عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - هاشم عبود الموسوي

صفحات: [1]
1



د.هاشم عبود الموسوي

   هي لا شك مائدة عظيمة ، نجلس حولها بآمال كبار ، و أوهام أكبر . نشاهد وسط المائدة وعاء عظيم ، نخال أن فيه كل ما تشتهي بطوننا الجائعة .

   وجرت العادة بأن فيه الفراريج الكثيرة ، وصدقنا . وجرت الدعاية بأن فيه اللحم ، أكتافا و أفخاذا ، وصدقنا . وجرت الدعاية بأن فيه الديك الرومي الضخم بل الديكة ، وصدقنا .

     وأخيرا ، وفي يوم إحدى المناسبات الكبيرة ، او قبلها ، كان من أحد زعماء هذا الزمان أن رفع الغطاء عن الوعاء، وهالنا أننا لم تجد فيه إلا الهواء .

  خديعة ؟ّ!

    لا وانما هي سياسة مرسومة بأن لايرفع الغطاء عن الوعاء. ونحن ننام على الأسى ، ونصبح، وإذا بالخبر يأتينا بأن الوعاء امتلأ . ملائة المقادير بقدرة قادر .

   وتجمعنا حول المائدة ، والغطاء مرفوع عن الوعاء ، والوعاء فيه من الآمال ما فيه .

    و أقسمنا جميعا هذه المرة أن لا يكون اليوم  للوعاء غطاء . علينا أن نقوم ونحطم الغطاء .. إننا  نريد هذه المرة أن نرى الآمال ، كيف تسمن ، وكيف تضمر . وكل الخدع و ما وراءها من نيات .. نتمنى أن تكون بعضها ولو قلة قليلة   منها صادرة من ندرة من الأبرار الأطهار .


2

د.هاشم عبود الموسوي
الكتب المعروضة اليوم ، تشير الى أننا نعيش بمحنة حقيقية . هذا ما تؤكده المعروضات من الكتب في الشوارع الثقافية في بغداد و البصرة و غيرها من المدن العراقية ، وهي مليئة بالكتب من كل فرع من فروع المعرفة ، لكن أغلب هذه الكتب تحتوي على مواضيع أعيدت طباعتها و إخراجها .
إن القراءة السريعة لعناوين الكتب تعطي إنطباعا لا يخطئ بأن حركة الطباعة و النشر في وطننا اليوم أنشط من حركة التأليف . و أن الجديد في تأليف كتب تحتوي على مواضيع مستجدة محدود للغاية .. عدا بعض ما تنشره بعض المواقع الثقافية و الأدبية الراقية من دراسات ومقالات (مثل موقع المثقف العربي الذي يديره الأستاذ الجليل : " ماجد الغرباوي " والذي يحتضن مجموعة من المثقفين ، ممن يتناولون مستجدات العلوم المتنوعة ) الأمر بشكل عام يشير الى حالة الفقر و الجدب والتي تطورت لهي جديرة بالبحث و العلاج السريع .
ومع ذلك فأن الإقبال شديد على الكتب لدينا ، والنهم شديد لدى الكثير من المثقفين للقراءة و المعرفة .. وإزدحام شارع المتنبي في بغداد و أمثاله في المحافظات الأخرى دليل على ذلك .
المعارض الكبيرة السنوية و الأسبوعية تقام لدينا بغير تردد ولا تقصير ، والناشر متوفر برغم كل ما يقال من الظروف التي مرت وتمر على وطننا ، والقارئ لدينا جاهز ينتظر في كل وقت . والشئ الوحيد الذي نفتقده هو المؤلف الذي يضيف جديدا .
وعند هذه النقطة تقفز علامات إستفهام كثيرة حول الأسباب و المسؤولية و الحل وستظل الثقافة لدينا في أزمة طالما أن الكتاب في محنة .
إن إستمرار هذا الوضع يعني أن تتزايد رقعة صحراء العقل لدينا . وأن المستقبل سيدفع الثمن باهظا !
 

3
كيف تم اغتيال وزير الدفاع الفريق الركن حردان
التكريتي ؟؟ وهل ل احمد حسن البكر علم

https://www.youtube.com/watch?v=AXAg7oC2M3k 

4
المنبر الحر / بلد العميان*.....!!!؟
« في: 18:19 14/06/2019  »
بلد العميان*.....!!!؟
============
هي قصة خيالية مشهورة  للكاتب (هـيربرت . ج . ويلز) طبعت لأول مرة عام 1936 وما زالت حتى الآن واحدة من أروع القصص العالمية.
  يحدثنا فيها الكاتب عن مرض غريب انتشر في قرية نائية معزولة عن العالم بجبال الانديز فأصاب المرض سكان القرية بالعمى.
ومنذ تلك اللحظة انقطعت صلتهم بالخارج، ولم يغادروا قريتهم قط، تكيفوا مع العمى، وأنجبوا أبناء عُميانا جيل بعد جيل حتى أصبح كل سكان القرية من العميان، ولم يكن بينهم مبصر واحد.
وذات يوم وبينما كان متسلق الجبال (نيونز) يمارس هوايته انزلقت قدمه فسقط من أعلى القمة إلى القرية لم يُصب الرجل بأذى ، إذ سقط على عروش أشجار القرية الثلجية، أول ملاحظة له كانت أن البيوت بدون نوافذ وأن جدرانها مطلية بألوان صارخة وبطريقة فوضوية.
فحدث نفسه قائلاً: لا بُد أن الذي بنى هذه البيوت شخص أعمى.
وعندما توغل إلى وسط القرية بدأ في مناداة الناس، فلاحظ أنهم يمرون بالقرب منه ولا أحد يلتفت إليه، هنا عرف أنه في (بلد العُميان) .
فذهب إلى مجموعة وبدأ يعرف بنفسه ؟ من هو ؟ وماهي الظروف التي أوصلته إلى قريتهم؟
وكيف أن الناس في بلده (يبصرون) ؟
وما أن نطق بهذه الكلمة  حتى أدرك حجم المشكلة  التي وقع فيها، حيث انهالت عليه الأسئلة :
ما معنى يبصرون ؟
وكيف؟ وبأي طريقة يبصر الناس؟
سخر القوم منه وبدأوا يقهقهون ،بل وصلوا إلى أبعد من ذلك حين اتهموه بالجنون وقرر بعضهم إزالة عيون (نيونز) فقد اعتبروها مصدر هذيانه وجنونه .
لم ينجح بطل القصة (نيونز) في شرح معنى البصر، وكيف يُفهم من لا يبصر معنى البصر؟ فهرب قبل أن يقتلعوا عينيه وهو يتساءل كيف يصبح العمى صحيحاً بينما البصر مرضاً..؟!
*بلد العميان كل مجتمع  منغلق على ما لديه من أفكار وتصورات، رافض لكل فكرة غير ما ألف وعرف......
*بلد العميان كل مجتمع  متعصب لكل فكر قديم درج عليه، و لهج به آباؤه وأجداده، وزعماؤه ومنظروه الاقدمون، هذا ما وجدنا آباءنا عليه ونحن على نهجهم سائرون وبإرائهم مقتدون...
*بلد العميان ربما كان مجتمعا متدينا، او علمانياً، او ثورياً، أو قومياً، او اشتراكياً، او شيوعيا، او رأسمالياً، او...
من أراد  تأشيرة دخول الى بلد العميان او سند اقامة او جنسية فالأمر بسيط جدا.
* العمى ألا تؤمن بالتجديد.
*العمى ألا تفارق ما زرعه في عقلك الباطن قادتك وزعماؤك الأقدمون.
*العمى أن تعيش الحاضر بفكر الأمس.
*العمى أن تعالج كل مآسيك ومآسي بلدك بنفس الإسلوب العقيم الذي استخدمته من قبل.
ليس العمى عمى الأبصار *انما العمى عمى القلوب والعقول.
*فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور...*



5
 
( ما لا يعرفه العراقيون ؟؟ )
حينما نعلم ان عدد المواطنين العراقيين في كينيا يبلغ 34 مواطناً فقط نشعر ان الحكومة العراقية تحترم الجالية العراقية هناك لانها تمتلك سفارة في العاصمة نيروبي تهتم بالجالية العراقية!
علما ان عدد الموظفين في السفارة هو 30 موظفاً من مجموع العراقيين هناك!
اي أن السفارة بكادرها ترعى 4 مواطنين عراقيين فقط !!
وما معنى ان تقيم الحكومة سفارة في هانوي علما ان حجم التبادل التجاري مع فيتنام يساوي صفر دولار؟!
ماهو الهدف من سفارة عراقية في السنيغال تتوسط العاصمة داكار بطاقم كامل دون ان يكون هناك عراقي واحد قد مر من هناك حتى لشرب الشاي على الأقل؟؟
هل سمعتم يوما ان بريتوريا باعت بطيخة واحدة الى العراق
؟ فما معنى وجود سفارة هناك تبلغ ميزانيتها الملايين؟!
لا اطيل عليكم احبتي، فلدينا 82 سفارة في دول العالم ليس لديها عمل غير الاستنزاف المالي!
ولدينا بعثات دبلوماسية في منظمات لم تسمع بها في حياتك!
مثلاً ، يوجد لدينا سفير في الكرسي الرسولي في روما ( الڤاتيكان) وهو مسلم!!!
علما ان سفيرنا في العاصمة الإيطالية يبعد عن الفاتيكان 4 دقائق بالبايسكل فقط!
اقسم بالله انني وقفت على حجم المبالغ المصروفة للسفارات والقنصليات والممثليات والبعثات الديبلوماسية وبيوت الثقافة ولجان الصداقة المشتركة مع دول لاتذكرها خريطة العالم فوجدتها تكفي لانشاء مجاري في جميع احياء العراق و بناء مدارس تكفي طلبته جميعاً بدلاً من المدارس الطينية
 والبنايات التي تحتوي على ثلاث مدارس في آن واحد !!
اريد افتهم منو ينظم اعمال الدوله العراقيه؟؟
ماليا ماديا فلوس تنصرف غلط ؟؟؟؟
كلت مااريد واكره احجي بالسياسه !!
وماافهم السياسه بس حتى المخبل يعرف هاي غلط مو؟؟؟؟
لو مو مو!!!!


6
أدب / غصنٌ حزين
« في: 22:31 29/04/2019  »
غصنٌ حزين
شعر : د.هاشم عبود الموسوي
كم روضَت عواصف الترحال ..
أجنحة الفَراشهْ
حتى أتت متعبةٌ ..
حطت على غصنٍ يتيمْ
و أججت فيه التوحم بالحنينْ
ورشرشت عينيه بالصلواتِ ..
ترتيلا لأزمنةٍ ..
تجيئُ مع النوارسِ ..
من جُزيراتٍ بعيدهْ
فأفاق ينسجُ من حكايات المدينهْ
ألفَ شروقٍ لزمانٍ مُشتهى
*** *** *** ***
عندها جاء الرحيلْ
يا وحشة الغصن الحزينْ
قد صار يمنح قلبه للبحرِ..
يبكي ويغني
يصافح ظلها الغائبَ ..
من ألمٍ يصيح :
( هي زاهية الألوان ..
لم تترك لدي
غيرَ عطرٍ ..
ورحيقٍ لا يغيبْ
من يومها تكسرتْ
كل المجاديفِ ..
تشظى مركب الحلمٍ ..
و ما عادت هنالك من ضفافْ
أتلوى في مهب الريح
ليس لدي إلا
ذكرياتٌ ناعسهْ
صورٌ عابرةٌ ..
أرٌقها ..
أزلٌ بعيدْ
ومرايا آبدهْ ) .
د.هاشم عبود الموسوي

7
المنبر الحر / سوق دانيال
« في: 07:19 29/04/2019  »


سوق دانيال
 
دانيال تاجر عراقي بغدادي يهودي اسمه الكامل " مناحيم صالح دانيال " ولد في بغداد عام 1846 ، وسكن في قصره خلف شريعة سيد سلطان علي .
كان عضوا في مجلس ادارة بغداد ثم نائب عن بغداد في استنبول عام 1877. في عام 1904 امتلك مزرعة في قضاء الهندية وجلب احدث الالات والمكننة الزراعية وعند افتتاح سدة الهندية عام 1913 كانت مزرعته اول ما رويت بماء السدة .
في عام 1910 اسس اول روضة واول مدرسة ابتدائية والتي اممت عام1974 . كذلك انشأ اول ملجأ للايتام العراقيين عام 1928 وقدم المعونة للكثير من المؤسسات الخيرية والصحية والثقافية .
انتخب عضو في المجلس التاسيسي عام 1924 وفي مجلس الاعيان عام 1925 .
بدأ بتشييدالسوق القريب من المدرسه المستنصرية وسوق الصفافيرعام 1929 واكمله ابنه عزرا واضاف عليه، سمي السوق بـ ((سوق دانيال )) والذي لا يزال شاخصاً لحد الان .
ان اول وزير مالية عراقي ( ساسون حسقيل ) هو ابن اخت هذا التاجر والذي وافاه الاجل عام 1940م .
 


8
فلسفة وتعريف العمارة بقلم الأستاذ د.هاشم عبود الموسوي


بناءا على طلب بعض طلابي .. أعود و أنشرمقالتي المتواضعة للتعريف بالعمارة :


د.هاشم عبود الموسوي


تعريف العمارة : ( Architecture ) هي الفن العلمي لإقامة مباني تتوافر فيها شروط الانتفاع والمتانة والجمال والاقتصاد ، وتفي بحاجات الناس المادية والنفسية والروحية ، الفردية والجماعية .

يعرف المعماري المشهور "لوكوربورزييه Le Corbusier" العمارة بأنها اللعب المتقن والصحيح والرائع بالكتل.

تعرف آخر: العمارة هي منتج اجتماعي, ورد على احتياجات الناس الحقيقية, مبني على دراسة منطقية, وتحليل واقعي لممارسة حياتيه معنية.

العمارة: خلاصة أفكار ركزت على استثمار موقع محدد وموارد متوفرة تمخضت عنها أشكالاً بنائية عبارة عن غلاف يحتوي فضاءات متعددة لتسهيل أداء الفعالية المخصصة.


فلسفة العمارة Philosophy of Architecture


ماهي العمارة...؟ هل العمارة هي مجموعة من المباني التي تبنى أو بنيت فعلاً لتسر أو تتفق مع أمزجة الناس وأذواقهم...؟الجواب لا

يعرف" فرانك لويد رايت Frank Lloyd Wright "العمارة بأنها:"الحياة أو هي أصدق سجل للحياة كما عاشها العالم بالأمس, وكما يعيشها اليوم, وكما سيعيشها في الغد, وهي الروح التي لا يمكن أن تكون أكوام من الحجارة, بل تلك الروح الخلاقة التي تتطور من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل طبقاً لطبيعة الإنسان وظروفه".

العمارة هي الشيء الايجابي الحساس لجميع التغيرات والتطورات التي تطرأ على حياة الانسان الاجتماعية وعلى عاداته وطبائعه...فهي النمو الطبيعي لجميع هذه التغيرات.


العمارة هي التي تبحث عن مادة أو عن جوهر وليس طراز, وتبحث عن البساطة المطلقة, تبحث عن الخلق والتجديد وليس الخداع والتقليد Creation not Imitation. تتطلب العمارة دراسة لأحدث ماتوصل اليه العلم من تقدم في الصناعات المختلفة وخصوصاً صناعة مواد البناء والاثاث وطرق الانشاء.

جاء الوقت الذي يأتي فيه المالك إلى المهندس المعماري ويطلب منه تصميم مسكن يفي باحتياجاته ومطالبه ويضع امامه ورقة مكتوبة بمطالبه يحدد فيها وحدات وتفاصيل مختلفة تتفق مع ذوقه الشخصي مثل المساحات التي يراها مناسبة, الألوان.

مثل هذا المسكن لا يمكن تقليده وتكراره لعائلة أخرى لأن المعماري صممه ليتفق ويلائم احتياجات خاصة معينة, وإن تصادف واتفقت المطالب فقد تختلف الطباع والعادات وإن اتحدت اختلف الموقع.

وأخيراً يمكن القول أن العمارة هي الفن العلمي لإقامة مباني تتوافر فيها شروط الانتفاع والمتانة والجمال والاقتصاد ، وتفي بحاجات الناس المادية والنفسية والروحية ، الفردية والجماعية .


أهداف العمارة : Architecture Objectives

المنفعة ، الوظيفية ( Function ) / المتانة ، الديمومة ( Durability ) / الجمال ( Beauty ) / الاقتصاد ( Economy ) / الإنسانية ، البيئة ( Environment ) .


المنفعة: Function يصمم المبنى أولاً من أجل الإنسان واستعماله له, وبالتالي يجب أن يكون التصميم المعماري استناداً إلى أبعاد معتمدة على المقياس الإنساني Human Scale. الفراغ المعماري يوجد لتحقيق وظيفة معينة يطرحها احتياج ما.

وتعني المنفعة أيضاً الغرض الذي يصمم من أجله وعليه فيجب أن يحقق الفراغ هذه الغاية من حيث:

• المساحة المطلوبة لحركة الإنسان والاثاث الخاص بتأدية الوظيفة على أكمل وجه.

• توفير الحل المناسب للإتصال بين الفراغات والانتقال من فراغ إلى فراغ آخر بسلاسة وتتناسب قوة العلاقة بين هذه الفراغات.

• تأمين الوصول من الخارج للداخل وبالعكس وتحديد المداخل الرئيسية والثانوية.

• توفير المرافق الحيوية الأساسية والضرورية مثل الخدمات.

الجمال: Beauty وهو أن نعجب ونسر بالمبنى لرؤيته, والجمال في العمارة إما أن يكون جمالاً وظيفياً أو جمالاً حسياً وأخيراً الجمال العاطفي, وفي كل الأحوال إذا لم يكن عنصر الجمال في العمارة متمماً ومتناسباً مع المنفعة والمتانة كان الجمال حتماً مصطنعاً وبالتالي مرفوضاً. والجمال في العمارة يأتي نتيجة عوامل متعددة وكثيرة منها:

• استعمال مواد البناء المختلفة كالرخام والزجاج والألمنيوم بألوانه المختلفة.

• استعمال ألوان المتجانسة والملمس المناسب في كساء الواجهات الخارجية.

• استعمال الزخارف والأضواء الكهربائية, والنوافير والحدائق.

• العلاقات التكوينية للشكل وللعناصر المكملة المحيطة.

• ربط المبنى بالموقع من حيث البعد التاريخي والحضاري والثقافي.


الاقتصاد: Economy وهو شرط أساسي في العمارة, وهو يحد إلى حد ما من حرية المعماري, ومع ذلك فهو يعلم المعماري الاعتماد على فن نقي مكون من عناصر المبنى نفسه لا من اضافات فنية جميلة, فالبساطة في العمارة هي فضيلة كما هي في الحياة. والاقتصاد ليس المقصود منه هو الاقتصاد في الحاجات الأساسية وإنما المقصود هو تحقيق توازن بين الجوانب الرئيسية بحكمة وموضوعية, كذلك المقصود به هو الحد من الاسراف والبذخ, ولكن بشرط أن لا يؤدي هذا التوفير إلى اخلال في وظيفة البناء وجماله ومتانته, وهذا ينحقق من خلال:

• الاختيار المناسب للأشكال والأحجام لعناصر المبنى.

• الاختيار المناسب للمواد الانشائية.

• الدقة في التنفيذ.

• المتابعة الصحيحة لمراحل التصميم ومراحل التنفيذ.


المتانة: -Strength- Durability يصمم المبنى بحيث يكون ثابتاً قوياً ومتيناً يتحمل جميع القوى التي يتعرض لها وهذا يعتمد على أسلوب الانشاء المتبع Structure System, وهذا شرط بالطبع شرط أساسي لأي مبنى مهما كان نوعه أو حجمة.

البيئة والقيم الانسانية: and Human Values Environment كل مايحيط بالإنسان من مؤثرات طبيعية Environmental Influencesمثل المناخ (الشمس والهواء والرطوبة والحرارة) وطبيعة التربة والأرض وتضاريسها. يجب أن يوخذ في الاعتبار راحة Comfort الناس الذين يستخدمون المبنى من خلال توفير الاحتياجات الشخصية Personal Needs وأي مؤثرات أخرى مثل الاقتصادية والثقافية العامة للوسط الاجتماعي والديانة والعادات والتقاليد. وتشمل البيئة المحيطة الايجابيات والسلبيات على حد سواء, ومهمة المصمم المعماري أن ينتفع بالايجابيات وأن يتفادى السلبيات من خلال توفير البيئة السليمة والصحية للفراغات والأشكال المعمارية.


العملية التصميمية في كافة مراحلها تحاول الإجابة أو توجيه ذهن المعماري إلى مايلي:


• ماذا تعني العمارة؟

• كيف تتم عملية التصميم؟

• ماهي أفضل الوسائل التي يتبعها المعماري لحل المشكلة التصميمية.


التصميم المعماري : هو مجموعة الخطوات التي يتم اتخاذها لإيجاد حل لمشكلة معينة ، وصياغة ذلك الحل على شكل أفكار وعلامات ورموز وصور ومخططات وغير ذلك من الوسائل الإيضاحية .

التصميم المعماري عبارة عن ابتكار اشياء جميلة وممتعة ونافعة للإنسان, ولهذا يتطلب التصميم حجماً كبيراً لحدود العقل الإنساني عند المصمم ويتطلب أن يكون حجم الحقائق التي يدركها أكبر مايمكن ليتمكن من إحلال النظام بدلاً من الفوضى.


المشكلة التصميمية:

تتسم المشكلة التصميمية بوجود أبعاد متعددة لها. من النادر أن نقوم بتصميم شئ له هدف واحد محدد. فالمصمم يتعامل مع التصميم لتأدية وظيفة مطلوبة و أن يكون شكله جميل و أن تكون تكلفته مقبولة و وسائل تصنيعه متاحة و المواد المصنوع منها متوفرة مع التفكير في متانته و صيانته.


الهدف من تعلم التصميم المعماري:


• تطوير القدرة على التخيل وتنظيم وربط المعلومات والأشكال في البيئة المحيطة.

• تطوير القدرة على ممارسة التجربة في حل المشكلات والتعامل مع البدائل المتاحة.

• تطوير القدرة على اتخاد القرارات مثل تقرير أنواع المواد المستخدمة والألوان والملمس والنظام الانشائي وغير ذلك.

• تطوير القدرة على قوة الملاحظة.


الهدف من الإبداع المعماري:


 إبراز العصر التاريخي والأثر السياسي ونظام الحكم السائد.

 إبراز المستوى الثقافي والفكري والمستوى الفني والتكنولوجي السائد عامة والخاص بالمصمم وإبراز علاقة ذلك بالأوضاع الاقتصادية والتقنية والاجتماعية.

 إبراز المفاهيم الجمالية الأساليب السائدة في النسيج الفراغي باختلاف المقاييس والمعايير.


كيف تصمم مشروعاً ناجحاً؟ How to Design a Project successfully

إن أول مرحلة لأي مشروع تصميمي يبدأ بالتعرف على بيئة الموقع ودراسة المشاكل القائمة ومتطلبات البرنامج المعماري ثم يقوم المصمم بتحليل ذلك وبعدها يهتدي إلى عمل الفكرة المعمارية المناسبة للحل التصميمي للمشروع المعماري على هذا الموقع. فالتصميم يعد تصرفاً ادارياً بهدف محاولة حل مشكلة المشروع على أرض موقعه في نطاق الحالة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية في وقت متزامن على أساس عمل منظومة متوازنة بين مجموعة المعايير الوظيفية والجمالية والانشائية والتعبيرية التي تضمن تأدية وظيفته بصورة تكفل راحة المستعملين له.


ولذلك من المفيد للمهتم الذي يتعلم مادة التصميم المعماري أن يلاحظ العناصر الأساسية للشكل والفراغ ويدرك لغة التصميم المعماري, كما يجب أن يلاحظ الرؤية البصرية في حلول التصميمات المختلفة التي يصممها أو التي يطلع عليها في الكتب والمجلات المعمارية.


وفي كل الأحوال يجب أن توضع العناصر المعمارية للمشروع في ترابط تنسيقي بديع في حدود بيئة واقعية حتى تحقق وحدة متكاملة وذلك لتحقيق تكوين الرؤية البصرية المميزة بين العناصر وبعضها في المشروع.

يعد مقياس نجاح الطالب المعماري/المهندس المعماري في قدرته على إقناع لجنة التحكيم أو مايعرف باسم Jury بالنسبة للطالب / أو مالك المشروع ولجنة التحكيم بالنسبة للمهندس بالموافقة على المشروع وهذا لايتأتى إلا بالاقتناع بالاهمية الوظيفية للمشروع Functionوالتذوق الجمالي للتصميم Aesthetic.


وغالباً ماتتم المفاضلة والنقد بين الحلول المختلفة في المشاريع المعمارية ويكون ذلك بواسطة هيئة تحكيم الممتحنين كما ذكر سابقاً وقد تتم المفاضلة التقيمية بالنقاش والنقد العلمي لكل عنصر من عناصر التصميم وطريقة الربط بينهما. وقد تبنى بعض المناقشات والنقد والمفاضلة بين هذه المشاريع التصميمية على أساس الآتي:


 هل حققت الفكرة المعمارية للمشروع الهدف منه؟

 هل تم الالتزام بوضع جميع متطلبات برنامج المشروع في التصميم أم ترك بعض منها سهواً؟

 هل تحقق التخطيط الوظيفي للمشروع؟

 هل تحققت المسارات الحركية الأفقية والرأسية بنجاح؟

 هل تحقق الوضوح للمدخل الرئيسي لمبنى المشروع وسهولة الوصول لجميع عناصرة المعمارية؟

 هل تم الالتزام بالمقاسات والمساحات المعطاه في المشروع؟

 هل تم تطويع البيئة والمناخ في هذا المشروع؟

 مامدى اتباع المشروع لقوانين مباني الدولة والتخطيط العمراني؟

 ما مدى الالتزام بطبيعة أرض الموقع؟

 هل أداء وإظهار المشروع مميزاً أم لا؟

 هل حققت التكلفة المبدئية للمشروع الهدف المطلوب المناسب؟


كيف تصمم؟ How to Design


تتكون العملية التصميمية أساساً من : مشكلة وأسلوب حل Problem and Solving Process.

إن العملية التصميمية تعني المرور بخمسة مراحل لمعالجة أي مشكلة تصميمة وهذه المراحل هي:


خطوات ومراحل التصميم المعماري :


1. تجميع المعلومات : Data Collection-Briefing Stage مرحلة إعداد المتطلبات والدراسات الخاصة بالمشروع وتشمل تحديد المشكلة وتحديد المتغيرات ( الوظيفة ، تشريعات البناء ، الموقع ،الأبعاد التاريخية والاجتماعية والدينية ، تشريعات البناء ، مواد البناء ونظام الإنشاء ، … الخ ) .


2. تحليل المعلومات : Data Analysis( الرياح ، التشميس ،الطبوغرافيا والتربة ،الضوضاء ، الرؤية ، الحركة والوصول ، … الخ )


3.تولد الفكرة : Concept( تحديد عناصر المشروع ، وضع مخطط العلاقات الوظيفية )


4. وضع الحلول الأولية : Primary Solution( رسم المساقط وتحديد الشكل الأولي ) .


5. مقارنة و تقييم الحلول : Evaluation( إجراء التقييم وتطوير الحل المناسب ) .


أسس التصميم المعماري: Architectural Design Principles•


التكوين المعماري:Composition

الوحدة: Unity

التوازن المعماري: Balance

الطابع المعماري: Character

السيطرة: Dominance

التعبير المعماري: Expression


التكوين المعماري: Composition وهو العنصر الأكثر أهمية وحساسية, وهو ترجمة لمتطلبات البرنامج والمؤثرات الاجتماعية والنفسية والفلسفية إلى حجوم فنية معمارية منسجمة حيث يلتقي الفكر والمادة معاً ليكونا نتيجة تعرف بالشكل المعماري.

والتكوين المعماري هو ترتيب الأجزاء المختلفة لبناء ما بشكل يوحي معه كل عنصر على حدة بأن المجموعة تؤلف كتلة او جسماً واحداً. والتكوين المعماري هو تنظيم العناصر الهندسية جميعها وأن المقاييس الأساسية في تكوين ما هي الوحدة والتوازن والايقاع.

التكوين المعماري: Composition

يعتمد التكوين المعماري على:

• المتطلبات الخاصة بالمبنى: Requirements Building

• الشكل: Form الذي يعتمد على ابداع المعماري نفسه ودرجة استنباطه من الأشكال التي تحيط به والتي في مخيلته نتيجة تراكم خبراته.

• التنظيم الفضائي: Spatial Organization والذي يظهر من خلال تجاور الفراغات أو فصلها ضمن المبنى الواحد

• التكوين الإنشائي: Compositional Structural

• الأحساس بجمال المبنى: Beauty والذي يكون بشكل واعي أو غير واعي فمبدأ الوعي يأتي من اعتماد النسب ومواد الأنهاء وتناسق الأولوان والشكل العام للمبنى واعتماد العناصر المعمارية وتكوينها في انشاء المبنى.


الوحدة: Unity وهي شرط أساسي ليس للعمارة وحدها بل سائر الفنون أي انها شرط هام للموسيقى والشعر واللوحات الفنية. والعمل المعماري الوحدة فيه تطلب أن يكون الشكل متناسقاً متماسكاً مع نفسه بحيث لا تميز فيه شائبة ولا يفسد من هذا التماسك جسم دخيل أو غريب لا يتناسب مع المجموع مثله في ذلك سيمفونية مترابطة منسجمة لا يتخللها لحن شاذ. والوحدة في العمل المعماري تأتي من اتباع اسلوب معين لتنسيق العناصر وترابطها مع بعضها البعض واعطائها طابعاً موحداً ليكون المبنى جسماً غير مفكك.

التوازن المعماري: Balance إن مفهوم التوازن المعماري في العمارة يعني تحقيق الانسجام بين الكتل والحجوم في المبنى الواحد بغض النظر عن أشكالها. ولتحقيق الألفة والانسجام بين الحجوم وتحقيق الوحدة المعمارية فيما بينها لابد من تطبيق مايسمى بالايقاع المعماري في التصميم, فكما الموسيقى والشعر يخضعان إلى ايقاع معين موزون فإنه يتوجب اختيار هذا الايقاع بشكل نستطيع معه أن نعبر عن وظيفة تصاميمنا وبالتالي عن شكلها, وليكون هذا الشكل متلائماً فلا بد من تأمين نسب مقبولة أو مايسمى بالموديول Module أو حدة التكرار.

الطابع المعماري: Character يكتسب أي بناء طابعاً خاصاً ومميزاً بالاعتماد على بعض الأسس وتحت تأثير كثير من المؤثرات والعوامل والتي أهمها: الموضوع والمقصود به برنامج المشروع وبمعنى آخر وظيفة المبنى, والبيئة والمناخ فالبناء يختلف في المناطق الحارة عنه في المناطق الباردة, وبناء على ذلك يغطي المبنى سطوحاً مستوية أو مائلة وفتحات كبيرة أو صغيرة أو فرندات وتراسات وأحواش داخلية, فهذا كله يؤثر على الطابع العام للمبنى, شخصية المعماري وأسلوبه وطريقته في العمل, المواد المستعملة في البناء تكسبه طابعاً معيناً ومميزاً فالبناء الحجري يختلف في طابعه عن المبنى المعدني أو الخرساني, بالإضافة إلى طرق الانشاء فطابع البناء الهيكلي يختلف عن طابع البناء بالجدران الحاملة فكل طريقة انشاء تفرض طابعاً معمارياً معيناً.

السيطرة: Dominance وهي تعني سيطرة عنصر أو أكثر على باقي عناصر البناء, وتكون السيطرة أما بالارتفاع أو بالكتلة أو بالمساحة كسيطرة المئذنة في المسجد. وقد تظهرالسيطرة لكتلة من الكتل في الموقع العام من حيث الحجم والشكل والأهمية أو سيطرة الفراغات والمساحات الخضراء على الأجزاء المبنية.


التعبير المعماري: Expression يعتبر من الأسس الهامة في التصميم المعماري فهو تعبير المبنى عن نوعه ووظيفته التي انشئ من أجلها وهذا يظهر في الشكل العام للمبنى.

والتعبير المعماري عن المبنى يختلف بالطبع باختلاف الوظيفة والمكان والمناخ فالتعبير عن مسكن في منطقة حارة يختلف عن التعبير المعماري لمسكن في منطقة باردة. كذلك التعبير عن بناء فندق يختلف تماماً في التعبير عن بناء مستشفى وذلك لاختلاف وظيفة لكل منهما.


العوامل التي تؤثر على نوعية التصميم المعماري :

Factors Affecting the Quality of Architectural Design

يتوقف تصميم أي بناء على جملة اعتبارات مختلفة أهمها الذوق لكل من المهندس المصمم والمالك ثم يلي بعد ذلك هذه الاعتبارات الهامة التي تلعب دوراً هاماً والتي تؤثر في التصميم وهي: الموقع,التأثيرات المحلية,العوامل الطبيعية, المواد المستعملة للبناء


1. عوامل مادية وفيزيائية : Physical Factors

• عوامل جغرافية ( الموقع : بالنسبة لخطوط الطول والعرض ، بالنسبة للجوار ، بالنسبة لطبيعة الأرض ) .

• عوامل جيولوجية : ( طبيعة الأرض ونوع التربة وطبقات الأرض ) .

• عوامل مناخية : ( التشميس ، التهوية ، الرطوبة ، الحرارة ) .


2. عوامل إنسانية ومدنية : Personal Factors

• عوامل اجتماعية : ( مدى تحضر ومدنية الناس ، العادات والتقاليد ) .

• عوامل دينية : ( دور العبادة ، خصوصية البيوت ) .


3. عوامل تاريخية : Historical Factors

• التاريخ القديم : ( مباني تراثية ) .

• التاريخ الحديث : ( تكنولوجيا البناء ، مواد البناء ، التجهيزات ) .


4. عوامل اقتصادية : Economical Factors

• مشروعات استثمارية : ( مشاريع تجارية ، سياحية ، … الخ ) .

• مشروعات اقتصادية : ( محدودي الدخل ، … الخ ) .


خطوات التصميم ( Design process ) :

1. جمع المعلومات Site inventory

2. تحليل الموقع Site analysis

3. وضع برنامج المشروع Program

4. تطوير البرنامج المقترح development Program

5. عمل فكره مبدئيه للتصميم Conceptual design

6. تطوير التصماميم Development of concepts

7. التصميم النهائي Final design

ولتنفيذ التصميم على الواقع نضيف على هذه العناصر ثلاثة عناصر اخرى وهي :

1. مرحلة جمع المعلومات عن المواد المستخدمه في المشروع

2. مرحلة التنفيذ ( البناء ) Construction

3. التقييم بعد الاستخدام ( استخدام المشروع ) Post-Occupancy evaluation


بالنسبه للعناصر رقم 1 و 2 و7 احب ان ازيد بعض التفصيل عنها لاهميتها ولتجاوز الكثير للعنصرين الاولين دون اعطائهما أي اهميه :

1. جمع المعلومات Site inventory يتضمن التالي :

أ. القيام بعمل دراسات مشابهة للمشروع Case studies

ب. العناصر الفيزيائيه الطبيعيه Natural physical element

ت. العناصر الموجوده من صنع الانسان Manmade feature

ث. نظام الحركه (المشاه والمركبات) Circulation systems

ج. المناظر حول الموقع ( الاحاسيس ) Sensory & views

خ. مساحة الموقع وشكل الموقع Area & shape

ح. المناطق المجاورة للمشروع

د. العلامات المميزه القريبه للموقع ونقاط الجذب Land mark & vocal point

ذ. وظائف المشروع المقترحه Functions (من خلال وظائف المشروع نستطيع التوصل الى برنامج المشروع )

ر. المالك وميزانية المشروع (تختلف ميزانية المشروع حسب المالك ولكن هناك مشاريع تكون ميزانيتها ذات قابليه للزياده Cost plus project )

ز. المستخدمين الفعليين للمشروع والزوار.

ف. عمل الاستبيان Questioner ، والمقابلات الشخصيه Interview ، والمراقبة للمستخدين في مواقع مشابهه Observation .


2. تحليل الموقع Site analysis

نقوم بتحليل جميع هذه العوامل (المعلومات التي تم جمعها ) من وجهة نظر معماريه والتي توصلنا الى :

1. الفرص والعوائق .

2. المشاكل والحلول .

ومن خلال ذلك نستطيع ان نتوصل الى التوصيات التي يتم اخذها بعين الاعتبار في التصميم .


7. مرحلة التصميم :

لا بد من الاخذ بعين الاعتبار بأن أي تصميم يحتوي على خمسة عناصر وهي :

أ‌. الوظيفة Function

ب‌. الانشاء Structure

ج‌. المعنى Meaning

د. الناحية الجمالية Aesthetics

ه.الناحية الأقتصادية economy

و. الشعور Feeling

كثيرا ما نجد الشعور مرتبط بالمعنى ارتباط قوي .

كما أن العناصر الاخيره تحول المبنى الى عماره ( Architecture


10
أدب / أتيتِ يا ملهمتي ..
« في: 18:46 12/03/2019  »
أتيتِ يا ملهمتي ..
د.هاشم عبود الموسوي
لِمَ قد أتيتِ ..
لتشعلي صحو الحرائقِ ..
و العواصفٍ و الرعودْ ..
تشهق في قلبي الشغوفْ
كعويلُ غابهْ
قد نساها الله
من زمنٍ بعيد ْ
أنا لا أعرف يا سيدتي
ما الذي أغرى الندى
في ورودي الذابلة
وكيييييييف .. كيفَ ..
تسابقت إليكِ أشواقي
لتسقط كالغيوم ِ ..
الحانيات على صحارٍ ضامئهْ
أوتعلمينْ ..
كم من الآمال..
قد بُعثتْ..
لتبسم من جديدْ
و ترتجيك بصحو العمر
يؤرقها السؤال
كيف إشتهاك القلب ُ ..
وإرتعشت شُهبُ النجوم
تصوفت كل المشاعرِ ..
زلزلتِ في القلبِّ ..
أحلاما بعيدة ..
يا زهرة النرجسِ
يا آواه لو تدرينَ ..
كيف استفاق الشوق .. ؟
بالشيخ الجريح
شوقا الى تفاحِ جناتٍ ..
تعاقبُ بالجنونْ ..
فسألتُ آمالي اليتيمهْ
أكُنتُ قد ضيعتُ أقدامي ..
على كل الدروبْ ؟
لِمَ لَمْ تكوني
أنتِ ناصية الطريقْ
لأموت في ألقٍ ..
ويُكتبُ في حَجَرٍ ..
على قبري :
بأن الريح و النجمات ..
قد أوفت بوعد الله
إني قد أرى روحي ..
تطير الى السماء
وتصيح في كل المداراتِ ..
أنِيّ لن أموت ..
لا لن أمووت
لا لن أموووت
لا لن أمووووو و و ت

11
البنية التكوينية في نص قانون جمورابي
د.هاشم عبود الموسوي
بعد قراءتي  المتمعنة لقانون حمورابي، قفز الى ذهي السؤال التالي : ما السر في تنوع أساليب كتابة هذا القانون ؟ و من أجل أن أجد الجواب ، فقد قمت أولا بتسجيل الملاحظات الآتية :
من المعروف أن نظام دويلات المدن هو الذي كان سائدا في العراق قبل عهد حمورابي . وأن تلك الدويلات كانت تخوض حروبا مستمرة فيما بينها ، مما أدى الى إختلال الحياة بكل مرافقها ، ولا سيما الأمنية منها ، حيث عمت الفوضى ، وإنتشر قطاع الطرق و اللصوص ، وبمرور الزمن سيطرت بابل لا سيما في عهد حمورابي (1797-1750) ق.م على حميع دويلات المدن في العراق القديم . حيث ظهرت دولة موحدة سياسيا ودينيا ، ثم أُستكملت بوحدة قانونية  بصدور قانون حمورابي المشهور باللغة الأكدية وأن شريعة حمورابي طبقت في جميع في حميع أنحاء الدولة الأكدية ، وبذلك أصبحت وسيلة لتوحيد عادات و أعراف السومرين و الأكديين .
ولكن السؤال المحير لمن يقرأ نص القوانين المكونة من 282 مادة قانونية تليها الخاتمة  يجدها مكتوبة بإسلوب علمي كما هو الحال في القوانين الحديثة وبذلك تجنب الأسلوب الشعري الذي جاء به قانون مانو الهندي وقانون الألواح الروماني ، كما يمتاز بوضوح عباراته وصيغة القانون  .
 في حين أننا نجد المقدمة كتبت
 باسلوب أدبي رائع أقرب الى الشعر منه الى النثر . تناول فيها حمورابي الأسباب الموجبة التي دفعته الى إصدار قانونه ، كما تناول تمجيد الألهة التي اختارته لنشر العدالة فيقول آنذاك أسمياني الإلهان آنو و إنليل باسمي حمورابي . الأمير التقي الذي يخشى الألهة لإوطد العدل في البلاد ، ولأقضي على الخبث و الشر . لكي لا يستعبد القوي الضعيف . ولكي ينير البلاد من أجل خير البشر. أنا حمورابي الراعي المصلح الورع المنقذ لشعبه من البؤس . الذي ساعد على إظهار الحق . المنتصر على المشاغبين . وضعت القانون بلسان البلاد لتحقيق خير الناس . ثم يستعرض حمورابي كل ألقابه وأعماله العسكرية و العمرانية ، وطاعته و تقواه .
هنا شد إنتباهي بأن إستخلاص النسق ألثقافي المضمر في هذه المقدمة والذي تم إختياره لأنه له قابلية جماهيرية شعبية ، وهو يقوم بخدمة القيم الإنسانية  ، وخدمة الإنسان كيفما كان مستواه الإجتماعي و الطبقي و العرقي و الإثني .
و السؤال الذي يطرح نفسه هو هل أراد كاتب هذا النص أن يميز بهذه المقدمة بين العمومي والخصوصي .
وفي يومنا هذا عندما تقدمت الدراسات في حقل الثقافة  و ظهور نظرية الأتساق المتعددة من خلال الربط بين ما هو ثقافي ومجتمعي  و البحث عن مجمل العلاقات الموجودة بين النسقين ، ضمن رؤية جدلية تفاعلية أو تماثلية . وهذا يعني لدي بأن حمورابي قد إهتم منذ ذلك الزمن السحيق بسوسيولوجيا الثقافة وفق نظرياتنا الحديثة للأنساق المتعددة أو ما نسميه اليوم بالبنية التكوينية

13
المنبر الحر / الفيلسوف ابن رشد‬
« في: 23:52 20/01/2019  »
الفيلسوف ابن رشد‬



الفيلسوف والعالم والطبيب والفقيه والقاضي والفلكي والفيزيائي الأندلسي المرحوم ابن رشد واحداً من أبرز و أكبر و أشهر فلاسفة في بلاد الحكم الإسلامي المتخلف.

صحّح أفكار و مراجع عُلماء و فلاسفة سبقوه كـَ ابن سينا و الفارابي و بعض نظريات أفلاطون و أرسطو ، حتى تمَّ اختياره لتولّي منصب القضاء في "إشبيلية" و هو أكبر و أهم منصب في إسبانيا حينها.

أول قاعدة حوّلت الإسبان و الأوربيون صوبَ النّور , مقولتهُ التى حسمت العلاقه مع الدين :
( الله لا يُمكن أن يُعطينا عقولاً، ثم يُعطينا شرائع مُخالفه لها )

أمّا القاعدة الثانية، فهي مقولتهُ التي حسمت التّجارة بالإديان :
( التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المُجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردتَ التحكم في جاهل ، عليك أن تُغلّف كلّ باطل بغلافٍ ديني )

تمّ تكريمهُ أوروبياً و تم تدريس كتبهُ في أغلب جامعات أوروبا، أبرزها جامعة باريس و جامعة بادو الإيطالية و جامعة نورنبيرغ الألمانية.

لكنّ إعصار (( التّطرف )) والإرهاب الفكري ليس وليد اليوم في بلاد العرب، حيثُ تعرّض ابن رشد لأشرس و أشدّ حملة تكفيرية، اتّهمهُ فيها رجال الدّين بالكفر و الزندقة و الإلحاد، و تمّ ترحيلهُ الى مرّاكش قبل أن يتوفّى هناك بسبب الكآبه و الإهمال و عدم الرّعاية الصحية.

أصدرَ رجالُ الدّين فتاواهم بحرق جميع كتبه، خوفاً من تدريسها لما تحتويه من مفاسد و كُفر و فجور و هرطقة على حدّ قولهم , و بالفعل زحف الناس إلى بيته وحرقوا كتبهُ جميعاً حتى أصبحت رماداً .. حينها بكى أحد تلامذتهُ بحرقة شديدة فقالَ ابن رشد جملته الشهيرة :

( يا بُني .. لو كنت تبكي على الكُتب المُحترقة فاعلم أنّ للأفكار أجنحة و هي تطيرُ بها إلى أصحابها، لكن لو كنت تبكي على حال العرب و المُسلمين فأعلم أنّك لو حوّلت بحار العالم لدموع لن تكفيك)

يُقال عبر مصادر تاريخية :
سَقطت الأندلس يوم أُحرقت كتب ابن رشد , و بدأت نهضة أوروبا يوم و صلتهم أفكاره.



14
لورا البغدادية.. صاحبة أول مدرسة للبنات في بغداد
فيْ سلسلة بغداديات وفي باب اماكن وشخصيات كانت لنا كلمات عن اول مدرسة للبنات في بغداد واول امرأة بغدادية تؤسس مدرسة للبنات وهذه السيدة البغدادية هي السيدة لورا من عائلة بغدادية يهودية مشهورة هي عائلة خضوري ذلك ان المدرسة اسمها مدرسة لورا خضوري الابتدائية والمتوسطة التي تاسست سنة 1893 في حين ان اول مدرسة حكومية رسمية للبنات في بغداد تاسست سنة 1900 اي بعد سبع سنوات من تاسيس مدرسة لورا
ومدرسة لورا هي مدررسة اهلية اسست في بغداد عندما كانت بغداد ولاية عثمانية قي سنة 1908

     
       جلالة الملك فيصل الأول في زيارة الى مدرسة لورا
بدأ تاسيس عدد من مدارس البنات وازدادت في العهد الملكي وقام (السير) اي حامل لقب فارس من الحكومة البريطانية (ايليا خضوري) بتشييد بناية جديدة لهذه المدرسة سنة 1911 تخليدا لذكرى زوجته لورا خضوري وهو الذي اطلق اسم زوجته على هذه المدرسة تخليدا لذكراها وقد استمرت هذه المدرسة في الدراسة حتى سنة 1950 عندما وصل عدد طلابها الى تسعمائة وثلاثين طالبة وخمسة واربعين طالبا في القسم الابتدائي ومائتان وواحد وسبعين طالبا في القسم المتوسط ومائة وثمانين طفلا في الروضة التي كانت جزءا من هذه المدرسة منهم مائة وعشرين من الاناث وخمسة وخمسين من الذكور
   

ومدرسة لورا للبنات هي المدرسة الثالثة التي تاسست في بغداد بعد مدرسة (مدارس تلمود وتوراة) او مدرسة تاسست فيبغداد سنة 1832 من قبل رجل الدين اليهودي (موشي لاوي) وكانت تعنى بالتعليم الديني بشكل خاص وان كانت تعلم الطلبة اللغة الفرنسية في العطلة
والمدرسة الثانية هي مدرسة (الاليانس) تلك المدرسة التي تاسست في بغداد سنة 1864 وهي اكثر المدارس شهرة حيث تخرج منها الكثير من رجال السياسة والحكم والثقافة والاقتصاد في ذلك الزمن وان كانت هذه المدرسة تدرس (التلمود) للطلبة اليهود بالاضافة الى الدروس الاخرى كما انها تدرس اللغة الفرنسية والانكليزلة والتركية والعربية والعبرية وتمنح طلبتها شهادة الدراسة الموازية لشهادة التخرج من المدارس الاعدادية الفرنسية
     
وبناية مدرسة لورا خضوري واملاك اخرى كانت قد تولى زوجها وقف هذه الاملاك لصالح المدرسة اي ان واردات هذه الاملاك الكثيرة جعلها السير خضوري لتامين المتطلبات المالية لهذه المدرسة في زمن كانت مدارس البنات معدومة وكان التعليم الاهلي هو السائد ذلك ان اغلب المدارس التي اسست كانت الدراسة فيها مجانا بالنسبة للطلبة لوجود واردات مالية للمدارس المذكورة .
والسيد ايلي خضوري زوج السيدة لورا ولد في بغداد سنة 1867 وكان والده صالح خضوري من التجار المعروفين في بغداد والعالم واتم دراسته في مدينة مومباي الهندية لوجود شركات تعود لهم في دولة الهند وساهم مع اخيه المولود في بغداد ايضا سنة 1865 في افتتاح شركات ومحلات تجارية في دول عديدة من العالم منها بريطانيا والصين والهند وهونغ كونغ والبرتغال وسوى ذلك من المناطق وجنوا ثروة عظيمة وكبيرة ورصدوا جزءا قليلا منها بمشاريع الخير ومنها افتتاح المدرسة المذكورة
ومما يلاحظ على هذه العائلة البغدادية ان ابناءها وصلوا الى حد مرتبة سير ومرتبة لورد وان يكون احدهم حاكما لمقاطعة هونغ كونغ الصينية في خمسينيات القرن الماضي قبل عودة هونغ كونغ الى الصين

15
أدب / في طريقي ..
« في: 21:08 22/11/2018  »

في طريقي ..


د. هاشم عبود الموسوي

في طريقي
وأنا لا زلت أحلم
أسأل الأشجار عن يأسي
لماذا لا تغطي حزني الشتوي ..
في تيه إشتياقي ؟
تخنق العبرةٌ صمتي
أرقب الأشجار تحلم ..
وهي جذلى
باذخاً يدفع فيها ..
النسغُ الصاعدُ ..
شهوات الفصولْ
لوريقات الغصونْ
في وحشة الدربِ ..ِِ
قد جاءت فراشه
إيه قد جاءت فراشه
داعبتني فوق صدري
لتهز الورق الميت
تنسيني الشتاء
آه من طول الشتاء

16
أدب / تأشيرة دخول
« في: 19:25 21/09/2018  »

تأشيرة دخول


د.هاشم عبود الموسوي

لبست قُفازاً .. لأُخفيَّ طبع اصابعي
لكنهم عرفوا بأني سومري
ولي ذنبٌ بمعرفة الكتابة
وأبي .. قد باع حِنّاءً ومسكاً
عند بوابة عشتار بايام الربيع
وظل الاسم منشوراً
على باب السفارة
هاشم بن عبود
من أتباع حمورابي
ويؤمن بالشرائعْ
وَحَدَ الله … تذرّع
أن أرض الله ..
كانت واسعة
كم من الأعوام .. أدمت أرجلي
مُنذ عاثت فأرةٌ في سدِ مأرب
وطفى الوادي بقتلانا
وما أخفى الجريحُ عن الشفاه
أنّات من ينفث آهٍ إثر آهْ
ما ظل بالكوفةِ كوفيٌ
ليقرأ خطها الكوفي
في وجه الخليفةْ
ما عاد في بابل
من يحكي عن الماضيِ التليد
عندما أفتح شباكي
لأندب محنتي
أخاف أن أفضح أسراري
وأبقى عارياً
كالشمس في وضح النهار
فيحجب الناسُ الشبابيك
وأخجلُ مِنْ وَقاري
كيف تلتئم الجروح
وكيف تنتهك الجينات
آثار الوراثة
ياليت ذاك الفأر..
ما قضم الخريطة
ليجئ عثٌ
بأكل الأحياء والموتى
ويزني في القبور
هل صار ميلادي
على ارضي السبيةِ سُبّةً
… … …
يا ربي
أني عارياً
بالغاب ما بين الذئاب

17
صلاحيات رئيس الجمهورية في العراق وتلصص أعضاء مجلس النواب
د.هاشم عبود الموسوي
 
   أولا أريد أن أخاطبكم أيها النواب يامن نهبتم خزينة الدولة بلا إنصاف : ( ألم يكن واحدا منكم شريفا ، فعارض هذا القرار ، الذي إتخذتموه بسرية كاملة ،  في آخر يوم من نكبتنا فيكم ، فو الله لقد صدق عليكم قول شاعرنا "مظفر النواب"  (( لا أستثني منكم أحدا))  ... )
 لقد أعطى دستور عام 2003 العراقي النافذ، لرئيس الجمهورية صلاحيات منفردة لا وجود لها في النظام البرلماني التقليدي، ولا في النظم البرلمانية الحديثة. وهذه الصلاحيات تنافس صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، وتقيدها في مجالات كثيرة، مما أدى إلى إضعاف الحكومة، وهذا شكل إضعاف وتشويه لطبيعة النظام البرماني العراقي.
أن ممارسة رئيس الدولة العراقية صلاحيات تنفيذية وتشريعية بمعزل عن الحكومة (مجلس الوزراء). وهي إضعاف لدور رئيس مجلس الوزراء وهي الهيئة الفاعلة في نظام البرلماني العراقي، التي تواجه شؤون الحكم والمجتمع كافة وتتطلب سرعة إنجاز وحسم، وقوة الاداء الفاعلة.
كون دستور العراق 2003 العراقي النافذ، نظاماً هجينياً أساسه النظام البرلماني، ولكن في الوقت نفسه مجتزأ من أُسس النظاميين الرئاسي والمجلسي. وهذا أدى الى الخلل في التطبيق ونشوء الخلاف والاختلاف بخصوص الصلاحيات وتتداخلها كما قد يؤدي الى عدم فاعلية مؤسسات الدولة والسلطة السياسية.
لذا فأن النظام البرلماني لا يمكن أن يعمل الا في إطار نظام توزيع السلطة أو الفصل بين السلطات القائم على أساس التعاون الأنسجام، وهو يفترض وجود علاقة أفقية بين الهيئات (السلطات) وعليه نوصي، ولغرض تثبيت وتأسيس نظام برلماني ناجح ما يأتي:
أن يمت الأخذ بعين الأعتبار التشويهات التي أعترت النص الدستوري فيما يخص المواد التي أعطت الصلاحيات لرئيس الدولة (رئيس الجمهورية)، وأحدثت خللاً في إزدواج السلطة التنفيذية، وجعلت من الهيئة التنفيذية منقسمة بين قطبي رئيس الدولة من جهة بما يتمتع به من صلاحيات منفردة، ورئاسة مجلس الوزراء من جهة أخرى،
فلا بد أن يتم الرجوع الى تعديل هذه الصلاحيات عن طريق تعديل المواد الدستورية، وجعلها مواد حافظة لطبيعة النظام البرلماني ومحافظة لمكانة رئيس الجمهورية، كرئيس دولة يكون هو الحكم، والمشرف على سير النظام لا أن يكون طرفاً ندّياً لرئيس مجلس الوزراء.
وأن يتم الابتعاد عن الطائفية السياسية وإلغاء قاعدة المحاصصة الطائفية العراقية المعمول بها لتوزيع المناصب بين الماسكين على الحكم في النظام السياسي العراقي الحالي من أجل تقوية النظام البرلماني في العراق وأرساء جذور الممارسة الديمقراطية الصحيحة القائمة على أسس، منها الأعتماد على نتائج الأنتخابات والأستحقاق الأنتخابي في توزيع المناصب الأدارية والسياسية قي الدولة

18
"شارلي شابلن " بعد أن أصبح لا يطيق الصمت !
ما الذي فعله ، إليكم قصته
د.هاشم عبود الموسوي
 
الديكتاتور العظيم (1940) The Great Dictator
إن ظاهرة مثل الفاشية هي التي جعلت شارلي يتخلّى عن استمراره في إنتاج أفلام صامتة ويتكلم، ولذلك كان «الدكتاتور العظيم» أول فيلم ناطق لشابلن. فكّر شارلي في الفيلم بعد أن انتهى مباشرة من تصوير فيلم «العصور الحديثة» سنة 1936، إذ كانت الدعاية النازية آنذاك على أشدها، وكانت الدول الأوروبية في تراجع مستمر أمام انتشار الفاشية، فبريطانيا تهادن هتلر، وفرنسا تلزم الصمت، وأمريكا تعود إلى عزلتها، ولا أحد يدري بما يمكن أن يؤدي إليه صعود هتلر من كوارث على العالم.
كان شارلي يعرف أخبار ألمانيا في ذلك الوقت من المهاجرين القادمين من هناك ومن الصحف والأخبار المصورة سينمائيًا، والتي كانت دائمًا ما تعرض في صالات العرض. وبعد سنة 1938 عندما توسعت النازية خارج ألمانيا ونجحت في ضم النمسا وابتلاع يوغوسلافيا سنة 1939، شعر شابلن بالخطر، وأدرك أن حربًا أخرى قادمة لا محالة، وعندئذ تحمس لفكرة الفيلم مرة أخرى، وأخذ في الإعداد له، وبدأ في تصويره سنة 1939، أي في السنة التي نشبت فيها الحرب العالمية الثانية بعد احتلال ألمانيا لبولندا.
تدور أحداث الفيلم حول الحلاق اليهودي الفقير في دولة تومانيا (ألمانيا) الذي يصاب في الحرب العالمية الأولى ويدخل في غيبوبة طويلة لسنوات، ليخرج من المستشفى بعد صعود أدنويت هنكل (أدولف هتلر) للسلطة. ولا يعلم الحلاق بأمر اضطهاد هنكل لليهود، ويفاجأ بجنود فرق العاصفة يغلقون محله ويدخل معهم في مطاردات مضحكة. وأخيرًا، يتخفّى الحلاق في زي عسكري، ونظرًا للشبه الكبير بينه وبين هنكل الدكتاتور يخطئ جنود الحراسة ويحيون الحلاق التحية العسكرية، ويأخذونه إلى احتفال عسكري ليلقي خطبة. وهنا يتجاوز شابلن شخصية الحلاق ويلقي خطبة باعتباره شابلن الفنان، محذرًا فيها من أخطار الدكتاتورية.
وعلى الرغم من أن الفيلم ناطق، فإنه مليء بالمشاهد الصامتة، مثل مشهد الدكتاتور وهو يلعب بالكرة الأرضية تعبيرًا عن هوسه بحلم احتلال العالم، وفي خلفية المشهد يظهر تمثال نصفي لقيصر تعبيرًا عن الرغبة في تقليد القياصرة بإنشاء إمبراطورية.
شارلي شابلن، من فيلم «الدكتاتور العظيم»
كما يحتوي الفيلم على مشهد للدكتاتور وهو يخطب أمام ضباطه وجنوده، وهو نموذج بديع لقدرة شارلي على تقليد هتلر، وعلى الرغم من أن الخطبة يبدو منها أنها بالألمانية فإنها ليست كذلك، فهي تقليد من شارلي للنطق الألماني لا معنى له. وبالتالي فإن القيمة الحقيقية لهذا المشهد ليست فيما يقوله شارلي لأنه لا معنى له، بل في أسلوبه في تقليد هتلر.
شارلي شابلن، من فيلم «الدكتاتور العظيم»
يبدو في الفيلم أن شارلي يقلد هتلر، لكن شارب هتلر الشهير هو أيضا شارب شارلي الذي اشتهر به منذ 1914، فمن في الحقيقة يقلّد من؟ إن هتلر هو الذي يقلّد شارلي لا العكس. لقد عملت نجومية شارلي على انتشار ذلك الشارب القصير، إذ كان آنذاك موضة جديدة تختلف عن الشارب التقليدي العريض والمدبّب. وقد بدأ هتلر في مسايرة تلك الموضة في العشرينيات رغبة منه في التقرّب من الجماهير ومن رجل الشارع، ورغبة أيضًا في الاختلاف عن القادة والسياسيين الألمان القدامى أصحاب الشوارب العريضة المدببة.
وعندما زار شابلن ألمانيا سنة 1931 كان الحزب النازي في بداية صعوده هناك، ولفت نظر شابلن ملصق دعائي به صورة هتلر، فلاحظ استعارة هتلر لشاربه الشهير الذي كان بمثابة علامته التجارية، وهذا ما أغضبه للغاية، ومنذ ذلك الوقت قفزت إلى ذهنه فكرة أن يقوم بتقليد هذا الدكتاتور في فيلم سينمائي.
ومن الغريب أن يقلّد شارلي التقليد، يقلّد شخصا يقلّده هو، وكأنّه يُذكّر المشاهد أن شارب هتلر هو شارب شخصيته التي ابتدعها؛ والمفارقة هنا تتمثل في تقليد الأصل (شارلي بشاربه) للتقليد (هتلر بشاربه المستعار من شارلي)، وفي أن تكون الشخصية الهزلية هي الأصل والزعيم السياسي الكاريزمي هو التقليد. والحقيقة أن ما مكن شابلن من أداء هذا الدور هو شبه حقيقي بينه وبين هتلر.
شارب شارلي شابلن الذي قلّده هتلر
ولأوّل مرة في تاريخ السينما يخرج الممثل عن دوره في الفيلم ويظهر بشخصيته الحقيقية، إذ بعد أن يتخفّى الحلّاق في الزي العسكري ويخطئ الضباط ويعتقدونه الدكتاتور، يأخذونه إلى استعراض عسكري ليلقي خطبة. وهنا يتجاوز شارلي شخصية الحلّاق وينظر مباشرة نحو الكاميرا موجهًا كلامه للجمهور في خطبة تتضح فيها نزعته الإنسانية، محذرًا من أخطار الدكتاتورية. يقول شابلن في خطبته:
آسف.. لا أريد أن أكون إمبراطورًا.. فليس هذا من شأني.. لا أريد أن أحكم أو أغزو أحدًا.. بل أحب أن أساعد الجميع إن أمكن.. الأسود والأبيض على السواء.. إننا جميعًا نريد مساعدة بعضنا البعض.. فهذه هي طبيعة البشر.. نريد أن نعيش عن طريق سعادة الكل لا شقاء الكل.. ولا نريد أن نكره ونحتقر.. ففي هذا العالم متسع للجميع.. والأرض الطيبة غنية وتستطيع إعاشة كل من عليها.. والحياة يمكنها أن تكون حرة وجميلة.. لكننا فقدنا الطريق.. فقد سيطر الجشع على نفوس الناس.. وملأ العالم كراهية.. وقذفنا إلى البؤس وحمامات الدم.. لقد طورنا السرعة لكن حبسنا أنفسنا داخل أنفسنا.. الآلات التي تعطي الوفرة تركتنا في عوزٍ.. معارفنا جعلتنا شكاكا.. ذكاؤنا جعلنا متصلبين.. نفكر كثيرًا لكن إحساسنا قليل.. نحتاج الإنسانية أكثر من الآلية.. نحتاج الطيبة والتهذب أكثر من الذكاء والدهاء.. فبدون هذه الأشياء تصير الحياة عنيفة.. ويضيع كل شيء.. الآن يصل صوتي إلى ملايين الناس في كل أنحاء العالم.. ملايين من الرجال والنساء والأطفال اليائسين.. الخاضعين لنظام يستعبد البشر ويعتقل الأبرياء.
وبعد عرض الفيلم في إنجلترا بأيام قام الحزب الشيوعي الإنجليزي بطبع الخطبة وتوزيعها كمنشور.
 


19
أدب / القصيدة التي لم اكتبها بعد
« في: 20:42 29/06/2018  »


القصيدة التي لم اكتبها بعد



هاشم عبود الموسوي

قصيدتي
تزورني كل مساءْ
عاهرة رعناءْ
تبتزني بشراهة..
تأخذ مني ما تشاءْ
دون اكتفاءْ
أقرأها ..
أشرب من حروفها
ثمالة الاغواءْ
تشعلني
توقد في عروقي الحرائق
تمتص من أحداقي ..
الدموع والدماءْ
تجثم فوق أضلعي ..
تحبس أنفاسي
فأستدعي السماءْ
أسألها تحرسني
من زلة اللسان
أقسمت اني..
لن أبوح بسرها
قصيدتي ..
كقطرة من مطرٍ..
عصية فوق الشفاه
ترسم لي تدفق السراب
كأنهر رقراقةٍ
تمر في صحراءْ
قصيدتي
تواكب الرعود ..
في الشتاءْ
وتختفي
في ظل أشجار تموت ..
متى تشاء
حروفها تخنقني
أخاف ان أكتبها ..
فتغضب السماءْ
بعيدة كل المطارات التي ودعتها
ساكتفي مستأجرا ..
في وحشة العراءْ
حديقة ميساءْ
أزورها في غفلة المساءْ
أزرع فيها كل ما قد مر بي
من مدن ، أزمنةٍ
وكل ما حفظت من اسماءْ
... ...
... ...
هيهات ان اكتبها
قصيدتي ماكرة حاذقة الدهاءْ
قصيدتي صامتة خرساءْ
للآن لم أكتب منها
أي شطرٍ أو عبارهْ



20
.

21
إيحاءاتُ الكلمةِ وسِحرُها لدى الشّاعرة آمال عوّاد رضوان!

