أياً كان الثمن، فلوح بخرق الدستور مرة أخرى، وهدد بدخول الجيش والحشد الى أربيل، في غضون ساعات، وإنزال علم كوردستان ورفع العلم العراقي على قلعته، دون أن يعرف أن إعادة بروز دوره ونفوذه حالة مؤقتة عابرة على خريطة العراق، ولايعني إلغاء الكورد وتهميش تأثيرهم الحاسم وحضورهم القوي ورؤيتهم الإستراتيجية المنسجمة مع الديمقراطية بمفهومها الواسع، وليس من السهل إخراجهم عنوة من المعادلة السياسية في العراق والمنطقة.
   وأصيب الثالث (العبادي) بالغرور والإستكبار ومرض والانتصار الوهمي على الكورد، وحاول إلغاء الدور الأساسي والسياسي للحزب الأول في الإقليم، الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كما أخذ يبحث عن بديل لحكومة الإقليم ليتفاهم معه، ومارس الحد الأقصى من التشدد حيال الإقليم من أجل تقسيمه وإنتزاع حقوقه الدستورية.
  لذلك وعلى ضوء المعطيات، لا تفرز الإنتخابات القادمة برلمان جديد بعيد عن العنصرية والطائفية، وحكومة وعقلية جديدة ملتزمة بتطبيق الدستور، ومتفهمة للواجبات والحقوق القومية الديموقراطية والانسانية، ولن تكون قادرة على تسوية الملفات الداخلية المتفجرة، أو تقديم مشروع إستراتيجي ناجع للعراق المنكوب بالفتن، بحكم تزايد النفوذ والتدخل والإختراق الأجنبي وغلبة منطق العسكرة على السياسة، وعلى ضوء المعطيات أيضاً، سنلدغ من ذات الجحر مرة أخرى، ونعيش أربع سنوات أخريات عاجفات مغلوبين على أمرنا ومقهورين.
 



189
ما لم يقله البارزاني في السليمانية
صبحي ساله يي
يقول الإمام علي بن طالب رضي الله عنه: (حين سكت أهل الحق عن الباطل توهّم أهل الباطل أنهم على حق).
صدق هذا القول الثري ينطبق تماماً على الواقع السياسي الكوردستاني في ظل ما يحدث من معركة تضليل العقول وغوايتها أثناء الحملات الإنتخابية الحالية، إستغلالاً للأجواء الديمقراطية حيث يشتدّ عود الكثيرين وتتعالى أصوات المقاربات السياسية المغايرة الداعية إلى تركيز النظر على شىء معين، وتجاهل أشياء كثيرة،  وإنخراط البعض(سهواً) بالشأن السياسي، ووصف أنفسهم بأسماء تحشر متراصةً كالمحللين والمراقبين السياسيين، وتهافت بعضهم على وسائل الإعلام على طريقة ظهور وعاظ السلاطين، واستعمال كافة أنواع الأسلحة ضد الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه مسعود بارزاني، للنيل من القيمة الكمية والنوعية ومنزلة هذا الحزب الوطنية. حيث نرى العجائب ونسمع الغرائب، ونرى الفاشلين يعيثون في الأرض فساداً وهم يفقدون توازنهم الأخلاقي، والكذابون يتمادون ويستمرون في نشر أوهامهم، وفاقدي الذمة والضمير ينثرون ويشيعون أفكاراً باطلة وهدامة من خلال حملة التضليل الأكثر شراسة والإدعاء بالقدرة الكبيرة على إخضاع الآخرين لشهواتهم وتخيلاتهم، والتحدث عن السلبيات فقط، والبسطاء يصفقون لهم ويزينون لهم سوء أفعالهم ويحسبونهم أصحاب حق.
  وفي المقابل نرى صمت وسكوت أهل الحق وأصحاب الرأي الصحيح. أما لأنهم يلتزمون بمبادىء وقيم عالية تمنعهم من الرد على السفهاء ولا يقولون كل ما يعلمون، أو يراعون أذواق الناخبين والمصالح الوطنية والقومية العامة ويقدمون الأهم في المضمون على المهم في الشكل، أو لا يعتبرونهم أنداداً لهم، وهم على ثقة بأن قافلتهم تسير بإرادة فولاذية، رغم إستماعهم للأصوات المتعجرفة، ولا تنقص إدعاءات وسهام المفترين شيئاً من أهميتهم. وفي تلك الحالة يمكن أن تكون الحقائق هي (الضحية)، لأن الناس في أوقات الصراع ومزايدات التطمين تصدق في أحايين كثيرة كل ما تهوى من أخبار ومعلومات وإن كانت كاذبة ومضللة، وبعضهم يتحيز لها دون تمحيص ويدافع عنها و يتبنى الشعارات الخيانية المختلفة التي تدمر وتبرر وتطيل أمد الصراع بأدوات مختلفة من أجل تأجيج الخوف، وإضعاف الهمم .
  ولكن الذي ينظر إلى الأحداث أياماً طويلة بعقلية متوازنة، قبل أن يسمح بنشر الحقائق. ويستخدم مفهوم المانع الأخلاقي لمنع أتباعه من الرد بثقة على المفترين، وهو على يقين بأنهم ( أتباعه) يملكون العشرات من المفردات والأقوال والحجج والمستندات التي تدمر خلفيات ومواقف بعض السياسيين. يستطيع أن يفاجىء الجميع ويقول لهم (كفى).
هذا ال (كفى)، قالها نيجيرفان بارزاني وسط جماهير غفيرة من كوادر وأعضاء ومؤيدي الحزب الديموقراطي الكوردستاني في مدينة السليمانية، مدينة الشهداء والمضحين بأرواحهم في سبيل الوطن. قالها، مخاطباً جميع الذين يعشقون المغامرة وإخترقوا المعايير والأعراف المتفق عليها والقريبة إلى التقاليد التي وضعها الكوردستانيون الأوفياء لدماء الشهداء على مر السنوات السابقة، خاطب الذين يتبنون الإرهاب الفكري واطلاق الاتهامات الباطلة عن الديمقراطي الكوردستاني الذي يناضل من دون كلل أو ملل طوال سبعة عقود متتالية. خاطبهم وهو يعرف عما يتكلم، وما يدور في الذاكرة الوطنية ودور مختلف الفاعلين فيها ومكانتهم منها، على اختلاف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية. ولكنه لم يقل للمتورّطون في اللعبة السياسة وتجاذباتها وعداواتها، أنه في السياسة، يمكن توقع غير المتوقع في حال عدم الالتزام بشرط الموضوعية وإنتهاج السبل الإستفزازية .
قراءة الأحداث الأخيرة تؤكد أن هذا ال( كفى) تحذير يقترب من التحقق، ولكن متى وأين يكون الرد الصاعق؟ ذلك غير محدد حتى الآن ، وقد يبدأ في الوقت المناسب وطبعاً سيكون مستفيقاً وصادماً وموجعاً لناكري الجميل.
 
 

190
مكاسب أكثر لكوردستان
صبحي ساله يي
   لا يرفع شعار (مكاسب أكثر لكوردستان )، في هذه المرحلة، إلا من قبل أناس يعلّقون آمالهم بالتغيير، على الانتخابات البرلمانية المقبلة، لذلك يؤكدون على أهمية المشاركة فيها ويصفونها بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية، لضمان للتغيير، واختيار الأصلح والأفضل، ويملكون مخزوناً من القوة والإيمان والثقة بالنفس.
   ولا يرفعه إلا من وصل الى اليقين المطلق بالقدرة على التغلب على كل المشكلات بهدوء وتصرفات وأفعال وأخلاق فاضلة، وبالإتجاه الصحيح نحو إعادة بناء جسور الثقة بين كافة المكونات، وإعادة بناء العملية السياسة وفق برنامج واضح المعالم ومنهج المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، ايماناً بالدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والمؤسسات والعدالة الاجتماعية. وهذا ما أكده السيد نيجيرفان بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حينما رد في حفل جماهيري كبير في إطار الحملة الانتخابية لحزبه في قضاء شقلاوه على الجهات التي تسأل من الديمقراطي الكوردستاني: لماذا تم  إجراء الإستفتاء، ولماذا تشاركون في الإنتخابات العراقية المقبلة؟ .. عندما قال (حين أعلنا إجراء الاستفتاء كان شعارنا الحصول على حقوقنا المشروعة عن طريق الحوار وفي اطار الدستور العراقي، وتم إجراء الإستفتاء للحصول على حقوقنا، ونحن لا نريد الحروب، بل نطالب بحقوقنا عن طريق الحوار، لأن الشراكة مهمة بين إقليم كوردستان وبغداد).
من خلال قراءة ما قاله بارزاني، والبرنامج السياسي والأهداف والشعارات المعلنة من قبل حزبه، في هذه المرحلة التي تشهد الحملة الانتخابية، نلاحظ أن المشروع الذي تبلور عنده، ينطلق من الرؤية المنسجمة وغير المتأثرة بالتدخلات الداخلية والخارجية، ويضع الأسس والثوابت للتعامل مع المتغيرات، ويدل على الدبلوماسية العالية والرصيد السياسي الذي يمنح العملية السياسية في العراق وكوردستان نوعاً من قوة الدفاع عن حوار شامل يتسم بالرؤية الثاقبة ويمكن إعتباره المخرج والمنقذ للمستقبل في ظل الظروف والتعقيدات والتحديات والمتغيرات الاقليمية والدولية ومـآلاتها الخطرة، وهذا الظرف السياسي المفصلي الذي يخرج فيه الجميع إما منتصرين أو منكسرين. كما يؤكد على أنه ليس أمام بغداد وأربيل مناصاً آخراً غير الحوار ومعالجة جوهر المشكلات المتمثلة في تفسير الدستور، والاتفاق وترميم العلاقات قبل أن تقع الفأس في الرأس، لأن هامش المناورة مهما توسع لا يسمح بالاستمرار في التهرب والتنصل من حقائق محددة، وعملية اللف والدوران والشد والجذب لإضاعة الوقت، سواء في إنتظار تغير الظروف الإقليمية والدولية، أو طرح أفكار بطرق مملة بهدف فرضها على الطرف الآخر، أو رفضها، أو الإصرار على إشغال الآخرين بأمور جانبية لا علاقة لها بضرورات الحوار.
وتأكيده المطلق على الحوار، بلغة مفهومة ومقبولة، يهدف الى وضع النقاط على الحروف وحسم القضايا العالقة التي أصبحت بمثابة مشكلات مزمنة، حوار يتطلب من الطرفين حسم أمريهما في أكثر من مسألة، الأولى، إمتلاك بغداد الاستقلالية في اتخاذ القرار وإدراك المتغيرات التي غدت واقع حال على الأرض، والتصريح علناً عن الرغبة في خوض الحوار من أجل إيجاد الحلول، والإبتعاد عن المواقف المتناقضة مع الدستور، ومع الأسس الديمقراطية في كل ما يتعلق بالشأن الكوردستاني، والإبتعاد عن ممارسة السياسات العدائية والاستعلائية السابقة التي كلفت الجميع أثماناً باهظةً. والثانية، لقد حان الوقت بالنسبة للكورد كي يشرحوا ما في أذهانهم بوضوح، ويعلنوا عن مطاليبهم التي تتجسد في إستحالة تخليهم عن حقوقهم الطبيعية، والتأكيد على أنهم عازمون ومتشوقون الى شراكة حقيقية تحقق طموحاتهم الوطنية والقومية وأن يعلنوا للملأ ما يريدونه، وما هي سياساتهم كي لا يساء فهمها، بل كي يتم فهمها وتفهمها وتفهم ما في طياتها من رغبات وطموحات، لكي لا تبقى التكهنات أسباباً للخلاف والإختلاف، وتترجم على الساحة السياسية بصور مبعثرة وأحيانا أخرى معكوسة، وبالتالي تجعل الإتفاقات تجميلية وتكتيكية مؤقتة، ونوعاً من تجميد الإختلاف تحت عنوان أو آخر.



191
المنبر الحر / جي ده كه ن ؟
« في: 17:49 27/04/2018  »
جي ده كه ن ؟
صبحي ساله يي
   هذا عنوان لبرنامج تلفزيوني يعرض على شاشة فضائية (روداو) منذ أن بدأت الحملة الإنتخابية الحالية. تعني بالعربية، ماذا تفعلون ؟ أو ماذا تعملون؟. شاهدت قبل أيام أحدى حلقاته، وكانت مع السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، الأحاديث التي أدلى بها في البرنامج، كانت ذو شجون تستحق البحث عن تفاصيلها وتداعياتها والتوقف عندها لتناوها بإسهاب، لأنها تقدم أدلة ساطعة على أنه سياسي يؤمن بعمق بأهمية دوره القيادي ويملك صفات القائد، ويمتلك قناعة مؤكدة تجاه عودة الأمور في المدى المنظور إلى ما كانت عليه  قبل أكتوبر2017، ويتصرف فعلياً وبشجاعة وبكل وضوح وصراحة على هذا النحو. وتؤكد أن الثوابت الوطنية والقومية مصانة، وأن المجتمع الكوردستاني لم يعد في محطة الانتظار، وأننا  قادرون على التفاهم فيما بيننا كأطراف سياسية في الإقليم ومع بغداد والدول الإقليمية ولو في الحدود الدنيا، وأننا ذاهبون إلى مرحلة كتلك التي سادت قبل إجراء الإستفتاء في كوردستان. وأنه هو( البارزاني)وحكومته منخرطون فعلياً في صناعة مستقبل مختلف بعد الذي جرى من تفتت وتشرذم وتشظي، وبعد أن كان الكثيرون يترقبون حدوث أسوأ الاحتمالات، وبعد أن كان البعض يظن أن المشكلات المزمنة الصلبة والعسيرة، مستحيلة العلاج في المدى القريب. وظهر الخير أكثر مما كنا نظن، وتحول بصيص الأمل البعيد والمستبعد، الى ضوء ساطع في بداية الطريق، يضىء صور الأعمال الواسعة النطاق، والمتعددة الأبعاد، ويعيد صياغة الأهداف بشكل يتجاوز ما كنا نتصوره ونتوقعه.
  سنتوقف عند أمرين فقط تناولهما السيد بارزاني، يستدعيان التوقف والتأمل الأكثر، وتشكلان علامة فارقة في المشهد الكوردستاني الجديد. يتعلق الأول بالشخصيات السياسية الكوردية التي تهاجم الاستفتاء الذي جرى في أيلول الماضي، وتلقي باللائمة عليه. ونقول:
   مشهد من يهاجم الإستفتاء، في الحملة الإنتخابية الحالية، ويصفه بالفاشل أو المشؤوم، وهو يواضب على إطلاقها مرة بعد مرة، وقد رأيناه يرفع إصبعه البنفسجي فخراً في 25 أيلول الماضي، ويدعو المواطنين للمشاركة فيه بحماس والتصويت لصالح الإستقلال. مشهد مقزز بغيض يدعو إلى الغثيان، ويكشف عن النفاق وزيف الوعي والحس الوطني والديني والإنساني. وتعبير عن نزعة خيانية عفا عليها الزمن، ولا تليق بالرجال، نزعة تعود إلى ما قبل تجريم التجحيش، وتعكس حقيقة ومساراً صممته جماعة محددة، تريد الهيمنة على مقدرات البلد وتوجيه مساره، كي يخدم أغراضها هي، وليس مصالح البلد وأبنائه. كما تشكل عبثاً خطيراً بالمسارات السياسية والدستورية، ويشرعن قانون الاستخفاف والتمادي بالحقوق الكوردستانية.
ويتعلق الثاني، بالجهات التي لا تهمها كيف سيكون مصير هذا البلد. حاولت التشويش على العبادي بشأن الإقليم والرواتب في لحظات معينة كنا نعيش حالات الاستنفار المختلفة، ورائحة البارود تزكم الأنوف، تخطى ذوو النفوس المريضة، كل حواجز المرؤة والقيم الإنسانية، وبلغت عندهم البلادة والقسوة والوقاحة والصلف والانحطاط الأخلاقي، ما لم يبلغه من كنا نسميهم جحوشاً، تمنوا الخراب لكوردستان وتمزيق الوطن وتدمير الشعب، تسابقوا فيما بينهم نحو بغداد، لتحريض حكومتها على الإستمرار في قطع أرزاق الكوردستانيين وشن الهجمات العسكرية على المدن الأمنة. إعتقدوا وهم واهمون وباحثون عن المال والمناصب، أن طريق إعتلاء السلطة يمر عبر الحصول على رضا حكام بغداد، ومعاداة شعب وحكومة الإقليم، والإعراب عن اللإستعداد لتقديم الخدمات، والتبرؤ من إستفتاء الإستقلال.
الأحداث تثبت أن حكومة الإقليم ما زالت صامدة وستصمد أمام التقلبات والتجاذبات، وأن أرض كوردستان لاتكون ميدان مواجهة وساحة معركة بين القوى المتصارعة، وأن التعايش يقوم على الاحترام المتبادل، والتمسك بالمبادئ والحقوق الدستورية هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار، ويحسن صنعاً من يعتذر عن أخطائه ويصححها و يعيد الالتزام بما سبق له الالتزام به.
 



192
المنبر الحر / كوردستان أقوى و ...
« في: 12:59 24/04/2018  »
كوردستان أقوى و ....

صبحي ساله يي

لإنشاء أكبر قنصلية أمريكية في العالم، في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كوردستان، دلالات كثيرة، أولها، التأكيد على قوة العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية والعسكرية والثقافية بين أربيل وواشنطن والرغبة الجدية في تعزيزها. وثانيها، تقدير ماضي إقليم كوردستان والثقة بحاضره ومستقبله. وثالثها، دعوة الدول الأخرى الصديقة للجانبين  لإنشاء مجمعات دبلوماسية في أربيل. ورابعها، إستبعاد توقف الولايات المتحدة عن دعمها للإقليم وحكومته، رغم الضغوط والتصريحات الإقليمية القوية التي تدعو الى التموقع في الميدان الدبلوماسي، والإختيار بين المهم والإهم. وخامسها، التركيز على الأهميّة الإستراتيجيّة للإقليم بالنسبة لواشنطن في إطار البحث عن حلّ لأزمات المنطقة.

أما ترحيب السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، بهذه الخطوة، التي تعبر أساساً للعلاقات والتعاون والتنسيق الأفضل بين أربيل وبغداد، في إطار العراق الاتحادي. وتذكيره، السفير الأمريكي في بغداد، دوغلاس سيليمان، والقنصل العام الأمريكي في أربيل، كين غروس، وعدد من الدبلوماسيين الأمريكيين والمسؤولين في الإقليم، الذين حضروا مراسم تدشين مجمع القنصلية، بالشراكة القائمة بين شعب وحكومة الإقليم من جهة وأمريكا والعالم المتقدم، من جهة أخرى في مجالات الإيمان بقيم الحرية والديمقراطية ومبادىء حقوق الإنسان، والتعددية القومية والدينية والسياسة والانفتاح والتعايش والتسامح وتطوير وتنمية قدرات النساء والشباب والتجارة الحرة، والعمل من أجلها. والإشارة إلى دور البيشمركه وقتالهم إلى جانب الجنود والضباط الأمريكيين والحلفاء ضد الإرهاب. والإعراب عن الشكر والتقدير للدعم العسكري والانساني الذي قدمته أمريكا لإقليم كوردستان، فإنه أراد إيصال رسائل مفادها إننا أناس لاننسى مواقف الآخرين تجاهنا.

لقد مرت العلاقات بين الكورد والولايات المتحدة بمراحل عدة، تبلورت بدايتها حينما عملت الأخيرة الى جانب فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بعد إنتفاضة الشعب الكوردستاني في آذار 1991، والهجرة المليونية نحو الأراضي التركية والإيرانية، على فرض المنطقة الآمنة في كوردستان، وحمايتها من طائرات وهجمات حكومة صدام حسين، عبرالاستخدام الكثيف لقاعدة إنجيرليك العسكرية (في تركيا). وبعد تحول كوردستان الى كيان فيدرالي ديمقراطي، جرى تبادل الزيارات بين المسؤولين الكورد والأمريكان. كما توطدت العلاقات بين الجانبين، في العام 2003، حيث كان لقوات البيشمركه القدرة على تحقيق النجاحات في معارك الميدان ضد الأعداء المشتركين، وهذه القدرة جعله يظفر بدعم ورعاية الأمريكان، وفي الوقت ذاته بات الإقليم مدعوماً من قبل الحلفاء. وبعد ظهور داعش فإن العالم بأسره، وجد أن قوات البيشمركه، تحت إشراف الرئيس مسعود بارزاني، هي القوة الوحيدة القادرة على كسر شوكة داعش، وهذا الإعتقاد الصائب، شكل نقطة تحول كبرى في توطيد العلاقات بين الكورد والولايات المتحدة والكثير من شعوب وبلدان العالم، علاقات تعكس مصالح إستراتيجيّة ممكنة ومتبادلة لا تترك مجالاً للشكّ بشأن ضرورة تقديم المساعدات الفعليّة الى الإقليم. ولكن، بعد الإستفتاء الذي جرى في أيلول الماضي، جاءت الصدمة العميقة حينما تحركت موازين القوى لمصلحة بغداد، وكان هناك بعض الاستنتاجات المتسرّعة التي لاتتسم بالمعقولية والقبول، وإتهامات متكرّرة ونقاط عدة غير واضحة، تفكّر بمنطق القطيعة والتوجه الى الصيغ الجاهزة التي تصور إعادة النظر في العلاقات بين الكورد وأمريكا، وعدم تعليق الآمال والطموحات على الولايات المتحدة على المدى القريب والمتوسّط. وحتى الغرق في سيناريو مغاير كفيل بالسيطرة على النظرة المستقبلية للسياسة الكوردستانية الجديدة. ولكن الضرر الذي لحق بالكورد، رغم جسامته المادية والمعنوية والإنسانية، كان قابلاً للمعالجة بموجب المعطيات المشخصة والمستنبطة ومجريات الأحداث في المنطقة، من خلال إجتياز مرحلة ما بعد الاستفتاء بالتفكير في المستقبل وإعادة المصداقية للعلاقات القائمة بين أربيل وواشنطن على الأمن المشترك والمصالح الجيوسياسية، عبر طريق طويل من العمل عن كثب مع رئيس وزراء إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، والتأكيد على التوسط بين أربيل وبغداد للحدّ من تصعيد التوتر والبحث عن الحلول الجادة والموضوعية التي تنهي التنازع والنزاعات، وكذلك التأكيد على ضرورة وجود كوردستان أقوى ليساعد على بناء عراق أقوي يحرص على حياة وحقوق الأنسان. وفي هذا الخصوص، يمكن القول: ان بناء هذه القنصلية الكبيرة في أربيل، لدولة كبيرة ومحط إهتمام كبير للقوى الإقليمية والدولية، والقادرة على التأثير في موازين القوى، دليل على أن شيئاً جديداً محسوباً بدقة يلوح في الأفق، ربما يفوق مشهد التصورات والمؤشرات.

193
الكورد قبل وبعد الإنتخابات
صبحي ساله يي
 جاء إختيار عبارة (مكاسب أكثر لكوردستان)، نتيجة لحسابات ومصالح سياسية وإقتصادية وإجتماعية قديمة وجديدة من قبل حزب سياسي يختلف تماماً عن الكثير من الأحزاب السياسية السائرة نحو الإنتخابات البرلمانية، تحمل دوره ومسؤوليته في ضمان الحريات العامة والخاصة وتحقيق الكثير من المكاسب التي تبعد الكوردستانيين عن حافة الخطر، تبنى الخطاب السياسي العقلاني، منذ تأسيسه (قبل 72عاماً)، وقاد مسيرة النضال الكوردي مؤكداً على الديمقراطية للعراق قبل الحقوق القومية والسياسية لشعب كوردستان. إحترم المواطنين وإمتثل لإرادتهم وتبنى قضاياهم المصيرية التي تحفظ كرامتهم، جابه وقارع بشجاعة سياسات الجبروت والسطوة المتغوّلة والطاغية والطامعة التي أرادت النيل من مقدرات الكوردستانيين. فجر ثورة أيلول التحررية التي أرغمت حكومة البعث على التوقيع على إتفاقية آذار التاريخية، ثم قاد ثورة كولان بعيداً عن النعرات والصراعات المرفوضة، وساهم بشكل فاعل في إنتفاضة آذار 1991، بعدها أكد على إجراء الإنتخابات التشريعية بآليات ديموقراطية، إنبثق عنها برلمان وحكومة الإقليم، وفي تلك الأيام الصعبة، مارس المرونة لإمتصاص الصدمات وتنازل عن بعض من مستحقاته الإنتخابية، لتحييد النزعات الفردية وتجنب الهزات والنتائج الكارثية. وكان له الدور البارز في تبني الفدرالية من قبل برلمان كوردستان، وشارك بفاعلية في إسقاط صدام وكتابة الدستور الدائم الذي يضمن الكثير من الحقوق الكوردستانية، وحارب داعش نيابة عن الإنسانية جمعاء وألحق به الهزيمة، وفي أيلول الماضي تقدم الذين أجروا عملية الإستفتاء على حق تقرير المصير للكوردستانيين. كما أظهر المنتمون الى هذا الحزب، خلال الأيام العصيبة والأزمات، وعياً عالياً وحالة من الثقة بالنفس والبيشمركه إنعكس عبر مجموعة من الممارسات، أهمها، الحفاظ على الأمان والهدوء والتضامن بين الكوردستانيين، وتفويت الفرصة على الذين يلجأون الى التهديد والوعيد والكذب المستمر والإدعاءات المضللة في محاولة منهم لتفريغ الانتصارات الكبيرة والاستراتيجية التي حققه الحزب.‏
توصف الإنتخابات البرلمانية المقبلة (إذا جرت)، بالأكثر تأثيراً على مستقبل العملية السياسية في العراق، والأهداف المعلنة من قبل، الحزب الديمقراطي الكوردستاني، رافع شعار( مكاسب أكثر لكوردستان)، تؤكد على ضرورة المشاركة فيها بكثافة، لأن الظروف الداخلية والخارجية، والحفاظ على المكاسب الدستورية، تفرض قراءة الواقع السياسي في هذه المرحلة التي تشهد تجاذبات وتناقضات مختلفة، وإعادة تقييم المواقع في المعادلة السياسية وعلى خريطة التوازنات السياسية الجديدة وفق ضوابط متصلة بتحولات محلية وإقليمية ودولية. كما تدعو الى ممارسة أعلى درجات الصبر الذي يطلق عليه ضبط النفس، والتمسك بالأفكار الإنسانية التي تعظم حقوق الأفراد ومنافعهم وإستقرارهم ورخائهم بعيداً عن العنف والصراعات بأشكالها المختلفة وتطوير الآليات المختلفة للحفاظ على الثقافة المتشبعة بالقيم الحضارية، والإستمرار في تطبيقه من الآن الى ما بعد إعلان نتائج الانتخابات، وتشكيل الحكومة الجديدة، لكي نبعث رسالة الى الذين يشتاقون الى إضعاف وإقصاء الكورد عن العملية السياسية، وتلمس ترهل دورهم في العراق، والحد من مكانتهم وهيبتهم وقدرتهم على التأثير على القوى السياسية العراقية ومراكز القرار في المنطقة والعالم، مفادها، أن الكورد الذين عجزوا (قبل الإنتخابات) عن حل خلافاتهم وفشلوا في تشكيل ائتلاف إنتخابي واسع يفوز بعدد كبير من المقاعد، بإمكانهم إبداء المرونة ريثما تهدأ عاصفة الحملة الإنتخابية، وتشكيل كتلة برلمانية كبيرة (بعد الإنتخابات) تؤمن لهم حضوراً قوياً خلال مباحثات اختيار الرئيس الجديد للوزراء، ومفاوضات توزيع الحقائب الوزارية، وبإمكانهم إغاظة الأعداء بالصبر والتصميم الكبيرين في الحفاظ على الثوابت الوطنية والقومية والتعامل مع المخطئين بحالة من التعقل والشعور المسؤولية، بعيداً عن ردات الأفعال غير المدروسة. ‏
  الكورد يذهبون الى بغداد وفي جعبتهم أوراق مهمة، ومواد دستورية تؤمن لهم حضوراً فاعلاً يحظى بقبول كوردستاني واسع، ينعكس على المتغيرات والتحولات والتعامل معها، ورعاية دولية إستثنائية تفرض تأقلماً عراقياً مع الثوابت الكوردستانية، والقبول بتساوي الجميع أمام القانون والحفاظ على الكيان الدستوري لإقليم كوردستان، وإسترجاع مبادىء الشراكة والتوازن والتوافق، والإصرار على تنفيذ الدستور الذي يعتبر الضمان الوحيد لحقوق الجميع وعدم التمييز بينهم لأسباب قومية ودينية.
 
 
 



194
كركوك اليوم، كالموصل بالأمس
صبحي ساله يي
  الأوضاع الحالية في كركوك تشبه في الكثير من جوانبها أوضاع الموصل سنة 2014، من حيث قلة الخدمات وفقدان الأمن وتذمر الكثير من الأهالي وتركهم لمناطقهم ووظائفهم، وحال الأحزاب السياسية ومزايدات ومهاترات بعضها، وتجاهل النداءات التي كانت تدعو الى الإستعانة بقوات البيشمركه في حفظ الأمن، وسيطرة القوى العسكرية (الشيعية) بإسم فرض القانون وتطبيق الدستور على كافة المفاصل، وممارسة داعش لإعمال إجرامية على بعد عدة كيلومترات، وفرض الخناق على القوى السياسية التي لا تحاول التقرب من الجهات المتنفذة في بغداد مع إقتراب موعد الانتخابات التشريعية على حساب المبادىء والثوابت الوطنية.
   في الموصل، سنة 2014، سعت بعض الأحزاب العربية السنية  للحصول على حصة من الكعكة، وتجاهلت، وهي ذليلة ومحتقرة، مصائب الموصليين الأشراف، حفاظاً على مصالح  قادتها، وخاضت السباق الإنتخابي، معتقدة إنها تصمد أمام حملات التسقيط التي تواجهها حتى لاتضطر إلى الانسحاب من الماراثون الانتخابي، وهي تعلم أن زيادة أو نقصان عدد من المقاعد في برلمان بغداد، لاتغير وضع السنة ولا تقلل من مصائبهم، بل كانت تعني منح الشرعية للإنتخابات وتجميلها على حساب أهل السنة، مع ذلك لم تنسحب ولم تقل : لايمكن ممارسة أي جزء من الديمقراطية مع الهيمنة والعسكرتاريا. والأنكى من ذلك هاجمت بشراسة الأطراف السنية الأخرى بأشكال مختلفة ووصلت إلى حدّ ممارسة الإبتزاز والتسقيط وفبركة الإتهامات التي تمحورت حول تأييد حزب البعث ومناهضة العملية السياسية وتخريب الانتخابات والآلية الديمقراطية المعمول بها في العراق الجديد، ومحاولة ركوب الموجة وإغتنام الفرص وإثارة الفوضى بالمزاج والمزايدة السياسية ونعراتها الحزبية والمناطقية ومؤاخذاتها السطحية. 
   في 2018، يتكرر المشهد في كركوك، ولكن بطريقة كوردية، عبر إنتقاد إلإستفتاء الذي جرى في أيلول الماضي، وشخص الرئيس مسعود بارزاني وحكومة إقليم كوردستان ورئيسها نيجيرفان بارزاني. لذلك ستكون الإنتخابات فيها ( إذا جرت)، عملية تجميلية مجردة من الأهداف الحقيقية للديمقراطية، لأنها لاتمنح الحقوق لأصحابها، ولاتمنع تصادم الرغبات والمصالح بين الكورد وغيرهم، وبالذات من خلال تأثير الفصائل المسلحة بإسم الحشد الشعبي والتي تتبع لجهات سياسية وتروج لها، على أصوات الناخبين لصالح كتل سياسية شوفينية معينة وزيادة أصواتها في منطقة تتميز بتركيبة سكانية معقدة، سواء عن طريق منع تنظيم حملات دعائية حقيقية، أو ممارسة التهديد والوعيد والإنتقام من الكورد الذين شاركوا في الإستفتاء وأيدوا الإستقلال، أو الترويج لعقليات تخدم الهدم الذي لا يستثني أحداً وتنصب العداء لكل ما هو كوردي ولإقليم كوردستان.
   كانت النتيجة في الموصل، بعد التلاعب والتزوير والتدخل الحكومي وعدم النزاهة، فوز بعض المرتمين في أحضان الآخرين، وفوز عدد آخر من العرب السنة الذين، إما، تم ملاحقتهم لاحقاً بتهم الإرهاب ودعم داعش ومبايعته عندما إكتسح الموصل ومناطق أخرى، أو تم تهميشهم بحيث كان وجودهم وعدم وجودهم تحت قبة البرلمان العراقي لايختلف ولايغير شيئاً، وإنطبق عليهم القول: إن غابوا لايذكرون وإن حضروا لايحسبون.
   بعض الذين خاضوا الإنتخابات في الموصل والبعض الذين يريدون تكرار خوضها في كركوك في ظروف متشابهة، وفي أذهانهم عقد وخلافات موروثة مازالت بحاجة الى علاجات وتفاهمات وإتفاقات، لايعلمون أن السياسة التي تستند على الغواية والإنفعال ومعايير الخيال والتمني والعناد والمكابرة والمغامرة، كالقرار الإنتحاري الذي ينطلق من الجهل والجنون وعدم الإيمان، والإثنان (الغواية والإنفعال)  متشابهان في نشر الفوضى والفتن والإبتزاز وعدم فهم المتغيرات، وجر أصحابهما إلى قفص الإتهام ومواقع لا يريدون الذهاب إليها، وإنغماسهم في أوحال المقاضات والعداوات والإستقطابات التي تستند على المذهبية أو القومية مرةً، وعلى الصراعات السياسية وتدهور العقل السياسي للآخرين، مرة أخرى، ولايعلمون أنه في ظل سيادة المعادلات غير الطبيعية، لايمكن إجراء إنتخابات نزيهة. وهذه الممارسات، بعد فوات الأوان، تعطي الحق للآخرين للجوء الى المعاقبة وحتى الإنتقام العاجل أو الآجل.
   في الختام أرى أن وضع كركوك بعد الإنتخابات القادمة (إذا جرت) لاتغدو أحسن حالاً من الموصل بعد 2014.
 



195
الحضور بقوة في بغداد...
صبحي ساله يي
    كل الانتخابات التشريعية وإنتخابات مجالس المحافظات التي نظمت في إقليم كوردستان، خلال السنوات ال (26) الماضية، حظيت بإهتمام المراقبين ووسائل الإعلام، وتحلى خلالها السياسيون والناخبون الكوردستانيون بالنضج السياسي والوعي الوطني والقومي، وبعد إعلان النتائج، في كل مرة، كانت تتبين أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، صاحب التاريخ النضالي العريق والمهتم بالحياة اليومية للمواطنين، والسبب الرئيس في الاستقرار السياسي والاقتصادي والإعمار والبناء وتمتين أواصر المحبة وإشاعة روح التسامح والتعايش، والذي قاد سفينة الكورد لسبعين عاماً، وسط الكثير من العواصف الشديدة نحو الأمان، هو الذي يتربع في المقدمة ويحصل على الموقع الأول على مستوى الإقليم وفي المراكز الأولى المتقدمة في العراق، والكوردستانيون يجدودون كل مرة ثقتهم به وبرئيسه السيد مسعود بارزاني، والأصوات التي حصل عليها تدل على شعبيته الواسعة. وبمناسبة بدء الحملة الانتخابية لإنتخابات البرلمان العراقي، قال نيجيرفان بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بأنه يجب على الديمقراطي الكوردستاني أن يكون حاضراً وبقوة في بغداد، لكي يحافظ على المكتسبات التي حصل عليها الكورد، وان يكون عوناً لبغداد في حل القضايا العالقة والخلافات عن طريق المناقشة والحوار.
   نستنتج من كلام البارزاني، وجود إرادة لا تدع مجالاً للشك في امكانية تجاوز الخلافات التي أوقعت بالكوردستانيين الكثير من المظالم، وأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي يؤمن بالسلام ولا يفوت أية فرصة لتحقيق السلم، والذي أعلن أكثر من مرة عن حسن نيته وقدم مبادرات عدة، يترقب نتائج مفرحة، في الإنتخابات المقبلة، نتائج تدحض الشكوك والظنون وتسهم في إعادة بناء الثقة بين أربيل وبغداد، وتردم هوة الإنقسام وتعالج الأخطاء، وتدفع بإتجاه فتح الطريق للبدء بوضع حلول (شاملة وعادلة ودستورية) لجميع القضايا العالقة، وتسهم في بناء الإقليم ونهضته وتطوير قدراته للإسهام في تجسيد الحقوق الإنسانية وتعزيز قدرات الكوردستانيين في الإعتماد على ذواتهم على أسس ديمقراطية، وقيادة البلاد إلى بر الأمان، والتواجد بقوة في بغداد، وفي دائرة صنع القرارات والمشاركة الفعالة في إدارة البلاد والتوصل الى قرار وبرنامج وطني محدد وواضح يضم مشروعأ وطنياً ينقذ الوطن من الإنزلاق نحو الهاوية، ويبعد المواطنين عن الكوارث.
   وفي كلمته، تبلور مشاريع عدة تتفق من حيث الطرح وبيان الأهداف والمبررات، وتتوحد في الرؤية المنسجمة ووضع الأسس والثوابت للتعامل مع المتغيرات، وتدل على الدبلوماسية العالية والثقة الكبيرة بالجماهير الكوردستانية والرصيد السياسي الذي يمنح العملية السياسية في العراق وكوردستان قوة الدفاع عن مشروع ديمقراطي واضح يمكن إعتباره المخرج والمنقذ للمستقبل في ظل الظروف والتعقيدات والتوترات الداخلية والتحديات والمتغيرات الاقليمية والدولية ومـآلاتها، وهذا الظرف السياسي المفصلي لكي يخرج فيه الجميع منتصرين.
   أما تأكيد نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حزب مصطفى البارزاني الخالد والشهداء، على الحوار الجريء من أجل ترسيخ عوامل الاستقرار وإعادة العلاقات بين أربيل وبغداد الى طبيعتها، وتطبيق الدستور الذي يجسد مبدأ الشراكة في الحكم، والتحلي بالواقعية والإحتكام الى القانون الذي لا يقبل الإصرار والتعويل على المغالاة والأحلام والأوهام، وتغليب الايجابيات على السلبيات، والإقتناع التام بأن الفرصة مازالت سانحة لاتخاذ خطوات عملية لمعالجة المشكلات، وتنتظر العقلية المنفتحة التي تستطيع إخراج الجميع من آثار المصاعب والتحديات الكبيرة، وبأنه ليس هناك خيار آخر غير خيار الحوار والتفاهم والعودة الى لغة العقل والمنطق. فيدل على أن حزبه مل من إحتدام الصراعات والحروب، ولكنه يرفض لي الأذرع ورمي الكوردستانيين خارج التأثير السياسي، وتأجيج الصراع ومنع الاستقرار والرجوع الى مربع الصفر الأمني والاستنزاف البشري والمالي. ويرفض الوقوف كمنهزم أمام منتصر يملي عليه الشروط، مطالباً بالإمتثال والإذعان من دون تعقيب وفق معيار الغالب والمغلوب، ويفضل حاسماً تبني إستراتيجية حقيقية متوافقة مع الدستور العراقي، تسهم في دفن الصراعات والكراهيات المقيتة والنوازع الشوفينية المستقرة في بعض الذهنيات والعقليات التي ترفض التغير والتغيير رغم المستجدات التي طرأت، وتسعى لتحويل الكورد والكوردستانيين الى مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، أو مجرد رعايا وأتباع لا يحق لهم المشاركة في صياغة المشاريع الحساسة، أو الدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم وثروتهم الوطنية.
 



196
الإنتخابات، إذا جرت
صبحي ساله يي
بدأت الحملة الإنتخابية في العراق، وبدأت الأحزاب والشخصيات التي لها أرصدة سياسية تفتخر وتعتز بها، وبينها وبين الجماهير ثقة متبادلة، ولها مكانة معلومة في المجتمع، بعرض برامجها وأهدافها المستندة على ثوابت وأسس متينة، تنادي الناخب للإطلاع عليها، فأن رآها معقولة ومقنعة ومحققة لمطالبه وغاياته ليصوت لها. أما التي ليست لها ماضي، ولاتضم بين صفوفها أناس لهم تاريخ مشرف، وليست لها رؤية لمعالجة المشكلات مهما كانت صغيرة، ولها مآرب خاصة للضغط والابتزاز وتسعى لكي تعزز نفوذها وتريد إستغلال مجريات الاحداث بخبث، فستبدأ معارك (كسر العظم) مع الجميع وتحاول نشر التخبط والفوضى بالمال السياسي، وممارسة التخوين والتنكيل والاستهداف عبر وساؤل الإعلام الممول والحملات التي تصرف فيها الملايين، دون تحديد مصادرها. وستكون مرحلة الحملة الإنتخابية مرحلة التأزيم والإحتقان والترقب الحذر, نتيجةً لمعادلات أو سياسات شد الحبل الداخلية والخارجية, وستتصاعد الخلافات.   
الآراء والتقييمات، حول مستقبل العراق الذي مر بمحن وفواجع كثيرة وتجاوزها بخسائر مادية وبشرية كبيرة، مختلفة فيما بينها، وستكون مختلفة مع التمنيات والمعادلات والتوازنات السياسية والتدخلات الإقليمية الكثيرة، ومع السياسات الهشة التي تدور في فلك المصالح الشخصية والحزبية والفئوية وإستسلام  الكثير من السياسيين للأجندات والضغوطات الخارجية، وستختلف أكثر، قبل أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة، عندما تبدأ أزمة سياسية ودستورية في الحياة السياسية.
الأزمات التي تدار حتى الآن بسرية تامة وتكتم شديدين خلف الأبواب المغلقة، ستظهر للعلن من خلال وسائل الإعلام والقرارات المفاجئة، وربما ستصل الى السقف الذي لا يمكن تجاوزه، أوحتى الاشتباك بين مراكز القوى، وبالتالي، ترغم الجميع على مراجعة أوراقهم وتحمل مسؤولية التقصير في التعامل مع الأحداث. وهذ لايمنع تشبث بعض الأطراف بإختياراتها وإبداء مقاومة لمحاولات فرض قانون اللعبة الجديدة، لذلك ستكون الأحداث برمتها، في العراق الذي يقع في قلب الأحداث، مفتوحة على إحتمالات وتغييرات كثيرة، بينها، تبادل الأدوار وبروز تحالفات جديدة تغير من طبيعة المعادلات السياسية، إما عبر الإستجابة للتعليمات الواردة من الخارج، أو عبر التناغم مع إملاءات شخصية وحزبية، أو التوافق مع المناورات التي تطبخ في الكواليس.
البعض يقول أن الإنتخابات المقبلة ستكون مصيرية ومهمة وغير قابلة للتهاون،  وستكتب مصير العراق وتحدد مستقبله، لأنها تكون إنتخابات ديمقراطية حرة تعبر عن إرادة الشعب، وتؤدي الى تطور الاحداث بشكل إيجابي وتثبيت الأمن والإستقرار ومغادرة شفى الجرف الهار من خلال التحلي بالعقل والحكمة وتقديم الإعتذارات المتبادلة والتسامح والحوار والتفاهم والجلوس على طاولة واحدة للاتفاق على رؤية موحدة لمستقبل العراق والمرحلة القادمة وكذلك من أجل تشكيل الحكومة القادمة.
 بينما آخرون يقولون، أن الأحاديث عن الديمقراطية معيبة وإعتباطية غير متوازنة، وعزف على إيقاعات غير واقعية، ومجتزأة من صورة شديدة التعقيد تحاول أن تختزل المشهد خيالياً وترسم خطوطاً وهمية، لايمكننا السير عليها نحو ترسيخ الديمقراطية بشكلها الفعلي والعملي، لأننا نفتقد الرؤية والأصرار على التغيير ونجرب الوجوه المجربة والمخفقة التي تتحمل مسؤوليات الكوارث والمحن السابقة والحالية والمستقبلية، وستكون ديمقراطية العراق المحطم، مجرد حبرًا على ورق.
بين هذا البعض وذاك، نقول: العمل في السياسة والمشاركة في الإنتخابات والتنافس على مقاعد البرلمان والكفاح لتصحيح الأخطاء والإنحرافات وطلب مؤازرة الجماهير، حق مكفول لكل الافراد والأحزاب والجماعات، ولكن الانتخابات السابقة لم تحدد مسارات العملية السياسية، والقادمة ( إذا جرت)، لاتحدد المسارات خاصة مع إنتهاج البعض للفلسفة الانتهازية، وطرح البعض الآخر لمشاريع الأغلبية السياسية، والاغلبية التوافقية، والاغلبية الوطنية. مشاريع يمكن أن تؤدي الى التجني والتسقيط الواسع وتصويب السهام نحو الآخرين والتوجه السريع نحو الكارثة التي تحبط وتخيب الآمال ولاتصب في مصلحة المجتمع أو السياسة التي وجدت لخدمة الناس، كما ستعطي صورة معكوسة للقيم وواجبات الساسة.
 



197
حكومة الإقليم وسياسة النأي بالنفس

صبحي ساله يي

المنطقة تبدو كأنها ميداناً للتصفيات السياسية والاقتصادية، ومأزومة وعلى فوهة بركان. الصراع المعقد والمتشابك بين الكبار من أجل النفوذ والإمتيازات والهيمنة في تزايد مستمر، وسيأخذ منعطفاً خطيراً ينذر بدمار كبير بعد إستغلال الإحتقان بين الأطراف المتناقضة فكرياً وعقائدياً، ودخول أطراف عدة الى ميدان تصفية الحسابات وخط المواجهة في دعم القوات الموالية لها وتزويدها بأسلحة متطورة، لنخر الأجساد وقيادة المنطقة إلى الهاوية، وإشعال حرب لا تبقي ولا تذر.

معطيات الحرب كثيرة وساحاتها واسعة، وأدواتها ووقودها متوفرة وكثيرة. المواجهات الدامية والمدمرة والحاسمة محتملة خلال الأسابيع المقبلة في الخنادق المقابلة أو المتباعدة. والعاقل يتجنب التأثيرات الإقليمية والتوتر والشرر والضرر وينأى بنفسه عن حالة الفوران التي ستلقي بظلالها على الواقع المفتوح على إحتمالات عدة.

في ظل المزاج السياسي المتقلب في المنطقة، وموازين القوى العسكرية والاقتصادية والظروف المعقدة، ينسى البعض أن المسألة أكبر من إسقاط دكتاتور وضمان الحريات الديمقراطية لشعب معين، وتغيير نظام ما، ويتجاهل ما يحدث من الدمار والابادة الجماعية ومن يقف وراءها، من قوى تمتاز بالقدرة على خلق الازمات في سبيل تسويق أسلحتها القديمة والحديثة، وتنشيط وتطوير اقتصادها وتوجيهها لخدمة مشاريعها ومصالحها، ولتوقع صفقات كريمة للتنقيب عن النفط والغاز وتسويقهما لعقود طويلة. ولكن عندما يشاهد التخلي بسرعة في الفترات المقبلة، ضمن إتفاقات سرية وعلنية، عن طرف، وتركه كفريسة أمام طرف آخر، سيعرف أن السيناريوهات المتداولة الكثيرة، أحلاها مر كالعلقم، وأحسنها خدعة تجهض الرؤية وتتعارض مع القيم الأخلاقية والإنسانية السامية، خاصة بعد أن تصبح الأراضي العراقية إحدى ساحات المواجهة بين الصقور المتخاصمين، والحكومة العراقية، للأسف، لاتستطيع أن تنتهج الحياد أوتطبق تعهداتها المتعلقة بإيران وتركيا وأمريكا وروسيا، ولاتستطيع ترتيب الوضع الداخلي المنقسم وضبط الجماعات المسلحة، وكذلك الذين سيلجأون للإستعانة بالآخرين أثناء إشتداد الأزمة.

أكثر من مرة أعلن السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، عن سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الجارية بين العواصم الإقليمية والدولية، الجارية بهدف تحجيم النفوذ وتقليم الأظافر وتصفية الخصوم ووقف التدخلات، وفي 28 آذار 2018، وخلال مؤتمر صحفي عقب إجتماع لمجلس الوزراء، قال: (إن المبدأ المتبع من جانب إقليم كوردستان هو أنه لا يجوز بأي شكل إستخدام أرض كوردستان لإثارة القلاقل لجيراننا، وهذا مبدأ ثابت تجاه تركيا وسوريا وإيران وكل الدول، نحن لا نرضى ولا نقبل بأي شكل من الأشكال أن يكون إقليم كوردستان مصدراً للقلاقل في تلك الدول).

هذا يعني، رغم خطر الأزمات ورغم وجود حالة من الإحتقان العالمي، أن السيد بارزاني يريد جدياً تحقيق التوازن في علاقاته مع المحيط الإقليمي، وحمل مفتاح لتوثيق علاقات أمتن مع الجميع ، ومسك العصا من الوسط، وعدم الإنخراط في أي تحالف مع هذه الجهة أو تلك، أو الإنضمام الى ذلك المعسكر، ويريد أن يبقى بعيداً عن الصراعات بين الكبار وتضارب مصالحهم، وعدم السقوط  في مصيدة الصراع المتشابك والمتداخل ودفع الثمن الباهظ وهذه السياسة تصب في مصلحة الكورد والعراق والمنطقة، ولاتشكل تهديداً لأمن أحد. ولن يسمح بأن تكون أراضي كوردستان قاعدة أو ممراً أو جسراً لإستهداف أي دولة، بين الدول، وهذه الرؤية السديدة نابعة بالأساس من قرار وطني يراعي ظروف كوردستان الصعبة التي لا تحتمل التخندق مع جهة ضد أخرى، أو الإنخراط في حرب مدمرة لاناقة لنا فيها ولا جمل، أو أن يدفع الإقليم ثمناً كبيراً، أو يخسر إحترام القوى الإقليمية والدولية وعلاقاته معها.

المواقف التصعيدية المعلنة حتى الآن، والتهديدات والتحديات والتصريحات الكثيرة التي تم تبادلها والإجتماعات الطارئة والإتصالات والتغازلات والتخادعات بين المسؤولين في عواصم القرار،  تشير الى أن كل طرف من الأطراف الكثيرة، يعتبر نفسه لاعباً محترفاً يؤدي اللعبة بثقة وإحتراف، ويحاول التمدد والانتشار السياسي والعسكري والاستراتيجي، وتوسيع رقعة نفوذه على حساب الأطراف الأخرى، ومستعد لفتح الأبواب على وسعها لإغضاب فلان على حساب إرضاء علان. وتشير الى أننا نعيش مرحلة ما قبل الحرب..

198

دروس ودلائل من عزاء دلوفان

صبحي ساله يي

  يمكن أن نستلهم من المشاركة الشعبية والرسمية الكوردستانية والعراقية والأجنبية الواسعة وعناء الحضور في مراسم عزاء المرحوم دلوفان إدريس بارزاني، دروسأ كثيرةً، أهمها أن للعائلة البارزانية والحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه ونائب رئيسه دور أساس في الحياة السياسية الكوردستانية والعراقية، وإنهم مازالوا الرقم الأهم والأصعب الذي يحدد الكثير في العملية السياسية في كوردستان والعراق، وأن الطرق أغلبها، إن لم تكن كلها تؤدي الى صلاح الدين، حيث مقر البارزاني والمكتب السياسي لحزبه الفاعل، الذي يمتلك أكبر كتلة برلمانية في برلمان كوردستان وكذلك في البرلمان العراقي. وبإمكانه أن يبقى كقوة قويمة ومبدعة في الفضاء السياسي ليتفاعل مع الأحداث والمستجدات، ويرسم استراتيجيات مبنية على البقاء والديمومة والتعايش والقواسم المشتركة بين شعوب المنطقة، ويعمل وينجح في إدارة الوقائع وتشخیص المصالح الوطنية والقومیة وتحقيق تطلعات وأمال وطموحات الشعب الكوردستاني وتجاوز الأزمات والتصدي للتحدیات والصمود في وجهها.

  بعد الاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس مسعود بارزاني، وأحداث إكتوبر، تصور الواهمون والراكضون وراء السراب، والهائمون على وجوههم، أن أيام التخلي عن البارزاني والعزلة السياسية والدولية في المحيط الجغرافي وتقیید دور سلطة حكومة الإقلیم الدستورية والسیاسیة والإدارية والإقتصادية قد بدأ، وأننا وصلنا الى وضع لا نحسد عليه، فقدنا فيه الجماهير الكوردستانية وتعاطف وتضامن الدول والشعوب الأوروبية، وتغيرت السياسات والإلتزامات إزاءنا. لذلك تهرب البعض من القوى السياسية على الساحة الكوردستانية من تحمل مسؤوليتها السياسية والتاريخية، وبالذات أصحاب الخطب البائسة والمكررة والممجوجة والشعارات والمصطلحات،  والمتلاعبين بالألفاظ والمسميات ومطلقي الوعود والعهود الكاذبة، والواقعين بين فكي الكماشة والقوقعة الحزبیة الضیقة الملیئة بالشعارات الجوفاء، وحاولوا لأجل مصالح وأجندات سياسية ومنافع وقتية ومادية معينة، الظهور كأطراف بريئة أو محايدة أو مترددة من تلك العملية ونتائجها وتداعياتها، أو التبرير لتصرفات الآخرين ضد الكورد، تهرب يمكن أن يصل الى مستوى الخيانة التي لاتغتفر والتي ستبقى طويلاً في ذاكرة الكوردستانيين، وسترافق المتهربون عقوداً طويلة وعلى إمتداد تاريخهم، تهرب عمق الحزن والألم والذهول أكثر من آثار الصدمة التي تلقاها الكوردستانيين من الخائفين على التغيير، وأعطى فرصة كبيرة للآخرين لإختراق لحمتهم وبث بذور الفرقة والفتنة والشقاق بينهم. كما إستغل هؤلاء وغيرهم، قرار تنحي الرئيس مسعود بارزاني عن منصب رئاسة الإقليم، الذي لم يكن مفاجئاً، والذي لم يخرج من بين الرمال المتحركة، كما وصفه البعض. فمن تابع كلمات الرئيس بارزاني خلال السنوات الماضية وبالذات بعد 2012، أثناء المعركة السياسية في الاقليم، وعندما مدد برلمان كوردستان فترة رئاسته للإقليم، وقبل عملية الإستفتاء، يتذكر أنه إختار لغة الحكمة والأمر الواقع، وأكد أكثر من مرة رغبته في أن يكون بيشمركه أكبر من أن يكون رئيساَ، ودعى البرلمان والأطراف السياسية الكوردستانية، للإتفاق على موعد لإجراء الإنتخابات الرئاسية، أو التوافق على شخص معين ليتولى رئاسة الإقليم لحين إجراء الإنتخابات، كما أنه تعهد بالتنازل عن المنصب بعد الإستفتاء، وإنتهاء مهمته في الرئاسة، مع عدم مغادرة الميدان السياسي.

  ما شهدناه قبل أيام، من خلال المشاركة الجماهيرية والرسمية والحزبية الكوردستانية والعراقية والأقليمية والدولية في مراسم العزاء، سواء بالحضور المباشر أو عن طريق وسائل الإتصال، هو دليل مقنع على أن الإرادة الصلبة تجعل المستحيلات ممكنات. ودليل على أن العالم الذي لم يكافئنا على صبرنا وعلى ما تحملناه من فواجع وما دفعناه من أثمان باهظة طوال سنوات كفاحنا من أجل البقاء والحفاظ على هويتنا القومية، لم يتخلى عنا. ودليل على خطأ فادح للغافلين والمستغفلين الذين صدقوا أن نجم الكورد قد أفل. ودليل على أن البارزاني الذي لاینحني للإملاءات الإقلیمیة الهادفة للنیل من إرادة الكوردستانیين، لايختلف سواء جلس في قصر الرئاسة، أوتحت خيمة في سفح جبل، أو في خندق مع إخوانه وأبنائه البيشمركه، وسينصفه التاريخ لأنه سعى الی التقارب والوحدة وجمع الطاقات المادیة والمعنویة في إطار فكري و سیاسي وإقتصادي وعسکري وإجتماعي لتجاوز الأزمات والتصدي للتحدیات والصمود في وجهها.   

 

199
نهج وعقيدة البارزاني
صبحي ساله يي
   لايمكن نسيان ما حدث في السادس عشر من أكتوبر الماضي وما بعدها، والخراب والتمزيق، وتلك الأيام الصعبة المؤلمة، ومواقف الذين أبدوا إستعدادهم للإنغماس في مواجهتنا وإجهاض تجربتنا والتورط في الأدوار والسياسات العدائية الشائكة المستقبلية، وما ذكر في بعض الفضائيات والمنابر الإعلامية العراقية التي نظرت بريبة لكل ما له علاقة بالكورد في العراق، بمجرد لقاء هنا وكلمة معسولة هناك ورسالة تبعث بمناسبة نوروز أو عزاء أو إجتماع في مناسبة وطنية أو دينية. 
  بعد العام 2003، في ظل ظروف شديدة التعقيد، حرص الكثيرون على تطوير علاقاتهم مع الكورد، أما العلاقات بين أربيل وبغداد فقد ظلت تتراوح ما بين التقارب والتباعد، وبين التعاون والصراع. في مجال التقارب والتعاون، كان هناك إنسجام وتفاهم بين السياسيين، وإجتماعات دورية لتخطي العقد ومواجهة التحديات التي تواجه العملية السياسية وبناء الدولة، كما كان هناك مناقشات لجميع القضايا قبل إتخاذ القرارات المهمة وتنفيذ الإجراءات، وفي مجال التباعد والصراع، فقد حدث عندما إشتد ساعد الشركاء في بغداد وعندما إنفرط عقد اللقاءات، وعندما تحول الإنسجام الى خصام والتفاهم الى تنافر وإختلاف، وأراد بعضهم أن يوظفه علنياً لصالح أجندته ومشروعه الخاص. وفي الخفاء عندما تم نشر ثقافة المعاداة لكل ما هو كوردي وكوردستاني، والتخطيط في العمق لتسيير الأمور بإتجاه الإطاحة بالآمال الكوردستانية، وعندما تم تجاهل كل طلبات الإقليم الدستورية والقانونية، وعندما مارسوا الضغوطات من أجل تضييق الخناق على الكورد وتركيعهم للإملاءات المزاجية والإنسياق مع مشاريعهم، حيث وصل الى التلويح باستخدام الطائرات الحربية المتطورة ضدهم حال وصولها الى العراق. وعندما بات رأس الكوردي مطلوباً في غالبية الحسابات السياسية، وعندما إختلطت تجربة العمل السياسي بالفساد والفشل، وعندما تم إفتقاد الرؤية لتجاوز التحديات والتركة الثقلية وإنطباعات المرحلة السابقة، وفي تحديد المسارات والمنطلقات والأولويات والمسؤوليات الوطنية والأخلاقية.
  لابد هنا من التأكيد على أن التصريحات التصعيدية، من الجانبين، ساهمت بالتدريج في تفاقم الخلافات بين بغداد وأربيل، ووصلت الى مرحلة التشنج والإصرار على الأخطاء الفضيعة، وتناسلت الأزمات وكانت لكل أزمة إرتباط بسابقتها وأسوأ منها، وظهر على الساحة أناس يتلاعبون على حبل المزايدات الرخيصة فأثاروا ألفتن وإختلقوا المعضلات، وتجرع العراقيون كأس المرارة وتلقوا كيل من الضربات المؤلمة المخيبة للآمال والمرتبطة بالغدر والخديعة، والتي لايمكن نسيانها. كما رأينا البعض من كبار المسؤولين في الحكومة وفي الكتل السياسية الفاعلة والشخصيات الوطنية، وهو يبلي بلاءً حسناً في الحفاظ على أواصر المودة والإحترام المتبادل ويعمل من أجل التخلص من التردد والإرتباك.
وحينما نادينا عن طريق الإستفتاء الشعبي والتفاهم والحوار الحر الديمقراطي،  سمعتنا حكومة بغداد، لكنها، وفي غمرة التطورات، أقدمت نحو خطوة شديدة الخطورة على المستوى الإستراتيجى، وأظهرت للعالم مرةً أخرى فشلها في معالجة مشكلات، وبدلاً من دعم المطلب الكوردي والإعتراف بالأخطاء، والتي تعتبر من الفضائل، والتصرف بالعقلانية والتريث والتقريب بين وجهات النظر المختلفة، إنجرت نحو التصعيد والفخ المظلم الذي نصبه لها المتربصون بها، فبحثت عن العون الخارجي الذي لا يمكن أن يقدم لوجه الله ودون ثمن، وإنزلقت، فوقعت في شراك العمليات العسكرية التي تتعارض مع الدستور، وأضافت شقاً وأزمة وإنقساماً جديداً الى الشقاق والأزمات والانقسامات الموجودة بين اربيل وبغداد، وقطعت خيطاً آخراً من الخيوط المشتركة بينهما. 
الكوردستانيون، المتمسكون بنهج ومبدأ الخالد مصطفى البارزاني، ورؤية وعقيدة الرئيس مسعود بارزاني، والذين لديهم حكومة إقليمية قوية تحظى بالمقبولية الداخلية والإقليمية والدولية، يمتلكون أوراقاً كثيرة يستطيعون أن يلعبوا بها، مازالوا حريصين على التعايش والتسامح مثلما كانوا دائماً، وما زالوا يفتحون أبواب الحوار لإستيعاب كل وجهات النظر والإتفاق، لأنهم على ثقة بأن الإنفتاح والصداقات تصنع السياسات الناجحة. وينتظرون تنقية الأجواء المشحونة بالتوتر وإنعدام الثقة ورفع المعاناة عن كواهلهم بالحوار والتشاور البناء ورسم رؤية مستقبلية واضحة تحدد معالم المستقبل، لكي يخرج الجميع منتصرين رابحين. كما يبحثون بجدية عن الحلول المناسبة التي ستجلب التآخي والتعايش والإستقرار والأمان.



200
إستراتيجية الطاقة في إقليم كوردستان   
صبحي ساله يي
 الرؤى السياسية والإقتصادية التي تترك الإنحياز السياسي وتنظر الى الصورة الواقعية لإقليم كوردستان، وتسلّم بالحقائق الموجودة على الأرض، وترتقي الى مستوى التنظير الدقيق للواقع الكوردستاني وتجربة بناء البنى التحتية والتقدم الذي حصل في مختلف المجالات، تتناقض مع وجهات النظر السياسية التي تقتطع وتشتت حقائق تجربة الإقليم منذ 19٩٢، والتي تعتمد على معادلات سياسية بائدة عفا عليها الزمن، من خلال القفز على الإنجازات التي تحققت، وتجاهل ماهية البنى التحتية التي ورثتها حكومة الإقليم في العام 1991، والتحديات التي كانت تواجهها وإمكانياتها المتواضعة التي كانت تعمل بها الى 2003. لأن التطور والانجاز وألإعمار شمل كافة القطاعات الخدمية الصحية والتربوية والتعليمية وإمتد الى القطاعات الصناعية والتجارية  والنقل والمواصلات والسياحة.
 بعد إقرار الدستور العراقي تطورّ قطاع النفط والغاز، ووصل الى مراحل مهمة ومتقدمة، وفي فترة زمنية قصيرة، لم تخلو من الصعاب والتحديات، تحققت إنجازات مهمة حددت أُطر واقعية لعلاقات إقليمية متوازنة مع دول الجوار، ووسعت العلاقات التجارية وزادت عدد الشركات الدولية العاملة في الإقليم، وتم الإعلان عن الاحتياطات النفطية التي تقدر ب (45) بليون برميل من النفط ، والمخزون الاستراتيجي من الغاز الطبيعي ب (200) تريليون متر مكعب.
النفط والغاز إستحوذا على إهتمام حكومة الإقليم بوصفهما موردان أساسيان للبناء والإعمار، وطرحا معهما تساؤلات عن المخاوف والمصالح والخيارات وشروط إنتاجهما وطرق تصديرهما، وعندما تم التماطل والتسويف في إنجاز قانون النفط والغاز في العراق، وتحولت القضية النفطية إلى معركة وإشكالات سياسية، فكر نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم الإقليم، بالسعي الى تعزيز قدرات الإقليم الإسترتيجية النفطية بطريقة هادئة فيها الكثير من الإستراتيجية والاستقلالية، وفتح الباب على مصراعيه أمام شركات النفط والغاز العالمية كروزنفت وتوتال وشيفرون وإكسون موبيل، إضافة الى شركات بريطانية وتركية وصينية ونرويجية وعربية، للإستثمار وتم التوقيع على عقود قانونية ودستورية تؤدي إلى تحقيق جملة من الفوائد الإستراتيجية.
في العام الماضي، إعتماداً على البروتوكولات التي وقعت مع السيد نيجيرفان بارزاني خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في سانت بطرسبرغ، إتفقت حكومة الإقليم مع شركة روزنفت الروسية، بخصوص تنفيذ مشاريع بترولية ضخمة، تفوق قيمتها 4 بلايين دولار، منها تشييد خط لأنابيب الغاز داخل الإقليم وخارجه، والتصدير إلى تركيا والدول الأوروبية ضمن الاتفاق الذي وقع عام 2013 بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة التركية بطاقة 30 بليون متر مكعب سنوياً، وإتفاقاً ثانياً لإنتاج الغاز، وآخر للاستكشاف والإنتاج النفطي في خمس مناطق متفرقة. هذه الإتفاقات تشكل مكاسب كبيرة ومهمة للإقليم لأنها تعطي الأولوية لتوزيع الغاز محلياً ولتزويد محطات الكهرباء والصناعات بالوقود اللازم، كما تعتبر خطوة مهمة في التواجد البترولي والسياسي الروسي في المنطقة.
 شركة دانة غاز الإماراتية، التي تستثمر في حقول الغاز الطبيعي في الإقليم منذ العام 2007، وتستخرج وتنقل الغاز الطبيعي الى محطات توليد الكهرباء في أربيل والسليمانية، أعلنت قبل أيام عن زيادة كبيرة في إنتاج الغاز، وقالت، أنها ستقوم بتوفير كميات إضافية من الغاز بهدف تعزيز عمليات توليد الكهرباء لتلبية احتياجات الإقليم الملحة، من خلال زيادة الإنتاج اليومي للغاز الطبيعي من حقل خورمور بما يقارب 25 بالمئة في وقت لاحق من العام الحالي. كما قالت، انها تتطلع إلى زيادة إنتاجها 125 % في غضون العامين القادمين.
من جهة أخرى تعتبر شركات الغاز الأوروبية، إقليم كوردستان مصدراً مهماً لتوريد الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، خاصة وأن إستخراج و تصدير غاز الإقليم مثل نفطه لا يحتاج سوى لتكلفة قليلة جداً، وذلك بسبب نوعيته الجيدة والموقع الجغرافي للمنطقة. وهذا يعني أن إستراتيجية الطاقة التي تتبعها حكومة إقليم كوردستان، إستراتيجية ناجحة من كافة الوجوه، ومتطابقة مع مواد الدستور العراقي، وتقوم على أساس خطة شاملة تهدف إلى زيادة الإنتاج وتكثيف إمدادات النفط والغاز للتصدير الى الخارج، وتأمين الكميات التي يحتاجهما الإقليم لتوليد الطاقة قليلة التكلفة في غضون الأعوام القادمة.



201
المعارضة في كوردستان ... عجيبة
   صبحى ساله يى
  قبل أربع سنوات، تقريباً، تم تشكيل حكومة إقليم كوردستان الحالية، برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، بغالبية مريحة كادت أن تكون مطلقة في البرلمان، وسط دلالات ومؤشرات أكدت على أن ممثلي الشعب أرادوا رئيساً قوياً يقود حكومة قوية ذات قاعدة عريضة، تضمن الاستقرار السياسي والإقتصادي والأمني.
  بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة، ساد الشارع الكوردستاني مظاهر التفاؤل بسبب الثقة بقدرة السيد رئيس الحكومة على تحمل الأعباء الثقيلة، ورسم سياسات جديدة وخطط جدية وجذرية، لمواجهة المشكلات والتحديات الكثيرة، وعزيمته القوية التي يمكن إستثمارها في تحريك الأنشطة وقيادتها، وحسن الإدارة في تسوية الخلافات الكثيرة مع الحكومة الإتحادية والتوصل إلى حلول لبعض المواقف والمشكلات من خلال الحوار الهادئ، والتفاهم على حدود دنيا وقصوى، وإقناع بغداد بضرورات تطبيق الدستور العراقي المختلف عن الدساتير التي كانت تكتب وفق أهواء ورغبات الحكام.
  لكن الرياح لم تسر كما تشتهي السفن، حيث تضاربت برامج الأحزاب التي كانت في المعارضة مع برامج الأحزاب التي كانت في السلطة قبل الإنتخابات، ولم يستوعب المعارضون المشاركون في الحكومة الحقائق، فعاشوا في بيئة الوهن الفكري وهم يحملون أثقال أحلامهم الكبيرة وأوهامهم الكثيرة. فإتجهوا نحو تحريك الشارع ولعبة المظاهرات وإستحضار التهم وإثارة المشكلات وإستنفار الناس ومضاعفة حيرتهم، وهم متأكدون ان ذلك ربما سيؤدي الى إغراق الاقليم في بحر الفوضى والعنف، ولم يراجعوا سياساتهم استنادًا إلى النتائج، بدليل عدم لجم إعلامهم ونوابهم الذين كانوا أسباباً لنشر الكراهية والحقد والبغضاء بين الكوردستانيين.
بعد أحداث 16 إكتوبر2017 ، وبدلاً عن تأييد حكومة الإقليم ومساندتها، دخلت تلك الأطراف في مناكفات وجدال ومزايدات وتخبطات حزبية ومناوشات إعلامية، ولعبت بالنار على أوتار مصالحية لتحديد المسارات من خلال ممارسة الازدواجية،  واستمرت في التعنت والتزمت الفكري والمجاهرة ببيع العواطف القومية وتثوير الروح الفوضوية وسلب التوازن العقلي، وزرع الإرباك من خلال إفتعال الأزمات والإستهتار بالاستقرار السياسي وربط مستقبل الأجيال القادمة بالمصالح الخاصة، كما دعت الى حل حكومة الإقليم، وذهبت (كما قال السيد نيجيرفان بارزاني، وكما أكده السيد حيدر العبادي قبل أيام)  بعض الأحزاب والجهات الى بغداد لحث العبادي على عدم التعامل مع حكومة الإقليم، وعدم إرسال الرواتب لحكومة الإقليم مباشرة لكن رئيس الوزراء العراقي لم ينتهك الدستور بعد توضح حقيقة الأمور، وخلق العديد من المشكلات لمواطني كوردستان.
  دعوات المعارضين، هنا وهناك، أرغمت وسائل الإعلام ومؤسسات صناعة الرأي الى وضع علامات استفهام كبيرة وكثيرة، وكم هائل من العموميات الواضحة أمام الكوردستانيين للدخول في نقاشات مطولة لبيان النيات التي تتحكم بالعقول والافكار خلال التعامل مع المستجدات والمتغيرات وتحليل المعادلات، والتساؤل عن مصير وجدوى التوافق السياسي الكوردستاني الذي أختير بموجبه العديد من المناصب في بغداد ورئاسة البرلمان الكوردستاني ولجانه وحكومة الاقليم. ولا نجافي الحقيقة لو قلنا أن الآمال التي علقت على التوافق بين الكوردستانيين وفقاً للمستجدات والخيارات الممكنة والإمكانيات المتوفرة، لم تصل الى النتيجة المأمولة، والرهان على الدور الوسطي لهذا الحزب أوذاك قد سقط مع الذي جرى على الساحة السياسية الكوردستانية.
   الإتفاق المعلن بين المختلفين المتفقين على معاداة حكومة الإقليم ومؤسساتها وسلطاتها وصلاحياتها، إتفاق غير ناضج بين أحزاب معارضة ومتعارضة ومتناقضة لاتشعر بوحدة الأمل والمآل، تسعى للإنتقام ومواجهة السلطة الشرعية، وتقويض المشروع السياسي والفكري في كوردستان. إتفاق يشوبه الكثير من التناقضات والتوجهات المتصارعة والمتضاربة ومبني على أسس آنية مرحلية، يهدف الى النكاية والانتقام وإستغلال الظروف الداخلية والخارجية لفرض شروط معينة وتحقيق مصالح مؤقتة ونشر الشكوك وعدم الشعور بالأمان بين الكوردستانيين. لذلك فإن التشارك فيه، تشارك أزمة وليس أستراتيجي مبني على قواعد ثابتة، وإحتمالات تصدعه وإنهياره قائمة، والبعض يراها حتمية نتيجة الإختلافات في التوجهات الفكرية والأيديولوجية، وتخوف كل طرف من الآخر والتربص به.
  أما القوى الوطنية الكوردستانية التي تسعى الى التوصل الى حلول سياسية وقانونية تتوافق مع التطلعات والمصالح العامة، وتنسجم مع الواقع ومع منظور ما تفرضها المرحلة الحالية والخصوصيات التاريخية والقومية والوطنية الكوردستانية. فعليها التوقيع على إتفاقات جديدة أكبر من إتفاقات، وأقرب إلى تحالفات وإستقراء الظروف والاختيار السليم لزمان ومكان وآلية الفرز بين الازمات المصطنعة وغيرها.
 

202
إختلاط الباطل بالحق في التظاهرات الأخيرة 
صبحي ساله يي
   بداية لابد من التوضيح، أنني لست في وارد الدفاع عن السلبيات الموجودة في إقليم كوردستان، ولكني لا أريد أيضاً تجاهل الإيجابيات. ولست ضد التظاهر من أجل المطالبة بالحقوق المشروعة لشرائح مهمة في المجتمع، ولكني أكره مداعبة العواطف وإستغلال مأساة الآخرين لأهداف حزبية وشخصية، ولا أريد أن يستغل أحدهم مأساة الآخرين لأهداف إنتخابية، ويصعد على أكتاف المتظاهرين ليصل الى مواقع في البرلمان والحكومة، كما حصل بعد تظاهرات شباط سنة 2011، أو يستغلها بعضهم لإحراج الحكومة، أو الإطاحة بها وإسقاطها أو حتى تغييرها وفق شروط غير دستورية لاتستند الى نتائج الإنتخابات، وسحب الأمور نحو المزيد من التعقيد والارباك.
  من يقرأ أحداث السنوات السابقة وأسباب المشكلات الموجودة، والمشهد السياسي الكوردستاني الحافل بإمتياز بالملفات المهمة والمؤشرات الواضحة والاستحقاقات المنتظرة، بعيداً عن أية احتقانات ومواقف مسبقة، وبعيداً عن أية حسابات ومصالح خاصة، سيقف عند حقائق عدة أهمها:
  أولها، ظهور المعارضة السياسية في كوردستان مع إختلاق الأزمات وظهور المشكلات الإقتصادية التي تلامس حياة الكوردستانيين عموماً .
  ثانيها، أن التجربة الديمقراطية التي عرفناها، إستمدت قوتها من شجاعة وجرأة الشعب، وأعطت مضموناً دقيقا للحياة السياسية، ومنحت وقتا كافياً للنخب والأحزاب لبلورة سياساتها المبنية على المصداقية وإستقلالية القرار، وزادت مناعتنا عند أحداث ما كان يسمى بالربيع العربي، وتجاوزنا بفضلها تقلبات القرار السياسي الذي كان يسعى للرجوع إلى الوراء. 
  ثالثها، صناديق الاقتراع، في آخر انتخابات تشريعية، لم تمنح طرف سياسي معين مقاليد السلطة ليستطيع تجاوز البعض دون الدخول في خانة الأقصاء والتهميش، لذلك كان لابد من عملية سياسية تستوعب الجميع، رغم إختلاف البرامج السياسية.
  رابعها، عاش المشهد السياسي صراعاً مشحوناً بين الاطراف المتشاركة في السلطة نهاراً، والمتعارضة ليلاً، على القنوات التلفزيونية، حتى تم تجاوز مشاعر وإرادة الذين حققوا لها أمنية المشاركة في السلطة، والأنكى من ذلك، بعض السياسيين حاولوا نقل اللعبة وآليات حراكهم الى بغداد، وكذلك الإطار الإقليمي وفتح باب التدخلات على مصراعيه، وتناسوا بأن الذين ظلمونا وما زالوا يعادونا، أكثر بكثير من الذين يؤيدوننا.
  خامسها، فتح الباب واسعاً لكل الاحتمالات وخلط الاوراق وبعثرتها الى أبعد الحدود، من خلال أفتعال أزمات متنوعة العناوين والمسميات والخلفيات، وترك نهاياتها مفتوحة وغامضة ومجهولة المسارات والمآلات.
  سادسها، طرح مبررات وحجج غير منطقية وغير معقولة تحول دون تفكيك وحلحلة العقد المستعصية بين الفرقاء الى اشعار آخر، وتؤدي إلى الانتقام وتعميق الهوة بين المواطنين وشق النسيج المجتمعي وفقدان الثقة المتبادلة أو التوازن وتشيع البغضاء والكراهية والغضب بين أبناء الوطن.
  سابعها، عدم الإنسجام، والإنقسام تجاه الثوابت، وعدم وضع مصلحة المواطن معياراً حقيقياً وقيمة عليا، ودخول الوافدين الى العملية السياسية، من الشارع السياسي بدلاً عن المدارس السياسية، أدت الى غياب الثقة، وطرح شروط ومطالب تبدو متطابقة أو قريبة من الابتزاز.
  ثامنها، كوردستان وإن بدا ضعيفاً في الوقت الحاضر، لكنه يمتلك إمكانيات كبيرة للصمود والنهوض بسبب قدراته الاقتصادية وعلاقاته الدولية الواسعة، وتأثيره في المنطقة، وهذا ما تجلى في إحتوائه لآثار صدمة أكتوبر بزمن قياسي. وهو ما أدركه الجميع جيدا، حين بدأت المواجهة بين بغداد وأربيل بعد الإستفتاء، وحين عرض البعض خدماته المجانية لمعاداة شعب الإقليم وحكومتهم ورئيسهم .
  وتاسعها، عندما طمأن نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، المواطنين بأن الوضع الاقتصادي سيعود إلى حالته الطبيعية، وأن كافة الأمور ستعود إلى نصابها الطبيعي. فإنه متأكد من أن الأحداث أفرزت واقعاً جديداً سيكون درساً وعبرة وعظة للأجيال القادمة، واقعاً خسرنا فيه الكثير، ولكن بعد أن حدث ما حدث، لا بدَّ من البحث عن الجوانب الإيجابية بهدف إحتواء آثار الصدمة وتجاوز الأزمات، وإستيعاب وإحتواء المخطئين، والإستمرار في المضي إلى الأمام من أجل نشر قيم الكرامة والحرية والعدالة والمساواة، والدعوة للتهدئة والحوار وقبول الآخر والمحافظة على المكتسبات وإستكمال مسيرة البناء والإعمار وتعزيز الأمن والاستقرار.
  وعاشرها، لابد من الإبتعاد عن تبادل الاتهامات والتخوين، سواء كانت حقيقية أم مستحقة، في الجلسات العائلية أو الحزبية أو الإعلام حتى خلال أيام الحملات الإنتخابية أو التظاهرات الجماهيرية، لأنها على الأرض ستصب في صالح المتربصين وستزيد الشقاق بين كل الأطراف، وتمنح الفرصة للتضليل وللنفاق والمنافقين والعصبية العمياء التي تودي  بالبلد والشعب إلى الهاوية والأهوال.
  وأخيراً، في التظاهرات الأخيرة إختلط الباطل بالحق، عندما إنخرط السياسي المخادع الباحث عن المكاسب الشخصية، بالموظف البسيط الغيور على وطنه وقومه والمنادي بحقوقه المشروعة.
 

203
رسائل في رسالة نوروز
  صبحي ساله يي
  على مدى السنوات الماضية أثبت الشعب الكوردستاني أنه شعب حي يستطيع مواكبة العصر وتهيئة الظروف التي تجعله في مستوى الشعوب المتطورة، وهذا ما يشهد عليه التطور الحاصل في مختلف الميادين الاقتصادية والعمرانية والخدمية والعسكرية المتحضرة، ونجاحه في ميدان السياسة الخارجية وتوسيع نطاق بناء علاقاته الدولية على أساس المصالح المتبادلة والإحترام المتبادل، وفي كلام طبيعي يندرج ضمن سياق ما يمكن أن يحدث، وبمناسبة عيد نوروز والسنة الكوردية الجديدة، بعث نيجيرفان بارزاني، رئيس وزراء إقليم كوردستان، إشارات طمأنة إلى الجميع، حينما أكد على أن كوردستان ليست على حافة كارثة كما يتصور البعض، بل يمكننا من خلال حوار داخلي سليم، ومن خلال توحيد صفوفنا، المضي بكوردستان قدماً والاقتراب أكثر من مستقبل أبهى وأكثر ازدهاراً. وحينما قال: (أن تاريخ كوردستان اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يمر بمرحلة مخاض لولادة جديدة، وأن الحركة التحررية الكوردستانية والسلطة الكوردستانية بلغتا مرحلة لا يمكن فيها القضاء عليهما، لأن هذه السلطة هي ثمرة نضال البيشمركة وصمود شعب كوردستان). هذا التأكيد نابع من الإحساس بحالة الذعر التي إنتابت العديد من الأطراف العراقية بعد إجراء الاستفتاء، وبدأت صرخاتها بالرفض القاطع لنتائجه والاتفاق على خطط عمل لإفشاله، والموقف الأكثر تشدداً في الوقوف بوجه هذا الحق القومي وجدناه لدى أصدقاء وحلفاء الأمس، وعبر تصريحات نارية من شخصيات قيادية وصل بهم الأمر إلى لغة التهديد بإشعال حرب عربية كوردية دون أي إعتبار لحرمة دم الإنسان، ومن هذا المنطلق منحوا لأنفسهم الحق بالتدخل في الشأن الكوردستاني ومحاولة إلغاء الجغرافيا الكوردستانية والسيادة الكوردية وبالتالي تناسي دماء مئات الآلاف من الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل هذه السيادة. وما سمعناه من البعض من أقوال مسيئة أو ما سمعناه من أصداء لأقوال، وماقرأناه في الكثير من المواقع الألكترونية كآراء أو وجهات نظر أو تصريحات، خلال الشهور الستة الماضية، دلت على تجاوز خط الممنوعات والسعي الى إستغلال العقيدة ومصادرة الحقوق وتعميم الإنتقام والثأر بنفس طائفي وقومي وموروث نفسي تمتزج فيه عناصر الخرق والخوف والرعب والريبة، وكانت تهدف الى النيل من مقدساتنا غير القابلة للتنازل عنها، والإنتقاص من شكليات شعائرنا وسلوكياتنا وتصرّفاتنا الفردية والجماعية، وإنتهاك الأعراف والمعايير والقيم الإنسانية، وحاولت تعقيد الأفكار بهدف تعقيد الأوضاع لغايات تضمن الإبقاء على المشكلات ووصول العلاقات الى حدود القطيعة والكارثة التي تطال كل الأطراف، والتي تتطلب عقوداً لتناسيها، هذا إذا لم تتحول الى أحزان دائمية وخلافات تاريخية لانجني منها سوى الخراب والدمار والفتن. كما كانت تعبر عن الرغبة في هدم مشتركات المودة والتعايش والتفاهم بين أناس يتساكنون في بقعة أرض معينة أو يتجاورون، وبينهم علاقات التعاون والتصاهر والتراحم، وتعهدات وثيقة الصلة ومصالح متبادلة. لانريد أن نسترجع التصريحات والمقولات والكتابات المتشددة التي روجت لمعاداتنا، والمهمات السياسية التي تتطابق وتنسجم تماماً مع الشعارات الشوفينية، ولا نريد ان تكون خطواتنا مجانية، أو مرتبطة بمخاوف ورغبات الآخرين، لأننا لا نريد أن نوصد الأبواب بوجه التفاهمات مع كل الأطراف التي نتعامل معها بالمنطق الإستراتيجي البعيد عن التكتيك، ولأننا حريصون على عدم قطع الود مع أحد. ونمتلك رغبةً طبيعيةً للتكاتف والتواصل والتقارب مع الجميع لصيانة مصالحنا ومصالحهم. وهذه الرغبة عبر عنها رئيس حكومة الإقليم بشكل واضح وصريح، وأعاد الى الأذهان الوعي الكوردي الدائم الرافض للخلط بين تجاوزات وممارسات بغداد ضد الكورد، والعلاقات العربية – الكوردية. عندما قال:
(كيفما تكن العلاقات بين الحكومات، فإننا سنبقى أخوة للأبد)، مشيرا الى ان نضال الكورد لم ولن يشكل أي خطر أو تهديد على أية دولة. بل سيعود نجاح شعب كوردستان على جيرانه بالخير.
في أوقات الأزمات قواعد تظهر الحقائق جلية، وتكشف تصورات لم تكن ظاهرة للعيان، والتعجيل في معالجتها أفضل من بقائها تحت الرماد، والأزمة الأخيرة بين أربيل وبغداد ليست استثناءاً، ولكنها كبيرة وشديدة الوقع. ولقاءات نيجيرفان بارزاني مع حيدر العبادي حقّقت التقدم (القليل) الذي يسمح بطي صفحة الماضي، وساهمت في تحقيق حدّ أدنى من الإستقرار في المناطق التي تسمى في الدستور بالمناطق المتنازع عليها. ويمكن لها أن تسهم في حل المشكلات السياسية الأساسية، وتحسين أوضاع البلاد وإدارتها، وإستيعاب نتائج فوران العواطف وقوة الصدمات، لإن العقلاء، وهم كثيرون، يرجون من صميم قلوبهم أن تصل الأمور إلى خواتيم سريعة وتوافقية جامعة وإيجابية، والمضي نحو الإستقرار الذي نتطلع إليه جميعاً.


204
صفحة جديدة بين أربيل وبغداد !
صبحي ساله يي
في بغداد، شكر رئيس الحكومة العراقية السيد حيدر العبادي، حكومة إقليم كوردستان على إستمرار تعاونها معه، ووصف علاقته مع السيد نيجيرفان بارزاني بأكثر من مجرد إجتماعات رسمية، وأكد على عقد إجتماعات وتواصل مستمر بينه وبين البارزاني، وقال: أن حكومته فتحت صفحة جديدة مع إقليم كوردستان، تبدأ برفع الحظر عن مطاري أربيل والسليمانية الدوليين.
وفي أربيل، شكر رئيس حكومة إقليم كوردستان السيد نيجيرفان بارزاني نظيره العراقي حيدر العبادي على قرار رفع الحظر عن المطارات، واصفاً القرار بالبداية المهمة التي تثبت أنه في حال إمتلاك الإرادة الجدية يمكن معالجة المشكلات استناداً إلى الدستور العراقي.
   قبل الإستفتاء الذي جرى في أيلول الماضي، جرى تجاوز كبير على القانون والدستور بإسم القانون والدستور، وبعده إرتفع التوتر بين أربيل وبغداد وساهمت التصريحات التصعيدية بالتدريج في تفاقم الخلافات بينهما، ووصلت الى مرحلة التشنج والإصرار على الأخطاء الفضيعة، وتناسلت الأزمات وكانت لكل أزمة إرتباط بسابقتها وأسوأ منها، وظهر على الساحة أناس يتلاعبون على حبل المزايدات الرخيصة فأثاروا الفتن وإختلقوا المعضلات، وإحتدم الصراع، وإنتقل الخلاف، الى مراحل حرجة ومستويات خطرة، والى تضارب المصالح، والتخطيط في العمق لتسيير الأمور بإتجاه الإطاحة بالآمال الكوردستانية، وتم تجاهل كل طلبات الإقليم الدستورية والقانونية، كما تم ممارسة الضغوطات من أجل تضييق الخناق على الكورد وتركيعهم للإملاءات المزاجية، ووصلت الأمور الى إستخدام القوات العسكرية والأسلحة الحربية المتطورة ضدهم، وبات رأس الكوردي مطلوباً في غالبية الحسابات السياسية. طبعاً هذا لا يعني أن الجميع (في بغداد) تحولوا الى أعداء وخصوم للكورد، لأن البعض كان يبلي بلاءً حسناً في الحفاظ على أواصر المودة والإحترام المتبادل.
   في أجواء الهلع الذي خيم على العراق إستقرت صيغة مواجهة التحديات في ذهن السيد نيجيرفان بارزاني، الذي قاد الإقليم لتحقيق طفرة نوعية في الاقتصاد والسياسة والعمران وتقديم الخدمات والاستقرار الامني، وتسجيل نجاحات كبيرة تثير الدهشة، تتمثل في إفتتاح العشرات من الممثليات الدبلوماسية لعواصم العالم في أربيل وعشرات الممثليات التجارية فضلا عن مئات الشركات العالمية في المجالات المختلفة وخاصة النفطية منها. وعقد (البارزاني) العزم على التباحث والحوار المباشر مع السيد العبادي، لإثبات الرغبة الصادقة والنيات السليمة والإرادة التي لا تدع مجالاً للشك في إمكانية تجاوز الخلافات التي أوقعت بأهل العراق عامة والكورد بشكل خاص الكثير من المظالم، وقرر أن يشخص ويصحح الأخطاء والنواقص، ومكامن الخلل وأن يضع الأصبع على الجرح لدرء المخاطر، وأن يدفع بإتجاه إبعاد البلاد عن الكوارث، والإستمرار في الحوار والتفاوض لإيجاد تسوية مع بغداد وفق دستور البلاد.
العبادي من جانبه، رغم أن البعض حاول زيادة الخلافات بين أربيل وبغداد وتوسيعها لصالح أجندات خاصة تتمحور حول إضعاف دور حكومة الإقليم وإسقاطها عبر الإنسحاب منها، وتهميش الحزب الديمقراطي الكوردستاني، إقتنع  بأن البارزاني هو المسؤول الكوردي الذي يمكن التباحث معه بشأن القضايا المتعلقة بالكورد في العراق وبما يخص العلاقة بين بغداد وإربيل، والذي بإمكانه ان يلعب دورا فعالاً ومتميزاً في نزع فتيل الأزمات التي تدور في البلاد.
وهذا يعني أن الجانبان توجها نحو البحث عن حلول للمشكلات، وتبادل الإتصالات والزيارات ووجهات النظر، وتحديد المسارات والمنطلقات والأولويات والمسؤوليات الوطنية والأخلاقية، لتحويل الخصام الى الإنسجام، والتنافر والإختلاف الى تفاهم، وإحباط آمال من يحاول أن يوظفه في الخفاء والعلن لصالح أجندته ومشروعه الخاص. وبعد إلاعلان عن التوصل الى إتفاق أولي بين الجانبين، إنتعشت الآمال، وإفتتح الطريق للبدء بوضع حلول (شاملة وعادلة ودستورية) لجميع القضايا العالقة بين بغداد وأربيل، وأصبحت الحلول قاب قوسين أو أدنى، خاصة وأن جميع الشواهد والقرائن تدل على أن التوقيع على هذا الإتفاق الأولي، يغير واقع الحال، وسيخفف الهجمات اللفظية المتبادلة، ويمد جسور الثقة بين الطرفين بعد سنوات من الشكوك والخلافات، ويردم هوة الإنقسام ويعالج الأخطاء، ويدفع بإتجاه توحيد الصفوف من أجل تنفيذ الدستور.
 



205
المفاوضات التي تريدها حكومة الإقليم
صبحي ساله يي
   منذ ممارسة شعب كوردستان لوسيلة دستورية ديمقراطية إسوة بشعوب العالم، من أجل صياغة مطلب شرعي، رغم التأكيد المستمر على المضي في طريق المحادثات السلمية مع الحكومة الإتحادية في بغداد لتطوير العلاقة معها. أصبحت تلك الممارسة موضع بحوث ومناقشات مستفيضة في مراكز القرار الدولية، وحشرت قادة وشعوب العالم الحر في زاوية ضيقة، ووضعتها أمام امتحان حرج وصعب جداً، حيث أنها لم تؤيد أو ترفض الاستفتاء صراحة. أما في بغداد، فقد ارتفعت أصوات النشاز ضد إرادة الشعب الكوردي، ووقع بعضهم في فخ الغطرسة السياسية، فلجأوا الى ممارسة سياسة لاتخدم مستقبل التعايش بين العراقيين، ولا تندرج في إطار الحرص على مصالحهم الأنية والمستقبلية، وأقدموا على تصرفات عنيفة ومغامرات خطيرة، كإغلاق المنافذ الحدودية مع الإقليم، وفرض الحصار الإقتصادي البشع، والإستعانة بالخارج وإقحامهم في الشؤون الداخلية العراقية، رغم اليقين بأن للخارجيين مطامع وغايات تقود إلى الابتزاز، وإشعال الفتن والدخول في متاهات سياسية جديدة لن تفيد أحداً.
  لولا صبر حكومة إقليم كوردستان وتحمل مسؤولياتها القومية والوطنية والأخلاقية، ولولا حكمة وحنكة رئيسها(نيجيرفان بارزاني)، لتعرض الكوردستانيين الى كارثة إنسانية سواء جراء التجويع والإنتقام، أو الدخول في مواجهات دامية مع القوات العراقية. لقد قال رئيس حكومة الإقليم بصراحة ووضوح في عدة لقاءات ومؤتمرات صحفية بـأنه سيمضي في التفاهم والتفاوض البعيدين عن المساومة مع بغداد، من أجل حل كل أنواع الخلافات والمشكلات العالقة، وإقناع بغداد وتحفيزها وتشجيعها للتراجع عن كل الخطوات التي تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها للطرفين.
 السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، ما هو التفاوض الذي دعا اليه رئيس حكومة الإقليم، وما هي أهدافه؟
التفاوض، كما هو معلوم، أداة هامة لتسوية المشكلات وحل الخلافات ومعالجة الأزمات وزيادة التفاهم والتفاعل، وإقامة التوازن بين المصالح المتباينة وبين الآراء والمصالح المتناقضة وبين الحقوق والواجبات. ووسيلة إنسانية للحوار وتبادل الإقتراحات ووجهات النظر بين طرفين أو أكثر بخصوص السلم والحرب والقضايا البسيطة والمعقدة، والمشكلات الدستورية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية. وفي ظل تعقد العلاقات بين أربيل وبغداد، واختلاف الرؤى والمواقف بينهما، تم جدولة الموضوعات بين المهم والأهم للتفاوض والحوار بشأنها بغية تضييق الخلافات والوصول إلى اتفاق ملزم بشأنها أو نتيجة مرضية بالنسبة للطرفين.
المفاوضات السياسية والدبلوماسية التي جرت حتى الآن، رغم المساعي الخارجية لتنشيطها ورغم تقديم النصيحة والمساعدة والمشورة للطرفين، سواء في مرحلة الاستكشاف، أو مرحلة تقديم وجهات النظر والمقترحات بالنسبة لكل قضية من القضايا العالقة، أو بإنتهاج التفاوض المباشر بين البارزاني والعبادي في بغداد ودافوس وميونخ، واللجان الفنية والأمنية والإقتصادية، قطعت مسافات مهمة نحو الإفصاح عما في الخواطر، والنضج والاستقرار والوصول إلى نقطة التسوية، ووصلت الى مرحلة يدرك فيها كل طرف أن الاتفاق بينهما قد أصبح في متناول اليد، وأن الطرف الآخر رغم كتمان المشاعر واحتباسها، حريص على الإصغاء وإتاحة الفرصة أمام نجاح المفاوضات، والى نوع من التفاهم بخصوص مطالب الجانبين، ونوع من الإحساس المشترك بإطار الاتفاق الذي ينبغي تحقيقه بأسلوب بنّاء وإيجابي. لكنها لم تفض بشكل مباشر الى نتيجة تسر الإصدقاء وتغيض الأعداء. كالتزام الطرفان بالدستور نصا وروحا، وتطبيقه، وخاصة المادة 140منه، وإنهاء الحصار الاقتصادي على كوردستان، ومعالجة ازمة حصة الاقليم في الموازنة الاتحادية ومشكلات النفط، والاتفاق على تفاصيل وضع البيشمركه ورواتبهم وتزويدهم بالأسلحة والاعتدة والمعدات اللازمة لمواجهة الإرهاب وحفظ الأمن والإستقرار.
أما أهداف التفاوض لدى أربيل فتكمن في إظهار الاحترام المقرون بالفهم لإقرار الاتفاق بشكل مكتوب بمنتهى الدقة والوضوح، وتحديد التفاصيل القانونية ليكون نصراً للطرفين، دون التركيز على الماضي وحكاياته، وأخطاء الطرفين وأسباب الخلاف، أو التشبث بالمواقف التي تعلن في الإعلام، وضمان عدم قيام أي من الجانبين بتحركات مفاجئة إلى الخلف، أو محاولة إحراج الآخر وحشره في زاوية ضيقة، سواء بإعتبار ما حصل في السنوات السابقة مقياساً، أو عبر مشاركة أناس  مختصصون بزرع الألغام بين سطورالإتفاقات ..
 


206
بغداد ... أوصدت أبوابها
صبحي ساله يي
  نجمت الأزمة الإقتصادية في إقليم كوردستان جراء أمور كثيرة، أبرزها تكاليف الحرب ضد داعش الإرهابي التي إستمرت لأكثر من ثلاث سنوات، وإستقبال وإيواء ما يقارب مليوني نازح، والسعي المتواصل لحكومة بغداد منذ سنوات الى إهمال حقوق الكورد وفرض شروطها التعجيزية الخانقة ومواقفها المحددة، والإمتناع عن صرف حصة الإقليم من الموازنة الإتحادية وقطع رواتب الموظفين والعمال الكوردستانيين، بهدف محاصرتهم وإستنزافهم، وإثقال كاهلهم وزيادة همومهم اليومية، والتعويل على زيادة الإحتقان الداخلي وتعميق الخلافات للفشل في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وخلق جو من المعارضة الشعبية والسياسية لحكومة الإقليم، تتماشى توجهاتها مع مطالب بغداد غير الدستورية، وإنتاج ردود أفعال تؤدي إلى إنقسامات داخل البيت الكوردي, وبالتالي نسف الأمن والأمان اللذين يتنعم بهما الإقليم. وتهميش وتحجيم السلطات في أربيل، والحد من دستوريتها وشرعيتها المكتسبة, وصب الزيت على نيران المآزق التي تضيق الخناق على حكومة الإقليم، وعدم تطبيق الوعود التي طالما قدمتها بغداد خلال الفترة السابقة، وعدم إلتزامها بالشراكة والاتفاقيات. وآخر أوراق اللعب لدى بغداد، التي تتحمل مسؤولية عدم تطبيق الدستور العراقي، تمثلت في إقرار موازنة سنوية يمكن أن توصف بالمجحفة بحق الكورد، لأنها مررت في ظل غياب الكورد والعدالة، ولأن الحصة المخصصة لكوردستان لا تكفي لتأمين رواتب موظفي الاقليم، ناهيك عن المبالغ الضرورية لتقديم الخدمات وصيانة البنية التحتية.
  حكومة الإقليم، التي تمتلك زمام قرارها الوطني، إتخذت مواقف مشرفة تجاه تصرفات بغداد وتعصبها وتماديها، وسطرت بمداد من ذهب ثوابت كوردستانية أصيلة، ولاسيما في مجالات تحديد القرارات المصيرية في البلاد، ورفضت التنازل عن أجندتها الأخلاقية، وتحملت تبعات تلك المواقف المصيرية. كما أن رئيس الحكومة السيد نيجيرفان بارزاني لم يألوا جهداً في دفع عجلة الحوارمع بغداد نحو الأمام في كل الأصعدة وفق أطر دستورية قانونية. وحتى بعد تمرير قانون الموازنة الذي يعتبر إنتهاكاً صريحاً لمبدأي الشراكة والتوافق اللذين بني على أساسهما العراق الجديد. أكد رئيس حكومة الإقليم على ضرورة وضع حد لسياسة الغالب والمغلوب، ومن هو الاقوى أو من هو الاكثر عدداً، كما أكد إلتزامه بحل المشكلات مع بغداد على أساس الدستور، وعبر عن الأمل في أن تتوصل المحادثات والحوارات بين أربيل وبغداد إلى نتيجة تصب في مصلحة الجميع.
  تمرير الموازنة بالتوافق بين الكتل الحزبية الشيعية والسنية العربية في البرلمان العراقي، أو كما يقال بمنطق الأغلبية العربية، ومعارضة كوردية تامة، أعاد الذاكرة الى الوراء، الى أيام التحالف الإستراتيجي بين الكورد والشيعة، وأيام لم يجد فيها النواب والساسة السنة، الملاذ الآمن لهم ولأهليهم في غير كوردستان، وأعاد من جديد فتح الملفات القديمة بين الكورد والعرب. كما دفع الساسة والنواب الكورد في برلماني بغداد وأربيل الى التوجه نحو الشعب الكوردستاني، ليقولوا لهم :
   بغداد بموقفها الصارم في الموازنة الجديدة، أوصلت رسالتها لكم، تعاقبكم، وتؤكد قطع أرزاقكم، وتدفعكم نحو الإبتعاد عن العراق، وأن الساسة والنواب العرب لا يريدونكم شركاء لهم في عراق اليوم. وأن ومساعي الحكومة المركزية، تتعدى المآخذ والملاحظات ولي الأذرع والموازنة وغلق المطارات والمراوغة والتماطل في معالجة التركة الثقيلة، وإنتهاك مبادىء الشراكة والتوافق والتوازن والدستور والتجاوز عليها، لأنها تريد أن تخضع الأمور لمقاييس الاكثرية التي لا تسامح، ولا تقبل بالآخر وتستكثر كل حقوقكم القانونية والدستورية وتتشبث بالتزمت والعسر، وتصل إجراءاتها العقابية المالية والسياسية والعسكرية الكثيرة، وإقتناصها الفرص وإبتزازاتها المستمرة، الى الايقاع بكم وتأزيم أوضاعكم وشل حركتكم وإستهدافكم ومسألة وجودكم، وإنها توصد في وجوهكم كل الأبواب، وتحاول القضاء على كل ما حققتموه من منجزات، لذلك لاتندموا على ذهابكم إلى الإستفتاء، وأن ما تشعرون به من تهديد يتطور كل يوم . 
 

207
أنا وابن عمي على الغريب
صبحي ساله يي
  التعدديات القومية والدينية واللغوية في المجتمعـات المتقدمة التي تؤمن بالعيش المشترك والتي تحتضن التنوع الديني والثقافي والقومي بشكل عادل، تعكس الهويات الوطنية والثقافية المتنوعة لدى أبناء المجتمعات، وتضمن ترسيخ الشعور بالإنتماء للوطن، بدلاً عن القومية أو الدين أو المذهب، وتتصدى للأخطار والتحديات المشتركة التي تبدأ بالصراعات البينية الحادة، والإرهاب والعدوان الخارجي والكوارث الطبيعية ووالأفات والأمراض، وتنتهي بمواجهة كل ظواهر التعصب الأعمى وتداعياتها غير الإنسانية المريرة التي تضعف التعايش والحوار والتفاهم والسلم المجتمعي، أو الأهلي.
التحديات التي مر بها العراق، جراء المتغيّرات السياسية والاجتماعية والنزاعات والنزعات الإستعلائية، والظلم الذي تعرض له الشيعة ( أنا ) على أيدي السلطات، قبل العام 2003، التي كانت تحتسب، دون حق، على المكون السني. والظلم الذي تعرض له السنة ( إبن عمي ) بعد 2003، على أيدي حكومات تحتسب على الشيعة، أيضاً دون حق. والظلم الذي تعرض له الكورد ( الغريب ) قبل وبعد 2003، على أيدي الحكومات التي تحتسب على العرب. دفعت المكونات الثلاثة الى السعي لتحقيق التوازن ورسم الحدود في ما بينها، ولإثبات وجودها عبر تمسكها الشديد بهوياتها الخاصة، وبالرهان على الخطابات التي تزعزع الإستقرار والإنسجام ومبادىء المواطنة، والتي تهدد الضوابط والضمانات التي تجسد دعائم المصير المشترك، وكذلك التي تصون كرامة الإنسان وتحترم حقوقه المدنيّة والسياسية، وتحقق سيادة القانون والعدل والمساواة.
من يتأمل الوضع العراقي المسكون بالمفارقات والتناقضات بحياد، جرّاء إستناد البعض على منطق العبث الذي يتجه كل يوم نحو المأسي والويلات، وجراء تعميم ثقافة الإستخفاف والإنتقام والتخوين والإتهام والتشفي وإستعصاء الأمور وتعقيدها واستحكام الأزمات، وجراء إشاعة مشاعر كراهية غير مسبوقة ضد الكورد، كراهية تنسف الإرادةٍ والتحركات والمبادرات التي تهدف الى تحقيق نوع من التصالح والوئام بين المكونات العراقية، يصاب المتأمل بالإحباط واليأس ويصل الى قناعة تامة مفادها أن المستلمين للسلطة في العراق، لاعلاقة لهم بمبادىء المواطنة والديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة، وكذلك الحقوق والواجبات. وذلك الوضع، وإرتكاز كل مكون على منظومة المظلوميات، يشير الى وجود أسباب كثيرة تؤدي الى المزيد من التفرقة والانقسام والمعاناة الإنسانية. وتأجيج الصراعات، وتضييع الفرص التي تقرب بين المكونات. وفي المقابل يؤكد ضرورة تواصل الجهود التي تحقق التقارب بين المكونات والتي تؤدي الى تعميق مفاهيم التعايش بين المكونات بدلا من الصراع ويهدد الأمن والسلام .
في عراق ما بعد 2003، كان مأمولا عند الكورد أن تختفي من القاموس السياسي والإعلامي العراقي بعض السلوكيات والممارسات والخطابات والحسابات المتخلفة وغير الديمقراطية وغير العقلانية والإتهامات والمزايدات المهيجة والمستفزة، لكنها تناسلت كالفئران وإنشطرت كالأميبيا بوتائر كبيرة وسريعة. وبخصوص مجمل الإستحقاقات الكوردستانية، تم نسج صور سيئة وسلبية تثير حفيظة الكورد. وما حدث قبل أيام في البرلمان العراقي، أثناء تشابك الأجندات، وتداخل المصالح، واإنقلاب على الشراكة، والتفرد والإلتفاف على الدستور ومخالفته، أثناء المصادقة على الموازنة السنوية للعراق دون الأخذ بنظر الاعتبار مطالب الكورد و دون مراعاة تحفظات الكورد، وتمريرها بموجب مبدأ الأغلبية القومية، تخطي للحدود وتجاوز للاتفاقيات السياسية ودليل ومستند رسمي لسياسة شوفينية ونعرة قومية، ومحاولة علنية لإغتصاب حقوقنا المتعارف عليها وثني عزيمتنا ولي ذراعنا والضغط علينا لكسب الجولات السياسية، كما تحمل الغل والعداء لإقليمنا وتاريخنا، وتثبت أنهم إن لم يكونوا أعداء متربصين بنا على الدوام، فهم لم يكونوا أيضاً أصدقاء، ولايعتبروننا شركاء، ولايمكن أن يكونوا رحماء مع (الغريب)، ولايكترثون لتجويعنا وتهميشنا، وخلق واقع مأساوي يسود فيه التدمير والتخريب، والانجرار إلى الفتنة وضياع ما تحقق، ولو نفذت كما هى ستقتلع أسباب الحياة والاستقرار في كوردستان. وذلك الإقرار للموازنة أوصل البعض الى الحد الذي يدعو فيه السيدين مسعود بارزاني ونيجيرفان بارزاني لعقد إجتماع موسع وعاجل تشترك فيه كافة الأحزاب الكوردستانية لإتخاذ القرار المناسب العقلاني والموضوعي والواقعي، للتعاطي مع مشكلة إقرار الموازنة.

208
العبادي ليس قوياً، ولكن

صبحي ساله يي
  الجهود التي بذلت، والتي ماتزال تبذل من قبل حكومة إقليم كوردستان برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، بخصوص رفع الحصار والحظر الجوي المفروضين على الإقليم، دون وجه حق، منذ بدايات إندلاع الأزمة بين أربيل وبغداد. ومحاولات حكومة بغداد برئاسة السيد حيدر العبادي التجاوز على الحقوق الدستورية والطبيعية لحكومة وشعب كوردستان، من خلال غلق الحدود، وإفتعال القضايا وتصعيدها، وقرارات غير واضحة، وشروط إنتقائية، تضاف لها شروط أخرى، ومازالت تضاف، وترك الأمور لتقديرات وتقارير اللجان الفنية والأمنية. تحتم التأكيد على أن فرض الحصار على أي شعب بأي سبب كان، تحلل علني عن الضوابط الأخلاقية، وإلغاء للقيم وتجاوز على الحقوق الأساسية للإنسان، وإبحار في الإتجاه المعاكس للأخلاق والمروءة، وسيكون له تداعيات تؤدي الى أزمات، وصنع الأزمات وتوسيع قاعدة إنتشارها وتوظيفها لمآرب و غايات خاصة، غش وإفتراء وكذب وخداع و بذاءة وفجور ونهج للظالمين ،وطغيان  للمنحطين سياسياً وإعلامياً.
المحاصِر الجائر لايختلف عن الإرهابي الذي يحاول التعتيم على صوت العقل والحق والحقيقة، والإثنان يتحدثان بنبرة متشابهة بخصوص وقوفهما مع خيارات وتطلعات الشعوب، وكل منهما يعمق ويغذي الفقر والبطالة والجهل، وكل الأورام السرطانية التي لاتخطر على البال.  وكل ما يقال من أجل التبرير والافتراء وشراء الذمم والتأثير على نفسية المواطن المحاصر ومعنوياته وسحبه أو إستدراجه نحو المهالك وإجهاده مادياً ومعنوياً، وإفساد الرأي العام وتضليله، من ألفاظ وعبارات صادمة، لا يقبلها عرف ولا دين، ويعتبر من السلوكيات المقززة في الطرح السياسي، لأنه سهم في تحطم العلاقات بين الشعوب والإنزلاق في وحل السب والشتم والتخبط وخلط الأوراق.
  أما أخلاقيات أزمة الحصار المفروض على الكورد في إقليم كوردستان، فمتشابهة مع الحصارات التي فرضت في أوقات سابقة على الشعب العراقي في عهد صدام من قبل المجتمع الدولي والشعب الإيراني من قبل أوروبا وأمريكا، والفلسطيني من قبل إسرائيل، ولكنه أشد قساوة من الحصار الذي فرضه صدام على الكورد. 
السيد العبادي، جراء محاصرته من جهات عدة، خارجية وداخلية ومن قبل طائفة من السياسيين الطموحين إلى تحقيق نجاحات شخصية، يعيش في حالة التوتر الدائم، لذلك يلجأ إلى توظيف التوتير وإستثماره، وتوتير الآخر علاجا لتوتره هو، ولكنه إزداد توتراً على توتره. وإزاد معاناته من أزمات الثقة ومن طروحاته وقدراته على نحو لم يتوقعه هو أو أي مراقب، وقد تمثل هذا التوتير المتحقق في تضاعف موجات الرفض لأفكاره وتوجهاته، وبدلاً التحرك نحو الأمام، أصبح يتحرك في مكانه بتوتر. وبهذا الشكل، رغماً عن مزاعمه، فإنه يؤكد كل يوم على أنه لا يريد الحل، ولا يريد إنهاء مسببات الحصار، ويفشل المبادرات، ويفشل آمال العراقيين عموماً، ويفتعل الأزمات ويزيد النار حطباً، ويثبت سعيه الحثيث لضرب استقرار كوردستان، وإلزام الآخرين بتوجهاته، ويلعب لعبة مرفوضة تفوق قدراته الفعلية، وبالذات اللعبة التي تمارس من خلال فتح الأبواب الخلفية أمام شخصيات كوردية معارضة لحكومة الإقليم، وكذلك الساعين الى زيادة التعقيد على الأزمات.
في المقابل، أكد رئيس حكومة الإقليم، على مبادئ عامة أخلاقية تحظى بقبول واسع على مستوى المحلي العراقي ودول وشعوب العالم. وغالبية تلك المبادئ مزعجة للعبادي، لذلك يقابله ( العبادي) بخطاب مغاير بهدف النجاح في إستغفال الآخرين. ويستغل ضعف السيدين فؤاد معصوم، رئيس الجمهورية، وسليم الجبوري، رئيس البرلمان، رغم إنه متيقن من أنه ليس ذلك الشخص القوي الذي يستطيع أن يفرض نفسه على الآخرين.
في بداية الأزمة، لم يقف أحد الى جانب الكورد، ولم يكن هناك من يمنع التصعيد السياسي والعسكري، أو يسعى لحل الأزمة ولو بتصريح، حرصاً على المصالح الإقتصادية والمكاسب السياسية، أو رغبة في الإنتقام، ولكن الكوردستانيون، بصمودهم وتصديهم، أظهروا حلماً وصبراً يفوقان الحدود، وثباتاً على الحق، وإستقامة على الطريق، من دون إفراط أو تفريط بالمبادئ والقيم الإنسانية. وأذهلوا الجميع بإحترامهم وتقدير الآخرين، وبعدم تأثرهم بمغامرات وماراثونات التصعيدات، وعدم إنزلاقهم الى المستوى المشابه لما يفعله الآخرون تجاههم.
 

209
المنبر الحر / الحصار صار بعيداً
« في: 22:45 18/02/2018  »
الحصار صار بعيداً
صبحي ساله يي
   الوفد الكوردستاني الذي شارك في مؤتمر ميونخ، برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، أراد طمأنة الحاضرين وإبلاغ المسؤولين من أن قوة الكورد لاتهدد أحداً وتعزز دعائم الديمقراطية في منطقة مليئة بالفوضى والتناقضات، وأن شعب كوردستان يروم خيراً للجميع وله نيات صافية، وغايات نبيلة، ومخططات كثيرة ونافعة، وسوف يستمر في المحافظة على حماية الإستقرار والتعايش السلمي المشترك وسيسعى لتوطيد روح التسامح في الإقليم، لذلك إتسمت لقاءاته ومناقشاته مع عدد من الوفود المشاركة في المؤتمر بالصراحة والشفافية اللتين ستنعكسان إيجاباً على العلاقات المستقبلية بين أربيل وبغداد، من جهة، وبين أربيل وبقية العواصم من جهة أخرى.
   قبل أسابيع كنا نسمع تغريدات بصوت البوم الجارح الذي لا يتوانى في الحديث عن سواد الأيام المقبلة والتلويح بالتصعيد والوعيد وبإستخدام القوة والقتال ضد الكورد ومواجهة مطالبهم المشروعة حتى لو تطلب الأمر التضحية بأموال وثروات ومساحات من الأراضي العراقية لصالح الدول المجاورة، أو حتى بفتنة قذرة تحرق الأخضر مع اليابس. تلك المواقف المعادية التي كانت تشوبها التخبط وعدم التخطيط، كشفت الكراهية المقيتة والنعرات الطائفية والقومية الدفينة بدواخل الكثيرين تجاه الكورد، وخدشت شعورنا مرات كثيرة، سواء بتأليف سيناريوهات ملفقة، أو بتبنى سياسة التصعيد والتهديد واستعمال القوة بحجة تطبيق الدستور، أو بإدعاءات باطلة تحاول جر شعبنا الى صراعات نحن في غنى عنها، كما فضحت عقلهم الباطن الجامع للفكر والقناعات المتعلقة بتكوينهم الثقافي والفكري والسياسي وبسلوكهم المتوارث. وفي المقابل أكدت للكوردستانيين ضرورة مواجهة التحديات والصعوبات بجرأة وحزم إسوة بجميع الشعوب الحية، والتمسك الدائم بالنهج الديمقراطي السلمي، وطرق الأبواب المغلقة بهدوء، والتحدث مع المؤيدين والمعارضين بلغة دبلوماسية متزنة ومقنعة، والتأكيد على المنافع المتبادلة والتسامح والتعايش.
   بعثت أربيل بأکثر من رسالة من خلال مشاركتها الفاعلة في مؤتمر ميونخ لهذا العام، المختلف كلياً عن الأعوام السابقة، أولها: إثبات جدارتها في الحفاظ على مكانتها العالية على المستوى الدولي بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، التي تحققت بفضل حكمة وشجاعة الرئيس مسعود بارزاني، في محاربة التطرف والإرهاب نيابة عن العالم، والإنتصار على داعش. وثانيها: نجاح سياسة حكومة الإقليم برئاسة نجيرفان بارزاني في إحتضان ما يقارب مليوني نازح ولاجىء من كافة مناطق العراق، رغم قطع الموازنة السنوية ورواتب العمال والموظفين، وهبوط أسعار النفط بشكل كبير، ولجوء بغداد الى سياسة لي الأذرع من خلال التواصل مع بعض الجهات الكوردية لخلق المشكلات لحكومة الإقليم وإضعاف موقعها القانوني والدستوري، وسحب الثقة منها. وثالثها: القدرة على نقل ملف الحصار المفروض عليها من قبل بغداد، وكذلك الخلافات العالقة معها، من شأن محلي الى شأن دولي، والتحدث عنها بصوت عال وصريح في المحافل الدولية، مستندة في ذلك على قوة المنطق والديمقراطية، والمكانة المهمة للإقليم في المنطقة. ورابعها: تذكير العالم بأن الكورد في سنوات الحرب ضد داعش ضحوا كثيراً وكانوا الفرسان الوحيدين القادرين على الوقوف بوجه داعش ودحره، وكانت شعوب الدول الخيرة تثق بها وتؤيدها وتمدها بالسلاح والعتاد والمعلومات الإستخباراتية، ولكن بعد الحرب، مباشرةً، أصبحوا ضحايا لسياسة الإستعلاء في بلد يعاني مشكلات جسيمة وصراعات سياسية وأمنية واسعة النطاق، وترتهن سياساتها لتدخلات من قبل أطراف خارجية شتى. وخامسها : التعبير عن الإستعداد الدائم للتعامل بذكاء شديد مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وبالذات في محاربة الإرهاب ومساندة القوى التي تحاربها...
   أما الوفود التي إلتقت بها وفد الإقليم فقد جددت إحترامها للكيان الكوردستاني، ومساندة الإقليم وقوات البيشمركه، وأكدت على ضرورة إقامة أفضل العلاقات الإقتصادية والدبلوماسية مع حكومة الإقليم ، ومساندة الحوار بين أربيل وبغداد،  ودعت بشكل واضح وصريح الى ذلك وعبرت عن رغبتها في المساهمة في إيجاد الحلول الواقعية المقبولة لدى الجانبين، وفك الحصار الإقتصادي والدبلوماسي المفروض على شعب كوردستان، من قبل حكومة إختلط عندها الصيح مع الخطأ ، وتوعد ولاتنفذ، وتلعب بالمشاعر لكسب الوقت والأصوات الإنتخابية.



210
البارزاني. فاتح الأبواب المغلقة
صبحي ساله يي
  بعد الإستفتاء واجه إقليم كوردستان مشكلات كبيرة وكثيرة، تمثلت في تجاوز بغداد للدستور وإنتهاك إرادة المواطن الكوردستاني، وفرض الحصار، وتنافس غير المعقول مع المعقول، وتلاطم المكائد السياسية والإقتصادية، وتهديد الوضع الفدرالي الدستوري الراهن للإقليم.
في وسط تلك الزحمة والأحداث المؤسفة، راقب الكوردستانيون التطورات الميدانية والمتغيرات الإقليمية والتحولات التي تستوجب النظر والاستيعاب والتعامل والتجاوب معها، وكذلك التي تستحق مقاومتها، دون تصعيد. ولأنهم ورثوا الكثير من الصراعات والقضايا المثيرة، وقفوا على مفترق الإختيار بين الإلتفات الى الماضي الجارح الأليم بسبب راكبي موجة السياسة الذين لايمتون للفهم والصدق والأمانة بصلة، وبين التطلع إلى المستقبل وحب الوطن من حيث حمايته من قبل الذين إعتادوا على التضحية ومقارعة الظلم والمطالبة بالحقوق وتطبيق القانون والعدالة والمساواة بين الجميع. وإتجهت الأنظار نحو السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم ليقف في طليعة المتطلعين للغد الأفضل، وليفتح الأبواب والنوافذ المغلقة بين أربيل وبغداد أولاً، وبين أربيل وعواصم العالم تالياً، بوجه الكوردستانيين.
زيارات وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاين، ووزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، ووفد وزارة الخارجية الأمريكية برئاسة جون سوليفان نائب وزير الخارجية الأمريكي، وآندرو بيك نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، وإيريك ماير نائب مساعد وزير الخزانة الأمريكي ودوغلاس سيليمان السفير الأمريكي في العراق، وإجتماعاتهم مع رئيس وزراء إقليم كوردستان. وتأكيداتهم الجادة على إلتزام بلدانهم باستمرار العلاقات مع إقليم كوردستان ودعم شعب وحكومة الإقليم وقوات البيشمركه، وعلى ضرورة إرساء الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني في المنطقة. ودعواتهم لحل المشكلات بين أربيل وبغداد على أساس الدستور العراقي ومن خلال الحوار. وتأكيداتهم على ضرورة إرساء الاستقرارالاقتصادي والسياسي والأمني في المنطقة وحفاظ إقليم كوردستان على مكانته الهامة التي يشغلها، فتعتبر تحطيماً للحصار السياسي والدبلوماسيوالإقتصادي المفروض على إقليم كوردستان. وتأكيدات لاتقبل المناقشة على ما أوردتها وسائل إعلام عالمية ومراكز دراسات ومسؤولين دبلوماسيين كبار، وعاملين خلف كواليس مراكز صناعة القرار في العالم، وأصحاب القامات الطويلة الذين يرون ما لايراه الآخرون، وفقاً لمبررات فكرية ان نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، هو الشخص الذي لا يمكن الاستغناء عنه كوردستانياً للإمساك بخيوط اللعبة وتجاوز المشكلات وبناء المستقبل الأفضل. 
رئيس حكومة الإقليم، بحكم طبيعة النظام السياسي ونتائج الإنتخابات التشريعية، هو من الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الأقوى نفوذاً، والذي يتحمل المسؤوليات وتبعاتها وحماية المصالح الاستراتيجية، وإتخاذ الاجراءات الوقائية، وإحتواء كل المعضلات، وإتخاذ التدابير اللازمة بخصوص العلاقات السلبية والإيجابية بين الأحزاب الكوردستانية التي لم تقم بأي حال من الأحوال على حسن النوايا، لأنها نشأت وتطورت وفقاً لدرجة المصالح المتبادلة ومدى التشابه والتطابق النسبيين أو الاختلاف النسبي في الرؤى، ولا تخرج علاقة حكومة الإقليم، منذ بداية تشكيل الكابينة الحالية في العام 2014 برئاسة نيجيرفان بارزاني عن هذا السياق، ولكن ما يهم هو أن نضع الخلافات البينية جانباً لمواجهة ما نعتبره تهديداً إستراتيجياً مشتركاً، وأن يعرف الجميع في هذه المرحلة أن الشعب الكوردستاني، قوي وفاعل يريد أن يقدم نفسه للعالم على حقيقته الميالة للسلام والاستقرار.
أما الأجواء التفاؤلية التي تسود الإتصالات الإيجابية بين أربيل وبغداد من جهة، وبين أربيل والعواصم المهمة، والتي قطعت شوطاً كبيراَ في الفهم المتبادل، فإنها تؤكد على وجود إرادة جامعة لمحاصرة كل الظواهر السلبية. وتدل على إمكانية معالجة النقاط العالقة بتقريب وجهات النظر والحوار والإنفتاح على جميع الإتجاهات لتسهيل العقد المستعصية ومعالجة الإشكالات الجوهرية الكبرى، وهذا الجو المتفائل بالنسبة للكوردستانيين، سيمهّد حتماً لإستحقاقين آخرين لا يقلان أهمية عن الإستحقاقات الوطنية والقومية المهمة، ألا وهما، إنتخابات البرلمان العراقي، والإنتخابات التشريعية في الإقليم،  ويتفق الجميع على أهمية هاتين العمليتين، ويعتبرونهما وقتين مهمين تمتحن فيهما الذكاء والإخلاص، وتختبر فيهما الإرادة والشجاعة دفاعاً عن الثوابت والقيم، كما يعدونهما إستحقاقين وطنيين لإثبات الهوية والذات والقرار الصحيح الذي يرسم معالم الحياة السياسية المقبلة والبرامج والمشاريع التي تخدم المواطن الكوردستاني وتجسد تطلعاته المشروعة.
 

211
من يمنع إندلاع الحرب . يستحق نوبل للسلام
صبحي ساله يي
 بعد الإستفتاء الذي جرى في أيلول الماضي في كوردستان، إنتقلت فكرة الإضرار المباشر بمصالح الكورد وإستهداف إقليم كوردستان، من مرحلة الأمنيات الى مرحلة كسر الإرادات والصراع الدموي التي تزهق الأرواح، والإلتفاف لخداع المواطنين العراقيين بأن الإقتتال مع الكورد أفضل لهم من التريث والتأمل ودراسة الأضرار المحتملة والحوار السلمي والفعاليات السياسية. وإرتفع ضجيج خطاب الكراهية نحو الإستفتاء والذين قادوا العملية والمشاركين فيه، وإتسع مداه بلغة مخيفة وأثار المخاوف لأنه طغى وقمع الأصوات المعتدلة، وإعتمد على البعد القومي الشوفيني والتعصب الطائفي المقيت في تحريك المشاعر البدائية التي تحرض على العنف والكراهية ضد الشعب الكوردستاني، كما أثر بشكل سلبي على تبلور ثقافة شعبية يصعب إجتثاثها خاصة وأن المستفيدين منها عملوا على ادامتها وتصعيدها، بهدف إعادة انتخابهم مرة اخرى، أو لتكريس وجودهم في السلطة.
تسارعت الأحداث، وبدأ حيدر العبادي الطامع بأرث حزب الدعوة والحصول على الولاية الثانية، بإطلاق التصريحات النارية والإستعداد للحرب على الكورد من خلال إصراره على خلط جميع الأوراق وصب الزيت على النار، والتقرب من الأنانيين الهزيليين وأصحاب الضغائن والساذجين والفاشلين، وهم الكثرة الكاثرة التي أغرتهم الوعود وتناست أن الاقليم كان في التسعينات المأوى الآمن للمعارضين ضد النظام البائد، وبعد التغيير أصبح الكورد بيضة القبان في العملية السياسية، وكان لهم دور كبير في كتابة الدستور، وقالوا أن إجراء الإستفتاء مخالفة دستورية، وتناسوا فشل النظام السياسي والعجز في حفظ الشراكة الوطنية وتشطر التحالفات والأحزاب السياسية وتراكم المشكلات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، وأجراءات بغداد التعسفية وتجاوزها على حقوق المواطن الكوردي, وخروقاتها العديدة للدستور، وأن كوردستان أصبح ورشة أعمار ملموسة درج المسئولون الأمريكيون والأوربيون على زيارته كلما زاروا العراق، بينما ظلت محافظات الوسط والجنوب تعيش حرماناً وتخلفاً ،وتعاني من مشكلات لا تعد ولا تحصى، وفي وضع لا تحسد عليه.
رئيس الوزراء العراقي والسياسيين من كافة الكتل كانوا يعلمون بأن الاستفتاء لايعني بالضرورة إعلان دولة كوردستان بصورة فورية، بل كان يعني إستطلاعاً لرأي الشعب الكوردستاني وممارسة لحقه في تقرير المصير، ويعني ضمان حقوقهم في التملك والعيش بسلام، ووضع الأمور في نصابها والسير بالإتجاه الصحيح، ويعني تنظيم العلاقة بين الكورد والعرب وفق برنامج عقلاني ورؤية عقلانية. ولكن غرام الإنتقام ألهمهم وشجعهم، وأشباه الرجال الطامعين بالمناصب والإمتيازات دفعهم على ألإستعجال بعيداً عما يصيب الجميع من كوارث تختزن ما لا تحمد عقباه.
العراق أعلن إستعداده للحرب، وشن هجمات عدة على كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها. وفرض حظر الرحلات الدولية في مطاري أربيل والسليمانية، ليعاني الكورد من الحصار وليواجهوا عزلة دولية، والسيد العبادي سعى إلى زيادة سلب حقوق الكورد، وحاول إستحصال موافقة الأمريكان بشأن إستعمال طائرات إف 16، والأباتشي ضد الكورد، ، إلا أن الأمريكا رفضوا دعواته المتكررة.
في المقابل أدرك نيجيرفان بارزاني، الحاجة الماسة للجلوس الى طاولة الحوار، ودرء التداعيات المنذرة بالشؤم، وسماع صوت العقل والحكمة والاعتدال، والحيلولة دون تكرار التجارب العبثية التي تركت ندوباً وجروحاً لم نجن منها غير القتل المجاني وتثخين الجراح والخسائر. وإعتنم الفرصة الأخيرة قبل فوات الأوان، وقبل الدخول في أنفاق مظلمة والتوجه نحو مستقبل مجهول يضع الجميع مرة أخرى في دائرة القتال والتقاتل وحروب عنيفة تكون جميع أطراف الصراع خاسرة فيها، وتكون لها تداعيات خطيرة يمكن للأذكياء فقط التكهن بنتائجها الخطيرة. فأوقف السجالات السياسية التي تزيد الخلافات بين المركز والأقليم، كي لا يتأزم الوضع، وإتخذ إجراءات سريعة وأرسل رسائل عديدة الى بغداد ودول الجوار ومراكز القرار في العالم، وأخذ يناقش الأمور المتعلقة بالأستحقاقات المتعلقة بتطبيق الدستور وإعادة الأستقرار، كما دعى الى الحوار والتحاور بشأن الموارد النفطية والمنافذ الحدودية والمياه، وتكثيف الجهود من أجل الوصول الى حلول تمنع الأنزلاق نحو الطريق المجهول. وجمد نتائج استفتاء إستقلال كوردستان وبدأ بعقد لقاءات مع قادة في الكثير من أنحاء العالم من أجل الضغط على بغداد لتطبيق الدستور العراقي، وتلقى دعماً دولياً كبيراً لإجبار السيد العبادي على تطبيق الدستور العراقي بشكل صحيح. واتفق الأمريكيون والفرنسيون وغيرهم من اللاعبين المهمين على أن الطريقة التي إنتهك بها السيد العبادي الدستور العراقي أمر غير مقبول.
وبفضل حنكته الدبلوماسية استطاع إغلاق الطريق أمام إندلاع حرب دامية كانت ستخلف كارثة إنسانية، ذكر المحلل السياسي، راشيل أفراهام، في مقال نشره في    صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية، أن نيجيرفان البارزاني، مسؤول ملتزم بالسلام والحوار والتفاوض ويسعى إلى إيجاد مخرج إيجابي يمنع وقوع الحرب، لذلك يستحق الترشح للحصول على جائزة نوبل للسلام. 
البارزاني، وبإتزان وبحكمة وصفات رجل الدولة المجرب من الطراز الرفيع، لا يرد على التصعيد بتصعيد مماثل وعلى إستحضار العنف بإستحضار مشابه، بل يرد بهدوء بعيد عن التوتير وعلى أساس المصالح المتبادلة، ويفكر في الحلول المعقولة والمقبولة، على المديين القريب والبعيد. ولا يريد حرباً اخرى في المنطقة. حقاً السيد راشيل أفراهام، صائب في إقتراحه لمنح جائزة نوبل للسلام للبارزاني.



212
بدعة (32%) في كركوك... ضلالة
صبحى ساله يى
كركوك والكثير من المناطق الكوردستانية الأخرى، تعرضت على أيدي الحكومات العراقية المتعاقبة، وبالذات في عهد البعث، الى حملات ظالمة وفواجع كثيرة، وبعد إقرار الدستور العراقي في العام 2005 ظلت الأوضاع في تلك المناطق مرهونةً بالمادة الدستورية 140، ولكن الحكومات العراقية المتتالية تنصلت من التزاماتها تجاه تنفيذ هذه المادة الدستورية التي جسدت تصورات الكورد السياسية، والتي على أساسها بنى الكوردستانيون شكل علاقاتهم مع الحكومة الإتحادية.
 سياسيو العراق العقلاء، سنتهم وشيعتهم، كانوا قد تفهموا المطالب الكوردية وإعتبروها مطالب مشروعة، لاسيما وأن الدستور، ومن قبله قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت إستوعب ذلك التصور والمصلحة الكوردستانية والعراقية، ورسم على أساسها خارطة طريق وبالذات في المادة 140 التي إحتوت على ثلاث مراحل: التطبيع،  الإحصاء السكاني،  الإستفتاء العام حول تبعية تلك المناطق فيما اذا إختار سكانها البقاء مع الحكومة المركزية أم الانضمام الى إقليم كوردستان، ونصَّ القانون على انهاء تنفيذ كل إجراءات تلك المادة قبل ٣١ / ١٢ / ٢٠٠٧، أي قبل أكثر من عشر سنوات، ولكن، جرى تسويف تلك المادة الدستورية وتعطيلها بذرائع شتى، وسعى الإنتهازيون والمنتفعون والمصفقون والمهللون الى تكذيب الواقع وتضييع الحقوق وقلب الحقائق والاثباتات والوثائق، وحاولوا إعادة الزمن والتاريخ الى الوراء، ومسح الذاكرة، وكل ما في القلوب والعقول بسجالات لا تنتهي لبث النعرات وزرع بذور الفتنة وإثارة الفرقة بين الجميع، وأصبح الخصام والصراع والنزاع والتباغض سادة الموقف، وإستفاد من هذا الامر نفر ضال دون الشعور بحساسية الأوضاع وإحتمال تفجرها.
وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على تجاوز مرحلة تنفيذ المادة 140 من الدستور، وبدلاً عن تبني مشاريع الحلول الدائمية والمنطقية، نسمع اليوم مهاترات وتصريحات غير دستورية وغير قانونية تحاول السير وفق تقويم سياسي يخلق الصراعات والأزمات بين مكونات كركوك وبقية المناطق، وإضفاء الشرعية على الخطط و الممارسات الظالمة التي أدت إلى تفتيت محافظة كركوك وتصغيرها وتغيير ساكنيها و تبديل طابعها، ولاينتظرون الإحصاء ونتائج الاستفتاء العام المثبتين في الدستور.. يدعون الى إجراء الانتخابات وفق قانون توافقي يرضي البعض على حساب البعض الآخر، وهذا (التوافقي) في نظرهم يعني نسبة 32% لكل قومية، ويتجاهلون سجلات الاحوال المدنية وقوائم المواد التموينية ونتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في العام 2014 والتي تشير الى أن نسبة الكورد أكثر من 60%...
 هذه البدعة، أي نسبة 32 في المائة للكورد والعرب والتركمان التي لا تتوافق مع الواقع الجغرافي والتاريخي للمدينة، وتتعارض معه ومع ضمير الدستور وقوانين الإنتخابات في كل بلدان العالم، قد تكون سببا لتوترات سياسية وأمنية. كما تعتبر تصرفاً عدوانياً جديداً ضد الكورد، وخطوة بعيدة كل البعد عن مبدأ الشراكة الحقيقية في إدارة البلد، وتكرارا للأخطاء التي مررت في الماضي، والعاقل لا يحتاج إلى برهان لتأكيد إنحراف الفئات التي إنتشرت ونشرت معها الخراب والدمار، لأن كل مشاهد الكوارث توضح أن الفكر الذي يقف خلف تخطيط وتنفيذ تلك الممارسات هو فكرمريض غير سوي، يتلذذ بممارسة التفرقة المجردة من روح التعايش والتصالح، والبعيدة كل البعد عن سماحة الأديان السماوية والقيم والمثل الاخلاقية، وهذه الممارسات تؤكد إستحالة الركون إلى كلامهم أو وعودهم، أو الاطمئنان اليهم.. 
أما التعاطف المشكور للبعض معنا، وتأييدهم لقضايانا وحقوقنا العادلة والدستورية، والذي يتحدث عنها الكثيرون، فإنه لايوازي قطعا سكوت البعض الآخر تجاه الممارسات الخاطئة الموجهة ضدنا، أو الهجمات الظالمة التي نتعرض لها من أناس كانوا الى الامس القريب عملاء للمخابرات الأجنبية، أو كانوا هاربين يحتمون في خنادقنا ونعتبرهم من الاخوة، وبحساب الفرق بين من يدينوننا بشتى التهم الباطلة وبين الذين يؤيدوننا، نرى أن الأولين هم الاكثرية..
وأخيراً نقول : على الجميع التفكير بعقل وحكمة وعدم الإصرار على نسبة وبدعة غير صحيحة، في الانتخابات البرلمانية والمحلية القادمة، هذا إذا جرت، لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
 



213
ماذا بعد لقاءات العبادي والبارزاني؟
صبحي ساله يي
  بعد إرتفاع أصوات الرصاص والمدافع، والإتهام بالتجاوز على الشراكة والتوافق والأعراف الإنسانية ومباديء الديمقراطية، وتسلل روح العداء والإنتقام الى نفوس بعض المسؤولين الذين يتولون المناصب الهامة والحساسة في العراق، وبعد إمتهان وسائل الاعلام الخاضعة للسلطة العراقية للعبة تضليل الشعب عبر تزوير الحقائق وفبركة التصريحات وتحريف الكلمات المثيرة للسخرية، وتغيير مضمون العبارات وتحويرها عن أصلها، والخطابات العدوانية الموجهة ضد الكورد وكوردستان. هل يبرد الجمر ويصبح رماداً؟ وهل تعود المياه الى مجاريها الحقيقية بعد اللقاءات والمباحثات بين السيدين حيدر العبادي ونيجيرفان بارزاني؟ وهل يمكن أن يثق الكوردستانيون مرة أخرى بتعهدات بغداد التي يعتبرونها عاصمة لا تنفذ وعودها ولا تحترم عهودها، وتتنصل من إتفاقاتها قبل أن يجف حبر التوقيع عليها، وبالسياسيين الذين لم ينجحوا في تسجيل صفحة ناصعة تجاههم، ولم يجنوا منهم سوى الكلام المزوق والمنمق البعيد عن الواقع؟
أم أن الحوار لايفيد، لأن كل الذي كان قبل الآن بين الشيعة والكورد غير مفيد؟ أم يمكن أن يبدأ من النقطة التي وقف فيها، وأن الذي بعد الآن ربما سيفيد؟ أم يكون مصيره كمصير شراكتهما، بسبب التنافر والطموحات المتعاظمة والرغبة في لعب دور أكبر من الحجم الحقيقي، وبسبب السير عكس مبادئ التوافق، وإختيار نهج يعود في النهاية بمزيد من التخالف والمعضلات والتداعيات التي تعصف بالقيم والثوابت؟ أم أن إدراك الثوابت والضرورات والمصالح المشتركة والقيم النبيلة ستحفز الإرادات وتوحدها وتحركها بإتجاه التفاهم والتحاور والتصالح ومواجهة التحديات التي تقف أمامهم ؟
الأسئلة السابقة وغيرها، تدور في خلد الذين لم يكونوا يتصورون ولايتوقعون أن يعم العداء والقتال والإحتراب بين الشيعة والكورد في أي وقت. ولم يكونوا متوقعين ولا متصَوَّرين، أيضاً، أن يشاهد الإنسان الكوردي السلاح الشيعي متوهجاَ نحو صدره، أو حتى أن يسمع التهديدات الإنفاعلية على الفضائيات من المسؤوليين والساسة والكتاب الشيعة وقادة الميليشيات الشيعية، المبطّنة أو المكشوفة. ولكن بعد ما سمعوه من بعضهم وليس كلّهم، وبعد ما شاهدوا الإستقواء بالأجنبي والإستشراس قبل انتهاء الحوارات.. تغيرت التوقعات والتصورات نحو الأخطر الحاد على الواقع النفسي الجماعي الكوردستاني الذي يرسخ واقعاً جديداً، ويتيح فرصاً جديدة لايمكن أن تكون كسابقاتها في الشكل والمضمون والنتائج.
الكورد، خلال السنوات الماضية، كانوا على يقين بأن المهرولين وراء السراب والمستغرقين في تطبيق الأجندات المختلفة، سيدمرون البلاد، من خلال إفشال الشراكة وخرق الدستور وتفسير القوانين حسب رغباتهم، والتخلّي عن الأتفاقات واللعب بأوراق غير رابحة، وتقويض الجهود الرامية الى تغليب الحكمة على المتاهة. مع ذلك ساهموا في الشراكة وحاولوا إنجاحها، وكرروا مراراً وتكراراً تحذيراتهم من مخاطر زرع بذور الفتن، ومن صعوبة بل إستحالة قبولهم بفرض ما في خاطر وخواطر الآخرين عليهم. وقدموا تحت شعار الشراكة الهشة التنازلات تلو التنازلات، على حساب قضاياهم المشروعة والدستورية. 
رغم مرارة ما حدث، نستطيع القول أنه ما زال يمكن الإعتماد على رحابة صدر المتحاور الكوردستاني ( نيجيرفان بارزاني، وأعضاء حكومته)، واستعداده الضمني الطيّب للتوافق والتعاون وتفضيل الحكمة في إزالة الصعوبات وتفادي الأسوأ، وترتيب الجهود والمصالح وتأمينها عبر خطوات، أولها، التأكيد على حسن النوايا من خلال لجم فاقدي الحد الأدنى من الحس الوطني والديني والإنساني، وخاصة الذين يتباهون بصلفهم وغرورهم وعنجهيتهم وإستهانتهم بالكورد. وثانيها، الإثبات إن القرار في بغداد وطني وغير خاضع للضغوط والنزوات والأوامر الخارجية التي تريد دفع الجميع صوب الحرب والهلاك وبسرعة قياسية. وثالثها, العودة الى إحترام الدستور والإعتراف بفشل الشراكة وتحمل مسؤولية التباعد الذي ضرب الأرض بين الكورد والشيعة والإبتعاد عن الأجوبة غير الواضحة والمشوشة. ورابعها، الإعتراف بالحقائق المرّة والمؤلمة والقاسية، وفشل سياسة لي الأذرع وعقم الحلول العسكرية وعجزها، والشعور بهول السقوط في مستنقع التفكك القومي والمذهبي والسياسي. وخامسها، التأكيد على أن  الصيغة التي ترضي العراقيين، لاتأتي إلا من خلال دراسة كل الإيحاءات والسيناريوات لمعالجة الأوضاع وضبطها وفق المستجدات والظروف والتجارب. وسادسها، البحث عن التسويات التي يمكن في ضوءها تفادي الأزمات قبل وصولها الى الذروة، والتوصل على أقلّ تقدير الى منع بلوغ المآزق نقطة اللاعودة.
 

