عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - احـمـد مـطـر

صفحات: [1]
1
إسطنبول، قونية ، القدس..أمل أم حلم؟

أحمد أبو مطر

سيبدو عنوان المقالة في اللحظة الأولى أنّه غير مفهوم أو لا واقعية له، فما علاقة هذه المدن الثلاثة؟ إثنتان مدينتان تركيتان مشهورتان عربيا وعالميا، والثالثة مدينة فلسطينية عربية إسلامية لها مكانتها وقداستها رغم احتلالها منذ 68 عاما أي قرابة سبعة عقود، إذ يكفي هذه المدينة تبريك الله تعالى لمسجدها "المسجد الأقصى" وما حوله في قراءة مفتوحة تتسع لأفق واسع من المكان على امتداده في كافة الجهات (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ).وما دام الأمر هكذا فما دخل أو علاقة مدينتي إسطنبول وقونية؟
إسطنبول..تاريخ ..شعب..وحكايات
زرت مدينة إسطنبول أول مرة في نهاية عام 2001 شهورا قليلة بعد تأسيس "حزب العدالة والتنمية " ذي الخلفية الإسلامية المعتدلة حيث تأسس الحزب في أغسطس 2001 من مجموعة من النواب الذين كانوا أعضاءا في "حزب الفضيلة الإسلامي" برئاسة "نجم الدين أربكان" وتمّ حلّه في يونيو 2001 بقرار من محكمة الدستور التركية. وبعد مرور أقل من عام تمكن "حزب العدالة والتنمية " من الفوز في الانتخابات البرلمانية التركية مما أهلّه لتشكيل الحكومة، وما زال في هذا الموقع حتى الآن أي طوال قرابة 13 عاما، حيث يستعد وبقية الأحزاب التركية لإنتخابات برلمانية في الحادي والثلاثين من مايو 2015 . و من أهم إنجازات الحزب في الأعوام التي تلت توليه السلطة، إنهاء مرحلة الانقلابات والعسكر، حيث كان العسكر يسيّرون بلادا وتاريخا وأكثر من سبعين مليونا من الشعب التركي حسب أهوائهم وارتباطاتهم العسكرية التي لا داعي التفصيل فيها للقارىء العربي الذي عاش وما يزال في العديد من الأقطار مرحلة الانقلابات والعسكر الذين يحكم بعضهم عائليا البلاد والعباد منذ 45 عاما من خلال شخصين فقط الوالد والولد الذي يقتل ويدمّر وصولا لتوريث ابنه الطفل الآن كما ورثّه والده من خلال تغيير الدستور حسب مقاسه في العمر...وغير هذا القطر العديد من الأقطار العربية ما زالت محكومة بانقلابات تصادر الحرية والكرامة وأبسط حقوق الإنسان.

ومنذ أيام زرت مدينة إسطنبول للمرة الثالثة خلال حكم حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه الان وزير الخارجية التركي السابق "أحمد داود أوغلو" ، خلفا لرئيس الوزراء الحالي "رجب طيب أردوغان". خلال هذه السنوات القليلة من حكم حزب العدالة والتنمية تغيرت مدينة إسطنبول وعموم تركيا من خلال نهضة إقتصادية لا أعتقد أنّ كثيرا من الدول حققتها في هكذا سنوات قليلة. ويكفي التذكير بنقطتين مهمتين ربما لا يصدقها البعض وهما: كان الدولار الأمريكي يساوي مليون ليرة تركية، واليوم هذا الدولار يساوي أقل من ثلاثة ليرات. وإذا ذهبت لسوق الخضار مثلا لتشتري كيلو خضراوات ما، يقول لك البائع: الكيلو بثلاثة ملايين ليرة، ثم يستدرك قائلا: أقصد ثلاثة ليرات. والإنجاز الثاني هو ما أعلن عنه رئيس الوزراء التركي منذ أيام قليلة حول إنتهاء تركيا بشكل كامل من تسديد كافة الديون المستحقة عليها لصندوق النقد الدولي حيث تمّ تحويل آخر دفعة من الديون للصندوق ومقدارها 412 مليون دولارا، وهي آخر كمية ديون كانت عام 2002 في بداية حكم حزب العدالة والتنمية 16 مليار دولار. ويعلن رئيس الوزراء أردوغان أنّ تركيا الآن في وضع اقتصادي يسمح لها بسهولة دعم صندوق النقد الدولي بدلا من الإستدانة منها، حيث وضعت هذه النهضة الاقتصادية الكبيرة تركيا ضمن مجموعة العشرين الأقوى اقتصاديا بين كافة دول العالم.

ومن إسطنبول إلى "قونية" مدينة جلال الدين الرومي،
بحثا عن قواعد عشقه الأربعين حيث تشعر وأنت تسير في شوارع وأزقة هذه المدينة بأنّ جلال الدين الرومي يتجول أمامك وخلفك في شوارع وأزقة هذه المدينة التي عرفته وعرفها ودفن حيث تحول قبره إلى مزار عالمي يؤمه كل الذين أحبّوا وعشقوا طريقة مولانا في الحياة حيث الحب والإنسانية ولغة الروح بعيدا عن لغة الجسد، وقد أصبح مصطلحا عالميا " الصوفيية المولوية" نسبة لمولانا جلال الدين الرومي حيث انتشرت رقصات أتباعة الدائرية حيث الالتفاف الدائري حول دائرة الحب والعشق التي من الصعب تحقيق نسبة منها في عالم المادة والجسد اليوم.

ويقودك عشق الرومي من إسطنبول إلى القدس،
حيث أسّس الشيخ " رائد صلاح" رئيس الحركة الإسلامية في أراضي 1948 الفلسطينية المحتلة، مشروعا أطلق عليه " وقف الأمة" وذلك خلال تسلمه جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 2013 ميلادية، وتمّ انشاء الوقف في الجمهورية التركية لخدمة مشاريع القدس والمسجد الأقصى المبارك حيث يسعى الاحتلال الصهيوني لتهويد كل ما يستطيع من التاريخ الإسلامي في القدس خاصة. وقد أصبح المشروع رسميا في مدينة إسطنبول حيث يخضع لكافة الضوابط القانونية والإدارية من قبل محكمة الحقوق الإبتدائية التركية. تزور مقر المشروع تدهشك غيرة القائمين عليه ومدى إلمامهم بالمخاطر التي تتعرض لها مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية. يحدثك الشيخ "مصطفى نزار دمرجي" رئيس مجلس إدارة الوقف عن مشاريع الوقف ومنها نقل المصلين للمسجد الأقصى ومصطبات الدراسة وغيرها فتشعر أنّ الشيخ ينقلك روحيا لمدينة القدس. وتتحدث مع الشيخ " محمد العمري " متولي الوقف فيتنقل بك من بيروت إلى القدس إلى عواصم أخرى وتبقى القدس محطته الأولى والأخيرة. حقيقة للغيورين على القدس ومستقبلها عليهم التوجه لهذا المشروع لأنّه يقودهم خطوات حثيثة نحو القدس والمسجد الأقصى. إنّ مشاريع الاحتلال الصهيوني خاصة الاستيطان ومصادرة  آثارنا الإسلامية في فلسطين المحتلة لا يمكن مواجهتها إلا بمشاريع مماثلة..لذلك فالنداء الإنساني هو: أين أثرياء العرب من دعم هكذا مشاريع تخصّ وقف الأمة لمواجهة مشاريع هدفها محو أية أوقاف للأمة، وليتهم يتذكرون المليارات التي يرسلها أثرياء اليهود لدعم مشاريع الاحتلال...عجيب ومثير للدهشة أن تذهب إلى مدينة إسطنبول لتجد مدينة القدس في انتظارك صارخة: اين أنتم يا عرب..يا مسلمين..أنا في خطر!!!!.
www.drabumatar.com




2
يا علي.... يا حسين ..كم من الجرائم ترتكب بإسمكما

أحمد أبو مطر

كان وما يزال وصول الخميني للسلطة في إيران عام 1979 كارثة كبرى على العالمين العربي والإسلامي، فقد غذّى العديد من الممارسات السيئة التي تعاني المنطقة منها حتى اليوم ولأمد طويل طالما هذا النظام قائم بمراوغاته ونظرياته الكاذبة التي لا وجود لها في أية مرجعيات إسلامية بل هي اختراع خميني بإمتياز مشين لا يسيء لأحد بقدر ما يسيء للدين الإسلامي، وكانت أول هذه النظريات الكاذبة ما أطلق عليه "ولاية الفقيه" التي وضع توصيفها على اعتبار أنّ ولي الفقيه ( الخميني )هو ممثل الله تعالى في الأرض، وأنّ ولايته هذه لا تختلف عن الولاية التي منحها الله إلى الرسول محمد "ص" وهي تعتبر من أهم الأحكام الإلهية، وبالتالي فإنّ من يعصى تعليمات وأحكام ولي الفقيه فقد عصى أوامر وتعليمات الله ، لأنّ أحكامه من وجهة نظر الخميني ليست واجبة الإتباع والطاعة العمياء فقط ، بل هي مقدمة على جميع الأحكام الشرعية الفرعية إذا تضادت معها. هذا في حين أنّ الكثيرين من علماء المذهب الشيعي أنفسهم يرون أنّ هذه النظرية هي إختراع بعض الفقهاء الشيعة الإيرانيين، وأعاد الخميني إحياءها وتطبيقها لإحكام قبضته المطلقة على السلطة واضعا كافة الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية في يده، لينتج عنها أخطر نظام ديكتاتوري استبدادي كونه يتلحف بغطاء الدين وتوكيل مزعوم من الله، وهي نظرية لا يعترف بها العديد من العلماء الشيعة الإيرانيين مثل آية الله حسين منتظري، والعديد من علماء الشيعة العراقيين أمثال محسن الحكيم و محمد باقر الحكيم وعلي السيستاني ، والعالم الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله يقول بوضوح: " ولاية الفقيه نظرية لا يراها أكثر فقهاء الشيعة "، وكذلك العالم اللبناني السيد علي الأمين يرفض هذه النظرية على اعتبار لا وجود لها في الفقه الشيعي.
ما هي تطبيقات الخميني وخلفائه لهذه النظرية؟
1 . الإستمرار في احتلال الأحواز العربية المحتلة إيرانيا منذ عام 1925 .
2 .الإستمرار في احتلال الجزر الإماراتية الثلاثة المحتلة إيرانيا منذ عام 1971 .
3 . توجد في جمهورية الخوف والرعب لولاية الفقيه أعلى نسبة إعدامات في العالم، فحسب تقارير الأمم المتحدة الميدانية من داخل ديكتاتورية ولي الفقيه تمّ إعدام 98 شخصا في المدة بين التاسع والسادس والعشرين من أبريل 2015 ، أي خلال 17 يوما بمعدل ستة أشخاص كل يوم. وفي العام 2013 تمّ إعدام 680 شخصا، وفي العام 2014 تمّ إعدام 753 شخصا..فأي رعب ووحشية هذه تنتفض لها أجساد علي والحسين والحسن في قبورهم، ووكلاء الولي الفقيه في العراق يتاجرون بنفس الأسماء فيطلقون إسم ( لبيك يا حسين ) على عمليات ينوون القيام بها في محافظة الأنبار العراقية بعد أن هرب منها جيشهم وسلمّها لوحوش داعش مثيلتهم في الإجرام والوحشية.
4 . مصادرة كافة حقوق القوميات غير الفارسية التي تعيش في جمهورية رعب ولاية الفقيه، وهي تشكّل حوالي 30 % من مجموع السكان، خاصة القوميات العربية والأذرية والكردية والتركمانية، وتشمل مصادرة الحقوق هذه استعمال لغاتهم القومية ومنعهم غالبيتهم السنّية من إقامة شعائر دينهم الإسلامي حسب مذهبهم السنّي ورفض مطلق لإعطاء أطفالهم أسماءا شائعة في قومياتهم وتفرض عليهم أسماءا فارسية.
دعم وحش سوريا بإسم الدفاع عن مقامات الحسين
هذا النظام المتوحش على الشعب الإيراني بكل طوائفه وقومياته يمارس نفس التوحش في سوريا بدعمه العلني لنظام متوحش مثله قتل خلال السنوات الأربعة الماضية ما لا يقل عن 300 ألف مواطن سوري وهجّر ما لا يقل عن خمسة ملايين وصلوا إلى كافة القارات. وقد أرسل نظام ولاية الفقيه المرعب ألافا من قوات حرسه اللاثوري للدفاع عن وحش سوريا، ومن نفس المنطلق الطائفي أرسل ألافا آخرين ممثله في لبنان حسن نصر الشيطان، والحجة هي الدفاع عن مزارات ومقامات آل البيت الذين اكتشفنا أخيرا أنّ لهم مقامات ومزارات وأضرحة في مدينة درعا على الحدود الأردنية.
أحلام توسعية عودة للإمبراطورية الفارسية الساسانية
وهذا ليس تجنيا بل لقد أفصح عنه "علي يونسي"، مستشار رئاسة ولي الفقيه حسن روحاني إذ قال حرفيا:  "إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي". وهو بذلك يشير للإمبراطورية الفارسية الساسانية التي احتلت العراق قبل الإسلام وجعلت " المدائن " عاصمة لها. و واصل التعبير عن أحلام ولي الفقيه التوسعية الاحتلالية قائلا: " العراق ليس جزء من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا.. وهو عاصمتنا اليوم.. وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه لأن العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة غير قابلة للإلغاء، ولذلك فإما أن نتوافق أو نتقاتل ". لذلك يستمر إعلام ووكلاء ولي الفقيه بمهاجمة المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية تحديدا كونهما أهم دولتين يعتنق شعبيهما المذهب السنّي.
وضمن نفس السياق الطائفي،
يستمر "حزب الشيطان" في لبنان برئاسة زعيمه "حسن نصر وحش سوريا" في تهديده للسلم الإجتماعي في لبنان حيث أدخل هذا الشيطان الفراغ الرئاسي اللبناني عامه الثاني ،و أصبح هذا الحزب الشيطاني منذ سنوات دويلة إيرانية داخل الدولة اللبنانية. وفي كل تحركاته الإجرامية الطائفية يتغلف بإسم الحسن والحسين وأنّه المدافع عن مظلوميتهما. والنتيجة لكل هذه الحقائق الموثقة فإنّ المنطقة العربية لن تشهد استقرارا بسبب وجود أعداء ثلاثة هم:

نظام الرعب والخوف ، نظام ولي الفقيه في إيران.
ممثل هذا النظام في لبنان "حزب الشيطان" برئاسة " حسن نصر وحش سوريا"
الاحتلال الإسرائيلي الذي يرفض الاعتراف باية حقوق للشعب الفلسطيني رغم كل التنازلات التي قدمتها القيادات الفلسطينية.

ويكفي للتدليل على فاشية وعنصرية نظام الملالي في إيران،
ما ورد في كتاب خطير و مهم للغاية للمفكر الشيعي الإيراني " علي شريعتي " وهو كتابه المعنون ب " التشيع العلوي و التشيع الصفوي " حيث يفنّد بتفاصيل تاريخية مذهلة الفارق بين المذهب الشيعي العلوي في أساسياته الفقهية وبين ما أدخله فقهاء الفرس الصفويين على هذا المذهب ليصبح ما في إيران هو " التشيع الصفوي " ، الذي يمزج بحقد عنصري بين القومية الفارسية والمذهب الشيعي الذي نتج عنه الحقد على العنصر العربي من خلفية تطمح لإعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية القديمة من خلال التخفي وراء حب أهل البيت والدفاع عن مظلوميتهم، وهذه الأطماع الإمبراطورية الفارسية التي عبّر عنها المفكر الشيعي الإيراني " علي شريعتي" قبل اغتياله عام 1977 هي نفسها الأطماع التي عبّر عنها حديثا مستشار حسن روحاني كما ذكرنا سابقا.
www.drabumatar.com





3
غازي كنعان أولهم و رستم غزالي ليس آخرهم
أحمد أبو مطر
ملاحظة مهمة تتعلق بنظام وحش سوريا تلفت نظر كل شخص يتتبع مسيرة هذا النظام طوال 45  عاما من زمن نظام الوحش الأب إلى نظام الوحش الإبن، وتتعلق هذه الملاحظة بكرة ثلج الاغتيالات والتصفيات لرموز مهمة كان النظام يعتمد عليها بشكل مركزي، والأهم أنّ هذه الكرة بدأت تتدحرج قاصفة أعناق هذه الرموز منذ عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري صباح يوم الرابع عشر من فبراير 2005 أي قبل عشر سنوات، في عملية اغتيال رهيبة لا يمكن تنفيذها إلا عبر أجهزة متخصصة، حيث تمّ تفجير قرابة 1000 كيلو من المواد شديدة الانفجار أثناء سير موكبه قريبا من فندق سان جورج في العاصمة بيروت، وقتل معه 21 شخصا من مرافقيه وحراسه وأيضا الوزير اللبناني السابق باسل فليحان. وبعد مرور عام على هذه الجريمة البشعة تمّ الإعلان في الأمم المتحدة عن تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان للتحقيق في هذه الجريمة وكشف مرتكبيها. ومع بدء تحقيقات المحكمة لعدة شهور وصدور بيانها الأولي تضمن اشارات لدور رجال نظام بشار السوريين وعملائهم في لبنان في عملية اغتيال الحريري، طلبت المحكمة التحقيق مع بعض هذه الرموز وسماع شهاداتهم حول العملية، لذلك بدأ مسلسل الإغتيالات ليطال كل من له علاقة بمقتل رفيق الحريري لطمس الأسرار التي تدين نظام بشار..فبدأت كرة ثلج الاغتيالات تتدحرج فطالت رؤوس:
اللواء غازي كنعان
هو رجل النظام المسؤول السابق عن الاستخبارات العسكرية في لبنان ووزير الداخلية منذ العام 2004 ، وأحد المتهمين ىبالمشاركة في اغتيال رفيق الحريري، وقد خضع للتحقيق من قبل الفريق الخاص بالمحكمة الدولية، وعقب جولة التحقيق الأولى بأسابيع قليلة تمّ الإعلان في الثاني عشر من أكتوبر 2005 أي بعد اغتيال الحريري بحوالي ثمانية شهور، عن انتحاره عبر سيناريو غبي الأفلام الهندية أكثر منطقية منه. وكان قد سبق الإعلان الغبي عن انتحاره اتصاله شخصيا بإذاعة "صوت لبنان" المحلية في بيروت لينفي خبرا أوردته محطة تلفزيون لبنانية خاصة عن شهادة أدلى بها للمحققين الدوليين في جريمة اغتيال رفيق الحريري، وطلب من المذيعة توزيع نفيه قائلا: " هذا آخر تصريح ممكن أن أعطيه ". ومن الملفت للنظر أيضا اغتيال غازي كنعان قبل ايام من صدور تقرير ميليس مخافة أن يشير التقرير لتورط مخابراتي سوري في جريمة الاغتيال عبر غازي كنعان نفسه، لذلك تمّ قتله والإعلان عن انتحاره في مكتبه بإطلاق الرصاص على نفسه. وضمن سياق تعليقي على اغتيال غازي كنعان في نفس يوم الاغتنيال قلت حرفيا: " وليس مستبعدا أن يتم قتل أو اخفاء مسؤولين آخرين من الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان...المجرمون لا ينتحرون"....وفعلا بدأت تتدحرج كرة ثلج الاغتيالات فطالت:
العميد محمد سليمان
الذي تمت تصفيته وهو يتنزه على شاطىء مدينة طرطوس يوم الثاني من أغسطي 2008 بإطلاق ثلاثة رصاصات على رأسه، وكان رئيس المكتب في القصر الجمهوري وأحد المستشارين الأمنيين لبشار، وضابط الارتباط بينه وبين الشخصيات والمؤسسات داخل سوريا وخارجها. وفور تصفيته أطلق النظام اشاعة أقرب للمسخرة مدعيا أن غواصة إسرائيلية قصفت رأسه من البحر.  بمقتله ضاعت أسرار قتل عماد مغنية قيادي حزب الله عبر تفجير سيارته في مبنى المخابرات السورية الذي لا يستطيع الشيطان دخوله. وعماد مغنية جاء لإجتماع رسمي في المبنى بسيارته واجتمع مع غازي كنعان ومحمد سليمان، وخرج راكبا سيارته لتنفجر به..فلماذا لم تنفجر أثناء قيادته لها من المكان الذي جاء منه إلى مبنى المخابرات؟ إذن تفخيخ السيارة تمّ في داخل المبنى وأثناء اجتماع عماد مغنية مع المذكورين.
اللواء آصف شوكت وخلية الأزمة
وكانت عملية التصفية هذه جماعية بشكل مذهل كما أكدت مصادر مخابراتية غربية عبر صحيفة وول ستريت جورنال، ففي 12  يوليو عام 2012 أي بعد حوالي عام ونصف من اندلاع الثورة السورية حصل انفجار ضخم في مبنى مكتب الأمن القومي بدمشق ، نتج عنه مقتل: وزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت ( صهر بشار الوحش فهو زوج أخته بشرى ) ،  ورئيس ماكان يسمى خلية إدارة الأزمة حسن تركماني، وهشام بختيار رئيس مكتب الأمن القومي ومعاون نائب رئيس الجمهورية، وإصابة وزير الداخلية محمد الشعار. ولاحقا كشف إبن هشام بختيار أنّ هناك شخصا آخر برتبة لواء رفض ذكر اسمه قتل في التفجير. وأثيرت تكهنات بانّ هذا اللواء هو عمرسليمان مدير المخابرات المصرية السابق حيث تواجد بناءا على رغبة بشار للمساعدة في إدارة الأزمة. ومما كشفه إبن هشام بختيار أنّ الانفجار كان غريبا إذ أسفر عن مقتل المذكورين دون تدمير المبنى، كما أنّ السفارة الأمريكية التي تبعد عن المبنى قرابة 600 متر التقطت اشارات غامضة قبل وبعد التفجير، وكذلك الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني كان موجودا في دمشق يوم التفجير، واجتمع مع القتلي الأربعة ساعة قبل الانفجار ثم غادر مسرعا رغم طلب القتلى بقاءه لمتاقشة بعض الملفات. لذلك هناك أدلة دامغة على أنّ نظامي بشار والملالي وراء هذا التفجير للتخلص من شخصيات مركزية في بنيان النظام لطمس أسرار جرائمه و كي يصبح عمل المخابرات الإيرانية أكثر حرية وتمددا دون العودة لواحد منهم..
اللواء جامع جامع
تمّ قتله برصاصة في رأسه من يوم السابع عشر من أكتوبر 2013 وهو برتبة لواء مسؤول المخابرات العسكرية بمدينة دير الزور، وكان سابقا من أهم رجالات مخابرات النظام في لبنان حيث كان مشهورا بالرعب والقتل والابتزاز، إذ كان أبرز مساعدي غازي كنعان في فترة احتلال النظام السوري للبنان، و شغل منصب مدير فرع الأمن والاستطلاع ، و ورد اسمه ضمن لائحة الاتهام الخاصة بملف اغتيال رفيق الحريري، وتشير معلومات مصادر لبنانية لدوره في اغتيال الرئيس اللبناني رينية معوض أيضا ، وهكذاغاب برصاصة واحدة لتختفي ملفات أخرى تكشف جرائم النظام.
وأخيرا وليس آخرا رستم غزالي،
الذي يعتبر من أهم الصناديق السوداء لجرائم النظام الأكثر سوادا، حيث كان رئيس الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان ورئيس الأمن السياسي في سوريا، وتمّ قصف وقتل هذا الصندوق يوم الرابع والعشرين من ابريل 2015 . وأخطر وأهم المعلومات التي أعقبت قصفه كشف رئيس الحكومة اللبناني السابق سعد الحريري، أنّه تلقى رسالة من رستم غزالي قبل قتله بساعات يطلب فيها الظهور في تلفزيون المستقبل لإعلان أمر ما دون أن يفصح عن هذا الأمر. والمعلومة الخطيرة الأخرى ما كشفتها جريدة القبس الكويتية حول أنّ دولة عربية لم تذكرها حصلت على مذكرات رستم غزالي أثناء فترة عمله في لبنان، و أنّ نشرها سوف يطيح برؤوس أخرى من رجال النظام ويكشف تفاصيل مذهلة عن جرائم النظام في لبنان وسوريا..لهذا تمّ إغلاق هذا الصندوق الأسود وتشييعه للقبر.
آخر الصناديق السوداء بهجت سليمان ،
وتوقعوا إغلاقه وقصف رقبته قريبا، فهو اللواء الذي كان مسؤولا عن الأمن الداخلي في سوريا وفي رقبته ألاف من القتلى والمفقودين السوريين واللبنانيين والأردنيين، وعمل أخيرا سفيرا في الأردن قبل أن يتمّ طرده في نهاية مايو 2014 بسبب قلة أدبه وتصريحاته المشينة حول الأمور الداخلية الأردنية. وبعد قتل بهجت سليمان القريب لا يبقى سوى رأس النظام بشار الذي مهما طال الزمن واتسع دعم ملالي طهران وحزبهم في لبنان له، فهو ينتظر نتيجة من اثنتين: إما مصير مخرّب ليبيا القذافي أو الهروب إلى طهران إن تمكن..وإلا لماذا غادرت والدته " أنيسة مخلوف " دمشق قبل أيام متوجهة إلى بيلوروسيا حاملة عدة مليارات مسروقة منهوبة من ثروة الشعب السوري، وقبلها غادرت ابنتها " بشرى " زوجة القتيل آصف شوكت كما قيل إلى دبي؟.
www.drabumatar.com









4
ثقافة وحب الحذاء في العقلية العربية

د.أحمد أبو مطر
غريب وعجيب التعلق بالحذاء في العقلية والممارسة العربية حبا وغراما يرقى لمستوى الحب العذري والاعذري. فحب الحذاء والحذو خلفه ركضا ليس جديدا في التربية العربية، فهو قديم جدا يرقى لأن يكون ماركة عربية بامتياز حذائي لا مثيل له في أية ثقافات وتربيات أخرى. وللأمانة الحذائية فإنّ الفضل في إحياء هذه الممارسات يعود للمواطن العراقي " منتظر الزيدي "الذي قام بفعله الحذائي المعاصر يوم الرابع عشر من ديسمبر لعام 2008 بإلقاء حذاءا اتجاه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أثناء مؤتمر صحفي في العاصمة العراقية بغداد. وقد كان تفاعل العرب العاربة والمستعربة مع هذا الحذاء تفاعلا لم تشهده كل معارك حزب الله أو حماس أو أي جيش عربي. والحزن الوحيد في هذا السياق هو أنّه لم يعرض أي عربي عدة ألاف أو ملايين من الدولارات لشراء هذا الحذاء للإحتفاظ به رمزا للإنتصار والكرامة العربية، وكان الأحرى أن يقوم متحف عربي بشرائه وعرضه في صندوق زجاجي للذكرى العربية. وقد كان من خطوات الإعتزاز بهذا الحذاء المنتظري الزيدي العديد من كتابات الاعتزاز والافتخار بهذا الانتصار نثرا وشعرا، واشتهر من بينها ما كتبه المواطن الأردني " رائد الشطناوي " معتبرا أنّ هذا الحذاء ( الكندرة في بعض العاميات العربية ) يعبر عن طموحات الجماهير العربية، وهذا ليست نكتة أو إفتراءا مني ، فما كتبه هذا المواطن العروبي قال فيه:
هاي كندرة الملايين
تسلم إيدك يالزيدي
حر وما ترضى الكيدي
ودعت الظالم بعز و شجاعة
صار العالم يتمنى يلبس كندرتك ساعة
ولأنّ هذه الكلمات تعبر عن مشاعر ( بلاد العرب أوطاني ) قام أردني آخر هو "متعب الصقار" بتلحينها وغنائها على أنغام الفولكلور الشعبي الأردني حيث الدبكة الشعبية واليرغول بطريقة تثير الرقص عند الحذاء نفسه لو سمعها.
ما هو مصير الزيدي لو رمى حذاءه باتجاه رئيس عربي؟
هذا السؤال يكشف جبن غالبية العرب بما فيهم منتظر الزيدي حيث سكوت هذه الغالبية على جرائم وفساد رؤسائهم ومسؤوليهم العرب، فهل كان الزيدي أو أحد غيره يجرؤ أن يقوم بنفس الفعل الحذائي اتجاه رئيس عربي، وجرائم هؤلاء الرؤساء بحق شعوبهم أكثر من جرائم جورج بوش بحق هذه الشعوب؟. حتما الجواب: لا...لأنّ الزيدي والآخرون يعرفون أن ردّ فعل بوش لن يكون إلا الإبتسام كما حدث ، أما أي رئيس عربي فستكون ردود فعله للزيدي وأمثال القائمين بفعله الضرب الوحشي ثم السجن ربما مدى الحياة.
الجزاء من نفس الفعل يا زيدي،
إذ قام الصحفي العراقي " سيف الخياط " أثناء ندوة صحفية في العاصمة الفرنسية باريس في ديسمبر 2009 بقذف " منتظر الزيدي " بالحذاء ليقول له ضمنا ما مفاده: لا تغضب فأنت عبّرت عن رأيك اتجاه جورج بوش بالحذاء، فتقبل أن أعبّر عن موقفي منك بنفس الإسلوب الحذائي.
الحذاء العسكري في العامية المصرية هو " البيادة "
وهو الحذاء الثقيل المتين جدا وتستعمله القوات المسلحة، لذلك كي تعبر الراقصة المصرية "سما المصري" عن حبها وتأييدها للنظام المصري الجديد برئاسة الفريق عبد الفتاح السيسي ، قامت بأداء رقصة مثيرة وهي تحمل في يديها هذا الحذاء "البيادة" مصاحبة لكلمات منها:
أيوه احنا عبيد البيادة
ونحب الجيش حب عبادة
وحسب رايي أنّ هذه الأغنية والرقصة المثيرة وما تضمنته من شتائم حقيرة لدول وشخصيات عربية لا تليق بالشعب والجيش المصري الذي له بطولات عديدة.
ثم جاءت التونسية الأسدية كوثر البشراوي،
لتعبر عن حبها وغرامها بوحش سوريا، مجرم البراميل المتفجرة، قاتل ما يزيد على ربع مليون سوري خلال أربعة أعوام، بظهورها على قناة "الإخبارية" الناطقة بإسم الوحش لتعبر عن غرامها الوحشي هذا بتقبيل واحتضان حذاء "بيادة بوت عسكري" تقول أنّه هدية لها من جندي من جنود هذا الوحش. وظهرت على الهواء مباشرة تحتضن هذا الحذاء وتقبله بشفتيها قبلا لا أعتقد أن زوجا أو حبيبا لها حظيّ بهذه القبل الحارة الدافئة المثيرة. وليس هذا فحسب بل نطق هذا الحذاء بلسانها عندما قالت على الهواء مباشرة موجهة تحيتها الحذائية للأمة العربية جميعها قائلة " إتفو على أمة لا تخجل من حالها"...طبعا متناسية أنّ بصاقها وتفتها هذه طالت ألافا مثلها مؤيدين لوحش البراميل المتفجرة، فهي قالت : " اتفو على أمة....". إنّ مشهد وصور كوثر البشرواي الحيّة على الهواء مباشرة محتضنة مقبلة هذا الحذاء مصاحبا مع شتائمها ، تبين جذور ثقافة الحذاء في التربية والعقلية العربية. والغريب المدهش أنّ هذه الكوثر البشرواي لا تريد ( من الكوثر أي الخير الكثير في الدنيا والآخرة ) إلا هذا الحذاء ، فقد قالت على الهواء مباشرة " " لا تريد من هدايا الله إلا هذا الحذاء وهو أغلى هدية في عمرها ". إنّ هذا الحذاء محظوظ أكثر من حذاء منتظر الزيدي الذي تمت مصادرته ولا أحد يعلم أين هو الآن، بينما حذاء جندي وحش سوريا كما زعمت كوثر البشرواوي سيبقى في حضنها الدافىء يتمتع بقبلها الحارة مصطحبة إياه معها طوال حياتها ، لأنّه أغلى هدية في عمرها كما قالت، فمن يضحي بأغلى هدية في عمره؟
www.drabumatar.com






5
إسقاط الطائرة الألمانية المتعمد عمل إرهابي أم لا؟
أحمد أبو مطر
اثبتت التحقيقات الفرنسية والألمانية بما لا يدّع مجالا للشك أن الطيّار الألماني الذي أسقط طائرة "جيرمان وينجز" في جبال الألب الفرنسية وقتل 150 راكبا، قام بعمله هذا بشكل متعمد مخطط له مسبقا. فقد شجّع الطيار زميله على الذهاب إلى المرحاض ثم قام بإغلاق غرفة القيادة، ورفض فتح الباب ثانية لزميله الطيّار الذي حاول فتحه بكل الوسائل دون أن يتمكن، وما هي إلا لحظات حتى نزل بالطائرة ثم رفع سرعتها لتصطدم بالجبال وسط صراخ الركاب والطيار الثاني ، إذ كانوا يعرفون أنّهم موتى بعد مشاهدتهم  لدقائق قليلة الطيار وهو يحاول فتح باب غرفة القيادة دون فائدة. وأثبتت تحقيقات الأمن الألماني أنّ الطيار صاحب هذه العملية الإرهابية كان قد بحث في الانترنت سابقا عن كيفية إغلاق باب غرفة القيادة ومعلومات حول تخفيض علو الطائرة ثم صدمها في الجبال ونتيجة ذلك.
مريض نفسي ولكنّه إرهابي قبل ذلك،
اتجهت التحقيقات والتفسيرات المتعلقة بالحادث الإرهابي للبحث في الوضع النفسي للطيار، ليكتشفوا أنّه كان يتعاطى أدوية خاصة بالإكتئاب ولديه إجازة مرضية أخفاها عن مسؤوليه في شركة الطيران، لذلك لم نشاهد أو نقرأ أي احتجاج أو استنكار لهذا العمل الإجرامي الإرهابي..وانصبت كافة التعليقات وردود الفعل على تحليل سلوك المرضى النفسيين وردود أفعالهم..إلى آخر هذه الخزعبلات التي لم تنشر كلمة عزاء لذوي 150 قتيلا بريئا لا علاقة لهم بأي شأن من شؤون هذا الطيار أو سبب من اسباب حالته النفسية تلك.
لماذا لم تبحثوا عن الخلفية النفسية لمرتكبي حادث تشارلي إيبدو؟
هذا بينما قامت الدنيا ولم تقعد برؤساء الدول ووزرائها وغالبية الفعاليات الاجتماعية والسياسية والاقتصاديه لقيام شخصين بالهجوم على جريدة "تشارلي إيبدو" في باريس بتاريخ الخامس من يناير 2015 رغم أنّ قتلى الهجوم كانوا 12 شخصا فقط أي حوالي ثمانية بالمائة من نسبة قتلى الطيار الألماني. واحتشد الكثيرون من رؤساء العالم شخصيا ووزرائهم في مظاهرة حاشدة في العاصمة الفرنسية ضد ما أسموه " العمل الإرهابي الجبان الذي أودى بحياة 12 مواطنا بريئا ". ولم يكلّف أحد من الرؤساء والصحفيين والمسؤولين نفسه البحث عن الوضع النفسي للإرهابيين اللذين قاما بهذا العمل الإرهابي الذي هو إرهاب أيضا مهما كانت حالتهم النفسية؟.
وكذلك الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين،
قليلون في العالم من يدين هذا الإرهاب ويستنكره رغم انّه يوقع ألاف القتلى والجرحي والمصابين الفلسطينيين، ويدمّر عشرات ألاف المنازل ونسبة عالية من البنية التحتية، بينما نتيجة ذلك يقوم فلسطيني بتفجير نفسه في وسيلة مواصلات أو سوق إسرائيلي ويقتل إثنين أو ثلاثة وأحيانا ولا أحد، يقوم العالم محتجا مستنكرا ، دون ان يسألوا عن الحالة النفسية لهذا الانتحاري الذي أصابته الكآبة وفقدان الأمل نتيجة الجرائم الإسرائيلية.
لماذا وما الفرق؟ فقط عربي مسلم و ألماني مسيحي!!
لا أعتقد أنّه يوجد سبب لهذا الفارق في ردود الفعل والتفسيرات بين عملين لهما نفس الصبغة الإرهابية سوى أنّ الطيار الذي قتل 150 شخصا بريئا هو ألماني مسيحي، والإثنان الذان قتلا 12 مواطنا بريئا في هجوم باريس هما عربيان مسلمان، وهذا يفسّر ما أصبح يشكّل ظاهرة في المجتمعات العالمية، وهي التركيز على الإرهاب الذي يقوم مواطنون عرب ومسلمين فقط. بدليل الكثير من الظواهر المشابهة ، ففي يوليو 2011 قام شاب نرويجي بقصد وتخطيط مسبق بتفجير مقر الحكومة النرويجية وذهب بعده إلى معسكر صيفي لشباب وشابات وقتل قرابة 80 شابا نرويجيا مسيحيا بإطلاق الرصاص المتواصل وهو مسرور وكأنّه يرقص في ملهى ليلي...وقبل الإعلان عن هوية الإرهابي تعرض بعض المواطنين العرب المسلمين لمضايقات محدودة، توقفت فور اإعلان الحكومي الرسمي عن هوية الإرهابي. و صحيج شهد الشارع النرويجي احتجاجات وكتابات عديدة ضد عمله الإرهابي، وقام مواطنون نرويجيون من مختلف الأصول والديانات بوضع  الزهور أمام الكنائس النرويجية..ولكن السؤال: كيف كانت ستكون ردود الفعل لو كان  هذاالإرهابي عربيا أومسلما؟.
دور إرهابيي داعش في هذه الظاهرة
وبدون شك أو تردد فإن إرهابيي ومجرمي داعش القتلة أسهموا في تنمية هذه الظاهرة المفرّقة بين إرهاب وإرهاب، رغم أن قتلاهم من العرب والمسلمين مئات أضعاف قتلاهم من الأجانب، ولكنّ هؤلاء الإرهابيون القتلة الدواعش استهدفوا للمرة الأولى في تاريخ الإرهاب في الأقطار العربية المسيحيين العرب والإيزديين واقتلعوا الصلبان من بعض الكنائس السورية والعراقية، مما غذّى ظاهرة التفريق بين إرهاب يرتكبه عربي أو مسلم وإرهاب يرتكبه أوربي مسيحيي.
الإرهاب واحد لا دين ولاجنسية له
الموقف الأخلاقي الإنساني لا يفرّق بين إرهاب وإرهاب وقتيل بريء وقتيل آخر..فالإرهاب واحد حسب نوعية العمل بغض النظر عن جنسية وديانة من ارتكبه..فالإرهب إرهاب لا جنسية ولا ديانة له..وهو مرفوض مدان أيا كانت جنسية وديانة وهوية مرتكبه.
www.drabumatar.com


6
مستجدات إيرانية أمريكية تطيل عذابات الشعب السوري
د.أحمد أبو مطر
أصبحت عادة عربية أوربية أمريكية أن يطلق المسؤول أو السياسي التصريحات التي تعبر عن وجهة نظر وتوجه دولته في أي أمر سياسي، وبناءا على ردود الفعل على تصريحاته هذه إما أن يؤيدها إن كانت ردود الفعل عليها إيجابية، أو أن ينفيها بطريقة اللف والدوران إن كانت ردود الفعل عليها سلبية، كأن يقال " لقد اسيء فهم التصريحات" أو " لقد أخرجت التصريحات من سياقها"، وهذا ما حصل أمريكيا مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" يوم الأحد الخامس عشر من مارس الحالي مع قناة "سي بي إس" الأمريكية التي قال فيها: " الولايات المتحدة ستضطر إلى التفاوض مع الرئيس السوري، من أجل ضمان انتقال سياسي للسلطة في سوريا...لابد أن نوضح أنّ هناك تصميما من الجميع من أجل السعي لحل سياسي لحمل الأسد على التفاوض وتغيير حساباته بشأن المفاوضات ". وبعد ردود الفعل المنتقدة لهذه التصريحات الكيرية، حاولت "جين ساكي" المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية تخفيف هذه الانتقادات، وأيضا بطريقة ملتوية لم تنف التصريحات بل حاولت اللف والدوران حولها للتمويه فقد قالت: " إنه بحكم الضرورة كان هناك حاجة لأن يكون ممثلو الأسد جزءا من عملية التفاوض..و إنّ الأسد لن يكون ولم يكن أبدا هو الذي يتفاوض "...أليست محاولة تخفيف حدة الانتقادات لتصريحات كيري بهذا التصريح ل "جين ساكي" يزيد الطين بلة كما يقول المثل العربي؟. ما الفرق أن يكون المفاوض هو الأسد شخصيا أو ممثلون عنه؟ وهل سيكون الممثلون عنه سوى ناقلين حرفيا لما يرى ويريد؟.

علاقة التصريحات بالملف النووي الإيراني

أرى أنّ هذه المواقف الأمريكية الجديدة ليست منفصلة ولا بعيدة عن المفاوضات النووية مع النظام الإيراني في لوزان السويسرية، هذه المفاوضات التي نتج عنها اجتماع بين كيري ووزير خارجية إيران محمد جواد ظريف تحت غطاء "محاولة كسر الجمود في المحادثات " أعقبها جولة مشتركة مشيا على الأقدام في شوارع لوزان كصديقين حميمين، وهو في واقع الحال تقديم تنازلات أمريكية أوربية أيضا ستمهد لرفع العقوبات الدولية على النظام الإيراني بحيثيات غير مقنعة منها: " الحد من البرنامج النووي الإيراني أو أن تثبت إيران أنّه ليس مخصصا إلا للأغراض السلمية أو تأجيله لعشر سنوات ". وما الواضح أنّ التأجيل لهذا البرنامج النووي الإيراني لن يلغيه فيمكن استئنافه بعد السنوات العشر المتفق عليها، وأيضا يمكن الاستمرار فيه بطرق سرّية وفي مواقع جديدة بعيدة عن أعين فرق التفتيش والمراقبة الدولية. و تصريحات جون كيري لم تكن معزولة ولا بعيدة عن مواقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي قال عنها تقرير لصحيفة "الفايننشال تايمز" في لندن ، أنّ الرئيس أوباما يستعد لاتخاذ أكبر مقامرة في سياسته الخارجية بإبرام اتفاق مع إيران، وأنّ اوباما سيمضي قدما  في توقيع الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي وسيتجاهل المعارضة داخل بلاده والمعارضة في أغلبية الدول في منطقة الشرق الأوسط.

نتيجة الاتفاق لصالح بشار الأسد أم ضده؟

يرى كاتب تقرير الصحيفة البريطانية المشار إليه " أنّ التوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي سيستمر إلى الأبد وليس لعام واحد، وستنهي طهران دعمها لحزب الله وللرئيس السوري بشار الأسد وغيرهم ". إنّ هذا الرأي يتجاهل حقيقة الدور والتطلعات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط التي هي في الحقيقة تطلعات توسعية ونفوذ لن يتوقف بعد ما حقّقه في المنطقة خاصة في لبنان حيث حزبهم المدعو حزب الله دويلة داخل الدولة اللبنانية نفوذه أكثر من نفوذ الدولة اللبنانية التي لا تجرؤ أجهزتها الأمنية وجيشها الرسمي دخول مناطق الحزب المغلقة، وأيضا ما حقّقه النظام الإيراني في سوريا من خلال دعمه المتواصل بالرجال والمال والسلاح والنفط لنظام بشار في مواجهة تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والديمقراطية والكرامة، وأخيرا وليس آخرا نفوذ طهران في اليمن من خلال جماعتهم الحوثيين الذين يتفاخرون علنا بتوقيع اتفاقيات متعددة مع النظام الإيراني، امّا النفوذ الإيراني في العراق فلا جدال فيه إذ أصبح العراق بكامله وليس بغداد فقط عاصمة للإمبراطورية الفارسية ألإيرانية القادمة حسب تصريحات علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني .بعد كل انجازات التمدد والنفوذ الإيراني هذه لن يتخلى النظام عن دعمه لحزب الله ونظام بشار الأسد والحوثيين والأنظمة العراقية المتوالية المساندة له حيث يتجول الجنرال قاسمي سليماني أحد قادة الحرس الثوري الإيراني والمصنّف أمريكيا وفي عدة دول كإرهابي علنا في العراق وسوريا من دمشق إلى درعا  والجولان وجنوب لبنان ، وفي العراق يبدو هو الحاكم الفعلي لعاصمة الامبراطورية الفارسية، ويتطلع لنفس التجول في مملكة البحرين التي يعتبرها ملالي طهران محافظة إيرانية. لذلك فإنّ هذا النفوذ الإيراني سيستغل الاتفاق مع أمريكا والدول الأخرى من أجل المحافظة على هذا التوسع والتمدد الذي هو حلم فارسي منذ مئات السنين مخزون في الثقافة الشعبية الإيرانية والوجدان الإيراني للمواطن والرئيس وعضو الحرس الثوري. وكنتيجة خاصة بالثورة السورية فإنّ الاتفاق الأمريكي الإيراني لن ينتج عنه سوى اطالة عمر نظام بشار الأسد مما يعني المزيد من القتلي واللاجئين السوريين والبراميل المتفجرة، وهذا يلقي الضوء أيضا على إرهابيي داعش وخليفتهم الذين يوجهون كل سلاحهم نحو العرب والمسيحيين والإيزيديين وسبي النساء ونزع الصلبان عن الكنائس كخطوة أولى نحو هدمها، ولا يطلقون رصاصة على جيش بشار الأسد أو حلفائه الإيرانيين وحزبهم اللبناني.
www.drabumatar.com



7
ثماني سنوات انقسام واقتتال، مصالحة فلسطينية مستحيلة
د.أحمد أبو مطر
تمرّ بعد أسابيع قليلة في الرابع عشر من يونيو، حزيران القادم ثماني سنوات بالتمام والكمال على سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عبر انقلابها العسكري الذي نتج عنه اقتلاع وتطهير تنظيمي كامل لحركة فتح في القطاع، ويقابله في الضفة الغربية حيث السيطرة المنفردة للسلطة الفلسطينية أي حركة فتح، نفس الأفعال اتجاه حركة حماس مما أوجد خلال هذه السنوات الثمانية حسب السائد والسلوك وردود الأفعال ما يمكن تسميته: " إمارة حماس في القطاع " و دويلة عباس في الضفة ". هذا الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة لا يمكن لشخص لم يتابع الأخبار والتطورات أولا بأول أن يصدقّه، لأنّ الشخص المحايد يتجول في عقله السؤال الوطني: على ماذا تتصارعون وتقتلون بعض وسجونكم ممتلئة بالأصدقاء الأعداء؟ هل تحرّرتم من الاحتلال وحصلتم على دولة مستقلة كي تتصارعون على من يحكمها ويسرق ثرواتها بالإنقلابات العسكرية كما يحدث في غالبية أقطار العرب العاربة والمستعربة؟.
هل هو صراع من أجل التحرير والدولة المستقلة؟
وهذا السؤال الطبيعي والمنطقي موجه للطرفين المتصارعين "حماس وفتح" حيث صراعهما قتل العشرات من الحركتين وأدخل المئات السجون حيث الاختفاء والتعذيب. إنّ رصد اتهامات كل حركة للأخرى توحي وكأنّ هذه الحركة كانت على بعد دقائق من التحرير والدولة المستقلة لولا عرقلة الحركة الأخرى، في حين أنّ ادعاءات الحركتين كذب مطلق مفضوح، والدليل على ذلك هذه الحرب التي افتعلتها الحركتان ضد بعض، مما جعل مسؤول عسكري إسرائيلي يجيب على سؤال للقناة الثانية الإسرائيلية حول تخفيض الجيش الإسرائيلي لعملياته في القطاع والضفة قائلا: السبب أنّ فتح وحماس تقومان بالمهمة المطلوبة من جيش الدفاع...بمعنى أنّ الجيش الإسرائيلي كان يدخل القطاع والضفة لقتل الفلسطينيين واعتقالهم، وها هي فتح وحماس تقتل كل واحدة أعضاء ومناصري الأخرى، فلماذا يتدخل جيش الدفاع؟. ورغم ذلك كان الاجتياح الأخير لجيش الاحتلال قد أوقع قرابة 2800 قتيل فلسطيني وألاف الجرحى والمصابين وتدمير عشرات ألاف البيوت والمنازل التي نتج عنها تشريد ألاف ما زالوا في المدارس والجوامع والكنائس بدون مأوى خاص بهم.
أي تحرير والحركتان تخطبان ودّ ورضا الاحتلال؟
إنّه صراع وقتال وحرب المصالح الشخصية وتنمية الحسابات في البنوك بدليل أنّ الحركتين في القطاع والضفة لا يطلقان الرصاص على الاحتلال ، بل يعتقلان ويسجنان كل من يقوم بذلك، وأيا كانت نتيجة الاجتياح الإسرائيلي الأخير للقطاع ، فما الفائدة من معارك كل سنتين ثلاثة ينجم عنها هذا التدمير والخراب دون تقدم خطوة واحدة نحو التحرير؟ بالعكس تدور الآن مباحثات غير مباشرة بين حركة حماس ودولة الاحتلال من أجل تهدئة لمدة خمس سنوات، أي الفترة القادة لرئاسة بينيامين نتنياهو الجديدة لحكومة يمينية ستكون أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا واقتلاعا للفلسطينيين. وأية مصالحة متوقعة بعد كل هذه الاتفاقيات التي عقدت بين الحركتين في القاهرة والدوحة ومكة وغيرها، ويتم التنصل منها وتبادل الاتهامات فور مغادرة عاصمة التوقيع؟ المصالح الشخصية وحياة رفاهية عائلات الحكام والمسؤولين وشرائهم العقارات خارج القطاع والضفة هي الهدف والسبب وراء لا مصالحة..لا مصالحة..بل انقسام دائم يعني شقاء شعب ورفاهية قيادات.
هنية وعباس حاكمان حتى اللحد
لقد بلغ محمود عباس قبل أيام قليلة الثمانين من عمره، وهو في رئاسة السلطة الفلسطينية منذ وفاة الرئيس عرفات أي قبل 11 عاما. وعبر هذه السنوات يمتلك السلطات والمهمات التالية:

رئيس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية فقط
رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ( التي لا وجود لها سوى بيانات انشائية واجتماعات سياحية ترفيهية من حين لآخر ).
رئيس حركة فتح التي هي السلطة الفلسطينية وهي اللجنة التنفيذية للمنظمة، وباقي التنظيمات مجرد شهود زور ومصدري بيانات.
رئيس كافة الأجهزة الأمنية في الضفة فقط.
رئيس كافة الصلاحيات والقرارات بعد تعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني الذي لم يجتمع منذ انقلاب حماس في يونيو 2007 . لذلك يرى الدكتور حسن خريشة النائب الثاني للمجلس التشريعي " أنّ الشرعيات الفلسطينية تآكلت بفعل غياب المجلس التشريعي منذ سنوات..وهذا الأمر يشكّل خطورة على الوضع الفلسطيني لأنّ ربط القضية بيد شخص واحد يسيء لكل شيء ".

واسماعيل هنية ، أبو العبد هو رئيس كافة الصلاحيات والمهمات في القطاع بما فيها خطبة الجمعة في مساجد القطاع التي أحلت لقوته الأمنية التنفيذية في أغسطس من عام 2009 ، قصف مسجد ابن تيمية في مدينة رفح بالصواريخ والراجمات وتدميره على رؤوس من فيه ممن يطلقون على أنفسهم "جماعة جند أنصار الإسلام " ومقتل قرابة ثلاثين منهم من يدّعي رئاسة الجماعة الشيخ عبد اللطيف موسى.
لذلك لا مصالحة..بل انقسام دائم،
والوضع الموصوف سابقا في القطاع والضفة دائم حيث رفاهية للحكام والمسؤولين وعائلاتهم وشقاء وعوز دائم لغالبية الشعب الفلسطيني..وحقيقة شكرا لنعمة الجغرافيا التي لم توجد حدودا مشتركة بين القطاع والضفة، وإلا لشهدنا حروب عصابات وقصف وتوغل دائم بين الحركتين ضد بعض مما كان سيزيد من عدد القتلى الفلسطينيين وازدياد نسبة الشقاء الفلسطيني...والنتيجة لكل ما سبق: دوام وراحة الاحتلال وازدياد ابتلاع مستوطناته لما تبقى من مساحة الضفة الغربية وتهويد متسارع للقدس.
www.drabumatar.com




8
لا نهاية قريبة لداعش وأخواتها
د.أحمد أبو مطر
لايبدو في الأفق ولا الواقع الميداني الخاص بالعمليات العسكرية أية نهاية قريبة أو هزيمة مؤكدة لداعش التي تنطلق في إرهابها بإسم " الدولة الإسلامية في العراق والشام" هذا رغم مرور أكثر من ستة شهور على التحالف الدولي الذي أعلنته الولايات المتحدة لمحاربة داعش، وبدأ عمليات القصف الجوي ضد مواقع التنظيم في سوريا والعراق، ويضمّ هذا التحالف الدولي دولا عظمى مثل الولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا، ودولا ذات قوة مثل أستراليا وإيطاليا وبولندا والدانمرك بمشاركة دول عربية هي الأردن والسعودية ودولة الإمارات العربية. ومن يتخيل أنّ هذا التحالف الدولي بمشاركة هذه الدول العظمى وآلياتها العسكرية المتقدمة لم يتمكن خلال أكثر من ستة شهور ليس من هزيمة داعش بل أيضا من وقف تمددها الميداني وتصاعد عملياتها الإرهابية التي تفاجىء العالم يوميا بنوعيات جديدة من الإرهاب الذي تطور من قص الرقاب وحرق الأسرى والصحفيين إلى تدمير كامل لآثار الحضارة وتماثيلها كما ما زال يحصل في مدينة الموصل شمال العراق حيث يقوم التنظيم بتدمير الآثار الآشورية ومتحف الموصل الذي يعتبر من أهم وأقدم المتاحف في العالم. وهذا السلوك الداعشي الخاص بالآثار ليس غريبا على ثقافة متوارثة وسلوك مماثل بل أكثر همجية، إذ تمّ قبل ذلك قصف الكعبة المشرّفة وحرقها مرتين في زمن حكم الأمويين وأيضا بسبب خلافات على الحكم والسيطرة كما هو في حال داعش الآن. وهذا الحرق والقصف بالمنجنيق للكعبة تمّ المرة الأولى في زمن حكم "يزيد بن معاوية" بقيادة "الحصين بن النمير" في عام 64 هجري، والثانية في زمن "عبد الملك بن مروان" بقيادة "الحجاج بن يوسف الثقفي" في العام 73 هجري. فلماذا نستغرب تدمير داعش للآثار الأشورية التي يراها البعض تماثيل وأصنام يجوز ويجب تدميرها، عند قيام الأمويين قبل ذلك بمئات السنين بتدمير الكعبة وقصفها بالمنجنيق وحرقها رغم مكانتها الدينية في القرآن والسنّة وكافة المسلمين. وتسير داعش على خطى شقيقتها الشرعية الأكبر منها عمرا و الأسبق في تنفيذ نفس الجرائم و هي "طالبان" الأفغانية الباكستانية التي أقدمت في عام 2001 على تدمير أشهر تمثالين لبوذا في منطقة هزارستان في وسط أفغانستان، على اعتبار أنّها اصنام تتم عبادتها من البعض وهذا يتنافى مع تعاليم الإسلام.

لماذا نهاية داعش غير قريبة؟
أسباب ومعطيات ميدانية كثيرة تدعم هذا الرأي أهمها:

1 . الامتداد التاريخي والموروث الديني المتعارف عليه سواء أكان مطابقا للشريعة الإسلامية أم مخالفا لها، فهو موروث سائد ومنتشر وممارس علانية وبكثافة في المناهج التعليمية والثقافة المنزلية والعامة، وهذا ما يفسر التحاق ألاف  بداعش وأخواتها حيث تقدّر بعض المصادر قوة داعش التنظيمية بما يزيد على خمسين ألفا، ومئات منهم التحقوا بداعش قادمين من دول أوربية ديمقراطية ولدوا وتربوا فيها، وهذا ما يفسر سيطرتها المستمرة على منطقة الرقة السورية وصولا لمدينة الموصل العراقية، وضمن هذه السيطرة تقع مناطق وآبار نفطية تدرّ على داعش دخلا بملايين الدولارات. وهذه السيطرة المستمرة لداعش دعت قوة رئيسية في المنطقة هي تركيا إلى نقل وتهريب رفات "سليمان شاه" جد مؤسس الدولة العثمانية من منطقة "قرة قوزاق" بريف حلب شمال سوريا إلى داخل الأراضي التركية لعجز قوة الحراسة والحماية التركية التي كانت تحرس ضريحه داخل الأراضي السورية منذ عشرات السنين، مما يعني أنّ داعش لا تهاب ولا تخاف قوة الحراسة هذه ولا الدولة التركية التي تقف وراءها، وكان ليس مستبعدا تدمير الضريح نفسه.

2 . خشية وخوف كافة دول التحالف الدولي المذكور من بدء حرب برية ضد مواقع داعش لمعرفتها مسبقا بجسامة الخسائر البشرية التي ستتكبدها في هذه المعارك حيث تمركز قوات داعش المسبق في مواقعها يجعلها أقدر على عمليات الكرّ والفرّ وحرب العصابات والكمائن، وبالتالي فإنّ مجرد القصف الجوي الحالي من حين لآخر لن يؤدي لهزيمة ونهاية قريبة متوقعة لداعش وقواتها، ولن تجرؤ دول التحالف مجتمعة أو اية دولة منفردة على دخول حرب برية ضد مواقع داعش وامتداداتها.

3 . الاستنساخ والتفريخ في داخل هذه الجماعات الإرهابية بشكل سرطاني لا يجعل نهايتها مؤكدة فمن القاعدة إلى طالبان إلى جبهة النصرة إلى جند الله إلى أنصار الإسلام إلى داعش وامتداداتها من الرقة إلى الموصل إلى ليبيا وتهديدها لدول مجاورة لسوريا والعراق. فهذا التفريخ السرطاني يقول أنّ القضاء على داعش كبنية تنظيمية سينتج عنه مولود جديد بإسم جديد ينتهج نفس الإسلوب والإرهاب.

4 . مصلحة بعض الأنظمة في المنطقة من بقاء داعش وأخواتها خاصة نظام بشار الأسد في سوريا الذي قدّمت له داعش خدمة عظمى حرفت أنظار العالم عن جرائمه بحق الشعب السوري طوال ما يزيد على أربعة سنوات، رغم أنّ جرائم داعش المدانة والمرفوضة لا تقاس بالكيماوي والبراميل المتفجرة التي يستعملها نظام بشار وأوقعت حتى الآن ما يزيد عن ربع مليون قتيل سوري وخمسة ملايين لاجىء وصلوا لكافة القارات. وكذلك تذبذب الموقف التركي الذي له علاقة بنهوض الحلم الكردي السوري في حال القضاء على داعش ووجودها في المناطق الكردية السورية ، مما سيشجع نهوض الحلم الكردي في المناطق التركية.

كل هذه العوامل والظروف تقول،

لانهاية قريبة أو هزيمة متوقعة لداعش وأخواتها وإن اختفت داعش كتنظيم واسم وخلافة مزعومة ، فسوف يولد من رحمها الإرهابي اسم وتنظيم ارهابي جديد، وبالتالي فلن تعرف المنطقة العربية الهدوء والأمن الكاملين طالما المعطيات السابقة موجودة وتنمو في أوساط الثقافة والتربية والأنظمة العربية حيث ترى بعض القوى أنّ إرهاب وتسلط داعش وأخواتها لا يقلّ ولا يختلف عن إرهاب غالبية الأنظمة العربية وتسلطها القمعي، وهكذا فالوطن الموصوف ب "العربي" بين خيارين أحلاهما قتل وقص رقاب وسرقة ثروات الشعوب، أي ما بين داعش و الأنظمة العربية.
www.drabumatar.com



9
العزاء لعائلة الطيّار الكساسبة وكل التضامن مع الأردن
د.أحمد أبو مطر

في هذا الظرف العصيب الحزين لا يمكن الانتظار، فالموقف أكثر حزنا وأشدّ كآبة عندما ترتكب هذه الجرائم البشعة بإسم الخلافة الإسلامية من قبل مجرمين يترأسهم مجرم قاتل يدّعي أنّه خليفة للمسلمين أي خليفة لما يزيد عن مليار وربع مسلم. من أيها القاتل سيؤمن بهكذا إسلام؟. وأي إسلام وأية أخلاق تقبل أساسا القتل وطرق القتل التي يستخدمها إرهابيو داعش لدرجة أنّ بعض المواقع الإليكترونية اعتذرت عن نشر فيديو المجرمة داعش الخاص بإعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة، لأنّ فيه ما هو مثير ومقزّز ومما لا يستطيع الكبار والصغار مشاهدته.

من أكثر إساءة للإسلام هذا الإعدام البشع أم الرسوم الكاريكاتورية؟

وهذا السؤال موجه للملايين التي تظاهرت وأدانت الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية والفرنسية وأحرقت السفارة الدانمركية في بيروت..أيها المتظاهرون اين أنتم من هذا الإعدام البشع القذر للطيار الأردني معاذ الكساسبة من قبل خليفتكم وأتباعه؟. ستقولون إنّها خلافة إسلامية..ما رأيكم في قيادي هذه الخلافة المدعو " أبو عبيدة المصري " مسؤول مالية الزكاة في الدولة الداعشية الذي أعلن خليفتكم أنّه هرب ومعه مليار ليرة سورية ( قرابة مائة وخمسين مليون دولار )؟. إنّهم لصوص قتلة يتغطون بلحاف الإسلام لإستقطاب هؤلاء الألاف من المغفلين الحالمين بجنة فيها أنهار من خمر وعشرات من حور عين، وهذا ليس افتراءا أو ادعاءا من طرفنا، فإعلام ودعاة خلافة داعش يستندون إلى مرويات إسلامية لجلب الشباب المراهقين لصفوفهم ، يذكرّونهم بما ورد في (سنن الترمذي) و(سنن ابن ماجه)، بإسناد صحيح عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((للشهيد عند الله ثلاث خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقربائه ). فمن لا يلتحق بداعش ويموت بناءا على هكذا وعود؟.

داعش تنهي نظرية المؤامرة

المجرمون الدواعش بأعمالهم الإجرامية هذه ينهون ما كان سائدا في الحياة الثقافية والإعلامية العربية تحت عنوان " نظرية المؤامرة " فيثبت الآن أنّه لا يتآمر على الإنسانية العربية و الإسلامية سوى هؤلاء الدواعش الذين الصقوا بإمتياز مشين صفة القتل والإجرام بالعربي والإسلام. وبالتالي لا نملك إلا التضامن مع الشعب الأردني والحكومة الأردنية في هذا الظرف الحزين مؤكدين أنّه من حق الحكومة الأردنية إعدام كل المجرمين الذين طالبت داعش المجرمة بإطلاق سراحهم من السجون الأردنية، لأنّهم أساسا ارتكبوا نفس جرائم داعش خاصة في تفجيرات فنادق عمّان عام 2005 التي أودت بحياة عشرات من المواطنين الأردنيين...والعزاء لعائلة الطيار الأردني معاذ الكساسبة.
www.drabumatar.com


 




10
مبروك..دخلنا الزمن الداعشي
د.أحمد أبو مطر

عشت مع العديد من الزملاء الكتاب والصحفيين الفلسطينيين والعرب حصار بيروت عام 1982 طوال 88 يوما. ووثقّت غالبية يوميات هذا الحصار في كتابي ( بيروت 28  ، وعي الذات ) الذي أصدره في دمشق "الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين " عام 1983  منشورا من طرف "دار الجليل للطباعة والنشر". في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس عام 1982 بدأ خروج العسكريين والمدنيين الفلسطينيين العاملين في ومع منظمة التحرير الفلسطينية وبقية التنظيمات الفلسطينية. إخترت أنا واثنين من زملائي الصحفيين ركوب الباخرة اليونانية المتوجهة لميناء طرطوس السوري، وقبل يومين ذهبنا لتصريف ما معنا من ليرات لبنانية، وكانت الليرة اللبنانية في أوج عصرها الذهبي إذ كان الدولار يعادل ليرتين ونصف فقط. وقفنا في مكتب الصرافة فبدلّت أنا و واحد من الزميلين ما معنا من ليرات إلى دولارات أمريكية. سأل الصراف الزميل الثاني: وأنت...أية عملة تريد؟. فكّر الزميل ثوان وسأل الصرّاف: هل لديك شيكلات إسرائيلية؟. استغرب الصرّاف اللبناني هذا السؤال وردّ عليه بعصبية وغضب شديدين: ما هذا..هل جننت ؟ فأجابه الزميل بهدوء: لا..أنا اعقل بكثير من الصديقين اللذين اشتريا دولارات..أنا أريد شيكلات لأنّنا دخلنا الزمن الإسرائيلي!!. وصدقت لاحقا نكتة أو نبوءة زميلنا العاقل، إذ اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 بدولة إسرائيل دون اعتراف إسرائيل بها أو اعطائها أي حق من الحقوق التي طالبت بها، وتلا ذلك اعتراف العديد من الدول العربية بدولة إسرائيل بعضها علنا والعديد منها سرا حيث حامل الجواز الإسرائيلي يتنقل بحرية وراحة في العديد من الدول العربية بينما غالبية الدول العربية تطلب تأشيرة دخول مسبقة من مواطني الدول العربية الأخرى، أمّا حامل الوثيقة الفلسطينية أو جواز سفر السلطة الفلسطينية فهو ممنوع من دخول غالبية الدول العربية، وكذلك نظام المقاومة والممانعة البعثي السوري استمر في مفاوضات علنية وسرية مع دولة إسرائيل دون أن توافق على مطلبه الانسحاب من هضبة الجولان مع أنّه لم يطلق رصاصة على دولة إسرائيل منذ عام 1973 رغم كل غاراتها الجوية التدميريية داخل الأراضي السورية..لذلك فهو حقيقة (الزمن الإسرائيلي يشمل كافة بلاد العرب أكفاني لا أوطاني ).
ومنذ سنتين..دخلنا الزمن الداعشي،
فمن يصدق أو يتخيل هذا التمدد الداعشي حيث سيطرت خلال العامين الماضيين على نسبة من الأراضي السورية والعراقية فمدن مثل الرقة السورية والموصل العراقية وجوارهما حقيقة مدنا داعشية مائة بالمائة لا وجود فيها لأية قوى أخرى وتمارس فيها داعش سلوكياتها من قصّ الرقاب إلى السحل والإعدامات بكافة الطرق، بينما تحالف دولي من حوالي ثلاثين دولة بينها دول عظمى لم يتمكن طوال قرابة سنة من وقف تمدد داعش هذا، في حين يتفاخر هذا التحالف الدولي بألاف الغارات الجوية ضد مواقع داعش دون ان يؤثر هذا القصف في وقف تمددها وسيطرتها على كيلومترات جديدة.
وسوف يستمر التمدد الداعشي،
لأنّ مقاتليه وخليفته لم ينزلوا علينا من مجرات فضائية بل هم نتيجة بيئة حاضنة متمثلة في ثقافة وتربية طوال مئات السنين، فلماذا نستغرب أن يقوم خليفة داعش بقصّ الرقاب وقطع الرؤوس بينما لم أعثر في أي كتاب من كتب التاريخ الإسلامي على أية إدانة أو استنكار لقيام والي الكوفة "خالد بن عبد الله القسري " في زمن هشام بن عبد الملك بن مروان، بقص رقبة "الجعد بن درهم" على منبر المسجد في أول يوم من عيد الضحى عام 105 هجري الموافق 724 ميلادي، حيث خطب خطبة صلاة العيد ثم خاطب المصلين قائلا: " أيها الناس ضحّوا تقبّل الله ضحاياكم، فإني مضحّ بالجعد بن درهم" وسحبه من تحت منبر المسجد حيث خبأه وقصّ رقبته بسيفه في المسجد أمام المصلّين. وفي زمننا العربي الحالي قبل ولادة داعش وبعد ولادتها ماذا نتوقع ان تكون نتيجة أنظمة الفساد والقمع ومصادرة كافة الحريات وسجن كل من ينتقد الحاكم حيث يستعمل إعلامه ( الذات الملكية أو الذات الأميرية أو ذات الرئيس ) قياسا على قولنا (الذات الإلهية ) وكذلك يستعمل بعض الحكام صفة (الجلالة ) التي هي من صفات الله جلّ جلاله. وأيضا الفقر والجهل حيث نسبة الأمية في أقطار "بلاد العرب دواعشي" ترقى إلى خمسة وخمسين بالمائة حسب تقارير التنمية البشرية العربية وليس تقارير الموساد و السي آي إيه..ويترافق هذا مع فقهاء السلاطين وقنواتهم الفضائية التي اقتربت من عدد (فضائية لكل مواطن ) حيث يتفرغ هؤلاء الفقهاء لتبرير كافة أعمال الحكام...لذلك فلن يتمكن التحالف الدولي من القضاء على داعش وفكرها وممارساتها فهي لا تختلف بشكل عام عن ممارسات غالبية الأنظمة العربية..فلننتظر الأسوأ فقد دخلنا حقيقة ميدانية معاشة اسمها (الزمن الداعشي ) الذي هو من صناعتنا ويصفق له علانية ملايين من شعوبنا.
www.drabumatar.com




11
إدانة حماس للإرهاب في باريس موقف ذي دلالة مهمة
د.أحمد أبو مطر
صدرت ألاف الإدانات للهجوم الإرهابي المجرم في مدينة باريس يوم الأربعاء، السابع من يناير 2015 ، ضد العاملين في مجلة "شارلي إيبدو" وأسفر وما تبعه من أعمال إرهابية عن مقتل 19 شخصا. وكل ألاف الإدانات هذه وما تبعها من مسيرة دولية يوم الأحد، الحادي عشر من يناير، شارك فيها قرابة خمسين رئيس دولة، مهمة ولها تقدير عال لدى كل من يرفض هذا الإرهاب الإجرامي الذي أصبح شبه يومي في العديد من العواصم والمدن في مختلف القارات. ومن بين ألاف الإدانات هذه تأتي إدانة لها موقف ذي دلالة مهمة هي:
إدانة حركة حماس لذلك الإرهاب المجرم،
فقد اصدرت حركة حماس من قطاع غزة بيانا باللغة الفرنسية، تدين هذا العمل الإرهابي ضد مواطنين أبرياء ورد فيه: "تؤكد الحركة على موقفها المحدد من الأحداث الأخيرة في باريس والمنسجم مع بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي استنكر وأدان ما حدث من اعتداء على صحيفة شارلي إبدو وأن أي خلاف في الرأي والفكر ليس مبرراً لقتل الأبرياء". ما هي دلالات هذه الإدانة من حركة حماس؟. دلالات عديدة منها أنّ الحركة تؤكد ما أقدمت عليه محكمة العدل الأوربية في السابع عشر من ديسمبر 2014 من قرار منطقي وجريء يقضي برفع اسم الحركة من القائمة الأوربية للمنظمات الإرهابية التي وضعت عام 2003 ، وكان قرار رفع اسم الحركة هذا حسب رأي متخصصين قانونيين لأنّ وضع اسم الحركة على قائمة الإرهاب الأوربية آنذاك لم يستند للمعايير القانونية المرعية في الاتحادة الأوربي، مما يعني أن الاتحاد الأوربي يصحح خطأ كان قد اتخذه وأضرّ عالميا بسمعة وسلوك حركة المقاومة الإسلامية حماس التي لم يسجّل لها أن قامت بأية عمليات عسكرية خارج فلسطين المحتلة،ولا يطلق على عملياتها المسلحة داخل فلسطين المحتلة ضد جيش الاحتلال إرهابا سوى الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعتبر أيضا مواجهتها لإرهابه واجتياحه لقطاع غزة إرهابا أيضا بينما قتله في اجتياحه الأخير للقطاع قرابة 3000 فلسطيني ليس إرهابا، وقتل جنوده للبرلماني الفلسطيني "زياد أبو عين" المسالم الذي لا يحمل  أي سلاح ليس إرهابا في عرف الاحتلال فيقوم بعدم إدانة الجندي الإسرائيلي الذي قتله خنقا ونطحا بطاقيته الحديدية العسكرية.
وما العيب في انسجام البيان مع موقف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؟
لاحظ بعض المراقبين أنّ بيان حركة حماس الذي يدين بوضوح العملية الإرهابية في باريس ورد فيه قول الحركة (موقفها....المنسجم مع بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين )، والكل يعرف أنّ المقر الرئيسي لهذا الإتحاد في الدوحة العاصمة القطرية ويرأسه الشيخ يوسف القرضاوي. أنا أرى حتى لو صدر بيان حركة حماس بالتنسيق مع الاتحاد وحكومة قطر فهذا لا خطأ ولا عيب فيه طالما نحن نجمع الدعم المضاد لهذا الإرهاب الإجرامي في أي دولة يحصل. وأهمية بيان حركة حماس أنّه بيان يصدر عن حركة إسلامية لها علاقة قريبة أوعلاقة تأييد ودعم من حركة الإخوان المسلمين وبهذا يتم نزع غالبية الغطاء الإسلامي الذي يتستر به أولئك الإرهابيون الذي لم يسلم المسلمون أنفسهم من إرهابهم.
ونفس الموقف مطلوب من كافة الحركات والأحزاب الإسلامية،
كي تدين ليس حادث باريس الإرهابي فقط بل مثل هذا الإرهاب بشكل عام متى وأين يحصل، لأنّ هذه الإدانات الشاملة من شأنها أن تعري هؤلاء الإرهابيين وترفع الغطاء الإسلامي الذي يدعونه والأخلاقي الذي يفتقدونه أساسا.
وبيانات الإدانة وحدها لا تكفي ولا تردع،
إذ لا بد من التركيز على مرتكزات هذا الإرهاب الذي لم ينزل علينا من مجرّات فضائية بل من أوساطنا الداخلية متمثلة في:
فضائيات بث الكراهية والعنف
برامج التربية والتعليم التي تحتوي على مواد تحث على كراهية الآخر
شيوخ الفتاوي الذين يجاهرون بالحض على هذا الإرهاب بأوجه مختلفة
ومن المهم للعالم أجمع أن يلاحظ أنّ الفقر والظلم والجوع والأنظمة المستبدة التي تصادر كافة حريات الإنسان، والاحتلال الإسرائيلي الذي يرفض الاستجابة للحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، كلها عوامل وأسباب تدفع نسبة من الشباب للإنخراط في هذا الإرهاب حتى لو ماتوا أنفسهم من خلال عملياته، لأنّه عندهم لا فرق بين حياتهم هذه أو الموت ، بل ربما يكون الموت أفضل لهم من حياة الفقر والبؤس والاستبداد هذه. إنّ محاربة الإرهاب بكافة أشكاله وأيا كانت هوية وديانة وجنسية مرتكبية مهم جماعية ليست سهلة ومن الضروري الاستمرار فيها.
www.drabumatar.com




12
موضوعات أردنية شاغلة محيرة

د.أحمد أبو مطر

انشغل المجتمع الأردني الأيام القليلة الماضية وما زال بموضوعات لاتهمه فقط بل تشغل غالبية دول العالم نظرا لحساسيتها وعلاقتها بقوانين دولية وبأحداث لها علاقة بمجمل الأوضاع الدولية الراهنة. من هذه الموضوعات:
العودة لتنفيذ أحكام إعدام بالجملة
وكانت السلطات الأردنية قد أوقفت تنفيذ أحكام الإعدام منذ منتصف عام 2006 ، وفجأة بدون إعلان مسبق تمّ في الحادي والعشرين من ديسمبر 2014 تنفيذ حكم الإعدام شنقا بحق 11 رجلا في سجن "سواقة" الذي يبعد حوالي 70 كيلو مترا عن العاصمة عمّان، وكانت أحكام الإعدام هذه قد سبق أن صدرت عن محكمة الجنايات الكبرى بحق المعدومين عن جرائم قتل ارتكبوها، وبعد أن أصبح الحكم قطعيا بمصادقة محكمة التمييز على جميع هذه القرارت، واستيفاء الإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية. وكانت أحكام إعدام عديدة تصدر عن المحاكم الأردنية دون أن تنفذ منذ منتصف عام 2006 إلى أن عادت الجهات المختصة لتنفيذها بحق الرجال الإحدى عشر في التاريخ المذكور. كانت ردود الفعل متباينة لكن أغلبها رافضة لهذه الأحكام خاصة "منظمة العفو الدولية" حيث أعلنت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "سارة ليا ويتسن": ( بهذه الإعدامات  يفقد الأردن وضعه كصوت تقدمي فيما يخص عقوبة الإعدام، وإحياء هذا الشكل القاسي بطبيعته من العقاب نهج آخر يدلّ على تراجع الأردن في مضمار حقوق الإنسان). هذا بينما يرى البعض أردنيين وغير أردنيين أنّ هذه العقوبة قديمة قدم التاريخ فقد وردت في قوانين حمورابي وفي الحضارة الروماننية في القرن الخامس قبل الميلاد حيث كان من ضمن وسائل الإعدام آنذاك وضع الشخص بين آلتين حديديتين ذات أسنان حادة تقوم بفرمه وتقطيعه في ثوان وأحيانا يرمونه للحيوانات المفترسة. وما زالت حوالي 38 ولاية أمريكية تنفذ عقوبة الإعدام، و أوقفت مدينة واشنطن العاصمة تنفيذ الإعدام فقط في منتصف فبراير من العام 2014 . وما زالت 58 دولة في العالم تنفذ الإعدامات من بينها كل الدول العربية التي تنفذ الإعدامات إما بالشنق وبعضها بقص الرؤوس بالسيوف.
هل يوجد رأي قاطع مقنع في هذا الموضوع؟
كل يدافع عن رأيه بقوة وحماسة منقطع النظير الذين مع والذين ضد. الذين مع تنفيذ الإعدام خاصة بحق القاتل لإنسان بريء يشخصنون الحالة فيقولون لمن هو ضد: لو كان القتيل أخوك أو اختك أو أبوك أو أمك، هل كنت ستطالب بعدم إعدام المجرم القاتل؟. وعند طرح الموضوع من زاوية الشريعة الإسلامية، وجدت أنّ أكثر الآراء موضوعية و توازنا هو رأي الدكتور "حمدي مراد"، استاذ الشريعة الإسلامية بجامعة البلقاء التطبيقية في الأردن، حيث يشترط لتنفيذها مجتمعا إسلاميا ناضجا وهذا غير موجود الآن في غالبية المجتمعات العربية والإسلامية، ثم يقول: " إن ما نص عليه القرآن الحكيم وما جاء في إجماع الفقهاء من أحكام عقوبة الإعدام في الدين متوازنة جداً وفيها إعجاز كبير وعدالة دقيقة، فهي من ناحية تأمر بها ومن ناحية تمنع وقوعها في آن واحد بالضوابط والشروط، فالقصد إذاً ليس فقط الردع، بل أيضاً تحقيق العدالة بكل الابعاد النفسي والاجتماعي والأخلاقي والتربوي، فهناك مجموعة من العوامل التي تتفاعل في النفس، نعم القاتل يُقتل، لكن حينما نبحث في الشروط والتفاصيل سنجد أن الإسلام أرحم بكثير من كل قوانين الأرض مهما حاول الإنسان أن يتهرب من العقوبة، سيكون تهربه باباً من أبواب الظلم، في حين الشروط والضوابط المانعة لعقوبة الإعدام هي في منتهى العدالة الإسلامية لا بل والعدالة الإنسانية جمعاء بلا منازع". وبعد تفكير عميق ونقاشات كثيرة مع أصدقاء مهتمين بالموضوع اقتنعت بانّه من غير الإنساني أن تعاقب شخصا بنفس أسلوب عقابه لشخص آخر بمعنى أنّه ليس إنسانيا أن تقوم بقتل شخص مع سبق الإصرار وبدم بارد وارتياح كبير وسعادة منقطعة النظير بإسم العدالة وتأييد من الدولة ورجالها ومحاكمها ، فالنتيجة أنّك لم تختلف عن القاتل الأساسي الذي من الجائز أن يكون قد ارتكب جريمة القتل في لحظة غضب أو فقدان الضمير والعقل أو..أو...لذلك فعقوبة المؤبد بحقه أكثر انسانية كي يفقد حياته الطبيعية ويراجع ما قام به، وربما يكون وجوده في السجن طوال حياته رادعا لآخرين كي لا يقوموا بجريمة قتل جديدة.

الطيار معاذ الكساسبة و داعش

ليس مهما أن تكون داعش قد أسقطت طائرة الطيار الأردني معاذ الكساسبة بأسلحتها أم  سقطت الطائرة بسبب خلل فني، المهم أنّ هذا الطيار الشاب الآن أسيرا لدى تنظيم إرهابي اشتهر بجرائمه اللاإنسانية بحق أبرياء من النساء والأطفال خاصة المسيحيين والإيزيديين مستعملا وسائل غير أخلاقية من سبي النساء و بيعهن وتأجيرهن لراغبي المتعة من مجرميه القتلة. الطيّار معاذ الكساسبة كان يقوم بعمل بطولي إنساني في محاربة هؤلاء القتلة الذين شوهوا صورة العربي والمسلم في المحافل العربية والإسلامية والدولية. لذلك من حق هذا الطيار، ومن حق عائلته وأهله وعشيرته وشعبه الأردني أن يعود لهم سالما. من هذا المنطلق الوطني يحق للحكومة والأجهزة الأردنية استعمال كافة الوسائل بما فيها المساومة وإطلاق سراح مجرمين معتقلين لديها لضمان سلامة الطيار معاذ وعودته سالما. بصراحة كم هو رائع تضامن المجتمع الأردني مع هذا الأسير الشاب ، حتى حزب جماعة الإخوان المسلمين "جبهة العمل الإسلامي" رغم معارضتهم لمشاركة الأردن في الحرب ضد داعش، إلا أنهم تمنوا إفراج داعش عنه واعادته سالما لأهله. رائع ومؤثر إطلاق إأردنيين حملة عنوانها " كلنا معاذ الكساسبة ". نتمنى عودته سريعا سالما بأية وسيلة.
www.drabumatar.com



13
تضامنا مع الأب المطران الفلسطيني العروبي " عطا الله حنّا "
د.أحمد أبو مطر
الأب المطران الأرشمنديت الفلسطيني العروبي المتميز " عطا الله حنّا " رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس في القدس، غني عن التعريف فهو مشهور بمواقفه الوطنية المتضمنة مع الحق والعدالة وسط كافة الأوساط الفلسطينية والعربية من مسلمين ومسيحيين، وهو ليس نشازا بين القيادات المسيحية الفلسطينية والعربية التي عرفت دوما بهذه المواقف، ويكفي التذكير بأنّ غالبية دعاة الوحدة والقومية العربية منذ بداية القرن الماضي، كانوا من إخوتنا وبني جلدتنا المسيحيين العرب أمثال المرحومين "قسطنطين زريق" و"ميشيل عفلق" وآخرون، وقيادات مناضلة فلسطينية أمثال المرحومين "جورج حبش" و"وديع حدّاد"، وقيادات كنسية مثل المطران الوطني المناضل كبوتشي..

خلفية نداء التضامن هذا،
هو قرار المجمّع المقدس التابع لبطريركية الروم الأرثوذكس الذي يترأسه البطريرك اليوناني "ثيوفيلوس الثالث"، الذي يقضي بطرد المطران الفلسطيني العربي من كنيسته وفصله من أخوية القبر المقدس..... القبرالمقدس...لماذا؟. لأنّ المطران عطا الله حنّا طالب ويطالب بتطبيق القوانين الكنسية التي من شأنها أن تنصف الرهبان والكهنة والمطارنة العرب في الكنيسة الأرثوذكسية الذين يتعرضون منذ زمن طويل عبر تاريخ هذه الكنيسة إلى تمييز واقصاء وتهميش لا يمكن السكوت عليه. ومن المعروف تاريخيا أنّ بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس يسيطر عليها البطاركة اليونانيين منذ عام 1534 حيث تولى رئاسة البطريركية البطرك اليوناني جرمانوس، فبدأ حملة تصفية وإبعاد بحق البطاركة العرب لإحلال بطاركة يونانيين محلهم في حملة عنصرية لا تمت بصلة لتسامح وسلام الكنيسة، ومنذ ذلك الوقت تعتبر الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية نفسها الكنيسة الأم لجميع الكنائس في القدس رغم وجود كنائس أخرى رومانية وروسية وقبطية وغيرها، وفي هذا السياق يقول المطران عطا الله حنا في مقابلة مع موقع إيلاف بتاريخ الحادي والثلاثين من يوليو 2014 : 
(  عندما نتحدث عن التاريخ المسيحي، فنحن نلتفت مباشرة إلى المشرق العربي لأن المسيحية لم تأتِنا من روما أو من القسطنطينية وإنما انطلقت من فلسطين ومصر وسوريا والعراق، لأن المشرق  العربي كان الأرض المقدسة التي منها انطلقت الرسالة المسيحية ومنها أيضًا انطلق الرسل إلى سائر إنحاء العالم لكي يبشروا بالديانة المسيحية ). وأخطر المواقف التي يتخذها المطران الفلسطيني العروبي "عطا الله حنّا" منذ سنوات وتبيت له عداء وكراهية البطريرك اليوناني هو موقفه الوطني الكاشف لتآمر البطريركية في موضوع بيع بعض ممتلكات الكنيسة الأرثوذكسية للصهاينة ودولة الاحتلال الإسرائيلي خاصة في زمن البطريرك اليوناني السابق "إيرينوس الأول" الذي خلفه البطريرك الحالي "ثيوفيلوس" صاحب قرار طرد وإقصاء المطران عطا الله حنّا. وكان المطران قد تصدى لسياسات تسريب الأوقاف والعقارات لسلطات الاحتلال "الإسرائيلي" ، و طالب المسيحيين بالتصدي لما وصفه بالمؤامرة الكبيرة، التي تتعرض لها الكنيسة الأرثوذكسية في القدس، من خلال العبث الكبير فيها ووصف بعض صفقات بيع أملاكها لمستشمرين يهود بالمؤامرة الكبيرة على القدس، مشدداً على أنها جريمة نكراء وخيانة عظمى بحق الكنيسة والوطن والقدس، وكان موقفه الوطني الشجاع هذا بعد الكشف عن بيع فندقين تاريخيين وعشرات العقارات من أملاك الكنيسة في ميدان عمر بن الخطاب بالقدس ، وتأجير 32 دونما من أراض البطريركية للمستثمرين اليهود. هذا بالإضافة لمواقف وطنية عديدة للمطران خاصة مع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ومطالباته الدائمة برفع الحصار عن قطاع غزة، ونداءاته المتواصلة للفصائل والتنظيمات الفلسطينية بالوحدة والتضامن.

حركة تضامن واسعة مع المطران،

شهدتها خاصة الساحة الأردنية بحكم أن أنشطة الكنيسة خاضعة للقانون الأردني الذي ينظم عمل المراجع الدينية في القدس الشرقية.  وفي هذا السياق صدر بيان في العاصمة الأردنية عمّان عن (الشباب الأرثوذكسي الأردني ) أعلنوا فيه : " هذا القرار غير قانوني وصادر عن مجمع غير مؤهل ونُعلن أن السيّد ثيوفيلوس هو ليس بطريركاً شرعيّاً لكنيسة القُدس وهو غير مُستحق للأمانة ولا يُمثلنا ولا يمثل الرعية العربية الأرثوذكسية في الأردن وفلسطين ولا مجمعها ". وهذا ادانة واضحة لقرار اقصاء المطران عطا الله حنا من شبيبة أرثوذكس وطنيين يعرفون مصلحتهم ومصلحة كنيستهم.كما شهدت مناطق من العاصمة الأردنية وقفات تضامن مع المطران وضد قرار البطريركية بطرده وتهميشه، مطالبين الحكومة الأردنية بالتدخل بحكم ولايتها على الكنيسة في فلسطين والأردن.

أب و مطران يستحق التضامن والدعم،
من كل من يسعى للسلام والمحبة في وجه الظلم والطغيان والفساد...فلتتحرك كافة القوى الإسلامية والمسيحية دعما للمطران عطا الله حنا ومطالبة بتعريب الكنيسة الأرثوذكسية في القدس ، فعربها أدرى بتفاصيلها وحاجتها من يونانيها. ولمّا كانت السياسة والكنيسة والأدب بينهما تداخل وتأثير عميق، فكم كان مثيرا أنّ رواية الروائية الفلسطينية الأردنية ليلى الأطرش "ترانيم الغواية" التي قدّمتها منذ أسابيع قليلة هنا في موقع "إيلاف"، قد كتبت صفحات عديدة عن واقع الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين وتنويعات من هذا الصراع القديم الجديد، مما يستدعي العودة للرواية للكتابة مجددا عن صفحات هذا الصراع كما تمّ توثيقه روائيا.
www.drabumatar.com





14
من الأرشيف الفلسطيني المكرّر الممل!!
د.أحمد أبو مطر

الراحل "زياد أبو عين" ليس الأول ولا الأخير

المتظاهر الفلسطيني السلمي الوزير "زياد أبو عين" رئيس هيئة مكافحة الجدار ومقاومة الإستيطان، كان يتجمع مع عدد من الشباب الفلسطينيين لزراعة اشجار في منطقة فلسطينية يريد المستوطنون الصهاينة الإستيلاء عليها، وهل هناك في العالم أجمع طريقة للتعبير الرافض للإستيطان أكثر حضارة وسلمية من طريقة الوزير والشباب الفلسطينيين؟. ورغم ذلك تقصد الجندي الصهيوني الإمساك برقبة الوزير والضغط عليها في محاولة لخنقه ثم قام بنطحه على رأسه بقبعته الحديدية المضادة للرصاص، مما نتج عنها اصابته بالإغماء فنقل للمستشفى حيث توفي في الحال. المصدر الطبي الإسرائيلي الذي إطّلع على نتائج تفاصيل تشريح الجثة قال للقناة الإسرائيلية العاشرة: " إنّ سبب الوفاة هو تعرضه لنوبة قلبية حادة قد يكون سببها الضغط على عنقه أثناء المواجهات مع الجنود الإسرائيليين". وكانت اللجنة الطبية الفلسطينية التي قامت بتشريح الجثة قد "كشفت اصابة الوزير أبو عين في مقدمة الوجه، وكسر في الأسنان وظهور علامات واضحة بالإصابة، ووجود تكدمات في المنطقة اليسرى للعنق نتيجة الضغط الزائد، إضافة إلى تضييق في الشرايين ووجود نزيف داخلي نتيجة الخوف". هذا بينما الجندي الصهيوني الذي قام بهذا العمل الإجرامي نقلت عنه مصادر عبرية إعلامية قوله " أنّ الضابط المسؤول عنه أخبره انّ تصرفه لا تشوبه شائبة ".
هذا الحدث الإجرامي يثير أسئلة قديمة جديدة مملّة منها:
1 . هل يريد هذا الإحتلال الصهيوني المستمر منذ 65 عاما سلاما؟
2 . هل هناك تنازلات فلسطينية جديدة يستطيع الفلسطينيون تقديمها أكثر مما قدّموا، وكل همّهم المطالبة بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 التي مساحتها لا تزيد عن 20 في المائة من مجموع مساحة فلسطين التاريخية؟
3 . هل يمكن لحكومات الإحتلال الصهيوني أن تحدّد بوضوح ما هي شروط السلام الذي تريده؟
ردود فعل الكلام الفارغ من أي معنى من طرف السلطة الفلسطينية
وكالعادة إزاء هذا الحدث وما سبقه من أحداث سابقة وأكثر دموية وجرائم ومنها الإجتياح الصهيوني الأخير لقطاع غزة الذي دام 51 يوما، كانت وتكون ردود السلطة الفلسطينية أكثر غرائبية حيث هي خطابة فارغة من أي مضمون خاصة موقفها من هذه الحادثة الإجرامية حيث قالت السلطة: " كل الخيارات مفتوحة للبحث والنقاش والتطبيق". فهل تشمل هذه الخيارات:
وقف التنسيق الأمني مع سلطات الإحتلال الأمنية والبوليسية والعسكرية.
منع جيش الإحتلال من التجول بحرية في كافة أرجاء الضفة حيث يعتقل ويقتل ويدمّر بدون أي تصد له ، مع عدم نسيان بيانات الإستنكار الفارغة.
إعترافات دولية متلاحقة بدولة فلسطينية على الورق،
مهما بلغ عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية، علينا أن لا ننجرّ وراء هذه الاعترافات والدعم المعنوي من هذه الدول التي هي أساسا مشكورة على مواقفها هذه، إلا أنّ الحقيقة الميدانية تبقى أن هذه الاعترافات الدولية بدولة فلسطينية مجرد دعم معنوي مؤقت لا تطبيق له في أرض الواقع، طالما الإحتلال الصهيوني يرفض الإعتراف بأية حقوق للشعب الفلسطيني. وهذه الدول المعترفة بدولة فلسطينية تعرف أنّ إعترافاتها مجرد دعم معنوي لن يغضب دولة الإحتلال طالما هذه الدول ما زالت تقيم علاقات قوية في كافة المجالات مع دولة الإحتلال بما فيها دول عربية مثل مصر والأردن حيث العلاقات علنية، والعديد من الدول العربية ذات علاقات سرّية ترقى لحد العلاقات العلنية وأكثر، ودول إسلامية مثل تركيا حيث علاقاتها مع دولة الإحتلال قوية ومتطورة في كافة المجالات الأمنية والمخابرات والاقتصادية والدبلوماسية.
وإزاء كل ما سبق هل تخجل قيادات فتح وحماس؟
وتوقف الحرب الدائرة بينهما منذ سبع سنوات شملت إطلاق الرصاص وقتل بعضهما وزجّ المئات في سجون الطرفين ووقف رواتب ألاف من الموظفين البسطاء الذين لا علاقة لهم بحرب داحس والغبراء الفتحاوية الحمساوية هذه؟. لقد أصبحت لقاءات ما يسمّى " المصالحة الفلسطينية" بين فتح وحماس بنفس صعوبة المصالحة الفلسطينية مع دولة الإحتلال، حيث شئنا أم ابينا فالطرفان الفتحاوي والحمساوي قرار كل منهما الداخلي في النفوس والأرشيف هو: " إما أن تكون السيطرة كاملة لي في كافة المجالات في الضفة والقطاع، وإلا ستبقى دويلة عباس في الضفة وإمارة حماس في القطاع". وبالتالي لست متشائما ولكن قارئا للوضع الفلسطيني الداخلي بحيادية أي لا فتحاوي ولا حمساوي اقول: "لا مصالحة فلسطينية، وسيبقى ما تبقى من الضفة تحت سيطرة قيادة فتح، والقطاع تحت سيطرة أمراء حماس، والسنة السابعة من عمر الإنقسام الفلسطيني مرشحة لسبعة عقود". والقادم أعظم ولكل حادث حديث.
وأيضا ما قيمة بقية التنظيمات الفلسطينية؟
هل لها وجود غير إصدار البيانات الخطابية؟
الصراع والإشتباك وفتح السجون وقطع الرواتب والسفر ذهابا وإيابا للقاهرة وغيرها من العواصم تقوم به قيادات فتح وحماس فقط، فما هو دور وقيمة بقية التنظيمات الفلسطينية الموجودة اسما وبيانات وخطابات ومكاتب وقيادات معلنّة أسماؤها وخبيرة في الخطابة البلاغية في الضفة والقطاع؟. هذه المنظمات دون ذكر أسمائها حيث يعرفها كل الفلسطينيين تزيد عن عشرة أسماء بعضها صدقا لا يزيد عدد أفرادها عن عشرين شخصا بما فيهم "سعادة وفخامة الأمين العام"، هل يستطيع سعادته وفخامته أن يخبر الشعب الفلسطيني ماذا قدّموا للعمل الفلسطيني غير البيانات والتفرج على صراع وحروب فتح وحماس؟
وبالتالي فالمستقبل الفلسطيني قائم كما هو،
طالما موازين القوى مائلة بنسبة ألف في المائة لصالح دولة الاحتلال ليس مقارنة بالوضع الفلسطيني فقط بل مع كافة الدول العربية والإسلامية، وطالما هذه الموازين هكذا لن يستجيب الاحتلال لأية مطالب فلسطينية وأية دولة فلسطينية ذات حدود واضحة وسيادة مستقلة.
www.drabumatar.com

15
ليلى الأطرش في "ترانيم الغواية" تعيد بناء القدس وشعبها روائيا
د.أحمد أبو مطر
هذه الترانيم وما يصاحبها من غوايات متنوعة عاطفية و وطنية، هي الرواية الثامنة للروائية الفلسطينية الأردنية "ليلى الأطرش" والصادرة حديثا (2014 ) عن "منشورات ضفاف" في بيروت. وكانت روايتها الأولى "وتشرق غربا" قد صدرت عام 1988 مما يعني قرابة ربع قرن مصاحبة للإبداع الروائي وما رافقه من قصص وأعمال أخرى كلها ذات علاقة بهوس الفن والأدب والإبداع المتميز. فما هو جديد "ترانيم الغواية" هذه التي تصدر في وقت حرج وشائك يلفّ مدينة القدس وشعبها وتاريخها، حيث هذا الثالوث (القدس، الشعب، التاريخ) هو السكّة التي يدور عليها قطار الرواية طوال 300 صفحة وعلى متنه العديد من الشخصيات، أغلبها تلتف بعباءة الترانيم الدينية أمام الجماهير، وفي السرّ تمارس غوايات متنوعة منها ما هو نتيجة رغبة ضمير وإنسانية رغم خوف ورعب خلفية الترانيم سواء كانت الكنيسة أم الجامع، ومنها ما هو نتيجة رغبة الجاه والمال حتى لو كان على حساب تفتيت نسيج المجتمع أو بيع أراض تاريخية له لغرباء أحسنوا التخطيط بدهاء وحنكة.
إعادة إحياء وبناء المدينة روائيا،
وهذا الإحياء والبناء مارسه أكثر من روائي فلسطيني خاصة كما أعتقد بعد أن طال الغياب عن تلك المدن التي تمّ اقتلاعهم منها، هذا الاقتلاع الذي يقترب من دخوله العقد السابع مصاحبا بتراجع الأمل في قرب الرجوع لتلك المدن، ولمّا كان لمدينة "القدس" مكانتها التاريخية والدينية التي تقترب من حد التقديس في الديانتين الإسلامية والمسيحية، لم يكن غريبا على من ولدت ونشأت في "بيت ساحور" قرب "بيت لحم" القريبتين من القدس أن تعيد بناء المدينة وصفحات من تاريخ شعبها، رغم ما في هذه الصفحات التي سطّرتها من ألم وغدر إلا انّها الحقيقة الموثقة سواءا أعاد بعضنا ذكرها أم تغاضى عنها. هذه الروائية البيت ساحورية ( ليلى الأطرش ) قراءتي مرتين لروايتها هذه، أعادت لذهني تأملا طالما فكّرت فيه كقارىء من خلال تداعيات متابعتي لكثير من كتابات نقاد الرواية العربية. هذا التأمل وتداعياته جعلتني ألاحظ مستويين من الكتابات النقدية:
الأول،كاتبه ناقد له أهميته النقدية والأكاديمية يكتب باحتراف مهني يتوجه به لنقاد في مستواه، لن يفهم أغلبه القارىء العادي المولع بقراءة الروايات، وهذا النوع من النقد مع أهميته للمتخصصين يغصّ بالمصطلحات والمفاهيم النقدية الأكاديمية عالية المستوى موردا العديد من الاستشهادات منقولة من كتب المتخصصين في نقد الرواية العرب والأجانب مما يجعل الكتابة النقدية هذه كأنهّا فصل من أطروحة أكاديمية لنيل درجة جامعية. وهذا المستوى من النقد الأكاديمي مهم للنقاد المتخصصين الذين هم قلّة في مواجهة قراء الرواية العاديين الذين هم الأكثرية وأكاد أجزّم أنّهم لن يفهموا غالبية هذا المستوى من الكتابات النقدية ، وما تضمنته من مصطلحات أكاديمية عالية وعميقة المستوى لا يدركّها إلا المتخصصون الذين هم قلّة إذا قورنوا بنسبة قراء الرواية بشكل عام.
الثاني، كاتبه ناقد متخصص يدرّك أنّ مهمة الناقد هي أن يكون جسرا بين الكاتب والقارىء أولا قبل أن يكون ناقدا للنصّ موجها نقده للكاتب سواء أكان سلبيا ام ايجابيا، وعندما يقتنع ويتبنى أنّ دوره الأساسي هو اقامة الجسر بين القارىء والكاتب يتركز نقده على تحليل النص الأدبي تحليلا جماليا يسبر أغوار ما قصد الروائي التعبير عنه روائيا كي يسهّل على القارىء العادي غير المتخصص فهم النص وكشف أعماقه التي قصدها المبدع وربما تغيب عن إدراك القارىء.
انطلاقا من هذا الفهم وكقارىء،
سأحاول تقديم رواية " ترانيم الغواية " لأمثالي من القراء وافقوني على فهمي لها أم خالفوني فلكل قارىء ذائقته الخاصة للنص الإبداعي....فماذا تقول... وماذا تقدّم هذه الترانيم من تاريخ وغوايات ومن خلال أية وسائل وطرق جمالية تتعلق بفن الرواية؟. تعتمد هذه الرواية في أساس بنائها ومعمارها الفني على ما عبّرت عنّه الكاتبة قائلة: (عاشقة الحكايا أنا، أمارس لعبة الخلق من سطور الآخرين..أتخيل شخصيات كما لا يراها أحد، أتقمصها ثم أترك لغيري أن يجسّدها برؤيتي)، ص 10 . أرى أنّ هذه الجملة هي المدخل لفهم البناء والمعمار الفني للرواية، فالكاتبة مخرجة الأفلام في الرواية تعشق الحكايا حقيقة كما يلاحظ قارىء الرواية، وتعطي هذه الحكايا معايشة واقعية على اعتبار أنّها حقيقة منقولة من دفاتر الآخرين أو اعتمادا على مراجع تاريخية ذكرتها الكاتبة في نهاية الرواية كمصدر من مصادر إلهامها الروائي مما يجعل قارىء التاريخ الفلسطيني خاصة تاريخ مدينة القدس قبل قيام دولة الإحتلال الإسرائيلي وبعدها، وصراع العائلات الفلسطينية على حساب مستقبل هذه المدينة التاريخية، يتأكد أنّه يتنقل بين صفحات عمل روائي، ولكنّه في الحقيقة يتصفح خلفية تاريخية عاشها البعض في الواقع وقرأها البعض الآخر في تلك المصادر التاريخية. وكل ذلك من خلال معايشة:
شخصيات روائية لها مثيلها في واقع القدس،
وهذا ما أضفى على الرواية تشويقا عبر سرد سهل عميق في محتواه اللغوي. ( يهجم الزمن على جبال الحزن فيجرف حوافها..تنكمش وتبقى ظلالها )، ص 25 . وهذا ما جعل اللغة البسيطة العميقة تصاحب شخصيات الرواية حتى وإن جاءت على لسان من يمكن اعتبارها الشخصية الرئيسية في الرواية، وهي العمّة "ميلادة الحنش" نسبة لذلك الحنش الذي كشف علاقتها السرّية العلنية مع الشخصية الثانية في بطولة الرواية "الخوري متري الحدّاد" الذي يعيش علنا أنغام ترانيم التراتيل الكنسية أيام الأحد، ويمارس غواية القلب والعاطفة سرّا مع العمّة "ميلادة أبو نجمة" صاحبة كذبة الحنش الذي التصق بها اسما عند البعض، وإعادتها لوضعها واسمها العائلي المعروف. وهل هذا الحب بين "ميلادة" و"الخوري" الذي يتمرد سرّا على شروط خورنة الكنيسة أمر شاذ وخاص بهذين الإثنين؟. الجواب ب "لا" عبّرت عنّه الروائية بعيدا عن البلاغة التقليدية قائلة: " تسكن الشياطين مع الملائكة في صوامع النسّاك، ..تشنّ حرب إغواءلا تتوقف ...ترانيم تسكب الخير، وأخرى تزيّن الشر، وأسلحتها شكّ يقود إلى معصية..فأي إغواء زلزل روحي". وغواية الخوري متري الحدّاد تظلّ غواية مقبولة قياسا بغوايات أخرى تتكشف يوميا في الكنائس التي تمتلك الجرأة للبوح عنها، وفي المساجد التي شعارها ( وإن بليتم فاستتروا).
وعبر صفحات الرواية تدهشّك شخصية "العمّة ميلادة" التي رغم التقدم في العمر تملك ذاكرة هزمت مرض الزهايمر، فتبدو حقيقة (حكاءة ساحرة..لا عجب أن خطفت قلب كاهن من عبادته )، ص 119 . ويشارك العمّة ميلادة في سرد الوقائع الروائية المشوّقة أخواها "إبراهيم وزوجته المعلمة وردة" و "حبيب وزوجته المفتشة جميلة". صراع الشخصيات الروائية من اجل مصالح ورغبات ذاتية هو ما أضاع القدس والوطن. "ذيميانوس" البطرك اليوناني ورغبته عبر كل الوسائل والمغريات بقاء السيطرة اليونانية في القدس المسيحية، وعلاقته المتذبذبة مع "الخوري متري الحدّاد". قصة سكة يافا والقدس وخسارة "سالم أبو نجمة". جمال باشا السفّاح التركي وعشيقتة "سارة". قصة موت "مريم" زوجة "سالم" وهو بعيد في الغربة، وغيرها كلها قصص وقائع تاريخية عبر سرد روائي مشوّق نتج عنها ضياع المدينة والشعب ولاحقا الوطن. لماذا؟ ( لم يفهم الفلسطينيون لعبة السياسة فتاهوا في دهاليزها..سذّجا حملوا مفاتيح دور تآمر الجميع على سلبها ) ، ص 107 . وقصص وحكايا من هذه العذابات الفلسطينية في الغربة والوطن لا تملك إلا البكاء و صفحات (سانتياغو) ترويها، ص 101 – 106 . واعتماد الكاتبة على بلاغة أسلوبية غير تقليدية مكّنها من رسم شخصيات الرواية بواقعية مذهلة تجعلك كقارىء تشعر أنّك عرفت تلك الشخصيات وعشت معها وقائع تاريخ تسرده تلك الشخصيات سواء من حكايا العمّة ميلادة المذهلة في تشويقها و واقعيتها، أو "من أوراق الخوري متري الحدّاد" التي تسردّ تاريخ مدينة وشعب تقرأه روائيا بأسلوب أكثر إثارة وتشويقا من كتب التاريخ التي وثقت ذلك.
فلسفة المواقف الفردية الإنسانية،
سمة جريئة من سمات "ترانيم الغواية" تكاد تكون خروجا عن المألوف أو ثورة على السائد. فمثلا هل خرّق الخوري متري الحدّاد شروط الكهنة الكنيسية؟ ولم لا طالما " الحب كالموت..أنّى شاء طاشت سهامه..لا زمان يردّه ولا مكان..ولا جاه يعانده أو سلطان..لا قدسية أمامه غير إرادته " ، ص 146 . وأيضا التبسيط الآدمي للمفهوم الإلهي حيث هذا المفهوم يقترب عند الغالبية من المحرّمات، لكنّ العمة ميلادة وهي تروي لقطات من علاقتها الغواية مع المطران متري الحداد الذي يرى" شمال بلادنا اخضر و أزرق وألوان..الرب تبارك اسمه، لمّا شق المياه بعصاه وخلق اليابسة لوّن الشمال بالأخضر، وهو يمدّ عصاه إلى الجنوب قلّت الألوان..فدهن الجنوب باللون الباقي منها. وكان الأصفر، رمل وقحط وحر وجراد وسخام..وحتى في بلادنا، فوق خصب و مطر، وتحت صخور وعطشن وكلّما نزلنا قلّ الأخضر " العمّ ميلادة تعقّب : " الله يخليك بلاش تزعّل الله، ما صدقنا رضي علينا..ضحكنا وأخذني في صدره..قال لا تخافي..الله معنا ويعرف أنّنا نفكر وهو يسامحنا لأنّه خلق العقل لنستعملها لا لنحملها فقط"، ص 188 – 189 .
وصفحات مؤلمة من تاريخ القضية،
وتناحر طوائفها وركض حاكمها وخليفتها العثماني وراء مصالح دولته التي تجعله يقيم التحالفات حتى مع خصومه إن كان من نتيجتها مصلحة عثمانية ما، وإن كانت على حساب البلاد والعباد أيا كانت انتماؤتهم وطوائفهم وعائلاتهم، تلك العائلات التي عثرت الروائية كاتبة، والسينمائية مخرجة الفيلم في الرواية، على وثائق كارثية تدين أشهر تلك العائلات وقيادات ما عرف ب "جيش الإنقاذ  العربي"..وعائلات باعت الأراضي للوكالة اليهودية، ص 112 . وكامل معلومات ورقات ( مكتبة الأسرار)107 – 113 ، وأخطرها تطبيق الإنتداب البريطاني قانون الطابو العثماني الذي يبدو انّه لم يكن قانونا بريئا بل تمهيدا تآمريا لسلب ونهب قادمين.  " يجوز لمن يسستثمر أرضا زراعية من عشرة إلى خمسة عشر سنة متواصلة، أن يتقدم بتسجيلهاملكية رقبة، إن لم يعترض على ذلك أحد". وكانت النتيجة لهذا الطابو العثماني " انتقلت ألاف الدونمات سرّا من بدو وسماسرة ومستشمرين، وانتهت إلى الوكالة اليهودية بيعا مباشرا أو عبر وسطاء"، ص 113 . وبالتالي بالمختصر المفيد (ضاعت البلاد وتشرّد العباد)، رغم وحدة المسيحيين والمسلمين في أوقات حرجة حيث استعملوا عقولهم ليتأكدوا أنّ الإنتداب البريطاني والحكم العثماني والوكالة اليهودية لا يفرقون في قتلهم وسجونهم واستيلائهم على الممتلكات بين مسيحي ومسلم فكلاهما في هذه الحالات سواء.
ومن يريد معرفة خلفية عنوان الرواية،
فعليه قراءة الرواية والانتظار لحين وصول سفره بين صفحاتها إلى الصفحة "246 " ليقرأ بعض هواجس الخوري متري الحدّاد : " ارحمني يا الله حسب عظيم رحمتك، حسب كثرة رأفتك أمح معاصيّ، اغسلني  كثيرا من إثمي..أفكار خبيثة أزعجت تعبدي..تسحبني من صلاتي فأتعوذ من شيطان لا يكفّ عن تجربتي..ترانيم غواية يرتلها في أذني تعارض إيماني، تتنافر مع قلنسوة كاهن..صليّت و صمت..قرأت تجربة المخلّص على جبل قرنطل مرات..تصبّرني فأتماسك، فيزداد إبليس شراسة لإغوائي، ورغبة في قهر صمودي". وفي نهاية قراءة الرواية للمرّة الثانية، تذكرت قول "ديفيد لودج": (يشبّه بناء القصة إطار العوارض التي تمسّك المباني الحديثة الشاهقة الارتفاع، فأنت لا تراها ولكنّها تحدّد شكل المبنى وطابعه) "1 "، فإنّ قراءتي لترانيم غواية ليلى الأطرش أوصلتني للعوارض التي حدّدت شكل البناء الفني لهذه الرواية المتميزة. هذه العوارض هي: مدينة القدس أرضا وشعبا ومدينة يختصر تاريخها ماضي وحاضر وطن تمّ الإستيلاء عليه في انتظار أفق لم تبدو أضواءه بعد، ولغة انسيابية غير تقليدية، وشخصيات مثيرة تمكنت الكاتبة من تقديمها كما هي في الواقع وربما عايشها بعض قراء الرواية. رواية أنصح بقراءتها من كل من يريد معايشة هذه العوارض عبر بناء روائي مذهل وشخصيات جذّابه ولغة تحمل بلاغتها الخاصة.
ملاحظات:
1 . من كتاب "الفن الروائي" لديفيد لودج، ترجمة ماهر البطوطي، ص 242 ، ضمن كتب المجلس الأعلى للثقافة في مصر، المشروع القومي للترجمة، عام 2002 .
2 . لمزيد من الروايات الفلسطينية التي أعادت ( بناء المدينة  الفلسطينية روائيا )، يمكن الإطلاع على دراسة لي بهذا العنوان رابطها:
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article10998

16
واقع ومستقبل اللاجئين السوريين في الأردن
د.أحمد أبو مطر

مشاكل اللاجئين و تحديات الأردن
تدخل الأزمة أو الثورة أو الربيع السوري بعد أسابيع قليلة عامها الرابع، حيث انطلق هذا الحراك سلميا في الحادي عشر من مارس 2011 من مدينة درعا السورية المحاذية للحدود الأردنية، مطالبا بالحرية والديمقراطية والخلاص من حكم نظام عائلي طائفي قمعي يخنق الشعب السوري ويسرق ثرواته منذ عام 1970 ، عام الانقلاب العسكري للأسد الأب الذي استمر حتى عام 1999 ثم تمّ توريث ابنه "بشار" بعد تغيير الدستور السوري ، اللا دستور أساسا ليكون على مقاس الوريث الإبن المستمر في السيطرة والتسلط إلى اليوم لتكون هذه الأسرة متمسكة بالحكم والقمع منذ 45 عاما وهي أطول فترة حكم رئاسي في تاريخ الأقطار العربية والعالم أجمع. لذلك لم ينطلق الحراك الشعبي السوري من فراغ بل من واقع أليم يمكن تلخيصه بأنّ الفروع الأمنية المتسلطة في سوريا كان وما يزال من الصعب إحصاؤها، ويكفي التذكير بمذبحة مدينة حماة عام 1981 التي ارتكبتها قوات سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد حيث قتل ما لا يقل عن خمسة وثلاثين ألفا من المواطنين السوريين تحت ذريعة أنّهم من جماعة الإخوان المسلمين، وأيضا ألاف المفقودين في السجون من مختلف الجنسيات العربية خاصة الفلسطينية والأردنية واللبنانية. لقد بدأ الحراك الشعبي السوري من مدينة درعا سلميا، ولكنّ رفض النظام القمعي الإستجابة لأي من طلبات ورغبات هذا الحراك ومواجهته بالسلاح والدبابات والطائرات حولّه إلى مواجهة عسكرية، وصلت دموية النظام إلى استعمال السلاح الكيماوي وابتكار جديد في الحروب هو "البراميل المتفجرة" مما أنتج خلال السنوات الثلاثة الماضية حسب أغلب الإحصائيات قرابة: خمسة ملايين لاجىء سوريا، منهم مليونين إلا ربع في الأردن بالإضافة لما لا يقل عن ربع مليون قتيل.

واقع هؤلاء اللاجئين في الأردن

من المهم الإنتباه في البداية إلى أنّ الأردن الذي يعرف امكانياته الإقتصادية وموارده المحدودة وميزانيته التي تواجه عجزا شبه دائم، قد فتح حدوده منذ اليوم الأول لدخول واستقبال هؤلاء اللاجئين السوريين الهاربين من القمع والقتل والقصف بكافة أنواع الأسلحة، وهو موقف أردني نابع من ترابط تاريخي بين الشعبين ليس بسبب الحدود المشتركة فقط بل التداخل العائلي والعشائري خاصة بين شمال الأردن و جنوب سوريا (محافظة درعا ) وجوارها، وإلا كان بإمكان الأردن منذ البداية إغلاق حدوده مع سوريا ومنع وصول أعداد اللاجئين السوريين هذا العدد (مليونين إلا ربعا ) اليوم. وهذا الموقف الإنساني ليس جديدا على ممارسات الأردن فالكل يعرف ويتذكر كيف استضاف الأردن في ثمانينات القرن الماضي في زمن الراحل الملك حسين العشرات من قيادات الإخوان المسلمين السوريين الهاربين من قمع وسجون حافظ الأسد خاصة بعد مذبحة حماة الشهيرة.

 تعيش غالبية اللاجئين السوريين في العديد من مخيمات اللجوء في مناطق متفرقة في الجانب الأردني التي اشتهر منها "مخيم الزعتري" في شمال الأردن حيث تعيش نسبة عالية من لاجئي المخيمات. هؤلاء اللاجئون يعيشون في الغالب على مساعدات وكالة الغوث الدولية (الأونروا) التي توفّر لهم بإشراف الحكومة الأردنية ومؤسساتها الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية، إذ أنّ توفير هذه المتطلبات لهذا العدد من الاجئين ليس سهلا على دولة عظمى وليس وكالة الغوث والحكومة الأردنية. لذلك فإنّ واقع هؤلاء اللاجئين رغم مساعدات وكالة الغوث ليس مريحا، لذلك يتمنى غالبية هؤلاء اللاجئين استقرار الأمن في وطنهم كي يعودوا رغم المجهول حول بيوتهم وأملاكهم التي تركوها منذ ثلاثة سنوات، وتشير
بعض المعلومات أنّه في الثلاثة شهور الماضية عاد حوالي سبعين ألفا من هولاء اللاجئين خاصة أنّ غالبية الحدود السورية مع الأردن وما فيها من معابر نحو الوطن سوريا تقع تحت سيطرة الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة، وبالتالي عودتهم لوطنهم سوريا لا يحمل مخاطر التعرض لقمع أجهزة النظام.

الأعباء الواقعة على الجانب الأردني

النظرة والدراسة الموضوعية والمعايشة الميدانية لواقع اللاجئين السوريين في الأردن يمكنها بسهولة رصد التحديات والأعباء التي يفرضها هذا العدد الهائل من اللاجئين على المجتمع الأردني الذي يعيش أساسا صعوبات وتحديات اقتصادية كبيرة بسبب العجز شبه الدائم في الميزانية وقلة الموارد الطبيعية التي تجعل مشكلة الكهرباء والماء والنفط والغاز شبه دائمة، هذا بالإضافة لموجات جديدة من هجرة العراقيين نتيجة العنف المستمر في بلادهم.  وبالتالي يمكننا استيعاب هذه الأعباء من خلال الأسئلة التالية:

1 . كيف و من يستطيع تأمين العلاج والرعاية الطبية لمليونين إلا ربع من اللاجئين السوريين؟
2 . أية مستوصفات ومستشفيات طبية تستطيع استقبال مرضى هذا العدد الهائل؟
3 . أية رياض أطفال ومدارس وجامعات تستطيع استيعاب أطفال وطلاب وطالبات هذا العدد الهائل؟
4 .كيف يمكن تأمين الماء والكهرباء لهذا العدد عند تذكر أنّ المواطن الأردني قبل دخول هذا العدد من أشقائه اللاجئين السوريين، كان يعاني من شحة الماء وارتفاع فاتورة الغاز والكهرباء؟

و يمكن تخيل هذه الصعوبات والأعباء على الجانب الأردني من خلال تذكر الأرقام التالية:

لو افترضنا أنّ كل لاجىء سوري يحتاج يوميا ثلاثة أرغفة من الخبز، هذا يعني أنّ الواقع الأردني يتطلب منّه توفير حوالي خمسة ملايين رغيف خبز يوميا. ونفس الرقم نتيجة السؤال عن كم ليتر ماء، و وات كهرباء يحتاج كل لاجىء سوري يوميا. فأية دولة تستطيع توفير هذه المتطلبات التي يحتاجها هذا العدد من اللاجئين السوريين الذين أرغمتهم ظروف قاسية على مغادرة وطنهم، فلولا القتل والسجون والبراميل المتفجرة من نظام قاتل ما غادر واحد منهم ربوع الشام التي يحنّ العرب لزيارتها والتمتع بطبيعتها الخلابة.

الأعباء الأمنية والإجتماعية على الأردن
وهذه أعباء هائلة لا تستطيعها إلا قوى عظمى، لأنّ هذا العدد الهائل من اللاجئين السوريين مضافا لهم الافا أخرى من اللاجئين العراقيين يحمّل قوى الأمن الأردنية أعباءا هائلة كي لا يتم اختراق هذه الألاف من قوى إرهابية أو تابعة للنظام كخلايا نائمة تسعى لزعزعة الأمن الداخلي الأردني، وهذه رغبة واضحة للنظام السوري الذي يعتبر أية قلاقل واضطرابات داخلية في دول الجوار تخدم بقاءه وطرق مواجهته لقوى الثورة السورية. وفي الجانب الشعبي الأردني أدت هذه الملايين من اللاجئين إلى إحداث خلل في مجال الوظيفة والعمل الأردني مما أحدث تذمرا واضحا من غالبية نسيج المجتمع الأردني، حيث أحدثت حالات اللجوء هذه منافسة غير عادلة في سوق العمل الأردني الذي يعاني أساسا من نسبة في البطالة وعجزا في الميزانية خاصة إذا تذكرنا أن حجم المساعدات الدولية للأردن لا ترقى إلى تغطية الحد الأدنى من احتياجات هولاء اللاجئين، وسوف تزداد المشكلة والمعاناة مع حلول الشتاء حيث البرد القارص والأمطار الغزيرة، مما سيجعل مخيمات هؤلاء اللاجئين في خطر محدق في غالبية مجالات حياتهم، خاصة بعد قرارات وكالة الغوث الدولية تخفيض البطاقات التموينية الممنوحة لهؤلاء اللاجئين بنسبة خمسين في المائة، ونفس نسبة التخفيض تمت في مجال العلاج في المستشفيات الحكومية الأردنية، وهذا القراران من شأنهما تحميل الحكومة والمجتمع الأردني أعباءا هائلة من الصعب تحملها على دول اقوى اقتصادا وميزانية وبنية تحتية، كما لاأنّها ستجعل حياة مئات ألاف من اللاجئين السوريين جحيما حقيقيا. وسوف تزداد معاناة هؤلاء اللاجئين و أعباء الحكومة الأردنية بعد قرار "برنامج الغذاء العالمي" وقف أعماله في أوساط هؤلاء اللاجئين و وقف صرف بطاقاته التموينية لهم بسبب العجز المالي الذي يعانيه البرنامج.

هل هم لاجئون في الأردن إلى الأبد؟

تسعى و تتمنى بعض القوى الدولية أو ترى من منظورها التحليلي لواقع الحرب السورية أنّ هؤلاء اللاجئين السوريين في الأردن هم لاجئون إلى الأبد، ويستدلّون على ذلك بواقع اللجوء الفلسطيني الذي حصل عام 1948  رغم أنّ المقارنة ليست صحيحة، فلم يحصل عام 1948 لجوءا فلسطينيا إلى المملكة الأردنية الهاشمية، ولكن بعد قيام دولة إسرائيل بقيت الضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية إلى أن إتخذ الفلسطينيون في الأول من ديسمبر عام 1949 فيما عرف ب "مؤتمر أريحا" قرارا يدعو إلى وحدة الضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية برئاسة الملك المؤسس عبد الله بن الحسين، ثم صادقت الحكومة الأردنية ومجلس الأمة الأردني على القرار الفلسطيني، وفي الحادي عشر من أبريل عام 1950 جرت انتخابات عامة شملت ضفتي المملكة تبعها الإعلان الرسمي عن توحيد الضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية في نيسان 1950، مما نتج عنه حمل كافة سكان الضفة الغربية للجنسية الأردنية . واستمرت هذه الدولة الموحدة بضفتيها عضوا في الجامعة العربية والجمعية العامة للأمم المتحدة إلى يونيو 1967 عام احتلال الضفة الغربية من قبل دولة الإحتلال الإسرائيلي، ولم تعترف المملكة الأردنية الهاشمية بهذا الإحتلال، فظلّ كافة سكان الضفة الغربية يحملون جنسيتهم الأردنية ويتنقلون من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية بدون أية قيود كمواطنين أردنيين، إلى أن أصدر الراحل الملك حسين عام 1988 قرار فك الإرتباط مع الضفة الغربية، بناءا على طلب منظمة التحرير الفلسطينية على اعتبار أنّ هذا القرار يعزّز الكيانية الفلسطينية وصولا لدولة فلسطينية مستقلة.

 لذلك استنادا لهذه الحقائق التاريخية لا يمكن مقارنة اللجوء السوري الإضطراري للمملكة الأردنية بواقع الإرتباط الفلسطيني بالمملكة كما أوضحته الحقائق السابقة. من هنا يمكن التأكيد أيا كانت رغبة بعض الأطراف الدولية اعتبار اللجوء السوري إلى الأردن لجوءا أبديا، فإنّ الأردن والشعب الأردني يرفض ذلك لأنّ هذا اللجوء المتزايد يوميا من شأنه ايجاد واقع ديمغرافي ليس باستطاعة الأردن أو مصلحته تحمله والقبول به، كما أنّ غالبية استطلاعات الرأي بين اللاجئين السوريين تؤكد رغبتهم المطلقة بالعودة لوطنهم فور حصول الأمن والإستقرار ، وتوجد ألاف منهم كما ذكرّت سابقا عادوا إلى وطنهم رغم استمرار الحرب والقصف بالبراميل المتفجرة، لذلك فحكاية (لاجئون إلى الأبد) مجرد وهم لدى بعض الأطراف التي تريد استمرار معاناة هؤلاء اللاجئين وتزايد الأعباء الإقتصادية والإجتماعية على الأردن.

مشاهدات و شهادات ميدانية
تصادف أكثر من مرة خلال الأيام العشرة التي أمضيتها في الأردن متنقلا في أكثر من مدينة أن تحدثت مع لاجئين سوريين بالصدفة وليس من خلال تخطيط مسبق إذ تصادف أن كانوا جالسين قربي في مطاعم أو مقاهي، وهم يريدون الحديث عن معاناتهم مع أي شخص يفتح أذنيه وقلبه لهم. هؤلاء اللاجئون التي تحدثت معهم بالصدفة كانوا خمسة على مدار يومين، وهم من شرائح مختلفة من نسيج المجتمع السوري، و قد أكّدوا جميعا بصراحة  و وضوح على ثلاثة أمور:

الأول، الشكر الجزيل للحكومة والشعب الأردني على فتح الحدود لهم و استقبالهم وتقديم مساعدات لهم أكثر كلفة من مساعدات وكالات الغوث الدولية ، وهم يقدّرون ذلك عاليا لأنّهم يعرفون أنّ هذه المساعدات أكثر من قدرة الحكومة والمجتمع الأردني، وهي في الغالب تتمّ على حساب مساعدات مماثلة يجب أن تقدّم للمواطن الأردني.

الثاني، تأكيدهم بوضوح وإصرار أنّهم عائدون لوطنهم سوريا فور هدوء الوضع الأمني أو سقوط ورحيل النظام، وأنّهم لن يقبلوا مهما كانت الظروف صعبة أن يبقوا لاجئين بعيدا عن وطنهم. وإن تلكأ المجتمع الدولي في مساعدة قوى الثورة السورية لإسقاط النظام فهم أيضا عائدونلوطنهم سوريا، فالموت هناك في ثقافة وتربية السوري عبر مئات السنين أفضل من حياة الضنك والفقر في مخيمات اللاجئين.

الثالث، لومهم الشديد ونقدهم القاسي لكافة دول العالم خاصة العظمى صاحبة الإمكانيات الإقتصادية الكبيرة على تقصيرها في دعمهم ودعم الحكومة والشعب الأردني الذي يستضيفهم منذ ثلاثة سنوات.


إزاء هذا الواقع يصبح السؤال المركزي الإنساني الملح هو:

ما دور المجتمع العربي والدولي إزاء هذا الواقع؟

هذا الوضع الإنساني الصعب للاجئين السوريين في الأردن خاصة مع دخول فصل الشتاء القاسي يحتّم على المجتمع العربي والدولي الإسراع في دعم كبير للأردن في كافة المجالات الحياتية، خاصة الصحية والمائية والكهربائية التي تحتاج لمبالغ مالية طائلة ليس بإستطاعة الميزانية الأردنية مواجهتها بدون هذا الدعم العربي والدولي. وهذا الدعم ليس من أجل الشقيق اللاجىء السوري بل أيضا من أجل المواطن الأردني الذي يعاني كثيرا من هذا الوضع في نفس الوقت الذي يتألم على الحال الذي فيه شقيقه اللاجىء السوري. إنّ أي مشاهد ميداني لهذا الواقع لا يملك إلا الصراخ أمام المجتمع العربي والدولي: رجاءا تحركوا فبإمكانكم الدعم الذي لن يؤثر على أوضاعكم ولكنّه سينقذ ملايين من اللاجئين السوريين والمواطنين الأردنيين من واقع قاس لا يرضاه أي ضمير إنساني.

الرأي النهائي و النصيحة الواقعية لمسؤولي ملف اللاجئين السوريين عبر العالم:
أرى ضرورة الإقتناع بحقيقة أنّ اللاجئين السوريين في الأردن هم لاجئون مؤقتون ولم يقبلوا باي شكل وفي أية ظروف أن يستقروا في الأردن نهائيا، وهم عائدون لوطنهم سوريا مهما كانت أوضاعه ونتيجة هذه الحرب الدائرة منذ ثلاثة سنوات. وهذا يتطلب إلغاء فكرة ( لاجئون إلى الأبد ) وتوقف بعض مراكز القوى على تغذيتها والعمل من أجل تقويتها وجعلها حقيقة واقعة فهي لن تحصل مهما بذلوا من جهد واتصالات. وفي مقابل ذلك من الضروري دعم الأردن اقتصاديا و ماليا لمواجهة هذه التحديات، لأنّ استقرار الأردن أمنيا واجتماعيا ضرورة لإستقرار كافة دول المنطقة خاصة جيرانها.

 

17
الثقافة والتربية العربية بين الشيطنة و التأليه
د.أحمد أبو مطر
هذه ليست ظاهرة جديدة في الحياة الثقافية والتربية العربية، بل نعيشها منذ عصور طويلة حيث لا وسطية أو موضوعية في الأحكام. فمن نحبه شخصا نقدّسه وصولا لمرحلة التأليه، ومن نكرههه نعاديه وصولا لمرحلة الشيطنة، وبالتالي الشخص في ثقافتنا إما إلها أو شيطانا. أي لا توجد لدينا وسطية تورد ايجابيات الشخص و سلبياته او سلبياته فقط إن لم تكن له ايجابيات ولكن بإسلوب علمي موضوعي يعتمد على الحقائق التي تدحض حقائق مغايرة.  وأفضل مثال قديم على أسلوب الشيطنة والتأليه هو:
الشاعر أبو الطيب المتنبي،
الذي ولد في مدينة الكوفة العراقية عام 915 م ، ومن صغره عاش حياة الشعور النرجسي المتضخم ، إلى درجة أنّه وصف و مدح نفسه قائلا:
سيعلم الجمع ممن ضمّ مجلسنا      بأنّني خير من تسعى به قدم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي     وأسمعت كلماتي من به صمم
هذا الشعور الذي يضع نفسه فوق كل البشرية ( من تسعى به قدم ) ، قاده ليظلّ طامعا في سيادة أو ولاية ما وبأي ثمن كان، لذلك تنقل في فكره بين الشيعة والزيدية وفي مدن أخرى إدّعى انّه علوي كي يلتحق به المريدون، فسجنه لؤلؤة أمير حمص وأودعه السجن لمدة سنتين، ثم التحق ب "سيف الدولة الحمداني " طامعا في ولاية ما وظلّ يمدحه تسع سنوات متتالية، فلمّا خذله سيف الدولة سافر إلى مصر حيث كان حاكمها "كافور الأخشيدي" الذي عرف نفسية المتنبي  فقاده ذكاؤه لإستغلال هذا الإنتهازي فوعده بولاية ما، فبدأ هذا الشاعر في تدبيج قصائد مديح في كافور الأخشيدي لمدة أربع سنوات كاملة، قال فيه المرة الأولى:

أبا المسك ذا الوجه الذي كنت تائقا      إليه ، وذا اليوم الذي كنت راجيا
إذا  لم تنط  بي ضيعة  أو ولاية         فجودك يكسوني وشغلك يسلب 
ويغالي في مديحه الإنتهازي قائلا في كافور:

ولكن بالفسطاط بحرا أزرته    حياتي ونصحي والهوى والقوافيا
ثم يفصح علانية عن رغبته و أمنيته من كافور الأخشيدي:

وغير كثير أن يزورك راجل    فيرجع ملكا للعراقيين واليا

وعندما اقتربت سنته الرابعة في مصر وهو يمدح كافور ويهين نفسه أمامه دون ولاية أو وعد بها، قال بإذلال لا مثيل له مخاطبا كافور:

مولاي هل في الكأس فضل أناله   فإنّي أغني منذ حين و تشرب

ولما بلغ به اليأس منتهاه وأدرك أنّ كافور يستغله  كي ينال مديحا أكثر،  ترك مصر وبدأ ينظم عكس مديحه تماما، هاجيا كافور بأقذع الصفات واللعنات، وتكفي الأبيات التي سمعها و حفظها الكثيرون خاصة النزعة العنصرية فيها كون كافور الأخشيدي أسود اللون:

العبد ليس  لحر  صالح  بأخ     لو أنّه  في  ثياب  الحر  مولود
لا تشتر العبد إلا والعصا معه    إنّ  العبيد  لأنجاس    مناكيد

ثم يقول في كافور بعنصرية كريهة:
و تعجبني رجلاك  في النعل أنّني     رأيتك  ذا  نعل  ولو كنت حافيا
وأنّك لا تدري  ألونك   أسود           من الجهل أم قد صار أبيض صافيا

ويواصل المتنبي فاضحا عنصريته المقيتة فيقول في كافور:

لا يقبض الموت نفسا من نفوسهم     إلا وفي يده من نتنها   عود
من علم الأسود المخصي مكرمة    أقومه البيض أم آباؤه   السود
أم أذنه في يد  النخاس    دامية        أم قدره وهو بالفلسين مردود

فهل هناك انتهازية أكثر من هذا تتأرجح بين التأليه والشيطنة والعنصرية التي لو قالها وأفصح عنها شخص ما اليوم لتمّ تقديمه للمحاكمة؟ ورغم ذلك يعتبر كثيرون أبو الطيب المتنبي شاعر العروبة والعرب..

وشفيق الكمالي مثالا معاصرا

إذ تكفي هذه الأبيات التي قالها في صدام حسين:

تبارك وجهك الوضاء فينا      كوجه الله ينضح بالجلال
 عليهم قد دخلنا ديزفال        هزمنا الفرس ضربا بالنعال
ثم واصل انتهازيته وتأليهه لصدام محتقرا كل الشعب العراقي قائلا:
 ( لولاك ما طلع القمر، لولاك ما هطل المطر، لولاك لما أخضر الشجر، لولاك أيضا ما رأى أحد ولا عرف النظر، لولاك ما كان العراقيون معدودين في البشر، بل لم يكونوا في الخلائق، أو لكانوا بدون سمع أو بصر، إنا لنحمد حظنا، إذ كنت حصتنا وجاء بك القدر).
ويواصل كذبه لدرجة الكفر إذ رأى في عيني صدام الله تعالى والعرب أجمع:
  أخي صدام لا زلفى ولكن بعض ما وجبا    فما أنت الذي يزهو بمدح قيل أو كتبا 
ولست بشاعر يرجو نوالا منك أو نسبا        ولكنني رأيت الله في عينيك   والعربا

ثم يقوم صدام بقتله هو وابنه يعرب!!!
وامثلة معاصرة من التأليه والشيطنة:
مرسي و السيسي
بعد أن قام الفريق عبد الفتاح السيسي بعزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، انقسم الشارع المصري والعربي ايضا ضمن توزيعة التأليه و الشيطنة، فأنصار كل من مرسي والسيسي جعلوا منهما إلها واجب الإحترام والتقديس. وكمثال فقط فقد قال أحد شيوخ الأزهر لا داعي لذكر اسمه عن السيسي  : " إنّه بمثابة الرسول الذي أرسله الله لمصر لينقذ شعبها " . وضمن نفس مسيرة التأليه قال لواء سابق بالجيش المصري: " السيسي ابن سيدنا الحسين وأرسله الله لينقذ مصر من الإخوان المسلمين ". وفي المقابل يرفض أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي أية انتقادات له حتى لو نقدته في توجيهه خطابا رسميا لرئيس الكيان الصهيوني شيمعون بيريز يخاطبه فيه ب " صديقي العزيز "، او أن تسأل لماذا لم يفكّر الرئيس مرسي طوال عام من حكمه في الغاء اتفاقية كامب ديفيد التي يطالب أنصار عودة الشرعية الآن بضرورة الغائها. وللحقيقة فقد بالغ الرئيس مرسي وانصاره في تضخيم انجازاته خلال سنة واحدة من حكمه بإصدار كتيب عن انجازات الرئيس من 56 صفحة يتحدث بمبالغة لم يعشها الشعب المصري عن انجاوات الرئيس "السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسة الخارجية والعسكرية والتعليم والصحة والنقل والعمال ومكافحة الفساد وشهداء ومصابى الثورة والحريات العامة والحياد الشخصى". وكذلك أنصار الفريق السيسي الذين يشيكنون كل من يخالفه أو ينتقده.

واخيرا تأليه أردوغان وشيطنة خصومه

كان أردوغان رئيس وزراء تركيا من مارس 2003 إلى أغسطس 2014 ، وهو رئيس تركيا منذ العاشر من أغسطس 2014 بعد نجاحه في الإنتخابات الرئاسية التركية. وقبل هذه الانتخابات توجه شيخ أزهري مشهور للغاية للشعب التركي داعيا إياه أن ينتخب أردوغان لأنّه " الرجل القوي الأمين، الحفيظ العليم، المخلص لبلده ودينه وأمته..أردوغان سينجح لأنّ الله معه و جبريل و صالح المؤمنين". وضمن نفس التيار حقيقة يرفض أنصار أردوغان اية انتقادات له حتى ولو كانت:

_ فضّه لإعتصام ألاف من الشعب التركي في ساحة تقسيم بمدينة استانبول بالقوة ووقوع قتلى وجرحى.
_ استمرار رفضه وكافة حكام تركيا من قبله الاعتراف بالمجازر الجماعية التي تعرض لها الشعب الأرمني في سنوات الحرب العالمية الأولى وراح ضحيتها ما يزيد على مليون مواطن أرمني.
_ استمراره وكافة حكام تركيا من قبله في احتلال لواء الإسكندرونة السوري العربي منذ عام 1936 .
_ استمراره وكافة حكام تركيا من قبله في مصادرة غالبية حقوق الومية الكردية داخل تركيا التي تزيد عن 11 مليون نسمة بما فيها حقهم في استعمال لغتهم القومية الكردية.
_ استمراره في الاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي وقيام كافة العلاقات معها من دبلوماسية و عسكرية واقتصادية وسياحية..هذا الاعتراف منذ عام 1950 حلال على أردوغان وحكام تركيا المسلمين وحرام على الحكام العرب.

وهكذا تكفي هذه الأمثلة القديمة والحديثة للتدليل على نزعة الشيطنة والتأليه في ثقافتنا العربية حيث لا ثالث لهما، وبالتالي فغالبيتنا إما أنت معي وأفكاري أو انت شيطان يستحق الرجم، بدليل الصراخ والضرب بالأحذية وطفايات السجاير وإطلاق الرصاص علانية في بعض البرامج التلفزيونية والبرلمانات العربية..ولا نستغرب شيوع هذه الممارسات عندما يكون من أشهر الأمثلة العربية المتداولة منذ مئات السنين : " خذوهم بالصوت العالي قبل أن يغلبوكم" و " أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب "..وقول الشاعر عمرو بن كلثوم:
ألا  لا يجهلن أحد علينا    فنجهل فوق جهل الآخرينا
www.drabumatar.com





18
السنّة والشيعة طائفيون بينهم فتنة لن تتوقف فعمرها أكثر من ألف سنة
د.أحمد أبو مطر
سألني صديق السؤال التالي: ضمن ما يشهده العالم العربي من قتال طائفي، أيهما في رأيك أكثر طائفية السنّة أم الشيعة؟. قلت له: سؤال معقد ولكن ليس صعبا الإجابة عليه إجابة محايدة موضوعية. وستكون إجابتي معتمدة على ملاحظتين:

 الأولى، القراءة التاريخية لسنوات هذا الصراع الطائفي الذي تعود جذوره التاريخية إلى عام 36 هجري الذي وقعت فيه ما اشتهرت بإسم "موقعة الجمل" بين جيش الإمام علي إبن أبي طالب والجيش المواجه له بقيادة الصحابيين طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ومعهما زوجة الرسول السيدة عائشة، وقد حدثت هذه المعركة في مدينة البصرة العراقية قبل قرابة 1400 عام بعد مبايعة الإمام علي بن أبي طالب عقب مقتل الخليفة عثمان بن أبي عفان، واعتقاد الطرف المناوىء له أنّه تلكأ في القصاص من قتلة عثمان، وصفة الجمل رافقت هذه المعركة استنادا إلى معلومة مشاركة السيدة عائشة فيها وهي في هودج حديدي على ظهر جمل. وعقب هذه الموقعة بعام واحد وقعت ما عرفت بإسم "معركة صفين" بين جيشي الإمام علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان التي كان من نتائجها حسب تقديرات مراجع إسلامية سقوط قرابة سبعين ألف قتيل من الطرفين، و "صفين" إسم مكان على نهر الفرات شرق سوريا. تطورت هذه البدايات التاريخية  لتتشكّل أهم وأشهر طائفتين وأعقد وأكثر كراهية لبعض في تاريخ الإسلام وهما "السنّة" الذين يعتبرون أنفسهم مؤيدي سنّة الله ورسوله وفي نفس الوقت محبين ومقدّرين للإمام علي،  و "الشيعة" الذين يعتبرون أنفسهم مؤيدي وشيعة علي بن أبي طالب وفي الوقت نفسه متبعين لسنّة الله ورسوله، وهنا تكمن المفارقة فكل طائفة تعتبر نفسها هي الفرقة الناجية اعتمادا على نبوءة الرسول في حديثه :( وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ). وعلى مرّ القرون تعتبر كل طائفة من السنّة وتفريعاتها والشيعة وتفريعاتها أنّها هي الطائفة أو الفرقة التي عنّاها الرسول في حديثه هذا، هذا رغم أنّ داخل كل طائفة العديد من الفرق لا يعترفون ببعض ويكفرّون بعض. ومن خلال هذا الصراع البغيض ظهر مصطلحي "النواصب" و"الروافض". والنواصب كما يعرّفهم الشيخ ابن عثيمين هم: ( هم الذين ينصبون العداء لآل البيت ويقدحون فيهم ، ويسبونهم ، فهم على النقيض من الروافض ). أمّا الروافض حسب تعريف الإمام أحمد وهو التعريف السائد فهم : ( الذين يتبرؤن من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبونهم وينتقصونهم ) خاصة أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، لدرجة القطيعة شبه النهائية حيث تندر تسمية (علي) و (عمر) بين هذه الفرق، ويحدث القتل على الهوية والإسم لكل من يحمل إسم عمر وعلي.

الثانية: معايشتي الميدانية للشعب العراقي حيث الأغلبية من الطائفة الشيعية، حيث عملت عامين مدرسا في جامعة البصرة، وعايشت شعوب ما لا يقل عن سبعة أقطار عربية الغالبية السكانية المطلقة فيها من الطائفة السنّية.
وأستطيع اعتمادا على الخلفيتين السابقتين،
تقرير مجموعة من الحقائق رغم نفي أو انكار معتنقي كل طائفة لها، فالواقع الميداني المعاش في عدة اقطار عربية يؤكد هذه الحقائق رغم نفي البعض أو أغلبية كل طائفة لها. من هذه الحقائق:

1 . توجد حرب حقيقية خفية وعلنية بين السنّة والشيعة، تتمثل في تصفيات حقيقية بين الطائفتين أو مصادرة كاملة لحقوق بعض الطوائف. ففي سوريا مثلا منذ وصول حافظ الأسد للسلطة عقب انقلابه الدموي انتهت كافة سوريا شعبا ووطنا وثروة بيد أقربائه ومواليه من الطائفة العلوية التي تعتبر نفسها فصيلا شيعيا وبعض الشيعة لا يعترفون بذلك ، ويكفي التذكير بأنّ كافة أجهزة الأمن والمخابرات وقادة الجيش بيد أبناء الطائفة، والاقتصاد السوري يسيطر على غالبيته عائلة زوجته (آل مخلوف)، وتستمر هذه الهيمنة منذ توريث نجله بشار عام 2000 ليستمر حكم هذه العائلة منذ 45 عاما، سطّر تاريخها الأعوام الثلاثة الماضية بشار الأسد بالدم والبراميل المتفجرة حيث سيدخل موسوعة جينس بتهجيره على الأقل خمسة ملايين سوري، وقتله لما لا يقل عن ثلاثمائة الف سوري حتى الآن غالبيتهم المطلقة بقصد مسبق من الطائفة السنّية.

2 . ما يحدث في العراق منذ عام 2004 شاء من شاء وأبّى من أبّى هو حرب طائفية علنية تتم بالسيارات المفخخة والانتحاريين الإرهابيين من السنّة ضد الشيعة ومن الشيعة ضد السنّة، وتجري أغلب هذه التفجيرات الإرهابية في وسط الحشود الدينية من الطائفتين وفي المساجد والحسينيات، حيث تقتل بعض الحواجز كل من يحمل إسم علي وحواجز أخرى تقتل كل من يحمل إسم عمر...وهكذا مسلسل دموي إجرامي تمارسه كل طائفة علانية وبفخر ضد الطائفة الأخرى.

3 . الهجوم الذي جرى يوم الإثنين الثالث من نوفمبر الحالي ضد مجلس عزاء حسيني شيعي في مدينة الأحساء السعودية خلافيته طائفية واضحة من سنّة ضد الشيعة، وحسب بيان الجهات الرسمية السعودية فهو من تنفيذ أصحاب الفكر الضال، وهو الوصف الذي يطلق غالبا على تنظيم القاعدة السنّي، وأعقب ذلك الهجوم إغلاق قناة الوصال السنّية التي تبث الفتنة والتحريض على الإرهاب حسب وصف وسائل الإعلام.

4 . اعترفوا أم أنكروا فإنّ حديث كل طائفة ضد الطائفة الأخرى في مجالسهم الخاصة وفي مساجدهم وحسينياتهم لا يمكن وصفه أو امتلال الشجاعة والحق في ذكره وكتابة بعضه فهو أحاديث ترقى لحد الشائم القذرة والطعن في الأعراض بأقبح الشتائم.

لذلك فهذه الحرب الطائفية بين السنّة والشيعة قائمة منذ زمن موقعة الجمل، واستعرت أوارها علانية بين الطائفتين العقود الأربعة الماضية بفعل التسعير الطائفي عبر مئات القنوات الفضائية الطائفية المملوكة لشخصيات من كلا الطائفتين. وبالتالي بناءا على معطيات الواقع سوف تستمر هذه الحرب الطائفية إلى أن يتعقل شيوخ ومسؤولو الطائفتين كما حصل بعد الحروب والتصفيات الكاثوليكية البروتستانية في أوربا التي حصدت أرواح عشرات الملايين، فاستفاق بعد حين مسؤولو وقساوسة الطائفتين مدركين أنّه من المستحيل انتصار نهائي لطائفة ضد طائفة، وهكذا تعيش أوربا منذ انتهاء تلك الحروب دون ان يسأل شخص آخر عن هوية كنيسته أو مذهبه...فهل يحتاج العرب إلى مئات الملايين من القتلى على خلفيات طائفية كي يصحو الجميع ويعيشوا في وئام ومحبة تاركين الحكم على الآخر وعلى من هي الفرقة الناجية لله تعالى وحده.
علما أنّ كافة القتلى منذ زمن موقعة الجمل،
يفترض أنّ مصيرهم في النار، وذلك ليس فتوى مني بل استنادا لحديث الرسول: (عن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قلت: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه متفق عليه )...ومن له اعتراض فليشرح لنا مضمون حديث الرسول، وهل سينطبق على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب وأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنهما ومن كان من الصحابة معهما.  مجرد سؤال نتمنى من المختصين افادتنا وتزويدنا بكيفية فهم مضمون حديث الرسول هذا، لأنّه يفترض أيضا تطبيقه على كل قتلى الحروب العربية-العربية.
www.drabumatar.com

 



19
بدعم من مجتمعاتنا العربية: دخلنا الزمن الداعشي!!!

د.أحمد أبو مطر
يتفاءل البعض ومنهم التحالف العربي الدولي بأنّ غارات هذا التحالف الجوية على مواقع داعش في سوريا والعراق سوف تقضي على المدّ الداعشي. وهذا تفاؤل ليس في محله تنفيه بشكل قاطع تجارب الماضي المماثلة في مواجهة تنظيمات شبيهة بداعش أو ولدت داعش من رحمها، كما تنفيه وقائع مجتمعية عربية داعمة لداعش ومصفقة لممارساتها التي يستنكرها البعض متناسين أنّها كانت وما زالت ممارسات سائدة في مجتمعات عربية بشكل علني منذ عشرات السنين دون أن تواجه بهذا الاستنكار الذي واجهته ممارسات داعشن وكأنّ بوصلتهم تقول: حلال على مجتمعات عربية حرام على دولة داعش.
دعم نسبة من المجتمعات العربية
هذه الحقيقة المعاشة ميدانيا خاصة في سوريا والعراق لا يمكن نفيها ولا تحتاج إلى جهد لإثباتها، فهي مثبتة من خلال التساؤل: من أين جاء ألاف الشباب الذين يشكلّون جيش داعش، هذا الجيش الذي انهزم وهرب أمامه الجيش العراقي سواءا بأوامر من قيادته أو خوفا وجبنا؟. ألاف الشباب هؤلاء جاءوا من غالبية المجتمعات العربية ولا أعتقد انّ هناك مجتمعا أو جنسية عربية لا تجد العشرات أو المئات منها بين هذا الجيش الداعشي. ويكفي أنّ رئيس الوزراء الأردني الأسبق "معروف البخيت" قال صراحة في محاضرة في العاصمة الأردنية عّمان مساء السبت (18 أكتوبر/تشرين الأول): أنّ "التقديرات الأقرب للواقعية تشير إلى أن ما بين ألفين إلى أربعة آلاف سلفي أردني ينتمون للتيار التكفيري"، مؤكدا أن "نحو 1300 منهم يقاتلون في العراق، قتل منهم ما يزيد عن مائتي عنصر". وهناك بعض هذه الشخصيات التكفيرية من ذهب صراحة وعلانية وبفخر وزهو للإلتحاق بجيش داعش في سوريا، وكأنّه قد التحق بجيش عربي على أبواب القدس لتحريرها من الاحتلال الصهيوني. هذا المفتخر بداعشيته هو السلفي الأردني "سعد الحنيطي" وكان قد سبقه أو معه في الوقت نفسه سلفي أردني آخر هو "عمر مهدي آل زيدان". وكذلك من مصر حيث كشف خبراء لموقع الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله" عن أن هناك نحو 10 آلاف مصري يقاتلون في سوريا والعراق منهم نحو 1700 انضموا لتنظيم "الدولة الإسلامية، داعش"، وأيا كانت الدقة في هذه الأرقام فأنّ كافة الشواهد عبر الخلايا النائمة والفاعلة في مصر تؤكد أنّ هناك نسبة عالية من الصحة في هذه الأرقام، حيث كان نسيج المجتمع المصري منذ سبعينات القرن الماضي هو المنتج لبدايات الفكر السلفي التكفيري، ويكفي تذكر منظّرّهم القيادي في تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري" قد أعلن بالصوت والصورة تأييده لداعش ومبايعته لقائدها أبي بكر البغدادي أميرا للمؤمنين معتبرا أنّ هذا البغدادي الإرهابي بامتياز مشين أحد قادة المسلمين. فإذا كانت هذه الشخصيات السلفية التكفيرية من أعضاء داعش ومبايعيها، فكيف نلوم الشباب الجهلة الذين غالبيتهم دون سن الخامسة والعشرين ولم يكملوا دراستهم للمرحلة الثانوية؟
ومن تونس وغيرها مجاهدات النكاح،
وهذا ليس فبركة وادعاءا فقد جاء على لسان وزير الداخلية التونسي "لطفي بن جدو" في جلسة مساءلة علنية أمام البرلمان التونسي نقلها التلفزيون الرسمي اعترف فيها بأنّ فتيات تونسيات سافرن إلى سوريا تحت مسمّى "جهاد النكاح" وأنّ بعضهن قد عدنّ إلى تونس وهنّ حوامل. وقد تم بث العديد من الفيديوات على اليوتيوب لفتيات اعترفن بهذا الجهاد، وأنّ بعضهن مورس معهن هذا الجهاد عشرات المرات من مجاهدي داعش الأشاوس.
ومن ينكر جرائمهم وسبيهم للنساء الإيزيديات؟
هذه الجرائم التي لا ينكرها أحد بما فيهم أولئك المجرمون الداعشيون الذين يفتخرون بسبيهم هذا وبيعهم للنساء المعتقلات للمجاهدين كي يرتاحوا جنسيا ويتفرغوا للجهاد بإسم الإسلام والمسلمين..ويكفي ذلك الاتصال الذي تمكنت أسيرة يزيدية لدى الدواعش إجراءه بمقاتلي البيشمركة الكرد راجية منهم أن يقصفوا المبنى الذي توجد فيه أسيرة مع عشرات من الفتيات والنساء كي تموت وترتاح، لأنّ أولئك المجرمين يغتصبونها عند الصباح فقط ثلاثين مرة لدرجة أنّها اصبحت مريضة عاجزة عن التبول أو دخول الحمام، مؤكدة أن بعض الفتيات المغتصبات تمكّن من الانتحار لأنّ الموت أفضل من هذه العبودية الجنسية التي لا تمارسها الحيوانات مع بعض.
وأحكام داعش شبيهة ببعض أحكامنا،
فلماذا نستغرب ونستهجن قيام مجرمي داعش بقص الرؤوس والجلد والرمي بالحجارة؟. وهي نفس التطبيقات في بعض الأحكام السارية في بعض البلدان العربية والإسلامية. فكيف تطبق الأحكام على مرتكبي الزنا أو الإعدامات في هذه البلدان؟. ففي بعض هذه الدول يتم الإعدام رميا بالرصاص أو شنقا بالحبال أو قطعا للراس بالسيف ويتم ذلك علانية أمام حشد من المتفرجين...أليست هذه نفس ممارسات داعش وأخواتها؟. وكذلك الجلد يتم في هذه البلدان وفي دولة داعش مستندين إلى آية في القرآن (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ)..وحتى الرجم بالحجارة هناك شيوخ يقولون أنّه ورد في آية في القرآن تمّ نسخها.
لذلك لا تحلموا بنهايتها فداعش باقية متمددة،
نتاج مجتمعاتنا أيا كانت نسبة الترحيب بها أو الرفض لها، فلم يحدث في تاريخ الخلافات العربية الإسلامية ( أموية، عباسية، فاطمية، أندلسية، عثمانية) أن انهارت سريعا بل استمرت كل واحدة منها مئات السنين رغم قتال أعدائها لها، وشهدت كلها أنواعا من الممارسات الشبيهة بشكل أو آخر بممارسات داعش. لذلك فالغارات الجوية للتحالف العربي الدولي لن تقضي على داعش بالسرعة التي يتمناها البعض. وقد جاء هذا التأكيد على لسان قادة هذا التحالف الأمريكان، فقد أعرب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور "جون ماكين" عن اعتقاده بأنّ تنظيم داعش ينتصر وأنّه قادر على فرض سيطرته على مطار بغداد، وقال حرفيا وهو العضو في لجنة القوات المسلحة في الكونجرس الأمريكي : " هم ينتصرون ، ونحن لا ننتصر. العراقيون لا ينتصرون. قوات البشمركة والأكراد لا ينتصرون. ولا بد من مراجعة لما نقوم به، فنحن لا نضعف التنظيم بهدف هزيمته حاليا". أمّا الجنرال "جون آلن" منسق التحالف الدولي لمواجهة داعش فقد قال: " إنّ استعادة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية سيستغرق عاما...وأنا أقول لا يمكننا تحمل ذلك "..إذن فالموصل باقية بيد خليفة المسلمين ودولته وتمددها قادم.....  فلنعترف فقد دخلنا (الزمن الداعشي ) ولن ينجينا منه أن نختبأ في أنابيب المجاري كما فعل عميد الحكام العرب القذافي في أكتوبر عام 2011 ، أو كما قال الشاعر المصري صلاح عبد الصبور قبل 42 عاما:

لن ينجيَكم أن تختبئوا فى حجراتكمو
 أو تحت وسائدِكم.. أو فى بالوعات الحمّامات

فداعش قادمة وهي بيننا أساسا في الفكر والممارسة والبرامج التعليمية والثقافية، فليحدّد كل واحد منّا أين سيختبىء..رغم أنّ النتيجة واحدة!!!.
www.drabumatar.com




20
و للقتل وبقر البطون وسرقة ثروات الشعوب نصيب وافر في العهد القديم أيضا
د.أحمد أبو مطر
لاحقا لمقالتي السابقة في موقع "إيلاف" التي كانت بعنوان (قصّ الرؤوس بدعة داعشية أم مرورث ديني تاريخي؟) ، رأيت من الموضوعية أن أتتبع ظواهر داعش وممارساتها في ما يطلق عليه "العهد القديم" وهو الجزء الأول من التسمية الشائعة (الإنجيل) حيث جزئه الثاني يطلق عليه "العهد الجديد". وفي هذا السياق توجد مسألة تحتاج لأجوبة خاصة من القساوسة المتخصصين في تاريخ الكنيسة و حفظة كتابها المقدس. وقد لفتت هذه المسألة نظري منذ زمن طويل خاصة بعد قراءتي قبل ما يقرب من 35 سنة لكتاب المؤرخ اليهودي " يواكيم بيرنر" ، كتابه المشهور والمترجم للغات عديدة ( باباوات من الحي اليهودي) حيث يستعرض تاريخ الكنيسة الأوربية وكيف صعّد عدة شخصيات يهودية....يهودية ملتزمة بديانتها اليهودية لمنصب وموقع "بابا الفاتيكان" ومارست عملها كبابا للفاتيكان وهي مستمرة في إيمانها بيهوديتها،  مما يعني أنّ وجودها في كرسي البابوية لسنوات طويلة كان مجرد سيناريو لخدمة أغراض أخرى لا علاقة لها بالكنيسة والديانة المسيحية. المسألة التي لفتت انتباهي هي أنّ كتاب الديانة اليهودية هو ما يطلق عليه "التوراة" أو "أسفار موسى الخمسة" التي هي القسم الأول فقط من "العهد القديم". وكتاب الديانة الديانة المسيحية هو المعروف بإسم "الإنجيل". فمن...وكيف... ومتى...ولماذا..تمّت إضافة كتاب اليهود "التوراة" لكتاب المسيحيين "الإنجيل" ليطلق على الكتابين معا اسم (الكتاب المقدس)؟. هذا مع ملاحظة غريبة للغاية وهي أنّ دور العبادة اليهودية "الكنيس"لا تطبع ولا تستعمل ولا توزع إلا أسفار موسى الخمسة التي هي عندها (التوراة) بينما كنائس كافة الدول العربية بما فيها الكنائس الفلسطينية تطبع الكتاب المقدس بقسميه العهد القديم أي التوراة اليهودية والعهد الجديد اي الإنجيل المسيحي، ويحمله ويقرأه المسيحيون المتدينون بقسميه. ما هو تفسير هذه الوقائع التاريخية والممارسات اليومية منذ سنوات طويلة؟ الجواب عند المتخصصين في تاريخ الكنيسة تحديدا، فطرحي للملاحظات والإسئلة من متابع محايد فقط أؤمن بأنّ الدين علاقة شخصية بين الشخص و خالقه على قاعدة (لكم دينكم ولي دين).
وعودة لتفاصيل عنوان المقالة هذه،
لاحظت بعد قراءة عميقة للعهدين القديم والجديد أنّ تعاليم وأوامر الرب في العهد القديم مختلفة تماما وعلي النقيض من تعاليم  الرب في العهد الجديد مما يجعل البعض يشعر أنّها تعاليم وأوامر صادرة عن ربّين مختلفين في التوجهات والتعاليم، فلماذا تمّ ضمّ كتابيهما لبعض؟. وما جعلني أركّز على تتبع هذا الموضوع ودراسته هو مواقف وتصريحات الحاخام اليهودي اليميني المتطرف "عوفاديا يوسف" الذي استعمل التوراة وتعاليم ربّها خلفية و دافعا لقتل الفلسطينيين وإبادتهم دون صدور أية إدانة لهذه التصريحات والمواقف الحاخامية من أي مسؤول رسمي من مسؤولي الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أنّ هذا الحاخام يصدّر فتاويه باسم (الله) كما يراه هو ويفهمه. فمثلا في شهر آذار / مارس من العام 2002 ميلادية حرّض هذا الحاخام علي قتل العرب ونعتهم بجنس الأشرار الذين أجاز الله ذبحهم وقتلهم و إبادتهم جماعيا ، وأن قتل العربي شعيرة دينية ينال عليها ( القاتل ) ثوابا حسنا . وكان الحاخام نفسه قد دعا قبل ذلك إلي قتل الفلسطينيين ووصفهم بأنهم ( خنازير وليسوا بشرا ) ، كما حذر من التفاوض معهم ( لأنهم أفاعي سامة لا تلبث أن تنقض عليك فتلدغك ). إن فتاوى هذا الحاخام واضحة ومفهومة  لكن ما هو غير واضح فيها هو (الله) الذي يقصده ويستعمل تعاليمه للقتل والإبادة الجماعية .
وفي أسفار موسى الخمسة (التوراة) تجد مرجع وخلفية،
 كافة الأقوال والممارسات التي ينطلق منها هذا الحاخام في توجهاته وفتاويه ضد الفلسطينيين والعرب. تسرد أسفار موسى الخمسة "التوراة"  قصة يشوع بن نون مع مدينة أريحا وسكانها ، و تعاليمها كما وردت في سفر يشوع ، الإصحاح السادس : "  ( وَقَالَ يَشُوعُ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَجَسَّسَا الأَرْضَ: «ادْخُلاَ بَيْتَ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ وَأَخْرِجَا مِنْ هُنَاكَ الْمَرْأَةَ وَكُلَّ مَا لَهَا كَمَا حَلَفْتُمَا لَهَا». 24   فَدَخَلَ الْغُلاَمَانِ الْجَاسُوسَانِ وَأَخْرَجَا رَاحَابَ وَأَبَاهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا وَكُلَّ مَا لَهَا، وَأَخْرَجَا كُلَّ عَشَائِرِهَا وَتَرَكَاهُمْ خَارِجَ مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ. 24  وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا، إِنَّمَا الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَآنِيَةُ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ جَعَلُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ الرَّبِّ ). ونفس الحرق والتدمير يتم بصورة أبشع مع مدينة ( عاي ) وشعبها وملكها ، إذ يرد في سفر يشوع ذاته ، الإصحاح الثامن : " 23 وَأَمَّا مَلِكُ عَايٍ فَأَمْسَكُوهُ حَيًّا وَتَقَدَّمُوا بِهِ إِلَى يَشُوعَ.
24 وَكَانَ لَمَّا انْتَهَى إِسْرَائِيلُ مِنْ قَتْلِ جَمِيعِ سُكَّانِ عَايٍ فِي الْحَقْلِ فِي الْبَرِّيَّةِ حَيْثُ لَحِقُوهُمْ وَسَقَطُوا جَمِيعًا بِحَدِّ السَّيْفِ حَتَّى فَنُوا، أَنَّ جَمِيعَ إِسْرَائِيلَ رَجَعَ إِلَى عَايٍ وَضَرَبُوهَا بِحَدِّ السَّيْفِ.
25 فَكَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ سَقَطُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مِنْ رِجَال وَنِسَاءٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، جَمِيعُ أَهْلِ عَايٍ.
26 وَيَشُوعُ لَمْ يَرُدَّ يَدَهُ الَّتِي مَدَّهَا بِالْمِزْرَاقِ حَتَّى حَرَّمَ جَمِيعَ سُكَّانِ عَايٍ.
27 لكِنِ الْبَهَائِمُ وَغَنِيمَةُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ نَهَبَهَا إِسْرَائِيلُ لأَنْفُسِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ يَشُوعَ.
28 وَأَحْرَقَ يَشُوعُ عَايَ وَجَعَلَهَا تَلاًّ أَبَدِيًّا خَرَابًا إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
29 وَمَلِكُ عَايٍ عَلَّقَهُ عَلَى الْخَشَبَةِ إِلَى وَقْتِ الْمَسَاءِ. وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَمَرَ يَشُوعُ فَأَنْزَلُوا جُثَّتَهُ عَنِ الْخَشَبَةِ وَطَرَحُوهَا عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ الْمَدِينَةِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا رُجْمَةَ حِجَارَةٍ عَظِيمَةً إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
30 حِينَئِذٍ بَنَى يَشُوعُ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ فِي جَبَلِ عِيبَالَ،.
 من يتخيل 12 ألف قتيل وهم جميع سكان وأهل عاي؟ ومن يتخيل هذا التمثيل بالجثث وبإسم الرب؟. ويصف الإصحاح الحادي عشر ، ما فعله يشوع في مملكة حاصور ، فيقول :
 " 10ثم رجع يشوع في ذلك الوقت واخذ حاصور وضرب ملكها بالسيف. لان حاصور كانت قبلا راس جميع تلك الممالك. 11وضربوا كل نفس بها بحد السيف. حرّموهم. ولم تبق نسمة. واحرق حاصور بالنار. 12فاخذ يشوع كل مدن اولئك الملوك وجميع ملوكها وضربهم بحد السيف. حرمهم كما أمر موسى عبد الرب. 13غير ان المدن القائمة على تلالها لم يحرقها اسرائيل ما عدا حاصور وحدها احرقها يشوع. 14وكل غنيمة تلك المدن والبهائم نهبها بنو اسرائيل لانفسهم. واما الرجال فضربوهم جميعا بحد السيف حتى ابادوهم. لم يبقوا نسمة. 15كما أمر الرب موسى عبده هكذا امر موسى يشوع وهكذا فعل يشوع. لم يهمل شيئا من كل ما امر به الرب موسى. ".
 وليس هذا الهولوكست البشع  هو فقط ما ضمّه واحتواه سفر يشوع ، فهناك عند ( الله ) الذي تتلمذ الحاخام يوسف عوفوديا علي أفكاره وتعاليمه المزيد و المزيد ، فهذا ( الله ) لم يكتف بكل القتل و الذبح و الحرق السابق ، فبدءا من الإصحاح الثالث عشر وحتى الإصحاح الرابع و العشرين المزيد من الاستيلاء علي أراضي الغير،أي احتلالها و استيطانها ليتم توزيعها علي أسباط ( عشائر ) بني إسرائيل ، وسوف نضطر إلي نقل وإيراد أغلب ما ورد في هذه الإصحاحات ، إن استمرينا في الاستشهاد والتدليل علي أفعال يشوع بن نون و جيوشه ، لذلك اكتفي بمطلع الإصحاح الثالث عشر ، أما الباقي فهو متاح لمن يريد قراءة هذه البشاعة مباشرة من الإصحاحات المذكورة ... يرد في مطلع الإصحاح الثالث عشر حرفيا:
13 :1 و شاخ يشوع تقدم في الايام فقال له الرب انت قد شخت تقدمت في الايام و قد بقيت ارض كثيرة جدا للامتلاك
13 :2 هذه هي الارض الباقية كل دائرة الفلسطينيين و كل الجشوريين
13 :3 من الشيحور الذي هو امام مصر الى تخم عقرون شمالا تحسب للكنعانيين اقطاب الفلسطينيين الخمسة الغزي و الاشدودي و الاشقلوني و الجتي و العقروني و العويين
13 :4 من التيمن كل ارض الكنعانيين و مغارة التي للصيدونيين الى افيق الى تخم الاموريين
13 :5 و ارض الجبليين و كل لبنان نحو شروق الشمس من بعل جاد تحت جبل حرمون الى مدخل حماة
13 :6 جميع سكان الجبل من لبنان الى مسرفوت مايم جميع الصيدونيين انا اطردهم من امام بني اسرائيل انما اقسمها بالقرعة لاسرائيل ملكا كما امرتك
13 :7 و الان اقسم هذه الارض ملكا للتسعة الاسباط و نصف سبط منسى ".


هل يعقل أن تصدر سياسة وخطط التهجير الجماعي ( الترانسفير )هذه عن الرب،
 وإن كان ذلك أليس من حق كل الباحثين عن الحق والعدالة ، أن يتساءلوا عن هوية هذا ( الرب ) ، الذي يأمر بطرد ( واحد و ثلاثون ملكا وشعبا ) ـ كما هوعدد أسمائهم في الإصحاح الثاني عشر، من أجل توريث أرضهم وبلادهم وأملاكهم لبني إسرائيل . وهل تختلف سياسة وخطط هذا (الرب) عن السياسة الإسرائيلية في الستين عاما الماضية؟ وهي نفس السياسة التي حذر منها باحثون يهود في الندوة التي أقيمت في الناصرة ، في نهاية الأسبوع الأول من شهر مايو / آيار لعام 2001 م ، حيث تدارسو مع باحثين عرب ما يعرف بوثيقة ( مؤتمر هرتسيليا ) التي وضعت وخططت لترحيل جماعي للفلسطينيين وقد شارك في هذه الندوة :
ـ البروفسيور أورن يفتاح ـ إيل ، رئيس قسم الجغرافيا السياسة في جامعة بئر السبع .
ـ الدكتور عزيز حيدر ، المحاضر في علم الاجتماع في جامعة القدس .
ـ الدكتور ثابت أبو راس ، المحاضر في الجغرافيا السياسية في جامعة بئر السبع .
ـ  الكاتب سالم جبران ، المحاضر في معهد الدراسات اليهودي ـ العربي ، في جبعات حبيبة .
ـ الباحث نظير مجلي ، مراسل جريدة الشرق الأوسط في إسرائيل .
 
هذا ومما عرف وتمّ كشفه أن مؤتمر هرتسليا ، كان قد عقد أيام 19 ـ 20 ديسمبر / كانون الأول 2000 م في مدينة هرتسليا شمال تل أبيب للبحث في مستقبل الدولة الإسرائيلية إثر اندلاع إنتفاضة الأقصى ، وقدم المؤتمر تصورات لمشاكل إسرائيل الحالية ، خاصة الفجوة التي تفصل بين شرائح المجتمع الإسرائيلي ، بين الإشكناز والسفارديم ، وما تراكم علي ذلك من حوالي مليون من المهاجرين من دول الإتحاد السوفيتي السابق في السنوات العشر الماضية ، حيث أغلبهم لا يتكلم العبرية ولم يحاولوا تعلمها ولهم ثقافات مختلفة  وأنماط سلوك وحياة تتقاطع من نمط الحياة اليهودي ، بالإضافة إلي أنّ نسبة عالية منهم ليسوا ( يهودا ) بل( مسيحيين ) إدّعوا أنهم ( يهود ) كي يهاجروا إلي ما صورته لهم الدعاية الصهيونية ، أنها ( جنة الله ) فإذا هذه الجنة هي ( دولة إسرائيل ) حرب ورصاص ومتفجرات وغارات مما أوجد هجرة معاكسة من إسرائيل إلي خارجها ، لذلك فإنّه في دراسات هذا المؤتمر كان من الخطط التي أوصي بها الخبراء الإسرائيلييون مسؤولي الاحتلال هي سياسة الترحيل الجماعي الترانسفير للعرب في دولة الاحتلال إسرائيل ومناطق السلطة الوطنية الفلسطينية. وتوصيات هذا المؤتمر تنسجم مع ما أعلنه شارون قبل وفاته أكثر من مرة بأنّه يخطط إلي جلب غالبية اليهود في العالم إلي دولة الاحتلال في نهاية عام 2020 م ، أي بعد حوالي ستة سنوات من الآن، وهذا لن يكون سهلا إلا بترحيل العرب والفلسطينيين من القطاع والضفة وداخل أرض عام 1948  البالغ عدّدهم قرابة سبعة ملايين نسمة.
و نفس الهولوكست في أسفار توراتية أخرى،
ففي سفر ( القضاة ) الإصحاح الأول :" 1 وكان بعد موت يشوع ان بني اسرائيل سألوا الرب قائلين من منّا يصعد الى الكنعانيين اولا لمحاربتهم.
2 فقال الرب يهوذا يصعد. هوذا قد دفعت الارض ليده.
3 فقال يهوذا لشمعون اخيه اصعد معي في قرعتي لكي نحارب الكنعانيين فاصعد انا ايضا معك في قرعتك. فذهب شمعون معه.
4 فصعد يهوذا. ودفع الرب الكنعانيين والفرزّيين بيدهم فضربوا منهم في بازق عشرة آلاف رجل.
5 ووجدوا ادوني بازق في بازق فحاربوه وضربوا الكنعانيين والفرزّيين.
6 فهرب ادوني بازق. فتبعوه وامسكوه وقطعوا أباهم يديه ورجليه.
7 فقال ادوني بازق سبعون ملكا مقطوعة أباهم ايديهم وارجلهم كانوا يلتقطون تحت مائدتي. كما فعلت كذلك جازاني الله. وأتوا به الى اورشليم فمات هناك
8 وحارب بنو يهوذا اورشليم واخذوها وضربوها بحد السيف واشعلوا المدينة بالنار".