د. هاشم عبود الموسوي
 
كلمة ُ شكر من آمال عوّاد رضوان:  مُهمّة فحصِ بريدي الإلكترونيّ الأدبيّ تستوجبُ مُتابعتي، فما كان أسعدني برسالة الموقع العراقيّ تللسقف، تنبئُني بنشرها دراسة نقديّة لد. هاشم عبود الموسوي، تتناولُ بعضَ نصوصي الشعريّة المنشورة لديها، وتحت عنوان "إيحاءاتُ الكلمةِ وسِحرُها لدى الشّاعرة آمال عوّاد رضوان!" مغبوطةٌ نصوصي بنقّادِها الذين ما عرفتُ أحدًا منهم مُسبقًا، وبكامل الموضوعيّةِ والنزاهة تفاعلوا مع حقيقةِ حرفي المُشاكس، بل وبمصداقيّةٍ عاليةٍ ورعايةٍ فائقةٍ، كم أُثمّنُها وأُقدّرُها هذه الجهود النقيّة! تحياتي لك أستاذي د. هاشم عبود الموسوي، لهذه الإضافة الثقافيّة النوعيّة، ولإدارة "موقع تللسقف" التي لا تتوانى في إبلاغي بكلّ جديد يخصّني لديها!

د. هاشم عبود الموسوي: يُعتبرُ انتقاءُ الكلماتِ (الألفاظِ)، والإحساسُ العالي بآثارِها الخفيّةِ، وما تَنطوي عليهِ مِن مَعانٍ مُتعدّدةٍ، هو أحدُ الأسبابِ الّتي تُميّزُ العبقريّاتِ الأدبيّةِ، فبعضُ الكلماتِ توحي بأكثرَ مِن مَدلولِها الظّاهريّ، ويَتجدّدُ المقياسُ الفنّيُّ في تقديرِ قيمةِ اللّفظِ، بمَدى قدرتِهِ الفائقةِ على خلقِ إيحائيّةٍ خاصّةٍ بهِ، فهو مَجالُ الانفعالاتِ النّفسيّةِ والتّأثُّرِ الدّاخليّ للإنسان، وقيمةُ اللّفظِ تتأثّرُ بهذهِ الإيحائيّةِ ونوعيّتِها قوّةً وضعفًا، فكلّما كانتْ إيحائيّةُ الكلمةِ عاليةً، كانتْ قيمةُ تلكَ الكلمةِ فنّيًّا عاليةً، والعكسُ بالعكس.
الإيحاءُ في اللّفظِ يُفصِحُ عن شاعريّةِ الأداءِ والفهْمِ الواعي لسُلوكِ اللّغةِ، وما تُلقيهِ الكلمةُ مِن مَعانٍ خبيئةٍ، هي صَدى تَراكُمِ الخبراتِ الفرديّةِ والجماعيّةِ، التي صاغتْ نَسيجَ التّجربةِ النفسيّةِ والاجتماعيّةِ للشّعبِ المُتداولِ لغةً واحدة.
 في قصيدة " يَابِسَةٌ.. سَمَاوَاتِي" للشّاعرة الكبيرة آمال عوّاد رضوان، تتصاعدُ لديْها قيمةُ اللّفظِ  بشاعريّةٍ فذّةٍ، حينَ تُموْسِقُ أحاسيسَها قائلةً:

عَلَى خَدِّ شُعَاعٍ مُضَمَّخٍ بِالدَّهْشَةِ
ثَ رْ ثِ رِ ي نِ ي .. صَدًى
لِأَرْسُمَ.. بَعْثَــكِ الْمُشْتَهَى
***
قَلْبِي..  يَــــكْـــــــبُــــــــــــــــرُ  بِكِ
وحينَ يَـ~جْـ~ـمَـ~ـحُ شَجْوا
تَــــتَـــيَـــقَّـــظُ .. ثُغُورُ رَبِيعِي الــ غَفَا
***
مَبْسُوطَةً .. تَمْتَدُّ رَاحَةُ فَجْرِكِ
مُخَضَّبَةً.. بِحَنَانِ أَنَامِلِكِ الظَّمْأَى
وحِينَ أَلْثُمُهَا.. يَتَّقِدُ عَبَثِي
***
عَلَى شَفَتَيْكِ .. أَعْزِفُ ابْتِسَامَتِي
وأغذو وَارِفَ الْمَدَى
أَلا يَـــــتَّـــــــــسِـــــــــــعُ.. لِأَوْتَارِكِ الْبَحْرِيَّة؟
 
     وعندما نتّفقُ، على أنّ الكلماتِ داخلَ اللّغةِ تُمثّلُ حِسًّا يَحملُ دلالةً إلى مَعنى، فهذا يَتطلّبُ مِن الأديب والشّاعرِ، أن يَنتقي الألفاظَ الّتي يَستخدمُها في نتاجاتِهِ الأدبيّةِ، حسَبَ ما تُمليهِ عليهِ ذائقتُهُ اللّغويّةُ وحِسُّهُ الجَماليّ، لأنّنا نَعتقدُ، بأنّ تجويدَ اللّفظِ يُمثّلُ ذوْقًا جَماليًّا واعيًا، تتّصِفُ بهِ نفسُ الأديبِ، فمتى بلغتْ هذا الوعيَ، ستكونُ مَنبعَ مَعانٍ. وهكذا نستمرُّ نتذوّقُ ترنيماتِ هذهِ الشّاعرةِ الفذّةِ بذاتِ القصيدة:
سَمَاوَاتِي الْمُضِيئَةُ.. انْطَفَأَتْ
مُنْذُ .. أَلْفَ عامٍ.. وَغَيْمَة
وَمَا انْفَكَّتْ سُحُبِي .. تَتَحَجَّبُ
خِشْيَةَ الصَّوَاعِقِ وَالنّكَسِاتِ
  إنّ علاقةَ الأديبِ باللّغةِ مَصحوبةٌ بنوعٍ مِنَ التّعالي النّفسيّ المُتبادَلِ، أو على نحوٍ أدَقّ، بنوعٍ مِن التّجاوُزِ يُبديهِ كلٌّ مِنهُما للآخر، إذ يَسعى أحدُهُما لسَحْبِ الوظيفةِ الّتي يَرومُ الآخرُ تأدِيَتَها. فإذا كانَ "التّوْصيلُ" يُعَدُّ غايةَ الوظيفةِ اللّغويّةِ والاستعمالِ للألفاظِ، أي؛ المحافظةَ على ثباتِ المَعاني المُتداوَلة، وتكريسَ ما تَضَخَّمَ عبْرَ التّراثِ التقليديِّ للتّوْصيلِ الجَماعيِّ أو داخل المَعاجم اليوْميّة، فإنّ اللّغةَ الأدبيّةَ تُخلخِلُ هذا المفهومَ وتتخطّاهُ، فلا يَعودُ "التّوْصيلُ" مُجرّدَ طريقةٍ في السّلوكِ المُتداوَلِ أو الاستجابةِ المُتعارَفة، بل يَتجاوَزُ المَعنى المُعجَميَّ اليوميَّ انحرافًا وانزياحًا، فيكونُ الشّعرُ مثلًا لاحتواءِ النّقائضِ، وانغماسًا حدسيًّا لإظهارِ الخفاءِ، أو لاكتشاف المُتجانِسِ بينَ المُتخلّفاتِ، فالشّاعرُ يُفكّرُ بالكلماتِ للوثوبِ إلى المُستقبل.
إذًا؛ يتجلّى التّعالي بينَ اللّغةِ والأديب، في أنّ الأخيرَ يَعتمدُ على كلماتِها اعتمادًا مُطلَقًا، ويَرغبُ في الوقتِ نفسِهِ إلى تَجاوُزِها، وإلى سَحْبِها نحوَ فضاءاتٍ لم تَألفْها، فهو كما يَذكُرُ سعيد الغانمي: (يخونُ اللّغةَ والوعيَ النّمطيَّ بأنظِمَتِها)!
اللّغةُ تتّجهُ إلى الماضي، والشّعرُ يتّجهُ إلى المُستقبلِ، فاللّغةُ تَتحاوَرُ معَ ما يَنسجمُ والسّياقِ الاجتماعيّ، والشّعرُ يَتنكّرُ لهذا السّياقِ، فالكلمةُ في اللّغةِ تَذكيرٌ، بينما الكلمةُ في الشّعرِ حضورٌ واحتمالٌ.
هكذا تتوَجّهُ بنا آمال عوّاد رضوان إلى مُستقبلٍ واسعٍ رحبٍ، مِن قطوفِ غنائمِ الكلماتِ المنتقاةِ في قصيدتِها  "نَاطُورُ الدُّجَى" حينَ تقولُ:
 
ظِلاَلُ ثُقُوبِكِ
تَيَقَّظَتْ .. مِنْ مَكَامِنِهَا
تَتَجَنَّى عَلَيَّ
تَعَرَّجَتْ
فِي أَزِيزِ سَقِيفَةٍ .. مَتَأَهِّبَةٍ لِلْمَشَاكَسَةِ
لكِنَّهَا
تَرَهَّلَتْ ذَائِبَةً
عَلَى مَرْمَى صَهِيلِكِ الْمَوْشُومِ بِالنَّدَى
وَمَا فَتِئَتْ تَدُكُّ
أَمْوَاهَ نَارٍ انْتَصَبَتْ أَطْيَافًا
عَلَى رِمَالِ الآهِ
وَمَا هَجَعَتْ!
 
   ومِن ناحيةٍ أخرى يقولُ د. لطفي عبد البديع حولَ الكلمةِ، مِن حيث هي "علامةٌ" لغويّةٌ مَبنيّةٌ على طبقاتٍ وأنماطٍ كلّيّةٍ مِنَ التّفكير، تَخلقُ لدلالاتِها "مِثاليّةً" لا تُغادرُها، إلّا باستعمالِ الأديبِ الشّخصيّ، فيُحيلُها إلى دلالةٍ "نفسيّةٍ" تَعكسُ وجدانيّتَهُ، ذلكَ، أنّ ألفاظَ اللّغةِ مِن حيث "الوضع"، تُشيرُ إلى معانٍ كلّيّةٍ، أو مَفاهيمَ تُمثّلُ المُدرَكاتِ الحِسّيّةِ والمُجرّدةِ معًا، كمَصاديقَ جُزئيّةٍ لها، فكأنّ اللّفظةَ ماهيّةٌ أو مِثالٌ تَحملُ في أحشائِها أفرادَها، أو أنواعَها الّتي تُشيرُ إليها، فمِثاليّتُها تَتلخّصُ في أنّها نمَطٌ واحدٌ لهُ وجوهٌ كثيرة، في حين يَسعى الشاعرُ إلى اختراقِ اللفظةِ؛ تلكَ الدّلالةِ الكلّيّةِ، وتَحويلِها إلى دلالةٍ نفسيّةٍ تُعبّرُ عن حقائقَ وجدانيّةٍ خاصّةٍ تمورُ بها ذاتُهُ، فتطبعُ العملَ الأدبيَّ بطابعِ الفرديّةِ، أو الذاتيّةِ الّتي تتميّزُ بها التّجربةُ الجَماليّةُ.
لكنّ الحديثَ يتّصفُ بالمُغالاةِ، عن دلالةِ الكلمةِ مِن حيث هي "لفظةٌ مُفردَةٌ"، إنْ كانَ يَسعى فقط نحوَ تأكيدِ جانبِ القوّةِ الّتي تمتازُ بها "الكلمةُ" لذاتِها، فمَهما قيلَ عن حَجمِ تلكَ القوّةِ، أو مدى التأثير الّذي تُحدِثُهُ، فإنّ "السّياقَ" الّذي تَجيءُ بهِ اللّفظةُ، هو في حقيقةِ الأمرِ ما يُحدّدُ الدّلالةَ الأدبيّةَ، ويُميّزُها عن غيرِها مِنَ الدّلالاتِ والمَعاني الّتي توحي بها.
ليست اللّغةُ مُجرّدَ تأليفٍ بينَ الحروفِ والكلماتِ، ولكنّها نظْمٌ على المَعاني، يُصيبُ موْضِعًا مِنَ النّفسِ، كما أنّ الكلماتِ تُشحَنُ بالمعنى وهي داخل بنائِها الغنيّ، وهي كذلك، ليستْ  خارجَ ذلك البناءِ، إلّا مِن قبيل حمْلِها المَعنى المُعجميِّ والمتواضِع عليه.
إنّ "مَعنى" النّصِّ الأدبيِّ يَعتمدُ على حركةِ الألفاظِ وعمَلِها، وعلى تأدِيَتِها لوظيفةٍ ما داخلَ النّظامِ البنائيِّ لوحداتِ النّصّ. ويُؤكّدُ كلٌّ من "رينيه ويليك" و "أوستن دارين" بأنّ الكلمةَ لا تَحملُ معها فقط معناها المُعجميّ، بل هالةً مِنَ المُترادفاتِ والمُتجانساتِ، والكلماتُ لا تَكتفي بأنْ يكون لها معنى فقط، بل تأثيرُ معاني كلماتٍ تتّصلُ فيها بالصّوتِ، أو المعنى، أو بالاشتقاقِ، أو حتى بكلماتٍ تُعارضُها أو تَنفيها. ولنرَ كيفَ وَظّفتْ شاعرتُنا المُبدعة آمال عوّاد رضوان شحْنَ الكلماتِ بالمَعاني، وأدخلَتْها في بناءِ قصيدتِها:


بَاغَتَنِي
بِإِفْكِ طُقُوسِ تَسَكُّعِهِ الْمُتَطَفِّلِ
:
خَلْفًا دُرْررررر ... اسْتَدِرْ حَيْثُكْ
أَنْتَ وَغَدُكَ الْفَضْفَاضُ فِي غلاَلَتِهِ
بَدِيدَانِ.. رَمِيمَانِ!
***
اُنْظُرْكَ .. لَبْلاَبًا مَنْسِيًّا
لَمَّا يَزَلْ يَكْتَظُّ بِالْقَيْظِ
فِي صَحَارَى مَاضٍ .. تَحَلْزَنَ بِالْحُزْنِ.
***
هَا ضَفَائِرُ نَخْلِكَ
الْتَهَبَ فَجْرُ تَمْرِهَا
فِي سَرَاوِيلِ دَهْرِ ضَارٍ
ونَشِيدُكَ الْخَاشِعُ
كَمْ شَعْشَعَ مُتَفَيْرِزًا
مُرَفْرِفًا
هَا قَدْ شَاطَ نَبْضُهُ
عَلَى جُسُورِ تَلَعْثُمٍ .. مُتْخَمٍ بِالتَّفَتُّتِ!
***
يَا أَيُّهَا الْبَحْرُ الْعَارِي
مِنْ مَوْجِكَ الْوَثَّابِ
أَلْقِ مَا بِرَحْمِ تَبَارِيحِكَ
مِنْ أَصْدَافِ مُحَالٍ
لَمْ تَكْتَمِلْ بِمَعْبُودَتِكِ!
***
أَيَا سَاهِيَ الْقَلْبِ
هَوًى.. هَوَسًا
كَمْ يَقْتَاتُكَ يَمُّ الإِسْهَابِ
وَتَتَدَلَّهُ وَاجِفَا!
***
مَرَايَا عَزَاءٍ .. تَوَعَّدَتْكَ مُقَهْقِهَةً
أَشْعَلَتْ أَدْغَالَ أَضْلُعِكَ بِالإِعْيَاءِ
وَاسْتَنْزَفَتْ أَغَارِيدَ قَلْبِكَ النَّحِيلٍ!
***
لِمَ حَبَّرَتْكَ زَمَنًا بَهْلَوَانِيًّا
شَفِيفَ وَحْدَةٍ
كَسِيفَ تَرَنُّحٍ
عَلَى حَافَّةِ مَعْقَلٍ مُعَلَّقٍ؟
 
    إنّ الاستعمالَ الأدبيَّ المُبدعَ لدى شاعرتِنا آمال، ظلَّ قادرًا على أنْ يُفجّرَ في الكلمةِ ذخيرتَها المَعنويّةَ والمَعرفيّة، وحُدودَها النّغميّةَ والبنائيَّةَ معًا، بما يَكشفُ عن إمكانيّاتٍ غيرِ مُتوقّعةٍ في اللّغةِ، وحقائقَ مَجهولةٍ داخلَ حياتِها، وإذا كانتِ اللّفظةُ الشّعريّةُ قادرةً على التّحرُّكِ بعفويّةٍ وبدلالاتٍ مَعنويّةٍ حُرّة، فإنّ حركةَ اللّفظةِ الشّاعرةَ ضِمْنَ نسيجِ صورتِها، لا تَنفصِلُ عن السّياقِ الشّعريِّ العامّ، وعن النّسيجِ الكُلّيّ للقصيدة.
وربّما أستطيعُ هنا أنْ أختتمَ هذه المقالةَ المُقتضَبةَ جازمًا، أنّ السّياقَ الشّعريَّ الّذي تتميّزُ بهِ الشاعرةُ الكبيرة آمال عوّاد رضوان، تستطيعُ الكلماتُ فيهِ أنْ تَفرضَ علينا طريقتَها في الوجودِ،
حيثُ تُنعشُ الكلماتُ الّتي تختارُها بعضُها بعضًا، ويُؤثّرُ بعضُها على بعض، مِن خِلالِ لونٍ مِنَ التّفاعُلِ اللّفظيِّ الدّاخليِّ، الّذي لا يُجيدُهُ غيرُها.


hashim_mo2002@yahoo.com

22
أدب / آواه لو نطق البحر !
« في: 13:15 10/09/2015  »


آواه لو نطق البحر  !

د.هاشم عبود الموسوي


هذه القصيدة كتبت عندما غرقت سفينة "تايتانك العراق" بسواحل أستراليا في عام 2000م .. وقد مات غرقا أكثر  من 500 مهاجر عراقي .. كان الغرب نائما لا يسمع ولا يرى مآسي الشعب العراقي  .. واليوم إستفاق فجأة ليبالغ في تعاطفه مع النازحين .. آواه .. ثم آواه من آلاعيب السياسة !
اليوم أعيد نشر هذه القصيدة والتي كتبتها آنذاك بعنوان "سفن الضياع" ، آملا من أجيالنا القادمة أن تتعرف على آلام ومعاناة آبائهم و أجدادهم .
هاشم

سُفن الضياع
بين بابل والعالم البعيد تمتد بحارٌ .. غرق فيها الكثيرون من المهاجرين العراقيين. وتايتانك العصر الجديد، حملت خمسمائة مهاجر غرقوا في خليج تيمور(*) .. لازال الناجون يؤرقهم سؤال.   
             د. هاشم عبود الموسوي.
 


أهي السنينٌ تذرعتْ
بهموّم أَسرى ضائعين
يتهامسون عن الرحيل
عن الذهاب إلى الخواء
وتجيبهم سُفن الضياع
في آخر الدنيا …..
هنالك في المدن اللقيطهْ
"العالمُ الماردُ لا يسمع
شكوى لحزين"
وعلى مشاجب غرفتي
علّقت أحزاني القديمة
كم كان يُتعبَني القرار
جرّبت في يأسي إحتضاري
ما كان يوسفُ واجداً
حَبلاً ليمنحه النجاة
فكيف يغتسل الغريق
بماء هذا البحر
ينسى أنه يوماً
تيمم بالدموع وبالدماء
كم هو البحر عميق؟
كم شهدنا …
من غريق .. وغريقْ؟
جثثٌ طافيةٌ وسط النهارْ
من دون قبرٍ أو مزار
هي ذي القصة نرويها
بأيام الشتاء
على الصغار
عن كل أسرار البحار
***   ***   ***
كان في الليل صلاة
وشهيقٌ ….
عكرّ الصمتِ
الموشح بالشجون
ولربما يوماً ستذكر جاكارتا(*)
بانّا قد مررنا من هنا
كم كان يُوهمنا غسق الدُجى
في آخر السكرات
يرسم للطريد
بيتاً واحلاماً سعيدةْ
والكوابيس القديمة …
عند مفترق الدروب
شبحاً مُريب
لو نام حراسُ السواحل
لا يروا سيل الدموع…
على الخدودْ
مثل عصفور أتينا هاربين
وتركنا القفص المفتوح
في وجه الرياح
مثل جُرحٍ لا يطيب
نحنُ أشباحٌ وظلٌ
من مئاتٍ يائسين
هو ذا زروق موتٍ لا يعودْ
ما كان للأرض حدودْ
ما كان للحزن حدود
الريحُ ترسم للسفن الطريق
وأنا نسيتْ.
بالأمسِ بوصلتي
بثياب نوميِ
وبدأنا رحلة الموت
وأغمضنا العيون
وحَلمنا أن تسامحنا الطفولةْ

أتذكرين حبيبتي
كيف ألتقينا مرّة
في شوق غابات النخيل
كم كان من خجلٍ
يداعب لهونا
اليوم يوخزني الضمير
ياغابة النخيل !!
لِمَ أصبحت حزينةْ
من كُل صوبٍ
تعبث الريح … بتلك الذكريات
لم يبقَ في الغابة جنٌ
وعفاريتٌ تشاكسْ
حاولتُ أن أسرقَ ..
من عينيك في يأسي ابتسامة
لكنها ظلّت حكاياتٌ قديمة
تنبتُ في عيون العابرين
والموج يصعد كالجبال
ولا مفر من المصير
ونحنُ من زمنٍ بعيدْ
أمواتُ في كلّ الأراضي والبحار
وطني يُوزع قاطنيه
يرمي بهم نحو الدوار
ها أنني أغمضُ عيناً واحدةْ
فأرى حلمين
في صحوي ونومي
وأرى بحرين
لا يُومئ فيها
مرفئ للتائهين
وطيورٌ
لا تخاف من الحصى
كيف للحالم أنْ يشهدَ صحواً
ثم غيماً ماطراً في ناظريه
إننى قطرة ماءٍ
وسط أمواج البحار
مذ تساوى الظلُّ والضوء بعيني
***   ***   ***
كيف قالوا أن لون الماء
من لون السماء
وبه تهدأ روحٌ
من عناء
كيف صار البحرُ
يُصلي راكبيه
غضباً، عصفاً، ونارْ
لم نكن نسمع قبلاً
عن سعيرٍ
حممٍ حمراءُ
تأتي مِ البحار
***    ***
يا الهي، كم هو البحرُ عميقْ
كم شهدنا مِن غريق
وغريقْ
أيَّ صُلحٍ
بين مجدافٍ يقاومُ
سيل موج هائجِ
لا يستكين
وبين أقدار البحار
هو ذا البحرُ عتياً
كل شيءٍ عاجزاً فيه
ليعطيك اليقين
***   ***
هي ذي المدنُ البعيدةُ
تطلع كالسراب
مُدن الرمل … وصحراء السماوهْ
صَعَدَت تطفو …
على سطح المياه
هذه بابلُ والكوفةُ
والقُدسُ، ونجدٌ وتهامهْ
ولنا في القلب، جُرحٌ ..
لا يطيب
وعلى بُعدٍ من الساحلِ
قد تظهر طيبةْ
ومتى تأتي ضفافٌ سرمديةْ
من بنى جسراً على دجلة
يبكي في المدينة
وتعود سامراء
ثكلاءٌ حزينةْ


***   ***
لم يكن في البحر حلمٌ
غير ما يمتد
مِنَ أيامنا الأولى
عبوساً قمطريرا
ربما ننسى بأنّ الناسَ
والأشجار، والنخلَ
بيوتَ الطين تجتر الأماني
ولها طعمٌ ورائحةٌ
ودفقٌ للحياةْ
ونسينا في هياج البحر
والزورقُ لايدري ..
إلى أين يسير
لم نعد نذكر فيه الذكريات
غابة المرجان
في عمق البحار
ليتها تقبل مني
ما تبقى من عظام
وبها تكتب اسماً للعراق
ربما يقرأ غواصٌ
حروفاً عربية
فيرى أبناء سومر
قد بنوا
في كل يابسةٍ
وبّحر من بحار الله
رمزاً للعراق
شعب المرجان لا تطفو …
بهذا البحر …
تدعو راكبيه
يستريحون لبرهة ..
عند واحهْ …
منْ عذابات الضمير
بين صحوٍ مُمطرٍ
وغيومٍ مقفرهْ
يابسٌ مُبتل
مشنوقٌ على دفة زورق
كيف لي أفتح عيني
كي أرى حسم القرار
صرتُ أهذي
قبل أنْ يُغمى عليْ
هي ذي فاتنتي …
في البُعدِ ألمحها بعيده
لم تعد تلبس ثوباً زاهياً
غير ألوانِ من الحزن القديم
ربما نأتي إلى ساحل برٍ
أو جزيرةْ
في ظلام الليل نرسو
أُغمضُ العينين في ملح البحار
وأظلُّ تمثالاً من الشمع …
له عينان ميتتان
لا تتوهجان في ضوء النهار
هذا إكتضاضٌ
بالجروح وبالنواح
ولا يشابهه إكتضاض
كيف للزورق أن يطفو
بهذا الحزن والوجع الثقيل
وتهزني صرخات أمي كالمخاض
ليتها تُرجعني لرحمها
كي لا ارى .. ماذا جرى
ليتني يوماً أعود
فلا أرى نفس الزمان
وليس من صوتٍ
كصوت الموج
يُنبئُ بالنذور
لا أرى إني
أمرَّ بموكب النصر
على بوابة إطربيلٍ(*)
ألثم رملها
وأروح أسأل جاري
الميت مثلي
عن رفاقي
هل أتوا يوماً
إلى بيتي وعادوا يقرأون
وصيتي
"لا تحرقوا كُتبي
فأني قد أعود
هو ذا الليل كصحراء رهيبة
ليسَ من قطرةِ ماءٍ
في العروق
لِمَ لا يغالبنا نُعاسْ
فنموت غرقى آمنين
عندما ننزل للبحر..
وقوفاً خاشعين
رقصة الدرويش طالت
كم تمنينا من الأمواج
أن يلسعنا نحلٌ
فنصحوا سالمين
وسمعنا أن في البحر
ضحايا من عصور
بعضهم اغريقُ أو رومان
أو عرب الجزيرةْ
قد أتوا مشياً
إلى هذي السواحل
ربما فيه عراقيون
جابوا الأرضَ من عهدٍ قديم
كان إبراهيمُ جوالاً
وتعرفه اليوابسُ والبحار
حبله السري في أرض العراق
ينشرُ الحُب .. وفي أيديه
سعفات نخيل
عاشقاً يشتم من عبقٍ أصيل
كلما دار دوار
كان دوماً في رحيل
غير أن الموج كالخيل عصوفاً
لا يكف عن الصهيل
جارفاً كل الأماني
ساحقاً حلم المجاديف
وأوهام الرجال
كان في الدُنيا
وداعٌ ورحيلْ
كان في الأرض نبيٌ
هاربٌ من تابعيه
فاستجاب البحرُ وإنشقَّ
ليحمي الهاربين
ليتها المعجزة الكبرى تُعاد
أي حُزنِ بالمهاجر
قد أتى
من أرض سومر
***   ****
وقرأنا ما حفظنا
من تعاويذ ونجوى
وحسبنا عمرنا الباقي
وكم يبقى من الغارق
في يأسٍ طويل
إنني أيقنت أن الموت…
آتٍ لا محالْ
محض صُدفهْ
أن يعيش المرءُ
ما بين الذئاب
كم بقينا في المخاض؟
غيبة الصوفي طالت
يحسبُ الساعات أياماً
وأحياناً سنين
وقضى الأمرُ
فيا ربي أعناّ
في مقادير الأمور
بصراخ وعويلٍ وثبور
غرق الزورقُ فينا
يالهي
هو ذا الزورق يهوي
بمئات الهاربين
هي ذي آلافُ ..
ألواحٍ تعوم على المياهْ
بالأمس كانت مركباً
يحمل أحلام المئات الهاربين
ياربي
 إني لم أرَ من قبل
أكداساً من الأحياء والموتى
يؤدون الصلاة
ويعومون على سطح المياه
كم شهدنا من غريقٍ
وغريقٍ وغريقْ
ها هي الألواح بالموتى تطوف
أنه دودٌ على عودٍ
ويغرقُ من ينام
ياربي كم حاولت قبلاً..
أن أنام
والآن أخشى
أن يُباغتني المنام
ياليتنا في الأرض مُتنا
ما تركنا خلفنا حزن القبور
ما ظل من حلمٍ
يكحل عين أمي بالرجوع
في ذلك البلد المودع أهله
ليهاجروا نحو الضياع
في بلادٍ مسهّا أول برقٍ
عند ميلاد الخليقة
في بلادٍ … تولد النجماتُ
في خيمتها، ثم تموت
وينام القمرُ الناعسُ فيها
فوق هامات النخيل
ياله من شجر …

يُصغي بصمتٍ للسحاب
هل نثرنا ما حملنا من تُراب
في مياهٍ مالحة
هوذاً طلاقٌ
بين من يبقى على قيد الحياة
وبين مَيْتٍ غارقٍ
في بحر تيمور البعيد
تباً لأمواج البحار
وكيف تبتلع العذارى
والرجال الحالمين
وذاك طفلٌ
حبله السري
مربوطاً برحمٍ ميتٍ
يا رحمة اللهِ
على الوالد والمولود
في موج البحار
هو ذا كتاب الله يطفو
رُبما آخر ما ملكت يداه
مؤمن بالآخرة
ولقاء الله في يوم المثول
حلّت الآن بنا معجزةٌ
يأتنا طير السنونو
باحثاً عن بعض من علِقوا
بأوهام الحياةْ
ليدلهم في الصُبح
أنّ ضفاف هذا البحر ..
ما عادت بعيدةْ
ما كان للبحر القرار
أوعز الله بأن
يلفضنا حوتٌ
على رمل الشواطئ
***   ****
بالتهاني زفّ موتي هاربون
لضفاف العالم الواسع
أخبار البحار
غير إنا لم نزلْ ….
نسأل لا نلقى الجواب
هل عاد منا واحدٌ
يروي بأيام الشتاء على الصغار
أسرار أهوالٍ
وأهوالٍ تبايعها البحار





23
من تجارب الشعوب
مدينة دريسدن الألمانية .. دمرتها الحروب ، ثم إستعادت عافيتها




د. هاشم عبود الموسوي

    إعتدت في محاضراتي الأكاديمية ، عندما أتحدث عن الحفاظ العمراني ، أن أختار مدنا من مختلف القارات ، مرت بتغيرات عميقة في تاريخها ، وأحيانا أختار مدنا زرتها وإطلعت على معالمها وعرفت تاريخها ودرست أساليب الحفاظ التي أتبعت في المحافظة على ملامحها العمرانية  و موروثها الحضاري .

    ومن تلك المدن التي أقدمها للقارئ اليوم هي مدينة دريسدن الألمانية السكسونية ، والتي رغم ما نالها من دمار إبان الحربين العالميتين ، لكنها تميزت بإحتفاظها بأهم معالمها العمرانية التاريخية ، بفضل عمليات الحفاظ و إعادة الإعمار المتميزة فيها تمكنت من إستعادة تلك الشواخص المعمارية و الرموز التاريخية  .

    وسنحاول هنا أن نعود بشكل مختصر الى تاريخ هذه المدينة . حيث ذكر أسم دريسدن لأول مرة في الوثائق عام 1206م . وفي عام 1216 م كانت البلدة التي تقع على الضفة اليمنى من نهر الألبه يشار إليها بإسم  " نيون دريسدن " .كما يذكر المؤرخون بأنه تم إنشاء الأسوار الحصينة التي تحمي المدينة للقلعة و للبلدة، في القرن الرابع عشر الميلادي . وقد وهب الإمبراطور "سيكسموند دوقية ساكسه –فيتنبورك الى فريدريك الحربي كإقطاعية خاضعة لسلطانه فضلا عن منحه لقب إليكتر ( الناخب ) ، عام 1423م ، فعرفت تلك المنطقة بإسم الإليكتورية الساكسونية


     وفي عام 1464م بعد وفاة فريدرك تقلد إيرنست و ألبرت الحكم معا ، وأصبحت دريسدن مقر حكم ألبرت و أولاده . في عام 1491م  و بعد الحريق المدمرالذي حل بالبلدة  تم إعادة بنائها بإستعمال الحجر كمادة بنائية للبيوت و السقوف القرميدية ، وفي مطلع القرن السادس عشر الميلادي تم تحويل القلعة في البلدة القديمة الى قصر ، وتم تحصين أسوار المدينة القديمة والتي لا تزال أثارها المطلة على نهر الألبه باقية الى يومنا هذا . ومن أهم الأحداث التي تفتخر بها هذه المدينة ، أن مارتين لوثر الواعظ البروتستاني الشهير ، قد كان يلقي مواعظه في مصلى القصر قد يلقي مواعظه في مصلى القصر عام 1517م  . في عام 1691م أصبح فريدريك اوكوستوس الأول المعروف بإسم أوكوستوس القوي أميرا ناخبا ، وقد عرف عنه إهتمامه بالبناء ، فبنيت في عهده أعمال ذاع صيتها في العالم  . منها معارض تسوينكر  وكنيسة البلاط "هوف كيرشه" . وشهد عنم 1806م إلتحاق سكسونيا بحلف الراين لنابليون ، وأصبحت مملكة . وفي عام 1809م أزال نابليون الأسوار الحصينة  . وفي عام 1918م تم إلغاء الملكية  ، و أصبحت دريسدن عاصمة ولاية سكسونيا الحرة .



برج هاوسمان

    وكما ذكرنا في بداية هذا المقال بأن دريسدن  تعرضت الى ويلات الحروب ، فقد شهدت في الثالث عشر من شبنط عام 1945م غارة جوية شنتها القوات البريطانية و الأمريكية ، تدمر من خلالها مركز المدينة  . وضمن جهود الإحياء للتراث ، فقد تم إعادة إعمار كل من القصر وكنيسة السيدات (فراون كيرشه) ، إستجابة للنداء الجماهيري الذي نظمه أهالي مدينة دريسدن بحملة عالمية أطلق عليها " صيحة من دريسدن طالبوا فيها المجتمع الدولي المساعدة لإسترجاع كنيسة فراون كيرشه ( التي تركتها الغارة حطاما منثورا) كي تكون المركز المسيحي لعالم السلام في أوربا الجديدة . ولم يتم إعادة إعمارها إلا في عام 2005م


ساحة المتحف

    تميزت مدينة دريسدن بممراتها العريضة ما بين المباني العامة والقصور نظرا لإرتفاع تلك المباني العالية ، ذات الواجهات الثرية . أما في المناطق السكنية فتكون الممرات أضيق  وبنسب إحتواء تتراوح ما بين (2.5:1) و (3.1) ، وتفتح تلك الممرات على ساحات واسعة تتخلل أرجاء المدينة وتتميز تلك الساحات بأنها معرفة بوضوح من خلال إحاطتها من ثلاث جهات على الأغلب بالكتل و أحيانا من أربع جهات فلا يكون لها منفذ سوى ممر واحد ضيق نسبيا أو أكثر ، وتحتوي البيازا على شاخص مهيمن وعدة شواخص ثانوية ، على غرار المدن الرومانية


كنيسة البلاط
    ورغم أن المدينة قد تعرضت خلال فترات متتالية للتدمير و إزالة المعالم والشواخص المعمارية ذات الأهمية التاريخية ، إلا أن إدراك أهاليها لأهمية موروثها الحضاري ، فضلا عن جودة التوثيق ودقته ، أسهم في الحفاظ على الملامح المعمارية و العمرانية التاريخية للمدينة من خلال إعادة إنشاء المباني المهدمة على صورتها الأولى .





24
بعض جوانب الخلل في نظرية " القارئ المتلقي" النقدية

هاشم عبود الموسوي


    لقد لاقت نظرية التلقي أو التقبل إهتماما كبيراً وعميقاً في الفترة ألأخيرة من قبل النقاد، حتى أصبحت محور دراستهم وأبحاثهم النظرية والتطبيقية، بحيث إرتبطت هذه النظرية بالقارئ الى حد كبير.
    وإذا ما إستطعنا أن نعدد المراحل التي مر بها النقد الأدبي وتطورها، فنجدها عشرة مراحل، بدأت بمرحلة التذوق، ثم مرحلة التاريخ الأدبي ومرحلة النقد الأدبي النفساني تلتها مراحل "المرجع الواقعي"، والواقعية الإشتراكية والبنيوية التكوينية والبنيوية اللسانية والسردية، وبعدها "مرحلة السيميائيات" و "مرحلة الإسلوب" و"مرحلة الثيمة" وحتى مرحلة ما بعد الحداثة.
    ويعتقد منظري النقد الأدبي، بإن الإهتمام بالقارئ لم يظهر إلا بعد مرحلة البنيوية والسيميائيات، حيث تم التركيز كثيراً على النص بأي شكل من الأشكال بإعتباره مجموعة من البنيات الداخلية المغلقة، وهنا شعر السيميائيون بأن النص أخذ حيزاً كبيراً من الإهتمام وعلى حساب القارئ المتلقي، حتى جاءت مرحلة  "ما بعد الحداثة "  ليعاد النظر فيها الى أهمية القارئ المتلقي .. حيث بدأت التنظيرات تبرز دوره كعنصر فعال في تناول النص وعملية التأويل و الإدراك والسرد والقص.
    كل هذا التوجه والحماس لمسألة المتلقي، قد جاءت كرد فعل على إهمال السياق الخارجي، وصب الإهتمام على النص ذاته .. وبهذا فقد جاءت مسألة التلقي أو الإستقبال لتقلب المقولة تماماً، وتركز على أشكال النصوص المتعددة التي تبلور إنتاجه وتلقيه. وبهذه المرحلة فقد تولدت حركة أدبية توصي بأن أستقبال النص يستتبع الإهتمام بالقارئ وبعملية القراءة وتأويل النص وتحديد معانيه .. وتم طرح السؤال المركزي "من هو القارئ" وكيف يتلقى النص ويستقبله، وصار الشغل الشاغل لمبدعي الأدب هو البحث عن هويه القارئ وشعوره بلذة النص ومتعة القراءة وإشباع الرغبة لديه.
    وبهذا فقد توجه بعض منتجي الثقافة والأدب الى منهجية تقوم على الإدراك التوقعي والإفتراضي المسبق، والتأويل الذاتي.
    بالحقيقة، أن الحديث عن القراءة التي تعتمد على الشرح والفهم والتفسير، والباحثة عن المعاني التي يزخر بها النص والتي نسميها ب "التأويلية"، فقد بدأت مع "فرويد" وتحليلاته النفسية.
    وفي مضمار البحث عن نوازع القارئ المتلقي، ظهرت توجهات غريبة، أطلق عليها "سوسيولوجية القراءة"، مثّلها المُنظر "روبير إسكاربيت" وهي تبحث عن الشروط المادية والنفسية المؤسسة لمباشرة القراءة، بالتركيز على الإنتاج والتوزيع والإستهلاك، ومن هنا فإننا نعتقد بأن ما يسمى بسوسيولوجية الأدب، ماهي إلا قراءة تجريبية للنتاجات الأدبية والتي تقترب الى إستكشاف الجدوى الإقتصادية، وهي تبتعد عن التوجهات الحمالية للنص.
    كل ذلك حدث بإسلوب مبالغ فيه لإعطاء قيمة للتلقي أحيانا أكثر وأكبر من حجمها الحقيقي. مما دعاني أحيانا أن أتساءل عما هو جديد وما هو مكتشف عن دور التلقي والمتلقي وألم تكن جل الآداب منذ نشأتها الأولى بالقص الشفاهي المتداول بين الناس قبل بداية التاريخ وفي حضاراته الأولى و بعدها وحتى في معلقات العصر الجاهلي، تحاول إجتذاب المتلقي سمعاً أو قراءة، بالصيغ التواصلية والجمالية والتأثيرية كونه يستبطن زمكانية تتكشف من خلالها بؤر تسهم في إقتناص الأفق الذي يتوق الراوي أو الأديب الى تحقيقه وهو الطموح والناظر الى الأمام، عبر رؤيته الإبداعية  التي تفع النتلقي الى التأويل وإشغال الفكر.
    هكذا بالغ المنظرون في تاريخ الكتابة والقراءة الأدبية بدورالمتلقي حد قول  "روبرت شولز"  بأن "المتلقي هو خالق النص ومانحه الهوية"
وكان السؤال الأهم و المُلح: "هل علينا أن نركز على القارئ المتلقي فحسب، ونهمل دور الأديب المبدع ونتاجه ؟ .
    إن كل نتاجات الإبداع الأدبي تأثرت بعوامل نشأتها وما لديها من جمال في البناء والتركيب والصياغة .. والتي لن تغفل إنتظارات المتلقي وتقبله.
    علينا ألا نهتم بالقارئ والمتلقي بالشكل المبالغ فيه على حساب النص والكاتب المبدع حيث أن هذا الإتجاه أحادي الجانب، وهو يقفز على التاريخ والمؤلف والنص والمجتمع والنفس والذوق ..
    وأخيراً أجزم بأن هذا التوجه لا يمثل إلا نظرية جزئية قاصرة لا تصلح للإحاطة بالنص الأدبي من جميع جوانبه.



25
نداء عاجل
الى اللجان المكلفة بإزالة الكتل الكونكريتية
من شوارع بغداد والمحافظات الآخرى

(لا تنهالوا عليها بالمعاول !)

د. هاشم عبود الموسوي

   لقد شهد عراقنا الغالي علينا الكثير من المتغيرات الجوهرية وفي شتى مجالات الحياة، وعلى وجه التحديد بعد 9/4/2003  ومنها التجاوازات الكبيرة على التصاميم الأساسية للمدن، وبروز ظاهرة الأختناقات المرورية وغياب التنظيم مع العشوائية والتشويه لبيئة ومشهد المدن، حيث أحاطت أجزاء كبيرة من المدينة أسوار عالية وعلى إمتداد عشرات ومئات الكيلومترات، وغطت وجه المدن إشارات مرورية تقول ممنوع المرور (المكان رسمي)، وتحولت الحياة إلى سجون بدون أسوار.
    وكثيراً ما نجد يافطات باعثة على الكآبة الكأداء  مثل "ممنوع الوقوف"، "دار سكن السيد النائب"، أو "مديرية الأمن"، أو "دار إستراحة احفاد (؟؟؟) "، وهكذا تسرب الجمال من مدننا (التي كانت وديعة وتحاور أهلها بكل طيبة و حنان)  وغادرتها الطيور. وعشعشت الغربان على كثيراً من مبانيها الباكية و المهجورة.
    ندائي هذا منطلقٌ من قلب أحزنته تلك المظاهر ، حتى طرق سمعي ،ا هذا القرارالسليم (كالبلسم المشافي) الذي يوصي بإزالة هذه الكتل الكونكريتية التي جثمت على صدر المدينة أكثرمن عقد من الزمان، راجياً من الجهات المسؤولة عن ذلك القرار بأن توجه الجهات المنفذة بالتفكير العقلاني وعدم الأنفعال السريع والبدء في تحطيم هذه الكتل العمياء التي كلفت ميزانية الدولة الملايين بل المليارات والتي حتى لم يراعى في تصميمها أي لمسات فنية أو معمارية .
 وبهذا أقترح  :  أن تخصص مساحات كبيرة فارغة لتجميعها عليها ومن ثم يتم تكليف المهندسين المعمارين والفنانين والنحاتين العراقيين  (بعد تحديد عددها وأنواعها ومساحاتها وأحجامها)  من أجل الإستفادة منها في مشاريع عمرانية ، بطريقة البناء الجاهز (ربما يمكن بيعها كقطع أو أبنية جاهزةعلى المواطنين بأسعار زهيدة ) .. أو تكوين نصب تذكارية منها  .. أو حتى تحويلها الى تلال إصطناعية في مدننا ذات الطبيعة المنبسطة وتغطيتها بالتراب بحيث  يمكن تصميمها وزراعتها وشق الطرق والمماشي فوقها لتكون متنزهات يؤوم اليها المواطنين لإجل الترويح.
    كما يمكن تحويلها الى جدران ساندة لجزر إصطناعية في داخل مياهنا الإقليمية .
     أن التفكير المتروي بالإستفادة منها  من قبل الجهات المسؤولة  ، يمكن له إستيعاب المستحدثات والقدرة على إستقبال البحوث والدراسات العلمية التي تضع توصيات وتصاميم المكاتب الإستشارية وأقسام الهندسة المعمارية وكليات الفنون في الجامعات العراقية  ، نصب عينيها  ، مترجمة إياها الى سلوك تنفيذي.
    راجياً أن تجد هذه المقترحات آذانا صاغية لمن يريد أن يسير بخطى مدروسة لمداواة ومعالجة الجراح الجسيمة التي أصبحت تأكل في جسد الدولة والوطن الذي ننتظر منه أن يتعافى ويعود الى ما كان عليه من زهو ورفعة .

--------------------------------------------------------------------------------------------- هاشم عبود الموسوي  .. معماري ومخطط مدن
 

26
هل نخسر الكثير لو جربنا أن نبقى بدون برلمان ؟
 
د.هاشم عبود الموسوي

نحن الذين نُكنى ونُوصف ( بالشعب الذي يعيش في أغنى دولة ، ولكنه يعتبر أفقر شعب ) .. أليس من حقنا أن نطرح التساؤلات تلو التساؤلات, وواحد من تلك هو : ماذا جنينا وماذا إستفدنا من مجالس النواب طوال العشر سنوات الماضية ؟ . وماذا سنخسر لو لم يكن لدينا أساساَ مجلسا للنواب ؟ .دعونا نحصي عدد الساعات ، التي داومها أعضاء هذا المجلس في الأشهر الفائتة لكي لا نغبن أتعابهم :
 

74 ساعة فقط هو دوام مجلس النواب خلال ستة اشهر.
 
والآن سأدعوكم للعودة الى الماضي قليلا .. لنتذكر (المرحلة الأستثنائية) و أعني بها الأربع سنوات التي تلت الحكم الملكي في وطننا ، كيف أنه تم فيها إنشاء الكثير من المشاريع التنموية والبنى التحتية التي لم يعرفها العراق من قبل ، حيث تم بناء عددا من المدارس في تلك الفترة يساوي ما بناه الحكم الملكي بمدة 30 عاما ، وكثيرا من المجمعات السكنية والمستشفيات والجامعات وغيرها من المشاريع العمرانية ، إضافة الى تشريع أحسن القوانين المتقدمة التي تخص المجتمع المدني ، في ظرف كان العراق فيه محاصرا من كل بلدان الجوار ، إضافة الى ضغوط القوى العظمى التي شعرت بخطورة مواقعها بعد سن القانون رقم 80 الذي يخص النفط العراقي ، وكانت كل هذه القوى قد وقفت بكل ثقلها لتعادي توجهات العراق التنموية ، برغم كل ذلك كان الدينار العراقي من أقوى العملات قي العالم ، متفوقا على عملات الدول المتقدمة صناعيا كالأسترليني والمارك والين والفرنك ..وغيرها ..كل ذلك حدث ولم يكن لنا مجلسا للنواب . حيث كانت الدولة تعتمد على اللجان الأستشارية الوطنية ذات الخبرة العالية ، وعلى وزراء متخصصين ، متحصنين بخبراتهم في مجالات إختصاصهم ، وكانوا يمثلون كل نسيج الشعب العراقي ، ولم نسمع ولم نعرف آنذاك لا فسادا ماليا أو إداريا ." نعم كل ذلك تم تشخيصه في تلك الفترة التي لم يكن لنا فيها مجلسا للنواب ".
 
منذ العصور القديمة ، كان هناك مجتمعات قبلية ، وكان هناك مجالس وزعماء وأسياد للقرارات داخل القبيلة
 
• ·وكان في بلاد الرافدين حكومة ديموقراطية بدائية ، وكان يتم تقييم الملوك من قبل المجلس ، و كان الشئ نفسه في الهند القديمة .
 
• ·أول برلمان تم تأسيسه كان في أسبانيا في مملكة ليون في عام 1118.
 
• ·تم استخدام مصطلح برلمان لأول مرة في الممكلة المتحدة في عام 1236 ، وقد كان في السابق يكون هناك مجموعة من المستشارين المقربين من الملك
 
• ·كلمة برلمان أصلها من كلمة "parler" الفرنسية وهى تعنى النقاش والحوار
 
والبرلمان . ويتكون من مجموعة من الأفراد يطلق عليهم اسم النواب أو الممثلين. ويكون إلتحاقهم بالبرلمان عن طريق الانتخاب والاقتراع العام باستخدام الأساليب الديمقراطية. ويتم اختيارهم بواسطة المواطنين في الشعب المسجلين على اللوائح الانتخابية في عملية انتخاب أو اقتراع عام سري ومباشر.
 
ويكون للبرلمان السلطة الكاملة فيما يتعلق باصدار التشريعات والقوانين، أو إلغائها والتصديق على الاتفاقات الدولية والخارجية التي يبرمها ممثلو السلطة التنفيذية.
 
ويطلق على البرلمان تسميات مختلفة حسب كل دولة مثل "مجلس النواب" - "المجلس التشريعي" - "مجلس الشعب" - "مجلس الأمة" أو الجمعية الوطنية، أو "المؤتمر العام الوطنى"
 
والبرلمان له ثلاث مهام هى التشريع والرقابة على أعمال الحكومة وتمثيل الشعب أمام الحكومة
 
أتمنى أن أكون هادئا لأنقاش هذه المهام الثلاث ، باحثا عن الأنجازات الملموسة التي تمت بالعشر سنوات الماضية ، محاولا أن أبتعد عن اللعنات التي إزدادت عندي في الفترة الأخيرة على المحتلين ، وما خلفوه لنا من دمار مادي ومعنوي أرجعنا الى العصور الحجرية ، حتى صرنا نسمع كل يوم وسط الظلمات العقلية التي تشج القلب : ( مئة قتيل في العراق ، وثلاثة شهداء في بلدنا المحتل فلسطين) فصار حلمنا الذي تدمع له عيوننا أن يتحول هذا المستنقع الدموي الذي يسمى العراق ، الى مكان آمن نستطيع أن نعيش عليه على الأقل بلا خوف . في الوقت الذي لا تتوقف فيه المشاهد الهزلية التي تعرضها علينا القنوات التلفزيونية منقولة من جلسات مجلس نوابنا ، لنرى أحدهم قد زعل وإنسحب ، والآخر قاطع و لم يحضر من مدة طويلة لأنه لا يتفق مع توجهات السلطة أو مع مجريات الأمور (لكنه لا يتنازل عن مرتباته ، ومخصصات حمايته، وهو جالس إما في عمان أو بيروت أو لندن أو .. أو).
 
ولكني قبل أن أعود لمناقشة المهام الثلاث للبرلمانات في العالم ( التشريع , والرقابة، وتمثيل الشعب ) ، أود أن أضع بعض الأرقام أمام أعين القارئ الكريم ، على وجه المقارنة :
 
• · نشر الأستاذ شمخي جبر على الفيس بوك بتاريخ 29/7/2013 معلومات مهمة ،مفادها : إن ما صرف (كرواتب تقاعدية ) ، خلال السنوات الثماني الماضية لأعضاء المجالس التشريعية (الأتحادية ، والمحلية ،هو أكثر من 654.290 مليار دينار .
 
• · تجاوزت رواتب النواب والوزراء و أعضاء الحكومات المحلية (117) مليار دينار سنويا .
 
• · ونحن نعرف بأن الثروات الطائلة التي تجمعت لدى أكثرية هؤلاء النواب والوزراء ، تدر أرباحا سنوية هائلة من العقارات والمقاولات والحسابات المصرفية ، والتي أكثرها تدار في خارج العراق .
 
و للمقارنة البسيطة سأعطيكم بعض الأرقام للناتج الداخلي الخام لبعض الدول ..... و لكم واسع النظر:
 
- الاوروغواي 13 مليار دولار.
 
- كرواتيا 32 مليار دولار.
 
- نيجيريا 71 مليار دولار.
 
- ايران 161 مليار دولار.
 
- البرتغال 167 مليار دولار.
 
- الدنمارك 241 مليار دولار.
 
- الارجنتين 152 مليار دولار.
 
وإذا عرفنا بأن بناء أعلى برج في العالم ، وهو برج خليفة الدولي في دبي الذي بلغ إرتفاعه (828) مترا ، ويضم (1044) شقة سكنية الى جانب المكاتب و المرافق الخدمية و المنشآت المختلفة ، ومرآب السيارات ، ويعمل ويقيم فيه بحدود ( 1200) شخص ، ويتألف من (200) طابق ، وبالإمكان رؤية قمته من مسافة (95) كم، كلف فقط مليارا ونصف المليار دولار.
 
لنتصور أننا بهذه المبالغ المهدورة ، كان يمكن لنا أن نبني أكثر من 400 برجا مماثلا ، لنجعل العراق يدخل العراق مجموعة غينس للأرقام القياسية بعدد الأبراج الخرافية ، كم من الملايين من العاطلين عن العمل ،كان يمكن أن تستوعبهم مثل هذه المشاريع .. وكم شبكة كهربائية عملاقة كان يمكن للعراق أن يقيمها ، قادرة ربما على إنارة الشرق الأوسط كله .
 
والآن أعود الى المهام الثلاث لمجلس النواب الموقر أسأل أي التشريعات المهمة التي سنها ؟ ومن المعلوم لدينا بأن هذا المجلس كان يكلف من بين أعضاءه لجانا إستشارية ، لتقدم مسودات القوانين ، وهؤلاء الأعضاء عادة ما يكونون من الكتل النيابية الفائزة ( وسؤالي هنا ألا يمتلك العراق من الخبراء والأستشارين من المستقلين والذين تعترف بخبرتهم و قدراتهم دولا كثير ، ويمكن للسلطة أن تكلفهم مؤقتا، بإعداد وسن القوانين ، لقاء مبالغ مقبولة ومتعارف عليها عالميا ، ودون أن نحتاج الى تحمل أعباء الرواتب التقاعدية لهم ؟؟؟
 
والآن نعود الى المهمة الثانية والمهمة ، ألا وهي الرقابة ، فعندما نعلم بأن لجنة النزاهة النيابية كشفت ( وفق مصادر صحفية ) عن أن حجم الأموال العراقية (المتواضعة ) التي (هُربت)الى خارج العراق منذ(2003) يصل الى (130) ملياردولار ( وهذا المبلغ يساوي كلفة 186 برجا مشابها لبرج خليفة الدولي) ، رافق ذلك هروب (37) مسؤولا مهما ، منهم شلاثة وزراء وتسعة مديرين عامين . وفي وقت أعلنت الأمم المتحدة في حزيران الماضي ، أن نسب الفساد الأداري في العراق في (تزايد مستمر) ، م}كدة أن نحو 60% من موظفي الخدمة المدنية في العراق " هم من مستلمي الرشاوي" ، فيما أكدت أن نسب الفساد في بغداد أعلى منها في في بقية المحافظات .. فوفق هذه المعلومات المؤكدة والدقيقة ، أود أن أطرح السؤال : هل إستطاعت الرقابة النيابة أن تؤدي دورها وبفاعلية مؤشرة ؟؟؟
 
وأما المهمة الثالثة ،وهي تمثيل الشعب أمام الحكومة ، فما عادت هذه الذريعة الكبرى التي يتمسك بها هؤلاء النواب قائمة ، ولأن الثورة الرقمية قد فتحت آفاقا أرحب أمام المواطنين ، ليوصلوا رأيهم مباشرة ، ومن خلال الأنترنيت الى أصحاب القرار ، إن كانوا الآخرين جادين لسماع شكاوي ومطالب الناس، في مثل الظروف لبتي نشخصها ونعيشها اليوم لسنا بحاجة الى هذا الوسيط التقليدي بل يمكن الأستعاضة عنه بالوسيط الألكتروني ، هذه العملية لا تحتاج أكثر من تشغيل 1000 متخخصص في الأتصالات أو في علوم الحاسبات في الوزارات والمديريات العامة المهمة ( وبمرتبات إعتيادية ، وفق السلم الوظيفي ) .و لأني لم أجد أحدا من هؤلاء المنتخبين قد فكر بأن يمثل مطالب الشعب المسكين ، الذي يعيش نصفه تحت خط الفقر ، فليس لدي من تعليق .. للقارئ الحصيف مفضلا أن أقدم إعتذاري عن الإستفاضة في هذا الصدد ، لأني لا أريد أن أُسيئ أليه ، وأتهمه ، بأنه مغفلا ، ولا يرى ما يجري أمامه من تجاهل لكل همومه وإحتياجاته اليومية البسيطة .
 
والله لو قدموا لنا إنجازا واحدا يعادل 1/1000000 من الأموال المصروفة عليهم لرضينا ، وحمدنا الله على ذلك ، ولكن أين ومتى ..
 
وقبل أن تقع الكارثة المفاجئة و التي بالتأكيد ستكون خارج السيطرة وتهدد الحياة ، وهي حدث يفوق التصور البشري والتجربة الأنسانية
 
وتلافيا لكل ذلك ، لابد لنا من إيقاف هذه المهزلة الكبيرة المفتعلة ، التي لسنا بحاجة إليها على الأقل في هذه الفترة من تاريخ مجتمعنا المتورط بعشرات ومئات المحن . ليس عيبا أن نبقى بدون برلمان لمدة أربع سنوات ، وحتى تتأسس بشكل تدريجي لدى شعبنا مفاهيم وعادات ممارسة الديمقراطية ، ولكن العيب هو أن نمارس شكليات لا نفهمها ، قد توصلنا الى التيقن من أن الوطن ليس آمن ، وغير عادل ، ومن ألصعوبة توقع أي شئ جيد سيحدث فيه غير الكارثة .
د.هاشم عبود الموسوي

27
أدب / نابُلسُ عفوك
« في: 18:49 01/08/2015  »


 نابُلسُ عفوك ..

 
د.هاشم عبود الموسوي
 
مهداة الى رضيع نابلس الذي أحرقه الصهاينة الاوباش
 
مهلاً فكل عروش الظلم تنكسرُ
نابُلسُ تعرف كيف الثأر والظفرُ
هـــم أشعلوا النــارفي جهلِ لعاقبةٍ
ونارنـــا النــارُ لا تبقي  ولا تذرُ
تا الله  إنـــا على عزمٍ  نعاهدكم
*خلــف السحاب سنبقى ذلك القمرُ
*وخلــف أعراس أوغــادٍ مآتمهم
*نابُلسُ تعرف كيف الثــأر والظفرُ
نابُلسُ للعرب إن طالت وإن قصرت
أيدي الطغاة وان سٌـــروا بما نكروا
والقدسُ لــغزْ تعاصــى حـــله أبداَ
للفاتحين ومن مروا ومن عبــروا
والقدس لله إن هــدوا وإن حفــروا
والله للقدس إن بــروا وإن نكـروا
كـــم جاءها غاشــم ْباغي يدنسها
وكم فلــول على أعقابهم نـُـحروا
يا قدس عفوكِ إن عاث الزناة بنا
ودنسوا أرضنا بالعهر وإعتمروا
من كل جحرِ حقيرِ كان يلعنهم
جاءوا إليك رعــاعاَ كلهم شررُ
فأحرقوا النخل والزيتون وأنتهكوا
طهارة الارضِ لا سمعٌ ولا بصرٌ
تبكي الطيورٌ على أعشاشها كمداَ
فأصبح الشجــر المحروق يعتذرُ
اليوم يبكي صلاح الدين من كمدٍ
ضــج النداء فأين القــادم الاشرٌ
كل المدافع أُخـرِست وتســابقت
خطب الحماس وفيها يكمن الخطرٌ
هي ذي العواصم أوغلت في صمتها
والقدسُ عزلاء تلقــى الــنار تستعـــرُ
إذا أستعــان بنا الاقصى بلا أمــلٍ
لكعبة الله يومــاً يزحف الخطـــرٌ
هذا الرضيعُ وعن ثــأر يناشدنــــا
والارضُ عطشى لنصر ظل ينتظر
وطن الدماءِ وكـم تزف الى الثــرى
ورد الربى مـــن طيـــبه نتطعـــرٌ
أنتِ الولادةٌ بعد الــموت نطلبهـا
لامةَ عجزت في وصفها الصورُ
هذي القبور التي في الارض نزرعها
هــــي البقاء لمـــن قد ناءه الكـــدرٌ
يا صـــــابرين على بلواكم زمناَ
لاتأمنـــوا الزمن الآتي وتنتظروا
ثوروا على نكد الدنيا إذا نكـدت
ومن يثور على ضيم سينتصــرُ
 
*ثلاثة أشطر مستوحاة من نص قديم للشاعر العراقي المرحوم أسعد الشبيبي مع بعض التحوير.

28
شذرات من عمارة عصر التنوير
د.هاشم عبود الموسوي

   قبل أن تبدأ فترة العمارة المعاصرة في القرنين التاسع عشر والعشرين (Contemporary Architecture 19th and 20th Century) كان قد بدأ عَصر مُهم (وسيط) بينها وبين التراث الغربي الكلاسيكس في العمارة، وسُمي هذا العصر بعصر التنوير (Age of Enlightenment) .. وبما يخص العمارة فأن هذا العصر احتوى على فترتين مهمتين وهما:
   عمارة عصر النهضة (Renaissance Architecture) وعمارة الباروك (Baroque Architecture).
   وقد سُمي عصر النهضة بعصر الإنسانية (Humanism) والمعرفة العقلية، فلأول مرة ظهرت مدارس فنية ذات اتجاهات متعددة كما تميزت هذه الفترة بحركة فصل الفن عن العمارة وظهور فروع البناء والنحت والرسم الزيتي كفروع مستقلة. ولم يكتف باستقلالية شخصية الفنان، بل انفصلت اعماله عن المحتوى المعماري.
ولعل السمة العامة لهذا العصر هو العودة إلى الكلاسيكسة في مسقط رأسها (إيطاليا) بلغتها ومفرداتها، حيث الشكل العام للمسقط هو شكل هندسي بسيط، كما استبدلت العناصر الرأسية من الهياكل الحجرية في العصور الوسطى بالجدران الحاملة كعنصر إنشائي أساسي يتحقق فيه الهدوء والقوة والواقعية، وغالباً تتقدم صفوف من الأعمدة والعقود المنفصلة أو المتصلة بالجدران. وتكون حاملة أو داعمة لها. أو قد تكون مضافة للزخرفة، وهي تحمل التشكيلات والتكوينات في الواجهات وتخترق الجدران مجموعة من الفتحات المعقودة أو ذات القوصرات .. أما القباب فهي نصف دائرية ظاهرة من الخارج على رقبة اسطوانية ذات فتحات صغيرة. كما في كنيسة سانت سبريتو (St. Spirito) في فلورنسا أو كنيسة سانتا ماريا ديللا كونسولازيون (St. Maria della Consolazione).



كنيسة سانت سبريتو


كنيسة سانتا ماريا ديللا كونسولازيون
والقصور الإيطالية تميزت بالشكل الهندسي البسيط، والخطوط المستقيمة، والزوايا القائمة، والجدران الحاملة المستوية أو ذات الأكتاف الرأسية المستندة على بواكي منتظمة. هذه الجدران زُيِّنَت من أعلى بكرانيش بارزة كبيرة، وكذلك فى المسافات بين الأدوار المختلفة فى المبنى. وبصفة عامة كان المسقط متماثلاً، وإن تحقق هذا التماثل أحيانا على حساب الاستعمال والوظيفة. أما المداخل فهي مؤكدة بالعقود نصف الدائرية المتتابعة، كما فى قصر فرنيزي (Palazzo Farnese) بروما، وأحياناً كان المسقط غير متماثل، ولكنه موجود داخل شكل هندسي منتظم، كما في قصر ريكاردي (Palazzo Ricardi). ولعل من أشهر الأمثلة -التي تكرر استعمالها فيما بعد في القصور الإيطالية- ما كان على غرار فيلا كابرا (Villa Capra) لبلاديو (Palladio)، وهي على شكل مربع متماثل من الواجهات الأربع، ذات أربعة مداخل مسقوفة بقوصرات، وفي منتصف المسقط يوجد فناء داخلي مستدير، تغطيه قبة نصف دائرية مضاءة من أعلى ومن الجوانب.

قصر فرنيزي


فيلا كابرا

أما عن ملامح عصر النهضة فى أوروبا -فقد مرت بأكثر من مرحلة كل منها كانت لها شخصيتها وطرازها، فالمرحلة الأولى تحويلية وتميزت باشتراك خصائص العصر القوطي مع عصر النهضة، مما أعطى صوراً تعبيرية خاصة مشتقة من المبادئ الإيطالية. وعلى الرغم من أن الأشكال كانت هندسية بسيطة إلا أنها في فرنسا اتجهت نحو الإضافات والتعقيدات والزخارف، وظهر الميل إلى الرأسيات بعكس الأفقيات التي كانت موجودة فى إيطاليا. وكانت القصور هي رائدة المباني في تلك الفترة مثل قصر دو بيري (Chateau de Bury)، وقصر شامبور (Chateau de Chambord).


 قصر شامبور

وفي المرحلة التالية أو المرحلة الكلاسيكية (Classical period) ظهرت أنشطة فنية ملحوظة -وخاصة في الخوارج- من حيث الاستخدام الحر للنسق أو الطراز العام، بينما ظهرت في الدواخل أشكال غريبة تمثل التموجات الملائكية والحوريات، وأصداف وقواقع البحر من تشكيلات جصية ذات أحرف مذهبة. هذه الزخارف انتقلت أيضاً إلى الأثاث والتركيبات الداخلية. وقد مثلت هذه المرحلة فترة ذهبية لعصر النهضة.
أما المرحلة الثالثة المتأخرة (Late period) فقد اتجهت نحو الباروك وزخارفه، وإن كان ذلك بدرجة قليلة. وتميزت تلك الفترة بإقامة المباني التذكارية ذات المقياس الضخم، والتي يظهر فيها كل جديد، ويرى ذلك واضحاً مثلاً في حدائق فرساي (Versailles). وهذه المرحلة كانت هي بداية عصر الباروك.



