الماده 140 بين الطموح والتحدّيات
بقلم : حسو نرمو حسين
قائممقام قضاء الشيخان قبل ومع إنتهاء الحرب العالميه الاولى (1918) بدأت الانظار والخطوات تتجه نحو تقسيم ممتلكات الدوله العثمانيه حيث وقع العراق تحت الإنتداب البريطاني بعد أن إحتلت بريطانيا جنوب ووسط العراق واصلت قواتها التقدم باتجاه الشمال رغم إعلان هدنة موندرس في (11.11.1918) الى ان اكملت إحتلالها لولاية الموصل واحكمت سيطرتها على كل الاراضي العراقية. بعدها بدأت بريطانيا بالعمل على تأسيس الدوله العراقيه الحديثه بدمج الولايات الثلاث (البصره, بغداد, الموصل) المعروفة كل واحدة منها بتركيبتها السكانيه الشيعيه والسنيه والكورديه مع وجود مكونات قوميه ودينيه ومذهبيه متداخله في بعض المناطق. بعد سيطرة الجيش ومجيء أتاتورك الى الحكم وتأسيس الدوله التركيه الحديثه نجح في إقناع بريطانيا وحلفائها الاوربيين وعقد معهم إتفاقية لوزان (1923) التي نسفت ما جاء في إتفاقية سيفر (1920) التي عالجت المساله الكورديه في المواد 62, 63, 64 واعطت الحق لسكان ولاية الموصل في الانضمام الى الكيان الكوردي المقبل خلال فترة سنة إذا رغب سكان الولاية بذلك. هكذا فقد الكورد فرصتهم التاريخيه في تأسيس كيان كوردي يشمل معظم اجزاء كوردستان الواقعه تحت السيطره العثمانيه. اثناء قيام لجنة تقصي الحقائق (بروكسل) بإستطلاع آراء المنطقه صوّت الكورد لصالح الانضمام الى العراق مقابل ضمانات بمنحهم حكمآ ذاتيآ الذي أصبح حبرآ على ورق ممّا أثار حفيظة الكورد الذين ثاروا مرّة تلو الاخرى ضد الحكومات المتعاقبه على دفّة الحكم في العراق تخللتها فترات هدنه وعقد إتفاقيات مع تلك الحكومات التي لجأت الى التفاوض وتقديم الوعود لإمتصاص نقمة الكورد كلّما ضعفت وشعرت بقرب سقوطها, ومن ثمّ التنصل من وعودها وإلتزاماتها كلّما رسّخت اقدامها في الحكم, علاوة على المضيّ قدمآ في سياسة التعريب وتغيير الواقع الديموغرافي للمنطقه التي نعاني من آثارها الى يومنا هذا.
في (1946) حدث تحول تاريخي في حياة الشعب الكوردي بعد إعلان جمهورية مهاباد في كوردستان إيران ومن ثمّ تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة البارزاني الخالد الذي قاد اكبر ثوره كورديه في التاريخ إستطاعت إنتزاع أول إعتراف رسمي بحقوق الكورد في إتفاقية آذار (1970). إلاّ انّ - وكعادة الحكومات التي سبقتها - تنصلت حكومة البكر- صدّام من إلتزاماتها خاصة ما يتعلّق بكركوك التي كانت السبب في تجدّد القتال وآلت الاوضاع الى ما آلت اليها بعد إتفاقية الجزائر (1975) وتنازل العراق من حقوقه في شط العرب واراضي عراقيه لصالح إيران.