تأملوا!!! بنو إسرائيل ينوون ويقررون أولا، ثم يسألون ( الرّب ) ، فيجيبهم (الرّب) بما يتوافق مع نواياهم التدميرية ، وهنا لا نملك إلا أن نسأل : هل يقود بني إسرائيل (الرّب) في التوراة ؟ أم أن (الرّب) يقودهم؟
 و في سفر صموئيل الثاني الإصحاح الثاني عشر :
 "26 وَحَارَبَ يُوآبُ رِبَّةَ بَنِي عَمُّونَ وَأَخَذَ مَدِينَةَ الْمَمْلَكَةِ.
27 وَأَرْسَلَ يُوآبُ رُسُلاً إِلَى دَاوُدَ يَقُولُ: «قَدْ حَارَبْتُ رِبَّةَ وَأَخَذْتُ أَيْضًا مَدِينَةَ الْمِيَاهِ.
28 فَالآنَ اجْمَعْ بَقِيَّةَ الشَّعْبِ وَانْزِلْ عَلَى الْمَدِينَةِ وَخُذْهَا لِئَلاَّ آخُذَ أَنَا الْمَدِينَةَ فَيُدْعَى بِاسْمِي عَلَيْهَا».
29 فَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ الشَّعْبِ وَذَهَبَ إِلَى رِبَّةَ وَحَارَبَهَا وَأَخَذَهَا.
30 وَأَخَذَ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ، وَوَزْنُهُ وَزْنَةٌ مِنَ الذَّهَبِ مَعَ حَجَرٍ كَرِيمٍ، وَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ الْمَدِينَةِ كَثِيرَةً جِدًّا.
31 وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِي فِيهَا وَوَضَعَهُمْ تَحْتَ مَنَاشِيرَ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسِ حَدِيدٍ وَأَمَرَّهُمْ فِي أَتُونِ الآجُرِّ، وَهكَذَا صَنَعَ بِجَمِيعِ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ "
أية محرقة ... أية مذابح أبشع من هذا الهولوكست التوراتي ضد العديد من الشعوب في ذلك الوقت .
لذلك فإن فتاوى الحاخام يوسف عوفاديا ، تنطلق عن قناعة منه بهذه البيئة التوراتية ، الحافلة بالقتل بأبشع الطرق ، وما المجازر التدميرية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وإعدامه لأسرى من الجنود المصريين إلا تطبيق ميداني لهذه التعاليم التوراتية الداعشية ... من هنا ينطلق الإستغراب حول ظروف ضم التوراة للإنجيل ليصبحا ( الكتاب المقدس ) التوراة العهد القديم ، الإنجيل العهد الجديد ، خاصة أنهما كتابان مختلفان في الروح و السلوك. لذلك أعود وأنصح بقراءة كتاب المؤرخ اليهودي يواكيم بيرنر (باباوات من الحي اليهودي ) ففيه الكثير من المعلومات الموثقة المدهشة التي لا اعرف هل قرأه قساوسة الكنائس العربية والفلسطينية أم لا. روح العداء والقتل الجماعي والإبادة البشرية المتعمدة مع سبق الإصرار والتخطيط من الصعب فهم ورودها في أي كتاب سواء كان بشريا أو إلهيا، فالحياة الحرّة الكريمة من حق كل الشعوب ، لذلك لا بد من الإجماع العالمي على رفض ومحاربة أية داعش تحت أية مسميات من كافة القوميات والديانات.
www.drabumatar.com





21
قصّ الرؤوس بدعة داعشية أم موروث ديني تاريخي؟
د.أحمد أبو مطر
 العمل الإجرامي المتكرّر لعصابات داعش المتعلق بقصّ رؤوس بعض المختطفين وبث هذه العمليات البشعة في أفلام مصورة،نال نسبة كبيرة من الإدانة في الأوساط العربية والإسلامية وهو يستحق هذه الإدانات لأنّه عمل إجرامي بشع بكل المقاييس، واستمرارا لبعض المعلومات المتعلقة بالبيئة العربية الحاضنة لتمدّد داعش وأخواتها، لا بدّ من التنويه أنّ هذه الإدانات يقابلها أيضا نسبة من الموافقات الداعمة برضا وفرح لممارسات داعش هذه، وإلا كيف نفسّر هذه العدد المتزايد يوميا من الشباب من مختلف بلدان العالم الذين يفرّون من وظائفهم وعائلاتهم وأطفالهم للإلتحاق بمجموعات داعش في العراق و سوريا، مما يعني أنّه مهما تكثفت وتصاعدات غارات التحالف الدولي العربي الجوية ضد مواقع داعش لن تتمكن من القضاء عليها بالسرعة التي يعتقدها الطامحون لذلك، فلم يحدث ان أوقفت الغارات الجوية أي حرب لها طابع حرب العصابات المعتمدة على الكرّ والفرّ والهروب من مكان إلى آخر.
سابقة قصّ رأس الجعد بن درهم على منبر المسجد
اشتهر الجعد بن درهم في زمن الخليفة هشام بن عبد الملك بأقواله ومزاعمه التي أثارت ضدة الغالبية العظمى من المسلمين آنذاك، فهو ممن قالوا ب "خلق القرآن" رافضا الاعتراف بما ورد في القرآن الكريم من أنّ الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلا كما ورد في قوله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلا )، سورة النساء، آية 125 ، أو أنّ الله كلّم سيدنا موسى كما ورد في قوله تعالى ( وكلّم الله موسى تكليما)، سورة النساء، آية 164 ، وغير هذه من المزاعم التي أثارت عليه غضبا واسعا، فتنقل من مدينة إلى أخرى إلى ان استقر في العام 105 هجري في مدينة الكوفة، وتصادف أن عيّن الخليفة هشام بن عبد الملك واليا للكوفة هو خالد بن عبد الله القسري الذي سارع لإلقاء القبض على الجعد بن إبراهيم، وفي صباح أول يوم من أيام عيد الأضحى ذلك العام، ألقى خالد بن عبد الله القسري خطبة العيد، وتوجه للمصلين من على منبر المسجد قائلا: " أيها الناس ضحّوا تقبل الله ضحاياكم، فإنّي مضح بالجعد بن درهم ، إنّه زعم أنّ الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلّم موسى تكليما، تعالى الله عمّا يقول الجعد علوا كبيرا "، ثم قام بسحب الجعد بن درهم من تحت منبر المسجد ونزل بسيفه وقصّ رقبته على المنبر أمام المصلين جميعا. وهي رواية تجمع عليها غالبية كتب التاريخ الإسلامي المعتمدة ومنها الكتاب المرجع " البداية والنهاية" لإبن كثير.
هل يختلف قصّ رأس عن رأس أم القصّ واحد؟
يوجد بعض المتخصصين في الشريعة الإسلامية من يؤيد جواز قصّ الرؤوس استنادا لايات من القرآن الكريم، فمثلا  الدكتور "عبد الحي يوسف" الأستاذ بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم، وجّه له السؤال التالي:
" ما حكم قطع الرأس للكافر أثناء الجهاد وهل ثبت ذاك عن النبي صلى الله عليه وسلم؟" فكان جوابه:
( الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حمل إليه رأس كافر بعد قطعه، ولا أنه أمر بحز الرؤوس، بل في القرآن قول ربِّنا جل جلاله (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) وقوله سبحانه وتعالى (فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان) وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط بعد ما أسر يوم بدر؛ فضربت عنقه لأذيته لله ورسوله، وأمر يوم الفتح بأن تضرب أعناق بعض الكفار ممن سبقت لهم الشقوة عياذاً بالله تعالى، والمطلوب قتل الكافر بما يسرع في إزهاق روحه دون تمثيل به أو تعذيب له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة} اللهم إلا إذا فعل ذلك ـ أعني قطع الرأس ـ مقابلة لصنيع الكفار بقتلى المسلمين؛ عملاً بقول ربنا (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) والله أعلم
http://www.meshkat.net/node/16175

وكذلك الشيخ "حسين بن محمود" فقذ أفتى صراحة وبوضوح في موقع (وكالة الأنباء الإسلامية، حق) بجواز قطع الرؤوس معتمدا على القرآن الكريم والسنّة النبوية، إذ قال: (أما قطع رؤوس الكفار من اليهود والنصارى والنصيرية والرافضة المرتدين الذين يفعلون بالمسلمين الأفاعيل ، فهؤلاء يجب إرهابهم وزرع الرعب في قلوبهم ، فتُقطع رؤوسهم ولا كرامة ، فقطع الرؤوس من سنّة الصحابة رضي الله عنهم ، وقد أمر الله تعالى في كتابه بضرب أعناق الكفار وحث المسلمين على ذلك ، فقال سبحانه {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا …} (محمد : 4) ..
http://www.dawaalhaq.com/?p=16151
وهناك من يتفرغ لرصد من سيرة إبن هشام والرحيق المختوم،
ليسرد عمليات قص للرؤوس وقطع للرقاب منها: قتل كعب بن الأشرف، حكم سعد بني معاذ في بني قريضة وعددهم من 600 إلى 700 ، جزّ رأس أبو جهل في غزوة بدر، ذبح الزبير بن العوام لطلحة بن أبي طلحة في غزوة أحد، قطع عبد الله بن أنيس لراس سفيان بن خالد الهذلي..وغيرها الكثير.
 ومن باب الافتخار بذلك ينشر المدعو أحمد بوادي ( أبو داود السافري) موضوعا مثيرا تحت عنوان " الأدلة والبراهين على أنّ قطع الرؤوس من هدي سيد المرسلين"، ينتقد بقسوة وشماتة من ينكر هذا الموضوع فيقول:
( فقطعوا رؤوس الكافرين وكان نصر من الله عزيزا . ولقد سمعنا من أبناء هذا الدين من يقول أن هذا العمل مخالف لتعاليم الدين.وقد عرف الكثير منهم أن جز الرؤوس من هدي سيد المرسلين ولكن سكتوا وتخاذلوا وكمموا أفواههم كعادتهم عن إظهار الحق لنصرة الدين _ إلا من رحم ربي _  خوفا على أحاسيس ومشاعر الكفار وأعداء الإسلام ليخرجوا بنتيجة مفادها أن هؤلاء قد شوهوا صورة الدين .فتبا لمشاعر وأحاسيس ثمنها أعراض ودماء المسلمين.وابراءً للذمة ونصرة للملة ودفاعا عن أعراض المجاهدين من أبناء المسلمين سأبين بالأدلة والبراهين أن الذبح وقطع الرؤوس من هدي سيد المرسلين
http://justpaste.it/gdeb
ثم يورد العديد من الأدلة حسب وجهة نظره كلها مأخوذة وموثقة من كتب السيرة والتاريخ الإسلامي المشهورة.
رافضون قلة دون دحض الإثباتات والوقائع السابقة،
ومن هؤلاء الذين رفضوا قصّ داعش للرؤوس أسماء قليلة ليست مشهورة أو من ذوي التأثير في العالم العربي، والملاحظ أنّ رفضها كان مجرد ألفاظ يمكن أن تصدر من أي مواطن عادي غير متخصص في الشريعة الإسلامية إذ لم يدحضوا أية روايات سابقة مثبتة في كتب التاريخ الإسلامي الموثوقة عند العرب والمسلمين، كما لم يشيروا إلى آيات القرآن الكريم المذكورة بهذا الصدد. ومن هؤلاء الشيخ خلدون عريمط، الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى في لبنان، إذ صرّح قائلا: " إنّ قطع الرؤوس الذي تقوم به داعش والإساءة إلى الأقليات يتناقضان تماما مع رسالة المسلمين لأنّ الإسلام تعارف وتلاق". وكذلك الشيخ الحبيب علي الجفري الذي كتب في حسابه على تويتر قائلا جملة لا تحمل أية إدانة واضحة لقطع الرؤوس فهي جملة يمكن أن تقال في أي سياق آخر: ( إنّ الأحكام تتعلق ببني آدم، وهذه أفعال من لديه مشكلة في آدميته ).
وآخرون يرفضون الحرب ضد داعش،
فهل هذا الرفض يعني الموافقة على أعمال داعش الإجرامية؟ وممن رفضوا هذا التحالف الدولي العربي ضد داعش والبدء بقصف مواقعها في العراق وسوريا جماعة الإخوان المسلمين السوريين..فماذا يعني هذا الرفض يا إخوان؟
لذلك فالمطلوب شجاعة من المرجعيات الإسلامية المعتمدة،
لدى السنّة والشيعة ليقولوا لجماهيرهم من المسلمين، ما هو الموقف من هذه الجرائم الداعشية، فإما أن يتشجع ألاف جدد بالإلتحاق بداعش وخليفتها، أو يتشجع ألاف من جنودها الحاليين بمراجعة عقولهم وتركها وخليفتها ليعودوا إلى جادة الصواب والرشد.
www.drabumatar.com



22
هل توجد استراتيجية فلسطينية واضحة؟ ومن سيعمر القطاع مرة كل خمس سنوات؟
د.أحمد أبو مطر
هذا السؤال ليس وليد اليوم ولكنّه سؤال قديم جديد ناتج عن حالة التخبط في السياسة والمواقف الفلسطينية لدى كافة الفصائل والتنظيمات والجماعات التي عددها يكاد يساوي (الهم في وعلى قلب الفلسطيني). وهذا التخبط والتذبذب في المواقف السياسية هو السبب الرئيسي في عدم انجاز كافة هذه التنظيمات مجتمعة أي هدف من أهداف الشعب الفلسطيني رغم مرور خمسين عاما على تأسيس أولها وهي حركة فتح. وقد بدأت حركة فتح عام 1965 ببرنامج ( التحرير من النهر إلى البحر ) أي كامل الأراضي الفلسطينية التي تمّ احتلالها عام 1948 لتقام عليها "دولة إسرائيل". وبدأ التنازل العلني الموثق للحركة عام 1987 في دورة المجلس الوطني الفلسطيني في العاصمة الجزائرية حيث أعلن ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 أي في القطاع والضفة فقط التي لا تتجاوز مساحتهما 21 في المائة من اجمالي المساحة الفلسطينية. و وقّع ياسر عرفات نفسه اتفاقية أوسلو في سبتمبر عام 1993  مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك اسحق رابين، ومن المؤكد أنّ اسمها الحقيقي ليس اتفاقية بل ( إعلان مبادىء) لذلك لم تتضمن أي نص واضح عن حقوق الشعب الفلسطيني التي يوافق الاحتلال على منحها له، وهذا هو السبب في بقاء الاتفاقية مجرد ورقة شكلية لم يلتزم بها الاحتلال رغم مرور أكثر من عشرين عاما على توقيعها. واستمر التذبذب الفلسطيني من قيادي لآخر، فمنهم من تحدث عن تبادل أراض مع الاحتلال ومنهم من لا يريد التمسك بحق العودة..إلخ هذه المواقف التي تؤكد عدم وجود استراتيجية فلسطينية متفق عليها، بل استمر الاستيطان في أراضي الضفة الغربية ليبتلع نسبة ليست قليلة من مساحتها.
وكذلك تذبذب مواقف حماس السياسية
تأسست الحركة في ديسمبر عام 1987 أي بعد تأسيس حركة فتح بحوالي 22 عاما، وأيضا أعلنت في بيانها التأسيس التحرير من النهر إلى البحر وأنّ (الصراع مع الاحتلال الصهيوين هو صراع وجود وليس صراع حدود). ورغم ذلك تتذبذب مواقف حماس من قيادي إلى آخر حسب المكان والمناسبة. فمسؤولها الأول خالد مشعل صرّح أكثر من مرة للإعلام الأمريكي تحديدا موافقة الحركة على قيام دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، بينما قيادات أخرى في داخل قطاع غزة وخارجه تكرّر من حين إلى آخر موضوع التحرير الكامل من النهر إلى البحر..فأي الموقفين للحركة يستمع ويصدّق المواطن الفلسطيني؟
واجتياح غزة الأخير مثالا!!
طوال الأسابيع الستة الأولى من الاجتياح الإسرائيلي للقطاع الذي بدأ في السابع من يوليو 2014 واستمر 51 يوما، ظلّت وسائل الإعلام الحمساوية وغالبية قياداتها تنفي أية علاقة للحركة بخطف الصبية الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم في الثاني عشر من يونيو 2014 ، وكانت هذه العملية السبب الرئيسي للإجتياح الإسرائيلي. وفجأة قبل توقيع اتفاق التهدئة بين الفصائل الفلسطينية ودولة الاحتلال في القاهرة في السادس والعشرين من أغسطس الماضي، يعلن قيادي حماس صالح العاروري المقيم في تركيا علنا وأمام وسائل الإعلام في جلسة من جلسات الجمعية العامة لإتحاد العلماء المسلمين في مدينة استانبول التركية يوم العشرين من أغسطس ( خمسة أيام قبل توقيع اتفاق التهدئة ) بأنّ حركة حماس هي التي خطفت وقتلت الإسرائيليين الثلاثة، حيث قال حرفيا: "إن الجناح المسلح لحركة حماس "كتائب القسام" نفذت عملا بطوليا أشعل شرارة انتفاضة فلسطينية جديدة، إنها عملية نفذوها إخوانكم بكتائب القسام". و بعد هذا الاعتراف البطولي مارس العاروري نفس التذبذب وعدم وضوح الرؤية لدرجة العبث إذ قال: "لم تكن حماس تنوي التورط في إشعال معركة كبيرة في الوقت الحالي، ولا أظن أن إسرائيل أيضا تريد الحرب، ولكن الله أراد لنا ما حدث". من يتخيل هذا القول؟ قيادي حمساوي ينفي مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي لاجتياح دام 51 يوما وأوقع قرابة 2400 شهيد أو قتيل لا فرق، و قرابة عشرة الاف جريح وتدمير شبه كامل للبنية التحتية للقطاع، ويضع المسؤولية في كل هذا على إرادة الله تعالى؟. وكانت اتفاقية التهدئة التي أطلق عليها(طويلة الأمد) أيضا مثالا ميدانيا لعدم وجود استراتيجية فلسطينية، فما معنى تهدئة طويلة الأمد؟ ومن سيقرّر مدتها؟ الاحتلال أم الفصائل الفلسطينية وضمن أية معطيات؟.
لذلك يسأل كثيرون: من سيعمّر القطاع مرة كل خمس سنوات؟
كافة التقديرات الفلسطينية تؤكد أن اعادة إعمار ما دمّره هذا الاجتياح يحتاج إلى ما لا يقل عن تسعة مليارات دولار، فمن سيدفع هذه المليارات على ضوء أنّ دمار اجتياح عام 2008 حقيقة لم يتم اعماره كله حتى الآن. وكثيرون على ضوء اعتراف صالح العاروري بدأوا يتساءلون: ما هي مسؤولية دول العالم عن نتائج أفعال حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية كونها أفعال غير مدروسة ولا محسوبة نتائجها سواء اعتبرنا النتائج نصرا أم لا؟. لأنّ الحروب عادة لا تقاس بما تمّ فيها من صمود وبطولات ولكن بنتائجها على الأرض. وإذا تمّ عقد مؤتمر للمانحين الدوليين في سبتمبر الحالي كما يشاع ، فلن تتشجع أية دولة على الدفع والتبرع بمبالغ طائلة بل مجرد مبالغ ضئيلة لن يرقى مجموعها لنسبة من المليارات التسعة المطلوبة ، وإذا توفرت هذه المليارات فالشروط التي يضعها الاحتلال تجعل كل دولار أو كيس اسمنت يمرّ من خلاله خطوة خطوة كي تتأكد كيف تمّ صرف الدولار وكيف تمّ استعمال كيس الاسمنت .
وهاهي اتفاقية التهدئة تدخل نهاية اسبوعها الثالث ولا فتح للمعابر ولا دخول للسولار والمازوت والاسمنت، ولا اطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ولا أخبار عن مؤتمر للمانحين،  بينما الاعتقالات الإسرائيلية في الضفة الغربية مستمرة..فإلى اين سيقود هذا التخبط والتذبذب الفلسطيني حيث لا استراتيجية واحدة متفق عليها، ولا تنفيذ لأية اتفاقية مصالحة ووحدة وطنية، بل بالعكس فور توقف الحرب بدأت الشتائم والاتهامات  بين فتح وحماس وكل طرف يخون الآخر ويعتبره لا يمثّل الشعب الفلسطيني، والشتائم بين الطرفين في اللقاءات السرية والأحاديث العلنية لم ينل الاحتلال الإسرائيلي نسبة منها..فأية استراتيجية فلسطينية هذه؟
www.drabumatar.com

23
نصر أم لا..المهم وماذا بعد؟
د.أحمد أبو مطر

تضاربت الآراء والمناقشات حول نتيجة الاجتياح الصهيوني لقطاع غزة "العصف المأكول" الذي بدأ في السابع من يوليو 2014 واستمر طوال 51 يوما، تخللته عدة هدن مؤقته لساعات أو لأيام قليلة أغلبها لم يصمد طوال هذه المدد المحددة، إلى أن تمّ الاتفاق على تهدئة طويلة نتيجة المباحثات غير المباشرة التي رعتها المخابرات المصرية في القاهرة. وهي مستمرة بدون خروقات من الطرفين منذ توقيعها وسريان مفعولها مساء الثلاثاء، السادس والعشرون من أغسطس 2014 . تضارب الاراء كان وما يزال حول نتيجة هذا الاجتياح الذي خلّف حوالي 2400 شهيد و أكثر من 10.000 جريح ومصاب وتدمير ألاف المنازل والبيوت التي نتج عنها تهجير ولجوء ما لا يقل عن أربعمائة وخمسين ألفا من المواطنين إلى المدارس والجوامع والكنائس أو لدى اقاربهم حيث تكدّس العشرات في غرفة واحدة ليس فيها أبسط مستلزمات الحياة بالإضافة لانقطاع شبه دائم للكهرباء ونقص عال في المستلزمات الطبية وكافة احتياجات الحياة اليومية نتيجة الحصار المفروض منذ زمن طويل. إزاء هذه النتيجة وضمن حسابات الربح والخسارة هناك من لا يعتبر النتيجة نصرا كما أعلنت واحتفلت كافة قيادات حركة حماس ، خالد مشعل من قطر واسماعيل هنية من غزة و محمود أبو مرزوق من القاهرة، بالإضافة الملحوظة لتظاهرات الشعب الفلسطيني في القطاع احتفالا ببدء سريان مفعول التهدئة دون أن نقرأ ما في ضمائر المتظاهرين هل هو فرح بنصر أم بتوقف الرصاص الذي قتله لا يرحم أحدا في ظل توازن قوى مائل بدرجة هائلة لصالح الاحتلال الصهيوني ليس مقابل سلاح المقاومة الفلسطينية فقط بل مقابل كافة الجيوش العربية مجتمعة التي كلها لم تطلق رصاصة على الاحتلال منذ عام 1973 بل قامت عدة دول بإقامة علاقات سرّية مع الاحتلال وبعضها علاقات دبلوماسية واعتراف كامل منذ عام 1979 . إزاء ميزان القوى هذا يمكن اعتبار انتصار المقاومة نصرا نسبيا في ظل هذه الخسائر الباهظة التي يحتاج القطاع لما لا يقل عن ثمانية مليارات من الدولارات وسنين طويلة لإعادة البناء والإعمار، خاصة إذا تذكرنا أنّ التدمير الذي نتج عن اجتياح وحرب عام 2008 لم يتم إعماره وإعادة بنائه بعد، فكم من السنين إذن سيحتاج تعمير مانتج عن اجتياح 2014 ؟.
هل تمّت الاستجابة لمطالب المقاومة في اتفاق التهدئة؟
حسب بنود الاتفاق التي تمّ إعلانها في القاهرة يمكن ملاحظة ما يلي:
1 . تمّ تأجيل بحث كافة القضايا المهمة ومنها إعادة فتح المطار الذي كان مقاما في مدينة رفح قبل تدميره من طرف الاحتلال، وبناء ميناء بحري والإفراج عن ألاف الأسرى الذين تمّ الاتفاق عليهم في اتفاقيات سابقة ولم تنفذ.
2 . المعابر التي الاتفاق على فتحها هي المعابر الخمسة بين القطاع ودولة الاحتلال، وهي خاصة لنقل البضائع ومرور الشاحنات، وهي تحت سيطرة الاحتلال إذ يمكن فتحها ولكن من الذي سيسمح بتوريد البضائع ومواد البناء من دولة الاحتلال للقطاع؟ المعابرمفتوحة ولكن من سيجبر التاجر الإسرائيلي على تصدير بضائعة للقطاع بعد هذا الدم والاحتقان الذي تصاعد بين الطرفين؟.
3 . المعبر الوحيد الخاص بالسفر ودخول وخروج سكان القطاع هو معبر رفح البري مع جمهورية مصر، ولم يتم التطرق له في اتفاق التهدئة، وهذا مسألة طبيعية لأنّه خاص بالعلاقة بين القطاع ومصر، وهو ما زال على حاله مغلقا أغلب الأوقات كما كان منذ ما يزيد على سنة ونصف، وبالتالي فالحصار دائم على الأفراد والبضائع خاصة بعد التدمير النهائي لغالبية الأنفاق التي كانت تمد القطاع بنسبة من احتياجاته.
ومن سيعمّر ما تهدّم في هذا الاجتياح؟
غالبية التقارير الفلسطينية من داخل القطاع تؤكد أنّ حجم الدمار في المنازل والبيوت والبنية التحتية هو دمار غير مسبوق، وبالتالي من سيدفع الثمانية مليار دولار التي يتطلبها هذا الإعمار المطلوب؟ ومن وكيف سيتم توريد المواد اللازمة لهذا الإعمار؟ وكم سنّة يحتاج هذا التعمير في حالة توفر المليارات والمواد؟ وكيف ستستمر طوال هذه السنوات حياة قرابة نصف مليون هجّروا بسبب تدمير بيوتهم؟ وكيف وأين سيتم علاج أكثر من عشرة ألاف جريح ومصاب؟ والملاحظ أنّ كافة خطابات قادة حركة حماس الذين أعلنوا النصر لم يتطرقوا للإجابة على هذه الأسئلة التي هي الشغل الشاغل لشعبنا في القطاع.
وهل هناك مصالحة فلسطينية أم استمرار للإنقسام؟
تفاءل كثيرون من التفاوض مع الاحتلال في القاهرة من خلال وفد فلسطيني موحد ضمّ غالبية الفصائل الفلسطينية الفاعلة في القطاع والضفة خاصة فتح وحماس والجهاد الإسلامي وبرئاسة القيادي الفتحاوي عزام الأحمد، واعتبرالبعض هذه الوفد الموحد بداية لتفعيل حكومة التوافق الوطني التي ظلت حبرا على ورق منذ شهور. وفجأة أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد سريان اتفاق التهدئة اول لغم في طريق المصالحة ، إذ قال منذ يومين: ( قرار الحرب والسلم ليس بيد فصيل واحد وإنما بيد القيادة. وإذا كانت حماس تريد أن يكون قرار السلم والحرب بيدها فلتتصرف وحدها إذن...أنا أصرّ على الانتخابات منذ 7 سنوات ولن نقبل إلا بسلطة واحدة وبندقية واحدة وقرار السلم والحرب بيد السلطة وإلا ستكون فوضى...لدى حماس حكومة ظل في غزة ولديهم وكلاء وزرارت وإذا استمر هذا الأمر، فإنّ هذا سيهدّد استمرار الوحدة الوطنية والامتحان قادم قريبا ).
وبناءا على ممارسات سبع سنوات فلسنا بحاجة
لامتحان قادم، فتجربة سبع سنوات وتصريحات كل الأطراف بعد سريان اتفاق التهدئة تقول:
1 . اتفاق التهدئة ليس مضمونا استمراره اتفاقا دائما لأنّه يخضع لاختبار شهر ينتهي في السادس والعشرين من سبتمبر 2014 كي تبدأ المفاوضات على القضايا المؤجلة وهي الأهم بالنسبة لحياة الشعب الفلسطيني.
2 . لا أمل في مصالحة فلسطينية قادمة فما لم يتم تحقيقه خلال 7 سنوات وبعد توقيع حوالي 5 اتفاقيات مصالحة في القاهرة وقطر ومكة لا يمكن تحقيقه في لحظة قادمة، إذ أنّ تضارب المواقف وتبادل التصريحات المضادة بدأ فور سريان اتفاق التهدئة المؤقت...ويظل الألم والحزن الحقيقي والجرح الدائم في قلوب و أجساد عائلات ألاف الشهداء والجرحى والمصابين الذين خلّفوا أو لهم ألاف الأرامل واليتامي وألاف المهجّرين من بيوتهم..وحقيقة ( من يده بالنار والدم غير من يده في الماء والهواء الطلق).
www.drabumatar.com



24
ماذا تعني التهدئة الدائمة مع الاحتلال؟
د أحمد أبو مطر

إنّ مناقشة مواقف تنظيمات المقاومة من بعض القضايا المتعلقة بالنضال والتصدي للإحتلال، لا يمكن ولا ينبغي أن تفهم على أنّها انتقاص من قدر المقاومة والمقاومين الذين تصدّوا ببسالة وحنكة نادرة لجيش الإحتلال باعتراف قادة الإحتلال أنفسهم الذين لم يكونوا يتوقعوا هذا الصمود رغم الفارق الكبير بين موازين القوى المائلة عسكريا بشكل هائل لصالح الإحتلال. إنّ هذه المناقشة يشجّع عليها من قبل الكتاب والمثقفين ورود تنويعات متابينة حولها من قادة فصائل المقاومة أنفسهم مما يعني أنّها قضايا تحتمل وجهات نظر مختلفة، أساسا مطروحة في الشارع والمجتمع الفلسطيني خاصة بعد حجم الخسائر البشرية من شهداء وجرحى ومصابين، وخسائر التدمير التي طالت بيوت ومنازل عشرات ألاف من المواطنين وخسائر البنية التحتية التي تقدّر مصادر المقاومة نفسها بأنّها ترقى لما يزيد عن ستة مليارات من الدولارات، هذا التقدير منذ أسابيع والقصف والهجوم الهمجي لقوات الاحتلال ما زال مستمرا حيث تقترب مدة هذا الهجوم الذي يرقى لإبادة جماعية لمدة شهرين متواصلين، رغم عدة محاولات تهدئة مؤقتة لساعات أو أيام قليلة لم تخلو من اختراق الاحتلال لها. من هذه القضايا الخلافية وتحتمل وجهات نظر متعددة:
أولا: التهدئة الدائمة التي طالب بها اسماعيل هنية
هذه التهدئة وردت في خبر كالتالي:
(أكد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، مساء اليوم الأربعاء الثالث عشر من أغسطس، أن التوصل إلى تهدئة دائمة يتم برفع الحصار عن قطاع غزة، وقال هنية في تصريحات لقناة "الأقصى" الفضائية في غزة إن "تضحيات شعبنا الفلسطيني لا تسمح بالمساومة على الحقوق والمطالب،
وأضاف أن " تهديدات قادة العدو تزيدنا تمسكا بمطالب شعبنا وفي مقدمتها رفع الحصار". وأعرب هنية عن الدعم للوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة للتوصل إلى اتفاق تهدئة دائمة والثقة أنه لا يخضع للابتزاز). ما هي النتيجة ؟ أو ما هو الوضع الذي سيطرأ لو وافقت دولة الاحتلال على الشروط التي يحملها الوفد الفلسطيني المفاوض، وأهمها رفع الحصار عن القطاع وفتح ميناء و مطار وتوسيع منطقة الصيد البحري والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين؟. هذا السؤال افتراضي للغاية لأنّ الاحتلال من المستحيل الموافقة على هذه الشروط، وفي حالة الموافقة عليها لن ينتج سوى وضع يعني بقاء الاحتلال كما كان عليه قبل هذا الاجتياح الأخير، وبقاء القطاع مفصولا عن الضفة مما يعني دويلتين شكليتين لحماس في القطاع و لعباس في الضفة على ضوء فشل العديد من الاتفاقيات لإنهاء الانقسام الفلسطيني المستمر من يونيو 2007 مما يثبت أنّ الطرفين لهما مصلحة شخصية وتنظيمية في استمرار الانقسام رغم معاناة الشعب وخسارة القضية منه. هذا من المهم ملاحظة أنّ الشرط الفلسطيني الذي يقول عنه اسماعيل هنية ( وفي مقدمتها رفع الحصار ) ليس تحت قبضة الاحتلال فقط، فالمعبر الرئيسي للقطاع مع العالم الخارجي هو "معبر رفح البري" بين القطاع وجمهورية مصر وبالتالي ففتحه أو إغلاقه يخضع للقرار المصري وليس الاحتلالي، وبالتالي فكيف نربط بين مطلب فلسطيني من الشقيقة جمهورية مصر بمطالب فلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي؟
هل تؤدي تهدئة دائمة لعودة وضع ما قبل الانتفاضة الأولى؟
وأيضا لو افترضنا موافقة الاحتلال على شروط اسماعيل هنية للتهدئة الدائمة، ألا يعني ذلك ضمنيا الموافقة على وقف المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وعودة الوضع في القطاع إلى ما كان عليه قبل انطلاق ما عرف ب " الانتفاضة الأولى" عام 1987 ؟. حيث لم يشهد القطاع من الداخل أية عمليات مسلحة ضد الاحتلال منذ عام الهزيمة 1967 ؟. وكان يعمل في داخل دولة الاحتلال يوميا ما لا يقلّ عن مائة وخمسين ألفا من العمال الفلسطينيين القادمين من القطاع والضفة، ونسبة منهم تعمل في بناء المستوطنات الصهيونية التي تأكل وتسيطر على مساحات من أراضي الضفة تحديدا. لذلك فلا لامجال للإنكار أنّ التهدئة الدائمة في حالة الوصول إليها تعني ما سبق. رغم أنّ الفشل المتواصل للمفاوضات غير المباشرة التي تجري في القاهرة منذ حوالي شهر توحي بأنّ الاحتلال يستغلّ هذه المفاوضات للعب على عامل الوقت والاستمرار في قصفه وتدميره الجوي كي يتحاشى الخسائر البشرية التي تكبدها في اجتياحه البري السابق، فلا يمرّ يوم بدون صعود شهداء جدد وتدمير للمنازل والبنايات السكنية.
ثانيا: نعم لإعدام عملاء الاحتلال ولكن ليس بهذه الطريقة
إنّ شخصا يسقط في فخ الاحتلال ليتآمر ضد أبناء شعبه خاصة المقاومين لهذا الاحتلال الصهيوني الهمجي  حقيقة لا يستحقون إلا الإعدام كي يكونوا عبرة لغيرهم، و إلا ما هو العقاب المناسب لعميل قتل بمعلوماته للإحتلال مقاومين ومناضلين ورمّل نساءهم ويتّم أطفالهم؟ ورغم الحالة العالمية المتصاعدة ضد الإعدام، إلا انّه في ظل المواجهة الفلسطينية لإحتلال يعدّم بقصفه الجوي واجتياحه البري ألافا من الشعب الفلسطيني ، لا يستحق من ساعد الاحتلال في جرائمه هذه أن يبقى حيّا يتمتع بحياته في ظلّ عمالته. النقطة الوحيدة بهذا الصدد هي أنّ الطريقة التي يتم بها إعدام هؤلاء الخونة والعملاء كان يفترض أن تكون بشكل آخر داخل السجون مثلا وبعد محاكمات قضائية كاملة المراحل، لأنّ هذا الإعدام العلني أمام المساجد وبعد صلاة الجمعة لا يليق بمجتمعنا ولا بمناضليه ضد الاحتلال. وهذا كان رأي أحد قياديي حماس في مفاوضات القاهرة الذي أيّد الإعدامات رافضا الطريقة التي تمت بها. وبالفعل سوف تستخدم طريقة الإعدامات هذه منظمات دولية استخداما لا يليق بثورة الشعب الفلسطيني وتضحياته ضد الاحتلال، خاصة في الوقت الذي ينتفض العالم أجمع ضد جرائم داعش التي تطال ألافا من المدنيين والصحفيين الأبرياء فقط لمجرد ديانتهم أو رفض دفع فدية مقابل الإفراج عنهم. والمبكي أنّ أول من شبّه القائمين بهذه الإعدامات وحركة حماس كاملة بأنّها تشبه داعش هو رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو الذي تتعلم داعش وكل مجرمي العالم من جرائمه. وقد عبّر " أحمد حرب " المفوض العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان " عن هذه الطريقة في الإعدامات بمهنية و وطنية عالية عندما طالب كافة فصائل المقاومة الفلسطينية إلى " وقف كل أشكال الإعدامات وإخضاع العملاء للقوانين السارية، رغم الإدراك الكامل بخطورة العملاء وأعمالهم، من أجل الحفاظ على صورة المقاومة المشرّفة والأخلاقية."
ومن الطبيعي أن تثار مثل هذه النقاشات طالما هدفها دعم صمود المقاومة الفلسطينية و وضوح برامجها السياسية وعدم الإساءة لصورتها بعد هذا التضامن العالمي الواسع معها.
www.drabumatar.com


25
هل تتحمّل حركة حماس مسؤولية هذه الحرب الهمجية؟
د.أحمد أبو مطر
خلفية هذا السؤال عنوان المقالة هو تعليق لأحد الأصدقاء على صور لمظاهرة في أوسلو دعما لقطاع غزة واستنكارا للحرب العدوانية الإسرائيلية في صفحتي على الفيس بوك قال في تعليقه : (مع احترامي لرأيك من ورّط غزة في هذه الحرب عليه أن يتحمّل نتيجة أعماله. أعرف أنّ كلامي سيكون قاسيا ولكني أقول الحقيقة، بعد خراب البصرة بدل هذه ألآلاف من الصواريخ التي لم تحرّر شبرا واحدا من الأرض المحتلة ولا تجلب سوى الخراب والدمار على أهل غزة، بثمن هذه الصواريخ كان من الممكن شراء مولدات كهرباء وبناء منازل للشعب تحتوي على ملاجىء عند الطوارىء...إلخ ).
وسؤالي هو: هل يقبل الاحتلال هذا؟ هل كان ينتظر سببا لعدوانه؟
لو أخذنا الوارد في تعليق الصديق بعيدا عما يجري ميدانيا في الأراضي المحتلة منذ عشرات السنين لوافقناه على ما ذكره في تعليقه، ولكن ممارسات الاحتلال التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني تقول بأدلة مفحمة بأنّ هذا الاحتلال لا يريد أي حل للقضية الفلسطينية إلا بشروطه المهينة، وقد كرّرت مرارا بأنّ المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في العاصمة الجزائرية عام 1987 أعلن فيه الرئيس ياسر عرفات علنيا قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 مما يعني الاعتراف بدولة إسرائيل، ثم وقّع الرئيس عرفات اتفاقية اوسلو عام 1993 ليؤكد هذا المطلب الفلسطيني، ولو طبّق الاحتلال الإسرائيلي بنود هذه الاتفاقية لتم إعلان الدولة الفلسطينية عام 2005 ، ولكن هذا لم يحدث و استمر الاحتلال في ممارساته البشعة في القطاع والضفة، وأهم مظاهرها:

_ الاستمرار في سياسة الاستيطان في القدس الشرقية وجوارها والضفة الغربية مما جعل هذه المستوطنات تستولي على ما لا يقل عن عشرين بالمائة من مساحة الضفة الغربية، رغم أنّ كافة مساحة الضفة و القطاع لا تساوي أكثر من 21 % من مجموع مساحة فلسطين التاريخية المحتلة. ومن بدع الاحتلال أنّه اصطنع تسمية "مستوطنات شرعية" و "مستوطنات غير شرعية" ولذر الرماد في عيون العالم الغربي يقوم بين حين وآخر بتفكيك أمتار من مستوطنة على اعتبار انّها غير شرعية وفي مقابل ذلك يقوم بتوسيع الاستيطان في مستوطنات أخرى شرعية من وجهة نظره، رغم أنّ غالبية دول العالم تعتبر هذه المستوطنات في الأراضي الفلسطينية تحديا واضحا للقانون الدولي، خاصة بعد تأييد الأمم المتحدة لاعتبار هذه المستوطنات يشكّل خرقا للفقرة 49 من اتفاقية جينيف الرابعة، كما تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 446 في مارس 1979 الذي اعتبر هذه المستوطنات ( ليست لها شرعية قانونية وتُشكّل إعاقة خطيرة أمام تحقيق سلام شامل، عادل ودائم في الشرق الأوسط؛ ويدعو إسرائيل مرة أخرى، باعتبارها القوة المحتلة، إلى الالتزام بدقة بمعاهدة جنيف الرابعة لعام 1949، إلغاء إجراءاتها السابقة والامتناع عن القيام بأي عمل يؤدي إلى تغيير الوضع القانوني والطبيعة الجغرافية ويؤثّر مادياً على التكوين الديمغرافي للأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس ). ورغم ذلك يستمر الاحتلال في توسيع هذه المستوطنات بشكل يومي غير عابىء بالمواقف والادانات الدولية.
_ الاستمرار بعد توقيع اتفاقية أوسلو في سياسة الاغتيالات والسجون التي لم تستثن تنظيما فلسطينيا حيث تمّ اغتيال عشرات القيادات والكوادر الفلسطينية، وأشهر هذه العمليات الإجرامية حصار الرئيس عرفات في المقاطعة بمدينة رام الله قرابة أربع سنوات ثم السماح له للذهاب للموت في باريس مسموما، ويبلغ عدد الأسرى والسجناء الفلسطينيين من كافة التنظيمات قرابة ثمانية ألآف بينهم مئات من النساء والأطفال، وبعد كل عملية اطلاق بعض السجناء يتمّ خطفهم وسجنهم من جديد.
_ رغم الانسحاب من قطاع غزة في صيف عام 2005 إلا أنّ عمليات الاغتيالات والتوغلات والقصف بالطيران داخل القطاع لم تتوقف بأي شكل من الأشكال بسبب وبدون أسباب مقنعة، ورغم مسؤولية حركة حماس عن الانقسام الفلسطيني في يونيو 2007 إلا أنّ الممارسات الميدانية أثبتت أنّ الاحتلال له نفس الممارسات والسياسات التي لم تختلف قبل الانقسام عمّا بعده.
_ استمرار الحصار على قطاع غزة تحديدا وإغلاق كافة المعابر مع فلسطين المحتلة وعدم السماح بإدخال أية مواد تموينية أو طبية إلا بالقطارة لذر الرماد في عيون المجتمع الدولي، وحصارر بحري أيضا يمنع الصيادين الفلسطينيين من الصيد في بحرهم الأبيض المتوسط ضمن ما يسمّى المياه الدولية لكل دولة، وهذا ما حوّل القطاع حسب كافة المتضامنين الدوليين إلى سجن كبير خاصة بعد المجازر التي ارتكبها الاحتلال بحق العشرات من المتضامنين الدوليين خاصة مجزرة سفينة "مرمرة" التركية فجر 31 مايو 2010 ، وجريمة قتل المتضامنة الأمريكية "راشيل كوري" سحقا بالجرافة الإسرايلية في مارس 2003 ، وقد تعمد سائق الجرافة الصهيوني بالمرور بجرافته على جسدها مرتين ليسحقها وتموت في نفس اللحظة.
_ إعلان حماس رسميا وعلنيا عدم مسؤوليتها عن حادث خطف الإسرائيليين الثلاثة و قتلهم الذي أخذه الاحتلال ذريعة لشنّ هذه الحرب الهمجية على قرابة مليونين إلا ربعا من فلسطينيي القطاع وكأنّهم كلهم حماس وأعضاءا وكوادر فيها. هذا مع أهمية العلم أنّ القناة الثانية بالتلفزيون الألماني " زي دي إف " قد بثت تقريرا خطيرا حول خطف الإسرائليين الثىلاثة وقتلهم شكّك في مسؤولية حركة حماس عن ذلك موردا تفاصيل عديدة عن فبركات الاحتلال واخفائه معلومات عن حقيقة هذا الحادث لاتخاذه ذريعة لبدء حربه الهمجية هذه
بعد كل هذه الممارسات والفبركات والجرائم هل يريد الاحتلال تهدئة؟
نعم يريد هذا الاحتلال المجرم تهدئة دائمة وبدون أن يطلق رصاصة واحدة في القطاع والضفة ولكن بالشروط التالية: وقف كل عمليات المقاومة ضده بأي شكل من الأشكال بما فيها المقاومة السلمية التي سبق أن قمع عشرات المظاهرات السلمية وقتل واعتقل العشرات من المشاركين فيها ليس ضد قواته المسلحة بل ضد الجدار العنصري العازل. وقف الاحتجاجات على توسيع المستوطنات والقبول بها مهما ابتلعت من مساحة الضفة الغربية. السكوت على سياسته في تهويد القدس المستمرة بدون توقف رغم تهديدها المسجد الأقصى نفسه. الاعتراف بيهودية دولة الاحتلال الإسرائيلي، والاعتراف بتوحيد القدس واعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال. استمرار جيش وأمن الاحتلال في السيطرة على كافة المعابر بين القطاع و مصر والضفة والأردن وبدون ذلك الاستمرار في اقفالها وتشديد الحصار على القطاع والضفة أيضا. وأخيرا القبول بدويلة فلسطينية في القطاع وأجزاء من الضفة منزوعة السلاح مع استمرار عدم وجود تواصل جغرافي بين القطاع والضفة وسيطرة جيش الاحتلال على أجواء هذه الدويلة المسخ البحرية والجوية.
فمن يقبل بهذه الشروط يا صديقي صاحب التعليق؟
لذلك ما لم يقبل الفلسطينيون بهذه الشروط الخيانية المذلة فلن تكون من طرف الاحتلال تهدئة من أي نوع وبالتالي فالسؤال المنطقي ضمن هذا السياق هو: هل يحق لحماس وكافة التنظيمات الفلسطينية مواجهة ومقاومة هذا الاحتلال بكل السبل الممكنة أم لا؟ وعند ممارسة حماس أو أي فصيل فلسطيني هذا الحق في المقاومة ومهما تكن نوعية ردود الاحتلال الإجرامية، هل تتحمل حماس أو أي فصيل فلسطيني مسؤولية هذه الجرائم؟ لا..لا..لأنّ سياسة الاحتلال كما أوضحت هي: الاستسلام والخضوع الكامل لشروطه السابقة أو هذه الردود الإجرامية على أي رد فلسطيني على سياساته وممارساته العنصرية الاحتلالية الإجرامية، وبالتالي فالمقاومة الفلسطينية لهذا الاحتلال مشروعة بكل الوسائل الممكنة ضمن ميل موازين القوى تماما لصالح جيش الاحتلال وهذا الحصار الشامل الدائم للضفة الغربية وقطاع غزة.
www.drabumatar.com



26
تنويعات إنسانية على صوت الرصاص وسيل الدماء!!
د.أحمد أبو مطر
                                   
عندما تتحدث مع أهلك وعائلتك في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة،
 حيث نشأت وتربيت وتعلمت، وتسمع فعلا أثناء المكالمة صوت رصاص و هدير طائرات الاحتلال التي تقصف البشر و الحجر، تدرك حقيقة أنّ ( من يده في النار ليس كمن يده في الماء ) ، و تدرك أنّ كل كتاباتنا وأحاديثنا في وسائل الإعلام في واد وشعبنا الذي يذوق الموت يوميا في واد آخر ، وحقيقة لا يتابع ولا يهتم شعبنا بكافة كتاباتنا لأنّه مشغول عنها بما هو أهم وأخطر ، وهو كيف ينجو من هذا الموت الذي يترصد كل شخص في أية لحظة ، وما يزيد موتهم موتا هو أنّهم ليست المرة الأولى بل الأكثر وضوحا يجدون أنفسهم ( وحدهم ) في مواجهة الاحتلال، وأيضا بعض العرب يرقصون فرحا و طربا يتمنون المزيد من القتل والتدمير للشعب الفلسطيني والاحتلال مستمر في تنفيذ رغباتهم هذه رغم كل ادعاءاته في الإعلام الغربي.

********
من أشهر وأقبح الأصوات النشاز،
 التي علت أثناء هذا العدوان الهمجي للإحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، هو صوت الإعلامي الذي أعتقد أنّه لا يشرف الشعب المصري انتماءه له، المدعو " توفيق عكاشة " صاحب قناة نشاز أيضا لا يشرف فراعنة مصر أن تحمل اسم ( الفراعين ). هذا العكاشة كما شاهده الكثيرون في الفيديو الخاص به، يطلب من الاحتلال المزيد من القصف والقتل للشعب الفلسطيني، ويطالب المسؤولين المصريين بعدم تقديم أية مساعدة للشعب الفلسطيني، موردا اتهامات باطلة بحق حركة "حماس" وادعاءات حول دورها التخريبي في مصر وسيناء المصرية. هذا الصوت النشاز لا يمكن تعميمه على كل الشعب المصري، فهذا الشعب تاريخه عريق وطويل في دعم القضية الفلسطينية وتضحياته من أجلها. نحن ابناء مخيمات القطاع التي عشنا فيها منذ عام 1948 وحتى عام 1967 عندما كان القطاع تابعا إداريا لجمهورية مصر، لا يمكن أن ننسى ايجابيات تلك المرحلة حيث كنّا نتنقل من أية بقعة في القطاع وحتى القاهرة أو أية مدينة مصرية بدون تأشيرة دخول أو أية ضوابط أو موانع...ليت تلك الأيام تعود حيث لا معابر ولا ساعات إغلاق أو فتح لمعبر رفح أو غيره..مصر الوطن والشعب يبقى حيّا في ضمائر الفلسطينيين لا يشوهه حكام أو مسؤولون أو إعلاميون أو عكاشيون، فالوطن أغلى من كل الأشخاص لذلك أرفض تعميم الأحكام على شعب بكامله ككتلة سكانية.

********
من يدير ويتحكم في الضفة الغربية؟ السلطة الفلسطينية أم جيش الاحتلال الصهيوني؟
هذا السؤال ليس وليد الهجمة الهمجية الصهيونية الحالية والمستمرة ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، بل هو نتيجة المشاهد والممارس واقعيا وميدانيا منذ توقيع اتفاقية أوسلو قبل قرابة عشرين عاما. فالفلسطينيون والعالم أجمع يشاهدون يوميا جيش الاحتلال يسرح ويقتل ويدمر في كل الحارات والقرى والمدن الفلسطينية في الضفة دون تتصدى له بأي شكل قوات الأمن الفلسطينية المسلحة بالرشاشات والقنابل بالعكس تقوم بالانسحاب مسبقا بأمر من قيادتها من أية منطقة سيدخلها جيش الاحتلال، لذلك باعتقالات ما قبل أيام قليلة بلغ عدد أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني الذي اعتقلهم جيش الاحتلال 37 عضوا، فماذا بقيّ من المجلس التشريعي ؟ وماذا بقيّ من سيادة للسلطة الفلسطينية؟ و السؤال البديهي هو: أيهما افضل بقاء السلطة أم حلّها أو ما هي الفائدة التي تقدمّا للشعب الفلسطيني خاصة في ظل تصريحات بعض مسؤوليها التي تنسجم مع مواقف الاحتلال نفسه؟
**********
هل يوجد أي أمل للسلام مع الاحتلال؟
واقع وممارسات العشرين عاما التي أعقبت اتفاقية اوسلو التي اعترف من خلالها الفلسطينيون بدولة "إسرائيل" ومطلبهم دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. هذه الممارسات الاحتلالية تقول صراحة و وقاحة ( لا أمل..لا أمل للسلام مطلقا ) فدولة الاحتلال تعيش على استمرار الحروب والصراعات كما قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية الأسبق "جولدا مائير" ما معناه: لا يجمع الشعب الإسرائيلي إلا استمرار الشعور بالخوف من الحروب لذلك علينا أن نصطنع حربا كل عشر سنوات إن لم تفرض علينا...وهذه هي مسيرة الاحتلال منذ عام 1948 ...لذلك هل يستطيع قادة الاحتلال الجواب على سؤال: ما هي شروطكم للسلام ؟ وما هي حدود الدولة الفلسطينية التي تقبلون بها؟. هذا الاحتلال حسب ممارساته لا يقبل إلابدويلة فلسطينية مسخ لا وجود لها إلا على حوالي 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية، وهذه الدويلة منزوعة السلاح يتحكم الاحتلال في كل منافذها وعدم العودة لتقسيم القدس والاعتراف بها فلسطينيا وعربيا عاصمة لدولة الاحتلال اليهودية  التي ربما يعقب ذلك طرد وتهجير مليون وربع فلسطيني ممن يعيشون على أرض وطنهم المحتل منذ عام 1948 ..وهذه الشروط لا يقبل بها أي فلسطيني لذلك فمسلسل الموت والرعب مستمر..مستمر !!!
**********
هل خطف وقتل الفتية الإسرائيليين الثلاثة هو سبب هذه الهجمة الإجرامية؟
يمكن أن تكون الإجابة المباشرة: نعم..ولكن كيف سيكون الوضع لو لم يتم خطفهم وقتلهم؟. ايضا المراقبة الموضوعية للوضع تقول: كان سيستمر الحصار على قطاع غزة من كل المنافذ والمعابر ليبقى القطاع سجنا كبيرا لا يتوفر فيه الحد الأدنى من الحياة الكريمة لغالبية مواطنيه. وفي الوقت ذاته سيستمر الاستيطان الاحتلالي ليستولي يوميا على نسبة من مساحة الضفة الغربية وتستمر معه انتهاكات الاحتلال داخل الضفة حيث الاعتقالات اليومية..أي أنّه القتل بأشكال مختلفة لا تراعي انسانية الشعب الفلسطيني بسبب احتلال يقوم ويستمر على القتل والدم والإبادة الجماعية، فغالبية مجازر الاحتلال السابقة هل رافقها او سبقها خطف فتية أو جنود إسرائيليين؟ لذلك فخلاصة هذه الممارسات الاحتلالية الدموية حتى كتابة هذه التنويعات حسب رصد موقع "دنيا الوطن" داخل قطاع غزة هي:
231 شهيدا، 1960 جريحا، 237 غارة احتلالية إسرائيلية، 632 عدد المساجد والمنازل المدمرة، وبالتالي يمكن تقدير عدد الأسر التي تمّ تشريدها بعد قصف وتدمير منازلها...إنّه الموت الذي يعيشه شعب (يا وحدنا )!!!
www.drabumatar.com


27
متى يفهم الاحتلال أنّ الموت لا يجلب إلا الموت؟
د.أحمد أبو مطر

من المسؤول عن هذا القتل والموت والدمار المستمر في فلسطين طوال 65 عاما مرت ومضت دون توقف لشلال الدم هذا؟. انتفضت غالبية دول العالم لمقتل الصبية الإسرائيليين الثلاثة الذين تمّ خطفهم  من قبل فلسطينيين مجهولي الهوية حتى الآن، ثم عثروا على جثثهم مقتولين بعد ساعات قليلة من خطفهم. إنّ قتل المدنيين الأبرياء مرفوض مهما كانت تصرفات حكوماتهم وحشية وهمجية، ولكن أين هذا العالم الذي يدّعي الحرية والديمقراطية ودعم إرادة الشعوب من رد فعل حكومة الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيها الذي تمثل في خطف الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير وقتله، وأعمال قوات الاحتلال الإسرائيلي الهمجية التي لم تتوقف منذ ما يزيد على شهر حيث مئات المعتقلين وعشرات الغارات الجوية على قطاع غزة حيث التدمير البشع الهمجي الذي لا ينمّ إلا عن روح احتلالية تسعى للبقاء وسط بحار من الدماء وأشلاء القتلى وخراب البيوت والمؤسسات، مما جعل الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة يعيش من سنوات في سجن كبير باعتراف العديد من المؤسسات الدولية المراقبة للوضع هناك، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا أي مستوى من الرعاية الصحية لما يزيد عن مليون ونصف من الشعب الفلسطيني في القطاع.
من المسؤول عن هذا الموت والقتل والخطف؟
سواء اعترفت دولة الاحتلال وغالبية دول العالم أو لم تعترف، فإنّ شلال الدم المستمر يقع على مسؤولية دولة الاحتلال الإسرائيلي التي ترفض بعنجهية ووحشية الاستجابة لأبسط حقوق ومطالب الشعب الفلسطيني الذي قامت الحركة الصهيونية بالاستيلاء على وطنه عبر مقولات صهيونية أقرب للأساطير باعتراف العديد من المؤرخين اليهود أنفسهم خاصة من يطلق عليهم (المؤرخون الجدد)، وأيضا الفيلسوف الفرنسي "روجية جارودي" صاحب الكتاب المشهور ( الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ) الذي تمت محاكمته بسبب الحقائق التي كشفها من خلال أساطير وهمية مثل (شعب الله المختار) و ( الأرض الموعودة)و ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، رغم أن أي عقل محايد لا يمكن أن يقتنع بإله أو رب يختار شعبا من شعوبه ليعتبره هو المفضّل والمختار من بين كل الشعوب، و أي عقل يقبل أنّ هناك أرض بلا شعب ليتمّ تجميع وتهجير شعوب مختلفة الهوية والنشأة لاحتلال أرض شعب آخر يعيش في أرضه التاريخية منذ ألاف السنين. وتكفي الحقائق الإسرائيلية نفسها التي تعترف بأنّ ما يزيد على ربع مليون ممن تمّت هجرتهم لدولة الاحتلال بعد انهيار دول الاتحاد السوفييتي لم يكونوا يهودا بل ادّعوا ذلك هروبا من فقر تلك الدولة والبطالة السائدة فيها.
ورغم ذلك فالشعب الفلسطيني يريد دولة ضمن حدود عام 1967 ،
وهذا ليس منذ اتفاقية أوسلو الموقعة في سبتمبر 1993 فقط بل سبق ذلك في اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني ، دورته الثامنة عشر المنعقدة في العاصمة الجزائرية بتاريخ أبريل 1987 حيث أعلن الرئيس ياسر عرفات قيام تلك الدولة وعاصمتها القدس الشرقية باجماع كافة الفصائل والشخصيات الحاضرة في اجتماعات تلك الدورة. ورغم ذلك  وبعد توقيع اتفاقية أوسلو المعترفة رسميا وعلنيا ب " دولة إسرائيل "، إلا أنّ دولة الاحتلال مستمرة منذ 21 عاما أعقبت تلك الاتقاقية والاعتراف في ممارسات لا يمكن وصفها إلا بأنّها استفزازية لا تريد السلام مع الفلسطينيين بأي شكل وضمن أية حدود، ويكفي ذكر الممارسات الاحتلالية الوحشية التالية:
1 . استمرار الاستيطان الذي بلع واستولى فعلا على ما يزيد عن 25 % من مساحة الضفة الغربية.
2 . استمرا رالحصار على قطاع غزة بشكل يحرّم شعب القطاع من أبسط الحقوق والحياة الكريمة.
3 . استمرار الضفة الغربية مساحة محتله ميدانيا رغم وجود السلطة الفلسطينية، كديكور شكلي فقط فالجيش الإسرائيلي يتجول ليلا ونهارا في أي وقت بالضفة، يقتل ويعتقل ويسجن ويدمر دون أية ردود فعل من السلطة الفلسطينية بل تنسحب قوات شرطتها مسبقا من أية منطقة سيدخلها جيش الاحتلال.
4 . الاستمرار في عمليات الاعتقال العشوائي حيث ما يزال في سجون الاحتلال ما يزيد على ثمانية ألاف سجين فلسطيني بينهم مئات النساء والأطفال، والعديد منهم قضى وما يزال في سجون الاحتلال ما يزيد على عشرين عاما.
5 . استمرار الانتهاكات الصهيونية للمقدسات الإسلامية حيث تسعى دولى الاحتلال لتهويد القدس تماما بعد أن تمكنت في فبراير 1994 من اقتسام الحرم الابراهيمي بمدينة الخليل وتحويل أغلب مساحته لكنيس يهودي، عقب مذبحة الصهيوني باروخ جولد شتاين الذي اقتحم الحرم وقت صلاة الفجر وقتل بدم بارد 29 فلسطينيا وهم يؤدون الصلاة، ثم أعقب ذلك مواجهات مع جيش الاحتلال سقط فيها 30 قتيلا فلسطينيا.
6 . إصرار دولة الاحتلال على اعتبار "دولة إسرائيل" دولة يهودية مما يعني طرد ما لايقلّ عن مليون وربع فلسطيني ما زالوا في وطنهم التاريخي منذ عام 1948 .
لذلك..لا سلام..ولا أمن..ولا استقرار،
إزاء هذه الممارسات الاحتلالية البشعة التي ترفض الاعتراف بأبسط حقوق الشعب الفلسطيني الذي يريد دويلة على ما لا يزيد عن عشرين بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية. نزيف الدم والقتل والدمار والتفجير سيستمر والمسؤول عن ذلك هو دولة الاحتلال التي عليها أن تعرف أنّ الدم لا يجلب إلا الدم، والقتل لا يتبعه إلا القتل، وهي دولة لم تتعظ من دم يسيل وقتل يرتكب طوال 65 عاما..فهل تصحو تلك الدولة؟. أشكّ في ذلك فمن لم يتعظ طوال 65 عاما لن يصحو فجأة، ولا أظنّ أنّ صبر الشعب الفلسطيني سيستمر طويلا، فهو شعب ما عاد يخاف من أية احتمالات، فلن يجيء ما هو أبشع مما عاشه طوال 65 عاما..فالمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات التي لن يخلو منها مسلسل الدم والقتل أبدا.
www.drabumatar.com


28
هل يمكن أن ينتصر صوت الموسيقى على صوت الرصاص؟
د.أحمد ابو مطر
فاجأني عنوان هذه المقالة بعد قراءتي لتقرير وكالة رويترز من القدس الذي من الصعب تلخيصه، والأفضل للقراء لإدراك مغزى هذا العنوان أن يقرأوا هذا التقرير القصير كما كتبه مراسل رويترز "ألين فيشر إيلان" يوم الرابع من يوليو 2014 . يقول التقرير عن القاسم المشترك بين طفلين إسرائيلي وفلسطيني تمّ خطفهما وقتلهما:
(كان محمد أبو خضير الفتى النحيل ذو العينين البنيتين الثاقبتين يحب الموسيقى ورقص الدبكة. وكان نفتالي فرنكل المراهق الضخم البنية ذو الشعر الأحمر مولعا بعزف الأغاني الشعبية العبرية على جيتاره. ولكن المراهقين الفلسطيني والإسرائيلي اللذين توفيا عن 16 عاما ينحدران من أرض لا يسودها الوئام ويبدو أن قدرها أن تتشارك مأساة رحيل المزيد من الفتية صغار السن في صراعها الممتد منذ عقود. عثر على جثة محمد متفحمة في غابة بالقدس يوم الأربعاء بعد ساعات من اختطافه بالقرب من منزله في المدينة ثم قتله في جريمة يعتقد الكثير من الفلسطينيين أن إسرائيليين نفذوها انتقاما. وقبل يوم واحد دفن نفتالي وطالبان يهوديان آخران إثر خطفهم وقتلهم حسب قول إسرائيل على يد عناصر من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بينما كانوا يسعون للحصول على وسيلة نقل مجانية في الضفة الغربية المحتلة في 12 يونيو حزيران الماضي . وقالت سهى والدة محمد في منزل العائلة في حي شعفاط العربي في القدس للصحفيين إن ابنها كان دمث الخلق ومبتسما دائما. وكان محمد الذي دفن جثمانه يوم الجمعة يدرس الهندسة الإلكترونية في مدرسة مهنية وكان يحرص على حيازة أحدث الأدوات وشغوفا بالموسيقى وعضوا في فرقة للدبكة. ووصف سعيد خضير -ابن عم محمد الذي يدير مطعما للمأكولات السريعة في القدس- قريبه القتيل بأنه كان هادئا يكره المشاكل والمتاعب. وقال إنه لا يصدق أنه يتحدث عنه الآن بصيغة الماضي.أما نفتالي فقد كان يعيش في نوف أيالون وهي بلدة في إسرائيل تبعد 30 كيلومترا عن منزل محمد ويرتاد مدرسة دينية في إحدى مستوطنات الضفة الغربية. وقال أصدقاؤه إنه كان يلعب البنج بونج وكرة السلة في أوقات الراحة بالمدرسة. وكان نفتالي- الذي يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية- يستمتع بأداء الأغاني الشعبية العبرية بينما يعزف على الجيتار. وكان يعزف أيضا على الناي وكان محبا للموسيقى كما ذكرت والدته راشيل في رثائها إياه في مأتمه. وقالت "ارقد بسلام يا بني. سنستمر دائما في الغناء من دونك وسنسمع دوما صوتك بداخلنا".
انتهى تقرير رويترز، والسؤال الملحّ هو عنوان المقالة:
هل يمكن أن ينتصر صوت الموسيقى على صوت الرصاص؟
أنا أتمنى ومن المؤكد معي الملايين من مختلف القوميات والديانات والطوائف، يتمنون أن يحل السلام والوئام في هذه الأرض التي يستباح الدم فيها ليلا ونهارا طوال 65 عاما أي منذ مايو 1948 عند الإعلان عن قيام "دولة إسرائيل" على أرض شعب يعيش فيها منذ ألاف السنين بحجة غير منطقية " أرض بدون شعب لشعب بدون أرض" وكيف كانت أرض بلا شعب وقد تمّ تهجير ملايين منها ما زالوا يعيشون في المنافي حتى اليوم؟ وكيف هي أرض بلا شعب عندما تقرّر الجمعية العمومية للأمم المتحدة في قرارها رقم 194 حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة أو التعويض. بعد التذكير بهذه الحقائق التاريخية الموثقة دوليا، نعود إلى السؤال الرئيسي عنوان المقالة. إنّ انتصار صوت الموسيقى التي كان يعزفها الطفلان الفلسطيني "محمد ابو خضير" والإسرائيلي الأمريكي "نفتالي" على صوت رصاص صواريخ حماس المصنوعة من أنابيب مجاري لا تلحق ضررا، وصواريخ وقذائف الجيش الإسرائيلي التي لم تبق بيتا ولا حجرا في قطاع غزة إلا ودمّرته، ليس من السهل تحقيقه ولن يتحقق إلا في حالة تحقيق رغبة وأمنية وأمل فلسطيني، وهو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا الأمل الفلسطيني لم يكن وليد اتفاقية أوسلو التي تمّ توقيعها في سبتمبر 1993 بل قبل هذا التاريخ بستة سنوات عندما أعلن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة في العاصمة الجزائرية في أبريل 1987 قيام تلك الدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 مما يعنّي أنّ الفلسطينيين يعترفون منذ ذلك التاريخ بدولة إسرائيل ضمن تلك الحدود.
ولكن تعنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة،
لا يحول دون تحقيق هذا الهدف فقط بل تستمر في المزيد من استفزاز كافة قطاعات الشعب الفلسطيني مما يحوّل المعتدلين إلى متشددين متطرفين، إذ أنّ المستوطنات مستمرة في ضم وهضم أراضي الضفة الغربية حيث تستولي هذه المستوطنات على ما لا يقل عن عشرين بالمائة من أراضي الضفة، والاستمرار في احتلال الضفة واقعيا رغم وجود السلطة الفلسطينية ديكوريا، إذ يتجول الجيش الإسرائيلي ويقتل ويهدم ويعتقل كما يريد،و أيضا ما معنى ومن يفهم وجود ما لا يقل عن ثمانية ألاف معتقل وأسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية منذ عشرات السنين بينهم مئات من النساء والأطفال. ومن يفهم هذا الحصار الدائم الذي حوّل قطاع غزة إلى سجن كبير حسب شهادات دولية محايدة.
أمّا ذريعة حماس وصواريخها الديكورية،
فهي من طرف حماس من حين لآخر مجرد صراخ يقول (هانحن موجودون) بدليلين قاطعين: الأول، التصريحات المتعددة لخالد مشعل للإعلام الأمريكي تحديدا بقبول حماس لدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 والثاني، هو ركض حماس الداخل بعد كل قصف إسرائيلي لإستجداء المخابرات المصرية للوصول لاتفاقية وقف إطلاق نار بينها وبين الجيش الإسرائيلي. لذلك أقول لكل الأمهات والآباء فلسطينيين وإسرائيليين: لن يتغلب صوت الموسيقى التي كان يحبها الطفلان محمد و نفتالي على صوت الرصاص إلا بقيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعندئذ سيتحرك الشعب الفلسطيني لوقف أي صوت للرصاص من جانبه ضد الشعب الإسرائيلي، وبدون ذلك يا أم "نفتالي" من حقك ان تستمري في سماع صوت الموسيقى ولكن صوت الرصاص ضد الشعبين سيتغلب على سماعك لصوت نفتالي بداخلك!! فهل تتحرك ضمائر من يريدون الحرية والاستقلال لكل الشعوب للمساعدة في تغليب صوت موسيقى الدبكة الشعبية الفلسطينية و صوت موسيقى الأغاني الإسرائيلية على أصوات الرصاص من كل الجوانب والأطراف؟. وسيظلّ السؤال قائما رغم صوت الموسيقى والرصاص: لماذا لا يكون من حق الشعب الفلسطيني دولة مستقلة على مساحة ما لا يزيد عن عشرين بالمائة من وطنه التاريخي؟. هذا هو الأمل والحلم دولتان مستقلتان بحدود واضحة مرسومة لشعبين يتجاوران في أمن وسلام على أنغام الموسيقى الفلسطينية والإسرائيلية.
www.drabumatar.com


29
ألم نستفد من درس جلعاد شاليط؟
د.أحمد أبو مطر

لا يجادل أحد في حق كافة الشعوب في مقاومة الاحتلال وصولا للإستقلال والحرية والكرامة، وهذا ينطبق على الشعب الفلسطيني الذي مرّ 66 عاما على احتلال وطنه التاريخي وتشريد غالبية شعبه، لإقامة وطن ودولة مصطنعة تحت مقولة احتلالية اقصائية مهّد لها وزير خارجية بريطانيا آنذاك بلفور بوعده المشؤوم عام 1917 . وهذا الإقرار بحق الشعوب في المقاومة لا ينفي الحق في مناقشة بعض أساليب المقاومة التي تمارسها بعض الجماعات الفلسطينية دون تحقيق أي تقدم يذكر على طريق الاستقلال ودحر الاحتلال بل تقديم خدمات كبيرة له خاصة في مجال تبرير توسعه وارتكاب المزيد من الجرائم التي تجد لها بعض المبررات في المجتمع الدولي من خلال تلك الممارسات  التي ترفضها غالبية المجتمع الدولي رغم تأييده لحرية المقاومة ودحر الاحتلال.
ماذا كسب الفلسطينيون من خطف جلعاد شاليط؟
قامت فصائل فلسطينية بخطف الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" في الخامس والعشرين من يونيو 2006 واستمر اسيرا أو سجينا أكثر من خمس سنوات إلى أن أفرج عنه في الثامن والعشرين من أكتوبر 2011 ، مقابل صفقة رعتها المخابرات المصرية تقضي الإفراج عن 1027 من الأسرى والأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، وهذا انجاز جيد بالمقاييس العامة لمعاناة الشعب الفلسطيني خاصة عائلات الأسرى وأطفالهم ومنهم من قضى في سجون الاحتلال عشرات السنين. ولكن هذا الإنجاز يتضاءل كثيرا عندما يباشر الاحتلال الإسرائيلي بعد أيام مواصلة سياسة الاعتقال والسجن لمئات من الفلسطينيين بشكل شبه يومي ومن بينهم العشرات ممن تمّ إطلاق سراحهم في صفقة شاليط، ويمكن احصاء قتل واغتيال العشرات و اعتقالات طالت المئات من القطاع والضفة منذ الإفراج عن جلعاد شاليط، طالما موازين القوى القوى العسكرية مائلة بنسبة عالية جدا لصالح قوات الاحتلال ليس في مواجهة الفصائل الفلسطينية فقط بل في مواجهة كافة الجيوش العربية التي ما عادت المواجهة مع جيش الاحتلال ضمن أجندة كافة الدول العربية خاصة الحدودية مع الاحتلال بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر عام 1979 واتفاقية وادي عربة مع الأردن عام 1994 ، واستمرار المفاوضات الإسرائيلية مع نظام المقاومة والممانعة في سوريا الذي لم يطلق رصاصة ضد الاحتلال منذ عام 1973 ولم يسمح بذلك لأي فصيل فلسطيني من الحدود السورية، ولم يردّ ابدا على عشرات الغارات والاختراقات الإسرائيلية ، بما فيها آخر قصف إسرائيلي لتسعة مواقع سورية يوم الأحد الثاني والعشرين من يونيو الحالي بسبب مقتل صبي إسرائيلي في حادث لم تعرف أسبابه بعد ، وكل هذا الصمت المخزي من نظام المقاومة والممانعة في انتظار تحديد الزمان والمكان المناسبين ، اللذين لن يأتيا حتى لو تدخل المهدي المنتظر لملالي إيران الذين يقاومون الاحتلال بالخطابات بينما العلاقات الملالية الإسرائيلية تحت الطاولة خوش بوش، كما يؤكدها ويكشف أسرارها المؤلف الأمريكي "تريتا بارسي"أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "جزن هوبيكينز" في كتابه " التحالف الغادر: العلاقات السرّية بين إيران وأمريكا وإسرائيل".
ونتيجة لذلك ماذا سنستفيد من أسر الصبية الإسرائيليين الثلاثة؟
أنا وكثيرون نتفهم الغضب الفلسطيني من غطرسة الاحتلال وهمجيته في القطاع والضفة وجرائمة التي لا تتوقف، التي هي السبب في قيام مجموعات فلسطينية بمثل خطف أو أسر الصبية الإسرائيليين الثلاثة، وهي عملية لا تذكر قياسا بجرائم وتعديات الاحتلال ضد الشباب والأطفال الفلسطينيين، وبالتالي فهذا الغضب الفلسطيني من حقه أن يعبّر عن نفسه بأية وسائل ممكنة في ظل طغيان موازين القوى العسكرية لصالح دولة الاحتلال. و لكن ضمن موازين القوى السائدة التي تختلف عن موازين الرعب القائمة بين الطرفين، من حق الجميع بمن فيهم الأشخاص والفصائل الفلسطينية أن تراجع حساباتها بدقة شديدة قبل القيام بأية عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي لمعرفة نتائجها وانعكاساتها على الشعب الفلسطيني، وحجم المبررات التي تعطيها لدولة الاحتلال لمزيد من عمليات القتل والاغتيالات والاعتقالات، وهذا ما حدث بعد عملية الخطف المذكورة حيث استباح الاحتلال قطاع غزة بقصف الطيران والضفة الغربية بالتوغل في كافة القرى والمدن للقيام باعتقال ما لايقل عن 400 فلسطيني حتى الآن  بمن فيهم العشرات ممن تمّ اطلاق سراحهم في صفقة تبادل جلعاد شاليط، وقد تضمنت قائمة الاعتقالات رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز الدويك.
وحسن نصرالله نفسه أبدى ندمه على عملية خطف الجنود
الإسرائيليين الثلاثة عام 2006 التي أدت لاجتياح يوليو 2006 الذي استمر 34 يوما و دمّر غالبية البنية التحتية اللبنانية وتهجير قرابة 600 ألف لبناني من منازلهم وديارهم، وقدرّت الخسائر اللبنانية بعشرات المليارات. وكان حسن نصر الله قد صرّح في بداية الاجتياح قائلا:  "أردتموها حربا مفتوحة ونحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة ومستعدون لها وستكون حربا على كل صعيد إلى حيفا وصدقوني إلى ما بعد حيفا وإلى ما بعد ما بعد حيفا". ورغم هذه التهديدات الخطابية لم نشاهد هذا التقدم لا لحيفا ولا جوارها بل بالعكس عند توقف الاجتياح صرّح حسن نصر الله  في مقابلة تلفزيونية بثت يوم الأحد 27-7-2006 قائلا:  إنه لو علم أن عملية خطف جنديين إسرائيليين الشهر الماضي كانت ستؤدي إلى جولة العنف التي استمرت 34 يوما "لما قمنا بها قطعا". وأكّد على أن"لا جولة ثانية من الحرب مع إسرائيل". وقال إن قيادة حزب الله "لم تتوقع ولو واحدا بالمائة أن عملية الأسر ستؤدي إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم، لأنه وبتاريخ الحروب هذا لم يحصل.. لو علمت أن عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا". وهذا ما كان فمنذ نهاية اجتياح يوليو 2006 ونزول قوات اليونيفيل المسلحة لجنوب لبنان لم يقم حزب الله بأية عملية عسكرية ضد الاحتلال ولم يردّ مطلقاعلى التوغلات والهجمات الإسرائيلية داخل لبنان أو داخل سوريا حليفه نظام المقاومة والممانعة.
من حق أي شعب مقاومة الاحتلال،
والأفضل هو دراسة نتائج أية عملية ضد الاحتلال، هل ستؤدي لخطوة نحو دحر الاحتلال أم مجرد خطوة في ميزان الرعب الذي يصيب الإسرائيليين كما الفلسطينيين لكن ميزان القوى مائل بشكل هائل لمصلحة الاحتلال الذي كما أعتقد أنّ الاحتلال يتمنى قتل الصبية الأسرى الثلاثة كي يجد مبررا وغطاءا دوليا لمزيد من الجرائم والاعتقالات والاغتيالات والتدمير بحق شعب يعاني الاحتلال والتشريد منذ 66 عاما.
www.drabumatar.com


30
مالكي بغداد و مضيّع العراق لحساب إيران
د.أحمد أبو مطر
هل يختلف نوري المالك للعراق منذ مايو 2006 عن بقية الديكتاتوريين والمستبدين العرب الذين يريدون الحكم والنهب والسلب من المهد إلى اللحد؟ جوابي هو: لا و نعم في نفس الوقت ؟ كيف يستقيم ذلك أي الشيء و نقيضه؟ لا...بمعنى أنّه لا يختلف عنهم في تمسكه بالكرسي والسلطة المستبدة فهو لم يكتف بحكم فردي مطلق تابع لأسياده ومحركية بالريمونت كونترول في طهران لمدة ثمانية سنوات بل جدّد حكمه في نيسان 2014 عبر انتخابات مسرحية كبقية انتخابات المستبدين العرب ليحكم حتى نهاية عام 2018 عبر اقصاء كافة منافسيه خاصة من قادة السنّة العراقيين كما حدث في حكم قضائه بالإعدام غيابيا على منافسه طارق الهاشمي في سبتمبر 2012 . هذا بينما مالكي بغداد يتصرف في ثروة النفط العراقية كما يريد هو وأسياده، ويكفي التذكير بأنّ صهراه يعملان ويديران كافة شؤون قصره الرئاسي حسب ما تمليه مصالحه بينما ابنه "أحمد" يدير ما يسمّى قوات التأمين الخاصة به، وسط السرقات الرسمية المتكررة لأموال البنوك العراقية، وكان آخرها تهريب عدة مليارات من الدولارات من البنك المركزي العراقي  لطهران بشكل رسمي و علني بحجة حمايتها من الوقوع تحت أيدي دولة داعش الصنيعة الإيرانية، أي أنّ النتيجة واحدة سواء وقعت هذه المليارات تحت أيدي داعش أم كما ذهبت بأمر مالك بغداد إلى طهران. أما قولي نعم ..بمعنى نعم أنّه يختلف عن بقية الطغاة والمستبدين العرب، فينبع من كون هذا المالكي مجرد أداة ومنفذ لتعليمات أسياده ملالي طهران الذين أوصلوه لسدّة حكم العراق عام 2006 عبر تحالفات واغراءات خلفيتها طائفية فقط ،وبالتالي أصبح عراق المالكي منذ ذلك العام ليس فقط حديقة خلفية لنظام الملالي، بل قاعدة أساسية علنية يديرها من بغداد "قاسم سليماني" قائد ما يسمى فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، وهي مجرد تسمية للتمويه والضحك على عقول الجهلة، ففيلقه لا علاقة له بالقدس إلا من باب التلاعب بعواطف الشبيحة والمصفقين.
الصراع الطائفي قائم وقادم بتصعيد رهيب
اخفاء الحقائق والتعتيم عليها لا يعني عدم وجودها في نسيج المجتمعات، لذلك فمهما حاول البعض اخفاء طبيعة الصراع القائم في المنطقة منذ وصول الخميني للسلطة في إيران عام 1979 أو عدم الحديث عنه ، فهم لا ينفون وجود هذا الصراع ذو الصبغة أو الخلفية الطائفية خاصة بين ( الشيعة) و (السنّة) فأحاديث شيوخ ومفتي كل طائفة ضد الطائفة الأخرى ليست سرّية بل هي علنية ويتفاخر بها شيوخ كل طائفة، وهي تثير القرف وترفع الضغط عند كل من لديه ذرة من أخلاق حضارية تؤمن بقول الله تعالى ( لكم دينكم ولي دين ). وشئنا ام أبينا فمنتمي كل طائفة يتحدثون عن الطائفة الأخرى بما لا يتحدث هم وشيوخهم بنسبة واحد في المائة ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي تتغنى كل طائفة بدحره وتحرير القدس والمسجد الأقصى. والنتيجة هي أنّ الاحتلال ينعم بهكذا فرقة وصراع فالجميع مشغولون عنه بصراعاتهم هذه التي من خلالها يتوعدون بعض بالهلاك والموت.
دور نظام الخميني وحزب الله
يستطيع المراقب المحايد أن يلحظ أنّ تأجيج هذا الصراع الطائفي في المنطقة لم يبدأ تأججه إلا بعد وصول خميني العراق من باريس للسلطة في إيران عام 1979 ، وكانت دعوته الطائفية شبه علنية عندما يعلن قيام ( الجمهورية الإسلامية في إيران) بمعنى الآن في إيران وتمددها خارج الحدود الإيرانية قادم، وكان أول تطبيق وتصفيق لهذا الاصطفاف الطائفي المتناغم مع موسيقى الخميني في لبنان على يد بدايات حركة أمل وما سبقها من حركة المحرومين التي أسّسها الإيراني موسى الصدر الذي اختفى في ليبيا القذافي والبعض لا يحزن على اختفائه فهم المهدي المنتظر عندهم. وكان أول تطبيق اجرامي لهذا الاصطفاف حرب وحصار المخيمات الفلسطينية في بيروت الذي قامت به ميليشيات حركة أمل ( مايو 1985 إلى يوليو 1988 ) مدعومة من الجيش السوري العلوي الطائفي وشهد ذلك انشقاق الألوية الشيعية في الجيش اللبناني وانضمامه لتلك الحرب القذرة ضد المخيمات الفلسطينية التي كانت نتيجتها حسب كل الاحصائيات المحايدة ما لا يقلّ عن ثلاثة ألاف قتيل فلسطيني وتهجير ألاف منهم إلى جنوب لبنان بحجة أنّهم من أنصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وللعلم فإنّ كافة القيادات التي أعلنت عام 1985 تأسيس حزب الله في لبنان كانت من ضمن قيادات وضباط حركة أمل التي قادت تلك الحرب القذرة ضد المخيمات الفلسطينية، وأثناء الحصار الرهيب للمخيمات أفتى بعض شيوخ لبنان لسكان المخيمات بجواز أكل لحوم القطط والكلاب.
ماذا يقول البرنامج التأسيس لحزب الله عام 1985 ؟
يقول البرنامج التأسيسي للحزب عام 1985 حرفيا" ( هدفنا الاستراتيجي في لبنان اقامة جمهورية إسلامية مرجعيتها الفقهية في قم بإيران). وقد صرّح حسن نصر الله لمجلة العهد، العدد 148 عام 1987 حرفيا: "نحن ملزمون باتباع الولي الفقيه ولا يجوز مخالفته فولاية الفقيه كولاية النبي والإمام المعصوم..والذي يردّ على الولي الفقيه حكمه فإنّه يردّ على الله وعلى أهل البيت". وعاد ليؤكد هذه النظرة الطائفية والتبعية المطلقة لنظام الملالي الطائفي نعيم قاسم نائب حسن نصر الله في كتابه "حزب الله، المنهج، التجربة، المستقبل"، إذ قال" ( الحزب يلتزم القيادة الشرعية للولي الفقيه كخليفة للنبي والأمة). وتؤكد كافة قيادات المنظمات الفلسطينية في جنوب لبنان أنّه منذ عام 1985 يمنع حزب الله وميليشياته أي تنظيم فلسطيني من القيام بأية عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي انطلاقا من جنوب لبنان، كي يحتكر هذا الحزب اسطوانة المقاومة والممانعة، وهو الحزب المسيطر على جنوب لبنان ومنذ اجتياح عام 2006 لم يطلق أية رصاصة على الاحتلال أو يرد على أي اختراق للإحتلال أو عملياته داخل لبنان أو داخل نظام المقاومة والممانعة في سوريا التابع لوحش سوريا.
الرعب والموت قادم.. قادم ولا حلّ إلا،
بترفع الجميع سنّة وشيعة عن الصراع الطافي والتذكر بأنّه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك سنّة وشيعة بل إسلام ومسلمون فقط..إنّها مسؤولية الجميع الذين يؤججون الصراع الطائفي من سنّة وشيعة وإلا فكما قال وتنبأ الشاعر صلاح عبد الصبور قبل عشرات السنين:
رعبٌ أكبرُ من هذا سوف يجيء
لن ينجيَكم أن تعتصموا منهُ بأعالي جبل الصمت...أو ببطون الغابات
لن ينجيَكم أن تختبئوا في حجراتكم
أو تحت وسائدِكم...أو في بالوعات الحمَّامات
.............................
لن ينجيَكم أن تلتصقوا بالجدران
لن ينجيَكم أن تضعوا أقتعة القِرَدة
لن ينجيَكم أن تندمجوا أو تندغموا
حتى تتكون من أجسادكمُ المرتعدة
كومةُ قاذورات
فانفجروا أو موتوا
انفجروا أو موتوا
www.drabumatar.com


31
استقلال أو انفصال كردستان العراق..وارد أم لا؟ ولم لا؟
د.أحمد أبو مطر
أعرف مسبقا وعن وعي بالسائد في الحياة السياسية والثقافية العربية سواءا لدى غالبية الشعوب أم حكامهم المتسلطين المصرّين على البقاء في الكرسي من المهد إلى اللحد، أي حتى يتذكرهم عزرائيل ملك الموت إلا في حالات نادرة، ومن ضمن ما أعرفه عن هذا السائد في التفكير والثقافة العربية ردة فعل الغالبية على فكرة هذه المقالة، إذ سيعتبرها البعض دعوة وتحريضا على تقسيم وتجزئة الأقطار العربية التي أساسا لم تكن موحدة يوما ما، وبينها من الحساسيات والمشاكل وأحيانا الحروب العسكرية أكثر مما بينها مجتمعة والاحتلال الإسرائيلي.
وطن كردي قومي تمّ تقسيمه وتوزيعه،
وهذه حقيقة تاريخية موثقة شاء من شاء ورفض من رفض فحقائق التاريخ ثابتة ولا يمكن تجاهلها أو تخطيها، فلماذ بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى يتمّ تقسيم الوطن القومي الكردي ليتوزع على دول المنطقة ليصبح (شمال شرق العراق) و ( شمال غرب إيران) و ( شمال شرق سوريا)  و (جنوب شرق تركيا) مع ملاحظة معاشة وموثقة هي أنّ  الدول الأربعة مارست وما زالت ( ماعدا ما أصبح إقليم كردستان العراق منذ عام 1990 تقريبا) تمارس نفس السياسة العنصرية ضد المكون القومي الكردي الذي لا يقل تعداده في الدول الأربعة عن أربعين مليونا، وأهم تلك الممارسات العنصرية منع استعمال اللغة الكردية والقيام بتطبيق سياسة تطهير عرقي لإجلاء ما أمكن من الشعب الكردي من مناطقهم التاريخية وإحلال القوميات الأخرى للدول الأربعة المحتلة مكانهم، و قد اشتهر جدا كتاب البعثي "محمد طلب هلال" المسؤول السياسي للحزب في محافظة الحسكة، وقد اصدره عام 1964 بعنوان (دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والسياسية والاجتماعية)، وهو كتاب يمكن تسميته (مذكرة التطهير العرقي ضد القومية الكردية في سوريا)، لإجلاء ما أمكن منهم وإحلال السوريين العرب المؤيدين للحزب مكانهم، وتشير بعض التقارير إلى وجود عشرات اللاف من الكرد في سوريا كانوا وما زالوا محرومين من الجنسية السورية رغم وجودهم وولادتهم في قراهم ومدنهم الكردية منذ مئات السنين. ونفس القمع ضد القومية الكردية ممارس في تركيا وإيران حيث نظامين يحكمان بإسم الإسلام ويمارسان هذا القمع ومصادرة الحريات مما يسيء لمصداقيتهما، وأنّ النظامين يتخذان الإسلام غطاءا لممارساتهما ومصادرتهما للحريات الديمقراطية لكافة القوميات غير الفارسية والتركية.
وقائع كردستان العراق بعد عام 1991
اختلف وضع الشعب الكردي في إقليم كردستان العراق منذ عام 1991  جذريا عن باقي أقاليمه المحتلة، بعد فرض الحصار الدولي على نظام صدام حسين إثر غزوه واحتلاله لدولة الكويت، إذ توفرت حماية دولية لهذا الإقليم فتبلور وضعه بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003  إلى ما يشبه حقيقة دولة مستقلة لا ينقصها سوى الإعلان الرسمي عن قيام تلك الدولة. إذ توجد حكومة لإقليم كردستان مستقلة عن حكومة العراق التي يرأسها نوري المالكي منذ مايو 2006 ، ولإقليم كردستان عدد من النواب في البرلمان العراقي، ويدار الإقليم في كافة نواحي الحياة اليومية بشكل مستقل عن حكومة العراق، مما يجعل الوضع بين الحكومتين أو الإقليمين الكردي والعربي العراقي أقرب لوضع الكونفدرالية.
فماذا سيخسر العراق من استقلال إقليم كردستان؟
طالما وضع الإقليم الكردي شبه مستقل في غالبية نواحي حياته وخططه، فأعتقد عن قناعة أنّ العراق دولة وشعبا لن يخسر شيئا من تشجيع الإقليم الكردي على الاستقلال والاعتراف به دولة مستقلة تربطها علاقات صداقة مع دولة العراق، وعندئذ من الطبيعي أن يستمر التنسيق الحالي بين الدولتين بل سيزداد تصعيدا عند امتلاك كل دولة الحرية في اتخاذ قراراتها وتوجهاتها بشكل مستقل. والتأكيد على أنّ العراق لن يخسر من استقلال الإقليم يكون من خلال الجواب على سؤال: ما هي المكتسبات الحالية لدولة العراق   من وجود إقليم كردستان ضمن الدولة وهو في وضع شبه مستقل حقيقة؟. إنّ الخلاف والتمسك العربي بعدم الاعتراف باستقلال إقليم كردستان العراق هو فقط نسبة النفط الموجودة والمستخرجة من أرض الإقليم، وهذا ليس سببا كافيا لمصادرة حق شعب في الحرية والاستقلال، رغم بدء إقليم كردستان منذ شهور بتصدير نفطه عبر تركيا بشكل مستقل عن حكومة بغداد رغم رفض هذه الحكومة لهذا الإجراء.
لماذا وافق السودان على رغبة شعب الجنوب؟
أصحاب النزعة القومية الوحدوية الذين يعتبرون استقلال إقليم كردستان هو تجزئة وتقسيما للعراق، لم نسمع منهم رفضا لموافقة حكومة السودان على نتائج استفتاء شعب جنوب السودان، والاعتراف بجمهورية جنوب السودان دولة مستقلة وتوالي الاعتراف الدولي بها ودخولها عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن المهم التركيز على مسألة مهمة وهي تشجيع دول عديدة على عدم الاعتراف باستقلال دولة إقليم كردستان خاصة البعث السوري و أردوغان التركي وملالي إيران، لأنّ هذا الاستقلال سيغذي ويشجع الأقاليم الكردية الثلاثة الأخرى على السير نحو نفس خطوة إقليم كردستان العراق، ولاحقا العودة لتوحيد الأقاليم الأربعة وصولا لوطن ودولة كردية موحدة. رغم كل هذه العوائق يبقى حلم الشعب الكردي بدولة موحدة مستقلة مشروعا، يجب دعمه والموافقة عليه من كافة الشعوب التي تساند الحرية والديمقراطية، فالحرية والدولة المستقلة حق مشروع لكل الشعوب، فلا يوجد شعب يستحق الاستقلال وشعب لا يستحقه، بدليل تصاعد حركة المطالبين باستقلال إيرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة (بريطانيا)، ومن المحتمل اجراء استفتاء ليقرّر شعب شمال اسكتلندا الاستقلال أم البقاء ضمن المملكة المتحدة. ومن يرفض حرية واستقلال الشعب الكردي يكون مزدوج التفكير عندما يطالب بحرية الشعب الفلسطيني وقيام دولته المستقلة.
www.drabumatar.com



32
استقلال أو انفصال كردستان العراق..وارد أم لا؟ ولم لا؟
أحمد أبو مطر
أعرف مسبقا وعن وعي بالسائد في الحياة السياسية والثقافية العربية سواءا لدى غالبية الشعوب أم حكامهم المتسلطين المصرّين على البقاء في الكرسي من المهد إلى اللحد، أي حتى يتذكرهم عزرائيل ملك الموت إلا في حالات نادرة، ومن ضمن ما أعرفه عن هذا السائد في التفكير والثقافة العربية ردة فعل الغالبية على فكرة هذه المقالة، إذ سيعتبرها البعض دعوة وتحريضا على تقسيم وتجزئة الأقطار العربية التي أساسا لم تكن موحدة يوما ما، وبينها من الحساسيات والمشاكل وأحيانا الحروب العسكرية أكثر مما بينها مجتمعة والاحتلال الإسرائيلي.
وطن كردي قومي تمّ تقسيمه وتوزيعه،
وهذه حقيقة تاريخية موثقة شاء من شاء ورفض من رفض فحقائق التاريخ ثابتة ولا يمكن تجاهلها أو تخطيها، فلماذ بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى يتمّ تقسيم الوطن القومي الكردي ليتوزع على دول المنطقة ليصبح (شمال شرق العراق) و ( شمال غرب إيران) و ( شمال شرق سوريا)  و (جنوب شرق تركيا) مع ملاحظة معاشة وموثقة هي أنّ  الدول الأربعة مارست وما زالت ( ماعدا ما أصبح إقليم كردستان العراق منذ عام 1990 تقريبا) تمارس نفس السياسة العنصرية ضد المكون القومي الكردي الذي لا يقل تعداده في الدول الأربعة عن أربعين مليونا، وأهم تلك الممارسات العنصرية منع استعمال اللغة الكردية والقيام بتطبيق سياسة تطهير عرقي لإجلاء ما أمكن من الشعب الكردي من مناطقهم التاريخية وإحلال القوميات الأخرى للدول الأربعة المحتلة مكانهم، و قد اشتهر جدا كتاب البعثي "محمد طلب هلال" المسؤول السياسي للحزب في محافظة الحسكة، وقد اصدره عام 1964 بعنوان (دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والسياسية والاجتماعية)، وهو كتاب يمكن تسميته (مذكرة التطهير العرقي ضد القومية الكردية في سوريا)، لإجلاء ما أمكن منهم وإحلال السوريين العرب المؤيدين للحزب مكانهم، وتشير بعض التقارير إلى وجود عشرات اللاف من الكرد في سوريا كانوا وما زالوا محرومين من الجنسية السورية رغم وجودهم وولادتهم في قراهم ومدنهم الكردية منذ مئات السنين. ونفس القمع ضد القومية الكردية ممارس في تركيا وإيران حيث نظامين يحكمان بإسم الإسلام ويمارسان هذا القمع ومصادرة الحريات مما يسيء لمصداقيتهما، وأنّ النظامين يتخذان الإسلام غطاءا لممارساتهما ومصادرتهما للحريات الديمقراطية لكافة القوميات غير الفارسية والتركية.
وقائع كردستان العراق بعد عام 1991
اختلف وضع الشعب الكردي في إقليم كردستان العراق منذ عام 1991  جذريا عن باقي أقاليمه المحتلة، بعد فرض الحصار الدولي على نظام صدام حسين إثر غزوه واحتلاله لدولة الكويت، إذ توفرت حماية دولية لهذا الإقليم فتبلور وضعه بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003  إلى ما يشبه حقيقة دولة مستقلة لا ينقصها سوى الإعلان الرسمي عن قيام تلك الدولة. إذ توجد حكومة لإقليم كردستان مستقلة عن حكومة العراق التي يرأسها نوري المالكي منذ مايو 2006 ، ولإقليم كردستان عدد من النواب في البرلمان العراقي، ويدار الإقليم في كافة نواحي الحياة اليومية بشكل مستقل عن حكومة العراق، مما يجعل الوضع بين الحكومتين أو الإقليمين الكردي والعربي العراقي أقرب لوضع الكونفدرالية.
فماذا سيخسر العراق من استقلال إقليم كردستان؟
طالما وضع الإقليم الكردي شبه مستقل في غالبية نواحي حياته وخططه، فأعتقد عن قناعة أنّ العراق دولة وشعبا لن يخسر شيئا من تشجيع الإقليم الكردي على الاستقلال والاعتراف به دولة مستقلة تربطها علاقات صداقة مع دولة العراق، وعندئذ من الطبيعي أن يستمر التنسيق الحالي بين الدولتين بل سيزداد تصعيدا عند امتلاك كل دولة الحرية في اتخاذ قراراتها وتوجهاتها بشكل مستقل. والتأكيد على أنّ العراق لن يخسر من استقلال الإقليم يكون من خلال الجواب على سؤال: ما هي المكتسبات الحالية لدولة العراق   من وجود إقليم كردستان ضمن الدولة وهو في وضع شبه مستقل حقيقة؟. إنّ الخلاف والتمسك العربي بعدم الاعتراف باستقلال إقليم كردستان العراق هو فقط نسبة النفط الموجودة والمستخرجة من أرض الإقليم، وهذا ليس سببا كافيا لمصادرة حق شعب في الحرية والاستقلال، رغم بدء إقليم كردستان منذ شهور بتصدير نفطه عبر تركيا بشكل مستقل عن حكومة بغداد رغم رفض هذه الحكومة لهذا الإجراء.
لماذا وافق السودان على رغبة شعب الجنوب؟
أصحاب النزعة القومية الوحدوية الذين يعتبرون استقلال إقليم كردستان هو تجزئة وتقسيما للعراق، لم نسمع منهم رفضا لموافقة حكومة السودان على نتائج استفتاء شعب جنوب السودان، والاعتراف بجمهورية جنوب السودان دولة مستقلة وتوالي الاعتراف الدولي بها ودخولها عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن المهم التركيز على مسألة مهمة وهي تشجيع دول عديدة على عدم الاعتراف باستقلال دولة إقليم كردستان خاصة البعث السوري و أردوغان التركي وملالي إيران، لأنّ هذا الاستقلال سيغذي ويشجع الأقاليم الكردية الثلاثة الأخرى على السير نحو نفس خطوة إقليم كردستان العراق، ولاحقا العودة لتوحيد الأقاليم الأربعة وصولا لوطن ودولة كردية موحدة. رغم كل هذه العوائق يبقى حلم الشعب الكردي بدولة موحدة مستقلة مشروعا، يجب دعمه والموافقة عليه من كافة الشعوب التي تساند الحرية والديمقراطية، فالحرية والدولة المستقلة حق مشروع لكل الشعوب، فلا يوجد شعب يستحق الاستقلال وشعب لا يستحقه، بدليل تصاعد حركة المطالبين باستقلال إيرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة (بريطانيا)، ومن المحتمل اجراء استفتاء ليقرّر شعب شمال اسكتلندا الاستقلال أم البقاء ضمن المملكة المتحدة. ومن يرفض حرية واستقلال الشعب الكردي يكون مزدوج التفكير عندما يطالب بحرية الشعب الفلسطيني وقيام دولته المستقلة.
www.drabumatar.com



33
ستة وستون عاما..إلى أين سيصل الرقم؟

د.أحمد أبو مطر
تمرّ اليوم ستة وستون عاما على ما اصطلح الفلسطينيون والعرب على اطلاق اسم أو صفة (النكبة) عليه، والمقصود هو مجمل أحداث القتل والتهجير والتدمير التي قامت بها العصابات الصهيونية قبل وبعد هزيمة الجيوش العربية عام 1948 ونتيجته إعلان قيام دولة إسرائيل في مايو من ذلك العام، وكانت نسبة التهجير أو النزوح أو الهروب عالية جدا إلى الضفة الغربية التي بقيت تحت الإدارة الأردنية وقطاع غزة الذي بقي تحت الإدارة العسكرية المصرية، وطال اللجوء كافة الأقطار العربية المجاورة خاصة مصر وسوريا والأردن ولبنان والعراق، ولم يبق على أرض فلسطين التي أطلق عليها اسم "دولة إسرائيل" سوى ما هو أقل من مائتي ألف من الشعب الفلسطيني. وكان المؤرخ القومي اللبناني المرحوم "قسطنطين زريق" هو أول من أطلق مصطلح "نكبة فلسطين" على ما جرى ونتج عن هزيمة الجيوش العربية وهجرة الفلسطينيين وما تعرضوا له من مذابح ومجازر. ومن الثابت تاريخيا وتوثيقيا التآمر البريطاني مع العصابات الصهيونية خطوة خطوة لقيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية، بدءا من إعلان بلفور وزير خارجية بريطانيا عام 1917 ثم وضع فلسطين التاريخية تحت الانتداب البريطاني، وصولا إلى اللحظة الحاسمة حيث تم إعلان قيام دولة إسرائيل في الرابع عشر من مايو عام 1948 ثماني ساعات بالضبط قبل إعلان بريطانيا انتهاء انتدابها على فلسطين، وكان واضحا أنّ إعلان انتهاء الانتداب مقدمة ضرورية لإحلال دولة مكان الانتداب فكانت دولة إسرائيل. وكانت أول دولتين اعترفتا بقيام تلك الدولة هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي ثم كرّت مسبحة الاعتراف ب " دولة لشعب بدون أرض على أرض بدون شعب" حسب مزاعم وترويجات الحركة الصهيونية، ليصل عدد دول العالم المعترفة بتلك الدولة المحتلة لأرض ودولة شعب فلسطين إلى ما يزيد عن 160 دولة من بينها دولتان عربيتان هما مصر والأردن، وكان سبب هذا التزايد في الاعتراف بتلك الدولة المحتلة هو قبولها رسميا في الحادي عشر من مايو 1949 عضوا كامل العضوية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

أخطاء الفلسطينيين المتتالية قبل النكبة وبعدها

لا يمكن لمن يتحرى الموضوعية أن يسند أسباب النكبة لهزيمة الجيوش العربية عام 1948 فقط، بل يتحمل الفلسطينيون شعبا وقيادات مسؤولية كبيرة عن مقدمات وملحقات هذه النكبة، بدءا من الصراع قبل إعلان دولة إسرائيل بين عائلتي الحسيني والنشاشيبي، حيث ارتمت عائلة النشاشيبي في أحضان الانتداب البريطاني ونكاية فيهم سافر الحاج محمد أمين الحسيني إلى ألمانيا للقاء الزعيم النازي أدولف هتلر، مقدما بذلك خدمة كبيرة للحركة الصهيونية، خاصة بعد نشر صوره مع هتلر، التي ما زالت الدعاية الصهيونية الإسرائيلية تعيد نشرها في ذكرى ما أطلقت عليه "الهولوكست" موحية بطريقة غير مباشرة أنّ النازيان هتلر والحسيني خطّطا للهولوكست في اجتماعهما الظاهر في هذه الصورة. وتطور الصراع ليأخذ الشكل الحزبي الديكوري على غرار الاستنساخ الحالي لعشرات الجماعات والدكاكين التي تسمّي نفسها فصائل أو منظمات ، فأسّس راغب النشاشيبي عام 1934 دكانا أطلق عليه "حزب الدفاع الوطني" فردّ عليه جمال الحسيني بتأسيس سوبر ماركت عام 1935 أطلق عليه "الحزب العربي الفلسطيني"....وهكذا استمر الصراع من أجل المصالح الشخصية والعائلية بعد قيام دولة إسرائيل، فأسّس الحاج أمين الحسيني "الهيئة العربية العليا" بينما أسّس أحمد حلمي عبد الباقي ما أطلق عليه "حكومة عموم فلسطين"..ويستمر مسلسل الصراع المصلحي بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 برئاسة أحمد الشقيري، وظلّت حركة فتح تصارعة باللكمات الخفيفة إلا أن أزاحته عن قيادة المنظمة عام 1968 ليتولى رئاستها ياسر عرفات.
وأخطاء متواصلة في الدول العربية
بعد تأسيس حركة فتح عام 1965 كانت بشائر التأسيس هزيمة يونيو 1967 التي احتلت فيها دولة إسرائيل كامل فلسطين التاريخية وسيناء المصرية والجولان السورية وجزيرتي تيران وصنافير السعوديتين اللتين لا يتمّ ذكرهما في أية كتابات تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي، وهناك رأي يقول أنّ احتلالهما عام 1967 تمّ وهنّ تحت الإدارة المصرية حيث سمحت المملكة السعودية بذلك لمصر لدواع أمنية، والدليل على السيادة المصرية أثناء احتلالهما أنّ البروتوكول العسكري لمعاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل اعتبر الجزيرتين ضمن المنطقة (ج ) المدنية التي لا يحق لمصر وجود عسكري فيهما، وهذا ما هو حاصل حتى الآن ووقوعهما تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر، وأهمية الجزيرتين للإحتلال هو تحكمهما في السيطرة على مرور السفن الإسرائيلية لميناء إيلات على خليج العقبة. وتوالت الانقسامات والانشطارات الفلسطينية بعد هزيمة يونيو 1967 حيث بلغ عدد الفصائل والدكاكين الفلسطينية ما يزيد على عشرين دكانا، بعضهما مجرد ديكورات امتدادية لمخابرات عربية، مثل الجبهة الشعبية، القيادة العامة ،دكان صاحبها الوحيد أحمد جبريل الضابط السابق في الجيش السوري والضابط الحالي في المخابرات الأسدية منذ الأسد الأب. ونفس أسد سوريا أسّس دكانا بإسم أكبر من قوات الفييت كونج التي حرّرت ووحدت فيتنام، أطلق عليه ( طلائع حرب التحرير الشعبية، قوات الصاعقة ) وهذه الطلائع لم تقم بأية عملية أو إطلاق أية رصاصة ضد الاحتلال، وكذلك الميني ماركت المسمى (جبهة التحرير العربية) التابعة لمخابرات صدام حسين في زمن رئيسها سعدون شاكر، وهي اليوم مجرد اسم يصدر بيانا كل سنّة في مناسبة ما. ثم تواصل استنساخ وتوالد الدكاكين في الأردن بعد النكسة، حيث بدات الانشقاقات خاصة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فأطلق الرفيق نايف حواتمه صاحب انشقاق "الجبهة الديمقراطية" شعار (فلنعلن مجالس السوفييت في كل شارع وحارة) مما أدى مع تطورات أخرى إلى أحداث سبتمبر عام 1970 حيث تمّ طرد كافة الدكاكين الفلسطينية إلى سوريا التي طلبت منها الذهاب إلى لبنان والبقاء في سوريا كمكاتب إعلامية فقط، وفي لبنان تمّ تأسيس جمهورية الفاكهاني اللاديمقراطية وصولا إلى اجتياح بيروت في يونيو عام 1982 وصولا إلى طرد كافة الدكاكين الفلسطينية في أغسطس 1982 . ومن الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الرئيس عرفات تأييده لاحتلال صدام حسين لدولة الكويت عام 1990 حيث ما كان من المنطقي أن يؤيد من أرضه محتله احتلال أرض دولة أخرى.
وأخيرا وليس آخرا حروب فتح وحماس،
حيث الانقسام الفلسطيني على أبواب عامه الثامن وقد شهد تطهيرا تنظيميا وقتلا وطردا وسجنا بين التنظيمين لا يختلف عمّا يقوم به الاحتلال الإسرائيلي، و أخيرا بشّروا الشعب الفلسطيني باتفاق غزّاوي للمصالحة، ينتهي موعد إعلان الحكومة الموحدة في الثامن والعشرين من مايو الحالي، وكافة المعطيات تقول: لا مصالحة..لا حكومة موحدة..لا انتخابات تشريعية ورئاسية..وبالتالي الانقسام الفلسطيني الحالي قائم لزمن طويل..وبناءا على هذا التشرذم والصراع الداخلي الفلسطيني فالاحتلال قائم لما بعد الستة والستين عاما..إلى متى..لا أحد يعرف!!.
www.drabumatar.com



34
مطبلو رئاسة جديدة لأسد سوريا ألا يخجلون؟

أحمد أبو مطر
سؤال ملح تفرضه وقائع الثورة السورية التي دخلت منذ شهور عامها الرابع ضد نظام ديكتاتوري استبدادي طائفي، يسيطر على البلاد والعباد منذ 44 عاما منذ الانقلاب العسكري المخزي للأسد الأب عام 1970 حيث مارس القتل والسجن ضد أقرب الرفاق البعثيين له. وهاهو الأسد الإبن يقيم انتخابات رئاسية مهزلة جديدة لتوريثه سبع سنوات جديدة تنتهي في عام 2021 ليكون عندئذ أمضى في السرقة والنهب والقتل 21 عاما إن لم يزره عزرائيل ملك الموت أو قذيفة من ثوار سوريا، وفي ذلك العام يكون الأسدان على الشعب السوري فقط الأب والإبن قد حكما سوريا بالقتل والمجازر الجماعية والبراميل المتفجرة مدة واحد وخمسين عاما، وتتنبأ زوجته "اسماء الأخرس" بأنّ نجلها "حافظ" سوف يحكم سوريا بعد وفاة والده، أي ليس مستبعدا أنّ تستمر هذه العائلة في حكم سوريا إلى ما شاء عزرائيل ملك الموت بناءا على مشيئة الله تعالى، لذلك يكون من الأفضل تغيير اسم الدولة ليصبح ( المملكة الأسدية في سوريا ).

نماذج من المطبلين و سحيجة الأسد
ما لايمكن استيعابه بناءا على أي منطق أخلاقي هو هذا العدد من المطبلين لكافة جرائم الأسد بحق الشعب السوري، بعد قتله ما لا يقل عن مائتي ألف وتهجير ولجوء قرابة خمسة ملايين سوري، من النادر أن بقيت دولة في الكرة الأرضية لم يصلها عدد من هولاء اللاجئين بما فيها البلدان الفقيرة للغاية مثل بلغاريا التي أعلنت رسميا اقفال حدودها أمام اللاجئين السوريين لعدم قدرتها على توفير حاجياتهم الإنسانية على الأقل. وهاهم نفس المطبلين والسحيجة جاءتهم مناسبة جديدة ليواصلوا من خلالها تملقهم ونفاقهم وتنكرهم لأبسط حقوق الشعب السوري، وهي مهزلة الانتخابات الرئاسية التي ستجري في مطلع يونيو القادم. طوال رئاسات الأسدين الأب والإبن الأربعة وأربعين عاما الماضية، كان الأب والإبن هما دوما المرشح الشرعي الوحيد الأوحد، ونجاحهما كالعادة الديكتاتورية 99,99 % وكأنّه في ذلك اليوم المشؤوم لم يمرض أو يغيب أو يتوفي أي ناخب سوري. أمّا المهزله الحقيقية المضحكة المبكية فقد كانت مسخرة توريث الأسد الإبن، حيث تمّ تغيير القانون الخاص بالرئاسة عام 2000 من عمر الأربعين إلى عمر 34 أي عمر بشار آنذاك بالضبط، وكان هذا ماحصل إذ ورث والده وما زال إلى اليوم، حيث ابتكر مسرحية هزلية او مهزلة مسرحية تحت مسمّى التعددية الانتخابية الرئاسية، إذ بلغ عدد من تقدموا لانتخابات هذه المهزلة 24 شخصا فقط، وكون المرشح الشرعي العائلي الوحيد معروف للجميع، وأداة القمع والموت يتربص بالجميع فمن المؤكد أن هذا العدد لم يجرؤ على مجرد الإعلان سرّيا عن رغبته في التقدم لانتخابات الرئاسة بدون ايعاز ودفع من مخابرات الأسد وقواته الأمنية. وأخيرا توافق ما تسمّى زورا "المحكمة الدستورية العليا" على قبول طلبات ثلاثة مرشحين هم بشار واثنين من مطبليه الحائزين على موافقته وموافقة دائرة المخابرات، و هذا الاثنان هما وعائلاتهما حتما سيصوتون لبشار ...فالرئاسة القادمة مضمونة ومسجلة باسم بشار حتى العام 2021 ، وبعدها سنكون أمام مسرحيات جديدة إن طال به العمر، وإن لم يطل سيكون عمر ابنه "حافظ "عشرون عاما وليس مستبعدا أن يتم تغيير القانون الرئاسي ليصبح من حق صاحب العمر 20 عاما أن يكون رئيسا لسوريا كما تنبأت وصرّحت زوجته "أسماء الأخرس" بانّها متأكدة أن ّنجلها حافظ سيرث والده في رئاسة سوريا.
مبايعة بهجت سليمان وفيصل المقداد
حقيقة هناك من المطبلين للديكتاتور والمستبد القاتل من فقدوا كافة القيم والمفاهيم الأخلاقية، لأنّه من غير المفهوم الانحياز لديكتاتور بتبريرات ليست ساذجة بل مضحكة لأنّها لا تقنع أي جاهل. فمثلا ضابط المخابرات السوري السابق في زمن الأسد ألأب، رئيس فرع الأمن الداخلي في سوريا، بهجت سليمان، وهذا الفرع أخطر فروع المخابرات الأسدية، وبهجت سليمان منذ عام 2009 وهو سفير النظام في الأردن. بهجت سليمان من حقه الشخصي أن يدافع عمن يريد والآخرون من حقهم القبول أو الرفض، ومن حقه ( أن يعلن انحيازه لأسد الشام، بشار الأسد ) ولكن ليقنع نسبة أعلى من الآخرين بتأييده لو كان ذكيا وليس صاحب عقلية أمنية فقط، لاختار أسبابا تبدو مقنعة، أما ما لا يصدقه أي جاهل في العالم هو وصفه لبشار: " إنّ الرئيس الأسد لم يعد رئيسا للجمهورية العربية السورية فقط، بل أصبح قائدا لحركة التحرر الوطنية في العالم "...من يتخيل قائد حركة التحرر الوطنية العالمية هذا الأسد الذي لم يطلق هو ووالده منذ العام 1973 رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي للجولان السورية المحتلة منذ العام 1967 وما زال الأسد الأب والإبن من بعده طوال ما يزيد على أربعة وأربعين عاما يبحثان عن الزمان والمكان المناسبين للرد على الاعتداءات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية التي لم تتوقف طوال كل هذه السنوات. ونفس المنطق المصلحي الشخصي يستعمله فيصل المقداد، نائب وزير خارجية سوريا، حيث يعلن تأييده لرئاسة جديدة لبشار لأنّ " الأسد الضمانة الوحيدة لمستقبل سوريا لقيادة مرحلة اعادة بنائها وموضعتها كقوة حقيقية في المنطقة ". أي منطق هذا؟ هل من دمّر سوريا وشعبها وبنيتها التحتية بالكيماوي والبراميل المتفجرة يهمه اعادة بنائها طالما مصالحه ونهبه هو وأخواله قائم ومستمر حتى على ركام وخراب سوريا؟.
هل سأل هؤلاء المؤيدون والمصفقون لأسد سوريا، قائد حركة التحرر الوطنية العالمية، ضميرهم عن قبول استمرار أب وابنه كل هذه العقود في حكم سوريا بالدم والرصاص؟ هل يتذكر بهجت سليمان الذي يحب أن يضع قبل اسمه بدلا من "اللواء" صفة "الدكتور" على اعتبار أنّه حاصل على درجة الدكتوراة من رومانيا، هل يتذكر مصير ديكتاتور رومانيا "نيكولاي تشاوشيسكو"؟.
www.drabumatar.com
 

35
الخيارات الفلسطينية أحلاها مرّ!!
أحمد أبو مطر
النكبة الفلسطينية كما شاعت تسميتها أو اللجوء والنزوح الفلسطيني يبلغ عمره الآن 66 عاما، أي أنّه بعد سنوات قليلة لن يبق في الضفة الغربية وقطاع غزة وغالبية المنافي العربية والغربية التي لجأ أو نزح لها الفلسطينيون، أي فلسطيني ممن ولدوا على أرض فلسطين المحتلة منذ عام 1948 ، ورغم هذه الحالة إلا انّ كافة الأجيال التي ولدت خارج فلسطين كانت وما زالت تحلم بالعودة والتحرير و..و...وضمن الوضع والواقع الفلسطيني والعربي والدولي السائد طوال تلك الفترة أي حوالي سبعة عقود من الزمن، هل هناك خيار أو حلّ فلسطيني يبدو في الأفق القريب أو البعيد نسبيا؟. قراءتي لهذا الوضع والواقع تقول: لا..بمعنى أنّ هذا الحال الفلسطيني السائد منذ 66 عاما سوف يستمر إلى أجل طويل. لماذا؟
الخطوط الحمر نفسها لدى الفلسطينيين والإحتلال
من النقاط المهم الانتباه لها أنّ الفلسطينيين طالبوا بدولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 منذ عام 1988 ، أي ستة سنوات قبل توقيع إتفاقية أوسلو ، عندما أعلن الرئيس ياسر عرفات قيام تلك الدولة ضمن تلك الحدود في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني "الدورة التاسعة عشرة بين الحادي عشر والخامس عشر من نوفمبر 1988 " المنعقد في الجزائر تحت اسم "دورة الشهيد أبو جهاد" حيث انعقدت الدورة حوالي سبعة شهور بعد اغتيال الاحتلال الإسرائيلي للشهيد في تونس في أبريل من العام ذاته ،وبحضور كافة المنظمات الفلسطينية الممثلة في المجلس الوطني. وكان إعلان الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 من خلال اعتراف المجلس الوطني الفلسطيني بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الصادر في الثاني والعشرين من نوفمبر 1967 عقب هزيمة يونيو ذلك العام حيث احتلت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية وبذلك أصبحت كامل فلسطين التاريخية تحت الاحتلال الإسرائيلي. وبلغ عدد الدول التي اعترفت نظريا بتلك الدولة الفلسطينية المعلنة ما يزيد على 127 دولة، ولكنه بقي حتى اليوم اعترافا نظريا حيث لا توجد دولة فلسطينية على أرض الواقع، لأنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي ترفض منذ ذلك العام وحتى اليوم الموافقة على قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 رغم أنّ مساحة تلك الحدود لا تزيد عن 22 % من مجموع مساحة فلسطين التاريخية، كما ترفض الاعتراف بحق العودة وازالة المستوطنات التي تأكل جزءا كبيرا من مساحة الضفة الغربية.
إذن ما الحلّ بعد تشرد 66 عاما؟
1 . خيار التحرير بالوسائل العسكرية مستحيل..مستحيل ضمن الوضع السائد منذ عام 1948 لأنّ موازين القوى العسكرية فلسطينيا وعربيا مع دولة الاحتلال الإسرائيلي مائلة بنسبة عالية لصالح دولة الاحتلال مقابل كافة القوى العسكرية العربية مجتمعة. وخيار المقاومة العسكرية الفلسطينية من الضفة والقطاع أيضا مستحيل لعدم وجود أية نسبة متوازية من موازين القوى العسكرية وعدم وجدود حدود مجاورة تمدّ بالسلاح والعتاد العسكري لأنّ الدولتين الحدودتين المجاورتين الأردن ومصر بينهما و بين دولة الاحتلال الإسرائيلي اتفاقيتي سلام لم يتم خرقها منذ عام 1979 .
2 . خيار ما قبل هزيمة 1967 أي عودة قطاع غزة تحت حكم الإدارة العسكرية المصرية مرفوض كما أعتقد من الجانب المصري خاصة في السنوات الأخيرة حيث توتر العلاقات واتهام حماس بتشغيل الإرهاب في سيناء المصرية وحكم مبدئي لمحكمة مصرية باعتبار حماس حركة إرهابية واقفال مكاتبها ووقف نشاطاتها في مصر. وكذلك عودة الضفة الغربية جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية مرفوض أردنيا بعد إقرار فك الارتباط بين الضفتين الذي اتخذه الملك حسين عام 1988 بناءا على طلب وإلحاح من ياسر عرفات بعد إعلانه الشكلي قيام الدولة الفلسطينية في المجلس الوطني المشار إليه سابقا. والدليل على الرفض الأردني العودة لوحدة الضفتين أنّه توجد حالة سياسية أردنية تطالب بإقرار فكّ الارتباط دستوريا بدلا من أن يبقى مجرد قرار سياسي.
3 . خيار عودة الاحتلال الإسرائيلي الميداني المباشر للقطاع والضفة الذي استمر منذ هزيمة 1967 حتى عودة قيادة منظمة التحرير في العام  1996 بعد توقيع اتفاقية أوسلو  ، هو خيار أعتقد – وربما أكون مخطئا – .أنّه أمنية ورغبة نسبة عالية من الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة، إلا أنّه خيار مرفوض من الاحتلال لأنّه لا يريد أن يتحمل هذه المسؤولية التي لها تبعات دولية، كما أنّ الوضع الفلسطيني خاصة السائد بعد سيطرة حماس المنفردة على القطاع في يونيو 2007 ، وما تبعه من تطهير تنظيمي بين حماس و فتح هو أفضل وضع يخدم الاحتلال، خاصة أن التنظيمين وقّعا العديد من اتفاقيات المصالحة في أكثر من أربعة عواصم عربية ويتم التنكر لها فور مغادرة تلك العواصم، وبالتالي هاهو الانقسام الفلسطيني على أبواب دخول عامه الثامن دون أمل بدليل تصريح قيادي حماس محمود الزهار ( سأقطع يدي إن تمت المصالحة ). وبالتالي فالإنقسام قائم لزمن طويل لأنّه من المستحيل تنازل أي طرف عن امتيازاته التي نمت بعد الانقسام والشخصيات التي أثرت ماليا بشكل أسطوري.
إذن ما هو الخيار المتوقع سيادته واستمراره؟
إنّه خيار الواقع الحالي الذي أهم سماته استمرار الانقسام والصراع الحمساوي الفتحاوي، وأيضا الصراع داخل حركة فتح خاصة بعد خطاب محمود عباس الأخير الذي وزّع اتهامات الخيانة والعمالة مشهدا على ذلك قيادات فتحاوية ظلت ساكتة لا نفيا ولا إيجابا، وتلهي محمود عباس وقيادته بانتصارات شكلية مثل الانضمام لمعاهدات دولية والتلميح بحلّ السلطة الفلسطينية وإعلان رئاسة جديدة للدولة الفلسطينية أيضا ستكون لمحمود عباس، وكلها انتصارات ديكورية لا تقدّم خطوة ميدانية على طريق الدولة الفلسطينية المستقلة حقيقة، بدليل أنّ جيش الاحتلال يسرح ويقتل ويعتقل ويدمّر كما يشاء في الضفة الغربية دون أي تدخل من الشرطة والأمن الفلسطيني الذي يختفي ويغادر أي شارع أو حارة يدخلها جيش الاحتلال، بينما يمارس شجاعة وبطولة متناهية في مواجهة أي تحرك من شعبه الفلسطيني حيث يعتقل ويسجن ويضرب بدون رحمة أي مناهض أو متظاهر ضد ممارسات السلطة الفلسطينية التي هي سلطة ضد الشعب الفلسطيني وليست في مواجهة الاحتلال الذي لا يواجه إلا ببيانات خطابية انشائية.
وهذا الوضع مرشح للإستمرار لزمن لا يعرف أحد أجله لا يعاني منه إلا الشعب الفلسطيني ، أما قيادات الطرفين حماس وفتح فهي تعيش مع عائلاتها في راحة وبذخ لا ينقصهما أية كمالية من كماليات الحياة، ومن يسمع شهادات وأقوال أبناء شعبنا في القطاع والضفة عن ممارسات ومستوى حياة هذه القيادات لا يتمنى إلا عودة الاحتلال المباشر، هذا الاحتلال الذي يرفض هذه العودة لأنّ الوضع الذي أوجدته حماس وفتح يخدمه بشكل لو خطّط له عشرات السنين لما أنجزه...وبالتالي فالخلاصة هي ( مصائب غالبية الشعب الفلسطيني فوائد لقيادات فتح وحماس).
www.drabumatar.com


36
إسرائيل المحظوظة عند الأسد وبعض معارضيه
د.أحمد أبو مطر
لا أعتقد أنّ هناك مسخرة أو مهزلة أو ضحك كالبكا مثل ما أفرزه اندلاع ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد منذ أكثر من ثلاثة سنوات حتى اليوم. النتيجة لهذه الثورة مريرة لدرجة لا يمكن تصورها أو تصديقها لأنّها تقترب من حدود أفلام الرعب أو أفلام الخيال العلمي التي تقدّم تصورات خيالية يتحقق بعضها في أزمان لاحقة. من هذه الأفلام الخيالية التي أصبحت واقعية هي كم محظوظة الدولة التي اسمها (إسرائيل) عند البعض و (دولة الاحتلال الإسرائيلي) عند البعض الآخر. نعم محظوظة هذه الدولة التي حظيت باعتراف رسمي من أكثر من دولة عربية علنا والعديد من هذه الدول سرا، ولكن أهمّ جوانب حظّ هذه الدولة هو كسبها لرضا و ود وحنان نظام بشار الأسد و في الوقت ذاته بعض معارضيه، والمسخرة المبكية أنّ الطرفين يسعى كل طرف منهما أن يكسب دولة إسرائيل لمساعدته ضد الطرف الآخر، وبالتالي فالطرفان يهادنان ويقدمان طلبات الود والصداقة والمحبة الدائمة.

استقرار إسرائيل مرهون باستقرار نظام الأسد

وهذا ليس افتراءا على نظام المقاومة والممانعة الذي لم يطلق رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية منذ عام 1973 ولا يسمح لأية منظمة أو جماعة فلسطينية أو غيرها بإطلاق هذه الرصاصة أيضا من الحدود السورية، هذا النظام مباشرة عقب اندلاع الثورة السورية ضده في مارس 2011 ، ناشد طالبا ود إسرائيل ودعمها من خلال "رامي مخلوف" ابن خال بشار الأسد الذي صرّح يوم الأربعاء، الحادي عشر من مايو 2011 ، لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية موجها رسالة واضحة مباشرة لدولة إسرائيل وحلفائها الأمريكان وغيرهم قائلا حرفيا: ( لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إن لم يكن هناك استقرار في سوريا، لأنّ السلفيين هم البديل عن النظام ). هل هناك طلب صداقة مع دولة إسرائيل أكثر وضوحا من طلب رامي مخلوف هذا؟. وبعد تصريح رامي مخلوف هذا توالت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين من كافة المستويات، وكتابات الصحف الإسرائيلية التي تشيد بهدوء الجبهة مع سوريا وحرص نظام الأسد الأب والإبن على أمن دولة إسرائيل، إلى حد أن بعض الاحصائيات الإسرائيلية أشارت إلى أنّ 85 % من الشعب الإسرائيلي يتمنى بقاء نظام الأسد، وقد لخصت صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم الجمعة، الأول من أبريل 2011 ، أي بعد أيام قليلة من اندلاع ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد، لخصت الموقف الإسرائيلي من النظام في مقال بعنوان ( الأسد ملك إسرائيل ) ورد فيه: "إن كثيرين في تل أبيب يصلّون من قلوبهم للرب بأن يحفظ سلامة النظام السوري، الذي لم يحارب إسرائيل منذ عام 1973 رغم شعاراته المستمرة وعدائه الظاهر لها". وضمن نفس سياق التضامن الإسرائيلي مع نظام المقاومة والممانعة، رفضت دولة إسرائيل يوم الثاني والعشرين من نوفمبر 2011 إدانة نظام الممانعة الأسدي على جرائمه بحق الشعب السوري في اجتماع لجنة حقوق الإنسان بالجمعية العامة للأمم المتحدة، لأنّه من غير المنطقي أن تدين إسرائيل جرائم نظام لا تختلف عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.

ورغم ذلك فالمعارض كمال اللبواني يطلب ود ودعم إسرائيل

وهو بذلك يقدّم أسوأ صورة عن المعارضة السورية إن كان ينتمي لها فعلا، فمواقفه هذه التي أعلنها وهو عضو الهيئة التأسيسية للإئتلاف الوطني السوري المعارض، لا يمكن أن تصدر عن وطني سوري يريد الخلاص للشعب السوري من نظام الأسد المتوحش، بل هو يقدّم أفضل الخدمات لبقاء هذا النظام عندما يطلب دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر عروض لا يقبلها أي وطني سوري أو عربي، وبالتالي لا نعرف هل هي عروض لبوانية شخصية فقط أم تعبر عن رأي الائتلاف الوطني السوري الذي لم نسمع منه تأييدا أو رفضا لهنذه العروض  الساذجة من ناحية والخيانية من ناحية ثانية. فمن يصدق ما ورد في هذه العروض اللبوانية لدولة الاحتلال الإسرائيلي كما نقلتها العديد من المواقع العربية كما صرّح بها لموقع "والاة" العبري الإسرائيلي الذي قدّم اللبواني بأنّه (رمز المقاومة السورية. رجلٌ يحلم بالديموقراطية والحرية والسلام، ليس فقط داخل سوريا وإنما أيضاً بين سوريا وجارتها الجنوبية إسرائيل ). فماذا قال هذا المعارض اللبواني متوجها لصديقته دولة الاحتلال الإسرائيلي:

يرى اللبواني أنّ الثورة السورية "أوجدت فرصة تاريخية للسلام بين الشعبين الإسرائيلي والسوري. فلدينا أعداء مشتركون ومصالح متشابهة. هذا هو الوقت، وقد يصبح متأخراً في ما بعد....أنا أعتمد على المصالح المشتركة. الشعب السوري يريد إسقاط الأسد، لكنه لا يريد أن تحلّ مكانه المنظمات الإرهابية المتطرفة. وهذا أيضاً من مصلحة إسرائيل: التخلّص من الأسد، حليف إيران وحزب الله، لكن أيضاً منع صعود القاعدة...الطريق الوحيدة للقيام بذلك هو دعم المعارضة السورية المعتدلة. العالم فشل في سوريا، لكن قد تكون إسرائيل على وجه التحديد هي الدولة المستعدة لتحمل المسؤولية والقيام بالأمر الصحيح". من يصدّق هذه الهلوسات اللبوانية؟ وهل مضمونها يختلف عن تصريحات رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد؟ فكلاهمكا اللبواني ورامي مخلوف يطلب دعم إسرائيل مخوفا من السلفيين والقاعدة، والمسخرة أنّ الإثنين يطلبان من إسرائيل الشيء ونقيضه، فرامي مخلوف يطلب دعم وبقاء النظام و اللبواني يطلب التخلص من النظام. والخطير في المواقف اللبوانية هذه أنّه مع استمرار احتلال هضبة الجولان السورية من قبل إسرائيل، مستعملا كلمات ومشروعات ضبابية نتيجتها استمرا الاحتلال، فهو يقول: (أنا أعتقد بأن علينا أن نجد سوياً حلاً لمسألة الجولان بالإستناد إلى القرارات الدولية. الجولان يمكن أن يتحول إلى منطقة صناعية وسياحية مشتركة. منتزه سلام دولي، من دون أن تكون هناك حاجة إلى إخلاء الإسرائيليين ). ما معنى منتزه دولي بدون اخلاء المحتلين الإسرائيليين؟ هو بالعكس يعني استمرار الاحتلال مع توفير مناخ سياحي له يدعمه ماليا واقتصاديا في الجولان المحتل فعليا والسياحي عند اللبواني!!!.

فرغبة من سوف تلبي إسرائيل: رامي مخلوف أم اللبواني؟

بصراحة شديدة وغيرة على مستقبل ثورة الشعب السوري بعد كل هذه التضحيات، هنيئا لنظام الأسد بهكذا معارضة لبوانية فهي تخدمه على حساب دماء قرابة مائتي ألف قتيل سوري وهجرة حوالي خمسة ملايين سوري حتى الآن، والنتيجة اللبوانية هي فقط: استمرار نظام الأسد واستمرار دولة الاحتلال الإسرائيلي التي هي (الشقيقة إسرائيل) في مفاهيم ورغبات اللبواني واستمرار معاناة الشعب السوري...ورغم كل ذلك يسكت الائتلاف الوطني السوري على تصريحات ومواقف اللبواني، فهو بهذا السكوت إن كان علامة الرضى لم يعد وطنيا بل مجرد ائتلاف يركض وراء مصالح ومنافع ومناصب شخصية..فهنيئا للأسد وإسرائيل وعزاءا للشعب السوري بهكذا ائتلاف ولبواني!!!.
www.drabumatar.com





37
مأسىة الشعب السوري طويلة الأمد..فمن المسؤول؟
د.أحمد أبو مطر

مرت ثلاثة سنوات على ثورة الشعب السوري ضد النظام المجرم القاتل، نظام عائلة الوحش المسيطرة على البلاد والعباد منذ انقلاب الوحش الأب عام 1970 ثم توريثه الحكم لنجله الأوحش المستمر في القتل والتعذيب والبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي منذ عام 2000 وحتى اليوم أي طوال 14 عاما. وكأنّه مجرد خيال وليس واقعا معاشا عندما تؤكد كافة المعلومات قتل هذا النظام الكيماوي لما لا يقل عن مائتي ألف سوري في السنوات الثلاثة الماضية فقط، مع عدم نسيان ألاف مؤلفة قتلهم والده في مذبحة حماة عام 1981 ، وألاف المعتقلين والمفقودين من السوريين واللبنانيين والفلسطينيين تحديدا، وما أصبح مؤكدا حول عدد اللاجئين السوريين الذي زاد عن أربعة ملايين غالبيتهم في الأردن ولبنان، حيث أصبحوا نسبة واضحة من سكان البلدين ، يعيشون حياة لا تليق بالبشر في أتعس الحالات خاصة أنّ الوضع الاقتصادي في الأردن ولبنان مهما بلغ حجم المساعدات الدولية، لا يسمح بإيجاد حياة كريمة لهذه الملايين من اللاجئين السوريين في مجالات التعليم والسكن والصحة والرعاية الاجتماعية وغيرها.

لماذا نلوم الدول الغربية على هذه المأسآة؟

يكثر في الكتابات المؤيدة لثورة الشعب السوري ضد نظام البراميل المتفجرة توجيه اللوم والنقد للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بسبب عدم تدخلها العسكري لإسقاط هذا النظام انقاذا للشعب السوري. فهل هذا اللوم ينسجم مع مفهوم السياسة الذي يقوم دوما على مبدأ المصالح الخاصة بكل دولة وبالتالي مواقفها لا تتطابق إلا مع هذه المصالح؟ نعم كل دولة صغيرة أم عظمى تتصرف بناءا على مصالحها، وإلا لماذا تدخلت هذه الدول التي نلومها الآن سابقا في الكويت لتحريرها من احتلال نظام صدام حسين، ولاحقا في العراق لإسقاط نظام صدام حسين وفي ليبيا لإسقاط نظام القذافي، وقبل ذلك في صربيا لإنقاذ من؟ لإنقاذ المسلمين في البوسنة والهرسك من مذابح الصربيين، وقد تمّ هذا الإنقاذ وإعلان البوسنة جمهورية مستقلة. هل كان ذلك التدخل من أجل شعوب تلك الدول؟ لا..لا..بل من أجل مصالح تلك الدول المتدخلة في الصراع، وبالتالي من وجهة نظرها فإنّ تدخلها في سوريا لا يخدم مصالحها الآن. لماذا؟ لأنّ نظام الوحش هو أفضل ضامن لأمن دولة الاحتلال الإسرائيلي فهو لم يطلق رصاصة ضد الاحتلال منذ عام 1973 ولم يسمح لأية منظمة أو جماعة فلسطينية بإطلاق رصاصة من الحدود السورية، وبقاء هذا النظام ضرورة اسرائيلية أعلنها أكثر من مسؤول إسرائيلي عدة مرات السنوات الثلاثة الأخيرة، كما أنّ استمرار الصراع ضد هذا النظام أصبح ارهاقا واستنزافا لنظام الملالي الإيراني وحزبهم "حزب الشيطان" اللبناني، هذا الحزب الذي يستمر تورطه ضد الثورة السورية مشيّعا حتى الآن العشرات من قتلاه. وكذلك استمرار هذا الصراع فضح لمواقف قيصر روسيا الجديد "بوتين" الذي عمليا لا مصالح استراتيجية مهمة له في سوريا، ولكن يستمر في دعم نظام الوحش مجرد مناكفة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، ضاربا عرض الحائط بمصالح  الشعب السوري، وهو أساسا لا يراعي ديمقراطية الشعب الروسي بدليل قمعه لمظاهراته بالقوة، وها هو يدّور السلطة بينه وبين شريكه "ميدييف" منذ عام 1999 ، كما أنّ جرائمه ضد المسلمين منذ عام 1994 في جمهورية الشيشان المحتلة لا تقلّ عن جرائم وحش سوريا، فقد أوقعت مجازر الجيش الروسي حتى الآن ما لا يقلّ عن ربع مليون من مسلمي الشيشان، وأخيرا احتلال هذا النظام القيصري لشبه جزيرة القرم وضمّها لروسيا، وبالتالي فنظام بوتين يقف مع نظام على شاكلته وله نفس ممارساته.

لماذا لا تتدخل بعض الدول العربية بدون غطاء غربي؟

لماذا العرب دوما ملحقون بالدول الغربية و ينسجمون مع مواقفها قبولا أو رفضا؟. تدخلت عدة دول عربية بالرجال والمال والسلاح مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو لتحرير الكويت من احتلال صدام حسين، فقط عندما قرّرت الولايات المتحدة هذا التدخل، وبدون القرار الأمريكي ما كان سيتم اتخاذ أي موقف عربي ميداني مكتفين كالعادة ببيانات الشجب أو التأييد حسب الموقف، ولكان احتلال صدام حسين للكويت مستمرا إلى الآن، وكذلك عند التدخل لإسقاط نظام القذافي شاركت بعض الدول العربية ولو بشكل رمزي.

 إذن على من يقع اللوم لترك الشعب السوري وحيدا؟

المنطق والوضع السائد يقول بشكل قطعي إنّ اللوم يقع على الدول والشعوب العربية أولا وأخيرا، لأنّ هذه الحكومات والشعوب منقسمة بين مؤيد لنظام الوحش السوري أو مؤيد لثورة الشعب السوري بالبيانات والخطابات البلاغية فقط. فلماذا لا تقوم الدول العربية التي تقول أنّها في صفّ الثوار السوريين بتزويدهم بالسلاح القادر على مواجهة أسلحة الوحش الفتّاكة؟. ليس مطلوبا من هذه الدول أن ترسل جيوشها فالثورة السورية لا ينقصها الرجال بل الأسلحة والعتاد فقط، هذه الأسلحة التي تشتريها هذه الدول بعشرات المليارات وتصدأ في مخازنها ما عدا استعمالها في بعض هذه الدول ضد شعوبها. لذلك فكافة المعطيات توحي بانّ الصراع مع هذا النظام المتوحش طويلة، خاصة بعد أن نجح في زرع وتوليد تنظيمات إرهابية تتخذ أسماءا اسلامية مثل "داعش وأخواتها" لتفتعل معارك دائمة مع الثوار السوريين دون أن تطلق رصاصة واحدة ضد نظام الوحش، وفي نفس الوقت اخافة العالم الأمريكي والأوربي من هذه التنظيمات الإرهابية حيث يكرّر النظام أنّ سقوطه يعني إمساك هذه التنظيمات بالحكم ثم تمدد إرهابها خارج سوريا إلى امريكا والغرب..لذلك لا أمل للثورة السورية سوى الاعتماد على الذات رغم شحة العتاد والموارد، مما يعني اطالة عمر الصراع وبالتالي المزيد من القتلى واللاجئين.
www.drabumatar.com


38
أردوغان يفقد مصداقيته والشاهد السيد تويتر


د.أحمد أبو مطر

إكتسب رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية في السنوات الأربع الماضية شعبية كبيرة في الشارع العربي، أوصلته تقريبا لأن يكون البطل الجماهيري المحبوب متمنيا بعض العرب لو يصبح أردوغان رئيسا عربيا، والبعض الآخر متمنيا عودة الخلافة العثمانية برئاسة الخليفة العثماني الجديد أردوغان. وقد بدأت هذه الشعبية الجماهيرية الأردوغانية منذ حادث السفينة التركية "مرمرة" التي كانت متوجهة لقطاع غزة في الحادي والثلاثين من مايو 2010 ، ورفضت البحرية الإسرائيلية توجهها للقطاع وبعد استمرار السفينة في الإبحار نحو القطاع ضمن ما أطلق عليه (أسطول الحرية) قامت البحرية الإسرائيلية باقتحام السفينة موقعة على الأقل تسعة قتلى من المواطنين الأتراك ثم اقتادتها للموانىء الإسرائيلية رافضة أن تتوجه للقطاع ثم أبحرت عائدة إلى تركيا. أعقب هذا تهديدات وخطابات أردوغانية متوعدة دولة إسرائيل بالويل والثبور، رغم أنّ الطلبات التركية الدبلوماسية الرسمية كانت لا تتعدى أن تعتذر إسرائيل عمّا حدث وتقوم بدفع تعويضات لأهالي الضحايا الأتراك. تجاهلت إسرائيل الطلب التركي لأنّها تدرك تماما أنّ التهديدات الأردوغانية لن ترقى لسحب السفراء أو قطع العلاقات الدبلوماسية القائمة بين البلدين منذ مارس 1949 حيث كانت تركيا ثاني دولة إسلامية بعد إيران تعترف بقيام دولة إسرائيل. وهدّد أردوغان بعد اقتحام سفينة مرمرة بأنّه في المرات القادمة سوف ترافق البحرية التركية السفن التركية المتوجهة لقطاع غزة لتأمين وصولها في مواجهة البحرية الإسرائيلية، ورغم هذا التهديد لم تقم تركيا أردوغان بأية محاولة جديدة. وعادت العلاقات التركية الإسرائيلية إلى مجراها الطبيعي في كافة الميادين بعد اعتذار بنيامين نتينياهو لأردوغان خلال مكالمة هاتفية معترفا بحصول أخطاء عملية في حادث اقتحام السفينة متعهدا بدفع تعويضات لأسر الضحايا، وانتهت الزوبعة لأنّ العلاقات بين الدولتين عميقة منذ ما يزيد على ستين عاما خاصة في ميدان التعاون العسكري حيث هناك مناورات دورية عسكرية مشتركة، وإسرائيل أكبر مورد للأسلحة للقوات التركية من كافة الأنواع وعلاقات تجارية واسعة بالمليارات.

أردوغان مع ربيع عربي وخريف تركي!!

ومع اندلاع ما أطلق عليه "الربيع العربي" منذ قرابة ثلاثة أعوام ازدادت شعبية اردوغان عربيا، بسبب دعمه الخطابي لهذا الربيع خاصة لما جرى في مصر بين حكومة الإخوان المسلمين برئاسة الرئيس محمد مرسي والقوات المسلحة التي قامت بعزل الرئيس المنتخب شرعيا، ورفض أردوغان لإنقلاب القوات المسلحة ضد الرئيس الشرعي، ورفعه عدة مرات بأصابعه لما أصبح معروفا ب " شعار رابعة" نسبة لميدان رابعة العدوية بمصر الجديدة الذي شهد الاعتصام الحاشد لجماعة الإخوان المسلمين تأييدا ودعما للرئيس المنتخب محمد مرسي قبل فضه بالقوة من قبل القوات المسلحة المصرية. وهنا تظهر ازدواجية وتناقضات أردوغان، حيث يمارس نفس فعل القوات المسلحة المصرية مع المتظاهرين الأتراك ضد حكومته منذ يونيو من عام 2013، واستمرت قواته المسلحة وشرطته بقمع التظاهرات التركية الحاشدة في العديد من المدن التركية خاصة العاصمة أنقرة، مستخدمة الغاز المسل للدموع والمياه الساخنة معتقلة مئات من المتظاهرين الأتراك، كما قتل العديد من المواطنين المتظاهرين خاصة في ميدان "تقسيم" بمدينة استانبول، وقد قامت الدبابات التركية العسكرية بدهس متعمد لأكثر من مواطن تركي، مما ادى لمظاهرات عارمة مطالبة علانية برحيل اردوغان وحكومته. فكيف يكون أردوغان مع المتظاهرين العرب واعتصاماتهم المطالبة بالإصلاحات والديمقراطية وفي نفس الوقت ضد المتظاهرين الأتراك المطالبين أيضا بحرية التعبير وديمقراطية حقيقية للجميع؟.

ونفس منطق أسد سوريا فهي مؤامرة كونية،

يتعرض لها نظام أردوغان رغم أنّه أي أردوغان من الداعمين لثورة الشعب السوري، فهو في عرف أسد سوريا جزء من هذه المؤامرة الكونية ضد نظام الممانعة والمقاومة، بينما أهم المشاركين في المؤامرة الكونية ضد أردوغان حسب رأيه هو أهم حلفائه وشركائه السابقين قبل أن يفضّوا الشراكة معه، وهو القيادي التركي المقيم في الولايات المتحدة "محمد فتح الله كولن" الذي كان من أهم داعمي أردوغان وحكومته، خاصة أنّ له حضور واسع في الشارع التركي حيث هو صاحب و مؤسس (حركة الخدمة) التي لها مئات المدارس والمؤسسات الاجتماعية داخل تركيا وخارجها. هذا في الوقت ذاته لا يمكن نسيان أنّ بعض المتخصصين يعتبرون سياسات وممارسات أردوغان وشريكه عبد الله غول ليست سوى النقيض لسياسة وتوجهات أستاذهما السياسي التركي نجم الدين أربكان بما يكاد يصل لمستوى الانقلاب..فكيف يكون هو ضد ما قامت به القوات المسلحة المصرية ضد الرئيس محمد مرسي ويمارس عمليا ما يتناقض كلية مع سياسة أستاذه مؤسس الحركة الإسلامية التركية الجديدة نجم الدين أربكان؟

وأخيرا حجب عمل السيد تويتر!!

ماذا كان سيكون رد فعل أردوغان نفسه لو سبقه قبل أسابيع أو شهور رئيس أو ملك عربي بحجب عمل السيد تويتر؟ لا نقاش حول الإجابة لأنّ أردوغان كان سيخرج بتصريحات نارية ضد هذا الفعل لأنّه مخالف لحرية التعبير والديمقراطية، وها هو اليوم يقوم بنفس الفعل مما يدلّ على أن رئيسا بحجم قوته الظاهرة المؤيدة لحرية التعبير والتظاهر في دول الربيع العربي، يخاف من حرية التعبير في تركيا فيقوم بعمل غير معقول لا يصدر إلا عن ديكتاتور حقيقي..فهل من المفهوم أن أردوغان الذي يبدو للعرب بأنّه بطل الربيع العربي يخاف من تغريدات الشعب التركي على تويتر؟ لو كانت هذه التغريدات منافية لحقيقة ما يعيشه الشعب التركي لمما اقدم على هذا العمل القمعي المخالف لأبسط الحريات. ولكن يبدو أن السحر من قبل الشعب التركي انقلب على الساحر أردوغان، فقد تواصل الشعب التركي مع تويتر بعشرات الطرق التي تغلبت على الحجب الأردوغاني، فتزايدت بنسبة عالية تغريدات الشعب التركي المناوئة لأردوغان وحكومته وممارساته داخل تركيا المتناقضة مع ادعاءاته خارج تركيا الداعمة لحرية الشعوب العربية. وهذا التناقض الأردوغاني أوجد تمردا من قيادات في حزبه ضد قراره التويتري، مثل عمدة أنقرة "مليح غوكجيك" الذي كان أول سياسي من حزب العدالة والتنمية يخرق الحظر، وكذلك نائب رئيس الوزراء "بولنت ارينج". وأشجع رد جاء من الشعب التركي التواق لحرية حقيقية، إذ خلال ساعات بعد حظر تويتر بلغت تغريدات الشعب على تويتر بعد اختراق المنع حوالي مليونين ونصف تغريدة أو ما يقارب 17 ألف تغريدة في الدقيقة.

ويبقى سؤالان للمصفقين الأردوغانيين من العرب وهما:

1 . لماذا تنسون أنّ حكومة أردوغان مستمرة كالحكومات التركية السابقة منذ عام 1936 في احتلال لواء الإسكندرونة السوري؟ مع العلم أنّه لم يبق أي أثر أو وجود عربي في هذا اللواء بسبب التطهير العرقي الذي مارسته الحكومات التركية طوال الثمانين عاما الماضية، حيث تمّ توزيع سكانه خارج اللواء واحلال سكان أتراك مكانهم مع منعهم من استعمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم. فلماذا احتلال إسرائيل مدان واحتلال تركيا وإيران واسبانيا مسكوت عليه؟.

2 . لماذا تتجاهلون ما يتعرض له السكان الأتراك من القومية الكردية من قمع وتشريد وسجون ومعتقلات، وتعدادهم لا يقلّ عن ثمانية ملاييين داخل الجزء من وطنهم الكردي المحتل من تركيا، ويمنعون أيضا من استعمال لغتهم القومية الكردية، في حين أن الفيدراليات الأوربية والأمريكية مثل سويسرا و كندا تسمح في داخل الدولة الفيدرالية باستعمال أكثر من لغة حسب تاريخ كل قومية. لماذا تعارضون القمع الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وتتجاهلون القمع التركي بحق الشعب الكردي؟ هل الحرية والكرامة يستحقهما شعب ولا يستحقهما شعب آخر؟
ليس تجنيا على أردوغان وحكومته، ولكن بناءا على التفنيدات السابقة فإنّ مواقفه الخطابية الداعمة للربيع العربي مجرد عنتريات بلاغية لكسب رصيد شعبي من شعوب غير الشعب التركي الذي لا يستحق عند أردوغان حتى التغريد عبر تويتر طالما هذا التغريد يكشف أخطاءه وسلبياته وقمعه لحرية وديمقراطية الشعب التركي.
www.drabumatar.com






39
"الجهاد" بالصواريخ الكرتونية ومصيبته على الشعب الفلسطيني

د.أحمد أبو مطر

أقولها صريحة منعا لأي التباس عند أي شخص أنّه ليس من حق أحد أن يمنع أو يدين مقاومة أي شعب للمحتل أرضه ومشرّد شعبه، فكل الأعراف والقوانين والمبادىء توافق وتدعم مقاومة المحتل أيا كانت هويته ومبرراته، بدليل أنّ غالبية العرب والعالم أدانوا احتلال نظام صدام حسين لدولة الكويت، لأنّ الاحتلال احتلال، لا يوجد احتلال نقاومه واحتلال نصفق له. إذن لماذا طرح هذا الموضوع؟ إنّه مناقشة لأنواع المقاومة خاصة ما ليس له علاقة بالمقاومة، بل هو:

الجهاد المزعوم بصواريخ استعراضية فقط،

حيث أعلن الناطق باسم حركة (الجهاد الإسلامي) في قطاع غزة، يوم الأربعاء الثاني عشر من مارس الحالي، أنّ حركته أطلقت قرابة تسعين صاروخا على دولة إسرائيل ردا على اغتيال ثلاثة من عناصر حركته، وأنّ إسرائيل بذلك تنصلت من موافقتها السابقة على وقف الاغتيالات، وردا على هذه الصواريخ التسعين التي لم تقتل إسرائيليا واحدا، قام جيش الاحتلال بقصف مدمر للقطاع أوقع العديد من الإصابات وتدمير العديد من المباني، ورغم هذا التصعيد الإسرائيلي وما رافقه من تدمير، يصرّح نفس الناطق الجهادي بأنّ حركته "الجهاد لم يكن معنيا بالتصعيد". إذن ماذا كان الهدف من اطلاق الصواريخ التسعين طالما هي مجرد استعراض ديكوري لم تقتل إسرائيليا واحدا ردا على الاغتيالات الإسرائيلية المتواصلة بدون توقف، وعدم اهتمام حركة الجهاد بالتصعيد الإسرائيلي الذي يصيب غالبية الشعب الفلسطيني وليس أعضاء الحركة فقط؟ وفي العلن صرّح الناطق باسم حماس عن إدانة حركته للتصعيد الإسرائيلي معتبرا بأنّ المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه تقوم حركته الحمساوية في القطاع باعتقال كل من يطلق رصاصة على الاحتلال سواء قتلت إسرائيليا أم لم تقتل، ونفس الحمساويين لم يطلقوا رصاصة على الاحتلال منذ اجتياح القطاع في نوفمبر عام 2008 الذي أسفر عن مقتل قرابة 1450 فلسطينيا غير التدمير الكبير لبنية تحتية أصلا هي مدمرة ومخرّبة. ثم حصل اتفاق التهدئة تماما كما حصل الأيام القليلة الماضية بعد التسعين صاروخا كرتونيا حيث تدخل الجانب المصري كالعادة، فوافق الطرفان الجهادي والإسرائيلي على اتفاق جديد للتهدئة..وهكذا نفس المسلسل..صواريخ بدائية لا تقتل ولا تدمّر..و قصف إسرائيلي يقتل ويدمر، ثم اتفاق تهدئة لا يستمر طويلا احترامه، تماما مثل اتفاقيات المصالحة الفلسطينية بين حماس وعباس حيث يتنصل كل طرف من توقيعه فورمغادرتهما عاصمة التوقيع، بحيث أصبح من الصعب احصاء اتفاقيات المصالحة بين الفلسطينيين والتهدئة مع الاحتلال.

إذن ما الهدف من إطلاق الصواريخ الديكورية فقط؟

هل كان يعرف مجاهدو حركة الجهاد نوعية صواريخهم قبل إطلاقها؟ خاصة أنّها ربما المرة الخمسين طوال السنوات السابقة التي أطلقوا فيها هذه الصواريخ التي لم تقتل إسرائيليا أو تدمّر بيتا داخل دولة الاحتلال، مع ملاحظة تهويل الاحتلال في أضرار هذه الصواريخ وتركيزه على هرولة مواطنيه إلى الملاجىء خوفا و رعبا، ليبرّر أمام المجتمع الدولي غاراته على القطاع وتدميره واغتيالاته المستمرة بدون توقف، رغم أنّهم يعرفون من تجارب ما لا يقلّ عن عشر سنوات أنّها صواريخ للإستعراض فقط. إذا كان مجاهدو حركة الجهاد يعرفون نوعية صواريخهم هذه ويستمرون في إطلاقها، فهذا دليل على أنّ الحركة تسعى فقط للإستعراض وتسميع الشعب صوت بياناتهم غير مهتمين بخسائر الشعب جراء رد الفعل الإسرائيلي. وإذا كانوا لا يعرفون نوعية صواريخهم هذه، فيكفي هذا دليل أيضا على أنّ كل همّهم الاستعراض واثبات الوجود عبر عنتريات لم تقتل إسرائيليا. والأكيد أن حركة الجهاد ومعها حركة حماس في العديد من المواقف الشبيهة تعرفان أنّ صواريخهم لا تقتل ولا تدمّر.

توازن الرعب غير توازن القوى

يمكن القول أنّ هذه الصواريخ عند البدء بإطلاقها قبل أكثر من 12 سنة قد أوجدت نسبة من الرعب في صفوف المجتمع الإسرائيلي، لأنّه لم يكن متعودا على هكذا ردود فعل من الجانب الفلسطيني، ولكن بعد مرور سنوات قليلة بدأ هذا المجتمع يدرك أنّها مجرد صواريخ استعراضية لا تقتل ولا تدمّر، وبالتالي ورغم الفارق الكبير بين توازن الرعب و توازن القوى، إلا أنّنا في الجانب الفلسطيني فقدنا حتى توازن الرعب ليصبح لدى الاحتلال في مواجهة الشعب الفلسطيني توازن الرعب بالإضافة إلىى توازن القوى ليس في مواجهة المنظمات الفلسطينية فقط بل في مواجهة كافة الدول العربية وتحديدا الدول الحدودية مع فلسطين المحتلة. ومن الجدير ذكره أنّ الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي أخذت اسم "انتفاضة الأقصى" قد اندلعت عقب زيارة شارون للمسجد الأقصى في التاسع والعشرين من سبتمبر 2000 ، قد استمرت انتفاضة سلمية طوال شهورها الثلاثة الأولى مما أربك الاحتلال وأكسب الانتفاضة تعاطفا دوليا واسعا. دخل بعد الشهور الثلاثة هذه على الخط أكثر من تنظيم فلسطيني مستعملا السلاح غير المتوازن مطلقا مع سلاح جيش الاحتلال الذي بدأ يلحق خسائر فادحة في الشارع الفلسطيني في الأرواح والبنية التحتية، خاصة بعد تراجع التعاطف الدولي الذي أعقب العمليات الإرهابية في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، مما أوجد تذمرا واضحا في الشارع الفلسطيني من هذه العسكرة غير المتوازنة بأية نسبة من النسب مع سلاح الاحتلال، لذلك تجرأ في الشهور الأخيرة من عام 2004 أن يوقع ويصدر أكثر من مائة مثقف و وزير فلسطيني بيانا يطالبون فيه بوقف عسكرة الانتفاضة، ولاحقا وافقت كل المنظمات بما فيها حماس على التهدئة ووقف إطلاق الرصاص والصواريخ الكرتونية. ومن يومها يستمر نفس المسلسل: صواريخ كرتونية على الاحتلال، تدخل مصري، وقف اطلاق النار وتهدئة..وهكذا وكأنّه مسلسل بدون نهاية فحلقاته مستمرة ثمن تكلفتها دماء الشعب الفلسطيني وبنيته التحتية.
وغضب حمساوي ديكوري أيضا من موقف مصر،
فقد أصدر غازي حمد وكيل وزارة خارجية حماس بيانا رفض فيه الاتصال المباشر من السلطات المصرية بحركة الجهاد الإسلامي للإتفاق على ثبيت الهدنة مع الجانب الإسرائيلي، معتبرا أنّ هذا تجاوز مصري لحركة حماس غير مبرر..وهل هناك مبرر أكثر أهمية من وقف القصف والغارات على شعب لا ناقة ولا جمل له من وراء هذه الصواريخ الكرتونية؟. إنّه الحرص فقط على البقاء في الصورة الاستعراضية كي يقال أنّ حماس تمكنت من تثبيت التهدئة..صوارخ كرتونية وتصريحات ومواقف كرتونية ساذجه، والمصيبة على رأس العزّل من الشعب الفلسطيني. وسوف تستمر المعاناة طالما كل هذه الدكاكين لا تسعى إلا لمصالحها التنظيمية ومصالح كوادرها الشخصية باسم القضية والتحرير الوهمي الذي ننتظره منذ عام 1965 دون تحرير متر واحد!!!.
www.drabumatar.com








40
هل تنعقد القمة العربية بعد أيام في الكويت؟
د. أحمد أبو مطر

السؤال عنوان هذه المقالة تتداوله أوساط إعلامية وسياسية عربية حول امكانية انعقاد القمة العربية المقرّرة في الكويت يومي 25 و 26 من مارس الحالي أم لا. وذلك في ظل ما طرأ عربيا من مستجدات خاصة ثلاثة منها:
1 . مرض أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، واحتمال وجوده في الخارج لاستكمال العلاج أو عدم تمكنه من حضور القمة إن كان موجودا داخل الكويت أثناء يومي القمة المقرّرة.

2 . استمرار الثورة السورية ضد نظام الأسد وهي ثورة تدخل عامها الرابع، وسط تجاهل دولي لدعمها وانقسام عربي حولها، حيث تتوزع المواقف العربية من مؤيد للنظام خاصة من طرف النظامين الجزائري والسوداني ورفضهما اتخاذ أية عقوبات في مواجهة نظام الأسد، وأنظمة أخرى سحبت أو جمدت بقاء سفرائها في دمشق، وفي الوقت ذاته يتذبذب دعمها للفصائل المقاتلة ضد النظام حسب مصالحها خاصة إزاء الجماعات التي تتخذ صفة "الإسلام" ملحقا بأسمائها، وتتدخل في الملف السوري حسب مصالح وقتية كما حصل في صفقات عديدة آخرها ملف الإفراج عن راهبات معلولا بعد قرابة تسعين يوما من اعتقالهن من قبل بعض هذه الجماعات، ويضع البعض دولة قطر على رأس قائمة هذه الدول ذات المصالح الذاتية الوقتية استغلالا للملف السوري الشائك. وما سيزيد تعقيد الموقف هو رؤية العديد من الدول العربية لتسليم كرسي سوريا في القمة للمعارضة السورية خاصة بعد تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية منذ قرابة العامين، وهذا لن توافق عليه كل الدول التي ستحضر مؤتمر القمة المرتقبة.

3 . وهو الأهم والأكثر تأثيرا والتصاقا هو الخلاف الخليجي – الخليجي الذي وصل أوجه بسحب سفراء المملكة السعودية والإمارات العربية والبحرين من دولة قطر، في ظل توتر بين هذه الدول الثلاث ودولة قطر، وصل حدّ التهديد بعقوبات أخرى قريبة ضد دولة قطر إن لم تستجب لطلبات الدول الثلاثة التي تقول أنّها شبه اتفاقية أمنية وافقت عليها قطر سابقا ولكنها لم تلتزم بتنفيذها، وازدادت الهوة خاصة بعد قرار السعودية تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا وبذلك تكون الثانية بعد الحكومة المصرية التي أعقبت عزل الرئيس الإخواني الدكتور محمد مرسي. هذا في نفس الوقت وحتى هذه اللحظة تبدو دولة قطر مصرّة على موقفها خاصة الداعم لجماعات الإخوان المسلمين وبالذات المصرية في مواجهة الحكومة التي أعقبت عزل الرئيس مرسي والمدعومة من القوات المسلحة بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي .  ويترافق هذا مع عدم أي تغيير في مواقف وأداء قناة الجزيرة كما تطالب الدول الثلاث، بل يلاحظ تصعيد الجزيرة بعد سحب السفراء في حملتها ضد النظام الجديد في مصر وتكثيف اللقاءات مع قيادات الإخوان المسلمين الذين يتواجد غالبيتهم في قطر بعد خروجهم من مصر. وقد أدّى الإصرار القطري على المواقف المستفزة للدول الثلاث التي سحبت سفرائها إلى تصعيد في المقاطعة حيث طلبت السلطات السعودية من كافة السعوديين العاملين أو المتعاونين مع قناة الجزيرة والإعلام القطري بوقف تعاملهم وهذا ما حدث فعلا حيث استقالات علنية، وترشح أخبار عن قرب إغلاق مكاتب الجزيرة في السعودية والإمارات، وربما عقوبات أخرى منها منع الخطوط الجوية القطرية من التحليق في أجواء الدول الثلاثة وغيرها من عقوبات اقتصادية وتجارية بين هذه البلدان.

إزاء هذه المواقف السائدة عربيا فنحن أمام احتمالين:

الأول: هو أن تعقد القمة في الكويت في موعدها ولكن بحضور يغيب عنه غالبية الرؤساء والملوك العرب، أي بتمثيل على مستوى رؤساء الوزارات مثلا أو أقل من ذلك، وأساسا لم تخلو قمة عربية منذ عام 1946 من غياب أكثر من رئيس أو ملك عنها لأسباب مختلفة، ومثلا لا أتذكر أن السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، قد سيق له أن شارك في أية قمة عربية منذ توليه السلطة عام 1970 بعد انقلابه على أبيه السلطان سعيد بن تيمور.

الثاني: هو أن يعلن فجأة قبل موعد انعقاد القمة بأيام قليلة عن تأجيلها لموعد قادم دون تحديده، ويرجع الإعلان عن التأجيل إلى اعطاء الوقت لوساطات رأب الصدع في الحالة العربية. وهذا الاحتمال سبق أن مورس عندما تمّ تأجيل القمة العربية التي كان مقررا عقدها في تونس في أبريل 2004 بعد اغتيال الاحتلال الصهيوني لقائد حماس الشهيد الشيخ أحمد ياسين، وربما كان السبب آنذاك هو عدم جرأة الأنظمة العربية مجتمعة على إدانة عملية الاغتيال، أو قيام الدول التي بينها وبين الكيان الصهيوني علاقات دبلوماسية بسحب سفرائها احتجاجا.

حسابات الربح والخسارة من عقد القمة أو تأجيلها

ليس تشاؤما مني ولكن اعتمادا على رصد نتائج القمم العربية منذ القمة الأولى في إنشاص المصرية في مايو 1946 وحتى القمة الرابعة والعشرين في الدوحة بقطر في مارس 2013 ، لم تتحقق أية خطوة على طريق الوحدة أو الاتحاد العربي في أي مجال من مجالات الشعوب العربية، ما عدا الوحدة القوية في مجالات القمع ومصادرة الحريات وسرقة الثروات والاستمرار في الطاعة الكاملة للأب الروحي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة العربية وخارجها. وبالتالي فلا خسارة سوف تلحق بالشعوب العربية من إلغاء القمة أو تأجيلها، وأيضا لا ربح للمواطن العربي من عقدها...وهكذا انعقدت القمة أو تأجلت أو ألغيت نهائيا فلا خسارة جديدة للشعوب العربية.
www.drabumatar.com



41
هل الديكتاتورية والتمسك بالكرسي مغروسة في جينات العرب؟
د.أحمد أبو مطر

المريض عبد العزيز بوتفليقة مثالا معاصرا

هذا السؤال ليس افتراءا أو كما يقول البعض (جلدا للذات) أو اساءة لأمة العرب العاربة والمستعربة، بل هو رصد لحالة الحكم والسلطة في عالمنا العربي طوال الثمانين عاما الماضية أو ما يزيد. حيث اتصفت حالة الحكم والسطة في هذه الأقطار الموصوفة ب "العربية" بحالتين من النادر أن شهدت أقطار أوربية مثيلا لها، هاتان الحالتان ينتجان حالة واحدة وهي التمسك بالسلطة والكرسي من (المهد إلى اللحد)، وهما الانقلابات العسكرية ثم التمسك بالكرسي مترافقا مع القمع والسجون والمعتقلات والفساد والرشوة. في حين أنّ غالبية الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية تنصّ دساتيرها على فترتين رئاسيتين لا يتعديان ثمانية سنوات، ويحترم ذلك الجميع دون التفكير بانقلابات عسكرية للإستمرار في السلطة والفساد والقتل. وبعكس الحالة العربية المتخلفة، فإنّ "جورج واشنطن" أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية والقائد العام للجيش الأمريكي الذي خاض الحرب ضد الانفصاليين التي انتهت بإعلان انفصال الولايات المتحدة عن بريطانيا، وأحد أهم المؤسسين للولايات المتحدة ممن أشرفوا على صياغة الدستور الأمريكي، خدم في الرئاسة الأمريكية ولايتين فقط لمدة ثمانية سنوات ( 1788 – 1796 ) بعد انتخابه شعبيا بإجماع مذهل. وبعد انتهاء الولايتين الرئاسيتين له تظاهر مئات ألاف الأمريكيين أمام البيت الأبيض، طالبين منه الاستمرار في الرئاسة، فخرج للجماهير قائلا ما معناه: " هل سبق أن رفضت لكم طلبا؟ اسمحوا لي هذه المرة أن أرفض طلبكم ولن أقبل الرئاسة لولاية ثالثة حتى بإجماعكم، وأتمنى أن يستمر ذلك تقليدا دستوريا أمريكيا)..وهذا ما استمر من عام 1796 وحتى اليوم.

وبالمقابل ماذا يحدث في (بلاد العرب أكفاني)؟


 انطلقت الانقلابات العسكرية العربية من سوريا، فمن يصدق أنّه في عام 1949 فقط بدأت وحدثت ثلاثة انقلابات عسكرية كل انقلاب يطيح بمن سبقه في الكرسي.الانقلاب العسكري الأول قام به "حسني الزعيم" في مارس 1949 ثم أطاح به انقلاب" سامي الحناوي" في أغسطس من العام نفسه، ثم أطاح "أديب الشيشكلي" بسامي الحناوي ونظامه في ديسمبر 1949 . واستمرت بعد ذلك الانقلابات العسكرية ليس من أجل تحقيق الكرامة والديمقراطية للشعب السوري بل من أجل الاستيلاء على السلطة ثم الثروة عبر القمع والسجون والمعتقلات ومصادرة كافة حريات الشعب. وتوجت هذه الانقلابات العسكرية السورية بانقلاب حافظ الوحش عام 1970 مستمرا في السلطة والقمع والسرقة حيث زاره عزرائيل ملك الموت، بعد أنّ ورث نجله الوحش من عام 2000 وحتى اليوم. أي أن الوحش الأب والوحش الإبن ممسكان بالسلطة والكرسي والقتل والموت منذ 44 عاما. هل يقبل عقل بشري حتى في العصور الحجرية هذه الحالة السورية، التي أوقع فيها الوحش الإبن خلال ثلاثة سنوات ما يزيد عن مائتي ألف قتيل سوري وهجرة أو لجوء قرابة خمسة ملايين؟.

وفي مصر انقلاب جمال عبد الناصر،

عام 1952 ضد النظام الملكي للملك فاروق وأطلق على انقلابه اسم ( ثورة يوليو 1952 ). جميل وجيد ولكن هل أسّس لحريات وديمقراطية؟ لا أفهم أن يعدم نظام عبد الناصر "سيد قطب" من زعماء الإخوان المسلمين ثم يعدم الرفيق "شهدي عطية" من زعماء القيادات الشيوعية؟ فمع من كان عبد الناصر؟ مع الإخوان أم نقيضهم الشيوعيين؟ واستمر في السلطة 18 عاما حتى وافاه الموت في سبتمبر 1970 رغم تناقض روايات وفاته، وآخرها ما لا أستطيع أن أؤيدها أو أرفضها، وهي أنّه أمر بوضع السم في فنجان قهوة الملك حسين أثناء القمة العربية في القاهرة، وتم تقديم الفنجان المسموم بالخطأ لعبد الناصر بدلا من الملك حسين. هذا مع العلم أنّ كافة المصادر المصرية تؤكد أنّه مات بالسم منذ عام 1970..ولكن أي سمّ هذا؟ ومن بعده استمر أنور السادات في السلطة 11 عاما حتى وافاه الموت برصاص إسلاميين قرّبهم منه نكاية باليساريين، ثم استمر بعده حسني مبارك في السلطة 30 عاما إلى أن تمّ خلعه جماهيريا وتنحيه طواعية في الحادي عشر من فبراير 2011 قبل أن يورّث نجله جمال .

وفي اليمن والعراق وليبيا نفس المسيرة الانقلابية،

دون التوسع في التفاصيل التي يعرفها وعايشها غالبية القراء، يكفي التذكير أنّ معمر القذافي حكم ليبيا 43 عاما بعد انقلابه على نظام السنوسي الملكي، إلى حد أنّه أطلق على نفسه صفة "عميد الحكام العرب". وكذلك "صدام حسين" انقلب على رفيقه "أحمد حسن البكر" وبدأ انقلابه بإعدام حوالي 17 شخصا من القيادة القطرية والقومية لحزبه البعث (اللاعربي اللا اشتراكي) بحجة العمالة للبعث السوري الأسدي!!! هل هناك ضحك كالبكا أكثر من ذلك؟ واستمر صدام حسين في السلطة بالقمع والسجون والمعتقلات وضرب المناطق الكردية بالكيماوي وقمع انتفاضة الشعب العراقي عام 1991 بكل وسائل القتل والموت ( بعث تشيده الجماجم والدم )، واستمر في مسيرته الدموية من عام 1979  حتى الإطاحة به وبنظامه بواسطة جيش الرفيق المناضل القومي جورج بوش عام 2003 ، اي أنّ صدام استمر ممسكا بالكرسي عبر القتل والإعدامات طوال 24 عاما، وتمّ إعدامه صباح فجر عيد الأضحى في الثلاثين من ديسمبر 2006 . وعلي عبد الله صالح ظلّ مسيطرا على السلطة والكرسي والثروة في اليمن السعيد سابقا، طوال 34 عاما من عام 1978 وحتى خلعه جماهيريا في عام 2012 .

وأخيرا مثال من هو على فراش الموت بوتفليقة الجزائري،


الذي استلم السلطة والكرسي عام 1999 عبر انتخابات نتيجتها العربية دوما 99,99 في المائة إلا أنّ بوتفليقة تلك السنّة أراد ان يبدو ديمقراطيا فجعل النتيجة 90.50 بالمائة فقط. واستمر في ولاية ثانية وثالثة عامي 2004 و 2009 استادا إلى تعديل دستوري فصّله على مقاسه كي يتيح له رئاسة ثالثة ورابعة. ورغم أنّه مريض وأغلب وقته في مستشفيات باريس منذ ثلاثة سنوات، وعاد في أبريل 2013 إلى الجزائر على كرسي متحرك، ورغم ذلك فقد أعلن رسميا عن ترشحه لولاية رئاسية رابعة في السابع عشر من أبريل القادم، اي أنّه سيبقى في الرئاسة ومن على كرسي متحرك وأغلب الأوقات في باريس للعلاج حتى أبريل  2018 إن لم يقم عزرائيل ملك الموت بزيارته وخطف روحه. لذلك كان شجاعا اللواء العسكري الجزائري المتقاعد "حسين بن حديد" عندما ناشد بوتفليقة يوم الثاني عشر من فبراير 2014 ( أن يرحل  بعزة وكرامة ليترك الجزائر تستعيد أنفاسها).

لذلط فالسؤال المنطقي هو: هل حقيقة أنّ التمسك بالكرسي والسلطة وما يصاحبها من فساد وقمع وقتل وسجون ومعتقلات مسألة مغروسة في جينات العربي، خاصة أنّ الحالات المعاصرة التي ذكرتها، لها العشرات المثيلة في عصور سابقة خاصة العصرين الأموي والعباسي، لا يريد نسبة من العرب فتح ملفاتها ويطلقون عليها في التأريخ العربي ( المسكوت عليه)..أي اسكت مش ناقصنا فضايح ونشر غسيل وسخ!!!
www.drabumatar.com










42
المجتمع الأردني والانشغال بقضايا وهمية من صناعة العم كيري
د.أحمد أبو مطر

التحركات والسفريات المتعددة في وإلى المنطقة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" أنتجت شفويا وفي أذهان العديدين خاصة في الأردن ما أطلق عليه (خطة كيري للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين)، وهي خطة تعتمد على تسريبات شفوية من مصادر متعددة، دون وجود ورقة مكتوبة تمّ طرحها من قبل "جون كيري" أو اتفاق طرفي الصراع على التباحث حولها، فجولات كيري تطرح أفكارا أمام كل طرف يقوم بمناقشتها أمام الطرف الآخر..وهكذا دون طرح رسمي ونهائي لخطة ما حتى اللحظة. هذا في الواقع أمّا في أوساط المجتمع الأردني السياسية والحزبية تحديدا فقد تمّ استنفار وتعبئة لم تشهد القضية الفلسطينية مثل هذه الحشد دعما لها أو القدس في مواجهة التهويد التي يطالها ويزحف نحوها منذ سنوات عديدة، ولم يعرف الحشد التعبوي سوى بيانات خطابة بلاغية إنشائية. وأهم أفكار التسريبات الوهمية التي خلق منها التحشيد الأردني الشعبي والحزبي وهما أوصلوه لحد الحقيقة الواقعة المؤكدة على الأرض هو:

الوطن البديل

الذي يعني استنساخ التجربة الصهيونية التي قامت باحتلال الوطن القومي التاريخي الفلسطيني لإقامة "دولة إسرائيل" عليه، بحكم القول الصهيوني الشائع ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ). ويطرح التحشيد السائد في الأردن عن خطة العم كيري بأنّه يريد اقامة الدولة الفلسطينية فوق أرض الأردن بحكم أن نسبة عالية من مكونات الشعب الأردني تعود إلى أصول فلسطينية، وهذه مسألة قانونية عالمية ممارسة في العديد من المجتمعات دون أن يصاحبها هذا التخوف والحذر، فهولاء الأردنيون من أصول فلسطينية لم ينزلوا على الأراضي الأردنية خلسة من مجرات فضائية غير معروفة، بل هم أردنيون..أردنيون منذ أنّ تمّ توحيد الضفة الغربية لنهر الأردن مع الضفة الشرقية للنهر، تحت اسم (المملكة الأردنية الهاشمية) عام 1950 وحتى عام الهزيمة النكسة عام 1967 كان الأردنيون من كافة المنابت والأصول يشاركون في الحياة السياسية و البرلمانية بدون تفرقة أو حساسية. وفي العام 1988 قام المرحوم الملك حسين بإصدرار قرار فك الارتباط بين الضفتين بناءا على طلب وإلحاح منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة أنّ هذا القرار من شأنّه تعزيز الهوية والكيان الفلسطيني الطامح لإقامة دولة فلسطينية على الأقل ضمن حدود عام 1967 . وبعد هذا القراراستمرت الحياة السياسية والبرلمانية يشارك فيها الأردنيون بغض النظر عن أصولهم ومنابتهم، وعادت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للقطاع والضفة بعد توقيع اتفاقية أوسلو، وهاهي الأوضاع مع وتحت الاحتلال مستمرة كما هي، ورغم مرور حوالي عشرين عاما على توقيع اتفاقية أوسلو وعودة قيادة المنظمة للضفة والقطاع، إلا أنّه لم يتمّ في أرض الواقع الأردني أية خطوة من شأنّها ان تكون تمهيدا لفزاعة الوطن البديل.

هل من الممكن إقامة الوطن البديل؟
أرى أنّ هذا المشروع الوهمي لا وجود له إلا في أذهان المتطرفين اليهود وبعض المتطرفين من الكتاب والسياسيين الأردنيين الذين هم أكثر حقدا على المكون الفلسطيني. لماذا؟ لأنّ وهم الوطن البديل لا يمكن أن يصبح حقيقة إلا إذا تحققت له حالتان:
الأولى: بيع وتخلي الشعب الفلسطيني عن وطنه التاريخي المحتل ونسيانه لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
الثانية: خيانة الشعب الأردني لوطنه ودولته وتقاعسه في الدفاع عنها إزاء هذه المحاولات والمشاريع الخيانية الصهيونية.

وتحقق هاتين الحالتين من المستحيلات التي لا يمكن النقاش فيها أو الجدل حولها، وبالتالي فمشروع الوطن البديل مجرد وهم لدى البعض وفزاعة لدى البعض الآخر يعلقون عليها أهدافا خاصة بهم وينفسّون من خلالها عن أحقاد شخصية يحملونها لأسباب ذاتية لا تشكّل مكوّنا اجتماعيا أردنيا عاما.

لذلك فليتوقف هذا اليمين عن بث الفتنة المجتمعية ويتفرغ،

لحل مشكلات واقعية حقيقية تهدّد حياة المواطن الأردني وفي مقدمتها: الغلاء، البطالة، العنف المجتمعي الذي أصبح علامة مسيئة خاصة في الجامعات الأردنية، و أخيرا ظاهرة اللاجئين من الأشقاء السوريين الذين أوصل بطش نظام الأسد عددهم في الأردن إلى ما لا يقلّ عن مليون وثلاثمائة ألف لاجىء، مما يرتبّ على الأردن أعباءا اقتصادية ومجتمعية ستظل عبئا على كاهل المواطن الأردني وشقيقه اللاجىء السوري مهما بلغ حجم المساعدات الدولية التي لن تصل لمستوى تحقيق الحياة الكريمة للمواطن الأردني وشقيقه اللاجىء السوري، الذي كافة المعطيات السورية والدولية توحي بدلائل عديدة أنّه لجوء طويل الأمد سواء في الأردن أم لبنان أم تركيا، بدليل أن تركيا الدولة الأقدر بنسبة عالية من الأردن ولبنان اقتصاديا، أقفلت الباب منذ حوالي سنتين في وجه اللاجئين السوريين، بحيث أنّ عددهم في تركيا لا يزيد عن مائة ألف بينما هم في لبنان قرابة ثمانمائة ألف لاجىء.

التخوف أنّ بعض اليمينيين العنصريين من الكتاب والسياسيين الأردنيين بعد اقفال مزاد وفزاعة الوطن البديل للفلسطينيين، أن يجدوا فزاعة ووهما جديدا هو التخوف من اقامة "دويلة سورية" في شمال الأردن حيث غالبية اللاجئين السوريين!!!. توقفوا عن هذه الأوهام والفزاعات الكاذبة التي لا أساس لها، وتفرغوا لحل المشكلات التي تهدّد ما حقّقه هذا الوطن الأردني من منجزات طوال القرن الماضي، كي ينعم المواطن الأردني من كافة المنابت والأصول بحياة حرّة كريمة تليق به في كافة المناحي التعليمية والاجتماعية والسياسية.
www.drabumatar.com



43
دولة علوية في شمال سورية أمر محتمل أم لا؟
د.أحمد أبو مطر

هل سيناريو تقسيم سوريا أمر محتمل؟ وإن كانت الإجابة ب " نعم " فهل هذا الأمر سيعود لأسباب خارجية أي تدخلات دولية لها مصلحة في ذلك؟ أم لأسباب داخلية خاصة بجماعات وتوجهات معينة لها مصلحة في ذلك؟. أنا شخصيا وحسب قناعاتي وتطلعاتي الشخصية أتمنى أن لا يحدث ذلك، ولكن الظروف والوقائع السياسية لا تسير حسب الأمنيات الشخصية لكل فرد، بل حسب المصالح الخاصة بالقوى والدول ذات المصلحة في أن يكون ذلك القطر موحدا أم يتم تقسيمه. والدليل على ذلك الواقع السوداني، فجنوب السودان منذ سنين وهو يطالب ويناضل بكافة السبل والوسائل من أجل الانفصال والاستقلال، والشمال وغالبية العرب يرفضون ذلك، ولكن إصرار الجنوب على الانفصال والاستقلال، أدى بحكومة البشير الشمالية للرضوخ لنتائج الاستفتاء الشعبي في فبراير 2011 ، والإعلان عن استقلال كامل في التاسع من يوليو 2011 . وبالتالي كانت النتيجة الميدانية حسب رأيي أنّ انفصالا يتحقق معه السلام بين الدولتين والشعبين أفضل من وحدة بالإكراه يستمر فيها سفك الدماء بين الشعبين.

ما هي خلفيات طرح موضوع الدولة العلوية؟

هو ما تناقلته وسائل إعلام غربية متعددة حول استعداد بشار الأسد لاحتمالات تقسيم سوريا وبالتالي يقوم بنقل أسلحته الكيماوية والأسلحة المتطورة لدى الموالين له من الجيش السوري إلى مناطق الساحل شمال سوريا حيث  الأغلبية العلوية هناك. كما أكّدت مصادر معلوماتية مهمة أنّ كبار الضباط من أجهزته العسكرية والأمنية الاستخباراتية قد بدأوا فعلا نقل عائلاتهم إلى المناطق العلوية حيث تعيش أسرهم وعائلاتهم هناك، مترافقا ذلك مع فتح فروع لغالبية المقار والمراكز الأمنية تمّ نقل الوثائق والملفات ذات الأهمية في نظر النظام إليها. وهذه الإجراءات تجري بالترافق مع دعم علني للأقلية العلوية في شمال لبنان حيث الاقتتال شبه الدائم بين جبل محسن ذي الأغلبية العلوية و حي التبانة السنّي المواجه له حيث يفصلهما شارع واحد فقط. وكذلك تدخل حزب الله الشيعي اللبناني دعما لنظام بشار الأسد، وهو تدخل لا تخفى على أحد خلفيته الطائفية وهي نفس الخلفية التي تحكم الدعم الإيراني لنظام الأسد بمقاتلي الحرس الثوري الإيراني والنفط والسلاح. وكان موقع إيلاف قد نشر نقلا عن صحيفة صنداي تايمز البريطانية تصريحا لمصدر من المخابرات الإسرائيلية قال فيه: " أصبحت تلك المنطقة (العلوية) محصنّة تماما، وباتت في معزل عن باقي أنحاء سوريا، وتحفظ هناك معظم الأسلحة المتطورة التي يتمّ تصنيعها في سوريا والتي يتمّ استيرادها من روسيا".

وقائع التاريخ الحديث تدعم هذا التوجه العلوي

هذه الوقائع التاريخية تستند إلى ما هو معروف وموثق منذ زمن طويل عن الوثيقة التي تقدّم بها شيوخ من الطائفة العلوية من بينهم جد بشار الأسد للمندوب السامي الفرنسي. وعاد الحديث مجددا عن هذه الوثيقة بعد الخلاف الحاد في النقاش بين المندوب السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري وعدد من ممثلي بعض الدول يوم الخميس الموافق الثلاثين من أغسطس 2012 ، حيث عاد الجعفري للتذكير بفترة الانتداب الفرنسي على سوريا وموجها اتهامات عديدة للدولة الفرنسية، فردّ عليه مندوب فرنسا "جرار أرو" بقوله:
" بما أنكم تحدثتم عن فترة احتلال فرنسا لسورية فمن واجبي أن أذكركم أن جدّ رئيسكم الأسد قد طالب فرنسا بعدم الرحيل عن سوريا ومنحها الاستقلال بموجب وثيقة رسمية وقع عليها، ومحفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية وان أحببت أعطيكم نسخة عنها ".و نشرت إثر ذلك العديد من وسائل الإعلام العربية نصّ الوثيقة المذكورة و التي جاء فيها : الوثيقة رقم 3547 بتاريخ 15/6/1936
(دولة السيد ليون بلوم ...رئيس الحكومة الفرنسية. بمناسبة المفاوضات الجارية بين فرنسا وسوريا، نتشرف نحن زعماء ووجهاء الطائفة العلوية في سورية أن نلفت نظركم ونظر حزبكم إلى النقاط التالية:
1 .إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة، بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس، هو شعب يختلف بمعتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم السني. ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة مدن الداخل.

2 .إن الشعب العلوي يرفض أن يلحق بسوريا المسلمة، لأن الدين الإسلامي يعتبر دين الدولة الرسمي، والشعب العلوي، بالنسبة إلى الدين الإسلامي، يُعتبر كافرا. لذا نلفت نظركم إلى ما ينتظر العلويين من مصير مخيف وفظيع في حالة إرغامهم على الالتحاق بسوريا عندما تتخلص من مراقبة الانتداب ويصبح بإمكانها أن تطبق القوانين والأنظمة المستمدة من دينها..

3 .إن منح سوريا استقلالها وإلغاء الانتداب يؤلفان مثلاً طيباً للمبادئ الاشتراكية في سوريا، إلاّ أن الاستقلال المطلق يعني سيطرة بعض العائلات المسلمة على الشعب العلوي في كيليكيا واسكندرون وجبال النصيرية. أما وجود برلمان وحكومة دستورية فلا يظهر الحرية الفردية. إن هذا الحكم البرلماني عبارة عن مظاهر كاذبة ليس لها أية قيمة ، بل يخفي في الحقيقة نظاماً يسوده التعصب الديني على الأقليات. فهل يريد القادة الفرنسيين أن يسلطوا المسلمين على الشعب العلوي ليلقوه في أحضان البؤس؟.

( وتكفي البنود الثلاثة الأولى من هذه الوثيقة)،

لنصل إلى نتيجة مفادها، أنّه ليس مستبعدا إن تمكنت الثورة السورية من اسقاط بشار الأسد ونظامه، أن يهرب هو وقياداته إلى شمال سوريا لإعلان وإقامة دولة علوية مستقلة كي لا يخسر هو وعصاباته وأخواله آل مخلوف سرقاتهم الاقتصادية طوال ما يزيد على أربعة وأربعين عاما. فلننتظر الوقائع والتطورات الميدانية مع نظام المقاومة والممانعة، فربما من تلك الدولة الجديدة يتمّ (تحديد الزمان والمكان المناسبين للردّ على الاعتداءات الإسرائيلية وتحرير فلسطين)
www.drabumatr.com




44
بشرى سارة للشعب الفلسطيني من قوات الباسيج الإيرانية
د.أحمد أبو مطر

الشكر كل الشكر لقوات التعبئة "الباسيج" التابعة للحرس الثوري الإيراني الملحق مباشرة بالمرشد الأعلى آية الله علي خامئني، فقد أعلن يوم الخميس، السادس عشر من يناير 2014 ، الجنرال محمد رضا نقدي قائد قوات الباسيج ، " أنّ طهران وضعت استراتيجية هدفها تطويق إسرائيل من مصر والأردن. إنّ إسرائيل محاصرة اليوم بالمقاومة. وعلى خطى الباسيج في فلسطين ولبنان تمّ تكوين قوات باسيج سورية، وهناك قوات باسيج مصرية وأردنية في الطريق". وأضاف الجنرال رضا نقدي مفسّرا هذا الصعود والتمدد الباسيجي في عموم المنطقة العربية حسب زعمه قائلا: " تتزامن العناصر المتزايدة للهيمنة الإيرانية في المنطقة مع تراجع النفوذ الأمريكي منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وستكسب الوحدات التي ستقام في مصر والأردن خبراتها من تلك الموجودة في لبنان وفلسطين".

ومن هنا البشرى السارة للشعب الفلسطيني،

بقرب التحرير الذي أصبح على الأبواب وربما بعد أسابيع وعلى أبعد تقدير حسب تصريحات الجنرال بعد شهور قليلة، لتنتهي معاناة 65 عاما من النزوح والتشرد واللجوء والاحتلال، هذه البشرى التي عجزت22 دولة عربية بما فيها دولة جزر القمر و حوالي 20 منظمة فلسطينية عن انجازها طوال عشرات السنين الماضية، بينما لم تأخذ من آية الله والجنرال وقوات الباسيج سوى 35 سنة هي عمر ثورة الخميني الإسلامية من عام 1979 حتى اليوم، وهو رقم قياسي في أن تأخذ الاستعدادات لهذا التحرير العظيم سوى هذه السنوات في الوقت الذي كان الأمل في تحقيق هذا الحلم وما زال شبه معدوم عند العرب والفلسطينيين.

وهل تدعم الوقائع المعاشة منذ عام 1979  هذه المزاعم والأكاذيب؟

هل تصمد مزاعم وأكاذيب الجنرال الإيراني أمام ممارسات نظام الملالي طوال الخمسة والثلاثين عاما الماضية؟. الجواب هو لا..لا..وألف لا كبيرة صريحة واضحة، وذلك بسبب الحقائق التالية ومن لديه حقيقة نقيضة تدعم أكاذيب الجنرال فليتفضل بها كي نتبناها، وهذه أهم هذه الحقائق من وجهة نظري:

1 . لم يطلق نظام الملالي ولا باسيجه ولا حرسه الثوري رصاصة ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1979 ، رغم عشرات التصريحات التي أطلقوها مدّعين أنّهم يمتلكون صواريخ قادرة على الوصول إلى تل أبيب وكافة المدن الإسرائيلية..فما المانع من إطلاق صاروخ واحد منها لتخويف الإحتلال مثلا؟ وإلا لماذا الإعلان عنها؟. إذن فإما هي غير موجودة أساسا أو لا يجرؤ نظام الملالي على إطلاقها؟.

2 . هل كانت هناك فرصة أكثر أهمية للدعم والمؤازرة أكثر من الاجتياح الإسرائيلي المدمر للبنان في يوليو 2006 حيث تمّ تدمير شبه كامل للبنية التحتية اللبنانية بسبب تهور وشجاعة جناح الباسيج في لبنان (حزب الله) خطف ثلاثة جنود إسرائيليين؟ فلماذا لم يستغلّ نظام الملالي وباسيجه وحرسه الثوري لإستخدام تلك الصواريخ لردع الاحتلال ووقف اجتياحه للبنان؟ مع العلم أنّ ممثل الحرس الثوري في لبنان (حسن نصر الله )، أعلن رسميا بعد وقف العدوان الإسرائيلي قائلا: "لو كنّا نعرف أنّ هكذا سيكون رد إسرائيل لما أقدمنا على خطف الجنود الثلاثة".

3 . لماذا أضاع نظام الملالي وباسيجه وحرسه الثوري فرصة الاجتياح الهمجي الإسرائيلي على قطاع غزة في ديسمبر 2008 ليطلق صاروخا واحدا كي يسهم في وقف الاجتياح وردع العدوان؟ وإلا لماذا المتاجرة الخطابية بقضية الشعب الفلسطيني على طريقة المثل العربي القائل (تسمع جعجعة ولا ترى طحنا).

4 . كم أفادت جعجعة أحمدي نجاد حول انكاره للهولوكست في عشرات الخطابات طوال فترات رئاسته القمعية دولة الاحتلال وكم أكسبتها من تعاطف دولي؟.وهذا ما جعل كاتبا وأكاديميا مرموقا هو الأستاذ صبحي حديدي يقول: " بعد أن فرغت السلطات الإيرانية من وضع عشرات المواقع الإلكترونية علي اللائحة السوداء، تفرغت للقضية الثانية الأهم بعد محو إسرائيل من الخريطة: محو المحرقة (الهولوكوست) من الذاكرة الإنسانية، والمرء يشعر بالأسي علي تبذير أموال الشعب الإيراني في قضية خاسرة سلفاً، تاريخياً وإنسانياً وأخلاقياً، ولا تخدم في نهاية المطاف إلا الدولة العبرية ومجموعات الضغط الصهيونية هنا وهناك، من جانب ثانٍ. وكان من الأجدي إنفاق الاموال ذاتها في ميدان بحث آخر، يخص المحرقة ذاتها، ولكن من زاوية مختلفة قد تلحق ضرراً بليغاً بكل المؤسسات الصهيونية الرسمية وغير الرسمية التي تتخصص في الهولوكوست بوصفه صناعة".

5 . واخيرا ليت المصفقين لنظام الملالي وباسيجه وحرسه الثوري يتذكرون فضيحة إيران جيت أثناء الحرب العراقية الإيراينة ( 1980 – 1988 ) حيث تولت دولة الاحتلال الإسرائيلي تزويد نظام حامل مفاتيح الجنة آية الله الأعظم الخميني بالسلاح من كافة الأنواع لمواجهة الجيش العراقي. وليت نفس المصفقين يقرأون كتاب "تريتا بارسي" الذي عنوانه ( التحالف الغادر: التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية) والمؤلف هو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكنز الأمريكية، حيث فيه من المعلومات ما تقشعل له الأبدان، وتشيب له الولدان، لما فيه من حقائق ووثائق حول العلاقات الودية السرية بين الدول الثلاثة، مما يثبت أنّ كل الجعجعة الإيرانية ضد دولة الاحتلال مجرد جعجعة خطابية للتغطية على هذه العلاقات السرّية القوية المتينة.
 وبالتالي فجعجعة قائد الباسيج الأخيرة حول خلاياه التي ستطوق إسرائيل، رأيناها فقط وميدانيا في تطويق وحرب الشعب السوري مدعومة بقوات فرع الباسيج في لبنان تحت اسم (حزب الله) بقيادة الجنرال حسن نصر الله الذي لم يطلق رصاصة واحدة ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ انتهاء اجتياح عام 2006، ولم يرد ولو برصاصة واحدة على اختراقات الطيران الإسرائيلي المتكررة للأجواء اللبنانية ولا قصف الطيران الإسرائيلي عدة مرات لمواقع عسكرية تابعة لوحش سوريا داخل الأراضي السورية، بينما يرسل هذا الباسيجي اللبناني مئات من باسيجه للمشاركة في قمع ثورة الشعب السوري، وقد شيّع حتى الآن العشرات من قتلاهم علنا في دويلته بالضاحية الجنوبية من بيروت...لذلك سنستمر في سماع جعجعة الملالي الخطابية دون أن نرى ذرة من طحين لها في الواقع الفلسطيني والعربي، سوى الاستمرار المتغطرس في احتلال الجزر الإماراتية ومحاولة الهيمنة في أقطار عربية جديدة، بعد أن تمّ التمدد والهيمنة الكاملة في العراق بقيادة وتنفيذ باسيج المالكي ليتفرغ الآن لقمع انتفاضة محافظة الأنبار وجوارها بحجة قتال ارهاب داعش الصناعة الأسدية المالكية الباسيجية.
www.drabumatar.com
 


45
زيارات جواد ظريف العراقية للدعم أم للهيمنة أم معا؟
د.أحمد أبو مطر

من الملاحظات المهمة و ربما المريبة هي الزيارة الثانية لوزير خارجية نظام ملالي طهران جواد ظريف للعراق يوم الثلاثاء، الرابع عشر من يناير 2013  خاصة في توقيتها هذا، وهي زيارته الثانية لبغداد حيث كانت الأولى في الثامن من سبتمبر 2013 أي قبل حوالي أربعة شهور فقط"؟ والسؤال الذي يتداوله العديد هو: ماذا طرأ خلال أربعة شهور ليقوم وزير خارجية الملالي بزيارته الثانية؟ وهي:

للدعم أم الهيمنة أم معا؟

من الواضح أنّ الزيارة الأولى والثانية لا تخرجان عن سياق مايجري في سوريا من ثورة شعبية ضد نظام الأسد المفترس، واحتجاجات محافظة الأنبار السنّية ضد نظام المالكي الذي يتعامل معها منذ شهور عديدة بأساليب التخويف والترهيب والقمع المادي، وذلك فقط لأنّها احتجاجات ضد هيمنة تيار واحد من مكونات الشعب العراقي على باقي المكونات والتعامل معها بفوقية واقصاء متعمدين، وإلا هل هذه الاحتجاجات المستمرة منذ أكثر من عام أتت من فراغ أم للتسلية واراقة الدماء فقط؟. هذا في الوقت الذي يبذل فيه المالكي وحكومته كل ما بوسعهما لدعم نظام الأسد المتوحش في سوريا ضد الشعب السوري منذ مارس 2011 ، بوسائل متعددة منها السماح للطائرات الإيرانية عبور الأجواء العراقية لنقل السلاح والذخيرة وعناصر الحرس الثوري الذين يقاتلون مع جيش الأسد، وفضيحة النفط العراقي المرسل لنظام الأسد على حساب ميزانية الشعب العراقي. لذلك فإنّ زيارة وزير خارجية الملالي الثانية والثالثة القادمة مجرد زيارات للتأكد الميداني من تنفيذ المالكي وحكومته لأجندات وأوامر أسياده في طهران، بدليل وصفه لزيارته هذه أنّها لدعم "خطوات العراق في محاربة الإرهاب". وبالتالي فالسؤال المهم هو:

هل انتفاضة أهالي الأنبار إرهاب؟

لا أعتقد أنّ هناك وطني غيور على العراق ومستقبله لا يدعم المالكي وحكومته في مواجهة أي إرهاب يتعرض له العراق وشعبه، فالإرهاب مرفوض ومدان ويجب تكاتف الجميع عراقيين وعربا لمواجهته ومحاربته أينما وجد، ولكن من هم الإرهابيون في نظر وزير الخارجية؟ هل الشعب العراقي في محافظة الأنبار وجوارها إرهابيون؟ أم عراقيون يطالبون بحقوقهم وانصافهم إزاء سياسة الإقصاء والتهميش التي يمارسها المالكي وحكومته بنفس طائفي غير مقبول؟ ولماذا دعمت ولو نظريا حكومة الملالي ثورة الشعب المصري والتونسي والليبي التي كانت وما زالت مطالبهم الحرية والديمقراطية وطرد المفسدين والمستبدين، بينما نفس المطالب عندما يتحرك الشعب العراقي من أجلها تصبح إرهابا؟. اليس هذه ازدواجية تصل حد النفاق الذي لا يهدف إلا استمرار الهيمنة الإيرانية على العراق التي يؤكدها كثير من السياسيين العراقيين الذين يعيشون في داخل العراق. لذلك كان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أكثر موضوعية وحيادية أثناء زيارته لبغداد التي ترافقت تقريبا مع زيارة جواد ظريف، لأنّ الأمين العام للأمم المتحدة فرّ ق بين الإرهاب ومطالب المدنيين السلميين من الشعب العراقي، إذ أعلن "دعمه للحكومة في حربها على ما سمّاه الإرهاب، واستنكاره في الوقت نفسه الهجمات التي تستهدف المدنيين". كما أكّد على ضرورة وجود "وجود تلاحم سياسي واجتماعي، وحوار يشمل الجميع من خلال المشاركة السياسية والمؤسسات الديمقراطية واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان والتنمية الشاملة" وهذا ضمنا يعني أنّ مناطق الاحتجاجات الشعبية العراقية تفتقر لهذه المقومات التي تؤسس لوطن واحد ولشعب واحد بغض النظر عن الطائفة والقومية، وهذا ما تفتقره المناطق السنّية في العراق، لذلك شهدت هذه الاحتجاجات السلمية التي يلصقها المالكي وحليفه المهيمن في طهران والعراق بالقاعدة وداعش اللتين أصبحتا فزاعة مالكية إيرانية أسدية لتخويف الغرب، وفعلا نجحوا في ذلك بنسبة عالية.

زيارة وصلت لدمشق طيرانا إلى موسكو

ومن الواضح أنّ هذه الزيارت الظريفية لبغداد وبيروت وعمّان ودمشق هي للترويج للحضور الإيراني وتحديدا في الملف السوري الذي يقف فيه نظام الملالي بشكل قطعي مع نظام الأسد بالمال والسلاح ورجال الحرس الثوري مع التجاهل الكامل لمطالب الشعب السوري، وعدم الاعتراف بإرهاب الأسد الذي أوقع حتى الآن ما لا يقل عن مائتي ألف قتيل وتهجير ولجوء خمسة ملايين سوري خارج وطنهم..أليس هذا إرهابا يا ظريف؟. ومن دمشق طار ظريف ووزير خارجية الأسد وليد المعلم إلى موسكو للقاء الداعم الدولي للنظام الإرهابي في دمشق، إذ سيلتقيان الرئيس الروسي بوتين ووزير خارجيته لافروف، وهما اللذان منذ ثلاثة سنوات يعطلان صدور أي قرار دولي ضد ألأسد وعصاباته المتوحشة. ونظام طهران عينه على المشاركة الإيرانية فيما يسمى جينيف 2 المقرر إن تم عقده في 22 يناير الحالي، وهذا لمجرد تأكيد الحضور الإيراني في الساحة الدولية ودعم نظام الأسد في هذا اللقاء الذي لن يصدر عنه أي توجه لصالح الشعب السوري.

أفضل توصيف لنظام الأسد من الخارجية الأمريكية

وفي نفس وقت زيارات ظريف الداعمة لإرهاب المالكي والأسد، جاءت تصريحات "دينا بدوي" المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية لصحيفة "الشرق الأوسط" حيث شخّصت نظام الأسد أفضل تشخيص واقعي بناءا على ممارساته الميدانية إذ قالت: (الولايات المتحدة لا تناقش مكافحة الإرهاب مع النظام السوري، واستنادا إلى سجل الأسد في الماضي والحاضر فمن السخافة أن ينظر إليه كشريك محتمل في مواجهة التطرف...خلال أصعب أيام العراق سعى بشار الأسد إلى تدفق مئات المقاتلين الأجانب إلى العراق،ونفذوا عمليات ضد المصالح الأمريكية والغربية هناك، والتعاون النشط الحالي بين الأسد وحزب الله والحرس الثوري الإيراني يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة ويعمل على تأجيج الصراع الطائفي). هل قرأ وسمع المالكي هذه التصريحات والمواقف الأمريكية؟ وهل يربطها بتصريحاته السابقة التي أدان فيها مرات عديدة تعاون الأسد ونظامه مع الإرهابيين الذي يرسلهم بمفخخات للعراق؟ لماذا كان الأسد عند المالكي إرهابيا قبل سنوات، واليوم حليف يستحق الدعم بالمال والنفط العراقي ومرور السلاح والحرس الثوري الإيراني؟

أليست هذه أوامر إيرانية بما فيها القتل المستمر لعناصر مجاهدي خلق؟

مجاهدو خلق ليسوا ملائكة، وعليهم العديد من الانتقادات من جانب العديد من العراقيين تحديدا، ولكن هذا لا ينفي عنهم صفة اللاجئين الذين يجب أن يتمتعوا بحقوق اللاجىء التي تنصّ عليها مواثيق الأمم المتحدة مما لا يبرّر القتل والتصفية المستمرة ضدهم من سنوات وتحديدا منذ تسلم المالكي الحكومة العراقي في مايو 2006 حيث تمّ تهجيرهم عنوة من معسكر أشرف، وبعد قتل المئات منهم يواصل المالكي وحكومته هذا القتل ضدهم في معسكر ليبرتي الذ نقلوا له عنوة قرب بغداد... أليست هذه أوامر من نظام الملالي ؟ وإلا ماذا ارتكبوا ضد العراق والعراقيين كي يستحقوا هذا القتل وكل هذه التصفيات. لو لم تكن أوامر إيرانية لكان المالكي وحكومته تعاملوا مع الوضع بسلمية هادئة إلى أن يتم توزيعهم كلاجئين على كافة دول العالم، في ظل أنّ عودتهم إلى إيران تعني القتل والإعدامات المشهور بها نظام الملالي.

ومعاناة الشعب العراقي في ظل هذه الحكومة المالكية الطائفية التي تأتمر بأوامر إيرانية مستمرة، فمن المؤكد استمرار المالكي في ولاية حكومية ثالثة اي حتى نهاية عام 2018 .
www.drabumatar.com




46
رغم وعود "هنية" لا أمل في "مصالحة فلسطينية"
د.أحمد أبو مطر

أطلق السيد إسماعيل هنية "أبو العبد" رئيس الحكومة الفلسطينية في عرف حماس، والحكومة المقالة في عرف عباس، تصريحات متفائلة واعدا الشعب الفلسطيني بقرب المصالحة الفلسطينية، إذ أعلن يوم الخميس الثاني من يناير 2014 خلال مشاركته في حفل تخريج دورة عسكرية لجهاز "الأمن والحماية" التابع لحكومته في مدينة غزة تصريحات قال فيها: ( العام الجديد سيحمل الخير لشعبنا الفلسطيني، وذلك باستعداد الحكومة الفلسطينية (أي حكومته في غزة ) أكثر من أي وقت مضى لتحقيق الوحدة الوطنية). وواصل وعوده حول عزم حكومته (اتخاذ قرارات هامة تمهد لمصالحة مجتمعية وتحقيق الوحدة الوطنية..إنّ القرارت من أجل أجواء ومناخات تصالحية فتحت بارقة أمل واسعة بحلول العام الجديد 2014 للشعب الفلسطيني الذي ملّ الانقسام ويطالب بتحقيق المصالحة التي طال أمدها). إنّ تصريحات وأقوال أبو العبد هذه كصياغة خطابية و كموضوع إنشاء كما كنّا نكتب في المرحلة الإعدادية، أعطيه عليها تسعة علامات ونصف من عشرة.

إذن لماذا أنا لست متفائلا بإتمام المصالحة؟


يعود عدم تفاؤلي بإتمام أية مصالحة فلسطينية قادمة رغم تصريحات "أبو العبد" الواعدة لرصدي العديد من المظاهر التشاؤمية طوال السنوات السبعة الماضية التي أعقبت انقلاب حماس العسكري وسيطرتها المنفردة على قطاع غزة في يونيو 2007 . وهذه المظاهر يرقى بعضها من الجانبين حماس في القطاع و فتح في الضفة إلى مستوى ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. وهذه هي أهمّ هذه المظاهر التشاؤمية وقد عشناها وعاشها الشعب الفلسطيني ميدانيا:

أولا: عدد اتفاقيات المصالحة التي لم تتحقق


منذ سيطرة حماس على القطاع والطرفان الحمساوي والفتحاوي يتغنيان ويتغزلان بموضوع المصالحة وأمطراه خطابة وبلاغة يعجز عنها أبلغ الشعراء، مما حدا بالعديد من الأطراف العربية للتدخل وساطة وإغراءا لتحقيق ذلك، خاصة بعد حالة الفلتان الأمني الذي أعقب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيل اسماعيل هنية حكومة حمساوية بحتة و رفض بقية الفصائل الفلسطينية المشاركة فيها،وتؤكد احصائية ل "لهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن" سقوط 322 قتيلا فلسطينيا بسبب الحرب بين حماس و فتح في الفترة بين يناير و نوفمبر 2006 فقط ، 236 منهم في القطاع و 86 في الضفة، مما حدا بالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز للتدخل ودعوة الطرفين للتباحث تحت رعايته في مكة المرّمة، وبالفعل وقّعا في الثامن من فبراير 2007 ما عرف بإسم (اتفاق مكة) نصّ من ضمن نصوصه على (تشكيل حكومة وحدة وطنية ووضع حد لإراقة الدماء بين الجانبين) ولمزيد من الضحك على الشعب الفلسطيني واستهباله ذهبت وفود الطرفين الحمساوي والفتحاوي لأداء العمرة والتصور بالملابس البيضاء على أمل أن ينسى الشعب الفلسطيني الدماء الحمراء، وما إن عاد الطرفان للقطاع والضفة حتى أعلنا رفضهما للإتفاق وكافة تفاصيله، فقامت حركة حماس بانقلابها المعروف مترافقا مع عشرات القتلى وألاف المطرودين ، مسيطرة على القطاع منفردة بالكامل في الرابع عشر من يونيو 2007 . وأعقب ذلك الزيارات المكوكية لمدير المخابرات المصرية السابق الراحل الفريق عمر سليمان، دون أن يتمكن من تحقيق أي تقارب بين الطرفين. وأعقب ذلك توقيع اتفاق القاهرة في مطلع مايو 2011 ، ولحس الطرفان توقيعهما فور وصولهما لدويلتيهما في القطاع والضفة. ثم جاء اتفاق الدوحة العاصمة القطرية في مايو 2012 حيث وقّعه محمود عباس وخالد مشعل وأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة كشاهد، وزفّ خالد مشعل الاتفاق كبشرى سارة للشعب الفلسطيني، بينما أعلن محمود عباس الإفراج عن 64 معتقلا حمساويا في سجونه بالضفة كبادرة حسن نية اتجاه خصمه الحمساوي. وها هي تمرّ حوالي سنتان ونصف لم يتمّ تطبيق أي بند من الاتفاق بل زادت الحرب بين الطرفين...بعد كل هذه الاتفاقيات والوساطات الفاشلة بإرادة وتصميم الطرفين كيف سنتفاءل من وعود اسماعيل هنية الجديدة؟.