حدائق فرساي
أما عن الفراغ فإن معماريي القرن الخامس عشر قد غيروا من اتجاه التخطيط التقليدى للفراغ، متجهين إلى المسقط المركزي بدلاً من المسقط الطولي، وهذا يرتبط أكثر بفكرة توحيد الفراغ. وكما سبق أن رأينا الطراز المسيحي البيزنطي، وما تميز به من وصول إلى قوة ديناميكية المساقط المركزية، فإننا الآن نرى محاولة للسيطرة على جميع القوى الديناميكية النابعة من المحاور، وفي القرن الخامس عشر والسادس عشر ظهر اتجاه لتفضيل المساقط المركزية، كما في كنيسة سانت سيباسيانو (St. Sebastiano) في مانتوا، وكل من مشروعات برامنتي ومايكل أنجلو في كاتدرائية سانت بيتر (St. Peter).



كنيسة سانت سيباسيانو


كاتدرائية سانت بيتر

وكانت الأفضلية للصليب الإغريقي (Greek Cross) حيث تتوازن الأذرع مع نفسها، ولا يتعاظم المسقط في المركز، بل يبدأ عنده ويمتد إلى الخارج من أسفل القبة، ومن المركز تتفرع الأجنحة. أما في كنيسة سانت أندريا (St. Andrea) في مانتوا فتد حذف ألبرتي الأجنحة التي كانت تعطي ظلاً على الجوانب، وذلك بتكبير الصحن، مع وضع صفوف من الخلوات (Chapels) على الجانبين، وفي هذه الحالة أصبح هناك فراغ واحد وممر واحد ووحدة واحدة للقياس. وكانت هذه هي الروح السائدة في عمارة عصر النهضة.



كنيسة سانت أندريا



وقد تميزت الواجهات عامة بملمسها الخشن في الأدوار الأرضية ، لإعطاء الشعور بالقوة، وظهرت بوضوح مجموعات المداميك من الحجر الصلب ذات العراميس الغائرة المكونة لجدران الدور الأرضي. هذه الجدران يعلوها جدران حجرية ناعمة الملمس في الأدوار العلوية، وتنفصل الأدوار عن بعضها في أغلب الأحوال أفقياً بالكرانيش المزخرفة. وقد تأكدت البواكي في بعض المعالجات بأعمدة أو أكتاف ملتصقة ، كما بُرّزت الأركان بوضع زخارف تحيط بها وتعلوها وتميزها من بعيد، كذلك تميزت المداخل بمعالجات معمارية كالأعمدة والأكتاف والعقود والقوصرات والشرفات. والتأكيد الحادث هو تأكيد منطقي وإنشائي للجدران الحاملة -لكونها من أحجار بارزة وأجزاء غائرة- وللوحدات المعمارية بتكوينات خاصة (Compositions) كما ساعدت هذه المعالجة بالحجارة البارزة على تحديد الإطار الخارجي للمبنى مع كورنيش بارز أو أكثر لإنهاء الكتلة من أعلى.
أتمنى بعد هذا العرض السريع لعمارة عصر النهضة أن أتناول عند توفر الوقت والإمكانية لعمارة الباروك (Baroque Architecture) والتي توجهت بشكل رائع من الجمال الكلاسيكس إلى الإبهار والإعجاز الشكلي العضوي. والتي أعدت هذه الفترة من الفترات الذهبية لوجود اللون في الداخل والخارج.

29
الرؤية الأسطورية الدينية
وتأثيرها على الموروث الشعبي

د.هاشم عبود الموسوي

كانت ولا زالت تتبلور في كل الحضارات و المجتمعات ، وعبر العصور وجهة نظر تؤدي الى الإعتقاد بأن الأساطير ، وهي من عمل الآلهة و الملاحم وهي من عمل الأبطال الإسطوريين أو السلف العظام، وبذلك فإن أعمالهم تكون خالدة ومستمرة ، ونادرا ما تخضع للتعديلات الدقيقة، وبتقليدها يكتسب العمل الشعبي، مكانة مقدسة ، مما يدعو للإعتقاد بأن ذلك يقربه من الحقيقة المطلقة . ولذلك فإن الإبداع الشعبي دائما ما يستمر لآلاف السنين ، وما هذه الإستمرارية إلا نتيجة للإتفاق وتوحيد الرؤية  التصميمية لكل من الحرفي والزبون الشعبي ( المستعمل للنتاجات التراثية ) ، فهو يشغل الفراغ ويزخرف الكتل عبر ما تتناقله الأجيال من أساطير ، ومن ممارسات  وتجارب الأجداد.


بيت الأرواح بمنطقة نهر الكيبيك – غينيا الجديدة
والإنسان بطبيعته ذو عقيدة دينية مسيطرة ، وعادة ما يصاحبها مجموعة من المعتقدات الشعبية الإسطورية ، وقد إختار منها الإنسان ما هو مقدساً من أماكن و أزمنة وأنشطة للإرتباط بها ، لأنها تمثل له الحقيقة المطلقة ، كما تمثل له طريقة لإنقاذ حياته من الطبيعة ذات المفاجات غير المتوقعة .. وبذلك حدد الإنسان فراغاً  مقدساً لتنفيذ فكرة عقائدية لأنها تردد اسطورة خاصة. ومن هنا  فإننا نجد أن الإسطورة هي رافد مهم ومنهج إبداعي شعبي .

احتفال جون ماتسوري، وهو من أكبر الاحتفالات باليابان


وقد تعرض الباحث الأمريكي "جوزيف كامبل " ( J. Campbell ) ، وهو من أكثر العلماء المعاصرين إهتماماً بالأساطير في بحوثه وكتاباته المتعددة لمفهوم الإسطورة، وتأثيرها على إعطاء المعنى الشمولي للحياة ، مما يجعل الإنسان راغباً في أن يسبغ ملامح الأسطورة  على جوانب حياته المختلفة، في المعيشة والملابس والعمارة، وقد أفرد كامبل مؤلفين للحديث عن هذا التأثير الجوهري، وهما : "الأساطير والأحلام والدين" و " قوة الأسطورة " ( The Power of Myth ) .

شموع طافية في النهر بمناسبة يوم احتفالية (خضر الياس)

وهنالك رأي لا يستهان به، أورده العالم النفسي الكبير " كارل يونغ " (Carl Jung)، مفاده أن مشاكل العالم الحديث تعود الى فقدان العلاقة بين الإنسان ورموزه وأساطيره وأحلامه، هذا الفقدان جعله يعتمد على فرديته، والتي أسماها "يونغ" بعملية التحول الفردي (The Process of Individuation) ، وأبرز دور اللاوعي في إعادة إثراء هذه العلاقة، وذلك في كتابه الشهير "الإنسان و رموزه" (Man and his Symbols).


عازفي الربابة والجوزة


وهنا تجدر الإشارة الى ظاهرة مهمة، بما يخص التراث الشعبي، ألا وهي :"إننا مثلما وجدنا تشابها وإستمرارية زمانية، فإننا أيضاً غالباً ما نجد تشابها وإستمرارية مكانية بين النتاج الشعبي لعدة أقوام وقبائل متباعدة ومتباينة "، وذلك بسبب تشابه الرؤية الإسطورية الدينية بينهما، وبصرف النظر عن إختلاف تقاليدهم المتوارثة، فإن أسلوب إبداعهم الشعبي يكون على درجة عالية من التشابه، وهذا قد يتضح من خلال مقارنة إنتاج عدة قبائل في غرب أفريقيا.. (على سبيل المثال) ، بدءا من إختيار الموقع الذي يقيمون فيه الى التقسيم والتخطيط ، الى أدق تفاصيل الزخارف والألوان والأشكال ، كما إنتقل التعبير الإسطوري الديني الى مجالات أخرى كالأدب والشعر والغناء والموسيقى وغيرها.


ذات السبعة عيون - مانعة الشر والحسد حسب الاعتقاد الشعبي

وهنا يمكن إعتبار الموروث الشعبي تراثا جماعيا  وليس من صنع فرد عبقري واحد، بل هو ميراث تناقلته الأجيال شفاهيا جيلا بعد جيل ، مثل الغناء أو الشعر الذي يتناقله الرواة و الحفظة ، وشعراء الربابة، وقد يدخلون عليه بعض التطور و التعديل ليكون صالحا كغذاء للوجدان في المجتمعات الشعبية.


قواد احدى القبائل الافريقية

30
كيف يتم إختيار الشكل المعماري المناسب للمباني

د.هاشم عبود الموسوي

   من المعروف إن لكل عمل فني (شكلا ومحتوى)، فالشكل يكون خاضعاً للعلاقات الشكلية، حيث يدرك من خلالها، وأما المحتوى فيتم استيعابه من خلال تنظيمات الشكل نفسها.
   إن أي عمل معماري يكون مؤلفاً من جزأين متلازمين (فكري وعملي)، ويمثل الشكل الجزء العملي لهذه الثنائية، وهو الجزء الظاهر أو الجسم الحاوي، والذي يكون ناتجاً من خلال قوانين موضوعية Objective Laws.
   يخلص بعض منظري العمارة إلى أن الإنسان في علاقته بالعمارة وفعاليات صنعها يكون في موقعين:  الفاعل وصانع الحدث، والمتلقي (مراقب الحدث)، والتي تتحقق في العمارة بصيغة إعطاء شكلاً لها، حيث يدرجها الإنسان في حالتين، الأولى كمادة (شكل ماري)، والثانية (كدلالة وفكرة).



معبد البارثنون - أثينا
   ونريد التذكير بأننا نعتبر الشكل هو الجزء المادي للعلاقة المعمارية، أي الدال عليها، بينما يمثل معنى الشكل أو محتواه، مدولها.

تعريف الشكل:
   الشكل هو مجموع الخواص التي تجعل الشيء على ما هو عليه، إذ تتجمع الصفات الحسية وتعطي كلها معاً شكل الشيء، فإذا كان هذا الشيء مركباً من اجزاء متعددة، فالشكل هو الذي يطلق على مجموع الأجزاء وعلاقتها مع بعضها البعض وبينها من الفراغات، داخلها أو حولها، التي تحدد كلها طابعاً مميزاً لذلك الشيء أو الجسم والذي هو مادة يمكن إدراكه بالحواس، أما الشكل فصفة تجريدية يدركها العقل عن طريق الحواس، ولكنه لا غنى لأحدهما عن الآخر وهما يكونان وحدة متماسكة.



كنيسة أيا صوفيا- أسطنبول
   وعند البحث عن تعريف الشكل المعماري عند بعض منظري العمارة نرى أنهم يقولون بأنه (أي الشكل المعماري) مجموعة سطوح تحدد فيما بينها فراغاً داخلياً، أو أنه كتلة مكونة من مادة أو أكثر مشكلة السطح أو الأسطح بلون طبيعي أو صناعي، يخضع لمعالجات تتفق مع خواصه الطبيعية، وتظهر حيويته بالضوء الطبيعي، والعناصر الأساسية المكونة للأشكال المعمارية، الخطوط والمستويات والأجسام والحيزات والكتل. ويمكن بسهولة ملاحظة سطحية هذه النظرة للشكل حين أغفلت الجانب المعنوي (الفكري) له. ولكن الشكل في حقيقته هو ما تعرفه النظريات بأنه مجموعة عناصر أدركت بمجموعها، ليس كنتيجة لأي تجمع عفوي.


مسجد قبة الصخرة – القدس، يحقق مبدأ الوحدة في الإسلام، حيث ينطلق الفراغ من نقطة يتكون حولها الكل من جزء مكرر



مؤثرات الشكل:

   ينتج الشكل نتيجة تفاعل عوامل مادية ووظيفية وعوامل روحية سيكيولوجية إنسانية، ويحدد الباحثون العوامل المادية في:
أ. العوامل الطبيعية.
ب. العوامل التكنولوجية.
فيما يحددون العوامل الروحية والفكرية بأنها تشمل:
أ. العوامل الإنسانية (الدين، السياسة، المجتمع).
ب. عوامل طابع العصر (الاقتصاد، القيم الجمالية، الأتجاهات المعمارية).
   ويقولون بأن الشكل هو حصيلة تفاعل واعٍ لمجموعة هذه العوامل المختلفة المحددة للشكل من خلال صياغتها داخل رؤيا المصمم والتي تعطيها طابعاً مميزاً تحت هذه الظروف، وأن صياغة هذه المؤثرات على الشكل خاضعة لعوامل كثيرة ومعقدة ومتبادلة التأثير فيما بينها، وقد اختلفت عبر التاريخ حسب نظرة المحلل لها.
   إن هذه العوامل تعمل بدرجات متفاوتة باعتبارها عملية تكاملية وليست حسابية وطبقاً للدكتور ساهر القيسي (*) فإنه يقسم مؤثرات الشكل إلى قسمين رئيسيين:
الأولى هي العوامل الثقافية والتي تتسم بالتغير مع الزمن والثانية هي العوامل الطبيعية والتي تتسم بالثبوت، هذا ويظن أغلب المنظرين بأن أكثر المحددات وضوحاً في صياغة الشكل تكاد تكون محددات لا عقلانية بالتعبير عن الأحاسيس البشرية والإرادة الإنسانية (الفردية والجمعية) أكثر من ارتباطها بحسابات منطقية قياسية مجردة، فعملية أنتاج الأبنية وتوقيعها هي عملية متعددة الجوانب، تعبر عن إرادة واضحة ومهيمنة. كما أن الشكل الذي يتخذه أي مبني يرمز إلى قرار واضح يعبر عن توجه اجتماعي معين (أو توجه فردي في بعض الأحيان)، يحفز بدوره ظهور ردود أفعال متباينة (أيجابية أو سلبية، مباشرة أو غير مباشرة).
المؤثر الديني (العقائدي) للشكل:
   يُعتبر الدين محدد غير مادي للشكل، حيث تقول مدرسة الجغرافيا المقدمة من قبل بليك Blache وفيير Vebure بأن الإطار المادي يمكن أن يزود الإمكانيات وليس الالتزاميات، لأن الإنسان هو من يتخذ القرار، وهناك الكثير من الأمثلة التي تؤكد بأن الأشكال (خاصة البيوت)، ليست ناتجة من أثر القوى المادية، وخاصة ما يلاحظ من أن الشكل في الغالب يتغير في المناطق في حين أن المظاهر المادية لم تتغير.

شكل تشخيصي مبني على الماضي، متطلعاً للمستقبل في مبنى هيومانا، للمعماري مايكل كريفز
   وهناك أراء حاولت إجابة التساؤل حول دور المحدد المادي التي برهنت بأن الإنسان حيوان صانع للرموز قبل أن يكون صانع للأداة، حيث يضع الإنسان طاقته بأشكال رمزية أكثر من أشكال نفعية، ويقول بأن إنجازات الإنسان معتمدة كثيراً على الحاجة إلى الأستفادة من موارده الداخلية (لنفسه)، أكثر من حاجته للسيطرة على البيئة المادية أو المزيد من الطعام، فهو قد وصل إلى درجة التخصص في الأسطورة والدين والطقوس، قبل تحقيقه لمظاهر مادية في الحضارة.
   إن الدين يؤثر على الشكل والمخطط والترتيبات الفراغية وعلى توجيه البيت، وربما يكون هو المؤثر الذي يقود إلى وجود أشكال معينة، (المستطيلة أو الدائرية  ..الخ)، حيث يعتقد أن بعض الثقافات Cultures التي لا تملك بيوتاً ذات نمط دائري، هو بسبب حاجتهم إلى التوجيه الكوني حسب معتقداتهم حيث يكون الشكل الدائري ليس سهلاً في التوجيه (في منطقة زولو Zulu  في أفريقيا نلاحظ وجود الشكل الدائري لأنهم لا يهتمون بعملية التوجيه، حيث لا نلاحظ وجود الخطوط المستقيمة في بيوتهم، بينما في مدغشقر يكون توجه البيوت وفق قواعد فلكية صارمة بما يفرض عليهم فكرهم الديني).
   وهنا نفس الشيء يحدث بأن البيت يجب أن يكون قبلي (وباتجاه القبلة – مكّة المكرمة).
   إن الشكل المعماري يمكن رؤيته من منظور المؤثر الديني على أنه انعكاس رمزي للتيارات الرئيسية للأفكار السائدة، خلال عصور معينة من الحضارة، فمن السهل جداً أن نقول بأن العمارة الغوطية عكست الروح الرهبانية لذلك يمكن رؤية الشكل المعماري من هذا المنظور بمستويين هنا:
1. المستوى الرمزي.
2. في الظاهرة التاريخية للفكر المعماري، هناك مفهوم يتداوله الباحثون في الحقل المعماري يقول بأن أغلب الشعوب البدائية وما قبل الصناعية كانت تشدد على الدين أكثر من الأعتبارات المادية في إنتاج الشكل، وهذا يدحض القول الذي يستند على تفسير أشكال العمارة البدائية تفسيراً مادياً.
المعنى والشكل Form & Meaning:
   إن المعنى (Meaning) هو أحد المكونات الأساسية للصورة العمرانية فكل عنصر من عناصر الهيئة الحضرية لابد أن يمتلك معنى محدداً يفسره المتلقي بشكل معين، سواء كان ذلك المعنى عاطفياً ورمزياً أو كان عملياً وظيفياً أو غير ذلك.


كنيسة سانت إيتين

   يمكن تعريف الصورة الذهنية نفسها على أنها معنى كامل يكونه قصد يستند إلى المعرفة فلا يمثل المرء لنفسه الصور الذهنية التي يعرفها إلى حد ما .. فالصورة الذهنية لا يمكن وجودها من غير المعرفة التي تؤلفها.
   ويحدد أصحاب المذاهب النظرية من الفرنسيين بأن المعنى ليس موضوعاً يتطلب تحديده، بل أثر يجربه المرء.
   إنّ الناس الذين يعيشون في فضاء معماري، فإن أفعالهم وكل حياتهم الروحية والنفسية والمادية عندماتتم فيه هي أساس تكون المعنى، فمضمون العمارة هو محتواها الأجتماعي Social Content.
   إن أي شكل طالما يتم إدراكه يصبح وسيلة للتعبير وقادراً على إيصال المعنى، وحتى تلك الأشكال (المعمارية أو الفنية) التي يراد لها أن تكون محايدة او خالية من المعنى والتعبير (حسب ادعاء مصمميها) إنما هي (تعبر) عن الحياد وتنقل رسالة معنوية مهمة وواضحة تجسد الفكر الذي أنتجها، والواقع الثقافي والاجتماعي أو الاقتصادي الذي تنتمي إليه.
   في عملية الأتصال التي تحدث للشكل المعماري هناك بعض الحقائق يمكن استقراؤها من خلالها وهي:
1. الناس يسقطون (يحددون) المعنىٰ في بيئاتهم في صيغ ليست عشوائية بل محكومة بواسطة قوانين وخاضعة للتغير ألتاريخي.
2. المصممون يمتلكون قدرة على إنتاج أشكال غير ذات معنى للناس الآخرين بالأضافة لأنفسهم.
3. المعانى المسقطة على الشكل خلال فترة حياته تكون مختلفة ومعقدة كثيراً أكثر من أي تفسير منفرد يمكن تصوره حتى لو كان للمصمم نفسه.
4. ربما يحاول المصممون المشاركة بالمعنى الذي يسقطه الناس على أشكالهم، وربما أنهم يعالجون الشكل من أجل اقتراح معان بالنسبة للمفسرين. ولا يفترض هنا أن الناس سيفهمون ذلك بصورة جيدة، وهناك من يقول بأنه لا يسيطر المصممون على المعاني التي سيقرؤها الناس في الأشكال التي ينتجونها مثلما يسيطرون على نجاحهم.
5. يشعر المفسر في بعض الأحيان بأن المصممين ينوون أيصال Communicate شيئاً ما، ولكن هذا ما يعتقده المفسر وليست نية المصمم ذلك.


31
علم النفس يعلمنا (كمعماريين ) كيف نحس بالمكان
د. هاشم عبود الموسوي

يمثل الإحساس بالمكان مكونا أساسيا من مكونات الإرضاء العاطفي للإنسان من خلال معيشته في مكان محبذ و قريب من ذاته و يجسد مفاهيمه العامة وغايته و وحاجاته ، الا أن الإحساس وبشكل عام يمثل دعما و إسنادا مهما لهوية الجماعة وتماسكها بداخل أي فضاء وظيفي يشغله البشر .


إرتباطه المباشر بعملية تطور البناء الذهني للفرد من حيث كون العمارة تمثل فضاءات شاملة و عميقة لكافة جوانب الحياة .
من هذا المنطلق لابد لنا من إعطاء مفهوم أشمل لهذه الظاهرة من خلال دراسة مراحل الإحساس في كل من علم النفس والدراسات المعمارية ، ومن ثم كيفية عمل الإحساسات المتعددة على مستويات الفضاءات الداخلية والخارجية التي يرتادها الإنسان، والعوامل المؤثرة على الإدراك الحسي البيئي المرتبطة بالفرد من جهة والمرتبطة بالبيئة من جهة أخرى ، مع توضيح المكونات الأساسية للإحساس بالمكان الشكلية والمفاهيمية والرمزية التي تكون أكثرالمكونات عمقا ، ومن خلال هذه المكونات يتضح وجود خصائص إجتماعية و نفسية وبيئية للإحساس بالمكان .


يشكل الإحساس بالمكان أحد الإبعاد الأدائية للمكان ، لذلك فإننا نجد من الضروري إعطاء فكرة عن الاخصائص والقيم المكانية ، لما لهذه الأبعاد من أهمية في بناء الخارطة الذهنية و دورها في تحقيق شكلا ملائما للفضاءات التي نتكلم عنها .
و لأن الإحساس يمثل حلق الوصل بين الذهن والمحيط ، لذلك فقد إرتبط بالشكل المادي للمكان والمفاهيم والصور الذهنية عند مستعملي هذا المكان ، وعادة يتم التركيز على الجانب المادي من قبل المصممين  ، لذا كان من الضروري مناقشة أهم الوسائل المستخدمة من قبلهم لتحقيق الإحساس بالمكان و ما هي المشاكل التي تعرضت لها مدننا المعاصرة بما فيها من عمارة و عمران نتيجة للتغيرات الجذرية  والمفاجئة في تصميم البيئة الحضرية الجديدة .


ولو أردنا أن نتعرف على مراحل الإحساس ، لوجدنا أن هنالك إختلافا  بين الدراسات المعمارية  ودراسات علم النفس في هذا الصدد ، خاصة في تحديد مراحل  تسلسل الإحساس ، حيث صنفت دراسات علم النفس مراحل الإحساس كالآتي :

-   الإنتباه 
-    الأحساس
-   الشعور
-   الإدراك الحسي
-   الإدراك المعرفي


-   أما الدراسات المعمارية ، فقد أشارت ووفقا للمنظر "رابوبورت"     ألى وجود ثلاثة عمليات (مراحل) أساسية تمثل بمجملها مراحل إستلام  و تصور المحيط الخارجي الذي نعيش فيه و التي يمكن رؤيتها  كأطوار متعاقبة لعملية واحدة  وهي  :
-   الإدراك الحسي
-   الإدراك المعرفي
-   التقييم
-   وقد تم إعتماد تصنيف علم النفس بشكل أساسي لأنه العلم المتخصص بهذه العمليات و يمثل أساسا للدراسات الأخرى ، فضلا عن أن دراسات علم النفس أشارت الى المراحل التي يمر بها المرء و صولا الى الإدراك الحسي ، في حين إقتصرت الدراسات المعمارية على مرحلتي الإدراك الحسي  والمعرفي  وأضافت لها مرحلة التقييم التي لم ترد في دراسات علم النفس  والتي تم إعتمادها كمرحلة أخيرة من مراحل الإحساس .


-   أما إذا أردنا  أن نتفهم العلاقة بين الإحساس والإدراك للمكان  ، فنجد أن التمييز يقوم على أساس أن الإحساس عبارة عن إستجابة أولية لأعضاء الحس  ، بينما الإدراك عبارة عن الطريقة التي يفهم بها الموضوع ، وهذا التمييز له أهمية من الناحية النظرية لكنه قليل الأهمية من الناحية العملية ، حيث أنه في الواقع لا يوجد إنفصال بين الإحساس و الإدراك .
-   وعليه يمكن القول أنه لا يوجد إحساس خالص لا يعقبه إدراك إلا في الأحوال النادرة ، وكما يقول ( وودورث ) : (( لا يمكن أن نجد الإحساس الخالص إلا في حالات نادرة فعند الطفل حديث الولادة مثلا ، فهو يرى و يسمع  و لكنه لا يعرف ما يرى وما يسمع )) .


-   ويقول (شارل بلوندال) : " ربما كان الإحساس الخالص لدى الراشد أقرب إلى أن يكون أمرا إفتراضيا و إستثنائيا على الأقل منه الى كونه أمرا واقعيا " .


-   مما سبق ذكره يتضح لنا أن التصنيف المتبع من قبل دراسات علم النفس هي أكثر تفصيلا و قة من تصنيف الدراسات المعمارية ، ولكن مع ذلك فهنالك بعض الجوانب المتفقة فيما بينهما ، فقد إتفقت الدراستان على صعوبة الفصل بين عمليتي الإدراك و الإحساس ، فالإحساس الخالص هو حالة إفتراضية ، ولا يوجد إحساس بدون إدراك ولا يوجد إدراك بدون إحساس .. لكل ذلك لابد للمعماري أن يلم بكل جوانب الإحساس بالمكان، من أجل أن يصمم لنا فراغات نحس بجماليتها و بحميميتها .



32
أدب / سالي
« في: 23:38 15/06/2015  »


سالي


هاشم عبود الموسوي

 
إغراؤها
 و لهوها العابث بيْ
 وصمتها  المحتال ..
قد يقتلني
وكلما تزورني
كإنها ..
 يمنعها الحياءْ
 فلا تقول
 ما تريد أن تقولْ
لتخفي النجوم في قميصها
...   ...   ...
 في سرها ..
تريد أن تراقص الضياء
وتوقض الشلال من وهدته
وتملأ الأنهار من رغوتها
وموجها ينساب خلف موجها
كرقصة للمد والجزر..
إنتهاءا و إبتداءْ
هي مثل ترويح البكاء
لا بد أن نحسه
نكرهه
نحبه
نشرب من دموعه
الماء والهواءْ
يا ويلتي
رحيقها الزابد لا يرحمني
لكنه يوحمني
بالمن والسلواءْ
يطيح بي مستسلما
...   ...   ...
لو لم تطل ..
بوجها الصبحي " سالي "
كبف يعتذر النهار
وكيف تحتجب الشموس
وتسقط الأوراق من أغصانها
وتعلن الأنهار والخلحان عن جمودها
يسكت نبض الأرض  ..
عن إيقاعه
وتختفي الأشياءْ
لا نهر
لا شجر
ولا بشر
ولا حتى رجاءْ
...   ...   ...
لأموت في عز الشتاءْ
 



شتاء1969
• قصيدة  كتبت في زمن ، لم نعرف فيه الإعتذار
 
 
 
 

33
التأثير اللوني في الهندسة المعمارية

د.هاشم عبود الموسوي


يلعب اللون دوراً هاماً في إعطاء تأثير جمالي للمباني، من حيث إتصالها بالطبيعة أو الإنفصال عنها، وإرتباط اللون بالبيئة الطبيعية (Color attachment) يأتي من خلال إرتباطه بالجمال الطبيعي. وهذا التوجه وجد على مر التاريخ، منذ أن عاش الإنسان الأول في الكهوف التي هي بلا شك جزء من البيئة و الطبيعة .. حتى وصل الى درجات أكثر تطوراً، كالمباني المعاصرة التي نسكن فيها ، وكتصميمات لوكوربوزييه للمباني السكنية في الحقول الخضراء، أو فيلات فرانك لويد رايت المصممة بعناية في بيئتها المحيطة بها.
ومن أجل تحقيق الإرتباط بالبيئة ،يتخذ المصممون مبدءا رئيسا ، ألا وهو التحكم في مستويات القيمة اللونية ، لكي تساعد على تحويل المركز البصري للمبنى الى المناطق المجاورة له ومن الواضح فإن هذه الوظيفة تناقض الدور الذي تقوم به الألوان في جذب الإنتباه .
وكإسلوب من أساليب الإرتباط مع الطبيعة، فقد أستخدمت الألوان المشتقة من البيئة الطبيعية، مثل الأخضر المشتق من لون الأشجار والزراعة، والأزرق المشتق من السماء، والرمادي والأبيض من السحب، وهكذا .. و قد يختار المصمم المعماري لوناً واحداً مسيطراً على المبنى. ويتم إختيار هذا اللون من الصلة المباشرة بينه وبين جيولوجية الموقع وألوان النباتات في الأرض المحيطة، وألوان مادة البناء، ومثلما قام به المعماري ريتشارد روجرز، بتحقيق هذا الأرتباط، بصبغ بعض المباني بألوان من البيئة المحيطة، ومن صخور الجبال المحيطة ومن لون كلوروفيل النباتات في الريف.
وقد يؤدي إستخدام لون واحد ومشتقاته (بهدف إيجاد شعور بالإستمرارية والوحدة في الكتلة) الى الملل خاصة في المسطحات الكبيرة. فقد عمد بعض المصممين الى إستخدام مجموعات لونية متعارضة مع ألوان البيئة المحيطة بالمبنى .. من أجل أن تظهر كتلة المبنى متدرجة في الصبغة الأصلية (Hue)  والشدة (Chroma) والقيمة (Value)

 وتعمد المعماري بإستخدام الألوان الداكنة  في الجزء السفلي (خاصة في المباني العالية)، بينما أعتمدت الألوان الباهتة في الأجزاء العلوية منها، وذلك لإظهار إرتكاز المبنى ورسوخه، وربطه بصرياً في الأرض.
ومن ممارسات الحركات المعمارية الحديثة، هو إستخدامها الألوان القوية غير التقليدية. وهذا ما إتبعه لوكوربوزييه بتفضيل الألوان الأساسية في مداخل الفضاءات الخارجية للشرفات، ليجعل منها تضاد (Contrast) مع الجدران الخارجية البيضاء، مثلما حدث ذلك في مبنى (Unite d’Habitation)

 

وكان إستخدام الصبغات القوية للإبهار ولجذب الإنتباه الى الشخصية المختلفة للمبنى.إستخدام لون قرمزي شاحب لتغطية كل أجزاءه. فأصبح هذا المبنى متفرداً ومميزاً كما عمد بعض المعماريين الى إستخدام لون مميز وغريب، أيضاً للفت الإنتباه لشخصية المبنى، كما فعل ذلك فرانك لويد رايت في مبنى صالة الفنون المسرحية في فلوريدا، من خلال بهذا اللون النادر، مما جذب إليه الزائرين بأعداد كبيرة.

وهنالك إتجاهات للتصميم باللون إتبعها عدد من المعماريين منها:
1- التصميم اللوني اللاهارموني، والذي يمثله مبنى هورتون بلازا في سان دييغو Horton Plaza, Sant Diego.

2- إستخدام المعماريون اللون ليوحي بأن هذا الجانب من المنزل يمثل إمتداد للحديقة .. والحديقة إمتداد للمنزل كما في Schulman House.




3- تصميم مستوحى من البيئة بإستخدام ألوان السماء وتقسيماتها ولون الأشجار، مما يجعل من المبنى جزءاً من الطبيعة المحيطة ، كما في الأبراج السكنية في تانتيير في فرنسا Tower Blocks in Nanterre, France.
4 – تصميم هارموني بإستخدام ألوان مشاركة في الصبغة الأصلية ومختلفة الدرجة Chateau Double Apartments.
5 – التصميم اللوني اللاهارموني بإستخدام ألوان مختلفة في الصبغة اللونية، كما في البوابة التذكارية للقرية الأولمبية في لوس أنجلوس Olympic Torin remembering, Los Angeles.




6 – تصميم متباين (لونين على طرفين متباينيين) لونين على طرفين متقابلين ، وهو نوع من أقوى أنواع الهارموني، كما في مبنى بانديكتون في مدينة سيدني Paddington House – Sydney.
وهنالك عدة آليات للتصميم بالألوان مشتقاة من المنابع الأساسية للتصميم الإبداعي، وهي التكوينات اللونية في الطبيعة، ومستلزمات الراحة البصرية والنفسية للإنسان.   

34
الطالب الحائر بين الطب والعمارة

                                                                                   
د.هاشم عبود الموسوي
أستاذ العمارة والتخطيط العمراني
جامعة جيهان - أربيل

 سألني مرة، صديق مثقف وواعي  وهو طبيب إختصاصي معروف، مستفسراً عن تخصص مفيد لولده، الحاصل على معدلٍ عالٍ في الإمتحان الوزاري للإعداديات، (وكونه يحمل أفكاراً تقدمية) متوخياً أن يستطيع ولده خدمة الناس والمجتمع بالشكل الأمثل. وأراد مني أن أبين له مفاضلة بين مهنتي الطب والعمارة. هنا حاولت ألا أكون منحازاً إلى مهنتي، كي أستطع إجابته بشكلٍ منطقي.



بدأت بحديثي إليه: "نحن كبشر نحتاج إلى الطبيب، عندما نمرض أو نشعر بحاجتنا إلى الحصول على إستشارة منه. أما حاجتنا إلى المعماري فهي دائمة و متأتية من كونه هو الذي يصمم لنا كل الفضاءات التي تحتوي فعالياتنا طوال حياتنا ( وبمختلف صورها). فنحن عندما نولد تحتوينا أما غرف ولادة أو قاعات العمليات لولادة قيصرية. وبعدها، طوال حياتنا، نعيش في بيوت وشقق بعمارات متباينة الإرتفاعات ومنذ نعومة أظفارنا، نذهب إلى دور الحضانة ورياض الأطفال، وبعدها المدارس والجامعات، ثم نعمل في مباني لمكاتب ومصانع ..


 ونرتاد الذهاب إلى الأسواق والمولات عند حاجتنا إلى التبضع، ونذهب إلى المباني الترفيهية كالسينمات والمسارح والمتاحف والمراكز الثقافية، والمناطق الخضراء المفتوحة عند شعورنا بالحاجة إلى الترفيه، وإذا ما أدينا فرائض العبادة فإننا نحتاج إلى الجوامع والكنائس والمعابد، وحتى المقابر في الدول المتقدمة يجب أن تصمم مواقعها بشكل لائق ،، كل هذه الفضاءات هي من تصميم المعماري، نتفاعل معها طوال حياتنا، وينقلنا إلى حالة غنية بالحواس والأحاسيس والفكر. فإذا كان تصميمها إبداعياً، فإننا نعجب بها وننبهر بفضاءاتها التي تبعث في نفوسنا الإعجاب والشعور بالإرتقاء .. نعم كل هذه المشاريع المعمارية هي التي تسهل علينا أسلوب عيشنا وعملنا و نستأنس بها من خلال النشاطات التي نمارسها فيها، وهي تخلق في نفوسنا متعة فنية، لاسيما عندما نعلم بأن هذا العمل الفني هو من صنع الإنسان، وإنه تم إنجازه ليؤدي وظيفة نحن بحاجة إليها، هذه المشاعر تأتي من خلال إحساسنا بالمجهود الفكري المبذول لإخراج هذا العمل المعماري الإبداعي .. وعندما نريد أن نتساءل، هل أن كل مبنى نشيده يمكن أن يقال عنه بأنه عمل معماري فني .. فإننا في هذه الحالة يجب أن نصيغ سؤالاً آخر بهذه الصيغة: (ما هو الفن ؟) وما هي المتعة الفنية، وكيف نتحسسها، وكيف يمكن لها في أي مبنى أن تتجسد فيه؟ " لا حظت على الرجل أنه يتابع حديثي بكل إهتمام، فواصلت قائلاً:  " أتذكر، إثناء دراستي في مراحلها الأولى بالمانيا في بداية ستينات القرن الماضي، بأني قرأت كتاباً عن المعماري الشهير (ميس فان ديروه)( ) يذكر فيه بأنه يرفض أن يدعونه معمارياً .. قائلاً إنني بَنّاءْ .. وبعد أن طرحت سؤالاً على أساتذتي في كلية هندسة العمارؤة في مدينة (فايمار) بألمانيا عن سبب رفض (ميس) أن يكون فناناً أو أن يُسمى عمله المعماري فناً .. فأجابني أستاذ نظريات وتاريخ العمارة قائلاً: أنه رفض الفن بمعناه التقليدي كتعبير جمالي .. ولكنه في الواقع هو وصل إلى أعلى مراحل الإبداع الفني المعماري بتصميماته المتنوعة، بفضاءاتها المدروسة وإنشاءاتها الجريئة، التي عبر فيها عن تقنيات العصر الذي عاش فيه .. وأضاف قائلاً بأنك بالتأكيد لاحظت تأثيرات مشاريعه المعمارية، كيف أنها أدت تأثيرها على المشاهد بصرياً ونفسياً وفكرياً .. وهي أعتبرت ضمن نطاق الفن، سواء قصد ذلك أم لم يقصده في تنظيراته الأولى.



وأخيراً لابد من القول بأن للتذوق المعماري هناك متعة مركبة تجمع بين المواد المستعملة والأحاسيس التي طرحها المصمم، والفكر الذي ينتمي إليه .. بحيث تبقى تُبهر أذواق المتلقين من مختلف الثقافات والخلفيات والأعمار.
آنذاك شربت قهوتي، وفرحت لقناعة الأب بأنه سينصح ولده أن يتقدم للتسجيل في قسم هندسة العمارة، وقد كان الطالب حقاً في أثناء دراسته من خيرة الطلاب الذين درسوا لدينا.


35
الأبهار التاريخي للعمارة Historical Architecture Sublimity

د.هاشم عبود الموسوي

العمارة التي نقول عنها بأنها (الشاهد الصادق الحقيقي لما مر من أحداث وتطورات عايشتها مجتمعات وحضارات سالفة) ، فهي التي تجمع بداخلها العديد من عبق المشاعر والصفات المتميزة التي تعبر عن مواءتها لظروف عصرها بيئياً ووظيفياً وإبداعياً. وقد سبق وأن ذكر هيغل Hegel "بأن المتعة الفنية يمكن تفسيرها بمدى إمكانية التعبير عن الأحاسيس البشرية التي ينقلها العمل الفني الى المشاهد". ويقصد بذلك هو ما يجعل المتلقي يدخل في تجارب حسية عاطفية دون أن تكون نتيجة لحدث واقعي في حياته.





ويعتقد هيغل بأن العمارة هي أثقل الفنون وأصدقها لأنها ترمز إلى الترابط الإجتماعي بين أفراد الشعب .. وبسبب إختيارها لوسط وطريقة التعبير، فهي ترتبط بعصر الرمزية.
وعندما شعر الأنسان بدافع للتعبير عن أفكاره وعواطفه بطريقة رمزية وبتجسيد مادي، أنشأ مباني بجدران سميكة وأعمدة ضخمة، كالمعابد والزقورات والأهرامات والكاتدرائيات والمساجد.











أن المتعة بالعمل الفني تأتي من خلال التجارب النفسية التي يمر بها المتلقي لهذا العمل، دون أن يكون جزءاً من الحدث المسبب لها. كما تأتي من إعجاب المتلقي بالعمل الفني، عندما يدرك هذه الطاقة التعبيرية التي شحنها الفنان فيه.











والتاريخ له إبهاره الخاص. فالزائر للمناطق والمباني التاريخية والتراثية يتحسس بعبق هذه المواقع والمباني، لما تحمله من تاريخ حضاري طويل، سواء في فترة إنشائها أو خلال سنوات عمرها، وما مر عليها من أحداث وشخصيات وحضارات، إن كان ذلك في مدينة بابل التاريخية أو أطلال الكرنك في الأقصر أو البارثينون في أثينا أو الكولوزيوم في روما .. وكأن المشاهد يتحرك أمامه فيلم خيالي تصويري عن عظمة وجمال وإبهار لازال شاخصاً، يذكر ما سيأتي من أجيال عن تلك الحضارات حيث تكون هذه المشاهد مرجعاً تاريخياً ومعمارياً على مر العصور.












وفي الخلق المعماري هنالك مجال لإعجاز بالمجهود الحسي والعاطفي والفكري الذي ينتج عنه عمل تستمر قيمته من جيل الى جيل. وينتقل متعدياً الحدود الزمانية والجغرافية، عبر صورة ذهنية تستقر في اللاوعي، وما تلبث أن تخرج مرة أخرى إنتاجاً أو تقييماً.













والشعور الذي ينتابنا عندما نقف أمام مبنى تاريخي أو تراثي يشابه نفس الأحاسيس التي تغمرنا عندما نشاهد قطع اثاث أثرية أو أواني نحاسية أو فخارية، لأننا نعلم بأنها تنتسب الى فترة تاريخية سابقة، وربما كان يمتلكها أحد المشاهير في التاريخ، وبذلك تكتسب قيمة مادية ومعنوية جديدة .. هكذا هو الحال مع المناطق والمدن التاريخية، أذ يتوفر لها إبهار تاريخي، نتيجة ما مر بها من أحداث وشخصيات. والسائر في قلب مدينة روما القديمة أو برشلونة أو فلورنسا أو أثينا أو أسطنبول أو القاهرة الفاطمية أو عند زيارة حصن الأخيضر في العراق  يتملكه ذات الشعور الذي نعنيه..









بالتأكيد أن مثل هذا الإبهار لا يمكن أن يحسه السائح في المدن الجديدة مثل برازيليا وشانديجار والتي بنيت في فترة زمنية قصيرة.
شئ مهم يجب أن يقال في هذا المجال هو أن الإبهار التاريخي المطلوب من قبل المتلقي يجب أن لا يتعكر بمزعجات بصرية أو سمعية كالسيارات وأكشاك البائعين وبسطاتهم على الأرصفة أو أي مزعجات تحد من قيمة ذلك الأثر التراثي، كما يجب (جهد الإمكان) الإبقاء على الطابع العام للمكان، كمواد رصف الشوارع وسلال المهملات وغيرها من العناصر الجمالية .. كما يجب إحترام الحرمة الدينية والتاريخية بكل أشكالها لتلك المناطق والمباني.

36
التعبيرية و الرمزية في العمارة
Expressionism and Symbolism in Architecture
د.هاشم عبود الموسوي
أستاذ العمارة والتخطيط العمراني


     يرى رواد المدرسة الرمزية * ، أن الرموز موجودة في مجالات كثيرة من حياتنا ، فالملابس على سبيل المثال ترمز بالإضافة الى قيمتها الإستعمالية – الى المركز الإجتماعي و الإقتصادي لصاحبها ، وهي كذلك تميز بين رجل الدين وضابط الجيش والطالب و الموظف وعامل المصنع.. وغيرهم وكذلك بالنسبة لأعلام الدول ، فبالرغم من أنها ليس لديها قيمة إنتفاعية أو مادية ، إلا أنها ترفع على المباني لترمز للإنتماء و الوطنية لدولة محددة . بل يتم تمييزها عن بعضها بالألوان الخاصة بها .
    وعلى الرغم من كون بعض الرموز تستمر من حقبة الى أخرى ، ومن عصر لآخر ، إلا أن الرموز غالبا ما ترتبط بالعصر الذي نشأت فيه ، فرموز العصور القديمة تختلف عن رموز العصر الحديث .
    والتعبيرات الرمزية تختلف عن التعبيرية المباشرة في كونها تتخذ عناصر خاصة لتجعلها إصطلاحات للدلالة على معان  تعرف بها .هنا نجد أن الألفاظوالجمل واللإشارات و الأعلام والعناصر المكونة لأي عمل فني ، من ملمسلون أو كتلة أو فراغ – قد أصبحت رموزا في هذا هذا التعبير  Symbols فالرموز هي الأشكال المرئية التي تكافئ الحالة العاطفية ، ولكن يختلف مقدار ما تعبر به الفنون ، إختلافاكبيرا في مداه ودقته من مجتمع لآخر ، وبين إنسان وآخر.
    ومن أمثلة العناصر التي تصبح رموزا ، أن يضع المعماري ساعة كبيرة في واجهة مبنى البلدية أو على واجهة مدخل محطة القطار ، للدلالة على قيمة الوقت . أو أن تكون أسقف الكنائس مدببة وشدسدة الميلانوتتجه بتشكيلها العام نحو السماء وكأنها في دعاء دائم . وبالنظر الى الأعمال المعمارية الخالدة نستطيع أن ندرك بعضا من هذه المعالجات ، فما القباب و المآذن في المساجدالإسلامية سوى نمط من هذا التعبير الرمزي ، حيث يمكن لنا أن نرى المئذنة في إرتفاعها و شموخها يرمز الى السماء ، بينما القبة بضخامتها وسيطرتها على شكل المبنى ترمز الى الأرض . وقد أجلس المعماري الكبير "كروبيوس"  قبة جامعة بغداد مباشرة على الأرض ، فأعطت رمزية كبيرة و مؤثرة . وقد نجد في بعض الأشكال المتدرجة مثل الزقورات في حضارات العراق القديمة ، والإهرامات في مصر رمزا للبقاء والخلود.


مسجد جامعة بغداد
    لقد بدأت التعبيرية الحديثة ، وكما يذكر "ولفكانك بينت " في العشرنات من القرن الماضي في ألمالنيا ـ بمحاولة لإكساب المبنى طاقة تعبيرية حركية ، وذلك بتأكيد محتوياته  والتشكيل الديناميكي لأجزائه بإستعمال منحنيات متوازية ، أو دوائرأو زوايا حادة ، وكانت المداخل تصمم بطريقة خيالية (شبه غامضة) مع الإسراف في إستخدام الزخارف ، أما التشكيل العام فيعطي إحساسا بأنها مبنية من مادة رخوة يسهل تشكيلها ، أو مادة صلبة يمكن نحتها كالتماثيل ، وقد إمتازت مباني هذا الإتجاه بالشفافية وخلق الأحلام و الخيالات. ومن أشهر الأمثلة على ذلك هو برج أينشتاين للمعماري الألماني أريك مندلسون  Mendelsohn  وأعمال المعماري شارون Sharoun في صالة الفيلهارموني ببرلين , وأعمال غاودي Gaudi  في برشلونه ، وأعمال آلفار آلتو Alvor Aalto  في فلندا.








برج آينشتاين للمعماري الألماني أريك مندلسون 











صالة الفيلهارموني ببرلين للمعماري شارون







أعمال غاودي في برشلونه
وقد جاءت المدرسة التعبيرية كرد فعل على ما سمي آنذاك بالإسلوب العالمي لتصميم المبانيInternational Style وإتجاهاتها الميكانيكية التكعيبية، وخاصة في ألمانيا و سويسا و إيطاليا و إسبانيا .. وقد بدأت الحركة التعبيرية خافتة في أول ظهورها الى أن بلغت قمة إزدهارها في فترة الستينات من القرن الماضي ، وقد ظهرت خلال تلك الفترة عدة محاولات  منها :
•   خلق تشكيلات جديدة لافتة للنظر ذات تأثير ديناميكي على العين والمشاعر ،  وهي في ذلك تعبر عن الحرية في التشكيل والإنطلاق والإنسيابية الملازمة للحياة المعاصرة، ومن أشهر رواد هذه المجموعة المعماري "أريك مندلسون" الذي إستخدم شرائط من البياض والزجاج في أشكال منحنية إنسيابية ، ومن أشهر أمثلة هذا الإتجاه محلات Schocken  في كيمنتس Chemnitz بألمانيا.
•   التعبيرات المباشرة عن وظيفة المبنى ،   ذلك بأن يأخذ تشكيل المبنى شكل المنتج الذي يصنع أو يباع بداخله ، فنجد الشكل الخارجي لمصنع القبعات يتخذ شكل قبعة ، أويتأثر الشكل بمظاهر في البيئة المحيطة ، كأن تتخذ المشاكن على البحار أو المحيطات شكل القوارب الشراعية أو السقن المنطلقة الى الماء ، أو ينخذ مبنى شركة لنقل البضائع شكل الصندوق المحاط بالأشرطة.
•   التعبيرات المستقبلية Futuristic: وهي مشروعات تجريبية لم تنفذ (بشكل واسع) ، وتعبر عن الحركة الديناميكية و التجديد والتنبؤ بالمستقبل ونمط الحياة الإنسانية فيه، كما أن أعمال المعماري سانت إليا St. Elia في ثلاثينيات القرن الماضي ، وأيضا أعمال المدرسة المتميزة الأرشيفرام Archigram باليابان في الستينات ، وأعمال زهاء حديد منذ بداية تسعينات القرن العشرين وحتى الآن.





أعمال المدرسة المتميزة (الأرشيفرام) في اليابان

•    التعبيرات الرمزية:  وهي كانت تهدف الى إظهار وظيفة المبنى بطريقة غير مباشرة ، ومن الأمثلة التي توضح هذا الأسلوب ما ضمنه سارانين E. Soarinen  في محطة الوصول T.W.A بمطار جون كندي بنيويورك ومبنى محطة الوصول بمطار دالاس بواشنطن ، حيث عبر في كلتا المحطتين عن الطيران و الإنطلاق تعبيرا رمزيا ، فإتخذ من الأولى شكل طائر له جناحان. بينما جعل إنحناء السقف في الثانية يبدو كأنه تجريد لطائر يشرع في التحليق و الإنطلاق الى السماء. وكذلك ما إتخذه "لوكوربوزييه" في كنيسة رونشامب Ronchamp والتي رمز إليها بقارب يعبر بالمؤمنين الى بر الأمان *




محطة الوصول بمطار جون كندي بنيويورك من اعمال سارانين

كنيسة رونشامب من أعمال لوكوربوزييه

37
ما السر بتسمية منظمة إرهابية بـ (الدولة الإسلامية)؟

لم يعد خافياً على أحد (في موضوعة المنظمة الإرهابية داعـــش)، بأن واشنطن ليست جادة أو صادقة في القضاء على هذه المنظمة التي أوجدتها وفق أجندتها التي تخفي خلفها عشرات الحسابات .. ويتوضح عدم صدقها من خلال الإمتناع عن تسليح الجيش العراقي والمماطلة والتسويف، فضلاً عن إسقاط أسلحة ومعدات عسكرية، لعناصر داعش في مناطق مختلفة من العراق لاوالذريعة هي (عن طريق الخطأ) إلى جانب طلعات النزهة الإعلامية لطيران ما يطلق عليه (التحالف الدولي).
ومن أجل أن أختصر هذه المقدمة، لأدخل غي صلب موضوع هذه المقالة، فلابد لي أن أورد بعض فقرات من كتاب تضمن كتاب مذكرات السيدة بيل كلينتون وزيرة الخارجية السابقة بعنوان (خيارات صعبة)، صَدَرَ موخراً والذي فجر مفاجأة من العيار الثقيل كما أسماها بعض الإعلاميين مفادها أن: الإدارة الأمريكية هي التي أسست (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)(داعش)، لتقسيم منطقة الشرق الأوسط.
وأكدت كلينتون في كتابها الذي صدر في الولايات المتحدة الأمريكية قائلةً: (دخلنا الحرب العراقية والليبية والسورية، وكل شيئ كان على ما يرام وفجأة حدث ما حدث في مصر في 30/6 ، 3/7 وكل شيئ تغير خلال 72 ساعة. وقالت كلينتون، تم الإتفاق على إعلان الدولة الإسلامية يوم 5/7/2013. وكنا ننتظر الإعلان حتى نعترف نحن وأوروبا بها فوراً، وتابعت كلينتون: لقد زرت 112 دولة في العالم وتم الإتفاق مع بعض الأصدقاء بالإعتراف بـ (الدولة الإسلامية) حال إعلانها لكن كل شيئ تحطم. فكرنا باستخدام القوة ضد مصر لكن مصر ليست سوريا أو ليبيا، لأن شعب مصر لن يترك جيشه وحده.
ولكن ما السر وراء تسمية هذه المنظمة الإرهابية بـ (Islamic State) وتكرار هذه التسمية عشرات المرات يومياً في النشرات الإخبارية المتلفزة وفي الصحف والمجلات؟ وهل أن هذه المنظمة الكسيحة هي دولة فعلاً .. ونحن نعرف جيداً بأن الدولة يجب أن يكون لها من العناصر الأساسية كي تكون دولة حقاً ألا وهي الحكومة والشعب والإقليم بالإضافة إلى السيادة والأعتراف بهذه الدولة بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية ويمكنها من ممارسة إختصاصات السيادة الخارجية منها، والطابع (الإقليمي) للدولة يُشير إلى أن الدولة هي تجمع إقليمي مُرتبط بإقليم جغرافي ذي حدود معينة تمارس الدولة (اختصاصاتها). كما أن هذا التجمع الإقليمي يُعامل كوحدة مستقلة في السياسة الدولية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال قيام دولة بدون إقليم ثابت ومحدد والدولة لها دستوراً يُمثل مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد نظام وشكل الحكم في الدولة.
والآن لابد لنا من التفكير بشكلٍ عميق عن مغزى هذه التسمية (الدولة الإسلامية) وماذا وراء ذلك من هدف ..
في ثمانينيات القرن الماضي استمرت تصريحات قادة الحكومات وصانعي القرار في الغرب لترسيخ أفكار عن خطر إسلامي وصراع حضارات. وخلال إدارة بوش الأب، تحدث نائب رئيس الولايات المتحدة دان كويل عن خطر الأصولية() الإسلامية الراديكالية مصنفاً إياها مع النازية والشيوعية. كما كانت افتتاحيات المجلات والصحف الغربية الواسعة الانتشار تطرح افتتاحيات عن حرب الإسلام مع الغرب وعدم إنسجامه مع الديمقراطية وطرحت إحداها سلسلة من المقالات تحت عنوان سيف الإسلام، التي فيها لاتعلم أين تبدأ الحقيقة وأين تنتهي الاسطورة.
أما الدوريات الأمريكية فكانت تصنع عناوين بالبونط العريض لمقالات: حرب مقدسة في طريقها إلينا وجهاد في أمريكا، إنتباه الرعب الإسلامي: فرق عالمية إنتحارية وجزارون في لندن يمولون الإرهاب الإسلامي .. إلخ.
فبالنسبة للعديد من المعلقين الغربيين، بقي الإسلام والغرب يسيران في طريق تصادمي، حيث يُشكل الإسلام تهديداً ثلاثياً: سياسياً وحضارياً وديمغرافياً، وتوصف هذه المواجهة عادةً بأنها صراع حضارات.
وهذا هو برنارد لويس، يتنبأ بنزاع وشيك بين الإسلام والغرب، ويأتي في محاضراته التي عنونها بـ ( جذور الغضب الإسلامي)، ليقول باسم الإسلام والمسلمين: دام الصراع بين الإسلام والغرب أربعة عشر قرناً، من سلسلة طويلة من الهجمات والهجمات المضادة، والجهاد والحروب الصليبية، والفتوحات والفتوحات المعاكسة.
واليوم تتجلى بشكل واضح خطورة وسائل الإعلام الأمريكية والتلفزيون الأمريكي على زجه الخصوص بشبكاته المختلفة، في مواصلة التشويه لصورة العرب القومية في داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية وتسويق الأنموذج الأمريكي بوصفه (أنموذجاً حضارياً قريباً) فأصبح العربي يظهر اسبوعياً عبر التلفزيون الأمريكي كشخصية ساذجة تثير الضحك والاشمئزاز، فهو إرهابي وطاغية وشيخ متخلف وزير نساء أو تاجر مخدرات أو رقيق أبيض أو مهرب أسلحة. فلا يكاد يخلو مسلسل واحد من إشارة سيئة للعرب والمسلمين في ؤأكثر من حلقة من حلقاته. فمسلسل (امرأة شرطية) تدور الأحداث على أخذ أمريكيات إلى حريم زعماء مملكتين وهميتين.
وفي حلقة (ست سمارت) يظهر أمير عربي استبد بعد الغزو فتزوج (32) امرأة وفي برنامج (البيزنطوم) تم إظهار وجوه الإرهابيين العرب (المسلمين) كوحوه الخنازير. ويمكن القول بأن وسائل الإعلام الأمريكية وبما فيها التلفزيون قدمت العربي المسلم: قذر وناكر للجميل، جبان ومنحط، غشاش وغدار.. يقتني السيارات الفارهة، خاطف عذارى غبي ومتخلف ومخادع ومضلل ومحتال، ومتوحش ومتعصب دينياً ومجنون لا يحكمه العقل.
ولكن كل هذا في رأينا قد يؤثر بترسيخ صورة نمطية للعرب والمسلمين لدى الجيل الحالي من مشاهدي التلفزيون في الغرب. (بأن العرب إرهابيون يريدون تدمير العالم).
ولكن ماذا يريد اليوم الإعلام الأمريكي وصانعوا استراتيجياته من وراء خلق مثل هذا التنظيم، وإلصاق اسم (الدولة الإسلامية) به؟ بالتأكيد هو تأصيل الصورة النمطية السلبية والسيئة لدى الأجيال القادمة في المجتمعات الغربية (ممن هم حالياً في مرحلة الطفولة) عن العرب والمسلمين، من خلال سماعهم على مدى اليوم، وكل يوم، جُملة (الدولة الإسلامية)، وهي لصيقة بأبشع ممارسات ضد الإنسانية من قطعان همجية، تمارس أبشع أنواع الجرائم والانتهاكات، وهي تمثل الخراب والدمار للبشرية.. وهكذا يراد من كل ذلك تراكم الصورة السلبية وترسيخ وتنميط الصورة الذهنية لدى الأجيال القادمة في مجتمعات الغرب عن العرب والمسلمين. وخير دليل على ما ندعيه، هو ما أشار إليه (بول فندلي) (عضو سابق في الكونغرس الأمريكي في كتابه "من يجرؤ على الكلام") إلى تلك الصورة المشوهة بقوله وتأكيده بأنه لم يتعرف على حقيقة الإسلام إلّا.. في السبعين من عمره.. بسبب الصورة الزائفة التي كان يتعلمها عن الإسلام هو وأقرانه في المدارس الإبتدائية والثانوية وحتى الجامعات وبسبب الصورة الذهنية المزيفة عن الإسلام والتي أحملها من الصغر، جعلتني لا أفاجأ بوجود أمريكيين آخريين يحملون نفس الأفكار، وأن التوظيف السيئ للصورة النمطية تنشأ عندما تشوه شعباً رجالاً ونساءً وأطفالاً يعانون من فداحة هذا الدرس.


38
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)


إعداد
د.هاشم عبود الموسوي
معماري ومخطط مدن
و
د.محمد صباح الشابندر
معماري ومخطط مدن

الجزء 16 من 16
الحفاظ في حضارة وادي الرافدين:
قد يكون معبد (ابو) في أريدو من أوضح الأمثلة وأقدمها على أعمال الحفاظ في وادي الرافدين إذ إن هذا المعبد ومعناه الأوقيانوس أو المياه العميقة، أو (أي-ايو) ومعناه بيت المحيط، وهو مقر (إنكي) أو (ايا) الإله الرئيس للمدينة، ذو المركز الرفيع عند السرمريين والبابليين، كما هو رب الإبداع وحامي أهل الفن والصنعة والعلم وهو والد الإله (مردوخ) وقد أسس الملك أورنمو مؤسس سلالة أور الثالثة في نحو 2000 ق.م معبداً لأله إنكي ثم عني إبنه شولكي عناية فائقة بمدينة أريدو، لكن الفضل في بناء زقورة الإله إنكي يعود للملك بورسن بن شولكي وزقورة أريدو هذه القائمة الآن هي آخر معبد، بني قبله وتحته طبقات عدة من المعابد، فقد بني فوق المعبد الأول الواقع في الأسفل 18 معبداً في مختلف العصور، وهكذا تدرجت المعابد بعضها فوق بعض، حتى أصبح آخرها الزقورة المذكورة. (شكل 2-1) (شريف يوسف، 1982، ص46-47)
إن هذا إنما يدل على احتفاظ مكان أول معبد بقدسيته التي أصبحت جزءاً من هوية المكان، وقد دأب ملوك وادي الرافدين المتعاقبين في الحكم على الحفاظ على تلك القدسية من خلال الإبقاء على معبد المدينة بعد إعادة بنائه في المكان نفسه الذي بني عليه أول معبد .
وتشير المصادر المعنية بتاريخ العراق القديم إلى أن العراق قد شهد نهضة عمرانية فريدة من نوعها إبان العصر البابلي الحديث (سلالة بابل الحادية عشر) (539-626)  ق.م ومن بين ملوك تلك السلالة اشتهر ملكان هما نبوبلاصر (مؤسس السلالة الحاكمة)، وولده نبوخذنصر الثاني، إذ أقدم هذان الملكان على إصلاح مدينتهم بابل في فترة قياسية، بعد الدمار الهائل الذي لحق بها على يد سنحاريب وأحاطاها بحلقة مزدوجة من الأسوار ومن أعمال نبوخذنصر بناء وتجديد معبد الإله شمس (معبد إيبارا) في شبار حيث المركز السومري لعبادة هذا الإله، كذلك إكماله بناء زقورة بابل للاله مردوخ وإعادة بناء سن-ننار، وإعادة بناء الجدار المحيط بالمنطقة المقدسة (التمنوس) ومعبد إيماخ للاله ننماخ وإعادة بناء شارع بابل الرئيس (إي-بور-شابو) (أي شارع الموكب)، وتكرار ذلك في السنين التي سبقت وفاته ويضاف إلى نبوبلاصر ونبوخذنصر، الملك نبونائيد (نبونيدوس( آخر ملوك تلك السلالة، الذي أكمل إعادة بناء زقورة أور (العاصمة السومرية القديمة التي كرست منذ القدم لعبادة الإله القمر) وأضاف عليها فزاد من عدد طبقاتها ورغم إن نبونانيد كما يبدو كان يتفاخر بكونه آثارياً وتقليدياً، وإنه يسعى لصيانة المبنى القديم طبقاً لمخططه الأصلي، فإنه لم يستطع البقاء عند موقفه، فتد توصلت بعثة التنقيبات من خلال دلائل وبقايا عمل نبونائيد على الطبقة الأولى (طبقة أورنمو) ومطابقتها مع رسم مخطط الزقورة بحسب وصف هيرودتس برج بابل إلى أن من المرجح إن نبونائيد بعد صيانته لجدران زقورة أورنمو، وإصلاح السلالم الثلاثة الكبيرة وحائطها الساند وإعادة بناء المدخل المقبب الذي تنتهي عنده، لم يجد شيئاً سوى بقايا لم تدله على شكل المبنى الأصلي، برغم إنه وجد عندئذ الأساس لأورنمو وابنه شولكي، فتخلى عن موقفه المحافظ وبنى البرج بالطريقة المعروفة بزمنه، جاعلاً إياه من سبع مراحل (باحتساب طبقة أورنمو) وقد قامت مديرية الآثار العراقية بصيانة البرج (1963-1959)م، وتثبيت الجدران المتصدعة المتداعية، وإعادة الأجزاء الساقطة منها. (شكل 2-2) (مهدي، 1997، ص13-17).
إن ما فعله كل من نبوبلاصر ونبوخذنصر الثاني ونبونائيد إنما يعد حفاظاً لأغراض التواصل مع أمجاد الماضي وإحيائها، كما إن أعمال إصلاح وإعمار مدينة بابل بعد ما لحقها من دمار على يد سنحاريب كانت لإضفاء قيم التحدي وإرساء دعائم الحكم وبث الرهبة في نفوس الأعداء من خلال العمارة خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان السرعة والإتقان التي تم بها ذلك.
ويمكن ملاحظة إن فكرة الحفاظ في وادي الرافدين كانت تتمتع بالمرونة، فالحفاظ علي ما مضى من بناء السلف كان يعقبه أحياناً توسيع أو إعلاء، وعمليات تطوير، كما في زقورة أريدو وأورنمو وغيرها من الأمثلة. فعملية التواصل المطلوبة مع سلف كان له من الإنجازات القيمة ما ترسخ في أذهان المجتمع، هنا، من خلال فكرة الحفاظ إنما جاءت تجسيداً لمعان وقيم تدعم مفهوم مواصلة مسيرة السلف في الإنجازات العظيمة فضلاً عن النهضة والارتقاء بالحكم والقوة؟ كما إن للقيم الدينية والروحية حصتها في الأغراض المتوخاة من عمليات الحفاظ في وادي الرافدين، والتي تتمثل هنا غالباً بالحفاظ على قدسية المكان الذي ارتبط في أذهان الناس بالحدث الديني (سواء أكان حدثاً أم معبداً) .


39
العمارة والتصميم الداخلي
وحاجتهما إلى الإبداع الفني (الجمالي)
د.هاشم عبود الموسوي
على هامش معرض النتاجات الفنية لطلبة جامعة جيهان
لكي نفهم حاجة طلبة قسمي العمارة والتصميم الداخلي إلى المهارات الإبداعية الفنية وآلياتها .. فلابد أن نؤكد بأن كلا القسمين لا يُمكن لخريجيهما من ممارسة مهنتهم دون التعرف على الخصوصيات الجمالية ، وعلى الروافد الإبداعية لهما.

خريج هذين القسمين كمبدع لابد أن يتعرف على الخواص الفسيولوجية والنفسية والوجدانية للمتلقي (ونعني به المستفيد من تصاميم مهندسي هذين التخصصين). وإذا أردنا أن نُحدد المستفيد ومن هو ، فلابد أن نؤكد بأن كل البشر منذ ولادتهم وحتى مماتهم يعيشون في فراغات هي من تصميمات هؤلاء الخريجين.