اسباب عديده في مقدمتها إفرازات اتفاقية الجزائر ونتائجها كانت السبب في نشوب اطول حرب في التاريخ الحديث بين البلدين إنتهت بنتائج وإفرازات كارثيه للبلدين والمنطقه ادّت الى غزو الكويت (1990) وتكبيل العراق بمجموعه من القرارات الدوليه ومن ثمّ تشكيل تحالف دولي ضده ونشوب حرب الخليج الاولى ممّا وفّر الفرصه للعراقيين لينتفضوا ضد النظام فتحررت كافة مناطق كوردستان بما فيها كركوك والمناطق الاخرى ثم سمحت قوات التحالف للقوات العراقية باستخدام طائرات الهليكوبتر وبدأت في قمع الإنتفاضه في الجنوب الشيعي والشمال الكوردي فكانت الهجره المليونيه التي هزّت الضمير العالمي شكلت ارضية صلبة لصدور القرار الدولي (688) في نيسان (1991) وتأمين منطقه آمنه للكورد شمال خط (36) ثم إنسحاب الإداره المركزيه عن المنطقه وإجراء إنتخابات برلمانيه في (19.5.1992) ومن ثمّ إنبثاق حكومة اقليم كوردستان وقرار البرلمان في (4.10.1992) الإتحاد الإختياري كشكل للعلاقه بين الاقليم والمركز. هكذا تحررت محافظات الاقليم (دهوك, أربيل, السليمانيه) وأصبحت تدار من قبل حكومة الاقليم بصورة شبه مستقله عن المركز الى اليوم.
أمّا المناطق الاخرى المستقطعه من كوردستان والمعروفه ب (المتنازع عليها) حسب الإصطلاح الدستوري فقد بقيت تحت سيطرة المركز الى سقوط النظام في (9.4.2003) وتعيين جي كارنر ومن ثمّ بول بريمر حاكمآ مدنيآ على العراق وإعلان تشكيل مجلس الحكم في (13.7.2003) وصدور قانون إدارة الدوله العراقيه المؤقت للفترة الإنتقاليه الذي عالج مشكلة هذه المناطق في الماده (58) والتي اصبحت فيما بعد ماده إنتقاليه ذي العدد (140) في الدستور الدائم الذي صوّت عليه (80%) من الشعب العراقي وحددت بسقف زمني يمتد الى نهاية (2007) تتضمن ثلاث مراحل (التطبيع, الاحصاء, الاستفتاء) كخارطة طريق لمعالجة مشكلة هذه المناطق .
يتّضح من هذا السرد التاريخي الموجز للمراقب والمتابع لمجريات الاحداث انّ الظروف الدوليه وإتفاق دول الجوار العراقي المقتسمه لكوردستان - رغم خلافاتها - وجغرافية كوردستان إجتمعت مع بعضها على الحد من الطموح الكوردي وشكّلت معوقات وتحدّيات جدّيه في طريق الطموحات الكورديه في تحقيق امانيهم ليس في الاستقلال فحسب, بل في طريق تطبيق الماده (140) . كانت هذه المناطق خاصة كركوك نقطة خلاف دائمه بين الحركه التحرريه الكورديه والحكومات العراقيه ووصفت في تقرير بيكر - هاملتون بانها برميل بارود يهدد الامن والاستقرار في المنطقه . عليه كان لابدّ من إيجاد صيغه توافقيه تشكّل ارضيه مشتركه للاطراف المعنيه غايتها إعادة الاوضاع الى طبيعتها قبل إجراء التغييرات الديموغرافيه والاداريه عليها وحسب الآليه المرسومه في الدستور بالرجوع والإستناد الى رأي اصحابها الاصليين بعد التطبيع والإحصاء بغية إيقاف هذا البرميل الموقوت من الانفجار. تشمل الماده (140) محافظات كركوك, نينوى, ديالى, صلاح الدين, بالاضافة لمناطق في غرب ووسط العراق.