214
كوردستان والعودة بعد الفاصل
صبحي ساله يي
  قبل الحديث عن أهمية زيارة السيد نيجيرفان بارزاني الى إيران التي تدرك كغيرها أن هناك سباقاً بين الدول العظمى والقوى الإقليمية، وتعرف جيّدا ظروف هذا السباق وطبيعته، وتأثيرات موقعها الإستراتيجي والمجالات المتحاتة أمامها في تنفيذ مشاريع معيّنة وتعزيز مكانتها، عبر ممارسة (مصالح ومنافع وثقة متبادلة وإحترام متبادل) مع كوردستان البعيد عن جحيم الصراعات المذهبية والدينية والقومية والذي يتميز إقتصاده ومجتمعه بالديناميكية والحيوية، لتكون علاقاتها بعيدة عن الحسابات الضيّقة وعن الاستغلال والأفكار المسبقة. وإجتماعه مع كبار المسؤولين هناك، وأبعاد هذه الزيارة ودلالاتها العميقة وتأكيد الإيرانيين على تقديرهم لشعب كوردستان وحكومتهم وحرصهم على استمرار العلاقات الثنائية، لابد من التذكير بآثار الإجراءات الإقتصادية والسياسية والعسكرية الصارمة التي فرضت على مواطني إقليم كوردستان عقب إجراء الاستفتاء في (25) إيلول المنصرم، والأوضاع الشاذة وحالة الفوضى في كركوك وبعض المناطق جراء الاستيلاء عليها بالقوة.  حيث وسط حالات الخلط بين الأمور والاحتقان والتحريض ولغة التخوين، عبر الكوردستانيون عن قلقهم تجاه ما حدث بأشكال مختلفة، ودعت فئة معينة الى محاسبة المتهمين بالتواطؤ والخيانة، وآخرون نادوا بإستخدام القوة لإستعادة المناطق التي خسرناها، وأخرى دعت الى تناسي الخلافات وتوحيد الصفوف ودعم حكومة الإقليم ورئيسها (نيجيرفان بارزاني)، والتصرف بطريقة حضارية تبقي المصالح العليا للشعب في الأولوية، عبر فتح الأبواب للحوار والتفاهم والإتفاق حول الخيار الأفضل والأسلم لكل الخطوات التالية، ومعالجة الحساسيات والمشكلات والعقد والأزمات بعقلانية بعيدة عن العنف والتعصب. وفئة أخرى عبرت عن موقف يدعو الى الأسف والإمتعاض، وهو الدعوة الى حل حكومة إقليم كوردستان، وتشكيل حكومة جديدة.
  الذين دعوا لمحاسبة المتورطين والمتواطئين، وكذلك الداعين الى إستعمال القوة، خفت أصواتهم، ربما لتوصلهم الى قناعات محددة تدحض آرائهم السابقة، أو لحسابات الربح والخسارة أو بسبب ضرورات الإهتمام بالأهم قبل المهم وعدم الإنشغال بالتفاصيل الصغيرة، وربما بسبب الإستفادة من نعمة النسيان التي لولاها لما وجدنا على الأرض السلام والأمان والإستقرار جراء عمليات الثأر والإنتقام ومحاسبة المخطئين.
  أما الفئة التي دعت الى تناسي الخلافات وتوحيد الصفوف ودعم حكومة الإقليم ورئيسها، فهى على قناعة بأن الكوردستانيين يتطلعون بجدية وبعين الأمل والترقب الى المستقبل والحوار الإيجابي الداخلي والخارجي، ويعتبرونها خطوات صحيحة على المسار الصحيح، مسار الحوار والتفاهم وإحترام الآخر والتوقيع على إتفاقات سياسية ملزمة، تطلق إشارات إيجابية مشجعة على إمكانية إحتواء الأزمات ومعالجة القضايا العالقة والمستفحلة، وتضع الأسس العملية للمشاركة الحقيقية في إدارة البلاد وصنع القرار، وتلغي التشنج والفرقة والتباعد وتتجاوز الخلافات بحلول موضوعية، دون المطالبة بالإعتراف بأخطاء المرحلة السابقة، ودون ذكر وإستعراض المشكلات التي واجهت الاقليم خلال السنوات الماضية وأسماء وعناوين المتسببين وغاياتهم، لأن ذلك سيطول، خاصة لو تم ذكر آثار سياسات التحدي والتنافس التي أدت الى خسائر فادحة, والتأكيد على ضرورة عدم إستمرار التهاون مع المشكلات أو حتى مسايرتها، وعلى تسريع الخطى نحو فتح الأبواب المغلقة والإجتماع في أروقة مؤسسات صناعة القرار، وصنع فرص جديدة للتعاون السياسي الأمثل بين الكوردستانيين بالإستناد على قاعدة المصالح العليا للاقليم وشعب كوردستان ومغادرة لغة التصلب والتشدد وإلغاء نظرية المؤامرة والإحتكام الى مبدأ المواطنة الحقيقية والمساواة في الواجبات والحقوق لأنه الخيار الافضل والأسلم لشعب كافح لعقود متعددة ضد أعداء في منتهى الشراسة والوحشية، كما دعوا الى توحيد المواقف وتنسيق الجهود وإعادة  النظر في الحسابات المصيرية وفك التداخل والخلط بين المنافع الشخصية والحزبية والإستحقاقات التي تتطلب الصبر ومنح الفرصة والوقت الكافيين لإيجاد الحلول الآنية للمشكلات الجديدة والقديمة المتراكمة، ورؤية الواقع والتمهيد الى تجديد التفاؤل وإعادة الرشد الى الخطابين السياسي والإعلامي.
  نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم ونائب الرئيس مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، لاعب بارز وأحد أقطاب المعادلة الجيوسياسية في المنطقة، وأحد صناع القرار السياسي الكوردي، يقف بشموخ على رأس الدبلوماسية الكوردية ويحظى بمكانة مرموقة في مراكز القرار الإقليمي والأوروبي والدولي كرجل له حضور قوي أظهر مهارة في حل أزمات عديدة وهو رجل المرحلة دون منازع ورجل المهمات الصعبة خصوصاً في ظل الأزمات التي تعصف بإقليم كوردستان وفي ظل بقاء العديد من الملفات العالقة بين أربيل وبغداد. حاول فك الحصار على كوردستان وفتح القنوات الدبلوماسية أمام الكوردستانيين وايصال همومهم ومعاناتهم الى ألاروقة الدولية، وما يجب أن يقال بهذا الخصوص هو أن الأتراك أحدثوا الشرخ الأول في الحصار الذي فرض على كوردستان وذلك عن طريق تسهيل سفر رئيس حكومة الإقليم الى فرنسا والإجتماع بالرئيس الفرنسي في قصر الأليزيه وألمانيا والفاتيكان واستقباله بصفته الرسمية الرفيعة كرئيس للوزراء من قبل البابا فرنسيس بابا الفاتيكان.
   لقد قاد بارزاني في الكثير من المواقف الصعبة الدبلوماسية الكوردستانية بحكمة وتأني ومرونة وأسلوب حضاري ومدني وعالج إشكاليات معقدة كالصراعات والمشكلات الداخلية والأزمات السياسية بين الأحزاب الكوردستانية، ونجح في حلها أو تهدأتها، وحرص على وحدة الصف والأمن والسلم الاجتماعيين في كوردستان، وتعاطي مع الأحداث إعتمادا على نهج البارزاني الخالد. ونجح في إرساء علاقات دبلوماسية رصينة مع الكثير من بلدان العالم، على أسس متوازنة تحكمها العلاقات الاقتصادية والسياسية، وتلك الأسس بلورت ديناميكية دبلوماسية تعتمد العمل المنتج بعيداً عن التهويل والتشنيج، كما دفعت الكثير من بلدان العالم إلى افتتاح ممثليات لها في اربيل. وأن النجاح الذي تحققه زيارته لإيران وإجتماعاته مع الرئيس حسن روحاني، ورئيس البرلمان، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني لتطوير العلاقات والتعاون بين ايران وإقليم كوردستان ولبحث آخر التطورات في العراق وإقليم كوردستان والمنطقة، تعد نجاحًا لكل الكورد، وتظهر أن هناك تغييراً واضحاً فى المواقف التي تبنتها طهران تجاه أربيل، وترسل رسالة لبغداد مفادها ان العودة الى منطق العقل ولغة التفاهم والحوار والإعتراف بالحقوق المشروعة للاقليم تخدم الوضع الراهن والمستقبل وتشكل عاملا أساسيا وضروريا لمعالجة كل الأزمات العالقة بين أربيل وبغداد.
 


215
قراءة في المشهد الكردي
حازم الـــشهابي
يبدو إن تفرد الحزب الحاكم بمقاليد السلطة في شمال العراق , قد خلق جواً من المعارضة الشعبية والسياسية ,أخذت دوافعها تزداد يوما بعد اخر , حتى أنتجت ردود افعال أدت إلى انقسامات داخل البيت الكردي , ليتكون في محافظة السليمانية وبعض الأحزاب الأخرى المعارضة لحكومة الإقليم رأي يتماشى ومطالب بغداد الدستورية يسعى لتفعيل لغة الحوار , يقابله رأي أخر في اربيل تغلب عليه سمة التعصب والتمادي . وبشكل أدق نستطيع القول إن القوى المتنفذة في السليمانية بدأت تتحرر من بدوقة السلطة الحاكمة في اربيل , مما سيؤدي بالنتيجة إلى انحسار الحزب الحاكم و وجوده السياسي, ليصبح الإقليم ألان بشقين , الأول يتجه نحو لغة الحوار كما أسلفنا وفق اطر دستورية قانونية , تمثلت مؤخرا من خلال تشكيل وفد بعيدا عن اربيل , يضم مجموعة من القوى الكردية التي تتسم بشيء من الاعتدال و العقلائية , لزيارة بغداد من اجل حلحلة الأزمة وتحديد الصلاحيات وإبرام الاتفاقيات الخاصة بموضوع الأزمة المالية في الإقليم , وبغض النظر عن قبول بغداد لهذا الوفد أو عدم قبولها , الا انه وبشكل عام نستطيع إن نفهم أن هنالك حراك سياسي رفيع يعمل أو انه يحاول إن يعمل من اجل تحجيم السلطة الحاكمة في اربيل والحد من غطرستها وتفردها , والبحث عن الحلول الواقعية للخلاص بالإقليم من المأزق الذي ساقته إليه السياسات الرعناء للسلطة الحاكمة , في حين إن اربيل وعلى لسان القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي الحاكم "ملا بختيار " أعلنت عن امتعاضها الشديد ورفضها لمساعي الوفد , واعتبرته غير رسمي ولا يمثل حكومة الإقليم !
وهذا يشير بطبيعة الحال إلى إن اربيل قد وصلت لنقطة إلا عودة , بخسارتها لجل حلفائها السياسيين في الإقليم , ومحاولة الأخير ملئ الفراغ من خلال ركوب موجة التفاوض بعيدا عن تعنت السلطة الحاكمة , لتضفي على نفسها شيء من الشرعية الجماهيرية المكتسبة , وخصوصا وبعد التصعيد الذي تبنته بعض الأحزاب السياسية في الإقليم والدفع باتجاه تنحي الحكومة وتقديم استقالتها , تماشيا ومتطلبات الشارع الكردي , مما ضيق الخناق أكثر على حكومة الإقليم واحرق أخر أوراق اللعب لديها , لتجد نفسها في زاوية ضيقة وهي تحاول وبشكل هستيري البحث عن حلفاء جدد سواء من الإقليم أو خارجه , للحفاظ على ما تبقى لديها من حظوظ .
وقد أسلفنا القول في طرح سابق , إن هذه الأزمة وما ترتب عليها من تبعات , تعد فرصة ثمينة لبعض ساسة بغداد ممن يحاولون الاصطياد بالماء العكر , وبأنفاس أخيرة يحاولون الغوص في عمق العتمة لاصطياد ما وقعت عليه أيديهم , ليقتاتوا عليه في المرحلة القادمة , من خلال التفاوض والمساومة مع حكومة الإقليم وبشكل غير علني , مقابل الحصول على بعض المكاسب السياسية والدعم البرلماني وضمان التأييد , للوصول إلى طموحاتهم في رئاسة الوزراء في الدورة القادمة , وان لم يكن فإلى مناصب سيادية رفيعة , وقد أشار السيد رئيس الوزراء حيدر لعبادي في حديثة قبل أيام في إحدى المؤتمرات الصحفية بقوله " إن هنالك من ابرم اتفاقا سياسيا مع الإقليم ( البرزاني) من اجل منحه نسبة 17% من الموازنة, بغية الحصول على رئاسة الوزراء في المرحلة القادمة وضمان الدعم والتأييد " ..
                                      Shihabi33@yahoo.com                                         
 

216
قراءة في تصريحات نيجيرفان بارزاني
صبحي ساله يي
  في مؤتمره الاسبوعي، أشار رئيس حكومة اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني الى مواضيع مهمة عدة، نختار منها، التوصل الى صيغة تدقيقية لحسابات الصادرات النفطية في كوردستان عبر شركتي ديلوت، وارستنك. وتحذيره من محاولات التعريب الجارية بمدينة كركوك.
  تقرير شركة ديلويت العالمية للخدمات المهنية، الذي تحدث عنه البارزاني، يحقق الشفافية في مجال إنتاج وتصدير النفط في إقليم كوردستان، ويلغي كل الشكوك حولها وحول عائداتها، والمتابعون للملف النفطي، يعلمون أن الحكومة الإتحادية وافقت على قيام حكومة الإقليم بتطوير قطاعي النفط والغاز في حقول النفط الجديدة، بجميع مفرداتها من تنقيب وتصنيع وتسويق (في حالة تأخر تشريع قانون النفط والغاز بعد 2007 )، ويعلمون أن الدستور العراقي، حدد في الفقرات المتعلقة بالموارد الطبيعية لاسيما النفط والغاز، العلاقة بين بغداد وإقليم كوردستان وصلاحياتهما، ولكن الإخفاق البرلماني في تشريع (قانون النفط والغاز)، وفشل القطاع النفطي في العراق، والحقد الشخصي الدفين لمسؤولي ملف الطاقة الاتحادي تجاه الإقليم، وإصرارهم على ان يكون البيع من قبل شركة سومو التي تدار مركزياً من قبل الحكومة الاتحادية دون أن يكون للكورد تمثيل فيها لرسم سياستها، كان وراء تعقيد المشكلات وتراكمها وإرتفاع وتيرة التوتر بين بغداد وأربيل.
  حكومة الإقليم أعلنت أكثر من مرة عن حسن نيتها وقدمت مبادرات عدة، لكن الحكومة الاتحادية، تعنتت وأرادت فرض رأيها الخاطىء وعرقلة الصفقات والعقود المبرمة بين الأقليم والشركات الاجنبية والدول التي ترغب الاستثمار في الاقليم وشراء النفط الكوردستاني، ووصفت، مرةً، إنتاج النفط وتسويقه ببيع الطماطم والخيار، ولجأت الى التهديد والترهيب ورفع الدعاوى لدى المحاكم المحلية والدولية، ولأنها لم تكن على حق، ولأن تصرفات الاقليم كانت دستورية، أصيبت بخيبة الامل ولجأت الى حرب إقتصادية وسياسية ضد الاقليم وإجراء غير دستوري وغير قانوني بل وغيرأخلاقي، فقطعت حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية ورواتب موظفيه إعتباراً من شهر شباط 2014، وهذا الاجراء الاستفزازي دفع الاقليم، بعد ثلاثة أشهر، الى تصدير النفط لحسابه الخاص، تعويضاً عن حصته من الموازنة الاتحادية ولدفع رواتب الموظفين العموميين.
  أما بخصوص التعريب، فبعد تحرير العراق في العام 2003 تعرضت كركوك وأطرافها وبالذات طوز خوماتو إلى هجمات إرهابية عديدة خلفت الكثير من الشهداء والجرحى، وبعد حملات التحريض على الكراهية العرقية والمذهبية التي مارستها الأجهزة الاعلامية الملوثة بسموم الثقافة العنصرية، بنى أصحاب المواقف العدائية والمخيلات المريضة، أفكارهم وثقافاتهم على ركام أوهام إنتهت منذ زمن بعيد، وإتحدوا تحت خيام الوهم، ونسوا أوتناسوا أن الكوردستانيين عملوا بصدق من أجل التخفيف من التشنّج والتعصّب وإعادة اللّحمة إلى مكوّنات المجتمع، وأن القوة المادية والمعنوية للكورد أسهمت إيجابياً في مسائل تشكيل الحكومات والتوازنات، وتنكروا الدور الكوردي في حل المشكلات المتكررة في بلد يفترض إنه ديمقراطي وتعددي وفدرالي، وتجاهلوا إن قوة الكورد تعزز مقومات العيش المشترك وتقرب وجهات النظر حول مستقبل التعايش في المنطقة.. وبعد أن تمت تهيئة الأرضية الخصبة للعدوان على شعبنا تم إستهداف كركوك وطوز خورماتو في اكتوبر الماضي من قبل قوات الحشد الشيعي، وكان له وقع الصاعقة على الكثيرين في كوردستان، وسط إصرار خطير على مواقف تعبر عن موجة عارمة من العنف والذبح والقتل والتهجير، وسالت الدماء من مواطنين آمنين كانوا على الدوام مسالمون يعيشون في أرض أجدادهم، تلك الممارسات جعلتهم يشعرون بعمق المأساة ومرارة التعايش السلمي واشكالياته.
  أما المواقف التي تم التعبير عنها حتى الآن في بغداد، فقد فرضت على الكوردستانيين الإلتفات الى أن الخطر الحقيقي الذي كان يهددهم منذ بداية تأسيس الدولة العراقية مازال قائماً، وأن الثقافة العدائية تجاه الكورد وكوردستان متجسدة في نفوسهم المريضة، وتستوجب إعادة النظر في العلاقات الكوردية مع الآخرين الذين يؤيدون تلك الثقافة العدائية علناً ودون وجل، أو الذين يؤيدونها بسكوتهم، كما فرضت عليهم عدم التغاضي عما قيل من تصريحات وما أعلن من مواقف وما جرت من أحداث، والعودة قليلاً الى الوراء، لبحث العلاقات بين مكونات بلد كان تأسيسه مبنياً على إفتراضات وإشكالات وهواجس، ويتضح فيه الإنقسامات أكثر من أي شيء آخر.
  المؤيدون للثقافة البالية، والذين يتحدثون عن صيانة وحدة الاراضي العراقية، لايريدون أن يفهموا بأن الضغط يولد الانفجار، وأن قطع الرواتب والمستحقات والتهديد وتوزيع الإتهامات، ومنع تنفيذ المواد الدستورية والتفاخر بها، والإجراءات العنيفة، والمطاردات، والملاحقات، وإشاعة المزيد من ثقافات التوتر والخصومات والبغضاء والكراهية، وتعريب المناطق الكوردستانية، كلها تصرفات ظلامية خبيثة غير متزنة تنم عن المراهقة البعيدة عن النضج والحكمة، وتنم عن ضيق أفق وضحالة في فهم الدين والدنيا، وإنها مؤشرات تدل على العجز وقصر النظر في التأمل والتفكير والأداء، وتعبرعن عقلية منغلقة لا تفهم ثقافة التعايش الإنساني.
  في كركوك وطوز خورماتو أعاد التاريخ نفسه بإسلوب آخر ووجه مغاير، وأضيف مأساة مروعة أخرى الى مأسي الأنفال سيئة الصيت وكارثة هلبجه والإبادات الجماعية. والممارسات التي اقترفت بحق الكورد خلال الأشهر السابقة في كركوك وطوز خورماتو تركت جراحاً عميقة، رغم ذلك ما زال البعض يعول على النشاطات النيابية والدستورية والقانونية التي ترمي الى تحقيق العدالة ورفض التعريب وإدانة التهجير.
الغاء القرارات الجائرة الصادرة بحق الكركوكيين قد يخفف من مرارة آلام الضحايا.
 



217
الكورد ومرح العبادي
صبحي ساله يي
الأحداث السابقة في العراق تخبرنا دوماً ان الماسك بزمام السلطة في بغداد يتهم الكوردي بالمتمرد الإنفصالي والخائن والعميل لإسرائيل، ويصف منتقديه من غير الكورد بإنعدام الوطنية وعدم الشعور بالمسؤولة والملحد والكافر، وعلى الدوام يكون عنده الإستعداد لتقديم كل أنواع التنازلات في حالات الإقتراب من السقوط أو الإنحدار نحو الهاوية، رغم ذلك لم ينته أي من الماسكين بزمام السلطة بنهاية حسنة تسر الصديق.
سقت هذه المقدمة لأتحدث عن (مرح) السيد حيدر العبادي الذي إعتبر السيطرة على كركوك، وطعن الكورد في الظهر، تغييراً في الوضع السياسي، وصفقة مغرية تمنحه الأحقية المطلقة في الحكم، وإنحساراً لقوة الكورد ووأداً لأحلامهم في إقامة دولتهم المستقلة الى الأبد، أو حتى المحافظة على وضعهم الدستوري وحكومتهم الاقليمية المثبتة في الدستور، لذلك إنقلب وحرض وناور وبالغ وخادع وتوزع بين الطمع والغرور، وسوء التخطيط والتقدير، والتهديد والوعيد ومنح الوعود الكثيرة والكبيرة، وحمل نفسه مسؤولية الأحداث وكل الحسابات الخاطئة، دون أن يكون له دور فيها، ظناً منه أنه الضمان القوي لعودته الى الحكم في ولاية ثانية.
الطريقة التي سعى بها العبادي لضمان مستقبله السياسي، وإصراره على الإستعلاء والمضي في طريق الخطأ، رغم التحذيرات المختلفة، ودون التعلم من الأحداث جعله متحدياً ومتجاهلاً للجميع، بمن فيهم الذين قبلوا به رئيساً للحكومة، والذين أوصلوه الى السلطة وحققوا الإنتصار العسكري على داعش. فأوصلهم الى قناعة يصعب التراجع عنها، ولكنهم يدركون الوضع الضعيف والمقسم الحالي للعراق لذلك يتعاملون معه بواقعية. والواقعية هنا ليست بالضرورة أن يتركوه ليفعل ما يريد، أو يتوحدوا ضده ليحاربوه، ولكنهم سيحاسبونه بطريقة ناعمة، ودون عجالة.
في الأفق مؤشرات على إحتمال بدء الحوار بين أربيل وبغداد خلال الأيام المقبلة، وسيكون هناك إحتمالين : أولها التوصل الى حلول سياسية وقانونية تتوافق مع تطلعات ومصالح الكوردستانيين ومنسجمة مع الواقع ومع منظور ما يفرضه العصر وما تفرضه الخصوصيات التاريخية والقومية والوطنية الكوردية، وثانيها: ان لايتم ذلك، رعاية لمصالح مذهبية وحزبية وتلبية لرغبات شخصية ومصالح وأهدافاً مرحلية مدفوعة بدوافع ذاتية ونظرات ضيقة تعتمد على الخيال و التمنيات. وبين هذا وذاك، والعبور وعدم العبور الى الضفة الاخرى وتحقيق المرام، هناك كم هائل من العموميات الواضحة التي تفرض نفسها لبيان النيات التي تتحكم بالعقول والافكار خلال التعامل مع المستجدات والمتغيرات وتحليل المعادلات، فإجبار بغداد ودفعه الى الدخول في الحوار في أجواء غير مهنية وغير جدية، يعني إحتمال تصلبه في المواقف، وتغريده خارج السرب وتجاهله العروض والخيارات، ووصول المحادثات الى طريق مسدود في أسرع وقت، وإنتهاءها قبل التوصل الى حلول ترضي الجانبين، بل وصياغة سيناريو معاكس للقناعات، ومتطابق مع (المرح) والدعوات التي تدعو الى عدم الدخول أصلاً في الحوار، إضافة الى تناغمها مع السجال السياسي المتزايد الذي يصب الزيت فوق النار لتأجيج الخلافات، والذي يحمل الإقليم مسؤولية ايصال الأمور الى ما هي عليه اليوم من توتر دون ذكر أو حتى التلميح لتخلي بغداد الدائم عن الدستور الذي يشكل القاعدة الوحيدة الممكنة لاعادة الثقة بين جميع الأطراف وتطبيق حلول سياسية تضمن حقوق وواجبات الجميع. كما أن سقف مناورات الحوار المرتفع جداً لدى بغداد، وتمسكها بالسير مرحاً وتصلبها في طرح المطالب والشروط، قد تبرز حقائق أخرى الى العلن وهي الإستمرار في المراوغة وإطالة عمر المباحثات لإحراج اربيل والإستخفاف بقوتها أولاً، والإستفادة من تلك المناورة للدعاية الإنتخابية ثانياً. مستندةً على سلاح القرارات التي صدرت عن البرلمان العراقي والمحكمة الدستورية، ومراهنةً على ضغط محلي سياسي وإقتصادي يجبر أربيل على تقديم التنازلات في أمور تتعلق بدائرة واسعة من القضايا وتؤثر على كل شيء في كوردستان .
لكن الذي يجري على الارض يشير بوضوح الى أن المرحلة المقبلة لن تكون سهلة بالنسبة لبغداد وشخص حيدر العبادي ومرحه، والتطورات الجديدة التي تحصل ستكون فيها مفاجأت جديدة تفرض نفسها على جدول أعمال حكومته وحدود إمكاناتها، ولا يمكن لهذه الحكومة أن تستمر من دون أن تأخذ بنصائح الإصدقاء الذين يدعون الى تحقيق المصالحة السياسية ومعالجة الأزمات في اطار مباحثات وتفاهمات شاملة وعادلة وشفافة تعتمد صيغاً توافقية تمنع المواجهات بين الاعبين والمؤثرين، وتختصر الطرق والمسافات.
 
 

218
الإنسحاب من الحكومة..
أم .. التخلي عن الشعب ؟
صبحي ساله يي
عند الحديث عن الإنسحاب من حكومة‌‌ إقليم كوردستان الحالية‌ التي يتهمها البعض  بالفشل، ويصفها البعض الآخر بالناجحة، لابد من العودة الى الظروف التي تم فيها تشكيل هذه الحكومة، عندما كانت أربيل عاصمة مهمة في المنطقة، تطرح منها المبادرات وتحل فيها المشكلات، تزورها الشخصيات الوطنية العراقية وقادة وزعماء العالم، وعندما كانت دول الجوار واوروبا وأمريكا وغالبية دول العالم منفتحه‌ على الإقليم.
بعد إعلان نتيجه‌ الإنتخابات البرلمانية‌ في العام 2013، وفوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالأكثرية، تم تكليف السيد نيجيرفان بارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، من قبل حزبه لإجراء المفاوضات مع الأطراف الكوردستانية الفائزة في تلك الإنتخابات، بهدف تشكيل الحكومة، حيث جرت نقاشات ومشاورات وإجتماعات كثيرة أفضت الى إتخاذ القرار السياسي والإتفاق النظري على المبادئ العامة وشكل الحكومة، وتمحورغالبيتها حول المواقف المعلنة وغير المعلنة للأطراف الكوردستانية التي أكدت على التمسك بالأسس والمبادئ التي ناضلنا من أجلها، والتي سقط الشهداء في سبيلها، وكانت التوجهات المعلنة لغالبية الأطراف تؤكد على ضمان الشراكة الفاعلة والحقيقية في حكومة تصح فيها فعلاً تسمية القاعدة العريضة، وفي المحصلة تشكلت الحكومة الكوردستانية بعيداً عن عبارة ( أكثرية حاكمة وأقلية معارضة).
الرياح سارت كما لاتشتهي السفن، ففي بغداد زادت الممارسات الخاطئة ضد الكورد وإنهارت على أثارها كل الترتيبات، وبالذات بعد قطع حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية والتجاوز على مبادىء التوافق والشراكة الوطنية، واستيلاء داعش على مساحات واسعة من الاراضي والمدن.
وفي الإقليم ، تضاربت بعض برامج الأطراف المشاركة في الحكومة، وتحديدا برامج الأحزاب التي كانت في المعارضة مع برامج الأحزاب التي كانت في السلطة قبل الإنتخابات، ولم  تستوعب الحقائق وعاشت في بيئة الوهن الفكري وهي تحمل أثقال أحلامها الكبيرة وأوهامها الكثيرة. لذلك تجاهلت النداءات المخلصة وإستهانت بمشاعر الأكثرية وكذبت على الذات والآخرين في آن واحد، وتملصت من المسؤوليات، وتخلت عن الواجبات الحقيقية، من خلال تحريك الشارع ولعبة المظاهرات ومهاجمة المقرات الحزبية وحرقها، وممارسة اللاعقلانية السياسية في إسقاط الكثير من اللحظات التاريخية التي إنفتحت أمامنا ووجهت مدافعها الصوتية لإستحضار التهم وإثارة المشكلات وإستنفار الناس ومضاعفة حيرتهم، دون أن تعرف ان ذلك ربما سيؤدي الى إغراق الاقليم في بحر الفوضى والعنف، ولم تراجع سياساتها استنادًا إلى النتائج، بدليل عدم لجم إعلامها ونوابها وسياسييها الذين كانوا أسباباً لنشر الكراهية والحقد والبغضاء بين الكوردستانيين.
أما الآخرون فقد بذلوا محاولاتهم الجادة وأبدوا إصرارا على مواصلة التفاهم والحوار، وإعتبروا الحوار مهماً، بل في غاية الأهمية للكوردستانيين وللمصالح القومية والوطنية، وحرصوا على إستمراره، وأبدوا المرونة خلال إجتماعاتهم وإبتعدوا عن الاثارة في تصريحاتهم، لتجنب إعطاء الفرص للمتربصين بأقليمنا، وكذلك لمنع لغة العقل والمنطق على ترك الساحة السياسية كي تستمر كافة الأطراف في تبادل الاراء ووجهات النظر، ولعدم ترك الاقليم تحت رحمة المزايدات السياسية، أو لتسديد حسابات خاصة تتعلق بإنتعاش الرغبات الدفينة المعادية للكورد وكوردستان في ضوء تفاقم الأزمات في العراق وتطورات الاحداث في المنطقة. ولكن المشكلات التي عرقلت التوصل الى صيغة ممكنة للحل، تمثلت في عدم الجدية في إتخاذ مواقف حاسمة وحازمة وملزمة للكوردستانيين بإنهاء الخلافات والتوصل الى التوافق الفعلي المنشود، وفي تمسك بعض الاحزاب بشروط تعجيزية من خلال طرح حلول عدمية قديمة تدعو الى التجاوز على الثوابت ورغبات الشعب.
بعد أحداث 16 إكتوبر، دعت بعض الأطراف الى حل حكومة الإقليم، رغم إنحسار المخاطر التي كانت تهدد الإقليم، وتغيير المواقف الدولية وبالذات الأوروبية والأميركية حيال الإقليم، وتأكيد الكثير من الحكومات على دعمها برئاسة نيجيرفان بارزاني، وتأكيد الحكومة الأمريكية بالحرف الواحد: (نريدها حكومة قوية). وما زالت تدعو الى حلها وهي ليست بغافلة عما قيل بحقها في وسائل الإعلام، وعما يقال بشأن أدائها خلال السنوات الماضية. هنا لا نزعم ان هذه الحكومة أنجزت المعجزات، لكننا لن نتردد عن القول أن لها الفضل في تحقيق الكثير من المكاسب والتغيرات الجوهرية في البناء، وانها حققت نجاحات وإنتصارات جعلتها هدفاً للفاشلين وأغاضتهم.  وفي ظلها وظل الحكومات الكوردستانية التي سبقتها، بعد عام 2003، شهدت كوردستان الديمقراطية والأمان والإستقرار، وانتعاشاً اقتصادياً وعمرانياً ونهضة كبيرة في مجال الاستثمار، وإرتفاعاً غير مسبوق في دخل الفرد.
اليوم وبدلاً عن تأييد هذه الحكومة ومساندتها، نشاهد إنسحابات منها ومحاولات لتبرئة الذات من الأخطاء، وتهرب من المسؤولية وتخلي عن الشعب المثقل بالآم في هذا الظرف الحساس الذي يفرض على كافة القيادات السياسية في الاقليم، اللجوء الى منطق الحوار الايجابي المفعم بروح قبول الآخرين من أجل الأهداف السامية والدخول في حوارات دقيقة تسودها المكاشفة والمصارحة، ومباحثات سريعة وجادة مع بعضها، ووضع الخلافات جانباً، ومراجعة و إستدراك الأخطاء و تعديلها، لتجاوز الأزمة وترميم العلاقات فيما بينها والخروج برؤية موحدة وبقرار سياسي وخطاب اعلامي موحد، حتى لو تطلبت هذه الأمور نوعاً من تقديم التنازلات أو المساومات، والتوجه نحو إنتخابات برلمانية مبكرة، وتشكيل وفود تشمل كل الاطراف الكوردستانية الفاعلة لزيارة مراكز القرار في العالم والعواصم الإقليمية ولإجراء المفاوضات الجادة مع بغداد على أساس دستوري. علماً أن عدم القدرة على قراءة الواقع والمستقبل والتأقلم مع الأحداث والمستجدات، تؤدي الى الإرتباك وخلق الأرباك، والإرباك كما هو معلوم نقص وضعف وتشويه واضح للقيم الأخلاقية والمتبنيات الفكريّة والمفاهيم الثقافية والإجتماعية والدينية، أما التفسيرات السطحية غير الدقيقة للمشكلات الحالية فإنها تخلي واضح عن الشعب وتكرار للأخطاء وإبتلاء بالمفاسد وفقدان للتوازن و إرتكاب للمظالم .



219
هل تفهم بغداد رسائل باريس وبرلين ولندن؟
صبحي ساله يي
 المراسم الرسمية لاستقبال السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان يوم الاثنين الفائت في برلين، وقبل ذلك في باريس، وبعد أيام في لندن، كشخصية دولية مهمة تزور دولاً أخرى، تبعث رسائل واضحة للغاية لبغداد، تؤكد أن العواصم الأوروبية المهمة والمؤثرة الثلاثة على القرار الدولي، مطمئنة ومبتهجة من أن صاحب القرار القوي في كوردستان لديه قاعدته الداخلية والدعم السياسي والعسكري والاقتصادي الخارجي، ولايمكن الإ أن يكون الناجح الباهر، كما توضح الموقف المبدئى والسعي الحثيث للحفاظ على حقوق الشعب الكوردستاني والرؤية التى تدعم الحرب على الارهاب والمشاركة الجادة فى مواجهته، وتبرز بشكل صريح دور الكورد، وتؤكد ضرورة دعم حكومة كوردستان الحالية والتفاهم والإتفاق معها، رغم الظروف الصعبة المحيطة بها، لأن لها دور بارز في استقرار المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص. كما تشير الى أن عواصم القرار الثلاثة، في ظل أوضاع الإقليم والعراق الراهنة، تراقب ما يجري من دون التدخل، وتبدي المشورة بين الحين والآخر، وتستقبل طرفي الأزمة في العراق، وتستطيع أن تشارك في حل أزمات المنطقة وتحمل أعباء مساندة حكومة الإقليم الواعدة التي طاردت فلول الإرهاب والمتطرفين، وأجهضت داعش، وإستقبلت ما يقارب مليوني نازح ولاجىء، كما تتفهم رغبات الكورد وتطلعاتهم بإعتبارهم عامل إستقرار وتعايش رغم تعرضهم للظلم والعدوان من قبل أنظمة مستبدة ومتوحشة.
زيارة برلين والتي سبقتها الى باريس والتي تليها الى لندن، تعزز العلاقات الكوردستانية وتطور التعاون المشترك لما فيه خير وصالح شعب كوردستان مع الشعوب الصديقة، ولها مكاسب ستضيف الكثير لكوردستان، بعد حالة وصفها البعض سهواً بالإنقطاع أو بتغير نسبي تجاه الإقليم بعد الإستفتاء الذي جرى في الخامس والعشرين من أيلول الماضي وبعد 16 اكتوبر، حينما انحازت بعض العواصم الإقليمية بشكل أعمى الى جانب بغداد، وعندما إستغلتها بغداد للتمادي في تجاهل الدستور والأعراف والقيم الديمقراطية، وبالذات عندما إستخدمت الجيش والحشد الشيعي ضد كوردستان.
إنعكاسات هذه الزيارات على الساحة السياسية، وعلى العلاقات بين أربيل وبغداد وإلى ما هنالك من تشعبات، تنبع من حقائق مفادها أن العواصم الثلاث لها تأثير إيجابي على مجرى الأحداث والتطورات والمتغيرات الميدانية التي تطرأ في العراق والمنطقة، ولها أدواراً ميدانية ومباشرة وقدرة متقدمة في صياغة الواقع العراقي والإقليمي، وإسقاط منطق التفرد في الساحة العراقية، ولها دورها في إمكانية التقريب بين وجهات النظر وصناعة التوافقات والتفاهمات الجديدة بين أربيل وبغداد تمهيداً لتثبيت الاستقرار في كوردستان والعراق، وتبعث برسائل الى بغداد تؤكد بأن الحصار القاسي المفروض على كوردستان غير مجدي، لأن الكوردستانيين يستمدون مصداقيتهم من معطيات مشروعة مختلفة، ويستطيعون الحفاظ على الأولويات بكفاءتهم السياسية وإمكاناتهم العسكرية. العمل الذي أنجزه الكورد لانتزاع تأييد مراكز القرار، لم يكن سهلاً، وتطلب الكثير من الوقت والجهد، والاستفتاء الذي أجروه ليست قنبلة موقوتة يمكن استثمارها ضدهم. لذلك على بغداد مراجعة حساباتها حيال الكورد، وأن تدرك اليوم أكثر من أي وقت سابق أن الحل الناجع، الذي يكرس الفرضيات الحقيقية والطبيعية يأتي عبر فتح قنوات الإتصال مع حكومة الإقليم لتكون لها دور ثابت وفعال ومعترف به.  وأن الصراع في العراق، والفوضى والأضطرابات والعنف والإنشغال بالأزمات الداخلية، لاتنتهي بقرار برلماني، أو مرسوم جمهوري، أو حل عسكري، أوبالاستمالة والتهديد، أو ترجيح كفة على أخرى، ولن يكون أقل خسارةً مما في السنوات التي مضت، وإن المعادلات السابقة لا تنتهي إلا بحصول الكورد على حقوقهم الدستورية.
البعض يقول أن بغداد لاتستلم الرسائل التي تتعلق بأربيل، وإذا إستلمتها لا تقرأها، وإذا قرأتها لاتفهمها، وإذا فهمتها لا تتجاوب مع ما فيها، هذه القناعة نابعة من  رفض العبادي للحوار الهادىء والعقلاني مع أربيل، وتجاوزه على الدستور وتجاهله للنداءات المحلية والإقليمية والدولية، وهذا الرفض يمثل تطوراً فارقاً في العراق، وعنصر غرابة صعب الفهم، رغم أنه بالأساس إستمرار لخطأ إستراتيجي بدأ بتولي العبادي للسلطة بالصدفة، ولأن جرد الحسابات الموضوعية يشير إلى أن قراراً بهذا الحجم، ربما يمنح جرعة دعائية للمزايدة الإعلامية والسياسية والتحريض ضد الكورد وحكومتهم، ولكنه، حتماً، يسىء للصورة الشيعية المرسومة في الذاكرة الكوردية، ويحرج الداعين الى ضرورة المحافظة على العلاقات الكوردية الشيعية، ولا يصب في مصلحة العراقيين بالأساس، ويشعل أزمة عميقة جديدة تضاف إلى الأزمات المعقدة التي يعاني منها العراق.
والبعض الآخر يقول، المسألة لاتتعلق بتوجهات العبادي وشخصيته، بقدر تعلقها بحسابات حزبه ومواقفه غير المنطقية، ومواصلة المزايدات وتصفية الحسابات بين الصقور الشيعة والتحريض ضد الكورد بعينه وتحميلهم مسؤولية فساد ودمار لا ذنب لهم فيه.



220
  المتعطشون لمعرفة الحقائق !
صبحي ساله يي
  في ظل المتغيرات الجديدة والوقائع والمعطيات على الأرض، والقراءة الدقيقة للأحداث التي طرأت على الساحة الكوردستانية والعراقية، والخرق الفاضح للدستور في بغداد، والتجاوز المستمر لمبادىء الشراكة التي بنيت عليها العملية السياسية في العراق بعد إسقاط صدام، وإعتماداً على ما عندنا من إرث سياسي، وتقديراً لخطورة الظرف الذي نعيشه والتحديات الكبيرة والكثيرة التي تواجهنا، تحاول حكومة إقليم كوردستان حل الأزمات والمشكلات السياسية والاقتصادية سواءً داخل الإقليم أو مع حكومة بغداد، والتغلب عليها من خلال التمسّك بخيار الحوار العقلاني. وبحكم مسؤولياتها القانونية والدستورية، بدأت بإجراء مراجعة شاملة وعامة للظروف التي سبقت ظهور الأزمات، لتحديد القواسم المشتركة بينها وأسباب ظهورها، قريباً من الواقع وبعيداً عن التنظير، لتكللها بنصر شامخ، وفي هذا الشأن الحيوي تريد أن تكون للبرلمان والأحزاب السياسية والقضاء ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين عموماً أدواراً إيجابية في هذه المهمة المصيرية. وتعول بشكل خاص على البرلمان الكوردستاني لتقييم التحديات الرئيسية وتشريع القوانين التي تثبت ترسيخ مفهوم المواطنة التي يدعو اليها الجميع عبر مجموعة إجراءات ومفاهيم يستوعبها المواطن ويعمل على تطبيقها بحس وطني نابع من الشعور بالمسؤولية والتباهي بها، وكذلك على القضاء بحيث لايحابي ولايسامح، ويساند القانون ويطبقه من خلال الأحكام الضرورية بمهنية. كما تعول على العلاقة الإيجابية بين الإحزاب السياسية الكوردستانية، لأنها  ستكون في صالح الحكومة وخصوصاً فيما يتعلق بالقرارات السياسية والإقتصادية التي لها تأثير كبير على تحقيق طموحات شعبنا. هذه العملية معقدة الى درجة يمكن أن نصفها بالمعركة الصعبة التي تستوجب الإرادة السياسية الصلبة التي تنهي الخلافات البينية والتي لا تتهاون أو تتوقف أو تؤجل الإجراءات القانونية اللازمة، للعمل كفريق منسجم فعال، لمواجهة وتجاوز التحديات، عبر إصدار مجموعة قرارات وأوامر وتعليمات تحقق العدالة الإجتماعية بين جميع افراد الشعب دون تمييز.
  على مدى التأريخ لم تكن إزدياد شدة الأزمات وإستفحالها سبباً كافياً لتدمير المجتمعات وإنهيارها، وخاصة تلك القادرة على تنظيم مسيرتها ومقاومة تصدعاتها  بقيمها ومثلها العليا والراغبة في مواجهتها، والأمثلة تثبت أنه كلما كان الفكر السائد في المجتمع متقدماً، إزدادت قدرته على تجاوزها.
  وفي كوردستان تتفق أغلب التقارير وإفادات المطلعين على الأوضاع، وكذلك الذين واكبوا الأحداث التي أدت الى ظهور الأزمات على أن الازمات نجمت نتيجة لسوء الإدارة وأخطاء النظامين المالي والاقتصادي والفساد الموجود فيهما بدرجات مختلفة، وقراءة الأمور بشكل خاطىء بسبب مصالح فئوية وحزبية، كتعيين الكثيرين في الدوائر الحكومية وبدرجات عالية، والانفجار السكاني بسبب نزوح مئات الألاف اليه من بقية مناطق العراق، والقطع المفاجيء لحصة الإقليم من الموازنة الاتحادية والهبوط العالمي الحاد لأسعار النفط، والحرب مع الارهاب،  إضافةً الى التهديدات الخارجية والإجراءات غير الدستورية وغير الأخلاقية، كغلق المنافذ الحدودية وفرض الحصار ومنع حركة الطيران في مطارات الإقليم، ومحاولات فرض أمر واقع خارج عن الإرادة الداخلية، والحرب مع الارهاب، وهناك أزمة من صنيعة حزب سياسي معين، يحاول إختلاق المشكلات السياسية والقانونية الداخلية، وأن يستغل الأوضاع بهدف الكسب السياسي غير المشروع، ليؤثر فيها ويتفاعل مع معطياتها وظروفها.
  على العموم، الأزمات عندنا مختلفة ومتشعبة، لكن جميعها معلومة الصلات، ونمتلك عنها معلومات كافية، لذلك نستطيع تجاوزها، لو عقدنا العزم على تجاوزها وساندنا حكومة الإقليم بجد، من خلال التعامل معها بمرونة وحرص وحكمة، وإذا لزم الأمر بقسوة وشدة لتخفيفها وللحد من نموها وإتساعها، والبدء بتكتيكات تتجسد بتفتيتها وتحطيم مقوماتها، والتأثير في تفكير المسببين لها. والمرونة في معالجة الازمة تتطلب، تقدير الموقف وإتجاهه الاساسي، ودراسة مكوناتها والقوى الواقفة خلفها، وعلاقاتها بالأزمات الأخرى وتهديداتها المستقبلية، وتفنيد كل أنواع الشائعات التي تدافع عن مسببيها، وعدم التنحي بعيداً عن الأزمة، والتحرك مع سرعة إندفاعها، لأجل خفضها أو في الاقل توجيهها نحو جهة أخرى أو إتجاهات فرعية تبعدها عن أهدافها الاساسية.
  وأخيراً نقول: المواطنون في إقليم كوردستان، من كافة الشرائح الإجتماعية والسياسية وفي جميع المواقع، متعطشون لمعرفة الحقائق عن مجريات الأحداث بين حكومتي بغداد وأربيل، وتوجهات ونيات الاولى أزاء مطالب الأقليم الدستورية والشرعية، ومستقبل الديمقراطية في البلاد، ومتعطشون أيضاً لمعرفة نتائج مشاورات حكومة الاقليم مع الاطراف السياسية الكوردستانية، لمعرفة هدف وإستعداد كل طرف للمساهمة في إعادة اللحمة للوضع السياسي من أجل مجابهة التهديدات والتحديات، لفرز الصالح عم الطالح. ومتعطشون أيضاً للإطلاع على رغبة حكومتهم في العمل الجاد لتأمين الحقوق الدستورية للأقليم والوصول الى صيغة موحدة لمخاطبة حكومة بغداد، وإيجاد حل مناسب لجميع المشكلات العالقة عن طريق الحوار والتفاهم، كما ينتظرون من سلطات الاقليم وضع إستراتيجية وطنية وقومية وخطة أقتصادية ناجحة تسعى لممارستها وتنفيذها، بأعتماد آلية منصفة تتم بموجبها تقديم المزيد من الخدمات التي ترتقي الى مستوى التضحيات التي قدموها خلال السنوات والعقود الماضية.


221
مؤامرتان سميتا بأنتصارين
صبحي ساله يي
البعض شبه الأجواء الخريفية التي عاشتها بغداد بعد 16أكتوبر 2017، وإجراءات العبادي العدائية تجاه إقليم كوردستان، بأجواء ربيع 1975، والعقوبات التي فرضها صدام حسين على الكورد بعد مؤامرة الجزائر السيئة الصيت.
 إن كان التشبيه من زاوية المؤامرة ضد الكورد، وتشبيه يوم تعيس مع آخر أكثر تعاسة، ومحاولة جديدة فاشلة لوأد الحلم الكوردستاني مع محاولة فاشلة قديمة أكثر فشلاً، وإن كان من باب المشاركة بين العراق وإيران وبموافقة أمريكا، وأن كان من زاوية الإنتصار الموهوم وإصابة الحاكم في بغداد بالغرور، وإن كان من خلال تطابق تصرفات الحشد الشيعي وبالذات التركماني في طوز خورماتو وكركوك، مع تصرفات الرفاق البعثيين والجيش اللاشعبي، معقول وصحيح .
 ولكن الحدثان (الإتفاقان) مختلفان في وجوه عديدة، حيث الأول تم (دون تواطوء أو خيانة كوردية، ودون تدخل عسكري لقوات أجنبية)، تراجع عنه صدام في أول مناسبة، وجلب معه مأساة الحرب التي إستمرت لثمان سنوات عجاف بين بغداد وطهران، وبعدها، جاءت عمليات إحتلال الكويت وتحريرها، والإنتفاضة في كوردستان ووسط وجنوب العراق، والحصار الدولي الظالم على العراقيين، وبالتالي، إسقاط حكم البعث، أما الثاني، فقد كان فيه خيانة وتواطوء وتظليل ولف ودوران مع الكورد والعراقيين والأمريكان والمجتمع الدولي، وبمساندة قوات أجنبية معروفة الهوية.
في حينها تنازل صدام عن (جزء) من سيادة العراق لأيران، ولكن العبادي فتح معركة جديدة ضد الكورد، من جهة، وتنازل عن (كامل) سيادة العراق لأيران، من أجل البقاء في السلطة والعودة إليها في ولاية ثانية، من جهة ثانية.
بعد الإتفاق الأول مارس صدام سياسات التعريب والتبعيث والترحيل والتهجير العنصرية، والإستيلاء على الأراضي الكوردستانية، وحاول فرض سيطرته على الكورد لإضعافهم وتقويض قوتهم. ولكنه لم يستطع إرغامهم على الإبتعاد عن سياسة النأى بالنفس، أو حتى تليين مواقفهم تجاه من تآمروا ضدهم، وبسوادهم الأعظم، لم يقدموا إستقالاتهم من النضال وحمل السلاح، وكذلك لايفعلونها بعد الثاني، الذي يمارس فيه ذات السياسات وبذات الآليات، وطبعاً، لا ينفع معهم سياسة لي الأذرع، والحصار والتجويع. ومعنى إصرارهم على عدم الاستقالة، سيدفع العقلاء في العراق، الموجودين في الوقت الحاضر فقط، للتفكير جيداً في نتائج الإتفاق ويضعوا نصب أعينيهم مصلحة العراق أولا، وبخلاف ذلك سيجعل الاستقرار في البلاد في مهب الريح، والتوتر سيداً للموقف وقابلاً للإنفجار في أي لحظة.
ذهب صدام، رغم أنه كان قوياً ويملك جيشاً جراراً، ورغم أنه لم يكن هناك في بغداد من يهدد عرشه، أو حتى يفكر في التآمر عليه وإزاحته، وكان يسيطر على كل الأمور في العراق من أقصاه الى أقصاه، والكورد مازالوا باقين.
سيذهب العبادي، لأنه ضعيف بكل معنى الكلمة، والفساد في عهده أصبح طاعة وفخر وبطولة، وينخر في كل مفاصل البلاد. ولا يسيطر حتى على مبنى مجلسه ولا يستطيع طرد عمال الخدمة من مكتبه، رغم إنه متيقن من إنهم عبارة عن مراقبين لتحركاته، ويوصلون كل شيء لغيره ويسرّبون بعضاً من محاضر الاجتماعات الرسمية مع المسؤولين والوفود الأجنبية والعربية، ناهيك عن سيطرة (الآخر) على هرم الوزارات والسفارات والسلطات القضائية وغالبية الهيئات التي تسمى بالمستقلة والكتلة البرلمانية الكبيرة في البرلمان، تلك الكتلة التي تستطيع أن تمرر القرارات وتستجوب من تشاء، وتقيل من لا ينسجم سياساته مع سياساتها، وكذلك الحشد الشيعي الذي لاينتمي أي فصيل له، والكورد سيبقون.
 سيبقى التفاخر بالسيطرة على الأمور وهم ومبالغة، وسياسة إرضاخ الكورد بالتهديد والقوة والتآمر والخداع وفرض العقوبات، إن كانت سهلة على الورق، صعبة التحقيق على أرض الواقعة وليس بمقدورها إسكات الكورد المعروفين بالحذر البعيد عن المهاترات السياسية، وتغليب حكمة العقل والمصلحة الوطنية على كل شيء آخر، ولكن ربما هذه الصفات الطيبة، لا تجدي في العمل مع أناس غير طيبين، وفي الأوقات الملتهبة. والذي يبعث الأمل هو اليقين الذين توصل اليه الجميع، والقاضي بأنه مع اشتداد الأزمة ستحدث الإنفراجة، وليس من الضروري أن يكون الحل دائماً عبر المواجهة المسلحة، خاصة وأن القضية الكوردية في العراق لم تعد منذ زمن بعيد قضية داخلية، وأية محاولة من السلطة في بغداد التي تخلت عن الدستور ومبدأ الشراكة والغارقة بنشوة نصر مزعوم على الكورد، سواءً لإفراغ الفدرالية من محتواها، أو إلغاء سلطة الإقليم والتصرف حسب الأهواء العدائية، أو التعنت ورفض الحوار العقلاني، تعتبر بمثابة إرجاع عقارب الساعة الى الوراء، ولعب بالنار، وسترفض بشكل قاطع، من قبل العراقيين الخيرين والعقلاء ومراكز القرار في العالم أجمع.



222
العبادي.. أشاد خطأً وتجاهل عمداً
صبحي ساله يي
ما سمعناه في الأيام السابقة من السيد حيدر العبادي كان مثيراً، حيث حاول أن يراكم الغيوم ليحجب الرؤيا ويسابق الأحداث ويصور للبعض أن الكثير من الأمور بين أربيل وبغداد قد حسمت، والبقية الباقية في طريقها إلى الحل، والغيوم ستنقشع، وأعلن عن التدقيق في قوائم موظفي الإقليم. طبعاً، دون أن تصل القوائم الى بغداد. وتساءل : هل حكومة الإقليم تمثل كل سكان الإقليم؟ وهل حكومة الإقليم تسيطر على كل أراضي الإقليم وتستطيع تحريك القوات الى كل المناطق؟
الجميع يدرك إن الأوضاع في العراق لا تحتمل الاتساخ الزائد بوحل العنصرية والطائفية، أو سكب المزيد من الزيت على نار الصراعات، لأنها إذا هاجت ستدمر كل شيء. لذلك لا نريد أن نفتعل معركة كلامية مع الشيعي لأنه شيعي، ولكننا نرفض من يتهمنا بنفس طائفي صريح ويحاول أن يطعن في الثوابت الكوردستانية ويقوض الأمن والسلم في كوردستان. وهذا الأمر يستوجب إلقاء نظرة مقارنة موضوعية وهادئة، لما قاله السيد العبادي.
السيد العبادي ليس مطمئناً على مستقبله السياسي، لأنه على يقين بأن الآخرين سيتخلون عنه بسهولة. وتؤرقه أسئلة كثيرة تدور في خلده ويعاني منها على الدوام، حيث لايدري ماذا يقول لو قيل له : هل حكومتك تمثل كل العراقيين؟ وهل تستطيع تحريك القوات الى كل المناطق؟. لذلك لكي يتخلص من الإحراج والقلق والإرهاق يستبق طرح الأسئلة. فحكومة بغداد، بإعتراف الجميع، حكومة شيعية فقط وبإمتياز، تدار غالبية الوزارات التي كانت من حصة السنة والكورد بالوكالة من قبل الشيعة.
أما بخصوص حكومة الإقليم، فإنها أخذت شرعيتها من البرلمان والشعب الكوردستاني وليست بحاجة الى إعطائها الشرعية من قبل الآخرين، وسوف تستمر بصورة قانونية لدورتين تشريعيتن ولديها السلطة الكاملة على كافة الأمور في إقليم كوردستان. وبشأن تحريك القوات، فإن العراقيين جميعاً، كورداً وعرباً، شيعة وسنة، يعرفون إن السيد العبادي لايسيطر حتى على الحراس المحيطين ببيته ومقر حكومته، وإن أردوا عدم الكسر بخاطره أو لنقل تعظيمه، فإن سلطته في أكثر تقدير لاتتجاوز المنطقة الخضراء. والجميع على دراية بأن العراق يدار من الخارج وغالبية المسؤولين بمثابة قناصل.
السيد العبادي يريد أن يفوز في الإنتخابات القادمة وبأي شكل، ومطالبه للإقليم تنحصر في التخريجة التي ممكن أن تحفظ له ماء وجهه. ولكن بمواقفه الخاطئة يترك لإعلامه فرصة تخديع الآخرين وإيهامهم بالنصر على الكورد، مع الأخذ في الإعتبار بأنه في الوقت الذي يطالب الإقليم بالرضوخ لمطالبه، يتنازل في الظلام خطوة تلو الأخرى لإيران وتركيا وأمريكا والسعودية، ويتعهد بتنفيذ المطلوب في الغرف المغلقة، وأما في أيام الثلاثاء فيرفع الشعارات ويزايد ويكابر. وفي قرارة نفسه يدرك أن الإستفتاء، كما قال رئيس حكومة الاقليم : (عملية سلمية جداً وكان تعبيراً لآراء الشعب بشأن حق تقرير المصير، ولا يوجد أحد في إقليم كوردستان وأي طرف سياسي يرى أنه إرتكب خطأ حينما شارك في الإستفتاء، كان الأمر مجرد عملية ديمقراطية للتعبيرعن الإرادة، ولسنا نادمين على إجراءه وأن حق تقرير المصير سيظل باقياً مثلما هو)..
كما ظهر السيد العبادي فرحاً مبتسماً متباهياً مفتخراً على شاشات التلفزيون، وهو يعتبر الهجمات العسكرية على كوردستان وقتل وتشريد أهالي كركوك، وطوزخورماتو والمناطق الاخرى، ونهب الممتلكات والمحلات التجارية وتهديم وتفجير المنازل والأسواق من قبل القوات العراقية، وبالذات الحشد الشيعي التركماني، إنتصاراً كبيراً لايقل أهمية عن الإنتصار على داعش، في حين يعلم الجميع أن الجرائم المرتكبة في تلك المناطق تصل الى مستوى جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية. وكان من الضروري أن يراجع السيد العبادي حساباته الوهمية وستراتيجيته الخاطئة تجاه الكورد ويدين ما أرتكب بحقهم ويتعهد بمحاسبة المجرمين، لا أن يشيد بهم. هذا إذا إعتبر نفسه رئيساً للعراقيين، والكورد جزء منهم.
وفي كلمته بمناسبة ما يسمى الإعلان عن أنتهاء داعش، بدلاً من أن يشكر شعب كوردستان وقوات البيشمركه ويكافئهم على أدائهم الوطني والأنساني المتزن في أحلك الظروف، ورغم أن البيشمركه ليسوا بحاجة الى أن يشيد بهم العبادي وغيره لأن غالبية شعوب ورؤساء وملوك ووزراء الخارجية والدفاع في العالم قد أشادوا ببطولاتهم وصمودهم الأسطوري الخارق، أنكر الجميل وتجاهل ذكر إسم البيشمركه ودورهم البطولي في كسر هيبة داعش. 
وأخيراُ نقول : على السيد العبادي أن يتنازل عن النصر المزعوم والغرور، ويبعد عن نفسه الحاقدين والإنتهازيين المتملقين وسياسي الصدفة، لأن بوجود هؤلاء يصبح القتال بين الكورد والشيعة وارداً. وأن القتال يحقق رغبات العنصريين فقط وربما يطفىء مخاوف الايرانيين والاتراك الذين يخشون من قادم الأيام الصعبة بعدما علموا بمضمون وقانونية ودستورية الإستفتاء الذي جرى في 25/9/2017، ولكنه لا يلغي الاستفتاء ولايمنع رغبة الشعب الكوردي بالاستقلال. 
 
 
 


223
صراحة أربيل ومصارحة باريس
صبحي ساله يي
   تناقض الأجندات الإقليمية والدولية وتعقيداتها وتناقضاتها في المنطقة، وخصوصاً في العراق جعل التعايش والتشارك والتوافق النقاط الخلافية بين المكونات صعباً، وإفساح المجال أمام التدخلات الخارجية، لإدراة التوازنات سهلاً. ومن دون اعتبارات للمسائل الإنسانية والأخلاقية ودون إرادة حقيقية، تخلت القوى الفاعلة عن أصدقاء الأمس لتظفر بحلفاء جدد، وغضت الطرف عن ممارسات عدوانية تنتهك الحقوق الدستورية والقيم والثوابت القانونية، ووسط هذا التزاحم وجدت المكونات العراقية دوافع ومسوغات للتجادل والصراع فيما بينها.
   في كوردستان لم يكن هناك بديل عن الصراحة في التعبير عن الطموحات والرغبات والمواقف، ولم تكن هناك حواجز بين حكومة الإقليم والشعب الكوردستاني، لذلك توجه الكوردستانيون نحو الاستفتاء الشعبي الديموقراطي.
   الحكومة العراقية فرضت عقوبات جماعية على الكورد، وأصيبت بالغرور والشعور بسكرة النصر المزعوم الذي لم يكن ممكناً لولا الخيانة والاستقواء بالخارج، وتعنت وأصرت على فرض شروط تعجيزية للحوار والتفاوض، وحاولت تفتيت ارادة الكوردستانيين الوطنية والادعاء بأن الخاسر الأول من الاستفتاء هو الشعب الكوردي، وشنت حرب نفسية ضدنا، متناسيةً أن الإنسان الكوردي لايستسلم للأمر الواقع ولايقبل العبودية والانصهار في البوتقة الشوفينية، ويعتبر الاستفتاء انتصارا كبيرا لإرادته وحركته الوطنية والقومية التحررية لأنه أوصل بصوته مطالباته بالحرية والعدالة والاستقلال للعالم.
   كلّ ما شعر به الكوردستانيون، شعر به رئيس حكومة الإقليم الذي أثبت بعد أعوام في السلطة انّه مُلك لجميع الكوردستانيين أينما كانوا، دون أن يتهرّب من مسؤولياته ويضع إمكاناته وإمكانات حكومته في مواجهة المشكلات اليومية للمواطن ومعالجتها. لا يخفي الايجابيات، ولا يتجاهل السلبيات ويحظى بالمصداقية، محلياً وعراقياً وإقليمياً ودولياً، وبتقدير وثقة الأصدقاء والشركاء والحلفاء، لأنه يزن كلامه النابع من التفكير العميق ، ويعرف ما يقول. مع ذلك تبدلت مواقف الكثيرين تجاهنا، وتجاه قضايانا المشروعة، بذرائع مختلفة دون أي مبرر دستوري أو قانوني ودون الإستناد على أعراف العدالة وحقوق الانسان.
   لكن فرنسا صديقة الكورد التي تحترم وتدعم إرادة شعب كوردستان، والتي وقفت الى جانبهم في أوقات الضيق، فرئيسها (ديكول) ألغى صفقة لبيع سربين من طائرات الميراج الى العراق في الستينيات من القرن الماضي بعدما تلقى رسالة من البارزاني الخالد، يذكر فيها أن الطائرات ستستعمل لقصف الكورد. كما طالبت في عهد فرانسوا ميتران، مجلس الأمن الدولي بتوفير الحماية للكورد، حيث صدر القرار 688 في 5 نيسان عام 1991 القاضي بإقامة منطقة آمنة في كوردستان، وكان لها دوراً كبيراً في ترتيب البيت الكوردي، كما كانت من أوائل الدول التي وقفت إلى جانب إقليم كوردستان في وجه داعش الارهابي وقدّمت له المساعدات المختلفة في معركته. وكانت الدولة الأولى التي يزور رئيسها إقليم كوردستان، وقد زار الرئيس أولاند إقليم كوردستان مرتين، وقال بُعيد جولة في جبهات القتال:
 ( لم يكن بالإمكان مواجهة تنظيم داعش من دون بسالة قوات البيشمركه).
   كما قدمت فرنسا الكثير من الأسلحة والمساعدات المختلفة لقوات البيشمركه، وأرسلت الخبراء العسكريين لتدريبهم في المعسكرات الخاصة، على استخدام الاسلحة الثقيلة والمتطورة في الحرب ضد داعش، وشنت طائراتها الحربية غارات على داعش الإرهابي بالقرب من حدود إقليم كوردستان، فيما أكد المسؤولون الفرنسيون وعلى رأسهم وزيرا الدفاع والخارجية الفرنسيين، في عدة مناسبات دعمهم لقوات البيشمركه خلال زيارات متعددة لاقليم كوردستان.
   في عهد مانويل، في بيانات وزارة الخارجية الفرنسية، وقصر الرئاسة ومجلس الأمن، أكدت على احترام الحقوق المشروعة لشعب كوردستان في إطار الدستور العراقي. وقبل أيام وجه الرئيس إيمانويل ماكرون، دعوة رسمية لنجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، لزيارة باريس..
   عقب إجتماع بين ماكرون وبارزاني في قصر الإليزيه، قدم ماكرون شكره للبارزاني لتلبية الدعوة وزيارة فرنسا، كما ثمن دور الرئيس مسعود بارزاني على امتداد فترة رئاسته لإقليم كوردستان وبناء العراق الجديد وفي الحرب ضد داعش، ولم ينسى دور البيشمركه وما قدموه من تضحيات في سبيل الأمن والإسقرار وفي الحرب ضد داعش، كما تحدث عن علاقات الصداقة التاريخية بين الشعب الكوردي وفرنسا، مؤكداً على احترام حقوق الشعب الكوردي، وعلى ضرورة رفع الحصار المفروض على كوردستان وبدء الحوار بين بغداد وأربيل، وتطبيق المادة 140 في المناطق المتنازع عليها، وإنهاء وجود جميع الميليشيات بما فيها الحشد الشعبي.
   من سمع الكلام السليم للرئيس ماكرون بشكل دقيق، يدرك ان الحكومة الفرنسية تدرك تماما من هم الكورد وما يشكلونه من عامل للإستقرار في المنطقة ككلّ، ودورهم المشرف في إستقبال النازحين والمهجرين، كما يعلم إنه اظهر أن إدارته ليست مستعدة للتضحية بعلاقاتها القديمة والوثيقة مع الكورد من أجل حماية مصالح معينة مع الذين يثيرون الغرائز القومية والمذهبية ويؤججونها، ويعلم إنها ستنتقل في القريب العاجل من الكلام الى الاعمال، ولا تبقى مجرّد متفرّج على ما يدور في العراق والمنطقة ولاتترك الكورد لمصيره في ظلّ غياب الرعاية الدولية والأممية. كما لا يمكن تجاهل التطور السياسي والعسكري والإقتصادي والمكاسب التي تتحقق من زيارة نيجيرفان بارزاني الى باريس، إذ سينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين في الإقليم وعلى علاقاتهم البينية، وعلى العلاقات والملفات العالقة بين أربيل وبغداد، وأربيل وعواصم الجوار ومراكز القرار في العالم، ويتأكد من أن الأمور ستسير بعد الآن كما ينبغي، ولا يمكن الإختباء وراء التأويلات والمفارقات التي تثير الاستغراب والتماطل في الرد على مطالب الكورد العادلة المتطابقة مع الدستور العراقي، كما ستسهم في تلقى الكوردستانيون أجوبة مقنعة عن تساؤلاتهم، وعن أسباب وتبرير القرارات الجائرة التي أتخذت بحقهم دون سند قانوني وغياب الآفاق والنظرة الحقيقية للواقع. ويطمئن المواطن الكوردستاني الى أنه لايمكن عرقلة تطبيق الدستور والقانون، أو التنازل عن المكاسب الديموقراطية ..
   وأخيراً: أهمية زيارة وفد حكومة إقليم كوردستان، الى باريس تكمن في التوقيت المتزامن مع الجهود الخبيثة المبذولة من قبل بعض الأطراف، على حساب الطموحات الكوردية الدستورية، مع تجاهل الدور الكوردستاني الإنساني في توفير الملاذ الآمن لما يقارب مليوني نازح ولاجىء، وتحويل كوردستان الى بقعة للإزدهار والإستقرار في منطقة ملتهبة مليئة بالأزمات، والسعي المستميت من أجل حرمان الكورد من المكاسب السياسية الاستراتيجية التي تعادل حجم الدور الذي أداه الكوردستانيون في معركة المواجهة مع التنظيم الإرهابي. وكذلك في التطورات المستقبلية التي ترسم ملامح الاتفاقيات والتفاهمات الجديدة بشأن ملفّات المنطقة التي تقرر شكل المعادلة والخارطة السياسية في العراق. 
 


224
 
نيجيرفان بارزاني والمرحلة الصعبة
صبحى ساله يى
كل الذي جرى في 16 أكتوبر الماضي، وما بعد ذلك اليوم، كان تجاوزاً على القانون والدستور بإسم القانون والدستور، وإستغلالاً للظروف، واستمراراً في التزمت الفكري والمجاهرة ببيع العواطف وتثوير الروح الفوضوية وسلب التوازن العقلي، وزرعا للإرباك والفتنة، وتراجعاً عن تعهدات وإلغاءً لإتفاقات سابقة بسبب الرؤى المتعنتة، والتوقيع على أخرى جديدة أكبر من إتفاقات وأقرب إلى تحالفات، ولعباً بالنارعلى أوتار مصالحية لتحديد المسارات من خلال ممارسة الازدواجية في السياسة والثقافة والخطاب والولاء والإنتماء، وإفتعالا لأزمات خطرة تحيط بها ظروف شاذة تحتاج مواجهات فعالة وإعادة ترتيب الأمور بين المواطنين الكوردستانيين والأحزاب السياسية الكوردستانية، وفي الحكومة والبرلمان الكوردستانيين وفقا للمستجدات والخيارات الممكنة والإمكانيات المتوفرة .
في ذلك اليوم، أصبنا بصدمة وضعت أمامنا علامات إستفهام كبيرة وكثيرة وكم هائل من العموميات الواضحة، وجميعها فرضت نفسها لبيان النيات التي تتحكم بالعقول والأفكار من خلال التعامل مع المستجدات والمتغيرات وتحليل المعادلات، واستدعت استقراء الظروف والاختيار السليم لزمان ومكان وآلية الفرز بين الازمات السياسية والإقتصادية والأمنية، وبين المتخبطين وغيرهم، لإبعاد المشهد عن التعميم أولاً، والتكفل بعدم زيادة التهابه ثانياً، والدفع به نحو زاوية المواجهة الشجاعة وحصره، والسعي وراء المسببات السلبية التي أفرزت الازمات والتي ساهم فيها البعض من خلال تضليل الرأي العام، وتكريس فكرة الانقسام على أسس سياسية ومناطقية، وهذه الصبغة السياسية - الاعلامية خدمت الآخرين وكل البضائع الكاسدة في سوق المزايدات السياسية التي تم الترويج لها رعاية لمصالح حزبية، وتلبية لرغبات شخصية ومصالح وأهداف مرحلية مدفوعة بدوافع ذاتية ونظرات ضيقة تعتمد على الخيال والتمنيات، وأنذرت تلك الممارسات الخاطئة بمخاطر مستقبلية في حال عدم التوصل الى حلول سياسية وقانونية تتوافق مع التطلعات والمصالح العامة وتنسجم مع الواقع ومع منظور ما يفرضه العصر وما تفرضه الخصوصيات التاريخية والقومية والوطنية الكوردية.
الإشكاليات المستحدثة لم تعد مجرد تنظيرات أو تهويمات ورؤى وتمنيات، أوتمسكاً بالخيال والأحلام، بل باتت حقائق مقلقة ومكلفة تستوجب معالجتها ومنحها وزنا واعتبارا، لأن الخسائر المتوقعة ستصيب الجميع لو انحدرت الاوضاع نحو الاسوأ، لذلك يسعى رئيس حكومة إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني، بحكمة وتعقل وحرص شديد، وبخطى ثابتة لإعادة المياه الى مجاريها، ليكون المشهد بداية لمرحلة جديدة ويبذل محاولاته الجادة في البحث عن طريق آمن للخروج من المتاهات والمطبات وضبط آلية المبادرة، كي يتم منع التصدعات والانغماس في خلافات وتناحرات وصراعات بينية تنهك الجميع حتى النخاع، ويبدي إصرارا كبيرا على مواصلة الحوار مع كافة الاطراف السياسية، ويحرص على استمراره، ويبدى المرونة خلال اجتماعاته، ويبتعد عن الاثارة في تصريحاته من أجل تصحيح الأوضاع وتعديل مساراتها والخروج من الازمات بأقل الخسائر، والتفاعل الهادىء والمسؤول مع المشكلات وعوامل الاضطراب بصورة موضوعية وواقعية وبشكل يناسب مجريات الاحداث ومراجعة الاتفاقات السابقة وإلغاء بعضها وتمتين وتوقيع غيرها، لتجنب ترك الاقليم تحت رحمة المزايدات السياسية وإعطاء انطباع بأن لغة العقل والمنطق تركت الساحة السياسية.
قرار تمديد عمر برلمان كوردستان الحالي لثمانية أشهر، يعني تمديد عمر الحكومة الحالية لثمانية أشهر أيضاً، ويعني أن الحكومة الحالية مؤقتة تنتهي عمرها مع إجراء الإنتخابات القادمة وإعلان نتائجها، ولكن ما نسمعه هذه الأيام من أصوات تدعو الى حل الحكومة الحالية لتحل محلها حكومة مؤقتة، يدعونا الى التساؤل : بما أن الحكومة الحالية مؤقتة، لماذ نغيرها بأخرى مؤقتة أيضاً؟ كما يدعونا الى البحث عن الذي يجرى على الساحة السياسية الكوردستانية، ونحن نعرف أن الحكومة الحالية، من أهم الكابينات الحكومية في اقليم كوردستان، حيث إشتركت فيها غالبية الأحزاب الكوردستانية، ومثلت المجتمع الكوردستاني وفعالياته السياسية والاجتماعية في مرحلة دقيقة ومعقدة من مراحل إقليمنا سياسياً واقتصادياً، بدأت عهدها، في ظروف صعبة ومعقدة، وجدول أعمال رئيسها كان ثقيلاً، وأجندتها كانت مليئة بالأولويات السياسية، والاقتصادية، والتنموية، والعدالة الاجتماعية، فضلا عن أولويات أخرى إقليمية ودولية، إنتظرتها ملفات مليئة بمشكلات تحتاج الى معالجات، وملفات عالقة مع الحكومة الاتحادية بخصوص المادة 140 من الدستور العراقي والموازنة التي أستغلت سياسياً ضدنا، والنفط والغاز وقوات البيشمركه. وجاء رئيسها بغالبية مريحة كادت أن تكون مطلقة في البرلمان، وسط دلالات ومؤشرات أكدت أن ممثلي الشعب أرادوا رئيساً قوياً يقود حكومة قوية  ذات قاعدة عريضة، تضمن إستمرار الاستقرار السياسي والإقتصادي والأمني، ولكن الحرب على داعش وإستقبال ما يقارب مليوني لاجىء ونازح وقطع حصة الإقليم من الموازنة الإتحادية، أثرت بشكل واضح على أداءها وحياة المواطنين الكوردستانيين ودوران عجلة التقدم.
الدعوة الى حل الحكومة الحالية تؤدي الى الإنقسام، وسوء التفاهم وعدم الثقة بين الكوردستانيين، وهذا ما يتمناه الكثيرون. خاصة وإننا نواجه قائمة طويلة من التهديدات والمخاطر وأطماع الآخرين ورغباتهم في الهيمنة والتدخل في شؤوننا الداخلية، والعاقل يعلم أن المعاندة والاصرار على أمور غير معقولة وغير مقبولة تسبب الانقسام وتضيع مكتسباتنا المتبقية.
 



225
كوردستان.. عنوان النجاح والأمان
صبحي ساله يي
  في وقت كانت الأوضاع السياسية في العراق تتجه بسرعة نحو الإنحراف عن إطارها الصحيح، عبر سياسة التهميش والإقصاء والمماطلة والمراوغة والتهرب من المسؤوليات الدستورية والقانونية تجاه الحقوق القومية المشروعة للكورد، وإدارة الحكم بأساليب بدائية، وتجاهل الحقوق المثبتة في الدستور العراقي، تأرجح العراق على شفا حرب أهلية، ومالت المستويات المنذرة بالخطر من العنف والانقسامات نحو الإرتفاع وفي كل الإتجاهات، وإستمرت العذابات والصراعات العنيفة وتداعيات الأزمات. أما الهجمات فقد إستهدفت الجميع، دون استثناء، وأصبح العنف والعوز والفقر أشد فتكاً وأكثر قساوةً من أي وقت سابق، وأصبحت خيوط التعايش الهش التي كانت في الأساس ضعيفة، مهترئة كخيوط شبكة العنكبوت. وأصبح من الصعب العثور على منطقة أو مدينة آمنة ومشرقة في وسط العراق وجنوبه وغربه. وعجت الكثير من دول الجوار والمنافي باللاجئين، وتراجعت مديات الإخلاص للعراق كوطن بشكلٍ كبير، إن لم نقل إنعدمت، والميليشيات المسلحة عاثت في الأرض فساداً دون وجل أو خوف، وشوهت سياسة البلاد التي كانت تئن من الأزمات السياسية والتشريعية والأمنية.
  في تلك الأيام، ورغم سلسلة معقدة وطويلة من المشكلات، وبقرار منطقي نابع من قوة العقل والحكمة، قررت حكومة إقليم كوردستان برئاسة نيجيرفان بارزاني، الإنطلاق من الرؤية الوطنية والقومية، ومن منطلق الدفاع عن الحقوق الطبيعية للكوردستانيين في العراق الجديد القديم. أن يكون الإقليم نموذجاً لقصة نجاح وإنتصار، ومنطقة للأمان والتعايش والتسامح والإستقرار، ونقطة لإزدهار إمكانات النمو والتنمية وإرساء دعائم بنية أساسية عالية الجودة، في مجالات الصحة والتربية والتعليم والزراعة وصناعة النفط والغاز وتنفيذ المئات من المشاريع الحقيقية التي تخدم الحياة الإقتصادية والنمو الاقتصادي السريع. كما إتجهت نحو الإستثمار في القطاع النفطي، بهدف تحويله الى ثروة وطنية حقيقية، وركيزة أساسية لإقتصاد يخدم المواطن ويوفر له فرص العمل والحياة السعيدة، وبناء شبكة للضمان الإجتماعي لإعالة العوائل الفقيرة، والمحرومين وأصحاب الإحياجات الخاصة والأرامل وأصحاب الدخل المحدود من أجل ضمان مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. ثروة تسهم في تطوير الإقليم وبناء بنيته التحتية وقاعدته الصناعية المتينة، وإعادة اعمار الإقليم الذي تم تدميره في ظل السياسات العنصرية للنظام البعثي البائد.
  جرى هذا في كوردستان، رغم كل الصعاب، ووفق خطط ملهمة تم التخطيط لها بتصور ورؤية متحضرة متكاملة تتألف من إدراك الإمكانات وتكاليف التفاعلات الدبلوماسية في منطقة تكاد أن تكون جزيرة من العنف والاضطرابات، ونشرت الصحف والبريطانية ك(الكارديان والأندبيندنت وأيكونوميك وأوبزيرفر) بعض توجهات السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان وطموحاته بشأن مستقبل الإقليم وبرامجه في مختلف مناحي الحياة، كإعادة بناء الديمقراطية وصولاً الى تحقيق الطموحات، وتحقيق النجاحات في قطاعات الصحة والتربية والتعليم العالي والطاقة والإقتصاد وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والرفاه والتفاهم والتعايش والتسامح وتحقيق العدالة الإجتماعية والحماية الحقيقية للحقوق المدنية، وتحديد وحجب التطرف أو العنف الداخلي، والإثبات أن الإقليم أصبح الوسيلة الفضلى للسلام الإقليمي، وعاملاً فاعلاً في تشجيع الجيران على معالجة مشكلاتهم عن طريق الحوار، وبذل المساعي لبناء العلاقات مع الشعوب المجاورة على أساس الإحترام المتبادل.
  حكومة الإقليم كانت دوماً عوناً لكل الذين وقعت عليهم المظالم، وإحتضنهم وساعدتهم وساندتهم، رغم قطع موازنتها السنوية من قبل الحكومة الاتحادية وبروز بعض المشكلات الداخلية، ورغم قسوة البعض وتحاملهم غير المبرر، ومازالت تضرب مثلا رائعا بالتطور في كل المجالات، مستندةً إلى أرفع القيم الإنسانية، لذلك نجحت في جعل الاقليم مثالاً طيباً يُحتذى به في منطقة ساخنة مليئة بالمشكلات. وأصبحت كوردستان، لامعة راقية متقدمة، ومؤهلة للديمقراطية الواعدة، تخطو بالتدريج ومن خلال دورات برلمانية، وانتخابات محلية، وتوافقات وطنية، وتوسيع المشاركة الشعبية في دائرة السلم الاجتماعي، نحو العمران والنماء والاستقرار والأمن وتعزيز النظام السياسي بمزيد من التسامح والتعايش.
   بعد عقدين ونصف على أول تجربة رائدة ورائعة في تاريخ شعبنا الذي اختار أول ممثليه في برلمان كوردستان، تعيد حكومة إقليم كوردستان برئاسة نيجيرفان بارزاني، ذات المشهد بعد أشهر، فينتخب الكوردستانيون من يمثلونهم لتحقيق طموحاتهم ولتفعيل العناصر الايجابية في المجتمع وتحجيم العناصر السلبية وتسخير الطاقات، ولردم هوة الاختلافات والتناقضات السياسية والعمل على محوها ولتشكيل حكومة جديدة منسجمة تدير البلاد وهي مؤمنة بالقيم والمثل العليا، وتمتلك معارف وطرق تسيير وتنظيم الامور، وتجنح نحو كل فئات الشعب الكوردستاني لتلبية طلباتها جزاءً لمشاركتها الفعالة في الثورات والإنتفاضات المتتالية والأعراس والكرنفالات الديمقراطية، وما قدمتها من تضحيات غالية في عقود النضال. حكومة كوردستانية، تعمل وفق برنامج ورؤية إستراتيجية حقيقية من أجل إستعادة حقوقنا المهضومة، وتهيئة الأرضية المناسبة والمناخ السياسي المناسب لحل كل القضايا السياسية الخلافية الجوهرية مع بغداد، وفي مقدمتها إسترجاع كافة الأراضي الكوردستانية وفق الدستور، وإزالة آثار التعريب والتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي في تلك المناطق، وإنتزاع الإعتراف الرسمي من الحكومة العراقية بالحدود الجغرافية لإقليم كوردستان.
 
 



226
الحوار والغرور والدستور
صبحي ساله يي
  كل الذي حدث في إكتوبر الماضي في كركوك وضواحيها، لايعتبر نصراً لحيدر العبادي وحكومته، ولا يعتبر سبباً معقولاً لغروره وإنسياقه الخاطىء وراء وهم الإنتصار الذي لا دور له فيه، حيث يجزم الكثيرون إنه لم يكن مطلعاً على ما حيك بهذا الشأن، وأنه دار في نطاق تنفيذ مخطط تآمري محبوك بين دول الجوار بعلم ومباركة دول غربية كبيرة وبتواطؤ بعض المسؤولين العسكريين والسياسيين الكورد، وعقد إتفاق سري يقضى بإنسحاب جزء من قوات البيشمركه من خطوط التماس من دون قتال، مقابل إمتيازات مالية ومكاسب حزبية ضيقة.
 ما حدث أدى الى تأجيل إجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية في إقليم كوردستان، وهذا التأجيل أدى الى حل رئاسة الإقليم، بناءاً على طلب من السيد مسعود بارزاني، وبعد حل رئاسة الإقليم، حصلت حكومة الإقليم على صلاحيات واسعة من برلمان كوردستان، وهي (حكومة الإقليم) تريد الآن بشجاعة وجرأة ووضوح وهدوء فتح صفحة جديدة تفعل وتخطط فيها أكثر مما تخطب، وتعي المهمات الملقاة على عاتقها، لذلك تعمل بشكل حيوي على مد جسور الحوار في داخل المجتمع الكوردستاني ومع الحكومة الاتحادية ومنع تفاقم المشكلات، وتدهور الاوضاع الى ما هو اسوأ. وتريد تجرد الجميع من التصريحات غير المسؤولة والتخوينات الإستفزازية والتبريرات غير المسؤولة والإبتعاد عن تبادل الإتهامات المأججة للصراعات، لذلك أعلنت أنها ستخوض جولة من الحوارات مع كافة الأحزاب الكوردستانية لنزع فتيل الازمات الداخلية، وتوظيفها لخدمة متطلبات المرحلة والتوافق حول المسائل القومية والوطنية والقضايا الكبرى، قبل التوجه الى بغداد للحوار مع الحكومة الإتحادية والأحزاب السياسية هناك، لإعادة الثقة بين الجانبين، أولاً، ومواجهة منطق الكراهية والاحتراب برؤية سياسية تعيد بناء اللحمة الوطنية وتداوي الجروح النازفة، ثانياً. 
بعد الدعوات المستمرة الى ضبط النفس والحوار الوطني لحل الخلافات بين أربيل وبغداد عن طريق الدستور, أعلنت حكومة إقليم كوردستان إحترامها لقرار المحكمة الاتحادية العليا بخصوص الإستقلال ورغبتها في فتح صفحة جديدة وإستمرار الحوار لمعالجة المشكلات والاحتكام إلى العقل والرجوع الى طاولة المفاوضات لحل الخلافات، وبعد الترحيب الأممي والدولي والإقليمي والمحلي بالمبادرة الحكيمة، وبدلاً من الجوء الى الحوار البناء الهادئ من أجل نزع فتيل التأزم والتوتر بين الطرفين، وبدلاً من ضبط النفس وفتح صفحة جديدة وإستمرار الحوار لمعالجة المشكلات والاحتكام إلى العقل والرجوع الى طاولة المفاوضات لحل الخلافات، نسمع في بغداد على مدار الساعة خطابات عدائية ممنهجة و تصعيدات خطيرة غير مسبوقة ومفردات وكلمات عنصرية وإستفزازية بحتة, وبيانات شديدة اللهجة تدعو الى مهاجمة إقليم كوردستان وإشعال المواجهات العسكرية واتخاذ الإجراءات الصارمة بحق الكورد. والأنكى من ذلك كله نرى السيد حيدر العبادي محاولاً كسب أصوات الناخبين لتولي الولاية الثانية، والحصول على تنازلات من شعب كوردستان من خلال إجراءات تعسفية إرتجالية تعتبر كعقوبة جماعية للكورد تناقض تبريراتها، وربما تدفع البعض لإتخاذ مواقف متطرفة معارضة حيالها، وعندها ربما لن يستطيع أحد السيطرة عليها ولجمها. ومتوعداً بإستخدام القوة والعنف، متجاهلاً ما تم تثبيته في الدستور العراقي فيما يخص الفدرالية، ومتهرباً من الضغوطات التي تمارس عليه من أطراف متعددة.
أما ما يقوله العبادي كل ثلاثاء بشأن الإجراءات المتخذة بذريعة الحفاظ على وحدة العراق، وبسط الأمن والقانون وتطبيق الدستور، تجد فيها القوى الشوفينية العنصرية والطائفية المذهبية، فرصة ذهبية لإطلاق حملة الكراهية ضد الكورد، وما يقوله بخصوص دفع رواتب موظفي الإقليم هو في حقيقته بالونات مفرقعة للاستهلاك السياسي, كلام بغير رصيد فعلي هدفه إثارة النعرات والأحقاد تحت لافتة الوعود والتعهد والضحك على المغفليين لأنه كلام فوق إمكانياته وقدراته الضعيفة، ووعود لا تختلف عن وعوده السابقة التي تعهد بها, والتي تبخرت سريعاً. وما يدور في وسائل الاعلام من مزايدات عميقة وخطيرة لا تؤدي الى أي نتيجة في التوصل لتفاهمات جدية حول نقاط الخلاف الأساسية بين الاقليم والحكومة الاتحادية، والإنتظار مضيعة للوقت، ومناسبة تزيد من حدة الازمات وفرصة ثمينة للمتعيشين على الفتن والخلافات والمشكلات، لاذكاء مشاعر الغضب والتنافر وتصعيد وتيرة الأزمات، والإبتعاد عن مبدأ الحوار وفق الدستور.
ببساطة متناهية لو ظل على حاله ووتيرته في إطلاق التصريحات ولم يتوقف, وخاصة وان موعد الانتخابات البرلمانية يقترب، سيفتح أبواب الجهنم على نفسه أولاً وعلى العراقيين عموماً،
 
 
 

227
المطلوب العاجل بين أربيل وبغداد !! 
صبحي ساله يي
نسمع على الدوام نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، وهو يعبرعن  رغبته في حل جميع المشكلات مع الحكومة الاتحادية عن طريق تبني لغة الحوار الجاد والفعال والركون إلى الحكمة والحنكة والدستور العراقي، ويعتبرها حاجة ملحة لوضع النقاط على الحروف، وحسم القضايا العالقة التي أصبحت بمثابة مشكلات مزمنة. وفي المقابل، نسمع حيدر العبادي، ينادي بتطبيق الدستور، لكن على الأرض، ما زال لم يتحرر من إفرازات العلاقات المتوترة السابقة، ويحاول عدم التجاوب الفعلي مع الدعوات المختلفة التي تنادي بالحوار كآلية حضارية يجب انتهاجها وممارستها في معالجة المشكلات. وما زال لم يحسم أمره بشأن هذه المسألة التي تتطلب تحقيقها المرور بمحطات متعددة تبدأ بإمتلاك الاستقلالية في اتخاذ القرار، وإدراك المتغيرات التي غدت واقع حال على الأرض، والتصريح علناً عن الرغبة في خوض الحوار من أجل إيجاد الحلول، وتنتهي بعقد العزم على نسج علاقات طبيعية مع اقليم كوردستان لصالح الطرفين. 
ما هذا الحوار الذي يدعو اليه الكورد مع بغداد؟ ولماذا يريدون نقل الحوار من دائرة الدعوات والتمنيات والخطب الرنانة إلى مستوى الحاجة الفعلية المشتركة بين الطرفين، بقصد الارتقاء إلى طموح مشروع، وفق فكرة الأخذ والعطاء حتى التوصل الى الحل الذي يوفق بين المصالح والمواقف والتوجهات والآراء والأهداف الشرعية؟ ولماذا يتهرب منه العبادي؟ وهل في الأفق مؤشرات تدل على نجاح الحوار بين الكورد وبغداد؟ خاصة وأن (بغداد) حاولت مرات كثيرة، فرض المعادلة الميدانية على الكورد وتفوقها عليهم بالقوة، لكنها فشلت في كل الحالات، وعادت الى طاولات الحوار.
معوقات الحوار، مهما كانت كثيرة وكبيرة، مصطنعة وحقيقية، خارجية وداخلية، يجب ألا تعيق الطرفين عن أداء الدور الإنساني الذي أصبح لا غنى عنه، بعيداً عن الثرثرة والرغبة في الكلام دون أي هدف واضح. والتراجع عما تم تثبيته في الدستور في عناوين عديدة يمثل خطوة خاطئة تأكل من شرعية العملية السياسية في العراق، وتجسد عقلية الاستئثار والسيطرة على الحكم من قبل مكون واحد.
هذا الحوار سيكون سهلاً، لو تم فيه الإقرار بالأخطاء المرتكبة، والتعهد بعدم تكرارها في المستقبل، والإبتعاد عن المواقف المتناقضة مع الدستور ومع الأسس الديمقراطية، واللجوء الى معادلة جديدة واضحة المعالم والأهداف، بعيدة عن السابقات، والتفاعل معها بشكل يستند على المصالح العامة، وعلى مقومات إيجابية غير تقليدية.
 سيكون سهلاً وناجحاً لو أوضح الجانبان بصراحة تامة ما في أذهانهما، وأعلنا للملأ عن سياساتهما ومطاليبهما الحقيقية، وأكدا أنهما عازمان ومتشوقان الى تطبيق الدستور وإنهاء أسباب الخلاف والاختلاف، لو أدركا أهمية وتأثير دوريهما في حل مشكلات العراق وتصحيح مسار العملية السياسية وضمان الامن والاستقرار فيه.
 ويكون ( الحوار) صعباً، لو فسح المجال أمام طغيان التكهنات لتكون أسباباً للخلاف والاختلاف، وتم ترجمة الأحداث على الساحة السياسية بصور مبعثرة أو معكوسة، وبالتالي تجعل تبادل الزيارة واللقاءات مجرد بروتوكولات تجميلية وتكتيكية مؤقتة، ونوعاً من تجميد الإختلاف تحت عنوان أو آخر.
وسيكون صعباً لو تعلق الجانبان، أو أحدهما، بالمفاهيم البالية ورغبة اللعب بالأوراق المحترقة، كما ستكون أصعب لو لم تبتعد بغداد عن الغرور والعناد وممارسة السياسات العدائية والاستعلائية السابقة التي كلفت الجميع أثماناً باهظةً. خاصة وإننا نرى تصعيداً في سياساتها الخاطئة ومواقفها المتخذة تجاه الإقليم وشعبه، ونرى فيها سياسيين ومتنفذين ونواباً يسعون عبر تحركات ومواقف  مشبوهة الى تمزيق وحدة الصف الكوردي، وإغراق الإقليم في مشكلات داخلية، مستخدمين مصطلحات إستفزازية تلغي وجود إقليم كوردستان ككيان إتحادي، محاولين منع ممارسة شعب كوردستان لحقوقه الطبيعية والدستورية.
حرص وتمسك الكورد بمبدأ الحوار، غايته  التأكيد على الشراكة والإلتزام بالدستور طالما إننا نعيش تحت سقف واحد، وإعلان تعطيل الحوار أو التواصل دون مبررات أو منطق، قراءة نفسية متوترة بعيدة عن الرزانة. أما الحديث عن ضرورات الحوار وأسباب تجاهل بغداد للدعوات المتكررة لتحديد موعده، يطول ويتشعب كثيراً في متاهات الخلافات المتعددة، وما لمسناه أخيراً من خطوات وقرارات غير دستورية تجاه الإقليم على المستوى الفعلي، وبالذات في مشروع مسودة قانون الموازنة العراقية لـ 2018 وخفض ميزانية الإقليم فيها، وما نسمعه من تصريحات وما نشاهده من معطيات وتطورات، أغلبها، تدعو للقلق وتؤشر لإمكانية وقوع الطرفين في المحظور.
وأخيراً نقول: ليس أمام بغداد وأربيل مناصاً آخراً غير الحوار ومعالجة جوهر المشكلات المتمثلة في تفسير الدستور في حوار شامل يتسم بالرؤية الثاقبة، والاتفاق وترميم العلاقات قبل أن تقع الفأس في الرأس، لأن هامش المناورة مهما توسع لا يسمح بالاستمرار في التهرب والتنصل من حقائق محددة، وعملية اللف والدوران والشد والجذب لإضاعة الوقت، سواء في إنتظار تغير الظروف الإقليمية والدولية، أو طرح أفكار بطرق مملة بهدف فرضها على الطرف الآخر، أو رفضها، أو الإصرار على إشغال الآخرين بأمور جانبية لا علاقة لها بضرورات الحوار.
 
 
 



228
العبادي يطبق الدستور!!
صبحي ساله يي
 كلما يظهر حيدر العبادي أمام الكاميرات، ينسى المشكلات والأزمات والإختلافات والصراعات المتنوعة في العراق بين العراقيين، وعلى العراق بين القوى الإقليمية والدولية، ويحاول التعبير بثقة عن سيطرته التامة على السلطة، وتعاظم مكانته بسبب هزيمة داعش، وتطبيقه للدستور وحفاظه على وحدة العراق.
لا نتحدث عن سيطرته الوهمية على السلطة لأننا على علم بأنه أسير لإنتمائه الحزبي والمذهبي، ومكبل بالتعهدات التي تعهد بها الى موسكو ولندن وواشنطن وطهران وأنقرة وارياض، من جهة، وأن نوري المالكي يفرض إرادته عليه وعلى من حوله، من جهة أخرى، ناهيك عن الأيادي الخفية المتغلغلة في كل المفاصل. ولا نعيد ما ذكره الكثيرون بشأن هزيمة داعش الحرب ضد الإرهاب، لأننا نعرف أن الذي حصل جاء بفضل الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي وكسر شوكة داعش من قبل قوات البيشمركه. لذلك نركز فقط على عدم تطبيقه للدستور، من خلال:
 عدم تأمين نسبة17% من الموازنة العامة لشعب كوردستان. وعدم توزيع المواقع السيادية بين الكورد والعرب حسب الشراكة والإستحقاقات الوطنية والقومية. وعدم جعل اللغة الكوردية، لغة رسمية ثانية في عموم العراق. وعدم تنفيذ المادة 140 من الدستور بمراحلها الثلاث ( التطبيع، الإحصاء، الإستفتاء) في جميع المناطق المتنازع عليها. وعدم بناء السدود والمحطات توليد الكهرباء والسايلوات ومصافي النفط في كوردستان كبقية مناطق العراق، في إطار النفقات السيادية. وعدم تشكيل قوات الشرطة الفدرالية من أبناء المناطق الكوردستانية، ليكونوا جزءاً من منظومة والأمن والدفاع العراقي الفدرالي. وعدم تحييد الجيش تجاه حسم القضايا السياسية كما حصل مؤخراً في كركوك العديد من المناطق الأخرى. وعدم إعتبار قوات البيشمركه جزءاً من منظومة الدفاع العراقية وحرمانها من حق الحصول على مستحقاتها المالية من المخصصات السيادية وكافة الأسلحة والمستلزمات العسكرية التي تؤمن للجيش العراقي. ووجود الجيش داخل المدن بحجة الحفاظ على الأمن رغم أن ذلك الشأن من الإختصاصات الحصرية لقوات الأمن والشرطة.
بصريح العبارة، ما طبقه العبادي من الدستور حتى الآن أقل بكثير مما لم يطبقه، وأن التحديات التي تواجهه، أكثر بكثير من التسهيلات التي قدمت وتقدم له، ومن السابق لأوانه أن يحتفل بما تحقق له جراء إنسحاب البيشمركه من كركوك ويعتبره تطبيقاً للدستور وإنجازاً أوإستنزافاً لآمال الكورد وعملاً كبيراً يستحق الإحتفال، خاصة وأن المراقبين للوضع العراقي، يشبهون العراق بسفينة تائه مغلوبة على أمرها في بحر متلاطم الأمواج، تسير دون تحديد الاتجاه، لا يقودها ربان ماهر، بل يقودها أناس يلعبون دور الربان ويحاولون جرها بقوة نحو البر الذي يراعى فيه مصالحهم الضيقة. وبخصوص البيئة العراقية، فإنها مهيأة على الدوام للتجاوب مع كل إنحراف في الفكر والسلوك والفتاوي والبيانات والمنشورات التي تكفر وتهدد الأطراف الأخرى وتعتبرها أعداءاً دائميين، ومشاهد حمامات الدم و موائد الذبح وجز الأعناق وتفخيخ الدور والمركبات، بعد إسقاط البعث، مازالت لاتفارق الذاكرة لأنها شكّلت تصدّعاً بين الأفراد والسياسيين وعمقت الصراعات وتلك المسألة انعكست على المجتمع و فرّقته ووضعت العراق أمام حالتين، إما :
بلد مدمر فاشل مكبل بقيود وسلاسل السياسات الفاشلة ونزعات الاستئثار والتعصب وجحيم الإهمال والفساد وإنعدام المسؤولية ونهب الثروات والاستخواذ على المقدرات وانعدام الخدمات الاساسية واستمرار الاثراء الفاحش لفئات محدودة على حساب ثروات الشعب، وخيبة أمل كبيرة وتفشي القسوة والفقر والبطالة والتهميش والاهمال والتراجع، وتحوله الى خنادق متقابلة يلقي فيها شبحا الانحطاط والاقتتال بظلالهما على الفكر والسياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام والفنون والوصول الى حافة الهاوية.
أو: بلد يمكنه من خلال الشراكة والتطبيق الفعلي للدستور، أن يكون مستقلاً تحكمه حكومة مستقلة تستفيد من الطاقات البشرية والموارد الطبيعية والكفاءات العلمية والخبرات الغنية في جميع المجالات على صعيد المؤسسات والأفراد وتسهم في تشخيص الأخطاء والنواقص ومكامن الخلل ووضع الأصبع على الجرح لدرء المخاطر أولاً ولحل المشكلات السياسية والاقتصادية بالاعتماد على إستراتيجيات آنية ومرحلية وطويلة الأمد ثانياً.
 


229
الصحيح بين أربيل وبغداد
صبحي ساله يي
  كل معارك الحكومات العراقية ضد الكورد، كانت معارك خطأ مبنية على خطابات تعبوية زائفة وكاذبة، وفي كل مرة كانت المبادرة بالحرب حامية الوطيس، لاتعرف الرحمة في ممارساتها ومآلاتها، تترك الأيتام وتزيد الثكالى والجرحى، وتستنزف الطاقات، وتهدر الثروات. وفي النهاية، تصبح حلقة في سلسلة معارك تمثل خسارة من خسارات العراق وتحلقه في فضاء الوهن والإهانة والمهانة، وتكبله في مستنقع الخيبة والندامة والتأخر. وبعد كل حرب، كانت الحكومات تدخل على مرحلة تسميها مرحلة تضميد الجراح وإزالة آثارالحروب.
  الأحداث تتسارع على صعيد العلاقات بين أربيل وبغداد. والخلافات وصلت الى مراحل حرجة ومستويات خطرة، والى تضارب المصالح، وهناك إيجابيات وسلبيات، وليس أمام أربيل وبغداد سوى التحلي بالعقلانية والصبر والتشجيع على تراكم الايجابيات لعلّ وعسى أن تنزاح السلبيات التي إستمرّت أكثر مما يجب.
  الكورد، ملوا من إحتدام الصراعات والحروب، ولكنهم يرفضون الوقوف كمنهزمين أمام منتصر يملي عليهم الشروط، مطالباً بالإمتثال والإذعان من دون تعقيب وفق معيار الغالب والمغلوب، ويفضلون حاسمين تبني إستراتيجية حقيقية تسهم في دفن الصراعات والكراهيات المقيتة. ويطالبون بحقوقهم وفق الدستور العراقي، ويدعون الى حوار يغير واقع الحال، ويخفف الهجمات اللفظية المتبادلة، ويمد جسور الثقة بين الطرفين بعد سنوات من الشكوك والخلافات، ويردم هوة الانقسام ويعالج الأخطاء، ويدفع باتجاه فتح الطريق للبدء بوضع حلول (شاملة وعادلة ودستورية) لجميع القضايا العالقة، ويبعدهم عن الكوارث، وهذا يدل على وجود إرادة لا تدع مجالاً للشك في امكانية تجاوز الخلافات التي أوقعت بالكوردستانيين الكثير من المظالم.
  بغداد ومن دون مراعاة الدستور والقوانين الفيدرالية، تتغاضى عن مطالب حكومة إقليم كوردستان التي أعلنت أكثر من مرة عن حسن نيتها وقدمت مبادرات عدة، وتستعين بمصطلحات استفزازية وشوفينية وتحاول فرض رأيها الخاطيء وإهمال ذكر اقليم كوردستان ككيان دستوري وقانوني، وغير جادة بفتح الحوار ولا تستمتع الى الدعوات المحلية والإقليمية والدولية، وتبدو أنها مصرة على سياسة تجويع مواطني كوردستان وغلق الأبواب بوجههم، وإبعادهم من الشراكة السياسيّة في العراق. والمطلع على الأوضاع يعرف أن الهدف الاساسي من وراء الطروحات الشوفينية التي صاغها التيار المعادي للكورد، رغم تبعاتها الكارثية على الديمقراطية، هو ترجمة فعلية لصراع الإرادات والمشاريع التي ترسم الصور القاتمة في الساحة المرشحة للإنفجار وتفاقم الأخطار وعقاب جماعي لشعب كوردستان وتصعيد ضدهم بدوافع ونوازع عرقية ومذهبية مستقرة في ذهنيات وعقليات ترفض التغير والتغيير رغم المستجدات التي طرأت، وتسعى لتحويل الكورد والكوردستانيين الى مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة. أو مجرد رعايا وأتباع لا يحق لهم المشاركة في صياغة المشاريع الحساسة، أو الدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم وثروتهم الوطنية.
  مشاريع عدة تتبلور في حديث السيد نيجيرفان بارزاني مع الصحفيين في أربيل في يوم (6/3/2018)،  تختلف في درجة الخطاب من حيث الطرح وبيان الأهداف والمبررات، وتتوحد في الرؤية المنسجمة وغير المتأثرة بالتدخلات الداخلية والخارجية، ووضع الأسس والثوابت للتعامل مع المتغيرات، وتدل على الدبلوماسية العالية والرصيد السياسي الذي يمنح العملية السياسية في العراق وكوردستان نوعاً من قوة الدفاع عن مشروع واضح يمكن إعتباره المخرج والمنقذ للمستقبل في ظل الظروف والتعقيدات والتحديات والمتغيرات الاقليمية والدولية ومـآلاتها الخطرة، وهذا الظرف السياسي المفصلي الذي يخرج فيه الجميع إما منتصرين او منكسرين.
  التجاذبات والمزايدات السياسية الشديدة التي تهدف الى إسقاط كوردستان وفرض المواقف وسلب الشرعية والصدارة عن أي دور لحكومة الإقليم وإفراغها من محتواها، ستكون بمثابة إستعجال تكريس الأمر الواقع الجديد ورفع سقف التوترات، ولي الأذرع ورمي الكوردستانيين خارج التأثير السياسي، وهذه الأمور ستحمل البعض الى موقف مضاد والسير بالجميع الى منزلقات خطيرة خاصة وأن هناك ظروف ومداخلات تفرضها متغيرات ومستجدات عدة يطول ذكرها، ويختصر دورها في الالتقاء عند نقطة محورية تسعى الى تأجيج الصراع ومنع الاستقرار والرجوع الى مربع الصفر الأمني والاستنزاف البشري والمالي. مع ذلك نسمع السيد حيدر العبادي وهو يؤكد على تطبيق الدستور.
  إذا علينا أن نصدق السيد نيجيرفان بارزاني الذي يؤكد على الحوار الجريء من أجل ترسيخ عوامل الاستقرار وإعادة العلاقات الى طبيعتها، ونصدق السيد حيدر العبادي الذي يدعو الى تطبيق الدستور الذي يجسد مبدأ الشراكة في الحكم، وفي النهاية، بين التصديقين، الحوار يعني تطبيق الدستور والدستور يعني القبول بالحوار بخصوص كل القضايا والتحلي بالواقعية والإحتكام الى القانون الذي لا يقبل الإصرار والتعويل على المغالاة والأحلام والأوهام، لذلك لابد من تغليب الايجابيات على السلبيات، والإقتناع التام بأنه ليس هناك خيار آخر غير خيار الحوار والتفاهم والعودة الى لغة العقل والمنطق.
 
 

230
الساجد لله لايسجد لغيره (البارزاني نموذجاً)
صبحي ساله يي

  ما الذي يحدث بين أربيل وبغداد؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، لابد من السؤال، ما الذي حدث بينهما؟ وهذا السؤال بدوره يستدعي طرح العديد من الأسئلة الأخرى، مثل، هل قام الكورد بصناعة القنبلة النووية التي بإستطاعتها تدمير العالم؟ أم أجروا  تجربة صاروخية أو بالستية عابرة للقارات تحمل رؤوساً مدمرة؟ أم صنعوا أسلحة كيمياوية وجرثومية تهدد البشرية؟. الجواب كلا.  لذلك نسأل: لماذا تعرضوا لحملة التحريض والحصار والتجويع؟ ولماذا تم اختلاق الذرائع، على لسان المسؤولين في بغداد وأنقرة وطهران، وبعض المطبلين والمستكتبين، التي تشكل دليلاً على إستمرار الحروب السابقة التي تعرضوا لها، وتؤكد أن خطة اللجوء الى إستعمال القوة ضدهم كانت معدة مسبقاً وكانت بإنتظار الذريعة لشنّها والترويج لها عبر ماكينات إعلامية تشوه الحقائق وتزورها، وتبث سموم التحريض ضد المواقف الثابتة للشعب الكوردستاني، وتحاول عرقلة تطلعه المشروع نحو الإستقلال، وتحويله إلى مسألة رغبات شخصية. والغريب في الحملة أن الأركان الأساسية لتلك الحملة هم من إخوة الأمس، الذين جعلونا اليوم العدو الأول لهم ولشعوب ودول الجوار، ويرسلون رسائل الود والنفاق لكل من يتطوع لمعاداتنا في السر والعلن ويرفض حقوقنا. كما أن الإجابة تستدعي إستذكار سلسلة طويلة من الأحداث، بعضها ثابتة لاتتغير، وبعضها غير مستحبة و يا ليتها لم تحدث. وبعضها مصطنعة جلبت معها الأزمات والتواترات، وبعضها فرضت نفسها بتأثيرات التدخلات الخارجية، ولبعضها مزايا لاتقود إلا الى المشكلات.

في أربيل، عندما أصر الرئيس مسعود بارزاني، المتلهف لتحقيق مصير شعبه، والمؤمن بحق الجميع في العيش بالرفاه و المساواة و العدالة والحرية، على إجراء الإستفتاء، وأغلق كل الأبواب أما الأصوات التي كانت تنادي بتأجيله أو إلغائه، وحينما قرر الكوردستانيون بإرادتهم الإنطلاق نحو الإنعتاق والاستقلال عن العراق، والتخلص من وصاية بغداد، كان الرئيس على علم بأن الرياح ربما لا تسير كما نشتهي، ولا ننجح بسرعة الى الوصول إلى النتائج المرجوة، وقد يفتح علينا أبواب الجحيم. وقد يعتبر البعض إن الرئيس مسعود بارزاني أخطأ في حساباته التي ذهب على أساسها نحو الاستفتاء، ويتهمونه بعدم إستطلاع الموقف الأميركي، وعدم جس نبض إيران وتركيا، وعدم تأمين الجبهة الداخلية، والبعض الآخر يرجحون وقوعه في فخ. ولكن هذا الرجل الفذ، خلال مسيرته التاريخية الطويلة، واجه مصاعب كثيرة، ولم يقع في فخاخ الآخرين ولم يسجد أو يركع لغير الله. مارس السياسة بعقلانية وحكمة، وشجاعة ونزاهة وزهد وترفع عن النكايات، ووصل إلى رئاسة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئاسة الاقليم دون أن يكون قد سعى إليهما، ولاتختلف الأمور عنده إن جلس في مكتب فخم، أو تحت خيمة في سفح جبل، أو في خندق مع إخوانه وأبنائه البيشمركه. وما أنجزه من خلال الإستفتاء يعتبر بمثابة كلمة الفصل في التاريخ، وستكون نتائجه ملزمة تاريخياً لدى الكوردستانيين عموماً، والأحرار العراقيين الذين يفهمون القواعد الديمقراطية، وشعوب العالم الحر. أما بخصوص توقيته فقد كان موفقاً وصحيحاً، لأنه كان قد صرح أكثر من مرة بعدم رغبته في البقاء على كرسي الرئاسة ويريد أن يغادرها بطريقة ديمقراطية كريمة ولائقة.

وفي بغداد، يقف السيد حيدر العبادي أمام الكاميرات وهو يطلق تهديداته في اتجاه الكورد ويتباهي بدعم الدول الاْجنبية، ويثير استغراب الذين من حوله، قبل إستغراب الآخرين. إستغراب الذين من حوله يكمن في أنه يريد الظهور بمظهر القائد العسكري المنتصر في الحرب، في حين يؤكد على الدوام إنه لم ولا يحارب الكورد، ولكنه يستفزهم ويحاول أن يفرض عليهم الأمر بإستخدام القوة. ويثير إستغراب الآخرين، لأنهم يعلمون أنه لم ينتصر في المعركة مع الكورد، إلا بعد طعن الكورد من الخلف من قبل (بعض الكورد)، وأن القوات التي يفتخر بها حاصرت قرية بشير لمدة سنتين ولم تستطع تحريرها إلا بعد دعمها ومساندتها من قوات البيشمركه، ولم تحرر الموصل وبيجي والفلوجة والرمادي وتكريت إلا بعد تدميرها، ولا نعيد هنا ما ذكره المالكي وغيره بشأن الإتفاقات التي وقعت بخصوص السيطرة على تلعفر والحويجة دون قتال، والاْستعانة بالأجنبي وهدر ثروات العراق.

وبالعودة الى ماذا يحدث بين أربيل وبغداد، نقول يجب أن نستحضر أحداث الماضي بعقلية علمية ناقدة، ونقرأ ونستقرئ وقائع الحاضر بعين فاحصة لنستشرف بهما المستقبل وما يحتمله من الخطأ والصواب، لنستطيع التعامل مع اﻷحداث المستجدة الشائكة التي تطفو على السطح وفق العقل والمنطق.

السيد العبادي قد وقع في شرك الاْخطاء، ولايمكنه الإحتفاظ بساسة لي الأذرع الكوردية والسنية من جهة، والإبقاء على التوافق مع إيران وأمريكا وتركيا من جهة أخرى، والحرب على الكورد دون تعميق للخلافات بين العرب والكورد. أما حسابات بيدره فستكون مختلفة بالتأكيد مع حسابات حقله، لأن الذين يظنون أن إلغاء الاستفتاء، بقرار حكومي أو برلماني أو قضائي، يعني إلغاء النتائج التي ترتبت عليه، واهمون مع  سبق الإصرار، لأن الإستفتاء شهادة ووثيقة وصك موقع من قبل ثلاثة ملايين شخص، يقرأ بكل اللغات ويمكن صرفه في كل المصارف، وهو نشيد وطني ينعش الثورة في قلوب الكوردستانيين أينما وجدوا. والإصرار على إلغائه سيقلب الطاولة على من لبسوا ثوب الديمقراطية دون الإيمان بها، ويبين بطريقة فاجعة أن الديمقراطية التي يفتخر بها العراق لم تكن سوى ديمقراطية من ورق.

231
المنبر الحر / أوهام وحقائق
« في: 23:06 23/10/2017  »
أوهام وحقائق
صبحي ساله يي
  نظر الحكام الشيعة في العراق بعين الرضا الى نتائج الإتفاقات السرية التي وقعت بخصوص كركوك، وإنسحاب قوات البيشمركه من المناطق المتنازع عليها, فأخذوا يبنون قصور أوهامهم على رمال متحركة، دون أن يلتفتوا الى أن حكومة بغداد ما كانت تقدم على خطوتها الخطيرة تلك، وتوسيع نفوذها وبسط سيطرتها على أراض كوردستان لولا إستقوائها بقوات أجنبية، ولولا سوء تصرف وغض نظر الأمريكان عن التحشدات العسكرية على مشارف كركوك، وأن الأيام تخبىء لهم ولغيرهم مفاجآة قد تكون غير سارة ومدمرة، أو أعاصير وأمطار تتحول الى سيول جارفة تكتسح كل ما في طريقها. فبالغوا في التفاؤل وظنوا أن الهيمنة على كركوك بالقوة المجردة، ووفق المغامرات والحسابات الخاطئة، ستترك آثارا إيجابية على الكثير من الأمور في العراق والمنطقة وتؤثر على تنسيق المواقف بشكل عام بالمحافل السياسية والدولية وتسهم في المزيد من تبادل المصالح بين العراق ودول الجوار، وفي الداخل ستخضع الكورد وتقبر طموحاتهم على أرض الواقع، وتنهي حلمهم المشروع، وتعزز إنتمائهم الى العراق.
توهموا أنهم بعملهم العسكري وإتفاقهم السري مع جزء من فصيل كوردستاني معين، سيتجاوزون نزاعات الماضي، ويفتحون صفحات جديدة بين المكونات العراقية من جهة وبين العراق والدول الإقليمية من جهة أخرى، ويؤسسون أرضية صلبة للتفاهم والتعاون ومواجهة الأخطار الكثيرة التي تواجههم، وفي هذا الإطار تحرك رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي نحو السعودية، وهو يتذكر ما قاله المقرب من العائلة المالكة الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي، الذي يشغل منصب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جدة، أحد المبعوثين السعوديين الى الرئيس مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان، بشكل صريح حول دعمه لدولة كوردستان المستقلة في اتصال هاتفي مع وكالة سبوتنيك الروسية، عندما قال إن (المملكة لن تقف في طريق إرادة الشعب، وأعتقد أن الأكراد لهم الحق في أن يكون لديهم دولة مستقلة).
كما توجه وزير خارجيته، إبراهيم الجعفري نحو موسكو التي لم تدن إستفتاء الكوردستانيين في أيلول الماضي، وهو يتألم مما قاله الرئيس بوتين قبل (25/9/2017)، عندما أكد على عبارتين، أولها: ضرورة التفاهم بين أربيل وبغداد، وثانيها : أن الاستفتاء حق مشروع لشعب كوردستان. طبعاً، نبع ذلك الموقف الروسي بسبب المرتكزات الحقيقية لسياسة الحكومة الكوردستانية، برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، المنطلقة من التحليل الرصين وقراءة الواقع وتشخيصه والتعاطي باحتراف مع مؤشراته، والعمل على خلق بيئة سياسية وإقتصادية مستقرة بعيدة عن الصراعات القائمة على أسس طائفية أو مذهبية أو عرقية، والتعامل مع القضايا العالقة والملفات الساخنة وفق إستراتيجية ثابتة وقرار مستقل وإرادة تلتقي مع المصالح والاحتياجات، وتكترث للمخاطر المحدقة بالمنطقة المتمثلة بالإرهاب بكل عناوينه.
في ظل أجواء الشحن الطائفي، وصل العبادي إلى السعودية على رأس وفد كبير ضم عدد من الوزراء، لكسب التأييد السعودي، وتطبيع العلاقات بين البلدين وتوقيع عدد من الإتفاقات، ولكن تدهور العلاقات السعودية الإيرانية، والذي يعد لاعباً مؤثراً وأساسياً في كل المعادلات العراقية، وما يملكه من ثقل وتأثير على العبادي، وكذلك التوازنات العراقية الداخلية، ورغم حضور وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في لقاء الملك سلمان والعبادي، حالت دون التوصل الى ما يبتغيه العبادي من إنفتاح سعودي على العراق، دون إملاءات وشروط مسبقة.
أما الجعفري، وبعد أيام من موافقة شركة روسنفت العملاقة المملوكة للدولة، على إدارة خط أنابيب النفط الرئيسي التابع لكوردستان العراق. فقد سمع، أثناء مؤتمر صحفي مشترك، ما كان لايتمناه من وزير الخارجية الروسي، سيركي لافروف، الذي أكد على إن روسيا تحترم رغبة إقليم كوردستان في الدفاع عن هويته وتفهم تطلعات الكورد. كما دعا إلى عدم تحويل التوترات التي أعقبت الاستفتاء على استقلال كوردستان إلى مصدر آخر لعدم الاستقرار. وقال: لابد الأخذ في الاعتبار بشكل كامل الأهمية التي يمثلها مطلب الكورد على المستوى الإقليمي. كما أكد  لافروف إن موسكو ستواصل علاقاتها الاقتصادية مع كوردستان مثلما تفعل مع باقي العراق. وقال: أن روسيا لن تغلق قنصليتها في أربيل.
وأخيراً لو صحت التوقعات بشأن زيارة السيد حيدر العبادي لأنقرة، فإنها ستكون بمثابة المهزلة المضحكة المبكية، وحتما سيتذكر خلالها السيد العبادي ما قاله السيد اوردغان قبل سنة على خلفيّة الوجود العسكري التّركي بالقرب من الموصل، عندما طلب أردوغان من العبادي (معرفة حدوده) لأنّه دون (منزلته ومستواه). وقال: اخرس ايها القزم انك تتكلم مع تركيا العظمى. وحتما لايعتذر اردوغان عن الذي قاله، ولا يجرؤ العبادي طلب الإعتذار.
 


232
المستحيلات الثلاثة
صبحي ساله يي
كل المراقبين للوضع العراقي كانوا يشيرون الى حتمية المواجهة بين (بعض الشيعة) والكورد بعد داعش، والسؤال هو: كيف وصلوا الى تلك القناعة وهم على يقين بأن الخارطة السياسية للمنطقة تعيش أحرج مراحلها وتتجه نحو التغيير الحتمي؟ والمنطق والعقل يدعوان الى الحفاظ على المصالح الإستراتيجية والعلاقات الإنسانية بين مكونات وشعوب المنطقة ووضعها في مقدمة الأولويات؟ ولماذا لم يتوقعوا البحث عن الحلول السياسية والعملية السهلة، وطرح وجهات النظر غير المستعصية بخصوص معالجة المشكلات المزمنة والتعامل مع المتغيرات المستقبلية بعقلانية، والتوصل الى حلول؟
هؤلاء لم يكونوا متشائمين، ولامتمنين للخراب والدمار، لكنهم كانوا يلاحظون تعاظم ميل التوازنات لصالح البعض على حساب البعض الآخر، والعيش في أزمات متتالية، وكلما خرجنا من ازمة تلفت الانتباه وتثير الاهتمام، كنا ندخل في ازمة آخرى أشد فتكاً، وكل الأزمات كانت تؤدي الى نتائج متشابهة تحتسب لصالح الذين كانوا يملكون الميليشيات والمال والسلاح ويسيطرون على القوات المسلحة وقوى الامن والاستخبارات، وكانت تصب في خانة الخسائر المتكررة بالنسبة لغيرهم، ولشعب كوردستان بالذات الذي ظل مصمماً على إنتزاع حريته والتمتع بها، عبر الحوار والتفاهم ونبذ العنف، لأنه يعلم أن العنف لا يصلح كوسيلة لمعالجة المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتراكمة والمعقدة، لذلك كان يبدي المرونة في الكثير من الأحيان، إلا أن البعض من أصحاب القرار في بغداد، تجاهلوا الواقع وحدوده المعقولة، وأفشلوا كل محاولات التوصل الى الحلول المقبولة.
في المقابل، ظل الشعب الكوردستاني مجبراً على الدفاع عن نفسه، وهذا الإجبار تطلب على الدوام تعبئة الطاقات وزيادة القدرات وحماية الأنفس والمكتسبات، وحتى القبول بتمرير بعض المعالجات الجزئية والسطحية لمشكلات وخلافات جذرية. ولكن خضوع (بعض الشيعة) للأجندات االخارجية وثقافة الإستعلاء والتسلط والعقلية الإستبدادية وسوء النية، مهدت لإرتكاب أخطاء جديدة ربما أكثر فداحة من أخطاء صدام وحزب البعث. واليوم وفي ظل المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية التى تنذر بتغيير الكثير من الأمور، وبالذات بعد الإستفتاء الذي عبّرت فيه الغالبية العظمى من الكوردستانيين عن رغبتهم في إقامة دولة مستقلة. وبعد ما حصل من إعتداءات على الحقوق الدستورية والقانونية للكورد عبر قرارات جائرة من قبل البرلمان وحكومة العبادي في بغداد، وبعد الدعوات العلنية الشوفينية التي تطالب بمحاربة الكورد بحجج وذرائع مختلفة وتحشيد القوات، والمطالبة بالغاء أوتجاهل رغبة ملايين المواطنين الذين عبّروا عن رغبتهم وبشكل واضح في الإستقلال عن العراق. نسمع في كوردستان، أصواتاً تدعو الى قطع شعرة معاوية بين أربيل وبغداد، وإلغاء المشاركة الصورية هناك، والتفاعل مع الخطوات الإيجابية والواقعية وتثبيت الأقدام أمام المتغيرات الحاصلة في البلاد والمنطقة، وتعبئة الطاقات وتنظيم وترتيب البيت الداخلي الكوردستاني لمواجهة كل الإحتمالات، وعلى كل المستويات والصعد والإستناد بثقة عالية وقناعة راسخة على شرعية المقصود والهدف. وهناك من يدعو الى اللجوء الى الحوار مع بغداد لوضع النقاط على الحروف حتى استنفاد كل الجهود التفاوضية والدبلوماسية معها.
الحقائق والوقائع على الأرض (حسب وجهات نظر المراقبين) تشير الى إستحالة بقاء الأوضاع الحالية على حالها، وإستحالة إلغاء إرادة ملايين الشخاص الذين عبّروا عن رأيهم بوضوح، وإستحالة تراجع البعض عن التعنت والإصرار على اللجوء الى الخيار العسكري المر وتكرار تجارب الحكومات العراقية السابقة المدمرة. وهذا يعني: أننا نعيش على برميل من البارود وبركان من الغضب.
 



233
ندق ابواب الحوار ولكن  ( لن نستجد من أحد)
صبحي ساله يى
مظاهر التفاؤل تسود الشارع الكوردستاني بعد الإعلان عن نتائج الإستفتاء الذي يعتبر بمثابة تفويض شعبي، ومنح الثقة للقيادة السياسية وحكومة الإقليم بقدرة تحمل الأعباء الثقيلة، ورسم سياسات جديدة وخطط جدية وجذرية، لمواجهة المشكلات والتحديات الكثيرة، على رأسها خطة الإستقلال التي تتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين بمقاييسه ومتطلباته ومعاييره، والعزيمة القوية التي يمكن استثمارها في تحريك الأنشطة وحسن الإدارة في تسوية الخلافات الكثيرة مع الحكومة العراقية والتوصل إلى حلول لكافة المواقف والمشكلات من خلال الحوار الهادئ، والتفاهم على حدود دنيا وقصوى، وعلى أساليب العمل والإستعداد لذلك بالفكر والتصور والتخطيط، وإقناع الحاكمين في بغداد بضرورات وعناصر ثابتة لابد أن يضعوها في الاعتبار، أولها: أن الكورد لايعودون الى الوراء، وأن الذي حدث في 25/9/2017 يعتبربمثابة المولود الذي لايمكن ان يعود الى بطن أمه. وثانيها: عليهم أن لاينسوا بأننا لعبنا دورا أساسياً في مسارات التغيير التي حدثت طوال التأريخ في المنطقة، وسنلعب كذلك في التي تحدث لاحقاً، ويمكن أن نغضب ونثور ونرفض. وثالثها: إقتناعهم بقبول المولود الجديد والتعامل معه كأمر واقع لايمكن محوه أو خنقه أو تجاهله بأي شكل من الأشكال. والأمر الرابع: ضرورة أن يعوا سعينا المشروع من أجل الإستقلال، وفق وضع يتناسب وطبيعة المرحلة. وتسمية الاشياء بمسمياتها وكشف الحقائق بوقائعها، وخامسها: لجم الذين يعتلون منابر الوقاحة و الصفاقة والذين ينتقون كلمات وعبارات الكراهية الممزوجة بالخداع والغش. والأمر السادس: الاستفادة من الوضع الجديد المختلف عن الأوضاع السابقة التي كانت تصدر فيها القرارات وفق أهواء ورغبات الحكام، وفتح صفحات جديدة ومختلفة تحقق متطلبات العصر. وآخرها: إصرار الكورد على الحوار لايعني الإستجداء أو الضعف أو الخوف من التهديد والحصار وحتى الحرب، لأن الذي سيحدث الآن وفي قادم الأيام لايصل الى وحشية الأنفال.
هذا الإستفتاء الذي أساد التفاؤل هنا، أهاج في بغداد، روح العصبية القومية والكراهية الشوفينية عند المتناحرين والمتنافرين فيما بينهم والمتحدين ضد التطلعات الكوردستانية، وأعادهم الى حقدهم الاعمى الذي هو الأساس في تعاملهم مع الكورد والقضية الكوردية، وراحوا يصبون جام حقدهم الأعمى وبغضهم المسموم على المصوتين في الإستفتاء الذي قلب المعادلة في نفوس الذين تسري في عروقهم الجهل والغباء، والذين لايعرفون أن السياسة عبارة عن مجموعة من الممكنات، والعاقل يختار أحسنها، والذين لم يستفيدوا من تجارب الماضي وآلام الحاضر والتخوفات من المستقبل، بل من التاريخ كله، ودفعهم لكي يتهموا الكوردستانيين دون تروي ودون إدراك ان أقوالهم وتصريحاتهم السيئة والمسيئة ستحرجهم وتحرج الجهات التي ينتمون اليها، وأن الإستفتاء عملية ديمقراطية لا يمكن أن تعارض في دولة تدعي الديمقراطية، وأن اتخاذ القرار هو حق شرعي للشعب الكوردي بكل المقاييس الديمقراطية والحضارية والمبادئ العالمية ولايمكن أن تكون هناك رجعة فيه، ولايمكن إتخاذ أية خطوات من قبل الحكومة العراقية وغيرها لتعطيل هذا المسار لأنه منسجم مع الدستور العراقي، ولأن التداعيات السلبية لتلك الخطوة ستكون أكبر وأخطر من تداعيات إجراء الاستفتاء نفسها و ستخلق شروخاً جديدة وكبيرة بين الكورد و العرب وعلى جميع المستويات الرسمية والشعبية، ولأن الحكومات العراقية السابقة تعامت وتجاهلت الحقائق ومارست كل الأساليب العنصرية البشعة والخبيثة للنيل من وجود وإرادة الكورد، وكانت النتيجة، سقوطها في مزابل التاريخ وصمود شعب الكوردستان راسخاً على أرضه، متمسكاً بقيم التفاهم والتصالح والتسامح، متطلعاً لاعلان دولته المستقلة أسوة بالآخرين. وأخيراً نقول: الكورد يدقون أبواب الحوار ولكن لايستجدون من أحد..
 



234
موسكو وموقفها المشرف  جداً
صبحي ساله يي
 راهن البعض على المحاولات والضغوط التي كانت تمارس على الكورد قبل إجراء الاستفتاء على الإستقلال. كما راهن آخرون على حسابات الصف الكوردي غير الموحّد تجاه عملية الاستفتاء، كذلك تأثيرات الدول الإقليمية على أحزاب كوردستانية ترتبط معها بعلاقات يمكن أن توصف بالمتينة. لكن الجميع أصيبوا بخيبة أمل عندما فشلت كل المحاولات والحسابات في ثني الكوردستانيين وتراجعهم عن قرار إتخذوه، وذلك لأن البديل الذي عرض عليهم لم يُشكّل حلاً مقبولاً أو حتى وسطاً، ولأنهم قد وصلوا الى قناعة إستحالة الشراكة في ظل دولة فاشلة وفق كل مقاييس الفشل.
 حسابات البيدر، أعني بها بعد الإستفتاء فاقت حسابات الحقل، وأعني قبل الذهاب إلى الاستفتاء، والتجاوب الشعبي من الكوردستانيين قاطبة، وضع الجميع أمام خيار واحد، وهو إلتقاط رسالة الإستفتاء والإنطلاق نحو أفق جديد وعدم العودة إلى الوراء. وكل من يريد غير ذلك، إما إنه لايفهم حقائق الأمور الواضحة والصريحة،  أو لا يريد قراءة الأمر الواقع ومواجهة المرحلة حسب وجهة نظر منطقية.
 الرافضون الذين لايؤمنون بأي حق ديمقراطي ولايعترفون بالوسائل السلمية للتعبير عن الرأي، والمصرون على قمع الكورد، يدعون الرئيس بارزاني لإلغاء نتائج الاستفتاء الذي صوت له بـ 93٪ بنعم للاستقلال وللحرية والديمقراطية. ويحاولون التسويف، بتهديدات متنوعة وقرارات إرتجالية وبأعذار متضاربة، ومن مواقع كثيرة، ويبادلون الكوردستانيين العداء الصريح، طبعاً، دون ذكر مساوىء ومضار التحشيد ضد الكورد، ودون التحري عن مآرب التحفظات والأسباب الكامنة وراء المواقف الدولية الحالية.
 في عالم اليوم، الكل يعمل وفق مصالحه الخاصة، ووفق المنطق ينبغي التشكيك بقوة في كل الممارسات العدائية، والإعراب عن الإرتياح تجاه المواقف المعتدلة والعقلانية، ووضعها في سلم أولويات التفكر والتساؤل. ومن بين تلك المواقف هو الموقف الروسي المعلن حتى الأن، والذي وصفه رئيس إقليم كوردستان، السيد مسعود البارزاني، في مقابلة مع القسم الكوردي في إذاعة صوت أمريكا، بأنه (مشرف جداً جداً). حيث كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد قال قبل الإستفتاء : (إننا ننظر إلى مسألة الاستفتاء الكوردي على أنها تعبير عن رغبة الشعب الكوردي، وما أعرفه هو أن أغلب سكان الإقليم الكوردي يدعمون إجراء هذا الاستفتاء). وبعد إجراء الإستفتاء أكدت وزارة الخارجية الروسية، إحترامها (للتطلعات القومية للشعب الكوردي بتأسيس دولة). وأثناء زيارة بوتين إلى أنقرة ولقاءه نظيره التركي، رجب أردوغان تناول المسألة وفق الصيغة المعلنة من الاستفتاء في موسكو، وليس كما تشتهي أنقرة. ورداً على الصحفيين، قطع بوتين الشك باليقين، وقال: (موقفنا معلن من قبل وزارة الخارجية). بعدها أكد المتحدث بإسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، ثبات موقف بلاده من إستفتاء كوردستان، وعدم تغيره بعد الزيارة التي أجراها الرئيس بوتين إلى تركيا.
هذه الرسالة، إما لم يفهمها السيد أوردغان، أو إنه فهمها ولكن حاول تجاهلها، لذلك توجه الى طهران، التي تحولت هى الأخرى مع أنقرة وبغداد بين ليلة وضحاها، بقدرة قادر إلى دعاة مذعورين لفرض الحصار والعقوبات الإقتصادية والسياسية على شعب كوردستان الذي عبر عن إرادته بطريقة ديمقراطية حضارية.
في يوم وصول أوردغان الى طهران، لتنسيق المواقف تجاه كوردستان. بعث الروس أكثر من رسالة الى الإيرانيين والأتراك ولغيرهم، إذ قال الرئيس بوتين خلال كلمة له في الجلسة العامة لمنتدى أسبوع الطاقة الروسي، (أن الحظر النفطي ضد كوردستان، سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط في العالم، وهو أمر قد لا يرغب فيه الجميع). وقال: (موسكو لا تتدخل في مسألة كوردستان، وتصرفاتنا تهدف إلى عدم اشتعال الموقف، وموسكو لا تقوم باستفزاز أحد، ونحن لدينا علاقات طيبة مع الكورد، ونحاول دعوتهم للحوار). مؤكدا، (لذلك فإن تصريحاتنا حذرة جدا. وموجهة ليس نحو التأزيم، بل لتصحيح الوضع، وتهدف الى إيجاد سبيل للتواصل حتى في أصعب حالات النزاع، والتعاون للبحث عن خيارات مقبولة للجميع). أما رئيس الهيئة التنفيذية لشركة روزنفت الروسية، إيغور إيفانوفيج سيجين، فقد أكد : (إننا نرى مستقبلاً زاهراً في كوردستان، ولن تعرقل أي جهة أعمالنا هناك، وسنستمر في أعمالنا هناك بثقة. وقال: نستعد للشروع بأعمالنا فعلياً في كوردستان، لكي تدخل مشاريعنا حيز التنفيذ. أعمالنا تسير بشكل جيد، وكل شيء يمضي بحسب الخطط والجداول المحددة). من جانبه أعلن وزير الطاقة الروسي، ألسكندر نوفاك، (أن شركة غازبروم تواصل أعمالها وتنفيذ مشاريعها في كوردستان وستستمر في ذلك مع الشركات النفطية الأخرى).
هذه المواقف المشرفة لموسكو، تقدم إشارات تعتمد على القرارات القوية والعقل السياسي في لحظات التحولات التاريخية الكبرى. وتشير الى أنه رغم التهديد والوعيد ، أصبح حدث الإستفتاء واقعا لابد من التعامل معه بإسلوب البحث عن الحلول المناسبة لكافة المشكلات و القضايا المصيرية، وإحقاق الحقوق المهدورة بسلام وأمان، ومنع عودة الخيبة والخسارة وتجنب الويلات و تكرار المآسي. والإبتعاد عن خوض المزايدات السياسية وعدم اللجوء الى التعنت و العناد في التعامل مع ماحدث بإستعلاء، والإبتعاد عن فرض السطوة والبغض و الكراهية و الخلافات القومية  و المذهبية. رسائل موسكو واضحة والعاقل يفهمها..
 



235
الكركوكيون .. ما لهم و ما عليهم 
صبحي ساله يي
  لست في وارد سرد المواد الدستورية التي خرقت من قبل بغداد، أو ذكر كل  الأزمات المتتالية المفتعلة النابعة من عدم وضع النقاط على الحروف بدقة، أو التفسير الخاطيء للدستور, أوتعامل بغداد مع الاستحقاقات الدستورية بإنتقائية وعدم التسلح بالصراحة والموضوعية, أو التستر على ما جري في الأروقة السياسية التي فسحت المجال أمام من يريد أن يجيرها وفقاً لأفكاره وتصوراته. ولكن أشير الى أن العملية السياسية في العراق عاشت في حالة إرباك قاتلة بسبب ما علق فيها من إشكالات وما واجهها من صعوبات وما إصطنع لها من أزمات. وبسبب تحول الطموحات المشروعة للأكثرية الى أطماع تسلطية وإحتكارية، تبدلت الأوضاع وإنعدمت الحلول, والأساليب كلها إنحصرت وتحولت الى نفق ومسار واحد لا يحتمل الاستراحة أو الالتفات الى الوراء، نفق التلويح بالسلاح وخيار القوة وفرض الأمر الواقع، ومحاولات إرجاع الوضع إلى الوراء وزرع الشكوك في كل شيء، أما بالإستناد الى نظريات المؤامرة، أو تضليل الحقائق الراسخة في أذهان الكثيرين.
  وعندما أقفلت بغداد أبوابها بوجه الكوردستانيين، ورفضت قبولهم كشركاء في الوطن الذي رسموا حدوده في عشرينيات القرن المنصرم، حينما صوتوا لصالح ضم ولاية الموصل الى العراق، وكذلك في العملية السياسية التي كانت لهم اليد الطولى في تأسيسها بعد إسقاط صدام. وبعد أن نفذت الصفحة الثانية من الأنفال التي تمثلت بقطع الرواتب والمستحقات المالية الدستورية للكوردستانيين. تصاعد دخان الأزمات في كل مكان، وبتنا نعيش في حيرة بين ماضي حكمته الديكتاتورية، وحاضر نلعنه ولا نستطيع التعايش فيه, لذلك كان لابد من مراجعة الحسابات والمواقف ودراسة عمق المستجدات والأحداث للعبور نحو المستقبل بشجاعة، وبما أن الرئيس مسعود بارزاني، رئيس إقليم كوردستان، هو المعني بتصويب الأمور, وإتخاذ القرارات المناسبة, سواء في تعويض الخسائر السابقة التي لحقت بنا، أو في الرغبة بعدم إلحاقنا المزيد من الخسائر. أعاد سيادته النظر في الأحداث باحثاً عن فرص وخيوط النجاة، معتبراً أن كوردستان سفينة على متنها كل المكونات والقوميات, إذا ما غرقت فالجميع يغرق, واذا عبرت الى بر الامام فالجميع ينجو. حذر وأنذر، ولكن دون جدوى ، وفي الختام وجد، سيادته، في فض الشراكة بين أربيل وبغداد بطريقة دستورية عبر الحوار والتفاهم سبيلاً ناجعاً وأميناً لحل المشكلات والأزمات، فإلتف حوله غالبية قادة الأحزاب الكوردية والتركمانية والمسيحية والشخصيات والرموز الوطنية والقومية والدينية، وقرروا إجراء الإستفتاء على الإستقلال في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، على أن تشمل العملية كركوك وباقي المناطق الكوردستانية التي كانت تقع خارج إدارة الإقليم.
  ذلك القرار وضع الكوردستانيين أمام مرحلة ما قبل إعلان الدولة المدنية الديمقراطية الفدرالية، مرحلة تحتاج الى تحولات وتحالفات وتفاهمات وتقديم التطمينات وفقاً للمصالح والمتغيرات، والتحوّل في السياسة، أو حتى في المواقف (كما هو معلوم) ليس موضوعاً شائكاً أو مستحيلاً، بل ممكن، لو جرت بعض التعديلات والتغييرات على العلاقات بين الأحزاب السياسية المتفاهمة وغير المتفاهمة، من خلال تحركات تزيل الشكوك وتلمس فيها آفاق الحرص على تطبيع العلاقات لبحث ومناقشة الموضوعات الحيوية الهادفة التي تهم الجميع. تلك التوجهات إعتبرت المرحلة الحالية، مرحلة مثالية لإختبار المواقف والهواجس والنوايا عند المواطنين الكوردستانيين عموماً والكركوكيين بشكل خاص، ونتج عنها صياغة رؤية مبدئية نضالية وطنية جديدة مستندة على أرضية الإستقلال والإستقرار، وعقدت العزم على التوجه بفرح غامر نحو صناديق الإقتراع في يوم الإستفتاء لقول (نعم) للإستقلال دون الألتفات الى المخاطر والمصاعب أو تهديدات الآخرين.
   المسألة الرئيسية التي ينبغي أن تكون حاضرة الآن بين صفوف الكوردستانيين، كقوميات ومكونات دينية وأحزاب سياسية، وبين الكركوكيين بشكل خاص، التي شاءت الاقدار أن يتشاركوا العيش وتربط بينهم علاقات تاريخية عريقة وروابط مشتركة ووشائج القربى. ليست السلطات في كركوك أو بقية المدن الكوردستانية، ولا القوى السياسية التي تحكم في الوقت الحالي، بل هي تحقيق التفاهمات وحل الخلافات على أساس العودة الى اللحمة والإنسجام وتسامي الفرقاء فوق صراعاتهم، والتركيز على تصفير المشكلات عبر سبل الاعتدال في السياسة والفكر وقبول الآخر، وتسريع اللقاءات الصريحة والواضحة، وعدم المطالبة بالمحال أو التشبث بالأماني الجوفاء التي تتعارض مع العدالة والواقعية، أو حتى التحدث بلغة التعصب والتطرف. وعبر المراجعات العميقة لطبيعة التطورات السريعة في المنطقة وإستبعاد ذكر أسباب المشكلات والجهات المبادرة بها والمفتعلة لها، أو اللعب بورقة المفاوض المنتصر الذي يفرض شروطه على طاولة التفاوض، أو الخاسر الذي يقبل بالشروط. وكذلك، إيقاف وقبر كل العلاقات السلبية وإعادة الاعتبار للجميع  بنوايا حسنة، والإبتعاد قدر الإمكان عن صراع الأراء الشخصية والارادات والصراعات الحزبية، وجميع عوامل التوتر والقناعات والأوصاف الإزدواجية، وبالذات في وقت باتت فيه الدولة الكوردستانية الفدرالية على الأبواب والتي تبشر بإشاعة روح التسامح والتعايش، وصياغة دستور إستراتيجي عقلاني حكيم، يثبت فيه حقوق وواجبات الجميع، وينظم علاقاتنا البينية من جهة، ويمتن ويطور علاقاتنا مع الدول والشعوب المجاورة، وفي مقدمتها العراق.
  هذا التوجه نحو تأسيس الدولة المدنية اللا قومية، يتطلب إختصار الطريق والزمن واللياقة والبراعة والحنكة والحكمة الدبلوماسية التي تبعث برسائل إطمئنان الى الحكومات والشعوب المجاورة، لأن المصالح المهمة التي تربطنا معها تبدأ بتسهيلات السفر والتجارة والصناعة والزراعة والري والطب والسياحة وتنتهي في مشاركاتهم في الأعمار والبناء والنظر للأمور بواقعية لتطلعاتنا المشروعة في إعلان دولتنا على اسس دستورية وقانونية. هذه الأقدار وتلك المصالح تؤكد على أن الكركوكيين جميعاً سيصوتون بنعم  لصالح الإستقلال، في يوم الإستفتاء.
 
 

236
إتفاق إقتصادي... بطعم السياسي والعسكري
   صبحى ساله يى
في لقاء سابق مع قناة العربية، قال السيد نيجيرفان بارزاني،‏ رئيس حكومة إقليم كوردستان، (إننا أخذنا حق إستخراج النفط وتصديره من الدستور، وجلبنا أكبر الشركات النفطية في العالم لتعمل في الإقليم، أيضاً وفق الدستور). ما قاله السيد بارزاني بشأن النفط ينطبق على الغاز أيضاً، ويقطع دابر التأويلات والشائعات الكثيرة التي بدأت تطل برئسها منذ سنوات حول عدم دستورية إستغلال الثروات الطبيعية في كوردستان.
مثل هذا الفهم الصائب للدستور ولدور النفط والغاز، أعطى الحق والصلاحيات الواسعة لحكومة الإقليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية وصياغة السياسات النفطية بعيداً عن رقابة الحكومة الفدرالية، وفي مقدمتها إبرام العقود مع الشركات العالمية، وفتح الباب أمام مضمون جديد للعلاقات بين أربيل والعديد من عواصم العالم في غضون السنوات الماضية، وأصبح السعي لتطويره مهمة مشتركة بين الذين يدركون أهمية الطاقة وضرورات المرحلة وتأثير التحولات السياسية التي تجري بالفعل في المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص وإنتهاج سبل عدة لغرض تطوير المسار الديمقراطي وإفشال خطط الذين يريدون إنهاء الأمل بالمستقبل وإبقاء البلاد والعباد على صفيح ساخن وفي حال التوتر والفوضى.
الإتفاق بين حكومة الإقليم وشركة روزنفت الروسية العملاقة، الذي تم التوقيع عليه، في بطرسبورك قبيل اجتماع السيد نيجيرفان بارزاني، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش الدورة 21 لمنتدى سان بطرسبورغ الإقتصادي الدولي في الثاني من حزيران الماضي. والذي أكد فيه بوتن لبارزاني على دعمه السياسي لعمل الشركات النفطية الروسية. مثل اتفاقاً ضخماً ومهماً لتوسيع آفاق التعاون الاستراتيجي في مجال التنقيب وإنتاج الطاقة، لفترة تمتد ل20 عاما، اضافة إلى المجالات التجارية واللوجستية. كما أتاح لروزنفت إدارة وتطوير خط أنبوب تصدير النفط الرئيسي، الذي يمتد من كوردستان إلى تركيا الى أكثر من مليون برميل بحلول أواخر العام الجاري.
أما ما تم إعلانه بشأن تنفيذ استثمارات تصل إلى أكثر من مليار دولار في خطوط أنابيب لنقل الغاز من الإقليم إلى تركيا وأوروبا، بطاقة سنوية تصل الى 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، بالإضافة إلى سد الإحتياجات المحلية ومصادر توليد الكهرباء. فيعتبر في هذه المرحلة، مرحلة قبيل الإستفتاء على الاستقلال، حيث يتجه الكوردستانيون نحو حدث مهم سيرسم ملاحم المرحلة المقبلة. بمثابة التوقيع على إتفاقيات سياسية وعسكرية : حيث: أن الأمر الأكيد هو أن روسيا فكرت طويلاً وأجرت حساباتها الاقتصادية والسياسية والامنية، بعدها قررت صرف هكذا مبلغ ضخم للإستثمار في كوردستان. لذلك يمكن إعتبارها خطوة مشجعة على إجراء الاستفتاء. وتبعث رسالة إطمئنان الى الشعب الكوردستاني. وترسل رسائل قوية لكل العالم مفادها، أن كوردستان منطقة حيوية جديرة بالإهتمام والتقدير والتعامل معها على أساس الإحترام المتبادل والمصالح المتبادلة. وتثبت أن الكوردستانيون يندفعون نحو المبادرة وإتساع الأفاق الإقتصادية المتلازمة مع السياسية والعسكرية، وتؤكد على نجاح السياسة النفطية لحكومة الإقليم برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني.
كما تعمل على تعزيز العلاقات الثنائية الطويلة الامد بين روسيا والإقليم. وتدل على أن روسيا مطمئنة من عدم وجود مخاطر وتهديدات جدية في الإقليم، وغير قلقة من مستقبل كوردستان. وهذا الإطمئنان سيكون له تأثيرات إيجابية على مواقف الدول الاخرى كايران وتركيا وسوريا. ودول الاتحاد السوفيتي السابق وامريكا اللتينية، تجاه  كوردستان وعلاقاتها المستقبلية مع كوردستان.
 