ثانيا: التطهير التنظيمي في الضفة والقطاع


مارست حركتا حماس وفتح ضد بعضهما في القطاع والضفة بعد انقلاب حماس العسكري في يونيو 2007 ،  ما يمكن تسميته "تطهيرا تنظيميا" شمل الإبعاد والسجن والطرد من الوظائف ووقف صرف الرواتب لدرجة أنّه في أغسطس من عام 2008 اضطر القيادي الفتحاوي أحمد حلس للهروب من القطاع مع حوالي 14 من مرافقيه وعائلته إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد اشتباكات ومداهمات مع ومن حركة حماس، وظلاّ هاربا ومبعدا عدة شهور إلى أن عاد لموطنه في القطاع. وللإنصاف فإن الحركتين مارسا ضد بعض في القطاع والضفة نفس العمليات وبنفس المستويات، وكأنّ كل حركة منهما تتعامل مع عدو وليس مع أفراد من أبناء شعبها. هذا بالإضافة لإجراء الانتخابات من طرف واحد في القطاع فلا تعترف بها فتح وفي الضفة فلا تعترف بها حماس..وهكذا فالطرفان يتعاملان كدولتين مستقلتين بينهما من الحرب والاحتقان ما لا يختلف عن ما هو مع الاحتلال الإسرائيلي. والمحزن أنّ هذه الحالة أدت إلى تصاعد النعرة العنصرية بين ما اسمه (غزّاوي ) و (ضفّاوي) فإذا نحن فعلا أمام شعبين وكأنّهما لا ينتميان لشعب واحد اسمه (الشعب الفلسطيني)...لكل ما سبق والكثير مما لم أذكره ومعروف للشعب الفلسطيني، أقولها بصوت عال (رغم وعود هنية لا أمل في مصالحة فلسطينية)، وسبق أن قلتها في أغسطس من عام 2007 أي بعد شهرين من انقلاب حماس بعنوان (الفلسطينيون والنموذج القبرصي)...فمن يصدّق مرور(سبع) سنوات على الانقسام الفلسطيني و (أربعون) سنة على الانقسام القبرصي؟!!!. لذلك إن تمت المصالحة الفلسطينية حسب وعود أبو العبد فسوف أعتذر له وأمدحه بقصائد شعرية أكثر بلاغة من مدائح المتنبي لكافور الأخشيدي حاكم مصر آنذاك..وكان المتنبي قد قال لكافور الأخشيدي طامعا في كرمه وعطاياه:
أبا المسك هل في الكاس فضل أناله      فإنّي أغنّي منذ حين و تشرب
وأنا أخاطب أبو العبد قائلا:
أبا العبد هل في المصالحة أمل نناله   فإنّنا منذ حين ننتظر وأنت تصرّح
www.drabumatar.com


47
الرسائل التي يوجهها تفجير الضاحية الجنوبية الأخير

د.أحمد أبو مطر

ليست مصادفة أن يتمّ تفجير سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية من بيروت معقل حزب الله يوم الخميس، الثاني من يناير 2014 ، أسفر عن مقتل 4 أشخاص وحوالي 60 جريحا حسب إعلان وزير الصحة اللبناني، أي بعد ستة أيام بالضبط من اغتيال محمد شطح مستشار زعيم تيار المستقبل اللبناني، وأيضا بسيارة مفخخة أوقعت أيضا خمسة قتلى وحوالي 70 جريحا. وقبل البدء برصد هذه الرسائل التي أراد إرهابيو تفجير الضاحية الجنوبية توصيلها، من المهم الانتباه إلى معلومة لم يتم التركيز عليها خاصة أنّها صادرة عن حزب الله، وهي معلومة لها رائحة خاصة، إذ " اكّدت مصادر حزب الله للمؤسسة اللبنانية للإرسال أن انفجار حارة حريك لم يستهدف أحدا من الحزب وأنّ المكتب السياسي للحزب القريب نسبيا من الانفجار لم يتضرر". هل يفهم من ذلك أنّ المهم عند الحزب هو سلامة أعضائه أولا؟ وكيف عرف الحزب أن التفجير لم يستهدف أحدا من أعضائه؟ ولماذا وكيف لم يتضرر المكتب السياسي للحزب و مبنى تلفزيون المنار القديم و المكتب السياسي للحزب، وكلها مبان قريبة من مكان الانفجار؟. هل كان الإرهابي الذي خطّط للتفجير رحيما إلى هذا الحد بأعضاء حزب الله ومباني الحزب المهمة كي لا تصاب بأي تدمير؟. أم أنّ التفجير عملية مصطنعة من المسيطرين على دويلة الضاحية الجنوبية المستقلة تماما عن العاصمة بيروت من كافة النواحي الأمنية والإدارية؟. من هذه النقطة حيث لا أضرار في مؤسسات ومباني الحزب الإلهي ولا استهداف لأشخاص منه حسب تصريح مسؤولي الحزب، يمكن توجيه أصابع الإتهام بدقة للقائمين بهذا التفجير، ورصد الرسائل التي أرادوا توجيهها من خلاله، وأهم هذه الرسائل هي:

1 . تضليل إتهام الحزب الإلهي باغتيال محمد شطح،

خاصة أن كافة المعطيات الميدانية تتهم الحزب صراحة بهذه العملية الإجرامية للتخلص من شخصية لها دور فاعل داخل تيار المستقبل ولها ثقلها وتميزها الدولي، إذ عمل سفيرا للبنان لدى الولايات المتحدة الأمريكية ( 1997 – 2000 )، وعمل في صندوق النقد الدولي ( 2001 – 2005 )، ولبنانيا عمل مستشارا رفيعا لرئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة ( 2005 – 2008 ) وعيّن وزيرا للمالية عام 2008 ، لذلك أشار فؤاد السنيورة صراحة للقاتل في بيان نعيه للفقيد عندما قال: " إنّ القاتل هو نفسه الذي يوغل في الدم السوري واللبناني..هو وحلفاؤه اللبنانيون من درعا إلى حلب إلى دمشق إلى كل سوريا". نعم إنّ هؤلاء القتلة أرادوا من تمثيلية تفجير الضاحية التضليل حول عملية اغتيال شطح ولفت الأنظار بعيدا ولو لأيام قليلة عن جرائمهم بحق الشعبين السوري واللبناني. وقد كان سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق أكثر صراحة عندما قال: " الذين اغتالوا محمد شطح هم الذين اغتالوا رفيق الحريري والذين يريدون اغتيال لبنان وتمريغ أنف الدولة بالذل والضعف والفزع"، وإلا لماذا حزب الله فقط من بين كافة القوى اللبنانية ودول العالم من يرفض الخضوع للمحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رفيق الحريري، ولو كان بريئا لما رفض تسليم أعضائه المطلوبين للتحقيق في المحكمة الدولية.

2 . خدمة الحليف العراقي في تطهيره العرقي للسنّة

إذ كان حليف وحش سوريا ديكتاتور العراق نوري المالكي في مأزق حقيقي جراء عملياته الإرهابية في محافظة الأنبار التي يقوم بها من منطلق طائفي بحت، فجاءت عملية التفجير المصطنعة في الضاحية الجنوبية خدمة لتوجاته الطائفية التدميرية، بدليل أنّه كان قد دعا الجيش إلى الإنسحاب من المدن، ثم تراجع عن قراره معلنا إرسال قوات اضافية إلى المحافظة، رغم الانتقادات العنيفة التي وجهت له من داخل التحالف العراقي الشيعي الحاكم، إذ أعلن باقر الزبيدي رئيس كتلة المواطن النيابية والقيادي في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي برئاسة عمّار الحكيم " إنّ المجلس يؤكد على أهمية احترام مرجعية التحالف واحترام كتله السياسية، وأن لا يتم اتخاذ القرارات الاستراتيجية والمحورية بشكل منفرد وخارج إطار مبدأ التشاور مع كتل التحالف السياسية" وواضح تماما من تصريحه هذا أنّ غالبية القرارات هي فردية يتخذها المالكي حسب ارتباطاته ومصالحه مع ملالي طهران والنظام السوري، بدءا من شحن النفط العراقي وليس انتهاءا بفتح المجال الجوي العراقي لطائرات الملالي لإيصال الدعم والمقاتلين له. هذا مع تركيز إعلام المالكي وأبواقه على أنّ محافظة الأنبار أصبحت تحت سيطرة القاعدة وبالتالي فعمليات جيش المالكي هي ضد إرهابيين.

3 . التركيز على فكرة تعميم الإرهاب بشكل عام،

كي لا يظل التركيز المركزي في غالبية دول العالم على إرهاب نظامي الأسد والملالي، ويكفي التذكير بأنّ أول من علّق على تفجير الضاحية المصطنع هو عدنان منصور الذي وظيفته الرسمية شكلا هي "وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال"، بينما هو حقيقة كما وصفته كارولين عاكوم في تقريرها لجريدة الشرق الأوسط : " إنه الوحيد الذي يكاد يلتزم قرار «النأي بالنفس» عن الإجماع العربي والقرار الرسمي اللبناني، ضاربا عرض الحائط بسياسة لبنان الرسمية التي تنص على أن تنأى الدولة بنفسها عن الصراعات والمحاور الإقليمية. تصريحات منصور وتجاوزاته المتتالية، ولا سيما منها المتعلقة بالأزمة السورية تدل بشكل لا يقبل الشك، على حمله لواء الدفاع المستميت عن النظام السوري، متخطيا في مرات عدة تعليمات رئيسي الحكومة والجمهورية ، جعلت فريق «14 آذار» يطلق عليه تسمية «وزير خارجية سوريا لدى لبنان". لذلك فهذا وزير خارجية سوريا في لبنان حلّق بعيدا عن تفجير الضاحية مطالبا بشكل عام محاربة " الموجة الارهابية في العالم تمول من جهات خارجية وهي بوتيرة متزايدة والدعم التي يأتي الى المجموعات يفوق امكانيات مجموعات او افراد، وتجفيف الارهاب يجب ان يتم من خلال تجفيف المصدر الذي يمول ويسلح ويخطط، ويجب ان نتعاطى مع المصدر وعليه ايقاف هذه العمليات ". وهل هذا التوصيف عنده يشمل إرهاب نظام الأسد ضد الشعب السوري وثورته؟ وهل يشمل أيضا تجفيف منابع إمداده بالنفط من عراق المالكي وبمقاتلي الحرس الثوري من طهران الملالي؟ خاصة بعد أن انكشفت بشكل واضح مسؤولية نظام الأسد عن تشكيل ما يسمى "داعش" وأخواتها بستار إسلامي مزيف، بدليل أنّ قتالها انحصر فقط ضد عناصر الجيش السوري الحر وكل مناوىء لنظام الأسد.

وبالتالي فهذا وكل المدافعين عن الحزب الإلهي ونظامي الأسد والملالي، من المهم أن يدركوا أنّ هذا الثلاثي لا ينطلق من مصلحة الطائفة الشيعية الشريك الأساسي في الأوطان، فهذه الطائفة الوطنية الشريفة في نظرهم مجرد ذبائح من أجل مصالحهم الشخصية والعائلية، وإلا فاي شيعي أو سنّي أو مسيحي يقبل بقاء الأسد الإبن ووالده مسيطرين ومتحكمين في سوريا شعبا ووطنا وثروة طوال 43 عاما حتى الآن فقط؟ وكذلك ملالي طهران من آية ألى إلى آية بحكم أنّ هذا الآية وكيل الله في الأرض ومن يعصى أوامره فقد عصا الله تعالى..أليس هذا هو الإرهاب بحد ذاته؟ فلماذا لا يتم دعم كل من يحاول دحر هذا الإرهاب وتجفيف منابع دعمه؟..هذه هي الرسائل التي أراد مصطنعو تفجير الضاحية الجنوبية توجيهها والتضليل من خلال التفجير على نواياهم وخططهم الحقيقية، لذلك توقعوا تفجيرات أخرى قريبا ليس في لبنان فقط ولكن في دول مجاورة أخرى لمزيد من التضليل ولفت الأنظار بعيدا عن إرهاب هذا الثلاثي وداعميه.
www.drabumatar.com




48
تضامنا مع حرية التعبير المسلوبة داخل رابطة الكتاب الأردنيين

د.أحمد أبو مطر

تساءلت قبل أيام قليلة تعقيبا على ما يجري من استدعاءات للتحقيق مع أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين من قبل إدارة الرابطة قائلا: ( في الأردن: رابطة كتاب أم مكتب تحقيقات أمنية؟). وكان ذلك في سياق التضامن مع الزميلة رانية الجعبري على خلفية استدعائها من قبل رئيس الرابطة الدكتور موفق محادين للتحقيق معها " بسبب موقف أخلاقي مهني لها متضامنة مع زملائها المفصولين من الجريدة اليومية (العرب اليوم) التي توقفت لفترة ثم عادت للصدور مجددا، دون إعادة غالبية الصحفيين والكتاب الذين تمّ طردهم ودون صرف مستحقاتهم المالية، بينما شذّ عن هذا الموقف رئيس الرابطة "موفق محادين" وعاد للكتابة من جديد في الصحيفة، متناسيا الموقف الأخلاقي الذي يفترض منه الوقوف مع زملائه المفصولين، وأن يرفض العودة إلى الكتابة في الصحيفة قبل عودة هؤلاء الزملاء وصرف مستحقاتهم المالية" وقد اتخذ كتاب آخرون هذا الموقف الأخلاقي المهني ومنهم الكاتب المعروف أحمد أبو خليل.

مكتب تحقيقات ومراقبة أمنية فعلا


تطورات الأيام اللاحقة داخل إدارة رابطة الكتاب الأردنيين، أثبتت فعلا وميدانيا أنّ الإدارة تتحرك من خلال عقلية أمنية رقابية بحتة تنزع من خلالها أن يستنسخ أعضاء الرابطة أفكار ومواقف إدارة رابطتهم، وهذا لا ينسجم مع رسالة الكاتب الذي يملك حق التعبير عن آرائه ومواقفه في كافة الموضوعات بدون رقابة مسبقة، وبعد نشر هذا التعبير الحر كل من يرى فيه مساسا به فاللجوء للقضاء هو الحل الوحيد. وهذا هو المسار الذي تسير عليه القوى والحكومات الديمقراطية حقيقة. فلو جمعنا كل ماكتبه القوميون واليساريون العرب ضد سلبيات وأخطاء إدارة الرئيس بوش الإبن لما ساوت نسبة بالمائة من كتابات وأفلام ومواقف الكاتب والمخرج الأمريكي "مايكل مور" ضد هذه الإدارة خاصة فيلمه الشهير (فهرنايت 11 / 9 ) ومع ذلك لم يستدعيه الأمن الأمريكي أو أية جهة أمريكية لتطلب منه رؤية الفيلم قبل عرضه، بل بالعكس حاز على جائزة الأوسكار الأمريكية.

بينما إدارة الرابطة الأردنية تفرض رقابة قمعية مسبقة،

حيث عمّمت الهيئة الإدارية للرابطة على أعضائها رسالة عبر البريد الأليكتروني، تطلب منهم حرفيا: " مخاطبة الهيئة الإدارية مباشرة بأية ملاحظات أو انتادات أو أية اقتراحات أخرى قبل طرحها في وسائل النشر المختلفة، مع التأكيد على حق الزملاء بنشر هذه الملاحظات أو الانتقادات بعد اشعار الهيئة الإدارية بها". هل سبق أن طلبت أية هيئة إدارية لأية رابطة كتاب هذا الطلب العلني من أعضائها؟. إنّ العقلية الأمنية التي تسيطر على مواقف الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين تبدو واضحة من هذا التخبط في طلبهم من أعضاء الرابطة، فهم يريدون فرض رقابة قمعية بطلبهم العودة لإدارة الرابطة أولا ثم النشر إن أراد صاحب هذه الانتقادات. كيف يستقيم هذا الأمر وكيف يمكن تبريره أو لماذا العودة لإدارة الرابطة أولا طالما من حق صاحب الانتقادات نشرها بعد مراجعة الهيئة الإدارية؟. إذن المقصود من ذلك هو مراجعة الهيئة الإدارية أولا كي تحاول اقناع صاحب الانتقادات بعدم نشرها سواء بالترغيب أو التهديد، وإن تجرأ على الرفض ونشر آراءه  المخالفة لتوجهات الهيئة الإدارية، فعندئذ ليس مستبعدا أن يطلب للتحقيق كما حصل مع الزميلة الكاتبة رانية الجعبري.

قياسا على ذلك كيف يمكن المطالبة بإطلاق سراح الزملاء،

نضال الفراعنة و أمجد المعلا المحتجزين لدى جهة أمنية منذ ما يزيد على مائة يوم بسبب نشرهم مقطع (يوتيوب) في موقعهما "جفرا نيوز" اعتبرته جهات حكومية يسيء للعلاقات مع دولة عربية، رغم أنّ المقطع ليس من انتاج الزميلين بل منقولا من وسائل إعلامية نشرت المقطع بالعشرات. إنّ موقف الهيئة الإدارية للرابطة يدعم صراحة موقف الجهة الحكومية التي تحتجز الزميلين، لأنّه حسب القياس اللامنطقي يكون من حق الجهة الحكومية هذه أن تقول للزميلين المحتجزين: كان يجب عليكما مراجعتنا في الجهة الحكومية أولا قبل نشركما للمقطع، كنّا نصحناكم أنّه يسيء لدولة عربية فلا داعي لنشره في موقعكما، فهو منشور في عشرات المواقع.

لذلك أتضامن مع الحملة ضد توجه إدارة الرابطة،

التي أعلنها نشطاء أردنيين دعما لحرية الرأي والتعبير، مطالبين " الهيئة الإدارية في الرابطة بالتراجع عما ورد في الرسالة والاعتذار للهيئة العامة للرابطة، والتأني عند اتخاذ القرارات وإرسال الرسائل للهيئة العامة، كون هذه الرسائل باتت ترسم صورة تخبط حقيقة تسيء للرابطة". وليت بعض قيادة الرابطة (دون ذكر اسمائهم ) يتذكرون أنّه قبل الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين عام 1989 كنّا نعيش معا في دمشق، وآنذاك شكّلوا ما عرف بإسم (لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية في الأردن)، وأصدروا عشرات البيانات الخطابية الداعمة لحرية الرأي والتعبير في الأردن ومندّدين بأية تجاوزات في هذا المجال. وبقدرة من لا أعرف يتحول بعض هؤلاء الزملاء داعمين للديكتاتوريات العربية في سوريا الآن وليبيا القذافي سابقا، متجاهلين ثورة ومطالب الشعبين السوري والليبي، وكانت وما زالت مواقف بعضهم استفزازية للشعوب لدرجة أنّ عشيرة واحد من هولاء أصدرت في الأردن بيانا علنيا تتبرأ من مواقف ابن العشيرة هذه وتعلن أنّها مواقف تعبر عن رأيه الشخصي وليست ملزمة للعشيرة.

لذلك ليت الهيئة الإدارية للرابطة تعود للموقع الذي يشرّف الكاتب الملتزم وتعود عن توجهاتها القمعية هذه، معلنة وقوفها مع حرية التعبير والرأي بما فيها النقد العلني المباشر لأية مواقف تتخذها الهيئة الإدارية، بذلك تعزّز مواقف الحملة المطلقة من الصحفيين الأردنيين للإفراج عن الزميلين نضال الفراعنة و أمجد المعلا...فهل يحصل هذا؟.
www.drabumatar.com
 

49
النفط العراقي للنظام السوري: قرار من المالكي أم أمر من خامئني؟
أحمد أبو مطر
لم يهاجم  رئيس وزراء عربي أو يتهم نظام الأسد في سوريا بتصدير الإرهاب والإجرام لبلاده كما فعل سابقا نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي. وفجأة بقدرة آمر اسمه آية الله علي خامئني يتحول المالكي إلى داعم للنظام السوري الحليف اليوم الإرهابي سابقا. وهذا ليس تجنيا على السيد نوري المالكي (رئيس الوزراء منذ مايو 2006 ويسعى لولاية جديدة أي حتى عام 2018 ) بل مثبت بدقة متناهية، فهو الذي طالب شخصيا يوم الإثنين الموافق الثاني من نوفمبر لعام 2009 الأمم المتحدة بالتحرك ل "وقف نزيف الدم" وايقاف "التدخل الإقليمي" في العراق. وآنذاك أعلن أوسكار فرنانديز تارانكو مبعوث الأمم المتحدة،مساعد الأمين العام للشؤون السياسية، تأييد المنظمة الدولية لمطالب نوري المالكي. وحسب بيان صدر عن مكتب المالكي خلال استقباله للمبعوث الدولي ذلك اليوم، قال المالكي: " لقد آن الأوان لأن تتحرك الأمم المتحدة من أجل ايقاف نزيف الدم الذي ينطلق من العقلية المدمرة لحزب البعث والقاعدة". وأكّد المالكي أنّ " أدلتنا واضحة رغم إنكار ما قدمناه من اثباتات ومن أدلة، اطلعنا عليها وزير الخارجية التركي واعتبرها أدلة قوية، وإنّ ما نطلبه منهم هو ايقاف الدعم المقدم للإرهابيين والبعثيين المطلوبين للقضاء العراقي والشرطة الدولية الانتروبول...إنّ العمليات الإرهابية التي حدثت مؤخرا كان ثلاثة من المسؤولين عنها من حزب البعث، ويتلقون الدعم من حزب البعث في سوريا وقد إعترفوا بذلك ". ومما لا يمكن نسيانه هو أنّ المالكي عقب سقوط نظام صدام حسين في نيسان 2003 ، كان معينا من قبل سلطة الإئتلاف المؤقتة برئاسة حاكم العراق الأمريكي بول بريمر، نائبا لرئيس هيئة اجتثاث البعث العراقي.

هكذا كان مالكي عام 2009 فكيف أصبح بعد ثورة الشعب السوري؟

موقف نوري المالكي السابق الموثق بدقة، يتغير إلى النقيض من نظام البعث الأسدي المستأسد على الشعب السوري والمسالم بلطف متناه مع الاحتلال الإسرائيلي، فيصبح نوري المالكي هو ثالث الثلاثة الداعمين الرئيسيين المباشرين للنظام المتوحش في سوريا: نظام الملالي في إيران بالمال ومقاتلي الحرس الثوري الإيراني، وحزب الشيطان اللبناني لصاحبه ومالكه الوحيد (حسن نصر الوحش ) بألاف المقاتلين الذين أصبحت أولويات سيدهم دعم الوحش وليس قتال الاحتلال الإسرائيلي حيث لم يطلق هذا الحزب ومالكه الوحيد طلقة ضد الاحتلال منذ اجتياح عام 2006 ، وقد شيّع هذا الحزب حتى الآن علانية في دويلته المستقلة في الضاحية الجنوبية من بيروت عشرات القتلى الذين قتلوا وهم يقتلون الشعب السوري وثواره، وثالث الثلاثة أصبح رغم مواقفه السابقة هو نوري المالكي رئيس وزراء العراق، الذي أثبتت الوثائق المنشورة دعمه لنظام الوحش السوري بالنفط العراقي المسلوب من الشعب العراقي متزامنا مع مواقفه الاستبدادية من احتجاجات الشعب العراقي المطالب بالحرية والعدالة بعيدا عن الحسابات الطائفية التي تحرك المالكي وغالبية حكومته، وهذا دليل على أنّه يأتمر بأوامر أسياده في طهران الذين يسرحون في العراق منذ سنوات رئاسة المالكي وكأنّ العراق بكامله أصبح محافظة إيرانية بشكل علني لا يخفيه المالكي بدليل تصريحه الذي قال فيه حرفيا:

( أولا أنا شيعي، وثانيا أنا عراقي، وثالثا أنا عربي، ورابعا أنا عضو في حزب الدعوة )
وهذا مثبت في افتتاحية صحيفة" الجارديان" البريطانية ليوم الرابع عشر من ديسمبر لعام 2011 نقلا من المؤتمر الصحفي لنوري المالكي، حيث كان ذلك هو جوابه لصحفي سأله أن يعرّف نفسه أي أن يعرّف من هو نوري المالكي كما يفهم ويعتبر نفسه، فكانت إجابته هي المذكورة، مما يعني أنّ اولوياته الأربعة حسب الترتيب الذي يعيشه ويحكم به هي:
1 . هو شيعي.
2 . هو عراقي.
3 . هو عربي.
4 . هو عضو في حزب الدعوة.
وهذا الترتيب لأولويات مالكي العراق، جعل الصحيفة البريطانية نفسها تستغرب وتستهجن معلقة حرفيا:
(هل توجد فرصة لقيام دولة وطنية، عندما يضع رئيس وزرائها هويته الطائفية قبل هويته الوطنية). من هذه الخلفية الطائفية بأوامر ملالية إيرانية كان:

دعم وحش سوريا بنفط الشعب العراقي،

وكانت صحيفة "المستقبل" اللبنانية أول من كشفت عن هذه المعلومات في عددها رقم 4453 بتاريخ الثامن من أيلول لعام 2012 ، نقلا عن مراسلها في بغداد "علي البغدادي" إذ نقل عن مصادر عراقية مطلعة، استمرار تدفق شحنات كبيرة من المشتقات النفطية من مصافي النفط العراقية لدعم نظام الأسد في مواجهة الثورة السورية.  ونقل المراسل عن مصادر أنّ "عاملين في مصفى بيجي شمال بغداد الذي يعدّ من أكبر مصافي النفط في الشرق الأوسط، أكدوا أنّ شاحنات نقل النفط والمنتجات النفطية العراقية، تقوم بشكل مستمر بنقل كميات كبيرة من الوقود إلى سوريا ليلا بعيدا عن الأنظار لضمان السرّية". وأشارت نفس المصادر إلى "أنّ شحنات النفط المصدرة مجانا إلى سوريا تتضمن أنواعا من الوقود الخاص بالدبابات والمدرعات أو ما يمكن استخدامه في الطائرات التي تستخدمها القوات النظامية في قمع الاحتجاجات أو قصف المدن السورية، خصوصا أنّ سوريا تخضع لعقوبات اقتصادية شديدة تعيق عمل المصافي السورية التي تعاني من نقص كبير في منتجاتها النفطية".
 
ثم أكّدت صحيفة "فاينانشينال تايمز" البريطانية هذا الدعم النفطي المالكي لنظام الأسد، في الإسبوع الأول من أكتوبر لعام 2012 حيث أكّدت الصحيفة أنّ لديها وثائق تثبت أن (الحكومة العراقية التي يرأسها نوري المالكي اتفقت في حزيران الماضي (2012 ) على إمداد سوريا ب 720 ألف طن من الوقود في صورة شحنات شهرية كجزء من تعاقد إمدادات مدته عام وقابل للتجديد". ومن المهم أن كشف هذه الوثائق جاء في نفس الوقت الذي أكّد فيه مسؤولون أمريكيون أنّ حكومة المالكي تسمح بمرور الطائرات الإيرانية التي تحمل السلاح لجيش بشار الأسد في مواجهة ثورة الشعب السوري، وقبل ذلك في العام 2011  امتنعت حكومة المالكي عن التصويت في الجامعة العربية على قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة وفرض عقوبات على نظام الأسد.

وأخيرا جاءت اثباتات تحقيق وكالة رويترز،

الذي نشرته العديد من وسائل الإعلام العربية الورقية والإليكترونية، والأكثر إثارة هو نشر موقع "اليوم السابع" المصري لهذا التحقيق يوم الثلاثاء، الرابع والعشرين من ديسمبر 2013 ، بعنوان ( إمدادات النفط العراقي تصل إلى سوريا سرا عبر مصر). وتحقيق وكالة رويترز يعتمد على وثائق تجارية تثبت العديد من المعلومات الخطيرة منها:
1 . إنّ ملايين براميل النفط العراقي تصل إلى نظام الأسد في سوريا على متن سفن إيرانية تصل من العراق بتسهيلات من شركات تجارية لبنانية و مصرية، وما يشجّع هذه الشركات على تحدي العقوبات الدولية المفروضة على نظام الأسد هو تلقيها عوائد مالية أعلى بكثير من الأسعار التجارية المتعارف عليها.
2 . أهم الشركات التي تقوم بهذه الأعمال غير القانونية دعما لنظام الأسد هي شركة الناقلات الوطنية الإيرانية، حيث ذكر التقرير أسماء أربع ناقلات تابعة لها، وللتحايل على القوانين المصرية والدولية تقوم الشركة بتغيير أسماء هذه الناقلات من حين إلى آخر وترفع أعلام دول أخرى مثل تانزانيا عند الرسو أو التحميل من موانىء مصرية.
3 . تأكيد مصدر ملاحي في الشرق الأوسط أن النظام السوري استورد ما يصل إلى 17 مليون برميل من الخام بين شهري فبراير وأكتوبر 2013 ، نصفها وصل من إيران مباشرة والباقي من ميناء سيدي كرير في مصر، وأنّ نصف هذه الكمية على الأقل مصدرها العراق. وتعتمد العملية على خروج النفط من العراق ثم يجري نقله إلى سيدي كرير من خلال خط أنابيب سوميد الذي يمتد من البحر الأحمر إلى الميناء الواقع غربي الإسكندرية ثم يجري تحميله على الناقلات الإيرانية التي توصله لميناء اللاذقية في سوريا.
إنّ مواقف مالكي العراق المتقلبة من نظام الأسد ليست سوى املاءات إيرانية لا يسستطيع رفضها لأسباب طائفية حسب أولوياته التي أعلنها صراحة. ورغم ذلك مهما طال عمر نظام الأسد المتوحش فلا بد من زواله حتى لو تمّ تمديد حكم المالكي لولاية ثالثة، وهذا هو الأكثر ترجيحا مما يعني المزيد من النفط العراقي لنظام الوحش، وكل هذا على حساب ثروة وحرية الشعب العراقي المنكوب بهكذا حكومة ورئيسها، إذ يقمع الاحتجاجات الشعبية العراقية ضده بنفس أساليب وحش سوريا، وبالتالي هذا هو سرّ الصداقة والدعم بين النظامين المالكي والأسدي. ونؤكد صراحة الرفض المطلق لأي نظام طائفي سنّي أو شيعي، لأنّ الوطن فوق مصلحة الجميع.
www.drabumatar.com









50
في الأردن: رابطة كتاب أم مكتب تحقيقات أمنية؟ لنتضامن مع الزميلة رانية الجعبري

د.أحمد أبو مطر
صدمني للغاية الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام الأردنية عن قيام الزميل موفق محادين رئيس "رابطة الكتاب في الأردن"، باستدعاء الزميلة رانية الجعبري للتحقيق معها في مقر الرابطة بسبب موقف أخلاقي مهني لها متضامنة مع زملائها المفصولين من الجريدة اليومية (العرب اليوم) التي توقفت لفترة ثم عادت للصدور مجددا، دون إعادة غالبية الصحفيين والكتاب الذين تمّ طردهم ودون صرف مستحقاتهم المالية، بينما شذّ عن هذا الموقف رئيس الرابطة "موفق محادين" وعاد للكتابة من جديد في الصحيفة، متناسيا الموقف الأخلاقي الذي يفترض منه الوقوف مع زملائه المفصولين، وأن يرفض العودة للكتابة في الصحيفة قبل عودة هؤلاء الزملاء وصرف مستحقاتهم المالية..

بداية القضية المشكلة،
كما روتها الزميلة رانية الجعبري في صفحتها على الفيس بوك قائلة: ( تلقيت اتصالا من موفق محادين يخاطبني بصفته الرسمية، ويقول بانّني مطلوبة للتحقيق في رابطة الكتاب لأنّني قمت بتعرية موقفه من زملائي في العرب اليوم...إليكم يا سادتي الوجه الآخر من الإخوان المسلمين وأنظمتنا العربية المستبدة. لأنّني عبّرت عن رأيي سأساق للتحقيق.ولو كان رئيس دولة لكنت الآن في السجن، وسينظر في أمري في محكمة أمن الدولة....أمر آخر..لقد طلب مني أن أقرأ كتابا في الأخلاق..موفق محادين لا تعليق على كلامك). وكانت الزميلة رانية الجعبري قد امتلكت جرأة وشجاعة يفتقدها العديد من الرجال، عندما كتبت في الثامن من ديسمبر 2013 أيضا في صفحتها على الفيس بوك رأيا لا يجرؤ عليه إلا القليل من الكتاب عندما كتبت تقول: ( رئيس رابطة الكتاب الأردنيين والكاتب في العرب اليوم موفق محادين، عفوا "د.موفق محادين" عنوان مقالته اليوم (حتى لا نخرج من التاريخ).بحب أقل له ببساطة "ما تخاف يخي التاريخ عمرك ما تشوف خلقته، لأنّك أغرب انسان شفته بحياتي. وقفت مع قضية "بعتقد" انها عادلة وهو موقفك من النظام السوري اللي تبين إنه الثورة ضده كانت مجرد مجرد مؤامرة..مع أنّه كنظام لا يستحق الاحترام. لكن موقفك السليم هذا اتبعته بخيانة زملائك المفصولين من العرب اليوم..هم بدهمش يرجعوا على هالصرح الإعلامي..هم كل اللي بدهم اياه ترجع اللهم حقوقهم والفلوس التي أكلها عليهم "الياس جريسات" اللي حضرتك داير وراه كرمال تيار الممانعة..اسمحلي أقلك بحط مليون خط أحمر تحت كل موقف الك. لأنّك ببساطة بتتنكر لقضايا زملائك وبتنتصر لقضية حدا مدبر حاله "بشار الأسد" وانتو أصلا ما راح تفيدوه بشيء غير بزياراتكم الكرنفالية وصوركم جنبه..بس المظلومين اللي هم زملائك ما اتطلعت الهم بالعكس رضيت تكتب في مكان صاحبه أكل حقوقهم..).

لماذا أمتلك الجرأة لنقد موقف الزميل موفق محادين؟

لأنّه سبق لي في فبراير 2010 أن تضامنت معه ومع "سفيان التل" بعد أن أمر مدعي عام محكمة أمن الدولة الأردنية ايداعهما مركز (سجن) الجويدة للإصلاح والتأهيل في العاشر من فبراير بتهمة " الإساءة للأردن والجيش العربي ودماء الشهداء الأردنيين ". وسبب الاحتجاز كما وضحه الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الدكتور نبيل الشريف فإن " مجموعة من المتقاعدين العسكريين كانت قد تقدمت إلى مدعي عام عمّان بشكوى ضد محادين والتل قبل أربعة أيام على خلفية تصريحات أدليا بها في برامج حوارية تلفزيونية ". وكانت هذه البرامج قد تناولت قضية الإرهابي الأردني همام البلوي الذي فجّر نفسه في معسكر تابع للاستخبارات المركزية الأمريكية في مدينة خوست الأفغانية في الثلاثين من ديسمبر 2009، مما أدى إلى مقتل ستة عناصر عناصر من الاستخبارات الأمريكية وعضو في المخابرات الأردنية هو الشريف زيد بن علي كان موجودا في المعسكر. وكتبت آنذاك مقالة بعنوان ( الحرية لموفق محادين وسفيان التل والقضاء للمتضررين)، ويستطيع من يريد ايجاد المقالة منشورة بعد وضع عنوانها السابق في موقع البحث جوجول العربي. وهذا يعني أنّي مع الزميل موفق محادين عندما يكون مظلوما، ومع نقده عندما يكون من وجهة نظري وآخرين كثيرين مخطئا سواء بحق زملائه الكتاب أو بحق الشعب السوري عندما يناصر الطاغية القاتل بشار الأسد وفي الوقت نفسه يرفض فقط احتجازه لأيام قليلة بينما بشاره قتل حتى الآن ما يزيد على مائة وثمانين ألفا من الشعب السوري ، وهجّر قرابة خمسة ملايين في الأردن فقط منهم ما لا يقل عن مليون ونصف أي قرابة خمس تعداد الشعب الأردني.

وهذا هو رأي الكاتب الأردني جهاد الرنتيسي أيضا،
فقد كتب تضامنا مع ربى الجعبري ومنتقدا بشدّة موقف موفق محادين قائلا: ( تحول رفيقنا الكاتب الكبير، رئيس رابطة الكتاب موفق محادين، إلى شرطي، وحوّل رابطة الكتاب الأردنيين إلى واحدة من محاكم التفتيش. استدعى الزميلة رانية الجعبري إلى لجنة تحقيق، لأنّها ناصرت زملاءها المفصولين من صحيفة العرب اليوم، وناشدت السيد الرئيس بالتوقف عن الكتابة في الصحيفة.نناشد الزملاء في رابطة الكتاب وخارج الرابطة، الوقوف إلى جانب الزميلة لأنّ مناصرتها في هذا الموقف، تعبير عن الانحياز للضمير وللمحرومين من وظائفهم وحقوقهم المالية.كونوا على قدر المسؤولية وانتصروا لكل ما هو جميل في هذا الوطن. كنّا نتوقع من الرفيق موفق أن يسير على خطى أحمد أبو خليل ولكن توقعاتنا لم تكن في محلها).

ولمن لا يعرف ف" أحمد أبو خليل"،
هو كاتب أردني رفض العودة للكتابة في صحيفة العرب اليوم بعد عودة صدورها تضامنا مع زملائه الكتاب المفصولين والذين لم يحصلوا على حقوقهم المالية المنهوبة، ووجّه رسالة قوية لرئيس تحرير الصحيفة الجديد "اسامة الرنتيسي" قال فيها: (تريدونها صحيفة عربية تصدر في الأردن؟ حسناً. ولكن الصحيفة فيما يتعلق بالقضايا الأردنية تختار المدخل الأكثر سطحية بل والأردأ أحياناً، وعندما تنتقل الى الشأن العربي والقومي فإن موقف الصحيفة ومعالجاتها تتبع الاتجاه الذي تسير فيه انتهازية "صاحبكم" الذي وضعتم من اسمه عنواناً في الصفحة الأولى!!!! (إعلامي بحجم فلان)... الله أكبر! اسمح لي أيها الزميل، فأنا وبكل تواضع، لا أرى له حجماً سوى في ميدان الانتهازية والثرثرة والبيع والشراء والتقلب وتسليع المواقف والأفكار الأوطان والقضايا والمبادئ... وأنا أعرف أن باستطاعتك إضافة المزيد. من المحزن أن الصحيفة لم تعثر على مخدوم أعلى شأناً ).

لذلك أتضامن صراحة وعلانية مع الزميلة الشجاعة رانية الجعبري، وأوافق على ما كتبه الزميلان الصادقان الجريئان جهاد الرنتيسي و أحمد أبو خليل، لجرأتهما أيضا ووقوفهما موقف الحق والعدل..والشعب السوري المنكوب بهذا النظام الأسدي لن ينسى بعد انتصار ثورته كل من وقف داعما ومصفقا للطاغية. وقياسا على نصيحة الكاتب "موفق محادين للكاتبة الشجاعة " رانية الجعبري"، أنصحة بقراءة العديد من الكتب التي أرّخت لنضال الشعوب ضد كل الطغاة والمستبدين، وأغلب نضالات هؤلاء الشعوب انتصرت واندحر الطغاة إلى جحيم يليق بالجحيم الذي أعاشوا شعوبهم فيه.
www.drabumatar.com








51
اللاجىء الفلسطيني بين ناري الحياد والانحياز

د.أحمد أبو مطر، أوسلو

يحتاج طرح هذا الموضوع إلى عقلانية وموضوعية وهدوء في النقاش والتعليق كمحاولة للوصول لقناعة مشتركة بين غالبية القراء والمعلقين، فلسطينين كانوا أم عربا، وإلا كيف ولماذا نتغنى ليل نهار بشعار ( أمة عربية واحدة) في حين لا يخلو شعب عربي من حقد وكراهية شعب أو شعوب أخرى، حيث يقدّم ويصوّر كل فرد من شعب بأنّ شعبه هو الشعب الأمثل والأفضل والأكثر كرامة وعزة وفخرا، في حين أنّ الحقيقة الموضوعية لدى كافة الشعوب تقول: ليس هناك شعبا بكامله فاضلا أو سيئا، ففي كل الشعوب من كافة القارات هناك أشخاص فضلاء جيدون كرماء عقلاء، وهناك أشخاص سيئون يعطون صورة سيئة عن شعوبهم. انطلاقا من هذه المقدمة امتلك الجرأة لطرح موضوع (اللاجىء الفلسطيني بين ناري الحياد والانحياز)، بمعنى أين يقف الفلسطيني في كل دولة لجأ إليها وأقام فيها من حراكات المجتمع السياسية والاجتماعية التي تطرح في دول لجوئه وإقامته خاصة في أوقات الأزمات التي كانت أكثرها حدة فترة السنوات الثلاثة الأخيرة التي عرفت في بعض الأقطار العربية ب (الربيع العربي) المطالبة غالبية شعوبه بالحرية والكرامة والديمقراطية وسقوط الديكتاتورية والمستبدين ومحاربة الفساد والمفسدين سارقي ثروات شعوبهم.

البداية في العراق

إثر هزيمة نظام صدام حسين في حرب احتلاله المشين لدولة الكويت عام 1991 ، قام هذا النظام الديكتاتوري بقمع وحشي لانتفاضة الشعب العراقي رافقتها حقيقة مقابر جماعية وقصف بالكيماوي لمناطق كردية خاصة في مدينة حلبجة، أما مدينة الحويجة فقد شهدت قتل وتدمير لا يوصف. إثر الإطاحة بنظام صدام حسين في التاسع من أبريل 2003 ثم إعدامه صباح الثلاثين من ديسمبر 2004 ، شاعت في الأوساط العراقية معلومات عن مشاركة فلسطينيين في قمع انتفاضة الشعب العراقي عام 1991 مما أدى لتعرض أماكن اقامتهم خاصة "حي البلديات" في بغداد لهجمات مسلحة كانت شبه يومية، أدت إلى مقتل العشرات منهم، وهجرة ألاف إلى دول الجوار خاصة الحدود السورية والأردنية، حيث بقوا عالقين سنوات مما أدى إلى تدخل وكالة الغوث وتهجير غالبيتهم إلى دول مختلفة، وصل مئات منهم إلى البرازيل. وفي حالة صحة معلومة مشاركة فلسطينيين مع جيش صدام حسين في قمع انتفاضة الشعب العراقي عامى 1991 ، وأنا لا أستبعد ذلك خاصة من عناصر البعثيين الموالين لصدام وعناصر ما كان يسمّى (جبهة التحرير العربية) وهي مجرد دكان صدّامي لا علاقة له بفلسطين ولم يقم بأية عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي ولا وجود له داخل المناطق الفلسطينية سوى البيانات الخطابية. والسؤال الذي له علاقة بعنوان المقالة: ما هو مصير هذه العناصر لو رفضت أوامر صدام حسين؟ هل سيكون غير السجن والقتل؟.

وقد سبق ذلك اثناء احتلال الكويت،

عام 1990 بسبب ما قيل عن عدم تنديد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بغزو صدام واحتلاله للكويت، وقيام نفس عناصر (جبهة التحرير العربية) وفلسطينيون آخرون بالعمل كأدلاء ومرشدين للجيش الصدامي أثناء غزوه واحتلاله، متناسين أنّ ظهور المقاومة الفلسطينية وتحديدا حركة فتح كان من وفي الكويت حيث كان يعيش ويعمل فيها أهم قادة فتح مثل ياسر عرفات، أبو إياد، خليل الوزير،خالد الحسن، سليم الزعنون وغيرهم، وكانت الكويت منذ عام 1967 تستقطع عشرة بالمائة من رواتب الفلسطينيين العاملين فيها  (يزيدون عن 400 ألف ) وتذهب هذه النسبة للصندوق القومي الفلسطيني، غير المساعدات المالية والعينية الحكومية والشعبية الكويتية. لذلك أعقب تحرير الكويت من الغزو الصدامي طرد مئات ألاف الفلسطينيين، حيث تؤكد بعض المصادر أنّ من بقي في الكويت حتى اليوم لا يتجاوز 35 ألفا غالبيتهم من حملة الوثائق المصرية غير المسموح لهم بدخول أية دولة عربية بما فيها مصر الصادرة باسمها وثيقة السفر للاجئين الفلسطينيين، وهذا العدد الذي بقي في الكويت ممنوعون من العمل في الدوائر والجهات الحكومية الكويتية.

والآن في مصر وسوريا،

حيث يطرح السؤال والحالة المهمة: أين يقف الفلسطيني؟ مع النظام أم الحراك الشعبي المطالب بإسقاط النظام؟. انتشرت في مصر معلومات صحفية واسعة عن علاقات الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بحركة حماس، وتمّ التهويل من هذه المعلومات لدرجة أنّ العديد من وسائل الإعلام المصرية تنسب غالبية العمليات الإرهابية في منطقة سيناء المصرية لحركة حماس، وادّعت بعض وسائل الإعلام المصرية أنّ حماس أرسلت ثلاثين ألف مقاتل لدعم نظام الرئيس المعزول، مما أوجد نتيجة ذلك انتشار ظاهرة كراهية وشيطنة الفلسطيني في الشارع المصري. أمّا في سوريا فالوضع أكثر تعقيدا إذ تمّ إقحام أكبر مخيم فلسطيني في سوريا وهو مخيم اليرموك في أطراف العاصمة دمشق، في عمق الحرب القائمة بين المعارضة السورية والنظام السوري، مما أدّى إلى مقتل المئات وتهجير الألاف منهم إلى العديد من الدول وتدمير واسع لغالبية المخيم، هذا في حين مشاركة علنية لقوات من (الجبهة الشعبية- القيادة العامة) لصاحبها أحمد جبريل في القتال مع قوات النظام السوري ضد قوات الثورة السورية.

إنّها حالة بين نارين فعلا،

ففي كافة الأقطار العربية تريد الأنظمة أيا كانت هويتها وخلفيتها أن يقف اللاجىء الفلسطيني معها قلبا وقالبا، وكذلك تريد كافة القوى المعارضة للأنظمة والمحاربة ضدها. فإنّ وقف اللاجىء الفلسطيني مع الأنظمة فهو مدان ومجرم من قبل قوى المعارضة، وإن وقف مع قوى المعارضة فهو مدان ومقتول من قبل الأنظمة، وإن وقف على الحياد أي ساكتا صامتا لا علاقة ولا دخل له بما يجري في أي قطر عربي، فهو مدان ومغضوب عليه من الأنظمة والقوى المعارضة المحاربة لها. وهذا الانقسام لم تخلو منه الساحة الفلسطينية الداخلية، فهناك قوائم لكتاب وصحفيين يؤيدون النظام السوري علنا، وقوائم أخرى مضادة للنظام وتدعم الحراك الثورة السورية علانية، وفي القدس المحتلة نفسها وقّع ما يزيد عن مائة كاتب وصحفي فلسطيني بيانا واضحا صريحا لدعم الثورة السورية ضد نظام بشار السد رافعين في بيانهم شعار ( لا نريد تحرير القدس إن كان على حساب دماء الشعب السوري ).

فأين يقف اللاجىء الفلسطيني؟ ما هو رأيكم بهدوء وموضوعية بعيدا عن الاتهامات والشتائم كمحاولة منّا جميعا للوصول لقواسم مشتركة جوابا على هذا السؤال الحسّاس والمهم للجميع فلسطينيين وعربا.
www.drabumatar.com




52
هل الخلافات داخل النظام الإيراني حقيقية أم تبادل أدوار؟
د.أحمد أبو مطر

تداولت غالبية وسائل الإعلام الإيرانية والعالمية أنباءا مفصّلة عن الخلاف العنيف الذي اندلع بين اللواء محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني و رئيس الحكومة الإيرانية الجديد حسن روحاني الذي فاز بالرئاسة في الانتخابات الأخيرة التي أطاحت بالرئيس السابق أحمدي نجاد الذي كان أحد ضباط الحرس الثوري الإيراني نفسه، وكان أيضا أحد قادة الهجوم على السفارة الأمريكية في طهران بتاريخ الرابع من نوفمبر 1979 واحتجاز 52 مواطنا أمريكيا لمدة 444 يوما إلى أنّ تمّ الإفراج عنهم بعد توقيع اتفاقية متبادلة في الجزائر بتاريخ التاسع عشر من يناير 1981 . لذلك فالإطاحة بأحمدي نجاد من الرئاسة الإيرانية وصعود حسن روحاني أدّى على الفور إلى البدء باتصالات أمريكية-إيرانية أدّت حتى الآن إلى نسبة واضحة من التفاهم المتبادل الذي يتوقع البعض بأنّه سيؤدي لإنتهاء قطيعة بين الدولتين مستمرة منذ العام 1979 زمن وصول الخميني للسلطة، التي ورثه فيها علي خمئني كولي فقيه، تبعا لنظرية "ولاية الفقيه" فهو وكيل الله في الأرض ومن يعصى أوامره وتعليماته فقد عصى أوامر وتعاليم الله تعالى. وكانت بدايات هذا التفاهم الأمريكي مع حكومة روحاني هي الاتفاق على غالبية تفاصيل الشروط الغربية الخاصة بالمشروع النووي الإيراني ولقاء جينيف 2 الخاص بالوضع في سوريا، رغم أنّ هذا الاتفاق شكّل مصدر قلق لبعض دول المنطقة خاصة في الخليج العربي.

دور ومهمة الحرس الثوري الإيراني

ومن المعروف داخل إيران أنّ  الحرس الثوري هو الدعامة الرئيسية للنظام خاصة أنّه رغم وجود قائد عسكري له هو الآن اللواء محمد علي جعفري، إلا أنّه بالإضافة لباقي فرق القوات العسكرية الإيرانية فقائدها العام جميعا هو المرشد العام آية الله علي خمئني كما كان من قبله آية الله الخميني. من هذه الخلفية فإن تصرفات وتصريحات اللواء جعفري المهاجمة للرئيس حسن روحاني ليست بعيدة عن توجهات المرشد العام خاصة أنّها كانت تصريحات عنيفة في منتهى الضراوة، حيث وصف الرئيس روحاني ب "أنّه أصيب بالعقيدة الغربية" دون أن يوضح ما يقصده بنوعية هذه العقيدة، إلا أنّ أشدّ تهمة لأحد منذ زمن الخميني هي الولاء للغرب هكذا بصفة عامة دون تفاصيل. وقد ترافقت تصريحات روحاني المتوددة للولايات المتحدة والمخففة تجاه دولة إسرائيل، مع تصريحات تصبّ في نفس المسار أطلقها وزير الخارجية الإيراني في الحكومة الروحانية الجديدة "جواد ظريف" الذي شارك في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني الذي تمّ التوصل إليه في شهر نوفمبر 2013 ، حيث طالب الحكومة الإيرانية التعامل بجدية مع التهديدات العسكرية الأمريكية القادرة على تدمير القوة العسكرية الإيرانية بقنبلة واحدة، وإذا لزم الأمر تدمرها بكل سهولة.
لذلك شنّ عليه قائد الحرس الثوري نفس الهجوم ووصف "ظريف" ب ( أنّه دبلوماسيا محنكا إلا أنّه لا يحظى بخبرة في المجال العسكري )مضيفا تهديدا واضحا لمجموع حكومة حسن روحاني في قوله: ( لا بدّ من حدوث تغيير جذري لتصحيح المسار. وأكبر تهديد على الثورة موجود في الساحة السياسية ولا يمكن للحرس الثوري أن يبقى صامتا).

وهذا مما يذكّر بمرحلة حكومة الرئيس الإصلاحي المعتدل محمد خاتمي الذي فاز في انتخابات الرئاسة الإيرانية في مايو 1997 بنسبة عالية قاربت السبعين بالمائة، وايضا في عهده شهدت العلاقات الإيرانية الغربية تحسنا ملحوظا، وتوقيع عدة اتفاقيات اقتصادية مما لم يرض التيار المتشدد في الساحة الإيرانية، وقد أشيع في داخل إيران آنذاك عن محاولات متعددة لقيادات الحرس الثوري الإيراني بإفشال حكومة خاتمي وعملها، ورغم ذلك وتعبيرا عن رغبة الشعب الإيراني في الإصلاح ووقف الصدام غير المجدي مع الغرب فاز برئاسة ثانية، إلا أنّه انسحب من انتخابات الرئاسة عام 2009 لصالح المرشح مير حسين موسوي الذي أفشل الحرس الثوري نجاحه عبر تزوير لصالح عنصر الحرس الثوري أحمدي نجاد، مما أدّى لاندلاع مظاهرات شعبية عارمة، كان أبرز قادتها محمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي، حيث تمّ قمعها بوحشية أدت إلى سقوط عشرات القتلى وايداع بعض قادة المعارضة مثل مهدي كروبي السجن ومنع العديد منهم من السفر.

ورغم ذلك فهو الآن خلاف علني لتغطية تبادل الأدوار،
خاصة بعد أن تعلم النظام الإيراني دروسا صعبة خلال فترة رئاسة أحمدي نجاد التي اعتمدت على الخطابات التهديدية الجوفاء، فهو ونظامه يعرفان أنّه مهما بلغت القدرة العسكرية لديهما، فهذه القدرة دون مستوى قدرات حلف الناتو وحليفته دولة الاحتلال الإسرائيلي، بدليل أنّ كل خطابات نجادي المهدّدة بإزالة إسرائيل من الوجود، لم ينتج عنها اطلاق رصاصة ضدها حتى في ذروة اجتياحها للبنان عام 2006 وقطاع غزة عام 2008 وغاراتها الجوية المستمرة ضد أهداف عسكرية داخل سوريا التي هي تحت سيطرة حليفه نظام الأس، بينما الآن يرسل النفط والمال ومقاتلي حرسه الثوري للقتال مع نظام الأسد ضد الشعب السوري. وأساسا ما كان الرئيس الجديد حسن روحاني يقوم بمد يده للغرب دون موافقة المرشد الأعلى وذراعه العسكري الحرس الثوري، ولا كان بإمكانه توقيع الاتفاق النووي والاتفاق الخاص بالنظام السوري، مما يدلّل بدون أدنى شك أنّ هجوم رئيس الحرس الثوري على حسن روحاني هو لمجرد التغطية على هذه الاتفاقيات التي شكّلت مصدر قلق للجوار العربي، لأنّه يمكن أن ينتج عنها تفرغ النظام الإيراني لمزيد من المشاكل مع هذا الجوار، خاصة في ظلّ إصرار هذا النظام على احتلال الجزر الإماراتية رغم كل حسن النية الذي تبديه دولة الإمارات بما فيه الموافقة على اللجوء للتحكيم الدولي. وأساسا يعرف النظام الإيراني أنّ امتلاكه للسلاح النووي لا يهدد الغرب ولا دولة إسرائيل، لأنّه يعرف أنّ هذه الدول قادرة على تدميره في ساعات بنووي وغيره، فإذا كان نظام الملالي قد مني بهزيمة ساحقة من قبل الجيش العراقي بدون سلاح نووي في زمن صدام حسين، جعلت الخميني يعترف شخصيا بهذه الهزيمة، ويقول حرفيا عن قبوله وقف إطلاق النار من جانب واحد :( إنّ قبوله وقف إطلاق النار كمن يتجرع جرعة السمّ)..فكيف إذن سيقف أمام جيوش حلف الناتو وإسرائيل؟ لذلك فإن الرضوخ الإيراني لمطالب الغرب قد بدأ خاصة إزاء مشروعه النووي والتنازلات الأخرى قادمة، وهذه الهجمات من قادة الحرس الثوري ضد رئاسة وحكومة حسن روحاني مجرد ذر للرماد في العيون والآذان للتغطية على هذه التنازلات.
www.drabumatar.com



53
اغتيال المواطن "إياد المدهون" من أبشع جرائم حماس وقادتها

د.أحمد أبو مطر
جرائم حركة حماس الوحشية بامتياز مشين لم تتوقف منذ استيلائها وسرقتها لقطاع غزة في يونيو 2007 ، وكل هذه الجرائم العار تتم تحت اسم "مقاومة الاحتلال" وهذه الحركة منذ اجتياح الاحتلال للقطاع في ديسمبر 2008 لم تطلق رصاصة واحدة على الاحتلال بل تقوم حقيقة باعتقال وسجن كل من يحاول اطلاق الرصاص على قوات الاحتلال، وكافة قيادتها مشغولين بمصالحهم الشخصية من التقلب على حبال الدول حليفاتهم السابقة إلى تجارة الأنفاق التي جعلت من أغلبهم (أثرياء الأنفاق) كما أطلق عليهم أحمد المجدلاوي القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في القطاع. وأيضا كما شهد شاهد عليهم من سكان القطاع وهو "محمود الزق" مسئول المكتب السياسى لجبهة النضال الشعبي عبر صفحته الشخصية في الفيس بوك حيث استنكر تصريحات وكيل ركن الاقتصاد الوطني في إدارة غزة المدنية حاتم عويضة التي أعلن فيها إن إغلاق الجهات المصرية لبعض الأنفاق يكبد قطاع غزة خسائر بقيمة 230 مليون دولار شهريا، فتساءل "الزق": خسائر قطاع غزة.. خسائر من؟هذا المبلغ أرباح شهرية لتجار الأنفاق أثرياء لحظة الانقسام، أما أهل غزة كانوا ولازالوا ضحايا لأنفاق الموت هذه. وتابع الزق:'هذه الأنفاق كانت عنوانا لموت شباب الوطن تحت أنقاضها وعنوانا لتهريب كل المحرمات والبضائع المنتهية صلاحيتها وغير خاضعة لأية رقابة لا صحية ولا حتى نوعية".

وهم تجار الاغتيالات للفلسطينيين

ووفقاً لإفادة زوجة المواطن المدهون فقد تردد على المنزل 3 مرات ما بين الساعة التاسعة والعاشرة من مساء يوم السبت 30/11/2013 شخص يسأل عن زوجها، وبمجرد وصول الزوج ودخوله المنزل طرق أشخاص باب المنزل، وعندما فتح لهم المواطن المدهون باب منزله، دار بينهم حديث وبعدها أقفل زوجها الباب، ودخل مسرعاً ومضطرباً إلى داخل المنزل وبدأ بالصراخ طالباً من زوجته الإسراع في طلب النجدة، وعلى الفور اقتحم المنزل شخصان ملثمان ويرتديان معاطف زرقاء (سويتر) حيث قام أحدهما بدفع الزوجة داخل إحدى غرف المنزل وأغلق عليها الباب، لكنها استطاعت الخروج لتجد ثلاثة أشخاص داخل المنزل يقومون بضرب وركل زوجها الملقى على الأرض ثم قاموا بنقله خارج المنزل، ليتم العثور عليه بعد حوالي أربع ساعات جثه هامدة ملقاة أمام مستشفى كمال عدوان وبدت على جثته، وفق التقرير الطبي الصادر عن المستشفى المذكور، خطوطاً زرقاء كبيرة في جميع أنحاء الجسد وحروق.

وكعادتها لم تفتح حماس تحقيقا،
في هذه العملية البشعة التي هي في نفس مستوى جرائم الاحتلال بل أكثر بشاعة ( وظلم ذو القربي أشدّ مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنّد). وهذه ليست أول جريمة اغتيال ترتكبها عناصر حركة حماس ، فقد بدأت عمليات الاغتيال بإسم الأخلاق والدين قبل انقلابها العسكري كما حدث في الثامن من أبريل عام 2005  في عملية،
اغتيال الشابة يسرى العزامي
وهي شابة محجّبة متدينة تدرس اللغة العربية في الجامعة الإسلامية، وكانت أثناء عملية الاغتيال البشعة في السيارة مع خطيبها (زياد الزرندخ) ومعه شقيقه وخطيبته التي هي أيضا شقيقة المرحومة يسرى العزامي. وقد صرّح آنذاك رسميا توفيق أبو خوصة المتحدث باسم وزارة الداخلية الفلسطينية آنذاك بـأنّ القتلة اعترفوا بانتمائهم لكتائب عزالدين القسام التابعة لحركة حماس وأنّهم أخذوا أمر الاغتيال من مسؤولهم في الحركة، بينما اعترف مشير المصري بانتمائهم للحركة نافيا تلقيهم أمر الاغتيال من أي مسؤول في الحركة، في حين أنّ قيادي الحركة محمود الزهار اعترف ضمنا قائلا: "هناك مئات الفلسطينيين قتلوا على أيدي جهات رسمية وغير رسمية ولم يعترف أحد بهم، لكن حماس الحركة الوحيدة التي اعترفت بخطئها لأنها تقف مع المظلوم، حتى لو كان من ظلمها من أبناء الحركة".
واغتيال سكرتير جمعية الكتاب المقدّس،
في مدينة غزة الشاب رامي عياد (31 عاما) بعد خطفه وتعذيبه ورمي جثته في غابة قريبة من مدينة غزة ، في أكتوبر من عام 2007 ،بعد الاستيلاء على هاتفه النقال وبطاقة ائتمان تعود للسيدة زوجته، رغم تأكيد جميع من يعرفون المغدور أنّه لم يكن له أية علاقات بالسياسة أو بالفصائل الفلسطينية المتناحرة. وكان قد سبق ذلك في أبريل من العام ذاته تفجير مكتبة تابعة لجمعية الكتاب المقدس، وتخريب مدرسة النور المسيحية والاستيلاء على بعض محتوياتها، وقيل آنذاك أنّ هؤلاء المجرمين ينتمون لما يسمى زورا "جيش الإسلام" بقيادة الإرهابي "دغمش".
وتفجير حماس لمسجد ابن تيمية في مدينة رفح،
وتدميره براجمات الصواريخ على المصلين فيه من أنصار الشيخ عبد اللطيف موسى بحجة أنّهم جماعة سلفية في أغسطس 2009 بعد انقلاب حماس وسيطرتها على القطاع..تخيلوا..حماس الإسلامية تقتل ما يزيد على ثلاثين من جماعة سلفية وتدمر مسجدا فوق رؤوسهم.
معلومات خطيرة للغاية عن اغتيال إياد المدهون،
نشرها بتاريخ الرابع من ديسمبر 2013 موقع "أمد" الفلسطيني الذي يديره الوزير السابق حسن عصفور، إذ ورد في الموقع حرفيا: (حمّل شادي المدهون حركة حماس والقيادي فيها فتحي حماد المسؤولية الكاملة عن مقتل اخيه اياد ، وطالب بتحقيق مستقل حول الجريمة ، وفتح تحقيق بخصوص اغتيال اخيه جهاد عام 2007 ،وقال المدهون في حديث لاذاعة موطني اليوم الثلاثاء:" كشف أخي المغدور إياد تفاصيل تورط زوجته بعملية أغتيال يحيى عياش مع زوجها السابق (عادل) وهو ابن أخ فتحي حماد (وزير داخلية حماس الحالي) ،وأضاف :" ان زوجة اخيه إياد هي ابنة أخت فتحي حماد ، كان لها دور في اغتيال اسرائيل لعياش عام 1996...مؤكدا حصول أخيه المغدور إياد على معلومات موثقة حول اغتيال يحيى عياش"  ومشددا بأن:" الجميع يعلم تورط أشخاص من عائلة فتحي حماد" مشيرا الى تحقيق اجهزة أمن السلطة الوطنية  مع فتحي حماد شخصياً وبعض أفراد عائلته الذين تم سجنهم بناءا على ذلك لمدة عشرة سنوات ..وهم أولاد عم العميل "كمال حماد" المتواجد حاليا في اسرائيل.وكشف المدهون أن :" الأشخاص الاربعة الذين حضروا بزي الشرطة الحمساوية، وكانوا قد ترددوا على منزل أخي، وكانوا يدخلون المنزل ويقابلون زوجة اخي دون علمه ". وطالب شادي المدهون بتحقيق مستقل حول ملابسات اغتيال شقيقه إياد، وفتح تحقيق بخصوص اغتيال شقيقه "جهاد" خلال انقلاب حركة حماس في غزة عام  2007 ، وأكد المدهون أن التعذيب والضرب المبرح كان سبب مقتل شقيقه الأمر الذي اثبتته الفحوصات الطبية ، رافضا ادعاءات حماس بأن شقيقه  قتل بحادث سير قائلا:" انها ادعاءات باطلة جملة وتفصيلاً ".

نتيجة هذه الأعمال، فليهنأ الاحتلال إذا كانت هذه أعمال المقاومين والممانعين بحق أبناء شعبهم، وبالتالي حقيقة "لم يعد في القضية بقية" فقد " اضاع أهلها هذه البقية".
www.drabumatar.com





 
 




54
هل يسمح الاحتلال بفتح معبر إيريز لغير أحفاد وبنات قادة حماس؟

د أحمد أبو مطر -

أود التأكيد في البداية أنّني أتمنى الشفاء للجميع من كافة الطوائف والفئات والتنظيمات، فلا أحد يسعد لمرض الآخرين سوى عديمي الخلق والضمير والإنسانية. ولكن سبب السؤال عنوان المقالة هو انّه عند الاحتلال الإسرائيلي (مريض عن مريض بيفرق) وهنا تكمن الأسرار والخفايا. ومن المعروف لجميع الفلسطينيين أنّ معبر "إيريز" المنفذ الوحيد بين القطاع ودولة الاحتلال الإسرائيلي، قد تمّ إغلاقه منذ سنوات عديدة بعد أن كان قبل عام 2000 المنفذ الرئيسي للتنقل بحرية للفلسطينيين وكافة الجنسيات القادمة من مطار بن جوريون متوجهة نحو القطاع بدون أية عوائق، وأصبحت هذه التسهيلات صعبة أو مستحيلة مما شدّد الحصار على قطاع غزة. و ترفض حركة حماس التنقل عبر هذا المعبر كما نشرت صحيفة "القدس العربي" في الحادي والعشرين من أغسطس 2013 حرفيا: (أعلنت الحكومة المقالة التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة رفضها لفكرة استخدام معبر بيت حانون ‘إيرز′، الفاصل عن إسرائيل، كبديل لمعبر رفح البري وفق ما أعلن مسؤول في السلطة الفلسطينية، وأكدت أن هناك أعدادا كبيرة من العالقين الفلسطينيين في العالم ينتظرون فتح معبر رفح للعودة إلى القطاع).

 

ورغم هذا الرفض الحمساوي إقرأوا هذه الأخبار الثلاثة:

الأول: (أفادت الإدارة العسكرية أمس ( الخامس والعشرين من أبريل 2010 ) أنّ إسرائيل سمحت بنقل ابنة وزير الداخلية في حكومة حماس "فتحي حماد" إلى الأردن، وكانت الشابة "إلهام" قد نقلت إلى مستشفى في جنوب إسرائيل بعد عبور حاجز إيريز على حدود قطاع غزة. وذكرت الإذاعة الإسرائيلية أنّ الضوء الأخضر لنقل الفتاة لأسباب طبية أعطاه وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك).

 

الثاني: ( في تموز من عام 2012 ، كان من بين المرضى الذين تلقوا العلاج في إسرائيل زوج إحدى شقيقات اسماعيل هنية، وقد وصل يومها إلى مستشفى بلنسون، وتمكن الأطباء من معالجته وغادر المستشفى سليما معافى).

 

الثالث: (كشفت مصادر طبية في تل أبيب "التاسع عشر من نوفمبر 2013" أنّ حفيدة رئيس حكومة حماس في قطاع غزة، آمال عبد السلام هنية، حضرت السبت الماضي إلى إسرائيل لتلقي العلاج الطبي).

 

وحسب ناطق رسمي إسرائيلي فإنّ هذا العمل هو بادرة إنسانية بحتة لا علاقة لها بالسياسة، و لكن أين مثل هذه المبادرات الإنسانية في  منع جنود الاحتلال خاصة خلال الاجتياح للقطاع عام 2009  عشرات سيارات الإسعاف الفلسطينية من نقل الجرحى والمصابين للمستشفيات؟ وماذا عن منع دخول الأدوية والأجهزة الطبية والدم للقطاع، والعالم كله يعرف حجم معاناة مرضى القطاع في مستشفياته التي تفتقر للحد الأدنى من المقاييس الطبية، حيث لا أدوية ولا أدوات جراحية وطبية؟ وماذا عن عشرات النساء الفلسطينيات اللواتي وضعن أطفالهن وهنّ ينتظرن على حواجز الاحتلال ممنوعات من الدخول والمرور؟. وماذا عن قتل البنات الثلاث للطبيب الفلسطيني "عزالدين أبو العيش" في السادس عشر من يناير 2009 في قصف إسرائيلي على القطاع، رغم أنّ هذا الطبيب يعمل منذ عام 1997 في مستشفى "سوروكا" الإسرائيلي ويعالج مرضى إسرائيليون، ورغم قتل بناته الثلاث، يصرّ على التسامح ونبذ الكراهية التي يحملها ويمارسها جنود الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع؟. فلماذا هذه التسهيلات الطبية لقادة حماس فقط؟

 

نقاوم الاحتلال شكلا ونعتمد عليه مضمونا!!

رغم مرور قرابة سبعة عشر عاما على عودة السلطة الفلسطينية للقطاع والضفة بعد توقيع اتفاقية أوسلو، إلا أنّ الفساد المستشري لم يمكن أية سلطة من بناء اقتصاد يحقق الاكتفاء الذاتي للمواطن الفلسطيني، وكم هي مرعبة الأرقام التي أعلنها (مركز الإحصاء الفلسطيني) في بيانه الصحفي حول النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة في دورة الربع الثالث من عام 2013 (تموز -  أيلول 2013)، حيث ورد في هذا البيان انّ عدد العاملين الفلسطينيين من الضفة الغربية في إسرائيل والمستوطنات قد ارتفع من 96 ألف عامل في الربع الثاني لعام 2013 إلى 103 ألاف في الربع الثالث من العام نفسه. تخيلوا يطالب المفاوضون الفلسطينيون بتفكيك المستوطنات ووقف التمدد في بنائها وغالبية عمال هذه المستوطنات من الفلسطينيين!!.

 

والسبب كما أعلنه الاتحاد الأوربي،

في الرابع عشر من أكتوبر 2013 ، فإنّ السلطة الفلسطينية أهدرت مبلغ 2.7 مليار من المساعدات الأوربية عبر الفساد وسوء الإدارة، وأوضحت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية أنّ المحكمة الأوربية للرقابة التابعة بشكل رسمي للاتحاد الأوربي، والتي تأسست عام 1975 لمراقبة دخل الاتحاد الأوربي وانفاقه، وجدت أنّ أوربا ليست لديها سيطرة تذكر على حوالي  2.64 مليار تمّ انفاقها في الضفة والقطاع بين عامي 2008 و 2012 بسبب الفساد والقصور الكبير في الرقابة والإدارة. وتحدث المحققون الأوربيون الذين زاروا القدس والضفة والقطاع عن عدم قدرتهم على معالجة الأخطار الكبيرة خاصة الفساد و ما إذا كانت هذه الأموال قد أنفقت في الأهداف المحددة لها؟..والجواب الذي يعرفه الفلسطينيون من ممارسات مسؤولي السلطة الميدانية: لا..و ألف لا..فكل هذه المليارات ضاعت في جيوب المسؤولين فسادا وسرقة، وإلا ما معنى هذه النسبة العالية من البطالة في القطاع والضفة التي تزيد عن خمسة وأربعين في المائة، وهذا العدد الضخم من الفلسطينيين العاملين في داخل إسرائيل وتحديدا في بناء المستوطنات. كما أدانت منظمة الشفافية العالمية حالة المحسوبية السائدة في القطاعين العام والخاص في الضفة والقطاع، كما أنّ المجلس التشريعي الفلسطيني مصاب بحالة شلل تام تجعله غير قادر على مراقبة تصرف السلطة الفلسطينية في هذه الأموال والمساعدات الأوربية.

 

بناءا على هذا الوضع المزري واستحالة نجاح المفاوضات وقيام دولة فلسطينية مستقلة، ما رأيكم في دراسة مسألة حلّ السلطتين في القطاع والضفة وعودة الاحتلال المباشر إن وافق على ذلك؟

www.drabumatar.com


55
نواب أردنيون: انفصام في الشخصية والسلوك.
د.أحمد أبو مطر

هل يصلحون لتمثيل الشعب الأردني؟
النائب عندما يختاره ناخبو دائرته الانتخابيىة فهو يضعون ويعلقون الأمل في أن يكون ممثلا لرغباتهم واحتياجاتهم التي انتخبوه من أجل الركض وراء تنفيذها خدمة لهم خاصة إذا كانوا من الطبقات المسحوقة، حيث نسبة عالية من الشعب الأردني تعيش تحت خط الفقر بسبب قلة الامكانيات والثروات الطبيعية. فكيف يتصرف غالبية نواب البرلمان الأردني حسب معرفتي الشخصية ببعضهم وما أسمعه من روايات عن بعضهم من جمهور دوائرهم الانتخابية وهي قصص ومعلومات يشيب لها رؤؤس الفتيان.

الركض وراء مصلحة وامتيازات النائب أولا

هذه أصبحت السمة والعلامة المميزة لغالبية النواب في كافة الدورات الانتخابية، فهم يركضون وراء رفع رواتب النواب، والاعفاء من جمارك السيارات العائدة لهم. ففي سبتمبر الماضي أثار هؤلاء النواب ثورة عارمة في صفوف الشعب الأردني عندما قرّر وأباح مجلس نوابهم، وليس مجلس نواب الشعب، أباح لهم حق الجمع بين رواتبهم التقاعدية والشهرية، وبالتالي أصبحت رواتبهم التقاعدية على الأقل ثلاثة ألاف دينار أردني!!!.

من الصعب الوصول للنائب بعد دخوله البرلمان

قبل اجراء الانتخابات يتواجد النائب ليلا ونهارا في خيمته الدعائية مبديا تواضعا جمّا لا يتمتع به إلا المؤمنون الصادقون الخائفون من ربهم، وما إن ينجح في الانتخابات ويصبح راتبه فوق الثلاثة ألاف دينار مع امتيازات في السيارات واعفاء من الجمارك حتى يتوارى عن أنظار ناخبيه، ويصبح من سابع المستحيلات مقابلته أو لقائه إلا من حاشية السحيجة والمطبلين، لذلك فغالبيتهم لا ينجح في الدورة الانتخابية التالية بعد أن فقد ثقة غالبية ناخبيه.

مطالبة بالإصلاح في الأردن ودعم للقمع والقتل في سوريا

وهذا أغرب مظاهر انفصام الشخصية والسلوك لديهم، فهم غيورون متشددون في المطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد وكف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل العنيف في مواجهة الحراك الشعبي، وهذه مواقف يشكرون عليها ونشجعهم على الثبات والتمسك بها، ولكن ألايليق بالشعب السوري مثل هذه المطالبات؟ ولماذا يسكت بعض هؤلاء النواب (دون ذكر أسمائهم فهم معروفون للشعب الأردني ) بل يدعمون بصفاقة وحش سوريا الذي أوقع حتى الآن ما يزيد على مائتي ألف قتيل من الشعب السوري، وهجّر قرابة خمسة ملايين مواطنا سوريا، منهم حوالي مليون ونصف في الأردن، يرى هؤلاء النواب السحيجة للطاغية بعيونهم معاناة هؤلاء اللاجئين في المخيمات المقامة لهم وفي شوارع غالبية المدن الأردنية.و ليس مديحا لملك الأردن، ولكن من باب الاعتراف بالحقيقة، فقد أفرج الملك عبد الله الثاني في التاسع والعشرين من فبراير عام 2012 عن الشاب الأردني "عدي أبو عيسى" الذي أحرق صورة الملك فوق مبنى بلدية مأدبا في الحادي عشر من يناير 2012 بعد أن حكمته المحمة بالسجن سنتين، اي أنّه لم يمكث في السجن سوى قرابة شهر ونصف. وقد تمّ منذ أسابيع قليلة الإفراج عن كافة الشباب الذين تم احتجازهم أثناء مظاهرات وتجمعات الحراك الشعبي. فهل يفعل ذلك وحش سوريا الذي تأمر عصاباته بقوة السلاح المواطنين السوريين على الهتاف ( لا إله إلا بشار الأسد )؟.

 وأيضا كما نقلت صحيفة "القدس العربي" في الثامن عشر من نوفمبر 2013 ، فإنّ الملك عبد الله الثاني لام وأحرج رئيس الديوان الملكي السيد فايز الطراونة، لأنّه في إحدى الجلسات حرّض ضد حراك جماعة الإخوان المسلمين لأنّهم حسب قوله (يهتفون ضد سيدنا). وهنا فوجىء الحضور بالملك عبد الله الثاني يسأل رئيس ديوانه: (هل يهتفون ضد الملك أم ضدي شخصيا)؟ وكما علقت صحيفة القدس العربي: " سؤال الملك كان ينطوي على قدر من الاستنكار على أساس التفريق بين أي هتافات محبطة يمكن أن تتصاعد ضد الملك كوظيفة سياسية وبين شخص الملك نفسه". فهل يحدث هذا من وحش سوريا أيها النواب عديمو الضمير، تركضون لتلبيس وحش سوريا العباءة الأردنية التي لا تتشرف بذلك؟ أو الصحفيون الذين يركضون إلى بيروت للف عنق ميشال عون بالكوفية الأردنية، وهذا العماد وحليفه نصر الشيطان من أهم وأوحش داعمي وحش سوريا؟

وأيضا استعمال مختلف أنواع الأسلحة،

في عراكهم كنواب مع بعض تحت قبة البرلمان، بدأت بالضري بطفايات السجاير واللكمات البوكسية، ثم تطورت لإستعمال المسدسات، وأخيرا الكلاشينكوف، وربنا يستر فربما يكون السلاح القادم هو صواريخ اسكود أو الكيماوي المهرب من حليف بعضهم وحش سوريا.

وأخيرا يرقصون في شوارع باريس،

بعد أن شارك بعضهم في مؤتمر لدعم مجاهدي خلق، وللحقيقة فقد شاركت أنا شخصيا مع بعض هؤلاء النواب الراقصين في شوارع باريس في مؤتمر باريسي أيضا لدعم مجاهدي خلق في مايو 2008 ، ومنذ ذلك المؤتمر حصلت القطيعة بيني وبين هؤلاء المجاهدين وتوقفت عن دعمهم لسبب يعرفه ويتذكره أولئك النواب الأردنيون، ففي اجتماع لقيادة هؤلاء المجاهدين مع حضور المؤتمر سألتهم السؤال التالي: ما هو موقفكم كمجاهدي خلق إذا تسلمتم السلطة في إيران، من احتلال الأحواز العربية منذ عام 1925 واحتلال الجزر الإماراتية الثلاثة منذ عام 1971 ؟ فلم يجيبوا وبعد إلحاحي على سؤالي، أجاب واحد من قيادتهم: هذا ليس وقت هذا السؤال!. والغريب أنّ نائبة أردنية مشاركة في المؤتمر قالت لي: فعلا هذا ليس وقت هذا السؤال!!.ومن وجهة نظري الاحتلال احتلال يجب الجواب عن استمراره أم زواله في أي وقت، إذ لا يوجد احتلال جميل نصفق له، واحتلال قبيح نقاومه، فاحتلال إيران للأحواز العربية والجزر الإماراتية لا يختلف عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والاحتلال الأسباني لمدينتي سبتة ومليلة المغربيتين وهكذا كل الاحتلالات. منذ ذلك المؤتمر في مايو 2008 اكتشفت أنّ مجاهدي خلق رغم معارضتهم لنظام الملالي في إيران، فهم فارسيو النزعة والعنصرية ضد العرب والقومية العربية.

ولمزيد من الترفيه عن القراء هذه هي أغنية سميرة توفيق التي غنّاها النواب الأردنيون في شوارع باريس ، بعد استراحتهم من مؤتمر مجاهدي خلق، وهم يزفون زميلا لهم فقط لأنّه يلبس كوفية بيضاء، وقد أفرحوا المشاة في شوارع باريس مما سيزيد اقبال السواح الفرنسيون على الأردن بحثا عن هؤلاء النواب الراقصون المطربون.

http://www.youtube.com/watch?v=26S3c2cHD3M

إسمع سميرة توفيق (يابو قضاضة بيضا. قلبي عليك مثل النار. قلبك عليّ إيش لونو وإيش أقول يا يمة) ، وندعو لهؤلاء النواب بالمشاركة في (أراب إيدول ) القادم، فهم يستحقون!!.
 ويبقى الأمل معقودا على النواب العقلاء تحت قبة البرلمان وهم كثيرون في ترشيد سلوك هؤلاء النواب الذين يسيئون للبرلمان والشعب الأردني.
www.drabumatar.com






 


56
لا كبيرة وصريحة..لا علاقة لبشار الأسد بقتل عرفات
د.أحمد أبو مطر

أقولها بصراحة أنّ هذا الموضوع لم يكن سيرد على ذاكرتي كتابته لولا قراءتي للتعليق رقم 3 على الموضوع الخبر الذي نشرته "إيلاف" يوم الإثنين، الحادي عشر من نوفمبر الحالي بعنوان (هل قتل بشار الأسد ياسر عرفات)، ويستعرض التقرير فحوى ما نشرته صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية، ذاكرة ظروف مقتل الرئيس عرفات وموردة جملة تنسبها لوزير الداخلية الفلسطيني السابق المرحوم "هاني الحسن" في زمن حياة الرئيس عرفات يقول فيها: " إنّ الأسد الإبن ليس الأسد الأب.حافظ لا يمكنه أن يعمل من القبر". ويعلق القارىء رقم 3 على هذا التقرير قائلا في تعليقه الطريف: (أحلى موضوع للأستاذ أبو مطر ). وأنا لن أخيب أمل هذا القارىء فهذا الخبر فعلا ( أحلى موضوع ) عندي لنقضه وتفنيده وبيان كذبه ومجافاته للحقيقة، وذلك لأنّني لست عضوا في حزب (عنزة ولو طارت)، لأنّ ما يعتقد البعض أنّها عنزة إن طارت، فهي طائر وليست عنزة رغم تشبث أعضاء هذا الحزب العميان بأنّها (عنزة رغم طيرانها ). وأنا رغم نقدي الشديد لطغيان وجرائم الأسد وعائلته وعصاباته وأخواله واستيلائهم على غالبية الثروة السورية، وقتلهم منذ مارس 2011  ما يزيد على مائة وثمانين ألفا من الشعب السوري وتشريدهم وتهجيرهم لما لا ثقل عن ثلاثة ملايين ونصف لاجىء سوري في الأردن وحدها قرابة مليون ونصف منهم، إلا انّني من أجل بيان الحقيقة، وعدم انحراف مسار التحقيق حول شخصية القاتل الذي أوصل السمّ لجسد الرئيس عرفات، أقولها صريحة واضحة:

لا علاقة لبشار الأسد بقتل الرئيس عرفات

كيف؟ وعلى ماذا أستند في نفيي هذا؟. صحيح أنّ الرئيس حافظ الأسد الأب كان يكنّ عداءا شديدا للرئيس ياسر عرفات، وهو من قام وحلفائه من التنظيمات الفلسطينية بحصار طرابلس في عام 1983 واستمر قصفها أسابيع عديدة من أجل القضاء على ياسر عرفات ومقاتليه الذين تحصنوا في المدينة، ولم ينقذ عرفات ورجاله سوى البوارج والبواخر الفرنسية واليونانية. وصحيح أن الأسد الأب هو من خطط وألب على الانشقاق الذي حصل في داخل حركة فتح الذي عرف ب (فتح الانتفاضة). وصحيح أنّ الأسد ونظامه دعم وشارك في حصار وحربي المخيمات الفلسطينية في لبنان بين عامي 1886 و 1988 وراح ضحيتها ألاف الفلسطينيين وتمّ تهجير ألاف منهم إلى مخيمات الجنوب اللبناني. وأنا متأكد لو تمكن الأسد الأب من قتل عرفات لمّا تلكأ أو تراجع عن ذلك. ورغم هذه النيّة والقطيعة فقد وافق الرئيس حافظ الأسد على دخول ياسر عرفات إلى دمشق للمشاركة في تشييع القائد خليل الوزير (أبو جهاد ) الذي اغتالته مخابرات الاحتلال في تونس، والتقى حافظ الأسد ياسر عرفات في القصر الجمهوري بدمشق في الخامس والعشرين من أبريل 1988 ، مما أعطى انطباعا عاما بأنّ العلاقات الأسدية العرفاتية في طريقها للتحسن، وبعد هذا اللقاء وعودة عرفات إلى مقره في تونس لم يدخل سوريا أبدا، وفي العاشر من حزيران عام 2000 توفي حافظ الأسد وياسر عرفات حيّا يرزق في مدينة رام الله حرا طليقا بدون حصار إسرائيلي آنذاك، ويخوض من حين لآخر جولات محادثات فاشله مع الجانب الاحتلالي الإسرائيلي.

وبدأ حصار عرفات في رام الله فكيف وصل له بشار الأسد؟


بدأ شارون حصاره للرئيس عرفات في مبنى المقاطعة بمدينة رام الله في الثامن من ديسمبر لعام 2001 ، اي بعد حوالي عام ونصف من وراثة بشار لوالده حافظ في رئاسة سوريا عبر تغيير معيب للدستور السوري ليصبح على مقاس بشار، أعقبه انتخابات رئاسية نتيجتها العربية دوما خمسة تسعات متجاورة. فهل كان بشار الأسد من الأشخاص الفلسطينيين القلائل المرافقين لعرفات ليلا ونهارا في مبنى المقاطعة، يخرجون ويدخلون ويحملون لعرفات الدواء والطعام والشراب، حيث كان الحصار الشاروني على عرفات فقط، أمّا هذه القلة من المسؤولين الفلسطينيين بجواره فكانوا يتنقلون خروجا ودخولا من وإلى المقاطعة، واتصالات علنية يومية مع الجانب الإسرائيلي بدون قيد أو شرط. فما دخل بشار الأسد البعيد ألاف الكيلومترات عن مبنى المقاطعة وتفصله الحدود الأردنية مع الضفة الغربية بتوصيل السمّ القاتل لجسد عرفات؟

لذلك فتصريح هاني الحسن لا منطقية له،

هذا إن صحّ انّه صدر عنه كما أوردت صحيفة (فورين بوليسي ) الأمريكية، خاصة أنّه لا يمكن استنطاق الموتى فقد توفي هاني الحسن في العاصمة الأردنية عمّان في السادس من يوليو لعام 2012 ، وكان في العام 2002 أثناء حصار عرفات قد أسندت إليه وزارة الداخلية الفلسطينية، وفي العام 2007 بعد تولي  محمود عباس الرئاسة الفلسطينية، أسند إليه منصب (كبير مستشاريه) إلا أنّه تمت اقالته بسبب تصريحات لقناة الجزيرة حول انقلاب حماس في قطاع غزة، اتهم فيها جناحا في حركة فتح بالعبث والتسبب في هذا الانقلاب الحمساوي. وتورد الصحيفة على لسان المرحوم هاني الحسن قوله: ( إنّ عرفات لديه الكثير من الأعداء، لكنّ من سمّمه هو الذي كان قادرا على الوصول إلى دوائه). فهل كانت يد بشار الأسد طويلة لهذا الحد كي تصل إلى دوائه؟. والأشدّ مرارة أنّ المرحوم هاني الحسن يبرىء دولة الاحتلال وموسادها من اغتيال الرئيس عرفات، إذ يقول حسب ما أوردت على لسانه صحيفة (الفورين بوليسي) في تقريرها المذكور : (إن عرفات كان لديه الكثير من الأعداء، لكن من سممه هو الذي كان قادراً على الوصول إلى دوائه. لكنه يستبعد النظرية التي تتهم الموساد الإسرائيلي فيقول إن "الإسرائيليين كانوا يريدون منه البقاء على قيد الحياة حتى تكون لهم ذريعة لرفض التعامل معنا). إنّ جزءا من هذا التصريح ينافي الحقيقة وهي إخلاء مسؤولية الإسرائيليين، والجزء الذي يضع الأصبع على الحقيقة كاملة هو قوله ( من سمّمه هو الذي كان قادرا على الوصل إلى دوائه).  وهاني الحسن والجميع يعرفون أنّ هذا الشخص القادر على الوصول إلى دواء عرفات هو أحد المسؤولين الفلسطينيين القلائل الذين كما قلت كانوا ليلا ونهارا بجوار عرفات في مبنى المقاطعة، يقدمون له الدواء والطعام والشراب، وكون التحاليل السويسرية أثبتت بشكل علمي قاطع تسميمه بسمّ البلونيوم، فإنّ من وضع له هذا السمّ هو شخص فلسطيني ..فلسطيني..فلسطيني..واسألوا زوجته السيدة سهى الطويل: من تقصد في تصريحها الذي قالت فيه" ( إنّ القاتل موجود في رام الله)؟. وأيضا (لماذا رفضت السلطات الفلسطينية في بداية السنوات التي أعقبت وفاته فتح قبره وأخذ عينات من جثمانه لفحصها وتحليلها)؟. لذلك فرغم انتقادي الشديد الدائم منذ عام 1991 لنظام الأسود في سوريا فبشار الأسد براء..براء..من دم عرفات.

وهذا لا يعني أنّني غيرت موقفي من نظام بشار الأسد،

فسوف أظلّ مع مطالب الشعب والثورة السورية في رحيل هذا النظام وإعادة كل ما تمّ نهبه من ثروة الشعب السوري، ومحاكمة النظام ورموزه على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب السوري وحسب التقارير المحلية والعالمية فهي جرائم ترقى لحد الإبادة الجماعية المقصودة بتخطيط مسبق. فموقفي هذا يتعلق فقط بمسؤولية بشار الأسد عن قتل ياسر عرفات، فالأسد وكل ذئابه براء من دم عرفات كبراءة الذئب من دم يوسف. و أظنّ الآن أن القارىء والمعلق رقم 3 في إيلاف أدرك حقيقة كم كان موضوع صحيفة (فورين بوليسي) المتهم لبشار الأسد على لسان هاني الحسن مهم لي، كي أثبت براءتي من حزب (عنزة ولو طارت)!!!.
www.drabumatar.com


57
إذا مات مسموما فمن أوصل السم للرئيس عرفات؟
د.أحمد أبو مطر

تمت محاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات في مبنى المقاطعة بمدينة رام الله من قبل الرئيس الإسرائيلي الأسبق شارون في ديسمبر عام 2001 ، وظلّ محاصرا إلى أن اشتدّ عليه الإعياء والمرض، فوافقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مغادرته المقاطعة على مروحية أردنية إلى مطار ماركا في العاصمة الأردنية ومنها إلى مستشفى بيرسي دوكلامار العسكري الفرنسي في العاصمة باريس. وأخضع للعلاج على يد الخبراء والأطباء الفرنسيين إلى أن توفي في الحادي عشر من نوفمبر 2004 . وقد شاعت منذ وفاته العديد من المعلومات والإشاعات حول عدد من الحالات منها:
1 . الأشخاص الذين رافقوه في رحلة العلاج هذه في باريس ومن كان يسمح لهم بالدخول لغرفته في المستشفى أثناء العلاج، ومن تمّ فعلا من السماح له من قيادات فلسطينية بدخول غرفته.
2 . الأشخاص الذين لهم الحق حسب القانون الفرنسي في تسلم التقرير الطبي الخاص بوفاته، وقيل آنذاك أنّه حسب القانون الفرنسي فإنّ زوجته السيدة "سهى الطويل" هي الوحيدة التي لها لها الحق في استلام التقرير وهذا ما كان حسب ما نشر من معلومات.
3 . إن كانت السيدة "سهى الطويل" قد تسلمت التقرير فلماذا لم يتم تسليم نسخة منه للسلطة الفلسطينية أو لماذا لم يتمّ نشر معلومات ذلك التقرير الفرنسي، لأنّ وفاة زعيم وقائد في وزن الرئيس عرفات لا يمكن اعتبار المعلومات الخاصة بأسباب وفاته سرّية، بل هي في كافة الأعراف علنية ويجب إطّلاع الجميع من كافة الجنسيات عليها.
4 . تردّد آنذاك أنّ بعض أفراد عائلته ضد فتح قبره كي يحصل الخبراء السويسريون على عينات لفحصها، ولكن تمّ ذلك في النهاية وحصل خبراء روس وسويسريون على هذه العينات.

التقرير الفرنسي الفضيحة

وأخيرا بعد حوالي تسع سنوات من وفاته، نشر الخبراء السويسريون تقريرهم الطبي المكون من 108 صفحات حيث أثبت علميا وطبيا أنّ مستويات مادة (البولونيوم 210 ) المشعّة في جثمان الرئيس الراحل تجاوزت المستويات الطبيعية ب 18 مرة بناءا على تحليل عينات من ضلوعه وحوضه والتربة التي امتصت بعض رفاته. وقد أحدثت هذه النتائج ضجة قوية لإثباتها حدوث جريمة عالمية إلى حد أنّ الخبير الجنائي البريطاني البروفيسور ديفيدباركلي صرّح قائلا: (لو كنت قاضياً ومحلفاً فهذه أدلة قطعية في نظري لا يوجد أدنى شك أن (البولونيوم 210) تسبب في موت عرفات.  كل شخص لديه كمية قليلة من البولونيوم في عظامه لكن كميات البولونيوم في ضلوع عرفات التي تم تحليلها900 ميليبيكريل وهذا يعني ثمانية عشر مرة أكثر من المستوى الطبيعي في جسم الإنسان). ومن المعروف أنّ هناك طرفان فقط على تماس من الرئيس الراحل عرفات أثناء حصاره في مبنى المقاطعة بمدينة رام الله طوال حوالي ثلاثة سنوات، هما الطرف الفلسطيني المكون من عدة شخصيات من الصف الأول المقربين من عرفات قبل حصاره، والطرف الإسرائيلي المحاصر لمبنى المقاطعة فقط، فلم يدخل مبنى المقاطعة طوال سنوات الحصار الثلاثة أي زائر من أية جنسية أخرى، خاصة أنّ الرئيس الإحتلالي شارون كان يصرّ على استمرار حصار الرئيس عرفات حتى الموت.

إذن من أوصل سمّ البولنيوم لجسد عرفات وكيف؟

إزاء هذه الحيثيات والمعلومات التي لا نقاش فيها ، فالسؤال المهم بنفس أهمية مستوى إثبات وجود سمّ البولونيوم في جثمانه، هو: من أوصل هذا السمّ القاتل لجسد الرئيس عرفات، وهذا التوصيل لا يتمّ إلا بطريقة من ثلاثة: إما الحقن المباشر أو في طعامه أو في شرابه. ومن كان يقوم بهذه المهمات الثلاثة؟. من المؤكد وغير القابل للنقاش أنّه لم يكن يوجد أي إسرائيلي مدنيا أو عسكريا داخل مبنى المقاطعة، كي يقوم بواحدة من هذه المهمات الثلاثة، لأنّ كل من كان يقدّم للرئيس الدواء أو الحقن ويعدّ ويقدّم له طعامه وشرابه، هم من الفلسطينيين الموجودين معه في مبنى المقاطعة، وكما كنّا نتابع حصاره فكل هذا الطاقم الفلسطيني الموجود مع الرئيس كان حرا في الدخول والخروج، والمنع الإسرائيلي كان يسري على الرئيس فقط.

إذن وكإستنتاج منطقي فإنّ من دسّ السم هو أحد الفلسطينيين،

الذين كانوا يتواجدون مع الرئيس الراحل ويدخلون ويخرجون من مبنى المقاطعة كما يريدون، فلماذا تتناسى السلطة الفلسطينية هذه الحيثية خاصة على ضوء التصريحات المنسوبة للسيدة سهى الطويل زوجة الرئيس المنشورة في العديد من المواقع الإليكترونية التي تؤكد فيها قائلة: "البولونيوم تم جلبه من مُفاعل نووي ولا مجال لتحضيره إلا بمفاعل نووي، و أن من وضعها بجسد الشهيد أبو عمار هو شخص مقرب منه ” وهذه الحلقة التي لا زالت مفقودة". ونسبت بعض المواقع للسيدة سهى نقلا عن مقابلتها مع موقع دنيا الوطن قولها: "  أن المادة المشعة قد تكون دخلت إلى جسد عرفات إما عن طريق حقنة طبية أو كأس شاي أو ماء ، وهو ما يعني أن الفئة المشكوك بها ضيقة إلى حد بعيد". مؤكدة أنّ القاتل موجود في رام الله مطالبة الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري بالتدخل والمساعدة في أمر كشف هذا الشخص الفلسطيني بالطبع، خاصة أنّ زوار عرفات في حصاره كانوا محدودين.

ومسيرة المقاومة الفلسطينية مليئة بالجواسيس،

ويكفي أن نذكر أشهر جاسوسة في تاريخ المقاومة وهي "أمينة المفتي" التي كانت لها في بيروت سطوة وتأثيرا جسديا على العديد من قيادات المقاومة، وأوصلت لدولة الاحتلال كما هائلا من المعلومات ساعدت في اغتيال العديد ومنهم (أبو حسن سلامة) زوج ملكة جمال العالم السابقة جورجينا رزق وأحد أهم مسؤولي الأمن والعمليات في حركة فتح. وقد تم كشفها واعتقالها عام 1975 إلا أنّه تمّ الإفراج عنها ضمن صفقة تبادل أسرى وسجناء مع دولة الاحتلال عام 1980 ، وعادت إلى دولة الاحتلال معتنقة الديانة اليهودية، وكانت قد تزوجت من ضابط سلاح جو إسرائيلي قيل أنّه اختفى إثر سقوط طائرته على الجبهة السورية، وهناك من يقول انّ اسمها موجود على الباب الرئيسي لمبنى الموساد ضمن قائمة أهم الجواسيس الذين قدموا خدمات جليلة لدولة الاحتلال.

كما أنّ هناك عشرات الجواسيس والعملاء،

الذين قبضت عليهم السلطة الفلسطينية في الضفة وحركة حماس في قطاع غزة، وتمّ إعدامهم مع نشر أسمائهم وصورهم الحقيقية، وقد أعدمت حماس تحديدا العديد منهم منذ سيطرتها على القطاع في عام 2007. لذلك نسأل بصوت عال علّ هناك من يسمع:

من هو الفلسطيني القريب من دائرة الرئيس عرفات، وأدخل السمّ لجسده حقنا أو عن طريق طعامه أو شرابه؟
www.drabumatar.com


58
لقطات عربية مخيفة ذات خلفيات تربوية مستبدة فاسدة!!!
د.أحمد أبو مطر

تزخر حياتنا العربية بالعديد من الممارسات والمفاهيم المتوارثة منذ أجيال بعيدة معتمدة على الثقافة والتربية التي كانت سائدة تحديدا منذ بداية عصور الاستبداد العربي، التي أعقبت الخلفاء الأربعة الأوائل، بدليل أنّنا نطلق في التاريخ الإسلامي على أولئك الخلفاء فقط صفة ( الخلفاء الراشدين )، مما يعني استنتاجا أنّ التاريخ والموروث العربي لا يعتبر من جاء من بعدهم يستحقون حسب ممارساتهم وأفعالهم صفة (الراشدين). تلك الثقافة والتربية العربية السائدة غالبيتها حتى اليوم ورّثتنا مفاهيم استبدادية متخلفة تمارسها غالبيتنا بلا وعي ولا شعور وكأنّها مقدسات لا يجوز الاقتراب منها أو المسّ بها...فمثلا:

صاحب الجلالة

يعرف الجميع أنّه في غالبية الأقطار العربية ذالت الأنظمة الملكية، يعطون أو يطلقون على شخص الملك أو السلطان صفة (صاحب الجلالة). فهل يجوز ذلك في حين صفة (الجلالة) في التراث الإسلامي من أهم صفات الله تعالى (جلّ جلاله) و (ذو الجلال و الإكرام). فهل شخص الملك أو السلطان أو الأمير مخلوق أعظم من اي مواطن من مواطنيه؟ أم تعين في منصبه أو استولى عليه لخدمة هولاء المواطنين والسهر على رعايتهم؟. لذلك استغلت هذه الصفة بإلصاقها بمن في غالبيتهم لا يستحقونها، أليس مخزيا الافتخار والتوثيق بانّه كان في قصور من يطلق عليه صفة الخليفة العباسي "هارون الرشيد" ما يزيد على 2000 جارية؟. وهناك من يرى أنّه هو بطل "حكايات ألف ليلة وليلة"، و أصلا كانت أمّه (الخيزران) واحدة من هؤلاء الجواري وانسياقا مع ممارسات هؤلاء الخلفاء وانقلاباتهم على إخوانهم وآبائهم وقتلهم لبعض بدون رحمة من أجل الاستيلاء على السلطة والمال والجواري والقصور، قامت "الخيزران" الأم نفسها بقتل إبنها الأكبر "الهادي" لأنّها كانت ترى فيه عقبة وحاجزا أمام طموحاتها الاستبدادية. وتؤكد كتب التراث العربي أنّ موسى بن نصير فاتح المغرب حين عاد إلى المغرب، كان معه ثلاثون ألف جارية، أهدى عددا منها إلى الوليد بن عبد الملك. لذلك يرى الدكتور محمد بن عبد الله الخضيري عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم في هذا الشأن: " لا شك أن الاقتصاد في المدح والوصف للمخلوقين هو الأوفق والأليق، وعبارات التفخيم والتعظيم حادثة على قاموس الأمة المسلمة، مستجلبة من أعاجم الفرس والروم في تعظيمهم لملوكهم، وبالنسبة للسؤال فإن كان لهذا المخلوق الموصوف جلالة تناسبه فلا يظهر بأس في وصفه بجلالة الملك، أو صاحب الجلالة الملكية، ويكون مقيداً، أما الإطلاق هكذا: صاحب الجلالة وصاحب العظمة، فهذه جلالة وعظمة مطلقة لا يستحقها المخلوق أياً كان، والشريعة تحمي جناب التوحيد، وتسد الذرائع المفضية إلى تعظيم المخلوق المفضي إلى الشرك". وقد كانت سابقة أنّ العاهل السعودي منذ سنوات رفض هذه الصفة، وأطلق على نفسه صفة أو لقب "خادم الحرمين". وتقول النكتة المصرية، أنّ الرئيس المخلوع حسني مبارك أصابته الغيرة فطلب من مستشاريه البحث عن صفة له ضمن سياق الصفة التي اختارها العاهل السعودي لنفسه، ففكّر مستشاروه طويلا ثم أبلغوه بانّهم اختاروا له صفقة "هادم الهرمين"!!!.وللعلم فإن كبار ملوك أوربا الذين هم ملوك يملكون ولا يحكمون كملوكنا،وهم فعلا رعاة السقف الاجتماعي والسياسي لكافة فئات وطبقات وديانات مجتمعاتهم بنزاهة عالية، ولا ملك أو ملكة منهم يطلق على نفسه صفة الجلالة هذه، وهم يخضعون للنقد والمحاسبة كاي مسؤول، إذ لا يوجد في تلك الملكيات الدستورية الأوربية ما يسمى قانون ( المسّ بالذات الملكية أو الأميرية) الذي هو قانون أو تقليد لحماية الاستبداد والمستبدين ومصادرتهم للحريات وسرقة ثروات الشعوب.

مناضل..مناضل..مناضل!!!

شاعت صفة (مناضل) هذه تحديدا بعد انطلاق ما سمّي الثورة الفلسطينية عام 1965 ، ثم روّج لها اليسارجيون والقومجيون والعروبجيون العرب، فأصبحت صفة تعطي صاحبها حصانة تصل حدّ القداسة، لا يخجل بعض هؤلاء المناضلين من التباهي بانّه (مناضل عتيق) أو (مناضل يأبى التقاعد) أو (مناضل من المهد إلى اللحد). وحسب الممارسات فغالبية هؤلاء المناضلين يمارسون ممارسات لا تليق بقطاع الطرق، وسأضرب أمثلة دون ذكر أسماء أصحابها كي لا يقال أنّني أقصد الإساءة لهذه الشخوص، وأساسا أنا يهمني دراسة وتوثيق الحالة سواء عرف القراء من هم هؤلاء الشخوص أم لا. فمثلا من قام في الضفة الغربية بتوريد الإسمنت من مصر لدولة الاحتلال لبناء الجدار الفاصل يحمل صفة مناضل. ومن قامت شركات البناء والباطون المملوكة له ببناء غالبية مستوطنة أبو غنيم في الضفة وجوار القدس يحمل صفة مناضل. ومن يحملون صفة أو لقب (الأمين العام) في غالبية الفسائل الفلسطينية (ورود حرف السين بدلا من حرف الصاد مقصود وليس خطأ كتابيا)، مسيطرون على هذه الفسائل منذ 42 عاما على الأقل، فبماذا يختلف هؤلاء المناضلون عن الطغاة والمستبدين العرب الذين أطاحت بهم شعوبهم في الأعوام الثلاثة الماضية؟ بينما عناصرهم وأعضاء فسائلهم ما زالوا يصفقون لهؤلاء المناضلين بالدم والروح، وهم وفسائلهم لم يحرروا شبرا من فلسطين منذ بداية نضالهم المزعوم منذ ما يزيد على 48 عاما، بينما غالبيتهم أصبحوا أصحاب ملايين من الدولارات مسروقة ومنهوبة باسم النضال والصمود والتحرير. ويكفي مثالا مخزيا لدرجة العار ما نشره "موقع المستقبل العربي"بتاريخ التاسع عشر من ديسمبر لعام 2010 عن واحد من هؤلاء المناضلين الذي يتربع على ظهر وبطن فسيله النضالي الفلسطيني منذ 43 عاما، ومسنودا لنائبه (ف. س) تجرأ هذا النائب وطالبه بإعادة مبلغ تسعة ملايين دولار فقط ما زالت في حسابه الشخصي، وهو قد تسلمها نقدا للفسيل أو التنظيم كالتالي: ثلاثة ملايين دولار من الرئيس العراقي جلال الطالباني، وستة ملايين دولار من هوجو شافيز رئيس فنزويلا. وهذا المناضل هو الذي خطّط وصادق في العشرين من يناير عام 1976  (أثناء الحرب الأهلية في لبنان) وأرسل مجموعة من لصوصه (المناضلين) إلى البنك البريطاني للشرق الأوسط في بيروت، حيث تمّ تكسير ونسف أبوابه، وسرقة غالبية محتوياته التي قدّرتها بعض المصادر الغربية ب 250 مليون باوند من الذهب والمجوهرات والعملات المختلفة، بينما تقدّرها مصادر صحفية غربية كما ذكر موقع (المستقبل العربي) ب 450 مليونا. وكانت مجموعة اللصوص المناضلة هذه قد نسفت جدار البنك المشترك مع الكنيسة الكاثوليكية المجاورة له، ودخلوا القبو الخاص بتخزين الأموال والمجوهرات، واستمروا في نقل المسروقات طوال يومين كاملين، مما يجعل هذا السطو المسلح من أكبر عمليات السطو التي عرفها التاريخ المعاصر، إذ تضعها بعض المصادر الغربية تحت رقم 6 ضمن أشهر عشرة عمليات السطو في التاريخ المعاصر. وقد استخدم فيها هذا المناضل اللص حسب بعض المصادر صانعي أقفال متخصصين من جزيرة (كورسيكيا) لتدمير أقفال ألأبواب والنفق، ومن المعروف أيضا أنّه كانت من ضمن المسروقات قوائم وسندات أسهم، تمّ إعادة بيعها لأصحابها الأصليين في لبنان لتصبح السرقة مزدوجة ومضاعفة. ولمعرفة المزيد من التفاصيل والأسماء الحقيقية يمكن الرجوع لمقالتي الموثقة المنشورة بتاريخ الثالث والعشرون من يناير 2011 بعنوان (اليسار الفلسطيني ليس اقلّ فسادا من اليمين).

وأتوقف عند هذا الحد كي لا أذكر مزيدا من هذه اللقطات العربية المخيفة رحمة بأعصاب القارىء، وبعد أيام عند التأكد من عودة الضغط عند القراء لطبيعته، سأعود لذكر لقطات أخرى، تفسّر تخلفنا واعتمادنا في كافة شؤون حياتنا على الخارج، هذا الخارج الذي ليل نهار نصفه بأنّهم (أحفاد القردة والخنازير) داعين عليهم بالموت والهلاك والدمار، دون أن نسأل أنفسنا: كيف وعلى صناعة ومنتجات من سوف تستمر حياتنا إن تحقق دعاؤنا هذا؟.
www.drabumatar.com


 




59
داعش وأخواتها: مصادرة للثورة السورية وخدمة للنظام

د.أحمد أبو مطر

انطلقت الثورة السورية ضد النظام الأسدي المستولي على سوريا بالظلم والقمع منذ عام 1970 في مارس 2011 بصورة سلمية من مدينة درعا، وبدأت تنتشر تدريجيا المظاهرات والتجمعات الشعبية المناوئة للنظام من مدينة إلى مدينة، وكانت مواجهة النظام لها بالقمع والرصاص و القصف الجوي الذي لم يستعمل ضد كافة الاختراقات الإسرائيلية بما فيها التحليق فوق القصر الجمهوري الأسدي في قلب العاصمة السورية دمشق. هذا العنف من النظام ولّد الانشقاقات في الجيش النظامي السوري من من قبل الجنود والضباط التي لم تقبل ضمائرهم مواجهة شعبهم بالرصاص، وأدّت هذه الانشقاقات مع تزايدها إلى تشكيل ما عرف ب "الجيش السوري الحر" الذي بدأ مواجهته مع جيش النظام وعصاباته، وتمكن خلال مدة وجيزة من وقف تقدم جيش النظام في مدن كثيرة، كما ألحق الجيش الحر خسائر فادحة بالجيش النظامي وتمكن من السيطرة حتى الآن على العديد من المدن والقرى والمواقع والمراكز والمعابر الحدودية.هذه المواجهة المسلحة للنظام وعصاباته لاقت منذ البداية دعما عربيا وعالميا، خاصة بعد أن تزايدت جرائم النظام بشكل وحشي يرقى لحد الإبادة الجماعية، التي وصلت إلى استعمال السلاح الكيماوي في ريف دمشق في أغسطس الماضي، لذلك بدأ الحديث عن التدخل العسكري الدولي العربي خاصة لإقامة مناطق عازلة تحمي الشعب السوري من طيران النظام وجيشه، بعد وصول عدد القتلى من الشعب السوري إلى ألاف تتزايد يوميا واللاجئين المهجّرين إلى ملايين.

وبدأ التسلق على ظهر الثورة السورية

مع استمرار تقدم فصائل الثورة السورية وتزايد قوة الجيش السوري الحر خاصة بعد انشقاق شخصيات عسكرية كبيرة ومشهورة عن الجيش النظامي، وكشفها لمزيد من التفاصيل عن جرائم النظام وداعميه الروس والإيرانيين وحزب الله اللبناني، خاصة أنّ هذا الدعم اشتمل على السلاح والمال ومن جانب الإيرانيين وحزب الله إرسال ألاف المقاتلين للقتال مع الجيش النظامي، وقد اعترف حزب الله صراحة بهذا الدعم خاصة بعد سقوط عشرات القتلى من عناصره داخل سوريا، كان وما يزال يتمّ تشييع جثامينهم علنا في الضاحية الجنوبية من بيروت، دون أن يقابل تدخله وأعماله هذه بأية ردة فعل لبنانية رسمية، لأنّ حزب حسن نصر الله عمليا هو دولة داخل الدولة اللبنانية بل أقوى من أجهزة هذه الدولة. هنا بدأت فصائل جديدة تخترق الحدود السورية خاصة عبر الحدود التركية والعراقية لتلتحق بالقتال ضد الجيش النظامي، متخذة هذه القوى أسماءا وخلفيات إسلامية، كان أولها ما عرف باسم "جبهة النصرة" مترافقا مع معلومات استخباراتية غربية أنّها مجرد تابع من توابع تنظيم القاعدة، من هنا بدأ علانية تراجع التفكير الغربي في أي نوع من أنواع التدخل العسكري ضد النظام الأسدي، رغم تصاعد الإدانات الدولية لجرائم النظام التي ترقى لحد الإبادة الجماعية المنظّمة. وعلى الفور أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية "جبهة النصرة" على قائمة المنظمات الإرهابية في العالم، وكان هذا القرار ضربة قوية لسمعة الثورة السورية في المحافل الدولية، مترافقا مع تشتت فصائل هذه الثورة وخلافاتها التي وصلت لحد تبادل الاتهامات والتخوين والعمل لخدمة النظام، خاصة أنّ بعض هذه الفصائل مجرد تشكيلات في الخارج لا وجود لها داخل المجتمع السوري وبعض قياداتها وكوادرها مغتربين خارج سوريا منذ عشرات السنين، وبالتالي لا حضور لهم داخل نسيج المجتمع السوري.

ثم جاءت الضربة القاصمة من داعش وأخواتها

وفجأة دخلت على خط الثورة السورية مجموعات لم نسمع بها أو نعرف أية معلومات عنها سابقا، مثل تشكيلات تحت اسم "جيش الإسلام" و "الدولة الإسلامية في العراق والشام،داعش"، معلنين عن أهداف ضبابية مخيفة للدول الغربية خاصة موضوع إقامة "الدول الإسلامية" وإحياء "الخلافة الإسلامية" مرتكبين قتالا وجرائم في مواجهة الجيش السوري الحر نفسه، مما أدّى لتزايد المخاوف الغربية من هذه التنظيمات الأصولية التي من الأساس سمعة أمهاتها وأخواتها ليست جيدة ولا نظيفة في الأوساط والمجتمعات العربية قبل الأوربية والأمريكية. وترافق ذلك مع تضليلات جاءت لخدمة النظام خاصة تلك الفتاوي المشبوهة التي صدرت منسوبة لشيوخ تبرأ بعضهم منها، أقذرها الذي أساء لسمعة نضال الشعب السوري ضد النظام المستبد، ما عرفت بفتوى (جهاد النكاح) خاصة أنّه مورست فعلا من سفر العشرات من الفتيات والنساء، دخلن عبر عدة حدود ليجاهدن ضد النظام بفروجهن، وعادت منهن بعض النساء التونسيات تحديدا، معترفات صراحة بالصوت والصورة أنّهن كنّ يمارسن الجنس كل ليلة مع عشرات "المجاهدين" ليفرّجن عنهم ويقوين من عزائمهم...إلخ هذه السخافات المغلّفة بغىف الدين.

ويبقى التخوف الغربي مربوطا بأمن دولة الاحتلال الإسرائيلي
إزاء تصاعد نفوذ هذه الجماعات الإسلامية المشبوهة التوجه والهدف، تصاعد الخوف الغربي، لأنّ استراتيجية هذه الدول تعرف بالمؤكد أنّ بقاء نظام الأسد هو الأضمن لأمن وبقاء دولة الاحتلال الإسرائيلي، فقد تمّ تجريب هذا النظام ميدانيا طوال عشرات السنين، وهو محافظ بهدوء وأدب جم على الأمن والحدود الإسرائيلية، فلم يطلق عليها رصاصة منذ عام 1973 ولم يردّ على أية عملية او اختراق وقصف إسرائيلي داخل سوريا، ولم يسمح لأي فصيل فلسطيني بالقيام بأية عملية ضد الاحتلال عبر الحدود السورية. لذلك فبقاء هذا النظام المجرّب أفضل ألاف المرات من زواله ومجيء هذه القوى التي تتلحف بغطاء الإسلام مهدّدة دولة الاحتلال متوعدة بقيام الدويلات الإسلامية الوهمية المقرونة بالموت والجلد والاغتصاب والإعدامات لكل من هو غير مسلم.
ومع هذا التراجع الغربي في التصدي للنظام الأسدي خاصة بعد ابدائه المزيد من حسن النوايا إزاء الاحتلال الصهيوني واعترافة بامتلاك أسلحة كيماويه وقيامه بتسليمها والتعهد سرا وعلانية بالمحافظة على أمن وحدود دولة الاحتلال، بدأت المواقف العربية في التراجع ومحاولة بعظها ترميم علاقاتها مع النظام الأسدي بما فيها حركة المقاومة والممانعة "حماس" كما بدا من رسائل الغزل والتقرب والندم على ما سبق الصادرة عن خالد مشعل ، رئيس المكتب السياسي للحركة. لذلك فكافة المعطيات بناءا على ما سبق لا توحي بقرب انهيار هذا النظام المستبد رغم كل جرائمه المستمرة بدون توقف، بل نستذكر بيت الشاعر "جرير":
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا     فابشر بطول سلامة يا مربع
أنا لا أتمنى ذلك، لأنّ فيه المزيد من عذابات وهجرة ولجوء الشعب السوري، ولكن الواقع الميداني السائد مخالف للأمنيات:
وما نيل المطالب بالتمني    ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
www.drabumatar.com






60
هجمات أربيل إرهابية تهزمها انتخابات ديمقراطية

د.أحمد أبو مطر

الهجمات الإرهابية بامتياز مشين التي تعرّضت لها مدينة "أربيل" عاصمة إقليم كردستان العراقي الشمالي، يوم الأحد الموافق التاسع والعشرين من سبتمير 2013 ، مستهدفة المقر الأمني العام في المدينة "الأسايش" وتبنتها المجموعة الإرهابية التي تطلق على نفسها زورا وبهتانا ونفاقا اسم (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وأدّت هذه العمليات الإرهابية التي الإسلام الصحيح بريء منها ومن المجرمين الذين قاموا بها إلى مقتل حوالي عشرة أشخاص من بينهم على الأقل اثنان من الإرهابيين المجرمين (لا رحمة الله عليهم وعلى من درّبهم وأرسلهم). هذه الهجمات الإرهابية الإجرامية من الواجب الاستنفار لإدانتها وفضح مرتكبيها الذين يتسترون باسم الإسلام ليس في إقليم كردستان فقط بل في العراق كافة حيث لا يمرّ يوم أو إسبوع بدون هذه العمليات  الإرهابية التي بعضها لا يخلو من خلفيات طائفية مرفوضة ومدانة، حيث لم تسلم حتى اليوم أية طائفة من ألاف القتلي والجرحي وتدمير مساجد وحسينيات. وكان إقليم كردستان العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي كامل حيث له برلمانه ورئيسه الخاص وكافة المؤسسات والوزارات، قد شهد قياسا بباقي الجمهورية العراقية هدوءا واضحا، إذ أنّ هذه العمليات الإرهابية هي الأولى منذ عام 2007 .

وهل هي مصادفة أم تخطيط اجرامي متعمد،

أن يأتي توقيت هذه العمليات في نفس يوم إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدها إقليم كردستان، وتمتعت بنزاهة وشفافية نادرا ما شهدها بهذا المستوى أي قطر عربي، حيث لم يتقدم أي حزب أو شخص ممن شاركوا في الانتخابات بالطعن في أية نتيجة أو تسجيل أية مخالفة شهدتها عمليات الانتخابات. والدليل الأهم للغاية على نزاهة هذه الانتخابات هو أنّ من أبرز نتائجها، خسارة حزب (الاتحاد الوطني الكردستاني) الذي يرأسه الرئيس العراقي جلال الطالباني، إذ جاء في المرتبة الثالثة بعد حزب (الاتحاد الديمقراطي الكردستاني) الذي يرأسه رئيس الإقليم مسعود البرازاني، وحركة "غوران" التي يرأسها نوشيروان مصطفى، وأغلب أعضاؤها ممن انشقوا أساسا عن "حزب الاتحاد الوطني الكردستاني" الخاسر في الانتخابات وجاء في المرتبة الثالثة بعد الحزبين المذكورين. من المعروف أن (حزب الاتحاد الوطني الوطني الكردستاني) كانت له شبه سيطرةكاملة ونفوذ واسع في محافظة السليمانية مقابل سيطرة (الحزب الديمقراطي الكردستاني) في محافظة أربيل، وقد شارك في هذه الانتخابات حوالي ثلاثين حزبا وشخصية كردية، وكان الإقليم قد شهد أول انتخابات برلمانية في مايو 1992 حيث سيطر عليها الحزبان الرئيسيان في الإقليم. والنقطة المهمة هي اعتراف حزب (الاتحاد الوطني الكردستاني) الذي كان مسيطرا منذ عام 1991 بخسارته الانتخابات، رغم أنّه قياسا على السائد في غالبية الانتخابات العربية، كان بإمكان الحزب تزوير الانتخابات في محافظة السليمانية على الأقل لصالحه، ولكن الحرص على نزاهة الانتخابات جعل (حركة غوران) المنشقة عن الحزب في غالبها هي الفائز الثاني، وبالتالي فمن المهم أن يراجع الحزب سياساته وممارساته الداخلية التي أدت أولا إلى هذا الانشقاق عنه، ثم فوز المنشقين بالمركز الثاني في الانتخابات البرلمانية، مما يعني مباشرة أنّ المنشقين برئاسة أو مبادرة نوشيروان مصطفى كانت لهم أسبابهم المقبولة من الشارع الكردي المؤيد للحزب أساسا، فانتخبوا هؤلاء المنشقين الذين أسسوا حركتهم الجديدة ففازت بالمركز الثاني، مما يدلّل على أنّ أطروحاتها الداخلية لاقت قبولا واسعا في الشارع الكردي، وهذا ما يؤكد من جديد ضرورة مراجعة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لسياساته وخططه الداخلية، على ضوء أنّ الشعب الكردي خاصة في محافظة السليمانية ينتظر ما ستحدثه (حركة غوران) من انجازات وتغيير في السياسات تؤكد تميزها عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وأسبابها المقنعة ميدانيا في انشقاقها التأسيسي عن الحزب .

 لذلك فحدوث هذه الأعمال الإرهابية في يوم إعلان نتائج هذه الانتخابات النزيهة للغاية دليل على إجرام هؤلاء الإرهابيين وعدم احترامهم لرغبة وإرادة الشعب الكردي  التي عبّرت عن رغبته في تأسيس ديمقراطية حقيقية تليق بشعب ناضل الظلم ومصادرة حرياته سنوات طويلة بما فيها منعه من استعمال لغته الأم لسنوات طويلة. والملفت للنظر حقا هو مشاركة كل التوجهات والقوميات والطوائف في هذه الانتخابات، فهناك ثلاثة أحزاب وحركات إسلامية شاركت فيها، نال منها (الاتحاد الإسلامي الكردستاني) المرتبة الرابعة بين الفائزين في الانتخابات. كما شاركت فيها أحزاب اشتراكية وشيوعيه: " الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني) الذي فاز بالمرتبة السابعة، و" الحرية للحزب الشيوعي الكردستاني" الذي فاز بالمرتبة الثامنة، وهناك خمسة أحزاب تركمانية شاركت في الانتخابات، و"قائمة التجمع الكلداني السرياني الآشوري" وشخصيات مستقلة. فلماذا يقف هؤلاء الإرهابيون ضد إرادة الشعب الكردي بكل طوائفه وملله وقومياته؟.

كيف يهاجم مدّعون للإسلام انتخابات تشارك وتفوز فيها الأحزاب الإسلامية؟

تطرح هذه الهجمات الإرهابية سؤالا مهما وهو: من هو الذي يسير حسب تعاليم الإسلام الصحيح؟ هذه الحركة الإرهابية التي تطلق على نفسها اسم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) أم الأحزاب الإسلامية الثلاثة التي شاركت في هذه الانتخابات؟ لقد جاء الجواب على هذا السؤال على لسان "الحزب الإسلامي العراقي" الذي قال في بيان له، كما نقل تقرير الزميل أسامة مهدي في إيلاف: " هذه التفجيرات تعزّز القول إنّ العراق بكامله يواجه معركة مصيرية تستهدفه وطنا وشعبا، ولا بدّ من التكاتف جميعا لتجاوز هذه المحنة الخانقة التي يتعرض لها بلدنا الجريح...لقد ظلّ إقليم كردستان يمثل ملاذا آمنا لكل أهلنا ممن واجهوا أقسى الظروف، وظلوا طيلة السنوات الماضية يقابلون برعاية وتعامل أخوي كبير" ومركزا على ضرورة "العمل الجاد لعدم امتداد العصابات الإجرامية ونشاطاتها إلى هذا الجزء العزيز من وطننا". إذن من هو المسلم الحقيقي يا عصابات الدولة الإسلامية في العراق والشام؟

وموقف رئيس الإقليم الهادىء العقلاني،

الذي عبّر عنه الرئيس مسعود البرزاني، مطالبا الجميع بالهدوء واحترام نتائج الانتخابات، ومن لديه أية شكوى فعليه اللجوء للإجراءات القانونية، مطالبا بحزم وقف المظاهر البشعة المتمثلة في إطلاق الأعيرة النارية احتفالا بالفوز، وهي ظاهرة عربية خاصة في بلاد الشام، ليس عند ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية فقط بل في الأعراس ونتائج الثانوية العامة والجامعات ومناسبات أخرى عديدة، وينجم عنها دوما قتلى وجرحى.  ويطالب الرئيس مسعود برزاني قوات الأمن باتخاذ مواقف حازمة من كل المخالفين. إنّ هذه العمليات الإرهابية التي شهدها الإقليم رغم ضحاياها الإرهابية إلا أنّها منيت بهزيمة ساحقة من خلال اتمام هذه العملية الانتخابية البرلمانية التي تمتعت بنزاهة تؤسس لمسيرة ديمقراطية ناجحة في الإقليم، عملية انتخابية شارك فيها إسلاميون يؤمنون بالمسيرة الديمقراطية ويدينون علانية هذا الإرهاب الإجرامي الذي يرتكب باسم الإسلام البريء من هذا الإرهاب و مجرميه.
www.drabumatar.com




61
هل ديكتاتور عن ديكتاتور بيفرق؟
أحمد أبو مطر

جاءتني فكرة هذه المقالة بعد قراءتي بدقة واحترام لكافة تعليقات القراء على مقالتي الأخيرة بعنوان ( صفعة مصرية جريئة لوحش سوريا وحزب الشيطان ) المنشورة في موقع إيلاف يوم الأحد السادس عشر من يونيو، حيث اعتبر بعض السادة المعلقين أنّ المقالة دعوة للتحريض على العنف واستمرار القتل في سوريا، بينما التقط أحد المعلقين جملة وردت في نهاية المقالة المذكورة، قلت فيها حول مطالب بعض قوى المعارضة برحيل الرئيس محمد مرسي " ومن حق الشعب المصري أن يطالبه بالبقاء أو الرحيل ولكن بالطرق السلمية التي لا تجرف مصر لكوارث لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجها"، فاعتبر هذه ازدواجية لأنّه فهم منها حرصي على استقرار وأمن مصر ودعوتي للعنف والقتل واراقة الدماء في سوريا. فما هو موقفي الحقيقي الذي أعلنه صراحة خاصة أنّه مجرد رأي شخصي ليس شرطا أن يحصل على تأييد كافة القراء بدليل أنّ تعليقات القراء أنفسهم هناك من يؤيدها ومن يرفضها، مما يعني استحالة وجود رأي يحظى بموافقة كافة القراء، والدليل على ذلك أنّ الكتب السماوية بما فيها القرآن الكريم وجدت من يرفضها ولا يؤمن بما ورد فيها، فهل ترقى أفكارنا كتابا وقراءا ومعلقين لأية نسبة من هذه الكتب السماوية؟ فما هو موقفي من هذه الأحداث؟
لا..لا..للفتنة الطائفية
لأنّني شخصيا لا أعترف ضمن قناعاتي الشخصية بوجود طوائف ( سنّة ) و (شيعة ) في أساسيات الدين الإسلامي، فهذه الطوائف نتيجة صراعات على السلطة السياسية والتحكم في مصير الشعوب، بدليل أنّه إذا كان المسلمون حقيقة يعتقدون أنّ مرجعيتهم الإسلامية هي القرآن الكريم والسنّة النبوية، فلا يوجد في هذه المرجعية سنّة و شيعة بل إسلام ومسلمون فقط. ولم تظهر هذه الفرق وقتال الطوائف لأغراض التحكم والسيطرة إلا بعد وفاة الخليفة الثالث عثمان بن عفان، الذي مات مقتولا في منزله وهو يقرأ القرآن الكريم فيما عرف بعد ذلك ب (الفتنة الكبرى). فمن نصدق القرآن الكريم والسنّة النبوية التي لا فرق ولا طوائف فيها، أم هؤلاء الدعاة ومثيري الفتن منذ زمن خلافة علي بن أبي طالب وحتى اليوم؟. وللحقيقة التي نعيشها جميعا فإنّ اثارة الفتنة الطائفية بين السنّة والشيعة قد تمت تغذيتها بعد استلام الخميني للسلطة في إيران واقامته ما عرف ب (الجمهورية الإسلامية الإيرانية ). إذ استمرت السياسات العدوانية تجاه الجيران العرب بدءا من الإصرار على استمرار احتلال الجزر الإماراتية ومصادرة كافة حقوق عرب الأحواز الذين غالبيتهم من السنّة ومنعهم حتى اليوم من تعلم واستعمال لغتهم العربية التي هي لغة القرآن الكريم، بينما الاحتلال الإسرائيلي رغم كل جرائمه يسمح منذ عام 1948  لفلسطينيي الداخل باستعمال لغتهم وثقافتهم العربية التي صدّرت للعالم العربي عباقرة في الإبداع والسياسة أمثال محمود درويش وإميل حبيبي وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم الكثيرون. وأيضا يستمر النظام الإيراني الذي يحكم باسم الإسلام في التهديد باحتلال مملكة البحرين على اعتبار أنّها محافظة إيرانية.
وكذلك الاصطفاف الطائفي لحزب الله اللبناني
لماذا لم نسمع أي موقف لحزب الله من ثورات الشعوب العربية في تونس ومصر واليمن، بينما سارع الحزب لتأييد الحراك الشعبي في البحرين أولا على اعتبار أنّه حراك الغالبية الشيعية المضطهدة؟ ولماذا سارع الحزب لتأييد نظام بشار الأسد معلنا أنّه ذاهب بمقاتليه للدفاع عن مقام السيدة زينب؟. هل هذا صحيح أم انّه اصطفاف مع نظام فعلا هو الذي سعى وغذّى الفتنة الطائفية في سوريا، رغم أنّه للأمانة ليس كل الطائفة العلوية مع هذا النظام الديكتاتوري، فهي مهمشة ومضطهدة كباقي الشعب السوري، ومجموعة ضباط الجيش والمخابرات العلويين المسيطرين على السلطة والاقتصاد السوري لا يمثلون كافة الطائفة العلوية.
ولماذا تجاوز أو نسيّ،
القراء والمعلقون على مقالتي السابقة التصريحات العلنية التي أوردتها لمرجعيات شيعية تدين تدخل حزب الله في سوريا، أمثال الشيخ صبحي الطفيلي والعلامة علي الأمين والسيد الحاج محمد حسن. وهل ادانة هذه المرجعيات الشيعية لتصرفات حزب الله الطائفية تصبّ في اشعال الفتنة أم تريد وقف هذا الحزب من التمادي في دعمه الطائفي لنظام وحش سوريا. وكان آخر موقف منذ أيام قليلة مطالبة الرئيس اللبناني ميشال سليمان الحزب بسحب مقاتليه من سوريا. وهل يحدث في أية دولة هذه الممارسات من هذا الحزب الذي فعلا يتصرف كأنّه هو الدولة والجيش اللبناني؟.
وأخيرا فعلا إن ديكتاتورا عن ديكتاتور بيفرق،
وذلك من خلال استعراض تصرفات أشهر الديكتاتوريين العرب وغير العرب في نصف القرن الماضي، ونقارن ذلك بتصرفات ديكتاتور سوريا الحالي بشار الأسد (الإسم الحقيقي لعائلته الوحش كما هو مثبت في أرشيف الطائفة في القرداحة).
1 .ديكتاتور إيران السابق الشاه محمد رضا بهلوي، عندما اندلعت الثورة الإيرانية ضده عام 1979 فرّ هاربا بطائرته خارج إيران، ولم يتصدى للثورة بجيشه ومخابراته المعروفة بقمعها الدموي، وهذه الثورة هي التي جاءت بالخميني من باريس رئيسا لما أطلق عليه (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) مبتدعا نظرية (ولاية الفقيه) التي نصّبته ومن بعده وكلاء لله في الأرض من يعصاهم فقد عصى الله تعالى. وهنا المفارقة الغريبة المؤلمة: نظام ثورة أطاحت بديكتاتور إيران القمعي تناصر ديكتاتور سوريا الذي قتل حتى الآن ما يزيد على مائة ألف سوري وهجّر قرابة خمسة ملايين. فكيف نفهم ذلك سوى من منظور القمع الدموي الذي مارسه وما يزال نظام الخميني ومن جاءوا بعده ضد الشعب الإيراني بكافة طوائفه وملله وقومياته حيث يسجّل هذا النظام أعلى معدلات إعدام ومصادرة حقوق الإنسان في العالم. وفعلا كما يقول المثل العربي ( قل لي من هو صديقك أقل لك من أنت).
2  . ديكتاتور رومانيا نيكولاي تشاوشيسكو حكم رومانيا بالحديد والدم من سنة 1965 ، وعندما اندلعت الثورة الرومانية ضده في ديسمبر  1989 مطالبة برحيله، فرّ هاربا هو وزوجته ايلينا، حيث أمسك به الثوار على الحدود الرومانية وتمّ اعدامه مع زوجته بعد محاكمة دامت ساعتين فقط، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الشعب والدولة وصلت حد الإبادة الجماعية وتدمير الاقتصاد الروماني لصالح فساده وبذخه. أي أنّه لم يتحدى الثورة الرومانية وكان قادرا على مواجهتها بجيشه ومخابراته وقتل ألاف جديدة من الشعب الروماني.
3 . وفي السنتين الماضيتين، كيف تصرف الطغاة العرب الذين اندلعت ثورات شعوبهم ضدهم مطالبة اياهم بالرحيل؟ زين الهاربين بن علي هرب خارج تونس بعد أقل من اسبوعين من مطالبة الشعب برحيله، ولم يتصدى للثوار ولم يقتل واحدا منهم. ومن بعده راوغ حسني مبارك حوالي ثلاثة اسابيع بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير  2011 ضده، ورحل عن السلطة متوجها إلى السجن هو ونجليه والعديد من رموز نظامه، دون أن يرتكب جرائم تذكر كما هو حادث في سوريا. وكذلك طاغية اليمن اللاعلي اللاعبدالله اللاصالح، راوغ أكثر من عام ثم رحل طواعية كي لا يدخل اليمن اللاسعيد في أتون جرائم جديدة يرتكبها جيشه ومخابراته وكان قادرا على ذلك.
فلماذا ديكتاتور سوريا فقط،
هو الذي يصرّ على البقاء في السلطة رغم ما يزيد على عامين منذ اندلاع الثورة السورية ضده في منتصف مارس 2011 ؟. هل يستطيع أحد من مناصري هذا النظام أن يجيب على هذا السؤال؟. شعب يطالب رئيسه بالرحيل فلماذا العناد والمكابرة التي أودت بحياة ألاف من الشعب السوري ودمرت الاقتصاد السوري حيث بلغ سعر الدولار أكثر من مائتي ليرة سورية؟. أم أنّ تنحيه لصالح الثورة والشعب السوري خيانة وطنية كما قال في لقاء صحفي أخير معه؟. أليس بقاؤه في السلطة بعد 43 عاما من طغيان والده وطغيانه هو الخيانة الوطنية؟. فهل من مجيب حيادي يردّ على كل هذه الأسئلة التي لا تهدف إلا مصلحة وكرامة الشعب السوري بكل طوائفه وقومياته ووحدة سوريا شعبا ووطنا وأرضا؟
www.drabumatar.com


 





62
صفعة مصرية جريئة لوحش سوريا وحزب الشيطان
د.أحمد أبو مطر

إعلان الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي صراحة وبوضوح يوم السبت الخامس عشر من يونيو 2013 قطع كافة العلاقات مع النظام المتوحش القاتل في سوريا وإغلاق سفارته في القاهرة وسحب القنصل المصري من دمشق، وإدانته القوية لتدخل حزب الله الذي أصبح فعلا حزب الشيطان بدعمه لوحش سوريا بألاف المقاتلين، هذه الخطوات المصرية تمثل صفعة قوية لهؤلاء المتوحشين ضد الشعب السوري، كما أنّ لها دلالات عديدة منها:
1 . التطبيق العملي الميداني لما قاله وطالب به الرئيس محمد مرسي في قمة عدم الانحياز في طهران في نهاية أغسطس 2012 بأنّ الرئيس السوري قد فقد شرعيته ولم يعد يمثل الشعب السوري، وقام آنذاك تلفزيون ملالي طهران المنافقين بتغيير كلام الرئيس مرسي مغيرين كلامه عن النظام السوري بالنظام البحريني ليصبح معنى كلام الرئيس انّ النظام البحريني قد فقد شرعيته، فهل هناك افتراء ونفاق وتدجيل أكثر من هذا خاصة من قوم يحكمون باسم الله وينتظرون المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا مما يعني أنّ هذا المهدي المنتظر سوف يقتلعهم لأنّهم ضد العدل والكرامة بدليل تأييدهم ومشاركتهم في كل المذابح التي يتعرض لها الشعب السوري.

2 . إدانة الرئيس محمد مرسي الواضحة لحزب الشيطان اللبناني الذي يحركه بالريمونت كونترول ملالي إيران وضباط حرسهم اللاثوري، إذ بلغ عدد عسكر هذا الحزب الشيطاني داخل سوريا دعما لوحش سوريا ألاف مؤلفة على الشر والفتك بالشعب السوري، ويكفي افتخار زعيمه (حسن الذي لم ينصر تعاليم الله) بالافتخار باقتحام عساكره مدينة القصير وتحريرها، متناسيا مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، وأنّه منذ تموز 2006 لم يطلق رصاصة ضد الاختراقات الإسرائيلية شبه اليومية، خاصة قصف الاحتلال عدة مرات لمواقع داخل سوريا حيث حليفه وحش الممانعة والمقاومة الساكت سكوت الأخرس والأطرش ضد هذه الاعتداءات مبديا شجاعته ضد الشعب السوري فقط.

من الذي أرادها وجعلها حربا طائفية؟

يرى البعض أنّ قرار الرئيس مرسي هذا من شأنه أن يغذي الحرب الطائفية في سوريا، و أعتقد أنّ هذا الرأي يتجاهل تطورات الوضع السوري الميداني. فقد بدأ الشعب السوري ثورته ضد هذا النظام الوحشي في منتصف مارس 2011 مطالبا برحيل النظام، فكيف تصرف هذا النظام؟ لقد تجاهل مطالب الشعب وحشد معه قوى الأمن وفرق الجيش والمخابرات التي يسيطر عليها الضباط العلويون تحديدا، مما جعل دفاعهم ليس عن النظام فقط بل عن الامتيازات والسيطرة التي حصلوا عليها بدون أية مؤهلات وعلى حساب ملايين السوريين، وإلا كيف اصبح أخوال الرئيس (آل مخلوف) أصحاب أكبر امبراطورية اقتصادية في سورية وهم من جاءوا من القرداحة إلى دمشق عام 1970 وهم لا يملكون سوى الملابس التي تستر أكتافهم؟. وقد سبق للجامعة العربية في نوفمبر 2011 أن جمدت عضوية النظام السوري في الجامعة العربية بموافقة 18 دولة عربية. وقد سبق لدول مجلس التعاون الخليجي العربي أن جمّدت عمل سفاراتها في دمشق، ومنحت بعض هذه الدول مثل قطر مقر السفارة السورية في بلادها لممثلي المعارضة السورية التي شاركت في القمة العربية الأخيرة في قطر. فإذا كانت هذه هي المواقف العربية شبه الجماعية ضد هذا النظام الوحشي قد صدرت مما يزيد على سنة ونصف، فكيف يمكن اعتبار قرار الرئيس مرسي الأخير يصبّ في اشعال الحرب الطائفية؟. أرى أن هذا خلط لا يفرق بين الضحية التي هي الشعب السوري والجلاد وحش سوريا الذي فعلا وجد أن تحويل مجرى الثورة السورية للمنحى الطائفي سيزيد من عمر وجوده في السلطة التي يتشبث بها رغم ملايين المهجرين السوريين وما لا يقل حتى الآن عن مائة وخمسين ألفا من القتلى والمفقودين. وكون بعض أصوات هذه الاتهامات لمرسي باشعاله الحرب الطائفية في سوريا تأتي من داخل مصر، فهل يتذكر هؤلاء أنّ حسني مبارك رغم طغيان نظامه وفساده وقمعه للحريات، إلا أنه استجاب بعد ثلاثة اسابيع فقط من المراوغة لصوت الشعب المصري وأعلن تنحيه، وهاهو ونجليه ووزير داخليته قيد محاكمة مذلة يشاهدها الشعب المصري كافة عبر البث المباشر، فأين ديكتاتورية حسني مبارك من وحشية وجرائم وحش سوريا؟ أو لماذا لا يكون وحش سوريا في مستوى تصرف حسني مبارك ويتنحى امتثالا لمطالب الشعب السوري؟.

وما علاقة قرار مرسي بحركة "تمرد" ضده؟

ومن أوجه الخلط أيضا الرأي الذي يعتقد أنّ قرار مرسي الأخير بقطع العلاقة مع نظام وحش سوريا وإغلاق سفارته في القاهرة وسحب القنصل المصري من دمشق، جاء في هذا الوقت التفافا على الحركة الجماهيرية " تمرد " التي تستعد للتظاهر في الثلاثين من يونيو مطالبة برحيل محمد مرسي. والسؤال المهم هو: هل يمكن أن تخلط حركة " تمرد " بين هذا القرار ومطالبتها برحيل مرسي؟. هل مطالبتها أساسا برحيل مرسي بسبب موقفه من النظام السوري أم بسبب فشله وتخبطه في السياسات والممارسات الداخلية في مصر طوال العام الأول من حكمه؟.  ولقد كنت في مصر الأيام القليلة الماضية وقد شاهدت بنفسي حجم الغضب والرفض المصري الشعبي لاستمرار حكم مرسي ولكن لم أسمع أحدا يربط ذلك بموقفه من النظام السوري، اي أن الرفض الشعبي المصري لحكم مرسي مستمر رغم قراره هذا من النظام السوري، إلا أنّ هذا لا يمنع تثمين قراره الصائب هذا ضد وحش سوريا.

الرفض الشيعي اللبناني الواسع لممارسات حزب الشيطان

ولمعرفة من أرادها حربا طائفية، علينا تذكر حجم الادانات اللبنانية من قيادات دينية شيعيه لا يرقى ( حسن نصر الوحش) أن يكون تلميذا في مدارسها ومرجعياتها. ويكفي التذكير بموقف العلامة الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام الأول لحزب الله الذي قال علنا " أن مَنْ يُقتل من حزب الله في سوريا ذاهب إلى جهنم ولا يعتبر شهيداً "، مؤكداً أن الحزب يحارب في سوريا، وأنّ "الشيعة في سوريا ليسوا بحاجة لمن يدافع عنهم ونحن مَنْ سبب لهم المشاكل، فالسيدة زينب ليست بحاجة لمن يحميها لأنها أيضاً محبوبة من الطائفة السّنية، لكن كل ما يحصل هناك هو الدفاع عن النظام وعن الإجرام وقتل شعبه وهو لم يقصف فلسطين يوما". وكذلك المرجع الديني الشيعي اللبناني الشيخ علي الأمين الذي انتقد تصريحات حسن نصر الله الأخيرة التي اعترف فيها بوقاحة أنّ حزبه يحارب مع نظام وحش سوريا وهو يفتخر بذلك وسوف يستمر في هذه المواقف الإجرامية، وحذّر علي الأمين من أنّ هذه المواقف من شأنها أن تنقل القتال إلى لبنان وهو ما بدأ فعلا. وكذلك مواقف زعيم " التيار الشيعي الحر " الشيخ محمد الحاج حسين الذي حمّل  "حزب الله المسؤولية الأساسية في الحالة الفتنوية التي نعيشها لأنه منذ أن خطف الحزب الطائفة الشيعية، واخذها الى مواجهة مع الشعب السوري وابناء الأمة العربية، هو أعلن حرباً دون أن يسميها. فما نشهده من انغماس حزب الله في اوحال سوريا، ومعارك القصير، وتحديه الواضح والصريح لارادة الشعب السوري جعلته أحد الذين أذكوا نار الصراع السني – الشيعي ".
من حق الشعب المصري أن يتظاهر ضد حكم الرئيس مرسي،
ويبدي رأيه في حكمه طوال السنة الأولى من ولايته ومن حق الشعب المصري أن يطالبه بالبقاء أو الرحيل ولكن بالطرق السلمية التي لا تجرف مصر لكوارث لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجها، وهذه المطالبات المشروعة للشعب المصري لا تنفي أنّ قرار مرسي ضد نظام وحش سوريا وحزب الشيطان صائب وجاء لدعم ثورة الشعب السوري، ولا علاقة لها بمطالب الشعب المصري ولن تشكّل التفافا على هذه المطالب، حيث الملايين المصرية تستعد ليوم الثلاثين من يونيو القادم.
www.drabumatar.com




63
ما هي ضرورة مركز "هداية" في دولة الإمارات العربية المتحدة؟
د.أحمد أبو مطر

اعتمد مجلس الوزراء في دولة الامارات العربية المتحدة برئاسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في جلسته يوم الأحد، الموافق العاشر من مارس 2013 ، مشروع قانون جديد يقضي بإنشاء مركز معرفي تربوي ثقافي تحت اسم "المركز الدولي للتميز لمكافحة التطرف العنيف" متخذا اختصارا أو تعريفا للإسم كلمة "هداية". وكانت بداية اطلاق الفكرة عن تأسيس المركز في منتصف ديسمبر 2012 عندما احتضنت العاصمة الاماراتية "أبو ظبي" أعمال الاجتماع الوزاري الثالث لإعضاء المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب. وعن المركز الجديد (هداية) وسبب تأسيسه، يقول رئيس الوزراء الإماراتي " أنّ دولة الإمارات تتبنى منهج الاعتدال والتسامح، وأنّ التطرف ظاهرة مرفوضة دينيا ودوليا وأخلاقيا، وأنّ التعاون الدولي ضروري لمكافحة هذه الظاهرة، وستظلّ دولة الإمارات داعما رئيسيا لمنهجية التسامح والاعتدال". أمّا مركز "هداية" سيعمل في سبيل تحقيق أهدافه على اقامة ورش العمل والمحاضرات وإعداد الدراسات العلمية وقواعد البيانات بهدف تبادلها بين الدول الأعضاء، اضافة إلى إعداد خطط كفيلة ببناء القدرات والكفاءات المتخصصة بمجال مكافحة الإرهاب والتنسيق مع وسائل الإعلام والقطاع الحكومي والخاص في تنفيذ المبادرات والأنشطة المختلفة".

هل توجد ضرورة لهذا المركز والجهد؟

من يعرف ميدانيا الأوضاع الاقتصادية والنسيج الاجتماعي في المجتمع الإماراتي، يكاد يظنّ أنّه يعيش في (الأمم المتحدة) حيث تعمل وتتعايش عشرات الجنسيات في مختلف المهن بطريقة سلمية حضارية، ويخضع الكل للقانون في إمارات سبعة توحدت عام 1971 أي قبل 42 عاما زمن المؤسسين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبو ظبي آنذاك والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم إمارة دبي، والتحق بهما أو لبّى نداءهما الوحدوي بقية حكام الإمارات الخمسة، ليتم إعلان (دولة الإمارات العربية المتحدة) في الثاني من ديسمبر عام 1971 . وهذا الاتحاد الإماراتي يمكن التأشير على ايجابيتين نوعييتن في قيامه:

الأولى: إنّ هذا الاتحاد بين سبع إمارات أو سبع دول، يستمر منذ 42 عاما دون أية خلافات أو مشاكل أو محاولات انفصال في مرحلة عربية شهدت العديد من الانقلابات ومحاولات الانفصال والحروب المحلية والعربية، بينما دولة هذا الاتحاد تعيش هدوءا وسلاما اجتماعيا من النادر حدوثه.وفي اللحظات الحاسمة لم تتردد حكومة دولة الإمارات عن اتخاذ قرارات جريئة مثل قطع النفط الإماراتي عن الدول الداعمة لإسرائيل اثناء حرب أكتوبر عام 1973 ، ومن الأقوال المشهورة للمرحوم الشيخ زايد آنذاك ( إنّ النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي). وقد اتخذ الموقف نفسه المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، وقال أيضا قولته المشهورة لوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر الذي وصل مدينة جدة لإثنائه عن قراره (عاش أجدادنا على اللبن والتمر وسنعود لهما). وقد دفع الملك فيصل حياته ثمنا لقراره هذا.

الثانية: لولا هذا الاتحاد المستمر برغبة شعوب وحكام الإمارات السبعة، لأصبح عدد دول الجامعة العربية الآن 29 دولة ( يخزي العين).

لذلك أصبح من الضروري (هداية) الداخل والخارج،
للمحافظة على هدوء واستقرار هذا المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة، خاصة بعد محاولات من جهات متعددة سعت وتسعى لزعزعة هذا المجتمع المستقر المتعايش  عبر عشرات الجنسيات، وآخر هذه المحاولات التي أثارت ضجيجا إعلاميا عربيا هي المحاكمات التي ما زالت مستمرة لما عرف بأنّها خلايا تابعة لجهات إسلامية خاصة جماعة (الإخوان المسلمين)، وغالبية من يواجهون المحاكمة هم مواطنون إماراتيون، وبالتالي من الصعب الحكم على نتائج محاكمات ما زالت مستمرة وسط اهتمام قانوني عربي وعالمي. لذلك فليس من المنطقي الحكم المسبق سواء على أداء الدولة أو المواطنين الذين يواجهون المحاكمة، وإنّ غدا لناظره لقريب!!!.

الهداية التربوية والتعليمية والثقافية

إنّ المعركة المحلية والعربية والدولية مع التطرف والإرهاب ليست معركة أمنية عسكرية فقط، لأنّ اجهزة الأمن والقوات العسكرية قادرة على قتل أو اعتقال إرهابي اليوم، ولكن السائد ثقافيا وتربويا وتعليميا قادر على خلق وانتاج عشرات الإرهابيين. وليس المقصود هو الثقافة والتربية العربية فقط، فلم يخلو مجتمع أيا كانت ثقافته وبرامج تعليمه وديانته من الأعمال الإرهابية العنيفة، ويكاد لا يمرّ أسبوع دون عمل إرهابي عنيف في مدرسة أو ثكنة عسكرية أو تجمع أمريكي. ويكفي التذكير بالعمل الإرهابي العنيف الذي ارتكبه شاب نرويجي مسيحي الديانة أبا عن جد في الثاني والعشرين من يوليو 2012 ضد معسكر شبابي، قتل فيه قرابة الثمانين شابا وفتاة غالبيتهم نرويجيون من شعبه ، ثم يفتخر أثناء محاكمته بهذا العمل الإجرامي الإرهابي العنيف، معلنا بدون تأنيب ضمير إن وجد أنّه سيفعل ذلك ثانية إن تمكن!!!. وكذلك الأعمال الإرهابية التي يشهدها مسلمو بورما على يد المتطرفين البوذيين حيث تصل حدّ الإبادة والتهجير الجماعي. وكذلك لا يمكن القفز عن الإرهاب الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، في وقت يفتي فيه حاخامات يهود لتشجيع جيش الاحتلال على مزيد من الجرائم وأيضا باسم الدين التوراتي.

وفيما يتعلق بمجتمعاتنا العربية،

لا بدّ من امتلاك الشجاعة والجرأة للقول بأنّ السائد في البرامج التعليمية والفضائيات الفتنوية التي تكاد تصل لعدد (فضائية لكل مواطن)، هي التي تشجع هذا الإرهاب السائد في العديد من الأقطار العربية، ويكفي طرح الأسئلة التالية:
1 . كيف يمكن تفسير هذا الإرهاب الطائفي الذي يسود العراق الذي لم تعد خلفيته الطائفية خافية على أحد، ويندر أن لا يقتل في أي تفجير العشرات من الأبرياء من كل الطوائف؟.
2 . كيف يمكن تفسير هذا الإرهاب الذي يتعرض له أقباط مصر خاصة في محافظات الصعيد، إرهاب ينتج عنه عشرات القتلى والمخطوفين وتفجير وحرق للكنائس؟
3 . أو هذا العنف الإرهابي المبرمج الذي يرتكبه نظام الوحش السوري طوال عامين، أليس نتيجة التربية البعثية الإجرامية التي سجلها كله جرائم واغتيالات وانقلابات، وها هو بدأ ينقل ارهابه الطائفي إلى شمال لبنان في مدينة طرابلس بين حي التبانة وجبل محسن. 
إنّ كل هذا الإرهاب العنيف في غالبية دول العالم، هو نتاج البرامج التعليمية السائدة، والتعبئة الثقافية الظلامية عبر ألاف الفضائيات في مجتمعاتنا العربية التي تزيد نسبة الأمية فيها عن 55 في المائة، وبالتالي هؤلاء الأميون ليل نهار متمسمرين أمام فضائيات شيوخ الفتاوي الإرهابية. نتيجة ذلك كان لابد من طرح فكرة (هداية) الإماراتية، كما يشرحها أحمد محمد رحمة الشامسي، عضو المجلس الوطني الاتحادي، بأنّ " إنشاء مثل هذا المركز واستضافة الإمارات له يجسد مبدأ التسامح الذي تتبناه الدولة ويعكس المكانة التي وصلت اليها الإمارات وثقة المجتمع الدولي في امكانياتها وقدراتها في القيام بإدارة المركز لأداء دوره المنوط به في تعزيز التعاون والتنسيق الدولي لمكافحة هذه الظاهرة الدولية". أما مصباح سعيد الكتبي، عضو المجلس الوطني الاتحادي أيضا، فيضع تركيزه على نقطة مهمة في سياق انشاء هذا المركز، مشيرا " إلى أنّ أهمية هذا المشروع وفي هذا التوقيت تعود إلى ضرورة وجود مثل هذا القانون، نظرات التغيير والأحداث التي تهب على دول العالم بأسره والوطن العربي، حيث بدأ ظهور فئات تتجه إلى التطرف...حيث أنّه لم توجد هذه الفئات في السابق وأصبح من الضروري ايجاد تشريع يجرّمها، كما أنّ مثل هذه الظواهر مرفوضة رفضا قاطعا من النواحي الشرعية، لأنّ ديننا الإسلامي يجرّم التطرف والاعتداء على الغير".
لذلك فلننتظر نوعية ومستوى الهداية الذي سيقوم به هذا المركز داخل دولة الإمارات أولا للمحافظة على هدوئها واستقرارها المعروفين للعالم أجمع عبر ما يزيد على أربعين عاما.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com



64
تأملات في المشهد المصري السائد
د.أحمد أبو مطر                                              

مرّت الذكرى السنوية الثانية لتنحي واندحار نظام الرئيس المصري حسني مبارك الذي أعقب اندلاع ثورة الشعب المصري في الخامس والعشرين من يناير 2011 ، التي نتج عنها انتخابات رئاسية مصرية نزيهة أوصلت مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي لرئاسة جمهورية مصر الجديدة، ممثلا لحزب الجماعة (الحرية والعدالة) بعد أن ظلت جماعة محظورة منذ انقلاب العسكر عام 1952 الذي أطلق عليه ظلما اسم وصفة (ثورة) خاصة أنّ هولاء العسكر في مجال الحريات والديمقراطية حولوا مصر إلى سجن كبير، كان رواده ومقيموه الدائمون أعضاء جماعة الإخوان المسلمين منذ إعدام نظام عبد الناصر لزعيم الجماعة" سيد قطب" في التاسع والعشرين من أغسطس عام 1966 ، ومعه تمّ إعدام الشيخ "محمد يوسف هواش" بعد أن ذاقا في السجن من التعذيب والمهانة ما لم يتعرض له أي سجين فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

رئاسة مرسي بعد وفاء المجلس العسكري بتعهداته

سوف يسجل التاريخ المصري للمشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الذي تسلم السلطة بعد تنحي الرئيس حسني مبارك، بأنّه من العسكريين القلائل الذين تغلبت وطنيتهم ووفائهم لمصر الوطن على الأنانية الشخصية المتعلقة بالبقاء في السلطة، خاصة أنّ التاريخ العربي المعاصر يخلو من إخلاص هكذا عسكريين ما عدا حالة الفريق سوار الذهب في السودان عام 1986 ، فقد أوفي المشير طنطاوي بتعهداته للشعب المصري ، وأشرف المجلس العسكري برئاسته على الانتخابات الرئاسية التي خاضها عدة مرشحين مصريين، وعندما فاز بالرئاسة الدكتور محمد مرسي سلمّه المجلس العسكري السلطة كاملة في يونيو 2012 ، وعاد المشير حسين طنطاوي بهدوء إلى موقعه العسكري فقط، وعندما اتخذ الرئيس مرسي  في الثاني عشر من أغسطس 2012 قرارا بإحالته كوزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة، ومعه رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق سامي عنان إلى التقاعد، امتثلا بأخلاقية عسكرية عالية منضبطة لقرار الرئيس، مما أكسبهما احترام الغالبية في مصر وخارجها، خاصة أنّه كان بوسعهما وهما في هذين الموقعين الحساسين تحدي قرارات الرئيس والتمرد عليها بتحريك القوات المسلحة والانقلاب على الرئيس المنتخب، لكنّهما وضعا مصلحة مصر واستقرارها وسير العملية الديمقراطية فوق المصلحة الشخصية.والمفارقة المؤلمة تكمن في انضباط العسكر المصريين وانفلات هدوء وعقلانية،

المرشحون الخاسرون لانتخابات الرئاسة المصرية

خاصة الثلاثي أحمد شفيق و محمد البرادعي وحمدين صباحي، إذ قادا وما زالا حملة تشويه وافتراء لا مثيل لها على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي رافضين ومنتقدين أي قرار يتخذه مهما كان على طريقة (عنزة ولو طارت) متناسين وقافزين عن أسس الديمقراطية الحقيقية التي تسمح لأي رئيس منتخب باتخاذ أية قرارات يراها في مصلحة الشعب، وليس من حق أحد رفضها سوى مجلس الشعب (البرلمان) بينما هذا الثلاثي لم يعط الرئيس المنتخب أية فرصة للإستمرار في خطواته   لاستكمال بناء المؤسسات التشريعية في البلاد التي من مهماتها مراقبة أداء الرئاسة وكافة مؤسسات الدولة. وبعد انتهاء مدته الرئاسية لأربع سنوات فالشعب هو من يقرر التمديد له فترة رئاسية جديدة أو سحب الثقة منه نتيجة عدم الرضا على أدائه في المرحلة الرئاسية الأولى، وهذه من أسس الديمقراطية في الدول العريقة ديمقراطيا. ومن المهم التوقف عند عدة مواقف منها:
1 . لماذا هرب أحمد شفيق خارج مصر فور سقوطه في انتخابات الرئاسة؟ أليس هذا الهروب يخفي وراءه خوفه من محاسبات ومحاكمات قادمة على ملفات فساد نشرتها الصحافة المصرية، وترقى لسرقات ونهب بالمليارات خاصة عندما كان وزيرا للطيران المدني. لو كان برئيا وليس خائفا من أية محاكمات أوفتح ملفات تدينه، هل كان يهرب خارج مصر ليواصل تهجماته وافتراءته على الرئاسة المصرية المنتخبة؟

2 . تصريحات ومواقف محمد البرادعي التي لا يمكن وصفها إلا بالصبيانية والانتهازية. فلماذا لا يعترف بإعطاء الشعب المصري  ثقته للرئيس محمد مرسي ويواصل موقفه البناء من خلال معارضة تطمح للإيجابية وليس مجرد تشنجات ترفض كل ما يصدر عن الرئيس المنتخب، وهو من عاش سنوات طويلة في أوربا وعرف أنّ الديمقراطية تعني الامتثال لنتائج انتخابات الشعب. ويترافق ذلك مع تصريحات انتهازية مرفوضة للإعلام الغربي، خاصة ما أدلى به لصحيفة "دير شبيغل" الألمانية، والتي أرجع فيها أسباب انسحاب غالبية الليبراليين والمسيحيين من الجمعية التأسيسية لعدة أسباب؛ منها أن الجمعية تضم عددًا من الأعضاء الذين ينكرون المساواة بين المرأة والرجل ويريدون تطبيق الشريعة وينكرون"الهولوكوست". وما دخل الهولوكست بالانتخابات المصرية؟ وهل أثار أي مرشح للانتخابات أو أحد أعضاء الجمعية التأسيسية هذا الموضوع سلبا أم ايجابا في برنامجه الانتخابي أو مواقفه السياسية؟. إنها فقط تصريحات انتهازية لكسب رضا ودعم جهات خارجية أساسا لا تريد الأمن والاستقرار لمصر وشعبها. لذلك كان موقف الدكتور محمد محسوب وزير الدولة للشؤون النيابية واضحا وصريحا، عندما طلب من البرادعي " أن يصرح للمصريين جميعا بما إذا كان قد قال هذا الكلام أم لا للصحيفة الألمانية، لأننا في مصر لنا سيادتنا وقوانينا الخاصة بخصوص محرقة الهولوكست، ونرفض أن يفرض علينا الدكتور البرادعي ومن يخاطبهم أن نؤمن بالهولوكست أو لا نؤمن".

3 . التصريحات والمواقف الغريبة المتناقضة لحمدين صباحي بعد خسارته الانتخابات الرئاسية، خاصة تصريحه الأخير لجريدة "السياسة" الكويتية ونقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، حيث أعلن فيه قبوله بنتيجة الاستفتاء على الدستور الجديد من الناحية القانونية أيا كانت "هي أولاً وأخيراً رأي الشعب المصري، مع تحفظي على وجود حالات تزوير وانتهاكات شابت عملية الاستفتاء بمرحلتيها الأولى والثانية". وبعد هذا الموقف المنطقي المتوازن المعترف بشرعية الدستور الجديد، يناقض نفسه و يرتد عن هذا الموقف فيقول: ''إن الدستور فقد شرعيته لأنه قسّم المصريين إلى فريقين، بعد أن جمعتهم الثورة في جسد واحد وهدف مشترك". كيف يقبل بالدستور ثم يفقده شرعيته؟. وكيف يقسّم الدستور الشعب المصري لفريقين؟ فلا يوجد دستور في العالم أو أية انتخابات رئاسية أو تشريعية تحوز على ثقة الشعب مائة بالمائة، فهناك موافقون ورافضون، لكن هذا لا يعني انقسام الشعب إلى فريقين متحاربين إلا في مخيلة وتفكير حمدين صباحي الذي لم يصدق نفسه أنّه لم يحصل على ثقة غالبية الناخبين المصريين ليكون رئيسهم الجديد، ومنحوا ثقتهم للرئيس الدكتور محمد مرسي. وكان حمدين صباحي قدر رفض في الانتخابات الرئاسية السابقة أن يتحالف مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وها هو يعود ويعتذر عن ذلك علانية للشعب المصري، معترفا انّ المعارضة بحاجة للدكتور أبو الفتوح، فلو كانت معارضة حقيقية ذات برنامج ورؤية سياسية موحدة، فلماذا لم تتفق على مرشح رئاسي واحد؟. الا يقدّم هذا واعتذاره الجديد على أنّ الحرص على المنصب والكرسي له الأولوية على البرنامج السياسي الذي يضمن استقرار مصر وتنميتها؟.

وماذا بعد اقرار الدستور المصري الجديد؟

بدأت مظاهر الهدوء تعود تدريجيا للشارع المصري، وحتما ستتوقف البلطجة الإعلامية التي قادها نفر محدود من صحفيي وإعلاميي  تهييج الشارع  لمصلحة النظام البائد عبر أكاذيب وافتراءات لا يبغون من ورائها سوى الشهرة والحضور الفضائي ولو على حساب استقرار الشارع المصري. وبالتالي فالمنطق الديمقراطي يقول: لا بد من اعطاء الرئيس الجديد الدكتور محمد مرسي فرصته الرئاسية لأربع سنوات ثم يقول الشعب المصري رأيه في أدائه في مختلف أوجه الحياة المصرية، خاصة أنّ الدستور الجديد لا يسمح له إلا بالترشح لولاية ثانية فقط، فإما أن يعطيه الشعب عندئذ الثقة أو يسحبها منه، أما التخويف المسبق والتهويل المرعب من انتماء الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين فلا يستند إلى منطق، خاصة أنّه المؤمل من جماعة كانت ضحية القمع والإعدامات والسجون طوال ما يزيد على ستين عاما، أن لا تتحول إلى جلاد جديد للشعب المصري، في ضوء أنّ هذا الشعب أثبت قدرته على الإطاحة بأي ديكتاتور وظالم جديد.

وفجأة تندلع أعمال التدمير والبلطجة والاغتصاب،

فبدلا من أن يحتفل المصريون بالذكرى الثانية لانهيار النظام الديكتاتوري الفاسد، تقوم فئات من البلطجية المحسوبين غالبا على المرشحين الخاسرين لانتخابات الرئاسة بأعمال حرق وتدمير وتشبيح واغتصاب جماعي لعشرات من الفتيات، تجعل المراقب الموضوعي يتساءل: أين كنتم في زمن النظام البائد؟ لماذا لم نشهد مظاهرة واحدة ضد فساده وقمعه وسرقته لثروة الشعب المصري؟ وأين كان مرشحوكم الخاسرون؟ ألم يكونوا إما مطبلون للنظام أو ساكتون كأنهم من أهل الكهف؟. إنّ ما يحدث في مصر يدمي القلب والعقل، ولا مفر من إعلان حالة الطوارىء لوقف هذه الفوضى التدميرية التي ستدمر غالبية مقدرات مصر الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، وهذا ما لا يتمناه كل من يحب مصر ودورها الريادي في المنطقة العربية. ولعلّ دعوة الدكتور محمد البرادعي
 إلى اجتماع "فوري" بين الرئيس، محمد مرسي، ووزيري الدفاع والداخلية و حزب الحرية والعدالة والتيار السلفي وجبهة الإنقاذ لإتخاذ خطوات عاجلة لوقف العنف و لإجراء حوار يخرج مصر من هذه الأزمة، يحمل شعورا جديدا بالمسؤولية من قاددة جبهة الانقاذ، فلننتظر الأمل إذ لا يليق بمصر وشعبها إلا الهدوء الذي يعيد التنمية لموقعها الطبيعي، خاصة أنّ العديد من الدول مستعدة للاستثمار العالي فور عودة الأمن والهدوء.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com






65
هل أخطأ الهاشميون عند ضمّ الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية؟

أحمد أبو مطر

كتابة التاريخ بحيادية وتوثيق موضوعي مسألة مهمة، ولكن هذا لا يكفي خاصة عند قراءة الأجيال القادمة لهذا التوثيق المحايد، لأنّه في الغالب يقوم بعض القراء والباحثين بخلط بعض التطورات المعاصرة وربطها بنفس الحدث التاريخي السابق الموثق، لتعطي انطباعا سلبيا أو ايجابيا حسب الرغبة الشخصية. من هنا تختلف القراءات المعاصرة لنفس الحدث القديم مخرّجة ذلك عن سياقه التاريخي الذي عند حدوثه لاقى قبولا أو رفضا جماهيريا. وهذه المقدمة يمكن تجريب تطبيقاتها آنذاك وقراءاتها حاليا على موضوع قديم لكنه مطروح للنقاش حاليا وهو:

ضمّ الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية

انتهت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 بإعلان قيام دولة إسرائيل على غالبية الوطن القومي التاريخي الفلسطيني، ما عدا قطاع غزة الذي بقيّ تحت إدارة الحاكم العسكري المصري بعد انسحاب الجيش المصري الذي شارك في حرب عام 1948 ، أمّا الضفة الغربية فبقيت تحت إدارة وسيطرة حكومة (المملكة الأردنية الهاشمية) التي شارك جيشها في زمن الملك عبد الله بن الحسين في الحرب أيضا، وظلّ محتفظا أو مسيطرا على كامل الضفة الغربية والقدس الشرقية. وظلّ هذا الوضع قائما حتى انعقاد مؤتمر عمان الفلسطيني برئاسة سليمان التاجي الفاروقي في أكتوبر عام 1948 الذي كان تمهيدا لمؤتمر أريحا الذي قرّر فيه أعيان فلسطين ووجهائها ضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية تحت قيادة الملك عبد الله بن الحسين ومن بعده الملك الحسين بن طلال حتى العام 1967، الذي شهد احتلال دولة الاحتلال الإسرائيلي لكامل قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وسيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، مما مثّل أكبر توسع غير متوقع لدولة الاحتلال التي ما زالت حتى اليوم الدولة الوحيدة في العالم بدون حدود معروفة محددة، ومن المفارقات المضحكة المبكية أنّه عند قيام هذه الدولة المصطنعة في مايو من عام 1948، كانت من أوائل الدول التي سارعت إلى الاعتراف بها هو (الاتحاد السوفييتي) آنذاك ،وهو القائم على نظرية الماركسية اللينينية التي تدّعي أنّها  تمثل روح وطموحات الشعوب المناضلة المضطهدة في مواجهة الرأسمالية العالمية.

هل كان خطأ ضمّ الضفة للمملكة الأردنية؟

 كان في ذلك الوقت عام 1950 لا تلوح في الأفق أو المستقبل المنظور أية حلول للمشكلة الفلسطينية ، خاصة بعد رفض الفلسطينيين والعرب لقرار الأمم المتحدة رقم 181 الصادر في نوفمبر 1947  القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين فلسطينية وإسرائيلية، وكانت المساحة المعروضة للدولة الفلسطينية تساوي حوالي 45 في المائة من مجموع مساحة فلسطين، في حين أنّ دولة الاحتلال اليوم ترفض الانسحاب لحدود عام 1967 التي تراها السلطة الفلسطينية وغالبية المنظمات الفلسطينية هي الحدود المقبولة للدولة الفلسطينية المنشودة وهي لا تشكّل أكثر من نسبة 22 في المائة من مجموع مساحة فلسطين التاريخية، في حين أنّ المستوطنات الإسرائيلية تسيطر على نسبة كبيرة من الضفة وهي في توسع مسستمر متصاعد مما يقلص هذه النسبة بشكل كبير، وبالتالي مالفرق بين:

ضمّ الضفة للمملكة وبقاء القطاع تحت الإدارة المصرية؟

في ظلّ عدم وجود أي أمل أو احتمال لقيام دولة فلسطينية أيا كانت حدودها آنذاك واليوم، كان الفرق هو انساني بشكل واضح عاشه الفلسطينيون سكان الضفة الغربية الذين أصبحوا يحملون الجنسية الأردنية، وفتحت الحدود كاملة بدون أية قيود بين الضفة وشرق الأردن، وشكّل الأردنيون من أصول فلسطينية العديد من الوزرارات وتقلدوا نفس المناصب بما فيها رئاسة دائرة المخابرات الأردنية، ورئاسة أهم الجامعات والمواقع الأردنية الحسّاسة المهمة في تركيبة المجتمع الأردني، وأصبحوا يتنقلون بالجواز الأردني في غالبية الدول العربية والأجنبية بسهولة وحرية وكرامة، بينما نحن الفلسطينيون سكان قطاع غزة في نفس الوقت، أصدرت لنا إدارة الحاكم العسكري المصري ما عرف ب (وثيقة سفر مصرية للاجئين الفلسطينيين)، وكان وما يزال مكتوبا على صفحتها الثانية ( لا يسمح لحامل هذه الوثيقة بدخول جمهورية مصر العربية بدون الحصول علىى تأشيرة دخول مسبقة). وكان ذلك ساريا في زمن بطل العروبة والتحرير والوحدة العربية جمال عبد الناصر. وكنّا وما زلنا حملة هذه الوثيقة اللعنة نعاني الأمرين، ونبقى منتظرين في المطارات خاصة مطار القاهرة ساعات طويلة قبل أن يسمح لنا بالدخول و غالبا الطرد والعودة إلى المكان الذي قدمنا منه.

هل كان ضمّ الضفة أطماعا ملكية هاشمية؟

يوجد في الغالب حول جواب هذا السؤال وجهتا نظر متباينتان أو نقيضتان:


الأولى:ترى وتقول نعم إنها أطماع ملكية هاشمية لتوسيع مملكتهم ليس بضمّ الضفة العربية فقط، بل سبقها وتبعها محاولات ضم سوريا والعراق. والسؤال في هذا السياق: جيد فلنفترض الموافقة على هذه الرؤية، ولكن هل هذه الرؤية تتناقض مع رؤية وأمنية الوحدة العربية بين أية أقطار عربية؟ وإلا لماذا هللنا وصفقنا لمحاولة الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 وانتهت بالانفصال عام 1961 الذي هللت له أيضا غالبية الشعب السوري؟. وأيضا لماذا رقصنا طربا لوحدة شمال اليمن وجنوبه عام  1990 ،واليوم تطالب غالبية شعب الجنوب بالانفصال مهدّدة بعض قياداتهم باللجوء للسلاح لتحقيق هذا الانفصال؟. وكذلك لماذا وافقنا وقبلنا سكوتا صامتين تصويت شعب جنوب السودان للانفصال عن شماله الذي حدث فعلا في فبرايرعام 2011 وسط اعتراف عالمي شبه جماعي؟. واليوم إذا صوّت العرب كلهم للوحدة تحت قيادة أو حكم أي ملك أو أمير أو رئيس عربي هل نرفض ذلك؟. وضمن نفس السياق هناك بعض العرب الإقليميين الكارهين لبعض شعوبهم، يقولون ويكرّرون لدرجة الملل أنّ (إمارة شرق الأردن) التي ظلت تسميتها قائمة حتى العام 1946 ،هي كيان مصطنع أقامه الانتداب البريطاني. والحقيقة التاريخية التي لا يمكن لأي محب أو حاقد أن ينكرها، هي أنّ العديد من الدول العربية القائمة اليوم هي صناعة ما بعد عام 1917 ، أي بعد سقوط ما كان يعرف ب (الخلافة العثمانية) ثم اتفاقية سايكس بيكو. فقبل سقوط الخلافة العثمانية كانت كل منطقة ما يعرف بالهلال الخصيب أو بلاد الشام تقسّمّ إلى أقاليم تابعة لبعضها، وإلا هل كان قبل عام 1917 توجد دولة مستقلة ذات سيادة اسمها سوريا ومعترف بها دوليا؟. وأيضا هل كانت آنذاك دولة مستقلة ذات سيادة معترف بها دوليا اسمها لبنان؟. إذا لماذا القفز على هذه الحقيقة التاريخية والتركيز على اصطناع الأردن سابقا المملكة الأردنية الهاشمية حاليا؟. أنا شخصيا أتمنى لو تمكن الملوك الهاشميون من ضم سوريا والعراق وإقامة دولة عربية موحدة بهذه الامكانات البشرية والطبيعية الضخمة، فعلا لغيّرت هذه الدولة موازين القوى في المنطقة. أمّا البديل الذي تمكن الانفصاليون الانقلابيون البعثيون من اقامته في سوريا والعراق فهو دولتان ظلتا الحدود مقفلة بينهما طوال ما يزيد على ثلاثين عاما زمن حكم (البطلين الوحدويين) حافظ الأسد وصدام حسين، وليس هذا فقط بل استعملا ضد بعض السيارات المفخخة والاغتيالات، ثم قام البطل الوحدوي محرّر فلسطين صدام حسين عام 1990 باحتلال دولة عربية هي الكويت،والحقيقة أنّه اخطأ الطريق فقط، فهو كان ينوي تحرير فلسطين، وظنّ قائد جيشه أنّ ساحة الصفا الكويتية هي ساحة المسجد الأقصى!!!. وساهم جيش البطل البعثي حافظ الأسد عام 1991 بضراوة وشجاعة في قتال جيش صدام ودحره من الكويت. فمسيرة من الأفضل والأنقى الملوك الهاشميون أم الأبطال البعثيون الانفصاليون القتلة خاصة عند تذكر المسيرة الإجرامية لصدام ومسيرة عائلة وحشي سوريا من عام 1970 وحتى اليوم؟

الثانية: التي تنفي أنّها كانت مجرد أطماع ملكية هاشمية بحته، أنّه في عام 1974  عندما قرّر مؤتمر القمة العربية المنعقد في العالصمة المغربية (الرباط) الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، بادر الملك حسين لتطبيق هذا الاعتراف ميدانيا بإصداره ما عرف ب (قرار فكّ الارتباط بين المملكة الأردنية الهاشمية والضفة الغربية) عام 1988 مما يعني أنّ الضفة الغربية لم تعد جزءا من المملكة الأردنية بل هي جزء من الدولة الفلسطينية المنشودة، وأيضا مساهمة ميدانية ملموسة في انشاء الكيانية الفلسطينية. وفور اعطاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة  دولة فلسطين (غير الموجودة على الخارطة) عضوية (دولة مراقب) في نهاية نوفمبر 2012  ، بادر الملك عبد الله الثاني بزيارة الضفة الغربية ولقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مما يعني اعترافا أردنيا بهذه الدولة. هذا مع العلم بالحقيقة التاريخية التي تقول أنّ الأردن بقيادة الملك المؤسس عبد الله بن الحسين كان واحدة من الدول العربية السبعة التي وقعت عام 1944 بروتوكول الإسكندرية لقيام جامعة الدول العربية التي ظلت منذ ذلك العام مقرها الرئيسي والدائم في القاهرة، وأمينها العام منذ عام 1944 مصري الجنسية دون معارضة الهاشميين أو أية دولة عربية، وهذا ينفي الادعاء بانّ الهاشميين كانوا يرفضون أية وحدة عربية بدون رئاستهم وقيادتهم لها.

هذه هي حقائق التاريخ التي عشناها وموثقة تاريخيا، لذلك آمل ممن يريد مناقشتها أن يردّ عليها بحقائق إما لنقضها أو لتأييدها، فنحن بحاجة لتفعيل العقل وصولا لقناعات مشتركة مهما كانت نسبتها، بدلا من الشتائم والاتهامات التي لا تنسجم مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم (وادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). ونحن والقراء هنا لسنا في موقع العداوة بل موقع مناقشة الحقائق التاريخية التي ينظر إليها كل شخص من زاوية ونظرة مختلفة.
drabumatar@hotmail.com

ملاحظتان ضمن السياق
1 . جمعتني جلسة شخصية عام 2010 مع صديق كاتب أردني معروف من أصول فلسطينية في القاهرة، وعندما تحدثت له عن معاناتي بوثيقة سفر اللاجئين الفلسطينيين المصرية وطردي من أكثر من دولة، وتوقيفي في أي مطار عربي لساعات طويلة. أدمعت عيناه وقال: الآن أعرف كم كنّا محظوظين سكان الضفة الغربية بضم الضفة للملكة الأردنية الهاشمية، حيث تمتعنا بحرية التنقل والتملك بفضل الجواز والجنسية الأردنية.

2 . نسبة من سكان الضفة الآن لا أريد القول (كبيرة) أو (صغيرة) لعدم وجود هذه النسبة لديّ ، تتمنى لو لم يصدر قرار القمة العربية عام 1974  وقرار فكّ الارتباط عام 1988 ، لكانوا ظلّوا يتمتعون بما يضمنه لهم الجواز والجنسية الأردنية. ولكن لنا أن نتخيل حجم الاتهامات الني كانت ستصدر لو لم يتخذ الملك حسين قرار فك الارتباط بين الضفة والمملكة الأردنية واعترافه بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني واستضافته للمجلس الوطني الفلسطيني في العاصمة الأردنية  في سبتمبرعام 1984 .

 

66
الربيع الأردني: إللي بيجرب المجرّب عقله مخرّب؟

د.أحمد أبو مطر

تفاجأ العديد من القراء والأصدقاء من دعوتي في مقالتي السابقة ( الربيع الأردني: حراك شعبي أم شغب ونهب)، بالرأي أو الدعوة التي طرحتها لإعطاء جماعة الإخوان المسلمين الأردنية الفرصة لتشكيل ورئاسة الحكومة الأردنية، والحقيقة أنّ من تفاجأوا واستغربوا هذه الدعوة معهم كل الحق، خاصة من يعتقدون أنّ الإخوان المسلمين الأردنيين تمّ تجريبهم ميدانيا في الشارع الأردني طوال الستين عاما الماضية، وكان طريفا وساخرا تعليق القارىء رقم 4 (أردني) حيث قال فيه تعقيبا على فكرتي: ( والله أعجب من طرح الكاتب فكرة تجريب الاخوان ياللي بيجرب المجرب عقله مخرب . يعني ضروري نجرب الإخوان في الأردن حتى نعرف أنّهم دمار وتخلف وفقر واستبداد !!! ما بينفع نشوف اللي جربّوهم في مصر وغزه وغيرها ! وغيراتها ؟؟ يعني لازم الأردن يدفع ضريبة دم ودمار حتى يختبر الإخوان !! بعدين إذا جربناهم مين بيخلصنا منهم إذا ما عجبونا ؟؟ هم بيستولوا على الحكم وما بيتركوه لو سالت الدماء في كل مكان وهذا ما نراه بتجربة غيرنا من الدول لأنّهم يستعملون الديمقراطيه لمره واحده فقط لا غير وذلك للوصول للكرسي وبعدها تصبح الديمقراطيه حرام وضد شرع الله !!).

والمهم ملاحظته أنّ تعليق القارىء الأردني هذا حاز على تأييد 245 من القراء بينما كان معارضوه  6 فقط. وما أودّ توضيحه في هذه المقالة هو أنّ طرح فكرة تجريب تشكيل الحكومة الأردنية ورئاستها من قبل جماعة الإخوان المسلمين من طرفي، كان يحمل في ثناياه أسئلة توصل لنفي هذا التجريب، مما يدّل على (أنّ عقلي ليس مخرّبا بعد وآمل أن يطول هذا)، إذ تساءلت في  نهاية مقالتي:( لو شكّلت جماعة الإخوان المسلمين الحكومة الأردنية الجديدة، وكان رئيس الوزراء الأردني الجديد هو واحد من صقور الجماعة مثل السيد زكي بن ارشيد، فهل نوعية الشخص قادرة وحدها على إخراج الأردن من مأزقه الاقتصادي الحالي؟). وجوابي : لا..بدليل أنّني قلت في نفس المقالة السابقة (ولنكن صريحين حتى في حالة تشكيل الإسلاميين للحكومة ورئاستها، فإن تصفية كافة ملفات الفساد وإعادة ما يمكن لخزينة الدولة، وتخفيض النفقات الممكنة في كافة الدوائر والمؤسسات بما فيها الديوان الملكي، فإنّ هذه الخطوات ستساعد في تقليص العجز بنسبة بسيطة، و سيظل الوضع الاقتصادي الأردني أمام نفس المأزق الذي لا تحمد عقباه، إن لم تتدخل الدول الخليجية بدعم مالي سريع، والحكومة المصرية بإعادة تصدير الغاز إلى الأردن ليس دعما مجانيا ولكن تطبيق الاتفاقيات الموقعة بين البلدين وجمّدها الجانب المصري).

حقائق يجب التأكيد عليها

1 . إنّ جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين منذ نشأتها ظلّت محمية ومرعية من جانب القصر الملكي الهاشمي تحت مسمّى (جمعية خيرية) حتى تأسيس حزبها ( حزب جبهة العمل الإسلامي) بموجب الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين عام 1990 ، ولم تتعرض الجماعة لنسبة بسيطة من القمع ومصادرة الحريات التي تعرضت لها الجماعة في أقطار عربية أخرى خاصة مصر وسوريا، بالعكس لجأت قيادات إخوانية سورية إلى الأردن هربا من قمع نظام حافظ الأسد في سوريا.

2 . هذه الرعاية الملكية هي خلفية إصرار الإخوان المسلمين في الأردن على هدف استمرارية بقاء ووجود النظام الملكي الأردني مع المطالبة بإصلاح النظام فقط، وأعتقد أنّ غالبية الشعب الأردني وحركات الحراك الشعبي تدعم هذا المطلب، فهم يريدون الإصلاح وليس تغيير النظام، فتسمية النظام وهويته يتمّ دعمها والمطالبة ببقائها حسب نسبة تلبيتها لمطالب الشعب وتنظيماته السياسية، والملاحظ أنّ إخوان الأردن رفعوا صوتهم عاليا بعد استلام إخوان مصر للحكم برئاسة الدكتور محمد مرسي الذي تمّ انتخابه عبر انتخابات شعبية نزيهة، وهناك تحليلات ترى أنّ قطع الغاز المصري عن الأردن في زمن حكومة مرسي الإخوانية قرار يهدف للضغط على النظام الأردني دعما لإخوان الأردن، وإلا كيف تقوم حكومة إخوانية ذات خلفية إسلامية بتصعيب حياة شعب عربي مسلم في الأردن، لا يطلب مساعدات مجانية بل تنفيذ اتفاقيات موقع عليها من الدولتين؟.

3 . إنّ النظام الملكي هو الوحيد القادر على أن يكون سقفا عاما لحماية كافة خيوط نسيج المجتمع الأردني بسبب خصوصيات هذا المجتمع خاصة ( المنابت والأصول) التي كان يحرص على حمايتها الخطاب الملكي منذ زمن الملك حسين، حيث كان لا يخلو خطاب له عند ذكر كلمة (الأردنيين) من أن يتبعها بقوله ( من كافة المنابع والأصول ).

4 . إنّ نسبة حرية التعبير والتظاهر السلمي المسموح بها في الأردن من النادر أن توجد في الأقطار العربية، فقد هتف متظاهرون بسقوط النظام ورحيله، دون أن يقدّموا للمحاكمة، وقام شاب بحرق صورة الملك عبد الله الثاني فتمّ احتجازه لعدة أسابيع ثم تمّ الإفراج عنه بتوجيهات من الملك نفسه، بينما لوحصل هذا الهتاف والحرق أو النقد في أقطار عر بية اخرى لتم الحكم على صاحبه بالسجن المؤبد لأنّه تعدى على الذات الملكية أو الأميرية، ولاحظوا أنّ هذا المصطلح يقارب الحاكم مع (الذات الإلهية) التي لا يجوز التعرض لها!!!.

5 . إنّ حجم النقد الحاد الذي يكتبه كتاب أردنيون مقيمون في داخل الأردن دون التعرض لهم من أية جهة أمنية ومخابراتية يدعم التوجه لاستمرار النظام الملكي الأردني مع الاستمرار في عملية الإصلاح. وقد ترجمت مقالة الدكتور الأردني أنيس الخصاونة (خصخصة الديوان الملكي) لزميلين نرويجي وأمريكي مهتمان بشؤون الشرق الأوسط، فكان سؤال النرويجي الفوري: أما زال هذا الكاتب على قيد الحياة في الأردن؟. أجبته: نعم وما زال على رأس عمله أستاذا جامعيا.

خلفية اقتصادية في الأساس

لذلك كنت وما زلت مقتنعا أنّ الحراك الشعبي الأردني في الأساس ذي خلفية اقتصادية يرزح تحت وطأتها المواطن الأردني بسبب قلة الإمكانيات والموارد الطبيعية، والمهم هو الدعم العربي الخليجي المالي والمصري بإعادة توريد الغاز حسب الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، واستمرار النظام الملكي في الإصلاح السياسي خاصة ما يتعلق بقانون الانتخابات والإقتصادي وتحديدا خفض النفقات و فتح كافة ملفات الفساد التي كان الحكم على مدير المخابرات السابق محمد الذهبي بدايتها. ومن المهم التوقف عند،
تصريحات الملك عبد الله الثاني الأخيرة،
التي أكّد فيها ( أن الانتخابات النيابية ستجري في موعدها المحدد ما لم يطرأ جديد على الساحة). مؤكدا ( إننا نحترم الحراكات الإصلاحية التي تعبر عن مطالبها بأسلوب حضاري.... إننا نسير في الإصلاحات السياسية قدماً ) وأنّ  الوضع الاقتصادي في الأردن ليس سوداويا كما يصورّه البعض ، وسيحصل الأردن على مساعدات خليجية قريبا، وقد بدأ الدعم السعودي فعلا. لذلك فلنعطي النظام فرصة لنرى مستوى السير في الإصلاحات ونحكم على ذلك، فتراكمات ثمانين عاما لن يحلّها حتى الإخوان المسلمين في أيام أو شهور. ومن يسألني لماذا لا نتعاطى مع النظام الأسدي في سوريا بنفس الإسلوب، أقول لهم باختصار شديد: لا يمكن مطلقا المقارنة بين النظام الأردني والوحشي في سوريا، فقط من لديه ضمير فليتعظ من عدد القتلى والمفقودين والسجناء واللاجئين السوريين منذ مارس 2011 ، والقصف اليومي للمدن والقرى السورية بأسلحة لم تستعمل ضد الاحتلال الإسرائيلي للجولان مطلقا، عندئذ يتذكر أنّه لا مجال للمقارنة بين النظامين، خاصة أنّه لا توجد في الحراك الشعبي الأردني أية قوة جماهيرية تريد إسقاط النظام الملكي الأردني وتغييره، وبالتالي فالموالاة والمعارضة كلاهما مع النظام ويريدون الإصلاح السياسي والاقتصادي فقط، وهي مطالب شعبية جماهيرية أردنية يجب دعمها والعمل من أجل تحقيقها.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com




67
الربيع الأردني: حراك شعبي أم شغب ونهب؟

د.أحمد أبو مطر

تصاعد الحراك الشعبي الأردني في الأسابيع الأخيرة، خاصة بعد قرار رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبد الله النسور رفع أسعار المشتقات النفطية بنسبة ليست في قدرة غالبية المواطنين الأردنيين، صاحبها بتصريحات استفزازية مدّعيا أنّه هو وحده من يقف وراء القرار وأنّه لن يتراجع عنه، وهو يقدّم نفسه بذلك وكأنّه رئيس الوزراء والوزراء معا مما لا يستدعي مشاورتهم وأخذ موافقتهم، وكأنّ البلد يخلو أيضا من مستشارين ومتخصصين يأخذ رأيهم خاصة في تأثير هذا القرار على حياة المواطن الأردني الذي يعاني أساسا من صعوبة الحياة بسبب انخفاض الرواتب  والغلاء الذي طال كافة جوانب الحياة بشكل مباشر وغير مباشر. وتصريحه هذا كذلك فيه تعدّ على صلاحيات الملك الذي هو من يعين رئيس الوزراء ويقيله ويغيره بدليل ثلاثة رؤساء وزراء في أقل من سنة (معروف البخيت، عون الخصاونة، و النسور آخرهم حتى كتابة هذه المقالة)، وتصريحه يعني إن صدق أنّه لم يستشر العاهل الأردني في هذا القرار الذي سبق للملك أن ألغى العمل بقرار مماثل نتيجة الرفض الشعبي له. وقد تصاحب كل هذا مع تحليقه اليومي في شاشات التلفزيون والإعلام بمناسبة ودون مناسبة لدرجة أنّ صحافيين أردنيين معروفين ناشدوه بأن يخفف من ظهوره الإعلامي الذي أصبح مثيرا ولا جديد فيه ، خاصة بعد أن رصد كتاب أردنيون قائمة بمواقفه السابقة ومواقفه بعد رئاسة الوزارة النيقضة لها، وهذا ليس في صالحه عندما تنقلب المواقف إلى النقيض حسب الموقع الوظيفي، فمن غير المنطقي ولا المفهوم أن تكون نائبا في البرلمان ولك مواقف مقبولة، وفور أن توضع في موقع رئاسي تتغير مواقفك تلك إلى النقيض المرفوض شعبيا.