والإنسان كمتلقٍ للتجربة الفنية – تؤثر فيه طبيعته الفسيولوجية للحواس كالبصر والسمع ، ومايعكسه ذلك على العواطف الإنسانية بمختلف جوانبها ، وما يتبعها من راحة ومتعة أو إرهاق وإزعاج حسب مخزون العقل الباطن . وبالتالي يظهر دور الدراسات النظرية في تحديد مدى تأثير الأعمال الفنية على الإنسان فسيولوجياً ونفسياً بحيث تنعكس هذه الدراسات على تحديد العملية الإبداعية ذاتها.
والتأثيرات الفسيولوجية والنفسية للعمل الفني تمثل ظاهرة في الإنسان كمتلقِ نتيجةً لتجاربهِ الشخصية السابقة .. وهي التي تقود غلى المنظومة القيمية للإبداع الفني وهذا التأثر بالمتعه البصرية الحسية أو الإنبهار أو الراحة والهدوء والإسترخاء أو المرح والحزن ، جميعها مشاعر نفسية يَهدف إبداع المصمم في هذين الاختصاصين غلى إثارتها .. وبحسب نجاحه فيها ، بقدر  وصوله بالمتلقي إلى المقصود منها . والنفس البشرية ومدى كيفية تأثرها .. يتوقف أولاً وأخيراً على التأثير الحسي والعاطفي للعمل الفني على الإنسان ، وكذلك على تجارب الإنسان في جماعته ومحيطه الذي تعود عليه .. والتي كونت في مجموعها مخزوناً لذاكرة العقل الواعي والعقل اللاواعي.
وبوجه عام فقد لوحظ أن الجمال والإنبهار يتبادلان الصدارة كروافد إبداعية من دورة إلى أخرى ، بحيث إذا تدفق رافد الجمال لدى المصمم ، فأن التغيير والتحسن بالتذوق يتحسن لصالح رافد الإبهار الحجمي أو الزُخرفي في حقبة لاحقة ، وكذلك فأن الجمال الهادئ البسيط بتفاصيلهِ الدقيقة ونِسَبَهُ الجميلة يتبعه دورة جديدة يتجه فيها الإبداع إلى الإبهار ، ثم يعود التدفق مرةً أخرى إلى دورته الأولى وهكذا ..
وقد يتبادل الرافدان الصدارة في فترة معينة باختلاف الموضوعات.. من موضوعات خاصة إلى عامة ، أو من ترفيه إلى تذكارية.
هذا ما أثار إنتباه وإعجاب الزائرين من الفنانين والمثقفين للمعرض الذي أقيم لمدة يومين في كاليري متنزه شانيدار في مدينة أربيل .. والذي إحتوى على النتاجات الفنية لطلبة المرحلة الأولى .. في قسمي العمارة والتصميم الداخلي .. وقد أثنى الحاضرون على جهود الفنان العراقي المعروف الدكتور (نافع الخطيب) في توجيه وتعليم الطلبة مبادئ الفنون التشكيلية .. التي تؤهلهم لتصميم الفضاءات بشكلها الأبهى.


من أعمال الطلبة





40
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)


إعداد
د.هاشم عبود الموسوي
معماري ومخطط مدن
و
د.محمد صباح الشابندر
معماري ومخطط مدن

الجزء 15 من 16
التطور الجوهري في مفهوم الحفاظ :-
     كان الحفاظ سابقاً يعني حماية بناية منفردة أو شاخص معين، أما المفهوم المعاصر فقد توسع ليشمل الحفاظ على مجموعة متكاملة من الابنية ذات القيمة المعمارية العالية والاهتمام. بالقيمة الكلية للمجموعة (Group Value).
     وتوسع المفهوم المعاصر للحفاظ أيضاً في صيغة المعالجة الحفاظية من الخصائص المعمارية للأبنية كأرتفاع المبنى والواجهات والفتحات ومواد البناء والهيكل الانشائي... وغيرها، لتشمل هذه الصيغة الخصائص التخطيطية للنسيج الحضري مثل :
"البنية الحضرية" (Urban Grain)، "النمط الحضري" (Urban Pattern) أو "الكثافة البصرية" (Visual Density).‏
ويتطلب ذلك شمولية بجوانب واسعة ومتعددة مثل انماط الحركة وخدمات البنية التحتية والاستعمالات والجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
كما أن التوسع في صيغة المعالجة الحفاظية اخذ يشمل مفهوم الحفاظ على البيئه التاريخية (Historical Environment‏) التي يقصد منها الحفاظ على خصائص المراكز التاريخية وشخصيتها الحضرية وهويتها المحلية. وترمي هذه الصيغة إلى إعادة تأهيل الأبنية الحفاظية والمناطق ذات القيمة المعمارية والتاريخية لكي يمكن إعادة استعمالها بشكل معاصر بحيث تصبح تلك الأبنية نقاط للدلالة (Reference Points‏) للمقياس المحلي وتكون المناطق الحفاظية معبرة عن الشخصية الحضرية بشكلها المتكامل.
ان ابرز توجهات هذه السياسة في معالجة البيئة التاريخية، تقع ضمن مستويين رئيسيين:-
   المستوى الاول وهو مستوى الابنية المنفردة، حيث يتم صيانة هذه الأبنية و إعادتها إلى وضعها الاصيل عن طريق تعويض العناصر البنائية الناقصة أو التالفة ببناء جديد مماثل من حيث الشكل و والحجم ومختلف من حيث اللون و الملمس، والمستوى احياناً، ليتميز الجديد عن القديم. وتشمل المعالجة كذلك إزالة العناصر أو الملامح الدخيلة عليها ويمنع إجراء أي تحوير للملامح الخارجية والزخرفية وطرز الأبواب و الشبابيك والشرفات... وغيرها.
   أما المستوى الثاني، فهو مستوى مناطق الحفاظ (Conservation Areas) حيث يتم تطيبق سياسة شاملة للحفاظ على الخصائص والشخصية المميزة لها وهي: ارتفاعات الأبنية والخصائص والطرز المعمارية والمقياس البنائي للكتل، وخصائص النسيج الحضري كالنمط الحضري والبنية الحضرية والملمس....
‏   أن ذلك كله يتطلب ان تكون التصاميم المعمارية للابنية الحديثة، ضمن تلك المناطق، وأعمال الصيانة والإصلاح والتوسيع متوافقة ومتناغمة على المستويين التصميمي والتفصيلي مع محيطها المجاور من حيث المقياس والشكل واللون والملمس والمواد وطرز البناء والمعالجات المعمارية للواجهات والتفاصيل المعمارية.
   كما ينبغي ان يحافظ على النمط الأصيل للعلاقة بين الأبنية الحفاظية والنسيج المحيط الذي يرتبط بتلك الأبنية وظيفياً وبصرياً، فعلاقة الهيمنة التي يفرضها وجود المراقد المقدسة مثلاً يجب أن يحافظ عليها من خلال تحديد ارتفاعات وطرز أبنية الإملاء الحضري إلى مساحات معينة حولها اعتمادأ على التأثير الوظيفي والبصري لتلك المراقد.
إن إقرار وضع سياسة للحفاظ على بناية أو منطقة معينة يجب أن يستند إلى اتجاهين أو هدفين أساسيين هما: دوافع الحفاظ و معايير أو خصائص الحفاظ.
فبالنسبة إلى الحفاظ التاريخي الذي يستند إلى سياسة " دوافع الحفاظ "، يمكن إجمال أهدافها بما يلي:
أولاً- حماية الإرث الوطني، المتمثل بالنسيج الحضري، لأسباب تتعلق بأبعاد تاريخية وروحية ووطنية واجتماعية وجمالية ووظيفية إلى جانب كونه يمثل أنموذجاً رائداً في ملائمة هذا النسيج وبجميع أبعاده الوطنية والبصرية مع الإطار الاجتماعي والاقتصادي الذي يمكن الاستلهام منه بإطار معاصر.
‏ثانياً- تزايد الضغوط والمتغيرات التي تهدد هذا النسيج بالزوال وضرورة تكييفه لملائمة المتطلبات المعاصرة، مثل انتشار تجارة المضاربة بالعقارات وعدم توفر الخدمات التحتية والاجتماعية في أجزاء هذا النسيج وتعرضه للضرر عند إدخالها فيه بدون أشراف فني دقيق، أضافه لمشاكل المرور المختلفة.
ثالثاً-  إضفاء التباين في النسيج الحضري وذلك من جانبين أساسيين، وهما:
-   الجانب الجمالي (Aesthetic)، بحيث يساعد الحفاظ في كسر الملل وإضفاء التباين في الخصائص البصرية.
-   والجانب العملي (Practical)، وذلك بسبب الحاجة لإيجاد تباين يناسب التباين الاقتصادي والاجتماعي واختلاف تطلعات واحتياجات المجتمع المحلي.
‏رابعاً- الجدوى الاقتصادية للحفاظ، حيث يمكن أن تحقق أبنية ومناطق الحفاظ، في حالة تحولها إلى مواقع سياحية، مردوداً اقتصادياً مجزياً.

‏أما بالنسبة الى الحفاظ التاريخي الذي يستند إلى " خصائص الحفاظ " فيمكن إجمال أهدافها بما يلي :-
الأولى- الجمالية و التفرد، في النواحي المعمارية والخصائص والقيم الجمالية بما يعكس مراحل التطور الحضاري.
‏   الثانية- التعبير عن طراز معين من طرز الأبنية، أو ندرة نوع الأبنية.
‏   الثالثة- الدور التاريخي لبعض الأبنية والمواقع الحضرية، إما لعلاقته بالموروث الحضاري أو لكونه ذا بعد اجتماعي .
‏   الرابعة- امتلاك المجموعه المتكاملة والمترابطة من الأبنية لما يسمى قيمة المجموع (Group Value)
‏   الخامسة- مساهمة بعض الأبنية في تدهور المنطقة وتشجيع مالكي العقارات المجاورة على تحسينها بما يسهم بالتالي في تطور المنطقة.
‏   والسادسة - التفرد في بعض الخصائص والمميزات.
‏وتجدر الإشارة هنا إلى ان مناهج الحفاظ التاريخي ، ‏في مختلف البلدان ‏تواجه مشاكل عديدة ومن أبرزها:
-   أن الأبنية التي تستحق الحفاظ قد لا توجد بالضرورة ضمن مجمع متكامل وسليم وانما تتواجد متناثرة في مواقع مختلفة من المدينة .
-   ان حقوق الملكية العقارية تمنع إلزام مالك العقار أو الضغط عليه لإجباره على الحفاظ على ملكيته التراثية، سيما إذا كان إعادة البناء وتغيير الاستعمال تسبب له تكاليف باهظة.
-   مسؤولية الجانب الذى يتولى عملية التمويل للحفاظ، ومن الذي يقرر الأبنية الواجب الحفاظ عليها والمعايير التي يستند عليها لذلك.
-   أن وجهة النظر التي ترى أن المدينة ينبغي أن تحوي أجزاء تاريخه تتناقض مع وجهات نظر ومفاهيم أخرى عن المدينة المعاصرة.
ولا يمكن أن تنجح جهود الحفاظ على المباني التاريخية والنسيج التراثي بمعزل عن النسيج الحضري المتكامل في المدينة التي ينتمي أليها. لذا فان للتصميم الأساسي للمدينة دور أساسي في هذا الجانب، ويتمثل ذلك بما يلي:
أولاً- تحديد أهداف ومقاصد الحفاظ وسبل تحقيقها، آخذين بنظر الاعتبار اعتماد المسح والتقصي الميداني وتغطية كل الأبعاد المعمارية والتخطيطية والاجتماعية والاقتصادية للنسيج.
ثانيا- اعتماد البرمجة الفنية وتقسيم التصميم الأساسي إلى مراحل زمنية.
‏   ثالثا- ايقاف أي أعمال للتطوير القطاعي في المناطق التي تتضمن نسيج حضري تراثي، لفترة زمنية محددة، بهدف التأكد من الانسجام والتناغم بين القديم والجديد المضاف.
‏   رابعا- التأكيد على حماية الكل الذي ينتمي إليه الجزء، أي الابتعاد عن الاهتمام بالوحدات المعمارية والتخطيطية الموروثة على انفراد.
‏   خامسا- إدخال وظائف معينة تناسب النسيج الحضري التاريخي من نواحي المقياس، وطبيعة الاستعمال وتوليد الحركة.
ويرتبط مشروع الحفاظ مع مفهوم " إعادة الاستعمال " (Re-Use‏)، وهو أسلوب متبع لجعل الأبنية والأحياء الحضرية القديمة صالحة للاستعمال ثانية، ولكن ليس بالضرورة، بنفس الوظيفة التي شيدت من اجلها، إذا كانت تلك الوظيفة لا تتوافق مع البيئة الجديدة او غير صالحة لها. لذا يجري تكيفها وتحويرها وإعادة تأهيلها لتخدم أغراضا جديدة مع المحافظة على أصالة شكلها وشخصيتها.
أن أسلوب إعادة ‏الاستعمال يسمح بقدر من المرونة فيما يتعلق بجانب الأصالة التاريخية للمبنى أو المنطقة، حيث يسمح بإجراء بعض التغيرات او الإضافات التي يتطلبها تكييف الأبنية التراثية أو الأحياء التراثية مع الحاجات المعاصرة والوظائف الجديدة المقترحة لها. مع مراعاه الحفاظ على الشخصية التاريخية وطبيعة الإحساس بالهوية المحلية للمناطق الحفاظية.


41
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)


إعداد
د.هاشم عبود الموسوي
معماري ومخطط مدن
و
د.محمد صباح الشابندر
معماري ومخطط مدن

الجزء 14 من 16
مستلزمات اعمال الحفاظ
يؤكد الكفلاوي على أهمية توثيق التراث الحضاري وإن ذلك أصبح ضروره وطنية وقومية وخطوه أساس نحو طرق الحفاظ على الموروث الحضارى ولإعداد خطط الصيانة المطلوبة، أو التجديد الحضري ويصنف الكفلاوي وسائل التوثيق إلى ثلاثة أصناف هي : (الكفلاوي، 2006، ص112-115)
1 - المسوحات الميدانية بأنواعها المختلفة : إن الغرض من المسح الميداني هو جمع المعلومات والحقائق من الواقع الراهن للمدينة القديمة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية بصورة دقيقة ذات صفة منهجية وعلمية للاستفاده منها في إعداد دراسة إمكانية الحفاظ على المدينة بأجزائها كافه تعتمد مضامين الدراسة الميدانية معرفة النسيج الحضري وحاله المباني العمرانية، وارتفاعاتها بحيث ثشمل ما يأتي:-
أ‌-   إجراء المسوحات وإعداد الخرائط الهندسية والمخططات الخدمية استناداً إلى المخطط الأساس للمدينة كي تظهر استعمالات الأرض بصورة مفصلة وواضحة (بمقياس كبير) إذ يتم تثبيت المعلومات الضرورية عليها كمناطق النشاط الثجارى، والصناعي (الحرفي)، ومناطق الأسواق، والمناطق الثقافية كالمدارس والجوامع والكنائس والمعابد .
ب‌-   إعداد خرائط تفصيلية وتشريحية لكل منطقة أو حي بمقاييس كبيرة لكي يظهر فيها كل دار أو مبنى أو زقاق بشكل واضح ودقيق.
ج‌-   إعداد المخططات المعمارية للمباني وثشمل المقاطع والواجهات والعناصر التراثية المتميزة.
ه‌-   إعداد المخططات التشخيصية التي تظهر التصدعات المادية الإنشائية للمباني.
و‌-   بما إن أغلب المباني في المدينة القديمة تعتمد مصادر موحدة من المواد الإنشائية، لذلك فمن الضروري أخذ نماذج منها خلال عملية التوثيق لإجراء الاختبارات اللازمة عليها للحصول على المواصفات الفنية لها وإعداد جدول وسجل ثابت يشمل ما يأتي:-
- تصنيف المواد الإنشائية
- مكونات المادة الأصلية وقياساتها وأشكالها ومناطق استعمالها
- الفترة الزمنية (المرحله المعنية)
بما يؤمن إنتاج أو تصنع مواد مشابهة للاصل خاصة بأعمال الصيانة تلافياً لإضاعة الوقت، والتلف بالمواد .
و- إعداد جداول توثيقية لكل منطقة أو حي لتثبيت الواقع الاجتماعي والاقتصادي والعمراني .
ز- إعداد الدراسة التي تبحث في الخصوصية المعمارية للمسكن العربي والنسج الحضري للمدينة بكل أجزائها .
ح- انتقاء المناطق الجميلة والواجهات المتميزة للازقة والشوارع والساحات والشواخص الأخرى وتحديدها، للافادة منها عند التجديد الحضري.
1-   التوثيق التحقيقي: ويعد جزءاً اساساً في عملية التوثيق التاريخية والفنية والمادية وغيرها، وحسب المراجع والمصادر المنشورة وغير المنشورة، منها:
‌أ-   السجلات الرسمية لدى الدوائر المعنية كالوقفيات والبلديات وغيرها.
‌ب-   الكتب والمجلات الدورية والمخططات القديمة.
‌ج-   رحلات الأجانب القديمة والرسومات والتخطيطات القديمة.
‌د-   التنقيب داخل المنطقة أو المبنى وحوله للتحري عن أصل المبنى التاريخي ومراحل التطور عبر الزمن للاستفادة من ذلك في تحديد عمر المبنى ونوع الاستعمال.
2-   أسلوب التوثيق السريع باستعمال التصوير: من الممكن اعتماد التصوير بأنواعه المختلفة.
‌أ-   التصوير الفوتوغرافي (المعدل بعدسات خاصه) وبالاستعانة بالمخططات الأساس للاحياء أو الأزقة أو الشوارع فمن الممكن تحديد مسار معين من مدخل الزقاق أو الحي إلى المجمع ثم إلى المبنى ثم الوحداث البنائية والعناصر المعمارية الأخرى، وعلى هذا المسار تؤشر موضع الكاميرا وزاوية الانفتاح المتجهه نحو الهدف، وتوضح هذه المخططات مع التصوير الفوتوغرافي.
‌ب-   التصوير الجوي (العمودي والمائل بالطائرات) ويستفاد من هذا النوع في تحديد المدينة القديمة وعلاقتها بالمدينة المعاصرة.
‌ج-   التصوير الفوتوغرافي (المجسم) ويستفاد من هذا النوع عند عدم إمكان إعاده إكمال المبنى .
ومن الضرورى قبل البدء بعملية الصيانة، وضع أسس العمل وتوفير الاحتياطات والمتطلبات الأساس كافه لإعداد خطة الصيانة المقترحة، ويكون إعدادها من قبل فريق عمل يضم التخصصات العلمية، والمعمارية، والإنشائية، فضلاً عن الآثاريين والتاريخيين وذلك من خلال : (الكفلاوي،2006،ص127-128)
1.   إعداد الدراسات الخاصة بالتحليلات التاريخية للأثر وطبيعة استعماله بموجب التسلسل الزمني وتعيين المتغيرات التي طرأت على المبنى (إن وجدت) خلال الفترات المتعاقبة من عمره (حسب ما تؤكده الماده التاسعه1).
2.   إعداد الدراسات الخاصة بموقع الأثر ومدى تأثره بالظروف المناخية (كالرياح ودرجات الحرارة وكمية الأمطار وغيرها) والظروف الجيولوجية (كالزلازل أو الفيضانات أو انزلاقات التربة وغير ذلك).
3.   تهيئة المسوحات الشامله من نتائج التوثيق العلمي وتشمل إعداد المخططات المعمارية والإنشائية والخدمية وتوضح فيها كافة التفاصيل المعمارية الدقيقة وطريقة البناء وأنواع المواد المستعملة في الإنشاء.
4.   القيام بالتحريات الجيولوجية لطبقات الأرض لتعيين الهيكل الجيولوجي للموقع (كتعيين طبقات التربه وتعيين حركة المياه الجوفية وتغيرها الموسمي وضغطها لغرض إعداد المعالجات الضرورية لمشاكل التربة (إن تطلب الأمر ذلك).
5.   إعداد مخططات مقارنة بين وضعية الأثر بالنسبه للبناء الأصلي وتحدد العناصر المتضررة أو الضعيفة المعرضة للتلف أو الانهيار لغرض تعيين طريقة المعالجة المناسبة.
6.   تهيئة جدول يبين فيه احتياجات الأيدي العاملة الفنية لأعمال الصيانة المطلوبة التي تشمل أنواع التخصصات الفنية وإعدادها وكذلك الحاجة إلى إعداد المعالجات الفنية والإنشائية في مجال الصيانة.
7.   اقتراح المعدات والأجهزة المناسبة التي سيتطلبها العمل الصياني مع مراعاه عدم إلحاق الأذى بالأثر (عدم استعمال الأجهزه التي تحدث اهتزازات أو تسلط في أحمال إضافية). بعد تعيين متطلبات خطة الصيانة المقترحة والمصادقة عليها من قبل هيئة فنية عليا، تبدأ عملية إعداد المعالجات اللازمة وعملية التنفيذ التي بدورها تتطلب خطة عمل منهجية تشترك فيها المعطيات والمواصفات المحددة كافة وتحت إشراف الهيئة الفنية العليا للوصول إلى الدقة في عملية الصيانة والحفاظ على القيمة التاريخية للاثر.
وهذا يتفق مع ما طرحه الشربيني من محاور العمل (إلا إن الأخر كان أكثر شمولية وتفصيلاً) للتوصل إلى أسلوب تعامل كفء مع نطاق أثري أو ذو قيمة تاريخية، ويحقق افضل النتائج المتوقعة من عملية الحفاظ ضمن خطه متكاملة للارتقاء، وتضم تلك المحاور على مراحل داخلية بدءاً من التصميم المبدئي، وصولاً إلى التنفيذ والاشراف:
1-   دراسات التوثيق والوضع القائم (جمع المعلومات والرفع المساحي)٠ وهذه هي الخطوة الأساس التي توفر قاعدة بيانات على أساسها يتم اتخاذ القرارات المؤثرة ، وتشمل:
- دراسات الوضع القائم لشبكات التغذية بالمياه والصرف الصحي ، وتحديث الخرائط .
- توثيق الإمكانات المتاحة (أنشطهة٠ مناطق خربة ٠ ملكيات ٠ مباني متهالكة ٠.... إلخ).
- توثيق فوتوغرافي للمباني ٠ الفضاءات والبانورامات ٠ العناصر المعمارية والعمرانه.
2-   دراسات تاريخية للمباني والفضاءات ٠ تعد الخلفيات التاريخية أحدى قواعد دراسات الحفاظ ٠ إذ تساعد على حفظ المنطقة بمرجعياتها التاريخية بقدر الإمكان ٠ ومن محاور هذه الدراسه .
- أعمار المباني والقصور ٠ المعالجات المعمارية والعمرانية السائدة للفترات المختلفة .
- تطورات المبنى الواحد والإضافات عليه في الفترات المختلفة.
- دراسات تطور الفضاءات والساحات والنطاق المحيط .
- مراحل تطور النسج العمراني والمباني المهمه .
3-   دراسات اجتماعية واقتصادية (المجتمع المحلي المحيط) ٠ إن المجتمع المحلي يعد ركيزة قوية في مشاريع الحفاظ المختلفة ٠إذ يساعد على نجاح أو فشل أي مشروع نتيجة لتدخلات الأفراد وتأثيرهم على تطورات عملية التنمية ومن محاور هذه الدراسة:-
- الحالات الاجتماعية (سن. نوع ٠ تعليم ٠ حاله اجتماعية ٠ إلخ) .
- أصول السكان ونوعياتهم وثقافتهم .
- نسبه السكان إلى أصحاب المحلات إلى الزائرين .
- الحاله الاقتصادية (الدخل ٠ الإنفاق ٠ المستوى الاقتصادي) .
- القوة والنفوذ في مرحلة التنفيذ والمتابعة.
4-   دراسات عمرانية وتخطيطية: وهذه تحتل الجزء الأكبر من دراسات مشروع الارتقاء بحيث تغطي هذه الدراسات الجوانب المختلفة لحيز المشروع للوصول إلى أفضل أساليب التعامل ومن محاور هذه الدراسه :
- دراسات تخطيطية على المستويات المختلفة.
- دراسات عمرانية: العمران والبنية الفضائية والنسيج .
- دراساث معمارية: الطابع والمبنى والجدران أو الواجهات .
- دراسات الحفاظ :عملات الحفاظ العمراني على المناطق والمباني ذات القيمة.
- دراسات الترميم : عملات الترميم وإعاده التأهيل للمباني ذات القيمة في المنطقة.
- دراسات إنشائية: الحاله الإنشائية والخلفيات بما يدعم بلورة الفكر المعماري والعمراني.
- دراسات تنسيق المواقع:  دراسات تفصيلية لعمليات التنسيق بما يدعم فلسفة التنمية والتطوير.
5-   دراسات النقل والمرور : يمكن لدراسات النقل والمرور أن ثؤثر على قرارات التنمية في المنطقة من خلال مجموعة المحاور المرورية المستحدثة ومناطق المشاة٠ ومن هذه الدراسات:
- دراسة شبكات الحركة الحالية والمتوقعة نتيجة المتغيرات الحاصلة في الموقع .
- دراسة حركة المشاة ومرور الطوارئ وعملات الخدمة .
- تفاصيل المعالجات للمسارات والساحات والمحاور المرورية المختلفة.
6-   دراسات شبكات التغذية بالمياه والصرف الصحي  ومن محاور هذه الدراسة:
- دراسات الوضع القائم لشبكات التغذية بالمايه والصرف الصحي ٠ وتحديث الخرائط .
- احتياجات الموقع للشبكات ٠ فضلاً عن احتياجات المشروع المقترح .
- بدائل وحلول لشبكات التغذية بالمياه والصرف الصحي.
7-   دراسات شبكات الكهرباء والإنارة للعمارة: ٠ ومن هذه الدراسات:
- دراسات الوضع القائم لشبكات الكهرباء والإناره العامه وتحدث خرائط الوضع القائم .
- احتياجات الموقع والمشروع المقترح من الكهرباء والإنارة العامه وإنارة المباني .
- بدائل الحلول لشبكات الكهرباء والإنارة العامة فضلاً عن تفاصيل الأعمال .
8-   دراسات إنذار الحريق ومكافحته: ٠ ومن هذه الدراسات:
- الوضع القائم لأسلوب إنذار الحرائق ومكافحته .
- متطلبات إنذار الحريق ووسائل المكافحه .
- بدائل وتفاصيل حلول إنذار الحرق ومكافحته .
9-   عمليات المتابعة والصيانة  ومن هذه الدراسات :
- دراسات الوضع القائم لعمليات الصيانة والنظافة العامة القائمان عليها حالياً والإمكانات .
- دراسات مقترحات عمليات الصيانة الدورية للمباني والمناطق المفتوحة.
- دراسات تفصيلية لعمليات الصيانة والنظافة العامة وجمع القمامة والاستفادة منها .

42
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)


إعداد
د.هاشم عبود الموسوي
معماري ومخطط مدن
و
د.محمد صباح الشابندر
معماري ومخطط مدن

الجزء 13 من 16
ماهي الأسباب التي تدعو للحفاظ:
يلخص كل من سوسن الطوخي، وحسن وهبي في دراستهما "أهمية المناطق التاريخية وانعكاساتها على التفاعل الاجتماعي" الأسباب التي تدعو إلى عملية الحفاظ بما يلي: (الطوخي،2004،ص49) .
1-    أسباب اجتماعية وتاريخية: وهي الحاجه إلى استمرار الوظيفة الاجتماعية وربطها بذكريات شاغلي المدينة القديمة والتي تعتبر تجسداً لأحداث وفترات تاريخية وشخصيات لها ثأثيرها على الأحداث وترجمة لظواهر معيشية خاصة تعطي استمراراً للنبع الحضارى عبر العصور .
2-   أسباب اقتصادية:  تعد الوظيفة الساحية للتراث العمراني مصدر هام للدخل كما في مصر وبعض بلدان المغرب وتركيا مع إمكانيات إعاده استخدام المناطق المحافظ عليها سواء أمزارات أم متاحف ثفافية كما تبرز في مناطق الحفاظ والمدن القديمة القيم الفنية والفلسفية والتقنية إلى جانب النفوش والمواد المستخدمه والتي تعتبر ثروه لا تقدر بمادة تقابلها .
3-   أسباب سياسية: ويتم من خلال الحفاظ التعلم من الماضي وسرد التاريخ بأحداثه العظيمة وتعبر عن الحاله السياسية في تلك الحقبات الزمنية على المدن وتعبر عن قيم الحكم ورسوخه وقوته واستقراره.
4-   أسباب دينية وعقائدية: وتتمثل في وضع القيم الدينية في المجموعات العمرانية من دور عبادة ومساكن وأسواق وغيرها.
وفي دراسته " مستقبل استثمار الماضي في مدننا المعاصرة الطرح والإمكانات " يستعرض محمد أمين محمد الأهداف الآتية على أنها الأهداف المرجوه من الحفاظ العمراني في إمارة دبي:  (محمد 2004، ص350-351)
1-    البعد الحضاري التأكيد على الشخصية المحلية: الحفاظ ما أمكن على البيئات والمباني التاريخية كجزء من التراث القومي للاجيال القادمه والبيئة المعاصرة.
2-   البعد العالمي والتواكب مع اتجاهاث الثفافه العالمية:  زيادة الوعي الجماهيري بأهمية التراث كجزء من التراث الحضاري والثفافي العالمي.
3-   البعد الاقتصادي: إنعاش السياحة كمصدر أساس للدخل.
4-   البعد التعليمي والاستدامة : توفر الإمكانية لدراسة المفردات التراثية للعماره والعمران التقليدي وتحليلها.
ويدرج علاء الدين محمد ياسين ، وأحمد يحيى جمال الدين راشد في دراستهما " إشكالية تنسيق المواقع للبيئات التراثية بمصر مع فكر المحافظة والتجديد" الأهداف الآتية على أنها أهم أهداف الحفاظ : (علاء الدين محمد ياسين،2004، ص285)
1-   الحث على تطوير درجة من الوعي التاريخي الذي يعد مطلباً أساساً لإحداث أي تغيير مستقبلي في البيئات العمرانية التراثية .
2-   فهم روح الحضارة التي تهيمن على البيئات العمرانية التاريخية ودمج محتوى الماضي مع مكونات المكان وموروثات الزمان وحاضرها ومستقبلها في وحدة متميزة تعطي الإحساس بالاستمرارية .
3-   توصيل الرسائل الفنية والثقافية والإنسانية والحضارية التي تحتويها المدن القديمة والبيئات التاريخية والمباني التراثية إلى الأجيال القادمة بصورة جيدة.
4-   يجب ألا يكون الهدف من الحفاظ ، الوقاية والصيانة فقط ، أو استغلال البيئات العمرانية التاريخية سياحياً، بل لا بد من دعوة السكان المشاركين في عمليات الحفاظ إذ إنهم أول المنتفعين إذ إن المشاركة الشعبية هي المفتاح العملي والواقعي لعمليات الحفاظ كافة.
وتجد الدراسة أن الأهداف التي ذكرها الطوخي ووهبي في دراستهما أعم وأشمل من التي طرحها محمد، وياسين وراشد، إذ كما يتضح مما تقدم أن الأهداف التي طرحها محمد في دراسته إنما تركز على البعد الاجتماعي والتاريخي، والبعد الاقتصادي للحفاظ، إلا إنه يضيف إلى ما تقدم في دراسة الطوخي ووهبي، البعد التعليمي، أما الأهداف التي ركز عليها ياسين وراشد فإنها تؤكد على الأهداف الاجتماعية والتاريخية حصراً، إلا إن الهدف الأخير في دراسة ياسين وراشد يستدعي الاهتمام إذ إن التوجهات والدراسات الحديثة في الحفاظ تؤكد على المشاركة الشعبية التي دعا لها ياسين وراشد، إذ أثبت هذا الأسلوب بأنه الأنجح، والأكفأ .

43
تساؤلات حول العولمة والثورة التقنية

منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي (القرن العشرين)، بدأ العالم يشهد العديد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية المتسارعة والحادة التي طرأت على العالم فغيّرت خرائطه، مُشيعة في ثناياه قيم التهميش والتفرقة لاسيما التفرقة العنصرية والدينية، وقد ترافق هذا مع تزايد التفاوت الطبقي في مستويات الغنى والفقر للشعوب والأفراد، وتغييب وعي الإنسان العادي بالقضايا المصيرية، وتحويل بؤر اهتمامه عنها نحو السعي وراء متطلباته المعيشية الخاصة التي ترافقت وشيوع قيم الاستهلاك في مفردات الحياة اليومية البسيطة التي بسطت جناحها لتغطي به كل ما يمكن أن تطاله من ملامح ثقافية وحضارية مُحيلة إياها إلى مادة للترويج والإعلان السلعي.
وقد بدى العالم بأكمله في حال من اغتراب كامل في ثناياه، والإنسان في حال من العجز والاستسلام.


وهناك سؤال: لماذا تنحو الرؤى الجديدة في معظم أفلام الخيال العلمي، التي تقدمها السينما الأمريكية تحديداً، منذ ثمانينات القرن الماضي، نحو تقديم عالم معتم مدمر موحش، تضيع فيه الحضارة الإنسانية لسبب أو آخر، كثيراً ما يكون هو تغلب التكنولوجيا والتمادي في استخدامها ، ليبدو البشر في تردٍ وضياع، وقد اختزلت الملايين من أعدادها إلى أعداد محدودة من الناس لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن يجمعوا أو يمثلوا كل أنماط البشر، وكل أنماط الحياة الإنسانية المعروفة؟ تؤشر مقارنة الملاحظات السابقة، وتساؤلاتها، وجود المظهر ذي الطابع السلبي الذي تمت الإشارة إليهِ، والذي يتبلور في ملامح تبدو كامنة في كل منها مثل: العزلة، والوحدة، ونفي المفهوم وانعدام القيمة، وضربها، والوحشة والغربة وهي ملامح توحي بغيابٍ ما، واغترابٍ ما، الأمر الذي يثير قضية تغييب واختزال القيم الدلالية الإنسانية، وما قد يتولد عنه من اغتراب.


لا تُمثل تساؤلاتي هذه حنيناً إلى ماضٍ معين، أو الإنحياز إلى نمط حياتي محدد (كنا قد تعودنا عليه)، أو رفض التطور العلمي والتقني بما يحمله من إيحاءات تلهب عقول المبدعين ومن ورائهم عقول المفكرين والمنظرين، في التعبير عن هذا التطور واستخدام أدواته وأفكاره في البحث عن الجيد والمبتكر في كل مجالات الإبداع، بقدر ما هو خشية على الحياة الإنسانية من تفاقم الاغتراب فيها وإثارة أهمية الوعي بالايديولوجيات الموظفة في تكوين نسيج مجتمعاتنا الحالية، من خلال محاولة النظر في عمق المستقبل، متمثلاً بالتقنية الرقمية. ولا أنطلق في هذا الطرح من منطلقات فكرية وايديولوجية تحاول الوقوف سلباً بوجه التطور التقني الكاسح، بل محاولة لإستقراء هذا التطور واستطلاع أبعاده ونتائجه والشعور بضرورة ترشيده في مجالات استخداماته والوعي بايديولوجيات توظيفه في كل مجالات ىالإبداع، ووضعه في خدمة الإنسان.

44
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)

إعداد
د.هاشم عبود الموسوي
معماري ومخطط مدن
و
د.محمد صباح الشابندر
معماري ومخطط مدن

الجزء 12 من 16
مفهوم سياسة الحفاظ (Conservation)
‏   تتضمن هذه السياسة الحفاظ على الأبنية ذات القيمة التاريخية والتراثية او الحفاظ على مناطق ومساحات من النسيج الحضري بأكملها والتي لها قيمة تراثية عالية بأعتبارها جزءاً من الثراث الحضاري لتعريف الأجيال به ولابراز الهوية المحلية للمدينة. فقد اعتبرت مراكز المدن في العديد من البلدان، مناطق للحفاظ (Conservation Areas) يتم الحفاظ عليها بشكل كامل لتكون مثالاً للاجيال القادمة يتعرفون من خلالها على الفضاءات والاشكال الحضرية لفترات تاريخة محددة وفي مناطق محددة.
ويتعلق الحفاظ التاريخي بمجموعة معقدة من العوامل التي أوجدت الحاجة الى هذه السياسة. وهذه الحاجه برزت مع تنامي الخطر الذي بات واضحاً مع ازدياد هدم الأبنية والمناطق التاريخية واتساع مداها وأوجدت مجموعة من المفردات أو التقنيات، في نهاية القرن التاسع عشر ، باعتبارها ضرورية لإيجاد مجموعة من الأساليب للحفاظ التاريخي.
   
أولاً : نشأة مفهوم الحفاظ وتطوره
ليس من السهل تتبع المراحل التاريخية التي تكشف عن نشأة عمليات ترميم وصيانة الآثار، وفك اللثام عن تطور هذه العمليات وتلك الفنون بكل دقة وذلك لعدم وجود وثائق مادية كافية يمكن الاستناد عليها لتوضيح هذه الحقائق، لكن يمكن القول استناداً إلى مضمون مصطلح ترميم (وهو أحد مستويات الحفاظ ) الذي يعني إصلاح وعلاج ما قد تلف من الأشياء المادية التي لها قيمة نفعية أو جمالية أو تراثية بالنسبة للانسان، إن عمليات ترميم وإصلاح ما قد تلف من المباني والمقتنيات المختلفة، كان قد عرفها الإنسان القديم منذ أن عرف حياة الاستقرار، واتخذ له مسكناً سواء شيده من جذوح النخل أو الأشجار، وقام بتسقيفه بسعف النخل والنباتات الجافة المختلفة، وغطى سطحه الخارجي في بعض المراحل التاريخية بطبقات من الطين لسد الفراغات التي قد توجد بين جذوح الأشجار والنخل كما توصل الإنسان بعد ذلك إلى تشييد منزل أكثر قوة وصلابة من هذا المنزل البسيط، وقام بتشييده من الطوب المشوي (اللِبن المخلوط بالتبن) فعندما كانت هذه المنازل تتعرض للانهيار بفعل الزلازل أو الأمطار أو العواصف الرعدية أو الحرائق وغيرها من العوامل الطبيعية المختلفة، كان الإنسان القديم يعيد بناء هذه المنازل أو إصلاح ما قد تلف من أجزانها كما عرف الإنسان القديم كيف يعالج ثوبه ويصلح ما قد تلف من أدوات الصيد والطهي وغير ذلك من الأدوات التي كان يستعملها في الأنشطة اليومية المختلفة وهكذا يمكن عد هذه العمليات البدايات الأولى لنشأة ترميم المنشآت وإصلاح ما قد تلف من الأدوات المتنوعة التي تعرضت للتلف كي يستعين بها الإنسان على ممارسة أنشطته المختلفة في حياته اليومية (جعفر زهير فضل الله، 2006،ص17-18) ومن مراجعة ما توفر تحت اليد من مصادر بهذا الصدد

45
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)

إعداد
د.هاشم عبود الموسوي
معماري ومخطط مدن
و
د.محمد صباح الشابندر
معماري ومخطط مدن

الجزء 11 من 16


الأضرار التي يتعرض لها الموروث العمراني
تعددت أسباب تلف الآثار والموروث العمراني تبعاً للظروف المحيطة بها وبشكل عام تعتمد حالة أي أثر من الآثار أو مبنى تاريخي أو عمل من أعمال الفن على المادة المصنوع منها وعلى خواصها الطبيعية والكيمياوية ٠ كما تعتمد على طبيعة الظروف المحيطة به وتعد تهيئة الظروف المحيطة بالأثر أو المبنى التراثي العامل الأساس في إنجاح أعمال الصيانة، لذا فإن أية دراسة لصيانة الآثار أو الموروث العمراني يجب أن تعتمد على دراسة عامة لخواص الأثر أو المبنى التراثي ٠ وتأثير الظروف المحيطة به ، آخذين في الحسبان أهم المؤثرات عليه وقد ركزت دراسة فضل الله على المؤثرات الآتية والتي عدها أهم المؤثرات التي توثر في الأثر : (جعفر زهير فضل الله،2006،ص35-41)
1-   درجات الحرارة والرطوبة.
2-   الغازات الحمضية المنتشرة في الجو.
3-   الأملاح المنتشرة في التربة والمياه.
4-   الضوء.
5-   الإنسان ، ويمكن تلخيص ذلك بأمرين أساسين هما سوء الترميم ٠ والتخريب المتعمد.
أما عطية والبرمبلي فيدرجون العوامل الآتية التي عدوها مؤثرات ذات تأثير سلبي في المناطق التاريخية : (عمرو عبد الله عبد العزيز عطية،2004، ص183-184)
1-    العامل الاقتصادي: تحول معظم المحال التجارية المطلة على المحاور الرئيسة للمدينة التاريخية إلى محلات لبيع المشغولات والمنتجات التقليدية التي توحي بتراث المنطقة ، ويؤدي التنافس بين هذه المحال إلى المبالغة في واجهاتها ، كذلك التمادي في إبراز لافتاتها للخارج ، مما يؤدي إلى تغيير شكل المبنى التراثي بالكامل ، ويشوه الطابع المعماري للمنطقة .
2-   العامل الاجتماعي : ويؤثر هذا العامل تأثيراً مباشراً على تغيير نمط الوحدات السكنية نتيجة الإضافة أو الزيادة في حجم الوحدات السكنية بسبب الزيادة في عدد أفراد الأسرة واحتياجها لتغيير شكل وتكوين الوحدة السكنية ، ومن أسباب تغيير نمط المسكن أيضاً انتقال بعض الأسر إلى خارج المنطقة واحتلال أسر أخرى ، بطابع ونمط مختلف للوحدات السكنية القاثمة ، مما غير من الهيكلة الاجتماعية لمجتمع المنطقة وإفراز سلوكيات معادية لطبيعة المنطقة السكنية نتيجة عدم تفهم القيمة التاريخية والفنية للأثر ، خاصة إذا كانت لا تعود بفائدة محسوسة على سكان هذه المنطقة.
3-   العامل البيئي:  ثؤثر العوامل البيئية ثأثيراً مباشراً على شكل المباني التراثية ، خاصة نتيجة زيادة الثلوت ، وكذلك الزيادة قي درجات الحرارة على مستوى العالم ٠ فقد تغيرت ألوان الوجهات نتيجة ثلوت الهواء وأدى ارتفاع منسوب المياه الجوفية إلى تآكل المباني والأساسات ٠ وكذلك قام السكان يالإفراط في استعمال مكيفات الهواء مما أدى إلى التغيير شكل الواجهات دون التمييز بين التوجيه والاحتياج، بدلاً من استغلال العناصر البيئية مثل الملقف والشخشيخة والمشربيات والأستعاضة عنها بعناصر صناعية غير مناسبة من حيث الشكل أو الكفاءة.
4-   العامل التنظيمي والتشريعي : ويمكن تلخيص العوامل التشريعية والإدارية والتنظيمية التي تؤدى إلى ظهور المؤثرات السالبة على مجتمع المناطق التاريخية، بالتضارب في الاختصاصات بين الاجهزة المشرفة على المباني التاريخية مثل هيئة الآثار ووزارة الأوقاف والأجهزة المحلية، وقيام بعض أجهزة الدولة بتأجير المباني الأثرية لتؤدي وظائف لا تتماشى مع وظائفها الأصلية وعدم وجود مراكز كافية لعملية العناية بالآثار لتقوم برعاية المباني الأثرية والتاريخية وصيانتها وتسجيلها، فضلاً عن وجود قصور في التشريعات التي تهتم يالأثر نفسه بدون الاهتمام يالمنطقة المحيطة بالأثر فمنذ بداية الاهتمام بالآثار ، وإدراك قيمتها والتدخل لصيانتها ، لم تكن القوانين المنظمة لذلك تهتم بالترميم والصيانة، وإذا ما حدث أي إجراء فقد كان موجهاً للمباني الأثرية بشكل منفرد ، دون النظر لمحيطها وما يهدد المنطقة بشكل عام تلك النظرة التي جاءت متأخرة . و كثرة أعداد المباني الأثرية التابعة لوزارة الاوقاف وما ترتب عليه ذلك من اشغالات لكثير من المباني ولواجهاتها، فضلاً عن تعارض القرارات والاتجاهات ما بين وزارة الاوقاف، وهيئة الآثار. كما ان الظروف السياسية التي مرت بها البلاد منذ بداية الستينات 1  من هذا القرن، لم يكن فيها للآثار والتراث نصيب معقول من الاهتمام والرعاية، كذلك غياب القانون الرادع سواء لمعاقبة المتعدي او لمن ينشئ بناءاً حديثاً داخل المدينة القديمة، والاهمال في متابعة وتحري التجاوزات وعدم الابلاغ عنها.

ويدرج سعيد ثلاث عوامل عدها السبب في عدم امكانية المحافظة على الهيكل البنائي الاصلي بدون اي تغيير، وتحول دون اعطائة صفة الخلود، وهي: (هيثم خورشيد سعيد،2004،ص12)
1-   ثأثير البيئة قي الهيكل ، والتي تتضمن الرياح ٠ والأمطار ٠ والفيضانات ٠ والثلج ٠ والغبار ٠ والحرارة الشديدة ، والبرودة القارسة ٠ وتلوث الهواء ٠ والتآكل والتعرية نتيجة البكتريا.....الخ.
2-    تأثير القوى الميكانيكية في الهيكل : والتي تؤثر على حاله التوازن للبناء ، سواء أكان جزئياً أم كلياً وما تسببه من أضرار مثل الهزات الأرضية والتغيير في طبيعة التربة، والحريق ، والحروب.
3-    تأثير الإنسان عبر العصور : ويكون ذلك نتيجة الحاجة إلى التغيير في الفعاليات وتوزيعها ضمن الهيكل والتي تؤدي الى تغيير في طبيعة التصميم الداخلي والمظهر الخارجي. وابعد من هذا هدم البناء او اضافة اجنحة وابنية متصلة او منفصلة ليس لها اي ترابط مع الهيكل القديم.
ويرى سعيد بأنه لكي يتم تحديد تلك الثأثيرات المستمرة والتقليل من حدتها والحصول على مدى أطول واستغلال أفضل للهيكل تطبق طرق خاصة من عمليات الصيانة والترميم وإعادة البناء ٠ أما تأثير الإنسان على المنشآت التراثية فيمكن ايقافه بسن قوانين خاصة لا يمكن تجاوزها وتشكيل دوائر خاصة تقوم بالعناية في المباني اما تأثير القوى الميكانيكية فقد امكن السيطرة عليها بواسطة التقنيات الحديثة في عمليات المحافظة واعادة البناء والترميم، وهذه الطرق ترتبط اصلاً مع الدراسة التاريخية واصالة الهيكل البنائي. (هيثم خورشيد سعيد،2004،ص12-13).
أما كمونة واستناداً الى آراء فيتش، فانه يرى بان المبنى التاريخي يكون عرضة لظروف (بيئية وفيزياوية) غير جيدة وكذلك الى اخطار يمكن تلخيصها بالنقاط الآتية: (كمونة،2006،ص475-476) .
1-   التعرض البيئي: ويتمثل بالظروف البيئية من حرارة وبرودة ورياح ومياه واهتزازات وغيرها، ويتم مقاومتها عن طريق حفظ المبنى في فضاء خاص، وبأجواء خاصة وهي عملية صعبة جداً.
2-   الخدش : ينتج بسبب كثرة أعداد السياح التي تأتي لمشاهدة الأماكن والمواقع التاريخية والتراثية المحاقظ عليها ٠ إذ يتعرض المبنى إلى أوزان عالية جداً ٠ فضلاً عن التأثيرات البشرية كارتفاع غاز ثاني أوكسيد الكاربون في الجو والاهتزازات بسبب الحركة والضوضاء وتظهر هنا الحاجة إلى تدعيم الأرضيات لتمكنها من تحمل الضغوط البشرية الإضافية .
3-   التخريب : إن إهمال المجاميع التي تأتي لمشاهدة المواقع التاريخية تتسبب بأعمال تخريبية مقصودة أو غير مقصودة ٠ كإلحاق الضرر بأجزاء كالسلالم والأبواب وغيرها ٠ لكن وجود الإدارة المنظمة والعناية المستمرة للمبنى يقلل من الأثر السلبي للسياح في المبنى .
4-   السرقة : إن سرقة الآثار والمباني التاريخية أصبحت من الأعمال التي يمتهنها محترفون ذوو علم ودراية واسعة بالآثار ٠ ووجد أنه من الأفضل تطوير وسائل الحماية والأمن لهذه الممتلكات .
5-   الحريق : قد تنشأ الحرائق عن طريق حدوث تماس في التيار الكهربائي أو عملية تخريبية أو ما شابه ذلك وفي معظم الأحيان نجد إن الغازات المنبعثة من الحرائق تلحق ضرراً أكبر بالمبنى من الحريق نفسه .
كما يوجز كمونة المشاكل التي تتعرض لها المدن والمراكز التاريخية في العراق بالآتي: (كمونة،2006،ص477)
1-   تحويلها إلى مراكز اقتصادية وإدارية لمدن حديثة مما أدى إلى جذب النسبة الكبرى من التطور العمراني الحديث مزيلاً بذلك مساحات واسعة من النسيج الحضري التاريخي.
2-   عدم انسجام أو تآلف العمران الحديث مع خصائص المراكز التاريخية لا من ناحية الشكل أو المقياس أو الوظيفة.
3-   ظهور فارق واضح بين العمران القديم المتميز والحديث المهيمن مما أدى إلى إحداث حالة من الإرباك والتشويش في هذه المراكز وفقدانها لتماسكها الحضري.
4-   عدم التفهم العلمي لدى بعض الجهات التخطيطية والبلدية سابقاً لأهمية الحفاظ على التراث المعماري والحضري.
5-   فقدان الكوادر الهندسية المتخصصة والمتفهمة لأهمية الحفاظ على المراكز التاريخية ٠ قد ساهم أيضاً في محو الكثير من معالم المدن التاريخية والآثارية.
6-   فقدان التنسيق بين الجهات التخطيطية والتصميمية وعدم وجود جهة مركزية عليا توجه أعمال التطور في المدن العراقية القديمة ٠ وتسيطر على مخططات التصميم الأساسية والمعدة أغلبها من جهات أجنبية تفتقر إلى الأوليات اللازمة عن المناطق التاريخية المهمة إذ إن فقدان التنسيق والسيطرة أدى إلى فسح المجال أمام هذه الجمعيات الاستشارية إلى التصرف بحرية في المراكز التاريخية وإزالة نسبة كبيرة من معالمها المتميزة .
7-   عدم كفاءة التشريعات الخاصة بالحفاظ المعماري والحضري مما سبب القضاء على نسبة كبيرة من هذه الرموز التراثية.
8-   التفاهم والتعامل مع نظريات الحركة الحديثة في التخطيط دون محاولة للتوصل إلى نظرية خاصة يمكن تطبيقها على المراكز التاريخية العراقية.
فضلاً عن إمكانية تعرض الموروث الحضاري لأضرار جسيمة نتيجة الحروب والكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات وغيرها، وهذا ما يفيه به تقرير منظمة آلآيكوموس الذي ينبه بأن الظروف العصيبة المتمتلة بالحروب وعمليات النهب والسرقة التي تبعتها بعد عام 2003 وتقوم بها عصابات منظمة ومحترفة ٠ تعرض الموروث العمراني في العراق لخطر الإبادة . (Petzet، 2008، pp.94-95)
من الملاحظ هنا أن المشاكل والأضرار التي تصيب الموروث الحضاري يمكن تصنيفها حسب طبيعة ذلك الموروث إلى ثلاثة أصناف هي :
أ‌-    المشاكل والأضرار التي يتعرض لها الأثر. (والتي تكلم عنها فضل الله).
ب‌-   المشاكل والأضرار التي تتعرض لها النصب والمباني التاريخية. (والتي تكلم عنها سعيد وكمونة).
ج‌-   المشاكل التي تتعرض لها البيئات أو المناطق التراثية أو التاريخية. (والتي تكلم عنها عطية والبرمبلي وكمونة والآيكوموس) .
وبذلك فإن هذه المشاكل تتراوح ما بين المستوى الموضعي (والذي يشمل الآثار والمواد التراثية المنقولة) والمستوى الشمولي (المبنى والمنطقة التراثية والتاريخية).
ومن الضروري تكوين فكرة عامة عن تلك المشاكل بمستوياتها كافة فبل الشروع بأعمال الصيانة والحفاظ لخلق تصور متكامل عن أسلوب المعالجة الأكفأ. فالمشاكل التي يتعرض لها الأثر تتعامل في معظم الحالات مع المادة الإنشانية التي تم صنع الأثر منها وهي بالتالي تشترك مع المباني التراثية في طبيعة المواد الإنشانية المستعملة، ومعرفة المشاكل التي تتعرض لها المادة الإنشائية للآثار واسلوب معالجتها مفيد جداً في التعامل مع الأبنية التراثية، كما إن البيئة أو المنطقة التراثية والتاريخية تتألف من مبان تراثية وناريخية وبدون الالمام بالمشاكل التي تكون تلك المباني عرضة لها وأسلوب معالجنها لا بمكن الحصول على بيئة تراثية وتاريخية ناجحة وكفوءة .
يلاحظ بأن تشخيص المشاكل السابقة على المستويات كافة قد كان على المستوى التطبيقي من حيت الشكل فقط والتقنية، سوى بعض الإشارات السريعة والضمنية إلى الأثار السلبية التي بمكن أن تتعرض لها منظومة المعاني للموروت العمراني، رغم إن الهدف الأساس من الحفاظ كما تم إيضاحه سلفاً هو الحفاظ على القيم المعنوية التي يتم توارثها عبر الأجيال .

46
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)

إعداد
د.هاشم عبود الموسوي
معماري ومخطط مدن
و
د.محمد صباح الشابندر
معماري ومخطط مدن

الجزء 10 من 16

عناصر إنقاذ وإحياء الموروث العمراني
اولاً : الهيكل الحضري :-
     ينبغي تناول سياسة انقاذ واحياء الموروث العمراني – على المستوى الهيكل الحضري – ليس باستعادة العناصر والمكونات العمرانية المناسبة والتي تعتبر تجسيداً عن تصور قوي لمجتمع متجانس فحسب، وانما نظام ارتباطها الذي ينتج عنه تكوين الهيكل الحضري. وهذه المكونات الاساسية هي قلب المدينة. ونظام الحركة (المكونات المنتظمة)، والنسيج الحضري التقليدي (المكونات غير المنتظمة).
1-   قلب المدينة :- ان قلب المدينة يجب ان يبقى العنصر الاساسي المنظم للهيكل الحضري بان يحافظ على الفعاليات التقليدية المكونة له اضافة الى تهيئة مناطق لاستيعاب الوظائف الجديدة – عند اعادة تطويره – وبنمط يتعاطف مع النسيج المترابط والكثيف القائم ونظام ارتباطه بحيث يحافظ على مفهوم التكامل بين الجوانب الدينية والدنيوية في الحياة الحضرية.
ان التصميم الحضري لمناطق التجديد في لمراكز التأريخية يجب ان ينصب باتجاه تحقيق جملة من الاهداف أهمها الحفاظ على امكانية عالية للوصول (Accessibility) ومعايير عالية للأمان وخلق تكوين فضائي (Spatial Structure) يتميز بالوحدة مع التنوع والاثارة الحسية والبصرية والحماية المناخية.
ويتطلب تحقيق تلك الاهداف فصل نظام حركة المركبات عن حركة السابلة مما يسمح بكفاءة كبيرة لاداء كلا النظامين ويسمح بجعل المركز مجالاً خاصاً للسابلة تتركز فيه الفعاليات بكثافة عالية وبنمط متكامل ومتميز عن الفعاليات في المراكز المحلية. كما يتوجب ربط فعاليات المركز بنظام الحركة مع بقية مكونات الهيكل الحضري والمراكز المحلية بوسائل نقل كفوءة – وخاصة النقل العام – اضافة الى توفير منافذ لحركة المركبات لخدمة الفعاليات المختلفة فيه.
وتبرز الحاجة الى خلق بؤر مركزية للفعاليات ترتبط بفضاءات ومراكز ثانوية للفعاليات لتوفير التنوع في طبيعة الاستعمالات والبيئة الانسانية لحركة السابلة.
ان الحفاظ على عنصر الاثارة الحسية والبصرية للمراكز التقليدية يستدعي تجنب ايجاد اتجاهات بصرية مستقيمة (Straight Vision). اذ ان الاتجاهات المتغيرة لمحاور الحركة الرئيسة في المركز يمكن أن يضفي طابعاً ومقياساً انسانياً لفعاليات المركز ويؤدي الى تكون سلسلة من المشاهد المتعاقبة (Serial Vision) يتحسسها الفرد عند حركته بحيث تكشف له في كل زاوية عن جانب من شخصية مركز المدينة.

2-   نظام الحركة :- المرور يعتبر احد المشاكل الكبيرة التي تواجه اعادة تأهيل المراكز التأريخية اذ ان هيكلها لا يتلائم مع زخم المرور الحاصل ومتطلبات حركة المركبات وما يسببه من اختناقات. وتتباين الاتجاهات المتبعة لحل هذه المشكلة، فهناك ما يسمى بالحل التوفيقي (Compromis Solution) والذي جرت العادة على تطبيقه بتكوين طريق حلقي يرتبط بسلسلة من الطرق القصيرة المغذية التي توصل حركة المركبات الى المكونات الرئيسية للقلب ا لتأريخي للمدينة. ان هذا الحل رغم سلبياته العملية، الا انه يؤهل المدينة من الديمومة بشكل سليم نسبياً دون اللجوء الى شق الشوارع العريضة على نطاق واسع. كما يمكن ان يجري تحوير شبكة الطرق القائمة لمتطلبات المرور الحديث وهو ما يتطلب اعادة تنظيم هيكل وتوزيع شبكة الطرق القائمة لايجاد نظام يميز تلك الطرق الى مستويات حسب الفعاليات المرتبطة بها دون اللجوء الى اضعاف وتفتيت النسيج الحضري. الا ان عملية التحوير ليس من المتوقع ان تكون كفوءة بشكل تام نظراً لما تتسم به شبكة الحركة من تكامل وترابط مع الفعاليات التي تخدمها وتغذيها والتي تطورت عبر مراحل تكوين النسيج الحضري. ان السياسة الموضوعة لحل مشاكل الحركة في مناطق الحفاظ والتطوير يجب ان تأخذ بنظر الاعتبار حجم مشروع التطوير ونمط استعمالات الارض المقترحة والشخصية المحددة للمنطقة وطبيعة وأهمية موقعها ضمن الهيكل الحضري.

3-   النسيج الحضري :- عند اعادة تطوير النسيج الحضري (السكني) في المراحل التأريخية، ينبغي ان تتماشى سياسة التخطيط مع تلك العناصر والمحددات المؤثرة في شكلها العمراني والناتجة عن طبيعة الحياة في المجتمع والتشريعات القانونية فيها. ومن الخطأ الجسيم ان تجري عملية نسخ او محاكاة حرفية للنماذج التقليدية، وانما المطلوب هو استنباط اسلوب يستقي جذوره من المدينة القديمة ويلبي المتطلبات المعاصرة للسكان وهو ما يتطلب تصاميم ودراسات تفصيلية تأخذ بعين الاعتبار الظروف المحددة المؤثرة في كل حالة.
     ويمكن تحديد متطلبات كل من مكونات المناطق السكنية عند اعادة التطوير كما يلي :-
‌أ-   السكان المستقبليون :- هناك خصائص مهمة ينبغي معرفتها تتعلق باسلوب لحياة المتوقع والاداء الاجتماعي والنفسي للسكان المستقبليين. اذ ان نمط حياة المجتمعات يملي على المصمم والمخطط متطلبات ومعايير ينبغي تحقيقها لتتجاوب مع العوامل الاجتماعية والنفسية والقوى المؤثرة في تلك المجتمعات. وان استمرارية الالتزام بالقيم في المجتمعات التقليدية والمعاصرة او المستقبلية تتطلب ان يكون هناك استمرارية في العمارة وهو ما يتطلب العناية والخبرة في اختيار التصاميم والفلسفة التي توجه عمل المصمم.
‌ب-    نمط الوحدات السكنية :- يجب تطوير نماذج جديدة في كل الأحوال، ومنها تطوير مفهوم الأسرة الواحدة المسمى بـ (Extended Family Dwelling) وذلك بربط وحدات سكنية حول فضاء مفتوح شبه خاص يرتبط بالمستوى الأدنى من شبكة الحركة. كما انه من الضروري البحث في تحوير وتكييف مفهوم الاسكان الاجتماعي (Social Housing) مع الظروف المحلية السائدة وخاصة فيما يتعلق بنمط تخطيط المناطق السكنية وتوفير فضاء مفتوح خاص بشكل مناسب واستغلال الفضاءات العامة والخاصة.
‌ج-   البيئة السكنية :- وتتضمن عدداً من الخصائص الواجب أخذها بنظر الاعتبار، وهي:-

-   التدرج في الفضاءات :- وهو أحد الملامح التي ينبغي المحافظة عليها بحيث يتم الابقاء على الاسلوب التقليدي في الانتقال التدريجي من الحركة في ممرات السابلة الرئيسة (الحيز العام) الى ممرات الحركة الثانوية (شبه العام) الى الأزمة النغلقة (شبه الخاص)، ومنها الى الفضاء الخاص للمسكن مع تفادي النفوذ بشكل مباشر الى الفضاء الخاص.
-   المحلات السكنية :- ان مبدأ تقسيم المناطق السكنية الى محلات سكنية كوحدات تخطيطية مكتفية ذاتياً وتضم مركزاً محلياً يضم الخدمات والفعاليات الضرورية كافة التي تنبع من طموح السكان وتطلعاتهم هو مفهوم ينبغي الحفاظ عليه ولا يتعارض مع متطلبات الحياة المعاصرة ويرتبط ارتباطاً وثيقاً مع المضمون الاجتماعي والحضاري لحياة السكان. اضافة الى ارتباطه بمفهوم التكامل والترابط الاجتماعي الناتج عن عدم وجود فصل على أساس اجتماعي أو اقتصادي وهو مفهوم يجب احياؤه وتشجيعه.
-   الشكل الحضري :- هناك حاجة لخلق مناطق سكنية تستغل الحاجة الى حجوم مختلفة، والشخصية المحددة والتوجيه والموقع وأي جانب يمكن ان يؤدي الى اعطاء هوية متفردة (Individuality) وتغيرات في المستويات او خط السماء أو مظهر الشارع الحضري (Streetscape) وغيرها من الابداعات الخلاقة التي يمكن ان يحققها المصمم. وبنفس المبدأ ولكن بمقياس مختلف يجب استعادة الوجهات البسيطة الخارجية لتعكس تجانساً واسعاً لملمس بيئة الشارع وللحفاظ على الشوارع كفضاءات انسانية لحركة السابلة حيث تكون للسيارات فيها اهمية ثانوية ويجري توصيل الخدمات من نقاط أخرى.
-   الفضاءات المفتوحة :- تعتبر الفضاءات المفتوحة أحدى المكونات المهمة للبيئة الحضرية والبيئة السكنية بشكل خاص. ومن الطبيعي ان هناك حاجة أكبر لها في الوقت الحاضر دون خلق فجوات كبيرة في نسيج المدينة.

ثانياً : تخطيط استعمالات الأرض :-
1-   انعاش المناطق المركزية بالحفاظ على الترابط بين الجانب الديني والدنيوي، بحيث تعبر عن المدى الكامل للفعاليات الحضرية (الدينية والتجارية والتعليمية والصناعية والترفيهية) وتجسيد هذا الترابط بتعبير مادي وبأطار معاصر.
2-   تحديد محتوى فعاليات المركز بما له تماس بحياة السكان بشكل أساسي (كتجارة الجملة والمفرد والمكاتب المهنية والادارية، المطاعم والفنادق، الفعاليات الاجتماعية والدينية) أما الفعاليات الاخرى او الفعاليات التي تحتاج الى منفذ مستمر للمركبات فيجب توقيعها خارج المركز وهو ما ينبغي ان يكون معياراً أساسياً للتوقيع.
3-   التأكيد على التكامل الأمثل بين الوحدات السكنية ضمن المحلات السكنية، وبين المحلات السكنية ضمن النظام الحضري ككل مع اعطائها أقصى درجة من الحماية والخصوصية والحفاظ على مبدأ التكامل (Symbiosis) ودعمه بالحفاظ على الروابط الاجتماعية واحياء القيم الدينية وتشجيع واستخدام الفعاليات المشتركة كالجامع والسوق والمناطق المفتوحة.
4-   ان لا تكون قوى السوق هي العنصر الأساسي المحدد للهيكل الفضائي الحضري ولتنظيم استعمالات الأرض في المراكز التأريخية كي تحافظ رموز القيم الروحية على موقعها المهيمن في قلب المدينة بدلاً من المدن لمعاصرة التي تبلورت ضمن مفهوم المجتمع الغربي والذي استبدلت فيها القيم الروحية للمجتمع بالقيم المادية مما انعكس تخطيطاً في نمط احتل فيه القطاع التجاري المركزي (C.B.D.) موقع الهيمنة.