237
هل تتذكرون التحالف الشيعي الكوردي؟
صبحي ساله يي
بعد إنتفاضة شعبنا في آذار 1991، كنا نسمع (أحيانا) عبارة التحالف الشيعي الكوردي، ولكن بعد تحرير العراق، سمعناها (بكثرة)، وكانت تردد في كل مناسبة في وسائل الإعلام من قبل السياسيين، ولم نتعرف على حقيقة هذا التحالف، إين تم؟ ومن وقع عليه؟ وما هي بنوده؟ 
الجبهة الكوردستانية، قبل إنتفاضة آذار بكثير، كانت متفاهمة ومتفقة مع الأحزاب الدينية الشيعية، وفق معادلة (عدو عدوي صديقي)، وبعد الإنتفاضة وتحديد منطقة حظر الطيران، وإرغام صدام على سحب قواته من جزء من كوردستان، دخلت تلك الأحزاب التي كانت تعمل بوصاية إيرانية كاملة الى المناطق المحررة وفتحت مقراتها، ووطدت علاقاتها مع الكورد، وتظاهرت بالإيمان والأمانة والصدق والنزاهة وإحترام العهود والمواثيق. والكورد بدورهم إنخرطوا للعمل معهم، حتى وصل الأمر الى عقد بعض الإتفاقات العشوائية، ولم يكونوا يعلمون أن الإتفاق مع أناس مذهبيين ومتشددين، ومختلفين عنهم في الرؤية والهدف،  صعب ومرهق.
بعد إسقاط صدام، بدون وضع آليات معينة وبدون ضمانات مكتوبة ومكفولة من جهة ثالثة تستطيع حماية العملية من الإنحراف، وبدون وجود المبرر الكافي لاعادة بناء الدولة والجيش وتشكيل الحكومة في بغداد وكتابة الدستور، دخل الكورد في شراكة أو لعبة لايعرفون نتائجها، ولايعرفون أن المشاركين فيها، قوى غير منسجمة، تهوى الإستغلال وتصاب بالغرور حين الإستقواء، وتتخطى القواعد وتستفرد بالقرار حال إمتلاك السلطة.
مع تلك الشراكة، تم تعميم عبارة التحالف الشيعي الكوردي، وتم تفضيله في الكثير من الأحيان على التآخي الكوردي العربي. أما في الجانب الآخر، وبعد بسط النفوذ والإستقواء، بدأ السيد نوري المالكي بالتعالي والتهور والمقامرة بمصير العراق وشعبه، وحاول فرض الأمر الواقع بالقوة، وعمل وفق سياسة الاستحواذ والاستغلال، ومارس لغة التهديد والوعيد والحصار والتجويع والضغط والمناورة وعرض العضلات وإستفزاز مشاعر الكوردستانيين وحكومة الإقليم وبالذات في عهد حكومته الثانية، حتى الأزمات الصغيرة كانت تتدحرج وتصبح كرة لهب. وبدأت عبارة (التحالف الشيعي الكوردي) بالإنسحاب من الواجهة، ووصل الأمر الى أن يطلق على الكورد من قبل الجماعة المتخندقة في المنطقة الخضراء، بالعالة على العراق، وأحفاد يزيد الذي ذبح الحسين، وأولاد صلاح الدين الذي أسقط الدولة الفاطمية في مصر، وأحياناً كثيرة، بأولاد الجن الذين كشف الله عنهم الغطاء. 
بعد أن أصبح التعصب الأعمى والتزمت والإبتعاد عن الحكمة في المواقف والخطاب والقرارات وبالذات من قبل الجيش الإعلامي الممول من قبل المالكي،  وبعد أن تم خرق غالبية مواد الدستور الذي كتبناه وصوتنا له، من مستلزمات المرحلة، بتنا نسمع بيانات وتصريحات تهديديّة وناريّة تدعو الى طرد الكورد من بغداد وبقية المحافظات العراقية، والإستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم، وغزو وطنهم وذبحهم، وبتنا نسمع دق طبول الحرب، ونلمس إشاعة الكراهية والدفع بمستقبل الاجيال القادمة الى الهاوية المجهولة، وبات من الواضح أن عبارة التحالف الشيعي الكوردي، كانت وهماً، والشراكة سراباً، والدولة التي كنا نبتغيها مستحيلاً. لذلك أصبح من الضروري البحث عن جميع المخرجات السياسية والاقتصادية، ضمن التفكير المنطقي في كل الاحتمالات، فوجد شعب كوردستان، أن الطريق الأنسب هو إتخاذ قرار التوجه نحو الاستفتاء والإفتراق عن أناس لايريدوننا شركاء.



238
كركوك العزيزة والإستفتاء
صبحي ساله يي
في غضون الشهرين الماضيين، إنخرط بكثافة وبقوة عدد من الكتاب والإعلاميين والأكاديميين والشخصيات السياسية العربية العراقية، ونواب في البرلمان العراقي ومسؤولين حكوميين، في عملية الهجوم على الكورد الذين يريدون ممارسة حقوقهم الدستورية والقانونية والانسانية المشروعة على أراضيهم، واشتركوا في تبني خطاب الكراهية الذي يحاكي إعلام خصوم الكورد التقليديين، فأستنسخوا المفاهيم البالية واللغة السطحية المستخدمة ضد الكوردستانيين.
تلك الفئة لم تنفصل عن الأحزاب الشوفينية، بل إنحازت إليها، وراحت ترافع من أجل معتقداتها بعيداً عن الأطر الأخلاقية والمهنية والأعراف الثقافية والدينية. والبعض منهم، وبالذات الذين يدّعون الحرص على الديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان ويميلون نحو التشويه وتصفية الحسابات بكل الوسائل والتمييز والعنصرية والمذهبية المقيتة، ما زالوا يرون أن الاستفتاء وبالذات في كركوك، مناورة وطموح شخصي وتكتيك حزبي، وفي حال تعرض الكوردستانيين إلى تهديدات وضغوطات قوية، أو حصولهم على وعود وضمانات، أو مكاسب معينة، يمكن أن يتم تأجيله أو حتى التراجع عنه.
الرئيس مسعود بارزاني، رئيس إقليم كوردستان، خلال زيارته الأخيرة لكركوك،  وفي إجتماعه مع مسؤولي الأحزاب الكوردستانية، ومع ممثلي مكونات المدينة ورجال الدين والوجهاء والأكاديميين، بحنكته السياسية، وضع النقاط على الحروف ودحض تلك التوجهات، حينما أعلن بشكل قاطع إستحالة التراجع عن قرار الشعب الكوردستاني القاضي بإجراء الإستفتاء، وعدم إلغائه أو حتى تأجيله لعدم وجود أية حكمة في ذلك الأمر. وإستعرض المراحل التاريخية للإرتباط السياسي لشعب كوردستان مع الحكومات العراقية المتعاقبة، وكيفية تعامل هذه الحكومات مع شعب كوردستان، وأبدى تأسفه لتجاهل تلك الحكومات لشعب له تاريخه وجغرافيته وهويته القومية، حينما مارست سياسات التهميش والاقصاء، وإتخذت القرارات المجحفة بحق الكوردستانيين، كما تأسف لبقاء وسيطرة فكر الإستعلاء والإستبداد والإنكار لدى البعض حيال شعب كوردستان، وأوضح بأن كافة محاولات بناء دولة شراكة حقيقية مدنية ديمقراطية مع بغداد طيلة الفترة الممتدة ما بعد سقوط النظام عام 2003 باءت بالفشل، ولم نر أية ملامح لدولة ديمقراطية فدرالية، بل وقفنا أمام دولة دينية وطائفية. تلك الأمور أدت إلى وصولنا الى قناعة راسخة مفادها أننا ككورد وكوردستانيين غير مرغوب فينا ببغداد، لذلك لابد من التوجه نحو الاستقلال، لمنع العودة الى التوتر والصراع والمواجهات الدموية والنزاعات العبثية.
ومن كركوك العزيزة لدى الرئيس بارزاني وعموم الكوردستانيين التي تعرضت مع غيرها من المناطق الكوردستانية، على أيدي الحكومات العراقية المتعاقبة، ولاسيما في عهد البعث، الى حملات تعريب ظالمة تصاعدت في بداية السبعينيات من القرن الماضي بقفزات متتالية. وجه الرئيس بارزاني رسالة محبة وسلام للذين يحملون الفكر الناضج والرأي السديد والكلمة الطيبة وأهدافاً إنسانية نبيلة تتجسد في الوقوف ضد المتآمرين الذين فقدوا عقلهم ورشدهم، والذين يعيثون تدميرًا وتخريباً في الأرض، ويتحالفون مع الشيطان ضدنا، ويحاولون بتصريحاتهم الصبيانية توريط الجميع وإشعال فتيل الحرب والنزاع المسلح الخاطىء والخطير دون الإلتفات الى النتائج، مع إنهم على يقين بأن الكورد لا ينوون التحارب والاقتتال، ولكن اذا تعرضوا لأية مخاطر فإن حق الدفاع عن النفس مكفول لهم، وأنهم لم يتوقفوا يوماً عن التضحية في أي وقت يشعرون فيه بأنهم يتعرضون للتهديد، ولن يتوانون عن أية خطوات يدافعون بها عن وجودهم وهويتهم القومية والوطنية. كما طمأن سيادته ممثلي المكونات القومية والدينية في كركوك، أن كركوك وحدها من تملك حق تقرير مصيرها، وسيكون لها خصوصية تنسجم مع تعدد مكوناتها بما يضمن حقوق الجميع، وأبلغهم بأن حياتهم وحقوقهم وإمتيازاتهم ستكون محفوظة في دستور ودولة كوردستان التي ستكون حاضنة للجميع، وسيتم فيها تطبيق أحكام المساواة والعدالة وفق صيغة فدرالية تعطي الحق لكل محافظة بأن تدير نفسها بنفسها، وبأن قوات البيشمركه تحمي جميع المواطنين في كركوك، والمدينة ستبقى رمزاً للعيش المشترك ونموذجاً للمحبة والتآخي الديني والقومي.
وأخيراً، يمكن القول أن الأكثرية المطلقة في كركوك متفقة على المشاركة في  الاستفتاء، وإن المتابع لشؤون تلك المدينة يلاحظ نشوء نسق فكري مشترك بين الكوردي والتركماني والعربي والمسيحي، نسق يمثل تغليباً للثقافة الواقعية المواكبة للتغيرات، نسق مهم ومعلم مبكر على التحاق الخريطة السياسية للمحافظة بخريطة الدولة الكوردستانية، وفق الإتفاق الجمعي على التصويت بنعم في يوم الإستفتاء، ودحض مهاترات خصومهم من الشوفينيين الذين لايرون إبعد من أنوفهم.
 
 
 



239
في ذكرى ثورة أيلول..
هل فتوى المرجعية ما تزال سارية المفعول؟
صبحي ساله يي
في الحادي عشر من أيلول من كل عام، نستذكر الثورة التي إنطلقت في مثل هذا اليوم في العام 1961، ولكن لهذه الذكرى في هذا العام طعم خاص ومذاق مختلف، ففي 1961، وبعد أربعة عشر عاماً من النضال بقيادة الخالد مصطفى البارزاني، وتقديم التضحايات، وتحقيق الإنتصارات، وجولات من التصدي والمجابهة والمفاوضات، وفترات تهدئة، وجراء مؤامرة دنيئة حيكت خيوطها في دهاليز العديد من عواصم العالم، أصبنا بنكسة. بينما الآن، وبعد أربعة عشر يوماً سنتوجه نحو صناديق الإقتراع لنقرر مصيرنا وفق طريقة ديمقراطية متناغمة مع الدستور العراقي والمواثيق والقرارات والمبادئ المستقرة فى مواثيق الامم المتحدة، وجميع الأعراف والقوانين الدولية والسماوية التى تساوى بين البشر.
عقلية حكومة بغداد في 2017، هي ذات عقلية حكومة 1961، قلقة وحرجة في حسابات التوازن، ثابتة في خطوات التراجع عن الإلتزام بالدستور والوعود، متمسكة بالنظرة الإستعلائية والثقافة الإحادية ونمطية اتخاذ القرار. تجنح للمستحيل بدلاً من الممكن، كما جنحت غيرها في العام 1961، لذلك، دون أن تتقن اللعبة السياسية، تحاول ممارسة كل وسائل الضغط والاستفزاز ضد الكورد وإستثمار التقاطعات والتضادات والمصالح الإستراتيجية للدول المحيطة بنا وتطويعها من أجل أن تظهر أنها الأقوى والأكثر أهميةً، كما ينشغل إعلامها وبعض سياسييها ومثقفيها في كيل الإتهامات وحملات تسقيط وتشويه إعلامي ومقالات إنفعالية طائفية وثأرية وشخصية مترادفه ضدنا وضد قادتنا، كما فعلوا في 1961، ويقولون مالم يقله الامام مالك في الخمر، وكأنهم ازاء حرب تهدد وجودهم. علماً أن كل ما في الأمر شعب يريد أن يدلي برأيه تجاه حق من حقوقه المشروعة.
بغداد بعد 1961، قصفتنا بالقنابل والغازات السامة، ودفنت شبابنا وأطفالنا ونسائنا وشيوخنا في مقابر جماعية، وأحرقت قرانا، ونفذت حملات الأنفال السيئة الصيت والترحيل القسري والتعريب.
بينما بغداد الحالية، المليئة بالألام والنكبات والسخرية والمشاهد القاسية والهموم والمصائب والفوضى والفتن والطائفية السياسية والدينية والعشائرية والقبلية، وكل مايندي لها جبين الإنسانية، بعثت لنا رسائل الكراهية، ومازالت تبعث، وفرضت علينا حصاراً إقتصادياً من خلال قطع موازنة الإقليم السنوية ورواتب الموظفين والعمال، ولولا ضعفها ومشكلاتها الداخلية وتعقيدات الظروف الإقليمية والدولية، لاستخدمت ذات الأسلحة القديمة ضدنا، وربما أكثر، مع ذلك تريدنا أن نبقى معها.
 بغداد السابقة شنت علينا الحروب لأننا طالبنا بحقوقنا التي ثبتت في الدستور. والحالية، وخلال أربعة عشر عاماً، رفضت مراجعة موقفها الاستراتيجي ومنح نفسها فرصة اكتشاف الأخطاء التي ارتكبتها بحق الكورد اولاً ثم بقية العراقيين ثانياً. وتهددنا اليوم أن إخترنا التوجه نحو الإستقلال بقوتها وقواتها وبقوات الدولتان الجارتان، إيران وتركيا كأداة مثالية من أجل إلغاء الإستفتاء.
بغداد السابقة أخطأت حينما لجأت الى حسم الامور الدستورية والسياسية بالوسيلة العسكرية البعيدة عن منطق الحكمة والعدل والإنصاف، وأغلقت كل السبل أمام الكورد وقيادته السياسية، لذلك لم يبق أمامنا سوى خيار الدفاع عن النفس، وحمل السلاح لا حباً بالقتال وانما اصراراً على الدفاع عن الحقوق. والحالية تخطىء لو تصورت أن الكوردستانيين سيتراجعون عن مطلبهم المصيري ويرضخون للضغوط، ومن البلاهة إن تصورت أن الكورد الذين ثاروا في 11/9/1961 في وجه حكومة بغداد، وآلتها الحربية التي كانت تفتك وتقتل وتبيد، وهم لايملكون سوى بنادق معدودات، سيرضخون في 2017 لبغداد ومطالبها غير القانونية ويؤجلون أو يلغون عملية الإستفتاء التي، قال عنها الرئيس مسعود بارزاني، لا تحتمل المساومات والتسويف.
 بغداد السابقة طردت الموظفين والعمال الكورد من الدوائر الحكومية، والجنود والضباط من الجيش والطلبة من الكليات، فإلتحقوا جميعهم بالثورة الكوردستانية. والحالية تهدد بغلق الأبواب والنوافذ بوجه الكورد وإعفائهم من جميع مناصب ووظائف الحكومية، بدءاً من رئيس الجمهورية، الى الوزراء، والى اعضاء مجلس النواب، والمدراء العامين والسفراء والموظفين الكورد خارج العراق وكل من يتقاضى راتبه من الحكومة العراقية، وتسفيرهم لدولتهم الجديدة.
بغداد في 1961، إنشغلت بالخلافات والصراعات السياسية بين قادة ثورة تموز، ودفعت ثمن انحراف الثورة عن مسيرتها وعن أهدافها الحقيقة التي قامت من أجلها. وبغداد 2017 ، تعاني من خرق خمسة وخمسين مادة دستورية، وتعطل الجهود الرامية للإصلاح، والتحرر من أسر التجاذبات بين الأحزاب السياسية.
وأخيراً نقول: التأريخ إعتبر ما حدث في 11 أيلول 1961 ثورة ونقلة تأريخية كبيرة، ودفاعاً عن ما تضمنه الدستور العراقي، ثورة سهلت لهم وللعراقيين مهمة التحرك ضد المنحرفين والحمقى المرتبطين بالتيارات الشوفينية ومثيري النعرات القومية والمذهبية، ثورة عاشت الواقع بكل حقائقه وتفاعلت معه من خلال الرؤية الواعية، وسعت لفهمه وتطويره، لذلك حظيت بدعم كل الكورد في العالم وكل العراقيين الشرفاء، كما حظيت بتشجيع وبركة ورضى أعلى مرجعية دينية شيعية في العراق، حيث أصدر سماحة السيد محسن الحكيم الفتوى الشهيرة بتحريم قتال الكورد، رغم أنف حكام بغداد وضغوطاتهم المتواصلة. وسيعتبر (التأريخ) ما يحدث في 25/9/2017، توجيهاً للأحداث وفق سياسة عقلانية حكيمة تتطلع الى تحقيق العدالة والديمقراطية، ونزوعاً نحو الموضوعية في التعامل مع الأحداث بشكل صريح وممنهج مدفوع بالحرص والمسؤولية عن كل ما يخص الكوردستانيين، وكل ما يضمن الخير لهم وللعراقيين عموماً في حاضرهم ومستقبلهم. ويسأل : هل فتوى المرجعية الدينية العليا الخاص بتحريم قتال الكورد ما تزال سارية المفعول ؟
 



240
المسيحيون هناك... وهنا
صبحي ساله يي
بعد تأسيس الدولة العراقية عام (1921)، إنخرط المسيحيون في الحركات السياسية المعاصرة والحركة التحررية العراقية، كما شاركوا في كوردستان بفاعلية متميّزة في نضالات وبطولات الحركات التحررية الكوردية، ومنذ ستينيات القرن المنصرم، أي بعد إنطلاق ثورة أيلول التحررية، بقيادة الخالد مصطفى البارزاني، أصبحوا جزءاً من القضية الكوردستانية، وتعرضوا في قراهم الى الإضطهاد وظلم السلطات العراقية وأجهزتها الأمنية والترحيل والتهجير، وفي بقية مناطق العراق تعرضوا في زمن الدكتاتورية والسلطات البعثية الى الإضطهاد القومي والديني وسياسات التعريب، لذلك كان واقعهم كواقع غالبية العراقيين، مريراً ولم تتوقف حركة هجرتهم الى شتى دول العالم.
أما بعد انتفاضة آذار (1991) في كوردستان،  فقد تنفس المسيحيون الصعداء، حيث تم الغاء التمايزات وترسيخ ملامح المساواة والتعايش الديني والقومي وضمان الحقوق الانسانية والتأكيد على أن العيش المشترك وفق خطوات محسوبة واستدلالات منطقية وأفكار متجانسة تضمن التطور والتنظيم ووحدة الوعي والاداء وتحقيق الأهداف المتكاملة، كما إكتسبوا الكثير من حقوقهم القانونية من خلال مشاركتهم الفعلية في السلطات الإدارية والسياسية والتشريعية، وفق سياسة توافقية مع الاحزاب السياسية الكوردستانية الأخرى المشاركة في برلمان وحكومة إقليم كوردستان والمؤسسات الكوردستانية.
بعدإسقاط البعث وتحرير العراق في 2003، تفاءل المسيحيون بالعراق الديمقراطي الجديد، لكن هذا التفاؤل لم يستمر طويلاً، لأن  الاداء الحكومي السيئ الذي أفسد القيم وأشاع الفوضى والفساد، عطل لغة الكلام ومنطق العقل. وفي ظل غياب سلطة القانون وإنفلات الأمن وإستشراء دورالمليشيات، أصبح إستهداف المسيحيين المسالمين الآمنين واجباً مقدساً، وهدفاً مباشراً لأعمال الإبتزاز والتطهير والإبادة والاستئصال، فشهدوا أوضاعاً مأساوية وإضطهادات عنيفة ومتتالية على أيدي جماعات مسلحة مجهولة ومعلومة الهوية، وتعرضوا في بغداد والموصل ومدن الوسط والجنوب الى حملات إستهداف شرسة وخبيثة، تجسدت في أعمال القتل والتهجير وحرق وتفجير كنائسهم وإغتيال طلابهم ورموزهم الدينية والفكرية. كما قامت الجماعات الخارجة عن القانون بالاستيلاء على دور وأراض المسيحيين من خلال التهديد والوعيد أو بالتنسيق مع بعض الموظفين في دوائر التسجيل العقاري وباستخدام وثائق مزورة. هذه الأمور أدت الى تناقص عددهم الذي كان يقارب المليون ونصف المليون الى ما يقارب  550 ألفا.
أما عقب سيطرة الدواعش على مدينة الموصل، في حزيران2014، الذي يعتبر أسوأ عام بالنسبة للمسيحيين،  فقد تم تخييرهم بين: إعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، أو الخروج من مدينتهم ومنازلهم بملابسهم من دون أية أمتعة. وأعلن داعش، أن منازلهم تعود ملكيتها الى الدولة الإسلامية. إنصاع المسيحيون في الموصل وأطرافها لأوامر داعش متوجهين نحو أربيل ودهوك، وفي نقاط تالفتيش التابعة لداعش، كانوا يتعرضون الى السلب، ونهب جميع مقتنايتهم من الأموال والذهب وحتى أجهزة الهاتف، كما سحب منهم جوازات السفر والبطاقات الشخصية وتم الإستيلاء على سياراتهم الخاصة. وفي مدينة الموصل وضواحيها تم تدمير كنائسهم وكذلك الأديرة، وما نهب منها من وثائق وموجودات لا تقدر بثمن. ويمكن القول أن الذي كتب حتى الآن من قبل الكتاب المسلمين والمسيحيين بشأن بشاعة الجرائم الشريرة المرتكبة ضدهم، مجرد ذر للرماد في العيون، مقارنة بحجم الكوارث التي تعرضوا لها والدوافع الحقيقية لارتكابها، وبالدم الطاهر الذي سال من أجساد الضحايا، لذلك لابد من النهوض بالواقع المسيحي لأنه مسألة حضارية وأنسانية قبل أن تكون سياسية أو دينية أو أجتماعية.
 في المقابل قامت حكومة إقليم كوردستان والتي تفتخر بحماية التنوع الديني والقومي في كوردستان، بتكيثف جهودها وإمكانياتها لمساعدة هؤلاء النازحين. حيث دعا السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة الإقليم، أهالي كوردستان بشكل عام ومحبي الإنسانية في مدينتي أربيل ودهوك إلى تقديم كل ما بوسعهم لمساعدات لتلك العوائل النازحة. وأكد لهم السيد مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان، أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، إنهم ليسوا ضيوفأ أو نازحين، إنهم أصحاب الأرض، وقال لهم: ( إما نموت على هذه الأرض أو نعيش عليها بكرامة).
رداً على تلك المواقف، نلاحظ اليوم أن الكثير من المسيحيين أعلنوا عن مواقفهم المؤيدة بقوة للإستفتاء، المزمع إجرائه في 25 من هذا الشهر، ويعتبرونه فرحة لهم وللكورد ولجميع المكونات الأخرى، لأنهم على يقين بأن الإستفتاء سيشكل منعطفاً سياسياً ومجتمعياً تاريخياً في شكل النظام السياسي وهوية الدولة الجديدة، وفي المستقبل السياسي لقوميات كوردستان.  وبأنه بعد الإستقلال سيتعزز أنتمائهم الى كوردستان كي يساهموا بروح الشراكة في بناءه، وسينعمون بالأمان والحرية بين أهلهم وأبناء وطنهم، وسينالون حقوقهم القومية والدينية والوطنية كاملة دون نقصان، وسيضمنون بأنهم مصانون وحقوقهم مصانة جنباً الى جنب مع اخوتهم الكورد والعرب والتركمان وغيرهم من القوميات والاديان في دولة تسودها المساواة والعدالة، ويكون عمودها الفقري المواطنة وسيادة القانون، كما سيشاركون في كتابة دستور كوردستان وصنع القرار السياسي في دولة تكون نواتها الفدرالية والديمقراطية والمدنية والحرية والمساواة والتعايش المشترك.
 



241
ماذا لو لم نبع النفط ؟
صبحي ساله يي
ليس خافيا بأن الانجازات والمكاسب الكبيرة لاقليم كوردستان خلال السنوات التي أعقبت التحرر من الطاغية، جاءت نتيجة للنهج الحكيم للرئيس مسعود بارزاني وقراءاته السياسية العميقة، وعمله بصدق من أجل حفظ التوازن الوطني في مسائل تشكيل الحكومة العراقية وحل المشكلات الناجمة من المغامرات الرعناء المتكررة في بلد يفترض إنه ديمقراطي وتعددي وفدرالي، وإسهامه بشكل فاعل في التخفيف من التشنّج والتعصّب، ونجاحه في لم شمل البيت الكوردستاني الى حد كبير وفي معالجة المشكلات. أما حكومة الإقليم برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني فقد تمكنت من الصعود بشكل سريع فاق كل التصورات، كما أنتهجت، على الصعيدين القومي والوطني، نهجاً موفقاً متناغماً مع الظروف الاقليمية والدولية السائدة. وبات من الطبيعي بل من الضروري أن يصبح الاحتفاظ بالنجاحات وعدم الإنجرار نحو الغرور والمغامرة والمواجهات والمناكفات ، من أولويات السياسة والعمل الإداري والحكومي. لذلك حاولت بناء علاقات سياسية ودبلوماسية وإقتصادية متينة مع الكثير من دول العالم ودول الجوار، وبالذات مع تركيا، وعقدت معها إتفاقات عديدة في كافة المجالات، وسهلت السبيل أمام شركاتها الإستثمارية للعمل في الإقليم.
أما داخلياً، فقد عمل الجميع ( أفراداً وأحزاباً سياسية) بشكل رائع تحت سقف مصالح كوردستان العليا للوصول إلى النموذج الراقي والمتطور للتعايش والتسامح، والأكثر التصاقاً مع مباديء الديمقراطية وحقوق الانسانلكي يصبح الإقليم ملاذاً آمناً وواحة للإستقرار في منطقة مليئة بالفوضى. لذلك لم يكن من المستغرب أن يستهدف من قبل الفاشلين والظلاميين على حد سواء. الفاشلون في بغداد، عادوا الى الإعتقاد بأسطورة مفادها، إضعاف كوردستان والكوردستانيين، تصب قطعاً في خدمة العراق وقوته وسيادته واستقراره، وهذا في الواقع كلام باطل ويراد به الباطل أيضاً، لأن قوة الكورد عززت مقومات العيش المشترك، وقربت وجهات النظر حول مستقبل العملية السياسية في العراق، وأصرت على التداول السلمي للسلطة وعدم احتكارها، ورفضت سياسة الضغوط التي كانت تستخدم بحق ابناء مكون أو طرف سياسي معين بهدف تحقيق بعض المكاسب أو إرضاخهم. والعجيب في الأمر، أنه لم نشاهد سواءً بين الذين كنا نعتبرهم من المؤيدين للكورد، أوالذين يتحدثون عن صيانة الدولة، أحداً يفكر ويتجرأ ليبلغ الفاشلين أن الضغط ضد الكورد يولد الانفجار، وأن كل الإجراءات الصبيانية تنم عن المراهقة وليس عن النضج والحكمة، وتنم عن ضيق أفق وضحالة في فهم الدين والدنيا، وتسهل التحول نحو التخلف والظلامية وعدم التمييز بين الخبيث والطيب، ولن تولد سوى المزيد من التوتر والخصومات والبغضاء والكراهية.
وعندما تم توجيه الدواعش نحو كوردستان، لم تحرك حكومة بغداد ساكناً، بل أعاقت وصول المساعدات الأجنبية المرسلة الى البيشمركه والكوردستانيين عموماً وحتى النازحين، وإستمرت في العداء والمكابرة والإستعلاء، وأخيراً قررت، بجرة قلم  وخلافاً للدستور، قطع حصة الإقليم من الموازنة الإتحادية.
حينها، تعرض الإقليم الى أزمة إقتصادية حادة، لذلك توجه مضطراً نحو الإستقلال الإقتصادي، الذي يعد الخطوة الأولى نحو إعلان الإستقلال السياسي. وعندما باعت حكومة الإقليم النفط بشكل مستقل، إستدرك الجميع أهمية وحنكة (المهندس) الذي لعب الدور الطليعي في إتخاذ القرارات الإستراتيجية الإقتصادية التي تمحورت حول خطط إنتاج النفط وإبرام الإتفاقات مع الشركات العالمية العملاقة في مجال النفط لكي تستثمر وتستخرج النفط وتنقله الى الأسواق العالمية وتضع إسم كوردستان على خارطة الطاقة العالمية. تلك السياسة التي أرغمت العديد من الدول الى تعديل سياساتها تجاه كوردستان. ذلك الجميع الذي إستدرك الأهميات، أخذ يسأل:
 لولا تصدير النفط، ماذا كنا نفعل؟ ومن أين كنا ندفع تكاليف الحرب ضد داعش، ورواتب البيشمركه والعمال والموظفين والمفاعدين؟ وتكاليف تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين والنازحين؟ ولولا تصدير النفط لكان لزاماً علينا أن نستسلم لسياسات حاكم بغداد.
أما الأجابات المعلومة على تلك الأسئلة فقد أصبحت بمثابة إجابات مقنعة للذين كانوا يتطاولون ويجرحون الناس وينتقدون ويعارضون السياسة النفطية لرئيس حكومة الإقليم السيد نيجيرفان بارزاني ويصفونها مرة بالخاطئة وأخرى بالفاشلة. وأخيراً نقول: لو لا إنخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية لما كانت الحكومة بحاجة الى التقشف أو اللجوء الى الإدخار الإجباري، ولولا تصديرنا للنفط بشكل مستقل، لكان لزاماً علينا أن نستسلم لسياسات حكام بغداد ...
 


242
كرة الإستفتاء ليست في الملعب
صبحي ساله يي
عملية تحرير العراق من قبل أمريكا والدول المتحالفة معها في العام 2003، وضعت تركيا أمام موقف صعب، لأنها أولاً، لم تشارك في تلك العملية ولم تسمح للقوات الأمريكية بإستخدام أراضيها، وثانياً، أصبح الكورد طرفاً رئيسياً فاعلاً في العملية السياسية العراقية وفي كافة المؤسسات التي تشكلت بعد ذلك، وشارك في كتابة الدستور الذي أقر مبدأ الفدرالية التي يمكن أن تكون تمهيداً للاستقلال وتكوين الدولة المستقلة.
على ضوء الواقع الجديد والمتغيرات والأحداث في المنطقة، خاصة بعد تسليم العراق على طبق من الذهب الى الشيعة الموالين لإيران، حاولت تركيا التكيف مع المستجدات وإعادة صياغة سياساتها وتحسين علاقاتها بالولايات المتحدة، من جهة واتباع سياسة متوازنة تجاه العراق وتحسين علاقاتها مع الكورد من جهة أخرى. فإعتمدت سياسة مغايرة بشأن التعامل مع الكورد تستند على تغيير لهجتها المتشددة تجاههم، والتباحث الدبلوماسي والتعاون وفتح أطر الشراكة مع حكومة إقليم كوردستان، وهذا التعامل إعتبر في حينه بمثابة الإعتراف والإقرار بوجود جار لابد من احترامه والتعامل معه.
في المقابل تعاملت رئاسة وحكومة الإقليم، مع معظم الأمور بمرونة وحكمة وتأن، وحسابات بعيدة المدى، وخاصة فيما يتعلق بالنهضة الاقتصادية والعمرانية والصناعية، والأمن والسلم الداخلي والإقليمي، والدبلوماسية التي قادها السيد نيجيرفان بارزاني أتت ثمارها في الكثير من الإشكاليات وبالذات مع تركيا إيران، وقد لمسنا ذلك أكثر من مرة أثناء تأزم العلاقات بين تركيا والإقليم، وإيران والإقليم، وكيفية معالجتها بهدوء وتأني وإيمان راسخ بالمصالح العليا قبل القيام بأي عمل غير محسوب النتائج. أما الاستقرار الأمني، وتشريع القوانين الخاصة بالإستثمار من قبل برلمان كوردستان، فقد ساعدا على جذب الاستثمارات الأجنبية والشركات التركية والعالمية إلى الإقليم.التي ساهمت في النمو الاقتصادي.
أول اتصال رسمي على مستوى عال بين المسؤولين الأتراك والكورد، كان في أواخر عام 2008، حين التقى المبعوث الرسمي لتركيا إلى العراق مراد أوزجلك ومستشار أردوغان الرئيسي للسياسة الخارجية أحمد داوود أوغلو مع الرئيس مسعود بارزاني في بغداد. وأصبح ذلك الإتصال بداية لسلسلة من الاتصالات الرسمية مع حكومة إقليم كوردستان أدت إلى تحسن كبير في العلاقات المتعددة الأبعاد بين أنقرة وأربيل, في المجالات الديبلوماسية والاقتصادية والثقافية. وقد فتحت تركيا قنصليتها في أربيل عام 2011 وازدهرت تجارة تركيا النفطية مع الاقليم. وفي أيار 2012 توصلت تركيا وحكومة الإقليم لاتفاق لبناء خط لنقل الغاز،  وخطين لنقل النفط مباشرة من كوردستان الى تركيا، وفي أواخر ذات العام وقعت أنقرة وأربيل اتفاقية مهمة حول الطاقة، بعدها بدأ النفط الخام الكوردستاني يتدفق نحو ميناء جيهان والأسواق الغربية. كما منحت حكومة الإقليم عدة شركات تركية تراخيص استكشاف النفط واستيراد الغاز الطبيعي ومد خط أنابيب غاز إلى تركيا .
تلك الصفقات أشارت لتحول كبير في سياسة تركيا تجاه حكومة الإقليم وشعب كوردستان. وزيارة الرئيس مسعود بارزاني نهاية عام 2013 لآمد، وهو يرتدي الملابس الكوردية وإلقاءه كلمة بالكوردية، وبجانبه يقف الرئيس اردوغان الذي لفظ كلمة كوردستان على الملأ للمرة الأولى، عكست تحولا في العلاقات الثنائية بين الجانبين. وكذلك الحال بالنسبة لزيارة الرئيس بارزاني الى أنقرة وأسطنبول ورفع علم كوردستان هناك، والزيارات المتكررة لرئيس حكومة الإقليم الى تركيا وزيارات المسؤولين الأتراك الى أربيل. 
الآن هناك مسيرة كوردستانية نحو الإستفتاء بشأن تقرير المصير، وباتت جزءاً من الثوابت في السياسة التي يتبعها الكورد، وهناك تعويل على تركيا لمنع هذا الإستفتاء أو تأجيله، ولكن الواضح، رغم التصريحات الروتينية والدبلوماسية في الإعلام، أن أنقرة، ومن خلال ما قاله السيد مولود جاوش اوغلوا للصحفيين، قبل أيام في أربيل، لاتريد ممارسة أي ضغط، ولاتفكر بإغلاق الحدود مع كوردستان في حالة إجراء الإستفتاء، لعلمها أولاً، بأن كرة الإستفتاء ليست في الساحة لتركل أو ترمى الى ساحة الآخرين، وبالتالي إنها لاتستطيع منع إجراءه، وثانياً، تأكدها من أنه سيجرى في موعده المحدد ولايتم تأجيله إلا بضمانات أمريكية ودولية، وثالثاً، بأن الإستفتاء حق طبيعي وديمقراطي لشعب كوردستان، ورابعاً، لايشكل خطراً على تركيا، أو تهديداً لأية دولة أخرى، وخامساً، تعتبره حلاً للمشكلات وإستجابة ملحة لحاجة وطنية تمهد للخروج من حالة اليأس والاحباط التي يعيشها الكوردستانيون جراء حرمانهم من حقوقهم، ويوفر لهم الحياة الحرة الكريمة، وسادساً، تراعى مصالحها الإقتصادية الكبيرة في كوردستان وكذلك الثوابت الجيوسياسية والاستراتيجية المهمة. وسابعاً، تدرك أن حقوق التركمان ستكون مضمونة في حالة تشكيل الدولة الكوردستانة. وثامناً، إنها متيقنة من تشكيل الدولة الكوردستانية، لذلك تريد أن تكون علاقاتها معها مختلفة عن علاقاتها مع بقية الدول المجاورة لها. وتاسعاً، أن امريكا الموجودة بقوة في المنطقة لم تعارضه حتى الان بشكل علني وبالتالي لاتعارض قيام الدولة الكوردستانية، وعاشراً، لم يعد هناك ما يسمى بالعراق الواحد، وان خريطة العراق لم تعد لها وجود، وتفهم ان سياسة الحفاظ على عراق موحد قد انتهت، وأخيراً، أن الخطاب الكوردي بشأن الإستفتاء، يعتبر حلقة في تسلسل منطقي يربط بين الماضي الأليم قبل 2003 والحاضر البائس 2003-2017، خصوصاً مع حكومتي نوري المالكي.



243
عقليات تكره الكورد وتريدهم شركاء
صبحي ساله يي
ماسمعناه من أعضاء الوفد الكوردستاني الذي زار بغداد في الاسبوع الماضي، بهدف توضيح نوايا الكوردستانيين وما في أذهانهم، وإعلان مطاليبهم التي تتجسد في إستحالة تخليهم عن حقوقهم الطبيعية، وعزمهم وتشوقهم الى تقرير مصيرهم وتحقيق طموحاتهم القومية المشروعة. وما سمعناه من غالبية الذين إجتمعوا مع ذلك الوفد في بغداد، تؤكدان بالدليل القاطع ما يقوله الرئيس مسعود بارزاني، بخصوص عدم تغير العقليات هناك وبالذات تجاه الكورد, وعدم التزامهم بمبادىء الشراكة وتجاهلها، وعدم تقيدهم بالكلمة أو العهد، ومحاولاتهم لقرأة التطورات والأحداث والمستجدات بشكل خاطئ، ونزوعهم الدائم نحو تفسير أفعال الآخرين على إنها تهديدات مقصودة.
تلك العقلية الثابتة التي تأبى التغير والتغيير والتفتح، دفعت الى فقدان الثقة بين المكونات العراقية، والتعامل مع الوقائع والأحداث بإنتقائية شديدة، وتعرض العلاقات الى التمزق والتصدع وتفاقم المشكلات، كما ضربت أسس الإستقرار المجتمعي، وزرعت بذور الإنقسام بين الولاء والانتماء، والتفكير الجدي في فض الشراكة بين الكورد والعرب من جهة وبين السنة والشيعة من جهة أخرى، او حتى بين الشيعة والشيعة.
تلك العقلية وسمت المرحلة التي تلت إسقاط صدام بمجموعة من الخصائص والسمات المتناقضة المستمدة من مؤشرات إغتنام الفرص وخلط الأوراق بهدف السيطرة على المال العام والمواقع الحساسة وفرض الوصاية على الآخرين للحد من نشاطاتهم المشروعة، والتسلل إلى ثغورٍ خطرة والنمو والتكاثر والتفريخ في جميع المؤسسات والميادين، وإختراق كل المجالات والمواقع الحكومية والسياسية والإعلامية، وبنظرة واحدة الى واقع حال العراقيين في بغداد وبقية المحافظات، نعرف سبب وثمن ممارساتهم وتلاعباتهم بمستقبل مواطنيهم وشعبهم من أجل منافع ذاتية أولاً، وأجندات خارجية ثانياً، ومساهماتهم السلبية في ظهور التعصب القومي والمذهبي والتشدد والتطرف والإرهاب والكوارث وخلق الظروف العصيبة، والبحث المستمر عن عدو مصطنع لتذكية حروبهم القومية والطائفية وخلق ملاذات للتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وثم داعش.
جراء تلك العقلية وتصرفات السياسيين المتقلبين المتناقضين المخادعين في أرائهم، تحول العراق الى بحيرة تطوف فوقها الشؤم واللؤم والويلات والفتن والازمات والكوارث، وغرق فيها الضحك والسعادة والرفاه والإستقرار والحريات، ويعوم فيها الإنتهازيون الذين لم يستفد العراقيون من أفعالهم وحواراتهم وصراعاتهم المستعرة وسجالاتهم البائسة، بل يعتبرونهم السبب الأساس في تقويض القيم ومبادئ الأخلاق وسيادة القانون، وإشاعة الفساد والإفساد والتخلف والتخريب والفوضى وفقدان الأمن وإنتهاك حقوقهم. والغريب في الأمر أن هؤلاء الإنتهازيون المتلونون يؤكدون على ضرورة بقاء الكورد شركاء في الوطن والواجبات، ولكن، دون حقوق. وفي ظل تلك العقليات تم إفتقاد النظرة الصحيحة والراسخة للحقوق والواجبات، لذلك أصبح من الطبيعي، أن يكرهوا الكورد بشدة، ويعتبرونهم أعداء ينبغي سحقهم وتطهير الساحة منهم، ومحاربتهم بشتى الوسائل، والتي غالباً ما تكون وسائل غير أخلاقية وغير مشروعة ومحرمة ومليئة بالخداع والمكر والنفاق والرياء والكذب والترويع والتهديد والتجويع.
في المقابل، فإن الكوردستانيين، بكل شرائحهم وقومياتهم وأديانهم وأحزابهم السياسية، ورئاستهم وحكومتهم، سئموا السياسات العدائية العنصرية والشوفينية والمذهبية، واقتنعوا بأن مصلحتهم تكمن في فض الشراكة مع أناس لا يلتزمون بمبادىء الشراكة، لذلك حددوا يوم 25 أيلول 2017 موعدا للإستفتاء على الإستقلال، طبعاً، دون غلق أبواب الحوار.
 

244
التربية المتقدمة والصحيحة تعني، مجتمعاً متطوراً
صبحي ساله يى 
في عهد البعث، كان الواقع التربوي في العراق وكوردستان يعاني من مشكلات وأزمات كبيرة، تفاقمت بشكل خطير في سنوات الحرب مع إيران، بسبب الإهمال والتهميش ورفع شعار (كل شىء من أجل المعركة)، وهو ما أسهم بتراجع المستوى العلمي للطالب. بعد إنتفاضة شعبنا في آذار 1991، وإنتخاب برلمان كوردستان وتشكيل حكومة الإقليم، كان عدد الطلاب والطالبات في مدارس الإقليم (534,963)، وعدد المعلمين والمعلمات (21,389)، وعدد المدارس (1320)، ونسبة الأمية (34%). هذه الأرقام دفعت حكومة الإقليم الى الإهتمام بالعملية التربوية وتقديم دعمها الممكن وضمن قدراتها لهذا القطاع المهم، من خلال زيادة أعداد الطلبة وبناء المدارس وتعيين المعلمين والمعلمات، وبذلت جهوداً متواصلة لكي يصبح هذا القطاع جديداً ومعاصراً ومتقدماً من خلال تحليل المواقف المتداخلة بشكل واضح، وطرح المنهجيات لمعالجة مشكلات التربية والتعليم. وظل رصد المقومات التي تعتبر قواسم مشتركة لحلقات الاداء المختلفة ضمن التفكير في سبيل إنقاذ مستقبلنا بتعليم أطفالنا الذين هم قادة المستقبل، بطريقة تتيح لهم التطور والقدرة على التعلم والتعاطي بإيجابية مع مختلف التطورات في المجالات العلمية والثقافية والتربوية، وبشكل منسجم مع النهج الاستراتيجي القائم على حقائق واعية تمثل جوهر المعرفة بأهداف العملية التربوية الخاضعة للمعايير الدولية النموذجية التي تعتمد على التنسيق المنطقي بين المقدمات والنتائج.
في برنامج الكابينة الثامنة لحكومة الإقليم، التي تشكلت برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، تم التأكيد على الإستمرار في إصلاح النظام التربوي والتعليم العالي، من خلال تأمين الاحتياجات اللأزمة، ورفع المستوى العلمي للكوادر التعليمية، والاهتمام بالبحوث العلمية والتعليم المهني وتقليل نسبة الامية في الاقليم. وفعلا تم تحقيق الكثير من الإنجازات. وعندما قامت حكومة بغداد بقطع حصة الإقليم من الموازنة الإتحادية، فان حكومة اقليم كوردستان إستمرت في تأمين الاحتياجات الضرورية للقطاع التربوي، ولكن بعد إستفحال الأزمة المالية بسبب الحرب ضد داعش وإنخفاض أسعار النفط وإستقبال ما يقارب مليوني نازح ولاجىء، عانى القطاع التربوي، كباقي القطاعات، من التأثيرات السلبية، كالترشيد في المصروفات وقلة بناء المدارس وشمول رواتب المعلمين بالإدخار. ولكن الذي يبعث الأمل الإرتياح في النفس هو التغيير المستمر نحو الأحسن، وإن نسبة النجاح العالية المتحققة في هذه السنة الدراسية، وإرتفاع عدد الطلبة والطالبات الى (1,738,000)، وعدد المعلمين والمعلمات الى (136,302)، وعدد المدارس الى (6789)، وإنخفاض نسبة الأمية الى (15%) مؤشرات وبراهين على تلك الحقيقة.
الآن نلاحظ أن حكومة إقليم كوردستان المنشغلة بترتيب أمور المواطنين وفق قرارات صائبة وإرادة متينة، تحاول من جهة، معالجة آثار الأزمة الإقتصادية المفروضة على الكوردستانيين. ومن جهة أخرى تحاول الإستمرار في تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وبالذات في المجال التربوي الذي يعد من أهم المجالات التي تؤسس لبناء جيل واعي يدرك حقوقه وواجباته. وتتعامل مع هذا المجال بالدعم المالي المطلوب والمرونة اللازمة والحزم الاستباقي لإستيعاب المتغيرات وطمأنة الشواغل المتجددة، وتمهد للدخول في حوارات ولقاءات ومؤتمرات موسعة تهدف الى المحافظة على المكتسبات التي تحققت في القطاع التربوي خلال العقدين الماضيين. والباحث أو المتابع للشأن التربوي الكوردستاني يستطيع، ودون عناء، ان يفسر التفاعل الموجود بين الحكومة والنخب الثقافية والاكاديمية وعامة العاملين في هذا القطاع من خلال شكل التجانس أو التناسق في التطلعات والأماني في جميع العموميات والخصوصيات، وفي الإتفاق العمومي على التغلب على المشكلات بكل أشكالها وتأطيرها بصيغ متعددة تبعاً للظروف. 
قبل أيام أوضح السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان، في مؤتمر تربوي عقدته وزارة التربية بالتعاون مع منظمة اليونسيف تحت عنوان (مصاريف وفوائد التربية)، وجهة نظره تجاه إهتمام حكومته بالتربية، بدقة وبالمزيد من الايضاح وبالاعتماد على المعلومات والارقام الرسمية في الاقليم. وقال، أن (التربية المتقدمة والصحيحة تعني، مجتمعاً متطوراً). كما أكد ضرورة تحديد المشاكلات والنواقص التي يعاني منها قطاع التربية في الوقت الراهن، وضرورة الإهتمام بالتعليم لتحسينه وتطويره بشكل عام، والمهني بشكل خاص لسد الاحتياجات الراهنة والمستقبلية لكوردستان في الإعمار والإنماء ولإعداد المتخصصين والخبراء في المجالات المهنية، لنتمكن من الإعتماد على أنفسنا وعلى قدراتنا وخبراتنا المهنية، للمضي في مساحة التعليم المتاح للجميع، وإظهار الحكمة اللافتة والقدرة العالية على حماية المصالح العامة، وتهيئة البيئة الهادئة والارضية الملائمة لإعداد الأجيال القادمة، والتحكم في الأمور التي تهم مستقبل المجتمع الكوردستاني.


245
حال التركمان هنا... وحالهم هناك
صبحي ساله يي
هنا: في ظل حكومة إقليم كوردستان
هناك: المناطق التي تقع خارج إدارة حكومة الإقليم
 حال التركمان يختلف عن حال العرب، السنة والشيعة، وعن الكورد. لأنهم يتكونون من الشيعة والسنة أولآ، وهذا جعل ولائاتهم والكثير من عاداتهم وتقاليهم مختلفة. ويعيشون إما مع الكورد وهم يتمتعون بكافة الحقوق، وإما مع العرب حيث تعرضوا ويتعرضون الى جرائم قانونية وأخلاقية وإجتماعية ومحاولات التجريد  من حق المساواة في الحقوق الإنسانية والسياسية والقانونية والاجتماعية لانتمائهم القومي ولاعتبارات طائفية، ثانياً.
  ينقسم التركمان بين مؤيدين للتعايش مع الكورد، معتبرين أنفسهم كوردستانيين مستجيبين للإستفتاء والتصويت لصالح الاستقلال، مؤمنين بأن كركوك جزء من كوردستان، وأن الاجيال التركمانية تستطيع من خلال إستقلال كوردستان ضمان  حقوقها. لذلك يعملون بشكل جاد من أجل الوصول الى زمن تضميد الجراح المتنوعة التي لحقت بهم، في المناطق التي تقع خارج إدارة الإقليم، ومراجعة وتصحيح الحسابات السياسية، ومواجهة الحقائق بشجاعة، وإنهاء كل الحالات السلبية. وبين معادين لكل ما هو كوردي وكوردستاني. لايتعضون من الدروس السابقة ولا يراعون المصالح الوطنية والقومية والاجتماعية والسياسية والإقتصادية لشعبهم. ينتظرون اللحظات المناسبة لاستغفال البسطاء في التعامل مع المعطيات وتعميق الكراهيات والدخول في نفق التوترات والإضطرابات والإنتقامات والسياسات الذيلية، مستعدين أن يصبحوا سلالم لوصول الآخرين إلى ما يطمحون إليه.
 يتساءل البعض عن الأسباب الحقيقية التي فرقت التركمان؟ وعن خلفيات الأزمات البينية الراهنة داخل الصف التركماني؟ وهل يمكن تنقية الأجواء الداخلية وإنهاء الأزمات التي أربكت القرار التركماني وساهمت في إرباك الساحة السياسية التركمانية؟
 هذه التساؤلات تكشف عن نيّات صادقة عند التركمان الموضوعيين والعارفين بالحراك السياسي الراهن، الذين يريدون أن يكونوا هم أصحاب القرار في تحديد بوصلة قومهم، فيما يشاهدون قومهم يمر بمنعطف خطير، والعراق بمجمله يمر بمنعطفات كبيرة وكثيرة. وهم على ثقة بأنه في حال تشكيل الدولة الكوردستانية سيكون التعامل معهم بشكل مستقل، وكقومية رئيسية ثانية. وهم على قناعة مفادها أن مصالحهم مع الكورد ومستقبلهم مرتبط على مدى المنظور القريب والبعيد بالكورد وكوردستان، لذلك إبتعدوا عن التصادم مع كل ما هو كوردي في كل صغيرة وكبيرة، ويسعون للتشاور والتصالح وتجاوز الخلافات وبناء الثقة معهم بصدق وشجاعة، كما أنهم يلبون دعوات التركمان الذين يطالبون جهاراً بترك سياسة العداء ضد الكورد، بعد ما أثبت الكورد أنهم يدافعون عنهم وعن أعراضهم. وإن حكومة إقليم كوردستان ترعى مصالحهم وهى الأحرص عليهم. ولو تم مقارنة أوضاعهم في اربيل، وتمتعهم بكافة الحقوق وعيشهم في الإستقرار والأمان والعزة والكرامة، مع عيشهم في المناطق الأخرى، حيث التهديد والوعيد وسوء الخدمات والمأساة وفقدان الأمن، نلاحظ أن الفرق بينهما كبير، وربما لايقارن، وهذه الأمور مجتمعةً تدفع بالعقلاء التركمان الى التشبث بكوردستانيتهم بشكل متوازن مع تركمانيتهم.   
كما أن التساؤلات أعلاه، تكشف اللثام عن ممارسات الوجوه التركمانية غير الملتزمة، التي ركبت قطار الخلافات وتسببت بها، وإتخذت قرارات سماتها الإرباك الواضح والمتعمد لتعقيد المسارات بتأثيرات الضغوط الداخلية والخارجية لحسم موقفها من مستقبل التركمان، وأخرها كانت قبل أيام، وفي خطوة  غير مستغربة في توقيتها، إجتمع عدد منهم، مع نوري المالكي، مهندس التوترات والخلافات السياسية وحافظ الملفات الذي يحلم بالعودة الى سدة الحكم الذي طرد منه للإنقاض على خصومه في صفوف حزبه وطائفته، أولاً، وليتوجه نحو العرب السنة والكورد والتركمان ليصفي معهم حساباته، ثانياً. 
إجتمعوا معه ليدعونه الى العمل من أجل منع إجراء الإستفتاء في كركوك، رغم يقينهم بأن مستقبل هذه المدينة محسومة من النواحي التاريخية والجغرافية والواقعية، وهو بدوره تعهد بالكثير، ولكن إن صدقوه فتلك مصيبةً، أما أذا نسوا السنوات العجاف الثمانية من حكمه فالمصيبةُ أعظمُ .
وأخيراً، سواء تصرفت تلك الوجوه المرتبكة بسطحية وصبيانية وتحالفت مع الأحزاب الشوفينية والطائفية، أو توجهت نحو التعقل والحكمة والمنطق، فإن حكومة إقليم كوردستان ترعى مصالح عموم التركمان وتكون هى الأحرص عليهم. 
 

246
خروقات الدستور..
أرغمت الكورد على اللجوء الى الإستقلال
   صبحى ساله يى
  لجوء حكومة إقليم كوردستان، برئاسة السيد نجيرفان بارزاني، قبل أعوام الى إستخراج النفط وتصديره وبيعه، كان يعني الحصول على بعض المكاسب المحدودة التي لاتقارن بالخسائر التي لحقت بالكوردستانيين طوال عقود عديدة من إستخراج نفط كركوك الكوردستانية وبيعه من قبل الحكومات العراقية المتتالية، واستغلال عائداته في شراء الأسلحة والطائرات التي كانت تستعمل لإبادة الشعب الكوردي والنيل من طموحاته المشروعة.
الكوردستانيون والعراقيين المختلفين في الكثير من الأمور، يتفقون على قناعات مفادها ان السياسات الخاطئة للحكومات العراقية، أغرقت المجتمع في مشكلات لا آخر لها، وأن العواصف التي هبت على البلاد والعباد، كانت بسبب الحلول العرجاء التي طرحت للمشكلات والأزمات، وإن تلك الحكومات لم تحاول تنسيق رؤاها وخبراتها وبرامجها في إطار مشترك، بين أربيل وبغداد، بدعوى الخصوصية وتباين الاحتياجات المذهبية والقومية، لذلك كانت على الدوام منكفئة على ذاتها ومنغمسة في همومها ومشكلاتها الداخلية والخارجية معاً، ونسجت على منوال تلك الإحتياجات وخصوصيات البعض، سياساتها التي كانت لا تتوافق مع نظرة ومصلحة الآخرين، وخاصة الكورد. وكانت تتناقض مع خصوصيات الواقع العراقي ومتطلباته، وعاشت غالباً في حالات منعزلة في الرؤية والقرار، دون أن تعرف أن مقتضيات الحكمة السياسية والمصلحة العامة تكمن في توحيد الأهداف في عموم البلاد، رغم إختلاف الظروف في التفاصيل والمعطيات.
 أي إستقراء لملامح وتجليات السلوك السياسي لتلك الحكومات، يؤشر إلى حال الفزع والهواجس والقلق الذي ترك الآثار السلبية على طبيعة محاولة معالجاتها السياسية لتقلبات الأزمات، ويؤشر عمق اللاوعي السياسي واللانضج الفكري الذي حاول أن يحافظ على مصلحة مكون معين على حساب مصالح المكونات الأخرى. والقرارات الخاطئة لنوري المالكي، بإسال الجيش الى أطراف الإقليم، وتقليل الوجود الكوردي في الجيش والسفارات والقنصليات العراقية في الخارج، وتلفيق التهم ضد الكوردستانيين عموماً، وبالتالي قطع رواتب موظفي الاقليم، الذي لايختلف كثيراً عن حملات الأنفال التي مارسها البعث الفاشي ضد البارزانيين والفيليين وهلبجه والمدنيين الآمنين، والذي جاء في ذروة التصعيد الانتخابي سنة 2014، وزيادة شروطه التعجيزية أثناء الجولات التفاوضية بين الكورد وحكومته. دفعت رئاسة وحكومة الاقليم الى التفكير في الإستقلال الإقتصادي واللجوء للتصرف بورقة النفط، وإستغلال الثروات الطبيعية لسد النقص الحاصل في الموازنة، وبذلك بدأت بتصدير النفط الكوردستاني عبر ميناء جيهان التركي، كرد فعل اضطراري..
 بعد إعلان حكومة إقليم كوردستان بيع النفط المستخرج في الأسواق العالمية والتصرف بموارده لسد حاجات المواطنين وفق الدستور، أي بعد نجاح الملف النفطي الكوردستاني، لاحظ المراقبون تصعيداً هستيرياً من قبل ساسة بغداد تجاه ذلك الموضوع، وبالذات عندما تأكدوا من عدم تمكنهم بلورة رؤية مشتركة تجاه الواقع الخطير الذي يعيشونه، وإنسداد الأفق أمامهم على المستويات كافة، وسقوط ثلث أراضي العراق لسيطرة داعش، وإنكشاف مراهناتهم وحساباتهم المقلوبة التي طبقت الخناق على التفاصيل الأساسية لحياة المواطنين، وتأكدهم المطلق من فشلهم الشنيع في إدارة الملف النفطي العراقي وجميع الأزمات السياسية والأمنية والإقتصادية الطاحنة، ووضع أنفسهم وأحزابهم ومكونهم على أعتاب مرحلة جديدة مليئة بالمآزق الإستراتيجية والتاريخية.
ووسط تفهم الأغلبية الساحقة من الشعب الكوردستاني بأنهم أصبحوا شركاء غير حقيقيين في العراق، بل غير مقبولين، بدأ التفكير يضغط على أعصاب المواطنين الكوردستانيين ودوائر صنع القرار معاً، بخصوص مستقبل علاقاتهم مع حكومة بغداد، وإمكانية وضع نهاية لها، والبحث عن الإتجاه الأنجح لتحقيق المرجو والخيار الأنجع وبأقل كلفة، والسيرعليه لتحقيق الأهداف المرجوة، لذلك إتفقوا في إجتماع موسع برئاسة الرئيس مسعود بارزاني على تحديد يوم 25 من شهر أيلول المقبل موعداً لإجراء الإستفتاء على الإستقلال وإعلان حق تقرير المصير وفق القوانين الدولية.
بعد ذلك الإجتماع، عاد التحرض ضد الكورد، كما كان، تجارة رابحة ومصدراً لكسب الأصوات الإنتخابية، وتعرضنا مرة أخرى، ومازلنا نتعرض، لمسلسل من التصريحات التي تعكس خطاب الكراهية والأحقاد والثقافة الشوفينية..
 

247
سأرمي (وفيق عجبل) بحجر ... حتى لو صار مثـقال الحجر بـدينار
صبحي ساله يي
رغم أن الحكمة تدعو الى إهمال الجاهل الفكري، والغبي الفطري، والمصاب بالعـوق الذهني، وعدم الرد عليه لأن ذلك مضيعة للوقـت وهـدر للجهد، و ستزيده جدلا وغباءً، وتمنحه مايحلم به، ويحسب نفسه خبيراً لا يـرقي إلى أفكاره أحد. ولكن إلتزام الصمت، أحياناً، تجاه المسعور والمتسافل الذي يتخـذ مـن الأنـترنيت مكاناً يـقـذف فيـه مـايشـاء يعطي المصداقية لما يقول، خاصة ونحن الكورد إعتدنا أن يطل علينا كل يوم، تـــافـه رخيص الأخلاق يتجاسر ويهـون عليــه مـا يعــز علــى غـيره مـن الكرماء لـيـرمي حثالته التــي فطم عليها، وبما أن هذا الأمر لايمكن القبول به. لذلك (سأرميه بحجر حتى لو صار مثـقال الحجر بـدينار).
أقــرأ أحياناً ما يأتي به وفيق عبجل مـن حثالات فكرية وإنحطاطات كلامية سفيه خالية من الأدب والتأدب، وهو يحاول فيها تشويه الحقائق وتلويث القيم، ويتعرض لـرموز كوردستانية قدّر لها أن تكون عظيمة وفي العلالي، ولكن غبــاءه وأميـتـه المعـرفيـة وبغضه وإصراره على الثرثرة والحقـد اللئيـم أنسـياه نور الحـق وألـزماه ظلمة الباطل. 
لن أستعـرض سيرة هـذا الشخص الأجرب الذي يتهكم على الرئيس بارزاني، فعظمة البارزاني معروفة عند الجميع من كثرة ما أثنى عليه الخيرون الصادقون، ومن كثرة ما تهجم عليه الحاقدون الفاشلون. كما لن أغور في تفاصيل صعوده السريع في الجيش الصدامي، وحصوله على الترقيات المتتالية، ووصوله الى موقع بارز في الإستخبارات العراقية، وطرده بعد أيام معدودة من تولي المسؤولية وكالة، كما لا أسرد قصة توجهه نحو تجارة الإطارات المسروقة من الجيش، وكيف أنه بحكم علاقاته السابقة إستطاع أن يشترى ذمم بعض الضباط ليسرقوا الإطارات من السيارات العسكرية فيشتريها منهم بثمن بخس. وكيفية إعتقال شريكه في تلك التجارة النجسة، وهروبه (هو) الى كوردستان. وعندما أراد ان يحصل على موقع بين المعارضة العراقية، ولكن لأنه كان منبوذاً ومكروهاً وسىء السلوك والسمعة، لم يحتضنه أحد.
بعد إسقط صدام عاد الى العراق، ولكن عندما تم إستدعائه للمحاكمة بتهمة الإشتراك في الجرائم البعثية بحق العراقيين، هرب من العراق وإتجه نحو الدوائر الإستخباراتية الأجنبية، ولم يترك وسيلة الا وسلكها من أجل مغادرة الحضيض الذي هو فيه، ولأنه أهمل من قبل الجميع ، فإنه الآن يعاني من عقد النقص وفقدان الوعي والاتزان. وأصبح حقاً نموذجاً فريداً من نوعه، يقدم خدماته للجميع عسى أن يلتفت نحوه أحدهم.
كما لا أستعرض رقصه على حبال المصال الذاتية، وتأييده للثورة السورية تارة، وتحوله الى جانب بشار الأسد تارةً أخرى، وهجومه على نوري المالكي، والتحول الى مغازلته، وإشاداته بدور حيدر العبادي في محاربة داعش، ومطالبته بمحاسبته وإستجوابه برلمانياً، ولا أتطرق الى تملقه لهادي العامري وعمارالحكيم وقيس الخزعلي وأبو مهدي المهندس وقاسم سليماني وغيرهم. لكن سأذكر إحدى تحليلاته الإستراتيجية، كي تعرفوا ضحالة فكره وتضحكوا على سذاجة عقله وعبقريته الكارتونية.
في بداية الأزمة بين قطر وثلاثة من بلدان الخليج ومصر، أرسلت تركيا قوة عسكرية محدودة الى قطر، سواءً لرعاية مصالحها، أو لمناصرة قطر ضد الآخرين، أو تنفيذاً لإتفاق سابق. ولكن المحلل الملهم والخبير العسكري والإستراتيجي إبن عجبل، حلل الموضوع فقال: إرسال هذه القوة الى قطر رسالة تهديد واضحة الى مسعود بارزاني لكي يتراجع عن إجراء الإستفتاء... صدق من قال : الإناء ينضح بما فيه.
 

248
نفط  الأمس، وإستفتاء اليوم،  وإستقلال الغد
   صبحى ساله يى
ما نسمعه هذه الأيام من بعض السياسيين العراقيين بشأن دعوة الرئيس مسعود بارزاني، رئيس إقليم كوردستان لفتح الباب أمام مضمون جديد للعلاقات بين أربيل وبغداد وإجراء الإستفتاء على الإستقلال، يتشابه بالتمام والكمال مع ما قالوه في الأمس القريب بشأن دعوة السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم لحق الكورد الدستوري في إستخراج النفط وتصديره .
حينها كانت أقوالهم وتصريحاتهم دلائل على عدم إعترافهم بحقوقنا الثابتة والمشروعة، وعدم فهمهم للنصوص والمواد الدستورية التي أعطت صلاحيات واسعة لحكومة إقليم كوردستان الحق في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية وصياغة السياسات النفطية بعيداً عن رقابة الحكومة الفدرالية، وفي مقدمتها إبرام العقود النفطية مع الشركات العالمية وتصديره وبيعه في الأسواق العالمية.
حينها ومنذ البدء بالتفاوض بين الشركات النفطية وحكومة الإقليم، وتوقيع العقود لإستكشاف وإستخراج النفط وتصديره رأينا المتحجرين الواهمين في بغداد يرفضون كل شيء، كما رفضوا العودة الى الدستور الذي كتب بالعربية ليقرؤا موادها المتعلقة بالنفط والغاز، والكثيرين منهم لم يقبلوا النقاش، وإن نوقشوا ما كانوا يريدون أن يفهموا الحقائق والوقائع. أما خطوة الانتهاء من مد إنبوب النفط الكوردستاني فقد أثارت تحفظات البعض من الذين كانت لهم مواقع حكومية وسياسية وفكرية وإجتماعية، وأيقظت الحقد الدفين لدى البعض الآخر، وإعتبروها سبباً لحالات تردي الخدمات والإنهيار الأمني والسياسي والإقتصادي في العراق بشكل عام، وبالذات في بعض المناطق. وحينما باع الإقليم النفط المستخرج في الأسواق العالمية، فقدوا سيطرتهم على عواطفهم، وقاموا مرة بتوزيع التهديدات، وأخرى بتسجيل الدعاوي، وتارة بترشية بعض الشركات والشخصيات..
أما ما يقولونه اليوم، فهى أدلة على تجاهلهم لإرادة شعب كوردستان والمواثيق والبيانات والشرائع الدولية القابلة للاستنساخ والتقليد والتي تقر مبدأ حق تقرير المصير في مختلف بقاع الأرض، لذلك نرى تمويل مواقفهم العدائية بغزارة من جهات إقليمية تخاف من التحولات السياسية التي تجري بالفعل في المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص، وتنتهج كل السبل لغرض تعطيل هذا المسار الديمقراطي والإنساني، وإفشال خطة التحول السياسي نحو الإستقلال، وبالتالي إنهاء الأمل بالمستقبل وإبقاء البلاد في حال التراجع والتوتر العميق والفوضى الصارخة.
مصيبة المعادين للإستفتاء تتجسد في أنهم مازالوا لايعرفون أن العراق، نتيجة لسياسات خاطئة كثيرة، يعيش في ظل معطيات ومستجدات ومآزق إستراتيجية وتاريخية، ومازالوا لايعرفون فداحة فشلهم الفظيع في إدارة البلاد، ويعتقدون أنهم ناجحون وأن بإستطاعتهم تمريرالأكاذيب والفبركات الاعلامية متى ما شاؤا. لذلك يرفضونه ويحذرون من نتائجه ويصفونه بغير الدستوري مرة، وبأكثر من الخطر مرة أخرى.
 لكن بين الأمس واليوم حقق الكوردستانيون مكاسب كبيرة وأصبحوا قوة سياسية وإقتصادية وعسكرية ودبلوماسية لا يستهان بها، لذلك يجب أن ينصت الآخرون لمطالبهم ويتعاملوا معهم بواقعية وأن لا يتمسكوا بمواقف بالية أكل منها الدهر وشرب.
الكورد لن يعودوا إلى الوراء وهم مصممون على إجراء الإستفتاء في موعده المحدد والرد على كل دعاوي التشكيك من الداخل والخارج، وإرسال رسائل قوية لكل العالم مفادها، أنهم يدعمون التحول الديمقراطي، ويعيدون بناء العلاقات وفقاً لمتطلبات المرحلة، وهم أصحاب القرار الجديرون بحماية وطنهم وصنع مستقبلهم، وهم الأقدر على مواجهة التحدي أيا كان مصدره وأيا كان حجم التآمر والأحقاد ضدهم، وسيضمنون بجدارتهم الدور والمكانة الاقليمية التي يستحقونها، ويسهمون في الإنطلاق نحو رحاب التفاعل الإقليمي الإيجابي مع القضايا والأزمات والتحولات التي تجري في كافة المسارات. وهم مصممون على إقامة دولتهم في الغد، وهذه الحقيقة يجب أن يتعامل معها الجميع بجدية، ويا حيذا لو يكون العراق أول من يعترف بالدولة الكوردستانية ويقيم معها علاقات قوية مبنية على أرضية المصالح المشتركة والمتبادلة.
 


249
أنفال البارزانيين.. جرح يتجدد كل عام
صبحي ساله يي
الذكريات التي تظل خالدة في القلوب والضمائر والتي لاتفارقنا في الحل والترحال حية وكثيرة، ولكن المرة التي جرحنا فيها ونسكب عليها الدموع ونتحسر لها وتحرقنا كل يوم وكل ساعة، تبقى حية أكثر من غيرها. والجرائم المرتكبة بحقنا هى الأخرى كثيرة وكبيرة، وخاصة التي أراد القائمون عليها بكل وحشية وقساوة أن يبيدونا ويسكتوا صوتنا التحرري ويخمدوا نيران ثوراتنا ووأد قضايانا  القومية العادلة. والأنفال بمراحلها المأساوية الثمانية وجريمة حلبجة وقتل البارزانيين وقتل الكورد الفيليين ومصادرة أموالهم وتهجيرهم وحملات التعريب والتهجير والتسفير والقتل والسجن وهدم وحرق القرى، جراح كشفت النقاب عن وحشية وشوفينية منفذيها وسوء أدبهم وضحالة أخلاقهم، كما عرت الأنظمة التي تتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان لأنها ظلت صامتة تجاه جرائم نفذت في وضح النهار دون وجل بحق الكورد الأبرياء كشعب وقومية ثانية في العراق. كما أماطت اللثام عن الوجوه الكالحة لبعض السياسيين والمثقفين العرب من كتاب وصحفيين وشعراء وفنانين وهم يمجدون ويدافعون عن فارسهم وقائدهم الضرورة السفاح صدام حسين.
نتذكر بألم عميق كل عام في يوم (31/7)، جريمة قتل ثمانية ألاف من البارزانيين الآمنين من قبل حكومة البعث القمعية التي حاولت تسييس الإسلام وأسلمة السياسة من خلال إستغلال مفردة الأنفال، المفردة التي وظفت في الارض لمآرب سيئة وخبيثة وحروب إبادة.
أما الحجم الكبير والمروع للجريمة التي نفذت في 31/7/1983، وما جاءت بعدها من جرائم وويلات ومآسي وتدمير، فإنها لم تحرك ضمائر (الإخوة) في الدين والشركاء في الوطن (كما يقولون)، والساسة وأئمة الإسلام في العالم ودول الجوار ليقولوا كلاماً يدل على عدم جواز قتل النفس البريئة، ولم يخرج أحد من وعاظ السلاطين وفقهاء الحكام الذين نسوا وتناسوا الحكمة والموعظة الحسنة من دائرة الصمت، وكذلك الحال بالنسبة لضباط الجيش الذي كان يسمى زوراً وبهتانا بالعراقي، حيث لم يترددوا في توجيه السلاح ضدنا، بل كانوا يتفننون في تنفيذ مهامهم الاجرامية، ويبرعون في التدمير المقرون بالكراهية والممزوج بالتدني الأخلاقي وفي شحذ الهمم لصالح الطاغية الذي أراد إختفاء أحقاد وعواطف جيشه ورفاقه الحزبيين وجحوشه وراء النص الديني دون رحمة أوتسامح.
اليوم، وبعد مضي أربع وثلاثين عاماً على تلك الجريمة البشعة التي إرتكبها واحداً من دعاة القومية العربية، يمارس البعض من الساسة في بغداد ذات النهج الذي يتطابق مع تصرفات الصداميين اللاإنسانية السابقة تجاه الكورد عامةً والفيليين خاصة، ونسمع منهم تصريحات بغيضة تتشابه مع تصريحات الصداميين، بل تفوقها في الوحشية والعنف المفرط، وتدل على الإنحياز والتعصب القومي ضدنا، وتؤكد السير المستمر في طريق مليء بالظلام، لذلك أرغمنا على التفكير في إعلان صيغة الوضوح والمكاشفة، والقول:
 لقد أثبت الواقع المر أن شراكة الكورد مع العرب في العراق عبر عشرات السنين، كانت شراكة مخادعة مفروضة بقوة السلاح، وكل يوم يمر يتأكد للجميع إنها لا تملك قدرة الاستمرار، وأن الساسة الجدد في العراق متشابهون مع القدامى ويكنون الكره تجاهنا، يتوجّسون منا ويمارسون التعالي معنا وأنواعاً مبتكرة من المؤامرات الهادفة إلى إضعافنا، ويكررون المواقف والشعارات الالتوائية.. عليه ولأجل إنهاء القلق والانزعاج ومنع تكرار جرائم الأنفال التي لاتغتفر، والحيلولة دون إقامة المزيد من المآتم، ومنع إشعال الحرائق ونزف الدماء، لابد من فض الشراكة القسرية بيننا بالحوار والتراضي ومضي كل طرف الى سبيله بأمان..
 
 
 
 
 


250
هل تتذكرون ليلة 22/7/2013 ؟
صبحي ساله يي
ذكرى تهريب الإرهابيين من سجن أبو غريب، ذكرى ثبتت ذاتها كمحطة فارقة في تاريخ العراقيين ما بعد صدام وقبل داعش، تاريخ عرف بالعديد من عمليات الهروب والتهريب المؤلمة من السجون العراقية، وثبتت نفسها كحدث مؤثر في صياغة مشهد دموي جديد، وبلورة خطة دنيئة مفضوحة ما زالت تحوي الكثير مما يجب دراستها وتقييمها والاستفادة منها والحذر من تكرارها.
لكن، لماذا فتحت أبواب أبو غريب أمام عتاة المجرمين لكي يهربوا وفق عرض تمثيلي فاشل في ليلة 22 تموز 2013، ليعيثوا في العراق فساداً، ولتكون بداية لمرحلة خطرة مليئة بالمأساة؟ 
للإجابة على السؤال يجب أن نبدأ من ممارسات صانع القرار في العراق في تلك الفترة وماقبلها، الذي تجاهل مطالب الشعب من كل الزوايا، وإتجه نحو ممارسات وردات فعل سطحية غير سليمة، والتصعيد مع الجميع في توقيتات معينة، ممارسات جسدت الإرتباك والفوضى والفشل الكارثي في الأداء الحكومي.
في تلك الفترة كانت المنطقة الغربية (السنية) تشهد إعتصامات منددة بتصرفات الحكومة ومطالبة بحقوق المواطنة، وكانت (الإعتصمات) ممزوجة بين القلق والتوجس والتخوف والإثارة على خلفية الإشكالات والاحتكاكات بين السكان المحليين والأجهزة الحكومية التي كانت تتلقى الأوامر بشكل مباشر من مكتب نوري المالكي، والتي كانت أشبه بخلايا جاسوسية تراقب خصوم المالكي. أما نصيحة مسؤولي تلك الخلايا التي قدمت للمالكي في وقتها فقد كانت هي أن يطلق المالكي سراح السجناء من تنظيم القاعدة والإرهابيين والقتلة والمجرمين، مقابل أن يقوم هؤلاء بالعمل على إفشال التظاهرات والإعتصامات. وبعد مفاوضات خاطفة، وافق المالكي على المقترح، مشترطاً عدم السماح بخروج سجناء التيار الصدري من الزنازين في أبو غريب، ولأنه كان القائد العام للقوات المسلحة، ومن خلال أوامر وتوجيهات محددة الى القوات والوحدات المرابطة في المنطقة وداخل ومحيط السجن، تم تنفيذ عملية تهريب السجناء بطريقة سهلة، ولم يصدر مكتب القائد العام الاوامر الى قوات الرد السريع وجهاز مكافحة الارهاب وطيران الجيش و القوة الجوية الى التحرك الا بعد ان إطمأن من وصولهم الى مناطق آمنة في الصحراء.
تراتبية الأحداث والتفاصيل الكثيرة التي تسربت بعد تلك العملية الاستثنائية ودقة خريطة التهريب، دلت بشكل جلي على الإجراءات التي إتخذت، قبيل التهريب، وعلى من كان يقف خلفها وأكدت تماماً الشكوك ودور المقربين من القائد الضرورة فيها. بهدف افتعال فتنة داخلية ومواجهات في الشارع.
بعد أيام، وبموجب الاتفاق المسبق معهم، ظهر السجناء الهاربون في ساحات الإعتصام في الرمادي والفلوجة، و بدؤا بممارسة أعمال القتل داخل المدن وتفجير الجسور وتدمير البنى التحتية في المنطقة. هذه الممارسات خلقت نوعاً من التذمر والسخط عند ابناء المنطقة من وجود ساحة الإعتصام، وفي الجانب الآخر سخر المالكي ماكنته الاعلامية الكبيرة لاثارة العراقيين وتحميل ساحات الاعتصامات المسؤولية.
ولكن في المحصلة، تحول تهريب السجناء من أبو غريب الى ضربة قاصمة لفكرة المهرب نفسه، وصفعة تحذيرية لكل من يفكر مستقبلاً في إستغلال الرذائل من أجل منافع وأهداف خبيثة، وهذا لا يعني أن الباب قد أقفل تماماً في العراق على مثل هذه السيناريوهات الكارثية. فالذي يضمن عدم تكرارها هو محاسبة الذين نفذوا تلك الجريمة التي لاتغتفر، خاصة وأن العراق لم يتجاوز حتى الآن مرحلة الخطر، ولم يرم خلفه فكرة التهريبات من السجون لأهداف ومآرب خاصة، لأسباب كثيرة في مقدمتها صعوبة تغيير منظومة الأفكار الإستفزازية والإنتقامية التي تسعى لإثارة الفتن والقلاقل، وأن نوري المالكي المتورط بكل المصائب التي حدثت بعد ذلك التاريخ بطريقة أو أخرى، مازال حراً طليقاً يحتل موقعاً في الحكومة ويملك ثروات كبيرة مسروقة من قوت الفقراء ويتزعم حزباً ومجموعات مسلحة خارجة عن القانون .


251
العبث في مزايدات المالكي
صبحي ساله يي
كلما يطل المالكي، من على شاشات التلفاز، أو يظهر على صفحات الصحف، أو في المواقع الألكترونية أشعر بالغثيان، مع ذلك أجبر نفسي على المشاهدة أو الإستماع أو القراءة، وأول ما يتبادر الى ذهني هو الجرائم التي إرتكبها في ثمان سنوات عجاف ضد مختلف المكونات العراقية وما زالت تدمي القلوب، والتي لا يمكن لأحد أن ينسى أو يتناسى كسر العراق للأرقام القياسية في القتل والفساد الاداري والمالي والرشوة ونسبة الفقر والبطالة والأمية وعدد الأرامل وتدمير الاقتصاد والصناعة والتجارة والتربية والزراعة والصحة، وتبخر 850 مليار دولار،  وإحتلال ثلث اراضي العراق من قبل الدواعش.
وسواء كان سبب نسيان المالكي لجرائمه عائداً الى تقدمه في السن، أو ربما الى تعوده وإدمانه عليها، أو إلتزامه بأوامر وتوجيهات خارجية رهيبة من أجل السيطرة على البلاد والعباد. فإن ولوغه بدماء الأبرياء في الماضي الأليم وتبجحه في إعطاء الدروس وإنتقاد الآخرين وتلبسه دور الواعظ، ومتاجرته بالانتماء والوطنية المزيفة والشعارات والمفاهيم الانسانية، أدوار لا تليق به، خاصة وأن معدنه الحقيقي وإفلاسه التام قد ظهر للعيان، وبالذات بعد دقه لطبول الحرب ضد الكورد تارة والعرب السنة تارة أخرى.
في لقاء له مع (سبوتنيك) الروسية، تحدث المالكي عن الكورد والبيشمركه والرئيس مسعود بارزاني والإستفتاء المزمع إجراؤه في الخامس والعشرين من أيلول المقبل، وأهالي الموصل الكرام، بلهجة ولغة متشنجة ينقصها الأدب واللياقة، وبكلام غير مهذب وجارح مهين بعيد عن الأعراف الأخلاقية، ووجه الإهانة إلى الذين لايستحقون غير التقدير والاحترام، وهو يحاول أن يغطي على وقاحاته الفاضحة وأفعاله النتنة وفساده ووساخاته التي لاتعد ولاتحصى.
المالكي يحاول جاهداً تحميل جرائمه لأناس آخرين، وهو على يقين بأن لا أحد يستطيع منحه العصمة أو يتعهد له بإنقاذه من العقاب العاجل أو الآجل، أو ينجيه من الغضب والانفعال، لذلك يستقتل ويستميت من أجل استعادة أمجاده، بأي ثمن ويسخر أمواله المختلسة وصداقاته وعلاقاته، ويوقع على مساومات وتنازلات ويعقد الصفقات ويرفض سقوطه المدوي في مزابل التاريخ، كما يحاول أن يشعل الحرائق ويؤجج النزاعات السياسية والقومية والاجتماعية.
أما الخيرين الذين يشهدون على بسالة وبطولات البيشمركه ودور الرئيس بارزاني وإشرافه المباشر على الحرب ضد داعش في جبهة تزيد على ألف كيلومتر، والكورد الذين إحتضنوا ما يقارب مليوني نازح ولاجىء، وأهالي الموصل الذين ذاقوا الأمرين جراء سياسات المالكي العدائية. فانهم يريدون تطبيق العدالة ومحاكمة نوري المالكي وفق القانون وهم أكثر بكثير من المتوهمين الذين مازالوا يؤيدونه، وقامة الملفات والشكاوى والقضايا والمخالفات القانونية والدستورية المتراكمة ضده، أعلى بكثير من قامته وقامات الذين يؤيدونه في الباطل، وملف سقوط الموصل هو ليس الملف الوحيد الذي يجب محاكمته عليه، فهو الذي أثبت عدم نزاهته وأمانته أكثر من مرة حين لجأ إلى تسقيط خصومه السياسيين بتلفيق الملفات والتهم، وحين إحتفظ بملفات تخص العديد من المسؤولين المناوئين له والمقربين منه، وإستغل تلك الملفات لتهديدهم وإبتزازهم. وهو الذي مارس الحماقات الكثيرة والكبيرة، وسخر جميع إمكانياته لمهاجمة الآخرين من أجل تحقيق مكاسب شخصية، وساهم بنوازعه في ارتفاع بورصة التخيلات ونشر الهرطقات والممارسات اللاأخلاقية التي شحنت الشارع نحو المزيد من الخلافات والإنشقاقات وسقي جذور الفرقة، وسطا على سلطات القضاء ليحكم كما يشاء على خصومه، بتهم الاختلاس والارهاب والعمالة، كما تمرد على الدستور والبرلمان وكل القوانين، وجمع عدداً من المناصب بيده وهيمن على وزارات ومؤسسات وهيئات عدة، وتستر على عورات المرتشين والفاسدين والمختلسين وفضائحهم ومخالفاتهم، وغلق سجلاتهم الغادرة والفاجرة، وقام بتهريب المقربين منه الى الخارج، وتهريب عتاة المجرمين من السجون، ومارست عصاباته كل أنواع الانتهاكات لحقوق الانسان في سجونه ومعتقلاته تجاه الرجال والنساء.
اليوم باتت لعبة المالكي مكشوفة أكثر من أي وقت آخر، وجاءت اللحظة التاريخية الفاصلة التي تؤكد للجميع أن الأوجاع لاتوارى بحفنات من المماحكات والادعاءات والمزايدات السياسية على حب الوطن والشعب وحماية القانون والدستور، وتبين أن العبث وفق معطيات العصر، يعني الخسارة، والأحكام الصارخة على الناس دون أدلة دامغة إنما تزيد التشنج وقد تحدث هزات وارتدادات تصيب من لايسمع التحذيرات ويهندس الدسائس والمكائد، وتوصل الجميع الى يقين مفاده : لابد من إنصاف الملايين من العراقيين الذين يتمنون إلقاء القبض على المالكي وتقييده بالسلاسل، وإيقافه أمام محكمة لينال جزائه .


252
هل هو عمار، وحكيم؟  أم ... و... ؟
صبحي ساله يي
لا.. ولكن، كشفتا حقيقة الكثير من السياسيين الكورد المنزلقين في أوحال النهج الخاطىء والخوف والأنانية، وغير الكورد الذين كانوا يدعون بأنهم من أصدقاء الكورد ومن المناصرين لقضاياهم القومية والوطنية والانسانية، كما كشفتا دورهم التسهيلي في صياغة المخططات الرهيبة ضد الكورد في السر والعلن. وترك ساحة المواجهة القانونية والدستورية، خوفاً من المحاسبة والإتهام بمسايرة الخط الإستقلالي للكورد، أو طمعاً في الإستيلاء على إرادة الشعب الكوردستاني وتوظيفه لمصاحهم الخاصة، أو مراقبة ما يجري وهم على ثقة تامة إنهم بعد الإستفتاء والإستقلال سوف لا يصلحون للتواجد والعمل في الساحة سياسية٬ وحتى لا يمكن تدويرهم لأنهم ترسبوا في إسفل أحواض الخيانات، لذلك يتشبثون بوحدة بائسة٬ على حساب الارادة الوطنية ومصالح ومعانات الشعب الكوردستاني.
عمار الحكيم، الذي أورثته الصدف المال والجاه ورئاسة حزب قدير وكبير، هو أحد الغارقين في بحر الأحلام، والنموذج الذي كنا نتصور إنه مرتبط بعلاقات جيدة مع الكورد، أساء الى صورته وتاريخ وتضحيات عائلته ويهدم علاقات حزبه وقومه ومذهبه مع الكورد، عندما إعتمد لغة التوتير والنفاق التي تقود الى مسارات منحرفة وتشويه الحقائق، وإتهم الكورد عبر تصريحات، أطلقها من القاهرة، مرةً، وقام بتكرارها من طهران، مرةً أخرى بدلاً من الإعتذار، وعندما تحدث أمام رؤساء بعض الكتل الكوردستانية في البرلمان العراقي عندما زاروه قبل أيام في قصره العالي، متبنياً أقوالاً تفتقد أدنى المبررات الموضوعية ولاتختلف عما سمعناه من أيتام البعث.
المتابع لتصريحات السيد عمار ونوعية الجمل والعبارات التي إنتقاها, يجد أن عباراته خارجة عن الدبلوماسية، وبعيدة عن الذوق السليم، الذي يفترض أن يخاطب بها الآخرين، كما يجد إن هذا الرجل قلق ومتخبط ومرتبك متناقض في أقواله، وحريص على الإساءة للكورد والتقاطع معهم، وتشويه صورتهم والتشكيك بحق الشعب الكوردستاني، وتجاهل جراحه العميقة التي لاتقبل الإندمال ومعاناته الكبيرة والكثيرة التي لاتعد ولاتحصى.
والسؤال هو:
هل دخل السيد عمار معترك الحملة الإنتخابية قبل أوانه, وكالأخرين جعل التحشيد ضد الكورد والهجوم عليهم والتصعيد المستعر ضدهم ومعاداتهم، مادة دسمة ومباشرة للظهور بمظهر الإخلاص والوطنية والتمترس بالقيم والمبادئ والعقيدة لتضليل الرأي العام وكسب المزيد من الأصوات؟
أم إنه أظهر معدنه الأصلي، وتحيزه القومي والمذهبي، ولم يستطع إخفاء حقيقته ونبرته العدوانية خلف الشعارات البراقة السابقة؟
أم تطوع بتفكيره السطحي لخدمة الأجندات المعادية للكورد وتبارى لإرضاء طهران والشوفينيين العرب والفرس والأتراك؟ لذلك أخذ يزايد ويحذر ويهدد ويتوعد ويمنح شهاداة التزكية التي تبرر إستخدام الشارع والقوة وأبشع الألفاظ والتهم والإفتراءات المعبرة عن الكراهية لكل ما هو كوردي والإنخراط في حملات إعلامية سمتها البذاءة وطابعها الرداءة، وغايتها إستمالة العقول المتهالكة الخاضعة للتشويه والعداء الذي لن يخدم العراقيين, ولن يعود على أي طرف بالنفع, بل كل الشواهد تثبت ان لامصلحة لعمار وحزبه وللشيعة في دق طبول الحرب ضد الكورد، وإنه ليس عمار ولا حكيم  ..
 

253
سليم الجبوري ..  يعلم الناس الصلاة وهو لا يصلي
صبحي ساله يي
المزايدات السياسية غير الواقعية لبعض الساسة السنة، ومنهم السيد سليم الجبوري، وتوزعهم بعد العام 2003 بين مؤيد ومعارض للتغييرفي العراق والعملية السياسية والدستور والسير في إتجاهات مختلفة، كدعم الإرهاب بزعم المقاومة، والإرتماء في إحضان المخابرات الأجنبية بحجة الحصول على المساندة والتأييد والتمويل، والتوقيع على مساومات تخاذلية وخيانية بهدف الفوز بالمناصب وحصد الإمتيازات والكسب الشخصي، وإثارة الفتن وشق الصفوف وإثارة الخلافات وإضاعتهم للفرص. واضحة كوضوح الشمس، وتلك المزايدات حرمت أبناء المكون السني من الأمن والأمان والإستقرار وخيرات البلاد، وهلكتهم ودمرتهم وشردتهم وحرمتهم من حقوقهم بالعيش الكريم، كما أهدرت مواردهم وكرامتهم، وعرضتهم الى الإعتقال واليتم والترمل والنزوح والهجرة واللجوء والتغييب والتعذيب.
هذه الأيام نسمع أنباءً تشير الى عقد مؤتمر للسنة في بغداد، بالتأكيد لايعقد مثل هذا المؤتمر دون موافقة نوري المالكي، البطل في خرق وإنتهاك ومخالفة الدستور وإثارة الفتن والنعرات الطائفية والقومية، ودون أن تكون له مصلحة فيها.
المثير للريبة والشك حول المؤتمر هو أن السيد سليم الجبوري الذي أوقد العديد من النيران على أسس طائفية وقومية خلال فترة رئاسته للبرلمان العراقي والذي يعتبر كل ما لا يعجبه وما لايعجب الذين وافقوا على تبرئته من تهم الارهاب الستة، مخالفاً للدستور والقانون، هو المتصدي الأكثر حماساً واندفاعاً لعقد هذا المؤتمر، وأنه ووفق تصريحات مضللة ومثيرة يحاول أن يخلط الاوراق ويريد أن يفرض نفسه على السنة كأمر واقع، ويريد أن يتبرع بدماء الشهداء وخراب المدن والتوزيع بين مهجر ومشرد ومقتول إكراما للموافقة على عقد المؤتمر في بغداد، فالجبوري الذي إمتهن السياسة دون عقيدة، تآمر على أبناء جلدته ونسق مع الذين إتهموه بالإرهاب، وسمسر مع الذين ضمنوا تبرئته ووصوله الى رئاسة البرلمان حتى غدت أوراقه مكشوفه، وورقة التوت المنخورة التي يلوذ بها لاتستر عوراته.
السيد الجبوري والمالكي والأطراف المتنفذة وأجهزة المخابرات الإقليمية التي وافقت على إنعقاد المؤتمر في بغداد، على علم مسبق بأن هذا المؤتمر وعشرات المؤتمرات لاتستطيع أن تضع حداً للإنقسام الحاصل في الساحة السنية، ولا تتمكن من الخروج بمرجعية سنية أو قيادة سياسية موحدة للمكون السني، ومتأكدة من أن الساسة السنة يكسرون عظام بعضهم ويتخاصمون فيما بينهم بشكل سافر وعلني،  ويتحالفون مع الخصوم ضد بعضهم البعض، ومنهم من يريدون التحالف مع الامريكان لأخراج ايران من العراق، ومنهم من يريد التحالف مع إيران لطرد الامريكان، ومنهم من يريد طرد الاثنين معاً لإعادة ضباط الجيش السابق والدوائر الأمنية المنحلة ورفع الاجتثاث وإلغاء المساءلة والعدالة وإقرار قانون للعفو العام وبالتالي عودة حزب البعث الى الحكم. لذلك ومن أجل ذر الرماد في العيون من جهة، وافقت تلك الجهات وهيأة لعقد هذا المؤتمر لتضعهم في مواجهة مصيرهم وكشف وزنهم الحقيقي وموقفهم الواقعي، ولتكون على علم ودراية بما يتقرر وما يتخذ فيه من قرارات من جهة أخرى، وتريد من خلاله :
1-    الإعلان عن أن الشيعة لا يقفون ضد المشروع الوطني السني. مقابل كسب إعتراف القيادات السنية المؤيدة والمعارضة بشرعية العملية السياسية، وبأن الشيعة هم المكوّن الأساس في البلاد.
2-    إزاحة المنافسين الأقوياء للجبوري من الساحة السياسية السياسية السنية، ومنحه دورا مهما لأنه الأشد قرباً من الشيعة في العراق وإيران، ورافض متعصب لمشروع الاستقلال الكوردستاني والسني. مقابل إرسال رسالة اطمئنان و إعتذار الى الشيعة وخاصة قادة الحشد الشعبي، يقولون فيها لقد أخطأنا في المرحلة الماضية ونعدكم بعدم تكرارها..
3-    دعم وجمع الموقف السني تحت رئاسة سليم الجبوري وتقوية نفوذه ونفوذ من معه ليستفردوا ويهيمنوا على الساحة السياسية السنية، ويهمشوا الآخرين ويختزلوا السنة بأناس معينين ليتحدثوا باسمهم.
4-     إقصاء الجناح السني الرافض للهيمنة الشيعية، من خلال استبعاد الشخصيات  المتهمة بالإرهاب من المشاركة في مؤتمر القوى السنية، وإثارة الفتن داخل المكون السني من جديد، وإعادة الطائفية التي تثير الاحقاد والضغينة.
5-    إحراج المشاركين في المؤتمر، وهذا هو الأهم وربما القصد الأول من وراء الموافقة على عقده، وذلك عبر بيان صريح أو حتى تلميح الى رفض الإستفتاء المزمع إجرائه في كوردستان في أيلول المقبل، بحجة الحفاظ على وحدة الاراضي العراقية، ودق الأسفين بين الكورد والسنة..
وأخيراً نقول أن الشكوك تجاه المؤتمر ونوايا سليم الجبوري ومؤامرة نوري المالكي تحولت الى حقائق بعد أن إجتمع الإثنان في مكتب الأخير، قبل أيام، وحذرا من فشل مؤتمر السنة، وحثا على اختيار قيادات سياسية مؤمنة بالتجربة الديمقراطية ولديها القدرة والاستعداد للمساهمة الفاعلة في طي صفحة الأفكار والممارسات الطائفية وغيرالوطنية.
ولكن السؤال هو: هل تنطلي على السنة العرب تصريحات الجبوري (الذي يدعو الى الصلاة وهو لا يصلي)، وشعاراته الرنانة الفارغة التي يريد بها الباطل خصوصاً إنهم قد شبعوا من إنقلاباته على الإجماع السني وعدم إعترافه بالحقائق وممارساته وقراراته الخاطئة التي أهلكتهم وتسببت بفشلهم السياسي وتشتيت صفوفهم، وهم على يقين بإنه جزء أساس من البلاء؟.
 



254
ماذا لو دعا عرب العراق الى الإستفتاء والإستقلال ؟
صبحي ساله يي
عنوان المقال سؤال إفتراضي، يمكن طرحه إذا ما وضع عرب العراق أنفسهم مكان الكورد وأصبحوا من المنادين بالإستفتاء والمطالبين بحقهم في تقرير مصيرهم والإستقلال عن الكورد؟ وقالوا إنهم يختلفون عن الكورد في اللغة والثقافة والعادات الاجتماعية والجغرافيا. وإذا ما إستسلموا (العراقيون العرب) لواقع الحال وتقبلوا تصحيح الأخطاء الكثيرة الشاخصة أمام الأعين البصيرة، وقبلوا بالتعايش في عالم أصبحت الحرية فيه مطلباً لكل الشعوب؟ وإذا ما بحثوا بعقولهم الرشيدة عن الحلول التي تقيهم من الخطر وأبتعدوا عن الشروط التي تنتهك حريات الآخرين وإحترموا الأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان التي تنص وتكفل حق تقرير المصير بمفهمومه الواسع، وأول ما في ذلك هو الإستقلال؟
حينها، كيف تكون ردات الفعل، ومواقف القابضين على السلطة الحقيقية في العراق وايران وتركيا تجاه ذلك المطلب؟ وماذا يكون موقف المتعالين والمحذرين والمتوعدين الداعين بالويل والثبور والعواقب الوخيمة للداعين الى الإستقلال والذين يصفون المطالبين بالإستقلال بالخونة، وهل يصفون الدولة العربية الجديدة بإسرائيل ثانية؟ أم يعتبرونها مملكة او مشيخة شرعية ؟ وماذا لو كانت المواقف الكوردية تجاه تلك الدولة كمواقف العرب الحالية تجاه دولة الكورد المستقبلية والتي يسوقونها نحو مآلات وعواقب مظلمة؟
 وماذا لو بنوا مع الكورد علاقات ناضجة تنعكس إيجاباً على أوضاعهم؟ علماً إنهم يعيشون مع انطباعات وثقافة صارت وكأنها قدرهم المكتوب, والكثير منهم يردد كلمات وعبارات تحمل إيحاءات سلبية جعلتهم قانطين يائسين. صدام وحزب البعث ونظامه، وحكومتا المالكي وأحزاب سياسية معينة، ونواب وكتاب الغفلة الذين يسبّحون بحمد الدينار والدولار، لعبوا دورا في ترسيخ هذه الثقافة المبنية على الاشاعات والأفكار الكاذبة والمغلوطة. وآخر إبداعاتهم البعيدة عن العقل والمنطق السليم، نراهم منهمكين في البحث عن حجج وأقاويل باطلة لا تقر بالإستقلال الكوردستاني، وراكضين وراء الإدانات والتشهيرات، ومتشبثين بمواقف عدائية لكل ما هو كوردي وكوردستاني، ورافضين لإرادة الكورد في تقرير مصيرهم، والإستقلال عن عراق مستحكم بأزمات لاتعد ولاتحصى. ونراهم ينتهجون منهج الدكتاتورية تحت وشاح الديمقراطية وبدعة المحافظة على وحدة الاراضي العراقية التي لم تكن موحدة أبداً، والسيادة الوطنية التي غدت سراباً فاقداً لبريقه الخادع.
 وبالإبحار في أرشيف الآلة الإعلامية الضخمة التي تحركت لتحريك كرة ثلج الخلافات الكوردية العربية خلال السنوات العجاف السابقة، نجد الجواب على سؤالنا الإفتراضي أعلاه في تصريحات الكثير من المسؤولين الذين إشتكوا من التصرفات الكوردية وعدم رضوخهم للأوامر والقرارات التي تصدر في بغداد؟ وفي قولهم : الكورد يستنزفون الموازنة العراقية ويأخذون حصتهم من نفط البصرة ويبيعون نفطهم لهم؟ وفي أقوال آخرين : الكورد يحتلون مواقع مهمة في بغداد ولايشاركون غيرهم في المواقع في كوردستان؟ لهم تمثيل في البرلمان العراقي ولهم برلمان خاص في الإقليم؟  وكذلك : الكورد، أبناء الجن، وسبب كل المشكلات والبلاءات والإبتلاءات التي يتعرض لها الشعب العراقي، وهم وراء توالي المحن والأزمات بشتى النواحي في طول العراق وعرضه، وهم وراء الفساد والافساد في كل مفاصل الدولة. وهم السبب في عدم رؤية هلالي شهري رمضان وذي الحجة، وقلة الأمطار وزيادة درجات الحرارة. لذلك عندما يظهر المهدي المنتظر سيحاربهم بقوة ويبيدهم. ويظل السؤال الذي يستمر في طرح نفسه هو: إذا كان حال الكورد مثلما تقولون لماذا لا تستفتون أبناء جلدتكم وتستقلون عنهم؟

255
خذوا شهدائكم معكم الى كوردستان
صبحي ساله يي
جاء ت حكومات الى بغداد ورحلت أخرى،  وتدحرجت العقود،  والحقد الشوفيني تجاه الكورد ظل كما هو بل زاد في الكثير من الأحيان. والكورد الفيلية نالوا القسط الأكبر من تلك الأحقاد ومازالوا يذوقون مرارات السياسات العدوانية، ويسمعون الأصوات النكرة والأنغام الغثيثة والخطابات السياسية التي تغذي الحقد الدفين ضدهم وتفوح منها النذالة والحقارة ورائحة الفكر البعثي الصدامي المقبور, وما زالوا يتعرضون في الواقع المتداعي الى ذات الممارسات التي إعتادوا عليها من  قبل أجهزة الجهلة حتى النخاع والأمية في كل شئ.
الإناء ينضح بما فيه. وهذا لايحتاج لإثبات وأدلة، وما سمعناه من التهديدات الموجهة نحونا من قبل الإنتهازيين والجهلة الذين يستثمرون بتجهيل الشعب وإستغفاله وإشغاله عن التفكير بهمومه وأزماته المستفحلة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والخدمية بلا مراقبة ومتابعة وحساب, يشير بوضوح تام الى التكاثر الأميبي للفكر الشوفيني الإفتراسي الإستعلائي، والركون الى القنوط والتهاوي في مستنقع ال ( أمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة ). مستنقع مازال يتخبط فيه مثيري المشكلات والأغبياء الذين يفقدون القدرة على الربط بين الوقائع والمواقف والتوجهات التي تعودوا عليها في عهد البعث القذر، والتي تهدد السلم الأهلي وتشيع العنصرية والكراهية والنعرات والخلافات بين المواطنين وتصنفهم الى درجات حسب إنتماءاتهم القومية والمذهبية والطائفية.
أخر ما جادت به قريحة أحدهم، والذي يحلق في فضاء الطائفية والارتزاق والتملق والهذيان ويفرغ في تصريحاته جزءاً مما عنده من دناءة التفكير والتحليل، هو أن مصير الكورد في بغداد بعد الاستفتاء على إستقلال كوردستان هو التهجير. وطبعاً هذا التهديد بالتهجير والإقصاء والتسليب لم يكن وليد لحظته، كما هو حال التهديات الكثيرة التي سمعناها في الإعلام ونلاحظها في مواقع التواصل الاجتماعي، والمنتفخة بالتعالي والتكبر والغرور العربي والاستهزاء والتشكيك والاستصغار للشعب الكوردي، ستسيء للعراقيين عموماً وستثير الخلافات وتغذي الأحقاد بين الكورد والشيعة، وفي الوقت ذاته ستزيد من تمسك الكورد الفيليين بكورديتهم الأصيلة ومشاركتهم بفعالية وحماس أكبر في الإستفتاء المزمع إجرائه في أيلول المقبل.
هذا التهديد الجديد بالتهجير ذكرني بتهجير قديم لعائلة كوردية من كركوك في عهد صدام الأرعن، كانت لها شهيد في قادسية صدام. عندما تم إستدعاء رئيس العائلة الى المنظمة البعثية لتبليغه بقرار الترحيل، قال لهم : هل يشملني الترحيل وإبني شهيد في قادسية صدام .. فقالوا له: خذ إبنك الشهيد معك الى أربيل.
هذا السعد غير السعيد، الذي يقف خلف مختار العصر ويقدم المشورة له، نسى التضحيات والتاريخ المشرف للكورد الفيليين، وأكثر من عشرين ألف شهيد كوردي فيلي، لذلك تمادى وتطاول ولو تم  تذكيره بالشهداء الفيليين، ولأنه من جذور بعثية ومؤمن بذات الأفكار العفلقية اللعينة فإنه سيكرر حتماً عبارة مسؤول المنظمة الحزبية البعثية فيقول: خذوا شهدائكم معكم الى كوردستان.
 
 

256
المنبر الحر / العراق بين تقسيمين
« في: 18:51 18/06/2017  »
العراق بين تقسيمين
صبحي ساله يي
تختلف الآراء والتقييمات حول مستقبل العراق الذي مر بمحن وفواجع كثيرة وتجاوزها بخسائر مادية وبشرية كبيرة، مع إختلاف التمنيات والمعادلات والتوازنات السياسية والتدخلات الإقليمية الكثيرة، والسياسات الهشة التي تدور في الفلك الطائفي والمذهبي، وإستسلام  الكثير من السياسيين للأجندات والضغوطات الخارجية، وستختلف أكثر، بعد أن تنتهي معركة طرد داعش، وستكون المرحلة القادمة هي الأخطر, كون الخلافات ستتصاعد، وبعضها التي تدار حتى الآن بسرية تامة وتكتم شديد خلف الأبواب المغلقة، ستظهر للعلن من خلال وسائل الإعلام والقرارات المفاجئة، وربما ستصل الى السقف الذي لا يمكن تجاوزه، أو الاشتباك بين مراكز القوى، وبالتالي، ترغم الجميع على مراجعة أوراقهم وتحمل مسؤولية التقصير في التعامل مع الأحداث التي تشهدها المنطقة التي تمر بمرحلة التأزيم والإحتقان والترقب الحذر, نتيجةً لمعادلة أو سياسة شد الحبل بين الولايات المتحدة وحليفاتها من جهة، وروسيا وأصدقائها من جهة أخرى.
 العراق الواقع في قلب الأحداث والذي يعاني أصلاً من مصائب إنعدام الثقة بين القوى السياسية والمكونات الرئيسية، والتخبط والفوضى والتخوين والتنكيل والاستهداف, ستكون فيه الأحداث مفتوحة على إحتمالات وتغييرات كثيرة وستتسبب في تبادل الأدوار وبروز تحالفات جديدة تغير من طبيعة المعادلات السياسية، وفي رسم خريطة جديدة تؤثر على البنية الديموغرافية والعرقية والدينية والطائفية.
الآراء والتقييمات تتحدث عن الصراع وتصادم الرغبات والمصالح بين الكورد والعرب، وبين الشيعة والسنة، وبين الشيعة والشيعة، وبين السنة والسنة، وتلك ورقة رابحة تمنح للخصوم. بينما تتجاهل ( ألآراء والتقييمات) الصراعات المحتملة بين القوات الموجودة في المناطق السنية التي تتميز بتركيبة سكانية معقدة، والتي ستلجأ الى الإنتقام من مؤيدي ومبايعي الدواعش، وكذلك الدواعش الذين سيختبؤون بين الأهالي، ومن الشيعة الذين سيدخلون الى مناطقهم. إنتقام يمكن ان يكون سبباً مباشراً لإشتعال حرب محلية أو اقليمية أو دولية مباشرة تجر القوى الصغرى والعظمى على حد سواء الى مستنقعها, وتعيد رسم الخرائط السياسية، وقد تؤدي الى التوجه السريع نحو التقسيم الى دولتين، كوردية وعربية، أو الى ثلاث دول، كوردية وعربية سنية وعربية شيعية أو أكثر من ذلك. كما تتجاهل إنه بعد التحرير وبعد إنجلاء غبار المعارك ستبداً معركة (كسر العظم)، بين أصدقاء اليوم (في الصف الشيعي)، وبالذات بين الذين لديهم مآرب خاصة للضغط والابتزاز ويسعون لكي يعززوا نفوذهم ويترقبون مجريات الاحداث بحذر وخبث شديدين، وطبعاً تبدأ معها أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة في الحياة السياسية. وستتشبث كل الأطراف بإختياراتها وستبدي مقاومة لمحاولات فرض قانون اللعبة الجديدة التي ستكون إما عبر الدعوة الى اللجوء الى صناديق الاقتراع، أو الإستجابة لتعليمات صادرة من الخارج، أو التناغم مع إملاءات شخصية وحزبية، أو حتى التوافق مع المناورات التي تطبخ في الكواليس.   
على كل حال، مرحلة ما بعد المعركة الحالية ضد داعش، ستكون مصيرية بكل المقاييس لأنها ستكتب مصير العراق وتحدد مستقبله، وتؤدي الى تقسيمه الحتمي عبر طريقان لاثالث لهما وهما، إما تطور الاحداث بشكل سلبي وتفاقم الأمور وزعزعة الأمن والإستقرار ونزاع وإقتتال طائفي وعرقي وسياسي يأتي على ماتبقى من أخضر أو يابس في هذا البلد المحطم، ووضع كل شىء على شفى جرف هار. وإما التحلي بالعقل والحكمة وتقديم الإعتذارات المتبادلة والتسامح والحوار والتفاهم وتقسيم المقسوم بالرضا والتراضي.
 
 


257
المنبر الحر / مع من نتحاور؟
« في: 23:08 12/06/2017  »
مع من نتحاور؟
صبحي ساله يي
  اتخاذ قرار تحديد موعد الاستفتاء في كوردستان في الـ 25 من أيلول المقبل، للتعبير عن رأي  ورغبة الكوردستانيين في تقرير مصيرهم، أهاج روح العصبية القومية والكراهية الشوفينية عند المتناحرين والمتنافرين فيما بينهم والمتحدين ضد التطلعات الكوردستانية، وأعادهم الى حقدهم الاعمى الذي هو الأساس في تعاملهم مع الكورد والقضية الكوردية، وراحوا يصبون جام حقدهم الأعمى وبغضهم المسموم على الموقعين على قرار إجراء الإستفتاء الذي قلب المعادلة في نفوس الذين تسري في عروقهم الجهل والغباء، والذين لايعرفون أن السياسة عبارة عن مجموعة من الممكنات، والعاقل يختار أحسنها، والذين لم يستفيدوا من تجارب الماضي وآلام الحاضر والتخوفات من المستقبل، بل من التاريخ كله، ودفعهم لكي يتهموا الكوردستانيين دون تروي ودون إدراك ان أقوالهم وتصريحاتهم السيئة والمسيئة ستحرجهم وتحرج الجهات التي ينتمون اليها، وأن الإستفتاء عملية ديمقراطية لا يمكن أن تعارض في دولة تدعي الديمقراطية، وأن اتخاذ القرار هو حق شرعي للشعب الكوردي بكل المقاييس الديمقراطية والحضارية والمبادئ العالمية ولايمكن أن تكون هناك رجعة فيه، ولايمكن إتخاذ أية خطوات من قبل الحكومة العراقية وغيرها لتعطيل هذا المسار لأنه منسجم مع الدستور العراقي، ولأن التداعيات السلبية لتلك الخطوة ستكون أكبر وأخطر من تداعيات إجراء الاستفتاء نفسها و ستخلق شروخاً جديدة وكبيرة بين الكورد و العرب وعلى جميع المستويات الرسمية والشعبية، ولأن الحكومات العراقية السابقة تعامت وتجاهلت الحقائق ومارست كل الأساليب العنصرية البشعة والخبيثة للنيل من وجود وإرادة الكورد، وكانت النتيجة، سقوطها في مزابل التاريخ وصمود شعب الكوردستان راسخاً على أرضه، متمسكاً بقيم التفاهم والتصالح والتسامح، متطلعاً لاعلان دولته المستقلة أسوة بالآخرين.
 أحد فقرات القرار يدعو الى إرسال وفد الى بغداد للتحاور بشأن الإستفتاء، حوار( من وجهة النظر الكوردستانية) مختلف عن كل الحوارات السابقة، من حيث طرح الأفكار بوضوح شديد، وتعيين الدلالات المهمة والمشتركات الإيجابية، ودراسة المواقف والاراء ووجهات النظر، للخروج برؤية موحدة تدعم القناعة والرغبات والتنسيق المستمر والصادق من جهة، والاستقرار والأمن والسلم والتعاون والمصالح المتبادلة من جهة أخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : مع من يتحاورهذا الوفد الكوردستاني ؟
لست متشائماً ولكني أرى أن الحوار والإجتماع مع الرئاسات الثلاثة، معدومة الفائدة، لأن : رئيس الجمهورية، رمزي مجرد من الصلاحيات وكما يقول المثل العراقي لايحل ولايربط، وكذلك الحال بالنسبة لإثنين من نوابه (علاوي والنجاًيفي)، فوجودهما وعدم وجودهما مع رئيسهما لايغير شيئاً، أما الثالث ( المالكي) فمواقفه معروفة والحقد والمؤامرة تسري في عروقه ويعمل ليل نهار، في السر والعلن، من أجل بث روح الانشقاق فيما بيننا، ويستخدم جيشه الألكتروني ووسائله الاعلامية لتأجيج الفتن بشكل دائم، لذلك فإن الجلوس والإجتماع معه تكون دون جدوى.
رئيس البرلمان، قومي متعصب يعبر عن المكنون الحقيقي للخطاب العروبي الشوفيني، متخندق على الدوام ضد تطلعاتنا القومية والدستورية المشروعة المثبتة في الدستور العراقي وكل المواثيق والمعاهدات الدولية. يعتبرنا تهديداً لأمنه القومي، كل قراراته ومساعيه هي فقط لتحقيق أطماعه ورغباته ومصالحه، ويؤكد ضرورة الإبقاء على الحدود المفروضة من قبل سايكس وبيكو، بل يعتبرها مقدسة.
رئيس الحكومة، شخص جريء متفتح متفهم لحقوقنا، لكنه إحتوائي لايمكنه إتخاذ القرار، محاصر من جهات عدة. ففي الحزب الذي ينتمي اليه (الدعوة) ليس له الموقع الأول أو الثاني أو الثالث، يعاديه رئيسه (المالكي) ويرصد خطواته، ويسخر الكثير من إمكانياته من أجل إفشاله لكي يحل محله في رئاسة الحكومة، وفي الإئتلاف الشيعي الذي ينتمي اليه، ينافسه رئيس الإئتلاف (عمار الحكيم) وغيره، وفي البرلمان يترقبه الكثيرون، لذلك لانصل الى نتيجة مقنعة معه، ولايمكن أن نتوقع منه قراراً أو كلاماً أو تصريحاً علنياً يشير أو يلمح في الى أنه مع إستقلال كوردستان.
أما نتائج الإجتماعات مع الأحزاب السياسية، فلا تختلف عن نتائجها مع الرئاسات، خاصة، ونحن نعرف مواقف حزب الدعوة، وبعدما سمعنا الموقف السلبي للسيد عمارالحكيم تجاه دولة كوردستان الذي قال فيه : لايعترف بها غير إسرائيل .
بعد كل هذا لابد من إجراء الإستفتاء أولاً، وبعدها فتح باب آخر للحوار، حوار مع النخب الثقافية ومنظمات المجتمع المدني والفئات والشرائح الشعبية العراقية، حوار وتفاهم بعيد عن الشعارات الجوفاء والمزايدات السياسية لأنه هو الطريق الوحيد للوصول لحل مرض للجميع، وهذا الحوار يتم عبر مواقع ألكترونية خاصة أو قنوات تلفزيونية فضائية خاصة، نوضح لهم فيها ما نريد دون مجاملات، ونستمع لأرائهم الحرة تجاه قضايانا المصيرية دون مواربة، خاصةً وأننا نريد العراقيين قريبين أكثر من غيرهم بعد إعلان دولتنا.
 


258
الحويجة .. ما قبل وبعد تحريرها
صبحي ساله يي
   الأوضاع التي حدثت في الحويجة وأطرافها، بعد إسقاط صدام وتحرير العراق من براثن البعث الفاشي، تشير الى أن الساسة والشخصيات المتنفذة ورؤساء العشائر الذين برزوا في الحويجة بعد التغيير، أو الذين كانوا بارزين فيها قبل ذلك، يتحملون مسؤولية الفقر والجوع والشقاء والدماء التي سالت في منطقتهم، وغالبية مناطق كركوك طوال السنوات السابقة. لأن هؤلاء، إما كانوا رافضين لأمر الواقع الجديد،  وفقدان الصلاحيات والسلطة والقبول بالتساوي مع بقية الناس، لذلك  إشتركوا وساهموا في التنظيمات الإرهابية وعمليات التفخيخ والتفجير والذبح والتدمير. وإما كانوا يتنافسون ويتصارعون في الحصول على الحصة الاكبر في المكرمات والعطايا والامتيازات والعقود والمناصب والمكاسب الشخصية واستغلال النفوذ والمركز للحصول على أموال أكثر في وقت أقل دون التفكير في مصلحة ومعاناة أبناء جلدتهم. وأما كانوا حاقدين على الكورد والتركمان، وهذا الحقد المتوارث والمترسخ في نفوسهم منذ أيام البعث الباغي، إزداد وإتسع بشكل جعلهم يتلذذون بحالات الفوضى وبالنزيف الدموي وكل أنواع الجرائم البشعة. أو كانوا مستغفلين مخدوعين بأسم الوحدة والحرية والإشتراكية والشعارات القومية والمذهبية.
كل هذه الامور أدت الى تفاقم الارهاب في الحويجة وأطرافها، وازدياد عدد المجموعات الارهابية والصدامية وتمكنها من تجنيد الألاف من أبناء المنطقة. وجعلت الحويجة حاضنة مطمئنة للإرهاب والإرهابيين، ومنبعاً مخيفاً مرعباً يهدد الآخرين، ينطلق منها الإنتحاريون والإرهابيون الذين ينفذون التفجيرات والاغتيالات ويزرعون العبوات الناسفة في كركوك وأطرافها.
في سنة 2012، بعدما تم تهميش وإقصاء السنة والكورد والكثير من الشيعة، خرج بعض أهالي الحويجة، كباقي المناطق السنية، في مظاهرات سلمية ومناهضة لسياسات حكومة نوري المالكي وطالبوا بحقوقهم التي كفلها الدستور، لكن بعض ساسة الحويجة ركبوا تلك المظاهرات، فغيروا مضامينها ومطالبها المشروعة، ورفعوا فيها شعارات ولافتات بذيئـة ودنيئة ومثيرة للأستغراب والأستهجان والأسى، تدعو الى الغاء قانون المساءلة والعدالة وعودة البعثيين للسلطة والغاء المادة ( 4 ) إرهاب , وإصدار عفو عام عن القتلة. هذه الدعوات غير القانونية فتحت الأبواب أمام القوات التابعة للمالكي لإنتهاج الحل العسكري في التعامل مع المتظاهرين، وإقتحامها ساحة التظاهر وأطلاق النار على المحتجين واستخدام العنف في تفريقهم، وراح ضحية تلك العمليات قرابة 200 قتيل وأكثر من 400 جريح. بعدها تلون بعض الساسة بلون آخر، فأذلوا أنفسهم ولبسوا عباءة عار جديدة، وإطلق عليهم إسم (سنة المالكي) فحصلوا على بعض الإمتيازات.
أما بعد تسليم نينوى الى داعش الإرهابي، إنسحبت القوات الحكومية من الحويجة، فدخلها الدواعش ورفعوا أعلامهم على أبنيتها الرسمية، وتم إحتضانهم من قبل من آمن بفكرهم وباع دينه والتحق بهم الكثير من الأهالي وكذلك المتطرفين وعناصر القاعدة والجيوش المرتبطة بها من انصار السنة وجيش عمر وجيش الراشدين وجيش النقشبندية، وكان إجتماعهم أشبه ما يكون باجتماع اللئام على مائدة الكرام.
 وظلت الحويجة مصدراً للمشكلات، وبؤرة للخطر، بل خنجراً في خاصرة كركوك والكثير من المناطق الأخرى. وإنطلقت منها عمليات تفجير نوعية منظمة وإغتيالات وإعتداءات على المدنيين والبيشمركه والأجهزة الأمنية والمؤسسات المدنية والعسكرية.
ترى، بعد فك الحصار عنها وتحريرها وعودتها الى سابق عهدها، هل نطمئن من عدم تكرار السيناريوهات المشحونة بجنون الأحقاد والكراهية وشهوة الدمار،  وتهديد أمن كركوك والمحافظات المجاورة أيضاً؟  وهل يتم محاسبة الذين كانوا السبب المباشر للكوارث والمأساة والدمار وخسارة الأرواح وضياع الأموال؟ أم يبقون أحراراً بدون حساب وعقاب، ويتم التعامل معهم وفق عبارة ( عفا الله عما سلف )؟ وهل يحاسب الأنذال الذين زغردوا للدواعش عندما وضعوا بعض الأسرى من البيشمركه في الأقفاص وتجولوا بهم في شوارع المدينة؟  وأخيراً، كيف يتم التصالح مع الأنذال؟ 


259
المالكي  وأكراده ومصيرهم
صبحي ساله يي
الكورد الملتزمون بقضايا الكوردستانيين يعيشون في قلق لأنهم يعتقدون أن البلد الذي إسمه العراق(وهم مازالوا ينتمون اليه) يعيش في مأزق دائم تحيط به الأخطار والتهديدات والتدخلات الداخلية والخارجية، ودخل في نفق مظلم ولا أمل في رؤية بصيص من الضوء خارج النفق.  وينتظرون ما ستؤول إليه الأحوال في ظل هذا الزخم الهائل من المتغيرات والمفاجئات والتداعيات، لذلك يحاولون التنسيق فيما بينهم وبين مؤيدي شعبهم، في الداخل والخارج، ليمنعوا تكرار المظالم والويلات التي لحقت بشعبهم من قبل الحكومات التي حكمت في بغداد بالحديد والنار وفرضت الخوف والرعب والريبة وتدمير البنى التحتية وتشويه المنظومة الأخلاقية والمجتمعية.
المسؤول الأول عن الكوارث الجديدة التي حلت بالعراق هو بالطبع نوري المالكي وأذياله على وجه التحديد، الذين جعلوا من البلاد غنيمة حرب وساحة مكشوفة للصراعات القومية والطائفية والمذهبية، ونشروا الفساد والإفساد في كل الجهات، وسلموا أموالاً وأسلحة ومعدات عسكرية تقدر أثمانها بالمليارات مع ثلث اراضي العراق الى الدواعش.
أما المسؤول الثاني فهم الذين منعوا سحب الثقة عنه في العام 2012 وساندوه وبالذت المعروفين عند العامة من الناس ب(أكراد المالكي وسنته) الذين باتوا يعيشون في العقلية الجحشية لفرسان صلاح الدين (جحوش في عهد الأخوين عارف والبكر) والمفارز الخاصة والأفواج الخفيفة (جحوش عهد صدام). وعلى رأسهم سياسيي ونواب الصدفة الذين أتت بهم الظروف وفرضتهم بالوسائل والطرق الملتوية، وإشتراهم المالكي بأثمان بخسة لتسخيرهم في عمليات تمزيق شعبنا وتدميرهويته الوطنية وتقسيم نسيجه السياسي والاجتماعي. وفي تأجيج الفتنة السياسية والاستقطابات المناطقية عملاً بمبدأ فرق تسد. وللأسف وقع بعض الكتاب ( بدراية ودون دراية) في هذا الفخ المميت وهم غير واعون بمخاطره. ومن ثم نجح المالكي في فرض الفوضى على الحياة الإقتصادية من خلال فرض الحصار المالي والاقتصادي على الإقليم بذريعة لايصدقها إلا المجانين، ولعبة قذرة مليئة بالتناقضات ومثيرة للسخرية.
طرد المالكي ظاهرياً من الباب، لتخديع الرأي العام وإرضاء الخصوم، وتقليل الخسائر المادية والبشرية والمعنوية وتأجيل المواجهة بين المؤيدين له والمعارضين لسياساته التدميرية، ولكنه عاد من الشباك لاستكمال مخططاته الجهنمية وإشاعة الفوضى والإرهاب والقهر والظلم والفقر وطغيان قانون الغاب والعصابات المنظمة ومافيات الفساد والنهب والسلب والخوف والرعب ومنطق السلاح والقوة. وأخذ ينفق مليارات الدولارات المسروقة من خزينة الحكومة في شراء الذمم والأتباع، وتشكيل الميليشيات المسلحة وتغذيتها بالمال والسلاح لكي تتمرد وتتحدى هيبة الحكومة والقانون والنظام، وتفقدها مصداقيتها أمام الشعب، وإعادتها الى الحضيض.
لايزال المالكي (بإسناد مباشر من أكراده وسنته وجناح صغير من حزبه ومخابرات إقليمية وجيشه الإكتروني)، يستخدم كل الأساليب للوصول إلى غاياته وأهدافه السياسية وإعادة نفوذه، لكي يتغلب على العوائق التي تقف في طريقه، ويتربص بكوردستان ويحيك له الشر ويتمنى أن يراه محترقاً، لأنه يمثل له عائقاً صعباً يحول بينه وبين وصوله الى أهدافه، وعدواً يؤرقه ويرغب بتدميره. ويحاول العبث بالتناقضات الكوردستانية الداخلية واستغلال الثغرات والتدخل والتغلغل في الأوساط الكوردية لزرع الفتنة وتأليب البعض على الآخر، وتدمير العملية السياسية ونشر الفساد والفوضى وانعدام الأمن والأمان في كوردستان. وللأسف وقع السذج والخبثاء على حد سواء في هذا المطب الخطير، وهم يؤدون الآن بعض الأدوار الخبيثة والخطرة، ويقدمون الفرصة لأعداء الكورد والحاقدون عليه والراغبون في الانتقام منه وللانقضاض عليه وتمزيقه وإغراقه في المشكلات والأزمات. وتدمير العملية السياسية ونشر الفساد والفوضى وانعدام الأمن والأمان في كوردستان. وفي مقابل هؤلاء وغيرهم، يحسب الكورد المتأهبون والمستعدون لكافة السيناريوهات المحتملة، والمؤمنون بالتسامح والتنوع والحرية والكرامة والتعايش والسلام والأخوة، بدقة عواقب سلوك وتصرفات أكراد المالكي وتجاوزاتهم التي لا تملك مقومات النجاح، ويقدرون تبعات وتداعيات تحدياتهم لشعب كوردستان ودماء شهدائه وحكومتهم، وتطلعاتهم المشروعة نحو الإستقلال. ولكنهم، يحاولون احتوائهم ( أكراد المالكي) بالحسنى أو بالتي هي أحسن، وتضميد الجراحات، والقضاء على المرض وإشفاء المرضى.
فهل سيفهم أكراد المالكي هذا الوضع ويتحركون على نحو فعال للخروج من المأزق قبل فوات الأوان وقبل الوقوع في الكارثة؟ أم يستمرون في الغي والخيانة ويربطون مصيرهم بمصير المالكي ويتجهون معه نحو مزبلة التاريخ؟..
 

260
لو كان السيد سليم الجبوري سليماً !
صبحي ساله يي
قبل ظهور داعش بسنتين، وبعد الإقتناع التام بأن السيد نوري المالكي (رئيس الحكومة العراقية في ذلك الوقت) هو السبب الرئيس للمشكلات والأزمات في العراق، بذل جهد مشترك بين الرئيس مسعود بارزاني والسادة مقتدى الصدر و أياد علاوي وأسامة النجيفي وعدد آخر من القادة السياسيين في العراق الفدرالي لإزاحة المالكي عن الحكم وسحب الثقة منه. ذلك الجهد إمتثل لصيحات العقلاء وتحذيرات الحريصين وقرأ المستجدات على الساحة الوطنية وقدر انعكاساتها الآنية والمستقبلية، وعرف خطورة فضائح العقل المزاجي الأختياري والشكل المفرط في التخلف او الأستغباء، وعبر بصراحة وطنية عن الخشية من الخطابات الاستفزازية والكراهية والعنف الطائفي والأزمات المتتالية والصراعات التي أثرت في خلق الفجوات وتفكيك المجتمع.
السيد سليم الجبوري، لم ينظم الى ذلك الجهد، لأنه وقع تحت تأثير الراغبين ببقاء المالكي في رئاسة الحكومة، رغم أنه كان على يقين بشرعية سحب الثقة وفوائده، بل إنتهز الفرصة كي يتجه نحو المالكي لكي ينقذه من الملاحقات القانونية والقضائية، لأنه كان متهماً بالإرهاب، وكانت النتيجة تشبث المالكي بالسلطة وبأي ثمن كان، وحرمان الشركاء الكورد والعرب السنة وقسم كبير من الشيعة العرب من المشاركة العادلة في السلطة وصنع القرار السياسي، كما أن المنتفعين من السلطة إستمروا في إعاثة الفساد في الأرض، وبسبب تلك السياسة المتعنتة سيطرت بين ليلة وضحاها عصابة مجرمة باغية على ما يقارب ثلث مساحة الأراضي العراقية.
كانت لتلك الأوضاع تأثيرات مباشرة على إقليم كوردستان، كما أدت الى إستنهاض الهمم والوقوف على أهبة الإستعداد لكل الإحتمالات والتحرك الواسع والتعاون الجاد والفعال لصياغة موقف موحد تجاه جميع القضايا المصيرية والتغييرات التي حصلت والتي يمكن ان تحصل، والتي لها علاقة مباشرة بالأهداف الاستراتيجية السامية للشعب الكوردستاني وما قدمه من شهداء وتضحيات وما أسيل من دماء زكية. كما كانت لها تأثيرات تدميرية وتخريبية على جميع مناطق العراق وبالذات على المناطق السنية، وعلى تشرذم الساسة السنة وتنامي الخلافات الشخصية الحزبية والمناطقية والدعوات العدوانية والإنتقامية، وأصبح العرب السنة أول وأكبر الضحايا. بعدها، وبدلاً من التنسيق والتعاون والتكاتف والدفاع عن المكتسبات الوطنية بشكل عام والسنية بشكل خاص وتخطي الصعوبات بكل ما يملكون من طاقات للوصول الى ما ما يبتغون عن طريق الحوار والتفاهم، تقبل ( سنة المالكي) الذل والهوان والإهانة والإساءة، وكان السيد سليم الجبوري قائد ذلك الرعيل المتوجه نحو الهاوية، وبمجرد زيارة واحدة الى الخارج والتعهد بتنفيذ الأوامر والتنازل عن سنيته، إسقطت عنه كل التهم، وأصبح رئيساً كارتونياً للبرلمان العراقي، بشرط أن يجتمع مع المندوب السامي قبل وبعد كل مناقشة وتصويت وقرار.
قبل أيام صرح السيد سليم ( غير السليم في النوايا ) بأنه لايقبل التمترس خلف المواد الدستورية لتقسيم العراق،  ونحن بدورنا نقول له :
يا سيد سليم : هل العراق موحد حتى لا تقبل بتقسيمه؟!.. وهل التمترس خلف المواد الدستورية ذنب وتهمة حتى لاتقبل به؟!.. أنت ذهبت الى جسر بزيبز، عندما كان أهالي أنبار الكرام معلقين مهانين هناك، وتحدثت لهم بعبارات وجمل عربية فصيحة، ولكنك لم تستطع إدخال عائلة واحدة أو حتى واحداً من مرضاهم الى بغداد. ذهبت الى ديالى لتتطلع على آثار التفجير الإرهاب الذي أودى بحياة عدد من الأبرياء من أبناء قريتك، فمنعوك من الوصول اليهم... أنت لا تستطيع دعم عودة ابناء جلدتك في محافظة ديالى الى مناطقهم المشردين منها. وإنهزمت من مبنى البرلمان ولم تعد اليه الا بعد التوقيع على تنازلات جديدة. 
أنت الأدرى بأنك لست سليماً، ولا تملك القوة والقدرة والمكانة لكي تهدد وتتوعد. وقراراتك لا تتخطى عتبة البرلمان، وأدرى إنك رئيس تحت الوصاية وموجود فقط لكي تستجيب وتقبل وتوقع وتردد العبارات والتصريحات التي تسر البعض وتغيض البعض الآخر. رحم الله إمرأ عرف قدر نفسه ...
 

261
المالكي في رسالة الطالباني الى البارزاني
صبحي ساله يي
أي كان نية الذي سرب رسالة السيد جلال الطالباني، مع تمنياتنا لسيادته بالشفاء العاجل، الموجهة الى الرئيس مسعود بارزاني، بتاريخ 19/ 8/2012، في هذا الوقت المحدد. وسواء كانت رسالة القرار الأخير في حياته والتأكيد على علاقاته الشخصية مع الرئيس بارزاني والعائلة البارزانية، أو رسالة التمسك بالاتفاقية الاستراتيجية بين حزبه والحزب الديمقراطي الكوردستاني، أو إعتذار أو دعوة‌‌ إلى المسامحة، أو إعتراف بالخطأ في موقف إتخذه من قضية تخص نوري المالكي. فإن الاعتراف بالخطأ والرجوع للحق من أقوى أخلاق الكبار، والخطأ كما هو معلوم أمر وارد في حياة الإنسان، أما الإعتراف بالخطأ، فلا يقدر عليه ولا يتحمله إلا الكبار الذين يسعون إلى الحق ويحددون لأنفسهم قناعات لا يحيدون عنها، يراجعون أنفسهم ويصححون مسارهم، حتى لا يسترسلوا في خطأ وقعوا فيه، ولا مانع عندهم من العودة في آرائهم متى رأوا الصواب في غيرها. هؤلاء الكبار لا يكابرون، بل يسارعون إلى الاعتذار إذا كان الأمر يستوجب الاعتذار. والإعتراف بالخطأ، كما نعلم، فضيلة وقوة وشجاعة وإنتماء للاخلاق بكل مسمياتها ومفرداتها التي تكمل الشخصية الإنسانية والإنتماء للمثل العليا التي تتركب منها الشخصية المتوازنة الصادقة..
أما رسالته‌، فتسهم في خدمة البيت الكوردي والعلاقات المصيرية بين الإتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستانيين، لأنها تحمل أجزاءً كبيرة من الواقعية، وتدحض بعض السطور غير الواضحة التي جاءت في كتاب (مقابلة العمر) الذي تم توزيعه دون موافقه‌ الطالباني أو أحد من أفراد اسرته، أو حتى مراجعته من قبل‌ الاشخاص ذوي العلاقة. السطور التي يمكن ان تكون قد زورت لأهداف ودوافع حزبية‌ وشخصية، أو من أجل مصالح جهات‌ تعادي الكورد وكوردستان. السطور التي أثارت قلقاً لدى الشارع السياسي الكوردستاني. والتي وضعت الكتاب بأكمله تحت اڵاستفهام وأكثرت التساؤلات حوله، وحول تأثيره على العلاقات بين الحزبين الاتحاد والديمقراطي الكوردستانيين،  والتي أغاضت بعض أدعياء الوطنية فحاولوا التقليل من شأنها تارة والتقليل من شأن المكتسبات التي تححققت في ظلها تارة أخرى. ووصلت بهم الجرأة الى حد نبش الماضي الأليم، والمزايدة على دماء الشهداء، وطبعاً لن نخوض هنا في الرد على تلك الإدعاءات التافهة والحملة الدنيئة لأصحاب الأقلام النتنة والأصوات العفنة, ولكن نسأل فقط ماهي الحاجة لتوزيع كتاب (مقابلة العمر) في هذا الوقت ؟
الطالباني كتب الرسالة بروح ديمقراطية، وعبر فيها بحكمة عن كل ما كان يريده ويتمناه، وبدا واضحاً في مخاطبة الرئيس بارزاني، وإعترف بخطأ إرتكبه بشأن نوري المالكي وتصرفاته الشيطانية وممارسته بفداحة سياسات التفرد في الحكم والثأر والانتقام وتلفيق التهم لمعارضيه لترسيخ سلطاته.
وبخصوص المالكي، وعندما يقول الطالباني للبارزاني: (الشكوى التي قدمتها بحق المالكي كانت حقة ومشروعة)، فنقول: بسبب استئثار المالكي بالسلطة في غالبية  مرافق الدولة، وسيطرته على كل مفاتيح القوة في البلاد، وبسبب التوجه السريع نحو الكوارث والدكتاتورية، دعى الرئيس بارزاني إلى اجتماع عاجل للقادة العراقيين، لوضع كل القضايا على طاولة البحث الجدي والصريح، بعيداً عن أي مجاملة، ولإنقاذ الديمقراطية الناشئة. وإحتضنت اربيل بتاريخ 28 نيسان 2012، إجتماعاً شارك فيه السادة جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق الفدرالي ومسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان ومقتدى الصدر زعيم التيار الصدر وإياد علاوي رئيس القائمة العراقية وأسامة النجيفي رئيس مجلس النواب العراقي، وقد أمهلوا التحالف الوطني 15 يوما، للرد على الرسالة التي أوصت بتطبيق كامل لبنود اتفاق اربيل الذي أفضى إلى تشكيل الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي. وإلا سيكون خيار سحب الثقة من حكومة المالكي أحد الخيارات التي يمكن اللجوء اليها، وفق الآليات المدرجة في الدستور العراقي منها أن يوجه رئيس الجمهورية وفقا لصلاحياته إلى مجلس النواب بعقد جلسة استثنائية لسحب الثقة عن  المالكي.
السيد الطالباني لم يوقع على الاتفاق، ولم يوجه مجلس النواب بعقد جلسة استثنائية لسحب الثقة، وأعلن انه لن يصبح طرفاً في الأزمة، بحجة حفظ التوازن. هذا الرفض إعتبر في حينه وقوفاً مع المالكي، وأثار حفيظة البارزاني، وربما يكون قد عبرعن إستيائه تجاه موقف الطالباني، ودفعه للتفكير في إعادة النظر في علاقة حزبه بحزب الطالباني، كما سلط الأضواء على التوتر الذي تصاعد بين الجانبين في ظل إنتقادات متبادلة.
الطالباني تدارك الأمر وبعث برسالته تلك الى الرئيس بارزاني، والبارزاني إستلم الرسالة، ولكن حتى الآن لانعرف جوابه... ولكن ماذا كانت النتيجة؟ وماذا حدث في العراق؟
النتيجة: مهما كانت الأسباب التي أدت إلى سوء حالة السيد جلال الطالباني الصحية وإصابته بجلطة دماغية حادة، فإنه بالتأكيد لايمكن أن نستثني المشكلات والأزمات والعراقيل والصعوبات المختلفة التي إختلقها نوري المالكي، وتنازعاته الكثيرة مع الكتل والشخصيات والأحزاب السياسية، من تلك الأسباب.
والأحداث: تشبث المالكي بالسلطة، وحرم الشركاء الكورد والعرب السنة وقسم كبير من الشيعة العرب من المشاركة العادلة في السلطة وصنع القرار السياسي، وثار المسكونون بهوس المؤامرة والتخوين ضد الداعين لسحب الثقة، وإبتعدوا عن الهدوء والعقل، وحاول بشتى الوسائل إختراق الصف الكوردي والاستفادة من تعدد وجهات النظر ومن الحساسيات، والتقرب من البعض، وتنفيذ برنامج سياسي خاص ضد القيادة الكوردية، وإتهامها بشتى الإتهامات البعيدة عن الحقائق، كما أن المنتفعين من سلطة المالكي أخذوا يلفقون الاتهامات ويشنون حملات إعلامية تحريضية تجاه كوردستان، وأجرى المالكي أوسع عملية إعادة هيكلة في تاريخ الدوائر الحكومية العراقية، وبدد ثروات البلاد في مشاريع وهمية وجيوش فضائية وفي شراء ذمم الكثير من السياسيين الكورد والسنة الذين عرفوا فيما بعد بأكراد المالكي وسنة المالكي. وفي انتخابات 2014، إستطاع المالكي المتحول من سياسي معدم الى أحد أثرياء العالم، شراء الأصوات والذمم والولاءات وتزعم أكبر كتلة برلمانية في البرلمان العراقي، ولتكون تحت إمرته قوات عسكرية وميليشاوية، وليتمتع بأكبر قوة حماية عسكرية، كما أنفق بسخاء من المال العام على منظومات إعلامية خاصة تقدم له الدعم وتروج لأنشطته ومواقفه السياسية، يعمل فيها مئات الصحفيين سواء في الفضائيات أو الصحف أو الإذاعات او المواقع الكترونية، كما استخدم نفوذه للضغط على القضاء وهيئة النزاهة ومفوضية الانتخابات والبنك المركزي، وقطع حصة الإقليم من الموازنة العامة للبلاد، وبسبب سياساته المتعنتة، تشكلت بين ليلة وضحاها دولة جديدة، وسيطرت على ما يقارب ثلث مساحة الأراضي العراقية، سمت نفسها بالإسلامية، وبدأت تعيث فساداً في الارض بحجج واهية وأكاذيب ملفقة، وقتلت آلاف العراقيين وهجرت الملايين. 
ولكن(المالكي)، رغم فوزه في الانتخابات وحصوله على 95 مقعداً، حرم من  البقاء في ولاية ثالثة كرئيس للوزراء بعد إعتراض أغلب الكتل والأحزاب السياسية في العراق، من أبرزهم السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان.
 