نعم...إنّه حراك شعبي بامتياز جماهيري

المتابع الموضوعي لحراك الشارع والجماهير الأردنية إن أراد أن يكون موضوعيا وغير متحيزلأية جهة سوى الشعب الأردني الذي بكفاءاته وخبرات شعبه بنى دولة حديثة رغم قلة الموارد والإمكانيات تفوق بنية العديد من الدول التي لديها مئات أضعاف الأردن من الموارد والثروات، يستطيع أن يقول بثقة وصدق: نعم..وألف نعم إنّه حراك شعبي صادق نابع من قلب وعقل جماهير ترفض الضيم والتهميش لغالبية الشعب الأردني من أجل ظهور قلة قليلة من الأثرياء الذين كانوا قبل تسلمهم المناصب التي أهلّتهم للسرقة والسطو لا يملكون فعلا إلا القمصان التي تستر أكتافهم، لدرجة أنّ الشعب الأردني من باب روح السخرية المرّة صار يشطب عن أي من أولئك اللصوص اسم عائلته أو عشيرته ويضع مكانها اسم الشركة أو السلعة التي من سرقاته ونهبه من خلالها صار مليونيرا، كأن يقولوا (فلان أودي)، (فلان فوسفات)، (فلان كازينو)، ولا أعرف من سيكون (فلان مازوت). لذلك فإنّ من يعتبر هذا الحراك الشعبي بأنّه مجرد تحركات شبيحة وعصابات للسرقة والنهب فهو فعلا أعمى البصر والبصيرة ولا يعرف معنى الانحياز للشعب الذي يطالب بحياة كريمة خالية من السطو والفساد، حياة تليق بصمود الشعب الأردني من كافة المنابت والأصول في وجه العديد من المؤامرات التي كان من الممكن أن تطيح بوجود هذا البلد من أساسه من عشرات السنين.

عقلانية الحركة الإسلامية في مطلب إصلاح النظام

أرى أنّ الحركة الإسلامية في الأردن ممثلة بحزبها الأكثر جماهيرية (حزب جبهة العمل الإسلامي) التابع تنظيميا لجماعة الإخوان المسلمين، هو الأكثر عقلانية في أطروحاته المطالبة علانية وبوضوح بدعم استمرار وجود النظام الملكي الهاشمي سقفا عاما يجمع كافة خيوط نسيج المجتمع الأردني، وفي الوقت نفسه يطالبون بإصلاح النظام رغم انفلات بعض الهتافات في التظاهرات الأخيرة هاتفة بسقوط النظام، فيعيد الإسلاميون في مواجهة هذا الفلتان التأكيد على مطلبهم بضرورة استمرارية النظام الملكي مع ضرورة وأهمية إصلاحه، وهذا الإصلاح كما يطرحونه يستدعي: قانون انتخابات جديد يقفز على قانون الصوت الواحد الذي يكاد أن يكون هناك إجماع على إلغائه، والاستمرار في فتح كافة ملفات الفساد بشفافية كاملة جريئة، والتدرج وصولا للملكية الدستورية.

هل يستطيع النظام القائم تحقيق هذه المطالب؟

أعتقد أن النظام نفسه أبدى عقلانية وهدوءا منقطع النظير مقارنة بجواره العربي، ولننظر فقط كيف تعاملت قوى الأمن الأردنية مع التظاهرات بما فيها التي هتفت بسقوط ورحيل النظام، لقد كان تعاملا هادئا وناعما قياسا بما يجري في أقطار عربية بين المتظاهرين والقوى الأمنية، حيث تحولت مظاهرات سلمية في مارس 2011 في الجارة سوريا إلى حرب مسلحة شاملة بسبب طريقة تعامل النظام مع المتظاهرين. وهذا لا يعني أن قوى الأمن الأردنية ملائكية، فقد حدثت تجاوزات وتعديات رصدتها مراكز حقوق الإنسان الأردنية بتفاصيلها بما فيها اعتقال واحتجاز شباب أحداث دون سن السادسة عشرة، ولكن المقصود هو المقارنة بين تعاملات قوى الأمن في الأقطار العربية. وضمن نفس هذا السياق يمكن التوقف عند مسألتين يمكن أن يعطيا دليلا على نسبة من نية النظام الملكي في الاستمرار الجدي في الإصلاح الذي لا يمكن أن ينهي تراكمات ثمانين عاما خلال أيام، هاتان المسألتان هما:
1 . الحكم الذي صدر على مدير المخابرات السابق محمد الذهبي بالسجن ثلاثة عشر عاما، ودفع ما لا يقل عن أربعين مليون دينارا في قضايا فساد وغسيل أموال، ومن يستمع لرغبات الشارع الأردني يدرك أن الشعب الأردني مرتاح لهذا الحكم ويأمل أن يكون بداية لفتح كافة ملفات الفساد، كما يأمل أن يكون الحكم جدّيا وتسترد الأموال المذكورة لخزينة الشعب الأردني وأن يمضي فترة السجن حقيقة في السجن كغيره من المتهمين وليس في فيلا على شاطىء العقبة كما أشيع عن تمضية مدير المخابرات الأسبق سميح البطيخي لسنوات سجنه.
2 . قرار العاهل الأردني بوقف القرارات الخاصة بتقاعد النواب التي أثارت غضب الشارع الأردني، وفي هذه المسألة تتوجه أصابع الفساد والمفسدين للنواب أنفسهم الذين يركضون وراء إصدار تشريعات تخدم مصالحهم وليس مصلحة الناخبين الذين انتخبوهم، وبالتالي كيف سيثق الشعب في هولاء النواب الذين لا يمثلون تطلعاته ورغباته، وهذا يشير إلى ضرورة تعديل قانون الانتخابات كي لا يصل لقبة البرلمان النائب على حساب أصوات العشيرة بل على حساب برنامج حزبه الانتخابي، وهذا هو المعمول به في غالبية الدول الديمقراطية. صحيح أن التعديل الذي حصل على قانون الانتخابات وتخصيص نسبة من عدد المجلس لتصويت خارج الصوت الواحد، خطوة على الطريق، يمكن أن تتدرج بهدوء وصولا لقانون انتخابي عام مفتوح كما هو معمول به في الدول الديمقراطية.

الملكية المطلقة أم الملكية الدستورية
المسألة لا تتعلق بالتسميات بقدر التطبيقات الميدانية، فالحركة الإسلامية تطالب علانية بالوصول للملكية الدستورية، حيث تكون كافة الصلاحيات ملك ورهن الإرادة الشعبية، خاصة أن يشكل الحكومة الحزب الفائز بالأغلبية في البرلمان، وبالتالي يمضي فترته المنصوص عليها في الدستور، ثم يحكم الناخب على هذا الحزب فإما أن يعطيه ثقته من جديد أو يسحب منه هذه الثقة. وأنا أعتقد أن هذه الطريقة فيها إزاحة للثقل والهمّ عن كاهل الملك كي لا يتحمل كافة المسؤوليات خاصة فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي في الأردن الذي يعاني من شحة الموارد والإمكانيات، مترافقا مع إهمال كل الدول العربية بما فيها الخليجية من التقدم لمساعدة الأردن للخروج أو الصمود أمام هذا المأزق الاقتصادي كما هبّت الدول الأوربية لمساعدة اليونان .وكم كان مؤلما مطالبة المستشفيات الخاصة الأردنية للحكومة الليبية بالسرعة في دفع مستحقاتها من علاج الليبيين التي بلغت قرابة 200 مليون دينار، لدرجة أنّ بعض المستشفيات مهددة بالتوقف عن العمل بسبب النقص في الميزانية، فكيف يمكن فهم هذا التردد الليبي من حكومة ليبية جاءت بعد خلع ديكتاتور عاث فسادا في البلاد والعباد، والمستشفيات الأردنية لا تطالب بمساعدات بل بمستحقاتها عن علاج ألاف الليبيين. وبالتالي:

لماذا لا نجرّب تسلم الإسلاميين هذه المهمة؟

لو شكّلت جماعة الإخوان المسلمين الحكومة الأردنية الجديدة، وكان رئيس الوزراء الأردني الجديد هو واحد من صقور الجماعة مثل السيد زكي بن ارشيد، فهل نوعية الشخص قادرة وحدها على إخراج الأردن من مأزقه الاقتصادي الحالي؟. لذلك يرى بعض الأخصائيين أنّه رغم قسوة قرار رفع سعر المشتقات النفطية وغبنه لغالبية المجتمع الأردني، إلا أنّه كان لا مفر منه في ظلّ وجود ما لا يقل عن مليون ونصف من الجاليات العربية خاصة العراقية والمصرية والسورية والليبية، وسيتم صرف نسبة من الدعم المالي لبعض فئات المجتمع الأردني. ولنكن صريحين حتى في حالة تشكيل الإسلاميين للحكومة ورئاستها، فإن تصفية كافة ملفات الفساد وإعادة ما يمكن لخزينة الدولة، وتخفيض النفقات الممكنة في كافة الدوائر والمؤسسات بما فيها الديوان الملكي، فإنّ هذه الخطوات ستساعد في تقليص العجز بنسبة بسيطة، و سيظل الوضع الاقتصادي الأردني أمام نفس المأزق الذي لا تحمد عقباه، إن لم تتدخل الدول الخليجية بدعم مالي سريع، والحكومة المصرية بإعادة تصدير الغاز إلى الأردن ليس دعما مجانيا ولكن تطبيق الاتفاقيات الموقعة بين البلدين وجمّدها الجانب المصري. هذه هي أوجه الحراك الشعبي الأردني الذي هو حراك جماهيري عادل، خلفيته اقتصادية بحتة لأنّ الأردن في مختلف مجالات وتطبيقات الحياة اليومية بما فيها حرية التعبير يختلف تماما عن العديد من الدول العربية، وفقط يمكننا أن نسأل: كيف كانت ستكون ردود فعل الأجهزة الأمنية في دول عدّة على هتافات المتظاهرين برحيل وسقوط النظام؟. فهل يملك صاحب القرار الأردني الإرادة على السير قدما في خطوات الإصلاح المطلوبة، وتجريب من لم يجربّهم الشعب الأردني بعد في موقع رئاسة الحكومة وتسيير أمور البلاد؟.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com



 




68
من استفاد من العرب من جرائم الاحتلال في قطاع غزة؟

د.أحمد أبو مطر

جرائم الاحتلال الإسرائيلي البشعة التي ظلت متواصلة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لمدة ثمانية أيام، لا يستطيع ضمير إنساني أن يسكت عليها سوى ضمير القادة الإسرايئليين إن وجد، لأنّهم فقدوا هذا الضمير منذ خمسة وستين عاما، عندما أقاموا وطنا لشعب تمّ تجميعه بالإغراءات المادية والوعود الدينية على أنقاض وطن شعب مستقر فيه من ألاف السنين. ورغم هذا الاغتصاب لوطن تاريخي وتشريد غالبية شعبه إلى عشرات المهاجر والمنافي، إلاّ أنّ هذا الشعب اللاجىء المشرّد أثبت امتلاكه حاسة إنسانية من المستحيل أن توجد يوما ما لدى القادة الصهاينة خاصة من اليمين المتطرف،  بدليل أنّ هذا الشعب الفلسطيني قدّم منذ عام 1988 من التنازلات من أجل سلام عادل ما لا يتخيله أي تصور!!!. فقد قبل هذا الشعب في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في ذلك العام قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 أي ما لا يزيد عن 22% من مجموع مساحة فلسطين المسروقة والمحتلة. لكنّ هولاء القادة الصهاينة  يرفضون ذلك ولم يكتفوا بسرقة وطن بالكامل، لكنّهم يسعون لاعتبار دولة الاحتلال هذه على أنّها ( الدولة العبرية ) كخطوة عملية لمصادرة حق العودة المصادر أساسا من اللاجئين الفلسطينيين رغم قرارات الأمم المتحدة، وكذلك تمهيدا لطرد ما يزيد على مليون وربع فلسطيني بقوا في وطنهم المحتل لأنّه عندئذ لا مكان لهم في (دولة عبرية). هذا رغم أنّه حسب المصادر الإسرائيلية فأنّ ما لا يقل عن ثلاثمائة ألف شخص ممن تمّ جلبهم من دول الاتحاد السوفييتي بعد تفككه عام 1991 على أنّهم يهود، ثبت انّهم مسيحيون أبا عن جد هربوا من الفقر والحاجة، ومؤسسات التهجير الإسرائيلية تعرف ذلك، لكنها فقط تريد زيادة عدد دولة الاحتلال بأي شكل ومن أية مصادر بشرية غير عربية، وهذا ما تكرّر مع من أطلقوا عليهم (يهود الفلاشا) الذين تمّ جلبهم من أثيوبيا، وبعد وصولهم دولة الإحتلال مورست ضدهم تفرقة عنصرية بذيئة أجبرتهم على التظاهر المستمر، نادمين على مجيئهم من وطنهم الأم الحبشة حيث ولدوا ولا علاقة لأغلبهم بالديانة اليهودية سوى بعض العادات والتقاليد التي جعلت كهنة دولة الاحتلال يعتبرونهم يهودا، فقط لزيادة عدد، السكان المهم أن لا يكونوا عربا سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين.

مصائب قوم عند قوم فوائد

ورغم تفوق الآلة العسكرية الصهيونية مما يجعل (موازين القوى) مائلة لصالحها بنسبة عالية، إلا أنّ صمود الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة جعل (موازين الرعب) مائلة لصالح الشعب الفلسطيني، حيث أجبرت قوى المقاومة بإمكانياتها المحدودة ملايين من الإسرائيليين على الهروب إلى الملاجىء، حيث تفاجأوا بوصول صواريخ المقاومة على ضعفها وبدائيتها قياسا بصواريخ وطائرات الاحتلال إلى القدس وتل أبيب. وهذا درس خطير لشعب دولة الاحتلال مفاده أنّه رغم التفوق العسكري لدولتكم المجرمة، فلا أمل في راحة أو عيش رغيد طالما حقوق الشعب الفلسطيني مصادرة رغم كل تنازلاته. ورغم مصائب الشعب الفلسطيني وعدد الشهداء والجرحى والتدمير الهمجي للعديد من المؤسسات والمباني الحكومية والمنازل العائلية، إلا أنّ هناك عرب مستفيدون من هذه الحرب الإسرائيلية الإجرامية. من هم العرب المستفيدون من هذه الجرائم؟

نظام وحش سوريا هو أول المستفيدين!!!

إنّ مقارنة جرائم الوحش الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني بجرائم الوحش البعثي الأسدي بحق الشعب السوري، تجعل الوحشان في مرتبة واحدة ونوعية جرائمهما تكاد تثبت أنّهما درسا وتخرجا من نفس المدرسة الإجرامية بدرجة امتياز مع مرتبة الخزي والعار. إنّ وحش سوريا هو المستفيد الوحيد من العرب العاربة والمستعربة من جرائم الوحش الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وذلك لأسباب عدّة أهمها:

أولا: انشغال العالم بملف جرائم الوحش الإسرائيلي وكيفية الوصول إلى تهدئة بين الضحية والقاتل، وبالتالي فلا أحد يتابع جرائم وحش سوريا بحق الشعب السوري، لأنّ غالبية العالم يهمّه أمن دولة الاحتلال، فهذا الأمن له الأولوية على أمن الشعب السوري، لذلك ما عدنا نسمع منذ بداية الجرائم الإسرائيلية أية ادانات لجرائم وحش سوريا، أوأية تحركات لوقفها أو دعم الثوار السوريين الذين اتسعت قاعدة قوى ثورتهم بعد تشكيل الإئتلاف الجديد بقيادة الدكتور أحمد الخطيب.

ثانيا:فرح وحش سوريا من جرائم الوحش الإسرائيلي في قطاع غزة، لأن الوحش السوري لا يعتبرها جرائم موجهة ومرتكبة بحق الشعب الفلسطيني بل بحق حركة حماس التي تحكم القطاع منفردة وتمردت على جرائمة وخرجت قيادتها من سوريا تضامنا مع الثورة السورية. لذلك ليس غريبا أنه في نفس الوقت، قامت عصابات وحش سوريا بمداهمة بيوت قادة حماس في دمشق ومصادرة كافة محتوياتها، وتصعيد عصابات العميل أحمد جبريل عملياتها ضد فلسطينيي مخيم اليرموك، حيث تجاوز عدد القتلى المئات بالإضافة إلى أعداد هائلة من المعتقلين والمفقودين. وقد بدأ نظام وحش الممانع لديمقراطية الشعب السوري والمقاوم لحريته وكرامته وإعادة ثروته المنهوبة بالمليارات، يفصح علانية عن عدائه أيضا مع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، إذ أعلنت وزارة التربية والتعليم السورية في التاسع من نوفمبر 2012 استثناء الفلسطينيين من التعيين في الوظائف العامة لديها ، وهذا بداية الإفصاح عن قرارات أخرى لاستثناءات وحرمانات عديدية للاجئين االفلسطينيين، علما أنّ الشبكة الدولية للحقوق والتنمية أكّدت وقوع 1112 ضحية من المخيمات الفلسطينية، وأكثر من 22450 معتقلا وألاف الجرحى، وأكثر من 2540 مفقودا ونحو 11745 فرّوا خارج سوريا.

وهكذا يستمر وحش سوريا في ممارسة جرائمه ضد الشعب السوري التي لا تختلف في النوع والحجم وآلة القتل عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وهذا يفسّر التماثل والتشابه بين المجرمين الإسرائيلي ووحش سوريا،وحرص هذا الوحش على التهدئة وحفظ أمن وهدوء الحدود مع شقيقه الإسرائيلي. الفرق الوحيد هو أنّ المجرم الإسرائيلي خاف على شعبه من صواريخ حماس وفصائل المقاومة رغم فارق القوة العسكرية فقبل بوقف اجتياحه وقصفه الوحشي بينما مجرم سوريا مستمر منذ مارس 2011 في قصف الشعب السوري بكل ما يملك من قوة وسلاح، دفاعا عن ماذا؟ إنّه يدافع عن استمرار سيطرة عائلته وأخواله وعصاباته على مقدرات الشعب السوري خاصة الاقتصادية والمالية، التي حوّلتهم من فقراء تعساء كغالبية الشعب السوري إلى أصحاب إمبراطورية إقتصادية ضخمة على حساب نهب وسرقة ثروة غالبية الشعب السوري. وبالتالي فعلا (إنّ مصائب قوم عند قوم فوائد) وأيضا (عدو عاقل خير من صديق جاهل).
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com





69
احتلال يعيش على الجرائم والوحشية

د.أحمد أبو مطر

الغارات الجوية الأخيرة التي شنها طيران الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وأدت إلى استشهاد وجرح عشرات الفلسطينيين، من بينهم مسؤول كتائب القسام الشهيد أحمد الجعبري، غارات لها دلالات عديدة لا علاقة لها بما يدعيه الاحتلال بأنها رد على الصواريخ التي أطلقتها المقاومة، وذلك لأن هذا الاحتلال أثبت طوال ما يزيد على ستين عاما بأنّه لا يعيش ولا يستمر إلا على تصعيد الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، الذي أعطت قياداته من التنازلات من أجل سلام عادل ما لا يتخيله عقل أو منطق.

دولة الاحتلال الوحيدة بدون حدود مرسومة

الأمر الذي ربما لا يعرفه البعض أو يتاسونه أنّ الشعب الفلسطيني طالب بالسلام وبدولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 قبل اتفاقية أوسلو بستة سنوات، وذلك عندما أعلن المرحوم الرئيس ياسر عرفات في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر عام 1988 قيام دولة فلسطين ضمن حدود عام 1967 أي قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، التي لا تزيد مساحتها مجتمعة عن 22 بالمائة من المساحة التاريخية لفلسطين المحتلة منذ عام 1948 . ورغم هذه التنازلات ترفض منذ ذلك الوقت كافة حكومات الاحتلال الاعتراف بأية حقوق للشعب الفلسطيني، بالعكس يستمر الاستيطان الذي استحوذ على مساحة كبيرة من الضفة الغربية، وبعد الانسحاب الأحادي من طرف الاحتلال من قطاع غزة، يستمر في قصف القطاع والتجول كما يريد في الضفة الغربية ليلا ونهارا، يعتقل ويهدم ويقصف كما يريد وكأنّه منطقة لا سلطة فلسطينية فيها. وبهذا تكون دولة الاحتلال الإسرائيلي هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا حدود مرسومة ومحدّدة لها، مما يعني أنّه لا نية للسلام الحقيقي والعادل لدى كافة الحكومات الاحتلالية المتعاقبة.

كيف يكون الردّ على جرائم الاحتلال الوحشية

أعتقد أن هذه الغطرسة الاحتلالية ما عاد أي فلسطيني أو عربي لديه ذرة من ضمير أن يسكت عليها، لذلك فالرد الذي من الممكن أن يردع الاحتلال ولو بنسبة بسيطة يأتي من موقفين:

أولا: إتمام المصالحة الفلسطينية فورا فما عاد عاقل أو وطني يفهم على ماذا حركتا فتح وحماس مختلفتان؟. وإذا صفت النوايا وأخلصت الضمائر لمصلحة الشعب الفلسطيني في هذا الوقت العصيب فالمصالحة سهلة للغاية، تحتاج فقط للترفع عن المصالح الشخصية والتنظيمية، ويمكن أن تأتي فورا خلال خطوات سريعة كالتالي:
1 . الاعتراف الفوري من السلطة الفلسطينية بشرعية رئاسة السيد اسماعيل هنية للحكومة الفلسطينية، كونه وصل لرئاسة الحكومة عبر انتخابات حرة نزيهة.
2 . قيام السيد اسماعيل هنية بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة تشمل وتضم كافة أطياف وحركات الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة، وكذلك الكفاءات المستقلة التي تتواجد في المجتمع الفلسطيني من كافة التخصصات والمهن.
3 . البدء الفوري بإخلاء السجون في القطاع والضفة من كافة السجناء على خلفياتهم التنظيمية، ووقف الملاحقات والسماح للكل بالعمل التنظيمي بدون أية مضايقات طالما هو تحت رقابة القانون ولا يشكّل تعديا على حريات أحد.
4 . البدء بالتحضير لانتخابات فلسطينية جديدة تشمل الضفة والقطاع لانتخاب مجلس تشريعي جديد ورئيس جديد للسلطة الفلسطينية التي ستكون شاملة وممثلة للقطاع والضفة، خاصة أن الرئيس محمود عباس لمّح  وصرّح أكثر من مرة عن عزوفه للترشح لرئاسة جديدة، وهي خطوة جريئة إن استمر في الإصرار عليها، فلا بد من كفاءات جديدة من شعب ليس عاقرا بحيث يستمر الرئيس أي رئيس إلى الأبد، ونحن في زمن ربيع عربي يرفض استمرار الحكام من المهد إلى اللحد.

ثانيا:  ما سبق كان المطلوب من الجانب الفلسطيني، أمّا من الأطراف العربية فما عاد يفيد اجتماعات الجامعة العربية الديكورية الخطابية، فلا بدّ من مواقف عربية جادة شجاعة تكون في مستوى تحديات وجرائم الاحتلال، وأهم هذه المواقف التي فعلا الآن تستدعي القيام بها، هي إعادة النظر في اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة والسؤال: هل خدمت هاتان الاتفاقيتان عملية السلام المعني بها أساسا الشعب الفلسطيني؟ الجواب: لا..لا..لذلك فإلغاء هاتين الاتفاقيتين أصبح ضروررة شعبية ملحة، فهما اتفاقيتان لم يخدما عملية السلام بل أعطتا الاحتلال جرعات زائدة من الإجرام والتوحش.

من المتضرر أكثر من هذه الجرائم الاحتلالية؟


صحيح أن ضحايا وشهداء الشعب الفلسطيني هم الأكثرية المطلقة من هذه الجرائم، بسبب تفوق الاحتلال عسكريا، إلا أنّ الشعب الفلسطيني ينطبق عليه المثل ( خد وتعود على اللطيمة )، أمّا الاحتلال ورغم قلة الامكانيات العسكرية لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، إلا أنّه لن ينعم بالراحة كما هدّدت تلك الفصائل، وبالتالي فالأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات، والغريب هو وجود دولة احتلال تعيش على القصف والجرائم منذ ما يزيد على 64 عاما وترفض أية مبادرة سلام فلسطينية أو عربية، رغم كل التنازلات التي يقدمها الفلسطينيون أو العرب في مبادرة (الأرض مقابل السلام )، وهذا يعيد للذاكرة ما ورد في مذكرات بن جوريون ( لا يجمع الشعب الإسرائيلي إلا استمرار الشعور بالخطر)، وبالتالي فسوف يظلّ هذا الاحتلال يبدأ الحروب والغارات وإن لم تفرض عليه، وهذا يستدعي صحوة ضمير عالمية تجبرّه على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الذي هو الشعب الوحيد في العالم اليوم بدون دولة مستقلة معترف بها عالميا..
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com




70
لا..وألف لا..وحدة العرب غير ممكنة
د.أحمد أبو مطر
يبدو من عنوان المقالة أنّها مناقشة لأفكار مقالة الزميل الأستاذ نجم عبد الكريم بعنوان (وحدة العرب ممكنة، لكنّهم يكبلونها بالعوائق).أودّ أن أوضح في البداية مشاركتي الكاملة للزميل في غيرته على ضرورة قيام الوحدة العربية، وحرقتي مثله على هذه العوائق التي منذ ما لايقل عن ثمانين عاما تحول دون قيام هذه الوحدة، وضمن نفس السياق أؤيده في أغلب الحيثيات والوقائع التاريخية التي سردها موثقة، ومن ضمن انعكاسات بعضها على الواقع العربي تشكلت عوائق اضافية حالت دون قيام هذه الوحدة العربية.لكّن نقاشي مع الزميل يتركز في مسألة العوائق الذاتية أي النابعة من التركيبة العربية في أسسها الثقافية والتربوية التي ترسخت عبر التاريخ ،ترفض مبدأ الوحدة والاندماج نتيجة الإحساس الفردي بالذات التي تضخمت في القرن الماضي لدرجة الصراع بين الشعوب، وهذه المسألة ليست خاصة بالشعوب العربية بل توجد لدى غالبية الشعوب من أجناس مختلفة، بدليل أنّهم في أوربا لا يطرحون مطلقا مسألة (الوحدة الأوربية بمعنى الدولة الواحدة) بل مسألة التنسيق المشترك اقتصاديا وسياسيا وعسكريا بين دول القارة الأوربية بما يحقق مصالح الشعوب ويرتقي بمستوى حياتها، وقد تحققت حتى الآن نسبة عالية من هذا التنسيق على مستوى التنقل بدون تأشيرة دخول وتوحيد العملة وتقديم مساعدات بالمليارات للدول الفقيرة منها للارتقاء بمستوى اقتصادها ليصبح قريبا من اقتصاد بقية الدول الأوربية. أمّا قيام دولة أوربية واحدة تشمل كافة دول ما يسمّى (الاتحاد الأوربي) البالغة اليوم 27 دولة فهو غير وارد، بدليل أنّ هناك 6 دول تنتظر الانضمام لهذا الاتحاد، بينما هناك حوالي 15 دولة ترفض ذلك ولا تسعى إليه، ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا رفضت الانضمام إلى العملة الموحدة (اليورو) التي أقرت عقب معاهدة ماستريخت عام 1992 ، وما زالت محتفظة بعملتها الوطنية (الجنية الاسترليني) وتدور منذ شهور عديدة دراسات حول إمكانية العودة للعملة المحلية السابقة لكل دولة بعد الهزات الاقتصادية التي تعرّض لها اليورو،  خاصة بعد تفاقم الانهيار في الاقتصاد اليوناني التي تعجز كافة دول الاتحاد الأوربي حتى الآن على تجاوز أزمته وسلبيات انعكاساته.

لماذا الوحدة العربية غير ممكنة؟
ضمن المعطيات السابق خاصة حرص كل شعب على بعض خصوصياته، وضمن خصوصيات الشعوب العربية المتعددة، أرى أنّ الوحدة العربية بمعنى دولة واحدة برئيس واحد يتم انتخابه من قبل شعوب 22 دولة عربية، كما يتمّ انتخاب رئيس أمريكي واحد من قبل 51 ولاية أمريكية بعض هذه الولايات أكبر من العديد من الدول العربية مساحة وتعداد سكان واقتصادا، فهي مستحيلة لدرجة الرقم واحد من المستحيلات للأسباب التالية:
1 . الحكام العرب أيا كانت صفتهم (رؤساء، ملوك، أمراء،شيوخ، سلاطين) هم بالإجماع ضد هذه الوحدة العربية الشاملة، لأنّها تعني اختفاء 21 منهم ويبقى لهذه الدولة العربية الواحدة رئيسا واحدا فقط يتمّ انتخابه من قبل الشعوب العربية في دولها الإثنتين وعشرين، والمضحك المبكي لدرجة الإغماء أنّ بعض هذه الدول مثل (جيبوتي، الصومال، وجزر القمر) غالبية سكانها لا يتكلمون العربية ولا يفهمون كلمة واحدة منها. لذلك ليس مستهجنا فيما يسمّى (القمم العربية) أن تتم دعوة رؤساء أجانب لحضور هذه القمم كما حصل في يناير عام 2009 حضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للقمة العربية في قطر، وهذا لا يحصل في أية قمم إلا القمم العربية.
2 . الشعوب العربية التي هي العنصر الأساسي في هذه الوحدة المنشودة، هل هي مع الوحدة وتسعى إليها وتطالب الحكام بإقامتها؟. جوابي هو: لا..وألف لا..فليس كل الشعوب العربية تريد هذه الوحدة وبعضها مستعد للقتال كي لا تتم هذه الوحدة، لماذا؟. لأنّ الوحدة العربية الشاملة تعني جواز سفر عربي واحد كما هو جواز سفر أمريكي واحد لواحد وخمسين ولاية أمريكية، وهذه الوحدة تعني عملة عربية واحدة وقانون عربي واحد يغطّي كافة أوجه الحياة من الوظائف إلى التعييينات والرواتب والصحة والعلاج والتعليم ..إلخ، كما أنّه يعني إلغاء الحدود ويستطيع أي مواطن عربي من أية دولة أن يتنقل ويقيم ويتعلم وينام أينما يريد في أية دولة، بما يعني أنّه لا توجد عندئذ دولة فقيرة ودولة غنية، فكافة الثروات مجتمعة ستوزع بالتساوي على كافة الشعوب، فلا وجود لشعب درجة أولى وشعب درجة عاشرة، وبالتالي فالكل سواسية كأسنان المشط في كل أمور حياتهم...فهل ترضى كافة الشعوب العربية بهذا الوضع الذي تفرضه الوحدة العربية الشاملة؟
هل ترضى شعوب الخليج والجزيرة العربية،
بتوزيع الثروة التي ينعمون بها منذ عشرات السنين (ولا حسد عندي) على كافة سكان الدولة العربية الموحدة؟. وهم أي سكان الخليج والجزيرة العربية حسب مجلة (ميد) المتخصصة في اقتصاد الشرق الأوسط ،يبلغون الآن حوالي 47 مليون من بينهم نسبة لا تقل عن 45 بالمائة من الوافدين آسيويين وأفارقة وعرب من أقطار أخرى، وإذا قامت الوحدة العربية فهذا سينتج عنه أنّ الثروة التي ينعم بها حوالي اثنين و ثلاثين مليون مواطن خليجي سوف توزع على سكان دولة الوحدة العربية الواحدة التي لا يقل سكانها عندئذ عن 370 مليون مواطن من ضمنهم ملايين الاسيويين والأفارقة؟. أعتقد أنّ الشعوب العربية في الخليج والجزيرة العربية سترفض ذلك وتقاومه بكل ما تستطيع، فمن منهم سيقبل أن الموظف المصري أو الفلسطيني أو...أو...أو الهندي أو الصومالي سيأخذ نفس راتب القطري أو الكويتي أو السعودي أو...أو... والكل سيتمتع بمجانية التعليم والعلاج وقروض السكن والزواج...إلى آخر الامتيازات التي ينعم بها المواطن الخليجي ويحرّم منها الوافد لديارهم بمن فيهم من يفترض أنّهم أشقاؤهم العرب، حيث لا يسمح لأطفالهم بدخول المدارس الحكومية  ولا يتمتعون جميعهم بمجانية التعليم والصحة والعلاج. مع ضرورة التوضيح أن المواطن الخليجي بنفس الشهادة وفي نفس الوظيفة والدرجة راتبه على الأقل أربع مرات أكثر من راتب زميله العربي من جنسية أخرى، بينما الأمريكي في 51 ولاية يتمتع بنفس الامتيازات والشروط.
والنتيجة لسنا أمة عربية واحدة بل شعوب عربية مختلفة،
تماما مثل الشعوب الأوربية التي تختلف في أمور كثيرة، لذلك تسعى للتقارب والتنسيق وليس قيام دولة واحدة موحدة، ولكن الفارق بيننا كشعوب عربية وتلك الشعوب الأوربية أنّها نجحت في قيام أقصى درجات التعاون والتنسيق والتكامل بينها، بينما نحن الشعوب العربية بيننا من الخلافات والتناقض أكثر مما يتصوره العقل والمنطق!!!. من يتخيل أن مواطني 27 دولة أوربية حسب اتفاقية تشينجن يتنقلون بين هذه الدول بدون تأشيرة دخول، ولهم في كل الدول حق الإقامة والعمل والعلاج والتعليم..إلخ، وأي مواطن من أية دولة في العالم يحصل على فيزة تشينجن من سفارة أية دولة من ه>ه الدول، يستطيع أيضا التنقل بين الدول السبعة والعشرين بنفس الفيزا. فهل ستأتي اللحظة العربية التي يتنقل فيها مواطنو 22 دولة عربية بدون تأشيرة دخول؟. هذا أول المستحيلات، فأية أمة عربية واحدة التي يتنقل فيها مواطنو الخليج والجزيرة العربية في كافة الأقطار المسماة "العربية" بدون تأشيرة دخول، بينما مواطنو كافة الدول الأخرى يحتاجون لمواطن كفيل كي يستصدر له تأشيرة دخول وبالتالي فهي من الصعوبات التي لا يمكن تصورها..لذلك..لا..والف لا..فوحدة العرب ليست ممكنة، وهذا ليس تشاؤما ولكنّه قراءة للواقع كما ذكرت تفاصيله، فإن كنت مخطئا في بعضها فليدلني القراء على الصحيح ولهم الشكر والوحدة اليوم..اليوم وليس غدا!!!
ملاحظات ترفع الضغط وتدعم استحالة الوحدة العربية
1 .من يصدق أنه في اليمن الذي قامت الوحدة بين شماله وجنوبه عام 1990 ، الآن بعد 22 عاما من هذه الوحدة يندم شعب اليمن الجنوبي على التوحد مع شماله وتطالب غالبية الجنوبيين بالانفصال، وقد هددت قيادات جنوبية باللجوء للعمل المسلح وصولا للانفصال؟
2 .أكتب وأمامي البطاقة الصحية النرويجية التي تسمح لي كمواطن نرويجي بالعلاج أيا كانت تكاليفه في 27 دولة أوربية دون أن أدفع مليما واحدا، وهنا أيضا إذا وصل أي شخص لقسم الطوارىء في أي مستشفى نرويجي لا يمكن سؤاله عن أي اثبات شخصية أو دفع نقود قبل علاجه واسعافه، حتى لو كان سائحا عربيا أو أفريقيا أو من بلاد الواق واق، بينما في أقطار عربية مات مواطنون في قسم الطوارىء لأنه لم يتم اسعافهم قل أن يدفعوا مبلغا ماليا خياليا لم يكن معهم، ولا يتوفر لهم في كافة الأحوال. فهل ستقوم وحدة عربية من خلال هكذا عقليات وتصرفات لا إنسانية.لا..وألف لا..وآمل أن يخيب الحكام والشعوب العربية كافة توقعاتي وتحليلاتي هذه ويعلنوا قيام الوحدة العربية وتخلي 21 من الحكام العرب عن كراسيهم، حتى لو كان رئيس الدولة العربية الواحدة القادمة هو رئيس جمهورية جزر القمر!!.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com

 



71
نعم "ليست حربا أهلية" بل "حرب إبادة" وماذا بعد الآن؟

د.أحمد أبو مطر

عنوان المقالة مأخوذ من تصريحات رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، التي أدلى بها قبل أيام قليلة لفضائية الجزيرة ونقلتها وكالة الأنباء القطرية وعشرات المواقع والصحف العربية والعالمية. وأنا أريد مناقشة فحوى هذه التصريحات تحديدا بعيدا عن الانجرار لأي معسكر من معسكري المدافعين عن دولة قطر أو المهاجمين لها، وذلك لقناعتي التامة أنّه لا تخلو أية دولة بما فيها دول الديمقراطيات الغربية من السلبيات وملفات الرشاوي والفساد التي يحاكم عليها مرارا مسؤولين كبار على مستوى وزراء ورؤساء وزراء، وهذا ما يفرقّها عن بلادنا التي تسكت على الفساد والمفسدين وتشجعهم وترقّيهم بدلا من محاكمتهم. وبالتالي فليس دوري هنا الدفاع عن دولة قطر أو الهجوم عليها، بل مناقشىة تصريحات رئيس وزرائها، وإلا لماذا نطالب القراء دوما بأن يناقشوا مضمون المقالات و يبتعدوا عن شخص الكاتب والاتهامات التي تصل أحيانا بين المعلقين أنفسهم إلى مستوى الحرب الكلامية المعلنة بدون إنذار سابق. وبالتالي فماذا نسمّي ما يجري في سوريا بين الشعب السوري ونظام بشار الوحش وعصاباته منذ منتصف مارس 2011 ؟

هل هي حرب أهلية أم حرب إبادة؟

أنا شخصيا أتفق مع توصيف رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بأنّ ما يجري في سوريا فعلا لا علاقة له بالحرب الأهلية ، بل هو حرب إبادة يقوم بها هذا النظام ضد الشعب السوري بكافة مكوناته ونسيجه الاجتماعي رغم حياد بعض هذه المكونات أو سكوتها وعدم مشاركتها في ثورة الشعب ضد هذا النظام. كيف يمكن تفسير ذلك والتدليل عليه؟. ما هي الحرب الأهلية؟. الحرب الأهلية هي تلك الحرب التي تدور بين مكونين من مكونات المجتمع أو الدولة سواء على خلفية دينية أو قناعات سياسية ، ومن أمثلتها المشهورة والمعروفة لغالبية القراء حربان: الحرب الأهلية الأمريكية بين عامي 1861 و 1865 التي اندلعت بين ولايات الجنوب الإحدى عشر التي قرّرت الانفصال عن ولايات الشمال مؤسسة ماعرف بالولايات الكونفدرالية الأمريكية، واستمرت هذه الحرب أربع سنوات كاملة، ومن ضمن خلفياتها الموقف من تجارة الرقيق، وانتهت الحرب بهزيمة الانفصاليين والعودة للولايات المتحدة الأمريكية المستمرة حتى اليوم، وإطلاق الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن بيانه بتحرير العبيد الذي دفع ثمن ذلك حياته عند إطلاق الرصاص عليه يوم الرابع عشر من أبريل 1865 ، وهو تقريبا نفس تاريخ انتهاء هذه الحرب التي كانت حصيلتها ما لايقلّ عن مليون إلا ربع مواطن أمريكي من العسكريين والمدنيين. والحرب الثانية التي لا تحتاج لتقديم معلومات عنها هي الحرب الأهلية اللبنانية عامي 1976 و 1989.

وماذا ما يحدث في سوريا؟

الحرب التي تدور منذ مارس 2011 ليست حربا بين طائفتين سوريتين، ولنكن أكثر وضوحا إنّها ليست حربا بين الطائفة العلوية التي ينتمي لها رأس النظام بشار الوحش وكبار ضباطه  المسيطرين على الأجهزة العسكرية والمخابراتية؟. والدليل على ذلك أنّ غالبية أفراد الجيش النظامي الذي ما زال يحارب الشعب السوري هو خليط من السنّة والمسيحيين والدروز وغيرهم من الطوائف والقوميات، ومن المؤكد حسب نسبة السكان السوريين من كل طائفة ، فإنّ العلويين هم الأقلية في هذا الجيش الذي ما يزال يقصف الشعب السوري بكل أنواع الأسلحة التي لم يستعمل هذا المجرم ولا أبوه الأجرم حافظ واحدا من هذا السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي للجولان السورية منذ عام 1967 . وهكذا فلا يمكن اعتبار ما يجري حربا أهلية بدليل آخر وهو سكوت غالبية الأقليات خاصة المسيحية والدرزية على ما يجري، في حين أنّ المدافعين عنه بوقاحة متناهية هم شيوخ الطائفة السنّية خاصة البوقين علي البوطي ( الذي بالإضافة إلى انتمائه الطائفي للسنّة، فهو من القومية الكردية المضطهدة والممنوع غالبيتها من الجنسية السورية وكلها من استعمال لغتها القومية الكردية) و بدر الدين حسّون الذي يغرّد في قفص الوحش بصوت نشاز عن مبادىء الدين الذي يدّعي أنّه من شيوخه ودعاته.

إذن هي حرب إبادة فعلا..كيف ولماذا؟

الجواب على هذا السؤال يكون بسؤال آخر وهو: لماذا ومتى بدأ هذا النظام ورئيسه المجرم الحرب وضد من؟. بدأت حرب الإبادة هذه في مدينة درعا في مارس 2011 عندما خرجت مظاهرات الشعب السوري مطالبة بالحرية والديمقراطية والكرامة التي سلبهم إياها هذا المجرم وعصاباته منذ استيلاء والده الوحش على السلطة في انقلابه عام 1970 ليورث ابنه في عام 2000 وكأنّ سوريا شعبا وثروة ووطنا ملكا لهذه العائلة منذ ما يزيد على 42 عاما. من يتخيل هذا؟ وأي ضمير يقبل هذا الوضع؟. ونتيجة هذه اللصوصية طوال هذه السنوات ما عادت هذه الأسرة تتخيل التخلي عن السلطة وعن المليارات التي سرقتها والعودة مواطنيين عاديين كما جاءوا من القرداحة عام 1970 وهم لا يملكون سوى ليرات راتبهم الشهري. وبالتالي فقرار هذه العصابة هو: سنقاتل حتى ولو كانت النتيجة إبادة غالبية الشعب السوري، ولن نتخلى عن السلطة والثروة التي نهبناها طوال ما يزيد على 42 عاما. وإلا لماذا لا يسأل المدافعون عن هذا الرئيس المجرم وعصاباته، السؤال الذي يقول: لماذااستمع طغاة آخرون مثل حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح لثورة شعوبهم وتخلّوا عن السلطة؟. إذن سوف تستمر حرب الإبادة هذه إلى حين هزيمة طرف من الطرفين: إما الشعب السوري أو النظام ورئيسه المجرم؟

الخلاف هو لا ثقة أيضا في وساطة الأخضر الإبراهيمي

ربما كان الإسلوب الدبلوماسي هو الذي جعل رئيس وزراء قطر في تصريحاته تلك يقول ( أنّه يثق في الأخضر الإبراهيمي) لكن من المهم أنّ هذا القول الدبلوماسي جاء بعد نقضه الواضح المبين لإدعاء الأخضر الإبراهيمي بأنّ ما يجري هو حرب أهلية، وإطلاقه عليها فعلا ما تستحق حسب وقائعها الميدانية بأنّها (حرب إبادة ) وإلا ماذا نسمّي حربا بين عصابة وشعب بكامله، حربا قتلت خلال أقل من عامين ما يزيد على أربعين ألف مواطنا سوريا، عبر طرق وجرائم فعلا يخجل من ارتكابها الاحتلال الإسرائيلي. ومن المهم التذكير بأنّ الأخضر الإبراهيمي لم ينجح في أية وساطة قام بها، لأنّه دوما يحاول ارضاء الأطراف الرسمية، وهو كدبلوماسي جزائري لا يمكن أن يخرج عن رغبة وسياسة نظامه الجزائري الداعم بوقاحة علنية للنظام الوحش المجرم في سوريا.

وماذا بعد كل هذا القتل والإبادة؟

نعم كما تساءل رئيس الوزراء القطري: وماذا بعد؟. لا أعتقد أن يكون الأخضر الإبراهيمي في مستوى رؤية رئيس الوزراء القطري ، بأن يضع أمام مجلس الأمن الدولي خطة انتقالية لإنهاء حرب الإبادة هذه، لأنّ هذه الحرب لن تنتهي دون رحيل النظام، وهذا غير وارد عند النظام ورئيسه المجرم حتى لو أباد غالبية الشعب السوري. وأيضا فإنّ التذبذب وعدم المبالاة في موقف الدول الغربية، من شأنه أن يطيل أمد حرب الإبادة هذه، وانشغال العالم بالانتخابات الأمريكية، لا يعفي الدول العربية من القيام بخطوات في مستوى التصعيد القطري لدعم ثورة الشعب السوري وصولا لوقف حرب الإبادة هذه، ورحيل هذه العصابة ورئيسها، فإذا لم تتحرك الدول العربية فكيف نلوم الدول الغربية؟. أكرّر إن هذا الموقف القطري يستحق التقدير، فمن يريد النقاش فليناقش هذا الموقف فقط، من أجل دعم ثورة الشعب السوري ووقف حرب الإبادة هذه.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com


72
من المسؤول عن تفجير الأشرفية؟ اسألوا ميشال سماحة!!!

د.أحمد أبو مطر

التفجير الإرهابي الذي وقع في حي الأشرفية بالعاصمة اللبنانية بيروت ظهر يوم الجمعة التاسع عشر من أكتوبر الحالي، ثبت أنّ المستهدف الرئيسي منه هو العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات بقوى الأمن اللبناني الداخلي، وهو بلاشك يمتلك كنزا من المعلومات التي ضاعت للأسف مع مقتله في هذا التفجير. ورغم صغر سنّه ( 41 ) عاما، إلا أنّه كان يتمتع بحس أمني عال وذكاء شديد وجرأة غير معهودة في الكشف عن الحقائق التي يتوصل إليها، و كما قال عنه اللواء أشرف ريفي المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللبناني: ( ضابطا ذكيا ومقداما، ثابر منذ توليه رئاسة الشعبة على بذل الجهود الحثيثة واعطاء الأوامر والتوجيهات المناسبة لمرؤوسيه والإشراف على تنفيذها بالدقة المطلوبة وبشكل احترافي لا سيما في مجال مكافحة الجرائم الإرهابية، وقد أدّى ذلك إلى تفكيك أكثر من ستة وثلاثين شبكة تجسس تعمل لمصلحة إسرائيل، بالإضافة لكشف هويات عدد من المخططين لارتكاب أعمال إرهابية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، كان آخرها كشف مخطط خطير لزرع المتفجرات وتنفيذ الإغتيالات في منطقة لبنان الشمالي، وتوقيف الرأس المدبر وإقامة الدليل على تورطه، وضبط كمية كبيرة من المتفجرات والعبوات الناسفة، ومبلغ كبير من المال كان مخصصا لتسهيل عملية التنفيذ).

من هو هذا الرأس المدبر؟


من الواضح أنّ اللواء أشرف ريفي يقصد العملية الخطيرة التي كشفها العميد وسام الحسن عبر مهنية أمنية عالية الذكاء يوم الثامن من أغسطس الماضي، التي تمّ فيها اعتقال الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة أحد أهم مخبري النظام السوري في لبنان، حيث تمّ اعتقاله في عملية بوليسية أقرب إلى الأفلام الهوليودية، إذ قامت قوة خاصة من فرع المعلومات بمحاصرة منزله في بلدة الجوار بقضاء المتن، وقطع الطرق المؤدية إليه في الاتجاهين، وكسر باب المنزل واقتحامه وهو نائم، كي لا يتمكن من تهريب ما جاءت قوى الأمن للعثور عليه ومصادرته، خاصة أنّ مراقبته استمرت لأكثر من شهرين وهو يدخل إلى سوريا ويخرج منها بسيارته، وكانت نتيجة هذا الاقتحام المفاجىء الذي شارك في اعطاء المعلومات عنه بعض العاملين معه، أن صودرت حوالي 26 عبوة ناسفة وكمية من الأموال، وفور اقتياده لفرع المعلومات وبدء التحقيق معه، اعترف بأنّه نقل هذه العبوات الناسفة بسيارته من دمشق حيث تسلمها من اللواء علي مملوك مدير أمن الدولة السوري، بأمر شخصي مباشر من الرئيس السوري بشار الأسد، ومن ضمن التفجيرات التي كانت ضمن المخطط هي تفجير موكب البطريرك الماروني بشارة الراعي لدى زيارته لمنطقة عكار ذات الأغلبية السنّية، وذلك لإشعال الفتنة الطائفية في لبنان من جديد، وهذا من شأنه أن يخدم توجه النظام السوري لإخافة الأقليات السورية واللبنانية من نجاح الثورة السورية على أساس أنّها ثورة سنّية ضد باقي الطوائف.

من هو المستفيد إذن من اغتيال وسام الحسن؟

من الملاحظ أنّ القوى والشخصيات القومية والبعثية اللبنانية سارعت لإتهام إسرائيل بأنها وراء الاغتيال، مع أنّ وسام الحسن سبق لفرع المعلومات الذي يرأسه أن كشف العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية، فلماذا جاء اغتياله فقط بعد اعتقاله للوزير السابق ميشال سماحة واعترافه بدور النظام السوري في تزويده بالمتفجرات و قائمة الاغتيالات والتفجيرات التي كان يخطط لتنفيذها؟. وهذا الاغتيال يلقي الضوء على عمليات الاغتيال العديدة التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005 ، وفعلا سؤال منطقي وهو: لماذا كافة الاغتيالات التي جرت منذ ذلك العام لشخصيات من القوى المناوئة للوجود السوري في لبنان؟ ألا يتهم جماعة الثامن من آذار أصدقاء النظام السوري بأنّ قوى الرابع عشر من آذار المناوئة للتخريب السوري في لبنان بأنّها عميلة لإسرائيل؟ وهل تقوم إسرائيل بكل هذه الاغتيالات لشخصيات بارزة من اصدقائها وعملائها؟ ولماذا لم تطل هذه الاغتيالات أية شخصية من القوى الصديق المؤيدة للنظام والمخابرات السورية؟. إذن وبدون تحقيقات وبحوث عميقة، فإنه لا محالة دون الربط بين اغتيال العميد وسام الحسن وتوقيفه لميشال سماحة بعد اعترافه بالتواطؤ مع النظام السوري للقيام بعمليات تفجير واغتيالات تصبّ في مصلحة النظام الذي يواجه ثورة عارمة من الشعب السوري، وهذا يدعمه أيضا تهديدات رأس النظام نفسه بأنّ زعزعة نظامه ستصيب الجوار العربي. ومن المهم التذكر بأنّ العميد وسام الحسن هو من أوكلت له مهمة توقيف المسؤولين الأمنيين اللبنانيين الأربعة على ذمة أو خلفية اغتيال رفيق الحريري، مما يعني أنّ سجل الثأر بينه وبين النظام السوري وحلفائه طويل لا يقف عند توقيف وكشف عمالة ميشال سماحة. ومن الجدير بالذكر أنّ الإدارة الأمريكية على ما يبدو كان لديها منذ يونيو 2007 معلومات مؤكدة عن عمالة وعمل ميشال سماحة لحساب الدور التخريبي للنظام السوري في لبنان، بدليل أنّ هذه الإدارة اتخذت في ذلك التاريخ قرارا بمنع ميشال سماحة ضمن مجموعة اسماء سورية ولبنانية من دخول أراضيها للتخوف من تورطهم في أعمال إرهابية تهدف لزعزعة الأمن اللبناني وإعادة ترسيخ سيطرة النظام السوري في لبنان. وهكذا في أغلب الجرائم: قل لي من هو المستفيد؟ أقل لك من هو المنفذ!!. ولن يكون اغتيال العميد وسام الحسن هو آخر الأعمال الإرهابية في لبنان تحديدا، لأنّ هكذا أعمال لا تخدم إلا النظام السوري الذي احتل لبنان احتلالا فعليا من عام 1976 حتى خروجه المذل المهين عام 2005 ، وطالما هذا النظام على قيد الحياة، فلن ينسى الطريقة التي أجبر فيها على انهاء احتلاله للبنان والخروج منه بعد أنّ حولّه مزرعة خلفية لنهبه وفساده واغتيالاته طوال ثلاثين عاما.
drabumatar@hotmail.com


73
من ( اذهبوا فأنتم الطلقاء) إلى ( إنّ شانئك هو الأبتر)

د.أحمد أبو مطر

لا يستطيع عاقل يستخدم نسبة بسيطة من عقله وفهمه وإدراكه الإنساني إلا أن يستنكر بأشدّ العبارات، ذلك الفيلم الذي موّلته وأخرجته مجموعة من فاقدي القيمة البشرية، يتهجمون فيه بطريقة مبتذله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، هذا الرسول الذي قال فيه الله تعالى ( وإنّك لعلى خلق عظيم)، فهل بعد ذلك يحطّ من مقامه العالي السامي ادعاءات وأكاذيب هدفها التشويه والفتنة؟. وهذه الإدانة من منطلق أنّه ليس من حق أحد التعدي على ديانات الآخرين ومعتقداتهم ورسلهم، فالكلّ حرّ فيما يعتقد ويؤمن (لكم دينكم ولي دين). وإذا كانت كافة القوانين تحاكم وتحاسب أي شخص يعتدي بالإساءة ولو اللفظية على شخص عادي مثله، فكيف تكون المحاسبة والمحاكمة عندما تكون الإساءة بحق رسول من أنبياء الله تعالى، يزيد عدد معتنقي ديانته اليوم عن مليار ونصف مواطن في كافة دول العالم، من بينها ما يزيد على خمسين دولة غالبية سكانها يؤمنون ويتعبدون بديانة الإسلام. وأعتقد أنّ تلك المجموعة فاقدة الحسّ الإنساني هدفها الشهرة، خاصة أنّه في السنوات الماضية أصبحت الإساءة للإسلام كرسالة سماوية، هو أسرع الطرق للشهرة الزائفة ليس عند الغربيين فقط ولكن لدى بعض العرب والمسلمين أيضا.
 وللأسف الشديد لا ينالون هذه الشهرة إلا بسبب الردود الهمجية المتخلفة لبعض المسلمين على اساءاتهم تلك، رغم أنها شهرة مؤقتة تطفو على السطح لفترة ما يلبث بعدها أن يعود أصحابها لدائرة النسيان. والمثال الساطع هو الكاتب البريطاني من أصل هندي ( سلمان رشدي )، فقد أصدر أربع روايات بين عامي 1975 و1987 منها روايتا ( أطفال منتصف الليل، 1980 ) و ( العيب، 1983 )، ورغم أهمية هاتين الروايتين موضوعا وإسلوبا وبناءا فنيا، إلا أنه لم يحقق شهرة وانتشارا إلا بعد صدور روايته  (آيات شيطانية ) في سبتمبر 1988 ، وظلت رواية غير معروفة ولا منتشرة حتى صدور فتوى الخميني بتكفيره وقتله في فبراير 1989 . أدّت هذه الفتوى لشهرة واسعة سريعة له نتج عنها لاحقا ترجمة الرواية لما لا يقل عن خمسة وثلاثين لغة في مختلف أنحاء العالم، ووضعه تحت حماية البوليس البريطاني طوال الوقت. هذا رغم أنّه في الرواية اعتمد بشكل ما على خلفية ما يسمى في كتب التاريخ الإسلامي ( حديث الغرانيق ) الذي لا إجماع عليه عند شيوخ ومؤرخي السيرة النبوية، بل يطعن فيه ويدلّل أغلبهم على كذبه واختلاقه، إلا أنّ هذه الشهرة والانتشار لسلمان رشدي وروايته ما كانت ستحصل لولا فتوى الخميني، التي كان وراءها خلفيات سياسية خاصة بالعلاقات الإيرانية البريطانية، بدليل أنه في سبتمبر 1998 أعلنت القيادة الإيرانية إسقاط الفتوى الخاصة بتكفير سلمان رشدي وإهدار دمه، وعادت على الفور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأعقب ذلك في نهاية العام 1990 اعتذار سلمان رشدي عن أية إهانات قد تسبب بها للدين الإسلامي والرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

مسيئون للرسول وكذّابون مخادعون مع بني جلدتهم أيضا

والمدهش أنّ الذين يقفوا وراء انتاج وتمويل هذا الفيلم لم يمارسوا الإساءة للرسول الكريم فقط، بل مارسوا الكذب والدجل والتزوير مع وعلى من استدعوهم من الممثلين والممثلات للمشاركة في الفيلم، فقد أعلن ثمانون ممثلا ممن شاركوا في هذا الفيلم القبيح براءتهم منه، موضحين بجرأة وصراحة أنّهم تعرضوا للخداع والكذب والتزوير، مؤكّدين أنّ من يقدم نفسه باسم"سام باسيل" قد خدعهم واحتال عليهم للمشاركة في الفيلم، وانّهم لم يعرفوا أنّ ما سيصوره سيتم تحريفه واعادة مونتاجه ليصبح مسيئا للرسول ومناهضا للإسلام، لذلك أصدروا بيانا نشروه عبر قناة"سي إن إن" يتبرأون من الفيلم موضحين حرفيا " نشعر بالغضب لأنّ المنتج خدعنا، ونؤكد أنّنا تعرضنا للتضليل كي نشارك في هذا الفيلم". وقد أعلنت واحدة من الممثلات في الفيلم وهي الممثلة " سيندي لي غارسيا" قائلة: ( إنّ محمد لم يكن اسمه محمد في النص، بل كان اسمه "ماستر جورج" وأنّ لفظة محمد أضيفت خلال عملية المونتاج، كذلك الإهانات الموجهة للإسلام و لمحمد...لا ذنب لي في ما حصل...أشعر بالغثيان لأنّ هناك من فقد حياته بسبب فيلم، كما أشعر بالغضب من التعديلات التي طرأت على الفيلم بعد تصويره"، مؤكدة أنّها سوف تقاضي المدعو باسيل بكل تأكيد.

لص وكاذب ومحكوم قضائيا

وضمن السياق نفسه، أكّدت تحريات "راديو سوا" الأمريكي أنّ من يقف وراء هذا الفيلم التافه شخص اسمه (نقولا باسيلي نقولا)، وافادت وكالة"اسوشيتد برس" استنادا إلى مصادر في مكتب التحقيقات الفيدرالي أنّ هذا الشخص هو من يقف وراء انتاج وتمويل الفيلم، وانّ سجله  سيء جدا داخل الولايات المتحدة، وهو ينتحل صفات متعددة، وسبق أن وجهت له تهمة تزوير وثائق بنكية، وحكم عليه بدفع غرامة قيمتها 790 ألف دولار بالإضافة إلى السجن لمدة 21 شهرا. وللأسف الشديد أنّ هذا الشخص يتاجر بقضية المواطنين المصريين معتنقي الديانة المسيحية (الأقباط) جاعلا من نفسه رئيسا لدولة مزعومة لا وجود لها إلا في مخيلته المريضة، بدليل اقتياد البوليس الفيدرالي له للتحقيق معه، بسبب عدم انصياعه للضوابط المفروضة على سلوكه اللصوصي ومنها عدم استخدامه الكومبيوتر والانترنت لخمس سنوات، وكم كان منظره ذليلا وهو يخبىء وجهه ورأسه عند اقتياد البوليس الأمريكي له، فكيف يكون رئيسا لدولة مزعومة وهو لص محترف عليه قضايا سرقات واحتيالات بمئات ألاف الدولارات؟. لذلك كانت إدانة المواطنيين المصريين من الأقباط لسلوكه المشين داخل مصر وخارجها بنفس شدة إدانة المسلمين، بما فيها ما لايقل عن أربعين منظمة قبطية خارج مصر.

وقسّ مجنون حسب رأي ابنته

أمّا القس "تيري جونز" الذي تعهد برعاية ودعم الفيلم، وسبق له أن هدّد بحرق نسخة من القرآن الكريم ثم تراجع عن هذه الخطوة الهمجية بعد أن أدرك حجم التنديدات الأمريكية الرسمية والشعبية، فهو أيضا مجرد شخص متعصب يبحث عن شهرة وأهمية يفتقدها داخل الكنيسة، ويكفي أنّ ابنته "ايما" طالبته بوقف هذا العمل المشين، ووصفت والدها بأنه مجنون ، وهي لا تعيش معه لأنه في الكنيسة التي يديرها يجبر على الطاعة من خلال "العنف العقلي" ويهدد بعقاب الله. وقالت إنه تجاهل رسائلها عبر البريد الالكتروني التي حثته فيها على عدم حرق المصحف. هذا ومن المعروف أنّ كنيسته هذه لا يتعدى المنتمون لها أكثر من عشرات وليس مئات، وسجله حافل بالأخطاء والتجاوزات فقد سبق طرده من ألمانيا. وكذلك الكاتب الأمريكي الشهير جون جريشام، أدان خطط هذا القس الأمريكي وقال: "هذه حملة لشخص غير متسامح للغاية، إنه مجنون ومتعصب دينيا ينشر الكراهية بدلا من الوفاء بواجبه كقسيس" . وبعد أن حقّق هذا القس الشهرة العارمة التي كان يتطلع إليها، عاد إلى بعض رشده ولم ينفذ فعلته القذرة الواعدة بحرق نسخة من القرآن الكريم.

ردود فعل عربية أكثر اساءة للرسول

هل كان كل هذا الهيجان في العديد من العواصم العربية والإسلامية لنصرّة الرسول صلى الله عليه وسلم؟. سيقول كثيرون: نعم. وأنا أقول استنادا لسيرة الرسول الكريم: لا..و ألف لا..لقد كانت ردود الفعل التي شاهدناها وتحديدا في ليبيا ومصر واليمن والسودان وغيرها، تخالف تماما وتتعارض صراحة مع تعاليم وسلوك الرسول مع الذين أساءوا إليه أكثر بكثير من مقاطع هذا الفيلم التافه الذي لا يستند إلى أية حقائق موثقة، وهي ردود فعل متخلفة غير إنسانية، تعطي المسيئين حججا جديدة لإساءات قادمة، وهكذا يستمر المسلسل الهمجي من الطرفين، وتكفي هذه الأمثلة من سلوك الرسول إزاء أولئك المسيئين له بحقارة أشدّ بكثير من مقاطع هذا الفيلم:

1 . ماذا فعل الرسول مع كفار قريش الذين حاربوه بكل الوسائل، وقالوا فيه وعنه أقذع الصفات والشتائم، لدرجة أنّهم لم يرحموه وهو يطوف بالكعبة مؤلبين عليه، مشككين في رسالته ونبوته مدّعين أنه مجرد ساحر، يلقون عليه مع السباب والشتائم الحجارة والقاذورات، وكم كانوا يفرحون ويهللون وهم يرمون مؤذن الرسول بلال بن رباح بالحجارة في لحظة رفعه الأذان. ولمّا مكّنه الله تعالى من نشر دعوته ودخل مكة منتصرا، قال لكفار قريش الذين حاربوه بكل الوسائل وتحالفوا مع أعدائه: " يامعشر قريش، ما تظنون أنّي فاعل بكم؟. هل يتخيل أحد غير القتل والدم انتقاما مما فعلوه وارتكبوه بحق الرسول من جرائم بشعة؟. أجابه كفار قريش: (أخ كريم وابن أخ كريم). قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). هل هناك تسامح وخلق أرقى من هذا؟. أليس هذا التصرف الأخلاقي كان سببا لإيمان ألاف من قريش بدعوته واعترافا بنبوته؟.

2 . قصة الرسول الكريم مع جاره اليهودي الذي كان يهزأ من الرسول بإلقاء الزبالة والأشواك والقاذورات كل صباح على باب منزل الرسول، وعندما يخرج الرسول ويشاهدها، يأخذها ويلقيها في المكان المخصص للقاذورات. واستمر هذا العمل المهين من جاره اليهودي أياما عديدة، وفي صباح يوم لم يجد الرسول القاذورات على باب منزله، وبعد السؤال عرف أنّ جاره اليهودي مريض، فدقّ بابه واستأذنه بالدخول وزاره يسأل عن صحته متمنيا له الشفاء، فسأله الجار اليهودي: وما أدراك يا محمد أنّي مريض؟. أجابه الرسول: (عادتك التي انقطعت). فبكى اليهودي بكاءا شديدا، ناطقا بالشهادتين معلنا إسلامه. لماذا؟ بسبب هذا السلوك الحضاري المتسامح الذي لا يردّ على الإساءة بمثلها، هذا السلوك الذي يهتدي بقول الله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).

كيف نحكم إذن على تصرفات بعضنا باسم نصرة الرسول؟

1 . ماذا ارتكب السفير الأمريكي وطاقمه الدبلوماسي في ليبيا ضد الرسول، كي يقتلوا بهذه الطريقة  الإجرامية البشعة الحقيرة من مجموعة ترتكب جريمتها وهي تهلل باسم الله تعالى ورسوله الكريم؟. هل انتصروا للإسلام والرسول بهذه الطريقة أم أعطوا حجة جديدة لمن يريدون التهجم على الإسلام والرسول؟. الجواب على سؤالي هذا، جاء من العديد من الجهات العربية والإسلامية الرسمية والدعوية، ترفض هذا الإسلوب المشين الذي يتمّ ارتكابه باسم الإسلام والرسول. وتكفي الإشارة للمواقف الرافضة المدينة بشدة من:

_ منظمة التعاون الإسلامي على لسان أمينها العام أكمل الدين إحسان أوغلي الذي أدان العنف من كل جانب، قائلا: "  في حين أن الفيلم المسيء كان عملاً تحريضياً بمعنى الكلمة، فلا يمكن التغاضي عن اللجوء إلى العنف الذي أدى إلى إزهاق أرواح بريئة" مؤكدا على " أنّ المجتمع الدولي لا يمكن أن يكون رهينة لأفعال المتطرفين على كلا الجانبين .. و أنه لا يمكن التوصل إلى حل إلا من خلال معالجة المسائل المتصلة بحرية الدين وحرية التعبير من خلال المشاركة الدولية المنظمة".

_ الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الذي قال في تعليق كتبه في صفحته بموقع"تويتر": ( الوفاء للرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، يكون بتقديم سيرته ورسالته إلى العالم، وليس بقذف السفارات بالحجارة...فليس من الوفاء له صلى الله عليه وسلم أن نذهب إلى السفارات ونرميها بالحجارة، ونقتل السفير ومن معه...نردّ على المسيئين بما يليق برسالة الإسلام وتعاليم القرآن وأخلاق حضارته ولا نردّ بالعنف، فنكون نحن الأقوى والأكرم والأمثل).

_ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والافتاء في المملكة العربية السعودية، استنكر بوضوح الهجمات التي استهدفت عددا من الدبلوماسيين والسفارات في دول مختلفة، معتبرا " أنّ تلك الهجمات تشوّه وتسيء إلى الدين الإسلامي وليست من سنة النبي محمد في شيء". مناشدا في الوقت ذاته دول العالم والمنظمات الدولية إلى " تجريم الإساءة للأنبياء والرسل" ، ومعلنا ( أنّه يحرّم على المسلمين أن يأخذوا البريء بجريرة المجرم الآثم، ويعتدوا على معصوم الدم والمال أو يتعرضوا للمنشآت العامة بالحرق والهدم).

_ الداعية الإسلامي الحبيب بن علي الجفري، أدان الفيلم و ردود الفعل عليه بجملة مهمة للغاية إذ قال: (إنّ المسؤولية مشتركة بين المرتكب ومن أثار مشاعر شعوب تعاني فوضى مخاض التغيير الدامي....إنّ المجتمع الإنساني بحاجة لمعالجة تفشي التطرف الذي يجعل التحريض على الكراهية حرية تعبير، والاعتداء بقتل الأبرياء دفاعا عن المقدسات).

_ وهناك عشرات الإدانات من شخصيات دعوية ومنظمات إسلامية من بينها خطباء الأزهر وحزب النور السلفي في مصر، وغالبية الحكومات العربية والإسلامية و دول العالم بمختلف توجات سياساتها.

فهل مجموعة القتلة الذين يرتكبون هذه الأعمال الإجرامية باسم الدين والنبي أفهم وأعقل من كل هذه الشخصيات الدينية الإسلامية التي أدانت وتدين دوما أفعالهم الإرهابية، مستعملين الدي الإسلامي غطاءا لجرائمهم، مما يجعل اساءاتهم للإسلام أبشع من أي فيلم أو رسوم كاريكاتورية وهي مدانة أيضا؟.
وهل الاعتداءات على رجال الأمن وقذفهم بالحجارة وقنابل المولوتوف كما شاهدنا خاصة في محيط السفارة الأمريكية وميدان التحرير في القاهرة انتصارا للرسول؟. وهل قيام "ابو اسلام أحمد عبد الله" صاحب قناة الأمة بحرق نسخة من الانجيل على مرأى المتظاهرين أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة وتهديده بالتبول عليه، يعتبرعملا أخلاقيا لنصرة الرسول، أم كما أدانه الكثيرون يعتبر عملا بشعا لا يختلف عن مواقف القس تيري جونز والفيلم المسيء للرسول؟.

الخلاصة، إنّ الإساءة للدين الإسلامي والرسول محمد وأية ديانة أخرى ورسل آخرون مرفوضة ومدانة بشدة، وكذلك ردود فعل بعض العرب والمسلمين على ذلك، لأنّها أبشع كونها ترتكب باسم نصرة الإسلام والرسول..فهل يعي هؤلاء الجهلة مصلحة أمتهم ودينهم؟
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com







74
الدكتور مرسي: كيف يلتقي النقيضان في مبادرة واحدة؟

د.أحمد أبو مطر

مبادرة اللجنة الرباعية الخاصة بالوضع السوري التي أطلقها الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، وتضم مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران، واجتمعت فعلا يوم الاثنين العاشر من سبتمبر 2012 في القاهرة، استغربت منذ البداية صدورها عن الرئيس المصري الذي عرف بموقفه الصريح والجريء الواضح من نظام الوحش القاتل في سوريا. ومصدر الغرابة لديّ يعود لعاملين معروفين للجميع:

1 . أصبح واضحا أنّ نظام الوحش السوري يرحب فعلا بكافة المبادرات أيا كان صاحبها وخلفياتها وتفاصيلها، ليس لأنّه حريص على تسوية الوضع السوري وإنهاء إراقته لدم الشعب، ولكن لأنّه يستغل موافقته على هذه المبادرات لخداع الرأي العالم العربي والغربي في أنّه جاد لتسوية هذا الوضع، وفي الوقت ذاته يستمر في تنفيذ هدفه الرئيسي الخفي والمعلن وهو استمرار القتل وسفك الدماء بكافة الوسائل. والدليل على ذلك موافقته على كل المبادرات السابقة التي أفشلتها دمويته ومجازره:
_ مبادرة المراقبين العرب االذين وصلوا ومارسوا عملهم وانسحبوا معلنين خيبتهم وفشلهم.
_ مبادرة المراقبين الدوليين الذين وصلوا أيضا وشاهدوا المجازر وأدانوها وانسحبوا.
_ مبادرة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، وانسحب معلنا انتهاء مهمته بالخيبة وعشرات ألاف القتلى من الشعب السوري المطالب بحريته وكرامته.
وستلقى المبادرة الجديدة التي أوكلت لمندوب الجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي نفس النتيجة، الفشل وألاف جدد من ضحايا الشعب السوري.

2 . وجود النظام الإيراني ضمن مجموعة هذه المبادرة مع دول ثلاثة (مصر ، السعودية، وتركيا) وهنا مصدر الغرابة الأكثر دهشة، لأنّ هذه الدول الثلاثة لها مواقف واضحة من الوضع السوري، وهي مواقف الإدانة والاستنكار لما يرتكبه الوحش وعصاباته بحق الشعب السوري. فتركيا تدين هذه الجرائم بوضوح متحد لنظام الوحش فاتحة حدودها لما لا يقلّ حتى الآن عن مائة ألف لاجىء سوري. والمملكة العربية السعودية كذلك، فكما أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي  من مقر الأمانة العامة للمجلس في الرياض في الثالث عشر من يونيو 2012 أنّ" دول المجلس قرّرت إغلاق سفاراتها في دمشق تأكيدا لموقفها الرافض لتمادي النظام السوري في القتل والتنكيل بالشعب السوري الأعزل، وتصميم النظام على الخيار العسكري وتجاهل كل المساعي للخروج من الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري الشقيق". وزيادة على ذلك طالب الأمين العام للمجلس "المجتمع الدولي باتخاذ مواقف حازمة وعاجلة لوقف ما يجري في سورية من قتل وتعذيب وانتهاك صارخ لكرامة الانسان السوري وحقوقه المشروعة". أمّا مصر فقد قال رئيسها الدكتور محمد مرسي في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة في الخامس من سبتمبر 2012 ، وهي الأولى له في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، مخاطبا وحش سوريا: 'لا مجال للكبر أو المزايدة. لا تستمعوا إلى الأصوات التي تغريكم بالبقاء فلن يدوم وجودكم طويلا... إن لم تفعلوا فعجلة التاريخ ماضية" . وفي تصريحات أخرى طالبه صراحة بالتنحي لأنّ الشعب السوري ما عاد يقبله رئيسا له.

أمّا موقف إيران الدولة الرابعة في مبادرة الدكتور مرسي فموقف نظامها ليس متناقضا فقط مع موقف الدول الثلاثة في المبادرة المذكورة، بل هو داعم بنفس الوحشية لنظام الوحش، حيث يدعمه سياسيا وإعلاميا ويمدّه بالمال والسلاح من كافة الأنواع، والرجال من الحرس الثوري الذين يؤمّنون حراسة الوحش وكبار عصابته لأنّه لم يعد يثق في أي حارس أو مرافق سوري، بعد اغتيال قياداته الأمنية المتوحشة: آصف شوكت نائب وزير دفاعه، داود راجحة وزير دفاعه، محمد الشعار وزير داخليته ، و هشام بختيار رئيس مكتب أمنه القومي، وحسن تركماني معاون رئيس الجمهورية أي معاون الوحش نفسه. ولأنّ النظام الإيراني يعرف أنّه سيكون وحيدا في وجهة نظره وممارساته الداعمة المؤيدة لوحش سوريا، أمام دولتين عربييتين وتركيا الداعمة للشعب السوري والمطالبة برحيل الوحش، قام النظام بحركة غير متوقعة مطالبا بضمّ داعمين له للمبادرة مثل دولة البرازيل، لأنّ رئيسها هوغو تشافيز أيضا من أشدّ المؤيدين، متبنيا نظرية أنّ هذا الوحش يتعرض لمؤامرة كونية، لا أدري هل هي من استناجاته الخاصة أم استعارها من( كوليت خوري) أول من اكتشفت هذه المؤامرة الكونية، وهي تعمل منذ شهور كما سمعت لاكتشاف من أية مجرّة فضائية انطلقت هذه المؤامرة كي يلاحقها الجيش الإليكتروني للوحش!!!.

فكيف ستنجح مبادرة تجمع مواقف متناقضة؟


لذلك فهذه المبادرة ليس مصيرها الفشل فقط ، بل تعطي الوحش مزيدا من الوقت والفرص والذرائع للاستمرار في ارتكاب المجازر والمذابح بحق الشعب السوري. وهذا هو المستغرب أن تخفى كل هذه الوقائع والحيثيات على الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي ليطلق هذه المبادرة التي أعتقد أنّه نفسه رغم إطلاقه لها يعرف مسبقا فشلها، خاصة أنّه أول من أعلن صراحة ضرورة رحيل وتنحي وحش سوريا فهل سيبحث المجتمعون مسألة رحيله هذه؟. وأعتقد أن بقية الدول المشاركة تعرّف مسبقا بأنّها مبادرة فاشلة، بدليل مستوى التمثيل في اجتماعها الأول في القاهرة، الاثنين العاشر من سبتمبر 2012 ، حيث كان تمثيل الدول الأربعة على أدنى المستويات التي لا تستطيع اتخاذ أي قرار، فقد كان الحضور هم مساعدو وزراء خارجية الدول الأربعة، أي لم يكلّف وزراء الخارجية أنفسهم عناء الحضور لاجتماعات شكلية ومجرد ديكورات تضاف لاجتماعات عديدة سبقتها لم تطرح علانية رحيل وحش سوريا، الذي بعد جرائمه التي فاق ضحاياها ثلاثون ألفا من قتلى الشعب السوري غير ألاف المعتقلين والمفقودين، لم يعد الشعب السوري يطلب رحيله، بل القبض عليه ومحاكمته ليلقى مصيرا في الغالب لن يختلف عن مصير مخرّب ليبيا القذافي.

ملاحظة في نفس السياق
قامت السلطات الكندية يوم الجمعة، السابع من سبتمبر 2012 ، بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع النظام الإيراني، معلنة أنّ الدبلوماسيين الكنديين قد غادروا طهران فعلا وداعية المواطنين الكنديين لتجنب السفر إلى إيران، ومعطيّه الدبلوماسيين الإيرانيين خمسة أيام لمغادرة الأراضي الكندية، وقد أورد وزير الخارجية الكندي "جون بيرد" عدة أسباب لقرار كندا الشجاع هذا منها " أن نظام طهران يقدم دعماً عسكرياً إلى نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي يواجه إدانة دولية واسعة، بسبب حملة القمع الدموية التي تشنها القوات الحكومية لسحق احتجاجات المعارضة التي تنادي برحيله عن السلطة" ، بالإضافة إلى أنّ إيران " من أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان في العالم". هل تقوم الدول العربية مجتمعة بنفس الخطوة الكندية إزاء نظام الوحش تضامنا ودعما للشعب السوري؟.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com





75
بهجت سليمان: المعتقلون والمفقودون الأردنيون في سجون نظامك..أين هم؟

د.أحمد أبو مطر

هل يجرؤ المواطنون الأردنيون خاصة الإعلاميون والنشطاء السياسيون الذين يدعمون علانية وحش سوريا الظالم ونظامه، رغم ما يزيد على سبعة وعشرين ألفا من ضحاياه من الشعب السوري منذ اندلاع الثورة ضده، أن يسألوا هذا السؤال عنوان المقالة إلى سفيرهم وسفير نظام الوحش في الأردن، الذي هو حسب تحركاته واتصالاته وأفعاله أقرب إلى خلية مخابراتية منه إلى سفير. هل يشعر هولاء المواطنون الأردنيون بنسبة من مشاعر الألم والحزن التي يعيشها ألاف من بني جلدتهم من المواطنين الأردنيين الذين فقدوا فلذات أكبادهم منذ ما يزيد على ثلاثين عاما في سجون وحش سوريا ووالده؟. هل يجرؤ هؤلاء المواطنون الأردنيون وللأسف الشديد من بينهم نواب سابقون ورؤساء نقابات أردنية حاليين، أن يتوجهوا إلى قرية" بيت أراس" شمال الأردن لزيارة السيدة (أم هاني عبيدات) التي اعتقل بهجت سليمان نفسه ولديها (هاني و وفاء) عام 1986 عندما كان مسؤولا عن الأمن الداخلي وارتكب جرائم تقشعر لها الأبدان، ويستحق فعلا بناءا عليها تحويله لمحكمة الجنايات الدولية. هل يستطيع هؤلاء المواطنون الأردنيون أن يسألوا"أم هاني" : كيف مات زوجها حزنا وقهرا على مصير ولديه الذين لا تعرف الأسرة هل هم أحياء أم أمواتا بعد حوالي خمسة وعشرين عاما من اختفائهم؟ وهل تتحمل ضمائرهم غن وجدت منظر السيدة (أم هاني) التي هو أقرب للجنون وتعيش منذ سنوات على الحبوب المهدئة؟. وهل يقبل هؤلاء المؤيدون لنظام الوحش أن يكون من بين هؤلاء المعتقلون والمفقودون واحدا أو أكثر من أبنائهم وبناتهم أو اقاربهم؟. نعم إنّهم يقبلون فأكثر من معتقل ومفقود كما سأذكر أسماء بعضهم لاحقا، ينتمون لعائلات وعشائر هؤلاء المؤيدون المصفقون للوحش ونظامه. وما يصيبني بالدهشة والصدمة أنّ بعض هؤلاء الأردنيون المدافعون عن نظام الوحش الظالم، كانوا في سوريا تلك الفترة، وتمّ اعتقال العشرات من الأردنيين وهم يسبّحون بحمد النظام، ويطالبون بالديمقراطية في الأردن، إلى حد أنّ مجموعة منهم شكّلوا في دمشق ما عرف آنذاك بإسم (لجنة الدفاع عن الحريات الديمقراطية في الأردن)، وكأنّهم كانوا يعيشون في جنة أفلاطون المثالية وليس غابة وحش سوريا، وعندما بدأ المرحوم الملك حسين الانفتاح الديمقراطي والتعددية السياسية في الأردن عام 1989 ، عاد كل هؤلاء النشطاء إلى بيوتهم وعائلاتهم دون أن يستدعيهم الأمن الأردني لمجرد التحقيق، وبعدها وصل بعضهم كما قلت لعضوية مجلس النواب الأردني، وبعضهم الآن رؤساء لنقابات واتحادات مهنية أردنية. فهل يسمح نظام وحش سوريا لأي معارض سوري بالعودة لوطنه دون اعتقال وسجن وضياع في السجون؟ ثم العودة لممارسة نشاطه السياسي والنقابي؟

قائمة أسماء مصيرهم في عنق بهجت سليمان!!

القائمة التالية بأسماء بعض المعتقلين والمفقودين الأردنيين هي من عرف منهم، وأعلنتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان، فرع الأردن، وأقول البعض لأنّ مجموع المعتقلين والمفقودين يرقى إلى حدود 300 شخص، بينما المذكورة أسماؤهم في القائمة 52 مواطنا فقط.

1 . عاهد عبد الله الخريسات،ويلقب (أبو الطيب) معتقل لدى شعبة فلسطين.                                 
2 . إبراهيم عبد الله فايز الشوا، دخل سوريا بتاريخ 6 سبتمبر 2006 واعتقل منذ دخوله.
   حاتم عبد الرحيم محمد البوريني، مفقود في سوريا، غادر الى سوريا في 22 مايو 2005 . .3
  جبر محمد خليل عثمان البستنجي معتقل في السجون السورية منذ 24 عاما..4
 عماد إبراهيم عبد الهادي محمد الدواية، معتقل منذ 25 سنة.. 5
 بشار شريف علي صالح..6
 خالد محمد عبد الرحيم جابر العموري، معتقل منذ 1982 وهو في سجن تدمر..7
.1983 محمد خميس الصعبي مفقود في سوريا منذ عام .8
9 . أحمد فؤاد بشير، معتقل منذ عام 1982 .
باسم خميس سمور صقر معتقل منذ عام1990 .. 10
 خالد محمد حسين ظاهر معتقل في سوريا في سجن صدنايا وهو محكوم 20 عاما..11
 حسيب نديم صالح.12
13 . وفاء فهمي علي عبيدات، طالبة طب أسنان جامعة دمشق، اعتقلت مساء 17 تشرين أول منذ 1986 من قبل الفرع (251) في المخابرات العامة ، وبعد التحقيق معها سلمت للفرع (285) في كفر سوسة.
14. هاني فهمي علي عبيدات، اعتقل عام 1986 من قبل الفرع ( 251 ). 
 وليد أيوب بركات، في سجن صدنايا..15
عماد العنابي سكان اربد موجود حاليا في سجن صدنايا..16
إبراهيم حسن علي الصقور، موجود في السجن منذ عام 1999 في سجن صدنايا، حكم 15 سنة..17
محمد جابر عبد الغني، معتقل منذ عام 1982، ما زال موجودا في سجن صدنايا..18
 سعيد حتاملة، معتقل منذ عام 1985 سجن صدنايا..19
 محمد طه عبد المحسن معوسة، موجود داخل السجن باسم مستعار وائل الرمحي..20
 خالد محمد عبدالرحيم جابر العموري، معتقل منذ عام 1982 في سجن صدنايا..21
عمر احمد بدران بدير، ما زال معتقلا بتأكيد من ذويه باتصال هاتفي..22
اسامة بشير بطاينة..23
 يسرى احمد يوسف الحايك..24
 شيخة احمد يوسف الحايك..25
ميسر جميل العيساوي، معتقلة منذ عام 1985 باتصال هاتفي مع ذويها..26
 حاتم عبدالله خلف زريقات، وكان الاعتقال في حمص منذ تاريخ 4/3/1981 ..27
 احمد محمد اسماعيل زعترة، معتقل منذ عام 1994 بتأكيد من ذويه باتصال هاتفي..28
 نبيل حسن مصطفى ابو حجاب..29
 عماد ابراهيم عبدالهادي حمد، معتقل منذ .1988.30
 خالد عزيز عارف حرزالله، ما زال معتقلا بتأكيد من ذويه باتصال هاتفي..31
عدنان محمد محمود حموضة، اعتقل منذ عام1985 ..32
33 . خليل نايف مبروك، معتقل منذ عام 1985 .
بهاء وجيه الشنطي، مفقود منذ عام 1990 اعتقل اثناء عودته من السويد..34
عبد الواحد محمود اسعيد (ابو علاء) معتقل منذ 28 عاما..35
36 . منذر عبد الكريم نمر تايهة، معتقل منذ عام   1976 .
كايد صالح حسن ابو جيش. .37
عماد نايف جبر كناني، معتقل منذ عام 1999 بسجن صدنايا.. 38
 خالد ابراهيم يوسف بشابشة..39
 خالد صادق محمود صبيح، طالب صيدلة في تركيا..40
عدلي سليم عبد القادر عبده..41
 فيصل حماد بن سعيد، إبلاغ من طرف ذوي احد السجناء..42
43 . إبراهيم عبد العال.
 جهاد القشة..44
 ملاك إبراهيم علي الرملاوي..45
 سمر الخطيب..46
 أمين يوسف جمعة..47
 نسرين صمادي في سجن دومة محكومة إعدام، محتجزة بزنزانة انفرادية..48
 محمود صوالحة..49
عبد الكريم أبو عيشة، معتقل منذ عام  1978 . . 50
عبد الفتاح حسن أبو سنية.. 51
 ياسر صالح حسن إدريس..52

احتجاجات شعبية أردنية

إنّ الاحتجاجات الشعبية الأردنية تضامنا مع هؤلاء المفقودين والمعتقلين، كانت أكثر أمانة وضميرا من هؤلاء المؤيدون بدون خلق أو ضمير. فقد سبق أن أعلن المحامي عبد الكريم الشريدة، أحد الوطنيين الشرفاء المدافعين عن هؤلاء المعتقلين، عن سلسلة خطوات احتجاجية كانت لجنة متابعة أوضاعهم، تعتزم تنفيذها ومنها إقامة خيمة احتجاجية أمام السفارة السورية في عمان، لكن وزارة الداخلية الأردنية رفضت السماح لهم بإقامتها. كما اتصلت اللجنة مع مندوب الأردن في مجلس حقوق الإنسان العالمي لأجل طرح القضية على المستوى الدولي، لكن المندوب لم يستجب لهم. وفي نفس السياق لا ننسى جهود المحامي هاني الدحلة رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن، الذي عقد أكثر من مؤتمر صحفي وأعلن قائمة الأسماء التي أوردتها. وقام بعض النشطاء الأردنيين من الشباب بإطلاق صفحة على الفيس بوك تحت اسم ( الحملة الوطنية للدفاع عن المعتقلين الأردنيين في السجون السورية "فك القيد").

وفعلا لولا حصانته الدبلوماسية فإنّ الخلية المخابراتية "بهجت سليمان" يستحق الاعتقال والمحاكمة في الأردن على هذه الجرائم التي ارتكبها هو شخصيا وعصابات نظامه بحق هؤلاء المواطنين الأردنيين، الذين لا يعرف مصير أغلبهم أهم أحياء أم أموات. ورغم ذلك فإنّه من الواجب الملقي على كاهل الحكومة الأردنية أن تتابع هذا الملف وتطرحه في كافة المنتديات العربية والدولية. فهل يصحو ضمير الأردنيين المؤيدين لهذا النظام المتوحش على شعبه وعلى ألاف من المواطنين العرب خاصة اللبنانييين والأردنيين والفلسطينيين. ويكفي أنّ قتلاه من الشعب السوري في شهر أغسطس الماضي فقط زادوا عن خمسة ألاف قتيل.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com








76
هل من الممكن إقامة علاقات طبيعية عربية-إيرانية؟

د.أحمد أبو مطر

كشف انعقاد المؤتمر الديكوري الكرتوني لما يسمّى بلا معنى (دول حركة عدم الانحياز) في العاصمة الإيرانية طهران، الخميس الثلاثون من أغسطس 2012 ، مدى زيف وكذب ونفاق ودجل نظام الملالي الذي يدّعي أنّ وليه الفقيه آية الله الخميني، ومن سيجيء بعده (هم وكلاء الله  في الأرض ومن يعصى أوامرهم فقد عصا الله تعالى) حسب مضمون النظرية فاقدة المضمون والمصداقية الشرعية التي اخترعها الخميني عام 1979 بدون أي سند أو مرجعية حتى في الفقه الشيعي، بدليل عدم اعتراف أئمة شيعة عرب وإيرانيين كبار بهذا الاختراع الخميني، الذي رسّخ من خلاله ديكتاتورية استبدادية كانت حقيقة ديكتاتورية شاه إيران أرحم منها بمرات عديدة، خاصة أنّ الديكتاتورية المدنية من السهل مقاومتها كما أسقطت الثورات العربية ديكتاتوريات حسني مبارك وعلي عبد الله صالح و زين العابدين بن على وعميد الديكتاتوريين العرب مخرّب ليبيا القذافي وعلى الطريق اسقاط ديكتاتورية وحش سوريا، بينما الديكتاتورية المتسترة باسم الدين من الصعب مقاومتها واسقاطها لأنّها تحكم زورا باسم الله تعالى الذي تنصّ تعاليمه على العدالة والحرية والمساواة والكرامة، فاستبدلتها ديكتاتورية الملالي بالقتل والسحل والجلد والإعدام والإقامة الجبرية. هذا بينما يرعى ما يسمى الحرس الثوري الإيراني مئات من بيوت (المتعة الجنسية) العلنية وبحماية الحرس الثوري نفسه، وهذا ليس ادعاءا بل حسب تقارير إيرانية رسمية، حسب ما نقلت العديد من المواقع الإعلامية، ومنها " شبكة الإعلام العربية- محيط" في السادس من يونيو 2010 ، نقلا عن صحيفة "الإسبوع المصري" المستقلة حيث ورد حرفيا: "قررت الحكومة الإيرانية نشر بيوت الزواج المؤقت أو ما يعرف باسم زواج المتعة ليوم واحد، في الشوارع والأحياء، بحجة القضاء علي مشكلة الاغتصاب والكبت الجنسي الذي يعاني منه الشباب الإيراني".ونقلت مصادر إعلامية عن قوي الأمن الداخلي الإيراني قولها: "إنها ستوسع نطاق ما يعرف في إيران بمراكز أو بيوت العفاف بهدف تقليص جرائم الاغتصاب وحل معضلة العلاقات الجنسية غير المشروعة"....وبعد

ماذا كشفت هذه القمة الديكورية عن زيف وكذب نظام الملالي؟


إذا كان من يقدّمون أنفسهم على أنّهم (آيات الله) أي لغويا علامة من علامات الله تعالى يكذبون ويزيفون ويمارسون الباطل، فكيف يمكن أن نلوم المواطن العادي، وكيف يمكن أن نصدّقهم بانّهم سيقودون الشعب الإيراني نحو الحرية والديمقراطية؟. وهل كان هؤلاء الملالي يعتقدون أن خطاب الرئيس المصري في هذه القمة المنحازة سيكون منسجما مع توجهاتهم الظالمة، وهو رئيس انتخبه شعب عانى طوال ما يزيد على خمسين عاما من ديكتاتورية العسكر، رغم أنّها كانت أرحم وألطف مليون مرة من ديكتاتورية الملالي، حيث سجلهم منذ عام 1979 في السحل والجلد والإعدام لا يجاريه إلا سجل الديكتاتورية الصينية. لقد خيّب الدكتور محمد مرسي آمالهم فجاء خطابه خازوقا لهم ولنظام السفّاح وحش سوريا الذي يدعمونه بالمال ومرتزقة ما يسمى الحرس الثوري، وهو ثوري فقط في قمع الشعب الإيراني ووضع قيادات المعارضة مثل مير حسين موسوي و مهدي كروبي قيد الإقامة الجبرية.

وهل الكذب والتزوير حلال عند الملالي؟


أم هو نوع ومظهر من مظاهر التقية التي يؤمنون بها ويمارسونها حسب أهوائهم للبقاء في السلطة يقمعون الشعب الإيراني؟. وإلا لماذا الخوف من الحقائق التي أعلنها الدكتور محمد مرسي بخصوص سفاحهم وحش سوريا؟.  هل يستطيع مذيع تلفزيون الملالي أن يزوّر خطاب الرئيس المصري بدون أوامر عليا من علي خامئني و أحمدي نجاد شخصيا؟.هل يعقل أن يسكتوا صوت الرئيس المصري عند بث مقتطفات من خطابه ليدّعو أنّه أيّد نظام وحش سوريا؟. وهل يعقل أنّ المترجم والمذيع أبلهان وجاهلان لهذه الدرجة بحيث لا يميزان بين اسم دولتي (سوريا) و (البحرين)؟. وهل هذا جهل أن يزجّ باسم (البحرين) في نصّ الخطاب، أم استغفال لمستمعيه من الشعب الإيراني؟. وقد اعترف مسؤولو نظام الملالي بأن اسم البحرين ورد في الترجمة مرة واحدة، وهذا كذب أيضا، فلقد تمّ تكراره ثلاثة مرات بدون سياق أو مناسبة، فقط للكذب على الشعب الإيراني والدجل على عقوله التي استنكرت هذا التزوير الفاضح بسرعة شديدة، واعتبره النشطاء الإيرانيون في ميدان حرية التعبير بأنّه فضيحة جديدة تضاف لفضائح نظام لا يعرف الله في تعامله مع شعبه والشعوب العربية كافة، فهو يمارس الدجل منذ عام 1979 باسم فلسطسن وقضيتها العادلة، وفلسطين والفلسسطينيون لم يعرفوا من هذا النظام سوى الخطابات الفارغة التي خدمت دولة الاحتلال الإسرائيلي أكثر مما خدمت الشعب الفلسطيني وقضيته.

لذلك توالت الإدانات العربية،

لهذا التزوير الملالي الفاضح، فاستدعت مملكة البحرين القائم بأعمال السفارة الإيرانية وسلمته مذكرة احتجاج على زجّ اسم البحرين في خطاب الدكتور محمد مرسي، رغم أنّ إسم مملكة البحرين لم يرد في الخطاب مطلقا لا في سياق ايجابي أو سلبي. أمّا الصحافة المصرية فقد شنت غالبيتها حملة غير مسبوقة على هذا النظام الفاشي، مما يعطي الانطباع أنّه لا عودة قريبة لعلاقات دبلوماسية كاملة بين الدولتين، فمن المستحيل قيام علاقة طبيعية بين دولة مصر الجديدة التي تخلصت من ديكتاتورية مبارك المدنية، لتقيم علاقة مع ديكتاتورية تزيف الدين وتعاليمه عبرنظريات لا يعترف بها إلا المحيطين بالملالي ولهم مصالح شخصية وسرقات بالملايين كما ظهر في الفضائح الأخيرة للمقريبن من وكيل الملالي أحمدي نجاد وصهره مدير مكتبه، وليس هذا وحسب بل تسعى بمختلف الوسائل لنشر طرقها هذه حتى عن طريق الرشاوي المدفوعة لأشخاص ووسائل إعلامية تمولها لتصبح نسخة معادة مملة من تلفزيونهم الناطق بالعربية تحت اسم (تلفزيون العالم).

مسرحية خطابية اسمها يوم القدس العالمي

كتب هذه المسرحية الخميني على أن يقام عرض هذه المسرحية منذ ما يزيد على ثلاثين عاما في الإسبوع الأخير من شهر رمضان، فماذا قدّم نظام الملالي لفلسطين عبر السنوات الثلاثين هذه غير تهديدات فارغة لدولة الاحتلال الإسرائيلي أكسبتها تعاطفا دوليا غير مسبوق، وكيف سيدعم الخميني وحلفائه القضية الفلسطينية وهو صاحب شعار ( تحرير القدس يمرّ ببغداد ). من يتخيل هذا الشعار الخائن الذي كان يهدف لتدمير العراق، وقد كان صائبا الجيش العراقي بإلحاق الهزيمة المرّة بجيش ولي الفقيه الذي اعتبر الخميني الموافقة على الاستسلام ووقف الحرب آنذاك بأنّه أشدّ عليه من تجرعه السم.

لذلك لا تطبيع عربي مع هذا النظام الشوفيني الديكتاتوري إلا إذا،


1 . انسحب فورا من الجزر الإماراتية الثلاثة المحتلة منذ عام 1971 في زمن الشاه، واستمر الملالي في هذا الاحتلال وبالتالي فهم لا يختلفون عن ممارسات الشاه التوسعية الاحتلالية، واحتلالهم للجزر الإماراتية لا يختلف عن الاحتلال الإسرائيلي.، فالاحتلال واحد، لا يوجد احتلال قبيح نقاومه واحتلال جميل نصفق له، ويتعمد كبار ممثلي الملالي من الزيارات الدورية لهذه الجزر الإماراتية المحتلة، بقصد الاستفزاز للجوار العربي والتأكيد على أنّ احتلالهم لها مستمر.

2 . إعطاء عرب الأحواز حقهم في تقرير مصيرهم وممارسة كافة حقوقهم القومية بما فيها استعمال لغتهم العربية الممنوعين من استعمالها منذ عام 1925 ، واعطاء حريتهم في ممارسة عباداتهم الدينية حسب طقوسهم السنّية حيث ممنوعين أيضا من هذا، وممنوعين من إقامة دور عبادة تحت اسم (مساجد) أو (جوامع).

2 . وقف تهديداته الدائمة بضم مملكة البحرين والتدخل الوقح في شؤونها الداخلية، فهذا أيضا لا يختلف عن تهديدات الاحتلال الإسرائيلي بضم مستوطنات الضفة الغربية لحدود دولة الاحتلال.

3 . وقف التعبئة والحقن الطائفي بين السنّة والشيعة، وبصراحة شديدة لم يصل هذا الاحتقان الطائفي هذا المستوى التعبوي إلا بعد سيطرة الخميني على السلطة في إيران عام 1979 . وإلا ما معنى تحريف خطاب الرئيس المصري في قمة عدم الانحياز الديكورية، وقد ذكر وصلّى على الخلفاء الراشدين الأربعة أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان وعلي ابن أبي طالب، ليختصر تلفزيون الملالي قول الرئيس المصري ب ( آل البيت ). إنّنا نحترم ونجلّ كافة آل البيت ونتعاطف ونبكي على كافة المرارات التي ذاقوها، ولكنّ المرفوض هو تجيير ذلك للفتنة الطائفية والفرقة بين المسلمين. فلا أعرف كيف اصبح آل البيت الكرام أقرب إلى ملالي إيران من بني جلدتهم العرب، وهؤلاء العرب هم الذين أوصلوا الإسلام لإمبراطورية الفرس؟. إنّ حجم ما هو ما هو مكتوب عن الإمام علي وفضائله وجهاده في المصادر العربية، يبعث على الفخر والاعتزاز بهذه الشخصية المجاهدة فعلا، وهو ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، يجعل القارىء المحايد في حيرة كبيرة، منطلقها كيف يتم تجيير هذه الشخصية العالمية إسلاميا لتصبح ملكا لملالي إيران، يستعملونها حسب مصالحهم السياسية خاصة التوسعية والطائفية منها، جاعلين من تسمية (آل البيت) ملكا لهم، وآل البيت أي بيت الرسول صلى الله عليه وسلم من حق كل المسلمين الدفاع عنهم ومنع الإساءة إليهم، والمرفوض هو استعمال هذه التسمية لأغراض طائفية، و أنا شخصيا لا أعترف بها ولا أرى أنّ هناك أية مرجعية تاريخية لما يسمّى طائفيا (سنّة) و (شيعة)، فإذا كان مرجعنا هو القرآن الكريم والسنّة النبوية، فلا يوجد فيهما إلا إسلام ومسلمين، وما هذه التسميات الطائفية المقيته إلا اختراعات وادعاءات لخدمة أغراض سياسية، أولها الاستيلاء على السلطة والحكم والمال. 

وبدون تلبية الملالي لهذه الشروط التي يتكلم عنها غالبية العرب، لا يمكن اقامة علاقات طبيعية بين نظام الملالي وغالبية الأقطار العربية، وستبقى مجرد علاقات دبلوماسية لا تعدو فتح مكاتب شبه مغلقة، دون أن تصل لعلاقات مبنية على الثقة والاحترام المتبادل..وهذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة خاصة بعد سقوط وحش سوريا جسر الملالي في المنطقة العربية.
drabumatr@hotmail.com






77
أحمد جبريل: مواقف غير وطنية دوما

د.أحمد أبو مطر

أعرف مسبقا أن العنوان سيكون استفزازيا للبعض، و ليتهم يقرأون المقالة بدقة والتفكير في مواقف هذا الرجل منذ عام 1968 حتى اليوم، ثم يقرروا في أية خانة وصفة يضعون غالبية أعماله ومواقفه السياسية، وإن كنت مخطئا أو متجنيا في ذكر موقف له لم يحدث فلديّ الجرأة على الاعتذار العلني. ومن المهم ملاحظة قولي ( غالبية أعماله )، أي أنّ مسيرته لا تخلو من الايجابيات، ولكن حكمي على غالبية أعماله ضمن هذه السميرة، فدققوا واحكموا!!!.

كخلفية عامة فالسيد أحمد جبريل،

من مواليد قرية يازور من ضواحي مدينة حيفا عام 1938 ، وهاجر بعد نكبة 1948 وأسرته إلى سوريا، وكان عمره  عشر سنوات، ومن بين الفلسطينيين القلائل لأسباب لا أعرفها حصل مع أسرته على الجنسية السورية، مما أهله لاحقا لدخول الجيش السوري أي أنه تمّ تطبيق التجنيد الاجباري عليه بحكم أنّه مواطن سوري، وترقى حتى وصل لرتبة ضابط . وبعد ما عرف بنكسة عام 1967 ، انضم للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين برئاسة المرحوم الحكيم الدكتور جورج حبش التي أعلن تأسيسها في ديسمبر 1967 كامتداد لحركة القوميين العرب، وكان انضمام أحمد جبريل لها كممثل لتنظيم صغير شبه مجهول كان قد أسسه سابقا في دمشق بإسم " جبهة التحرير الفلسطينية" بدعم وتشجيع من المخابرات السورية التي كان ضابطا في جيش نظامها. فما هي أهم ممارسات أحمد جبريل غير الأخلاقية ولا الوطنية بعد انتهاء خدمته في الجيش السوري، ومن المعروف أنّ انتهاء خدمة أغلب الضباط السوريين لا يعني انتهاء علاقاتهم مع أجهزة النظام خاصة الأمنية والمخابراتية التي لا يمكن احصاء عددها.؟

نماذج من ممارساته غير الوطنية


1 . لم يمض على انضمامه للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سوى حوالي عشرة شهور، أي لم يكتمل بعد بنيانها التنظيمي ولم يتشكل برنامجها السياسي، حتى أعلن أحمد جبريل في أكتوبر 1968 انشقاقه عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مشكّلا مع ما لا يزيد عن ثلاثين شخصا ما سمّي حتى اليوم  (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القيادة العامة). وسؤالي للمدافعين عن أحمد جبريل وأنصاره: هل كان هذا الانشقاق بسبب الخلاف على برامج سياسة خاصة بالنضال والمقاومة والتحرير أم لمصالح وامتيازات شخصية؟ بدليل ماذا قدّمت قيادته العامة لخدمة القضية الفلسطينية أكثر مما قدمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الحكيم جورج حبش؟. ومن المهم التدقيق في دور المخابرات السورية في انشقاق أحمد جبريل، خاصة أنّ الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المرحوم الدكتورجورج حبش، كان قد جرى اعتقاله أواخر عام 1967 في دمشق من قبل المخابرات السورية، وأمضى قرابة العام في السجن حيث تعرض لتعذيب شديد، وتمّ انقاذه عبر عملية جريئة خطط لها ونفذها قيادي الجبهة آنذاك المرحوم الدكتور وديع حداد، حيث تمّ خطفه من سيارة السجن وتهريبه إلى بيروت، حيث أرسل جمال عبد الناصر طائرة خاصة أقلته إلى القاهرة للقائه حيث جمعتهما صداقة قوية.

2 . لعب أحمد جبريل وتنظيمه دورا قذرا بعد دخول الجيش السوري عام 1976 محتلا لبنان احتلالا فعليا، فكان أداة تنفيذية لما يريده الجيش السوري، خاصة أثناء حصار مخيم تل الزعتر حيث اصطف علانية مع حزب الكتائب، الذي حاصر المخيم 62 يوما قبل اقتحامه، وكان عدد قتلى المخيم قرابة 4000 فلسطيني . وهذا ما حدا بالمرحومين أبو العباس و طلعت يعقوب إلى الانشقاق عنه، والعودة لتشكيل التنظيم باسمه القديم " جبهة التحرير الفلسطينية".

3 . ردّ أحمد جبريل على انشقاق أبو العباس و طلعت يعقوب بعمل إجرامي يعرفه ويتذكره كل من كان وعاش في بيروت، إذ قام في أغسطس 1977 بتفجير المقر الرئيسي لجبهة التحرير الفلسطينية في حي الفاكهاني ببيروت أثناء اجتماع عام للجبهة، حيث تمّ تدمير المبنى بشكل كامل، وكان عدد القتلى في هذا الانفجار الجبريلي الإجرامي قرابة 200 شخص. فهل هناك من يستطيع أن ينكر هذا التفجير وهو موثق في اليوميات والذاكرة الفلسطينية؟.

4 . قام أحمد جبريل وتنظيمه بدور مشارك رئيسي لجيش حافظ الأسد في حصاره لياسر عرفات ومقاتليه في مدينة طرابلس اللبنانية، حيث قصفوها بكافة أنوا الأسلحة موقعين مئات القتلى، ولم ينقذ عرفات ومقاتليه سوى البحرية الفرنسية واليونانية.

5 . دوره وتنظيمه المشارك في حرب المخيمات الأولى في لبنان (1985 – 1986 ) التي قادتها حركة أمل بزعامة نبيه بري، وكان قتلى الفلسطينين يزيد عن ألف قتيل غير مئات المفقودين إلى اليوم.

6 . أما الحرب الإجرامية الفعلية التي قادها أحمد جبريل وجماعته والمنشقون عن فتح، هي ما عرفت بحرب المخيمات الثانية، حيث قاموا بحصا ر مخيم شاتيلا من صباح الثالث من أبريل عام 1988 حتى مساء السابع والعشرين من يوليو 1988 ، سقط فيها مئات من الفلسطينيين، وتم تهجير ألاف منهم إلى مخيمات الجنوب اللبنانب بحجة أنّهم من أنصار عرفات، ولا ينسى الفلسطينيون جولات أحمد جبريل في المخيم بعد احتلاله والصور التي تمّ التقاطها له ومرافقيه وسط الدمار وقرب جثث الضحايا من الفلسطينيين.

القائمة غير الوطنية طويلة وتكفي أخيرا فضيحة دعمه لوحش سوريا

حيث ظهر في قناة " الميادين" التي أسسها غسان بن جدو بدعم علني من إيران وحزبها في لبنان حزب حسن نصر الله، وإذا بها صورة طبق الأصل عن قناة المنار التابعة للحزب وقناة العالم العربية التابعة للنظام الإيراني، خاصة في دفاعها عن نظام الوحش قاتل الشعب السوري الذي لم يكفه حتى اليوم ما يزيد على عشرين ألف قتيل سوري وأكثر من هذا العدد من المفقودين والسجناء.
ظهر أحمد جبريل يوم الثالث من يوليو 2012 في هذه القناة ليعلن تأييده الكامل العلني هو وحزب الله والنظام الإيراني لنظام الوحش رغم كل جرائمه. ويبدو من صيغة كلامه أنّه كان مخولا من إيران وحزب الله أن ينطق باسمهما أيضا، إذ قال حرفيا" إنّ الجبهة وحزب الله وإيران سيكونون جزءا من المعركة إلى جانب النظام السوري في حال حصول عدوان خارجي على سوريا ). واعترف أنّه التقي حسن نصر الله والرئيس الإيراني أحمدي نجاد ووحش سوريا ( بشار الأسد ) واتفقوا على ذلك.

اصطفاف لا يشرّف الفلسطينيون،

بدليل المظاهرات العارمة والمستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية الداعمة لثورة الشعب السوري، الرافضة للجرائم التي يرتكبها الوحش بحق الشعب السوري. ويكفي تذكير صاحب المواقف غير الوطنية أحمد جبريل ببيان الشرفاء الفلسطينيين الذي أصدره قرابة مائة كاتب فلسطيني في القدس ذاتها نهاية العام 2011، يؤيدون ثورة الشعب السوري قائلين في بيانهم هذا حرفيا: (لا نريد تحرير القدس إذا كان هذا التحرير على حساب دماء الشعب السوري ). ولم يكتف أحمد جبريل بهذا بل انتقد قيادة حماس لاتخاذها موقفا وطنيا شريفا بمغادرتها لدمشق بعيدا عن الدماء التي يريقها الوحش، والسيد اسماعيل هنية يوجه تحية للشعب السوري من داخل الأزهر الشريف في القاهرة. لذلك تمّ حتى الآن قتل ما لا يقل عن مائة وخمسين فلسطينيا غالبيتهم في مخيم اليرموك بدمشق، ومن ضمنهم اثنان برتبة عميد في جيش التحرير، وأخيرا اغتيال القيادي في حماس كمال غناجة في نهاية يونيو الماضي في ضاحية قدسيا القريبة من دمشق.
كل هذه الجرائم يسكت عليها أحمد جبريل ولا يتذكر إلا التغني بأفضال نظام الوحش ،وهو يعرف أنّ هذا النظام لم يطلق رصاصة على الاحتلال منذ عام 1967 ولم يسمح لأي فلسطيني بمن فيهم جماعة أحمد جبريل بإطلاق أية رصاصة من الحدود السورية، ورغم ذلك فهو في عرف جبريل نظام مقاومة وممانعة يتوعد بالاصطفاف معه والدفاع عنه. إنها مواقف ليست وطنية ولا تعبر إلا عن صاحبها وبعض المنتفعين معه، وعليهم أن يعدّوا العدة لما بعد سقوط الوحش، فماذا سيقولون وكيف يواجهون الشعب السوري؟.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com




78
خالد مشعل في عمّان: ما هي دلالات هذا الحدث؟

د.أحمد أبو مطر

وصل السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إلى الأردن يوم الخميس الثامن والعشرين من يونيو 2012،  في زيارة اتخذت الطابع الرسمي بدليل لقائه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لقاءا كان ايجابيا للغاية كما يستنتج من تصريحات مشعل نفسه، إذ شدّد على عمق العلاقات التي تجمع الأردن والشعب الفلسطيني، مخاطبا العاهل الأردني ( إنّ الأردن وجلالة الملك في قلوبنا وعلى رؤوسنا دوما... نحن يا جلالة الملك في خدمة الأردن في كل القضايا ). وأوضح مشعل ( أنّ الاجتماع يأتي في وقت مهم في إطار إدامة التنسيق والتشاور بين الجانبين) مؤكدا ( الحرص على تنمية العلاقة مع الأردن في جميع المجالات). ومن غزة هاشم أكّد سامي أبو زهري الناطق باسم الحركة ( أنّ الزيارة تتركز حول العلاقة بين حماس والأردن، والقضايا السياسية المتعلقة بالشأن الفلسطيني). ومن المهم التذكير بأنّ هذه هي الزيارة الأردنية الرسمية الثانية لخالد مشعل، إذ كانت الأولى في يناير 2012 بصحبة ولي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد، والتقى مشعل أيضا العاهل الأردني. وقبل ذلك زار الأردن زيارتين في مناسبتين عائليتين، الأولى للمشاركة في تشييع جنازة والده المرحوم عبد الرحمن مشعل في التاسع والعشرين من أغسطس عام 2009 ، وكبادرة إنسانية قامت أمانة العاصمة عمّان بتجهيز القبر الذي وري فيه جثمانه في منطقة صويلح التي ظلت تستقبل المعزين طوال ثلاثة ايام. والثانية لزيارة والدته أثناء مرضها في نهاية سبتمبر 2011 ، ورغم أنّها زيارات شخصية عائلية لم يرافقها أية نشاطات سياسية أو لقاءات صحفية لخالد مشعل، إلا انّها كانت بدايات ذوبان جبل الجليد بين حماس والأردن، هذا الجبل الذي بدأت تراكماته منذ عام 1999 ، عندما طلب الأردن من خالد مشعل وبعض رفاقه في قيادة حماس بمغادرة الأردن، بسبب تداعيات وتشابكات قانونية ودستورية، حيث أنّهم يحملون الجنسية الأردنية وفي الوقت ذاته أعضاء وقيادات في حركة أو تنظيم فلسطيني، وهذا ما لا تسمح به قوانين كافة الديمقراطيات الأوربية، فلا يجوز ولا يسمح لمواطن نرويجي مثلا أن يكون عضوا رسميا في حزب سويدي..وهكذا. والدليل على ذلك أنّ الأردن سمح بعد ذلك في يونيو 2001   للقيادي في حماس إبراهيم   غوشة المبعد مع خالد مشعل ورفاقه، بالعودة إلى الأردن بعد أن تعهد خطيّا بعدم ممارسته أية نشاطات على أرض الأردن باسم حماس، وهذا ما كان حتى اليوم.

دور الملك حسين في انقاذ حياة خالد مشعل

ومن المعروف أنّ خالد مشعل تعرض لمحاولة اغتيال من قبل عناص من الموساد الإسرائيلي في عمّان بتاريخ الخامس والعشرين من سبتمبر 1997 اثناء قيام أولئك العملاء برش السم القاتل في أذنيه أمام مكتبه وسط العاصمة عمّان، واعتقال إثنين منهم وفرار البقية إلى السفارة الإسرائيلية، وإزاء إصرار الملك حسين وتهديده بطرد السفير الإسرائيلي، أرسل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو آنذاك المصل المضاد للسم الذي بواسطته تمّ إنقاذ حياة مشعل، وأعقب ذلك بأيام قليلة الإفراج عن الشيخ الشهيد أحمد ياسين الذي وصل للمدينة الطبية الأردنية للعلاج قبل عودته للقطاع، وقد زاره الملك حسين في المدينة الطبية.

هل توجد مؤشرات جديدة لزيارة مشعل الثالثة هذه؟

إنّ التصريحات الايجابية إزاء الزيارة من الطرفين الأردني و حماس ، توحي أنّ هناك تطورات قادمة في العلاقة، تفرضها مستجدات في المنطقة تتطلب إزالة ما تبقى من جبل الجليد بينهما، وأهمّ هذه التطورات:
1 . استمرار تصاعد الثورة السورية ضد نظام الأسد حيث وصلت ثورة الشعب السوري عمق العاصمة دمشق، وقد سبق هذا التطور ما يؤكد مغادرة غالبية قيادة حماس لسوريا، وهذا ما أشعل غضب نظام الأسد، إذ كان يريد من حماس وكافة الفصائل الفلسطينية الموجودة عبر مكاتب ديكورية فقط، أن تقف مع نظامه ضد الشعب السوري، فخاب أمله القمعي الاستبدادي، خاصة بعد التحية التي وجهها السيد اسماعيل هنية للشعب السوري من الأزهر الشريف، يوم الجمعة الرابع والعشرين من فبراير 2012 قائلا:"إذ أحييكم وأحيي كل شعوب الربيع العربي بل الشتاء الإسلامي، فأنا أحيي شعب سوريا البطل الذي يسعى نحو الحرية والديمقراطية والإصلاح". وبالتالي لم يقف مع نظام الطاغية الأسد من الفلسطينين سوى عملائه المعروفين، جماعة أحمد جبريل والمنشقين عن فتح جماعة أبو موسى وأبو خالد العملة، وقلة من عملاء المخابرات الأسدية الذين يجمعهم دكاكين صغيرة تتخذ أسماءا ثورية مثل دكان "الصاعقة" التابع رسميا لفرع فلسطين في المخابرات الأسدية.
2 . التعثر الدائم المتواصل في عملية السلام بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، بسبب تعنت هذا الاحتلال ورفضه الأعتراف بأي حد أدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، ودفع عملية السلام للوصول لدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وهذا مصلحة أردنية فلسطينية، بسبب عمق العلاقات بين الشعبين، ورفض الشعبين المطلق لمؤامرة الوطن البديل المستحيلة بسبب هذا الرفض الوطني والثوري لها. وفي ضوء أنّ البرنامج السياسي لحركة حماس لا يختلف كثيرا عن برنامج السلطة الفلسطينية، فالمؤمل والمرجح أن العلاقات الأردنية الحمساوية الجديدة، من شأنها أن تقرّب وجهات النظر الفلسطينية خاصة في مسار المصالحة الفلسطينية أولا، إن قرّر الطرفان الفلسطينيان اتمامها وهي تبدو مستحيلة الآن بسبب صراعهما الشخصي والتنظيمي على الكرسي والمال أولا وليس الدولة الفلسطينية المستقلة أو التحرير.
3 . بدء نظام الأسد سياسة الانتقام من حماس التي كانت أول تعبيراتها الأسدية اغتيال القيادي المسؤول الأمني في حماس "كمال غناجة" يوم الأربعاء السابع والعشرين من يونيو 2012 في منزله بضاحية قدسيا على مشارف العاصمة دمشق، وكافة الدلائل تشير أنّ الاغتيال حدث من قبل شبيحة وعصابات نظام الأسد، خاصة أنّه ظهرت على جسده آثار تعذيب بالكهرباء ربما لا نتزاع اعترافات منه، كما حاول القتلة حرق المنزل، فأتى الحريق على مدخله والمطبخ فقط. وكان ملفتا للنظر موافقة الأردن الرسمي الفورية على دخول جثمان الشهيد غناجة إلى الأردن كونه يحمل الجنسية الأردنية وتقيم عائلته في الأردن، حيث شارك خالد مشعل شخصيا وقيادات من الحركة الإسلامية في التشييع الحاشد لجثمان الفقيد، وقد توعد خالد مشعل القتلة بالعقاب الشديد قائلا: " إن المجرمين أحرقوا صدره وعذبوه قبل قتله". فمن هم هؤلاء المجرمون الذين يعرفون منزل الشهيد في قدسيا الذي كان نادرا ما يتردد عليه غير قتلة وعصابات وحش سوريا؟. وإذا كان الموساد وراء ذلك فأيضا كيف يدخل الموساد ويسرح ويقتل ويحرق منزلا ومخابرات الوحش مشغولة بقتل وحرق الشعب السوري؟ وللتذكير فقط فقد تمّ اغتيال الشهيد عماد مغية في مقرات الأمن الأسدي في كفر سوسة، فهل تمّ ذلك بدون تنسيق مع مخابرات الوحش؟
4 . محاولة نظام الوحش الأسدي اختلاق مبررات لتوتير العلاقات مع الأردن بعد منح الطيار السوري الحمادي اللجوء السياسي في الأردن، إثر وصوله بطائرته الميج إلى الأردن متمردا على قرارات وحش سوريا بقصف مدينة حمص بالطائرات العسكرية. ومن ضمن هذه الاختلاقات الديكورية التي لا تنطلي على جاهل، إعلان النظام قبل أيام قليلة عقب لجوء الطيار الحمادي، عبر وسائل إعلامه الغبية: " «أوقفت القوات السورية في حمص ضباطا وعناصر أمنية أردنية، وضبطت نحو 200 بزة عسكرية تعود للجيش الأردني». وقد نفى وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، سميح المعايطة ما تداولته ما نشرته وسائل إعلام الوحش قائلا: " تلك الأخبار غير صحيحة ولا تستند إلى أية حقائق. إنّ الأردن لا يتدخل في الشأن الداخلي السوري، وإن المعلومات التي تتحدث بخلاف ذلك مغلوطة ولا تستحق التعليق عليها" .وقال «إننا نتحمل الكثير من الأعباء بسبب استضافة الأشقاء السوريين الذين وفدوا إلى الأردن خلال الأزمة". ومن الواضح أنّ نظام الوحش يسعى من خلال هذه الفبركات المكشوفة لتوتير العلاقة مع جواره الأردني الذي رفض تسليم العقيد الجوي الحمادي ومنحه اللجوء السياسي فور وصوله، ولم يردّ الأردن حتى الآن على طلب نظامه إعادة طائرة الحمادي، خاصة أنّ أنباءا تحدث عن لجوء خمسة طيارين آخرين تمردوا على قرارات قصف شعبهم ومدنهم. وتأتي محاولات التوتير مع الأردن، امتدادا للتوتر العلني المتصاعد في العلاقات مع تركيا الذي استدعى نشر فرقا عسكرية تركية على الحدود مع سوريا في الأيام الأخيرة.
وماذا قدّم نظام الوحش لحماس غير السكن والإقامة؟
هل كان يسمح لحماس أو أي من التنظيمات الفلسطينية بإطلاق رصاصة على الاحتلال من الحدود السورية المحتلة جولانها منذ عام 1967 ؟. وهل كان يسمح لحماس أو غيرها بإقامة أية علاقات أو محادثات مع أية أحزاب غير البعث الرسمي، أي وكأنها علاقات مع حكومة الوحش نفسه. ضمن هذه القاعدة والمستجدات في العلاقات الأردنية الحماسية ضمن متغيرات المنطقة العربية، لا أستبعد تطورا واضحا في مسيرة علاقات الأردن الرسمية مع حركة حماس، على نفس نسق تواجد العديد من كوادر وقيادات المنظمات الفلسطينية والسلطة الوطنية في الأردن، وعلى قاعدة عدم التدخل في الشأن الأردني الداخلي، وعدم إقامة أية علاقات حزبية أو تنظيمية مع الأحزاب الأردنية، خاصة في حالة حماس والتداخل بينها وبين الحركة الإسلامية، وهذه مسألة ليست صعبة عند تفهم الطرفين حماس والحركة الإسلامية، فليس مطلوبا من الأردن أن يقدّم لحماس أكثر مما كان يقدمّه نظام المقاومة والممانعة الأسدي.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com


 


79
هل هناك احتمالات لصراع طائفي في سورية بعد سقوط الوحش؟

د.أحمد أبو مطر

تطرح العديد من الأوساط السياسية العربية والدولية، خاصة الحريصة بانتهازية وازدواجية مقيتة على بقاء النظام الديكتاتوري المستبد لوحوش سوريا، تخوفات عالية عن احتمالات بالنسبة لها مؤكدة أنّ سوريا الشعب والوطن سوف تشهد صراعا أو حربا طائفية بعد سقوط هذا النظام المتوحش على الشعب السوري منذ ما يزيد على 42 عاما. وكانت آخر هذه التحذيرات من حليف الوحش دولة الصين العظمى التي ترأس الآن مجلس الأمن الدولي،  حيث حذّر رئيس المجلس لي باو دونج ( من خطورة الوضع في سورية )، و بعد جلسة لمجلس الأمن الدولي قدّم فيها رئيس بعثة المراقبين الدوليين روبرت مود رؤيته لمستقبل عمل البعثة في سورية، قال المندوب الصيني "الآن ثمة خطر من زيادة الصراع الطائفي، وكذلك خطر انتشار الصراع لأنحاء أخرى من المنطقة".

  المجتمع السوري بكل مكوناته وريث تاريخ حضاري عريق، مرّت به وعبرت أرضه العديد من الحضارات والشعوب، الكنعانيون، الأموريين، الفينيقيون، الآراميون، الأشوريون وغيرهم، تاركين وراءهم حضارة وشعبا ظلّ متآلفا بكل منابته وأصوله وطوائفه عبر كافة مراحل التاريخ، ولماذا نستغرب ذلك وتاريخ هذا الشعب عرف واخترع أول أبجدية في التاريخ  (الأوغارتية) نسبة إلى مملكة أوغاريت ( 7500 سنة قبل الميلاد ) التي نشأت ونمت في شمال سوريا الحالية، محافظة اللاذقية الآن تحديدا. فهل هذه الاحتمالات الطائفية المرعبة والمرفوضة واردة ضمن خلفية هذه التركيبة البشرية لنسيج المجتمع السوري الحضاري دوما؟.

احتمالات الصراع الطائفي غير واردة..لماذا؟

أولا ضمن هذا السياق من المهم ملاحظة أنّ أدوات نظام الوحش هي التي تقوم منذ بداية ثورة الشعب السوري ضده في منتصف مارس 2011 انطلاقا من مدينة درعا، بمحاولات مستمرة للعبث بتركيبة نسيج المجتمع السوري، من خلال تخويف العلويين والدروز والمسيحيين تحديدا بالويل والثبور الذي ينتظرهم إن سقط نظامه. وضمن عبثه هذا يقوم بحركات أقرب للمسخرة المضحكة مثل التي أشرت لها في مقالة سابقة، وهي سماحة للمواطن اللبناني وئام وهاب الذي ينتي للطائفة الدرزية في السابع من أبريل 2012  بافتتاح مكتب في مدينة السويداء السورية لحزبه المسمّى ( حزب التوحيد العربي ) نسبة للتسمية الشائعة عن الطائفة الدرزية ( الموحدون )، هذا في الوقت الذي يمنع فيه نظام الوحش تأسيس أحزاب سورية، وعشرات من الشخصيات الدرزية السورية المعروفة ذاقت ويلات سجون الوحش الحالي وأبيه، ومنهم ما هو ممنوع منذ سنوات من العودة لموطنه ومسقط رأسه سوريا، وهذا ما يؤكده إبن السويداء الكاتب والناقد المعروف ماهر شرف الدين بقوله ردا على جريدة الأخبار اللبنانية ذات النكهة الطائفية المقيتة: (وبالطبع لو كان لدى "الأخبار" القليل من الحياء لخجلتْ من أهالي أكثر من 300 معتقل اليوم في السويداء أسماؤهم منشورة على الكثير من المواقع. أو لخجلت من مدينة شهبا - التي خرجت عن بكرة أبيها ضد النظام – وهي تقوم بتخفيض عدد سكانها إلى 23 ألفاً (!!) لتقول بأنها قرية صغيرة. ناهيك عن القريّا والثعلة وقنوات وعشرين بلدة أخرى ). وهذا الحزب يكاد يكون مجهولا في بلده لبنان، ولم يلاق أي ترحيب افتتاح مكتبه في السويداء من الطائفة الدرزية الوطنية الثورية دوما، ويكفي أنّ أبناء هذه الطائفة الوطنيين دوما أسسوا صفحة على الفيس بوك تحت اسم ( معا لطرد المخبر وئام وهاب من السويداء ). وأفضل رد على مسرحية بشار وئاب هو مقالة الزميل ابن السويداء ( ماهر شرف الدين ، رئيس تحرير المجلة الأدبية النقدية ( الغاوون ) ،الذي قال واصفا هذه المسرحية السخيفة: (ما حدث في العاشر من هذا الشهر في "صالة 7 نيسان" بالسويداء، لهوَ لطخة عار في تاريخ جبل كان طوال الوقت اسماً على مسمّى، حيث كان في مقدّم الثورات جميعها منذ الانتصار الكبير على حملة إبراهيم باشا المصري مروراً بعشرات المعارك مع الاحتلال العثماني وصولاً إلى الثورة السورية الكبرى... بل وحتى في التاريخ القريب جداً فقد فجَّر أهل الجبل أول انتفاضة شعبية في وجه بشار الأسد بعد أيام من وصوله إلى الحكم سنة 2000 حيث سقطت مدينة السويداء بكامل ساحاتها وأحيائها ولم تفلح دبابات النظام في دخولها إلا على جثة 41 شهيدا ). ولأهمية المقال أنصح بقراءته حتى لمن سبق أن قرأه في إيلاف بتاريخ الرابع عشر من أبريل 2012 .
http://www.elaph.com/Web/opinion/2012/3/722869.html?entry=articlemostsent

دروز سوريا ثوريون دوما..وطنيون أبدا

فمن ينسى من السوريين والعرب أنّ أكبر ثورة ضد الانتداب الفرنسي التي عرفت ب " الثورة العربية الكبرى " قادها وأشعلها المواطن السوري القائد الدرزي سلمان باشا الأطرش عام 1925 ، وكان قبل ذلك في عام 1921 قد رفض بوطنية صارمة تجزئة سوريا وإقامة دويلة درزية. وعلى هذا النهج سار أحفاده، ويكفي التذكير بأنّ ابنته منتهى الأطرش الناطقة بلسان المنظمة السورية لحقوق الإنسان "سواسية"، كشفت سرا خطيرا عن وئام وهاب، عندما أعلنت في السادس من يناير 2012  (  أنّ جزءاً من الدروز ولا سيما الفقراء منهم يتمّ إغراؤهم بالمال من أجل الانخراط في فرق الشبيحة التي تقتل الثوار، متهمة رئيس تيار التوحيد اللبناني وئام وهاب بتوزيع السلاح على الناس ويدفع المال لهم، وداعية رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط الى وضع حد لتصرفات هذا الشخص السيء ). هذا وقد ردّ عليها وئام وهاب بشتائم  متدنية، مما أثار أحرار ووطنيو الطائفة الدرزية في سوريا، فاصدرت "تنسيقية محافظة السويداء" بيانا باسم " أحرار جبل العرب"، ردّوا فيه على من وصفوه ب " العميل الأسدي اللبناني وئام وهاب". وجاء في البيان: «نحن ثوار جبل العرب الأشم وأحفاد سلطان باشا الأطرش نوجه تحذيراً أخيراً للعميل الاستخباراتي (وئام وهاب) بعد تجاوزه كل الحدود بالتطاول اللاذع الذي ذكره في مقابلته مع اذاعة النظام الأسدي الخائن على الأحرار من جبل العرب لاسيما السيدة منتهى سلطان الأطرش. ونقول للقيمين في لبنان على السياسة بداية من السيد (ميشيل سليمان) الى مشايخ الطائفة الموحدة الكريمة ونخص السيد (وليد جنبلاط) إنه: عليكم أن تغلقوا فم هذا العميل المسعور وتوقفوا بث سمومه الطائفية الحقيرة وكذبه المقصود في نيل هيبة ووحدة الصف السوري الثائر من أجل الحرية". وأضاف البيان: «إن أهالي جبل العرب الاحرار والشرفاء يتبرؤون من المدعو (وئام وهاب) ومن تصريحاته وكلامه وافعاله ونعده قريباً باننا سنحاسبه على هذا الكلام وعلى محاولته شق اللحمة الوطنية بيينا وبين اخواننا في كل من درعا وسورية ونعلنه مهدور الدم بيننا بعد هذه المواقف التي طالتنا بسوريتنا ووحدتنا وحريتنا.... منذ الآن وعلى الفم الملآن نقول له ان تراب السويداء أطهر من أن تدوسه أو تشم عبقه لأنه مفعم بالحرية والشرف".

وكذلك بقية الطوائف السورية الشريفة ..هل يمثلها نظام الوحش؟

إنّ نسيج المجتمع السوري المتآلف عبر التاريخ بكافة طوائفه وقومياته الدرزية والعلوية والمسيحية والسنّية والكردية، يعرف لدرجة اليقين المطلق أنّ هذا النظام المتوحش السارق لسوريا شعبا وثروة لا يمثل أية طائفة أو قومية بما فيها الطائفة العلوية التي لا تقل تهميشا ومصادرة للحقوق الأساسية عن أية طائفة أو قومية أخرى، رغم انتماء عائلة الوحش وأخواله لهذه الطائفة. فمن عاش في سوريا وما يزال على اتصال بأصدقائه في داخلها من كافة الطوائف والقوميات يتأكد أنّه لم تستثن أية طائفة من المصادرة والقمع والسجون والمطاردة. وبدون ذكر أسماء فهناك عشرات من أبناء الطائفة العلوية الكريمة من الأكاديميين المعروفين، لا يجدون وظيفة يقتاتون منها، فهل انتبه لهم نظام الوحش كونهم علويين؟.

وبالتالي فإن الخوف من الصراع الطائفي،

هو مجرد فزّاعة يثيرها نظام الوحش وحلفائه الإيرانيين والصينيين والروس وبعض الطائفيين اللبنانيين، كي يخوفوا كافة الطوائف السورية التي تعرف كلها أنّ الصراع الطائفي لن تنجو منه حتى الطائفة السنّية ذات الأغلبية بين سكان سوريا. لذلك فأنا متأكد أن أي نظام يأتي عقب سقوط ورحيل وعقاب هذا الوحش وعصاباته لن يكون إلا نظام الشعب السوري كله بكافة طوائفه وقومياته. وهذا هو تاريخ شعب سوريا الحضاري عبر كافة العصور، وسيعرف كل السوريين طعم الحرية والكرامة التي صادرها الوحش منهم جميعا، فلن يفكر واحد منهم في إعادة مصادرتها من أحد من أشقائه وشركائه في هذا الوطن العظيم.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com






80
ما هو المطلوب من الأردن إزاء الوضع في سوريا؟

د.أحمد أبو مطر


للتذكير وكخلفية تاريخية من المهم الإقرار بأن العلاقات الأردنية مع نظام البعث في سوريا منذ عام 1970 ، كانت تتسم دوما بالتوتر الصامت الذي لم يخلو من تدخلات البعث العسكرية ضد الأردن، ومنها ما حدث في أيلول 1970 ، عندما حاول وزير الدفاع الأسد الأب إرسال ثلاثة ألوية مدرعة ولواء كوماندوس وأكثر من 200 دبابة، دخلت الحدود الأردنية الشمالية لمساعدة المنظمات الفلسطينية التي عاثت فسادا وتخريبا في الأردن تحت شعارات ماركسية فارغة من أي مضمون خاصة جماعة نايف حواتمة صاحب شعارات ( السلطة كل السلطة للمقاومة ) ( فلتعلن مجالس السوفييت في كل حارة وشارع )، التي استفزت المجتمع الأردني خاصة أنّها كانت مصاحبة لاعتداءات مسلحة علنية على الجيش والأمن الأردني، وظهور السلاح في الشارع الأردني على أكتاف العشرات غير عابئين أنّهم في دولة لها سيادة ويحكمها قانون ودستور. عندها قرّر الملك حسين التصدي لهذه المنظمات التي أرادت أن تكون دولة فوق الدولة الأردنية، وتصدى جنود وضباط اللواء الأربعين الأردني لقوات البعث السوري، واستطاعت هزيمتها وخرجت خائبة هي والمنظمات الفلسطينية بعد أن أصدر حافظ الأسد أمرا لقواته المهزومة بالانسحاب والعودة إلى مواقعها داخل سوريا، وبوساطة سعودية وافقت الأردن على دخول شاحنات سورية لسحب أنقاض القوات البعثية المهزومة. والمفارقة المضحكة من أصحاب شعارات (فلتعلن مجالس السوفييت في كل حارة وشارع ) أنّ صاحبها ووكيلها الرفيق نايف حواتمة ( أبو النوف ) غادر سوريا نهائيا منذ سنوات طويلة ليستقر في موطنه وبلده الأردن، ناسيا سعيه القديم لتخريب هذا البلد وإقامة سوفيتيات فيه، وهي التي انهارت في مسقط رأسها الاتحاد السوفيتي الذي انهار عام 1991 . فهل كان من الممكن تأمين عودته للعيش بأمان في غير موطنه الأردن؟.

وماذا بعد من علاقة مع البعث السوري؟


 وفي السنوات التالية تواصلت محاولات وعمليات التخريب البعثية والاغتيالات داخل الأردن وخارجه لشخصيات أردنية في بيروت وغيرها من العواصم بالتعاون مع عملاء البعث من المنظمات الفلسطينية. لذلك فإنّ الهدوء والصمت الذي يغلب على العلاقات الأردنية البعثية طوال السنوات الماضية، يختزن نسبة عالية من عدم الثقة في مواقف البعث السوري إزاء الأردن، خاصة في مجالات ترسيم الحدود واتفاقيات الحصص من مياه اليرموك وبناء السدود المشتركة التي جعلت أغلب الاتفاقيات الأردنية السورية مجرد توقيعات لا ينفذ منها إلا القليل. وفي ضوء اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد منذ مارس 2011 تركزت الأنظار على الأردن بحكم حدوديته وجواره مع سوريا، حيث يتطلع البعض أو يأمل لدور أردني حاسم قافزا على الخصوصيات الأردنية مع جواره السوري في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردن، وهذا ما جعل دول مجلس التعاون الخليجي العربي التي سحبت سفرائها من دمشق، وتربطها علاقات متينة مع الأردن، تتفهم الوضع الأردني الحساس غير ضاغطة أو طالبة من الأردن سحب سفيره من دمشق، ومحاولة تقديم ما يمكن من دعم مادي واقتصادي إلى الأردن لمواجهة هذه المستجدات.

ورغم ذلك خطوات أردنية شجاعة داعمة لثورة الشعب السوري

1 . تصريح الملك عبد الله الثاني الجريء يوم الاثنين الرابع عشر من نوفمبر 2011 في مقابلته مع قناة بي سي سي حول الأوضاع والثورة في سوريا ضد بشار الأسد ونظامه، حيث قال حرفيا:  "أعتقد انني لو كنت مكانه لتنحيت...وكنت سأتنحى وأعمل على ضمان أن تكون لدى أي شخص يأتي من بعدي القدرة على تغيير الوضع الراهن الذي نراه.....مرة اخرى لا أعتقد أن النظام يسمح بذلك، لذلك إذا كانت مصلحة البلاد تهم بشار فانه سيتنحى، لكنه سيوجد كذلك القدرات لبدء مرحلة جديدة في الحياة السياسية السورية". ولم تتنصل الجهات الرسمية من هذا الموقف الملكي الشجاع، بل نشرته جريدة الرأي الأردنية شبه الرسمية في صدر صفحتها الأولى ذلك اليوم.
2 . التحركات والتحشدات الشعبية الأردنية المؤيدة والمناصرة لثورة الشعب السوري، خاصة من الحركة الإسلامية وحزبها ( جبهة العمل الإسلامي )، وهي تجمعات في أغلبها كانت حاشدة وجريئة رافعة شعارات علنية ضد القتل وجرائم النظام ألأسدي، مطالبة بسحب السفير الأردني من دمشق وطرد سفير النظام السوري من عمّان، ومنها تجمعات أمام السفارة السورية في عمّان، وكان دور أجهزة الأمن الأردنية دوما هو حماية السفارة وعدم التعرض لها طبقا للأعراف الدبلوماسية.
3 . الفتح الدائم للحدود الأردنية أمام اللاجئين السوريين الهاربين من قمع نظام الأسد مما أوصل عدد هؤلاء اللاجئين حتى الآن لما لا يقل عن مائة وعشرين ألفا، تسكن نسبة عالية منهم لدى عائلات أردنية أو أقارب ومعارف لهم، والبقية في مخيمات مؤقتة بدعم محدود من وكالات الغوث، ويمكن أن نتخيل العبء الحاصل على الاقتصاد والوضع المعيشي في الأردن الصعب والحرج أساسا، حيث يحتاج هؤلاء اللاجئين إلى السكن والغذاء والعلاج. هذا في ظلّ معلومات مؤكدة أنّ النظام السوري يدفع بأعداد من شبيحته لدخول الأردن كلاجئين هاربين من النظام، كي يكونوا في الأردن جاهزين لأية عمليات تخريب في الأراضي الأردنية، تستدعيها مصلحة النظام السوري في تصديه لثورة الشعب السوري ضده، وتؤكد هذه المعلومات وجود شبيحة النظام هؤلاء كخلايا نائمة وسط اللاجئين السوريين في الأردن، وهناك عشرات منهم يرسلهم النظام إلى الأردن من دول عربية وأجنبية تحت ستار الهجرة أو محاولة العودة للوطن، في حين أنّه كان باستطاعتهم العودة لوطنهم مباشرة من الدول التي جاءوا منها بدلا من المجيء إلى الأردن بهذه الحجة ثم البقاء فيه لخدمة مصالح النظام السوري حين تستدعي حاجته لذلك، انسجاما مع توجهات الأسد وتهديداته بحرق الجوار السوري إن تعرض نظامه لأي خطر. لذلك فلا يمكن أن يلام الأمن الأردني الذي قام في الأيام الماضية برفض دخول بعض هؤلاء الشخوص القادمين إلى الأردن عبر مطار عمّان طالبا منهم العودة إلى البلدان التي جاءوا منها، فإن كانوا طالبوا لجوء حقا فلماذا لم يطلبوه في البلدان التي كانوا يقيمون فيها، و أساسا كيف يطلبون اللجوء وهم يقيمون ويعملون في تلك الدول بصفة رسمية منذ سنوات؟ وإن كانوا حقا يريدون العودة للوطن فلماذا هذا اللف والترانزيت عبر الأردن وباستطاعتهم العودة مباشرة من الدول التي يقيمون فيها.
هل نطلب من الأردن ما لم يقم به الناتو بكل قوته وجبروته؟
وبالتالي فإنّ هذه الأدوار التي قام بها الأردن حكومة وشعبا إزاء ثورة الشعب السوري، لا تترك مجالا أو فرصة لطلب المزيد من الأردن، خاصة في مجالات لم يفكّر حلف الناتو بقوته وجبروته وامكاناته القيام بها حتى الآن. إنّ المواقف والدبلوماسية الأردنية الهادئة والموضوعية المتماسكة في تعاملها مع الملف السوري هي عين العقل والحكمة، في ظل التحديات التي يمرّ بها الأردن من جهات عدة وأجندات كثيرة، ليس من مصلحتها الهدوء والأمن والاستقرار في الأردن، وكل هذا لا ينفي ضرورة استمرار مسيرة الإصلاح في الأردن بهدوء خاصة والأردن على أبواب انتخابات برلمانية جديدة قبل نهاية العام الحالي، من المؤمل أن تدفع عجلة الإصلاح خاصة في المجالات التي هي أساس الحراك الشعبي الأردني ( محاربة الفساد، الفقر،البطالة ، ورفع الأسعار من حين إلى آخر رغم بقاء دخل وراتب المواطن كما هو).
 وبالتالي كلها ذات خلفية اقتصادية في ضوء سلمية التعامل الأمني مع الحراك والتحشدات الشعبية، وحرية التعبير والتعددية السياسية التي من النادر وجودها في الكثير من الأقطار العربية. والملاحظ في أغلب مظاهر وتحركات الحراك الشعبي الأردني أنّها تضع الأمل في هذه المجالات على عاتق العاهل الأردني كونه هو من يملك صلاحيات تعيين الحكومات واقالتها، وبالتالي فهو القادر على متابعة الملفات التي تشغل هموم المواطن الأردني الذي يأمل أن تجد تصريحات الملك الأخيرة طريقها العاجل للتنفيذ والتطبيق الميداني، تلك التصريحات التي أطلقها يوم الأحد العاشر من يونيو الحالي أثناء زيارته لدار رئاسة الوزراء واجتماعه مع رئيس الوزراء الدكتور فايز الطراونة معلنا: ( أن تحقيق الإصلاح الشامل، وخصوصا في بعده الاقتصادي الذي يوازي بعده السياسي، يشكل أولوية قصوى لمواجهة الظروف الصعبة، من خلال توفير المزيد من فرص العمل، والحد من مشكلتي الفقر والبطالة. و ضرورة العمل للسير في إنجاز الإصلاح الاجتماعي الذي يقوي من نسيج المجتمع وتماسكه وبما يحفظ كرامة المواطن التي هي عندي خط أحمر ). ويبقى ضرورة الوصول إلى قانون انتخابي يضمن أعلى درجات التمثيل الشعبي مترافقا مع نزاهة انتخابية في الانتخابات التي ستجري قبل نهاية العام الحالي، بعد إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات وإقرار قانوني المحكمة الدستورية والأحزاب السياسية يرضي كافة القوى السياسية كي تجري على أساسه الانتخابات النيابية القادمة قبل نهاية العام الحالي.
ومن المهم ملاحظة حالة شبه دائمة في الوضع الانتخابي الأردني طوال السنوات الماضية، وهي أنّ غالبية الأحزاب المرخصة توافق على القانون الانتخابي الذي يتم إقراره، وتشارك في الانتخابات بناءا عليه، فإذا فشلت في الانتخابات لا تسأل الناخب الأردني : لماذا لم ينتخبها؟ بل تعود للتشكيك في القانون الانتخابي الذي وافقت عليه وشاركت في الانتخابات بناءا عليه. وأقولها صريحة أنّ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني رغم كل الصعوبات الاقتصادية التي يمرّ بها الأردن، فأمامه فرصة تاريخية لإدخال الأردن في نتائج ربيع عربي حقيقي تلبي طموحات ومطالب الشعب الأردني، مع استمرار هذا الحراك السلمي الحضاري من الشعب الأردني الذي لا تليق به إلا الحرية والكرامة، وفي الوقت ذاته سلمية و رقي القوى الأمنية في تعاملها مع حراك أبناء شعبها، خاصة أنّ كل المشاركين في هذه الحراكات هم من أشقائهم وربما إخوانهم وأبناءهم وأقاربهم، ولا يبتغون سوى الأمن والاستقرار لهذا الوطن الذي بنّوه بسواعدهم واخلاصهم رغم فقر الحال وقلة الإمكانيات.
 و أعتقد أنّه من الممكن الاستنتاج بأن المعلومات والآراء الواردة في مقالتي هذه هي مجرد دعم لما ورد في مقالة الزميل الأستاذ عزيز الحاج ( رفقا بالأردن ) المنشورة في إيلاف بتاريخ العاشر من يونيو الحالي....وأعان الله الأردن في ظروفه الحرجة هذه وكذلك الشعب السوري الذي يواجه آلة قتل وموت لا مثيل لها في العالم العربي.
drabumatar@hotmail.com
www.drabumatar.com


81
مقارنة بمؤبد مبارك: كم إعداما يستحق وحش سوريا؟

د.أحمد أبو مطر

الحكم بالسجن المؤبد الذي أصدرته محكمة جنايات القاهرة، يوم السبت الثاني من يونيو 2012  على الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي،  رغم رفضه شبه الجماعي من ثوار مصر، إلا أنّه يستحق المقارنة بما يرتكبه وحش سوريا منذ ستة عشر شهرا في كافة أنحاء سوريا، وما يستحق من حكم جراء ذلك. هذه المقارنة لا تهدف للموافقة على الحكم الصادر ضد مبارك لأنّه مرفوض أولا من جموع الشعب المصري بغالبية فعالياته السياسية والشعبية، بما فيهم المرشحون لرئاسة الجمهورية الذين خرجوا من السباق الانتخابي، حيث قاد بعضهم المظاهرات الحاشدة في ميدان التحرير احتجاجا على الحكم، خاصة خالد علي وحمدين صباحي الذين أعلن من ميدان التحرير بشجاعة واضحة ( إن الحكم صادم للغاية... كيف يحكم القاضي ببراءة علاء وجمال نجلي الرئيس المخلوع و قيادات الداخلية الست، الذين كانوا يقودون المجازر ضد المتظاهرين السلميين... إن الثورة لا بد أن تستمر ضد محاولات إعادة إنتاج النظام السابق ). بينما أعلن الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل التوجه لميدان التحرير دعما للشباب الثائر ضد الحكم الذي أدانته قيادات قضائية وتشريعية مثل المستشار طارق البشري رئيس لجنة التعديلات الدستورية الذي رأى أنّ ( الحكم القضائى بالمؤبد على مبارك والعادلى وتبرئه علاء وجمال مبارك ومساعدى العادلى يحمل شبهه تناقض وذلك لنقطتين فالنقطه الاولى تتمثل فى تبرئه رجال العادلى على الرغم من الحكم على مبارك ووزير الداخليه نفسه )، ومفندا العديد من الحالات والحيثيات التي تدعم رفض هذا الحكم الذي فعلا حتى عند غير المختصين في القانون يعتبر إهانة لشباب الثورة المصرية وشهدائها، خاصة إذا دققنا في تبرئة نجلي مبارك رغم كل النهب والسلب المنسوب والمثبت لهما، والتبرئة بحجة واهية وهي سقوط القضية بالتقادم رغم عدم وجودهما في السجن ( سبعة نجوم ) سوى ما يزيد قليلا على عام واحد. وكذلك تبرئة رجل الأعمال الهارب حسين سالم    رغم عدم مثوله أمام المحكمة وعدم القيام بما يلزم لجلبه من أسبانيا، وهذا في حد ذاته فضيحة قضائية لا تليق بالقضاء المصري، لذلك تعهد الدكتور محمد مرسي مرشح الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عن حزب الحرية والعدالة بمتابعة القضية بما يضمن القصاص العادل من المتهمين. كما قام المتظاهرون يتمزيق صور المنافس الثاني في الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة الفريق أحمد شفيق معتبرينه امتدادا لنظام مبارك وهو نفسه لا ينفي ذلك بل يفتخر به، ونادوا بطرده من انتخابات الجولة الثانية.

وللمقارنة فقط بين مبارك ووحش سوريا

1 .تشير الإحصائيات المصرية أنّ قتلى الثورة المصرية الذين سقطوا منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 المصرية، لا يزيدون عن 800 قتيلا سواء من قبل أجهزة الأمن أو البلطجية أو فلول النظام السابق أو غيرهم. أمّا في سوريا منذ منتصف مارس 2011 فقد قتل نظام وحش سوريا حسب كافة الاحصائيات السورية والدولية حتى الآن ما لا يقل عن 17 ألف مواطن سوري في العديد من المدن والأرياف السورية، ومن خلال قصف بري وجوي علني على مشهد من المراقبين العرب سابقا والدوليين حاليا، وبشكل همجي متعمد يرقى إلى حد المجازر البشرية حسب وصف الجنرال النرويجي روبرت مود خاصة بعد مجزرة الحولة قبل أسابيع قليلة. ويمكن تصور حد الفاجعة إذا قارنّا نسبة القتلى في مصر قياسا بعدد سكانها ( حوالي 80 مليونا )، ونسبة القتلى في سوريا قياسا بعدد سكانها ( حوالي 22 مليونا ). هذا بالطبع مع إدانة القتل للمواطنين الأبرياء أيا كان عددهم ونسبتهم فالعدد القليل لا يبرر القتل، فالقتل واحد جريمة لا تغتفر أيا كان العدد ونسبته.

2 . منذ البدء بمحاولات تطبيق خطة موفد الأمم المتحدة كوفي عنان في فبراير 2012 بلغ عدد القتلى في سوريا على يد عصابات الوحش ما يزيد على 800 قتيل، مما يعني أنّ هذا النظام يقبل ديكوريا أية خطة فقط لكسب الوقت. ومن المهم التذكر أنّه يوم الثالث من يونيو الحالي، قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على هامش مؤتمر حول الإرهاب في مدينة جدة : ( قبل النظام كل مبادرة لكنّه لم ينفذها وهذه طريقة لكسب الوقت، ولا أعتقد بانّ ذلك مختلف بالنسبة لخطة أنان فهو يناور ويماطل ). ولم يعقب الأمين العام للأمم المتحدة على ذلك مما يعني موافقته على هذا الرأي.

مسخرة رأي وحش سوريا في مجزرته في الحولة

وعودة للمقارنة مع الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، من المهم التوقف عند أنّه رغم كل مساوئه وأخطائه وتجاوزاته فقد امتثل لرغبة ثورة الشعب المصري وتنحى عن الحكم في الثامن عشر من فبراير 2012 أي بعد أقل من شهر من اندلاع الثورة، وكذلك تنحي رئيس تونس وهروبه، وتنحي على عبد الله صالح بعد مماطلات عديدة. ولكن وحش سوريا ما زال متمسكا عبر القتل بالسلطة رغم مرور ما يزيد على ستة عشر شهرا منذ اندلاع ثورة الشعب السوري. والمسخرة ألأشد وطأة هو تفسير وحش سوريا لمجزرة الحولة كما جاء في خطابه أمام مجلسه المنسوب زورا للشعب السوري، حيث اعتبرها نتيجة تنفيذ عمليات ارهابية، رافضا كافة الدلائل المصورة والموثقة أنها من تنفيذ عصاباته الإجرامية. لذلك فالنتيجة الوحيدة المستفادة  من خطابه أنّه مصرّ على الاستمرار في جرائمه، فشعاره وعائلته وأخواله اللصوص ( نحن أو الشعب السوري ). وهذا ما يعني أن القتل من قبل عصابات الوحوش مستمر إلى أن يتمكن الشعب السوري دون غيره من اقتلاعهم وتقديمهم لمحاكمة شعبية سورية ليلاقوا مصير تشاوشيسكو رومانيا أو مخرّب ليبيا. ونتيجة هذه المقارنات مع ما ارتكبه نظام حسني مبارك ونظام وحش سوريا، جاء عنوان المقالة ( مقارنة بمؤبد مبارك: كم إعداما يستحق وحش سوريا؟ ).
drabumatar@hotmail.com



82
هل بدأت بوادر التدخل العسكري لحماية الشعب السوري من الوحش؟

د.أحمد أبو مطر

هذا السؤال له مبرراته وخلفياته السياسية التي بدأت تلوح في أفق المواقف الدولية خاصة بعد مجزرة الحولة، التي وضعت نظام وحش سوريا فعلا وبالأدلة في مصاف الأنظمة الممارسة بتعمد وإصرار مسبق لعمليات ابادة جماعية، تحاسب عليها كافة القوانين الدولية، وتجرّ أصحابها لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، مع أن وحش سوريا يستحق المحاكمة والحكم السريع من الشعب السوري تماما كما حصل مع طاغية ليبيا مخرّب القذافي. هذه البوادر الجديدة تمثلت في عدة مواقف:

1 . طرد شبه جماعي لسفراء الوحش

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت بإطلاق الشرارة الأولى عندما قرّرت طرد القائم بأعمال نظام الوحش زهير جبور، ومنحته 72 ساعة لمغادرة الولايات المتحدة، ثم توالى صدور نفس الموقف فقامت حتى الآن  ما يزيد على خمسة عشر دولة بطردهم ومنها: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، أستراليا، إسبانيا ،إيطاليا، كندا، اليابان، بلغاريا، هولندا، ايطاليا، اليابان، بلجيكا، وتركيا. والخطوة التركية مهمة للغاية بسبب حدوديتها مع سوريا واستضافتها لعشرات الألاف من اللاجئين السوريين، ودورها المحتمل في أي فعل عسكري ضد النظام الأسدي المتوحش. وقد عبّر عن هذا التوحش وزير الخارجية الفرنسي  (لوران فابيوس ) بقوله: " بشار الأسد هو قاتل شعبه، ويجب أن يرحل ". وهذا هو مطلب الشعب السوري منذ انطلاقة ثورته ضد هذا الطاغية في مارس 2011 . هذا وقد قامت دول مجلس التعاون الخليجي العربي منذ شهور بسحب سفرائها لدى النظام المتوحش، وليت هذه الدول تكون رائدة أيضا في طرد سفراء هذا النظام، خاصة بعد نصح بعض هذه الدول مواطنيها بعدم السفر إلى سوريا ولبنان في ظلّ استمرار قمع النظام للشعب السوري ومحاولته نقل الفتنة الطائفية وأعمال التخريب والاغتيالات إلى لبنان، مدعوما من نظام الملالي وحزب حسن نصر الله.

2 . تلميحات باحتمالات التدخل العسكري الدولي

وقد كانت البداية من رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الذي حذّر من استمرار الأعمال الوحشية للنظام الأسدي التي يمكن أن تجعل من عملية التدخل العسكري أمرا محتملا. وأعقب ذلك إعلان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ( أنّ التدخل العسكري في سورية ليس مستبعدا، شريطة أن يتمّ في إطار احترام القانون الدولي أي بعد مناقشته في مجلس الأمن الدولي). وهذا التصريح الفرنسي من المهم التمعن في صياغته، فالأساس فيه هو احترام القانون الدولي ثم مناقشته في مجلس الأمن، أو مناقشته في مجلس الأمن على قاعدة احترام القانون الدولي، خاصة أنّ البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص ب ( أعمال تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان) ينطبق على الوضع السوري حيث يخلّ نظام الوحش بأمن وسلم الشعب السوري، وأصبح واضحا أنه يهدد سلم وأمن دولة مجاورة هي لبنان. و تحاشيا للفيتو الروسي والصيني يمكن لمجلس الأمن اتخاذ توصية وليس قرارا، وفي هذه الوضعية يمكن أن تكون التوصية مدخلا للتدخل العسكري خاصة إذا صاحب ذلك نداء و مشاركة عربية كما حصل في الحالة الليبية. لذلك سارعت أستراليا للإعلان عن استعدادها لإجراء مشاورات حول تدخل عسكري في سوريا ضد نظام بشار الأسد، الأمر الذي طرحته فرنسا ، ومن الملاحظ أنّ أستراليا كانت أول دولة غربية تبادر لطرد الدبلوماسيين التابعين لنظام الوحش السوري.

3 . نوايا الإدارة الأمريكية

وهذا يستند إلى ما ذكرته صحيفة «وورلد تريبيون» الأمريكية يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من مايو 2012 مسنودا لمصادر دبلوماسية غربية لم تحددها حول أن إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما أمرت المخابرات المركزية الأمريكية بضمان الإطاحة بنظام الأسد خلال العام الحالي، مشيرة إلى أن أوباما اقتنع عن طريق حلفاء لأمريكا أنه بدون التدخل الأمريكي، فسوف تسيطر القاعدة على سوريا. وإن المخابرات الأمريكية ووزارة الخارجية ينسقان مع عدد من الجماعات السنية المسلحة في سوريا ومن بينهم الجيش السوري الحر، وأنّ الإدارة الأمريكية ستبحث إمداد الجيش السوري الحر بالأسلحة، والقيادة، والإدارة، والتدريب، مع التأكد من عدم عمل قادته مع القاعدة أو إيران.

والواقع يقول لا قاعدة ولا إيران

وإذا صحت هذه المعلومات عن نوايا الإدارة الأمريكية، فإنّ الواقع السوري يدعم تنفيذها، لأنّ كافة الوقائع تثبت أنّه لا وجود لتنظيم القاعدة الذي يستعمله نظام الوحش فزاعة لإخافة الدول الغربية، فكيف تمكن هذا التنظيم من الوصول في أسابيع لسوريا المحكومة بأجهزة مخابرات أسدية متوحشة، ما كانت تسمح لأي فلسطيني بإطلاق رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي، وتسيطر حتى على أنفاس كل سكان سوريا من سوريين ومقيمين، فكيف ستدخل القاعدة بهذه الأسلحة والمتفجرات التي بلا شك يستعملها النظام في تفجيرات مفبركة عبر سيناريوهات سخيفة، لإخافة الغرب من وهم القاعدة. أما احتمال عمل وتنسيق قيادة الجيش السوري الحر التنسيق مع نظام الملالي في طهران فهو من المستحيلات، لأنّ هذا النظام المتلحف بعباءة ولي الفقيه ذات الصناعة الخمينية هو من أشدّ الداعمين لنظام الوحش السوري، وهو نفسه لا يقلّ توحشا على الشعب الإيراني الذي يعاني من مصادرة كافة حقوقه الإنسانية حيث السحل والجلد والإعدامات اليومية، ونسبة من الفقر والبطالة في ظلّ نظام يدّعي التفوق النووي، وهو لا يستطيع انتاج أكثر من 20 بالمائة من البنزين اليومي لحاجة الاستهلاك المحلي، ويرسل النفط الخام إلى سينغافورة وماليزيا لتكريره واعادته لطهران.

كما أنّ الغرب يعرف أن سقوط وحش سوريا وعائلته وأخواله وعصاباتهم سوف يقفل الممر الوحيد للتمدد الإيراني المتخلف في المنطقة خاصة أنّه يستعمل الدين غطاءا لتوسعه الذي يصادر كافة حقوق القوميات التي تعيش في إيران ومن ضمنها القومية العربية. وكذلك سيقفل أبواب الدعم عن حزب حسن نصر الله الذي أثبت طائفيته المقيتة في وقوفه مع نظام وحش سوريا ضد الشعب السوري، وهو من يدّعي أنّه حزب المقاومة، فإذا هي مقاومة ازدواجية تصفق لقاتل الشعب السوري، وتدعمه بالرجال والمقاتلين والحراس الشخصيين لوحش سوريا وقيادات عصاباته...لذلك نأمل مع الشعب السوري أن تكون هذه المعطيات قد اذنت بقرب التدخل الدولي العسكري لإسقاط هذا الوحش الطاغية.
www.drabumatar.com





83
لم تعد الإدانات وحدها تكفي لمواجهة مجازر وحش سوريا

د.أحمد أبو مطر

 المجزرة الوحشية التي ارتكبها سفّاح سورية بشار الوحش وعصاباته في مدينة "الحولة السورية" ليلة الجمعة الموافق الخامس والعشرين من مايو 2012 ، بلغت حصيلة ضحاياها النهائية حسب تقارير بعثة المراقبين الدوليين والمرصد السوري لحقوق الإنسان 114 قتيلا من بينهم 32 طفلا تم ذبحهم بالسكاكين بعد تقييدهم، وكلهم أطفال دون سن العاشرة ، إلى حد أنّ الجنرال النرويجي "روبرت مود" رئيس بعثة المراقبين الدولية وصفها ب "مأسآة وحشية". إنّ هذه المجزرة تضاف إلى المجازر المشابهة التي ارتكبها بشار الوحش وعصابات عائلته وأخواله منذ منتصف مارس 2011 ، ترقى فعلا إلى حد الإبادة الجماعية المتعمدة التي يواصل هؤلاء القتلة ارتكابها بحق المواطنين السوريين المطالبين فقط بحريتهم وكرامتهم من قتل وفساد ولصوصية عائلة وأخوالها طوال 42 عاما، وما يزالوا مصرّين على الاستمرار في ارتكابها عبر محاولات إجرامية للاستمرار في الإمساك بالحكم الاستبدادي الدموي، إذ لا يكفيه هو وعائلته وأخواله 42 عاما، فيريد الاستمرار إلى أن يقتلع روحه عزرائيل ملك الموت أو الشعب السوري الذي ما عاد من الممكن أن يتراجع عن ثورة الحرية والكرامة.

إدانات عربية ودولية..ماذا أفادت؟

وكالعادة منذ منتصف مارس 2011 تواصلت الإدانات العربية و الدولية المنددة بهذه المجازر والمذابح ، ومن أهم ادانات هذه المجزرة الجديدة وليست الأخيرة ، ما صدر عن رئيس بعثة المراقبين الدولية الذي أشرت لإدانته في السطور السابقة، ثم الإدانة التي صدرت عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي موون ومبعوثه كوفي عنان، ووزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الذي كان صريحا في قوله: " إنّ مثل هذا الأستهداف للمدنيين يمثل رمزا مأسويا لفشل جهودنا المجتمعة عربيا ودوليا لإيقاف العنف تجاه المدنيين في سوريا"، داعيا إلى عقد اجتماع طارىء لجلمعة الدول العربية. وغيرهم الكثيرون من وزراء الخارجية العرب والأوربيين ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. ولكن ماذا أفادت هذه الإدانات وكافة المبادرات العربية والدولية منذ حوالي عام ونصف؟. هل أوقفت أية نسبة من جرائم هذا القاتل المتوحش ضد شعبه السوري المسالم؟. بالعكس كانت وما زالت هذه المبادرات مجرد تمديد لمجازر النظام الذي يقبل بالمبادرة ويستمر في جرائمه، التي تواصلت بوجود المراقبين العرب الذين انسحبوا بعد أن يئسوا من وقف أية نسبة من جرائمه، وهاهي نفس الجرائم تستمر بوحشية أكبر على مرأى ومسمع المراقبين الدوليين وموفد الأمين العام للأمم المتحدة.

إدانة مبطّنة من داخل النظام الوحشي


إذ أعلن النائب (أنس الشامي) في مجلس الأسد المسمّى زورا مجلس الشعب، في بيان قوي ادانته لما اسماه ( المشهد المرعب والجريمة النكراء لمجزرة الحولة)، متسائلا (لحساب من، ومن أجل أي شيء، فهل ثمة رابح؟... أما آن الأوان أن نرى في الدولة والنظام الرسمي رجالاً يرتقون بحس المسؤولية إلى ملاحقة الجناة، وتقديمهم إلى العدالة والقضاء، أم سنكتفي بروايات المؤامرة والعصابات المسلحة ونبقى كرجال دولة في غياب ). وما لا يجرؤ النائب الشامي على قوله صراحة دون القول المبطن أنّ هذه الجرائم هي من صنع النظام الأسدي الذي يتغطى بروايات المؤامرة والعصابات المسلحة التي لا يفهم أحد كيف ولماذا ظهرت الآن فقط، في حين كان نظام الأسد هو من يصدر هذه العصابات الإرهابية لتقتل العراقيين بدون تمييز.

أين الشعوب والحكومات العربية أولا؟

إنّه من العار المشين أن تقف غالبية الحكومات العربية ساكتة على هذه المجازر الوحشية من قبل الوحش بشار وعصاباته، ولن ينسى الشعب السوري في المستقبل هذا التخاذل الساكت على هذه الجرائم التي يمكن وضعها ضمن سياق المثل العربي القائل ( السكوت علامة الرضا ). لماذا لا تقوم الجامعة العربية وحكوماتها باعتماد قرار سريع يقضي بطرد هذا النظام المتوحش من عضوية الجامعة، وطرد كل سفرائه الذين يرفضون الانشقاق عنه وإدانة جرائمه، وسحب سفرائها من سوريا المنكوبة بهذا النظام القاتل؟.  والشعوب العربية لماذا لا تخرج في مظاهرات مليونية أمام سفارات النظام لتقول للشعب السوري أنّها معه وتشعر بمأساته وحزنه؟ فلا يكفي بعض تصريحات الإدانة التي يشكّرون عليها خاصة النواب التابعون للجماعات الإسلامية في الأردن والكويت.

وتبقى تحفظات روسيا والصين معيبة أيضا


وهي ليست مستغربة من نظامين سجلهما في الاستبداد والديكتاتورية ومصادرة حقوق الإنسان لا يمكن تجاهله، ويكفي أنّ بوتين يبشر الشعب الروسي بانّه سيبقى رئيسا حتى العام 2024 من خلال التوريث والتدوير بينه وبين شريكه وتلميذه ميدييف، فلا يدافع عن ديكتاتور إلا من هو على شاكلته. وكذلك دعم نظام الملالي في إيران الذي يعتبر نظام الوحوش في سوريا بوابة مهمة له للتمدد في المنطقة من خلال دعم حزب حسن نصر الله الذي يتقاعس عن نصرة الشعب السوري، ويدعم علنا النظام المجرم مما يجعل إلصاق اسم الله تعالى باسم حزبة جناية لا تغتفر لأنّ دين الله يرفض هذه الجرائم ( ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ). فما الموقف من وحش قتل حتى الآن ما يزيد على 17 ألف مواطن سوري ، انتفضوا مطالبين بحريتهم وكرامتهم التي صادرها هذا الوحش وأبيه طوال 42 عاما؟ غير عشرات ألاف من المفقودين في سجونه ومعتقلاته التي هي أكثر من المستشفيات في سورية المنكوبة بهذا الوحش وعائلته.

وكيف يمكن تطبيق دعوتك يا هيلاري كلينتون؟


كانت إدانة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لمجزرة مدينة الحولة شديدة وعنيفة، إذ طالبت مجددا إلى وقف اراقة الدماء في سوريا، مؤكدة ( أنّ حكم القتل والخوف يجب أن ينتهي ). فكيف يمكن أن ينتهي هذا النظام بدون تدخل عسكري خارجي يدمّر آلته العسكرية كما حدث مع الطاغية البائد معمر القذافي، الذي لولا هذا التدخل العسكري العربي الدولي لاستمر حتى اليوم يفتك بالشعب الليبي. وقبل ذلك في مارس من عام 1999 لولا قصف قوات الناتو المستمر لمدة 78 يوما للقوات الصربية في يوغوسلافيا السابقة، لما أمكن حماية مسلمي كوسوفو الذين تعرضوا لنفس الهجمات والمجازر من قبل القوات الصربية. ومن المهم ملاحظة أنّ تدخل الناتو العسكري آنذاك جاء بعد فشل كافة العقوبات والضغوط الدولية، التي أيضا كان معارضوها فقط النظامان الروسي والصيني، ورغم ذلك كان تدخل قوات الناتو بدون تفويض من مجلس الأمن الدولي.

فلماذا لا يتدخل العرب والناتو لإنقاذ الشعب السوري؟

إنّ وقف مجازر نظام الأسد تتطلب موقفا عربيا شجاعا، يتلخص في تشكيل قوة ردع عربية تكون النواة  لطلب المساعدة العسكرية من دول حلف الناتو مباشرة بدون المرور عبر مجلس الأمن الدولي تحاشيا لفيتو الديكتاتوريات الروسية والصينية، كما حصل في التدخل ضد الجرائم الصربية عام 1999 بحق مسلمي كوسوفو. وإذا تمت هذه الخطوة العربية ربما تلبي دول الناتو هذا النداء العربي لإنقاذ الشعب السوري، إن لم تخضع دول الناتو لابتزاز إسرائيل الحريصة على بقاء هذا النظام الممانع لإطلاق أية رصاصة عليها من حدوده والمقاوم بعنف لكل من يحاول ذلك.
www.drabumatar.com







84
أنصار الأسد وتصدير الفتنة الطائفية إلى لبنان

د.أحمد أبو مطر

لا يمكن التغافل عن أن لبنان بدأ يدخل مرحلة خطيرة من جراء تداعيات أزمة نظام الأسد في سوريا التي تعاني من قمعه وجرائمه الدموية. وهذه المرحلة الخطيرة ليست بمنأى عن محاولات الأسد ونظامه تصدير الفتنة الطائفية إلى لبنان، كي تكون اشارة للطوائف السورية الداعمة له أو الساكته على قمعه، بأنّ ما يجري في لبنان ينتظرهم إن سقط نظامه. وهذا التصدير الأسدي للفتنة الطائفية لا يمكن تمريره في لبنان بدون مستوردين لبنانيين، تصبّ هذه الفتنة الطائفية في مصالحهم المرتبطة ببقاء النظام الأسدي أيا كان نوع وحجم جرائمه بحق الشعب السوري، طالما هؤلاء الضحايا ليسوا من هؤلاء الأزلام رغم سقوط بعض الضحايا من أنصارهم.

وإلا لماذا المواجهة بين حي باب التبانة وجبل محسن الآن؟

الملاحظة التي يجب التوقف عندها بتمعن وتفحص دقيق هي أنّه منذ عام 1976 عند دخول جيش الاحتلال الأسدي للبنان إلى أن تمّ طرده عبر انتفاضة شعبية لبنانية عام 2005 ، لم يحدث أن حصلت اشتباكات طائفية بين الحيين، حيث يعتبر جبل محسن حيّا علويا بينما حي باب التبانة حيّا سنيّا، وتحيط به باقي نواحي عاصمة الشمال اللبناني مدينة طرابلس التي تعتبر مدينة سنّية في غالبيتها العظمى لدرجة أنّ بعض الطائفيين يسمونها ( عاصمة السنّة في لبنان ). فلماذا اندلعت هذه المواجهات الطائفية الدموية بين  ( العلويين والسنّة ) فقط عندما يتظاهر السنّة اللبنانيون دعما لثورة الشعب السوري ضد الطاغية الأسد؟ ألا يشعر علويو لبنان في حي جبل محسن بحجم المظلومية الواقعة على غالبية الشعب السوري الذي قتل الأسد منه حتى الآن ما يزيد على 17 ألف مواطن غير المفقودين ومن هم في سجونه؟.. ولا يمكن تجاهل أنّ سكان حي جبل محسن مدعومون علانية من نظام الأسد وحزب الله والحزب القومي السوري والعديد من الشخصيات الموالية صراحة وعلنا لبقاء نظام الأسد واستمرار جرائمه بحق الشعب السوري؟. وقد وصلت هذه الصراحة المصفقة لوحش سوريا أنّ "رفعت عيد" رئيس الديكور الذي يطلق عليه  (الحزب العربي الديمقراطي) و يعتبر نفسه حزب العلويين في لبنان، أن يصرّح عقب الاشتباكات بين الحيين في منتصف مايو 2012 قائلا: ( إذا استمر الوضع في الانزلاق نحو المجهول في طرابلس، لا يمكن لأحد أن يهدىء الوضع في لبنان إلا جيش عربي"، متمنيا " أن يكون هذا الجيش هو الجيش العربي السوري". وهذا يعني تمنياته بعودة الاحتلال الأسدي المخلوفي إلى لبنان.

من يتخيل هذه الأمنية من مواطن لبناني يرأس ما يدعي أنّه حزب  لبناني، أم يمكن اعتباره مجرد امتداد لبناني للمخابرات الأسدية المخلوفية التي أذاقت الشعب اللبناني الويل والعذاب وسرقت ثرواته طوال ثلاثين عاما عبر احتلال قمعي لا يختلف أبدا عن الاحتلال الإسرائيلي؟. بالعكس لم يختف سجين فلسطيني طوال 64 عاما في سجون الاحتلال، بينما ألاف السوريين واللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين مختفين ومفقودين منذ عشرات السنين في سجون الأسود الوحوش. وهل يجرؤ سجين سوري أو عربي أن يعلن الإضراب عن الطعام في سجون الأسد؟. بينما رضخ الاحتلال الإسرائيلي لمطالب السجناء والأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام، فأوقف السجن الانعزالي وسمح لأسرهم بالبدء بزياراتهم.

والدليل أيضا فرع لحزب لبناني مشبوه في مدينة السويداء السورية

من يتخيل رحابة صدر واتساع مساحة الديمقراطية الأسدية؟ إنّ ما سمحت به هذه الديمقراطية الطائفية لا يوجد في أعرق الديمقراطيات الأوربية أو الاسكندينافية. فلم أسمع أنّه يوجد فرع لحزب نرويجي مثلا في مدينة من مدن الجارة السويد. أو مثلا فرع لحزب فرنسي في عاصمة جيرانهم البريطانيين. هذا بينما سمحت ديمقراطية الأسد المخلوفي في العاشر من مارس 2012  بأن تفتح في مدينة السويداء السورية التي تسكنها أغلبية درزية فرعا لحزب دمية لبناني . ولكن ( إن عرف السبب بطل العجب ) فهذا الحزب هو مجرد ديكور طائفي يطلق عليه  (حزب التوحيد ) اشتقاقا من تسمية ( الموحدين ) التي تطلق على السوريين واللبنانيين من أتباع الطائفة الدرزية، التي ينتمي إليها المناضل البطل الشهير( سلطان باشا الأطرش ) قائد الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي عام 1925 . وهذا الحزب الديكوري أعلن عن تأسيسه في لبنان " وئام وهاب " المواطن اللبناني الذي سبق أن كان عضوا في الحزب التقدمي الاشتراكي ولم يفلح في الفوز بمقعد برلماني في انتخابات عام 1996 أمام منافسيه وليد جنبلاط ومروان حماده، فانشق عن الحزب ليؤسس هذا الحزب الديكوري الدمية الذي لا وجود شعبي له في أوساط شرفاء الطائفة الدرزية في لبنان وسورية، فذهب يتمسح بعتبات الأسد الملطخة بدماء السوريين واللبنانيين، فيسمح له بافتتاح فرع لحزبه في مدينة السويداء السورية بعد لقاء مشبوه معه، وقد لاقى هذا العمل رغم أنّه مجرد مسخرة متمتثلة في افتتاح مكتب مشبوه عليه يافطة باسم هذا الديكور الاستخباراتي، استهجانا واسعا في أوساط دروز سورية، مما جعل بعض النشطاء يفتتحون صفحات في جمهورية ( الفيس بوك ) مطالبين بإغلاق هذا المكتب الذي هدفه تزيين وجه ديمقراطية الأسد القمعية التي لا تستطيع كل المساخر تجميل نسبة من وجهها القبيح، إذ تسمح بافتتاح فرع لما تدّعي أنّه حزب لبناني وترفض منذ سنوات تزيد على أربعين عاما تأسيس أية أحزاب سورية مستقلة ما عدا الأحزاب التابعة لبعثة الدموي.

والدور المنتظر لعملاء الأسد من الفلسطينيين

وضمن هذا التصدير الفتنوي الطائفي الأسدي إلى لبنان، ليس من المستبعد الزج بعملاء الأسد الفلسطينيين في خضم هذه الفتنة، وإلا ما معنى زيارة أحمد جبريل إلى لبنان في نفس أسبوع الصراع الدموي بين علويي وسنّة طرابلس وتجوله بين بيروت وطرابلس؟. وأيضا لماذا بقاء القواعد العسكرية لجماعة أحمد جبريل في البقاع اللبناني رغم انسحاب احتلال أسياده الأسديين؟. هل ينسجم هذا مع وجود دولة مستقلة اسمها الجمهورية اللبنانية؟ وهل كان يمكن بقاء هذه القواعد التي لم تطلق رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسها كفروع لمخابرات الأسد لولا دعم هذه المخابرات، وتزويدها بالسلاح الذي استخدمته مرات عديدة ضد الجيش والمواطنين اللبنانيين؟. ولماذا لا يجرؤ ولا يستطيع أحمد جبريل وجماعته على افتتاح قواعد عسكرية مشابهة في سورية عرين الممانعة الأسدية الكاذبة؟. لذلك فإنّ هذه الديكورات التابعة للمخابرات الأسدية من أحمد جبريل و وئام وهاب وغيرهما لا مهمة لهما سوى تأجيج الصراع الطائفي في لبنان، علّه ينجح في إخافة بعض الطوائف السورية من الالتحاق بثورة الشعب السوري ضد هذا الطاغية، وفي الوقت نفسه اشغال العالم بالملف اللبناني بالاضافة لملف جرائم الأسد ونظامه. لذلك يجب المطالبة فلسطينيا أولا بتفكيك جيوب أحمد جبريل المخابراتية في البقاع اللبناني لأنّه لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، وهي مجرد بؤر استخباراتية أسدية لاستمرار التخويف بهذا السلاح المشبوه الموصوف بأنّه فلسطيني، مما يعني أيضا استمرار التخويف من المخيمات الفلسطينية رغم أنّ غالبيتها خاصة في الجنوب اللبناني، تخلو من أي وجود لجماعة أحمد جبريل المخابراتية. ومن المهم أن تعلن السلطة الفلسطينية في الضفة وحماس في القطاع براءتها من وجود هذا السلاح الجبريلي المشبوه، لأنّ فتح بالذات طالما عانت من هذا السلاح الذي شارك بهمجية في حصار تل الزعتر عام 1976 وياسر عرفات في طرابلس عام 1983 .
www.drabumatar.com









85
التفجيرات في سورية: القاعدة أم النظام؟

د.أحمد أبو مطر

يحتاج هذا الموضوع إلى مناقشة موضوعية ذات خلفية ملمة بتركيبة النظام الأسدي القابع على قلوب وظهور الشعب السوري منذ 42 عاما فقط. وأقصد التركيبة والبنية الأمنية ولا يعرف تفاصيلها المخيفة والمرعبة إلا من عاش في سوريا، وكان محل ثقة من أصدقاء سوريين متنفذين مما أعطاهم الطمأنينة للبوح بأسرار لا يمكن لأي مراقب في الخارج أن يعرفها.

طبيعة البنية الأمنية والعسكرية للنظام

من المعروف والمؤكد أنّه منذ الانقلاب العسكري الدموي للأسد الأب عام 1970 على رفاقه البعثيين، بأنه بدأ يضع تدريجيا كافة المراكز الحساسة والمهمة والآمرة في الجيش وقوات الأمن بيد عائلته وأصهارها وأخوالها والقريبين منهم خاصة عن طريق السلب والنهب الاقتصادي الذي جعل غالبيتهم من ذوي الملايين والمليارات، وبالتالي ارتبط مصيرهم ومستوى الحياة الذي وصلوا إليه بوجود هذا النظام القمعي الفاسد واستمراريته مهما كان الثمن، وهم الذين جاءوا عام 1970 من قرية القرداحة إلى دمشق وهم لا يملكون إلا القمصان البالية التي تسترّ أكتافهم. لذلك فالثمن الذي يعيشه الشعب السوري منذ مارس 2011 هو ما لا يقل عن 15  ألف قتيل في غالبية المدن والقرى والأرياف السورية، بالإضافة إلى ألاف من المفقودين الذين لا يعرف مصيرهم أحياءا أم أمواتا. أمّا سجناء الرأي فلا داعي للتذكير بهم، فالكل يعرف مدى تكميم الأفواه وعدد هؤلاء السجناء وخطف أولادهم وأفراد عائلاتهم.

 وتعتمد البنية الأمنية المخابراتية على توزيع كافة مناحي الحياة السورية على فروع متخصصة، مما جعل من الصعب تسميتها دوما، فلجأ النظام المتوحش لإطلاق الأرقام كتسمية لها وللحفاظ على سريتها أيضا. كان يقال الفرع 290 ، الفرع 291، الفرع 297  ..وهكذا. أمّا التسميات فمن الصعب تعدادها أيضا: المخابرات العسكرية، المخابرات الجوية، فرع فلسطين المتخصص في شؤون المدنيين الفلسطينيين، فرع الضابطة الفدائية المتخصص في شؤون المنظمات الفلسطينية، فرع أمن القامشلي المتخصص في شؤون السوريين من القومية الكردية، حيث يعمل منذ سنوات على ما يمكن تسميته تطهيرا عرقيا، من خلال تهجير ألاف الأكراد للعيش الاجباري في مناطق غالبيتها عرب سوريون، وإجبار ألاف من هؤلاء العرب السوريين على العيش في المناطق الكردية. وفي حي ركن الدين بدمشق حيث تعيش نسبة من السوريين الكرد، لا يمكن معرفة عدد المخبرين الذين يتجولون بملابس مدنية ليلا ونهارا لرصد أية تحركات أو نشاطات كردية. هذا بالإضافة لحصر غالبية المراكز الأمنية والمخابراتية في مناطق مغلقة مثل ما هو موجود منها في منطقة ( كفر سوسة ) وبالتالي من المستحيل الوصول إليها أو تفجيرها إلا بقصف جوي، وهذا غير موجود عند أية جهة حزبية معادية للنظام. القصف الجوي موجود لدى الاحتلال الإسرائيلي فقط، ولكن هذا الاحتلال ليس غبيا في أن يقصف المراكز الأمنية والمخابراتية المتخصصة في قصف الشعب السوري، ومنع أي فلسطيني أو سوري من إطلاق أية رصاصة على الاحتلال من الحدود السورية، بينما الاحتلال الإسرائيلي قصف في الخامس من سبتمبر 2007  ما اشتبه في أنه موقع نووي في منطقة دير الزور، وأعقب ذلك في أغسطس 2008 باغتيال العميد السوري محمد سليمان لأنّه حسب ما تسرب من معلومات إسرائيلية، أنّه كان المسؤول عن متابعة هذا الملف النووي مع الخبراء الكوريين الشماليين والممولين الإيرانيين.

توقيت التفجيرات

هل يستطيع أي فرد أو جهة أو تنظيم إدخال هذه الكميات من المتفجرات التي استعملت في التفجيرات على ضوء هذه القبضة الأمنية التي لا مثيل لها، ويصاحبها أيضا رصد كامل ودائم للاتصالات الهاتفية ، مما كان وما يزال يجعل أي مواطن سوري أو مقيم يخاف من الحديث في أمر سياسي أو له علاقة بالنظام من أية ناحية عبر الهاتف. وهناك مئات المواطنين والمقيمين تمّ استدعاؤهم للفروع الأمنية ليسألوهم ( ماذا كنت تقصد بالجملة الفلانية في مكالمتك مع فلان ليلة كذا..). ولي صديق كان يسكن في بناية من بنايات ما تسمّى ( الإدارات ) في حي ركن الدين نفسه، تم استدعاؤه عام 1981 إلى فرع فلسطين ليسألوه: لماذا تتصل دوما بفلان في مكتب ياسر عرفات بتونس؟.

 أما التوقيت الذي تمّ تحديده لوقوع هذه التفجيرات فلا يمكن لأي غبي من المعارضة أو القاعدة كما يدّعي النظام أن يختار هذا التوقيت. فأهم التفجيرات استقبل بها النظام المراقبين العرب ثم المراقبين الدوليين، واستبق بواحد منها انتخاباته المسخرة سواء لتجديد رئاسة الأسد الوريث أو ما يسميه زورا مجلس الشعب. وبالطبع اعتقد هذا النظام ومعه إعلامه الغبي وفبركات فيديوات معلمه وليد، أنّ هذه المسرحيات ستمرّ على المراقبين العرب والدوليين. لم تمرّ بدليل أنّ بعض المراقبين العرب انسحب بعد أيام من مراقبته لهذه المساخر، ثم انتهت مهمة المراقبين كاملة بدون أية نتيجة لصالح الشعب السوري بل كانت مجرد فرصة تمديد للقتل بموافقة ومراقبة الجامعة الموصوفة زورا ب ( العربية ). أما رئيس بعثة المراقبين الدوليين الجنرال النرويجي( روبرت مود) فمن المهم قراءة ما بين سطور تصريحه، عندما قال بعد أيام قليلة من وصوله ( أن الطرف القوي هو الذي يجب أن يوقف إطلاق النار أولا ). وأعتقد أنّ الجاهل يفهم أنّه يقصد النظام الأسدي المتوحش على الشعب السوري فقط.

وشهادة من مالكي العراق

والكل يتذكر اتهامات نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي المتكررة بأن نظام ألأسد هو من يرسل المخربين والإرهابيين للعراق، وبالتالي فالنظام الأسدي هو المسؤول عن القتل والتفجيرات في العراق. وهذه التصريحات يستنتج منها أنّ الإرهابيين من أية جهة أو تنظيم جاءوا فهم من إعداد وتدريب وتسليح نظام ألأسد مما يعني أنهم معروفون له ومرصودون من أجهزته، وهم في الأساس مأجورون طالما مهمتهم قصف وتدمير وقتل الشعب العراقي، فليس من الممكن خروجهم عن طاعة سيدهم القاتل الأسد. هذا رغم لحس المالكي لاتهاماته هذه ووقوفه المخزي داعما لهذا النظام الأسدي المتوحش، ولا يمكن فهمها إلا أنّها أوامر طائفية إيرانية. والمالكي لا يمكن أن يخرج عن طاعة أوامر سيده في قم أو طهران.

لذلك فكل المعطيات والدلائل،

تؤشر بوضوح صارم أنّ كل هذه التفجيرات من صنع النظام، كي يبدو أنّه ضحية الإرهاب مثل غيره من البلدان. وأيضا فإنّ نظاما يقتل خلال عام ونصف قرابة 15 ألف مواطن سوري لن يتأسف أو يهتز ضميره إن وجد على قتل مئات من جراء هذه التفجيرات المفبركة، لعلّ هذه التفجيرات تحسن صورته التي لن تتحسن إلا برحيله، وإن كان هذا الرحيل على طريقة القذافي فستكون صورته بشعة..لذلك علّ الأسد الوريث يصحو ويقول للشعب السوري: نعم تستحقون الحرية والكرامة والديمقراطية ويكفيكم 42 عاما من قمع والدي وقمعي..فهل يفعلها؟ أشكّ في ذلك فشعار الأسد ونظامه العائلي الطائفي ( أنا أو الشعب السوري).
www.drabumatar.com








86
بشرى سارة للشعب الفلسطيني من محمود الزهار:

د.أحمد أبو مطر

لا أمل في المصالحة فهي تشبه التفاوض مع الإسرائيليين

الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة ومنافي الشتات مشغول ومهموم منذ أسابيع بوضع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، هؤلاء الأسرى الذين يشكّل وضعهم خاصة المضربون عن الطعام منهم، وصمة عار لا مثيل لها تضاف لسجل الاحتلال الذي لا مثيل له في سلوكه المشين الذي لا يعترف بأية اتفاقيات دولية أو سلوكيات أخلاقية، وإلا كيف يمكن وصف وضعية هؤلاء الأسرى الذين بلغ عددهم في سجون الاحتلال منذ عم 1967 قرابة ثمانمائة ألف أسير أي ما يعادل نسبة 20 % من مجموع سكان القطاع والضفة، أمضوا فترات متفاوتة في السجون الاحتلالية خاصة ما يطلق عليه (السجن الانعزالي ) أو ( الاعتقال الإداري ) الذي يعني أنّه لا توجد أية تهمة لدى سلطات الاحتلال ضد هذا الأسير، ولكن الأمر مجرد مزاج وتسلية احتلالية مرفوضة بكافة المقاييس والأعراف، رغم سكوت العالم أجمع على استمرار هذا الوضع اللاإنساني الذي لا مثيل له في العالم أجمع. ويكفي التذكير أنّه منذ اندلاع ما أطلق عليه انتفاضة الأقصى في أيلول عام 2000 بلغ عدد الاعتقالات الاحتلالية للفلسطينيين ما يزيد على أربعين ألف معتقل، موزعين على ما يزيد على ثلاثين معتقلا وسجنا ومراكز توقيف واعتقال وسجون انفرادية. ويكفي للتعرف على الوضع المأساوي لهؤلاء الأسرى الأبطال، هذه الفقرة من رسالة الأسير السابق (عبد الناصر الفراونة) والباحث المتخصص في شؤون الأسرى التي وجهها لمن لا يسمعون ولا يقرأون في القمة العربية التي عقدت في بغداد نهاية مارس 2012 ، إذ ورد في رسالته:

(نخاطبكم اليوم وعيوننا وقلوبنا قلقة على حياة قرابة ( 4700 ) أسير فلسطيني وعربي يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، بينهم ( 185 ) طفلاً ، و( 9 ) أسيرات ، و( 320 ) معتقلاً ادارياً ، و( 27 ) نائباً بالإضافة إلى ثلاثة وزراء سابقين ، ومئات المرضى ممن يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة ، بل وخبيثة أيضاً، نخاطبكم لنذكركم بوجود ( 120 ) أسيراً معتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من مايو1994 ، فيما الأكثر ألماً أن  بين هؤلاء يوجد ( 59 ) أسيراً معتقلين منذ أكثر من عشرين عاماً ، وبينهم أيضا ( 23 ) أسيرا مضى على اعتقالهم خمسة وعشرين عاماً وما يزيد ، وأن أقدمهم معتقل منذ ثلاثين عاماً ).