ما يهمنا هنا هو المناطق المعروفه تاريخيآ وجغرافيآ بانها كانت جزء من كوردستان تم إستقطاعها بقرارات تعريب جائره واجريت عليها تغييرات ديموغرافيه واداريه على نطاق واسع. ما يؤسف له رغم مرور ست سنوات على إقرار الدستور وتشكيل لجنة متابعة لتنفيذ الماده وتخصيص ميزانيه لها, لازالت الماده تراوح مكانها بسبب تلكؤ وتباطيء وعدم جدّية الحكومه المركزيه في إجراءاتها ودخول اطراف اقليميه على الخط للحيلوله دون تطبيق الماده. وهذا لا يبرّيء ساحة الاحزاب والاداره الكورديه من تحملّها جزء من مسؤولية عدم تنفيذ هذه الماده .
ان تحميل الاداره الكورديه جزء من المسؤوليه لايعني بأي حال من الاحوال عدم إيلائها الاهتمام الكافي لهذا الموضوع, حيث ان إعلان حكومة الاقليم في (21.12.2010) عن تشكيل هيئه خاصه لمتابعة ملف هذه المناطق, والورقه الكورديه ذي النقاط ال (19) واهمها إلتزام الحكومه المقبله بتنفيذ الماده كشرط للدعم الكوردي للكتله التي تسعى للفوز بتشكيل الحكومه, واخيرآ وليس آخرآ ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر الاخير للحزب الديمقراطي الكوردستاني وتأكيدات رئيس الاقليم السيد مسعود البارزاني المتواصله على التشبث بالماده يؤكد ويدعم ما ذهبنا اليه. ربّما كما اسلفنا بسبب حجم المشكله وتعقيداتها ودخول اطراف متعدده بما فيها الاقليميه ساهمت في تعقيد الاوضاع اكثر فأكثر مع مرور الوقت.
لذلك لابدّ من إعادة النظر في سياساتنا وإيجاد آليات جديده تصب في مصلحة تفعيل الاجراءات المؤديه لتطبيق الماده تستند قبل كل شيء الى إجراء دراسه علميه موضوعيه شامله ووافيه لكل منطقه على حدى كونها تختلف عن بعضها في تركيبتها السكانيه وإمتدادها الجغرافي مع الاقليم واهميتها الاقتصاديه والقوى السياسيه الفاعله صاحبة العلاقة في كل منطقه مع الاخذ بنظر الاعتبارمدى إستعداد الحكومه المركزيه لقبول عودة كل منطقه الى
الاقليم وموقف كل منطقه في تقرير ديمستورا وخلفه آدملكيرد وضعهما في الحسبان.
وتتلخص تلك الاجراءات حسب رأينا المتواضع في التحرك على اصعده ومستويات مختلفه يمكن
إيجازها بما يلي :
اولآ على الصعيد الدولي:
أ- ينبغي تفعيل الدبلوماسيه الكورديه وحثها على تعريف المجتمع والهيئات الدوليه بشكل اكبر حول مظلومية الكورد وما تعرضوا له عبر التاريخ من حملات جينوسايد واستخدام الاسلحه المحرمه دوليآ بما فيها الاسلحه الكيمياوية وما حصلت لمناطقهم من تغييرات اداريه وديموغرافيه.
ب- تحسين العلاقات مع دول الجوار العراقي وتبديد مخاوفها من ان تطبيق الماده (140) لن يؤدي الى زعزعة الامن والاستقرار في هذه الدول.
ج- تطمين الجانب العربي من ان تطبيق الماده (140) لن يشكّل منطلقآ للانفصال عن العراق.
ثانيآعلى الصعيد العراقي:
أ- بناء التحالفات مع القوى السياسيه على اساس مدى إلتزامها بالدستور بما فيه الماده (140).
ب- إعادة النظر في العلاقه مع المكونات القاطنه في هذه المناطق وتطمينها بان تطبيق الماده سوف يضمن حقوقها في الاقليم إسوة بمواطني الاقليم وتثبيت ذلك في مشروع دستور الاقليم لحين إقراره.
ج- قيام وسائل الاعلام والمنظمات الجماهيريه والنقابات ورجال الدين بدورها في ترجمة رسالة الرئيس بارزاني في نشر وترسيخ التسامح الديني والقومي والتآخي والتعايش بين مختلف مكونات المجتمع الكوردستاني
د- إشراك المكونات الاخرى في الاداره في المناطق التي تشكّل فيها المكونات نسبة ملحوظة.