 
 


262
الحزب الديمقراطي الكوردستاني..
 المتضرر الأكبر من تعطيل برلمان كوردستان
صبحي ساله يي
لست في وارد الدفاع عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ولكن المزايدات السياسية التي أصبحت كالماء والهواء لدى مشعلي الأزمات والمعتاشين على الفتن والمهاترات وهجماتهم الغادرة ومحاولاتهم المستمرة لسحب المواطنين نحو التوترات الجانبية، وإستمرار عيش بعضهم  في بيئة الوهن الفكري وحمل أثقال أحلامهم الكبيرة وأوهامهم الكثيرة وإصرارهم على التزمت والتآمر والانقلاب حتى لو تطلب ذلك التحالف مع الشيطان، تقتضي توضيح بعض الأمور وإلقاء الضوء على خلفيات الأوضاع الراهنة، وبدايات الأزمة التي أدت الى تعطيل برلمان كوردستان.
هذه الأزمة نتجت بعد 18/5/2015، أي بعد أن اجتمعت الأحزاب والقوى السياسية الكوردستانية مع الرئيس مسعود بارزاني لبحث نتائج زيارته الدبلوماسية المثمرة التي قام بها، والوفد المرافق له، الى الولايات المتحدة وهنغاريا والتشيك، وعودته وهو يحمل تطمينات سياسية تختلف عن كل المراحل السابقة خصوصاً فيما يتعلق بدعم الكورد في الحرب ضد الإرهاب وحق تقرير المصير للشعب الكوردستاني.
تلك التطمينات المهمة، عطلت التفكير عند المعارضين المزمنين لفعاليات وسياسات الرئيس بارزاني الناجحة، وأصبحت بمثابة بداية لصراع جديد مشوش ومتداخل، وتخبطات حزبية ومناوشات إعلامية لا تنفع ولا تغير، وإنطلقت العجالة البرلمانية المتلهفة لتمرير التوتر والمجاهرة ببيع العواطف القومية وتثوير الروح الفوضوية وسلب التوازن العقلي دون التفكير في النتائج، أو في ظروف الحرب ضد داعش الذي كان يستدعي التكاتف والتريث وإستحضار الحكمة وحسن النيات، والتأمل في أبعاد تأثيراتها على الاستقرار المجتمعي وعلى مناخ التوافق. فتراجعوا عن التعهدات والإتفاقات وإستغلوا الظروف ونفذوا في 23حزيران 2015 في برلمان كوردستان ما دار في أذهانهم من مشاريع لزرع الإرباك، فإفتعلوا الأزمةً.
الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الذي يمتلك أدوات التوازن والانضباط للرد، حاول التمسك بمواقفه الثابتة المتعلقة بالحوار والتواصل والتفاهم وبعلاقاته التي تمتاز بالخصوصية والمتانة والتراكم التاريخي مع جميع المكونات والأحزاب، كما دعى المنفعلين الى ضرورة العودة الى الرشد والحوار على أساس من الرصانة والموضوعية والدقة من أجل التوصل الى حلول سياسية ودستورية تتوافق مع التطلعات والمصالح العامة وتنسجم مع الواقع ومع منظور ما يفرضه العصر، وما تفرضه الخصوصيات التاريخية والقومية والوطنية الكوردستانية.
في المقابل، زاد السياسيون والبرلمانيون المستعجلون المجادلون، من مساحة مشاكساتهم  المسكونة بالحساسية، وأصبحوا نجوماً على شاشات الفضائيات، يمارسون اللاعقلانية ويوجهون نعوتهم الغليظة ومدافعهم الصوتية من أجل إستحضار التهم وإستنفار الناس ومضاعفة حيرتهم في الفضاء السياسي عبر مشاريع خاصة لافتعال الازمات، دون إلتفات الى نظافة المفردات ونقاوة الكلمات، ودون النجاح في كسب التعاطف أو حتى تجميل ما يريدون تجميله.
تلك المواقف البعيدة عن تطلعات المواطنين، حشدت المزيد من السهام لتخزينها في ترسانة البرلمان، بهدف اللجوء إليها في الوقت المناسب، وفي لحظات فرض النفس بعيدا عن مبادىء وروحية التوافق والعمل السياسي المشترك الذي تشكلت على أساسه رئاسة البرلمان ومنحت لها الثقة والسلطة، وبعد عدة إجتماعات ثنائية وثلاثية ورباعية وخماسية، وفي التاسع عشر من آب 2015 حاولوا تنفيذ الصفحة الثانية من العجالة ولكنهم فشلوا.
بعدها زادت وإستعرت المزايدات والتوترات وحدة الصيحات، وأخذت أبعاداً مختلفة بحيث لم تشهد كوردستان مثيلاً لها من قبل. وفي حدود محافظتي هلبجه والسليمانية أنتشرت ظاهرة حرق مقرات الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وتعرض المنتمين والمؤيدين له للقتل والتهديد والترهيب، كما أردوا نقل تلك الفوضى، بل الأسوأ منها، الى العاصمة أربيل، عن طريق رئيس البرلمان.
تلك الرغبة المفضوحة، والأحداث المؤسفة وضعت الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحكومة الاقليم أمام خيارين، لاثالث لهما، لإتخاذ القرار الصعب بشأنهما، وهما : إما السماح بنشر الفوضى والإرباك والإبتزاز السياسي وظاهرة حرق المقرات في أربيل، والسماح بالتعرض للقنصليات الأجنبية والشركات العاملة في العاصمة، وتعرض الأوضاع الأمنية والإقتصادية والإجتماعية والتربوية والصحية الى الخطر، والسماح بتفجير الأوضاع وحرق الأخضر واليابس.. أو تعطيل البرلمان ومنع رئيسه من دخول أربيل. وبتأن وتعقل تم دراسة ومقارنة الخسارات الكبيرة والكثيرة مع الخسارة الوحيدة، فتم اللجوء الى الخيار الأقل ضرراً وتكلفة، وهو منع رئيس البرلمان من دخول أربيل وتعطيل البرلمان بشكل مؤقت، وعند قراءة النتائج وتقييم القرار( رغم صعوبته ومرارته)، نلاحظ إنه كان صائباً، لأنه حافظ على إستقرار الأوضاع في العاصمة، وبعدها مباشرة إستقرت الأوضاع في هلبجه والسليمانية أيضاً، وعاد الهدوء اليهما.
مع ذلك يمكن إعتبار الحزب الديمقراطي الكوردستاني، هو المتضرر الوحيد والأكبر من تعطيل البرلمان، لأنه صاحب أكبر كتلة في البرلمان، والمقتنع بأنه ليس في البلاد متسعٌ للتشتت والتفرقة والمناكفات، والأحرص على الديمقراطية والقنون والمصالح العامة، ولأنه يعتبر ذاته، مع الخيرين من أبناء كوردستان، مسؤولاً عن تحقيق طموحات شعبنا المشروعة في الديمقراطية وحق تقرير المصير، والمؤمن بأن المشكلة الرئيسية لا تكمن في رئاسة البرلمان بحد ذاتها، لأنها قابلة للحل في أي لحظة وفق سيناريوهات عدة. بل هو متخوف من المصائب التي تكمن في وقوف المزايدون السياسيون أمام جماعة من المرابين الإقليميين، وإصرارهم على الأخطاء وإشعال الفتن وتوتير الأجواء وتعكير العلاقات بين الفرقاء السياسيين، وعلى إطلاق التهديدات بالويل والثبور، وترهيب وتخويف المواطنين وإرعابهم، وفي مضيهم قدماً في وضع العراقيل أمام عملية الإستفتاء، وأمام التقدم في طريق الانفراج، وإعادة مياه الشراكة الوطنية بين الأحزاب إلى مجاريها الصحيحة.
 


263
من المستفيد من تعطيل برلمان كوردستان؟
صبحي ساله يي
لا أعتقد أن هناك موضوعاً خضع للمزايدات السياسية في كوردستان كموضوع تفعيل البرلمان الكوردستاني. المزايدون يهدفون في مزايداتهم الى إثارة الخلافات وبث السموم بين الناس وإرباك الوضع العام وزج الكوردستانيين  في آتون الصدام مع بعضهم وإنهاك حكومة الإقليم والبيشمركه واستنزاف طاقاتهم، حيث يقفزون على الحقائق الرصينة والثوابت المتينة التي لايمكن تجاوزها ويتجاهلون المنطلقات العقلانية السليمة وحساب العواقب وإستيعاب المسؤولية وإستشراف المستقبل والضغوطات التي تقض المضاجع، والمعاناة والملابسات والأزمات المتنوعة، ويركزون على الأوهام والمشكلات والصراعات والتناقضات القاسية التي تؤثر على الأوضاع وتحول دون إندمال الجراح.
جميع تلك المزايدات مكائد مصطنعة ولها أدوار ومسارات تخريبية تستهدف الانسان الكوردستاني وحالته المعنوية وحاجاته الأساسية، أما تراكماتها فتهدد بالتراجع المخيف في الإنتماء للوطن، وتصاعدها يعني تعميق الجراح وتعطيل الحلول وتعقيد البسيط ودفع الناس بإتجاه السخط والاستياء والخروج عن السكة والحاضنة القانونية والدستورية وتعميم حالة الإحتجاج والفوضى عبر التجاوز والتطاول والمبالغات الممجوجة، والتخطيط الخبيث لإثارة الفتن والافتراء والتضليل والخداع والتهجم المسعور، وفبركة الإشاعات الرخيصة والدسائس بلا هوادة، من أجل التستر وراءها وعدم مواجهة الحقائق.
المزايدون الخاضعون للوهم والمزاج السياسي، يبنون تخيلاتهم وأساس طموحاتهم على أريكة الأوهام البعيدة عن أرض الواقع المنظور، بهدف منع إنكشاف أبعاد نواياهم، والأسئلة التي تطرح ذاتها في خضم هذه الأحداث هي:
كيف يتمكن أصحاب الآراء الرصينة من طرح التوجهات التي تحمل الصفات الوطنية والقومية التي تتطابق مع المنطلقات العقلانية؟
وكيف يمكن ردم شروخ التفرقة وهوة الخلافات والتناقضات، والتصدي للأفكار الفوضوية المفعمة بتشويه الحقائق والتوتر والبلبلة، وتجريد المزايدين من تخيلاتهم  بحيث لا يستطيعوا حتى التمسك بأذيال أحلامهم؟
وكيف يمكن دفع الناس نحو التفاؤل وإنتهاج التقاليد السياسية الرشيدة، ومنع تحول المعقد في المسار الى كارثة تصعب معها لغة الحوار والتفاهم؟
وكيف يمكن دعم التوجهات المتطابقة مع الواقع في المعنى والمضمون، والمتوافقة مع الرغبات والتطلعات والمصالح العامة والتي تحمل بين جنباتها المفاهيم التي تكرس بناء الثقة والتواصل والعمل المشترك إستناداً الى منطق موضوعي وعقلاني يتجسد في إدراك أبعاد التحديات التي تواجهنا والمخاطر المحدقة بنا، وإعادة المسارات الى سبلها الصحيحة؟
وكيف يمكن أن نقرأ الحقائق، وأن نتجاوز الأوهام والخلافات الداخلية، ونحفاظ على المكتسبات المتحققة بدماء الشهداء ودموع الامهات، وأن نقدم التنازلات لبعضنا، بدلاً من تقديمها للآخرين؟ 
للإجابة على الأسئلة السابقة، نقول : تعطيل البرلمان الكوردستاني قضية تقض مضاجع المخلصين من أبناء هذا البلد، وبالذات المؤمنون بوطنهم وبقدرات شعبهم الذين أثبتوا أنهم يعشقون إستقرار الأوضاع الأمنية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية، واستكمال المسيرة الديمقراطية وبلوغها مرحلة النضج. وعملية تفعيل البرلمان وأرجاعه الى وضعه الطبيعي، عملية سياسية لها آليات محددة تنطلق من أرضية معبدة بالثقة المتبادلة والنوايا الحسنة بين قادة وطنيين شجعان يتمتعون بحق الحديث بأسم أحزابهم، وهؤلاء سيتولون عبر المفاوضات المباشرة  تقريب وجهات النظر وصنع الآليات المناسبة.
الحزب الديمقراطي الكوردستاني، المتضرر الأول والأكبر من تعطيل البرلمان ( لأسباب كثيرة نتناولها بالتفصيل في مقال آخر)، إنتهج السلك العقلاني، وقدم العديد من المبادرات والتنازلات لتفعيله، ولكن تعنت الذين كانوا السبب المباشر لتعطيل البرلمان ما زال مستمراً وما زالوا يزايدون لذر الرماد في العيون حيث يدعون الى تفعيله ولكن وفق الطريقة التي تتناغم مع أهدافهم الشخصية والحزبية، يتحدثون عن ضرورات تفعيل البرلمان الكوردستاني وعن سلبيات عدم تفعيله. ويذرفون الدموع، وإذا رأيتهم، تكاد تصدقهم وتصدق أمنياتهم للوهلة الاولى، ولكن عندما تسألهم : هل فعلاً تبحثون عن طريقة لتفعيل البرلمان؟ تجدهم يتخبطون وفي كل واد يهيمون، يرفضون الإستماع والإجتماع والعمل وفق برنامج واضح ومحدد أو مشروع له ألياته المحددة، ويرفضون كل السبل والإجراءات التي تتعلق بتفعيله والسير به بالإتجاه الصحيح.
 


264
المأزومون والإستفتاء الكوردستاني
صبحي ساله يي
بعد التخندق القومي داخل البرلمان العراقي ضد الكورد، تمترس الكثير من السياسيين والكتاب العرب في العراق، عند حديثهم عن الإستفتاء العام المزمع إجراؤه في وقت لاحق في كوردستان تمهيداً لإعلان الاستقلال، بعد عقود من الكفاح والنضال المرير، خلف كلمة (ولكن) التي تأتي بعد عبارات لا تضر ولا تنفع وتلمح الى حق التطلع والطموح، وحق الشعب الكوردي الدستوري والقانوني والتاريخي والإنساني في تحديد مصيره.
 هذه ال(ولكن - ات) لا تأتي بحجة الدفاع عن الكورد، أو انتصاراً له، ولا تنبع من الحرص والشعور بالمسؤولية، إنما هي إنحياز مباشر للمواقف الشوفينية والعنصرية المعادية للكورد وتعبير عن الإساءة للتاريخ والجغرافيا، وهي فبركة للوقائع وكيل التهم المغلفة، كما تدفع نحو تثبيط الهمم واليأس من المستقبل والتشكيك بجدوى العملية والإنشغال بالصراعات الجانبية. وهي أيضاً تسابق بطريقة غير مسبوقة في تسمية الأشياء بغير أسمائها بلغة بعيدة عن مراعاة شروط اللعبة السياسية والدستور الذي ساهموا في كتابته وتمريره، والذي بفضله حصلوا على الإمتيازات الكثيرة والكبيرة، وهي سهام مسمومة موجهة ضد الشعب الكوردستاني الذي إحتضنهم في أيام المحن ووفر لهم الضمانات التي لاحصر لها ولا مثيل لها في التاريخ، ومحاولات مكشوفة لجره الى الفتن المتوالية وإضعافه، لإنه يطالب بالإستفتاء وتقرير المصير وقيام دولة مستقلة له بعيداً عن الغدر والظلم والتعرض إلى سياسات قمعية ومشكلات تمثلت في حملات الأنفال والتعريب والتهجير والترحيل والحصار الاقتصادي.
مطلقي تلك ال (لكن- ات) أناس مأزومون على كل الصعد، تعشعش في شخصوهم الأحقاد و الكراهية و البغضاء تجاه الكورد خاصة وتجاه بني البشر بشكل عام، لذلك نراهم مرتبكين قلقين يشعرون بالخوف من كل شىء، يعادون ويخونون الآخرين ولا يستطيعون التعايش معهم، يصادرون حقوقهم الطبيعية والانسانية والقانونية، ويشككون بهم ويتهمونهم بالخيانة والعمالة، فيما هم خونة وعملاء. والمشكلة ان غالبيتهم سواء كانوا سياسيين أو كتاب إسلاميين أوعلمانيين- شيعة وسنة-  يتصرفون بنفس الطريقة ماداموا يتعاملون مع الكورد، ولا أدري لماذا يختلفون في كل شىء وعلى كل الأمور طوال التأريخ، حتى إن كان وارداً في القرآن الكريم والسنة النبوية، بينما يتفقون ضد الكورد وتطلعاته المشروعة.
ترى هل بإمكان المنصفون والعقلاء (الأقلية) من السياسيين والكتاب الاسلاميين والعلمانيين- الشيعة والسنة، ان يحثوا أقرانهم (الأغلبية) على معالجة أزماتهم النفسية، والإشكاليات التي تكمن في عقلية التفرد والإستعلاء وسياسة التمييز والإقصاء التي تقولبت في عقولهم وفق مقاسات قومية وطائفية ومذهبية معينة، وإقناعهم بأن زمن سيطرتهم على كل شىء قد ولى، وبأن عليهم الإحساس بإنسانية الآخرين حتى يستطيعوا العيش كبشر؟. وهل بإمكانهم إقناع هؤلاء بأن الإستفتاء وإستقلال كوردستان ستكون نتيجة لقرار الشعب الكوردستاني، وأن حكومة بغداد، أو حكومات دول الجوار، غير قادرة على إيقاف هذا المشروع الدستوري والقانوني والتاريخي والإنساني؟.
 


265
خير التركمان من نفع التركمان
صبحي ساله يي
علاقات القرابة والصداقة والمحبة والتفاهم مع الكثير من التركمان، تمنحني الدوافع للتطرق الى الشؤون والقضايا المتعلقة بهم بكل تواضع، لأني ما أود أن أراه هو عيشهم في الأمان والإستقرار والسلام والتعاضد لما فيه خير الجميع وخير الوطن. ولكن (للأسف) أرى أن سفينة التركمان تحاول أن تشق طريقها وسط الأمواج العاتية والتغيرات والتعقيدات والتقاطعات الخارجية، والإختلافات والإرهاصات والتحديات والنزاعات والصراعات الداخلية، دون برنامج مدروس ومخطط، أو تأبط ملف رسم فيه الهيكليات والآليات التي يجب أن يعمل فيها. 
لدى غالبية المكونات ساسة عقلاء وشرفاء، و(ساسة) جهلاء يتاجرون بمصير مكونهم ومستقبله ويبيعونه الى الذي يدفع لهم الأكثر. والتركمان كغيرهم من المكونات عندهم ساسة شرفاء وعقلاء يستحقون الإحترام والتقدير والحصول على مواقع مضيئة ومتوهجة، لأنهم يدعون إلى الخلق القويم، والسلوك الحسن، والوعي والتعقل، والفهم المستنير، والإنسانية السمحة، وسعة الحلم، ورجاحة العقل، ويدركون أهمية التلاقي والإتفاق مع الآخرين، كما يقدرون تضحيات شعبهم بالأوراح والأموال، ويؤكدون على التسامح والمشاركة في إتخاذ القرارات السياسية والعيش في السلام والإستقرار والإستفادة من الخبرات الكوردستانية لضبط أوضاع مدينة كركوك وتحديد مصيرها وفق الدستور ومنع تكرار المآسي فيها. وعند التركمان كذلك (ساسة) جهلاء ينفذون المخططات الخارجية دون قراءة التاريخ والواقع وتقدير الأمور. تحولوا الى أدوات رخيصة بيد أجهزة مخابراتية تضحك عليهم وتدفعهم نحو إثارة المشكلات والصراعات. وبين هؤلاء الجهلاء توجد شلة شوفينية عنصرية واهمة حاقدة، بائعة لضمائرها ولمبادئها تستغل الحرية المتاحة وغير المقيدة لتحارب في ظلها الكورد، ولا تقر بوجود وطن اسمه كوردستان وتعيش تحت حماية قوات البيشمركه والاسايش. تلك الشلة المسرعة نحو نهاياتها السياسية، جبلت نفسها على الأنانية والنرجسية وحب الشر والاضرار بالآخرين، وفي أعماقها النفس الامّارة بالسوء، ووضعت الشعب التركماني في المزاد وميدان الخطر وحملته ماليس في نطاق مسؤوليته بحجة مجابهة إخوانهم الكورد، سممت بأوهامها القيم الجمالية والروحية الأصيلة للفرد التركماني، تكذب وتلفق، وتحجب وتحرف الحقائق ولا تتعلم من الفرص الثمينة التي سبق أن ضاعت ودروس وتجارب الآخرين والتاريخ والتطورات المتسارعة وتغيير موازين القوى في المنطقة، تمارس العمالة والخيانة وبث السموم، تتعالى أصواتها ضد المطالب الكوردية الدستورية المشروعة، تكرر في كل يوم وفي كل مناسبة وأحياناٌ بدون أي مناسبة، كالببغاوات ذات العبارات والجمل التي تركز على تخديع أبناء جلدتها وتوجيههم نحو التوتر والتشنج والصراع العبثي المحرض على الفتن والمعرقل لكل خطوات التحرر من السلبيات والأمور السقيمة، وعرقلة التوجه نحو المدنية والعيش بنوعية مميزة ولائقة. 
لا أبالغ لو قلت أن ما سمعه التركمان من أفواه تلك الشلة التي لا تفوت فرصة الثرثرة بالكلام المعسول، ولا تبخل في مسك الميكروفونات والوقوف على المنصات وإنتقاء المفردات التي تتغنى بالوطنية والقومية وحب الأرض والانتماء للوطن والآمال الواعدة، جعلت عامة التركمان يؤمنون بأن جميع وعودها تخلف،  وسائر تعهداتها تنكث، وقسمها يحنث. وما تقوله وتردده تتعلق فقط بغايات في قلوبها وسجاياها وخصالها. ولو أخذنا نماذجاً من ممارساتها المغلوطة وتصريحاتها غير السليمة والبعيدة عن النضج والخيارات الوطنية والقومية، وبالذات التي تلت تحرير العراقي حتى يومنا هذا، نراها تخبطات وقرارات متسرعة ومتبنيات فاسدة وحاقدة لاهم لها إلا خلق حالة من التصعيد التي تؤدي الى الخسائر والأضرار الكبيرة،  وزرع روح الحقد والكراهية بين الكورد والتركمان.
المرحلة القادمة بالنسبة للتركمان بحاجة الى سياسيين خيرين ينفعونهم، يتصدون لمسؤولياتهم ويضعون مصلحة كركوك وخدمة الكركوكيين نصب أعينهم، يتنافسوا من أجل تحقيق الإستقرار والرفاه ورفع الحيف وتحقيق المساواة والعدالة. وليت المحسوبين على التركمان المدعومين من الطائفيين والبعثيين، يمتلكون حجة أو مبرراً لهذا العداء للكورد، الا لوثة عقلية إنتقلت اليهم عبر حقبة من العداء السافر لكل ما هو كوردي وكوردستاني، لوثة تكشف غيابهم عن مفهوم ثقافة الكركوكيين وإستماتتهم في عرقلة كل مساعي إعادة الاطمئنان للكركوكيين الذين يعانون من مشكلات وآلام تراكمت عليهم، وليتهم يبتعدون عن الجهالة الساعية لطمس الحقائق التي تؤكد أن كركوك العزيزة كوردستانية، تبنى من قبل أبنائها وتحمى من قبل بيشمركتها.
 


266
بعضهم : علم داعش ولا علم كوردستان
صبحي ساله يى
إستيعاب الصورة الكاملة للوضع العراقي الحالي, بحاجة الى إلتقاط المفاهيم الحقيقية المتعلقة بالأكثرية (العربية) والمكونات الأخرى ومقارنتها بما موجود في مخزونات الذاكرة من حالات تدور في فلك القلق والتوجس والخوف لا لذنب سوى عدم الإنتماء الى الأغلبية، وحالات التكبر والإستعلاء بسبب الإنتماء الى الأكثرية، كما يحتاج الى طرح تساؤلات نابعة من الأعماق لإستشراف الآثار النفسية على المنتمين للمكونات الأخرى المتهمين على الدوام بالخيانة والتآمر ضد الدولة والأكثرية والأمة العربية وأحياناً ضد الدين الإسلامي.
عاش الإنسان العراقي في مجتمع تختلف فيه إشكاليات الأكثرية والأغلبية والتعابير والمصطلحات التي تتعلق بهما، وتتداول فيه تعابير تدل على معان ربما أعمق بكثير من المقصود بها عند المجتمعات الاخرى، لذلك خاض تجارب صعبة تمنعه من الإختيار بين السهل والأسهل وبين الصعب والأصعب وبين المهم والأهم. ونتيجة لذلك عانى ويعاني من ظاهرة الانقسام المجتمعي الذي لايسمح بالتعامل مع المفردات ضمن حدودها وخواصها وإيجابياتها وسلبياتها، ولايسمح برفض السلبيات أو العمل ضمن نطاق الإيجابيات، أو على أقل تقدير العمل في الفسحة الموجودة بينهما وإختيار القريب ثم الاقرب من الإيجاب والإبتعاد شيئاً فشيئاً عن التعنت والحرج والعناد.
الأكثرية (العربية) في العراق، تريد أن يخضع الجميع لمقاييسها، وتستكثر كل حقوقهم القانونية والدستورية وتتشبث بالتزمت والعسر، وتنتهج سلوك إقتناص الفرص بالابتزاز والايقاع بالآخرين، وتأزيم الأوضاع والصراع المحفوف بالألغام والمخاطر. وتتذرع بذرائع وأسباب بعيدة عن التحليل العقلاني لنماذج التجدد والعطاء، ولكن حينما تقع في إشكاليات تفاوتية متباينة وفي ظروف قاهرة لا تستطيع فيها توظيف شعاراتها من أجل الخروج من المأزق، تضيع بين قطبي التعالي والاستنجاد بالآخرين، وتضيع عنها الحقيقة في الإعتقادات، وتعود حينها بشكل مؤقت الى تكرار عبارات الأخوة في الدين والوطن والمصير والتاريخ المشترك والمصالح المشتركة.
لو اخذنا نموذجاً من ممارسات الذين تسلطوا على رقاب العراقيين، في عهد البعث الفاشي،  نلاحظ إنهم فقدوا صوابهم وأضاعوا عقلهم وكرسوا كل جهدهم وخبثهم في مصادرة الحريات والرد العنيف على كل حركة مناوئة ومعارضة لهم، وحقدهم الاعمى دفعهم في الكثير من الأحيان الى إشعال نيران الفتن والشقاق والكراهية والتخندق والنعرات الطائفية بين مكونات العراق الرئيسية ( الشيعة - السنة - الكورد ). من خلال التفرقة القومية والدينية والطائفية،  ومن خلال التغيير الديموغرافي، بالترحيل والتعريب والتهجير تارة، وبالتغييرات الإدارية تارة أخرى والاقتطاع من محافظة وتكبير اخرى. وبإنتهاج سياسة الأرض المحروقة وعمليات الانفال وإستعمال الأسلحة المحرمة أخلاقياً ودولياً، والحصار الاقتصادي. وإنهم حاولوا بشتى الوسائل أن يحرفوا الحقائق وتشويهها عبر تسييس الخلافات من أجل مكاسب سياسية وحزبية وقومية، وعبر الانغلاق والتحيز الأعمى أو حتى الإحتراب وإختلاق الاختلاف والتفرقة تحت يافطات مقيتة تعد الذين لا يعتنقون ما يعتقدون، إما خارجين عن الدين، أومارقين في السياسة.
أما فيما بعد البعث، وبالذات خلال السنوات الثماني العجاف التي تسلط فيها نوري المالكي والقريبون منه على الرقاب، فقد لاحظنا تكرار السياسات السابقة بحلل جديدة مترافقة مع الإفراط في التخلف والغباء والاستغباء والعنف والقمع والإنتقام، ومحاولات لتحرف الحقائق وتشويهها عبر تسييس الخلافات من أجل مكاسب سياسية وحزبية وقومية، وعبر الانغلاق والتحيز الأعمى أو حتى الإحتراب وإختلاق الاختلاف والتفرقة تحت يافطات مقيتة تعد الذين لا يعتنقون ما يعتقدون، إما خارجين عن الدين، أومارقين في السياسة.
وفيما بعد المالكي وبالذات، بعد رفع علم كوردستان في كركوك بشكل رسمي ( بجانب العلم العراقي)، فقد تبين للجميع فضائح العقل المزاجي عند النخبة العربية التي تجلس تحت قبة البرلمان العراقي، وفشل العراقيين وبرلمانهم وتكشف الأقنعة المزيفة، وأسباب تسلل مفردات التهميش والتنكيل والعداء والثأر والتناحر الى نفوس الذين عبروا بصراحة عن الخشية من الخطابات الاستفزازية ونشر الكراهية والعنف الطائفي وصناعة اللأزمات المتتالية، ومن مخاطر الرغبات في إستغلال المستجدات لمآرب وأهداف خاصة، تتمحور حول الثأر والإنتقام الطائفي والقومي والسياسي وتأليب الرأي العام العربي العراقي ضد الكورد. والمفارقات  في الأمر هو أن موقف هؤلاء النواب لم يكن متفقاً بهذا الشكل قبل الآن تجاه أي موضوع طرح في البرلمان، سواء تجاه تسليم ثلث العراق الى الى الدواعش وإهدار المليارات من ثروات العراقيين، أوبشأن علم داعش عندما تم رفعه في الموصل وتكريت والرمادي وعندما تم إنزال وتحقير وحرق العلم العراقي، ولم يكن متفقاً بهذا الشكل تجاه العلم التركي الذي رفع في بعض المناطق. كما لم نشهد في عم البرلمان العراقي عقد جلسة برلمانية بهذه الطريقة الدراماتيكية وتمرير قانون أو قرار بهذه السرعة الخارقة. (طبعاً عدا التي تتعلق بالإمتيازات الشخصية للنواب).
هذه المفارقات أكدت تشابه عقليات هؤلاء النواب ومواقفهم  تجاه الكورد وكل ما يتعلق بالقضايا القومية العادلة، والإعتقاد بأنهم جميعاً من عجينه واحدة وفكر واحد وثقافة شوفينية واحدة، وإن الوضع اللامستقر في العراق وغير الآمن، هو نتيجة حتمية لتصرفاتهم السلبية السلطوية، وعدم إعتبار الكورد شركاء حقيقيين. أما الإختلافات بينهم فهى :
 بعضهم يفضل علم داعش على علم كوردستان، وبعضهم يفضل علم دولة مجاورة على علم كوردستان، وبعضهم يختلف عن الآخرين في زمان ومكان وطريقة ممارسة الخباثة والتحريض والعداء والتعريب وتنفيذ المؤامرات والجرائم، سواء على الارض بإستعمال كافة أنواع الأسلحة أو داخل البرلمان للإيغال في الإستخفاف بالشعب الكوردي من خلال إستغلال التفوق العددي في خلق الفوضى وتأزيم الاوضاع وتخطي الحدود المعقولة في إفتعال الأزمات القابلة للاشتعال في أية لحظة.
 


267
عش هكذا في علو أيها العلم
صبحي ساله يي
رغم إطلاع رئيس ونواب البرلمان العراقي وجميع الموظفين والعاملين هناك، وحراس مبنى البرلمان وحتى عمال الخدمات على الضوابط التي تسبق التوجه اليها قبل التصويت على أمر أو قرار أو مشروع معين، كإحالة المشروع للجنة المختصة ومن ثم عرضه لقراءة أولى وثانية ومن ثم التصويت عليه. إلا أن السيد سليم الجبوري، وبتوجيه وأمر مباشر من قبل المندوب السامي، خرق النظام والقانون والدستور، فعرض قراراً تم صياغته من قبل أحد النواب المأجورين لجهة خارجية معلومة للتصويت عليه بشكل مباشر، ظناً منه أن بطريقته هذه سيفرض سياسة لي الأذرع وفرض إرادات الأكثرية العربية على الكورد، وبخطوته هذه ستسقط جميع التهم الموجهة اليه وبالذات المتعلقة بالإرهاب.
سليم الجبوري، أحرج نفسه ومن معه بتمرير قرار سياسي سخيف واضح المعالم يدعو الى إنزال علم كوردستان من فوق المباني الحكومية في كركوك. وهو على يقين بأن القرارغير ملزم ولا يتم تنفيذه لأنه يخالف الدستور ويعادي العلم الذي لولاه  لكان مصير كركوك كمصير الموصل وأحوال الكركوكيين كأحوال الموصليين على يد داعش الارهابي. وفي المقابل توحد الكوردستانيون أكثر من أي وقت ونادوا:
عش هكذا في علو أيها العلم          فإننا بك بعد الله نعتصم
عش خافقاً في الأعالي للبقاء     وثق بان تؤيدك الأحزاب كلهم ...
قبل الآن، كان الجبوري متهماً بمواقفه السلبية تجاه إعادة أبناء المكونين الكوردي والشيعي الذين هجرهم النظام السابق من كركوك ضمن سياسة التغيير الديموغرافي، ومتهماً بممارسة الإرهاب ضد الشيعة وتجاهل مطالب الاصلاح، ولكنه يعتقد أن التهم جميعها سقطت عنه بمجرد زيارة خاطفة لعاصمة دولة جارة وطلب المغفرة وتقديم الولاء. ولايعلم أنه متهم الآن من قبل الكورد الذين أعادوه الى رئاسة البرلمان بعد طرده من قبل كتلة الاصلاح، ومن قبل الكورد وغالبية العرب والتركمان في كركوك  بممارسة السياسة العدائية ضدهم.  وأنه توجه نحو النفق المظلم ورفض الاستجابة الى إرادة الكركوكيين، ورفض الإحترام والاعتراف بالتنوع الديمغرافي في المحافظة. إنصاع  لإرادة إستفزازية شريرة تحاول إثارة الفتنة داخل كركوك وإثارة النزاع القومي الذي لن يؤدي إلا لخسارة الجميع وخدمة الأعداء.
السيد الجبوري وبدلا من تقدير صعوبات المرحلة الحالية والتحديات الكبيرة، سواء في مجالات الاستعداد لمعركة تحرير الحويجة أو الترتيب لإعداد قانون لانتخابات مجلس كركوك بشكل ينسجم مع مصالح جميع المكونات والدستور، إنصاع لإرادة إستفزازية شريرة تحاول إثارة الفتنة داخل كركوك وإثارة النزاع القومي الذي لن يؤدي إلا لخسارة الجميع وخدمة الأعداء.   سيتهم السيد الجبوري لاحقاً بالإسهام المباشر في إدخال المحافظة، وربما مناطق أخرى،  بدوامة التخندقات والاجتهادات الفردية والتصريحات النارية المتبادلة، ويحمل مسؤولية إتخاذ مجلس كركوك لقراراته وفق مبدأ الأغلبية، خاصة فيما يتعلق منها بتطبيق المادة 140 من الدستور.
الجبوري والنواب العرب في البرلمان العراقي، بعقلياتهم السياسية، أظهروا للعالم أجمع أن مصطلحات الشراكة والمشاركة والتشارك بالحكم في العراق لها معان ودلالات خاصة ومختلفة تدور ضمن دوائر الوهم والخداع، وتعني (عملياً) الرغبة في الاستحواذ والسيطرة وفرض إرادة العرب على الكورد. وعندما يقولون (علنا) إنهم يريدون المشاركة وإشراك الكورد في السلطة والقرار، يعملون وراء الكواليس من أجل قطع خيوط الحوار لفرض الحلول الجاهزة وآراءهم المتقولبة والمتقلبة.
التحركات السياسية بين الأطراف العربية المتشاركة في معاداة الكورد والمتشاركة في الظاهر في البرلمان والحكومة العراقية، وغير المتشاركة في الواقع، تتجه نحو حالات المعاداة السابقة تجاه الكورد وإستغلال الظروف وتوظيفها ضد الكوردستانيين، والسبب في ذلك يرجع الى أنهم لايرون الكورد سوى أبناء الجن وخونة وأشرار، ولايحملون تجاههم سوى الاحقاد التي تتنافى كلياً مع القيم الانسانية والشراكة في الوطن والعملية السياسية، أو الإيمان ببنائها والانخراط فيها.
هذه القناعات تعني أن إيجاد الحلول الدائمية والشراكة الناجحة، أمر مستعص ومستحيل، وتعني ضرورة التفكير الجدي في إنسحاب النواب الكورد من البرلمان العراقي كون العرب يستخدمون الوجود الكوردي هناك لتجميل وجوههم فقط. وتعني أيضاً أن الوجود الكوردي في بغداد، أمر ليس له معنى، كما تعني أن رفرفة العلم العراقي في كوردستان، أيضاً ليست لها معنى . وتعني أن يقول الكورد للعرب وأن يقول العرب للكورد :
 لكم علمكم ولنا علمنا والله خير العالمين..


268
البيت القصيد في مشروع التسوية الشيعية
  صبحي ساله يي
قرأت بتأن مشروع التسوية الشيعية التي طرحت من قبل السيد عمار الحكيم رئيس التحالف الوطني، أو كما يحب البعض تسميته مشروع التحالف الوطني، ولم أستطع تجنب التفكير في أحداث تجري بسرعة أكبر من غيرها، وفي أناس يقطعون الأرزاق ويقابلوننا بإبتسامات ليست بريئة ويتجهالون وتائر التغيير. تسألت عن السبب الذي دفع هؤلاء الى طرح مشروع جديد للتسوية، يحمل في ثنياه، مبرّرات فشله أكثر من مبرّرات نجاحه، مشروع لايشخص الداء ويبحث عن الدواء، يريد الحفاظ على وحدة الاراضي العراقية غير الموحدة، دون التفكير في أسباب الإنقسام ، يخاطب المنضوين للعملية السياسية دون التعبيرعن إرادة حقيقية لبناء دولة قانون ومواطنة متساوية. يخاطب المشغولين بالتسقيط والتخوين ويعانون من الإنقسام بين شيع وأحزاب وفصائل لاتمتلك شجاعة التآلف فيما بينها، أو الإعتراف بالأخطاء وتقديم الإعتذار بسبب المكاسب والأنانيات والطموحات الشخصية والحزبية والمناطقية .
بحثت بين ثنايا المشروع عن البيت القصيد فيه، فوجدت فيه أبياتاً تتلخص في الوقوف ضد التطلعات الكوردستانية في إعلان الإستقلال، بدعوى الشراكة والاندماج والتكامل والمحافظة على وحدة الاراضي العراقية، وفي السعي الى الغلبة والاستحواذ على السلطة وتثبيت الحق الشيعي في تشكيل حكومة الأغلبية السياسية أو حكومة الأمر الواقع والسير بإتجاه تجسير الاستحقاق السياسي للأكثرية، وتجاهل التقسيمات والتناقضات بين قوى التحالف الوطني وداخل كل قوة، ليكون هدفها الأساسي ليس تمثيل مكونات الشعب العراقي.
البيت القصيد الآخرالذي يثير الأسى في المشروع حقاً هو محاولة تحميل الآخرين مسؤولية عبء الإخفاقات وإنهيار المؤسسات الأمنية والإدارية وزيادة الشروخ بين المواطنين وإدارة عقارب الساعة على توقيت عملية سياسية أتقنت صناعة الأوهام وبيعها، والبكاء على أطلال وطن ضاع، والتعويل على مواطنين فقدوا الثقة والأمل بسياسيين ينبغي أن لا يكون لهم دور في رسم المستقبل لأنهم لايستطيعون حتى تبرئة أنفسهم من مسؤولية خلق التصدعات.
لا أدخل في تفاصيل العلاقات الكوردية الشيعية التي تستند على القيم المشتركة والروابط التاريخية وتتجاوز المصالح المؤقتة، ولا أتعب نفسي ولا أتعبكم معي بالدخول في تفاصيل التسوية التي يعتبرها البعض حبكة مكونة من الأحلام العريضة. ولا أسأل مع من؟ وكيف؟ ولماذا؟ ولا أطرح كل الأسئلة التي تخطر على البال ضمن ظروف الزمان والمكان ومعطياتهما التي نعيشها وكذلك التحدّيات التي نواجهها، لأني على يقين تام بأنكم تشعرون بالأشياء ذاتها، وعلى ثقة بأن عهد الغياب عن الوعي وتصديق الشعارات البرّاقة المخدرة والتصفيق لها قد مضى. ولكني أقول :  ليس بوسع هذا المشروع الذي يتقاطع مع مصالح الكوردستانيين القيام بشىء يذكر في المعادلة الجديدة في ظل فقدان التوازنات الواضحة الحالية. ومن المستحيل حدوث تطور على المديين القريب المتوسط في العلاقات بين الجميع وخاصة المتعلقة بالمواضيع الحرجة والعلاقات الداخلية والخارجية.
 وبأختصار أشد أقول: المشروع برمته لايعنيني لأنه لا يدعو للتفاؤل على الإطلاق في بلد أصبح ساحة حرب لتصفية الحسابات بين الدول، وأصبحت فيه الشراكة مفردة مستحيلة وتتداخل فيها عوامل عديدة، ولايعنيني لأنه لم يتجرأ أن يصف الخطر والريح الأسود الذي أحاط ويحيط الكثيرين، والذي كان وراء المجازر والأزمات والمتغيرات، وسيكون وراء الهزة القادمة لو لم يتم تحجيمه.
 


269
الحل السياسي سهل. والقانوني أسهل
صبحي ساله يي
كثرة الإستهداف بسبب التوجهات الغامضة وسيل الإتهامات والحرب الإعلامية وتبرئة النفس وإتهام الآخر وتحميله المسؤولية، أتاحت للشائعات من جهة والتحليلات السياسية الواقعية من جهة أخرى، لكي تخوضا في كوردستان صراعاً مملاً ومفصلاً، ومهدت الطريق أمام المصابين بأمراض السياسة والناقمين المرتبطين بمخططات الأعداء الذين لا يريدون أن يعم الإستقرار في الوطن، التكاتف والتعاون مع الجهات المعادية للاقليم ومصالحه وإستحقاقاته الدستورية والتاريخية، وأن يستمروا في المهاترات والإستهداف كونهم يضمرون في دواخلهم أحلاماً أكبر مما نتصوره، ويريدون أن يطمأنوا في المستقبل من دعم الأطراف المؤيدة والمشجعة لهم، بمعنى أنهم لا تهمهم تشويه صورة الإقليم أمام دول وشعوب العالم والأضرار التي تلحق بالمكاسب الوطنية والقومية، وبسببهم وصلت حالة الإقليم السياسية والقانونية الى مراحل الغموض والانسداد والتعقيد، وتفاقمت وتأزمت وتشابكت المشكلات.
في المقابل، وبفعل الظروف الموضوعية، وبدلاً من السكوت أو التحدث مع الذات لصنع الأفكار ورسم الصور عن طريق همسات خافتة وغامضة، إرتقى المخلصون الى مواقع المسؤولية التاريخية، فتشاوروا مع غيرهم وأبدوا الحكمة والفضيلة وطرحوا المبادرات والمشاريع وأوراق وخرائط الطرق والعمل التي تؤكد على ضرورة تجاوز الخلافات وتضميد الجراحات النازفة بروح وطنية وبثقة عالية بالنفس، وبعث الأمل والطمأنينة للجميع عبر مناقشة الخلافات والاشكاليات وإستجداء الحلول السياسية الآنية من خلال إدارة حوارات جادة هادئة بعيدة عن التشنج، والوصول الى تحديد الأولويات وضبط النفس والتحكم بها.
حتى الآن تم صياغة عدد من المشاريع والتوقيع عليها من الأطراف التي تتبناها بقناعاتها الذاتية والموضوعية، وتم الحديث والتلميح عنها في الاعلام الكوردستاني، وغالبيتها تشترك في الديباجات والمواد والبنود الرئيسية العامة، وتضع النقاط على الحروف، وتشترك في التمييز بين الإستهداف والتسقيط، والرقي والنجاح، وتؤكد على إختلاف كوردستان  كثيرا في معادلات القوة الإقليمية والدولية عما كان عليه وضعه في السابق، فقد أصبح بمثابة دولة بالغة القوة والتأثير، وذلك طبعاً، بوعي قيادته وتميّز تحالفاته ونجاح دبلوماسيته والتطور المذهل الذي يعيشه، والنموذج الذي قدمه للعالم خلال المرحلة السابقة، والوعي الحاد والحرص المستمر على التطوير والتنمية والنجاح المميز والظفر والتطوير والتطور الفريد والابتكار والأصالة والانفتاح والتعايش بين الأديان القوميات والثقافات وترسيخ القيم والتميز، كما تؤكد على إستشراف المستقبل وصناعة الحلول لكل المشكلات وتعقيداتها والإشكاليات وأبعادها. وفيها أيضاً مآخذ ونقاط إختلاف قابلة للنقاش والتفاهم والتغيير في بعض بنودها.
مع ذلك، يبدو ان طريق تنفيذ تلك المشاريع، لاتكون بعيدة عن العوائق وأنها ستواجه معارضة شرسة من جهات معروفة، ولكن لو تم عقد العزم على التوصل الى الحلول الناجعة من خلال التعاطي مع المشكلات الصغيرة والكبيرة بوضوح، وتم تبادل الأفكار بصراحة تجاه ضرورات المشهد السياسي الحالي، والتقرب الجاد بين جميع القادة السياسيين والفاعلين في صنع القرار، خصوصاً وأن غالبيتهم صرحوا، ولو بتعابير خجولة، بأنهم مع طي صفحة الماضي وتقديم بعض التنازلات عن الحقوق والإستحقاقات السياسية والقانونية وتخفض سقف المطالب، سيكون الحل السياسي سهلاً والقانوني أسهل بكثير .
 
 
 
 


270
هكذا قرأت زيارتي العبادي
صبحي ساله يي
في وقت تشهد المنطقة تحركات متسارعة، وتبادل للأدوار، وإصطفافات جديدة مدروسة وغير مدروسة، إرتفع سقف التصريحات بشأن زيارتي السيد حيدر العبادي الى اربيل والسليمانية، وهذا الإرتفاع في التصريحات وكذلك التركيز الإعلامي ذكّرانا بأنّ بغداد ما تزال تحتفظ بصورتها النمطية السلبية تجاه الإنفتاح على الإقليم وتطلعات شعب كوردستان، وإنها غير مقتنعة برؤية الواقع السياسي العراقي والتغييرات الجوهرية على العلاقات بين الكورد والعرب وبأهمية تحسينها، ورؤية المشروع المهم الذي يجري العمل على إنضاجه في الإقليم، والذي يمكن أن يساهم بغداد في كيفية تحقيقه بعيداً عن العنف، وإمكانية أن تكون لديها خريطة طريق للمرحلة المقبلة.
ساعد الكورد بإمكاناتهم السياسية التي لا يجوز التقليل من شأنها، الأشقاء الشيعة، في صياغة الدستور العراقي والتأسيس لعراق ديمقراطي فيدرالي يكون فيه حقوق جميع المكونات محمية ومصانة، وفي إقامة أربع حكومات شيعية في بغداد، على أمل أن يتوحّدوا في مواقف سياسية ناضجة، ويجلسوا على الطاولات كأطراف قوية متماسكة أو متشاركة في الأفراح والأتراح. ولو استعرضنا التعهدات والإتفاقات الكثيرة التي وقعت على طاولات الكورد والشيعة خلال السنوات الماضية، لا نرى فيها غيرالتعمد والتقصد والتهرب غير المعقول في البت في كل ما له صلة بمصلحة الإنسان الكوردستاني. والواضح (حتى الآن) عدم وجود نوايا جدّية لدى الكثير من النخب السياسية الشيعة للقيام بدور حيوي في تحقيق التطلعات الكوردستانية المشروعة وترسيم الدورالمتوقع في استعادة الفترة الذهبية في التعاون بين الجانبين على أسس معقولة وسليمة وإعادة المياه إلى مجاريها.
زيارة العبادي الى أربيل والسليمانية، لقيت استحساناً من الكوردستانيين، ولكن لا يمكن تحميلها أكثر مما تحتمل وتفسيرها في غير مكانها وسياقها الطبيعي. لأنها لا تعتبر استدارة وتموضعاً جديداً للسياسة العراقية، ولم تحمل في ثناياه إشارات إيجابية لتحريك ملفات شائكة طال زمانها، ولم تتمكن من القراءة القريبة لمتطلبات الواقع والمشهد الكوردستاني الداخلي بتفاصيله الدقيقة من زوايا مختلفة، ولم تستطع إذابة طبقة الجليد في العلاقات الاستراتيجية والسياسية، وإقناع الكورد بقبول البقاء في العملية السياسية العراقية بأيّ ثمن، كما لم تستطع كسر الصورة النمطية التي ترسخت لدى الكوردستانيين عموماً والقوى السياسية خصوصاً عن المواقف العراقية المعادية وتوجهاتها السلبية نحو الإقليم. 
أثناء الزيارتان، ربما أراد السيد العبادي إغتنام الفرصة لتلميع صورته في هذه المرحلة وترسيخ وجوده في السلطة، ومنحه المزيد من الفرص لتمسكه بالحكم، ولكنه أخطأ مرة في تجاهله  غالبية المطالبات الكوردستانية، ومرة ثانية في ضربه عرض الحائط المخاطر الخانقة القائمة، وبالذات عندما لم يكشف عن أوراقه السياسية ووجهات نظره وتصوراته وإنطباعته حول العملية السياسية ومستقبل العلاقات بين أربيل وبغداد، وذلك لإعتقاده بأن الكثير من الأمور تضعه في دائرة التساؤل والمحاسبة والاتهام.
  على العموم يمكن القول أن اللقاءات التي عقدت في اربيل والسليمانية تؤكد الحاجة الدائمة لإسماع الجميع وجهات نظر الكوردستانيين المتطلعين الى الاستقرار والسلام والتعايش، وتكرس ضرورة تبادل وجهات النظر بين الجميع حول ما يجري، وضرورة فتح أبواب ونوافذ الحوار بأشكال مختلفة للإنفتاح على الجميع من دون استثناء، ورصد كل التحركات والتطورات من حولنا، وتقديم المصلحة العامة الخالصة على المصالح الخاصة والحسابات الضيقة، واللجوء الى الحكمة والعقل في احتواء الأزمات.
 
 
 


271
المنبر الحر / على العراق السلام
« في: 15:29 04/03/2017  »
على العراق السلام
صبحي ساله يي
مضت ثلاثة أسابيع على حادث إطلاق النار على المتظاهرين ضد قانون مفوضية الانتخابات في ساحة التحرير وسط بغداد. والجميع في إنتظار إعلان نتائج لجنة التحقيق حول الإصابات التي حصلت بين الأجهزة الأمنية والمتظاهرين، وملابسات الحادثة الأليمة التي تسببت في وقوع ثمانية شهداء وجرح 230 شخصاُ إختلفت حالاتهم من خطرة الى متوسطة وخفيفة. والتعرف على الذي أعطى الأوامر للقوات الأمنية لمواجهة المتظاهرين بإطلاق النار والغازات السامة والخانقة المحرمة، وعلى الذي يتحمل إراقة تلك الدماء، وكذلك قصة صواريخ الكاتيوشا التي إستهدفت المنطقة الخضراء.
المتظاهرون ومن خلفهم، والكثير من القانونيين والمراقبين والسياسيين على يقين بأن بقاء قانون ومفوضية الإنتخابات على حالهما يعني إستمرار سيطرة الشبكة السياسية الحالية على مفاصل الحكومة العراقية تحت عنوان (النظام الديمقراطي)، ويعني إستحالة التغيير نحو الأحسن وطحن كل من يفكر في التغيير، من قبل أدوات (النظام الديمقراطي) الذي يقوده التفكير التسلطي، ويعني أن نتيجة الانتخابات القادمة ومواصفاتها ومقاساتها معروفة مسبقاً، وسوف لاتختلف عن نتائج الانتخابات السابقة التي حصلت فيها التزوير وأوصلت السياسيين الحاليين الى البرلمان والحكومة.
لانستبق إعلان نتائج لجنة التحقيق، رغم تجربتنا المرة مع اللجان التحقيقية، ولا نتهم أو نبرىء أحداً، ولكننا نتحدث عن المطاليب والشعارات التي طالبت بتغير قانون الأنتخابات (الذي أوصل أحدهم إلى البرلمان وقد حصل على خمسمائة صوت فقط، وإستبعد آخر حصل على عشرين ألف صوت)، وتغيير المفوضية إلى مفوضية مستقلة حقيقية. ولكننا نؤكد على حقيقة لايمكن تجاهلها وهى: أن الجهات التي تتضرر من التغيير، لهـا مصلحة حقيقية في ضرب المتظاهرين وأفشال التظاهرات والمساعي التي تؤرقها. خاصة ونحن على ثقة بأن الحزب السياسي القائم على الطائفية والمذهبية، والذي يسعى ليصبح الحزب القائد في البلاد، سيفقد مواقعه السيادية، وسيخسر المراكز والمواقع التي حصل عليهـا بالتزوير، وسيفقد لصوصه المغانم والمباهج والعطاءات وكذلك الأموال المتكدسة التي نهبوهـا، وسيكشف عن آلاف الملفات والوثائق التي تدينه وتعريه أمـام الرأي العام، وتكشف حقيقته كونه المتسبب المباشر لمـا مر به العراق من مصائب ومأسي. وهذا يعني إنه سيحارب الجميع بشراسة لأجل بقائه في الحكم، والمحافظة على النعيم الذي هو فيه اليوم. وليفرض سلطته التي فقد شرعيتها الدستورية والاخلاقية والقانونية، وبالذات بعد أن أصبح مطلوباً للشعب بجريمة القتل العمد.
  ما حدث قبل ثلاثة أسابيع يدل على أن الذين يلعبون بالنار لايستطيعون قراءة الأحداث المتلاحقة وأبعادها وتفاصيلها، وردات الفعل التي لا تحمد عقباها ولايعرفون غير لغة الدم والطريقة ألإنتقامية المباشرة ضد المواطنين، لذلك هاجموا أبناء جلدتهم بأسلحتهم المتطورة وعقليتهم المتخلفة، وجموع الأبرياء المظلومين والمحرومين والجياع الثائرين ضد الظلم ورموز الفساد والغطرسة، وأراقوا الدماء في مجزرة علنية. ويدل على إستمرار الفوضى وخلط الأوراق والتسقيط وتحويل الأنظار عن الحقيقة، وأن التهم التشهيرية والتنكيلية جاهزة للإنطلاق عبر المواقع الإلكترونية المشبوهة والقنوات الفضائية المأجورة، التي لا تكف عن التظليل والخداع وتشتيت الأذهان وتضيع الحقائق وإشعال نار الفتن، وبعض الأبواق الإعلامية المأجورة التي تبحث عن المال ولا تفكر بالحقيقة و شرف المهنة وتصب الزيوت على النيران. كما يدل على أن الحل السياسي العراقي صعب للغاية، والأفق السياسي وصل الى طريق مسدود، والعراق بمجمله مقبل على مجزرة سياسية كبيرة تذبح وتسلخ فيها الكثيرين وربما تصل الى النطيحة والمتردية على السواء، وعندها نقرأ على العراق السلام.
 
 


272
وما أدراكم ما الجزيرة !!
صبحي ساله يي
لا أتعجب من مشاعر ومواقف قناة الجزيرة وبكائها ونواحها على قتلى الدواعش، وتضاعف متاجراتها بدماء الأبرياء عبرتحريك الظنون التي جميعها من الآثام، لأنها تريد أن ندفع الأثمان الباهضة تحت طائل حرية النشر والتعبير، وما فيها من تطاول وفنون وفتن، وتستمر هي في الدفاع عن مصائب ابتلينا بها منذ عقود، ولاأستغرب لو شاهدت الجزيرة وهى تغرق في عناوين وأخبار متضاربة وربما نسمعها وهى تدافع عن حق المرأة في تعدد الازواج.
قناة الجزيرة زعمت في خبر بعيد عن الحقيقة والمهنية الاعلامية، بأن قوات البيشمركه قتلت نازحاً عربياً خلال الحملة العسكرية الجارية لتحرير الموصل من تنظيم داعش. في حين، من شاهد مقطع الفيديو يعلم ان المقتول ليس نازحاً بل كان داعشياً مصاباً بجروح، وقد بذل عدد من مقاتلي البيشمركه قصاري جهدهم في محاولة لإلقاء القبض عليه، إلا انه رفض الإستسلام وحاول الإنتقام من قوات البيشمركه وظل يقاوم إلى ان تم قتله.
في بداية عمليات تحرير الموصل، أصبح إقليم كوردستان منطقة حدث تتجه نحوها مراسلو أجهزة الاعلام، أما المساحات التي نقل منها الحدث أو الخبر فكانت رحبة وواسعة، ومنذ اليوم الأول للعمليات حاولت قناة الجزيرة، بسبب عدم المهنية أو الخبث أو الحقد على كل ما هو كوردستاني أو التأييد للدواعش، أن تضع المنطقة على فوهة بركان يبدأ بقذف حممه بكل الإتجاهات دون تمييز، وتفعل ما فعلت، أثناء تحرير العراق من الطاغية صدام، حينما خلطت بين نقل الخبر والتحليل والرأي الخاص للمراسل، حيث تغلبت المذهبية والروح القومية على برامجها عبر الغلو في الكلام ونفخ الذات في الهواء وإطلاق العنان للمخيلة الثورية، ونقلت اخباراً على قدر بالغ من الخطورة أثرت في مستقبل المنطقة، وأصدرت أحكاماً مسبقة ممزوجة بروح الكراهية ودخلت البيوت وحاولت أسر المواطنين وهم في بيوتهم.
  لا أريد ان أسرد في الحديث عن ممارسات تلك القناة ومبررات منعها من الوصول الى الخطوط الامامية لتغطية الاخبار، لأني على يقين بأن صورتها مكتملة لدى الكثيرين. ولكني أستذكر قرارإبعاد مستشارالجزيرة لشؤون العراق حامد حديد من إقليم كوردستان، في يوم إنطلاق عملية تحرير الموصل. بسبب عدم إلتزامه بالمعايير الإعلامية وإنحيازه المعلن لصالح تنظيم داعش الارهابي أثناء نقل الاخبار وتزويد قناته بمعلومات مظللة حول هزيمة قوات البيشمركه والقوات العراقية أمام إرهابيي داعش..
ذلك القرار الصائب الذي أعتمد، كان بمثابة رسالة واضحة الى جميع الصحفيين المحليين والقادمين الى كوردستان بضرورة عدم الجنوح للإثارة وعدم التخلي عن المعايير المهنية، وعدم تجاوز المحددات الاجتماعية والسياسية المتفق عليها محلياً واقليمياً وعالمياً، وتجنب صب الزيت على النار والإبتعاد عن تحريف الحقائق. إذ لو إستمر حامد حديد (المؤيد المباشر لداعش) والذي بات مكشوفاً للجميع بعد أن أثبتت الوقائع ضحالة أكاذيبه وسذاجتها, في عمله بكوردستان، لكان يحاول مصادرة دماء البيشمركه الذين كسروا شوكة الدواعش، وضحوا ببسالة، وعاهدوا الله وشعب كوردستان على النصر أو الشهادة، ولكان حديد يستمر في شيطنة عملية تحرير الموصل وأهدافها لصالح الدواعش ومحاولة عرقلة مسارها عبر ترويج الإشاعات والأكاذيب الكبيرة كعمليات القتل والذبح والجلد والسرقة والتفجير, ويروج للإسهام في إطالة أمد بقاء داعش في المنطقة وتعويق نجاحات المحررين. وخطوة الجزيرة الاخيرة تدخل ضمن ذات السياق.. 
الصحفي الذي ينافق في التغطية الإعلامية ويفتقد المهنية، يكشف عن وجهه القبيح أينما يكون بالمغالطات والتهويلات ولي عنق النصوص والأخبار وبتر الحقائق وتضخيم الأخطاء والإخفاقات والتشويه والتحقير والتحريف والفبركة والخداع والتدليس والتزييف والتعتيم وشيطنة الخصوم، وعندما تسكت المؤسسة الإعلامية التي يعمل لديها تجاه تصرفاته، ولا توبخه ولاتضع حداً لتصرفاته، فإنها تشبهه في الإنحطاط وإفتقاد القيم. وهذا يعني أن قناة الجزيرة التي لطالما لعبت دور المحرض على الإرهاب والقتل وإزهاق الأرواح البريئة ونشر الفوضى في العراق وغيره، وإستمرت في غيها وخبثها وعجرفتها طوال سنوات عبر تقارير ملفقة ووثائق مزورة، ونشر خطابات وبيانات تدعم القتلة البعثيين والإرهابيين المأجورين، شجعت حـامد حديـد وغيره، وتشبهه وتشبه أمثاله من القابعين في أقاصي الظلام, الذين يقبحون الجميل ويزينون القبيح، ويمارسون العهر الإعلامي من أجل تعطير عفن جرائم أسيادهم التافهين الخاسئين ومنحهم صكوك الغفران, طمعاً بالدنانير وبالسلطة، وربما رغبة مميتة بطعم الجريمة، أو نفثاً لأحقادهم المسمومة.
أخيراً نقول: الشرفاء في بلدي يرغبون ويسهمون في طرد داعش، ويعلمون أن داعش والمروجون له، أنذال مجرمون بعيدون عن الأخلاق، مراهنون على الدم، متاجرون بالقيم، لذلك لايمكن تقبل إستضافتهم. وشخصياً أعتبرت خطوة طرد حامد حديد من الإقليم خطوة صحيحة، ولكنها كانت خطوة ناقصة، إذ كان من المفروض غلق مكتب الجزيرة أيضاً... 


273
لماذا لا... للمالكي؟
صبحى ساله يى
   الأزمات المصطنعة المحيرة والمثيرة للجدل، والشكوك والإتهامات المتبادلة بين دولة القانون (جناح المالكي) من جهة والعديد من الأطراف السياسية العراقية، الكوردية والسنية والشيعية، من جهة أخرى،  ومحاولات إستغلال المأساة وتوظيفها وفق طريقة مصائب قوم عند قوم فوائد، أساءت للعراقيين والعراق والعملية السياسية التي تعرضت لهزات عنيفة، وستكون لها تداعياتها المستقبلية الكارثية، لأنها نبعت من داخل منظومة غير مسؤولة تقرر إتخاذ المواقف السطحية المفاجئة المثيرة والغريبة متحدية الاعراف والدستور والاخلاق وبشكل علني وسافر لكي تثير دهشة المراقبين وتغيض الأصدقاء وتفرح الأعداء، وتصف تارةً الآخرين بالخونة والأشرار، وتحمل تجاههم الاحقاد الثأرية الحزبية والطائفية والقومية، وتنعت غيرهم بصفات تتنافى كلياً مع الشراكة في الوطن والعملية السياسية. 
  أعوان المالكي وسياسيو دولة القانون لاسيما المسيطرون على الساحة الإعلامية، لايفوتون أية مناسبة لشيطنة وتخوين الآخرين وخداع الشعب، والطرق على الحديد البارد ليخلقوا مشكلات فريدة وغير مسبوقة بين مجموعة أحزاب أقل ما يقال عنها إنها كانت بالأمس صديقة أو حليفة، من خلال إدعاءاتهم الزائفة وإتهام الآخرين. ومن هذا المنطلق، كان من الطبيعي أن تكون  للآخرين ردود أفعال رادعة وقوية ومنطقية، تجاه سلوكهم وتصرفاتهم، ليدافعوا عن أنفسهم ومصالحهم وتوجهاتهم وعن منطلقاتهم السياسية والإستراتيجية، من جهة، وليفندوا إدعاءات المالكيين وما تمليه المواقف الخطيرة التي ربما تتحول إلى كارثية ومدمرة للأخضر واليابس من جهة أخرى.
  الأهداف الرئيسية لسياسة المالكيين مفضوحة  وتتلخص في تأمين الاستمرارية السياسية للحزب والتحول الى الحزب القائد، والحرص على عودة رئيسه الى حكم البلاد، وحيث أن كلا الأمرين معتمد على الاخرين، وكلاهما خاضعان للتقلبات التي تحدث في البيئات الداخلية والإقليمية والعالمية، فإن التركيز على تلك الأهداف جاء من خلال تأزيم العلاقات مع الأطراف والأحزاب السياسية الأخرى وإتهامها بشتى التهم الكاذبة والملفقة، بهدف ترويضها وتركيعها أو إضعافها وسلخها وطردها من الساحة السياسية أو في الأقل تهميشها، كما إتخذوا مواقف وسياسات لا تتيحها لهم الظروف الذاتية والموضوعية المرتبطة بالأحزاب الأخرى وشرعياتها الثورية والدستورية والقانونية وشعبياتها. وجراء تلك السياسة الغريبة برز أمامهم أسئلة عديدة لابد من التوقف عندها، والإجابة عنها بكل صراحة وموضوعية:
-- لماذا يرفض غالبية الكورد والعرب السنة والكثير من الشيعة العرب، المالكي ومن حوله؟ ويقولون له : لا وألف لا.. 
-- هل يتحمل جناح محدد في حزب بحجم حزب الدعوة تبعات سياساته المتبعة الحالية؟
-- هل يتحمل مخاطر وتداعيات الأوضاع الحالية والمستقبلية، ووزر أخطاءه القاتلة التي تضر بمصالح الجميع؟ علمأ إنه في الواقع السياسي الحالي، في عالم اليوم، قلما نجد أحزاباً سياسية تمارس سياسات تخريبية دائمة من خلال تحريك جميع أدواته، علماً أن جميع الأحزاب في المنطقة والعالم تحرص على أن تكون سياساتها متوازنة مع تصرفاتها وتراعي الاعتبارات التي تتعلق بحجمها وإمكانياتها وقاعدتها الجماهيرية، وتحسب ألف حساب لحجم وإمكانات الأحزاب الآخرى، وترسم سياساتها وفق معايير إستباقية ومناهج الربح والخسارة والمصالح والمخاطر، رغم أن هذا الأمر يصعب قياسه في حالات معينة لأن الكثير من الأطراف لا تقر بخسارتها وتركز على مكاسبها من خلال ما تنتهجها من السياسات والآليات الديمقراطية وإيمانها المطلق بالحريات الفردية وبالمواطنة كأساس للتعامل مع الآخرين، ولكن هذا الجناح في حزب الدعوة تجاهل الحكمة والعقلانية ونسى تحالفه السابق مع الأحزاب الكوردية والأحزاب الشيعية الأخرى التي أوصلت الدعويين للسلطة، وإتخذ مساراً غريباً مارس فيه أبشع أنواع الإنتقام القومي والطائفي والحزبي، وسبح ضد التيار ظناً منه أنه لايغرق، ولكن الحقائق تؤكد إستحالة تكرار غلطة العمر التاريخية القاتلة وعودة المالكي الى السلطة لأنه مرفوض كوردياً وسنياً وشيعياً.
 


274
في ذكرى إستشهاد حريري..
نستذكر وفاءه واخلاصه للنهج الذي سار عليه
صبحى ساله يي
 في الثامن عشر من شباط 2001 إرتكبت فئة آثمة، جريمة نكراء في مدينة أربيل الآمنة، فاغتالت فرنسو حريري/عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني مسؤول الفرع الثاني للحزب. ذلك الاستهداف للشهيد فرنسو أثارت في نفوس الكوردستانيين الكثير من الاسئلة التي لاتحمل الا جواباً واحداً وهو: أن الذي أصدر أوامره بحق هذا الشهيد والمجرم الذي نفذ تلك العملية الجبانة الغادرة في ذلك اليوم، كانا يدركان جيداً، أهمية فرنسو وضرورته وسيرته النضالية الناصعة، وكانا يعرفان بأنه مثقف لم يعرف اليأس وكاتب جاد وصحفي بارع وسياسي عملاق.. وبتلك الجريمة فرضا لساعات وربما لأيام، الصمت على العقول النضرة والأفئدة المخلصة لهذا الوطن وهذا الشعب، ولكنهما لم يستطيعا الوقوف أمام صورة الشهيد او حتى مشاهدة جماهير كوردستان الوفية وهي تودع إبنها البار (فرنسو) الى مثواه الاخير في (حرير).
 كان إستشهاده خسارة جسيمة للشعب الكوردستاني عامة وللحزب الديمقراطي الكوردستاني بشكل خاص، وخسارة فادحة للثقافة والرياضة والسياسة والادارة في كوردستان.
بعد انتفاضة آذار 1991 اصبح عضوا في برلمان كوردستان ثم محافظاً للعاصمة اربيل، انجز خلال عمله العديد من المشاريع وقدم خدمات جليلة لمدينته التي احبها واحب اهلها، بالرغم من الظروف الاقتصادية القاسية بسبب الحصار العراقي المفروض على الاقليم، والدولي المفروض على العراق، وقلة الموارد والتخصيصات المالية. وإحتفظ بعلاقات صميمية مع العاملين في المجالين الثقافي والرياضي عبر تشجيعه المستمر لهم وتذليل المصاعب والعراقيل امام ادائهم، وتشييده لمبنى قصر الفنون في العاصمة وبجهود ذاتية، وإشرافه المباشر على ترميم وتوسيع ملعب الادارة المحلية الذي يحمل اسمه الآن، وتهيأته بحيث يصلح لاقامة البطولات الدولية والاقليمية في كرة القدم، إضافة الى إهتمامه الخاص بالاسرة الرياضية وتحقيق العديد من المكاسب التي مازالت شاخصة للعيان.
 كان الشهيد قارئاً ومساهماً وكاتباً صحفياً متميزاً في التيارات والمدارس الفكرية وأعلن انحيازه التام الى جانب العدل والحقائق الراسخة واختيار الوقوف ضد الظلم ومجابهة التعسف بكل أشكاله. اما آراؤه وطروحاته ونظراته للأدب والسياسة والرياضة فكانت تتسم بالعمق والغزارة، بحيث كان نموذجاً رائعاً للشخصية التي تتوافق آراؤها وافكارها وقناعاتها مع مواقفها التي اثارت اعجاب كل من تعامل معه عن قرب، وكان عنيداً ضد جميع أنواع الظلم والتعصب والاستغلال وسمحا بسيطاً متفهماً نبيلاً مع المظلومين، يتوجع لوجع الناس وحاجاتهم الانسانية.
كان الشهيد يتجول بشكل لافت للنظر في أعماق الخلاصات والاستنتاجات لاستيعاب القيم، ويدعو الجميع الى الوقوف موقف المتأمل الواعي لاستيعاب القيم الاصيلة واستعادة مايمكن استعادته من جديد بما ينطوي على مضامين وقيم تتجنب التعقيد وتسهم بشكل فاعل في تبديد الظلام والعتمة وفق التحليلات العلمية والتاريخية.
الشهيد فرنسو اختار ان يكون في حياته مقاتلاً صلباً صامدا في الخطوط الأمامية للمواجهة مع أعداء الكورد وكوردستان، لذلك تحولت مراسيم عزائه الى كرنفال جماهيري واسع شارك فيها اكثر من نصف مليون مواطن، حباً ووفاءً له.
 أثرى الشهيد المكتبة الكوردية بالعديد من الكتب والمقالات التي تعنى الحاضر المستند على المبادىء والقيم الانسانية الاصيلة، وكان يتعقب الاحداث لانه كان الصحفي المتنور الذي يثير الحراك في اتجاه الانتصار للحريات الاعلامية ولايحاول محاسبة احد على رأيه، وفي سجل حياته الحافل بالمجد وسيرته الذاتية وارتباطه بصناعة الاحداث نجده المثال العظيم للبطولة والتضحية، وعند وضع الحدث المأساوي الذي أودى بحياته في ميزان التاريخ، نلاحظ بان الشهيد يستحق كل التقدير والاعتزاز ونفهم من خلال ذلك بأن الماضي متصل بالمستقبل.. ولاننا نتعامل مع الواقع وحاجاته لتنفيذ مافي اذهاننا فإننا ندرك الرغبات والتطلعات نحو الشهادة التي هي اسمى رموز التضحية. في ذكرى إستشهاده نستذكر وفاءه واخلاصه للنهج الذي سار عليه دون أن يحيد عنه للحظة واحدة،
 


275
ماذا قدم الشيعة الأصدقاء للكورد؟
صبحي ساله يي
  بعيداً عن الحديث عن العلاقات القديمة أو التاريخية بين الشيعة والكورد والمصير والنضال المشترك والمظالم والمعاناة التي تعرضوا لها خلال عقود حكم البعث، وحميمية المواقف المعلنة، وبعيداً عن مواقف نبيلة سابقة لزعماء شيعة وكورد، وعن مضمون التسوية التي تسمى مرة بالسياسية وأخرى بالتاريخية، الذي جاء بها السيد عمار الحكيم الى كوردستان لعرضها.. وبعيداً عن الأخبار التي ذكرت في وسائل الإعلام بشأن الأحاديث التي جرت خلال لقاءات السيد الحكيم في أربيل والسليمانية، لأننا على يقين بأن الذي ذكر في الإعلام يختلف كثيراً عن الذي تم تداوله في الإجتماعات. هناك رسائل متبادلة بين الشيعة والكورد لا تتناولها البيانات التي تنشر، وطبعا السيد الحكيم ليس صاحب (كل) الشأن في الرسائل الشيعية والعموميات التي تحاول شق الصف الكوردي ودعم طرف على حساب الطرف الآخر، ليكون حملها الوديع، أو الجهات التي تريد تشديد الخناق على الإقليم، أو جزء منه من أجل إضعافه أو إجباره على القبول بشروط الشيعة في هندسة المشهد السياسي العراقي. لكن على ما يبدو ان السيد الحكيم يرغب ان يلعب دورا في تهدئة المواقف وإقناع الكورد بتأجيل الخطوة السياسية الضرورية أو لنسميها، أيضاً، بالتأريخية، رغم المآخذ الكثيرة على عبارة التاريخية. والإستمرار في إجراء الحوارات، حتى في حالة عدم التوصل الى نتائج.
   محور الرسائل الكوردستانية المكثفة الى بغداد تتعلق بملفات عديدة مختلفة تدور حول إستشعار الأخطار القادمة اليهم، والمحافظة على الحقوق، وعدم المساومة على المصالح الخاصة والعامة، وجميع ما جرى من ممارسات عدائية وغير الدستورية في عهد الحكومات السابقة تجاه الكورد، والخرق العمدي للتوافقات والإتفاقات، ومستقبل العلاقات بين المكونات بعد القضاء على داعش و التطورات المحتملة، والأسباب التي أدت الى فقدان الثقة بين الفرقاء والتفكير في فض الشراكة والتوجه نحو الإستقلال. وإختصار الطريق على الشيعة، دون خجل، والإعلان بشكل مباشر: إننا ماضون لإعلان دولتنا، لذلك ندعوكم لعدم الإعتراض أو التذمر أو الإنزعاج، لأن دولتنا الكوردستانية، شئتم أم أبيتم ستكون الجارة الشمالية لدولتكم.
  أما ما يريده الشيعة من الكورد فيدعونا ان نكون حذرين في التعامل معهم بتريث وهدوء، وبالذات الذين لهم مواقف عدائية واضحة بسبب الخلافات التي تدب في اوساطهم وتتسع بإختلاف الأجندات التي يتبعونها، لأن هؤلاء يريدون أن يقف الكورد في مزاد الرق العلني، ليكونوا عبيداً مطيعين لا يناقشون, لا يترددون, يفعلون ما يطلب منهم مهما كلفهم ذلك.
 السؤال ماذا قدم الشيعة الأصدقاء للكورد؟ غير المجاملات والحركات والسكنات والخطابات والزيارات وعقد الإجتماعات واللقاءات (التاريخية) حول موائد مستديرة ومستطيلة ومربعة، والتوقيع على مواثيق الشرف والوثائق والعهود والإتفاقات والوعود. والنتيجة قدموا الشهرستاني الذي برع في بيع الوهم، والمالكي الذي أراد ويريد إستباحة كل المحرمات، والذي سعى ويسعى الى تدمير البنى التحتية لمدنهم، دعا ويدعوا الى الأغلبية السياسية البرلمانية والحكومية، التي تعني حكومة وبرلمان الأغلبية الشيعية.
 


276
المنبر الحر / ما قبل الدولة
« في: 16:10 04/02/2017  »
ما قبل الدولة
صبحي ساله يي
 لايختلف إثنان على أن الأحزاب السياسية في كوردستان بحاجة الى وقفة مراجعة عملية حقيقية وشجاعة, ودراسة عمق الأحداث للعبور نحو المستقبل، كونها المعنية بتصويب الامور, وإتخاذ القرارات المناسبة, سواء أرادت تعويض الخسائر السابقة أم رغبت في عدم إلحاق الشعب الكوردستاني المزيد من الخسائر. وإعادة النظر في برامجها وأديباتها, بالتركيز على التنازلات والضمانات والتطمينات المتبادلة فيما بينها. لان كوردستان سفينة على متنها الجميع, فإذا ما غرقت فالجميع تغرق, واذا عبرت الى بر الامام فالجميع ينجو.
السياسة في المرحلة الحالية، التي تعتبر مرحلة ما قبل إعلان الدولة، تحتاج الى مناورات ذكية وتحالفات وفقاً للمصالح والمتغيرات، والتحوّل في السياسة (كما هو معلوم) ليس موضوعاً شائكاً أو مستحيلاً، بل ممكن، لو جرت بعض التعديلات والتغييرات على العلاقات بين الأحزاب السياسية غير المتفاهمة أو المتخاصمة. تحركات تزيل الشكوك ويمكن أن تلمس فيها آفاق الحرص على تطبيع العلاقات لبحث ومناقشة الموضوعات الحيوية الهادفة التي تهم الجميع.
هذه المرحلة تعتبر مثالية لإختبار المواقف والهواجس والنوايا عند الأحزاب القومية والإسلامية والشخصيات الوطنية، وستنتج عنها، إما صياغة رؤية مبدئية نضالية وطنية جديدة مستندة على أرضية الإستقلال والإستقرار، أو تفرز رؤية أخرى تستند في شكلها ومضمونها على النفاق والمراهقة السياسية وعدم الخبرة والدراية والمعرفة، والخيانة للثوابت القومية والوطنية والاستسلام الى الآخرين، وهذا الأمر لا يمر مرور الكرام، بل سينتج بدوره سجالاً ينذر بكارثة بسبب تداخل المتناقضات والمبررات والمسميات والأوصاف المعروفة..
 المسألة الرئيسية التي ينبغي أن تكون حاضرة الآن ليست السلطات الكوردستانية، ولا القوى السياسية التي تحكم في الوقت الحالي، وربما في الوقت القريب، بل إيقاف نكبة العلاقات السلبية بين الأحزاب الكوردستانية وإعادة الاعتبار للحضور الكوردي، وبالذات في وقت باتت فيه الحوارات الكوردية – الكوردية التي هي على الأبواب تشير الى النوايا الحسنة، وتبشر بإذابة جبل الجليد الذي تراكم بين بعض الأطراف، وإقتراب تحقيق التفاهمات وحل الخلافات بين المختلفين والمتخاصمين على أساس العودة الى اللحمة والإنسجام وتسامي الفرقاء فوق صراعاتهم، والتركيز على تصفير المشكلات عبر تسريع اللقاءات الصريحة والواضحة،  والمراجعات العميقة لطبيعة التطورات السريعة في المنطقة وإستبعاد ذكر أسباب المشكلات والجهات المبادرة بها والمفتعلة لها، أو اللعب بورقة المفاوض المنتصر الذي يفرض شروطه على طاولة التفاوض، أو الخاسر الذي يقبل بالشروط، كما تستوجب المرحلة، الإبتعاد قدر الإمكان عن صراع الأراء الشخصية والارادات والصراعات الحزبية  وجميع عوامل التوتر وازدواجية القناعات والأوصاف، من أجل إشاعة روح التسامح، وصياغة إستراتيجية موحدة تنظم علاقاتنا البينية من جهة، والعمل الجماعي من أجل تمتين وتطوير العلاقات مع الدول والشعوب المجاورة من خلال إختصار الطريق والزمن في تحركاتنا نحوهم وفي بناء المرتزات الأساسية لكياننا، من جهة أخرى، وهذه التوجهات تتطلب اللياقة والبراعة والحنكة والحكمة الدبلوماسية التي تبعث برسائل إطمئنان الى تلك الحكومات والى الكورد الموجودين هناك، لأن المصالح المهمة التي تربطنا مع الشعوب المجاورة تبدأ بتسهيلات السفر والتجارة والصناعة والزراعة والري والطب والسياحة وتنتهي في مشاركاتهم في الأعمار والبناء والنظر للأمور بواقعية لتطلعاتنا المشروعة في إعلان الإستقلال.
 


277
إثنان يبحثان عن الشهرة
صبحي ساله يي
البحث عن الشهرة، والحصول على مواقع مضيئة و متوهجة، غريزة عند الكثير من الناس، البعض يحصلون عليها بالصدفة، والبعض ينالونها بالتعب والتضحية، وبعض آخر يسلكون الطرق الملتوية نحوها، فيفقدون فيها المصداقية وعزة النفس والكرامة والأخلاق والإيمان، من خلال خلط الاوراق في خيالات أفكارهم وسراب طروحاتهم، وسبب هذا الكلام هو شخصان غارقان في وحل الحقارة والرذيلة، ينوحان بإنفعال شديد ويخرجان في كتاباتهما عن كل أركان الكتابة، يمارسان الإساءة والتلفيق والتطاول والتحرش اللفظي والتخوين والميوعة والإرتزاق وكل أنواع المزايدات السياسية.. مصابان بالخرف والكسح العقلي والنفسي، غارقان في عبادة الأوهام ويعانيان من عقد الإهمال والنبذ، يفتقدان الخجل والوجل ويستخدمان الألفاظ البذيئة والشتائم ويحشران نفسيهما في كل شيء، يفتقدان الذاكرة والاهتداء والتفكير السليم والقدرة على الاهتمام بالأهم قبل المهم.
الإثنان، الغارقان في بحر التفاهة، يضيعان وقتيهما وجهديهما في الكتابة بتغافل وحقارة وعدم إنضباط أخلاقي أو قومي أو مهني  ببعض المواقع الالكترونية بحثا عنها أي ( الشهرة). لذلك ينضحان بما فيهما.
  الأول مشكوك في إنتمائه القومي للكورد والوطني لكوردستان، وكنية والده الذي يعرفه الكثيرون من أهالي المدينة التي يسكنها، لا اللقب الذي يكتبه بعد إسمه، تدل على إنه غير كوردي وغير كوردستاني، وربما ماخفي هو أعظم. يضع في بعض الأحيان حرف الدال أمام إسمه رغم إنه حاصل على البكالوريوس، راجع القنوات الاعلامية الرئيسية والفرعية، المهمة وغيرها، الكوردية والعربية، وهو يحمل حقيبة مليئة بالمقترحات والخطط والمشاريع الوهمية وغير الواقعية، فرفضوه لأنهم كانوا يعرفون قدراته ونياته السيئة ورغباته في الفخفخة والجعجعة والكسب غير المشروع. فإنزوى ليمتدح من يتوقع منه أنه يدفع له ما يريد، ويهاجم آخرين ظناً منه بأنهم سيستدعونه لكي يطلبوا منه السكوت، ويدفعوا له حفنات من الدولات.
  الثاني، يدعي إنه ناضل وما زال يناضل من أجل تحقيق تطلعات شعبه في الحرية والإستقلال، وإنه حمل السلاح بجانب سين وصاد في جبال كوردستان ضد الدكتاتورية، ويقول: سين الان في الموقع الفلاني، وصاد يتبؤ المنصب العلاني.  بينما هو يعيش تعيساً على الهامش، مهملاً من قبل السياسيين والمسؤولين الذين (كما يقول)، كانوا يتقاسمون معه الخندق ورغيف الخبز وعلبة السكائر.. ويتناسى، ويريد أن ينسى الاخرون أيضاً، انه كان قبل انتفاضة آذار 1991، بسنوات، ذيلا لجاسوس بعثي ساقط، وكان يلقب بالأجرب، وعندما تم دعوة مواليده لأداء الخدمة في قادسية صدام، اختار الإلتحاق بصفوف البيشمركه، فرفضه الديمقراطي الكوردستاني وكذلك الاتحاد الوطني الكوردستاني، لمعرفتهما بتاريخه الاسود، فلجأ الى بعض أقاربه في حزب آخر كان يعاني من قلة الأفراد ويقبل بين صفوفه كل من يتوجه اليه، وبعد فترة إنشق أقارب الأجرب عن حزبهم، فإنضموا الى احدى الحزبين الرئيسيين، وبحكم وجوده بين أقاربه، إنضم هو أيضاً الى ذلك الحزب (كما يقال بالواسطة)، ثم لجأ الى الخارج، ومن هناك كتب الكثير من المقالات التي صب فيها جم غضبه وحقده على الحزبين الرئيسيين. ثم عاد الى الإقليم ناسياً ومتناسياً أقواله ومواقفه، وأذل نفسه بمراجعاته المتكررة للمسؤولين من أجل تناسي كتاباته ومسامحته والنظر اليه بشىء من الإحترام ومنحه موقعاً لايستحقه، ولكنه ما زال تعيساً ولم يحصل على شىء.
هذان الإثنان، المتشابهان في جلد الذات وضيق الأفق والإستهتار وضحالة وبؤس الافكار وفقدان الاحساس، والركوع والسجود أمام الدينار والدولار والتلهث وراء الاحلام الرثة والخيال المقرف والتطلع غير الشريف نحو الشهرة عبر تسلق شجرة الاعلام. ما يزالان مستمرين في الكذب والتلفيق وإتهام الآخرين بحثا عن الشهرة حتى لو كان عن طريق شخص يغضب عليهما ويشتكي منهما أمام القضاء، أو أشخاصاً يلكمانهما ويركلانهما كي يسجلا الشكاوي لدى الشرطة والمنظمات المعنية بشؤون وحرية الصحافة، لكي تنتبه اليهما القنوات الإعلامية. ولكنهما... حتى الآن لم يسمعا غير أصداء صوتيهما، ولم يشتك أحد منهما، ولم يجدا أحداً يوجه لهما ولو لكمة أو ركلة واحدة أو حتى .... . و (أنا)، لا أذكر أسميهما ليس خشية من ردود الأفعال، وإنما ترفعاً، ولكي لا أكون سبباً في شهرتهما وتعريفهما بأناس لايعرفونهما، وكذلك لكي لا أهين مقالي هذا.
 


278
كوردستان ومرحلة فتح الأبواب

  صبحي ساله يي
 الكوردستانيون يتطلعون بجدية وبعين الأمل والترقب الى جولة الحوارات المقررة أن تبدأ خلال الأيام القادمة بين الأحزاب السياسية، والى أي محاولة أو مبادرة تحافظ على النهج الوطني الديمقراطي الصحيح، ويعتبرونها خطوة إيجابية على المسار الصحيح، مسار الحوار والتفاهم وإحترام الآخر والتوقيع على إتفاق سياسي ملزم، يضع الأسس العملية للمشاركة الحقيقية في إدارة البلاد وصنع القرار،  ويلغي التشنج والفرقة والتباعد وتعميق الخلافات دون المطالبة بالإعتراف بأخطاء المرحلة السابقة، بل تجاوزها بحلول وطنية موضوعية، ودون ذكر وإستعراض المشكلات التي واجهة الاقليم خلال السنتين الماضيتين وأسماء وعناوين المتسببين وغاياتهم، لأن ذلك سيطول، خاصة لو ذكرنا آثار سياسات التحدي والتنافس التي أدت الى خسائر فادحة عديمة الفائدة. والتأكيد على أننا محاطون بمعارضين من جميع الجهات وسينشطون من أجل منع الإتفاق.
الاجتماعات واللقاءات التي ستعقد بين الاحزاب السياسية الكوردستانية، إن أكدت على ضرورة عدم إستمرار التهاون مع المشكلات أو حتى مسايرتها، وعلى تسريع الخطى نحو فتح الأبواب المغلقة والإجتماع في أروقة مؤسسات صناعة القرار، وصنع فرص جديدة للتعاون السياسي الأمثل بين الكوردستانيين. ستطلق إشارات إيجابية مشجعة على إمكانية إحتواء الأزمات بين الأشقاء ومعالجة القضايا العالقة والمستفحلة في البلاد منذ فترة. والنقطة الأهم في هذه الاجتماعات واللقاءات هي الاستناد على قاعدة المصالح العليا للاقليم وشعب كوردستان ومغادرة لغة التصلب والتشدد والغاء نظرية المؤامرة والاحتكام الى مبدأ المواطنة الحقيقية والمساواة في الواجبات والحقوق  لأنه الخيار الافضل والأسلم لشعب كافح لعقود متعددة ضد أعداء في منتهى الشراسة والوحشية.
الكوردستانيون ورثوا الكثير من الإنقسامات والصراعات والقضايا المثيرة للخصومة، لذلك فإن مصلحتهم القومية والوطنية تقتضي نسيان الماضي الجارح الأليم والتصرف بطرق حضارية تبقي الإختلاف مدنياً وسلمياً وإستخدام الطرق التي يتيحها القانون والمصالح العليا للشعب الكوردستاني حقيقةً. وحينما نقول أن مبدأ فتح الأبواب للحوار والتفاهم والإتفاق هو الخيار الأفضل والأسلم لكل الخطوات التالية، ولمعالجة غالبية الحساسيات والمشكلات والعقد والازمات. نرى ضرورة تعالي الاصوات الداعية الى تبني هذا المبدأ والتعاطي معه كواحد من أهم وأبرز الثوابت القومية والوطنية والسياسية، لأن ذلك ينطلق من رؤية شمولية جامعة وواسعة لطبيعة الواقع السياسي الكوردستاني وما يرتبط  به من حقائق ومعطيات وتطورات مستقبلية لايمكن بأي حال من الاحوال القفز عليها أو نكرانها أو التغافل عنها.
سياسة فتح الأبواب تعد المدخل الأساسي والصحيح للنجاح ولتحقيق طموحات وتطلعات أبناء كوردستان بعد عقود من الظلم والإستبداد والقهر والحرمان في ظل الأنظمة الشمولية والدكتاتورية التي تعاقبت على الحكم في بغداد في السابق، وهي  أي (سياسة فتح الأبواب) تفضي الى بناء الثقة بين الكتل والمكونات السياسية في كوردستان، وتعزز الحوار والتفاهم والتعايش السلمي بين مختلف المكونات الإجتماعية والسياسية، وتمثل خطوة مهمة لتحقيق الإستقرار السياسي في البلاد، كما تحقق وتعزز الحضور والدور الفعلي والحقيقي  لمختلف الكتل في إدارة وتسيير شؤون الاقليم بمختلف مفاصله، والإستقرار السياسي يمهد الى إستقرار أمني ورخاء وإزدهار وتقدم إقتصادي، ويؤدي الى التوافق والإنسجام في الرؤى والإتجاهات بين الكتل والأحزاب السياسية الفاعلة على الساحة السياسية.
 


279
نوري المالكي وتبليط البحر
       صبحي ساله يي
  لاتهمني أسباب زيارة نوري المالكي الى طهران، إن كانت زيارة خاصة أو بدعوة رسمية، أو بإستدعاء للتنبيه والتوبيخ، أو محاولة لتجميل صورته ورفع معنويات مؤيديه المنهارة بعد ردود الأفعال الجماهيرية الغاضبة التي واجهها خلال زيارته الأخيرة لعدد من المحافظات جنوب العراق، أم للإستجداء والتوسل، أوللتسول و طلب التزكية لتولي مهمة قيادة الحشد الشعبي، أو لإستغفال البعض وإبعاد الشهبات والإتهامات عنه في المستقبل، أو لمحاولة إفشال مبادرة عمار الحكيم الداعية للتسوية الوطنية، أو لتأخيرها الى حين يبتغيه، أو لإسقاط حكومة العبادي أوللإطاحة بمقتدى الصدر. لاتهمني بقدر ما يهمني أن نتكلم بالصوت العالي ونسمي الأشياء بمسمياتها، فنحن نعلم جميعاً ان المالكي الشخصية السياسية الأكثر خبثاً وكذباً، والأخطر في الساحة السياسية العراقية، لايمثل الشيعة في العراق، وعلى الرغم من تزويره للانتخابات بالمال الذي استحوذ عليه من قوت الفقراء وتوظيفه لوسائل إعلام وفضائيات وجيش من الصحفيين ومواقع الكترونية مشبوهة ونواب إنتهازيين، فانه لم يكن يوماً ناطقاً بإسم الشيعة، ولا يستطيع تحقيق حلمه في الولاية الثالثة. والذي يهمني أكثر إنه خرج علينا من هناك بتصريحات وقحة جادت به قريحته المزاجية ضد الكورد وضد إقليم كوردستان، داعياً البيشمركه الى الإنسحاب من المناطق الكوردستانية التي هرب منها الجيش العراقي بكل ماكان يملك من سلاح متطور وعتاد وإمكانات ضخمة أمام ثلة عفنة من الإرهابيين وسلمها لهم على طبق من ذهب.
 نوري المالكي على قناعة تامة بأن الجرائم الكثيرة التي إرتكبها بحق الشعب والوطن وبسسب الفشل الذريع في إدارة الدولة وبسبب هدر المال العام واستغلال السلطة لمنافع المقربين منه، لن تمر دون عقاب، وسيتعرض آجلاً أم عاجلاً الى المساءلة والمحاكمة وسيحكم عليه بالسجن لمئات السنين والإعدام لعشرات المرات، لذلك وبدلاً من إعتزال السياسة والإنزواء والإختفاء عن الأنظار أو حتى الإنتحار، يحاول أن يستغل الخلافات السياسية وأن يدق الآسفين بين الشيعة والشيعة، والسنة والسنة، والكورد والكورد. وفي هجماته وهجمات رهطه على الكورد والبيشمركه يقولون إنهم يقصدون الحزب الديمقراطي الكوردستاني والرئيس مسعود بارزاني فقط وليس كل الكورد، وينسون أن البيشمركه ملك وحبيب وحامي إرادة وتطلعات الشعب الكوردستاني، وأن الرئيس مسعود بارزاني رئيس كل الكوردستانيين. كما انهم (المالكي وأتباعه) يعولون على المواقف التملقية لبعض الكورد وعلاقاتهم الشخصية معهم. ولكن قادة للبيشمركه، وأعضاء بارزين في الأحزاب الكوردستانية ونواب في البرلمان العراقي ومواطنين كوردستانيين، قطعوا الشك باليقين حيث قالوا : المالكي وأمثاله، سيشنون هجمات على أراضي كوردستان، إذا امتلكوا السلطة، وهذه ليست المرة الاولى التي يطالب المالكي فيها قوات البيشمركه بالإنسحاب من المناطق الكوردستانية التي حررتها قوات البيشمركه بدمائها. وقالوا: من أخرج الكورد سابقاً من تلك المناطق هم أشخاص من أمثال المالكي (في اشارة الى صدام الأرعن ونظامه البائد), وقالوا: ما يتحدث عنه المالكي ليس إلا ضرباً من الخيال. وأضافوا: إذا أراد أمثال المالكي أستخدام القوة, فان قوات البيشمركه ستتعامل معهم كتعاملها مع داعش, لكننا نأمل أن لا يحدث ذلك, وان لا ندخل مرةً أخرى في مواجهات مع قوات عراقية. وتابعوا: يجب أن يتحلى القادة العراقيون بالعقلانية, وأن لا يدخلونا في حرب اخرى, لكن يجب أن نرد على المالكي بالمثل, وأن نقول له انك فعلت كل ماكان بامكانك ان تفعله ولم تحقق شيئاً، يجب ان تفهم بأن ما تفعله هو تماماً كما فعله صدام سابقاً, لهذا فإن مصيرك لن يكون أفضل من مصير صدام.
ما ذكروه تؤكد بالأدلة الدامغة بأن للكورد وكوردستان سياسة إستراتيجية ثابتة مع الآخرين كثبات جبال كوردستان، وستبقى كذلك مهما تغيرت الوجوه السياسية وتحت مختلف التسميات، أما التبريرات التي يطرحها المنتفعون من المنافقين السياسيين اللاهثين وراء المنافع الشخصية والقابعين تحت حماية البعض منها والمتنعمين بإمتيازاتها لهم، فإنها نكث للقسم وغدر بمن أمّنهم على شؤونهم.   
  وعودة إلى عنوان المقال، المالكي وتبليط البحر، نقول: لا نحتاج إلى الكثير من النباهة لتفسير الأمور، فإعلامه الأحمق دشن لعبارة تقول أن السيد الخامنئي وجهها لنوري المالكي وهي ( التاريخ سيسجل بصماتك في التاريخ العراقي)، هذه العبارة أصدق عبارة نسمعها من إعلام المالكي والمالكيين عموماُ، لو كان قد قالها السيد الخامنئي أو لم يقله، لأن التاريخ سيسجل بصمات الخراب والدمار للحرث والنسل والفساد والسلب والنهب الممنهج للمال العام في عهده، ويسجل تسليم ثلث العراق للمجاميع الإرهابية، ويسجل ان العراقيين دفعوا دماء أبنائهم جراء سياساته غير الحكيمة. ومع ذلك كله فإن تلك العبارة تعني أن المالكي أصبح من الماضي، وما يفعله من ضوضاء وضجيج من أجل العودة الى سدة الحكم ليس إلا محاولة لتبليط البحر، فهل يمكن تبليط البحر؟؟
 
 
 

280
على عتبة عام الإستقلال
صبحي ساله يي
  في مثل هذه الايام من كل عام، ننقسم، كما نحن منقسمين على أسس عدة، الى متحدثين عن العام الماضي ومتحدثين عن القادم، المتحدثون عن العام الماضي ينقسمون أيضأ، بين من يتحدث عن الأيام الصعبة والأليمة والخروقات الأمنية الخطيرة والخلافات والاخفاقات الاقتصادية والازمات السياسية التي تفاقمت والتجاوزات التي حصلت على حقوق الانسان وعن داعش وجرائمه الجديدة، وعن الفقر والبطالة والمصائب وحالة الغضب والانهيار والضياع والارباك والانقسام والصراع الذي وصل الى حد التصادم المباشر بين الاخوة، وفي أحاديثهم المليئة بالجهل والهراء يسدون بوجهنا كل المنافذ وكأننا نعيش في نهاية الدنيا. وبين قسم يتحدثون بنباهاتهم الذهنية عن النهوض والوئام والاصلاحات والنجاحات والمكتسبات والتصالح والإنتصارات التي تحققت، فيصورون الوضع وكأننا نعيش في كنف المدينة الفاضلة. بعضهم يذكر إيجابيات العام الماضي، ويحاول التذاكي في منع طرح علامات الاستفهام الكثيرة والمثيرة للسخرية وبطرق ملتوية، وبعضهم لايقبل بمناقشة الهواجس الشرعية والخسائر الميدانية التي تصل في الكثير من الحالات الى مرتبة الهزائم المجانية، وبمسوغاتهم وبأساليب وتبريرات صحيحة يريدون حسم النقاشات، وطي صفحة التفكير السلبي وشطب الحسابات الخاطئة التي تتكرر كل عام، ويريدون أن نتعلم من سياسة الإكثار من الخصوم.
أما المتحدثين عن العام القادم فأنهم أيضاً ينقسمون بين أناس يرون المشهد السياسي والوضع الاقتصادي والاجتماعي مغبراً وغائماً بل وعاتماً وقاتماً، ويربطون بين أجواء الفشل وبروز التشدد، وجعل المنطقة برمتها ساحة للصراعات الشوفينية والطائفية والاقليمية والدولية، ويرون الدنيا وكأنها على كف عفريت. وبعضهم يستعرض عضلاته ويتهم ويشتم كل من يخالفه ويتباهى باستدعاء الخلافات والعداوات التاريخية وينفخ في الثآرات الطائفية التي يندى لها جبين الانسانية، ومن خلال سطورعدة يمكن أن نتخيل حجم العنصرية المتجذرة في وعيه السياسي حيال الاخرين.
وبين هؤلاء وهؤلاء، هناك من يتحدث عن العام الماضي بإعتدال، يتحدث عن السلبيات والايجابيات، ويتمنى ولادة أوضاع سياسية جديدة، في العام القادم، أوضاع تنتشل البلاد من أزماته، ويقدم وصفة للنجاح الاداري والاقتصادي والأمني، يبني فيه الثقة بأنفسنا وبالذين يشاركوننا السراء والضراء، لكي نتجاوزالفشل.
وبما اننا نعيش في بلد ليس بالإمكان عودته الى ما كان عليه، وليس بإستطاعة أحد ان يحكمه بالحديد والنار،  ولايوجد فيه حزب سياسي أو قائد سياسي يعترف بالأخطاء المرتكبة ضدنا طوال ما يقارب القرن، وبما اننا ذقنا في هذا البلد كل أشكال وأصناف الويلات من جراء الشراكة المفروضة، وبما أن شركائنا لم يستفيدوا من كل التجارب الكثيرة والمريرة ولم يأخذوا منها عبرة مفيدة في التعامل العادل معنا، ويكررون الأخطاء السابقة ويضيفون عليها هفوات رفع  الشعارات العدائية والاستفزازية الخرقاء المناهضة لتطلعاتنا المشروعة، ولكي يكون العام الجديد، عاماً للإستقلال يتحتم علينا أن نصفي حساباتنا مع أنفسنا، أولاً، ومع الآخرين، تالياً،  لكي يكون عاماً مختلفاً مليئاً بالتفاؤل والعزيمة، تتهىء فيها الأجواء الداخلية اللازمة لإتخاذ قرار الاستقلال المدعوم بقوة الجماهير الكوردستانية، والتباحث بشأن هذه المسألة بشكل هادف مع كل الذين يهمهم الأمر في الداخل أو المحيط الإقليمي والتأكيد على أن الاستقلال لا يهدد مصالحهم وإنما يعني المحافظة على حسن الجوار والتصالح والتسامح ورعاية المصالح المتبادلة.
 


281
المنبر الحر / المعقدون في بلادي
« في: 21:44 21/12/2016  »
المعقدون في بلادي
صبحي ساله يي
أخطر أنواع الناس، هم المصابون بالعقد، وأبسط أنواع العقد تؤدي الى إنتهاج الصراع كوسيلة لتحقيق غايات معينة، والصراع بكل مستوياته يتحول الى بيئة خصبة لتوليد التناحر والمعاناة والمآسي، وإنتشاره يعني تحوله الى واحد من أكبر وأخطر التحديات التي تواجه المجتمع على الإطلاق، وبالذات عند إنجرار الكثيرين نحوه.
في أحايين كثيرة، يجلس الفرقاء المتخاصمون على طاولات، لحل العقد أو لعقد إتفاقات وتفاهمات، والتوقيع على تعهدات ووثائق شرف، تحرم الترويج للصراع أو الغور في متاهاته. ولكن في المقابل يبذل الممتهنون للصراع (المعقدون) جهوداً متناقضة بهدف ترسيخ المخاوف في الأذهان، وجعل الصراع ضرورة أولوية، وعقد العزم على خوضه مهما كانت النتيجة.
الصراعات بين الأحزاب تتعلق بالسعي من أجل الهيمنة وترسيخ المكانة والحصول على منافع ومكاسب سياسية ومناطقية وإنتخابية وأحياناً مالية وإقتصادية، لذلك بعض الأحزاب تجد نفسها، إن لم تتحرك بحذر شديد، متحالفة مع أحزاب وقوى مختلفة معها في غالبية القضايا ولها مآرب وأجندات متناقضة، ومتورطة في نزاعات خطرة وصراعات عبثية، وعند ذاك تجد نفسها ملزمة بدعمها ومساعدتها على حساب موقعها ومؤيديها.
الصراعات بين الأحزاب لاتختلف كثيراً عن الصراعات بين الأشخاص، فالذي لايتمكن بمفرده من تولي مهمة إضعاف خصمه والتأثير عليه، ولايريد أن ينبذ خلافاته ويلجأ الى الحوار والتصالح معه، ليطوي صفحات الماضي الأليم، أو بالأحرى لايستطيع نسيان عداواته وأحقاده الشخصية، يستمر في أخطائه ويحاول أن ينشىء تحالفات إنتهازية مؤقتة بحكم الأمر الواقع مع آخرين لا يرتبط بهم بوشائج، ويعقد صفقات ضيقة مع أناس لاعلاقة لهم بما يصبو اليه، ويتجلى هذا الأمر بوضوح في الممارسات الموجهة نحو الخصم أو الجهة المقصودة، وعندما لاتلوح الآمال في الأفق ولا تنقشع الغيوم، يفقد التوازن وتنتشر الإختلالات ويسهل الإنزلاق نحو الفوضى والتعجرف، وأثناء الفوضى يصعب إحتواء الحراك الذي سيتحول الى عراك، وعندها تزداد المخاطر. وفي نهاية المطاف، ودون تحقيق النتيجة المرجوة، تدور رحى الصراعات داخل العقول دون حسم، وتتحول العقول الى عقول عنيفة تحاول حسم الأمور بالقوة والعنف.   
أساس الصراع يكمن في (أنا) الحق، والمدافع عن حقوق الاخرين، وما عداي هم فاسدون وخونة يمكن أن نصفهم بأبشع صفات الإنحراف، صفات تولد الكره والبغضاء داخل نفوس الناس، وتزرع حالة من الإنقسام السياسي والمجتمعي، وهذا ال (أنا)  يسمح لصاحبه أن يشرعن لنفسه ما يريد ويرغب ويشتهي. وفي تلك الحالة فإن الإعتدال في مواجهته أو تفكيكه قد لا يكون كافياً، لأن الفكر الهدام النابع من رؤية خاطئة وقراءة شيطانية للأمور، صنع لنفسه تحصينات ملوثة لعقول البسطاء ومتناسبة مع إحتياجاتهم ومتفقة مع أفكارهم. لذلك يحتاج الى جهود قوية لإلحاق الهزيمة به وتفكيكه..
ماذكرته أعلاه بشأن الأحزاب والسياسيين، ينطبق على بعض الكتاب وبعض الصحفيين وجميع الذين ولدوا من أجل التصارع وإنتهاك الحقوق وعاشوا دون أن يتعلموا ألاعيب السياسة وفنون الصحافة والإعلام، يبحثون عن المشكلات، بل يختلقونها لكي يصبحوا جزءاً من حلها، لكنهم سيموتون دون أن يحققوا غاياتهم وما يصبون اليه..
 


282
العراق جامع التناقضات
صبحي ساله يي
حينما تحرر العراق من براثن دكتاتورية صدام وحزبه الفاشي، كانت التقديرات تشير الى أن العراق سيبتعد عن الزوابع وغبار الصدمات، وستندمل جراح العراقيين وتنتهي آهاتهم، وسيعيشون في ظل دستور يكتبوه وحكومة ينتخبوها،  وسيسيرون نحو شاطىء الأمان والديمقراطية. لكن الرياح سارت كما لم يتوقعه الكثيرون، حيث تحول التفاؤل الى إحباط، وتدهورت الاوضاع، وإختلطت الاوراق وعمت الاضطرابات وزادت التدخلات الأجنبية، وتعمقت الجراح بسبب الأخطاء الفادحة وتأثيرات النظام السابق على السياسيين وتراجعهم عن وعودهم، وإنقلاب بعضهم على البعض الآخر وعلى الشعب، وتشابك مصالحهم الشخصية والحزبية مع المصالح العامة حتى وصل الصراع والإحتقان الى ذروتها في عهد مختار العصر. مع ذلك مازال البعض (السنة) يحلم بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، أو يريد أن يخفي النيران الملتهبة وتهدئة النفوس بخطابات التسامح والتصالح وأخوة الوطن والمصير المشترك، ويعتبر الأحداث الماضية، مؤامرة إستهدفت الجميع في غفلة من الزمن، أما البعض الاخر(الشيعة) فيتشبثون بما حصلوا عليه من نفوذ وسلطات وأموال ويريدون أن يعوضوا عقوداً من الحرمان، بينما آخرون (الكورد) يريدون أن يعيشوا في وطن يحترم فيه الدستور ولا يعتبرون فيه مواطنين من الدرجة الثانية، لذلك ينادون من أجل إعادة رسم خرائط جديدة لينالوا حقوقهم الطبيعية، ويرون التقسيم طريقاً حتمياً نحو التحرر.
المتشائمون والمتفائلون، تتطاير منهم أفكار كثيرة، متشائمة ومتفائلة ولكل منها مبررات تصل الى حد الإقناع والإقتناع، بعضهم يرى أن الأمور ستسير على حالها، والعراقيون سيخوضون صراعات بينية تدمر فيها الأخضر مع اليابس حفاظاً على وحدة دولة لم تكن موحدة أبداً، بينما غيرهم يرون النصف المملوء من القدح، ويناقشون بإسهاب أسباب فشل التجربة الفدرالية، ويؤكدون على أن الوحدة الفاشلة باتت غير مطلوبة، وأن حل جميع المشكلات والمعضلات يكمن في اللجوء الى ممارسة حق تقرير المصير.
الأفكار التي تدور في فلك المنطق والعقل والتي تقترب من مناهج تستند إلى الواقع وتعبر عن تطلعات مشروعة، تؤكد على أن التقسيمات المجحفة التي حدثت بعد الحربين الكونيتين الاولى والثانية كانت تتناسب مع مقتضيات الحال (في ذلك الوقت) حقناً للدماء، ولكنها لا تصلح أن تكون نموذجاً لما حصل بعد الحرب الباردة، ولاتتناسب مع تطلعات المكونات الرئيسية الثلاث في الحصول على كيانات سياسية خاصة بها، لأنها (المكونات الثلاث) تريد تسخير طاقاتها في البناء والتنمية، بدلا من حشد الحشود والتهيوء للتقاتل مع الآخرين.
الدلائل تشير الى وجود رغبات للجلوس على طاولات التفاوض، وتجربة فكرة الاعتراف بالحدود التاريخية، والغاء الخرائط غير المبررة وإعادة ترتيبها وتركيبها من جديد، طالما أن ذلك سوف يتجاوز الاختلاف ويمنح الجميع الأمان والسلم الأهلي والإستقلال والسلطة، ولكن هناك أيضاً، أناس متمسكون بآراء خادعة ومخادعة، يتاجرون بالوطنيات ويبحثون عن الإطمئنان في بحر الأوهام حفاظاً على مكتسباتهم السياسية والحزبية، يتمسكون بالمستحيل ويهربون نحو الأمام ويريدون فرض الشراكة من خلال محاججات الغرور والسلوك القاتل، والإلتفاف على جوهر المشكلات بحجة عدم وجود خطوط واضحة وغياب الرؤية الكاملة وعدم وجود حدود واضحة بين المكونات الثلاث، ودعم كيان كان على الدوام مدعاة للتناقض والتعاكس.
وبين هؤلاء وهؤلاء، هناك اناس يدركون ان العراق ماض الى التقسيم، لا محالة، لذلك يتبنون هذه الحقيقة ويضعونها في حساباتهم الآنية والمستقبلية ويتصرفون على ضوءها اختزالا للوقت وتوفيراً للطاقات، ويعتبرون التوصل الى رسم الحدود الواضحة بطرق ومقاسات معينة بين المكونات ممكنا بل وسهلا من خلال الإحتكام للعقل، وعقد العزم على تسوية المشكلات، لأن المشهد السياسي العراق لن يتحمل المزيد من تناقضات التسويف والمماطلة وضياع الجهود.


283
ماذا جنى الشيعة من (الحكومة الشيعية)؟
صبحي ساله يي
في الإذاعات والفضائيات والإجتماعات والندوات نسمع كلمات ومصطلحات متناقضة مع الواقع، وفي المواقع الالكترونية والصحف المختلفة نقرأ تعابير متخلفة تدل على أن كتابها لايدركون الشواهد الراهنة والمعاناة، لذلك يصدقون الأكاذيب واشتباكاتها ويكذبون الحقائق وصراعاتها والظروف وملابساتها. من بين تلك المصطلحات والتعابير التي سميناها بالمتناقضة والمتخلفة، عبارات صعبة ومعقدة تقول أن الشيعة يحكمون العراق وأن الدولة والسلطات تخضع للهيمنة والسيطرة الشيعية، والشيعة الذين إعتادوا على أن يدفعوا فاتورة شيعيتهم، يظلمون الآخرين.
بعد إسقاط صدام، وصل الكثير من سياسيي الشيعة الى مواقع المسؤولية، ومناصب حساسة، وبسبب سوء النيات وإنكفاء البعض على ذاتهم وانشغالهم بمشاكلهم الخاصة والجدل السياسي العقيم والمزاعم المثارة من قبل غالبية الأطراف، إحتل أحدهم، ويدعى ( نوري المالكي )، في وقت واحد عدة مواقع مهمة في الحكومة، وبات اللاعب الشيعي الأكثر حيلة وتحركاً على الساحة السياسية، والأبرع في خداع البسطاء من الناس وربطهم بدوامة الخضوع لإرادته بأسم الله والدين والمذهب، وأصبح الأكبر فشلاً في إقرار الأمن والسلام بما يكفل للمواطن حريته في النوم الهادىء في داره، وسيره في الشارع دون توجس، وفي عمله دون وجل، وإستولى على المال والسلاح، فحول مع المحيطين به طوال ثمان سنوات عجاف، محنة الشيعة الى مكاسب ذاتية وحزبية والى منح مالية ومادية لأقاربه وأتباعه ومؤيديه، وفي عهده تم إستغلال المناصب للفساد والافساد والنهب والاثراء غير المشروع، والترهيب والكذب والتبجح .
ولكن، عدا الذين  حصلوا على مكاسب أو مناصب على حساب الوطن ومصالحه، ماذا جنى الشيعة من حكم يسميه البعض ب ( حكم الشيعة )؟
في المناطق الشيعية الواسعة التي كانت محرومة من كل شىء، لم يتم تشييد البنى التحتية الارتكازية، كالطرق والجسور، ومحطات توليد الطاقة،  كما تم تعطيل المصانع التي كانت تعمل. وعلى مدى ثمان سنوات عجاف من حكم المالكي عاش الكثير من المواطنون الشرفاء في جنوب العراق الزاخر بالخيرات، على ضوء الفوانيس عاطلين عن العمل وهم يواجهون البرد والحر دون ساعة راحة مع شبح الجوع والعوز والحاجة والبؤس، ومحرومين من السكن الصالح الذي يليق بإنسانية الإنسان، ويشربون المياه المالحة وغير الصافية، محرومين من البيئة النظيفة الخالية من المستنقعات، والحفر، والمطبات، والبعوض والذباب، والإمراض، وما زال الكثير منهم يعيش في مساكن من الطين والبردي والقصب أو من الصفائح، وحتى الذين يعيشون في المدن والقرى المهملة غالبيتهم يعانون من الأتربة والغبار ومن مصاعب العيش في الازقة المملوءة بالعفونة والمياه الآسنة.
الاطفال والمعلمون والمدرسون لم يشاهدوا مدارس عصرية تتوفر فيها الإنارة والتدفئة والتكييف، والمناهج الجديدة أو طرق التدريس الحديثة.
المشافي والمستوصفات القليلة عانت من قلة الأطباء وشحة الأدوية اللازمة والكلاب والقطط السائبة والصراصير والفئران والأجهزة القديمة العاطلة، وكانت النظافة فيها رجساً من عمل الشيطان.
أما الفلاح فقد حرم من المكننة الزراعية والبذور المحسنة والاسمدة الكيمياوية، وعانى من الآفات وهدم الترع وإنسداد المبازل.
وأخيراً نقول: في غمرة الأحداث التي نشهدها، تستحضر الذاكرة العطاء الثر والتضحيات الكبيرة والمواقف الوطنية التي قدمها الشيعة عبر مسيرتهم الطويلة على طريق الحرية والعدالة ومقارعة الظلم، نرى السياسيين المعارضين للمالكي، أو الذين لايؤيدونه فإنهم لم يستطيعوا حتى الان ترتيب صفوفهم وتحالفاتهم وفقاً للدروس المستفادة والمعطيات التي أفرزتها المحاولات المالكية، ولم يستطيعوا تجاوز المؤامرات التي حيكت من قبل المالكيين، لذلك يصعب عليهم الإحتفاظ بزخم علاقاتهم مع الكورد، وتسوية خلافاتهم مع العرب السنة. ولكن المؤكد الذي لايقبل الشك هو أن قاعدة بوصلة الموقف الشيعي ستمضي نحو الإتجاه الصحيح، ولاتنسى الذين عاثوا في الارض فساداً، والحقوا الأذى بالحرث والنسل، وإن كانوا يدعون الشيعية ويرفعون شعارات (ما ننطيها) و(أنا ولي الدم) و(قتل سبعة مقابل سبعة) ويتحدثون عن استمرار الصراع بين أنصار الحسين وأتباع يزيد، وستجعل من طموحات المالكي المصاب بجنون العظمة، سحابة صيف لا تلبث ان تنقشع دون قطرة ماء. 
 

284
لا تسويات في العراق... لعدم وجود ديكليرك

صبحي ساله يي
الحديث عن التصالح والتسامح وتسوية الخلافات في العراق لايشبه أي حديث آخر، والحديث عن العنف والإرهاب والفساد والإفساد والتفسيد هو الآخر مختلف عن الأحاديث الأخرى، وكذلك الحال بالنسبة الى العفو عن الارهابيين والتصالح معهم وعن الفاسدين ومسامحتهم.
حماية الشعب ومنع تعرضه للذبح، وتعرض الوطن للتدمير، هاجس الكثيرين، ولكنه يتوجب التوجه نحو تشريع قوانين صارمة والتخلي عن أمور حتى لو كانت متعارضة مع الدستور والقوانين السارية، وهذا الأمر مطبق ومنفذ في الكثير من دول العالم.
العراق يتعرض منذ سنوات الى هجمات إرهابية ظلامية مدعومة من جهات خارجية ومسنودة من أطراف محلية تكفيرية وبعثية صدامية. الإرهابيون نفذوا جرائمهم البشعة في كل المحافظات بمفخخاتهم وأحزمتهم الناسفة وعبواتهم المتفجرة وهاوناتهم القذرة، وإحتلوا مساحات واسعة من الأراضي وهجروا وشردوا وذبحوا وقتلوا وأسروا وإغتصبوا وهدموا وسرقوا وفجروا، وذهب مئات الآلاف من المواطنين الأبرياء بين شهيد وجريح. أما الفاسدون فقد عاثوا فيه وسرقوا ما يمكن سرقته ودمروا ما يمكن تدميره، ولم يتم القبض إلا على عدد قليل من هؤلاء الأراذل.
بعض المسؤولين غير المهتمين وغير المبالين والذين يشعرون بالراحة والسرور جراء تسهيل العمليات التي تحقق مصالحهم ومنافعهم الشخصية والحزبية، وكذلك الذين كانوا وراء تفشي الفساد وتفاقم الإرهاب ومدوهم بالسلاح والمال والدعم اللوجستي وتأمين الملاذ الآمن لهم، يدافعون عن الإرهاب ويخونون الشعب ويتساهلون مع العدو لذلك نراهم يطالبون باطلاق سراح القتلة، كمقدمة للمصالحة مع الذين غزوا وسبوا، ومع الذين إستقبلوا وساعدوا وأرشدوا الدواعش.
أما المسوغات التي يقدمها هؤلاء المتطاولين على حرمات الإنسان، ما هي إلا حجج واهية واضحة ومفضوحة تحاول التغطية على أحداث أعد لها بأشكال غير جيدة، ويراد تنفيذها بدون حياء أو إحترام للدين ودون تقدير العواقب، وخيوطها تكشف زيف إدعاءاتهم.
أما المسؤولين الذين ينجزون ولو جزءاً من مهمتهم التي كلفهم الشعب بها، ويؤدون قسماً من الأمانة التي يتحملونها، فهم إما لايريدون أن يضعوا أنفسهم في خلاف مع الداعمين للإرهاب والفساد خوفاً من النتائج، وإما إنهم إختاروا الصمت، إيماناً بمقولة (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من الذهب) وفعلاً يتوقعون الحصول على الذهب مقابل السكوت.
الجدل حول التسوية التي تسمى أحياناً بالتاريخية، ليس وليد اليوم، وليس بحاجة الى عمل بهذا الشكل التمثيلي، فالمحاولات الكثيرة السابقة التي بذلت من قبل أناس كانوا يريدون أن يؤدوا دور مانديلا العراق، وما كانت لتفشل لو لا مواقف العراقيين المختلفة جذريا بشأن المشمولين بالتسوية والتصالح والتسامح، وإختلاف مواقف المسؤولين، لأن بعضهم يريد إستغلالها لأغراض إستعراضية والظهور في وسائل الإعلام والبكاء الصارخ لتعزيز موقعه وبالتالي للتغطية على زيفه والحصول على إمتيازات أكثر، ومنهم من يتوقع أن الجمهور الذي إنتخبه هو المتضرر والخاسر الأكبر في هذه التسوية، لذلك يرفضون المشاركة في عمل موجه ضد العدالة والإنسانية، والتوقيع على وثيقة تدفع المتهمين بالإرهاب وكذلك الذين إنتهجوا القتل والذبح والتنكيل والفساد والإفساد، والقابعين خلف القضبان، نحو الحرية، وثيقة تمس حياة ومستقبل البلد وتمنح الحق للمجرمين لكي يسرحوا ويمرحوا ويعيدوا إرتكاب جرائم أخرى مشابه وربما أكثر فضاعة مما إرتكبوه، كما إنهم لايريدون تبييض صفحات الفاسدين وسراق المال العام عبر إغلاق آلاف ملفات الفساد رغماً عن أنف القضاء وتمرير الجرائم دون تطبيق العدالة، بحجة التسوية.
وختاماً نقول :   
لا يمكن ان يكون العراق كجنوب افريقا ولا أحد يمكنه أن يلعب دور نلسون مانديلا، أو دور المطران ديزموند توتو رئيس اللجنة المكلفة بالاشراف على لجنة المصالحة والحقيقة، لأنه ليس هناك شخص يتصف بشجاعة ديكليرك (رئيس نظام الفصل العنصري في جنوب افريقا الذي كان أول من إعترف بالذنب وعين نائبا لمانديلا، عندما فاز مانديلا في الانتخابات وأصبح رئيساً).
 


285
الاستفتاء في كوردستان وتأييد الشرفاء

صبحي ساله يي

  في وقت كان العراق يشهد مآزق وأزمات سياسية وأمنية كثيرة، وكان فقدان الثقة والخلاف والصراع بين مكوناته من السمات البارزة في الميدان.  فكرت النخب السياسية الكوردستانية في المستقبل، وتناست ما لحق الشعب الكوردي من المآسي والويلات، وشاركت في وضع اللبنات الاولى لبناء عراق جديد فدرالي ديمقراطي  يتسع للجميع دون تمييز، وعملت بجد ومدت يد العون والتعاون الى الشيعة العرب والعرب السنة، ولكن ظهر بين صفوف هؤلاء الشيعة والسنة على حد سواء، شخصيات تحمل توجهات طائفية وعنصرية أخذت تعمل بإتجاه الهيمنة على الحكم والتفرد به وتحرض من أجل إشعال نار الفتنة القومية، وتهميش الكورد والإستعلاء عليهم، وعدم الإلتزام بالدستور، خاصة فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها والتعداد السكاني وقانون النفط والغاز والمستحقات المالية للإقليم، وباتت (تلك الشخصيات) تعتاش على الصراعات وتغذي الفساد في غالبية المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية، وبموازاة تلك المصائب أصبحت الحكومة عاجزة عن حماية المواطنين من التهديدات الخارجية، وباتت أجهزة الأمن لاتستطيع أن تحمي نفسها والمواطنين من السراق والمجرمين والقتلة الارهابيين. أما البرلمان فقد ترك وظيفته الأساسية التي هي سن القوانين والتشريعات ومراقبة أداء الحكومة وإتجه نحو إخداع المواطنين والصراع مع الحكومة والحصول على الإمتيازات لأعضائه. وفي الشارع العراقي ساد الفقر والتخلف والأمية والعوز والمرض والنهب والسلب والخرق  الأمني والإقتحام المتكرر للسجون لإطلاق سراح المدانين والمجرمين والإرهابيين الشرسين،  وأصبح العراق أرضاً خصبة للارهاب.
بإختصار، وصل كل شىء الى حافة الهاوية، وتعرضت العملية السياسية للإنقلاب، بسبب محاولات الإستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد والتحكم بجميع مفاصل الدولة من هيئات ووكالات ومفاصل أخرى وتحويله الى حكم الحزب الواحد، وفرض الامر الواقع، وتباينت وتراجعت العلاقات بين القوى السياسية وإنعدمت الثقة بين المكونات الأساسية، وتبدلت المواقف وتغيرت تجاه مستجدات عموم المشهد السياسي.
اليوم تشهد الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والإجتماعية تحولات وتبدلات  مهمة وواضحة، والوضع الإقليمي معرض لإهتزازات، والملفات المتداخلة تؤثر على التحولات وتأجيج الصراعات، وتمهد لتسويات تاريخية ولرسم خارطة جديدة في الشرق الأوسط.
الكوردستانيون الذين لم ينعموا بالراحة والإطمئنان أو بحقوقهم الدستورية، دفعوا أثمان إلحاقهم بالعراق، رغماً عنهم، بموجب إتفاقية سايكس بيكو السيئة الصيت، يفكرون الآن بمنطق العقل ويريدون التوجه نحو تقرير مصيرهم،  وهم على ثقة تامة بأن الشرفاء أينما كانوا سيؤيدونهم ويساندونهم، يريدون الإستقلال عن عراق لم يحترم إتفاقاته معهم، عراق لايخرج من أزمة معهم الا  ويفتعل أزمات أخرى ضدهم، عراق قصف في سبعينيات القرن الماضي مدن وقرى كوردستان بالنابالم والبراميل المتفجرة وقام بالترحيل القسري للقرى والقصبات الكوردية على طول الحدود مع تركيا وإيران، كما هجر الآلاف من الكورد الفيليين بحجة عدم الولاء للدولة والتبعية لإيران، وقام بقصف حلبجة بالغازات السامة، وأذاب عظام المئات من شباب الكورد في أحواض الأسيد،  ونفذ ثمان عمليات ظالمة سماها زورا بالأنفال حيث راح ضحيتها أكثر من مئة وإثنان وثمانون ألف إنسان تم دفنهم وهم أحياء في مقابر جماعية في مجاهيل الصحارى.. عراق قام  بقطع رواتب الموظفين والعمال والمتقاعدين الكورد، وحصة الإقليم من الموازنة السنوية، عراق أرغم الانسان الكوردي على عدم شعوره بالمواطنة.
 
 
 


286
المعارضون الكورد ...
لحقوق الكورد
صبحي ساله يي
الأوضاع السياسية الحالية في كوردستان لها ملامح وصفات لاتحتاج الى عقول راجحة لرؤيتها وتشخيصها، كونها تعكس ما تتمتع بها بعض النخب السياسية من الثقة الكبيرة بالنفس وبالآخرين وإعتمادها الثابت على نتائج ومعطيات الأحداث وقراءة المستجدات، كما تعكس ما يعانيه البعض الآخر من عدم الثقة بالنفس وبالآخرين وعقد التاريخ والسلطة والخوف والتوجس والتناقض الصارخ والمفارقات العجيبة.
في الساحة السياسية أحاديث متناقضة تدور حول مصير الكورد في مرحلة ما بعد داعش، ولكي لانبتعد عن التعميم، هناك أناس أخيار سيماهم في وجوههم وفكرهم وتضحياتهم وطروحاتهم وبياناتهم المعتدلة، يريدون أن ننهض وننفض غبار الزمن القاسي، ونعلن عن رغبتنا في تقرير مصيرنا وإنشاء دولة كوردستانية مستقلة عبر الحوار مع بغداد وغيرها. وهناك أناس مزاجيون قادمون من عتمة الأحلام المجانية، يعارضون الفكرة من الأساس ولكنهم لايعلنون عنها، يعملون وفق مفهموم التغابي من أجل نشر الفوضى والفساد، لذلك يخلطون الأوراق ويروجون لإدعاءات وفرضيات غير طبيعية لتشتيت الأذهان، ويتعذرون بعدم الأهلية، وعدم ملائمة الظروف الاقليمية والدولية، وعدم إستكمال البنية التحتية، ووجود التوترات والخلافات في الساحة السياسية الكوردستانية والاقليمية والدولية، وعدم وجدود وثيقة أو بيان صادر من قبل الدول الكبرى تؤيد إعلان إستقلالنا، ويتناسون ان المكسب مهما كان حجمه لايتحصل بدون تضحيات، وأن الذين ساندوا تيمور الشرقية وجنوب السودان، بالأمس، وجعلوهما دولتين مستقلتين، رغم أنهما لم تكونا مؤهلتين أكثر من كوردستان، سياسياً وإقتصاديا وثقافياً وإداريا، سيساندوننا، غداً،  في حال إصرارنا على حقنا المشروع في تقرير مصيرنا.
الظروف الذاتية والموضوعية القادمة تكون فيها إيجابيات يمكن إستغلالها لصالحنا، لو إبتعدنا عن الغباء وتصالحنا مع أنفسنا ولجأنا الى إنتهاج الجرأة والشجاعة والصراحة تجاه جميع القضايا. أما المشكلات والأزمات والخلافات السياسية الداخلية فجميعها وقتية وستزول في القريب العاجل، لأن أبواب حلها عبر النقاش والحوار والتفاهم غير موصدة، ولأن الخيريين أكثر بكثير من السيئيين وضعاف النفوس.
الذين حاولوا خلال السنوات الماضية تبديد خوفنا من ذكر تقرير المصير وإشغالنا بهذا المشروع (المشروع)، وأكدوا مرارا على هذا الحق الطبيعي، كثيرون، يبدأ بكتاب وصحفيين وشعراء ومثقفين وسياسيين كورد، وعرب وأجانب شرفاء ومحترفون، وينتهي بوزراء ونواب ورؤساء أحزاب وحكومات ودول، يريدون لنا ما يريدون لأنفسهم وأقوامهم، أو في الأقل جزءاً منها، لأنهم على يقين بأن مشاريعنا  مشروعة، وإننا أناس مسالمون لنا رؤية ثاقبة لاستراتيجيات المنطقة ومنعكساتها، ومصالحنا وطموحاتنا لا تتناقض ولا تتعارض مع مشاريع ومصالح الأقوام والشعوب والدول الموجودة في المنطقة.
ولكي لايكون الكلام عن (تقرير المصير) مجتراً ومملاً وذو مردود سلبي، ولكي لانسمح للرافضين له، أن يدافعوا عن اللا حق واللاعدالة ويبعثوا ويسفهوا الأفكار الجدية، وينتقدوا الداعين له وليوحوا بأن تقرير المصير أمر مستحيل، ولكي لا نقف عند اتهامات عائمة فقط، خوفاً من لومة لائم أو السقوط في مطبات الطعن والتشهير، لابد من تسمية الكورد الخونة الذين يعارضون حقنا في تقرير مصيرنا بأسمائهم الحقيقية والصحيحة وعرض ملفاتهم ووضعهم في دائرة الاتهام تمهيداً لنبذهم وعزلهم ورجمهم، لأن جميع التشريعات الأرضية والسماوية لا تمنح الحق لأي شخص مهما يكن أن يخون تطلعات شعبه، ويتعاون مع الذين يعادونه.
 

287
القارون قبل وبعد داعش...
من لا شئ إلى لا شئ
صبحي ساله يي
لا أعرف من أطلق لقب القارون على مختار العصر نوري كامل المالكي، لكني أشد على يده وأبارك له براءة الإختراع، لأن المالكي حقاً يشبه القارون الذي كان من قوم موسى عليه السلام، الذي كان ظالماً لقومه وبلغ درجة كبيرة في الثراء ويمتلك مخازن من الذهب، أمواله غرته فتكبر وتجبر وبغى، والناس في زمانه كانوا في ذهول من أمواله، وكان يعتقد أن أمواله لا تنتهي، وأنكر فضل الله سبحانه وتعالى عليه، فانشقت الأرض وابتلعت أمواله وبيته وخزائنه.
أما مختار العصر(صاحب عبارتي ما ننطيها، وأنا ولي الدم)، القائد الضرورة،  بائع العراق للإرهاب، والجامع للأموال من قوت الشعب، الطامع في المنصب والكرسي الأول في العراق، الغائب عن المصالح العامة, فقد غدر وإحتال على أصدقاءه في حزبه، وعلى حزبه في مذهبه ووطنه، وعلى أبناء مذهبه وسمعتهم وتضحياتهم في أمتهم, وأوهم الكثيرين بشعاراته الزائفة مستخدماً ماكينته الإعلامية العلنية، (وجيش الكتروني قوامه خمسة آلاف مرتزق) بأنه منقذهم وقائدهم الأوحد.
القارون، قبل الدواعش، أربكت التحولات السريعة في حياته، مخه وعقله، فأصيب بجنون العظمة. إستصغر الانسان العراقي واستحقر العقلية الوطنية وأسس منظومة متكاملة ومتنوعة للفساد والإفساد، وتتالت هزائمه السوداء حتى سلم ثلث أراضي ومدن البلاد للدواعش، بحيث لا يتجرأ أحد أن يكتب له في التاريخ نجاحاً أو إنجازاً ولو بكلمة واحدة على كل الأصعدة السياسية والعسكرية والأمنية والتنموية والإجتماعية.
 اليوم من يسمع خطاباته وتصريحاته وصوته المبحوح والمأزوم، والذي يعتاش على التناقضات وهو يتحفز بكل قواه غير الشرعية، لكي يسيطر مرة أخرى على رقاب العراقيين ويحكم كما يريد، ويطالب بالعفة والإصلاح وإسترداد الأموال المنهوبة والمهربة الى الخارج والقضاء على الفساد والمفسدين من أجل تبييض وجهه غير الأبيض، يشعر بالتقزز ويرى أنه (المالكي) مريض مصاب باللوثة الداكنة القاتمة، يدق في نعشه مسامير أفعاله المشينة، ويتأكد إنه ( المالكي) فارغ أجوف جاء من لا شئ وانتهى إلى لا شئ.
بعد دحر داعش، سيحاكم لتسليمه الموصل وتكريت وأجزاء من ديالى وكركوك والأنبار للدواعش من أجل الحصول على الولاية الثالثة، وسيحاكم لأنه تسبب في إزهاق أرواح الآلاف من الأرواح البريئة، وأهدر مئات المليارات من الدولارات من أموال العراقيين، هرب المئات من المجرمين القتلة من السجون العراقية، وتجاوز على القوانين والدستور في كافة المجالات وتسبب في تفشي النعرات الطائفية والقومية المقيتة.
بعد داعش سيكون مصيره لمصير قارون.

288
المنبر الحر / كركوك والبيشمركه
« في: 18:46 26/10/2016  »
كركوك والبيشمركه
صبحي ساله يي
ما حدث في كركوك يوم 21/10/2016من عمليات إرهابية، كانت منتظرة، وطريقة التعامل معها من قبل أبنائها الشجعان كانت متوقعة أيضاً، لذلك لانتحدث عن تواجد الإرهابيين فيها كخلايا نائمة أو مستيقظة، ولا من أين دخلوا، وكيف وصلوا الى المواقع المحددة، لأن العديد من  الاسئلة تطرح نفسها، منها لماذا هذا التوجه في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا هذا العداء الداعشي ضد الكورد؟ ولماذا هذه الخطوة البعيدة كل البعد عن كل الحسابات العسكرية؟ وماذا بشأن احتمالات تكرار العمليات الارهابية؟ خصوصاً وأن الدواعش مازالوا يسيطرون على الحويجة التي تعتبر منبعاً للعمليات الارهابية ومصنعاً لتفخيخ العجلات، ويستخدمون قدراتهم القتالية من أجل تحويل المدينة وأطرافها الى ساحة للصراعات القومية والمذهبية.
مبدأ (كركوك محمية بأبنائها البيشمركه) تم تأكيده من قبل أكثر من مسؤول سياسي وعسكري وإداري كوردي وعربي وتركماني في كركوك، وتلك التأكيدات جاءت بعد تيقن هؤلاء من أن قوات بيشمركة كوردستان وقوات الآسايش أثبتت فعلياً إنها كفيلة بحماية كركوك وحدودها واعتبرت حماية جميع مكوناتها من أي خطر قد يداهمهم واجباً وطنياً وقومياً. وبعد التيقن من حقيقة مفادها أن لولا البيشمركه الذين قدموا المئات من الشهداء والجرحى، لكانت كركوك منذ حزيران 2014 تحت سيطرة داعش، مثل الموصل وتكريت والأنبار وأجزاء من ديالى.
أما الدرس الذي يجب أن يستوحيه الكورد من العملية الإرهابية الأخيرة فهو بناء علاقاتنا البينية على أساس المصالح القومية والوطنية المصيرية المشتركة، وبناء علاقاتنا مع الآخرين على أساس الالتزام بضمير الدستور، والإعتراف المسبق بكوردستانية كركوك، والتفكير بالعقل واتباع الحكمة، والنظر بتمعن الى الواقع الجديد الذي تفرزها المواقف والأحداث في مرحلة ما بعد داعش.. 
والدرس الذي يجب أن يستوحيه سياسيو العراق العقلاء، سنتهم وشيعتهم، هو تفهم التصورات والمطالب الكوردية واعتبارها مطالب وحقوقاً مشروعة، لاسيما وأن الدستور استوعبها، ورسم على أساسها خارطة طريق في المادة 140، تلك المادة التي احتوت على مراحل: التطبيع، الإحصاء السكاني، والاستفتاء العام حول تبعية بعض المناطق فيما اذا اختار سكانها البقاء مع الدولة المركزية أو الإنضمام الى إقليم كوردستان.
لقد تعرضت كركوك كالكثير من المناطق الكوردستانية الأخرى على أيدي الحكومات العراقية المتعاقبة، ولاسيما في عهد البعث، الى حملات تعريب ظالمة يمكن إدراجها ضمن الفواجع التي عانيناها، وفي ظل تلك الحملات الشعواء تصاعدت وتيرة التعريب في بداية السبعينيات بقفزات متتالية، واستخدمت السلطة العراقية القوة بوحشية في التغيير الديموغرافي عبر سياسة تهجير و ترحيل الكورد من المدينة وأطرافها  بهدف ايجاد الأكثرية العربية، ووزعت الاراضي السكنية والزراعية على الوافدين العرب، وبدا الكوردي غريبا عن مدينته، ومسقط رأسه..
وبعد سقوط  نظام الدكتاتور ظلت الأوضاع مرهونة بالدستور، وتنصلت الحكومات العراقية المتتالية من التزاماتها تجاه تنفيذ تلك المادة، أما الحكومتان المالكيتان فقد بثتا النعرات، ونجحتا في زرع بذور الفتنة وإثارة الفرقة بين الجميع، وأصبح الخصام والصراع والنزاع والتباغض سادة الموقف، واستفاد من هذا الامر نفر ضال دون الشعور بحساسية الأوضاع واحتمال تفجرها، وجاء داعش ليكمل ما رسمه البعث، ولكن بإرادة الخيرين سيدحر ويهزم، وبعد دحره يتوجب على الشرفاء  إنشاء نسق فكري مشترك بين مكونات كركوك، نسق يمثل تغليباً لثقافة الواقعية المواكبة للتغيرات، ويخرس مهاترات الذين لايرون أبعد من أنوفهم ويهينون مشاعر الآخرين ويُزج بهم في صراعات من أجل مصالح ذاتية تسقط فيها القيم. كما يتوجب العمل من أجل إلحاق الخريطة السياسية للمحافظة بخريطة إقليم كوردستان.
 


289
من الذي لايتدخل في الشأن العراقي؟
صبحي ساله يي
التصعيد الكلامي اللاذع بين أنقرة وبغداد، والهجمات الإعلامية الإنفعالية المتبادلة، والتراشق بالادعاءات والتصريحات المتناقضة، ودلائله وقرائنه، أثار خشية المراقبين من أن يلقي بظلاله الخطيرة على التدابير السياسية والدبلوماسية واللوجستية والعسكرية التي اتخذت حتى الآن من أجل خوض العملية المرتقبة ضد تنظيم داعش في الموصل والقضاء عليه. كما قسم العراقيين المنقسمين أصلا الى :
أ - قسم ساكت لا يؤيد خلق أزمة مع الجارة تركيا، ويعلم أن هنالك مصالح متبادلة ومشتركة ما بين الشعبين، وأن ما في الخيال يصعب مناله على أرض الواقع، لذلك يتطلع الى الأوضاع ويراقب تبعاتها ومستجداتها، ويدعو الى التنسيق والحوار مع تركيا والتعامل بحكمة وعقلانية ومزيد من الدبلوماسية لحلحة العقد والتوترات، ويدرك أن اتخاذ الخطوات العدائية وإشعال فتيل الحرب سيغرقان المنطقة في الدم والنار، وسيدفع الثمن الشعبان المستضعفان اللذان سينغمسان في مآس شتى ويسحقان تحت عجلات أصحاب الأجندات الخاصة.
ب - قسم إتفق مع قرار الحكومة والبرلمان القاضي بطرد القوات التركية والحد من تدخلها في شؤون البلاد الداخلية بحجة الحفاظ على سيادة العراق وكرامته واستقلال قراره الوطني ووحدة أراضيه.
ج - قسم لايؤيد الحكومة والبرلمان، لذلك يقول: الخلاف بين بغداد وأنقرة (مُفتعل)، ولا توجد مطامع تركية في العراق لأن الأتراك وقفوا في الماضي والحاضر إلى جانب الشعب العراقي، وأن تلك القوات متواجدة في العراق بحسب الاتفاقيات التي تم توقيعها قبل سنتين بين الجانبين، ويطالب الحكومة بتوسيع هذه السياسة لتشمل دولًا أخرى تتدخل بشكل مباشر سياسيا وعسكريا في العراق..
 أنقرة تقول أن قواتها جاءت الى الموصل وأقامت معسكرها في ناحية (بعشيقة) بطلب من الحكومة العراقية، ولديها الصور والوثائق والتسجيل الصوتي الذي يؤيد ذلك، بينما بغداد وعلى لسان رئيس الحكومة وبعض قادة الكتل والزعامات السياسية تنفي تماما وجود أي طلب عراقي بهذا الخصوص. وبما أن الحقيقة ضائعة ومعرفة الحقائق أصبحت من المستحيلات، فان كثيرين لا يصدقون الذي ما زال ينظر الى الموصل كولاية تابعة لدولته، ولا يصدقون أيضاً الحكومة والسياسيين الذين أوصلوا البلاد والعباد بكذبهم وزيف ادعاءاتهم ووعودهم الى هذه الحالة البائسة.
الشيء الملفت للإنتياه في هذه المعمعة السياسية والدبلوماسية، وهذا المنعطف الخطير هو إشتراك كل من هب ودب في بغداد في حرب التصريحات، فالغيور على ارض العراق والذي يؤيد العبادي وحكومته ويكره الاتراك يصرح ويندد ويتوعد دون أن يقدر نتائج المواجهة بين القوات العراقية والتركية. والذي يعادي العبادي ولا يهمه الوطن ولا المواطن وهمه كسب المزيد من الإمتيازات وجمع الثروات وزيادة أرصدته في الخارج، ويريد إنفجار المواقف السياسية والعسكرية وتوريط العبادي في حرب مفاجئة، يهدد أيضاً، والذي أهدر ثروات البلاد ونشر الفساد والأفساد وضيع العراق وجعله لقمة سائغة في أفواه الآخرين، لا يستطيع أن يكبت نوازع الشر في داخله أو يداري حقده ورغبته في العودة الى الحكم، يهدد أيضاً، وكأننا نسينا ما قاله عندما كان مختاراً للعصر ورئيساً للحكومة وقائداً عاما للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع والداخلية والامن الوطني ورئيساً لعدة هيئات مستقلة وغير مستقلة، حينما سألوه عن الجهات والدول التي تتدخل في الشأن العراقي، حيث قال: لا تسألوني عن الجهات التي تتدخل في الشأن العراقي.
 بل إسألوا: من الذي لا يتدخل في الشأن العراقي؟
 


290
زوبعة البرلمان في فنجان الموصل
صبحي ساله يى
المتابع لصخب التصريحات والبيانات الاعلامية المتواترة والمواقف المرتبكة الخاصة بالموصل، يجد نفسه في حيرة حقيقية تجاه جوانب وزوايا قضية تؤرق البعض وتفرح غيرهم وتؤكد بأن الكل بات يغني على ليلاه. كما أن الاختلافات اللفظية التي نسمعها بشكل متكرر والتي تمثل أهدافاً متناقضة ولها مدلولاتها الضمنية، هي الأخرى تستمد تسمياتها من وحي المؤامرة وتتجاهل مطالب الذين رزحوا تحت وطأة الاحتلال الداعشي والتطرف والإقصاء، وحقهم الأساس في الانعتاق من الظلم والأوضاع الشائكة, وضمان مستقبلهم وفقاً لآليات تكفل حقوقهم وواجباتهم وتحمي وتضمن سلامة مصيرهم بعيداً عن الهلاك والانحدار إلى الهاوية والخسران، وتمنع الاستمرار في دوامة الصراع الدامي الذي أنتجه الآخرون.
السؤال الذي يطرح ذاته هو: ما الذي أرغم أهالي نينوى كي على المطالبة بتقسيم محافظتهم الى محافظات؟ أهي رغبة في التفكيك؟ أم هروب للتخلص من الهيمنة والقمع والتسلط ؟ أم بحث عن حل بين ركام المشكلات والأزمات؟
بعد تحرير العراق من براثن البعث، إستبشر الموصليون كغيرهم بالخير، ولكنهم إصطدموا بالشر بأنواعه المختلفة. جاءهم البعثيون المنهزمون من بقية مناطق العراق، لينضموا الى البعثيين في مدينتهم وينشروا بينهم ثقافة الإرهاب والإنتقام، وجندت مخابرات إقليمية الفقراء والضعفاء والعاطلين عن العمل لاسيما المطرودين من الجيش والشرطة والأجهزة القمعية البعثية السابقة، لينفذوا أعمالاً إرهابية ضد كل المكونات، وعمدت الحكومة المالكية الى حرمان المحافظة وتوابعها من الإعمار وبناء البنى التحتية والخدمات والإستثمار، وهمشت وأهملت ساستها الشرفاء، بينما غازلت قلة إنتهازية حاقدة لا تعرف عواقب أفعالها.
القلة القليلة غير الصالحة المتملقة للمالكي (سنة المالكي) من جهة، والأخوان نجيفي من جهة أخرى، أشغلوا الموصليين بالإنتقام وبقضايا صغيرة وتسقيطية وأذاقوهم الأمرين، والطرفان ساهما في إفساح المجال أمام الذين يحنون لصدام ونظامه المجرم، والمؤمنين بالقاعدة وإرهابها، والتكفيريين المتطرفين، كي يتحركوا بيسر ويستغلوا الاوضاع ليبسطوا سيطرتهم على المدينة والكثير من ضواحيها. ويمارسوا (بالذات في سهل نينوى) الظلم والبطش والقتل والترحيل والترهيب والدمار والخراب.
مع ذلك صمد الموصليون أمام التحديات والمصاعب والويلات الطائفية والعنصرية الواضحة، وواجهوها أملاً في أن يأتيهم الفرج، ولكن الأحداث مهدت لدخول الدواعش واحتلالهم واستيلائهم على اسلحة بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، فدمروا وقتلوا وهتكوا وسبوا وشردوا وارتكبوا مجازر بشعة وجرائم يندى لها الجبين، وذاق الأهالي الآمنين ويلاً آخر أكثر قبحا من كل الويلات.
الرافضون للتقسيم، في البرلمان العراقي، يتحاملون لكي لايعترفوا بجسامة الويلات التي لحقت بغيرهم وبوحشية تصرفات إخوانهم وأبناء عمومتهم الذين أصبحوا دواعش أو أدلاء لهم، ويرفضون التفاعل الإنساني الحضاري الساعي نحو الأمن الجماعي ويعتدون بشكل سافر على قيمة الحياة، لأنهم بالأساس يؤمنون بالأفكار المنقرضة التي تؤكد على غلبة وسيطرة اللون الواحد، وينكرون متطلبات المرحلة الحالية ومعطيات المراحل السابقة وما أفرزت من أزمات.
لذلك نقول: قرار مجلس النواب العراقي برفض تقسيم محافظة نينوى، زوبعة في الفنجان الموصلي، وقرار سياسي واضح ومخالف لحقوق وإرادة وتوجهات مكونات تلك المدينة، قرار يبغي من ورائه بعض النواب خلق التوترات وإعادة الفتن والانقسام لكي يعتاشوا منه ويستغلوه لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية. وكان من الأجدر بالمجلس أن يتجنب التسرع وأن لا ينساق وراء توجهات سنة المالكي، وأن لايشارك في زوبعة ثارت لتخدم النزوات والمواقف السياسية الازدواجية التي تحاول تسويف وتقزيم المطالب المشروعة. وكان عليه عدم التمترس مع المتباكين على حدود المحافظات التي رسمتها الحكومات العراقية السابقة لأسباب طائفية وعنصرية قومية، خاصة وأنهم على يقين بأن حدود الموصل وبقية المحافظات وحتى حدود هذه الدولة أو تلك، ليست مقدسة وغير مثبتة في القرآن الكريم..
 