في هذا الوضع المأساوي الذي لا يمكن احتماله،

يزفّ محمود الزهار القيادي البارز والصقوري في حركة حماس بشرى سارة للشعب الفلسطيني، قال فيها حرفيا يوم الخامس من مايو الحالي ( إنّ المصالحة الفلسطينية تشبه المفاوضات مع إسرائيل، لا فائدة ولا جدوى منها...مللنا من الحديث عن هذا الملف الذى بات كالمفاوضات مع الاحتلال، نتفق ونجلس دون أى تنفيذ). فلنتخيل أو نتصور كيف أن فلسطينيا يجلس للتفاوض مع فلسطيني من بني جنسه وشعبه، وهو يشعر أنّ الفلسطيني الجالس أمامه، كأنّه واحد من المحتلين الإسرائيليين. أليس هذا الشعور وحده يعطي الانطباع والدليل على أنّ هذه القيادات الفلسطينية جميعها بدون استثناء هي الكارثة الحقيقية أو النكبة الجديدة للشعب الفلسطيني؟. كيف سيتحمل الفلسطينيون خاصة المحاصرين في القطاع حياتهم الذليلة القاسية وهم يعرفون من قيادي حماس مباشرة أنّه لا أمل في هذه المصالحة الفلسطينية، مما يعني استمرار حصارهم وقطع الكهرباء عنهم ونقص حاد في الدواء والسولار والبنزين والمواصلات، وأنّ هذا الوضع سيستمر طويلا طالما لا أمل في المصالحة ، لأن الاحتلال يصرّ لرفع الحصار على قيام حكومة فلسطينية واحدة واحدة في الضفة والقطاع تحت سيطرة وضوابط السلطة الفلسطينية.

ولماذا لا أمل في المصالحة الفلسطينية؟

هذا يفترض أنّه بسبب الخلاف الجذري بين البرنامج السياسي لحركة حماس والسلطة الفلسطينية، ولكن هل هناك خلاف فعلي في البرنامج السياسي والتطبيقات الميدانية للطرفين في القطاع والضفة؟. هل حركة حماس تشنّ من القطاع حربا ضروسا ضد الاحتلال بينما السلطة الفلسطينية في الضفة تهادن الاحتلال؟. الواقع الميداني وما يعيشه الفلسطينيون، يقول أنّ الطرفين ( حماس و السلطة ) لا يمارسان أية مقاومة ضد الاحتلال بدليل مناشدة اسماعيل هنية بعد الاجتياح الإسرائيلي الأخير في يناير 2009 ، كافة الفصائل الفلسطينية بعدم إطلاق أية رصاصة ضد الاحتلال كي لا نعطيه مبررا لاجتياح ثان للقطاع. هذا بالإضافة لتذبذب برنامج حماس السياسي من هدنة طويلة الأمد إلى ستين سنة وأحيانا عشرة سنوات كما أعلن هنية أيضا قبل أيام قليلة، وخالد مشعل يعلن للإعلام الأمريكي قبول دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 أي نفس البرنامج السياسي الذي تطالب به السلطة الفلسطينية.

إذن لماذا الانقسام وانعدام الأمل في المصالحة؟

إنّه حسب الوقائع الميدانية وشهادات النسبة الغالبة من الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة بسبب الصراع الشخصي والتنظيمي على المال والكرسي والحكم، بدليل أنّ قيادات الطرفين الحمساوي والفتحاوي تعيش حياة مرفهة لا تعرف ضيق العيش ولا انقطاع الكهرباء ولا انعدام الدواء والسولار وكافة متطلبات حياتهم وحياة أسرهم مؤمنة بشكل فائق. وبالتالي فهذه القيادات لا تعيش هموم وضنك عيش غالبية الشعب الفلسطيني، وأية مصالحة حقيقية تقود لوحدة وطنية وحكومة مدنية ديمقراطية، ستفتح ملفات فساد الطرفين التي تزكّم الأنوف، فيفقدون رغد العيش والملايين التي تحول لحساباتهم في الداخل والخارج. ومن يشاهد بعينيه كيف تعيش أسر هذه القيادات وأنواع السيارات التي يقودونها، يتخيل أنّهم زوار من دول الخليج العربي بسياراتهم الفارهة، حيث لم تترك الأنفاق لهم حاجة إلا وأدخلوها. فأثرياء الأنفاق هؤلاء ونظراؤهم في الضفة ليست من مصلحتهم الشخصية والعائلية المصالحة، وهذا يعني أنّ الانقسام الحالي بين القطاع والضفة هو انقسام إلى الأبد، وإلا من يصدق توقيع الطرفين لما لا يقل عن عشرة اتفاقيات في أكثر من أربعة عواصم عربية، ويلحسون توقيعهم فور ركوبهم الطائرات العائدة بهم لإمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله. لذلك بعد أيام قليلة يدخل الانقسام الفضيحة عامه السادس مما يعني أنّ بشرى محمود الزهار الكارثية للشعب الفلسطيني تؤكد أنّه انقسام طويل الأمد، وبالتالي فالمستفيد منه هو الاحتلال فقط، الذي تؤمن حماس عدم إطلاق الرصاص عليه من القطاع وجيشه يسرح ويمرح ويعتقل كيفما يشاء في الضفة، والعزاء للشعب الفلسطيني خاصة أسراه في هذه المحنة التي يعيشونها منذ عشرات السنين....وبالنسبة للمصالحة فالعزاء واجب ( عظّم الله أجركم ).
www.drabumatar.com
 







87
ماذا يريد بشار الأسد على الشعب فقط؟

د.أحمد أبو مطر

هل يمكن بموضوعية حسب الوقائع الميدانية في الساحة السورية منذ 42 عاما تحليل شخصية ونفسية الأسد الإبن السائر على خطى والده بدقة دموية متناهية؟. لا يمكن تخيل ما يرتكبه هذا الإبن الوريث لجمهورية الرعب والدم المسمّاة سوريا ( جمهورية الأسد المخلوفية )، منذ قرابة عام ونصف في كافة المدن والأرياف السورية، حيث أصبح القتل اليومي بمعدل لا يقل عن ستين قتيلا يوميا رغم وجود المراقبين العرب سابقا والمراقبين الدوليين الآن، ورغم كل المبادرات العربية والأممية التي آخرها مبادرة عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، فقد أصبحت مهمة كافة المحاولات والمبادرات مراقبة القتل اليومي واحصاء عدد القتلى الذين تجاوزوا منذ مارس 2011 ما يزيد على 11 ألف قتيل، بالإضافة إلى ألاف المعتقلين والمفقودين في سجون العصابة الأسدية المخلوفية.

لماذا لم يسقط النظام الأسدي حتى الآن؟

وهذا السؤال هو المطروح في غالبية المنتديات العربية التي راقبت سقوط نظام زين الهاربين بن علي بعد أيام قليلة من اندلاع الثورة التونسية ضده، ثم أعقبه سقوط نظام حسني مبارك بعد ما لا يزيد على ثلاثة أسابيع من انطلاق ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية، ثم سقوط نظامي القذافي و علي عبد الله صالح رغم مراوغتهما عدة شهور، أزهقوا فيها نسبة لا تقارن من أرواح الليبيين واليمنيين قياسا بمن قتلهم نظام الأسد الإبن طوال قرابة سنة وثلاثة شهور من اندلاع الثورة السورية ضد نظام عائلته وأخواله. ومن قتلهم الأسد الإبن من الشعب السوري طوال هذه المدة تساوي حوالي ثلث من قتلهم والده في مجزرة حماة وحدها التي بدأها الأب في الثاني من فبراير عام 1982 واستمرت قتلا وقصفا وتدميرا طوال 27 يوما، تركت مدينة حماة كما ترك الإبن حي باب عمرو في الثورة الحالية، إذ وجده المراقبون الدوليون خاليا من السكان بشكل تام والخراب ماثل للعيان. أعتقد أنّ أهم أسباب بقاء نظام الأسد الإبن كل هذه المدة رغم جرائمه التي قال عنها مراقبون دوليون أنّها ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، حسب الأهمية والأولوية هي:

1 . العامل الإسرائيلي المتمثل في أنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي تحشد كافة علاقاتها الدولية لعدم استعمال أية قوة ولو كانت ناعمة ضد هذا النظام الذي يحافظ على أمنها واستقرارها من جانب حدوده منذ عام 1973 ، وقد وصلت رسالة ابن خاله رامي مخلوف لإسرائيل عبر مقابلته مع صحيفة نيويورك تايمزالأمريكية في نهاية شهر مارس 2011 أي بعد أيام من اندلاع الثورة السورية، إذ قال صراحة وبدون خجل: "إذا لم يكن هناك استقرار هنا (في سوريا) فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل. لا يوجد طريقة ولا يوجد أحد ليضمن ما الذي سيحصل بعد، إذا لا سمح الله حصل أي شيء لهذا النظام". وليس سرا أنّ الضغوط والاتصالات الإسرائيلية بشأن المحافظة على بقاء هذا النظام طالت روسيا والصين رغم ما تدعيه هاتان الدولتان العظمي من عدم الرضوخ للضغوط الغربية. وأيضا لأنّ بنية النظامين الروسي والصيني لا تختلف كثيرا عن بنية النظام الأسدي في ميدان حقوق الإنسان في الصين والتوريث التدويري بين ميدييف وبوتين الذي صرّح أخيرا، بأنّه وميدييف سيبقيان حاكمين لروسيا لفترة طويلة. ولا يمكن أن تنسى دولة الاحتلال الإسرائيلي أنّ نظام الأسدين الأب والإبن لم يطلق رصاصة عليها من خلال حدوده منذ عام 1973 ورغم ذلك فهو عند المزايدين العرب نظام مقاومة وممانعة!!!. لذلك لن تقبل دولة الاحتلال الإسرائيلي سقوط هذا النظام وستقف سرا وعلنا ضد أية ضغوط تؤدي لإسقاطه، لأنّ رسائل النظام تخوفها من البديل الذي سيحاربها ويطلق عليها الرصاص، خاصة بعد أن وصلها مؤشر صارخ متمثلا في وقف امدادات الغاز المصري في نهاية أبريل الماضي، وكان قد سبقه اقتحام سفارتها في القاهرة وتخريبها، وإعلان مرشحين مصريين لانتخابات الرئاسة المصرية القادمة بأنّهم ضد اتفاقية كامب ديفيد.

2 . وضع الأجهزة الأمنية والمخابراتية والعسكرية تحت أيدي مسؤولين من عائلته وأخواله وأصهاره والمرتبطين بالعائلة تجاريا، ويسيطرون بالإضافة لتلك الأجهزة على ما يزيد عن نسبة ستين بالمائة من الثروة والاقتصاد السوري، وبالتالي فهذا القمع من هذه الأجهزة وغالبية جيشها هو قمع من أجل المصالح والثروة، ورغم ذلك بدأت انشقاقات العديد من شرفاء هذا الجيش الذين هالهم هذا القتل الدموي ضد أبناء شعبهم.

3 . الحقن الطائفي المتصاعد بين أبناء الأقليات خاصة الطائفة العلوية التي ينشر النظام بينها تخويفا دمويا ضدها إذا سقط هذا النظام. وهو حقن طائفي ليس صحيحا لأنّه ليس كافة أبناء الطائفة العلوية من المستفيدين من سرقات هذا النظام العائلي، ونحن من عشنا في سوريا سنوات طويلة نعرف أن غالبية المناطق العلوية تعيش نفس الفقر والتهميش الذي يسود غالبية المدن والقرى السورية. وأنا أعرف شخصيا كتابا وصحفيين سوريين مشهورين من أبناء الطائفة العلوية لا يجدون عملا ولا راتب لهم، ومهمشين ومهملين من النظام طالما هم ليسوا من أبواقه وشبيحته الإعلامية.

ورغم ذلك فلن يستمر هذا النظام المتوحش،

خاصة أن رئيس المراقبين الدوليين الجديد من المواطنين النرويجيين المحايدين وهو الجنرال روبرت مود، الذي كان أول تصريح له يوم الرابع من مايو أي بعد إسبوع من وصوله: ( عندما يستخدم طرفان كل أنواع الأسلحة، من هو الأول الذي ينبغي أن يرفع أصبعه عن الزناد؟ إنّه الأقوى الذي يتعين عليه القيام بها). وبالطبع هو يقصد النظام. ويضاف إلى ذلك تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ( إذا لم تلتزم الحكومة السورية بوقف إطلاق النار الذي ترعاه الأمم المتحدة فيجب على المنظمة الدولاية التفكير في استصدار قرارات أخرى ).

أما المعارضة السورية في الخارج،

فهي ليست في مستوى تضحيات وصمود الشعب السوري الثائر في الداخل، لأنّ تشتتها وتبادلها الاتهامات وتوالي الانقسامات يشكّل خيبة كبيرة للثوار السوريين، فالمعارضة تتصارع على كعكة ما زال النظام يمسك بها دون أن تلتفت للضحايا من أبناء الشعب السوري، وبالتالي إن بقيت على هذا الحال لن تعدو أن تكون معارضة ديكورية عملها إصدار البيانات وتلاوة الخطابات الإنشائية وتبادل الزيارات السياحية التي ستكون آخرها للصين يوم الاثنين السابع من مايو كما أعلنت الخارجية الصينية. لذلك فالأمل معقود على الثورة السورية في الداخل التي وصلت أخيرا إلى مدينة حلب مندلعة من جامعتها مما اضطر النظام لإغلاقها، وكذلك على تزايد الانشقاقات في صفوف الجيش السوري النظامي والالتحاق بالجيش السوري الحر الذي يعمل في الداخل بعيدا عن تشرذمات معارضة الخارج وانقساماتها التي لا تعفي بعض أطرافها من أنّها مدسوسة من النظام وتعمل لصالحه لشرذمة المعارضة وإفقادها أية مصداقية في الداخل السوري.  ويبقى السؤال المحير: ماذا يريد بشار الأسد على شعبه فقط؟ ألا يكفيه 12 عاما من التوريث ومن قبله والده ثلاثون عاما؟. وهذا السؤال فقط يفضح من يدافعون عن هذا النظام لأنّهم يقبلون بعبودية لعائلة وأخوالها وكأن الشعب السوري يخلو من أي قائد إلا من هذه العائلة الأسدية- المخلوفية.
www.drabumatar.com



88
الزعيم وعودة منهج التكفير في مواجهة التفكير

د.أحمد أبو مطر

نعم كم في مصر هذه الأيام من المبكيات خاصة عندما تتذكر الافتخار المصري والعربي ب " مصر أم الدنيا "، مصر صاحبة الحضارة القديمة، مصر التي بدأت طلائع النهضة فيها منذ زمن محمد علي باشا، وكانت منارة بالفعل على يد وأقلام وعقول عباقرة النهضة مثل: محمد عبده ،جمال الدين الأفغاني، أحمد لطفي السيد، رفاعة الطهطاوي، مصطفى عبد الرازق، سلامة موسى، ولويس عوض وغيرهم الكثيرون الذين كانت أفكارهم التنويرية التقدمية ضمن مقاييس ذلك العصر، لها انتشار واسع في مختلف أرجاء الوطن العربي، خاصة بعد الصدمة الحضارية والعلمية التي أحدثتها حملة نابليون بونابرت إلى مصر في العام 1798 رغم أنّها لم تستمر سوى ثلاثة سنوات، لكنّ نتائجها العلمية والتنويرية في العقل المصري ومن بعده العربي، تقاس بعشرات السنين و ليس ثلاثة سنوات فقط. وأيا كانت أطماع فرنسا النابليونية في الثروات المصرية وقطع الطريق على خصمها البريطاني إلا أنّها جلبت معها من مقومات العلوم والبحث وتفتيح العقول الذي ما زال معترفا به إلا اليوم في التاريخ والوثائق المصرية.

مصر الخمسينات والستينات

الذين عرفوا مصر في مرحلة الخمسينات والستينات لا بد أن يبكوا دما على غسيل العقول والدماغ الذي جرى لنسبة عالية من الشعب المصري، ليسود فعلا في أوساط المجتمع منذ سنوات المنهج الديني المتحجر الذي أحلّ ( التكفير محل التفكير) بينما كانت مصر في تلك المرحلة قبل حوالي نصف قرن، البلد المنفتح على الحضارات ضمن مفهوم ( لكم دينكم ولي دين )، فلم نسمع في تلك المرحلة الماضية أي صراع بين الأقباط والمسلمين الذي يكاد يصبح منذ سنوات مشكلة قتالية لا تخلو من الدم والهدم والنار وإجلاء العائلات من مواقع سكنها. ومن يتخيل في ذلك حفلات عباقرة الغناء المصري مثل أم كلثوم و محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد شوقي ونجاة الصغيرة وغيرهم كثيرون، حيث الكل يغني ويطرب البشر بحرية، ويجلس أمامهم يصفقون الفتاة والمرأة المحجبة والسافرة بجانب الرجال حيث يسود الاحترام الذي يخلو من أي نوع من أنواع التحرش بما فيه النظرة غير المؤدبة، وبجانب المسارح في الوقت ذاته المساجد ترفع الأذان ويؤمها المصلون بكثافة. والنساء والفتيات والرجال والشباب يمشون بحرية في شوارع المدن المصرية بأي لباس يعجبهم دون أن يستفز هذا اللباس أيا كان نوعه أي رجل في الشارع بما فيهم شيوخ الدين الذين يمرّون ويلقون التحية المؤدبة على هؤلاء إخوتهم في البشرية والمواطنة.

الزعيم عادل إمام في مصر اليوم

هل كان الفنان المشهور بالزعيم عادل إمام الذي كان المتهم (سرحان عبد البصير) بدون تهمة في مسرحية (شاهد ما شافش حاجة ) التي قدّمها عام 1976 ونالت شهرة واسعة في عموم أرجاء الأقطار العربية، يتخيل أنّه في عام 2012 سوف يصبح متهما من جديد وليس بتهمة قتل راقصة كما في ( شاهد ما شافش حاجة ) الذي برأته المحكمة منها، ولكن بتهمة هذه المرة خطيرة للغاية تستحق السجن والجلد والسحل، وهي تهمة ازدراء الدين الإسلامي التي قدمها ضد أعماله السابقة محامي مصري مغمور من المؤكد طالبا للشهرة فقط، وقد حكمت عليه محكمة مصرية بالفعل بالسجن ثلاثة شهور قبل أن تنقض محكمة أخرى الحكم وترفض الدعوى المقامة من ذلك المحامي، وما زال مسلسل التكفير ساريا فهناك قضايا أخرى ضده ضمن نفس السياق لم تبت فيها المحاكم بعد.

أين كان هذا المحامي ومن على شاكلته قبل أربعين عاما؟

أعمال الزعيم عادل إمام الفنية قدمت منذ عشرات السنين، فلماذا رأى فيها ذلك المحامي إزدراءا للدين اليوم فقط؟. أليس هذا السؤال وحده يكشف أنّ هذا المحامي ومن هم على شاكلته مجرد أدعياء باحثين عن شهرة مزيفة؟ وإلا لماذا لم تصدر هذه الدعوى مثلا عن شيخ من شيوخ الديون الذين هم أحرص من هذا المحامي على الدين الإسلامي وضرورة احترامه؟. إنّ اثارة هذه القضية وحكم المحكمة الأولى رغم إلغائه، من شأنه أن يقوم بشحذ همم المغسولة عقولهم للقيام بعنف تحت ستار الدفاع عن الإسلام، وفي الساحة المصرية تحديدا العديد من الأمثلة أشهرها:
1 . محاولة اغتيال الروائي المصري العالمي نجيب محفوظ في أكتوبر من عام 1994 ، على يد شاب يبلغ دون الثامنة عشر من عمره آنذاك، واعترف الشاب في مقابلة صحفية معه بعد ذلك بأنّه لم يقرأ أي كتاب أو رواية لنجيب محفوظ بل شرفته الجماعة الإسلامية بقتل نجيب محفوط بناءا على فتاوي صدرت من الشيخ عمر عبد الرحمن.

2 . اغتيال الكاتب فرج فودة في الثامن من يونيو 1992 أيضا على يد أفراد ممن عرفوا بالجماعة الإسلامية، وتبين لاحقا أنّ جريمة الاغتيال جاءت بفتوى من شيوخ جماعة الجهاد وفي مقدمتهم عمر عبد الرحمن أيضا. والمدهش أن الشيخ محمد الغزالي قال في شهادته في المحكمة بأنّ فرج فودة مرتد وجب قتله. رغم أنّ كافة كتابات فرج فودة تخلو من أي مسّ بالدين بل يطالب فقط بدولة مدنية، ومن المبكيات أيضا أنّ قتلة فرج فودة اعترفوا أنّهم لم يقرأوا سطرا واحدا من كتبه بل نفّذوا تعليمات شيوخ الجماعة الإسلامية.

3 . التهديد الذي واجهه المرحوم الدكتور نصر حامد أبو زيد والحكم عليه بالردة قبل حوالي ستة عشر عاما والفصل بينه وبين زوجته الباحثة ابتهال يونس، مما ألجأه للهجرة إلى هولندا إلى أن توفي في مصر في فبراير من عام 2011 .

4 . التهديدات المتكررة التي واجهها الباحث الدكتور سيد قمني مما اضطر الأمن المصري لوضعه تحت الحراسة خوفا على حياته.

التضامن مع الزعيم تضامن ضد إرهاب التفكير

لذلك فرفع القضايا ضد الزعيم عادل إمام في هذا الوقت بعد ثورة يناير 2011 له مغازي خطيره، منها انفلات الأمن خاصة ضد قضايا حرية التعبير والفكر، فلا أحد يقبل ازدراء الأديان جميعها، ولكن هناك فرق بين حرية التفكير في أمور بعيدة عن فروض الدين التي لا تقبل المناقشة والتغيير، وبين مسائل دينية فرعية لا تخلو كتب التراث الإسلامي نفسها من هذه الخلافات، وإلا لماذا نشهد في ميدان التفكير الإسلامي عشرات المذاهب والطرق، وقلّما يتفق شيخان على مسألة واحدة. لذلك نقولها صريحة: إنّ التضامن مع الزعيم عادل إمام هو تضامن مع التفكير ضد التكفير، خاصة في مواجهة جماعات لا تفهم الدين على حقيقته وتريد أن تحلّ ( التكفير محل التفكير).
www.drabumatar.com


89
زيارة مفتي مصر إلى القدس: تطبيع أم تعريب؟

د.أحمد أبو مطر

انشغلت الأوساط السياسية والدينية المصرية والعربية والفلسطينية الأيام القليلة الماضية بمسألة زيارة مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة إلى القدس يوم الأربعاء الثامن عشر من أبريل 2012 ، زيارة لم يتم الإعلان عنها إلا بعد عودته إلى القاهرة، قادما من الأردن التي من خلالها وصل إلى القدس بصحبة الأمير الأردني غازي بن محمد مستشار العاهل الأردني للشؤون الدينية، حيث تاريخيا كانت وما تزال المملكة الأردنية الهاشمية المسؤولة عن حماية ورعاية الأماكن المقدسة في القدس.
تضاربات من النقيض إلى النقيض
 وتضاربت الأراء والمواقف حول هذه الزيارة وكل ما شابهها من النقيض إلى النقيض، بين محرّم ومانع لهذه الزيارة ومحلل وسامح بهذه الزيارة، والملفت للنظر أنّ هذا التحريم والتحليل أو المنع والسماح يأتي من شخصيات دينية وسياسية مرموقة، مما يجعل موقف المواطن العربي العادي من هذه المسألة ضبابيا ومعقدا، وهذه ليست المسألة السياسية والفكرية الوحيدة التي عليها خلاف من النقيض إلى النقيض في الحياة العربية، ورغم ذلك تبقى جديرة بمواصلة النقاش والحوار حولها لما لها من أهمية ، وكونها تتعلق بقضية مركزية لدى العرب والمسلمين ( ولو شكلا وخطابات فقط ) وهي القضية الفلسطينية، وتحديدا المسجد الأقصى لوروده في القرآن الكريم ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ).

بدايات طرح موضوع زيارة القدس

لم تكن زيارة مفتي مصر الدكتور علي جمعة هذه هي بداية اشتعال النقاش الحاد المتناقض حول هذا الموضوع، فإنّ بدايات طرح موضوع زيارة القدس، يعود لعام 1977 بعد زيارة الرئيس أنور السادات لدولة إسرائيل وما أعقبها من توقيع معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل في مارس 1979 ، حيث طلب السادات – كما يروي هيكل في كتابه خريف الغضب- من البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في مصر الذي توفي قبل أسابيع قليلة، أن يصدر تعليمات لأقباط مصر بالعودة لزيارة القدس كما كان سائدا قبل هزيمة يونيو 1967 ، إلا أن البابا رفض ذلك بل أصدر تعليمات كنسية تحرّم زيارة الأقباط للقدس طالما هي تحت الاحتلال الإسرائيلي. وأعقب ذلك رد فعل نقيض عندما طالب شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي عام 2001 المسلمين والعرب لزيارة المسجد الأقصى كوسيلة لدعم الانتفاضة الفلسطينية وجهاد الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، وثارت وقتئذ نفس الخلافات والنقاشات بين مؤيد وعارض، وصافح الشيخ طنطاوي شيمعون بيريز رئيس دولة إسرائيل في مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في الأمم المتحدة في منتصف نوفمبر 2008 غير عابىء بردود الفعل الهائجة التي أعقبت ذلك.

موقف الشيخ القرضاوي الرافض دوما


 الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين له موقف واضح لا يحيد عنه وهو الرفض القطعي لهكذا زيارات، و أكّد مرارا على رفضه هذا خاصة في يوليو من عام 2010  في افتتاح أعمال دورة المعارف المقدسية التي نظّمها اتحاد ألأطباء العرب في القاهرة بالتعاون مع الجامعة العربية. ويؤيد هذا الموقف الرافض شخصيات مهمة مثل الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق، والشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى المبعد عن القدس الآن، وكذلك الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الذي أعلن أنّ الدكتور علي جمعة لم يستشره في أمر زيارته ألأخيرة إلى القدس. وعاد الشيخ القرضاوي من جديد ليرفض بوضوح حاسم زيارة مفتي مصر الأخيرة، معتبرا أنّ هذه الزيارة و "التعامل مع الأعداء المغتصبين استقبالاً لهم في ديارنا، وسفرًا إليهم في ديارهم، يكسر الحاجز النفسي بيننا وبينهم، ويعمل بمضي الزمن على ردم الفجوة التي حفرها الاغتصاب والعدوان"، مضيفا "أنهم لا يكتفون اليوم بالتطبيع الاقتصادي، إنهم يسعون إلى التطبيع الاجتماعي والثقافي والديني وهو أشد خطرًا".
والمؤيدون كثيرون من زمن مضى أيضا
ومنهم الدكتور حمدي زقزوق، وزير الأوقاف المصري السابق الذي أعلن في يونيو 2010  أنه " يعتزم زيارة القدس غير عابىء بحصوله على تأشيرة إسرائيلية"، معتبرا زيارته للقدس " أكبر دعم للقضية الفلسطينية وللفلسطينيين " ، وأضاف في مؤتمر صحفي عقده على هامش افتتاحه معسكرا لطلاب من أربعين دولة إسلامية من الدارسين في جامعة الأزهر: " لن أتخلى عن وجهة نظري وما زلت عازما على القيام بهذه الزيارة، وأتحدى المزايدين وأصحاب الشعارات الرنّانة الذين اتهموني بالتطبيع أن يناقشوني دينيا في هذا الأمر...ألم يستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم مشركي مكة حينما أراد أن يعتمر في العام الثالث للهجرة، بل ألم تكن الأصنام وقتها تحيط بالكعبة من كل جانب؟. هل كان الرسول عندما قرّر ذلك يريد أن يطبّع العلاقات مع المشركين ويريد أن يعترف بأصنامهم؟. وكذلك الدكتور صبري عبد الرؤوف عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، يرى أنّ " زيارة المسجد الأقصى واجبة، وهذا بناء على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ....وبالتالي فنحن حين نمتنع عن زيارته فإنّنا بذلك نفتح مجالا لليهود على تخريبه وتدميره وإبعاد المسلمين عنه). وأيضا الدكتور عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، والدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر سابقا، والدكتور شوقي عبد اللطيف رئيس الإدارة المركزية للدعوة بوزارة الأوقاف، كلهم يؤيدون زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى لتأكيد الهوية العربية الإسلامية.
ويرافق ذلك تأييد فلسطيني واسع
ولم يكن هذا التأييد وليد زيارة مفتي مصر الأخيرة بل تمّ طرحه في مؤتمر دعم القدس الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة في السادس والعشرين من فبراير 2012 بحضور حوالي 350 شخصية عربية ودولية من 70 دولة ، حيث دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الأوقاف الفلسطيني الدكتور محمود الهباش مجددا العرب والمسلمين لزيارة القدس لدعم الفلسطينيين في مواجهة جهود الاحتلال لتهويد القدس والأماكن المقدسة. وعاد وزير الأوقاف الفلسطيني ليؤيد ويدعم ويثمن من جديد زيارة مفتي مصر الأخيرة إلى القدس، معتبرا ان مثل هذه الزيارة " تكسر العزلة والحصار الذي تحاول إسرائيل فرضه على المدينة من خلال إفراغها من أهلها ووضع العراقيل أمام وصول العرب والمسلمين إليها" مضيفا " أنّ الذين حرموا الزيارة لم يأت أي منهم ولو بشبه دليل على ذلك" و" أن علماء الأمة أجمعوا منذ عهد الصحابة على أن زيارة القدس مشروعة في كل الأوقات والأزمنة....و أن الذي يقدر المصلحة السياسية أو المضرة في هذا الأمر هم أصحاب الشأن وأهل القدس والقيادة الفلسطينية". معتبرا منع شخصيات مقدسية بارزة من دخول القدس دليلا على صحة موقفه ونهجه "حتى نبادر للهجوم وشد الرحال إلى القدس وإحراج إسرائيل ".

كيف أرى الموضوع كمواطن نرويجي من أصول فلسطينية؟

لقد زرت القدس بجوازي النرويجي عدة مرات ، وهذه الزيارات محللة شرعا للفلسطينيين حسب فتاوي الشيخ يوسف القرضاوي ، لذلك أعتقد أنّ مواصلة التنظير لعدم زيارة العرب لمدينة القدس واعتباره تطبيعا مع الاحتلال، هو أفضل خدمة لتهويد القدس الذي يخاف منه العرب عبر كلام وخطابات فارغة فقط ، لأنّ من يزور القدس هذه الأيام سيفجع من شوارعها شبه الخالية من الفلسطينيين والعرب، وتكفي صرخة الدكتور حسن خاطرالأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس، إذ يقول: ( نحن نتعامل مع الاحتلال بشكل يومي، ونتحدث بلغتهم العبرية، ونبيع ونشتري منهم ونعمل في مؤسساتهم، ورغم ذلك لا أحد يستطيع أن يزايد على أننا العدو الأول لهم ...ندعو المسلمين أن يأتوا إلى فلسطين ليشاركوا في معركة القدس المقدسة، فما الذي استفادته القدس من عزل أبنائها عنها، فقد أصبحت مدينة للأشباح، والمسجد الأقصى ملأه اليهود الذين أصبحوا أكثر من المصلين ).
شدّوا الرحال إلى القدس لدعم التعريب مقابل التهويد
لذلك أرى أنّ زيارات العرب والمسلمين بكثافة فائقة يوميا وسنويا إلى الأماكن المقدسة في القدس الشريف لا علاقة له بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، بل رسالة وصرخة في وجه هذا الاحتلال أنّ القدس عربية إسلامية مهما طال الاحتلال وممارساته البشعة.  خاصة ضمن هذه الخصوصية والعزلة شبه الكاملة للفلسطينيين، فزيارات الفلسطينيين والعرب والمسلمين من كافة أقطارهم للقدس والمسجد الأقصى  حتى لو كانت الزيارة عبر تأشيرة دخول إسرائيلية وعبر الحواجز الإسرائيلية، فهو دعم وتعزيز للوجود الفلسطيني والعربي الإسلامي. أليس في ذلك إن تمّ من خلال عشرات ألاف العرب والمسلمين سنويا، تعزيز للوجود الفلسطيني وحاجز أمام ما يتخوف منه العرب والمسلمون من تهويد للقدس؟ أليس بقاء الفلسطينيين في هذه العزلة وحدهم هو أفضل دعم للتهويد؟. وفي النهاية من يقم بزيارة القدس من العرب والمسلمين فلديه تحليل شرعي من علماء وشيوخ معروفين، ومن يمتنع عن الزيارة فلديه تحريم فقهي وشرعي من شيوخ وفقهاء معروفين..وهذه هي طبيعة حياة العربي والمسلم فمن النادر اتفاق فقهائنا وشيوخنا على مسألة واحدة، وكل فريق يعتمد نفس الشريعة الإسلامية في تحليله أو تحريمه.
القاهرة، مصر
www.drabumatar.com




90
ممارسات حماس مقياس للترحيب بوصول الإسلاميين للسلطة أم رفضه؟

د.أحمد أبو مطر

لا شكّ أنّ هناك العديد من التجمعات والأحزاب السياسية العربية، لديها تخوفات عديدة من هذا الصعود المفاجىء للقوى والأحزاب الإسلامية بعد الثورات العربية ضد الطغاة والمستبدين، ووصول هذه القوى أو سيطرتها على الحكومات والعديد من مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية كما حدث في تونس والمغرب وليبيا، ويحدث الآن في مصر خاصة بعد السيطرة شبه المطلقة على البرلمان وجمعية تأسيس الدستور الجديد التي تمّ حلها، وما زال يجري من صراعات بعد رفض ترشيح بعض الإسلاميين لانتخابات الرئاسة كما حدث مع خيرت الشاطر و حازم  صلاح أبو اسماعيل.

هل تشجّع ممارسات حماس على الترحيب بصعود الإسلاميين؟

وكون حركة حماس التي سيطرت على قطاع غزة منذ يونيو 2007 هي المولود الشرعي لجماعة الإخوان المسلمين خاصة المصرية والأردنية، فإنّ الكثيرين من المراقبين السياسيين والجماهيريين يحتكمون لممارسات وتطبيقات الحركة في القطاع طوال السنوات الستة الماضية، للوصول لقناعة خاصة بالترحيب بوصول الإسلاميين للسلطة أم رفض ذلك ومقاومته، فأي الخيارين تدعم ممارسات وتطبيقات حماس الإخوانجية في القطاع طوال ما يزيد على ستة سنوات؟.

قامت حركة حماس بعد انقلابها العسكري والتفرد بالسلطة في القطاع منذ يونيو 2007  بممارسة الحكم بطريقة لا تشجّع على إعادة انتخابها في أية انتخابات قادمة حسب شهادات العديدين من سكان القطاع الذين اكتووا بنار ممارساتها التي في الكثير منها لا تختلف بشاعة عن ممارسات طالبان الأفغانية وأحيانا الممارسات الاقصائية للإحتلال الإسرائيلي إزاء إخوتهم الأعداء الفتحاويين والإسلاميين الذين يرون أنّهم منافسين لهم. ويكفي هذه الأمثلة من الممارسات الطالبانية المتخلفة لحركة حماس في قطاع غزة التي تنشر خوفا مريعا من وصول الإسلاميين للسلطة في أقطار عربية بعد ما يسمّى الربيع العر بي الذي نأمل أن لا يكون خريفا عربيا بامتياز:

1 . تدمير حماس بالمدفعية وراجمات الصواريخ لمسجد ابن تيمية في مدينة رفح على رؤوس المصلين فيه من الجماعة السلفية الجهادية في أغسطس 2009  ، وقتل رئيسها الدكتور الشيخ عبد اللطيف موسى وعشرات من أنصاره بطريقة وحشية لا تختلف عن وحشية الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أنّها من حمساويين يدّعون الحكم بشرع الله ورغم ذلك يقصفون مسجدا من مساجد الله لقتل خصومهم ومنافسيهم السياسيين.

2 . فرض السلطات القضائية لحكومة حماس المقالة على المحاميات الفلسطينيات بما فيهن المسيحيات ارتداء ما أسمته الزي الشرعي (غطاء الرأس والجلباب ) لدى ترافعهن أمام المحاكم، وذلك تنفيذا لقرار صادر عن "مجلس العدل الأعلى" التابع لها وشكّلته كجسم قضائي بديلا عن مجلس القضاء الأعلى التابع للسلطة الفلسطينية التي لا تعترف بها حركة حماس، وقضى القرار بإلزام المحاميات بارتداء الجلباب وكسوة القماش المعروفة باسم ( المنديل ) لغطاء الرأس.

3 . إعلان حماس في يوليو 2010 على لسان ناطق باسم وزارة الداخلية في حكومتها المقالة أنّه تم منع النساء من تدخين النرجيلة في الأماكن العامة في قطاع غزة ، مبررا بأن ذلك يتنافى مع " العادات والتقاليد.

4 . منع وزير داخلية حكومة حماس المقالة فتحي حماد في فبراير 2011  الرجال من العمل في محلات حلاقة (كوافير ) السيدات، مهددا من لا يطبق هذا القرار بالسجن وإغلاق محله. هذا الأمر حرام ولكن عند حماس وفتحي حماد ليس حراما أن تفتح السلطات الإسرائيلية ليلة الخامس والعشرين من عام 2010 معبر إيريز خصيصا لنقل ابنته المريضة بسيارة اسعاف إسرائيلية إلى مستشفى برزيلاي الإسرائيلي في عسقلان، ثم نقلها بمروحية أردنية إلى المدينة الطبية في العاصمة الأردنية عمّان. فلماذا تختلف ابنته عن عشرات المرضى الفلسطينيين الذين يموتون على الحواجز الإسرائيلية؟.

5 . وضمن سياق الممارسات الظلامية الطالبانية هذه، تستمر الملاحقات والسجن لعناصر حركة فتح لدرجة الإقصاء والتغييب ومنع العديد من وفود فتح وكوادرها في الضفة الغربية من دخول وزيارة القطاع، مما جعل الشعب الفلسطيني فعلا وحقيقة ميدانية أمام دويلتين كرتونيتين يمكن تسميتهما: ( إمارة حماستان في القطاع) و (دويلة عباس في الضفة ).

6 . التذبذب والضبابية في الموقف السياسي الذي يجعلها فعلا وحقيقة أنّه لا برنامج سياسي واضح لحركة حماس، فمن التحرير من النهر إلى البحر إلى هدنة لمدة ستين عاما مع دولة الاحتلال إلى الموافقة على دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، وهكذا فلا أحد بمن فيهم كوادر حماس يعرف برنامجا سياسيا محددا لها، مع عدم القفز عن إطلاقها الصواريخ الكرتونية عندما تريد، واعتقالها لمن يطلق نفس الصواريخ من الفصائل الأخرى عندما تريد تهدئة مع الاحتلال لمصلحتها الميدانية، ناهيك عن الصراع بين حماس الداخل وحماس الخارج، والهجومات الحادة بين كوادرها خاصة هجوم محمود الزهار على خالد مشعل بعد توقيع اتفاق المصالحة مع محمود عباس بالعاصمة القطرية الدوحة في شهر فبراير 2012 ورفض حماس الداخل لذلك، وهو ربما الاتفاق الخامس عشر الذي يوقع دون تنفيذ مما جعل الانقسام الفلسطيني يدخل عامه السابع منبئا بانّه انقسام إلى الأبد، بسبب مصالح الطرفين الشخصية والتنظيمية والمالية أي أنّه صراع على الكراسي والمال وليس التحرير والدولة الفلسطينية.

وهي ممارسات تنطبق بأشكال أخرى على الحركات الإسلامية،

في مختلف الأقطار العربية مما يجعل التخوفات من صعود هولاء الإسلاميين للحكم مثار رعب وخوف من قطاعات واسعة من الشعوب العربية، خاصة أنّ بعض دعاة الإسلام هولاء لا يخافون الله ويمارسون الكذب والتضليل الذي من النادر أن يمارسه قطاع الطرق، ويكفي هذه النماذج الثلاثة من مصر و تونس:

1 . ظهور النائب السلفي عن حزب النور أنور البلكيمي عل شاشة التلفزيون في مارس 2012 وهو يضع لاصقا طبيا على أنفه، مدعيا أنّه تعرض لهجوم في الشارع من لصوص سرقوا منه مائة ألف جنيه، وفجأة يتصل الدكتور حمدي فراج بالنيابة ليثبت كذبه وأنّه كان عنده في المستشفى وأجرى عملية تجميل في أنفه، ورفض المبيت في المستشفى ليذهب للتلفزيون ليقدم هذه الكذبة الفاجرة. وقد اعترف النائب بكذبته هذه وتمّ طرده من حزب النور واستقال من البرلمان المصري.وأنا اسأل: كيف يستطيع هكذا شيخ منافق كاذب أن يواجه أسرته على الأقل؟.

2 . الكذب الواضح المبين من حازم صلاح أبو اسماعيل المرشح لانتخابات الرئاسة المصرية بانّ والدته تحمل الجنسية الأمريكية، وثبت أخيرا عبر وثائق الخارجية الأمريكية الرسمية أنّ والدته فعلا تحمل الجنسية الأمريكية مما دعى لجنة الانتخابات المصرية لشطب اسمه مع آخرين من سباق الرئاسة، وقد نشرت الصحف المصرية يوم التاسع عشر من أبريل الوثائق الرسمية التي تثبت كذبه وزيفه، ويكفي أنّ لجنة العلماء المصريين نشرت بيانا أعلنت فيه أنّه رفض المثول أمامها ليقسّم أنّ والدته لم تحمل الجنسية الأمريكية، و رغم ذلك ما يزال يصرّ على الكذب والتظاهر وسط العديد من المغفلين المغشوشين بكذبه وافتراءاته. فكيف يمكن تصديق هكذا شيوخ لحاهم حوالي نصف متر، ويكذبون علنا وهم يدّعون أنّهم حماة دين الله في الأرض؟

3 . الشيخ المغربي عبد الباري الزمزمي الذي أصدر فتوى تبيح للرجل ممارسة الجنس مع زوجته المتوفاة. هل يتصور إنسان أو حيوان هكذا رأي أو فتوى؟. وهل هناك إنسان حتى لو كان في مرتبة الحيوان يستطيع أن يمنع دموعه على رفيقة عمره التي ماتت وتيتم أطفاله ليمارس الجنس معها؟. أنا لا أتصور أنّ من يصدر هكذا فتوى أنّ له علاقة بالإسلام أو بجنس البشرية.

لذلك فإذا كانت تصرفات وممارسات حماس وهؤلاء الشيوخ الكذّابون المنافقون مقياسا لتصرفات الإسلاميين في حالة وصولهم للسلطة والحكم، فمن حق الشعوب أن تخاف منهم وترفض التصويت لهم، وفي كل الأحوال فكل شخص له الحق أن يصوت وينتخب من يريد، وبعد ذلك فعليه أن يتحمل ممارسات وتصرفات من انتخب، فهذه هي الديمقراطية الحقيقية.
القاهرة، مصر 
www.drabumatar.com






 



91
هل هناك تخوفات معينة من صعود الإخوان المسلمين في مصر؟

د.أحمد أبو مطر

أهم ما ميز الربيع العربي في مصر عقب الإطاحة بالنظام الشمولي الاستبدادي هو انفتاح الباب الواسع ل (ديمقراطية بدون حدود ) رغم ما صاحب ذلك من مظاهر تعديات وفوضى، وهذا أمر طبيعي في ظروف مجتمع حكمه العسكر طوال ما يزيد على ستين عاما بقمع وتقييد للحريات في كافة المجالات، مع ما صاحب ذلك من فساد نهب النسبة الأكبر من ثروة الشعب المصري الذي تعيش نسبة عالية منه تحت خط الفقر، ونسبة الأمية فيه حسب تقرير التنمية البشرية العربية تفوق خمسين بالمائة، وهذه مظاهر دلالتها الوحيدة أنّ العسكر الذين حكموا لم يكن همهم سوى الاستمرار في السلطة، رغم مظاهر وديكورات ديمقراطية من تطبيقاتها نسبة في حرية التعبير، لكن الحاكم المستبد كانت تطبيقاته لحرية التعبير هذه هي ( من حقك أن تقول وتكتب ما تريد ومن حقي أن أنفذ ما أريد ).

وماذا عن صعود التيارات الإسلامية؟

هذا الصعود خاصة لجماعة الإخوان المسلمين المصرية والتيارات السلفية والجماعات الإسلامية، وكافتها كانت محظورة رسميا، وذاق العديد من قياداتها وكوادرها الموت و السجون لسنوات عديدة، و لم ينل بعضهم حريتهم إلا بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ومنهم الإخواني خيرت الشاطر والقيادي في الجماعة الإسلامية عبود الزمر. وقد شكّل صعود الإسلاميين هذا وتحقيقهم الغالبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة والجمعية التأسيسية لإعداد الدستور الجديد التي تمّ إلغاؤها، كان من أهم نتائج الربيع المصري، ولها عدة خلفيات وجذور في نسيج المجتمع المصري أهمها:

1  . إنّ طبيعة المجتمع المصري رغم كل السلبيات والخروقات هي طبيعة متدينة في العمق، أيا كانت خلفية هذا التدين إيمانا حقيقيا نابعا من القلب والعقل أو مجرد تربية منزلية ومدرسية ( أي بالوراثة ) لا تحقق توازنا بين هذه التربية والتعاملات اليومية في كافة مجالات الحياة، وهي مجموعة التناقضات التي عبّر عنها الكاتب والروائي المصري علاء الإسواني في مقالته الشهيرة بعنوان ( هل نحن فعلا متدينون؟ الأخلاق بلا تدين أفضل من التدين بلا أخلاق ). وهي مقولة رغم معارضة البعض لها إلا أنّها تنسجم مع عدة أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم ومنها: ( إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وما لا يعترف به الكثيرون على أنّه من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( الدين المعاملة ). و كذلك قول الله تعالى في وصف الرسول (و إنّك لعلى خلق عظيم ). وطبيعة هذا التدين هي التي صعّدت الإخوان المسلمين و السلفيين والجماعات الإسلامية لصدارة المشهد السياسي في مصر، مع تراجع واضح للتيارات العلمانية والليبرالية والقومية التي مارست نشاطات واسعة فلم يعرف المجتمع من خلالها سوى الخطابات النظرية دون ممارسات في أرض الواقع، بالاضافة لتناحرها وانشقاقاتها التي لا تحصى.

2 . حجم القمع والمصادرة الذي تعرض له الإسلاميون في الستين عاما الماضية، خاصة الإعدامات والسجون، جعل ( كل ممنوع مرغوب )، خاصة أنّهم رغم كل هذا التضييق اللاديمقراطي كانوا أنشط الجماعات في خدمة المجتمع ميدانيا حيث الجمعيات الخيرية والمدارس والمستشفيات شبه المجانية في الأحياء الشعبية التي تفتقر للخدمات أو لا يستطيع سكانها الحصول على هذه الخدمات في المستشفيات غالية التكلفة.

وماذا عن صدارة المشهد الحالي؟
المفاجأة التي استوقفت العديدون هي إعلان جماعة الإخوان المسلمين في البداية عدم تقديم أي مرشح منها لانتخابات رئاسة الجمهورية، وبسبب رفض الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لهذا التوجه وتقدمه لانتخابات الرئاسة قامت الجماعة بفصله من صفوفها، رغم شعبيته وفاعليته في صفوف الجماعة لسنوات طويلة. وفجأة تتراجع الجماعة عن توجهها هذا وتتقدم بمرشح لانتخابات الرئاسة هو خيرت الشاطر الذي تم إخلاؤه من سجون حسني مبارك حديثا على خلفية قضايا عديدة منها ما عرف بميليشيات الأزهر، وهو مهندس معروف يمتلك امبراطورية اقتصادية تعمل في مجالات عديدة، ويحظى بشعبية واسعة في صفوف الجماعة. وقد كانت ما اعتبره البعض أول صدماته الانتخابية هي إعلانه الصريح ( أنّ تطبيق الشريعة الإسلامية هي هدفه الأول والأخير ). وأرى أنّه لا جديد في هذا الموقف فالمادة الثانية من الدستور المصري القديم التي تحرص الغالبية على بقائها في الدستور الجديد تنصّ على ( أنّ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي والوحيد للتشريعات في مصر ). هذا وقد قامت لجنة الانتخابات باستبعاده مع أربعة مرشحين آخرين من أحقية الاستمرار في انتخابات الرئاسة، وحتى هذه اللحظة لا يعرف إن كان سيواصل احتجاجه على القرار أم لا، وهل ستتوجه الجماعة لدعم عضوها السابق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أم لا؟.

هل يوجد تخوف ما من هذا المشهد؟

حسب رؤيتي وتحليلي – وربما أكون مخطئا – فإنّ جماعة الإخوان المسلمين المصرية عبر تاريخها وتجاربها المريرة مع الأنظمة العسكرية المتعاقبة وفرض الحظر عليها طوال ما يزيد على ستين عاما، تعلمت دروسا مهمة ستعرف من خلالها كيف تتعامل مع نسيج المجتمع المصري بعيدا عن القهر والديكتاتورية المتلحفة بغطاء الإسلام مع أحقية المحافظة على تقاليد المجتمع وأعرافه المنسجمة مع هذه التقاليد دون مصادرة أو التعدي على حقوق الآخرين خاصة الأقباط الذين يشكّلون شريكا أصيلا وعريقا في نسيج المجتمع المصري، مما يستدعي احترام تقاليدهم وأعراف دياناتهم وطرق ممارستهم لهذه الديانة السماوية التي يؤمن بها ملايين منهم في مصر ومليارات عبر العالم.

" لكم دينكم ولي دين "

ومنبع تفاؤلي هذا هو معرفتي الشخصية الطويلة بالعديد من قيادات هذه الجماعة، إذ يتمتعون بفكر ديني إسلامي منفتح على الآخر ويحترم ديانة وتقاليد  هذا الآخر شريكه وأخيه في هذا الوطن في السرّاء والضراء. وأعتقد أنّهم لن يتناسوا أو يقفزوا عن أساسيات في الشريعة حرّفها العديد من أدعياء الدين، ومنها قوله تعالى: ( ولكم دينكم ولي دين ). و ( فيضلّ الله من يشاء ويهدي من يشاء ). و ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم ). وقول الله تعالى عن الرسول الكريم ( وإنّك لعلى خلق عظيم ). وقول الرسول نفسه ( إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).

وسؤال أخير ليبراليين والعلمانيين!!

ما معنى الديمقراطية الحقيقية؟ أليست الديمقراطية الحقيقية تعني الانتخابات النزيهة الشفافة الخالية من أي نوع من الغش والتزوير؟. فماذا إذا أوصلت هذه الديمقراطية اللإخوان المسلمين إلى الحكم والسلطة؟ ألا ينبغي أن نمتثل جميعا لذلك ونحترم قرار وإرادة غالبية الشعب الذين انتخبهم وأوصلهم للسلطة؟. وبعد ذلك فالحكم على ممارساتهم هو الشعب الذي انتخبهم، فإن أوصلوه للرخاء والسعادة فهو المسؤول عن ذلك، وإن أوصلوه للشقاء والجحيم فهو المسول عن ذلك؟. فلنتحكم لإرادة الشعب المصري لنرى من سينتخب ويوصل للسلطة، وبعد ذلك هو مسؤول عن اختياراته البرلمانية والانتخابية.

وهل تجربة حماس و تطبيقاتها في قطاع غزة طوال السنوات السبع الماضية، تزيد من هذه التخوفات لدرجة الرعب؟. هذا ما سأتناوله في المقالة القادمة حيث شهادات العديد من سكان القطاع الذين قابلتهم في القاهرة، خاصة أنّ حماس تعتبر المولود الشرعي لجماعة الإخوان المصرية والأردنية تحديدا..فلننتظر لنرى هل تطبيقات حماس وتصرفاتها تزيل الخوف من صعود الجماعات الإسلامية أم تزيد الرعب لدرجة مخيفة؟.
القاهرة
www.drabumatar.com
 


92
برزاني وقيادات عراقية تفضح ديكتاتورية ممثل ولي الفقيه في العراق

د.أحمد أبو مطر

المتابع لممارسات وسلوكيات نوري المالكي منذ توليه رئاسة الوزراء في العراق عام 2006 ، يكتشف بدون عناء أنّه يتصرف حقيقة من منطلقات طائفية لم يكن الشعب العراقي يعرفها ويتصرف من خلفياتها المرفوضه ممن يهمهم مصلحة جمع الشعب العراقي بكافة مكونات نسيجه الاجتماعي. هذا بالإضافة لاستئثاره بالسلطة بشكل شمولي لا يمكن فصله عن نفسية وممارسات النزعة الديكتاتورية، وهو الذي يدّعي أنّه هرب من ممارسات الديكتاتور صدام حسين عام 1979  ليقيم في ظل ورعاية ديكتاتورية الأسدين حافظ وبشار وولي الفقيه الإيراني الذي يعتبر نفسه ممثلا لله تعالى في الأرض ومن يعصى أوامره فقد عصا الله، ومن خلال هذه النظرية التي لا وجود لها في الفكر الشيعي، وهي اختراع خميني بامتياز لا تعترف به العديد من المرجعيات الشيعية العربية والإيرانية، يرتكب نظام الملالي أبشع الجرائم بحق الشعب الإيراني والقوميات المكونة لنسيج المجتمع الإيراني خاصة القومية العربية في الأحواز المحتلة منذ عام 1925 .
 وقد تكرّس سلوك المالكي منذ عام 2006 في اقصاء كل من يخالفه الرأي حتى من داخل تياره الذي أطلق عليه " إئتلاف دولة القانون " وهو بعيد تماما عن الممارسات القانونية وأقرب لممارسات الميليشيات الطائفية، بدليل تغاضية المستمر والطويل على سلوكيات عصابات مقتدى الصدر التي لا تخفي ولاءها لولي الفقيه الإيراني الذي من حين إلى آخر يدّعي أو يمثل مقتدى الصدر الاعتزال في كنفه بحجة الدراسة أحيانا، ليعود للعراق المبتلى به ليمارس جنونه وأعماله غير القانونية، ويكفي مثالا على ذلك عمليات عصاباته التفجيرية في مختلف مناطق العراق، وجرائمها ضد الجالية الفلسطينية التي جرائم الاحتلال الإسرائيلي أرحم منها، هذا الجرائم الصدرية التي أفرغت العراق تقريبا من اللاجئين الفلسطينيين وأوصلت مئات منهم إلى البرازيل.

أفضل مثال تقييم من عرف وعمل مع المالكي

ربما يقول البعض أننا نحكم على مواقف المالكي العراقية من الخارج، لأنّنا بعيدين عن العراق كي نعرف ممارسات هذا الوطني العروبي التقدمي الديمقراطي، فتجيء تصريحات من عرفوه وجرّبوه وعملوا معه داخل العراق، لتردّ على هذا القول وتثبت فعلا وصراحة أنّ مواقف هذا المالكي لا تنمّ إلا عن تسلط فردي طائفي سيقود إلى ديكتاتورية لا تختلف في ممارساتها ونتائجها عن ديكتاتورية صدام حسين، وستجرّ على العراقيين من مختلف الطوائف والمذاهب والقوميات الويل والثبور الذي لن يختلف عن نتائج ممارسات صدام حسين التي لم تسلّم طائفة من مذابحها ودمها.

كيف يرى مسعود البرزاني هذا المالكي؟

وهذا ليس مديحا أو تقييما لمسعود الرزاني رئيس إقليم كردستان، ولكنّه مجرد إيراد وتركيز على رأي من عمل مع المالكي في قيادة العراق خاصة أنّ إقليم كردستان وقوميته الكردية من مكونات العراق الأساسية شعبا ووطنا وأرضا. وبالتالي فلا يعقل أن يصدر مسعود البرزاني هذه الأحكام على أداء المالكي جزافا، بل من خلال ممارسة ومعرفة وعمل مشترك معه منذ عام 2006 .

فقد أعلن مسعود البرزاني في مقابلة مع جريدة"الحياة" يوم الأحد الثامن من أبريل 2012 آراءا خطيرة وجريئة لا تصدر إلا ممن لم يعد يطيق صبرا على ممارسات المالكي، ومما قاله مسعود البرزاني:
" إنّ العراق يتجه إلى كارثة، إلى عودة الديكتاتورية، والاستئثار بالسلطة في كل مرافق الدولة..إنّه يجري حاليا تهميش الجميع، وكأنّه تمّ اسقاط النظام الجديد في العراق على يد شخص فيما الباقون يعيشون على مكرمات القائد الجديد". وهي تكرار لتصريحات مشابهة أطلقها البرزاني في مارس الماضي منتقدا احتكار المالكي للسلطة وبنائه جيشا يأتمر بأوامره، وأنّ الشراكة التي سمحت بتشكيل حكومة وحدة وطنية عبر الانتخابات التشريعية عام 2010 لم تعد قائمة وفقدت كل معنى، ومهددا بسحب الثقة من حكومة المالكي، لأنّ الوضع الذي أقامه المالكي غير مقبول على الإطلاق، ف " شخص واحد يستحوذ على كل مرافق الدولة ويتصرف وفق ارادته ويهمش الآخرين ثم يبقى رئيسا للوزراء، هذا غير مقبول على الاطلاق". وأهمية هذا النقد القاسي أنّ النواب الأكراد يشكّلون نحو 20 بالمائة من نواب البرلمان العراقي ولهم خمسة حقائب وزارية ومنهم رئيس الجمهورية العراقية الرئيس جلال الطالباني. فإذا كان الشركاء الأساسيون في حكومة المالكي قد طفح بهم الكيل من تصرفاته الفردية الديكتاتورية فهل هذا من فراغ أم من خلال معايشة وتجربة عدة سنوات من ترؤسه الحكومة العراقية؟.

وتصرفات طائفية علنية أيضا

ومن المؤسف خاصة لدي محبي العراق كدولة رئيسية محورية في محيطها العربي أنّ غالبية مسؤوليها يتصرفون وينطلقون من خلفيات طائفية، وأقصد كل الطوائف أي لا أنحاز لطائفة ضد أخرى، فأنا شخصيا كمفهوم أتذكر أنّه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك سنّة وشيعة، بل إسلام ومسلمون فقط، فكيف ندّعي أن الرسول هو قدوتنا ونحن نمارس مخالفات صريحة وبغيضة لشريعته وسلوكياته. لذلك فالحملات بين السياسيين العراقيين منذ مجيء المالكي للسلطة لا تنطلق إلا من هذه المنطلقات الطائفية البغيضة من الأطراف كافة. فالمالكي يفتح المعركة ضد نائب الرئيس طارق الهاشمي وصالح المطلك، رغم أنّ لا أحد يستطيع حتى هذه اللحظة إدانة الهاشمي أو تبرئته، لكنّ الطريقة والتوقيت الذي فتحت فيه المعركة أو القضية ضده، تدلّ على تصفية حسابات شخصية لا علاقة لها حقيقة بتهم الإرهاب، بدليل أنّ هذا الإرهاب يعيث قتلا في الشعب العراقي البريء منذ سنوات، ولم نسمع أنّ حكومة المالكي فتحت تحقيقا في قضية من هذه القضايا أو لاحقت من فجّر المساجد والكنائس واغتال شخصيات دينية إسلامية ومسيحية...فلماذا الهاشمي الآن فقط دون غيره؟. علما أنّه ربما يكون من صلاحيات رئيس الجمهورية جلال الطالباني مساءلته بصفته نائبه وليس من صلاحيات رئيس الحكومة نوري المالكي!!!. وبخروج طارق الهاشمي في زيارات لدول عربية منها حتى الآن قطر والمملكة العربية السعودية، أخذت القضية أبعادا طائفية أكثر وضوحا، خاصة من خلال الحملات الإعلامية في إعلام الجهات كلها دون استثناء أحد منها.

والطرف الآخر لم يستثن المالكي،

فالعديد من الساسة والشيوخ العراقيين شنّوا في أوقات مختلفة حملات عنيفة ضد نوري المالكي ، ويكاد أغلبيتهم يركّزون على مسألة ارتباطه بالسياسة والأوامر الإيرانية. وقد اعتقد العديدون أن انعقاد القمة العربية الأخيرة في بغداد سيعيد العراق لمحيطه العربي كقوة إقليمية فاعلة مؤثرة إلا أنّ هذه الحملات الإعلامية المتبادله تعني أنّنا على أبواب قطيعة لن يستفيد منها سوى نظام الملالي في إيران الذي لا ينكر أحد دوره الفاعل والآمر في السياسة العراقية خاصة منذ تولي المالكي رئاسة الحكومة العراقية في عام 2006 وحتى اليوم. فصالح المطلك أيضا مثل مسعود البرزاني بل أشد عنفا فهو يعتبره في لقاء مع شبكة سي إن إن الأمريكية بتاريخ الخامس عشر من ديسمبر 2011 ( أكبر ديكتاتور في تاريخ العراق ). والشيخ حارث الطائي كذلك، وآخرهم أياد العلاوي، رئيس وزراء العراق المؤقت الأسبق الذي يرى صراحة أن المالكي يقود العراق إلى كارثة طائفية ربما لا ينجو منها أحد.
إنّ الحل والخلاص لمجموع الشعب العراقي بكافة قومياته وطوائفه، يكمن في خروج المالكي من عباءة ولي الفقيه الإيراني، ويعود إلى عروبته وعراقيته كي يصبح العراق لاعبا إقليما مؤثرا فاعلا، أما في ظل فرديته وديكتاتوريته المطلقة المدعومة صراحة وعلانية من ولي الفقيه الإيراني، فلن يعدو دوره ممثلا  إيرانيا في العراق، وهنا الكارثة خاصة بعد الحملات الإعلامية التي بدأ وأجهزته يشنونها على العديد من الدول العربية، ويهدد بتصعيد إعلامي غير مسبوق حسب وسائل إعلامه....فمن يمنع الكارثة المحدقة بالعراق الذي تخلص من ديكتاتورية ليقبع في عباءة ديكتاتورية أشد ظلامية وتخلفا.
www.drabumatar.com









93
لماذا تسليح نظام الأسد القاتل مسموح وتسليح الشعب السوري ممنوع؟

د.أحمد ابو مطر

الازدواجية والتناقض الذي تعيشه القوى والحركات والدول الداعمة لنظام الأسد القاتل في سوريا، لا يمكن قبولها أو الاعتداد بحيثياتها التي لا يمكن أن تصمد أمام أية مناقشة منطقية تعتمد الحقيقة والصراحة والابتعاد عن المراوغة والتضليل الذي يتغاضى عن الواقع المخيف الذي يعيشه الشعب السوري منذ الخامس عشر من مارس 2011 ، تاريخ اندلاع الثورة الشعبية ضد نظام القتل والإجرام الأسدي المفترس ضد الشعب السوري فقط، والهادىء والخلوق والمسالم مع الاحتلال الإسرائيلي بدليل عدم إطلاقه رصاصة لتحرير الجولان المحتل منذ عام 1967 الذي باعه والده حافظ أمن الاحتلال، وبدليل رسالة ابن خاله ماهر مخلوف لدولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال لقائه مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عقب اندلاع ثورة الشعب السوري مباشرة قائلا حرفيا: ( لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا ).

تسليح النظام الإجرامي القاتل

ورغم سلمية الثورة الشعبية السورية وعدم وجود أي سلاح مع شبابها ورجالها، ما عدا أسلحة خفيفة هرب بها رجال الجيش السوري الحر ملتحقين بثورة شعبهم، ووجود مخازن كثيفة من كافة أنواع الأسلحة مع الجيش الذي ما زال مع الأسد القاتل لما يزيد عن تسعة ألاف مواطن سوري حتى اليوم، فإنّ الأسلحة والبترول والمال والرجال يتدفقون عليه من أعداء الشعب السوري، وتحديدا النظامين الروسي والإيراني، ونظام المالكي الإيراني في بغداد وحزب حسن نصر الله في لبنان، كي لا نقول حزب الله لأنّ الله لا يقبل قتل الشعوب المسالمة، و يرفض هذا الظلم من هذا الطاغية وكل من هم على شاكلته وممارساته.
هذا التسليح عند المالكي وحسن نصر الله تحديدا عمل وطني وحلال ينسجم مع مبادىء العدالة والإنسانية، لذلك يرفضان تسليح المعارضة السورية، ويهاجمان الدول العربية التي تنادي بحماية الشعب السوري وتسليح معارضته للوقوف في وجه الأسد القاتل وعصاباته الإجرامية. وليت هذا فقط فقد ثبت بدون أي تشكيك دعم نظام المالكي للأسد القاتل بالمال والبترول والعديد من عناصره تتجسس على معارضي الشعب السوري داخل سوريا وتقوم بالوشاية عنها لعصابات الأسد، أما حزب حسن نصرالله فقد ثبت تزويده للأسد بعناصر تجسس وحماية لأنه لا يثق في حراساته من أبناء الشعب السوري الذين من الممكن في لحظة وطنية إنسانية أن يطلق واحدا منهم النار على رأسه الممتلى بالحقد وقلبه الخالي من الإنسانية. وهكذا فهذه القوى الداعمة لنظام الإجرام ترى أن تسليحه حلال ومسموح به، أما تسليح الشعب السوري ومعارضته فهو ممنوع وحرام...أليس هذا تناقض وازدواجية لا يقبلها عقل أو منطق؟ ولكنها ازدواجية الأنظمة والأشخاص الذي يطوعون كل منطق حسب مصالحهم ودعم الأنظمة التي على شاكلتهم وخلقهم.

وكذلك بالنسبة للعمالة لصالح الاحتلال،

فإذا كان العميل من جماعة الجنرال ميشيل عون الحليف اللبناني الوحيد لحزب حسن نصر الله، فهذا العميل يفرج عنه ويقوم جنرال بيروت باستقباله كأنه بطل من الأبطال، كما حدث مع القيادي في تيار ميشيل عون العميد فايز كرم الذي تمّ الإفراج عنه قبل أيام قليلة بعد أن لم يمض في السجن سوى حوالي عام ونصف، وقام مجلس النواب اللبناني الذي يسيطر عليه حسن نصرالله وحليفة ميشيل عون بتخفيض مدة محكوميته تسعة شهور لذر الرماد في عيون الوطنيين اللبنانيين رغم أنّ القانون اللبناني ينصّ على إعدام من يثبت تخابره وعمالته للإحتلال الإسرائيلي. والغريب أنّ العميد فايز كرم كان يعمل مديرا لمكافحة التجسس في لبنان، فإذا هو المدير الجاسوس، ولكن هذا التجسس عمل وطني يتمّ الإفراج عن صاحبه طالما هو من تيار ميشيل عون حليف حسن نصر الله.

وكذلك عملاء حزب حسن نصر الله

ففي السنوات الأخيرة أعلن حسن نصر الله شخصيا عن اعتقال العديد من الجواسيس لصالح الاحتلال الإسرائيلي من داخل حزبه ومن المقربين لقيادات الصف الأول عنده، وكان أهمهم المدعو محمد الحاج الذي أعلن الحزب رسميا أنّه من أخطر الجواسيس إذ كانت الجهة التي يتجسس لحسابها قد زرعت جهاز تنصت في معدته، ويسافر دوريا للخارج للحصول على المعلومات من الجهاز وإعادة زرعه. وحسب ما أعلنته مصادر الحزب فقد كان هذا العميل مسؤولا عن قواعد تدريب الحزب و مقربا من عماد مغنية الذي تم اغتياله في حي كفر سوسة المخابراتي في دمشق وبمعرفة وتخطيط مخابرات بشار الأسد في الثاني عشر من آب 2008 ، وقد أكّدت مصادر من حزب نصر الله أنّه في إحدى جلساته الخاصة اتهم نظام الأسد بالعملية، وكانت الجلسة تصور فيديو ثم أمر بحذف مشهد الاتهام هذا...فأين محمد الحاج؟ ولماذا لم يسلم للقضاء اللبناني لمحاكمته او لماذا لم يحاكمه حزب الله ويعلن عن ذلك؟ وهكذا يتم العفو عن عملاء الاحتلال أو التستر عليهم، بينما تقوم عناصر ميشيل عون وحسن نصر الله بالتجسس على المعارضة السورية وخطف عناصرها وتسليمهم لنظام القاتل بشار الأسد، كما حدث مع الكثيرين ومنهم شبل العيسمي ( 86 عاما ) الذي تمّ خطفه في مارس 2012 من منطقة عاليه اللبنانية، وتسليمه لنظام الإجرام الأسدي رغم أنّ هذا المناضل تاريخه يشرّف كافة عائلة الإسود، فهو من مؤسسي حزب البعث الذي يكتوي الآن بنار سجونه. ومما عرف عن خلفيات هذا الاعتقال البشع لمواطن ذي تاريخ نضالي عريق، واعتزل العمل السياسي بسبب كبر سنه، أنّ سفير الأسد في لبنان علي عبد الكريم علي طلب منه إصدار بيان تأييدا لقتل الأسد وجرائمه وإدانة نشاط ابنه في صفوف المعارضة السورية، وتشكيله نشاطات تهدف لمحاكمة الأسد على جرائمه، فرفض شبل ا لعيسمي التصفيق لجرائم الأسد فتمّ اختطافه وإرساله لدمشق، ومنذ مارس 2012 لا تعرف أية أخبار أو معلومات عنه.

هذه هي ازدواجية أنصار نظام الإجرام الأسدي حتى لو كانت ازدواجية التغاضي عن العمالة والتجسس، أو التنكر لتسليح المعارضة السورية بينما يزودون القاتل الأسد بالسلاح والمال والبترول والرجال لحمايته ومساعدته في مزيد من قتل الشعب السوري..ورغم ذلك فمصير الطغاة وأنصارهم إلى الزوال مهما طال الزمن.
www.drabumatar.com


94
سؤال للمتخصصين في القانون الدولي:
هل يجوز استدعاء أسماء الأخرس للتحقيق في بريطانيا؟

د.أحمد أبو مطر

أطرح هذه الفكرة أمام القانونيين ذوي الاختصاص في القانون الدولي، بعد تصاعد عنف وقمع النظام الأسدي في سوريا ضد الشعب السوري الثائر مطالبا بحريته وكرامته، إذ بلغ عدد قتلى هذا النظام حتى الآن ما يزيد عن تسعة ألآف مواطن بعد عام واحد من اندلاع ثورة ( يلا..إرحل يا بشار ). وأسماء الأخرس هي زوجة بشار الأسد من مواليد لندن عام 1975 وتحمل الجنسية البريطانية. وهي ابنة جراح القلب السوري المعروف في مستشفيات لندن الدكتور فواز الأخرس، وعائلة والدها من مدينة حمص التي ذاقت الويلات من هذا النظام الأسدي المتوحش على الشعب السوري فقط. وكون أسماء الأخرس زوجة لبشار الأسد وتحمل الجنسية البريطانية، ولم تكتف بالسكوت على جرائم زوجها بحق شعبها السوري خاصة مسقط رأس والدها مدينة حمص، بل خرجت لتعلن دعمها لهذه الجرائم، إذ أرسلت في الإسبوع الأول من فبراير الماضي رسالة إلكترونية لصحيفة التايمز البريطانية تعلن فيها صراحة "الرئيس هو رئيس سوريا، وليس لفريق من السوريين والسيدة الأولى تدعمه في هذا الدور". طبعا متغافلة أنّ دوره منذ الخامس عشر من مارس 2011 بداية في مدينة درعا ثم عموم الأراضي السورية هو القتل والقمع وسفك الدماء. هذه الدماء التي أثارت أقرب الناس إليها وإلى زوجها الأسد.

خيبة والدة بشار بابنها،

وهذه الخيبة التي تداولت معلوماتها وسائل الإعلام في بداية مارس 2012  نقلا عن وثائق لموقع ويكيليكس منسوبة إلى السيدة أنيسة مخلوف والدة بشار الأسد، بسبب الخراب  الذي ألحقه ولداها بشار وماهر بالبلد سوريا وشعبها، معربة عن خوفها أن يلاقي ابنها نفس مصير القذافي في ليبيا. ومتحدثة عن عدم رضاها على طريقة ابنها في التعاطي مع انتفاضة وثورة الشعب السوري.

وكذلك والدها الدكتور فواز الأخرس،

فقد ناشد بشار الأسد  بصفته والد زوجته ( أسماء الأخرس ) وهو مقيم في لندن، زوج ابنته إجراء تغييرات ديمقراطية في بلاده التي مزقتها الصراعات "قبل فوات الأوان"، مضيفا أنه "صدم" من القمع الوحشي الذي يقوم به زوج ابنته ضد الانتفاضة في سوريا. وكما نشرت وسائل الإعلام المختلفة نقلا عن  صحيفة الـ"اكسبرس"البريطانية "قلقه على سلامة ابنته أسماء"، البريطانية المولد، التي تزوجت من الأسد منذ 12 عاماً. وتابعت الصحيفة انه "بينما يرفض الدكتور فواز الأخرس مناقشة الوضع المتدهور بشكل علني، إلا أنه أخبر أصدقائه في الجمعية البريطانية السورية بأنه الآن في "وضع صعب"، حيث يعيش صراعاً بين ولائه لأسرته من ناحية، وبين الإدانة العالمية للوحشية المتزايدة لنظام زوج ابنته من ناحية أخرى". وتحدثت أنباء عن تركه لمنزله المعروف لأصدقائه وزوراه إلى بيت سري خوفا على حياته وعدم جرأته على لقاء أصدقائه السوريين تحديدا.

ومعلومات أخرى نقيضة عن موقفه،

حيث ذكرت المعلومات التي نشرت بعد قيام بعض (المندسين الوطنيين ) باختراق البريد الإليكتروني للأسد بشار وسيدته الأولى أسماء، خرج الدكتور فواز الأخرس عن صمته وأجرى لقاءا قصيرا مع صحيفة الديلي تلغراف البريطانية، شنّ فيه هجوما عنيفا على الثورة السورية مقارنا إياها بأحداث الشغب التي شهدتها العاصمة البريطانية لندن في صيف العام 2011 . وليس هذا فقط ، فقد أظهرت الرسائل الإليكترونية المسرّبة من بريد الأسد أنّه كوالد للزوجة السيدة الأولى قد قدّم نصائح عديدة لزوجها من ضمنها نصيحته بإنشاء قناة تلفزيونية أسدية ناطقة باللغة الإنجليزية.  المثير للحزن من دكتور عاش أغلب عمره في لندن، عندما يواجهه صحفي الديلي تلغراف أنّ عدد القتلى السوريين برصاص قوات الأسد بلغ 7000 قتيلا، يرى الدكتور الأخرس أنّ هذا العدد يظلّ أفضل من مجموع القتلى في ليبيا الذين يقدّرهم بخمسين ألفا!!!. وكذلك يقدّم نصائح لصهره الأسد عن كيفية وأهمية تكذيب الفيديوات والأفلام التي تظهر همجية ووحشية جيشه، لذلك عنّونت الجارديان البريطانية صفحتها الأولى أحد الأيام وهي تنشر نصوص الرسائل المسرّبة من بريد الأسد بعنوان ( الطبيب اللندني الذي قدّم النصح للأسد خلال عمليات القمع)، وفي العنوان من الدلالات المحزنة ما يكفي، إذ كيف يقوم طبيب عاش في ديمقراطية بريطانيا العظمى أغلب أيام حياته، بتقديم النصح الداعم لقاتل شعبه، خاصة شعب مدينة حمص مسقط رأس الدكتور.

اسماء الأخرس باعترافها هي الديكتاتورة

ورغم أنّه جاء ضمن سياق المزاح أو التنكيت إلا أنّه تنكيت وتبكيت (ضحك وبكاء) عندما تقول في إحدى الرسائل ردا على سؤال لصديق لها من يسمع الآخر هي أم زوجها بشار، تجيبه: " أنا الديكتاتور الحقيقي ولا خيار لديه". ورغم المذابح التي يرتكبها أسدها تستمر في التنكيت على أهل حمص كعادة السوريين، وايضا في التسوق عبر الانترنت مجوهرات وأثاث يشحن لها من خلال شركات في دبي كما تشير الرسائل، وكي لا نظلم أسماء أو نفتري عليها فغالبية نساء حكامنا ديكتاتوريات ويتسوقن مثلها وزيادة بعشرات النسب. ولكننا نذكر ما يتعلق بأسماء الأخرس لأنّها من مواليد بريطانيا وتربت على القيم والتقاليد البريطانية حيث ملكة بريطانيا مجرد سقف يجمع نسيج المجتمع البريطاني، فبدلا من أن تؤثر في زوجها كي يستنسخ التقاليد الديمقراطية البريطانية تشجعه وتدعمه في قمعه ووحشيته. والمثير للبكاء والدموع أن بشار الأسد نفسه درس في بريطانيا في ظل هذه الديمقراطية عدة سنوات، وبدلا من أن ينقلها لسوريا، يمارس هذا القتل الوحشي الذي لم يبق له صديقا سوى النظام الإيراني وحزبه حزب حسن نصر الله في لبنان كي لا نقول حزب الله، وبنسبة من النسب النظامين الصيني والروسي حيث يجمعهم القمع ومصادرة حقوق الإنسان والتوريث والتدوير للسلطة.

لذلك بناءا على الحيثيات والوقائع السابقة، أطرح السؤال على ذوي الاختصاص: هل يجوز استدعاء اسماء الأخرس للتحقيق في بريطانيا بحكم أنّها مواطنة بريطانية؟.
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net








 

95
انتخابات برلمانية أسدية مصبوغة بدم الشعب السوري

د.أحمد ابو مطر

أصدر بشار الأسد ( لم أذكر صفة الرئيس السوري قبل اسمه لأنّه لا إجماع شعبي سوري على ذلك )
قرارا بتحديد يوم السابع من مايو القادم موعدا لما أطلق عليه " الانتخابات التشريعية لاختيار أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الأول لعام 2012 ". ومن المهم ملاحظة أنّ قراره هذا يأتي بعد إسبوعين من إقرار دستور جديد بأغلبية ساحقة حسب ادعاء النظام، سبق أن ناقشت هذا اللادستور في مقالة بعنوان (دستور قمعي على مزاج ديكتاتور وريث بالتزوير) يوم الإثنين السابع والعشرين من فبراير الماضي ، حيث تمّ تفصيله على مقاس بشار العائلي إذ سيحتفظ بمنصبه رئيسا بعد الانتخابات لعام 2014 ثم من حقه ولايتين جديدتين لمدة 14 عاما، أي أنّه سيبقى رئيسا لعام 2028 إن لم يرحل أو يقتلعه الشعب السوري قبل ذلك، و ليس غريبا على سلوك العائلة الأسدية أن يورث نجله حافظ باسم ( حافظ الثاني ) تمييزا له عن الأب حافظ الأول.

لماذا الشك المسبق في هذه الانتخابات؟


هذا الشك المسبق يدعمه العديد من الحيثيات ذات العلاقة بالخبرة في تجربة هذا الحزب القمعي المسمّى زورا ب ( حزب البعث العربي الإشتراكي )، وهو حزب ليس عربيا بدليل أنّه حكم القطرين السوري والعراقي وطوال حكم الأسدين حافظ وصدّام والعلاقات بين البعثين مقطوعة والحدود بين القطرين مغلقة، بل قام النظامان بتفجيرات وسيارات مفخخة ضد بعض. وهو ليس اشتراكيا بدليل الوضع الذي يعيشه المواطن السوري في ظل استيلاء وسرقة عائلة أخواله ( آل مخلوف ) على ما يزيد عن ستين بالمائة من ثروة الشعب السوري. وأيضا ليس اشتراكيا بالمطلق بدليل السياسة الإقصائية للسوريين المنتمين للقومية الكردية وحرمان مئات ألاف منهم من الجنسية وأية أوراق ثبوتية، ومنعهم من استعمال لغتهم الأم الكردية في حين أنّ الاحتلال الإسرائيلي يسمح للفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم منذ عام 1948 باستعمال لغتهم العربية. وكذلك ممارسة عمليات تعريب في المناطق الكردية حسب تعليمات البعثي الملازم محمد طلب هلال التي وزعها في كتاب خاص على كافة أجهزة الحزب البعثية. أمّا حيثيات الشكّ مسبقا في هذه الانتخابات المهزلة أو المسخرة لا فرق فهي:

أولا: كيف يمكن الوثوق في انتخابات تجري بإعداد وإشراف نظام وحشي منذ عام وهو يقتل الشعب السوري الذي يتظاهر في غالبية المدن السورية مطالبا برحيله؟. ومن يصدّق أنّه خلال عام من اندلاع الثورة السورية ضد هذا النظام يقتل ما يزيد على تسعة ألاف مواطن سوري واختفاء ما لا يقل عن ثلاثين ألفا، وهروب أو هجرة ما يزيد على ثمانين ألفا إلى لبنان وتركيا والأردن؟.

ثانيا: يعرف كل من له خبرة ومعايشة لطريقة نظام الأسود في إجراء الانتخابات التشريعية، بأنّ هذا النظام يسمح فعلا لكل مواطن أن يتقدم لخوض هذه الانتخابات، والنظام أيضا يزجّ بتابعيه ومطبليه في كافة المحافظات للتقدم لخوض الانتخابات، وعند الفرز تكون قائمة الفائزين بمقاعد المجلس الأسدي التشريعي جاهزة مسبقا، خاصة أنّه لا يوجد مراقبين محليين محايدين أو دوليين لهذه الانتخابات.

ثالثا: وما يدعم الحيثية الثانية هي أنّه طوال 42 عاما مما تسمّى زورا المجالس التشريعية للنظام، لم نسمع انتقادا لأي أداء لا للحكومة ولا الرئيس، مما يثبت أن قائمة الفائزين لا تعدو أن تكون قائمة للمطبلين والمصفقين للنظام رغم كافة أفعاله الإجرامية بحق الشعب السوري، وهذه الجرائم مثبتة سوريا وعربيا ودوليا، ومن أهمها شهادة الطبيب الفرنسي البروفسور جاك بيريس من مؤسسي منظمة " أطباء بلا حدود " الذي عاش بين أهل حمص 19 يوما، وعاد إلى موطنه فرنسا في نهاية فبراير الماضي ليروي ما لا يمكن مشاهدته في أفلام الرعب، ويكفي قوله في شهادته تلك (لقد عاينت الآلام غير المجدية، والوحشية والرياء، وآلام الأطفال والعائلات، أمر لا يحتمل، شيء معيب، الناس يموتون، والمجموعة الدولية لا تحرك ساكنا).

وكل هذا عند النظام مجرد مؤامرة


ورغم كل هذه الاثباتات فكل ما يعانيه المواطن السوري عند النظام ومطبليه مجرد مؤامرة يديرها مندسون يريدون تخريب انجازات النظام في المقاومة والممانعة. لذلك فإنّ هذه الانتخابات المسخرة لن تقدّم للمواطن السوري سوى نواب معينين مسبقا على شاكلة ذلك النائب المصيبة الذي وقف في ذلك المجلس في أبريل من العام الماضي عقب اندلاع الثورة السورية ليخاطب بشار الأسد قائلا له:
( أنت يا سيادة الرئيس سوريا قليلة عليك، ويجب أن تحكم العالم ). هل هذا نائب عن الشعب أم عن النظام ورئيسه؟.

وأخيرا خيبة أمل عنان،

موفد الأمم المتحدة الذي لم يعلن عند كتابة هذه المقالة عن تفاصيل تقريره للأمم المتحدة عن زيارته لسوريا واجتماعه معه الأسد، إلا أنّ دبلوماسيين قالوا إن الموفد الدولي المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية كوفي عنان وصف ردود دمشق على مقترحاته بشأن حل الأزمة السورية بأنها مخيبة للآمال. لذلك فالنتيجة هي أنّ هذه الانتخابات التشريعية الجديدة لن تأت إلا بنواب سيكونوا نوابا عن النظام وليس الشعب السوري، ويكفيها سخرية أنّها تجري مصبوغة بدم الشعب السوري الباحث عن حريته وكرامته فقط، ووسط خيبة غالبية العالم عربا وغربا إلى حد أنّ روسيا حليفة النظام بدأت تتململ من أفعاله، فقد صرّح فلاديمير بوتين رئيس الوزراء قبل أيام قليلة ما مفاده أنّ الإصلاحات التي عرضها نظام بشار الأسد، كان يجب أن تجري منذ فترة طويلة. كما صرّح ناطق باسم الخارجية الروسية بأنّ المعاهدة الموقعة بين النظام السوري والاتحاد السوفييتي عام 1980 ولا تزال سارية المفعول، لا تلزم روسيا بتزويد سوريا بالسلاح في حال تعرضها لعدوان خارجي.

وتكفي أيضا دلالات تظاهرة الجمعة السادس عشر من مارس في داخل سوريا حيث رفع المتظاهرون يافطات بإسم هذه الجمعة ( جمعة التدخل العسكري الفوري). فهل يرحل بشار ونظامه أم سيصرّ على لقاء مصيره بيد الشعب السوري كما حصل لغيره من الديكتاتوريين الذين عاندوا إرادة شعوبهم؟.
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net


96
لا لجرائم الإحتلال و نعم لموقف فلسطيني واضح موحد

د.أحمد أبو مطر

التصعيد العسكري الأخير والمستمر من جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أوقع حتى الآن قرابة ثلاثين قتيلا من بينهم العديد من الأطفال، مما أضاف شقاءا جديدا لسكان القطاع مع شقاء الحياة اليومية خاصة انقطاع الكهرباء شبه الدائم مما يلحق العديد من المآسي تحديدا بالمستشفيات التي تغصّ بالمرضى والجرحى. وانقطاع الكهرباء سببه الصعوبة في الحصول على الغاز أو الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، وذلك نتيجة الحصار شبه الكامل المفروض على القطاع منذ عام 2007 تقريبا عقب استلام حماس السلطة في القطاع، وبدء الانقسام الفلسطيني حيث أصبحت حكومة حماس برئاسة اسماعيل هنية ( حكومة مقالة ) في عرف السلطة الفلسطينية، و محمود عباس (رئيسا غير شرعي ) في عرف حماس. لا يمكن السكوت على هذا العدوان الإسرائيلي رغم انشغال العرب والعالم بملفات أخرى يرونها أكثر أهمية، إلا أنّ عدم ازدواجية المعايير – إن وجدت – تقتضي إدانة كل أنواع القتل الممارسة ضد الشعوب عشوائيا، سواء كان هذا قتل بشار الأسد للشعب السوري ومن قبله قتل القذافي وصدام حسين للشعبين الليبي والعراقي، وغيرهما من الرؤساء والحكام، أو قتل الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني المتواصل منذ ما يزيد على ستين عاما، ويترافق هذا القتل مع رفض الاعتراف بأبسط حقوق الشعب الفلسطيني خاصة دولته المستقلة ضمن حدود عام 1967 التي لا تشكل هذه الحدود سوى حوالي 22 في المائة من مجموع مساحة فلسطين التاريخية. الإدانة الواضحة الصريحة لهذا العدوان الاحتلالي الإسرائيلي مطلوبة عربيا ودوليا، ولا يمكن تبرير السكوت عنها بأية أسباب أو ملفات يراها البعض أكثر أهمية، لأنّ الاحتلال الإسرائيلي يستغل انشغال العالم بهذه الملفات ليمارس ويواصل القتل والقصف والاعتداء على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بدليل أنّ لا ردود عملية على هذا القتل الممارس يوميا، سوى إعلان خافت عن اجتماع للجنة الرباعية لا قيمة ميدانية له.

الموقف الفلسطيني الموحد أكثر أهمية

ورغم هذا السكوت الدولي على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنّ الأكثر أهمية هو أن يكون في ميدان التطبيق موقف فلسطيني موحد إزاء هذه التطورات، وهذا للأسف والحزن الشديدين غير موجود بل يعكس صراعات وجهات نظر مختلفة حتى داخل القطاع حيث السلطة المطلقة لحركة حماس. فمن غير المعقول أن يظلّ الشعب الفلسطيني مرهونا لخيارات كل فصيل فلسطيني حسب هواه أو رؤياه السياسية. حركة حماس لم تشارك حسب تصريحات وردود أفعال مسؤوليها في إطلاق الصواريخ والقذائف على الاحتلال التي اتخذها سببا لهذا العدوان المتواصل على القطاع. وفي الوقت ذاته تقوم لجان المقاومة الشعبية وحركة الجهاد الإسلامي بالرد على جرائم الاحتلال خاصة بعد اغتيال قائد اللجان الشيخ زهير القيسي، هذا رغم أنّ المتحدث باسم اللجان الشعبية ( أبو مجاهد ) أكّد "أنّ مصادر استخبارية مصرية، حذّرت اللجان من أنّ إسرائيل تخطط لاغتيال القيسي بسبب نشاطه العسكري و أعماله المرتبطة بالمقاومة الفلسطينية"،  مضيفا " أنّ الخونة الفلسطينيين المتعاونين مع إسرائيل الذين ألقي القبض عليهم مؤخرا في قطاع غزة، اعترفوا أمام الأجهزة الأمنية التابعة لحماس بانّ ضباط مخابرات لإسرائليين أمروهم بمراقبة القيسي و نقل خطواته". وهذا يذكّني بسؤالي القديم ( من قتل المبحوح؟ حماس أم الموساد ) وقصدت من السؤال: من أوصل للموساد المعلومات السرية الخاصة بوصول المبحوح إلى دبي رغم وصوله بجواز غير جوازه الرسمي وباسم ليس اسمه الرسمي؟.

ويتخبط الموقف الفلسطيني بين الرد والتهدئة

وهكذا كل فترة يستمر تخبط الموقف الفلسطيني داخل القطاع تحديدا بين مقاومة الاحتلال وقصفه، وبعد ردود الاحتلال الجرائمية يعودون لمحاولات التهدئة، وأحيانا استجداء أطراف عربية خاصة المصرية للتدخل لإقناع الاحتلال بقبول التهدئة . وهذا ما عاشه الشعب في القطاع الأيام الأخيرة حيث تتخبط وتتناقض المواقف، ففي حين تعلم حركة الجهاد الإسلامي أنّ التهدئة شاملة وتضمن وقف عمليات الاغتيال، ردّت إسرائيل بالقول أنّها تحتفظ لنفسها بحق استهداف كل شخص يخطط للمسّ بأمنها. فيردّ داود شهاب الناطق بلسان الجهاد الإسلامي ( أنّ الجهود المصرية أفضت إلى تهدئة متبادلة ومتزامنة وتلزم العدو بوقف الاغتيالات منذ الساعات الأولى لفجر الثلاثاء ( الثالث عشر من مارس )، مشيرا إلى ( إن عدتم عدنا )، فيردّ عليه ناطق باسم جيش الاحتلال ( إنّ شعارنا هو تغذّى بعدوك قبل أن يتعشى فيك ). ورغم هذا الاتفاق قام جيش الاحتلال بعمليات وقصف لمناطق في القطاع أدت لسقوط ضحايا جدد.

أما قصف حماس فقد طال،

السلطة الفلسطينية بسبب ما ادّعته سكوت السلطة الفلسطينية على جرائم الاحتلال، وكذلك قصف سامي أبو زهري لقناة الجزيرة، معبرا عن أسف الحركة لتغطية قناة الجزيرة " غير المتوازنة للملف الفلسطيني مقارنة بملفات أخرى أقل أهمية". مضيفا " أنه في اللحظة التي يتواصل فيها التصعيد الإسرائيلي على غزة و تستمر أعمال القتل و التدمير نفاجأ أن هذا الخبر لا يحظى بأية أولوية في النشرات الإخبارية لقناة الجزيرة القطرية ". هذا وكأن طريقة التناول الإعلامي ستوقف هجمات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

ماذا نريد..قصف أم تهدئة؟

هذا ما عنيته من ضرورة الموقف الفلسطيني الموحد بشكل استراتيجي، هل نريد مقاومة وقصف مستمر أم تهدئة مستمرة؟. فمن غير المعقول إطلاق صواريخ بالمئات كما يقول الناطقون العسكريون باسم الفصائل الفلسطينية دون وقوع سوى جريحين أو ثلاثة من الإسرائيليين مقابل عشرات القتلى من الفلسطينيين وتشديد دائم للحصار، ثم نتفاوض على التهدئة وأحيانا نستجديها، وبعد أسابيع أو شهور يعود البعض لإطلاق الصواريخ ثم التهدئة....هكذا ما يعيشه الشعب الفلسطيني منذ سنوات..قصف..تهدئة..قصف..تهدئة..وكأنّنا أمام مسلسل تلفزيوني لا نهاية له..فلنحدد ماذا نريد..مقاومة مستمرة إذا استطعنا ذلك أم تهدئة مستمرة؟. لأنّ توازن الرعب غير توازن القوى، فقد أرعبت صواريخ المقاومة الإسرائيليين وأوقفوا بعض مدارسهم وتجمعاتهم ونشاطاتهم، لكن موازين القوى هي التي أوقعت القتلى في صفوف الشعب الفلسطيني فقط. وأكرّر منعا لأي التباس: لا لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني و نعم لموقف فلسطيني موحد واضح بشكل استراتيجي، وهذا يقرّره الشعب في الداخل وقياداته..فأهل القطاع والضفة أدرى بشعابها!!.
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net








97
سابقة  أردنية تضاف لسجل النظام الملكي في حرية التعبير

د.أحمد أبو مطر

ألم أقل أنني متأكد من العفو عنه،
كتبت ونشرت في الأول من فبراير 2012 مقالة بعنوان ( نداء إلى الملك عبد الله الثاني...متأكد أنّه سوف يستجيب له )، حول قضية الحكم بالسجن سنتين على الشاب الأردني عدي أبو عيسى ( 18 عاما ) الذي قام بحركة انفعالية فوق مبنى بلدية الطفيلة أحرق فيها صورة الملك عبد الله الثاني. وسردت في المقالة الحيثيات الإنسانية ونداء منظمة هيومن رايتس ووتش للعفو عنه، واعتذار عائلة الشاب والشاب نفسه، وذكّرت الملك عبد الله الثاني بأنّ حرق صورته لا يرقى للعديد من الإساءات التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم من بني قومه القرشيين، فكان دوما متسامحا يقابل الإساءة بالحسنة ( وادفع بالتي هي أحسن ). وقلت في نهاية المقالة: (واعتمادي في إيصال هذا النداء لجلالة الملك عبد الله الثاني أولا على مستشاره الإعلامي الزميل الأستاذ أمجد العضايلة، المعروف بتواضعه واستماعه الشديد لكلّ ما يهم الأردن في كافة الميادين خاصة حرية التعبير وإبداء الرأي والدفاع عن المظلومين. وكي يضاف هذا العفو للمسيرة الديمقراطية وسقف الحريات التي يعيشها الأردن، خاصة أنّه في الأسابيع الماضية صدرت قرارت عفو عن سلفيين إسلاميين ، هذا الشاب المراهق أولى منهم بالعفو الملكي الذي أنا متأكد من صدوره ).

وهاهو قد صدر العفو الملكي

وكم كان خبرا سارا و مميزا، يضاف لمسيرة حقوق الإنسان وحرية التعبير في الأردن، أن أصدر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، يوم الأربعاء التاسع والعشرين من فبراير ( أي بعد 28 يوما من ندائي له ) عفوا خاصا عن هذا الشاب، وكما جاء في بيان الديوان الملكي " أنّ الملك عبد الله الثاني أوعز للحكومة بالسير بإجراءات إصدار عفو خاص عن المواطن عدي أبو عيسى الذي كانت محكمة أمن الدولة قد قررت سجنه لمدة سنتين بتهمة المسّ بكرامة الملك". وهذا عمل عربي غير مسبوق خاصة عندما يتعلق بإهانة الرئيس أو الأمير أو الملك أو السلطان، وهذه هي تسميات من يحكمون 22 دولة عربية، فقد أنتجت الثقافة والتربية العربية عبر عدة قرون مضت أنّ الحاكم أيا كانت تسميته هو من المحرمات الممنوع الاقتراب منها إلا بالتصفيق والتمجيد والتهليل ( بالروح بالدم نفديك يا....). وقد جاءت هذه السابقة الملكية الأردنية بالعفو عن هذا الشاب الذي أحرق صورة الملك، لتحمل العديد من الدلالات التي نأمل أن تسود الثقافة والتربية العربية خاصة التي يتحصن بها حكامنا:

1 . من المهم الاعتراف صراحة أنّ حرق صورة أي مواطن لغرض الإساءة والتجريح هو عمل استفزازي غير أخلاقي سواء كانت صورة مواطن عادي أم حاكم البلاد أيا كانت تسميته من التسميات التي ذكرتها سابقا. لذلك من المهم ترسيخ المظاهر السلمية للاحتجاج والمطالب الإصلاحية بعيدا عن الاستفزاز والإساءات أيا كان شكلها ونوعها، لأنّ الإساءة والعمل غير الأخلاقي تفقد صاحب المطالب الإصلاحية نسبة عالية من مصداقيته. وعلى سبيل المثال من غير المنطقي ولا المقبول أخلاقيا تصادم متظاهرين في أي قطر لأنهم يشكّلوا تظاهرتين أو تجمعين لهدفين مختلفين ( مع و ضد ). فليتظاهر كل طرف أو جماعة لأية أغراض أو مطالب بطرق سلمية دون الاحتكاك ببعض وأيضا دون التعرض لهم من قوى الأمن.
2 .  الملاحظة السابقة تأخذ اعتبارا خاصا في الأردن حيث دون مبالغة أو مجاملة لأي طرف شخصي أو حكومي، أنّ مساحة حرية التعبير المتاحة والتعددية السياسية والحزبية وحجم النقد للأداء الحكومي والمسؤولين من أعلى المستويات بما فيهم أمراء من الأسرة الملكية الحاكمة، لا مثيل له في غالبية الأقطار العربية، دون أن يتعرض صاحب هذا النقد لأية مضايقات أمنية. وما تعرض له الأمير الحسن بن طلال من مقالات نقدية في الصحف والمواقع الأردنية بسبب عبارات وردت في لقائه مع التلفزيون الأردني الرسمي في برنامج ( ستون دقيقة) الذي تم بثه يوم السابع عشر من فبراير 2012،  لو تعرض له أي أمير أو رئيس عربي آخر في أقطار عديدة لذهب العديد من هؤلاء المنتقدين للسجون والمعتقلات، ورغم هذا النقد الحاد لم يتعرض أحد من الكتاب والصحفيين الأردنيين للسجن أو مواقعهم الإليكترونية للإغلاق، ولم يردّ عليهم الأمير الحسن بن طلال بأية مقالة، معتبرا كما أعتقد أنّه هو عبّر في البرنامج عن رأيه وهؤلاء الكتاب يعبرون عن رأيهم المخالف له، ومن حق الفرد والجمهور أن يتخذ قراره من المخطىء ومن المصيب؟.

هل يقود الملك عبد الله الثاني الربيع الأردني؟

أعرف مسبقا أنّ هذا العنوان الفرعي مثير للبعض، وربما يجرّ لي وعليّ العديد من الانتقادات، ولكن من حقي تقديم وجهة نظري عبرالملاحظة التالية التي ربما يؤيدني فيها بعض المثارين من هذا العنوان. هذه الملاحظة من خلال متابعتي للوضع الأردني المصاحب للمطالب والتحركات الشعبية، يلاحظ الجميع في الأردن وخارجه أن عجلة مكافحة رؤوس الفساد تدور بسرعة مذهلة لتطال رؤوسا لم يكن أي أردني أو عربي يحلم أن العجلة ستصل لهم، خاصة بعد الحجز على مدير المخابرات السابق محمد الذهبي الذي بدأت التحقيقات معه في ملفات فساد تتعلق برشاوي وتبييض أموال تصل لحدود خمسين مليون دولارا حسب ما تمّ نشره حتى الآن. ومن المستجدات المثيرة ما نشره الإعلام الأردني أيضا :
( قرار مدعي عام عمان القاضي محمد الصوراني بعد اجتماع مطول عقد مع اللجنة المكلفة بالتحقيق في قضاية الفساد بمخاطبة النائب العام القاضي الدكتور ثائر العدوان بالطلب من مجلس النواب السير بالاجراءات الدستورية والموفقة على احالة رئيس الوزراء السابق الدكتور معروف البخيت و ثمانية وزراء اخرين معه للبدء باجراءات التحقيق والمحاكمة المتعلقة بملف قضية الكازينو. ويشار إلى أن الوزراء المحالين للتحقيق هم: معروف البخيت - رئيس الوزراء، عادل الطويسي- وزير الثقافة، باسم الروسان - وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، سهير العلي - وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، خالد الإيراني -  وزير البيئة، حسني أبو غيد ا-  وزير الأشغال والإسكان، محي الدين توق -  وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، سالم الخزاعلة -  وزير تطوير القطاع العام) .

وحسب اعتقادي أنّ هذه التحقيقات المثيرة في قضايا فساد عام شكى وما يزال يشكو منها الشعب الأردني، ما كان من الممكن البدء بها وفتحها مع شخصيات ما كان أحد يستطيع الاقتراب أو المساس بهم، دون أوامر وتوجيهات عليا من الملك عبد الله الثاني، خاصة أنّ الدراسات والتقارير الأردنية ذاتها، تتحدث عن حجم الضرر الذي ألحقته قضايا وفساد هؤلاء المسؤولون بالاقتصاد الأردني المعتمد أساسا بنسبة واضحة على المساعدات الخارجية العربية والغربية.

لذلك تنظر بعض دوائر القرار الداعمة للأردن،

بعين الرضا والراحة لهذه التوجهات الملكية الأردنية في فتح ملف الفساد الداخلي على مصراعيه، لأنّ هذا هو أحد أهم مطالب الربيع الأردني الذي تقوده قيادات شبابية وحزبية من مختلف التيارات، وخاصة الإسلامية منها تصرّح علنا: نعم لاستمرار النظام الملكي وحمايته، وفي الوقت نفسه نعم عالية وصريحة لإصلاحات حقيقية ومحاكمة شفافة لمرتكبي كافة ملفات الفساد، وإعادة مسروقاتهم لخزينة الشعب والدولة. لذلك تنظر دوائر القرار هذه بترقب شديد لنتائج التحقيقات المفتوحة، كي ترى هل سيتم فعلا الكشف عن كل خباياها، أم كان فتحها مع هذه الشخصيات المهمة سابقا في دوائر القرار الأردني لمجرد إلهاء الحركات والمطالب الشعبية الإصلاحية؟. هذا ما ستجيب عليه نتائج هذه التحقيقات في ظل أنّ هناك ملفات مفتوحة من سنوات ولم يصدر أي قرار بشأنها..الأيام القادمة ستجيب ..وعندئذ ترى بعض دوائر القرار الداعم للإقتصاد الأردني: أنّ لكل حادث حديث...ويتفرع عن هذه الملاحظة تطورا إيجابيا يتمثل في محاولات جادة لإبعاد الدوائر الأمنية الأردنية عن التدخل في الشؤون السياسية والحركة الحزبية للبلاد، كي يتركز دورها في المجال الأمني الخاص بحماية الأمن الداخلي ، وعدم المساس بأية تحركات شعبية سلمية تنشد الإصلاح والخير لوطنها. وأصحاب هذه الرؤية يعتمدون على الحماية التي قدمتها دائرة المخابرات العامة للعديد من الشخصيات الحزبية المعارضة التي تعرضت لتهديدات أو مضايقات سواء من أفراد أو مجموعات أيا كانت تسميتها. ويعزو البعض هذا الدور الإيجابي للقيادة الجديدة للدائرة التي من المؤكد أنّها استخلصت العديد من العبر من ممارسات السابقين الذين قادوا الدائرة، خاصة أنّ القيادة الجديدة للدائرة مارست العمل الدبلوماسي في أقطار عربية مما مكّنها من الإطلاع على خبرات متنوعة ومختلفة.

وجاء الإفراج بكفالة عن الدكتور أحمد عويد العبادي

ومفاجأة الربيع الأردني الثانية، كانت يوم السبت الثالث من مارس 2012 حيث تمّ الإفراج عن المعارض الأردني الدكتور أحمد عويد العبادي بكفالة مالية، وأوصلته قوات الأمن بسلام إلى منزله في منطقة السويسة. والدرس المستفاد للجميع من قضية الدكتور العبادي هو ضرورة ابتعاد المعارضة الشعبية الأردنية عن أية استفزازات أمنية، كما قام العبادي بتحدي قرار المحكمة والاحتماء بعشيرته وبالسلاح العلني، وقد كان بإمكانه إنهاء القضية بهدوء من خلال الذهاب للمحكمة وتوضيح أنّ ما صدّر عنه يدخل ضمن باب حرية التعبير وهذا من حقه، لذلك أعتبر البعض أنّ ما قام به العبادي مجرد استعراضات للشهرة فقط، مما أرغم السلطات الأمنية على تنفيذ قرار المحكمة بجلبه والاستماع إليه،لأنّه من غير المقبول في أعرق الدول ديمقراطية أن يتحدى المواطن قرار المحكمة ويحتمي بعشيرته وبالسلاح الممنوع حمله اساسا. لذلك بعد جلبه واستعادة هيبة الأمن واحترام الدولة تم الاستماع إليه واحتجازه عدة أيام ، ثم  صدور قرار المحكمة بالإفراج عنه عقب ذلك كما ذكرت.

إنّها تطورات إيجابية تبشر بمزيد من الانفتاح الرسمي الأردني على مطالب الربيع الأردني الذي ما يزال حتى اليوم يحتفظ بتحركاته الشعبية السلمية، المطالبة بالمحافظة على النظام الملكي، مع الرغبة الجادة في الإصلاح الحقيقي في كافة الميادين الحياتية، وهذا من مصلحة الشعب والنظام مما سيجعل نتيجة الربيع الأردني مختلفة في انجازاتها والوسائل التي أوصلت لهذه الإنجازات..فلننتظر ونرى..والعديد من الدوائر العربية والغربية المهتمة بالشأن الأردني أيضا تنتظر لترى.
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net

 
 


98
كلمة حق إنصافا لجنرال بيروت ميشيل عون

د.أحمد أبو مطر

الجنرال اللبناني ميشيل عون ( أعانه وسدّد خطاه الرب ) غني عن التعريف، وفقط من باب تذكير بعض القراء والجنرال نفسه إن كان قد نسّي، فهو من مواليد عام 1935 أي أنّه ألان على أبواب الثمانين من عمره، وهو ينتمي للطائفة المارونية التي حسب الدستور اللبناني توكل لها رئاسة الجمهورية اللبنانية مقابل رئاسة الوزراء للطائفة السنّية ورئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية. وعند بدايات انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل، حالت الخلافات اللبنانية الداخلية دون الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية ، فقام الرئيس أمين الجميل بتسليم الجنرال السلطة بعد تكليفه بتشكيل حكومة عسكرية ، ليصبح لبنان يعيش في ظل مواجهة بين حكومة ميشيل عون العسكرية وحكومة سليم الحص المدنية. أعلن رسميا انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1774 – 1988 ) بتوقيع اتفاق الطائف في المملكة العربية السعودية في أغسطس 1989 ، إلا أنّ الجنرال عون – وكان معه الحق -  رفض بعض بنود أو تفاصيل هذا الاتفاق خاصة ما يتعلق بانتشار القوات السورية على الأراضي اللبنانية في زمن الرئيس حافظ الأسد، دون أن يحدّد الاتفاق آلية واضحة المعالم لتاريخ انسحابها.

قصف القوات السورية لمقرات عون

هذا الرفض العوني – ومعه حق فيه – أدّى إلى غضب عنيف من الرئيس حافظ الأسد الذي كان قد مرّ على احتلال جيشه للبنان، شعبا وأرضا وكرامة وثروة قرابة 14 عاما، إذ لم يتخيل حافظ الأسد وجود لبناني واحد أيا كان مركزه أو طائفته أن يتمرد على وجود القوات الأسدية التي كان الجندي العادي منها، يدخل لأكبر سوبر ماركت لبناني ويتسوق بألاف الليرات خارجا دون أن يتجرأ موظف الصندوق على الطلب منه دفع ثمن مشترياته، فما بالك أن يكون التحدي للرئيس حافظ الأسد شخصيا، وهو صاحب الجيش المحتل للبنان ويتصرف فيه مع حفنة من ضباط مخابراته العسكرية كمزرعة خلفية لكل ما يريده وبشكل غير قانوني وأخلاقي. لذلك قامت قوات حافظ ألأسد الجوية والبرية في الثالث عشر من أكتوبر 1990 بقصف قصر بعبدا الرئاسي حيث يوجد الجنرال وعائلته، واستمر حصار القصر وقصفه جويا، مما اضطر الجنرال لترك عائلته والهروب لاجئا للسفارة الفرنسية التي أمّنت خروجه لاجئا إلى باريس في الثامن والعشرين من أغسطس 1991 ، اي أنّه بقي لاجئا ومختبئا في السفارة الفرنسية بيروت مدة 319 يوما بالتمام والكمال ومحسوبة بدقة إلكترونية عالية.

الجنرال في باريس

ظلّ الجنرال ميشيل عون هاربا من الجيش السوري ولاجئا في باريس حتى عوته لبيروت بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وانتفاضة الأرز اللبنانية الشعبية التي اضطرت الجيش السوري المحتل في زمن الوريث الأسدي بشار للخروج مدحورا من لبنان في مارس 2005 . وأعقب هذا الخروج عودة الجنرال إلى بيروت في السادس من مايو 2005 بعد لجوء في باريس دام قرابة 15 عاما.

ماذا قال جنرال باريس عن النظام السوري؟

طوال خمسة عشر عاما في منفاه الباريسي هربا من الجيش والمخابرات السورية، لا أعتقد أنّ جنرال باريس تحدث مع أصدقائه أو للصحافة إلا عن قمع الجيش السوري وسيطرته واحتلاله للبنان، والفساد الذي تعيشه سوريا بسبب حكم عائلة الأسد ومخابراتها السياسية والعسكرية. لقد كان الموقف المضاد والمعادي علنا لكافة السياسات السورية خاصة في لبنان هو الهمّ والشاغل الرئيسي لجنرال باريس، وبصدق كان أغلب ما يقوله ويردده بهذا الشأن صحيحا ومعه كل الحق فيه، لأنّه كان حديث الغالبية العظمى من اللبنانيين سرا وعلنا،. وللتدليل على كلامي هذا وتقديم مجرد نماذج من أقوال الجنرال عن النظام السوري وهو في باريس، أحيل القراء لعينة واحدة من أقواله هذه وهي المقابلة التي أجرتها معه جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية، ونشرته في عددها رقم 9204 بتاريخ التاسع من فراير 2004 ، وقد أجريت المقابلة معه بعد عودته من واشنطن حيث شارك في جلسة استماع للكونجرس الأمريكي، تمّ فيها إقرار قانون ( محاسبة سوريا) بموافقة ودعم الجنرال.  وهذا هو الرابط الخاص بذلك اللقاء:
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=216915&issueno=9204

وهذه مجرد عينات مما قاله في تلك المقابلة منقولة حرفيا:


"  نعم ستبدأ سورية من لبنان لكن ليس من هذا الجانب. مطلوب منها الانسحاب ويجب ان تبدأ من هنا، وليس مطلوبا منها اقرار عودة عون وخروج جعجع. عودتي ستكون نتيجة الانسحاب السوري وليس نتيجة قرار اتخذته ويخص عودتي..... عودتي ستكون جزءا من التغييرات الحاصلة من جراء الانسحاب وانا لا اريد العودة الى بيروت برعاية سورية مما سيعيقني ويحد نشاطاتي. انطلقت للكونغرس من باريس واحالوني الى المحكمة بجريمة اساءة العلاقة مع سورية فكيف لو انطلقت من بيروت؟".

" السؤال هنا من اتى بالمسؤولين اللبنانيين؟ السوريون اتوا بهم اذن من الطبيعي ان يرجعوا لهم في كل شاردة وواردة.أرى أنه بحال انسحاب سورية سيتوهون لانهم متعودون أن هناك من من يقرر لهم. لكن هذا الانبطاح الزائد لا تقابله براءة في الجانب السوري....غالبية خطابات السياسيين تبدأ بالتوجه بالشكر لسورية وشتم عون. هل يتجرأ احد على عدم الذهاب لسورية ومن ثم الفوز بمقعد على احدى اللوائح الانتخابية؟".

وتسأله ريما صيداني التي أجرت معه اللقاء الصحفي في باريس:
"  تعاملت مع صدام حسين وأمدك بالذخيرة. هل كنت مستعدا للتعامل مع أي كان لاخراج السوريين؟
فيجيب الجنرال:
" طلبت خلال مؤتمر صحافي مساعدة غير مشروطة من كل العالم وقلت من يريد فليتفضل". أي أنّه يريد إخراج الجيش والنظام السوري بمساعدة أية دولة ( مع أي كان ) حسب تعبيره.

وفي نهاية اللقاء ورد هذان السؤالان وجواب الجنرال:

باختصار، برأيك أن كل هذه الضغوط على سورية ستؤدي للتغيير وأول معالمه ستتجلى بالانسحاب؟
ـ نعم، هذا واحد من معالم التغيير. ربما سيتم نزع الأسلحة قبل الانسحاب. هي سلسلة من المطالب ستنفذ الواحد تلو الآخر.
                                                             هل تعتقد ان هناك اسلحة دمار شامل في سورية؟
ـ اعتقد ان هناك اسلحة كيماوية. عموما لا علاقة لي بهذا الموضوع. أتخيل انه بعد تسليم السلطة للعراقيين في يونيو (حزيران) سيتفرغ الأميركيون لسورية وسيبدأ الانسحاب من لبنان واعتقد أنه سيكون انسحابا كاملا لأنه لم تعد هناك اليوم أدوار اقليمية لأي كان وكل دوره ضمن بلده ".

كيف تغير جنرال باريس وانقلب على كل مواقفه هذه؟

بعد أن عاد جنرال باريس إلى بيروت، اختلفت مواقفه بنسبة مائة بالمائة من النظام السوري الذي قال بشأنه ما سبق أن وثقته، وفجأة أصبح النظام السوري عند جنرال بيروت نظاما حليفا مقاومايدافع عنه ويزور عاصمته في أبريل 2008 ، ويصافح رموزه وفي مقدمتهم الأسد الإبن الذي قام والده بقصف مقرات ميشيل عون بالطائرات مما اضطره كما قلت للهروب واللجوء للسفارة الفرنسية. ونسيّ جنرال بيروت الملف الأسود لهذا النظام الذي صادر كرامة ولبنان واللبنانيين طوال ثلاثين عاما، وما زالت خلاياه السرّية وعملائها يمارسون الاغتيالات بحق شخصيات لبنانية وتهديدات لم تتوقف.

وأخيرا الجنرال عون للنظام ضد الثورة السورية

ورغم مرور قرابة عام على مجازر نظام الأسد بحق الشعب السوري، لم يتحرك ضمير جنرال بيروت بل ظلّ وفيا لوريث طارده من بيروت، معلنا عن مواقف غير إنسانية مثل:
" ميشيل عون يتهم لبنانيين بتمويل الثورة السورية"
" لا ثورة في سورية والأسد انتصر"
" ليست ثورة بل أعمال شغب ومن حق الجيش القضاء عليها"

والأغرب من ذلك أن يقوم الجنرال بعد زيارته لعاصمة طاردية بزيارة أسيادهم ملالي إيران في عاصمتهم طهران في مارس 2011 ملتقيا أحمدي نجاد ومطلقا من التصريحات بحق ملالي إيران مما تجعل الجنرال فعلا يستحق لقب آية الله العظمى، فلم يصدر هذا التثمين لدور إيران إلا من الجنرال وحليفه المفاجىء حزب الله.

وهذه العينات تكفي لمن يريد المقارنة بن جنرال باريس وجنرال بيروت بعد عودته ، وهي حالة تستحق فعلا دراسة أكاديمية نفسية تبين خللا ما أو انتهازية تبحث عن المصلحة الشخصية فقط، بدليل القفز من الموقف إلى نقيضه. ورغم ذلك فالنصر دوما للشعوب مهما طال عمر الطغاة والمصفقين لهم من المنافقين والجنرالات الانتهازيين.
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net












99
هل سيطرة حماس على القطاع مبرر لحصار الشعب؟

د.أحمد أبو مطر

لا يجادل أحد من أنصار حماس أو منتقديها، أنّها فازت بالأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي جرت في يناير 2006 مما أهلها لاحقا لتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة اسماعيل هنية، وكان أغلب وزرائها من حركة حماس خاصة الوزارات المهمة مثل الداخلية التي تولاها الشهيد سعيد صيام والخارجية التي تولاها محمود الزهار والمالية التي تولاها عمر عبد الرازق. وكما هو معروف لم يستمر التوافق الفتحاوي الحماسي طويلا بسبب الصراع الذي أساسه أن حركة فتح لم تصدّق أنها خسرت الانتخابات، وتؤول الحكومة لحركة حماس بعد سيطرة فتح على كافة الشؤون الفلسطينية منذ عام 1965 ، وبالتالي اندلع الخلاف والصراع والعرقلة من وبين الطرفين بنفس المستوى والمسؤولية، مما أدّى لما أطلق عليه ( الانقلاب العسكري لحركة حماس ) في  يونيو 2007 أي بعد حوالي عام من فوزها وتشكيلها الحكومة الفلسطينية الجديدة، وسيطرتها بالكامل على قطاع غزة، وطردها غالبية قيادات فتح وكوادرها المعروفة من القطاع إلى الضفة، وبعضهم هرب أولا لدولة الاحتلال الإسرائيلي عبر معبر بيت حانون (إيريز). أليس هذا ضحك كالبكا؟.

وبدأ حصار القطاع من كافة الجهات

أعقب هذا الوضع الاستثنائي الشاذ أو غير المعقول ولا المقبول فلسطينيا وعربيا ودوليا، أن تم اتخاذ انقلاب حماس وسيطرتها على القطاع مبررا رئيسيا للبدء بفرض حصار شامل على القطاع، حيث أقفل الاحتلال الإسرائيلي معبر بيت حانون ( إيريز ) شمال القطاع، و هو نقطة الحدود الوحيدة التي يمكن لسكان القطاع ( أكثر من مليون ونصف نسمة ) عبورها إلى القدس ثم الضفة الغربية، ومنه تمرّ غالبية احتياجات القطاع الحياتية. وبعد هذا الإقفال وضعت سلطات الاحتلال قيودا غير إنسانية لعبوره، إلى حد وفاة العديد من المواطنين وهم ينتظرون العبور ووضع العديد من النساء الحوامل أطفالهن وهنّ ينتظرن على هذا المعبر الذي أطلق عليه الفلسطينيون ( معبر الذل والهوان ). ومن ناحية جنوب القطاع يوجد ما يطلق عليه (معبر رفح البري) و هو نقطة العبور الوحيدة بين القطاع ومصر، وكان يعمل بسهولة يوميا ليلا ونهارا قبل سيطرة حماس وانسحاب المراقبين الدوليين وموظفي السلطة الفلسطينية، الذين كانوا من ضمن المشرفين على الدخول والخروج من القطاع إلى مصر. أعقب ذلك أنّ التحكم في معبر رفح، أصبح  من الجانب الفلسطيني لحركة حماس فقط  ومن الجانب المصري للأمن والمخابرات المصرية، مما أوجد ما يسمى ( التنسيق ) أي لا يمكن الخروج من المعبر إلى مصر أو الدخول إلى القطاع من مصر إلا بعد حصول تنسيق للأشخاص يتمّ بين السلطات المصرية وحركة حماس، فشهد الوضع تعقيدات عديدة مما جعل الدخول والخروج من المعبر، يحتاج أياما عديدة ولا يعمل كل الأوقات، ويتم إغلاقه في مناسبات كثيرة ولأسباب عديدة، خاصة بعد تفجير الفلسطينيين أجزاءا من الجدار الفاصل على المعبر في يناير 2008 وتدفق عشرات الآلاف من القطاع إلى مدينة العريش المصرية، لشراء حاجياتهم من مواد تموينية وطبية ومواد بناء وغيرها. وللحقيقة فإن الأمن المصري لم يتعرض لهؤلاء المتدفقين بعشرات الألاف، وبقوا خاصة في مدينة العريش وجوارها ما يزيد على ثلاثة أيام ثم بدأوا تدريجيا بالعودة للقطاع، مما أعقب ذلك التشديدات التي أشرت إليها في الدخول والخروج من وإلى المعبر.

النتيجة كارثة إنسانية

الإغلاق شبه الكامل لمعبر بيت حانون (إيريز) والتعقيدات والصعوبات المطبقة في معبر رفح البري، أوجدت فعلا كارثة إنسانية لأكثر من مليون ونصف مواطن فلسطيني يعيشون في القطاع، خاصة في مجال الطاقة والكهرباء الذي أدى لوقف العمل في غالبية المستشفيات بسبب الانقطاع شبه الدائم للكهرباء، نتيجة نقص الوقود والغاز اللازمين لتشغيل محطة كهرباء القطاع الوحيدة التي تزوده بالطاقة الكهربائية. إنها كارثة إنسانية لا يقبلها عقل أو ضمير، مما جعل منظمة أوكسفام البريطانية (أي غير عربية) أن تحذر من أنّ النقص في مادة الفيول قد يتسبب بانهيار كافة الخدمات الضرورية ومطالبة بإنهاء الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة. وقد قالت كاثرين ايسويان المديرة الإقليمية للمنظمة: ( هذه الأزمة في المحروقات تثبت أنّ الأنفاق ليست حلا دائما للحصار..إذا ما أردنا حل أزمة الكهرباء نهائيا، يجب فتح كل معابر غزة بالكامل بما يتسق مع القانون الدولي ). إذا كان ضمير منظمة بريطانية وبريطانيين قد تحرك بهذا المستوى، فأين ضمائر العرب والمسلمين؟

الأمل معقود على مصر ودول الخليج العربي

نعم إن الحل الوحيد لهذه الكارثة الإنسانية معقود بأمل كبير على جهتين:


أولا: الشقيقة الكبرى جمهورية مصر العربية من خلال المجلس العسكري وبرلمانها الجديد المنتخب بنزاهة من أهلنا الشعب المصري، هذا الشعب الذي تربطه أواصر علاقة قديمة مع أهل القطاع الذي ظلّ منذ عام 1948 وحتى هزيمة 1967 تحت ما كان يسمى ( الإدارة العسكرية المصرية لقطاع غزة ). وكم كان الماضي دوما أجمل وأبهى من الحاضر. فأنا نشأت وتربيت في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين، وأتذكر أنّه لم تكن هناك حدود أو حواجز شرطة بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية، وكنا نمشي ونتجول بحرية ودون أية عقبات من رفح الفلسطينية حتى مدينتي الشيخ زويد والعريش، وكذلك الأشقاء المصريون يأتون للقطاع بحرية كاملة. هل نترحم على زمن مضى؟. لقد صدرت وعود من الجهات المصرية المسؤولة بالبدء بضخ كميات من السولار المصري. وحتى مساء الأحد التاسع عشر من فبراير  الحالي لم يبدأ هذا الضخ الموعود.

وكم كان محزنا ومبكيا أن يعتصم العشرات من طواقم الإسعاف والطوارىء أمام معبر رفح الحدودي مطالبين الشقيقة مصر بتزويد القطاع بالكهرباء والسولار. وقد أعلن المعتصمون في بيان لهم : ( نحن اليوم أمام ساعات قليلة ستقربنا أكثر من إعلان حالة الطوارىء بمختلف درجاتها في كافة مستشفيات ومراكز الرعاية الأولية، وستكون عسيرة جدا على الطواقم الطبية ). يا أهلنا في المجلس العسكري والبرلمان المصري: كل الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة وبلاد الشتات لديه الأمل الكبير والقوي في هذه الإمدادات الإنسانية رغم معرفتنا بصعوبة الوضع الاقتصادي الذي تمر به الشقيقة مصر. وكذلك فتح معبر رفح بشكل دائم، فمن المؤكد لن يعبر لمصر من خلاله إلا ذوي الحاجة ومن معه المال الكافي لحاجاته تلك، أي أن العابر لن يكون عبئا اقتصاديا على مصر، وأيضا ما هي نسبة مليون ونصف فلسطيني في القطاع قياسا بما يزيد على ثمانين مليونا من أشقائنا المصريين؟. إنّ فتح المعبر نهائيا كما كانت الحدود قبل عام 1967 لن يضرّ بأمن أو اقتصاد مصر، خاصة عندما يعرف الجميع في القطاع أنّ فتح المعبر ورفع الحواجز يعني احترام الأمن والقوانين المصرية.

ثانيا: المسؤولية الأكثر إلحاحا وضرورة للتنفيذ الفوري تقع قبل مصر على أهلنا وحكومات دول مجلس التعاون الخليجي العربية الستة التي كلها دول نفطية، ولن يضيرها أو تكلفها أية أعباء الكميات النفطية ومشتقاتها اللازمة للقطاع. فحسب تصريحات المسؤولين في قطاع الوقود في غزة، فإن الكميات المطلوبة للقطاع يوميا هي 400 ألف لتر لمحطة الكهرباء و 100 ألف لتر للسيارات. فكم ستكلف دول مجلس التعاون الخليجي العربية 500 ألف لتر يوميا؟ هذا قياسا بانتاج الدول الستة من النفط يوميا. نعترف صراحة أنّ غالبية دول مجلس التعاون الخليجي لم تقصّر وقد قدمت الكثير من الدعم للشعب الفلسطيني، لكنّ المسؤولية اليوم أكثر إلحاحا وإنسانية. وكذلك نفس السؤال والنداء للدول الإسلامية التي كثير منها نفطية وغازية بشكل لا يصدّق؟. فأين هؤلاء المسلمون من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). رغم يقيني أنّ هذا يدخل في باب الأمنيات فلم يتحرك عربي أو مسلم إزاء مجاعة الشعب الصومالي التي ما زالت مستمرة.  لذلك أكرر وأقول بصراحة: إنّ سيطرة حركة حماس على القطاع وأيا كانت المواقف التي اتخذتها ليست مبررا لأي طرف أو حكومة أن تحاصر وتعاقب مليونا ونصف من الفلسطينيين في القطاع. فهل نثبت من خلال مأسآة أهل القطاع الكارثية الآن، أننا ( أمة عربية واحدة )؟. أم سنسمع حلولا من فلسطينيي الكارثة لا تخطر على بال، رغم تداولها علنا في القطاع والضفة، ولهذا حديث آخر حسب التحركات العربية المطلوبة لإنقاذ شعب القطاع من هذه الكارثة بكل معاني الكلمة.
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net
 


 




100
مؤتمر لأصدقاء سوريا أم لتمديد مجازر نظام الأسد

د.أحمد ابو مطر

المؤتمر الذي انعقد في العاصمة التونسية يوم الجمعة الرابع والعشرين من فبراير الحالي باسم "مؤتمر أصدقاء سورية" وبحضور حوالي سبعين دولة والمجلس الوطني السوري المعارض، وغابت عنه كما هو متوقع روسيا والصين وغير متوقع لبنان. إنّ رصد المداولات والمناقشات ثم التوصيات التي خرج بها المؤتمر تدلّ دلالة واضحة على أمرين مهمين للشعب السوري تحديدا، الذي أصبح معدل القتل اليوم لنظام الأسد وعصاباته لا يقل عن ثمانين طفلا وإمرأة ورجلا يوميا. هذا الأمران الخاصان بالمؤتمر هما:

أولا: حفلت خطابات وكلمات غالبية المتحدثين بالتضامن مع الشعب السوري وإدانة المجازر اليومية التي يرتكبها النظام، وتكفي كنموذج لذلك، الفقرة التي وردت في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر التي ألقاها الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، حيث قال: " إنّ تونس التي قامت ثورتها رافعة نفس المطالب التي يرفعها الشعب السوري هذا اليوم في الحرية والكرامة، لا تقبل بأي حال من الأحوال شأنها في هذا شأن كل شعوبنا العربية وكل شعوب العالم، تواصل المجازر اليومية في كبرى المدن السورية وأريافها". وكانت كلمة رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية، ورئيس الدورة الحالية للجامعة العربية ، الشيخ حمد بن جاسم آل خليفة، أكثر وضوحا وجرأة، إذ طالب الحكومة السورية " إلى اتخاذ قرار شجاع لصالح الشعب السوري" مخاطبا تلك القيادة التي ما عادت تمثل الشعب السوري " من هنا أوجه رسالة للحكومة السورية وللرئيس بشارالأسد، هل تريدون حكم سورية فوق هذه الأشلاء والاستمرار في تدمير سورية من أجل التشبث بالحكم، لا بد أن تتخذ القيادة السورية قرارا شجاعا وتحسم أمرها لصالح الشعب السوري".

ثانيا: بعد هذه الكلمات المتضامنة مع الشعب السوري والشجاعة الموجهة للنظام أن يتخلى عن التمسك بالحكم فوق أشلاء الشعب السوري، لم تكن القرارات والتوجهات التي اتخذها المؤتمر تصبّ في صالح الشعب السوري والتسريع بإسقاط هذا النظام المتوحش. خاصة التوجه العام لدى المؤتمرين في رفض التدخل العسكري لصالح الشعب السوري. وهذا لا يعني سوى تمديد فترة قتل هذا الشعب الأعزل الذي يواجه آلة عسكرية من الدبابات والمدرعات والطائرات والمدفعية ومعها أسلحة كيماوية، ودعما لوجستيا وبشريا من النظام الإيراني وحزبه حزب الله اللبناني.  فهل يعني هذا الفارق في مستوى القدرات بين الشعب المدني الأعزل وجيش هذا النظام  سوى تمديد فترة قتل وذبح الشعب السوري لزمن ربما يطول؟. وقد كان المنصف المرزوقي متناقضا فيما قاله حول رفضه للتدخل العسكري، إذ قال" أن نكون أصدقاء حقيقيين لسورية يعني أن نحقن أكبر قدر من الدماء وهذا لا يكون بالتصعيد العسكري سواء تعلق الأمر بتسليح جزء من السوريين ضد السوريين أو بتدخل عسكري من أي طرف". ظاهر الكلام منطقي ومعقول، لكنّه يقفز عن الطرف الأساسي في الصراع وهو أنّ جيش الأسد وعصاباته مسلح تسليحا عاليا وثقيلا ويقابل الشعب الأعزل، فكيف تستقيم المعادلة أو المقارنة؟. إذن فالنتيجة كما قلت هي تمديد طويل لفترة قتل الذبح السوري. وذلك بدليل الاعتراف الواضح للأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في كلمته أمام المؤتمر، حيث قال: " فبعد حوالي ثمانية أشهر من رفض الحكومة السورية التجاوب مع المبادرات العربية المختلفة لحل الوضع المأساوي المتفاقم في سورية، ورفض الحكم للأسف الشديد التخلي عن الخيار الأمني والعسكري في التعامل مع المطالب التي صدرت بتاريخ 22 يناير الماضي، هي المبادرة الوحيدة المطروحة عمليا لمعالجة هذه الأزمة، ونأمل أنه بتضافر الجهود العربية والدولية يمكن لهذه المبادرة أن يكون لها فرصة النجاح في إنقاذ سورية ومساعدتها على الخروج من النفق المظلم لهذه الأزمة".
 ونفس السؤال للسيد نبيل العربي: هل لديك أمل في تجاوب هذا النظام الأسدي القاتل بعد اعترافك علانية أنه يرفض التجاوب طيلة ثمانية شهور؟ فهل ينتظر العرب والعالم الحر ثمانية أعوام كي يكون قد قتل بمعدله اليومي هذا ملايين من الشعب السوري الأعزل إلا من صراخ: يلا..إرحل يا بشار..وبشار وعصاباته لن يرحلوا سلميا بعد أن ذاقوا طعم المليارات التي سرقوها وأخواله من ثروة الشعب السوري.

لذلك كان الغضب والانسحاب السعودي

وبسبب هذه المواقف المتضاربة للمؤتمرين في تونس وعدم شجاعتهم في اتخاذ موقف جريء ينقذ الشعب السوري من هذه المجازر، انسحب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، معلنا مواقف واضحة صريحة:

" إن النظام السوري فقد شرعيته وأصبح أشبه بسلطة احتلال"
" إن التركيز على المساعدات الإنسانية للسوريين لا يكفي...هل من الإنسانية أن نكتفي بتقديم الطعام والدواء والكساء للسوريين ثم نتركهم لآلة لا ترحم؟
" إن التركيز على المساعدات يعني كأننا نريد تسمين الفريسة قبل أن يستكمل الوحش افتراسها".

ثم انسحب من المؤتمر احتجاجا على عدم فعاليات قراراته وتوجهاته معلنا: ( وافقت على البيان، لكن ضميري يحتمّ عليّ مصارحتكم أنّه لا يرقى إلى حجم المأسآة..ولا يمكن لبلادي أن تشارك في عمل لا يؤدي لحماية الشعب السوري سريعا".

الأمل معقود على صمود الشعب السوري

إزاء هذه المواقف العربية والدولية البطيئة التي لا تشعر ولا تعيش مأسآة الشعب السوري في مواجهة آلة القتل الأسدية الوحشية، فالأمل الوحيد معقود على صمود وصبر وشجاعة الشعب السوري، وصحوة ضمير ألاف مؤلفة من أفراد وضباط الجيش السوري كي ينشقوا عن هذا النظام القاتل، وينضموا لصفوف شعبهم بأسلحتهم لمواجهة من يتبقى من عديمي الضمير مع ذلك الأسد. خاصة في ظل تشتت وتفرق المعارضة السورية في الخارج، وأساسا أية معارضة خارج وطنها لا يمكن أن تقدم لشعبها سوى الدعم المعنوي ومحاولة تكثيف الدعم الدولي. وتبقى قيادات الشعب المعارض في الداخل هي الأساس وهي قيادة تغيير وسقوط النظام.

مؤشران إيجابيان داعمان لثورة الشعب السوري

1 . التأييد العلني لثورة الشعب السوري الذي أعلنه السيد اسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة ، ومن الأزهر الشريف في القاهرة يوم الجمعة الرابع والعشرين من فبراير الحالي، وهذا يعني طلاقا بائنا بين الحركة والنظام السوري خاصة بعد التأكد من مغادرة غالبية قيادتها وعائلاتهم لسورية؟

2 . تأكيد وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري مساء الجمعة الرابع والعشرين من فبراير الحالي " أن سورية – أي النظام السوري – ليست مدعوة إلى القمة العربية المقبلة في بغداد...إنّ القرار حول مشاركة سورية في القمة ليس قرارنا بل قرار الجامعة العربية، والعراق ملتزم بقرار الجامعة"

ملاحظة أخيرة
اتمنى من كل من ما يزال يؤيد نظام الأسد من السوريين والعرب، أن يقرأ هذه السطور من شهادة الطبيب الفرنسي جاك بيريس العائد من حمص:
http://www.elaph.com/Web/news/2012/2/718775.html
فربما يوقف بعضهم تأييده لهذا النظام بعد قراءة هذه الشهادة التي تفيض حزنا من واقع عاشه في مدينة حمص، ويؤيد مطلب الشعب السوري : يلا ..إرحل يا بشار.
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net








101
حسن نصر الله: قرار استراتيجي بالاستمرار في الخطأ والازدواجية

د.أحمد أبو مطر

أعرف مسبقا أنّ السيد حسن نصر الله عند البعض من المحظورات التي يمنع منعا باتا  نقدها وبيان أخطائها، فشخصيته عند هذا القوم تقترب من الشخصيات التاريخية ذات القداسة المصطنعة التي ترقى لحدود لا يمكن توصيفها. ورغم ذلك فلا يمكن نسيان مواقف بعض الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا يطالبون عامة المسلمين  بتصحيح أخطائهم إن هم أخطأوا، وأنا لا أستطيع تصحيح أخطاء السيد حسن نصر الله من وجهة نظري إلا بالقلم والنقد مخترقا هذه المحظورات خاصة عندما تتعلق بمصير الشعب السوري الذي أصبح القتل الأسدي اليومي له عادة تضفي عند بشار المزيد من الابتسامات وعند أخواله المزيد من السرقات، وعند مريديه ووعاظ سلطانه المزيد من النفاق. ومناسبة هذه المقدمة هي الخطاب الأخير لحسن نصر الله يوم الخميس السادس عشر من فبراير الحالي ، بمناسبة أطلق عليها (مهرجان الوفاء للقادة الشهداء ). وحسب رأيي فقد كانت أغلب الأفكار التي طرحها في هذا الخطاب تمثّل أشد وأوضح تحد وإنكار وجحود للشهادة والشهداء والمناضلين والشعوب، وفي الوقت ذاته استهبال لعقول غالبيتنا الذين ينتصرون للشعب السوري، وكأن ملايين العرب من المحيط إلى الخليج الذين يقفون ضد جرائم الأسد، وملايين السوريين المتظاهرين منذ حوالي عام ضد هذا الوحش، كلهم خونة والوطنيان الوحيدان في هذا العالم هما حسن نصر الله وبشارالأسد على الشعب السوري فقط.

ما هي أهم وأسوأ المغالطات في هذا الخطاب؟

1 . هل من أحد يمكن أن يشكّ في مقاومة وممانعة النظام في سوريا؟


هذا السؤال طرحه حسن نصر الله حرفيا في خطابه المذكور، وقد تعبنا من التكرار والرد عليه وعلى من يناصرون هذا النظام المقاوم بالثرثرة من خلال الأسئلة: أي نظام مقاومة لم يطلق على الاحتلال الإسرائيلي للجولان السورية رصاصة منذ عام 1973؟. أي نظام مقاومة كانت تعليمات فرع مخابراته (الضابطة الفدائية) المسؤولة عن المنظمات الفلسطينية، تعليماتها المكتوبة والموزعة على المنظمات حرفيا ( يمنع منعا باتا إطلاق أية رصاصة على دولة إسرائيل ( نعم هكذا التسمية لدى الضابطة الفدائية وليس الاحتلال الإسرائيلي) من الحدود السورية، ومن يريد إطلاق الرصاص فليذهب لجنوب لبنان ). ومن حق أي شخص أن يسأل ويجيب: هل سمع أية منظمة بما فيها حماس قد أطلقت رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 من الحدود السورية؟. أي نظام مقاومة الذي يرعى ويدعم عملائه ( أبو موسى وأبو خالد العملة) للانشقاق عن حركة فتح عام 1983 ويسمّون عصابتهم (فتح الانتفاضة). انتفاضة على من؟ أي نظام مقاومة يحاصر عرفات وخليل الوزير وألاف المقاتلين الفلسطينيين في طرابلس شمال لبنان عام 1983 ، ويقصفهم مع مقاتليهم ومدينة طرابلس بالمدفعية والدبابات، ولم تنقذهم سوى البحرية اليونانية والفرنسية؟. هل يستطيع حسن نصر الله أو أي واحد من أنصاره الرد على هذه الأسئلة بمعلومات وحقائق وليس شتائم واتهامات كما تعودنا ممن تنقصهم الحجة والدليل النقيض؟ والمهم أن حسن نصر الله نفسه يردّ على أسئلتي هذه بالموافقة على أنّ نظام الأسدين حافظ وبشار ليسا نظام مقاومة من خلال سؤال مهم ورد في خطابه وهو تساؤله:

لماذا لم يفتح النظام في سوريا جبهة الجولان؟ لماذا لم يفتحوا هو جبهاتهم؟

هذا هو السؤال الحرفي لحسن نصر الله، وأجيبه: نعم هم أيضا لم يفتحوا جبهاتهم ولكن لم يطلقوا على أنفسهم ويدّعوا أنهم أنظمة مقاومة وممانعة، بينما نظام أسدك لم يفتح جبهة الجولان ويستمر في إدعائه أنّه نظام مقاومة وممانعة. هل عرفت الفرق يا حسن نصرالله؟ كلهم مستسلمون ولم يطلقوا الرصاص على الاحتلال، ولكن نظام أسدك مستسلم ولم يطلق الرصاص مثلهم، ورغم ذلك يدّعي بطولات وهمية ومقاومة بالثرثرة فقط. والمضحك المبكي أنّ المرة الأولى التي نرى فيها دباباته ومدرعاته ومدافعه في المدن السورية لقصف شعبها وليس في الجولان، ولكن المستسلمين العرب الآخرين لم يفعلوا ذلك مع شعوبهم، فزين العابدين بن علي ترك وهرب بعد أسابيع دون أن يوجّه رصاصه للشعب التونسي وكذلك فعل حسني مبارك. وفي الوقت ذاته يوافق حسن نصر الله على مباحثات نظام الأسدين مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال تساؤله:
 
كيف يقبل العرب بحل سياسي مع إسرائيل ولا يرضونه في سوريا؟

هذه مغالطة تصل حد الادعاء والكذب، لأنّ لم يقم أي نظام عربي بالطلب من نظام الأسدين بوقف المحادثات السلمية مع الاحتلال الإسرائيلي، بينما نظام الأسدين كان يقوم بهذه المحادثات المباشرة في أمريكا وتركيا وغيرها، ويمانع ويقاوم بتسميتها مباحثات غير مباشرة. هل هناك ضحك على العقول واستهبال للبشر أكثر من هذا السؤال وردود وممارسات الأسدين؟. بالعكس أنظمة عر بية أخرى كانت لا ترفض أو تتهجم على من يطلق عليها تسمية ( أنظمة الاعتدال ). ونظام السادات الذي أعاد حلّه السياسي مع إسرائيل كامل سيناء المصرية خائن في عرف نظام الأسد، أمّا مباحثات الأسدين مع إسرائيل فهي مقاومة وممانعة!!. (لاحظوا أنّ حسن نصر الله في سؤاله هذا استعمل كلمة (إسرائيل ) وليس (الاحتلال الإسرائيلي ) فلا يلوم بعضكم من يستعمل هذه الكلمة غير المقاوم الممانع حسن نصر الله وشريكه بشار الأسد و ابن خاله ماهر مخلوف الذي يخاطب إسرائيل بأنّ أمن نظام الأسد جزء من أمن إسرائيل).

من قتل عماد مغنية ومتى سيكون الثأر له؟

كانت التسمية التي أطلق فيها حسن نصرالله خطابه هذا المدافع فيه بقوة عن نظام القتل والإجرام ألأسدي، هي  مهرجان ( الوفاء للقادة الشهداء السيد عباس الموسوي، الشيخ راغب حرب، والقائد عماد مغنية ). أعتقد أنّه لا يجادل أحد في أنّ من اغتال عباس الموسوي و راغب حرب هو الاحتلال الإسرائيلي، ولكن هل يجرؤ حسن نصر الله أن يجيب على سؤالنا: من قتل عماد مغنية؟. لقد تمّ اغتيال عماد مغنية يوم الثاني عشر من فبراير 2008 ، أي قبل أربعة سنوات بالضبط، في حي كفر سوية بعد انتهاء اجتماعه مع ضابط مخابرات سوري في أحد الأفرع الأمنية بكفر سوسة المحصن للغاية. فمن استطاع تفخيخ سيارته وهي واقفة أمام المبنى الذي تمّ فيه الاجتماع علما أنّه جاء بنفس السيارة من شقته السرية بدمشق، ولم تنفجر عندما حرّكها من مكان شقته إلى مكان الاجتماع، مما يؤكد أنّ تفخيخ السيارة تمّ بعد توقفها أمام البناية التي تمّ فيها الاجتماع في فرع المخابرات السورية بكفر سوسة. والأدلة االتي تثبت تورط أجهزة المخابرات السورية في هذا الاغتيال كثيرة أهمها:
1 . لم يصد رغم مرور أربع سنوات بالضبط على حادث الاغتيال أي بيان رسمي سوري حول الحادث ليوضح ملابساته واتهام أية جهات بهذا العمل. فلماذا هذا السكوت الرسمي الأسدي طوال أربعة سنوات؟
2 . الاتهامات التي نسبت لزوجة مغنية آنذاك متهمة المخابرات السورية القيام بتلك العملية القذرة.
3 . رفض السلطات السورية مشاركة وفد تحقيق إيراني في ظروف الاغتيال.
4. رفض سلطات حزب الله الأمنية في العام 2009 توقيع ونشر كتاب اللبناني عماد شاهين :" نساء رائدات في الوطن العربي" إلا بعد حذف أو الصاق للصفحتين 116 و 117 اللتان فيهما حديث عن السيدة (وفاء مغنية ) زوجة مغنية..ولقراء التفاصيل يمكن العودة للرابط اللبناني التالي:
http://radioliban.net/?p=7332

ولماذا يتأخر الرد يا حسن نصرالله أربع وست سنوات؟

منذا الاجتيياح الإسرائيلي للبنان في تموز 2006 الذي دمّر البنية التحتية اللبنانية و أسقط ألاف القتلى والجرحى مقابلين جنديين إسرائيليين، تمرّ اليوم ستة سنوات، ولم نسمع ردا من حسن نصر الله وحزبه خاصة بعد صدور القرارالدولي 1705 .والطيران الإسرائيلي يخترق الأجواء اللبنانية  شبه يومي دون رد من السيد وحزبه. وتمرّ اليوم أربع سنوات على اغتيال مغنية ولم يردّ السيد وحزبه..لماذا؟. إنّه نفس منطق ونظام الممانعة الأسدي الذي يكررّره دون ملل منذ عام 1967 ( سنردّ في الزمان والمكان المناسبين )، وهذا الزمان والمكان لن يأت بعد توقيع القرار الدولي رقم 1705 الذي وضع قوات دولية مسلحة لمراقبة الحدود، لذلك فلا مجال إلا لمقاومة النظام المجرم ضد شعبه. وهذه المواقف من حسن نصر الله و حزبه، ستظلّ صفحة سوداء في تاريخهما. صفحة مظلمة ظلمة العار أن يدافع عن هذا الديكتاتور الذي أصبح مسلسل قتل شعبه يوميا بدون توقف بدليل بيان الإدانه الدولي الجماعي  في الجمعية العامة للأمم المتحدة ،يوم الجمعة السابع عشر من فبراير لهذه الجرائم التي ترقى لحد جرائم ضد الإنسانية.

وهل حسن نصر الله وحزبه أكثر شرفا ووطنية من هؤلاء؟

1 . مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو يدعو المسلمين يوم الخامس من فبراير للجهاد بجانب الشعب السوري متأملا أن ينتصر قريبا.

  2 . دعودة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ـ في بيان صدر الاثنين 21/6/2011 ـ الشعوب المسلمة، لجعل يوم الجمعة المقبل يوما للاعتصامات السلمية، "لدعم ثورة سوريا السلمية".وحسب البيان، فإن الدعوة تأتي بالتعاون والتنسيق مع الروابط والاتحادات الأعضاء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مثل رابطة علماء الخليج، ورابطة العلماء السوريين في الخارج، ورابطة علماء السنة، وكذلك اتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا وغيرها.

3 . والكتاب الإسلاميون المشهورون بوطنيتهم وإيمانهم بحق الشعوب. ربما يقول بعض مصفقي النظام القاتل أنني أنتمي لفئة الكتاب الليبراليين العملاء الخونة. فما رأيكم في كتابات الكاتب المفكر المصري المعروف الأستاذ فهمي هويدي صاحب الكلمة الحرة الشريفة الذي لم يسبق له أنّ ناصر ظالما أو كلمة ظلم. ويكفي من بين كتاباته الكثيرة عن الثورة السورية قراءة مقالته التي تثير الدموع في عيون كل عربي شريف، وعنوانها ( اعتذار للشعب السوري ) نشرها في جريدة السفير اللبنانية يوم الرابع عشر من فبراير الحالي:
http://www.assafir.com/Article.aspx?ArticleId=1228&EditionId=2075&ChannelId=49390

وكذلك كمثال واحد من عشرات مقالة الكاتب الإسلامي الفلسطيني الأستاذ محمد اسعد بيوض التميمي، نجل مفتي فلسطيني المرحوم الشيخ أسعد بيوض التميمي،  وعنوان مقالته المنشورة في الحادي والثلاين من يناير 2012 ( الثورة السورية المباركة المنصورة بإذن الله ).
http://jordanzad.com/index.php?page=article&id=70874

4 . وبيان المائة كاتب فلسطيني الذي سبق أن نشرته مع أسمائهم يدينون جرائم الأسد ويهتفون ويوقعون على ( لا نريد تحرير القدس إذا كان هذا التحرير على حساب دماء الشعب السوري ). هل هولاء العشرات من كتاب فلسطين وأمثالهم من كتاب العرب المؤيدين للشعب السوري والمدينين صراحة للأسد وجرائمه كلهم خونة؟.

والخلاصة كما قلت في عنوان مقالة سابقة ( وسقط القناع عن وجه حزب الله الإيراني ) وأضيف للعنوان و ( الأسدي أيضا ). وهاهي الغالبية العظمى من الشعب السوري و الشعوب العربية وشعوب العالم الحر في انتظار رحيل هذا النظام وسقوطه. و أنا في انتظار هذا السقوط أيضا، وحجج ومعلومات المعارضين لتحليلي وشتائم وسباب المدافعين عن قاتل شعبهم..والسلام على الجميع ما عدا القتلة والديكتاتوريين العرب.   
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net




102
تصدعات في البيت الحمساوي الإيراني الأسدي

د.أحمد أبو مطر

ظلت حركة حماس منذ الإعلان عن تأسيسها إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 ، حركة متماسكة قوية الإعداد والتنظيم خاصة أنّها تعتبر امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928 بجهود المرحوم الشيخ حسن البنا في مدينة الإسماعيلية. وكان من أهم الأسماء المؤسسة لهذه الحركة الشيخ أحمد ياسين، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي،صلاح شحادة، إبراهيم اليازوري،عبدالفتاح دخان، و محمد شمعة، وعيسى النشار، ومناضلون آخرون. وهناك من يرى أنّها كانت تنشط قبل إعلانها الرسمي عام 1987 كجماعة دينية بإسم "المرابطون على أرض الإسراء". وقد أصدرت ميثاقها الرسمي بإسم ( حركة المقاومة الإسلامية، حماس) في أغسطس 1988 ، معلنة في المادة الثانية منه رسميا أنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين في فلسطين. وهذا التماسك والحزم التنظيمي يكاد يكون سمة من سمات أغلب التنظيمات الإسلامية حيث لا خروج على تعليمات وأوامر ما يسمى مجلس الشورى لدى بعضها أو المرشد العام ورئيس المكتب السياسي لدي بعضها الآخر. ورغم هذا التماسك الظاهر في البنية التنظيمية لحركة حماس، إلا أنّ الحركة شهدت في السنوات الماضية العديد من الخلافات في داخل أطرها التنظيمية ومواقفها السياسية، خاصة في الأمور التالية:

أولا: حماس الداخل وحماس الخارج
ويقصد دوما بحماس الداخل جهازها التنظيمي خاصة في قطاع غزة ويليه الضفة الغربية، وأشهر قادة هذا الداخل في القطاع رئيس الحكومة الفلسطينية المنتخبة اسماعيل هنية ( المقالة في عرف السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية) خاصة بعد حالة الانقسام الفلسطيني التي ما زالت قائمة رغم مرور قرابة خمسة سنوات، والعديد من الاتفاقيات في مكة والقاهرة والدوحة، وكلها كانت مجرد (ضحك على الذقون) كما يقول المثل العربي، ويليه أو يسبقه في الصرامة والصقورية محمود الزهار. أمّا حماس الخارج فهي غالبا وتحديدامختصرة في شخص خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، المقيم بين دمشق والدوحة منذ ابعاده مع بعض قادة الحركة من الأردن عام 1999 .
هذا التقسيم بين الداخل والخارج أوجد في السنوات الماضية غموضا في البرنامج السياسي للحركة، فخالد مشعل (حماس الخارج) يصرّح لجريدة نيوز ويك الأمريكية في أكتوبر 2010  أنه لا مانع لدى الحركة من القبول بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، أي نفس مطالب السلطة الفلسطينية التي انقلبت عليها حماس في القطاع في يونيو 2007 . بينما اسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة في عرف السلطة الفلسطينية، يطالب بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وبعد الاجتياح الإسرائيلي الكاسح على القطاع عام 2009، يعلن عن استعداد حماس لتوقيع اتفاقية هدنة مع دولة إسرائيل لمدة 60 عاما، وفي الوقت نفسه يطالب كافة الفصائل الفلسطينية بعدم اطلاق أية رصاصة على دولة إسرائيل كي لا نعطيها مبررا لاجتياح ثان للقطاع، وقال ضمن ذلك حرفيا ( ومن يقوم بذلك يرتكب خيانة وطنية )!!. وللعلم فإن هدنة الستين عاما مع دولة إسرائيل كانت قد طرحت أولا قبل استشهاد الشيخ أحمد ياسين عام 2004  . أما المحافظة على التهدئة فعاد وأكّدها صراحة خالد مشعل في لقائه مع محمود عباس في القاهرة في نوفمبر 2011 ،كما نقلت صحيفة القدس العربي يوم الخامس والعشرين من نوفمبر 2011 عن مصدر مطلع ( أنّ أهم ما تمخض عن ذلك الاجتماع هو التزام حركة حماس بالحفاظ على التهدئة في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل خاص ومنع فصائل المقاومة من خرقها والحيلولة دون اعطاء اسرائيل اي مبرر لتنفيذ عدوان على القطاع، مشيرا الى أن حماس تبنت خيار (المقاومة الشعبية) بعيدا عن العمل المسلح ).

خلافات حمساوية علنية من توقيع مشعل
ووجه توقيع مشعل للاتفاق مع محمود عباس في الدوحة متضمنا المواقف السابقة بحالة رفض علنية من العديد من قادة حماس في غزة، وهو خلاف لم يصدر قبل ذلك بهذه العلنية والحدية بين صفوف قادة حماس، فقيادات غزة تقول أنّه لم يستشرها في التوقيع، وهو يستند لصلاحياته كرئيس للمكتب السياسي في الحركة. وكان أشدّ الانتقادات من محمود الزهار الذي اعتبره يعكس الانفراد بالقرار داخل الحركة. وقال الزهار في مقابلة مع وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أنّ الاتفاق خطوة خاطئة لم يتم التشاور فيها داخل حركة حماس وسابقة لم تحدث في تاريخ الحركات الإسلامية ...لذلك لا بد من تصحيح هذا الخطأ. إنّ حماس في غزة لم يتم استشارتها وهي التي تمثل الثقل الحقيقي لحركة حماس، وهناك أعضاء للحركة في الخارج لم تتم استشارتهم، وإذا كانت الاستشارة تمت في الدائرة الضيقة لرئيس المكتب السياسي (خالد مشعل) فهذا غير مقبول). طبعا كل الخلاف هو على اتفاق مشعل وعباس في الدوحة على أن يتولى محمود عباس تشكيل ورئاسة حكومة انتقالية توافقيه بالاضافة لكونه رئيسا للسلطة الفلسطينية، وبالتالي هذا يعني الموافقة على كافة سياسات السلطة الفلسطينية.

وفي بيت ولي الفقيه يتغير الخطاب،
 
وذلك في الزيارة التي قام بها اسماعيل هنية لبيت ولي الفقيه في طهران يوم السبت الحادي عشر من فبراير 2012،  إذ أعلن في خطاب نقله التلفزيون الإيراني ( أنّ نضال الفلسطينيين سيستمر حتى تحرير كامل أراضي فلسطين والقدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ). وأضاف قائلا: ( يريدون منا الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي والتخلي عن المقاومة ). وهذا تضارب واضح مع تصريحات خالد مشعل بعد لقائه مع محمود عباس في القاهرة، فمن المعبر عن موقف حماس الرسمي تصريحات هنية وهو في غزة؟ أم تصريحاته وهو في عقر دار ولي الفقيه؟ أم تصريحات خالد مشعل؟ أفيدونا يرحمكم الله ويرحم القضية بسبب حروبكم الحماسية الفتحاوية؟

زيارة هنية لطهران تحدي للمشاعر العربية

وهي حسب غالبية الأراء كانت زيارة غير موفقة على الإطلاق في توقيتها الذي يتصادف مع دعم نظام ولي الفقيه لنظام الأسد في سوريا الذي أوقع حتى الآن ما لا يقل عن ثمانية آلآف قتيل سوري، وعشرات ألاف المعتقلين والمخطوفين والموقوفين، وفي وقت عربي يتسارع لدعم الشعب السوري ضد نظام الطاغية وحلفائه وأولهم النظام الإيراني الذي يمدّه بالسلاح والمال والمرتزقة، وقد تمثّل هذا التسارع العربي في طرد ثمانية دول عربية لسفراء نظام الأسد، وكأن اسماعيل هنية في زيارته هذه يتنكر علانية لمطالب الشعب السوري والدول العربية الثمانية ( أي أكثر من ثلث عدد دول الجامعة العربية ) التي تؤيد ثورة الشعب السوري. وانسجاما مع ثرثرات أحمدي نجاد نسي اسماعيل هنية هدنة الستين عاما، ومطالبته بوقف إطلاق الرصاص، واستعداد رئيس مكتبه اليساسي خالد مشعل للقبول بدولة ضمن حدود عام 1967 ، ويعلن من طهران تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وأنّه مثل أحمدي نجاد وولي فقيهه لن يعترف بإسرائيل بل مع تدميرها وإزالتها من الوجود. ولا يمكن رصد الانتقادات التي واجهتها زيارة هنية لعاصمة ولي الفقيه في صفحات التواصل الاجتماعي حيث كانت انتقادات حادة، وصلت حد الشتائم والاتهامات بالعمالة. ومن أهم ما تم نشره، ما كتبه الشيخ لؤي الشوربجي من دعاة السلفيين في غزة ، ونقلته "جبهة الشباب الإسلامية " في صفحتها على الفيس بوك، حيث قال: ( في هذا التوقيت الذي يتغيظ فيه المسلمون على النظام الصفوي ويحترقون لهبا على إجرامه وحماقته، يتوجه رئيس وزراء حكومة حماس إسماعيل هنية بالزيارة إليهم، ضاربا عرض الحائط بمشاعر ملايين المسلمين غير مكترث ولا معتبر بمعاقبة من يساند الظالمين ويصافحهم. فيالها من وقعة خاسر وضربة خائب لو أصابت ما طابت ولو أخطأت لقتلت وفتكت). أما " أبو الحسن" على صفحته في تويتر فقد وصف هنية بأنّه مسيلمة الكذاب،" مسيلمة الكذاب اسماعيل هنية يحتفل بالثورة الخمينية في إيران، وخامئني يفتي بوجوب القتال مع بشار ويدعمه بالسلاح والرجال. هاهو مسيلمة الكذاب اسماعيل هنية يضع يده بيد الصفوي المجوسي وبقوة، وكأنها بيعة ويتناسى مجزرة سوريا ويضعها تحت قدميه".  وقد رصد موقع " كرمالكم الإخبارية " يوم الثالث عشر من فبراير العشرات من ردود الفعل هذه المستهجنة والمستنكرة لزيارة هنية لطهران في هذا التوقيت، وكأنها مباركة لدعم النظام الإيراني لمجازر بشار الأسد ضد الشعب السوري.
وتظاهرات فلسطينية في مدينة غزة معقل حماس
ورغم قبضة حماس الحديدية النارية ضد أي نشاط مضاد لتوجهاتها، إلا أنّ العشرات من الشباب الفلسطيني في مدينة غزة تظاهروا تأييدا لثورة الشعب السوري، مؤسسين صفحة في موقع الفيس بوك باسم " التجمع الفلسطيني لنصرة الثورة السورية". وقد تجمعوا أمام المجلس التشريعي الفلسطيني رافعين يافطات عليها الشعارات التالية: " يا بشار ياجبان..وين سلاحك في الجولان". " لوكان تحرير القدس يمرّ عبر قتل إخواننا في سوريا فلا حاجة لنا بتحرير القدس". وصرّح بعض المتظاهرين الفلسطينيين " غزة معكم ولن تخذلكم، و إنّ الدماء التي تسيل في درعا وحمص هي تماما مثل الدماء التي سالت في غزة". ولاحظ بعض المراقبين مشاركة عدد من كوادر حماس ونشطائها في هذه المظاهرات والتجمعات.
إذن فإنّ الخلاف في البيت الحمساوي لم يعد سرا، بل تفجر علانية بسبب الموقف المتباين لقادة الحركة من النظامين الإيراني والأسدي..ومنذ اليوم سيسأل الفلسطيني : من هو المعبر الحقيقي عن مواقف حماس وتوجهاتها، خاصة بعد فشل العديد من الاتفاقيات الحماسية الفتحاوية، والانقسام الفلسطيني متواصل على أبواب عامه السادس، وهو بالطبع انقسام وخلاف ليس من أجل القضية والتحرير والعودة، بل المصالح الشخصية والتنظيمية خاصة ما يتعلق بالكراسي والجيوب. وكأنّني أتخيل الشاعر المرحوم إبراهيم طوقان المتوف عام 1941 ، يقصد فتح وحماس في قصيدتة:
أنتم المخلصون للوطنية       أنتم الحاملون عبء القضية
أنتم العاملون من غير قولٍ    بارك الله في الزنود القوية
وبيانٌ منكم يعادل جيشاً        بمعدّات زحفه الحربية
واجتماع منكم يردّ علينا      غابر المجد من فتوح أميّة
وخلاص البلاد صار على    الباب وجاءت أعياده الوردية
ما جحدنا أفضالكم غير أنّا     لم تزل في نفوسنا أمنية
في يدينا بقية من بلاد          فاستريحوا كي لا تطير البقية
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net

 
   






103
أدونيس بين الثابت والمتحول بخصوص الثورة السورية والدين

د.أحمد أبو مطر

الدارس والمتتبع الموضوعي لمواقف الشاعر السوري المعروف علي أحمد اسبر المشهور بأدونيس، يلحظ بوضوح ومهنية مواقفه المتذبذبة بين الثابت والمتحول خاصة فيما يتعلق بالثورات العربية والسورية منها خاصة والدين. فلا تعرف الثابت منها لأنّه يتحول في لحظة ما، أو يأتي موقفا ملتبسا   بمعنى عدم الوضوح والمراوغة عبر استعمال عبارات مبهمة أقرب منها لغموض الشعر السوريالي من وضوح كلمات المواقف السياسية،خاصة عندما يتعلق الأمر بثورة الشعب السوري المندلعة منذ الخامس عشر من مارس 2011 ضد النظام العائلي الأسدي التوريثي. فبعد سكوت ملتبس اشتهرت رسالته لمن أطلق عليه ( السيد الرئيس بشار الأسد ) التي نشرها في جريدة السفير اللبنانية في منتصف يونيو 2011 أي بعد حوالي ثلاثة شهور من اندلاع الثورة، وكان عدد القتلى السوريين ذلك الوقت يزيد عن 1500 شخص.

الرسالة بداية الالتباس أوالتذبذب

وقد تضمنت رسالته تلك العديد من النقاط النقدية الموضوعية كي نعطيه حقه بدون افتراء ومغالطة. ولكن هذه النقاط النقدية أضاع قيمتها من خلال إيراده في الرسالة ملاحظتين، وأعتقد أنّها كانت موجهة للنظام القمعي الأسدي كي يقفز هذا النظام عن نقاطه النقدية، وهاتان الملاحظتان هما:

الأولى: تشكيكه في ثورة الشعب السوري من خلال توصيفه الملتبس لمطالب المعارضة حين يقول عنها: "أن تعلِن نقدَها إذا كانت اعتراضاتها جزئية، أو تعلن مشروعاتها وخططَها البديلة إذا كانت اعتراضاتها شاملة. وما دامت المعارضة، أو بعضها، في سوريا، تطالب بإسقاط النظام، فإنّ عليها أن تقول خططها وأهدافها لما بعد إسقاط النظام، كما أنّ عليها أن تقول إلى أيّ مدى، ووصولاً إلى أية جذور، تريد أن تصل في مشروعها التغييري". أعتقد أنّ هذا القول مجرد تشكيك يصبّ لصالح النظام، لأنّ المعارضة بكافة أطيافها أعلنت منذ بدايتهاعن رغبتها في رحيل النظام وقيام نظام ديمقراطي عبر انتخابات نزيهة بديلا عن نظام عائلي توريثي منذ 42 عاما، وهذا ما يتجاهله أدونيس، لأنّ مجرد استمرار الأب والإبن في حكم سوريا بالقمع والقتل ما يزيد على أربعة عقود يفقده صفة أي نظام ، سوى أنه ديكتاتوري استبدادي قمعي توريثي. ويستمر أدونيس في التشكيك المبطن في ثورة الشعب السوري فيقول عن بعض فئات المعارضة: "هناك أصوات مفكرون، كتّاب، شعراء، فنانون، مثقفون، شبّان وشابّات، لهم وجهات نظر وتطلّعات نبيلة وعادلة، لكن لا تجمعهم وثيقة، ولو على مستوى الرمزية التاريخية، وثيقة تحمل أفكارهم، وتوضح أهدافهم لما بعد النظام القائم. فالصوت، إذا لم يتجسد، يظلّ صوتاً. لكنه لا يدخل بالضرورة، في شبكة الواقع العملي. يظلّ في ما دونها. أو في ما فوقها".

 ما معنى هذا التوصيف سوى أنّه تشكيك واضح في هذه الأصوات المعارضة؟ وكيف يطلب من أطياف وجماعات المعارضة الاجتماع لوضع هذه الوثيقة والاتفاق عليها بعد مناقشتها، و نظام (السيد الرئيس) القمعي يلاحقها من شارع إلى شارع، ولا يسمح بأي اجتماع لها، وعدد سجناء الرأي وحرية التعبير يفوق الألاف ومنهم شخصيات سورية أكثر  شهرة من أدونيس. ورغم ذلك فوثيقتها معلنة واضحة وهي: رحيل النظام التوريثي وقيام نظام ديمقراطي تعددي يختاره الشعب عبر انتخابات حرة نزيهة كما حدث في تونس مطلقة شرارة الثورات العربية. وإلا لما استمرت ثورة الشعب السوري متصاعدة رغم ارتفاع أعداد القتلى من خلال رصاص عصابات السيد الرئيس بالنسبة لأدونيس فقط، أما بالنسبة لغالبية الشعب السوري فهو ليس رئيسا اختاره الشعب السوري عبر انتخابات حرّة نزيهة بل تمّ توريثه لوالده الذي استبد بالبلاد والعباد ثلاثين عاما فقط.

الثانية: من حق أدونيس مخاطبة بشار ( السيد الرئيس ) فهذا رأيه الشخصي لا يتحمل مسؤوليته غيره، ولكنّه خطأ فادح مغاير للحقيقة قوله عن هذا السيد الرئيس"بوصفك خصوصاً رئيساً منتَخَباً ". إذا كان أدونيس الذي عاش في فرنسا ما يزيد على أربعين عاما يعتبر الطريقة التي تمّ بها توريث بشار الحكم طريقة انتخابية، فهذه كارثة حقيقية. متى وكيف تمّ انتخاب بشار رئيسا، ووالده قام بتغيير قانون البعث المسمى دستورا في دقائق معدودة ليكون على مقاس عمر بشار عام 2000 ويتم توريثه الحكم؟. أرجوك أيها الشاعر الكبير أن توضح لنا كقراء مبتدئين في علم السياسة ومفهوم الديمقراطية، كيف تفهم مواصفات وطريقة وصول الرئيس المنتخب للسلطة، خاصة أنّك تعيش منذ ما يزيد على أربعين عاما في واحة الديمقراطية باريس مؤسسة مبادىء ( حرية، عدالة، مساواة).

وأخيرا يعلن أدونيس موقفه الثابت المعادي للثورة السورية؟

حيث أعلن صراحة في مقابلة مع صحيفة " ملة بروفايل" النمساوية، نقلت ترجمتها ومضمونها العديد من وكالات الأنباء والمواقع العربية، وأخطر ما في هذه المقابلة فعلا هو الدليل على تنقل أدونيس من موقف إلى موقف متناقض مع الفكر والممارسة أيضا. فهو يقول في هذه المقابلة صراحة  "أنا لا أدعم المعارضة  السورية ضد الرئيس بشار الأسد، وأي تدخل عسكري غربي في سوريا ستكون له نفس عواقب غزو العراق عام 2003 وسيدمر البلد". ما معنى هذا الكلام عندما تمرّ عشرة شهور ونظام رئيسك بشار يستمر في القتل والقمع؟. وما زال النظام الذي تدافع عنه، يرفض ويعرقل أية مبادرات عربية تحول دون اللجوء للتدخل العسكري الغربي؟. ومن المضحك فعلا أن يقول أدونيس عن فرنسا التي يعيش فيها منذ ما يزيد على أربعين عاما " كيف يمكن بناء أسس دولة بمساعدة نفس الأشخاص الذين استعمروا هذا البلد؟". أليس من حق أي عربي أن يسأل أدونيس ضمن نفس القياس: كيف تسمح لك كرامتك وانتماؤك لوطنك سوريا أن تعيش منذ أربعين عاما وحتى اليوم في فرنسا التي استعمرت بلدك سوريامن عام 1920 حتى 1946 ؟. أي أنك تعيش في فرنسا حتى اليوم أكثر بعشرين عاما من مدة استعمارها لوطنك سوريا؟. وكيف يسمح لك (سيدك الرئيس ) حتى اليوم البقاء متنعما بحرية وعيش باريس التي أعلنت حكومتها أنّ سيدك الرئيس فقد شرعيته وعليه أن يرحل. هل هذه ازدواجية في المواقف أم انتقال بين الثابت والمتحول حسب المصلحة الشخصية أم مجرد قصيدة سوريالية لا يفهمها غيرك؟.

ونفس التذبذب في موقف أدونيس من الدين

ما هو معنى الديمقراطية عند أدونيس وأي مواطن في العالم؟. أليست هي رغبة واختيار الغالبية من الشعب في انتخابات نزيهة وشفافة؟. فلماذا نعيب الديمقراطية العربية إذا انتخبت غالبية الشعب في تونس ومصر وغيرها الإسلامييين؟. أم نريد الديمقراطية على مقاس ومواصفات كل واحد منّا؟. وما العيب يا أدونيس أن تنطلق بعض الثورات من المساجد؟. أليست هذه مساجد عبادة الله التي تنصّ تعاليم دينه الإسلامي على العدالة والمساواة والشورى ؟. وما ذنب الدين إذا شوهّهه بعض الحكام و الفقهاء خاصة وعاظ السلاطين في كافة العصور من الأموي إلى العباسي إلى عصر وعاظ سلاطيننا اليوم في غالبية الأقطار العربية والإسلامية؟.

وإذا كان العيب في الدين فلماذا كان من ضمن مؤلفاتك ما يلي:

مختارات من الكواكبي مع مقدمة، دار العلم للملايين، بيروت 1982 .
مختارات من محمد عبده مع مقدمة، دار العلم للملايين، بيروت 1883 .
مختارات من محمد رشيد رضا مع مقدمة، دار العلم للملايين، بيروت 1883 .
مختارات من الإمام محمد بن عبد الوهاب مع مقدمة، دار العلم للملايين، بيروت 1983 .

وكنت أودّ لو ما زلت أحتفظ بكتابك عن مختارات الإمام محمد بن عبد الوهاب في مكتبتي بأوسلو حيث أقيم، لأنقل للقارىء فقرات مما كتبته عنه، حيث اعتبرت فكره أنّه من فكر النهضة والتقدم، واليوم تنتقد المساجد والجوامع ومناداة الثوارمنها ومن كافة أماكن الوطن برحيل الطغاة، لذلك قصفت مدفعية (سيدك الرئيس ) مآذن بعض جوامع سوريا كي لا يرتفع منها هتاف سقوطه ورحيله. مع العلم أنّ أدونيس في سيرته الذاتية الرسمية المكتوبة من طرفه، لا يورد بعض كتب هذه المختارات، انسجاما مع التنقل من الثابت إلى المتحول حسب المناسبة والظرف والمصلحة. ولمزيد من التعمق حول هذا الموضوع لبيان التذبذب والتحول في مواقف أدونيس من الثورة والدين والنهضة، أنصح القارىء بالاطلاع على هذا السجال القديم الجديد بين الكاتب السوري المعروف الأستاذ صبحي حديدي ورئيس تحرير مجلة الآداب المرحوم الدكتور سهيل أدريس والشاعر أدونيس نفسه، وكان ذلك في العام 2010 .
http://www.alsafahat.net/blog/?p=28294

وإذا كان رجال الدين يشكّلون معوقا للديمقراطية والنهضة، فهل تتذكرقصيدتك في مديح الخميني.

التي نشرتها في جريدة السفير اللبنانية بعد استلام الخميني السلطة عام 1979  متغنيا به وبمقر ولي الفقية مدينة قم، ومتهجما داعيا بمحو الغرب الذي تعيش في كنفه منذ ما يزيد على أربعين عاما؟ إن نسيت فهذه هي قصيدتك فلا تتنكر منها أو تعتبرها أنّها تدخل في باب الانتقال من الثابت إلى المتحول:
"تحية لثورة إيران"

( أفقّ ثورة والطغاة شتات
كيف أروي لإيران حبّي
والذي في زفيري
والذي في شهيقي تعجز عن قوله الكلمات؟
سأغنّي لقمّ لكي تتحول في صبواتي
نار عصف، تطوّف حول الخليج
وأقول: المدى، والنشيج
أرضي العربية –
ها رعدها يتعالى
صاعقاُ
خالقاُ
وحريقا
يرسم المشرق الجديد، ويستشرف الطريقا
شعب إيران يكتب للشرق فاتحة الممكنات
شعب إيران يكتب للغرب
وجهك يا غرب ينهار
وجهك يا غرب مات
شعب إيران شرق تأصّل في أرضنا، ونبيّ
إنه رفضنا المؤسس، ميثاقنا العربيّ )

وفعلا كما يريد أدونيس ويتمنى منذ ثلاثين عاما، فهاهو حكم ولي الفقيه منذ زمن الخميني إلى خمئني، ( نارعصف تطوف حول الخليج ) فقط، بينما هو مجرد ثرثرة كلامية فارغة ضد الغرب وإسرائيل.

وكنتيجة نهائية لهذا النقاش

فإنّ ادونيس يتنكر للثورات العربية في مجملها خاصة ثورة الشعب السوري، وهو يريد أن تكون هذه الثورات جاهزة في كافة الأمور والموضوعات والتطورات خلال ساعات رغم قمع ومصادرة الحريات طوال ما يزيد على سبعين عاما خاصة من قبل حكم البعث الفاشي، ومتناسيا أنّ الثورة الفرنسية نفسها ( حيث يعيش في عاصمتها باريس ) التي انطلقت عام 1848 وامتدت لأكثر من دولة أوربية، واجهت العديد من الانتكاسات والتراجعات والمذابح، واحتاجت إلى عشرا ت السنين كي تؤسس فرنسا ( الحرية، العدالة، المساواة). وهو يقفز ويتناسى القمع ومصادرة الحريات والإعدامات اليومية في حكم ولي الفقيه في مدينة قم التي سيغني لها( لكي تتحول في صبواتي، نار عصف تطوف حول الخليج ). وهاهو الغرب الذي تعيش في ديمقراطيته لم ينهار بعد ثلاثين عاما من حكم المتسلط ولي الفقيه الذي لا يعترف بولايته غالبية المراجع الشيعية العربية والإيرانية. وما دمت كنت متفائلا بأنّ الغرب سينهار ويموت فلماذا بقيت تعيش فيه منذ عام 1979 وحتى اليوم؟. لذلك فإنّ تشكيك أدونيس في الثورات العربية ومطالبته لها بفصل الدين عن الدولة في ساعات، هو أمر لا يخدم سوى احباط الثوار وخدمة الديكتاتوريين. فنعم للدين الوسطي المعتدل الديمقراطي، و كم كان شجاعا المنصف المرزوقي الرئيس التونسي المنتخب بعد نجاح الثورة وهروب زين العابدين في تصريحه الذي قال فيه ( لا للمتطرفين من الإسلاميين، ولا للمتطرفين من العلمانيين ). ومن طرفي لا للتشكيك في ثورة الشعب السوري والثورات العربية حتى لو كان التشكيك من علي أحمد اسبر المتطلع لجائزة نوبل منذ ما يزيد على أربعين عاما. فرغم كل ما يرافق هذه الثورات من تجاوزات وأخطاء فهدفها شعبي نبيل وهو رحيل الطغاة والمستبدين الفاسدين،و أيا كان نوع وهدف المتسلقين على ظهر هذه الثورات الشعبية.

ملاحظة على مسؤولية كاتبها وليس ناقلها

ما هي الظروف والملابسات التي كتب فيها أدونيس قصيدته السابقة في مديح الخميني وثورته؟.


يجيب على ذلك "زكريا شيخو مهنا، باحث تركي من أصل سوري من علويي لواء الاسكندرونة) قائلا:
( بعد ضمان التسوية وتجاهل التأليه العلوي لإمام المتقين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإرغام مشائخ العلوية على عدم التصريح بتكفير الشيعة باعتبارهم "أهل ظاهر" كالسنة ولايختلفون عنهم في شيء. وبعد اضمحلال النموذج العربي وإعلاء الفارسي مكانه، صار على النظام ، وإرضاء للعقيدة الخمينية، أن ينتقل تضييقه مابين السنة والعلويين للاعتبار التالي: من جهة ضرورة أن لايظل العلويين "مارقين" إلى درجة عبادة علي، وذلك من خلال التدفق الشيعي الثقافي الذي حاصره الأسد الأب واستسلم له ودعمه الأسد الابن. وأيضاً وبسبب السليقة العربية التي تستحكم باللاشعور العلوي من خلال ميلهم الفطري إلى اللغة العربية وتأثرهم الكبير بها، ما عزا به البعض إلى أنه هو سبب كثرة ظاهرة الشعراء العلويين في سوريا من بدوي الجبل إلى نديم محمد إلى أدونيس وسواهم، هنا أرادت الماكينة الخمينية أن تترك بالغ الأثر في هذا السليقة الأقرب للعرب، فطلب الخميني من الأسد الأب، عبر وسطاء فرنسيين لاينتمون الى الطبقة السياسية الفرنسية بل هم من مثقفي جيل الستينات، طلب الخميني من الأسد أن يقنع الشاعر السوري العالمي أدونيس والذي هو علوي الطائفة، بأن يمدح الثورة الخمينية وبذلك يتم استغلال شهرة أدونيس العربية والعالمية والسورية والعلوية لزيادة التأثير والإقناع خصوصا بين أبناء الطائفة. وهو ماجرى حيث تعهد الأسد الأب لأدونيس عبر وسيط أمني علوي كبير بأن الدولة ستحمي أدونيس في كل تنقلاته ولن يكون عرضة للاعتقال أو المساءلة والتضييق، مقابل أن "يتفهم" قيمة الخمينية ويدعمها بصفتها صديقة العرب والمسلمين. واستجاب أدونيس لذلك وكتب شعرا ونثرا مدحاً بالثورة. لا بل إن الشاعر العراقي الراحل عبد الوهاب البياتي صرح أكثر من مرة بأنه رأى أدونيس في مدينة أوروبية مرافقا للسيدة الأولى ومساعدا لها في تنقلها، وهو مانفاه أدونيس وأرغم على نفيه الشاعر البياتي خصوصا بعد تقديمه طلب اللجوء السياسي في سوريا). وهذا هو رابط الدراسة الكاملة للباحث زكريا شيخو مهنا بعنوان (سوريا والتشيع ومبدأ ولاية الفقيه). http://www.hbiby.com/vb/t18391.html

ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net














د.أحمد أبو مطر

الدارس والمتتبع الموضوعي لمواقف الشاعر السوري المعروف علي أحمد اسبر المشهور بأدونيس، يلحظ بوضوح ومهنية مواقفه المتذبذبة بين الثابت والمتحول خاصة فيما يتعلق بالثورات العربية والسورية منها خاصة والدين. فلا تعرف الثابت منها لأنّه يتحول في لحظة ما، أو يأتي موقفا ملتبسا   بمعنى عدم الوضوح والمراوغة عبر استعمال عبارات مبهمة أقرب منها لغموض الشعر السوريالي من وضوح كلمات المواقف السياسية،خاصة عندما يتعلق الأمر بثورة الشعب السوري المندلعة منذ الخامس عشر من مارس 2011 ضد النظام العائلي الأسدي التوريثي. فبعد سكوت ملتبس اشتهرت رسالته لمن أطلق عليه ( السيد الرئيس بشار الأسد ) التي نشرها في جريدة السفير اللبنانية في منتصف يونيو 2011 أي بعد حوالي ثلاثة شهور من اندلاع الثورة، وكان عدد القتلى السوريين ذلك الوقت يزيد عن 1500 شخص.

الرسالة بداية الالتباس أوالتذبذب

وقد تضمنت رسالته تلك العديد من النقاط النقدية الموضوعية كي نعطيه حقه بدون افتراء ومغالطة. ولكن هذه النقاط النقدية أضاع قيمتها من خلال إيراده في الرسالة ملاحظتين، وأعتقد أنّها كانت موجهة للنظام القمعي الأسدي كي يقفز هذا النظام عن نقاطه النقدية، وهاتان الملاحظتان هما:

الأولى: تشكيكه في ثورة الشعب السوري من خلال توصيفه الملتبس لمطالب المعارضة حين يقول عنها: "أن تعلِن نقدَها إذا كانت اعتراضاتها جزئية، أو تعلن مشروعاتها وخططَها البديلة إذا كانت اعتراضاتها شاملة. وما دامت المعارضة، أو بعضها، في سوريا، تطالب بإسقاط النظام، فإنّ عليها أن تقول خططها وأهدافها لما بعد إسقاط النظام، كما أنّ عليها أن تقول إلى أيّ مدى، ووصولاً إلى أية جذور، تريد أن تصل في مشروعها التغييري". أعتقد أنّ هذا القول مجرد تشكيك يصبّ لصالح النظام، لأنّ المعارضة بكافة أطيافها أعلنت منذ بدايتهاعن رغبتها في رحيل النظام وقيام نظام ديمقراطي عبر انتخابات نزيهة بديلا عن نظام عائلي توريثي منذ 42 عاما، وهذا ما يتجاهله أدونيس، لأنّ مجرد استمرار الأب والإبن في حكم سوريا بالقمع والقتل ما يزيد على أربعة عقود يفقده صفة أي نظام ، سوى أنه ديكتاتوري استبدادي قمعي توريثي. ويستمر أدونيس في التشكيك المبطن في ثورة الشعب السوري فيقول عن بعض فئات المعارضة: "هناك أصوات مفكرون، كتّاب، شعراء، فنانون، مثقفون، شبّان وشابّات، لهم وجهات نظر وتطلّعات نبيلة وعادلة، لكن لا تجمعهم وثيقة، ولو على مستوى الرمزية التاريخية، وثيقة تحمل أفكارهم، وتوضح أهدافهم لما بعد النظام القائم. فالصوت، إذا لم يتجسد، يظلّ صوتاً. لكنه لا يدخل بالضرورة، في شبكة الواقع العملي. يظلّ في ما دونها. أو في ما فوقها".

 ما معنى هذا التوصيف سوى أنّه تشكيك واضح في هذه الأصوات المعارضة؟ وكيف يطلب من أطياف وجماعات المعارضة الاجتماع لوضع هذه الوثيقة والاتفاق عليها بعد مناقشتها، و نظام (السيد الرئيس) القمعي يلاحقها من شارع إلى شارع، ولا يسمح بأي اجتماع لها، وعدد سجناء الرأي وحرية التعبير يفوق الألاف ومنهم شخصيات سورية أكثر  شهرة من أدونيس. ورغم ذلك فوثيقتها معلنة واضحة وهي: رحيل النظام التوريثي وقيام نظام ديمقراطي تعددي يختاره الشعب عبر انتخابات حرة نزيهة كما حدث في تونس مطلقة شرارة الثورات العربية. وإلا لما استمرت ثورة الشعب السوري متصاعدة رغم ارتفاع أعداد القتلى من خلال رصاص عصابات السيد الرئيس بالنسبة لأدونيس فقط، أما بالنسبة لغالبية الشعب السوري فهو ليس رئيسا اختاره الشعب السوري عبر انتخابات حرّة نزيهة بل تمّ توريثه لوالده الذي استبد بالبلاد والعباد ثلاثين عاما فقط.

الثانية: من حق أدونيس مخاطبة بشار ( السيد الرئيس ) فهذا رأيه الشخصي لا يتحمل مسؤوليته غيره، ولكنّه خطأ فادح مغاير للحقيقة قوله عن هذا السيد الرئيس"بوصفك خصوصاً رئيساً منتَخَباً ". إذا كان أدونيس الذي عاش في فرنسا ما يزيد على أربعين عاما يعتبر الطريقة التي تمّ بها توريث بشار الحكم طريقة انتخابية، فهذه كارثة حقيقية. متى وكيف تمّ انتخاب بشار رئيسا، ووالده قام بتغيير قانون البعث المسمى دستورا في دقائق معدودة ليكون على مقاس عمر بشار عام 2000 ويتم توريثه الحكم؟. أرجوك أيها الشاعر الكبير أن توضح لنا كقراء مبتدئين في علم السياسة ومفهوم الديمقراطية، كيف تفهم مواصفات وطريقة وصول الرئيس المنتخب للسلطة، خاصة أنّك تعيش منذ ما يزيد على أربعين عاما في واحة الديمقراطية باريس مؤسسة مبادىء ( حرية، عدالة، مساواة).

وأخيرا يعلن أدونيس موقفه الثابت المعادي للثورة السورية؟

حيث أعلن صراحة في مقابلة مع صحيفة " ملة بروفايل" النمساوية، نقلت ترجمتها ومضمونها العديد من وكالات الأنباء والمواقع العربية، وأخطر ما في هذه المقابلة فعلا هو الدليل على تنقل أدونيس من موقف إلى موقف متناقض مع الفكر والممارسة أيضا. فهو يقول في هذه المقابلة صراحة  "أنا لا أدعم المعارضة  السورية ضد الرئيس بشار الأسد، وأي تدخل عسكري غربي في سوريا ستكون له نفس عواقب غزو العراق عام 2003 وسيدمر البلد". ما معنى هذا الكلام عندما تمرّ عشرة شهور ونظام رئيسك بشار يستمر في القتل والقمع؟. وما زال النظام الذي تدافع عنه، يرفض ويعرقل أية مبادرات عربية تحول دون اللجوء للتدخل العسكري الغربي؟. ومن المضحك فعلا أن يقول أدونيس عن فرنسا التي يعيش فيها منذ ما يزيد على أربعين عاما " كيف يمكن بناء أسس دولة بمساعدة نفس الأشخاص الذين استعمروا هذا البلد؟". أليس من حق أي عربي أن يسأل أدونيس ضمن نفس القياس: كيف تسمح لك كرامتك وانتماؤك لوطنك سوريا أن تعيش منذ أربعين عاما وحتى اليوم في فرنسا التي استعمرت بلدك سوريامن عام 1920 حتى 1946 ؟. أي أنك تعيش في فرنسا حتى اليوم أكثر بعشرين عاما من مدة استعمارها لوطنك سوريا؟. وكيف يسمح لك (سيدك الرئيس ) حتى اليوم البقاء متنعما بحرية وعيش باريس التي أعلنت حكومتها أنّ سيدك الرئيس فقد شرعيته وعليه أن يرحل. هل هذه ازدواجية في المواقف أم انتقال بين الثابت والمتحول حسب المصلحة الشخصية أم مجرد قصيدة سوريالية لا يفهمها غيرك؟.

ونفس التذبذب في موقف أدونيس من الدين

ما هو معنى الديمقراطية عند أدونيس وأي مواطن في العالم؟. أليست هي رغبة واختيار الغالبية من الشعب في انتخابات نزيهة وشفافة؟. فلماذا نعيب الديمقراطية العربية إذا انتخبت غالبية الشعب في تونس ومصر وغيرها الإسلامييين؟. أم نريد الديمقراطية على مقاس ومواصفات كل واحد منّا؟. وما العيب يا أدونيس أن تنطلق بعض الثورات من المساجد؟. أليست هذه مساجد عبادة الله التي تنصّ تعاليم دينه الإسلامي على العدالة والمساواة والشورى ؟. وما ذنب الدين إذا شوهّهه بعض الحكام و الفقهاء خاصة وعاظ السلاطين في كافة العصور من الأموي إلى العباسي إلى عصر وعاظ سلاطيننا اليوم في غالبية الأقطار العربية والإسلامية؟.

وإذا كان العيب في الدين فلماذا كان من ضمن مؤلفاتك ما يلي:

مختارات من الكواكبي مع مقدمة، دار العلم للملايين، بيروت 1982 .
مختارات من محمد عبده مع مقدمة، دار العلم للملايين، بيروت 1883 .
مختارات من محمد رشيد رضا مع مقدمة، دار العلم للملايين، بيروت 1883 .
مختارات من الإمام محمد بن عبد الوهاب مع مقدمة، دار العلم للملايين، بيروت 1983 .

وكنت أودّ لو ما زلت أحتفظ بكتابك عن مختارات الإمام محمد بن عبد الوهاب في مكتبتي بأوسلو حيث أقيم، لأنقل للقارىء فقرات مما كتبته عنه، حيث اعتبرت فكره أنّه من فكر النهضة والتقدم، واليوم تنتقد المساجد والجوامع ومناداة الثوارمنها ومن كافة أماكن الوطن برحيل الطغاة، لذلك قصفت مدفعية (سيدك الرئيس ) مآذن بعض جوامع سوريا كي لا يرتفع منها هتاف سقوطه ورحيله. مع العلم أنّ أدونيس في سيرته الذاتية الرسمية المكتوبة من طرفه، لا يورد بعض كتب هذه المختارات، انسجاما مع التنقل من الثابت إلى المتحول حسب المناسبة والظرف والمصلحة. ولمزيد من التعمق حول هذا الموضوع لبيان التذبذب والتحول في مواقف أدونيس من الثورة والدين والنهضة، أنصح القارىء بالاطلاع على هذا السجال القديم الجديد بين الكاتب السوري المعروف الأستاذ صبحي حديدي ورئيس تحرير مجلة الآداب المرحوم الدكتور سهيل أدريس والشاعر أدونيس نفسه، وكان ذلك في العام 2010 .
http://www.alsafahat.net/blog/?p=28294

وإذا كان رجال الدين يشكّلون معوقا للديمقراطية والنهضة، فهل تتذكرقصيدتك في مديح الخميني.

التي نشرتها في جريدة السفير اللبنانية بعد استلام الخميني السلطة عام 1979  متغنيا به وبمقر ولي الفقية مدينة قم، ومتهجما داعيا بمحو الغرب الذي تعيش في كنفه منذ ما يزيد على أربعين عاما؟ إن نسيت فهذه هي قصيدتك فلا تتنكر منها أو تعتبرها أنّها تدخل في باب الانتقال من الثابت إلى المتحول:
"تحية لثورة إيران"

( أفقّ ثورة والطغاة شتات
كيف أروي لإيران حبّي
والذي في زفيري
والذي في شهيقي تعجز عن قوله الكلمات؟
سأغنّي لقمّ لكي تتحول في صبواتي
نار عصف، تطوّف حول الخليج
وأقول: المدى، والنشيج
أرضي العربية –
ها رعدها يتعالى
صاعقاُ
خالقاُ
وحريقا
يرسم المشرق الجديد، ويستشرف الطريقا
شعب إيران يكتب للشرق فاتحة الممكنات
شعب إيران يكتب للغرب
وجهك يا غرب ينهار
وجهك يا غرب مات
شعب إيران شرق تأصّل في أرضنا، ونبيّ
إنه رفضنا المؤسس، ميثاقنا العربيّ )

وفعلا كما يريد أدونيس ويتمنى منذ ثلاثين عاما، فهاهو حكم ولي الفقيه منذ زمن الخميني إلى خمئني، ( نارعصف تطوف حول الخليج ) فقط، بينما هو مجرد ثرثرة كلامية فارغة ضد الغرب وإسرائيل.