د- فتح قناة فضائيه موجهه تختص بشؤون هذه المناطق وباللغات العربيه والتركيه والسريانيه بغية توضيح الخطاب الكوردي لمواطني هذه المكونات القاطنين في هذه المناطق.
على الصعيد الداخلي:
أ- إعادة ترتيب البيت الكوردي وتوحيد خطابه في بغداد خاصة تجاه القضايا المصيريه بما فيها الدخول بقائمه مشتركه في إنتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات خاصة في هذه المناطق وبالاخص في كركوك والموقف من الدستور والماده (140).
ب- تشكيل لجنه عليا لتنسيق ومتابعة اعمال هذه المناطق والوقوف على مشاكلها الاداريه والقانونيه خصوصآ ما يتعلق بمسألة الاحصاء, ومساندة موقف الوحدات الاداريه المقاطعه لإدارة ومجلس محافظة نينوى, وبضرورة إجرائها من قبل دوائر الاحصاء في المحافظات التي اجرت عملية الحصر والترقيم مع التأكيد على وجوب أن يكون مدراء القطاعات والعدادين من المعلمين ومن سكنة تلك المناطق .
ج- إستقطاع جزء من ميزانية محافظات الاقليم وتخصيصها للمناطق والوحدات الاداريه المقاطعه لادارة ومجلس محافظة نينوى بغية تقديم الخدمات وتوفير مستلزمات الحياة الضروريه.
د- ضرورة إصدار تعليمات وتشريعات حول معاملة المواطنين الساكنين ضمن الحدود الاداريه للوحدات الاداريه المقاطعه إسوة ببقية مواطني الاقليم في كافة مجالات الحياة لحين تقرير مصير هذه الوحدات.
ر- الاهتمام بالجانب الامني وتطمين المواطنين وحمايتهم بالتنسيق مع قوات التحالف. مما تقدم ذكره ينبغي على الاداره الكورديه واحزابها, بل يجب عليها ان تمضي قُدمآ في مسعاها الجاد في البحث عن كل السبل وطرق كل الابواب من اجل إيجاد افضل واقصر الطرق المؤديه لتطبيق المادة (140) وان تستعد لكل الاحتمالات.
اخيرآ لابدّ لجميع الاطراف العراقيه والاقليميه ان تدرك ان الاوضاع الدوليه لم تعد كما كانت في السابق هذا أولآ, وان الطرف الكوردي اصبح رقمآ لايمكن تجاوزه في المعادله العراقيه والاقليميه بعد الاهتمام الدولي والاحترام الذي يحظى به خصوصآ بعد نجاح مبادرة الرئيس بارزاني في لملمة الشمل العراقي وتشكيل الحكومه ثانيآ, ومن الفائدة بمكان التذكير بانّ العراق عبر تاريخه المرير شهد مآسي وويلات وحروب خارجيه وداخليه ولم يشهد هذا البلد إستقرارآ سياسيآ وإجتماعيآ وبالتالي تطورآ إقتصاديآ وعلميآ رغم جذوره التاريخيه وإمكانياته وثرواته الطبيعيه الهائله ويوعز هذا الى عوامل عديده تأتي في مقدمتها ان تشكيل الدوله العراقيه لم تكن على اسس سليمه. لذلك فانّ مسؤولية بلسمة جراح الماضي وإعادة تقويم تلك الاسس تعتبر واجبآ يصب في ترسيخ دعائم العراق الجديد التعددي الاتحادي بالرجوع الى الدستور ككل متكامل بما فيها الماده (140) ممّا يضمن وحدته كما جاء في ديباجة دستوره وإلاّ ستستمر دوّامة العنف وعدم الإستقرار وسنصبح امام مفترق طرق عاجلآ او آجل