291
هل يختلف العبادي عن الذين سبقوه؟
صبحي ساله يي
بعد إسقاط صدام حسين ونظامه الشرس، مرت العلاقات بين أربيل وبغداد على أحسن ما يرام، حيث كان هناك تضامن وإنسجام وتفاهم بين السياسيين، واجتماعات دورية لتخطي العقد ومواجهة التحديات التي تواجه العملية السياسية وبناء الدولة، كما كان هناك مناقشات لجميع القضايا قبل اتخاذ القرارات وتنفيذ الإجراءات، ولكن عندما إشتد ساعد الشركاء في بغداد إنفرط عقد اللقاءات، وتحول الإنسجام الى خصام والتفاهم الى تنافر وإختلاف، وأراد بعضهم أن يوظفه علنياً لصالح أجندته ومشروعه الخاص، وتحولت الفضائيات والمنابر الإعلامية الى ساحات لتبادل الإتهامات وممارسة الضغوط. وفي الخفاء تم نشر ثقافة المعاداة لكل ما هو كوردي وكوردستاني، والتخطيط في العمق لتسيير الأمور بالإتجاه الإطاحة بالآمال الكوردستانية، وتم تجاهل كل طلبات الإقليم الدستورية والقانونية، ومارسوا  الضغوطات من أجل تضييق الخناق على الكورد وتركيعهم للإملاءات المزاجية والإنسياق مع مشاريعهم، بل وصل الى التلويح باستخدام الطائرات الحربية المتطورة ضدهم حال وصولها الى العراق، وبات رأس الكوردي مطلوباً في غالبية  الحسابات السياسية.
إختلطت تجربة العمل السياسي بالفساد والفشل، وتم إفتقاد الرؤية لتجاوز التحديات والتركة الثقلية وإنطباعات المرحلة الدكتاتورية البعثية، وفي تحديد المسارات والمنطلقات والأولويات والمسؤوليات الوطنية والأخلاقية، وساهمت التصريحات التصعيدية بالتدريج في تفاقم الخلافات بين بغداد وأربيل، ووصلت الى مرحلة التشنج والإصرار على الأخطاء الفضيعة، وتناسلت الأزمات وكانت لكل أزمة إرتباط بسابقتها وأسوأ منها، وظهر على الساحة أناس يتلاعبون على حبل المزايدات الرخيصة فأثاروا ألفتن وإختلقوا المعضلات، وتجرع العراقيون كأس المرارة وتلقوا كيل من الضربات المؤلمة التي لايمكن نسيانها.
طبعاً هذا لا يعني أن الجميع (في بغداد) تحولوا الى أعداء وخصوم للكورد، لأن البعض من كبار المسؤولين كان يبلي بلاءً حسناً في الحفاظ على أواصر المودة والإحترام المتبادل. وإنسحب بعضهم من خلف الذي أشعل النيران، وكان سبباً مباشراً للفشل الحكومي وتصاعد أعمال العنف والإرهاب والحرب الأهلية الطائفية والتطهير العرقي والمجازر والإغتيالات والتفجيرات وإنتشار فرق الموت، والتعذيب والبطالة والتهجير وهدم البيوت والمباني وفقدان البنى التحتية وتهريب السجناء المجرمين وتبديد الثروات وتوقيع العقود الفاسدة والصفقات الوهمية، ووضعوه في عزلة غير مسبوقة.
بعد هذا الخراب والتمزيق، وتلك الظروف الصعبة المؤلمة، حان الوقت للكتل السياسية الفاعلة والشخصيات الوطنية لكي تتخلص من التردد والإرتباك، وتقول بصوت عال: ان العمل السياسي والحكومي والإداري والقانوني في البلاد خلال ( 13 ) سنوات الماضية كان مخيباً للآمال ومرتبطاً بالغدر والخديعة، لذلك يجب أن نفكر بجدية من أجل البحث عن الحلول المناسبة التي ستجلب التآخي والتعايش والإستقرار والأمان والرخاء.
الكوردستانيون، مازالوا حريصين على التعايش والتسامح مثلما كانوا دائماً، وما زالوا يفتحون أبواب الحوار لإستيعاب كل وجهات النظر والإتفاق، لأنهم على ثقة بأن الصداقات الوثيقة تصنع السياسات الناجحة، وبعد الزيارة الأخيرة لوفد كوردستان الى بغداد، ينتظرون تنقية الأجواء المشحونة بالتوتر وإنعدام الثقة ورفع المعاناة عن كواهلهم بالحوار والتشاور البناء ورسم رؤية مستقبلية واضحة تحدد معالم المستقبل، لكي يخرج الجميع منتصرين رابحين، والأيام والأسابيع المقبلة ستثبت إن كان السيد حيدر العبادي مختلفاً عن الذين سبقوه ويحترم تعهداته ويتملك المصداقية التي تؤهله لقيادة البلد ويثبت حسن نواياه تجاه معالجة المشكلات بكل الطرق المتاحة وتنفيذ الوعود التي أطلقها, أم إنه سيكتفي بخطوات شكلية وإجراءات شكلية وتشكيل لجان رئيسية تتبعها لجان أخرى فرعية وتتبع تلك اللجان لجان هامشية!!
 

292
المال ... كي  يملك المال ولكنه
صبحي ساله يي
 الإستهدافات السياسية المجحفة والهجمات الغادرة التي تشن ضد الحزب الديمقراطي الكوردستاني في كوردستان والعراق، تكشف أن التجاذبات السياسية أصابت البعض بسوء الحال والخدر العقلي وعدم الشعور بأن المرحلة الحالية، حرجة ودقيقة وخطرة، وتجاوزها والخروج منها بأقل الخسائر، يتطلب التفهم والتفكر والتذكر، وأن تغييب العقول يعني الجهل والسذاجة، وتصديق الأحداث والأحاديث المفبركة والغرق في الأحلام وتضييع المشيتين والمضي نحو الهاوية والفناء. وتكشف في الوقت ذاته، جوانب من أطماع دفينة ورغبات غير مشروعة وأزمات مصطنعة وصراعات وتشتتات تعاني منها الأطراف الواقفة وراء الهجمات. فالحزب الديمقراطي الكوردستاني الواضح في أهدافه، والعقلاني في التخطيط، والديناميكي في الحركة، يعي ويفهم النيات المبيتة والمخططات السياسية المتعلقة بامتداد السياسة الشوفينية ضد الكورد، ويعلم أن المالكي ومن معه يسخرون المال الحرام والسياسة الخبيثة لإستغلال مشاعر الذين أغلقوا أبصارهم وبصائرهم والذين يفكرون في الإصطياد في الماء العكر، بقصد الإنتقام. ولكن لو تمعن الذين وقفوا مع المالكي في حيثيات استهداف الديمقراطي الكوردستاني بعلمية، ودرسوا معطيات الواقع بموضوعية، وتعاملوا مع الأحداث والمتغيرات بذكاء، سيفهمون بأن أطماع المالكي ستحيطهم من كل جانب، وستلتقي ضد مصالحهم وتحاول طمس هويتهم والتلاعب بمشاعرهم واستغفالهم وابتلاعهم وإلغائهم من المشهد السياسي، وبالتالي الضحك على جهلهم. ولكن ماذا نقول تجاه حقائق تؤكد على أن الكبير القوي والمهم الناجح والمخلص الكفوء الحريص، يستهدف من قبل الصغار الأذلاء الأراذل والضعفاء الحاقدين والفاشلين والمنافقين ناكثي الوعود والعهود ومؤججي المشكلات ومثيري الفتن.
ما حدث في يوم 21/ 9/2016 تحت قبة البرلمان العراقي، يشبه كثيراً ما حدث يوم 23/6/2015 في برلمان كوردستان. ففي الجلستين تجلى النفاق السياسي بأبهى صوره بين قوى اتفقت على الباطل وكانت متنافرة وبعيدة سياسياً وأيديولوجياً، وبين قوى تفرقت وكانت قريبة ومتحالفة مع بعضها سياسياً وقومياً.
في 23/6/2015، تم الإصرار على توسيع هوة الخلافات السياسية، ونقلها الى البرلمان الكوردستاني بمباركة رئيسه الذي لم يقدر الأوضاع، فارتفع دخان الفوضى وغطى على المشهد وقاد إلى حالات من الانفلات وعمليات غير مألوفة وحرق للمقرات وإراقة للدماء الزكية. وانتهت التفاهمات والإتفاقات التي بنيت عليها عملية تشكيل هيئة‌ رئاسة‌ البرلمان وتأسيس الحكومة الكوردستانية.
وفي 21/9/2016، حيث تم نقل خلافات الاقليم الى بغداد، تشير الأحداث الى الإصرار على لعبة تمزيق الممزق وتقسيم المقسم بدوافع الحقد والإنتقام، عبر تحشيد وتجييش لصالح دولة القانون ضد الكوردستانيين، وبتواطوء رئيس البرلمان فيها، تمهيداً لفرط التحالفات ولإسقاط العبادي وتشكيل حكومة الاغلبية السياسية برئاسة نوري المالكي الذي يملك الكثير من المال المسروق من خزينة الدولة، ولكنه يفتقد الضمير والمصداقية، والذي بأفعاله المشينة‌ الموثقة، وبمواقفه الإنتقائية المجحفة واللامسؤولة، خسر مكانه في المشهد السياسي منذ أن بدد المليارات من أموال العراقيين وسلم الموصل الى الدواعش، وقطع مستحقات كوردستان المالية ومهد لتعاظم نقمة الشارع الكوردستاني والعراقي عليه، وخسر عندما وضع مصيره على كفّ عفريت. وسيخسر نهائياً بعد تحرير مدينة الموصل..

المعركة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، خاصة بعد أن أصبحت الرؤيا واضحة، واتجاه البوصلة معروفاً، ليست سهلة لأن له مكانة‌ معلومة‌ ومعه الكثير من الأوراق المهمة، و لو أشعل الضوء الأخضر لكوادره السياسية والإعلامية، لأوقفوا أنفاس الكوردستانيين والعراقيين، بمختلف فئاتهم، بشأن طوفان فضائح وفضائع ورذائل المالكي والمصطفين معه، طوفان يعتبر وفق كل المقاييس مرتفع المنسوب وسيغرق مواقع التواصل الاجتماعي، ويهز الرأي العام ويحير الجميع.
 
 

293
الحوار الذي لا بد منه
صبحي ساله يي
  الحوار الذي يدعو اليه الكورد مع بغداد، لوضع النقاط على الحروف ولحسم القضايا العالقة التي أصبحت بمثابة مشكلات مزمنة، حوار سهل بعيد عن التعقيد، لكن تحقيقه يمر بمحطات تتطلب من الطرفين حسم أمريهما في أكثر من مسألة، الأولى إمتلاك بغداد الاستقلالية في اتخاذ القرار وإدراك المتغيرات التي غدت واقع حال  على الأرض، والتصريح علناً عن الرغبة في خوض الحوار من أجل إيجاد الحلول، وتأكيدها على عقد العزم على نسج علاقات طبيعية مع الجميع لصالح الجميع، والإقرار بالأخطاء المرتكبة، والتعهد بعدم تكرارها في المستقبل، والإبتعاد عن المواقف المتناقضة مع الدستور ومع الأسس الديمقراطية في كل ما يتعلق بالشأن الكوردستاني. واللجوء الى معادلة أخرى واضحة المعالم وبعيدة عن السابقات والتفاعل معها، قائمة على المصالح العامة ومستندة على مقومات إيجابية غير تقليدية.
 وفي المقابل، لقد حان الوقت بالنسبة للكورد كي يشرحوا ما في أذهانهم بوضوح، ويعلنوا عن مطاليبهم التي تتجسد في استحالة تخليهم عن حقوقهم الطبيعية، والتأكيد على أنهم عازمون ومتشوقون الى تقرير مصيرهم وتحقيق طموحاتهم القومية المتواضعة المشروعة، كاستراتيجية بعيدة المدى، ويعلنوا للملأ ما يريدونه، وما هي سياساتهم كي لا يساء فهمها، بل كي يتم فهمها وتفهمها وتفهم ما في طياتها من رغبات وطموحات، لكي لا تبقى التكهنات أسباباً للخلاف والاختلاف، وتترجم على الساحة السياسية بصور مبعثرة وأحيانا أخرى معكوسة، وبالتالي تجعل الإتفاقات تجميلية وتكتيكية مؤقتة، ونوعاً من تجميد الإختلاف تحت عنوان أو آخر.
والسؤال هنا: هل في الأفق ما يفيد بأن هناك مؤشرات على نجاح الحوار القادم بين الكورد وبغداد ؟ خاصة والجميع يعلم أن (بغداد) حاولت مرات كثيرة، فرض المعادلة الميدانية على الكورد وتفوقها عليهم بالقوة، رغم إنها فشلت في كل الحالات.
الجواب، ربما، لأن بغداد تدرك أهمية الدور الكوردي في حل مشكلات العراق وتصحيح مسار العملية السياسية وضمان الامن والاستقرار فيه، ولأن بغداد تعلن في الاعلام والاجتماعات الرسمية مع الكورد، وغيرهم، عن ترحيبها بالمطالب الكوردية وبالحوار مع أربيل، لكن على الأرض يجب أن تحرر بغداد ذاتها من إفرازات العلاقات المتوترة السابقة والمفاهيم البالية ورغبة اللعب بأوراق محترقة، كما عليها الإبتعاد عن ممارسة السياسات العدائية والاستعلائية السابقة التي كلفت الجميع أثماناً باهظةً.
 في بغداد، حتى الآن لا نرى أي تغيير في السياسة المتبعة والمواقف المتخذة تجاه الإقليم وشعبه، بل نرى فيها سياسيين ومتنفذين ونواباً يسعون عبر تحركات مشبوهة الى تمزيق وحدة الصف الكوردي وإغراق الإقليم في مشكلات داخلية، للحيلولة دون ممارسة شعب كوردستان لحقوقه القومية الديموقراطية، والتي من بينها الاستفتاء الذي تعتبره العقلية المتخلفة المعادية للديمقراطية وكأنه جريمة العصر. لذلك تعلن  الكثير من المصادر الرسمية وغير الرسمية في أربيل بأنها لاتثق بتعهدات بغداد وتعتبرها عاصمة لا تنفذ وعودها ولا تحترم عهودها وتتنصل من إتفاقاتها قبل أن يجف حبر التوقيع عليها.
رغم ذلك، ورغم السلبيات الكثيرة، فإن الأمر الذي لابد منه بين أربيل وبغداد، هو الحوار، ولكن المطلوب الأهم، هو الوضوح في غايات الحوار، والحذر والدقة أثناء اللعب بأوراقه، وعدم القبول بأن يكون مفتوحاً وبلا أفق، والإتكاء على الزمن والتستر خلف الشعارات، أو أن يكون حواراً من أجل الحوار فقط.
 


294
ثورة أيلول ... إنطلقت لتنتصر
صبحى ساله يى
نستذكر هذه الايام حدثاً يؤكد سيادة النزوع إلى الموضوعية في التعامل مع الماضي، تعاملاً صريحاً بناءً وممنهجاً مدفوعها بالحرص والمسؤولية عن كل ما يخص الكورد وكل ما يضمن الخير لهذا الشعب وحاضره مستقبله.
ثورة 11 أيلول 1961 (الوريث الشرعي) لكل الثورات الكوردية، لانها جاءت تتويجاً لكل الطاقات المخلصة والافكار الحريصة والجهود النيرة التي قارعت الظلم والغدر وناضلت بشكل أو بآخر من أجل رفاه الشعب وكرامته واستقلاله، ومن أهم مزاياها، استنادها الى مبادىء الحزب الديمقراطي الكوردستاني واستنارتها بعقيدة البارزاني الخالد وإرثه النضالي، وحرصها على ان تكون نبت الارض الوطنية والقومية ونبت التجربة الحية، فضلا عن ادراكها الواقع وعدم اغراقها في النظريات وانزلاقها نحو الجوانب السلبية والضعيفة في الواقع على حساب المبادىء والمطامح.
ثورة أيلول عاشت الواقع بكل حقائقه وتفاعلت معه من خلال الرؤية الواعية، وسعت لفهمه وتطويره، لذلك حظيت بدعم كل الكورد في العالم وكل العراقيين الشرفاء، كما حظيت بتشجيع وبركة ورضى أعلى مرجعية دينية شيعية في العراق، حيث أبى السيد الحكيم الكبير أن يصدر فتوى بعدم شرعية هذه الثورة، رغم أنف حكام بغداد وضغوطهم المتواصلة.
عند الحديث عن الثورة، لابد ان نستهله بالحديث عن الحزب الذي فجر الثورة وقائده الرمز الذي قاد الثورة وقاد الحزب بجدارة متناهية، وكذلك الظروف الآنية التي أدت الى اندلاعها، فالحزب الديمقراطي الكوردستاني، الذي تأسس في 16 آب 1946، ناضل منذ يوم تأسيسه في سبيل تحقيق الأماني الكوردية التي كانت تئن تحت وطأة الحكم الجائر وتصرفاته العدائية واحتل الحزب مكاناً بارزاً ومشهوداً في كل المناسبات والمظاهرات الشعبية ضد الحكم البائد.
بعد ان تكللت الجهود المخلصة للعراقيين بـتفجير ثورة 14 تموز 1958، وبوركت الثورة من قبل أبناء الشعب بعربه وكورده، خطت الثورة في اشهرها الاولى خطوات نحو ساحل الامان والوحدة الوطنية والاستقرار، وعاد البارزاني الخالد ورفاق سلاحه ومسيرته الملحمية من الاتحاد السوفيتي السابق، واستقر في بغداد وأعلن في اكثر من مناسبة انه الجندي المخلص لثورة تموز، وبعودته أصبح للكفة الكوردية في ميزان القوى وزناً ظاهراً، ووضع الخنجر الكوردي في شعار الجمهورية العراقية رمزاً وتقديراً للكوردي الثائر، ونال البارتي الاجازة الرسمية للعمل كحزب سياسي، وصدرت جريدة (خه بات) بشكل علني، وتعاون الكوردي مع اخوانه بنيته الصادقة وقلب صافٍ من أجل العراق المزدهر وحماية الجمهورية.
اما الجانب الآخر، فأخذ يتهرب من التزاماته وعهوده، وانتهج عبدالكريم قاسم أزاء الكورد، نهج و اعمال ووسائل حكام ايران وتركيا السابقين، وذلك بتأجيج بعض الكورد على بعضه الآخر، وتسليح بعضه من أجل استعماله ضد بعضه الآخر، وفي صيف 1960 أراد وفد كوردي (من البارتي) مقابلة قاسم، فانتظروا شهراً، ولم يحصلوا على الموافقة، وطلب منهم تقديم مذكرة بدلاً من المقابلة، وقدموها فعلاً، الا ان قاسم لم يرد على المذكرة.. حينها تأكد للبارزاني الخالد ان ما قيل عن قاسم من مدح وثناء لم يكن في محله، وقبل ذلك وفي لقائهما الاول، بعد عودة البارزاني الخالد من الاتحاد السوفيتي وفي قراءة أولية لشخصية قاسم كان البارزاني قد أدرك بان الزعيم قاسم، لا يهمه مستقبل العراق والعراقيين وسعادة شعبه بقدر اهتمامه بالاحتفاظ بموقعه في قمة السلطة عن طريق التفريق بين القوة السياسية والقومية والدينية..
في خريف عام 1960 عندما كان البارزاني مصطفى في زيارة إلى موسكو، اتهمه قاسم علناً بعمالته لحلف سنتو، نعم في تلك الاثناء وعندما كان قاسم يوجه اتهاماته، كان البارزاني بجانب نيكيتا خروشوف والقادة السوفيت الآخرين على منصة الشرف ينظر الى استعراض عسكري في الساحة الحمراء بموسكو، وبعد عودته الى بغداد، وفي شهر كانون الاول من ذلك العام (1960)، وبتحريض مباشر ومكشوف من الحكومة، اجتمع عدد من الغوغائيين امام دار البارزاني ومقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد وهم يهتفون ضد الكورد، ويقولون ما لا يصح قوله، خصوصاً في ذلك الزمان والمكان، وبعدها أرادوا اقتحام الدار والاعتداء على من فيه، فتم تفريقهم بالقوة، وبذلك تم هدم جسر آخر بين الكورد والحكومة العراقية.. بعدها استعد البارزاني، الذي تجلت مواهبه السياسية والقيادية منذ مطلع شبابه، والذي امتزج تاريخ الوطنية والسياسة في كوردستان بحياته وبحياة عائلته الكريمة, في كانون الثاني 1961، لترك بغداد والعودة الى كوردستان، إذ ان ولادته في بيت كوردستاني ذي زعامة وطنية وسياسية حملته ارثاً كبيراً فحافظ عليه على أكمل وجه، بل اضاف اليه وزناً ووهجاً عندما تحمل المسؤولية بشجاعة فائقة وكافح وكابد للمحافظة عليها ولاعلاء شأنها وللاستلهام من الاحداث والتطورات والمتسجدات السياسية.
كان البارزاني الخالد، دائماً، صاحب الدور الوطني المحوري الذي يتصف بالحزم والصرامة في الازمات السياسية حاول التريث والانتظار لانه كان حريصاً على الوحدة الوطنية ومانعاً لتعميق الانقسام الوطني ومفكراً في ما بعد ما اندلاع القتال بين الكورد والحكومة أكثر من تفكيره في كسب المعركة، ودخلت الحالة مرحلة جديدة ليست للمعادلات الوطنية او السياسية الداخلية مصلحة فيها، وتوالت تراجعات الحكومة، وتعددت الاجراءات السلبية، وبدأت حملات واسعة لاعتقال أنصار الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وتجاهلت الحكومة دوره الايجابي وتمثيله الشرعي للكورد، وانحازت الى رؤساء عشائر كوردية معروفة بعدائها للبارزاني والبارتي، وزودتهم بالاسلحة والنفوذ، فاعتدوا على الفلاحين وانتقموا من كل من صفق للثورة والبارزاني والبارتي. وفي بغداد، وفي عهد الجمهورية، أصبح التنكيل بالكورد نوعاً من أنواع الوطنية، وفي آخر لقاء بين البارزاني الخالد وممثل الحكومة، العقيد حسن عبود آمر موقع الموصل، اخفقت المفاوضات لان الطائرات الحكومية قصفت بشكل مركز وشديد المكان المقرر لعقد الاجتماع، وبلغ التوتر ذروته، عندما قدم البارزاني الخالد مذكرة شديدة اللهجة الى الحكومة وتضمنت احد عشر مطلباً.. ورد عليها قاسم باتهام شركات النفط بتحريض الكورد على الثورة ودعمهم.. وانطلقت الشرارة الاولى لثورة الكوردستانيين في 11 ايلول 1961.. عندها قيل للعالم إنها مجرد مناوشات سرعان ما تهداً، ولكن بعد اسبوع واحد من اندلاع القتال بدا واضحاً ان الطرفين يتجهان نحو نقطة اللاعودة، وتنبه الجميع الى خطورة ما حدث وتحركت القوى الخيرة والمثقفة والواعية لتخوض نقاشات بدت وكأنها لن تنتهي، وبات من الواضح أن تلك الحرب وجدت لتبقى، كي يبقى الزعيم على كرسي الرئاسة، والاكثر من هذا وجدت الحرب لتصبح تاريخياً من أكثر الحروب الداخلية عنفاً وضحاياً، وبدا في حقب كثيرة منها انه ليس من الممكن تصور نهاية لها، وفي بداية سريعة وفي مدة قياسية استطاع الثوار تطهير مناطق وساعة من القوات العراقية النظامية المتواجدة فيها ومن العشائر التي سلحتها الحكومة لمعاداة الكورد، واصبحت الثورة نضالاً من أجل تقرير المصير وتلاحم فيها الكوردي المثقف مع العامل والفلاح ورجل الدين والموظف، وأخذت الطائرات تقصف دون رحمة كل مناطق كوردستان، ومثلما اكتمل الوعي والادراك السياسي لدى الكورد، هكذا نمت عندهم الروح القتالية، وظهرت في الافق علامات ولادة جيش ثوري كوردستاني، لان خبرة وتجربة البارزاني الخالد وعمله في جيش جمهورية كوردستان في مهاباد، ولدت عنده قناعة بأن البارتي بحاجة الى جيش دائم ذي إعداد وتدريب وتربية سليمة، واصبح الجيش العراقي نفسه المصدر الرئيس لاسلحة الجيش الثوري الكوردستاني، وسلك البارتي الذي لا يعرف الاستسلام للاعداء، طريق النضال والثورة، فناضل نضالاً شاقاً ضد الحكم القاسمي والحكومات المتعاقبة لرفض الحالة المأساوية وتحقيق الطموحات القومية المشروعة، وشهدت كوردستان اعظم ثورة كوردية معاصرة وشهدت تطوراً هاماً في اطرها السياسية والقومية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والادارية.
لذلك تعتبر ثورة أيلول انعطافة تاريخية في مسار الحركة التحررية التي رسمت المستقبل الكوردي بمداد من ذهب.
كانت للثورة جولات دفاعية عن الذات والحقوق ضد جيوش الحكومات المتعاقبة، وجولات في الحوار معها، اذ كان قائدها البارزاني الخالد مؤمناً بأن الحوار جزء من النضال، وكان بعد كل جولة حوار هدنة هشة سرعان ما كانت تنهار جراء المكشلات المستعصية وغرور قادة الجيش وشوفينيتهم العمياء، وجراء عدم الوفاء بالتعهدات والمواثيق، واستجابة لمصالح (تجار الحرب) فان كل الحكومات العراقية حاولت خلخلة التركيبة السكانية في المناطق الكوردستانية، لاسيما كركوك وخانقين وشنكال، واستمرت الحالات هذه حتى 11 آذار 1970 حيث تم التوصل الى اتفاقية تاريخية أقرت للكورد حقوقهم القومية ضمن اطار الحكم الذاتي لكوردستان العراق، ولكن, اندلع القتال مرة اخرى في 1974 ليستمر حولاً كاملاً وجاءت مؤامرة الجزائر الشنيعة في 1975، حينها هدأ القتال ولكن البارتي لم يستكن بل شدد من نضاله أكثر فأكثر وقدم خيرة مناضليه فداءً لمسيرته وتحقيق أماني الكوردستانيين حتى توج ذلك بثورة جديدة (ثورة كولان) التي تعتبر خير نموذج للثورة الحديثة، ومنهلاً من مناهل النهوض الوطني...     
 


295
المنبر الحر / القائد الضرورة
« في: 18:39 01/09/2016  »
القائد الضرورة
صبحي ساله يي
خلال السنوات الثماني العجاف التي تسلط فيها نوري المالكي على الرقاب، عاش الجميع وسط أمواج الصراعات والدعوات العدوانية والمفخخات، وارتفعت فيها صيحات العنف والقمع والانتقام، وتسللت مفردات التهميش والتنكيل والعداء والثأر والتناحر الى نفوس العراقيين.
لو تأملنا ما حدث في العاشر من حزيران 2014 وما تلاه، وبدلاً من الإنتحار أو في الأقل تقديم الاستقالة والانزواء، ظهر المالكي مصراً على الإفراط في التخلف والغباء والاستغباء، ليبين للجميع فضائح عقله المزاجي، فوصف الفاجعة والأحداث المؤلمة بالمؤامرة، وأخذ يوزع التهم ويهدد بالانتقام من الذين كانوا خلفها، وهو على يقين مطلق بأنه وحده (فقط) ولأسباب عديدة يتحمل المسؤولية الكاملة.
بعد تمدد الدواعش تكشف للجميع أن جهات عديدة، حريصة على المصالح العامة، قد حذرت شخص المالكي من خطورة التنظيم الإرهابي المتواجد في أطراف الموصل، والذي كان يستعرض قواته بين فترة وأخرى، كما كان يأخذ الأتاوات والخاوات من الأغنياء والمقاولين وأصحاب المحال التجارية في داخل الموصل، وتوقعت تلك الجهات هول النتائج، وقدرت انعكاساتها الآنية والمستقبلية، وعبرت له بصراحة عن الخشية من خطاباته الاستفزازية ونشره الكراهية والعنف الطائفي، وصنعه للأزمات المتتالية، ولكنه تجاهل جميعها، وهو على يقين بأن التحذيرات حقيقية، وأراد استغلال مستجداتها لمآرب وأهداف خاصة، تتمحور حول الثأر والإنتقام الطائفي من السنة والقومي من الكورد والسياسي من الشيعة، من خلال إزاحة غير الموالين له على الساحة السياسية السنية لتسهيل الأمور أمام الجحوش السنة لقيادة الساحة السنية. وكذلك لتأليب الرأي العام العربي العراقي ضد الكورد وإتهامهم بتسهيل الأمر للدواعش لاحتلال الموصل، وإحداث شرخ في الجسد السياسي الكوردي، واستغلال القسم الذي ينسلخ من الجسد الكوردي كجحوش كوردية.
كما أراد تسخير المستجدات من أجل إعلان حالة الطوارىء في البلاد وبالتالي الحصول على الولاية الثالثة والرابعة والخامسة، واستغلال تلك الحالة لتصفية خصومه ومعارضيه السياسيين من الشيعة والسنة معاً.
ولكن حسابات البيدر لم تتطابق مع خياله المفرط في الجموح، وعندما أجريت الانتخابات وأعلن عن نتائجها، لم ينعم بالولاية الثالثة، فخرج من الباب ملوماً محسورا، وعاد من الشباك ليصبح نائباً لرئيس الجمهورية، وبعد تحقيق إستمر لأشهر طويلة من قبل لجنة برلمانية حول سقوط الموصل، تم تفسير الماء بالماء، وقيل إن المالكي هو المسؤول الأول الذي يتحمل وزر كل الاحداث والجرائم التي حدثت في الموصل وشنكال وسبايكر وبادوش والحويجة، ولكنه، خرج منها كخروج الشعرة من العجين. وبعد ذلك تم عزله من منصبه الشرفي الجديد.
المالكي، بثرواته وحقائبه المليئة بالملايين، وبأبواقه في الإعلام، ونوابه في البرلمان، يحاول إثبات وجوده في المشهد العراقي، ونراه يظهر ليبيع ويشتري، وليلعب ألعاباً علنية، وليستغل المناسبات السياسية والدينية، ليوغل في الاستخفاف بالشعب، عبر إصدار البيانات والتصريحات وإجراء اللقاءات، وليخلق الفوضى في البرلمان لاستغلالها لصالحه، وليدس أنفه فيما يعنيه وما لا يعنيه، ويظهر في الإعلام وهو يطرق الأبواب للملمة الذين أحسن إليهم في فترتي حكمه الأغبر، وليعقد معهم تحالفات تساعده على تحقيق النجاح في الانتخابات القادمة، تمهيدا لعودته إلى رئاسة الحكومة. كما يحاول أن يستغل الجهاد والمجاهدين ومسمى الحشد الشعبي في الشأن الانتخابي والسياسي. حقاً إنه يستحق لقب (القائد الضرورة) الذي استحق العزل،  ويستحق المحاكمة العادلة ...
 
 


296
المنبر الحر / لا أعرف العبادي..
« في: 12:18 24/08/2016  »
لا أعرف العبادي..
صبحي ساله يي

يبدو أن السيد حيدر العبادي الذي وصل الى منصب لم يكن يحلم به، قلق ويعاني صعوبات في الحفاظ عليه، لذلك نراه ينجرف كالذين سبقوه الى المطبات، ويقع في أفخاخ النيات، ويخلق المتاعب للآخرين ويبتعد رويدا رويدا عن الشركاء السياسيين الذين صعد على أكتافهم الى القمة، وينجر الى المواجهات و المناكفات العلنية، معتمداً على الخلافات والنزاعات المتوزعة بين الاتجاهات السياسية المتعاكسة، والافكار المتناقضة و المصالح المختلفة، وتعويلاً على التقارب التركي الروسي الايراني، وإعتقاده الخاطىء بأن الدول الثلاث ستتناسى أحقادها التاريخية وضغائنها الدفينة وخلافاتها القديمة والجديدة و تضع مصالحها جانباً، من أجل مصالح بغداد ودمشق والاضرار بالشعب الكوردي. توجه نحو المخاطرة والمغامرة في التصريحات وفتح أكثر من جبهة على نفسه وحزبه الذي أخفق في إنتهاج نهج موفق تجاه منافسيه في البيت الشيعي، وفي علاقاته مع الاحزاب الاخرى الكوردية والسنية والدول الاقليمية وعواصم القرار.
السيد العبادي، يحاول أن يأخذ مكانه بين الناجحين، وبيده سلة من الإخفاقات التي لا يمكن أن تتحول إلى نجاحات. يريد البقاء والاستمرار في حكم البلاد وتطويع الظروف لصالحه، فيما تواجهه تحديات شائكة لاحصر لها، أبسطها، محك لجدارته بالحكم والاستمرار فيه، وربما ستأذن بموته سياسياً ونهاية مفعوله، وأهمها متعلق بمعركة الموصل، التي ستكون معركة وطنية حاسمة، لأن الشهداء الذين سيسقطون فيها، ينتمون الى أغلب مناطق العراق، وتتمازج فيها الدماء السنية والكوردية والشيعية والتركمانية والمسيحية، وتقتضي الضبط والتراتب والألتزام بالقيم الانسانية والاخلاقية والقوانين العسكرية، وستكون عنواناً للبذل والعطاء، فضلاً عن كونها ستحدد ملامح المرحلة التي تليها. ولكن العبادي، بدلاً من احتواء الصعوبات يحاول أن يزيدها تفاقماً بالمساجلات العلنية المجحفة. ويتجاهل أن أهالي الموصل من السنة الذين ذاقوا العلقم في عهدي المالكي ما بهم، وأن خمسة طرق من مجموع الطرق الستة التي تؤدي الى الموصل هي بيد الكورد وتحت سيطرة البيشمركه. وما قاله قبل أيام عن البيشمركه، عندما تقدموا خلال الاسبوع الماضي مسافة تزيد عن 20 كلم في محاور الخازر والكوير ومخمور، في عملية استمرت ليومين ونجحوا فيها باستعادة 12 قرية كانت تخضع لسيطرة تنظيم داعش، وبدلا من التهنئة، دل ما قاله على الانفعال والتوجه الصريح نحو إشعال نيران الخلافات بين اربيل وبغداد، حين عبر عن شعوره بلهجة لاتخدم أحداً، وأعلن عن موقف لايمكن تفسيره سوى بالاستمرار في معاداة الكورد والامتعاض من شجاعة وإنتصارات البيشمركه، وتفضيل بقاء المناطق تحت احتلال داعش على تحريرها من قبل البيشمركه.  كما أظهر حقيقته وأثار الجدل وأصاب الكثيرين باليأس والذهول، وكشف عن جوهره الذي لايختلف عن جوهر غالبية الذين يكرهون الكورد ولايطيقون سماع إسم البيشمركه وكوردستان، ودل أيضاً، بشكل قاطع على انه خائف ومرتعب من التعرض للرفض، لذلك يحاول أن يدفع الامور بإتجاهين، الأول، التفكير بأسلوب التلاعب الذي لا يستند إلى الخبرة والواقع وإستشراف المواقف، ودون أن يتعلم من الأمثلة الواقعية ومن أخطاء ومصائر الذين سبقوه. والثاني، محاولة تسجيل أداء مهني والاقتراب من الحقيقة، من خلال تبسيط الامور وإستنزاف المعارضين، والدفاع عن نفسه بمبالغة مفرطة، وإعتبار ذاته وحزبه والجزء التابع لحزبه في الحكومة والبرلمان مثاليين لايخطئون، يستحقون ضمان كل شيء، مقابل اللا شيء للآخرين.
قبل أيام سأل أحد الاعلاميين مسؤولاً في قوات البيشمركه في إحد محاورالقتال ضد داعش، عن رأيه تجاه ما قاله العبادي، فقال: (من هو العبادي أنا لا أعرفه)، مؤكداً (تقدمنا سيتواصل حتى تحرير كل المناطق الكوردستانية، وإننا لن ننسحب من المناطق التي حررناها أو التي سنحررها في المستقبل).

297
تناقضات مشهدنا السياسي

صبحي ساله يي

في المشهد السياسي الكوردستاني حقائق وثوابت لايمكن تجاوزها لأنها رصينة ومتينة، وفيه متغيرات يستند بعضها على منطلقات عقلانية سليمة، ويرتكز بعضها الآخر على الأوهام والمشكلات والصراعات والتناقضات. وخلف ستار المشهد، ضغوطات تقض المضاجع، ومعاناة وملابسات وأزمات متنوعة، أغلبها قاسية تؤثر على الاوضاع وتحول دون إندمال الجراح، وبعضها مكائد مصطنعة ولها أدوار ومسارات تخريبية تستهدف الانسان وحالته المعنوية وحاجاته الأساسية، أما تراكماتها فتهدد بالتراجع المخيف في أداء الاجهزة الامنية والخدماتية والقضائية والمالية، وتصاعدها يعني تعميق الجراح وتعطيل التقدم، وتعاظم الفساد وغياب المساواة، وجر أذيال التقهقر والفشل في غالبية ميادين الحياة، أما حلها، وهذا هو كما يقال (عين العقل)، وتذليل العقبات أمام خطوات معالجتها يعني الدقة في حساب العواقب واستيعاب المسؤولية واستشراف المستقبل.
يتفق الكثير من المراقبين للمسار السياسي في الاقليم، على أنه يخضع أحياناً للوهم والمزاج السياسي ويتم فيه تعقيد البسيط. فالواهم الباني أساس طموحاته على أريكة الأوهام، والبعيد عن أرض الواقع المنظور، لا يعلم ولا يدرك بأنه سيتم تجريده من التخيلات آجلاً أم عاجلاً وحينها لن يستطيع حتى التمسك بأذيال أحلامه، وأن الحقيقة ستزعجه أينما يكون. أما المعقد والمزاجي، فإنه يحاول ان يدفع الناس باتجاه السخط والاستياء، والخروج عن السكة والحاضنة القانونية والدستورية، وتعميم حالة الإحتجاج والفوضى، عبر التجاوز والتطاول والمبالغة الممجوجة والتخطيط لإثارة الفتن والافتراء والتضليل والخداع والتهجم المسعور، وفبركة الإشاعات الرخيصة والدسائس بلا هوادة من أجل التستر وراءها وعدم مواجهة الحقائق ومن أجل إخفاء رأس جبل الجليد الذي لايمكن تقبله، ومنع إنكشاف كل أبعاد النيات المبيتة المربكة والمؤسفة التي لا يجوز السماح بها، والتي تستهدف الكوردستانيين عموماً، وتكشف المتزايدين والمتلاعبين بمقدرات الشعب.
في مقابل هؤلاء، هناك أناس في المشهد السياسي يدفعون الناس نحو التفاؤل وإنتهاج التقاليد السياسية الرشيدة، لمنع تحول المعقد في المسار الى كارثة تصعب معها لغة الحوار والتفاهم، فيطرحون التوجهات التي تحمل الصفات الوطنية والقومية التي تتطابق مع المنطلقات العقلانية، والتي تردم شروخ التفرقة، وتتصدى للأفكار الفوضوية المفعمة بتشويه الحقائق والتوتر والبلبلة، كما يدعمون التوجهات المتطابقة مع الواقع في المعنى والمضمون، والمتوافقة مع الرغبات والتطلعات والمصالح العامة والتي تحمل بين جنباتها المفاهيم التي تضمن العدالة والمساواة والتعايش، وتكرس بناء ثقة التواصل والعمل المشترك إستناداً الى منطق موضوعي وعقلاني يتجسد في إدراك أبعاد التحديات التي تواجهنا والمخاطر المحدقة بنا، واعادة المسارات الى سبلها الصحيحة.. 
من ينظر بإمعان الى أعداد الخطط وأوراق العمل المتعددة، وأحجام المشاريع الاصلاحية السياسية والإقتصادية والشعارات والبرامج الكثيرة المطروحة على الساحة السياسية الكوردستانية، يخال أننا مقبلون على نقلة نوعية تاريخية فريدة،  ومتوجهون نحو إعادة المسارات الصحيحة ومستحقاتها.. ولكن حتى الآن، ما تحقق لايقارن بتضحيات شعب قدم التضحيات والدماء من أجل الخلاص من الاستعباد والظلم، شعب سالت منه أنهار من الدماء وضحى بمئات الآلاف من أبنائه ، شعب يريد أن يحدد رغبته ومصيره ومستقبله وأن يعيش كباقي الشعوب الحرة. 
  في كل يوم يمرّ علينا، وبعد كل ممارسة عدوانية، من قبل الدواعش، وبعد كل تصريح شوفيني حاقد موجه ضدنا، من قبل دواعش السياسة. يتأكد للجميع كم هو ضروري ومبرر أن ندرك المخاطر، وأن نقرأ الحقائق، وأن نتجاوز التناقضات والأوهام والخلافات الداخلية، وأن نقدم التنازلات لبعضنا، بدلاً من تقديمها للآخرين،  وأن نتوحد لندافع عن مصالحنا.

298

صبحي ساله يي

هناك الكثير من الآراء ووجهات النظر المنطلقة من الثوابت الإنسانية المتعلقة بالتأويل والتفسير والإختلاف على نوع الجريمة ومكان وزمان تنفيذها، ولكن الجرائم المرتكبة ضد الكورد كأكبر شعب على وجه الأرض لا دولة له، وكشعب معروف بالتسامح وسعة الصدر ونشر المحبة والتآلف بين الناس جميعاً، تختلف عن الكثير من الجرائم وتتشابه مع بعضها في الوحشية والعنف المفرط، وبما أننا نستذكر هذه الايام، الذكرى الاليمة لجرائم الأنفال التي مورست ضد البارزانيين الآمنين من قبل حكومة البعث القمعية التي حاولت تسييس الاسلام وأسلمة السياسة من خلال إستغلال مفردة الأنفال، المفردة التي ذكرت في القرآن الكريم مرتين، ووظفت في الارض لمآرب سيئة وحروب الإبادة آلاف المرات. لابد أن نؤكد أن صدام الدكتاتور، أخفى وراء إستعمال وتوظيف وتأويل هذه المفردة أهدافاً شوفينية تبرر إرتكاب الجرائم التي خطط لها ونفذها ضد الكورد. 
الحجم الكبير والمروع لهذه الجريمة وما جاءت معها من ويلات ومآسي وتدمير،  لم تحرك ضمائر (الإخوة) في الدين والشركاء في الوطن والساسة وأئمة الاسلام في العالم ودول الجوار ليقولوا كلاماً يدل على عدم جواز قتل النفس البريئة، ولم يخرج أحد من وعاظ السلاطين وفقهاء الحاكم الذين نسوا وتناسوا الحكمة والموعظة الحسنة من دائرة الصمت، وكذلك الحال بالنسبة لضباط الجيش الذي كان يسمى زوراً وبهتانا بالعراقي، لم يترددوا في توجيه السلاح ضدنا، بل كانوا يتفننون في تنفيذ مهامهم الاجرامية، ويبرعون في التدمير المقرون بالكراهية والممزوج بالتدني الأخلاقي وفي شحذ الهمم لصالح الطاغية الذي اراد إختفاء أحقاد وعواطف جيشه ورفاقه الحزبيين وجحوشه وراء النص الديني في إختلافاته مع الآخرين دون رحمة أوتسامح.
الطاغية الذي كان يسعى الى تثبيت اركان إستبداده والتحكم في رقاب الآخرين، بكل القرارات التي أصدرها وما كان لديه من قوة وبأس ومال، كان يسعى لشرعنه جرائمة بقوانين السماء وربطها بالتعاليم الإلهية، وتخندق السياسة وراء الدين، لذلك كان يحاول أن يوهم الناس بأفعاله الدنيئة، ويطالبهم ألإلتزام بما يأمر ويتوعد من يخالفه الرأي بالويل والثبور، وفي هذا المجال لم يتورع من الإقدام على ممارسة العنف والجريمة مع القريبين منه ومع المعارضين له وخصومه في الرأي.
اليوم، وبعد مضي ثلاث وثلاثين سنة على جريمة الأنفال التي إرتكبها واحداً من دعاة القومية العربية، يمارس الدواعش، ذات النهج الصدامي ضد الكورد، ونشاهد تصرفات عدوانية من الشركاء في العملية السياسية تتطابق مع تصرفات الصداميين الإجرامية اللاإنسانية السابقة تجاه الكورد، ونسمع تصريحات بغيضة تدل على الإنحياز والتعصب القومي ضدنا، وتؤكد السير المستمر في طريق وتاريخ مليئ بالظلام، لذلك لابد من إنهاء صيغة المواربة والمخاتلة، وإعلان صيغة الوضوح والمكاشفة، والقول: لقد أثبت الواقع المر أن شراكة الكورد مع العرب في العراق عبر عشرات السنين، كانت شراكة مخادعة مفروضة بقوة السلاح، وكل يوم يمر يتأكد للجميع إنها لا تملك قدرة الاستمرار، وأن الساسة العرب الجدد كالقدامى (الجدد بعد 2003، والقدامى قبل ذلك التاريخ)، جميعهم، دون إستثناء، متشابهون ويكنون الكره غير المحدود تجاهنا، يتوجّسون منا ويمارسون التعالي معنا وأنواعا مبتكرة من المؤامرات الهادفة إلى إضعافنا، ويكررون المواقف والشعارات الالتوائية.. عليه ولأجل إنهاء القلق والانزعاج ومنع تكرار جرائم الأنفال التي لاتغتفر، والحيلولة دون إقامة المزيد من المآتم، ومنع إشعال الحرائق ونزف الدماء، لابد من فض الشراكة القسرية بيننا بالحوار والتراضي..

299
العجالة التي تحولت الى انقلاب
صبحي ساله يي

  بعيداً عن الأصوات المخلصة والحريصة على ردم هوة الخلافات والتناقضات بين السياسيين، من أجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تحدق بالكوردستانيين في جبهات عديدة، عن تلك التي تدعو الى إدراك أوضاع المنطقة والتغييرات المتوقعة وحجم المسؤولية الحقيقية الملقاة على عاتق الذين يناضلون من أجل الحفاظ على المكتسبات المتحققة بدماء الشهداء ودموع الامهات. هناك أصوات تقول الحق ولكنها تريد به باطلاً وتدعو الى نبذ الخلافات وتحجيمها وفق الطريقة التي تتناغم مع أهداف معينة، والى تفعيل برلمان كوردستان، وتجتمع حول تفسيرات وإضافات تؤكد على حل (كافة المشكلات) بمجرد تفعيل البرلمان، وكأننا لم نشاهد هذا البرلمان عاملاً وفاعلاً، ولم نشعر بما إفتعله بعض البرلمانيين من مشكلات لا تغني ولا تضيف أثناء تطرقهم الى مواضيع تمس الشهداء والبيشمركه والرموز الوطنية والقومية والدينية، وأثناء إصرارهم المؤلم على إعطاء مؤشرات تدل على فيضان نوازعهم التي تم تصميمها من قبل مهندسي المشكلات.
الكل يعلم أن المشكلة البرلمانية والسياسية الحالية في الإقليم نتجت بعد 18/5/2015، أي بعد أن اجتمعت الاحزاب والقوى السياسية في إقليم كوردستان لبحث نتائج الزيارة الدبلوماسية الناجحة والمثمرة للسيد رئيس الإقليم والوفد المرافق له الى الولايات المتحدة وهنغاريا والتشيك، وعودته وهو يحمل تطمينات سياسية تختلف عن كل المراحل السابقة خصوصاً فيما يتعلق بدعم الكورد وتقرير المصير للشعب الكوردي. وبعد ذلك اليوم تعطل التفكير عند البعض وبدأت العجالة البرلمانية المتلهفة في تمرير التوتر دون تعقل أو تفكير في النتائج، أو في الظرف الذي كان يستدعي التريث وإستحضار الحكمة وحسن النيات، والتأمل في أبعاد تأثيراتها على الاستقرار المجتمعي وعلى مناخ التوافق. هؤلاء حرموا أنفسهم من الاستماع الى الرأي الناصح،  ونفذوا على عجالة ما أمروا به في 23حزيران.
 تلك العجالة التي سميت لاحقاً بالمؤامرة وبالانقلاب على الوضع الموجود، زادت من مساحة المشاكسات المسكونة بالحساسية، ومن النعوت الغليظة التي أطلقت في الفضاء السياسي عبر مشاريع خاصة لافتعال الازمات، وزادت من التباعد بين أفكار المستعجلين وبين تطلعات المواطنين، وصارت الأولوية لحشد المزيد من السهام وتخزينها في ترسانة البرلمان للجوء إليها في الوقت المناسب وفي اللحظات الضرورية ولفرض النفس بعيدا عن مبادىء وروحية التوافق والعمل السياسي المشترك والذي تشكلت على أساسه رئاسة البرلمان ومنحت لها الثقة والسلطة، وفي التاسع عشر من آب حاولوا تنفيذ الصفحة الثانية من العجالة ولكنهم فشلوا.
الكوردستانيون لم يستفيدوا من هذه الاضافات الغامضة والسريعة والغريبة وغير المناسبة التي جاءت في أوقات غير مناسبة، والتي صعدت الاحتقان في وطن تستلزم ظروفه وطبيعته تواجد الرصانة والإطمئنان وحسن النيات، ورسم الصور المريحة. بل خسروا بعضا من محتوى أمانيهم ومبتغياتهم التي ينشدونها، وربما لأنه لم يتم تبليغهم كل الحقائق والاحداث مراعاةً للمصلحة العامة، فإنهم ضبطوا أنفسهم عن الانفلات المؤذي. وفي المقابل ربح بعض البرلمانيين المستعجلين المجادلين، لأنهم أصبحوا نجوماً على شاشات الفضائيات، يمارسون اللاعقلانية السياسية في إسقاط الكثير من اللحظات التاريخية التي إنفتحت أمامنا ووجهوا مدافعهم الصوتية لإستحضار التهم وإستنفار الناس ومضاعفة حيرتهم، دون حرص على نظافة المفردات ونقاوة الكلمات، ودون النجاح في كسب التعاطف أو تجميل ما يريدون تجميله. هؤلاء لم  يستوعبوا الحقائق ومازال البعض منهم يعيش في بيئة الوهن الفكري ويحمل أثقال أحلامه الكبيرة وأوهامه الكثيرة ويفكر في التآمر والانقلاب حتى لو تطلب ذلك التحالف مع الشيطان.

300
الإنقلاب بالإنقلاب يذكر
صبحي ساله يي
في الليلة التي لم ينم فيها الكثيرون إلا لدقائق،  تابعت أخبار الإنقلاب والاحداث المتسارعة في تركيا، والتي كانت تحمل في دواخلها مشاعر متناقضة،  وفي غالبية اللحظات كنت أتذكر أحداثاً مرت، وأتخيل أخرى، ربما تمر وتحدث. وخالجني الشعور بالغدر والقهر وقتل الحلم والامل وأنا أقارن بين بغداد وأنقرة، فرحت بالاحداث هناك, خصوصاً عندما إندحر الانقلابيون، وتألمت تجاه الواقع في بغداد، لأن الاختلافات كثيرة وربما لا تقارن. 
ولأن الساعات كانت طويلة، تناولت الحدث كما يحلو لي، دون ملل، وعبرت عن مشاعري وأفكاري، وبعيداً عن تحفظاتي على سياسات الحكومة التركية تجاه الكورد والحرب ضد داعش، بدأت بدراسة الصراع القائم وتحليل الموقف سياسياً، فوجدت أن الديمقراطية عندهم ضمانة فعالة لها سند قوي لا يقبل التهاون والتخلف، سند يخوض صراعاً واضحاً وحقيقياً داخل كل المؤسسات غير العسكرية ويعزز مواقف الذين يرفضون الانقلاب.
عندما شاهدت المواطنين العلمانيين والاسلاميين واليساريين والليبراليين المتسلحين بالوعي والارادة وهم ينزلون الى الشوارع، ويحتشدون في الميادين ويعترضون القوات العسكرية والدبابات بالايدي والحجارة، ويهتفون اعتراضاً على ما حدث، ويتعاملون بشرف ويحاولون فرض كلمتهم وقرارهم، وإرجاع الجنود الى ثكناتهم. تأسفت على مواقف البغداديين الذين لم يمنعوا البعث الغاشم عندما أطاح بثورة تموز، وعلى مواقف الذين إنخدعوا بشعارات ضبابية بعيدة عن الواقع الفعلي وتخدم أجندات سياسية معينة فهاجموا البرلمان العراقي بالحجارة والزجاجات بدلا من الدفاع عنه، وأهانوا النواب بدلا من حمايتهم.
في تلك اليلة تذكرت أن أسوأ فترتين عاشهما الشعب العراقي هما الفترتان اللتان جاؤتا جاءت بعد إنقلابي البعث الفاشي في ستينيات القرن الماضي، والتين سادت بعدهما الصراعات الحزبية والفئوية والطائفية والمذهبية، والاعدامات والتصفيات الجسدية، وأصبح الاتهام والتخوين والتسقيط والتهكم والتشكيك بكل شيء، وتسفيه الطروحات والمواقف وخلط الاوراق مهمة يومية لأصحاب الوجوه الكالحة، أما الاسراع في إصدار أحكام الاعدام والادانات فقد فقد كان هو الآخر السلعة الرائجة والمادة الدسمة لسلسلة من الأزمات المتلاحقة التي ألقت بظلالها السلبية على واقع المجتمع العراقي، وتذكرت الحروب المتتالية في كوردستان ومع ايران وفي الكويت، حروب عصفت بالبلاد وخلفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأرامل والثكالى والأيتام، وكيف أوصلت عمليات السرقة المنظمة للمال العام البلد إلى حافة الهاوية.
(صدام) المجرم الإنقلابي، خلال سنوات حكمه، رغم الموازنات الفلكية، لم يستطع تطوير البنية التحتية وتأمين الأمور الأساسية للحياة الكريمة للمواطنين بحيث تتناسب مع نصف أو ربع الإمكانات المادية التي كان يمتلكها البلد، ناهيك عن عدم توفير أماكن السكن. وفي عهده إنتشرت ظاهرة الهروب نحو المنافي واللجوء الى جبال كوردستان، وفي المقابل تنعم المقربون منه بالإمتيازات والمناصب العالية والحياة المرفهة حيث كانوا يقضون غالبية أيام السنة في أجمل البلدان.
في الصباح، عندما شاهدت الجنود الاتراك وهم يرمون مستلزماتهم العسكرية ويضعون أيديهم فوق رؤوسهم (أذلاء) كدليل على الاستسلام، تذكرت جنود صدام وهم يستسلمون للمنتفضين الكورد والشيعة في آذار1991، وللجماهير والقوات الامريكية في 2003، كما تذكرت آلاف الجنود الذين انهزموا أمام العشرات من الدواعش في الموصل وصلاح الدين والانبار وديالى تاركين أسلحتهم وملابسهم العسكرية، ولا أخفي عليكم، تصورت  الشخص الذي دمر البلاد وجلب الشر وزرع الفتنة والمأساة والعذاب والجراح، والذي لم يتصرف يوماً كرجل دولة خلال سني حكمه، تصورته وهو يقود إنقلاباً عسكرياً ويصعد على ظهر دبابة، لأنه ما زال يلتمس ويتآمر من أجل تسلم السلطة، وكل العقلاء يلمسون دسائسه وجهوده المشبوهة من أجل عودته الى الواجهة..
 


301
حالة جديدة تستدعي التفاهم والاتفاق
صبحي ساله يي
التناقضات الموجودة على الساحة السياسية الكوردستانية المشحونة بالمواقف والعواطف، أدت الى ظهور الانقسام والاختلاف تجاه بعض الاستحقاقات، تلك التناقضات، تأخذ أحياناً طابعاً عاطفياً، وأحياناً أخرى طابعاً عقلانياً، في الحالة الاولى تتبدد الطاقات، وتتفتت الجهود، وتضيع الفرص، و في الحالة الثانية، إن ترافقت مع التحاور والاتفاق على المشتركات لتقديم الأمثل والأفضل، تمهد الطريق أمام  أصحاب النيات الحسنة وجميع الذين يسعون الى التصالح والاصلاح والرقي والازدهار، وتكشف أن من تعود الوقوف على التل، والذي لا يجيد غير التطاول المقصود والمدبر و المدسوس والسب والشتيمة، إنتهازي ومعادٍ للجميع ينضم الى المنقسمين ليس لدعمهم أو حبا بهم بل سعياً لركوب الموجة وإحداث الشروخ.
منذ أشهر، لا يمر يوم إلا ونسمع أو نشاهد في وسائل الإعلام من يدعو الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى طرح مبادرة بخصوص التفاوض وإعادة العلاقات الى طبيعتها مع حركة التغيير، مستصرخين التاريخ والثقافة والمصير المشترك. ومع كل دعوة نلاحظ إستجابة بعض قياديي التغيير بالمزيد من التصريحات الإستفزازية والتصعيدية أو التهديدية. ولا نسمع أحداً يدعو التغيير الى المبادرة أو حتى مراجعة مواقفها..
في قسم من عقدي الثمانينيات والتسعينيات في القرن المنصوم، كان الاتحاد الوطني الكوردستاني أكثر الأحزاب عداءً للديمقراطي الكوردستاني. وكذلك الحال بالنسبة للديمقراطي تجاه الاتحاد، ولكن بعد توصلهما الى قناعة تامة بإستحالة مسح أحدهما للآخر، أو إمكانية طرده من الساحة السياسية، والتيقن من ضرورات التعاون بينهما لصالحهما، أولاً، ولصالح الكوردستانيين تالياً، نسيا أو تناسيا التخاصم والتقاتل، وصارا حليفين، ووقعا على وثيقة التحالف الاستراتيجي.
حركة التغيير حصلت على مقاعد، لم تتوقعها، في البرلمان، وعلى مواقع، بسبب إتفاقها مع الديمقراطي الكوردستاني، لم تحلم بها، في برلمان وحكومة الاقليم. وكان بإمكانها المساعدة والمساهمة في إقامة نظام للحكم الرشيد، ومكافحة الفساد والمفسدين، وجعل الديمقراطي الكوردستاني صديقا وشريكاً لها، وأن تكون سبباً لمزيد من الأمان والاستقرار في مناطق تواجدها، بدلاً من هذا الوضع المتوتر الذي شهدته تلك المناطق، خاصة بعد مهاجمة المقرات التابعة للديمقراطي الكوردستاني في محافظتي السليمانية وهلبجه وحرق أغلبها.
حركة التغيير، شاركت الديمقراطي الكوردستاني، ولكنها لم تجرب صداقته، بل جادلته وتحرشت به واتهمته بالفشل وبإثارة المشكلات والتسبب في تفاقم الأمور وتكفلت بمحاربته أينما وجد، وماتزال تسير على النهج ذاته، دون أن تعرف ان ذلك ربما سيؤدي الى إغراق الاقليم في بحر الفوضى والعنف. لا تراجع سياساتها استنادًا إلى النتائج، بدليل عدم قبولها لإلغاء اتفاقها مع الديمقراطي، وعدم لجم نوابها وسياسييها الذين كانوا بمثابة المدفعية والصواريخ الصوتية في الحرب الاعلامية التي شنتها على الديمقراطي الكوردستاني، والذين كانوا أسباباً لنشر الكراهية والحقد والبغضاء بين الكوردستانيين. 
لو توقفت حركة التغيير عن التصورات الخاصة والهجوم غير المبرر على الديمقراطي الكوردستاني، وعن المغالطة في القرار المعزول المتناقض، سنلاحظ حتماً ردة فعل الديمقراطي الايجابية، وسنراه يمد يده لها، لأن الذي حدث بينهما ليس أكبر من الذي حدث بين الديمقراطي والاتحاد. وقد تنتقل حالة الخلاف من أعمدة الصحف والمدونات والتعليقات السياسية وبرامج الفضائيات، الى حالة وئام وتفاهم لوضع النقاط على الحروف وللتعاطي مع المستحقات، في وقت يمكن أن يوصف بأنه، أكثر الأوقات التي تستدعي التفاهم والاتفاق ..
 
 
 


302
المنبر الحر / من يعدم السلطان؟
« في: 18:53 22/06/2016  »
من يعدم السلطان؟
صبحى ساله يى
في حزيران 2007، أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا حكما بإعدام المجرمين علي الكيماوي, سلطان هاشم وحسين رشيد التكريتي، بعد إدانتهم بتنفيذ عمليات الأنفال التي شنها النظام البعثي الفاشي ضد الكورد في عام 1988 وتلوث أياديهم القذرة بدماء الابرياء.
 نفذ حكم الإعدام بحق علي الكيماوي في 25 كانون الثاني عام 2010 بينما ما يزال المحكومان الآخران في السجن لإعتبارات قومية وطائفية وسياسية، دون مراعاة لهيبة القضاء الذي قال كلمته، ولحرمة دماء الأبرياء ولمشاعير وعواطف ذوي الضحايا. ويقبعان في السجن يأكلان ويشربان، وبين مدة وأخرى، نسمع بعثيين سابقين يختارون عناوين جارحة صادمة ويدعون الى إطلاق سراحهما، وبالخصوص إطلاق سراح سلطان هاشم، بحجة التأسيس للمصالحة ولمرحلة خالية من الانتقام والثأر، دون أن يعرفوا أن ممارسة الثأر والانتقام لو تمت، لكان قد قتل  وسحل هؤلاء المجرمون قبل وصولهم الى قاعات المحاكمة.
يدعون لإطلاق سراحه، بحجة الدواعي الانسانية، وكأن الذين قتلوا في الانفال وهلبجه، لم يكونوا من البشر. وبحجة تعزيز دور القوات المسلحة وجهودها في مقاتلة الاٍرهاب وتنظيم داعش، وكأن الحزب الذي كان ينتمي إليه سلطان، لم يمارس إرهاباً أسوأ مما يمارسه داعش.
ومرة بحجة استقطاب عشيرة طي، وكأن الذين قتلوا دون ذنب لاينتمون الى عشائر. وبحجة تعزيز الانتماء الوطني، وهل كان هؤلاء وحزبهم الفاشي (فقط) وطنيين ؟
يطالبون بإطلاق سراحه بحجة كفاءته العسكرية، وكأن العراق بلد عقيم لم يلد كفاءات أخرى، ولا يعرفون إنه لو كان سلطان خارج السجن، لكان الآن إما مع المجرم عزت الدوري أو بنات صدام أو مع الدواعش.
وتارة بحجة دوره البارز في الدفاع عن العراق وتحقيق النصر ضد إيران في الحرب التي دارت رحاها بين عامي 1980 و1988. عجيب! مازالوا يتجاهلون الهزائم المرة المتلاحقة للبعث، وهم يعرفون أن (سطان) ترأس الوفد العراقي الى خيمة الذل والاستسلام في صفوان في عام 1991 على الحدود مع الكويت، مقابل وقف إطلاق النار، فقط.
يعتبرونه واحدا من أبرز قادة الحرب، أي حرب؟ حرب قتل المدنيين الكورد والشيعة، طبعاً، ويعددون النياشين والأوسمة والأنواط والقلادات التكريمية التي استلمها لمجهوده العسكري، ولكنهم لايذكرون الذي منحه تلك النياشين والأنواط... ألم يكن طاغية العصر المجرم صدام حسين؟
سلطان هذا، قاد عمليات الأنفال الاولى التي بدأت بهجوم كبير في شباط 1988، في المنطقة الواقعة بين السليمانية ودوكان، حيث استخدمت قواته في هذه الحملة جميع انواع الاسلحة الخفيفة والثقيلة والمدفعية والطائرات والاسلحة الكيمياوية وكذلك الصواريخ. وعندما كان قائداً للفيلق الخامس، أثناء عمليات الانفال الرابعة أشرف على  الهجوم على قرية (كوب تبه)، وشملت قرى (حيدر بك)، (عسكر), (كليسه), (بوكرد), (كانبى), (قبرلو), (كانى هنجير) و(كومه شين). وفي ذلك الهجوم تم قتل جميع الجرحى والاسرى الكورد.
إن عدم إعدام السلطان حتى الآن، يعتبر طعناً عميقاً في العمل المهني والقانوني الذي قامت به الأجهزة القضائية وتحقيراً لها، وإهانةً وصدمةً كبيرتين لذوي الضحايا وتشجيعاً لأشخاص آخرين للتمادي في جرائمهم، تنفيذا للواجب التعسفي، أو إرضاء للقائد الضرورة، أو رغبة في إشعال الفتنة في بلد يعاني من محاولات تأجيج الفتن وتوسيع دائرة القتل. فهل من مجيب؟؟ 
 


303
كركوك ومزايدات التوتر والتأجيج
صبحي ساله يي
 (لم تبن روما في يوم واحد)، هذا المثل اللاتيني ينطبق على كركوك. فكركوك التي نريدها لاتبنى بيوم واحد، لأن المدن الآمنة المستقرة المزدهرة، والتي تعيش فيها مكونات قومية ودينية ومذهبية وسياسية بتآخ وسلام لم تصل لما هي عليه بين ليلة وضحاها. لقد استغرقت سنواتٍ كثيرة مليئة بالتجارب الصحيحة والخاطئة، تعرضت بعضها الى مصائب وكوارث وحروب دامية، بسبب الغباء والخرافة والمعتقد والمصالح الفردية والفئوية، وجرت في بعضها الآخر صراعات ونزاعات فكرية وطائفية بخصوص غالبية الأمور، البسيطة والمعقدة، المهمة والهامشية. سالت فيها الدماء وتبددت الثروات وهدرت الاوقات. ولكن الوعي الإنساني والتفكير العلمي السليم ساعدهم على الوصول الى هذه المرحلة المتقدمة من الازدهار والاستقرار والأمن والبناء والرخاء الاقتصادي.
 في كركوك، وفي بيئة مشحونة بالتوتر والكراهية القومية، بسبب أحقاد وجهالة البعض والمنهج الخاطئ وقصير النظر والطائفي ومواكبة الأجندات الخارجية للبعض الآخر، قضينا سنوات عجاف من الصراع والحزازات. ولكن خلال الأعوام القليلة الماضية، قطعنا مراحل متقدمة في المسيرة نحو التفاهم والأمان، مع ذلك هناك مصائب تكمن في أن البعض مازال يفضل خير الآخرين على خيره وخير أهله، ومازال لا يدرك مدى مصالح الذين يروجون لإقليم كركوك، ليس حباً بكركوك، بل خوفاً من إلتحاقها بإقليم كوردستان وفق الدستور وحسب آراء ورغبات أبنائها، وما زال يجهل أن الكورد الذين ضحوا بدماء غالية وبأعز ثوراتهم من أجل هذه المدينة، لا يمكن أن يتنازلوا عنها، ومازال لايعرف أن الغالبية تجاوزت سذاجة التصديق بأن حقوقهم ستكون مصانة بعيداً عن حكومة إقليم كوردستان.
القيادة الكوردستانية التي دعمت الكركوكيين جميعاً، تدعم التفاعل الديمقراطي والرؤى السديدة في هذه المدينة العزيزة وتساند رغبات وخيارات الكركوكيين وكل محاولة تهدف الى بناء وتصحيح اخطاء الماضي، وهي على يقين بأن الديمقراطية الكوردستانية التي ما تزال تتطور، وتجربة الكورد الإنسانية، تصلح أن تكون قدوة ومثالاً لهم، لذلك تواكب الاحداث وتدعو الى عدم الإصغاء للخواء السياسي المبالغ في الكذب والدجل والتزييف، والى أصوات المنتفعين والانتهازيين المستعدين لتبرير أخطاء الآخرين في حق جميع الشرعيات، الذين يظنون بأنهم لايجدون في الميدان السياسي والاعلامي من يتصدى لهم، وإنهم سيتمكنون من خلال إزدراء القانون ونبرة المؤامرة والمفردات الموروثة، من تمرير أجنداتهم الضيقة، وإفساد الرأي العام، واختراع أعداء خارجيين وداخليين وهميين ضد عودة كركوك الى أحضان كوردستان.
سبب هذا الكلام هو إنبراء أحدهم قبل أيام، في هذا الصيف القائظ ، حيث المئات من الأدلة تثبت ان كرة اللهب تكبر وتشعل وتشتعل في أجواء مليئة بالمفاجآت، ليدلي بدلوه، دون دراية ورؤية، في شأن الإستفتاء المنتظر في كوردستان، مدعياً أن الكثير من الرغبات تتطابق مع أقلمة كركوك، دون أن يعرف بأن الحدود بين الإقليم وكركوك، افتراضية صنعتها ظروف مؤقتة، وما يوحد المواطنين هنا وهناك أكثر بكثير مما يفرقهم، وما حدث بعد العاشر من حزيران 2014، وأثناء توجه البيشمركه (أفضل و أعز ما نملك ) الى المناطق الكوردستانية خارج الإقليم، وإعلان إستعدادهم للإستشهاد لحماية أبنائها، دليل دامغ واضح على تساقط الحلم الذي كان وما زال يراود أفكار البعض، بخصوص احتمال بقاء كركوك على حالها.
كركوك بحاجة الى أفعال وطنية مبهرة، وليس الى أقوال ومزايدات. بحاجة الى تصويب السياسات والمواقف وردود الافعال، وليس التوتر والتأجيج والفوضى. 
 
 


304
بغداد بين واشنطن وطهران
صبحي ساله يي
لماذا لا يتحدث أحد عن (الخطّة باء) في العراق؟ هل هي إستهانة بأرواح الضحايا الابرياء؟ أم هي رغبة في زيادة أعدادهم؟ أم محاباة للسياسات الاستنزافية السابقة التي جسدتها حكومة المالكي ضد العراقيين الكورد والعرب السنة وكثير من الشيعة؟ أم هي استمرار لاستراتيجيات الترقيع في ميادين السياسة المشتعلة؟ أم لأنه لا وجود للخطة ألف كي تكون هناك الخطة باء؟ أم لأن الذين تولوا مقاليد الحكم لا يعرفون مستلزمات إحداث النقلة النوعية أو النسبية، الكلية أو الجزئية في المعادلة العراقية، ولاتتوافر عندهم الثقة في قدراتهم وقدرات شركائهم في الوطن؟
الحكومة الحالية، وريثة للحكومة السابقة الفاشلة التي سلمت ثلث أراضي العراق، وأسلحة ومستلزمات عسكرية تقدر أثمانها بعشرات المليارات للدواعش، الحكومة التي كانت خططها من (الألف حتى الياء) تتمحور حول تدمير العرب السنة ومناطقهم، وتركيع الكورد وقادتهم، وترويض الشيعة المعارضين لسياساتها، للقبول بالسرقات والفساد وبمختار العصر وبالولاية الثالثة والرابعة والعاشرة لرئيسها. وهذا يعني أن الحكومة الحالية، رغم تظاهرها بالعمل على حل الخلافات والاختلافات الكثيرة بين المكونات العراقية تتأبط خطة (بدون حرف)، تحاول من خلالها خلق أجواء تؤدي إلى تسويف وتأجيل وترحيل المشكلات وليس حلها، لذلك تخطو خطوة واحدة الى الامام وترجع خطوتين الى الوراء، وتتلكأ في تنفيذ إلتزاماتها ووعودها التي تأكل سابقاتها، ولا تأخذ في الحسبان الواقع على الأرض، وتصر على تنفيذ المستحيل وقلب المقاييس وموازين القوى، وهي متأهبة لضخ الساحة بمفاجآتها العجيبة والغريبة.
البعض يتفاءل فيقول إن هذه الحكومة متأكدة من الفشل الذريع لسياساتها وسياسات سابقتها الاستنزافية وتدرك كلفتها المالية والإنسانية الكبيرة، لذلك ستستيقظ من أحلامها وتستسلم للواقع وضروراته، وستنادي بأنه حان وقت العودة إلى طاولة رسم السياسات للتدقيق في الواقع العراقي وتعديل الاستراتيجيات، وستطالب بإعادة النظر في السياسات المعتمدة في ضوء ما أفرزته الاحداث والوقائع الجديدة، وستعمل في أقل تقدير من أجل استبدال الاستنزاف بإيقاف النزيف.
والبعض الآخر يقول إن واشنطن التي تعرف أن كلفة الفوضى أصبحت باهظة في العراق، ونتائج الأزمة الاقتصادية الجاثمة ستزيد الوضع الإنساني تفاقماً، مع التصاعد المستمر لدعوات التقسيم، وقلقها من إنهيار العملية السياسية الهشة الموجودة في البلاد، خصوصاً أن داعش ما زال ينتشر في مناطق عديدة ويخطط لدخول مناطق جديدة، أو مناطق طرد منها، لينفذ فيها مشاريعه الاجرامية، لذلك ستعمل على تنشيط المحادثات بين المكونات العراقية ويتدخل مسؤولوها الكبار لإنقاذ مايمكن إنقاذه. 
آخرون يقولون إن طهران تلعب دوراً من وراء الستار وتضغط لمنع إنهيار المداولات وانغلاق فسحة المفاوضات الحساسة بين ممثلي الكورد والسنة وممثلي الشيعة. وفي مقابل هؤلاء، نرى أناساً يحبسون أنفاسهم، لأنهم يعون تماماً أن انهيار العملية السياسية يعني العودة الى المربع الاول والاستمرار في حرب الاستنزاف، وعندها لاتنفع الخطط بأحرفها المختلفة. لذلك نقول: المستقبل معلق على قرارات شجاعة وإجراءات جريئة، وعلى تنفيذ خطة عملية وواقعية يمكن تسميتها بـ (أي حرف) لإيقاف المأساة المروعة، وتلبية رغبة الذين يريدون ان يكون العراق ملكاً للشراكة، ومساعدة الذين يريدون تبسيط المعادلة عبر تبني سياسة التنازل مقابل تنازل الاخرين، وسحب البساط من تحت أقدام المالكي ومن معه، والبعثيين الذين يسعون لزيادة التدهور في الوضع الميداني ، لإيمانهم بأنهم سيستفيدون من سياسة الاستنزاف التي قد تصبح مستنقعاً يورط الآخرين عاجلاً أم آجلاً ويستنزف طاقاتهم. لذلك لابد من  تدارك الامور، لكي لا يضطر الشعب الى اللجوء الى تنفيذ خطته، وما أدراكم ما خطة الشعب.
 
 

305
مستقبل الدولة في العراق
صبحي ساله يي
الحديث عن الدولة في العراق، معقد وطويل، يبدأ بتشكيلها على أسس مذهبية وقومية متناقضة ومتنافرة ضمن حدود جغرافية إنتهكت الحقوق الأساسية لأصحاب الأرض الحقيقيين ومصالحهم، وراعت مصالح المتسلطين الذين قاموا بتقسيم المنطقة فيما بينهم، ويمر بمشكلات ديموغرافية وتاريخية ومذهبية متعددة، وينتهي بشعارات رنانة مزيفة وأطروحات وأوهام وخرافات لا تساير الواقع ولا تحقق ولو جزءاً قليلا من طموحات وغايات الذين تم دمجهم في هذه الدولة تحت صيغ واهية.
  هذه الدولة أخفت منذ تأسيسها وفي كافة المراحل الزمنية طموحات المتعصبين القوميين تحت غطاء الوطنية، وتعاملت مع القضايا المشروعة المطروحة فيها بطرق ملتوية، ولبست عباءة التضليل والتحريف والخداع، وفشلت في إنجاز أبسط مهماتها، وغرقت في الفضائح في الكثير من مراحلها، لأنها إنتهجت سبل إستغلال  المشكلات من أجل خلق الأزمات والاستمرار في ادارتها، بشكل يتلاءم مع مصالح الحكام ويسهل لهم الهيمنة ونهب الخيرات، وسخرت الدين والوطنية وشعارات حسن النية والاخلاص في العمل والتفاني من أجل الجميع لتمرير أجنداتها التسلطية ومكائدها العدائية.
كل الذين تسلطوا على رقاب الدولة في العراق، منذ تشكيلها وحتى يومنا هذا،  استندوا إما على الايديولوجيا الفاشية القومية أو الطائفية والمذهبية البغيضة، وجميعهم غرقوا في الاستبداد والفساد وكانوا بعيدين عن الصفات والثقافات والمفاهيم الوطنية، وتعاملوا مع الكورد بروح إستعلائية وأنكروا عليهم حقوقهم وأذاقوهم الويلات واستكثروا عليهم كل شيء، ومارسوا الاستفزاز والتحريض والقطيعة والعداء ضدهم وجميعهم إستخدموا السلاح في مواجهتهم في لحظات قوتهم، ولجأوا إلى التفاوض وعقد الاتفاقات معهم بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة في لحظات ضعفهم دون ان يغيروا نهجهم وسياساتهم.
في هذا البلد، ورغم شيوع مفاهيم التمدن والتقدم والوطنية والسيادة وجهود الذين ظهروا مع الموجات الفكرية والانسانية بين الأحزاب السياسية ومحاولاتهم من أجل تخطي النزعات القومية والمذهبية والعمل تحت خيمة ترسيخ إسم الدولة وهيبتها وهيمنتها، كالذي حدث بعد ثورة تموز 1958، وبعد إتفاقية آذار في 1970 بين الكورد والبعث، وبعد تحرير العراق من الدكتاتورية في العام 2003، إلا إن المحاولات باءت بالفشل، لأن المنطق في العراق كان يشير على الدوام الى طغيان العنصرية والاستبداد وخلق الاحقاد والتناحرات بأساليب خبيثة بين المكونات، والى فقدان الإنتماء الذي لايسلك سياقه الحقيقي في أوحال المعضلات، والى عدم وجود المساواة والإنصاف والعدالة، وشيوع الرغبة في احتكار السلطة، ونهب الخيرات وإستفحال التناقضات وكثرة اللحظات المشوبة بالقلق والهواجس والمعاناة.
كل تلك الأحداث ومعطياتها أدت الى إن يشعر الفرد في العراق، بأن حقوقه لا تراعی وکرامته لا تصان وأن القوانین السماوية، وحتى التي سنها المتسلطون أنفسهم، تنتهك، وأن هناك تمييزاً في المعاملة معهم، وبعد ما يقارب من مئة عام على محاولة تشكيل الدولة، يعيش هذا البلد في ظروف دقيقة وحساسة، والوضع السياسي فيه غير مستقر أكثر من أي وقت آخر، والفساد مستشر بشكل يفوق فساد أي بقعة بالعالم، ومئات المليارات قد سرقت من الخزينة، وغالبية الخدمات الاساسية غائبة، والبطالة مستشرية ورقعة الفقر في توسع دائم، والسلطات لا تستطيع ضمان حريات المواطنين، ويقف (العراق) على أعتاب احداث واحتمالات كثيرة، ومعطيات الواقع تؤكد إستحالة ضبط الاوضاع أو منع إنزلاقها نحو التردي والاسوأ،  لذلك يمكن القول إن مستقبل الدولة في العراق يتجه نحو حالة اللادولة.
   
 
 


306
هل تتحمل بغداد تبعات سياساتها؟
صبحي ساله يى
من يتابع المشكلات والأزمات المثيرة للجدل بين إقليم كوردستان وبغداد، يرى أنها مصطنعة من فراغ، ولم تأت لأسباب موضوعية أو جوهرية تتعلق بأمن الدولة أو سلامة البلاد، ويتأكد أنها جميعا نابعة من داخل منظومات متشابهة تقرر إتخاذ المواقف الخاطئة المفاجئة كي تثير الدهشة وتغيظ الأصدقاء وتفرح الأعداء. منظومات تسيطر على غالبية مقاعد البرلمان العراقي ومراكز القرار والساحة الاعلامية، وتتفنن في خلق المشكلات الفريدة وغير المسبوقة بين طرفين أقل ما يقال عنهما إنهما كانا بالأمس القريب شريكين، ويلاحظ أن ردود أفعال الكورد، العاطفية أو المنطقية، على سلوك وتصرفات هؤلاء، تفصح بصراحة متناهية عن منطلقات سياسية وإستراتيجية تترجم ما ذكر في الدستور العراقي الدائم، كما تفند إدعاءاتهم وتدافع عن مصالحهم وتوجهاتهم، وما تمليه عليهم المواقف الخطيرة التي إن لم يتتم السيطرة عليها ومنعها، ربما, ستكون لها تداعيات مستقبلية وتتحول إلى كارثية ومدمرة.
ما يمكن فهمه من الأزمات وأسبابها والأهداف الرئيسة من خلقها، هو استمرار بغداد في إدارتها وانتظار حدوث تقلبات داخلية في الاقليم أو في البيئة الإقليمية والدولية، وفي المقابل يرى المتابع أن الإقليم يركز على أهداف دستورية وقانونية ويطور علاقاته الايجابية مع الأطراف والأحزاب السياسية جميعها، ويراه قد درج على إتخاذ مواقف وسياسات عقلانية تتيحها له الظروف الذاتية والموضوعية، ومن هنا يبرز أمام هذه الأوضاع سؤال جوهري من الضروري أن يتم التوقف عنده والإجابة عنه بكل صراحة وموضوعية: في الواقع السياسي الحالي، هل تتحمل بغداد تبعات سياساتها تجاه الكورد وتداعيات الأوضاع الحالية والمستقبلية؟
في العالم المتحضر، لا نجد عاصمة تمارس سياسات من هذا القبيل، فالعواصم جميعها تحرص على أن تكون سياساتها متوازنة مع تصرفاتها وتراعي الاعتبارات التي تتعلق بإمكانياتها، وتحسب ألف حساب لحجم وإمكانات مكونات بلدانها، وترسم سياساتها وفق معايير ومناهج الربح والخسارة والمصالح والمخاطر، ولكن هذا الأمر يصعب قياسه في الحالة العراقية المحتقنة، لأن الذين أمسكوا (في الماضي) ويمسكون (حالياً) زمام الأمور يتجاهلون الحكمة والمنطق، والنتيجة مناكفات وجدال ومزايدات وشعارات وضرر بالعباد و البلاد و حتى المبادرات التي تطلق لمعالجة الأزمات وتروج لها، شكل بعضها مغلف بغلاف قد يسر السامعين ولكن مضامين غالبيتها ملغمة وتتضمن نقاطاً تتناغم مع تحفيزات وتسهيلات تحرض على الفتن وتقع في دائرة الفكر المخالف لقواعد السلوك وإثارة علامات الريبة والشك بشأن الدوافع الحقيقية لهذه المبادرات.. وهؤلاء المتجاهلون للحكمة ما زالوا يسبحون ضد التيار ظناً منهم إنهم لايغرقون، إلا إذا غرق الجميع قبلهم، ويحاولون الإبحار في قلب الأمواج والتحديات، رغبة منهم في الوصول إلى البر الآمن والشاطئ المستقر الذي يريدونه، ولايعرفون أن محاولة السباحة ضد القوانين والاعراف والقيم تقود المحاول إلى العواقب السيئة والنتائج الفادحة.
هؤلاء يحاولون خوض غمار السياسة بلا دراية ويركزون على مكاسبهم الشخصية والحزبية والطائفية والقومية ولا يقرون بالخسارة في كل ما ينتهجونه من سياسات. ولا يريدون الكورد شريكاً، لأنهم لايعرفون أن سلامة الكورد وسلامة توجاهاتهم وتصرفاتهم سلامة لهم. لذلك من الضروري أن يختار الكوردستانيون ((الصحيح)) هذه المرة، ويوظفوا الوقت الصحيح للتحرك في دائرة معرفية معنية ويفرقوا بين الإستراتيجية والتكتيك، وبين الثوابت والمتغيرات، ويأخذوا العبرة من أخطاء وتجارب الماضي البعيد والقريب...
 


307
سفراء الكورد في بغداد
صبحي ساله يى
بعد قرن على اتفاقية سايكس بيكو، تعيش الخارطة السياسية للمنطقة أحرج مراحلها وتتجه نحو التغيير الحتمي، وللحفاظ على المصالح الإستراتيجية والعلاقات الإنسانية بين مكونات وشعوب المنطقة، لابد من البحث عن الحلول السياسية والعملية السهلة، وطرح وجهات النظر غير المستعصية بخصوص معالجة المشكلات المزمنة والتعامل مع المتغيرات المستقبلية بعقلانية.
في العراق، وبسبب تعاظم ميل التوازنات لصالح البعض على حساب البعض الآخر، عشنا عقودأ في أزمات متتالية، وكنا كلما خرجنا من ازمة تلفت الانتباه وتثير الاهتمام، دخلنا في ازمة آخرى أشد فتكاً، وكل الأزمات كانت تؤدي الى نتائج متشابهة تحتسب لصالح الذين كانوا يملكون المال والسلاح ويسيطرون على القوات المسلحة وقوى الامن والاستخبارات، وكانت تصب في خانة الخسائر المتكررة بالنسبة للآخرين، ولشعب كوردستان بالذات الذي ظل مصمماً على انتزاع حريته والتمتع بها، مع علمه ويقينه بأن العنف لا يصلح كوسيلة لمعالجة المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتراكمة والمعقدة، لذلك كان يبدي المرونة في الكثير من الأحيان، إلا أن اصحاب القرار في بغداد، على مدى القرن الماضي، تجاهلوا الحكمة والمنطق الواقع وحدوده المعقولة، وفشلوا في التوصل الى حلول مقبولة، لذلك، كان الشعب الكوردستاني مجبراً على الدفاع عن نفسه، وبالطبع فان هذا الإجبار كان يتطلب على الدوام تعبئة الطاقات وزيادة القدرات وحماية الأنفس  والممتلكات. 
 بعد إسقاط صدام حاولت الحكومات العراقية تمرير بعض المعالجات الجزئية لمشكلات وخلافات جذرية، ولكن ثقافة التسلط والعقلية الإستبدادية وسوء النية المسبق أفشلت تلك المحاولات ومهدت لإرتكاب أخطاء جديدة  ربما أكثر فداحة من أخطاء صدام وحزب البعث، واليوم وفي ظل المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية التى تنذر بتغيير الكثير من الامور، وبالذات بعد ما حصل من إعتداءات على الحقوق الدستورية والقانونية للكورد خصوصاً، وبعد الدعوات العلنية الشوفينية التي تطالب بتهميش الكورد بحجج وذرائع مختلفة، تعالت في كوردستان الأصوات التي تدعو الى قطع شعرة معاوية بيننا وبين بغداد وإلغاء مشاركتنا الصورية هناك، وهناك أصوات أخرى تدعو الى المبادرة والحوار الجدي معها والتفاعل مع الخطوات الإيجابية والواقعية وتثبيت الأقدام أمام المتغيرات الحاصلة في البلاد والمنطقة، لوضع النقاط على الحروف، لكن  آخرين يرون الحوار معها عقيماً ودون فائدة لاننا استنفدنا كل الجهود التفاوضية والدبلوماسية معها ولم تجد نفعا، وبما أن التنازل عن كل شيء غير ممكن، كما لا يمكن نتناسى أونهمل تضحياتننا ونضالنا الذي سرنا في دروبه  لمدة مئة عام، لذلك هناك من يدعو الى تعبئة العقل والمنطق وتنظيم وترتيب البيت الداخلي الكوردستاني لمواجهة كل الإحتمالات، وعلى كل المستويات والصعد والإستناد بثقة عالية وقناعة راسخة على شرعية المقصود والهدف. وبين هؤلاء وهؤلاء، ظهر أحد النواب الكورد في بغداد، قبل أن يتعرض مبنى البرلمان العراقي الى الاقتحام فوصف وجوده ووجود زملائه والوزراء ورئيس الجمهورية هناك بالضروري، بحجة، إنه، حتى لو أكملنا بناء دولتنا، لابد أن تكون لنا سفارة في بغداد، قد يكون عدد موظفيها بقدر عدد النواب والوزراء الحاليين، أو أكثر، وقال مبتسماً: إعتبرونا سفراء في بغداد.. ولكن هؤلاء (السفراء) تعرضوا الى الغدر والإهانة، عندما تم إعدام دولة العراق بحجة الإصلاح، وعادوا الى الإقليم، هرباً، بطائرات مدنية وعسكرية..
 ترى هل يعودون الى هناك وكل العلامات تؤكد إستحالة بقاء الأوضاع الحالية على حالها؟ وكل الحقائق تشير الى أن العراق تجاوز مرحلة الثغرات والمطبات والإنحدارات، ويعيش على برميل من البارود وبركان من الغضب، أم يبقون هنا  ليعيدوا النظر، مع غيرهم، في جدوى مشاركة الكوردستانيين في العملية السياسية في العراق؟


308
المنبر الحر / الكورد والتركمان
« في: 18:53 27/04/2016  »
الكورد والتركمان

صبحي ساله يي
نحن الكورد نتشارك مع الشعب التركماني في الوطن والمصالح، وفي التاريخ السياسي الحديث تجمعنا عوامل عدة، أولها، أن كل الذين تولوا حكم العراق، إعتبروا أنفسهم على حق وعلى الآخرين الخضوع لهم، وجميعهم عانوا من عقدة اسمها كوردستان وأهلها، وسخروا المال والسلاح ضدنا، ليشفوا غليلهم. أحدهم تعامل معنا كقوميات من الدرجة الثانية أو حتى العاشرة، وأنكر علينا حقوقنا وأذاقنا العلقم ووصلت به الوقاحة الى استخدام أخطر اسلحة الدمار الشامل ضدنا، وآخر جاء من بعده مستندا على أيديولوجيته المذهبية القومية، متعالياً بغيضاً مقلداً ممارسات صدام الانتقامية والشوفينية، راغباً في بسط سيطرته المطلقة على كل شيء، واستكثر علينا ما يعتبره الآخرون حقاً مشروعاً، وأراد إجهاض تجربة الكوردستانيين النموذجية بكل الطرق، فمارس أخبث اساليب الاستفزاز والتحريض تجاه تطورنا وتقدمنا، وقطع الرواتب عن الموظفين والعمال والمتقاعدين، ولو كانت الظروف كظروف الحرب الباردة، ولو كان يملك أسلحة وجيش صدام، لما توانى عن استخدامهما ضدنا.
نحن الكورد لنا مع الشعب التركماني وبعض السياسيين التركمان تجارب حلوة ولذيذة كالعسل، ومع بعض آخر من الساسة التركمان تجارب مرة كالحنظل، ألحقت بنا أضراراً بالغة، وأحدثت إشكالات كثيرة، وأوقعت آثارا مؤسفة إستوجبت دفع الثمن باهظا. وهؤلاء البعض لايفقهون أن السياسة خيارات، وأحسنها الاعتدال والتعاون والتفاهم وقراءة الواقع كما هو، وسياسة كل شيء أو لاشيء سياسة ساذجة وفاشلة ومخادعة للذات, بالنسبة لكل الأطراف السياسية والقومية في كل مكان، وفي الوقت ذاته، لايعرفون أن إطالة مدة الصراع ستؤدي إلى ردود أفعال ربما تكون عنيفة، ولم يتوصلوا حتى الآن الى قناعة مفادها إستحالة بقاء الأوضاع على حالها.
التركمان في كوردستان (لا أقول في العراق لأن غالبية مناطق سكناهم تقع في كوردستان) منقسمون بين المذهبين السني والشيعي، وسياسيوهم متوزعون بين الداعمين لهم من الجهتين السنية والشيعية، وبعض تلك الجهات تغذي الانقسامات التي تفرضها الانتماءات والمصالح ولاتهمها سوى مصالحها الآنية. وخلال السنوات السابقة سعى الساسة الكورد وكافة الأحزاب الكوردستانية، الى منح المزيد من الزخم للسياسة الواقعية تجاه التركمان والمكونات الاخرى، وفي المقابل حاول الساسة التركمان الذين يكنون عداءً دفينا ضد الكورد، ولهم مواقف خاطئة وغير مسؤولة في التعامل مع المستجدات بشكل واقعي وصحيح، للحصول على مكاسب غير مشروعة ومناصب لا تقدم ولا تؤخر من حزب الدعوة ومختار العصر، للمتاجرة بدماء التركمان الذين وقعوا ضحية التعصب المذهبي والقومي. وما حدث في خورماتو، خلال الأيام الماضية من إشتباكات مسلحة وإراقة للدماء، دليل واضح على أن هؤلاء يتحملون  وزر ما آلت اليه أوضاع التركمان، عموماً، لانهم إنقسموا حسب مذاهبهم وركضوا وراء مصالحهم الخاصة ولم يتفقوا بشأن مطالب قومهم ..
ترى، هل يدرك التركمان أن مستقبلهم مع الكورد الذين يؤمنون بالمساواة والعدالة و القانون والدستور وسيحمونهم مع المكونات الأخرى أثناء المحن و يعترفون بحقوقهم؟ وهل يتعاطون مع أمورهم السياسية بإيجابية، ويبتعدون عن الإحساس بأنهم ضعفاء، وهل يختارون طريقهم الصحيح بما يفيد نهوضهم وتقدمهم و تقوية وتعميق علاقاتهم مع  الذين يعيشون معهم منذ مئات السنين؟
أم يستمرون في الإتكال على سياسيين فاشلين فاسدين باحثين عن الفوضى؟
 


309
إما أن نكون شركاء، أو...
صبحي ساله يي
في زمن تعكر الأجواء وكثرة الهرج والتعقيدات ونفث السموم، ووفق منطق اللامنطق المملوء بالألغام والمكائد وعوامل التفجير والتهكلة، يبالغ الأنانيّون والمؤدلجون المأزومون وأصحاب الشهوات ومسلسلات الفضائح، في زرع بذور الصراع والخلاف من أجل إفساد العلاقات بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كوردستان، بل بين العرب والكورد، وهذه حقيقة لا يمكن حجبها أو مواراتها. لذلك يقولون إن الكورد يريدون استغلال الفرص وفض الشراكة، ولكنهم لايسألون : هل الكورد شركاء فعلاً؟ وهل الآخرون يؤمنون بالشراكة على أسس غير طائفية؟ وهل بإمكانهم تشخيص واقع ما يدور في الخفاء وفي كواليس السياسة والمشهد السياسي العراقي المتوتر والمتأجج ضد الكورد وتطلعاتهم وإقليمهم؟
لايعرفون، أو لايريدون أن يقولوا، إن الكورد متأكدون من أن المنطقة برمتها تشهد مخاضاً تاريخياً، لذلك يريدون أن يكونوا (هذه المرة) جزءاً ممن يصنعون المستقبل في هذه المنطقة من خلال إرساء وترسيخ سياسات واقتصاديات ودبلوماسية فعالة ومأسسة الإدارة، ومواجهة كل الذين يريدون زعزعة أمن إقليمهم، والتعاطي مع المستجدات بمكاشفات تتجلى بلقاءات يعقدها المسؤولون في رئاسة وحكومة الاقليم والأحزاب السياسية الكوردستانية مع المسؤولين في الحكومة والأحزاب السياسية العراقية، وممثلي الدول المؤثرة في القرار العراقي.
ولا يسألون: من خطا نحو الإنفصال عن الآخر؟ الكورد الذين عادوا الى بغداد طواعية، بعد تمتعهم بالحرية في إقليمهم، ومساهمتهم الفعالة في كتابة الدستور وبناء العراق الفيدرالي الديمقراطي، أم الذين قطعوا موازنة الاقليم ورواتب موظفيه ومتقاعديه وكل مستحقاته القانونية، وحاربوا أبناءه على كل الجبهات وتنصلوا من تنفيذ الدستور؟ وبسبق الإصرار والترصد يريدون تنفيذ أوامرهم دون نقاش ولا تفكير ولا تردد..
العاقل المتمعن في المشهد السياسي العراقي يتوصل بسهولة إلى قناعة لا تقبل الجدل وهي أن الدولة في العراق موجودة فقط في المؤتمرات والمحافل الدولية وحسب الدستور، بينما هي شكلية ومعطلة وهزيلة وفاقدة للسلطة بل ومشلولة على أرض الواقع، والأمر والنهي فيها بيد مجموعة من المتنفذين الذين يعبثون تبعا لأهوائهم أمام مرأى ومسمع الجميع بلا وجل أو خوف، وطبعا هؤلاء هم من غير الكورد.
المشكلات في العراق تكمن في الطروحات الخطيرة للذين يهيمنون على المقدرات ويعتنقون ثقافة الوهن والضياع ويفهمون الشراكة والمواطنة ومواد الدستور حسبما يشتهون، والذين يرفضون الثوابت وينسون الوقفات السياسية الحاسمة للجميع، وللكورد بالذات، فى وجه الدكتاتورية ودورهم المؤثر في إسقاطه، وتطلعاتهم من أجل حياة هائنة وهادئة وآمنة.
هؤلاء يخططون من أجل لف أذرعهم حول أعناق الكورد ليخنقوهم إلى الأبد، ويريدون قلب المعادلة السياسية العراقية بالتهديد والوعيد والقوة وتجيير كل المتغيرات لصالحهم، بعد أن أهدروا مئات المليارات من أموال الشعب، وحرموا أبناءه من أبسط الخدمات، ويخرقون كل يوم اللعبة الديمقراطية الهشة، ويتراجعون عن الوعود والتعهدات والاتفاقات، ويواصلون التصعيد والتحريض والتحشيد ضد الكورد، والضحك على ذقون الناس واستغفالهم، والتحايل عليهم بالعبارت والمصطلحات الرنانة، ويبذلون في الجانب الآخر كل جهودهم لتعظيم مكاسبهم السياسية والمالية والادارية وتعطيل كل الخطوات التي تهدف الى الإصلاح والتغيير نحو الاحسن، وهم السبب الرئيس للتوترات، وحتى دعواتهم الى الحق يريدون بها الباطل، وسيكونون أسباباً للذي قد يحدث بين ليلة وضحاها، وما لا تحمد عقباه، إن إستمروا في مهاجمة الكورد ورموزهم، لذلك الكورد يقولون : إما أن نكون شركاء حقيقيين، أو ....
 


310
المنبر الحر / علوج
« في: 18:29 13/04/2016  »
علوج

صبحي ساله يي
في التاسع من الشهر الحالي، مرت ذكرى إسقاط صدام حسين ونظام البعث الذي تأسس على الغدر، وانتهج التعذيب والتصفيات الجسدية والارهاب والرعب والابادة الجماعية والأنفال، ومارس التعريب والترحيل والتهجير بحجة القرب من الحدود الايرانية، أو من الابار النفطية والمواقع العسكرية أو التبعية الايرانية أو إيواء البيشمركه.
نظام نقض العهود والمواثيق، واشترى ذمم وضمائر عدد كبير من الشعراء والادباء واساتذة الجامعات والكتاب لتحسين صورته ووصف رئيسه بالقائد الضرورة والمؤمن بالله وبطل القادسية وحامي البوابة الشرقية وقاهر أعداء الأمة، كما جند بأموال الشعب الكثير من الفضائيات ووسائل الاعلام العربية والاجنبية للتغطية على جرائمه، وشكل شبكات رهيبة للتجسس على المواطنين وتصفية المعارضين في الداخل والخارج. كما اتبع سياسة شوفينية ومذهبية حاقدة، ورفع شعارات العروبة والوحدة والحرية والاشتراكية، وصنع  لرئيسه عشرات الآلاف من التماثيل وطبع له ملايين الصور، وأجبر الجميع على وضعها وتعليقها في دورهم ومحلات عملهم،  وقتل الروح الوطنية والانتماء الوطني بشكل ممنهج.
رغم الخراب والفوضى والدمار الذي حدث بعدهما، واستغلال بعض الشخصيات والاحزاب السياسية للظروف والمستجدات لصالحها، عرضت إحدى الفضائيات  بهذه المناسبة مقاطع ومشاهد من ذلك اليوم الذي يعتبر يوما للتحرير، أما المشهد الذي لفت نظري، فهو صورة لمحمد سعيد الصحاف، الذي اشتهر بمفردة (العلوج)، تلك الكلمة التي مثلت في حينها عبئاً ثقيلاً على كواهل الأمريكيين والمترجمين، والتي تحولت إلى لفظ رنان يردده الكثيرون حتى الآن للشتم أوتقليل الشأن.
في لحظة عابرة قارنت ذلك الصحاف مع (الصحافين) الذين ظهروا من بعده ويشبهونه في الكذب، فرأيته إعلامياً متميزاً، طليقاً في اللغة وقادراً على التضليل والخداع بخبرته ومهاراته الشخصية، متفنناً ومبدعاً في اختيار كلماته، وكاتماً لأسرار النظام الذي عمل معه، مبتعدًا عن إغراءات أضواء وسائل الإعلام. بينما الذين ظهروا من بعده والذين تولوا مواقع في الاحزاب والدولة وأصبحوا نوابا في البرلمان، والذين يشبهونه في الهدف والمفعول ويتفوقون عليه في الكذب والتوهيم، أصبحوا أسباباً للسخرية ولفقدان الثقة، وصدرت عنهم تصريحات إعلامية تخالف الواقع الذي نعيشه، ورأيتهم مأزومين لا يجد الخير إلى قلوبهم سبيلاً، غارقين في النقص الادبي والعلمي والمعرفي، ناعقين مشؤومين ينشرون الكذب ويبثون الكراهية والتحريض ضد الآخرين، لايتوانون عن إستعمال اللغة العنصرية الطائفية البذيئة طعناً ولعناً، وبدلا من كلمة (العلوج)، يؤلبون ويكفرون ويتنابزون بالألقاب ويعرضون علينا يومياً، في ماكينات إعلامية تعمل بلا خوف، معلومات مغلوطة وتأويلات مسمومة.
وتذكرت أنه خلال الأعوام التي مضت، إستمعنا من هؤلاء (العلوج الجدد) وقرأنا لهم تنظيرات جميلة ورزينة وراقية حول التعايش والتسامح والتصالح والاستقرار والتنمية والوحدة الوطنية، ولكن في مجالات العمل إنكشفت حقائق مواقفهم، واكتشفت أن الكثيرين منهم يعانون من عقد نفسية لا علاج لها، لذلك يوزعون الاتهامات دون حساب أو رقيب. وبفضل (علوجيتهم)، وتصريحاتهم واتهاماتهم ومهاتراتهم وإشاعاتهم، تحولت المشاهد السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق تدريجياً نحو التدهور والتأزيم، وتفاقمت الخلافات وتعقدت الأوضاع حتى باتت عصية على الحل، وأصبح العراقيون يعانون من الارهاب والعنف والبطالة والفقر والغلاء.
رأيت الصحاف، وما زال البعض لايتعظ من الذي حصل له ولحزبه ولقائده، ويحاولون تغليب الجزء على الكل، والثانوي على الأساسي ..   


311
العبادي ... منح ومنع
صبحي ساله يي
     ما الذي دفع بالسید حیدر العبادي الی رمي كرة النار السياسية نحو ساحة البرلمان؟  مستواه الذهني ومهارته السیاسیة ودهائه وإمكاناته الشخصیة، أم نصائح فریق المستشارین، أم أمر الواقع الذي كان لابد منه؟. أو أراد تأجیل التوتر ونزع فتیل الأزمات السیاسیة الحادة خوفاً من إكتساح المنطقة‌ الخضراء، أم هناك أسباب ودوافع ومبررات عرضية حتمت إعادة التقويم، أو استشعر بالخطر الحقيقي تحت الضغط والتهديد وأراد الخلاص من مركب شارف على الغرق ؟.
تقويم موقف العبادي وتأطيره بالرؤية السياسية العامة يقتضي التراجع عن كل الاراء السابقة‌ المتفائلة التی كانت تشیر الی الاختلاف بینه وبین المالكي من حیث بيئة نشوئهما وثقافتهما وولائهما ومسؤولياتهما، لأنهما وجهان لعملة واحدة، يمارسان الغرور والجعجعة والعبث والتعصب والتذبذب والتخبط والتنصل في سائر المواضيع، بل حتى في المواضیع التي يزعمان فيها الوضوح والثبات والمنهجية، ولكن الفرق الوحید بینهما هو ان المالكي كان صريحاً وعنيداً في التسويف والالتفاف، بينما العبادي غامض لایستطيع تخليص اقدامه من وحل العقد، أو أن ینفض عنه غبار السیاسات الغابرة، أوفی اڵقل أن یفك قيود المالكي عن معصمه، لذلك یسير نحو المستقبل معاقاً و يواجهه مكبلاً ودون قناعة ومتأكداً مثل الآخرين من ان الإصلاح أصبح ضرورياً بعد الفساد، وأن هيمنة الذين لایستطیعون تجاوز الماضي وعقده ویفسدون فی العراق أویسهمون في وقائعه وأحداثه أكبرمن قوة المتظاهرين‌ والداعین الی التغییر، ویعلم إن الذین یختلفون معه حول أسباب ومبررات وجود الفساد والنتائج التي ترتبت عليه، أكثر بكثير من الذين يتفقون معه،  ويعلم أنه يستحيل علی المعارضين له ولحزبه القبول بالحد الأدنى للإصلاح الذي يشترطونه لمجرد الشروع بعملیات شبه إصلاحیة، وهو علی یقین أن الحزب الذي ينتمي الیه (الدعوة) لیس على استعداد للتنازل، خصوصاً وقد منحه السیطرة‌ علی مفاصل الدولة‌ فرصة الأخذ بزمام المبادرة مالیاً وإدارياً وبرلمانیاً، ورئيسه (نوري المالكي) غير راغب في الاستسلام لأمر الواقع والمعطيات الموضوعية والعقلانیة، أو حتی التفریط بجزء من مكاسبه، لذلك وانسجاماً مع الوقائع، سعی (العبادي) الی ذرالرماد فی العیون والتفاعل مع المواقف المختلفة والتوجه نحو تهدئة عاصفة الغضب ومنع تدهور الأوضاع لمدة مؤقتة، وإفراغ الإصلاح من محتواه من خلال إختزاله بتغيير وزاري، من جهة، ومنح غيره فرصة الخروج من مأزق محاصرة المنطقة الخضراء، من جهة أخرى، وألهاء الشعب بفرضيات وخطط تسويفية تمویهیة مليئة بالتناقضات، طبعاً، دون الإكتراث للعواقب السلبية. 
لو كان العبادي جادا في الاصلاح عليه أن يبدأ أولا بنفسه، فإما أن يستقيل من حزب الدعوة، أو يستقيل من رئاسة الوزراء، وإن إختار الاول وإبتعد عن التفكير الحزبي الضيق والمصالح الفئوية، فإن ذلك سيتيح له التفاوض مع الآخرين وربما سيكون بإمكانه إقناعهم بأن مشروعه إصلاحي ويخدم الجميع، وإن إختار الثاني سيثبت إنه ليس تكنوقراط، ولكنه مواطن يسهم في تعبيد الطريق نحو الإصلاح ووضع الأمور في نصابها الصحيح، ولكن بما أن خطوته الاخيرة أما البرلمان العراقي، تدل على أنه يواصل مسيرة الإقصاء والتهميش والتفرد في الحكم، وإنها لاتمس جوهر المشكلات ولا توقف عجلة الفساد ولا تطهر المؤسسات، لذلك فإنها فتحت الباب على مصراعيه أمام الكورد للتشكيك في كل النيات والتخوف من كل الدعوات والتوجس من كل ترتيب، ومراقبة المشهد بحذر والإستفسار حول مغزى وجوده في بغداد، وخاصة بعد أن تم التجاوز على أسس الشراكة والتوافق أكثر من مرة ومن قبل أكثر من مسؤول، وتوقع حدوث تداعيات ومضاعفات ومفاجئات بعيدة عن مبادىء الشرعية والعدالة والدستور ...
 


312
الهجرة المليونية...
أرغمت أصحاب القرار على حمايتنا
صبحي ساله يي
حماقات النظام الصدامي البعثي، كانت لاتعد ولاتحصى، مع ذلك كان يحظي برعاية مزدوجة من كلا المعسكرين الغربي والشرقي، وبدعم عربي وإسلامي كبير حتى اقدامه على غزو دولة الكويت في آب 1990، وقبل ذلك كان قد إنهار الاتحاد السوفيتي وتفكك، وحدث خلل في التوازنات الدولية ومعايير الحرب الباردة، وتحول النظام السياسي العالمي الى نظام القطب الواحد، وتفردت أمريكا بأداء الادوار السياسية والعسكرية وتشكيل التحالفات، التي ضمت أنظمة وحكومات مختلفة.
بعد العدوان على دولة الكويت، دعا عدد كبير من الدول العربية والإسلامية ومنظمات دولية والأمم المتحدة العراق الى الانسحاب منها، ولكن إستمرالنظام في حماقاته، وعلى أثره تشكل التحالف الدولي الثلاثيني بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لإخراج القوات العراقية الغازية من الكويت وانهاء احتلالها.
وفي كوردستان، قرأت الجبهة الكوردستانية التي كانت تظم معظم الاحزاب السياسية، الأوضاع بدقة وحكمة وراقبت الأحداث، ورتبت البيت الكوردستاني وكثفت مساعيها وإستعدت لكل الاحتمالات الأيجابية والسلبية.
في الخليج بدأت الضربات العسكرية والحرب غير المتكافئة، وطرد الجيش العراقي من الكويت بعد أن استنزفت آلته الحربية. وهزيمة الجيش أشاعت أجواءً من التحفيز لدى أبناء جنوب العراق وكوردستان على الانتفاض ضد النظام البعثي.
في الخامس من آذار عام 1991 انتفضت الجماهير الكوردستانية، وبدأت بمدينة رانية وانتشر لهيبها، وفي غضون أسبوعين استطاع البيشمركه الأبطال والمنتفضون أن يحرّروا معظم قرى ومدن وقصبات كوردستان، وتزامن حلول عيد نوروز مع تحرير مدينة كركوك التي كانت وما زالت تحظى بمكانة خاصة لدى الكورد.
بعد توقيع النظام العراقي على إتفاقية الاستسلام الشهيرة، تحت خيمة صفوان، سمح له بإستخدام طائراته المروحية وجنوده المنهزمون العائدون من الكويت ضد المنتفضين الشيعة في الجنوب والكورد في كوردستان، فأراد النظام أن يستعيض عن هزيمته السريعة والمذلة والمهينة بتحقيق إنتصار يمحي جزءاً مما لحق به من عار، فاستخدم ما يملك من قوة وإمكانات بوحشية مفرطة، وبدأ بحملة مضادة لاستعادة المناطق المحررة، وبدأها في كوردستان بكركوك، ثم تقدم نحو مدينتي أربيل والسليمانية، وبما أن السكان في كوردستان كانوا على علم بتصرفات الصداميين ووحشيتهم، وبعد أن ذاقوا طعم الحرية والانعتاق، فإنهم رفضوا قبول العيش مرة أخرى في ظل حكومة فاشية لاتراعي أبسط القواعد الانسانية، لذلك قرروا ترك ما كان عندهم من ممتلكات، وبدؤا بالهجرة المليونية نحو الحدود الإيرانية والتركية، ودخل الملايين منهم الى أراضي الدولتين الجارتين بعد أن مات المئات من الأطفال والنساء والشيوخ على الحدود بسبب الظروفٍ مناخية قاسية. ذلك الحال الذي هز الضمير العالمي أرغم أصحاب القرار في العالم على التحرّك من أجل حماية الكورد، وأدى بمجلس الأمن الدولي الى استصدار القرار 688 الذي فرض الحماية الدولية لكوردستان ودعا النظام العراقي الى الكف عن مطاردة الكورد الذين يرفضون سياساته ووقف القمع الذي يمارسه بحق المدنيين في العراق، وناشد جميع الدول والمنظمات الانسانية للمساهمة في جهود الإغاثة في تلك المناطق، وبدأ المواطنون الكوردستانيون بالعودة إلى مدنهم وقراهم.
تلك الحماية أدت بنهاية المطاف الى إرغام قوات الجيش العراقي على الإنسحاب من جزء من كوردستان، وبعد الاستباب النسبي للأوضاع وتمتع الكوردستانيون بحريتهم، أجريت انتخابات برلمانية في 19 أيار 1992، وأدت تلك الانتخابات إلى تشكيل حكومة إقليم كوردستان.
 


313
في آذار وما بعده...
إتفقنا مع أناس لايتفقون
صبحي ساله يي
نحن الكورد، ناضلنا على مدى عشرات السنين من أجل حقوقنا المشروعة، وتصدينا لإعتداءات وتجاوزات كل الحكومات العراقية المتعاقبة، وفي عهد ثورة أيلول، فاوضنا حكومات الزعيم قاسم، والاخوين عارف، ونظام البعث ووقعنا في العام 1970 على اتفاقية تاريخية، وبموجب تلك الاتفاقية كان من المفترض أن نحصل على الحكم الذاتي في كوردستان، ولكن الإتفاقية انتكست بسبب إلتفاف البعثيين عليها وإفراغها من محتواها، مع ذلك لم نصب باليأس، بل واصلنا الدفاع عن وجودنا وحقوقنا وسرنا في طريق تحقيقها بتأني وعقلانية.
لم نجازف ولم نغامر من أجل تحقيق أحلامنا المشروعة، بل انتظرنا طويلاً وراعينا 
الظروف السياسية المحلية والدولية، وقرأنا المستجدات والمتغيرات بدقة وعقلانية،  واتجهنا نحو الامام بخطى واثقة وتأن كبير، معتمدين على أنفسنا ومؤمنين بسياسة التدرج ومفهوم عدم حرق المراحل، ولم نصبح يوما جزءاً من مشكلات المنطقة المتشابكة والملتهبة، لأننا لم نتحرك بعواطفنا ولم نستغل الفرص لتحقيق المكاسب على حساب الآخرين، سواءاً كانوا ضعفاء أم متداعين، ولأننا كنا أصحاب رؤى وأهداف واضحة، ولم ننحز الى جهة على حساب جهة أخرى، ولم نشكل يوما تهديداً على أحد.
وأثناء تحرير العراق من الطاغية (صدام) شاركنا بفعالية في عملية التحرير، وبعدها شاركنا بإخلاص في إعادة تشكيل الدولة العراقية، ولكن لم ننجح فيها لأن شركاءنا لم يلتزموا بالإتفاقات والعهود وما زال كثيرون منهم يحملون في دواخلهم أطناناً من الحقد الدفين تجاهنا، ومازالوا يبتزون شعورنا بتوصيفات عجيبة.
بعد التحرير عاش العراقيون في ظروف بالغة الخطورة ومثخنة بالجراحات، فكنا على الدوام عاملاً للوحدة والتآلف، ووقعنا على الكثير من الاتفاقات مع أناس لايؤمنون بالإتفاق، كان آخرها في نهاية سنة 1014، ولكن مصير جميعها كان متشابها لمصير إتفاقية آذار 1970، وتم التثبت من أن هناك بوناً شاسعا بين الأقوال والأفعال وانقلاباً دائما على كل الإتفاقات، مع ذلك ، ورغم أننا قدمنا الكثير من التضحيات، حققنا إنتصارات مادية ومعنوية وكسبنا صداقات الكثيرين في دول الجوار وأصحاب القرار والدول الفاعلة، وحصلنا على الدعم من أطراف مختلفة، وربما تكون المفارقة الفريدة من نوعها هي إحتفاظنا بصداقات وحصولنا على مساعدات من أطراف لها أجندات مختلفة ومتنافسة فيما بينها على النفوذ والمصالح، بل تكن العداء لبعضها لكنها تجتمع وتتفق على مساعدتنا ودعمنا، وتنسج معنا علاقات إستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى.
وفي هذه الأيام ونحن نستذكر إتفاقية آذار، لابد أن نقول:
إن الكراهية المقيتة الدفينة بدواخل الحكام في بغداد متشابهة، حتى الآن، تجاه الكورد، وجميعها خدشت شعورنا، مرات بتوليف سيناريوهات ملفقة ومرات أخرى بإدعات باطلة، وأفضحت عقلهم الباطن الجامع للفكر والقناعات المتعلقة بتكوينهم الثقافي والفكري والسياسي وبسلوكهم المتوارث، وأثبتت فشل الإتفاق معهم حتى الآن،  وأكدت ضرورة مواجهة التحديات والصعوبات بجرأة وحزم، والتوجه نحو تقرير مصيرنا أسوة بجميع شعوب المعمورة، مع التأكيد الدائم على تمسكنا بنهجنا الديمقراطي السلمي وعدم سد باب الإتفاقات.

314
المباح... بین الفساد والاصلاح
   صبحى ساله يى
الإعتراف الرسمي والشعبي بوجود الفساد في الإقليم، يعني إننا لسنا بحاجة الى البحث عن مؤشراته ودلائله وأعراضه، ويعني تسهيل تحديد مفهومه الدقيق وخاصة تجاه العلاقات الإنسانية، كما يعتبر هذا الإعتراف محطة تحول حاسمة في طريق الإسراع بتجاوزه وتجاوز آثاره (بالإصلاح) خلال فترة زمنية محددة والحيلولة دون أن يشعر أبناء المجتمع بالإغتراب واليأس وضعف الانتماء.
والإصلاح يعني التعدیل والتحسين والعمل علی عقلنة الحياة العامة بالإعتماد على مقاييس إيجابية محددة، ولا يمكن تسمية أي عملية تغيير بالإصلاح إلا إذا ضمنت تجاوز الأخطاء والإخفاقات والإنتقال بالمجتمع الى مرحلة متقدمة وحديثة تواكب العصر ومتغيراته وتراعى المتطلبات والاحتياجات المادية والمعنوية التي تتطابق مع القيم الانسانية والحضارية المرتبطة بالإنتماء والولاء للشعب والوطن، وبالذات إذا أحدثت تغييراً فعلياً ونقلة نوعية في حیاة المواطنين وإراداتهم، وأنهت الإنقسامات والشروخات ودحرت أفكار التجزئة والتشرذم، وعززت الوعي الرافض للصراعات والمواجهات التي تؤثر سلباً على القدرة في مواجهة التحديات.
الإصلاح في الإقليم بمعناه الشامل يجب أن ينحى منحى التدرج والشفافية ويركز على المضمون وينفتح على الشعب لإبداء رأيه تجاه السياسات والخطوات التي تجسد روح المواطنة وتشيع العدل والمساواة بين الناس، وفي الوقت ذاته يتوجب على (الإصلاح) أن يستأصل الفوارق المستندة على أسس الانتماءات السياسية والمناطقية الضيقة، والإصلاح الذی نبتغیه والذی نریده أن یحقق لنا النقلة النوعية، فإنه سيتسبب حتماً في خسارة البعض، وهذه المعادلة‌ ستفرز بین المناصرین والمعارضین له وفق المصالح البائنة والمتناقضة، وبالذات عندما یتجه (الإصلاح) نحو تطبيق العدالة ورصد المخالفات وتعقیب الفساد، والإثراء المشبوه أو غیر المشروع، لذلك لایمكن توقع إستقبال العملیة‌ الإصلاحیة التي دعا اليها السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كوردستان، من قبل الجميع بالترحیب والتصفيق، وأخطر أنواع المعترضین الذين سيواجهونها وسیحاولون زعزعة الثقة بها،‌ والذین یمكن أن یعقدوا الامور ویماطلوا ویناوروا فی تنفیذ التوصيات والمقترحات والقوانين والقرارات الاصلاحية سیمثلون دائما بعض  الشخصیات الثرية، وكذلك، المتمسكة بمواقع مهمة فی الحكومة والقریبة من الكتل السياسية المتنفذة والتي أدمنت الباطل وإعتادت الخبث سبيلا لجني الثروات والوقوف على أغصان التشبث بتلابيب الفساد، وخاصة وأنها على دراية بالأسالیب الشاذة والمخالفة للقوانين في ممارسة الفساد، من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذه الرموز تعلم أن مواقعها ومغانمها وهيمنتها وامتيازاتها ستصبح في مهب الریح، لذلك فإن هؤلاء سیتصدون للعملیة الإصلاحیه‌ برمتها، وربما سيصابون بالهستريا ويتهورون ويشذون عن الأعراف القانونية والاجتماعية والإنسانية وسیحاولون خرق كل الحدود الأخلاقية، كما سيتمادون في غيهم لیحافظوا على مصالحهم الشخصية، وسیلجأون الی تسجيل وقائع وأحداث مختلفة ومتناقضة حول أسباب الإصلاح ومبرراته والنتائج التي تترتب عليه، وربما الى شن حرب التهكم والسخرية من القائمين به وتسفیهه من خلال خداع الناس البسطاء والوسائل الاعلامیة التي تسوق الضغائن و الكراهيات والأحقاد،‌ وسيحاولون زج ذیولهم الاعلامیة والمتواطئين معهم في معارك جانبیة وجديدة، ومتاجرات ومزایدات سیاسية بعيدة عن المصالح الوطنية والقومیة‌ والانسانیة، وربما سينحدرون الى مستنقع إثارة المواضيع المثيرة للفتنة.
وفي الجانب الاخر، فإن القوى المخلصة والتی تعیش هموم الشعب، وتدرك حاجة الاقليم الماسة والفورية الى الاصلاح، والواثقة من قدراتها وشجاعتها وصواب ممارساتها، يجب أن تعلم أن الفرص تمر مر السحاب، وعليها سرعة استثمارها قبل ضياعها، ووضع النقاط على الحروف، وفك القیود عن المعاصم لتتجاوز الماضي وعقده، وللتخلص من أثقال الحاضر وإرهاصاته، والتحرك بجدیة من اجل إصلاح االأخطاء وإجراء العمليات الجراحية اللازمة لمعالجة الإخفاقات وتجفيف منابع الفساد، وتشخص الحاجات الأولویة وإستنباط الحلول الجذرية‌، والسير نحو المستقبل بثقة من خلال دعم ومساندة توجهات الرئیس بارزانی والاسهام فی الاصلاح واعادة تنظيم كل الأمور على أسس صحيحة وواقعية وشفافة.
 


315
حالها كحال سد الموصل
   صبحى ساله يى
 لا شك في أن الحكومة العراقية الحالية ورغم مشاركة كافة القوى السياسية فيها وحصولها على أوسع تأييد وتفويض شعبي وسياسي وديني، مازالت تراوح في مكانها، ورئيسها الذي يطلق الوعود بإجراء الإصلاحات، يبدو أنه لا يستطيع تنفيذها ولا يستطيع إتخاذ القرارات الحاسمة، ويبدو إنه في وضع لا يحسد عليه، لاسيما بعدما كثرت الالغام المزروعة في كل الطرق التي يمكن ان يسلكها.
 الغالبية تتكلم عن هذه الحكومة السوء، ولا أحد يدافع عنها وعن تطلعاتها، وحتى العناصر المنتفعة منها تلازم السكوت، خصوصًا في ظل التراجع المريب لسعر النفط، ووصول الفساد الى الركبتين، ونزول الأطراف المشاركة فيها عند رغبات الذين أرادوا إفشالها قبل أن تولد.
  هذه الحكومة، تعيش وضعاً لايختلف كثيراً عن وضع سد الموصل الذين يقال عنه، إنه سينهار، ويقال عنه أيضاً، إنه سيصمد بسبب حقنه بأطنان من الإسمنت، الحكومة تواجه المطالبات السلمية والاحتجاجات والتظاهرات القائمة بوتائر مختلفة ضد سياساتها في غالبية المدن، باحتواء تلك المطالبات بإجراءات إصلاحية بدائية وترقيعية وهامشية، وتحاول إضعاف همة الداعين لإصلاحها بالمراهنة على كسب الوقت وإتعابهم، وكسر شوكتهم من خلال عدم حمايتهم أو عدم التحرك عند تعرضهم للإهانة والخطف والتعذيب والتغييب، أما مشكلاتها وعلاقاتها المتوترة مع دول الجوار (عدا ايران، وسوريا التي لاحكومة فيها، وفيها حكومات متعددة) ومع الكورد والعرب السنة، فإنها تسير كل يوم من سيىء الى أسوأ.
 هذه الايام نسمع دعوات الى تشكيل حكومة تكنوقراط، مثلما نسمع بمقترح بناء جدار خرساني خلف سد الموصل، وهذا الجدار المقترح، وحكومة التكنوقراط المقترحة لايختلفان في إستحالة صدهما لمليارات الامتار المكعبة من المياه ولأمثالها من المشكلات والازمات السياسية والاقتصادية والادارية. 
  سد الموصل يعاني من الاهمال السياسي والفساد الاداري والمالي، والحكومة حائرة ومتخبطة، لذلك تعد ولاتستطيع أن تفي بوعودها، وتتهرب من حل مشكلاتها العالقة مع الاقليم وإلتزاماتها الدستورية بأعذار واهية وغير مقبولة، خوفا من مراكز القوى المنتشرة فيها، وحولها، وترضية لرغبات شوفينية حاقدة تريد تهميش الكورد.
 هذه الحكومة وسد الموصل مبنيان على صخور كلسية تتآكل مع الايام، الحكومة،  تعمل وفق أجندات معادية للفيدرالية والديمقراطية، رغم أنها على يقين أنها أمام مسؤوليات مضاعفة، وعوائق كثيرة، ومخاوف كبيرة، وتعلم إنه لو استمر الحال على ما هو عليه ولم يعالج ستكون النتائج وخيمة وكارثية، وتعلم أن ما يعانيه المواطن من الاحباط قد يؤدي الى الثورة والمطالبة برحيلها، ولكن، رغم ذلك لا تبحث عن حل سياسي يساعد على الخلاص من الفساد وتحقيق الحرية والكرامة، بل تريد الوصول إلى هدوء بينها وبين الآخرين لكي تقوم بتوظيف هذا الهدوء ضد الكورد، ولكن, هل يمكن للكورد أن يسكتوا على الدوام ويصمتوا تجاه ممارساتها تجاههم وتجاه حقوقهم باسم الدين والدستور والديمقراطية ووحدة البلاد ضمن عملية سياسية أثبتت الأيام فشلها، كفشل بناء سد الموصل، وإنهم (أي الكورد) بالأساس يرفضون الاذعان والخضوع لشروط تعجيزية ؟؟
خلاصة القول، هذه الحكومة (حتى الآن) تتصرف بشكل مؤذٍ على النحو الذي يؤدي إلى إجهاض العملية السياسية في البلاد، سواء من ناحية الضغوط تجاه الاصدقاء أم من ناحية التصعيد والاملاءات تجاه غيرهم، أو محاولة فرض الكلمة على الارض والمراهنة على تغيير موازين القوى في العراق والمنطقة وكسب الوقت ولوكان ذلك على حساب الاضطرابات والفوضى، لذلك لا توجد دلائل على توجهها نحو الاستقرار ويبدو أنها  ستغادر الساحة المزدحمة بالمشكلات والعقد، كحال سد الموصل الذي يبدو وحسب تقارير الخبراء إنه سينهار.

316
نفوذهم وتعسيل الكلام
   صبحى ساله يى
  الصراحة التي ينادي بها معظم الساسة في العراق، هم يفتقدونها، لذلك ليس بإمكانهم مطالبة الآخرين بها، وتعكس الحالة المزرية لدولة يمكن أن نصفها ببقايا دولة، وتكشف واقعاً صعباً وتعيساً يعيشه العراقيون الذين ورثوا المشكلات وكمياتٍ متراكمة من الازمات، ويعانون من الإهمال والفشل وتفشي الفساد وثقافة العنف، وحالة اللاسلم واللاتصالح واللاتسامح السائدة، والتي تحيلهم إلى البحث عن أسباب تداعي بلادهم وحالهم بهذا الشكل المخيف والإنحدار السريع والمرعب نحو الهاوية، لكه يضع المخلصين منهم في الوقت ذاته أمام مسؤوليات جسيمة للبحث عن سبل الخلاص والإنقاذ.
لا نبتعد عن الحقيقة عندما نقول إن الثمن الذي يدفعه العراقيون كبير جداً، وإيفاؤه ليس سهلاً، ويمكن ربطه بسنوات حكم البعث الفاشي وحروبه وأنفالاته ضد الكورد والحرب العراقية الايرانية (1980-1988)، واحتلال الكويت وتحريرها، والحصار الاقتصادي الذي إستمر من سنة 1991 حتى إسقاطه  في 2003، والسنوات العشر العجاف من حكم المالكي، والتي شكلت تحولاً سلبياً ما زلنا نسمع صداه في كل لحظة، صدى يقول لنا إنكم هزمتم ولاتريدون الاعتراف بذلك، تكابرون وتتعاملون بشكل مغاير مع واقعكم ولاتعرفون أن لبلدكم أهمية إستراتيجية بالنسبة لأطراف كثيرة، ولاسيما لامريكا وإيران والسعودية وتركيا، لذلك يحاول كل طرف أن يحافظ على مصالحه ويرمي بثقله ليلعب دوراً مؤثراً فيه وليكون قوة فاعلة رئيسة في ساحاته، ويجعله منطلقا لتدخلاته في الدول الاخرى.
أدوار تلك الأطراف ذات أبعاد سياسية وأمنية وإقتصادية، وبعضها عقائدية ومذهبية، أما الأزمات العراقية المتتالية، فإنها تتيح الفرص أمام تلك الأطراف لتمارس أدوارها بشكل حاسم من خلال وجود ضباطها وخبرائها ومدربيها العسكريين عندنا، أو عن طريق فرض شروط قاسية أثناء التوقيع على عقود بيع وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية، أو خلال تقديم المعلومات الاستخبارية، وكذلك في علاقاتها مع الحكومة العراقية والأحزاب والكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية ومراكز صنع القرار، وكذلك التي لم تشارك فيها لأسباب مختلفة، وهذه الأمور تسهل التأثير على الأحداث والتطورات الداخلية والسياسات المتبعة، وتسعى لايجاد نخب تدين بالولاء والطاعة لتلك الأطراف وتسهم في خلخلة الأوضاع السياسية وفي إضعاف الحكومة وزيادة حاجتها للآخرين، وتلك الحاجة تمهد الطريق لتلك الاطراف للتغلغل في مختلف المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاستثمارية والسياحية، وتسهل تحصيل تسهيلات كبيرة لتجارها ومستثمريها وإغراق الأسواق العراقية بمنتجات وسلع متنوعة ومختلفة المستويات، وتتحكم كذلك في توجهات المرشحين لخوض الانتخابات المختلفة من خلال دعم البعض منهم، وتقديم الدعم المالي المباشر والمشورة لهم، وإرغامهم على تشكيل قوائم موحدة منعاً لتقسيم أصوات ناخبيهم، كما تسخر وسائل إعلامية محلية وقنوات فضائية للتأثير على الرأي العام والأفكار والتوجهات لصالح الحزب أو الشخص المقبول لديها، ليس لأجله أوحباً بسواد عينيه، وإنما من أجل ضمان مصالحها وتأمين رهاناتها، ولتستغلهم متى ما تشاء كورقة للضغط والتفاوض وتضعهم في ملفاتها المهمة وحساباتها الدولية والإقليمية.
هذه الادوار وتلك الممارسات والسياسات تحقق بعض المصالح لأطراف عراقية معينة ولكنها تضر بالعراق والعراقيين، وتكون أسباباً لمزيد من المشكلات والازمات الداخلية.
 أما الصراحة والمصالحة والتصالح والتي أصبحت مفردات لغوية منمقة لتجميل الخطاب، وتعسيل الكلام، فإنها ستبقى على ألسنة السياسيين دون أن تكون نابعة من القلب أو الوجدان والضمير الانساني والوطني، وسيبقى نفوذ الآخرين أقوى في العراق من نفوذ العراقيين الذين سيبقون في حيرة من أمرهم،  وستبقى الدولة العراقية بقايا دولة أو دولة مختطفة.
 

317
ماذا نفعل مع بعض السياسيين؟
   صبحى ساله يى
في سجل التاريخ الكوردستاني وذاكرتنا الجمعية محطات للفخر وإشراقات للعز محفوظة في الوجدان، فالكوردستانيون بشكل عام والبيشمركه بصورة خاصة، في كل المراحل أدوا المهمات الموكلة اليهم بوعي كبير، وأدركوا عظمة المسؤوليات ونبل المهمات التي ينهضون بها دفاعاً عن مستقبل يريدون فيه أن يبنوا ويعمروا ويعيشوا في أمان وسلام واستقرار.
في المقابل وفي التاريخ الكوردستاني أيضاً، ومنذ بداية الثورات التحررية، وربما قبل ذلك بكثير، صفحات دُكن وسود تشعرنا بالمرارة والخجل حين نتذكرها.
 لنترك الصفحات الداكنة السوداء القديمة، وصفحات الذين كانوا جحوشا لدى صدام قبل الانتفاضة والرفاق، لأن الجبهة الكوردستانية أصدرت العفو عنهم، ولنترك الذين حاولوا إحياء الخيانة والعمالة والجحشنة في التسعينيات من القرن الماضي وعادوا نادمين بعد سقوط الدكتاتور، ولكن هل نترك السياسيين الكورد الذين تعاونوا مع المالكي وأتباعه ضد الاقليم وسياساته المالية والاقتصادية وتحدثوا دون دراية ومعرفة عن انتهاك الدستور وتقسيم العراق في إستخراج النفط وتسويقه وكذا في مسألة تسليح البيشمركه ومازالوا يتنصلون من مسؤولياتهم ويساهمون في إيصال الاوضاع الى حافة الهاوية ويريدون عرقلة عمل الحكومة وإفشالها بتصريحاتهم وإعتراضاتهم ويتبجحون في الكلام عن حق يراد به باطل، وعن مخاطر غاياتها إشعال الفتن بأساليب رخيصة لا تنطلي على العقلاء؟؟
في هذه الايام ومع عودة مسألة الاستفتاء في الاقليم الى واجهة الاخبار، عاد البعض من السياسيين، وبالذات، أصحاب الأحلام النرجسية والإدعاءات والإيحاءات المزيفة، الى التحدث عن الجواز وعدم الجواز والمقبول واللامقبول، والظهور كأنهم المتخندقون الوحيدون في صفوف هذا الشعب المظلوم. حين كل أقوالهم وتصريحاتهم عبارة عن شطحات وهرطقات ومهازل هزيلة ومبتذلة ونفاق على الطريقة الشيطانية والعابرة لحدود ومعايير المنطق والعقل، وبعضها تدخل في باب الأعاجيب والإشاعات وتدل على الحماقة والتسقيط والصلف.
ترى ماذا نفعل كي نوصل هؤلاء الى قناعة بإنهم، ورغم قضائهم دهرا في السياسة، لايفقهون شيئا من علم السياسة وأركانها، واعماهم الله فلا يرون الاشياء على حقيقتها الا ضمن الذي يريحهم، وقد استبدلوا حب الوطن بحب الذات والتفكير بالمصالح الشخصية والحزبية ويسعون لبلوغها مع كل أزمة أو مشكلة، ولايفرقون بين الإستفتاء والدعوة اليه لكي يكون منهاجا للعمل المستقبلي في التعامل مع الحكومة العراقية ودول الجوار وبين الاستقلال الذي هو حق مشروع لكل الشعوب، والذي يمكن أن لايعلن إلا بعد سنوات، وإنهم يعانون من عقد عدة تحكمت سابقاً في إرتباطاتهم وخلفياتهم الفكرية والعقائدية والتنظيمية، وتتحكم حالياً في توجهاتهم وأدائهم وأهوائهم وإنتمائهم الوطني والقومي.
ماذا نفعل مع أناس من الظلم أن نسميهم سياسيين، لأنهم خائبون منهزمون خائفون من المواجهة في الظروف الصعبة والحالات الشديدة، ويندبون حظهم العاثر في حالات الانفراج والانفتاح، يرددون ما يقوله المسؤولون في العواصم المجاورة، ويريدون عدم عودة الفرحة التي غابت عن كوردستان جراء النيات السيئة، ولايشعرون بالمسوؤلية الوطنية والقومية، وبوجع وألم أبناء كوردستان، ولانراهم يتحدثون بصدق عن الصورة الحقيقية الحالية والتي يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها، ولايعرفون أن الظروف تغيرت في مشارق الارض ومغاربها وألوانها وأشكالها واصبحت طليقة في كل مكان بينما يريدونها أن تكون عندنا فقط، حبيسة لا تقدر ان تكشف مافيها مراعاةً لرغبة فلان وعدم زعل علان أو خوفا من سطوة الجيران؟
 


318
الثوابت لا تتغير في كوردستان
   صبحى ساله يى
في الواقع الكوردستاني الحالي الذي يصفه البعض بالمتأزم والصعب، ويتوقع البعض الآخر ان تؤدي تداعياته وتطوراته الى فتح ملفات أخرى تتداخل فيما بينها، عناصر موضوعية كفيلة بوقف الازمة والخروج منها، وتسهيل الصعاب والشروع بمرحلة جديدة تبدأ من تصحيح بعض المسارات التي خرجت عن سككها، نظراً لكون الكوردستانيين يمتلكون رؤى ومتبنيات متكاملة للنهوض، وادوات وتقنيات لمواجهة الازمة تبعا لحركة الواقع ومتطلباته، والقدرة على الانفتاح على الاولويات والتحديات ومغادرة التصعيد ومحاربة الفساد، وانتهاج الحوار والتفاوض والركون الحتمي الى منهج التسويات الوطنية والسياسية التي تضع المصلحة العامة للإقليم في أول سلم أولوياتها.
الكوردستانيون ورغم شعورهم بالغبن السياسي في المنطقة وعمق المآسي التي مروا بها، يتفهمون الظروف الاعتيادية والاستثنائية ويؤمنون بقدرتهم وقدرة قيادتهم على تجاوز المحن وهم أناس متزنون ومتفائلون يفهمون حركة التاريخ ومعطياته العلمية والفكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية، لايكابرون ولايعاندون ويرفضون الإستسلام لليأس، وبصلابتهم النضالية وضعوا المرتكزات المادية والتشريعية لكيان وطني واضح المعالم، ولايعانون من ضبابية الرؤية أوغياب الإرادة، وما يميزهم عن الآخرين هو انهم ظلوا متصالحين مع ذواتهم ومبادئهم رغم خلافاتهم وإختلافاتهم، وهم غير مدفوعين بعقد التسلط او الانتقام وضغائن الثأر و لم يتعسفوا في استخدام السلاح الذي حملوه مكرهين دفاعا عن الوجود والشرف والوطن، وقد جسدوا هذه القيم في مسيرتهم النضالية الطويلة.
هذا الشعب مر بفترات طويلة قاسية من العوز المادي بعد إنتفاضة آذار 1991 والتحرر من سيطرة البعث الفاشي، ولأن أبناءه كانوا مقتنعين مبدئياً بقيمة هذا الصبر وجدواه في رسم مستقبلهم، فقد صبروا وتحملوا وأداموا حياتهم بكرامة وإيمان وسعوا من أجل تحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة. وهم اليوم يبحثون عن حل لأزمتهم المالية التي جاءت نتيجة لأسباب معروفة، وعن الصفاء لأجواء سياسية إختلت بعد تصريحات غير واقعية من قبل بعض المسؤولين والسياسيين وأدت الى التشنّج في الآراء والمواقف وبالتالي الى ضعف العلاقة بينهم وبين مؤيديهم في الشارع الكوردستاني..
ممثلو الكوردستانيين يبحثون اليوم عن حلول واضحة وجذرية تنظم الحياة في الاقليم وتستجيب وتتفاعل مع مطالب وإرادة المواطنين، ويؤكدون على تفادي تأجيل الحلول، النقاط الواردة في البلاغ الصادر عن الاجتماع الذي عقد بين رئيس الاقليم وممثلي (22) حزباً سياسياً كوردستانياً تصلح لأن تكون خطة للحوار والتفاهم وبرنامج عمل وخارطة طريق تضمن الحركة الآمنة حتى فوق حقل من الالغام وصولا الى حلول  تضمن مصالح الجميع. وخصوصا بما احتواه من اشارات وتأكيدات وما يمكن قراءته بين سطوره حول نتائج الاجتماع الذي تناول القضايا الحساسة في الإقليم ومنها الأزمة المالية وقضية المصالحة بين الأحزاب الكوردستانية وموضوع الاستفتاء على تقرير المصير. وكذلك أهمية اللجنة المشكلة، التي تضم شخصيات مؤثرة، والتي تم منحها صلاحيات واسعة للاتصال بكافة الأحزاب لمعرفة مواقفها تجاه القضايا المطروحة، وضمان مشاركتها في الاجتماع القادم وتحقيق التوافق بينها انطلاقا من أن لغة الحوار يجب ان تكون هي السائدة للتوصل إلى القواسم المشتركة لحل الأزمات والخلافات وتقديم تقريرها وتوصياتها في الاجتماع المقبل لرئيس الإقليم مع الأحزاب في السادس من شباط، وإعادة تفعيل برلمان الإقليم للقيام بواجباته، وخاصة ما يتعلق بإصدار القوانين الهامة والمساهمة بحل أزمات الإقليم، وتفعيل مفوضية الانتخابات في الإقليم للقيام بعملها في الإعداد للاستفتاء على مصير الإقليم الذي يتوقع ان يتم قبل نهاية العام الحالي.
على العموم يمكن القول بإنه مهما تغيرت المواقف في كوردستان، الثوابت لا تتغير لاسيما تلك التي تتجسد في التعبير عن التفاؤل بقرب توصل الأحزاب الكوردستانية إلى حلول لأزمات الإقليم المالية والسياسية والدستورية، ولايتغير الحديث عن ضرورة تنظيم الاستفتاء وعن تغيير نمط العلاقة بين الإقليم وبغداد بما يضمن تحقيق طموحاتنا المشروعة..