ثالثاً : التخطيط المتضام (Compact Planning) :-

     ان التخطيط المتضام مبدأ ينبغي الحفاظ عليه وتطبيقه في سياسات اعادة التطوير وذلك لجملة من المبررات أهمها :-
1-   ان استخدام هذا النمط بالارتباط مع مبدأ توجه الابنية نحو الداخل يساهم في تحقيق كثافات بنائية عالية وبالتالي سيحافظ على كثافات اسكانية عالية تمنع ابعاد جزء من سكان المنطقة وهو ما يصاحب معظم مشاريع التجديد، بالاضافة على المساعدة في جعل جميع الفعاليات العامة (المحلات التجارية والمساجد والمدارس) ضمن مسافة المشي المريحة وتقليل استخدام الطرق مما يؤدي الى ان تكون شبكة ممرات السابلة الفضاء الاجتماعي للمحلة السكنية ولمراكز المدن.
2-   تحقيق تنظيم متدرج للفضاءات وتقسيمها الى المجالات العامة والخاصة وتكوين فضاءات مغلقة صغيرة ترتبط مع ممرات الحركة باسلوب علمي مدروس يتجاوب مع المتطلبات الاجتماعية الحضارية للمجتمع وتتجاوب مع متطلبات العمارة المعاصرة.
3-   استعادة التكوين الحضري للمناطق المحيطة بالشواخص المعمارية باسلوب يتعاطف مع النمط التقليدي الذي كان سائداً ويؤكد على أهمية موقعها في التكوين الحضري وخط السماء للمدينة وذلك من خلال الحفاظ على التغير المؤثر في المقياس الناتج عن هيمنة هذه الرموز على النسيج العمراني المتضام والمتجانس.
4-   الحفاظ على خصائص المنطقة وشخصيتها المكتسبة من اسلوب ارتباط الفضاءات وعلاقتها مع الابنية والمقياس الانساني، وعدم ترك مناطق خالية من الوظيفة والمعنى، وكذلك فهي تحفز الاحساس بالهوية المحلية الى جانب الحفاظ على التقليدية للمدينة وتقوية الروابط الاجتماعية، كما ان خواص الاتجاهات المتغيرة لممرات السابلة تعطي لحركة الفرد تمييزاً لموقعه المحدد في المدينة.
5-   الحد من الزحف العمراني واتساعه الى نطاقات بعيدة بشكل يؤدي الى تزايد استخدام المركبات وارتفاع كلف الخدمات والبنى الارتكازية ومشاريع الاسكان واعادة التطوير. كما ان الكثافات الواطئة لمشاريع اعادة التطوير تؤدي الى ارتفاع كلفها بشكل كبير ينعكس على هيكل أسعار القروض والايجارات مما يتطلب دعماً مالياً كبيراً، وفي حالة عدم توفره تصبح كلف الابنية والوحدات السكنية خارج امكانية السكان محدودي الدخل وحكراً على الاغنياء فقط وهذا مناف أساساً للغرض الذي من اجله تم وضع سياسة التجديد.


47
الموروث العمراني (دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)


الجزء 9 من 16

سياسات وعمليات انقاذ واحياء الموروث العمراني :-
     يوجد العديد من السياسات والأساليب التي يمكن اتباعها للحفاظ على المناطق ذات القيمة، بحيث يمكن استعمالها تبعاً لطبيعة المكان هل هو طبيعي أم مصنوع وتبعاً لحالته هل هو مستقر ام متدهور وتبعاً لسياسة الدولة في ادارة المكان وتبعاً لطبيعة قاطنيه واهميته لدى المجتمع الدولي، ولذا سيتم استعراض بعض من هذه السياسات لسهولة تحليل تجارب الحفاظ أساس هذه الورقة البحثية.

الحفاظ السلبي :-  "Preservation"

     تستهدف سياسة الحفاظ السلبي ابقاء المبنى كما هو دون اي تغيير او تعديل به وحمايته من العوامل البشرية بوضع القوانين والنظم والعقوبات التي لا تسمح بأي تعديل او اضافات كما هو متبع بالنسبة للآثار الفرعونية مما يتطلب منع الاستخدام واعتبارها مزارات سياحية فقط، ويقتصر هذا النمط من التعامل على المناطق الأثرية، او المناطق الحديثة ذات الطابع الفريد المتميز، وتكون الحماية لمباني بعينها او للبيئة العمرانية او للنسيج او على الطابع المعماري المميز كما تتسع لكي تشمل حماية الهيكل الاجتماعي والاقتصادي جنباً الى جنب مع الهيكل العمراني. "ابراهيم (1986)"

الحفاظ الايجابي :-  "Conservation"

     سياسة الحفاظ الايجابي تتبع عادة في حالة المباني بالمناطق التاريخية التي تخربت او تعرضت الى تعديلات طمست معالمها او في حالة وجود مباني في مناطق تاريخية يراد الحفاظ على طابعها المميز فأنه يتم اللجوء الى مبدأ المحافظة على الطابع المعماري وذلك بهدف استكمال المظهر العام داخل هذه المناطق ويتم في هذه الحالة اعداد التصميمات المعمارية واختيار المواد المناسبة لطراز المبنى والتعرف على طرق الانشاء التي اتبعت من قبل بالاضافة للتكامل والتجانس مع البيئة المحيطة، وبالتالي فالحفاظ الايجابي ثنائي التوجه احدهما موجه الى الحفاظ السلبي على المخزون التراثي ذو القيمة والبعد الآخر موجه الى التحكم الفعال والنشط في الاضافات الانسانية بهدف الحفاظ على الطابع المميز لها وضمان استمرارية حياة كل ماله قيمة مادياً ومعنوياً.  "عبد العزيز (1999)"

الترميم :-  "Restoration"
     تستهدف سياسة الترميم والاصلاح اعادة المبنى الأثري الى أصله وتحريره من أية تعديلات تكون قد طرأت عليه، وتستند هذه العمليات الى جزء بحثي لوضع تصور دقيق لما كان عليه المبنى في بدايته، فالترميم والاصلاح يأتيان دائماً مع تقادم المبنى أو بعد الكوارث كالحروب والزلازل من أجل تحقيق السلامة الانشائية، وتمتد الى أسطح الحوائط وتفاصيلها المعمارية، وترتبط سياسة الترميم بشكل كبير بتعامل الأثريين مع المكوى الأثري وتأخذ اهمية أقل عند المعماريين.  "موسى (1991)"

تطويع الأستعمال :-  "Adaptive Reuse"

     سياسة تطويع الاستعمال تعتمد على وضع استعمال جديد بمبنى ذو قيمة بشرط ان يتوافق هذا الاستعمال مع طبيعة المبنى حتى لا يؤثر عليه ويؤدي الى تدهوره، ويعد السبب الحقيقي لهذا التعديل هو تضاؤل قدرة أصحاب القصور والمباني القديمة على الالتزام المادي للانفاق على مبانيهم مما أدى الى تخلي أصحابها عنها وتدهورها، ومن الأمثلة على ذلك فندق الماريوت بالزمالك الذي كان قصراً أميرياً، وكذلك متحف محمود خليل الذي كان مسكنه الخاص.  "عبد العزيز (1999)"
اعادة التأهيل والاحياء :-  "Rehabilitation and Revitalization"
     ان تعثر المباني القديمة ذات القيمة في ادائها النفعي او الوظيفي نتيجة الاهمال وغيب الصيانة وأساليب الحفاظ لسنوات طويلة يتطلب اعادة تأهيل حتى يعود المبنى للحياة مرة اخرى ويعاد استعماله في اداء وظيفته أو زظيفة اخرى مستحدثة متوافقة مع طبيعة المبنى.  "حواس (1993)"

الارتقاء :-  "Upgrading"
     تختلف طبيعة سياسة الارتقاء عن باقي السياسات ولكنها تتشابه في بعض أوجهها مع التجديد الا ان التجديد يتعرض فقط الى الجانب العمراني ولا يتسع لكي يشمل تطوير الجانب الاجتماعي ويتعرض الارتقاء في الاحياء السكنية الى كل من الجانبين الاجتماعي والاقتصادي على حد سواء، والارتقاء يعي في مضمونه رفع الحالة العامة للحي من درجة الى درجة أفضل منها.  "ابراهيم (1986)"

التجديد :-  "Renewal"
     تختص سياسة التجديد عموماً بالمباني القديمة ولكنها لا تمتد الى المباني الأثرية، ويتم اللجوء الى التجديد او الاصلاح في الاحياء ذات الحالة المتوسطة، ويشمل التجديد كل من المباني والمرافق ويستفاد من التجديد في المحافظة على المباني القائمة بالاضافة الى رفع قيمتها العقارية وقد تشمل أعمال التجديد فتح شوارع جديدة أو ممرات مشاة ويراعى ان تجديد أي حي قد يشمل في مضمونه أيضاً هدم أو ازالة محدودة وذلك بشرط الا تتحول أعمال الازالة الى ظاهرة عامة، وتشمل أيضاً ترميم لبعض المباني القائمة خصوصاً اذا كانت هذه المباني ذات أهمية خاصة.  "ابراهيم (1986)"

الاحلال والازالة :-  "Replacement and Clearance"
     تعتبر سياسة الاحلال اسلوباً للتعامل مع الاحياء السكنية القائمة كما يعتبر الصورة المعتدلة للازالة وبهذا يتم تجنب الاضرار التي قد تحدثها الازالة على الهيكل الاجتماعي للسكان.


48
الموروث العمراني (دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)


الجزء 8 من 16

خصائص التشكيل الحضري للموروث المعماري :-


     تشكلت كتل وفراغات المناطق الحضرية القديمة باسلوب تلقائي نابع من مجموعة عوامل ومحددات اجتماعية اقتصادية سادت في فترات تكوينها، فأصبحت عمارة وعمران تلك المناطق تحمل داخلها خصائص النظام الفكري للمجتمع، تتلاقى بها قيم لا قياسية مثل الفكر والخيال والجمال والابداع الذي يدرك بصرياً، مع القيم القياسية التي تمثل تطور المبنى وتكوين الفراغ وتكوينها المادي الفيزيقي.
     ويرى علماء الاجتماع في دراسات الاتجاه الاحتمالي غير الحتمي. ان الوسط المادي – والذي يمثله في دراستنا العمرانية : الكتل والفراغات – من الممكن ان يترك أثراً على سلوك مستخدميه – وهم السكان القاطنين.
     وتعرف القيمة العمرانية بأنها مجموعة من الدلالات الجمالية والعلمية والاجتماعية والبيئية التي يحتويها البناء الحضري وتشكل بدورها قيم صالحة للاستخدام في الحاضر وبعداً حضارياً للمستقبل وتشكل في مجملها اطاراً لنطاق يحمل خصائص مادية للمكان فتمثله في النسيج الحضري.
     وسيقوم البحث بعرض بعض الخصائص لتشكيل البيئة الحضرية في المناطق القديمة والتي لها دوراً في تشكيل قيم مجتمع تلك المناطق، والتي ربما تكون – اي تلك القيم – واحدة من عوامل اضفاء تلك الخصائص عند التكوين.



الوحدة البنائية
     ساعدت وحدة المعالجات المستخدمة في مباني تلك المناطق على اضفاء مظهراً موحداً للكتل البنائية سواءاً في الارتفاعات او مواد البناء وطبيعة الالوان والتجانس بين المفردات التصميمية ومعالجة الواجهات والفتحات 3. وعلى الرغم من اختلاف ملكية اراضي ومباني تقاسيم البلوكات البنائية، والتتابع الزمني لبناء تلك التقاسيم الا انه يتكون لدى المتردد على تلك المناطق انطباعاً بصرياً بوحدة التكوين البنائي، وكان تلك المباني تم بنائها في فترة زمنية واحدة او انه سبق تصميمها ليتوحد تشكيلها لتلك الدرجة.
     وتبرز تلك الخاصية شعوراً بأن "الكل يعمل في اطار مضمون واحد" مما له تأثيراً في طبيعة العلاقات داخل المجتمع، فتصبح الاستقلالية تعمل في اطار مشاركة الجميع في الحقوق والواجبات فيسهم ذلك المفهوم في تكوين المجتمع المترابط والمتماسك.

التدرج الفراغي
     تساعد طبيعة العلاقات الفراغية في مسارات الحركة بالمناطق القديمة على تفعيل الشعور بتجربة بصرية يتزايد بها الشعور بالتنوع والتشويق ناتج عن تلقائية تشكيل الكتل المحددة للفراغات، فينتج – غالباً – في تشكيل القصبة الرئيسية لنسيج المنطقة مراحل تصاعدية لتلك التجربة البصرية بوجود نقطة بداية، فارتقاء وتصاعد وانتهاءاً بفراغ رئيسي يحيط به مجموعة من المحددات تتلائم مع مقياس الفراغ في حجمها وصورتها ووظائفها. وتساعد تلك التجربة اليومية لقانطي المناطق في ترسيخ مفهوم التطلع والطموح والرغبة في الارتقاء والوصول للأهداف.

يتوق مقياس الفراغ على العلاقة بين أبعاده المادية وامكانيات الانسان البصرية فيتدرج المقياس لبشري الحميمي الى الحضري والتذكاري، طبقاً للنسب بين محدداته الافقية والرأسية، وطبقاً لطبيعة التشكيل الفراغي لنسيج المناطق القديمة، فان معظم قطاعات فراغاته تحمل صفة المقياس الودود او الحميم Inimate Scale التي تنعكس بطبيعة الحال على قوة العلاقة بين روادها وقاطنيها. فيسهل له التعامل مع المكان وادراكه لاحتياجاته به، وينمي لديه الشعور بالثقة والامان نتيجة لشعوره بتناسب مقياس الفراغ مع امكانياته وحجمه من جهة وانشطته ووظائفه من جهة اخرى.

تناغم الايقاع
     يعرف الايقاع بأنه تكرار الوحدة لضبط عناصر الاشكال والفراغات وفقاً لنظام محدد نابع من وحدة نسب الفتحات بالكتل ونسب توزيع المسدود والمفتوح واختلاف صفة التناغم عن تجانس وانتظام وحدة الايقاع.
     ويعمق الايقاع المنتظم الشعور بأهمية دور كل جزء في تشكيل المنظومة الكلية والاهتمام باختيار التفاصيل وموضعها في التشكيل وعلاقته النسبية، مما يخلق شعور اجتماعي باهمية وقيمة الاداء الجماعي ومدى اهمية دور الفرد – مهما كان حجمه – في محصلة عمل المجموعة.

وضوح الهوية
     ان هوية المنطقة عمرانياً هي التي تميزها بخصوصية تجعلها مميزة ومختلفة عن مناطق اخرى – وليس بالضرورة أفضل – فتعبر عن مكتسباتها وانجازاتها وقيمها، ويصبح التشكيل البنائي والنسيج العمراني والتكوين الفراغي من وسائل التعبير عن تلك الهوية، فكلما كانت تحمل صفات أكثر خصوصية لكل المقايس المذكورة أعلاه كلما كانت أكثر وضوحاً في هويتها. وتنعكس تلك الهوية بعناصرها المتمايزة على الأجيال التالية تلقائياً بتنمية شعور الانتماء والارتباط الحسي بالمكان.

خصوصية الطابع
     ان التعبير بكلمة "الطابع" قد يعني ضمناً الاشارة لوجود متميز ذو قيمة، ولكنها في حقيقة الأمر ليس الا تسجيل مركب يعكس الواقع الاجتماعي والثقافي للجماعة في مكان ما. ويختلف الطابع المعماري من مكان لآخر فيكتسب خصوصيته باختلاف المقياس والحجم والالوان ومواد الانشاء وعناصر الزخرفة، كذلك من التشكيل الفراغي والانشطة التي تمارس به 9.
     وبذلك يساعد طابع المكان على التأكيد بأهمية شخصية الفرد في المجتمع، الحفاظ على الطابع يؤكد على الحفاظ على شخصية المكان والانسان الذي يعيش به، فيكون له أثراً على سلوكه وقيمه وتمسكه بمعتقداته ومبادئه.

التعبير الوظيفي
     ان الأنشطة التي تمارس في الاطار الحضري للمنطقة تلعب دوراً هاماً في اكسابها سمات مميزة وتساهم في الربط بين ملامح التشكيل المعماري والنسيج العمراني من جهة وبين النشاط الانساني داخله من جهة اخرى، فكلما كانت مبانيه متناسبة مع انشطته ومعبرة عنها، كلما زاد الشعور بصدق المكان، وواقعيته، وينعكس ذلك على قيم وسلوكيات السكان فيتلائم الشكل مع المضمون، ويترسخ لديهم أهمية البعد عن الزيف المظهري غير المعبر عن المضمون الحقيقي للمشاعر والمبادئ والمفاهيم.


49
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)



أهداف انقاذ واحياء الموروث العمراني :-
     لا يختلف المتخصصون على أهمية التراث العمراني في العالم. ففي عام 1840 اكتشف روسكين (Ruskin) القيمة التاريخية للعمارة المنزلية وأعطى لها نفس قيمة الآثار، ثم جاء بعده (Camille Sitte) سنة 1889 ليتحسس قيمة المجالات العتيقة، وتجاوزهما المنظر جيوفاني (Giovanni) في 1913 حينما طور وسائل للتكفل بالأنسجة العمرانية العتيقة : رفعت الجادرجي.
     ويمكن ان نعرف الأنسجة العمرانية التراثية بكونها تمثل مجموعة المباني والمنشآت التي أستمرت أصالتها وقيمتها في مواجهة التغير المستمر، وتوفر لها القبول والأحترام وأصبحت سجلاً حياً ومرجعاً بصرياً يجسد علاقات الأنسان وبيئته : سيد التوني (1980).
     وبما ان هذه المناطق تتأثر بتغيرات الظروف المحيطة بها على مر التاريخ، فأنها تتطلب حماية مناسبة من تأثير التطور العمراني. ولا بد من الأشارة الى ان عمليات التدخل للحفاظ على التراث العمراني للمدن العتيقة ودمجه في مسار التطوير المجاني ليست بالعملية السهلة، بل تستند الى مجموعة من الترتيبات المعقدة والاجراءات المتواصلة.
     وبالرغم من أهمية العوامل الطبيعية المتأتية من تأثير الزمن، فان الحرب العالمية الثانية بما شهدته من دمار شامل أدى الى اختفاء كثير من المباني أثرية كثيرة وزوال أجزاء مهمة من مدن عريقة كانت بمثابة المنبه الذي أيقظ الضمير الانساني على الصعيد العالمي، ودفع للتساؤل على مصير التراث العمراني والمعماري في ظل التحديات الكبرى التي باتت تواجهه، ومن ثم تركيز الاهتمام بكيفيات الحفاظ عليه من الزوال وصيانته.
     تعد عمليات انقاذ واحياء الموروث العمراني في كل دول العالم مسؤولية حضارية انسانية تهدف بالاساس الى اطالة عمر معالم الماضي والابقاء عليها شاهدة أطول وقت ممكن، ولا شك ان العالم الاسلامي له معالم معمارية وتراث عمراني يتطلبان اهتماماً خاصاً للحفاظ عليهما كونهما يعكسان الهوية الحضارية لشعوبه ويدلان على العصور الزاهية للامة.
     وبالرغم من حصول قناعة شبه تامة لدى المهتمين بالاهمية التي تكتسبها عملية صيانة الأنسجة العمرانية العتيقة لمدننا والمحفاظة عليها، فلا يزال تفعيل المحاولات يواجه تحديات تتمثل في متطلبات الحياة المعاصرة واحتياجات التطوير والتوسع العمراني. وتطرح هذه الاشكالية في اطار الاشكالية الرئيسية المتعلقة بالأصالة والمعاصرة.
     أصبح موضوع انقاذ واحياء الموروث العمراني المادي وغير المادي ورد الاعتبار له من القضايا الملحة التي تسترعي اهتمام الحكومات والشعوب والمجتمع الدولي والمهنيين وجمعيات المجتمع المدني... هذا الاهتمام الذي تصاعد بشكل بشكل لافت في العشريتين الاخيرتين من القرن العشرين، جاء ليعزز الجهود المبذولة من أجل الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والحضارية للشعوب في ظل زحف تيار العولمة الجارف، الذي يسعى الى تنميط الثقافة الانسانية ويجهز على العادات والتقاليد المحلية لحساب نمط موحد في التفكير وفي العمل وفي التفاعل مع الظواهر الكونية.
     وبقدر ما يتقوى هذا التيار ليدخل بأذن وبدون اذن، على الانسان ويقتحم عليه خلوته الفكرية والثقافية، بقدر ما تتقوى معه عناصر الممانعة لدى الثقافات المحلية التي تعبر وتنتفض بكل ما اوتيت من قوة للحفاظ على الحد الأدنى من شخصيتها وهويتها الحضارية. لذلك اصبح مطلب المحافظة على التراث مطلباً لكل الشعوب التي تعتز بهويتها وتاريخها. ويجد ذلك انعكاسه في الاهتمام المتزايد، ليس فقط بالتراث المادي، ولكن ايضاً بالتراث غير المادي المتمثل في عادات الشعوب وتقاليدها ولغاتها وطريقة تدبيرها للمجال... وهو ما توج بتبني اتفاقية دولية سنة 2003 تروم المحافظة على هذا النوع من التراث وجعله ملكاً للانسانية.
     الا ان التعاطي مع التراث في الوقت الراهن أصبح يتجاوز النظرة "التحنيطية" التي سادت في مراحل مقدمة من القرن العشرين، والتي كان همها الوحيد هو الحفاظ على معالم الماضي كما هي، دون "تدنيسها" بوظائف جديدة قد تنزع عنها "قدسيتها" وتجعلها تعيش عصراً ليس بعصرها، بل أصبحنا نناقش اليوم التراث كرافد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية و "طاقة متجددة" تنهل الشعوب من عطاءها اللا محدود.
     وقد تناسلت بفعل ذلك جملة من المفاهيم الجديدة ومن خلالها تصورات جديدة، من قبيل رد الاعتبار واعادة التوظيف والتنمية التراثية وغيرها من لمفاهيم التي تعبر بمنطوقها قبل مضمونها، عن ثقافة جديدة واستراتيجية تجعل التراث يعيش ككائن متحرك يتفاعل مع بيئته ويقاوم النسيان والاهمال.



50
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)


الجزء 6 من 16

مقومات انقاذ واحياء الموروث العمراني :-

     ان ابرز مقومات انقاذ واحياء الموروث العمراني، هي :-
‌أ-   التجديد والحفاظ لهيكل المدينة ومظهرها العام :- ان الجانب الاهم هو ليس في الحفاظ على القديم ذي الأهمية التأريخية وانما الترابط والتكامل بين القدم والحديث والعلاقة المتبادلة بينهما وهو ما يعتبر احد الاعتبارات المهمة في التجديد الحضري.
     هناك معايير يمكن على ضوئها وضع السياسات التي تجمع بين الحفاظ على الهيكل الحضري والتأريخي الى استمرارية ذلك الهيكل على مقياس واسع والى الجمع بين الأبنية القائمة والجديدة بعناية ورصانة. وهذه المعايير هي :-
-   الروابط المعمارية والفضائية بين الهياكل التي ينبغي الحفاظ عليها والابنية الجديدة.
-   الخواص الفضائية والحضرية والقيمة التاريخية للنسيج القائم والى اي مدى يمكن تحويره ليتلائم مع المتطلبات الحديثة.
-   استيعاب تصاميم الابنية والمرافق الحديثة لامكانية التطور والتغيير.

‌ب-   تكامل التجديد ضمن التخطيط الحضري والاقليمي :- ان التجديد مفهوم واسع يجب النظر اليه ليس من زاوية الوظائف في تلك المنطقة فحسب، وانما من حيث علاقته وارتباطه مع الاجزاء الاخرى في المدينة والاقليم، لذا فان التخطيط للتجديد يتطلب الترابط والتكامل التام مع التخطيط للاقليم ككل.

‌ج-   الاعتبارات العمرانية والاجتماعية :-
يجب التعامل مع التجديد الحضري بشكل شمولي (Comprehensively) والالمام بجميع الجوانب الحضرية مثل الاسكان والتكوين العمراني والخدمات التحتية والخدمات والفعاليات الاجتماعية العمرانية، بحيث لا تقتصر على التجديد العمراني فحسب وانما تمتد لتشمل العنصر الاجتماعي بما يؤمن تحسين مستوى معيشة الافراد في المنطقة.

‌د-   المشاركة الجماهيرية :-
ان المشاركة الجماهيرية في جميع مراحل التجديد ضرورية لرفع مستوى معيشة السكان وتلبية متطلباتهم ولذا فأن التخطيط للتجديد ينبغي ان عكس قيم السكان وتطلعاتهم ويتماشى معها بالسماح لهم باجراء تأثير مباشر في عملية التخطيط لها.

‌ه-   تجزئة التجديد الى مراحل :-
ان جميع مراحل التجديد يجب ان تكون جزءاً من سياسة عامة وشاملة للتطور الحضري مما يتطلب الآتي :-
-   ان تكون معايير التجديد مشتقة من المضمون العام لخطة تطور المدنية.
-   تحديد مناطق التجديد بشكل واضح في وثائق التخطيط الاقتصادي والعمراني.
-   اتخاذ الاجراءات الكفيلة بالمحافظة على وظائف المدينة ككل طيلة فترة الانجاز.
-   اعطاء اهمية خاصة للتطور المستقبلي للخدمات والبنى الارتكازية.
ومن المهم ان يكون هناك تنسيق بين جهود القطاعات الادارية الضالعة بعملية التجديد وبشكل خاص بين البرامج الاجتماعية والعمرانية.


51
الصياغة الشعرية والأدبية والقيم المعنوية الناتجة عنها
د.هاشم عبود الموسوي

بتأثير من إختصاصي في الهندسة المعمارية .. فإني في دراسات سابقة لي، ذكرت مرارا، بأن التيارات المعمارية المعاصرة تأثرت بشكل كبير باللغة، لا سيما وإننا نعتبر العمارة هي لغة بحد ذاتها. وفي اللغة تتجلى العلاقة ما بين الشكل والقيم المعنوية في مستويات عدة تستهلها الكلمة و يحكمها السياق، وفي هذا الصدد يشير "ديفيد نيمان" في سلسلة محاضراته حول مهد الحضارات إلى البدايات الأولى للكتابة وذلك على يد السومريين، موضحا النظام الأساس للكتابة الذي تطور بسرعة كبيرة مابين السومريين وبعدهم مباشرة المصريين، فالمقصد الأساس لهذا النظام كان تمثيل الفكرة كتابة، فالسومريين في البداية عندما وضعوا هذا النظام كان لإسباب نفعية كإجراء العقود التجارية وتعريف الملكية الخاصة، وما شابه، غير أنهم إستعانوا بهذا النظام فيما بعد لكتابة أدبياتهم من شعر وملاحم وقصص وأساطير، والتي كانت موجودة في الحقبة ما قبل إيجاد الكتابة ، لكنها بوجود الكتابة أصبح بالإمكان توثيقها ، وإحدى أقدم تلك القصص التي وصلتنا باللغة السومرية والتي إتخذت شكل القصيدة هي ملحمة كلكامش، التي تنم العثور على نسخ عدة منها، كان أكملها وأتمها نسخة بابلية كانت في الحقيقة ترجمة للقصة السومرية عثر عليها في مكتبة آشور بانيبال، غير أن هناك في الأصل نسختين سومريتيين من قصة كلكامش، أحتوت القصة نفسها لكن بشخصيات مختلفة وأبطال آخرين، فالقصة نفسها لكنها كتبت بأشكال مختلفة. ويُرجح نيمان أن الذي أوحى للسومريين بفكرة الكتابة هي ميزة تمتاز بها اللغة السومرية ذاتها، قادت بصورة مباشرة الى تلك العلاقة بين الصورة، وبين الصوت بدون الصورة، هذه العلاقة للصوت والصورة التي أدت الى فكرة الكتابة نتجت، لأن للغة السومرية بنية تدعى اللصقية أي تنتج وحدات من وحدات متلاصقة، ويذكر نيمان أن هناك لغات عدة تحتوي على مثل هذه البنية، وفي مثل هذه اللغات يكون للمقطع اللفظي الواحد معنى معيناً لوحدهِ، لكن هذا المقطع من الممكن أن يصبح له عدة معانٍ تبعاً لإسلوب تلفظهُ، كما أن هذا يتيح أيضا إذا ما رُسمت صورة (خروف) مثلاً ، والخروف في اللغة السومرية (لو) إي أن الشخص لو تلفضها دون النظر الى الصورة وقال (لو) بلفظ آخر ستصبح بمعنى (رجل) هذا يعطي الفرصة لأن يضع أحدهم صورة الخروف وإلى جنبها صورة لشئ آخر ليقول إنني لا أعني خروفاً و إنما أقصد الرجل .. وهكذا .. بمعنى آخر إن إلصاق العناصر الواحد جنب الآخر كفيل بتغيير المعنى لذا أطلق على مثل هذه اللغات اللصقية، هذا فضلاً عن أن لكل عنصر، ولكل مقطع لفظي، معنى خاصاً به، هذا يعطي الفرصة لعزل الصورة عن الصوت، لذا أصبح بإمكانهم إدراك أنهم إذا رسموا صورة لتعني شيئاً ما، ثم تم لفظها دون النظر الى الصورة من الممكن أن تعطي معنى آخراً، وهكذا تدريجياً إنبثقت الكتابة.
 فالكتابة هي التمثيل الرمزي للكلام البشري، دون أن يتم بالضرورة الرجوع الى مشهد أو صورة. وهكذا يمكن لعنصرين متلاصقين (إعطاء معنى آخرا مغايرا لهما . (Dr. David Neuman website, Neuman,2008)
نجد هنا أن للشكل الواحد معانٍ عدة فهناك المعنى الذاتي للكلمة بحد ذاتها فضلا عن المعنى الناتج عن السياق الذي قد يكون مغايراً بشكل كبيرعن ذلك المعنى الأساس، وهنا يصبح التركيز على السياق في فهم العلاقة ما بين الشكل والمعنى، كما أن المعنى الشامل الكلي للنص يمكن أن يتجسد من خلال أكثر من صيغة شكلية وهذا يتعلق بشكل كبير بخبرة وإبداع المؤلف الذاتية، فضلاً عن خواص الزمان والمكان واللغة، والإمكانات التي تتيحها للكاتب، فضلا عن أسلوب الترجمة من لغة الى أخرى، وهو ما نجده في الأدب وكمثال على ذلك ما ذكره نيمان حول ملحمة كلكامش. إن ما تطرق إليه نيمان يرجع بنا الى مقولة "دي سوسور" (اللغة والكتابة نظامان واضحان للإشارات، الثاني منهما وجد فقط لغرض تمثيل الأول). إن هذه النزعة التمثيلية، فضلاً عن الإتصال هما دون شك جوهريان في فكرة الإشارة، مما حدا ب دي سوسور إلى أن يقول: " أنا أقترح الإحتفاظ بكلمة (إشارة) للدلالة على الكل، وإستبدال الفكرة  والصورة الصوتية على التوالي بالمدلول والدال". لذا فإن الكلمة أصلا عبارة عن وحدة توليفية، أثر لـ"حقيقة غامضة نوعا ما .. التي يمفصلها (صوت الفكر) حتى لو كانت الكلمة بدورها تشكيلية، وحتى لو إحتوت على مفاصل أخرى، فطالما تكون المسألة حول العلاقة ما بين الكلام والكتابة في ضوء الوحدات غير قابلة للتجزئة لـ( صوت الفكر)، سيكون الرد بأن الكتابة ستصبح (لفظية)، وستمثل الخارج، أي ستصبح التمثيل الخارجي للغة و لـ(صوت الفكر)) هذا .  De Saussure 1993))
هكذا تتضح لنا نظرة دي سوسور الى اللغة والكتابة كأنظمة إشاراتية، يكون الهدف منها التواصل مع الآخ، فالكلمة (الدال على حد تعبير دي سوسور) الغرض الأوحد منها هو إيصال القيم المعنوية (المدلول). وبهذا يصبح الشكل أداة مرنة للقيم المعنوية، فإذا خلا منها يصبح بلا جدوى. حري بنا هنا إستعراض وجهة نظر "الجاحظ" في علاقة الشكل والقيم المعنوية في اللغة من خلال عبارته الشهيرة في وصف العلاقة ما بين القيم المعنوية والشكل المتمثل بالصياغة الشعرية للكلمات إذ يقول:  "المعاني المطروحة في الطريق يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي، وإنما الشعر صياغة وجنس من التصوير" وهو ما يذكرنا بكلمة الشاعر الفرنسي ملارميه : "إن الشعر يا عزيزي ديجا لا يصنع من أفكار وإنما يصنع من كلمات" .. فالجاحظ هنا يرى بأن من اليسير أن تكتب الحكمة من أفواه الفلاسفة والحكماء، لكن أمور الشعر منفصلة عن أمور الفلسفة والحكمة، ويقول أن هناك صياغة معينة أو تصورا خاصا يصح أن نسميه تصورا شاعريا. ويمكن القول بأن إيصال المعنى في أحسن صورة أو بيان يعد ترجمة لكلمة الجاحظ المشهورة، وكأن الجاحظ يعني أن إفهام المعنى لا بد أن يكون إفهاما مؤثرا. وبعبارة أخرى فإن الشاعر يقوم بعمله المؤثر من خلال الأرتباط بجوانب محسوسة و مظاهر البديهة أو ما نسميه الآن (التجسيم). إذا هناك معنى سابق على المجاز وتأتي العبارة الأدبية فتخرج هذا المعنى وتبرزه بقوة و دقة أكبر. ففي مقدرة كل واحد من الناس أن يعد ويوعد ويمدح ويرثي ويهجو وينفر، ولكن الشاعريخرج المعنى (الموجود) إخراجا خاصا، ويضيف إليه تفصيلات لم تكن معلومة واضحة من قبل. وهذا يرجع بنا الى مصطلح (البلاغة) الذي يعني إيصال المعنى الى القلب في أحسن صورة من اللفظ ... "المعنى مكشوف" عبارة الأمدي التي تعد ترديداً لعبارة الجاحظ "المعاني مطروحة في الطريق"، ويأتي ما نسميه حسن التأليف وروعة اللفظ فيزيد المعنى (المكشوف) بهاءا أو رونقا، معنى ذلك كما يراه "مصطفى ناصف" أن هناك زيادات  وغرابة طرأت عليه، وإن هذه العبارات كلها تنطوي تحت مفهوم واحد هو الصورة العارية و الصورة المنمقة، فالمعنى مكشوف أو عار والصورة المنمقة هي حسن التأليف أو براعة الألفاظ ، فهناك أصل و تحسين، وقد إعتاد دارسوا اللغة و الأدب على القول بأن اللفظ الحسن كالثوب الحسن، واللفظ القبيح كالثوب القبيح. ويقولون بأن الألفاظ كسوة المعاني، وأن الألفظ تحسن المعاني. فالألفاظ غدت هنا قوالب تنسكب فيها المعاني. غير أن ناصف ينتقد هذا التوجه في فهم العلاقة بين الشكل والمعنى ويركز على العلاقات بين الكلمات والتي ترتبط ضمن سياق معين وما لهذا من مظهر لنشاط خلاق، ويؤكد على أن هناك كلمات غريبة أو سوقية في حد ذاتها غير أنها قد تكون مطلوبة و مفيدة بتفاعلها مع سياق و أنظمة خاصة من الكلمات، فللألفاظ مكانة ذاتية (أي بحد ذاتها) أما الإرتباط بين الكلمات فإرتباط داخلي أو عضوي باطني، فالكلمات نتجت عن السياق واللغة في شكل سياق قوة فاعلة تعطي للأجزاء دلالات وفاعليات خاصة. معنى هذا أن هناك حركة خلق مستمرة في اللغة وتكيفاتها، وهو ما أغفله باحثوا اللغة في القرون الوسطى، لذلك نجد أن أثر اللغة ذو مفهوم بسيط. ويرى "ناصف" أن الشاعر قد يعمد أحيانا الى ما أسماه الأخطاء الجميلة للحصول على ما يرتضيه من صياغة شعرية متميزة، وإن هذا بحد ذاته قد يستثير حفيظة النقاد الذين يعدون قواعد النحو المتبعة ذات حرمة كبيرة، لأنها قد إستعملها الأكثرون. ويشير ناصف الى أن الشاعر يستعمل نفس القوالب (أي الكلمات والصياغات اللغوية)، ويتبع في الظاهر نفس السلوك اللغوي، لكن الشاعرعلى الرغم من ذلك يتمتع بقدر كبير من الحرية، حتى لو لم يعمد الى الأخطاء الجميلة، لكنه دائما يرى في القوالب النحوية رأياً آخر . ويؤكد ناصف أن الفلسفة الحقبقة للغة هي فلسفة الفن ، مع أن الفن ليس لغة خاصة، ولكنه يسمو بالبشر في داخل ذواتهم (ناصف 2007 ص38-69)
    يتضح مما سبق تركيز الجاحظ ومعاصوه ومن تبعهم من باحثي اللغة في القرون الوسطى على أهمية الشكل في نقل القيم المعنوية وتفعيلها وجعلها مؤثرة في النفوس مؤكداً على عملية صياغة الشكل الذي تحتاج إلى مبدع (الشاعر في طرحه) لإكساب المعنى الشائع الغرابة والرونق الذي يجتذب المتلقي الذي كان في الأصل قد ألف ذلك المعنى، ولولا ذلك الشكل الجيد لا يحظى المعنى بأهميته كونه نتاجاً متاحاً ومشاعاً للجميع، وما يوفره له ذلك الشكل الجيد هو جذب إنتباه المتلقي إليه من خلال الصياغات الجديدة وبالتالي حث المتلقي للتمعن في المعنى بحلته الجديدة . أما ناصف ومن وجهة نظر معاصرة يطرح أهمية السياق ودور العلاقات ما بين الكلمات في توليد الدلالات وما لهذا من أثر واضح في إعطاء مرونة وحرية أكبر في الصياغة الشكلية (الصياغة الشعرية و الأدبية  في طرحه)، كما ينتقد موقف النقاد الأوائل المتحفظ على بعض الألفاظ التي عدوها أخطاءاً والخطأ هو مجانبة ما عليه الجمهور، والعمل ضمن المألوف لديهم من صياغات و ألفاظ موضحاً ما لذلك من أثر سلبي على الإبداع داعياً لأن يكون الشعر حق خلق قوانينه الخاصة في العبارة، وهي قوانين الإبداع. وفي تحليله للشعر العربي لدى شعراء القرن الثامن عشر والتاسع عشر في مصر، يؤكد إبراهيم السعافين على أن الصياغة الشعرية ينبغي أن تكون في خدمة المعنى، أي أن الشكل الجيد ينبغي أن يكون معبراً عن المعنى الجيد، فالشكل ليس حلية زخرفية منقطعة الصلة بالمعنى. غير أن هؤلاء الشعراء قد فهموا الصلة بين الشكل والمضمون فهماً مختلفاً، فلم يفصلوا بين الشكل والمضمون فحسب، بل ألغوا المضمون في كثير من الأحيان. فالصورة غالبا ما تكون غير محددة الدلالة، لا تربطها بغيرها أي روابط معنوية فكيف بالروابط النفسية، كما أن موسيقى الألفاظ لا تخدم المعنى، ولا تتسق مع النسق العام داخل البيت أو القصيدة. ويتناول السعافين بعضاً من أخطر الأمور على الصياغة الشعرية وهي التكلف والإفتعال، ذلك لأنه يفقد القصيدة الروح التي تسري خلالها و يحرمها من الرابط النفسي الخفي الذي يحفظ للعمل  للعمل وحدته سواء أكان وحدته سواء كان وحدة صغيرة أم كان يتمثل في لقصيدة ككل. فلا يكن إهتماما إلا بالشكل و القوالب الجاهزة، مما يؤدي الى الوقوع في الحشو والتفكك في إبراز الحيل اللفظية على حساب الصياغة. وقد يقود التكلف إلى الإبهام والإسراف في التعقيد المذمومين .(الشعافين2007،ص 106-108) وهنا يؤكد السعافين على أهمية المعنى في الحفاظ على وحدة النص وموضوعيته وترابط مفرداته في سياق واضح وهو ما إفتقرت إليه الصياغات الشعرية التي كانت متبعة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بسبب إهتمامها بالشكل دون المعنى مما أدى الى تفككها وعدم ترابط النص وغموض المعنى و بالتالي تكون الصياغة جوفاء.
 

المصادر:

1- د.ديفيد نيمان (1921-2004): حاخام وعالم آثار أمريكي من أصل روسي، عمل أستاذ في حقل الدراسات الإنجيلية وتاريخ اليهود، في عدد من الجامعات والمدارس الأمريكية والإيطالية، وبعد تعاقده في عام 1999 حتى قبيل وفاته بمدة وجيزة، قام بإلقاء مجموعة من المحاضرات في التاريخ وبالأخص  تاريخ اليهود في University of Judaism in Los Angeles. والتي وثقتها إبنته بالتصوير الفيديوي إبتداءاً من عام 2000 المصدر: www.drdavidneiman.com.
2- بونتا، خوان بابلو، العمارة وتفسيرها: دراسة للمنظومات التعبيرية في العمارة، ترجمة سعاد عبد علي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1996.
3- السعافين، إبراهيم، مدرسة الإحياء والتراث: دراسة في أثر الشعر العربي القديم على مدرسة الإحياء في مصر، الطبعة الأولى، دار الأندلس،بيروت، 2007.
4- Bonta, Juan, NOTES FOR A THEORY OF MEANING IN DESIGN, in”Signs, Symbols, and Architeture”, Jhon Wiley &Sons, 1980.
5- De Saussure, Ferdinand, VALUE OF TERMS AND MEANING OF WORDS: Hoe the two coincide and differ, Saussure’s Third Course of lectures on general linguistics, Ch.V, (1910-1911), published by pergamon Press, 1993.

52


الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)


الجزء 4 من 16

     لقد ساهمت التنقيبات الأثرية في تأكيد ثراء تراثنا المعماري الذي يعود لما قبلي الألف الثالث قبل الميلاد. فأن أقدم أثر مشابه للتراث المعماري الذي نشاهده اليوم هو المسكن السومري في (أور) ونجد مبادئ تخطيط هذا المسكن منتشرة من أفغانستان والهند شرقاً حتى أمريكا اللاتينية غربا ومن مدن العثمانيين شمالاً (اسطنبول وسراييفو) حتى مناطق الصحراء الكبرى جنوباً. هناك تشابه وتطابق في مبدئ المخططات على مستوي الحي أو المسكن الواحد. ومع هذا فهناك خصوصية لِكُلِّ منطقة تؤكد التكييف الموقعي في كل مدينة. إنها الرمزية التي تحدد (هوية) كل مدينة حيث يمكن التعرف على المدينة من رمزها، فعمارة بغداد التراثية تتميز بمساكنها ذات الملاقف (البادكير) المفتوحة على الجهة الشمالية الغربية (الغربي) لتلقف النسيم، في حين يكون الملقف كبيراً وذا فتحات متعددة الاتجاهات في عمارة مدن الخليج العربي، وذلك بسبب تغير اتجاه الرياح يومياً (نسيم البر والبحر) والحاجة الماسة إلى كميات كبيرة من الهواء في مناخ حار ورطب. كما تتميز مساكن القاهرة بالمشربية في الطابق العلوي، وعمارة (غرادية) في الجزائر تتميز بالمئذنة المربعة الشامخة في مركز المنطقة السكنية (القصر) .
   أمام هذه التنوعات، يطرح التساؤل : لماذا إذاً هذا الإصرار على هذا النمط المتكّيف لأصل معماري واحد ؟ وكيف استمر هذا النمط طوال مئات، بل آلاف السنين مع أن أفضل وأشهر نمط معماري معروف لم يستمر لأكثر من ألف عام ؟ لاحظ أن الاستمرارية رافقها تغير للظروف الاجتماعية – الاقتصادية مع توالي حضارات ودول سيطرت على المدن نفسها. والواقع فإن العامل الوحيد، الذي لم يتغير وساهم في بقاء هذا النمط، هو المناخ الذي حدد شكل وطبيعة النسيج العمراني، وبالتالي حدد مبادئ مخطط المسكن الشرقي.
   يعتقد البعض أن النسيج العمراني المتضام لمدن التراث المعماري يعود إلى أصول إسلامية، وتسمي مدن الشرق أحياناً المدن الإسلامية في حين ذكرنا أن هذا النظام الخاص بالأحياء الشرقية أو الصحراوية عرف قبل الإسلام بمئات السنين، ثم كان بعد ذلك ملائما من الناحيتين الاجتماعية والمناخية، لطبيعة المجتمع الإسلامي، أن المناخ لم يكن العامل الوحيد المؤثر على شكل ومحتوي النسيج العمراني فالعامل الاجتماعي كان له دور فاعل في تحديد الشكل النهائي لهذه المدن، لنلاحظ مثالا على ذلك  مدينة (غدامس) الليبية الواقعة على الحدود مع الجزائر. فجراء العلاقات الاجتماعية المحافظة المتشددة، بالإضافة طبعا للعنصر المناخي، نلاحظ أن النسيج العمراني لا يوضح النسيج المتضام فحسب، بل تم أيضا اعتماد توزيع خاص للوحدة السكنية داخل الأحياء بحيث يتألف المسكن من ثلاثة مستويات: الأرضي، بمستوي الزقاق، وهو مخصص للمعيشة والاستقبال، والطابق الأرضي وهو مخصص لفضاءات النوم، في حين يكون الطابق الثاني مخصصا للمطبخ وفيه مساحات ملائمة لعمل ربة البيت لتدبير شؤون المنزل المختلفة، وبسبب تلاصق البيوت، تستطيع الإمرأة الحركة بحرية تامة في سطح دارها أو الانتقال إلى أسطح الجيران دون رقيب أو عائق ! فالسطح أصبح فضاء حركة خاصا بالنساء لا يسمح للرجال باستعماله، في حين أن الزقاق أصبح بالنتيجة فضاء خاصا بالرجال، فلا تمر النساء فيه إلا في حالات الضرورة القصوى.
   نادرا ما نجد من هو ضد التراث، مع أنه ليس هناك من هو مستعد للسكن أو العمل في المبني التراثي. هل السبب هو أننا نقول ما لا نفعل ؟ أو السبب في التراث المعماري نفسه ؟ قد تتعدد الأسباب، لكن لا ريب أن التراث المعماري يتحمل المسؤولية الأساسية، فهو لم يواكب التطور الواسع الذي حدث، خاصة منذ منتصف القرن التاسع عشر، بحيث فأجاتنا معضلة التراث المعماري الذي ظل منزويا وعاجزا عن توفير مستلزمات حضارية جديدة وفي مقدمتها الحاجة إلى أبنية من طراز خاص ووظائف جديدة ظهرت فجأة، مثل محطات القطارات، والطرق، والجسور، ومناطق الاستراحة، والمصانع، والمخازن ذات المساحات الكبرى، والبنوك، والمطارات، ودور السينما، والمكتبات والجامعات الحديثة، وهذه الأبنية أصبحت ضرورية لا يمكن لأي مجتمع أن يستغني عنها. والتراث بكب عمقه التاريخي، لم يكن مهيأ ليتكيف مع مثل هذه الوظائف، بل هو الواقع عاجز عن توفير حتى المسكن بالمفهوم الحديث، فقد تحول المفهوم الخاص بالسكن من الفضاء خاص للراحة إلى فضاء للراحة والعمل، وهو ما يستلزم اليوم المطالعة واستعمال الكمبيوتر والتلفزة والراديو والفيديو إضافة إلى ممارسة الأعمال المختلفة بواسطة الانترنت من خلال الثورة الرقمية وما أحدثته من سلوكيات جديدة مع العديد من الأجهزة المنزلية والكهربائية، لا يمكن توفير كل هذا في بناء يستلزم من جملة ما فناء مفتوحا وغرفا وفضاءات مباشرة على هذا الفناء .
   للإنصاف نقول إن التراث المعماري الأوروبي لم يكن أفضل من حظ تراثنا فحتى نهاية القرن التاسع عشر كان المعماريون ينهلون من تراثهم الغني في العصور الكلاسيكية، وعصر النهضة لم يكن له مصدر سوى التراث. الفرق الأساسي بين ما واجه التراث الغربي والشرقي هو أن الأول استطاع أن ينسجم مع التطور الحضاري في أوروبا، خاصة منذ القرون الوسطي. ولكن فعل هذا التراث كان قد توقف على أيدي رواد العمارة الحديثة الأوائل الذين أداروا ظهورهم للتراث كلية وتوجهوا إلى العمارة العالمية، أما تراثنا المعماري فتوقف عن التطور منذ بداية القرن الثالث عشر الميلادي، ومع مطلع القرن العشرين وصلت بوادر الحضارة الأوربية بقوة نسبيا إلى بلداننا ومعها العمارة المختلفة شكلا ومضمونا عن الواقع المعماري المحلي، وبدأ انتشار الفيلات المبنية على النمط الأوربي، وظهرت أولي الأبنية العامة الكبرى الخدمية والإدارية والعسكرية، ثم المتاحف ودور السينما والملاعب الرياضية والمستشفيات، إن بداية ظهور هذه الأبنية رافقته حملة متصاعدة ضد التراث والعمارة المحلية، وفجأة اختفت مواد البناء المحلية اللازمة وفقدت الأيدي الفنية والماهرة اللازمة للبناء المحلي، وإن وجدت فهي ذات أجور عالية جداً، والبناء المحلي بطبيعته يحتاج إلى وقت، والوقت أصبح بالتدريج مالا .
   أيعني كل هذا أن علينا أن نهمل التراث المعماري ؟ الواقع أن العمارة الحديثة القادمة لنا من أوربا قدمت حلولا عديدة لمعضلات من الصعب حلها في العمارة التراثية، لكن مضاعفات العمارة الأوربية عندنا سرعان ما تفاقمت حتى اعتبرت اليوم من مصادر ومظاهر (التلوث) على مستوي مفهوم تخطيط المدن المعاصرة. لقد ساعد على سيطرة العمارة الحديثة الدعم التكنولوجي المتطور بشكل سريع ومتصاعد مع تغيب أو غياب مواد البناء المحلية، فوق كل هذا لقد اختفت العديد من الوظائف والفضاءات الهامة التي كانت ضمن العمارة المحلية، بل عجزت العمارة الحديثة عن توفير بدائل عنها فالفناء المفتوح (الحوش) يعتبر قلب الدار، وأفضل مثال للفضاء المتعدد الاستعمالات تتم فيه كافة الفعاليات اليومية أو الموسمية أو السنوية، مثل الأفراح والاتراح، إضافة إلى أن الحوش يعتبر أفضل فضاء لربة البيت، تقضي فيه متطلباتها اليومية في الطهي أو الغسيل، لقد استبدلت الصالة بهذا الفضاء الهام أو الفناء المغلق المخصص للحركة من وإلى فضاءات الدار المختلفة، وهو بالتالي فضاء غير مريح نفسيا وجسديا. لأن معظم الفعاليات الاجتماعية عادة ما تتم في أشهر الصيف، تضطر العائلة في فعالياتها الواسعة وفي المناسبات إلى استغلال مسكن الجيران أو نصب خيمة مؤقتة خارج الدار تزعج الجيران أو المشاة. العمارة الحديثة تجاوزت أيضا المدخل المنكسر (المجاز أو السقيفة)، فأصبحت باب الدار تفتح مباشرة على الصالة مما يستدعي غلقها دائما فصارت تعرقل ليس حركة الإنسان فحسب، بل أيضا تمنع عملية التهوية الطبيعية عبر الباب. كما أصبح السطح فضاء مهملا مغبرا مرتعا للحشرات والطيور بدلا من سطح الدار الشرقية، وذلك الفضاء الحميم في أمسيات الصيف أو ساعات النهار شتاء. فهو أفضل فضاء مفتوح للمسامرة والمطالعة واللعب وتناول الطعام ونشر الغسيل والمغازلة ! هكذا تم بسرعة تجاوز الكثير من فضائل الدار الشرقية .


53
الحشد الشعبي العراقي
والقانون الدولي الإنساني
د.هاشم عبود الموسوي
في ظل الاحتلال الذي قام به التنظيم الارهابي (داعش) لمساحات واسعة من بلادنا، وما ألحق بمجتمعنا من دمار وأهوال اقتصادية واجتماعية وسياسية، فإننا لا نستطيع إلا أن نُسمي ذلك تسلطاً استعمارياً واحتلالاً أجنبياً، وكل حركة شعبية تقاوم الإحتلال ليست سوى شكل من أشكال حركات التحرر الوطني،
وعند الرجوع إلى البروتوكولات الدولية التي صدرت عن المنظمات الدولية، نجدها كُلها تُجيز قيام حركات للتحرر الوطني كحق من حقوق الشعوب في تقرير المصير ومقاومة هذا الاحتلال، وكان أولها في نص البروتوكول الأول لعام (1977م) الملحق باتفاقيات جنيف لعام (1949م)( ). ورغم إنَّ هذه الإشارة قد جاءت بشكل ضمني بخصوص ما يتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية ضمن الوضع القانوني لحركات التحرر الوطني. فقد نصت المادة الأولى فقرة (4) في البروتوكول الأول لعام (1977م) على ما يلي:
(تتضمن الأوضاع المُشار إليها في الفقرة السابقة، المنازعات المسلحة التي تُناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والإحتلال الأجنبي، وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارساتها لحق الشعوب في تقرير المصير، كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاص بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول عام (1970م)، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة.
ولو ألقينا نظرة فاحصة على النص السابق لتوصلنا إلى الإستنتاجات التالية:
أولاً: بالرغم من أنه لم يرد ذكر حركات التحرر في النص المذكور بشكلٍ صريح، ولكن المعنى المقصود، يُفهم ضمنياً بشكلٍ واضح بأن النص المذكور يُقصد بهِ من بين ما يُقصد فيهِ هذه الحركات الوطنية التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي. ومن أجل تقرير المصير. وهذا ما ينطبق على حالة الإحتلال الذي أوجده تنظيم داعش الإرهابي في كلٍ من سوريا والعراق.
ثانياً: إن هذا النص يؤكد على أهمية الحركات التي تناضل من خلالها الشعوب ضد التسلط الاستعماري، والاحتلال الأجنبي، والأنظمة العنصرية. ومعنى ذلك، أن هذه الحركات لها مركز قانوني دولي بالغ الأهمية، ولأول مرة في مجال القانون الدولي الإنساني، بحيث تستحق الحماية والرعاية، لكي تستطيع التخلص من السيطرة الاستعمارية أو الاحتلال وتُمارس حقها في المطالبة بحماية الضحايا في مثل هذه النزاعات.
وقد جاء التأكيد على المركز القانوني لحركات التحرير في القانون الدولي، ولكن المعنى هذه المرة كان صريحاً وواضحاً في المادة (96( الفقرة (3( في البروتوكول الأول، حيث جاء النص بالاعتراف الكامل بحركات التحرر كما ويجسد الإرادة الدولية في أن حركات التحرر تدخل في مستوى الأطراف الدولية الأخرى في الاتفاقيات والعلاقات الدولية. حيث جاء فيه: (يجوز للسلطة الممثلة لشعب تشتبك مع طرف سام متعاقد، في نزاع مسلح، من الطابع المشار إليه في الفقرة الرابعة من المادة الأولى، أن تتعهد بتطبيق الاتفاقيات، وهذا الملحق (البروتوكول) فيما يتعلق بذلك النزاع وذلك عن طريق توجيه إعلان انفرادي إلى أمانة إيداع الاتفاقيات، ويكون لمثل هذا الإعلان إثر تسلم أمانة الإيداع له، الآثار التالية فيما يتعلق بذلك النزاع).
ولقد ساوت المادة (43( من البروتوكول الأول بين القوات المسلحة لحركات التحرير الوطني والقوات المسلحة للدول، ووضعت لها تعريفاً شاملاً. والجدير بالذكر أن النصوص التشريعية من البروتوكول الأول لعام (1977م) تؤكد الاعتراف بحركات التحرير الوطني في القانون الدولي على أنها الوسيلة الشرعية أمام تلك الشعوب للحصول على الحرية والإستقلال بالنضال للتخلص من السيطرة الاستعمارية، سواء من خلال الكفاح المسلح، أو المفاوضات، التي تساعدها لتقرير المصير.
واذا كان هناك تساؤل حول ماهية حركات التحور أو الوصف القانوني لها، فإن البروتوكول الأول لعام (1977م) قد وضع بعض المعايير المحددة لإثبات حقيقة تلك الحركات الوطنية وهي كما يلي:
أولاً: إن هذه الحركات يجب أن تكون منشغلة بالكفاح في مقاومة التسلط الاستعماري، والاحتلال الأجنبي، والأنظمة العنصرية.
ثانياً : يجب أن تكون هذه الحركات موجه في نطاق ممارسة حق تقرير المصير كما هو معترف به في القانون الدولي، وخاصة ميثاق الأمم المتحدة.
ثالثاً : ينبغي وجود العنصر الأجنبي في النضال القائم في حركات التحرير الوطني، ألا وهو الكفاح ضد الاعتداء الخارجي المتمثل بالسيطرة الاستعمارية والتدخل الخارجي في سلب حق الشعوب في تقرير المصير.
وإلى جانب البروتوكول المذكور، فقد صدرت قرارات هامة للمنظمات الدولية التي تمنح الشعوب التي تخوض النضال في حركات التحرر الوطني ضد التسلط الاستعماري صفة الكيان الوطني للشعوب. كما نص بشأن الأمم المتحدة على أن لمثل هذه الحركات الحق في الوجود كما جاء في الفقرة (2( من المادة الأولى في الميثاق: مقاصد ألامم المتحدة هي (إنما العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكلٍ منها حق تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الملائمة لتعزيز السلم العام).
كذلك فإن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم (3237) في عام (1974( الدورة (29) أكد على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً لشعب فلسطين. ومنحها العضوية بصفة مراقب في الجمعية العامة ومنظمات وأجهزة الأمم المتحدة.
وأكد المؤتمر الدبلوماسي الخاص بتطوير القانون الدولي الذي ينبغي تطبيقه في النزاعات المسلحة، والذي إنعقد بين (20 فبراير/شباط/1974م) و (10 يونيو/حزيران/1977م) أكد على الوضع القانوني لحركات التحرير، فقد دعى هذا المؤتمر حركات التحرير الوطني المعترف بها من قبل المنظمات الحكومية الإقليمية المعنية للإشراك بصورة كاملة في مناقشات المؤتمر ولجانه الرئيسية. وقد صوت إلى جانب ذلك (70( صوتاً، ومعارفة صوت واحد هو صوت إسرائيل.
وقد نص قرار المؤتمر الدبلوماسي المذكور على الشخصية الدولية للكيانات التي تناضل من خلالها الشعوب ضد التسلط الاستعماري. ويقصد بهذه الشخصية الاعتراف لمثل هذا الكيان بالقدرة على ممارسة بعض الحقوق وأداء بعض الواجبات من تلقاء نفسه، ضمن نظام قانوني خاص.
وكل هذا يدل على أن بعض الكيانات السياسية مثل حركات التحرير الوطني ومن غير الدول، قد اصبحت الآن طرفاً في مجال تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني. وأن ضحايا الحركات المسلحة تلك يجب أن تنال الحماية والرعاية مثل الضحايا من المرض والجرحى والأسرى، بنفس المستوى كما في حالات النزاع المسلح بين الدول.
وهنا لابد من ذكر بأن خطر إحتلال (داعش) لأجزاء من سوريا والعراق، وما ترتكبه قواته من جرائم، لا يُشكل أزمة إقليمية فقط. بل بات أزمة دولية متشعبة الأسباب والأطراف والتداعيات. وأن المتضرر الأكبر هو دول منطقتنا لاسيما سوريا والعراق.. وبالتالي فأن مشروعية قيام حركات التحرر الوطني في هاتين الدولتين تُساندها بكل تأكيد الوضع القانوني الذي احتوته كُل بروتوكولات القانون الدولي.

المصادر:

1- المجذوب، محمد، القانون الدولي العام، منشورات حلب الحقوقية، بيروت، 2007م.
2- الموسوعة التشريعية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2010م.
3- حمدي، صلاح الدين أحمد، دراسات في القانون الدولي، منشورات زين الحقوقية، لبنان، 2012م.

54
التراث والحداثة في العمارة
لا شك وأن موضوع التراث والحداثة في العمارة واسع ومعقد جدا، لذا سنركز على أهم المحاور، ونحدد الأمور التي تخص الموروث العمراني مع رفض توجهات العمارة العالمية الداعية إلى إهماله .
   إذاً ما هو التراث المعماري ؟ وما هو مجاله ؟ يعتقد الكثيرون خطأً أن التراث المعماري يشمل كل الأبنية والنصب والأحجار التي مازالت قائمة اليوم، بغض النظر عن الوظيفة التي بنيت من أجلها أو أصول تواجدها، فالعمارة ليست هي الحضارة، بل هي الشاهد العادي على الحضارة. فلا عمارة بدون ازدهار حضاري. وما نشاهده اليوم من آثار وبقايا، أو ما قرأنا عنه، قد يكون منشآت بدائية أقيمت لحماية الإنسان من أبناء جنسه، أو من الحيوانات المتوحشة، أو الظروف المناخية. هذه الأبنية لم تقم على نظم معمارية، بل كانت تعتمد على طاقة الإنسان ومواد البناء المتوفرة في الموقع (خيمة، أحجار، كهوف ....) العمارة لم تظهر حتى الألف الرابع قبل الميلاد، وتحديداً في البلاد والمدن المتكاملة حضريا (مثل أور و لكش) هذا لا يعني شطب النشاط الإنشائي للإنسان لآلاف السنين قبل السومريين عند متابعة تطور الحياة الإنسانية الجماعية الأولي، لكنه ليس دليل حضارة. وهنالك آثار معمارية قد بطل استعمالها اليوم، فوظائفها قد تجاوزها الزمن، مثل المعابد والقلاع والخانات والنصب. لذا يمكن تحديد التراث المعماري بكونه الأبنية القديمة التي مازالت مستعملة اليوم، أو تلك التي يمكن الاستفادة منها في العمارة اليوم، كلياً أو جزئياً .
   التراث المعماري ليس رؤية رجعية ظلامية، كما يدعى البعض، وهو يخلو من صفة قومية فلا يصح الحديث عن تراث معماري عربي وآخر كردي، وكذلك يخلو من صفة دينية أو طائفية، فلا يوجد تراث معماري إسلامي وآخر مسيحي، ومن صفة قطرية فلا يصح القول: تراث عراقي وآخر مصري. إن حدثت استثناءات فهي ليست حاسمة. فضمن منطقة تراثية واحدة نجد أحياناً شعوباً وقبائل مختلفة المشارب والطبقات، بل أن ما يثير الاعتزاز في الأحياء والمدن القديمة هو صعوبة التميز بين طائفة أو قومية أو عشيرة وأخرى، فالكل سواء والجار يحترم جاره. ومن الطريف ذكره في هذه الأحياء أن صاحب الدار لا يسمح لنفسه في رفع بناء أو جدار مسكنه دون الحصول على موافقة الجار أولاً، لأن ذلك قد يعني حجب الشمس أو الهواء عن الجار .
   إن محاولة تحديد التراث المعماري وأصوله مازالت غير وافية، فالأمر الذي يساهم في تعقيد دارسه جذوره. هو غياب أسماء المعماريين وأي نص توضيحي أو نقدي لمنتجي العمارة العربية والعمارة الإسلامية تحديداً، أما أسماء الخلفاء والوزراء الذين أمروا ببناء هذه المنشآت أو مولوها فسجلت أسماؤهم على واجهاتها ومداخلها. وإن ذكرت المصادر أسماء المعماريين فهي على الأغلب مجهولة للقارئ. وتشير الحادثة المعروفة إلى أنه قبل الإسلام قتل النعمان بن النذر مصمم وباني قصره والأسطى سنمار، فذهب مقتله مثلاً. كما ذكرت المصادر أسماء مصممي ومخططي مدينة بغداد المدورة بقيادة المعمار الحجاج بن أرطأة. والأستنثاءات قليلة، فأبن خلدون (1332 – 1406) كتب القليل عن العمارة، وما كتبه عموماً لا يفي بمتطلبات البحث العلمي، فقد تجاهل، مثلاً، العناصر الجمالية أو التشكيلية للأبنية. المثال الآخر المتميز هو المعمار العثماني الشهير سنان (1490 -1588) مصمم أشهر مساجد اسطنبول الحالية إضافة للعديد من الحمامات والقناطر، لكنه لم يكتب هو شيئاً، بل ألف أحدهم كتاباً واحداً عن أعماله أثناء حياته هو (تذكر البنيان) وبعد وفاته نشر عنه كتابان هما (تذكرة الأبينة) و (تحفة المعماريين).
   أما عن التراث المعماري في أوربا، فيعود حسب أقدم المصادر المعروفة اليوم إلى العهد افغريقي حيث دونت المبادئ الأولى الفنية والفلسفية للعمارة، مثل مفاهيم النسب والأنظمة المعمارية والتماثيل. مع هذا يعتبر المعمار الروماني فيتروفيوس الذي عاش في القرن (القرن الأول ق.م) أول من ألف الكتب والنصوص المعمارية التي اعتمدت في أوربا حتى بعد عصر النهضة. وفي آرائه مفاهيم كثيرة عن التكوين الفني والرسم وممارسة المهنة المعمارية، كما ومن مبادئه الستة المشهورة نظرية الشكل واستعمال وشروط البناء في الموقع والجانب الاقتصادي في استعمال المواد البنائية. وأكد على أهمية التعليم ودراسة مبادئ التخطيط الحضري. كما تحدث عن القيم الفنية مثلى التطابق والتجانس. ورغم ارتباط العمارة في أوربا بالكنيسة في القرون الوسطى خصوصاً، إلا أن المعماريين استطاعوا أن يبدعوا ويحافظوا على موقعهم المتميز في منتصف القرن الخامس عشر ظهر (ألبرتي): كأول من كتب في عصر النهضة في نظرية العمارة ووضع نظرياته وتصوراته حول الكنيسة الأمثل  وبعده بمائة عام ظهر (بلاديو 1508 – 1580) متأثرة بأسلافه من عصر النهضة فكتب عن علم الجمال. وهكذا استمر التطور في الكتابة والتفاعل والنقد المعماري في أوروبا حتى وصل إلى ذروته في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بنشوء العمارة الحديثة التي شاهدنا مراحلها المتقدمة منذ ذلك الحين وحتى اليوم.
   لم تظهر في الشرق دراسات مشابهة إلا في القرن العشرين، وقد سجل العديد من الباحثين هذه الظاهرة، لكن أيا منهم لم يحاول تفسيرها. ولكننا نعتقد أنها تعود إلى المعضلة التاريخية الدائمة ما بين التراث والحداثة، نلاحظ مثلاً أن العمارة الإسلامية تفتقر إلى الخلفية المعمارية، فلم تشر التنقيبات الأثرية حتى الآن عن وجود أي عمارة ملموسة ذات قيمة في مكة أو يثرب قبل ظهور الإسلام. لذا كما يبدو، اعتمد المسلمون عند الفتوحات على معماريين وفنانين من حضارات مجاورة، فارسية أو بيزنطية، ولم تذكر أسماؤهم تجنباً لحساسية محتملة لكونهم من أديان أخرى، أو لأنهم أجانب على الأقل. إن ما يؤكد هذا الاستنتاج غياب المؤلفات المعمارية في أرض عرفت أول الحضارات الإنسانية، أرض أول أبجدية معروفة حتى الآن/ دونت بها أول القصص الأدبية وأول القوانين والشرائع بل وسجلت فيها وبالتفصيل حياة وأخبار ملوكها. أما ما سجل المسلمون الأوائل بهذا الخصوص فلم يتجاوز جملا سريعة تعكس بدائية معمارية لا تنسجم من الواقع الحضاري، مثلا، تذكر للمصادر التاريخية أن تحديد أول المدن الإسلامية مثل البصرة والكوفة (14 و 16 للهجرة) قد تم من خلال رمي السهام في الجهات الأربع، وأن أبا جعفر المنصور قد اختار موقع بغداد المدورة (762م) بعد مقارنته مع مواقع أخرى من حيث الزمن الذي يستغرقه تعفن اللحم في كل منها مع العلم أن مخطط المدينة يعتبر من الناحية المعمارية والحضرية من أهم وأكمل المخططات للمدن الجديدة. فأوروبا لم تعرف مخططا مشابها له إلا في أواخر القرن التاسع عشر حين قدم هيوارد (1898) مقترحه للمدينة الحدائقية. إن مصممي بغداد المدورة أجانب بالتأكيد، بقيادة معماريين عرب، حيث يلاحظ على المخطط تأثيرات مبادئ تخطيط المدن الرومانية المتعمدة على الشارعين المتعامدين .
   الاحتمال الثاني المفسر لضعف أو عد تسجيل ما يخص العمارة والفن عموما في الحضارة الإسلامية يعود إلى إشكالية العلاقة ما بين الإسلام والفن، إذ يرى البعض أن الإسلام يحرم العمارة والفن بشكل عام، وهو موضوع واسع لا مجال لبحثه الآن، لكن الذي يهمنا هنا هو التأويلات لنصوص قرآنية أو أحاديث نبوية تدعم مبدأ التحريم، ورغم وجود تيار رافض لهذه التفسيرات، لكن التهميش مس المعماريين والفنانين.   
   لكل ذلك يواجه الباحث الكثير من الصعوبات والارباكات اليوم فيضطر للاجتهاد أحياناً في الأصول والمبادئ الفنية لعموم فن العمارة، وهو ما أدى إلى ضبابية وضعف البت في العديد من خصوصيات النتاج المعماري، وساهم في استمرار الجدل حتى اليوم حول مفهومي العمارة الإسلامية أو العمارة في العالم الإسلامي والفرق كبير بين المفهومين لذا لا نستغرب اليوم من تعدد الحجج والاجتهادات لمن يهاجم التراث المعماري وهو جاهل له، ومن يدافع عنه وهو لم يفهمه!.