وكنتيجة نهائية لهذا النقاش

فإنّ ادونيس يتنكر للثورات العربية في مجملها خاصة ثورة الشعب السوري، وهو يريد أن تكون هذه الثورات جاهزة في كافة الأمور والموضوعات والتطورات خلال ساعات رغم قمع ومصادرة الحريات طوال ما يزيد على سبعين عاما خاصة من قبل حكم البعث الفاشي، ومتناسيا أنّ الثورة الفرنسية نفسها ( حيث يعيش في عاصمتها باريس ) التي انطلقت عام 1848 وامتدت لأكثر من دولة أوربية، واجهت العديد من الانتكاسات والتراجعات والمذابح، واحتاجت إلى عشرا ت السنين كي تؤسس فرنسا ( الحرية، العدالة، المساواة). وهو يقفز ويتناسى القمع ومصادرة الحريات والإعدامات اليومية في حكم ولي الفقيه في مدينة قم التي سيغني لها( لكي تتحول في صبواتي، نار عصف تطوف حول الخليج ). وهاهو الغرب الذي تعيش في ديمقراطيته لم ينهار بعد ثلاثين عاما من حكم المتسلط ولي الفقيه الذي لا يعترف بولايته غالبية المراجع الشيعية العربية والإيرانية. وما دمت كنت متفائلا بأنّ الغرب سينهار ويموت فلماذا بقيت تعيش فيه منذ عام 1979 وحتى اليوم؟. لذلك فإنّ تشكيك أدونيس في الثورات العربية ومطالبته لها بفصل الدين عن الدولة في ساعات، هو أمر لا يخدم سوى احباط الثوار وخدمة الديكتاتوريين. فنعم للدين الوسطي المعتدل الديمقراطي، و كم كان شجاعا المنصف المرزوقي الرئيس التونسي المنتخب بعد نجاح الثورة وهروب زين العابدين في تصريحه الذي قال فيه ( لا للمتطرفين من الإسلاميين، ولا للمتطرفين من العلمانيين ). ومن طرفي لا للتشكيك في ثورة الشعب السوري والثورات العربية حتى لو كان التشكيك من علي أحمد اسبر المتطلع لجائزة نوبل منذ ما يزيد على أربعين عاما. فرغم كل ما يرافق هذه الثورات من تجاوزات وأخطاء فهدفها شعبي نبيل وهو رحيل الطغاة والمستبدين الفاسدين،و أيا كان نوع وهدف المتسلقين على ظهر هذه الثورات الشعبية.

ملاحظة على مسؤولية كاتبها وليس ناقلها

ما هي الظروف والملابسات التي كتب فيها أدونيس قصيدته السابقة في مديح الخميني وثورته؟.

يجيب على ذلك "زكريا شيخو مهنا، باحث تركي من أصل سوري من علويي لواء الاسكندرونة) قائلا:
( بعد ضمان التسوية وتجاهل التأليه العلوي لإمام المتقين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإرغام مشائخ العلوية على عدم التصريح بتكفير الشيعة باعتبارهم "أهل ظاهر" كالسنة ولايختلفون عنهم في شيء. وبعد اضمحلال النموذج العربي وإعلاء الفارسي مكانه، صار على النظام ، وإرضاء للعقيدة الخمينية، أن ينتقل تضييقه مابين السنة والعلويين للاعتبار التالي: من جهة ضرورة أن لايظل العلويين "مارقين" إلى درجة عبادة علي، وذلك من خلال التدفق الشيعي الثقافي الذي حاصره الأسد الأب واستسلم له ودعمه الأسد الابن. وأيضاً وبسبب السليقة العربية التي تستحكم باللاشعور العلوي من خلال ميلهم الفطري إلى اللغة العربية وتأثرهم الكبير بها، ما عزا به البعض إلى أنه هو سبب كثرة ظاهرة الشعراء العلويين في سوريا من بدوي الجبل إلى نديم محمد إلى أدونيس وسواهم، هنا أرادت الماكينة الخمينية أن تترك بالغ الأثر في هذا السليقة الأقرب للعرب، فطلب الخميني من الأسد الأب، عبر وسطاء فرنسيين لاينتمون الى الطبقة السياسية الفرنسية بل هم من مثقفي جيل الستينات، طلب الخميني من الأسد أن يقنع الشاعر السوري العالمي أدونيس والذي هو علوي الطائفة، بأن يمدح الثورة الخمينية وبذلك يتم استغلال شهرة أدونيس العربية والعالمية والسورية والعلوية لزيادة التأثير والإقناع خصوصا بين أبناء الطائفة. وهو ماجرى حيث تعهد الأسد الأب لأدونيس عبر وسيط أمني علوي كبير بأن الدولة ستحمي أدونيس في كل تنقلاته ولن يكون عرضة للاعتقال أو المساءلة والتضييق، مقابل أن "يتفهم" قيمة الخمينية ويدعمها بصفتها صديقة العرب والمسلمين. واستجاب أدونيس لذلك وكتب شعرا ونثرا مدحاً بالثورة. لا بل إن الشاعر العراقي الراحل عبد الوهاب البياتي صرح أكثر من مرة بأنه رأى أدونيس في مدينة أوروبية مرافقا للسيدة الأولى ومساعدا لها في تنقلها، وهو مانفاه أدونيس وأرغم على نفيه الشاعر البياتي خصوصا بعد تقديمه طلب اللجوء السياسي في سوريا). وهذا هو رابط الدراسة الكاملة للباحث زكريا شيخو مهنا بعنوان (سوريا والتشيع ومبدأ ولاية الفقيه). http://www.hbiby.com/vb/t18391.html

ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net






104
تفكيك ديكور بعثي اسمه"اتحاد الكتاب العرب"

د.أحمد أبو مطر


الاتحادات والنقابات المهنية في كافة الأقطار العربية والعالمية تنسب لإسم دولتها، أيا كان نوع هذه النقابة ومنتسبيها. وفي كافة الدول العربية منذ خمسينات القرن الماضي عندما بدأ تأسيس الاتحادات والنقابات العمالية لكافة أنواع الوظائف، ظلّت هذه النقابات مقصورة على موظفي ونشطاء البلد أو الدولة فقط. وكون الحديث يتعلق باتحادات أو نقابات الكتاب، ففي كل قطر عربي تقتصر النقابة أو الاتحاد على كتاب البلد فقط. فمثلا اتحاد الكتاب المصريين العضوية فيه مقصورة على الكتاب المصريين، وهكذا في كافة الدول العربية من المحيط إلى الخليج. ولم يشذّ عن هذه القاعدة سوى حزب البعث اللاعربي اللااشتراكي الذي حكم سوريا بالدم والحديد والنار منذ ما يزيد على 50  عاما، منها 42 عاما فقط من قبل عائلة الوحش التي غيّرت اسمها منذ سنوات إلى ( الأسد ). فهذا الحزب اللاعروبي في ممارساته الوحشية، وبناءا على أحكام ما كان يسمّى (القيادة القطرية) رقم (2 ) تاريخ الخامس والعشرين من فبراير عام 1966 ، وعلى قرار مجلس وزرائه رقم 72 بتاريخ الثامن والعشرين من يناير 1969 ، قام بتأسيس ما أطلق عليه ( اتحاد الكتاب العرب ) بدلا من أن يكون اسمه (اتحاد الكتاب السوريين) كونه خاص بالكتاب السوريين كما هو متبع وسائد في كافة الأقطار العربية ونقاباتها واتحاداتها المهنية. ولتبرير هذه التسمية العروبية الديكورية، نصّت المادة الخامسة من قانونه غير القانوني الخاصة بالعضوية على ( أن يكون من مواطني الجمهورية العربية السورية أو من مواطني أحد الأقطار العربية ويقبل المغتربون العرب بصفة أعضاء مشاركين ). ورغم هذا الديكور البعثي فلم ينضمّ لعضويته سوى عدد محدود جدا من الكتاب العرب غير السوريين، بعضهم من الفلسطينيين المقيمين في سوريا، رغم تأسيس ما عرف ب (الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينين ) وما شهده من انشقاقات وصراعات ليس هذا مجال الحديث عنها، كما أنّ كتابا سوريين مشهورين مثل المسرحي سعد الله ونوس رفض عضوية هذا الديكور، وكذلك الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي كان يرفض الانضمام لهذا الديكور البعثي الخشبي.

أسباب ومبررات هذا التفكيك

1 . كان وما يزال هذا الديكور الخشبي البعثي أسوأ مثال للإستبداد والتنظير للديكتاتورية في سوريا من خلال ممارسات رؤسائه تحديدا التي هي تقليد مشين لسياسة وتقاليد عائلة الأسد. فمن يتخيل أو يصدق أن علي عقلة عرسان ظلّ رئيسا لهذا الديكور منذ عام 1977 وحتى عام 2005 ، وهذا مثبت في سيرته الذاتية المنشورة بعلمه وتوثيقه، أي ثمانية وعشرين عاما بفارق عامين فقط عن استمرار الأسد الأب في السلطة ( 1970 – 2000 ).

2 .من الصعب احصاء عدد المقالات وما سميت "دراسات" عن أدب وأعمال علي عقلة عرسان في المجلات والدوريات التي يصدرها هذا الديكور، وأغلبها نفاق وممالأة للسيد الرئيس لكسب رضاه أو موافقته على قبول عضو في هذا الديكور، ويروي بعض من حضروا إحدى ندوات ذلك الديكور أنّ كاتبا سوريا مغمورا لم يكن عضوا في ذلك المنزل الديكوري، فقدّم في إحدى الندوات مديحا وتطبيلا لريادة وإبداع على عقلة عرسان المميز، وبعد انتهائه من ذلك النفاق ونزوله إلى القاعة، قال له أحد الحضور بصوت عال: مبروك العضوية!!!.
3 . كانت ممارسات السيد الرئيس علي عقلة عرسان أسؤأ مثال على قمع حرية التعبير واهانة الصحفيين والإعلاميين ومن الأمثلة العديدة يكفي ما رواه شخصيا "رزوق الغاوي" مراسل جريدة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ الحادي من نوفمبر 2005 لموقع "ملتقيات اللجنة السورية لحقوق الإنسان" حيث قال حرفيا: " في إطار عملي الصحفي ، توجهت صباح اليوم الاثنين 31/1/2005 ، لتغطية افتتاح المؤتمر السنوي لاتحاد الكتاب في سورية، ولدى وصولي إلى المركز الثقافي في المزة حيث يعقد المؤتمر سألتني لجنة تسجيل أسماء الحضور عن صفتي ، فقلت إنني مراسل صحيفة الشرق الأوسط ، وقد جئت لتغطية افتتاح المؤتمر، فرحب بي أعضاء اللجنة ودخلت إلى القاعة وأخذت مكاناً فيها .‏‏ ‏وعند منتصف الجلسة الافتتاحية تقريباً ، وما أن علم رئيس المؤتمر الدكتور علي عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتاب بوجودي في القاعة باعتباري مراسلاً لـ"صحيفة الشرق الأوسط" حتى انتفض من مكانه واقفاً وصارخاً بصوت عالٍ ومبحوح وفي حالة من الانفعال الشديد وقال لي : أخرج برا برا برا ، لانريد صحفيين، أخرج برا برا برا ، لقد هاجمت صحيفة الشرق الأوسط اتحاد الكتاب . فما كان مني وخشية من أن أفقد أعصابي ويصدر عني كلاماً لا أريده،إلا أن غادرت القاعة صامتاً ومبتسماً،وسط حالة من ذهول أعضاء المؤتمر وعددهم أكثر من مائتي عضو واستغرابهم من هذا التصرف،الذي دفع عدداً من أعضاء المؤتمر لانتقاد تصرف الدكتور عرسان وعدم تبريره ".‏‏ ‏هل هذا تصرف كاتب ومبدع يؤمن بحرية التعبير؟ وبالتالي كيف نلوم الديكتاتوريين والمستبدين من الحكام العرب إذا كان هذا نوع من الكتاب العرب الذين يقدمون أنفسهم على أنّهم دعاة الحرية والتعددية؟.
4 . ومن ممارساته القمعية لحرية الرأي والإبداع رفضه ومنعه في عام 2003  نشر ديوان ( أنقاض ) للشاعر السوري فرج بيرقدار الذي أمضى في سجون الأسد قرابة 14 عاما، وكتب أغلب قصائد الديوان في سجن صيدنايا الشهير بالقتل والتعذيب والموت. ولم يصدر الديوان إلا حديثا عن دار الجديد في بيروت. هذا الرفض العرساني لنشر الديوان رغم تقرير اللجنة التي أوكل لها ابداء الرأي فيه أشادت بقيمته الإبداعية رغم أنف السجن والسجّان. ولم يعرف المبدع فرج بيرقدار حريته وكرامته إلا بعد أن وصل وعاش في السويد. وكم كان مؤثرا لقاءي الجميل الحزين به في أوستوكوهلم العاصمة السويدية قبل عام تقريبا لمرتين، حيث لم ينزع السجّان البعثي الحقير أمل الحرية وألم الإنسان من قلبه:
أنا رأيته
وهو يخلع قلبه
يأخذه بكلتا يديه
ويرفعه عاليا
ليصيح:
كأسك أيتها الحرية
ويدقّه
بأقرب نجم إليه
شاعر كأس الحرية هذا الفرج البيرقداري، هو من رفض أدونيس صاحب رسالة ( السيد الرئيس ) التوقيع على بيان يطالب السلطات الأسدية بالإفراج عنه.

ومن بعد عرسان جاء جمعة وارثا نفس الممارسات

بعد ثمانية وعشرين عاما في رئاسة هذا الديكور البعثي، سلّم علي عقلة عرسان القيادة لبعثي آخر هو الدكتور حسين جمعة في الرابع من سبتمبر لعام 2005 ، وقد تمّ تأهيله لهذا المنصب منذ الثالث والعشرين من أغسطس عام 2003 حيث تسلّم رئاسة فرع دمشق لهذا الديكور تحت قيادة الرئيس علي عقلة عرسان تقريبا لمدة عامين، ثم سلّمه القيادة بعد أن تأكد من صلاحيته البعثية لهذا المنصب.
إنّ رئاسة حسين جمعة لهذا الديكور حتى االيوم حوالي ستة سنوات لا تقاس بالنسبة لثمانية وعشرين عاما عرسانية، ولكن ممارسة واحدة  من ممارساته تدلّ على،

الانحطاط الأخلاقي للكاتب منافق السلطة القمعية

فبعد سبعة شهور من اندلاع الثورة السورية في مدينة درعا، حيث القتل والموت والدم يمارس بأبشع صوره ضد الشعب السوري، يقوم حسين جمعة  يوم السادس والعشرين من أكتوبر 2011  بصفته رئيسا للديكور البعثي "اتحاد الكتاب العرب"، بزيارة مدينة الرقة السورية...لماذا؟. أول ما يتبادر لذهن القارىء أنّ كونه كاتبا وأستاذا جامعيا سيقوم بإلقاء محاضرة أو تقديم ندوة أو لقاء كتاب مدينة الرقة للتباحث معهم ما تشهده سوريا وشعبها من قمع وقتل أسدي. ولكن زيارة العار هذه كانت لتكريم محافظ الرقة المسؤول البعثي عدنان السخني. أليس هذا عار ما بعده ولا قبله عار؟. فما دخل ما يعتبر نفسه اتحادا للكتاب أن يذهب لمدينة الرقة لتكريم محافظها، وتقديم درع الاتحاد وشهادة تقدير له. لماذا؟.
 يجيب على السؤال المحافظ نفسه في رده على هذا الجميل البائس: " إنّه يترجم حرفيا إرادة الخير التي يحملها السيد الرئيس بشار الأسد للمواطنين كافة". وينسى هؤلاء المتنكرون لإرادة الشعب السوري أنّ إرادة الشرّ الأسدية قتلت حتى اليوم ما يزيد على ثمانية ألاف مواطن سوري، والأخطر من هذا أن هناك تخوفات من أنّ ما يزيد على خمسين ألفا من المخطوفين والمعتقلين والمفقودين قد يكون قد تمّ إعدامهم مما يمكن أن يرفع عدد القتلي حتى الآن إلى عشرات ألالاف.
هذا بالإضافة لما لا يقل عن ثلاثة بيانات أصدرها هذا الديكور البعثي تأييدا للطاغية الأسد معتبرا مثل كوليت خوري أنّ هناك مؤامرة كونية تحاط ضد نظام المقاومة والممانعة. وعلى خطى سيده عرسان قام حسين جمعة بمنع رواية ( سيد الهاوما) للروائي السوري عبد الناصر العايد الصادرة عن دار الجمل، وقد فسّر العايد سبب هذا المنع بأنّه«إذا كان هناك من تهمة لهذه الرواية فهي عروبيتها.. الرواية تتحدث عن صورة العربي في العقل الفارسي». ويقول العايد «الأمور ملتبسة لدى رئيس الاتحاد بحيث إنه لا يميز بين صوت الراوي والصوت الروائي، فأنا حاولت في العمل أن أتقمص شخصية الصباح   ( يقصد حسن الصباح قائد ما عرفت بفرقة الحشاشين )، وفي عقله أرى أن هذه هي صورة العربي في تلك الفترة من التاريخ، حيث صورة العربي جاهل ومتوحش وقاتل».
لذلك فإن هذا الديكور الخشبي البعثي المسمّى (اتحاد الكتاب العرب ) لا يليق به ولا يستحق إلا التسمية التي أطلقتها عليه مجلة"الغاوون" بأنّه " اتحاد كتاب العار العرب).
 http://www.alghawoon.com/pdf/37.pdf

لذلك لم يتأخر رد الكتاب السوريين الوطنيين الأحرار على استمرارية هذا الديكور البعثي ، فكان الرد هو:
 
  تأسيس "رابطة الكتاب السوريين الأحرار"

كبديل عن هذا الديكور المنافق الداعم في عدة بيانات لجرائم الأسد وعصاباته ضد الشعب السوري. ومن بين هؤلاء المؤسسون كتاب مشهورون منهم الطيب تيزيني ،شوقي بغدادي ،برهان غليون، نوري الجراح، ،ياسين الحاج صالح ، عائشة أرناؤوط ،رفيق شامي وميشيل كيلو وخالد خليفة ورشا عمران ومنذر المصري وفايز سارة ورزان زيتونة وبدرخان علي وخطيب بدلة وسمر يزبك ونصر الدين البحرة وحازم نهار وسحبان سواح وماجد رشيد العويد. وقد جاء في بيانهم الأول القول عن هذه الرابطة الجديدة: "تعبر عن مشاركتنا في الثورة السورية، وعن شعورنا بالحاجة إلى إطار ديمقراطي ومستقل لعموم الكتاب السوريين، يعبر عن الواقع الجديد لسوريا التي تولد الآن في شوارع الحرية....لقد عملت الثقافة طوال عقود في بلاط النظام، وعمل عدد ليس بقليل من المثقفين كشهود زور". وكان قد سبق هذا التأسيس انشقاق كتاب مثل الشاعران فرحان مطر وعمر أدلبي  وآخرون.

لذلك ناشد الشاعر السوري المعروف  نوري الجراح الكتاب العرب الوطنيين لدعم هذا الرابطة ونيل شرف العصوية الفخرية فيهان وقال: ( للأسف، ها هو التاريخ يعيد نفسه، لكن المذابح هذه المرة لا ترتكبها إسرائيل، وإنما نظام سقطت عنه كل ادعاءاته الوطنية وظهر وجهه القبيح كنظام للجريمة الجماعية، وهو نظام ابن لأب ارتكبت عصاباته قبل ثلاثين عاما، وبتواطؤ عربى ودولى بل وبتواطؤ من النخب العربية المثقفة وصمت مريب مذبحة مذهلة فى مدينة حماة ذهب ضحيتها أكثر من 30 ألف مواطن مدنى أعزل. فاشتهرت فى سنة 1982 عربيا وعالميا مذبحة صبرا وشاتيلا التى ارتكبها الإسرائيليون فى بيروت (3 آلاف ضحية) ودفنت طويلا وإلى اليوم فى صمت كامل مذبحة حماة (30 ألف ضحية). لكن نسل الجريمة يفضح اليوم أصلها وفصلها.. ودم شهداء حمص فى ذكرى المذبحة يضىء دم شهداء حماة، سوريا كلها اليوم حماة، فلا تصمتوا ثانية على الجريمة أيها المثقفون العرب).
أول استجابة من كتاب مصر الأحرار
حيث أعلنوا تشرفهم بنيل العضوية الفخرية لرابطة الكتاب السوريين الأحرار كبديل وطني عن الديكور الخشبي البعثي، وكان من الموقعين على بيان التأييد المصري حتى الآن من الكتاب هم: 
 حلمى سالم، إدوار الخراط، عبد الرحمن الأبنودى، عبد المنعم رمضان، صنع الله إبراهيم، بهاء طاهر، رضوى عاشور، طلعت شاهين، فريدة النقاش، سيد حجاب، أمينة رشيد، حسن طلب، يوسف رخا، علاء خالد، عادل السيوى، سعد القرش، محمد البساطى، سيد البحراوى، شيرين أبو النجا، سيد محمود، شريف يونس، أحمد يمانى، ماجد يوسف، مهاب نصر، عز الدين نجيب، إيمان مرسال، فاطمة قنديل، بلال فضل، إبراهيم فتحى، زين العابدين فؤاد، وليد علاء الدين، علاء عبد الهادى، فتحى عبد الله، محمود الوردانى، مكاوى سعيد، وجيهان عمر.
وتبعهم الأحرار من كتاب فلسطين
حيث نشر الكاتب الفلسطيني المقيم في قطاع غزة (ولاء تمراز) بيانا وطنيا مشرّفا بعنوان:" ليس باسمنا، ليس باسم فلسطين أيها القتلة، بيان جماعي ". وقد أورد البيان القوي الذي يدين جرائم نظام الأسد، اسماء الكتاب والشعراء والفنانيين والأكاديميين الفلسطينيين الموقعين على البيان وقد زاد عددهم عن مائة اسم من اشهر الأسماء الفلسطينية. ويمكن قراءة البيان وأسماء الموقعين على الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294771
واجب التعزية في المرحوم
لذلك تقبل التعازي في موت وتفكيك وسقوط الديكور البعثي الخشبي "اتحاد كتاب العار العرب" في منزل واحد من ثلاثة على عقلة عرسان، حسين جمعة، أو محافظ الرقة غسان الحسني..وعظّم الله أجركم والبقاء لله تعالى والشعب السوري الثائر حتى سقوط الطاغية.
ahmad.164@live.com
www-dr-abumatar.net
www.drabumatar.com






105
لا..ليس وطنا بديلا ولم نكن نياما!!!
أحمد أبو مطر

تنطلق هذه المقالة من خلفية مفادها ( الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الأصدقاء ).ويبدو واضحا من عنوان المقالة أنّها رد ودي بحقائق نقيضة على مقالة الصديق الدكتور شاكر النابلسي المنشورة في  بتاريخ الخامس من فبراير 2012 بعنوان ( تحقق "الوطن البديل"1950 والناس نيام ). لقد أوردت المقالة مجموعة من الحقائق الميدانية الصحيحة في الواقع الأردني، من تولي الأردنيين من أصول فلسطينية كافة الوظائف من وزراء إلى رؤساء وزراء ورؤساء مجلس الأعيان، وأضيف لتلك الحقائق أنّ مدير دائرة المخابرات الأردنية في عام 1970 كان أردنيا من أصول فلسطينية هو محمد رسول الكيلاني. إذن أين المشكلة أو الخلاف مع ما ورد في مقالة الزميل شاكر النابلسي؟

حقائق صحيحة ونتائج خاطئة


الخلاف مصدره أنّ بعض الحقائق الصحيحة ، أعتمد عليها للوصول لاستنتاجات خاطئة، أوردها وكأنّها مسلمات غير قابلة للجدل معتمدا على رأي تحليلي لكاتب آخر، أعطى تحليلاته صفة اليقين المطلق، وهو الكاتب الأردني الدكتور عبد الفتاح طوقان، الذي اعتمد الدكتور النابلسي على مقالته المنشورة السادس عشر من يناير 2012 قبل يوم واحد من اجتماع الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الملك الأردني عبد الله الثاني يوم السابع عشر من يناير 2012 في واشنطن. وقد قال طوقان في مقالته كما أورد النابلسي ( إنّ أوباما سيوجه الأسئلة التالية للملك الأردني في لقائهما.... ثم أورد ثلاثة أسئلة). إنّ هذه المعلومات والأسئلة لا يمكن تصديقها إلا في واحدة من حالتين:
الأولى: أن يكون الزميل عبد الفتاح طوقان يعمل مستشارا في مكتب الرئيس الأمريكي أوباما، واتفق معه حرفيا على الأسئلة التي سيوجهها الرئيس أوباما للملك عبد الله الثاني.
الثانية: أن يكون قد صدر عن البيت الأبيض عقب الاجتماع بين أوباما والملك تصريحا رسميا تمّ فيه الإعلان عن الأسئلة التي وجهها أوباما للملك ثم أوردها طوقان في مقالته نقلا عن التصريح الرسمي الأمريكي.

وكون الحالتين لم يحدثا، فلا الزميل طوقان مستشارا لأوباما ولم يصدر تصريح رسمي أمريكي بتوجيه هذه الأسئلة للملك عبد الله الثاني، لذلك فالاعتماد عليها لتعزيز رأي الزميل النابلسي لم يعطّ رأيه تعزيزا وقوة اضافية، بل بقيت أراءه ضمن ما أطلقت عليه (حقائق صحيحة و نتائج خاطئة ). كيف ذلك وأين هي النتائج الخاطئة:
1 . من المعروف أنّه عقب هزيمة الجيوش العربية في حرب عام 1948 التي أطلقوا عليها (نكبة فلسطين )، بقيت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تحت سيطرة الجيش الأردني، كما بقي قطاع غزة تحت سيطرة الجيش المصري. مالذي حدث بعد ذلك؟. منذ زمن الملك فاروق وبعد انقلاب عبد الناصر عام 1952 وحتى هزيمة يونيو 1967 ظلّ قطاع غزة تابعا لمصر تحت ما كان يطلق عليه ( الإدارة العسكرية المصرية لقطاع غزة )، وأصدرت تلك الإدارة العسكرية المصرية للاجئين الفلسطينيين للقطاع ولأهالي قطاع غزة المواطنين المقيمين ما أطلق عليه ( جمهورية مصر العربية، وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين ). ومن المعروف تاريخيا أنّ ما أطلق عليه آنذاك الهيئة العربية العليا عقدت مؤتمرا في مدينة غزة بتاريخ الأول من أكتوبر 1948 أي بعد خمسة شهور تقريبا من النكبة، أعلنت فيه شكلا ديكوريا أطلقت عليه (حكومة عموم فلسطين ) برئاسة الحاج أمين الحسيني.
2 . أمّا في الضفة الغربية التي بقيت تحت سيطرة الجيش الأردني، فلم يعترف فلسطينيوها بمؤتمر غزة وما نتج عنه، فعقدوا ما أطلقوا عليه مؤتمر أريحا في ديسمبر 1948  برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري رئيس بلدية الخليل آنذاك، و كان من ضمن قراراته ( لا يستطيع العرب مواجهة التحديات إلا بالوحدة القومية التي يجب إن تبدأ بتوحيد فلسطين وشرق الأردن ). وفي عام 1949 أعلن ضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية. الفارق بين ما حصل في غزة والضفة هو فارق إنساني ، كان لصالح فلسطينيي الضفة الغربية الذين حصلوا على الجنسية الأردنية التي مكنتهم من التنقل والسفر والإقامة في غالبية الأقطار العربية بأمان وسهولة، بينما سكان قطاع غزة الذين حصلوا على الوثيقة المصرية ( وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين )، فقد ذاقوا الأمرين والهوان فيما يتعلق بالسفر والإقامة بسبب هذه الوثيقة، التي كان مكتوبا في صفحتها الثانية ( لا يسمح لحامل هذه الوثيقة بدخول جمهورية مصر العربية إلا بعد حصوله على تأشيرة دخول مسبقة ).

وبالتالي أين هو الوطن البديل؟

الذي يعتبره الزميل الدكتور النابلسي قائما منذ عام 1950 . خاصة أنّ ما ينقض هذا الاستنتاج أنّه في عام 1964 والضفة الغربية جزء من المملكة الأردنية الهاشمية وسكانها يحملون الجنسية الأردنية، وافق المرحوم الملك حسين بن طلال على عقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في مدينة القدس في الثامن والعشرين من أغسطس 1964 الذي أعلن فيه المرحوم أحمد الشقيري قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وانتخب الشقيري أول رئيس للجنتها التنفيذية. وأين هو الوطن البديل طالما أنّ الضفة الغربية وهي جزء من المملكة الأردنية وقطاع غزة وهو تحت الإدارة العسكرية المصرية، تمّ احتلالهما عام 1967 مما يعني أنّ كامل فلسطين التاريخية أصبحت تحت الاحتلال الإسرائيلي؟. وأين هو الوطن البديل طالما أنّ منظمة التحرير الفلسطينية في زمن رئيس لجنتها التنفيذية المرحوم ياسر عرفات قامت في عام 1993 بتوقيع اتفاقية أوسلو مع دولة إسرائيل، معترفة بهذه الدولة ضمن حدود عام 1967 ؟ و بعد أن عادت قيادة المنظمة لغزة والضفة بإسم السلطة الفلسطينية، ما زالت أقصى حدود مطالبها قيام دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 ؟. وقبل ذلك بناءا على طلب منظمة التحرير الفلسطينية ومؤتمر القمة العربي بأنّ منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وافق المرحوم الملك حسين بن طلال على ذلك عام 1988 ، ولثبيت ودعم الكيانية الفلسطينية، أعلن فكّ الارتباط بين الضفة الغربية والمملكة الأردنية الهاشمية، مما يعني أنّ الضفة الغربية جزء من الدولة الفلسطينية المنشودة، وتديرها فعلا السلطة الفلسطينية منذ عام 1994 رغم كل الاختراقات والمستوطنات الإسرائيلية وأيا كانت تلك المساحة التي تحت سيطرة السلطة في الضفة وحماس في غزة.

وكنتيجة نهائية لا وجود للوطن البديل،
وإذا ما تمكنت السلطة الفلسطينية وحركة حماس وكافة التنظيمات الفلسطينية من إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن أية حدود يريدونها، وتمكنت من الحصول على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فليعد عندئذ من يريد العودة من الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية، أو الأمريكيين ذوي الأصول الفلسطينية مثل الزميل الدكتور النابلسي، أو النرويجيين من ذوي الأصول الفلسطينية مثلي...إلخ. وبالتالي فلا وجود لهذه الفزاعة التي اسمها الوطن البديل إلا في عقول وأوهام بعض الجماعات اليهودية المتطرفة التي ترفض قيام أية دولة فلسطينية ضمن أية حدود. ففلسطين هي فلسطين مهما طال الاحتلال وعدم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، والأردن هو الأردن مهما تكررت أوهام الوطن البديل، ولا يمكن أبدا استنساخ دولة الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيا في أرض أية دولة عربية أو غير عربية، بدليل أنّ الولايات المتحدة الأمريكية أكبر حليف لدولة إسرائيل تنادي وتدعم حل دولتين مستقلتين لشعبين رغم الخلاف معها حول حدود الدولة الفلسطينية المقترحة ومستقبل المستوطنات الإسرائيلية. فلا الوطن البديل قائما أو ممكنا، ولا الفلسطينيون والأردنيون نياما، بل هم في غاية اليقظة لرفض هذا المشروع الوهمي المشبوه الذي لا وجود له إلا في مخيلة بعض المتطرفين الإسرائيليين، وكان آخرهم النائب الإسرائيلي ( إلداد ) الذي صرّح في جلسة للكنيست الإسرائيلي يوم الأول من فبراير ب ( جعل الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين ). لذلك نكرر بوضوح..لا..وألف لا لأي وطن بديل، ففلسطين هي فلسطين لشعبها، والأردن هو الأردن لشعبه من كافة المنابت والأصول.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com



106
هذا لم يحدث عربيا إلا في الأردن:
المعارضة الأردنية توجان الفيصل تحاضربحماية المخابرات
د.أحمد أبو مطر
السيدة توجان الفيصل النائبة الأردنية السابقة والكاتبة المعروفة بصراحتها وشجاعتها غير المعهودة، تفرض عليك احترامها اتفقت مع ارائها أم اختلفت، وذلك بسبب وضوحها في التعبيرعن قناعاتها بدون لف ودوران أو خوف أو مراعاة لأحد، فهي إمرأة حديدية بمعنى الكلمة، خاصة أنّها كانت أول إمرأة أردنية تدخل مجلس النواب الأردني في دورته بين عامي (93 – 1997 )، وكانت نائبة مشاكسة بجرأة شديدة، مهما بلغت نسبة الاختلاف مع تطرفها في طرح أرائها، إلا أنّها قناعاتها الشخصية التي ينبغي احترامها طبقا لمعايير حرية الرأي خاصة عندما كانت نائبة في البرلمان مما يعني أن انتخابها كان من خلال جماهير مقتنعة بجدوى وجودها في مجلس النواب.

ما هي مناسبة هذا القول الآن؟
المناسبة مهمة للغاية خاصة في ظروف مصادرة حرية الرأي والتعبير في العديد من الأقطار العربية، ودور الأجهزة الأمنية ودوائر المخابرات تحديدا في لعب دور هذه المصادرة. والمناسبة الخاصة بالسيدة توجان الفيصل تستحق التوقف والتثمين لمن قام بهذا الدور، وهو كما نشرته العديد من وسائل الإعلام الأردنية ، وروته توجان الفيصل شخصيا ل "الجزيرة نت" يوم الأربعاء الأول من فبراير 2012 كالتالي:
(قالت المعارضة البارزة توجان فيصل إنها تعرضت لتهديد بالقتل أمس الثلاثاء من قبل مجهولين، طلبوا منها عدم التوجه لمدينة الكرك تلبية لدعوة وجهت لها لإلقاء كلمة في إحدى الندوات هناك. وأضافت فيصل: أن ثلاثة أشخاص حضروا إلى باب منزلها قبل ظهر الثلاثاء، وسألها اثنان منهم إن كانت متوجهة للكرك للمشاركة في ندوة حول الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح. وتابعت "أجبت بتأكيد توجهي للكرك"، فأخبرني اثنان من الموجودين: الأفضل ألا تذهبي إذا بدك تظلي عايشة.. فيما كشف الثالث عن مسدس كان يحمله تحت معطفه، وهو ما أشعرني بجدية التهديد .وتحدثت فيصل عن اتصالها بمكتب رئيس الوزراء وإبلاغها لمرافقه الشخصي بما تعرضت له، حيث عاد المرافق وأخبرها بأن المخابرات نفت أي علاقة لها بالأمر وأنها مستعدة لحمايتها في طريق ذهابها للكرك وعودتها من هناك.وقالت "حضرت سيارتان بالفعل من المخابرات لحراستي، ونظرا لتعطل سيارتي الخاصة ، أحضروا سيارة ثالثة وأقلتني للكرك حيث ألقيت كلمتي في الندوة هناك .واعتبرت توجان الفيصل أن سابقة تحققت أمس في الأردن “،حيث ذهبت لإلقاء كلمة في حشد معارض شارك به المعارضون سالم الفلاحات ورياض النوايسة بحماية من المخابرات”. وأضافت : "أتمنى أن تكون حماية المعارضين ومعرفة من يمارس البلطجة ضدهم نهجا عاما لا ردة فعل ".ورفضت المعارضة البارزة اتهام أي جهة بالوقوف وراء تهديدها.
أهمية هذا الحقائق الواردة تكمن في،
أولا: أنّها سابقة نادرة في الأقطار العربية أن يتولى جهاز مخابرات دولة عربية القيام بحماية معارض من وزن السيدة توجان الفيصل التي يعرف الجميع حجم انتقاداتها للعديد من المظاهر والممارسات في الحياة الأردنية الرسمية والشعبية، والقيام بإيصالها لتجمع شعبي لتلقي محاضرة فيه ليس مستبعدا أنّها ستنتقد كعادتها بعض الأداء الحكومي، ثم يقوم نفس الجهاز بإعادتها سالمة لبيتها. وضمن نفس السياق،كان الملك عبد الله الثاني قد أوعز بتوفير حماية مسلحة للمعارض البارز ليث شبيلات العام 2011، رغم انتقاداته الشديدة لغالبية أجهزة الدولة ورؤسائها، محمّلا الحكومة مسؤولية أي اعتداء يتعرض له. وتقوم نفس الأجهزة الأمنية بتوفير الحماية الأمنية لمقرات جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة بعد الحادث المؤسف المتمثل في حرق مقر الحزب في مدينة المفرق يوم الجمعة الثالث والعشرون من ديسمبر 2011 ، وكان واضحا أنّه من شباب مناهضين للحركة الإسلامية، كانوا لا يريدونها أن تقيم فعاليات ونشاطات في مدينتهم، وهذا منطق خاطىء لأنّه لا يمكن تجيير مدينة في أية دولة لفئة من البشر سواء كانوا عشيرة أو حزبا، فكل مدن أية دولة هي وطن لجميع المواطنين في أية مدينة يقطنون ولأي حزب ينتمون.
ثانيا: هو أن يكون حماية المعارضين ومعرفة من يمارس البلطجة كما قالت توجان الفيصل ( نهجا عاما لا ردة فعل ). أي أن يكون سياسة عامة لها تطبيقاتها القانونية من أجهزة الأمن والمخابرات، وليس هبّة وقتية لكل حادث من هذا النوع. ولا ينكر أي مراقب أن ما تشهده الأردن من احتجاجات واعتصامات وحشود يكاد يكون يوميا، ومن الصدق أن نسجّل أنّه نادرا ما يحدث احتكاك بينهم و بين رجال الأمن، وهذه ظاهرة تستحق التقدير والتثمين. وللموضوعية يجب على قوى الأمن أن تضبط كل من يقوم بهذه التجاوزات لتظهره على حقيقته، من هو ومن أرسله لممارسة البلطجة والتشبيح سواءا أفرادا أم أحزابا أم جهات حكومية، فبهذه الممارسة تقترب أجهزة الأمن والمخابرات من مواطنيها وشعبها ويصبحون دعما لها في مواجهة ما يواجهه الوطن من مخاطر، خاصة في ظلّ حساسية الأردن بسبب موقعه الجغرافي والحدودي مع أكثر من منطقة توترعربية. وهذا الاحتكاك السلمي بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية يحدث حتى في الدول الديمقراطية، كما لاحظنا في شهر نوفمبر 2011،الاحتكاكات بين الشرطة الأمريكية وحركة (احتلوا وول ستريت) في إحدى الساحات بمدينة نيويورك، وأجبرت الشرطة المحتجين المعتصمين سلميا على مغادرة المكان بعد أن قامت بتفكيك خيامهم.
إذن من يمارس البلطجة والتعديات التي نرى بعضها؟
من الشجاعة أن نعترف أنّه في أحيان كثيرة يقوم بهذه البلطجة في بعض الدول ذات الهامش الديمقراطي الواسع كالكويت والأردن، أفراد من الشعب يضعون الانتماء والعرف العشائري فوق قانون الدولة وهيبتها. وهذا لا يليق لا بالأفراد ولا العشائر نفسها. فكيف يمكن أن نفهم تهجم عشيرة كويتية على خيمة مرشح نيابي وحرقها مما استدعى فوضى عارمة وتهديدات أدت إلى تدخل رجال الأمن. وفي الأردن كيف نستوعب قيام  بعض الشباب يوم الأحد الثلاثين من يناير الماضي بالتهجم شديد اللهجة وبعبارات نابية على خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في بيت العزاء الخاص بالمناضل بهجت أبو غربية، والغريب أنّ بعض هؤلاء المتهجمين من الحزبيين المعروفين. و لو لم يتحاشى خالد مشعل ووفده الرد على المتهجمين، أما كان ممكنا عندئذ أن يحدث اشتباك وعراك بالأيدي وغيرها؟. و فورا سنجد من يقول أنّ هذا مدبر من الأجهزة الأمنية لإفشال زيارة خالد مشعل إلى الأردن التي فتحت صفحة جديدة بعد انقطاع دام 13 عاما.
وفي قضية الدكتور أحمد عويد العبادي
هناك قضية عدلية رفعها ضده مجموعة من المتقاعدين العسكريين، فتمّ استدعاؤه للمحكمة، فهل من المنطقي أو الحكمة رفض قرار المحكمة واللجوء لحماية العشيرة؟. منطق وهيبة الدولة، أية دولة، يفترض الامتثال لطلب المحكمة كي نؤكد وجود قانون يحمي أمن وسلامة الجميع، إذ بدون ذلك بدلا من أن نتقدم نحو دولة مدنية ديمقراطية لجميع مواطنيها سنعود لمنطق وعرف العشائر الذي مع احترامي لكافة العشائر الأردنية لا يجوز أن نحتكم إليه في قضايا عدلية لها علاقة بأمن الدولة ومستقبل النظام المظلة لجميع الأردنيين من كافة العشائر والمنابت والأصول. ولأن المسألة تتعلق بهيبة الدولة واحترام القانون، أصرّت أجهزة الأمن على أن يقوم بتسليم نفسه للمحكمة وهذا ما تمّ مساء الخميس الثاني من فبراير الحالي، حيث سيباشر مدعي عام محكمة أمن الدولة التحقيق معه. وفعلا من المنطقي السؤال: ماذا كسب الدكتور أحمد عويد العبادي من كل هذه الضجة والاستعراض والتحدي لقرار المحكمة العدلي سوى أنّ أقرب المقربين له، تخلّوا عنه وأصدرت الحركة الوطنية الأردنية التي ينتمي إليها بيانا بفصله، وهذا نصه:
( تفاجأت كوادر الحركة الوطنية الاردنية بتصريح الدكتور أحمد اعويدي العبادي على موقع خبر جو، والذي يقول فيه أنه سيعلن الجمهورية الاردنية ، وأنه سيعلن من واشنطن ويكون بذلك يستقوي بالخارج
وبناء عليه دعت الحركة الوطنية الاردنية الى اجتماع عاجل تدارست فيه أبعاد هذا التصرف اللامسؤول وقررت مايلي:
1 .اعتبار الدكتور احمد عويدي العبادي خارج الحركة الوطنية الاردنية وجميع أطرها، وقطع أي اتصال معه، وإن كل ما صدر عنه يمثله شخصيا فقط.
2 .التاكيد على ثوابت الحركة الوطنية الاردنية المعلنة في برنامج الحركة وفي مؤتمرها الاول وجميع ادبياتها والتي التف حولها الاردنيين.
3 .الدعوه الى اجتماع موسع لكوادر الحركة الوطنية الاردنية ودعوة عدد من الرموز والشخصيات الوطنيه لاختيار رئيس للحركه.
عاش الاردن حرا عزيزا
امين سر الحركة الوطنية الاردنية
(رشيد كراسنة، أبو الحكم ).

هذا وقد أعلن لاحقا تعيين الناشط السياسي سعود الغويين رئيسا للحركة بالوكالة بعد اجتماع عقده المكتب التنفيذي للحركة، مؤكدين الاستمرار في اجراءات تأسيس حزب جبهة العمل الأردني كذراع سياسي للحركة.
 مع أنّه كان بإمكان الدكتور العبادي بدون هذه الضجة أن يمثل للتحقيق، ويثبت أنّ ما أدلى به يقع ضمن حرية الرأي والتعبير، وكان سيجد فعلا من يقف معه ويسانده، أمّا الاحتماء بالعشيرة ضد القانون والدولة فهي سابقة لم أسمع بها سابقا لا في الأردن ولا في أية دولة عربية. لذلك كان موقفا شجاعا أيضا من عشيرته، أن اجتمع وجهاؤها صباح الأحد الموافق الخامس من فبراير الحالي لمناقشة ما أسموه ( الأحداث المؤسفة  التي وقعت يومي الخميس والجمعة، مؤكدين الولاء والانتماء للعرش الهاشمي الذي ورثوه عن أبائهم وأجدادهم، وتأييدهم لرؤية جلالة الملك المفدى على منهجية الإصلاح السياسي والاقتصادي في المملكة الأردنية الهاشمية ومحاربة الفساد والمفسدين ). وطالبوا ب ( العفو عن جميع المعتقلين على أثر الأحداث المؤسفة التي حدثت..وكذلك العفو عن الدكتور أحمد العويدي مع تأكيده والتزامه بالولاء للعرش الهاشمي ). وأنا أعتقد أنّ هذه الزوبعة ستنتهي بما يحقق الوئام والوفاق الذي من شأنه دفع عجلة الإصلاح المطلوبة في الأردن التي يستمر الحراك الشعبي في المطالبة بها والتسريع في تنفيذها.
 لذلك فإن هذا الدور السلمي للأجهزة الأمنية الأردنية من المهم العمل على تطويره أكثر مما هو الآن، ليصبح فعلا حاميا لهذه الهوامش الديمقراطية الواسعة وحرية التعبير والتعددية السياسية التي هي الوسيلة الوحيدة لبناء دولة عصرية. وكي استبق تعليقات البعض من القراء الأعزاء أقول بوضوح: إنني سوف أثمن أي هامش ديمقراطي وتعددية حزبية في أي قطر عربي وأي دور حضاري لأجهزتها الأمنية حتى لوكانت من الدول والأنظمة التي انتقدتها بعنف. وإذا وجد هذا الهامش والممارسة والتعددية والهدوء في التجمعات والاعتصامات في أية دولة عربية أخرى، تناسيتها أو تغافلت عنها فلينبهني السادة القراء لمتابعة ذلك وتثمينه.  فلا مصلحة لي إلا مع مصلحة المواطن العربي الذي شبع قهرا وظلما قبل أن يشبع خبزا وطعاما.
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net







107
أين الشعوب العربية من نصرة الشعب السوري؟

أحمد أبو مطر

ما يجري في سوريا المنكوبة بنظام عائلة الأسدين الأب والإبن منذ 42 عاما فقط لا يتصوره عقل، فمنذ ما يزيد على عشرة شهور من قتل وقمع وتعذيب بواسطة نظام عائلي أسدّ على شعبه فقط، يطرح سؤال مهم وهو: أين الشعوب العربية من نصرة الشعب السوري؟. ما يزيد على ستة ألاف قتيل وعشرات ألاف المعتقلين والمفقودين من الشعب السوري، وكافة الشعوب العربية ساكتة صامتة غائبة أو مغيّبة، وكأنّ الأمر لا يعنيها أو كأنّه يحدث في عالم خيالي وليس في قطر عربي ضد شعب شقيق، لم يتعرض لمثل ما يتعرض له سوى الشعب العراقي وأيضا على يد بعث صدّام وعصاباته، كما هو الحال الآن في سوريا على يد بعث الأسدين وعصاباتهما.

وماذا تستطيع أن تفعل هذه الشعوب؟.

تستطيع هذه الشعوب من المحيط إلى الخليج أن تفعل الكثير لدعم الشعب السوري المظلوم ظلما أبشع من أي ظلم تعرض له أي شعب عربي، ورغم إدانة جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، إلا أنّ جرائم نظام الأسدين الأب والإبن فاقت جرائم الاحتلال، لأنّها جرائم من شخصين وعصاباتهما يدعيان أنهما ينتميان للشعب السوري، وكما قال الشاعر العربي طرفة بن العبد في معلقته الشهيرة:

وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة      على النفس من وقع الحسام المهنّد

إنّ مستوى جرائم هذين الأسدين منذ عام 1970 لا يمكن أن يجعلهما من (ذوي القربى)، لأنّ أي قريب لا يمكن أن يرتكب في أقربائه واحد على مليار من نسبة جرائمهما وعصاباتهما وأصهارهما وأخوالهما سارقي ثروة الشعب السوري. أي قريب هذا الذي  يستعمل الدبابات والمدرعات والمدفعية في قصف الشعب الأعزل لدرجة أنّ مساجد الله تعالى لم تسلم من جرائمهم. وما قيمة الحسام المهند يا طرفة بن العبد بالنسبة لمدرعات وقذائف هذا النظام القاتل مع سبق الإصرار، لأنهم تنعموا بثروة الشعب السوري بعد أن جاءوا من القرداحة عام 1970 مواطنين عاديين لا يملكون أكثر مما يكلكه أي موظف سوري بسيط ، فتملكوا البلاد والعباد عبر أجهزة أمنية قمعية يصعب إحصاء عددها، وبالتالي أصبح شعارهم ( لا رحيل سلمي من السلطة، إمّا نحن أو الشعب السوري. وإلا فعلينا وعلى الشعب السوري).

ومن الأمثلة والأعمال المستطاعة للشعوب العربية،

لماذا لا تتظاهر هذه الشعوب في عواصم بلادها ومدنها وقراها دعما للشعب السوري واستنكارا لمذابح الأسد وعصاباته وشبيحته؟

لماذا لا تطالب هذه الشعوب حكوماتها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام  وإغلاق سفاراتها وسحب سفرائها لتشكّل عزلة وقطيعة معه؟

لماذا لا تطالب هذه الشعوب بطرد سفراء النظام من بلادها وإغلاق سفاراته؟

لماذا لا تطالب هذه الشعوب كافة رعاياها بمغادرة سوريا كي يروي كل واحد منهم ما شاهده من جرائم هذا النظام، وبالتالي تعرف الشعوب العربية وكافة  أحرار العالم حجم هذه الجرائم؟
لماذا لا تطالب هذه الشعوب بوقف الرحلات الجوية من وإلى حيث يوجد هذا النظام وعصاباته؟

وهناك بدايات يجب البناء عليها

في الكويت،


فمنذ أكتوبر عام 2011 اي بعد حوالي سبعة شهور من اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد، طالب نواب كويتيون حكومة بلادهم والدول العربية بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري. كما نفّذ نواب كويتيون ومواطنون سوريون من المقيمين في الكويت اعتصاما، أعلن فيه النائب الكويتي وليد الطبطبائي ( إن الموقف الرسمي العربي إذا استمر على وتيرته الحالية سيكون متورطاً بقتل مواطنين سوريين )،وطالب "بطرد السفراء السوريين من الدول العربية والاعتراف بالمجلس الوطني السوري الذي أصبح ممثلاً لكافة الطوائف من الشعب السوري "، وهاهي تتطبق تحليلات النائب الطبطبائي في أرض الواقع السوري بمعدل قتل يومي لا يقل عن خمسين مواطنا.

وفي الأردن،

منذ نوفمبر 2011 ،استنكر حزب الوسط الإسلامي الأردني ما وصفه بـ”الأعمال الإجرامية” التي تجري في سوريا، مطالبا الحكومة الأردنية بطرد سفير النظام السوري من عمان وسحب السفير الأردني في دمشق. وأشار الحزب في بيان له إلى أن تلك الإجراءات ستمثل “ضغطا وحصارا” للنظام السوري الذي يراهن في الوقت الحاضر على تردد بعض الدول العربية وخاصة دول الجوار ومنها الأردن في تنفيذ قرارات الجامعة العربية.وأضاف البيان أن “الأردن مطالب في هذه الأيام بأن يقف موقفا تاريخيا جريئا وواضحا مع الشعب السوري المجروح لأن النصر في نهاية المطاف للشعوب لأنها الباقية أما حكامها فإنهم ماضون. وكذلك الحزب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية ( حزب جبهة العمل الإسلامي)، كان قد طالب الحكومة بالمسارعة إلى سحب سفير الأردن من دمشق تنفيذا لقرارات الجامعة العربية. و أعلن رئيس مجلس شورى الحزب المهندس علي أبو السكر إن المصلحة الأردنية تتجسد في الوقوف إلى جانب الشعب السوري الذي يتعرض لابادة جماعية ،موضحا أنّ الشعب السوري هو الباقي و نظام الأسد إلى الزوال.

وإذا كانت هناك ظروف خاصة بالأردن ولبنان،

بحكم الجوار مع هذا النظام القاتل تمنعهما أن يكونا البادئين بهذه الخطوات، فلماذا التردد من شعوب وحكومات العرب الأخرى، خاصة ذات الثقل الذي من شأنه التأثير في بنية النظام الأسدي القاتل، وبالتحديد مصر ودول الخليج العربي والدول التي تخلصت من الطغاة في تونس وليبيا ودول المغرب العربي؟.

وها هي الجامعة العربية،

تعلن بلسان أمينها العام نبيل العربي "وقف عمل بعثة المراقبين العرب في سوريا بشكل فوري بسبب لجوء الحكومة السورية إلى تصعيد الخيار الأمني ما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا". وقال العربي في بيان رسمي (أنه قرّر بعد مشاورات مع عدد من وزراء الخارجية العرب وقف عمل بعثة المراقبين العرب في سوريا بشكل فوري)،  وأوضح  (أنّ هذا القرار اتخذ بالنظر الى تدهور الاوضاع بشكل خطير في سوريا والى استمرار استخدام العنف وتبادل القصف وإطلاق النار الذي يذهب ضحيته المواطنون الابرياء ". وحتى رئيس بعثة المراقبين العرب الفريق السوداني محمد الدابي الذي كان يشكّ البعض في حياديته، قد أعلن صراحة : ( أن معدلات العنف في سوريا تصاعدت بشكل كبير في الفترة من 24 إلى 27 يناير ،وخاصة في مناطق حمص وحماه وإدلب) .

لذلك فالأرضية العامة و خلفيات جرائم نظام الأسد تستدعي تحركات جماهيرية شعبية عربية في مختلف الأقطار العربية، دعما للشعب السوري في مواجهة الطاغية وعائلته وأخواله وعصاباته، مطالبة حكوماتها بمقاطعته وتشديد العقوبات عليه، تحفيزا لدول العالم لمزيد من المقاطعة والضغوط إلى أن يسقط هذا النظام. وإلا ما معنى تغنينا بأنّنا أمة عربية واحدة؟ كيف ترضى أمة عربية واحدة هذا البطش والقتل والإجرام المنظّم ضد شعب من شعوبها، هو الشعب السوري الذي يعاني منذ  42 عاما من نظام بعث الأسدين؟.
ahmad.164.@live.com




108
إخوان الأردن والمشاركة في الحوار وتحفيز الإصلاح الحقيقي

د.أحمد أبو مطر

إن كنت من محبي ومؤيدي جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أو من معارضيهم وكارهيهم، فهذا لا ينفي أنّهم القوة الحزبية الرئيسية في الحياة السياسية في الأردن، خاصة في ظلّ وجود ما لا يقل عن عشرين حزبا مرخصة رسميا من وزارة الداخلية الأردنية، أغلبها مجرد تشكيلات لا قاعدة شعبية واسعة لها بين الجماهير الأردنية، وهذا لا ينفي حقها في العمل السياسي والحزبي أيا كان عدد أعضاء كل حزب، فهذه هي صفة الديمقراطية الحقيقية والتعددية السياسية التي أطلقها الراحل الملك الحسين بن طلال عام 1989 بعد أحداث مدينة إمعان الأردنية التي كانت أول تحرك جماهيري أردني، كان الحسين الراحل في مستوى تطلعات الجماهير فأطلق مستوى عاليا من الحريات الديمقراطية والتعددية الحزبية، ما زالت تزخر بها الحياة السياسية الأردنية حتى اليوم، مما أوجد سقفا عاليا من الحراك الجماهيري لم يقابل بأي نسبة من العنف الرسمي قياسا بما شهدته حراكات شعبية في أكثر من دولة عربية، وهذا ليس دعاية للنظام بقدر ما هو حقيقة يعيشها المواطن الأردني، فمنذ بداية عام 2011 شهدت المملكة عشرات الاعتصامات والتجمهرات دون أن يقتل فيها أحد، ما عدا ذلك المواطن الوحيد الذي قتل في تجمهر ميدان الداخلية في مارس 2011 ، ومن بعد هذا الحادث الوحيد تستمر التجمهرات الشعبية والاعتصامات النقابية التي فعلا تكاد تكون يومية، مطالبة بالإصلاحات ورفع الرواتب وعدم رفع الأسعار وملاحقة الفساد والفاسدين دون أي تعرض لهم من قوات الأمن أو الجيش. وكذلك الحادث المتخلف الذي قام به البعض وهو حرق مقر جبهة العمل الإسلامي في مدينة المفرق في ديسمبر 2011 ،و كان عدد المصابين في فك الاشتباكات من رجال الأمن أكثر من المصابين من المواطنين، وكان ممن أصيبوا في ذلك الحادث مدير الأمن العام الفريق حسين هزاع المجالي، أثناء محاولته تهدئة الأوضاع. وللعلم فإنّ المؤكد في الشارع الأردني أنّ من قام بحرق المقر هم مواطنون مناوئين لحزب جبهة العمل الإسلامي، ويعتقد بعضهم أنّه لا يحق للحزب إقامة أية تجمعات أو نشاطات في مدينتهم بدون إذنهم، ويستفاد ذلك من بيانات صدرت في المدينة بعد ذلك الحادث المؤلم، دون أن يعرف الذين قاموا به أنّ عملهم هذا موجه للأمن والاستقرار والدولة الأردنية أكثر مما هو موجه لحزب جبهة العمل الإسلامي أكثر الأحزاب الأردنية انتشارا وتأثيرا بين الجماهير الأردنية.

بدايات إخوان الأردن برعاية ملكية

من المعروف تاريخيا أن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، كان في مدينة الاسماعيلية المصرية عام 1928 على يد مؤسسها الأول المرحوم حسن البنا، ثم امتدت للعديد من الأقطار العربية والإسلامية، ومنها الأردن حيث تأسست هذه الجماعة عام 1945 بجهود المرحوم عبد اللطيف أبو قورة، في رعاية الملك المؤسس عبد الله بن الحسين الذي قام شخصيا بافتتاح مقرها الرسمي الذي ما يزال موجودا في وسط مدينة عمّان، وظلت هذه الجماعة تعمل بشكل رسمي تحت مسمى ( جمعية خيرية ) إلى أن شرّع الراحل الحسين بن طلال التعددية الحزبية رسميا، فأعلنت الجماعة عام 1992 تشكيل حزبها الرسمي باسم ( حزب جبهة العمل الإسلامي ) الذي شارك في أغلب الدورات البرلمانية، وكان آخرها عام 2007 رغم مقاطعته دورة 2010 . ومما يجب أن لا يغيب عن الملاحظة أنّه طوال هذه الفترة الطويلة من عمل الجماعة الرسمي في الأردن، كانت جماعات الإخوان في أكثر من عاصمة عربية تتعرض للعنف والسجن والاعتقال والحظر، إلى حد أن القانون السوري رقم 94 لعام 1980  في زمن الرئيس حافظ ألأسد ينصّ حرفيا على ( إعدام كل من يثبت انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين )، ومن المعروف أيضا أنّ بعض قيادات الجماعة السورية هربت إلى الأردن في زمن الملك حسين بن طلال، واستقرت بأمان سنوات طويلة مما سبّب توترا في العلاقات السورية الأردنية في بعض الأحيان.

ما المقصود من هذه المعلومات التأسيسية؟

المقصود بصراحة شديدة أنّ جماعة الإخوان المسلمين الأردنية وحزبها السياسي ( حزب جبهة العمل الإسلامي )، قديم الجذور في الساحة الأردنية بفضل رعاية النظام الملكي الأردني، لذلك أعلنت الجماعة في الشهور الماضية مرات عديدة على أنّهم مع استمرارية النظام الملكي في الأردن، ويطالبون بالإصلاح الحقيقي فقط. وقد كانت أوضح هذه التصريحات ما صدر عن الشيخ حمزة منصور الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي في يناير 2011 مع انطلاقة الثورات العربية، حيث قال: (إخوان الأردن سيستمرون في رفع شعار المطالبة بإصلاح النظام لكنهم لن يرفعوا أبدا شعار إسقاطه أو الانقلاب عليه ). وأردف موضحا ( لسنا دعاة ثورة ولا دعاة انقلاب، نحن دعاة إصلاح، وحتى لو تم التصعيد ضدنا مستقبلا، فإن ذلك لن يخرجنا عن مسارنا في المطالبة بإصلاحات شاملة وحقيقية بوسائل سلمية وبمشاركة جميع الأطياف السياسية بالبلاد ). وأرى أنّ هذا قمة الحكمة والعقلانية من الشيخ حمزة منصور، فهو وجماعته أدرى بأنّ النظام الملكي هو السقف الوحيد الذي يمكن أن يجمع الأردنيين من كافة المنابت والأصول في ظلّ تنامي الأصوات الإقليمية والنزعات العشائرية التي تحاول في مناسبات عديدة أن تكون فوق القانون، مع أنّ كرامة العشائر الأردنية كافة لا يحفظها إلا القانون، مما يعني أنّه من الحكمة والمنطق أن تحتكم فيما بينها من خلافات ومشاكل لمنطق القانون وليس العرف العشائري، كي تسهم في بناء دولة قانون تعطي الجميع حقوقهم بغض النظر عن الأصل والمنبت والانتماء، وهذا ليس صعبا تحقيقه في ظلّ أنّ كافة العشائر الأردنية ساهمت في بناء الأردن الحديث، ولا تخلو عشيرة من الأكاديميين والسياسيين والحقوقيين المرموقين، الذين تقع عليهم مسؤولية الارتقاء إلى مستوى الدولة المدنية العصرية. كما انّ مطلب المحافظة على النظام الملكي في الأردني مع مصاحبة ذلك بالإصلاح الحقيقي الشامل الجذري، هو تأكد من جماعة الإخوان المسلمين أنّ أي نظام آخر أيا كان اسمه لن يتيح لهم هذا القدر من الحريات والتحركات في ضوء نسيج المجتمع الأردني الذي لا يمكن أن يجمعه إلا نظام ملكي يشكل السقف العام والظل لكافة المنابت والأصول.

ما هو المطلوب من الإخوان الأردنيين؟


أرى أنّ جماعة الإخوان المسلمين الأردنية من خلال حزبها (جبهة العمل الإسلامي ) تستطيع القيام بدور جذري في دفع عملية الإصلاح الشاملة في المملكة الأردنية، وذلك من خلال فعاليات وتحركات لا أمليها من طرفي على أحد بقدر ما هي رؤية تحليلية لمعرفتي العميقة بالواقع الأردني، وحتما جماعة الإخوان المسلمين يعرفونها أكثر وأعمق مني. رؤيتي هذه تتلخص فيما يلي:

أولا: مشاركة الجماعة وحزبها في كافة الحوارات الخاصة بتفعيل الإصلاحات، مهما رأت واعتقدت أن هناك تأخيرا في العملية، لأنّ أي مطالب بالإصلاحات لا يستطيع دفعها إلى الأمام وهو في وضع المراقب تاركا التحرك لفعاليات أخرى أقل منّه تأثيرا في الشارع الأردني.

ثانيا: أهمية المشاركة في الانتخابات البرلمانية والبلدية من المنطلق ذاته، لأنّ البرلمان هو من يشرّع القوانين ويلاحق كافة القضايا والتجاوزات الحكومية، وبالتالي فإن وجود حزب جبهة العمل الإسلامي داخل مجلس النواب الأردني مهما كان عدد أعضائه الفائزين بالعضوية، من شأنه أن يشكل رقابة وحضورا فاعلا سيدعم عملية الإصلاحات الشاملة التي تطالب بها الجماعة وحزبها، وتدعمها في ذلك غالبية الجماهير الأردنية.

ثالثا: وهو مهم للغاية حسب قراءتي للواقع الأردني، وهو ضرورة تركيز الجماعة وحزبها على الشأن الداخلي الأردني بعيدا عن أية أجندات إخوانية إقليمية أو دولية من خلال الارتباط بسياسات القيادة العالمية للجماعة، لأن الشأن الأردني الداخلي يستحق كافة جهودها وفعالياتها. ومن هذا المنطلق كان الإشكال القديم الجديد وهو الارتباط بين الجماعة الأردنية وحركة حماس الفلسطينية، الذي أعتقد أنّه في طريقه لحل جذري بعد التطورات التي تشهدها حركة حماس ومحاولات فصل جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية عن الجماعة في بلاد الشام، وبالتالي ستكون لحركة حماس استقلاليتها التنظيمية عن الجماعة الأردنية.

تلك هي رؤية تحليلية شخصية، تهدف لدفع عملية الإصلاح الأردنية التي تميزت بعدم الوقوع في دائرة العنف الذي وصل لقتل الألاف في أكثر من عاصمة عربية. وبالطبع نتمنى الإصلاح والحرية والديمقراطية لكافة الشعوب العربية بدون عنف وقتل، فيكفي هذه الشعوب ما عانت طوال ما يزيد على سبعين عاما مضت.
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net






109
محاولة بريئة لاقتراح موضوعات لدراسة فكرالأسدين حافظ وبشار

د.أحمد أبو مطر

 هذه مجرد محاولة بريئة للغاية تخلو من أية نوايا سيئة، سأطرح من خلالها بعض المحاور والموضوعات لمن يحاول دراسة فكر الأسد الأب حافظ ووريثه الأسد بشار، فهو فعلا للأمانة العلمية والموضوعية فكر يستحق الدراسة بأكاديمية موضوعية راقية، ويمكن تقديم أطروحات لدرجة الماجستير والدكتوراة في هذا الفكر، وهذا ليس غريبا على بعض الدارسين العرب الذين وضعوا عشرات الكتب في دراسة فكر الطاغية المقبور صدام حسين، ومنها فعلا أطروحة دكتوراة قدّمتها ( أنمار لطيف نصيف جاسم ) ابنة وزير ثقافة سابق للطاغية صدام، وكانت الأطروحة التي نشرت بعنوان ( القائد وإدارة الصراع، دراسة نظرية مقارنة في الفكر السياسي ). وقد نشرت هذه الأطروحة في كتاب عام 2002 عن دار الجيل والمكتبة الثقافية، وكانت قمة النفاق وازدراء عقلية القارىء، أنّ هذه الأطروحة-الكتاب عن طاغية ارتكب مجازر فظيعة بحق الشعب العراقي عربا وكردا، أن تفتح الكاتبة كتابها هذا بآيتين من القرآن الكريم هما:
( قال الله اصطفه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء )، البقرة 247
( قال الله إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)، البقرة 124

وكون الكتاب عن طاغية هو صدام ومقارنة بفكر من لا فكر له جمال عبد الناصر، فتريد الكاتبة أن تعطي القارىء انطباعا أن هاتين الآيتين القرآيتين ينطبقان على الطاغية المجرم صدام حسين، وإلا لماذا تختار هاتين الآيتين مقدمة لكتابها الذي كله نفاق وكذب وإنشاء خطابي فارغ من أي مضمون، فمن يصدق أنّ لصدام حسين وجمال عبد الناصر فكر في فن إدارة الصراع، يستحق أطروحة دكتوراة مكونة من 460 صفحة.

وعودة لفكر الأسدين في فن إدارة الجرائم

فإنّ سبب هذه المقالة هو الخبر الذي نشر يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من يناير نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية، ومؤداه أنّ اتحاد الكتاب الروس منح بشار الأسد جائزة اتحاد الكتاب الروس، رغم أنّ محرر إيلاف وضع الملاحظة التالية قبل نشر الخبر:

( ننشر هذا الخبر الذي وصلنا عن طريق الوكالة الفرنسية، رغم أنّنا شبه واثقين بأنّ خبر اعطاء جائزة الكتاب الروس إلى بشار الأسد كذبة وزعتها وكالة سانا السورية. فليس هناك أي خبر من هذا النوع في الإعلام الروسي، ولا حتى في الموقع العربي روسيا اليوم، ولا وجود لأسم فاليري غانشيشيف كرئيس اتحاد الكتاب الروس).

وسواء كان هذا الخبر صحيحا أم مفبركا من وكالة سانا كما أشار محرر إيلاف، ففي رأيي أنّه خبر مهم يرقى لمستوى جرائم بشار الأسد المستمرة منذ الخامس عشر من مارس 2011 ، لذلك أعطيته الأهمية لأنّه فتح أمامي آفاق الموضوعات التي يمكن دراستها حول فكر الأسدين الأب والوريث ، وهي فعلا موضوعات يمكن أن يحصل من خلالها أي منافق على درجة الدكتوراة فقط من جامعة دمشق أو من وكالة سانا. وللتطمين فمن يريد أن يدخل باب النفاق والكذب وخيانة الضمير، فعليه أن لا يخجل فهناك من سبقه في هذا الميدان، ويكفي أن أطمئنهم بكتب صدرت فعلا تستحق جائزة العار المشين، ومنها كأمثلة فقط:
كتاب باسم الأب ( بشار الأسد، السنوات الأولى في الحكم). الدار العربية للعلوم 2005 .
كتاب أحمد صوان ( حافظ الأسد، مدرسة قومية خالدة). دار الذاكرة للطباعة والنشر 2002 .
كتاب نجاح العطار ( حافظ الأسد، القائد الذي صنع التاريخ).
من يتخيل هذا النفاق والكذب والافتراء وخيانة الضمير. من يصدّق مهما كان غبيا أو مخلول العقل أنّ حافظ الأسد قائد صنع التاريخ  و مدرسة قومية خالدة؟. والمثير لضحك كالبكاء أن تفتح كتابها بقولها النفاقي المشين: (الحقيقة أعلى من القمر والإنجاز التاريخي قمر لا يغيب ، وإنجازات الراحل الكبير على مداها التاريخي كانت أقماراً ساطعة في سماء العروبة لا يوهن من ضوئها أو يقلل من حقيقتها مكابرة المكابرين ولا يحذفها من سجلات الأيام النيات السيئة أو يطفئ نورها أكثر الشفاه قدرة على نفخ رياح السموم ). من يتخيل نفاق بهذا المستوى المخجل؟.

الموضوعات المقترحة لدراسة فكر الأسدين


1 .( فنون تعذيب الرفيق صلاح جديد ثلاثة وعشرون عاما في سجون حافظ الأسد حتى موته).
2 . (خلفيات اعتقال القياديين البعثيين الأردنيين حكم الفايز وضافي اجميعاني ما يزيد على خمسة وعشرين عاما في سجون حافظ ألأسد).
3 .( أسرار وآاليات حصار ياسر عرفات والمقاتلين الفلسطينيين في طرابلس اللبنانية عام 1983 وقصفهم بالمدفعية الأسدية التي اعتقدت خطأ أنّ طرابلس اللبنانية هي الجولان السورية المحتلة).
4 . (كيفية وفنون قتل ما يزيد على 30 ألفا من السوريين في مدينة حماة عام 1982) .
5 . (فنون استغباء المراقبين العرب في زمن بشار الأسد).
6 .( مهارات وليد المعلم في فبركة أفلام القتل المنظّم).
7  . ( كيف تقتل ستة ألاف مواطنا سوريا في عشرة شهور؟). هذا الموضوع أقترح أن يكتبه ماهر الأسد وآصف شوكت، وتقديمه للحصول على درجة الدكتوراة من ( أكاديمية بشار الأسد في تعليم فن الجرائم).
8 . (كيف تسرق 60 بالمائة من ثروة الشعب السوري في عشر سنوات؟). هذا الموضوع أقترح أن يكتبه نخبة مختارة من أكاديميي آل مخلوف أخوال بشار الأسد.
9 . (مقارنة بين جرائم جمال باشا السفاح ومذابح بشار الأسد الذبّاح). هذا الموضوع أقترح أن يكتبه باحث أكاديمي من منظمة العفو الدولية، ليثبت أنّه مقارنة بجرائم ومذابح حافظ وبشار الأسد طوال 42 عاما، كان من الظلم إطلاق صفة السفّاح أو الجزار على الوالي العثماني جمال باشا.

وعودة لبيان الكتاب الروس،

فهو إن كان قد صدر فعلا ، فلن يكون سوى ضغط من بوتين الحليف والمدافع عن الطاغية القاتل بشار الأسد، الشبيه له في أمور كثيرة خاصة في تزوير الانتخابات وقمع المظاهرات الروسية المناوئة له، والتدوير الرئاسي بينه و حليفه ميدييف، فلا يدافع عن الطاغية إلا شبيه له في قواسم مشتركة عديدة.

ملاحظات قانونية

1 . لاحظت أنّ هناك اختلافات متعددة في صياغة خبر منح الجائزة حسب مصادر بث الخبر خاصة ما يصدر عن وكالة سانا الأسدية، وأيا كان الصحيح فإذا منح اتحاد الكتاب الروس أية جائزة للقاتل بشار ألأسد، فالشعب السوري والعربي لن ينسى هذه الغلطة المشينة، فأية جائزة تقدير لقاتل لشعبه يستحق التقديم لمحكمة الجنايات الدولية؟ وإذا صحّ خبر منح هذه الجائزة لقاتل إسمه بشار الأسد وعائلته فسوف تظلّ هذه الخطوة علامة عار في تاريخ الكتاب الروس.

2 .أنبّه كل من سيختار واحدا من هذه الموضوعات لبحث أطروحة دكتوراة أن يشير للمصدر الذي أخذ منه عنوان الأطروحة، وإلا سوف أشتكيه غير قانونيا لآصف شوكت أو ماهر الأسد، ولا عذر لمن لم ينذر...والسلام لكم وعليكم ومبروك مقدما درجة الدكتوراة المشينة هذه لمن يريد.
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net


110
وماذا عن الأردن مما يجري في الوطن العربي؟

د.أحمد أبو مطر

أود في البداية أن اشير إلى العديد من رسائل القراء والأصدقاء التي تسألني عن رأيي في الوضع الأردني ضمن هذه الثورات العربية المنطلقة ضد أنظمة الفساد والديكتاتورية. وقد سبق أن كتبت عن بعض هذه الجوانب في مقالتي بعنوان ( موقع الأردن من ثورات الغضب العربية ) بتاريخ الخامس والعشرين من مارس 2011 ، أي بعد حوالي ثلاثة شهور من اندلاع الثورات العربية، وبدء حراك شعبي أردني رافعا شعار الإصلاح في كافة ميادين الحياة السياسية والاقتصادية الأردنية. وأعود من جديد للكتابة عن الحالة الأردنية بعد العديد من المستجدات، مذكّرا أنني أبدي وجهة نظري بصفتي مواطنا ومتابعا عربيا، فأنا لست أردنيا ولا أحمل الجنسية الأردنية، ولا توجد لي أية مصالح شخصية أو عامة في الأردن تماما مثل وضعي في سوريا أو أي قطر عربي، فأنا منذ ما يزيد على عشرين عاما مواطنا نرويجيا، وأتحرك وأكتب ضمن ما يكفله لي القانون النرويجي الذي يسمح بنقد البرلمان والملك وأي وزير أو مسؤول طالما هذه الانتقادات موثقة ومبنية على حقائق ومعلومات دقيقة، وإذا حصل ضرر لأحد من هذه الانتقادات فالحكم هو القضاء وليس مباحث أمن الدولة أو دائرة المخابرات كما هو في أغلب الأقطار العربية. ومنذ البداية أود القول أنّ من يعتقد أنّ الأردن هو جنة أفلاطون المثالية فهو مخطىء، وأيضا من يعتبر أنّ الأردن يعيش واحد بالمائة من الجحيم الذي يعيشه الشعب السوري منذ 42 عاما فهو مخطىء أيضا.

ما هي أهمّ مشكلات الأردن المعيقة للإصلاحات الحقيقية؟

في البداية من المهم التذكير بأطروحات جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، أكثر الجماعات والأحزاب حضورا في الشارع الأردني أيا كانت الملاحظات على سلبيات مواقفها أو ايجابياتها التي لا يمكن إنكارها، التي تؤكد دوما على أنهم ليسوا ضد استمرارية النظام الملكي حاكما للأردن ولكنهم مع إصلاح النظام، وهذه مطالب عقلانية تدرك خصوصية نسيج المجتمع الأردني، هذه الخصوصية التي لا تضع مسؤولية إعاقة الإصلاح الجدي على كتف النظام وحده، بل إنّ المجتمع بنسيجه الحالي عبر ما يزيد على ثمانين عاما أيضا يتحمل مسؤولية ربما تكون نسبتها أعلى من نسبة مسؤولية النظام، لأنّ من يرتكبون هذه الأخطاء والسلبيات لم ينزلوا على الأرض الأردنية من مجرات سماوية، بل هم من أبناء هذا الشعب، فقبل تحميل النظام أيا كانت هويته مسؤولية هذه الأخطاء بما فيها الفساد، فلماذا أساسا فكّر ذلك المواطن في ممارسة الفساد، وهو يعرّف أنّ كل ما سيسلبه هو من ثروة الوطن والمواطن، خاصة أنّ القياس العالمي يقول ما معناه ( ظهور كل مليونير يكون على حساب أكثر من مليون فقير ومسلوب الحقوق )، وهذا يضع مسؤولية مهمة على عاتق كافة الجهات الحكومية بضبط ومراقبة مصروفاتها، لأنّ أية تجاوزات مالية تؤدي لفساد ما في أي حقل من الحقول الاقتصادية مسؤولية كل موظف ومواطن، بمعنى عدم إلقاء اللوم دوما على النظام بمجمله ككتلة واحدة، لأنّ النظام هو مجموع المواطنين من أصغر موظف إلى أكبر وأعلى موظف.

1 . التنامي الواضح لمسألة الإقليمية من حيث الأصول، خاصة بين ( أردني من أصول فلسطينية ) و  (أردني أردني ). وللأسف الشديد فإنّ هذه المسألة يتم التعبير عنها بطرق مختلفة وبشكل لا يليق بمسيرة ديمقراطية ومساحة حريات تعبيرية وصحفية متوفرة في الأردن منذ انطلاقة التعددية الحزبية التي بدأها المرحوم الملك حسين بن طلال عام 1989 بعد الحراك الجماهيري في محافظة الكرك، فتمّ ترسيخ الانتخابات البرلمانية والتعددية الحزبية السياسية. والسؤال هنا: من الذي يثير هذه النعرة الإقليمية؟. ولماذا هذه النعرة تتناسى أن نسيج المجتمع الأردني هو خليط تمّ انصهاره عبر ما يزيد على ثمانين عاما، من أصول شامية وكردية وشركسية وشاشانية وفلسطينية وحجازية، فإذا نحن أمام مجتمع فعلا استطاع أبناؤه بناء وطن تميز بمؤسساته المتقدمة في أغلب المجالات خاصة التعليم والجامعات والمستشفيات والمؤسسات الطبية وغيرها. فلماذا النفخ في هذه النعرة الإقليمية خاصة بين الأصول الفلسطينية والأردنية، لأنّه إذا أردنا الحقيقة التاريخية والحدود الجغرافية المفتوحة في زمن الدولة العثمانية والتنقل الحرّ بين الأقطار العربية، فمن الصعب والخطأ أن نقول: هذا أردني وهذا غير أردني، بدليل أنّ هناك عشرات العشائر والقبائل تحمل نفس الإسم في أكثر من قطر عربي خاصة في فلسطين والأردن. وكم كان جريئا الأمير الحسن بن طلال في إحدى لقاءاته قبل شهور قليلة، عندما تحدث عن هذه المسألة بصراحة غير مسبوقة قائلا: ( أنا حجازي والدي من مواليد مكة، فأنا أردني إذا رغبت في ذلك فهل يعقل أن أقول الآن أنني حجازي ). وكذلك الأردني من أصول شامية أو شركسية أو شاشانية، لماذا لا يعرف أحد شيئا عن أصولهم أو يتمّ تذكيرهم أو معايرتهم بها؟. فلماذا لا ينطبق ذلك على ابناء الخليل أو نابلس مثلا، الذين جاءا إلى الأردن استنادا لوحدة رسمية بناءا على انتخابات جماهيرية  بين الضفتين، أعطت شرق الأردن والضفة الغربية اسم ( المملكة الأردنية الهاشمية ) منذ ما يزيد على ستين عاما، وبالتالي أصبح الجميع مواطنين أردنيين، رغم قرار فك الارتباط عام 1988 الذي لم يكن هدفه سوى ترسيخ وجود الكيانية الفلسطينية في مواجهة الادعاءات الإسرائيلية مقدمة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
ولتأكيد هذه المسألة من المهم تذكر فقرة وردت في خطاب الراحل الملك الحسين بن طلال الخاص بفكّ الارتباط في الحادي والثلاثين من يوليو 1988 ، قال فيها ( على أنه ينبغي أن يفهم بكل وضوح وبدون أي لبس او إبهام، أن اجراءاتنا المتعلقة بالضفة الغربية إنما تتصل بالأرض الفلسطينية وأهلها، وليس بالمواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني في المملكة الأردنية الهاشمية بطبيعة الحال، فلهؤلاء جميعاً كامل حقوق المواطنة وعليهم كامل التزاماتها تماماً مثل أي مواطن آخر مهما كان أصله، إنهم جزء لا يتجزأ من الدولة الأردنية التي ينتسبون اليها ويعيشون على أرضها ويشاركون في حياتها وسائر انشطتها. فالأردن ليس فلسطين، والدولة الفلسطينية المستقلة ستقوم على الأرض الفلسطينية المحتلة بعد تحريرها بمشيئة الله، وعليها تتجسد الهوية الفلسطينية ). فهل يعي الجميع في الأردن أهمية وحكمة ووطنية هذا المفهوم الملكي؟.

 إنّ الحل لهذا الإشكال هو أن يسمو الجميع على هذه النزعة التي ليست في مصلحة الأردن حاضرا أو مستقبلا، فلقد تمّ بناء الأردن الحديث بكافة مؤسساته بجهود الجميع دون استثناء، ولا يستطيع أي فرد من أي منبت أو أصل أن يدّعي أنّ منبته أو أصله هو من بنى وأسّس الأردن الحديث بهذا الشكل المتطور رغم فقر الموارد الطبيعية، ولكنّ الغنى الوحيد كان في الموارد البشرية من كافة المنابت والأصول، الذين ساهموا بافتخار عال ليس في بناء أردنهم الحديث فقط، ولكن العديد من أقطار خليجنا العربي، وهذا لا ينكره كتاب ومؤرخو تاريخ وتأسيس دول الخليج العربي نفسه. وما يؤيد تحليلي هذا هو قول الكاتب الأردني المعروف خالد محادين ( ويعرف الكثيرون إن هذا البلد في تاريخه الحديث ولادة ومسيرة، قد أقامته وأسسته الثورة العربية الكبرى ورجالات هذه الثورة وفي المقدمة منهم الهاشميون، وحتى أواخر الستينات من القرن الماضي كان المواطن الأردني الساعي للحصول على جواز سفر يملأ ورقة تحمل إقراره بأنه من التابعية العثمانية، والسياسة والسياسيون المنحرفون ليس في وسعهم تزييف التاريخ وتزييف الحقائق ).
أما فزاعة الوطن البديل،
فهي مجرد خرافة يحاول البعض استخدامها لمآرب لا تخدم استقرار الأردن وتقدمه، وأيا كان المنظرّون لهذه الفزاعة فكما قلت أكثر من مرة، إنّ موضوعة الوطن البديل لا يمكن تطبيقها أو قيامها إلا بتوفر شرطين مستحيلين هما: خيانة الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وتخاذل الشعب الأردني بكافة منابته وأصوله. أي أن يكون الشعب الفلسطيني خائنا يتنازل عن وطنه ليستنسخ قيام دولة إسرائيل بقيام دولة له على أرض بديلة هي الأردن، وهذا مستحيل حصوله. وأيضا تخاذل الشعب الأردني في الدفاع عن وطنه ويقبل قيام هذا الوطن المسخ على أرضه، وهذا مستحيل قبوله من أي أردني أيا كانت منابته وأصوله. لذلك فليتوقف الجميع عن استعمال هذا الفزاعة التخويفية التي هي من المستحيلات المؤكدة، لن يقبلها أي فلسطيني أو أردني.
 وقد شدّد الملك عبد الله الثاني شخصيا في ديسمبر 2011 في لقاء جمعه مع نخبة من مثقفين وشخصيات ورجال الجيش الأردني ( على استحالة تنفيذ فكرة الوطن البديل، لأنّها مرفوضة حكوميا وشعبيا، والأردن قادر على الدفاع عن وجوده شعبا وأرضا وكيانا مستقلا ). وقبل ذلك في نوفمبر 2011 ، أكّد السيد طاهر المصري رئيس مجلس الأعيان الأردني في كلمة له في كلية الدفاع الوطني استحالة تنفيذ هذه الفكرة قائلا: (إن الأردن وطن مستقل بهويته الوطنية الأردنية ، وهو ليس وطناً بديلاً لأحد ، ولن يكون ، وأن كل من يحمل الجنسية الأردنية ، هو أردني ، وعليه أن يتصرف على هذا الأساس ، وبالتالي فإن هويته أردنية ). وللعلم أيا كانت أهدافه فقد صرّح افيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي في الرابع عشر من نوفمبر 2011 ب ( أنّ الحديث عن أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين يتنافى والمصلحة الإسرائيلية والقانون الدولي ومعاهدة السلام الموقعة بين البلدين عام 1994 ).
 إذن فليقبر الأردنيون من كافة المنابت والأصول فكرة الوطن البديل التي هي مجرد فزاعة للبعض، وهي خرافة مستحيلة التحقيق، لأنّه لا يسعى لها أي أردني من أي أصل. وما سيعزز قبر هذه الفكرة أردنيا هو تحقيق المساواة الكاملة بين الأردنيين وتطبيق القانون على الجميع بنفس القياس والمستوى، وهذا ما يتحدث عنه كثير من المسؤولين الأردنيين أيضا، خاصة مسألة سحب الأرقام الوطنية من البعض وهي مسألة ليست سرّية وتناقش في كافة المنتديات الأردنية الرسمية والشعبية، ومما يليق بالمسيرة الديمقراطية الأردنية التعجيل في حلّ وإنهاء هذا الملف قانونيا ودستوريا لضمان حقوق الجميع بشفافية ومصداقية وعدالة عالية. وهنا أستعيد قولا مشهور للراحل الملك الحسين بن طلال كرّره في العديد من خطاباته فحواه، ( أنّ من يثير النعرات الإقليمية حسب أصول ومنابت الأردنيين هو عدوي ليوم القيامة). وكرّر نفس المفهوم تقريبا الملك عبد الله الثاني، لأنّ الجميع يدرّك أنّ الأردن الحديث قام بجهود وعرق الجميع من كافة المناصب والأصول رغم شحة الموارد الطبيعية، ورغم كل الصعوبات فتظلّ الحياة الأردنية أيسر منها في بعض الأقطار العربية التي تمتلك مقدرات وإمكانات طبيعية أكثر بنسبة عالية مما يتوفر للأردن، وهذه المعلومة نتيجة تجوالي الدائم في العديد من هذه الأقطار العربية.
2 . تنامي النزعة العشائرية التي في أحيان كثيرة تطغى على القانون، وهي مسألة لا تليق بعشائر الأردن الكريمة جميعها، هذه العشائر التي على أكتاف أبنائها جميعا تمّ بناء الأردن الحديث بكافة مؤسساته وجامعاته ومستشفياته التي تعتبر في مقدمة مثيلاتها في الأقطار العربية. لذلك فإنّه من مصلحة سمو هذه العشائر الأصيلة أن تحتكم لقانون الدولة في كافة أمورها وقضاياها ومشاكلها، لأنّه من المستحيل عدم وجود صلات قرابة أو جيرة أو مصاهرة بين أية عشيرتين، فليكن القانون المدني والقضائي هو الحكم في أية حالة أو مشكلة، وهذا من شأنه ترسيخ السمعة الطيبة عن وطنهم الأردن في كافة المجالات. والدور في هذا الأمر موكول لزعماء العشائر الذين يحظون باحترام وتقدير عاليين في أوساط عشائرهم والمجتمع الأردني كافة، وكذلك الدورموكول للكتاب والمثقفين والسياسيين وأعضاء البرلمان الذين لا تخلو منهم أية عشيرة أردنية.

ما هي متطلبات المواطن الأردني في الربيع العربي؟

1 . الإسراع في البت القانوني العادل في كافة ملفات وقضايا الفساد التي لم تعد سرّا بدليل تشكيل "هيئة مكافحة الفساد" منذ سنوات عديدة، لكنّ هذه الملفات تتراكم دون البت في أكثرها، وهذا يشكل عبئا على المواطن الأردني الذي يأمل التسريع في البت في كافة هذه القضايا والأولوية للمهم منها. وهذا التأخير ربما يعود بنسبة عالية لما أطلق عليه بعض الكتاب الأردنيين ( قوى الشدّ العكسي ) أي القوى المعارضة للإصلاح ومكافحة الفساد، لأنّها هي المستفيدة من استمرار هذا الفساد وعدم حسم القضايا العديدة أمام هيئة مكافحة الفساد، وهذا مع استمراره سيفقد الهيئة مصداقيتها وضرورة استمرارها، لأنّ كل قضايا الفساد هذه تم المنهوب من خلالها من قوت المواطن وثروة الشعب والوطن.

2 . ضرورة تنظيم الحياة الحزبية ضمن قوى وأحزاب رئيسية تعبر عن اتجاهات الشارع الأردني، والمنطقي أن لا تتعدى ثلاثة أو أربعة اتجاهات (أحزاب)، بينما يشهد المواطن الأردني ما يزيد عن عشرين حزبا مرخصا بين شعب لا يتجاوز ستة ملايين نسمة، بينما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى ( أكثر من 450 مليونا ) لا تعرف حياتها السياسية أكثر من ثلاثة أحزاب في كل دولة. فهل هذه مشكلة الدولة أم المواطنين الذين يتجمعون غالبا لمصالح شخصية فيشكلون أحزابا لا وجود جماهيري لها في الشارع، ويا ويل وزارة الداخلية إذا رفضت الترخيص لهذه الأحزاب الديكورية.

3 . ضرورة وأهمية الوصول إلى صيغة برلمانية أو تعديلات دستورية تسمح بأن يكون تشكيل الحكومة ورئاستها من الحزب الذي ينال الأغلبية في الانتخابات البرلمانية، كي تنتهي أيضا شماعة وضع كافة مسؤوليات التقصير على كاهل القصر والملك والديوان الملكي، وقد أشار الملك عبد الله الثاني نفسه مرارا إلى ذلك منبها للتوقف عن التستر بالملك والديوان الملكي فيما يرتكبه الآخرون من أخطاء. وكل هذا سينتهي ويتوقف عندما يكون الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية هو الذي يشكّل الحكومة، دون الحد من صلاحيات الملك، لأنّ الحكومة ورئيسها والحزب التابع له، كلهم تحت سيادة القانون والمسؤول عن حمايته وتطبيق صلاحياته هو الملك شخصيا. وبعد فترة ليست طويلة عبر الممارسة الديمقراطية الحرّة ليس مستحيلا أن يصبح المجتمع الأردني قادرا على تنظيم حياة حزبية أكثر نضوجا في كافة مجالات الحياة، يتم الوصول إليها عبر الصيغ البرلمانية كما في الدول صاحبة التجارب الديمقراطية العريقة التي تسير دوما نحو الأمام في التطبيق الميداني لهذه الممارسات.

هل هذه المطالب الجماهيرية ممكنة بدون عنف ربيع عربي ؟

مقارنة بالأوضاع في العديد من الأقطار العربية، أستطيع القول نعم وذلك اعتمادا على الحقائق التالية التي أعتقد أنّ غالبية المواطنين الأردنيين يؤيدونني فيها:

1 . إنّ التعددية السياسية والحزبية مسموحة ومشرّعة قانونيا منذ العام 1989 .
2 . إنّ حرية التعبير المتاحة في الأردن لا يمكن وجودها في العديد من الأقطار العربية، وكم كان رائعا ومعبرا أن ينفذّ صحفيون أردنيون يوم الجمعة الثالث عشر من يناير اعتصاما تضامنيا مع وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق باسم الحكومة راكان المجالي، ردا على مذكرة برلمانية بعد أن وقع نحو 50 نائبا مذكرة لحجب الثقة عنه عقب تصريحات نسبت إليه بأنه تحدث عن انتخابات مبكرة بعد حل مجلس النواب. نحن تعودنا أن يكون الناطق الرسمي مجرد ببغاء لحكومته ودوما تحت مطرقة الكتاب والصحفيين، بينما هذه الحالة الخاصة براكان المجالي، تبشّر بأمل كبير في مجال حرية التعبير، خاصة أنّه التحق بالمعتصمين المتضامنين معه على خلفية تصريحات له اعتبر فيها أنّ هناك قوى شد عكسي تحاول إعاقة الإصلاح معتبرا أنّ حرق مقر الحركة الإسلامية في مدينة المفرق موجه ضد الحكومة أي ضد النظام والاستقرار وليس ضد الحركة الإسلامية التي كرّرت مرارا أنها ليست ضد النظام ولكنها مع إصلاحه. والجريء في موقف راكان المجالي كناطق رسمي باسم الحكومة أنّه رفض صراحة تصريحات أحد أعضاء مجلس الأعيان الذي قال في فورة غضب ( أنّ بعض الصحفيين بحاجة للضرب بالقنوة ) أي العصا الخشنة في اللهجة الأردنية. وهذا ما جعل تضامن الصحفيين الأردنيين مع ناطق رسمي باسم الحكومة خطوة غير مسبوقة في أي قطر عربي. ومما هو جدير بالملاحظة أيضا أنّ الحركة الأردنية المناهضة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي تمارس نشاطاتها بحرية كاملة لدرجة أنها أقامت حتى الآن ما يزيد على 95 اعتصاما في أيام الجمعة أمام مسجد الكالوتي في عمّان. فهل تسمح سلطات بشار الأسد بأي اعتصام أو احتجاج على ممارساته أو مباحثات والده ثم مباحثاته المباشرة في تركيا مع نفس دولة الاحتلال الإسرائيلي، أم أنّ تلك المباحثات كانت تهدف دعم المقاومة والممانعة؟.
3 . من يدّعي أنّ السجون الأردنية تخلو من التعديات مخطىء تماما، ولكن هذه التعديات وممارسات رجال الأمن في الأردن، لا يمكن مقارنتها بالسجون وممارسات رجال الأمن والمخابرات السورية والعديد من الأقطار العربية. لم أسمع عن مفقود في السجون الأردنية، بينما في السجون السورية حتى اليوم أكثر من 200 مفقود أردني منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، سبق أن أعلن المحامي الأردني هاني الدحلة أسماء 180 منهم. وكذلك المفقودون والسجناء الفلسطينيون واللبنانيون الذين هم ألآف غير معروف مصيرهم.

وكنتيجة أكرّر أن الأردن ليست جمهورية أفلاطون المثالية، ولكن تنفيذ الإصلاحات والآليات التي ذكرت أغلبها، سيجعله يتجاوز عنف الربيع العربي الذي عاشته وتعيشه أقطار عربية، وهذا سيؤهله لوضع أكثر أمنا واستقرارا ودعما دوليا كتجربة أوصلت المواطن الأردني لديمقراطية حقيقية بدون عنف وإسالة الدماء؟ نأمل ذلك ولكل حادث حديث.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com


111
لا فائدة من قوات عربية إلى سوريا..فما الحل؟

د.أحمد أبو مطر

الفكرة التي أطلقها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الخاصة بإرسال قوات عسكرية عربية إلى سوريا، فكرة لا فائدة منها ولن تتمكن هذه القوات من ممارسة أي دور يتمكن من وقف الدور القمعي الذي تمارسه قوات الجيش التي ما زالت غالبيتها موالية لبشار الأسد، حيث بلغ هذا القمع والقتل مستوى وحشيا لا يمكن الاستمرار في السكوت عليه. والتأكيد بعدم جدوى هذه القوات العربية، ينطلق أساسا من أن نظام بشار الأسد لن يوافق على الفكرة، وفي حالة موافقته ستكون ضمن الشروط التي يضعها كما حدث في موافقته على بعثة المراقبين العرب، وبالتالي سيكون دور هذه القوات كرتونيا ديكوريا لتجميل صورة النظام وتمديد بقائه، لأنّ السؤال المركزي هو: هل ستنسحب قوات بشار الأسد وتترك حماية المتظاهرين للقوات العربية؟ وهل ستقوم القوات العربية بمواجهة جيش بشار والاشتباك معه إذا تعرض للمتظاهرين والمحتجين كما يفعل منذ مارس 2011 ؟. إذا سيكون دور هذا القوات شهود زور كما كان دور بعثة المراقبين العرب، الذين سكت أو تواطأ أغلبهم على القمع الوحشي الممارس ضد الشعب السوري ، كما مارس النظام حسب شهادة بعض ذوي الضمير من هؤلاء المراقبين دورا تمثيليا بسيناريو فاشل أمام هولاء المراقبين. ويكفي ما صرّح به السفير فتحي الشاذلي مساعدُ وزير الخارجية المصري الأسبق، حول عمل هذه البعثة ودور النظام السوري في التعامل معها حيث قال: ( إن السلطات السورية كانت تعترض حرية المراقبين وكانت تماريء وتناور في ادارة زياراتهم خاصة عندما يتجهوا إلى إحدى المدن تخفى الدبابات وتسحب القوات من الشكل المرئي إلى شكل مختبيء وبالتالي أظن أنه حتى التقرير الذي أعده فريق المراقبين لا يمكن أن يكون دقيقا في رفضه للواقع المرير الذي تجرع شعبنا في سوريا مرارته).

التذكير بتجربة القوات العربية في لبنان

تلك القوات التي اتخذت اسم قوات الردع العربية، وأرسلت إلى لبنان إبان الحرب الأهلية عام 1976 بناءا على طلب الرئيس اللبناني آنذاك سليمان فرنجية، وتكونت من قوات ستة دول عربيه هي: سوريا،لبنان، السعودية،السودان، اليمن الجنوبي،و الإمارات العربية المتحدة. وكانت تتكون من ثلاثين ألف جندي عربي ، خمسة وعشرون ألفا منهم من الجيش السوري، بقيادةالضابط اللبناني سامي الخطيبب الذي كان يوصف آنذاك في الإعلام اللبناني ب ( رجل سوريا في لبنان ). وقد قال عنه مذيع قناة الجزيرة سامي كليب في حلقة برنامج (زيارة خاصة) بتاريخ الخامس والعشرين من أبريل 2009 : " سوريا حافظ الأسد فتحت لسامي الخطيب أبواب القيادة والزعامة في لبنان فهو صار بدعمها قائدا لقوات الردع العربية ووزيرا للداخلية وفي مدارسها تلقى علومه الأولى قبل أن يصبح ضابطا، لا بل أن أصول عائلته تعود إلى إحدى ضواحي دمشق ). وتدريجيا بدأ يتضح أنّ الدور الأساسي لهذه القوات موكول للجيش السوري وبقية الجيوش العربية الخمسة لا حول لها ولا أي دور، فبدأت بالانسحاب احتجاجا، كان آخرها انسحاب القوات السودانية عام 1979 ، فبقيت قوات حافظ الأسد ومن بعده نجله بشار، تحتل لبنان احتلالا فعليا حتى هبّة الشعب اللبناني عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، فخرجت هذه القوات بشكل مخزي للنظام بعد احتلال فعلي للبنان شعبا وأرضا وثروة وسياسة طوال ما يقارب ثلاثين عاما.

دورها في سوريا سيكون مختلفا

 في الحالة السورية أجزم أنّ غالبية الدول العربية ستعتذر عن إرسال قواتها لتكون في مواجهة عارمة بين جيش بشار وعائلته والشعب السوري، وعدم تمكنها من مواجهة جيش بشار كما تساءلت سابقا، وبالتالي فالفكرة أساسا غير قابلة للتحقيق، وإن تحققت ستكون من قوات الدول المؤيدة لبشار ونظامه مثل السودان والجزائر، وهذا يعني أنّ دورها سيكون ليس شكليا فقط بل داعما لجيش بشار في مواجهة الشعب المنتفض ضده وعائلته وأصهاره الحاكمين منذ 42 عاما فقط لا حسد!!!.

إذن ما الحل؟

من منطلق حرصي على سوريا شعبا وأرضا ووطنا وثروة، أرى من وجهة نظري أنّ المتاح لوقف إراقة الدماء السورية واستمرار نهب الثروة السورية هما حلان فقط:

الأول: هو أن يتحلى بشار الأسد بالحكمة ويتعظ من مصير من سبقوه من طغاة كالقذافي وزين الهاربين بن علي و حسني مبارك وعلي عبد الله صالح وشاوشيسكو، ويعلن فورا تنحيه عن السلطة خلال أسابيع قليلة، يليها تنظيم انتخابات رئاسية جديدة نزيهة كما حصل في تونس، ويتلازم ذلك مع تنحيه و وقف عمل كافة عسكريي وسياسيي العصابة التي تورطت في دماء الشعب السوري واعتقالاته طوال 42 عاما، خاصة ضباط أجهزته الأمنية السياسية والعسكرية التي من الصعب إحصاء عددها، وإلغاء كافة الأجهزة والفروع الأمنية التي كانوا يشبحون من خلاله، ,ايضا الإفراج الفوري عن كافة المخعتقلين منذ عام 1970 ، ومن يتخيل أنّه ثبت من تمّ اعتقالهم منذ 15 مارس 20111 يرقى إلى سبعين ألفا حسب شهادات موثقة من مننظمات دولية. وكذلك لا بد أن يتلازم مع هذا إعادة الأموال المليارية التي نهبتها عائلته و أصهاره (آل مخلوف)، ليعود كل هؤلاء السارقين كما كانوا مواطنين عاديين لا يبقى معهم ولهم إلا ما يتناسب مع رواتب وظائفهم العادية التي كانوا سيتولونها لو لم يكونوا من عائلة الأسد وأصهاره. هذا الحل لو احتكم له بشار الأسد سيبقى في سوريا هو وعائلته معززا مكرما محترما من الشعب السوري، فهو أفضل كرامة له من منظر حسني مبارك وأولاده وهم يقادون للمحكمة مذلولين أيا كان مستوى السجون التي يعيشون فيها، وأفضل من المصير الذليل الذي لاقاه الطاغيتان القذافي وشاوشيسكو رومانيا وهما يستحقان ذلك المصير. إنّ أي طاغية وديكتاتور يتذكر مصير القذافي وحسني مبارك وشاوشيسكو تحديدا سوف يلجأ لهذا التنازل السلمي الذي يحفظ له كرامة وبقاء في وطنه وبين شعبه، وأنا متأكد أنّ بشار الأسد أذا اقتنع بحكمة هذا الحل سيخرج الشعب السوري يتظاهر تأييدا له وتشجيعا على هذه الخطوة التي أعادت للشعب السوري حريته وكرامته وثروته المنهوبة طوال 42 عاما. أنا أتمنى حصول هذا الحل صونا للشعب والوطن السوري، وكي لا أرى مصير بشار الأسد كمن سبق أن ذكرتهم، وصراحة من قلبي أتمنى أن لا أراك يا بشار في ذلك المنظر، ولن تكون وتصل إليه إذا سارعت في تلبية مطالب الشعب السوري التي ذكرتها.

الثاني: هو ما لا مفر منه في حالة رفض بشار الأسد الحل الأول، وهو إحالة الملف السوري لمجلس الأمن الدولي ليتخذ القرارات المناسبة لوقف حقن الدماء السورية رغم معارضة النظامين الروسي والصيني المتوقعة، وفي هذه الحالة يمكن لمجلس الأمن الاعتماد على طلب الجامعة العربية بالتدخل الفوري، ولا أقصد من التدخل نفس الطريقة التي تمّ فيها التدخل في ليبيا، فيمكن اللجوء إلى ما يسمى القوة الناعمة حيث يتم فرض حظر جوي وبحري فوق الأراضي وحول المياه السورية يمنع حتى الطيران المدني مما يضيق الخناق على النظام ويمنع أية إمدادات داعمة له. ويترافق هذا مع مزيد من العقوبات الدولية الاقتصادية والسياسية تشمل ما يشبه المقاطعة عبر طرد سفراء النظام الذين يرفضون الانشقاق عنه، وسحب السفراء العرب والأجانب خاصة بعد تصريحات العديد من الدول الغربية أنّ الوضع في سوريا لم يعد يطاق، وكانت آخرها تصريحات وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبييه، وقد لمّحت الولايات المتحدة الأمريكية إلى احتمال إغلاق سفارتها في دمشق، فليتها وكافة الدول الأوربية والعربية وغيرها تسارع لتنفيذ هذه الخطوة التي ستشكل ضربة قاصمة لظهر النظام. وهذا الحل يجب أن يتلازم مع إقامة منطقة عازلة ربما على الحدود السورية التركية لحماية للاجئين والمطاردين السوريين، وهذا سيشجع على مزيد من الانشقاقات في صفوف النظام. وهذا الحل من شأنه اسقاط نظام بشار الأسد والعصابة العائلية الحاكمة مهما طال الزمن الذي حتما لن يطول، لكن عندئذ سيلاقي بشار الأسد وأزلامه إما مصير القذافي أو حسني مبارك أو شاوشيسكو رومانيا، وعندئذ سيصبح اسمه ( شام شيسكو ) كما قال المواطن السوري الدكتور محمد نجيب مراد في قصيدته التي سيقرأها على الجماهير السورية والعربية ليلة مصرع ( شام شيسكو )، ومطلعها:

ليس بالموت يشمت الأحرار          إنما مصرع الطغاة انتصار

فبأي حل من الحلين السابقين سوف يتحقق انتصار الشعب السوري؟. والفرق أنّ الحل الأول الذي طرحته لن يتصاحب مع مصرع الطاغية (شام شيسكو) بل سيحتفظ باسمه كمواطن سوري(بشار الأسد)، الذي استجاب لمطالب شعبه بعد ظلم وقتل وطغيان وفساد 42 عاما.. وهاهو المجلس الوطني السوري يعمل  في اتصالاته مع الجامعة العربية الآن على التعجيل بإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن. فهل يتعظ بشار الأسد ويقرّر أيا من الحلين أو الإسمين المتاحين سيختار؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com






112
تغريد وطني خارج قفص حسّون (مفتي) واعظ السلطان الأسد

د.أحمد أبو مطر

ظاهرة ليست غريبة ولامحيرة رغم أنها  تكاد تصيب الإنسان الغيور على وطنه وشعبه بالغثيان أو الجنون، وهي ظاهرة من يطلق عليه صفة مفتي سوريا (أحمد بدر الدين حسّون)، بسبب استمراره بعد ثورة الشعب السوري منذ ما يزيد على عشرة شهور وسقوط ألاف القتلى من الاستمرار في التغريد النشاز في قفص سلطانه وسيده بشار الأسد قاتل هذه ألالاف من شعبه. هل قرأ هذا المفتي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر). أناشد ضميرك الديني يا أحمد بدر الدين حسّون:
1 . أليس قاتل ما يقارب عشرة ألاف مواطن سوري في الشهور العشرة الماضية، ومعتقل ما لا يقل عن خمسين ألف مواطن بدون وجه حق سلطانا جائرا ظالما قاتلا، يستحق منك كلمة عدل أمامه، تقول له فيها هذا القتل ظلم وكفر يجب أن يتوقف ويرحل صاحبه  وعائلته؟.

2 . ومن البداية عام 2000 ألم يكن يا حسّون سوريا تغيير ما يسمّى زورا الدستور لتوريث الأسد الإبن جورا وظلما ومخالفا لعدل وشورى الإسلام، فأين كان موقفك و ضميرك الذي ينبغي بحكم موقعك أن يكون منسجما مع تعاليم الإسلام؟

3 . واليوم ومنذ سنوات وأنت مستمر في التنظير والدعم باسم الإسلام لحكم عائلة فاسدة سارقة قاتلة، أليس هذا مخالفة لعدل الإسلام الذي ينصّ على محاسبة وعقاب السارق والقاتل والمجرم؟ فأين ضميرك الذي تدّعي أنه يسير على هدى تعاليم الإسلام؟ أنت و نظيرك البوطي لن يغفر لكما الشعب السوري ولا تأريخ هذه الفترة من نضال الشعب السوري، تزلفكما لحاكم قاتل وأسرة فاسدة استولت على البلاد والعباد، وعاثت فيها فسادا وقتلا وسرقة واغتيالات واعتقالات، حتى أصبحت السجون البعثية الأسدية غير قابلة للتسميات، فأصبحت تحصى فروعها بالأرقام. والخطير أيها الحسّون والبوطي أنكما تستعملان آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لتبرير هذا القتل والفساد، وسيكون حسابكما بإذن الله عسيرا على يد الشعب السوري عند نجاح ثورته الحتمي، فقد استحقيتما لقب ( وعاظ السلاطين ) الذي أطلقه المرحوم الدكتور علي الوردي على أمثالكما الكثيرين عبر التاريخ الإسلامي خاصة العصرين العباسي والأموي، وأنت والبوطي من الأمثلة لهؤلاء الوعاظ في العصر الحديث، فلم يحدث في قطر عربي أن نظّر  شيخ أو واعظ لحاكم من الظلمة العرب الكثر كما نظرت أنت والبوطي وما زلتما مستمرين في هذه المهنة التي لا تشرفكما ولا تشرف مسيرة الإسلام.

وأخيرا جاءت كلمة العدل من داخل مكتب الحسّون

حيث أعلن الشيخ عبد الجليل السعيد مدير إعلام مفتي حسّون سوريا انشقاقه عن النظام الأسدي وحسّونه، صباح الجمعة الثالث عشر من يناير 2012 ، معلنا تقديمه الاستقالة من المؤسسة الدينية التي يقودها المفتي أحمد حسّون، كاشفا أسرارا وألغازا عديدة عن دور المفتي وسلطانه الأسد، ومن هذه الأسرار التي أعلنها الشيخ عبد الجليل السعيد:

1 . الملابسات المتعلقة باغتيال نجل أحمد حسون الشاب المرحوم ( سارية ) يوم الأحد الثاني من أكتوبر 2011 ، على يد مخابرات بشار الأسد من أجل خلط الأوراق، وقال الشيخ عبد الجليل إن طائرة هوليوكبتر قامت بتنفيذ عملية الاغتيال وقامت عصابات الأمن بمنع وصول( سارية) للمستشفى حتى تم التأكد من موته فسمح لسيارة الإسعاف بدخول المستشفى، كما فعلوا بالصحفي الفرنسي جيل جاكييه يوم الأربعاء الحادي عشر من يناير.     

 2 .كشف الشيخ عبد الجليل السعيد أنّ مفتي السلطان الأسد الحسّون ( قد سلّم ثلاثة من ائمة المساجد الى المخابرات في ادلب، مشيرًا إلى أنه يجب أن يكون كل شيخ أو إمام أو خطيب، بعثيا ولا يسمح لهم بأن يمارسوا أي عمل ديني إلا أن يوقعوا ورقة في الأمن السياسي، قسم الأديان. يوجد عندنا ضباط مخابرات، وعلى مدار الـ40 سنة استطاع أن يصنع شيوخ تابعين له على رأس المؤسسة الدينية، وأنا أعتقد أن انشقاقات قريبة سيعلنها الأئمة من على المنابر ). مشيرا إلى التجاهل الكامل من الحسّون إلى المجازر التي يرتكبها النظام الأسدي بحق المدنيين من أبناء الشعب السوري.

3 . أكّد الشيخ عبد الجليل ( أن عشرات من العلماء هربوا إلى الدول المجاورة، وأنه تلقى في إسطنبول حيث يقيم حاليا اتصالات من مدن سورية من علماء أيدوا انشقاقه، وقال الشيخ عبد الجليل السعيد لـصحيفة «الشرق الأوسط» إن مفتي سوريا حسون يشارك في أعلى الاجتماعات الأمنية لقمع المتظاهرين وإن من يقترب من حسون يجد أن شخصيته تقترب إلى حد كبير من شخصية العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، فهو أيضا مجنون بالسلطة، ومنذ أن كان شيخا طمح إلى أن يكون عضوا في مجلس الشعب، وترك المشيخة، ليجلس تحت قبة البرلمان). وهذا فعلا ما يفسر ليس سكوت الحسّون على جرائم سلطانه الأسد، بل محاولاته المستميتة عنها للدفاع وتبريرها، وللأسف المخجل المعيب بحقه أن يستعمل لذلك آيات القرآن الكريم وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم.

وكلمة عدل أخرى أمام أسد جائر

وقد جاءت هذه الكلمة من شيخ آخر شجاع رفض أن يكون من وعاظ السلاطين ( الأسود )، وهو الشيخ  أنس سويد (ابو حمزة) أبرز شيوخ باب السباع في حمص، حيث أعلن ( أنه اكتشف عبر ثلاثة لقاءات مع بشار الأسد أن الرئيس السوري لا حول له ولا قوة، وأنّ عائلته هي التي تحكم البلاد، ووالدته لها النفوذ الأكبر، مشيراً إلى أن مجرد ذكر اسم الرئيس يصيبه بحالة من الهلع ). وهذا النظام العائلي أكّده أيضا الفيلم الوثائقي المهم الذي أنتجه الصحفي الأمريكي أنتوني شديد عن حكم المافيا الأسدية منذ عام 1970 مستعرضا جرائم هذه العائلة وأخوالها ومصاهريها، حيث يؤكد الفيلم أنّ والدة بشار ( أنيسة مخلوف ) تطالبه باتباع نهج والده في سحق الثورة الشعبية مهما بلغ عدد القتلى. وهذا ليس غريبا على ممارسات أسرة تآمرت على بعضها البعض، كما في محاولة رفعت الأسد الانقلاب على أخيه حافظ عام 1984 ، وتم طرده خارج البلاد إلى اليوم حيث يحاول تقديم نفسه على أنّه بريء من جرائم أخيه، وهو الشريك الفعلي له في كل الجرائم حتى عام طرده.

وكذلك المعلومات المتداولة في الشارع السوري منذ يناير عام 1994 ، حول حادث السيارة الذي أودى بحياة ( باسل ) النجل الأكبر للأسد الأول، حيث هناك من يؤكد أنّ الحادث كان من تدبير آصف شوكت مدير المخابرات العسكرية وزوج ( بشرى ) شقيقة الأسد الثاني ( بشار ) لأنّ باسل كان يكره آصف وضد زواجه من بشرى، وذو نفوذ حيث كان قائدا للحرس الجمهوري، وكي لا يكون هو الوريث القادم، قام آصف شوكت بتصفيته في حادث السيارة المشبوه، كي يكون الوريث هو بشار الذي يمكن تحريكه بالريمونت كونترول كما يريد آصف ووالدة بشار وأخواله آل مخلوف الذين يسيطرون على ما يفوق ستين بالمائة من ثروة الشعب السوري. وقد أكّد العديد من الشهود في الموقع آنذاك عدم حدوث أية حادث في ذلك اليوم وعدم رؤية أية سيارة في الموقع. بينما قال بعض السكان الذين تصادف مرورهم قرب موقع الحادث، في طريق مطار دمشق، أنّهم شاهدوا  وجود سيارة من طراز مرسيدس مقلوبة،  ولكن رجال المخابرات والأمن منعوا المواطنين من الاقتراب منها، رغم أن الشكل الذي كانت مقلوبة به، لم يلحق تكسيرا وتحطيما فيها، مما أثار الشكوك أنّه مجرد مسرحية مكشوفة لتبرير عملية الاغتيال توصيلا لبشار ليكون الأسد الثاني الوارث للأسد الأول.

ويتواصل أيضا انشقاق الضباط الوطنيين،

الرافضين لأوامر عصابات وبلطجية الأسد لقتل شعبهم، حيث قارب عدد القتلى عشرة ألاف حسب العديد من المصادر السورية والدولية، وكان آخر هؤلاء الضباط الوطنيون الذي شقوا عصا الطاعة الأسدية هو العميد مصطفى أحمد الشيخ الذي وصل فعلا إلى تركيا منذ عدة أيام ، وكان هو ضابط أمن المنطقة الشمالية، وكان قد سبقه في شقّ عصا الطاعة الأسدية العقيد رياض الأسعد قائد الجيش السوري الحر. وقد شارك العميد مصطفى الشيخ يوم الأربعاء الحادي عشر من يناير في اجتماع المجلس الوطني الانتقالي والجيش السوري الحر، لتفعيل وتعزيز التنسيق بين المجلس الوطني والجيش الحر، مما يعني تزايد الحشد الجماهيري والعسكري المناوىء لنظام القتل الأسدي.


والجامعة العربية تلمّح لعدم رفضها التدويل

فقد أعلن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي لوكالة الأنباء القطرية يوم الأحد الخامس عشر من يناير ( أن المراقبين الذين أرسلتهم الجامعة إلى سوريا وجدوا أن الالتزامات لم تنفذ بشكل كامل وفوري كما طلب وزراء الخارجية العرب ....لذلك نقول إن بقاء المراقبين بالوضع الحالي لا يمكن أن يستقيم، لذلك كان لابد من دعم المراقبين بطريقة حقيقية وفعالة أو نبحث عن خيارات أخرى....لا نستطيع أن نقول من الآن ماذا سيفعل وزراء الخارجية العرب عندما يجتمعون يوم 19 يناير الجاري، والأمر بالتأكيد سوف يتبلور ويتقرر عندما يجتمع الوزراء ).  وأضاف نبيل العربي: (  أن مجلس الأمن مسؤول عن السلم والأمن الدوليين في كل مكان في العالم وهو لا يحتاج إلى طلب من الجامعة العربية وهو يبحث حاليا مشروع قرار وضعه أمامه الاتحاد الروسي، ولو كان مجلس الأمن يريد التدخل بطريقة ما فليتفضل بالتدخل وهو لا يحتاج إلى إذن من الجامعة ).

لذلك فكافة المؤشرات السورية والعربية والدولية، تشير إلى أنّ نظام الأسود العائلي القاتل الفاسد إلى زوال، فقد آن الأوان أن ينعم الشعب السوري بالحرية والكرامة والديمقراطية بعد قتل وفساد دخل عامه الثاني والأربعين...ألا يكفي ذلك يا مناصري ومؤيدي هذا النظام؟ هل يرضيكم الاستمرار في التصفيق والتطبيل لهذا النظام؟. ألا تستفيق ضمائركم نصرة للشعب السوري؟ أستغرب لدرجة الدهشة والذهول تصفيق وتأييد إنسان من أية جنسية أو طائفة أو قومية أو ملة للقتلة والمجرمين والفاسدين المتنكرين لأبسط الحقوق الإنسانية لشعوبنا العربية وأية شعوب في العالم.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com








113
شكرا للمنسحبين الكاشفين لجرائم الأسد ونظامه

د.أحمد أبو مطر

الكثيرون من الكتاب والمراقبين والسياسيين العرب من مختلف الأقطار العربية، قالوا منذ بداية قرار الجامعة العربية إرسال ما أطلق عليها ( بعثة المراقبين العرب ) إلى سوريا، أنّه لا فائدة من وصول هذه البعثة لسوريا التي تشهد ثورة عارمة ضد نظام قاتل يقوده شكلا بشار الأسد، بينما هو فعلا حكم عائلي يستمر منذ ما يزيد على 41 عاما بشكل مت عادت ممارساته الميدانية في كافة جوانب الحياة السورية من قتل وقمع ومصادرة للحريات وفساد تليق بكرامة الشعب السوري. وقد تركزت أغلب التحفظات في هذا الشأن على مسألتين:

الأولى: الشروط التي تضمنها هذا الاتفاق خاصة ضرورة مناقشة أي تقرير مع وزير خارجية العائلة الأسدية وليد المعلم للاتفاق عليه قبل نشره، وهذا يعني استحالة الوصول لتقارير نزيهة ترصد حقيقة ما يجري في المدن السورية ضد هذا النظام.

الثانية: التحفظ القاسي الصريح على رئيس البعثة الضابط السوداني محمد الدابي الذي أثبتت تقارير كثيرة سودانية وعربية وأجنبية مشاركته الميدانية في غالبية جرائم نظام عمر حسن البشير المطلوب منذ سنوات لمحكمة الجنايات الدولية، وبالتالي فلا أمل في نزاهة هذا المسؤول عن البعثة. فمن شارك في جرائم سابقة لا يمكن أن يكون شاهدا على جرائم مماثلة خاصة أنّ النظام السوداني الذي ينتمي إليه من الداعمين العلنيين لنظام الأسد وعصاباته.

شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد

ويكفي هذا الشعار الذي أطلقته التجمعات التي أعدتها ونظمتها مخابرات وأجهزة أمن الأسد يوم الأربعاء الحادي عشر من يناير في بعض المدن السورية، فهو شعار واقعي يعبر فعلا عن أنّ من صاغه وأعطاه لهؤلاء الذين جمّعتهم المخابرات الأسدية، كان يعبر حقيقة عن دور هذه الأجهزة الأمنية ومن يصفق معها بأنهم شبيحة ضد المتظاهرين السوريين المطالبين بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية وزوال نهائي لحكم العائلة الأسدية الذي لا مثيل له إلا النظام الكوري الشمالي القمعي أيضا حيث حكم الولد الأول بعد الوالد ثم الولد الثاني بعد الوالد..وهكذا. وقمة مسرحية المخابرات الأسدية في هذه التجمعات المفبركة ما أعلنه الإعلام الأسدي أنّ ( الرئيس بشار تفاجأ بهذه الحشود المؤيدة له فقرّر مشاركته لها والتعبير عن حبه لها ). ولكنّ الملاحظ أنّ الرئيس المحبوب جماهيريا (!!!!) لم يتجرأ على النزول لصفوف الجماهير، فأطلّ عليها لدقائق من  مبنى المكتبة العامة في ساحة الأمويين التي أطلقوا عليها اسم والده الأسد الأول. وما إن أطلّ بابتسامته الساحرة حتى انطلقت الهتافات المعبرة عن طبيعة التشبيح التي يمارسها نظامه:

شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد
شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد

والسؤال للجميع بمن فيهم مصفقي ومؤيدي الأسود المتوحشين على شعبهم هو: هل يعبر هذا الشعار الدموي عن ملايين الشعب السوري الطيب المطالب بالحرية من هذا الأسد؟. هل يعبر هذا الشعار المتخلف عما تعيشه أسر ألالاف التي قتلتها شبيحة هذا النظام منذ الخامس عشر من مارس 2011 ، وما يزال القتل يستمر يوميا حتى بعد وصول بعثة المراقبين العرب؟.

وأخيرا جاءت الفائدة الوحيدة من ذوي الضمائر في هذه البعثة

وذلك عندما أعلن عضو بعثة المراقبين العرب الكاتب الجزائري المعروف أنور مالك انسحابه من عضوية هذه البعثة. وأنور مالك غني عن التعريف فهو صاحب المؤلفات والبحوث العديدة، والذي لا يمكن الشكّ في نزاهته لأنه لا ينتمي لأي نظام بما فيه النظام الجزائري كونه يقيم في الخارج منذ سنوات عديدة، أي يمتلك حرية القرار لكونه غير خائف من أي نظام عربي، مثل العديد من الكتاب والمثقفين العرب الذين يعيشون في حماية الديمقراطية الأوربية حيث تستطيع نقد رئيس الوزراء والملك إذا كان نقدك مبنيا على حقائق ومعلومات مؤكدة. وفي حالة شهادة أنور مالك على ما عاشه طوال حوالي ثلاثة أسابيع ميدانيا في خضم أحداث الثورة السورية وردود فعل شبيحة الأسد، من المهم التركيز على بعض أقواله التي هي شهادات ميدانية:

1 . أكّد صراحة أنّه انسحب من البعثة ( لأنه وجد أنها تخدم النظام السوري ولأن البعثة تعطي نظام الرئيس بشار الأسد فرصة أكثر ليمارس القتل ).

2 . اتهم النظام ب ( العمل على تضليل المراقبين، و أن النظام السوري أصبح يقتل أطرافا موالية له لإقناع المراقبين بوجود من يصفهم بالإرهابيين )، كما بين ( أنه ومن خلال مكوثه في مدينة حمص لخمسة عشر يوما لم يشهد انسحابا للآليات العسكرية من المدينة التي وصفها بالمنكوبة ).

3 .  روى أنور مالك مشهدا أثر فيه كثيرا و دفعه للإنسحاب من البعثة إذ قال " الأطفال يقتلون ويتم تجويعهم وتخويفهم. رأيت أطفالا يتامى ونساء وأمهات يبكين أطفالهن، وأكثر موقف أثر فيّ وقررت بعده الانسحاب، وهو مشهد قتلني كثيرا، كان لأم عجوز عمياء تبكي ابنها ونحن رأيناه جثة وقد ظهرت عليه آثار التعذيب وجلده منزوع، كانت تبكي ابنها وتقبله وهي لا تراه تلمسه فقط وجثته متصلبة كالحجر، لا أستطيع أن أصف لك.. الوضع كان مأساويا ).

4 . و أضاف " بين اللحظة والأخرى نقف على شخص يتم قنصه، كل تلك المناظر رأيتها بأم عيني، ولا أستطيع أن أتخلص من إنسانيتي أو أدعي الاستقلالية والحياد في مثل تلك المواقف. أن ما يقوم به نظام الأسد تجاوز جرائم الحرب، وأوضح أن سوريا تقف على شفا حرب أهلية وطائفية مدمرة إذا لم يتخل الرئيس الأسد ونظامه عن السلطة.

5 . وعن رئيس البعثة الضابط السوداني مجمد الدابي قال أنور مالك ( رئيس البعثة يريد أن يمسك العصا من الوسط حتى لا يغضب السلطة أو يغضب أي طرف آخر، وهو يستعمل تلك الألفاظ من أجل ألا يغضب الأطراف ).

6 . ومن أخطر ما عاشه وصرّح عنه أنور مالك تأكيده حول إدعاء نظام الأسد الإفراج عن معتقلين، إنّها ( مسرحية يقوم بها النظام، حيث قبل أن يعلن النظام عن إطلاق المساجين يختطف الناس من الشوارع عشوائيا ويتركون في السجن لمدة أربعة أو خمسة أيام في وضع مأساوي، وبعد ذلك يتم استدعاؤنا لحضور هذه المسرحية على أساس أنه تم الإفراج عن المساجين. أما الأشخاص الحقيقون الذين طالبنا بالإفراج عنهم وفقا لقوائم جاءتنا من المعارضة فإنه لم يفرج عن أي شخص ).

7 . والمراقبون انفسهم لم يسلموا من جرائم نظام الأسد، إذ أكّد أنور مالك: ( تعرضنا يوم الاثنين لمحاولة اغتيال، حيث نقلنا على سيارة من حمص إلى دمشق في طريق بجوار بابا عمرو، مع العلم بوجود طريق آخر يوصل إلى دمشق، وذلك حتى يقنعنا النظام بأن أهل بابا عمرو هم من أطلقوا علينا النار، وأنا متأكد من أن أهل بابا عمرو لم يفعلوا ذلك، لأن الطريق الذي سلكناه كانت به نقاط عسكرية والبيوت المطلة على الطريق يسيطر عليها قناصة وشبيحة، وحتى الجيش الحر بعيد من هناك ولا يمكن أن يصل إلى تلك المنطقة، وأؤكد أن العملية كانت مخططة ومدبرة، وتحدث معنا أستاذ جامعي قال إنه تم تحضير القناصة وشاهدهم بعينه من مكتبته قبل مرور السيارة التي كانت تقلنا بحوالي ربع ساعة ).

إنّ شهادة انور مالك عن مؤامرات وجرائم وشبيحة الأسد ونظامه، تستحق ان تترجم للعديد من اللغات ونشرها على نطاق واسع، كي يعرف العالم أجمع جرائم هذا النظام بحق الشعب السوري، ويتحرك لإنقاذه من أنياب هذا الأسد وعئلته وشبيحته الذين يصرخون علانية أمامه ( شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد ) وهو يبتسم لهم مشجعا على المزيد من هذا التشبيح كي يبقى رئيسا للأبد كما فعل والده بعد قتل وفساد استمر ثلاثين عاما، ومن بعده نجله يدخل عامه الثاني عشر في نفس الممارسات، فهذا الشبل من ذاك الأسد.

وتوالى المنسحبون ذوو الضمائر الحيّة


فقد أعلن مراقبون عرب جدد انسحابهم من هذه البعثة كي لا يكونوا شهود زور على جرائم النظام، وهذا لا يرضي ضمائرهم النقية المتضامنة مع سلمية الثورة السورية، حسب ما أكدّه أنور مالك ومنهم المراقب المصري أحمد عبد الخليل والجيبوتي محمد حسين عمر، بالإضافة إلى مراقب مغربي وتونسي وسوداني وآخرون رفضوا الإفصاح عن أسمائهم خوفا على حياتهم، خاصة أن أنور مالك أعلن عن انسحابه من البعثة على صفحته في الفيس بوك وهو في داخل سوريا، فتعرض لتهديد من ضابط من شبيحة الأسد قائلا له عبر الهاتف ( لن تعود لبلادك حيّا ). وهذه فعلا من أعمال ( شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد ). فعيون الأسد عندهم أهم من خمسة وعشرين مليونا من الشعب السوري يعانون من حكم عائلة الأسد منذ 41 عاما.

وتتوالى هجمات شبيحة النظام على المراقبين أيضا،

على مدى الأيام الماضية كما أوضح بيان رسمي للجامعة العربية، حيث قامت هذه الشبيحة الأسدية بهجوم على مجموعة للمراقبين كانوا في زيارة لمدينة اللاذقية.هذا فيما ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش الخميس الموافق الثاني عشر من يناير أن قوات الامن السورية اطلقت النار على متظاهرين سلميين حاولوا الوصول الى مراقبي الجامعة العربية في مدينة جسر الشغور في شمال سوريا، وطالبت المنظمة الجامعة العربية بادانة السلطات السورية. وقالت المنظمة في بيانها نقلاً عن شاهدين قالا أنهما اصيبا في الحادث وفرّا الى جنوب تركيا انه "حوالى الساعة 11 صباحًا بالتوقيت المحلي في 10 يناير/كانون الثاني 2012 تقدما من ساحة حزب البعث ، لمقابلة مراقبي جامعة الدول العربية المتواجدين هناك، وعندما اقتربا من نقطة تفتيش في الطريق إلى الساحة، منعهما أفراد من الجيش من التقدم. وبعد رفض المتظاهرين التراجع والتفرق تم اطلاق النار على الحشد، فاصيب تسعة متظاهرين على الاقل. وأكّدت المنظمة أنّ هذه الانتهاكات تعتبر خرقا للاتفاق الموقع بين الحكومة السورية والجامعة العربية، حول مهام بعثة المراقبين العرب. وقالت متحدثة باسم المنظمة ( حان الوقت لأن تندد الجامعة العربية باخفاق الحكومة السورية في الالتزام بالاتفاق. السماح باستمرار البعثة من دون جهود فعالة أو واضحة لحماية المدنيين لن يؤدي إلا إلى المزيد من الوفيات ).

أمّا استمرار الموقف الروسي،

من قبل حكومة التدوير بين بوتين وميدييف في دعم نظام الشبيحة والوقوف معه في وجه غالبية دول العالم المؤيدة لحماية الشعب السوري، فسيظل نقطة سوداء في تاريخ نظام بوتين- ميدييف، وليس غريبا على من يزور انتخابات بلاده روسيا ويمنع المظاهرات الروسية أن يدعم ما يشبهه من أنظمة. ورغم ذلك فالمتوقع من الجامعة العربية في اجتماعها القادم لتقييم عمل بعثة المراقبين العرب، أن تعي فشل البعثة بسبب مساخر نظام الأسد وشبيحته، وتطالب بإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن رغم التوقع المؤكد للموقفين الروسي والصيني المضاد لرغبة الشعب السوري في التخلص من هذا النظام بعد قمع وقتل وفساد دخل عامه الثاني والأربعين منذ حكم الأسد الأول عام 1970 إلى حكم الأسد الثاني الذي يصرّ على القتل وصولا لتوريث الأسد الثالث، وبالتالي ليس بعيدا أن يتم تغيير القانون البعثي المسمى زورا ( الدستور ) لتبديل اسم الجمهورية السورية ليصبح ( الجمهورية الأسدية )، ونأمل إن حدث ذلك  (لا قدّر الله وثورة الشعب السوري البطل )، أن لا يضعوا في الاسم الجديد كلمة ( العربية ) لأنّ هذا النوع من الجمهوريات لا يشرّف العروبة والعرب.
وآخر الأخبار الرافضة لنظام الأسد الانشاقات في المؤسسة الدينية ولهذا حديث قادم!!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com





114
حاملة الطائرات الأمريكية تكشف كذب تهديدات النظام الإيراني

د.أحمد أبو مطر

أعرف مسبقا حجم هذا العنوان الاستفزازي خاصة للعرب الذين تفرسوا أكثر من الفرس، أي أنّهم أكثر تصفيقا وتطبيلا ولطما للنظام القمعي في إيران من نسبة عالية من الشعب الإيراني المعارض لهذا النظام الدموي، بدليل حجم الإعدامات التي يمارسها بحق الإيرانيين، وكون العديد من القيادات الإيرانية المعارضة هي ذات مكانة دينية وفقهية لا تقل بل أعلى من ولي الفقيه علي خمئني والناطق باسمه ومنفذ سياساته الذي لا يمتلك أية معرفة فقهية أو مرجعية دينية، رئيس الجمهورية أحمدي نجاد عنصر الحرس الثوري السابق. وإذا كان هؤلاء العرب الذين تفرسّوا أكثر من الفرس غاضبين من هذا التحليل، فعليهم أن يوفروا وقتهم في الشتائم والاتهامات التي تعودنا عليها ولا نعيرها اهتماما، ويتوجهوا بأسئلتهم وملاحظاتهم لسادة وفقهاء إيرانيين في مقام مهدي كروبي وحسين مير موسوي وآية الله حسين وحيد خراساني المرجع التقليدي المعارض بشدة الذي رفض في عام 2011  مقابلة علي خامئني ولي الفقيه أثناء زيارته لمدينة قم، وقد وصف خراساني بجرأة استشهادية نظام علي خمئني آنذاك ب "النظام الفاسد" واتهم غالبية قيادات هذا النظام ب" سرقة قوت الشعب" . ويكفي التذكير بأحدث فضيحة بجلاجل التي هزّت كزلزال هذا النظام الذي يدّعي أنّه ممثل الله تعالى في الأرض، وكانت قيمة هذه الفضيحة المالية التي هزت مصداقية البنوك الإيرانية فقط 2.6 مليار دولار، وهي الفضيحة التي اتهم بها رجل الأعمال فريد خسروي الذي يمتلك ما يزيد على أربعين شركة في إيران، ويعمل بالتنسيق والتعاون مع اسفنديار رحيم مشائي مدير مكتب أحمدي نجاد، وابنته متزوجة من ابن أحمدي نجاد.

 هذا بينما اتهم وزير الدفاع الأسبق أكبر تركان حكومة أحمدي نجاد بالضلوع مباشرة في فضيحة الفساد هذه. وفي ميدان مصادرة حقوق الإنسان وتنفيذ الإعدامات فقد تصدر النظامان الإيراني والصيني قائمة أعلى نسبة في الإعدامات في العالم ، ففي إيران حسب إحصائيات الأعوام العشرة الماضية فإن معدل الإعدام هو شخصين كل يوم، إلى حد أن شركة (تادانوا) اليابانية أوقفت بيع وتصدير رافعات الأثقال للنظام مضحية بملايين الدولارات بعد أنّ تأكدت أن بعض هذه الرافعات تستخدم في تنفيذ تلك الإعدامات شنقا. هذا الفساد والقمع اليومي للمتظاهرين الإيرانيين منذ عام 2009 ، والإدعاء بأنّه حكم باسم الله تعالى وبالتالي فمن يعصى أوامر ولي فقيهه فقد عصى أوامر الله، تتمّ التغطية عليه في الداخل الإيراني والخارج المخدوع بهذا النظام بخطابات وثرثرة تكاد تكون يومية وأبرز موضوعاتها:

المتاجرة بالقضية الفلسطينية

لا أعتقد أن كافة الأنظمة العربية والإسلامية في العالم، أصدرت في الخمسين عاما الماضية بيانات وشعارات تتعلق بالقضية الفلسطينية بنسبة خمسة بالمائة مما أصدره النظام الإيراني في السنوات العشرة الأخيرة خاصة منذ تسلم أحمدي نجاد الرئاسة في أغسطس 2005 . في هذه السنوات السبع لا يكاد يمرّ يوم دون تهديد إسرائيل بمحوها من الوجود ورمي اليهود في البحر، وقدرة نظامه على قذف إسرائيل بمائة وخمسين ألف صاروخ خلال أقل من ساعة واحدة أي بمعدل 2500 صاروخ في الدقيقة الواحدة، وهل يصدق ذلك عاقل أو مجنون سواء أكان خبيرا عسكريا أم مجرد مواطن عادي؟. والرفض الدائم المتكرر في كافة المحافل لوجود الهولوكست أيا كانت مبالغة الاحتلال في ذلك الهولوكست التي أشار لها كتاب غربيون مثل الأمريكي نورمان فلنلشتاين في كتابه ( صناعة الهولوكست ). هذا بينما المعلومات الموثقة تؤكد عمق العلاقات السرية من تحت الطاولة بين النظامين في العديد من الميادين، وكان آخرها ماكشفه تقرير إيلاف الموثق حول قيام إسرائيل بتصدير معدات إلكترونية لمراقبة الانترنت إلى إيران عبر صفقات سرّية تجري من خلال الدانمرك حيث فيها يتم تبديل الصناديق واليافطات، وترسل الشحنات لوكيل إيراني لا يعرف إلا باسمه الأول حسين. ولمزيد من تفاصيل هذه الفضيحة حول العلاقات الممتازة بين النظام الإيراني وإسرائيل رغم الثرثرة اليومية بالتدمير والقصف بالصواريخ، يمكن العودة لتقرير إيلاف.
http://www.elaph.com/Web/news/2011/12/705719.html
وكثيرا ما أكّدت وسائل إعلام إسرائيلية كم كسبت إسرائيل من تعاطف وتأييد دولي نتيجة هذه التهديدات الإيرانية التي هي مجرد ثرثة فارغة.

وآخر الثرثرات حول مضيق هرمز

بعد أن استنفذ النظام الإيراني ثرثراته الخطابية الفارغة من أي مضمون وتطبيق على الأرض بخصوص القضية الفلسطينية والملف النووي، اهتدى أخيرا لموضوع جديد هو مضيق هرمز الذي يعتبر من أهم الممرات المائية في العالم حيث تمرّ من خلاله أعلى نسبة من صادرات النفط القادمة من دول الخليج العربي والعراق، وهو من الناحية القانونية الدولية يعتبر جزءا من المياه الدولية ( أعالي البحار) ورسميا وقانونيا تشرف سلطنة عمان على حركة الملاحة البحرية فيه، حيث أن ممر السفن يقع ضمن مياهها الإقليمية في ذلك الممر. ورغم ذلك لم يمرّ يوم في العام الماضي وحتى اليوم، دون تهديد العالم أجمع بإغلاق الممر لوقف صادرات النفط، وليس هذا وحسب بل أعلن قائد البحرية الايرانية، حبيب الله سياري، يوم الثامن والعشرين من ديسمبر لعام 2011 ( أنّ إغلاق المضيق أمام ناقلات النفط سيكون أسهل من شربة ماء إذا رأت إيران ضرورة لذلك ). ومن المهم التوقف عند الإدعاء بسهولة " شربة الماء " و " إذا رأت إيران ضرورة ذلك ". وهذا لا يفهم منه إلا عدم القدرة على ذلك مطلقا وأنّه مجرد ثرثرة بدليل:

التحدي الذي قامت به حاملة الطائرات الأمريكية
ولماذا لم يجد النظام الإيراني هذه الضرورة بإغلاق المضيق عندما قامت القيادة العسكرية الأمريكية  متحدية هذه التهديدات بإرسال حاملة الطائرات الأمريكية ( يو.اس.اس جون ستينيس ) لعبور مضيق هرمز ، وعلى الفور صدرت التهديدات الثرثارة الفارغة من قائد القوات المسلحة الإيرانية الجنرال عطاء الله صالحي يوم الثلاثاء الثالث من يناير 2012 مهددا حاملة الطائرات الأمريكية إن عادت لتعبر مياه مضيق هرمز، وقال حرفيا: " إننا نحذر هذه السفينة التي تعتبر تهديدا لنا، بألا تعود لأننا في إيران لا نكرر كلامنا مرتين " ، متناسيا أنّ نظامه كرّر تهديد دول الخليج العربي عشرات المرات وتدمير إسرائيل وقصفها بالصواريخ مئات المرات. وهذا ما جعل الإدارة الأمريكية تعتبر استمرار التهديدات الإيرانية دليل ضعف وعدم قدرة على تنفيذ هذه التهديدات.

فماذا كان ردّ حاملة الطائرات الأمريكية؟


كان الردّ عمليا وتطبيقا ميدانيا بحريا وليس ثرثرات فارغة مثل ثرثرات صالحي ونظامه، فقد عادت الحاملة يوم الخميس الخامس من يناير أي يومان بعد تهديدات صالحي، وعبرت مضيق هرمز على مقربة من الأسطول الإيراني ومارست كافة أعمالها المسلحة المعتادة مثل إطلاق وإعداد الطائرات التي تستعد لدعم القوات البرية الأمريكية في أفغانستان، ولم تكترث الحاملة وفريقها العسكري العامل فيها وعليها بتهديدات صالحي الفارغة، وأمضت الحاملة طوال يوم وليلة في مياه المضيق تقوم بكافة أعمالها العسكرية  المعتادة بما فيها إقلاع طائراتها وهبوطها على ظهر الحاملة، دون أن يبدو أي تطبيق عملي لتهديدات صالحي التي تعود عليها العالم أجمع. هذا وقد أعلن طاقم الحاملة أنّهم لا يعيرون تهديدات النظام الإيراني أية أهمية، معتبرين أن موقفهم هذا ( يتماشى مع تصريح وزارة الدفاع الأمريكية – البنتاجون- الذي قال أنّ الولايات المتحدة لا تسعى لمواجهة مع إيران بشأن المرور في مضيق هرمز، رغم رفضها لتهديد عسكري إيراني الذي استهدف ابقاء حاملات الطائرات الأمريكية خارج الخليج ). مؤكدا " أنّ الجيش الأمريكي سيواصل إرسال مجموعات ضاربة من حاملات الطائرات عبر الخليج عبر تحركات مقررة بانتظام وفقا للقانون الدولي ".

تهديد إيراني فارغ وعمل أمريكي إنساني

وذلك عندما قامت المدمرة الأمريكية " يو اس اس كيد " يوم السبت السابع من يناير الحالي، بإنقاذ 13 بحارا إيرانيا احتجز قراصنة صوماليون سفينتهم قريبا من مضيق هرمز ذاته، ولمّا لم تتمكن البحرية الإيرانية من إنقاذهم، وجّه قائد السفينة الإيرانية نداء استغاثة لحاملة الطائرات الأمريكية ، فأرسلت على الفور المدمرة المذكورة التي قامت بالسيطرة على السفينة الإيرانية المخطوفة، وإنقاذ البحارة الإيرانيين والقبض على 15 قرصانا صوماليا. وعلى الفور صرّح أحد البحارة الإيرانيين الذين تمّ إنقاذهم ويدعى فاضل الرحمن موجها شكره للبحارة الأمريكان قائلا: " كما لو أنّ الله أرسلكم لإنقاذنا ". فهل بحرية غيلاني غير القادرة على مواجهة قراصنة صوماليين، قادرة على مواجهة البحرية العالمية كافة إذا قامت بإغلاق مضيق هرمز الدولي؟. أليست هذه التهديدات الإيرانية مجرد ثرثرات فارغة للتغطية على القمع والفساد ومصادرة حريات المواطن الإيراني، وكسب عواطف بعض العرب والمسلمين في الخارج، الذين لا يتوقفون عند حجم ونوعية المعارضة الإيرانية الداخلية لهذا النظام القمعي الذي لا يساند إلا الأنظمة المثيلة له في القمع والقتل؟. وللعلم فقد تجاهلت وسائل الإعلام الإيرانية هذا العمل الأمريكي الإنساني، ثم تدارك هذا التجاهل " رامين مهنبر " المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إذ صرّح لقناة العالم الإيرانية قائلا: " نعتبر أنّ عمل القوات الأمريكية التي أنقذت حياة البحارة الإيرانيين بادرة إنسانية ايجابية ونرحب بها، ونعتبر أنّ على جميع الأمم أن تتخذ موقفا كهذا ".  وهو تصريح وتقدير واضح لعمل إنساني فعلا، وكون جميع الأمم يجب أن تتخذ هكذا مواقف حسب كلامه، فلماذا لا يتوقف نظامه الإيراني عن تهديده الدائم لدول الخليج العربي؟ ولماذا يستمر في احتلاله للأحواز العربية وممارسة أسوأ أنواع الاضطهاد ضد شعبها العربي؟ وأيضا لماذا يستمر في احتلال الجزر الإماراتية العربية؟. هذه هي نوعية هذا النظام وممارساته الذي يريد بعض العرب المتفرسين أكثر من الفرس استيراده لأقطارنا العربية، وكأنّه لا يكفينا ما نعيشه من ظلم وقمع وفساد واستبداد من أنظمتنا العربية.

وآخر المستجدات الهرمزية

هو اعلان وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا الأحد الثامن من يناير (أنّ الولايات المتحدة سترد اذا ما سعت إيران الى إغلاق مضيق هرمز، الممر البحري الاستراتيجي لنقل النفط، وأنه خط أحمر لا ينبغي تخطيه). وكذلك إعلان المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية جورج ليتل الاثنين التاسع من يناير أنه لم تسجل أية اشارة من ايران توحي بانها تسعى الى اغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي في مياه الخليج. وقال: "سمعنا الكثير من الخطب في هذا الاتجاه ولم نرّ أي تعبير". فلننتظر من سينفذ تهديداته في المضيق وليس في ثرثرة الكلام؟
ahmad.164@live.com
www.drabumatar.com
www.dr-abumatar.net






115
تفجيرات دمشق الإرهابية: وقائع جديدة تدين النظام

د.أحمد أبو مطر

التفجيران اللذان شهدهما حي كفر سوسة الأمني المحصن يوم الجمعة الثالث والعشرين من ديسمبر الحالي، هما تفجيران إرهابيان بامتياز مخزي ومشين أيا كانت الجهة التي قامت بهما. وفي مقالتي السابقة (من قام بتفجيرات دمشق الإرهابية؟)، عرضت وجهات نظر مختلفة متبنيا من جهتي الرأي المتهم للنظام السوري بتدبير التفجيرين، موردا العديد من الأدلة على ذلك، و خلال الأيام التالية استجدت معلومات ووقائع تدين النظام بصورة أكثر وضوحا. أما تعليقات السادة  القراء على المقالة السابقة التي بلغت 44   تعليقا، فقد قدّمت أيضا معلومات دقيقة يشكرون عليها، كما شكّلت هذه التعليقات ما يشبه استفتاءا حول هوية القائم بهذه التفجيرات الإرهابية، وكانت الغالبية العظمى تدين النظام ليس بمجرد اتهامات لفظية ولكن في الغالب بمعلومات تدعم إدانة النظام، ويستشف من التعليقات أنّ أغلبها لمواطنين سوريين ( وأهل سورية أدرى بشعابها). والملاحظ أيضا في هذا السياق أنّ التعليقات القليلة جدا التي برأت النظام جاءت تبرئتها بألفاظ مسيئة لمن خالف وجهة نظرهم وللكاتب أيضا، فصاحب التعليق رقم 23  ( سلوم ) كمثال خاطبني قائلا : ( ومين طلب رأيك يا أخي. رأيك لا بيقدم ولا بيأخر ). دون أن يناقش أية معلومة وردت في المقالة لا نفيا ولا تأييدا. وبعض هؤلاء السادة المعلقين اعتبر أنّ كلّ من يتهم النظام فهو مضلل من وسائل الإعلام، وهذا اتهام غير منطقي لأنّه يعني أنّ صاحب هذا الاتهام هو الوحيد المحصّن بمناعة ضد تضليل الإعلام، أمّا الآخرون فقد فقدوا قدرتهم على التمييز بين الكذب و الحقيقة. لذلك سأعرض في هذه المقالة للحيثيات الجديدة التي تدين النظام وسأقدّم أيضا العديد من المعلومات المهمة التي قدّمها القراء في تعليقاتهم، وهذا يفسر سبب اهتمامي بتعليقات القراء والتفاعل والنقاش معهم، كما أقول دوما: لا أحد يستطيع الإدعاء أنّه يملك الحقيقة المطلقة، وكلنا كتابا وقراءا ومعلقين يمكن أن نستفيد من تفاعلنا الموضوعي وصولا لمساحة أكبر من القناعات المشتركة.

وقائع إدانة جديدة للنظام

1 . فبركة موقع باسم جماعة الإخوان المسلمين يتبنى التفجيرين

موقع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا على الانترنت معروف ومشهور منذ ما يزيد على خمسة سنوات على الرابط التالي:

www.ikhwansyria.com
وكنا وما زلنا نتابع مواقف وبيانات الجماعة التي نتفق أو نختلف معها على هذا الموقع المعترف به رسميا من الجماعة أنّه موقعهم الوحيد على شبكة الانترنت. وفجأة قبل شهر تقريبا بدأ موقع جديد على الرابط التالي:
www.ikhwan-sy.com
وبدأ هذا الموقع يقدّم نفسه على أنّه تابع وناطق باسم جماعة الإخوان السورية، ولأن عمر الكذب قصير، فقد نسيّ مفبركو هذا الموقع أنّ الموقع الرسمي المعترف به لجماعة الإخوان المسلمين السورية ممنوع داخل سوريا وعليه حظر من الصعب دخوله باستعمال أي بروكسي، بينما هذا الموقع الجديد المفبرك مفتوح للقراء السوريين. هل هناك سذاجة واستهبال للقراء أكثر من هذه الخديعة؟. وفجأة فور وقوع الحدثين الإرهابيين في دمشق، قام الموقع المفبرك المذكور بنشر بيان باسم جماعة الإخوان المسلمين السورية، يتبنى العملية أيضا وبإسلوب تحريض طائفي إذ أطلق على المجموعة المنفذة اسم ( جماعة السنّة الغالبون ). وفور نفي جماعة الإخوان المسلمين السورية لهذا الموقع و البيان المفبرك من قبل أجهزة النظام، بدأ الشباب السوريون المتخصصون في عالم الكومبيوتر وتصميم المواقع بالبحث والتحري لكشف الحقيقة، فتم العثور على المعلومات الدقيقة لمن قام باختراع هذا الموقع لخدمة النظام قبل شهر تقريبا، وسرعته في نشر البيان المنسوب زورا لجماعة الإخوان السمليمين، مما يعني أنّ النظام السوري كان يخطط لهذه العملية الإرهابية منذ أسابيع، وقرّر توقيتها مع وصول بعثة المراقبين العرب، ومن أهم هذه المعلومات الفنية،

ما نشره المعلق إياد الشربجي

وهو يبدو كما قلت متخصصا أو ملما  بعلوم الكومبيوتر وتصميم المواقع، فقد ذكر في تعليقه رقم 25 على مقالتي السابقة ما يلي، و أنشر تعليقه كاملا لأهمية ما فيه من معلومات دقيقة وموثقة:

25.من هو الذي اخترع موقع الاخوان المسلمين
اياد الشربجي-GMT 20:26:18 2011 السبت 24 ديسمبر
 ( تناقلت وسائل إعلام النظام البارحة واليوم بياناً قالت إنه صادر عن جماعة الأخوان المسلمين في سورية عبر من سمتها (كتائب السنة الغالبون) تتنبى فيه تفجيرات دمشق التي وقعت الجمعة 23 كانون الأول 2011، وقد أعادت مرجعية هذا البيان إلى ما سمته موقع جماعة الإخوان المسلمين على الانترنت ، السؤال الذي برز بداية هو لماذا يصدر الأخوان المسلمون بياناً خطيراً بهذه الأهمية عبر موقع جديد على الانترنت عمره أقل من 23 يوماً (تحديداً في 30 تشرين الثاني الفائت)، بينما يوجد للجماعة موقع رسمي على الانترنت وعمرهذا الموقع خمس سنوات (حجز تحديداً في 23 يناير 2007 ) ،ناهيكم عن أن الموقع الرسمي للأخوان محجوب في سوريا ويحتاج لكسره بروكسي، بينما الموقع المزور(الذي أصدر البيان) مفتوح ويمكن تصفحه بسهولة من سورية دون بروكسي، السؤال البديهي هنا كيف لم تحجب المخابرات السورية موقعاً خطيراً كهذا، بينما هي تحجب حتى مواقع لبعض الصحف العربية الشهيرة....!!!وبعد البحث عن صاحب الموقع وقمنا بإرسال معلومات الحجز والتجديد وغيرها، لذلك ذكر أن بريده الالكتروني ، قام أحد شباب الثورة بالبحث بالفيسبوك عن صاحب الإيميل الذي تم حجز الدومين المزور من خلاله، لعله يجد له حساباً على الفيسبوك، تبين أن صاحب الايميل هو شاب سوري من حلب .................قام صديقنا المتقصّي بطلب صداقة هذا الشاب، فوافق، فدخل على صفحته وبحث بين معلوماته، فتبينت المفاجأة الأكبر، وهي أنه نجل السيد ( باسل قس نصر الله) بتصفح معلومات السيد الوالد، تبين (ويا للمفاجأة) إنه مستشار لمفتي الجمهورية محمد بدر حسون . إن من قام بفبركة كل هذا السيناريو القذر هو نجل مستشار مفتي الجمهورية حسون، والذي سبق وأن هدّد ذات مرة بتفجيرات استشهادية في اوروبا). والمثير فعلا والمؤيد لتحليل ومعلومات إياد الشربجي أنّ القراء الذين أيدوا معلوماته حسب مؤشر إيلاف بلغ عددهم 203 حتى الانتهاء من كتابة هذا المقال.

وتأكيد فني تقني آخر من محمد خير

الذي يبدو أيضا أنه تقني متخصص فقد أورد تفاصيل مذهلة لا يمكن أن يصل إليها إلا فنّي في علوم الكومبيوتر والانترنت وتصميم المواقع، فما قام بالوصول إليه من معلومات تقنية تؤكد تعليق إياد الشربجي وتصل لنفس النتيجة وهي أنّ من أسّس الموقع المفبرك هو إيميل قس نصر الله أي نجل باسل قس نصر الله. ولمن تهمه هذا المعلومات الفنية التقنية عن دومين الموقع المفبرك وتاريخ تأسيسه وكافة التفاصيل الفنية التكنولوجية الدقيقة خاصة للملمين بعلوم هندسة تصميم المواقع واستضافتها، فليتفضل بزيارة الرابط التالي ليرى ما يدهش ذوي الألباب الباحثين عن الحقيقة:
http://zaman-alwsl.net/readNews.php?id=23353

لذلك بعد اكتشاف هذه الفضيحة التي تضاف لفبركات وليد المعلم المضحكة، قامت أجهزة النظام بحجب الموقع المفبرك وفجأة أصبح مغلقا بعد أن ظلّ مفتوحا ويعمل طوال شهر تقريبا. فلماذا تمّ افتتاح هذا الموقع، و ينشر البيان المنسوب زورا لجماعة الإخوان المسلمين، ثم يتم خلال ساعات إغلاقه وحجبه؟. أليس هذه الفبركات دليل قوي على تورط النظام في العمليتين الإرهابيتين المذكورتين؟.

2 . أين هو الشخص الذي تمّ إلقاء القبض عليه حيّا من الإرهابيين المنفذين للعملية كما أعلن إعلام النظام؟. وتمّ الإعلان عن ذلك ثاني يوم تنفيذ العملية، فهل يصدق عاقل أنّ تفجيرات تقتل ما يزيد على 44 وتجرح حوالي 150 شخصا، ويبقى واحد من هؤلاء الإرهابيين حيّا؟. لذلك توقعوا شريط الفيديو التالي الذي سيقوم وليد المعلم أو بثينة شعبان أو جهاد مقدسي بعرضه، وهو لقاء مع شخص ملثم غالبا يعترف أنّه أحد الإرهابيين الذين نفذوا العملية، وربما يعترف شاهد الزور هذا ( شاهد ما عملش حاجة ) بأنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين السورية ؟. وكيف تمّ العثور على صور لإبن لادن في السيارتين المفخختين؟ هل يعقل أن سيارتين تنفجران ويدمران جوانب بعض المباني ، وتبقى أوراق عليها صور لإبن لادن سليمة غير محترقة؟.

3 . غباء اللعب على الوتر الطائفي

وهو الأمر الذي لفت الانتباه إليه السيد القارىء صاحب التعليق رقم 33  ( العميد محمد خلوف ) حول أنّ النظام لم يعلن من أسماء قتلى التفجيرين الإرهابيين سوى اسم الضابط المسيحي المتقاعد نعيم موراني ( فليرحمه الله واللعنة للإرهابيين )، فلماذا إعلان اسم الضحية متلازما مع ديانته؟ هل إذا أعلن النظام أسماء جديدة للضحايا سيضع ديانة كل واحد أمام اسمه؟ وماذا يفيد ذكر ديانة الضحية سوى قصد طائفي خبيث من صاحب الإعلان وهو النظام؟.

4 . لغة الأرقام ودلالتها

حسب لغة الأرقام المصاحبة لكل تعليق من تعليقات القراء التي أوردها مؤشر إيلاف، فإنّ المؤيدين لوجهة نظري في المقالة السابقة التي تتهم النظام بتدبير التفجيرين الإرهابيين، أو المضيفين لمعلومات جديدة تدعم إتهام النظام، أو الموردين لأسماء القتلة والمجرمين من عناصر ورموز النظام فقد بلغ عددهم 1963 ، أمّا الذين رفضوا تعليقات القراء المدافعة عن النظام أو المقدمين لتحليلات عامة يشتم منها بشكل غير مباشر رفض اتهام النظام أو القائلين أنّ مواقع أجهزة الأمن في كفر سوسة مفتوحة وسهل دخولها وكأنها أماكن سياحية، فقد بلغ عددهم 1172 ، وبالتالي كنتيجة ميدانية من دلالات لغة الأرقام هذه لقراء ومعلقي إيلاف، نستطيع القول أنّ ما يزيد على 3000 قارىء يؤيدون وجهة النظر القائلة بأنّ نظام بشار الأسد هو من قام بتنفيذ هذين التفجيرين الإرهابيين، وخطط لهما ليتما ساعات قبل وصول بعثة المراقبين العرب، لحرف الأنظار عن قتله اليومي نحو عدو وهمي مرة هو القاعدة وأخرى هو الإخوان المسلمون الذين نفّوا ذلك بشدة، وأثبتت الوقائع التي ذكرتها أنّ البيان والموقع المنسوب للجماعة مفبرك.

وهاهو قمع النظام وقتله الوحشي مستمر بعد وصول بدايات فريق المراقبين العرب خاصة في مدينة حمص، التي تتواصل النداءات من داخلها لفريق المراقبين والعالم أجمع بالتدخل لوقف هذه المجازر الوحشية، ولن يصلها أي مراقب عربي لأنّها في عرف النظام مناطق عسكرية حسب البروتوكول الذي وافق عليه النظام. كما أنّ بعض شروط بعثة المراقبين العرب فعلا ستجعلهم مجرد ( شهود زور ) خاصة من بين هذه الشروط أنّ تقارير البعثة يجب أن ترفع لوليد المعلم ونبيل العربي أولا ليتناقشا فيها ويتفقا على مضمونها قبل نشرها..هل هناك مهزلة أكثر بؤسا من هذه؟. ويجب عدم نسيان أنّ هناك دول عربية رفضت في اجتماعات الجامعة العربية إدانة انتهاكات ومجازر نظام بشار الأسد طوال الشهور الماضية، ولهذه الدول أعضاء مشاركون في بعثة المراقبين العرب، فهل سيشذّ هولاء عن سياسة حكوماتهم المؤيدة للنظام القمعي في سوريا؟. وهناك معلومات تمّ تداولها بشكل واسع تحتاج لتأكيد وهي أنّ السوداني الذي تم اختياره لرئاسة البعثة  الجنرال محمد أحمد الدابي مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية مع رئيسه عمر حسن البشير، فإذا صحت هذه المعلومات عن الجنرال أم لم تثبت صحتها، فلا يمكن الاطمئنان لحياديته لأنّه ممثل لرئيس مطلوب فعلا منذ سنوات لمحكمة الجنايات الدولية. لذلك فعلت حكومة لبنان خيرا برفضها المشاركة في هذه البعثة الوهمية، وهذا ما دعا العديد ممن تم ترشيحهم للمشاركة كمستقلين في البعثة رفض المشاركة. كما تأكدت معلومات مصدرها من داخل دمشق أنّ المراقبين العرب الذين وصلوا، لم يسمح لهم حتى الآن بمغادرة الفندق والتنقل إلى المناطق التي يريدونها لذلك غادر بعضهم دمشق عائدا للقاهرة احتجاجا. فهل بعد كل هذه الوقائع هناك من يستطيع تبرئة النظام من هذين التفجيرين الإرهابيين؟. من يستطيع فليتفضل بمعلومات وحقائق نقيضة لما ورد، ففي النهاية لا يصحّ إلا الصحيح وعمر الكذب قصير.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com



 

116
من قام بتفجيرات دمشق الإرهابية الأخيرة؟

د.أحمد أبو مطر

يزداد الوضع في سوريا تعقيدا كل يوم، خاصة بسبب قلة آليات ووسائل التحقق من خلفية بعض الأحداث والوقائع، مما يعطي الفرصة لكل طرف أن يقدّم الحدث نفسه من وجهة نظره المخالفة تماما لوجهة نظر الآخر، وتبدو أحيانا وجهتا النظر مقنعتان رغم تناقضهما. فمثلا التفجيران اللذان حدثا يوم الجمعة الثالث والعشرين من ديسمبر في مدينة دمشق مع وصول طلائع بعثة المراقبين العرب، عليهما العديد من علامات الاستفهام التي تحتاج لمناقشة وتحليل موضوعيين بغض النظر إن كنت من معارضي النظام السوري أو مؤيديه. وحسب أغلب الروايات فقد أوقع التفجيران حوالي أربعين قتيلا وأكثر من مائة وخمسين جريحا ومصابا من المدنيين وقوات الأمن والجيش. وقالت الرواية الرسمية للنظام أنّ التفجيرين حدثا بواسطة سيارتين مفخختين استهدفتا إدارة مبنى المخابرات العامة ومقر جهاز أمن الدولة في حي كفر سوسة بدمشق. وأنا هنا في هذا التحليل معتمدا على ما نشر من معلومات وعلى معرفتي الميدانية بحي كفر سوسة حيث مقار أغلب الأجهزة المخابراتية والأمنية للنظام السوري، سأقدم وجهتي النظر المطروحتين لنحاول مع السادة القراء الوصول إلى ترجيح أي من الروايتين، ومن حقي أيضا أن أعطي رأيي الترجيحي لأي الروايتين أكثر معقولية ومنطقية.

وجهة نظر النظام الرسمية

الملاحظة التي يجب عدم القفز عنها أنّ التفجيرين جاءا مترافقين تقريبا مع وصول طليعة بعثة المراقبين العرب المختلف حولها أساسا من قبل قوى المعارضة السورية، وفورا جاءت ردود فعل النظام الرسمية لتربط بين الحدثين، وبنفس الإسلوب الإعلامي السطحي الذي عرف عن الناطقين باسم النظام، فقد قال نائب وزير الخارجية فيصل المقداد: ( في اليوم الأول من وصول المراقبين العرب، إنّها أكبر هدية من الإرهاب والقاعدة، لكننا سنسهل إلى أبعد حد مهمة الجامعة العربية ). والسؤال المنطقي هو: كيف عرف المقداد بعد ساعة من وقوع التفجيرين أنّ القاعدة وراء هذا الإرهاب؟. المقداد وليس مسؤولا أمنيا؟. وكيف أمكن خلال ساعة الاتصال برئيس بعثة المراقبين العرب سمير سيف اليزل واصطحابه على الفور بهذه السرعة لموقع التفجيرين؟. في هكذا ظروف إرهابية ألا يتوقع أي مسؤول أو شخص عادي حصول تفجيرات أخرى؟ فكيف يتجرأ المقداد على اصطحاب ممثل الجامعة العربية إلى موقع التفجيرين؟.

وما أضعف رواية النظام السوري هذه، أنّ لبنان الرسمي تم الزج به على الخط من خلال تصريح جهاد مقدسي المتحدث باسم وزرارة الخارجية، حيث إدّعى ( أنّ السلطات اللبنانية حذرت سوريا قبل يومين من أنّ مجموعة من مقاتلي القاعدة تسللت إلى الأراضي السورية عبر بلدة عرسال اللبنانية الشمالية ).
طالما أنّ السلطات اللبنانية كان لديها هذه المعلومات الدقيقة، من حيث هوية الإرهابيين و نقطة تسللهم داخل سوريا، ألم يكن من السهل تتبعهم وضبطهم، خاصة أنّ الحدود السورية اللبنانية السورية في الشمال، مضبوطة بشكل لا تستطيع نملة من التسلل، فكيف يمكن لسيارتين مفخختين وفيها عناصر إرهابية من الدخول بهذه السهولة، من بلدة عرسال اللبنانية وتسير بأمان من شمال لبنان وصولا إلى حي كفر سوسة حيث أهم الأجهزة المخابراتية السورية، وتدخل السيارات هذا الحي وصولا للمقرات المخابراتية ليحدث التفجيران؟. وعلى الفور يتصل الرئيس اللبناني ميشيل سليمان بالرئيس الأسد معزيا، وكأنّه بهذه التعزية السريعة يؤكد دخول السيارات الإرهابية من شمال لبنان.

أما حزب الله اللبناني،
الحليف القوي الأمين للنظام السوري فقد حلّق بعيدا عابرا للقارات متهما الولايات المتحدة الأمريكية بالقيام بهذه التفجيرات وما سبقها من تفجيرات في بغداد، وحسب بيان الحزب ف ( إنّ ذلك انتقاما لهزيمتها في العراق )، متناسيا أنّ الولايات المتحدة هي أكثر دول العالم من عانت وقدمت ضحايا بسبب إرهاب القاعدة، والأهم هل معلومات حزب الله الاستخباراتية أقوى من معلومات الأمن والجيش اللبناني اللذين إدعيا أنهما حذرا سوريا قبل يومين من دخول سيارات مفخخة من القاعدة كما ذكرت؟. هذا مع أنّ الولايات المتحدة الأمريكية رغم خلافها مع النظام السوري أدانت العملية الإرهابية كإرهاب فقط دون أن تشير إلى من يقف خلفه.

أمّا وجهة نظر المعارضة السورية،

فهي مع التأكيد المطلق أنّ هذين التفجيرين الإرهابيين من إعداد النظام السوري، وهي كانت معدة للحدوث مع وصول طليعة المراقبين العرب كرسالة لهؤلاء المراقبين انّهم سيواجهون عصابات إرهابية كما يدّعي النظام منذ مارس الماضي، ولا تستبعد بعض مصادر المعارضة انّ تحديد هذين المكانين للتفجيرين أي قرب مراكز استخباراتية للنظام، قد تم الإعداد له بحيث يبدو أمام العالم بأنّه ضعيف أمام هذا الإرهاب الذي ينجح في الوصول لحي كفر سوسة المحصّن، وأيضا ليس بعيدا أنّه قد تمّ حشر العديد من المعتقلين في المظاهرات السورية في زوايا تلك الأماكن ليكونوا هم ضحية هذين التفجيرين المعدّين بعناية من أجهزة النظام.

أمّا وجهة نظري فهي أنها من تدبير النظام للأسباب التالية:

1 . من المستحيل دخول سيارتين مفخخختين بمن فيها من الإرهابيين أيا كان عددهم، وتسير بأمان من بلدة عرسال شمال لبنان مخترقة الحدود السورية اللبنانية التي أعلن النظام نفسه أنّه قام أخيرا بتلغيمها، ونحن نعرف عدد النقاط العسكرية والاستخباراتية على الحدود السورية اللبنانية خاصة في منطقة الشمال اللبناني حيث هناك أغلب الأحيان احتقان بين الطائفتين العلوية والسنّية.

2 . ولنفترض أنّ السيارتين نجحتا في اختراق الحدود، فكيف تمكنتا من السير على الأقل مائة وخمسين كيلومترا من الشمال اللبناني إلى قلب مدينة دمشق؟. جيد تمكنتا من ذلك، ولكن كيف استطاعتا وهي حتما من مظهرها سيارات غريبة أن تدخل حي كفر سوسة المليء بالحواجز العسكرية وصولا للمقرات المخابراتية، ونحن من عشنا في دمشق وكنا نشاهد تلك المقرات قرب إدارة الجمارك العامة، نعرف ويعرف السوريون أنّه لا يسمح لأية سيارة بعبور تلك الحواجز وتقف بعيدا عنها، ومن المستحيل اختراق تلك الحواجز الاسمنتية الضخمة.

3 . هذه العملية الإرهابية  تذكرنا بعملية اغتيال المسؤول العسكري لحزب الله عماد مغنية في نفس منطقة المخابرات بكفر سوسة عبر تفخيخ سيارته أثناء أن كان في اجتماع مع مسؤول مخابراتي سوري، وبعد نزوله من الاجتماع وتشغيل سيارته انفجرت به ميتا؟. لقد جاء عماد مغنية للاجتماع بسيارته فلماذا انفجرت بعد نزوله من الاجتماع وليس عندما شغّلها أول مرة عند قدومه من شقته للإجتماع؟. وقد تسرب ما يشبه أن يكون معلومة مؤكدة أنّ حسن نصر الله في إحدى اجتماعاته مع مسؤولي حزبه فور حدوث العملية ، اتهم النظام السوري وشتم بعض مسؤوليه، ولكن تمّ التعتيم على ذلك لمصلحة الحزب وفائدته من النظام السوري التي هي أهم من اغتيال عماد مغنية أو اي مسؤول آخر من الحزب.

4 . إنّ تاريخ النظام السوري منذ عام 1970 حافل بالعديد من الاغتيالات التي كانت دوما تقدّم على أّنها محاولات انتحار،وقد سبق في إحدى مقالاتي أن قدمت قائمة بهذه الاغتيالات التي ليست أولها اغتيال محمود الزعبي رئيس الوزراء الأسبق في مايو عام 2000 وليس آخرها اغتيال غازي كنعان في أكتوبر 2005 ومن بعده شقيقه علي كنعان. وضمن نفس السياق عمليات القتل العديدة التي قام بها حافظ الأسد ضد رفاقه البعثيين قبل انقلابه وبعده عام 1970 .

كل تلك المعطيات من وجهة نظري تؤكد أنّ النظام هو من قام بإعداد وتنفيذ التفجيرات الإرهابية هذه، ليبدو للعالم أنّه هو ضحية الإرهاب وليس من يقوم بإرهاب أودى بحياة ما يزيد على خمسة ألاف سوري حتى الآن، على الأقل مائتين في الأيام الأربعة الماضية. لذلك تسارعت العقوبات الدولية ضد النظام، إذ أعلنت سويسرا تجميد خمسين مليون فرنك سويسري ( حوالي خمسة وخمسين مليون دولار ) عائدة لشخصيات سورية من بينها الرئيس بشار الأسد شخصيا ووزير داخليته إبراهيم الشعار وضباط كبار في وزارة الداخلية وأجهزة المخابرات. وشملت العقوبات السويسرية 19 شركة و74 شخصية من الشخصيات اللصيقة بالنظام. وكذلك قامت كندا بسلسلة جديدة من العقوبات ضد النظام بسبب القمع الدامي لحركة الاحتجاجات، وتشمل هذه العقوبات حظر جميع الواردات السورية باستثناء المواد الغذائية، ووقف تصدير أية معدات مراقبة هاتفية أو معلوماتية للنظام السوري. فهل كندا وسويسرا متحالفتان مع القاعدة أيضا ضد النظام السوري؟.

هذه هي المعطيات المطروحة حول التفجيرات الإرهابية في دمشق، فمع أية معطيات يميل القراء؟
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com


117
الجامعة العربية تمدّد فترة قتل الشعب السوري والأسد يوقع لكسب الوقت

أحمد أبو مطر

من تابع المؤتمر الصحفي لوليد المعلم وزير خارجية النظام السوري الذي أعقب توقيع ممثل النظام فيصل المقداد في القاهرة يوم الإثنين التاسع عشر من ديسمبر الحالي، على ما سمّي ( البروتوكول المحدد للإطار القانوني ومهام بعثة المراقبين العرب إلى سوريا)، لا يملك إلى الضحك على هذا المستوى من أداء وليد المعلم واستخفافه بالجامعة العربية والنظام السوري الذي يمثله. وأية متابعة لأداء وزراء الخارجية العرب والأجانب لا يمكن أن يوجد أداء أكثر كذبا وقلبا للحقائق من أداء وليد المعلم ، وهذه صفات كل أداء يدافع عن الباطل والظلم وديكتاتورية تقتل الشعب وتسرقه أرضا ووطنا منذ ما يزيد على أربعين عاما.

مواطن الضحك والمراوغة في التوقيع

من المهم جدا ملاحظة أنّ توقيع النظام السوري على هذه المبادرة التي تمّ تمييعها، جاء بعد مماطلات ومراوغات طويلة، كان دوما يتخذ مسألة التعديلات والمناقشات ذريعة لها مما دفع الجامعة العربية لاتخاذ خطوات خاصة بعقوبات اقتصادية وسياسية ضد النظام، بالطبع أغلبها لم يتخذ حيز التنفيذ من غالبية الدول العربية، أي بقيت مجرد قرارت شكلية كعادة قرارات الجامعة العربية. وأول مظاهر الاستهزاء بالجامعة العربية قول المعلم ( لو لم تدخل تعديلاتنا على مشروع البروتوكول لم نكن لنوقع مهما كانت الظروف ) أي أنّه فرض مطالب نظامه التي حتما ليست في مصلحة حيادية المراقبين وحرية تحركاتهم. وقد كشف المعلم تفاصيل هذه الطبخة الفاسدة في جملة واحدة حيث قال: ( إنّ السيادة السورية أصبحت مصانة في صلب البروتوكول والتنسيق مع الحكومة السورية سيكون تاما ). وهذا التنسيق التام يعني استجابة هذه الطبخة للتعديلات التي سبق أن طلبها النظام وتقضي بعرض أسماء المراقبين مسبقا على النظام ليوافق على ما يريدها ويرفض ما لا يريدها، كما طالبت تعديلات النظام بضرورة تحديد الأماكن التي سيذهب لها المراقبون مسبقا، والمسبق هذا يكفي أن يكون عدة ساعات ليهيء النظام المناطق هادئة نظيفة مزدحمة بالمصفقين والمطبلين له، وهم عادة من طوابير قوات الأمن والجيش بعد إلباسهم ملابسهم المدنية، و كذلك إجبار العديد من طلاب المدارس والجامعات والموظفين على الخروج في مظاهرات التصفيق والتزمير تحت طائلة التهديد، وكل من عاش في سوريا يعرف هذا الأسلوب القديم الجديد لدى أجهزة النظام.

الاستقواء مجددا بالموقف الروسي المراوغ أيضا

ولم يخجل وليد المعلم أن يعلن أنّ نظامه ما زال يشترك  مع حكام روسيا في نفس أسلوب المراوغة لكسب الوقت، إذ أكدّ أن توقيع النظام على بروتوكول هذه الطبخة جاء بناءا على أوامر موسكو التي أطلق عليها اسم (نصيحة). ومن الواضح أنّ هذه النصيحة الروسية تهدف أيضا لإعطاء النظام المزيد من الوقت لاحتواء الثورة الشعبية أو القضاء عليها، وإلا ما معنى قول المعلم ( إنّ التنسيق مع الروس يتمّ بشكل يومي )، وهل نسّق الروس مع نظام المعلم في ردهم على مظاهرات الشعب الروسي التي اندلعت ضد تزوير الانتخابات الروسية الأخيرة؟. لذلك من المفيد ملاحظة أنّ أول من أشادوا بتوقيع النظام بعد دقائق معدودة هما روسيا وإيران حليفتا النظام دون أن تصدر عنهما طوال الشهور التسعة الماضية أية مبادرة دعم لمطالب الشعب السوري.

مهزلة آلية تنفيذ البروتوكول غير الجاد أساسا

إنّ هذه الآلية التي تضمنها البروتوكول وحدها كفيلة بتوضيح أسباب موافقة النظام السوري على هذا البروتوكول، إذ أنّها آلية تعطي النظام المزيد من مبررات المماطلة وإضاعة الوقت أملا في إخماد ثورة الشعب السوري، فهذه الآلية تنصّ على:

_ سيتم خلال يومين أو ثلاثة ايفاد مقدمة من المراقبين وبمشاركة مراقبين أمنيين وقانونيين وإداريين. السؤال الكارثة: كيف سيمكن خلال يومين أو ثلاثة اختيار هؤلاء المراقبين ضمن شروط تؤكد حياديتهم ونزاهتهم؟.

_ سيتبع هذه المقدمة من المراقبين بعثات كل منها تضم عشرةمراقبين متخصصين في حقوق الإنسان والنواحي القانونية والأمنية. وأيضا دون تحديد آلية اختيارهم ومن سيتولى هذا الاختيار، خاصة إذا عرفنا أنّ بعض دول الجامعة مؤيدة للنظام القمعي في سوريا، فما هو نوع عمل هؤلاء المراقبين إذا كانوا من تلك الدول ويتلقون تعليمات طريقة عملهم من دولهم تلك؟.

_ أما النكتة المضحكة التي لا أعرف هل ستسكت عليها الجامعة العربية أم لا؟ هي ما وردت في مؤتمر المعلم الصحفي حيث قال: ( إنّ المراقبين سيذهبون إلى المناطق الساخنة، لكن من المستحيل زيارة أماكن عسكرية حسّاسة ). ومن سيحدد المناطق الساخنة أو العسكرية؟. إنها أجهزة النظام بالطبع، فإذا طلب المراقبون الذهاب لمنطقة علموا أنّ فيها قمع وقتل للشعب، وقال النظام إنها منطقة عسكرية فمن الحكم عندئذ؟ إنّه النظام فقط وليس المراقبون. وهذا يعني أن أجهزة النظام لن تأخذ المراقبين العرب إلا للمناطق الخالية من التظاهرات الشعبية المناوئة أو التظاهرات المحشودة من قبل النظام كما أوضحت سابقا. والأخطر هو تهديد المعلم المبطن بوضوح لبعثة المراقبين قبل وصولهم، إذ تعهد ب ( أنّ وزارة الداخلية ستوفر الحماية الكاملة لهؤلاء، غير أنّه إذا تعرضت البعثة لمكروه فإنّ هذا لا يسبب حرجا لسوريا، ولكنه سيبرر موقفنا إزاء وجود عناصر إرهابية ). لذلك فليبشر أعضاء بعثة المراقبين العرب بموت العديد منهم من قبل بلطجية وشبيحة النظام، وسيهرب بعضهم و يتمّ إلقاء القبض على بعضهم ليقدمهم المعلم في مؤتمر صحفي أمام البعثة يعترفوا فيه أنهم عصابات إرهابية، كما حصل في فبركات وأكاذيب مؤتمراته الصحفية السابقة التي اكتشف الجميع كذبها وتلفيقاتها.

_ وآخر بند من البروتوكول هو دليل مراوغة النظام لكسب الوقت، إذ تحددت مهمة المراقبين في شهر قابل للتمديد، ويمكن تخيل ماذا سيفعل النظام في هذا الشهر وحتما ما سيليه من تمديد. إذ أنّ عشرات من المراقبين يتحركون ضمن شروط النظام، وبالتالي يمكن تخيل مضمون ما قاله بسام جعارة، الناطق باسم الهيئة العامة للثورة السورية، إذ اعتبر الجامعة العربية شريكة في الجريمة التي ينفذها النظام السوري عبر موافقتها على هذا البروتوكول ( إنّ المعلم يريد تحويل البعثة إلى شهود زور..فإذا كانت كوسوفو قد تحملت ثلاثة ألاف مراقب فإنّ سوريا تحتاج إلى ثلاثين ألف مراقب كي يتابعوا ماذا يجري على الأرض ). ولنا أن نتخيل كيف سيراقب عشرات ما يجري من قمع ضمن الشروط التعجيزية التي وضعها النظام ووافقت عليها الجامعة العربية.

ردّ الشعب السوري ( الجامعة العربية تقتلنا )

لذلك جاء ردّ الشعب السوري سابقا لهذا التوقيع على البروتوكول المراوغ، فقد رفع هذا الشعب الصامد منذ تسعة شهور يوم الجمعة السادس عشر من ديسمبر في كافة مظاهراتهم الشعار الذي أطلقوه على تلك الجمعة ( الجامعة العربية تقتلنا ). وكذلك جاء ردّ المجلس الوطني السوري المعارض بعد التوقيع، إذ اعتبره مجرد مراوغة من النظام لكسب الوقت ولمنع إحالة الملف السوري على مجلس الأمن.

 إنّ كل معطيات المؤتمر الصحفي لوليد المعلم تؤكد بشكل واضح أنّ هدف النظام هو كسب الوقت لعدة شهور من خلال وضعه هذه الشروط التي تشلّ عمل البعثة العربية، عندما لن يؤخذوا إلا لمناطق يحددها النظام، وأية مناطق تعمها المظاهرات سيعتبرها النظام مناطق عسكرية، وبالتالي ضمن هذه الشروط فلا فائدة من هكذا بعثة سوى إعطاء النظام الوقت للمراوغة والمزيد من القتل وشهود زور أو ( شاهد ما شافش حاجة ) لأنّهم فعلا لن يؤخذوا لأية مناطق يشاهدوا فيها مظاهرات مناهضة للنظام، ويردّ عليها النظام بالقتل اليومي كما يعيش الشعب السوري منذ تسعة شهور. ورغم ذلك فالشعب السوري مستمر في ثورته وهذا وحده مؤشر أنّه لا تراجع عن سقوط ورحيل حكم العائلة الواحدة، فهذا لا يليق بالشعب السوري بكافة مكونات نسيجه الاجتماعي. واكتشاف مراوغة النظام من خلال هذا التوقيع هو ما حدا ببعض أطراف المعارضة السورية بعد رفضها لهذا البروتوكول إلى حث الجامعة لإرسال قوات ردع عربية لحماية المدنيين كما طالب المعارض المعروف هيثم المالح، أو كما أشار الدكتور برهان غليون بعد التوقيع إلى أنّ المعارضة ربما تلجأ لاستخدام القوة حتى وإن كان في نطاق محدود، لأنّ المعارضة لن تترك مصيرها في أيدي آخرين، وهذا يعتمد على المعلومات المؤكدة من مصادر عربية وغربية حول تزايد عدد الانشقاقات في جيش النظام، لأنّ احرار هذا الجيش رغم التجييش الطائفي الخادع لن ينجروا طويلا وراء قتل شعبهم لإدامة نظام عائلي ديكتاتوري.
ahmad.164@live.com

118
خطوة روسية جديدة مراوغة إزاء نظام الأسد
د.أحمد أبو مطر

ظلت جمهورية روسيا الدولة العظمى والعضو في مجلس الأمن حيث تملك حق الفيتو كباقي الدول العظمى، تؤخر أو تعطل صدور قرار دولي ضد القمع الدموي للنظام السوري، وذلك باستعمالها حق الفيتو في أكتوبر الماضي، وهي من المرات القليلة التي تتوافق فيها روسيا مع الصين على استخدام حق الفيتو معا.الخطوة الروسية الجديدة المفاجئة هي دعوتها يوم الخميس الموافق الخامس عشر من ديسمبر الحالي إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي حيث تقدمت خلالها بمشروع قرار يختص بالوضع في سوريا، أدان مشروع القرار "الاستخدام المفرط للقوة من السلطات السورية" ويحذر من "تدهور متزايد للأوضاع" وفي الوقت ذاته يدين مشروع القرار(  العنف من كافة الأطراف ). وهو كما أشار المندوب الروسي فيتالي تشوركين عبارة عن تحديث للورقة الروسية الصينية بناءا على تطورات الشهور القليلة الماضية، وهذا يعني أنّ هناك أيضا موافقة صينية على هذه الورقة الروسية ، حيث قال المندوب الروسي: " لقد حدّثنا المسودة الروسية الصينية، وقدّمنا إلى المجلس نسخة جديدة تعزز بقوة مضمون النص السابق للمشروع، فيما يتعلق بتعجيل الإصلاحات، ومن المهم إيصال رسالة للجامعة العربية بأننا ندعم مواصلة جهودها بالتعاون مع الحكومة السورية لنشر بعثة المراقبين في سوريا". وهو يعرف أنّ هذا المطلب ترفضه السلطات السورية عبر أسلوب المرواغة وإضاعة الوقت بتعديل يعقب تعديل مما أكّد انها لن توافق على هذا الطلب، وتلعب بغباء إعلامي لكسب الوقت فقط.

ترحيب غربي متحفظ و ترقب عربي

بادرت على الفور الدول الغربية العظمى للترحيب بهذه الخطوة الروسية المفاجئة التي تعتبر تقدما ولو نسبيا على الفيتو الروسي الصيني السابق، حيث كان أول المعلقين على هذه الخطوة المندوب الفرنسي جيرار آرو معربا عن ارتياح بلاده بعد تقديم روسيا مسودة القرار. أمّا وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون فقد كانت مترددة في الترحيب بهذه الخطوة الروسية، لذلك كان موقفها التعبير عن ( استعداد واشنطن للعمل مع موسكو بشأن مشروع القرار الذي قدمته إلى مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا . وسندرس مشروع القرار بحرص وسيتم عرضه على الجامعة العربية التي كانت أول من تعامل مع مايحدث في سوريا، ونأمل ان نستطيع العمل مع الروس الذين اعترفوا للمرة الأولى أنّ على مجلس الأمن مناقشة الموضوع ). وهذا الأمل الذي طرحته هيلاري كلينتون يرتكز على المجهود العربي الذي يولي أهمية لمعاناة الشعب السوري والقتل اليومي الذي أصبح وكأنه أمرا عاديا مألوفا من نظام الأسد، وعلى إمكانية تغيير جذري في الموقفين الروسي والصيني اللذين يحولان حتى الآن عبر الفيتو من إصدار قرار قوي واضح يندد بالقمع الذي يمارسه النظام ضد الشعب السوري.

أوجه المراوغة وأسبابها

إنّ أهم جانب من جوانب المراوغة الروسية في مشروع قرارها هذا، هو أنّه جاء ضعيفا يساوي بين النظام الدموي وبين المعارضة الشعبية لممارساته البشعة. وهل قرأ المسؤولون الروس قبل تقديم مشروع قرارهم هذا تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" الذي قدمته المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي يوم الخامس عشر من ديسمبر الحالي، الذي كان من 88 صفحة اعتمد على مقابلات ميدانية مع مواطنين سوريين ومع أكثر من 60 عنصرا من المنشقين عن جيش بشار الأسد وأجهزة استخباراته، الذين كشفوا عن الأوامر الصادرة لهم بالقتل للمتظاهرين ضد النظام بكل الوسائل الممكنة. وأكّد عدد منهم أنّ قادتهم أخبروهم أنّ هذه الأوامر صادرة مباشرة من الرئيس بشار الأسد، ومن بين من أدلوا بشهادتهم للمنظمة قائد لواء اعترف صراحة أنّ الأوامر بالهجوم على مدينة الرستن في ريف حمص، صدرت من بشار الأسد شخصيا ومباشرة. كما عدّد التقرير أسماء 88 ضابطا ومسؤولا من الجيش والأمن وأجهزة الاستخبارات متورطين ومشاركين في عمليات القتل والقنص. وأكّد أحد القناصة من حمص أنّ مسؤوله العسكري أمره بقتل نسبة معينة من المتظاهرين، وذكر على سبيل المثال إذا كان هناك خمسة ألاف متظاهر، فيكون القتل ما بين 15 و 20 شخصا. وهذا يوضح نسبة القتل منذ 15 مارس الماضي، إذ لا يمرّ يوم بدون قتل ما بين 25 و 40 مواطنا من المتظاهرين، مما زاد عدد القتلى عن خمسة ألاف حتى اليوم،  ويوم السبت السابع عشر من ديسمبر كان عد القتلى 38 شخصا من بينهم ثلاثة أطفال وإمرأة.

وأعتقد أن الصدور المتأخر لمشروع القرار الروسي هذا رغم المراوغة فيه والمساواة بين الجيش القاتل والمتظاهرين المسالمين، سببه هو محاولة روسية للفت الأنظار عن الانتقادات والتظاهرات الشعبية الروسية  ضد التزوير الذي طال الانتخابات الروسية الأخيرة التي فاز فيها حزب بوتين- ميديف (روسيا الموحدة). وهي مظاهرات كانت عارمة واجهتها قوات الجيش والأمن بالقمع والاعتقال أيضا. والغريب بشكل مضحك أنّ رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، استعمل نفس منطق الطغاة العرب، إذ اتهم بوتين وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بإشعال التظاهرات الروسية بتشكيكها في شرعية الانتخابات، واتهم وزارة الخارجية الأمريكية بمحاولة زعزعة الأمن والاستنقرار الروسي من خلال تمويلها للمعارضة الروسية!!!. متناسيا أن العديد من الشخصيات الروسية المهمة شككت في نزاهة الانتخابات بمن فيهم الرئيس الروسي الأسبق ميخائيل غورباتشوف الذي طالب صراحة بإعادتها. ومن الجدير بالذكر أن بوتين وميديف يقومان بتدوير رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء بينهما بشكل يقترب من التوريث الأسدي، فبوتين قبل حوالي 12 عاما انتخب رئيسا لجمهورية روسيا الاتحادية وميديف رئيسا للوزراء، وفي العام 2007 جاء التدوير ليصبح ميديف رئيسا للجمهورية وبوتين رئيسا للوزراء حتى اليوم، وسيترشح بوتين من جديد لرئاسة الجمهورية وربما يعيد ميديف رئيسا للوزراء.

التطورات السورية والعربية


لم تبد المعارضة السورية أيضا ارتياحها الكامل لمسودة مشروع القرار الروسي غير المتوازن، إذ عبرت عن ذلك بسمة القضماني عضو المجلس الوطني السوري التي رأت فيه " بادرة تغيير في الموقف الروسي الذي كان طوال العشرة شهور الماضية متجاهلا لمطالب الشعب السوري وثورته، وبعدما أصبح محرجا أمام الإدانة الدولية لما يحصل في سوريا، لكنها في الوقت عينه محاولة لقطع الطريق أمام أية محاولات أخرى لاتخاذ قرار من مجلس الأمن بما يتوافق مع الصيغة التي تراها روسيا مناسبة والتي
 ترتكز على الحفاظ على مصالحها بالدرجة الأولى، وعلى الاستقرار السوري بحسب مفهومها الخاص بالدرجة الثانية، بعيدا عن أي قرارت قد تعزل النظام وتدينه".