319
المنبر الحر / مراهقة إعلامية
« في: 11:17 01/02/2016  »
مراهقة إعلامية
صبحي ساله يي
من يرصد الإعلام الكوردستاني، وبالذات البرامج الحوارية في بعض القنوات الفضائية، يلاحظ بيسر عدم الموضوعية والتجاهل المقصود للمعايير المهنية، وأن المصالح في الكثير من الاحيان تتغلب على الحقائق والوقائع، وتتحداهما علنا أمام أنظار الجميع، ويلاحظ كماً هائلاً من الانتهاكات من خلال استثمار ملفات وأحداث سياسية وأمنية وإقتصادية عديدة، لأجل إسقاط شخصيات وقوى سياسية أخرى، وتغليب خطاب العنف على لغة الحوار، والكراهية والانتقام على التسامح والتعايش، ويلاحظ أن لكل قناة ميول وانتماءات، ولكل برنامج اهتمامات أساسية بالشأن السياسي، وله نجوم معينين يسميهم مرة بالناشطين المدنيين، ومرة بالخبراء في الشأن الفلاني، وأخرى بالمحللين السياسيين وأحيانا بالاستراتيجيين. والغريب في الامر ان في تلك البرامج، وخاصة التي يفتقد فيها المقدم سيطرته بسبب ضعف الشخصية وإفتقاد المعايير المهنية وضياع الموضوعية، أو بسبب مراعاة الضيف  والحرص على عدم إحراجه وإغضابه، تستعمل عبارات ومصطلحات يخجل الانسان من تكرارها أمام الاخرين، ويذكر فيها معلومات وأحداث وأرقام دون أدلة ودون خوف أو وجل من المحاسبة، وتوجه فيها اتهامات بالسرقة والفساد والخيانة والدعشنة والبعثنة..
هؤلاء (الضيوف غير الكرام) مازالوا يؤمنون بأن هناك منطقة وسطى بين الحق والباطل، ويعتقدون أنهم يقفون ويقاتلون فيها، وأن بإمكانهم أن يدفعوا الحقيقة الى إغماض عينها، فيرتكبون حماقات لاتعد ولاتحصى، وهي مخالفات لايرتكبها إلا الذي تاريخه موغل بالنسيان والتناسي، وذاكرته معطوبة لاتفرق بين الابيض والاسود، وإلا الذي لايمتلك الشجاعة الكافية لمحاسبة ذاته الذي يسير نحو المصير المجهول ومراجعة ودراسة ممارساته، لذلك نسمع منهم ذرائع وحجج وتبريرات، هدفها الأساس إثارة البلبلة والإرباك والقلق والخوف بين صفوف المجتمع لتحقيق أهداف سياسية خبيثة وتسريع الخطوات نحو إنتشار الفوضى ودوامة الاختلاف والتفرقة المجتمعية..
والمضحك المبكي في ذلك الاعلام، الذي فتح أبوابه أمام من يتوافق معه، وأغلقه أمام من لا يتوافق معه، هو تحدث أحد السياسيين المنتفعين أمام الكثير من الناس، بهدف خداع العوام، ومن أجل أحلامه الغبية، وهو يتخبط في المتاهات، فيحرف ويهاتر ويهدد ويزايد بالضد من المصالح العامة، ويلحق التهم بالاخرين، ويفرش الطرق الوعرة للمشاهدين رمالا بيضاء، وأزهاراً ملونة، ويصور لهم الامر على إنهم مقبلون على عهد المدينة الفاضلة، لو تسلم حزبه مقاليد الامور.. في حين يظهر غيره في اليوم التالي، فيحاول أن يعدل تصريحات ووعود البارحة أويعيد صياغتها، بإعطاء تبريرات وتفسيرات مختلفة، والمتابع (طبعاً) يقع في حيرة ويقول : إما الاول غير مُطلع على الحقائق الموضوعية على الأرض وعلى مجريات الاحداث في الساحة السياسية، وهناك خطأ جسيم في مكان ما من ماكينة تفكيره السياسي،  وإما الثاني لم يسمع ما قاله الاول او لايريد أن يسمع، وطبعاً هذا الافتراض يخالف العقل ويضعه خارج المنطق التاريخي المعروف، مع ذلك، وفي كلتا الحالتين تكون احتمالات ضياع الحقائق قليلة لأننا نعيش في عصر تنقل فيه الأحداث بكاميرات دقيقة ومقربة وقادرة على متابعة الاقوال وحتى حركات الرموش والعيون، وبإمكانها أن تعيد الاقوال والمشاهد مئات المرات بكل تجلياتها، وهذا يؤشر الى رداءة الاداء السياسي والاعلامي ويعني أن المراهنة على إخضاع أراء الاخرين خاسرة، وتزداد خسرانًا كلما زاد التلكؤ والقراءة الخاطئة والقاصرة للمواقف.
من كل ما تقدم نختصر، ان تلك القنوات تسير في منعطفات تبعدها عن واقع حال الاعلام، وتحصرها في مرحلة المراهقة، والمراهقة كما هي معلومة مرحلة تسبق البلوغ والنضج، والمراهق غالباً يسعى الى حقوقه دون أداء واجباته ومسؤولياته، ومقتنع بصحة آراءه ويصور نفسه كشخصية أسطورية، وللأسف نقول ان المراهقة الاعلامية قد طغت على اسواق بعض الفضائيات الكوردستانية ..
 


320
المنبر الحر / فض الشراكة
« في: 19:54 25/01/2016  »
فض الشراكة
   صبحى ساله يى
  المطالبة بالحقوق المشروعة ومبدأ حق تقرير المصير للكورد، وحل الإشكاليات بين الإقليم وبغداد وتطبيق المادة 140 من الدستور عن طريق التطبيع وإجراء الإحصاء السكاني والاستفتاء في كركوك وبقية المناطق المستقطعة من كوردستان والدعوة الى البدء بمشروع بناء الدولة المدنية الديمقراطية الفيدرالية أو الكونفدرالية، أدى الى (هستيريا) وفقدان البصيرة عند بعض السياسيين، وخاصة الذين يكيلون بمكاييل متعددة ومن المشبعين بالفكر الشوفيني المتطرف، ولجوئهم الى التصعيد والتأجيج والتمويه والتشويش والكذب والتلفيق لخلق مشكلات جديدة وتأزيم الاوضاع وخلق حالة من الشك، والترويج لخلق الفتنة والفرقة بحجة رفض التقسيم وحماية وحدة العراق.
تلك الحالات حتمت على العقلاء أن يدركوا أن المتهسترين لهم أهداف شريرة، وأن لغة التهديد ولى زمانها، ولغة الحوار والتفاهم هي الطريق السليم لحل أي مشكلة مهما كانت صعبة، وفرضت عليهم أن لا يسكتوا تجاه إتهامات وأفعال وأقوال هؤلاء الجهلة، ويفعلوا ما بوسعهم لمنع توسع الهوة والفجوة بينهم وبين الكوردستانيين، بل ليعززوا العلاقات (التي كانت تسمى في وقت ما بالتحالف الشيعي الكوردي) بطريقة أو بأخرى، ويواجهوا تلك الظاهرة الكارثية، وأن لا يختاروا الحياد والسكوت، لكي لا يعتقد المالكيون وغيرهم أن الساكتين وجمهورهم يشاطرونهم في الافكار والتوجهات أو يؤيدونهم ويناصرونهم في معاداة الكورد. والسؤال هنا: هل فعل العقلاء ما تحتم عليهم؟ الجواب، مع الأسف كلا. والدليل هو استمرار الحملة الشرسة الموجهة ضد الكورد، والتي لاتختلف عن الحملات السابقة التي عرّضنا لها من قبل المالكي والقريبين منه والذين بذلوا جهودا كبيرة في مجال معاداتنا، وغامروا بتشجيع الحاقدين علينا من خلال تصريحاتهم النارية، وكلا، لأنه بسبب تلك التصرفات انتشر الحقد واقتنع عدد متزايد من الناس بفكرة أن الاغلبية يجب أن تحل محل التوافقية، وأفكار وتوجهات المختار محل القانون، وساهم كثير من السياسيين والعاملين في الاعلام الأصفر من خلال كتابة المقالات التحريضية المليئة بكل شيء عدا الحقيقة وفبركة الاخبار والتقارير والملفات وكيل الاتهامات بهدف حسم الخلافات ودحض وجهات النظر المختلفة، كما دعوا الى تبرير استخدام كل الوسائل الأمنية والمخابراتية والاقتصادية وحتى العنف والعسكرة ضد الشركاء، ساهموا في تعضيد خطاب الإهمال والتهميش الذي إنتشر بسرعة البرق في الساحة السياسية واروقة البرلمان العراقي، وتم التعاطي مع تلك الجهود وفق ما كان يشتهي المالكيون والشوفينيون والبعثيون ولاموا الكورد وحملوهم مسؤولية كل الازمات والمشكلات. وكلا، لأننا مازلنا نسمع أن العوائل الكوردية التي تسكن في بغداد منذ عقود بل قرون، عرضة للتهديد بالتهجير والقتل.
 تلك الممارسات المقرفة مهدت الطريق أمام البعض لتحويل قناعاتهم المسبقة المضطربة إلى نيات خطرة، شوهت صورة الشراكة وجعلتها صعبة وربما مستحيلة ..
في المقابل، لايمكن إنكار أن المجتمع الكوردستاني، سياسيين وإعلاميين، بذلوا مجهودات كبيرة في مجال تقديم الأدلة والبراهين التي تبرئهم من الإتهامات والطعون، إلا أن عدم إستعداد الطرف المقابل لسماعها، والمال السياسي الحرام والتعيينات الفضائية وقطع الأراضي السكنية والعطايا والهدايا المالكية، مع الأسف، كانت الأقوى وأعطت المصداقية للأفكار التي لا صحة لها وأدت إلى نتائج سلبية.
ما يفعله المعادون للكورد (من البعثيين السابقين والشوفينيين والمالكيين والدواعش) ليس جديدا بالقطع لأسباب كثيرة ومتعددة، ولكنه، فقط، متلون بلون جديد، ويتحدى بشكل لايتناسب كل الذي كان يجول في الخيال والآفاق، ويفتح باب النقاش على مصراعيه أمام التفكير في جدوى الشراكة في وطن يؤدي فيه الخلاف والتباين الى الافتراق ومصادرة الحقوق الدستورية والقانونية، في وطن لاتحترم فيه إرادة مكوناته وإتحادهم الإختياري، كما يدعو الى ضرورة فض الشراكة بين الكورد والآخرين..

321
الخطة (باء) كوردستانيا
   صبحى ساله يى
  من المفروض أن تكون العلاقات بين الأحزاب الكوردستانية مبنية على أساس المصير المشترك، لذلك عندما تمر تلك العلاقات في فترات معينة بحالات غير اعتيادية ستكون لها تداعيات سلبية، وتلك التداعيات تحتم البحث عن الاسباب من أجل تلافيها، والمفاوضات التي جرت قبل أشهر بين القوى الكوردستانية الخمسة لحل عدد من الأزمات، ما كانت لتفشل لو تم مراعاة القضايا المتعلقة بالمصير المشترك ولو لا المصالح الخاصة وروابطها والتزاماتها التقليدية على النحو الذى عرفناه فى تجاربنا السابقة، والتي كانت وراء مشاريع القوانين المتعددة التي طرحت في يوم واحد والنقاشات والمناكفات السابقة والاتهامات المتبادلة بين الاطراف السياسية وما أسفر عنها، ولولا التمسك بمواقف تعارض التوافق السياسي الذي تم بموجبه بناء العملية السياسية وتشكيل هيئة رئاسة البرلمان الكوردستاني وتشكيل حكومة الاقليم وتوزيع المناصب في اربيل وبغداد، وما كان الاقليم يشهد الهجمات على المقرات الحزبية وحرقها وتداعياتها والإحتقانات والصراعات السياسية التي خلفت أجواءا متوترة أدت الى حصول خلافات بين الأحزاب السياسية ومؤيديهم.
بعد أن ثبت لدى الجميع أن كوردستان، رغم حربها مع داعش، وقطع موازنتها السنوية من قبل الحكومة الاتحادية والمشكلات الداخلية، ورغم قسوة البعض وتحاملهم غير المبرر، مازالت تضرب مثلا رائعا بالتطور في غالبية المجالات، بما في ذلك العدالة الاجتماعية والحماية الحقيقية لحقوق الانسان، حماية تستند إلى أرفع القيم الإنسانية، وحققت بالذات تطورا لافتا في مجال حماية وإيواء مئات الالاف من النازحين، وتبنت نهجا عقلانياً حكيماً في تعاملها مع جميع الملفات المهمة، لذلك فشلت محاولات الإلغاء السياسي، رغم الجهود التي بذلت بهذا الاتجاه، وتم التأكد من عدم إمكانية قيادة البلد عن طريق إلغاء الآخر. لابد من البحث عن الثمرة التى نجنيها بعد هذا الموسم الحافل بالنشاط السياسى الذى عرض ونوقش فيه أمورا، أقل ما يقال عنها، كانت من أجل خلق مشكلات جديدة، وتجاهل فيه مشكلاتنا القديمة ومعضلات ومآس وكوارث تستدعي التحكم فيها الى العقل والمنطق، واليوم وبعد أن بات الجميع يدرك أنه حان الوقت للأحزاب أن تستعد لخوض لقاءات ومشاورات جديدة لتطرح مقترحاتها وارائها من أجل للخروج من الأزمات، والازمات، كما نعلم، تحتاج الى مواجهات فعالة، واختيار أخطرها، لتكون في البداية، يكون وفقاً لطبيعة الأزمة والظروف الموضوعية المحيطة بها والخيارات الممكنة والإمكانيات المتوافرة والمتوافقة مع غزارة المضمون المصيري والعاطفي والمدلولات السياسية والمعنوية، والتحديد الدقيق لمسارها، لابد من البحث عن (الخطة باء) كوردستانيأ، وهي الخط البديل، أي خط التوافق والاتفاق على القواسم المشتركة، وطبعاً، النجاح في هذا الشأن الحيوي يستند على إحتوائه لمشروع استراتيجي بين الأقطاب الكوردستانية الأساسية، وهذا المشروع يكتسب مصداقيته ومتانته من الوعي المشترك لقيادات الأحزاب والجماهير الكوردستانية المؤمنة بعدالة قضيانا المشروعة، والمتيقنة لحقيقة أن كل العلاقات السلبية بين الكوردستانيين ومهما كان محملا بغبار أو أتربه، صارت بحاجة إلى تغيير حقيقي في المفاهيم والمضامين والآليات، والتغيير (يعني) تجاوز مرحلة الشعارات واللافتات والذهاب بجدية وحسابات دقيقة وصحيحة الى استقراء الظروف بحكمة وبمزيد من القوة والمنعة لتحدي الصعاب، وتجاوز المرحلة المقبلة التي يصفها غالبية المراقبين بالمهمة والحساسة..


322
 
الاستفتاء ... يختصر المسافات
صبحي ساله يي
كلما  يعود الاستفتاء على استقلال كوردستان الى واجهة الاخبار، نسمع شريحة من السياسيين والكتاب الذين لا هم لهم الا تأجيج النقاش العام والظهور في الاعلام وعلى شاشات التلفاز، يحاولون تشويه المسيرة الناجحة التي حققها ويتواصل بها لإقليم كوردستان لاغراض باتت معروفة للجميع، ولا يهمهم في ذلك اذا كان ما يقولونه صحيحا ام هي مجرد إفتراءات واكاذيب.. يتحدثون عن تحفظات مليئة بالمغالطات بشأن الاستقلال والظروف والعوائق التي تعترض هذه العملية الديمقراطية، والتهديدات الخارجية، والقضايا العالقة بين بغداد واربيل، والمشكلات الداخلية بين القوى الكوردستانية وضرورات التمسك بالعملية السياسية الديمقراطية في البلاد والمشاركة في بناء الدولة وتقويم المسار الديمقراطي في العراق. طارحين أسئلة شائكة ومعقدة وخيارات صعبة، ويدعون الى التفكير بالمحاذير والصراعات التي سنواجهها، وتقاطعاتها واشتباكاتها مع مصالح إقليمية وقواعد وقوانين دولية، كما يقفزون على الحقائق ويهاجمون الداعي للإستفتاء ومؤيديه والعملية برمتها.
هؤلاء المتحدثون المهاجمون نوعان، الاول لايعرف معنى الاستفتاء الذي يشكل مكسبا للمواطنين جميعا ويعلي شأن البلد، ويرسخ ويعزز موقع ومكانة الدولة على خارطة العالم الانسانية ويعود بالخير على سمعته، ويتيح الفرصة لكل فرد أن يعبر عن رأيه الشخصي، لكونه (الاستفتاء) من أهم وأقصر الطرق وأسهلها في تحقيق الديمقراطية المباشرة بين الشعب ومسؤوليه ويزيل بينهم الحواجز النفسية والسياسية، ويغرس في نفس المواطن شعورا عاليا بالمسؤولية وحرصا على التضحية من أجل الخيار الذي يساهم في تبنيه، ويكرس في الوقت ذاته مبدأ السيادة الشعبية، وقد لايعني الاستقلال الفوري ولكنه يمهد الطريق اليه، فضلاً  عن أن الدعوة للاستفتاء لا تتعارض مع الدستور، وهي عملية حضارية وديمقراطية إذا أردنا أن نبني دولة مدنية اتحادية، لذلك يمكن إعتبار هذا النوع أناسا لايهمهم تعزيز مكانة دولتهم وسمعتها على المستوى الدولي في عصر تمازج الثقافات وتبادل الخبرات.. والثاني، عبارة عن أناس يعرفون ان الاستفتاء يعني قياس توجهات الرأي العام واللجوء الى الشعب ليبدي رأيه تجاه موضوع يمس حياتهم وتحمل التبعات السياسية في حال إقرار مسألة مصيرية أو قانونية، ويعرفون ان الاستفتاء في كل مكان، وبالذات إذا كان متعلقا بتقرير المصير، ستكون الإجابة فيه بنعم أولا، وهذا يعني إحتمال القبول أو الرفض.. القبول لايعني إعلان الدولة في اليوم التالي، وربما يستغرق سنوات أو يعاد النظر فيه، كما أن الرفض أيضا لايعني سقوط حق المطالبة بالاستفتاء بعد سنة او سنوات، ولكنهم (المهاجمون) متخوفون من نتيجة التصويت، وهم متأكدون أن الكوردستانيين الذين يمتلكون كماً واسعا من الحرص و الوعي والثقافة السياسية سيتوجهون بأعداد كبيرة وفي أجواء ديمقراطية نحو صناديق الاقتراع، لإملاء تصوراتهم التي يؤمنون بها ويحققوا غاياتهم، وليقرروا مصيرهم بأنفسهم.
في العام الحالي أو الذي بعده أو الذي بعد بعده، سيتخذ الكورد قرارهم بشأن إقامة دولتهم المستقلة وفقاً لمبدأ حق تقرير المصير او تحقيق الطموحات او البحث عن الحل الانسب لكل مشكلات الدستور والازمات المتتالية. والتمسك بهذا القرار لايعني استخفافاً بمؤسسات الدولة العراقية أو عصياناً ضدها أومحاولة لهدم الديمقراطية فيها، بقدر ما هو حفاظ على هوية وخصوصية وحقوق الكوردستانيين ومطالبهم المشروعة التي تعرضت للهدر والإنكار، لذلك ولكي لايكون إعلان الاستقلال من طرف واحد، ولكي لا نبدأ مرحلة صعبة مليئة بالمشكلات والإشكاليات والتعقيدات والتحديات، لابد من بدء حوارات جريئة وناضجة مع الاطراف الاطراف الاخرى، لإقناعهم برغبتنا ومصالحهم ومصالحنا، وإجراء مفاوضات شاملة معهم حول التفاصيل والحقوق والواجبات والأفاق المستقبلية، عبر اتفاقية شاملة قادرة على النهوض بأعباء الأوضاع الحالية ورسم أفاق المستقبل وفقا لقناعات جميع المعنيين بهذا الشأن الحيوي.
 


323
حكاية السنة الماضية
صبحي ساله يى
في بداية سنة 2015، كان هناك اعتقاد وهمي بإمكانية إنجاز المهمّات الوطنية الأساسية، وفعلا إعتاش البعض منا على تلك الأوهام التي تعاركت فيما بينها كالخراف المتجهة صوب المذبحة، وبعضنا كابر في أحايين عدة لكي لا يتذكر الماضي ولايرى الحاضر وما على المرآة، لذلك مجد الاوهام التي تسكنه، وسار خلفها، بل حاول ان يعيد انتاجها، بدلا من أن يتحرر منها أو في الاقل ينتقل الى حالة لايرفض فيها ما تنقله عينه، أو يعتبر الشك خياراً، أو يعتقد أن بإمكانه عدم الامتثال لشكل الحياة المفروضة عليه، وعدم تنفيذ التوجيهات التي تتقولب بصيغة أوامر وتوجيهات تصدر ممن حوله، بل،  وبمرور الوقت، تحول خياراته الى مسلمات، والتوجيهات والاوامر الموجهة اليه إلى أمورعادية منسجمة مع وجوده، لاتحتاج التساؤل حول صحتها أو أهميتها في حياته اليومية، وعند هؤلاء أصبح التفاعل مع المعطيات حسب دقة الخضوع لها من دون رفض أو رد فعل، أما الاستجابة لتأثيراتها فإنها تحولت إلى استجابة لا إرادية وربما ميكانيكية.. وبعضنا ساهم دون ادراك في مصادرة حقوقه في الشك والتساؤل، فغمض عينيه كي لايمكنه الوصول الى الحقائق، او حتى التوجه نحو اليقين، وهذه الحالة أسفرت عن شعور حاد بالتراجع والعزلة والاغتراب والتنازل عن حريته الانسانية في الشك، وإختار بمحض إرادته أن لا يشك أو يتساءل..
وفي نهاية (السنة) لاحظنا أن الفشل في الحفاظ على المكتسبات القليلة والضئيلة والبسيطة، أصبح مفردة سياسية متداولة وعلامة فارقة وعابرة للسياسة والاقتصاد ولكل الاحوال في كافة المجالات، وكان سببا لأزمات وإخفاقات عميقة ستظل تلاحقنا ونعاني منها في العام المقبل، وربما في الاعوام المقبلة، في مؤسساتنا وعقليات ومناهج تفكيرنا وطريقة ادارتنا لنظام حياتنا. لذلك سنراقب وربما نكثر في إطلاق الاسئلة حول الأشياء والأشخاص، وحينها تتشكل لدينا أنواعاً من الريبة والخوف والقلق، بشأن إصدارالأحكام، أو إتخاذ المواقف مع أو ضد الآخر، أو بخصوص ربط قوانين الفهم والعقل والتفكير بمفاهيم القدرة على رؤية النجاح والتناغم مع أسرار الحياة.
مع ذلك، ونحن نودع سنة ونستقبل أخرى، نقول كل الطرق مفروشة بالنيات، بعضها، طيبة، وبعضها غيرطيبة، وهناك بونا واسعا بين الواقع والطموح، وما شهده العراق منذ عقود على يد البعث الفاشي والقائد الضرورة وحروبه الهوجاء وسياساته الكارثية (خلال 35 سنة عاجفة)، والجماعات الارهابية وسياسيي الغفلة (خلال12 سنة)، لاتختلف كثيرا في عجافتها عن التي سبقتها، وتدل على أن الذي تم تركه للتاريخ من أفعال تختلف كثيراً عن الأقوال، وهى التي ستبقى عنوانا بارزا لمعاناة الكثيرين وتوتراتهم التي أصبحت أكثر حدة وفي أعلى المستويات.
أما الناس المبتعدون عن المثاليات، فإنهم متأكدون من دفع الاثمان السياسية المتناقضة من الارهاب وارتداداته، والإقتصاد وصعوباته، والحياة ومشقاته، ولكنهم  يتمنون دفع أقلها، ويتمنون أن يستطيعوا المشاركة في إشاعة السلام وإعادة الأمان واسترضاء الإخوة والأشقاء، وعدم سفك دماء ابنائهم وتوفير قدر معقول من الخدمات الاساسية ليعيشوا كباقي الشعوب، لأنهم عانوا كثيراً من الضيم ومن تداعيات التاريخ وظلم الحكام والمشاغلات الحزبية والضغوطات، ومن المفاهيم السياسية التي لاتغني ولا تسمن، ومن التوقعات والتحليلات المرة، والتكهنات بالصعاب التي أصابتهم بالصدمة والانتكاس وجعلتهم ينتجون الكثير من الافكار والحلول التي تدور حول الاصعب والاشد والاقسى، بدلا من الفاؤل وشحذ الهمم والتفكير بالحلول المستقبلية.
 


324
علم كوردستان ويقين أنقرة
   صبحى ساله يى
بعد التغيير في العراق، قطع اقليم كوردستان شوطا كبيرا في طريقه من أجل توطيد علاقاته وتعامله مع دول العالم، وفي التطور العمراني والنهوض الاستثماري، بخطوات ثابتة وتحدي كبير للصعاب والمعوقات، وبشكل فاق التوقعات تدفقت نحوه رؤوس أموال كبيرة ومئات الشركات من أنحاء العالم، لتنفيذ مشاريع عملاقة، وفي المجال الدبلوماسي افتتحت فيه عشرات القنصليات وممثليات الدول، وهذا يعني إن الاقليم إستطاع بجدارته ان يؤسس لنفسه، وان يفرض نفسه ككيان فيدرالي ديمقراطي، وأن يضطلع قيادته السياسية بدورحاسم في إتخاذ القرارات المصيرية..
تركيا الجارة، أقتنعت بضرورة الاعتراف بحكومة الاقليم وتغيير سياساتها تجاهه، وتوصلت الى حقيقة مفادها، ان السلام لن يعم، واي خارطة جيوسياسية جديدة للمنطقة لن تنجح، اذا لم تؤخذ وجهة نظر اقليم كوردستان في الاعتبار، لذلك عمدت الى توسيع آفاق تعاونها الاقتصادي والدبلوماسي معه، فإفتتحت قنصليتها في اربيل، ويمكن اعتبار يوم 29 أذار 2011 صفحة مهمة من صفحات علاقات الإقليم مع تركيا، ذلك اليوم الذي تجرأ فيه رئيس وزراء تركيا، الرئيس الحالي للجمهورية السيد رجب طيب اردوغان بزيارة أربيل على رأس وفد رفيع المستوى مع أكثر من مائتي تاجر وخبير تجاري واقتصادي وسياسي. في تلك الزيارة وقف اوردغان كرئيس لحكومة تركيا أمام راية كوردستان، وذلك الوقوف بحد ذاته، أعتبر إنجازاً تأريخياً وتحولاً مهما و إنعطافة كبيرة في السياسة الخارجية التركية إزاء اقليم كوردستان، لأن الحكومات التركية السابقة كانت لاتقبل بكلمة كورد وكوردستان وطبعاً كانت تعتبر القبول بالوقوف أمام، أو بجانب، علم كوردستان ضرباً من الخيانة..
انقرة (اليوم)، ترى كل شىء بأم عينها، وتستطيع قراءة خريطة الصراع، وهي على يقين بأنها مستهدفة وبإن معالم المنطقة وحدودها وخارطتها الجغرافية تتغير، وتواجه تأزيما متصاعدا، من الداخل والخارج، المعارضة في الداخل، ورغم بيانات التضامن الكلامية، تحاول الحصول على مكاسب أكثر في ظل التهديدات الخارجية ولوعلى حساب تقزيم دولتهم، إضافة الى الحرب التقليدية المفتوحة على عدة جبهات مع حزب العمال الكوردستاني ومؤيديه، وفي الخارج، دول عدة تتمحور حول الدب الروسي المندفع نحو منطقة تتزاحم فيها الجيوش والجماعات المسلحة، وتحاول أن تستفيد من صعوبات وتعقيدات اصدار القرار الامريكي وحلف الناتو والمواقف المضطربة لبعض الدول الاوروبية تجاه تركيا، لذلك تحاول صياغة مشروع من أجل محاصرة وتحجيم دور تركيا الاقليمي، لتنال منها ومن مصالحها وجهودها في كل المجالات، ولتصبح أنقرة بعيدة عن كل القرارات في المنطقة، وليصبح المدعومين من قبلها، أو المؤيدين لها، وحتى غير المعادين لها، فريسة للإرهاب والارهابيين في مناطق تواجدهم.
لذلك تحاول (تركيا) الاحتفاظ بنفوذها في الداخل ومصالحها الاقتصادية في الخارج، وتبحث عن طريقة للتوافق حول ترتيبات أعادة التموضع والاعتماد على الارقام المهمة التي توصف بالإعتدال والتعقل في المعادلات الاقليمية، وعن أصدقاء لهم مصالح ومنافع متبادلة معها. كما أن التطورات التي تشهدها المنطقة، والمواقف الداعمة بقوة للكورد، والمؤشرات التي تؤكد بأن الولايات المتحدة الامريكية والعديد من دول وشعوب العالم ستلتزم سياسيا واخلاقيا بالدفاع عن الكورد، كلها كانت وراء التوجه التركي العقلاني والواقعي نحو الاقليم، وتوصلها الى يقين مفاده بإن علم كوردستان سيرفع في كل العواصم آجلاً أم عاجلاً، لذلك رفعته بجانب علمي العراق وتركيا أثناء الزيارة المهمة التي قام بها الرئيس مسعود بارزاني الى تركيا، لكي تتعود على مشاهدته ..


325
التخبط والتعقل في كوردستان
   صبحى ساله يى
ما الذي جرى على الساحة السياسية الكوردستانية؟ أكان إستغلالاً للظروف وتخبطات حزبية ومناوشات إعلامية لا تنفع ولا تغير؟ أم كان استمرارا في التزمت الفكري والمجاهرة ببيع العواطف القومية وتثوير الروح الفوضوية وسلب التوازن العقلي؟ أم كان زرعا للإرباك والفتنة؟ أم كان إفتعالا لأزمات خطرة تحيط بها ظروف موضوعية تحتاج مواجهات فعالة وإعادة ترتيب الامور في الحكومة والبرلمان وفقا للمستجدات والخيارات الممكنة والإمكانيات المتوفرة؟ أم كان تراجعا عن تعهدات وإلغاءً لإتفاقات سابقة بسبب الرؤى المتعنتة، والتوقيع على أخرى جديدة أكبر من إتفاقات وأقرب إلى تحالفات؟ أم كان بمجمله لعبا بالنار على أوتار مصالحية لتحديد المسارات من خلال ممارسة الازدواجية؟
علامات استفهام كبيرة وكثيرة وكم هائل من العموميات الواضحة وضعت أمام الكوردستانيين، وجميعها فرضت نفسها لبيان النيات التي تتحكم بالعقول والافكار خلال التعامل مع المستجدات والمتغيرات وتحليل المعادلات، واستدعت استقراء الظروف والاختيار السليم لزمان ومكان وآلية الفرز بين الازمات المصطنعة وغيرها، وبين المتخبطين وغيرهم، لإبعاد المشهد عن التعميم أولاً، والتكفل بعدم زيادة التهابه ثانياً، والدفع به نحو زاوية المواجهة الشجاعة وحصره، والسعي وراء المسببات السلبية التي أفرزت الازمات والتي ساهم فيها السياسيون المتخبطون من خلال تضليل الرأي العام وتكريس فكرة الانقسام على أسس سياسية ومناطقية، وهذه الصبغة السياسية-الاعلامية خدمت الأعداء وكل البضائع الكاسدة في سوق المزايدات السياسية التي تم الترويج لها رعاية لمصالح حزبية، وتلبية لرغبات شخصية ومصالح واهداف مرحلية مدفوعة بدوافع ذاتية ونظرات ضيقة تعتمد على الخيال والتمنيات، وأنذرت تلك الممارسات الخاطئة بمخاطر مستقبلية في حال عدم التوصل الى حلول سياسية وقانونية تتوافق مع التطلعات والمصالح العامة وتنسجم مع الواقع ومع منظور ما يفرضه العصر وما تفرضه الخصوصيات التاريخية والقومية والوطنية الكوردية.
إشكاليات المتخبطين لم تعد مجرد تنظيرات أو تهويمات ورؤى وتمنيات، أوتمسكاً بالخيال والأحلام، وفقدان الثقة بالجميع، بل باتت حقائق مكلفة تستوجب مداراتها ومنحها وزنا واعتبارا، وتؤكد عبثية الهروب نحو الوهم والسراب والركض من أزمة إلى أخرى بالإنتقاد والهجوم والصراخ والوقوع في المحظور، وإتهام الآخرين وترديد النغمات الممجوجة عن الحقوق والقانون التي ظاهرها العدالة والقانون، وباطنها اللاعدالة واللاقانون.
أما غير المتخبطين (أي العقلانيين) المقتنعين بأن القلق إنتاب الجميع، والخسائر ستصيب الجميع لو انحدرت الاوضاع نحو الاسوأ، فإنهم سعوا بحكمة وتعقل وحرص شديد وبخطى ثابتة لإعادة المياه الى مجاريها، ليكون المشهد بداية لمرحلة جديدة وبذلوا محاولاتهم الجادة وأبدوا إصرارا كبيرا على مواصلة الحوار مع كافة الاطراف، وحرصوا على استمراره، وأبدوا المرونة خلال اجتماعاتهم وإبتعدوا عن الاثارة في تصريحاتهم، لتجنب ترك الاقليم تحت رحمة المزايدات السياسية وإعطاء انطباع بأن لغة العقل والمنطق تركت الساحة السياسية، ولكن الامور سارت كما لاتشتهي السفن، وكان لابد من إتخاذ بعض الاجراءات التي تمنع الاستفحال.
وبين تخبط البعض وتعقل البعض الآخر، ومن أجل تصحيح الأوضاع وتعديل مساراتها والخروج من الازمات بأقل الخسائر، لابد من الإعتراف بالاخطاء والعودة الى سكة الصواب، والتفاعل الهادىء والمسؤول مع المشكلات وعوامل الاضطراب بصورة موضوعية وواقعية وبشكل يناسب مجريات الاحداث، ولابد من البحث عن طريق آمن للخروج من المتاهات والمطبات وضبط آلية المبادرة، كي يتم منع التصدعات والانغماس في خلافات وتناحرات وصراعات بينية تنهك الجميع حتى النخاع، وفي تلك الحالة لابد من مراجعة الاتفاقات السابقة وإلغاء بعضها وتمتين وتوقيع غيرها...


326
إنهم لايمثلون الشيعة !!
صبحي ساله يي
ممارسات بعض الشخصيات السياسية الشيعية وحملاتهم التي تتعمد التطاول والتجاوز على الكورد وكوردستان من اجل رفع رصيدهم في الشارع العراقي، أهون من بيت العنكبوت، وأضعف من ان تستطيع ان تحدث مشكلة بين الكورد والشيعة لأن هؤلاء، لايمثلون الشيعة بل هم أعضاء (وقلة قليلة) في احزاب واطراف سياسية شيعية، يحاولون التصيد في المياه العكرة فقط، ولديهم مشكلات داخلية فيما بينهم ومع الآخرين، وهم أناس متشنجون يستخفون بحقوق الجميع، يتخبطون في الكلام، بينما العلاقات بين الكورد والشيعة، تعود الى عهد مصطفى البارزاني والشهيد الصدر ومحسن الحكيم (رحمهم الله).
في عهدي المالكي وما بعدهما انحسرت مرحلة العتب الهادىء والنصيحة المخلصة والنقد البناء من خلال هجمات إعلامية منظمة موجهة ضدنا، وحلت مرحلة اليأس عند الكثيرين بسبب سخافات وتخبطات وأخطاء المالكيين والبعثيين المندسين بين صفوف الكتل السياسية والشوفينيين وإصرارهم على الإستمرار في إرتكابها، ورغباتهم الدفينة في تبديد ما تبقى من علاقات بين الشيعة والكورد، من خلال ترويجهم لفكرة الصراع بين العرب والكورد، ارادوا بتلك الدعوات الحاقدة والمسمومة جعل العرب (سنة وشيعة) جبهة واحدة ضد الكورد، وساحة الصراع هي المناطق المستقطعة من كوردستان، فجاؤوا بجيشهم وتحت قيادة بعثي سابق حاقد مشارك في الانفال، ليعيد ما فعله في عهد البعث، وحينها سمعنا أصواتا شيعية تدعو الى ان يحل التنكر محل الاعتراف والغضب محل العقل، خصوصا وان احدهم قد قال قبل ذلك : (لا اله الا الله ، كوردستان عدو الله) وردده من بعده الشوفينيون. وقال آخر : أن الكورد هم المارقة المذكورون في كتب الملاحم والفتن الذين سينتقم منهم الإمام المهدي حال ظهوره. وقال: إن أول حرب سيخوضها المهدي ستكون ضد الكورد. إضافة الى تكرار الروايات التي تحضّ كلها على مقاطعة الكورد وعدم إقامة علاقات المصاهرة والتجارة معهم باعتبارهم قوماً من الجن كشف الله عنهم الغطاء. فقلنا هؤلاء لايمثلون الشيعة ..
وغيرهم أطلق تصريحات نارية غير مفهومة وقريبة من الهذيان والخرافة.
وشمطاء اعترفت في لقاء متلفز على فضائية عراقية، وافتخرت بعرقلة تنفيذ المادة 140 من الدستور لمدة اربع سنوات.
وعندما تم استخراج نفط الكورد من اراضي كوردستان من قبل الحكومة الكوردستانية، قالوا الكورد يسرقون النفط.
بعد تحرير شنكال من قبل البيشمركه، فقد الكثيرون عقولهم وتوازنهم من الغيظ، ولاحظنا التخلي عن الشراكة والتفاهم فأرسل فلان كتيبة مسلحة الى خورماتو، وآخر، أرسل فوجا أو لواءً ليقاتل البيشمركه، وغيرهم هدد وتوعد بالزحف على المدينة وسحق من فيها من (الكفرة الكورد)، ووصل الامر الى ان يقول احدهم : تحررت شنكال من ايدي الدواعش وتم إحتلالها من قبل البيشمركه والكورد.. وبعدها دنست مجموعة في كربلاء علم كوردستان وبطريقة بعثية صدامية، وظهر سياسيون، بدلا من الاعتذار وتوجيه اللوم للفاعلين، راحوا يبررون الفعلة الشنيعة.
قبل أيام قال أحدهم: ان المسؤولين الكورد يمثلون معسكر يزيد، وإنهم من اسباب سقوط الموصل ودمار وخراب العراق. وربما سيظهر من يعتبرنا سببا لسقوط الدولة الفاطمية في مصر.
حتى الآن (نحن الكورد) مازلنا نعتبر كل الذين لايرون في محاربة الكورد عيباً أو خطراً أو نقصاً في الدين والذمة والضمير، بعد عقود من العلاقات القوية المتبادلة، نعتبرهم اناسا يحاولون إثارة الكراهية والنعرات القومية العنصرية، وتحقيق ما عجز صدام والبعث عن اثارته بيننا، ومازلنا نقنع أنفسنا بأن هؤلاء لايمثلون الشيعة الملتزمين بمبادئ التسامح والاعتدال والوسطية والسلام والانفتاح.
 فهل يعتبرالشيعة هؤلاء ممثلين عنهم؟.


327
المصالحة... كمادة لخبر في الاعلام
   صبحى ساله يى
المصالحة، مفردة سامية جامعة كبيرة المعاني، عديمة التطبيق وكثيرة الاستعمال من قبل السياسيين العراقيين المنغمسين في نهج التنافر السياسي والمذهبي والقومي، يستعملونها في الاجتماعات والاحتفاليات البروتوكولية الشكلية والاستعراضية كمادة للاستهلاك المحلي كي يقال عنهم إنهم يؤيدونها ويعملون من أجلها، كما يستغلونها في الايام التي لاخبر لهم في وسائل الاعلام، كخبر، دون أن يلتزموا بأبسط مبادئها الانسانية، لأنهم في الاساس لايعترفون بالآخر المختلف عنهم في العرق واللون والجنس والاعتقاد الديني والسياسي، ولايقبلون بالتعددية والمساواة في الحقوق والعدالة الاجتماعية.
هؤلاء، الباحثون عن ذكر اسمائهم في الاعلام، يعتقدون ان المصالحة وتجسيدها عملياً يبنيان وفق الاسس والآليات والطرق التي يطرحونها في وسائل الاعلام، أو من خلال عقد مؤتمرات تخصص لها الملايين من الدنانير، يصرف ربعها ويسرق ثلاثة ارباعها، ويحضرها أناس متصالحين ظاهريا ومتخاصمين في الحقيقة والأساس.
مرت إثنتا عشرة سنة على اسقاط البعث، سقط خلالها عشرات الالاف من القتلى، تم تهجير ملايين المواطنين من بيوتهم، ووتيرة معاناة البلاد والعباد من حوادث الرعب والتدهور الاقتصادي والاجتماعي والأمني والفساد في تصاعد، ومازال البعض يغني على ليلاه ويردد ويؤكد على ضرورة إجراء المصالحة، دون ان يعرف الفرق بين المصالحتين الوطنية والسياسية. وهم حتى الان في حالة صراع مستميت على السلطة، الصراع لايقتصر على صراع الشيعة مع السنة او الكورد مع العرب، بل موجود وبقوة داخل الكتل السياسية وبين شخصياتها المؤثرة..
العراقيون يعيشون في المشهد المنزوي الذي لايكترث له أحد في أجواء التجاذبات الاقليمية والحسابات والمصالح الدولية، لم يجتازوا نفق الإنقسام الذي يضر بكل المشاريع الوطنية، وما زال ابواب الإنتقام والثأر مفتوحة على مصاريعها أمام الذين يراهنون على الإنقسام والتشتت كي يستغلوا المستجدات من أجل مآربهم الخاصة ومصالحهم الشخصية والطائفية والمذهبية على حساب الأجندة الوطنية.
 الذين يسخرون المصالحة من أجل خبر في الاعلام لايعرفون أنها (المصالحة) لايمكنها ان تأتي قبل ازالة العوامل والاسباب الكابحة لها في ذهنيات الجميع، وقبل الاتفاق الشامل على تعريف المواطنة والمساواة وحقوق الإنسان ومفاهيم المجتمع المدني، وتحديد الاطراف التي تشملها عملية التصالح وتوفير متطلباتها وتوفير الحد المعقول من الدعائم اللازمة لإنجاحها، كي تتجاوز العقبات والتحديات التي تواجهها، وقبل سن حزمة من القوانين التي تكرس التسامح والتعايش والعفو والتي تجرم العنف الفردي والجماعي لاي سبب كان، ولاتأتي قبل المبادرة بإنتقاد الذات قبل الآخرين وقراءة المشهد السياسي بعقلانية واضحة ورصينة والإسهام في إصلاح ما أفسده الدهر في العلاقات التي دفع ضريبتها الناس البسطاء، والتي تعني إظهار الرغبة الجدية بالتصالح في التوقيت المناسب، على أن لا تستغل لحظة التنفيذ لإغراض دعائية، كي لاتكون تأثيراتها السياسية مرافقة لمنافع ذاتية لطرف دون آخر، ولا تأتي قبل خلق قنوات اتصال وتواصل تسهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة وتخفف الاحتقان الطائفي وتفعل الحراك السياسي في المجتمع، ولا تأتي قبل رفع الوعي السياسي لدى المواطن العادي وبالذات في المناطق الرخوة والساخنة، كي تكون القواسم المشتركة قاعدة أساسية لبرنامج سياسي توافقي، ولايمكنها ان تأتي قبل توفير الثقة المتبادلة بين أطراف الخلاف. بخلاف كل ذلك ستبقى(المصالحة) منتكسة ومتعثرة وعرجاء ومتناثرة لا تحكمها رؤية سياسية واضحة، وتكون في الاعلام مادة خبرية عن هذا المسؤول أو ذاك..


328
شنكال وخورماتو اختبرتا السياسيين

صبحي ساله يي
عمليات تحرير (شنكال- جوهرة كوردستان) من قبل البيشمركه الذين أعادوا الاعتبار لكل القيم الانسانية والأخلاقية العليا، وكسبوا ثقة المجتمع الدولي، ودحروا منظمة إرهابية متوحشة اعتمدت عقيدة القتل والسبي والدمار والمتاجرة بالنساء والاطفال.
والأعمال المؤسفة المنافية للقانون في (خورماتو) والتي عكرت صفو الأمن ودهورت العلاقات بين حلفاء الامس، وردود الافعال وتصاعد وتيرة الخلافات والتهديدات وانعكاساتها السلبية على مواجهة تنظيم داعش الارهابي، وما سمعناه من تصريحات وشعارات معادية للكورد وخاصة من (شركاء اليوم) في حكم العراق الجديد، أظهرت ان الكثير من السياسين الفاشلين ما زالوا يعزفون على اوتارهم الطائفية ويرفضون الوحدة الوطنية، وأكدت أن العراق برمته مازال يعيش لحظات إخفاق ضبابية إستثنائية ناتجة عن إختلاط المشهد بين عدد من الفاعلين سياسياً، وعن تعقد العلاقات السياسية بين المكونات الاساسية، وأن ما جرى يدخل في دائرة تفكك الدولة وتناثر مكوناتها، والإفضاء إلى تقسيم بالاحسان أو فوضى بلا أي أفق معلوم، أو الى موت وحرب مفتوحة، من دون ردع، كما عززت القناعة بانعدام القدرة على التعايش المشترك مع وجود أمثال هؤلاء السياسيين المبغضين على الساحة السياسية، وأعادت الى تفكيرنا نظرية التبرير التي تنتج وتكرر الشك والتوجس والتردد وعدم الثقة والانقسام والفتنة والصراع، وعقلية المؤامرة وثقافتها وطريقة مواجهة المصاعب والمتاعب التي تخلق التباينات، وربما حيال هذا الامر سنلوم انفسنا لاننا صدقنا هؤلاء اكثر من اللازم وتصورناهم شركاء مؤتمنين، في حين هم يعتبروننا اعداء وهميين يعلقون على شماعتنا كل اسباب عجزهم وفشلهم، واغلبهم قبلوا بالشراكة في الظاهر فقط، رغما عنهم وعلى مضض، وانتظروا الفرص المواتية للانقلاب علينا وعلى الدستور دون الانتباه الى خطورهذا الأمر  وعواقبه.
ما حدث في شنكال وخورماتوو افرز بين السياسي الذي له رؤية شاملة حكيمة ومواقف واضحة صادقة متناسقة، يستطيع قراءة الواقع السياسي بشكل سليم ومنطقي، ويؤمن بضرورة الالتزام بالأخلاق والمبادئ والقيم التى تقتضى الدفاع عن المظلومين والتضحية في سبيل حرية وكرامة الانسان في كل مكان، وله أبعاده الواضحة في العمل السياسي والاجتماعي وتوجهه المهني الصحيح والذي يعبرعن رأيه بالشكل الملموس والواقعي ويعطي بعدا صحيحا للحقيقة ويستطيع أن يفرض منهجيته الثاقبة ويفضح كل الذين تجاوزوا الحدود الأخلاقية والإنسانية في القمع والقتل والقهر والمجازر. وبين السياسي الواهم المهزوز والحالم الباحث عن البروز المفاجىء والشهرة الإعلامية، والذي يظهر ضعيفا يضحك الجميع من تناقضاته وتهافت خطابه وتدني أخلاقه وهبوط مبادئه ووقوفه السافر مع الجلاد ضد الضحية، يعيش داخل شرنقة من المواربة والنفاق والكذب والمعايير المزدوجة المكشوفة، والذي لم يراع التحديات والاحداث السياسية المتسارعة في العراق والمنطقة، ولم يراع الوضع في العراق والتخندق الطائفي الذي يحمل مقومات الانفجار في أي لحظة ولا محاولات القوى السياسية الكوردستانية الابتعاد جهد الامكان عن الصراع الطائفي الدائر في المناطق العربية من العراق، لأنه يعمل ضمن إطار خاضع لأجندات وبرامج سياسية بعيدا عن المعايير الانسانية والاخلاقية..
الحدثان إختبرا ومحصا السياسيين الكوردستانيين والعراقيين، وآليات عملهم من خلال الحرية التي يتمتعون بها، ووضعتهم على المحك وحددا موقفهم من الانسان الكوردستاني والعراقي، وأظهرا الوجه القبيح والعاتم لكل من أساء وأجّج الاوضاع المتأزمة، وأظهرا في المقابل سمات مضيئة لسياسيين صادقين ووطنيين، واجهوا المغتاظين والحاقدين كما يواجهون التنظيمات الإرهابية وعبروا بوضوح عن موقفهم المناصر للانسان والانسانية في شنكال ونبذوا كل أساليب العنف في خورماتو ونقلوا الواقع بمصداقية عبر وسائل الاعلام  بالشكل المتوازن والصحيح.
 


329
المنبر الحر / أي المدن أحب إليك؟
« في: 14:25 18/11/2015  »
أي المدن أحب إليك؟
صبحي ساله يي
تعرض الكورد الايزديون طوال تاريخهم القديم والحديث الىكوارث كبيرة ومآس عصيبة وحملات إبادة وهجمات وحشية كثيرة من قبل أعداء مجردين من الضمير والرحمة، ولكنهم إحتفظوا بأصالتهم وهويتهم الكوردستانية وإنتمائهم القومي والديني وتشبثوا بالارض. شنكال (جوهرة كوردستان) تعرضت أكثر من مرة الى الحصار والتدمير والحرق، فالبعث الفاشي الذي استهدف الجميع، دون استثناء، وحاول قطع خيوط التعايش الهش بين العراقيين بحملات التعريب والترحيل والتبعيث، مارس بحق تلك الجوهرة وأهلها سياسات عنصرية وشوفينية وجرائم رهيبة مثيرة للقرف، حيث دمر قراهم وزج بهم في مجمعات سكنية قسرية شبيهة بمعسكرات الإعتقال، عانوا فيها من الفقر والمرض والبطالة والإهمال، وطالبوهم بتبديل قوميتهم الكوردية الى العربية، ومنعوهم من التحدث باللغة الكوردية أو استخدام الأسماء غير العربية.
بعد سقوط النظام البعثي وتحرير العراق في العام 2003 تعرض الايزديون وأبناء الاقليات الدينية الاخرى إلى هجمات إرهابية عديدة وقتل ممنهج، مع إنهم كانوا على الدوام جماعات مسالمة تعيش في أرض أجدادها، وسالت منهم دماء كثيرة جعلتهم يشعرون بعمق المأساة ومرارة التعايش السلمي واشكالياته.
في العهد الفدرالي عنوا المماطلة والتسويف والتعجرف في إعادتهم الى أحضان كوردستان حسب المادة 140 من الدستور العراقي، وفي ظل حكومتي المالكي، عاثت الميليشيات المسلحة في أرض العراق فساداً دون خوف أو وجل، وبعد حملات التحريض على الكراهية العرقية والمذهبية التي مارستها الأجهزة الاعلامية الملوثة بسموم ثقافة الإرهاب، وبعد أن تمت تهيئة الأرضية الخصبة للعدوان على شعبنا ووطننا، أعاد التاريخ نفسه بإسلوب قذر ووجه تعيس، ونفذ داعش فرمانا خبيثا باستهدافه الايزديين الكورد الآمنين وأضاف مأساة مروعة الى مآسي الأنفال سيئة الصيت وكارثة حلبجة والإبادات الجماعية. وارتكب جرائم وحشية قاسية تجاوزت القيم السماوية والانسانية، وإستغل فيها اسم الدين لتشويه التاريخ وإرتكاب الجرائم بحق الأبرياء وخطف النساء والأطفال وإستباحة المحرمات، وسبي وبيع واغتصاب القاصرات، وتشريد الآمنين من بيوتهم، وفي خضم تلك المأساة العصيبة، رفض الشنكاليون الانصياع لداعش فتوجهوا الى الجبل الذي كان على الدوام صديقا لهم، ولكن المفارقة هذه المرة كانت في أنهم، كسبوا أصدقاء آخرين، وعاشوا لحظات مأساوية شديدة، ناجمة عن أصوات الاشتباكات، بين البيشمركه والدواعش، الممتزجة بصراخ الأطفال وصيحات الاستغاثة، وكانوا محاصرين فيه بين أسلحة داعش المتطورة وسندان الجوع والعطش والمرض وتحت شمس حارقة ورياح ترابية شديدة، قطعوا عشرات الأميال مشياً على الأقدام،  وحفروا فيه بأياديهم قبورا لأطفالهم الذين قضوا من الجوع والعطش، والمحظوظون منهم فقط تقاسموا الماء بالقطرات في ما بينهم ليصمدوا حتى وصول النجدة إليهم، وأصيب معظمهم بحالات الجفاف الحادة وأعراض مرضية متنوعة.
وأصبحت (شنكال)، جوابا سريعا وقاطعاً لكل كوردي تسأله : أي المدن أحب اليك؟.
والبيشمركه الذين شهد لهم العالم الحر المتمدن، بأنهم رمز البطولة والمقاومة والتصدي والصمود، وبأنهم يقاتلون نيابة عن العالم من أجل القيم الإنسانية السامية، فقد إستجمعوا قواهم، وفي عملية بطولية نوعية ونادرة حرروا شنكال (جوهرة كوردستان) بدمائهم الطاهرة، واعادوا الأمل الى الأخوات والإخوة الأيزديين ..
هذا الانتصار يدعو حكومة إقليم كوردستان الى بذل مساعيها من أجل إعادة الحياة والإستقرار الى المنطقة، وتأمين الخدمات الضرورية وعودة النازحين والمهجرين الى مواطنهم وتكريس المساعي لتحرير المخطوفين والمخطوفات والسبايا من فتيات ونساء الكورد الأيزديات، ويدعو المجتمع الدولي الى الاسهام في اعمار المنطقة وتأمين الخدمات الضرورية وتخفيف معاناة سكانها وتقديم المزيد من الدعم للبيشمركه.
 


330

الاتفاق مع بغداد
.... لابد منه
صبحي ساله يى
طوال عمر الدولة العراقية، ومع جميع الحكومات ( الملكية والجمهورية والفدرالية) كانت للكورد جولات حوار تفاوضية مع بغداد، وتم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات، ولكن حكام بغداد كانوا على الدوام هم الناكثين لبنودها، والمتهربين من تنفيذها، إعتقادا منهم بأن الكورد ضعفاء، وأنه يمكن الاعتداء على سيادتهم وأمنهم دونما خشية من عواقب.
آخر تلك الاتفاقيات وقع في نهاية العام الماضي، وسميت بالاتفاقية النفطية بين الجانبين، وبعد ذلك تم تثبيتها في الموازنة السنوية الفدرالية، وما نفذ الا القليل مما جرى الاتفاق عليه.. بالنسبة إلينا(في كوردستان) زادت الأُمور سوءًا، وهناك (في بغداد) لاقت رفضا وتشويها شديدين من قبل بعض النواب والسياسيين ووسائل الإعلام المعروفة بقربها من المالكي والممولة من المال السياسي الحرام والتي أصبحت ساحات وبوابات ومنصات مفتوحة لقذف البذاءات والشتائم باسم حرية النشر، ووصل الامر الى أن تطلق العنان لحالات الاحتقان اليومي ولمشاعر العنصرية والكراهية وتسهم في تحريض الشوفينيين لإعلان حالة العداء المطلق ضد الكورد، وخصصت مساحات واسعة للمجاهرة بالكراهية ولتصعيد التوتر القومي وبث الادعاءات والاتهامات وكل الأنماط العنصرية والحالات الاحتقانية وتأويلاتها ضد الاقليم الكوردستاني، كما أصبحت بمثابة عدسات مكبرة تضخم الاخطاء الكوردية، وتصفنا بأبشع الأوصاف، وتضعنا في الخنادق المعادية للعراق وللأمة العربية والدين الإسلامي والمسلمين، وتدعو لإزهاق أرواحنا، وتجنبت في الوقت ذاته نشر التصريحات التي تدحض الادعاءات والافتراءات وتدافع عن الكورد وحقوقهم.
ورغم ذلك، ورغم تراكم المشكلات المصطنعة بين بغداد و اربيل وتفاقم الازمات في البلاد وتوسع شقة الخلاف بين العراقيين والتراجع الحاد في الثقة بين الكثيرين، بسبب وجود الشوفينيين والبعثيين والمالكيين على الساحة، والذين يتذرعون ويتحرشون ويهاجمون، والذين بإمكانهم تحقيق الاختراقات في جسد الاتفاقيات الجديدة، مازالت مقاربة الكوردستانيين الواقعية التي تعبر عن القوة والارادة في حماية النفس، تستند على النية الحسنة والرغبة الصادقة في استمرار التفاوض لرأب الصدع الذي أصاب العلاقات وإعادة المياه الى مجاريها الصحيحة والبدء بوضع الحلول لبعض المشكلات على امل المواصلة وحل كل المشكلات وعدم اللجوء الى قطع العلاقات مع بغداد، حتى إن انتقلنا الى الاستقلال السياسي والاقتصادي .. واليوم نسمع دعوات مختلفة الاهداف من دول صديقة وسياسيين ونواب تدعو الى ضرورة زيارة وفد حكومي من الاقليم لبغداد، لتجديد الاتفاق السابق أوتعديله أو  التوقيع على غيره، وبعد أيام، أو أسابيع، سيذهب (حتما) وفد الاقليم الى بغداد للاجتماع مع أصحاب السلطة، كما سبق لوفود عدة أن ذهبت قبل الان للقاء المسؤولين. ولكننا نسأل :
 ما الذي يمكن توقعه من المباحثات والاتفاقيات المقبلة؟ إذا اعتبرنا ما حصل أثناء العقود والسنوات والاشهر الماضية مقياسًا، وإذا لم يشارك في المشاورات أناس مختصصون بزرع الألغام بين سطورها، ومن الذي يكفل التزام بغداد بالدستور نصا وروحا، وتطبيقه، وإنهاء الحصار الاقتصادي على كوردستان، ومعالجة ازمة حصة الاقليم في الموازنة الاتحادية ومشكلات النفط، والاتفاق على تفاصيل وضع البيشمركه ورواتبهم وتزويدهم بالأسلحة والاعتدة والمعدات اللازمة لمواجهة الهجمة الإرهابية، ومعالجة مشكلات النازحين وتوفير المستلزمات الضرورية لهم؟.
 


331
المنبر الحر / سيادة داعش!!
« في: 12:59 05/11/2015  »
سيادة داعش!!
   صبحى ساله يى
  رغم أن عملية الانزال في الحويجة، وانقاذ مجموعة من البشر كانوا على موعد مع الموت في غضون ساعات، تعتبر تجربة بطولية نادرة وناجحة قامت بها قوات البيشمركه بالتعاون مع القوات الامريكية، ويمكن تعميمها وإعتبارها مقدمة لعمليات اخرى، لكنها اثارت جدلاً إعلامياً واسعا وتساؤلات كثيرة، وأماطت اللثام عن أكبر تخبط عراقي(إعلامي_سياسي) واضح المعالم، عبرت عنه أفواه لا تعرف التمييز بين العمليات العسكرية النبيلة والرذيلة، فاسترسلت بسوء الظن المسبق وبغرور وقسوة ولا مبالاة، بحجة ما يسمونه (سيادة) وتعدٍ على الحكومة العراقية واستقلالها ودون الالتفات الى أن زرع القسوة فيه قتل للحس الانساني، عبر التهجم على العملية ومنفذيها وتشويه صورتها الانسانية الجميلة، وهذا التهجم إن دل على شيء فإنما يدل على إختلاف العراقيين حتى تجاه الثوابت والقضايا التي لاتقبل الاختلاف، وتشير الى إختفاء وتبخر الحس الانساني، واختلاط الفكر المذهبي بحسابات سياسية ورغبات جامحة في تعميم المحن وتغييب العدالة، علماً أن (السيادة) في الحويجة المحتلة من قبل داعش هي سيادة دولة الدواعش والرايات المرفوعة هناك رايات سود فقط، والوقوف ضد خرق تلك السيادة تعني الفاشية في ابشع صورها، ومجرد الحديث عن خرقها امر مثير للسخرية وإساءة إلى امهات وآباء وإخوان وأخوات وزوجات وبنات واولاد الشهداء في كوردستان وعموم العراق..
مع الأسف، تم كيل العملية بمكاييل عدة، فالكورد الذين نفذوها وقدموا التضحية فيها وراهنوا على إمكاناتهم، هم مرفوعو الرؤوس يدافعون عن بسالة قواتهم وإيمانهم بقضية الانسان أينما وجد دون تفريق أو تمييز بسبب القومية أو الدين أو المذهب، واعتبروا العملية مبعث فخر وأعتزاز وتسجيلا لمأثرة تأريخية، ووقفوا مع المنفذين الابطال قلباً ووجداناً، لأنها كانت العملية النوعية الإستباقية الأولى التي تنفذ في قلب مواقع داعش، وأثبتت انهم يمتلكون إرادة قتال قوية ضد داعش، ومستعدون لتنفيذ المزيد من العمليات وملاحقة الدواعش أينما وجدوا، ولكن المعترضين على العملية، والذين وصفوها بالسابقة الخطيرة التي يجب التوقف عندها، ومؤامرة جديدة لتكريس مفهوم التقسيم، إما أصابهم الذعر من النجاح الذي حققته قوات البيشمركه خلال العملية، أو إنهم لايريدون ان يتم تحرير السجناء والرهائن لدى داعش، أو لايريدون ضرب داعش وإضعافه ودحره، أو أنهم يعتقدون ان كل ما يأتي من الكورد هو شر بالمطلق، لذلك ودون معرفة ملابسات العملية أثاروا الشكوك واعتبروها مؤامرة وحركة إستعراضية، ورسالة مبهمة المعاني هدفها إشغال الرأي العام.
أما الذين استفادوا منها فقد أثنوا عليها وشكروا القائمين بها، وثمنوا الدور الاحترافي لقوات البيشمركه الباسلة التي قدمت نموذجا شجاعا في هذه العملية النوعية واعتبروها عملا بطولياً و إنسانياً سامياً عظيما، وضربة موجعة للارهاب، وتحولاً نوعياً في سياق العمل ضد قوى الارهاب وتقدما مهما في الاتجاه الصحيح ويستحق الاشادة والتقدير، وإعتبروها أيضاً تغييرا جريئاً في الستراتيجية الامريكية التي كانت تؤكد على تقديم المشورة والمساعدة والتدريب والمعدات، نحو اخذ زمام المبادرة على الأرض والقيام في المستقبل بعمليات برية مماثلة لتحرير الرهائن المحتجزين لدى تنظيم داعش الإرهابي ولاعادة الامن والاستقرار الى العراق..
وبين هذه المواقف المختلفة للمكونات العراقية لابد من القول:
نحن نخوض حربًا ضد أشرس عدو لا يفرق بيننا على أساس ديني أو مذهبي أو قومي، لذلك لابد أن نقدم الشكر والعرفان لأي جهة تساعدنا على الخلاص من هذا العدو، ولابد من الابتعاد عن الأراجيف والتصريحات المستهلكة، ولابد من خرق وحرق سيادة داعش أينما وجد، والانتقال من مرحلة تبادل المعلومات والتعاون الاستخباراتي مع الاصدقاء والحلفاء إلى الشروع بعمليات إجرائية وخطط عملية على الارض.


332
حقائق... أكدتها الأحداث الأخيرة
   صبحى ساله يى
  أسوأ أنواع السياسيين وأخطرهم، هم الذين يبيعون الوهم للناس، ويتخبطون في أزقة السياسة بحثاً عن منافع شخصية بين أنقاض الأزمات، وأخطرهم أولئك الذين يتجهون نحو الأهواء، فيطلقون تصريحاتهم الترهاتية وخطاباتهم العدائية على غير هدى ودون أن تكون لهم مواقف واضحة، ويلعبون بالعواطف ويرفعون الشعارات الشعبوية وغير الواقعية، ويكون كلامهم دون المستوى، وأفسدهم، يتحدثون أكثر مما يفعلون، يستغلون الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومواهبهم الخطابية والمشكلات الخدمية، لتفجير قضايا مثيرة وربما متناقضة، ولتمرير آرائهم النتنة وفرض مشاريعهم العفنة، والمتاجرة بمصائر الشعوب والبلدان، وفي لحظات حلمهم أو سكرتهم بالسلطة يخربون ويهدمون ما بناه الخيرون من أجل مصالحهم الانانية الضيقة..
أمثال هؤلاء موجودون في غالبية المجتمعات، وفي مجتمعنا الكوردستاني كثير من هؤلاء، وهم نماذج واضحة لمخاطر السياسات التدميرية، لأنهم رموز للتضليل، وضعوا ويضعون شعبنا أمام أخطر أزمة يواجهها منذ إنتهاء الحرب الأهلية في التسعينيات من القرن الماضي.
هؤلاء الفاقدين للرشد حاولوا زعزعة الاستقرار برمي الشرر فيه، والضرب على وتر المناطقية المضطربة وإيقاد الفتنة السياسية بهدف استثمار الظروف المستجدة، وخلط الأوراق في سلة صراع أكثر تعقيداً، والتفرغ لخيانات وخيبات أكبر، من خلال رفض كل المشاريع والأوراق التي قدمت لتجاوز الأزمة السياسية التي إصطنعوها في الاقليم، وأصروا على شروطهم ومطالبهم، محاولين وضع الشعب على حافة كارثة غير محسوبة العواقب. وإستبقوا في قراءة النتائج وتسويقها كما يحلو لهم، وإختلطت عندهم المعلومة بالرأي، فاندفعوا ليبشروا في تحليلاتهم بأن حسم الأوضاع سيكون لصالحهم لأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومن خلال حرصه الشديد على مصالح الكوردستانيين سيقدم لهم المزيد من التنازلات ويرضخ لمطالبهم خوفًا من الثمن الذي سيترتب على الدخول في متاهات أزمة جديدة تضاف الى الازمات المتعددة التي تعصف بالاقليم منذ ما يقارب السنتين، أو تحت ضغط الظروف وجهات خارجية. ولكن خابت ظنونهم، ووضعوا أنفسهم وحزبهم وبعض حلفائهم في زاوية ضيقة وفي مواقف حرجة لايمكن تبريرها بسهولة أو الافلات منها دون دفع الثمن، وماجر من إرباك للوضع وإرتباك في المواقف أشار الى أنه كانت هناك نيات صبيانية مبيتة وأحقاد إنتقامية قديمة تهدف الى ادخال الاقليم في فوضى التقلبات السياسية والعنف والتخريب والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة، وتهييج الشارع الكوردستاني، وتفكيك وتفتيت الاقليم سياسيا عن طريق زعزعة امنه السياسي والاجتماعي وتغيير خارطته وبنيانه وهدم ما تم بناؤه، وإعادة ماكنة التطور الى الوراء، ولكن الرياح جرت كما لا يشتهون، وكانت الايام السابقة حاسمة وأفرزت حقائق عدة بشأن البت في مصير عدد من الإتفاقات بين الكوردستانيين، وكانت أيضا امتحانا صعبًا من ناحية المعاناة من الخسائر الناجمة عن سياسة اللعب بالنار والعمل صباحا في الحكومة والمؤسسات التشريعية ومساءً في المعارضة ومع الذين يعملون على تعقيد الامور ويصبون الزيت على النار، وأكدت للجميع أن ما دار من فوضى وشغب كان (مدبرا) من قبل اشخاص لا يؤمنون بقدراتهم فيهربون من المسؤولية عبر استهداف غيرهم، ويحاولون الكسب والعيش والترقي على شق وحدة الصف ودغدغة المشاعر بعناوين عريضة، وفتح  الطريق لأعداء الكورد للتدخل في شؤوننا الداخلية بهدف إفشال تجربتنا الديمقراطية وسعينا الحثيث نحو إقامة دولة كوردستان،  كما أكدت إفرازات الاحداث، من هو العاقل وفوق كل الشبهات والجدار الصلب الذي يحمي البلد، والأكثر شجاعة وأخلاقاً وجرأة وإلتزاماً بالقيم العالية في اختيار أولويات المرحلة، وفي الحفاظ على مصالح الاقليم ومصيره.


333
صخور أمام أبواب ونوافذ العقول
   صبحى ساله يى
  بعد الأزمة السياسية التي افتعلت قبل أكثر من ثلاثة أشهر في اقليم كوردستان من خلال عرض مشاريع قوانين عدة في يوم واحد أمام البرلمان، عجز عدد كبير من القنوات الاعلامية والنواب والسياسيين والكتاب عن قراءة الازمة بموضوعية وحيادية، وتحليلها بعيداً عن نطاق الصراعات السياسية والمنافع الحزبية، والبعض منهم وببساطة فشلوا الى درجات عالية في مخاطبة المجتمع الكوردستاني بلغة الحكمة والعقل، ولكنهم نجحوا، بتضليلاتهم وتصريحاتهم النارية وكتاباتهم المثيرة والمنافية للحقيقة، في تصعيد وتيرة القلق، تاركين للاتجاهات التقليدية حرية تشكيلها.
 هؤلاء(السلبيين) كانوا مرتهنين للتخمينات والاستنتاجات البسيطة، التي تحظى بقبول ثلة منتفعة من الاوضاع المعقدة والخطرة، لذلك كانوا يروجون لبعض الاتجاهات بحفاوة وتأييد، ولاسيما التي كانت تدفع عنهم أصابع الاتهام، وفي الوقت ذاته كانوا يستبسلون في قذف التهم على الآخرين، والظهورعلى القنوات الفضائية وأمام المئات بل الآلاف من المرهقين والمساكين ليوجهوا اليهم خطابا ممزوجا بالخداع والغش عن حقوق الانسان والقانون والنظام، وكأن كل الحقوق والقوانين محفوظة ومصانة وتطبق بحذافيرها في ارجاء المعمورة عدا قانون رئاسة الاقليم..
  بعضهم ونتيجة للجهالة وعدم الدراية لم يستطعوا إسقاط الحمل الذي عاش في أحشائهم فوجدوا في الازمة شهادة تبرئة لحراك منظم جديد قديم، لذلك باركوا سريعاً كل المقالات التي كتبت والمقولات التي أطلقت وتناقلتها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي التي تضمنت النقد اللاذع والسخيف لمن يتهمونه، وحتى للحكومة التي هم شركاء فعليون فيها، وأيدوا اللغة التخوينية الفجة والأساليب الفضفاضة والفبركات التي كتبت بسماجة، كما التبست عندهم المفاهيم والعادات والتقاليد والقيم وإختلط لديهم العام بالخاص، وكانت النتيجة ثمرة عفنة لا يأكلها العاقل، ورائحة نتنة لا يقبلها الذوق، وتناسوا أو تجاهلوا النيران الملتهبة والمرتفعة في اطراف الاقليم الاربعة والحرب المستمرة مع داعش على طول جبهة تزيد عن الف كيلومتر، والازمات الناتجة جراء قطع ميزانية الاقليم من قبل الحكومة الاتحادية، والتأثيرات الاقتصادية والخدمية لاحتضان اكثر من مليوني نازح ولاجىء وتوقف معظم المشاريع الاستثمارية والعمرانية والحالة النفسية السائدة بين الناس بشكل عام، كما تناسوا خطورة توجيه البلاد والعباد نحو الفوضى والانزلاق نحو الضفة التي يستفيد منها الاعداء.
  في قراءة ودراسة سريعة لتلك الظاهرة نرى أن هؤلاء تأثروا بنتاج موروثات سلبية سابقة وعقد تاريخية وضغائن قديمة، وكذلك بسياسات مصالحية تغض الطرف عن الثقافات وغالبية العادات والتقاليد التي اكتسبناها، لذلك إتجهوا نحو التشنج بتصريحات ترهيبية ومقالات ركيكة مليئة بالتهم الخطيرة، وخلقوا التوتر بتوصيفات فجة خالية من التحليل، ورفضوا الدعوات العقلانية التي تصب في خانات الصالح العام بحملات تسقيطية ملأت ساحات الاعلام الاستقطابي المسيس، وبحملات التشكيك والتخويف والتحذير. وعندما إختلطت وتعقدت الأمور، إتجه المؤدلجون نحو استثمارها واتخاذها سلاحاً في وجه الخصوم، واستخدموا بعض الجمل والعبارات القاسية القريبة من الخيالات العتيقة للتدليس على الجميع، وإسقاط كل المشكلات على طرف معين وفق خطط مقصودة وبمرافعات طويلة ومناقشات وقحة، كما رشقوا كل الناقدين لهم بالمؤامرة والعمالة، وجافوا كل الحقائق لغايات ومآرب خاصة ومعلومة وبهدف إلهاء الشعب وتخديره وربما تنويمه الى أجل معين.
هؤلاء بحاجة الى ان يدحرجوا الصخور الموجودة امام أبواب ونوافذ عقولهم لكي لا تطلق عليهم ألقاب يخجلون من حملها، ولكي يفسحوا المجال أمام الخيرين لحل العقد بسلاسة وهدوء، والنظر إلى القضايا بموضوعية وعمق، وتسمية الاشياء بمسمياتها، والكشف عن الحقائق بوقائعها، وهم بحاجة الى الصحوة والاتعاض والعودة الى جادة الصواب، لأنهم الآن في غفوة...


334
السني يرفض والشيعي يرفض... والكوردي يسأل
   صبحى ساله يى
بعد نجاح انتفاضة آذار 1991 في كوردستان وإجراء الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومة الاقليم،  كانت الظروف التي تمر بها كوردستان والعراق والمنطقة معقدة وغامضة،  وفرض النظام العراقي حصارا على كوردستان بالاضافة الى الحصار الدولي الذي كان مفروضا على العراق، لذلك بحث الشعب الكوردستاني والنخب السياسية والثقافية وبرلمان كوردستان عن طريق مناسب للعيش المشترك بين المكونات القومية والدينية والطائفية وتحقيق السلام والإستقرار والديمقراطية في البلاد، وتوصلوا الى حقيقة مفادها ان الفيدرالية نظام سياسي مناسب للتعايش السلمي وبناء الثقة والمصالحة والتوافق الوطني وتحقيق الإستقرار والإعمار والتنمية، وهي الحل الامثل للقضية القومية وتوزيع السلطات والثروات.
وفي الرابع من تشرين الأول 1992 إتخذ برلمان كوردستان قرارا جريئا ومصيريا جسد الرغبات والتطلعات الحرة للكوردستانيين ونظم العلاقة بينهم وبين الاخرين إستنادا على حق تقرير المصير، واختار الفيدرالية لتعريف العلاقة القانونية بين اقليم كوردستان والسلطة المركزية العراقية وللحفاظ على العلاقة الأخوية التأريخية بين الشعبين الكوردي والعربي في العراق، ذلك القرار فتح امام شعب كوردستان آفاقا جديدة للنضال والتقدم نحو مستقبل زاهر وبناء التجربة الديمقراطية والفيدرالية والتي أصبحت فيما بعد نموذجا جديدا للحكم في العراق والمنطقة..
وعقب سقوط النظام البعثي في التاسع من نيسان عام 2003 تهيأت الأرضية المناسبة لإعادة بناء الدولة العراقية على أسس الديمقراطية والفيدرالية واللامركزية والتوافق والمواطنة والعدالة بعيداً عن تسلط وفرض مكون على آخر فأدرجت الفيدرالية في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية في عام 2004 وفيما بعد تم تثبيتها في الدستورالدائم عام 2005، وتم إعتبار الالتزام به هو الضامن الرئيس لحماية وحدة العراق..
الاحداث أثبتت عملياً أن الفيدرالية التي تعني تقسيم السلطات واحترام الارادة المستقلة للمكونات كان عاملا للتقدم في مجالات السياسة وحماية الحقوق والتنمية الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والاعمار والامن والاستقرار في الاقليم، وتلك التطورات أظهرت تفهما جيدا بين المواطنين والاطراف السياسية لمفهوم الفيدرالية وايجابيات هذا النظام، وتعالت في وسط وجنوب العراق اصواتا تستند على الدستور وتطالب بتأسيس اقاليم فيدرالية لضمان الاستقرار السياسي والحصول على الصلاحيات ليتمكنوا من إدارة شؤونهم بحرية بعيدا عن الروتين والفساد والإشراف المباشر للسلطة المركزية، وقدمت في العديد من المناطق طلبات لتطبيق النظام الفيدرالي، لكن تم مواجهة تلك الطلبات بالرفض والتجميد والتسويف لأسباب سياسية غيرواقعية وتم تجاهلها ولم ترد عليها بغداد رسمياً..
اليوم ونحن نستذكر ذلك القرار الصائب لابد أن نقول إن الفيدرالية التي نجحت في السابق وتشتمل على محاسن عديدة، غير قادرة على احتواء الوضع الراهن وغير ملائمة للمستقبل وذلك بسبب التجارب المرة مع حكومتي المالكي وممارساتهما التعسفية، والظروف الإقليمية والدولية التي تحيط بالعراق وحجم التأثير والتدخلات في شؤونه الداخلية، وتحوله الى ساحة لتصفية الحسابات مابين القوى المتنازعة، وهيمنة كل قوة على المكون الذي يتقارب معها في المصالح وتأثيراتها على مجريات القرار السياسي العراقي، وقد إنعكس ذلك وظهر بشكل جلي في الرفض الشيعي المطلق والتام للحكم السني، وكذلك الرفض السني المطلق والتام للحكم الشيعي، وسؤال الكوردي حول مغزى قبوله لحكم أحدهما في حين لايقبل أي منهما بحكم الاخر. لذلك لابد من البحث عن صيغة أخرى تنظم العلاقات وتغير طبيعة النظام من فيدرالي الى كونفدرالي ينهي المشاكل القائمة بين حكومتي اربيل وبغداد، ويمنع التدخلات الاقليمية ويقطع الطريق على تعقيد الأوضاع أكثر فأكثر بين شيعة وسنة العراق.


335
صور متضادة تتقاسم الواقع العراقي
   صبحى ساله يى
  من ينظر بإنصاف الى أوضاع العراق والعراقيين، يرى صورا متضادة في الالوان والدلالات. منها صورة يقف في وسطها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مستعرضا عضلاته ومحاطا برجال فاسدين منتفخين اختلسوا مليارات الدولارات، وقادة عسكريين فاشلين سلموا مدناً ومساحات واسعة من الاراضي للدواعش، وقضاة وحكام باتوا أزلاما مسيرين لايستطيعون التحرك ضده قضائياً في بلد تطحنه الحروب وتسفك فيه الدماء وترتع فيه المليشيات الارهابية التي تستطيع تصفية من يعادي مختار العصر مهما كان وضعه ومنصبه والتخلّص منه بطرق خبيثة ومختلفة ومن ثم إتهام داعش وايتام البعث بالوقوف وراء ذلك، وبفضل هؤلاء، والفضائيين، وجيش المستشارين المحيطين به (المالكي) ومكاتبه العسكرية والخاصة وانتفاع طغمة الطفيليين والمضاربين والعاملين في السوق السوداء اصبح العراق ودون مبالغة في مقدمة دول العالم في الفساد وقتل المدنيين والتمزق والفتنة والظلم والنهب والفشل والجريمة والفوضى والأمية والفقر والبؤس والضائقات المالية والرشى ونقص الخدمات وارتفاع اسعار السلع وسوء الادارة وهتك حقوق إنسان وبعقد الصفقات المشبوهة والاختلاسين السري والعلني ..
   ويرى المتابع صورة أخرى لارادة شعبية تتجسد في رفض مظاهر الفساد المنتشرة  في كل مكان مجسدة الرغبة والاصرار والعزيمة على اجراء عملية تغيير شاملة لكل ما موجود في الصورة الاولى، وتدعو الى زج الفاسدين والمنحرفين في السجون ومحاسبتهم وإعادة الاموال التي سرقوها..
  كما يرى صورة ثالثة هي لحيدر العبادي وهو يقف بين مواطنين غاضبين من إهدار المال العام والرواتب العالية للمسؤولين وهم يحملون حقائب سفر صغيرة حيث قرروا الهجرة الى ارض الله الواسعة وهو إزاء ذلك مكبل بقيود حزبية وطائفية ومذهبية، ويقول إني تسلمت السلطة في ظرف كان تنظيم داعش على أسوار بغداد والمؤسسة العسكرية شبه منهارة والفساد ينخر كل مفاصل الدولة، ويجدد تأييده للتظاهرات الجماهيرية المتواصلة منذ اسابيع في بغداد وعدد من المحافظات الوسطى والجنوبية، ويعلن أنه يرفض إسكات الاصوات التي تعترض وتطالب بتحسين الخدمات والإصلاح ويصدر أوامره للقوات الأمنية بضرورة حسن التعامل مع المواطنين. كما يؤكد على ضرورة وأهمية تفعيل مبدأ من أين لك هذا؟ ولايتوانى (العبادي) عن أن يتهم أمامهم أطرافًا سياسية عراقية تحاول استغلال الحشد الشعبي والتظاهرات الشعبية وحتى هجرتهم الى الخارج لحسابات سياسية، وتتصارع فيما بينها على المناصب بدلا من التعاون والسير بالبلد نحو الإصلاح وبر الأمان، وتعمل بروحيات الفرق المتعددة، ولاتخجل من الوقوف ضد كل خطوة إصلاحية وإجراء إصلاحي، وتسعى الى إعاقة تطبيقها بشتى السبل.
   ويرى المتابع ايضا صورة أخرى للعبادي وهو يدمدم قائلاً: أي خطوة نخطوها للإصلاح تقابل بالرفض سواء كانت متعلقة بالترشيد في الانفاق أم بتخفيض رواتب المسؤولين أو حتى شمولهم بالقطع المبرمج للكهرباء، أو الهدر الأكبر للثروات الذي يتمثل بسوء التخطيط والتنظيم المتبع في تنفيذ المشاريع، مؤكداً: يتم رفض كل الخطط الاصلاحية من قبل الأطراف المتضررة والتي لا يروق لها هذا الأمر لذلك تتحرك لعرقلتها بروح الأنانية.
   اما الصورة الاخيرة فهي لعاصفة غضب هائجة، متصاعدة سريعة وقوية، تهدم أسوار العملية السياسية وتقتلع اشجار المتاجرة بالانتماء والمواطنة المزيفة عند بعض الأحزاب الحاكمة والطبقة السياسية وكبار المسؤولين في الدولة وتدمر مقراتهم المليئة بالفساد المتراكم، وتعصف بكل العاجزين عن تقديم الحلول الجذرية لمكافحة الفساد المتراكم أو في الاقل الحد من قوته وسطوة نفوذه وإيقاف نزيفه، وربما تتحول الى عاصفة منتقمة متشددة وتخرج عن السيطرة وتفتح أفقاً لتغييرات تعيد تنظيم الحياة وأسس العدالة المفقودة.
 

336
رسائل عدة في رسالة واحدة
صبحي ساله يي
  (قراءة في رسالة الرئيس بارزاني بمناسبة عيد الاضحى المبارك...)
جاءت رسالة الرئيس مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان بمناسبة عيد الاضحى المبارك، لكي تجسد الواقع الكوردستاني وتستشرف المستقبل في عبارات وجمل مختصرة ومعبرة تمتزج فيها المشاعر بالعقل والسياسة، جاءت لكي تؤكد لنا مرة أخرى حنكة قائد يقرأ الاحداث ويعيشها بواقعية ويمتلك قدرة التحليل والرؤية المستقبلية لما يدور عندنا وحولنا. وهي دليل آخر على عدالة الرئيس وحزمه وعزمه الذي لا يلين، وإصطفافه الى جانب دماء الشهداء وإنحيازه المطلق الى الشعب. هذه الرسالة المهمة والقوية تدعو الى عدم صب الزيت على النار وتصحيح أوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإشاعة مبادئ العدالة والحرية والمساواة، ومحاربة داعش والبطالة، وتوجه النصح للشباب والسياسيين والنواب بتصحيح نظرتهم إلى الواقع لكي نتمكن من ممارسة حقنا في تقرير مصيرنا، وتحمل في طياتها ملامح كوردستان جديدة وهيبتها ومكانتها، والكثير من الخطوط التي ستبني في المستقبل علاقة المسؤولين في الدولة بالمجتمع وقضاياه وهمومه. كما أنها تقول للسياسيين والمسؤولين: - لا نفوذ لأحد على القانون - ولا تتوهموا أنكم قادرون على الاستمرار في أخطائكم والانتفاع من الحالة السياسية والاقتصادية المعقدة، لذلك تعالوا نثمن ونقدر المراحل المفصلية والمنعطفات والتحولات التاريخية في حياة شعبنا، وننبذ الصراع الذي لاتستفيد منه إلا الاجندات والايادي الخارجية التي تتسلى على حساب وحدتنا، وتعالوا لنهندس ببراعة لتموضع بلدنا في الخريطة الإقليمية والمحلية.. لذلك لا بد أن نتوقف عند هذه الرسالة ونستخلص منها بعض الدلالات والدروس والعبر التي جاءت فيها.
القضايا المحورية التي تضمنتها الرسالة كثيرة، فبالإضافة الى تقديم التهنئة لعوائل شهدائنا الابرار وجميع افراد البيشمركه الابطال وقوات الامن المدافعين عن ارض وشعب كوردستان وحجاج كوردستان وزائري بيت الله الحرام بمناسبة العيد، تمنى سيادته ان نحتفل مع هذا العيد بفرحة التحرر الكامل من ارهابيي داعش والانتصار عليهم وتحطيمهم وعودة جميع النازحين الى مدنهم وبيوتهم. وتمحورت حول التأكيد على أن الاولوية الرئيسية لدى الرئيس بارزاني هو حق تقرير المصير لشعب كوردستان، ذلك الحق المشروع الذي يتلاءم مع مواثيق ومقررات الأمم المتحدة ويتضمن أبعاداً سياسية وقانونية ملزمة، وتعرض عندنا خلال السنوات الماضية الى التسييس والمماطلة في التنفيذ والتطبيق، وتحدثت الرسالة عن  ضرورة القضاء على خطر داعش الذي احتل مناطق شاسعة بفضل السياسات الخاطئة للحكومة العراقية السابقة والفساد المستشري في البلاد، وارتكب جرائم مروعة معتمدا على التنكيل والقتل وقطع الرؤوس والنهب والتدمير والسبي، بحيث لم يميز بين طائفة وأخرى، بعدما استولى على أسلحة متطورة كانت بحوزة خمس فرق عسكرية بضمنها 1700 سيارة مدرعة ومدافع وبنادق قنص وذخائر لا تعد ولا تحصى وكميات كبيرة من المتفجرات، ذاق الهزيمة المرة على أيدي البيشمركه في غالبية جبهات القتال، ولكن  بقاء داعش في الموصل يعني أن الخطر مازال قائما ولا بد من دحر داعش بشكل كامل.
كما أكدت على ضرورة إجراء الاصلاحات المطلوبة والعمل بجدية من اجل انجازها وإكمال المسيرة الاصلاحية التي بدأت قبل سنوات وتوسيعها وتفعيلها. لأن الإصلاح يعني التعدیل والتحسين وعقلنة السلطة والحياة السياسية والادارية والاقتصادية، والإعتماد على مقاييس الكفاءة والاخلاص، دون المساس بأسس النظام الديمقراطي القائم، على أساس قيام الجميع بواجباتهم مقابل التمتع بالحقوق، فمن يسعی الی التحول نحو مرحلة جديدة تواکب العصر ومتغيراته، يحتاج الی ممارسات تعبر عن فهم المتطلبات والاحتياجات المادية والمعنوية للمكونات الاجتماعية وتشخيص المعوقات وتأمين مستلزمات إصلاحية تخضع لمعاییر قانونیة وتراعي قيم المواطنة المرتبطة بالإنتماء للوطن والولاء للنظام. ولكي يكون الاصلاح شفافا ومستأصلاً للفوارق القائمة على أسس الانتماءات الضيقة لابد أن يكون شاملاً لمختلف مناحي الحياة ويركز على المضمون وليس الشكل ويجسد روح المواطنة ويشيع العدل والمساواة بين الجميع ودون تمايز. وكل هذه الامور تفرض علینا تفعيل طاقاتنا من أجل التوحد والتنسيق المشترك وإغتنام الفرصة التاريخية الحالية السانحة وإحداث تغيير فعلي ونقلة نوعية في حیاة شعبنا وإعادة صياغة شخصية المواطن الكوردستاني بشكل عقلاني ومبدئي.
وشددت الرسالة على عدم مطالبة رئيس الاقليم للبقاء في منصبه بأي شكل من الاشكال، ورفضه القاطع للرأي القائل بأنه لابديل عنه للرئاسة.
ومهما كانت دوافع ومصالح الذين لايؤيدون بالبقاء الرئيس بارزاني في منصبه، فانهم لا يجرؤون على طرح إسم معين لتولي موقع الرئاسة وفرضه على الشعب الكوردستاني، ولو كنوع من التهديد لتحقيق مكاسب ومنافع حزبية أو لجس نبض الشارع ومعرفة ردود افعاله تمهيدا لحسم الامر واعلان إسم المرشح رسمياً لأنهم على علم مسبق إن مثل هذه الخطوة ليست هينة ولا بسيطة وعلى يقين بأن الغالبية العظمى من الكوردستانيين يريدون بقاء الرئيس بارزاني في منصبه، وهو الذي يستطيع أن يحافظ بجدارة على المصالح القومية والثوابت الوطنية التي ناضلت من اجلها الثورات والحركات التحررية الكوردستانية لعقود عدة، وقدمت في سبيلها التضحيات الجسام، وهو المقبول شعبيا وإقليميا ودوليا لإدارة دفة الحكم، في الاقل في الوقت الحالي، ومن هذا المنطلق يمكن إعتبار كل من يشعل ويؤجج صراعا على المنصب، بلا شك، ضعيفا وعاجزا عن تقديم أي حل للقضية، أو أنه لايعبأ لدماء ودموع الأبرياء، ولا للخراب والدمار الذي يلحق بالبشر قبل الحجر، ويهدف إلى تحقيق مصالح ذاتية ضيقة وأنانية، وإنه سيحصد في النهاية الخيبة وسيحترق بنار الندم حتما.
كما تحدثت رسالة الرئيس عن المرحلة الحساسة التي يمر بها شعبنا ووقوفنا أمام فرص وتهديدات كبيرة، واحتمال اعادة صياغة خارطة المنطقة، والازمة السياسية القائمة في اقليم كوردستان، والتعامل غير المناسب مع قضية الرئاسة والعمل على تعميق الازمة في البرلمان الكوردستاني وإثارة القلق لدى المواطنين من خلال عرض مشاريع قوانين عدة في يوم واحد أمام البرلمان، وإفتعال مشكلة جديدة وكأن المشكلات التي عندنا قليلة، والتي حولت الكوردستانيين الى مصفقين أو رافضين، ووضعتهم بين خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما الرضوخ لمزيد من الشروط التعجيزية للذين كانوا يمثلون المعارضة وكل من كان مشاركا في الحكومة برجل وفي المعارضة بأخرى، أو مواجهة التوجس والتهديد والتخويف. الخيار الاول كان يعني فرض السلبية على المواطنين إزاء القضايا العامة دون الاشفاق على مصائرهم ودفعهم نحو الانصراف لشؤونهم الخاصة غير مبالين بما يقع عليهم وعلى غيرهم. والثاني يعني عدم الاستفادة من وضعنا الراهن من أجل التحرر من الأوهام، وإستعادة الوعي بأنفسنا وبتاريخنا، وعدم التمييز بين إسترجاع الحق عبر الطرق الدستورية والبرلمانية، أو سلب حقوق الآخرين والوقوف في مفترق الطرق.
حتى الآن الأغلبية الكوردستانية، ورغم اهتمامها بالشأن العام، مازالت صامتة ولم تخرج عن صمتها ولم تنخرط في ميدان الصراع، وهذا لايعني قطعا أنها تتركه حكرا على الطبقة السياسية التي تعيد نفسها وتبدل مواقعها ومناصبها فيما بينها، لأنها (الأغلبية) ستتضرّر من الأوجاع ومن سوء تصرف السياسيين، لاسيما مقاتلي البيشمركه والفقراء وذوو الدخل المحدود والخريجون العاطلون عن العمل وعوائل الشهداء والمتقاعدون والأرامل، بالإضافة للشرفاء من المثقفين والفنانين والإعلاميين والناشطين المدنيين، سيتضررون من الأوجاع ومن سوء تصرف السياسيين ومن لهاث بعض الذين فقدوا مصداقيتهم ومشروعيتهم.
وعبرت الرسالة عن إستياء وملل مواطني الاقليم من استمرار الوضع، خاصة وان ازمات عميقة تواجه الاقليم كالحرب ضد داعش والمشكلات مع بغداد والازمة الاقتصادية وانخفاض اسعار النفط وموجة اللاجئين والنازحين. فرغم اجتماعات تفاوضية عدة بين الاحزاب الكوردستانية الخمسة، ومبادرات محلية وخارجية مازال لغز عدم التوصل الى اتفاق او توافق يعتبر محيرا ومازال  البعض يخشى من ان يدفع الشعب أثمان التعنت باهظا، وأن تكون لها انعكاسات مستقبلية تؤثر على تطور الأوضاع على الأرض وعلى الحالة السياسية. لأن تكهنات المراقبين قبل كل اجتماع تشير بقوة إلى قرب التوصل الى اتفاق وشيك وكتابة مسودة مشروع إنقاذ وطمأنة سياسية، ولكن التقارير والاخبار المتلاحقة تؤكد وجود تشنجات داخل الاجتماعات، حتى ان  البعض يتصور سماع  دقات ناقوس الخطر حول ما ستؤول إليه الأوضاع على الأرض لأنهم يعلمون أن هناك جهات داخل وخارج كوردستان، لاتروق لها قوة وتجربة الكورد الراهنة، وتبذل قصارى جهدها لزرع بذور الفتنة في البلاد، وإرغام طرف معين على التنازل وتحويله إلى اللاجزء من الحياة السياسية. ولو قرر احدنا البحث عن الإجابات وبعض التوضيحات بشأن ما يمكن أن يكون، وبشأن التداعيات المحتملة والتحولات النوعية، بعد اعلان الوصول الى طريق مسدود أو نقطة اللاعودة، لايمكنه اخفاء مخاوفه من خطورة الرغبات التي ما زالت تحتمي بجدار التوافق الذي أصبح هشا بعدما تم نخره في 23حزيران الماضي، وما يخفيه الإطار الشكلي لذلك الحدث يعكس ضمنا مآلات أهداف معلومة لضبط الساعة على توقيت سياسي لا يكترث للخصوصيات التي استجدت على الساحة ولا للتحركات الشعبية المطلبية التي قد تضع كل السياسيين في حرج، وتفضي الى قلب الأمور رأسا على عقب، لذلك نرى البعض يتحدث بقلق عن الفرضيات والتطورات السياسية إن لم يتضامن الجميع على ما هو مشترك في العيش والخوف والقلق وقراءة التاريخ والحاضر السياسي الكوردستاني المرتبط بمشاهد المنطقة. ويناقشون سيناريوهات جديدة تنتج بعضها الكوارث، وبعضها الآخر يكشف ويدين تخاذل وتواطؤ الذين يريدون أن يستفيدوا بمهارة، من الحسابات المتقاطعة بين ما هو حق وضرورة، وهما أمران معقدان وعسيران على الفهم، وبين ما هو تغريد خارج السرب، وعزف محاصر برعاية أجندات مختلفة تتجاوز حساسيات الكوردستانيين والمشتركات الحقيقية  بينهم.
الرئيس بارزاني الذي أدى واجبه القانوني والذي دعا ولمرات عديدة البرلمان والاحزاب لحسم قضية رئاسة الاقليم، ودعا الى إجراء الانتخابات قبل انتهاء المدة القانونية لولايته، وضع يده على الجروح النازفة بعقلية متفتحة وطالب بأن لايتم من الآن فصاعدا الخلط بين بقائه في منصب الرئاسة من عدمه بآلية اختيار الرئيس وصلاحياته لانهما موضوعان مختلفان ودعا كل الاحزاب المشاركة في البرلمان، والاخرى المرخصة قانونيا، الى الاجتماع وايجاد حل واقعي يحول دون تعميق الأزمة، في حال عدم توصل الاجتماع الخماسي القادم بين الاحزاب السياسية الى نتيجة. واقترح ان تقرر كل الاحزاب الكوردستانية حسم الصلاحيات وآلية اختيار الرئيس في دستور اقليم كوردستان قبل العام 2017. وان يكون القرار النهائي للشعب، واولوية أن الحل يبدأ ببناء الثقة بين الاطراف السياسية وتحييد أكبر قدر من المواطنين حتى لا نقع في فخ الصراع الاهلي مجددًا، ولنحافظ على مكاسبنا. كما عبر سيادته عن تقبله التام لتنفيذ إتفاق الاحزاب السياسية بشأن استمراره في اداء واجباته حتى الانتخابات القادمة او تسليمه لأمانة الرئاسة لشخص آخر يتم إختياره بالتوافق بين الاحزاب السياسية أو من خلال انتخابات عامة. وبخلاف ذلك فإن غالبية الذين يطرحون خططاً للتسوية واقتراحات مفخخة تتضمن فقرات غامضة تحتمل أكثر من تفسير واجتهاد، يحاولون إستغلال فرصة منح الأولوية المطلقة للحرب على داعش وتجاهل ما يعرفونه تماماً من أن البارتي ورئيسه لن يقبلوا بأي حل لا يضمن استقرار ومصالح الاقليم، ليس فقط لأنهم قادرون على رفض الضغوط والشروط التعجيزية، ومواجهة عقلية كسر الإرادة وفرض النفس واللعب بمصير الشعب والوطن، بل لأنهم يعتبرون انفسهم مسؤولين امام الله والوطن والشعب وأرواح الشهداء عن حماية المكتسبات وتفضليها على المصالح الحزبية الضيقة، وهم على دراية تامة بكل الخطط التحايلية ومغزاها السياسي ومدياتها الزمنية وإمكانيات تطبيقها عمليا حسب الظروف والأوضاع الميدانية والسياسية..
 كما لم ينس الرئيس بارزاني في رسالته، الاشادة بصمود البيشمركه الذي منحنا رفعة الرأس وفرصا كبيرة، وصمود شعب كوردستان وتحمله للمشكلات والازمات خلال هذه الفترة وأعلن عن تفهمه لهجرة الشباب التي برزت مؤخرا ومطالبهم والتي أصبحت قضية الساعة، وحالة شائعة ومتصاعدة في الاقليم، لأسباب متعددة، ولم يتهم المهاجرين بالخيانة ولم يتحدث عن الاقتصاد الاوربي الذي يعاني من الركود ولا عن عدم وجود فرص للمهاجرين الجدد في الحصول على الاقامة او اللجوء ولا عن تبعات الهجرة والنتائج السلبية لها على شخصية الانسان وعقله وسلوكه، كما لم يلمح الى فرص العمل في كوردستان، لكنه أكد على أن الوطن هو الاجمل والاحب وحضنه احن وادفأ. وأشار الى أن الكثير من الشباب عادوا الى ارض الوطن وتركوا كل وسائل الراحة والمتعة التي كانوا يعيشون فيها واصبحوا داعمين لاخوتهم البيشمركه لفداء الوطن بارواحهم. كما دعاهم الى عدم التفكير في الهجرة وترك الوطن وان يكون لديهم امل، فرغم عمق الازمات فالحل ليس مستحيلا ويجب علينا ان نفكر في محاربة اسباب المشكلات واقتلاعها من الجذور.
معاداة البعض لنهج البارزاني والتآمر عليه، قضية قديمة، ولكن جديدها وما تم التجرؤ على التطرق إليه، والذي يعتبر خروجا من دائرة العقل والوعي والمسؤولية والفكر التحليلي والموضوعية العلمية، هو صعود عدد من اللاعبين الى حلبة تحدي الاخ وركوب موجة استرضاء الآخرين والتملّق لهم في آن واحد دون أن يتوقّعوا أن تنهال عليهم التعليقات والاستنكارات والاتهامات من كل حدب وصوب. وقسما من هؤلاء لاسيما الذين لا تاريخ لهم، يختلفون ولدوافع عدة عن الناس وهمومهم ولايجدون مكانهم بينهم وبين حراكهم، لأنهم يتجاسرون ويرتدون ثوب البطولة فيدعون أنهم منحازون إلى مشكلات المجتمع ويبالغون بالصراخ والضجيج في الدفاع عنها دون وعي أو ادراك ودون مراعاة لظروف البلد الاقتصادية، ويستشيطون غضبا تجاه كل صغيرة وكبيرة تضر بمصالح أولياء نعمهم،  وهؤلاء حاولوا الاستحواذ على مساحات إخبارية واسعة، وان كانت على حساب سلب الثقة العالمية بإقليمنا، وزرع بذور الخوف والسير في ضباب السلبية نحو الظلام، وحاولوا الاتكال على مشاعر الناس من خلال لهجات خطابية حماسية جوفاء وتصريحات غزيرة، ومبالغات غير واقعية وإرضاء المستائين من سياساتهم التملقية، وكانت النتيجة أن ارتدت عليهم، وتظهر الحقائق التي تدفعهم مرة اخرى الى التمييز بين الآمال والأوهام، وبين الواقع والأماني.
وبعد هذه الرسالة قد نسمع إجابات عديدة وتنبؤات كثيرة حول مستقبل الاقليم، وبالطبع مثل تلك الإجابات والتنبؤات، لا سيما إذا جاءت من سياسيين محترمين، تكون محل اهتمام الجميع لأن الجميع يقلقهم ما يحدث ويتألمون للعذابات التي يعاني منها الجميع وعلى كل المستويات. ولكن إن جاءت وهي تفتقد إلى المعلومات الدقيقة وخلطت بين الواقعية والأمنيات الشخصية ستفتقد الموضوعية و سلامة النية.


337
البارزاني بارز... وسيبقى الأبرز
  صبحى ساله يى
الحياة اليومية للمواطن الكوردستاني أصبحت مرهقة من جهة ولذيذة من جهة أخرى، مرهقة من خلال التسمر أمام شاشات التلفاز وأجهزة الكومبيوتر والاستماع لثرثرات ومهاترات وأكاذيب البعض، وقراءة أخبار مفبركة وكتابات وبيانات محبطة وهدامة، ولذيذة لأن المواطن الكوردستاني يسترخي ويرتاح ويتطلع ويعمل وينتج ويأكل ويمشي ويكتب وينتقد بحرية في ظل قيادة ورئاسة البيشمركه مسعود بارزاني.
في كوردستان أحزاب وتيارات سياسية، وقوميات وديانات ومذاهب وطوائف، لكل منها خصوصيات وامتيازات ومصالح خاصة ومشتركة تراكمت منذ سنوات أو عقود أوقرون، وتشترك غالبيتها في الاماني والاهداف وحماية الامن والاستقرار وتتصدى للتحديات والاخطار.
عندنا برلمان منتخب بشكل شرعي وديمقراطي، ولكن البعض وبرغبات ودعوات تحايلية محددة الملامح، وبالتستر وراء عباءات متنوعة، والخلط المفرط بين الامنيات والرغبات والاشاعات مع الحقائق والوقائع يحاول الظهور في التوقيت المناسب متسللا من بين ركام الأزمات لإستغلال الشكوك والاتهامات والدسائس والنيات المبيتة، والانطلاق نحو الاهداف الرخيصة، وفرض الوصاية عليه وتعطيله وإدخاله غرفة الانعاش، والهجوم على الثلث القوي والاكثر تأدبا والأحرص على المصالح العامة فيه، يريد هذا البعض أن يغلق البرلمان بالقفل والمفتاح...
في الاقليم حكومة تشترك فيها(حتى الآن) غالبية الاحزاب السياسية.  ولكن بعضهم يريد تعطيل عملها وشلّ حركتها، متناسين أننا في حالة حرب مستمرة مع داعش، ونواجه مشكلات عدة وبلدنا يمر بتغيرات جوهرية، وأن في الاقليم أكثر من مليوني ضيف، وهم بحاجة الى الامان والاستقرار والخدمات الاساسية..
وفي الاقليم ثلة كتاب جاهلة ساذجة واهمة حاقدة فاسدة وفاشلة، بائعة لضمائرها ولأقلامها تستغل الحرية المتاحة في الاقليم والحرية غير المقيدة في المواقع الالكترونية، لاتختلف كثيرا عن الفئات التي تحارب الكورد ولا تقر بوجود وطن اسمه كوردستان، تكذب وتحجب وتحرف الحقائق ولا تتعلم من الفرص الوطنية الثمينة التي سبق ان ضاعت، ودروس وتجارب الآخرين والتاريخ والتطورات المتسارعة وتغيير موازين القوى في المنطقة، تمارس العمالة والخيانة وتخدم أجندات أجنبية وأجهزة مخابرات معادية وحكومات ذات طموحات جشعة في كوردستان، بأقلامها النتنة في عوالم العلن دون سرية أو كتمان أو تخفٍ في زوايا عتمة، وتعيش تحت حماية قوات البيشمركه والاسايش، وبتحد عجيب تبث سمومها، وتصرح بأنها تعمل ذلك من أجل خدمة الوطن والمواطنين، وتهاجم الرئيس بارزاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني، وفي الغالب هي اسماء لاتفتقد إن غابت ولاتعد إن حضرت، لذلك نترفع عن ذكرها أو الرد عليها ..
الذين يريدون تعطيل البرلمان، والذين يريدون شل الحكومة، وثلة الكتاب الجهلة، هم المتناقضون المجتمعون والواهمون المعتقدون بأن المهاترات في مواقع التواصل الاجتماعي والحراك الذي يشاركون فيه، والاجتماعات والمشاورات التي تعقد بشكل علني وسري في هذا المقر أو ذاك وفي هذه المدينة أو تلك، يمكن أن تؤدي إحداها إلى تسوية الازمة المصطنعة الحالية في الاقليم بصيغة تشبه نهايات الأفلام الهندية، ويمكن أن تسقط من الاعتبار التاريخ النضالي للرئيس بارزاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني. هؤلاء الجهلة لايعرفون أن الأيام ستثبت عقم أساليبهم المعرقلة والمعطلة، وان الرئيس بارزاني البارز سيبقى بارزاً لأنه مارس ويمارس السياسة بعقلانية وحكمة، وشجاعة ونزاهة، وزهد وترفع عن النكايات، ووصل إلى رئاسة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئاسة الاقليم دون أن يكون قد سعى إليهما، وأنه سيكون (الابرز) إن جلس في مكتب فخم، أو تحت خيمة في سفح جبل، أو في خندق مع إخوانه وأبنائه البيشمركه ...


338
ثورة ايلول والنهوض الكوردستاني
صبحي ساله يي
بعد إنطلاق ثورة تموز 1958 وكتابة الدستور العراقي الذي أكد على شراكة الكورد في الوطن، وعودة البارزاني الخالد ورفاق دربه النضالي من الاتحاد السوفيتي السابق والحرية النسبية التي سادت في العراق، إستبشر الكوردستانيون خيرا وتوقعوا ترسيخ واقع جديد يرفع الحيف عنهم ويمحو الإجحاف والتجاهل المتعمد ضدهم. في الواقع الجديد روج النظام أنه يريد أن يقيم وطنا لجميع المكونات التي تعيش فيه، بينما الحقائق على الارض أكدت عكس ذلك، وكان الضحية الأكبر هو الشعب الكوردي الذي لم يعرف يوما الاستسلام اوالمساومة على شيء يمس قوميته وهويته الخاصة، ورغم أنه كان رقما لايمكن التغافل عنه، تعرض لمحاولة تشويه حقيقته والاضطهاد والظلم، وتم تجاهل الاعتراف به وبتمايزه الثقافي واللغوي والتاريخي والحضاري.
 وتعرض الكورد مرة أخرى من أصحاب القلوب الحاقدة والأفكار المنحرفة والعقول المريضة لمحاولات قمعية كثيرة، فما كان أمامهم إلا حمل السلاح والدفاع عن ذاتهم والرد على الممارسات التعسفية والهجمات العسكرية، وانطلقت ثورة ايلول في 11/9/1961 بقيادة البارزاني الخالد. في تلك الثورة خسر شعبنا المئات من أبنائه، وتعرضت الكثير من القرى والقصبات للتهديم والتخريب والحرق والتهجير القسري لسكانها بحجة قربها من حقول النفط وإقامة المشروعات والسدود، وفي بغداد، توالت الحكومات الانقلابية المستبدة والدموية، وبفعل الشوفينية المترسخة في عقول معظم قادتها، لم تختلف تجاه الكورد سوى في نوع الاسلحة التي استخدمتها في جرائمها وفظائعها اللا انسانية، وإستغلال الآلة الإعلامية التي لعبت دورا كبيرا في تشويه قضيتنا وترسيخ الأكاذيب والاتهامات الباطلة في عقول المواطنين البسطاء ووصفنا بالانفصاليين وبالعملاء للامبريالية والاستعمار والأمريكان والصهاينة..
ويوما بعد يوم وكلما كانت الهجمات والممارسات القمعية والدموية من جانب الأنظمة الشوفينية تزداد وحشية، كان الكوردستانيون يزدادون صلابة في المواجهة وإيماناً بقضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة وتزداد رغبتهم في الخلاص والتحرر من الاضطهاد، لذلك لم يتوقفوا عن النضال والكفاح المسلح ضد الطغاة وأنظمتهم البغيضة، ولم يشعروا يوما بذرة من التعب واليأس، وسقوا بدمائهم الغالية ارض كوردستان الطاهرة.
 ثورة أیول العظيمة‌ التي انبثقت من العمق التاريخي لثورات بارزان المتتالية،  تشابهت مع ثورات الشعوب الاخری فی الاحلام والتطلعات والاهداف، ولكنها إختلفت معها فی وضوح الرؤیة وإبتعادها عن العنف والانتقام والكراهیة‌ وفي انتهاجها للسبل السلمیة (قدر الامكان) وخوضها لجولات تفاوضية‌ عدیدة‌ مع كل الحكومات التی دعت الی التفاوض، كما أختلفت عن الاخريات بالمشاركين فيها، حيث شارك فيها العامل والفلاح والطالب والمعلم والمهندس والطبيب، وأرست القيم والمبادىء التسامحية فی نفوس مقاتلیها الذین أصبحوا القدوة والمثل الأعلى  للتضحية والفداء والوفاء والصدق، وبصريح العبارة يمكن القول إن ثورة ايلول كانت مدرسة تخرج منها عشرات الآلاف من المناضلين، ورفدت كل الاحزاب والتيارات السياسية بكوادر عسكرية وتنظيمية واعلامية مازالوا يلعبون أدوارا مهمة في كوردستان والعراق الفدرالي..
في ىذار 1970 توصل قادة ثورة ايلول الى اتفاق مع حكومة بغداد البعثية، وكان بالامكان (لولا النيات السيئة للبعثيين) التوصل الى حل عادل لأعقد وأدمى مشكلة،   والتخلي عن خيار السلاح، ولكن غرور البعثيين وحماقتهم وشوفينيتهم أدت الى فشل المفاوضات التي استمرت لأربع سنوات وإندلاع القتال مرة أخرى في جبال كوردستان، وبعد إنتفاضة جماهيرية مباركة في آذار1991 وتغير موازين القوى في المنطقة، حكمنا أنفسنا بانفسنا عبر برلمان منتخب وحكومة إقليمية منتخبة، وأصبح النهوض الكوردي حقيقة لاجدال فيها، وبنينا بسواعدنا وإيماننا وطموحنا المشروع ونضوجنا السياسي، تجربة ديمقراطية واقتصادية، تجربة اصبحت نموذجا للسلام الاجتماعي والاستقرار والأمان والتعايش والتسامح في منطقة تتلاطم فيها امواج العنف والفوضى، وعندما هدد داعش سكان الاقليم وأمنه وإستقراره، تكاتف الجميع وتوحدوا ووقفوا ضده صفا واحدا دفاعا عن أنفسهم وعن الإنسانية كلها وقدموا تضحيات كبيرة ولم يبخلوا بدمائهم الزكية، وباعتراف الجميع اصبح الكوردستانيون الطرف الأقوى القادر على هزيمة داعش الذي ذاق مرارة ومهانة الهزيمة على يد بيشمركة كوردستان. وفي المقابل انحنى العالم كله تقديرا للدور الكوردستاني وبطولات البيشمركه.


339
أنا والاقلام ... وهواك
صبحي ساله يي
  لا يمر يوم دون أن أقرأ وأتابع ما يكتبه الكثير من الكتّاب الشيعة في الصحف والمواقع الالكترونية لأني أكنّ للعديد منهم الإعجاب والتقدير، الاعجاب، لأنهم أصحاب مواقف وطنية وإنسانية. والتقدير، لأنهم يكتبون بمهنية وجرأة وجديّة، يكتبون والقاسم المشترك الأساسي بينهم هو موداتهم الشخصية ومشاعرهم الذاتية والتزامهم الاخلاقي بعلاقات الشيعة التاريخية مع الكورد، وحتى عندما ينتقدون بعض الامور والاوضاع الكوردستانية والتصريحات الكوردية، فإنهم يراعون اللياقة الادبية والتعامل الاخلاقي والاحترام المتبادل بين المحترمين، ولا أسرد أسماء هؤلاء الكرام، لأنهم (والحمد لله) كثيرون، ولا اريد أن أذكر إسماء أشخاص معينين لكي لا يتعرضوا الى النقد والشتيمة من الحاقدين، كما أسمع أصواتا شيعية تصدح بالحق وتتفق قلباً وقالباً مع المثل القائل : الإناء ينضح بما فيه، والنضوح يعني، كتابات وتصريحات تراعي مصالح وأماني ومطالب الشيعة والسنة والكورد، وبالذات بعد أن كثر الحديث عن التقسيم والانفصال والكونفدرالية والاستقلال وإعادة رسم الخرائط، وذلك النضوح يستقوينا على مجابهة الأخطار المشتركة التي تهددنا، واللجوء الى طرح الاراء التي تقرب بيننا وتحتم تعاوننا وتآزرنا، وإستغلال التأثير الايجابي لتطور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على نفسية وعقلية وتفكير العامة من الناس، لكي لا تتمكن السلبيات من تفجير الرواسب والتناقضات والحزازات الكامنة، وكذلك، النضوح يحفزنا على التفكير مليا قبل اتخاذ القرارات المصيرية، وربما نسيان بعض الألم الذي سببه البعث والمالكيين للكورد، ومنع تشكل الدائرة المغلقة التي يصعب الخروج منها، والايمان بضرورة عدم أخذ البريء بجريرة المسيء والدخول في دوامة كريهة من الفتن.
  وأقرأ وأتابع أيضاً، لكتاب آخرين ابتلى الشيعة وإبتلينا بهم، لأنهم أصبحوا من المفرطين بالأخوة وسلامة البلد، وفقدوا البصر والبصيرة، وتفوح من كتاباتهم روائح عظم السذاجة والغباء والبلادة وانعدام الرؤية والتخبط في السلوكيات، يصبون الزيوت على النيران ويدعون الى الفتنة، ويعاضدون أعدائهم وأعدائنا، و بعيداً عن الواقع وتفهم الأسباب الذاتية والموضوعية التي تدعو بالحاح الى التريث قبل إصدارالأحكام، إبتعدوا عن المهنية وتجردوا من الشيعية، ولجؤا الى الإثارة والتهريج وركب مطية الاتهام والتشكيك، وأصبح همهم المشاركة في ظاهرة مهاجمة الكورد في كل صغيرة وكبيرة، وتعليق فشل ساستهم على الشماعة الكوردية، وإستسهلوا كتابة المقالات المرة والمؤججة على عواهنها والتي تدل على تدني ثقافتهم السياسية وضعف شعورهم بالمسؤولية وعدم نضج تجاربهم. هذه الفئة تحاول على نحو كيدي صبياني إلحاق الأذى بالهيكل الذي قام عليه علاقاتنا، وتلجأ الى خرق السقف السياسي الأخلاقي، وإلى التحرش بالاستقرار العام للاقليم ومكتسبات شعب كوردستان.
  العجيب في الامر أن تلك الفئة، كانت تبكي للعدالة الضائعة في البلاد وكرامة المواطن وحريته، وكانت تشكوا الفساد والتفرقة وعدم النزاهة، والان تتراكض كالذئاب الجائعة وراء ملء الجيوب والكروش، وبغبائها وسوء أخلاقها، وقلة أمانتها، وجهالتها، وشطاراتها في التزوير والتلفيق، تسهم في أنزال البلاد الى الدرك الاسفل في قوائم الدول الفاشلة، ولاتمانع من اداء ادوار المتلاعبين والمهربين والسارقين والمختلسين والمرتشين والمزورين والخداعين والحراس والمخبرين وإفساد القلوب والعقول، والمشاركة في قتل البراءة والصداقة والمحبة والأمانة والأمان، والدفاع عن ولي نعمها ظالما أو مظلوما ومخاصمة من يخاصمه، وبصريح العبارة انها فئة غبية أضاعت المشيتين، خسرت الدين والدنيا من خلال تزوير الوقائع والحقائق، وإلهاء الناس بالخرافات المتعفنة المختومة بالشموع السوداء، والأساطير التي تهيمن عليها الجهالة والرذيلة والعصبية والوطنية المغشوشة، واحتقان المواقف وتوتير الأجواء، وهوسها بالشغب شهدت خروجًا علنيًا على علاقاتنا في عهدي (مختار العصر) الذي فقد الاتزان وأخل بالمقاييس وإختلط عنده الحابل بالنابل، ولعب بمقاصد ودوافع أنانية، دور المسييء والمشهر، وأظهر انفلاتًا شديدًا في تجريح مشاعرنا وكرامتنا..
  وبين هؤلاء وهؤلاء، تتحمل وسائل الاعلام التي تنشر تلك السموم جزءاً من المسؤولية، هذا إذا لم تكن أصلاً تعتاش على هوا التأليب والتأزيم والتشكيك بالاخرين، وبعد قراءة تلك الكتابات (أشعر) بإستحالة التعايش والمشاركة في العمل والمصير والهوا والوطن..


340
المنبر الحر / نوري على الشاشة
« في: 13:52 26/08/2015  »
نوري على الشاشة
صبحي ساله يي
ليس من الصعب أن يظهر الانسان على شاشة التلفاز ويصرح بشيء يكشف من خلاله عن معدنه الحقيقي وإفلاسه التام، ويتحدث بلهجة ولغة متشنجة ينقصها الأدب واللياقة، وبكلام غير مهذب وجارح مهين بعيد عن الأعراف الأخلاقية ويوجه الإهانة إلى الذي لايستحق غير التقدير والاحترام، ويستخف بالشعب ويحاول أن يغطي على وقاحات فاضحة وأفعال نتنة وفساد ووساخات لاتعد ولاتحصى..
في العراق الفاسدون المتضررون من إزاحة المالكي وتجريده من المنصب، يحاولون تحميل جرائمه لأناس من أعدائه وربما أتباعه الذين هبطت عليهم السلطة والثروة دون حساب أو إستحقاق وفوق كل خيال، وهم على يقين بأن لا أحد يستطيع منح نوري المالكي العصمة ويتعهد له بإنقاذه من العقاب العاجل أو الآجل، ولن ينجيه الغضب والانفعال والمشاكسة والمشاغبة والنفاق وإلقاء التهم على الآخرين.
البعض يقول، سوف يستقتل المالكي ويستميت من أجل استعادة أمجاده، بأي ثمن ويسخر أمواله المختلسة وصداقاته وعلاقاته، ويوقع على مساومات وتنازلات ويعقد الصفقات ويرفض سقوطه المدوي في مزابل التاريخ، وربما سيشعل الحرائق ويؤجج النزاعات ويستغل الفقر والجوع والضائقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ولكن، الذين يريدون العدالة وسيادة القانون، ويرغبون في إنصاف الشعب أكثر بكثير من المتوهمين الذين مازالوا يؤيدونه، وقامة الملفات والشكاوى والقضايا والمخالفات القانونية والدستورية المتراكمة ضده، أعلى بكثير من قامته وقامات الذين يؤيدونه في الباطل، وملف سقوط الموصل هو ليس الملف الوحيد الذي تجب محاكمته عليه، فهو الذي قال (ما ننطيها)، لم يختر مستشاريه الكذابين (أصحاب الشهادات المزورة) ومساعديه النصابين ومرافقيه الشتامين على الأساس الكفاءة والخبرة والنزاهة، وأثبت عدم نزاهته وأمانته أكثر من مرة حين لجأ إلى تسقيط خصومه السياسيين بتلفيق الملفات والتهم، وحين احتفظ بملفات تخص العديد من المسؤولين المناوئين له والمقربين منه، واستغل تلك الملفات لتهديدهم وابتزازهم. وهو الذي سطا على سلطات القضاء ليحكم كما يشاء على خصومه، بتهم الاختلاس والارهاب والعمالة، كما تمرد على الدستور والبرلمان وكل القوانين، وجمع عدداً من المناصب بيده وهيمن على وزارات ومؤسسات وهيئات عدة، وتستر على عورات المرتشين والفاسدين والمختلسين وفضائحهم ومخالفاتهم، وغلق سجلاتهم الغادرة والفاجرة، وقام بتهريب المقربين منه الى الخارج، وتهريب عتاة المجرمين من السجون، ومارست عصاباته كل أنواع الانتهاكات لحقوق الانسان في سجونه ومعتقلاته تجاه الرجال والنساء..
لقد مارس الحماقة الكبيرة، وتجاهل التهديدات المتنوعة والمختلفة، وسخر جميع إمكانياته لمهاجمة الآخرين من أجل تحقيق مكاسب شخصية، وساهم بنوازعه في ارتفاع بورصة التخيلات ونشر الهرطقات والممارسات اللاأخلاقية التي تشحن الشارع نحو المزيد من الخلافات والإنشقاقات وسقي جذور الفرقة، وهبت مع تلك الهرطقات موجات التشهير والتسقيط واحتدمت الشدائد وتصاعدت ذرات الدجل، ولكن الاحداث مهدت لوعي جديد قد يتجاوز الحد المعقول..
اليوم باتت اللعبة مكشوفة، وأصبحت الطرق سالكة ومفتوحة، وجاءت اللحظة التاريخية الفاصلة بين ما قبلها وما بعدها، لحظة تلقي بثقلها على مسيرة الحاضر والمستقبل، ويتبين فيها زيف الأفكار والشعارات والمفاهيم الوطنية والانسانية التي كان ينادي بها، وتأكد الجميع من أن الاوجاع لاتوارى بحفنات من التخمين والمماحكات والادعاءات والمزايدات السياسية على حب الوطن والشعب وحماية القانون والدستور، وتبين أن العبث وفق معطيات العصر، يعني الخسارة، والأحكام الصارخة على الناس دون أدلة دامغة إنما تزيد التشنج وقد تحدث هزات وارتدادات تصيب من لايسمع التحذيرات ويهندس الدسائس والمكائد، وتوصل الجميع الى يقين مفاده : لابد من إنصاف الملايين من الاطفال الذين أصبحوا أيتاما مغدورين ودون مدارس، والملايين من العمال والفلاحين الذين غدوا دون عمل، والملايين من العراقيين الذين باتوا لاجئين ومهجرين .. كل هؤلاء وغيرهم يتمنون إلقاء القبض عليه وتقييده بالسلاسل، وإيقافه أمام محكمة، ومشاهدته لآخر مرة عبر شاشات التلفزيون ...


341
محاكمة عادلة للذي لم يحكم بعدالة
  صبحى ساله يى
نسمع منذ أكثر من سنة تبريرات وتصريحات (جبهة المالكي) بشأن ظروف وملابسات سيطرة داعش على الموصل والعديد من المدن الاخرى، وإرتكابها للفضائع وإقترابها من اربيل وبغداد، كما نسمع منهم إتهامات وتهديدات غير واقعية وأحكام اعتباطية غير معقولة، لايمكن تصديقها أو الموافقة عليها حتى من أقرب المقربين لهم، كما نسمع أحاديث معيبة غير متوازنة تشبه معزوفات مجتزأة من ألحان بسيطة مستندة على إيقاع (الغاية تبرر الوسيلة وأن أعداء الأعداء أصدقاء) وتعكس إفلاس أصحابها وفشل السياسات التي ينتهجونها، وضحالة الثقافة التي يحملونها.. 
عقول هؤلاء ما عادت تميز بين الأخطار التي تتعين مواجهتها وبين الانهيار الرهيب للمجتمع العراقي نحو الهاوية جراء ثقافة المؤامرة وجمع الملفات والتشرذم الطائفي وهدر وسرقة المال العام التي سادت في عهدي مختار العصر، وسذاجتهم تظهر جليا في تبريراتهم وتصريحاتهم المرتبكة والتي خرجت من قاموس العقلاء منذ زمن..
 اليوم ورغم تدهور معاني المواطنة والانتماء في مجتمع ودولة سمتهما الأساسية هي التوزع على انتماءات شتى، وبدلا من البحث عن الأسباب التي أباحت للفساد الهيمنة والسيطرة على كافة مناحي الحياة، يحاولون العثور على القوة الخارقة لولي نعمهم والدفاع السحري عنه في وجه القانون والقيم الانسانية والمصالح العامة، ويحاولون بإصرار على استسهال أمر الاحتلال الداعشي وتفشي الفساد والعداوات والتفكك والإنهيار والفلتان الامني وكل ما كان لايخطرعلى البال، والتعايش والتعامل معها كأمر واقع لابد منه..   
هؤلاء وكعادة المهزومين الجهلة يتجاهلون المنطق الذي يؤكد على الربط المطلق بين سياسات المالكي من جهة، والتزوير والفساد والفقر والعنف من جهة أخرى، ويمتنعون عن لوم الذات على الانتكاسات وعن النكوص بالتعهدات والالتزامات، ويتظاهرون بالعودة إلى العقل والحكمة كلما تمت الدعوة الى محاكمة المالكي الذي ما زال محميا من خلال منصبه (نائب رئيس الجمهورية)، مستفيدين من الدعم الطائفي والمذهبي وتراخي قبضة العدالة والقضاء، ومواقع بعض اعضاء ائتلاف دولة القانون الذين يستميتون في الدفاع عن سيدهم ( المالكي) وولي نعمهم الذي أوصلهم الى تلك المواقع في البرلمان والحكومة واحكومات المحلية بالمال السياسي الحرام، وتوزيع قطع الاراضي السكنية، والتعيينات الوهمية في دوائر الدولة، والدرجات الفضائية في الجيش ويعملون كفريق محامي للدفاع عنه، وعن الخروقات الامنية التي وقعت في عهده، ويدعون الى غلق ملف قضية سقوط الموصل التي مهدت لجرائم كبرى لاتعد ولاتحصى وتسجيل كل القضايا ضد مجهول كما كانت تسجل جرائم القتل على الهوية والقتل بالمفخخات والهاونات والبنادق والمسدسات الكاتمة ضد مجهولين، وينسون ان المالكي أراد إستغلال المستجدات لمآرب وأهداف وأحلام خاصة، أهمها تعمده المطول لاستغلال شعار الحرب على الإرهاب في العراق من أجل تهميش واقصاء واتهام خصومه رغبة في التفرد وإعلان حالة الطوارىء في البلاد وبالتالي الحصول على الولاية الثالثة والرابعة والخامسة، وترسيخ نفوذه، ونفوذ الأجندة التي يحملها ضد شرائح عراقية مختلفة سنية وكوردية وحتى شيعية، كما أراد استغلال الأحداث لتلميع صورته داخليا وخارجيا، وليمنح نفسه وحزبه شرعية لم يحصل عليها من صناديق الاقتراع، ناهيك عن الثأر والإنتقام الطائفي المترسب في ذهنه ضد الأهالي السنة قاطبة، والموصليين بشكل خاص، وتدمير مدينتهم جراء إحتلالها من قبل داعش أولاً، وتالياً إثرالعمليات العسكرية والقصف العشوائي من قبل المدفية والطيران العراقي أثناء تحريرها. كما أراد إستغلال الأحداث للنيل من الأخوين نجيفي(أسامة وأثيل)، وإزاحتهما على الساحة السياسية السنية لتسهيل الأمور أمام سنة المالكي (الجحوش السنة) لقيادة الساحة السنية وتصفية خصومه ومعارضيه السياسيين من الشيعة، وأراد أيضا تأليب الرأي العام العربي العراقي ضد إقليم كوردستان وبالذات شخص الرئيس مسعود بارزاني، وإحداث شرخ في الجسد السياسي الكوردي، وإستغلال القسم الذي ينسلخ من الجسد الكوردي كجحوش كوردية. ولكن في الختام، حسابات البيدر لم تتطابق مع خيالات (مختار العصر) وأزلامه، وها هي اليوم نسمع الدعوات المخلصة لمحاكمة المالكي محاكمة عادلة، رغم أنه لم يكن عادلاً في حكمه، ونلاحظ تزايد أعداد الداعين لمحاكته..


342
المنبر الحر / دوافع تقسيم العراق
« في: 12:24 04/08/2015  »
دوافع تقسيم العراق
   صبحى ساله يى
في العراق الجديد (بعد2003)، بدلا من تربية وتدريب الشباب على طرق الاستفادة من التكنولوجيا وتطويرها، وتلقينهم العلوم والتقنيات التي أحدثت نقلات نوعية في حياة الإنسان، تم تعليمهم طرق التباين والاختلاف بين المذاهب والقوميات والاديان، وتزامن مع هذه التربية وقوع أحداث كبيرة ساهمت في سطوع أشخاص وجهات، وتسببت في أفول آخرين، وبعيدا عن الاعتدال إنتشر التطرف الديني بين أناس، والتعصب القومي والمذهبي عند آخرين، وتحتم على العامة من الناس دفع أثمان انتماءاتهم، واتجه المتطرفون المحليون والقادمون من خارج الحدود، بسادية مخيفة، نحو تفجير المساجد والحسينيات والكنائس وقتل الخصوم بتلذذ وجز الرؤوس بالسيوف وبوحشية الجاهلية.
أما ساسة الصدفة فقدروا حسابات الافول والسطوع بمعيار خسائرهم وفوائدهم الشخصية، دون الاهتمام بالانكسارات التي حلت بأهاليهم أو ستحل عليهم، وانتشرت بينهم حالات جدلية عقيمة، لايمكن تلخيصها بجمل وعبارات محدودة، ولكن يمكن القول: انهم أصبحوا اسبابا أساسية للفرقة والتناحر والكراهية والشعوذة والتضليل وتزييف الحقائق الدينية والوقائع الدنيوية والسياسية، وتأجيج الفتن المتنوعة.   
في عهدي مختار العصر، تم استغلال السلطة والمال العام لمآرب أقل ما يقال عنها إنها كانت بعيدة عن القيم الانسانية والاسلامية والوطنية، ولتمزيق البلاد وإغراقها في بحر الصراعات الكارثية العبثية، وبدأ التخطيط لإعادة الخارطة السياسية للبلاد من خلال حكومة مركزية قوية على حساب الاقليم والمحافظات، وتعالت الاصوات التي تطالب بالاغلبية السياسية والبرلمانية والقومية والمذهبية، والتي جميعها تعني حكومة مالكية مطلقة يشارك فيها من يؤمن بفكر القائد الضرورة، ونضجت المعطيات لتلك الدعوات والافكار والطروحات وتوفرت لها الآليات اللازمة وتوفرت مقومات تنفيذها وحصل تعاون ودعم بهذا الاتجاه من قبل بعض الساسة السنة، والذين كان يطلق عليهم سنة المالكي، كما استمات البعض من أجل تمزيق الصفوف الكوردية، وجرى تهميش الكورد والسنة وإلصاق التهم الكيدية بكل الرافضين للمالكية، دون الاكتراث بالنتائج وآثارها القانونية والاقتصادية والاجتماعية...
قرار رفض الحكم المركزي كورديا وسنيا (في العهد الجديد) وشيعياً في العهود السابقة لم يأت من فراغ، ويعتبر المحللون والمتابعون للشأن السياسي العراقي الرضوخ للحكم الركزي من الصعاب بعيدة المنال، بل أمرا مستحيلاً، ولكن يؤيده فقط المؤمنين بسياسة المغانم والذين يبحثون عن السيطرة أو الانتقام..
أما شحة المياه الصالحة للشرب وانقطاع الكهرباء وتراكم النفايات وانتشار البطالة في غالبية مناطق العراق واستشراء السرقات والفساد في كافة مفاصل الحياة، فقد  غيبت واقع المواطنة او الشعور بأهميتها لدى الفرد العراقي، وفقد النسيج الاجتماعي مقومات تجانسه تحت وطأة الفصل الطائفي أو العرقي أو المذهبي، ومازال يعيش حالة الفصل الحاد بين مكوناته، وهذا الفصل مهد للابتعاد عن الالتزام تجاه الآخرين، وتحمل المسؤوليات المشتركة وسهل مهمة المطالبة بالحقوق دون تأدية الواجبات، وإضمحلت على المستوى السياسي والاجتماعي كافة المعايير والمعطيات التي تغذي شروط بقاء البلد موحداً والحفاظ على اركان وحدة قسرية يكون الجميع فيها خاسرين..
وبما انه لا يمكن لأي طرف عراقي ان يقرر بمفرده فرض السياسة التي يبتغيها على البلاد، ولايمكن التوصل الى حل لنزاع القوى المشاركة في الصراع، نتيجة لخلط الاوراق وحرق وفقدان بعضها وحفظ بعضها الآخر لدى مخابرات اقليمية ودولية، وإستنادا الى طبيعة السياسات المسموح بها في المنطقة وفق الإستراتجيات الدولية القائمة وأطرافها المعنية بأهمية إبعاد العراق من فوهة البركان ونزع فتيل برميل البارود، ورغبة في تفادي الصراع والنزاع والحروب الكارثية، لابد من التفكير بشكل ومضمون إستراتيجية عقلانية جديدة تفرض واقعا مغايرا، وتمهد لتقسيم العراق الى ثلاث كونفدراليات أو دول متجاورة، تعترف ببعضها وتكون العلاقات بينها مبنية على أسس الاحترام المتبادل ورعاية المصالح المشتركة..


343
المنبر الحر / التخلي عن الشعب
« في: 18:12 25/07/2015  »
التخلي عن الشعب
صبحي ساله يي
بقي ليوم 20/8/2015 بضعة أسابيع، في هذه الاسابيع هناك إحتمالان : أولها التوصل الى حلول سياسية وقانونية تتوافق مع تطلعات ومصالح الكوردستانيين ومنسجمة مع الواقع ومع منظور ما يفرضه العصر وما تفرضه الخصوصيات التاريخية والقومية والوطنية الكوردية، وثانيها: ان لايتم ذلك، رعاية لمصالح حزبية وتلبية لرغبات شخصية ومصالح واهداف مرحلية مدفوعة بدوافع ذاتية ونظرات ضيقة تعتمد على الخيال و التمنيات. وبين هذا وذاك والعبور وعدم العبور الى الضفة الاخرى وتحقيق المرام، كم هائل من العموميات الواضحة التي تفرض نفسها لبيان النيات التي تتحكم بالعقول والافكارخلال التعامل مع المستجدات والمتغيرات وتحليل المعادلات..
المخلصون بذلوا محاولاتهم الجادة وأبدوا إصرارا خلال الفترة الماضية على مواصلة الحوار مع كافة الاطراف وإعتبروا الحوار مهماً، بل في غاية الأهمية للكوردستانيين وللمصالح القومية والوطنية، وحرصوا على استمراره، وأبدوا المرونة خلال اجتماعاتهم وإبتعدوا عن الاثارة في تصريحاتهم، لتجنب إعطاء انطباع بأن المباحثات واللقاءات قد انتهت إلى الفشل، وكذلك لمنع لغة العقل والمنطق على ترك الساحة السياسية كي تستفرد الكتل البرلمانية في تبادل الاراء ووجهات النظر الموجبة، أو ترك الاقليم تحت رحمة المزايدات السياسية، أو لتسديد حسابات خاصة تتعلق بإنتعاش الرغبات الدفينة المعادية للكورد وكوردستان في ضوء تفاقم الأزمات في العراق وتطورات الاحداث في المنطقة.
هناك حقيقة لاجدال بشأنها وهى أنها لا الاحزاب المخلصة ولا الجماهير الكوردستانية تريد لهذه المباحثات أن تتوقف أو تصل الى الطريق المسدود، ولكن هناك مشكلات تقف في طريق أي صيغة ممكنة للحل تكمن في عدم الجدية في إتخاذ مواقف حاسمة وحازمة وملزمة للكوردستانيين بإنهاء هذا الملف والتوصل الى التوافق الفعلي المنشود، وتكمن أيضاً في أن بعض الاحزاب تتمسك بشروط تعجيزية وتطرح حلولا عدمية قديمة تدعو الى التجاوز على رغبات الشعب، بل ركن الشعب على الرفوف، وهذا غير ممكن ولا يستطيع المخلص أن يوافق عليه، وبخاصة أنه لايمكن الضمان ولو بالحدود الدنيا إستحالة الدخول في مرحلة جديدة من العنف بعد مرحلة الصراع الحالية في أي لحظة.
الشعب الكوردستاني الذي قطع في مسيرته الديمقراطية كل هذه المسافات الطويلة، وحقق الكثير من الإنجازات العظيمة، لا يقبل الاستسلام المجاني لرغبات يقف وراءها أناس يفضلون مصالحهم الخاصة على المصالح العامة، يعرف ويدرك أين أصبحت تقف قضيته ويتفهم مطامع الاخرين ونيات وتمنيات كل الساسة، ويعتبر أن ما تحقق من الديمقراطية في الاقليم يعتبر إنجازا، وأنه من الغباء وسوء التقدير العودة إلى نقطة البداية والتفريط في إنجازات دفع ثمنها الشعب والبيشمركه البواسل قوافل من الشهداء الأبرار.
الامل بالانفراج عن طريق الحوار والتفاهم والتوافق مازال طاغياً على الشعور بإنسداد الأفق أمام المباحثات للتوصل الى حل سياسي وطني او دستوري قانوني، والذي يحتاجه الشعب الكوردستاني هو ليس المزيد من المشكلات المحبطة والمربكة، لأنه يريد وحدة الكلمة والصف من أجل الحصول على المزيد من الدعم الخارجي الذي يعزز صموده بوجه الارهاب ويحميه من أن يقع فريسة لضغوط يلوح بها بعض أركان وأقطاب الحكومة الفدرالية...
المسافة إلى استحقاق يوم20/8 باتت قصيرة، وهذه تدعوا الى التسريع في الحوار والمكاشفة والمصارحة وإتخاذ المواقف الواقعية والعقلانية الشجاعة، وإبعاد تدخل دول الجوارفي شؤوننا الخاصة، ومواجهة الاستحقاقات الحالية والتطورات المستقبلية وتداعياتها، وخاصة لأن المنطقة برمتها تتجه نحو إعادة رسم ملامحها وخرائطها بعد أن فقدت الحدود المرسومة وفق إتفاقية سايكس بيكو الرهبة و الهيبة، وتتطلب تحاشي الوقوع في إرتكاب خطأ ممارسة سياسة التخلي عن الشعب في هذا المنعطف الاستثنائي الخطير من التاريخ ، لأن الشعب إن شعر بتلك السياسة وشاهدها لايسكت، وسيكون رده قاسياً وعنيفاً، وسيلعب لعبة التخلي عن السياسيين  الذين يريدون التخلي عنه ...
 


344
ثلاثة ... حالت دون التقسيم


صبحي ساله يي
   بعد إسقاط صدام ونظامه في 2003، كانت الفرصة مواتية لتقسيم بلاد الرافدين الى ثلاث دول مفيدة يعيش فيها الناس بعيدين عن المفارقات والتناقضات والضحك على الذقون والابتزاز والمساومات، ولكن ثلاثة تصورات خاطئة أو ثلاثة أوهام أوأحلام وردية أو رغبات خيالية حالت دون التقسيم، أولها وهم كوردي تجسد في التفكير والعمل من أجل بناء دولة مواطنة وتشكيل حكومة فدرالية ديمقراطية، وإثبات إنهم (الكورد) طلاب للحرية وحقوق الانسان وإنهم وطنيون وليسوا إنفصاليين، ثانيها وهم عربي سني تمحور حول محاولة إعادة السلطة المفقودة وحكم كل العراق بدلاً من منطقتهم الجغرافية، كما صعب عليهم إستيعاب فكرة السماح للاخرين بحكم أنفسهم بأنفسهم لذلك دافعوا عن وحدة العراق الوهمية وعملوا من أجل إعادة النموذج الغابر الذي كانوا فيه منفردين بالسلطة ويديرون لوحدهم الشأن العراقي السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي، وثالثها كان وهما شيعياً تركز في محاولة حكم كل البلاد على إعتبار إنهم الاكثرية وتعويض ما فاتهم من حيف وظلم وحرمان..
هذه الاوهام مجتمعة ساعدت على بقاء البلاد موحداً، وبعد سنوات من العمل وعقد الصفقات والتحالفات ودفع الاثمان الغالية تبين أن حالهم لم يختلف كثيراً عن البارحة، وتحمل الكورد وخاصة الفيليين والشبك والايزيديين عذابات التهميش والحرمان وعدم الاعتراف بحقوقهم الدستورية والقانونية والانسانية، وذاقوا الامرين من التهديدات الخطيرة وحالات الانذار بالترحيل والقتل والابادة من قبل العنصرين والشوفينيين والفاشيين الجدد الذين عاملوهم بقلوب ارهابية قاسية وعقول عفنة، من دون خوف ولا ضمير ولا دين ولا انسانية، ومورس بحقهم العنف المخيف والتفجيرات الانتحارية والعربات المفخخة، كما تم خلق العراقيل والمشكلات لاقليم كوردستان من خلال عدم ارسال حصة الاقليم المالية والامتناع عن صرف رواتب البيشمركه وتزويدهم بالاسلحة لمحاربة داعش. حينها إقتنع (الكورد) بأنهم كانوا واهمين وأن حالهم يشبه حال الراكضين وراء السراب، حيث لا وجود ولو لبصيص ضئيل من الأمل في نهاية النفق، وثبت أن الصحيح هو التوجه نحو التقسيم.. أما السنة الذين رفضوا قبول وضعهم الجديد كأقلية محدودة الحقوق، فقد سلكوا طرق التحدي والاستفزاز وتشجيع التمرد على الحكم الجديد وإنخرطوا في المقاومة، وذهبوا الى تسميتها بالمقاومة الوطنية أو الشريفة، وقد إندس بين صفوفهم القتلة التكفيريين والارهابيين الظلاميين، بل أن بعض السنة إحتضنهم وإعتبرهم منقذين لهم من حكم الشيعة والكورد، ومدافعين عن حقوقهم المسلوبة، ولكن مع ذلك كله تبين لهم إستحالة إعادة عقارب الساعة الى الوراء..
أما الشيعة الذين يملكون ثروة نفطية هائلة في أراضيهم ولديهم مساحات واسعة من الاراضي الزراعية وموارد مائية كبيرة، وهم الاكثرية العددية في البلاد، وبعد ماكانوا يحلمون بيوم يتم فيه إعتبارهم مجرد مواطنين من الدرجة الاولى، فإن قياداتهم الحزبية التي إمتلكت المال والحول والقوة والسطوة والمناصب السياسية والسيادية والوزارات، نست وتناست ظلم صدام والكثير من الحقائق المطلقة، فأخذت تظلم الشيعة أولاً وآلاخرين تالياً، وساد التناحر والصراع السياسي والاختلاف فيما بينهم وبينهم وبين الاخرين ودخل الجميع في دوامة فقدان الثقة، وتغلبت على العامة من الناس النزعات النفسية والتراكمات التاريخية، فتاهوا في الدروب الوعرة والمسالك الملتوية وأصيب الكثير منهم بالملل والكآبة، إذ بدلاً من أن يستفيدوا من الواقع الجديد أصبحوا أهدافاً للاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة ومشاريع للموت المجاني..
اليوم وبعد مرور إثنتي عشر سنة على عمر الدولة التي بنيت على أنقاض الحكومات السابقة،  نسمع أصواتاً عالية تدعو الى التقسيم ونجد ألف سبب وسبب يدفع بالعقلاء والحكماء المخلصين والأكثرية الساحقة من الكورد والسنة والشيعة الى وقفات صريحة وشجاعة، وركل الموجود البائس والتوجه نحو الحقيقة التي هي التقسيم بالتراضي كأمر واقع إلى ثلاث مناطق مستقلة ومن دون إراقة دماء.