55
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)




الجزء 2 من 16

     ان أزمة الهوية والعلاقة مع الموروث العمراني تثار بانتقال الانسان من التقاليد الى أشكال اجتماعية اكثر حداثة، بما يتضمنه ذلك من تغير الولاءات والقيم والأنماط السلوكية. فهي ليست شيئاً ثابتاً جاهزاً نهائياً، وانما مشروع مفتوح على المستقبل، اي متشابك ومتفاعل مع الواقع والتاريخ. هي كيان يصير ويتطور،  يعبر عن الاتساق المطلق للفكر مع نفسه، وعن الحركة والتغير. هي شيء يتم اكتسابه وتعديله بأستمرار، وليس ابداً ماهية ثابتة.
    المعماري (جارلس كوريا)، وضع ثلاثة أسس لفهم الهوية العمرانية :-
اولاً :- انها عبارة عن سلسلة عمليات متتابعة وليس شيئاً جامداً ثابتاً، كما انها تتحول مع الزمن، فهي ديناميكية. اي انها ليست شيئاً موجوداً ملموساً، فهي ترتبط بالاثر الذي تتركه الحضارة عبر التأريخ، ونجدها من خلال فهم انفسنا وبيئتنا العمرانية.
ثانياً :- ولانها تتشكل من سلسلة من العمليات، لذلك فأننا لا نستطيع فبركتها، فنحن نطورها من خلال تعاملنا مع ما ندركه من حولنا.
ثالثاً :- هي ليست مرتبطة بالوعي الذاتي، فنحن نقيم الآخرين ونضعهم في قالب معين على رغم انهم لا يسعون لكي يكونوا في الصورة التي وضعناهم فيها، لذلك فنحن نجد هويتنا عبر فهمنا لأنفسنا وبيئتنا التي من حولنا، واي محاولة لاختصار هذا التصور، انما هي محاولة لفبركة الهوية.
اليوم نهرع إلى المدينة للحفاظ على مبانيها القديمة ونسيجها العمراني المتراص بعد أن كاد تيار الحداثة ينال منها أو فعل لجزء أو أجزاء منها. وفي غمرة لهفتنا نودّ لو نحيل مدننا كلها إلى متحف واحد كبير أشبه ما يكون بقرى بوتمكن Potemkin Villages، تلك القرى الوهمية التي بناها الماريشال غريغوري ألكسندروفتش بوتمكن (1739-1791) Grigori Aleksandrovich Potemkin صديق ملكة روسيا كاثرين الثانية، كي يترك انطباعاً حسناً لديها خلال زيارتها عام 1787 إلى منطقة القرم بعد ضمّها إلى روسيا، بناها من الكرتون المقوى والقماش كي تظهر الصحارى الجرداء في أعين صاحبة السمو الملكي وكأنها حقول خضراء، فينال حظوة لديها. وكذا في أمثلة عديدة من أنحاء العالم. هناك نجد التراث وقد تحوّل إلى سلعة استهلاكية، وهذا بعض مما عناه روبرت فنتوري في تبجيله وتجميله لرموز عمارة الاستهلاك في لاس فيغاس. وهذا نوع آخر من الحفاظ على المباني لا يبدو لي أنه يختلف كثيراً عمّا فعله توماس بيبي في شيكاغو أو غيتي في ماليبو بكاليفورنيا وغيرهم فيمن يمكن اعتبارهم من معماريي اتجاهات ما بعد الحداثة. هذا هو جزء أساسي مما يسمّى بعمارة ما بعد الحداثة مما هو في رأيي لا يزيد عن كونه مثل داء الحداثة المزمن، في وعي الإنسان المتزايد لذاته في الزمن.
   إن العناية الفائقة التي نوليها لتراثنا هي أكبر دلالة على حداثتنا ووعينا لذواتنا كموضوع محدود بتأريخيته في الزمان والمكان.

56
الموروث العمراني
(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)


الجزء 1 من 16

مفهوم الموروث العمراني :-

     التراث المعماري والعمراني هو كل ما شيده الأجداد من الحضارة في المدن وخارجها وتختلف هذه العمائر بالنسبة لقدمها، والعهود التاريخية التي تنتمي اليها, والفنون والمواد المستخدمة في بنائها, وتبعاً لحالتها من حيث القوة والضعف, والظروف التي المت بها وما تم فيها من اعمال تجديد وتعديل وتغيير المعالم, الريحاوي (1993). وان يجمع بين اعطافه القيم الروحية والجمالية بالاضافة الى كونه تسجيلاً لثقافة ذلك المجتمع وملامحه الانسانية عبر العصور, الجادرجى (1987), ووقوفه في مواجهة التغيير المستمر, التوني (1992). وقد أمكن تسجيل تاريخ الحضارات وتاريخ الشعوب من العمائر التي بنتها وخلفتها من تراث معماري والتي أوضحها "فان لون" في موسوعته "تاريخ الحضارة البشرية" حين أوضح ان تاريخ الشعوب وحياة مجتمعاتها منقوش على حوائط آثارها المعمارية, كما وصف الفيلسوف "ابن خلدون" العمارة الاسلامية بأنها طبائع العمران البشري الذي هو أحسن الوجوه وأوثقها، وعلى صفحاته يقرأ على صفحاتها تاريخ الشعوب, عبد الجواد (1989).
     ويتباين التراث المعماري من المباني والمنشآت والعناصر القديمة التي انتهت وظائفها وبقت أسطحها وعناصرها المادية وما تحتويه من فراغات, الى العمائر التي لا زالت تؤدي وظائف وتحوي أنشطة معاصرة وتلعب دورها دونما تغيير يذكر (كدور العبادة مثلاً) أو توائمت مع الاحتياجات الجديدة للجماعة, واستوعبت الوظائف الجديدة كالمتاحف والملتقيات الثقافية والمكتبات وغيرها, ويشكل التراث المعماري والعمراني احد أهم ركائز الطابع المعماري والعمراني لبيئة الانسان, وحجر الزاوية في ثقافة المجتمعات وتمايزها وهويتها, والتعبير المادي عنها في آن واحد. ويبرز التراث المعماري كمرجع واطار حاكم يضم الثوابت البصرية والتشكيلية التي تمكن من الحفاظ على طابع المناطق والاقاليم ومعمارها من خلال "الاستمرارية" المفتقدة في حركة الحدائة وتوابعها. والمحافظة الواعية على التراث هي فعل مزدوج تتضمن, بالاضافة الى صيانة المخزون التراثي وحمايته, الاستفادة القصوى من ذلك المخزون وتوظيفه كأداة فعالة في التطوير والابداع العمراني, ومن ثم دعم الحركة الثقافية (المحلية والقومية) وبحيث يوفر التراث القواعد للانطلاق والابتكار والاضافة الخلاقة.
     وهكذا فالتراث المعماري والعمراني هو تسجيل لمنهج مجتمعي متميز, التوني (1992).
ولذلك لم يعد الاهتمام بالتراث المعماري والعمراني قاصراً على أصحابه فقط, بل غدت رسالة انسانية, لذا يمكن القول بأن التراث المعماري والعمراني هو مورد حضاري عالمي تتعاون الشعوب جميعها في الحفاظ عليه ودراسته حتى تحفظ خزانتها البشرية من الاهمال او الاندثار.
الموروث العمراني كمورد :-
     ظهرت العديد من الاتجاهات العالمية لحماية المناطق ذات القيمة التراثية, واتخذت أشكالاً عديدة لأسس الحفاظ والتنمية المتواصلة ضمن مشروعات اليونسكو في العديد من دول العالم بدءاً بالاتفاقية الخاصة بحماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي في نوفمبر 1972, ومروراً بمجموعة العمل (الانسان والمحيط الحيوي 194), ثم الشبكة الدولية للمحميات الحيوية 1976, وبعدها مؤتمر مينسك / روسيا البيضاء لمحميات المحيط الحيوي 1983, والمؤتمر لدولي للمتنزهات الطبيعية في كاراكاس / فنزويلا- فبراير 1992, ثم اتفاقية التنوع البيولوجي في مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو / يونيو 1992, وأخيراً مؤتمر أشبيلية- اسبانيا- مارس 1995, والتي أكدت جميعها ان التكامل والاتزان بين أهداف الحفاظ والتنمية هو أساس التعامل مع النطاقات ذات القيمة التراثية.
     ولقد أدى تزايد الاهتمام بصيانة المواقع التراثية والحفاظ على ايجابيات المخزون الطبيعي والثقافي العالمي منذ مطلع الستينات الى استحداث الاطر والآليات التنظيمية والتطبيقية التي تعبر الفجوة بين المفاهيم والادبيات العالمية لصياغة وتنمية مواقع التراث, وبين تطبيقها وتحديات الواقع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وتحول الفكر العالمي من قضية صيانة مواقع المناطق ذات القيمة التراثية الى قضية أكثر واقعية وهي ادارة تلك المواقع بهدف الصيانة والتنمية المجتمعية المتواصلة معاً وفي آن واحد.

الخلفية التاريخية:

أن مفهوم إنقاذ وإحياء الموروث العمراني هو عملية مستمرة بعيدة المدى لإعادة تكوين مناطق حضرية متكاملة ومترابطة على أساس خطط شاملة ومتناسقة وخطط اقليمية ملائمة. ويتضمن جميع جوانب البيئة الحضرية والمجتمع. اذ يتضمن تطوير وتحسين الإسكان، والمواصلات وشبكة المرافق والخدمات العامة وتوفر الفعاليات الاجتماعية وتوفير الفضاءات المفتوحة مع مراعاة الاستغلال الأمثل للموارد وتقليص او الغاء العوامل الضارة للبيئة.
     وهو بصورة عامة يعتبر كعملية تكييف الهيكل الحضري للمدن ومكوناته بشكل مستمر للمتطلبات الحديثة للأفراد والمجتمع، وهو يعتمد دائماً في فترة محدودة من الزمن على الامكانيات الاقتصادية والاجتماعية والفنية.
     هو نوع من انواع التغيير (بأسلوب التعويض) للعلاقة الفضائية التي تحكم الشكل الفيزياوي للنسج البنائي في جزء معين منه.
     صيغ مصطلح التجديد الحضري لأول مرة من قبل الاقتصادي الامريكي ( Miles Colean ) عام 1950م وهو يغطي معان عديدة ومتنوعة وفقاً للتوجه التخطيطي وطبيعة المعضلات التي يعالجها.
     عرف ( Grebler ) التجديد الحضري بأنه :- "جهد أو محاولة مدروسة بعناية فائقة لتغيير البيئة الحضرية من خلال تعديل منسق ذا مقياس كبير لمناطق موجودة في المدينة لتوفير المتطلبات الراهنة والمستقبلية للحياة الحضرية، ويحدث مثل هذا التجديد عادة في مركز المدينة أو قريباً منه.
     يعتبر اسلوب تحليل الكلفة – المنفعة ( Cost-Benefit ) من أهم الاساليب المستخدمة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتجديد, حيث ان اتخاذ القرار بالتجديد والسياسة المتبعة تعتمد على ما اذا كان مجموع الفوائد يتجاوز مجموع الكلف التي يستدعيها, الا ان هناك صعوبات كبيرة تواجه تطبيق هذا الاسلوب في برامج اعادة التطوير بصورة خاصة, أهمها :-
-   وجود عدد من العوامل غير المرئية التي يصعب او يتعذر قياسها لانها متغيرات لا تظهر في أي سوق.
-   عادة ما يكون المدى الزمني لمشاريع اعادة التطوير من الطول بحيث ان موازنات الكلف – المنافع في النهاية يمكن ان تختلف جذرياً عن تلك التي تم تخمينها عند اتخاذ قرارات الاستثمار.
-   وجود احتمالية عدم التوقيع الكفوء للموارد من الناحية الاجتماعية.
( Chapin ) عرف التجديد الحضري بانه عملية تغيير الهياكل العمرانية (Physical Structure ) والتي اصبحت لا تنسجم مع متطلبات المدينة في الوقت الحاضر خصوصاً بعد ان تغيرت المدينة استجابة الى ضغط التحولات الاجتماعية والاقتصادية.
( William Wheaton ) يعرف عملية التجديد الحضري بأنها البرنامج الذي يهدف الى ازالة الاحياء المتخلفة من ناحية, والعمل على تحسين مستوى العيش في المدينة القديمة وذلك عن طريق استبدال تلك المناطق المتخلفة ببيئة صحية تتوفر فيها جميع الخدمات لضرورية من ناحية اخرى.
( Parry Lewis ) عرف التجديد الحضري بعملية التهديم الواسعة الشاملة للملكيات القديمة بطريقة تؤدي الى ازالة منطقة كبيرة من المباني وتسمح بتخطيط وتشييد المباني الحديثة والطرق والفضاءات.
     اذن عملية التجديد الحضري هي عملية واسعة النطاق وتهدف الى خلق بيئة حضرية تتكامل فيها الهياكل العمرانية مع الوسط الاجتماعي والاقتصادي محققة بذلك بيئة تتلائم مع مستوى العيش الانساني.
العناصر الأساسية لعملية التجديد الحضري :-
1-   الواقعية : ان برنامج التجديد الحضري يجب ان تتميز بالواقعية التي تأخذ بنظر الاعتبار البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, عند شروعها في عملية التجديد الحضري.
2-   يجب ان تخطط برامج التجديد الحضري وفق السقف الزمني ذو الأجل الطويل وذلك لان احتمال فشل رنامج لتجديد ذي الأمد القصير وارد جداً.
3-   قبل البدء ببرنامج التجديد الحضري بشكل عملي يجب تصنيف البرامج داخلياً حسب أهميتها مع مراعاة حجم السكان في تلك المنطقة المراد قيام المشروع فيها ومقدار كلفته الكلية.
4-   ضرورة تحديد الأهداف التي تسعى من أجلها برامج التجديد الحضري قبل البدء بعملية التجديد.
5-   يجب ان تقوم برامج التجديد الحضري على ضوء الدراسات التقييمية المرتبطة بشكل عضوي مع السياسة العامة للدولة.

57
النشيد الوطني العراقي
للدكتور هاشم عبود الموسوي
تنشده تلميذات المدارس في بغداد

          كنا نحلم ونتأمل بسرور كل ما يحيط بنا والبسمة لا تفارق وجوهنا، ونحن نجتاز بإطمنان فترة حكم دكتاتوري، جثم على صدورنا لأكثر من ثلاثين عام ..
وعندما أعلن قبل أكثر من ستة أعوام عن الرغبة بأن يكون لنا في وطننا الجديد، شعار جديد، وعلم جديد، ونشيد وطني جديد .. إنبري الكثير من الفنانين والمفكرين والأدباء في تقديم إبداعاتهم .. وكنت قد شاركت بتصميم مقترح للعلم العراقي، وكذلك قمت بتأليف نشيد وطني يذكر بأصالة تاريخ العراقي وبمنجزاته الحضارية ووحدة شعبه من شماله الى جنوبه .. وكنت اريد أن أفرح شعبي وأرى الفرحة في عينيه وهو يشعر بلذه العيش الكريم المشترك .. فقمت بنظم هذا النشيد  ..
 
بلاد الرافدين لها وفائي         بلاد الشمس مشرقة السمـاء
رعاكِ الله من عهد الجدود       برغد العيش من زرعٍ  وماءِ
رعاكِ الله سابقةً سواها          بنشر  العلم  مُبدعـة  البناءِ
كتبنا بالمسلة  نصّ  عدلٍ       وشرّعنا   الشرائع  بابتداءِ
وللنهرين  في القرآن ذكرٌ        زُلال الماء من كرم السماءِ
ومن أورٍ وبابل قد أتينا           وآشور  كشاهدة    البقاء
ويا  ميديّة (*)  الجبل الأشم      تُبادل سومراً عهد الوفـاءِ
بروحي  للعراق  وكل ملكي      وما عزّت على وطني دمائي
وإن جفّت دمائي في عروقي      بذكر حروفه  أجد  ارتوائي
عراقيٌ إذا ما ضاع إسمي        أظلُّ،  أظلُّ أفخر  بانتمائي
(*) إشارة إلى حضارة ميديا العظيمة التي تعانقت مع باقي الحضارات الأخرى على أرض الرافدين
 
واليوم وصلني هذا النشيد وقد قامت بقراءته تلميذه في الاصطفاف الصباحي لإحدى مدارس بغداد.
آمنت اليوم بان لدينا الكثير بما لم نقله بعد.
 
د.هاشم عبود الموسوي
 
شاهد الفيديو
http://www.ankawa.org/vshare/view/6886/iraqi-national-anthem/


58
أدب / القصيدة التي لم اكتبها بعد
« في: 21:29 22/03/2015  »

القصيدة التي لم اكتبها بعد

 هاشم عبود الموسوي

قصيدتي
تزورني كل مساءْ
عاهرة رعناءْ
تبتزني بشراهة..
تأخذ مني ما تشاءْ
دون أكتفاءْ
أقرأها ..
أشرب من حروفها
ثمالة الاغواءْ
تشعلني
توقد في عروقي الحرائق
تمتص من أحداقي ..
الدموع والدماءْ
تجثم فوق أضلعي ..
تحبس أنفاسي
فأستدعي السماءْ
أسألها تحرسني
من زلة اللسان
أقسمت اني..
لن أبوح بسرها
قصيدتي ..
كقطرة من مطرٍ..
عصية فوق الشفاه
ترسم لي تدفق السراب
كأنهر رقراقةٍ
تمر في صحراءْ
قصيدتي
تواكب الرعود ..
في الشتاءْ
وتختفي
في ظل أشجار تموت ..
متى تشاء
حروفها تخنقني
أخاف ان أكتبها ..
فتغضب السماءْ
بعيدة كل المطارات التي ودعتها
ساكتفي مستأجرا ..
في وحشة العراءْ
حديقة ميساءْ
أزورها في غفلة المساءْ
أزرع فيها كل ما قد مر بي
من مدن ، أزمنةٍ
وكل ما حفظت من اسماءْ
...    ...
...    ...
هيهات ان اكتبها
قصيدتي ماكرة حاذقة الدهاءْ
قصيدتي صامتة خرساءْ


59

لست نبيا و لكني تنبأت

د.هاشم عبود الموسوي
 
     في الوقت الذي خذلنا فيه   إعتماد الماسكين بالسلطة ببلادنا على تطمينات  ومواقف أمريكية وغربية  ،غريبة عن الواقع ، ،شخصناها لهم مسبقا ، بأنها لا تريد الخير لشعبنا وبلدنا  ، تم إحتلال ثلث وطننا من قبل همج رعاع من أرتال الرذيلة .. وأكثر ما كان يؤلمني  أن كثيرا من الأقلام قد سكتت و كنت أرى من بيننا وجوها ِ غزاها اليأس .. حتى صارت لا تستطيع أن تستبشر بأي حلم ، فراحت تزدري الأمل والنضال والتضحية، وتحولها الى مادة للتهكم والسخرية ، بل لا تكل تُبشر بعبثية مقاومة الغازين ، ومن وراءهم .
    نعم لقد شعرت مثل عدد آخر منا آنذاك باننا مُنكسرين، ولكنا لم نكن منهزمين أو يائسين.
     لقد كتبت في حينها بتاريخ 29/07/2014 مقالا  بعنوان :
" أتعرفون بماذا أبشركم .. أيها الداعشيون"
http://www.alnoor.se/article.asp?id=250607#sthash.x3LPbzzB.dpuf
        ( أنتم تذكرونني بما رواه الأديب الراحل "ميخائيل نعيمة" : ( أن الثيران تنادت يوما يوما للنظر في شأنها مع الأنسان وفي السبيل الى التحرر من نيره . وكان بين الجمع واحد يتوقد حماسة وشعرا، وهذا بهر الكل بحماسته وشعره و أقنعهم بأن الحرية تؤخذ ولا تعطى وأن بابها المخضب بالدماء ، لا يقرع إلا بقرون محصنة بالدماء، وأن لا سبيل اليها إلا بإغتصابها في بيتها . فإتخذوه قائدا لهم و دليلا و مشوا وراءه ، صارخين الى الحرية .. إلى الحرية ، وما زال يهم بهم حتى بلغ بيتا جدرانه وبابه مضرجة ، فقال لهم هذا بيتا وهذا بابه فإقتحموا الباب ولا ترتدوا عنه وإن تكسرت قرونكم وسالت دماؤكم أنهارا، فما كان من الثيران إلا أن إمتثلوا لأمر زعيمهم فتكسرت قرونهم وسالت دماؤهم ، ولكنه في النهاية حطموا الباب ودخلوا البيت و إذا بهم في المسلخ)  ..
     هذا هو مصيركم أيها الجرذان .. أنتم لم تقرأوا التاريخ .. أنتم لا تفقهوا شيئا في الجغرافية و خصوصية و قدسية المكان الذي دنستموه .. ولا تعرفون كم مرة تغول التتر هنا , وكم مرة إضطرم الشرر .
العراق , أيها الأوباش ،كما كتب الشاعر الكبير الراحل كاظم السماوي :
((هو أول الآيات والحقيقة الأولى .. وسر الله والتكوين .. والمآثر القديمة .. إنه محجة الدهور .
هو ذا العراق ، أهة للوجد .. وللحنين .. والدم الفائر في المقلتين .. وللعلى ما إنحنت الرقاب .
يا أيها التتر الأبعدون .. ويا أيها التتر الأقربون .. لقد جئتم لتقتلوا الأطفال والنخيل والأنهار ، لتحرقوا التاريخ والأسفار والأشعار ، لتطفئوا النهار .. لكنكم لن تقتلوا العراق)) ..
أقسم لكم ، يا أيها الآتون للجحيم في أرضنا المحرقة ، لن تقتلوا العراق .. وغدا سيأتي زمنه الأكبر).
    و اليوم حان الوقت لأذكر بأننا لا زلنا على صواب   .. وها هو العراق تحدى عنجهية البرابرة والطغاة الذين من ورائهم ، ليجتث جذور الفتنة ، ويغسل الدم بالدم ، ويضرم جمرات النار بالنار ويعيد لإنساننا كرامته ، وللشعب ما لص منه وما أستلب ، وما ضحى وما عانى منه وما أضطهد من أجله ..ليعود أبطال الجيش العراقي الباسل و الحشد الشعبي المساند له ، هم السادة الشامخون في حياتنا التي نأمل أن تكون قريبا حرة و كريمة  .
    الأبطال الثوريون الحقيقيون هم الذين يحملون بوصلتهم تنام معهم وتستيقظ معهم .. هؤلاء هم من سيغيرون مجرى التاريخ ، ويعيدوا للشعب كرامته ، وللإنسانية ألقها المتوهج .. هؤلاء هم الذين ننحني لهم و نقبل أقدامهم . ، وليخرس كل من جلس منتظرا أن تنزل عليه  بعد ثلاثين عام حسنات و مساندة الطامعين في مسح بلادنا من خارطة العالم .



60
كاظم السماوي "الشخصية الوطنية الكبيرة
(في الذكرى الخامسة لرحيله)
السليمانية إحتضنته .. والمثنى إلى الآن لم تستجب
د.هاشم عبود الموسوي
         تعتبر محافظة المثنى من المناطق التي سكنها الأنسان القديم منذ أقدم العصور التاريخية وما قبلها فقد وجدت آثار مستوطن المنطقة في العصر الحجري القديم في منطقة (وادي القصير) على بعد كيلو مترين فقط جنوب غرب قلعة القصير في بادية السماوة الجنوبية. وقد أنتقل انسان وادي الرافدين من عصور ما قبل التاريخ الى حياة التمدن والحضارة. ولأول مرة في تاريخ الانسان بمختلف عناصر الحضارة المميزة بظهور الوركاء حيث بداية ظهور المدينة ونظام الحكم والكتابة والتدوين والقوانين المنظمة للحياة الإجتماعية والفنون والآداب وأسس المعرفة الأخرى .. والممارسات في المعابد والكهنة .. وإضافة الى تطور الزراعة ونظام الري وبداية السيطرة على البيئة وإستثمار امكانياتها .. وبذلك تعتبر الوركاء إنطلاقة الثورة الحضارية في وادي الرافدين ومنه إلى العالم أجمع .. كما أن السومريين عاشوا في الوركاء في الألف الخامس ق.م وأسسوا فيها دولة قوية ازدهرت في الألف الرابع ق.م وقد خلدوا فيثها آثار حضارية شامخة حتى وقتنا الحاضر تشهد لهم بالتقدم وحضارتهم بالرقي والخلود. وتقع اطلال مدينة الوركاء تلكم المدينة العريقة على بعد كيلو متر واحد من مركز ناحية الوركاء الحالي وستين كيلو من قضاء السماوة.
        ومن هذه المحافظة إنطلقت اول رصاصة معلنة إندلاع ثورة العشرين الوطنية والشعبية في 30/6/1920 على أثر اعتقال الشيخ شعلان أبو الجون شيخ الظوالم، وقد تم اطلاق سراحه من قبل أبناء عشيرته بالقوة من سراي الحكومة اثر عملية فدائية جريئة. بهذه المحافظة ولد في عام 1919 الشخصية العراقية الفذة "كاظم السماوي" والذي
-        اسس مع رفاق له اول حركة للسلام في العراق عام 1952م.
-        مثل العراق في مؤتمر السلام لشعوب آسيا والباستيك في الصين عام 1952م.
-        مثل العراق في مئتمر شعوب السلام في فينا عام 1952م.
-        مثل العراق في مؤتمر شعوب الشرقين الأدنى والأوسط في بيروت عام 1953م.
-        أسقطت عنه الجنسية العراقية عام 1954م مع رفيقيه عزيز شريف وصفاء الحافظ.
-        امضى سبعة اعوام في منفاه الأول في هنغاريا.
-        عاد الى العراق بعد ثورة 14 تموز المجيدة وعُين مديراً للإذاعة والتلفزيون في الاعوام 1959-1961م.
-        أصدر صحيفة الأنسانية اليومية.
-        غادر العراق الى المانيا الديمقراطية في رحلته الثانية في المنفى عام 1964م بعد إنقلاب 8 شباط الدموي .
-        غادر الى الصين وأستقر في منفاه الثالث من عام 1977-1980م.
-        أغتال الفاشيون ولده الشهيد "نصير السماوي" في بكين عام 1991م.
-        أصدر ديوانه الأخير "فصول الريح ورحيل الغريب" عام 1993م.
-        أصدر مجموعته الشعرية الكاملة عام 1994م التي تضم دواوينه:
•        أغاني القافلة 1950م.
•        ملحمة الحرب والسلام 1952م.
•        إلى الامام أبداً 1954م.
•        إلى اللقاء في منفى آخر 1979م.
•        قصائد للرصاص، وقصائد للمطر
•        أصدر كتابين نثريين:
1 - الفجر الأحمر فوق هنغاريا.
2 – حوار حول ماوتسي تونك.
•        اعماله الشعرية المترجمة الى اللغات الأجنبية:
1-     ديوان الساري – صدر باللغة المجرية شعراً.
2-     ملخمة الحرب والسلام – صدر باللغة الروسية ترجمها الشاعر الروسي فلاديمير لوكوفسكي.
3-     كما ترجمت له قصائد للإنجليزية والبلغارية.
 
        وفي مثل هذا اليوم في الخامس عشر من آذار من عام 2010 فقد العراق هذا الأديب العراقي الفذ والكاتب الأنساني اللامع، الذي ناصر قضايا الشعوب والمضطهدين ووهب حياته للثقافة والشعر والصحافة، وضحى في سبيل نصرة وطنه من جور الاستبداد الإجتماعي، ولم يهادن، ولم يرضخ لرغبة طاغية أو جلاد وبقى شامخاً شموخ النخيل، صابراً وصلداً كصخور الجبال، وبقى ذلك الصوت الوطني الأصيل الذي غنى للفقراء وحلم بغدٍ مُلون لشبعه. ومثّل العراق في المحافل الدولية لحركة السلام العالمي.
      كتب في رثائه أكثر من خمسين أديباً وسياسياً من العراق ومُختلف انحاء العالم وعلى رأسهم السيد جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق الأسبق فور سماعه النبأ المفجع بوفاة هذا الشاعر الكبير في أستكهولم عاصمة السويد، وقد تكفل بنقل جثمانه الى مدينة السليمانية عاصمة الثقافة والأدب الكردي، ليوارى الثرى في مقبرة الشهداء .. وليبعث لنا ببرقية تعزية كان نصها :
    "مني شعبنا بخسارة فادحة بفقدان رمز من رموز النضال الوطني وعلم من أعلام الثقافة العراقية، المرحوم كاظم السماوي الذي وهب حياته للفقراء والكادحين، ولم يكف صوته الهادر عن استنهاض الناس ضد الطغيان. وحتى حينما كان حبيس السجون والمعتقلات كان صوته الصادح بأناشيد الحرية عابراً للأسوار ممجداً للإنسان.
      لقد ناضل، شاعراً وكاتباً وصحفياً، في سبيل وطن عراقي يستظل بالمحبة والوئام والتكافؤ بين أبنائه غلى اختلاف قومياتهم وأديانهم، وطن متحرر من جور الإستبداد الاجتماعي والقومي، ولطالما رفع صوته هادراً ضد الدكتاتورية، دون أن يردعه سجن أو تعذيب أو تشريد.
تعازي الصادقة لأسرة الفقيد كاظم السماوي ومحبيه، شاعراً وكاتباً وإنساناً، وأعزي نفسي بفقدانه صديق ورفيق درب وكفاح،
    رحم الله كاظم السماوي وسيبقى أسمه مسجلاً بحروف من نور في أسفار النضال والثقافة في العراق".
"جلال الطالباني"
رئيس العراق"

 
     وقد قرر مجلس محافظة السليمانية أن يسمى أحد شوارع المدينة الثقافية فيها بإسمه ..
   واليوم أتساءل
أما آن لمجلس محافظة المثنى، ومركزها السماوة أن يقرأ سفر هذا الرجل ويكرمه ويضع اسمه البهي على مدرسة أو ساحة أو شارع مهم، أو يقيم له تمثالاً تذكارياً في مدينته التي أحبها وغنى لها .. من أجل أن يتعرف أطفال هذه المدينة، ومن سيولدون بعدهم على شاعرٍ أفنى عمره وشبابه من أجل العراق .. وليتذكروا كلما مروا على أسمه بكل التوقير والمهابة والإعتزاز فخرهم بإنتماء مثل هذه الشخصية الى تاريخ مدينتهم ؟



61
مبادرة إنسانبة مباركة يقوم بها خمسة أكاديمين من إحدى الجامعات الخاصة في أربيل



د.هاشم عبود الموسوي

الثقافة بمفهومها الشمولي التشبيكي الواسع هي نمط معيشة الناس والإطار المرجعي التفعيلي لكل مظاهر السلوك، وتأتي مقاربة مسألة الثقافة عموماً وثقافة المبادرة في سياق التعريف الذي وضعه تايلور من أنها تُمثّل هذا الكل المركب من العادات والتقاليد والأعراف والقيم والمواقف والاتجاهات والآداب والفنون، وكل ما صنعته وتصنعه يد الإنسان وعقله بصفته كائناً اجتماعياً، وتتسع آليات العلاقة بين الثقافة والمبادرة لتشمل ثنائية افتراضية تؤكد أن الثقافة هي المحدد الرئيسي لنمط النشاط البشري سواء أكان هذا النشاط اقتصادياً أم اجتماعياً أم سياسياً أم غيره. إن الثقافة الداعمة للإتكالية تدفع دوماً في اتجاه التهميش والتغييب الاجتماعي وتحويل الإنسان إلى متلقٍ تعوزه إمكاناته عن المبادرة والاعتماد على الذات، وتختصره تنشئته في حدوده الكمية الجسدية حتى يصير مقتنعاً ومستسلماً، وبهذا يحاصر الإنسان ذاتياً ويتماهى بوضعية المتلقي بل ويصير سجيناً لها، وهو في الغالب أكثر هشاشة اجتماعياً.
وفي المقابل تكون الثقافة الداعمة للمبادرة والمشاركة والاعتماد على الذات في اتجاه التمكين لا التسكين وخلق فرص العمل بدل البحث عنها والعطاء بدل الاستعطاء، وذلك على حد قول فرانسيس فوكوياما في كتابه "الثقة" الذي يرى أنه لا يمكن أن يُقام بناء اجتماعي مستقر ومؤسسات اجتماعية فاعلة باستدامة دونما اعتبار للعادات الإيجابية والتقاليد والأخلاق النابذة للتواكل والداعمة للمبادرة، ولا يُمكن صوغ ذلك إلا من خلال عملٍ واعٍ يُعزّز البعد الثقافي المنشود، ويبرز هنتنجتون في كتابه "صدام الحضارات" هذا التوجّه بقوله أن جميع المجتمعات ستضطر إلى توجيه اهتمام أكبر إلى الثقافة الداعمة للمبادرة والعطاء والقادرة على التعامل مع المشكلات في مستواها الذاتي والمحلي وحتى العالمي. إن عبارة ثقافة المبادرة والعمل تعبير عن مجموعة من الخصائص الذاتية والمجتمعية والعالمية، فالفرد ينضح بما في إناء مجتمعه. وكل إناء بما فيه ينضح، إذ قلما تجد ثقافة المبادرة في معتقدات أفراد مجتمع لا يتوجّه ثقافياً نحو المبادرة فهو إذاً فاقد للشيء غير مُعطٍ له، والعكس في المقابل.

وهكذا فكر خمسة أكاديمين من أقسام علمية متنوعة في جامعة جيهان في أربيل (رغم زحمة واجباتهم التربوية و التعليمية المضنية ) في البدء بمبادرة إجتماعية وإنسانية واعية تؤكد وعيهم والبعد الثقافي الذي يتحلون به ، وذلك من خلال جمع
التبرعات المادية والعينية للعوائل المهجرة قسرا و النازحة الى أربيل والمدن القريبة منها ، وقد قاموا بعدة زيارات الى تلك العوائل المنكوبة وجلسوا مع أطفالهم وغنوا لهم ، وأدخلوا البهجة إليهم .. وقد ذكر لي أحد أفراد هذه المجموعة ، بأنه لم يشعر في حياته يوما بمثل هذا الإرتياح والسعادة ، وهو يرى وجوه الأطفال وهم فرحين بتواجد هؤلاء الأكاديمين معهم يحملون لهم ما أستطاعوا أن يحملوه .


62
أدب / أسئلة وبلا جواب
« في: 21:17 10/12/2014  »


أسئلة وبلا جواب



د.هاشم عبود الموسوي

أهو الزمنُ البغي ..
وللقوادِ ما شاءَ وشاءْ
حتى وإنْ باع التُرابْ؟
الحضارات التي بالأمسِ نوّرت السماءْ
قد باتَ يأكُلها الذُباب
أحتالُ ..
أطرحُ بالسؤالْ
وأدري ليس من أحدٍ ..
يُجيبُ على السؤال
ولرُبما يأسٌ أحلَ بنا
أورثنا هذا الضَلالْ
من الذي هَشَمَ أعشاشَ الطيورْ؟
وقرَّحَ الوطن المُسجى بالخيامْ
والعرايا وسط تيهٍ في العراءْ
وهبوب الريحِ لا يرحم ..
في هذا الشتاء
الأرضُ قد فقدت بكارتها
وضاجعها الخواءْ
العالمُ  الوحشيُ ..
يفترسُ التواريخ القديمةْ
وضفافُ أنهارٍ ..
تَشَحَّبَ لونها، حدَّ الجفاءْ
وثنيةٌ كُلّ الخطابات العقيمةْ
ما زلتُ أحزن أن حِلمِيَّ لا يدومْ
بساقي المقطوعِ .. كيف أسيرُ إلى النهايةْ
بصحاري وتخوم الخوف أصرخُ ..
أنّ لي وطناً ..
تضجَّر من صمتي ووهني ..
فمتى يا ربُ ..
تمنحني الإفادةْ
(( أنني قد عشتُ ..
في حلمي
وأسدلت الستارَ ..
على النهايةِ والبداية ))


63
أدب / (سقوط شهباء الحضارة)
« في: 19:31 11/06/2014  »
سقوط شهباء الحضارة

هاشم عبود الموسوي
شاعر من البصرة

10/6/2014
بالأمسِ في قرطبة الميساء ..
قد سكتت نوارسُ عُرسنا ..
فوقَ المنائرْ
واليوم في موصلنا الشهباءْ
تُنتهك المساجدُ والكنائسُ والمنابرْ
كيفَ الُلحى الشوهاء تغتالُ الحضارهْ ؟
هوذا جنونٌ ..
أن يضلَ المرءُ في هذا الزمانِ ..
بلا جنونْ
أيصحُ أني وسطَ غابْ ؟
إن لم اكن ذئباً ..
ستأكلني الذئابْ
ماذا سأقرأ في كتابكِ ياقتيلةْ
ماذا سأكتبُ في رمادكِ ..
عن شبق الخرابْ
كلماتي ميتةٌ ..
وتصرخُ في إنطفاءِ دمي المراقْ
سقطَ القناع ..
وصرتُ عرياناً بلا مأوى
ولا وطنٌ يلملمُ لي عظامي
وطني رمادٌ من حرائقْ
نحروكِ ياشهباءُ في وضحِ النهارْ
قتلوا القتيلَ وساروا خلفَ نعشهْ
حدباءُ يامعشوقة الله على كلِ العصورْ
كُنتِ التوازن والتألق والمصيرْ
سواكِ ياشهباءْ ..
لا مدنٌ ولا خيمٌ يلمُ هشيمَ عُمريْ
سواكِ ياشهباءْ ..
لا شريانَ يجري بالدماءْ ..
سواكِ ياشهباءْ ..
لن تلهث
نجومٌ في السماءْ
كم مرةً جاءَ المخاضْ؟
الفٌ والفان من الأعوامِ ..
نهبٌ للرياحْ
تتساقط الأشجارُ والأعوامُ ..
عاماً بعدَ عامْ
كم مرةً والموتُ هوَّمَ تحت جلدكِ
وكنتِ عنقاء التحديْ
ما أعلنوا يوماً قراركْ
سأظل أبحثُ عن إمامٍ ..
لم تلوثهُ السياسةْ



64
بعض دعوات الإستشهاد في سبيل ألله, كيف فهمها وأدّاها السلفيون في القرن الماضي()

د.هاشم عبود الموسوي

يرى جمال الدين الأفغاني (1839-1897) بأن سبب إنحطاط المسلمين وتخلفهم يعود إلى  ضياع الحداثة الدينية لديهم, وعندما تحول الدين لديهم إلى طقوس وشعائر وتقاليد ورسوم بلا معنى, وصارت العبادة عِبارة عن ممارسات صوفية خارقة, وبذلك أساء رجال الدين فهم الشريعة وتفسير العقيدة الصحيحة من حيث يعلمون ولا يعلمون.
في هذهِ الدراسة المُبسطة (والتي استعنتُ في كتابتها على وثائق ومصادر مُتنوعة), وعلى لقاءات مع بَعض من غُرِرَّ بِهم .. واستفاقوا على فداحة العَبَث الفكري الذي لازمهم طوالَ مُدّة مسايرتهم لتلك التوجهات المتطرفة, أُحاول أن أتعرض للطُرق التي استخدمتها التنظيمات الإسلامية السياسية المُعارضة لتجنيد الأعضاء وإعدادهم ليصبحوا عناصر عسكرية نشيطة.. كما سأحاول وصف أشكال وأساليب نشاطات هذهِ التنظيمات.
من المعلوم أن التجنيد في التنظيمات الدينية السياسية المعترضة يحمل طبيعة نشطة, أي هو عبارة عن مبادرة لاستقبال وتنظيم العضو الذي سيصبح من جسم التنظيم, وفي المجمل يُصبح عميلاً نشطاً للتنظيم ككل.
تُعتبر مرحلة دراسة شخصية المُرشح, هي المرحلة التحضيرية. فمثلاً تنصح النشرات الداخلية للأخوان المسلمين السودانيين بإلحاح ((التعرف على شخصية المُرشح وعلى أفكارهِ لتحديد المَدخل إلى عقلهِ وقلبهِ)). وتقوم بمهمة دراسة المُرشح خدمة المعلومات في هذهِ التنظيمات, التي هي عبارة عن جهاز يجمع جميع المعلومات الخاصة بالمرشح -الوضع الصحي، الطباع السيكولوجية، الحالة المعنوية، الإمكانيات المادية وإمكانيات الترقي المستقبلية في المناصب ولا يباشر العمل المباشر مع المُرشح إلا بعد تقييمه كعنصر مناسب للانتساب إلى التنظيم.
وهنالك صفة مميزة أخرى للتجنيد وهي تعدد المراحل. فهذه تبدأ من اللقاءات التي يجري فيها التحدث حول المواضيع الدينية والاجتماعية والسياسية الملحة (غالباً على شكلٍ مُنفرد) بعدها يُدعى المرشح إلى اجتماع الخلية أو الجماعة، حيث يسيطر جو من التكريم للمرشح وتُبحث في هذا الاجتماع تلك المسائل التي يُعتقد أنها تُقلق المرشح ذاته. وبالتدريج يصبح المرشح عضواً في التنظيم، كما يباشر ممارسة النشاط التنظيمي بصورة تدريجية أيضاً. يُكلف المرشح "العُضو" بمهام مختلفة: شراء الكتب لمكتبة التنظيم، إقامة معرض للكتب الدينية في الحي، جمع التبرعات لبناء المساجد وغيرها. وبعد ذلك يُكلف بتوزيع أشرطة التسجيل لرجال دين غير رسميين وإقامة مجلات حائطية، أي الإشتراك في جميع أشكال النشاطات (بصورةٍ تصاعدية), وصولاُ إلى تنفيذ أعمال العنف، إذا كان الحديث يدور حول التنظيمات الدينية السياسية المعارضة المتطرفة.
في الحالة الأخيرة، يجري اختبار تجريبي، ينحصر في إعطاء "العضو المرشح" مهمة خطرة نسبياً (على سبيل المثال، تركيب جهاز تفجير)، ويُراقب تنفيذه لهذهِ المهمة عدد من الأشخاص الذين لا يُقدمون على إيقافه إلا في اللحظة الأخيرة. وبعد ذلك يسمحون له بأداء قسم الولاء، الذي على أثره يُصبح العضو المُرشح عضواً كامل الأهلية في هذه التنظيمات الدينية السياسية المعارضة المتطرفة, أو في التنظيم الخاص, في التنظيمات الدينية السياسية المشروعة. نشير هنا إلى أن أعضاء المجموعات المسلحة في التنظيمات الدينية السياسية المعارضة يخضعون إلى اختبار تجريبي، كما هو متبع, في تنفيذ عملية حقيقية من أعمال العنف.
والمثال الواضح للتدرج في الوصول إلى العضوية الكاملة في التنظيمات الدينية السياسية المعارضة هو ما يسمى بـ "صفة العضوية أو درجتها", التي تستخدم في تنظيم "الاخوان المسلمون" في مصر، على سبيل المثال، فهنالك أربع درجات للعضوية في هذا التنظيم، التي وفقها تختلف واجبات "الأخوة".
 
الدرجة الأولى _ "الانضمام العام". هو حق لكل مسلم لديه الرغبة في القيام بأعمال الخير، بحيث يكون على أستعداد لتقديم "استمارة تعريف" ودفع مساعدات مالية بمحض إرادته. وفي هذه الدرجة، يسمى العضو "أخ مساعد".
الدرجة الثانية _ "الانضمام الأخوي"، وهنا تضاف واجبات أُخرى على العضو: فبالإضافة إلى ما أشير إليه سابقاً، يجب عليه العمل على استيعاب أيديولوجيا "الإخوان", وأن يخضع للأوامر, وأن يتجنب الممنوعات وأن يحضر الاجتماعات الإسبوعية والسنوية وغيرها، التي يُدعى إليها. ومثل هذا العضو يسمى "أخ منتسب".
الدرجة الثالثة _ "الانضمام العملي". ويجب هنا على "الأخ العامل" أن يزود التنظيم بصورة فوتوغرافية وجميع المعلومات الخاصة به والمطلوبة من قبل التنظيم، وأن يعمل على الدراسة المتعمقة لأيديولوجيا "ألإخوان المسلمون", وأن يشارك بتراتيل القرآن التي تقام مرة كل أسبوع, وأن يدفع الاشتراكات لمالية التنظيم وللجنة الزكاة، وأن يصبح عضواً في (فرقة الرحلات_ مجموعة التربية البدنية والإعداد العسكري), وأن يحاول أن يتكلم باللغة العربية الفصحى, ويتجنب النطق باللهجات العامية، وأن يتقيد في مسكنهِ ومعيشتهِ بمبادئ "الاخوان المسلمون"، وأن يداوم على التعليم الذاتي في مجالات العلوم الاجتماعية، وأن يحفظ أربعين حديثاً نبوياً, وأن يكون جاهزاً على الدوام لتنفيذ العقوبات التي تُفرض بحقه, بروحٍ رياضية, إذا أقدم على ارتكاب معصية أو خطأ ما.
وعند هذه الدرجة، تنتهي درجات العضوية العادية. إلا أن هنالك درجة أخرى أعلى مستوى_ مستوى "المجاهد". فإذا كان إعداد العضو ضمن الدرجات الثلاث السابقة الذكر تقوم بها منظمات المناطق والأقاليم "الدوائر"، فإن إعداد العضو في الدرجة الأخيرة يقوم به "مكتب الإرشاد العام"، وتعتبر هذه المهمة من صلب مهامه حصراً.
 
واجبات المجاهد_ بالإضافة إلى إلواجبات التي سبق ذكرها، هنالك وجوب التقيد "حسب الامكانيات المتاحة" بسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) "قولاً وعملاً ومالاً"، والالتزام بدفع الاشتراكات الدورية والتبرعات إلى مكتب الإرشاد مباشرة ولصندوق الدعوة, أي إلى صندوق تجنيد أعضاء جدد، وكتابة وصية, وفقها يجب تخصيص جزء من أملاك المجاهد إلى ملكية التنظيم، وتنفيذ أي طلب "أمر" موجه من مكتب الارشاد, في أي وقت وأي مكان، وأن يكون جاهزاً على الدوام للخضوع لدورات خاصة تكون تحت الإشراف المباشر لمكتب الإرشاد. والمجاهدون هم أعضاء ما يسمى بالتنظيم السري، أي المجموعات المقاتلة للإخوان المسلمين.
يتعرف العضو المرشح بالتدريج على برامج التنظيم وخططه. وفي مرحلة معينة لا يحق للعضو المرشح الانسحاب من التنظيم، لا سيما إذا كان الحديث يدور حول التنظيمات المتطرفة أو غير الشرعية. فالانسحاب من هذه التنظيمات غير ممكن, لأن عقوبة ذلك هي الإعدام, لأن "العضو المرشح" أصبح يعرف الكثير. وفي تنظيم "التكفير والهجرة" نُفذ حكم الإعدام بعدد من أعضائهِ بسبب انسحابهم من التنظيم.
يحلف العضو العامل في التنظيم قسم الولاء والإخلاص، الذي يؤكد بشكلٍ خاص في نصه (لدى الاخوان المسلمين في مصر) على الطاعة العمياء. <أقسم بالله العلي القدير أن ألتزم برسالة "الإخوان المسلمون",، وأن أشارك في الجهاد وأن أحيا ملتزماً بقواعدهم، وأن أثقَ ثقةً عمياء بقيادتهم، وأن أخضع لها في مختلف الظروف، الجيدة منها والرديئة. إنني أُقدم قسم الولاء هذا أمام الله العلي القدير. والله شاهدٌ على ما أقول.
من الطبيعي أن يكون لكل تنظيم من التنظيمات الدينية السياسية المعارضة طرقه الخاصة في تجنيد الأعضاء، تلك التي تختلف عنها في التنظيمات الأخرى، والتي تتشكل متأثرة بالظروف المستجدة وبتقاليد التنظيم ذاته. فعلى سبيل المثال, تنصح الوثائق الداخلية لتنظيم "الاخوان المسلمون" في السودان، بتكثيف الجهود لتجنيد أعضاء جُدد من أوساط الأشخاص الموهوبين والشخصيات المشهورة, ومن أولئك الذين يشغلون مناصب عليا وقيادية. ويجري تنشيط وتوسيع أعمال التجنيد عن طريق "تنشيط العمل الثقافي في النوادي والمساجد والمؤسسات التعليمية والرحلات المنظمة والأسفار, التي يدعى إليها الأعضاء الجدد والمرشحين". ويجب أن يُحاط الأعضاء الجدد بجوٍ من الاهتمام لكي (حسب تعبير إحدى الوثاثق الداخلية) لا يُفسح لهم مجال للراحة, وتزويدهم المستمر بالأدبيات.
هنالك بعض التنظيمات الدينية السياسية المعارضة تسعى لزيادة أعداد صفوفها، الأمر الذي يؤدي إلى عدم القدرة على الاهتمام الكافي بالمرشحين. وبهدف توسيع التنظيم عددياً، وجهت قيادة "الاخوان المسلمون" في السودان أمراً عاماً بخصوص التروي في التعامل مع الوسط الشبيبي، وعدم الاستعجال في مكافحة الظواهر السائدة فيه كالتدخين وتناول الكحول والرقص والغناء على الطريقة الغربية. فالإخوان في السودان, وانطلاقاً من هذه التصورات, لا يقفون ضد التعليم المختلط، ولا يعزلون الجنسين في تنظيمهم. كما قدمت نصائح بخصوص العمل مع الشبيبة المتعلمة وطرق تجنيد الأعضاء في أوساطها، كما يتم اختيار عناصر التنظيم البشوشة والمرحة للعمل في هذا المجال.
 
ونظرا لأن التنظيمات الإسلامية السياسية المعارضة هي في توسع وانتشار مستمرين، وأصبحت تستخدم أعمال العنف لتحقيق أهدافها على المستوى العالمي، لهذا السبب توسعت أيضاً جغرافيا التجنيد. ومثل هذه الأنشطة تخطت حدود البلدان العربية وأصبحت واسعة الانتشار, لا سيما في عواصم الدول الأوروبية.
 
(لهذا, أصبحت إمكانيات اختراق أجهزة المخابرات الغربية لهذه التنظيمات، من الأمور السهلة جداً).
ومن بين التنظيمات الدينية السياسية المعارضة العاملة في البلدان العربية والتي تمتلك مراكز تجنيد خارج حدود الشرق الأوسط _ حزب التحرير الإسلامي, الذي يهدف إلى إقامة نظام الخلافة. ففي صيف 1983، اعتُقِل في تونس 29 شخصاً، من بينهم 18 عسكرياً، اتهموا بالانتماء إلى هذا التنظيم السياسي غير المعترف به. وفي نهاية شهر آب/أغسطس عام 1983 حُكم على أعضاء هذه المجموعة بأحكام سجن مختلفة (من 2 إلى 8 سنة). وهؤلاء الذين هم من أعضاء فرع حزب التحرير الاسلامي التونسي، كان قد تم تجنيدهم في أوروبا, حيث تقيم القيادة العملياتية لهذا الحزب، الذي هو على اتصال مستمر مع مثقفي الوطن العربي، الذين يتواجدون من حين لآخر في أوروبا لأغراضٍ متنوعة (دراسة، مهمة، بعثة علمية وغيرها). ويتوجه هذا الحزب إليهم بهدف إقناعهم لتشكيل فروع لهذا الحزب في أماكن تواجدهم الدائم. والكثير من العسكريين التونسيين الذين حوكموا في هذه القضية، كانوا عائدين عشية الاعتقال من المانيا الغربية, وأحد الضباط، كان مكلفاً بمهمة رسمية في اليونان حيث تم تجنيده.

تشير مصادر المعلومات (وزارة الداخلية المصرية، على سبيل المثال) إلى أن فيينا تعتبر من مراكز التجنيد، حيث تم فيها تجنيد رئيس فرع مصر لحزب التحرير الإسلامي (صُفي هذا التنظيم من قبل‌ السلطات المصريه عام 1983) علاء الدين الزناتي.

للاطلاع على المقال كاملا اضغط على الرابط التالي :

http://upload.ankawa.com//files/2/ankawa2/alla.pdf



65
أدب / عامنا الآتي الجديد
« في: 14:50 01/01/2014  »


عامنا الآتي الجديد

 


د.هاشم عبود الموسوي



 
آه لو تدري .. و تدري ..
كم من الأعوام قد مرت علينا
وفرحنا .. وبكينا ..
ودفنا في الصدور
كل حسرات السنين
ثم روضنا الأماني
وتحملنا عتابات طويلة
ليتنا .. يا ليتنا ..
نفرح مثل الناس ..
في هذا المساء
هي ذي أحلامنا تكبو و تحبو
مثل أسراب طيور تائهات
ذاهبات .. راجعات .. في السماء
مذ تشضينا وتهنا
ضيعتنا الموهمات
كلما مر بنا وهم جديد
ورجونا الله أن يمنحنا ..
دمعا مديد
رغم كل الموجعات
ها ترانا قد رفعنا كأسنا
نخب من يأتي إلينا
حاملا بين يديه
سر أبراج النجوم
وثملنا ..  ..
حد لا نعرف حدا
بين ظل و ضياء
فمتى تنزع عن عينيك ..
أوشحة النعاس
بين صد و رجاء
وتجئ
لا تخف من يأسنا ..
عامنا الآتي الجديد
فتفائل و تعال
قد يغطي الثلج كل الطرقات
و رياح سوف تشكو للنخيل
عقم تلك السنوات
غير إنا قد ضممنا لك دفء  ..
في الصدور
فتعال .
  
30/12/2013

66
أدب / خريف
« في: 22:55 28/11/2013  »
 


خريف

 
د.هاشم عبود الموسوي
 
 
لم يكن ذلك صوتٌ للرياحْ
 
بل أنينٌ ونواحْ
 
لوريقاتٍ تودع غصنها ..
 
عند الخريفْ
 
كبكاءٍ لنهيرٍ ..
 
يتجمد في الشتاءْ
 
هي ذي الأشجارمذ كنا وكنا
 
تتعرى كل عامْ
 
لم يزل ينصفني ..
 
إني مررت على كل الفصولْ
 
وحليبٌ من نخيل مدينتي  ..
 
لا زال يرغو في الشفاهْ
 
ليعيد لي ..
 
زمن التولّه بالطفولهْ
 
بفصول الريحِ ..
 
نصف مغمضةٍ عيوني
 
متجولا ..
 
ما بين سبعين من الأعوام مرّت
 ْ
وأنا أنشرُ للريح ردائي
 
رايةً للحب في كل الأراضي والبحارْ
 
في خريفي ..
 
أطفأت أنوارها  ..
 
كل فنارات السواحلْ
 
صرتُ أجثو ..
 
مثل عصفور الجليدْ
 
ضيعته الطرقاتْ
 
والأفاعي اللاسعاتْ
 
سمها ما عاد يُشفي من بلاءْ
 
مرةً أخرى سيأتينا شتاءْ
 
لا حمائم في السماءْ
 
ولا سحابٌ ماطرٌ ..
 
فوق القواحلِ ..
 
من سنينٍ موجعاتْ
 
آه ِ من شللِ الظنونْ
 
أنا لا أترك من إرثِ ..
 
يفاخرُ ، غير حلمي
 
والذي يأتي ..ليأتي
 
إنه وعد الشتاءْ .



67
أدب / آه .. من صيف المحارق
« في: 16:30 11/07/2013  »


آه .. من صيف المحارق

 

هاشم عبود الموسوي

 
يا إلهي..
 
يا إلهي
كانت الأرض..  
بما تحمل من إثمٍ بريئهْ  
ومشينا ..
فوق جمرٍ من رماد ْ
وقرأنا الفاتحهْ
وعرفنا أن نخلاً في العراقْ
بات منذوراً
على أرض سبيّهْ
يذرفُ الدَمعَ
إلى يوم القيامهْ
ونسنيا كل ما كنا لبسنا
من حضاراتٍ
وأحذية قديمهْ
بعد ألفين من الميلاد و الموت ..
أتى ثالث عام
وعلى أرض السواد
بعث الله لنا
سرب جراد
عله يفقأ عين
الحاكم الجلاد
ويلنا  ..يا ويلنا
لكنه قضم الحصادْ
وظل يسقط فوقنا
رب العباد ْ
آثام عاد ْ
هذا حساب قد يطول
و ذا عذاب قد يطول
و صار يتعبنا الحساب ْ..
بأي تبرير نموت
جراحنا ، تشكو ، تصيح
أهي ريح من سموم     ؟
أهو صيف من محارق ؟
وصرير الباب ..
لم يهدأ يوماً
من عذابات ..
الضمير
في الصباح ..
أتلقى عشر بوابات..
 في وجهِ الطريق
ومفارز
سائلات عن وقاري
أي حلم وسرورٍ
كان يجتاح سريري
وأنا ما ذقت يوما ..
لذة الحلم
وكم كنت أمني نفسي التعبى
 وفي السر أعيد
 (إنَّ لي وطناً سعيد)
آه ما أكذب حلمي
كيف أقسمت بهذي الأرض ..
بالماء وأنواء السماء
والجهات الأربعة
وخطوط الطول والعرض
وما بين السطور
كنت أعمى راكضاً ..
خلف سراب
كيف أكبو من حصاني؟
كيف  أرخيت اللجام
والتعاويذ التي رتلتها..
عند الرحيل
أفلتت مني اللسان
آه لو كنا تلونا ..
سورة الرحمن
أو كنا عرفنا
مذ دفنا رأسنا مثل النعامه ْ
لا نرى الموتى
يميلون يميناً ويساراً
في عويل كالدعاء
... ... ...
 
ذات يوم
عندما أجهرتُ ..
في صوتي وصمتي
وعلى ذاك الجدارْ
آثماً سجلت عهدي
إنني يوما أعود ْ
سائلاً جرحي عن العهد القديم ْ
أين بيتي؟ أين بيتي؟
والبيوت الحالمات ..
فوق جثمان السنينْ       ؟
أين أحلامي التي ودعتها ؟
ربما ظلت سراباً
لا أراها قبل موتي
كيف لي أنسى بأنَّا
قد دفنا الأولياء
بين نهرين..
وأدمينا الصدور
ألف عام ..
لم نزل نأكل ..
من نفس القدور
شوك ما كنا زرعنا
وأتى بعد انتظار
ألف ملعون وفاجر
عابثاً يلعب كالقط
مع الفأر البليد
آه .. آه .. ثم آه
آه من غدر الزمان
آه من ضيق المكان
بيتنا المأهول بالأحزان
من مليون عام
إنه الرحم الذي كفننا
ونسينا..
ومشينا مُرتدين
كفن العز
وأوهاماً عتيقة
أي فخر للقبور؟!
ليس لي غير الدموع
والصلاة الدائمهْ
ربما تأتي
دعاسيقٌ  صغيرة
بعد موتي
لتعيد الخصب
للأرض البوار
و يفيق الأتقياء
ويعيدون إلى قبري الأمان
آهِ ... آهٍ ،  ثم  آهْ
...   ...
 