وهنا بيت القصيد للاختبار الروسي

بعد أن أعلن الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني وزير الخارجية القطري يوم السبت السابع عشر من ديسمبر (أنّ الدول العربية ربما تطلب من مجلس الأمن الدولي تبني المبادرات والقرارت العربية التي تهدف إلى إنهاء الحملة السورية على الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، لكنها لن تطلب التدخل العسكري ). وهنا سنرى ما هو الموقف الروسي وشريكه الصيني؟. إنّ النظام السوري سيتحمل مسؤولية اتجاه الأزمة للتدويل خاصة بعد إعلان نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية ( أنّ الجامعة العربية استنفذت كل ما باستطاعتها من وسائل الضغط على النظام السوري )، مما يعني لا بديل عن التدويل. وتركيا حسب بعض المصادر تنتظر هذه اللحظة الدولية والموقف العربي لإعلان منطقة حدودية عازلة لحماية المدنيين السوريين. وبالتالي فلا مفر من التدويل لحماية الشعب السوري، فالأسد قراره ( أنا وعائلتي وأخوالي أو الشعب السوري ). وإلا فلماذا لا يعلن التنحي ؟ ألايكفيه 11 عاما في الرئاسة ووالده 30 عاما؟ أيريدونها رئاسة في هذه العائلة عبر توريث بعد توريث من المهد إلى اللحد؟. وهذا ما أود من المدافعين عن بشار ونظامه أن يجيبوا عليه بهدوء: أيليق بهم وبالشعب السوري (25 مليونا ) حكم أب وابنه لمدة 41 عاما، وما زال الإبن وعائلته مصرّين على الاستمرا ر في رئاسة القتل والنهب والفساد على جثث الشعب السوري؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com




119
ماذا عن موقف حماس من ثورة الشعب السوري؟
د.أحمد أبو مطر

احتفلت حركة المقاومة الإسلامية حماس ومعها قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني بالذكرى الرابعة والعشرين لانطلاقة الحركة، حيث أصبحت خلال هذه الفترة التي تقارب نصف عمر حركة فتح تقريبا، الفصيل الرئيسي في الساحة الفلسطينية مع حركة فتح، حيث حماس تسيطر وتدير قطاع غزة، وحركة فتح تسيطر وتدير الضفة الغربية، مما أوجد خلال السنوات الخمسة الماضية، ما يشبه الدولتين والحكومتين رغم عدم استقلالية أية واحدة منهما، خاصة أنّه في السنتين الأولتين من سيطرة حركة حماس على القطاع دارت بينها وبين حركة فتح معارك وتصفيات أوقعت خسائر من الطرفين لا تقل عن الخسائر الفلسطينية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وأيضا تمرّ الذكرى الرابعة والعشرون لانطلاقة حماس، ومسيرة مفاوضات المصالحة الفلسطينية تراوح مكانها رغم إطلاق تفاؤلات عديدة من الطرفين بعد جولة المباحثات الأخيرة في مصر، وبعد كل جولة تعود الحالة إلى وضعها ( مكانك قف). ومن الأمور التي أثيرت في ذكرى الانطلاقة هذه موضوعان مهمان يحتاجان إلى توضيح مباشر من حركة حماس، بدلا من الضبابية التي تسود موقف الحركة وهما:

أولا: الموقف من ثورة الشعب السوري


وكي لا نزايد على حركة حماس أو غيرها من المنظمات الفلسطينية المتواجدة في دمشق، فيجب الاعتراف مسبقا بحساسية الموقف خاصة أنّها ثورة سورية ضد نظام الأسد الوريث منذ 11 عاما بعد حكم والده 30 عاما، وبالتالي فإن موقف أي تنظيم فلسطيني يجب أن يحسب كافة النتائج السلبية والإيجابية إن وجدت. والحساسية نابعة من أنّه لا يجوز أخلاقيا لمنظمات مقاومة أن تقف مع نظام يقتل شعبه خاصة أنها تناضل ضد احتلال يقتل شعبها، وعدم وقوفها مع النظام السوري خاصة سيعرضها لانتقادات حادة منه وربما عقوبات، كما نقلت صحيفة فايننشايال تايمز عن مسؤول لحماس في قطاع غزة قوله: ( إنّ الوضع خطير جدا على حماس في سوريا..وإنّ نظام الأسد غاضب علينا غضبا شديدا، وهم يريدون منّا أن نقدم الدعم كما قدمه حزب الله، ولكن هذا محال على حماس، فالنظام يقتل شعبه ). ويذكّر البعض بضرورة عدم الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه الرئيس ياسر عرفات عندما أيّد احتلال صدام حسين للكويت عام 1990 وما نجم عنه من تداعيات سلبية وخطيرة. فهل السكوت هو الحل؟.

 هذا الحل يتناقض مع سياسة ومواقف حركة الإخوان المسلمين في الأردن تحديدا التي بينها وبين حماس علاقة عضوية مشتركة، إذ أعلنت هذه الجماعة منذ البداية تأييدها العلني لثورة الشعب السوري، ناقدة نظام بشار الأسد بقوة وصراحة، ومطالبة الحكومة الأردنية بسحب السفير الأردني من دمشق وطرد السفير السوري من عمّان. ورغم أنّ بعض وسائل الإعلام قد أعادت نشر رسالة كانت قد نسبت لخالد مشعل في مارس الماضي، انتقد فيها الشيخ يوسف القرضاوي لوقوفه الصريح مع الثورة السورية، وكنت قد كتبت آنذاك نقدا لهذه الرسالة، إلا أنّ تصريحات بعض مسؤولي حماس التي أشرت إليها قبل قليل، تتناقض مع مضمون تلك الرسالة إن صحت، كما أنّ تصفح كافة أدبيات حركة حماس العلنية خاصة المنشورة في الموقعين التابعين لها ( المركز الفلسطيني للإعلام، وحركة المقاومة الإسلامية-حماس) لا يجد فيهما أي ذكر أو خبر أو تعليق على أحداث الثورة السورية والموقف منها. ويتزامن مع ذلك تأكيدات أنّ الحركة بدأت بإجلاء العديد من عناصرها وعائلاتهم من سوريا تحسبا للمستقبل خاصة ازدواجية العلاقة مع النظام الإيراني أيضا الداعم للنظام السوري. إنّ حساسية الموقف هذا تجعل من الصعب على أحد انتقاد حماس على سكوتها، فالسكوت أفضل وأشرف من دعم نظام يقتل شعبه. هذا رغم أنّ العديد من الفصائل الفلسطينية الساكتة على قمع النظام السوري لشعبه، أصدرت بيانات تأييد للثورات التونسية والمصرية والليبية، وهذا يضعها في ازدواجية تفقدها نسبة عاليىة من مصداقيتها.

ثانيا: ما هو البرنامج السياسي لحماس؟

وهذا السؤال قديم جديد يتغذى بتناقضات دائمة من تصريحات ومواقف قادة حماس. وسبب طرحي له هو ما صدر على لسان اسماعيل هنية رئيس حكومة حماس في القطاع ( المقالة بالنسبة لحكومة عباس). ففي الذكرى الرابعة والعشرين لانطلاقة حماس، أعلن أبو العبد صراحة في المهرجان المركزي الذي أقيم في ساحة الكتيبة الخضراء بغزة الأربعاء الرابع عشر من ديسمبر، تجديده الالتزام بالثوابت الوطنية قائلا: (هذه الثوابت قطعية ولا اجتهاد فيها فلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر لا تنازل عن شبر واحد ). وفي الوقت ذاته يقول (نعمل مع الفصائل الفلسطينية فيما نتفق عليها ونحتفظ بشرطين؛ وهما عدم التنازل عن شبر واحد من أرضنا، وعدم الاعتراف بالاحتلال الصهيوني). ومن حق حماس التمسك بأية سياسة أو برامج تريدها، ولكن الأسئلة هي: كيف تنسجم هذه الثوابت بمطالبة حماس مرارا بهدنة لمدة ستين عاما مع دولة إسرائيل؟. وكيف ينسجم هذا التحرير الكامل مع قول خالد مشعل في يونيو 2010 لشيكة بي بي إس الأمريكية في مقابلة أجراها "تشارلي روز": ( نعتبر إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 1967 حلا مقبولا ). وكيف تنسجم هذه الثوابت مع برنامج المصالحة مع حكومة عباس في الضفة التي تسعى لاعتراف مجلس الأمن بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ؟. ومن المعروف أنّ اسماعيل هنية هاجم تحرك عباس هذا ، واعتبره ( ناقصا وسيكون ضرره أكثر من نفعه ). والغريب أن رفض حماس هذا لخطوة محمود عباس التقى مع رفض العديد من الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك مع رفض إسرائيل.

ضبابية وازدواجية تعني لا مصالحة فلسطينية

هذه الضبابية والتناقضية في مواقف قادة حماس، تعني أن كل ما يسمى جولات حوار المصالحة الفلسطينية في القاهرة وغيرها من العواصم سابقا، لن ينتج عنه مصالحة حقيقية بين الأطراف الفلسطينية، فهاهي كل جولة مباحثات تعقبها جولة جديدة، مما جعلها أطول من المسلسلات التلفزيونية التي غالبا لها نهاية، بينما مسلسل المصالحة الفلسطينية لا نهاية له، وليس السبب هو الاختلاف السابق حول البرنامج السياسي بقدر ما هو التشبث بالمنافع الشخصية والمصالح التنظيمية. وإلا من يصدق أنّ هذا الانقسام الفلسطيني بين دويلتي عباس وحماس اقترب من دخول عامه السادس، وما زالت بينهما صراعات واعتقالات ومطاردات لا تقلّ عما يحدث من جانب الاحتلال الإسرائيلي.

ويبقى السؤال المتوقع طرحه،
هو: هل انفتاح الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على الحركات والأحزاب الإسلامية التي وصلت للسلطة في ليبيا وتونس والمغرب وقريبا في مصر، سيؤثر على تبني حماس لبرنامج سياسي أكثر وضوحا، ويجعل تقاربها مع تلك الدول قريبا من تقاربها مع تلك الأحزاب الإسلامية، خاصة أنّ حماس هي بدون شك وليدة جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين والأردن تحديدا، وهذا ما تشير إليه بعض المعلومات عن نية حماس الانضمام للقيادة الدولية لجماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي خطوة على طريق فكّ ارتباطها مع النظام السوري كما تكرّر العديد من المصادر، وإلا كيف ستنسجم سياسة الحركة مع شقيقتها جماعة الإخوان المسلمين الأردنية وحزبها ( جبهة العمل الإسلامي ) التي منذ شهور اتخذت موقفا جريئا للغاية في مناصبة هذا النظام العداء والمطالبة بسقوطه ورحيله؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com


120
هل يمكن حسن الجوار العربي الإيراني؟

د.أحمد أبو مطر

خلفية هذا السؤال هي التطورات الأخيرة في المواقف الإيرانية من العديد من القضايا العربية والدولية، وكونها دولة إقليمية ذات قوة ونفوذ وحدود مشتركة مع بعض الدول العربية، مما يفترض على هذه الدول على الأقل طرح هذا السؤال، لأنّ كافة الدول ذات الحدود المشتركة تبحث عن علاقات حسن جوار، بسبب الامتداد الجغرافي والعلاقات التي تميز الدول الجارة، وهي في الغالب تبحث عن حسن الجوار من أجل الهدوء والعلاقات الطيبة التي تصبّ في مصلحة الدول والشعوب.

الخصوصية الإيرانية منذ وصول الخميني للسلطة

يمكن توصيف العلاقات العربية الإيرانية منذ وصول الخميني للسلطة عام 1979 ، وإعلانه قيام ( الجمهورية الإسلامية الإيرانية )، بأنها علاقات لم تعرف الاستقرار الذي يتطلبه الجوار، ولا يمكن نسان أو تجاوز أنّ أول ثمار جمهورية الخميني الإسلامية، كانت تلك الحرب الضروس بينه وبين جمهورية صدام في العراق، التي استمرت قرابة ثماني سنوات ( سبتمبر 1980 – أغسطس 1988 )، وأوقعت ما لا يقل عن مليون قتيل من الجانبين وخسائر قدرت ب 400 مليار دولار. ومن المفارقات المدهشة أنّ هذه الحرب بدأت بعد شهور قليلة من استلام الخميني وصدام للسلطة في إيران والعراق، فقد استلم الخميني السلطة بعد عدة أيام من عودته من باريس في الأول من فبراير 1979 ، واستلم صدام حسين السلطة في العراق بعد انقلابه على أحمد حسن البكر في يوليو 1979 ، أي أنّ الخميني تسلم السلطة في إيران قبل صدام حسين بحوالي خمسة شهور فقط، ليبدأ على الفور الصراع العلني بين النظامين، خاصة بعد إعلان الخميني مبدأه واستراتيجيته الأساسية التي أطلق عليها (تصدير الثورة )، وهذا يعني تصدير الثورة إلى الجوار العربي والإسلامي، فمن غير الممكن فهم ذلك أنّه يعني تصدير الثورة للأمريكيتين أو أستراليا مثلا!!.

بدايات خمينية مرعبة

كان سقوط نظام الشاه وفراره خارج إيران انتصارا معنويا هائلا لثورة الإمام الخميني، إلا أنّ الممارسات اللاحقة ميدانيا في داخل إيران حملت رسائل رعب وتهديد للجوار العربي والعالم أيضا. فلم تمض سوى ستة شهور على إعلانه قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، حتى أوعز لأنصاره بالهجوم على السفارة الأمريكية في طهران واحتلالها في نوفمبر 1979 واحتجاز 53 دبلوماسيا وموظفا أمريكيا في داخلها لمدة 444 يوما، وكل ذلك بحجة أو بسبب سماح الإدارة الأمريكية في زمن الرئيس جيمي كارتر لشاه إيران بالعلاج في مستشفيات الولايات المتحدة الأمريكية. والدليل على دعم الخميني شخصيا لهذا الاحتجاز والمحاصرة، هو أنّه تم الإفراج عن رهائن السفارة بعد وفاة الخميني في يناير 1981 .
  المفارقة في ازدواجية معايير الخميني نفسه أنّ العراق استضافه لمدة ثلاثة عشر عاما وهو هارب من نظام الشاه، وظلّ تلك الأعوام الثلاثة عشر معززا مكرّما في مدينة النجف تحديدا، وأيضا استضافته فرنسا ومنها عاد لاستلام السلطة في فبراير 1979 . وفي الجوار العربي بدأت ممارسات نظام الخميني التي لا تنسجم مع حسن الجوار أو العلاقات بين دول إسلامية:
1 . توتر العلاقة مع مصر منذ زمن الرئيس السادات بسبب استقبال شاه إيران حتى وفاته ودفنه في القاهرة في يوليو 1890 .ومنذ ذلك الوقت تتراوح العلاقات الإيرانية المصرية من هبوط كبيرإلى صعود قليل، مما جعل وجود دبلوماسيي البلدين مجرد ديكور شكلي، رغم محاولات تسخين هذه العلاقات بعد نجاح ثورة يناير المصرية، إلا أنّ الوضع ما زال على حاله، خاصة أنّ تداعيات بعض المسائل الأمنية مثل اعتقال خلية حزب الله في القاهرة ما زالت بعض ذيولها قائمة.

2 . ما تزال مشكلة احتلال الأحواز العربية قائمة منذ عام 1925 أي منذ زمن نظام الشاه استمرارا  لزمن الخميني ومن بعده وهم  يحكمون باسم الإسلام، وهذا الإسلام لا يجيز احتلال دولة لدولة حتى لو إدّعى أحد الحاكمين باسمه بأنّه روح الله  وكيله في الأرض.

3 . ونفس الأمر يتعلق باحتلال الجزر الإماراتية العربية الثلاث منذ عام 1971 أي ثمانية سنوات قبل استلام الخميني السلطة، وما زال هذا الاحتلال قائما لمدة 31 عاما في زمن الخميني وخلفائه.

4 . التهديد المستمر بتدمير دول الخليج العربي إن تعرضت جمهورية الخميني لأي اعتداء خارجي. وهذه مسألة عصية على الفهم، إذ ما دخل الجوار العربي الخليجي بأي اعتداء على إيران إن حصل؟.

وهل هناك أية دلائل على اعتداء محتمل؟

أعتقد أنّ كافة المعطيات الإقليمية والدولية، لا تعطي أية إشارات أو دلائل بأنّ هناك أية دولة تفكر أو تخطط لمثل هذا الاعتداء. وإذا كانت قد كثرت تحليلات القائلين بأنّ الولايات المتحدة وإسرائيل هي من تفكر وتخطط لهذا الاعتداء المتوقع، فإن مجريات السياسة الدولية وتوازن الرعب والقوى السائد ينفي هذه التوقعات لأسباب عديدة أهمها:

1 . لماذا تفكّر الولايات المتحدة بالاعتداء والهجوم على النظام الإيراني؟. هل هناك مصلحة أمريكية في ذلك سواء اقتصادية أو سياسية؟. ويستعمل البعض موضوع الملف النووي الإيراني، وهذا ملف دولي وليس أمريكي فقط، وهو للأسف يستعمله النظام الإيراني كفزاعة للتخويف والتواجد في الساحة الدولية فقط. فكل دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية توافق على برنامج نووي إيراني سلمي، فلماذا هذا التعنت والتعتيم الإيراني مع وكالة الطاقة النووية الدولية؟ وهل يهدد هذا البرنامج النووي الإيراني الولايات المتحدة أو اية دولة اخرى إن كان عسكريا؟.

2 . ونفس السؤال بالنسبة إلى إسرائيل، فالنظام الإيراني يعرف قبل غيره أنه لا يستطيع وليس في نيته أساسا استعمال أية أسلحة ضد إسرائيل، لأن إطلاق أي صاروخ سيقابله إطلاق المئات على إيران، كما أنّه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن الماضي، وامتلاك أكثر من دول السلاح النووي، لم تفكر أية دولة في استعماله ضد دولة أخرى بما فيها سنوات الحرب الباردة بين المعسكرين السوفييتي والغربي، والصراع والخلاف شبه الدائم بين باكستان والهند، وكلتاهما تمتلكان السلاح النووي، وذلك لسبب بسيط لا يحتاج إلى خبراء عسكريين، وهو أنّ أية دولة تكون بادئة باستعمال السلاح النووي مهما كان حجمه، سيظل للدولة التي تعرضت القدرة على الرد بالمثل، وهذا ما يطلق عليه الخبراء توصيف (توازن الرعب ).

وهل سيقتل النووي الإيراني الإسرائيليين فقط؟

والدليل على أنّ النظام الإيراني يستعمل الملف النووي مجرد فزاعة للتواجد و إبعاد الأنظار عن ملفاته الداخلية خاصة قمع حقوق الإنسان الإيراني بوحشية لا يماثلها سوى قمع حليفه النظام الأسدي في سوريا، هو أنّه يعرف حتى لو امتلك السلاح النووي فكيف سوف يختار هذا السلاح عند إطلاقه على إسرائيل الإسرائيليين فقط، ويستثني مليون وربع من الفلسطينيين يعيشون في داخل إسرائيل، وأربعة ملايين فلسطيني يعيشون في القطاع والضفة ، وكذلك ستة ملايين يعيشون في الأردن وأيضا الجوار المصري؟ إنّها حرب كلام ديكورية فقط، وإلا من يصدق ما قاله وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي في التاسع والعشرين من نوفمبر الماضي ، ب " أن إيران ستطلق 150 ألف صاروخ على إسرائيل إذا شنت هجوماً على بلاده " .و ذلك يعني معدل 7 صواريخ على كل كيلومتر مربع من مساحة  إسرائيل الحالية، وأيضا إن صحّ هذا الكلام هل ستختار هذه الصواريخ الإسرائيليين فقط وتستثني مليون وربع فلسطيني يعيشون في داخل إسرائيل؟.

التغطية على الصراعات الداخلية

إنّ هذا التوتير الدائم من طرف النظام الإيراني مع الجوار العربي وغالبية دول العالم، ليس بمعزل عن الصراعات الداخلية بين أطراف النظام الذي يقمع تظاهرات شعبه ضدة بوحشية لا تقل عن وحشية الديكتاتوريات العربية، وإلا بماذ ا يمكن تفسير تهديد علي خمئني بأنّه يفكر في إلغاء انتخابات رئيس الجمهورية وقيامه شخصيا بتعيين الرئيس ، رغم انّ هذه الانتخابات يتم تزويرها لإيصال الرئيس الذي يريده خمئني، بدليل المظاهرات الإيرانية العارمة منذ عام 2009 ضد هذا التزوير، وهي مظاهرات قادتها شخصيات دينية وفقهية في مرتبة علي خمئني نفسه. ويتم نقل هذه الصراعات أيضا للجوار العربي بدليل تأييد مطالب الشعب البحريني واليمني والمصري والتونسي والليبي، والتنكر علنا لمطالب الشعب السوري، وتاييد النظام الأسدي عسكريا واستخباريا واقتصاديا ليستمر في قمعه الوحشي، فلماذا هذا التدخل لمصلحة نظام ديكتاتوري إن لم يكن المتدخل له نفس البنية الديكتاتورية؟!!.

وأخيرا صورة العربي في الثقافة الشعبية الإيرانية السائدة التي يتبناها النظام الإيراني، وهذا الموضوع يحتاج لدراسة مستقلة تعتمد على مصادر ومراجع إيرانية فقط. ويبقى الجواب على سؤال: هل يمكن حسن الجوار العربي الإيراني مفتوحا للنقاش، فما هو رأيكم دام نقاشكم. مع أنّني شخصيا مع حسن الجوار هذا وأتمناه.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com








121
ما هو دور النظام السوري في العراق كما يفهم من خطاب السيد حسن نصر الله؟

د.أحمد أبو مطر

أعرف مسبقا كم أنّ هذا الموضوع شائك ومتشعب طرق الفهم والنقاش، لذلك سيكون دوري هو طرح الأسئلة حوله أكثر من التحليل الشخصي، وبالتالي عبر النقاش الموضوعي يمكن الوصول لقناعات مشتركة. وأعتقد في البداية أنّ الغالبية العظمى من الشعب العراقي كانت فرحة ومسرورة من سقوط نظام صدام حسين، وكلنا شاهدنا مظاهر الفرح والهوسات الشعبية التي رافقت سقوطه. والكل يعرف أنّ من حكم العراق منذ سقوط نظام صدّام وحتى حكومة نوري المالكي الحالية، جاءوا كلهم مع أو على ظهر الدبابة الأمريكية، بما فيهم بعض شيوخ الدين الذين كانوا مبعدين أو هاربين من بطش النظام، وعادوا بعد سقوطه وكم أصدروا بيانات فرح وسرور لسقوطه. بعد هذه المقدمة ما هي خلفية عنوان هذه المقالة؟.

إنّها الجملة التي وردت في خطاب السيد حسن نصر الله،


الذي ألقاه يوم الثلاثاء السادس من ديسمبر الحالي بمناسبة ذكرى عاشوراء، حيث ظهر وسط جمهوره لدقائق بعد غياب مباشر طويل، وكان ظهوره الدائم عبر شاشات التلفزيون، وحتى هذا الظهور أكمل خطابه فيه عبر الشاشة. الجملة التي أقصدها، ووردت في خطابه هي قوله حرفيا: " نحن نقف إلى جانب مسيرة الإصلاح في سورية، ونقف إلى جانب نظام مقاوم وممانع وداعم لحركات المقاومة، ولكن هناك من لا يريد لسوريا الإصلاح والأمن والاستقرار، بل يريد أن يدمّر سورية، ويستعيض عن هزيمته في العراق، لأنّ سورية شريكة في إلحاق الهزيمة به في العراق".

والأسئلة التي تفرضها هذه الجملة هي:

1 . كيف يمكن تصنيف النظام السوري منذ الرئيس الأب حافظ إلى الرئيس الإبن الوريث بشار، بأنّه نظام مقاوم وممانع، وهو لم يطلق رصاصة لتحرير جولانه المحتل منذ عام 1973 ؟. وكيف يكون نظاما مقاوما، وقد كان وما يزال يمنع أي تنظيم فلسطيني من إطلاق رصاصة عبر حدوده على الاحتلال الإسرائيلي؟. وكان كل دوره الممانع المقاوم هو السماح لمن يريد بالوصول إلى جنوب لبنان، ليقاوم من هناك، أي تدمير لبنان من الردود الإسرائيلية أمر مباح، فقط يبقى النظام السوري في أمن وأمان، من هنا شاع قول اللبنانيين في زمن الرئيس الأب (حافظ الأسد يريد أن يقاتل إسرائيل حتى آخر مواطن لبناني). وكذلك مفاوضات النظام المباشرة وغير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي لم تتوقف إلا بسبب تعنت الاحتلال إزاء الانسحاب من الجولان، وهذا حق مشروع لسوريا، ولكن لماذا كانت مفاوضات السادات التي أعادت كامل الأراضي المصرية خيانة، ومفاوضات النظام السوري مقاومة وممانعة؟.

2 . ما معنى قول السيد حسن نصر الله في جملته هذه ( ...بل يريد أن يدمّر سورية، ويستعيض عن هزيمته في العراق، لأنّ سورية شريكة في إلحاق الهزيمة به في العراق ). لا يجادل إثنان أنّ المقصود هو الانسحاب الأمريكي العسكري المباشر من العراق الذي يعتبره السيد حسن نصر الله هزيمة وأنّ النظام السوري شريك في إلحاق هذه الهزيمة بالجيش الأمريكي. والسؤال الذي يطرح منذ سقوط نظام صدام حسين إلى هذا اليوم خاصة في العديد من الأوساط العراقية تحديدا هو: هل كل العمليات و التفجيرات التي كان وما يزال العراقيون يشهدونها ويعانونها يوميا هي أعمال مقاومة موجهة للجيش الأمريكي؟. إذا عدنا إلى رصد هذه العمليات والتفجيرات منذ عام 2004 لوجدنا أنّ الغالبية العظمى منها ضد المدنيين العراقيين والمنشآت العراقية، وللأسف المبكي أنّ كثيرا منها ذو خلفية طائفية، بدليل االتفجيرات العديدة التي شهدتها مدينتي النجف وكربلاء، ومن النادر أن مرّت ذكرى عاشوراء بدون تفجيرات قتلت العشرات من الأبرياء، بما فيها المواكب الحسينية ليوم الثلاثاء الذي ألقى فيه السيد حسن نصر الله خطابه، حيث سقط قتلى وجرحى من المشاركين. وهل هناك من كان يطلق على هذه الأعمال الإرهابية بامتياز مخز أنّها مقاومة غير بقايا حزب البعث؟. طبعا وفي المقابل لم تسلم المساجد والمناطق السنّية من الأعمال ذاتها، خاصة أماكن تجمع الفلسطينيين الذين شهدوا قتلا وتنكيلا أدّى بغالبيتهم للهروب إلى الحدود السورية والأردنية، وبعضهم وصل لاجئا إلى البرازيل!!.

إذن أية مقاومة دعمها النظام السوري في العراق يا سيد حسن نصر الله؟.

في حين أنّه طوال السنوات الماضية لم تتوقف تصريحات المسؤولين العراقيين المطالبين النظام السوري بالتعاون لوقف دخول الإرهابيين المسلحين للعراق، وحسب موقع الأرشيف العراقي في رصده اليومي للإرهاب الذي يتعرض له الشعب العراقي، ورد في رصده لأحداث الحادي عشر من مايو لعام 2005 ( دخول إرهابيين و 300 سيارة من سوريا ). وكم مؤتمر لبقايا حزب البعث تمت في دمشق وبيروت بدعم من المخابرات السورية وحزب الله؟. والمضحك المبكي أنّ هذا الحزب البعثي العراقي الذي كان ممنوعا ومحاربا في زمن صدام والحدود مقفلة مع عراقه لمدة 25 سنة، أصبح محبوبا وتفتح الصالات لمؤتمراته. وقد شارك الجيش البعثي السوري في زمن الرئيس حافظ الأسد في قتال ودحر الجيش البعثي العراقي من الكويت.  وأتذكر تصريحا لوزير الثقافة العراقي في التاسع من سبتمبر لعام 2004 قال فيه: " إنّ الجماعات المسلحة مسؤولة عن بقاء القوات الأجنبية ". وفي رصدها لأراء المشاهدين العراقيين بعد الانسحاب الأمريكي الحالي، أوردت فضائية " الفيحاء " العراقية العديد من الآراء، منها رأي الباحث هاشم اللعيبي من البصرة  الذي " أكد أن العراق يمر بمرحلة حرجة وتاريخية، مؤكداً على ضرورة أن تبقى الجهات التي تدّعي المقاومة خارج العملية السياسية وعدم إشراكها في ادارة البلاد للعودة مجددا وامتصاص الدم العراقي ". فهل ما كان يدعمه النظام السوري في العراق مقاومة أم قتلا للمواطنين العراقيين؟.

وقد تعرّض الرئيس بشار الأسد نفسه لاتهامات الجهات والمسؤولين العراقيين لنظامه بدعم الإرهاب في داخل العراق، وقد قال حرفيا يوم العشرين من أبريل لعام 2010 أي قبل عام ونصف تقريبا، بعد سرده لوقائع اتصالات  فاشلة مع المسؤولين العراقيين: ( لا يمكن ضبط هذه الحدود، وهذه مشكلة مزمنة أساسا، لا توجد دولة يمكنها أن تضبط حدودها ). وأخاطب الرئيس بشار: لماذا ضبط الحدود مع العراق صعب ومستحيل؟ بينما ضبط الحدود مع الجولان المحتل سهل وقائم منذ عام 1973 ، حيث لا يستطيع شخص أو نملة من عبورها؟.

وأنا هنا لا أتهم بل أردّ على تصريحات،

السيد حسن نصر الله في خطابه يوم عاشوراء، وأرى أنّه اتخذ انسحاب الأمريكان من العراق سواء كان هزيمة أم أجندة أمريكية بالتوافق مع الحكومة العراقية، مجرد ذريعة ضعيفة لتبرير دفاعه عن النظام السوري الذي يقمع شعبه منذ الخامس عشر من مارس الماضي بطريقة لا يقبلها إنسان يحرص على كرامة البشر وحريتهم. وهذا التبرير من السيد حسن نصر الله يجيء متوافقا مع إعلان النظام السوري نيته التوقيع على المبادرة العربية الخاصة بدخول مراقبين عربا ودوليين، واضعا شروطا تجهض المبادرة من أساسها، فالنظام يريد معرفة ألأسماء مسبقا ليوافق على من يريد ويرفض من لا يريد. وفي الوقت نفسه يقوم باعتتقال الناشطة في مجال حقوق الإنسان السورية رزان غزاوي يوم الأحد الرابع من ديسمبر وهي في طريقها للمشاركة في مؤتمر حول حرية التعبير في العاصمة ألأردنية عمّان، ومن قبلها اعتقال الشابة طل الملوحي بسبب ما كتبته من نقد للنظام في مدونتها، وتلفيقه لها تهمة التخابر مع السفارة الأمريكية في القاهرة. هذا غير ما لا يقل عن أربعين ألفا من المعتقلين والمخطوفين والمفقودين وخمسة ألاف من القتلى منذ مارس الماضي.

فعن أي نظام مقاومة وممانعة،
تدافع يا سيد حسن نصر الله؟ والأكثر غرابة أنّك تعتبره نظام مقاومة في العراق أيضا. بصراحة شديدة: إنّ الدفاع عن النظام السوري لا يليق بحزب الله ولن يسجّل تاريخيا من ايجابياته، لأنّه كان صدمة للكثيرين أن يقف حزب الله مع هذا النظام ويسوّقه على أنّه نظام مقاومة ليس في لبنان فقط  بل في العراق أيضا، ويتنكر للشعب السوري بعد أن وقف الحزب مع ثورة الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين...والله المستعان على أحوال العرب التي لا ترضي صديقا ولا تغيظ عدوا.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com




122
صناعة الكذب والتلفيق إيرانية أيضا

د.أحمد أبو مطر

النموذج الإيراني في الحكم منذ وصول الإمام الخميني للسلطة عام 1979 لم يعتمد الصدق والحقيقة في سياساته الخارجية مع دول العالم أوتعاملاته الداخلية مع الشعب الإيراني. وهذا سبب توتر علاقاته الدولية مع العديد من دول العالم العربية والأوربية والأمريكية، وتوتر علاقاته مع مواطنيه الإيرانيين، الذين لا تتوقف تظاهراتهم ضد النظام وبقيادة شخصيات دينية لها مكانتها الدينية والفقهية داخل إيران. وهذا يفسر أيضا الصعوبات والعراقيل التي وضعت أمام وفي طريق الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وصولا لترئيس عضو الحرس الثوري أحمدي نجاد، كونه أداة طيعة في يد الحاكم الفعلي "ولي الفقيه" الذي لا يجوز مخالفته أو عصيان أوامره، فهذا بمثابة عصيان أوامر الله تعالى حسب مضمون نظرية ولي الفقيه التي لا يعترف بها العديد من فقهاء المذهب الشيعي الإيرانيين والعرب، إلى حد أنّ بعض هؤلاء الفقهاء يعتبرونها نظرية دخيلة على الفقه الشيعي وهي صناعة خمينية بامتياز، خاصة أنّه بناءا على هذه النظرية يجوز للإمام أن يقرر ما يشاء بدون الرجوع إلى الشعب الإيراني، بدليل أنّ علي خمئني صرّح أخيرا أنّه يفكر في إلغاء إنتخاب رئيس الجمهورية ليصبح من صلاحياته تعييين هذا الرئيس، رغم أنّه في الممارسة الميدانية ، فهذا الرئيس أيا كان فهو مجرد منفذ دقيق لتعليمات وتوجيهات ولي الفقيه الذي هو الإمام الخميني أولا ثم علي خمئني حاليا أو من سيجيء بعده.

الثورات العربية من وحي ثورة ولي الفقيه الإيراني

كان هذا العنوان هو أهم التلفيقات الإيرانية الأخيرة، إذ كرّرت أكثر من شخصية دينية إيرانية معلومة أوصلتها درجة اليقين منذ اندلاع أول ثورة عربية في تونس في ديسمبر 2010 ، مدّعين أنّ هذه الثورات العربية ضد الطغيان والفساد والاستبداد هي من وحي ثورة ولي الفقيه الإيراني التي أطاحت بنظام الشاه عام 1979 ووصول الخميني للسلطة. واستمر الإعلام الإيراني الرسمي المقروء والمرئي باللغة العربية والفارسية تكرار تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي ركبت موجة الثورات العربية كي تعيدها لمرجعيتها ووحيها الإيراني الخميني.

ومن هذه التصريحات نكتفي بما قاله سيد عزت الله ضرغامي، رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، إذ كرّر قوله ( أنّ توجهات ومطالب الشعوب الثائرة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط متأثرة كلها بالثورة الإسلامية في إيران). أمّا رئيس اللجنة الثقافية في البرلمان الإيراني غلام حداد عادل فقد قال: ( الثورة الإسلامية الإيرانية تمثل نموذجا للشعوب العربية الثائرة). و آية الله نوري الهمداني فقد وصف ثورة الشعب التونسي بأنها ( اقتفاء لأثر الثورة الإسلامية في إيران ). وأيضا شيخ مصطفى باقري أحد أئمة الجمعة فقد رأى ( أنّ الثورة التونسية هي من بركات الثورة الإسلامية، وأنّها تحقق لموعود الإمام الراحل روح الله الخميني، وهذا التحول التاريخي من مقدمات ظهور الإمام المهدي).
 وقد كانت هذه الفبركات والتلفيقات مصدر إزعاج ونفور لغالبية قيادات الشباب الذين فجّروا الثورات العربية، وهم يعرفون أنّهم لم يستوحوا أي إلهام لثورات الغضب الشبابية هذه حتى من أية قيادات ونظريات عربية، رغم المشاركة الواسعة والفاعلة لشباب الحركات الإسلامية، الذين أيضا لم يتحركوا بوحي مباشر من انتماءاتهم التنظيمية بقدر ما هو انفجار الغضب الشبابي العربي على ظلم وفساد واستبداد، سحقهم وصادر حريتهم وكرامتهم منذ جيل أبائهم قبل ستين عاما ويزيد.

 لذلك صدرت العديد من التصريحات العربية التي تنفي الوحي الإيراني للثورات العربية، وبعضها من قيادات إسلامية معروفة وذات تأثير في مجريات الثورات العربية. ويكفي التنويه لتصريح الدكتور سعد الكتاني، عضو مكتب الإخوان المسلمين في مصر والمتحدث الرسمي باسم الجماعة، حيث أكّد على أنّ النموذج الإيراني مرفوض من الإخوان المسلمين في مصر، لأنّ المرجعية في مصر للقوانين والمحكمة الدستورية العليا والمجلس التشريعي. وهذا ضمنا يعني أنّ هذه مرجعيات الدولة المدنية الديمقراطية، بينما لا مرجعية في إيران سوى الإمام ولي الفقيه، وهذه ديكتاتورية لا مثيل لها في التاريخ. وهي فعلا دولة استبدادية باسم الدين، بدليل قمعها الوحشي للمتظاهرين الإيرانيين الذين يرفضون هذه الدولة الاستبدادية، ويطالبون بالحرية والديمقراطية.

أصوات إيرانية معروفة رافضة لهذا النظام وكذبه

وهذا الرفض للنموذج الاستبدادي الإيراني لا يأتي من قيادات وكتاب عرب فقط، فهناك كتاب وباحثون إيرانيون مشهورون يرفضون هذا النظام، لأنّ هذا النظام الاستبدادي الإيراني باسم الدين وروح الله وخرافة ظهور المهدي المنتظر، يصادر أبسط الحقوق الديمقراطية للمواطن في داخل إيران، فمن سوف يتشجع في أقطار أخرى لاستيراد هذا النموذج الاستبدادي. لذلك يرى الباحث الإيراني المعروف في الأوساط العربية والعالمية "آصف بيات" أنّ الثورات العربية تخطت السياسات الإسلامية التي هيمنت على المنطقة في الفترات السابقة، ويؤكد أنّ نموذج الثورة الإسلامية في إيران، كان وسيظلّ النموذج الأول والأخير للثورة الإسلامية في الشرق الأوسط. وهذا ينفي ادعاءات ملالي إيران ومنظريهم بأنّ الشباب العرب الثائرين كانوا يستوحون نموذج الخميني القمعي الديكتاتوري.

نظام صناعته الكذب مثل حليفه الأسدي

وهذا أيضا رأي الباحث الإيراني الدكتور علي نوري زادة، مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية، كما أدلى به في حوار مع جريدة عكاظ السعودية في الخامس عشر من أكتوبر 2011 ، إذ قال: "عندما تتحول الأكاذيب إلى استراتيجية، فالنظام الإيراني كله يعتمد على أن رجل الدين يكذب، العسكري يكذب، الحرس يكذب، فإيران أصبحت بلد الأكاذيب أمام أعين العالم. قتلوا أبرز قادة المعارضة الإيرانية وقمعوا الانتفاضة الخضراء وأنكروا ذلك، ارتكبوا المجازر وانتهكوا الحرمات واغتصبوا النساء وقالوا كل ذلك مفبرك، فجروا السفارة الأمريكية في بيروت، وفجروا مقر المارينز أيضا في بيروت، وقالوا لا علاقة لنا بذلك. العشرات من الإرهابيين يعيشون في طهران معززين مكرمين ويقول النظام الإيراني نحن ضحية الإرهاب. إن إيران هي من تزود طالبان بالأسلحة والمعدات، وأيمن الظواهري على علاقة وثيقة مع قادة الحرس الثوري. إيران هي بلد الأكاذيب ".

والكذب بخصوص الهجوم على السفارة البريطانية

يدّعي نظام ولاية الفقيه أنّه لا علاقة له بالهجوم الذي تمّ على السفارة البريطانية يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من نوفمبر 2011 ، هذا ما أعلنه المرجع الديني الملا ناصر مكارم شيرازي حيث قال أنّ الهجوم لم يتم بموافقة المرشد الأعلى علي خمئني. ومن المهم ملاحظة أنّ نفيه هذا جاء بعد نشر المعارضة الإيرانية لأسرار مهمة حصلت عليها من داخل إيران تثبت بشكل مؤكد أنّ هذا الهجوم تمّ التخطيط له في مكتب علي خمئني وبحضوره، ومن أهم هذه المعلومات التي وردت في تقرير المعارضة الإيرانية، " أن قرار الهجوم على مبنى السفارة البريطانية في طهران تم اتخاذه من قبل شخص خامنئي زعيم النظام الحاكم في إيران وتم تنفيذه تحت إشرافه. وقد حضر خامنئي شخصياً اجتماعاً بحضور عدد من قادة قوات الحرس والمتنكرين بالزي المدني، وأصدر أوامره بالهجوم على مبنى السفارة البريطانية. وكان تقدير خامنئي وبطانته أنه  بهذا الابتزاز سيدفعون الدول الغربية وخاصة الأوربية منها إلى التخلي عن سياساتهم الصارمة وفرضهم العقوبات على النظام. وهذه الخطة تم تنفيذها بالتنسيق مع قوات الحرس وقوى الأمن الداخلي والسلطة القضائية في نظام الملالي الحاكم في إيران وتم اتخاذ قرارها بشكل نهائي قبل الهجوم بيومين في اجتماع لقادة النظام حضره وزيرا خارجية وداخلية النظام
الحرسي رادان قائد قوى الأمن في طهران الكبرى كان متواجدًا في الميدان خلال الهجوم وكان على ارتباط عن طريق لاسلكي مع بيت خامنئي الذي كان شخصياً يطلع عبره في كل لحظة على مجريات أحداث الهجوم. وبحسب الخطة الأولية كان من المقرر أن يستغرق احتلال مبنى السفارة لعدة أيام إلا أن خامنئي أمر بعد ساعتين من بدء الهجوم بوقف العملية جراء رد الفعل السريع من قبل المجتمع الدولي على هذه العملية الوحشية".

لذلك فإنّ القواسم المشتركة بين نظام الملالي في إيران ونظام الأسود في سوريا، هي ما تجعلهما متكاتفتين ضد شعبيهما السوري والإيراني، وإلا فكيف نفهم دعم النظام الإيراني لثورات الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، وسكوته المخزي على ثورة الشعب السوري، وهو ليس سكوتا فقط بل دعما للنظام المتوحش ضد شعبه، وهي أهم علامة مشتركة بين النظامين.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com






123
أ
لا يخجل وليد المعلم من أكاذيبه و تلفيقاته الساذجة؟

د.أحمد أبو مطر

طبيعة وحيثيات أداء وليد المعلم المعين في منصب ( وزير خارجية )، يبدو من مستوى أدائه وطريقة طرحه لما يعتبره قناعات النظام، أنّ المنصب المسند إليه أكبر من إمكانياته التي تنمّ عن استخفاف بالقراء والمشاهدين والمستمعين، سوريين وعربا، وهذا المستوى من الأداء والتعاطي مع الجمهور ووسائل الإعلام، يعطي دلالة واضحة على فقدان نظام بشار الأسد أية مصداقية أو خلفية تعتمد على الحقائق المقنعة، فيلجأ رموز النظام إلى الكذب والتلفيقات المفبركة التي سرعان ما يتم اكتشافها، وهذا لا يليق بنظام يدّعي تمثيل ملايين السوريين وحضارتهم العريقة. ما يكاد يصيبك بارتفاع الضغط هو هذا الأسلوب الذي يعتمد على الكذب في أداء وليد المعلم، مما يشكّل في رأيي إهانة لسوريا الدولة والوطن والشعب مع الخارج العربي والدولي. وأعتقد أنّه لو كان جوبلز وزير الدعاية النازي صاحب مقولة  (أكذب ..أكذب ..حتى تصدق نفسك فيصدقك الناس ) حيا، وسمع فبركات وتلفيقات وأكاذيب وليد المعلم لألقى القبض عليه وقام بمحاكمته لأنّه أساء لمقولته تلك وكشف للعالم أجمع أنّ " عمر الكذب قصير"، خاصة إذا كان كذبا تمّ إعداده وصناعته بطريقة ساذجة جاهلة لا يمكن أن تمرّ على أبسط البشر، فما بالك بالمتابعين الأذكياء في عصر تكنولوجيا المعلومات التي ما عادت أية كذبة يمكن إخفاؤها.

أداء كاذب بطريقة مكشوفة لأي ساذج

لقد عقد وليد المعلم منذ بداية ثورة الشعب السوري التي انطلقت من مدينة درعا في الخامس عشر من مارس الماضي ، العديد من اللقاءات والمؤتمرات الصحفية التي كانت مثار ضحك واستهزاء المتابعين عربا وسوريين وأجانب، فكم استعمل صفات ( المندسين ) و ( العملاء الخونة ) و ( الشبيحة )، وممثله في الجامعة العربية يستعمل نفس الشتائم البذيئة ليثبت خلال ثمانية شهور من اندلاع الثورة الشعبية السورية، أنّ هذه كلها أكاذيب وتلفيقات بشكل سطحي ينمّ عن صلف  لا يختلف عن غباء المقبور القذافي في زنقة لم تعرف بعد، ولا المخلوع علي عبد الله صالح الذي أعطى في إحدى خطبه إسرائيل وأمريكا شرف ترتيب وإعداد وانطلاق الثورات الشعبية العربية كافة.

قمة كذب وتلفيق وليد المعلم،

هو الفيديو الذي عرضه في مؤتمره الصحفي الأخير ظهر الإثنين الثامن والعشرين من نوفمبر 2011 ، حيث تمّ سريعا كشف الفبركات التي قدّمها من خلال هذا الفيلم متضمنا صورا لأعمال من أعوام سابقة على ثورة الشعب السوري التي انطلقت في الخامس عشر من مارس 2011 من مدينة درعا، وأهم هذه الأكاذيب والتلفيقات:

أولا: الصور التي قدّمها المعلم على أنّها لعصابات مسلحة إرهابية تعمل ضد نظامه الممانع المقاوم، هي صور تعود لأحداث وقعت في لبنان عام 2008 أثناء المعارك التي جرت بين باب التبانة وجبل محسن حيث تعيش أقلية علوية قريبة من أغلبية سنيّة. وقد تظاهر اللبنانيون التي ظهرت صورهم في الفيديو المفبرك الكاذب، رافضين أكاذيبه إذ قدّمهم على أنهم مسلحين سوريين ، دون أن يعرف أن هذا يمسّ كرامة وحياة أشخاص أبرياء، لو كان يعيش في دولة ديمقراطية لتمكنوا من محاكمته. وقد اعتصم وتظاهر عشرات الشباب اللبنانيين في مدينة طرابلس لا ستغلال صورهم وتقديمهم على أنهم إرهابييين مسلحين يقتلون المدنيين المسالمين، وهي صور موثقة لأحداث وقعت في منطقتي جبل محسن وباب التبانة شمال لبنان قبل ما يزيد على عامين.

ثانيا: تقديمه لصورة شاب مصري  قتل عام 2010 في لبنان في بلدة " كتر مايا " اللبنانية على أنها صور لجرائم قتل وقعت في أثناء الثورة السورية الحالية في منطقة جسر الشغور السورية. وكل اللبنانيين يعرفون قصة ذلك الشاب المصري الذي تمّ قتله من قبل مواطنين لبنانيين عام 2010 بطريقة وحشية لاقت استنكارا لبنانيا ومصريا، رغم أنّ قتله كان على يد مواطنين لبنانيين تعرض بعض أقاربهم وأهليهم لجرائم قتل واغتصاب من ذلك الشاب المصري.

هذه هي شفافية وليد المعلم

الغريب المضحك المبكي أن هذا الوليد المعلم بدأ مؤتمره الصحفي بقوله: " أريد أن أكون اليوم بمنتهى الشفافية " فإذا هذه الشفافية نتيجتها تقديم هذا الفيديو الكاذب المفبرك، وبالتالي فهذا الفيديو دليل دامغ على كل الأكاذيب التي يطلقها النظام منذ الخامس عشر من مارس 2011 ، وهل يمكن نسيان أول تصريح لإعلا م الأسد منذ اندلاع الثورة السورية، إذ قال ذلك الإعلام الجوبلزي : ( إنّ من وراء مظاهرات مدينة درعا إرهابيون فلسطينيون متحالفون مع إسلاميين سلفيين )، وقد كانت هذه رسالة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أكدها تصريح رامي مخلوف بعد ذلك ب ( أنّ استقرار النظام السوري جزء من استقرار دولة إسرائيل ). وصناعة الأكاذيب هذه تعني أنّ النظام عاجز عن الاعتراف حقيقة أنّ هناك ثورة شعبية ضد قمعه وفساده مهما رافقها من تجاوزات وتعديات من أفراد أو عصابات، فهي في الأساس ثورة شعب ما عاد يتحمل سيطرة أب وابنه وعائلته وأخواله طوال 41 عاما، وهذه النقطة يتناساها عمدا مؤيدو النظام ومصفقيه من السوريين والعرب، فلا أفهم كيف يدافع شخص أيا كانت خلفيته السياسية والحزبية عن أب وابنه يحكمان الشعب السوري طوال 41 عاما، وبإسلوب القمع والقتل والسجون والمعتقلات وفروع الأمن التي من النادر وجود مثيلها في أي قطر عربي أو دولي.

نظام لا يجيد إلا صناعة الأكاذيب

بدليل أنّه يرفض حتى الآن تأمين دخول الإعلام العربي والدولي لنقل الحقائق وتغطية الأحداث ميدانيا، ولو كان هذا النظام ومعلمه وليد واثقين أنّ غالبية الشعب السوري معهم، لوافقوا على تغطيات إعلامية عربية ودولية ميدانية. وهذه الأكاذيب وصناعتها ليست مهنة جديدة لنظام الأسد فهي استمرار لعمليات قتل المناوئين الذين ذكرت بعضهم في مقالتي السابقة، وتقديم عمليات القتل هذه على أنها ( انتحار) شخصي. وضمن نفس السياق فقد فات وليد المعلم استغلال مناسبتين سابقتين، كان من الممكن أن يتيحا له تقديم فيلمين يضافان لقائمة تلفيقاته. فقد كان بإمكانه إجراء بعض التعديلات على صور تكسير أصابع فنان الكاريكاتير السوري "علي فرزات" من قبل عصابات النظام، وتقديم الفيلم في مؤتمر صحفي على أنّ "علي فرزات" قام شخصيا بتكسير أصابعه التي يرسم بها، عقابا لنفسه علىى رسومات سابقة ضد الفساد وأزلام النظام. وكذلك فات المعلم تجميع أشلاء مغني الثورة السورية إبراهيم القاشوش وتقديمها في فيلم على أنّه هو من قام بقطع حنجرته وانتحر راميا نفسه في نهر العاصي ندما على تقديمه أغاني وطنية لدعم ثورة الشعب السوري.

لم يكتف النظام الأسدي بصناعات وبراءات إختراع سابقة،

أهمها صناعة التوريث في نظام يسمّي نفسه جمهوريا، وصناعة فساد عائلة تسيطر على اقتصاد الوطن، فأضاف لبراءات اختراعاته صناعة الأكاذيب والتلفيقات التي لم يسبقه إليها نظام آخر عربي أو أجنبي. ولمزيد من الضحك المبكي أو ارتفاع الضغط، يرجى مشاهدة هذا الفيديو الذي بثّه تلفزيون المستقبل اللبناني كاشفا أوجه الكذب والتلفيقات عند النظام السوري ووليده المعلم.
http://www.youtube.com/watch?v=VP8CjNGvfpI&feature=player_embedded#
وبعد هذا الفيديو الذي يثبت الكذب والتلفيقات، ألا يخجل وليد المعلم من الاستمرار في وظيفته ( صناعة الكذب ).
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.drabumatar.com



http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=vgZUccScRMk#%21

124
سؤال بريء لمؤيدي نظام الأسدين في سوريا:
هل هناك إيجابية واحدة في تاريخ هذا النظام؟
د.أحمد أبو مطر

تنطلق خلفية طرحي لهذا السؤال فعلا من موقف بريء يهدف للوصول لقناعات مشتركة قدر الإمكان، خاصة أنّه لم يختلف القراء والمواطنون العرب حول تقييم أي نظام عربي كما اختلفوا على نظام الأسدين الأب والإبن منذ عام 1970 أي طوال 41 عاما. لذلك سوف أطرح حيثيات سؤالي هذا، وإن قدّم أحد هؤلاء المدافعين عن النظام ما يناقض ما طرحته بعقلانية وموضوعية وحقائق مثبتة، أعدّه بتغيير قناعاتي وأتحول لصف مؤيدي هذا النظام. والحقائق التي أتبناها حتى هذه اللحظة عن قناعة ومعايشة ميدانية لممارسات النظام طوال ما يقارب عشر سنوات ( 1982 – 1991 ) هي:

أولا: إنّ المدافعين عن هذا النظام سواء من السوريين أو العرب بعد اندلاع الثورة السورية ضده في الخامس عشر من مارس الماضي، هم نسبة قليلة إزاء هذه الحشود السورية الثائرة في غالبية المدن السورية والعواصم العربية، حيث تتعالى الاستنكارات لقمع هذا النظام الذي لا أعتقد أنّ نظاما عربيا مارسه، سوى الشبيه البعثي للأسدين أي بعث صدام حسين الذي أذاق الشعب العراقي نفس الويلات وسيول الدم. وهذا ليس غريبا على نظامين يدّعيان أنّهما أنظمة حزب ( أمة عربية واحدة )، وظلت الحدود مغلقة بين البعثين طوال ما يزيد على خمسة وعشرين عاما، ومارسا ضد بعضهما التفجيرات والسيارات المفخخة والاعتقالات التعسفية، وكلها بتهمة التآمر لحساب البعث الآخر. إزاء ذلك كيف سأثق في هذا الحزب الذي لم يستطع فرعاه السوري والعراقي التعايش معا، وهو يحكم دولتين مهمتين  (سوريا والعراق ) في المنطقة العربية. والمدهش في التاريخ الأسود لهذا الحزب أنّ صدام حسين فور استيلائه على السلطة من الرئيس أحمد حسن البكر، وضعه قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته عام 1982 . ولأن أحمد حسن البكر كان قد بدأ إجراء اتصالات مع الحزب في سوريا زمن حافظ الأسد، فقد قام صدام حسين بجمع قيادات حزبه في العراق بتاريخ الثاني والعشرين من يوليو 1979 في قاعة الخلد ببغداد، وقرأ أسماء حوالي سبعة عشر قياديا من أعضاء القيادة القطرية للحزب، واتهمهم بأنهم جواسيس لبعث سوريا، وقام بإطلاق الرصاص عليهم علنا أمام الحاضرين، وكان قد طلب تصوير عمليات الإعدام هذه.

ونفس الجرائم يرتكبها بعث الأسدين،

فمن يتخيل أن الصراع على السلطة وصل إلى ألأخوين رفعت وحافظ الأسد. وفي عام 1984 عندما كان رفعت قائدا لسرايا الدفاع حاول الإنقلاب على أخيه حافظ، فقام بطرده من سوريا، وما زال مطرودا لا يدخلها منذ تولي بشار الإبن السلطة عبر توريث لا سابقة له في أي نظام جمهوري سوى الكوبي إذ خلف راؤول كاسترو شقيقه فيدل كاسترو. وهناك العديد من الاغتيالات التي قام بها النظام تحت مسمى(الانتحار) ومن أشهرها قتل أو اغتيال محمود الزعبي عام 2000 ، وقد كان رئيسا للوزراء ورئيسا لمجلس الشعب لفترة طويلة. واغتيال أشهر ضابط مخابرات سوري غازي كنعان الحاكم الفعلي للبنان في زمن احتلال النظام الأسدي، والملفت للنظر أنّ اغتياله في أكتوبر 2005 جاء بعد استجوابه من قبل محققي الأمم المتحدة في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وفي نوفمبر 2006 أي بعد عام تقريبا، وجدت جثة شقيقه علي كنعان محطمة ومقطعة الأوصال على سكة حديد أحد القطارات، كي يقال أنّه انتحار أو حادث دهس عابر وعادي. وكذلك العملية القذرة التي تمّ فيها اغتيال الشيخ الكردي السوري محمد معشوق الخزنوي في العاشر من مايو 2005 . هذا ويحتاج إلى ملف خاص رصد قائمة اغتيالات نظام الأسدين في لبنان التي بدأت منذ عام 1980 عند قتل سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة الحوادث المشهورة، وعملية قتله تدلّ على خسّة هذا النظام، فقد كان اللوزي من أشد المعارضين لإحتلال نظام الأسد الأب للبنان ، لذلك خرج إلى لندن وأصدر مجلته من هناك، وفي الخامس والعشرين من فبراير 1980 عاد إلى بيروت للمشاركة في جنازة والدته، وتم خطفه على طريق المطار، ليعثر على جثته في الرابع من مارس 1980 قريبا من موقع كتيبة سورية، وقد تمّ تحطيم جمجمته وقطع لسانه وغرز أقلامه في مختلف أنحاء جسمه. القائمة طويلة وتشمل الزعيم الدرزي كمال جنبلاط ، وفي عهد الأسد الوريث القائمة أطول ويعرفها السوريون واللبنانيون والعرب.

ثانيا: سجناء الرأي السوريين والعرب في سوريا

أتحدى أنّ يقدم لي واحد من المدافعين عن النظام أية نسبة من هذه الاعتقالات والسجناء موجودة في أية دولة عربية أو أجنبية. كي أكون دقيقا لا تخلو أية عاصمة عربية من هكذا اعتقالات، ولكن هذه النسبة وهذا العدد لا وجود له إلا في سجون الأسدين في سوريا وسجون صدام حسين في العراق. هل يستطيع أي شخص أن يرصد بدقة عدد السجون أو فروع المخابرات أو عدد سجناء الراي والمعتقلين السياسيين لدى الأسدين؟. تخيلوا نظام الممانعة والمقاومة، كان وما يزال لديه فرعان للمخابرات خاصة بالفلسطينيين. فرع فلسطين خاص بالفلسطينيين المدنيين. وفرع الضابطة الفدائية خاص بالمنظمات الفلسطينية.

ثالثا: الفساد والاستيلاء على ثروة الشعب السوري


 لاتخلو أية دولة عربية من الفساد والاستيلاء على نسبة من ثروة الوطن والشعب لصالح الأسرة الحاكمة، ولكن لا أعتقد انّ هناك فسادا لدى أجهزة السلطة وفروع المخابرات والأمن والداخلية كما هو في نظام الأسدين. و يكفي تكرار السؤال: من أين هذه المليارات لأخوال بشار الأسد ( آل مخلوف )؟. وكم هي نسبة سيطرتهم على الاقتصاد السوري؟. ولولا حرصي على عدم نشر أسماء معينة لذكرت حقائق يندى لها الجبين عن فساد ورشاوي أجهزة المخابرات وفروع الأمن. من يتخيل أن ضابطا برتبة عقيد أو عميد كان يطلب صراحة رشوة لا تتجاوز المائتي دولار؟. والقصص تتكرر حتى هذه اللحظة من خلال شهادات زملاء عرب يسافرون بجوازات أجنبية إلى عاصمة الممانعة، وإلا فليسأل المدافعون عن النظام أنفسهم: هل غير الرشاوي أوصلت الجاسوس الإسرائيلي كوهين عام 1967 إلى وزارة الدفاع السورية؟. صحيح أنّه تمّ اكتشافه وإعدامه، ولكن بعد ماذا؟. بعد أن أرسل للموساد الإسرائيلي أدقّ الأسرار العسكرية والأمنية.

رابعا وأخيرا وليس آخرا،

هل كل هذه الملايين في غالبية المدن السورية التي تهتف بسقوط ورحيل النظام هي عميلة للناتو ومندسّة؟.  أرجوكم أيها المدافعون عن هذا النظام أن ترشدوني للجواب: هل يستطيع الناتو وكل أجهزة مخابرات العالم تنظيم هذه الملايين السورية؟. وكيف تمّ الاتصال بها والطلب منها التظاهر ضد النظام؟. وهل كل القوى العربية في غالبية الأقطار العربية التي تطالب برحيل النظام هي عميلة أيضا؟. وهل جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تحديدا التي تطالب الحكومة الأردنية بسحب السفير الأردني من دمشق وطرد سفير النظام من عمان أيضا جماعة عميلة؟ مع التذكير انّ هذه الجماعة كانت من المدافعين عن نظام الأسد قبل الثورة السورية، ولم تتخذ هذا الموقف إلا بعد المجازر الجماعية التي يرتكبها النظام ضد الشعب السوري. هل يعقل أيها المدافعون عن النظام أن تقبلوا سقوط ما لايقل عن خمسة ألاف قتيل سوري حتى الآن؟.

نعم إنها مجازر جماعية،

كما يعيشها الشعب السوري الثائر ضد القمع والفساد والطغيان الأسدي، وكما أعلنت يوم الإثنين الثامن والعشرين من نوفمبر لجنة التحقيق الدولية فيما ترتكبه أجهزة أمن الأسد وعصاباته المسلحة. وقد صدر تقريرها في جينيف حيث أشرفت عليه المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. ويذكر التقرير الواقع في أربعين صفحة أن اللجنة قابلت العشرات من المواطنين السوريين، لذلك فتقريرها ميداني موثق لهذه الجرائم التي ارتكبها عسكريو النظام وقوات أمنه.

 هل هناك أي مخرج سوى سقوط هذا النظام؟


أعتقد أيا كانت حجج المدافعين عن هذا النظام، فلا حلّ سوى سقوط هذا النظام ورحيله بأية طريقة كانت، عربية أم دولية أم مشتركة، لأنّه بناء على إعلام النظام المتهافت والسطحي الساذج فكل العرب المعارضين له هم عملاء، أي أنّه لا ثوري ولا وطني من المحيط إلى الخليج سوى عائلة الأسد وأخواله واقاربه وأصهاره. ويكفي أنّ العديد من القيادات العالمية تقول أنّ هذا النظام أيامه معدودة. فهل يرحل طواعية ويكفيه خمسة ألاف قتيل سوري؟. أرى أنّ الجواب هو لا..لن يرحل طواعية، فشعار هذا النظام: ( إما ان أبقى مسيطرا وناهبا للبلاد والعباد وإلا فالموت لي وللشعب السوري قدر ما أستطيع ). وفي انتظار ما سيقدمه مؤيدو النظام من حجج لدحض الحقائق التي أوردتها أو الشتائم التي تعودنا عليها من أغلبهم..والسلام للجميع خاصة الشعب السوري ما عدا النظام ورموزه وعصاباته المسلحة أو المدنية.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com





125
وأخيرا فهم علي عبد الله صالح الدرس ولكن ماذا بعد؟
أحمد ابو مطر

أدرك أخيرا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أنّه لا فائدة من المراوغة والمماطلة لكسب المزيد من الوقت في السلطة التي سيطر عليها منذ السابع عشر من يوليو 1978 أي طوال ما يزيد على 33 عاما، ليصبح الأطول عمرا في السلطة بعد الطاغية المقبور القذافي (42 عاما ) والسجين حسني مبارك ( 30 عاما ). إدراكه وفهمه لدرس الثورة اليمنية بأنها لن تتوقف قبل رحيله، هو ما جعله يفكر في التنحي بطريقة فيها نسبة من الكرامة الشخصية، فسافر يوم الأربعاء الموافق الثالث والعشرين من نوفمبر 2011 إلى الرياض العاصمة السعودية للتوقيع على المبادرة الخليجية التي طالما رفضها وراوغ حولها. وقد جرى التوقيع في احتفال بالرياض حضره الملك عبد الله بن عبد العزيز ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووفدان يمثلان الحكومة اليمنية والمعارضة، إضافة للمبعوث الدولي إلى اليمن جمال بن عمر. وتنصّ الاتفاقية  على نقل سلطات علي عبد الله صالح إلى نائبه عبد ربه منصور هادي ،على أن يظل رئيسا شكليا (كي لا نقول شرفيا) بدون أية صلاحيات أي مجرد تسمية شكلية مدة تسعين يوما إلى حين إجراء انتخاب رئيس جديد لليمن.

تهديدات عربية ودولية أدّت لفهمه الدرس

ومن الواضح أنّ ما يشبه القطيعة الخليجية العربية لنظامه، والتهديدات الدولية له ولنظامه لعبت دورا أساسيا لاستيعابه الدرس، بعد مناورات وإضاعة للوقت منذ نهاية مايو الماضي عندما تمّ طرح المبادرة الخليجية التي أصبحت مقبولة منه الآن. وقد تأكد أنّ المبعوث الدولي جمال بن عمر نقل له تحذيرا بأنّ هناك توجه لنقل ملف الأزمة اليمنية لمجلس الأمن بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية و بعض الدول العربية. لذلك تناسى علي صالح اتهاماته لإسرائيل وأمريكا بأنهما وراء الثورة اليمنية و تهجمه على فضائية الجزيرة بصفتها راعية لهذه الثورة، وكأنّ ملايين اليمنيين الرافضين لاستمرارية نظامه مجرد عملا ءلإسرائيل وأمريكا أو يتلقون التعليمات من فضائية الجزيرة، قافزا على الفساد والظلم والديكتاتورية طوال 33 عاما من حكمه، مما يعني أن الشعب اليمني لم يعد يتحمل المزيد، لذلك بدأ ثورته منذ فبراير الماضي. هذه هي خلفية سفره للتوقيع على المبادرة الخليجية مع بعض أطياف المعارضة المشاركة في الثورة ضده وليس كل مكونات الثورة هذه.

هل هذا التوقيع نهاية للأزمة والثورة؟

العديد من المؤشرات توحي بأنّ الجواب هو: لا..لا. وذلك بسبب أنّ  الخلل الأساسي في المبادرة التي وقعها علي عبد الله صالح هو العامل الذي جعله يوقع عليها، ولم يستمر في صلافته وعناده كما فعل عميد الطغاة العرب المقبور القذافي، ولولا هذا الخلل ربما لما وقعها علي عبد الله صالح. هذا الخلل هو منح المبادرة له ( الحصانة من الملاحقات القضائية )، وأعتقد أنّ غالبية الطغاة والمستبدين العرب سوف يتخلون طواعية عن السلطة إذا منحوا هذه الحصانة، إذ سيقولون لأنفسهم وعائلاتهم: يكفينا سرقات وفسادا وطغيانا طوال عشرات السنين، وهيا نخرج لننعم بالمليارات التي سرقناها من دم وثروة الشعوب، كي لا نواجه مصير القذافي وحسني مبارك و أولاده. وأعتقد أنّ هذا العامل هو الذي عجّل بهروب زين الهاربين بن علي، فها هو في سكوت مطبق مع ليلاه الطرابلسية كي لا يفتح أحد ملف سرقاته وما هرّبه معه وحساباته في البنوك، رغم بعض المطالبات التونسية بضرورة تسليمه لتقديمه للمحاكمة، وأعتقد أنّ تونس الجديدة عبر حكومتها المنتخبة بديمقراطية نزيهة وشفافة، لن تنسى هذا الهارب و سوف تصرّ على تقديمه للمحاكمة، فهو ليس أهم من حسني مبارك رغم مماطلة المجلس العسكري المصري في تسريع إجراءات محاكمته وأولاده، خاصة أنهم في سجون ذات مستوى فنادق سبعة نجوم.

إنّ عدم الملاحق القضائية لعلي عبد الله صالح،

تعني طي العديد من الملفات اليمنية الخطيرة التي له علاقة مباشرة فيها طوال الثلاثة والثلاثين عاما الماضية ومنها:

1 . الجريمة التي تصرّ بعض أطراف المعارضة اليمنية على أنّ له علاقة مباشرة بها، وهي جريمة اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي وشقيقه في الحادي عشر من أكتوبر 1977 أثناء نيته السفر لليمن الجنوبي لتوقيع اتفاقية وحدة يمنية، وهناك من الأطراف اليمنية من تؤكد أنّ علي عبد الله صالح هو شخصيا من أطلق الرصاص على الحمدي. والغريب ويدعو للتساؤل هو أنّ أحمد الغشمي استلم رئاسة اليمن الشمالي لعدة شهور فقط بعد اغتيال الحمدي ، ويتمّ اغتياله أيضا عبر انفجار حقيبة مفخخة قيل أنّه أوصلها له رئيس اليمن الجنوبي آنذاك سالم ربيع علي، الذي تمّ إعدامه في جنوب اليمن بعد ذلك. و تستند بعض أطراف المعارضة لحقيقة أنّ علي عبد الله صالح استلم رئاسة اليمن بعد أقل من شهر من اغتيال أحمد الغشمي، وقام علي عبد الله صالح بتوقيع اتفاقية الوحدة اليمنية في مايو 1990 . وجرى بعدها تهميش اليمن الجنوبي وقياداته، مما أدى لمحاولة انفصال جديدة وحرب أهلية عام 1994 ، كان الرابح فيها علي عبد الله صالح ونظامه، ليواصل الفساد والقمع ومصادرة الحريات حتى اندلاع الثورة ضده في فبراير 2011 .

 وهذا كله لم يلغ الحراك الجنوبي الذي ما تزال بعض أطرافه تطالب بالانفصال، وربما قيام نظام ديمقراطي يمني يحقق المساواة للجميع شمالي وجنوبي على قدم المساواة الكاملة، يجعل هذا الحراك الجنوبي يعود عن مطالبته بالانفصال التي كان سببها الأساسي تهميش نظام علي عبد الله صالح للجنوب اليمني. وهذا ما يراه العديد من الكتاب والمفكرين اليمنيين، فالكاتب اليمني المعروف والناشط في الساحة اليمنية عبد الباري طاهر، يرى أنّ " الحرب لم تتوقف في الجنوب منذ عام 1994، فقد استمر نزيف الدم والاقتتال بأشكال مختلفة، والوضع الآن وصل إلى ذروة التفجير، وما لم تعالج المشكلات القائمة، ويشخص الداء، ويحتكم الناس إلى مائدة حوار حقيقية، ومعالجة حقيقية لمشكلات فعلية قائمة في الجنوب، وبين الجنوب والجنوب، وبين الجنوب والشمال والشمال والشمال، فالمشكلة أزمة شاملة، وتتجلى في الجنوب بشكل حاد، لأن الجنوب كان يمتلك دولة وجيش، تم إلغاء وتهميش الجنوب كاملا، وجرى انقلاب حقيقي على المشاركة السياسية عام 94 بالحرف، ولكن لا يمكن الآن ضمان وحدة حقيقية إلا بالمشاركة، والتخلي عن الأسلاب وغنائم حرب عام 1994 ".

وعلينا استيعاب الدرس السوداني، فلولا القمع والاستبداد والتهميش الدائم للجنوب السوداني لما أصرّ وقاتل من أجل الانفصال حتى ناله في التاسع من يوليو 2011 بعد انتخابات صوّتت فيها الغالبية العظمى من الجنوبيين للانفصال في دولة مستقلة، وهذا ما كان لهم حسب رغبتهم. بينما في كيانات أوربية تتعايش العديد من الأصول واللغات في دول موحدة بسبب العدالة والديمقراطية، ويكفي التذكير بنموذجي سويسرا وكندا.

2 . ما أوصل إليه علي عبد الله صالح اليمن الموحد ( شماله وجنوبه ) خلال 33 عاما من حكمه، وهنا اعتمادا على القول الشائع ( أهل مكة أدرى بشعابها )، فسوف أنقل بعض الحقائق التي يعرفها ( أهل اليمن ) كما نشرها ( موقع ومنتديات ثورة الشعب اليمني، شباب اليمن للتغيير )، وهي حقائق مؤكدة من مصادر عربية وعالمية أيضا:
_ 46 % من اليمنيين تحت خط الفقر.
_ 75 % من اليمنيين يعانون من العوز الغذائي حسب تقارير جمعية حماية المستهلك الحكومية.
_ نسبة الأمية التعليمية في اليمن 69 % وهي أعلى نسبة في العالم العربي، فمن يصدق أنّ 69 % من اليمنيين أمييين أي لا يفكون الخط كما نقول في بلاد الشام. وللمقارنة والمزيد من الحزن والبكاء فقط، نذكر أنّ المناطق الفلسطينية ( القطاع والضفة ) رغم جرائم الاحتلال وقسوة الحياة، فحسب احصائيات اليونسكو هي أقل معدلات الأمية في العالم أجمع.
_  نسبة الأمية بين النساء في اليمن تبلغ 83 %.
_ العاصمة صنعاء ضمن أسوأ عشرة مدن في العالم في النظافة والمعايير الصحية.
_ في ميدان الحريات الصحفية، تأخذ يمن علي عبد الله صالح الرقم 169 من بين 183 دولة حسب تقارير منظمة ( مراسلون بلا حدود ).
_ قدّرت منظمة ( بر لمانيون عرب ضد الفساد ) الفساد في اليمن بخمسة مليارات في السنة. ويقول شباب الثورة اليمنية ( لو صام نظام علي عبد الله صالح عن الفساد لسنة واحدة فقط، لسدّد جميع ديون اليمن الخارجية، لأنّ قيمتها تعادل حجم الفساد السنوي، ولو صام النظام عن الفساد سنة أخرى لتضاعف الاحتياطي من النقد الأجنبي لأنه بنفس المستوى تقريبا ).

فهل صاحب كل هذه الإنجازات المخزية،

يستحق الحصانة من الملاحقة القضائية؟. لذلك بدأ انقسام واضح في صفوف المعارضة والثورة اليمنية إزاء هذا التوقيع على المبادرة الخليجية خاصة من قبل أعضاء المجلس الوطني لقوى الثورة اليمنية الذين أعلن بعضهم البراءة مما توصلت إليه بعض أطراف المعارضة مع علي عبد الله صالح، ونتج عنه التوقيع على المبادرة الخليجية. لذلك شهدت ساحات اليمن مظاهرات عارمة معارضة للتوقيع سقط فيها العديد من القتلى والجرحى. هذا هو الواقع اليمني بعد التوقيع، وآمل ان يكون تحفظي في غير محله، ويشهد اليمن استقرارا جديدا ينتج عنه نظام ديمقراطي مغاير لديكتاتورية وفساد علي عبد الله صالح، ويخلق يمنا واحدا لا شمالي ولا جنوبي، رغم أنّ الأمنيات شيء والواقع شيء آخر.
ahmad.164@live.com





126
نعم لمحاكمة عادلة لسيف القذافي وباقي أفراد عائلة عميد الطغاة
د.أحمد أبو مطر

أود في البداية التنويه أنني قصدت تسمية ابن عميد الطغاة العرب المقبور ب ( سيف القذافي ) نسبة لأبيه مباشرة، لأننا سنرى أنّ إلصاق اسم الإسلام بإسمه ( سيف الإسلام ) نتيجة أفعاله وممارساته هو أكبر إهانة للإسلام أن ينتمي له هذا الشخص الذي كان شريكا مباشرا وفاعلا في كافة جرائم والده، بل كان المنظّر لهذه الجرائم وتسويقها عبر العديد من الوسائل سنفصّل الحديث فيها. وبالفعل فإنّ اعتقال ( سيف القذافي ) ومن بعده رئيس مخابراته ( عبد الله السنوسي ) يضع نهاية لنظام ذلك الطاغية الذي لا يضاهيه في جرائمه إلا أسد سوريا الذي ينتظر نهاية لا ندري كيف ستكون لكنها آتية لا محالة، فالشعب السوري ما عاد يحتمل حكم عائلة واحدة لمدة 41 عاما، حوّلت سوريا شعبا ووطنا وثروة إلى مزرعة خاصة بالعائلة وأخوالها والمحسوبين عليها.

وعائشة والساعدي القذافي أيضا


وهذه المحكمة كما أرى آمل أن تشمل باقي أفراد عائلته خاصة ولده الساعدي الهارب في النيجر، وكذلك ابنته الهاربة مع والدتها في الجزائر، لأنهم جميعا مسؤولون عن جرائمه إما بالمشاركة كما في حالتي سيف والساعدي القذافي أو السكوت والتنظير الساذج من مدّعية الحصول على دكتوراة في القانون عائشة القذافي، التي تطوعت بدون أية مؤهلات للدفاع عن الطاغية الديكتاتور صدام حسين الذي كانت جرائمه بحق الشعب العراقي عربا وأكرادا لا تقل عن جرائم عميد الطغاة العرب القذافي. وكانت عائشة تفتخر بأنّها تعتبر صدام حسين كوالدها، وهذه هي كلمة الحق الوحيدة التي قالتها في حياتها، فصدّام حسين كان فعلا كوالدها في جرائمه فكلاهما تلميذ للآخر في ميدان الجرائم بحق شعبيهما، وفي حالة القذافي بحق شعوب أخرى في مختلف القارات.

سيف القذافي المشهور على الشعب الليبي


هذا السيف المقبوض عليه بعد هروب وتخف دام ما يزيد على تسعة شهور، لم يتوقف خلالها عن التهديد والوعيد لكافة ثوار ليبيا واصفا إياهم بالخونة والعملاء، واعدا الشعب الليبي أنّه ووالده سيقاومان حتى آخر لحظة، فإذا بهما يقضيان ما يزيد على خمسة شهور، وهم متخفون هاربون من مكان إلى مكان إلى أن تمّ قتل والده وإلقاء القبض على هذا السيف المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية منذ فبراير 2011.
وقد بدأ حياته معتمدا على التزوير والتلفيق بناءا على طغيان والده، فهذا السيف من مواليد 1972 أي أربعة سنوات بعد انقلاب والده المشؤوم، وفي عام 1994 منحته جامعة طرابلس التي أطلق عليها والده اسم ( الفاتح ) درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية، وهو حسب طلاب تلك الفترة لم يشاهدوه إلا ساعات في الكلية، وبحسبة بسيطة فالدراسة للحصول على بكالوريوس الهندسة تحتاج إلى خمسة سنوات في كل جامعات العالم العربية وغير العربية، فإذا كان هذا السيف قد ولد في نهاية عام 1972 ، و أي طالب لا ينهي مرحلة الثانوية العامة التي يلتحق بعدها بالجامعة قبل أن يكون قد بلغ سن التاسعة عشرة من عمره، أي عام 1991 في حالة هذا السيف، فكيف حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة عام 1994 أي بعد ثلاثة سنوات من فرضية حصوله على شهادة الثانوية العامة؟. ونفس الوضع ينطبق على شقيقته عائشة التي كانت تقدّم نفسها على أنها ( الدكتورة عائشة القذافي) على اعتبار أنها حاصلة على الدكتوراة في القانون من جامعة السوربون، ثم ثبت أنّ كل هذا ادعاءات وأكاذيب غطرسة الجنون. ونفس الإدعاء مارسه سيف القذافي عند تسجيله لنيل درجة الدكتوراة في ( كلية لندن للاقتصاد )، ولاحقا كشفت صحيفة ذي إند بندنت البريطانية أنّ الأطروحة التي كان سيتقدم بها للكلية قد كتبها له أكاديمي ليبي تمت مكافأته بأن عين سفيرا بإحدى الدول الأوربية، لذلك دعا أحد نواب حزب المحافظين كافة أعضاء مجلس إدارة الكلية  إلى الاستقالة. خاصة أنّ هناك معلومات حول قبول الكلية بعد ذلك أموالا ليبية بطرق مشبوهة غير قانونية، ونقلت الصحيفة البريطانية على لسان الأكاديمي الليبي أبو بكر بعيرة الأستاذ بجامعة قار يونس ببنغازي ( أنّ سيف القذافي جنّد أكاديميين ليبيين لكتابة أطروحته المنتحلة هذه، واصفا سيف القذافي بأنه مجرم حرب) وقد ذكر أسماء أولئك الأكاديميين والمناصب التي منحها لهم ذلك السيف.

تصوروا هذا السيف عاملا في مجال حقوق الإنسان


من ضمن الأعمال الديكورية التي قام ببنائها بصفته مهندسا معماريا، ما أطلق عليه ( مؤسسة القذافي للجمعيات الخيرية والتنمية ) عام 1998 ، ومن ضمن الجمعيات التابعة لها ما أسماها ( جمعية حقوق الإنسان )، ولاحقا ( جائزة معمر القذافي العالمية لحقوق الإنسان). هذا مدّعي العمل في مجال حقوق الإنسان ولوالده الطاغية جائزة دولية في ميدان حقوق الإنسان، أين كان ضميره وعقله إن وجدا وكذلك باقي أفراد عائلته من هذه الجرائم كأمثلة فقط:
_ مذبحة سجن أبو سليم في طرابلس عام 1996 .
_ خطف واغتيال الإمام موسى الصدر ورفيقيه  1978 .
_ خطف واغتيال المعارض الليبي منصور الكخيا عام 1993 .
_ تفجير طائرة يوتا الفرنسية فوق النيجر عام 1989 حيث قتل فيها 170 راكبا من عدة جنسيات، وتمّ التفجير بأوامر شخصية من عميد الطغاة القذافي لتلقيه معلومات كاذبة أنّ المعارض الليبي محمد المقريف سيكون على متن الطائرة، وهو لم يكن من ضمن ركابها.
_ تفجير طائرة بان أميركان  فوق قرية( لوكربي ) البريطانية عام 1988 حيث قتل 11 مواطنا من سكان القرية، و 259 راكبا كانوا على متن الطائرة. ويكفي اعتراف الطاغية القذافي بمسؤوليته عنها، وإرسال مواطنين ليبيين للمحاكمة في اسكتلندا، ودفعه تعويضات لذوي الضحايا بلغت حوالي ستة مليارات دولار من خزينة الشعب الليبي.

وأين هو من جرائم شقيقه الساعدي؟


هذا الساعدي الهارب بمليارات من الدولارات إلى النيجر، أرتكب أيضا من الجرائم ما يستحق المحاكمة عليها، فقد حاول عبر ملايينه من الدولارات أن يقدم نفسه لاعبا محترفا لكرة القدم في أشهر الأندية الأوربية مثل نادي بيروجيا و الكالتشسيو الإيطاليين، ولم يلعب معها سوى دقائق بسبب عدم وجود أية موهبة أو قدرة لديه كلاعب كرة قدم،  وبعد ثبوت تعاطية مادة الناندرولون المحظورة، تمّ ايقافه وطرده بعد أن كان يسكن في كل زيارة في طابق كامل وحده في أفخم الفنادق،  ويحجز غرفة خاصة لكلبه، وغرفة خاصة لسائقه، ومن فضائح بذخه من ثروة الشعب الليبي أنّه منح سيارة خاصة لكل لاعب من لاعبي فريق بيروجيا كما كشف مدرب الفريق. عاد بعدها إلى ليبيا ليمارس جرائمه أيضا في مجال كرة القدم، حيث من الثابت أنّه من أمر بتعذيب وقتل اللاعب الليبي بشير الرياني لأنّه كان يقول علنا، أنّ الساعدي القذافي لا يملك أية مؤهلات تؤهله ليكون لاعب كرة قدم. وهذا الساعدي هو من طلب من حراسه الشخصيين بإطلاق الرصاص على مشجعي النادي الأهلي الليبي الذي هزم نادي الاتحاد الذي يترأسه وينتمي إليه، فقتل عشرين من المشجعين الأبرياء. لذلك أصدر الانتروبول مذكرة باعتقاله، والمطلوب من حكومة النيجر تسليمه الآن.

وأخيرا فضائح الطاغية الجنسية،
التي أعلنها طباخه الخاص لصحيفة الصنداي تايمز البريطانية يوم الأحد الثالث عشر من نوفمبر 2011 ، حيث أعلن أنّ الطاغية كان يمارس الجنس مع أغلب حارساته ويمنحهن المال والفيلل، وكم اغتصب من الفتيات اللواتي لا يعرفهن، بل فقط لأنّه شاهدهن بعد لقاء أو اجتماع. فأين ضمير زوجته صفية وابنته عائشه؟. هل تقبل واحدة منهن أن تتعرض لما كانت تتعرض له مئات الفتيات الليبيات ومن جنسيات أخرى مثل الأوكرانية من قبل عميد الطغاة العرب؟.

نعم لمحاكمة عادلة لسيف القذافي والساعدي القذافي وعائشة القذافي، لإثبات مشاركتهم في جرائم والدهم الطاغية، ونيلهم الحكم الذي يستحقون كي يكونوا عظة لأولاد وعائلات باقي الطغاة العرب، الذين ينتظرون السقوط بإرادة شعوبهم الثائرة ضدهم..وإنّ غدا لناظره لقريب.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




127
من هم أصدقاء النظام السوري المتوحش اليوم؟
د.أحمد أبو مطر

يستمر نظام بشار الأسد رغم تسعة شهور من ثورة الشعب السوري في قمعه للشعب بكافة أنواع القوة المتاحة له، خاصة الدبابات والمدرعات التي لم نرها منذ عام 1973 في الجولان السوري المحتل عبر صفقة خيانة واضحة ومكشوفة من والده حافظ الأسد. خلال هذه الشهور التسعة وقفت غالبية الشعوب والدول في مختلف القارات مع معاناة الشعب السوري والظلم الواقع عليه من هذا النظام المتوحش فعلا، دون مراعاة كرامة الشعب وحقه في التخلص من احتلال هذه العائلة الأسدية الطائفية طوال 41 عاما. ورغم هذا التضامن العالمي مع الشعب السوري بقي هناك أصدقاء قلة متضامنون مع هذا النظام عبر مواقف مخزية ستظل وصمة عار في تاريخ هؤلاء المتضامنين مع القتل والاستبداد والقمع والديكتاتورية. فمن هم هؤلاء الأصدقاء القلة؟. وفعلا كما يقول المثل العربي ( قل لي من هم أصدقاؤك، أقل لك من أنت؟ ).

أولا: نظام ملالي ولاية الفقيه الإيراني

إنّ القواسم المشتركة بين نظام الأسد ونظام ملالي ولاية الفقيه في إيران عديدة، أهمها القمع والاستبداد ومصادرة حقوق الإنسان والفساد. فحسب تقارير كافة منظمات حقوق الإنسان فإن أسوأ ملفات حقوق الإنسان في العالم هي ملفا النظامين الإيراني والسوري. والكل يتذكر أن المظاهرات المليونية للشعب الإيراني ضد نظام ولي الفقيه سبقت الربيع العربي ، فقد اندلعت هذه المظاهرات بقيادة الشخصيات الدينية الإيرانية المناهضة لاستبداد خامئني ونجاد، وكان أشهر هذه الشخصيات التي قادت المظاهرات في يونيو 2009 هم ( مير حسن موسوي، محسن رضاي، و مهدي كروبي) ضد نتائج الانتخابات المزورة التي أوصلت أحمدي نجاد لولاية ثانية (2009 – 2013 )، وهي مظاهرات استمرت عدة أسابيع، وتعرضت لقمع لا يقل قسوة عن القمع الذي تواجهه أغلب المظاهرات في الأقطار العربية، خاصة مظاهرات الشعب السوري المندلعة منذ الخامس عشر من مارس الماضي، وفي تلك المظاهرات الإيرانية قتل ما لايقل عن 15 متظاهرا إيرانيا. ولا يمكن نسيان عمليات الإعدام والسحل والجلد والاعتقالات التي تكاد تكون يومية نسخة من ممارسات نظام الأسد في سوريا. والكل سمع وعرف باعتقالات المقربين من تلك الشخصيات الإيرانية التي قادت المظاهرات، ومنعت هذه الشخصيات من السفر ووضع بعضها قيد الإقامة الجبرية. ثم اندلعت موجة مظاهرات عارمة في الثالث عشر من فبراير الماضي، والتقارير التي نشرت عنها مرعبة للغاية. إذ أقفلت قوات الحرس الثوري شوارع العاصمة طهران، وأغلقوا أغلب مداخل محطات المترو، وسط تحليق كثيف لمروحيات الجيش والمخابرات الإيرانية. وقد شهدت هذه المظاهرات ردود فعل عنيفة من الحرس الثوري، حيث ثمّ إطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيّل للدموع وكرات من الطلاء بألوان مختلفة، وفي ساحة آزادي (الحرية ) كما نقلت العديد من وسائل الإعلام، أطلق المتظاهرون هتافات ( الموت للديكتاتور) ، و رفعوا لافتات فيها صور نجادي و حسني مبارك ، وفوق رأسيهما بالإنجليزية
Tehran, Cairo. Dictators Must Go!!
في ذلك الوقت لم تكن مظاهرات وثورة الشعب السوري قد انطلقت بعد، وإلا لكان المتظاهرون الإيرانيون وضعوا اسم بشار الأسد بدلا من حسني مبارك، فجيش حسني مبارك وعصاباته لم يرتكبوا واحدا في المليار ضد الشعب المصري مما ارتكبه جيش بشار وعصاباته في مواجهة الشعب السوري. وقامت أجهزة ( الباسيج) بمحاصرة بيت مير حسن موسوي، وقطعوا الاتصالات الهاتفية عن هواتف العديد من قادة المظاهرات، كما يفعل نظام الأسد إذ يقطع كامل خدمات الانترنت عن مدن بكاملها وبمساعدة خبراء من نظام ملالي إيران.

 أمّا عن صفقات الفساد الداخلية لنظام الملالي فهي قريبة من صور فساد عائلة الأسد وأخواله إمبراطورية آل مخلوف. وقد كانت بداية ذوبان جبل جليد الفساد في داخل نظام الملالي، هي فضيحة الاختلاس التي تمّ الكشف عنها أخيرا بقيمة 2.6 مليار دولار، أكّدت المعارضة الإيرانية الداخلية تورط أحمدي نجاد فيها، بعد فرار محمود رضا خاوري محافظ " بنك ملي إيران " إلى كندا، و اعتقال العديد من رجال المصارف الإيرانيين. وتشمل صفقة الاختلاس هذه رجل الأعمال المليونير أمير منصور خسروي الذي قام بتزوير خطابات إئتمان مدعوما من مسؤولي بنوك داخل إيران. وقد طالت هذه الفضيحة العديد من قيادات الحرس الثوري القريبين والمؤيدين لأحمدي نجاد، ومنهم مستشاره وصهره إسفنديار رحيم مشائي. لذلك ظهرت الخلافات بين المفسدين والمستبدين للعلن عندما أعلن ولي الفقيه علي خامئني أخيرا أنّه يفكر في إلغاء انتخابات رئيس الجمهورية ويقوم هو شخصيا بتعيينه.

لذلك فإنّ طبيعة وبنية نظام الملالي لا تختلف عن بنية وطبيعة نظام أسد من ناحية الفساد والقمع والاستبداد، فنظام الملالي يتسلط على الشعب الإيراني منذ عام 1979 بفارق تسع سنوات فقط عن تسلط عائلة الأسد. وأيضا لا يمكن القفز عن اللعب على الخلفية الطائفية وتخويف البعض من سقوط النظام السوري، متذكرين قمع حقوق كل القوميات غير الفارسية داخل إيران ، ومنها المنتمون للقومية العربية من عرب الأحواز، حيث يتعرضون لقمع وتنكيل لا يقل عن قمع الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني، مع فارق حضاري وهو أنّ الاحتلال الإسرائيلي يسمح منذ عام 1948 للفلسطينيين الذي صمدوا في وطنهم باستعمال لغتهم وثقافتهم العربية بعكس نظام الملالي الذي يحرم ملايين الأحوازيين العرب من استعمال لغتهم العربية، ونظيره الأسدي يمنع أكراد سوريا من استعمال لغتهم وثقافتهم الكردية. لذلك ليس غريبا أن يكون نظام ملالي إيران هو الصديق الوحيد من الأنظمة في العالم الذي يدافع عن نظام الأسد بهذه القوة والتهديد حتى لثوار الشعب السوري. فكل يبحث عمن هو على شاكلته ليكون صديقه ويدعمه.

ثانيا: حزب الله، حزب ولاية الفقيه في لبنان

أصبح واضحا من متابعات ردود الفعل العربية على موقف حزب الله المخزي في دعمه لنظام الطاغية الأسد، أنّ هذا الحزب قد خدع ملايين العرب والمسلمين بتستره تحت غطاء مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وما إن اندلعت مظاهرات الشعبين الإيراني والسوري حتى  كشف هذا الحزب عن وجهه الحقيقي المرتبط أوتوماتيكيا بنظام الملالي في طهران. وكرّرنا نشرها عدة مرات، تلك الفقرات والتصريحات لكبار مسؤولي الحزب الذين يدعون لإقامة جمهورية إسلامية في لبنان مرجعيتها الفقهية في قم بإيران. السؤال المحرج الذي جعل حسن نصر الله يلوذ بالصمت طويلا هو: يا سيبد حسن نصر الله، كيف يقبل ضميرك المقاوم السكوت على هذا القتل اليومي لشعب يطالب بالحرية والديمقراطية والكرامة؟. ألم تكرر في خطاباتك حرصك على كرامة الشعوب، ورغم ذلك قمت باجتياح بيروت في مايو 2008 ، وارتكبت فيها قتلا وتدميرا خاصة للمنشآت الإعلامية المخالفة لتوجهاتك، لا يختلف عن قتل وتدمير حليفك الأسد. يا سيد حسن نصر الله: لماذا التضامن العلني منك وحزبك مع ثورة الشعب المصري والتونسي والليبي والبحريني، وسكوتك سكوت الخرسان على ثورة الشعب السوري ومظاهرات الشعب الإيراني؟ هل الحرية والديمقراطية تليق بشعوب دون شعوب؟.

كم لامني العديد من الأصدقاء، عندما أصدرت في عام 2008 مع مجموعة من الكتاب العرب كتابا بعنوان ( حزب الله، الوجه الآخر )، أي الكشف عن الوجه الآخر للحزب المرتبط بنظام الملالي. وقد اتصل العديد من هؤلاء الأصدقاء ليقولون لي: كم كنت ومن معك من الكتاب المشاركين في ذلك الكتاب، بعيدو النظر عندما كشفتم بالأدلة والوثائق ارتباطات الحزب بنظام ولي الفقيه، صابين جام غضبهم على موقف حزب الله من ثورة الشعب السوري ودعمه لنظام الطاغية الأسد. ومن يتابع تعليقات القراء العرب في مدوناتهم على الانترنت والفيس بوك سيرى حجم الحملة المضادة لمواقف الحزب هذه في غالبية الأقطار العربية. لذلك فموقف حزب الله من دعم نظام الأسد المتغطرس القاتل لا يليق بحزب يدّعي المقاومة والمحافظة على الكرامة، ويحمل اسم ( الله )، فالله لا يقبل القتل وسفك الدماء، لذلك فهو اسم لحزب على غير مسمّى، فممارسات الحزب ومواقفه السياسية لا يليق بها هذا الإسم بل اسم نقيض تماما.

ثالثا: نظام علي عبد الله صالح المطلوب رحيله


لا داعي للتفصيل في موقف نظام علي عبد الله صالح الذي صوّت ضد قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية نظام الأسد، فهو نظام يطالب الشعب اليمني منذ شهور برحيله وسقوطه، ويواجه هذا اللا علي اللاصالح الشعب اليمني بنفس أساليب الأسد. ولم يتعلم درسا من محاولة ثوار الشعب اليمني قتله في ذلك التفجير الذي شوّه وجهه، فهرب للسعودية للعلاج، ثم عاد مصرّا على غطرسته وفساد نظامه. لذلك فبنية النظامين الأسدي واليمني واحدة، هي غواية الكرسي والسلطة ونهب ثروة الشعب، لذلك فلا بد من البقاء في الحكم حتى الموت الذي يسبقه التوريث.

رابعا: النظامان الروسي والصيني

أعتقد أنّ هذين النظامين يدعمان الموقف الأسدي في المحافل الدولية غالبا نكاية بالمواقف الأوربية والأمريكية، وإن كان ملف الصين في ميدان حقوق الإنسان ليس مشرفا لحد كبير رغم قوتها الاقتصادية في العالم أجمع، فالاعتقالات السياسية في الصين لا تتوقف، ويكفي التذكير بمذبحة ميدان (تيانمين) عام 1989 عندما تظاهر ملايين الصينيين معتصمين في الميدان عدة أيام ضد الديكتاتورية والفساد والاستمرارية في السلطة لحزب واحد منذ ما يزيد على ستين عاما. ومن الملاحظ في الملف الروسي تدوير السلطة بين بوتين وميدييف رغم أنها تأتي عبر انتخابات. وأيضا لا يمكن نسيان القمع الروسي للأقلية المسلمة في الشيشان، فهو يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان. وإلا لماذا وافقت جمهورية روسيا بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 على استقلال خمسة عشر جمهورية، كانت منضوية تحت ذلك الاتحاد السوفييتي بالقمع والتسلط طوال ما يزيد على سبعين عاما؟. فلماذا الشعب الشيشاني المختلف عن الروس عرقا ولغة وديانة يبقى تحت القمع والتسلط الروسي؟.

هؤلاء هم فقط أصدقاء نظام الأسد اليوم، فهل يتعظ من ثورة الشعب السوري وتقلص عدد أصدقائه في العالم، وعدم وجودهم في الأقطار العربية ليرحل بما تبقى من كرامته إن بقي منها أية نسبة، ويعطي الشعب السوري الحق في الحرية والديمقراطية والكرامة؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



128
أطروحات رفعت الأسد عائلية طائفية مرفوضة
د.أحمد أبو مطر

رفعت الأسد هو شقيق حافظ  الأسد أي أنّه عم بشار الأسد. كان في سوريا زمن شقيقه الرئيس حافظ الأسد مسؤولا عن الذراع العسكري الخاص بحماية النظام تحت اسم (سرايا الدفاع). هو وسراياه هذه مسؤولون مباشرة عن كافة الجرائم التي ارتكبت في سوريا قبل عام 1986 ، وأشهرها مذبحة سجن تدمر الصحراوي في يونيو 1980 ، حيث تحركت السرايا بقيادة رفعت الأسد مباشرة، وقصفت ودمرت السجن على من فيه حيث قتل على الأقل 1200 سجينا أغلبهم سجناء سياسيون، ثم قام نفس رفعت الأسد بقيادة سرايا دفاعه التي كان شقيقه حافظ يثق فيها أكثر من الجيش، وارتكب  مجزرة حماة عام 1982 ، وراح ضحيتها في أقل التقديرات ثلاثون ألفا من المواطنين السوريين بحجة أنهم من جماعة الإخوان المسلمين. ولم يسلم أخوه الرئيس حافظ ألأسد من نواياه الشريرة فقد قام بأكثر من محاولة للانقلاب على شقيقه منها واحدة في شباط 1984 ، طمعا في الاستئثار بالسلطة، فلم يكفيه أنه الشريك الثاني في السيطرة على سوريا شعبا وأرضا وثروة، وكانت النتيجة طرده من سوريا نهائيا، ولم يسمح له بالعودة إلا لعدة ساعات عام 1992 للمشاركة في جنازة والدته. وعند وفاة شقيقه حافظ الأسد وتوريث نجله بشار الرئيس الحالي عام 2000 لم يسمح له بدخول سوريا للمشاركة في تشييع شقيقه.

هذه أبرز المحطات والمواقف،

في حياة رفعت الأسد دون نسيان المليارات التي يعيش فيها مترفا هو وأولاده بين ماربيا الأسبانية ولندن البريطانية وباريس الفرنسية. والسؤال الموضوعي المحايد: من أين لك هذه المليارات يا رفعت؟ وأنت مجرد ضابط عادي في الجيش السوري، فلو جمعنا رواتبك منذ ولادتك عام 1937 هل تتعدى عدة ألاف من الليرات السورية؟. إذن هذه الثروة مسروقة من أملاك الشعب السوري، وأنا عشت عشرة سنوات في سوريا، وكنت أسمع من الأصدقاء السوريين ممن يثقون أنني لا أكتب تقاريرا لفرع من فروع المخايرات، كم كانوا يشتمون ويلعنونك عائلتك وعائلة خالك آل مخلوف.

والآن يطالب رفعت بتوارث السطة من إبن أخيه

لذلك جاءت أطروحاته قبل أيام قليلة لصحيفة لوموند الفرنسية ووكالة الأنباء الفرنسية أكثر من مستهجنة، فهو يريد توارث السلطة في عائلته فقط، إذ قال حرفيا: " الحل يكمن في أن تضمن الدول العربية لبشار الأسد سلامته كي يتمكن من الاستقالة، وتسليم السلطة لشخص لديه دعم مالي ويؤّمن استمرارية جماعة بشار بعد استقالته، يجب أن يكون شخصا من عائلته أنا أو سواي". بالله عليكم حتى أنتم يا أنصار ومصفقي ومطبلي بشار الأسد، هل يرضى بهذه الأطروحات أي مواطن سوري من درعا إلى اللاذقية؟. لا أعرف هل من يطلق هذه التصريحات بكامل وعيه، أم فقد التمييز بين الحرية والديكتاتورية، بين إرادة الشعب واستمرار عبوديته لعائلة لا رصيد  شعبي أو وطني أو ديمقراطي لها؟. وتذكروا أنّ رفعت الأسد وهو على أبواب الثمانين يريد وراثة إبن أخيه، أي تريد هذه العائلة المتوحشة فعلا الإستئثار بالسلطة من المهد إلى اللحد، وبعد كل لحد تنتقل السلطة لواحد منها إلى لحد قادم. وتمعنوا في قوله ( لديه دعم مالي ) أي أنّه يعترف أنّ لديه مليارات منهوبة من ثروة الشعب السوري.

ويمارس الكذب أيضا،

ويتخيل هذا الرفعت أن 23 مليونا من الشعب السوري قد فقدوا ذاكرتهم، فمجزرته ذات الإبادة الجماعية في حماة عام 1982 التي تمّ توثيقها بالعديد من الطرق والشهادات، يعتبرها "أسطورة" ، ولا أعرف هل ثقافته تسمح له بفهم معنى ودلالات الأسطورة؟. أي كذب هذا؟ أي افتراء هذا؟ أي استغفال لملايين السوريين والعرب ومنظمات حقوق الإنسان هذا؟. التفسير الوحيد لكل هذه الأطروحات هو أن من عاش على السرقة والقتل والفساد والإستئثار بمليارات الشعب السوري، لا يمكن أن يفكر لحظة في معنى حاجة الشعب السوري للحرية والديمقراطية والكرامة، فكل هذه المفردات تليق بعائلة ألأسد فقط وعبر الفساد والقتل والمذابح الجماعية.

لا لإستمرار هذه العائلة في حكم سوريا

سيقول لي بعض المنافقين والمطبلين للديكتاتور بشار ألأسد وعصابته: من أنت كي تطلب من هذه العائلة هذا الطلب؟. أكرر أنني مجرد مواطن عربي لا يقبل هذا القتل والفساد اليومي ضد الشعب السوري، فيكفيه 41 عاما من حكم هذه العائلة، فإذا كانت هذه العائلة تتآمر على بعضها وقتلت فعلا العشرات من ضباطها ووزرائها تحت ذريعة أنهم انتحروا ، هل يؤتمنون على الشعب السوري؟

ثلاثة شهور هزّت سوريا

ورغم أنّ مصطفي طلاس كان شريكا لحافظ الأسد ونظامه في كل ما ارتكبوه من جرائم خاصة  الخيانة  الخاصة بسقوط الجولان، إلا أنّه في كتابه ( ثلاثة شهور هزّت سوريا) يكسف كثيرا من فضائح الأخوين رفعت وحافظ، وهو هنا في مقام ( وشهد شاهد من أهلها )، ومن ضمن أقواله عن رفعت الأسد، أنّه أي رفعت كان يدغدغ أحلام المتعصبين طائفيا بأن وعدهم أنّه سيقيم الدولة العلوية في سوريا ، كما أقام اليهود الدولة العبرية في فلسطين. وأثناء خلافه ومحاولته الإنقلاب على أخيه، كان أشدّ المتحركين لنصرته مؤيدوه من العلويين في اللاذقيه، حيث إمتلأت شوارع اللاذقية بشعارات مثل: ( رفعت الأسد الشمس التي لا تغيب ).

من قتل باسل الأسد؟

الصراع على الإستئثار بالسلطة لم يكن نتيجته محاولات انقلاب رفعت على أخيه، ولا قتل العديد من ضباط الجيش والوزراء ورئيس وزراء مثل الزعبي، وكلها كما قلت تحت مسمى الإنتحار، بل طالت باسل الإبن البكر لحافظ الذي تمت تصفيته في الحادي والعشرين من يناير 1994 على طريق مطار دمشق، وإشاعة أنّه مات في حادث سيارة، مع أنّ المواطنين السوريين الذي كانوا يقطنون في المنطقة، أكّدوا أّنهم لم يشاهدو أي أثر لحادث سيارة، وطوقت المخابرات المكان ولم تسمح لأحد بالاقتراب منه، ولم يتم أي حديث أو تحقيق أو نشر أية معلومة رسمية عن حادث القتل هذا.

بشار أيام معدودة بعد هذا التحرك العربي


نعم لا بد أن يرحل هذا الطاغية بأية طريقة حتى لو كانت التدخل الدولي، فهذا الجنون لن يقود إلا للمزيد من القتل بين الشعب السوري، الذي يكفيه 41 عاما من القمع والفساد والقتل والمجازر الجماعية، وإزاء هذا العناد الأسدي لن يكون مصيره مختلفا عن مصير عميد الطغاة العرب القذافي، الذي لقيّ مصيرا يليق بمجازره وغطرسته....فلننتظر فأيام الطغاة مهما طالت قصيره، وسيلاقون حتفهم على يد الشعوب حتى لو كانوا أسودا على شعوبهم فقط، وأجبن من النعامات في الجولان، رغم أنّ مصادر موثوقة قريبة من بشار الأسد، أكّدت أنّه سيتوجه لتحرير الجولان بعد تحرير كافة المدن السورية..والعلم عند الشعب السوري الذي ما استكان للقتل ويواصل ثورته.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


129
هل باع حافظ الأسد الجولان كما هو منسوب للسادات؟
د.أحمد ابو مطر

يوجد حسب رأيي فرق كبير بين نقد أي نظام من خلال معلومات وحقائق مؤكدة موثقة، و تقديم معلومات غير مثبتة خاصة إذا كانت منسوبة لأموات لا نستطيع استنطاقهم في قبورهم للتأكيد أو النفي، وفي حالة التأكيد إبراز ما يؤكد ويوثق معلوماتهم هذه. وهذا يقودنا إلى ما أعلنه قبل أيام قليلة محمود جامع عضو أول مجلس شورى في مصر في حواره مع موقع إيلاف، ونال العديد من الصخب والانتشار والتعليقات المؤيدة والنافية.

ماذا أعلن محمود جامع على لسان السادات؟


يقدّم محمود جامع نفسه بأنّه كان صديقا مقرّبا من الرئيس أنور السادات ( توفي في أكتوبر عام 1981 في حادث المنصّة الشهير في مصر)، وأنّه قد زار سوريا مع السادات في عام 1969 ( كان السادات نائبا للرئيس جمال عبد الناصر )، وكان من ضمن الوفد المصري الزائر لسوريا آنذاك حسن صبري الخولي الممثل الشخصي لعبد الناصر وياسر عرفات رئيس حركة فتح، وكان رئيس الجمهورية السورية هو نور الدين ألأتاسي وحافظ الأسد وزيرا للدفاع. يقول محمود جامع: ( في صباح أحد الأيام اصطحبني السادات معه على انفراد ودون حراسة حيث كانت مخصصة لنا سيارة، وتوجهنا إلى هضبة الجولان بناء على رغبة السادات، وأقسّم بالله العظيم أنه وضع يده على كتفي ونحن واقفان على هضبة الجولان، وقال لي بالحرف الواحد: أنظر يا محمود هذه هي الجولان، وهل يمكن لأية قوة أن تستولي عليها بهذه السهولة حتى لو كانت إسرائيل؟....قال لي سأخصك بسرّ خطير، وهو أنّ هذه الهضبة دفعت فيها إسرائيل مبلغ 100 مليون دولار آنذاك بشيك تسلمه كل من حافظ ورفعت الأسد، وأودع في حساباتهما في أحد بنوك سويسرا، وأنّ رقم الشيك موجود لدى عبد الناصر في خزانته ).

لقد انتشرت هذه المعلومة الأيام القليلة الماضية أسرع من انتشار النار في الهشيم خاصة في أوساط المعارضين للنظام الأسدي سواء في زمن حافظ الأسد أو في عصر وريثه بشار الأسد. ومن كثرة متابعاتي ونقدي الدائم للنظام السوري في زمن الوالد والإبن، كان المفترض أو المتوقع لدى بعض القراء أو غالبيتهم أن أتبنى موضوع البيع هذا وأروج له في سوق الإعلام العربي كحقيقة تدعم العديد من الحقائق التي أستند إليها في نقدي المستمر للنظام. إلا أنني سأخرج عن قناعة حقيقية عن هذا المتوقع من طرفي، وأورد ما ينفي من وجهة نظري مسألة بيع الجولان بمائة مليون دولار، لأنّها تنافي الحقيقة حسب تحليلاتي التالية:

هناك فرق بين الخيانة والبيع؟

من المعلومات المؤكدة في الحياة السورية آنذاك، وغير القابلة للمناقشة أو النفي، أنّ حافظ الأ سد وزير الدفاع في حرب عام  1967 هو المسؤول مباشرة عما يمكن تسميته ( فضيحة سقوط واحتلال الجولان ). وقد تأكد ذلك ميدانيا من خلال كتاب الرائد السوري خليل مصطفى ( سقوط الجولان )الذي أصدره عام 1975 ، ووضعه حافظ الأسد في السجن بسبب الفضائح والخيانات التي نشرها في ذلك الكتاب، ولم يعرف عنه أحد إن كان حيّا  أو ميتا،  سوى عام 2005 عندما أعلن سجين لبناني أنه كان في أحد السجون السورية معه، ورغم ذلك لم تؤكد أية معلومة بعد ذلك إن كان قد مات أو ما زال حيا ونحن في عام 2011.
أهم ما في الكتاب ( 327 صفحة ) بخصوص هذا الموضوع هو الفصل الثاني الخاص بطريقة سير المعارك منذ صباح الخامس من حزيران 1967 ، وأهمية معلومات الكتاب أنّ الرائد خليل مصطفى، كان هو ضابط المخابرات السورية في الجولان آنذاك، مما يعني إطلاعه الدقيق على كافة الملفات السرّية والعلنية في تلك المنطقة بحكم عمله.

هروب خياني للمحافظة على النظام وليس بيعا بدولارات

يسرد الفصل الثاني من الكتاب الكثير من المعلومات والتفاصيل عمّا جرى منذ صبيحة الخامس من حزيران 1967 ، ولاحظوا أنني استعملت كلمات ( عمّا جرى..) وليس كلمات (سير المعارك)، لأنّ خلاصة هذه المعلومات التفصيلية الموثقة بالأسماء والأماكن والساعات في الكتاب المذكور، توثق بطريقة لا تقبل الشكّ أنّه لم تجري أية معارك أو مواجهات حقيقية مع القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان. رغم أنّ المعروف أن نظام حافظ الأسد هو الذي ورّط نظام عبد الناصر بشكل مفاجىء في  هزيمة يونيو 1967 ، عندما أبلغ واشتكى لعبد الناصر أنّ هناك حشودا إسرائيلية على الحدود السورية في هضبة الجولان، ولا بد من تنسيق الجهود السورية المصرية لمواجهة تلك الحشود التي من المؤكد أنّها لغرض شنّ هجوم على سوريا. الرائد خليل مصطفى الذي عاش تلك الأيام المسخرة يوثقها بدقة يوما بيوم ساعة بساعة، ليخلص القارىء إلى نتيجة واحدة مفادها: ( أنّه لم تكن هناك نيّة لدى النظام السوري لخوض أية معارك في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وكلّ ما تمّ كان عبارة عن مسرحية ذات سيناريو ضعيف مكشوف، والدليل أنّه فعلا لم تجري أية مواجهات حقيقية بين الجيشين ، ويسمّي الرائد خليل مصطفى كل سيناريوهات وزير الدفاع حافظالأسد ب ( خطة الهجوم الكاذبة )، إلى حدّ أن أوامره المرتبكة من الهجوم إلى الدفاع إلى الإنسحاب جعلت كافة المواقع والوحدات السورية هدفا ( للطيران الإسرائيلي فأخذ يتسلى بضرب هذه القوات بالرشاشات والقنابل وصواريخ النابالم، وكانت كارثة حطمت الهجوم، وأفرغت المواقع الدفاعية من حماتها، وتركت الأرض عراءا أمام العدو، تغطيها الجثث وهياكل الآليات وحطام الأسلحة بدلا من أن تغطيها النيران لتدفع عنها شرّه، وترده خائبا يجرّ الخزي والانكسار ) ص 99 .

أوامر الإنسحاب قبل احتلال الجولان الفعلي

يؤكد الرائد خليل مصطفى أنّه  ( منذ مساء الخميس الثامن من حزيران ، بدأت الإشاعات تسري سريان النار بالهشيم عن أوامر قد صدرت من وزير الدفاع حافظ الأسد للجيش السوري بالانسحاب من الجولان كيفيا ). ص 100 ، أي بمعنى أنّ كل قائد وحدة أو كتيبة ينسحب بالطريقة التي تحلو له .

وهذه أهم الفضائح العسكرية لضباط البعث الأسدي

1 . (قائد الجيش اللواء أحمد سويداني، إنهزم عن طريق (نوى) إلى دمشق تاركا وحدات الجبهة ووحدات احتياط الجيش دون قيادة، واقعة في حيرة من أمرها وقادتها لا يعرفون ماذا يفعلون )، ص 100 .
2 .(  قائد الجبهة العقيد أركان حرب أحمد المير، غادر الجبهة فارا على ظهر حمار لأنّه لم يجرؤ على الفرار بواسطة آلية عسكرية، فالطيران الإسرائيلي كان يقضي على كل آلية يراها مهما صغر شأنها. ولكن الحمار عجز عن متابعة رحلة الهروب، فتخلى عنه العقيد أحمد المير، وأكمل الرحلة إلى دمشق على قدميه فلم يصلها إلا وقد تورمت قدماه وخارت قواه، وألقى بنفسه بين يدي أول صاحب مروءة لينقذه من حاله التي هو عليها، وكان في حالة الزراية يثير الضحك حقا )، ص 101 .
3 . اتصل عدد من الضباط بقائد الجبهة قبل فراره فرفض التصرف، وقال لهم بالحرف الواحد: ( أنا لست قائد جبهة اتصلوا بوزير الدفاع )، فأقيم الاتصال مع وزير الدفاع (حافظ الأسد ) فأجاب: ( إنّه قد أخذ علما بالوضع وأنّه قد اتخذ الإجراءات اللازمة )، ص 101 .
4 . ( ولقد كان أول القادة الفارين وأول من تبعهم وحدات الدبابات وخاصة اللواء السبعين بقيادة العقيد عزت جديد ، والكتائب التي يقودها كل من المقدم رئيف علوان والنقيب رفعت الأسد، التي تركت ساحة القتال، وعادت إلى دمشق لتحمي الثورة )، ص 106 .

النتيجة كما عاشها الرائد خليل مصطفى

( عند فقدان كل الاتصالات وانفراط عقد السيطرة القيادية الذي كان ينظّم الوحدات كلها، أخذ كل من القادة الصغار يتصرف حسب هواه أو حسب بداهته. فالكثيرون هربوا..نعم هربوا.
وأعطوا الأوامر لجنودهم بالهروب. والقلائل جدا وهم من غير البعثيين صمدوا وقاتلوا وأظهروا بطولات فردية...المهم أن الهرب من القتال وتولية الدبر للعدو، قد بدأ منذ مساء الخميس الثامن من حزيران،  وبدأ يستشري ويتسع ويمتد حتى بلغ ذروة تفاقمه يوم السبت العاشر من حزيران، بعد إذاعة البيان الفاجر ( يقصد بيان وزير الدفاع حافظ الأسد حول سقوط القنيطرة ) الذي أعلن سقوط القنيطرة، ولم يكن جند العدو قد رأوها بأعينهم بعد بل لم تكن أقدامهم وطئت أرضها )، ص 102 .

عن هذا البيان الفاجر يقول،
الرائد  خليل مصطفى: ( ثم صدر البلاغ الفاجر من إذاعة حزب البعث في دمشق، يوم السبت العاشر من حزيران، الساعة التاسعة والنصف صباحا، يعلن سقوط القنيطرة بيد قوات العدو، ويحمل توقيع وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد، ويحمل الرقم 66 . وكان هذا البيان هو طلقة الخلاص سدّدتها يد مجرم إلى رأس كل مقاومة استمرت في وجه العدو رغم كل تلك المخازي، فانهارت القوى واستسلمت المقاومات الفردية المعزولة، أو استشهد رجالنا، وعلم الجميع أنّ لا أمل في متابعة القتال، لأنّ القيادة البعثية قد أنهت كل شيء، وسلمت للعدو الإسرائيلي مفاتيح أحصن وأمنع قطعة من أرض العرب، بل وتكاد تكون من أكثرها غنى ووفرة بالكنوز الدفينة من آثار ومعادن وخصب تراب ووفرة مياه )، ص 106 – 107 . وهذا يفسّر أسباب ضم دولة الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان لما تدّعيه أنها من ضمن أرضها الموعودة، وفرضت الجنسية الإسرائيلية على سكانها العرب، وترفض أي تفاوض على الانسحاب منها.

و وزير الصحة السوري يؤكد هذه الخيانة البعثية

ويؤكد هذه المعلومة الخيانية ما أورده الكتاب على لسان وزير الصحة السوري آنذاك عبد الرحمن الأكتع الذي كان في جولة ميدانية جنوب القنيطرة يوم العاشر من حزيران عندما أعلن وزير الدفاع سقوط القنيطرة، يقول الأكتع: " سمعت نبأ سقوط القنيطرة يذاع من الراديو، وعرفت أنّه غير صحيح لأننا جنوب القنيطرة ولم نر جيش العدو، فاتصلت هاتفيا بحافظ الأسد وزير الدفاع وقلت له:  المعلومات التي وصلتكم غير دقيقة، نحن جنوب القنيطرة ولم نر جيش العدو، فشتمني بأقذع الألفاظ ومما قاله لي: لا تتدخل في عمل غيرك يا (......)، فعرفت أنّ في الأمر شيئا!!!. وهكذا فقد أعلن حافظ الأسد وزير الدفاع سقوط القنيطرة قبل سقوطها فعلا، ولم تدخلها قوات الجيش الإسرائيلي إلا بعد هذا البيان المخزي بسبعة عشر ساعة، بعد أن تأكدت انسحاب وفرار كافة القوات البعثية،  وأنّها لن تواجه أية مقاومة من أي نوع.

إذن فالنتيجة واحدة سواء البيع أو الخيانة

هذا الكتاب الذي ما زال مؤلفه الرائد خليل مصطفى في السجن ولا يعرف أحد هل هو حي أم ميت، يخلص إلى نتيجة واحدة لا تختلف عن التصريح المنسوب للرئيس السادات، فإذا كانت الصفقة هي بيع بمائة مليون دولار، أو هذه الخيانة والتخاذل الذي قام به وزير الدفاع حافظ ألأسد، فالنتيجة واحدة هي ضياع واحتلال الجولان منذ عام 1967، ومنذ عام 1973 لم يطلق الأسد الأب والوريثالإبن أية رصاصة على الاحتلال من الأراضي السورية، ورغم ذلك فهو نظام مقاومة وممانعة، فهنيئا للإحتلال بهكذا مقاومة وممانعة لم تنظّم أو تدعو حتى لمظاهرات سلمية في الجولان المحتل. ولا يمكن نسيان ما ردّده إعلام حافظ الأسد آنذاك حرفيا: ( إن العدو الإسرائيلي رغم احتلاله لهضبة الجولان بالكامل، إلا أنّه لم يحقق هدفه الذي هو إسقاط النظام البعثي القومي العربي ). وهكذا فهذا النظام القومي البعثي العروبي الاشتراكي قائم منذ عام 1963 ليتوّج بطولاته منذ الخامس عشر من مارس 2011  بقتل ما لايقل عن أربعة ألاف متظاهر سوري ضده، وعشرات ألاف المعتقلين والمختفين. ورغم أنف كل الخونة والمندسين وعملاء الناتو، فالنظام البعثي الأسدي العروبي الاشتراكي القومي باق، والحيلة الوحيدة هي (  اللف والدوران وإضاعة الوقت ) إلى أن ينتصر الشعب السوري.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net

ملاحظة مهمة
من يشكّك من السادة القراء في هذه المعلومات، فما عليه سوى أن يطلب من الرئيس  بشار الأسد مقابلة الرائد مصطفى خليل إن كان ما يزال حيّا ويناقشه شخصيا، فهو المسؤول عن هذه المعلومات الخطيرة التي نتيجتها لا تختلف عن نتيجة المعلومة المسندة للرئيس السادات.



130
العرب بين وطنيين وعملاء للناتو
د.أحمد أبو مطر

لقد انقسم العرب كشعوب، و خاصة ما يمكن تسميته طلائعهم الثقافية والسياسية والحزبية في موقفهم من ثورتي الشعبين الليبي والسوري تحديدا، إلى فريقين حسب التوصيفات التي سادت في الشهور العشرة الماضية: وطنيون ثوريون و خونة عملاء للناتو. و حسب تكوينة البشر النفسية كل فريق يعتبر موقفه هو الصحيح وموقف الآخر هو الخطأ. وإذا كان كل من يخالفك في الرأي هو عميل وخائن، فهذا يعني كنتيجة أنّ الفريقين خونة وعملاء من وجهة نظر كل فريق نحو الآخر. و حسب متابعاتي فلم أجد طريقة الاتهامات بالعمالة والتخوين والتجسس سائدة إلا لدي الكتاب والمثقفين والسياسيين العرب، وسأضرب مثالين فقط من الثقافات الأخرى:

1 . في الحياة الثقافية الأمريكية العامة، ما يكتب ضد الإدارات الأمريكية الحاكمة خاصة إدارتي بوش الأب والإبن، لو اجتمع كافة القوميين العرب لما كتبوا ربع ما سطّره الكتاب الأمريكيون ضد هاتين الإدارتين، ويكفي أن نذكر ما كتبه وأخرجه من أفلام الأمريكي المشهور ( مايكل مور ) الحائز على جائزة الأوسكار، خاصة فيلميه ( أنا و روجر ) و ( فرنهايت 11 – 9 ). ورغم ذلك لم يتهمه أحد في الإعلام الأمريكي بأنه عميل للقاعدة مثلا، بل ناقشه البعض وردّوا على أفكاره، ودار نقاش واسع بينهم دون أن يوجه واحد منهم للآخر تهمة العمالة أو الخيانة. أو الكاتب الأمريكي ( ويليام بلوم ) في كتابه   (الدولة المارقة ) الذي لا يجرؤ كاتب عربي أو مسلم أن يكتب واحد بالمائة من جرأته وشجاعته في نقد السياسات الأمريكية الخارجية، ورغم ذلك لم يتهمه أحد من الأمريكيين بالعمالة وخيانة وطنه ولم تعتقله أجهزة الأمن أو تحقق معه.

2 . في الثقافة والحياة العامة النرويجية من الموضوعات المهمة ذات الاهتمام والانقسام الشعبي حولها، هو انضمام المملكة النرويجية للإتحاد ألأوربي، فالشعب ومثقفوه وسياسيوه منقسمون بين مؤيد للإنضمام ورافض له. والمدهش أنّ بعض المظاهرات المشتركة للفريقين تجري في نفس اللحظة والمكان، فريق يرفع يافطات عليها ( لا  للإنضمام للإتحاد الأوربي ) و الآخر ( نعم للإنضمام للإتحاد الأوربي )، وينتهي وقت المظاهرة الذي حدّده البوليس لهم، فينفضّوا بهدوء متوجهين للمقاهي والبارات من الفريقين يشربون القهوة والبيرة، رافعين الكؤوس لبعض مع ضحكة وكلمة ( إسكول ) التي تقابل في نفس الموقف العربي كلمة ( في صحتك ). تصوروا ماذا سيحدث في مظاهرة عربية لفريقين متناقضين حول موضوع واحد؟.

الخلاف حول الموقف من النظام السوري مثالا

أتمنى لو يحتكم الجميع معارضو نظام الرئيس بشار الأسد ومناصروه ضمن المنطق الموضوعي السابق، للإجابة على أسئلة مهمة من منطلق الاحتكام للضمير الإنساني والوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري منذ الخامس عشر من مارس الماضي بعيدا عن تهم العمالة والخيانة والتجسس والمؤامرة الكونية. هل من المعقول والأخلاقي السكوت على هذا القتل اليومي الذي يوقع يوميا ما لا يقل عن عشرين قتيلا؟. ما هو ذنب المطرب إبراهيم القاشوش كي تقطع حنجرته ويقتل وترمى جثته في نهر العاصي؟. ما هو ذنب الفنان العالمي علي فرزات كي تكسر أصابعه ومحاولة قتله؟. وماذا فعل الشاب غياث مطر كي يقتل؟. و قبل اندلاع الثورة السورية ماذا فعلت الشابة طل الملوحي كي تعتقل وتختفي آثارها حتى اليوم؟. وماذا فعل الصحفي الفلسطيني مهيب النواتي الذي وصل إلى دمشق في التاسع والعشرين من ديسمبر 2010 ويختفي حتى اليوم ؟ وبالطبع نفس السؤال عن مئات المعتقلين خاصة اللبنانيين والفلسطينين والأردنيين منذ ما يزيد على ثلاثين عاما؟.هل من المعقول والمنطقي أنّ كل مئات ألاف السوريين الذين يتظاهرون يوميا في غالبية المدن السورية خونة وعملاء؟. هل قصف المدن والمساجد بالمدافع والدبابات له ما يبرره، والكل سوريون وعرب لم يسمعوا قذيفة واحدة منذ عام 1973 اتجاه الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل منذ عام 1967 أو مزارع شبعا التي يختلف على ملكيتها هل هي سورية أم لبنانية؟.

ولماذا التشبث بالسلطة يا بشار؟

إنّ أي رئيس أو حاكم يخرج شعبه بمئات ألالاف منذ ثمانية شهور يهتفون يوميا برحيله وسقوط نظامه، من الحكمة والحرص على أمن واستقرار البلد أن يلبي رغبة الشعب ويترك الحكم طواعية، بينما الرئيس بشار الأسد بدلا من الاستجابة لمطالب الشعب، يواجههم بالمدافع والدبابات والقصف والسجون والاعتقالات. لماذا وهو من عاش في بريطانيا ويدّعي أنّه حريص على الديمقراطية؟ ألا يكفي الحريص على الديمقراطية حكم إحدى عشر سنّة ؟ طبعا دون أن نذكّره أنها نتيجة تزوير وتوريث لا تعترف به أية ديمقراطية في العالم منذ العصر الحجري وحتى اليوم، وفقط ديمقراطية المقبور بلا رحمة عميد الطغاة العرب اللامعمر القذافي الذي فهمها ( ديمو كراسي ) اي ديمومة بقائه في الكرسي، ورغم ذلك لقيّ المصير الذي يليق به في مصارف المجاري. لماذا يتشبث الرئيس بشار الأسد بالكرسي الذي تمت سرقته من الشعب السوري؟. هل يستطيع بموضوعية أي مؤيد للرئيس أن يقنعنا بأسباب وحيثيات التوريث والبقاء 11 عاما في السلطة بعد 30 عاما لوالده؟. هل خلت سوريا بشعبها ذي الثلاثة وعشرين مليونا من أية كفاءة سوى هذين الأسدين حافظ وبشار؟. ولنتذكر أن الرئيس حافظ الأسد بقي في الكرسي والسلطة 30 عاما ولم يتركها إلا بقرار ملك الموت عزرائيل في عام 2000 ، فإذا كان الرئيس بشار سيبقى في الكرسي منتظرا ذلك القرار ، وكون الأعمار بيد الله، فمن الممكن أن يبقى رئيسا مفروضا على الشعب السوري حتى العام 2050 وبذلك يكون هو ووالده قد حكموا سوريا وطنا وشعبا وثروة مدة ليست طويلة فهي فقط قرابة ثمانين عاما. أنا حسب معايشتي الميدانية للوضع السوري في زمن الرئيس حافظ الأسد، لا يمكنني تفسير تشبث الرئيس بشار بالكرسي والحكم رغم ثورة الشعب السوري ضده منذ أكثر من ثمانية شهور إلا بالتفسيرات التالية:

1 . لقد اغتصب والده السلطة بطريقة غير ديمقراطية ولا شرعية عبر انقلاب عسكري عام 1970 ، وبدون هذه الطريقة ما كان ممكنا وصوله للرئاسة. وهذا ما كان في حالة بشار الإبن الذي تمّ تغيير الدستور على مقاسه ليرث والده في سابقة لم تحدث في أي نظام رئاسي قبل ذلك. والمثير للبكاء هو كيف يقبل بهذا التزوير وهو من عاش ودرس في بريطانيا وعرف التطبيقات البريطانية للديمقراطية بدءا من ملكة بريطانيا إلى رئيس وزرائها.

2 . طوال السنوات العشر لتوريثه ومن قبله  استيلاء والده على السلطة لمدة ثلاثين عاما، تمكّنا طوال الأربعين عاما الماضية من تحويل سوريا البلاد والعباد إلى مزرعة خاصة مملوكة لهما ولعائلة أخواله  (آل مخلوف )، وليته يتجرأ ويقول لنا وللشعب السوري، من أين هذه الثروة له ولعائلته منذ زمن والده ؟. لو وفّر والده كافة مرتباته الرسمية كضابط في الجيش وهو من بعد والده، هل ترقى هذه المرتبات الرسمية لأكثر من عشرة ملايين ليرة سورية أي حوالي مائتي ألف دولار فقط، فمن أين هذه المليارات له ولعائلة أخواله آل مخلوف الذين يسيطرون على غالبية الاقتصاد والثروة السورية؟. لذلك فالرحيل وسقوط نظامه لن ينتج عنه سوى المحاكمة وإعادة هذه المليارات لميزانية الشعب السوري، وبالتالي فالجواب هو الاستمرار في القتل والموت والقصف كي لا يصل لهذه النتيجة التي وصل لها قبله بعض الطغاة العرب، وله في زين الهاربين بن علي  وحسني اللامبارك واللامعمر القذافي العبرة والدرس، لذلك فشعاره هو وعائلته ونظامه ( أنا أو الموت للشعب السوري ). وبالطبع نفس الأسئلة والخلاف  بين العرب تمّ حول عميد الطغاة العرب معمر القذافي.

لذلك فالتحية والشكر للكتاب المصريين الأحرار

الذين أصدروا في التاسع والعشرين من أكتوبر 2011 بيانا جريئا دعوا فيه إلى تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية، وكذلك تجميد عضوية اتحاد كتاب سوريا في اتحاد الكتاب العرب، بسبب الموقف المخزي لاتحاد كتاب سوريا من ثورة شعبه السوري وتأييده العلني الفاضح للقتل والقمع والقصف الذي يقوم به النظام السوري، وهذا ما لا يليق بالكتاب الذين يفترض أنهم ضمير شعبهم وليس بوق نظامهم. كما قام كتاب مصر الوطنيين الأحرار بوقفة تضامنية مع الشعب السوري يوم الثاني من نوفمبر تحت شعار ( يوم التضامن مع الثورة السورية )، هذا بالإضافة لفعاليات أخرى عديدة يشارك فيها مثقفون وشعراء سوريون. فهل كل هؤلاء الكتاب المصريين عملاء للناتو أو جزء من المؤامرة الكونية التي اكتشفتها مشكورة السيدة كوليت خوري؟.
فإذا كان الكتاب والسياسيون والمثقفون العرب منقسمين في مواقفهم من الطغاة والمستبدين الديكتاتوريين السارقين لشعوبهم وأوطانهم، فعلى ماذ ا سيتفقون؟. ألا يفسّر هذا الانقسام من يسهم في صناعة الاستبداد والديكتاتورية في الأقطار العربية؟. وفي انتظار النقاش والرد والتحليل لما سبق بموضوعية وحقائق تنفي ما ورد أو تؤيده، بعيدا عن تهم الخيانة والجاسوسية، فلا أعتقد أنّ ميزانية الناتو قادرة على تغطية نفقات ورواتب ومكافآت ملايين العرب الذين هم عملاء من وجهة نظر ملايين آخرين مختلفين معهم.
ومن باب التوثيق للتاريخ أورد:
الأول: تمّ اعتقاله في حفرة قيل أنّها قذرة، يوم الثالث عشر من ديسمبر 2003 ، واستمرت محاكمته ثلاثة سنوات، وتمّ إعدامه شنقا يوم الثلاثين من ديسمبر 2006 صبيحة عيد الأضحى .
الثاني: تنازل عن الحكم قسرا، وهرب خارج بلاده مع زوجته يوم الرابع عشر من يناير 2011 .
الثالث: تنازل عن الحكم قسرا يوم الحادي عشر من فبراير 2011 وسلّم الحكم للمجلس العسكري، وما تزال محاكمته مع ولديه جارية.
الرابع: جرت محاولة قتله بقصف قصره يوم الجمعة الرابع من يونيو 2011 ، نتج عنه تشويه وجهه فغادر إلى المملكة السعودية للعلاج يوم السبت الخامس من حزيران 2011 ، وعاد إلى وطنه يوم الجمعة الثالث والعشرين من سبتمبر 2011 ينتظر مصيره الذي سيقرره الشعب الثائر ضده.
الخامس: تمّ العثور عليه هاربا مختفيا في أنبوب تصريف للمجاري بعد أن اغتصب السلطة في بلاده 42 عاما فقط، وتمّ إعدامه يوم الخميس العشرين من أكتوبر 2011 .
السادس:..............................................
السابع:...............................................
وللتذكير أيضا:
الرقم الأول ليس هو أول من يعدم صبيحة عيد الأضحى، فقد نال هذا الشرف قبله الجعد بن درهم الذي أعدمه والي العراق خالد بن عبد الله القسري بسيفه على منبر الجامع عام 124 هجري. وأعدم الفرنسيون بعد ثورتهم المشهورة ملكهم لويس السادس عشر وزوجته الامبراطورة إنطوانيت عام 1793 ، وأعدم الرومانيون ديكتاتورهم تشاوشيسكو وزوجته إيلينا رميا بالرصاص بعد محاكمة دامت لمدة ساعتين فقط ، يوم الخامس والعشرين من ديسمبر 1989 ، وهو يوم عيد الميلاد ( الكريسماس ) عند المسيحيين، وله نفس أهمية يوم عيد الأضحى عند المسلمين. فالتاريخ يعيد نفسه مرة على شكل ثورة وأخرى على شكل إعدام طاغية.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




131
تحذيرات الأسد مجرد أوهام لاستمرار اغتصاب السلطة
د.أحمد أبو مطر

أجرى الرئيس بشار الأسد لقاءا صحفيا مع صحيفة " صنداي تلغراف" البريطانية ذائعة الصيت، وهو أول لقاء إعلامي له مع وسيلة إعلامية غربية منذ اندلاع ثورة الشعب السوري ضده و نظامه في الخامس عشر من مارس الماضي أي قبل حوالي ثمانية شهور، والثورة ما زالت مستمرة شاملة غالبية القرى والمدن السورية، يشارك فيها مئات ألالاف من الشعب السوري، الذي سقط منه خلال هذه الشهور الثمانية ما يزيد على أربعة ألاف قتيل حسب المصادر المحلية والدولية المحايدة، بالإضافة إلى عشرات ألالاف من المعتقلين والمخطوفين والمفقودين. هذا اللقاء الصحفي بعد قراءته بتمعن وحيادية، لا يمكن فهمه واعتباره إلا أنّه مجرد أوهام ترقى لحد الأكاذيب المختلقة، لا هدف له منها إلا رسالة مباشرة للدول الغربية للسكوت على القتل الذي يمارسه ونظامه وبقائه في السلطة، وهي الرسالة الثانية بعد رسالة ابن خاله رامي مخلوف لدولة الاحتلال الإسرائيلي مذكرا لها أنّ أمنها واستقرارها جزء من أمن واستقرار النظام في سوريا. ما هي أهم هذه الأوهام والتخريفات التي تضمنها لقاؤه مع الصحيفة البريطانية:

أولا: وهم أفغانستان جديدة في المنطقة
هذا الوهم الذي أطلقه الأسد مجرد فزّاعة يخيف بها الدول الأوربية والأمريكية التي تزيد من ضغوطاتها وعقوباتها ضد نظامه لوقف القتل اليومي للمواطنين المدنيين الذين لا يطالبون إلا بالديمقراطية والحرية بعد اغتصابه ووالده للسلطة منذ 41 عاما، أي نقصان عام واحد عن طاغية ليبيا المقبور اللامعمر القذافي. أين هي مقومات وبواعث الأفغنة في المنطقة التي يتوهمها ويهدّد بها الأسد؟. في أفغانستان قبائل وجماعات وطوائف تتقاتل على السلطة خاصة بقايا طالبان الرجعية الظلامية التي عبّر الشعب الأفغاني عن فرحه علانية بسقوطها وزوال نظامها. أمّا في المنطقة العربية ومنها سوريا وطنا وشعبا، فلا توجد أية ملامح أو حوافز لحرب مذهبية طائفية، خاصة أنّ سوريا تحديدا تعيش رغم قمع البعث واستبداده تآلفا شعبيا وطنيا خلفيته حضارية أولا، ولأن ظلم البعث منذ خمسين عاما لم يستثن أية طائفة بما فيها العلوية أو قومية خاصة الكردية في الوطن السوري. بالعكس فإن نظام الأسد هو من يرّوج في أوساط العلويين والمسيحيين لهذه الحرب الطائفية من باب التخويف كي يظلوا ساكتين وغير مشاركين في هذه الثورة الشعبية ضده. إنّ من يعرف مكونات نسيج المجتمع السوري من الداخل، ورقي تفاعلها وتضامنها الكامل إزاء الاحتلال الفرنسي يعرف أنّ هذا الشعب لن ينجرّ مطلقا لأوهام العبث الطائفي بعد سقوط النظام، حتى إن بقيت غالبية العلويين والمسيحيين ساكتة لا تشارك في هذا الحراك الثوري. ويكفي العديد من الأصوات العلوية الشريفة التي جاهرت بعدائها لهذا النظام الذي لا يمكن مطلقا اعتباره ممثلا للطائفة العلوية، فهي طائفة وطنية لا يمكن تحميلها خطايا هذا النظام لمجرد أنّه وضع الثروة والجيش والأمن والاستخبارات في يد أصدقائه ومواليه وأخواله من هذه الطائفة. أنا عشت في سوريا عشرة سنوات متتالية، وغالبية أصدقائي من صحفيين وكتاب وسياسيين كانوا من العلويين الذين كانوا يسمعونني نقدا لنظام الأسد لا يجرؤ عليه أي شخص من أي طائفة أخرى. لذلك فالتخويف من " الأفغنة " في سوريا والمنطقة العربية مجرد وهم أسدي لن ينطلي على الدول الأوربية والأمريكية التي تفهم طبيعة المنطقة أكثر منه مرات عديدة، فهو قد عاد لسوريا من بريطانيا ليمسك بالسلطة التي ورّثها له والده بتزوير مخزي لا يقبله أي مواطن حر شريف، وإلا لبقي في بريطانيا مثل العديد من المغتربين السوريين و العرب.

ثانيا:مبالغة أنّ سوريا محور المنطقة العربية
والرد على هذه المبالغة ليس تقليلا من أهمية الدولة والوطن والشعب السوري العريق في حضارته وثقافته عبر كافة مراحل التاريخ العربي والإسلامي، ولكن النفخ في هذه المبالغة من قبل نظام استبدادي متسلط ليس هدفها إعطاء الشعب والوطن السوري دوره في الأهمية والمركزية التي لا ننكرها كعرب، ولكنّه يقصد منها مبالغة لتخويف الدول الغربية من مواصلة الضغوط ضد نظامه، فهو يقول في لقائه الصحفي حرفيا: ( سوريا هي محور المنطقة العربية الآن وهي خط أحمر والعبث معها سيؤدي لزلزال حقيقي في المنطقة برمتها ). والسؤال هو: كيف يقبل الأسد الظلم والفساد والاستبداد منذ أربعين عاما من حكم والده وحكمه لهذا الشعب والبلد المحوري في المنطقة. إنّ العبث مع الشعب والبلد السوري هو من قبل البعث الفاسد وليس من الخارج.
 إنّ نفس المحورية كان يروجها نظام حسني مبارك عن دور مصر العربي، وبالفعل فهو دور مهم لكنه ليس مرتبطا بوجود نظام استبدادي فاسد، بدليل سقوط نظام حسني مبارك وبقاء مصر كما هي في دورها العربي واحتضانها للجامعة العربية رغم أنّها جامعة مجرد ديكور أيا كانت العاصمة العربية التي توجد فيها. أمّا بالنسبة لتقسيم سوريا الذي يلّوح ويحذّر منه الأسد، فنحن أيضا نحذّر منه ولا أعتقد أنّه وارد في ذهن أي سوري عربي أو كردي، لأنّ القومية الكردية في سوريا لا تريد إلا الحرية والديمقراطية والمساواة بعد قوانين البعث الفاسد طوال ما يزيد على خمسين عاما حيث صادر غالبية الحقوق الإنسانية للقومية الكردية في سوريا، خاصة التهجير القسري والتعريب الإجباري لبعض المناطق الكردية، وعدم السماح باستعمال لغتهم القومية الكردية وهو ما لم تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد فلسطينيي عام 1948 . وكانت هذه ألأعمال العنصرية البعثية ضد المواطنين السوريين من القومية الكردية ذات طابع رسمي منذ عام 1963 بناءا على تعليمات البعثي محمد طلب هلال رئيس الشعبة الأمنية السياسية في محافظة الحسكة، في كتابه المشهور الذي كان يوزع رسميا على القواعد البعثية في عموم سوريا.

ثالثا: من هم أعداء نظام الأسد حسب اعترافاته شخصيا؟
ومن ضمن تخويفاته للدول الأوربية والأمريكية، يحدّد علانية كرسالة للدول ألأوربية والأمريكية أنّ الصراع في سوريا ( هو صراع بين الإسلاميين والقوميين العلمانيين...ونحن نقاوم الإخوان المسلمين منذ الخمسينات وما زلنا ). وهذا صحيح فالاحتلال الإسرائيلي للجولان ليس من ضمن أولويات الصراع في نظام الأسدين ألأب والإبن، بدليل أنّه لم يطلق رصاصة من الجولان المحتل منذ عام 1973 ، ويمنع المنظمات الفلسطينية منذ عام 1967 بالقيام بأية عملية ضد الاحتلال عبر الحدود السورية. وخير دليل على أنّ عدو البعث الفاسد الاستبدادي الديكتاتوري هم الإخوان المسلمون، مذبحة حماة عام 1982 التي قتل فيها رفعت الأسد وسرايا دفاعه ما لا يقل عن 35 ألفا من المواطنين السوريين، وهل كانت هذه الألاف كلها إخوان مسلمون؟.

رابعا: أكذوبة الإصلاحات الأسدية
يعترف الأسد في لقائه الصحفي هذا ضمنا بأنّه غير صادق في الإصلاحات الديكورية التي يعلن عنها عبر خطابات ضبابية ولجان كلها من مؤيديه البعثيين المشاركين في القمع والفساد، فهو يقول: " نحن لم نتخذ طريق العناد مثل بقية الحكومات، بل إنّنا وبعد ستة أيام من بدء الأزمة أعلنا عن عدة إصلاحات. وكثير من الناس شكّكوا بأنّ هذه الإصلاحات هي عبارة عن حقنة مهدئة أو مخدّرة، ولكنهم بدأوا في دعم النظام منذ أن بدأنا في تنفيذ الإصلاحات، وهو ما أدّى إلى انخفاض نسبة المظاهرات". هذه الفقرة تحمل تعبيرا عن باطن الأسد كنظام، فهو عندما ينسب ( أنّ هذه الإصلاحات عبارة عن حقنة مهدئة أو مخدرة ) لكثير من الناس، فهي تعبير حقيقي عما يقصده هو ونظامه من هذه الإصلاحات التي ما زالت لا تساوي الحبر والورق الذي كتبت به وعليه. كذلك تحمل هذه العبارة كذبة كبيرة يعيشها الشعب السوري قبل المراقبين في الخارج، وهي تزايد نسبة المظاهرات وليس تراجعها، فالمظاهرات التي انطلقت من مدينة درعا يوم الخامس عشر من مارس الماضي تعمّ اليوم غالبية المدن السورية، وإذا تراجعت المظاهرات أيها ألأسد فلماذا وما سبب القتل لما لا يقل عن ثلاثين مواطنا سوريا يوميا؟ وما معنى هذه المظاهرات في أكثر من عاصمة أوربية وعربية وخاصة في القاهرة أمام سفارة نظامك ومقر الجامعة العربية، وآخرها يوم الأحد الثلاثين من أكتوبر مطالبة بقطع العلاقات العربية مع نظامك وسحب الاعتراف بشرعيته. أمّا إدعاؤه بانّه لم يتخذ طريق العناد مثل بقية الحكومات، فهذه كذبة مكشوفة، ونذكره فقط بالديكتاتور التونسي زين الهاربين بن علي، الذي ترك السلطة وهرب خارج تونس بعد أيام قليلة من ثورة الشعب التونسي ضده، وكذلك فعل ديكتاتور مصر حسني مبارك الذي ترك السلطة وبدأت محاكمته وولديه ورموز نظامه. إذن فأنت يا بشار ومعك علي عبد الله صالح من تمارسان العناد ضد ثورة الشعبين السوري واليمني.

نعم..نظام فقد شرعيته ويجب رحيله ومحاكمة رموزه
وهذه هي مطالب الثورة السورية منذ عدة أيام ( لا حوار إلا بعد سقوط ورحيل النظام ) مما يدّل على فقدان الثقة في هذا النظام خاصة بسبب القتل اليومي وبدم أكثر من بارد، وأيضا بدليل أنّ نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية التي يتهمها العديد بتخاذلها عن نصرة الشعب السوري، قد صرّح  يوم الأحد الثلاثين من أكتوبر عن امتعاض الجامعة العربية لاستمرار عمليات القتل مطالبا بحماية المدنيين، ومعترفا بأنّ نظام الأسد لم يمارس فعلا أية إصلاحات منذ زيارات الوفود العربية لدمشق وانتهاء المهلة العربية لنظامه. وكذلك العديد من الدول الأوربية التي تطالبه بترك السلطة وإحالته مع رموز نظامه المتنفذين لمحكمة الجنايات الدولية. فهل كل هذا المناشدات السورية والعربية والأوربية والأمريكية على خطأ، ونظام الأسد ورموزه هم فقط على حق؟.

ويبقى السؤال:
 لماذا العناد والإصرار على البقاء في السلطة حتى لوكان المتظاهرون ضدك هم بالمئات وليس بمئات ألالاف كما يشهد الوطن السوري المنكوب بالبعث الأسدي منذ ما يزيد على أربعين عاما؟. هل من مجيب؟. تصوروا كم هي لحظة رائعة وتاريخية سوف تسجّل للرئيس بشار الأسد، لو خرج بخطاب للشعب السوري الثائر قائلا: نعم لمطالبكم بالحرية والديمقراطية. وأعلن التخلي عن السلطة والحكم فور القيام بانتخابات حرة ديمقراطية خلال شهر واحد، وبناءا على ذلك أطلب من الجيش وقوى الأمن العودة لمواقعها، وجماهير الشعب وقف المظاهرات والعودة لأعمالها، ولجان الانتخابات البدء بالإعداد لانتحابات حرة ديمقراطية فورا. رغم معرفتي أنّ هذا مجرد حلم!!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



132
حزب النهضة واختبار الديمقراطية في تونس الجديدة

د.أحمد أبو مطر

يسجّل للشعب التونسي أنّه هو من امتلك الشجاعة ضد نظام الديكتاتور زين العابدين بن علي ( 23 عاما في السلطة فقط )، وأطلق الشرارة الأولى لثورة الشعوب العربية الحالية ضد الطغيان والاستبداد والفساد التي أعطيت صفة ( الربيع العربي )، مع أهمية الاعتراف بدور الجيش التونسي في إطلاق هذا الربيع الذي بدأ من تونس، لأنّ رئاسة أركان الجيش التونسي لو سمعت ونفّذت أوامر الهارب زين العابدين بالتصدي للمتظاهرين وقمعهم بقوة السلاح والمدرعات كما يحصل في سوريا واليمن، لوجدنا أنّ تونس تعيش منذ يناير الماضي نفس الوضعين السوري واليمني الآن، حيث الجيش الذي ما يزال غالبيته مواليا للطاغية يتصدى للمتظاهرين المدنيين بكل أنواع السلاح والقتل، ونفس الموقف يسجّل بنسبة من النسب للجيش المصري إزاء ثورة الغضب المصرية ضد نظام حسني مبارك. وبعد شهور قليلة من الهروب الذي يليق بزين العابدين بن علي، جرت يوم الثالث والعشرين من أكتوبر 2011 أول انتخابات ديمقراطية نزيهة في تونس باعتراف كل المراقبين الدوليين والتونسيين، إذ وصفها رئيس بعثة مركز كارتر بأنها ( كانت سلمية وحرّة وشفافة ).وبذلك عبّر الشعب التونسي عن توقه لديمقراطية حقيقية من خلال هذه النسبة العالية من المشاركين في الانتخابات، إذ بلغت 78% وهي نسبة عالية جدا لا تحصل أحيانا في بعض الانتخابات الأوربية.

هل كانت النتائج صدمة للبعض؟

نعم، كان فوز حزب النهضة الإسلامي برئاسة راشد الغنوشي بحوالي 42 % ( 90 مقعدا ) من مقاعد المجلس التأسيسي (البرلمان ) صدمة لبعض القوى السياسية التونسية والعربية، خاصة أنّ حزب النهضة سيطرت عليه إعلاميا فكرة التشدد، مع عدم تجاوز أو نسيان التهميش والقمع الذي كان يتعرض له الحزب وأعضاؤه طوال أكثر من عشرين عاما زمن الديكتاتور الهارب، وراشد الغنوشي نفسه ظلّ مبعدا من وطنه سنوات طويلة، ولم يعد من منفاه البريطاني إلا يوم الثلاثين من يناير الماضي بعد أيام من هروب زين الهاربين بن علي. ومن زاوية ثانية لم تكن هذه النتيجة التي فاز بها بها حزب النهضة صدمة لغالبية المجتمع التونسي، بدليل أنّ هذه النسبة هي التي صوتت للحزب في هذه الانتخابات النزيهة الشفافة بشكل من النادر أن تشهده الأقطار العربية، خاصة إذا تذكرنا التجربة الجزائرية التي ألغيت فيها نتائج الانتخابات التشريعية في ديسمبر 1991 مخافة الإعلان عن االفوز المتحقق بالغالبية للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وإثر هذه الإجراءات التعسفية دخلت الجزائر في أتون حرب أهلية راح ضحيتها ما يزيد على 150 ألف من المواطنين والجيش وقوى الأمن، خاصة أنّ تجربة عبد العزيز بوتفليقة في الحكم لا تختلف في قمعها ومصادرتها للحريات عن تجربة زين الهاربين بن علي.

هل هناك تخوف من حكم حزب النهضة؟

فاز الحزب ب 90 مقعدا من بين 217 مقعدا عدد مقاعد المجلس التأسيسي، ورغم أنّه أكثر الأحزاب نسبة في الحصول على المقاعد، إلا أنّه لن يستطيع وحده تشكيل الحكومة الجديدة التي ترضي الغالبية العظمى من الناخبين التونسيين، في ظل أنّ ( حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ) بزعامة المنصف المرزوقي فاز ب 30 مقعدا، ويليه ( التكتل الديمقراطي ) بزعامة مصطفى بن جعفر ب 21 مقعدا. وقد بدأ حزب النهضة على الفور مشاوراته مع كافة الكتل النيابية لتشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة ورئاستها التي غالبا ستؤول للحزب، بينما رئاسة الجمهورية ربما تسند لشخصيات من الكتل البرلمانية الأخرى مثل المنصف المرزوقي أو مصطفى بن جعفر أو أحمد المستيري.
هذه التعددية في المناصب السيادية وبموافقة حزب النهضة ومشاوراته مع كافة الكتل البرلمانية، تعطي انطباعا مهدئا عن المستقبل الذي سيقود له الحزب من خلال تجربته مع القمع والتغييب الذي تعرض له، وسنوات المنفى البريطاني لرئيسه راشد الغنوشي، حيث تعرف ميدانيا لسنوات طويلة على ما تقود إليه الديمقراطية الحقيقية، وحرية المواطن في التعبير والتعددية السياسية النزيهة. ومن النتائج المشجعة على هذا التفاؤل أنّ المتخوفين من استلام الحزب للحكم والسلطة، يطرحون في أولويات تخوفهم مستقبل مساواة المرأة التونسية مع الرجل التي حققتها في ظل تشريعات الرئيس بورقيبة، وقد كان جواب حزب النهضة غير المباشر على هذه التخوفات من خلال عدد النساء في قوائمه الانتخابية، وفوز نسبة عالية منهن ضمن إل 90 مقعدا التي فاز بها الحزب. وقد أكّد أكثر من قيادي في الحزب بما فيهم راشد الغنوشي نفسه، أنّ الحزب سوف يقف ضد الاستبداد واحتكار السلطة، وسوف يحترم حقوق المرأة التونسية ومساواتها في كافة الميادين. هذا ومما يعطي ضمانات أكثر لهذه التعهدات، وجود شركاء فاعلين للنهضة في الحكومة الجديدة ممثلين في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية و التكتل الديمقراطي، كما أنّ المجلس يضم معارضة أغلبها من اليساريين والليبراليين لهم حوالي 25 % من مقاعد المجلس الوطني التأسيسي، الذي ستكون مدته لسنة واحدة يضع خلالها الدستور التونسي الجديد.

تجربة قيد الاختبار

إنّ التطمينات الصادرة عن الأحزاب الثلاثة الفائزة بغالبية مقاعد المجلس الوطني التأسيسي، تعطي الانطباع أنّنا أمام تجربة إسلامية معتدلة وسطية، خاصة أنّ هذه الأحزاب الثلاثة تضم العديد من الأعضاء المتنورين الذين لن يضحوا بالخطوات الديمقراطية التحررية التي حققتها التجربة التونسية خاصة في مجال حقوق المرأة ومساواتها بالرجل في كافة الميادين. ورغم العديد من المخاوف التي أفصحت عنها قيادات نسائية تونسية بسبب الفوز الكاسح لحزب النهضة الإسلامي، إلا أنّ التفاؤل له مبرراته خاصة أنّ الحزب وشركاؤه في الحكومة الجديدة، يدركون أنّ عمق التجربة التونسية في ميدان حقوق المرأة ليس من السهل الالتفاف عليها، كما أنّهم يفهمون بوضوح أنّ المجتمع الدولي يراقب عن كثب نتائج هذه الانتخابات في واقع الحياة التونسية، وهذا المجتمع الدولي لن يسمح ولن يتعاطى مع حكومات تعود بالشعب التونسي للوراء أو تخلق تطرفا جديدا كما فعلت حركة طالبان في أفغانستان. و كما قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إن "هناك خطوطاً حمراء لا يجب تجاوزها، وتتمثل في مبادئ حقوق الإنسان والتناوب الديمقراطي والمساواة بين المرأة و الرجل"، رابطا الدعم الاقتصادي لبعض الدول العربية ومنها تونس بمدى محافظتها على هذه المبادىء والخطوط، وهذا ما يفهمه ويعرفه حزب النهضة الإسلامي قبل غيره من الأحزاب، فتوقعي هو أنّ هذا الحزب وشركاؤه سيحاولون تقديم تجربة وصورة الحكم الإسلامي الوسطي المعتدل الذي يحترم الجميع بمساواة كاملة، تجعل لتونس حضورها الدولي الذي تستحقه، كما هي التجربة الأردوغانية في تركيا ذات الخلفية الإسلامية أيضا.

فلننتظر العام القادم،
وهو عمر المجلس التأسيسي المنتخب والدستور الذي سيضعه ويقرّه، لنرى إن كان تفاؤلي هذا في محله، أم كان خطأ فادحا، وخيّب حزب النهضة الإسلامي وشركاؤه في المجلس التأسيسي ظنّ غالبية الشعب التونسي وخاصة المرأة التونسية.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





133
مستقبل العلاقة بين حركة حماس والأردن
د.أحمد أبو مطر

التحليلات الموضوعية البعيدة عن الإثارة والتنافس التحاصصي، تؤكد أهمية الصفقة التي وقعتها حركة حماس بإشراف الحكومة المصرية وأسفرت عن تحرير 1027 أسيرا فلسطينيا، مقابل الجندي المدلل الأسير الإسرائيلي الفرنسي جلعاد شاليط، وذلك بعد تعنت إسرائيلي وصبر وصمود حمساوي دام قرابة خمس سنوات. ندرك حزن وألم العائلات التي لم تشمل الصفقة أبناءهم الأسرى والسجناء في سجون الاحتلال، وفي الوقت ذاته فرح وسرور العائلات التي تمّ إطلاق سراح أبنائها. إنّها أقصى ما تمكنت حماس من الوصول له بعد مباحثات قاسية وتعنت احتلالي لا مثيل له، ولو كان بقدرة حماس أو غيرها من المنظمات تحرير وإطلاق سراح كل الأسرى، هل كانت ستتردد؟. لذلك فلنشعر مع أحزان البعض ونعيش أفراح البعض، أمّا التشكيك في نوايا حماس وقصدها استبعاد بعض الأسرى من الصفقة فهو مجرد مزايدات لا معنى لها ولا تنسجم مع الحقيقة المعاشة. وأقولها بشجاعة وصراحة رغم نقدي الكثير لبعض ممارسات حماس بعد انقلابها العسكري وسيطرتها المنفردة على قطاع غزة في الرابع عشر من  يونيو عام 2007  ، أنّها كحركة سياسية تشكر على هذه الصفقة وتثمّن جهودها وصبرها الشجاع.

وصفقات إقليمية قادمة..فانتظروا!!!


ربما لا يكون هناك علاقة بين صفقة شاليط التي أنجزتها حركة حماس وصفقات قادمة، إلا أنّ المؤشرات توحي بصوت عال أنّ الصفقة القادمة ستكون أيضا حمساوية، لأنّ صفقة شاليط أو شلوط لا فرق، أثبتت وجود حماس فلسطينيا و عربيا و إسرائيليا كقوة لا يمكن تجاهلها. أما الصفقة أو الخطوة المتوقعة التي تكثر التحليلات والتكهنات والمعلومات عنها، فهي العودة لعلاقة قريبة من الطبيعية مع الحكومة الأردنية ، بعد قطيعة دامت منذ عام 1999 عندما أبعد الأردن أربعة من قيادة الحركة من ضمنهم خالد مشعل رئيس الحركة، واستضافتهم دولة قطر في ذلك الوقت، وأعقب ذلك قطيعة أردنية حمساوية، وفتور في العلاقات حينا وتأزم حينا آخر بين الأردن وقطر. هذا رغم أنّه يسجّل للراحل الملك حسين ، هو من أنقذ حياة خالد مشعل بعد محاولة الاغتيال التي قامت بها الموساد في الخامس والعشرين من سبتمبر عام 1997 في العاصمة الأردنية عمّان، بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو آنذاك، عن طريق رش السمّ في أذنيه، وتم اعتقال عملاء الموساد، واصرّ الملك حسين على نتنياهو أن يرسل فورا الدواء المضاد لذلك السمّ الخفي، والإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، وإلا سيلغي اتفاقية وادي عربة ويستمر سجن عملاء الموساد المقبوض عليهم، فرضخ نتنياهو وأرسل المضاد للسم حيث تمّ انقاذ حياة خالد مشعل، وزاره الملك حسين للإطمئنان على صحته وشفائه، و تمّ إرسال الشيخ أحمد ياسين للعلاج في المدينة الطبية الأردنية وزاره الملك حسين أيضا قبل عودته لقطاع غزة.

 وبعد عامين تأزمت العلاقات الحمساوية الأردنية على خلفيات كثيرة منها نشاطها المتزايد في الساحة الأردنية من خلال غطاء جماعة الإخوان المسلمين وحزبها ( جبهة العمل الإسلامي )، وخلفية قانونية تمنع المواطن الأردني أن يكون عضوا في حزب أو جماعة غير أردنية، وحماس في هذا السياق تعتبر نفسها حركة فلسطينية، فتمّ إبعاد القادة الأربعة عام 1999  إلى قطر بتنسيق مع السلطات القطرية، وقد عاد منهم في يونيو 2001 الناطق الرسمي باسم الحركة إبراهيم غوشة على متن طائرة قطرية بدون علم أو تنسيق مسبق مع السلطات الأردنية، وتمّ احتجازه والطائرة القطرية عدة أيام في مطار عمّان، مما أدّى لأزمة قطرية أردنية، انتهت المشكلة بدخوله الأردن بعد إعلانه تخليه عن أي موقع تنظيمي داخل حركة حماس، ومن يومها لم يمارس في الأردن أي عمل أو يصدّر أي تصريح باسم حماس، إذ يعيش كمواطن أردني عادي جدا بدون أية نشاطات سياسية أو تنظيمية لأي جهة فلسطينية أو أردنية.

زيارتان لمشعل مهدتا الطريق،
الأولى إثر الموافقة الملكية الأردنية السريعة على طلبه المشاركة في جنازة والده المرحوم الشيخ عبد الرحيم عبد القادر مشعل، الذي كان يعيش في الأردن مواطنا أردنيا عاديا بدون أي نشاط سياسي ، وقد وصل في التاسع والعشرين من أغسطس 2009 بشكل عاجل ، حيث شارك في مراسم تشييع والده ظهر نفس اليوم ، وأمّ المصلين في صلاة الجنازة التي تمت في مسجد الجامعة الأردنية، ثم تمّ دفنه في مقبرة صويلح القريبة من العاصمة. والزيارة الثانية لمشعل للعاصمة الأردنية عمّان كانت في نهاية سبتمبر الماضي لزيارة والدته المريضة، وقد تمت الزيارة بشكل طبيعي دون أن يرافقها أية اتصالات أو تصريحات سياسية لخالد مشعل.
مؤشرات جديدة،
توحي بارتفاع حرارة العلاقات الحمساوية مع الأردن، ومنها استقبال رئيس الوزراء الأردني الجديد الدكتور عون الخصاونة، وقبل تشكيله الحكومة التي صادق عليها الملك عبد الله الثاني يوم الرابع والعشرين من أكتوبر الحالي،  لمحمد نزال القيادي في حركة حماس الذي نقل له تهنئة الحركة بتكليفه بتشكيل الحكومة الأردنية الجديدة، كما تلقى الخصاونة اتصالا هاتفيا للغرض ذاته من خالد مشعل. هذه الزيارة والاتصال الهاتفي ليس عفويان خاصة مع رئيس وزراء مكلّف لم يعلن تشكيلته الحكومية أثناء تلك الزيارة والاتصال.
مستقبل العلاقة إن عادت لها الحرارة والودية،
لن تخرج عن ضوابط وثوابت أردنية من غير الممكن تجاوزها و تدركها حركة حماس جيدا، لأنّها كانت خلفيات إبعاد قادتها الأربعة من الأردن عام 1999 إلى قطر على طائرة قطرية وبمرافقة وزير قطري. هذه الضوابط هي:
أولا: عدم الخلط التنظيمي بين حركة حماس كتنظيم فلسطيني يسيطر ويحكم جزءا من الأراضي الفلسيطينية وهو قطاع غزة، وبين جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم أردني له حزبه السياسي الرسمي المعترف به ( جبهة العمل الإسلامي ).
ثانيا: عدم القيام بأي عمل أو نشاط تنظيمي في أوساط الشعب الأردني بكافة مكوناته وأصوله، رغم الاعتراف المؤكد بالشعبية التي تحظى بها حماس في أوساط الشعب الأردني، وهي بالمؤكد تفوق الشعبية التي تحظى بها السلطة الفلسطينية.
أعتقد أنه بالمحافظة على هذين العاملين الأردنيين لن يكون هناك أية عقبة أمام تواجد قيادة الحركة في الأردن، وللعلم فهي نفس الضوابط التي حكمت عمل حماس أثناء تواجدها في قطر وسوريا. ولنسأل أسئلة مهمة بخصوص تواجد قيادة الحركة في سوريا طوال السنوات الماضية:
1 . هل مارست عملا مسلحا ضد الاحتلال الإسرائيلي من الحدود السورية عبر الجولان السوري المحتل أيضا؟
2 . هل حاولت توصيل أسلحة للقطاع عبر الحدود أو المياه والشواطىء السورية؟
3 . هل قامت بتنظيم مواطنين سوريين في صفوفها كأعضاء في الحركة؟
4 . هل تعدّى وجود قيادتها في سورية كونه مجرد مكان للإقامة والعيش والتواصل العادي مع تنظيمات فلسطينية موجودة على الأراضي السورية بموافقة المخابرات السورية أساسا؟

ضمن هذه الضوابط المتعارف عليها في أكثر الدول العربية،
أعتقد أنّه ليس بعيدا أن نشهد قريبا تواجد قيادة حماس في الأردن سواء لإقامة دائمة أو  إقامات رسمية قصيرة أو طويلة حسب حاجتهم، خاصة أنّ الأردن الرسمي منذ سيطرة حماس على القطاع في يونيو 2007 سعى متعمدا على إحياء التواصل مع الحركة عبر القوافل الطبية والمساعدات الإنسانية والمستشفيات الميدانية لخدمة ومساعدة سكان القطاع في مواجهة الحصار الإسرائيلي الظالم الفاقد لأي مبرر. ويبدو التواصل الأردني الرسمي المتوقع مع الحركة قريبا ضروريا في ظل استمرار السيطرة المنفردة للحركة على القطاع، وهي السيطرة المتوقع استمرارها طويلا في ظل التعثر والفشل الدائمين للمصالحة الحمساوية الفتحاوية أو الحماسية العباسية، وبالتالي ليس من مصلحة الشعب الفلسطيني تجاهل الحركة التي تسيطر على القطاع الذي يسكنه قرابة مليون ونصف فلسطيني. ومن المهم التذكر أنّ غالبية قيادة حماس مواطنين أردنيين يحملون الجنسية الأردنية، فما المانع من وجودهم في الأردن ضمن الضوابط والمعطيات السابقة، خاصة إذا تذكّرنا أن الرفيق نايف حواتمه ( أبو النوف ) الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير  مواطن أردني ويحمل الجنسية الأردنية، وعاد منذ سنوات للإقامة في وطنه الأردن وهو ما زال يحمل صفته التنظيمية كأمين عام للجبهة الديمقراطية.
هذه توقعاتي وتحليلاتي ضمن معطيات متداولة، والأيام القليلة القادمة ستحكم على صحتها أم هي مجرد تنبؤات لم تتحقق. والعلم عند الله وحكومة الدكتور عون الخصاونة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




 


134
نعم للقانون الدولي، ولكن لماذا تغيب الضمائر في أوقات حزينة؟
د.أحمد أبو مطر

تخلّص الشعب الليبي والعالم أجمع من عميد الطغاة العرب المقبور القذافي الذي لم يعمّر في قمعه وقتله سوى 42 عاما فقط . ورغم رحيله بالطريقة التي تليق بجرائمه التي خلّفت ألاف الضحايا والأرامل واليتامى، إلا أنّ طريقة موته أو قتله أو التخلص منه، أثارت ضمائر بعض المتحدثين باسم القانون الدولي وحقوق الإنسان، واجدين هذا الموت فرصة لاستعراض معلوماتهم القانونية عن (أسرى الحرب ) و ( اتفاقية جنيف ) و ( قوانين الحرب ). ومن هذه التصريحات ما أعلنه روبرت كولفيل المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، " أنّ طريقة موته غير واضحة. هناك حاجة لبدء تحقيق". أما شريف هلالي رئيس المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان فقد صرّح ( بأنّ القذافي لا يخضع للقانون الدولي الخاص بأسرى الحرب ). لأنّ الاتفاقيات الدولية تشترط أن يكون الأسير قد تعرض للأسر في حرب بين جيشين وأن يكون من الجنود أو الساسة في أحد طرفي الحرب. وهناك حقوقيون آخرون أدلوا بالعديد من الآراء بما فيهم مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، التي قامت ولاياته المتحدة وحلفائها في الناتو بالمجهود الأساسي الحربي الذي أدى للتخلص من هذا الطاغية، يريد مارك تونر و يتوقع من المجلس الوطني الانتقالي الليبي التزام الشفافية في الكشف عن ظروف وأسباب مقتل القذافي وهي نفس المطالبة فيما يتعلق بقتل الإرهابي أسامة بن لادن يا سيد مارك تونر.هذا بينما رحّب الرئيس الأمريكي أوباما بموت القذافي واعتبره ( نهاية فصل طويل ومؤلم لليبيا ).

وأين كانت ضمائر وتحليلات هؤلاء؟


عندما ارتكب ذلك الطاغية المجرم مجزرة سجن أبو سليم عام 1996 وقتل عمدا مع سبق الأصرار و إشراف مباشر من أولاده المجرمين مثله ما لا يقل عن 1200 سجين سياسي؟. هل فكّر أصحاب هذه التحليلات والضمائر الإنسانية في هؤلاء الضحايا وأحزان عائلاتهم؟.

وعندما ارتكب جرائم الاغتيال والخطف بحق العديد من الليبيين والعرب ومنهم الإمام موسى الصدر ورفيقيه  1978 ؟

وعندما ارتكب تفجيراته في العديد من مدن العالم وطائرة بان أمريكان ( لوكربي )؟. لماذا لم نسمع أي تحليل لهؤلاء أو صحوة ضمير ليطالبوا باعتقاله وتحويله للمحاكمة؟

وإلى الفلسطينيين القلة المدافعين عن هذا الطاغية المقبور،


أين كانت اصواتكم وحناجركم وضمائركم وعقولكم، عندما قام هذا الطاغية في سبتمبر من عام 1995 بطرد غالبية الفلسطينيين ( حوالي 30 ألفا ) من جماهيريةالخوف إلى الحدود المصرية تحت ذريعة أنّهم يجب أن يعودوا للقطاع والضفة بعد توقيع اتفاقية أوسلو، وتمت مصادرة كافة أملاكهم وبيوت سكنهم، ورفضت السلطات المصرية آنذاك دخولهم إلى مصر، وبقوا عالقين على الحدود في العراء قرابة أربعة شهور، حيث مات العديد منهم وأصيب مئات بالأمراض، وبعد الضجة الدولية على هذه المجزرة، أرسل الطاغية المقبور شاحناته العسكرية حيث أعادت من بقي منهم حيا إلى داخل ليبيا ليعيشوا مشردين منكوبين بعد مصادرة أماكن سكنهم وطردهم من وظائفهم.
 واين كانت ضمائر هولاء الفلسطينيين عندما تآمر الطاغية المقبور في مايو 1995 ونسّق مع الموساد الإسرائيلي لاغتيال فتحي الشقاقي مسؤول حركة الجهاد الإسلامي فور مغادرته طرابلس بجواز ليبي، وبعد أنّ أخّروه عن رحلته المتجهة مباشرة لدمشق، حجزوا  له عبر مطار مالطة، حيث كانت عناصر الموساد في انتظاره واغتالوه فور وصوله. وأين كانوا عندما أرسل رسالة تذلل ومودة للإحتلال الإسرائيلي عبر ما أطلق عليه وفد الحجاج الليبيين في مايو 1993  إلى القدس بتأشيرات دخول إسرائيلية من السفارة الإسرائيلية في القاهرة مختومة على جواز جماهيريته الأخضر، وقام بتنسيق الزيارة الإسرائيلي رافائيل فلاح  أثناء زيارته لجماهيرية الطاغية ولقاءه أربع مرات.

هذا وقد قوبل الزوار الليبيون ( تحت مسمّى حجاج ) بمظاهرات احتجاج من فلسطينيي الأرض المحتلة  مما اضطرهم لقطع الزيارة والعودة لجماهيرية الخوف والقمع. وقد هاجم مسؤولو الاوقاف الاسلامية في القدس آنذاك هذه الزيارة واعتبروها تجميلا لوجه اسرائيل وسياستها القمعية فمن خلالها تستطيع الدولة العبرية الادعاء أن حكمها واحتلالها للقدس لا يحول دون أصحاب كل الديانات من ممارسة طقوسهم العقائدية بحرية وأمان في الوقت الذي تمنع فلسطينيو القدس نفسها من التوجه للصلاة في المسجد الاقصى.  وقد علق الياس فريج رئيس بلدية بيت لحم وعضو الوفد الفلسطيني لمحادثات السلام على الزيارة بقوله:" لقد عودنا القذافي على كل غريب ومستهجن ولكن ارساله مواطنيه لزيارة اسرائيل ما هو الا تطبيع واعتراف بالدولة العبرية التي تحتل أرضنا وتنكر علينا أبسط حقوق الانسان" . أما الدكتور جمال الازايدة استاذ الشريعة الاسلامية في الجامعة الاسلامية بغزة فقد صرح لوكالة رويتر قائلا:" إن القذافي الذي ألغى العمل بالتقويم الهجري منذ حوالي 15 سنة وابتدع تقويما قذافيا يبتدئ بوفاة الرسول والذي طالب جهارا بالغاء بعض آيات القرآن الكريم والذي الغى العمل باسماء الشهور الهجرية واعطاها اسماءا قذافية مثل النار النوار الربيع الطير ... الخ ليس غريبا عليه أن يستبيح مقدساتنا فيرسل زواره ليعطوا المحتل صفة شرعية وقانونية ".

وأخيرا ما كشفه قاضي قضاة فلسطين،

الشيخ الدكتور تيسير التميمي ضمن سياق تهنئته للشعب الليبي " بتحرير بلاده من القذافي الطاغية القاتل الذي ارتكب أبشع الجرائم على مدى أكثر من أربعين عاما، وأهدر ثروته لتلبية نوازع نفسه الشريرية ". إذ  كشف أسرارا خطيرة منها ما اقترحه القذافي في جلسة سرية أثناء القمة العربية في الأردن عام 2001 مقترحا علي القمة أن لا يكون المسجد الأقصى عقبة في وجه اقامة دولة (إسراطين )، واقترح  بناء مسجد آخر بدلا منه في مكان آخر وبمساحة أكبر. ولم يعلق على كلامه أحد من القادة العرب، وبعد انتهاء الجلسة واجه الدكتور التميمي والمطران عطا الله حنا القذافي، وانتقده الشيخ التميمي بحدة مما جعله يتركهما ويهرول بعيدا. وبعد شهور قليلة أرسل دعوة للتميمي لزيارة طرابلس، فتحمس لها الرئيس عرفات، وبعد أيام قليلة أبلغه بعدم الذهاب، لأنّ هناك معلومات بأنّ القذافي يعدّ له خطة شبيهة بخطة قتل وإخفاء الإمام موسى الصدر.

وقد تعمّدت كلمة القلة الفلسطينية،

دون أن أذكر أي اسم من هذه القلة لأنها ليست معركة شخصية بل معركة قول الحقيقة، بدليل أن هناك كتاب فلسطينيون معروفون ويعيشون في داخل قطاع غزة أي بين شعبهم، وعبروا عن فرحة لا مثيل لها بموت هذا الطاغية بهذه الطريقة. الكاتب الفلسطيني الدكتور فايز أبو شمالة كتب يقول:
"لا شماتة في الموت، إنها حقيقة، ولكننا نفرح لتصفية الحساب مع صاحب الأفعال الدنيئة التي أوصلته إلى حوافي الموت، ليلفظ أنفاسه تحت النعال، فرحنا لموت غبيٍّ أجوفٍ أبلهٍ اغتصب لقب عميد الحكام العرب، ليؤكد للقاصي والداني أن الجهل والتخلف والحقد والتعسف من مقومات الحكم في بلاد العرب، بل راح القذافي يمارس عملياً ما يؤهله للاحتفاظ بلقب عميد الحكام العرب بلا منازع، فاستبد وبغى، وتسلط وطغى، وقهر الشرفاء بقسوة، حتى ظن نفسه الإله معمر القذافي، دون أن يدرى أنه يمشي مترنحاً إلى مصيره الغامق، كي يمحق أثره، ويحتقر ذكره، وتنطبق عليه الآية الكريمة "ما أغنى عنه ماله وما كسب". كما عبّر الكاتب عن بعض أوجه فرحة الفلسطينيين في القطاع بزوال هذه الطاغية الذي تلاعب بالقضية الفلسطينية وأهان الفلسطينيين كما وضحنا بعض أعماله فقط.

نعم ليته تمّ القبض عليه ومحاكمته،

كي يعاد توثيق جرائمه كلها من جدديد رغم توثيقها بأدلة لا تقبل الشكّ والطعن، ونفهم حرص منظمات حقوق الإنسان على قوانين الأسر والحرب، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن توجيه اللوم القاسي الشديد لذوي ألاف الضحايا الذين قتلهم القذافي بسادية دموية، عندما سارعوا لتمريغ وجهه في التراب وقتله بهذه الطريقة التي تليق به ويستحقها. لو كان واحد من دعاة حقوق الإنسان الحريصين على المحاكمة والقانون، هو أرملة المرحوم موسى الصدر أو أحد أبنائه هل كان سيصدر هذه الأحكام القاسية على من مرّغوا أنف الطاغية ووجهه في التراب وقتلوه؟. أو لو كان واحدا من ذوي ضحايا مجزرة سجن أبو سليم، أو مذبحة طائرة بان أمريكان فوق قرية لوكربي؟. إنّ من يده بالماء ويتصفح ملفات قوانين الأسر والحرب، غير من ما يزال يبكي منذ سنوات للفقيد الضحية الذي هو ربما أبنه أو أبيه أو أخية أو زوجته.

هل يتعظ من هذه النهاية إثنان حتى الآن؟

وذلك حسب ثورة شعوبهم ومطالبتها برحيلهما وسقوطهما وزوالهما وهما: بشار الأسد وعلي عبد الله صالح. طبعا وسنقف مع كل شعب يثور ويطالب بسقوط حاكمه ونظامه. ومن أجل المستقبل أو أية مسابقة من مسابقات فوازير رمضان أو مسابقة إكسب المليون، فلنحفظ هذا الترتيب التاريخي. الأول هرب. الثاني في السجن. الثالث مات. الرابع....؟ الخامس....؟.الله أعلم وإرادة الشعوب عندها الجواب.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




135
تخاذل جامعة العرب عن نصرة الشعب السوري
د.أحمد أبو مطر

يتأكد يوميا الجواب المعروف عن السؤال الشائع بين الشعوب العربية، وهو : ما الفائدة من وجود مبنى  قرب ميدان التحرير في القاهرة ويحمل اسم ( جامعة الدول العربية؟ ). ماذا أنجزت أو حققت هذه الجامعة منذ تأسيسها بأوامر وتخطيطات بريطانية عام 1944 ؟. هل حقققت الوحدة العربية ؟ هذا أمل طموح وفاشل، فلنكن متواضعين في أسئلتنا: هل حققت السوق العربية المشتركة؟ هل ألغت تأشيرات الدخول بين الدول العربية؟. لماذا يخاف العرب من بعضهم البعض، ولا بد من الحصول على تأشيرة مسبقة خاصة لدول الخليج العربي، وبالطبع الأمل في دخول الجنة أسهل من الحصول على هذه التأشيرة ووجود السيد الكفيل؟. وحامل وثيقة السفر للاجئين الفلسطينيين من أية دولة عربية دخول الشيطان لكافة الدول العربية أسهل من دخوله فهو ممنوع مسبقا . هذا بينما 27 دولة أوربية منذ سنوات يتنقل مواطنوها بدون تأشيرة وفي أغلب الأحيان والأحوال بدون إبراز جواز السفر؟. هذا رغم أنّ العرب يتكلمون لغة واحدة هي لغة القرآن الكريم التي يفتخرون به شكلا وتصفيقا دون أن ينفذوا نسبة من تعليماته، بينما هذه الدول الأوربية تتكلم 27 لغة، ورغم ذلك بينهم من التكامل والتفاهم أكثر مما بين أية دولتين عربيتين. وكم تفزع هذه الدول الأوربية لمساندة بعضها خاصة في الأزمات، كما لاحظنا الاستنفار الأوربي منذ سنتين لإنقاذ الاقتصاد اليوناني، بينما نحن العرب طبقتين: مرفهة وفقيرة، ولا أحد يفكر في الآخر إلا إذا طرأت مصلحة عابرة لفترة من الوقت. لذلك لم تفاجىء توصيات اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الأخير بخصوص الوضع في سوريا أي مواطن عربي خاصة السوري الجريح والقتيل بعصابات ومرتزقة نظام الأسد المتوحش على شعبه فقط.

خيبة أمل الشعب السوري

هذا القتل اليومي الذي يمارسه نظام الوحش في سوريا منذ اندلاع ثورة الشعب السوري من مدينة درعا في الخامس عشر من مارس الماضي، حيث أصبح شبه روتين يومي سقوط ما بين ثلاثين وأربعين قتيلا، وخطف واعتقال ألاف من المواطنين، وتقطيع الأصابع وتمزيق الحناجر، وقتل الأطفال، كل هذا لم ينتج من أجله قرار صارم من اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة مساء الأحد بتاريخ السادس عشر من أكتوبر الحالي. ما معنى التوصية التالية الصادرة عن هذا الاجتماع؟.
( إنّ الوزراء العرب يدعون إلى إجراء الاتصالات اللازمة مع الحكومة السورية وأطراف المعارضة بجميع أطيافها للبدء في عقد مؤتمر لحوار وطني شامل بمقر جامعة الدول العربية، وتحت رعايتها خلال 15 يوما اعتبارا من صدور هذا القرار من أجل تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري والتغيير المنشود).

إنّ هذا البيان مجرد إنشاء رغم أنّ بعض مضامينه لو تمّ الافصاح عنها بشجاعة، لقلنا هذه بداية سير جديد لجامعة الدول العربية. أي حوار بين النظام القاتل المتوحش والشعب الفريسة لهذا الوحش؟. كيف يمكن المساواة بين الجلاد والضحية ؟ وما هي تطلعات الشعب السوري المشروعة؟ ألم يسمع وزراء خارجية العرب هتافات ملايين السوريين طوال ما يزيد على سبعة شهور: الشعب يريد إسقاط ورحيل النظام. هذه هي تطلعات الشعب السوري، وكذلك كافة تجمعات المعارضة التي اجتمعت أغلب هياكلها في المجلس الوطني السوري المعارض برئاسة الدكتور برهان غليون، والهدف واحد، هو رحيل وسقوط هذا النظام المتوحش.

ماذا سيفعل وزراء العرب بعد مهلة إل 15 يوما؟

بداية رفض المندوب السوري في الجامعة العربية هذه التوصيات، ووصفها بأنها غريبة ومريبة. وهذا يعني عدم سماع النظام السوري المتوحش لأية توصيات عربية مهما كانت مسالمة ولينة ولا تلبي رغبة الشعب السوري، ورغم ذلك فالسؤال قائم كما ذكرت، ماذا سيفعل وزراء العرب بعد نهاية مدة إل 15 يوما، وهي تعتبر منتهية فور رفض النظام السوري لهذه التوصيات. الرد المطلوب أعلنه المتظاهرون السوريون على أبواب الجامعة العربية أثناء اجتماع الوزراء العرب، وهم يطرقون أبواب الجامعة ويطالبون بتعليق عضوية النظام في الجامعة العربية، وهي مجرد خطوة تضامنية مع الشعب السوري، لن تردع النظام الوحش عن الاستمرار في جرائمه وعمليات القتل اليومية التي يمارسها. والمثير أيضا هو لماذا سارعت نفس الجامعة فور بدء الثورة الليبية، وعلقت عضوية نظام عميد الطغاة العرب القذافي، بينما تتلكأ بالنسبة لنظام الوحش المفترس؟.

وأين جرأة سفراء العرب قياسا بالسفراء الأجانب

العديد من السفراء الغربيين في دمشق، قاموا بزيارات ميدانية لمدن سورية للإطلاع على حجم القتل الذي يمارسه الوحش ضد المتظاهرين. والعديد منهم زاروا الفنان السوري العالمي علي فرزات الذي كسّر بلطجية النظام أصابعه. بينما السفراء العرب في مكاتبهم لا حس ولا خبر. بالطبع لا ننسى تجميد بعض دول مجلس التعاون الخليجي العربي لعمل سفاراتها، واستدعاء بعضها للسفراء كوسيلة احتجاج ناعمة صامتة، بينما لم تستمع أية دولة عربية لدعوات شعوبها بطرد سفراء الوحش من عواصمها.

مصداقية الجامعة مشكوك فيها منذ تأسيسها

 هذا وقد تسربت أنباء عن تقدم دولة قطر بورقة لتجميد عضوية النظام، رفضتها بعض الدول العربية خاصة اليمن التي يطالب شعبها أيضا بسقوط ورحيل نظام علي عبد الله صالح. هذا بينما إدّعى نبيل العربي أمين عام الجامعة أنّه التقى كافة أطراف المعارضة السورية، وأنّها تعارض تعليق عضوية سورية، ولم يحدّد العربي أية أطراف معارضة التي التقاها، والكل في المجلس الوطني السوري المعارض يطالب برحيل وسقوط النظام، فكيف يرفض تعليق عضوية النظام من يطالب برحيله وسقوطه؟

لذلك فأمل الشعب السوري الوحيد هو في إصراره واستمراره في الثورة رغم كل هذه التضحيات، فالقتل ليس غريبا على نظام نشأ على جثث الضحايا السوريين من حماة عام 1982 إلى مجازر السجون السورية المتكررة إلى المجازر الحالية. فنظام شيمته القتل لن يسقط إلا بالإصرار الشعبي على سقوطه، فمن غير المنطقي ولا الأخلاقي أن يستمر حزب العبث هذا في قتله منذ الأسد الأب عام 1970 إلى الأسد الوريث حتى اليوم أي ما يزيد على أربعين عاما. وهذا يعني أنّه لا أمل في أية وعود إصلاحية حقيقية من هذا النظام، فهي مجرد استغلال للوقت لمزيد من القتل والفساد والنهب لثروة الشعب السوري، والبقاء في السلطة والكرسي، فقد أصبح شعار هذا النظام ( البقاء في السلطة أو القتل كلما أمكن ذلك ). فمن تمتع بنهب الثروة السورية وقمع الشعب طوال أربعين عاما، لن يتازل عن الكرسي بطرق ديمقراطية، لأنّ أية طرق ديمقراطية حقيقية ستعني زواله وسقوطه. ألا يستحق الشعب السوري بعد كل هذه التضحيات الخلاص من أربعة عقود من القتل والمجازر والسجون والفروع الأمنية التي هي أكثر من عدد الجامعات والمستشفيات السورية؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


136
كم "شاليط" أو "شلوط" إسرائيلي نحتاج لفكّ باقي أسرانا؟
د.أحمد أبو مطر

اعلن السيد خالد مشعل رئيس حركة حماس شخصيا مساء الثلاثاء الماضي الموافق الحادي عشر من أكتوبر الحالي، وذلك عبر فضائية الجزيرة عن اتمام صفقة تبادل الأسرى التاريخية بين الحركة ودولة إسرائيل، بعد مفاوضات واتصالات وتهديدات طالت قرابة خمس سنوات. وتقضي هذه الصفقة التي أنجزتها الوساطة المصرية بين الطرفين الحمساوي والإسرائيلي، أن تفرج السلطات الإسرائيلية عن قرابة 1027 أسيرا ومعتقلا فلسطينيا مقابل الإسير الإسرائيلي لدى حماس الجندي المدلل شاليط أو شلوط كما يلفظه البعض، وهو يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والفرنسية. ومن تفاصيل الصفقة الإفراج عن كل السجينات النساء وكبار السن ممن أمضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال. بينما تمّ استثناء عضو قيادة فتح مروان البرغوتي  والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات. وسوف يتم ابعاد قرابة عشرين أسيرا خارج الضفة والقطاع، ولم يعرف حتى الآن أية دول سوف تستقبلهم إلا إذا كانت مصر صاحبة الوساطة الناجحة بخصوص هذه الصفقة. وقرابة 200 أسير من سكان الضفة الغربية سوف يتمّ ابعادهم لقطاع غزة، وكأن القطاع دولة مستقلة لا علاقة لها بالضفة الغربية حيث تعيش أسر وأطفال هؤلاء المائتي أسير.

الصفقة ومناكفات حماس وفتح


رغم ما يراه البعض من سلبيات في هذه الصفقة فرضتها موازين القوة الراجحة لصالح الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الحكم على تفاصيل الصفقة وشروطها ليس هو هذا البعض ، فالحكم العادل والصادق عليها هم أهل وأطفال وعائلات  1027 أسيرا، أمضي العديد منهم في سجون الاحتلال ما يزيد على ثلاثين عاما. من يتخيل حزن وجرح وغياب 30 عاما، وحجم الفرح الذي سيهبط فجأة على عائلات الأسرى ؟. لذلك فكل منتقد لأية سلبيات في الصفقة لو كان ابنه أو أخوه أو زوجته من بين المفرج عنهم، لما تفوه بكلمة نقد واحدة، فمن يده بالماء غير من يده بالنار، ومن ابنه أو أخاه في البيت غير من هو في السجن الإسرائيلي منذ عشرات السنواتّ!!!.

تنتقد بعض مصادر حركة فتح موافقة حماس على ابعاد حوالي عشرين سجينا خارج القطاع والضفة. والسؤال: هل كان بمقدور حماس أن تقنع الجانب الإسرائيلي بعكس ذلك وأهملت الموضوع؟. وللتذكير لماذا تعيب حركة فتح على حماس ما مارسته سلطتها في زمن الرئيس عرفات عندما وافقت في مايو 2002 على إبعاد محاصري كنيسة المهد في بيت لحم إلى الخارج، وما زالوا حتى اليوم مبعدين عن أهلهم ووطنهم، بينما تقول حماس أن المبعدين في صفقتها الأخيرة سيعودون بعد فترة قصيرة. أما المبعدون إلى قطاع غزة وعائلاتهم في الضفة الغربية فهو أهون مليون مرة من بقائهم في سجون الاحتلال، هذا إذا كنّا ننظر إلى القطاع والضفة أرضا واحدة لشعب واحد، وليس كما يتم تطبيقه منذ انقلاب حماس في عام 2006 بأن القطاع دولة حماس والضفة دولة عباس.

الصفقة ونظرية المؤامرة

وهناك من الفلسطينيين من أعطى هذه الصفقة صفة المؤامرة متسائلا: لماذا يتم إنجاحها وتوقيعها في هذا الوقت بالذات؟. أصحاب هذا السؤال الغريب العجيب غير الذكي مطلقا، يجيبون بحيثيات أقلّ ما يقال أنها غبية، تبين الصراع الفئوي الحمساوي الفتحاوي ولو على حساب كرامة 1027 سجينا فلسطينيا، فهم يروجون في إجابتهم سببين فعلا غبيين بامتياز:
الأول، هو التأثير على شعبية وكاريزما محمود عباس التي اكتسبها بعد تقديمه طلب عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة.

الثاني، هو التأثير على آلية دراسة الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن والجمعية العمومية.


وأنا أرى أنه لا علاقة للصفقة في هذه الوقت بهذين الجانبين، فالدولة التي كانت ستصوت لعضوية دولة فلسطين لن تغير موقفها نتيجة الصفقة بل بالعكس ستزيدها الصفقة إيمانا أنّ شعبا لديه كل هذه الالاف من السجناء والأسرى، يحتاج فعلا لدولة مستقلة كاملة العضوية كي تتمكن من الدفاع عنهم وإطلاق سراحهم. والدولة التي كانت ستصوت ضد عضوية ودولة فلسطين أو سوف تستخدم الفيتو، فلن يتغير موقفها، إذ لا علاقة بين صفقة إطلاق أسرى وعضوية الدولة التي ينتمون لها.
ولكن كل هذه المناوشات العنترية بين حماس وفتح مجرد صراع على الكرسي والمال، بدليل أنّ الانقسام الفلسطيني اقترب من دخول عامه السادس، مما يعني أنه انقسام غزاوي ضفاوي، حمساوي فتحاوي، إلى أمد طويل، ومن يكتوى بنيرانه وويلاته هو الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة، ومن يرتاح له ويتمنى ويعمل على دوامه هو الاحتلال الإسرائيلي وأصحاب المصالح و الحسابات المصرفية والكراسي من الطرفين في القطاع والضفة، فيإنقسامهم هذا يخدمون دولة الاحتلال، ويقومون ضد بعض في القطاع والضفة ما يود أن يقوم به الاحتلال، فلماذ يتدخل الاحتلال طالما وكلاؤه الفلسطينيون يقومون على الأرض بما يريد وزيادة شوية.