345
ديمقراطية بطعم المؤامرة
   صبحى ساله يى
  السياسة في كوردستان بشكلها العام واضحة المعالم وسهلة القراءة والتفسير، بعضها شفاف في ممارساتها وتحديد توجهاتها وتطلعاتها، وبعضها تعاني من عقد متشعبة مصطنعة تندرج في خانة الممارسات النابعة من الذات الموهومة التي لاتقدر خطورة ما تفعل، وتعتقد إن ماتقوم به هو مقبول من الغالبية، وفق منظورها ومفهومها للحياة، وهذا الإعتقاد متكئ على وهم يهيمن على عقولهم وسلوكهم الدائميين.
والعقدة، كما هو معلوم إعتقاد لدى المعتقد الذي يدعي الإيمان والتصديق بحالته الإبداعية أو الجمالية أو السلوكية بصورة معاكسة لما هو عليه في الواقع الذي يختلف بإختلاف الآخر الذي يرصد حالته ويقيمها وفق بساطة وخطورة توجهاته وأفعاله وتصرفاته، وهذا أيضاً خاضع لتقييم المقيم الذي يجده إما أسداً كاسراً، أو إنساناً نرجسياً معقداً يتفق الجميع بشأن إصابته بمرض الوهم... والوهم بوصفه مرض من الأمراض الخطيرة على الانسان والمجتمع، يكون أكثر خطراً وأوسع تأثير وربما كارثياً إذا كان الواهم يمتهن السياسة وذا نفوذ وقوة، ويمثل نمطاً مختلفاً في منظومة القول والتفكير والعمل والسلوك.
في كوردستان أطراف وأحزاب واهمة ومعقدة مختلفة حول الاوضاع والدستور وطريقة انتخاب رئيس الإقليم وصلاحياته، والبيشمركه وإنتصاراته وتشكيلاته ومواجهته للإرهاب، وموارد الإقليم النفطية والحكومة وعلاقاتها مع بغداد والثقة التي ناله الاقليم جراء تحوله الى الواحة الامنة لقرابة مليوني لاجئ.. تلك الاطراف المعقدة تخلط الاوراق بهدف العثور على ورقة سياسية رابحة وان كانت على حساب المصلحة العامة والاستقرار السياسي، وقلقة من نتائج التطورات الدولية والاقليمية والقبول العام بالتجربة الكوردستانية الناجحة والاثار المترتبة على ذلك، وتحاول إثارة الفوضى بمزاجها ومزايداتها السياسية ونعراتها الحزبية والمناطقية ومؤاخذاتها السطحية، وتتلاعب وتستهين بحق ومصير الشعب وتستهتر بالاستقرار السياسي وتربط مستقبل الأجيال بمصالحها الخاصة.
عند استعراض تفاصيل ما حدث يوم 23/6 تحت قبة البرلمان الكوردستاني يعطي صورة واضحة ومبسطة لاتحتاج إلى الكثير من الفهم لتفكيك عناصرها.
 العقد والخلافات الموروثة منذ عقود مازالت بحاجة الى علاجات، الاتفاقات والتعهدات بضرورة العمل التوافقي والاتفاق بشأن القضايا التي لها أبعاد وطنية وقومية لم تؤتي أكلها وذهبت أدراج الريح الذي هب من السليمانية وجلب معه الاسلام السياسي الذي كنا نتوقع صموده  أمامه  أو في الاقل إعلان تحفظاتهم، ذلك الريح الذي لم يراع المشكلات العديدة بين اربيل وبغداد والوضع الاقتصادي والمالي الصعب وتدهور حال المواطنين الذين هم في غنى عن مشكلات جديدة..
وبعيدا عن الحزبين اللذين كانا قبل أعوام حزبا واحداً، لا يتحمَل وجود منافسة  جدية له، نلاحظ أن هشاشة مواقف الحزبين الاخرين (الاسلاميين) اثارت الكثير من الانتقادات حتى بين المؤيدين لهما، وعكست صورة حقيقية لعلاقات مبنية على الرغبة في إغتنام الفرص، وأكدت مبررات عدم الثقة بهما وبوظائفهما وأدوارهما على المستويين الكوردستاني  والعراقي..
أما موقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وتصرفه المتميز حين ترك قاعة البرلمان بشكل قانوني وحضاري، ودون ترديد الشعارات أوالدق على المناضد، أو رمي قناني الماء بوجه رئاسة البرلمان، فقد شجعت الكثيرين على تأييده وتأييد موقفه التفاؤلي، وأرغمت وسائل الإعلام ومؤسسات صناعة الرأي الى الدخول في نقاشات مطولة والتساؤل عن مصير وجدوى التوافق السياسي الكوردستاني الذي أختير بموجبه العديد من المناصب في بغداد ورئاسة البرلمان الكوردستاني ولجانه وحكومة الاقليم.
لا نجافي الحقيقة عندما نقول الآمال التي علقت على الديمقراطية التوافقية لم تصل الى النتيجة المأمولة، وكان الرهان على الدور الوسطي للاسلاميين خاسراً، لأنها إنهارت مع أول حراك سياسي وأول تجربة يمكن أن تكون فاشلة وقد تنجح بعد مرورها على أشلاء التوافقية، وماحدث في ذلك اليوم من ممارسة ديمقراطية كان بطعم المؤامرة، والتاريخ يحاول أن يعيد نفسه.



346
الشعب يريد... نجاح البرلمان
   صبحى ساله يى
تشهد كل البرلمانات الديمقراطية نقاشا وشدا وجذبا حينما يتم عرض أومناقشة قضية تؤثر في المستقبل السياسي والعمل الجماعي ومصير العملية السياسية، أو في الحالة الاقتصادية للمواطنين، أي مسألة تهم قطاعات واسعة من أبناء الشعب، وفي غالبية البرلمانات، كتل برلمانية تسعى للتحالف التكتيكي مع كتل أخرى، وإن كان على أساس تجميع أشلاء عدة كتل من هنا وهناك للوصول الى العدد المطلوب من المقاعد التي تتيح تمرير ما تريد تمريره تلك الكتلة وتمنع ما تكره، او الذي يتعارض مع مصالحها، وبما أن التحالف التكتيكي المؤقت أو تشكيل التحالفات النيابية تحت قبة البرلمان حق دستوري مكفول للجميع، وهو لا يقتصر على كتلة دون اخرى، فان الجميع سيحترمه إن كان بعيداً عن الاصطفافات ولغة التسقيط والتخوين والطعن بالولاءات، وستستطيع تمرير ما تريد والحصول على الأغلبية والنجاح في مساعيها الرامية الى الفوز ولو بـ (50+1) فقط..
 وفي قراءة لنتائج تلك العملية الديمقراطية لو جرت تحت سقف البرلمان الكوردستاني قبل خلاص الاقليم من الازمات التي يواجهها في الوقت الحاضر، نرى إنها تعني إما تجاهلاً للإرادة الشعبية ومضيعة للوقت والطاقات، أو إستخفافاً بالجهد العظيم الذي يمكن أن يبذله الناخب أثناء مشاركته في العملية الانتخابية، إضافة الى انها تهدد بصورة غير مباشرة الديمقراطية الحقيقية وأدواتها، كما تطعن في مصداقيتها وتفرغها من جوهرها الإنساني النبيل. وبما أننا لانستطيع في الوقت الحاضر إجراء الإنتخابات لأسباب عديدة، وفق القيم والمحددات العامة والمعايير المنطقية التي تحدد الدوافع التي تقود الناخبين إلى اختيار المرشح الذي سيحقق الإنجازات، ويخرج البلاد من مشكلاتها، ويتوافق مع اتجاههم السياسي أو يقترب منها، وهذا يعني إن البرلمان (في الوقت الحاضر) لايستطيع أن يمنح الناخب حق تحديد الفائز وحسم الأمر لصالح مرشحه المفضل وفق عملية تنافسية بين المرشحين الذين ينزلون الى الساحة بلا استثناء، لذلك عليه (البرلمان) قطع الطريق أمام المزايدين السياسيين واقاويلهم ودعاياتهم التي ترقى إلى مستوى الحرب النفسية وفق أساليب التحذير والتخدير والتخويف من الفوضى والاضطراب وتفكك النسيج الاجتماعي، حرب نفسية تهدف الى تنفيذ خطة لفصل المرشح المفضل عن القاعدة الشعبية الواسعة، علماً أن الناخبين الكوردستانيين، عندما يتوجهون نحو صناديق الاقتراع، يعون جيداً الصفات الجوهرية للمرشح وعلى أساسها سيحددون بأصواتهم وإرادتهم الشخص الذي يحظى بقبولهم وسيذهب اليه صوتهم ليكون رئيساً لهم وعليهم.
وبين هذا وذاك فإن المواطن الكوردستاني وبسبب حساسية الوضع العام للبلاد وظروف الحرب والازمة المالية، وبسبب غياب الرئيس جلال طالباني عن المشهد، متوجس من حدوث بعض المردودات على العملية السياسية والوضع الداخلي، وانطلاقا من احساسه بالمسؤولية، يريد ان تبدي كل الاطراف المرونة اللازمة لتجاوز المرحلة الراهنة، وإنه على يقين بأن البيشمركه مسعود بارزاني الذي يحظى باحترام كبير بين قطاعات واسعة من الكوردستانيين، هو الشخص الذي بإمكانه تسيير امور البلد في مثل هذه الظروف وهو القادر بالتأكيد على ممارسة الدور الرئيس الفعال في العملية السياسية، والمواطن متعطش لإستشراف آفاق المستقبل عن طريق توضيح الصورة المستقبلية من كافة الجوانب، ونجاح البرلمان في تجاوز الصعوبات القانونية والفنية بتفاهمات وتوافقات مشتركة، واللجوء في اجواء هادئة ومدنية وبعيدة عن التعصب الى الخيارات المتاحة دون اي أزمات أو خلافات سياسية، والتوصل الى صيغة يتمكن من خلالها رئيس الاقليم من ممارسة صلاحياته باعتباره القائد العام للقوات المسلحة في الاقليم، وكذلك ليمارس سلطاته الدستورية والقانونية.
ملاحظة / هذا المقال كتب قبل 23/6/ 2015، وقبل الذي حدث في البرلمان برعاية القنصل الايراني ...


347
سقوط... لجنة التحقيق في سقوط الموصل

    صبحى ساله يى
 
أولى الخطوات بعد الإعلان عن أي هزيمة أو جريمة أو فضيحة أو حريق في أي مؤسسة أو تسريب للاسئلة الامتحانية أو تفشي مرض أو ظاهرة غير أخلاقية هي تشكيل لجنة تحقيقية.. وعملية التشكيل لمثل هذه اللجان في العراق من أسهل الامور، وهدفها إما ذر الرماد في العيون أو الضحك على الذقون، أما العراقيون المغلوبون على أمرهم فإنهم يفهمون معنى تشكيلها ويعرفون أن الهدف هو التسويف وتضييع الحقائق واغلاق الموضوع بعد تقييده ضد مجهول، وبشأن تحديد رئيس اللجنة وأعضائها ومهامها فالأمر يخضع لمعايير حزبية وتواطؤات واستقطابات ومحسوبيات ومنسوبيات، وبينما تفشل اللجان في كشف الخيوط أو القرائن ولا تبين الحقائق، ولايرى العراقيون النتائج التي توصلت اليها.
العراقيون المترقبون لنتائج عمل اللجنة البرلمانية المختصة في التحقيق بسقوط الموصل (كشف رئيسها بنفسه عن انها تعرضت لضغوطات من بعض السياسيين من اجل تغيير مسار التحقيق) لا يحتاجون لعقل نابغ أو فهم متميز أوذكاء خارق ليعرفوا النتائج لأنها بينة وواضحة ولا تختلف عن نتائج مئات اللجان التحقيقية التي تشكلت طيلة السنوات الماضية ولم تخرج بنتيجة تذكر، وهي(أي اللجنة) التي فشلت نتيجة للمساومات والمزاجية والمبادلات والولاءات والمجاملات في إستدعاء المالكي الذي تحوم حوله كل الشبهات ويعتبر بحكم موقعه المتسبب الرئيس في استيلاء عصابات داعش الارهابية على الموصل، لم تستطع أن تكون بمستوى الحدث الكبير والتحدي الخطير والدماء وأرواح الضحايا والخسائر المادية، ولا يمكنها الكشف عن المسؤولين وتقديمهم للعدالة بعيداً عن الحسابات السياسية، ورغم انها إستجوبت على مدى الاشهر الثلاثة الماضية عددا من المسؤولين، ولكنها أخفقت بسبب ما يسمى بالديمقراطية العرجاء وبسبب الايادي العشر داخلها في إستجواب المالكي الذي كان يتمتع بصلاحيات واسعة ويحكم قبضته على رئاسة الوزراء والمؤسسات التابعة لها ومكتب القائد العام للقوات المسلحة ووزارتي الدفاع والداخلية، والذي إنفرد بادارة الملف الأمني في البلاد وبلا منازع ودون إشراك أي من القوى السياسية الأخرى وحتى من قوى التحالف الوطني.
هذه اللجنة كانت ومازالت متأكدة من إن المالكي يتحمل بالأساس مسؤولية تلك النكبة، وفعل ما فعل من اجل ديمومة سلطانه وامتيازاته، وتعي خطورة الموقف ولكنها (تحت ضغوط، وتناسيا لليمين القانوني) تعتبر أن مصير الشعب والوطن بأكملهما مرتبطان بمصير نوري المالكي، لذلك إبتعدت عن الواقعية في التقدير والتخطيط والاحتراف ولجأت الى المسكنات وسياسية الهروب الى الأمام لكي تدافع عن المتهم الحقيقي، ولم تجرؤ على توجيه الاتهام الصريح اليه بإعتباره كان سببا في هزيمة الجيش في الموصل، والانهيارات العسكرية التي تلاحقت، لأنه منع التعاون مع قوات البيشمركه ومنع تدخلها ضد داعش قبل وبعد سقوط الموصل.
هذه اللجنة التي تضم نواباً من مختلف الكتل كانت أمام قضية تاريخية وأخلاقية ومصيرية حساسة وحاسمة، لكنها أخفقت، لذلك يمكن أن نقول عن غالبية أعضائها (وبالتحديد العشرة الذين امتنعوا عن استجواب المالكي) إنهم تجاهلوا الجريمة النكراء والتلاعب بمصير وسيادة ثلث مساحة العراق ومئات الاف النازحين الذين يعانون من الفقر والجوع والمرض والموت، وتغاضوا عن شهداء سبايكر وبيع الحرائر وأخذ السبايا، ومسلسل القتل والتشريد والسرقات.. والمفارقة هنا هي انها بعدما أخفقت وفشلت، أعلنت بنفسها عن سقوطها قبل الاعلان عن أسباب سقوط الموصل ونتائج تحقيقاتها عندما حاولت خداعنا وخداع ذاتها بأعذار واهية وقامت بتوجيه اسئلة (مكتوبة ملغومة مليئة بالريبة والاتهام الضمني الذي يبتعد تماماً عن الأسباب الحقيقية لسقوط الموصل، ولا تتوفر فيها الصراحة والشفافية) الى شخص الرئيس مسعود بارزاني ...لذلك نقول : حسناً فعلت رئاسة الاقليم حينما رفضت الرد على الاسئلة...

348
لم نرد على البعض ،، لكي لايصبح مثقال الصخر بدينار

  صبحى ساله يى
كانت لمرحلة فقدان الثقة التي مر بها العراق تداعيات سلبية على الاعلام، وأفرزت الكثير من المصطلحات والافكار والمقولات، تراوحت بين الاكاذيب والأوهام و التلفيقات والفبركات والشتائم والمصطلحات الغريبة على التمدن، وعبارات يخجل الانسان من إعادتها، وتحول الاعلام بقنواته المتعددة الى برك عكرة للمنازعات والتجاذبات المتلاطمة، إصطاد فيها أصحاب الأهواء والأمزجة بهدف تشويه صورة وسمعة خصومهم السياسيين بعيدا عن الامانة والحياد والموضوعية، وتلونوا واتخذوا مختلف الأشكال والألوان وحسب الظروف، ونفذوا ما أنيط بهم من مهام مستفيدين من الظروف المحلية والإقليمية والدولية، وحاولوا اسقاط الماضي على الحاضر بتأجيج مشاعر الناس البدائية وإثارة حماسهم وبالعنف والقوة وبالتهديد بمفهوم انا ومن بعدي الطوفان.
تجاوزوا حدود النقد ووصلوا الى خصوصيات الآخر المختلف، وسادت الفوضى والفزع والترويع والتهميش والتعصب والكراهية والعنف والاستبداد والاقصاء وفرض قيود تخدم جماعات معينة وتسلط فئة معينة على مفاصل الحياة..
في مجلة صوت الآخر تجنبنا التضليل والتعدي على الآخرين ودق إسفين الفرقة والتشرذم وإثارة النعرات المذهبية والقومية والدينية، وحملنا أعباء المسؤولية لنقل صوت الاخر المختلف الى فضاء رحب بشكل ايجابي وسليم والى أناس آخرين يفكرون بطريقة مخالفة، هذا الحمل كان بمثابة الوهم عند البعض، ولكن عندنا كان حقيقة لا تقبل الجدل، وبعيداً عن الهواجس وحسابات الربح والخسارة، استطعنا دون فتح النار الإعلامية، أن نرد بحكمة وتعقل على (بعض) أبواق الآلة الإعلامية المعادية للكورد، والتي ساهمت في الحملة الهائلة لتزييف الحقائق، وعلى الذين وقفوا حائرين خارج العقلانية، وانتفى عندهم الفكر الانساني وسقطوا تلقائياً في مناصرة العدو الشرس والخطيرعلى الجميع، كما فندنا محاولات تحويل وترقية الأوهام الى حقائق بفرض أفكار وطروحات وايديولوجيات وأجندات سياسية .
قلت (بعض) الابواق لأننا لو أجبنا كل الابواق لأصبح مثقال الحجر بدينار...
حاولنا جاهدين قبول رأينا المختلف معهم، في وسطهم الثقافي والاجتماعي، والقبول كما نعلم لا يعني بالضرورة الاقتناع بها، إنما هو إقرار بوجود الإختلاف والتعددية الفكرية والقبول بثقافة ووجود وحقوق الآخر المختلف من دون تمييز بسبب الدين أو القومية أو الاتجاه السياسي، وضمان حقوقه وتكون عليه الواجبات نفسها، والتفاعل الايجابي مع كل القيم الإنسانية البعيدة عن روح التعصب والكراهية وشطب الآخر المختلف، ونجحنا مع البعض ولكننا فشلنا مع المتخلفين الذين لايريدون أن يقبلوا بوجود الاختلاف والمختلف.
غرست مجلة صوت الاخر آمالا في قلوب قرائها تبشر بتعزيز علاقاتهم مع العربي والآخر غير العربي الذي يكتب بالعربية وارتباطاته الفكرية النابعة من الايمان المطلق بضرورات التعايش والتسامح، عبر آراء حكيمة وعواطف جياشة نشرت على صفحات هذه المجلة خلال مسيرة سنوات عمرها. هذا (الآخر) تابع في الواقع مسارا خاصاً بشر منذ البداية بالخير ولعب فيه دورا رئيسا في تعزيز كل الثقافات التي تناهض شرور الإرهاب والتطرف.
هذا (الآخر) لايختلف عن البيشمركه الابطال الذين لهم دورهم الريادي في محاربة داعش ودحرها، والذين ضحوا بأرواحهم الغالية من أجل الديمقراطية والتخلص من الدكتاتورية، وهم السائرون على نهج البارزاني الخالد الذي أعطى مثلا باهرا للكورد والعراقيين وللعالم كله في الحكمة والشجاعة والعدالة والاعتدال والتمسك بالسنن الإنسانية.
 


349
المنبر الحر / مبادرة العبادي!
« في: 12:11 03/06/2015  »
مبادرة العبادي!
   صبحى ساله يى
عندما تم تكليف السيد حيدر العبادي بتشكيل الحكومة العراقية، كانت المشكلات الساكنة والكامنة بين العراقيين مستفحلة، والصراع الطائفي والمذهبي سائداً، والفساد ينخر جسد الدولة ومؤسساتها، والابواق المأجورة تشتم كل ما هو كوردي وكوردستاني، وكنا نسمع اصداء طبول الحرب وهي تدوي في الفضاء العراقي، وكان داعش يسيطر على مساحات واسعة من الاراضي والعديد من المدن، أما الدول الصديقة للعراق فقد إشترطت تشكيل حكومة تمثل العراقيين جميعا لتقدم الدعم والاسناد لها ضد داعش.
 فى تلك الايام استقرت صيغة التغلب على التحديات في ذهن القادة الكورد، وعقدوا العزم على المشاركة في الحكومة الجديدة، ووجهوا بمشاركتهم تلك، العديد من الرسائل الى من يهمهم الامر، اولاها هي: أن الكورد لا يمكن ان يكونوا يوماً ما، جزءاً من المشكلات، وسيبقون كسابق عهدهم جزءاً من الحل فقط، ومقطوعي الصلة بالتحيزات المذهبية والطائفية. والثانية كانت: التأكيد على تحمل المسؤوليات الوطنية والتاريخية من خلال المشاركة في ادارة العراق وشؤونه، لأن إدارته من قبل جهة واحدة مهما كان حجمها مستحيلة، والثالثة، كانت لإثبات الرغبة الصادقة والنيات السليمة في الاسهام في بناء بلد ديمقراطي يحترم فيه الدستور، والرسالة الاخرى كانت من أجل أن لا يلقى باللائمة والمسؤولية على الكورد وحدهم في حالة تقسيم العراق الى ثلاث دول صغيرة او اكثر..
منذ ذلك اليوم وحتى الان شهدنا بعض التجليات الواضحة لتلك المشاركة، كالاتفاق النفطي بين اربيل وبغداد وتثبيت حصة الاقليم في الموازنة الفدرالية، ونشهد كذلك  شواهد وقرائن تدل على عدم وجود الرغبة الحقيقية والإرادة القوية لتجاوز الخلافات التي أوقعت بأهل العراق عامة، والكورد بشكل خاص، الكثير من المظالم ودفعتهم في الوقت ذاته إلى التعلق بفكرة الاحتماء بالدستور لاختيار صيغة اخرى للعلاقة مع بغداد، دون استبعاد مبدأ حق تقرير المصير والاعلان عن دولة كوردية تجنبنا لويلات تلك المظالم.
 الجميع على قناعة بأن الرئيس مسعود بارزاني هو الزعيم الذي يمكن التباحث معه بشأن القضايا المتعلقة بالكورد في العراق وبما يخص العلاقة بين بغداد وإربيل، بل والقضية الكوردية بشكل عام بجميع مكوناتها السياسية والجغرافية في ظل تشابك القضايا المحلية بالإقليمية والنزاعات المتعددة في المنطقة، وهو الذي بإمكانه أن يلعب دورا فعالا ومتميزاً في نزع فتيل الازمات التي تدور في البلاد، والجميع متيقن من أن المواطنين والمسؤولين في الاقليم، الذي حقق طفرة نوعية في الاقتصاد والسياسة والعمران، ويقدم الخدمات ويوفر الاستقرار الامني ويحقق النجاحات الكبيرة التي تثير الدهشة، ميالون نحو الاتفاق بشأن عموم  القضايا التي تهم الجميع وتنعش الآمال عند العراقيين الذين ينتظرون أن تحل مشكلاتهم الموجودة والقائمة والتي يدفعون ثمنها وهم يلهثون وراء الامان و لقمة العيش من دون أن يجدوهما، ويريدون تخفيف الهجمات اللفظية ضد الاقليم ومواطنيه ورئيسه وحكومته ..
لو بادر السيد حيدر العبادي وقرر أن يصحح الأخطاء، ويدفع بإتجاه إبعاد البلاد عن الكارثة ويمضي في السبيل الذي يؤدي الى ردم هوة الانقسام، ونجح في إيجاد التسوية مع الكورد بشأن جميع المتعلقات والقضايا المتراكمة بين الاقليم والمركز، وفق دستور البلاد،  سيكون مختلفاً عن جميع الذين سبقوه، فهل يبادر؟؟
 
 



350
بعد مؤامرة الجزائر، وقبل انطلاق ثورة كولان
  صبحى ساله يى
هناك حقبة تاريخية حاسمة في تاريخ الكوردستانيين، ولاسيما في تاريخ الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كتب عنها القليل وتناولتها بعض الاقلام بإختصار، وتحدث آخرون عنها بشكل مشوه أو دون ذكر الحقائق، ويمكن ان نقول بإن قسماً من هؤلاء أما جاهلون بأصل البارتي ومنكرون لتضحياته الجسام عبر عقود من الزمن، وإما هم غير منصفين لذلك لم ينصفوا أبطال تلك المرحلة وحتى جنودها المجهولين، فشوهوا التاريخ وقللوا من شأن تلك الحقبة وطمسوا حقائقها، بعبارة اخرى كتبوا دون الاستناد على الوقائع وقبل أن يحللوا الامور ويدققوها، أو كتبوا انطلاقاً من التعصب الأعمى المعادي لتاريخ الشعب الكوردي وقضيته العادلة. لكن المساهمات الجادة والمنصفة، وإن كانت قليلة ساهمت في توثيق بعض الجوانب الحيوية من تلك الحقبة وتجربة القيادة المؤقتة للحزب الديقراطي الكوردستاني..
تلك الحقبة هي الفترة المحصورة بين المؤامرة القذرة التي دبرت في الكواليس، وشاركت فيها أطراف عدة، وأعلنت في الجزائر في آذار 1975، وبين ثورة كولان في 1976 التي جاءت امتدادا طبيعيا لثورة ايلول ولخطها الجماهيري والوطني.
عند الحديث عن تلك الحقبة المهمة من التاريخ، لايمكن قياس أهمية تلك الحقبة بحساب الايام والأشهر، أو بحجم الشعور بالألم والظلم والأسى، بل بالظروف المحلية والاقليمية الصعبة والمعقدة التي أحاطت بها، وبالمعاني التي جاءت بها الفعاليات الميدانية، ومحاولات تعديل الممسارات وتجديد الهوية والآمال والتطلعات التي اثبتتها الوقائع، والتي تؤكد جميعها ان أبطال تلك الحقبة درسوا بدقة تاريخ شعبنا المكافح الذي سعى وبكل الوسائل المشروعة الى اثبات ذاته ونيل حقوقه المشروعة.
ما اعلن في آذار 1975 في بيان الاتفاقية المشؤومة ضد الكورد، كان جزءا يسيرا من إتفاقية تم التخطيط لها وفق المصالح المتبادلة للعديد من الاطراف، إتفاقية تحتوي على مواد وبروتوكولات متعلقة بالحدود البرية والبحرية وبالخلافات الجغرافية والسياسية والتاريخية، وتوفير ما يسمى بالامن في المناطق الحدودية، بهدف منع انطلاق أي ثورة او حركة كوردية قد تندلع في المستقبل والحكم على ثورة ايلول بالفشل، وبعبارة أوضح، كانت المواد والبروتوكولات عبارة عن تنازلات عراقية مقابل غلق الطرق بوجه الكورد وثوراتهم..
 في ذلك الظرف التاريخي غير الاعتيادي كان لابد من القبول بالخيار الصعب والحرج المر، وتجنبا للويلات وحقنا للدماء، قرر الاب الروحي البارزاني الخالد المعروف بحكمته وخبرته وذكائه الاسطوري الخارق وشجاعته وحرصه على شعب كوردستان وبيشمركته البسلاء، ايقافا مؤقتا للقتال والعمليات العسكرية..
الظروف التي اعقبت الاتفاقية كانت صعبة وحرجة، والاجراءات القسرية المتخذة من قبل الحكومتين العراقية والايرانية عدوانية وشديدة، وكانت المخاطر التي تهدد البارتي كثيرة، كانوا يريدون قبره، وكثرة من الناس حاولوا تشويه نهج البارزاني، وإلصاق التهم الباطلة بقياديي الحزب السياسيين والعسكريين، تصرفات بعض القوى الداخلية التي دخلت الساحة ونشطت بفعل تأثيرات المؤامرة، وتصرفات البعث الشوفينية وممارسته لسياسة الانتقام بحق كل الكورد ولاسيما البيشمركه الذين عادوا الى العراق، ودعم الدول الاقليمية التي كانت تحلم باستحالة عودة الثوار الى الجبال، والتحليلات والتصريحات المغرضة، كلها كانت روافد مؤامراتية تصب في نهر مصالح المعادين للحزب الديمقراطي الكوردستاني ونهج البارزاني الخالد، ولكن في المقابل، كان الايمان الراسخ بعدالة القضية، والاستناد الى تاريخ نضالي ناصع، والى المكانة الهائلة للبارزاني في نفوس الكوردستانيين والولاء الكامل له، والاستعداد لمواجهة المخاطر ايا كانت اشكالها، كانت عوامل تحرك الصابرين وتدفعهم نحو المزيد من الايثار والتضحية وتهيئة الارضية السياسية المناسبة للعمل الجاد والمسؤول وللتقليل من اهمية وتأثير المخاطر، لذلك وبتوجيه مباشر من الاب الخالد مصطفى البارزاني كان الفقيد الشهيد ادريس بارزاني والرئيس مسعود بارزاني، المبادران الاساسيان اللذان جرت تحت اشرافهما إعادة تنظيم اولى الحلقات الثورية التي كانت تمتلك الطموح وروح التحدي.. وانطلاق ثورة كولان في 26/5/1976...
 


351
العراق بين هؤلاء وأولئك
   صبحى ساله يى
العراق يعاني مجموعة أزمات وجميعها أخذت وما زالت تأخذ مساحات واسعة من التحليلات السياسية والتوقعات حول أسبابها ونتائجها، والباحثون والمحللون يؤكدون على أن أكثرية الازمات خلقت بفعل فاعل، والفاعلون (وأولهم مختار العصر) يرون أن هناك موجبات وضرورات لخلقها أو صنعها، ولو نظرنا الى مفاجأة ظهور داعش واحتلاله لمساحات واسعة من الاراضي وتحقيقه لانتصارات متعددة في مناطق مختلفة، سنكون مرغمين على التركيز على التوقعات والبحث عن المؤامرات التي حيكت وراء الكواليس، والبحث عن أصحاب القرار الذين كانوا سبباً مباشراً في سطوع نجم داعش المفاجيء، تبدأ معها الإشارات الموجهة الى صاحب القرار، وربما تطرح معها أفكاراً تؤدي إلى الإحباط بين بعض الناس، وترهب آخرين وتدخلهم في حالات الذهول والحذر، أفكاراً نابعة من الخوف من إستمرار المشهد الذي يثخن المصائب والاهوال أو تكراره...
رغم أن صاحب القرار معروف لدى القاصي والداني، ولكن البعض ما زال يحاول دون هوادة طرح التوقعات المتفائلة المنسجمة مع رؤية المستقبل المشرق والأمنيات المشروعة والطموحات التي تدعو للاطمئنان والنابعة من العاطفة وباب التمني، توقعات بعيدة عن الواقع وغير صحيحة أصلاً، هدفها إما تضليل الذات أولاً والآخرين تالياً، أو تنفيذ خطة إنعطافية حادة نحو التغيير وفق مقاييس خاصة للربح والخسارة، أو التمهيد لإنقلاب خانق بعيد عن التوقعات، كتحريك القوة بهدف إحداث أزمة جديدة تغطي الازمات السابقة في المضمون والاتجاه وتضيف خسائر جديدة الى الخسارات الناجمة عن الأزمات السابقة على حساب أناس بسطاء يمكن أن يستغلوا لمآرب خاصة ويدفعوا الكلفة المطلوبة الضرورية دون ان تكون لهم فيها ناقة أو جمل..
هؤلاء الحالمون السابقون الذين كانوا يحيطون بمختار العصر، كانوا يحلقون على نشوة الخيال، لم يستوعبوا الحالة القابلة للحساب بلغة الأحداث والوقائع والنتائج، ولم يستطيعوا قراءة معادلات الإنتكاسات بسبب الخلط المستمر والعقيم بين الشعارات والأماني وبين الحقائق والوقائع، إنقلبوا على الدستور وأصدقاء الامس، و مازال البعض يقول (تخفيفاً أو تلطيفاً ) بإنهم إنحرفوا عن مبادىء الاخوة والتاريخ والنضال المشترك..
أما اليوم فيبدو ان الحاليين، إما لايريدون تقييما حقيقيا وغير عاطفي لما حصل من ممارسات خاطئة في ثمان السنوات الماضية، وتهدئة الأمور وطي صفحة المالكي وحملته التطهيرية في مؤسسات الدولة، وسياساته ضد الكورد والسنة وقسم من الشيعة،  والذي إشاع الصراع بسياساته الخاطئة وخلق الفوضى ليبرر بقاءه رئيساً للحكومة، وأجج الكراهيات على أسس بغيضة مازالت تحول دون الاتفاق على استراتيجية وطنية واحدة، وأسهم في أن يصبح التقسيم مطلباً ومخرجاً لدى الكثيرين، وهذا يعني إنهم يريدون أن يسلكوا النهج ذاته في التعامل مع الآخرين ولكن بإسلوب مختلف، وإما يعانون من ضغوط كبيرة مسلطة عليهم، بحيث تشل حركاتهم وإراداتهم وتمنعهم من تنفيذ الورقة التي تشكلت بموجبها الحكومة العراقية الحالية، الورقة التي ستبقى كباقي الاوراق ان لم يؤمن بها الجميع حقاً، وإن لم نلمس هذا الإيمان متجسداً في جميع التعليمات والقرارات..
 مع ذلك كله ، لانريد أن نغرق أنفسنا في بحر التحليلات التي توحي بأن الانتصار على داعش واستئصال الفساد ولجم المتطاولين على المقدسات والثوابت والقيم الانسانية، ومنع حدوث ماهو غير متوقع، سهل ومتيسر في ظل ظروف ميدانية وسياسية صعبة، وانقسامات مذهبية مؤلمة.



352
السياسة والقانون ودستور كوردستان...
   صبحى ساله يى
الذين يعرفون والذين لايعرفون الديمقراطية في حياتهم الخاصة، وفي حياة أحزابهم  السياسية، يرتكزون على مفردة الانتخابات في شعاراتهم، قسم من هؤلاء يمارسونها لأسباب مختلفة في مراحل معينة، ومنهم من لايمارسها أبداً، ولكنهم يريدوننا أن نفهم معنى الممارسة الديمقراطية والمغزى من التوجه نحو صندوق الاقتراع، وإحترام حق الترشيح ومنح الفرص المتساوية للدعاية العادلة، وحتى مواجهة الصعوبات المكلفة، كما يريدون وليس كما هو معلوم ومتداول.
هؤلاء ولأنهم لايعرفون أن المفهوم الأول في التجربة الانتخابية، يعني الإختيار المباشر من قبل الناخبين، وهذا حق من حقوق المواطن، وسحب هذا الحق من مواطني كوردستان يعني تراجعاً كبيراً عن الديمقراطية، ويجب الوقوف عنده للتأمل وإتخاذ القرار المناسب، لذلك، ومنذ مدة ليست بالقصيرة، وجهودهم وجهود  بعض النواب في برلمان كوردستان، وكذلك بعض السياسيين مستنفرة من أجل إمالة الميزان لصالح مواقف معروفة للقاصي والداني تحت بنود ومسميات الديمقراطيات والحريات الشخصية والمدنية والنظم الانتخابية، والتي تدعي بان الحريات والحقوق لا يمكن صيانتها ألا عبر نظام إنتخابي معين، تلك الجهود رغم عدم الإعلان الواضح عن مواقف وآراء أصحابها، أثمرت حتى الآن عن  ظهور بعض حالات التمزق والتفرقة، وهذا الأمر الخطير يتطلب منا جهداً وطنياً يستند إلى رؤيا صائبة تتعامل مع الواقع الكوردستاني بكل تاريخه وحاضرة وبكل ثوابته وخصوصياته كوحدة واحدة متكاملة .
المواطن الكوردستان.. ربما لايهمه نوع وشكل النظام الانتخابي سواء كان رئاسياً أم برلمانياً أم مختلطاً بينها، بقدر كونه يريد دستوراً يكون عند حسن ظنه، ويجسد التصافي والمصداقية والود والوحدة والتلاحم والتعاطف بين إفراد الشعب ويدعو إلى الوحدة والإخوة والمحبة ولا يفضل الكبير على الصغير ولا الغني على الفقير ولا الأبيض على الأسود ولا قومية على أخرى.
ويعلم إننا خرجنا من حروب بشعة وشرسة أكلت المئات بل الآلاف من خيرة شبابنا، وتعرضنا لمؤامرات أستعملت فيها كل فنون التفرق والتناحر والفتن، ومورس ضدنا الانفال والترحيل والقتل، وإمتنعوا عن دفع الرواتب والمستحقات الدستورية، ويعلم أن وحدتنا لا تعجبهم، لذلك ستضطرب نفوسهم وتتحرك مؤسساتهم ويتآمرون علينا ويسعون بكل الوسائل إلى إحباط كل المساعي الرامية إلى وحدة الصف والكلمة، ويعلم أن أعداءنا يملكون كل الوسائل، وهم أصحاب وكالات وقنوات فضائية وإذاعات مسموعة و صحف و مجلات وأبواق حاقدة وعنصرية، وثروات هائلة، ولايتوانون عن بث الإشاعات الكاذبة والسموم التي تسيء إلى وطننا وشعبنا وقادتنا.
وبمراجعة سريعة للوضع السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي في الاقليم، نستنتج أن كوردستان لاتنقصها الكفاءات، ولكن بعض الكفاءة خليط مزيف يحاول أن يكرس العقد التاريخية الوهمية، والعقد كما هو معلوم لا تبني شيئاً، ولا تبقي على شيء. لذلك نتوصل الى نتيجة مفادها أن الاقليم وسكانه بحاجة الى (مسؤول أول)، يجري انتخابه مباشرة من الشعب عبر آليات وضوابط دستورية واضحة، وتحت أنظار الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني، ووفق صيغة: صوت واحد لكل مواطن من دون أي إعتبار سياسي أو قومي أوديني، صوت على أساس، أن أصوات الجميع متساوية ومتعادلة في بلد واحد يعمه التسامح والتفاهم والاستقرار والعيش المشترك الذي طالما يشيد به كل من يزور الاقليم ويطلع على أوضاعه.



353
الصحافة الكوردية... بين الزهور والاشواك
   صبحى ساله يى
في يوم الصحافة الكوردية، هذه المناسبة الغالية على القلوب، لابد ان نكرر إن الإعلام الرشيد، يبني النظام الديمقراطي السليم، لانه ينتهج الموضوعية والصدق والنزاهة، ويتحدث بلغة الوضوح والشفافية، ويبتعد عن التشويه والتشهير والتعتيم ويتعفف عن التضليل والزيف والخداع، ويسهم في بلورة الرأي العام، وتنوير الناس وزيادة معارفهم وثقافاتهم عبر المعلومات المتنوعة، وعندما يطلق عليه في الكثير من البلدان بالسلطة الرابعة، لا لشيء، إلا لكونه حلقة الوصل بين الشعب والحكومة وبين الشعب والشعوب الاخرى، وعندما اختار الكوردستانيون الديمقراطية كمنهج للبناء والحياة، كان لابد من ان يبعث الاعلام بكل وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية، الطمأنينة وروح السكينة والهدوء في أبناء الشعب...
 لا أريد أن اتحدث عن دورالصحافة الكوردية والصحفيين الكوردستانيين الذين حافظوا لعقود طويلة على نقاوة الرسالة القومية والوطنية التي حملوها، وجهودهم المخلصة في اشاعة الثقافة ونشر المفاهيم المدنية، ومشاركاتهم الفعالة بالكلمة والبندقية في الثورات والانتفاضات الكوردستانية، ولكني أريد أن اتحدث عن المأزق الاعلامي المفجع الذي نعيشه هذه الايام جراء شيوع موجات التشظي الفكري غير المبررة والمزايدات الاعلامية التي قفزت الى الواجهة لاسيما في المرحلة الحالية التي نحارب فيها عدوا شرسا يملك إمكانات هائلة، ونواجه مشكلات إقتصادية كبيرة..
هذا التشظي الذي يسميه البعض جزافا بحرية التعبير، نلمسه بوضوح في التصريحات الصحفية والمقالات والدعوات العلنية للحرب الأهلية وإثارة الفتن وإحياء التفرقة وتقسيم الاقليم الى ادارتين، التي لاتعدو في حقيقتها محاولات خيانية تجاه الشعب والوطن وتنفيذا للاجندات والسياسات التي ينتهجها اعداء كوردستان.
أصحاب تلك التصريحات والدعوات الباحثين عن الشهرة، والمنجرين وراء حمى الصراعات المفتعلة التي اوجدتها الانانية بحجة حرية الرأي، والرأي والرأي الآخر، يرتعون ويلعبون مع الاسف الشديد في (بعض) القنوات الاعلامية الحزبية وفي الصحافة التي تدعي انها حرة، وكذلك في (بعض) القنوات الفضائية (التي تدعي إنها مستقلة)، فيفتعلون أزمات تلو أزمات، عن دراية أو جهل يساهمون بجهودهم لصالح أعداء كوردستان ورغباتهم الدنيئة في توجيه الصحافة الكوردستانية نحو تصارع كوردي ـ كوردي لا طائل منه. كما يستغلون الفضاء الديمقراطي والحرية السائدة من أجل تضخيم الثغرات وإفتعال المشكلات لدواعي التصيد في الماء العكر، وبذلك يؤكدون على أنهم أبواق مأجورة وأقلام مزيفة تعمد إلى قلب الصور الى اشكال مغايرة بعيدة عن حقيقتها، ويمارسون دورا مخزيا ومسيئا، ويعرضون أقلامهم وأصواتهم في سوق النخاسة للكلمة الوضيعة والضحلة.
 وثمة عشرات الحالات التي  تكشف وتفضح أكاذيب وأوهام هؤلاء، وترفع الستار عن مستوياتهم المخزية، وخاصة عندما يتجاوزون حدود الذوق والأدب والخلق الرفيع، ويختارون التشنج والاسلوب التخويني والمنهج المتطرف، والشتائم والبذاءات اللفظية والمصطلحات السوقية والعبارات الشائنة المتدنية..
وعلى خلاف هؤلاء نجد أناسا رائعين يعملون في المجال الصحفي والاعلامي، أناسا يمتلكون أقلاما نظيفة وخيرة، يأبون إستصغار ذواتهم وإذلال أقلامهم وأصواتهم أمام المغريات، يعتزون بوطنيتهم، ويراعون أخلاقيات المهنة والذات الانسانية والسلوكيات التي ترتبط إرتباطا وثيقا بالثقافة والمعرفة والادراك، ويعون ضرورات المرحلة ومهامهم الكبيرة والمؤثرة.
بقراءة بسيطة، وإستقراء لواقع حال الصحافة في يومها، نقول: اننا مطالبون أكثر من أي وقت، بضرورة الحفاظ على وحدة البيت الكوردي، وممارسة دورنا الرقابي والتوعوي والتوجيهي بجرأة، لنكون حقا أعضاء في السلطة الرابعة، ونصارح أنفسنا والرأي العام بمتطلبات وضروريات المجتمع المدني المتحضر.
ونهمس في آذان بعض زملائنا: إن كنتم لا تستطيعون أن تكونوا أزهارا، فلا تكونوا أشواكا ...



354
المنبر الحر / الدستور والمستور
« في: 16:11 15/04/2015  »
الدستور والمستور
   صبحى ساله يى
في كوردستان، وبعد أن قطعنا شوطا من الديمقراطية، ما زال البعض، ولأسباب غير مقنعة، يتعامل مع الوقائع والإرادات الوطنية ومع المواطنين كأرقام مجردة، ويريد أن يصادر حق المواطن بشكل مستور، ولا يحترم إرادته المعنية بتعيين الشخص المناسب في المكان المناسب، كما يعارض عملية الانتخاب المباشر بحجة ان البرلمان يمثل الشعب، وهذه الحجة غير المنطقية تتعارض مع تفاصيل المبدأ الذي يقول أن (الشعب مصدر السلطات وشرعيتها)، لأننا كما نعلم أن كل المواطنين هم الشعب، ليس فقط المشاركين في العملية الانتخابية، أو الذين يجلسون تحت قبة البرلمان، وشخصيا لا أعتقد أن هناك أحدا يرضى بأن يستحوذ اعضاء البرلمان الـ111 في كوردستان على الصلاحية المطلقة بإتخاذ جميع القرارات المصيرية للوطن، ولاسيما على سلطة انتخاب رئيس الاقليم، الذي يعتبر المنصب الاول في الوطن، وتسميته بالشكل والشروط التي يرتؤونها، فاذا ما اختلفوا على أمر، مهما تدنت أهميته وبشكل شرعي أو غير شرعي، يستطيعون شل البلد وإنهاك الشعب، ويجعلونه يكفر بفاعلية الديمقراطية والبرلمان المنتخب وبمصداقية أعضائه، أما إن توافقوا بأكثرية فإنهم يستطيعون تمرير الجمل بما حمل من ثقب الإبرة.
قضية سحب حق التصويت من المواطن ومنحه للنائب البرلماني (حسب الدستور)، وتحت بنود ومسميات الديمقراطية والحريات، أمر خطير جدا يتطلب منا جهدا وطنيا يستند إلى رؤيا صائبة تتعامل مع الواقع الكوردي والكوردستاني بكل تاريخه وحاضره، وبكل ثوابته وخصوصياته..
ومن يقرأ ما قاله الرئيس مسعود بارزاني حتى الآن بشأن الدستور ورئاسة الاقليم، يعلم إن سيادته شخص غير متمسك بالمنصب بقدر إحترامه لارادة شعبه في تمسك الشعب به، لإيمانه بـأنه الرئيس الذي يحمل راية الاخوة والتفاهم والتقدم والتحرر والانعتاق والفكر الحر، وبفضل حنكته وحكمته وبشهادة الجميع، أصبحت كوردستان ملجأ دائما لكل من ضاقت بهم السبل، ونبراسا بارزا في المنطقة والعالم.. وفي ظل سياساته التي تتميز بالاعتدال والوسطية والإيمان بحقوق الانسان، ظلت قوات البيشمركه تقاتل الإرهاب، وترد هجمات الإرهابيين وعصابات داعش القادمين من كافة بقاع الارض، بالكفاءة النادرة وقوة التخطيط وروح الإرادة ونشدان السلام والحرية، وتنتصر في جبهات عدة وترفع راية كوردستان، وتعطي دروسا بالغة الأهمية عن دور الإيمان بالقضية التي  يقاتل من أجلها، وتقف وتسهر على حراسة الجميع..
وبفضل السياسة الحكيمة للرئيس مسعود بارزاني وتضحيات الشهداء من أبناء شعبنا والبيشمركه، تحولت كوردستان الى (جزيرة الأخلاق والسلوك الراقي) كما وصفها الرئيس باراك أوباما، و(أصبحنا أمل العالم الحر المناهض للإرهاب، ومن أجل ذلك فان العالم المتمدن سيستمر في دعمه الدولي لكوردستان) كما قال نائب الرئيس الامريكي جوزيف بايدن.
وللتذكير فقط ، قال الرئيس بارزاني في مقابلة مع قناة (imctv) التركية:
 (لن ارضى بتمديد ولايتي الرئاسية خارج إطار القانون والبرلمان الكوردستاني، فنحن ملتزمون بالقانون وبقرارات برلمان كوردستان، وسيتم تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه بهذا الشأن)، وقال ايضا: (من غير الممكن أن أقبل بأي شيء مخالف للقانون).
وأخيراً نقول: عندما يحضر الاصيل، يجب ان يصمت الوكيل...


355
التشابك بالأيدي داخل البرلمان... تقليد أم.....
   صبحى ساله يى
ما حدث قبل أيام من تشابك بالأيدي بين عدد من البرلمانيين في قاعة البرلمان الكوردستاني، أثار جدلا في الأوساط السياسية والصحفية والشعبية في إقليم كوردستان بين معارض ومؤيد للحادث، كما أتاح الفرصة للإعلاميين للإلتقاء بمجموعة من المسؤولين الكوردستانيين للتعرف على آرائهم ورؤاهم حول ما حدث وحول مسيرة ومستقبل الديمقراطية في البلاد وتجاذباتها، ومصير الإتفاق السياسي بين الاحزاب والقوى الكوردستانية، خصوصا في ظل بروز بعض التوجهات غير المعتادة في تصرفات بعض النواب في الدورتين الاخيرتين للبرلمان الكوردستاني.
السياسيون لم يدخروا جهدا في توفير مناخات اللقاءات الجادة مع القنوات الإعلامية التي تلتزم بالمهنية في التعامل مع الاحداث، والتي أرادت تسليط الاضواء بحيادية على ما حدث، وكذلك القنوات التي بحثت كعادتها عن الاثارة،  بعض (السياسيين) كانوا صريحين وشفافين في تداول الحادث وربطوه بقضايا أخرى، وذكروا حالات مشابهة لما حدث في العديد من برلمانات الدول الاخرى، وأرادوا إعطاء الحدث حجمه الحقيقي دون تهويل أو تضخيم كما فعلت بعض القنوات الإعلامية، وقدموا النصح، ولو بنسبة متواضعة، للإستفادة من الحادثة في المستقبل والأخذ بإيجابياتها، وتفادي سلبيات خلفياتها، وأشاروا الى وجود رغبات شعبية جامحة نحوتجاوز الحساسيات والعقد والنزعات الفردية والضغائن، وكذلك مراعاة الاستحقاقات السياسية والتاريخية والاجتماعية والظروف الموضوعية الحالية في كوردستان والعراق والمنطقة بشكل عام..
فيما تحدث بعضهم دون توجس أو تحفظ عن السلبيات وإشكالاتها، والتباينات وتداعياتها، في المواقف تجاه قضية، وصفوها بأنها متعلقة، بحقوق الإنسان ومبادىء حرية الرأي والتعبير، وتجاهلوا إعتزاز الكوردستانيين برموزهم الوطنية والقومية التي أفنت حياتها في مسيرة الدفاع عن الشعب وإرساء الديمقراطية والامن والامان، وحققت الإنجازات المتعددة في مجالات البناء والاعمار والتعايش والتسامح والتصالح وتحقيق الحريات وخصوصا حرية التعبير، واستقلال المؤسسات بما فيها البرلمان الذي حدث فيه التشابك، رغم اعتراف الجميع بوجود بعض السلبيات التي طالت المسيرة، كما أن هؤلاء تناسوا الاستئناس بالمفاهيم والقيم والثوابت الوطنية والقومية والرغبات الجماعية التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وحتمية وصول المجتمع الكوردستاني إلى التطوير الكامل وتقديم النموذج الملائم للديمقراطية المتوائم مع ظروف المنطقة..
الحادث، بسلبياته وإيجابياته، والآراء غير المسؤولة التي طرحت حول الموضوع والتي لم تراع خطورة المرحلة الحالية التي تعتبر بحق مرحلة لملمة الجراح بسبب الأزمات التي حلت بنا، وكما لم تراع إجماع الكوردستانيين كلهم على الإلتزام بالقوانين والقيم والثوابت الكوردستانية، والتي كانت معروفة النيات والمآرب، وأصحابها الذين إستهواهم الحديث عن الجزئيات وتناسوا أن الاختلاف السياسي بين النواب ظاهرة صحية، وأن المكاسرة السياسية بين الكتل البرلمانية، لاتعني التلاسن اللفظي والشتم وكتابة المقالات الاستفزازية في الصحف والمواقع الالكترونية، والمخالفة من أجل الشهرة ليست ثقافة كما يدعي البعض، يدعونا الى التوقف والتأمل والتفكير والتساؤل عن دور الجهات المسؤولة عن منع التطاول على الاخرين وبالتالي منع كل الامور التي تسيء لأبناء الشعب الكوردستاني ولهيبة الحكومة وبرلمان الإقليم، خصوصا وأن الكتلتين البرلمانيتين والحزبين اللذين ينتمي اليهما المتشابكون حاولوا إحتواء ما جرى، ورئاسة البرلمان استوعبت الحدث بعقلانية..
ما حدث يدعونا الى دراسة وتقييم أدوار المزايدين السياسيين والقنوات الاعلامية التي تتبرأ من المسؤولية وتحاول أن تجعل من الحبة (كبة)، وتصب الزيت على النار أينما وجد، وتحاول أن تدغدغ العواطف والأحاسيس، كي تتفاعل مع الأحداث بسلبية مطلقة، بدلا عن نشر ثقافة التسامح والمحبة والسلام والمساواة والتعاون والتضحية والاحترام المتبادل بين الجميع، وتعزيز الانتماء لكوردستان.
 



356
هلبجة...
شاهد إدانة
صبحي ساله يي
في السادس عشر من آذار مرت علينا الذكرى السنوية ال(27) لجريمة قصف هلبجه بالسلاح الكيمياوي المحرم دولياً، هذه الذكرى تذكرنا بجرائم البعث منذ توليه السلطة في فترتي 1963 و1968-- 2003، في الاولى شن حرباً شعواء على كوردستان، ومارس الحرق والقتل والتهجير وتدمير القرى في أطراف كركوك، وبالذات في المنطقة الواقعة بين كركوك ودوبز والمناطق الكوردستانية القريبة من الآبار والمنشأة النفطية، وفي المدن العراقية الاخرى مارس سياسة تهجير الكورد الفيلية الى ايران بدوافع سياسية واقتصادية وشوفينية وطائفية، وفي الفترة الثانية، إستمر البعث في سياسته الحمقاء تجاه كل ما هو كوردي وكوردستاني، وإستخدم جيشه وأجهزته القمعية لمآرب وغايات بعيدة عن كل القيم الانسانية، وسخر موارد البلاد لشراء الاسلحة ليستخدمه ضد الكوردستانيين في حربه غير العادلة، كما تابع سياسة فترة حكمه الاولى تجاه الكورد الفيليين، وهجر أكثر من 600,000 مواطن كوردي فيلي من حملة الجنسية العراقية بذريعة انهم من اصول إيرانية، وأسقط عنهم جنسيتهم، وجردهم من وثائقهم وجميع مستمسكاتهم الثبوتية، وسلب ممتلكاتهم المنقولة وغيرالمنقولة، كما قام  بحجز وتغييب اكثر من 20,000  من أطفالهم وشبيبتهم ورجالهم ونسائهم، واستخدم القسم الاكبر منهم في تجاربه الاجرامية على الاسلحة الكيمياوية والجرثومية، بعدها استخدم ناتج تلك التجارب البشعة في قصف هلبجه ومناطق أخرى في كوردستان كجافايتي وباليسان وكوكتبه وعسكر.
النظام البعثي عندما قام بقصف هلبجه، وقتل أكثر من (5000) إنسان، كان متجرداً من الاخلاق وكل القيم الإنسانية وخارقاً لكل التعاليم السماوية والقوانين الوضعية والاتفاقيات والعهود الدولية في تعامله مع الكوردستانيين عامة وقسماً من العراقيين، وكان قد مارس الوحشية المفرطة وغير المبررة في جرائمه النكراء التي كانت لاتفرق بين البيشمركه المؤمن بقضايا شعبه ووطنه العادلة، والذي كان يحمل السلاح دفاعاً عن أرضه وعرضه، وبين المريض وكبير السن والحامل والطفل الرضيع، وكان يهدف لمحو مكون أصيل عبر تدمير البنية الاقتصادية وتمزيق النسيج الاجتماعي وطمس الهوية الوطنية والقومية ومحاربة لغة وثقافة وتراث الكوردستانيين، وكان قلب صدام وغالبية البعثيين الشوفينيين قد امتلأ حقداً وغيضاً على الشعب الكوردي، لذلك منح صلاحيات مطلقة لقواته والمجرم علي كيماوي، لتنفيذ سياسة عسكرية وأمنية وحشية وأقترفت قواته شتى أنواع الجرائم البشعة التي تفوق التصورات، والتي تم تصنيفها لاحقاً كجرائم جماعية ضد الإنسانية، مع ذلك خاب وإنهزم وإندحر في معاركه وبقى الكوردستانيون وبقيت هامتهم شامخة.
قبل سقوط الصنم، سمعنا من أصدقاء الامس الكثير والكثير من الكلام الطيب والجميل، وبعده، واتخذت السلطات التشريعية والقضائية الاتحادية قرارات واضحة وصريحة، جميعها تؤكد أن ما ارتكبه النظام السابق من جرائم ضد الكورد هي جرائم ابادة جماعية، ولكن تلك القرارات وضعت على الرفوف العالية ولم تنفذ بسبب وجود تلكؤ واضح، وتهرب مقصود لدى الاجهزة التنفيذية للدولة، وإستمرار عقلية العداء تجاه الكورد لدى أناس تولوا زمام المسؤولية بسبب التوافقات السياسية ، وعدم وجود الرغبة والارادة السياسية لدى القوى المتنفذة لحل الاشكالات والمشكلات والقضايا السياسية التي تتطلب حلولا واقعية تلتزم بها كل الاجهزة المعنية لإحقاق الحقوق المشروعة وصيانة المصالح الدستورية لكل المواطنين بما فيهم الكورد..
ونحن نستذكر في هذه الايام شهدائنا الابرار في هلبجه وفي حملات الانفال السيئة الصيت التي راح ضحيتها أكثر من (182) ألف شهيد، وشهداء الكورد الفيلية، وثمانية آلاف شهيد من البارزانيين الذين غدر بهم البعث الفاشي وأتباعه، لايسعنا إلا أن نبتهل الى الباري عزوجل أن يغمد شهداء الكورد وكوردستان وشهداء الانسانية أجمعين برحمته الواسعة ويسكنهم فسيح جناته، ونطالب بتنفيذ القرارات المتعلقة بالجرائم المقترفة بحق الضحايا...
 
 
 
 



357
في العراق... أناس أمنوا العقاب فـ ....
   صبحى ساله يى
العراق يخوض اليوم حربا شرسةً على الإرهاب، هذه الحرب المستعرة والتي أصبحت بمثابة حالة مفروضة نالت من الأمن والاستقرار، وأزهقت أرواحا بريئة كثيرة، ودمرت قرى وقصبات ومدنا، وحولتها إلى أطلال وأنقاض متراكمة، وشردت الملايين، حرب كلفت خزينة البلاد مليارات الدولارات، وفتحت الابواب مشرعة أمام الفاسدين كي يوغلوا في فسادهم، ورغم كل تلك المصائب، والاقتراب المريب من الانهيار بسبب التعنت والسياسيات المتصلبة، يبدو أن جرائم الحرب التي إرتكبها الدواعش والفضاعات التي إقترفها البعض من سياسيي الصدفة وغفلة الزمن، أعادت الوطنية والانسانية الى بعض من الذين فقدوها، وأيقظتها عند الذين أناموها، وأعادت التوازن، وتحاول إعادة التوازن ولو بصيغة غير كاملة إلى الساحة السياسة العراقية، بعد أن تعلم اللاعبون دروسا في مراعاة التوازنات الاقليمية والدولية الدقيقة، وامتلكوا الرغبة في تجاوز الوضع المربك بأقل الخسائر..
وفي ظل حالة الأمر الواقع المفروضة منذ سيطرة داعش على مساحات من الاراضي، وما قامت بها أطراف معينة بأهوائها من تعطيل وإرباك للواقع، مستفيدة من الفوضى والفرص المتاحة للتصعيد والقطيعة، نلاحظ أن في العراق حالة أخرى، وهي وجود أناس مجتمعين حول هدف واحد هو مكافحة الارهاب، وفي حكومة واحدة هدفها (المعلن) بناء ما تم تدميره، وإجتثاث الفاسدين. وهذا يعني أن في خضم هذه الحرب هناك إرادتان متقابلتان متضادتان تعملان في العراق:
 إرادة داعشية شريرة متوزعة على جبهات متعددة، متوحدة في الغاية متفرقة في الوسيلة، تقتل وتحرق وتدمر وتحاول تهييج الشارع وبناء الحواضن الخائنة، وتهيئة الاجواء للتمدد الارهابي، والحصول على المزيد من الاموال والتعاطف وتبرر الخراب والدمار والقتل، تسوق مفردات الخيانة والعمالة وغير الشريف وغير الوطني والمنبطح دون وازع أو ضمير، ويساند تلك الارادة (الداعشية) أناس من ذوي الأحلام المتخلفة، لايعملون الا في البيئة المأزومة، فاشلون عابثون مفسدون في الأرض، يمكن تسميتهم بدواعش السياسة، يعيشون في حالة الهذيان وما يزال صوتهم مرتفعا، ربما، لأنهم أمنوا العقاب، لذلك يتمادون في الاستخفاف والاستهتار بأرواح المواطنين وتعطيل مسيرة البلاد، ويعيقون العملية السياسية ويعرقلون التقدم في الإصلاحات..
وإرادة خيرة تخطت حواجز التغافل عن الاحداث والتسامح مع الخونة والفاسدين، ووصلت الى حالة الحزم في التعامل مع الوقائع والازمات بتحاشي منهجية التصعيد كلما أمكن، وطبعا، سياسة الحزم هذه لايتقنها إلا الخيرون، وفي جولة سريعة بين ما فعله الخيرون نلاحظ تجييشا في الشارع ضد الإرهاب بعد أن كان منقسما بشأنه، ونجاحا في اللعب على جمع تناقضات كانت تثير السخط، وتأجيلا للخصومات والعداوات التي تعيق السلطة عن لعب دورها الايجابي وإمتلاكها لزمام المبادرة في توفير الاجواء المناسبة للتفاهم والتصالح، وتخفيفا للمعاناة ولو بإمكانات بسيطة أو وعود تطلق هنا وهناك..



358
جبال كوردستان ومهاباد وآراس وسنوات المنافي وثورة ايلول، أبلغ وأصدق انباء من الكتب

صبحي ساله يي
يوم رحل البارزاني مصطفى، في الاول من آذار عام 1979 ، بكت الامة الكوردية من أقصاها الى اقصاها حزنا والما.. وودعت قائدا وأبا عظيما يتمتع بكل الصفات والسمات القيادية الرفيعة من ذكاء متقد وحكمة وقدرة عالية على ادارة الازمات والتعامل معها بحنكة واصرار لا يلين.
يظل من يتحدث عن الكورد كشعب تواق للحرية، ومتطلع نحو مستقبل مشرق، تتحقق فيه أمانيه القومية والانسانية وفق معايير حقوق الانسان المشروعة والقيم الدينية والمواثيق الدولية، ومن يرفض الصهر القومي والتغيير الديموغرافي والعنصرية والشوفينيات الضيقة، ومن يستنكر ممارسات الانظمة الخارجة عن القانون التي تعاقبت على كراسي الحكم في بغداد، ويدين حروب الابادة التي إستهدفت الكورد، ومن ينظر الى نضال البيشمركه بإنصاف، يذكر و يتذكر الرمز الوطني والقومي في حياة الشعب الكوردي، المرحوم الخالد مصطفى البارزاني، الذي ولد في 14آذار 1903 وقاد خلال سنوات عمره ثورات قومية متتالية، وناضل طويلا وقاوم الظلم والعدوان والدكتاتورية، وأسس حزبا سياسيا كوردستانيا قدم الكثير من التضحيات من خلال حركة تحررية وطنية وثورات متتالية، وشارك بفعالية بالغة في وضع اللبنات الاولى لجمهورية كوردستان في مهاباد، وخلال اكثر من نصف قرن من النضال المتواصل أسس البارزاني الخالد مدرسة نضالية لها تقاليدها وأخلاقها وجذورها وقيمها وقد تغلغلت مبادئ هذه المدرسة داخل النسيج الاجتماعي لشعبنا الكوردي واستقرت في وجدانه، واستطاع الخالد ان يقود اطول ثورة كوردية في تاريخ الكورد واعظم حركة قومية تحررية، وبقيادته انطلقت في ايلول عام ١٩٦١، ثورة عارمة تميزت خلالها العلاقات العربية – الكوردية بخصوصية كبيرة إستندت على أسس التلاحم المصيري المشترك، والرغبة الصادقة في نبذ الاستبداد ومقاومة الطغيان والتطلع إلى الحرية، ثورة إشترك فيها الكوردستانيون جميعا، أرغمت حكومة البعث في ١١ اذار من عام ١٩٧٠ على التوقيع على اتفاقية أقرت بموجبها بشكل رسمي الحقوق الاساسية للكوردستانيين.. بعد مرور فترة قصيرة على توقيع اتفاقية اذار للسلام، حين زاره وفد من بغداد تقمص أعضاؤه شخصيات رجال دين في 29 ايلول، تعرض البارزاني الخالد الى محاولة اغتيال، وكانت محاولة غادرة بتخطيط من صدام حسين الذي كان يشغل منصب نائب رئيس العراق، ولكن الله سبحانه وتعالى حفظ حياة البارزاني ونجا من تلك المحاولة الدنيئة، وبعد أربعة أعوام  على الاتفاقية تخلى البعث عنها وتنصل من بنودها.
مع ذلك ظل الخالد مؤمنا بالتسامح والعفو عند المقدرة، وحريصا على صيانة وتعزيز الروابط بين ابناء العراق، وزرع قيم الخير ونشر ثقافة التسامح في العراق لأنه كان قائدا أصيلا ومناضلا يحمل مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة والإصرار الذي توارثه عن عائلته الكريمة، والرمز الذي جسد العزيمة في مقارعة المضطهدين ومقاومة جميع انواع الاضطهاد والظلم.
كان الخالد قائدا الشعب الكوردستاني أجمع على حبه والسير على نهجه الوطني الذي يعتبر مصدرا للفكر القومي الذي ألهم كورد الأجزاء الأربعة لكوردستان، نهجه لم يحمل في طياته أي نزعة شوفينية، وكان متحالفا مع القوى العربية المتفهمة لعدالة القضية الكوردية، كما لم يلجأ الى أي وسيلة إرهابية تضر بالمواطنين الأبرياء. المتابع بشغف وهدوء لتفاصيل نهج البارزاني الخالد، وعندما يربط الماضي النضالي بالحاضر المزدهر، والمستقبل المشرق، بموضوعية وتحليل علمي دقيق،  يجد في كل مرحلة يجتازها الكوردستانيين وتجتازها الحركة التحررية الكوردستانية عموما، حضورا معنويا وفكريا للبارزاني الخالد وبصماته الواضحة ونتائج نضاله وانجازاته خلال أكثر من نصف قرن، ولأن نهج البارزاني سفر تأريخي ملهم، فيه ثوابت ومبادىء تتناسب مع روح العصر ومتطلبات مصالح الحركة التحررية الكوردستانية، يبقى ماثلا في حياة أجيال بكاملها وسيبقى الكوردستانيون بحاجة اليه في الحاضر والمستقبل كما كانوا بحاجة اليه في الماضي، لانه نهج كوردستاني يتميز بالفداء والتضحية، وبنهجه السليم استطاع الخالد بامتياز خلق وحدة وطنية صلبة بين كل أطياف ومكونات ومذاهب الشعب الكوردستاني والأنطلاق من تلك الأرضية لقيادة نضال بطولي وكفاح طويل من أجل حرية الشعب الكوردي وقضيته العادلة في مناخ دولي بالغ التعقيد، وهو من اطلق على كركوك عبارة (قلب كوردستان)، التي باتت من المفردات المقدسة لدى كل أبناء الشعب الكوردستاني ومن المحرمات التي لا يجوز ولا يحق لكائن من كان التفريط فيها أو المساومة عليها...
حياة هذا القائد العظيم و سيرته حافلة بالبطولات والتضحيات والمنعطفات والتي هي إستثنائية بالمطلق قياسا بسيرة العشرات من قادة الحركات التحررية في العالم،  وقد تكون بارزان وثوراتها المتتالية في 1931و1932و1943وو1944و1945 ومهاباد وجمهوريتها الفتية، ونهر اراس الذي تم عبوره بعد قتال مع جيوش ثلاث دول هي ايران والعراق وتركيا في جبال كوردستان، وسنوات المنافي الطويلة وثورة ايلول العظيمة، أبلغ واصدق انباءا من الجميع ومن كتب التاريخ، بالتوضيح والبيان.
أدار البارزاني الخالد المعارك البطولية والجولات التفاوضية مع الحكومات المتعاقبة في بغداد بحكمته وصبره الذي أذهل العدو قبل الصديق، وكان صاحب نهج ثوري فريد من نوعه في منطقة تعصف بها الكوارث والمحن، وكان بإدراكه الواسع وتقييماته الواقعية للأحداث والمستجدات وتفهمه العميق للعراقيل والمعوقات، وطريقة تجاوزها بذكائه الفطري وحكمته ومثابرته، يستطيع تجاوز المحن.
لقد جمع البارزاني الخالد صفات رفيعة وارادة سامية، وريادة شجاعة، عاش بين الفقراء والمحاربين أملا في الحرية و من خلال سلوكه السوي، وخلقه الرفيع، أدرك أبناء كوردستان معنى فلسفة الديمقراطية والفدرالية والتآخي والتعايش والتسامح، وتمتع بقوة العزيمة والثقة العالية بالمستقبل وبالنفس الطويل لمواصلة الخطى للتخلص من آلام الجوع والبؤس والتخلف المتعمد، كما تميز الخالد بالحيوية وفهم الجماهير التي يقودها، وبممارسة سياسة مرنة مع المقاتلين، لذلك اعتبر أبا روحيا لعموم الكورد ولشعب كوردستان..
وأخيرا نقول إن كل الذين قابلوا البارزاني الخالد وصفوه بأوصاف الشخصيات العظيمة كعزيز النفس وشديد التواضع والمتسامح الذي يتمتع بشخصية جذابة يحترمها الجميع، ويحب الضيوف ويكرمهم انسجاما مع التقاليد العشائرية للكورد، والقائد الذي يفكر دائما بقضية شعبه من منطلق الحكمة والصبر والثقة بالنفس، الرافض لسياسة العنف والتطرف وأي عمل ارهابي، والقائد السياسي الذي لا يقبل اي تصرف يدل على الغدر مثل تلفيق تهم الخيانة والاغتيالات السياسية..
 



359
المنبر الحر / وطن لهم، ولنا....
« في: 21:29 25/02/2015  »
وطن لهم، ولنا....

   صبحى ساله يى
رغم ممارسة كل أنواع الجرائم الوحشية ضد الكورد، سقط الطاغية البعثي، وتم إقرار دستور يلبي جزءا من حقوقنا، فاستبشرنا خيرا بالوصول الى نقطة قد تكون مفصلية لتحول الافكار المعادية ضدنا، ولكن صدمتنا بحكومتي المالكي ومن سبقها، وغض النظر عن الممارسات البعثية السابقة، والاستمرار في الخديعة والمؤامرة بأساليب مختلفة عن السابقات في الشكل ومشابهة لها، أو متفوقة عليها، في المضمون، فضلا عنخرق الدستور، بعثت إلينا رسائل خطيرة جسدت خيبة الامل والشعور الحقيقي بالغبن والتهميش وإستحالة الشراكة، وجعلتنا أكثر نفورا من كيان إسمه العراق، وبالتالي أكثر تقبلا لدعوات ممارسة حق تقرير المصير والإنفصال.
أما التعاطف المشكور للبعض معنا، وتأييدهم لقضايانا وحقوقنا العادلة والدستورية، والذي يتحدث عنها الكثيرون، فإنه لايوازي قطعا سكوت البعض الاخر تجاه الممارسات الخاطئة الموجهة ضدنا، أو الهجمات الظالمة التي نتعرض لها من أناس كانوا الى الامس القريب رفاقا بين صفوف البعث أو كانوا هاربين من جوره ويحتمون في خنادقنا ونعتبرهم من الاخوة، و بحساب الفرق بين من يدينوننا بشتى التهم الباطلة وبين الذين يؤيدوننا، نرى أن الاولين هم الاكثرية..
العاقل لا يحتاج إلى برهان لتأكيد انحراف الفئات التي انتشرت ونشرت معها الخراب والدمار، لأن كل مشاهد الكوارث توضح أن الفكر الذي يقف خلف تخطيط وتنفيذ تلك الممارسات هو فكرمريض غير سوي، يتلذذ بممارسة التفرقة المجردة من روح التعايش والتصالح، والبعيدة كل البعد عن سماحة الأديان السماوية والقيم والمثل الاخلاقية، وهذه الممارسات تؤكد إستحالة الركون إلى كلامهم أو وعودهم، أو الاطمئنان اليهم والتفاوض معهم..
في العراق اناس إنتهازيون ومنتفعون ومصفقون ومهللون، يقلبون الحقائق ويحاولون إعادة الزمن والتاريخ الى الوراء، ومسح الذاكرة وكل ما في القلوب والعقول بسجالات لا تنتهي وفواجع مريره، ويضيعون الحقوق، ويعتبروننا إنفصاليين وإن لم ننفصل.
ومن المفارقات المضحكة المبكية، أن الذين غدروا بنا وما زالوا يغدرون يهاجمون الاستعمار ويلعنون الحدود المصطنعة بين الشعوب، والأوضاع التي يعيشونها، عدا ما يتعلق بالشعب الكوردي والحدود المرسومة من قبل سايكس وبيكو التي اخضعت أرض كوردستان لدول الشرق الاوسط، إذ ما يزالون يتجاهلون الواقع الجغرافي المصطنع الذي يعيشه العرب والكورد معا في دولة تسمى العراق، ولا يعرفون أن النهج الحضاري المتطور ومبادىء حقوق الانسان تعمل على منح الجميع حقوقهم بما فيها الاتحاد الاخياري أو الانفصال واعلان الدول بشكل سلس وسلمي عبر التفاهم والحوار، كما إنهم يغضون الطرف تجاه المؤشرات السياسية والدبلوماسية والامنية والاقتصادية التي تشير الى قرب موعد تحقيق الحلم الكوردي المنشود في إقامة دولة كوردستانية، ويزعمون أنهم مستعدون لإطلاق المبادرات والحلول مقابل الحفاظ على وحدة بلد لم يكن في يوم من الايام موحدا، ويفكرون بطرق بدائية تدور داخل دائرة الامثال الشعبية عن الوطن الواحد والشعب الواحد، ويعتبرون الحدود أمرا مقدسا لايمكن المساس به، وهدفهم غير المعلن هو (فقط) منع الكورد من نيل حقهم المشروع ..
فهل نصدقهم وننسى ما فعلوا وما يفعلون، ونكذب الواقع والاثباتات والوثائق، ونتماشى مع مفهومهم التقليدي للشراكة، ونعيش معهم في كيان إسمه الوطن (لهم)، ونحن لم نلمس فيه ما يدل على أنه وطن (لنا)؟
 



360
كركوك محمية بأبنائها البيشمركه
  صبحى ساله يى
في مقابلته مع صحيفة الحياة، تحدث الرئيس مسعود بارزاني عن دخول قوات الحشد الشعبي الى كركوك، قائلاً:
لسنا في حاجة إلى الحشد الشعبي، ولن نسمح بدخول أي قوات إلى كركوك، إذا احتجنا نحن سنطلب من أصدقائنا وحلفائنا، الآن لسنا في حاجة إلى قوات لا من الحشد الشعبي ولا من غيره.
هذا المبدأ تم تأكيده من قبل أكثر من مسؤول سياسي وعسكري وإداري كوردي وعربي وتركماني في كركوك، وهذه التأكيدات جاءت بعد تيقن هؤلاء من ان قوات بيشمركة كوردستان وقوات الآسايش اثبتت فعلياً انها كفيلة بحماية كركوك وحدودها وأهلها والدفاع عن جميع مكوناتها، وأنها قوات نزيهة نظامية تقاتل بشرف ونبل وكرامة من اجل الارض والوطن والانسان وبإمكانها حماية كل مكونات كركوك من أي خطر قد يداهمهم..
الحشد الشعبي المتشكل بمباركة المرجعية الدينية في النجف الاشرف، ظهر كضرورة فعلية لمواجهة الدواعش ومحاربة الارهاب، وأوقف زحف داعش نحو بغداد وحافظ على المناطق المحيطة بها، وأدى مهمات عدة  في ديالى وصلاح الدين، ولكن توجهه نحو كركوك الآمنة والمستقرة، يطرح العديد من الاسئلة، منها لماذا هذا التوجه الذي سيؤدي حتما إلى نتائج سلبية وتعقيداً للأوضاع، ويكون سببا لتوترات سياسية وأمنية؟ . ولماذا هذا التوجه الذي يعتبر تصرفا جديدا من الحكومة الإتحادية ضد الكورد؟، وخطوة بعيدة كل البعد عن مبدأ الشراكة الحقيقية في إدارة البلد، وتكرارا للأخطاء التي مرت في الماضي، والكل يعلم أنه لولا قوات البيشمركه، التي أثبتت جدارتها وقدمت المئات من الشهداء والجرحى، لكانت كركوك الآن تحت سيطرة داعش، مثل الموصل وتكريت وأجزاء من الأنبار وديالى؟.. لماذا هذا التوجه والكل يعلم أن قوات البيشمركه الموجودة حالياً في كركوك كفيلة بحماية مكوناتها وطوائفها وبنيتها التحتية؟، وقيادة الإقليم اعتبرت حماية الكركوكيين واجباً وطنياً وقومياً، وأكدت مرةً أخرى أن الكورد سيبقون عامل استقرار وخير لكل العراقيين؟. لماذا هذا التوجه والكل يعلم أن هناك مناطق أخرى غير كركوك بحاجة الى الحشد الشعبي؟..
 كركوك والمناطق الأخرى، التي تسمى بالمتنازع عليها، هي التي جسدت تصورات الكورد السياسية وعلى أساسها بنى الكوردستانيون شكل علاقاتهم مع الحكومة الإتحادية والاحزاب والقوى السياسية، وأن سياسيي العراق العقلاء، سنتهم وشيعتهم، تفهموا المطالب الكوردية وإعتبروها مطالب مشروعة، لاسيما وأن الدستور إستوعب تلك التصورات، ورسم على أساسها خارطة طريق في المادة 140، تلك المادة التي احتوت على مراحل: التطبيع، الإحصاء السكاني، والإستفتاء العام حول تبعية تلك المناطق فيما اذا إختار سكانها البقاء مع الدولة المركزية أم الانضمام الى إقليم كوردستان..
 اليوم ينبغي على الجميع الإلتزام بضمير الدستور، والاعتراف بكوردستانية كركوك وعدم حاجتها لقوات الحشد الشعبي، وبأن قوات البيشمركه لوحدها قادرة على حمايتها أكثر من أي قوة أخرى، كما ينبغي على سكان كركوك، كوردهم وعربهم وتركمانهم، التفكير بالعقل والحكمة، والنظر بتمعن الى الواقع الجديد الذي يؤكده مواقف الكوردستانيين الذين ما زالوا مخلصين للعلاقات مع الجميع ..

361
يدعون الوطنية... ويرفضون إلغاء قرارات البعث
  صبحى ساله يى
الممارسات البشعة التي اقترفت بحق الكورد والتركمان خلال الحقبة البعثية في كركوك والعديد من المناطق الاخرى تركت جراحا مازالت تنزف، رغم ذلك ما زال البعض يرفض النشاطات النيابية والدستورية والقانونية التي ترمي الى نيل الاعتراف بما لحق من أذى بأناس ذنبهم الوحيد انهم ليسوا عربا، ويعادي معالجة الاثار السياسية والاجتماعية والنفسية للضحايا.
الغاء القرارات البعثية الجائرة الصادرة بحق الكركوكيين قد يخفف من مرارة آلام الضحايا، لذلك يعترف المنصفون العرب بهذا الامر، ويقرون بأن ما حدث كان جريمة، ويتحركون بإتجاه إعادة الحقوق الى أصحابها..
الكورد  يدركون ان لا معنى للانتقام لذلك لم يمارسوه عندما قدروا عليه، لانه (الانتقام) لن يعوض خسائرهم ولن يضاعف مواردهم، ولأهم يرومون الحصول على العدالة، ويريدون تفادي استمرار الظلم ومعالجة آثاره، لذلك يتشاركون مع المنصفين من العرب في المطالبة بالغاء القرارات المجحفة لمجلس قيادة الثورة المنحل وإقرار قرارات أخرى تضع اسسا قانونية تحمي الجميع من غول الايديولوجية القومية.
أما الحقيقة المؤلمة فهي ان المدافعين عن قرارات البعث، ومن شاركه من العراقيين العرب الى اليوم، يحاولون اما نفي احتمال ممارسة الفظائع والجرائم وإيفاد هذا العدد الكبير من العرب الى كركوك وطرد اعداد كبيرة من الكورد والتركمان منها، اي انهم يشككون في العدد، أو يحاولون الايحاء بان الكورد والتركمان كانوا يتآمرون على السلطة، لذلك كانوا يستحقون العقاب، والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم ومن ثم منحها للعرب الوافدين..
قبل أيام تمت القراءة الاولى في مجلس النواب العراقي لمشروع قانون الغاء القوانين والقرارات التي اصدرها نظام صدام بخصوص الاراضي في كركوك، وساد الجلسة نوع من التوتر والاحتقان، كان سببه اطراف عربية سنية وبعض من ذوي الميول الشوفينية. تلت تلك الجلسة جملة من التصريحات والتصريحات المضادة التي كانت نتيجة متوقعة لسنوات عجاف من الشحن القومي والمذهبي والطائفي..
فقد عد نائب عن ائتلاف عرب كركوك (وليس عن كركوك)، أن تصويت البرلمان على إلغاء قوانين صدام الخاصة بالمحافظة، يشكل مواصلة لسياسات (الإقصاء والتهميش والاستهداف) بحق أبناء مكونه، فضلا عن تداعياته على أمن كركوك ومستقبلها السياسي وحفاظا على الدم العراقي.
ودعا الى احتضان المكون العربي في كركوك ودعمه، متسائلا: أين يريدون الدفع بالمكون العربي في كركوك ومن الذي يسانده؟
لا أريد مناقشة ما قاله السيد النائب لأن أقواله واضحة، وأهدافه معلومة، ولكني أقول له: يا سيد... أولا، إحمدوا الله على عدم لجوء أهالي كركوك الاصليين بعد تحريرالعراق من براثن وجرذان البعث، إلى معاقبة الوافدين الذين غدروا بالكورد والتركمان وإحتلوا الأراضي والممتلكات وكانوا أدوات قذرة بيد آلة البعث الشوفينية. وثانيا، أرى إنكم امام خيارين لا ثالث لهما، اما الانسجام مع المتغيرات السياسية والحلول المنطقية والواقعية التي يجب اتباعها، والقبول بإعادة الحقوق الى أصحابها الشرعيين، ونسيان الاحلام غير القابلة للاستمرار، أو الاستمرار في الحلم ووضع العصا في عجلة مسيرة العراق، والعمل على البقاء خارج القانون وخرق الدستور وإحتضان الجماعات المسلحة والعبث بمستقبل العباد والبلاد.



362
المصالحة بين الدعوات المخلصة والمزايدات السياسية
   صبحى ساله يى
الحاجة الى المصالحة الوطنية أو السياسية بين العراقيين ليست عرضية، وليست إبنة ساعتها، لأن لها مخلفات تاريخية قديمة، ومرتبطة بمشكلات تاريخية قديمة والحدود المصطنعة التي رسمت طريقها المليء بالمطبات من قبل سايكس وبيكو، وسار عليها العراقيون رغماً عنهم، وعانوا من آثارها ونتائجها عبر التاريخ الى عهدنا الحالي. ولكن، كلما تتجدد الدعوة الى المصالحة، ونسمع النداءات التي تدعو الى تشجيع الحواروالمصالحة، وتقليل النعرات الطائفية والمذهبية والقومية، وإستغلال الفرص المواتية لمعالجة أزمات البلاد المرتبطة بأزمة التنافر وعدم الثقة، يرتابني إحساس عميق بالمرارة والخيبة، لأنه ليس سهلا الدخول في منطق المقارنة بين العيش والتعايش في حالة البهجة بالحرية والتسامح والتصالح، وبين العيش تحت كاهل الفوضى والانهيار والفشل، وليس سهلاً تحمل التخمة (بالمصطلحات والعبارات الرنانة)، ونحن على يقين بأن تلك العبارات لاتغني ولاتسمن، بل حتى لاتحافظ على المعنويات..
المصالحة ليست بحاجة الى لجان ورؤساء لجان واجتماعات دورية وجلسات طويلة ومؤتمرات شهرية وفصلية وسنوية تعقد هنا وهناك، لها أول وليس لها آخر، وتصرف عليها المليارات، وتتبعها توقيتات غير عفوية او اعتباطية، تكهرب الأجواء، وتحول القضايا الصغيرة الى مشكلات وخلافات مستديمة لتكون شغلنا الشاغل على مدار الساعة، وتعمق الهوات الفاصلة بيننا، وتبقي المسافات بعيدة بين الذين يعانون من الحرمان، وبين الذين يتسابقون بطريقة غيرإنسانية ليغتنموا المناصب والمكاسب، وليحصلوا على غنائم ليست لهم، ويجبروا البعض على البقاء واهمين ومتوهمين إننا سنعيش متصالحين..
المصالحة رؤى إنسانية نابعة من الثبات والعزم والصلابة والإصرار، رؤى يمكن أن تأخذ طريقها في خضم السياسة الناضجة، وإستثمار كل ما يمكن إستثماره في الظروف الحرجة والملمات الصعبة لوضع المعالجات السريعة للمشكلات، وإستيعاب الاوضاع بكل جنباتها بهدف تقديم نموذج ناجح للديمقراطية (التي تعني حكم الشعب) وتحقيق البناء المجتمعي، وإرساء مفاهيم وتصورات قيمية جديدة، وتبني خطاب سياسي وسطي يقوم على مبدأ تفهم الحقائق، ولكن هذه الامور(في العراق) تصطدم بقوة بالوجود السياسي لبعض الواصلين إلى الحكم، واللاعبين على الساحة السياسية، لذلك فإنهم يعادونها ويحاولون تقسيم الشعب آيديولوجياً وسياسياً ومذهبياً وقومياً، وهذا يعني أن أمراء السياسة، هم في الوقت ذاته، أمراء الحرب العلنيين والسريين، ويتحملون مسؤولية التخطيط ضد المصالحات الوطنية والسياسية في السر وينادون لها في العلن، ويتسارعون وفق استراتيجية توزيع الأدوار إلى بث الرعب والابتزاز في نفوس وصفوف العراقيين وتوزيع الألقاب الوطنية على البعض، ووصف البعض الاخر بالخونة والفاسدين، كما يمارسون الضغط والاعتداء والتهميش والإقصاء والانتقام والتشهير وتلفيق التهم عبرالإعلام المسيس الممول بالمال العام، أوعبرالمحاكمات السياسية، ويساعدهم في ذلك أناس إنتهازيون يصطادون في الماء العكر، بهدف تأجيج الرأي العام على أساس مذهبي وتصعيد نسبة الإرتباك والفوضى..
مع ذلك ولكي لاتكون الصورة قاتمة، نقول: المخلصون وكل أصحاب القرار الذين لهم مصالح حقيقية مع المصالحة، لابد أن يساندوا الخطوات التي تعيد الثقة بين المكونات العراقية المتصارعة، ويتعمقوا في دوافع ومضامين المطالب الداعية اليها، ويفرزوا بين الانسانية والوطنية منها، وبين التي تدخل في خانة المزايدات الاعلامية والسياسية، ولابد أن يتحدوا بشجاعة من أجل إزاحة أصحاب الخطاب السياسي التصعيدي ومن هم عثرة حقيقية أمام المصالحة ...



363

لا حصانة للذي طرد من الباب ، ولكنه عاد ...
صبحي ساله يي
التصريحات التي أطلقها السيد نوري المالكي من البصرة في الاسبوع الماضي، أعادت الى الاذهان ما سمعناه عن الدول الديمقراطية أو حتى الشبيهة بها، وكيف ينسحب المسؤولون البارزون وبالذات رؤساء الحكومات بكل هدوء وصمت وواقعية، بعد إنتكاسة مخزية، أوفضيحة مدوية، أو عندما يعلمون أن الشعب لايريدهم، ويشعرون بوجود إجماع بشأن عدم مقبوليتهم .
 قارنت بين هؤلاء وبين السيد المالكي الذي أزيح عن كرسي الحكم، بضغط المرجعية الدينية، وضغوطات أخرى دولية وإقليمية ومحلية سياسية وشعبية، فعبرت في أفق خيالي صورة الأوضاع المزرية للعراق والعراقيين في ظل حكومته وخلافاتها العبثية، وجنوحها الأهوج نحو تفتيت المجتمع العراقي، وإثارة الفتن وهدم كل ما بني من ثقة بين العراقيين بعد إسقاط صدام، وشاهدت أن إخراجه من الباب بالقوة وعوته (أو إعادته) من الشباك، يعني ضرب الوحدة والمصالح العليا، والاتجاه نحو التشتت والتشرذم وتغليب المصالح الخاصة والضيقة على مصلحة الوطن والمجتمع. ووجدت أن من يظن بالإمكان معالجة مجموع التراكمات والانحرافات التي شوهت صور التعايش والتسامح، والأخطاء المتعددة المشينة والممارسات غير العقلانية في العراق، مخطيء، لأن الازمات السابقة لم تكن بنات ساعاتها، ولم تبرز خلال أيام أو أسابيع، ويتحمل رئيس الحكومة السابق مسؤولية تبعاتها من القمة الى القاعدة.
لست هنا في وارد السرد الموضوعي للسلبيات والتراكمات، ولكن من أجل وضع اليد على الجرح الأول، أقول أن رغبته الجامحة في التفرد والاستئثار بالحكم والثروة ورفض الآخر سواء كان معارضاً أو رافضاً للرضوخ والركوع، وممارسة الإكراه والردع والزجر والمنع والإقصاء والاجتثاث والتفرد والهيمنة، وما لحق ذلك من عنف وإرهاب، والمزايدة على المخالفين السياسيين، ووصول الأمر إلى التدخل في أدق تفاصيل الحياة اليومية والتضييق على كل أشكال الحريات، وتحديد المسموح والممنوع، والحلال والحرام، والتمسك بقشور الديمقراطية والإيمان والالتزام بالعيش المشترك وترك الجوهر، نجد أن ماعشناه من انهيارات في كل مفاصل الحياة، وهدر أو سرقة مئات البلايين من الدنانير، وتهريب الثروات الى خارج البلاد، وإستنزاف الطاقات، قصمت ظهر المواطن، وحتى عندما وصلت معلومات تنبئ بحدوث ما فعله داعش، وتحذير المالكي، فإنه تجاهل الأمورولم يحرّك ساكناً وأوحى إلى قواته بالانسحاب وعدم المقاومة، وحصل ما حصل، والأسوأ من ذلك ومع إزدياد الدعوات التي تطالب بمحاکمته ومحاسبته بإعتباره المسؤول الرئيسي و المباشر عن تدهور الاوضاع ووصولها الى الهاوية، وبدلاً من الانزواء والتهرب من الاضواء، نلاحظ أن المالكي ومن دون أن يأبه أو يکترث لأي شئ، يتجاوز بتصرفاته وممارساته وتصريحاته حدود صلاحياته الدستورية وموقعه الشرفي (الذي لاحصانة له)، يسعى للظهور کأحد مراکز القوى الرئيسية والأساسية، ويدفع، بسوء النية، في السر والعلن بإتجاه خلق العراقيل والعقبات أمام حکومة العبادي من خلال تجاوزالمشتركات والقيم الوطنية والعمل على تضخيم الأزمات بالإعتماد على الأوهام وتزوير الحقائق وإستغلال حالة الإستنفار السائدة ضد الارهاب والتطرف والعنف والفساد في البلد لمآرب ذاتية وطائفية وعنصرية، وتحريك المشاعر نحو التشاؤم وقراءة الأمور بشكل غيرموضوعي، لإشاعة الفوضى العارمة وتغيير التقدم الى الامام بالتراجع للخلف، ورغبة في دفن الإرادات التي تعمل بجد لمحاسبة المتسببين لمآسي وازمات عهده الغابر وما قاله في البصرة دليل على ما نقول...
 الحقيقة التي يتفق بشأنها الجميع والتي تدعو إلى الشك والريبة هي أن المالكي ماض في طريق يؤدي الى منزلق خطير لايستطيع أحد التكهن بنهايته، ويريد أن يسحب معه أكبر عدد من العراقيين، لذلك لا بد من ضبط تحركاته ولجم تصريحاته وتحجيم زياراته بما يتلاءم ومتطلبات المرحلة، وبخلاف ذلك، تتكرر الأخطاء الفادحة وتفقد الحكومة هيبتها وسلطتها...
 
 

364
المنبر الحر / كان عراكا لا حراكا
« في: 17:49 14/01/2015  »
كان عراكا لا حراكا

   صبحى ساله يى
في عهد النظام السابق (عهد المالكي) كان البعض من العراقيين يوهمون ذواتهم وبعضا من المحيطين بهم بشعارات ونقاشات وحوارات غير جادة، لأنهم كانوا لايدركون أن الوضع الحقيقي والواقعي الملموس والمرئي من خراب عام وإهدار الموازنات السنوية السابقة، حمل إشارات تدل الى أن الذي كان يسمونه حراكا سياسيا، كان عراكا تستخدم فيه مفاهيم مضللة كالإستحقاقات الدستورية والعددية والانتخابية، والتصريحات المتشنجة التي كانت تطلق في ذلك العراك كانت تهدف الى التصعيد عبر إثارة التمييز الطائفي والمذهبي والقومي والايديولوجي، أما العقلانيون فإنهم لاذوا بالسكوت تارةً، والانتظار بشكل مقصود أو خوفاً من مجهول تارة أخرى، والذين كانوا يسمون بالنخبة (التي برزت في غفلة من الزمن) وإلتفوا حول دولته، إما تجاهلوا مطالب المجتمع وحقوق المواطنة، أو تعاملوا معه كحشد من الجهلة الذين لا حقوق لهم ولا يملكون رغبات أو مشاعر وطنية...
والفلاسفة من (النخبة) كانوا يقولون إن الجغرافيا العراقية مسؤولة عن صناعة التناقضات والعواصف الدامية والزوابع والاعاصير، وهي من تمنع عنه الديمقراطية، و(الجغرافيا) تحارب كل ديمقراطي يريد إشاعة الديمقراطية واقامة نظام ديمقراطي، وتضعه في قائمتها السوداوية لتنتقم منه على أساسه، والسقراطيون كانوا يقولون إن العراقيين بدائيون متخلفون لا يستحقون الحياة الحرة الكريمة السعيدة، ولا ينفع معهم الا الدكتاتور، لذلك صنعوا دكتاتورا بمواصفات محددة، وكانوا يقولون إن تجارب الشعوب المتقدمة لا تنطبق على العراقيين، وهم بحاجة الى مئات السنين ليتعلموا الافكار الواقعية والأسس الديمقراطية وحتى المعايير الإنسانية الحديثة، لذلك حاربوهم، وتحاربوا فيما بينهم، وذبحوا الولاءات الوطنية، وقتلوا أو هجروا أصحاب الفكر والكفاءة والباحثين عن المعرفة والثقافة، والأنكى من ذلك هو أن قسما آخرا من هؤلاء الذين كانوا يسمون بالنخبة قالوا: إن العراقيين ارتكبوا آثام البشرية كلها، وهم بحاجة الى جلد الذات أوالقتل والتطهير للتكفير عن خطاياهم..
وبين الافكار والأقوال العجيبة لهؤلاء الشرذمة من وعاظ السلاطين وتشاؤم الاخرين وسكوت البعض، وممارسات الفضائيين، رضخ العراقيون للفوضى العارمة والفساد، وأصبحوا ضحايا لمشاريع مؤامراتية رسمت ونفذت، ودسائس ما تزال قيد التنفيذ، وتخلت الحكومة السالفة في آخر أيامها عن ثلث أراضي البلاد لجرذان وفئران وغربان الدواعش، على نحو لم يحلم به أي من أعداء العراقيين لا في اليقظة ولا في المنام، وتجلت المأساة العراقية بأوضح صورها البائسة في العراك الذي كان يدور حول كل الامور الصغيرة والكبيرة، وحول العناوين والتفسيرات الملتبسة والأغلفة السياسية المستنبطة من عناوين ومضامين خطيرة للحراك السياسي، ومن فداحة الانحدار بسبب النزوات المتقلبة وغير المنطقية، إستمرار الحاكم بأمره بمنح ما أراد من مناصب وأموال وإمتيازات لذويه ومن بمعيته من العاملين في ظله دون رقيب....
واليوم نلاحظ أن بعضا من أزلام وحاشية نوري المالكي، يحاولون إفشال تحركات الحكومة العراقية الإصلاحية وتعطيل الإتفاقية الموقعة بين إقليم كوردستان وبغداد وعرقلة تمرير الموازنة، لكي لايحسب ذلك كنجاح للحكومة الحالية برئاسة حيدر العبادي، ويعترضون على التوصل الى التفاهمات وتذليل الصعوبات ورفع التجاوزات، ويوزعون الإساءة والتشهير والاتهامات الباطلة والتهم الكيدية في كل الاتجاهات بواسطة كوادر مجيرة وشباب مأجورين يعملون في اعلام مضلل للحقائق، لذلك يمكن القول بصريح العبارة: هؤلاء مازالوا يمارسون فوضى العراك، في حين أن العراق بحاجة الى حراك...


365
على أعتاب عام جديد... تعالوا نفترض بداية مختلفة
   صبحى ساله يى
لايختلف إثنان على إن النظام السياسي الذي تأسس بعد 2003 وصل إلى حافة السقوط المريع في عهد نوري المالكي، لأسباب نجمت عن ظروف سياسية واجتماعية وأمنية متداخلة ومتشابكة، ولا أقصد في هذا أن كل المجموعات السياسية التي تشاركت وتعاونت فيما بينها لتأسيس النظام السياسي كانت لاتمتلك مشروع بناء دولة المواطنة، أو ان جميعها رفعت شعار الديمقراطية دون قبول التداول السلمي على السلطة، أو إنها شاركت فيها من أجل استلام السلطة وتدمير العراق على المديات القريبة والبعيدة وممارسة الثأر والانتقام السياسي والفئوي والطائفي، والدليل هو دخول غالبية القوى والاحزاب في حوارات تهدف الى المصالحة والتعايش والتنسيق فيما بينها، وبالذات بعد نجاح انتخابات 2005 والمصادقة على الدستور الدائم..
 ولكن عندما تمكن المالكي من استلام سلطة المنطقة الخضراء وأجمع حوله جوقة من الفاسدين واللصوص المحترفين وتجار السياسة والسلاح، واستعان بالشوفينيين والضباط الفاسدين، وبات نهب ثروات البلاد هدفهم الأول، وإلصاق التهم بالآخرين وتهديد من كان لايسايرهم بملفات مفبركة هدفهم الآخر، إستغلوا موارد البلاد بكل الوسائل والفرص الممكنة، وأشاعوا الفساد الإداري والمالي والسياسي، وإعتبروا عهد المالكي فرصتهم المتاحة التي تمكنهم من نهب أكبر ما يمكن، وبعد اكتشاف عزلتهم السياسية والإجتماعية وجدوا أنفسهم وجها لوجه مع رفض أبداه شعب العراق، وتعرت هياكلهم الهزيلة والضعيفة، ورغم إنهم شكلوا جيشاً من أشباه الكتاب والصحفيين المرتزقة، لتجميل صورة حكومتهم ورئيسها وتغطية الفشل السائد بكل وسائل الدعاية والتحريض السياسي والطائفي، وبكل وسائل الترقيع والمسكنات المؤقتة والمستقبلية، إلا إنهم لم يتمكنوا من إخفاء عوراتهم السياسية والمالية والمهنية، لذلك أخذوا يعادون الجميع والجميع عاداهم .. وفي 2014 بالذات عاد العراق إلى المربع الأول، وإنعدمت الثقة بين الأحزاب والكتل السياسية والحكومة والعشائر، العشائر والجيش، السنة والشيعة، الكورد والعرب، وبات العراق الغني بموارده بلا خزينة وبلا ثروات احتياطية، وإنتشرت الجرائم وممارسة النهب والسلب والإغتيالات والإعتقالات وتنفيذ الإنتقام الطائفي بشكل علني ومن دون رقابة السلطة وأجهزتها الأمنية، ووصلت الامور إلى أسوأ حال. وجاءت أحداث العاشر من حزيران 2014 وما تلاها من أحداث مريعة ومفجعة، مع ذلك وجدت الحكومة المالكية والمحيطين بها في ظهور داعش وممارساته (مظلة جديدة للاستظلال تحتها والاحتماء بها)، والعمل على الاصطفاف من جديد تحت حالة الطوارىء وربما الأحكام العرفية، ولكن لم تجر الرياح كما إشتهى المالكيون، ولم تسلم الجرة هذه المرة، أزيح المالكي، وتم تشكيل حكومة تمثل العراقيين وتعمل من أجل طي صفحة الماضي الأليم..
اليوم ونحن في الأيام الأخيرة من سنة مليئة بالكوارث والمحن ساد فيها الفقر والإرهاب والفساد بسبب سياسات المالكي والذين كانوا يحيطونه ومكتبه السابق الذي كان يتدخل في كل صغيرة وكبيرة بهدف إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، تعالوا وبمناسبة العام الجديد، لانقول عفا الله عما سلف، بل، لنترك الامور للعدالة والقضاء، وللجهات المختصة، وتعالوا لنفترض بداية مختلفة للعام الجديد، ونتعامل مع الهواجس وحيال النيات بإخلاص، ونتجاوب مع رغبات المخلصين، ونحاصر الحرائق والمفسدين، ونغلق نافذة الرياح الكارثية، لأن مستقبل الجميع على المحك...
 



366
على هامش تحرير (جوهرة كوردستان).. وعد بارزاني... فأوفى
   صبحى ساله يى
بقيادة الرئيس مسعود بارزاني تحررت شنكال (جوهرة كوردستان) التي ارتكب فيها داعش الارهابي جرائم وحشية قاسية تجاوزت القيم السماوية والانسانية، وإستغلوا فيها اسم الدين لتشويه التاريخ، وإرتكاب الجرائم بحق الأبرياء وخطف النساء والأطفال، وسبي وبيع واغتصاب القاصرات، وتشريد الآمنين من بيوتهم، وفي خضم تلك المأساة العصيبة، شاهدنا الرئيس بارزاني، مسيطراً على مشاعره الحزينة، يستجمع القوة والقوات لمواجهة الدواعش، وفي 4/8/2014، عندما إستقبل سيادته رئيس المجلس الروحاني للكورد الأيزديين بابا شيخ والوفد المرافق له. أعرب لهم عن قلقه البالغ وتضامنه مع الأخوة الايزيديين، مشيرا إلى إن قدر الشعب الكوردي دائما كان مواجهة الكوارث من أعداء مجردين من الضمير والرحمة، وخاطب الرئيس بارزاني الوفد قائلا:
إننا مستعدون بأن نضحي بأرواحنا وأنفسنا لحماية أرض وكرامة الأخوة الايزيديين، ونبذل كل ما في وسعنا لمساعدتهم وإنقاذهم وتحرير أرض كوردستان من الإرهابيين.
وفي يوم 11/9/2014 وأثناء إجتماعه مع جمع من الشخصيات الدينية والإجتماعية ورجالات الكورد الايزيديين والمسيحيين والمسلمين والتركمان والأرمن والكورد الشبك وممثلي المكونات الدينية والقومية في شنكال وتلعفر وزمار وسهل نينوى، قال الرئيس بارزاني: ان شعب كوردستان ليس وحيدا الآن وهو يتمتع بدعم العالم،  كما ثمن عاليا دور قوات البيشمركه في ايقاف هجمات الارهابيين، مؤكدا على انه حتى لو نبقى وحيدين ولا يدعمنا أحد سنتصدى للإرهابيين ولن نسمح أن يبقى شبر واحد من أراض كوردستان تحت سيطرة الإرهابيين.
وفي الذكرى الثالثة والخمسين لإندلاع ثورة أيلول قال الرئيس بارزاني:
هجمات الإرهابيين والكارثة المؤلمة التي تعرض لها أخوتنا الكورد الايزيديين والمسيحيين وشعب كوردستان عامة، تثبت مرة أخرى مشروعية حقوقنا القومية وتجعلنا جميعا أكثر اصراراً على وحدتنا وضمان حقوق شعبنا التي يناضل من أجلها منذ عشرات السنين.
وفي يوم 15/9/2014 عندما استقبل الرئيس بارزاني السيد قاسم ششو القائد الميداني لقوات البيشمركه في جبل شنكال، أكد سيادته في اللقاء على ان الجرائم التي ارتكبها الارهابيون والمتعاونون معهم في شنكال ستعرضهم لعقاب شديد.
وخلال إستقباله للعميد سمي بوسلي قائد القوة 18 من الجيش الأول زيره فاني، يوم 18/9/2014 أكد ان شنكال وكافة المناطق التي استولى عليها الارهابيون سيتم تحريرها وسيعود أهالي تلك المناطق الى مناطقهم معززين مكرمين.
وفي 21/10 أعلن الرئيس بارزاني، أن تنظيم داعش منظمة إرهابية لكن بـإمكانيات دولتين، وأكد أن هدف التنظيم ابادة الشعب الكوردي والقضاء على إقليم كوردستان، واشار إلى أن الكورد والايزيديين جسد واحد لا ينفصلان، وتعهد بـالعمل على إعادة اهالي سنجار مرفوعي الرأس إلى ديارهم.
وتابع : أن الشعب الكوردي تعرض لكارثة كبيرة وهذه الكارثة هي شبيهة بالكوارث التي تعد امتداداً لكارثة الأنفال.
وفي 4 تشرين الأول 2014، قال الرئيس بارزاني: أن الحرب التي يخوضها شعب كوردستان ضد تنظيم داعش (معركة الوجود الكوردي ضد قوة غاشمة هزمت جيشين وسيطرت على اسلحتهما المتطورة)، وأكد أن عناصر البيشمركه البواسل يسطرون انتصارات يومية كبرى، وإنهم يقاتلون نيابة عن جميع البشرية.
وفي يوم 21/12 أعلن الرئيس بارزاني من على جبل سنجار إن قوات البيشمركه سجلت اسطورة تاريخية باستعادتها قضاء سنجار (جوهرة كوردستان) من أيدي مسلحي تنظيم داعش.
وقال السيد بابا شيخ رئيس المجلس الروحاني للكورد الأيزديين:
كان الرئيس بارزاني قد وعدنا، وها هو يفي بوعده، نتمنى لهم النصر، وندعو من الله أن يحفظهم جميعاً، ندعو من الله الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى. الرفعة والسؤدد للرئيس بارزاني الذي بر بوعده لنا.
تحياتنا الى كل البیشمركه‌ الأبطال.



367
كركوك بين ممارسات البعث ومهاترات البعض
  صبحى ساله يى
تعرضت كركوك والكثير من المناطق الكوردستانية الأخرى على أيدي الحكومات العراقية المتعاقبة، ولاسيما في عهد البعث، الى حملات تعريب ظالمة يمكن إدراجها ضمن الفواجع التي عانى منها الكورد في العراق، وفي ظل تلك الحملات الشعواء توافدت العوائل العربية اليها وحصلت فيها على امتيازات السكن والعمل الباذخة..
 وتيرة التعريب تصاعدت في بداية السبعينيات بقفزات متتالية، واستخدمت السلطة العراقية القوة بوحشية في التغيير الديموغرافي عبر سياسة تهجير و ترحيل الكورد من المدينة وأطرافها  بهدف ايجاد الأكثرية العربية، ووزعت الاراضي السكنية والزراعية على الوافدين العرب، وبدا الكوردي غريبا عن مدينته، ومسقط رأسه، وأرغم على إملاء إستمارة تصحيح القومية وتسجيله عربيا..
وبعد سقوط  نظام الدكتاتور ظل وضع كركوك مرهونا بالمادة الدستورية 140، وتنصلت الحكومات العراقية المتتالية من التزاماتها تجاه تنفيذ هذه المادة، أما الحكومتان المالكيتان فقد بثتا النعرات، ونجحتا في زرع بذور الفتنة وإثارة الفرقة بين الجميع، وأصبح الخصام والصراع والنزاع والتباغض سادة الموقف، وإستفاد من هذا الامر نفر ضال دون الشعور بحساسية الأوضاع وإحتمال تفجرها..
وبعد مرور سنوات على تجاوز مرحلة تنفيذ المادة 140 من الدستور، وانحراف العملية السياسية برمتها عن مسارها الطبيعي، نسمع اليوم مهاترات وتصريحات غير دستورية أو قانونية تحاول منع الكورد من إستعادة كركوك، ولاتعرف مديات إيمان الكورد وإلتزامهم بحقهم التاريخي العادل والمشروع..
 نسمعهم يدعون رئاسة مجلس النواب العراقي الى عقد مؤتمر لمكونات كركوك لبحث النقاط الخلافية والنظر في إمكانية معالجتها، وكأننا لم نصوت على دستور يعالج قضية كركوك... يدعون الى إجراء انتخابات وفق قانون توافقي يرضي جميع الأطراف ويضمن حقوق أبناء كركوك، وهذا (التوافقي) في نظرهم يعني نسبة 32% لكل قومية، ويتجاهلون سجلات الاحوال المدنية وقوائم المواد التموينية ونتائج الانتخابات التي جرت هذا العام والتي تشير الى أن نسبة الكورد أكثر من 60%... بدلا من المطالبة بعودة اقضية طوز وكفري وكلار وجمجمال، المستقطعات بقرارات جائرة من كركوك، إلى كركوك، ينادون بأقلمة كركوك ويحاولون السير وفق  تقويم سياسي يعادي النجاحات ويخلق الصراعات والأزمات بين مكوناتها، ويحاولون إضفاء الشرعية على خطط و ممارسات البعث الشوفينية والظالمة التي أدت إلى تفتيت محافظة كركوك و تصغيرها وتغيير ساكنيها و تبديل طابعها، ولاينتظرون نتائج الاستفتاء العام المثبت في الدستور.. يطالبون بجعل قضاء طوز محافظة ولايدرون أن هذا الامر مخالفة دستورية، ويقولون إن الحل في كركوك، يستدعي عودة الديموغرافية السكانية فيها، الى وضعها الطبيعي قبل 2003، ومن ثم تبني مشاريع الحلول الدائمية، ولايقولون إنه يستدعي إعادة محافظة كركوك إلى سابق عهدها، كما كانت قبل عام 1968..
وأخيرا نقول إن المتابع للشؤون الكركوكية يلاحظ نشوء نسق فكري مشترك بين الكوردي والتركماني، نسق يمثل تغليبا لثقافة الواقعية المواكبة للتغيرات، ومهم باتجاه الشخصية الكركوكية، ومعلم مبكر على التحاق الخريطة السياسية للمحافظة بخريطة الاقليم الكوردستاني، وأن مهاترات خصوم الكورد الذين لايرون إبعد من أنوفهم تصطدم بالواقع العقلاني، وتمتهن مشاعر المواطن التركماني الذي يرى أنه يزج به في صراع  من اجل مصالح ذاتية تسقط  فيها القيم.
 


368
هذا الاتفاق... وهاتان الاتفاقيتان

  صبحى ساله يى
في 11 آذار 1970 وقعت قيادة الثورة الكوردستانية، إتفاقية مع الحكومة البعثية وتم تحديد فترة تنفيذ بنود الاتفاقية باربع سنوات تنتهي في 11 آذار عام 1974. لكن هدف القيادة البعثية سيئة النية من الاتفاقية كان كسب الوقت وتدبير المؤامرات، قامت بالعديد من العمليات والممارسات الغادرة ورفضت تنفيذ ما تم  الاتفاق عليه من فقرات وبنود وحملت القيادة الكوردية مسؤولية فشل تطبيق الاتفاقية، وقامت الطائرات الحربية للقيادة البعثية بقصف مقرات البيشمركه والمدن والقرى الكوردستانية الآمنة، واندلعت الحرب ثانية وتجدد القتال في عموم ارجاء كوردستان، واستمر لسنة عجفاء، بعدها وقع صدام بشكل مخزٍ وذليل مع شاه ايران في الجزائر في السادس من آذار عام 1975 على إتفاقية مشينة، تنازل فيها عن مساحات شاسعة من شط العرب والاراضي العراقية لإيران، لقاء إفشال الثورة الكوردية، الا أن الثورة لم تفشل بل إنطلقت نحو الامام واستكملت مسيرتها بثورة كولان التقدمية عام 1976.
في عام 2010 وعندما كان العراق والعراقيون عموما يعيشون في ظل أزمات عديدة ومتشعبة، وصراعات طائفية ومذهبية، طرح السيد رئيس إقليم كوردستان، مبادرته الشهيرة التي تمخضت عما عرفت لاحقا بإتفاقية اربيل، التي كانت اتفاقية مفصلية تضمنت فقراتها وبنودها حسما منصفا الكافة المشكلات التي يعاني منها العراق، وأعيد انتخاب نوري المالكي رئيسأ للحكومة العراقية، وإتفق الكورد مع حزب الدعوة ورئيسه نوري المالكي على ثماني عشرة نقطة.
استبشر العراقيون من الاتفاقية خيرا وعلقوا الآمال عليها لوضع نهاية للمأساة الامنية والخسائر الاقتصادية والفوضى العارمة التي حلت بالبلاد، ولكن السياسة الهوجاء التي انتهجتها الحكومة المالكية بحق الكورد والعرب السنة وقسم من الشيعة العرب، احالت العراق الى جحيم لا يطاق من الفساد والبؤس والشقاء والفاقة والتهميش والاقصاء، وشخص المالكي نقض العهد والوعد، ولم يطبق شيئا من إلتزاماته، بل سعى جاهدا مع الموهومين والفاشلين وفاقدي المصداقية والنزاهة الذين كانوا يحيطون به الى شن حملة ظالمة وغير أخلاقية ضد الاقليم وشعب كوردستان، كما إنهم اخفوا الحقائق عن الشعب العراقي، من خلال ممارسة اللعب الشيطانية والرسائل الملغومة والإفتراءات و التصريحات والفذلكات الإعلامية، وإلصاق التهم والتلفيقات، وإصدار التصريحات الشوفينية المليئة بالحقد والكراهية تجاه الكورد، ولو كانت عند المالكي أسلحة صدام، ولو كانت الظروف المحلية والاقليمية والدولية، كعهد صدام، لما تردد في استعمال السلاح المشابه للسلاح الذي استعمله صدام ضدنا، ومع ذلك فرض حصارا إقتصاديا ظالما على الاقليم.
مع بداية الشهر الحالي، وبعد أن طفح كيل الفساد والفضائيين، ووصلت خزينة الدولة الى حافة الافلاس بسبب نهب وسرقات الحكومة المالكية، وانهيار الاقتصاد العراقي، جرت مباحثات بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية توصلتا خلالها الى التوقيع على إتفاق وقتي ينهي الخلافات المالية والنفطية بين الجانبين، ولكي يؤتي هذا الاتفاق ثماره و يتم تطبيقه على أرض الواقع، ولكي لايكون مصيره كمصير الاتفاقيتين السابقتين اللتين وقعتا في 1970 مع البعث و2010 مع الدعوة.. لابد من استمرار الحوارات والمفاوضات بين الطرفين للتوصل إلى حلول شاملة لجميع الخلافات، والاسراع في تنفيذ المادة 140من الدستور، وتعظيم منافع الثروة النفطية لخدمة الشعب العراقي، والعمل على تشريع القوانين المهمة اللازمة، وفي مقدمتها قانون النفط والغاز الذي تأخر لأكثر من ست سنوات.



369
برلمان كوردستان ودستور الإقليم
   صبحى ساله يى
يوم 22/6/2009 صوت برلمان اقليم كوردستان بالاغلبية لصالح مشروع دستور الاقليم ورفعه الى رئاسة الاقليم للمصادقة عليه وطرحه للاستفتاء الشعبي العام يوم 25/7/2009 بالتزامن مع انتخابات برلمان ورئاسة إقليم كوردستان، لكن ضيق الوقت لاتخاذ الاستعدادات والتحضيرات لإجراء الاستفتاء، وأسباب سياسية حالت دون إجراء الاستفتاء في موعده.
ولكن، بسبب تحفظ أحزاب سياسية كانت تمثل المعارضة الكوردستانية آنذاك على بعض مواد مشروع الدستور، لم يصادق عليه الرئيس بارزاني، وقبل أكثر من عام ومن اجل ضمان التوافق السياسي اعاد الرئيس مسعود بارزاني مشروع دستور اقليم كوردستان الى البرلمان الكوردستاني لاجراء بعض التعديلات على  مواده الخلافية، وبعد إعلان نتائج إنتخابات 25/7/2009 فازت الاحزاب الكوردستانية الثلاثة (التغيير بخمسة وعشرين مقعد، والاتحاد الاسلامي بستة مقاعد، والجماعة الاسلامية بأربعة مقاعد من اصل 111 مقعدا من مقاعد برلمان كوردستان) وشكلت فيما بينها معارضة برلمانية، وإعترضت على طرح مسودة دستور الاقليم للاستفتاء الشعبي، وقالت إن هذا المشروع فيه ثغرات ونواقص و انه لا يلبي طموح الشعب الكوردستاني في الديمقراطية، علما ان المعارضة الديمقراطية في الاقليم طالبت ومنذ سنة 2012 رئاسة وحكومة اقليم كوردستان بإعادة مشروع دستور الاقليم الى البرلمان لاجراء بعض التعديلات عليه..
رئيس الاقليم أعاد الدستور الى البرلمان الكوردستاني من أجل مناقشته وتعديل بعض مواده واستحصال التوافق الوطني عليه، علما إن التوافق الوطني لا يعني اتفاقا مطلقا بين جميع الأطراف وجميع الإرادت والتيارات السياسية، وبالعودة الى التاريخ الذي تم فيه التصويت على الدستور في البرلمان ومقترح طرحه للإستفتاء، أي قبل أكثر من خمس سنوات والى اليوم، نرى إنه من الجائز تعديل بعض المواد، وذلك وفق إختلاف الظروف، ولكن هذا التعديل يجب أن لا يكون تجاوزا على المعايير الدولية والقانونية لإرضاء هذه الكتلة السياسية، أما بشأن محاولات البعض الرامية إلى إخضاع إرادة وقرار الأغلبية لفلسفة ورأي وتوجه الأقلية السياسية بخصوص الدستور فإنها ستصطدم حتما بالجدار الصلب للقانون، لذلك نرى ضرورة التعامل مع الدستور ضمن اطار القضايا و التحديات المحيطة بنا والتي تواجهنا كل يوم وكل ساعة، لكي يكون الدستور عقد وفاق سياسي- اقتصادي - اجتماعي – ثقافي، وعامل وئام وطني، وانسجام شعبي، يرسم طبيعة النظام السياسي وشكله، وآليات عمله، والعلاقة بين السلطات الثلاث، وينظم حريات المواطنين وحقوقهم، ويضمن حاضر ومستقبل كورستان وشعبها.
ظروفنا الحالية تقتضي وجود دستور دائم للاقليم يجسد التوافق السياسي وارادة الكوردستانيين، ويضمن حقوق وحريات المواطنين والمكونات القومية والدينية المتعايشة في الإقليم ويرسخ ويعزز مسيرة التجربة الديمقراطية، وهذا يعني أن هدف إعادة مشروع الدستور للبرلمان هو مراجعة ودراسة وتعديل البنود والمواد التي عليها خلافات وتقاطعات وتحفظات فقط، وليس لعرضه للنقاش البيزنطي والحوار المفتوح من جديد بصورة شاملة وتفصيلية..
تجربتنا الديموقراطية تدعو الى التفاؤل، وتعبّر عن الرغبة العارمة لدى الكثير من المواطنين في تجسيد المباديء الديمقراطية وتعزيز مسيرتها، وهذا التفاؤل يتطلب التوقف عنده، وادارة حوار هادىء مسؤول، حوار بعيد عن الشتنج والكسب السياسي الرخيص، حوار يتسم بالموضوعية، وبلغة تنسجم مع قيم التمدن والديمقراطية.
 



370
أحلام المالكي أسقطت الموصل... فهل يحاكم ؟؟
  صبحى ساله يى
مع إني أشك في قدرة البرلمان العراقي في إستدعاء نوري المالكي لسماع شهادته حول ما حدث في العاشر من حزيران الماضي، وتوجيه الاتهام الصريح له بإعتباره كان القائد العام السابق للقوات المسلحة، وتحميله مسؤولية هزيمة الجيش في الموصل، والانهيارات العسكرية التي تلاحقت، إلا إني أحاول أن أخدع نفسي أولا والآخرين تالياً، وأقول أن اللجنة التي ستضم اعضاء من كتل ولجان برلمانية مختلفة، وستستدعي للتحقيق كل قائد عسكري او شخصية سياسية يثبت تورطها في الاحداث، وستستدعي نوري المالكي الذي يلقب بنائب أول لرئيس الجمهورية، علماً إني بحثت وتحريت عن منصب بعنوان (النائب الأول لرئيس الجمهورية)، فلم أجده سوى في كتابات الانتهازيين والنفعيين الحثالة الذين باعوا ضمائرهم واشتراهم المالكي ليتغنوا به دون أدنى خجل ..
ولنعود الى اللجنة البرلمانية الجديدة المشكلة لتقصي حقائق ماجرى بعد 10 حزيران، ويقال إنها ستبحث في كل الخطابات والكتب الرسمية والانذارات التي ارسلت الى القيادات العسكرية والحكومة، للتنبيه الى اقتراب سقوط الموصل بيد داعش، وتحاول معرفة المسؤولين عن مذابح سبايكر وقتل الايزديين وتهجير المسيحيين، وتهجير مئات الآلاف من سكان الموصل.
 مرة أخرى أقول أشك في إمكانيات اللجنة، لأن أبطال دولة القانون سيدافعون عن سيدهم وولي نعمهم الذي أوصلهم الى البرلمان بالمال السياسي الحرام، وتوزيع قطع الاراضي السكنية، والتعيينات الوهمية في دوائر الدولة، والدرجات الفضائية في الجيش، وسيعطلون عمل اللجنة، إلا إني أقول: رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ومكتبه والقادة العسكريون يتحملون مسؤولية سقوط نينوى بيد داعش، لأنه أراد إستغلال المستجدات لمآرب وأهداف وأحلام خاصة، أولها: الثأر والإنتقام الطائفي من أهالي الموصل السنة، وتدمير مدينتهم جراء إحتلالها من قبل داعش، وتالياً إثرالعمليات العسكرية والقصف العشوائي من قبل المدفية والطيران العراقي.
ثانيها: إستغلال الأحداث للنيل من الأخوين نجيفي(أسامة وأثيل)، وإزاحتهما على الساحة السياسية السنية لتسهيل الأمور أمام سنة المالكي(الجحوش السنة) لقيادة الساحة السنية.
ثالثها: تأليب الرأي العام العربي العراقي ضد إقليم كوردستان وبالذات شخص الرئيس مسعود بارزاني، وإتهامه بالتسهيل للدواعش لإحتلال الموصل، وإحداث شرخ في الجسد السياسي الكوردي، وإستغلال القسم الذي ينسلخ من الجسد الكوردي كجحوش كوردية.
رابعها: تسخير المستجدات من أجل إعلان حالة الطوارىء في البلاد وبالتالي الحصول على الولاية الثالثة والرابعة والخامسة.
خامسها: إستغلال حالة الطوارىء لتصفية خصومه ومعارضيه السياسيين من الشيعة والسنة معاً.
وسادسها: كسب الود الإيراني عن طريق دعم وإسناد النظام السوري من خلال حصول المؤيد القوي للنظام، والذي هو داعش، ودون إغضاب الأمريكان، على السلاح المتطور والعتاد المجاني لإستعماله ضد المعارضين لبشار الأسد .
ولكن حسابات البيدر لم تتطابق مع خيالات (مختار العصر)، وعندما حصل ما حصل، أراد الحصول ولو على جزء مما إبتغاه، فلجأ الى البرلمان للحصول على الطوارىء، وفشل. وإتهم الرئيس بارزاني والبيشمركه والأخوين نجيفي، ولم يصدقه حتى القريبين منه، وأصيب بالهيستريا، وداعش تمدد ووصل الى أطراف بغداد..
واليوم فإن هذه اللجنة أمام قضية تاريخية وأخلاقية ومصيرية حساسة وحاسمة، فإما تخفق وتفشل وتخدع ذاتها وتحاول إخداعنا بأعذار واهية، وإما تنجح وتوجه الإتهام المباشر والصريح للمالكي وللذين كانوا حوله، وتطالب بمحاكمتهم محاكمة عادلة أمام محكمة نزيهة خاصة.
 
 



371
بين اربيل وبغداد..لايصح إلا الصحيح
   صبحى ساله يى
المتابعون للملف النفطي، يعلمون أن الحكومة الإتحادية وافقت، على قيام حكومة الإقليم بتطوير قطاعي النفط والغاز في حقول النفط الجديدة، بجميع مفرداتها من تنقيب وتصنيع وتسويق (في حالة تأخر تشريع قانون النفط والغاز بعد 2007 )، ويعلمون أن الدستور العراقي، حدد في الفقرات المتعلقة بالموارد الطبيعية لاسيما النفط والغاز، العلاقة بين بغداد وإقليم كوردستان وصلاحياتهما، ولكن الإخفاق البرلماني في تشريع (قانون النفط والغاز)، وفشل القطاع النفطي في العراق، والحقد الشخصي الدفين لمسؤول ملف الطاقة الاتحادي السيد حسين الشهرستاني تجاه الإقليم، وإصراره على ان يكون البيع من قبل شركة سومو التي تدار مركزيا من قبل الحكومة الاتحادية  دون أن يكون للكورد تمثيل فيها لرسم سياستها، كان وراء تعقد المشكلات وتراكمها وإرتفاع وتيرة التوتر بين بغداد وأربيل، والتساؤل عن مستقبل إقليم كوردستان السياسي، ضمن دولة فدرالية عراقية موحدة..
حكومة الإقليم أعلنت أكثر من مرة عن حسن نيتها وقدمت مبادرات عدة، لكن الحكومة الاتحادية السابقة، تعنتت وأرادت فرض رأيها الخاطىء، وعرقلة الصفقات والعقود المبرمة بين الأقليم والشركات الاجنبية والدول التي ترغب الاستثمار في الاقليم وشراء النفط الكوردستاني، ووصفت إنتاج النفط وتسويقه ببيع الطماطم والخيار، ولجأت الى التهديد والترهيب ورفع الدعاوى لدى المحاكم المحلية والدولية، ولأنها لم تكن على حق، ولأن تصرفات الاقليم كانت دستورية، أصيبت بخيبة الامل ولجأت الى حرب إقتصادية وسياسية ضد الاقليم وإجراء غير دستوري وغير قانوني بل وغيرأخلاقي، فقطعت حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية ورواتب موظفيه، وهذا الاجراء الاستفزازي دفع الاقليم الى تصدير النفط لحسابه الخاص، تعويضاً عن حصته من الموازنة الاتحادية ولدفع رواتب الموظفين العموميين.
واحتدم الصراع بين الإقليم والحكومة الإتحادية، وإنتقل الخلاف، الى مراحل حرجة ومستويات خطرة، والى تضارب المصالح، ولكن حكمة وذكاء القيادة السياسية الكوردستانية وتحلي الكوردستانيين بالعقلانية والصبر، والإجماع الوطني والاقليمي والدولي على إزاحة نوري المالكي ومنعه من الولاية الثالثة، أنعشت الامال، وإتجهت الجهود نحو البحث عن حلول للمشكلات، وعندما أزيح المالكي وتشكلت الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور حيدر العبادي وشارك الكوردستانيون فيها، وتولى السيد عادل عبد المهدي وزارة النفط الاتحادية، تفاءل الجميع، وأصبح الحل قاب قوسين أو أدنى، وتم تبادل الإتصالات ووجهات النظر، وفي أول زيارة للسيد عبد المهدي لأربيل تم التوقيع على إتفاق أولي بشأن الخلاف على النفط والغاز، إتفاق حظي بترحيب واسع من أطراف وطنية ودولية، إتفاق يفتح الطريق للبدء بوضع حلول (شاملة وعادلة ودستورية) لجميع القضايا العالقة بين بغداد واربيل..
اما الشواهد والقرائن فجميعها تدل على أن التوقيع على هذا الإتفاق الأولي، يغير واقع الحال، وسيخفف الهجمات اللفظية المتبادلة، وربما يمد جسور الثقة بين الطرفين بعد سنوات من الشكوك والخلافات، وسيردم هوة الانقسام ويعالج الأخطاء، وسيدفع باتجاه توحيد الصفوف من اجل التفرغ للمعركة المصيرية مع داعش وابعاد البلاد عن الكوارث، ويدل على وجود إرادة لا تدع مجالاً للشك في امكانية تجاوز الخلافات التي أوقعت بالكوردستانيين الكثير من المظالم ودفعتهم في الوقت ذاته إلى التعلق بفكرة الاحتماء بالدستور لاختيار صيغة اخرى للعلاقة مع بغداد، دون استبعاد مبدأ حق تقرير المصير والاعلان عن دولة كوردية تجنبهم ويلات تلك المظالم ومظالم أخرى متوقعة.



372
العراق.. عدة أنفاق مظلمة.. ومخرج واحد
   صبحى ساله يى
العراق، منذ تأسيسه وحتى الان، كيان خليط غير متجانس، مكون من قوميات وأديان ومذاهب متعددة، يعاني من المآزق والمشكلات، وشهد في مراحل عديدة من عمره التسييس الجماهيري على أساس الهويات والمذاهب، والعسكرة على أساس القوميات أو الأحزاب. وعاش الجميع فيه لعقود متعددة على وقع حملات تضليلية عن الوفاق السني الشيعي، والتعايش الكوردي العربي، ولكن مع ذلك فإن حوادث القتل والنهب والسلب والتهجير والتعريب والتبعيث والأنفال، كلها لم تستطع أن تفضح واقع الكراهية العربية للكورد، قدر حادثة مقتل صحفي عربي على ضابط كوردي في الجيش العراقي، عندما صاح مختار العصر قائلا: أنا ولي الدم، وهكذا الحال بالنسبة لمشروع الكسب السياسي الذي نادى بقتل سبعة من السنة مقابل سبعة من الشيعة، أما من يريد أن يتحدث عن حملة البيانات والاستنكارات والتنديدات، فكانت جميعها قصيرة العمر، لأن الغالبية عادت إلى سابق عهدها في تكريس الخطاب المتطرف، والكراهية المتبادلة، والواقع اليومي مليء بحملات الكراهية، أسس ويؤسس لها أناس يتشابهون في الأفكار والأقوال والأفعال، ويشحنون الموالين لهم بأفكارهم السامة.
الحكومات التي تولت السلطة في الكيان العراقي (بين عامي 1921 و2003)، إبتداء من ملكها المستورد من الحجاز، وإنتهاء بطاغية العصر،غالبيتها كانت ضيقة الأفق تعمل من أجل تفكيك الأسس الأولية التي يمكن أن تبنى عليها الدولة، بدلاً من جمعها، ودخلت في متاهات ودهاليز عدة .
أما الحكومات المتعاقبة على الحكم في بغداد بعد 2003  فقد فشلت في إدارة البلاد من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية، لكنها برعت في مفاقمة الطائفية، وفي عهد حكومتي المالكي شهدت البلاد بسبب الازمة السياسية وحالة التشظي، العديد من الانهيارات والإخفاقات، وكانت سبباً لإنتشار التشدد والفساد ونهب الموازنات والمدخرات، وممارساتها جعلت الأهالي في المناطق السنية يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ويقبلون بآسيس (داعش) بديلا عن القوات الحكومية، وفي كوردستان، فكر الكورستاني في الانفصال عن الكيان العراقي بدلا عن الاندماج فيه منذ أن شكل المالكي قيادة عمليات دجلة وجلب جيشه (الباسل) الى جنوب كركوك على أمل دخولها وطرد البيشمركه والاسايش منها، وتهديده الصريح للكورد أثناء إجتماع مع قادة عسكريين حين قال: ( إنتظروا حتى حصولنا على طائرات إف 16، عندها تشاهدون ماذا أفعل بالكورد)، فضلا عن قطع موازنة الاقليم  ورواتب الموظفين من الموازنة الاتحادية، والعشرات من التصرفات الاستفزازية الاخرى، أما الشيعة الذين عانوا من التهميش والقتل والإعتقال والإضطهاد طوال الفترة المحصورة بين (1921 و2003) وربما قبل ذلك بقرون، فلم يكن حالهم أحسن بكثير من حال السنة والكورد في السنوات العجاف من حكم المالكي.
ومن يريد اليوم متابعة ما جرى وما يجري، يصاب بالإنهاك، ولكنه يتوصل الى نتيجة وحقيقة واحدة مفادها أن المشكلة الأساسية التي أفضت إلى كل هذه التبعات والمعضلات والمآسي، تعود الى أن الكيان المسمى بالعراق مبني على أساس خاطئ، وأن هناك نقطة ضوء واحدة تؤدي اليها كل الأنفاق والمتاهات وهي التقسيم، وبغيره  يظل الجميع منغمسين في بحر المشكلات التي تأتي من كل حدب وصوب...



373
سيادة العراق... محنطة
   صبحى ساله يى
هناك عدة خيارات أمام العراقيين للتخلص من داعش: الأول، المطالبة بقدوم قوات عربية، والثاني، دعوة قوات إقليمية من تركيا وإيران، والثالث، استدعاء قوات دولية.
بنظرة سريعة يتأكد المتابع من هوية الواقفين وراء الخيارات الثلاثة، فالذين يدعون الى قدوم قوات عربية هم الحالمون بالعمق العربي للعراق، ولايعون حجم المشكلات الداخلية التي تعاني منها غالبية الدول العربية ويتجاهلون أسباب ومبررات عدم إهتمام قادة تلك الدول بما يتعرض له العراق منذ عقود..أما الذين يدعون الى قدوم قوات تركية وإيرانية، فهم المرتبطون بسياسات وأجندات هاتين الدولتين أكثر من إرتباطهم بالواقع العراقي وآلام المواطنين ومأساتهم، ويطالبون بذلك إما عن جهل أو تجاهل، أو إرضاءا لسادتهم ورغبة في المزيد من العطايا والمكرمات. والفئة التي تطالب بقوات أجنبية، في حال الضرورة، هي التي تتخوف من النتائج التي قد تدفع لاندلاع حرب أهلية في البلاد اذا تم إستقدام قوات عربية أو تركية وإيرانية في ظل الشحن الطائفي السائد حاليا في البلاد، وتتخوف من انهيار السلم الاهلي وتريد تفادي سلبيات ولاء السياسيين وكتلهم للدول العربية أو المجاورة والتي ستدخل البلد في مشكلات وأزمات لاتختلف كثيرا عن مشكلة داعش.
بعيدا عن عن أصحاب الخيارات الثلاثة المذكورة هناك فئة تعلن إن العراق لا يحتاج لأي قوة برية من أي دولة، لأنه يمتلك قدرة بشرية على مقاتلة داعش، وهو بحاجة الى تشكيل فرق عسكرية وطنية جديدة تتمتع بالكفاءة والنزاهة والشجاعة، وإلى تسليح ودعم لوجستي وتدريب ومعلومات أمنية وإستخبارية دقيقة، وإقامة تحالفات دولية وعربية وإقليمية بما يحقق مصالحه ويعزز الاستقرار السياسي والأمني.
هذه الفئة لاتتعذر بوجوب عدم المساس بسيادة العراق، لأنها تعلم أن العراق مغلوب على أمره ولايملك زمام الامور في الكثير من المسائل، وأن سيطرة داعش على مساحات واسعة من الاراضي، في محافظات ومدن عدة، خلفت الكثير من التداعيات الخطيرة التي يصعب تجاوزها بسهولة، تداعيات تحولت الى مشكلات وتحديات وأزمات، غيرت مجرى التعامل بين مكونات المجتمع العراقي، وأثرت على معنى ومفهوم السيادة  الذي يستغله البعض من الساسة ليوهموا ويخدعوا به بعضا من المواطنين، وليضحكوا به على ذقونهم، حيث يدعون الى إحترام السيادة العراقية وهم يعلمون (أكثر من غيرهم) أن ما جرى في عهد حكومتي المالكي كله خيبات وتنكيس للرؤوس، وهي على يقين أن السيادة في العراق (مخادعة)، لأنها خاضعة لقرارات دولية صدرت قبل أكثر من عشرين عاما ومازالت سارية المفعول، وأن القرار العراقي تابع لنصائح الأصدقاء (التي تأتي في صيغة مشابه بأوامر)، وخاضع للضغوطات الدولية والإقليمية، وترى أن الأزمات التي نعاني منها، عميقة ومعقدة تبدأ بعدم الثقة بين مكونات الاطراف السياسية، وإستشراء الفشل والفساد والمحسوبية والرشوة، وتمر عبر طريق إنتقائي لتطبيق الدستور وفق المصالح، والتقهقر الى الوراء، وتدهور الأوضاع الأمنية، وزيادة نسب الفقر والبطالة، وتزايد الحواضن الموالية للإرهاب على حساب دماء العراقيين وأرواحهم ومستقبل أطفالهم، وعلى حساب فقدان الضمير والغيرة والوطنية، ومساعدة  التاريخ  ليعيد نفسه بأسوأ أشكاله وألوانه، بأنفاله ومقابره الجماعية، وترى (الفئة العاقلة) أنه لولا الدواعش ومصائبهم وما حدث بعد العاشر من حزيران لكان المالكي مايزال جاثما على قلوب العراقيين حتى الان وربما لولايات رابعة وعاشرة، المالكي الذي يستحق أن يحاكم بألف تهمة وتهمة إحداها الإستماتة في جعل سيادة العراق سيادة محنطة.



374
المنبر الحر / الشراكة المستحيلة
« في: 13:04 30/10/2014  »
الشراكة المستحيلة
   صبحى ساله يى
لكل من الشراكة والمشاركة والتشارك معان ودلالات خاصة ومختلفة في اللغة والمعاجم والقواميس، لكن معانيها في الشأن المتعلق بالحكم في العراق وبالعلاقة بين المشاركين فيه، تعني (في حقيقتها النظرية) التعايش والتسامح والحوار والتفاهم وتبادل الآراء والنقاش ورعاية مصالح المشاركين، وتعني (عمليا) الرغبة في الاستحواذ والسيطرة وفرض إرادة طرف على أطراف أخرى.
الجميع يقولون(علنا) إنهم يريدون المشاركة وإشراك الآخرين في السلطة والقرار، وكلهم يعرفون أن الوضع اللامستقر في العراق وغيرالآمن، هو نتيجة حقيقية لتصرفات سلبية سلطوية تجاه المشاركين، وعدم إعتبارهم حقيقيين، والمتسلط في العراق(أيا كان) منذ نشوء الدولة (وحده) يصنف الناس الى وطنيين وخونة، وأخيار وأشرار، ويقطع خيوط الحوار ليفرض الحلول الجاهزة وآراءه المتقولبة والمتقلبة، رغم ذلك كان هنالك على الدوام(كما هو الآن) أصوات تدعو للتأني وتشير الى المعضلات وتفضح هول الجرائم، أصوات لا تبح أمام الصرخات والخوف والرعب والدم المسال.
الآن نلاحظ أن التحركات السياسية واللقاءات بين الأطراف المتشاركة في الظاهر (المشتركة في البرلمان والحكومة العراقية) وغير المتشاركة في الواقع، تتجه نحو ذات الحالات السابقة وهي إيجاد حلول سياسية ترقيعية مؤقتة ومخدرة لا تليها سوى الأسوأ، وحتى في حالات الحديث عن جرائم سبايكر وسنجاروجامع مصعب بن عمير، إما يحاولون نسيان الجرائم السابقة التي أقترفت بحق العراقيين في عهدي نوري المالكي وصدام حسين، أويريدون وعدم ذكرها أو الاشارة إليها رغبة في عدم إزعاج (الشركاء)، ويريدون إستغلال المأساة وتوظيفها وفق طريقة مصائب قوم عند قوم فوائد، والسبب في ذلك يرجع الى أن نصف المشاركين لايرون النصف الآخر سوى خونة وأشرار، ولايحملون تجاههم سوى الاحقاد والرغبة في الثأر، وكل نصف متخم بذات المشاعر تجاه شركائه في النصف المحسوب عليه، وبقاء كل نصف محتفظا بمواقفه الثأرية الحزبية والطائفية والقومية، والإصرار على نعت الاخرين بصفات كأبناء الجن أو القردة أو الخنازير أو الكفرة، وهذه الامور وعشرات غيرها تتنافى كليا مع الشراكة في العملية السياسية، أو حتى الإيمان ببنائها والانخراط فيها، إذ لايمكن الجمع بين الكفر والايمان في شراكة تؤمن بالآخر وتوحد المواقف تجاه قيم وقناعات تعني الإعتراف بالإرث غير المشترك، وتعمل من أجل ضمان حقوق المواطن وتقلع مسببات عدم التساوي في الحقوق والواجبات.
هذا يعني أن إيجاد الحلول الدائمية والشراكة الناجحة، أمر مستعص وربما مستحيل، بين أطراف جميعها تدعي البطولة والفروسية والإخلاص والوفاء وجميعها تعتبر الآخرين مخطئين مقصرين فاشلين سواء  كانوا مستقلين أم منتمين للأحزاب القومية أو الدينية، وأسبابا للمأساة والتهميش والانكماش والتراجع، والعجيب في الأمر أن لكل طرف أتباعا ومساندين ومؤيدين يصفقون لهم في الحق والباطل، ويرونهم منتصرين لايعرفون الهزيمة ولا يمكن أن يهزموا...
وأخيرا نقول: إن لم تنسلخ الأطراف المتنابزة من جلدها، وإن لم تؤمن إيمانا حقيقيا بالعملية السياسية والآليات الديمقراطية والحريات الفردية وبالمواطنة كأساس للتعامل مع الآخرين، وإن لم تبتعد عن الإعتبارات الدينية والقومية والمذهبية في تعاملاتها، وإن لم تعمل بالحكمة والعقلانية من أجل ازالة كل ما يعيق عمل الدستور، ستكون الشراكة في العراق مستحيلة..