آه ما أكذب حلمي
 




68
الأسلام السياسي في تركيا وملابسات تطوره في التاريخ الحديث
(2)
د.هاشم عبود الموسوي
 
قلنا في الجزء الأول من هذه الدراسة بأن تركيا ، قطعت أشواطا بعيدة في العلاقات مع إسرائيل ، فقد حاولت تركيا امتصاص نقمة العرب عبر المشاركة في تقديم مشروع القرار  ( 302 – 5 ) لتاسيس منظمة غوث اللاجئين ( الاونروا ) وتامين الحماية والمساعدة لهم ‘ الى حين عودتهم لديارهم . وكانت تركيا احد الاعضاء العشر الذين تالفت منهم ( الاونروا ) في 8 كانون الاول \ ديسمبر 1949 . وتعمدت التاخير في ارسال سفير دائم لها في تل ابيب نحو سنة كاملة . واتبعت اسلوب التدرج في تطبيق العلاقات مع اسرائيل كالتالي :
28 اذار \ مارس 1949 : الاعتراف باسرائيل .
9 اذار \ مارس 1950 : افتتاح سفارتها في تل ابيب .
1952 : التحاق اول سفير تركي بمركز عمله .
في الخمسينات طرح "بن غورين" فكرة " الحلف الاقليمي " والتي تنص على التحالف الاستيراتيجي والاستخباراتي والاقتصادي بين اسرائيل وثلاث دول غير عربية ‘ هي اثيوبيا وايران وتركيا ‘ وذلك بمواجهة افكار طرحها جمال عبد الناصر لبلورة الشرق الاوسط يقوم على وحدة القومية العربية . ويشير احد مسؤولي اجهزة الاستخبارات في اسرائيل ‘ في احد كتبه ‘ الى ان فكرة "بن غورين" هذه ادت الى وضع خبرة الجيش الاسرائيلي في خدمة هذه الدول ‘ كما كان هناك تعاون اقتصادي بين اسرائيل وتركيا ‘ لاسيما في المجالات الزراعية والطبية .
بعد العدوان الثلاثي على مصر الذي شنته كلُ من فرنسا وبرطانيا واسرائيل في 29 تشرين الاول \ اكتوبر 1956 ‘ وتحت ضغط الرأي العام الاسلامي في تركيا ‘ اقدمت الاخيرة على سحب سفيرها من اسرائيل . واصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا في 26 تشرين الثاني \ نوفمبر 1956 قالت فيه : " ان الحكومة التركية تدعم حل القضية الفلسطينية على اساس قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة . وستبذل قصارى جهدها في سبيل ذلك ‘ ان كان في اطار الامم المتحدة او خارج ذلك . ان الحكومة التركية التي تسجل ‘ بكل اسف ‘ عدم ايجاد حل لهذه المسالة التي تستمر بكونها عنصر قلق وخطر كبيرين جدا على الشرق الادنى ‘ تقرر سحب سفيرها من تل ابيب وعدم اعادته الى مقر عمله ‘ الى ان تحل المسالة الفلسطينية بصورة عادلة ونهائية " .
في عام 1958 عمد الموساد ونظيراه الايراني " السافاك " والتركي "  الى اقامة منظمة ذات الثلاث اضلاع ( تريدنت ) . وفي هذا الاطار الثلاثي تبادلت الاجهزة الثلاثية معلومات استخباراتية  ‘ وكان رؤساء هذه الاجهزة يعقدون اجتماعات سنوية . وأفادت المعلومات حينها ان الاسرائلين زودوا تركيا بمعلومات حول نشاطات عملاء سوفييت على اراضيها ‘
كما اعلموها بعمليات تجسس سوفيتية ضدها تتم اداراتها في دول شرق اوسطية اخرى . ومقابل ذلك قام الاتراك بتزويد اسرائيل بمعلومات حول نوايا مصر وسوريا ‘ اللتان كانتا مجتمعتين في اطار وحدوي . كما قامت اسرائيل بتدريب عملاء استخبارات اتراك في مجال التجسس .
في عام 1958 ‘ قام الرئيس الاسرائيلي وايزمن بزيارة سرية الى تركيا ‘ انشا الطرفان خلالها حلفا سريا ‘ اطلق عليه حينها " الحلف المحيط " . وكان الهدف من هذا الحلف تطويق سوريا والعراق وممارسة الضغط عليهما .
نددت تركيا بعدوان اسرائيل ضد سوريا ومصر والاردن الذي جرى في حزيران \ يونيو 1967 . واعلنت السلطات التركية ان القواعد العسكرية الموجودة في تركيا التابعة لحلف الشمال الاطلسي لن تستخدم في اي عملية حربية ضد الدول العربية ‘ وفي الامم المتحدة خاطب وزير خارجيتها  "احسان صبري" الهيئة العامة في 22 حزيران \ يونيو 1967 قائلا : " ان الحكومة التركية تعلن ان لا يجوز قبول اغتصاب الاراضي بالقوة. ومن الضروري ان تصر الامم المتحدة على انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية التي احتلتها".  كما دعت تركيا حينها على عدم المساس بوضع مدينة القدس.
بعد حريق مسجد القدس الاقصى 21 اب \ اغسطس 1969 ‘ شاركت تركيا في موتمر قمة الدول الاسلامية ووافقت على البيان الصادر عنه والذي ندد باسرائيل وممارستها في انتهاك حرمة الاماكن المقدسة الاسلامية . واتبعت تركيا خطواتها هذه بخطوة اخرى ‘ اسلامية ‘ عندما وافقت على وثيقة منظمة المؤتمر الاسلامي التي تأسست عام 1971  واصبحت تركيا عضوا كاملا فيها منذ عام 1976  .
رفضت تركيا التعاون مع واشنطن ( ريتشارد نيكسون ) عام 1973 عندما اقامت الولايات المتحدة جسرا جويا لنقل الاسلحة والذخائر الى اسرائيل اثناء حرب تشرين .
بعد حرب تشرين عام 1973 ‘ صوتت تركيا الى جانب قرار مجلس الامن  الدولي 3379 ( تشرين الثاني \ نوفمبر 1975 ) الذي يعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية ‘ وذلك في خطوة منها لكسب ود العرب بعد احتلالها للشطر الشمالي من قبرص الذي تم عام 1974 ‘ وفي وقت كان العرب في اوج قوتهم على اثر حظر النفط على الدول التي ساندت اسرائيل في حرب تشرين .
في عام 1975 اعترفت انقرة في كانون الثاني \ يناير منه بمنظمة التحرير الفلسطنية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني .
في الخامس من تشرين الاول \ اكتوبر 1979 وصل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية "ياسر عرفات" الى تركيا  بدعوة من رئيس الحكومة التركية "بولاند اجاويد" لحضور حفل افتتاح ممثلية منظمة التحرير في انقرة . وفي هذه المناسبة صرح بولاند اجاويد لمجلة المستقبل قائلا : " ان زيارة اخي ياسر عرفات الذي يقود نضال الشعب الفلسطيني من اجل حريته وحقوقه المشروعة هي مدعاة سرور كبير لي شخصيا وللشعب التركي . ان حكومتي مقتنعة بان الحلول المحقة والدائمة لمشاكل الشرق الاوسط ‘ لايمكن ايجادها دون تلبية الاهداف المشروعة للشعب الفلسطيني ‘ بما في ذلك حقه في اقامة دولته المستقلة فوق تراب وطنه . ونحن نعتبر ان من واجبنا الوطني والتاريخي مساندة الشعب الفلسطيني في نضاله المحق بشتى السبل .
بعد الاطاحة بشاه ايران ‘  انتقلت جميع مراكز المخابرات الاسرائلية التي كانت في ايران ‘ مثل المؤسسة المركزية للمخابرات والمهمات الخاصة ( الموساد ) وشعبة الاستخبارات العسكرية (امان ) وجهاز الامن العام ( السافاك ) الى داخل تركيا ‘ حيث تحولت الاخيرة الى مركز منهم لجمع المعلومات عن الدول العربية ‘ لاسيما سوربا والعراق ودول لخليج .
بعد الانقلاب العسكري الاخير الذي وقع في 12 ايلول \ سبتمبر 1980 واطاح بحكومة "سليمان ديميرل" ‘ برز في الدوائر السياسية والدبلوماسية التركية ‘ ازاء سياسة الدولة نحو اسرائيل والعرب خطان : خط مع تطوير التعاون مع اسرائيل وخط مع قط العلاقات او على الاقل خفظها الى الحد الادنى  .
وكان يقف الى جانب خط تطوير العلاقات امين عام وزارة الخارجية آنذاك "كامران غورين" ‘ والسفير في واشنطن "شكري ايلكداغ" والسفير في الامم المتحدة "جوشكون قيرجا" ( وهو الان من " صقور " حزب الطريق القويم المؤيد بشدة لحل عسكري لمشكلة الكردية ) . فيما وقف وزير الخارجية التركية انذاك "ايلتر توركمان" مع خط القطع التام للعلاقات مع اسرائيل وتطوير العلاقات مع العرب .
وكان طرح خطة وزير الخارجية ينطلق مع العلاقات مع العرب تؤدي الى الحصول الى حاجة تركيا من النفط بسعر رخيص وتعزيز  صادراتها الى الدول العربية بصورة كبيرة ‘ كما ستضمن تركيا تأييد العرب في موقفها من الازمة القبرصية . وكان "تركمان" يرى ان النفوذ اليهودي في واشنطن مبالغ فيه ‘ ثم ان اسرائيل تنظر بحرارة الى سيناريو تأسيس  دولة كردستان المستقلة في الشرق الاوسط ‘ كما تخطط له الولايات المتحدة .
وفي المقابل ‘ لم يكن خط تطوير العلاقات مع اسرائيل يعارض اقامة علاقات صداقة مع الدول العربية . ولكن اصحاب هذا الخط ‘ يعتقدون ان لانية للعرب ان يكونوا اصدقاء لتركيا . فسوريا لها مطالب في الاراضي ( الاسكندرون ) والعراق يعزز طموحاته " العدوانية " ‘ والسعودية لا تنظر بارتياح لنظام العلماني في تركيا ‘ والعرب  عامة يعيشون " عقدة " خضوعهم للحكم العثماني. وهذه العوامل كلها تهدد الامن التركي ‘ مما يؤكد علاقات جيدة مع اسرائيل ‘ ضرورية من زاوية المتطلبات الجيوستراتيجية ‘ كما هي ضرورية من زاوبة تحسين العلاقات مع امريكا لمواجهة " الارهاب الارميني " . هكذا كانت المواقف متناقضة ومتعارضة بعد انقلاب 22 ايلول \ سبتمبر 1980 .
حمل وزير الخارجية "ايلتر تركمان"  قضيته الى رئيس الدولة والجيش "كنعان ايفرين" ومجلس الامن القومي الذي يضم قاعدة القوات الاربعة وطرح تركمان في اول اجتماع للمجلس  مسالة قطع العلاقات بالكامل مع اسرائيل . لكن المطلب رُفض وبإجماع الاصوات الخمسة  . غير ان تركمان مارس تأثيرا فيما بعد على "ابفيرن" بحيث نجح في اتخاذ قرار تخفيض درجة التمثيل الدبلوماسي مع اسرائيل الى مستوى سكرتير ثان . وعارض "حيدر صالتيك" امين عام المجلس القومي ‘ وحده القرار . اما امين العام الخارجية غورين فقد تقدم في اثر ذلك با ستقالته .
شهد العام 1980 حدثين لافتين للنظر ‘ الاول هو اغلاق تركيا لقنصلياتها في القدس في 28 اب \ اغسطس ‘ والثاني خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي في سفاراتها في تل ابيب في كانون الاول \ ديسمبر 1981 ‘ من قائم بالاعمال الى سكرتير ثان . وجاءت هاتان الخطوتان كرد فعل على اعلان اسرائيل في تموز \ يوليو 1980 ‘ ضم القدس الشرقية نهائيا واعتبار المدينة عاصمة ابدية وموحدة لها . وكان رد فعل السعودية على هاتين الخطوتين ان اقدمت على تقديم مساعدة مالية لتركيا قيمتها 250 مليون دولار ‘ في اليوم ذاته التي خفضت فيه تركيا درجة التمثيل الدبلوماسي مع اسرائيل .
اثناء الحرب العراقية – الايرانية ‘ قامت تركيا بترتيب عملية هجرة ( 30 الف يهودي ايراني الى الكيان الصهيوني ) وحينها اكد وزير الخارجية التركي "حكمت تتشتين" ان هذه العملية كانت وليدة اتفاق تم بين جهازي المخابرات  في البلدين – والموسات والميت ‘ من وراء ظهر حكومتها " .
امتنعت تركيا عن التصويت عن مشروع قرار ادانة اسرائيل الذي صدر عن الجمعية العامة للامم المتحدة باعتبرار  قرار ضم اسرائيل لمرتفعات  الجولان قرار باطلا ‘  الذي صدر عنه في شباط \ فبراير  1982 .
قامت الحكومة التركية في 27 كانون الثاني \ يناير  عام 1982  بتزويد الحكومة المصرية  بصورة عن اتفاقية  عام 1906 والخرائط المرفقة التي تعين الحدود الدولية بين مصر وفلسطين ‘ وذلك حين اثيرت مشكلة التحكيم بشان طابا .
رفضت تركيا التعاون مع الادارة الامريكية "رونالد ريغان"  عندما شكلت القوات المتعددة الجنسيات بين عام 1982 و 1984 ‘ الامر الذي ادى الى تورط عسكري امريكي مباشر في لبنان.
في عام 1986 رفعت تركيا درحة تمثيلها الدبلوماسي مع اسرائيل من سكرتير ثان الى مدير عام مفوض .
عند اعلان قيام الدولة الفلسطينية في 15 تشرين الثاني \ نوفمبر  1988 ‘ كانت تركيا الدولة الخامسة في العالم ‘ قبل مصر وسوريا ولبنان  والاردن ‘ والاولى من المعسكر الغربي ‘ التي تعترف بالدولة الفلسطينية الجديدة .
نشطت بعض الوكالات الخاصة التركية في الربع الاخير من عام 1988 ‘ ابان الانتفاضة في الاراضي الفلسطنية المحتلة ‘ في مجال ارسال  عدد من العمال الاتراك للعمل باسرائيل بأُجور مجزية وذلك بهدف تقليل اعتماد اسرائيل على العمالة الفلسطينية . وقد قُدِّر عدد العمال الاتراك العاملين في اسرائيل حينها  3000 عامل .
في العام 1991 اظهرت تركيا تعاطفا مع الانتفاضة الفلسطينية في الاراضي المحتلة من خلال ارسال باخرة تحمل مئة طن من السكر في شباط \ فبراير ‘ وباخرة اخرى تحمل مساعدات مختلفة  في ايار \ مايو .
منذ عام 1991 بدا نشاط سياحي كثيف الى تركيا ‘ حيث زار تركيا في هذه السنة 6 الاف سائح ‘ ويحاول الكيان اليهودي حث مواطنيه ‘ عبر الدعاية المكثفة ‘ على السياحة في تركيا . وتجدر هنا الاشارة على ان السياحة الاسرائيلية الى تركيا اسهمت كثيرا في دعم الاقتصاد التركي ‘لاسيما في الاوقات الحرجة ‘ التي رافقها الغاء السفر السياحي للاوربيين  عامة والالمان بصورة خاصة لاسباب متعددة . وتركيا من طرفها استثنت الاسرائلين من رسوم التاشيرة ‘ تشجيعا لهم ‘ الامر الذي ‘ مع سواه من العوامل ‘ جعل عدد السواح الاسرائلين يصل عام 1997  الى 300 الف ويتوقع ان يصل الى 400 الف في عام 1998 .
في ايلول \ سبتمبر 1991 ‘ اقترح  شمعون بيريس معادلة للشرق الاوسط مفادها : اقامة سوق شرق اوسطية مشتركة ‘ يمكن ان تتم على اساس التكامل بين التكنلوجيا الاسرائيلية والاموال الخليجية والعمالية المصرية والمياه التركية .
في المرحلة التي تسلم "ترغوت اوزال" الحكم في تركيا ( 1984 – 1993 ) ‘ اخذ الاخير ينحو سياسة متوازنة لبلاده في الشرق الاوسط ‘ مستلهما المصالح التركية في المقام الاول  . فتركيا ‘ حسب رايه هي الدولة الوحيدة المؤهلة  بلعب دور قيادي في الشرق الاوسط . وبذل "أوزال" جهدا كبيرا لكي تصبح تركيا مثالا يتحدى به في هذه المنطقة وجدد "أوزال" طروحاته على اعقاب انطلاق قطار السلام في الشرق الاوسط في مدريد عام 1991 . الا ان ذلك لم يمنع بان تكون الزيارة الاولى لرئيس اسرائيلي الى تركيا في عهده ‘ فقد قام حاييم هرتزوغ في تموز \يوليو 1992 بزيارة اسطنبول. وبموت "أوزال" المفاجئ قدمت مرحلة جديدة في علاقات تركيا الشرق اوسطية .
الاتراك قادمون ‘ ويبدو ان اطماعهم لم تغفل لحظة واحدة عن سحر الشرق  . اما المتغير الوحيد فهو انهم سيدخلون المنطقة من باب اسرائيل . هذا الانذار المبكر الذي اطلقه الخبير الاستراتيجي العربي الدكتور "عبد الرحمن رشدي"  ان القوة العسكرية التركية تبحث عن عقد قران جديد مع اسرائيل يحقق لها حلم العودة الى سحر الشرق ودفئه . فهي تعد جزءا مهما من استراتجية حلف الشمال الاطلسي . والدور التركي ينطلق من مفهوم اعادة تشكيل المنطقة غلى فكرة " الشرق الاوسط " وليس " العالم العربي " ‘ ولهذا اختارت لها شريكا يتلائم مع اهدافها ومعاديا للعرب . وهذا المخطط يستهدف الغاء الكيان العربي وتجميده . وغاية اسرائيل هنا تحقيق حلم الصهيونية    " اسرائيل الكبرى " . . والعرب مشغولون .
وفي الاونة الاخيرة بعد ان بدأت العلاقات التركية مع اسرائيل تتحسن اثر اتفاقيات "كامب – ديفيد" وبعدها "غزة واريحا" ومن ثم اتفاقية الاردن مع اسرائيل "وادي عربة" واطروحات شمعون بيريز باقامة "شرق اوسط جديد" يكون فيه لاسرائيل حصة الاسد اخذت تتحسن لتحصل تركيا على حصتها من المشاريع الاقتصادية  التي ظنت انها ستغمر المنطقة ‘ هذا من جهة ‘ ومن جهة اخرى لتستطيع المؤسسة العسكرية التركية القيام بالدور المنوط بها في المنطقة وذلك بالتعاون مع اسرائيل بتشكيل حلف جديد شبيه بحلف " بغداد " . وفي هذه الاونة اخذت تتحسن صورة اليهودي في وسائط الاعلام التركي ‘ بعد ان كانت بين حين وآخر تفوح منها اخبار عن تعامل هذا اليهودي او ذاك مع احد اجهزة المخابرات التابعة لاسرائيل ‘ تترافق مع انتقادات عنيفة توجه اليهم حيث اخذ يعود اليوم الحديث عن الدور الوطني لليهود الاتراك في بناء الدولة التركية ومدى اخلاصهم وتفانيهم من اجل ذلك . ومن جهتها لم توفر وسائل الاعلام التابعة للوبي اليهودي الجهود من اجل اقناع الراي العام بالدور الوطني لليهود . فهذه صحيفة " شالوم " الناطقة باسم اليهود  في اسطنبول تشير على لسان احد محرريها الى اعتبار ان المجازر التي يتهم الارمن الاتراك القيام بها بانها مجرد " لغو وكلام " وانه " شئ لم يثبته التاريخ " . وهذا صحافي وكاتب اكاديمي هو "تشيتين يتكين" يحاول ان يظهر الدور الوطني الايجابي لليهود والمساندة للدولة والوطن ‘  على عكس ماهو عليه الامر في موقف الارمن واليونان الاتراك . يقول يتكين ان معظم اليهود ساندوا تركيا خلال الحرب العالمية الاولى واظهروا ان هذه الارض هي وطنهم. ويرى احد المؤرخين اليهود ان الانتصارات التي احرزتها الامبراطورية العثمانية على الدولة المسيحية هي " عقاب الهي " ‘ ان كان اليهود يعيشون  اوضاعا صعبة داخلها ‘ وان " الله اوكل للدولة العثمانية مهمة تحرير اليهود من الظلم المسيحي " .
تمثلت المرحلة الجديدة في سياسة تركيا بعد "أوزال" بقدوم سياسيين جدد يرون ان اسرائيل وتركيا سوية بمقدورهما لعب دور في الشرق الاوسط الجديد . وكان عراب هذا الدور هو "حكمت تشيتين"   وزير الخارجية التركي انذاك .
في 16 تموز \ يولية 1992 تجاوز كل من "اوزال" رئيس الجمهورية التركي ورئيس وزرائه "سليمان ديميرل" خلافاتهما وحظرا سوية حفلة اقامته الجالية اليهودية في قصر دولة باغجي في اسطنبول بمناسبة الذكرى ال 500 لقدوم اليهود من اسبانيا الى تركيا .
في نيسان \ ابريل 1993 ‘ قام وزير الخارجية الاسرائيلي " شمعون بيريز " بزيارة لتركيا اجتمع من خلالها مع كافة القادة الاتراك وطرح مسالة تزويد اسرائيل بالمياه التركية .
في ايلول \ سبتمبر ‘ 1993 وقعت تركيا اتفاقية مع اسرائيل تقضي بإقامة مجلس تجاري ثنائي من اجل مناخ افضل من التعاون بين الدولتين . وكان قد طُرِحَ في مجرى هذه الاتفاقية عدد من المشاريع المشتركة المقترح العمل بها ‘ منها تحسين طائرة روسية ومشروع ري في جنوب تركيا ومشاريع مشتركة في المواصلات السلكية والللا سلكية وفي حقول الطب والالكترونيات والزراعة والبيئة .
في خريف العام 1993 ‘ تم تبادل السفراء بين اسرائيل وتركيا ‘ اثر زيارة قام بها وزير الخارجية التركي "حكمت تشتين"  الى تل ابيب في ايلول \ سبتمبر من العم ذاته .
في كانون الثاني \ يناير 1994 ‘ زار الرئيس الاسرائيلي "حاييم وايزمن" انقرة  وكان لهذه الزيارة صدى كبير للجانب الاسرائيلي ‘ لدرجة ان دبلوماسيا في السفارة الاسرائيلية في انقرة وصف لقاء الرئيسين التركي والإسرائيلي وتحت العلمين الاسرائيلي والتركي ‘ بانه " مثل الحلم " ولم يتوقع احد ذلك قبل سنة .
في تشرين الثاني \ نوفمبر 1994  قامت "طانسو تشيلير"  رئيسة الوزراء التركية بزيارة اسرائيل وقعت خلالها اكثر مجموعة من الاتفاقيات السياحية والتجارية والعسكرية بين البلدين ‘ وشكلت خلال الزيارة لجان للتعاون الاستراتيجي بينهما . الا ان هذه الزيارة تعكرت بعض الشيء عندما قامت "تشيلير" بزيارة " قصر الشرق " ‘ اذا وصف رابين هذه الزيارة بانها تمرين غير عادي . وهنا شكك بوجود سبق تاريخي دبلوماسي لذلك . بان يقوم رئيس حكومة‘ يزور بلد صديق بدعوة رسمية ‘ بصورة مناقضة لراي مستضيقه بزيارة مكان هو موضوع خلاف سياسي حاد .
ارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا واسرائيل من 2, 187 مليون دولار في عام 1992 الى 304 مليون دولار عام 1994 .
في عام 1995 زار اسرائيل "بولند اجاويد" رئيس الحكومة التركية الاسبق ورئيسها في      ( 1999 ) ‘ وتحدث في هذه الزيارة عن اهمية العلاقة مع اسرائيل بقوله  : " ان تركيا بحاجة الى اسرائيل الامنة واسرائيل بحاجة الى تركيا الامنة " .
في 20 ايار \ مايو 1996 ‘ تعرض الرئيس التركي "سليمان ديميرل" لمحاولة اغتيال بهدف الاحتجاج على الاتفاق العسكري بين تركيا واسرائيل .
في اذار \ مارس 1996 ‘ قام  الرئيس التركي "سليمان ديميرل" بزيارة الى اسرائيل طرح خلالها مجموعة من قضايا التعاون المشترك ‘ ووضعت خلال هذه الزيارة اسس البنية التحتية للعلاقات الاقتصادية . ووقع الطرفان اربع اتفاقيات بهذا الشان . وكان "ديميرل" قد صرح قبل مغادرته انقرة متوحها الى تل ابيب قائلا : " نشات العلاقات بين تركيا واسرائيل منذ تاسيس اسرائيل عام 1948 ‘ واستمرت دون انقطاع . ونحن نعلق على اهمية توسيعها وتنوعيها لتشمل كافة الميادين " . اما الاتفاقيات الاربعة التي وقعت بن تركيا واسرائيل ‘ فقد شملت الجوانب التالية :
1 – التجارة الحرة .
2 – منع الازدواج الضريبي .
3 – تشجيع الاستثمارات بين البلدين وحمايتها .
4 – التعاون العلمي والتقني والصناعي .
وبفضل هذه الاتفاقيات شهدت السنوات الاخيرة اتفاقا متعاظما في التجارة والاعمال المشتركة بين البلدين .
قبيل انتصاره في الانتخابات ‘ وفي معرض اجابته عن سوال في سوريا ‘ الجارة الجنوبية لتركيا وموضوع المياه . قال "ارباكان" : " هدفنا الاساسي الذي اعلناه في الانتخابات الاخيرة هو تطوير علاقتنا مع الدول الاسلامية عموما والمجاورة خصوصا ‘ وتحقيق هدفنا الاسمى هو تاسيس وحدة اسلامية واتحاد لدول الاسلامية ‘ لانجد اي  موانع  حقيقية للعمل المشترك بين الدول الاسلامية . والمشاكل بين سوريا وتركيا تأتي في الاطار نفسه ‘ بينما حلها سهل . وعندما كنت في مدينة اورفا القريبة من الحدود السورية  سألني الناس ان كنت سأفتح الباب مع سوريا والعراق ‘ فقلت اننا لن نفتح الباب لأنه لن يكون هناك باب اصلا . نحن سنلغي الحدود بين البلدين ولن نكتفي بفتح باب واحد ". وفي جواب عن سؤال صحفي حول عملية السلام بين الدول العربية واسرائيل والسوق الشرق اوسطية  اجاب "ارباكان" :" نحن اولا مع السلام والتفاهم مع الجميع وبين الجميع ولكن لكي نصل الى خير المسلمين ‘ لا الى بيع اراضيهم التي روتها دماء شهدائهم . ونحن غير مقتنعين بأعمال ( الرئيس الفلسطيني ) ياسر عرفات ‘ فاتفاقاته لن تؤدي الى السلام . ثم اننا ‘ قبل كل شي ‘ لا نرضى بالقدس إلّا مدينة للمسلمين . لا يمكن ان نقبل بان تكون يوما عاصمة لليهود " .
في ايار \ مايو 1996 ‘ اقام حزب الرفاه موتمراً اسلاميا دعى اليه "محمد نزال" ممثل حركة ( حماس) الفلسطينية .
في نهاية حزيران \ يونيو 1996 ‘ وبعد تسلمه الحكومة "قال ارباكان" في معرض اجابته عن احد اسئلة الصحفين المتعلقة بعلاقات بلاده مع الدول العربية ‘ قائلا : " ان من مصلحة الدول العربية وصول الرفاه الى الحكم في تركيا ‘ وان الرفاه سيلغى الاتفاق العسكري مع اسرائيل . ونحن من اجل مصلحتنا الاستراتيجية في تركيا ‘ نحن بحاجة الى مصر قوية وسودان قوية وسورية قوية . ونحن على اتصال مستمر بهذه الحكومات وبيننا وبينها يجري حوار بناء " .
منذ الايام الاولى لتوليه السلطة ‘ عبر ارباكان عن امتعاضه الشديد من العلاقات بين تركيا واسرائيل ففي حديث له بين عدد من المسؤولين الاتراك عن اطماع اسرائيل في العالم العربي ‘ قال ان جزاء من هذه الاطماع يصل الى الاراضي التركية ‘ ملقيا مسؤولية الازمات في الشرق الاوسط عليها .
وقال ارباكان من خلال لقائه رئاسة الاركان العامة التركية ومسؤولين في وزارة الخارجية في 9 تموز \ يوليو 1996 ‘ ان " الخطين الازرقين فوق واسفل نجمة داود في علم اسرائيل هما رمزان ‘ يشير الاعلى منها الى نهر الفرات والاسفل الى نهر النيل ‘  وان اليهود حسب معتقداتهم يعتبرون هذه الحدود ‘ هي الحدود الطبيعية لدولتهم " .
في اب \ اغسطس 1996 ‘ برز جدل وتناقض في التوجيهات الاقليمية للشريكين في الائتلاف وعلى رسالة وجهها الرئيس السوري "حافظ الاسد" الى رئيس الوزراء التركي نجم الدين ارباكان يؤكد فيها برغبة سوريا بتوثيق العلاقات مع جارتها , رد "ارباكان" برغبة مماثلة لديه . في حين سارعت وزيرة الخارجية التركية "طانسو تشيللر" الى الاجتماع بسفير اسرائيل لتبحث معه سبل تطوير العلاقات بين البلديين , ولطمأنة  تل ابيب بان انقرة ملتزمة بالتوقيع على اتفاق التعاون الشامل في التكنلوجيا العسكرية في " فترة قصيرة " . وفي هذه الاثناء اكد "ارباكان" انه يولي شخصيا  " اهمية  خاصة " للتعاون الثلاثي بين تركيا وايران وسوريا فيما يتعلق بالعراق .
وفي معرض تخفيفه من حدة ردات الفعل العربية على الاتفاقات التي عقدتها تركيا مع اسرائيل ‘ وبهدف تعزيز التعاون الاقتصادي مع البلدان العربية ‘ قام "نجم الدين ارباكان" رئيس الوزراء التركي في 2 تشرين الاول \ اوكتوبر 1996 ‘ بزيارة الى كل من مصر وليبيا على راس وفد ضخم جدا وصل عدده الى " 700 " شخص ‘ بالاضافة الى اكثر من " 50 " صحفي واعلامي تركي . ونذكر هنا ان "ارباكان" قد وعد قبل وصوله الى رئاسة الحكومة ب : " تحرير البوسنة والشيشان والقدس " .
وفي 4 شباط \ فبراير 1997 ‘ ( اي في اليوم اللاحق لاحتفالات يوم القدس ) ‘ اقدم الجيش على انزال دباباته في محلة سنجان التي قام بها الاحتفال .
وفي هذه الاثناء استقبل "ارباكان" وزير خارجية اسرائيل ديفيد ليفي ‘ بعد ضغوط من المؤسسة العسكرية وتردد من طرفه . الا ان لهجة "ارباكان" كانت قاسية في حديثه مع "ديفيد ليفي"  حيث وجه اليه الحديث قائلا : " على اسرائيل ان تنسحب من الاراضي التي احتلتها منذ سنوات ويجب عليها ان تتخلى عن خططها الجديدة على بناء المستوطنات " وان القدس مدينة مقدسة ليس بالنسبة لليهود والمسيحيين فحسب ‘ وإنما للمسلمين ايضا " . " وان السيناريو وبعض الافكار المطروحة الان تزعج مليار مسلم " . وماكان من ليفي الذي كان مشدوها ‘ الا ان اجاب كما يجيب التلميذ المذنب معلمه : " ان اسرائيل كانت مخلصة لكل اتفاقيات السلام " . و " ان القدس لم تكن ابدا عاصمة لدولة اخرى " .
وفي تاريخ 11 ايار / مايو 1997 ‘ تظاهر مئات الالف من انصار حزب الرفاه في ميدان السلطان احمد . وقد قدر عدد المتظاهرين ب 300 الف شخص ملؤوا الميدان والشوارع المؤدية اليه . كما صدحت هتافات تقول  " هذه تركيا وليس اسرائيل " .
في 13 ايار / مايو 1997 ‘ اعلن رئيس الوزراء التركي "نجم الدين ارباكان" ان المناورات البحرية التي اعلن عنها بين تركيا واسرائل والولايات المتحدة " ارجئت الى السنوات المقبلة " . وجاء رد فعل المؤسسة العسكرية على لسان كبار ممثليها ان " المناورات لن تاجل " ‘ وايدتهم في ذلك وزيرة الخارجية التركية ‘ التي صرحت في 14 ايار / مايو على لسان الناطق الرسمي باسمها بان " خطط اجراء مناورات بحرية مشتركة مع اسرائيل ستمضي قدما رغم تصريحات لاربكان ‘ لمحّ فيها باحتمال تأجيلها " .
في النصف الاول من عام 1997 اهتمت الصحف التركية بالسفير الاسرائيلي "تسافي البلينغ" لدى انقرة ‘ لما له من شبكات واسعة من العلاقات الودية مع شخصيات في القيادة الامنية العسكرية التركية . وذلك في محاولة لمعرفة الموقف الاسرائلي الحقيقي لما يجري من صراع بين القيادتين  العسكرية والسياسية في تركيا ابان مرحلة حزب الرفاه بزعامة "نجم الدين ارباكان" الذي بدات تظهر بوادر عزله عن السلطة . وبسبب اهمية موقع ورأي هذا السفير فاننا نورد نص مقابلة صحفية معه .
في 10  كانون الاول / ديسمبر 1997 ‘ وجه الرئيس السوري "حافظ الاسد" انتقادا ضمنيا لتركيا بسسب تعاونها العسكري والسياسي مع اسرائيل ‘ وذلك اثناء الخطاب الذي القاه المؤتمر الاسلامي الذي عقد في طهران ‘ بحضور سليمان ديميرل رئيس الجمهورية التركية ‘ اذ قال : " .. تسعى اسرائيل لزعزعة الامن والاستقرار والتوسع في الاراضي وتشرد السكان في منطقة الشرق الاوسط.
ويخطئ كثيرا من يقع ضحية التضليل الاسرائيلي ‘ فيظن انه يحقق مكاسب من خلال التعاون الاقتصادي او العسكري او العلمي مع اسرائيل . لان اي تعاون تقيمه اسرائيل موظف لخدمة اهدافها في التوسع والهيمنة .
في بداية عام 1998 ‘ نشرت الصحيفة الاسرائلية "جودولان يبينان" ميزان التبادل التجاري بين اسرائيل وتركيا بين عامي 1990 و1997  (وذلك حسب النشرة الشهرية : ملفات استراتيجية  الصادرة عن دار الكنوز الادبية . بيروت ‘ العدد الثاني ‘ تشرين الثاني 1998 ) : 
السنة                                                    الصادرات بمليون دولار
1990                                                          5, 46
1991                                                          7, 78
1992                                                          1, 90
1993                                                          2, 80
1994                                                          1, 178
1995                                                          8, 239
1996                                                          6, 254
1997                                                          5, 391
 
اما قيمة الاستيراد التركي من اسرائيل  فقد بلغ مليون الدولارات غلى النحو التالي :
السنة                                                    حجم الصادرات 
1990                                                       5, 62
1991                                                       1, 78
1992                                                       1, 97
1993                                                       8, 121
1994                                                       9, 125
1995                                                       6, 166
1996                                                       1, 192
1997                                                       3, 229
في شباط /  فبراير 1998  زار رئيس الكنيست الاسرائيلي "داني تيخون" تركيا واستغرقت الزيارة عدة ايام ‘ بحث خلالها العلاقات السياسية والشعبية بين البلدين.
زار "اسماعيل جيم" وزير الخارجية التركي اسرائيل في 6 تموز / يوليو 1998 ‘ واستغرقت الزيارة 3 ايام ‘ اجتمع من خلالها مع رئيس الوزراء الاسرائيلي "نتنياهو" وزار نصب " ياد فاشيم " المقام " لضحايا المحارق النازية " .
في ايلول / سبتمبر 1998 ‘ قام "مسعود يلماز" رئيس الوزراء التركي بزيارة الى كل من الاردن واسرائيل ومناطق الحكم الذاتي الفلسطيني ‘ وذللك للبحث في تحويل نظام التعاون التركي – الاسرائيلي الراهن  الى نظام امن اقليمي ‘ وتاسسيس تعاون عسكري مع الاردن ايضا . وفي معرض زياراته صرح ان الحلف الثلاثي ( التركي . الاسرائيلي . الاردني ) قيد الاعلان ‘ وانه يجري التخطيط بين هذه الاطراف لمناورات بحرية ( انسانية ) جديدة في المتوسط .
في ظل التهديدات التي وجهتها تركيا لسوريا في السنوات اللاحقة اجتمع في لندن 21 تشرين الاول / اوكتوبر 1998 ‘ دبلوماسيون وخبراء كبار من كل من اسرائيل والاردن وتركيا للتباحث في علاقاتهم الجديدة  واوضحت رسائل مساندة من "نتينياهو" على الاحترام المتبادل للحاجات السياسية لكل دولة والفهم المتبادل للأولوية الممنوحة للأمن والحاجة الملحة لمحاربة الارهاب والحيلولة دون امتلاك انظمة الحكم المتعصبة لاسلحة غير تقليدية . اما الامير حسن فأكد على الحاجة " للنظر الى قضية الامن على نطاق اوسع يتضمن الاجراءات الامنية الهادئة واحترام كرامة الانسان والأبعاد الثقافية " في الشرق الاوسط . وتحدث "يلماظ" عن مبادرة بناءة للكشف عن مزيد من امكانات المنطقة واصر على ان " المؤتمر سيوضح ان هذه المبادرة ليست تحالفا عسكريا وانها غير موجهة ضد اي دولة " . ولكن لم يمنع السفير التركي او "سديم سانبيرك" من الهجوم على سوريا متهما دمشق بشن حرب غير معلنة على انقرة بتوفير المساعدة والمأوى لثوار حزب العمال الكردستاني الانفصالي
للحديث تتمة ...   ...
 
 
مراجع الدراسة
1 – العرب والفرات بين تركيا واسرائيل . عائدة العلي سري الدين . دار الافاق الجديدة – بيروت ‘ ط 1 ‘ 1997 .
2 – الطورانية التركية بين الاصولية والفاشية . جهاد صالح . دار الصداقة ‘ بيروت . ط1 
1987
3 – تركيا : بوابة استراتيجية  للامبريالية  العالمية . نديم البدكين . الحقيقة برس . ط1 1987 .
4 – الصراع السياسي في تركيا : الاحزاب السياسية والجيش . فلادمير دان لوف . ترجمة يوسف الجهماني . دار حوران . دمشق ‘ ط1 1998 .
5 – حزب الرفاه : الرهان على السلطة . الاسلام السياسي الجديد . يوسف الجهماني . دار حوران . دمشق . ط1 – 1997 .
6 – سارة : المراة التي هدمت الامبراطورية العثمانية . لطفي اكدوهان . ترجمة دار طلاس . دمشق . ط1 1995 .
7 – اليهود في البلدان الاسلامية ( 1850 – 1950 ) . تحرير : صموئيل اتينجر . ترجمة : د . جمال احمد الرفاعي . عالم المعرفة ‘ العدد 197 ‘ 1995 .
8 – مصطفى كمال " الذئب الاغبر " . ه . س . ارمسترونغ . سلسلة دار الهلال المصرية . القاهرة ‘ العدد 16 يوليو 1952 .
9 – الشرق الاوسط الجديد / شمعون بريز . ترجمة : محمد حلمي عبد الحليم . الاهلية للنشر والتوزيع . عمان . ط1 1994 .
10 – سجنجق الاسكندرون ( هاتاي ) . دراسة في العلاقات الفرنسية – التركية – السورية . افاريس . ك . سانجيان . طبع باشراف مركز دراسات والابحاث العسكرية . دمشق . 1980 .
11 – سوريا ولبنان فلسطين تحت الحكم التركي من الناحيتيين السياسية والتاريخية . بازيلي . ترجمة : د . يسر جابرود . منذر جابر . دار الحداثة . بيروت ط1 – 1988 .
12 – مجلة الفكر الاستيراتيجي العربي ‘ ارشيف 1991 – 1993 .
13 – مجلة الدراسات التاريخية . جامعة دمشق ‘ ارشيف 1985 – 1990 .
14 – مجلة معلومات دولية . دمشق ‘ 56 ‘ ربيع 1998 .
15 – مجلة معلومات ‘ بيروت – العدد 25 ‘ تموز 1996 .
16 – مجلة السياسية الدولية ‘ العدد 131 ‘ ملف السيا سة الدولية ( تركية صدام حضارات في بلد واحد ) ‘ كانون الثاني / يناير 1998 .
17 – مجلة شؤن تركية – مركز الدراسات الاستيراتيجية والبحوث والتوثيق – بيروت الاعداد ( 1- 15 ) من 1992 – 1994 .
18 – ارشيف مجلة الفكر العسكري ‘ دمشق 1990 – 1997 .
19 – ارشيف مجلة الارض ‘ دمشق : 1995 – 1997 .
20 – ارشيف مجلة الوسط ‘ لندن : 1995 – 1998 .
21 – ارشيف مجلة حوادث ‘ بيروت : 1996 – 1998 .
22 – ارشيف مجلة الشاهد ‘ بيروت : 1996 – 1998 .
23 – ارشيف صحيفة الحياة ‘ لندن : 1995 – 1998 .
24 – ارشيف صحيفة السفير ‘ بيروت : 1995 – 1998 .
25 – ارشيف صحيفة الثورة ‘ دمشق : 1996 – 1998 .
26 – ارشيف صحيفة تشرين ‘ دمشق: 1996 – 1998 .
27 – ارشيف صحيفة البعث ‘ دمشق : 1996 – 1998 .
28 – مجلة العربي . الكويت ‘ العدادان 473 و479 لعام 1998 .
29 – ارشيف صحيفة نداء الوطن : 1997 – 1998 .
30 – ارشيف صحيفة المحرر الاسبوعية  . نيورك : 1997 - 1998 .
31 – ارشيف صحيفة الكفاح العربي . بيروت : 1996 – 1998 .
32 – ارشيف صحيفة البيان . ابو ظبي : 1997 – 1998 .
33 – ارشيف صحيفة الاتحاد . ابو ظبي : 1996 – 1998 .
34 – ارشيف صحيفة القدس العربي . لندن : 1996 – 1998 .
35 – ارشيف صحيفة الاهرام . القاهرة : 1996 – 1998 .
36 – مجلة الثقافة العالمية . الكويت العدد 54 ‘ ايلول / سبتمبر 1992 .
 
 
 
 
 



69
أدب / أحلام أوراق الخريف
« في: 00:49 12/03/2013  »



أحلام أوراق الخريف

 
د.هاشم عبود الموسوي
 
 
" التجربة " هي الأسم الذي نطلقه على أخطائنا .
( أوسكار وايلد )
 
أهي الأرض التي نبكي عليها ؟
أوحلتها ، صاخباتٌ من دموعْ
برّأتني من حنيني
صار لا جدوى
بأن أبحث عن جدوى
كراع ٍ ...
مذ أضاع الكلأ المحروث ..
في برّية المرعى اليبوسْ
لم يجد صفصافةً تحنو عليه
طرقاتٌ ... طرقاتْ
لم تعد تعذرُ...
ما ضاع من العمر الطويل
و أنا ما عدت أأبهُ ..
أين ظلي سيموت
بأكف ٍ قُطِعتْ من نصلها
كيف لي أحمل نطفاتي
(بقايا من بذور)
هي ذي عيناي حافيةً...
بأرض ٍ واعره ْ
ملّت الأحلام ساقطة ً ...
كأوراق الخريف
أيحق ُ لي الآن  ...
بأن أضحكَ أم أبكي ...
على أوهام  أحلامٍ  ذوتْ
من ذلك الزمن البرئ ؟ .


70
أدب / دُعاء ْ
« في: 12:50 29/01/2012  »
دُعاء ْ
 
شعر: هاشم عبود الموسوي
 
ما عِدتُ أسألُ..
أين تختبأ النجوم ..
عندما يبزغ ضوءٌ في النهارْ ؟
ربما أكفرمن جَهلي ..
و يوجعني السؤالْ
أكان للأرض إبتكارٌ..
غير ذاكرة النخيلْ ؟
وغريزة ٌ في الكونِِ ِ..
أن ّ أبي و أمي ..
أوصيا ..
قبل المماتْ
" إياك أن تشرب خمراً ..
ليس من عنبٍ أصيلْ"
مُذ ذاك والشفراتُ ..
سرٌ في الوجودْ
وبحثت عن تلك التي ..
كانت بجينات النخيلْ
بعد يُتمي ِ وضياعي ..
أرضعتني خمرها
وهدتني للقطوف الدانيهْ
مثلما يجترُ عشب ٌ ..
لحفيف ٍ في السواقي
فطمتني من أحابيل النساءْ
فتذاوينا * بهذي الأرض ..
من أزلٍ الى أبدٍ سحيقْ
كان لي بذرة ُ شوق ٍ .. ٍ
كان منها شجرهْ
وفراديس حنانْ
إيه يا ظل كروم ٍ ونخيلْ
صار كل الكون بيتي
صرت أجتاح التخومْ
والنجوم السابحاتْ
فوق أحلام الغيومْ
فعرفت من أنا
والى أين يؤدي شوطنا
ليزور القمر المفتون فينا ..
بيتنا
لا تغاري ياحبيبهْ
من طيور ٍ..
نزلت تلقط حبا من زهوري
لم تجد ْ ..
غير هشيم ٍ من خريف ْ
أنت يا مؤنسة العمر ِ
ربيعي ْ
 
كوني سوري
وحبوري
ولجامات غروري
والى ما شاء ربي
صرت كل الكل عندي .
ودعائي أن أكنْ ..
في يوم  حشري
لست وحدي.
 
 التذاوت : من الذات ، حيث يحصل تفاعل متبادل بين ذاتين لفردين*
 
 

71
د. هاشم عبود الموسوي


في سبيل وضع خطة مدروسة للتسويق السياحي
في العراق بمساعدة أنظمة المعلومات

في الوقت الذي نحاول أن  ننفتح فيه على العالم، داعين إلى الاستثمار الإيجابي بأوسع صوره، وحيث يتوقع له أن يشهد بلدنا وفود أعداد هائلة من المستثمرين والسواح إليه، نجد أن التسويق السياحي لا زال متعثراً، وغير فاعل باستعمال نظم المعلومات في إدارة السياحة والترويج لها. ولا زال يواجه معوقات في تطبيق معطيات الثورة الرقمية التي عمّت العالم خيراً.
 
لا يمكن لنا، في بلداننا السائرة في طريق النمو، أن نتغاضى عن الدور الذي لعبته الثورة الرقمية – المتمثلة في المعلومات والاتصالات – في تغيير الكثير من المفاهيم الإدارية والتنموية والتسويقية، حيث أدخلت هذه التقنية في معظم أجهزة الإدارات الحكومية والمؤسسات العامة والخاصة، وعلى الأخص في تلك الأجهزة التي تقدم الخدمات العامة لكافة الناس، وقطاع السياحة هو أحد القطاعات الذي حظي بعناية كبيرة من قبل القطاعين العام والخاص في معظم البلدان الأجنبية، وأصبحت أجهزته لها اتصال مباشر من خلال شبكات الحاسوب وبقيت بلداننا العربية بدرجات متفاوتة تدخل إلى هذا المجال لكي تستفيد بشكلٍ أوسع من دور المعلومات في الترويج السياحي ومساعدة اقتصادها للنمو بخطى متسارعة.
 
لقد أصبح واضحاً في عالمنا اليوم بأنه من غير الممكن التفكير بأي تنمية عمرانية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية دون الاهتمام بشكلٍ مركز في القضايا المهتمة بأنظمة المعلومات ومواردها.
 
وفي مستهل هذه المقالة أود أن أشير الى تعريفات بعض المصطلحات المستخدمة فيها:
 
1. نظم المعلومات: تستخدم نُظم المعلومات جميع أنواع التكنولوجيا لتشغيل ومعالجة وتخزين ونقل المعلومات في شكل إلكتروني وهو ما يُعرف بتكنولوجيا المعلومات التي تشمل الحاسبات الآلية، ووسائل الاتصال وشبكات الربط. ويقوم نظام المعلومات بتشغيل البيانات وتقديمها للمستخدمين.
 
2. التسويق: هو عملية إدارية واجتماعية عن طريقها يتمكن الأفراد والجماعات من الحصول على ما يُشبع حاجاتهم ورغباتهم من خلال إنتاج وتبادل المنتجات والقيم مع الآخرين.
 
3. المسؤولية الاجتماعية للتسويق: تعني تحديد الحاجات والرغبات والاهتمامات الخاصة بالأسواق المستهدفة وتسليم المستوى المرغوب من إشباع بطريقة أكثر فعالية وكفاءة من المنافسين بحيث يؤدي ذلك إلى المحافظة على أو تقوية كل ما من شأنه رفاهية المجتمع.
 
4. الترويج: هو عبارة عن عملية اتصال مبرمجة وهادفة ترمي إلى إظهار المؤسسة أو أحد منتجاتها بصورة مقنعة لدى مختلف الأطراف التي يجري التعامل معها. عبر مختلف مراحل العملية التسويقية.
 
5. الترويج التقليدي للسياحة: وهي المطبوعات الفاخرة (كتيبات، وملصقات، والمشاركة في المعارض الدولية والإعلانات في وسائل الإعلام [الجرائد، المجلات، المحطات التلفزيونية).
 
6. الترويج الإلكتروني للسياحة: هو الذي يجمع مزايا كافة الوسائل التقليدية، والموقع الإلكتروني عبارة عن مطبوعة فاخرة، وهو في الوقت نفسه جناح إلكتروني مفتوح على العالم طوال العام، علاوة على أنه إعلان مجاني متاح على مدار الساعة، ما يؤمن وفورات يحصدها البديل الإلكتروني من كافة هذه الوسائل التقليدية
 
أهدف في هذه المقالة المتواضعة إلى التنبيه لضرورة دراسة التأثير الفاعل لنظم المعلومات على إدارة السياحة والترويج لها، بالإضافة إلى دراسة المعوقات التي تواجه وضعنا الراهن في تطبيق معطيات الثورة الرقمية.
 
وبذلك لابد من تثبيت أهمية نُظم المعلومات بشكلٍ عام كمدخل لتحقيق تطوير إداري وتنموي في قطاع السياحة. ومظاهر تطبيق نظم المعلومات في الأجهزة الإدارية لقطاع السياحة في المدن العراقية ، كما يجب علينا تشخيص المشكلات التي تواجه هذه الأجهزة في سبيل تطبيقها للمعلوماتية والمعوقات التي تعرقل نهضتنا الاقتصادية من خلال عدم تمكننا من الاستخدام الأمثل لتقنيات المعلوماتية في أجهزتنا الإدارية،
 
وفضلت أن أعرض بعض الفرضيات أمام المسؤولين آملا دراستها وتشخيص صحتها أو خطأها من أجل البدء بوضع المعالجات:
 
الفرضية الأولى: لا ترغب الدولة بتوسيع رقعة السياحة لأسباب اجتماعية أو دينية.. وبذلك تؤثر سلباً على مجال التسويق السياحي.
 
الفرضية الثانية: توجد الرغبة الحقيقية لدى الدولة لتوسيع مجال السياحة، إلا أن هنالك معوقات تحول دون تطور الإدارة الإلكترونية التي تساعد على مجال التسويق.
 
الفرضية الثالثة: مع التوسع في نظم المعلومات والاتصالات وسرعة التغيرات التكنولوجية سوف تتحسن بالتأكيد خدمات التسويق السياحي.
 
الفرضية الرابعة: لا تمتلك الجهات المختصة منظومة بيانات ومعلومات متطورة للأماكن التراثية والسياحية لعدم وجود المسوحات الميدانية والمصادر المعلوماتية والتي تساهم بها نظم المعلومات الجغرافية والتي يمكن عن طريقها تحديد المواقع المثلى للأنشطة السياحية والترفيهية.
 
:
و أرى على كل حال  أنه لابد للهيئات المتخصصة أن تبدأ أولا بوضع دراسة تجريبية لممناطق محددة كأن تكون مثلا
 
الحدود المكانية للدراسة حاليا في المناطق الدينية والتراثية و بعض المناطق السياحية (وبالأخص القائمة حاليا من اجل تأهيلها واعادة تسويقها بالشكل الأمثل).
 
ولتكن الحدود الزمنية للدراسة تتمثل في الفترة (2012 – 2015) ، وبعدها يتم وضع خطط خمسية تتوافق مع المعطيات الحالية لثورة المعلومات.
 
.
 
وهنا أريد أن أستعرض سلبيات بعض الدراسات  والتوجهات التي  اطلعت عليها واتبعتها بعض الدول العربية ، ولم تستطع تأدية الأهداف المرجوة منها :
 
1. بعض الدراسات التي أجريت والتوجهات التي انطلقت كانت قد ركّزت على الجانب الاقتصادي في العملية السياحية، ولم تتطرق بشكلٍ مركز إلى جانبها الثقافي والاجتماعي.
 
2. وقسمٌ من الدراسات كانت تؤكد على ناحية التنمية في المواقع التراثية من خلال جلب السواح إليها. وكان هذا يعني (التنمية فوق حماية المصادر الطبيعية).
 
3. وركّزت بعض الدراسات على الجماعة وجعلها أكثر أهمية من المفرد. بينما يجب أن تكون النظرة الجديدة تراعي أن الفرد أكثر أهمية من الجماعة.
 
المراجــــع:
 
. الموسوي، هاشم عبود وسنان، أبو القاسم علي والجبر، حيدر صلاح يعقوب، الإيجابيات البيئية للمدن الإلكترونية، بحث مقدم للندوة العلمية حول الإدارة الإلكترونية إيجابياتها وسلبياتها، طرابلس، الجماهيرية العظمى (8 – 9/11/2006).
 
. الموسوي، هاشم عبود وسنان، أبو القاسم علي والحـوات، مصطفى عثمان، نظم المعلومات وأثرها على تطوير السياحة والترويح لها في ظل الثورة الرقمية، بحث مقدم لندوة علمية حول الاتجاهات الحديثة في إدارة المصادر التراثية، مراكش، المملكة المغربية، (3 – 7/8/2008).
 
. الموسوي، هاشم عبود وعمر، سلامة عمر، معوقات تطور الإدارة الإلكترونية، بحث مقدم للندوة العلمية حول الإدارة الإلكترونية إيجابياتها وسلبياتها، طرابلس، الجماهيرية العظمى (8 – 9/11/2006).
 
. أبو بكر، فاتن أحمد، نظم الإدارة المفتوحة – ثورة الأعمال القادمة للقرن الحادي والعشرين، إيتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، 2001.
 
. الحديثي، عباس غالي، (أسس نظرية في التخطيط للخدمات الترفيهية) في كتاب الجيل الثالث ومستقبل المدن في ليبيا (تحرير) سعد خليل القزيري، مكتب العمارة للاستشارات الهندسية، بنغازي، ليبيا، 2006.
 
. الزوكة، محمد خميس، صناعة السياحة من المنظور الجغرافي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2005.
 
. الطائي، حميد، أصول صناعة السياحة، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2001.
 
. الطيب، سعيد صفي الدين، دراسات في جغرافية ليبيا السياحية، دار الكتب الوطنية، بنغازي، ليبيا، 2005.
 
. العبد، جلال إبراهيم والكردي، منال محمد، مقدمة في نظم المعلومات الإدارية: النظرية – الأدوات – التطبيقات، مطابع الدار الجامعية، الإسكندرية، 2000.
 
. القزيري، سعد خليل، التخطيط للتنمية السياحية في ليبيا، دار النهضة العربية، 2006.
 
. برهان، محمد نور، إدارة أنظمة المعلومات الحكومية – عناصر الاستراتيجيات والسياسات، "مترجم"، تقرير صادر عن دائرة التعاون الفني للتنمية بالأمم المتحدة، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، عمان، 1991.
 
. برهان، محمد نور، استخدامات الحاسبات الإلكترونية في الإدارة العامة في الدول العربية – نظرة تحليلية ومستقبلية، المنظمة العربية للعلوم الإدارية، عمان، 1985.
 
. توفيق، ماهر عبد العزيز، صناعة السياحة، دار زهران للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1996.
 
. درويش، إبراهيم، التنمية الإدارية، دار النهضة العربية، الطبعة الرابعة، القاهرة، 1982.
 
. عزيز، محمد الخزامي، نظم المعلومات الجغرافية – أساسيات وتطبيقات للجغرافيين، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004.
 
. عفيفي، أحمد كمال الدين ويوسف، وائل محمد، المدينة العربية في ظل الحكومة الإلكترونية، ندوة الحكومة الإلكترونية – الواقع والتحديات، مسقط، سلطنة عمان، مايو 2003.

72
سلسلة مقالات: هل يقرأون ما نكتب؟ وهل يفهمون ماذا نُريد
د.هاشم عبود الموسوي
المقال الرابع: الأقاليم واقتصادياتها، وتأثرها بالتخطيط الحضري والإقليمي

عندما يكون هنالك قبول مبدئي بوجود أقاليم تتمتع بإدارات ذاتية ضمن العراق الفدرالي الموحد، فلابد لنا أن نناقش بشيءٍ من التمعّن اقتصاديات هذه الأقاليم، وعلاقتها بالتخطيط الحضري والإقليمي وبالعلوم الأخرى، كعلم الاقتصاد، والنظرية الاقتصادية، وعلاقتها بالجغرافية، واستناداً إلى عنوان هذا المقال فإنني سأحاول أن أخوض في موضوع التخطيط الحضري والإقليمي وعلاقته باقتصاديات الأقاليم، وما هي التوجهات السليمة التي يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار، والتي قد تغيب عن بال بعض أصحاب القرار في العراق حالياً... خاصةً بعد الجدل الطويل الذي أُثير عن الميزانية المقسّمة إلى نسب 17 %،
و 83 % ... وحيث انطلقت التساؤلات عمّا تم تنفيذه في المناطق التي كان يجب أن تتمتع بنسبة 83 % .. خاصةً وأننا نسمع عن واردات حصل عليها العراق في السنتين الأخيرتين، بلغت 200 مليار دولار! .. وليكن .. ولكننا دعنا نبدأ بشكلٍ عقلاني من جديد..
لاشك وأن عملية ترشيد الهيكل الاقتصادي للأقاليم، ترتبط بنمو علاقات الإنتاج الرأسية والأفقية، حيث أن علاقات الإنتاج الرأسية تتم على مستوى فروع النشاط المختلفة، وتعمل على تحديد التوزيع النسبي للمواد الخام (ومنها النفط)، والطاقة، وعمليات التصنيع والإنتاج ذاتها والعلاقات الفنية والتكنولوجية على فروع الإنتاج المختلفة. أما علاقات الإنتاج الأفقية، فهي تعطي الصورة الواضحة لملامح النشاط الاقتصادي إقليمياً من حيث تقسيم العمل، والتخصص الإقليمي والعلاقات التبادلية بين الأقاليم على مستوى الدولة ككل. وهي تعكس في الواقع العلاقات الاقتصادية والاجتماعية على مستوى الأقاليم ومستوياته الأخرى مثل المحافظات أو البلديات والفرع البلدي والحي والقرية وما شابه ذلك، أو أنه تقسيمات أفقية أخرى يمكن أن تؤدي القطاعات الاقتصادية عليها دورها.
ويُساهم فهم اقتصاديات الأقاليم في رفع الاقتصاد الوطني، من خلال ترشيد استخدام الموارد الوطنية (موارد الدولة ككل). فكلما كان التنظيم الجذري مُرشّد، كلما مكّن ذلك من تحقيق أهداف التنمية على المستوى الوطني، بصورة أكثر كفاءة وفعالية. وهذا سيؤدي إلى ترشيد الهيكل الحيزي للأقاليم، الذي يعمل بدوره على اتساق اتجاهات التنمية مع أهدافها لكل وحدة إقليمية وللمجتمع ككل. من خلال التنسيق بين القطاعات الإنتاجية والخدمية بين مختلف الأقاليم (وليس على أساس التخطيط المنعزل والمتفرد للأقاليم). وذلك للعمل على تضييق الفجوة في مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين الأقاليم، إضافةً إلى المحافظة على البيئة التي تمثّل إحدى الأهداف الرئيسية للاهتمام باقتصاديات الأقاليم.
إن التنسيق المطلوب يؤدي إلى تحقيق توازن في النمو الاقتصادي والاجتماعي ضمن الحيز الجغرافي، مع الأخذ في الاعتبار التوزيع الإقليمي للنشاطات الإنتاجية والخدمية الذي عن طريقه يمكن تحقيق الظروف المُثلى لنمو الاقتصاد الوطني.
إن فكرة التخطيط الإقليمي أو تخطيط الأقاليم جاءت كاستجابة مباشرة لمبررات موضوعية استدعت الاهتمام بهذا النوع من التخطيط، وكوسيلة لحل العديد من المشاكل التي رافقت الصناعة في مختلف مناطق العالم، وخاصةً بعد قيام الثورة الصناعية. حيث يُلاحظ أن من بين أبرز نتائج هذه الثورة اتساع الفجوة بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية. فارتفاع معدلات التصنيع ساهم في خلق المدن الجديدة وتضخم حجم المدن القائمة. إضافةً إلى أن التقدم الصناعي واستخدام التكنولوجيا الحديثة أثّر في رفع الاجور ومستويات الدخول للعاملين في هذا النشاط قياساً بغيره من الأنشطة وخاصةً الأولية منها كالزراعة والرعي وغيرها. كل ذلك أدّى إلى خلق حالة من الازدواجية في الاقتصاد Duel Economy حيث يتواجد نشاط متقدم يتركّز في مناطق حضرية محددة ونشاط يتسم بالتخلف وانخفاض مستوى العائدات للعاملين فيه وهو ينتشر في المناطق الريفية.
فضلاً عن أن التركيز على آلية السوق أدّى إلى خلق ظروف معينة ساهمت في التأثير سلباً على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخاصةً ارتفاع معدل الكلفة للمشاريع التي تُقام في بعض المناطق وخاصةً تلك التي يصل مستوى تركز الأنشطة الاقتصادية فيها إلى درجات عالية. وبالمقابل وجود مناطق تتصف بالتبعثر السكاني الشديد مما ينتج عنه كذلك ارتفاع في معدلات تكاليف تطوير هذه المناطق. علاوةً على أن البيئة الجغرافية غير المتوازية والتي تنشأ بسبب حالات الاعتماد الكلي على آلية السوق تؤدي إلى خلق ظروف أخرى مثل زيادة معدلات التلوث والاختناقات في شبكات البناء التحتي والخدمات والتي من شأنها خلق ظروف غير مناسبة لجهود التنمية في مثل هذه المناطق.
لذلك ظهر الاهتمام بهذا النوع من التخطيط في معظم الدول باختلاف أنظمتها السياسية والاقتصادية سواءٌ كانت رأسمالية أو اشتراكية بغض النظر عن المرحلة الإنمائية التي تمر بها سواءٌ كانت متقدمة أو نامية، وفي كثيرٍ من دول العالم وخاصةً في دول اقتصاديات السوق Free Market Economy يكون التخطيط الإقليمي أكثر وضوحاً وإلزاماً من أنواع التخطيط الأخرى كالتخطيط الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوطني، حيث يتخذ أشكالاً عديدة كالتخطيط التأشيري أو التوجيهي الذي يتميّز بضعف الإلزام فيه. في حين أن التخطيط الإقليمي يتضمن سياسات ملزمة التنفيذ وخاصةً مجال استعمالات الأرض Land uses. إن ضرورة التخطيط الإقليمي يمكن أن تفهم من خلال حقيقة كون تجارب معظم الدول في مجال التنمية أظهرت بأن الركون إلى آلية السوق يؤدي إلى خلق اختلالات وحالة من اللاتوازن Imbalance في البنية الجغرافية تعمل على زيادة تركيز معدلات التنمية في مناطق محدودة، في حين أن المناطق الأخرى تكون في مستويات تنمية أقل من المناطق السابقة. وبمرور الزمن تزداد الفجوة في مستويات التنمية بين المناطق المتقدمة والأقل نمواً ضمن الدولة الواحدة. وهذا مما دفع واضعي سياسات التنمية Dicission makers إلى ضرورة الأخذ بمبدأ التخطيط الإقليمي لمعالجة مثل هذه المشاكل. حيث يركّز التخطيط الإقليمي على تنمية الأقاليم الريفية والمتخلفة على اعتبار أن حل مشاكل هذه المناطق يساهم في حل مشاكل المناطق الحضرية الناجمة عن ارتفاع معدلات الهجرة وعدم استيعاب المدن لها. بالإضافة إلى أن تنمية الأقاليم المتخلفة تعني إمكانية استغلال الموارد المحلية سواءٌ كانت بشرية أو مادية وخلق أنشطة اقتصادية جديدة. وعلى هذا الأساس ازداد الاهتمام بالتخطيط الإقليمي وخاصةً منذ النصف الثاني من القرن العشرين، حيث أنشئت المؤسسات العلمية الأكاديمية المتخصصة في حقل التخطيط الإقليمي والتي ساهمت في تطوير وإغناء هذا الأسلوب من التخطيط. كما تمّ إنشاء المؤسسات التخطيطية التي تضطلع بمهمة التخطيط الإقليمي ضمن أجهزة التخطيط المركزية وأجهزة الدولة الأخرى.
يُلاحظ على التخطيط الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوطني أنه يهتم بوضع السياسات والتنظيمات الخاصة بتسيير النشاط الاقتصادي لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية مرسومة للمجتمع مستقبلاً للوصول به إلى حالة مثلى. لكن التخطيط الاقتصادي وكما هو واضح لا يأخذ في اعتباره عنصر المكان، بل يتم فيه التركيز على النشاط الاقتصادي ضمن عنصر الزمن، وحيث أن عملية التنمية تتم في زمنٍ معين وعلى مكانٍ معين ومحدد، فإن تجاهل التخطيط الاقتصادي لعنصر المكان يؤدي بلا شك إلى قصورٍ في تحقيق أهداف المجتمع. فالتخطيط الاقتصادي كان ولا يزال يعطي اهتماماً هامشياً للبعد المكاني عند إعداد الخطط أو تنفيذها. وبالرغم من أن خطط التنمية الاقتصادية التي تعدها أجهزة التخطيط المركزية تتضمن بالضرورة مشاريع تقع ضمن الأقاليم أو البلديات والتي تساهم في تطوير اقتصادياتها وبالتالي تنمية اقتصاد الدولة، إلا أن التركيز ينصب في هذه الحالة عموماً نحو تحقيق الكفاءة الاقتصادية وتطوير القطاعات الاقتصادية أكثر من التأكيد نحو تطوير اقتصاديات الأقاليم. وبتعبيرٍ آخر يركّز المخطط القطاعي على تنظيم نواتج القطاعات والناتج المحلي والإجمالي، بينما يهتم التخطيط الإقليمي بزيادة كفاءة اقتصاديات الأقاليم والعمل على تقليل التباين في مستويات التنمية بين الأقاليم.
وبالرغم مما ذكرناه فإن هذا الموضوع يحتاج إلى تعمقٍ أكثر واستفاضة في البحث.. وأن معالجة الأهداف الإنمائية المكانية (ذات الطابع الجغرافي) وتحويلها إلى مؤشرات كمية أو برامج قابلة للتنفيذ تتطلب جهوداً كبيرة، ولفترة طويلة نسبياً، على أن تستند على أسس علمية سليمة تأخذ بالاعتبار المعايير الذاتية للمجتمع، وعدم الاعتماد على آلية السوق لوحدها.

73
المقال الثالث: هل من سبيل لتطوير مدينة تقانية في دولة العراق الأتحادية ؟
من أجل تعزيز متطلبات التنمية
    د. هاشم عبود الموسوي         
hashim_mo2002@yahoo.com

    تصنف الدول في العالم اليوم بالدول المتقدمة أو النامية (أو التي في طريق النمو) على أساس التطور العالمي والتكنولوجي الذي تستند إليه في إدارة وتنمية القطاعات المختلفة كالصناعة والزراعة والصحة والذي بدوره يعكس مستوى النمو الاقتصادي والاجتماعي لتلك الدول.
    ولمواكبة متطلبات العصر في ظل العولمة والتحديات الجديدة والتنمية المستدامة فإنه يتحتم على الدول النامية بوجه خاص تهيئة الظروف المناسبة والإمكانيات اللازمة لدفع عجلة التطور العلمي والتكنولوجي وإدخال ذلك في برامج التنمية الشاملة القريبة والبعيدة المدى، كأحد العوامل الرئيسية للانطلاق نحو الابتكار والإبداع التقني.
    ومن هذه المعطيات فإن إنشاء المدن التقانية وتطويرها على اختلاف أنواعها أصبح يمثل أهمية قصوى باعتبارها وسيلة فعالة في بناء وتحسين الصناعة وتعزيز متطلبات التنمية الأقتصادية وتطوير المستوى المعيشي لأفراد المجتمع، ومن أجل ذلك فإن تأسيس المدن التقانية ودعمها في الدول النامية والعناية بها وتوفير كافة الموارد الضرورية للتمويل وتأهيل الكوادر العلمية والفنية ذات الكفاءات العالية لإدارتها والإشراف على أنشطتها، يُعد مطلباً ضرورياً لتحقيق الأهداف المرجوة منها والتي على رأسها نقل وتوطين التقنية المتقدمة وخلق فرص عمل جديدة للمواطنين، كما أن جهداً من هذا النوع سيؤثر على زيادة التعاون في النشاط التجاري على المستوى القطري والإقليمي والدولي.
   
ولكي تنجح المدن التقانية في أداء الدور المناط بها على أكمل وجه فإنه لابد من أن ترتكز بنيتها التحتية على أسس وقواعد ثابتة تمكنها من الاستمرارية والنمو والتألق لمواجهة أي تحديات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.

التعريف بالمدن التقانية وأهميتها:-
    المدن التقانية (Technology Parks) هي عبارة عن منشآت تتوفر فيها الوسائل اللازمة، من كفاءات بشرية متخصصة وإمكانيات معملية خدمة لأغراضها وأهدافها التي من شأنها نقل المعرفة التقنية إلى الجامعات ومراكز الأبحاث وقطاعات الصناعة، لأحداث نهضة علمية وتقنية والاستفادة منها في إقامة وتطوير صناعات تقنية ذات عائد اقتصادي من شأنه المساهمة في تنمية المجتمع.
   
وهذه المدن لها دورها في تحسين الصناعات المحلية وتوطين الصناعات المتقدمة في العراق ، كما لها دورها أيضاً في النمو والتقدم الاقتصادي والاجتماعي على مستوى الإقليم ، ثم على مستوى الدولة الاتحادية.
 
    إن الفوائد التي نجنيها من إقامة المدن التقانية لا حصر لها ويمكن تلخيصها كالآتي:-
إرساء قاعدة فنية وتقنية تغذي المراكز البحثية والمؤسسات الصناعية على مُستوى الدولة الاتحادية.
تكوين شريحة جيدة من الأطر الوطنية المؤهلة فنياً والتي يحتاجها التطور الصناعي والاقتصادي بشكل كبير.
خلق جو علمي وتقني يساعد على الاعتماد على النفس ومنافسة الأخرين مما يسمح بالتعاون وتبادل الخبرات والمصالح على مستوى الند للند.
انتعاش المجتمع وتحسين معيشة الأفراد، والتغلب على البطالة من خلال إقامة المصانع والورش وغيرها من المؤسسات التي تحتاجها الدولة.
مواكبة التطور والتطلع إلى الأفضل في ظل توفير الاحتياجات المحلية وانطلاقاً منها إلى السوق الخارجي.
    وهكذا يمكن القول أن المدن التقانية بوجه عام ترسي المبادئ الأساسية للنمو والتقدم على المستويات الاجتماعية والاقتصادية سواء كان ذلك على المستويات القطرية أو الإقليمية أو الدولية.

متطلبات المدن التقنية   :                                   


    لقد أصبحت المدن التقانية هي إحدى الآليات الفعالة والضرورية للنهوض بالاقتصاد الوطني من خلال تطوير الصناعة وإحداث نهضة تنموية شاملة ترفع من مستوى معيشة الأفراد والمجتمعات.
    وإذا كانت الدول المتقدمة تولي هذا الجانب أهمية كبيرة، فإنه جدير بالدول النامية ومنها دولتنا الاتحادية وهي تتطلع إلى حياة أفضل، أن تتجه إلى إرساء الأسس الكفيلة بإنشاء المدن التقانية على أسس علمية تراعي الاحتياجات والمتطلبات بحيث يمكن لهذه المدن أن تؤتي الثمار والنتائج المطلوبة منها.
    وإذا كنا نعيش عصراً يزداد عولمة يوماً بعد يوم فإن الاتجاه إلى تكوين المدن التقانية يعتبر مطلباً جديراً بالتقدير والاهتمام.
    إن مؤسسات البحث العلمي على مستوى الجامعات والأكاديميات ومراكز البحوث وغيرها في حاجة ماسة إلى مصدر يغذيها خاصة في المجالات التقنية، وهنا تأتي أهمية المدن التقانية التي تتحمل المسؤولية فتوفر الاحتياجات التقنية اللازمة وتسعى إلى خلق بنية تحتية قادرة سواءً على المستوى البشري أو التقني فتكمل النقص أينما وجد وتجدد النشاط وتنمي الإنتاج وتسعى إلى تجويده.
    إن إقامة مدينة تقانية في إقليم آمن بالعراق، مطلب في غاية الأهمية، فهي التي تساعد على إنعاش الاقتصاد وتطويره، ومن خلال ذلك تسعى إلى توفير فرص العمل وتحارب البطالة، كما أنها تخلق كوادر فنية عالية المستوى يمكنها أن تضطلع بالدور التقني المطلوب منها، فتنافس بذلك المؤسسات الصناعية الخارجية من خلال تطوير الشركات الوطنية وربطها بالخارج فتجد مخرجاً للانخراط في السوق العالمي والاستفادة من التجارة العالمية وهذا ينعكس على الوطن والمواطن، فيرتفع مستوى المعيشة ويؤثر ذلك بشكل مباشر على الجوانب الصحية والتعليمية والبحثية التي تعتبر إحدى ركائز النمو والتنمية في أي بلد من البلدان.

74
سلسلة مقالات: هل يقرأون ما نكتب؟ وهل يفهمون ماذا نُريد؟
المقال الثاني: ماذا لو تشكّلت الوزارة الجديدة كلها من المستقلين
د.هاشم عبود الموسوي

بكل المقاييس وعلى كل المستويات نأمل أن نكون على أبواب مرحلة جديدة، وأمام وزارة جديدة، ولاشك وأن كل يائس يحمل في داخله أملاً مهما أحلكت بوجهه الأيام... نحن نحمل أحلاماً جديدة من خلال تجربة مريرة مررنا بها لمدة أكثر من أربع سنوات، والتي عشناها منتظرين أن نرى في نهاية النفق بصيصاً من الضوء. ولابد أن تكون هناك دروس مستفادة. إن إعادة تشكيل الوزارة قد تُمثّل مواجهة – إن أُريد لها أن تسير بالاتجاه الصحيح – ولابد أن تتسم الفترة التي تسبقها بالمصارحة الشديدة بين السلطة والشعب، وقد تُدرك السلطة مدى تجاوب الشارع معها، أو صدوده عنها. ويكتشف الشعب مدى إحساس السلطة بمسئوليتها الحقيقية تجاهه من عدمه. إن الفترة الصعبة التي مرّت على الشعب وضعت حقائقاً لابد بل من الضروري أن تعرفها السلطة، وقد اتضحت أمور كثيرة للشعب كان من الضروري أن يُدرك حقيقتها. والخلاصة أن السنة الأخيرة وضعت حقائق جديدة في المجتمع العراقي، على الحكومة أن تُدركها، وعلى الشعب أن يؤكدها في المرحلة القادمة بالرغم من تصور البعض وهماً بان عليه أن يُعارض ويضع العراقيل أمام هذه السلطة التي وُلدت بعملية قيصرية مُبسترة، في محاولة منه لتبديلها ومجيء سلطة يُعتقد بأنها ستُمثّل توجهاته الخاصة، والتي تتوافق مع تياره الذي يتبناه... وهذا ما يتصوره غيره أيضاً، برغم الخلافات والتناقضات بين كل المعارضين، والساعين إلى وضع العراقيل. أجزم بأن هذا سيوصلنا إلى مُعادلة من الدرجة التي تسمى (سابع المُستحيلات)، وتؤدي إلى بلورة كل التناقضات القامة، والتي لم نُجرّب لحد الآن حجمها، ومدى تحملنا لها، وتوصلنا إلى دائرة مغلقة من المتاهات التي تُفضي دائماً إلى متاهات جديدة لا حصر ولا عدّ لها. وقد نتجرع السيء منها ونقبله دفعاً لملاقاة ما هو أسوأ منها.. والذي قد يستحيل إلى وبالٍ غير منظور، وبعيد عن التصور .
من هذا المنطلق فإنني أرى بأن الواقع الموجود والملموس بالرغم من سلبياته العميقة، إلا أننا نستطيع أن نتعرف ونتبين على طبيعته، وننتقدها ونوضح مخاطره، ونقترح الحلول والبدائل له.
إننا لا نتوقع إجراء تغييرات مُفاجئة ومُثيرة، ولا نستطيع الوثوق بعد اليوم باليد الخفية السحرية. إلا أننا يجب آن نتعامل مع الواقع بكل مثالبه وإيجابياته.
كيف يمكن لنا أن نُخمّن الأضرار السياسية والتخبط وعدم الوضوح للواقع الحالي على المجتمع.. ومن خلال الزعل والانسحاب من اجتماعات مجلس الوزراء وتعطيل أعمال بعض الوزارات. وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه المشاكل الشائكة التي مرّ بها الشعب العراقي ولا زال يُعاني من الكثير منها... كل ذلك كان يجري بدفعٍ من القوائم المُقفلة التي دخلت إلى السلطة، والتي تُمثّل أحزاباً وتنظيمات سياسية تسعى إلى تعزيز مكاسبها دون اكتراثٍ بأي شيءٍ آخر... إن ارتباط الوزراء بتوجيهات تنظيماتهم التي ينتمون إليها – وهذا أمرٌ طبيعي- هو الذي عطّل الحياة السياسية وأوقف الكثير من المسارات كان يجب أن تُتّخذ ليستفاد منها أبناء الدولة الغنية (التي وُصف شعبها مؤخراً بالترتيب، بثالث شعبٍ محرومٍ من أبسط أساسيات الحياة)، وطالما بقى هؤلاء الوزراء يأتمرون بأوامر أحزابهم وتنظيماتهم السياسية ويجعلوا من وزارتهم مُقفلة إلا إلى لونٍ واحد من أطياف الحركات والتنظيمات السياسية أو الطائفية والعرقية، فإن المسألة ستبقى مُتعثّرة إلى ما لا نهاية. وتتوقف عجلة التقدم، وتتهيأ أسباب عدم وجود مسار مُستقر لا يُعيقه زعل هذا الوزير أو ذاك (وبالشكل المُخزي الذي عشناه في الفترة الأخيرة). بالرغم من قناعتي وتأكدي من وجود كثير من الأشخاص الأكفاء والمُخلصين ضمن تشكيلات هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية وهم قادرون فعلاً على القيام بواجبهم كوزراء على أحسن ما يُرام، لكنّ التوجيهات التي يأتمرون بها من أحزابهم سوف لا تنتهي، وستظل عائقاً يشل عمل الوزارة.
إلا أنني أتساءل، (ماذا لو أن البرلمان العراقي)، وبشيءٍ من الشهامة والشعور بالمسؤولية، وحسن النية، اقترح أن تكون كل المناصب الوزارية من المستقلين الغير مرتبطين بأي تنظيم سياسي، وممن يملكون الخبرة العالية في مجال تخصصهم – أنا وحدي لديّ أسماء أكثر من ألف عراقي يملكون هذه الصفة.
أتساءل أيضاً، كيف يمكن لنا أن نُخمّن الأضرار السياسية والاجتماعية التي تعرّض لها المجتمع من جراء مهاترات غير أخلاقية قامت بها التنظيمات السياسية طوال الفترة السابقة. وقد يمكن لنا أن نُحدّد كُلفة مرضٍ معين وهي (تساوي مثلاً كلفة العلاج في المستشفى مُضافاً إليها التعويضات). ولكن كيف يُمكن لنا أن نُحدّد كلفة الحياة المستقرة والسعيدة التي ننشدها، وقد فقدها الشعب بكافة مكوناته... من سيجلب للشعب المسرة؟
إن مصطلح (سؤال) بحد ذاته يبدو غريباً. ونحن نُفكّر بقيمة الحياة، ولكن هل يُمكن ترجمة هذه القيمة إلى كُلفة؟ إنه لأمرٌ ذميم أن نُقدّر قيمة الحياة بما قد يكسبه الشخص مالياً، حالياً أو في المستقبل، أو بأي معيارٍ آخر.
وهذا سؤالٌ أخير قد يكون لاذعاً، إلا أنّ به نوعٌ من الجدية: هل يُمكن لنا أن نسأل المجرم عن قيمة حياة ضحيته؟ بل هذا السؤال يجب أن يتوجه إلى الضحية نفسها... نعم وألف نعم لقد تم الإجرام بحق الشعب وخاصةً الفقراء من الفلاحين والعمال. لقد خسرت أكثر القوائم التي تجلس على سدة الحكم تعاطف قطاعات كثيرة من أبناء الشعب، ولم تنظر بنظرة فاحصة لأحوالهم.
ستواجه الوزارة الجديدة إن كانت نزيهة وحريصة على خدمة أبناء الشعب، مُشكلةً ذات شقين، فمن جهة ستجد بأنه لا يتوفر لها وقتٌ طويلٌ للتخلص من النكبات الكبرى التي يواجهها المجتمع ويتطلب منها إدخال إصلاحات جذرية سريعة بما يكفي لإنقاذ المجتمع من التفكك، ومن جهةٍ أخرى ألا يكون ذلك على حساب فرض قوانين تحد من الحريات أو تقلصها، وبالتالي ثمة بُعدان لهذه المهمة، توازي الحماس المتصاعد للديمقراطية والحرية وفي الوقت نفسه إنقاذ المجتمع من التفكك.
إن إعادة تجديد المجتمع وتطويره، وتنميته، وإعادة حيويته إليه، بعد أن أصابه التدهور... بالتأكيد ستكون ليست بالمهمة السهلة، ولا تزال لدينا الإرادة بأن نخلق لنا أوهاماً من التفاؤل ... ومن الله التوفيق.

75
سلسلة مقالات: هل يقرأون ما نكتب؟ وهل يفهمون ما نُريد؟
المقال الأول: نظرتان للتعليم في ضوء الظروف الراهنة التي يمر بها العراق
هاشم عبود الموسوي

نسمع بين الحين والآخر من قبل بعض السياسيين، وبعض التربويين في العراق، وهم يُعبّرون عن رغبتهم في ضرورة تبديل أو تطوير المناهج الدراسية، وهذا التوجه يُعتبر حقاً من المطالب الأساسية لتنشئة المجتمع التي نريدها لمستقبل بلادنا..
ومن المعروف أن نواتج تطوير التعليم سوف لا نحصد ثمارها بأقل من نصف عقدٍ من الزمان أو أكثر.. وأن هذا التطوير برغم أهميته ليس هو بمثل الإسعاف الفوري الذي يحتاجه المجتمع من أجل حل أزمات خانقة مثل البطالة والإجرام والفقر والمرض، والسكن في خيام للمهجرين.
في هذا المقال لا أريد أن أخوض في الممارسات والأخطاء والتجاوزات والعقليات التي ترى في نفسها، أنها هي التي تملك أن تكون هي فوق الكل لا لشيء، إنما لوجودها في أماكن وصلت إليها عن طريق القوائم المغلقة والانتساب إلى الكيانات السياسية. وهنالك مثلٌ صارخ على الممارسات اللامنطقية التي تصدر عنها... فقد صدرت أخيراً رزمة من القوانين الهامة عن مجلس البرلمان، يشوبها اللامبالاة وتفتقر إلى الدراسة العلمية الموضوعية، هذه القوانين الثلاثة التي تم التصويت عليها يوم الأربعاء الموافق 13/02/2008 مرةً واحدة (وكأنها قانون واحد) وكلٌ منها ذو طبيعة تختلف تماماً عن طبيعة القوانين الأخرى. لقد وضع إقرار هذه القوانين المواطن العراقي في حالة ذهول، أقول حالة من الذهول بل هول صدمة، لأن هذا الإقرار صدر بعيداً كل البعد عن النسق الذي تتخذه كل البرلمانات في العالم، بل يتنافى أيضاً مع الدستور الموضوع من قبل البرلمان العراقي الحالي بذاته.
لا أُريد في هذا المقال أن أحيد عن العنوان الذي وضعته له عن التعليم، وبرغم مرارة ما نراه من معاناة كثير من الأجهزة العامة من تخبط إداري يُعطي أحياناً مؤشراً عن وجود سوء نية فيمن يتولون هذه الأجهزة والإدارات والمصالح والتسميات الكثيرة التي وضعوها لأنفسهم، ومن ضمن هذه الأجهزة تبرز لنا الأجهزة التعليمية والتربوية بشكلٍ واضح.
إنّ التخطيط الهادف يرجع بالتأكيد بالفائدة إلى المواطن، والذي هو أثمن رأس مال وُجد على الأرض منذ بدء الخليقة.
وما دام التعليم يُعتبر من أهم البنى التحتية التي يعتمدها المجتمع في توجهه نحو مستقبله الحضاري، فعلينا أن نتريث قليلاً وأن ندرس التوجهات المطلوبة لمجتمعٍ مُنهكٍ يمر في مرحلةٍ انتقالية عصيبة.
هنالك مدرستان لهما توجهين مختلفين حول وظيفة التعليم:
ترى الأولى: أن التعليم المعاصر خاصةً في البلاد النامية يجب أن يتوجه لإعداد الطلاب لسوق العمل، ويختصر الكثير من البرامج والمناهج الثقافية التي هي في نظرها ضياع للجهد والوقت والمال، بينما ترى النظرية الثانية؛ أن التعليم يجب أن يُعدّ الإنسان مهنياًُ، ويُعدّه ثقافياً واجتماعياً لمجتمع المستقبل مجتمع العلم والتقنية والاتصالات والمعلومات والتواصل، وتعايش الحضارات والمجتمعات والشعوب.
وتجاه ذلك ظهرت خلافات واختلافات كبيرة ومتشعبة بين الداعين لربط التعليم بسوق العمل وبين الداعين لوظيفة حضارية واجتماعية وثقافية للنظام التعليمي بما في ذلك الإعداد لسوق العمل وفيما يلي موقف النظريتين:
* الوظيفة الاقتصادية للتعليم:
تتلخص هذه الوظيفة في رؤية مفادها أن الدولة خاصةً إذا كانت تموّل التعليم لا تسمح ميزانيتها وإمكاناتها بهدر الموارد المالية والبشرية لتعليمٍ يُخرّج أُناساً لا وظيفة لهم، ولا يُفيدون في دفع عجلة الاقتصاد إلى النمو والتقدم الاقتصادي، وخاصةً الجانب الإنتاجي منه، إضافةً إلى ذلك فإن أي تعليم لا يُخرّج فنيين ومتخصصين وقوى عاملة فنية ومؤهلة، هو تعليم أشبه ما يكون بتعليم العصور الوسطى الذي لا يحمل سوى تأكيد الجدل والنقاش ويخرّج فلاسفة ينظرون لواقع ولحياة بعيدة كل البعد عن الواقع والحياة. فالتعليم في قناعة هذه المدرسة لابد أن يؤكد البعد الاقتصادي والعمل، أي لابد أن يكون هناك ربط مُباشر بين التعليم وسوق العمل، فهناك مُعطيات اقتصادية واجتماعية تفرض أن يتخلص التعليم من أعبائه المتعددة، ويتجه بدلاً من ذلك إلى إعداد الطلاب لسوق العمل ومتطلبات نمو الاقتصاد وحركته في المجتمع، وموقف مثل هذا يتطلب إعادة النظر في النظام التعليمي وتخليصه من كثير من الوظائف الثقافية والفكرية والسياسية، وبدلاً من ذلك من الأجدى أن يتوجه النظام التعليمي لتخريج قوى عاملة مدرّبة ومؤهلة للعمل في مختلف ميادين الاقتصاد، وبحسب طبيعة الاقتصاد وحركته، وهذا لا شك يتطلب فيما يتطلب غربلة المناهج الدراسية من كثير من المواد الدراسية والبرامج التربوية ذات الطبيعة الفكرية والحضارية والثقافية، ويُصبح التعليم برمته في مثل هذه الظروف عبارة عن مدرسة مهنية وتقنية تُعدّ الطلاب للعمل والإنتاج دون رؤى فكرية وحضارية، ما عدا تأهيل الطالب ليكون عاملاً مُنتجاً في مركب صناعي مُعقّد، ولعل من مضامين هذا الموقف التقليل من قيمة الإعداد الحضاري والاجتماعي والثقافي للطالب في المدرسة، فهذه برامج حسب منطق هذه النظرية تُعتبر إضافية، وتُرهق ميزانية الدولة ولا جدوى منها، ولعل من أهم الآثار المترتبة عن هذا الموقف تأكيد جانب الإعداد والتأهيل المهني المرتبط بحركة الاقتصاد، وبغض النظر عن طبيعة هذا الإنسان الذي يُعد، فقد يُعد الطالب مهنياً وفنياً ليُسهم في صناعة أو زراعة، فالطالب إذن يُعد مهنياً لمستويات وأشكال مختلفة من الاقتصاد ليس بالضرورة أن تكون هذه المستويات الاقتصادية موجودة في وطنه أو مُحيطه المباشر، وهنا ربما تكمن وظيفة التعليم في إعداده لسوق العمل الإقليمية أو الدولية، خاصةً إذا لم تتوفر للخريج فرص العمل في بلده مباشرةً، وهذا ما يحدث الآن في كثيرٍ من البلدان العربية والإفريقية والآسيوية، حيث يتدرب الطلاب ويُعدّون لسوق عمل إقليمية وعالمية موجودة في الغرب بالدرجة الأولى أو يُعدّون لصناعات واستثمارات تملكها الشركات المتعددة الجنسية في أوطانهم وبلدانهم.
* الوظيفة الحضارية للتعليم:
تتلخص هذه الوظيفة في رؤية مختلفة إلى حدٍ كبير عن الأولى ولكنها لا تنفي الإعداد لسوق العمل، ومُنطلق هذه النظرية أن للتعليم وظيفة ودوراً أعم وأشمل وأكبر من تأهيل الإنسان للعمل، فالتعليم هنا لا ينفي سوق العمل ولكنه يؤكد ضرورة الاهتمام ببناء الجانب الحضاري والاجتماعي والثقافي في شخصية المتلقي للعلم، ويُعدّه للطموحات والآمال التي يسعى إليها المجتمع والعمل، والاقتصاد من بينها، ولكنه ليس المهمة الأولى للتعليم، فوظيفة التعليم الأساسية هي بناء عقل الإنسان، وتأكيد ما يُعرف بتكوين رأس المال العقلي والثقافي، ويأتي العمل وسوق العمل تباعاً، فالإنسان المؤهل عقلياً وفكرياًُ وحضارياً يُصبح أيضاً قادراً على العمل، فالمهمة الأولى للتعليم هي إعداد عقل الإنسان حضارياً وعلمياً بحسب توجهات المجتمع، وإذا ما أُعدّ الإنسان بهذه الطريقة يُصبح قادراً على العمل، والبحث عن عمل، بل وخلق العمل لنفسه ولغيره من أبناء وطنه، فقدراته العقلية والاجتماعية التي بناها النظام التعليمي تُعدّه وتؤهله للعمل بمختلف أنواعه وأشكاله، وهذا الموقف يتطلب إعداد مناهج دراسية وبرامج مختلفة ومتنوعة تستجيب للوظائف والأدوار المتعددة للتعليم في البناء الحضاري والاجتماعي والثقافي في المجتمع، كما أن هذا الموقف يُحذَر من تحويل التعليم إلى دورٍ أشبه ما يكون بالدور الذي قام به التعليم في منظومة الدول الاشتراكية في القرن الماضي، والذي كان من ضمن الأخطاء التي اُحتسبت على ممارسات هذه المنظومة، أي تحويل الإنسان إلى ترسٍ في آلة ميكانيكية مُعقّدة يدور في فلكها، دون أن يكون لديه مشاعر الانتماء وعواطف الحضارة والثقافة، وإذا ما حدث هذا فيحذر أصحاب هذا الموقف من اغتراب الإنسان عن ذاته وتكون مشاعر اللاانتماء التي تؤدي في حد ذاتها إلى مشكلات اجتماعية ونفسية ووجدانية، فالأمر إذن يتطلب في نظر هذه المدرسة أن يُحرّر الإنسان من مستوى الآلة وأداة الإنتاج ويُعدّ كإنسان أولاً وعامل ومنتج ثانياً، فهو قبل هذا وذاك كائن حضاري وثقافي يُسهم التعليم بدرجة كبيرة في إعداده وتكوينه لهذا الدور والمكانة في المجتمع الإنساني مهما كلّف ذلك من أموال وجهود، ويرد الكثير من الباحثين ارتفاع معدلات الجريمة، وكثرة الأمراض النفسية والعصبية والعقلية في المجتمعات الغربية إلى غياب الدور الحضاري والروحي للتعليم، فالتعليم لم يعد يهتم كثيراً بالجوانب الأخلاقية في الإنسان، بل انصب اهتمامه على تكوين آلة بشرية تعمل فقط، دون أن تُحسّ أو تشعر أو تُفكّر إلا في عالمها اليومي المحدود، ومن هنا بدأت تنمو في أواخر القرن الماضي مُعطيات الصراع الحضاري والاعتداءات العسكرية على المجتمعات الضعيفة، بل ظهر مفكرون وعلماء يدعون للحرب والصراع الحضاري، فهنا نحن أمام منعطف تاريخي كبير: هل نُعدّ المتعلم ليكون عاملاً، حتى ولو كان عمله هو تدمير الآخرين؟ أم نُعدّ المتعلم ليكون عاملاً وإنساناً يشعر ويُحسّ بما يشعر ويُحسّ به الآخرون؟ وبالتالي إذا ما أُعد كإنسان يتردد كثيراً في تدمير الآخرين والاعتداء عليهم، فالإعداد للعمل من واجبات النظام التعليمي، ولكن لابد من أن يكون هذا العمل مرتبطاً بفلسفة وحضارة وثقافة ونظرة إنسانية تُميّز البشر عن الكائنات الأخرى في العالم.
* التعليم بين الإعداد لسوق العمل والبناء الحضاري:
وإزاء هذين الموقفين السابقين يحتد الخلاف والاختلاف، وعلى مُخططي التعليم في بلادنا أن يتخذوا موقفاً واضحاً حتى يمكن أن ينعكس ذلك على التعليم ويوجّهه في طريقٍ دون آخر، إنّ من أهم مشاكل التعليم الآن أنه يفتقد إلى التوجيه والرؤى الواضحة، فهل هو تعليم يُعدّ لسوق العمل؟ أم هو تعليم يُعدّ لمشروع حضاري وثقافي بما في ذلك الإعداد لسوق العمل، ودون اتخاذ أي موقف شخصي؟ فالتعليم لا يزال يُحاول أن يجمع بين الوظيفتين الحضارية "تكوين المواطن لمجتمع المستقبل" والاقتصادية "الإعداد لسوق العمل"، ولم يُهيّئ فلسفته ومؤسساته لأيٍ من الوظيفتين بطريقة فعّالة وواضحة وهذا ما يُربك المخططين والمسؤولين عن تسيير التعليم بمختلف مستوياته، ولذلك فمن الضروري تطوير وإصلاح التعليم بتحديد فلسفة ورؤى واضحة لدور ووظيفة التعليم في هذه المرحلة من حياة المجتمع العراقي وتطوره، ومهما كانت المواقف والفلسفات، فالتعليم في المجتمع العراقي المنشود يجب أن يجمع بين الوظيفتين والدورين، دور بناء الحضارة ودور بناء الاقتصاد (الإعداد لسوق العمل) في آنٍ واحد، وقد لا تسع صفحات جريدة الموقع للدخول في التفاصيل المترتبة عن أي موقف أو وظيفة للتعليم، إلا أن الإعداد لسوق العمل يتطلب خطوات من أهمها:
* تحديد فلسفة الاقتصاد وأهدافه في المديين القريب والبعيد.
* تحديد طبيعة سوق العمل وحجمه واحتياجاته الكمية والنوعية في فترة زمنية معينة.
* تحريك هيكل الاقتصاد بحيث ينمو الاقتصاد، وبحيث يؤدي هذا النمو إلى فتح فرص عمل جديدة تتطلب قوى عاملة جديدة وخبرات متنوعة، وعلى أساسها تُصمّم البرامج التعليمية وتتنوع وتتعدد، وتُعدّل المناهج الدراسة ويُعد المعلمون والكتب التعليمية لذلك.
* إضفاء الكثير من المرونة على القوانين الاقتصادية، وخاصةً القوانين المرتبطة بالمشروعات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، فإن ذلك من شأنه أن يُحرّك الدورة الاقتصادية ويخلق حاجة إلى أيدٍ عاملة جديدة، وهذه الأيدي العاملة الجديدة يُعدّها التعليم، والتعليم التقني والفني بصفةٍ خاصة. فإذا كان الاقتصاد راكداً وجامداً، فمعنى ذلك أن فرص العمل والشغل هي الأخرى راكدة وغير متجددة، فكلما تحركت الدورة الاقتصادية وازداد الاقتصاد إنتاجية وحركية تكوّن طلبٌ على الأيدي العاملة، وهذا بالضرورة يؤدي إلى تطوير وتنويع برامج التعليم لتستجيب للطلب على الأيدي العاملة.. فأي حديثٍ عن دور التعليم في الإعداد لسوق العمل أو تغيير برامج التعليم لتواكب سوق العمل لا معنى له إذا كان الاقتصاد راكداً وجامداً وغير منتج، بل أن ذلك يخلق هوةً واسعةً بين مؤسسات تعليمية تُخرّج طلاباً وبين مؤسسات اقتصادية ليست في حاجة إلى قوى عاملة جديدة، فالموقف يكمن وصفه بعد ذلك بوضع إنسان في الشارع يجد جميع الأبواب أمامه مُقفلة لا يستقبله أو يُساعده أحد، فيُصبح الإنسان هنا في موقف اغتراب ولا مبالاة وهامشية، وهنا تتقاذفه الرياح والعواصف والصدف لتدفع به إلى عالم مجهول لا ندري ماذا يحدث فيه!! خصائصه الأساسية البطالة والإحباط، والتذمر، هذه الخصائص التي تولد في ذاتها سلسلة من المشكلات الاجتماعية والاغتراب عن المجتمع، هذا إضافة إلى الهدر الاقتصادي والجهد والوقت الذي صُرف لإعداد طالب في المدرسة لسنوات طويلة يُحاول دون جدوى أن يجد عملاً.
  ومهما كانت وظائف التعليم حضارية أو اقتصادية فإن الوضع يتطلب تكاثف جهود المخطط الاقتصادي، والمخطط التربوي، فالمخطط الاقتصادي يجب أن تكون صورة سوق العمل أمامه واضحة من ناحيتي الكم والكيف ولو بشكلٍ تقريبي، والمخطط التربوي بعد ذلك يرسم ويحدد البرامج التعليمية والتدريبية التي تُعد الخريجين الذين يمكن أن يشغلوا الوظائف والأعمال التي حدّدها المخطط الاقتصادي، إن من أصعب المشاكل وأكبر التحديات التي يمكن أن تواجه السياسات التعليمية أن لا تعرف لأي شيء تُعد الطالب، هل تُعدّه لسوق عمل محددة المعالم والطلبات أم تعده أي الطالب بشكلٍ عام وعليه بعد التخرج أن يبحث عن عملٍ مناسب دون أن تتدخل الدولة أو تلتزم بإيجاد عملٍ لهذا الخريج؟ تلك مشكلةٌ عويصة لا تواجه التعليم العراقي فقط، بل تواجه معظم الأنظمة التعليمية في البلاد العربية بل في كل البلدان النامية، وتزداد هذه المشكلة تعقيداً وصعوبةً بالنظر إلى أن معظم البلاد النامية بما في ذلك البلاد العربية ترفع شعار: ديمقراطية التعليم وتكافؤ الفرص التعليمية أمام الجميع، وستظل هذه العقبة من مشكلات التعليم الرئيسية في البلاد النامية خاصة بالنظر إلى الطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم والرغبة الملحة في التنمية، واعتبار توفير التعليم من عناصر التنمية البشرية المستدامة في القرن الحادي والعشرين.
* متغيرات مهمة في العلاقة بين التعليم وسوق العمل.
لكي يقوم التعليم بدوره المرغوب في إعداد المتعلمين لسوق العمل، فلابد أن تكون لدى المخططين التربويين صورة واضحة ودقيقة عن المسائل الاقتصادية التالية في المجتمع، وهي:
* فلسفة الاقتصاد.
* أهداف القطاعات الاقتصادية.
* حجم سوق العمل وتطوره وخصائصه.   
* مستوى التدريب والتقنية والآلات المستخدمة في سوق العمل.
* توفر البيانات الكمية والكيفية عن سوق العمل (وهذا يتطلب جهازاً مركزياً لجمع المعلومات عن سوق العمل).
* ميادين سوق العمل ومجالاته التي تحتاج إلى أيدٍ عاملة.
* ميادين سوق العمل المشبعة والتي لا تزال في حاجة إلى أعداد كبيرة من الأيدي العاملة.
* نمو الاقتصاد والاستثمارات في المجالات والميادين المختلفة.
* طبيعة الاقتصاد والميادين المفتوحة للأيدي العاملة والميادين المكتظة أو المشبعة بالأيدي العاملة.
* درجة ارتباط سوق العمل بالاقتصاد الإقليمية والعالمي.
* البطالة والتشغيل في سوق العمل.
* نوعية المشروعات الاقتصادية ونوعية الاستثمارات.
* بحوث التنمية والتطوير.
* دور القطاع العام والقطاع الخاص في التنمية.
* التدريب والتأهيل وإعادة التأهيل لسوق العمل.
* التطلعات الاجتماعية للقوى العاملة والخصائص الديمغرافية لسوق العمل.
* القيم الاجتماعية المرتبطة بالعمل وسوق العمل.
* المجال الجغرافي لسوق العمل.
* فروق الجنس (الرجال والنساء) في سوق العمل.
* الفروق الريفية الحضرية وسوق العمل.
* الاستثمارات الأجنبية وسوق العمل.
* المتابعة والتقييم المستمر لحركة سوق العمل.
* الاتجاهات والميول الفردية نحو العمل وسوق العمل.
* قدرة المؤسسات التعليمية على مواكبة التغيرات الاقتصادية وما يتبعها من تغيرات في الطلب على الأيدي العاملة.
* علاقة الاقتصاد الوطني بالاقتصاد العالمي:
- هل هي علاقة تكاملية؟.
- هل هي علاقة تنافسية؟ أو لا علاقات على الإطلاق؟.
وأخيراً وبعد هذه الدراسة المستفيضة عن مدرستي التعليم، أود أن أدعو الأخوة في البرلمان العراقي أن يزوروا إحدى المدارس الغارقة في الأوحال والمياه الآسنة، وأن يجلسوا فيها لمدة خمس دقائق فقط. وأسألهم بكل وضوح، أليست المدرسة كالمسجد، ومنبراً من منابر العلم، ومشعلاً من مشاعل النور... لربما تكون الصور التي سوف يُشاهدونها، أبلغ من الكلام... وللحديث بقية.

76
اللغة والجهاد وجهل القتلة
د.هاشم عبود الموسوي
hashim_mo2002@yahoo.com

    من منا (نحن متوسطي الثقافة باللغة العربية) لم يتلعثم عندما يقرأ بعض الكلمات في الآيات والسور القرآنية، متحيراً بين الكسر أو الضم، أو الفتح فوق أو تحت حروفها (وكل حالة من هذه الحالات لها معانيها ومدلولاتها المختلفة) (ومن منا يستطيع أن يفسر الآيات القرآنية بدون لبس أو غموض) وذلك ليس بسبب نقص ثقافتنا العامة، وإنما يرجع ذلك إلى أن اللغة التي كُتب فيها هذا الكتاب، وهي تملك اسمى صور السحر البلاغي قد خاطبت شعباً كان يمتلك الفصاحة اللغوية، وحتى من لم يتعلم الكتابة منهم كان يستطيع آنذاك أن يفهم ويتحدث بنفس الفصاحة.
    ومرّت علينا قرون من الزمن، وتعددت اللهجات، وبدأ المسار الحرج عندما التقى الأميّ (الجاهل بأبسط معاني وقواعد اللغة العربية الفصحة) عندما التقى بابات وسور قرآنية ذات حبكة لغوية مُعجزية، وذات سحر بلاغي يصعب أحياناً على بعض أستذة اللغة التمييز بين مدلولاته، فقد تكون هنالك كلمات لها سحرها عند البعض وفق فهمه لها، ولكنها تمثل كوابيساً عند الآخرين، وقد تعني عند البعض الآخر، بأنها لا تعني أي شيء يذكر.
    ومن هذه الكلمات، تبرز لدينا كلمة الجهاد، والتي سأحاول أن أتحدث عنها في هذا المقال، والتي يفهمها بعض المسلمين بشكل مبتسر ففي الجزيرة العربية أو جنوب ووسط وغرب العراق أو في شمال افريقيا (في البلدان التي كانت تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي، وفرض عليها تعلم اللغة الفرنسية بالقوة)، وفي بلدان إسلامية أخرى (عربية أو أعجمية) كل هؤلاء وقد وقع الجور عليهم لسنين طويلة من الاضطهاد سواءً من داخل بلدانهم أو بسبب السيطرة الامبريالية على بلدانهم .. وعادوا في صحوة صوفية، ليواجهوا واقعهم المرير بالتدين والمنهجية السلفية، حتى وأن كان ذلك دون فهم واضح لمنهجيات ورؤى الموروث الديني، وذلك للهروب من الواقع المرير الذي هم فيه، واصبحوا ينظرون إلى الدين على أنه قضية وطنية تمس حياة كل الناس والتبست عليهم معاني ومفاهيم الدين.
    جلست مرة في مسجدٍ بإحدى الدول العربية لاستمع إلى خطبة الجمعة، فإذا بإمام المسجد ينهي خطبته بدعاء هذا نصه الحرفي.. ((اللهم أهلك اليهود والنصارى، وشتت جمعهم، ويتم أطفالهم ورمل نساءهم و..و...)) وكل جميع الحاضرين يؤمن على دعاء الشيخ الأمام.. ذهبت بفكري بعيداً وتصورت أن هذه الدعوات تتكرر منذ أمد بعيد وقد تفنن الأئمة في تشطير الدعوات بالهلاك والدمار، والفناء.. وتصورت بفكري وأنا في المسجد إنني أجلس في كنيس يهودي فوجدت حاخاما يدعو لإبادة العرب "لأنهم يسعون لإبادة اليهود حسب زعمه.. وقد خرجت من الكنيس اليهودي مهرولاً، فلقيت قسيساً يتلو صلواته التي في ظاهرها الرحمة.. وقد واجهني بابتسامة لم أتبين معناها .. فأين"الجهاد"؟ ومن المجاهد؟
    إننا ندري جميعاً بأن رسول الله (ص) كان يحاور اليهود والنصارى، وكفار العرب، وكان يجادلهم بالتي هي أحسن، فكيف يكون جهاداً ما نراه من أحداث؟ وهل كل الأرواح التي أزهقت في تفجيرات قطارات اسبانيا، ومترو لندن وأحياء بغداد وأسواق ومدارس وميادين المدن العراقية، هل كانت أرواح هؤلاء الناس كلها شريرة.
    وحتى ضحايا تفجيرات نيويورك وواشنطن، وكيف يقبل الناس أن يكون جهادك في قتلهم؟
    يموت الغير فتدخل أنت الجنة تحت مظلة "الجهاد" ولماذا يرتبط "الجهاد" بالموت في اذهان البعض رغم أنه حياة .. فالجهاد إحياء.. لا دمار في الجهاد، لا غدر في الجهاد، وقد يكون لا مباغتة فيه أيضاً... فهذه أشياء لم تكن هدفا للجهاد..
    فالجهاد انتصار واضح للحق، ودعوة للحياة، ونعرف أن الغزوات والفتوحات دعوة لدين الله أو جزية .. ثم يأتي بعد ذلك القتال، وقد فرض وهو كُرهٌ لكم.
    والجهاد طريق للخير، لا أشواك فيه ولا أهواء .. وهو علم بذاته .. وأولى أساساته، عدم الاقتداء بما يفعل الخصم.
    فحتى وأن بطر الخصم نجد أنه من عفى وأصلح فأجره على الله.
    للجهاد أوجه كثيرة وأقلها الاقتتال، فمغالبة النفس جهاد.. ومحاربة الفساد جهاد.. وحماية البيئة جهاد.. والحرص على الأمانة جهاد.. والدعوة لدين الله بالموعظة الحسنة جهاد.. وحب الآخرين جهاد.. والدفاع عن الحياة من خطر الموت جهاد.. والمعاملة الحسنة جهاد.. ومنها معاملة الوالدين ..ففيهما جهاد.. والجنوح للسلم جهاد.. والتقية جهاد.. والاضطرار جهاد ومقاومة الأمراض جهاد، والقضاء على الجهل والفقر جهاد.. واحترام الجار القريب والبعيد جهاد، وكل سكان الأرض جيران، هكذا هو فقه الواقع، أو الفقه الشامل.
    كل إنسان على الأرض يهمه "الجهاد" فلاحق لأحد أن يدعي أنه يجاهد دون غيره.
    إن عمارة الأرض، وإقامة العدل، وإنصاف المظلوم، ومكافحة الفقر والجهل هو جهاد من الدرجة الأولى.
    إنني أقول لهؤلاء الجهلة، إذا أصبحت شهوة القتل لديكم هي دينكم ((فلكم دينكم ولي دين))
    لم يكن هدف الدين هو منح السعادة والهناء في الآخرة وسحق وإذلال الناس في هذا العالم.
    يبقى السؤال المحير: لمن نكتب؟ ولماذا نكتب؟ أنظل نكتب في صحف ومواقع الشبكة العالمية، لاناس لا يقرأون ولا يكتبون؟ ومن يوصل إليهم صوتنا؟ أم هل نستكين ونقبل بالواقع البغيض، وقد ضجت قبورنا بضحايا هؤلاء الجهلة؟ وخيام البؤس تتجدى إرادتنا، وتطعن كرامتنا.
    إن كل خيمة تُنصب لمهجر في بلاده وفي الأراضي الموحلة، هي وصمة عار في جبيننا .. لقد تخلى بعض الناس عن أحلامهم الكبيرة في أن يكون لم وطنناً حراً سعيداً يفخرون به.
    وشغلهم عنها حلم واحد صغير جداً، هو أنهم كيف يستطيعوا أن يبقوا على قيد الحياة.
    بما يخص عنوان هذا المقال أستسمح القراء عذراً بأن أنشر إليهم رسالة شخصية وعائلية وصلتني قبل أكثر من أسبوعين، وقد تريثت بنشرها أو الكتابة عنها، ريثما أكون قد تخلصت من حزني وغضبي.. أني أنشرها بدون تعليق عليها :
 

العم العزيز أبو صارم المحترم
السلام عليكم ورحمــة الله وبركاته
أتقدم لكم بأزكى التبريكات القلبية بمناسبة السنة الميلادية وكذلك السنة الهجرية الجديدة داعين المولى القدير أن يجعل كل أيامكم مليئة بالافراح والمسرات والاستقرار وتحقيق كل الاماني انه سميع مجيب.
أرجو أن تكون أخباركم طيبة فقد انقطعت عنا منذ فترة وكذلك أخبار صبا والاولاد . أما عن أخبارنا فنحن بخير ولله الحمد ولكن توجد أخبار سيئة جدا عن أخي أمجد فقد حدث حادث بشع لعائلته عندما كان في البصرة حيث جلب عائلته معه من بغداد لزيارة الوالدين ولقضاء فترة عيد الاضحى في البصرة وفي ليلة العيد ذهب أمجد مع عائلته الى العشار لشراء هدايا العيد وفي العشار ذهبوا إلى نزهة في شط العرب وبعد العودة من النزهة وعندما كانوا يعبرون شارع الكورنيش للوصول الى سيارته المتواجدة في الجهة الأخرى وأثناء العبور جاء أحد المجرمين على دراجة بخارية (الماطورسيكل) وبسرعة جنونية متجهة على اسرته وعند إقترابه من أسرة أمجد , قام المجرم برفع التاير الأمامي للدراجة البخارية للأعلى فضرب زوجة أمجد (أم أيمن) برأسها فطارت في الهواء ثم وقعت وداس فوقها فماتت في الحال (إلى رحمة الله تعالى) حيث قد انفتح دماغها وتناثر في الشارع وقد ضرب ابنته (زينب) التي طارت هي الأخرى من أثر الضربة الى الجهة الثانية في الشارع وكانت هنالك سيارة قادمة ولم ينتبه صاحبها الى الطفلة زينب التي اصبحت امامه وقد  دهستها بالعجلات الأمامية ثم بالعجلات الخلفية ولكنها لم تمت ولله الحمد وقد أصيبت أصابات بالغة ومنها كسر في عظمتي اليد وخمسة كسور في عظم الفخذ وكسور في الكاحل واصابة في الرأس وخلع في مفصل الكتف وجروح وسحجات متعددة. وقد نامت في المستشفى التعليمي في البصرة واجرى لها عدة عمليات وإخبارها حاليا جيدة ومستقرة إن شاء الله تعالى. وحاليا أخذها أمجد الى بغداد حيث ان عمله هناك إضافة الى أن ابنه أيمن لديه امتحانات في بغداد وبأن بناته يسألن عن أمهم حيث لا يعرفون بأنها قد توفيت لغاية الان وهنالك في بغداد توجد خالات الاولاد وأجدادهم مما يخفف عليهم الوحشة قليلا . أما امجد فقد أنفجع كثيرا وأغتم كثيرا والمشكلة ان في ساعة الحادث لم يكن معه أحد وقد استنجد بالناس لمساعدته في رفع زوجته من الأرض والذهاب بها للمستشفى لكن الناس المتجمعين حوله رفضوا جميعا وقد رفعها بنفسه ووضعها في السيارة ووضع رأسها في حضن أولاده المصابين والمفجوعين من الصدمة وقد ذهب بها للمستشفى التعليمي ليفاجأ بأن الأطباء والممرضين يرفضون فحص المرحومة بحجة انها ميتة ولا تحتاج الى فحص أو إسعاف وأنهم مشغولين وأيضا أخبروه بأن عليه هو أن يلفها بالغطاء ويأخذها بنفسه الى ثلاجة الموتى وعند وصوله الى الثلاجة رفض المعين أن يدخلها وأخبر امجد ان يدخل بنفسه الى الثلاجة ويدبر مكان لها في داخله بأية وضعية يرغب بها. والحقيقة أن الأخلاق تغيرت كثيرا كثيرا نتيجة الظروف والأزمات وأصبح الأخ في العراق وللأسف لا يفكر بنجدة ومساعدة أخيه .
أما الوالدين فقد صدما بالأخبار السوداء وهم يرون زوجة ابنهم تتوفى امامهم وكذلك حادثة حفيدتهم والمآسي التي تلت نتيجة الحادث فقد أغتمت الوالدة كثيرا ومرضت مرضا شديدا وهاج القولون لديها وهي أصلا مصابة بمرض القولون المتقرح وكذلك الضغط والسكر والمعدة والصداع النصفى والكآبة وهي لا تنام منذ اكثر من أسبوعين. أما الوالد فأصبح طريح الفراش في الفترة الماضية ولا يسيطر على البول لذلك وضعوا له صوندة للإدرار، أما الآن فهو أحسن ولله الحمد ولكن حالته الصحية والنفسية غير مستقرة.
هذه هي أخبارنا ونسأل الله سبحانه وتعالى اللطف والرحمة والتوبة وفي الختام ندعو الله تعالى أن يحفظكم جميعا من كل مكروه وأن يمنحكم موفور الصحة والراحة والأمان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                                        المخـــــلص : أسعد سعيد الموسوي

77
نداءٌ عاجل
أنقذوا نصب الحرية .. أنقذوا الراية
هاشم عبود الموسوي(*)

أيها الشرفاء من العراقيين.. أيها الأحرار في كل العالم .. أيها المثقفون العراقيون.. أيها العلماء.. أيها المهندسون، أيها المخلصون لوطنهم من المسؤولين في كل الهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية.. أناديكم وأتوسل إليكم.. أنقذوا الراية التي تحملونها في ساحة المعركة.. أنقذوا نصب الحرية في بغداد.. فهو آخر ما تبقّى لكم إن كنتم تحبون بغداد. بغداد التي نزعت خمارها، واستباح كبريائها أقذر من في الأرض.
نصب الحرية أهم من المنطقة الخضراء، وأقدس من قُدس الأقداس.. أنقذوا سيدة مدن العالم، أبقوا رمزها حياً.. إذا سقطت الراية من أيدينا، فكلنا خاسرون.
يا أيها الشعراء.. يا من تغنيتم بأمجاد بغداد.. أشهروا أصواتكم هذه المرة.. من أجل رمز وجودكم.. برأوا ذمتكم.. مدن العالم تناديكم.. رموز المدن العريقة تناديكم، وتستصرخ ضمائركم...
برج إيفل في باريس، ونافورة جنيف، وأكروبولس أثينا، وجامعة موسكو، وتمثال الحرية في نيويورك، وساعة بيج بين في لندن، وكنيسة الذكرى في برلين... كلها تناديكم، أن أبقوا على رمز تراثكم، وعصارة حضارتكم.
نصب الحرية في بغداد، هو النخلة المُسمّرة في مدينتنا، وهو بوابة عشتار، وهو مسلة حمورابي، وهو جدارية انتصارات أور وبابل وأشور، وهو الميديّة الجبلية تلبس حلتها الجميلة، لتعلن انتمائها... هو البوصلة، وهو القبلة التي نتوجه إليها عندما نعود من كل المنافي  ومدن الضياع، حالمين أن تكون صلاتنا الأولى في ساحة التحرير، وأمام محراب بغداد... عند أقدام نصب الحرية.
اللهم اشهد أني قد بلّغت.

78
"اللوحة المعقدة"
اسم الدولة، وعلمها، وشعارها، ونشيدها الوطني
هاشم عبود الموسوي(*)
تتناول الأوساط السياسية ووسائل الإعلام هذه الأيام حواراً متأزماً حول مسألة تبديل العلم العراقي أو الإبقاء عليه. أجزم بأن هذا الحوار يدور بين طرفين لا يجمعهما أي درجة من الالتقاء (وقد يتم الالتقاء بشكلٍ كارثي وتساومي). فالأول يتطلع إلى الإبقاء عليه تيمناً بذكريات فترة سابقة يتصور أنها كانت تمثل قمة النهوض التأريخي والحضاري للوطن، متجاهلاً تأريخ اعتماد هذا العلم في عام 1963 وما رافق ذلك من أحداثٍ مأساوية، أحدثت شرخاً عميقاً في وجدان واجتماعية الإنسان العراقي في ذلك العام. والثاني يتبنى سياسة ردود الأفعال، ويُريد أن يُبدّله بأي شكلٍ من الأشكال ولو على سبيل التغيير فقط أو إثبات الوجود، ويتجاهل أن هذا الموضوع (العَلَم) مثل غيره من الرموز والدلالات عميقة التأثير في نفسية المجتمع كالنشيد الوطني والشعار الجمهوري، والتي يجب أن توضع لها الدراسات المركزة من قبل جمهرة من المفكرين وعلماء التأريخ والاجتماع والسياسيين المحنكين والمثقفين والفنانين... وغيرهم.
وفي تقديري بأن هذه الحالة وإن كانت تحدث اليوم بين المتنافسين على السلطة حالياً في العراق، إلا أنها تعكس أوضاع شؤون أخرى يمر بها وطننا لا تقل أهمية عن الرموز والدلالات الوطنية التي نتحدث عنها.. والتي يتم البت بها أحياناً بشكلٍ متسرع، وقد يؤدي إلى المساس حتى بالسيادة الوطنية، وتخديش بعض مقوماتها النهضوية، من هنا تأتي هذه المساهمة في شكل خلاصات، آملاً أن تساعد في إذكاء حوار بناء لا يتبنى أي إقصاء أو تهميش للرأي الآخر. وقد يكون من المناسب التأكيد على حقيقتين أساسيتين:
الحقيقة الأولى: أن النداءات الصادرة من المفكرين العراقيين، منذ أربع سنوات لم يتم الاستماع إليه، والتي كانت تنادي بضرورة وضع دراسات وتصاميم للعلم والنشيد الوطني، والشعار الجمهوري، بعد المنعطف التبديلي الذي تمّ في بداية عام 2003، وإنما تم الاهتمام بمناقشة ووضع قوانين لمواضيع كان يمكن تأجيلها، وأعتقد بأن ذلك التأجيل بشأن هذه المقومات كان يجري لتغطية الخلافات بين التيارات السياسية المكونة للسلطة. وإن ظهور هذا الموضوع بشكلٍ مُفاجئ ومُتسرع تسهيلاً لإجراءات انعقاد مؤتمر في إقليم كردستان هو أزمة بحد ذاته، وأن البت بالإبقاء على العلم مع هذه التزويقات السطحية والبدائية والغير مدروسة سيؤدي ذلك في المستقبل إلى أزمة أكبر.
والحقيقة الثانية: إن تجاهل رؤية الخلل والتزمت بإلصاق بطولات وهمية وقعت تحت ظل هذا العلم (وهي لم تكن كذلك كانقلاب شباط الأسود، وضرب كافة القوى الوطنية، يساريين وقوميين ومتدينين، وحتى العقائديين من البعثيين الشرفاء، والدخول في حروبٍ طاحنة فقدنا من خلالها الملايين من أبناء شعبنا وتوقيع اتفاقية الجزائر الجائرة. وضرب الجنوب والشمال بكافة الأسلحة التدميرية. وتحطيم الاقتصاد والمعنوية العراقية وانكسارها، وأخيراً استدراج القوى الإمبريالية لدخول العراق، تحت ذريعة الجهاد الواهية). نقول إن تجاهل رؤية الخلل يُشكّل حتماً تربة صالحة لنمو حالة التأزم الراهنة.
وإنني ما زلت مُتيقناً من أن المواضيع والمقومات الواردة في عنوان هذا المقال كلها تُعاني من خللٍ واضح أو خفي، وتحتاج إلى مراجعة جذرية ومتأنية إذا ما أُريد لهذا البلد أن يصحو من كبوته ويرافق ركب العالم المتحضر، حيث أن بقاء هذه الرموز والدلالات الوطنية على هذا الحال أو البت بها بشكلٍ متسرّع وغير مدروس سيُساهم في استراتيجية العدوان الموجّهة ضد العراق بشكلٍ مُركّز من قوى عالمية وإقليمية ومحلية.
فلنبدأ أولاً بالنشيد الوطني، والذي يُنشَد دائماً من قبل مواطني البلد نفسه بأعمارهم المختلفة وبمناسباتهم المختلفة الوطنية، والاجتماعية، والرياضية وغيرها، لذا لابد أن يكون مكتوباً بلغة ومفردات سهلة الفهم، عميقة التأثير في نفوس المُنشدين، ويتمتع نظمه بموسيقية عالية، يُساعد على الأداء والحفظ السريع، ولابد أن يحتوي في مضمونه على المآثر الإيجابية التي يتمتع بها الشعب والمشاعر الوطنية، وحب البلاد، ونذكر مرةً أخرى بأن محتوى النشيد قد لا يهم شعوب أخرى ولا يؤثر وقعه فيها، وإنما ينفرد تأثيره وأداءه والحماس له بذات الشعب صاحب هذا النشيد.
أما الشعار، والذي يتم تقديمه كتصميم يُتّخذ فيما بعد كَرَمزٍ ودلالةٍ عن بلدٍ ما.. وهذا ما يشترك بالتأثر به كلٌ من الشعب داخل البلاد والشعوب الأخرى خارجه. حيث يحتاج من مصممه إلى الفهم العميق، والنسب فيه تعتبر دلالات رياضية، ترتبط بالحجم ودرجة الوضوح، وعدد المفردات المكونة للتصميم، والتنغيم الذي يؤدي إلى الافتتان بإنشائه الرياضي والهندسي، على أن يتم التوجه بتصميمه باتجاهين: الأول محدد إنشائي ووظيفي، والثاني تعبيري، على ألا يكون بينهما تعارض، وهذا ما تم التوصل إليه من خلال تصميم الفنان العراقي الكبير، المرحوم جواد سليم في تصميمه لشعار الجمهورية في عام 1958.
وأما العَلَم والذي يُرفع داخل البلاد وخارجها، على مباني المؤسسات العامة بأنواعها المختلفة، وعلى مباني السفارات والقنصليات خارج البلاد، وكذلك من قبل الوفود الرسمية التي تمثل البلاد في مختلف اللقاءات والندوات والمؤتمرات.
وأنا أميل للجزم بأنه يجب أن يؤثر في محتوى تصميمه ومفرداته وألوانه بالشعوب الأخرى بنسبة أعلى مما يتوجب عليه من تأثيره في داخل البلاد. وكلما كانت مُفرداته مختصرة وأحياناً متكررة (مثل النجوم في داخل العَلّم)، كلما كان أكثر وقعاً. وهو يعتمد على وضوح أشياء ثلاثة فيه، ألا وهي: الفكرة، والشكل، واللون.
وإن الاختزال والتجريد يجب أن يتوفران بشكلٍ كبيرٍ لاختصار كثير من المفاهيم التي تخص الوطن، وتدل عليه من النظرة الأولى، حتى وإن كانت نقطة الرصد للشخص الرائي من مسافة بعيدة، لا سيما وأن الأعلام في الغالب ستكون مثبتة في أعالي المباني الرسمية الخاصة بالدولة بداخل البلاد وخارجها.
وإن الإغراق في إضافة جزئيات له لتُعبّر على سبيل المثال عن مكونات مذهبية أو عرقية للمجتمع، لا يدل إلا على التشويش الدلالي لدى المُشاهد، وتحتاج إلى شرحٍ مفصل مرافق لكل علمٍ يوضع جنبه للتعرف على جُزئياته، وهذا لا يتوفر في الغالب لأي مُشاهد. فعلى سبيل المثال فإن الاتحاد السوفيتي (السابق) أو يوغسلافيا السابقة كانت هاتان الدولتان مكونتان من جمهوريات متعددة مختلفة في تأريخها ولغاتها وأديانها، إلا أن أعلامها الرامزة إلى وحدتها كانت بسيطة ومُعبّرة عن النظام الذي حكمها لعشرات السنين. وكذلك الأمر بالنسبة لعلم الولايات المتحدة الأمريكية المكونة من عددٍ كبيرٍ من الولايات، لا يمثلها سوى عدد النجوم في العلم.
وإذا عُدنا إلى الرمزية اللونية، فنجد بأن اللون له دلالات رمزية ومشاعرية لدى كل شعب أو قومية بشكلٍ متباين، فمثلاً نجد بأن كل أعلام دول أفريقيا السوداء تحتوي على اللون الأصفر، ويرمز لدى شعوب هذه البلدان، كلون للغنى (لون الذهب). بينما لدى العرب كان يُمثّل لون المرض (كالسل واليرقان)، فلذلك لا نجد علماً واحداً يُمثّل دولةً عربيةً يحتوي على اللون الأصفر. كما يُمثّل هذا اللون لدى بعض الشعوب المتأثرة بديانات قديمة (النار المشتعلة)، والتي كانت تعبدها بعض الشعوب، ولها تأثيرٌ روحيٌ مغروس فيها. وهكذا فإن الألوان لها تأثيراتها السيكولوجية، واستعمالها في الأعلام إذا لم يتم دراسته مفاهيمياً وكذلك انسجامياً (من بين كل الألوان المكونة للعَلَم)، فإن ذلك سيكون مَبعثاً للتشويش الذي يفهمه المواطنون ولا يعرفه الآخرون، فمثلاً لا يُفيدنا أن نُذكَر الناس الآخرين خارج وطننا بأن بلادنا كانت تُمجد الأمويين والعباسيين والعلويين والأندلسيين والفاطميين وغيرهم من خلال العَلَم (هذه العهود مرّت وأبقت تأثيرها المعنوي فينا)، وما فائدة أن يعرف الأجنبي ذلك.. المطلوب أن يعلم المشاهد للعلم برمزٍ بسيط بأن هذا العلم يُمثّل دولةً جديدةً على سبيل المثال تُسمّى (دولة الذهب الأسود) رمزاً للنفط الذي يعني الغنى كمرتكز اقتصادي تعتمد عليه الدولة المعنية، ويمكن أن تستعمل خارطة الوطن (بدون تفاصيل داخلية) في داخل العلم لتمثل الشمولية لكل مكونات الشعب كما هو موجود في علم قبرص، والبرازيل. ويمكن أن يكون لون الخريطة باللون الأسود (كناية إلى أرض السواد). وأخيراً فإن العلم هو شيءٌ آخر ليس كالنشيد الوطني، ولا يتحمل بُقعاً لونية مختلفة أو حتى كتابات دلالية بألوان مختلفة لا تؤدي إلا إلى تثبيت الشعور بالفرقة بين مكونات متنافرة لا يجمعها جامع، وعلى سبيل الذكر فإن مرور الشعب العراقي بمحنة كبيرة مرّت عليه في فترة محددة من تأريخه الطويل الذي يمتد إلى سبعة آلاف سنة أدّت بالحاكم المتجبر وبشكلٍ انفعالي ليكتب بخط يده عبارة (الله أكبر) على العَلَم، وقد أضاف لجهله باللغة همزة على حرف الألف في لفظ الجلالة، وصارت الأعلام كلها تحتوي على هذه الجملة بخط يده، وبالتأكيد فإن كل مسلم مؤمن يُردّد هذه العبارة عشرات المرات يومياً أثناء الصلوات وبينها، فلماذا نكتبها له على العلم، ولماذا نكتبها أيضاً للآخرين، ومن المعلوم لغوياً بأن كتابة الهمزة تظهر في الكلمات كهمزة متوسطة أو همزة آخرية، أما الهمزة الأولية، فهي في الغالب همزة وصل. ولم نجد في أي كتابٍ ديني أو تأريخي بأن حرف الألف في لفظ الجلالة كان مكتوباً بالهمزة. ولكن علماء وأساتذة اللغة العربية في العراق وعلى كثرتهم (وهم معذورون في ذلك) لم يتجرأ واحدٌ منهم حتى على سبيل التنويه أو الإشارة إلى خطأ كتابة لفظ الجلالة بالهمزة (لأن من خطّ هذه العبارة وهو صاحب الأسماء التسعة والتسعين التي ألصقها بنفسه مُتمثلاً برب العالمين) كان بيده كل شيء وعلى الجميع يتوجب السمع والطاعة فقط، واليوم يتخوف القادة داخل السلطة العراقية من بعضهم البعض، ولا يتجرأ أي واحدٍ منهم على التفكير بإزالة هذه العبارة، لأنها موجودة أصلاً في قلوب المؤمنين ولا داعي لكتابتها على العلم. وتم من البعض اقتراح كتابتها بلونٍ آخر، فهذا لا يعني سوى مسألة إثبات الذات من خلال تحويرات شكلية لا تمت بصلة إلى الفكرة التي طرحها المفكرون العراقيون منذ مراحل التغيير الأولى، والتي أيدها القادة الأكراد، وهي ضرورة إيجاد رموز ودلالات معنوية جديدة لمقومات الدولة الأساسية الأربعة (اسم الدولة، وعلمها، وشعارها، ونشيدها الوطني).
وفي مقالٍ لاحق سأحاول أن تحدث عن اسم الدولة، واقتراح صياغته باللغة العربية وترجمته إلى اللغات الأخرى، وأرى بأن ذلك مهماً ويحتاج إلى مناقشةٍ أيضاً.
أشك أن أحداً يمكنه تقديم الإجابة النهائية أو الحلول الأحادية وبشكلٍ مُستعجل. غير أن الوقت حان لحوار هادئ يُساهم فيه الجميع دون إقصاء أو تهميش، ويعترف بالضرورة بحالة الوضع الراهن، ولا ينسى المستقبل لمن يُريد أن يتطلع إلى الرفاهية والسعادة لهذا الشعب بكامل مكوناته وليس بجزيئاته.

صفحات: [1]