375
لنبتعد عن شتم داعش...
   صبحى ساله يى
العراقيون بحاجة الى ترك شتم وهجاء داعش، والإنشغال بدلا عن ذلك بالسؤال عن أسباب ظهوره، وطريقة إستيلائه على المدن والمعسكرات والأسلحة والمساحات الواسعة من الأراضي، وكيفية تحول الداعشية إلى ظاهرة تهددهم وتهدد مستقبل أبنائهم، والسؤال الأهم في هذا المجال: ما هو دور ومسؤولية نوري المالكي في نمو داعش وإستيلائه على ما إستولى عليه؟
داعش الذي نعاني منه، منظمة إرهابية مؤدلجة تعمل خارج الاطر القانونية، وتملك مشروعا سياسيا يقوم على آيديولوجيا مناهضة للديمقراطية وحقوق الانسان، وجرائمه ليست من نوع الجرائم العادية أو المجانية، بل يريد أن يكون هو الدولة المختلفة التي تنسف التاريخ وتتخطى الجغرافيا.
ولو رجعنا الى الوراء قليلا لتبين لنا أن العراق تعرض في عهد حكومة المالكي، التي سخرت جل جهودها وطاقاتها ومصادر وثروات البلاد لأجل الحكم والحفاظ عليه، الى عملية تفسخ، وذلك التفسخ خلق فراغات سياسية وأمنية، وتلك الفراغات بطبيعتها أفشلت وأفسدت الخدمات والمشاريع وشلت الطاقات وأنتجت الازمات وجذبت التدخل الأجنبي والإرهاب التقليدي وداعش الذي أراد أن يكون بديلا للدولة. وهذا يعني: أن الحكومة المالكية التي عاشت في أزمة دائمة، والتي عاشت في حال الصدام مع غالبية المجتمع العراقي، ومع العصر الذي تنتمي إليه، قدمت نموذجا مثاليا للتفسخ والفشل والفساد، والمؤشر الأوضح على فشل الحكومة في سياساتها وبرامجها، هو فشلها الصارخ في التصدي للدواعش وهجماتهم الهمجية، واعترف الجميع بهذا الامر بطرق مباشرة وغير مباشرة، وبذلك تخلت (الحكومة) عن مسؤوليتها في حماية أمن المواطنين، وحتى حماية أمنها، وتغيرت الأمور ومعها حاضر ومستقبل العراقيين وأصبح الملايين منهم نازحين ولاجئين ومحتاجين لمعونات ومساعدات، بل متسولين في شوارع دول الجوار.
 أما الفدرالية والديمقراطية وحق تشكيل الاقاليم وحقوق الانسان التي تم تثبيتها في الدستور العراقي، فقد عاشت في أجواء تسودها الحقد والأستهتار والإبادة والسجون والمعتقلات وفقدان الثقة والخداع والعديد من الأساليب الملتوية التي لا يمكن العيش في ظلها، فتنامى الحذر الكوردي والسني والشيعي، وإزداد الشعور بالغدر من أصدقاء وحلفاء الأمس، وتعمقت الازمات وإتخذت أشكالا جديدةً، والغريب الجديد هو أن يحاول المالكي الاستمرار في الظهور وتقديم النصائح، والقيام بزيارات للمحافظات، والالتقاء مع النخب الأكاديمية ووجهاء وشيوخ العشائر والمسؤولين فيها وإصدار التوجيهات الى المؤسسات والى الكتل السياسية، والتدخل في الشؤون السياسية التي ليست من صلب عمله، بل والتصريح من هناك بجمل وعبارات تدل كلها على إنه يريد الخير للعراق والعراقيين، علما أن محاولاته المختلفة والحثيثة ومنذ إزاحته عن منصب رئيس الوزراء، أصبحت تشير بوضوح الى ان له أکثر من غاية و مأرب، وانه يتحرك على أکثر من صعيد، وما يمکن إستنتاجه من جهوده التي يبذلها هو: إثارة المشکلات للقضاء على محاولات خصومه للإيقاع به أولا، والعمل ضد الحكومة الجديدة على أمل إسقاطها ثانيا..
وأخيرا، بين المالكي والشعب العراقي بعربه وكورده سيسجل التاريخ صفحات مليئة بأحداث ووقائع ونكبات ونكسات وخسارات ودماء، وسيكتب أسماء سياسيين جمعتهم المحن عندما كان صدام متسلطا، وفرقم سوء النيات وتبادل الإتهامات ومغريات السلطة ونوازع التفرد عندما أصبح نوري المالكي رئيسا للحكومة ووزيرا لعدد من الوزارات، وعندما كان يلقي كل أربعاء خطاب أزمة فيه مضامين إتهامية حادة للسياسيين العراقيين جميعا... أليس من المطلوب البحث عن الطرق القانونية الكفيلة بمحاكمة المالكي، والإبتعاد قليلا عن شتم داعش؟



376
المنبر الحر / كركوك وبدعة 32%
« في: 20:16 15/10/2014  »
كركوك وبدعة 32%
   صبحى ساله يى
تسربت قبل أيام الى وسائل الإعلام العراقية مسودة لمشروع قانون تأسيس قوات للحرس الوطني من أبناء المحافظات لتتولى مهمة حماية الأمن والاستقرار فيها، هذه المسودة وبدلا من التأكيد على إقتصادها على المناطق التي تعاني أوضاعا أمنية غير مستقرة بسبب تهديدات الإرهابيين، نراها تشير الى نية غير سليمة للتدخل في الوضع الأمني لكركوك، رغم أن كركوك ليست ضمن المدن غير المستقرة، وجاء في الفقرة خامساً من المادة الثانية من المسودة : يعتمد تمثيل أبناء محافظة كركوك بنسبة 32% العرب 32% وللكورد بضمنها عناصر البيشمركه و32% للتركمان و4% للمسيحيين وحسب الوحدات الإدارية الرسمية.
هذا التدخل سيؤدي حتما إلى نتائج سلبية وتعقيد الأوضاع، لأن قوات البيشمركه والآسايش الموجودة حاليا في كركوك كفيلة بحماية مكوناتها وطوائفها وبنيتها التحتية، وقد قدمت في هذا السبيل المئات من الشهداء والجرحى، كما أن تشكيل أي قوة أخرى فيها، وخاصة وفق (بدعة) أو نسبة 32 في المائة للكورد والعرب والتركمان التي لا تتوافق مع الواقع الجغرافي والتاريخي للمدينة، ونتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وعدد السكان حسب سجلات الاحوال المدنية أوسجلات توزيع المواد التموينية، وتتعارض معه وقد تكون سببا لتوترات سياسية وأمنية، وتعتبر تصرفا جديدا من الحكومة الجديدة ضد الكورد، وخطوة بعيدة كل البعد عن مبدأ الشراكة الحقيقية في إدارة البلد، وتكرارا للأخطاء التي مررت في الماضي، فلولا قوات البيشمركه التي أثبتت جدارتها لكانت كركوك الآن تحت سيطرة داعش، مثل الموصل وتكريت والأنباروأجزاء من ديالى.
كركوك والمناطق الأخرى، التي تسمى بالمتنازع عليها، هي التي جسدت تصورات الكورد السياسية وعلى أساسها بنى الكوردستانيون شكل علاقاتهم مع الحكومة الإتحادية، وأن سياسيي العراق العقلاء، سنتهم وشيعتهم، كانوا قد تفهموا المطالب الكوردية وإعتبروها مطالب مشروعة، لاسيما وأن الدستور، ومن قبله قانون إدارة الدولة العراقية، المؤقت إستوعب ذلك التصور والمصلحة الكوردستانية، ورسم على أساسها خارطة طريق وبالذات في المادة 140، تلك المادة التي احتوت على ثلاث مراحل: التطبيع،  الإحصاء السكاني،  الإستفتاء العام حول تبعية تلك المناطق فيما اذا إختار سكانها البقاء مع الدولة المركزية أم الانضمام الى إقليم كوردستان، ونصَّ القانون على انهاء تنفيذ كل إجراءات المادة ١٤٠ قبل ٣١ / ١٢ / ٢٠٠٧، اي قبل أكثر من سبع سنوات، ولكن تلك المادة الدستورية لم تنفذ، بل وجرى تسويفها وتعطيلها بذرائع شتى، وسعت حكومتا المالكي خلال ثمان سنوات عجاف إلى إيقاف تنفيذها بكل الوسائل، بل وماطلتا في تنفيذ ما وقّعتا عليه، والإنقلاب عليه فيما بعد، لأنها كانت تخشى نتائج الإستفتاء المتوقعة، رفضت حكومتا المالكي تنفيذ الدستور لكي لانحصل على حقوقنا في كركوك والمناطق الكوردستانية خارج الإقليم بالموصل وصلاح الدين وديالى.. ورضيت بأن تزج نفسها في صراع ضدنا لا ناقة لها فيها ولا جمل.
 اليوم ينبغي على بغداد الإلتزام بضمير الدستور، وأن تراجع هذا القانون جيدا، وأن تعترف بأن كركوك مدينة كوردستانية وليست بحاجة الى قوات الحرس الوطني، وقوات البيشمركه قوات ناجحة وتمتلك تجربة كبيرة، وهي جزء من المنظومة الدفاعية العراقية، وقادرة على الحماية أكثر من أي قوة عراقية أخرى تشكل حديثا، كما ينبغي على كل العراقيين وبالذات سكان كركوك كوردهم وعربهم وتركمانهم التفكير بعقل وحكمة وعدم الإصرار على نسبة وبدعة غير صحيحة (لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)، والنظر بتمعن الى الواقع الجديد وإنضمام كركوك الى كوردستان، عمليا، ومع ذلك فإن الاقليم يريد إجراء الإستفتاء، لأنه ما زال يمارس سياسة الحكمة في التعامل مع جميع الملفات، ويؤكد على ضرورة استكمال تطبيق المادة 140 .



377
هل يصلح العبادي ما أفسد المالكي؟
   صبحى ساله يى
تشكيل الحكومة في بغداد برئاسة السيد حيدر العبادي، يعني، عند البعض، بلوغ حد أدنى من الوئام الداخلي على الساحة السياسية، وعند البعض الآخر، نجاح الآخرين في فرض صيغة لم يقبلها العراقيون طوعاً، ولكن ما يتفق عليه الجانبان لايعني إنهاءً للإنقسام العراقي، ما لم ير العراقيون على أرض الواقع نتائج ملموسة تشير الى صفاء النيات.
فمضمون الحد الادنى من الوئام يعني تجنب إستخدام السلاح والقوة لمصلحة فرض إتجاه معين، أما الصيغة التي فرضت فهي: إن الآخرين إشترطوا توحد العراقيين تحت شرعية معترف بها لكي تبدأ الآليات الفعلية لصياغة برنامج وطني يأخذ في أولوياته ضرب داعش والشروع في الإنهاء التدريجي لنفوذ الإرهابيين، وفتح الحديث مجدداً في أمر المصالحة والمشاركة والإستحقاقات الوطنية والقومية والدستورية. ولقد بدأت خطوات أولية وصغيرة في هذا الاتجاه، ووجد البعض أنفسهم مضطرين على الموافقة على ما كانوا يرفضونه من قبل، ووضعوا حكومة العبادي أمام إختبارات متعددة، وأصعبها مغالبة الذات والنوازع والهواجس، وتغيير النظرة إلى المكونات العراقية، والشرعية التي يسمونها بالأغلبية، لمصلحة إندماج حقيقي وعميق مع السلطة الوطنية، والتوازن بين نفوذها الموضوعي المعقول من خلال التمسك بزمام الامور وعدم التشبث بها (كما كان)، والشروط التي توفر لها البقاء والمشاركة فيها من قبل الجميع.
 وبعيداً عن المؤامرة ونظريتها، تعالوا نتمنى النجاح لهذه الحكومة التي تحاول فتح صفحة جديدة في تاريخ العراق المضطرب والمثقل بالأحداث والآلام والمتاعب، ونتمنى النجاح لرئيسها الدكتور حيدر العبادي في مهمته الصعبة وأن يكرم في الامتحان ولا يهان، لأنه يحمل تركة ثقيلة، وهو يفتح صفحة جديدة في وقت الجد ويقود سفينة نجاة العراق وإيصالها الى بر الأمان، ومغادرة مرحلة القلق والخيبة بعد سنوات من التعثر والأزمات السياسية.
لا نشك أبداً في ان الرئيس الجديد للحكومة يدرك جيداً حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه، ومن خلال متابعته لمجريات الأحداث يعرف أسباب ما آلت اليه الامور عن كثب، ويؤمن بأن مهمته ليست سهلة أبداً، وان حكم العراق لم يكن، ولن يكون نزهة او ترف سلطة، بل هي مهمة مثقلة بالهموم والمطالب وتحتاج الى الشجاعة والتسامح والحكمة والتروي والتضحية والصبر والمصارحة والمصالحة والشفافية وإعتماد الأساليب الديموقراطية ومعايير العدالة ونزع صواعق القنابل الموقوتة، فالجراح ما زالت تنزف، والملفات الكثيرة الساخنة مفتوحة، والهموم لا تعد ولا تحصى.
ولو نجح العبادي( وهذا ما نتمناه) في إيجاد حلول ناجعة وعاجلة لإنقاذ البلاد والعباد وإستطاع إتخاذ قرارات مؤلمة وجريئة لمعالجة الأوضاع المتردية، وتطبيع العلاقات بين بغداد وأربيل، فان الشعب العراقي سيجتاز المحنة ويعاد اليه الثقة بنفسه وبقدراته وبقدرات قادته بعد سنوات من الاهتزاز والشكوك والشكاوى من الهيمنة على الحكم والتفرد بالسلطة والقرار والإقصاء والتهميش، ومن الفوضى والفساد والأخطاء في مفاصل الدولة. وعندها يتم بسهولة ويسرإعادة ترتيب أوضاع البيت العراقي، وإيجاد الحلول لتركة الحكومة السابقة وتبعاتها، وتصحيح الأخطاء وقيادة مسيرة إصلاح شامل يشارك فيها الجميع.
فهل يصلح العبادي ما خربه المالكي؟


378
المنبر الحر / مصداقيات على المحك
« في: 16:17 17/09/2014  »
مصداقيات على المحك
   صبحى ساله يى
 
لا جدال إطلاقا في أن العراق ما كان ليعاني مما يعانيه الآن لولا ذلك الخطأ الفادح لبعض القادة العراقيين الذين تعجلوا الأمور وأصروا عام 2011 على السحب التام للقوات الأميركية من العراق، وإعتبار ذلك الامر إنجازا أو إنتصارا، أو طردا للمحتل كما كانوا يسمونه، ولولا رغبة العرب السنة، غير المفلحين في قراءة الوضع العراقي عامة ووضعهم الخاص بعد مغادرة تلك القوات، ومطالبتهم بمغادرتها، ولولا مطالبة (بعض) الشيعة العرب برحيل القوات الامريكية إرضاءا لايران وتهيؤا لمرحلة إنتقامية جديدة ضد العرب السنة أولا والكورد تاليا، ما كانت الأزمات الداخلية الطاحنة، والأوضاع الامنية المتردية ما كانت تصل الى حالة الإنهيار رغم ذلك كله، لولا الصراعات المفتعلة التي فجرها المالكي والمقربون منه مع جميع العراقيين كوردهم وعربهم شيعتهم وسنتهم، فالمالكي الذي إستلم العراق من الأمريكيين (المحررين)، نهاية عام 2011 بلدا مستقرا وموحدا الى حد ما، بلدا يسود بين أطيافه نوع من التفاهم والتصالح، مارس نهجا إنتقاميا و ترويعيا رهيبا ضد الجميع، وإنتهج المغالاة والتجاوزات والإستفزازات والإعتقالات العشوائية، وساهم بقصد أو بدون قصد في تحويل الكثير من المعتقلين الأبرياء إلى إرهابيين في داخل السجون والمعتقلات بسبب الإهانات والإساءات والتعذيب وتأخير المحاكمة وفق القوانين، أو بسبب الاحتكاك بالإرهابيين الحقيقيين هناك،  كما قام المحسوبون عليه من قادة وضباط أمن بتسهيل عمليات تهريب أو هروب أخطر الإرهاربيين الشرسين من السجون العراقية، وأضحى كل أبناء العراق من جراء عهدي حكمه المثقلين، معرضين للإبادة الجماعية والمجازر البشعة والفقر المدقع، وزادت وتيرة العنف الطائفي وتم إستغلال موارد ومؤسسات الدولة، وإستشرى التخبط والفسادان المالي والإداري، وطفح الكيل في العراق وإنعدمت الثقة، وفشل التوافق السياسي، وباتت الهوة بين الفرقاء أعمق من أي وقت آخر، وأحيلت الاوضاع برمتها الى مرحلة حرجة ومنزلق خطير سالت فيه الدماء، وزادت الفجوة في العلاقات بين المكونات العراقية دون معالجات، وأصبحت الأمور مهيأة لأي حدث يستجد، وإستقوى الارهاب وأصبح منظما، وعمل بوتيرة متصاعدة في التنظيم والإعلام والعمليات العسكرية، وتم تسليم العديد من المدن ومساحات شاسعة من الاراضي العراقية الى الارهابيين، رغم ذلك نجح العراقيون وبدعم الأصدقاء في إزاحة المالكي عن كرسي الحكم، ونجحوا في تشكيل حكومة جديدة برئاسة السيد حيدر العبادي في فترة أقصر بكثير مما إعتادوا عليه، ولكن ما ينتظر السيد العبادي من ملفات، ثقيلة وكثيرة وشائكة ومعقدة، مع ذلك فإن أول الحلول يبدأ عندما يقتنع السيد العبادي بأن تنفيذ ما ورد في الدستور واجب وليس منة أو فضلا على أحد أو جهة أو فئة، وحينما يعلم أن المشاركين في حكومته يحملون هواجس مختلفة، ويعلمون أن الظرف الذي كان سيئا ربما  يصلح أو يصبح أسوأ، ويقتنع (السيد العبادي) أن ذلك يستدعي تحركا وإتفاقا وتوافقا عاجلا، لأن أزمات العراق لا تحتمل التأخير، وأن لا يكون مترددا ومرتبكا ويظن أنه ليس بالإمكان القضاء على الإرهاب الداعشي وإجتثاثه.
إن التفكير المنطقي يستدعي من العبادي والقيادة الجديدة للعراق، الإعتماد على المنطق، في حلحلة الخلافات والقضايا العالقة بين العراقيين، والتعاطي مع المعطيات والإعتراضات والإنتقادات وفق سياسة عقلانية تلزم غالبية الشعب العراقي بالإلتفاف حولها، والإتيان بحلول جدية متوافقة، وقواسم مشتركة تؤمن مستقبلا أمنا ومستقرا.
وعلى كل حال، الأيام والأسابيع المقبلة ستكون حاسمة ومفصلية في العراق، وستكون مصداقيات الجميع على المحك.
 


379
ثورة أيلول 1961 وقرار وإرادة الكوردستانيين
   صبحى ساله يى
في الحديث عن ثورة أيلول التي إمتدت من عام 1961 الى عام 1975 والتي إستطاعت ان تؤسس مدرسة نضالية كبرى بين صفوف الشعب الكوردستاني، لابد من الحديث عن الفترة المحصورة بين 14تموز 1958 و6 ايلول 1961، والخلافات العميقة والصراعات السياسية بين قادة ثورة تموز، وانحراف ثورة تموز عن مسيرتها وعن أهدافها الحقيقة التي قامت من أجلها، وتعطل الجهود الرامية للإصلاح والتحررمن أسر التجاذبات بين الحركات الوطنية وشعاراتها، وتدهور العلاقات الكوردية مع عبدالكريم قاسم بسبب المماطلة في إقرار الحقوق القومية للكورد خصوصاً ماورد في الدستور المؤقت، ومطالبة البارتي بإلغاء الأحكام العرفية والأوضاع الاستثنائية وإنهاء فترة الإنتقال والشروع بإجراء الإنتخابات، وإطلاق سراح السجناء السياسيين والكف عن تعكير الحياة الحزبية والنقابية، ولابد من الحديث عن أعلان الحزب الديمقراطي الكوردستاني إضرابه السياسي الشهير العام في كوردستان في 9/ايلول/1961، ومحاولة الحكومة إنهاء الاضراب بقوة سلاح الشرطة والجيش والطائرات الحربية، وتحرك قطعات كبيرة من الجيش العراقي الى كوردستان استعداداً لشن الهجمات وحسم الامور الدستورية والسياسية بالوسيلة العسكرية البعيدة عن منطق الحكمة والعدل والإنصاف، وغلق كل السبل امام الكورد وقيادته السياسية سوى خيار الدفاع عن النفس، وحمل السلاح لا حباً بالقتال وانما اصراراً على الدفاع عن الحقوق ...
وهكذا إنطلقت الآلة الحربية العراقية لتفتك وتقتل وتبيد، وفي المقابل اندلعت الشرارة الأولى للثورة، وانضم الكثيرون الى صفوفها، وإلتفت الجماهير حول الحزب الديمقراطي الكوردستاني وقائده الخالد مصطفى البارزاني، بهدف الانطلاق مع الشعوب المتحررة نحو بناء وطن متقدم، والكوردستانيون إعتبروا ما حدث في 11 أيلول 1961 ثورة ونقلة تأريخية كبيرة ودفاعاً عن ما تضمنه الدستور العراقي، ثورة سهلت لهم وللعراقيين مهمة التحرك ضد المنحرفين عن ثورة تموز 1958 وضد الحمقى المرتبطين بالتيارات الشوفينية ومثيري النعرات القومية والمذهبية، ثورة إستطاعت أن توازن بين المعادلات وتنجح في عقيدتها السياسية وفي توجيه الاحداث وفق سياسة عقلانية حكيمة تتطلع الى الإنصاف والقضاء على ظروف التخلف والفقر والجهل والفساد في البلاد وتحقيق الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، ثورةً لم يستخدم ثوارها الرصاصات والقنابل إلا في ارض المعركة الدفاعية التي كانوا يخوضونها و لم يفجروا جسراً و لم يخطفوا شخصاً و لم يطلبوا بفدية مقابل الأسرى، وكانوا يخلون سبيل الاسرى دون استثناء..
وخلال سنوات عمر ثورة أيلول كانت هنالك العديد من الجولات التفاوضية بين قيادة الثورة والحكام المتعاقبين على كرسي الحكم في بغداد، وجاءت اتفاقية آذار1970، التي كانت أطول الاتفاقيات عمراً وأدقها في التفاصيل وأشملها في المعالجات، لتعالج المشكلات، ولكن بعد أن طالبت الثورة حكومة بغداد الوفاء بالالتزامات وما جاء في بنود الإتفاقية، إصطدمت تلك المطالبة بصخرة العنجهية البعثية، وإندلع القتال مرة أخرى، وشنوا حربهم في آذار 1974 على قرى وقصبات كوردستان واستعملوا الاسلحة المحرمة دولياً في العديد من المناطق ضد المدنيين الكورد. وبدأت مرحلة اخرى من ثورة أيلولية ضد الظلم استمرت لعام كامل، وامام احتمالات انهيار الجبهة الحكومية العراقية وتقدم الكورد، حاولت بغداد منع أو حتى تأجيل هزيمة جيشها، رغم ضخامة القوات المسلحة واسلحتها السوفيتية الحديثة والكثيرة، فأصبحت مستعدة لدفع أي ثمن ولو على حساب السيادة الوطنية لمنع الهزيمة، طبعاً عدا الاعتراف بالحق الكوردي، وتغلبت المصالح الاقتصادية والسياسية الكبرى على الحقيقة والانسانية، وحل العقل التآمري الاستبدادي البغيض محل العقل المدني الحضاري، وتعرضت ثورة ايلول في 6/3/1975 الى مؤامرة حيكت خيوطها في دهاليز العديد من عواصم العالم، وبدت الصورة في بداياتها حالكة بفعل تكالب قوى الاعداء وحجمها، وعاش الكوردستانيون أياماً حاسمة، وبعد عام واحد فقط بدأت مرحلة اخرى من الثورة وبإيمان أكثر، وعزيمة أقوى من أي وقت آخر، وإنطلقت شرارة ثورة كولان التقدمية.


380
ثقافة هؤلاء أوصلت العراق الى الحالة الحالية
  صبحى ساله يى
المواقف التي عبر عنها السيد نوري المالكي خلال دورتي حكمه للعراق، ومواقف السائرين على نهجه من نواب وساسة الصدف وكتاب القطعة تجاه إقليم كوردستان والشعب الكوردستاني، فرضت على الكوردستانيين الإلتفات الى أن الخطر الحقيقي الذي كان يهددهم منذ بداية تأسيس الدولة العراقية مازال قائماً، وأن الثقافة العدائية تجاه الكورد وكوردستان متجسدة في نفوسهم المريضة، وتستوجب إعادة النظر في العلاقات الكوردية مع الآخرين الذين يؤيدون تلك الثقافة العدائية علناً ودون وجل، أو الذين يؤيدونها بسكوتهم، كما فرضت علينا عدم التغاضي عما قيل من تصريحات وما أعلن من مواقف وما جرت من أحداث، والعودة قليلاً الى الوراء، وبالذات الى وقت تشيكل الحكومة العراقية في نهاية العام 2010 التي جاءت مخيبة للآمال في بلد كان تأسيسه مبنياً على إفتراضات وإشكالات وهواجس ويتضح فيه الإنقسامات أكثر من أي شيء آخر.
أصحاب المواقف العدائية والمخيلات المريضة، يبنون أفكارهم وثقافاتهم على ركام أوهام إنتهت منذ زمن بعيد، ويتحدون تحت خيام الوهم، ويعتبرون الكورد مصدراً بارزاً من المخاطر التي تداهمهم، لذلك يحشدون قواهم ويسخرون إمكاناتهم من أجل جر البلاد الى المزيد من الصراع والأزمات من جهة، والتصدي للنجاح الكوردستاني في المجالات كافة من جهة أخرى، ويكررون أسطوراتهم المشرخة للتوظيف في صوغ سياسة شوفينية معادية للكوردستانيين، وينسون أويتناسون أن الكورستانيين وأثناء ثوراتهم وتصديهم للدكتاتورية، قاموا بحماية جميع الهاربين من بطش البعث، وفي السنوات التي تلت التحرر من البعث ونظامه المقبور، عملوا بصدق من أجل التخفيف من التشنّج والتعصّب وإعادة اللّحمة إلى مكوّنات المجتمع، والقوة  المادية والمعنوية للكورد أسهمت إيجابياً في مسائل تشكيل الحكومات والتوازنات، ويتنكرون الدور الكوردي في حل المشكلات الناجمة من المغامرات الرعناء المتكررة في بلد يفترض إنه ديمقراطي وتعددي وفدرالي، وإحتضانه للهاربين من العنف والارهاب من مدن عراقية عدة، ويتجاهلون إن قوة الكورد تعزز مقومات العيش المشترك، وتقرب وجهات النظر حول مستقبل التعايش في المنطقة.. المؤيدون للثقافة البالية، والذين يتحدثون عن صيانة وحدة الاراضي العراقية، والتي لم تكن متوحدة، لايريدون أن يفهموا بأن الضغط يولد الانفجار، وأن قطع الرواتب والمستحقات والتهديد بسحق رؤوس الكورد (تحت سقف البرلمان وأمام أنظار النواب وأجهزة الإعلام)، وتوزيع الإتهامات، ومنع تنفيذ المواد الدستورية والتفاخر بها، والإجراءات العنيفة، والمطاردات، والملاحقات، وإشاعة المزيد من ثقافات التوتر والخصومات والبغضاء والكراهية، كلها تصرفات ظلامية خبيثة غير متزنة تنم عن المراهقة البعيدة عن النضج والحكمة، وتنم عن ضيق أفق وضحالة في فهم الدين والدنيا، وإنها مؤشرات تدل على العجز وقصر النظر في التأمل والتفكير والأداء، وتعبرعن عقلية منغلقة لا تفهم ثقافة التعايش الإنساني، ونتيجة لتلك الثقافة التي إتكأ عليها المالكي في فرض آرائه وتوجهاته، ولغة الحقد عنده وتجاوزه على الدستوروشعب عريق بتاريخه، والأستهانة بحقوقه، وقوله بأنه سيجعلهم يهربون الى الجبال ويعودون الى نقطة الصفر، وتناسيه للفضل الكوردستاني عليه، ومفهومه الساذج والبسيط للغة السياسة والدبلوماسية، ونهجه الخالي من حنكة التفاهم والتفكير بآثار سقوط المفاهيم والمبادئ والسقوط في أحضان الطائفية والقومية والفكر الأناني، جر الجميع الى الصراعات والخلافات غير المجدية، وجر العراق الى الحالة الحالية...

381
كارثة شنكال جرح جديد في الجسد الكوردستاني
   صبحى ساله يى
في شنكال أعاد التاريخ نفسه بإسلوب قذر ووجه تعيس، والقوى الظلامية والأجندات الخارجية والعصابات الإرهابية المارقة، نفذت فرمانا خبيثا باستهدافها الايزيديين الكورد وأضافت في (كوجو) مأساة مروعة الى مأسي الأنفال سيئة الصيت وكارثة حلبجة والإبادات الجماعية.
مارس البعثيون وأزلام النظام السابق جرائم رهيبة مثيرة للقرف بحق الشنكاليين الكورد، ودمر صدام ومن معه من القومجيين والشوفينيين أكثر من 150 قرية في منطقة شنكال، وجمعوا الأهالي في مجمعات سكنية قسرية، بعدها طالبوهم بتبديل قوميتهم الكوردية الى العربية، ومنعوهم من التحدث باللغة الكوردية أو استخدام الأسماء غير العربية، وقبل ذلك تحملوا (72) فرماناً من أجل التشبث بالارض وإنتمائهم القومي والديني..
 بعد تحرير العراق في العام 2003 تعرضت مناطق إنتشار الايزيدية إلى هجمات عديدة إلا أن أبرزها كانت العمليتان الانتحاريتان اللتين نفذتا في 14/8/2007 وإستهدفتا مجمعي (كرعزير وسيبا شيخ خدر) مخلفتين 313 شهيدا وأكثر من 700 جريحا وزهاء 370 داراً مدمرة بالكامل و160 محلاً تجارياً إلى جانب عشرات السيارات والممتلكات الاخرى، كما كان لإستشهاد عدد من الكورد الايزيديين قبل عامين في بغداد وقع الصاعقة على الكثيرين في كوردستان والعراق والمنطقة، وسط إصرار خطير على موقف متعجرف وقتل ممنهج لأبناء الاقليات الدينية الذين تحملوا الحيف الأكبر، مع إنهم لم يشتركوا في واقعة سياسية معينة، تمهد الطريق لإضطهادهم، وكانوا على الدوام جماعات مسالمة تعيش في أرض أجدادها، وتمثل ثقلا سكانيا مهما في المناطق الكوردستانية التي تقع خارج إدارة اقليم كوردستان، رغم ذلك تعرضوا لموجة عارمة من العنف والذبح والقتل والتهجير وسالت منهم دماء كثيرة، جعلتهم يشعرون بعمق المأساة ومرارة التعايش السلمي واشكالياته.
واليوم وبعد حملات التحريض على الكراهية العرقية والمذهبية التي مارستها الأجهزة الاعلامية الملوثة بسموم ثقافة الإرهاب، وبعد أن تمت تهيئة الأرضية الخصبة للعدوان على شعبنا ووطننا، ارتكب داعش مجزرة بشعة في كوجو، إستشهد فيها 413 شخصا من عمر 13 عاما فما فوق وسبي أكثر من 700 امرأة وطفل، كما تم دفن العديد من الاحياء، وبفرمان جديد، (الدواعش الأغبياء)، يدعون الأيزيديين، رغم عظم تضحياتهم، الى تبديل ديانتهم والتنازل عن معتقداتهم، أو التخلي عن (لالش) وجميع مزارات الاولياء الصالحين، وعن أرض الاباء والاجداد والموت في الغربة..
الشنكاليون توجهوا الى الجبل الذي كان على الدوام صديقا لهم، ولكن المفارقة هذه المرة كانت في أنهم، كسبوا أصدقاء آخرين، وعاشوا لحظات مأساوية شديدة، ناجمة عن أصوات الاشتباكات، بين البيشمركه والدواعش، الممتزجة بصراخ الأطفال وصيحات الاستغاثة، وكانوا محاصرين فيه بين مطرقة داعش وسندان الجوع والعطش والمرض وتحت شمس حارقة ورياح ترابية شديدة، وحفروا فيه بأياديهم قبورا لأطفالهم الذين قضوا من الجوع والعطش، والمحظوظون منهم فقط تقاسموا الماء بالقطرات في ما بينهم ليصمدوا حتى وصول النجدة إليهم، وأصيب معظمهم بحالات الجفاف الحادة وأعراض مرضية متنوعة، قطعوا عشرات الأميال مشياً على الأقدام، وإختلفت عندهم الأولويات عن أولويات الآخرين، والهم الأساس للذين فقدوا الأعزاء، كان الخوف من فقدان المزيد، والمعاناة من التهجير داخل البلاد وخارجها وبكت نائبة الشنكاليين تحت قبة البرلمان العراقي وبكى معها الملايين، وكان كاتب السطور واحد منهم...


382
لجنة التفاوض الكوردستانية بين المهمات والإستحقاقات
  صبحى ساله يى
مع بدء ماراثون تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، يتحدث الكثيرون عن أهمية عمل اللجنة التفاوضية الكوردستانية المتشكلة بالقرار رقم (3) لسنة 2014 الذي أصدره السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان، القاضي بتشكيل «لجنة مفاوضات اقليم كوردستان»، للتفاوض مع الجهات العراقية والحجم الكبير للصعوبات التي تواجه أعضاء تلك اللجنة الذين سيذهبون الى بغداد للتفاوض مع الأحزاب الأخرى، أو يستقبلون في كوردستان ممثلي الأحزاب والكتل والإئتلافات العراقية، لكننا نقول: أهمية اللجنة والصعوبات التي تواجهها تكمن في الجراح التي ما زالت تنزف، والملفات الساخنة المفتوحة، والهموم التي لا تعد ولا تحصى، والمتاعب والمشكلات الكثيرة، والمطلوب الأول والأهم هو إيجاد حلول ناجعة وعاجلة لإنقاذ البلاد والعباد من الارهاب وما يتطلبه ذلك من قرارات وإتخاذ خطوات جريئة لمعالجة الأوضاع المتردية الامنية والاقتصادية، والصعوبات مهما كانت كبيرة فإنها لا تعادل حجم الدعم والتشجيع الذي يمنحه الكوردستانيون لهم والذي يؤهلهم لتحقيق الرهانات المعلقة عليهم، أو أن يقطعوا المسافة المعقولة نحو تحقيقها، لأن تشكيل الوفد التفاوضي جاء استكمالا لمبادرة كبيرة وفعالة أقدمت عليها رئاسة إقليم كوردستان ومعها جميع الأحزاب الكوردستانية، مبادرة تؤشر لواقع كوردي جديد، وتفاعلات تحمي مصالحنا المتداخلة في كوردستان وفي العراق والمنطقة وعلى مستوى العالم وفق الاستحقاقات القومية والوطنية والدستورية والانتخابية، مبادرة شددت في العديد من جوانبها على الثوابت الكوردستانية إزاء مطالبنا العالقة، وتصفية كل ما يتعارض مع النظام الديمقراطي والشراكة الوطنية، وكل ما يخل بالدستور ويتجاوز على القيم التي كانت في أساس بناء العراق الجديد، وتفعيل الحوار مع الكتل السياسية للتوصل الى اتفاقات تعالج الإشكاليات والأزمات والتصدعات التي نجمت عن السياسات الانعزالية الخاطئة.
الأحزاب الكوردستانية تمنح هؤلاء السادة ما يريدون وما يحتاجون من الدعم السياسي والشعبي والرسمي كي يقودوا سفينة التفاوض بنجاح نحو شاطىء الأمان ما يجعلهم قادرين على تحمل الضغوط والتغلب عليها، وسيكونون قريبان من برلمان وحكومة الإقليم ومن مراكز صناعة القرار، وواعين بالحقائق التي نعيش فيها، ومستوعبين لمتطلبات الواقع الجديد، ويدركون أنهم مقبلون على التحرك ضمن قواعد وسياقات ومتطلبات المناورة على أكثر من إتجاه في آن واحد، في دولة إنقلبت فيها المعادلات مع إختلاف المصالح الشخصية والحزبية والطائفية والمذهبية والقومية، وتعاني من المتغيرات المؤثرة فيها ومن الذين يريدون صيغة وطن تكون فيها العاصمة الفيدرالية بمثابة الشمس والباقون، سواء كانوا أقاليم أم محافظات، أقمار صغيرة أو نجوم مأهولة تدور في فلكها وتتبع لها وتنفذ ما تصدره من أوامر.
 بالتأكيد، سيضع أعضاء اللجنة التفاوضية تجاربنا التفاوضية السابقة في حساباتهم وخاصة مع الطروحات التي تثير الريبة وتطرح التساؤلات وتؤسس لنتائج خطيرة، وسيؤكدون على شراكة الكورد في العراق، والاستحقاق الكوردي في الحكومة العراقية القادمة وملف النفط والغاز، وتطبيق المادة 140 الدستورية، وقوات البيشمركه، والإحصاء السكاني الذي أصبح عصياً على حكومات متتالية، لذلك لانتوقع منهم أن  يغرقوا في القضايا التكتيكية على حساب الإستراتيجيات والثوابت...


383
لو تم سحب الثقة في حينه...
  صبحى ساله يى
حذر الرئيس مسعود بارزاني أكثر من مرة بشأن ما جرى وما يجري في العراق، وأشار الى أن ذلك له تأثير مباشر على إقليم كوردستان ودول وشعوب المنطقة، ودعا الى إستنهاض الهمم والوقوف على أهبة الإستعداد لكل الإحتمالات والتحرك الواسع والتعاون الجاد والفعال لصياغة موقف موحد تجاه داعش وأخواتها وتجاه جميع القضايا المصيرية الراهنة والتغييرات التي حصلت والتي يمكن ان تحصل، والتي لها علاقة مباشرة بالاهداف الاستراتيجية السامية للشعب الكوردستاني وما قدمه من الشهداء والتضحيات وما أسيل من دماء زكية.
وأكد الرئيس أكثر من مرة على أن المرحلة الحالية مصيرية وحساسة وحاسمة، ولكي تمر المرحلة بسلام وامان، يتطلب تناسي الخلافات والرغبات الشخصية والحزبية والمناطقية والمشاركة الفعالة في كل صغيرة و كبيرة، ويتطلب التنسيق والتعاون وتعزيز الممارسات الديموقراطية والدفاع عن المكتسبات وتخطي الصعوبات بكل ما نملك من طاقات للوصول الى ما انتظرناه منذ عقود، فالمنطقة برمتها تعيش وسط أمواج الصراعات والدعوات العدوانية والإنتقامية وصيحات الانتقام. وترتفع فيها صوت لغات القمع والتهميش والتنكيل على أبسط الاعراف الانسانية الديمقراطية، وحذر سيادته من تسلل روح العداء والانتقام الى نفوس الكتل والجماعات المتناحرة، وخاصة المسؤولين التنفيذيين في الدولة والذين يتولون المناصب الهامة والحساسة، وعدم إمتثالهم لصيحات العقلاء وتحذيرات الحريصين، وإعتبارها مؤامرات تهدف لابعادهم عن السلطة ومنافعها، والإصرار على ان الذي قيل كانت خدعاً وما حدث مؤامرات، والتهديد بالانتقام وقطع ألسن المخالفين الخونة والعملاء.
قبل أكثر من سنتين كان هنالك جهد مشترك بين بعض القادة السياسيين في العراق الفدرالي لإزاحة المالكي عن الحكم وسحب الثقة منه، لإقتناعهم التام بأنه السبب الرئيس للمشكلات والازمات في العراق، ذلك الجهد قرأ المستجدات على الساحة الوطنية وقدر انعكاساتها الآنية والمستقبلية، وعرف خطورة فضائح العقل المزاجي الأختياري والشكل المفرط في التخلف او الأستغباء الذي كان يسميه البعض بالطبيعية، وعبر بصراحة وطنية عن الخشية من الخطابات الاستفزازية والكراهية والعنف الطائفي والأزمات المتتالية والصراعات التي أثرت في خلق  الفجوات وتفكيك المجتمع.
ولكن جهد عزل المالكي جوبه برفض من قبل البعض رغم أنهم كانوا مؤمنين الى حد اليقين بشرعية سحب الثقة وفوائده، وشاءت الصدف أن يفوز رافضي سحب الثقة على الداعين له، وكانت النتيجة التشبث بالسلطة وبأي ثمن كان، وحرمان الشركاء الكورد والعرب السنة وقسم كبير من الشيعة العرب من المشاركة العادلة في السلطة وصُنع القرار السياسي، وثار المسكونون بهوس المؤامرة والتخوين ضد الداعين لسحب الثقة، وإبتعدوا عن الهدوء والعقل، والمحاولة بشتى الوسائل إختراق الصف الكوردي والاستفادة من تعدد وجهات النظر ومن الحساسيات، والتقرب من البعض، وتنفيذ برنامج سياسي خاص ضد القيادة الكوردية، وإتهامها بشتى الإتهامات البعيدة عن الحقائق، وقطعت حصة كوردستان من الموازنة السنوية العامة وحجبت رواتب موظفي وعمال الإقليم، كما أن المنتفعين من السلطة أخذوا يلفقون الاتهامات ويشنون حملات إعلامية تحريضية تجاه كوردستان، وبسبب تلك السياسة المتعنتة، تشكلت بين ليلة وضحاها دولة جديدة، وسيطرت على ما يقارب ثلث مساحة الأراضي العراقية، تسمي نفسها بالإسلامية، بدأت تعيث فساداً في الارض بحجج واهية وأكاذيب ملفقة، وبقي أن نقول إن الذين ساهموا في إفشال سحب الثقة عن المالكي سنوا سنةً سيئةً عليهم وزرها الى يوم القيامة...
 


384
تهديد دولة القانون والنوم دون عشاء
صبحي ساله يي
قالت نائبة عن ائتلاف دولة القانون، إن (دولة القانون مصرّ وبشكل قوي على ترشيح المالكي لولاية ثالثة، على إعتبار ان الائتلاف هو الكتلة الأكبر من حيث المقاعد البرلمانية، وبذلك هو المعني بتقديم مرشحه لشغل منصب رئاسة الوزراء)،
وهددت قائلةً : هناك مفاجأة ستحصل في الأيام القليلة المقبلة.
خبر المفاجاة والتهديد جاء من نائبة في دولة القانون، وهي ليست حنان الفتلاوي التي إفتخرت بمنعها تنفيذ المادة 140 من الدستوروصاحبة دعوة ( قتل سبعة من السنة في حالة قتل سبعة من الشيعة)، ولم يأت على لسان عالية نصيف التي دعت عدة مرات الى إعلان الحرب على السنة والكورد وباركت سياسات المالكي وطبلت وزمرت ليلاً ونهاراً للقائد الملهم، ونتمنى للنائبة المهددة أن لاتنظم الى جوقة(غير الحنونة وغير العالية).. 
ما نتوقعه هو: أن المفاجأة لاتحتوي على الإعتذار والإعتراف بأخطاء المالكي ومعاونيه ومستشاريه، ولاتهدف الى خلق روح التسامح والتعاضد بين العراقيين ولاتبعث الأمل في نفوسهم بعد توالي المحن والنكبات والتخبط في السياسة الداخلية والخارجية والاقتصادية والامنية والاجتماعية وضياع مدن ومحافظات عراقية وتعاظم القوي الارهابية، وإنها بالتأكيد لاتدعو الى غلق القنوات الفضائية والصحف المطبوعة والمواقع الالكترونية التابعة والمتبوعة للمالكي وحزبه، ولاتندد بكتاب القطعة والشعراء والاعلاميين المأجورين بالمال الحرام، ولاتقول للعراقيين: تعالوا نعمل على أساس الأمر الواقع ونستكشف سر عدم إمكانية مليون متطوع و 200 الف جندي عسكري نظامي وفرق متعددة من الشرطة الاتحادية، مع آلاف الدبابات والعربات المدرعة وعشرات الطائرات الحربية الوصول الى تكريت أو تجاوزها.. وعدم تسجيل اي انتصار ولو رمزي على الارض على داعش والجماعات الارهابية المتحالفة معها..
وطبعاً لاتقول : لقد دفعنا الدموع والدماء من اجل الديمقراطية، لذلك رأينا من عدم من الانصاف أن نتمسك بالمناصب ونسير ضد الدعوات الموجهة من المرجعية الدينية الجليلة ومن القوى السياسية، ولانريد أن نستمر في قلب الحقائق ونطرح شخصية لا تحظى برضى الشعب وأن نبيع الوطن من أجل تسنم المناصب العليا في الدولة.
تصورتها مفاجأة مرتبكة لتبرير الفشل الكارثي في إدارة حكم العراق، وتهديد وغضب وقدح وذم ولسب والقاء للتهم تجاه الفرقاء السياسين، كالكورد والسنة والشيعة الذين لا يوافقون على الولاية الثالثة، وإلتفاف على الدعوات التي تنادي بحكومة قادمة تحظى بقبول وطني واسع.
وربما تكون دعوةً لجميع الأطراف الى التحلي بالمرونة وبالروح الوطنية ونكرات الذات وتقدير وضع البلاد الداخلي والخارجي وتقديم مصلحة المالكي والمحيطين به وحزب الدعوة على المصالح الوطنية والقومية.
هذا التهديد أو هذه المفاجأة، ذكرتني بمفاجأة رجل بسيط جائع، كان قد ذهب (دون دعوة) الى حفلة عرس في قرية قريبة من قريته، جلس ولم يرحب به أحداً، ولميهتموا به كالآخرين، ولم يجلبوا له الطعام رغم كثرته، فغضب ودمدم، ورفع صوته مهدداً : عندي مفاجأة...سوف أفعل ما فعله أبي في عرس بيت فلان ...
توجس الحاضرون من تهديده ومفاجأته، وتصوروها كارثة، أو في الأقل إفساداً للجو الإحتفالي عندهم، فأحضروا له أحسن ما عندهم من طعام وشراب، وبعد أن أنهى طعامه وشرب، ومسح يديه، سأله أحدهم : بالله عليك إروي لنا ما فعله والدك في عرس بيت فلان..
قال: عاد الى البيت ونام دون أن يتعشى... 

385
المفاجأة والجسور بين الكرخ والرصافة
   صبحى ساله يى
كل التبريرات التي قدمت حتى الآن في بغداد بشأن ظروف وملابسات سيطرة داعش وأخواتها على العديد من المدن، ومساحات واسعة من الاراضي، وإقترابها من بغداد، تعكس إفلاس أصحابها وفشل السياسات التي ينتهجونها، وضحالة الثقافة التي يحملونها.
 والحديث عن إنتصارات الجيش على الارض كل أربعاء من قبل رئيس الحكومة المنتهية ولايته، وتصريحات قاسم عطا اليومية، أحاديث معيبة غير متوازنة تدل على أن تلك التبريرات والمقولات تعزف على إيقاعات غير واقعية، ومجتزأة من صورة شديدة التعقيد تحاول أن تختزل المشهد خيالياً وترسم خطوطاً وهمية لأعداء مختلفين، إيماناً بأن الغاية تبرر الوسيلة وأن أعداء الأعداء أصدقاء..  ولكن سرعان ما تبرز بين سطور التبريرات أحكام اعتباطية وغير معقولة، لايمكن تصديقها أو الموافقة عليها حتى من أقرب المقربين.
هذه السذاجة التي تبنى عليها ممارساتهم المرتبكة والتي خرجت من قاموس العقلاء منذ زمن، ما زالت تصدر عن عقولهم التي ما عادت تميز بين الأخطار التي تتعين مواجهتها وبين الانهيار الكارثي للمجتمع العراقي جراء ثقافة السحق والتفكك والتشرذم الطائفي التي تسيّدت على العملية السياسية، وإضمحلال معاني المواطنة والتعدد في مجتمع ودولة سمتهما الأساسية هي التوزع على انتماءات شتى..
 بتلك السذاجة يحاولون العثور على القوة الخارقة والدفاع السحري في وجه التقدم الدواعشي، دون البحث عن الأسباب التي أباحت الهيمنة الدواعشية، بل بالإصرار على استسهال الأمر الذي أصبح واقعاً لا مفر من التعايش والتعامل معه، بعد أن كان لايخطر على البال، ودون البحث عن أدوات المواجهة السياسية ثم الأمنية والعسكرية والتهيؤ للتغييرات التي قد تطرأ في مقبل الأيام.
ظهر المالكي بعد ساعات من سقوط الموصل وأعلن الوصول إلى خط النهاية لمسار طويل من التفكك والإنهيار والفلتان الامني، وإستعادة زمام المبادرة بعد ساعات وربما أيام، والبدء بمسيرة النجاحات، وكعادة المغرورين المتسلطين المستبدين تجاهل المراجعة النقدية لمآلات الوضع، ومرت أسابيع، وأكثر من خمسين يوماً، ومازالت مصائر وأساطير الانتصار على الأعداء في خانات الخيال التي لا يستخدم المنطق، المنطق الذي ابتذل معانيه عنده وعند مستشاريه، المنطق الذي يستطيع الربط بين الفشل وسياسة التهميش والفساد والفقر وإلصاق التهم وجمع الملفات والعنف وملاحقة الآخرين، وبين النجاح في الهجوم على الموصل وصلاح الدين والإستيلاء على مساحات واسعة في كركوك وديالى وبابل وحزام بغداد، المنطق المتحول عندهم الى رؤية التظاهر والمطالبة بالحقوق والمساواة نوعاً من المؤامرات الشيطانية، والمتجاهل للتحرك ضمن موازين القوى الواضحة، والممتنع عن لوم الذات على الانتكاسات وعن النكوص بالتعهدات والالتزامات، وأمام واقع هذه مراراته، ومنطق فاقد لمعانيه، تبدو العودة إلى العقل والحكمة مستحيلاً وينبغي ألا نتفاجأ إن (وجدنا أن داعش والسائرين في ركبه يدمرون الجسور التي تربط بين الكرخ والرصافة) لأننا نعيش في بلد المفاجأت.


386
كذبة العيد النفطية العراقية
صبحي ساله يي
مصيبة وزارة النفط العراقية تتجسد في أنها مازالت لاتعرف أن العراقيين يعيشون مرحلة جديدة وفي ظل معطيات ومستجدات ومآزق إستراتيجية وتاريخية، نتيجة لسياسات المالكي والشهرستاني ومن يدور في فلكهما، ومازالت لاتعلم فداحة فشلها الفظيع في إدارة الملف النفطي، وتعتقد أنها ناجحة وأن بإستطاعتها تمريرالأكاذيب والفبركات الاعلامية متى ما شاءت، كما تجهل أن السياسة النفطية في كوردستان، وضعت من قبل خبراء عقلاء، وتتوافق مع الدستور العراقي النافذ، وما زالت تجهل أن المطالبة بتسليم النفط المنتج في كوردستان الى الحكومة الاتحادية، لتكون (الحكومة الإتحادية)، هي الجهة الوحيدة التي تتولى جمع النفط وبيعه وبالتالي توزع عائداته بطريقتها الخاصة، ووفق أهواء ورغبات المسؤولين هناك، من سابع المستحيلات وأمرلايقبله العقل والمنطق، ولا تعلم أن تلك المطالبة هدر للوقت والجهد، ونفخ في قربة مثقوبة، وإفتراء على الدستور، لأن المواد الدستورية واضحة ومعلومة ولا تقبل التأويل..
منذ البدء بالتفاوض بين الشركات النفطية وحكومة الإقليم، وتوقيع العقود لإستكشاف وإستخراج النفط وتصديره نرى المتحجرين الواهمين في بغداد يرفضون كل شيء، كما يرفضون العودة الى الدستور الذي كتب بالعربية ليقرؤا موادها المتعلقة بالنفط والغازولايقبلون النقاش، وإن ناقشوا لايريدون أن يفهموا الحقائق والوقائع...
 وعندما باع الإقليم النفط المستخرج في الأسواق العالمية، فقدوا سيطرتهم على عواطفهم، وقاموا مرة بتوزيع التهديدات، وأخرى بتسجيل الدعاوى، وتارة بترشية بعض الشركات والشخصيات، ومن بين الدعاوي المسجلة، دعوى كانت قد رفعتها وزارة النفط الاتحادية مباشرة بعد تصدير كوردستان لأول شحنة من النفط عبر ميناء جيهان التركي، لدى المحكمة الاتحادية العليا في العراق ضد وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم بشأن تصدير النفط من إقليم كوردستان الى الخارج، ولكن المحكمة الإتحادية العراقية العليا ردت الدعوى و قررت بالإجماع رفض الطلب لكونه يتعارض مع السياقات القانونية المعمول بها في العراق، ومثل هذا القرار من قبل أعلى محكمة في البلاد ملزم لمجلس الوزراء العراقي وغير قابل للطعن بأي شكل من الأشكال، وكان من المفروض أن تحترم الحكومة الإتحادية هذا القرار القضائي والتوقف عن إرسال رسائل التهديد والتخويف أو تقديم مطالبات زائفة للتجار والمشترين المحتملين للنفط المصدر من قبل حكومة إقليم كوردستان أو حتى ترويج أخبار زائفة.
وأكد قرار المحكمة الإتحادية، قانونية الإجراءات المتعلقة بالعقود النفطية الكوردستانية، وإستخراج النفط وتصديره وبيعه في الأسواق العالمية، وأزال كل الشكوك التي كانت تراود البعض، وأشار الى أن المسؤولين عن الملف النفطي الكوردستاني ناجحون أذكياء، كما أكد أن السياسات النفطية العراقية والإجراءات التي تنتهجها وزارة النفط الاتحادية خاطئة وفاشلة، كما أكد عدم قانونية إجراءات وزارة النفط العراقية. وأكد كذلك أن كل ما قيل بشأن عدم دستورية تصدير النفط الكوردستاني، إنما كانت أكاذيباً وقلباً للحقائق من أجل صناعة إعلامية رخيصة لخلط الأوراق وتشتيت الرؤى، وسموماً شوفينية موجهةً نحو الكورد والكوردستانيين.. وفي آخر كذبة نفطية عراقية زعمت وزارة النفط العراقية يوم الثلاثاء 29/7 ( ثاني أيام عيد الفطر) أن القضاء الأمريكي أمر بمصادرة شحنة نفط كوردية من ناقلة قبالة ساحل تكساس بناءاً على طلب من الحكومة العراقية، وأشارت الى إن تلك الخطوة جاءت نتيجة الخطوات التي قامت بها الوزارة فيما يخص هذا الامر.
وقالت أن : قاض أميركي وقع اليوم الثلاثاء، أمراً بمصادرة شحنة النفط الكوردي بعد أقام أن العراق هذا اليوم دعوى في محكمة بتكساس للمطالبة بالاستحواذ على شحنة من النفط الخام من منطقة كوردستان.
أنظروا الى الخبر الكاذب والفاشل وفبركته الفاشلة، الخبرالذي لايصدقه أي عاقل: يتم تسجيل دعوى وينظر له ويصدر الأمر بشأنه في يوم واحد.. بالله عليكم هل توجد مثل تلك المحكمة في أي بقعة في العالم؟؟.(عدا المحاكم الثورية البعثية والداعشية غير الاسلامية والميلشياوية) .ثم إذا كانت وزارة النفط قد فشلت في بغداد عندما سجلت دعواها وشكواها لدى المحكمة الاتحادية العراقية ولدى القضاة العراقيين .. كيف تفوز بها في تكساس؟. ألا ترونها مثلي ...إنها كذبة فاشلة بمناسبة العيد...


387
قراءة في بيانات السيد المالكي تجاه اربيل وعمان
صبحي ساله يي
في وقت كان من المفروض أن يوجه السيد نوري المالكي والمقربين منه الشكر لشعب وحكومة كوردستان على إستضافتها للعراقيين الذين تركوا مدنهم وقراهم لأن جيشه الجرار (والباسل جداً) لم يستطع حمايتها وحفظ الامن فيها، وبدلاً من تقديم الشكر والتقدير والسلاح والعتاد للبيشمركه الشجعان الذين حموا سكان المناطق التي كانت تسمى بالمتنازع عليها، ومنعوا داعش من السيطرة عليها وتحقيروترهيب وقتل سكانها من الكورد والعرب والتركمان والمسيحيين والايزيديين، وفي الوقت الذي إعتاد فيه الكوردستانيون على المواقف الإنسانية والشعور الجدي بأحزان الآخرين ومساعدة كل من يطلب المساعدة، وفي وقت يمكن أن يسمى بالأسوأ في تاريخ العراقيين، وبدلاً من قول الحق أو جزء منه لإعادة بناء الثقة المفقودة بين المواطنين الذين إبتلوا بحكومة فاسدة وفاشلة، سمعنا السيد نوري المالكي ينشر بيانات وتصريحات مخجلة جوفاء للتستر على فشله وفشل إدارته، وقال خلال خطابه الاسبوعي المسجل في 9 تموز 2014 :
 (لا يمكن السكوت على حركة استغلت الظروف وتمددت، ولا يمكن أن نسكت أن تكون أربيل مقرا لعلميات داعش والبعث والقاعدة والإرهابيين)، داعيا من يتحدثون عن الشراكة الى (إيقاف غرفة العمليات الموجودة في أربيل وإيقاف وجود المجرمين من عتاة البعثيين والقاعدة والتكفيريين ووسائل الإعلام المضادة والمطلوبين للقضاء).
وأضاف، (إنهم موجودون ويخططون لعلميات أخرى وسيخسرون ويخسر مضيفهم أيضا لأنه لم يقدم نموذجا للشراكة الوطنية).. 
لانريد أن ندخل في التفاصيل ونلقي الضوء على كلماته المنتقاة، وتفسير التمدد والشراكة في نظر المالكي، ولكن نذكر بما قاله المتحدث الرسمي باسم رئاسة الإقليم أوميد صباح في بيان، حيث قال : سمعنا السيد المالكي خلال حديثه الأسبوعي يوم 9/7/2014 يكيل الاتهامات الباطلة لمدينة أربيل عاصمة إقليم كوردستان، مبينا أنه :عندما ندقق في أقواله نستنتج إن الرجل قد أصيب بالهستيريا فعلا وفقد توازنه وهو يحاول بكل ما أمكن تبرير أخطائه وفشله وإلقاء مسؤولية الفشل على الآخرين.
وأضاف صباح : لابد لنا أن نذكر له انه لشرف كبير للشعب الكوردستاني أن تكون أربيل ملاذاً لكل المظلومين بمن فيهم هو بالذات عندما هرب من الديكتاتورية، لافتا إلى أن أربيل حالياً هي ملاذ جميع الذين يهربون الآن من دكتاتوريته.
وأشار صباح إلى أن أربيل ليست مكانا لداعش وأمثال داعش، وأن مكان الداعشيين عندك أنت ( يقصد المالكي) حينما سلمت أرض العراق ومعدات ستة فرق عسكرية إلى داعش، ولملمت جنرالات البعث حولك ولم يصمدوا ساعة واحدة، ولا ندري كيف وبأي وجه تأتي وتتهم الآن وتتحدث من على شاشات التلفزيون.
ودعا المتحدث باسم رئاسة إقليم كوردستان، المالكي قائلا: نقول لك فقط، عليك الاعتذار للشعب العراقي وترك الكرسي لأنك دمرت البلاد ومن يدمر البلاد لا يمكنه إنقاذها من الأزمات.
وعندما عقد في الاردن المؤتمرالتأمري لقادة البعث والإرهاب ،الاردن المستفيد الأكبر من محنة وبؤس العراقييين والحاصل على التسهيلات في كافة المجالات الاقتصادية، وبالأخص على النفط العراقي بأسعار رمزية (أقل من سعر السوق بعشر مرات)، إضافة إلى مشروع مد أنبوب نفطي إلى ميناء العقبة، يظهر السيد المالكي ولا يجرؤ على تهديد عمان بعشر ما هدد به أربيل، وقال في كلمته الاسبوعية في 23/7 : يؤسفنا أننا نرى على شاشات التلفزيون مؤتمراً لدعاة الدم والذين يتبنون الطائفية والإرهاب يجتمعون في بلد شقيق جار تربطنا به علاقات صداقة متينة، مؤكدا أن العراق يتطلع لآفاق كبيرة في تطوير هذه العلاقة سياسيا واقتصاديا وامنيا.
وأضاف المالكي، نحن مع الأردن في خندق واحد في مواجهة الإرهاب والتحديات الأخرى، داعيا الأردن الى أهمية مواجهة مثل هذه المؤتمرات، لأنها ستعقد المشهد في المنطقة بشكل عام وليس في العراق فقط.

عجيب أمر هذا الرئيس للوزراء... يقول لعمان التي تأوي الارهابيين وقادة البعث الصدامي والتكفيريين ويعقد فيها أوسع مؤتمر مناويء للعملية السياسية والديمقراطية والدستور العراقي، ذلك الكلام الدبلوماسي الناعم المليء وبالخوف والجبن والتوسل، بينما يهدد اربيل التي تستضيف العراقيين الهاربين من الجور والظلم والقتل والارهاب..
لانريد أن نطيل الحديث ،لكننا نكتفي بالقول: كل تصريحات وتهديدات المالكي النحوية والعامية (مثل ماننطيها، وولي الدم والدم بالدم) وإتهاماته للكورد وكوردستان وتوسلاته للاردن، تعكس واقعاً مؤلماً ونظرة قاصرة في طريقة التعاطي الايجابي مع تحول كبير وخطير في بلد تفتعل حكومتها الأزمات والصراعات والمشاكل، وأفعال وأقوال وتصرفات الفاشلين فيه، رسمت هذا المشهد المأساوي المفتوح على كل الاحتمالات..


388
المفارقة في ترشيح برهم صالح لرئاسة العراق
صبحي ساله يي
الدكتوربرهم صالح... إسم تم تداوله هذه الأيام أكثر من أي إسم آخر، ذكرإسمه في المقاهي والمكاتب والجلسات الرمضانية، ودار حوله جدل واسع، إسم يتفق عليه معظم الأحزاب الكوردستانية، وعلى أهليته لرئاسة جمهورية العراق، وكذلك  الحال بالنسبة لغالبية لاحزاب الشيعية والسنية (عدى الشوفينية منها التي لاتريد أصلاً أن يكون الكوردي رئيساً للجمهرية أو حتى لدائرة خدمية أو مدرسة إبتدائية)، وقبل كتابة هذه الأسطر قرأت أن المرجعية الدينية في النجف تراه الشخص المناسب للمكان المناسب، وتتوقع نجاحه في لملمة الأوضاع، والأمر الأكيد الذي يتوقعه الجميع هو ترحيب الدول الاقليمية بإنتخابه وكذلك الحال بالنسبة لأمريكا وبريطانيا والهيئات الدولية..
لانريد الدخول في ذكر كفاءة ومؤهلات وصفات وطبائع الدكتور برهم صالح، لأنها معروفة لدى الجميع، ولا نريد أن نكون جزءاً من حملة دعائية لصالحه لأنه ليس بحاجة الى دعاية من شخص بسيط مثلي، وخاصة مني أنا الذي لا أنتمي لحزبه، ولكن الرجل كما يقال ( إسم على مسمى) ، فبرهم يعني الناتج أو المحصول أو الثمربالعربية،،، فهو إبن (صالح)...
الذي أريد أن أقوله هو: أن الجميع كما ذكرت متفقون عليه، عدى، الحزب الذي هو منه، وهو النائب الثاني لرئيسهم، الكل متفق عليه عدى الاتحاد الوطني الكوردستاني وبالذات جزء من قادة الحزب ... ألا ترون أن في الأمر سراً أوتاكتيكاً حزبياً مؤقتاً لايعرفه الآخرون ؟. ألا ترونه أمراً يستحق الذهول والإستهجان والإستفسار..؟ فهل الجميع مخطؤون وهؤلاء وحدهم على صواب ؟. ؟ أم قرار اللاقرار؟..إنها حقاً مفارقة تستحق التوقف عندها والإستفسار حولها وإنتظار نتائجها التي نتمى أن تكون لصالح الشعبالكوردستاني، لأن منصب رئيس الجمهورية إستحقاق قومي...


389
تقسيم المقسوم... أم مسك الثعبان من...؟
   صبحى ساله يى
مع زيادة التحذيرات الاممية والاقليمية والمحلية من احتمال توجه العراق نحو الهاوية، ثمة تساؤلات حول هوية الذي يدفع بالعراق في هذا الإتجاه، وحول هوية الذين يستطيعون أن يفعلوا شيئاً من أجل منع السقوط والإندثار، وفي الأسابيع الأخيرة تم تجاوز الخطوط الحمراء من قبل أطراف عراقية عديدة، وتم التأكد من مشاركة العراقيين في القتال الى جانب مسلحي الدولة الاسلامية (داعش سابقاً) وعراقيين آخرين الى جانب الجيش والقوات المسلحة، وهذا يعني أن العراقيين دخلوا مرة أخرى الحرب فيما بينهم، ولكن على نطاق ضيق في الوقت الحالي، ويعني أن انتقال القتال الى الساحات الواسعة والى المدن المختلطة كبغداد المقسمة طائفيا والتي تعتبر كبركان إذا انفجر، فإنه سيكون من الصعب أن يتوقف أو يسيطر عليه بسهولة. تتطلب مجرد وقت، وتحتاج تهور مقصود واضح المعالم أوحتى غير واضح كي يعلن عن اتخاذ قرار متعجل بالتقاتل في كل مكان بدلا من الذهاب الى اطراف تكريت وسامراء والفلوجة والأنبار.
 الأمريكيون مكتفون حتى الآن بتقديم النصائح وتوجيه التحذيرات ولا يرغبون في التدخل بعد تجربتهم السابقة، التي أنفقوا فيها ثروة هائلة وتكبدوا خسائر كثيرة، لا يريدون أن يضعوا أنفسهم في موضع يبدون فيه بأنهم يناصرون جهة على حساب أخرى، والكل يعلم أنه من السهل نسبياً التدخل التقليدي وتغيير الحكومة والاوضاع الحالية، أما مواقفهم المعلنة، فهي خجولة رغم أنهم يعرفون أن هناك دولاً تدعم الميليشيات، وتصب الزيت على النار المتقدة، وأن البعض في الداخل يحاول استغلال الفوضى واستمرار الصراع لمكاسب شخصية وطائفية ومذهبية..
المراجع الدينية تدعو الى حل الاشكالات وتشكيل حكومة تحظى بالمقبولية الواسعة، ومواقفها المتضحة حتى الآن غير حازمة ولاتشير الى إجبار الساسة العراقيين (حتى الآن) على مواقف محددة، إما لأنها غير واثقة من إطاعتها وتنفيذ أوامرها، أو إنها لاتريد فرض نمط جديد من الحكومة، ربما لا تكون أفضل من الحكومة الحالية التي أدخلت العراقيين في متاهات لايعرفون نهاياتها.
وفي الساحة السياسية العراقية هناك من يريد إستمرار القتال وتوسيعه لأسباب يعتبرها فكرة لطيفة وضرورة أخلاقية، وهناك رغبات للمقاومة بحجة الاهانة المستمرة والتهميش والظلم والشعور بالاستياء ولاتخشى من الخسارة كما تقول لأنها لم تعد لديها شيئا تخسره ، وأخرى تستميت من أجل الإحتفاظ  بها، وبين هؤلاء وهؤلاء فئة تتظاهر باللامبالاة وتعيش في أوهام وخيال وتعتقد أن الحرب نزهة ولاتخشى من نتائج التهديدات والحرب الأهلية ولاترى نتائجها الكارثية المدمرة..
ولكن هناك فئة عاقلة باحثة عن التهدئة وتستوعب الدروس الكامنة المشابهة، ولاتريد المجازفة وتبحث عن الانفع الذي يستطيع ايقاف آلة الحرب الأهلية، والتدخل حيادياً لوقف نزيف الدماء حتى إن إقتضى ذلك التوسل من الجميع لإيقافها، وتدعو لجلوس العراقيين على مائدة الحوار، ليس للتفاهم على الادارة والشراكة والتوافق، بل للتوصل الى قناعة حتمية التقسيم، والاعتراف بالحقائق التي تؤشر الى استحالة بقاء العراق موحدا بالكامل نتيجة للسياسة المتبعة، وإستحالة الإستمرار في التعايش، ولتقسيم ما هو مقسوم بالعقل والحكمة والمنطق ورسم خارطة جديدة للعراق تعبر عن الارادة والرغبة والجدية، وعدم مسك ذيل الثعبان وتناسي أنيابه، وهناك مثل صيني يقول: أن الصراع كالأفعى أن مسكته من رأسه يضربك بذيله، وإن أمسكته من ذيله يلدغك بأنيابه، وإن أمسكته من وسطه يلدغك بأنيابه ويضربك بذيله...


390
داعش في بغداد...ووصلت الى مبنى التآخي
صبحي ساله يي
الكوارث المتفاقمة في العراق أثارت الكثيرمن التساؤلات وفي مقدمتها : ما هي الأخطاء التي حدثت؟.من الذي أخطأ؟. هل كان المخطيء متعمداً وحاقداً، أم ساذجاً وجاهلاً؟. وهل سيحاسب المخطيء ويعاقب، أم نسامحه كما سامحنا الكثيرين قبله؟ ...وماذا نفعل تجاه الأخطاء؟. أجوبة غالبية الاسئلة معروفة، ولكن الوقت الحالي يستدعي الإجابة على التساؤل الأخير،وهو (ماذا نفعل) لكي نواجه التحديات وننفتح على التعاون والمباحثات ولانستبعد أحداً لأن العدو مشترك، والمصالح مشتركة في الدفاع عن الديمقراطية وحماية الاستقرار.
هناك حقيقة مفادها أن هناك داعشاً دولياً يخضع لتوجيه وإرادة وحماية خارجية ويتلقى الدعم والتمويل والمساندة الأجنبية والعربية، وهذا لايبرر أن نرى حكومة ترعى داعشاً من نوع آخر، حكومةً تؤدي في الوقت ذاته دور مشعل النار مع الداعش المحلي، ورجل الإطفاء مع الداعش الدولي، ولايبرر لحكومة أن تحارب داعشاً، وتغض الطرف عن داعش آخريهدد علانية المكون الكوردي في العراق، وبالذات في بغداد، ويتوعدهم بالقتل والطرد أينما وجدوا، (عصائب أهل ال...) ، ويدخل مبنى جريدة التآخي في وسط بغداد وفي وضح النهار ليهدد العاملين فيه ويسطو ويسرق الاجهزة والمعدات والملفات والسيارات، ومع هذا كله (الحكومة الفاشلة) تريد أن تحظى بدعم الجميع بحجة الشراكة في الحرب على الإرهاب.
وأخيراً نقول لو لم يتم وضع حد لكل المتطرفين في ميدان المعركة الواسع الممتد حالياً من بغداد إلى الموصل مروراً بسامراء وتكريت بيجي، ومن يدعم هؤلاء ولو دبلوماسياً أو إعلامياً، يرتكب خطأ تاريخياً ويسهم في التطهير المذهبي وصب الزيت على النار، ويزيد الصراع الطائفي المتصاعد اشتعالاً، وسيلاحقه اللوم الأخلاقي المترتب عليه.
ترى .... هل نستمر في التساؤل. أم نفعل شيئاً؟...


391
إنقاذ العراق يبدأ بعزل المالكي ومحاكمته
صبحي ساله يي
 
 على مدى السنوات الثمانية الماضية، عاش العراق وسط أمواج الصراعات والدعوات العدوانية والمفخخات وصيحات الانتقام، وارتفع فيه صوت لغة القمع والتهميش والتنكيل على أبسط الإعراف الانسانية الديمقراطية، وتسلل روح العنف والعداء والثأر الى نفوس الكتل والجماعات المتناحرة، وكان المسؤول التنفيذي الأول في الدولة والذي تولى العديد من المناصب الهامة والحساسة لا يمتثل لصيحات العقلاء وتحذيرات الحريصين، وإعتبر جميعها مؤامرات تهدف لإبعاده عن السلطة ومنافعها.
 وبعد ما حدث في وبعد العاشر من حزيران، ما زال مصراً على ان الذي حدث مؤامرة أو خدعة، لذلك وزع التهم وهدد بالانتقام من الذين كانوا خلف هذه المؤامرة، وهو يعلم بأنه وحده (فقط) ولأسباب عديدة كان وراء هذه المسرحية الهزيلة التي يسميها بالمؤامرة، والسبب هو تجاهله التام لما يحدث بعد إسدال الستار وكشف خطورة فضائح عقله المزاجي الإختياري والمفرط في التخلف والغباء والأستغباء.
بعد أحداث الموصل تبين للعراقيين جميعاً أن الرئيس بارزاني ومحافظ الموصل والسفير البريطاني لدى العراق الفدرالي والدكتور أحمد الجلبي وعدد من نواب نينوى كانوا قد حذروا الحكومة العراقية وشخص المالكي بخطورة الاوضاع في الموصل، وتوقعوا خطورة الاحداث والوقائع على الساحة، وقدروا انعكاساتها الآنية والمستقبلية، وعبروا له بصراحة عن الخشية من الخطابات الاستفزازية والكراهية والعنف الطائفي والأزمات المتتالية والصراعات التي تؤثر في خلق الفجوات وتفكيك المجتمع، وحذروه من ذلك التنظيم الارهابي المتواجد في أطراف الموصل الذي كان يستعرض قواته بين فترة وأخرى، وفي داخل الموصل كان يأخذ الاتاوات والخاوات من الأغنياء والمقاولين وأصحاب المحال التجارية.
ولكن المالكي أهمل النداءات وهو مؤمن الى حد اليقين بإخلاص وجدية التحذيرات،، لماذا؟ ... لأنه أراد إستغلال المستجدات لمآرب وأهداف خاصة:
 أولها: الثأر والإنتقام الطائفي من أهالي الموصل السنة، وتدمير مدينتهم جراء إحتلالها من قبل داعشن وتالياً إثرالعمليات العسكرية والقصف العشوائي من قبل المدفية والطيران العراقي.
ثانيا: إستغلال الأحداث للنيل من الأخوين نجيفي(أسامة وأثيل)، وإزاحتها على الساحة السياسية السنية لتسهيل الأمور أمام الجحوش السنة لقيادة الساحة السنية.
ثالثاً: تأليب الرأي العام العربي العراقي ضد إقليم كوردستان وبالذات شخص الرئيس مسعود بارزاني، وإتهامه بالتسهيل للدواعش لإحتلال الموصل، وإحداث شرخ في الجسد السياسي الكوردي، وإستغلال القسم الذي ينسلخ من الجسد الكوردي كجحوش كوردية.
 رابعا: تسخير المستجدات من أجل إعلان حالة الطواريء في البلاد وبالتالي الحصول على الولاية الثالثة والرابعة والخامسة.
رابعاً: إستغلال حالة الطواريء لتصفية خصومه ومعارضيه السياسيين من الشيعة والسنة معاً.
 خامساً: كسب الود الإيراني عن طريق دعم وإسناد النظام السوري من خلال حصول المؤيد القوي للنظام، والذي هو داعش، ودون إغضاب الأمريكان، على السلاح المتطور والعتاد المجاني لإستعماله ضد المعارضين لبشار الأسد . 
ولكن حسابات البيدر لم تتطابق مع خيالات الرئيس، فعندما أصدر أوامره الى قادة جيشه الباسل(جداُ)، بترك الأسلحة والإنسحاب من الموصل، لم يكن يعلم بأن أوامره ستطبق (بالكامل ولأول مرة في تاريخه العسكري) في كركوك وصلاح الدين وديالى وأطراف بغداد، والقطعات ستترك أسلحتها أيضا وتنسحب وتنفذ أوامره تماماً، وعندما حصل ما حصل، أراد الحصول ولو على جزء مما إبتغاه، فلجأ الى البرلمان للحصول على الطواريء، وفشل. وإتهم  الرئيس بارزاني والبيشمركه والأخوين نجيفي وقادة جيشه ، ولم يصدقه حتى القريبين منه، وأصيب بالهيستريا، وداعش تمدد ووصل الى أطراف بغداد..
واليوم فإن الذي جرى وما يجري له تأثير مباشر على الجميع، ويتطلب إستنهاض الهمم والوقوف على أهبة الإستعداد لكل الإحتمالات والتحرك الواسع والتعاون الجاد والفعال لصياغة موقف موحد تجاه جميع القضايا المصيرية الراهنة والتغييرات التي حصلت والتي يمكن ان تحصل، ووضع الجميع أمام مرحلة مصيرية وحساسة وحاسمة، ولكي تمر المرحلة بسلام وأمان، يتطلب تناسي الخلافات والرغبات الشخصية والحزبية والمناطقية والمشاركة الفعالة في كل صغيرة و كبيرة، ويتطلب التنسيق والتعاون وتعزيز الممارسات الديموقراطية والدفاع عن المكتسبات وتخطي الصعوبات بكل ما نملك من طاقات للوصول الى ما انتظرناه منذ عقود، وأولى الخطوات الضرورية واللازمة هي عزل المالكي وسجنه ومحاكمته محاكمة عادلة.
 

392
حوار المذيع الديجتل، مع المثقف المحافظ

   صبحى ساله يى
 
قبل بضعة أيام، شاهدت برنامجاً حوارياً في إحدى الفضائيات الكوردستانية، عن الإستفتاء وحق تقرير المصير، أدهشني مقدم البرنامج ببعض الأسئلة غير المتوقعة، والأسئلة التي لا ينبغي توجيهها، حيث حاول الترويج لمفاهيم ومصطلحات غيرواقعية، وسحب ضيفه الى المنطقة التي يتصيد فيها، أعاد أكثر من مرة خلال أسئلته غير المهنية ومفردات لاتقل خطورة (في نظري) عن تصريحات وتنظيرات الشوفينيين المعادين للكورد وكوردستان الذين يحاولون المس بالشرعيتين القانونية والدستورية للإقليم، والتي هي من الأسس والمقومات التي تقوم عليها حكومة إقليم كوردستان المنتخبة من قبل شعب الإقليم، والضيف، والحق يقال، دافع عن شرعية ودستورية الإستفتاء المزمع إجراءه، وأوضح بعض دلالاتها العميقة وأرتباطاتها بمسقبل أجيالنا، وأشار الى المكتسبات المتحققة بفضل دماء شهدائنا في ثوراتنا المتتالية ضد الحكومات المتعاقبة ومقارعة الظلم والدكتاتورية، وأشاد بالواقع الذي نعيشه الآن من بناء ونظام ديمقراطي وسلام وحرية، وأكد على أن المكاسب المتحققة والتحولات الواضحة والإيجابية، جاءت نتيجة للنضال وللتضحيات في ثوراتنا المشروعة التي رفضت استخدام الوسائل التي تتعارض مع الغايات التي نسعى لتحقيقها، وقال: الحكومات والبرلمانات الكوردستانية السابقة، والحالية، ثمرات سياسية لمنظومة الديمقراطية التي تتجه نحو النضج والرسوخ، والمحافظة على كوردستانية المناطق التي كانت تقع خارج إدارة سلطات الإقليم تتطلب تظافر جهود جميع القوى السياسية في الاقليم .
ومن خلال متابعة الحوار وأهواء وخيالات المذيع الذي لم يعترف بحساسية المرحلة والظروف التي يمر بها الاقليم، في ضوء الاضطرابات والتوترات المتواصلة في المنطقة، وتوجهه الى أساليب بعيدة كل البعد عن أبسط المفاهيم المهنية، وبذله الجهد الجهيد لإحراج ضيفه، وتسييس الحوار وتقديمه لأفكار تقود الى تعقيد الامور، تبين لي الفجوة بين الرجلين، وبأن هنالك تباعداً كبيراً جداً بين المثقف(الضيف) وصورته، والمثقف المحاور(المذيع) أو ما يمكن تسميته ب(المثقف الديجتل) الذي يُسخَّر ما موجود تحت تصرفه من معلومات ومفاهيم لخدمة ما يريد إيصاله للآخرين بشكل سريع ومكثف (كي يقولوا عنه إنه محاور ناجح) دون أن يعلم أن التطور يغيّر بعض المسميات، وتفرعاتها الكثيرة تشير أحياناً الى تناقضات، وأحياناً أخرى تتحول الى متاهات، والثوابت التي ظلت راسخة لعقود طويلة في وجدان المثقفين التقليديين الكوردستانيين لاتتغير ويمكن إستثمارها في جميع مناحي الحياة، وأن الكوردستانيين لا يخرجون عن نطاق الثوابت، لاسيما أنهم سخروا الشرعية في تأسيس نظام يستند على الشرعيتين الدستورية والقانونية، ويصونون بها العملية السياسية التي تعتبر أهم مكتسبات الشعب، ويمارسون دورهم الحقيقي في حماية المكتسبات وتقويم الحكومة وأدائها ومساندتها في معالجة المشكلات وإجراء الاصلاحات، لأن المسؤوليات التاريخية والأخلاقية تحتم ذلك.
ولا أخفي عليكم إنني تنفست الصعداء عندما سمعت إجابات الضيف المبدئية ورؤيته للمستقبل، وتحدي الذين يريدون تجميد الوقائع من أجل الحصول على إمتيازات شخصية، والذين جعلتهم إنحرافات فهمهم للسياسة يتصورن المستقبل على أنه إستسلام لليأس، وأتصور أن إجاباته على تلك الأسئلة كشفت كثيراً من الأمور المهمة لكسب رهان المستقبل، وخاصة عندما قال: لا تجدي محاربة الشر بالشر والقمع بالقمع والتعصب بالتعصب، ومن الضروري ابتكار أفكار جديدة ووسائل مبتكرة لتطبيق الديمقراطية وتمتين العملية السياسية والحفاظ على مكتسبات شعب كوردستان والدفاع عنها وتحمل المسؤوليات التاريخية والسياسية والأخلاقية تجاه شهداء كوردستان. وفي نهاية اللقاء قال: الرئيس مسعود بارزاني أكد على ضرورة إجراء الإستفتاء وعدم التراجع الى الوراء، وعدم القبول بالعيش في بلد لايطبق فيه الدستور...


393
وإنتصرت إرادة الكوردستانيين النفطية
   صبحى ساله يى
غالبية السياسات في كوردستان، وبالأخص النفطية منها، وضعت من قبل أناس عقلاء، وعلى أسس منطقية يقبلها العقل، وتتوافق مع الدستور العراقي النافذ، أما المطالبة بتسليم النفط المنتج في كوردستان الى الحكومة الاتحادية، لتكون (الحكومة الإتحادية)، هي الجهة الوحيدة التي تتولى جمع النفط وبيعه وبالتالي توزع عائداته بطريقتها الخاصة، ووفق أهواء ورغبات المسؤولين هناك، فهذا لايقبله العقل والمنطق، وهذا هدر للوقت والجهد، ونفخ في قرب مثقوبة، وإفتراء على الدستور، لأن المواد الدستورية واضحة ومعلومة ولا تقبل التأويل، لكن بعض الساسة فسروها حسب فهمهم أوبطريقتهم غير المنطقية..
منذ البدء بالتفاوض مع الشركات النفطية التي إختارتها حكومة الإقليم وفق ضوابط ومعايير مهنية ودولية، وتوقيع العقود معها لإستكشاف وإستخراج النفط، الواهمون في بغداد يرفضون كل شيء، والحكومة الإتحادية ترفض معهم دون أن تعود الى الدستور وتقرأ المواد المتعلقة بالنفط والغاز، وأضافوا أزمة أخرى الى الأزمات الكثيرة بين العراقيين، وعقد بشأنها العديد من الجولات التفاوضية، ولم تترك الوفود الكوردستانية وسيلة أو فكرة إلا وطرحوها على طاولة المفاوضات، ولكنهم إصطدموا بمواقف متحجرة وجامدة، لاتقبل النقاش، وإن ناقشت لاتريد أن تفهم الحقائق والوقائع...
 وعندما باع الإقليم النفط المستخرج في الأسواق العالمية، فقدوا سيطرتهم على عواطفهم، وشبهوا بيع النفط ببيع الطماطم، ومع ذلك قاموا بتوزيع التهديدات، وتسجيل الدعاوى، وترشية بعض الشركات، وأذكر هنا ما قاله نائب في البرلمان العراقي تعليقا على التهديدات، حيث قال،( أن وزير الطاقة التركي والخبراء الاجانب والأتراك يفهمون الدستور العراقي أكثر مما يفهمه العراقيون)، ومن بين الدعاوي المسجلة، دعوى كانت قد رفعتها وزارة النفط الاتحادية مباشرة بعد تصدير كوردستان لأول شحنة من النفط عبر ميناء جيهان التركي، لدى المحكمة الاتحادية العليا في العراق ضد وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم بشأن تصدير النفط من إقليم كوردستان الى الخارج، ولكن المحكمة الإتحادية العراقية العليا ردت الدعوى و قررت بالإجماع رفض الطلب لكونه يتعارض مع السياقات القانونية المعمول بها في العراق. ومثل هذا القرار من قبل أعلى محكمة في البلاد ملزم لمجلس الوزراء العراقي وغير قابل للطعن بأي شكل من الأشكال، وعلى الحكومة الإتحادية احترام هذا القرار القضائي والتوقف عن إرسال رسائل التهديد والتخويف أو تقديم مطالبات زائفة للتجار والمشترين المحتملين للنفط المصدر من قبل حكومة إقليم كوردستان.
وعليها أيضاً الطلب من وزارة النفط الاتحادية، وشركة سومو بالتخلي عن التدخلات غير المشروعة وغير الدستورية لمنع تصدير النفط من إقليم كوردستان.
وكوردستانياً يؤكد قرار المحكمة الإتحادية، قانونية الإجراءات المتعلقة بالعقود النفطية وإستخراجه وتصديره وبيعه في الأسواق العالمية، ويزيل كل الشكوك التي كانت تراود البعض، وأن المسؤولين عن الملف النفطي الكوردستاني ناجحون أذكياء .
وعراقياً يؤكد على أن السياسات النفطية العراقية والإجراءات التي تنتهجها حكومة بغداد خاطئة، والمسؤولين عن الملف النفطي العراقي فاشلون معاندون، كما يؤكد عدم قانونية اجراءاتها وانها غيرعادلة في تعاملاتها.
ويؤكد أن كل ما قيل من قبل نواب الغفلة وكتاب القطعة بشأن عدم دستورية تصدير النفط الكوردستاني، وإعتباره عملية شبيهة بالسرقة، إنما كانت أكاذيب عارية في وضح النهار، وتزييفا وقلباً للحقائق من اجل صناعة اعلامية رخيصة لخلط الاوراق وتشتيت الرؤى، وسموماً موجهةً نحو الكورد والكوردستانيين..
 


394
نيجيرفان بارزاني والمهمات الصعبة
   صبحى ساله يى
قبل أيام دخل إقليم كوردستان عهد الكابينة الثامنة، كابينة بدأت عهدها، في ظروف صعبة ومعقدة، وجدول أعمال رئيسها أثقل من الجداول السابقة، وأجندتها مليئة بالأولويات السياسية، والاقتصادية، والتنموية، والعدالة الاجتماعية، فضلا عن أولويات أخرى إقليمية ودولية.
لقد جاء رئيس الحكومة بغالبية مريحة تكاد تكون مطلقة في البرلمان، وسط دلالات ومؤشرات تؤكد على أن ممثلي الشعب أرادوا رئيساً قوياً يقود حكومة قوية  ذات قاعدة عريضة، تضمن إستمرار الاستقرار السياسي والإقتصادي والأمني الذي ساد خلال السنوات السابقة، وانعكس بشكل واضح على حياة المواطنين الكوردستانيين ودوران عجلة التقدم.
في كوردستان، كما في العديد من بلدان العالم، لمنصب رئيس الحكومة أهمية خاصة، ودور محوري، ولكن رئيس الحكومة وحده لا يستطيع منفرداً أن يحقق ما يريده هو، أو ما يريده الشعب، مهمته تقتضي أن يقود ويوجه، وأن يدير المؤسسات طبقا لسلطاته القانونية، مع التركيز على الإصلاح الشامل، ومع ذلك فإن نجاحه يستدعي تعاون وعمل الجميع، لاسيما الفريق الوزاري الذي يرافقه، كما أن للانسجام والتعاون بين ثلاثي البرلمان والحكومة ورئاسة الإقليم أهمية قصوى في عبور التحديات وتحقيق النجاحات.
أما مظاهر التفاؤل التي تسود الشارع الكوردستاني بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة، والتي تعتبر بمثابة تفويض شعبي، فإنها تعود الى الثقة بقدرة السيد نيجيرفان بارزاني على تحمل الأعباء الثقيلة، ورسم سياسات جديدة وخطط جدية وجذرية، لمواجهة المشكلات والتحديات الكثيرة، على رأسها الخطة السليمة التي تتناسب مع متطلبات القرن الـحادي والعشرين بمقاييسه ومتطلباته ومعاييره والعزيمة القوية التي يمكن استثمارها في تحريك الأنشطة وقيادتها، وحسن الإدارة في تسوية الخلافات الكثيرة مع الحكومة الإتحادية والتوصل إلى حلول لبعض المواقف والمشكلات من خلال النقاش الهادئ، والتفاهم على حدود دنيا وقصوى، وعلى أساليب عمل والإستعداد لذلك بالفكر والتصور والتخطيط، وإقناع الحاكمين في بغداد بضرورات وعناصر ثابتة لا بد أن يضعوها في الاعتبار، أولها: أن الكورد ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية، وعليهم أن لاينسوا بأننا لعبنا دورا أساسياً في مسارات التغيير التي حدثت وسنلعب كذلك في التي تحدث لاحقاً، ويمكن أن نغضب ونثور ونرفض.
وثانيها: إقناعهم بقبول التنوع الذي يستوعب جميع القوميات والأديان ومختلف المذاهب، وأن يخرجوا عن النطاق التقليدي السابق، وأن يستفيد البلد من كل الروافد التي في داخله.
والأمر الثالث: هو ضرورة أن يعوا سعينا من أجل الإستقلال الإقتصادي، ووضع نظام عادل لتوزيع الثروات بشكل يتناسب وطبيعة المرحلة. وتسمية الاشياء بمسمياتها و كشف الحقائق بوقائعها، وفضح آكلي حقوق الانسان و وخاصة الذين يعتلون منابر الوقاحة و الصفاقة امام المئات و الآلاف بكلمات وعبارات ممزوجة بالخداع و الغش.
والأمر الرابع: هو الحتمية الديمقراطية، وإلغاء فكر التهميش نهائياً، والدخول الجدي في نظام ديمقراطي بمعناه الواسع والعاقل والراقي، وإستحالة العيش في العراق بمقاييس القرن العشرين..
وآخرها: الاستفادة من الوضع الدستوري الجديد، المختلف عن الدساتير التي كانت تكتب وفق أهواء ورغبات الحكام والتي كانت تعزل المئات من الشخصيات السياسية، وتحرم مكونات معينة من الحقوق السياسية وتفهم حقيقة الوضع الداخلي والإقليمي والدولي للعراق، وإمكانية فتح صفحات جديدة ومختلفة وتحقيق متطلبات العصر...


395
المطلوب العاجل في أربيل:
فضائية كوردستانية باللغة العربية

صبحي ساله يي
نحن الكورد لنا أعداء لايروق لهم ان يروا ما وصلنا إليه، لذلك يعملون على المس بتاريخنا مرةً، والحد من التطوروإفشال التجربة بكل الوسائل غير الأخلاقية  وإلصاق التهم والتلفيقات وتشويه الحقائق، وخلق القلاقل والمتاعب مرةً اخرى،  وجانب واسع من هذا الأمربدا واضحاً عندما هرب الجيش العراقي من الموصل وترك أسلحته دون مقاومة أمام المجاميع المسلحة، حيث سعى الإعلام المسيس الموهوم والفاقد للمصداقية والنزاهة وغيرالنظيف المجير لصالح حزب الدعوة ورئيسه، والمقربين منه الى تغطية الفشل والخسارة، وإخفاء الحقائق عن الشعب العراقي، وتبرير الهزيمة بتشويه سمعة الكورد لدى العراقيين، وإتهامنا بالخيانة، من خلال الإفتراءات الكبيرة التي تهدف الى خلق شرخ بين الكورد وغيرنا، وعبر التصريحات والفذلكات الإعلامية والندوات والبرامج التلفازية.
وبعد اللعب الإعلامية الشيطانية والرسائل الملغومة البعيدة عن جوهر المطروح من التساؤلات في العراق، وبعد أستفزازات عديدة سخيفة، وبعد أن هم قيس الخزعلي امين المجموعة التي تسمى نفسها (عصائب اهل الحق) بإعلان التهديدات وإصدار التصريحات الشوفينية المليئة بالحقد والكراهية تجاه الكورد الساكنين في بغداد والمناطق العراقية الأخرى، وبعد أن حظ عناصره المتواجدين في المناطق التي يسكن فيها الكورد على أن يهددوهم وأن ينشروا تهديداتهم عبر الاعلام.
لابد أن نمنع تكرارهذه الهجمات ضدنا، وإن تكررت، ولكي يسهل علينا توضيح الملابسات والرد عليها في الوقت الناسب عبرالقيام بالفعاليات التي تعزز الروابط بين الكورد وبقية العراقيين، وتكشف عورات أكاذيبهم، لابد من استحداث قناة فضائية كوردستانية ناطقة بالعربية يديرها كوادر كفؤوة تحترم رأي ومشاعر ورغبات وأهداف الشعب الكوردي وتأخذ على عاتقها مهمة إيصال الخطاب الكوردي المعاصر، وتداول القضايا الأساسية للكوردستانيين، وتهتم بالقضايا القومية، وتسقي الروح وتشبع وجدان ورغبات الناس وتهتم بشؤون الكوردية من النواحي الثقافية والفكرية والسياسية، وتجيد كيف تظهرالحقائق وتفند الأكاذيب، وتواجه الإعلام العربي المعادي والذي يتقاطع مع مصالحنا..
نريد فضائية تعمل على:
 اولاً: دمقرطة العراق وتكريس التعايش السلمي وأيصال صوت الكورد للشعب العربي في العراق وباقي الشعوب العربية وغيرهم بشكل منطقي وعقلاني، وإقناعهم بمشروعية المطاليب والحقوق عبر إعطاء المجال لأيصال الأفكارالتي نريد أيصالها، بالعربية الفصحى أو بالعامية العراقية وتكون صوتا نابعا من الصميم الكوردي الى كل العرب، لتزيل الالتباس والغموض عن الاشاعات والاتهامات التي تساق للنيل من الكورد وعدالة قضيتنا وتكون جسرا للتواصل الثقافي والسياسي الرائع بين ابناء الشعبين الكوردي والعربي.
ثانياً : تحمل بين طيات برامجها خطاباً وطنياً وقومياً موجهاً للداخل والخارج وتنقل بالصورة والصوت ما يحصل في هذا الجزء المزدهر في منطقة الشرق الأوسط الى الرأي العام العربي من خلال نشرات للأخبار والتقارير والبرامج الوثائقية والترفيهية والغنائية والفنية وأعمال الدراما والأفلام، بما يلبي رغبة المشاهدين ويشبع حاجاتهم وتطلعاتهم.
ثالثاً : هذه الفضائية ستنتشر أفقياً وبشكل كبيرفي العالم وتتحول الى مرجع إعلامي وثقافي وخبري لشعب كوردستان في كل مكان ومصدر للتعرف والاطلاع على مواقف وأخبار الإقليم والخطاب الكوردي الموجه للرأي العام العربي والعالمي.
رابعاً: تحترم رأي ومشاعر ورغبات وأهداف الشعب الكوردي وتأخذ على عاتقها مهمة إيصال الخطاب الكوردي والتواصل والتفاعل وتداول القضايا الأساسية للكوردستانيين وتنقل للمشاهد والمتابع الاحداث لحظة بلحظة وتضع المتلقي في صورة الاحداث وتسلط الاضواء على اهم الانباء.
خامساً: تلبي طموح ورغبات الكوردستانيين وتخدم كثيرا تطلعات شعبنا نحو مستقبل مشرق وتصد الهجمات الشوفينية ضد الكورد، كما ستكون نافذة على الرأي العام العربي، تعمل من اجل تقريب وجهات النظر المختلفة، وغايتها الأساسية دمقرطة العراق وتكريس التعايش السلمي..
سادساً: تعرف الآخرين بسحر وجمال طبيعة إقليم كوردستان والمناطق السياحية والخدمات المتوفرة فيها والإسهام الفعال في تنشيط الحركة السياحية بشكل يخدم اقتصاد الإقليم .
نقولها مرة أخرى ،مع توسع حجم التحديات والقضايا التي تنتظرنا، لابد من تأسيس قناة فضائية في كوردستان، ناطقة بالعربية، تدار بعقلية إبداعية متنورة، وتأسس لثقافة جامعة ووعي وفكر نابع من ضرورات التوحد والتماسك من خلال برامج هادفة تنمي وتروج لمقومات بناء الإنسان وتهتم بجيل الشباب الذي هو دعامة المستقبل، وتعكس حسن تدابيرنا وحكمة وقوة سياساتنا، لأن الفضائية وحدها  تستطيع ان تغير الأرقام والعقول والقلوب والإرادات، ولأنها تتميز بالتأثير الناعم في تشكيل الرأي العام ..
 
 


396
إنسحابات الجيش العراقي، وضرورات اليوم
   صبحى ساله يى
كل من يحاول تفكيك لغز وملابسات إنسحابات الجيش العراقي المدجج بمختلف الأسلحة من الدبابات والمدرعات والمدفعية المتوسطة والثقيلة والصواريخ في الموصل والمناطق الأخرى، حتى إن لم يكن ملماً بقواعد ومبادىء الحرب والقتال، يستنتج إنها هزائم مخجلة ومخزية غير مبررة أمام مجموعات مسلحة غيرنظامية قوامها لايتجاوز عدة آلاف من أفراد مسلحين بأسلحة خفيفة ومتوسطة، ويعلم أن سببها البناء الأساسي الخاطيء للجيش وعدم إتخاذ التدابير اللازمة ليكون ولائها للوطن وليس لقائد عام أو حزب معين، وكذلك غياب السياسة الوطنية السليمة في الطريقة التي دارت بها العملية السياسية، كما يجد أن التطلعات والآراء ووجهات النظر المعلنة والمباشرة، تختلف عن غير المعلنة وغير المباشرة، وأن طريقة معالجة المشكلات إعتمدت على المجاملات والمناورات وأحياناً التسويفات، من خلال تبني مواقف تفسر بأكثر من تفسير.
المشكلات في العراق بدأت منذ نشأة دولة العراق الحديثة ومازالت مستمرة على مدار التاريخ المضطرب والمليء بالتناقضات والاستفزازات الكثيرة، والانقسامات المؤلمة، حيث أن البناء الأساسي للدولة كان خاطئا منذ البداية، لأنه وفر أجواءً ملائمة للشكوك والريبة وإفتراضات سوء الظن بين المجتمعين، والخوف المتبادل بينهم، والقلق من نيات الآخر وما يضمره من أفكار وخطط، ويمكن القول، أن التي أطلق عليها الدولة العراقية دون أن تكون هنالك رغبة وإرادة تكرس الطابع الجماعي التضامني، كانت عملية لجمع الأضداد والمختلفين والمتعارضين، لذلك سارت الاوضاع بإتجاه تكريس الإختلاف الشامل والواسع، وحتى بعد تحرير العراق من الحكم البعثي الفاشي، إنقسم العراقيون مرة أخرى بين مؤيدين للتحرروالديمقراطية والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية، ورافضين لتلك المفاهيم جملة وتفصيلا، ولم يفلحوا في إيجاد لغة مشتركة لإعادة بناء مشروع الدولة المؤسساتية والديمقراطية التي تراعي مصلحة الجميع بصرف النظر عن الإنتماء الديني أو المذهبي أو العرقي، وأثناء المباحثات المتعلقة بإنسحاب القوات الأميركية من العراق، إنقسم الساسة فيما بينهم بين مؤيدين ومعارضين لبقاء جزئي لتلك القوات، والساسة الذين لايعرفون تحليل الواقع ويجهلون قراءة المستقبل ومعنى مفهوم التعاون العسكري والإتفاقيات والصفقات السياسية التي تضمن حقوق الدول الضعيفة والصغيرة، والذين لايفرقون بين الإتفاقية والإنتداب، و(بتوجيهات خارجية)، إستنتجوا أن الإتفاقية إنتهاك لكرامة العراق ووحدة أراضيه، وخوفاً من غضب (الجارة) ومن إستخدام أمريكا لأراضي العراق ضد( الجارة)، التزموا بمواقفهم الرافضة لإبقاء أي جندي أميركي على الأراضي العراقية، وبذلك خسر العراق حليفه الإستراتيجي القوي، وعاش في معادلة إجتماعية وسياسية وأمنية مليئة بالفوضى والعقد والتراكمات التاريخية والإثنية والمناطقية، أما الأجندات الداخلية والعربية والاقليمية فقد أثارت الإحتقان الطائفي، وغذت وبثت الفتنة والتناحر وروح الكراهية في النفوس تجاه الشركاء في الوطن، وتم تهيئة الأجواء لتقبل التطرف وممارسة العنف والصراع السياسي والإحتراب الأهلي، واليوم وسواء الذي حدث كان انهياراً وانهزاماً للمنظومة الامنية والعسكرية العراقية، أو صدمة كبرى وخيانة لقيادات أمنية وعسكرية وسياسية، أو نتيجة حتمية لإستشراء الفساد المالي والإداري والسيطرة على كل مفاصل الدولة الأمنية والعسكرية ومواردها، والإستفراده بالقرار السياسي والعسكري والأمني، والتمسك بالكرسي بخلق الأزمات وإشغال المواطنين وهدم عوامل السلم الأهلي وإنتهاك حقوق الإنسان العراقي، أوخطة فاشلة هدفها إعلان حالة الطوارئ في البلاد..فإن المصلحة الوطنية تستدعي تحمل المسؤوليات الأخلاقية ودحر الارهاب والفلول البعثية الفاشية، لأن الزمن القادم يختلف كثيراً عن الماضي، حيث يدخل العراق مرحلة جديدة، على وقع تداعيات غير متوقعة، والتحرك بحزم وإصرار على رحيل المالكي والوقوف عند عبارة واحدة وهي (لا وألف لا للدورة الثالثة)..


397
المناسب وغير المناسب.. والحكومة الكوردستانية الجديدة
   صبحى ساله يى
 
 
قبل تشكيل الحكومة الكوردستانية الحالية والتي نشهد أيامها الأخيرة،  كتبت مقالاً بعنوان (نيجيرفان البارزانی: هل يضع الشخص المناسب فی المكان المناسب؟)، واليوم، ولأننا نتجه مرةً أخرى نحو وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، أجيب على سؤالي السابق، وأعيد السؤال بصيغة أخرى... خلال عهد الكابينة الحالية كانت للمواطنين والكتاب والصحفيين والسياسيين آراء وملاحظات مختلفة، قسم منهم (إستفاد منها) ومدح وبالغ وفقد الصواب في سرد مكاسبها ومنجزاتها، وقسم هاجمها ووصفها بعبارات يخجل الخلوق إعادتها وبالغ في التهويل والسجالات المغلوطة بشإنها، وبما إننا لسنا من هذين القسمين، وأفكارنا ونظرتنا فحصت وتأملت الامور، ولم نغرق في بحر الأمنيات، نقول ان الكابينة السابقة تميزت بمواجهة الكثير من المشكلات الداخلية المتعلقة بالأمن والإستقرار والفساد، ونفذت خططاً واعدة وحققت التقدم والتطور والرخاء والإزدهار في العديد من المجالات، وتعاملت مع المعارضة السياسية الكوردستانية التي تبلورت بشكل جديد ومغاير بحكمة ومنطق، وجلبت المزيد من الأموال لإستثمارها في الإقليم، وأنهت مشكلتي الكهرباء والوقود، وساهمت في مشاريع عديدة لمعالجة مشكلتي السكن والبطالة، وفيما يخص المشكلات الخارجية والملفات الخلافية مع الحكومة الاتحادية، فقد أجادت التصرف وتحملت كثيراً، وحتى في حالة قطع رواتب موظفي الإقليم من قبل الحكومة الإتحادية والتي تعتبر مشكلة كبيرة، ولم تكن متوقعة من إخوة وحلفاء الأمس، تصرفت بعقلانية وحنكة وحكمة، ووفرت الرواتب من ديون وواردات محلية، وعلى العموم يمكن القول إنها حققت النجاحات وتخطت الاشكاليات والمواقف الصعبة التي واجهت الإقليم، وهذا بمجمله يعني أن الكثير من المناسبين كانوا في الأماكن المناسبة.
 واليوم ونحن مقبلون على تشكيل كابينة جديدة تعتبر من أهم الكابينات الحكومية في اقليم كوردستان، حيث تشترك فيها غالبية الأحزاب الكوردستانية، وستمثل المجتمع الكوردستاني وفعالياته السياسية والاجتماعية في مرحلة دقيقة ومعقدة من مراحل تطور إقليمنا سياسياً واقتصادياً، كابينة تنتظرها ملفات ثقيلة ومليئة بمشكلات تحتاج الى معالجات وملفات عالقة مع الحكومة الاتحادية بخصوص المادة 140 من الدستور العراقي والموازنة التي أستغلت سياسياً ضدنا، والنفط والغاز وقوات البيشمركه، كابينة جديدة لا تحمل العصا السحرية للحلول، ومجرد تشكيلها لاتكون بداية النهاية للمشكلات والمعضلات، من الضروري أن يتغلب عندنا التفاؤل والأمل، ونستبشر خيراً بشخصيات ترشحها الأحزاب السياسية لحمل الحقائب الوزارية، وهذا يعني : أن الأحزاب تضع الأشخاص في الأماكن، ولكن نسأل هؤلاء الأشخاص : هل تجمعون حولكم وفي الحلقة القريبة منكم أناساً يمتلكون مقومات الموهبة والاخلاص، ويعززون إيمان الناس بالمبادیء الصحيحة، ويسهمون في توطيد العلاقة بين الناس والسلطة؟، ويخضعون الى الرقابة والإختبار اليومي، وعلى يقين بأن الإقصاء والمحاسبة أقرب اليهم من حبل الوريد؟...
ونقول لهم : المناسب هو ذلك الشخص الذي يكرس موقعه للخدمة العامة، ويعتبره في عداد الواجب ويعزز من خلاله الثقة المتبادلة بين المواطن والسلطة، ويجعله مناراً لإشاعة القيم العادلة والصحيحة، ويكافيء المنجز والمطور والمبدع، ويحاسب كل من يتسبب في الخسائر.. أما غير المناسب فهو الإنتهازي الفاسد الذي يجعل الموقع ميداناً للإستغلال والإغتناء من مآسي الناس، ويفتقد الذمة والضمير، ويستبد برأيه ويتخبط ويستفز الآخرين ويخطأ في إتخاذ القرار، ويشعر أكثر من غيره بعدم الكفاءة وعدم إمكانية الإستمرار في المسؤولية، ويرى نفسه أمام صدفة عابرة في حياته وغير قابلة للتكرار، لذلك يستغلها بأقصى ما يمكن من الربح والكسب غير المشروع والإنتفاع المباشر أوغير المباشر ويحمل معاول التخريب ويخرب كل شيء قبل تركه للموقع...
 


398
حلم الولاية الثالثة وكابوس 218

   صبحى ساله يى

المروجون للسيد المالكي يقولون: أنه الفائز بلا منازع والحائزعلى أكثر من سبعمائة ألف صوت، ولم يقترب منه اي منافس آخر سواء كان عنيداً أولدوداً، وكتلة دولة القانون ما زالت الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان، ويقولون ان الرجل هو المرشح الوحيد لرئاسة الحكومة حسب الدستور، ويؤكدون على أن المؤمن يلدغ من جُحرٍ مرتين، وثلاثة.
وهؤلاء يطالبون اللاعبين السياسيين بان يتركوا العملية السياسية الديمقراطية تواصل سيرها وفقا لنتائج صناديق الاقتراع، وأن يبتعدوا عن المماحكات السياسية لكي يبلغ دولة القانون حلمه، على إعتبار أن اللعبة الديمقراطية لعبة الأرقام فقط، ويريدون أن ينسى الجميع طريقة سيرالعملية الانتخابية، وكيف تم مساومة  ابناء القوات المسلحة بقوت يومهم ورواتبهم، وكيفية تسخير الدولة وكافة مواردها للترويج لأعضاء حزب الدعوة ورئيسه، وكيف استطاعت الاجهزة الخاصة تربيع التصويت للكثيرمن العسكريين بالبطاقة المزدوجة للتصويت، ويريدون نسيان التزويرات الواضحة والأدلة الدامغة عليها والتي لا يمكن حجبها أوالألتفاف عليها، وإعتبارها ماضياً وإعتبارنتائج الانتخابات أمراً واقعاً، ويريدون أن ننسى المخالفات التي حدثت والتي توضح إنفاق كتلة دولة القانون لمليارات الدنانير في كل محافظةعلى الحملة الانتخابية، ويريدون أن ننسى أو نتناسى الأموال العراقية التي صرفت على الإعلام الانتهازي والإعلاميين المرتزقة عشية الانتخابات البرلمانية، والعطايا من أموال وأراضي على الإعلاميين وأشباههم جزاءً لهم عن تأييدهم للسيد المالكي وحزبه أثناء الحملة الانتخابية، وإستخدام السلطة التنفيذية لملف تعويضات الفيضانات والتعيينات في الدوائر المدنية والجيش والشرطة، والمبادرات الزراعية والرعاية الاجتماعية وتوزيع 300 الف قطعة سكنية، من أجل الحصول على الأصوات، وحرمان مئات الآلوف من النازحين من أهالي الرمادي والفلوجة وأبو غريب من التصويت، وفرض من أرادوا فرضه في المفوضية العليا للإنتخابات بعد فصل 17 من المديرين العامين فيها وتعيين آخرين بدلاً عنهم، وننسى التلاعب الكبيربالأرقام خلال عملية العد والفرز.
ولكي نرضي السادة الداعين والمروجين للولاية الثالثة نتجه الى الأرقام كما يريدون، فحزب الدعوة بعد كل هذه الرشى حصل على 13 مقعداً من مجموع 328 مقعد أي أقل من ( 3 % ) من مقاعد البرلمان، وتصوروا الأرقام لو كان المالكي وحزبه خارج السلطة، ولو لم يكن عندهم السلطات والمال العام.. وبعد التصورات نعود الى الأرقام التي تقول : أن الغالبية المطلقة من العراقيين ( شيعة، سنة، كورد) وصلوا الى قناعة تامة بأنه يستحيل التعامل مجدداً مع المالكي، ولكن مع ذلك الأرقام تقول: إن المالكي قد ينجح في مسعاه ومساوماته وتنازلاته السياسية، ويشكل كتلة من  165 نائباً، من الذين يريدون تفكيك العراق وتقسيمه ومن الذين صدرت بحقهم أوامر ألقاء قبض ومتهمين بقضايا فساد وإرهاب، وقد ينجح في استمالة عدد من الكتل الصغيرة ، وشراء بعض النواب الذين يترنحون في مواقفهم ويقولون ما لايفعلون، ولكنه، لا ينجح في الحصول على المسامحة من الشعب بعد كل ما صنعت يداه وما بدده من ثروات، ولا ينجح (بالتأكيد) في تفتيت النسيج الكوردستاني، ولا يستطيع الظفر بمنصب رئاسة الوزراء، ولايستطيع تجاوز عقبة إختيار رئيس الجمهورية في البرلمان إذ إن إختيار رئيس الجمهورية وحسب الدستوريحتاج الى أغلبية الثلثين أي (218) صوت من أصوات أعضاء مجلس النواب، وبعد إنتخاب رئيس الجمهورية فقط يمكن تكليف شخص معين بتشكيل الحكومة الجديدة، والسؤال هو من أين يأتي المالكي وحزبه بشخص ليحصل على 218 صوتاً في البرلمان ليكون رئيساً للجمهورية؟، ليحقق حلمه ويكلفه بتشكيل الحكومة...
 


399
النفط والمستقبل الكوردستاني
  صبحى ساله يى
 
بداية لابد من القول إن إستخراج النفط وتصديره وبيعه من قبل حكومة إقليم كوردستان (الآن) يعني القبول ببعض المكاسب المحدودة التي لاتقارن الخسائر التي لحقت بالكوردستانيين طوال عقود عديدة من إستخراج نفط كركوك الكوردستانية، وبيعه من قبل الحكومات العراقية المتتالية، واستغلال عائداته في شراء الأسلحة والطائرات التي كانت تستعمل لإبادة الشعب الكوردي والنيل من طموحاته المشروعة.
ولابد من القول إن العراقيين المختلفين في غالبية الأمور يشتركون في قناعة واحدة مفادها ان السياسات الخاطئة للحكومة العراقية الحالية أغرقت المجتمع في مشكلات لا آخر لها، وان التدني الحاد لمستوى المعيشة والحياة سوف يستمر بسبب العواصف التي تهب بفضل الحلول العرجاء التي تطرح للمشكلات التي نعاني منها منذ سنوات، وإن أحدى أهم مشكلات الحكومة العراقية الحالية أنها لا تحاول تنسيق رؤاها وخبراتها وبرامجها في إطار مشترك بدعوى الخصوصية وتباين الاحتياجات المذهبية والقومية، لذلك نراها منكفئة على ذاتها ومنغمسة في همومها ومشكلاتها الداخلية والخارجية معاً، وتنسج على منوال احتياجاتها الآنية وخصوصية البعض، سياساتها التي قد لا تتوافق بالضرورة مع نظرة ومصلحة الآخرين، وتتناقض مع خصوصيات الواقع الجغرافي العراقي ومتطلباته، وتعيش غالباً في حالات منعزلة في الرؤية والقرار، ولا تعرف أن مقتضيات الحكمة السياسية والمصلحة العامة  تكمن في توحيد الأهداف في عموم البلاد، رغم أن الظروف لا تتشابه بالضرورة في التفاصيل والمعطيات.
وأي إستقراء لملامح وتجليات السلوك السياسي لهذه الحكومة يؤشر إلى حال الفزع والهواجس والقلق مما يترك الآثار السلبية على طبيعة محاولة معالجاتها السياسية لتقلبات الأزمات، و يؤشر عمق اللاوعي السياسي واللانضج الفكري الذي يحاول أن يحافظ على مصلحة فئة معينة على حساب المصالح الكبيرة والاعتبارات الواسعة. والقرارالخاطىء للمالكي بقطع رواتب موظفي الاقليم، والذي جاء في ذروة التصعيد الانتخابي، وزيادة شروطه التعجيزية أثناء الجولات التفاوضية، دفعت قيادة الاقليم الى التصرف بورقة النفط واستغلال الثروات الطبيعية لسد النقص الحاصل في الميزانية، وبدأت بتصدير النفط الكوردستاني الخام عبر ميناء جيهان التركي، كرد فعل اضطراري، وفي الـ 22 من هذا الشهر تحركت اول ناقلة محملة بالنفط الكوردستاني باتجاه اوربا، وبعد إعلان إقليم كوردستان بيع النفط المستخرج من أراضيه في الأسواق العالمية والتصرف بموارده وفق الدستور، والتصعيد الذي يلاحظ من جانب حكام بغداد تجاه هذا الموضوع، وفشلهم في إدارة الملفات والأزمات السياسية والأمنية والإقتصادية الطاحنة، وبعد أن إستوعب العراقيون إنهم على أعتاب مرحلة جديدة، وفي ظل المعطيات والمستجدات، وأمام المآزق الإستراتيجية والتاريخية التي لم يعشها العراقيون من قبل، وعدم تمكنهم بلورة رؤية مشتركة تجاه الواقع الخطير الذي يعيشونه، وإنسداد الأفق أمامهم على المستويات كافة، وسقوط التحالفات السياسية الأساسية السابقة بين الأقطاب، وإنكشاف مراهناتهم وحساباتهم التي تكاد أن تطبق الخناق على التفاصيل الاساسية لحياة المواطنين، ووسط تفهم الأغلبية الساحقة من الشعب، وبأقل قدر من الإعتراض  الرسمي والشعبي، هناك تفكير بشأن مستقبل العلاقة بين الكورد وحكومة العراق وإمكانية وضع نهاية لها، في حال عدم إعتبار الكورد شركاء حقيقيين، والتفكير يضغط على أعصاب المواطنين ودوائر صنع القرار معاً مرتبطاً بجدل حول الإتجاه الأنجح لتحقيق المرجو والخيار الأنجع والأقل كلفة ، والسيرعليه لتحقيق الأهداف المرجوة.


400
المصالحة عراقيا... برعاية الرئيس مسعود بارزاني

صبحي ساله يي
يعيش العراق لحظات إخفاق ضبابية إستثنائية ناتجة عن إختلاط المشهد بين عدد من الفاعلين سياسياً، وعن تعقد الظروف السياسية والامنية، وما يجري حالياً يدخل فى دائرة تفكك الدولة وتناثر مكوناتها، والإفضاء إلى فوضى بلا أي أفق معلوم، أو الى موت وحرب أهلية مفتوحة، من دون ردع قانوني أو دستوري، وتعزيز القناعة بإنعدام القدرة على حكم البلاد بدون رعاية دولية، أو محتل أجنبي، أو جلاد ودكتاتور محلي.
 لقد مرت إحدى عشرة سنة، ومازال البعض يعزف على وتره الطائفي، ويرفض الوحدة الوطنية، ومئات القتلى يسقطون، ويعاني المواطنون من السيارات المفخخة هنا وهناك، وحوادث الرعب لا تتوقف، وتهجير ملايين المواطنين من بيوتهم، ومعاناة البلاد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي والأمني..
غالبية الحريصين على دماء العراقيين أكدوا وما زالوا يؤكدون على ضرورة إجراء المصالحة الوطنية، والكثير منهم يشيد ويستشهد بتجربة الكوردستانيين التصالحية، وحكمة الرئيس بارزاني في إرساء المصالحة بين الكوردستانيين، بينما البعض الآخر يذهب بعيداً فيذكر تجربة جنوب أفريقيا والرئيس نيلسون مانديلا.
بداية لابد من القول ان الوضع في العراق يختلف عن كوردستان وجنوب أفريقيا، ولندع الجنوب الأفريقي البعيد، ورئيسه الراحل مانديلا، ولنتحدث عن كوردستان والعراق... الأطراف الكوردستانية شعرت بضرورة المصالحة الوطنية لإجتياز نفق الإنقسام الذي أضر بالمشروع الوطني والقومي الكوردي، ونظراً للمشهد المنزوي الذي ماكان يكترث له أحد في أجواء الإضطرابات الإقليمية (آنذاك) وحسابات كانت تتعلق بمخلفات الحرب الباردة، عمد الرئيس بارزاني والقيادة السياسية الكوردستانية في الساعات الأولى من الإنتفاضة الجماهيرية في آذار1991 الى إصدار العفو العام عن كل المخطئين والمتعاونين مع البعث الغاشم، هذا العفو فتح نوافذ الفرص على مصاريعها أمام الجميع كي يمارسوا حياتهم الطبيعية في إطار برنامج وطني واسع، كما إنه (العفو) أغلق الباب في وجوه الذين كانوا ينوون الإنتقام والثأر، وفي وجوه الذين كانوا يراهنون على إنقسام وتشتت صفوف الكورد كي يستغلوا طرفاً ضد آخر، من أجل مآربهم الخاصة..
أما في العراق وبعد مضي أحد عشر عاماً على التحرر من الدكتاتورية، مازال هناك صراع على السلطة غير المكتملة أصلا، ويظهر هذا الصراع جهات تغلب المصالح الطائفية والمذهبية على حساب الأجندة الوطنية، وتأثير كل طرف من أجنحة الخلاف ينحصر في دائرة نفوذه الجغرافي، ويخلق نوعاً من الطائفية يمكن أن نطلق عليه الطائفية السياسية، لذلك فإن المصالحة بمعناها الشامل لم تبدأ بعد، والجهود المبذولة كبدايات، منتكسة ومتعثرة، والعوامل الكابحة لها أكثر بكثير من العوامل الدافعة، والتشريعات العراقية المتطابقة مع المواثيق الدولية، لا يجري تطبيقها في تحقيق العدل والمساواة والكرامة وحرية التعبير، ولن نستطيع تحقيق ذلك بين ذهنيات تعودت على نبذ الآخر، وعدم الاعتراف به، وقضية روح المواطنة والمساواة ورعاية حقوق الإنسان، مازالت تحلق في سماء الأماني، ولم تفلح المؤسسات المدنية والنقابات والجمعيات في خلق حالة إتفاق حول مفاهيم المجتمع المدني، في حين هيمنت بعض الأحزاب المذهبية والطائفية على تلك المؤسسات والجمعيات بقصد إدارتها حسبما تريد، وكل حزب يفسر مفهوم المجتمع المدني حسب ظروفه ومصالحه، وبما يعزز بقاءه..
 كما إستجدت جملة عوامل طوال السنوات السابقة عملت جميعها على كبح وإفشال عملية التصالح في أكثر من مرحلة، وفي المرحلة الحالية أضيف إليها عامل آخر يتعلق بالتدخلات الإقليمية وبالمتغيرات والوضع في سوريا الذي يبدو مضطرباً وتظلله سحب قاتمة، ولأننا لا نريد الولوج في تفاصيل العوامل الكابحة، سنحاول الإجابة عن سؤال: هل المصالحة في العراق، ممكنة؟..
الجواب : ممكنة... ولكن ذلك يكمن في تحديد الأطراف المشمولة بها، وتوفير متطلبات المصالحة وتوفير الحد المعقول من الدعائم اللازمة لإنجاحها، كي تتجاوز العقبات والتحديات التي تواجهها، ولعل أبرزها هي:
* راع وطني محايد قادر على تحييد المؤثرات الإقليمية والدولية التي تمنع المصالحة، ومقبول لدى أطراف المعادلة،  وهذا الراعي موجود وهو الرئيس مسعود بارزاني المقبول لدى جميع الأطراف، ونورد هنا ماقاله،  معهد بروكينكز للدراسات الإستراتيجية الدولية على لسان كينس بولاك رئيس مركز سابات بخصوص الرئيس بارزاني:  (بالنسبة لمن لايعرفون السيد بارزاني أقول إن هذا البيشمركه هو في الشرق الأوسط بمثابة باريس لفرنسا، حيث تلتقي كل الطرق عند بارزاني) .
* توفر الإرادة السياسية الصادقة والجادة من قبل أطراف الخلاف الأساسيين، وعدم إستغلالها بهدف تحقيق أهداف ذاتية وفئوية وطائفية، وخلق قنوات اتصال وتواصل تسهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة وتقليل الاحتقان الطائفي وتفعيل الحراك السياسي في المجتمع، ورفع الوعي السياسي لدى المواطن العادي وبالذات في المناطق الرخوة والساخنة، كي تكون القواسم المشتركة قاعدة أساسية لبرنامج سياسي توافقي، لأن من دونها تكون المصالحة إجراء متناثراً لا تحكمه رؤية سياسية مرحلية وتوافقية واضحة.
 * توفير غطاء سياسي ومالي وإداري يحوي آليات تنفيذ واضحة وبمعايير مهنية، وبخطط متكاملة تلبي الحد المعقول من طلبات الأطراف غير المتصالحة، ومساندة المصالحة بضمانات كافية من أطراف أخرى تهمها العملية برمتها، وتستطيع التأثير على الجميع.
*  المبادرة بإنتقاد الذات قبل الآخرين وقراءة المشهد السياسي بعقلانية واضحة ورصينة والإسهام في إصلاح ما أفسده الدهر في العلاقات التي دفع ضريبتها الناس البسطاء، والتي تعني إظهار الرغبة الجدية لدى الأطراف والبدء بالتصالح في توقيت يناسب كلا الطرفين، على أن لا تستغل لحظة التنفيذ لإغراض دعائية، كي لاتكون تأثيراتها السياسية مرافقة لمنافع ذاتية لطرف دون آخر.
* أن تكون المصالحة وفق رؤية إستراتيجية وطنية لإنهاء الصراع وليس إدارته، والإقرار بالخلافات والتأكيد على إمكانية تطبيعها.
*عدم إستخدام الانقسام كذريعة للتقاعس عن القيام بالدور الإنساني المطلوب.
*توفير الثقة المتبادلة بين أطراف الخلاف من خلال العمل المشترك بين القادة المدنيين والسياسيين في أجراء المصالحة، وأن يكونوا فوق مستوى الصراعات وأعمال العنف.
*التأكيد على روح التسامح والقبول بالطرف الآخر، وقطع الشك باليقين تجاه إستحالة عودة الحياة إلى ما قبل سقوط صنم بغداد، لان عجلة الحياة السياسية تقدمت والأصنام تهدمت والحقائق كشفت والصحوة من الأوهام ضرورة وعافية و أمن وسلام.
وأخيرا، المصالحة ممكنة، لو تدخل الرئيس بارزاني فيها، ولو تلمس العراق الطريق نحو الدستور والدولة المدنية، وبدأ بمواصلة خطوات الإصلاح الشامل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة، وتعزيز روح المواطنة والمساواة ورعاية حقوق الإنسان، وفقا لمواثيق ومعايير حقوق الإنسان، وتعزيز دور المرأة العراقية في بناء المجتمع، وإعادة بناء العلاقات بين العراقيين على أسس من التفاهم والتسامح والحوار.
والمصالحة على العموم مشروع لترميم الصدع بآليات ناجعة وفعالة، لطي صفحة الماضي، تتحمل مسؤولية نقلها من حالة التنظير إلى الواقع العملي، جميع مكونات المجتمع لخلق مناخ وطني نقي يعتمد لغة الحوار والمصارحة، وتشخيص الخلل الذي يحول دون تلقي المبادرات بروح متفهمة وعاقلة ويؤكد على الإعتدال في الخطاب السياسي من أجل التقليل من الاحتقانات المتوترة بين العراقيين بما ينسجم مع أطر المصلحة العامة.
 


401
الغريب في سياسة المالكي وحزبه
  صبحى ساله يى
 
 
على ضوء المشكلات التي كانت قائمة بين دولة القانون برئاسة السيد المالكي من جهة والعديد من الأطراف السياسية العراقية، كوردية وسنية وشيعية، من جهة أخرى،  تعرض العراقيون والعراق والعملية السياسية فيه لهزات عنيفة ربما تكون لها تداعياتها المستقبلية الكارثية، والأزمات المثيرة للجدل والمحيرة في العديد من جوانبها، كانت مصطنعة من فراغ، ولم تأت لأسباب موضوعية أو جوهرية تتعلق بأمن الدولة أو سلامة البلاد، بل كانت جميعها نابعة من داخل منظومة تقرر إتخاذ المواقف الحازمة المفاجئة كي تثير دهشة المراقبين وتغيض الأصدقاء وتفرح الأعداء، ولكي تخلق مشكلة جديدة وفريدة وغير مسبوقة بين مجموعة أحزاب أقل ما يقال عنها إنها كانت بالأمس صديقة أو حليفة، ومن هذا المنطلق، من الطبيعي الآن، أن تكون للآخرين ردود أفعال، عاطفية أو منطقية، على سلوك وتصرفات سياسيي دولة القانون لاسيما المسيطرين على الساحة الإعلامية، وتفصح عن نفسها وعن منطلقاتها السياسية والإستراتيجية، وتفنيد إدعاءات هؤلاء والدفاع عن مصالحها وتوجهاتها، وما تمليه عليها المواقف الخطيرة التي ربما تتحول إلى كارثية ومدمرة للأخضر واليابس.
ما يمكن فهمه هو أن الأهداف الرئيسة لسياسة حزب الدعوة كانت: تأمين الاستمرارية السياسية كحزب رئيس والتحول الى الحزب القائد، والحرص على إستمرار رئيسه في حكم البلاد، وحيث أن كلا الأمرين معتمد على الاخرين وكلاهما خاضعان للتقلبات التي تحدث في البيئات الداخلية والإقليمية والعالمية، فإن التركيز على تلك الأهداف لا يأتي من خلال تأزيم العلاقات مع الأطراف والأحزاب السياسية الأخرى كما يعتقدون، والغريب أن حزب الدعوة وبدلاً من محاولة تطوير علاقاته الإيجابية مع الجميع، نراه قد درج منذ ما يقارب الثماني سنوات على إتخاذ مواقف وسياسات لا تتيحها له الظروف الذاتية والموضوعية المرتبطة بالأحزاب الأخرى وشرعياتها الثورية والدستورية والقانونية وشعبياتها، ومن هنا يبرز أمام هذا الحزب سؤال مع الذات، من الضروري أن يتم التوقف عنده والإجابة عنه بكل صراحة وموضوعية : هل يتحمل حزب بحجم حزب الدعوة تبعات سياساته المتبعة حالياً، ويتحمل مخاطر وتداعيات الأوضاع الحالية والمستقبلية؟
في الواقع السياسي الحالي في عالم اليوم، قلما نجد أحزاباً سياسية تمارس سياسات من هذا القبيل، فجميع الأحزاب تحرص على أن تكون سياساتها متوازنة مع تصرفاتها وتراعي الاعتبارات التي تتعلق بحجمها وإمكانياتها وقاعدتها الجماهيرية، وتحسب ألف حساب لحجم وإمكانات الأحزاب الآخرى، وترسم سياساتها وفق معايير ومناهج الربح والخسارة والمصالح والمخاطر، رغم أن هذا الأمر يصعب قياسه في حالات معينة لأن الكثير من الأطراف لا تقر بخسارتها وتركز على مكاسبها من خلال ما تنتهجه من سياسات، ولكن حزب الدعوة الذي كان حليفاً وشريكاً للأحزاب الكوردية، وشقيقاً للأحزاب الشيعية الأخرى وكان عزيزاً عليهم، ويريدونه كذلك ويعرفون أن سلامته وسلامة توجاهاته وتصرفاته سلامة لأهلنا وعزته من عزتنا، ولكنه (أي حزب الدعوة) إتخذ مساراً آخراً غريباً، وتجاهل الحكمة والمنطق، وسبح ضد التيار ظناً منه أنه لايغرق، ولكن الحقائق لاتؤكد ذلك، كما أنها لاتؤكد إن الجميع سيغرقون معه عندما يغرق..

402
الإنقسام... إنتحار سياسي
  صبحى ساله يى

أيهما أخطر على الكورد، الإنقسام وعدم توحيد الصفوف أم المتربصون بنا؟
 مع أني لا أحب هذا النوع من الأسئلة الإفتراضية، ولكن عندما نريد أن نذّكر المسؤولين والسياسيين بالتهديدات والمخاطر المحتملة، أو ننوي الإجابة على الطروحات التي تبسط مشكلات الأمن الوطني والقومي، وتقلل من المخاطر المحدقة بنا، لابد من طرح مثل تلك الأسئلة والإجابة عليها.
قائمة التهديدات طويلة وأطماع الآخرين ورغباتهم في الهيمنة والتدخل في شؤوننا كبيرة، والعاقل يعلم أن الانقسام الداخلي يضيع مكتسباتنا ويسبب شرخاً في التحالف الكوردستاني في بغداد الذي إستطاع عبر مواقفه السياسية والدستورية ووفق خطط متوافقة وإستراتيجيات قومية الدفاع عن الكورد وكوردستان وتحقيق بعض المنجزات، أو في الأقل محاولة تحويلنا من مواطنين من الدرجة الثانية الى الدرجة الأولى.
الإنقسام أو عدم الثقة بين الكوردستانيين، مطلب يتمناه الكثيرون (غير الكورد) وحتى الذين يفترض أنهم حلفاؤنا وبعدما وقّعنا معهم الاتفاقيات، سعوا إلى ذلك عندما كانت العلاقات بين حكومة الإقليم والمعارضة الكوردستانية تمر بأزمة أو فترة سوء تفاهم، أو عندما كان التداخل في مفهوم الإصلاح وتطلعات الشعب إلى المشاركة السياسية وبين الأمن والفساد والإستقرار سبباً لتوسيع الإستفزازات، وصل الامر حد انهم حشدوا قوات عسكرية على مشارف كركوك.
والحديث عن الإنقسام الكوردي طفا على السطح في الآونة الآخيرة بسبب الـتأخر في تشكيل الحكومة الكوردستانية الجديدة، وقطع رواتب موظفي الإقليم، والدعاية الإنتخابية التي سبقت الإنتخابات، والإستحقاقات الدستورية والقانونية الكوردستانية في بغداد، ومراهنات ومهاترات بعض السياسيين السذج على كسب طرف كوردستاني معين، أو حتى أطراف، لتشكيل ما يسمونه حكومة الأغلبية السياسية، دون أن يعرفوا أن الخروج عن الإجماع الكوردي تجاه الثوابت القومية والوطنية هو خطأ استراتيجي، بل انتحار سياسي بطيء، ولا أحد يجرؤ على الإقدام عليه مهما كانت الظروف ولا أحد يرضى بالإنتحار والوقوع في الخطأ العمد..
والمفارقة الموجودة هي أن جل جهود التوحيد في المواقف تتوجه نحو تحصين الجبهة الداخلية دون الإلتفات الى أخطاء البعض، أو مغريات الآخرين، ولعل البعد الإنساني في أهمية المحافظة على المكتسبات يتجلى أكثر لو أعدنا صياغة أسئلتنا الإفتراضية بشكل آخر وقلنا:
ماذا لو جاءت تركيبة النظام الجديد في بغداد متشابهة للنظام الحالي؟ وتم إسناد بعض المواقع المهمة للكورد، ولكن مع وقف التنفيذ، وظل تهميشنا مستمراً في كل مؤسسات الدولة، ونظروا الينا كضيوف ثقيلي الظل وغير مرحب بنا في بغداد ؟. وإعتبرونا عالة على ثروات الجنوب النفطية، في حين كان نفط كركوك الكوردستانية مصدراً لكل ثروة العراق طوال عقود وما كنا نحصل عليه لم يكن إلا مدافع وطائرات ودبابات تقصف مدننا وقرانا، وماذا لوحاولوا وبشكل أوسع تكرارعبارة الإحتلال الكوردي للعراق؟ هل نكتفي برفع الدعاوى القضائية ضد هؤلاء بتهمة القذف والتشهير في المحاكم التي تأتمر بأوامر أصحاب النفوذ في بغداد، الذين هم الخصم والحكم...
الكل في كوردستان بانتظارإعادة المياه الى مجاريها الطبيعية، وبانتظارالحصول على الإجابات لجميع الأسئلة التي تتبادر الى الاذهان، ومعرفة موقعنا من المستجدات السياسية وموقفنا من الأزمات، واستعداداتنا لمواجهة المحن و تجنب الكوارث والتكيف مع الأحداث بعقلية كوردية، وقطع الطريق أمام كل من يحاول أن يمزق وحدتنا السياسية، ولو استدعى الأمر تقديم التنازلات من هذا الطرف الكوردستاني الى ذاك  الكوردستاني أيضاً، حفاظاً على وحدتنا السياسية، لأنه تعقل وحرص وحكمة وإخلاص لدماء الشهداء.
 


403
من يصدق الشهرستاني ؟
صبحي ساله يي
منذ مدة والسيد حسين الشهرستاني يصرف وقته ليوضح أن حكومة بلاده لا تتراجع عن إلتزاماتها في محاربة الكوردستانيين وتطلعاتهم، وليبرر كيف أنه يستبسل في الرد على إنتقادات تنهال عليه من كل حدب وصوب، إنتقادات تصدر عن الأصدقاء قبل غيرهم، ولكن لو كانت كلمات وتصريحات ومقابلات السيد الشهرستاني قد لقيت درجة من التصديق، لكانت الأمور مختلفة عن الواقع الذي يشير الى تراجع وضمور الوزن السياسي له وللذين يؤيدونه والذين يرقصون على أنغام إيقاعاته، ولما إنكمشت هيبة الحكومة التي هو نائب لرئيسها، وبالعودة قليلاً إلى الوراء، يظهر أن بعض المشاركين في الحكم، مثل كل المعادين للكورد، لم ينجحوا بعد في الإستقرار على فلسفة معينة لسياساتهم، والإرتكاز على تصورات عميقة أو شاملة، لذلك يتخوفون حتى من ظلالهم، ويرتجلون مواقفهم، ويعجزون عن الوفاء بتعهداتهم والتزامات التي يطلقونها، وفي هذا السياق، يمكن التوقف عند الشعار الذي إختاره الدكتور الشهرستاني في حملته الانتخابية فوضعه الى جانب صورته وتحت اسمه وهو (حامي ثروة العراق)، هذا الشعار الذي يوحي الى مناكفاته التي حالت دون التوصل الى حل للمشكلات القائمة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية بشأن إنتاج النفط في الإقليم وتصديره.
لا شك في أن عوامل عدة ومختلفة لعبت دورها الطبيعي في إثارة الوجهة الشهرستانية هذه، وهي عوامل كثر الحديث عنها في السنوات الثمانية الأخيرة: من الأزمات المتتالية في العراق بين العراقيين وبين حكومتهم، وبين بغداد واربيل، و تعاظم المصالح الطائفية على حساب المصالح الوطنية والقومية، ومن الذاكرة المريرة التي خلفتها وعود الشهرستاني الكثيرة التي تفتقر الرؤية والمخيلة والتي لم تتحقق أبداً، وفقدان الثقة العراقية بالوعود الشهرستانية، وإلى التعافي الكبير لإقتصاد الإقليم والأمن والإستقرار السائدان فيه، ومن ثم تزايد المطالبات بالأقاليم على غرار ما هو سائد في كوردستان وأخذ مصالح جميع العراقيين في الحسبان، وبسبب امور اخرى كثيرة لامجال لذكرها الآن، نفهم لماذا لايصدق أحداً في العراق ذلك الشعارالشهرستاني الموجه إلى الإقليم، ونفهم لماذا يتسع التململ في أوساط العراقيين المتخوفين من سياسات قد تكون ساذجة وغير مدروسة أو غير محسوبة بعناية، ونفهم أيضاً لماذا يميل العراقيون كورداً وعرباً ودول الجوار ودول العالم، إلى تصديق حجج وأدلة إقليم كوردستان القانونية والدستورية أكثر من ميلهم إلى تصديق شعار وتهديد ووعيد الشهرستاني.
الحرائق النفطية وسحبها الكثيفة وأضرارها البيئة والصحية تسأل:
كيف تحمي ثروة العراق يا شهرستاني؟.. وتراخيص إنتاج النفط الفاشلة التي أشرفت عليها في عدة جولات، وتفريطك الكبير بمصالح العراق من جراء تلك التراخيص النفطية، والنفط المتسرب بغزارة، منذ سنوات، من موانيء الجنوب، ووعودك المخالفة، بشأن الكهرباء والأمن والبناء،  معروفة لدى القاصي والداني ...
 
 


404
كوردستان ودولة القانون

  صبحى ساله يى
قدرة الكوردستانيين على تجاوز الأزمات حالة دائمية تعبر عن التوافق على خارطة طريق غير معلنة وملزمة للجميع، تكشف ثراء التجربة السياسية الكوردستانية وإختزانها الكثير من مقومات الحكمة وأركان الذكاء اللازم لمواجهة المحن والتقلبات والتحديات، مع بدايات الثورات الكوردستانية، اعتمدت الحركة الثورية التي قادت تلك الثورات، مفهوم الحوار والتفاوض والتسامح والتعايش كأساس متين وناظم رئيس للحياة السياسية والعلاقات بين المكونات الكوردستانية والعراقية.
اليوم، فإن دولة القانون والسيد نوري المالكي بالذات، يحاول أن يمحو سطورذلك التاريخ بين ليلة وضحاها وينسى كل شيء، وينسى أن الذي سجله التأريخ بهذا الشأن يغوص في أعماق حياتنا لأنها كانت تجربة في غاية المرارة، عندما كان الكورد والشيعة وقوداً وحجارةً لمرحلة سوداء معتمة مارس خلالها البعث الفاشي العنف والقتل والتهجير والابادة الجماعية، وينسى الفجائع التي مرت بنا طيلة عقود من الزمن والممارسات الإجرامية التي تحكمت بنا وبحياتنا..
في عهد حكومتي المالكي طفت على السطح مجموعة من المشكلات التي كان يمكن إحتواؤها وحلها لولا تصرفات وتصريحات السياسيين الإنتفاعيين الذين يميلون ويحنون الى أيام النظام البائد والقائد الضرورة، ويحاولون إعادة الأمور الى الوراء، ويمكننا أن نذكر أسماء عدد من النواب المنتمين الى دولة القانون والسائرين في ركابها والمؤيدين لسياساتها الذين مارسوا الكثير من الضغوط من أجل زرع الفتنة بين العرب والكورد.
وحاولت دولة القانون أن تجتذب الحاقدين على الكورد من كافة القوائم والكتل السياسية، لاسيما البعثيين السابقين، الى صفها من أجل أن تلعب لعبتها السياسية وتذهب بعيداً بالساحة العراقية الى حالة مأساوية، وتعيدنا الى المراحل التي مورس خلالها التنكر للحقوق والتجميد للدستور والكتم للأنفاس والإلتفاف على كل القيم الإنسانية، والأغرب في سياسة المالكي ولعبة دولة القانون هو محاولة دق الاسفين بين الأطراف الكوردستانية الفاعلة على الساحتين الكوردستانية والعراقية، دون أن تعلم أن لتلك الأطراف ذات الموقف من حكومة بغداد وتحديدا من المالكي، وأن تلك الأطراف تترقب المستقبل الكوردستاني في ظل العلاقات المتوترة بين العراقيين عموماً، وهي تعي ما خلف تلك المحاولات وما يكتب بين سطورها، لأن مثل تلك المحاولات تذكرهم بمحاولات صدام مع أجزاء من الشعب الكوردي لشق صفوف الكورستانيين.
إن كانت دولة القانون تريد بحق أن نعيش معاً تحت سقف واحد، عليها تبني النهج المدني الديمقراطي الذي يبيح الإختلاف في الرأي، والمحافظة على الخصوصيات والولاءات الثقافية والفكرية والسياسية والدينية والمذهبية والقومية وأن تقوي الولاء للوطن من خلال قطع الطريق أمام من يحملون أفكار الإضطهاد والتمييز ضد الآخرين والإستخفاف بهم، وعليها الإقتناع بأننا متفقون ومختلفون، متفقون على أن العملية السياسية لا تحمل ملامح الجميع وتفتقد المشتركات الحقيقية بيننا وأننا بحاجة الى عملية سياسية جديدة فيها العديد من الأسس والثوابت التي تتلاقى مع بعضها في فضاءات التعايش المشترك، وأننا مختلفون في الرأي ووجهات النظر والثقافات والإنتماءات وفي أمور كثيرة أخرى بعضها قومي وديني ومذهبي، وبعضها سياسي وفكري ومناطقي، ولايمكننا أن نعيش برأي واحد أو بفكر موحد، والإختلاف، كما يقال، من ضرورات الإزدهار وتمتين الوحدة الوطنية، ويمنع التناحر والتنابز والتعارض وكل ما يفضي الى الصراع أو الصدام.

405
المنبر الحر / الكورد والمالكي
« في: 23:18 09/03/2014  »
الكورد والمالكي
صبحي ساله يي
كل الأزمات، كبيرة كانت أم صغيرة، تخلق أجواءاً من الإحتقان بين المدافعين عنها ومعارضيها من السياسيين، وتبدو كأنها لعبة لشد الحبل، كل يريد جره لجهته، والنتيجة مناكفات وجدال ومزايدات وشعارات وتضررللعباد و البلاد و حتى المبادرات التي تطلق لمعالجة الأزمات وتروج لها ، ظاهربعضها مغلف بغلاف قد يسر السامعين ولكن باطن غالبيتها ملغم  وتتضمن نقاط تتناغم مع  تحفيزات وتسهيلات تحرض على الفتن وتقع في دائرة الفكرالمخالف لقواعد السلوك و ما يثير علامات الريبة والشك بشأن الدوافع الحقيقية لهذه المبادرات..
السيد نوري المالكي يقاتل على جبهات عدة، ومعنا بالذات قطع الرواتب والارزاق بشكل علني، وهذا الفعل لم يفعله البعث، وبالشكل السري يحاول أن يشق صفوفنا الموحدة كما فعل البعث، ويحاول أن يستغل الخلافات أو الإختلافات بين الأطراف الكوردستانية لصالحه، فيستقبل مسؤولاً كوردياً بارزاً من حزب كوردستاني أصيل يمر بمشاكل عدة، ويعاني من مرض رئيسه، وقلة مقاعده النيابية في برلمان كوردستان، ومزاحمته من قبل الأحزاب الأخرى على المواقع الحكومية، ويبحث معه العلاقات بين بغداد واربيل، والضيف لايحمل صفة رسمية، ويدعوه ليأتي وفد رفيع من حزبه الى بغداد ليتواصل ويجتمع مع الأحزاب العراقية الأخرى، وينسى أن لذلك الحزب العريق تاريخ حافل من التواصل مع الأحزاب العراقية التي كانت تعيش تحت حمايته في سهول ووديان كوردستان، والسيد المالكي يدعو قناة تلفزيونية كورديةلإجراء لقاء خاص معه، ولايعلم أن تلك القناة وإن كانت حريصة على كشف الفساد والثغرات والهفوات في كوردستان، لاتجامل المالكي وغيره على مصالح الشعب الكوردستاني ولاتساومه ، والدليل هو السؤال المحرج الذي طرحه الإعلامي الكوردي حول الصلاحيات والوزارات التي تدار من قبل المالكي، وارباك وارتباك المالكي..
وانطلاقا من واقع التجربة نرى السيد المالكي يحاول الإبحار في قلب الأمواج والتحديات، رغبة في الوصول إلى بر الأمان وشاطئ الاستقرارالذي يريده، ويمكن القول إنه لا يدرك تماماً أن السياسة هي فن الممكن قولاً وفعلاً، وأن أي محاولة للسباحة ضد هذه القاعدة يقود المحاول إلى العواقب السيئة والنتائج الفادحة.
ومحاولة خوض غمارالسياسة بلا دراية فإنها تشكل الوثيقة الجاهزة للفشل، والعمل السياسي المتكامل يستوجب حسن اختيار وتوظيف التوقيت الصحيح للتحرك في دائرة معرفية معنية بالتفريق بين الإستراتيجية والتكتيك، وبين الثوابت والمتغيرات لتجاوز المنعطفات، وأخذ العبرة من أخطاء وتجارب الآخرين، وأهم ركيزة أساسية للسير على طريق النجاح، هوتقويم الحال وتصحيح المسار . و غيره أدرك أن للسياسة أصولها ودروبها وفنونها، والنجاح فيها يستلزم الإعدادالسليم والرؤية الدقيقة والممارسة الصحيحة، ومواجهة المحن والشدائد بحكمة كبيرة وإرادة صلبة ومرونة شديدة، وأحياناً يكون إحناء الرأس قليلا أمام العاصفة الى أن تمر، ذكاءاً وحكمةً وليس كما يتصوره البعض جبناً.

صفحات: [1]