حسبة للفكاهة والمرارة

قياسا بصفقات تبادل الأسرى والسجناء السابقة بين الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والجانب الإسرائيلي، وصفقة حماس الأخيرة، فإنّ حسبة النسبة الخاصة بكل جندي إسرائيلي وما يقابله من الفلسطينيين والعرب، تبدو رغم فرحة أهل المفرّج عنهم، إلا أنها مبكية بالنسبة لهذا القياس، ففي صفقة حماس الأخيرة، شاليط واحد مقابل 1027 فلسطيني. ورغم ذلك فإنّ شاليط الذي يستعد رئيس دولة إسرائيل ليكون في استقباله، يصرّح بأنه سيقاضي رئيس وزراء إسرائيل على تخاذله وتأخيره في الإفراج عنه. وفي عام 1957 عقب ما عرف بالعدوان الثلاثي في عام 1956 على غزة ومصر، تمّ الإفراج عن 5500 جندي مصر مقابل 4 أسرى إسرائيليين، أي أنّ كل أسير إسرائيلي يعادل 1357 جندي مصري، وبالتالي فإن صفقة حماس أسهمها في بورصة الأسرى أغلى ثمنا. والداهية الأمرّ أنّه في عام 1998 وما بعده تمّ إطلاق 400 أسير فلسطيني و 83 أسير لبناني مقابل ما اعتبروه رفات 4 جنود إسرائيليين، أي مجرد كيس من الرمل والعظام لا أحد يستطيع أن يثبت أنها رفات حقيقية للجنود المعنيين، ولكنها استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي التي تريد أن تثبت لشعبها وللعالم كم الفرد الإسرائيلي غال عندها وكم يساوي من الفلسطينيين والعرب. ونحن حكامنا يقتلون يوميا المئات بدون ثمن وهم مبسوطون سكارى في قصورهم لا يتحرك لهم جفن ولا يهتز قلب، فمن أين للظالم جفن أو عين ترى أو قلب يحسّ.

كم شاليط يحتاج فكّ بقية أسرانا؟


وقياسا على حسبة هذا الشلوط الفرنسي الإسرائيلي ، وكون المصادر الفلسطينية تؤكدّ أنّ المتبقي في سجون الاحتلال لا يقل عن سبعة ألاف أسير وسجين فلسطيني، فهذا يعني أننا محتاجون لأسر سبعة شلاليط جدد، وبدء المفاوضات الطويلة لإطلاق سراحهم مقابل الأف الأسرى الفلسطينيين. ولمّا استغرقت مباحثات الإفراج عن شلوط واحد حوالي خمسة سنوات، فإن سبعة شلاليط يحتاجون إلى 35 سنه كي نضمن الإفراج عن باقي الأسرى الفلسطينيين. ورغم هذه الحسبة المبكية إلا أنه لا يمكن تجاهل فرح ألف وسبعة وعشرين عائلة وأطفالها لاستقبال أسراها بعد سنوات من الغياب والحرمان، فمرحبا بأسرانا العائدين، وشكرا لحماس على صفقة الفرحة هذه، والصبر لبقية الأسرى وذويهم.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


137
هل كان أدونيس يستحق جائزة نوبل للآداب؟
د.أحمد أبو مطر

 الشاعر السوري المعروف والمشهور جدا (علي أحمد سعيد أسبر) من مواليد عام 1930 في قرية قصابين التابعة لمدينة جبلة شمال سوريا، ومنذ عام 1948 قبل أن يعرف أو يكتب شعرا مميزا، إذ كان في الثامنة عشرة من عمره ( المديد بإذن الله تعالى )، أطلق على نفسه أو إتخذ اسم الإله الكنعاني الفينيقي ( أدونيس ) اسما له وقد اشتهر منذ بداية انطلاقته الإبداعية بالإسم الذي اختاره لنفسه وهو  (أدونيس ) الذي يعود لحضارات قديمة منها الكنعانية و الفينيقية واليونانية حيث معشوقاته في تلك الحضارات يتبدلّن من حضارة إلى أخرى من عشتار إلى أفروديت، ومجرد اختيار ( علي أحمد سعيد أسبر ) من تلقاء ذاته اسما له بدلا من اسمه الحقيقي، فهذا الإسم المختار يعكس دلالات ومكنونات وربما عقد نرجسية معينة عند ذلك الشاب، إذ لا أتذكر حسب معلوماتي أنّ شاعرا عربيا منذ القرن الماضي قد اتخذ لنفسه اسما مغايرا لإسمه الحقيقي. هناك من ظلّوا ينشرون بأسمائهم الحقيقية ولكن الجمهور أو نقاد زمانهم أطلقوا عليهم صفات ملاصقة لأسمائهم كما اشتهر أحمد شوقي ( أمير الشعراء )، حافظ إبراهيم ( شاعر النيل )، محمد مهدي الجواهري ( شاعر الجمهورية، شاعر العرب الأكبر )، وحديثا أحمد فؤاد نجم ( الفاجومي ). ولم يحدث أن نشر واحدا من هؤلاء الشعراء الكبار أية قصيدة واضعا تلك الصفة بجانب اسمه، فتلك الصفات كان يستعملها أو يطلقها عليهم نقاد زمانهم أو جمهورهم فقط.

نرجسية تقود إلى التسمية بإله منذ الصغر

وبدون تجنّ على هذا الشاعر والمبدع الكبير فعلا، فإن الإبداع مهما كان حجمه ودوره، لا يمنع إبداء أية ملاحظات أو انتقادات إن كان لها ما يدعمها ويوثقها، فلا أحد فوق النقد مهما كبر دوره الإبداعي أو الفكري. لذلك لاحظت أن اختيار ( علي أحمد سعيد أسبر ) لنفسه إسم إله قديم له شهرة عالمية و حضارية، انعكس على بعض سلوكياته وآرائه في شعراء لا يقلون إبداعا و تجديدا عنه، إن لم يكن قد تميزوا عنه في مجالات وأدوار عجز هو عن الولوج إليها بل مارس عكسها، وهذه الآراء الفوقية المتعالية بدون دعائم نقدية تدلّل على الشعور الداخلي لشخص بأنّه في مستوى الإله " أدونيس " تحوم حوله عشتار وأفروديت والمعجبين والمعجبات، لذلك فما يصدر منه من أحكام على الآخرين لن يناقشها أو يرفضها أحد.. ومن المهم جدا في هذا السياق القراءة المتأنية لذلك الحوار الدقيق الذي أجراه عبده وازن مع أدونيس، ونشرته جريدة الحياة اللندنية في خمس حلقات اعتبارا من العشرين من مارس 2010 ، وقد كان عبده وازن مميزا كعادته إذ تمكن من استنطاق أدونيس بآراء صريحة منشورة منسوبة إليه، ما كان أحد من القراء سيصدقها لو قال شخص أنّ هذه الآراء طالما كرّرها أدونيس في جلساته الخاصة.

ما هو رأي أدونيس في الشاعر محمود درويش؟


 قصيدة محمود درويش المشهورة وذائعة الصيت بسبب بعدها الإنساني وقيمتها الجمالية ، خاصة عند ربطها إنسانيا بالتشرد االفلسطيني الذي وزّع الأسرة الواحدة على عدة منافي، قصيدة ( أحنّ إلى أمي ) التي غنّاها المطرب الثوري الوطني مارسيل خليفة، واصبحت تعبيرا يوميا عن هموم اللاجىء الفلسطيني وأشواقه المبعثرة في كل القارات:
أحنّ إلى خبز أمي
و قهوة أمي
و لمسة أمي
و تكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
و أعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني ،إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
و غطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك

هذه القصيدة الإنسانية في رأي الإلهه أدونيس حرفيا: ( هذا البكاء الشعري يضحكني ). هل هذا رأي شاعر ومبدع ؟. إنّ ما يضحكه أبكى وما زال يبكي ملايين اللاجئين الفلسطينيين، ومن يشعر بعذاباتهم من العرب وغير العرب.

وما هو رأي الإله أدونيس في خليل حاوي؟

خليل حاوي الشاعر اللبناني الذي كان له حضور في الساحة الإبداعية اللبنانية، وعشنا انتحاره أثناء الغزو والحصار الإسرائيلي الشاروني لبيروت عام 1982 احتجاجا على التخاذل العربي والدولي ، يقول عنه الإله أدونيس: ( لا أقرأه كما لا أقرأ الشعراء الذين جايلتهم ). وهذه النزعة فعلا نزعة إلهية فالإله أعظم وأكبر من كل رعاياه ومجايليه. ورغم أنّه يقول ( لا أقرأه ) يبدي رأيا في مسيرة حاوي الشعرية، فيه لمحات ايجابية إلا انّ النتيجة عنده ( وإن كنت لا أتذوق شعريتها جماليا ).

أمّا عن الشاعر محمد الماغوط وعبد الوهاب البياتي،

فيقول عنهما الإله أدونيس ( لا أحسّ بأي حاجة ملحة لقراءته، مع أنّه كما اظن يستهوي كثيرا من الشباب، وفي الواقع استطرادا لإنني لا أحسّ بمثل هذه الحاجة لقراءة أي شاعر من شعراء جيلي خصوصا ذلك الذي كان يملأ دنيا التقدم واليسار والشيوعية عبد الوهاب البياتي ).

الممارسات السياسية الأخلاقية

إنّ الشاعر والمبدع مهما كان كبيرا وعملاقا وصاحب حضور واسع، فهذا كله لا يحرم الآخرين من نقد بعض ممارساته خاصة عندما تتعلق بالشأن العام أو قضية الوطن كشعب وأرض. ومن الملاحظ على مسيرة أدونيس المصاحبة لعبقريته التي لا يختلف عليها كثيرون، أنّه في مواقف كثيرة كان يغلّب المصلحة الذاتية الشخصية على المصلحة الوطنية العامة، فمثلا وهو ما زال شابا صغير ا دون الخامسة عشرة من عمره كما يعترف هو، ألقى قصيدة من بدايات ما كتب مديحا للرئيس السوري شكري القوتلي، هو يستشهد ببيت منها قال فيه.
    فأنت لنا السيف       ونحن لك الغمد
ويندرج تحت نفس العنوان قصائده في مديح إنطوان سعادة زعيم الحزب القومي السوري الاجتماعي، الذي كان أدونيس عضوا فيه لفترة طويلة.

أمّا حافظ الأسد،

مجرم مجزرة حماة عام 1982 مع شقيقه رفعت الأسد، فهذا الحافظ للجرائم فقط فهو في رأي أدونيس: ( أعجبت بسياسته الخارجية، كانت غالبا تدلّ على رؤية عميقة، تاريخية واستراتيجية، وأعجبت كذلك بقضائه على الطفولة اليسارية البطاشة والجاهلة في حزب البعث، فقد دمّر قادتها سورية على جميع المستويات ). هل توجد كلمة واحدة في هذا الرأي الأدونيسي تنطبق على الانقلابي صاحب القمع والمذابح حافظ الأسد؟. بصراحة شديدة، أستغرب أن تصدر هذه الأوصاف لقاتل ومورث لإبنه من إله إسمه أدونيس.

أما مديحه للخميني فهو طامة كبرى

خاصة أنّه يعرف أنّ المد الخميني هو الذي دمّر إيران وسلب حقوق شعبها وحرياته السياسية، ورغم ذلك فهو عند أدونيس أفضل من كافة ديمقراطيات الغرب التي يعيش في ظلها وحمايتها منذ ما يزيد على أربعة عقود، فهو يختصر شخصية الخميني في ملايين الإيرانيين المقهورين ، فيقول مرحبا به ومادحا له:
شعب إيران يكتب للشرق فاتحة الممكنات
شعب إيران يكتب للغرب
وجهك يا غرب ينهار
وجهك يا غرب مات

ورغم هذه المواقف الأدونيسية من الحكام المتخلفين القتلة، فهو يلوم الشاعر محمود درويش، فيقول عنه: ( لم يصارع في حياته أي نوع من أنواع الطغيان الذي تحفل به الحياة العربية، بل كان صديقالجميع الأنظمة بدءا من نظام صدام حسين، وكثير منها كان يستقبله بوصفه رمزا شعريا وطنيا ). وهل يمكن أن يقول لنا أدونيس أي طغيان صارعه هو؟ بعد كل الإثباتات السابقة الموثقة عن بعض مواقفه وليس كلها. وهو نفسه ألم يفتخر علنا بجلوسه جنبا إلى جنب وزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني في مؤتمر في القاهرة. هذا الوزير الذي زكّمت الأنوف فضائحه التي هي قيد التحقيق الآن.  وفي الوقت ذاته يختزل تجربة محود درويش الشعرية في أنّ ( محمود وارث ذكي لمن سبقه من العرب: نزار قباني، سعدي يوسف، وأدونيس )، وهذا حسب علمي ما لم يدعيه لا نزار قباني ولا سعدي يوسف، ولكن نرجسية الإله لا بدّ أن ترى شاعرا في وزن وحضور محمود درويش مجرد وارث لبعض إرث ذلك الإله.

  موقفه من الثورة السورية الحالية


فقد ظلّ ساكتا شهورا طويلة إلى أن فاق عدد قتلى بشار وارث أبيه فوق الألفين من المدنيين والمسالمين السوريين، وفاجأنا بكتابته ( رسالة إلى السيد الرئيس بشار الأسد ). وللأمانة والموضوعية فقد طرح فيها رؤى متوازنة وضرورية للتغيير المنشود في سوريا، ولكنها كتبت بإسلوب اللف والدوران عن الحقيقة المعاشة، وأسباب وصول الشعب السوري لهذه الحالة من القمع والقتل والفساد. لقد تجاهلت رسالة أدونيس للسيد الرئيس المسائل الجوهرية التي يمكن إيجازها بالعناوين التالية:
وصول عائلة الأسد للحكم بانقلاب الأب حافظ الأسد عام 1970 ، فلماذا لم يشر أدونيس لهذا التأسيس الإنقلابي الذي استمر من خلاله حافظ الأسد ثلاثين عاما في السطو والقمع عبر سجون أكثر من المستشفيات في سوريا؟
توريث الإبن بشار بعد تغيير الدستور على مقاسه خلال دقائق في مجلس يسمى ( مجلس الشعب ) والشعب منه براء، بدليل أنّ أحد مرتزقته يريد أن يكون بشار الأسد رئيسا للعالم كله.
لم يذكر أية كلمة أو حقيقة عن عمليات القتل الدائرة منذ الخامس عشر من مارس الماضي، وكأنها تجري في بلاد الواق واق. ورغم كل هذه الجرائم يخاطبه ( السيد الرئيس )، أي سيد هذا الذي وصل للسلطة عبر توريث غير مسبوق مواصلا جرائم والده وبقسوة أشد؟.
الفساد الذي أدّى من زمن اسد الأب إلى استيلاء العائلة الأسدية وأخوالها المخلوفية على النسبة الأكبر من ثروة واقتصاد الشعب السوري.
إنّ أية مناشدة لرئيس وحاكم ظالم تقتصر على ما هو مطلوب للمستقبل ، متغاضية عما أوصل الشعب لهذا الحاضر القاتل الفاسد، لا يمكن تسميتها إلا أنها لف ودوران ومجرد رفع عتب، بعد أن طال سكوت صاحبها ووجهت له انتقادات كثيرة.

وأخيرا وليس آخرا،

 رغم هذه الملاحظات علي أحمد سعيد أسبر ( أدونيس )، فلا يجادل كثيرون في القيمة الإبداعية والحضور المنتشر الواسع له في الساحة الإبداعية العربية، رغم اختلاف أو ملاحظة بعض النقاد على مبالغته في نسب انجازات كثيرة لنفسه سبقه فعلا لها شعراء آخرون لم يأخذوا حقهم من النقد الموضوعي العادل، خاصة فيما يتعلق بالمدرسة السوريالية في الشعر العربي التي يحاول أدونيس نسبة ريادتها لنفسه مع ربط عجيب غريب، بين السوريالية والحركة الصوفية ذات المرجعية الدينية، وهذا قمة التناقض العلني بين الحركتين اللتين لا خلفية منهجية لهما أو أهداف مستقبلية مشتركة، بقدر ما بينهما من تناقض يرقى لحد العكس والتصادم، كما فصّل ذلك عبد القادر الجنابي في كتابه ( رسالة مفتوحة إلى أدونيس في الصوفية والسوريالية ومدارس أدبية أخرى، دار الساقي 1994 ) الذي ناقش وفنّد فيه ما ورد في كتاب أدونيس ( الصوفية والسوريالية، دار الساقي 1992  ). ولمن يريد الكثير من الآراء حول ريادة ومكانة أدونيس الشعرية، أحيله إلى كتاب الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي (الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث ) الذي صدر بالإنجليزية أولا ثم بالعربية عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 2001 ، ترجمة الدكتور عبد الواحد لؤلؤة. هذا وقد دار سجال ساخن آنذاك بين أدونيس والدكتورة الجيوسي في الصحافة اللبنانية حول بعض ما ورد عنه في كتابها المذكور.

 لم يكن الغرض من هذه المقالة الانتقاص من القيمة الأدبية والإبداعية لأدونيس التي يجمع عليها جمهور واسع من النقاد والقراء والمثقفين، إلا أنّ هذا لا يمنع من الدخول في منطقة محظورة مسوّرة بأسلاك  (حراس أمنه الثقافي ) حسب وصف الزميل الشاعر باسم النبريص في نقده لبعض أوجه إبداع الشاعر الراحل محمود درويش. وقد حاولت كقارىء فقط الدخول لتلك المنطقة المحظورة للتركيز على مواقف الشاعر الأخلاقية والوطنية، وأعتقد انّها من أسباب عديدة تحرمه من جائزة نوبل للآداب التي ينتظرها منذ ما يزيد على عشرين عاما، ومهما طال انتظاره فلن يحصل عليها، خاصة بعد الكتابات النقدية العربية الواسعة لمواقفه من ثورة شعبه السوري، وأغلبها أخذت به علما الأكاديمية السويدية لجائزة نوبل، التي فيما يتعلق بالآداب ليس مهما أن تكون شاعرا كاملا، وإنسانا تنقصه الغيرة والمسؤولية نحو شعبه. وكذلك بالنسبة لعلاقة الشعر والإبداع بالشعب، فلمن يكتب الشاعر أو المبدع؟. أليس لجمهور أوشعب كي يفهمه ويتفاعل معه؟. وبالنسبة لأدونيس كم نسبة القراء الذين يفهمون كتاباته الثابت منها أو المتحول في مديح من لا يستحقون. لذلك فهو ضد شعبية الشعر، وكأنه يكتب لنفسه فهو يقول: (كي لا يستمر الشعر عند العرب كأنه مجرد وظيفة ولكي لا يستمر النظر إلى الشعراء كأنهم مجرد أدوات لتسلية الجمهور فقد قررت ألا أشارك في أية أمسية شعرية تضم عدداً من الشعراء قل أو كثر. ولا أقرأ الشعر إلا في حفل خاص بي وفي إطار رفيع يليق بالشعر بحيث يكون الإصغاء إلى الشعر نوعاً آخر من الخشوع  ). هل هناك تعال ونرجسية أكثر من هذا؟. فعلا إنها لا تصدر إلا من إله بمستوى أدونيس، لذلك لا تليق به جائزة نوبل، عند الأكاديمية السويدية لأنه لا يستحقها، وعنده لأنه أكبر منها.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




138
هل يسمع الله دعاء تشافيز لإنقاذ القذافي والأسد؟
د.أحمد أبو مطر

أودّ في البداية أن أوضّح بصراحة أنّه لا يستطيع أحد من البشر أن يتدخل في إرادة الله تعالى، لذلك فأنا أناقش هوغو تشافيز الرئيس الفنزويلي الذي وصف القذافي والأسد بانّهما (أخواه )، وقال في خطاب رسمي بثّه التلفزيون الفنزويلي الحكومي الرسمي يوم الأحد الثاني من أكتوبر: " أدعو الله أن ينقذ حياة أخينا القذافي. إنهم يطاردونه ولا أحد يعرف مكان وجوده. أعتقد أنّه ذهب إلى الصحراء ".

للتذكير فقط إن نفعت الذكرى،

فهناك أوجه شبه بنسبة من النسب بين الثلاثي ( تشافيز، القذافي، الأسد )، فالقذافي استولى على السلطة في ليبيا بانقلاب عسكري عام 1969 ، وبشار الأسد استولى على السلطة في سوريا عام 2000 بتوريث لا دستوري ولا شرعي ولا شعبي أي أشبه أو ألعن من انقلاب عسكري، لأنّه سنّ سنّة لا سابق لها وهي التوريث في نظام رئاسي، ينبغي أن ينتخب فيه الرئيس مباشرة من الشعب. أمّا هوجو تشافيز فقد قاد أول محاولة انقلاب عسكري ضد حكومة الرئيس كارلوس أندريس في فبراير 1992 بسبب توجهاتها الليبرالية الحديثة حسب قوله، وقد فشلت محاولة الانقلاب هذه، وأودع تشافيز السجن لمدة سنتين فقط حيث أطلق سراحه عام 1994 بعكس أخويه القذافي والأسد اللذين قتلاهم بعشرات الألاف وفي سجونهم المفقودون أكثر من المعروفين. وبعد خروج تشافيز من السجن سمحت له ليبرالية الرئيس كارلوس أندريس بخوض الانتخابات الرئاسية في فنزويلا عام 1998 ، حيث فاز فيها وتقلد منصب رئيس الدولة والحكومة معا منذ فبراير 1999 حتى اليوم. وكان الدستور الفنزويلي ينصّ في الفصل الثاني مادة 230 على ( ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ستة سنوات ولا يجوز له أن يرشح نفسه لفترة ثانية متتابعة، ولكن يجوز له أن يعيد ترشيح نفسه بعد انقضاء عشر سنوات من فترة رئاسته الأولى ). و قام بتعديل هذه المادة لتصبح ( مدة الرئاسة ست سنوات ويمكن إعادة انتخاب الرئيس فور انتهاء مدته مرة واحدة لفترة رئاسية جديدة )، وهذا ما كان له أي أنّ مدة رئاسته الثانية الحالية تنتهي في فبراير 2012 ، ورغم ذلك أعلن في ذكرى الاستقلال الفنزويلي في يوليو 2011 عن رغبته في البقاء رئيسا لفنزويلا حتى عام 2021 أي لمدة عشر سنوات جديدة قادمة. وللعلم لمن نسي فقد قام تشافيز في عام 2002 بزيارة العراق للقاء الديكتاتور البائد صدّام حسين بحجة التضامن معه ضد الحصار الدولي على نظامه، ناسيا مئات ألاف العراقيين من مختلف الطوائف والقوميات الذين قتلهم صدام، ويكفي أنّه بدأ مسيرته الإجرامية بقتل حوالي 17 شخصا من قيادته القطرية والقومية بحجة التآمر مع من ؟. مع البعث السوري الأسدي. تصوروا نظام بعثي يتآمر على نظام بعثي، وبالتالي فهو حزب العبث والقتل وليبس البعث، إلا إذا كان المقصود بعث القتل ونشره في أمة عربية ليست واحدة، ذات رسالة أبدا ليست خالدة بسبب هؤلاء الطغاة والمستبدين.

شعبية تشافيز في الداخل غيرها في الخارج

من منطلق الموضوعية ، ينبغي التوضيح أن شعبية هوجو تشافيز في داخل فنزويلا تختلف عنها في خارجها خاصة في الأقطار العربية. ففي هذه الأقطار لا يمكن القفز أو نسيان موقفه إبّان الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة عام 2008 حيث احتج ضد ذلك بقوة نادرة، وقام بطرد السفير الإسرائيلي وتخفيض مستوى التمثيل الديبلوماسي مع إسرائيل. إلا أنّه في داخل فنزويلا لا يحظى بهذه الشعبية بدليل قوى المعارضة القوية والعديدة لنظامه، خاصة أنّه يخلط كثيرا في أقواله التي تكاد تقترب من مساخر الكتاب الأخضر لعميد الطغاة العرب، فعندما تمّ انتخابه لولاية رئاسية ثانية بعد تعديله الدستور حسب مصلحته، وكي يرضي الاشتراكيين والمتعصبين مسيحيا من الفنزويليين، أعلن حرفيا ( فنزويلا دولة اشتراكية على أسس الماركسية اللينينية، والمسيح هو أول اشتراكي وسنسير على خطاه وفق مبادىء الماركسية ). وأعتقد أن هذه الجملة وحدها تحتاج إلى المسيح وماركس ولينين كي يفسروها ولن يتفقوا على تفسير واحد لها، وغالبا سيتقاتلوا بكل أنواع الأسلحة المتاحة، فكيف يمكن أن نجمع بين تعاليم المسيح ونظريات ماركس ولينين، هذه النظريات التي أسقطتها الشعوب التي فرضت عليها قسرا بعد قرابة سبعين عاما عند سقوط وانهيار منظمة ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي. والدليل على عدم الإجماع على شعبيته محاولة الانقلاب عليه التي قامت بها قوى المعارضة مع بعض العسكريين الفنزويليين في فبراير 2009 ، واحتلوا القصر الجمهوري وهرب منه تشافيز ولم يعد إليه إلا بعد فشل الانقلاب.  وأعقب ذلك حملة اعتقالات واسعة طالت المئات من المعارضين والعسكريين، متناسيا أنّه اي تشافيز قام بانقلاب عسكري سابقا، فلماذا ما كان حلالا له حراما لغيره.

وماذا عن دعاء تشافيز الله لإنقاذ الطغاة العرب؟

وكما قلت لا تدخل من أحد في إرادة الله تعالى، ولكن للتذكير فقط ببعض تعاليم الله التي يمكن الاستنتاج منها، أنّ الله لن يقبل دعاء هوجو تشافيز، ولن ينقذ ويحمي أخويه القذافي والأسد، وذلك ببساطة متناهية لأنّ تعاليم الله تنهى عن القتل والفتك بالبشر. " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" المائدة 32 . " من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه وأعدّ له عذابا أليما" النساء 93 .
 ولا أدري ألا يعرف تشافيز ولم يسمع عن معاناة الشعبين الليبي والسوري من نظامي القذافي والأسد وعصاباتهما؟. هل تختلف حرية الشعب الفلسطيني التي يتضامن معها تشافيز مشكورا، عن حرية وأمن الشعبين الليبي والسوري التي يتضامن تشافيز مع قامعيها ومصادريها؟. ما هو ذنب ما لايقل عن خمسة وثلاثين ألفا الذين قتلهم نظام الأسد في مجزرة حماة عام 1982 . ما هو ذنب ثلاثة ألاف قتيل حتى الآن في ثورة الشعب السوري ضد الظلم والطغيان والفساد؟. ما هو ذنب ألاف المعتقلين والمفقودين في سجون الأسد منذ عشرات السنين من السوريين واللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين؟. ما هو ذنب حوالي ألف وخمسمائة قتيل في سجن أبو سليم القذافي على يد عصابات اتلقذافي وبأوامر مباشرة منه؟. ما هو ذنب الإمام موسى الصدر ورفيقيه كي يختفوا أو يقتلوا منذ عام 1978 ؟

وكذلك تضامن تشافيز مع النظام الإيراني

هل يختلف يا سيد تشافيز احتلال النظام الإيراني منذ عام 1925 للأحواز العربية عن احتلال إسرائيل لفلسطين التي تتضامن مع شعبها مشكورا؟. وهل يختلف هذا عن احتلال النظام الإيراني للجزر الإماراتية منذ عام 1971 ؟. وماذا عن القمع الذي يمارسه نظام صديقك ورفيقك أحمدي نجاد ضد المتظاهرين الإيرانيين؟. هل الحرية تستحقها شعوب الكرة الأرضية، وفقط لا تليق ولا تستحقها الشعوب الليبية والسورية والإيرانية التي تتضامن مع طغاتها وجلاديها؟. ووجه الشبه كبير بين خطابات أحمدي نجاد وتشافيز، فكلاهما صاحب عواطف جيّاشة ضد الولايات المتحدة، وتشافيز يصدّر غالبية انتاج فنزويلا من النفط للولايات المتحدة الأمريكية، ويكرّر أغلب النفط الفنزويلي المشهور بكثافته العالية في المصافي الأمريكية الواقعة في الخليج الأمريكي. ويعترف تشافيز نفسه بعد قرابة 12 عاما من حكمه  المسترشد بتعاليم المسيح الماركسية، يعترف بنسبة الأمية والفقر العاليتين في فنزويلا ونسبة التضخم ومن يعيشون تحت خط الفقر من مواطنيه البالغين قرابة خمسة وعشرين مليونا.

إنّ هذه الازدواجية التشافيزية لا تفسير لها سوى أنّها مجرد خطب رنانة لا تختلف عن خطب أحمدي نجاد التي تقدم أكبر الخدمات لدولة إسرائيل، فكلما يتعالى صراخه الفارغ ضد إسرائيل، يتعالى تضامن العالم معها، كما يقول الخبراء الإسرائيليون أنفسهم. وتخيلوا هذه المفارقة: الفلسطينيون يحشدون قوى العالم من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 ، وفي نفس الوقت في مهرجان التهريج في طهران لدعم فلسطين يتعالى صراح علي خامئني و أحمدي نجاد برمي اليهود في البحر، فمن سوف يستفيد من هذا الصراخ ؟. إنّها مزايدات خطابية فارغة لن يجني منها الشعب الفلسطيني سوى المزيد من العذاب والحصار. نتمنى للرئيس تشافيز الشفاء من مرض السرطان الذي ألمّ به، وندعو الله تعالى أن لا يستجيب لدعائه لإنقاذ ودعم الديكتاتورين القذافي والأسد، وغالبا فدعواته غير مستجابة بناءا على ما أوردناه من آيات القرآن الكريم، وجرائم أخويه الشقيقين التؤأمين القذافي والأسد، بدليل أنّ شقيقه الأكبر عمرا القذافي مختفيا منذ شهور في انتظار الحفرة التي تليق به، وشقيقه ألأصغر الأسد مصيره بيد الشعب السوري الذي يصرّ على أسقاطه، فما عاد السكوت ممكنا على جرائمه وفساده.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


139
هل يستحق شعب البحرين الحرية والديمقراطية؟
د.أحمد أبو مطر

أعتقد أنّ السؤال عنوان المقالة سيبدو مثيرا لبعض القراء، ولكنّ اثارتهم لن يطول وقتها، لأنّ جوابي السريع للجميع هو: نعم..نعم..الشعب البحريني وكل الشعوب في العالم بدون استثناء تستحق الحرية والديمقراطية والكرامة والمساواة الكاملة بدون النظر للعرق واللون والجنس والديانة والطائفة، فإذا كانت الدول الأوربية الديمقراطية قد عرفت منذ زمن طويل ( جمعيات الرفق بالحيوان )، فما بالك بالإنسان  ألا يستحق الرفق والرحمة والكرامة، مع تذكر المفارقة المبكية وهي أنّ اضطهاد الحيوان يتمّ من خلال الإنسان، ولكن اضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان في أقطارنا العربية أفظع وأبشع، وفعلا حسب تجربتي الميدانية في الديار والممالك الإسكيندينافية، فإنّهم يعاملون حيواناتهم أفضل وأرحم وأحن مما تعامل أغلب الحكومات العربية مواطنيها. وبعد هذا التطمين الواضح الصريح تأتي بعض التفاصيل التي تحتاج لنقاش هادىء موضوعي وصولا لقناعات مشتركة، تكون نتائج أفكارها من أجل دعم الحرية والديمقراطية في البحرين وكافة الأقطار العربية التي شهدت ثورات شعبية أو لم تشهد بعد.

خصوصية البحرين البشرية

من المهم أن نتذكر أنّ ما عرفت منذ العام 2002 بإسم ( مملكة البحرين )، لها تاريخ عريق وسط صراعات شبه دائمة بين القوى المسيطرة في المنطقة منذ ما يزيد على ألفي عام، رغم أن مساحة المملكة الحالية 741  كيلومتر مربع فقط، أي ضعف مساحة قطاع غزة تقريبا، ويبلغ تعداد سكانها مليون وعدة ألآف  نسمة، منهم 51 % مواطنون بحرينيون و 49 % وافدون أو مقيمون كما يطلق عليهم، غالبيتهم من باكستان وإيران وأقطار أسيوية مجاورة، أي أنّ المواطنين البحارنة لا يزيدون عن نصف مليون مواطن، بدليل أنّ الموقع الإليكتروني الرسمي لحكومة البحرين، يذكر أنّ اللغات المستعملة هي: العربية والإنجليزية والفارسية والأوردو. وحسب أغلب المعلومات المثبتة فإن غالبية السكان البحرينيين يعتنقون المذهب الشيعي، بينما الأسرة المالكة الحاكمة ( آل خليفة ) ينتمون للمذهب السنّي. وهل هذا مشكلة أو نقطة ضعف في مسيرة مملكة البحرين؟. أعتقد أنّه في حالة سيادة القانون والديمقراطية والمساواة الحقيقيتين وتكافؤ الفرص حسب الخبرة ، فلا الشيعة سيسألون ما هو انتماء الأسرة المالكة، ولا الأسرة المالكة ستسأل عن طائفة المواطن قبل تعيينه في مركز أو مسؤولية ما. وللتدليل على ذلك أسأل السادة القراء: كم من القراء يعرف أي مذهب مسيحي تعتنقه ملكة بريطانيا؟ هل هي كاثوليكية أم بروتستانتية أم أرثودكسية أم مورمونية أم...أم...؟. ومن منّا يعرف لأي مذهب تنتمي غالبية الشعب البريطاني القريب من سبعين مليون نسمة؟.

 وأيضا من عوامل النعرة الطائفية في البحرين هذه التدخلات الإقليمية قديما وحديثا، فمن المعروف تاريخيا أنّ البحرين وقعت تحت حكم أو احتلال الدولة الصفوية من عام 1602 إلى عام 1783 ، وعندما لوّحت بريطانيا بالإنسحاب من البحرين في سبعينات القرن الماضي،هدّد شاه إيران باحتلال البحرين على اعتبار أنّها جزء من الأراضي الإيرانية، وتحت ضغوط دولية وافق على اللجوء لإستفتاء شعب البحرين الذي غالبيته شيعة، معتقدا أنّ ولاءهم المذهبي سيفقدهم ولاءهم الوطني، وكانت صدمة شاه إيران أنّ شيعة البحرين صوّتوا في استفتاء عام 1970  بما يشبه الإجماع على استقلال البحرين، فرضخ الشاه لرغبة الشعب البحريني معترفا باستقلال دولة البحرين، ولم يعد لتهديداته بضمها حتى بعد انسحاب بريطانيا عام 1971 واعترافها بالبحرين دولة مستقلة، بل عوضا عنها قام باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، التي ما زالت محتلة حتى بعد سقوط الشاه عام 1979 وحتى اليوم، اي طوال ما يزيد عن ثلاثين عاما من زمن الإمام الخميني وحتى اليوم .إنّ هذا التصويت للإستقلال وعدم التبعية لإيران من غالبية شيعة البحرين نقطة مهمة ينبغي عدم تجاوزها وسط هذا السعار الطائفي الذي يجتاح المنطقة العربية.

وهل مملكة البحرين الآن جمهورية أفلاطون المثالية؟


بالطبع والمؤكد لا، فهناك العديد من الانتقادات والملاحظات على مسيرة حقوق الإنسان والتعددية السياسية وطريقة إجازتها وإعلانها، وأتذكر أنّه بين عامي 1980 و 1990 فترة إقامتي في دمشق، كان فيها العديد من نشطاء حقوق الإنسان المبعدين أو الهاربين، وكلهم تقريبا عادوا للبحرين خاصة بعد إنجاز ما أطلق عليه دستور عام 2002 الذي نصّ على أنّ ( نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا )، ولكن  مثل كافة الدساتير العربية المكتوب على الورق غير المطبق على الأرض، فتعيين مجلس الشورى ( 40 عضوا ) من قبل الملك يتنافى مع هذا النصّ الدستوري، وكذلك رفع ما يشبه شعار للملكة ( الله، الوطن، الملك )، لا ينسجم مع الممارسة الديمقراطية الحقيقية، فالأولى أن يكون الشعار ( الله، الوطن، الشعب )، وهذا ينسجم مع مفهوم وتطبيقات الملكية الدستورية في بريطانيا وكافة الممالك الإسكيندينافية المشهورة بديمقراطيتها وشفافيتها. وكما قلت مرارا ( إنّ ملك النرويج لا يستطيع أن يعطيك دولارا يحرمك منه القانون، وبالمقابل لا يستطيع أن يحرمك من دولار يعطيه لك القانون ). فأين هذه الشفافية مقارنة بالسائد في بلادنا تحت مسمّى ( مكرمة ملكية )، وهي مدفوعة من ميزانية الدولة وعرق الشعب. كما أنّ وضع الملك أي ملك في مستوى الوطن والشعب لا يليق بأية مبادىء ديمقراطية، خاصة أنّ بعض الملكيات العربية لديها قانون عقوبات لما يسمّى ( المس بالذات الملكية )، ولاحظوا أنّها نفس الصفة التي تطلق على الله تعالى ( الذات الإلهية ). فهل يعقل هذا ضمن دساتير أنظمة تدّعي الديمقراطية وحرية التعبير.

التعديات في مظاهرات فبراير الماضي البحرينية

مظاهرات أم تحركات شعبية أم ثورة بحرينية، لا تهمّ التسمية لأنها أساسا قطاعات واسعة من الشعب البحريني تحركت في شوارع العاصمة المنامة وصولا لميدان اللؤلؤة الذي تمت إزالته، مطالبة بمطالب شعبية جماهيرية تدور كلها حول الحريات الديمقراطية والتعددية السياسية الحقيقية والمساواة الاجتماعية للجميع. وحسب متابعاتي فقد حدثت تعديات من الطرفين، المتظاهرون وقوات الأمن. لقد كان مستفزا مما شاهدناه على العديد من الفضائيات العربية والأجنبية أن يرفع بعض المتظاهرين صورا لمرجعيات شيعية غير عربية، وكأنّهم يستقوون على الداخل البحريني بهذه المرجعيات التي طالما هدّد بعضها باستهداف آبار النفط في البحرين والسعودية، كما صرّح في التاسع من مايو الماضي منظّر الحرس الثوري الإيراني الدمتور مصطفى ملكوتيان وغيره من المسؤلين الإيرانيين. كذلك أساء للتظاهرات الشعبية البحرينية المطالبة بالمزيد من الإصلاحات المظاهرات التي نظّمها حزب الله في لبنان، رافعين علما بحرينيا مزوّرا عليه إثنا عشر نجمة بدل خمس نجمات، رأى البعض فيه رمزية معينة ودلالات غير مباشرة. وما جعل موقف حزب الله اللبناني يفسّر على أنه موقف طائفي هو سكوته طوال الشهور الستة الماضية على القمع والقتل في سوريا الذي أوقع حتى الآن ما يزيد على ثلاثة ألاف قتيل من الشعب السوري الأعزل المنادي أيضا كشعب البحرين بالمزيد من الحريات الديمقراطية، رغم أنّه لا يمكن مقارنة تدخل السلطات البحرينية ضد المتظاهرين بموقف القتل الذي يمارسه نظام بشار الأسد. وكل هذه التدخلات أعطت مبررا بنسبة من النسب لتدخل قوات درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون الخليجي، خاصة أنّها جاءت بطلب من حكومة البحرين، إذ لا يمكن نسيان تصريحات شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان» الرسمية الذي يعينه مرشد الثورة علي خامنئي في هذا المنصب التي قال فيها حرفيا " إنّ البحرين جزء من الاراضي الايرانية، وقد انفصلت عن إيران اثر تسوية غير قانونية بين الشاه المعدوم وحكومتي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا». وأضاف «ان المطلب الأساسي للشعب البحريني حاليا هو إعادة هذه المحافظة التي تم فصلها عن إيران إلى الوطن الأم والأصلي أي إيران الإسلامية ". فمن أعطاه الحق أن يدّعي هذا الإدعاء نيابة عن شعب البحرين الذي صوّت عام 1970 شيعته وسنّته بقيام دولة البحرين المستقلة، وكان لهم ذلك منذ عام 1971 وحتى اليوم. وكلنا يتذكر الفيلم الوثائقي الذي بثته فضائية الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية في الرابع من أغسطس الماضي بعنوان ( البحرين: صراخ في الظلام ) وما أعقبه من احتجاجات وغضب حكومي بحريني. ورغم ذلك فإن الهدوء النسبي الذي عاد لشوارع البحرين وميادينها، إن اتحدت مطالب المعارضة المشتته، وواصلت الحوار الهادىء الموضوعي مع الحكومة، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى رفع مستوى الحريات والديمقراطية في البحرين.

انتكاسة مؤلمة لتوقعاتي الديمقراطية

إلا أنّ أحكام السجن المشدّدة التي صدرت عن محكمة استثنائية في البحرين يوم الجمعة الثلاثين من سبتمبر بحق 21 معارضا ، أغلبهم من الأطباء والممرضات بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، تشكّل انتكاسة محبطة لتوقعات انطلاق المسيرة الديمقراطية الحقيقية، إذ لا يمكن فهم أية آليات أو إمكانيات يتمكن من خلالها ممرضون وممرضات وأطباء من قلب نظام الحكم؟. خاصة أنّه صاحبها حكم محكمة عسكرية في يوم سابق بالإعدام على متظاهر تمت إدانته بقتل شرطي. لذلك صدرت على الفور إدانات دولية واسعة بدأتها الحكومة الفرنسية التي طالبت حكومة البحرين إبداء الرأفة بالمعتقلين، ومعارضتها الشديدة للحكم بالإعدام، وكذلك صدرت إدانات شديدة من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان التي رصدت تجاوزات قاسية بحق المتظاهرين، خاصة صدور أحكام بالسجن المؤبد بحق سبعة من قادة المعارضة الشيعية. وكذلك السفير الأمريكي الجديد المعين في البحرين توماس كراجسكي قال يوم الأربعاء الموافق الحادي والعشرين من سبتمبر الماض أمام لجنة الشؤون الخارجية ( إنّ واشنطن تبقى قلقة للغاية حيال موضوع القمع الذي يمارسه النظام ضد المتظاهرين )، وأورد عددا من المعلومات الموثوقة بشأن انتهاكات لحقوق الإنسان من جانب قوات الأمن البحرينية.  الطريف في هذا السياق أنّ بعض الحكومات العربية تحتج بشدّة عند صدور هذه الأحكام من كتاب أو فضائيات عربية، ولكنها تسكت ولا تستطيع حتى التعليق عند صدور نفس التعليقات عن سفراء وشخصيات الشقيقة الكبرى ماما أمريكا.

 ورغم صدور هذه الأحكام يبقى في الأفق فسحة من الأمل كما تعودنا في الكثير من الحالات العربية، أن يتدخل ملك البحرين لإلغاء هذه الأحكام أو تخفيفها بشكل عميق، كما فعل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز قبل أيام قليلة عندما نقض حكما بالجلد صدر بحق سيدة سعودية تحدت قرار حظر السيدات من قيادة السيارات، خاصة أنّ هذا التدخل بالعفو صاحب قرار العاهل السعودي يوم الأحد الموافق الخامس والعشرين من سبتمبر 2011 بالاستجابة لمطالب المرأة السعودية بالترشح للمجالس البلدية، متحديا الجدل الذي كان يرى منحها حق الانتخاب فقط، وهذه الخطوات من الواجب تثمينها في مجتمع محافظ كالسعودية، لأن تحقيق مساواة المرأة بالرجل خطوة خطوة أفضل من البقاء في خانة الجمود.

والحل الجذري في البحرين وغيرها هو نبذ الطائفية


إذ أتخيل لو أنّ العائلة المالكة البحرينية من الطائفة الشيعية لما شهدت البحرين أية مظاهرات واحتجاجات من طرف الشيعة، بل لقاد التظاهرات السنّة رغم أنّهم الأقلية في المجتمع البحريني. وهنا أودّ التأكيد على أنّ تظاهرات الشيعة ومطالبهم بالمزيد من الحريات الديمقراطية وصولا لملكية دستورية حقيقية، لا يعني أنهم موالون لإيران ككتلة شعبية، فلا أحد يشكك في وطنيتهم منذ أن صوتوا عام 1970 لإستقلال البحرين ورفض إدعاءات شاه إيران بأنها جزء من الأراضي الإيرانية. ومن المهم في هذا السياق قراءة وسماع قول العالم الشيعي البحريني السيد ضياء الموسوي إذ يقول صراحة: " كبحرينيين سنة وشيعة،نحن متمسكون بأوطاننا الخليجية كتمسك الطفل بالمشيمة فلا يقبل أن تستبدل مشيمته الطبيعية بمشيمة بلاستيكية. وقديما قيل: وطني لوشغلت بالخلد عنه نازعتني اليه بالخلد نفسي.لا يظنن أي مثقف إيراني، أنّ الشيعة في الخليج قد يصطفون خلف طابور ايراني ويتركون أوطانهم.إن اوطاننا هي بلداننا الخليجية، ويجب علي بعض هؤلاء المثقفين أن يخرجوا أنفسهم من غيبوبة حلم الفاتيكان الشيعي . فالشيعي القطري والبحريني والكويتي والاماراتي والعماني والسعودي ولاؤه لأرضه وحكومته وشعبه. كما وقف البحرينيون ضد دعاوي الشاه ، سنقف ضد أي دعاوي إيرانية ولو كانت قادمة من مثقف، جيناته اسلاموية".

وأخيرا سؤال للقراء ومشايخ الإسلام


وهو فعلا سؤال يلحّ على ذهني وتفكيري منذ سنوات طويلة، لإيماني الصريح بأنّه حقيقة ينبغي أن لا يكون لدينا مذاهب إسلامية، طالما في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك سنّة أو شيعة أو سلفيين أو متشددين ....إلخ الإسطوانة. كان هناك فقط إسلام ومسلمون. والسؤال: ما هو الموقف الشرعي ممن شاركوا في موقعة الجمل التي وقعت في البصرة عام 36 هـ بين قوات أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام بالإضافة إلى أم المؤمنين عائشة زوجة الرسول الكريم، وتؤكد بعض المصادر الإسلامية أنّ عدد القتلى في تلك المعركة من الجانبين لا يقلّ عن سبعة عشر ألفا، وبالطبع كلهم مسلمون وفيهم ممن يعتبرون من صحابة الرسول. ما هو الموقف الشرعي من هؤلاء القتلى من الجانبين على ضوء حديث الرسول رقم 5139 في صحيح مسلم. " ‏ حدثني : ‏ ‏أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري ‏ ، حدثنا : ‏ ‏حماد بن زيد ‏ ‏، عن ‏ ‏أيوب ‏ ‏ويونس ‏ ‏، عن ‏ ‏الحسن ‏ ‏، عن ‏ ‏الأحنف بن قيس ‏ ‏قال : ‏ ‏خرجت وأنا أريد هذا الرجل فلقيني ‏ ‏أبوبكرة ‏ ‏فقال : أين تريد يا ‏ ‏أحنف ‏ ‏قال : قلت أريد نصر إبن عم رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏يعني ‏ ‏علياً ‏، ‏قال : فقال لي : يا ‏ ‏أحنف ‏ ‏إرجع ‏ ‏فإني ‏سمعت رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏يقول ‏: ‏إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قال : فقلت أو قيل : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال : إنه قد أراد قتل صاحبه ". ما رأيكم دام فضلكم، أعطوني رأيكم وأجركم وثوابكم عند الله تعالى.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
 




140
لماذا أنت مهتم بالشؤون الليبية والإيرانية والسورية؟
د.أحمد أبو مطر

وصلني السؤال عنوان هذه المقالة ضمن رسالة من أحد القراء الكرام، يقول في بعض أسطرها: " أنا من المتابعين لكتاباتك في موقع إيلاف تحديدا، وأوافقك في العديد من أفكارك وأطروحاتك، إلا أنني أيضا أخالفك في بعضها، وهذا حقّ لي حسب تكرارك لقول" إن الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس". وعندي سؤال ربما أيضا يفكر فيه بعض القراء غيري، وهو: لماذا أنت مهتم بالشؤون الليبية والسورية والإيرانية في كتاباتك والبرامج التي تشارك فيها؟".

سؤال منطقي وطبيعي

إنّ هذا السؤال من الممكن والطبيعي أن يوجّه لي ولأي كاتب آخر حسب الموضوعات التي يهتم بها ويتابعها ويكتب فيها، وبالنسبة لي سوف أجيب عموم القراء بصراحة عن أسباب وخلفيات اهتمامي بهذه الشؤون، وكل شأن منها في كل قطر بمقالة مستقلة لما لديّ من أسباب وحيثيات ربما من المفيد للقارىء الإطلاع عليها ،خاصة أنّ أغلبها نتيجة حياة ميدانية في تلك الأقطار وقراءات وعلاقات واسعة عنها وفيها.

              أولا: لماذا أنا مهتم بالشأن الليبي؟

إنّ هذا يعود لمعرفة ميدانية وعلاقات شخصية داخل ليبيا تعود إلى العام1971  عندما كنت أعمل في مجلة الرائد الكويتية الإسبوعية في زمن رئيس تحريرها النائب المرحوم خالد المسعود، ثم تعرفي على مجلة ( الثقافة العربية ) التي صدرت في طرابلس بليبيا في العام 1973 ، وكانت مجلة نوعية مميزة خاصة في زمن رئاسة تحريرها من الأستاذ محمد الفيتوري والأستاذ الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه، وقد كاتبت المجلة وراسلتها من الكويت، وكنّا فعلا ننتظر وصول أعدادها لنا في الكويت بشغف وانتظار، خاصة أنها ركّزت على الجانب الثقافي والإبداعي ولم تنجر لشعوذات ومساخر عميد الطغاة العرب الخضراء أو الصفراء. وفي العام 1974 شاركت في مؤتمر عربي في طرابلس، أتذكر أنه كان عن موضوع ( التعريب في الحياة الثقافية العربية ). وأثناء مشاركتي في هذا المؤتمر، تمكنت من الحصول على موعد لإجراء لقاء صحفي مع القذافي الذي لم يكن قد اشتهر بعد، إذ لم يمض على استيلائه على السلطة من الملك إدريس السنوسي سوى خمسة سنوات، ولم تظهر عليه بعد بشكل واضح علامات الغطرسة والقمع والغرور والصلف التي رافقته بعد ذلك طوال مسيرته التي رسخّته حسب ما أطلق هو على نفسه ( عميد الحكام العرب ) ليصبح لاحقا عميد الطغاة العرب. وقد نشر اللقاء الصحفي في مجلة الرائد الإسبوعية الكويتية في وقت كان سفير ليبيا في الكويت هو الأستاذ حسني صالح المدير، و أخذت السفارة مئات من نسخ المجلة الكويتية لتوزيعها على السفارات الليبية في الخارج، كون العدد يتضمن لقاءا صحفيا مع العقيد.
 وبعد حصولي على درجة الدكتوراة في الآداب من جامعة الإسكندرية عام 1979 تعاقدت مع جامعة طرابلس التي كان اسمها جامعة الفاتح، فتعرفت على العديد من الزملاء الليبيين خاصة الكتاب والمبدعين الحقيقيين، ورغم مغادرتي للجامعة، فقد عدت عدة مرات إلى ليبيا للمشاركة في مؤتمرات، خاصة بعد معرفتي الوثيقة بالزميل محمد علي الشويهدي عند إصداره مجلة الموقف العربي من قبرص وعمر الحامدي وابراهيم ابجاد وغيرهم الكثيرون. كل هذه الوقائع تثبت أنني كنت على علاقة مباشرة وميدانية بالوضع في داخل ليبيا، فماذا عرفت وتأكدت عن هذا الوضع، كي يصبح واحدا من اهتماماتي في الكتابة والمتابعة؟.

أولا: غرور وغطرسة وتمسك بالكرسي حتى الموت
لقد أغرى الكرسي والسلطة والثروة هذا الملازم ليغدر بأقرب أصدقائه المشاركين له في انقلابه العسكري الذي أطاح بالملك إدريس السنوسي، ليتفرد بالسلطة عبر القمع والقتل والإقصاء، واختراع شعوذات لا تخطر إلا على ذهن المساطيل أو متعاطي حبوب الهلوسة، ويكفي مثالا على ذلك ما أطلق عليه ( اللجان الشعبية )، التي خرّبت غالبية نواحي الحياة الليبية وأعادتها للوراء مئات السنين بدلا من استغلال هذه الثروة النفطية لتقدم وتحضر شعب لا يزيد عن خمسة ملايين نسمة. لقد زرعت هذه اللجان حسب هوى  العقيد المجنون الخراب حتى في السلوك اليومي للمواطن، لأنّ أجهزة أمنه ومخابراته أشاعت خوفا وهلعا لا مثيل له خاصة بعد مجزرة سجن أبو سليم عام 1996 .  هذه اللجان الشعبية التي في حقيقتها لا شعبية ومجرد أجهزة ملاحقات ومتابعات، كانت الذراع القوي للعقيد المهووس والفرصة لكل انتهازي أن يصل إلى ما يريد. وأتذكر أنه في عام 1979 عندما عملت في جامعة طرابلس، كنت أحدث الحاصلين على درجة الدكتوراة، ومرتبتي العلمية هي "مدرس "، ومعي في الجامعة زملاء فلسطينيون ومصريون بدرجة" أستاذ مساعد " و "أستاذ " ورغم ذلك كان رئيس قسم اللغة العربية زميلا ليبيا لم ينه بعد المرحلة الجامعية الأولى، لكنّه مسؤول نشط في اللجان الشعبية، إلى حد أنه كان يوصينا بعد انتهاء الامتحانات أنّ نحاول عدم ترسيب أي طالب حتى لو قدّم ورقة امتحانه بيضاء، لأنّه بعد صدور النتائج بنجاح مائة بالمائة، تشهد الجامعة تظاهرات اللجان الشعبية المؤيدة لقائد الفاتح من سبتمبر، وصابغ ميدان الشهداء باللون الأخضر، ليصبح الساحة الخضراء تيمنا بكتاب الحيض والنفاس الكتاب الأخضر.

ثانيا: تبذير الثروة الليبية على الإرهاب والمشاريع الوهمية


أعتقد أنّ هذا الجانب وحده يستحق عليه عميد الطغاة العرب القتل والموت بأية وسيلة. من يتخيل مستوى الخدمات اليومية أو مستوى دخل المواطن في ليبيا وهي تتمتع بهذه الثروة النفطية الهائلة قياسا بعدد سكانها المحدود للغاية. أعتقد أنّه من مهمات الحكومة الليبية الجديدة بعد سقوط الطاغية، إجراء دراسات بالأرقام عن المليارات التي أنفقها الطاغية على العمليات الإرهابية في العديد من الأقطار، والمؤتمرات التي كان يعقدها ترويجا لشخصه المهووس بالعظمة لحد أنّه عقد مؤتمرت في طرابلس للهنود الحمر من الولايات المتحدة الأمريكية. والمشاريع الوهمية التي أنفق عليها المليارات بدون فائدة ميدانية ومنها ما أطلق عليه "مشروع النهر الصناعي العظيم "، ليثبت بعد إهدار المليارات من الدولارات من ثروة الشعب الليبي أنه لا يوجد نهر لا صناعي ولا عظيم.

ثالثا: استغلاله اللاوطني للقضية الفلسطينية وشعبها


استغلت غالبية الأنظمة العربية القضية الفلسطينية كشماعة تعلق عليها فسادها وقمعها ومزايداتها، وعلى رأس هذه الأنظمة نظام عميد الطغاة العرب في ليبيا. إنّ سجله في هذا الميدان وصمة عار في جبينه حتى في الحفرة التي سيصطادونه فيها. ويكفي التذكير بقيامه بعد توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993 بطردما لا يقل عن خمسة ألاف فلسطيني من العاملين والمقيمين في ليبيا إلى الحدود الليبية المصرية، غالبيتهم من النساء والأطفال، وظلّلوا عالقين على الحدود قرابة عام كامل سقط من بينهم قتلى ومرضى، كل ذلك حسب زعم الطاغية أنّه أصبح لهم دولة في غزة والضفة، وعليهم أن يعودوا لها. وكذلك عداؤه الدائم مع منظمة التحرير الفلسطينية ودعمه لأي انشقاق عن المنظمة بالمكاتب والمال، وفي حربه مع تشاد عام 1986 زجّ بمئات الفلسطينيين من عناصر هذه المنظمات الفلسطينية التابعة لأوامره في هذه الحرب، كي يعطي حربه هذه صفة قومية من خلال موت عشرات الفلسطينيين فيها. وهذا الملف طويل يحتوي الكثير من المعلومات والحقائق التي تدين هذا الطاغية، إدانات تؤهله بعار لتقديمه لمحكمة الجنايات الدولية ، وهذا ما نأمله بعد العثور عليه في حفرته الموعودة. ألا تستحق كل هذه المعايشات الميدانية، والتخريب الذي قام به هذا الطاغية داخل ليبيا وخارجها، أن تكون لديّ اهتمامات بالشأن والملف الليبي، خاصة الهموم التي كنت وما زلت أسمعها من أصدقائي خاصة الكتاب والمبدعون الليبيون الذي بدأوا بفتح ملفات هذا الطاغية، وهم على ذلك يشكرون؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




141
التدخل العربي و الدولي مطلوب لوقف آلة القتل الأسدية

د.أحمد أبو مطر

تطور المواجهات الميدانية بين الشعب السوري وآلة القمع الدموية التابعة لبشار الأسد ومرتزقته أيا كانت هوياتهم ومللهم ونحلهم، تؤشر بوضوح إلى أنّ هذا النظام الذي استولى على السلطة بقوة الدبابات عام 1970 ، ثم التزوير العلني والتوريث غير المسبوق عام 2000 ، قد اتخذ قراره النهائي الذي مفاده ( أنا أو الشعب السوري ). لماذا هذا القرار الذي يعني المزيد من القتل والتدمير؟

لأنه نظام ما عاد مقبولا من الشعب السوري

هذا النظام يعرف أنّ كل الحركات الديكورية التي اتخذها تحت مسمّى الإصلاحات، هي مجرد ألاعيب ومهازل لن توصل لإصلاحات حقيقية، لأنّ هذه الإصلاحات لا تعني سوى محاكمة هذا النظام العائلي خاصة رموزه من عائلة الأسد وأخوالهم آل مخلوف، الذين يستولون منذ عام 1970 على غالبية مقدرات وثروات الشعب السوري، إلى حد أنّ المصادر الإقتصادية العالمية المتخصصة والمطلعة على ثروات العائلة ، تطلق عليها تسمية ( إمبراطورية آل مخلوف ). ويستمر هذا النظام وأبواقه الإعلامية السخيفة والسطحية بترديد فكرة المؤامرة التي يتعرض لها النظام ،معتقدين أن العرب والعالم من الممكن أن يصدقوا أن كافة المدن السورية المنتفضة ضده بالملايين، كلها وكلهم عملاء لمؤامرة خارجية، دون أن يحدد لمصلحة من ولماذا هذه المؤامرة، وهوأي النظام الذي أرسل منذ مايو الماضي عبر رامي مخلوف ( إبن خال بشار ) رسالة واضحة لإسرائيل مفادها أن استقرار النظام يعني استقرار دولة إسرائيل.

إذن فمن الذي يتآمر على النظام ولمصلحة من؟. تعودنا في العالم العربي دوما على إلقاء أية مشكلة على شماعة اسمها  (الموساد الإسرائيلي )، وقد ألغى رامي مخلوف ( فضح الله سرّه ) هذه الشمّاعة في تطبيقاتها السورية، بإعلانه الصريح وكأنه يطلب بشكل غير مباشر دعم إسرائيل لمواجهة انتفاضة الشعب السوري التي مطالبها الحرية والكرامة والديمقراطية والتعددية الحزبية فقط. وإلا فما هو المقصود ومن هو المعني بتصريحات رامي مخلوف سابقة الذكر التي كانت تحديدا لصحيفة نيويورك تايمز في منتصف مايو الماضي. وهل يجرؤ رامي مخلوف على النطق بهذه التصريحات دون الموافقة المسبقة أو الطلب المسبق من بشار نفسه؟. وبالتالي فإنّ الشعب السوري لم يعد يثق بأية نسبة من  المصداقية لدى هذا النظام ورموزه الذين يتذاكون بغباء منقطع النظير، خاصة مستشارة بشار بثينة الصحاف ووزير خارجيته وليد اللامعلم. وعبّر العديد من قادة العالم وقوى المعارضة العربية عن فقدان الأمل في أية نية حقيقية لدى هذا النظام لإصلاحات حقيقية، لأنّ هذه الإصلاحات إن تمّ تطبيقها فهي تعني رحيل الرئيس الذي استولى والده على السلطة عبر انقلاب عسكري ، وغدر بأقرب من كان يسميهم الرفاق البعثيين،ثم قام بتوريثه سوريا كمزرعة خاصة بالعائلة الأسدية المخلوفية.

وكذلك عربيا ودوليا

فقد انفضح هذا النظام بتنامي آلة القتل اليومية لديه، حيث من المستحيل أن يمرّ يوم بدون عشرين قتيلا، مما حدا بعدة دول عربية من مجلس التعاون الخليجي لسحب سفرائها أو تجميد عمل سفاراتها، وتوجية رسالة نصيحة وتحذير للنظام من الحكومة الأردنية وغالبية الفعاليات الشعبية في الأردن، إلى حد إيصال حمزة منصور أمين جبهة العمل الإسلامي الأردنية رسالة لرئيسي وزراء روسيا والصين لوقف دعمهما للنظام السوري الذي يقمع شعبه. وحتى حليفته إيران من باب فضح عار سكوتها ودعمها للنظام الديكتاتوري قام نظام الملالي بحركات ديكورية، مثل إعلانه عن لقاءات مع بعض رموز المعارضة السورية، ومطالبة أحمدي نجاد قامع مظاهرات الشعب الإيراني صديقه بشار بإصلاحات داخلية.

 ودوليا تتصاعد المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية للنظام ورموزه، إلى حد أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت منذ منتصف يوليو الماضي أنّ هذا النظام فقد شرعيته، واتخذت فرنسا نفس الموقف منذ أيام قليلة، حيث ( اعتبر وزير الخارجية الفرنسي أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته، وأن أوان إمكانية إجرائه إصلاحات قد فات، واصفا فشل الأمم المتحدة في اتخاذ موقف واضح من الأزمة في سوريا بأنه فضيحة ). وقد تم رصد ما يزيد على 3000  قتيل حتى الآن، وتبشيع لم يرتكبه أي نظام ديكتاتوري قبله، مثل الطريقة التي قتل فيها الطفل حمزة الخطيب ومغني الثورة السورية إبراهيم القاشوش حيث تم قطع حنجرته ورمي جثته في نهر العاصي، وتكسير أصابع الفنان العالمي علي فرزات، وليس أخيرا الطريقة التي قتل فيها الشاب غياث مطر. ومن شدة فداحة جرائم هذا الأسد الوحش، قام العديد من السفراء الغربيين بزيارة الفنان العالمي علي فرزات ليعبروا عن تضامنهم معه ومع الشعب السوري، ومنهم سفراء الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وأسبانيا، بينما لم يجرؤ سفير عربي على القيام بهذه المهمة الإنسانية الأخلاقية؟..أليس هذا تخاذلا وجبنا لا يليق بالعرب وجامعتهم التي لا تزال تتردد باتخاذ موقف يحفظ كرامة الشعب السوري وإعلان التضامن معه في وجه هذا الطاغية وعصاباته؟.

التدخل العربي العاجز مسبقا

إنّ العلة تكمن في بنية الأنظمة العربية وبيتها المسمى ( جامعة الدول العربية ) التي تنصّ بعض مواد قوانينها على ( عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة عربية )، أي أنه اعتراف رسمي بأن كل دولة عربية مجرد مزرعة خاصة بالحاكم، يتصرف فيها وبها كما يشاء دون حق أحد أن يتدخل ويسأله عن سلوكه أيا كان نوعه. لذلك فإن الدول العربية وجامعتها سواء كان أمينها عمرو موسى أم نبيل العربي أم هيفاء وهبي، فلن تستطيع عمل أي شيء لدعم ثورة الشعب السوري، خاصة بأنّ زيارات نبيل العربي لا مضمون ولا معنى لها، فهي مجرد زيارات رفع عتب والتقاط صور تذكارية مع قاتل لا مثيل له.

التدخل الدولي هو المطلوب

ليس شرطا أن يكون التدخل الدولي عسكريا كما حدث في ليبيا، فهناك أشكال عديدة من التدخل العسكري غير المباشر كفرض حظر جوي على الأجواء السورية حيث بدأت طائرات النظام أخيرا التحليق وتهديد بعض المدن، وإيجاد وسائل لمنع تحرك دبابات ومدرعات النظام التي لم تسلم حتى مآذن المساجد من قصفها. كذلك فإن الإجماع الدولي في مجلس الأمن لإدانة ممارسات النظام ضروري، واستمرار السكوت وعدم الإجماع يشكّل فضيحة كما قال وزير الخارجية الفرنسي. لا بد من أن يتحرك مجلس الأمن الدولي رغم احتمال اعتراض روسيا والصين، فما يجري ضد الشعب السوري من قمع وقتل وتدمير لا يمكن السكوت عليه...فلننتظر ماذا سيحدث في مجلس الأمن الدولي ، وكيف ستكون آليات التحرك الدولي لإنقاذ الشعب السوري من براثن الأسد. خاصة أنّ الأخبار الأخيرة تقول أنّ الولايات المتحدة بدأت تفكّر وتخطط لمرحلة ما بعد الأسد، لأنها أصبحت واثقة أنّه لن يتمكن من الاستمرار في قمع الشعب السوري، وهذا ما يجعل السفير الأمريكي متواجدا في سوريا ويتنقل من مدينة إلى أخرى ليرصد تطورات الوضع. كما أنّ المقاطعة الأوربية الكاملة للنفط السوري سوف ترهق ميزانية النظام الموجهة في الغالب لقوات الجيش والحرس الرئاسي وماهر الأسد الذي يقوم بأغلب عمليات التدمير والقتل.

المتوقع من الحكومة التركية
وأيا كانت الأغراض التركية الخاصة، فقد أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في ختام لقائه مع الرئيس الاميركي باراك اوباما ( أن تركيا قطعت حوارها مع سوريا وتفكر بفرض عقوبات على هذه الدولة التي تقوم بقمع حركة الاحتجاج على نظامها منذ ستة اشهر ). وقال اردوغان خلال مؤتمر صحافي في نيويورك نقلته الاربعاء الماضي وكالة انباء الاناضول "لقد اوقفت محادثاتي مع السلطات السورية. لم نكن نرغب أبدا في الوصول الى هذه المرحلة لكن للاسف هذه الحكومة دفعتنا الى اتخاذ مثل هذا القرار". واكد اردوغان ان تركيا تفكر في فرض عقوبات على سوريا وستجري محادثات في هذا الصدد مع واشنطن التي سبق ان اعلنت عن اجراءات مماثلة.
تحرك جيد من البرلمانيين العرب
حيث قرر البرلمان العربي النظر في تجميد عضوية سوريا واليمن في البرلمان ووقف أنشطته في مقره الدائم بدمشق بأسرع وقت ممكن في حال عدم استجابة السلطات في البلدين لمطالبات البرلمان بوقف العنف تجاه الشعبين السوري واليمني والعمل على حل الأزمتين من خلال عدد من الاجراءات التي قدمها البرلمان. وهذا مطلب عادل فلماذا جمّدت جامعة الدول العربية عضوية نظام القذافي منذ شهور، وتسكت على عضوية نظام الممانع بالثرثرة وقاتل الشعب السوري بالرصاص؟.
اقتربت ساعة السقوط
بدليل أنّ أكثر الدول تأثيرا في الساحة الدولية تدرس الوضع السوري بعد سقوط هذا النظام المتوحش،وكما أكّدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية  فإن إدارة أوباما "مصممة على تجنب تكرار ما حدث عقب الحرب الأميركية في العراق" من افتقار لخطط تفصيلية حول كيفية التعامل مع الفصائل العراقية عقب الإطاحة بصدام حسين. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الإدارة القول إنه من المؤكد أن الموضوع السوري سيكون ضمن مناقشات الرئيس أوباما مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اليوم الثلاثاء في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا ما ثبت من إعلان الموقف التركي المشار إليه في السطور السابقة. لذلك نأمل تحركا عربيا دوليا يؤدي لإسقاط ورحيل هذا النظام بدون أية نتائج سلبية مما يلوّح بها النظام كالحرب الأهلية الطائفية، وهذا مجرد تخويف من النظام للمجتمع الدولي، لأنّ الشعب السوري أوعى مما يهوّل النظام، وليس هناك أي طيف من أطياف المجتمع السوري لم يعان من فساد وقمع هذا النظام، لذلك فإنّ رحيله من مصلحة كافة السوريين والعرب أيضا.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



142
فتوى عربية لنقض فتوى الملالي الديكتاتورية
د.أحمد أبو مطر

بداية لا يمكن الاختلاف على أنّه لا يدافع عن الديكتاتور والمستبد والقاتل إلا من هو على شاكلته في الاستبداد والقتل والتحكم في رقاب البشر حسب مصلحته. وكذلك لا يمكن أن يدافع عن اللص إلا سارق مثله، فالطيور على أشكالها تقع، والمثل العربي يقول: ( قل لي من هو صديقك، اقول لك من أنت ). والدليل على ذلك أنّ هناك محامون شرفاء يرفضون الدفاع عن القتلة والمجرمين والمستبدين، لأنّ مهمة المحامي هي محاولة تبرئة موكله، فكيف يحاول تبرئته وهو يعرف أنّه قاتل ومجرم ولص. وفي المقابل هنالك محامون يطيرون من بلادهم بالعشرات للدفاع عن المستبدين والقتلة، كما شاهدنا ذلك سابقا حيث مئات المحامين هرعوا للدفاع عن الديكتاتور البائد صدام حسين، وحاليا حيث عشرة محامين كويتيين، تطوعوا ووصلوا للقاهرة فعلا للدفاع عن الرئيس المخلوع حسني مبارك، فكان ردّ شباب ثورة يناير المصرية هو الاستياء والغضب الشديد من هذا التصرف الذي لا مبرر له لأنّه قد تمّ تعيين العديد من المحامين المصريين للدفاع عنه، وهذا حق يكفله له القانون. وقد برّر المحامون الكويتيون فعلتهم هذه بأنها ( بادرة امتنان لدعم مبارك لتحرير الكويت أثناء الحرب مع العراق )، وهي حجة غير منطقية ، وإلا لماذا لم يشكلوا وفدا آخر لدعم طاغية دمشق، فقد قام حافظ الأسد عام 1991 بنفس عمل حسني مبارك، وأرسل فرقا من جيشه البعثي لمحاربة جيش صدام البعثي أيضا. و بالعكس طالب حوالي ثلاثين نائبا كويتيا في مطلع أغسطس الماضي حكومة بلادهم بسحب السفير الكويتي من دمشق وطرد السفير السوري من الكويت احتجاجا على عمليات القمع الأسدية للشعب السوري المطالب بحريته وكرامته.

فتوى إيرانية من طغاة لدعم طاغية


وضمن سياق دعم كل ديكتاتور ومستبد لأمثاله، نشط فقهاء الملالي الإيرانيين المستبدين المصادرين لحرية الشعب الإيراني، لإصدار الفتاوي الدينية لدعم طاغية سوريا الأسد المتوحش على الشعب السوري فقط ، فقد أصدر من يقدّم نفسه في إيران بأنّه ( مرجع إيراني )، ناصر مكارم شيرازي، فتوى دينية لدعم نظام الأسد معتبرا أنّ ( دعم استقرار سوريا واجب ديني ). وهذا صحيح من ناحية استقرار وأمن الشعب والوطن، وليس استقرار واستمرار هيمنة نظام قمعي منذ عام 1970 في سوريا، ومنذ عام 1979 في إيران التي شهدت منذ ثلاثة أعوام مظاهرات عارمة لا تقل عن ضخامة المظاهرات المصرية والسورية، إلا أن نظام الملالي واجهها بالرصاص الحي والقمع الذي أودى بحياة العشرات وألاف من المعتقلين، رغم أنّ تلك المظاهرات كان يقودها فقهاء في مرتبة علي خمئني مثل مير حسين موسوي ومهدي كروبي. وليس بعيدا ولا مستغربا على نظام ملالي طهران القمعيين وفقهائهم الداعمين لهم مستعملين الفتاوي، أن يدعموا النظام السوري بكل الوسائل لأن زوال طاغية حتما يؤثر على باقي الطغاة، كما لاحظنا  تدحرج كرة ثلج الثورات العربية التي أزالت علي زين الهاربين، ثم حسني اللامبارك، ثم اللاعلي اللا عبدالله اللاصالح، ثم عميد الطغاة العرب ومجنون ملوك أفريقيا اللامعمّر القذافي، والكرة تقترب من حظيرة أسد سوريا. وكل هذا سيؤثر على بقاء نظام الملالي في إيران، حيث مصادرة الحريات والديمقراطية لا مثيل له في أعتى البلدان الديكتاتورية، وحسب كافة التقارير الدولية المحايدة فلملف حقوق الإنسان لدى نظام ملالي طهران من أسوأ الملفات في العالم.

إدعاءات إيرانية مغرضة

ولمزيد من التضليل والتغطية على مصادرة حريات الشعب الإيراني، وأسوأ ملف في ميدان حقوق الإنسان في العالم، إدّعت بعض مصادر النظام القمعي الإيراني في بداية الثورات العربية، أنّ هذه الثورات تستلهم التجربة الإسلامية الإيرانية، وهي إدعاءات مرفوضة وكاذبة، لأنّ هذه الثورات العربية انطلقت ضد الديكتاتورية والاستبداد والفساد، فلا يمكن أن تكون قدوتها تجربة ديكتاتورية مثل تجربة الملالي منذ عام 1979 ، حيث القمع والجلد والقتل والشنق، والاعتقالات وفي الغالبية تحت عنوان التجسس للدول الغربية. ودليلنا على ذلك أنّ غالبية الأحزاب الإسلامية الفاعلة خاصة جماعات الإخوان المسلمين تشارك في هذه الثورات وتدعمها. وفي حين يطالب فقهاء الملالي بدعم نظام الأسد، ينشط الإسلاميون في العديد من الدول العربية خاصة الأردن والكويت ومصر لدحره ودعم الشعب السوري في نضاله لإسقاط هذا الطاغية. فلو كان إسلاميو وثوار الأقطار العربية يستلهمون تجربة الملالي الإسلامية، لحذو حذوهم في دعم طاغية سوريا، إلا انّ موقفهم هو عكس موقف ملالي إيران تماما، وهذا يعني أنّ هولاء الملالي وممارساتهم ليست قدوة للثورات العربية ولا الأحزاب الإسلامية العربية.

فساد نظام الملالي وفضيحة "مستر إكس"

يدّعي نظام الملالي منذ عام 1979 وتحديدا بعد إيصال أحمدي نجادي تلميذ الحرس الثوري لمنصب رئاسة الجمهورية في أغسطس 2005 ، أنه نظام الشفافية والعدالة حيث لا فساد ولا محسوبيات فيه، لأنّه نظام يستوحي مبادىء الإسلام الحقيقية. ومن ضمن مئات حالات الفساد والاختلاس والرشاوي في أروقة هذا النظام، تكشّفت في الأيام الأخيرة الفضيحة التي أطلقت عليها السلطات القضائية الإيرانية  (فضيحة السيد إكس )، وهي ليست بهذه الضخامة فقد اختلس ذلك الإكس فقط  ( 6،2 مليار دولار ) على مدى عامين منذ عام 2009 ، وذلك عن طريق إصدار كتب اعتماد مزورة له باسم بنك صادرات الإيراني. وقد ثبت حتى الآن اشتراك اسفنديار رحيم مشائي ( مدير مكتب نجاد ) الذي تربطه قرابة مصاهرة مع أحمدي نجاد في عمليات التزوير هذه، حيث كان يطلب من وزير المالية تسهيل عمليات السيد إكس. ومن الشائع في داخل المجتمع الإيراني أنّ رحيم مشائي هو رئيس الجمهورية الفعلي، ويدير ويحرك أحمدي نجاد كما يريد، وأنّه من أقطاب الفساد وممارسة السحر في إيران، وذلك للتعجيل بعودة وظهور المهدي حسب بعض المعتقدات الشيعية. ويكفي أنّ أحد المسؤولين عن السلطة القضائية في إيران ويدعى مصطفى بور محمدي، قد وصف هذه الفضيحة بأنّها ( تشكّل مثالا على الفساد المالي غير المسبوق في تاريخ الجمهورية  الإسلامية ).

وفضيحة التحذير من قراءة الكتب

نظام الملالي الحاكم بالقمع والديكتاتورية، يتناسى أنّ أول كلمة نزلت في القرآن الكريم هي كلمة (إقرأ...)، لذلك فآية الله علي خامئني يحذّر في لقاء مسؤولي المكتبات ودور النشر الإيرانية من قراءة الكثير من الكتب، لأنّه يخاف أن تحمل هذه الكتب دوافع وخفايا سياسية. وما المانع من ذلك طالما يحكّم القارىء عقله، فيعرف الغثّ من السمين من هذه الكتب؟. لذلك ردّ عليه عطا الله مهاجراني وزير الثقافة حتى عام 2000 في زمن الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي قائلا: إنّ الوصول إلى الكتب الأدبية والفلسفية والاجتماعية لا ينبغي أن يكون محدودا، وأنّ علي خامئني يشعر بالقلق من الكتب التي يمكن صراحة أو ضمنا تثير تساؤلات حول شرعيته بصفته القائد الأعلى.

الفتوى العربية المضادة

ولمّا كان وما يزال أساس الإسلام هو العدل، فإن فتاوي الملالي لدعم أي نظام ديكتاتوري هي فتوى باطلة، ويكفي التذكير بقول العالم ابن قيم الجوزية ( حيثما يكون العدل فثمّ شرع الله )، وحيث أن هؤلاء الديكتاتوريين طغاة ظلمة لا يعرفون العدل مع شعوبهم، فهم بعيدون عن الشرع الصحيح. ولمن يريد الاحتكام لمنطق العقل، أودّ منه أن يجيب على الأسئلة التالية: أين العدل في حكم بشار الأسد وأخواله آل مخلوف؟. أين العدل في حكم كل الديكتاتوريين والمتسلطين العرب والمسلمين؟. أين العدل في استمرار احتلال نظام الملالي لإقليم الأحواز العربي المحتل منذ عام 1925 والجزر الإماراتية الثلاثة منذ عام 1971 ؟. أين العدل في نظام الملالي عندما يمنع ملايين العرب من استعمال لغتهم الأم العربية لغة القرآن، ويمنع المسلمين العرب السنّة من إطلاق أسماء عربية على أطفالهم؟. لذلك أقول: إنّ نظام الملالي غير عادل مثله مثل الأنظمة العربية الديكتاتورية، ويجب أن لا يكون قدوة أو مثالا لأي عربي، وتستمر الثورات العربية للإطاحة بمن تبقى من الطغاة...والسلام على من اتبع الهدى، وناقش مخالفيه بالحكمة والحجة المنطقية التي تنقض أقواله بحقائق مغايرة ( وجادلهم بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم ).
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





143
كيف أتخيل ليبيا بدون الطاغية القذافي؟
د.أحمد أبو مطر

تؤكد كافة المعلومات والمعطيات الميدانية حول آخر بؤر الطاغية في مدينة بني وليد التي يحاصرها الثوار، ومن المؤكد طرد بقايا الطاغية منها خلال ساعات قليلة. ورغم السيطرة شبه الكاملة للثوار الليبيين على غالبية الأراضي والمدن الليبية، إلا أنّ الطاغية القاتل ما زال مختبئا يفرّ من زنقة إلى زنقة مدعيا المقاومة والتحرير، وهو بفراره هذا واختبائه المخزي يظهر على حقيقته التي تمّ تزييفها طوال ما يزيد على أربعين عاما، مبذّرا على هذا التزوير ثروة الشعب الليبي التي أنفق غالبيتها على طقوسه وديكوراته المضحكة، وفساد أولاده في داخل ليبيا وأوربا التي لم تخلّ عاصمة من عواصمها من فضيحة من فضائحهم المخزية.

ويمكننا تخيل عار هذه العائلة من طاغيتها الأكبر القذافي وطغاتها الصغار أولاده وبنته، من تصرفاتهم الجبانة بعد إدعاءات البطولة والصمود وتأييد الشعب الليبي لهم، ويكفي تأمل المشاهد الثلاثة التالية:

أولا: الفرار المبكر لابنته عائشة وولديه هانيبال ومحمد وزوجته الثانية صفية للجزائر يوم الاثنين التاسع والعشرين من أغسطس الماضي، بشكل يليق بهم وبسلوكهم العاري من أية أخلاق، خاصة فضائح المدعو هانيبال في أكثر من عاصمة غربية آخرها فضيحته في سويسرا وحجزه من قبل البوليس السويسري مع زوجته اللبنانية الين سكاف في تموز 2008  بعد الاعتداء في الفندق على خادمات عربيات كنّ في صحبتهم داخل الفندق، واستمر احتجاز ابن ملك ملوك أفريقيا عدة أيام. فلماذا تفرّ عائشة القذافي وهي التي كانت تدافع عن والدها الطاغية على اعتبار أنه محبوب الجماهير الليبية وليس ملك ملوك أفريقيا فقط.

ثانيا: هروب مدعي البطولات الرياضية  ( الساعدي ابن الطاغية ) ثم قائد فرقة من فرق الموت التابعة لجيش والده المجرم ، إلى النيجر في الأول من سبتمبر الحالي مع قافلة ضخمة لم يعرف بعد الشخصيات الأخرى الهاربة معه، ولا ما حملته هذه القافلة في سياراتها من ثروة الشعب الليبي النقدية والذهبية، حيث تؤكد كافة المعلومات أن الطاغية كان يحتفظ بعشرات المليارات من الدولارات نقدا وأطنانا من الذهب في أنفاقه ومخابئه.

ثالثا: الأنباء المؤكدة من قبل ثوار ليبيا عن اعتقال سيف الإرهاب ( وليس سيف الإسلام ) نجل القذافي وأبو زيد دوردة مسؤول الأمن الخارجي في نظام الطاغية، واستمرا ر اختباء وفرار ملك ملوك المجانين، إذ لا يستطيع غالبية أطباء وعلماء النفس من تحليل هذه الشخصية، لمعرفة هل هو مريض نفسي أم عقدة جنون العظمة أم فعلا يتعاطى بعض أنواع حبوب الهلوسة، إذ يكفي تحليل ظاهرة عشرات الفتيات اللواتي يجبرهن على مرافقته بدعوى حراسته.

والآن كيف أتخيل ليبيا بعد فرار هؤلاء الطغاة؟


أعتقد أنّ الشعب الليبي من خلال معايشتي له ومعرفته ميدانيا، إنّه في قمة السعادة لزوال هذا الطاغية وعصاباته وزمرته المنافقة، وبالتالي فهم سيحاولون عبر قادة الثورة برئاسة السيد مصطفى عبد الجليل، إعادة ليبيا إلى زمن ما قبل 1969 حيث الهدوء والأمن، وهذا يستدعي من قادة الثورة العديد من الاجراءات بسرعة كي يخيبوا ظنّ المراهنين على فشل الثورة:

1 . تشكيل حكومة وحدة وطنية بسرعة، تمثل وتشمل كافة أطياف المعارضة والشعب اللليبي، عبر تفاهمات واضحة حول سياسة ليبيا القادمة التي تحترم الجميع بدون تهميش أحد، فردا أو عشيرة أو توجها سياسيا طالما كان معتدلا يؤمن بالديمقراطية والتعددية السياسية.

2 . البعد عن سياسة التصفيات والانتقامات حتى ممن أيدوا الطاغية السابق من الأفراد العاديين الذين لم يكن بإمكانهم القول لا للطاغية. أي أن التسامح والعفو سوف يعطي الثوار الليبيين احتراما وتمييزا عن سياسة الطاغية المدحور التي كانت تقوم على القتل والانتقام بشكل فردي وجماعي. بدليل أن منظمة العفو الدولية اتهمت نظام الطاغية في تقرير من 122 صفحة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في ليبيا، ولكنّ التقرير أشار أيضا لتجاوزات وجرائم من قبل الثوار الليبيين أيضا.

3 . ضرورة التسامح مع المرتزقة الأفارقة الذين جلبهم القذافي عبر الإغراءات المالية، وإعادتهم لبلادهم بدلا من احتجازهم في السجون أو محاكمتهم، لأن هذا السلوك إن حصل فسوف يدّل على تحضر وتمدن الثوار وما يفكرون فيه حول مستقبل ليبيا القادم.

4 . ضرورة إقرار دستور جديد وبسرعة لليبيا الجديدة، ولا أعتقد أنّ أحدا من الليبيين سيكون ضد ما أعلنه السيد مصطفى عبد الجليل في خطابه مساء الاثنين الماضي في طرابلس؛ حيث استقبل استقبال الأبطال معلنا: ( نحن شعب مسلم، إسلامنا وسطي وسنحافظ على ذلك ) ،و التحذير من سرقة الثورة  ( أنتم معنا ضد من يحاول سرقة الثورة يمينا أو يسارا ). ومن المهم أن ينصّ الدستور الجديد على التعددية السياسية وحرية الرأي لانتاج نظام يختلف عن النظام الشمولي الاستبدادي لملك مجانين أفريقيا والعالم أجمع.

بداية الترحيب العالمي

وتستبشر دول العالم بالنظام الجديد خيرا وحرية، بدليل بدء عودة السفارات الغربية لاستئناف عمل سفاراتها كما فعلت الولايات المتحدة إذ أرسلت فريقا من أربعة أشخاص لعمل اللازم لاستئناف عمل السفارة في العاصمة طرابلس، وقد أكّد السيد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي شكره لكافة من ساعدوا الثوار والشعب الليبي على التخلص من عميد طغاة العرب والعالم بقوله في خطاب المشار إليه سابقا: ( لا بد من تحية صادقة من الأعماق لإخوتنا في دولة قطر وكذلك في دولة الإمارات والأردن والسودان وفرنسا التي كان لها دور فاعل لنصرة الحق ونصرة المظلومين، ثم المملكة المتحدة وايطاليا والولايات المتحدة، وكل دول التحالف: أسبانيا وكندا والبرتغال جميعها كان لها دور فاعل ).

وعن تطلعاته للمستقبل قال مصطفى عبد الجليل: ( الإسلام في ليبيا وسطي ولا مكان لأية إيدولوجية متطرفة ).كما دعا إلى ( الابتعاد عن انتهاك حرمة البيوت وعن الاساءة إلى النساء والأطفال من عائلات المسؤولين السابقين ) ، واعدا أنه ( سيكون هناك في المستقبل وزارات ترأسها نساء، وسيكون دور المرأة فاعلا في التعليم والصحة وغيرها من المسائل )، وبالطبع ليس من مهماتهن الحراسة كحارسات الطاغية اللواتي كنّ يقدّرن بالمئات، ولهن كلية خاصة تعدّهن ليكنّ على ذوق ورغبة المجنون.

حتما ليبيا المستقبل ستختلف عن ليبيا الطاغية، فقد آن أوان الحرية والأمن والديمقراطية للشعب الليبي بعد عذاب وشقاء 42 عاما..وفي انتظار حفرة الطاغية الراحل بدون أسف عليه حتى من عائلته التي فرّت في كل صوب، تاركة إياه يفرّ من زنقة إلى زنقة  وصولا إلى الحفرة الموعودة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


144
عشر سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر..ما الجديد في العالم؟
د.أحمد أبو مطر

تمرّ هذه الأيام عشر سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 الإرهابية التي دمّرت برجي التجارة العالميين في مدينة نيويورك، وأودت بحياة حوالي ثلاثة ألاف قتيل من مختلف الجنسيات والديانات.ورغم العديد من النظريات حول تلك الأحداث ومنفذيها، إلا أن النقطة المركزية التي يجب ألا تغيب عن الذاكرة والتحليل، هي أنّ أول اعتراف بالمسؤولية عن تلك الهجمات صدر عن تنظيم القاعدة، وبالصوت والصورة على لسان مسؤولها الأول أسامة بن لادن الذي لقي حتفه في مطلع مايو الماضي، واستمر التنظيم يحتفل سنويا بتلك الذكرى الأليمة بأشرطة فيديو لأسامة بن لادن أو مساعده أيمن الظواهري، مطلقين على الإرهابيين الذين نفّذوا تلك العمليات صفة ( الأبطال التسعة عشر ) مشيدين تحديدا بشجاعة مسؤولهم الأول محمد عطا، وأطلقوا عليها ( غزوة نيويورك ) على غرار تسميات ( غزوات الرسول )....والسؤال المهم: إذا لم يكن تنظيم القاعدة هو المنفذ والمسؤول عن تلك العمليات الإرهابية، فهل ابن لادن وأيمن الظواهري في اعترافاتهم المتكررة طوال تسع سنوات كانوا عملاء وجواسيس لجهات أجنبية كي يدّعو نيابة عنها مسؤولية تلك العمليات؟.

ماذا حدث من تطورات خلال عشر سنوات؟


هل تغير العالم أو هل تراجع الإرهاب خلال السنوات العشر الماضية؟. للأسف والحزن الشديدين أنّ العالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه، ما زال يعيش واحدة من حالتين: إما الخوف والتحسب لعمليات إرهاب جديدة أو يعيش فعلا حالات إرهاب، تعتبر شبه يومية في بعض البلدان. فغالبية البلدان الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، تعيش بشكل يومي هاجس العمليات الإرهابية، خاصة أن عمليتي الإرهاب التي شهدتهما المملكة النرويجية المسالمة يوم الثاني والعشرين من يوليو 2011 على يد منفذ نرويجي أبا عن جد، أثبتت و العديد مثلها من العمليات الإرهابية، أنّ الإرهاب فعلا لا جنسية ولا دين له، فلقد شهدت الولايات المتحدة وبريطانيا وأسبانيا عمليات إرهابية عديدة على يد أمريكيين وبريطانيين وأسبان، كما شهدت العديد من الدول العربية عمليات إرهابية قام بها مواطنون يحملون جنسيتها وولدوا على أرضها كما حدث في السعودية والأردن والعراق والجزائر والصومال وغيرها من الأقطار.

الإرهاب المحلي

أوسع عمليات إرهاب يشهدها العالم الآن يمكن تصنيفها ضمن فئتين:

الأولى: هي ما يمكن تسميته الإرهاب المحلي أي الذي تشهده بعض الأقطار لأسباب وعوامل محلية، تجعل الإرهاب هو عمليات شبه يومية بين فئات المجتمع وطوائفه، وخير مثال على ذلك ما تشهده أقطار مثل العراق وأفغانستان والصومال. ففي العراق مثلا بعد الإطاحة بنظام صدّام الذي أذاق كافة طوائف الشعب العراقي الويل، وبعد انسحاب القوات الأمريكية من غالبية المدن العراقية، ماذا يمكن أن نسمّي هذا القتل اليومي، وغالبا يتخذ خلفية طائفية، فأي تفجير في منطقة سنّية يردّ عليه بتفجير في منطقة شيعية، وكذلك التفجيرات الانتحارية شبه اليومية بين تجمعات قوى الأمن والشرطة والجيش..فهل كل هذا الإرهاب مقاومة؟. وإن كان مقاومة فمقاومة ضد من؟ أليس هو ضد الشعب العراقي بأيدي عراقية أيا كانت هويتها ودوافعها وارتباطاتها الخارجية؟. وكذلك الصومال وأفغانستان اللتان هما من الداخل فعلا عدة دويلات تسيطر عليها مافيات وعصابات، مما يعني غياب أي وجود لدولة مركزية تسيطر وتدير البلد والدولة كدولة واحدة موحدة ، مما أدخل لعالم السياسة مصطلحين جديدين هما ( الأفغنة )   و( الصوملة)، كمثالين حيين معاصرين على تشرذم الدولة إلى دويلات أو جيتوات مغلقة. وفي الحالة الصومالية تتخذ بعض هذه العصابات الإسلام كغطاء وصفة لجرائمهم بحق أبناء الشعب الصومالي، وهذه الشرذمة وتلك العصابات هي التي أدخلت الصومال في مجاعة ليس سوء أحوال الطقس وحدها المسؤولة عن ذلك.

الثانية:إرهاب الأنظمة لشعوبها وهو مستمرمنذ عشرات السنين في العديد من الدول في كافة القارات خاصة الأقطار العربية والأسيوية والأفريقية، إذ لا يمكن تسمية ثورات الشعوب العربية الحالية إلا أنها ثورات ضد إرهاب أنظمتها لشعوبها، حيث السجون والمعتقلات أكثر من المستشفيات، وداخلو السجون والمقيمون فيها أكثر من خريجي الجامعات، خاصة في بلد مثل سوريا التي تحكمها عصابة الأسد منذ الأب إلى الإبن، ومن المضحك المبكي أنّه في نظام البعث القمعي فالسجون لها أرقام وليس أسماء، فتسمع عن الفرع 297 مثلا، ومن زواره الذين كتبت لهم الحياة تعرف أنه فرع فلسطين..وهكذا فنظام الممانعة والمقاومة بالثرثرة لم ينس فلسطين حتى من سجن خاص بأبنائها ومناضليها الممنوع عليهم إطلاق أية رصاصة ضد الاحتلال الإسرائيلي من الحدود السورية.

وليس غريبا أن تقف دولة عظمى مثل الصين مع نظام الأسد القمعي الاستبدادي، لأنّ حرية التعبير في الصين مقموعة لحد كبير، وقد ارتكب نظامها العديد من الجرائم بحق شعبها رغم عظمة الصين الاقتصادية، فلا ينسى العالم ولا الصينيون مذبحة ميدان تيانانمين عام 1989 التي قتلت فيها قوات الأمن والجيش الصيني ألاف من الطلبة المحتجين في الميدان. وقد حكم المعارض الصيني ليوشياباو عام 2009 بالسجن لمدة 11 عاما لإصداره بيانا يدعو للديمقراطية وحرية الرأي، ووضعت زوجته نهاية عام 2010 قيد الإقامة الجبرية في منزلها كي لا تتمكن من السفرإلى العاصمة النرويجية لاستلام جائزة نوبل للسلام الممنوحة له نيابة عنه.

وضمن نفس سياق إرهاب الأنظمة والدول، لا يمكن تجاوز إرهاب دولة الاحتلال الإسرائيلي المتواصل ضد الشعب الفلسطيني منذ ما يزيد على ستين عاما، حيث يندر أن يمرّ يوم دون سقوط قتلى وجرحى، إضافة لحصار مليون ونصف فلسطيني في قطاع غزة منذ ما يزيد على خمسة سنوات، بحجة استلام حركة حماس للسلطة في القطاع. وما يجعل هذا الإرهاب والحصار مدانا بكل المقاييس الدولية والأخلاقية، أنّ القيادات الفلسطينية منذ المرحوم ياسر عرفات، اعترفت بدولة إسرائيل ضمن حدود عام 1967 ، منذ عام 1988 في دورة المجلس الوطني التي عقدت بالعاصمة الجزائرية، أي ستة سنوات قبل توقيع اتفاقية أوسلو...لذلك يتساءل الفلسطينيون وغالبية دول العالم: ماذا تريد دولة إسرائيل أكثر من ذلك؟ خاصة أنّ دولتين عربيتين تقيمان علاقات دبلوماسية معها، وحسب مبادرة السلام العربية التي أطلقها مؤتمر القمة العربي في بيروت في مارس 2002 ، تنوي كل الدول العربية الاعتراف بدولة إسرائيل إذا وافقت علي قيام دولة فلسطين ضمن حدود عام 1967 وانسحبت من كل ما تحتله من تلك الحدود.

النظرة الأمريكية للإرهاب

ترى بعض التقويمات الأمريكية خاصة التي أجراها البنتاجون، أنّ الايدولوجيات الدينية المتطرفة سبب أساسي من أسباب الإرهاب والصراع المستمر حول العالم أجمع، وهذه أهم التقويمات لظاهرة الإرهاب، خاصة عندما يتم ارتكابه من معتنقي كافة الديانات، أي أنّ هناك أشخاص متطرفون من كل الديانات يستخدمون دينهم لتبرير الإرهاب، وهذا يعني أنّ المعركة ضد الإرهاب العالمي معركة ثقافية قبل أن تكون معركة عسكرية، ففي المعركة العسكرية يمكن قتل إرهابي أو عشرة، ولكن الإيدولوجيات الدينية المتطرفة تخلق يوميا العشرات من الإرهابيين. وفي هذه المعركة الثقافية ضد التطرف يجب توعية الجميع بأنّ الدين علاقة شخصية بين الفرد وخالقه، وليس من حق أحد الطعن في أي خالق أو رب، وهذا يعني ضرورة وقف أعمال التحريض والاستفزاز ضد المسلمين تحديدا. فماذا جنى رسّام الكاريكاتير الدانمركي من نشر رسومات مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، سوى أنّه نال شهرة لوقت محدود، ثم جنت بلاده كراهية وأعمال عنف عديدة، وهو يعيش حتى اليوم خائفا على حياته. وكذلك القس الأمريكي توم جونز الذي هدّد بحرق نسخ من القرآن الكريم، هل عمله هذا يخدم السلام العالمي أم فقط للتحريض وبث الكراهية والشهرة الشخصية، واستدعاء أعمال رد على فعلته، وفي الغالب ستكون أعمالا إرهابية ضد أفراد أو مؤسسات.

لذلك فإنّ الذكرى العاشرة لأحداث سبتمبر الإرهابية، تضع العالم أجمع أمام مسؤولياته لبث ثقافة التسامح والسلام، وبالتأكيد أنّ حلّ القضية الفلسطينية عبر حل يرضي الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ، سوف ينزع سبب من أهم أسباب الكراهية والعنف التي تؤدي لأعمال إرهابية، وهذا أمر طبيعي عندما عشنا ستة عقود وغالبية الحكام العرب يستخدمون القضية الفلسطينية سببا وغطاء لقمع وإرهاب شعوبهم. فلننتظر ماذا سيحدث منذ اليوم وحتى الذكرى الحادية عشرة القادمة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


145
هل يتعظ أسد سوريا من نهاية عميد الطغاة العرب؟

د.أحمد أبو مطر

هل كان يتخيل عميد الطغاة العرب القاتل معمر القذافي هذه النهاية له ولعائلته التي شاركته الإجرام  بنفس المستوى؟. هل كان يتصور نجله سيف الإرهاب هذه النهاية وهو يختبىء من مكان إلى مكان فارا كفئر مذعور؟. هل كانت ابنته عائشة التي كانت تنظّر لجرائمه وتدّعي زورا حملها درجة الدكتوراة في القانون من فرنسا هذه النهاية فارة عبر الحدود إلى الجزائر؟. وهاهو نجله الساعدي يجري اتصالات مع الثوار للعفو عنه والانشقاق عن والده الطاغية، وتمّ اعتقال وزير خارجيته إبراهيم العبيدي...إلى آخر هذه النهايات التي تليق بذلك الطاغية الذي قمع الشعب الليبي وعاث في العالم إرهابا طوال ما يزيد على أربعين عاما، فإذا بنا نستقبل هذا الفاتح ( الأول ) من سبتمبر للمرة الأولى بعد أربعين عاما بدون هذا الطاغية، كما أنّ الشعب المصري يعيش أول عيد فطر مبارك بدون حسني مبارك.

هدية عيد الفطر للشعب السوري

أما الشعب السوري الذي ما يزال يواصل ثورته الشجاعة ضد أسد سوريا، فقد كانت هدية هذا الأسد للشعب السوري في عيد الفطر هي 473 قتيلا فقط طوال شهر رمضان. لم تتوقف مدرعاته ودباباته ومرتزقته عن دهم كافة المدن والقرى السورية، وهو يعرف أن هذه الثورة لن تتوقف قبل الإطاحة به وجرّه وأركان حكمه للمحاكمة، فقد ارتقت جرائمه لمستوى جرائم ضد الإنسانية مع بلوغ مجموع القتلى من السوريين منذ 15 مارس حتى اليوم ما يفوق 3000 قتيلا.

لذلك تتصاعد العقوبات الدولية،

ضد أركان نظامه الإجرامي فقد طالت هذه العقوبات أخيرا ( بثينة الصحاف ) هذه السيدة التي لا تملك ذرة من خجل ، وهي تستمر في الدفاع عن جرائم هذا القاتل وتبريرها، بأنها مؤامرة كونية مثل نظيرتها كوليت خوري، والعديد من أعضاء كتاب العار المسمّى باطلا ( إتحاد الكتاب العرب ). وكذلك طالت هذه العقوبات الدولية وزير خارجية الأسد ( وليد المعلم ) الذي لا يخجل أيضا من الاستمرار في تمثيل هذا القاتل، وهو يعرف أنّ سيده معلم في الثرثرة والجرائم فقط. كذلك شملت هذه العقوبات الدولية سفير الأسد في لبنان علي عبد الكريم، الذي هو مندوب للمخابرات الأسدية في لبنان أكثر من كونه سفيرا دبلوماسيا.  وكم بدا الأسد مرتبكا في خطابه الأخير، يتلفت يمينا وشمالا مفزوعا، وكأنه يتوقع القبض عليه في أية لحظة. والمدهش أنّه ادّعى في خطابه هذا بأنّه رئيس منتخب من الشعب، متناسيا في ثرثرته أنّه تمّ توريثه عبر تغيير الدستور البعثي خلال خمسة عشر دقيقة فقط على مقاسه بالضبط. فأية شرعية شعبية أيها المقاوم بالثرثرة والممانع بهدر دماء السوريين فقط؟. وهذا ما يفسر أيضا انزعاجه الشديد من بيان مجلس وزراء خارجية دول الجامعة العربية الأخير الذي عقد في القاهرة في الثامن والعشرين من أغسطس الماضي، إذ ندّد البيان بالقمع ضد المتظاهرين السلميين في سوريا، وطالب ب ( وقف إراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان، واحترام حق الشعب السوري في الحياة الكريمة وتطلعاته المشروعة نحو الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستشعرها الشعب السوري ، وتحققى تطلعاته نحو العزة والكرامة ). وهذا البيان يعتبر خطوة عربية جديدة إزاء هذا النظام القمعي الدموي.

هل فات الأوان؟

نعم..لأنّ هذا النظام لا يقل دموية عن نظام عميد الطغاة العرب في ليبيا، فهو أيضا يتحكم في مصير الشعب السوري ويصادر ثروته سرقة علنية منذ الأسد الأب عام 1970 وحتى اليوم. والأسد الإبن يعرف أنّ انهيار نظامه سوف يقود كافة أركان النظام وأخواله آل مخلوف لصوص الثروة السورية إلى المحاكم السورية وربما الدولية، كما فعل القضاء المصري برموز نظام مبارك، بما فيهم مبارك نفسه وأولاده. وبالتالي فهذا النظام المتوحش لن يسمع نداء العقل وسيظل مستمرا في جرائمه وقتله على الطريقة القذافية، وشعاره ( يا قاتل يا مقتول )، والذي يخيف هذا النظام هو كشف الملفات السرّية للأجهزة الأمنية التابعة له، لأنّ ما جرى ويجري فيها يرقى فعلا لحد الجرائم ضد الإنسانية، بدءا من مجزرة حماة في فبراير 1982 إلى ألاف القتلى السوريين منذ الخامس عشر من مارس 2011 تاريخ اندلاع الثورة الحالية ضد النظام في مدينة درعا. وأيضا ألاف الأردنيين واللبنانيين والفلسطينيين المفقودين في هذه السجون منذ عشرات السنين.  وكذلك المخيف للنظام هو كشف الوثائق الخاصة بمليارات أخواله ( آل مخلوف )، فعند نشرها لن يصدقها عاقل أو مجنون، والوحيد الذي سوف يصدقها هم فقراء سوريا، رغم ادعاءات النظام بارتفاع مستوى الدخل وانعدام البطالة وغيرها من الأكاذيب.

تصاعد عزلته العربية والدولية

ورغم فوات الأوان بعد كل هذه العزلة العربية والدولية خاصة بعد المقاطعة النفطية الأوربية، إن اتعظ النظام يمكنه البدء بإصلاحات حقيقية فورية تعتمد على:
1 . إخلاء السجون فورا من كافة المعتقلين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان وسجناء التعسف غير القانوني، والابقاء فقط على مرتكبي الجنايات الحقيقية وليس الملفقة.

2 . البدء بالتعددية السياسية الحقيقية التي تسمح بتأسيس الأحزاب بحرية كاملة.

3 . اعتراف الأسد الإبن بعدم شرعية توريثه عام 1999 والتخلي عن السلطة لرئيس منتخب بعد تشكيل الأحزاب السياسية، وكل ذلك في موعد لا يتعدى ثلاثة شهور، كي لا يكون الوقت عامل مناورة لدى النظام وأركانه.

4 . إعادة كل ما نهبته عائلة ( آل مخلوف ) وغيرها من رموز النظام لميزانية الشعب السوري.

وبدون ذلك سوف تستمر العزلة العربية والدولية على هذا النظام القمعي رغم مراهنته على عاملين:

1 . تشتت أطياف المعارضة السورية في الخارج وتباين مواقفها السياسية التي هي دون مستوى التضحيات التي يقدمها الشعب السوري في الداخل. فهذه المعارضة لم ترتق بعد لمستوى مطالب الشعب السوري، كي توحد خطابها السياسي ومواقعها التنظيمية في الداخل السوري، وهذا يفقدها الكثير من مصداقيتها واعتمادها كركيزة لإسقاط النظام، فهي حتى الآن معارضة لإصدار البيانات فقط، وهي أيضا بيانات غير موحدة التوجه والأفكار.

2 . الشحن الطائفي الذي تقوم به أجهزة النظام لدى الطائفة العلوية، وتخويفها من القتل والإبادة إن سقط النظام، وهي أكذوبة لا تنطلي على غالبية الطائفة العلوية الوطنية التي تعاني أغلبيتها من النظام كما تعاني باقي أطياف الشعب السوري. فليس كل العلويين أصحاب مليارات أو ملايين مثل آل مخلوف، وليس كل العلويين ضباط في أجهزة القمع الدموي، وأنا ميدانيا أعرف بالوقائع أنّ غالبية العلويين وطنيين لا يرضون عن قمع النظام ودمويته.

ضمن كل هذه المعطيات، مهما طالت أيام نظام الأسد فهو لا بد أن يسقط ويرحل بإرادة الشعب السوري أولا وليس أي تدخل خارجي سواء من تركيا التي لها أجندتها الخاصة أيضا، أو من الناتو كما فعل في ليبيا.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net






146
في زمن عزّت فيه القيادات والرجال:
نتذكر المرحوم الحاج رشاد الشوا

د.أحمد أبو مطر

تمرّ في شهر أغسطس ( آب ) الحالي ثلاثة وعشرون عاما على رحيل الشخصية الفلسطينية الجدلية المهمة في قطاع غزة وعموم فلسطين، المرحوم الحاج رشاد الشوا (1909-1988)، إذ رحل عن دنيانا الفانية في أغسطس من عام 1988 عن عمر قارب الثمانين عاما، حفلت بالعديد من الإنجازات والأعمال الخيرية التي سوف يسجلها التاريخ الموضوعي المحايد لذلك الفقيد. والسؤال الذي سوف يتبادر لذهن العديد من القراء الفلسطينيين والعرب في ظلّ انشغالهم بالثورات التي تجتاح العالم العربي هو: ما الذي جعلني أتذكر اليوم ذكرى رحيل الحاج رشاد الشوا؟. وهو سؤال مهم لمن سوف يتبادر على أذهانهم، وسوف أطرح بموضوعية الأسباب التي جعلتني أتذكر هذه الشخصية في هذه الظروف:

أولا: التعثر والفشل الذي تعيشه الساحة الفلسطينية في القطاع والضفة بسبب تعنت وغطرسة الاحتلال عقب اتفاقية أوسلو التي أعطت الاحتلال ما لم يكن يحلم به في سنوات سابقة، مما يعني ضرورة البحث عن أفكار بديلة خاصة بمسألة حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في ضوء أنّ الفلسطينيين منذ عام 1988 في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد برئاسة الرئيس ياسر عرفات، وافقوا على قيام دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 مما يعني ضمنا وصراحة الاعتراف بدولة إسرائيل ضمن تلك الحدود، وذلك ستة سنوات قبل توقيع اتفاقية أوسلو التي لم ينفذ الاحتلال منها أي بند، وإلا لكانت الدولة الفلسطينية ضمن تلك الحدود قد أعلنت في نهاية عام 2005 بموافقة الطرفين. إزاء هذا الفشل هل هناك أفكار مهمة للمرحوم رشاد الشوا ينبغي تذكرها والتركيز عليها من باب التأريخ الموضوعي، رغم أنّ قيادات المزايدة والبحث عن الكرسي والمال حاولت في ذلك الوقت اغتياله أكثر من مرة، رغم أنّه قدم من التسهيلات والمساعدات لأبناء شعبه في القطاع ما لم تستطع قيادات اليوم رغم تنسيقها العلني مع الاحتلال من تقديمها. وبالإضافة لذلك يدخل انقسامهم بين القطاع و الضفة عامه الخامس دون أن يتمكن إبن القطاع من السفر للضفة والعكس أيضا، بينما في زمن المرحوم رشاد الشوا وبجهوده الجبارة كنّا نتنتقل بسهولة من القطاع إلى الضفة والأردن أيضا. فمن ينصف هذا الفقيد ويكتب الحقيقة موثقة؟.

ثانيا: التشوية والتزييف الذي لحق بتأريخ السنوات الأربعين الماضية من الحياة السياسية الفلسطينية حيث يتصدرها أفراد عاثوا بالقضية وشعبها فسادا، ولم يتصدروا المشهد السياسي إلا باستخدام السلاح ضد مناوئيهم والمال لكسب المرتزقة والأقلام التي تحسّن صورهم القبيحة. وأنا ممن عاش سنوات داخل المقاومة وعرفت العديد من قياداتها من مختلف الفصائل أو الفسائل لا فرق، وعشت حصار بيروت كاملا طوال 88 يوما، وأصدرت عن تجربتي في الحصار كتابي ( بيروت وعي الذات ) عام 1984 ، لو كتبت ما أعرفه موثقا عن سلوك وفساد وجرائم تلك القيادات، لن يصدّقه لا عاقل ولا مجنون، سوف يصدقه فقط من عاش معي تلك التجربة وعرفنا معا تلك القيادات. ولن أنسى ذلك الصديق الذي قابلته في الأردن عام 2004 وكنّا سابقا في نفس التنظيم الفلسطيني عندما بادرني قائلا: كم كنت موفقا وواعيا عندما تركت التنظيم عام 1974 وذهبت لإكمال دراستك في القاهرة حتى حصلت على درجة الدكتوراة عام 1979 مما أهّلك لأن تعتني بأولادك الأربعة ليكملوا جميعا دراستهم الجامعية العليا في أكثر من عاصمة عربية وعالمية، بينما أنا أولادي الثلاثة لم يكملوا المرحلة الإعدادية بسبب بقائي في التنظيم متنقلا من عاصمة إلى أخرى حسب أهواء ومصالح المسؤول الشخصية.. هذا التاريخ الفلسطيني يتصدره المزايدون والتجار بإسم القضية بينما قليلون من يتذكرون المرحوم الحاج رشاد الشوا. ما يكاد يصيبني بالجنون أنّ بعض هذه القيادات التي تتصدر المشهد الفلسطيني اليوم بالمزايدة والصراخ والانقسام المشين بين الضفة والقطاع، كانوا من جيراننا في مخيم رفح أو مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين، وعندما حصلت على درجة الدكتوراة في الآداب من جامعة الإسكندرية عام 1979 ، كانت أعمارهم لا تزيد عن خمسة سنوات، ولم يحصلوا على أكثر من شهادة الثانوية العامة بصعوبة وبعد رسوب عدة مرات، وفجأة بعد عام 1994 وإذا بهم من القيادات التي تصول وتجول، وتملأ أخبارهم القنوات الأرضية والفضائية، واستثماراتهم في عدة عواصم من القاهرة إلى عمّان إلى دبي، وبيوتهم أيضا وفيلاتهم في أكثر من عاصمة..والسؤال الذي يوصل للجنون: كيف وصلت لهم هذه الملايين وعرفت طريقها لهم وتاهت عن الوصول لي ولعشرات الأكاديميين الفلسطينيين الذين لو وضعت مؤلفاتهم في صف عمودي لكانت أطول من قامة أولئك الأقزام أصحاب الملايين، على حساب الشعب والقضية التي بسبب فسادهم تتراجع يوما وراء يوم، وسط امتداد الاستيطان الاحتلالي الذي يكاد أن يقضم غالبية القدس والضفة الغربية.

ثالثا: الصديق الذي يعرف الحاج رشاد الشوا أكثر مني، وبالصدفة المحضة أثناء حديث بيننا قبل أيام قليلة، تذكرنا أيامنا في قطاع غزة خاصة السنوات التي عشتها في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين في القطاع، وعرّج الحديث على الخدمات التي قدّمها والمسؤوليات التي قام بها المرحوم رشاد الشوا خاصة في فترة الاحتلال المباشر للقطاع من عام 1967 حتى اندلاع الانتفاضة الأولى في بداية ديسمبر عام 1987 وتوفي الحاج رشاد الشوا بعدها بحوالي ثمانية شهور ، حيث كانت تلك التسهيلات تضاهي تسهيلات السلطة الفلسطينية التي تتعاون وتنسق وتتفاوض مع الاحتلال مباشرة، وهذا عند الجميع أمر ثوري ووطني وضروري، أما إذا قام بذلك الحاج رشاد الشوا أو غيره فهو مرفوض. أثناء حديثي مع ذلك الصديق ذكّرني بمحطات مهمة في حياة ذلك المرحوم التي سوف تسجّل له بأحرف مضيئة في التاريخ الفلسطيني ومنها:

كان المرحوم من جيل أوائل الفلسطينيين الذين توجهوا للدراسة في الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 1934 حيث تخصص في السياسة والاقتصاد.

شغل منصب قائمقام في مدينة حيفا عام 1935، وكان على علاقة نضالية مع المجاهد عزالدين القسام وفوزي القاوقجي، وبسبب عمله النضالي هذا أعاده المندوب السامي البريطاني لمدينة غزة كي يكون بعيدا عن دعم أولئك المناضلين الثوار.

ركّز في العديد من نشاطاته عقب نكبة 1948 على المشاريع الخيرية لدعم ومساعدة المحتاجين من أبناء شعبه، ولا أنسى وأنا طفل في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين أنّ الذي كان يعاني من مشكلة اجتماعية مستعصية، لا يقولون له في المخيم إلا جملة ( ما إلك غير الحاج رشاد الشوا ).

كان في منتهى الصراحة والجرأة مع اللواء محمد نجيب أحد قادة ثورة 23 يوليو في مصر، فعندما زار اللواء نجيب قطاع غزة، لم يتجرأ إلا الحاج رشاد الشوا أن يصارحه بضرورة تطهير الإدارة المصرية التي تسلمت السلطة والإشراف في القطاع من الفاسدين. ولم أطّلع على تفاصيل هذه المعلومة المهمة إلا في عدد صحيفة السبيل التي تصدر عن حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن، عددها الصادر في السابع عشر من نيسان لعام 2010 ، إذ تروي الصحيفة ما جرى أثناء زيارة اللواء محمد نجيب للقطاع في سبتمبر من العام 1953 ، فيما يتعلق بوجود ضباط مصريين كانوا قد خانوا الأمانة أثناء حرب 1948 ومنهم الضابطان المواوي والصواف، اللذين بفضل تواطئهم مع الاحتلال، تقلصت مساحة القطاع من 500 كيلومتر إلى 350 كيلومتر، وقد تمت محاكمتهم فعلا في مصر بعد نجاح الثورة. تروي جريدة السبيل هذه الموقف الشجاع للمرحوم رشاد الشوا كالتالي:

( وفي التاسعة من صباح اليوم التالي تقرر أن يلتقي الرئيس ( محمد نجيب ) بجماهير القطاع في ساحة اليرموك، وأقفلت بوابات المكان في الثامنة والنصف، لكن رشاد سعيد الشوا أحد كبار وجهاء القطاع حضر بسيارته إلى المكان قبل التاسعة بدقائق معدودات، وعندما رفض الحراس فتح البوابة بأمر من الأميرالاي الصواف اندفع رشاد الشوا بسيارته ليصاب الحراس بالذعر، وتمكنت السيارة من الدخول وسط احتجاج الصواف، ثم جلس الحاج رشاد في مقعده ليصل اللواء محمد نجيب، وبدأ حفل الاستقبال بتلاوة آي من الذكر لحكيم، ثم تحدث الصواف مرحباً، فاندفع رشاد الشوا إلى المنصة وبصوت غاضب صاح من خلال مكبر الصوت رغم احتجاج الحاكم العسكري:
مرحبا بك يا نجيب في أرض فلسطين التي ارتوت بدمائك ودماء أبناء مصر الأحباء، وإننا يا سيادة الرئيس نناشدك الله أن تطهروا قطاع غزّة كما طهرتم أرض الكنانة!! وضج الجمهور مصفقين، ووقف اللواء محمد نجيب، وقال:
- ما ذا تعنون بهذا القول؟ أوضحوا ما تريدون!!
- ورد الحاج رشاد الشوا: نرجو منكم كما قطعتم رأس الأفعى في مصر أن تسحقوا ذيلها في غزّة بدءاً من هذا المدعو بالصواف والضباط المحيطين به الذين باعوا نصف أرض القطاع للصهاينة!!....وعاد الرئيس إلى مصر، وأمر بترحيل الصواف وزمرته فوراً إلى القاهرة حيث حوكموا، وفصلوا من مناصبهم، وتعرض البعض للسجن ). وقد عاصرت شخصيا في مخيم رفح بعد ذلك وصول ضباط مصريين شرفاء لإدارة القطاع مثل الفريق يوسف العجرودي، واللواء مصطفى حافظ الذي نظّم حركة الفدائيين الفلسطينيين عام 1954 ، وقامت بالعديد من العمليات الفدائية ضد الاحتلال، مما جعل الاحتلال الإسرائيلي يخطط ويقوم باغتياله في مدينة غزة عبر طرد مفخخ عام 1956 .

أمّا أعمال رشاد الشوا الخيرية في القطاع،


منذ توليه رئاسة بلدية غزة عام 1972 وقبل ذلك، فهي تحتاج لتوثيق طويل لا تكفيه العديد من المقالات، ويكفي أنّه يوميا يتمّ ذكر اسمه عند إقامة أي نشاط ثقافي أو فني، إذ من الطبيعي أن تكون أغلب تلك النشاطات في (مركز رشاد الشوا الثقافي )، وهو أول مركز ثقافي بهذه الضخامة والهندسة المعمارية يقام في القطاع، كلّف المهندس السوري بريطاني الجنسية سعيد محفل لوضع التصاميم المعمارية له، واستمر العمل فيه قرابة عشرة سنوات بسبب العراقيل التي كانت تضعها سلطات الاحتلال، ورغم ذلك انتهى العمل فيه عام وفاة الحاج رشاد 1988 . ومنذ ذلك اليوم لا يمرّ اسبوع دون أن تكون هناك فعالية فنية أو ثقافية أو مسرحية أو جماهيرية في ذلك المركز الذي اشتهر خارج العالم العربي، كهندسة معمارية ومكان يعجّ بالنشاطات، بالإضافة لمكتبته الغزيرة بالكتب والمراجع.

هذه المقالة مجرد لمحة وفاء وتذكير،

بهذه الشخصية الفلسطينية التي لا يمكن أن ينساها الشعب الفلسطيني، فهل هناك من يتبنى مشروع تأريخ وكتابة السيرة الذاتية المفصلة الموثقة لهذا الراحل الكبير، في زمن سيطّر على المشهد السياسي الفلسطيني من لا إنجاز وطني أو إنساني لهم، بدليل الملفات المخجلة التي بدأ فتحها للعديد من هذه الشخصيات.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net






147
علي فرزات لك المجد، ولبشار ونظامه العار

د.أحمد أبو مطر

رسام الكاريكاتير السوري العربي العالمي علي فرزات لا أعتقد أنّ أحدا لا يعرفه أو لم يسمع به وعنه، وهو الذي انتشرت شهرته عالميا بين رسّامي الكاريكاتير العرب والعالميين. عرفته شخصيا في دمشق بين عامي 1984 و 1990 ، وكانت كبريات الصحف العربية تتسابق للحصول على أولوية نشر رسوماته أو إعادة نشرها في زمن لم ينتشر الإنترنت مثل الوقت الحالي. وكان منذ ذلك الوقت شديد الجرأة وعدم الخوف من النقد القاسي لقمع الحريات ومصادرة حرية الرأي، وهذا ما أتاح لرسوماته الشهرة والانتشار السريعين في مختلف أرجاء الوطن العربي ، وأهّله للحصول على جوائز عربية وعالمية ورئاسة اتحاد رسامي الكاريكاتير العرب. و في عام 2001 أسس جريدة ( الدومري ) التي لم تتحمل سلطات نظام بشار البعثي القمعي جرأتها فسحبت ترخيصها وأوقفتها عام 2003 .

ريشة فنان داعم الثورة السورية

ومع اندلاع الثورة السورية في الخامس عشر من مارس الماضي في مدينة درعا ضد نظام المقاوم بالثرثرة والممانع بالبلطجة بشار الأسد، لم يتخل علي فرزات عن جرأته وشجاعته في نقد النظام وقمعه وسجونه ومعتقلاته، مما أهّل قلمه ورسوماته لتكون المدافع عن الثورة وشبابها من خلال الضحك على النظام والسخرية من سجونه ومعتقلاته التي يغيب فيها عشرات ألاف من السوريين واللبنانيين والعرب.

صاحب فكرة قائمة العار

وكان هذا الفنان الوطني الملتزم هو أول من أطلق في الأول من أبريل فكرة إنشاء ( قائمة العار ) لتضم أسماء الفنانين والمثقفين الذين يؤيدون النظام الأسدي القمعي ضد الثورة الشعبية السورية المطالبة برحيل النظام. وكان كما صرّح في الأول من أبريل أي بعد إسبوعين من اندلاع الثورة السورية لموقع إم بي سي نت قائلا: ( إن إقالة الحكومة خطوة غير كافية ) ودعا إلى حل مجلس الشعب ثم إجراء انتخابات ديمقراطية في ظل وجود تعددية سياسية تضمّ كل أطياف المجتمع السوري. معلنا أنّه دوما مع صوت الشارع ومطالبه الشرعية، مدينا اللجوء إلى سفك الدماء والتشبث بالرأي الواحد الأعور الذي لا يأتي بالنتائج. وكان أجرأ رأي له انتقاده الحل العسكري الذي يلجأ له النظام قائلا: ( إذا كان النظام يريد أن يخرج من الحفرة التي هو فيها حاليا فعليه أن يوقف الحفر..إنّ النظام لم يتعلم مما يجري حوله، فالثورة في تونس تمت قبل شهور، ولم ينتبه أحد ويبدأ اجراءات جدّية للإصلاح، والأسد نفسه تحدث عن الإصلاح منذ أربع سنوات، ومع ذلك لم تتم أي إجراءات جدّية على الأرض ).

رد فعل النظام وبلطجيته

لتلك المواقف الوطنية الشجاعة الجريئة المدعومة بالعديد من الرسومات الكاريكاتيرية الساخرة من النظام ومواقفه القمعية الأسدية، كان رد فعل النظام عبر شبيحته وبلطجيته ذلك الاعتداء الهمجي الذي لا ترتكبه إلا الوحوش، الذي تعرض له الفنان علي فرزات يوم الخميس الموافق الخامس والعشرين من أغسطس الحالي، حيث قامت مجموعة من أمن النظام بخطفه من سيارته أثناء عودته من مكتبه إلى منزله، وأوسعوه ضربا ثم اقتادوه بسيارتهم ورموه على طريق المطار بعد إصابته بكدمات قوية خاصة محاولة كسر أصابعه التي يرسم بها، وهم يريدون نقل رسالة بشار الأسد له التي مفادها: توقف عن الرسم ضد النظام ودعم الثورة ضده بهذه الأصابع وإلا المرة القادمة سوف نكسرها.

سكوت عربي مؤسف

وقد وصل الحال بالنظام الأسدي القمعي القاتل هذا الحد خاصة بعد قتل المغني ابراهيم القاشوش وقص لسانه وحنجرته ورمي جثته في نهر العاصي، للأسف والحزن الشديدين ما زال الصمت العربي الرسمي مخيبا لآمال الشعب السوري الثائر اللذي يتعرض بصراحة لأبشع مما يتعرض له الشعب الفلسطيني على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي. كانت مواقف بعض دول مجلس التعاون الخليجي العربية بداية جريئة بسحب سفرائها وتعليق بعضها عمل سفاراتها، إلا أنّ هذه الخطوة تحتاج لدعم عربي شامل، إذ لا يفيد الانتظار كما في الحالة الليبية لحين سقوط نظام الطاغية القذافي والتسابق للإعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي ممثلا للشعب والحكوم الليبية الشرعية.

بينما صدرت إدانة أمريكية واضحة،

لما تعرض له الفنان السوري العالمي علي فرزات ، إذ أعلنت الخارجية الأمريكية إدانتها لهذا الاعتداء الذي وصفته بأنه وحشي وبائس، وقال بيان الخارجية الأمريكية ( إنّ شبيحة النظام ركزوا في اعتدائهم على يدي فرزات، وضربوها بعنف وكسروا إحداها، وهي رسالة واضحة له بأنّ عليه ىأن يتوقف عن الرسم ).

الله ع الظالم

هذا هو دعاء الشابة ليندا ابنة الفنان علي فرزات التي أعلنت ( أنّ والدها يمثل بالنسبة لها القدوة والتاريخ، كما أنّه المعبر برسوماته عن معاناة الشعب السوري الذي يخرج مطالبا بالحرية ).

لذلك أقول للفنان العالمي علي فرزات وعائلته وكل محبيه: هذا الاعتداء الهمجي من النظام ومجرميه شرف جديد يضاف لقائمة شرف علي فرزات، وعار جديد أسود يضاف لقائمة عار بشار الأسد ونظامه. والأكثر عارا هو استمرار بعض الكتاب والمثقفين في الدفاع عن هذا النظام القاتل، وخاصة الكتاب الفلسطينيون الذين ما زالوا لا يملكون الجرأة أن يجيبوا على سؤال: أي نظام مقاومة وممانعة هذا الذي لم يطلق رصاصة على الاحتلال منذ عام 1973 ولم نر دباباته إلا في المدن السورية لقصفها وتدميرها؟. وهل يملك هولاء الكتاب الفلسطينيون الذين زار بعضهم دمشق للركوع على أبواب الطاغية، أن يسألوا: ماذا عن قصف مخيم الرمل باللاذقية؟ وماذا عن مئات المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين في سجون الأسد منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، وأسماؤهم موثقة عند المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن التي أعلن رئيسها المحامي هاني الدحلة في مؤتمر صحفي يوم الثاني والعشرين من فبراير 2007 أسماء 52 شخصا من هؤلاء السجناء الأردنيين والفلسطينيين. والمحامي هاني الدحلة يعرفه بعض الفلسطينيين والأردنيين الذين زاروا طاغية دمشق أخيرا، فليسألوه عن هؤلاء السجناء، فربما سجنهم ما يزيد على ثلاثين عاما هو عامل من عوامل المقاومة والممانعة!!.
علي فرزات لك المجد ولبشار ونظامه العار والرحيل القريب بإرادة الشعب السوري.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




148
طاغية ليبيا..آخر زنقة..آخر ساعة
د.أحمد أبو مطر

الثوار الليبيون يحاصرون مقر الطاغية، عميد الديكتاتوريين العرب والأفارقة وكل أقطار العالم.
الديكتاتور الذي عانى منه الشعب الليبي والعالم أجمع يعيش الآن في آخر متر من آخر زنقة في آخر حارة في العاصمة الليبية طرابلس. إنها ساعة الحلم الليبي التي تحققت بفضل شجاعة هذا الشعب الذي كان الجميع يعتقد أنه لن يثور بعد طغيان المجرم القذافي 42 عاما، وأيضا بفضل شجاعة العديد من المقربين من الطاغية الذين انشقوا عنه، وانضموا للثوار مما ضيّق الخناق عليه، وأيضا كي لا ننساهم مجموعة الكتاب والمثقفين الليبيين الذين ناضلوا بأقلامهم سنوات طويلة لكشف جرائم هذا الطاغية، ومع اندلاع الثورة الليبية كثّفوا كتاباتهم ضده، ليعطوا جرعة زائدة للثورة والثوار. إنّ الشعب الليبي الشجاع يعطي المثال لكافة الشعوب العربية، كما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي مع تعديل بسيط على بيت شعره:
إذا الشعب يوما أراد الحياة...فلا بد أن يسقط الطغاة
يا إلهي..أنا من عرف ليبيا والشعب الليبي عن قرب لسنوات، أكتب هذه الكلمات وأنا أكاد لا أصدق أن الطاغية يعيش في آخر متر وآخر ساعة.

اعتقال نجله سيف الإرهاب

ومن علامات السقوط المدوي لهذا الطاغية تأكيد مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو، وكذلك قيادات الثوار الليبيين نبأ اعتقال نجل الطاغية المسمّى زورا سيف الإسلام وهو لا يليق به إلا اسم سيف الإرهاب، لأنه كان شريكا لوالده في كل جرائمه، واضافة لذلك كان يتولى الترويج له والدفاع عنه، هو وشقيقته عائشة التي لم تكتف بالدفاع عن والدها الطاغية بل كانت تفتخر بالدفاع عن الطاغية صدام حسين، وتمول ما كانت تسمى هيئة الدفاع عنه، مدّعية أنها تحمل شهادة الدكتوراة في الحقوق والقانون، وثبت أنّ هذه واحدة من أكاذيبها الموروثة عن والدها الطاغية. هذا وقد أكّد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي خبر اعتقال سيف الإرهاب، و (أنّه في مكان آمن تحت الحراسة المشدّدة إلى أن يتم تقديمه إلى محاكمة عادلة ).

عملية فجر عروس البحر

هذا الإسم أطلقه الثوار الليبيون على عملية زحفهم نحو العاصمة طرابلس، التي بدأت منذ ثلاثة أيام خطوة خطوة..زنقة زنقة..مما دعى الناطق بإسم الطاغية المدعو موسى إبراهيم لطلب وقف إطلاق النار، والتلميح بخروج آمن للطاغية، ولكن يبدو أنّ الوقت قد فات، ولم يعد أمامه أي مخرج سوى الاعتقال أو الموت إن أصرّ هو ومرتزقته على مقاومة محاولة اعتقاله. طرابلس عروس البحر تستحق هذه الاحتفالات التي خرجت لشوارعها فرحا بقرب آخر ساعة للطاغية...طرابلس الغرب كما نسميها تمييزا لها عن طرابلس الشرق شمال لبنان. ومن علامات قرب ساعة رحيل أو سقوط أو اعتقال الطاغية خروج واحد من مساعديه لمدة عشرين عاما ( 1969 – 1990 ) وهو عبد السلام جلود من ليبيا إلى تونس وصولا إلى إيطاليا. ومن المعروف أنّ هذه الطاغية كان لا يتورع عن القتل والتغييب لبقائه منفردا بالسلطة والثروة الليبية. فهو قدّ جرّد عبد السلام جلود عام 1990 من كافة سلطاته ووضعه قيد الإقامة الجبرية، ومن ذلك العام 1990 لم نسمع عنه أي خبر سوى قبل أيام قليلة عند وصوله إلى إيطاليا.
أمّا قائمة الاغتيالات للعديد ممن عملوا معه فهي قائمة طويلة سأكتب عنها لاحقا، وفقط في آخر ساعة لهذا الطاغية أذكّر باغتياله لإثنين من المقربين له، أولهم إبراهيم البشاري وزير الخارجة ومدير المخابرات السابق، إذ افتعل له طريقة اغتيال مكشوفة في نهاية عام 1997 عبر ما وصف بأنّه حادث سير أثناء عودته من تونس، وذلك خوفا من أن يكشف البشاري ما لديه من أسرار خطيرة عن جرائم الطاغية خاصة خطف وقتل الإمام موسى الصدر وتفجير طائرة بان أميركان (لوكربي ). وثانيهما إمحمد أبو بكر المقريف الذي تقلد عدة مناصب منها وزارة الإسكان، وتمّ التخلص منه عن طريق افتعال حادث سير أيضا في نهاية أغسطس عام 1972 شرق مدينة الخمس الليبية. و قائمة مثل هذه الاغتيالات القذافية طويلة، تؤكد أنّ هذا المجرم كان القتل والاغتيال والموت طريقته المفضلة ليبقى الطاغية الوحيد المستفرد بالشعب الليبي وطنا وأرضا وثروة، ونتمنى أن يكون الموت هو نهايته بعد محاكمته علنا ليعرف العالم أجمع تفاصيل كافة هذه الجرائم.

مفارقات مؤثرة

وأنا أكتب هذه المقالة ظهر أمامي على شاشة الكومبيوتر وعبر صفحة السيد المبجل ( سكايب ) أطال الله عمره، الصديق الليبي حسن الأمين رئيس تحرير موقع ( ليبيا المستقبل ) الذي ناضل من خلاله مع العديد من الكتاب الليبيين والعرب سنوات طويلة ضد الطاغية. وكنت قد عرفت منذ إسبوعين أنه في مدينة مصراته الليبية منذ اندلاع الثورة. تركت كتابة المقالة وتحدثت معه عبر السكايب، وإذا المفاجأة أنه يتحدث معي من على ظهر زورق صيد ليبي متجه من بنغازي نحو طرابلس العاصمة. وكم كان مؤثرا أن يوجه الكاميرا لأرى جوانب الزورق ومياه البحر الأبيض المتوسط التي تنقلهم نحو طرابلس الغرب المحررة خلال ساعات من الطاغية. وصولا سالما يا صديقي وآمل أن تكون المحادثة القادمة من طرابلس المنتصرة على القاتل، وسوف أطير فورا للقائكم في طرابلس المحررة من الطاغية..طرابلس بدون ساحة خضراء وكتاب أخضر، صاحبه دموي أكثر من كافة طغاة العالم.

آخر سؤال من فوازير آخر أيام رمضان

من هو الطاغية الراحل بعد القذافي؟


للتسهيل على المشاركين في المسابقة هذه بعض الدلالات:
الحرف الأول من إسمه ( باء )
الحرف الأخير من إسم عائلته ( دال )
الحرف الأول من إسم عائلة خاله التي نهبت الاقتصاد والثروة والعباد ( ميم )...الله يخلف على من يعرف الجواب!!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



149
موقف أمريكي أوربي من نظام الأسد نأمل مثله من العرب والمسلمين

د.أحمد ابو مطر

رغم مرور حوالي ستة شهور على ثورة الشعب السوري الرافضة لبقاء نظام الوحش القمعي في سوريا، وانتشار مظاهرات الرفض عموم المدن والقرى السورية، وسقوط ما لا يقل عن ثلاثة ألاف قتيل وألآف المعتقلين، إلا أنّ هذا النظام المفترس ما يزال يصرّ على الاستمرار في طغيانه الذي لم تشهد الأقطار العربية مثيلا له. ويعتقد هذا النظام المدعوم فقط من نظام الملالي في إيران وحزبهم في لبنان الذي يستعمل زورا وبهتانا اسم الله تعالى لازمة لإسمه ( حزب الله )، متناسيا أنّ تعاليم الله تحضّ على العدل والمساواة وخير الأمة، وتفضح وتهدّد الظلمة والمفسدين ( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ). بينما هذا الحزب يستمر ليس في صمته فقط مثل كثير من الصامتين والساكتين، بل يصعّد من دفاعه عن طاغية سوريا ، لاشتراكهما معا في التوغل على الشعبين السوري واللبناني، وبالتالي لا يمكن أن يقف غول ضد غول، بل يدعمون بعضهم في التغول على شعوبهم متناسين ( أنّ الله يمهل ولا يهمل )، وأنّ الشعب السوري قرّر أن لا يعود لماضي القمع والقتل والتدمير، بل التخلص من هذا الطاغية هو هدفه الأول ثم إقامة نظام ديمقراطي حر يليق بشعب عانى من حزب البعث الديكتاتوري أشد العذاب على مدار أربعين عاما من زمن الأسد الأب إلى عهد الأسد الإبن.

تصعيد في الموقف الأمريكي

وأنا هنا فقط  للتنويه بالموقف الأمريكي الشجاع ضد هذا الطاغية، إذ أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الخميس الماضي بصراحة واضحة عن ضرورة تنحي الأسد من منصبه، بعد تصاعد قمعه ضد المتظاهرين السلميين، وقامت الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات قاسية جديدة على النظام ورموزه المشاركة في القتل والقمع. وقد شملت هذه العقوبات تجميد الأصول المالية العائدة للنظام وحظر الاستثمارات الأمريكية في سوريا، ووقف استيراد النفط السوري حيث المستفيد منه عائلة الأسد وأخواله آل مخلوف فقط، ووقف التعامل مع خمسة شركات نفط سورية يملكها أخوال بشار. كذلك فرض الحظر على أي شخص أو شركة أمريكية التعامل مع نظام الأسد، مما سيعزز العزلة الدولية عليه وتضييق الخناق الدولي. وكم كان أوباما حكيما عندما قرّر علانية ( إنّ واشنطن لا تستطيع أن تفرض ولن تفرض هذا الانتقال على سوريا ) واعدا ( الالتزام برغبة الشعب السوري القوية في عدم وجود أي تدخل خارجي في حركتهم المطالبة بالتغيير ). وعادت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لتأكيد هذا الموقف الأمريكي قائلة ( إنّ الشعب السوري يستحق حكومة تحترم كرامته وتحترم حقوقه وترقى لمطامحه، والأسد يقف في طريقه..ومن أجل الشعب السوري فقد حان الوقت كي يتنحى الأسد ويترك هذا التحول للسوريين أنفسهم ) مؤكدة أنّ الولايات المتحدة ستواصل العمل لتحقيق هذه الغاية.

ونفس التصعيد في الموقف الأوربي

وتبع ذلك نفس الموقف التصعيدي من الإتحاد الأوربي الذي دعا للمرة الأولى الأسد للتنحي مؤكدا أنّ النظام السوري ( فقد كل مشروعيته ومصداقيته ). وقد جاء هذا الموقف على لسان وزيرة خارجية الاتحاد الأوربي كاثرين اشتون، مؤكدة ( أنّ تصاعد القمع في سوريا هو أمر لا يمكن قبوله ). وأعلنت عزم الاتحاد الأوربي على فرض عقوبات تشمل إجراءات جديدة توسع نطاق العقوبات على نظام الأسد. وعلى انفراد دعا الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية ورئيس الوزراء البريطاني الأسد للتنحي كما عبروا عن تأييدهم لفرض المزيد من العقوبات القاسية على نظانه. وقالوا ( إنّ فرنسا وألمانيا وبريطانيا تكرر إدانتها القوية للقمع الدامي للمتظاهرين المسالمين والشجعان، وللانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان التي يرتكبها الرئيس الأسد والسلطات السورية منذ شهور )، مطالبين بالسماح لبعثة من الأمم المتحدة لدخول سوريا لتقييم الوضع ميدانيا. وقامت سويسرا ومن قبلها إيطاليا بإستدعاء سفيريها في دمشق للتشاور وهي خطوة احتجاجية في مضمونها.

من أين لك هذا يا بشار؟

هذا وقد جمّدت سويسرا مبلغ أربعة وثلاثين مليونا من الدولارات موجودة في بنوكها بإسم بشار الأسد و 22 شخصا آخرين من عائلته وأخواله، وهذا المبلغ هو المعلن عنه في سويسرا فقط. وبالصدفة المضحكة المبكية أنّ هذا المبلغ في سويسرا وحدها يساوي سنوات عمر بشار الأربع والثلاثين سنة التي تمّ تعديل الدستور البعثي عام 2000 من أجله ليرث والده في حكم وقمع سوريا. أي أن طبيب العيون بشار كان يحول لسويسرا فقط سنويا مليون دولار لحسابه هو وأفراد عائلته. فلو كان هو ووالده ديمقراطيين ولم يقوما بعملية التوريث المخزية، وفتح له عيادة لطب العيون، هل كان سيوفر ويجمع من عائداتها سنويا مليون ليرة سورية وليس مليون دولار؟ علما أنّ المليون ليرة سورية تساوي مائة وثمانين ألف دولار فقط ، فمن أين لك هذه الملايين يا طبيب العيون التي حولتها لسويسرا فقط؟. وكم من الملايين سوف يعلن عنها في العديد من الدول الأوربية والأمريكية لاحقا؟. لذلك وسّعت حكومة سويسرا قائمة أشخاص النظام المشمولين بتجميد أموالهم في البنوك السويسرية لتشمل ذو الهمة شاليش رئيس وحدة حماية بشار الأسد، وتضم القائمة أسماء أربع شركات تمول نظام الأسد المتوحش على شعبه فقط.

وأين المواقف العربية والإسلامية؟

إزاء هذه المواقف الأمريكية والأوربية المناصرة للشعب السوري في ثورته ضد نظام الطاغية ، يكون السؤال المنطقي: أين المواقف العربية والإسلامية من هذا النظام؟. هذه المواقف تقتصر حتى الآن على بيان دول مجلس التعاون الخليجي العربية وخطاب العاهل السعودي شديد اللهجة الموجه للأسد، وقيام قطر بتجميد عمل سفارتها، واستدعاء الكويت والسعودية والبحرين وتونس لسفرائها من دمشق، وكذلك بيان الجامعة العربية ضمن نفس الإطار.إلا انّها تبقى مواقف لا ترقى لمستوى شجاعة وجرأة الموقفين الأمريكي والأوربي ضد هذه الطاغية الذي لم يتورع عن قصف المساجد، وقتل الأطفال والتمثيل بجثثهم. إنّ الدول الإسلامية في مجموعها ما عدا تركيا تلتزم موقف الصمت وكأن ما يجري في سوريا لا علاقة لهم به ولا علاقة لإسلامهم الذي ينصح بالعدل به. إنّه لا يكفي من الدول العربية أن تكتفي بالمواقف التي ذكرتها قبل سطور، وأن تظلّ الدول الإسلامية ساكتة على هذا القمع الدموي فالسكوت علامة الرضا كما يقول المثل العربي.

الدرس المستفاد من الموقفين الأمريكي والأوربي

لا تخلو السياسات الأمريكية والأوربية من السلبيات إزاء العيد من القضايا، ولا ينكر ذلك أي عاقل وموضوعي، إلا أنّه فيما يتعلق بالطغاة العرب فعلينا التذكر أنّ هذه الدول مجتمعة كانت وستظل ساكتة على ممارسات الطغاة والديكتاتوريين العرب، طالما نحن الشعوب العربية لسنا ساكتين على استبدادهم فقط، بل نخرج في كل مناسبة نهتف بحياتهم عبر شعارنا الكريه ( بالروح بالدم نفديك يا....). ولكن عندما تثور الشعوب العربية ضد هؤلاء الطغاة ويصبح شعارها ( بالروح بالدم سوف نقتلعك أيها الطاغية )، عندئذ لا يمكن أن تستمر الدول الأوربية والأمريكية في دعمها لهؤلاء الطغاة، كما يظهر من مواقفها الموثقة في السطور السابقة. لذلك فعلينا كعرب أن لا نلوم إلا أنفسنا في بقاء هولاء الطغاة أو اقتلاعهم من جذورهم وإرسالهم لجحيم الشعوب التي عانت الكثير من جحيمهم.

ديكتاتور عن ديكتاتور بيفرق

لا أعرف هل هي حقيقة أم نكتة ما نقلته صحيفة الجمهورية عن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، أنّه انتقد بشار الأسد وما يفعله في شعبه من قتل وجرائم، مطالبا إياه بالرضوخ لإرادة الشعب السوري والتنحي فورا عن الحكم. عندما قرأت الخبر قلت: سبحان الله..ولله في خلقه شؤون..حتى حسني مبارك يخجل من جرائم بشار الوحش..لذلك نأمل أن يتطور موقف الجيش السوري ليكون مثل موقف الجيش المصري الشجاع الذي رفض قتل المتظاهرين المصريين وتدمير المدن المصرية مما عجّل برحيل حسني مبارك..وإذا اتخذ الجيش السوري مثل هذا الموقف واصطف إلى جانب شعبه السوري، لن يكون أمام طاغية سوريا إلا الرحيل أو الهروب أو الانتحار إن شاء الله والشعب والجيش السوري.
ahmad.164@live.com

www.dr-abumatar.net





150
هل بدأ العدّ التازلي لسقوط بشار الوحش ونظامه؟
د.أحمد أبو مطر

أودّ في البداية التوضيح كي لا أسبّب مزيدا من الاستفزاز لأنصار ومريدي المقاوم بالثرثرة، أنّ تسمية (الوحش ) الواردة في عنوان المقالة ليست استهزاءا أو سخرية من طرفي، فهي معلومة تاريخية أوردها الكاتب البريطاني باتريك سيل في صفحة 13 من كتابه ( حافظ الأسد، الصراع على الشرق الأوسط ) الذي صدرت ترجمته العربية عام 1992 عن  ( شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ) في بيروت، واعتمادا على أرشيف العائلة في القرداحة الذي أمر حافظ الأسد بفتحه لباتريك سيل، يؤكد المؤلف في الصفحة المذكورة من الطبعة العربية، أنّ اسم العائلة منذ زمن ( سليمان ) جدّ حافظ، كان اسمها الوحش ولاحقا تمّ تغييره إلى الأسد، وقد نشر الكاتب البريطاني الكثير عن عائلة الوحش مما أغضب حافظ الوحش فقرّر منع الكتاب من دخول سوريا بطبعتيه العربية والإنجليزية، لأنّ بعض هذه الأسرار يرقى لحد الفضائح، ويمكن لمن يريد العودة للكتاب المتوفر على النت بطبعتيه، لأنّ قيامي شخصيا بنقل بعض هذه الفضائح لن يصدقه مريدي المقاوم بالثرثرة وقاتل ما يزيد على أربعة ألاف سوري حتى اليوم فقط لأنهم يطالبون برحيله وسقوطه.

وعودة للعدّ التنازلي المقصود،

من المهم الإشارة والتذكير بالموقف السبّاق لدول مجلس التعاون الخليجي التي أصدرت بيانا في مطلع أغسطس الحالي ، أدانت فيه ( الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين فى سوريا مما أدى لوقوع ألألاف من القتلى و الجرحى من المدنيين ) و يعتبر هذا هو الموقف الخليجى الاول عربيا منذ بداية الثورة السورية الحالية، حيث أعربت أيضا عن أسفها وحزنها لاستمرار نزيف الدم في سورية، مؤكدة حرصها على أمن واستقرار ووحدة البلاد، ودعت دول المجلس إلى الوقف الفوري لأعمال العنف وأية مظاهر مسلحة، ووضع حد لإراقة الدماء واللجوء إلى الحكمة، وإجراء الإصلاحات الجادة والضرورية بما يكفل حقوق الشعب السوري ويصون كرامته ويحقق تطلعاته.

وأعقب ذلك موقف العاهل السعودي،

 الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي قال في خطاب يوم الأحد السابع من أغسطس الحالي " تعلن المملكة العربية السعودية استدعاء سفيرها للتشاور حول الاحداث الجارية في سوريا ...و أنّ السعودية تقف تجاه مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائها، مطالبة بإيقاف آلة القتل، وإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الآوان...وأنّ ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، بل يمكن للقيادة السورية تفعيل اصلاحات شاملة سريعة" ، مؤكدا أنّ «مستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع، لا سمح الله ، وأشار العاهل السعودي في خطابه الى أنّ «تداعيات الاحداث التي تمر بها الشقيقة سوريا والتي نتج عنها تساقط أعداد كبيرة من الشهداء الذين أريقت دماؤهم وأعداد اخرى من الجرحى والمصابين" مؤكدا ان ذلك «ليس من الدين ولا من القيم والاخلاق ". وكان قد سبق ذلك تجميد دولة قطر عمل سفارتها في دمشق، وأيضا للمرة الأولى بيان من الجامعة العربية أصدره أمينها العام نبيل العربي، يعلن فيه ( أنّ الجامعة العربية تشعر بقلق متزايد بشأن التطورات في سوريا ( داعيا السلطات السورية إلى الوقف الفوري لجميع أعمال العنف ضد المحتجين ). وهذه هي المرة الأولى التي تخرج الجامعة العربية عن صمتها إزاء ثورة الشعب السوري، خاصة بعد زيارة نبيل العربي لدمشق في الثالث عشر من يوليو الماضي واجتماعه مع الأسد، وهي الزيارة التي لاقت استنكارا من العديد من النشطاء السوريين.

تظاهرات عربية في عدة دول لدعم الشعب السوري

ويترافق ذلك مع قيام العديد من التظاهرات في مصر والأردن والكويت وتونس وغيرها أمام السفارات السورية، لتعبّر شعوب تلك الأقطار العربية عن دعمها لثورة الشعب السوري ضد هذا الطاغية القاتل. أما في الكويت فقد صعّد بعض النواب الكويتيين مواقفهم المناصرة للشعب السوري، مطالبين حكومة بلادهم بطرد السفير السوري من الكويت. وقد عمّت المظاهرات المندّدة بقمع النظام مختلف العواصم الأوربية والاسكيندينافية والأمريكية، وبشكل لم تشهده بهذه الكثافة الثورات الشعبية السابقة، مما يدّل على الرفض الشامل لممارسات هذا النظام الدموي الذي أصبح شعاره حقيقة ( يا أنا يا الشعب السوري ). فهو قد ثبت بالممارسة طوال الشهور الستة الماضية أنّه نظام طائفي رغم براءة غالبية الطائفة العلوية الوطنية من ممارساته الوحشية ، لكنّه يحاول تعبئة هذا الطائفة والدروز والمسيحيين من خلال التخويف بما سيلحقهم إذا سقط نظامه، وكأنهم اليوم يعيشون في جنة الله وليس غابة الأسد.

تصاعد المواقف الدولية المضادة للنظام الدموي

فقد أعلنت وزارة الخارجية الإيطالية يوم الإثنين الثامن من أغسطي ( أنّ وعود النظام السوري بالإصلاحات الديمقراطية تفتقر للمصداقية، طالما استمرفي حملة القمع العنيفة ضد المتظاهرين...إنّ إيطاليا تدين بشدّة استمرار نظام الأسد العنيد في القمع ). وكانت ايطاليا قد استدعت سفيرها من دمشق في مطلع أغسطس الحالي.

وتطور نوعي في موقف وزير الخارجية المصري،

فقد أعلن محمد العرابي لأول مرة بلهجة حاسمة ( أنّ الوضع في سوريا يتجه نحو نقطة اللاعودة ) مؤكدا ضرورة التحرك السريع لوقف العنف..إنّ الإصلاح المخضب بدماء تراق وشهداء يسقطون بشكل يومي لا يجدي نفعا. إنّ مصر تواصل مشاوراتها بشكل مكثف مع الدول الشقيقة انطلاقا من مسؤولياتها التاريخية والتزاماتها، للمساعدة على ايجاد مخرج يوقف نزيف الدم في سوريا، ويحقق التطلعات المشروعة للشعب السوري الشيقي ).

تطور في الموقف الروسي والعقوبات الدولية

وهذا تطور نوعي يحرم نظام الوحش القاتل من بعض أغطيته ومصادر تمويله، فقد تمّ رفع الغطاء الروسي عن نظامه، حيث أعلن المبعوث الروسي ميخائل مارغليوف أنّ روسيا لا تمانع في النظر في أي قرار لمجلس الأمن يتضمن عقوبات على سوريا، وأضاف حرفيا ( إنّ طريقة تعامل الرئيس السوري بشار الأسد مع المتظاهرين في بلاده ستسرّع من رحيله عن السلطة ).

وقد بدأت العديد من الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات شديدة على النظام ورموزه الفاعلين، وحسب كل الخبراء الاقتصاديين أنّ هذه العقوبات الاقتصادية سوف تقلل كثيرا من قدرات النظام الدموي على القمع وتمويله. وكانت إشارة واضحة عندما استقبل وزير الخارجية الكندي وفدا من المعارضة السورية للإطلاع منه على مجريات الوضع الثوري في سوريا ضد النظام، وكان من نتائج ذلك مشاركة كندا في العقوبات المفروضة على بعض أعضاء النظام القاتل في سوريا.

تطورات الموقف الأمريكي

سبق أن أصدرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تصريحات تفيد بأن الأسد قد فقد شرعيته، وعاد الرئيس الأمريكي أوباما أنّ كرّر نفس الموقف قائلا ( أعتقد أنكم تشاهدون على نحو متزايد أنّ الرئيس الأسد فقد شرعيته في عيون شعبه، ولهذا نعمل مع المجتمع الدولي من أجل مواصلة الضغط على هذا النظام...نظام الأسد ضيّع الفرصة تلو الفرصة ).
أمّا رئيس الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي الأميرال مايك فقد قال في حديث تلفزيوني في السادس والعشرين من يوليو الماضي ( رأيت الرئيس الأسد يتحدث عن الإصلاح وفي الوقت نفسه يقتل شعبه...عندما تقتل شعبك تعجّل في زوالك ). وكذلك السفير الأمريكي في دمشق زائر مدينة حماة روبرت فورد فقد صرّح ( أنّ الشارع يمكن أن يطيح بالنظام السوري إذا لم يبدأ سريعا بالإصلاحات التي يطالب بها المتظاهرون ) ، وأعلن بعد عودته من واشنطن لدمشق قبل أيام بأنه سوف يستمر في زيارة المدن السورية للإطلاع على تطورات الحدث السوري، وهذا في حد ذاته تحديا للنظام الأسدي بعد زيارة السفير لمدينةحماة.

ومن المتوقع في نهاية هذا التصعيد الأمريكي
أن يدعو الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسد رسميا بالتخلي عن السلطة خاصة بعد تصعيد الضغوط الدولية ضد قمعه وقتله. وهنا لا بد من التوقف عند الدور التركي المرتقب بعد زيارة وزير الخارجية التركي لدمشق، وما سيحدث عنها من مواقف تركية بعد تصريحات مسؤولين أتراك كبار بأنّ صبر تركيا قد نفذ.

وأخيرا وليس آخرا  قصف المساجد وموقف الأزهر الشريف


فقد أصدر الأزهر الشريف في القاهرة يوم الثامن من أغسطس الحالي بيانا، أعلن فيه ( أنّ الأمر قد جاوز الحد وأنّه لا بد من وضع حد لهذه المأسآة العربية والإسلامية ). ومن أخر جرائم هذا الوحش قيام قواته بقصف مساجد في حمص ودير الزور لمنع وصول التكبير من على مآذنها. بالله عليكم كم طاغية وقاتل سبقه لهذا العمل الإجرامي...لذك نقول: كل المعطيات والتطورات السابقة تؤذن: بأنّ العدّ التنازلي لسقوط نظام هذا الوحش قد بدأ...والله والشعب السوري المستعان على ظلمه.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
 



151
من الجنابي إلى سلمان مصالحة، هل هناك أمل في مٌصالحة مع العقل؟

د.أحمد أبو مطر

مقالة الزميل عبد القادر الجنابي المنشورة في إيلاف بتاريخ الحادي والثلاثين من يوليو 2011 بعنوان  (حصاد علوي واستفزازات أخرى )، فسّر بعض مضامينها الزميل سلمان مصالحة يوم الثاني من أغسطس 2011 في مقالته بعنوان ( هل هو اليأس يا عبد القادر؟ ). هذا السجال الجنابي المصالحي، أعطاني دفعة من تفكير للدخول في نفس النقاش لأنّه شئنا أم أبينا، أعلنا أم أخفينا، تظاهرنا أم تصارحنا، هو الموضوع الرئيسي للصراع في أكثر من قطر عربي، رغم وجود مسببات وعوامل صراع أخرى أهم، يفترض أن تجمع الجميع شعوبا و وطوائف، إلا أنّ الأنانية العربية والاصطفاف المصلحي الفردي والطائفي منذ نهاية زمن من أطلق عليهم الخلفاء الراشدون، أي أنّ كلّ من جاء بعدهم تحت مسميات ( خلفاء ) عباسيين أم أمويين أم عثمانيين فهم غير راشدين، وهو ما أدّى بشكل علني لتغليب الاصطفاف المصلحي الطائفي على مواجهة الأخطار الأخرى ليست الخارجية فقط، بل الداخلية الأخطر مثل الفساد وشيوع الأمية والتخلف الذي يضع أغلب الدول العربية في خانة الدول الفاشلة، أو المستهلكة فقط بمعنى لا تنتج ما يمكن تصديره لاستهلاك الدول الكبرى، ما عدا النفط في بعض الأقطار العربية، وأيضا لا فضل للعرب في اكتشافه واستخراجه وتكريره وتصديره، فكل هذه المراحل تتم بفضل العقل والتكنولوجيا الأمريكية و الأوربية.

صدمة جنابية جرئية وضرورية

تفسير الزميل سلمان مصالحة ينسجم مع خلفيته الفكرية التي شعارها ( والعقل ولي التفكير )، وهو شعار منطقي وموضوعي لأنّه لا تفكير بدون وجود العقل، وهذا التخبط العربي الذي من مظاهره التخلف سنة وراء سنّة دليل على أنّ الشعوب العربية ربما بفعل أنظمتها الديكتاتورية القمعية المتوحشة الفاسدة، ألغت وجود العقل، لأنّ أي عقل مهما كان بسيطا سيرفض هذه الأنظمة ويسقطها، ومع إلغاء هذا العقل العربي أصبحت غالبية الشعوب العربية هي صانعة هذه الديكتاتوريات. وفي زمن الثورات العربية ضد هذه الأنظمة، ما زالت هناك فئات أو طبقات أو طوائف تدافع عن هذه الأنظمة القمعية المتوحشة، ويشاركها في هذا الدفاع كتاب معروفون لن يسجل التاريخ أسماءهم إلا في قوائم العار والخزي المشين. وإذا سمح لي الزميل سلمان مصالحة بإستعمال شعاره ( والعقل ولي التفكير ) لتفسير مضامين مقالة الجنابي، فسوف أعتبرها ليست دعوة لحرب طائفية ميدانية كما فهمها بعض القراء في تعليقاتهم، ولكنها كما فهمتها حرب مع الذات سنّية كانت أو علوية أوشيعية أو مسيحية، بمعنى أن تتصارح عقول عقلاء الطوائف جميعها – إن وجدوا – ويقرّروا هل يستطيعون التعايش ضمن أوطان واحدة موحدة تسودها الديمقراطية والعدالة بغض النظر عن الطائفة أم لا؟.

 إذ أنّه من غير الممكن الاستمرار في هذه الحرب الطائفية السرّية والعلنية الموجودة والممارسة ميدانيا صراحة بدون أقنعة. فهل ما يجري في العراق مثلا مقاومة ضد الاحتلال كما يسميها البعض، أم حرب على الهوية الطائفية بين السنّة والشيعة؟ فلنلاحظ تفجير مساجد مقابل تفجير حسينيات والطرفان مع تفجير الكنائس وقتل المسيحيين. ماذا نسمّي ذلك غير حرب طائفية؟. وفي لبنان أيضا هل اجتياح حزب الله الشيعي الإيراني في مايو 2008 لمناطق السنّة في بيروت كانت حربا ضد الاحتلال الإسرائيلي أم ضد الطائفة السنّية؟. وفي المقابل كي نكون موضوعيين وصادقين مع شعار مصالحة ( والعقل ولي التوفيق )، فإنّ حركة المحرومين التي أطلقها الإمام موسى الصدر عام 1974 تقريبا،  بهدف تحقيق مطالب الطائفة الشيعية المحرومة والمضطهدة آنذاك، وبتداخلاتها التنظيمية مع حركة نبية بري أمل الشيعية، خاضت حربا ضروسا ضد المخيمات الفلسطينية السنّية لم تكن خلفيتها إلا طائفية بحتة وبدعم وسكوت من نظام حافظ الأسد الطائفي، وهكذا فالطائفة الشيعية تطالب بحقوقها المشروعة،  وتمارس في الوقت ذاته حربا غير مشروعة ضد مخيمات الفلسطينيين السنّة، وفي بدايات الحرب الأهلية اللبنانية عام 1974 ، كانت حواجز قوات الكتائب تقتل  حسب الهوية خاصة الفلسطينيين وبشكل صريح.

وفي سوريا رغم وجود علويين شرفاء وطنيين،

إلا أنّ نظام الأسد المتوحش يجيّش علانية الطائفة العلوية لتقف مع طغيانه وفساده وقتله، وهو من الأساس منذ زمن الوحش الأب وضع كافة أجهزة الدولة الرئيسية خاصة المخابرات والدفاع والجيش والمالية في يد أبناء الطائفة الشيعية، ويكفي أنّ أخواله ( إمبراطورية آل مخلوف ) يسيطرون حقيقة على ما يزيد عن ستين بالمائة من الثروة والاقتصاد السوري. ولنتساءل بصراحة: ماذا كان سيكون رد الفعل في الداخل السوري لو أنّ تصريح رامي مخلوف ( عن أنّ استقرار سوريا جزء من استقرار إسرائيل )، كان قد صدر من واحد من أبناء الطائفة السنّية؟.

ونظام الملالي الإيراني،

ينطلق في كافة سياساته من منطلقات طائفية صريحة، ويكفي التذكير بتهديداته المستمرة للبحرين وعموم دول الخليج العربي، وتدخله السافر في التظاهرات البحرينية وسكوته المخزي على ما يجري من قمع وحشي في سوريا من قبل نظام الأسد، وانفاقه ملايين الدولارات لنشر المذهب الشيعي في العديد من الأقطار العربية خاصة في شمال أفريقيا. فلماذا لا نترك الاعتقاد بأي مذهب للشخص ذاته دون تحريض وتعبئة وإغراءات مالية؟.

وفي مصر أليست حرب طائفية ضد الأقباط

أمر غير معقول في مصر محمد عبدة وجمال الأفغاني أن يتواصل الشحن الطائفي ضد أقباط مصر بذرائع مختلفة، يساهم فيها للأسف الدستور الذي ينصّ في مادته الثانية على أنّ ( الإسلام دين الدولة الرسمي واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ). وهذا أمر غير عقلي ولا منطقي في دولة يعيش فيها حوالي ثنانية ملايين مسيحي مصري قبطي. وماذا عن تفجير الكنائس المستمر في العراق، والهجوم على مدارس وكنائس مسيحية في غزة حماستان؟

لذلك فإن صرخة الجنابي،

كما فهمتها ليست دعوة لحرب طائفية بل دعوة لحرب مع الذات العربية الطائفية، كي تتخلص من هذه الطائفية البغيضة، وذلك من خلال تخيلها إن تمكنت عقولها الحروب الطائفية التي خاضتها أوربا، ويكفي تذكير تلك العقول إن وجدت بما أصبحت معروفة بحرب الثلاثين عاما ( 1618 – 1648 ) بين الكاثوليك والبروتستانت، وشاركت فيها غالبية دول أوربا، موقعة ملايين القتلي والمشردين والمهاجرين. ويكفي أن كتب التاريخ الأوربي لتلك الحرب تذكر أنّ الجيش السويدي وحده قد دمّر 2000 قلعة، و 1800 قرية، و 1500 مدينة في ألمانيا وحدها، وأنّ عدد سكان ألمانيا في تلك الحرب انخفض من عشرين مليونا إلى ثلاثة عشر مليونا ونصف، مما جعل القساوسة المسيحيين يجيزون تعدد الزوجات لتعويض هذه الخسائر البشرية الهائلة.

وكذلك هل يمكن للعقول العربية الطائفية أن تتخيل أو تعيش نظريا الحروب الدينية في فرنسا بين عامي ( 1560 و 1598 ) بين الكاثوليك والبروتستانت أيضا، وحسب التقديرات الفرنسية فقد أوقعت ما بين مليونين إلى أربعة ملايين قتيل، وهجرة مئات الآلآف خاصة من البروتستانت، ولم تتوقف تلك الحروب الدينية إلا بعد وضع الفرنسيين عقولهم في رؤوسهم منفتحة على العقلانية، موقعين اتفاقية ( نانت ) في أبريل 1598 التي أقرّت واعترفت بحرية العقيدة، أي فليعتقد كل شخص بما يؤمن به كاثوليكية أم بروتستانتية أم أرثودكسية أم ما شاء من مذاهب مسيحية استجدت بعد ذلك.

إنّ دعوة الحرب الطائفية الجنابية كما فهمتها، هي كذلك حرب تصورية على العرب إن استعملوا عقولهم ونظّفوها من الصدأ الطائفي أن يتخيلوا نتائجها، عندئذ سوف يعلنوا بصوت واحد: نعم تخيلنا هذه الحرب الطائفية وحجم خسائرها، وكأننا عشناها وخضناها فعلا، فلسنا بحاجة لخوضها على مدار ثلاثين أو ثمانية وثلاثين عاما، كي نوقع اتفاقية مثل اتفاقية (نانت الفرنسية ). فليعتقد كل عربي بما يؤمن به، سنّة أو شيعة أو علوية أو مسيحية ( لكم دينكم ولي دين ) ( فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ). عندئذ يستطيع العرب البدء بنفس الطريق الذي قاد أوربا إلى هذه اللحظة الحضارية التكنولوجية التي يعيش العرب وغالبية المسلمين عليها في كافة نواحي حياتهم، بما فيها الانترنت الذي يخوض من خلاله السنّة والشيعة حربا قذرة، تستعمل فيها كل طائفة ضد الأخرى أقذر العبارات وأوسخ الأوصاف.

والأنظمة ليست بريئة من التجييش الطائفي

 إذ من الواضح أنّ نظام المقاوم بالثرثرة الأسد على شعبه فقط، فعلا يجيّش الطائفة العلوية وينشر بينها الرعب والخوف إن هو زال من الحكم وتحقق شعار الشعب السوري ( الشعب يريد اسقاط بشار الأسد ). وهناك أصوات وشخصيات علوية شريفة وطنية مثل عارف دليلة تعرف نوايا  النظام الطائفية الخبيثة، لذلك تقف مع ثورة الشعب متضامنة من أجل إسقاط الأسد ونظامه. وكذلك أثبتت بعض الوثائق المصرية التي تم العثور عليها بعد انهيار مراكز الشرطة أنّ مسؤولين في وزارة الداخلية المصرية، كانوا وراء التفجير الهمجي الذي طال كنيسة القديسين في مدينة الإسكندرية ليلة رأس السنة 2011 ، وأنّ جمال مبارك وحبيب العادلي كانا وراء تفجيرات فنادق ومنتجعات شرم الشيخ في يوليو 2005 انتقاما من رجل الأعمال الهارب والمسجون في أسبانيا الآن حسين سالم، لأنّه خفض عمولة جمال مبارك من صفقة تصدير الغاز المصري لإسرائيل من 10 % إلى 2.5 % وكون تلك المنتجعات تعود لحسين سالم، وقد أوقعت تلك التفجيرات قرابة تسعين قتيلا غالبيتهم من المصريين.

دعوة الجنابي صراحتها نابعة من جرأته ووضوحه،

 الذي عرفته أولا من سيرته الذاتية ( تربية عبد القادر الجنابي ) التي صدرت طبعتها الأولى عام 1995 ، لذلك فلا خوف يا سادة إنها ليست دعوة جنابية لحرب طائفية بقدر ما هي دعوة لحرب مع الذات الطائفية كي تتجنبوا كوارث تلك الحرب إن حدثت ميدانيا، وهذا ليس مستبعدا في ظل هذا الشحن الطائفي الذي تسهم فيه بعض الأنظمة وشيوخ من كافة الطوائف بلا استثناء. ونحن نريدها مع الجنابي حربا تخيلية مع الذات كي نصل لتلك اللحظة التاريخية الحضارية بدون تلك الحروب المدمّرة..فهل نعي ذلك...نعم نستطيع ذلك إذا استمعنا لصرخة الجنابي و آمنا بمنطق سلمان مصالحة ( والعقل ولي التوفيق ) والسلام على من جانب الباطل وتجنّب العنف الطائفي، وانحاز للعقل من أجل مصلحته وصولا لمصالحة مع الذات...و يبقى العقل ولي التفكير.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


                                                                                                                                   

152
مخاطر عدم التسريع بإسقاط الطاغية القذافي
د.أحمد أبو مطر

تقترب ثورة الشعب الليبي ضدالطاغية القاتل معمر القذافي من دخول شهرها السادس، ورغم سيطرة الثوار الليبيين على مساحات واسعة من الأرض الليبية، وتراجع واضح لكتائب ومرتزقة الطاغية، إلا أنّ كتائبه ما زالت تسيطر على مناطق ليبية أهمها العاصمة طرابلس التي يختفي فيها هو وابنه سيف الإرهاب، وليس سيف الإسلام كما أطلق عليه والده الطاغية، لأنّ سيفا للإسلام لا يرضى بهذا الإرهاب الذي يمارسه والده ضد الشعب الليبي وشعوب أخرى عربية وأوربية وأمريكية طوال ما يزيد على أربعين عاما، مما أهلّه فعلا لأن يكون حقيقة ( عميد الطغاة العرب ). لقد هرب طاغية تونس إلى جدّة، وديكتاتور اليمن إلى الرياض حيث يقبع هناك بوجه جديد بعد تشويهه جراء قنبلة داهمته في وكره، وديكتاتور مصر يواجه المحاكمة وهو على سرير المرض في منظر لا يثير الشفقة مطلقا، لأنّه تسبب عبر الفساد والنهب في إرسال ملايين المصريين لأسرّة المرض والفقر والبطالة، أيضا هو ونجليه خاصة جمال الذي كان رئيس جمهورية الظل استعدادا للقفز إلى منصة الرئاسة العلنية. فلماذا تطول فترة هروب أو رحيل أو قتل طاغية ليبيا؟ توجد على الأرض ميدانيا عدة عوامل أهمها:

تجييشه للنزعة القبلية والشخصية

المتابع للشأن الليبي ميدانيا يمكن أن يلاحظ  الطبيعة القبلية العشائرية للشعب الليبي التي نمّاها هذا الطاغية عبر أربعين عاما، من خلال عدم إقامته أية مؤسسات مدنية تحتكم للتنظيم والخبرات الشخصية، بل الولاءات القبلية والشخصية للعقيد ذاته، عبر ديكور أطلق عليه ( اللجان الشعبية ) على أساس أنه لا وجود لوزارات حكومية كباقي الدول بل لجان من الشعب هي التي تخطط وتدير شؤون البلاد، وواقع الحال أنه كان لا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلا بأوامر من هذا الطاغية، ودوما يجب أن يصاحب بتمجيده لدرجة إيصاله لعقدة الجنون التي جعلته مللك ملوك أفريقيا عبر رشاويه لرؤساء وملوك، كما كُشف أخيرا أنه كان يدفع راتبا شهريا لزين الهاربين بن علي الطرابلسية، واشترى طائرة حديثة لحسني مبارك، غير الملايين التي يغدقها على رؤساء أفريقيا الذين نصبّوه ملكا لهم.

وقد نمّت هذه النزعة الولائية لشخص الطاغية إلى حد أنها اصبحت الشرط لتولي أي منصب للمواطن الليبي أو العربي الذي يعمل هناك، وأتذكر أنّه في عام 1980 عندما عملت مدرسا في جامعة طرابلس ( قذافيا اسمها جامعة الفاتح ) كنت أحدث الخريجين الحاصلين على درجة الدكتوراة من جامعة الإسكندرية ومرتبتي الأكاديمية ( مدرس )، بينما معي زملاء مصريون ومن جنسيات أخرى يحملون درجة الدكتوراة منذ عشرين عاما أي بمرتبة ( أستاذ ) ورغم ذلك كان رئيس قسم اللغة العربية الذي نعمل فيه مواطنا ليبيا لا يحمل سوى درجة الليسانس ومن جامعة القذافي ذاتها. وهذا يفسّر تدهور مستوى التعليم في كل مراحله، فالعقيد وكتابه ( المرأة تحيض والرجل لا يحيض ) و ( من تحزب خان )، كان يطبع ويوزع إجباريا أكثر من القرآن الكريم. لذلك عبر نزعة وسطوة الارتزاق هذه ما زالت معه كتائب من المنتفعين الذي لا قيمة لهم في أية دولة مدنية تعتمد على المؤسسات والكفاءات.

المرتزقة والدور الجزائري

أصبح مؤكدا أنّ كتائب القذافي تعتمد على مخزون الأموال والذهب الذي بحوزة الطاغية، لكسب مزيد من الوقت، كما أنّ أعدادا غفيرة من المرتزقة الأفارقة تحديدا الذين جاءوا من دول فقيرة تسودها المجاعة، وبالتالي فقتالهم مع هذه الكتائب لا يهمهم أيا كانت نتيجته حتى لو الموت. وتؤكد بعض مصادر الثوار أن الحكومة الجزائرية تسهل وصول ودخول هؤلاء المرتزقة عبر حدودها، ورغم نفي السلطات الجزائرية فهذا ليس مستبعدا كون النظام الجزائري ما زال من الأنظمة القليلة التي تدافع عن هذا الطاغية، ولم يتخذ أية خطوة أو إجراء ضده.

مخاطر عدم سقوط الطاغية ليبيا وعربيا ودوليا

إنّ مراهنة نظام الطاغية على عامل الوقت خطيرة لأنها تحتمل العديد من الاحتمالات، والضروري عربيا ودوليا التنبه إلى المخاطر التي ستنتج عن عدم سقوط نظام هذا الطاغية ورحيله إلى الأبد. إنّ أهم هذه المخاطر في حالة بقائه وعودته للسيطرة على ليبيا شعبا وأرضا عديدة للغاية وكلها في منتهى الخطوة والبشاعة الإجرامية:

أولا: ليبيا
إنّ بقاء هذا النظام سيعني أنه سيقوم بتصفية حساباته مع كل المناطق والقبائل والتجمعات والشخصيات التي ناصبته العداء، وانضمت للثوار محاربة له، وهذا سيعني بدون نقاش مذابح ومجازر جماعية ستطال مئات ألاف الليبيين في كل المناطق. فإذا كان هذا الطاغية قد قتل في مذبحة سجن أبو سليم قرابة 1200 شخص، وهم لم يقوموا بأي عمل ضده، فكم من مئات الألاف سيقتل من الذين حاربوه بالسلاح وحرروا مناطق ليبية من سيطرته وسطوته؟

ثانيا: عربيا

لن ينس هذه الطاغية في حالة بقائه مواقف الدول العربية التي أيدت الثوار ودعمت المجهود العسكري ضده، ونزعت الشرعية منه واعترفت بالمجلس الانتقالي ممثلا شرعيا للشعب الليبي، وسيمارس ضدها إرهابا في كافة المستويات، وهو سيكون قادرا عليه بحكم وجود مليارات الدولارات تحت يده، وهناك مرتزقة من كافة الجنسيات مستعدين لأية عمليات إرهابية مقابل الدولارات، بما فيها ملاحقة الشخصيات الليبية التي انشقت عنه وانتقدته، وسبق أن مارس الخطف والاغتيال مع منصور الكخيا عام 1993 والإمام موسى الصدر ورفيقيه عام 1978 وغيرهما.

ثالثا: دوليا

سيقوم الطاغية بنفس التوقع السابق مع الدول العربية، وعلى الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية أن تتذكر إرهابه الدولي خاصة مذبحة طائرة بان أمريكان ( لوكربي ) عام 1988 ، وتفجير الملهى الألماني عام  1986 ، وتفجير الطائرة الفرنسية فوق تشاد عام 1989 ، وغيرها العديد من عمليات الإرهاب في دول عديدة.
لذلك يجب الإسراع في دعم لوجيستي وميداني للثوار الليبيين وتكثيف عمليات الناتو العسكرية في طرابلس للوصول لهذا الطاغية وأولاده، لأنّه من غير المفهوم أن دول الناتو بكل ما تملك من أجهزة وتقنيات تكنولوجية وأجهزة رصد عاجزة عن تحديد مكان اختباء هذا الطاغية للقضاء عليه، لأنّ مجرد القضاء عليه سيعني فرار كل كتائبه ومرتزقته للنجاة بأنفسهم كي لا يلاقوا نفس مصيره..فهل تدرك الدول العربية والأوربية والولايات المتحدة مخاطر عدم التسريع في إسقاط نظام هذا الطاغية المجرم بحق شعبه الليبي أولا.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net






153
كيف تمّ تصنيع طاغية اسمه القذافي والموقف من هؤلاء المصنّعين؟
د.أحمد أبو مطر

مسألة ثقافية وتربوية تحتاج لنقاش من مثقفين وسياسيين وتربويين وعلماء نفس، وهي الخلاف في المواقف وردود الفعل بين الشخصية العربية والشخصية الأوربية والأمريكية كمثال فقط. لماذا يزهد المسؤول الأوربي والأمريكي في السلطة ويتنازل عنها طواعية بعد الفترة التي حدّدها له دستور بلاده؟ وهي في أغلب الدول لا تتجاوز فترتين مجموعهما ثمانية سنوات، والعديد منهم لم يبق في السلطة سوى أربعة سنوات، لأنّه لم ينل ثقة الناخبين في انتخابات الفترة الثانية. بينما المسؤول العربي فغالبا في كافة الأقطار العربية يصل للسلطة إما عبر انقلاب عسكري أو انتخابات مزورة علنا، ثم يتمسك بالسلطة بقوة السلاح والقمع والقتل حتى نهاية العمر حتى لو وصل لمرحلة الخرف، إلى أن يتذكره ملك الموت عزرائيل، وفي بعض الحالات كما حدث في سوريا يكون قد أعدّ العدّة لتوريث ولده، ليواصل نفس الدور حتى الموت. وحالة التوريث المخزية هذه كان يعدّ لها أيضا حسني مبارك وعلي عبد الله صالح وليلى الطرابلسي زوجة زين الهاربين بن علي، لولا اقتلاع الشعوب المصرية واليمنية والتونسية لهم بدون أسف ورجعة.

وضمن نفس السياق القمعي الفاسد،

يرث الوزراء في كافة الحكومات العربية نفس الإسلوب من رؤسائهم وحكامهم، فيبدأ غالبيتهم السرقة والتكتم على الفساد، من خلال منظور ( أسرق ما تستطيع بأسرع ما تستطيع )، لأنّه لا يعرف مدة بقائه في المنصب، فالتغييرات الوزارية في بلاد العرب أسرع من التغيرات الجوية. ويروى عن حاكم عربي أنّ أحد البرلمانيين النظيفين والشرفاء، جاء له يطلب منه الرحمة والمساعدة لوزير مالية سابق، وضعه الاقتصادي في حالة يرثى لها لدرجة أنّه غير قادر على إدخال إبنه للدراسة في الجامعة، وما يزال يسكن بالإيجار ومهدد بإخلاء السكن لأنه غير قادر على دفع الإيجار. فضحك الحاكم بصوت عال وقال :  (عينتو وزير مالية مالية ثلاثة مرات مجموعها خمسة سنوات ونصف، وما دبّر حالو..الله لا يردّو ).

وعودة لنموذج بشع من الطغاة العرب،

فهذا القاتل الذي له نصيب واسع من اسمه ( القذافي ) لدرجة أنّ بعض أفراد عائلته الأقربين من أسمائهم ( قذّاف الدم )، ولا أعتقد أنّ هكذا تسمية جاءت عفوية، بل هي تعبير عن مكنونات نفسية مارسها الطاغية طوال 42 عاما، أبرز ملامحها في داخل الشعب الليبي القتل والإعدام والإخفاء وتبديد الثروة، ولم تسلم شعوب عربية وأوربية وأمريكية من مؤامرات قتله وذبحه، وكل ذلك ليس بدم بارد فقط بل براحة نفسية لشخص لا ضمير ولا خلق عنده، وإلا لماذا وكيف يتشبث بالسلطة والكرسي رغم رفض غالبية الشعب الليبي لبقائه وانشقاق غالبية المسؤولين الليبيين عنه وعن نظامه الدموي؟.
إنّها شهوة السلطة والدم التي ترسخت فيه وفي عائلته طوال 42 عاما، بدليل استعماله كافة أنواع الأسلحة ضد شعبه، ويرفض كافة المبادرات الليبية والدولية التي توفر له مخرجا من السلطة، فمن كان طبعه القتل والدم والسرقة لا يرحل بسهولة، ف ( الطبع غلب التطبع ).

من أسهم في تصنيع هذا الطاغية؟

كثيرون من أسهموا في تصنيع هذا الطاغية القاتل، وتضخيم عقده النفسية التي أصبحت لديه وكأنها مسلمات حقيقية تقترب من كونها منزّلات سمّاوية، وإلا فمن يطلق على نفسه ألقاب وصفات منها للتذكير فقط: عميد الحكام العرب، ملك ملوك أفريقيا، راعي حقوق الإنسان في العالم،و أمير المؤمنين في العالم كله. وأول من أسهم في صناعة وتصنيع هذا الطاغية هم فئة الكتاب الليبيين والعرب. وبداية لا أعتقد أنّ الطاغية قد استدعى أي كاتب ليبي أو عربي وهدّده بالسجن أو القتل إن لم يمدحه ويكتب تمجيدا له، بل كل من كتب تمجيدا ومدحا ليبيا أم عربيا، فقد كان بدافع شخصي من باب التملق والتقرب والحصول على المنصب والمال. وقد تأكدت من ذلك شخصيا من خلال أصدقاء ليبيين لي أيام عملي مدرسا في جامعة طرابلس ( قذافيا اسمها جامعة الفاتح )، وبدون ذكر اسماء فقد كان بعضهم مسؤولون في الديكورات القذافية الفارغة مثل: اللجان الشعبية ومؤتمر الشعب العربي و مركز دراسات الكتاب الأخضر. ولم يذكر واحد منهم أنّه تعرض للتهديد كي يعمل في هذه الديكورات، بل بعضهم كان يحثنا علانية كعرب أن نعمل معه في ديكوره القذافي كي نحصل على فوائد مالية خيالية لا نحلم بها. وأعتقد انني ذكرت سابقا أنّ واحدا منهم طلب منّا بعض الفلسطينيين أن نشكّل لجنة شعبية بإسم العقيد القذافي لاقتحام السفارة الفلسطينية وطرد السفير آنذاك وتعيين سفيرا جديدا بإسم اللجنة الشعبية الفلسطينية في بلد الفاتح من سبتمبر. ولم يقبل أحد مناّ القيام بذلك العمل الهمجي اللاثوري إلا في ذهن الطاغية القذافي.

ما هو الموقف من هؤلاء المصنّعين والمطبلين؟

من وجهة نظري وربما أكون مخطئا، وفقط كي لا أزايد أو أبيع بطولات وهمية على أحد، أرى أنّ أي كاتب أو مثقف أو سياسي أو مسؤول ليبي، ساهم سابقا في مديح وتمجيد وتصنيع هذا الطاغية، ثم صحا ضميره وعقله عقب اندلاع ثورة الشعب الليبي ضد الطاغية، فأعلن انشقاقه عن هذا الطاغية ونظامه، وبدأ يكشف أسرار هذه الطاغية ويكتب ضد نظامه القاتل، فهو من وجهة نظري يستحق التقدير على هذا الموقف، ويجب أن نثمّن له عدم استمراره في دعم الطاغية ووقوفه لجانب مطالب ومصلحة شعبه الليبي.

أمّا الكتاب والمثقفون العرب،

الذين كتبوا ومجّدوا وأسهموا في صناعة هذا الطاغية عن بعد، أي وهم بعيدين عنه ألاف الأميال في أقطارهم، فلا أعتقد انّهم كتبوا عن قناعة فكرية أو منطلقات إبداعية بل لأهداف مصلحية، خاصة أنّ أغلب كتاباتهم كانت أقوالا قدّموها في ندوات عقدتها ديكورات الطاغية القذافي في طرابلس. أي أنّهم ساهموا وكتبوا وسافروا من أقطارهم بمحض اختيارهم وإرادتهم، فمن أجبرهم على هذا النفاق والتزلف؟. وهل هم مقتنعون فعلا بأن هذا القاتل مفكر وفيلسوف ومبدع ومثقف ومنظّر منقطع النظير؟. كما هو فحوى كل كتاباتهم. وسأورد القائمة التالية بأسماء الكتاب العرب الذين شاركوا قادمين من أقطارهم في ندوة واحدة من ندوات ديكور القذافي المسمّى ( جائزة معمر القذافي الدولية لحقوق الإنسان ) ، وهي الندوة التي عقدت في طرابلس في يونيو 2003 تحت عنوان ( القذافي أديبا ومبدعا ). وهذه هي محاور الندوة والمشاركين فيها:

المحور الأول:

المكان والزمان في إبداعات القذافي
الباحثون وأوراق بحوثهم:
1 . محمد مصطفي القباج، المغرب: ( قضايا حقوق الإنسان من خلال إبداعات القذافي ).
2 . مهدي امبيرش، ليبيا: ( المكان في ابداعات معمر القذافي ).
3 . مجيه عمر مطر، فلسطين: ( جدلية الزمان والمكان في نصّ معمر البقذافي ).
4 . عزالدين مهيوبي، الجزائر: ( البعد الإنساني، البحث عن مدينة أخلاقية ).
5 . منصور أبو شناف، ليبيا: ( تحرير الأمكنة، قراءة في لامجموعة القذافي القصصية).
6 . اعمثان البدري، الجزائر: ( الدلالة المفارقة للمكان في الخطاب الأدبي للقائد المبدع معمر القذافي ).
7 . إبراهيم الكوني، ليبيا: ( أغنية الحقيقة، وصية المكان الأسطوري ).
8 . صبحية عودة، فلسطين: ( دلالات التشكيل المكاني في قصص معمر القذافي ).
9 . فاطمة سالم الحاجي، ليبيا: ( قراءة في قصة الموت ، الزمن، البنية، الدلالة للأخ المبدع معمر القذافي).
10 . ميرال الطحاوي، مصر: المكان في إبداعات معمر القذافي ).
11 . واسيني الأعرج، الجزائر: ( المدينة والمثال، قراءة أولية ).
12 . طلحت جبريل، السودان: ( الصحراء في الأدب والمخيلة العربية ).
13 . لطيفة القبائلي، ليبيا: ( المكان والزمان في إبداعات معمر القذافي ).

المحور الثاني:

الموت والخلود في إبداعات معمر القذافي
الباحثون وأوراق بحوثهم:
1 . يحيى الأحمدي، مصر: ( الأبعاد النفسية للإبداع عنتد معمر القذافي ).
2 . حسن حميد، فلسطين: ( قصص كشافة لرجل يماشيه التاريخ ).
3 . اسماعيل الربيعي، العراق: ( حفز الراسخ وتفكيك الإهمال ).
4 . موسى الأشخم، ليبيا: ( القذافي ورفض الهيمنة الأجنبية ).
5 . ادريس الخوري، المغرب: ( القذافي في الأرض والقرية ).

المحور الثالث

تقنيات السرد واللغة في قصص معمر القذافي
الباحثون وأوراق بحوثهم:
1 . نورالدين السد، الجزائر: ( الأبعاد الدلالية في لاالخطاب القصصي عند القذافي ).
2 . بشير القمري، المغرب: ( مجازاة الكتابة في مجموعة القرية..القرية ).
3 . عبد القادر الحصني، سوريا: ( القرية القرية..الأررض الأرض..جدل الواقع..جدل الكتابة ).
4 . محمد الخالدي، تونس: ( الكتابة المضادة للنمط والشكل، السجع وغيقاعه في كتابات معمر القذافي ).
5 . شاكر نوري، العراق: ( الكتابة والكتابة المضادة في القرية والأرض وانتحار رائد الفضاء ).
6 . فوزي البشتي، ليبيا: ( تقنيات السرد واللغة في قصص معمر القذافي ).
7 . شاكر البكري، المغرب: ( السرد تقنية لاختراق الموت وصمت الصحراء ).
8 . جعفر عبد المهدي صاحب، العراق: ( التصوير الإبداعي في تقديم المسحراتي ظهرا ).
9 . كوليت خوري، سوريا: ( مداخلة ).

المحور الرابع

السخرية في أدب معمر القذافي
الباحثون وأوراق بحوثهم:
1 . رجب أبو دبوس،ليبيا: ( الأدب في خدمة النظرية ).
2 . عبد الله أبو هيف، سوريا: ( السخرية في أدب معمر القذافي ).
3 . فؤاد قنديل، مصر: ( تجليات البراءة والدهشة في أدب مكعمر القذافي ).
4 . عبد الرسول عريبي، ليبيا: ( السخرية في أدب معمر القذافي ).
5 . ياسين رفاعية، لبنان: ( أدب القذافي..سخرية مرّة ولاذعة من الواقع ).
6. سمير الجمل، مصر: ( السخرية في أدب معمر القذافي ).
7 . محمد الزوي، ليبيا: ( نماذج من السخرية في إبداعات القذافي ).

من يتخيل هذا النفاق والتزلف من كتاب عرب؟

لا داعي لأي قارىء أن يحاول البحث عن هذه الدراسات التي قدمتها تلك الأسماء ليكتشف النفاق والتزلف الذي لم يجبرهم عليه أحد سوى مصالح ومنافع شخصية، فيكفي قراءة عناوين البحوث الواردة سابقا ليكتشف مقدار المهانة والخزي الذي مارسه هؤلاء الكتاب، في حين أتحدى أن نجد كاتبا أوربيا أو اسكندينافيا أو امريكيا، كتب كلمة نفاق واحده لرئيسه أو حاكمه بالعكس هناك العديد من الكتابات الناقدة بقسوة شديدة لممارسات بعض أولئك الحكام والرؤساء...فلماذا الكتاب والمثقفون العرب فقط، تخصصوا في صناعة وتصنيع الطاغية؟ وما رأي هؤلاء الكتاب الآن بعد ثورة الشعب الليبي ضد هذا الطاغية وانشقاق العشرات ممن عملوا معهم؟ ألا يستحق هذا الطاغية  الآن كلمة نقد من هؤلاء الكتاب علّ الشعب الليبي يغفر لهم نفاقهم وينسى تزلفهم ومديحهم لقاتل يستمرفي قتل ألاف مؤلفة من شعبه؟ هل من مجيب؟.
ahmad.164@live.com


154
الشعب النرويجي الحزين: حضاريون حتى في أحزانكم
د.أحمد أبو مطر

العملان الإجراميان اللذان أصابا الشعب النرويجي المسالم يوم الجمعة الثاني والعشرين من يوليو 2011 ، أدّيا حتى الآن لمقتل قرابة الثمانين شخصا حسب آخر معلومات الشرطة النرويجية، أغلبهم من الشباب والشابات الذين كانوا في معسكر صيفي لحزب العمال النرويجي الذي منه رئيس الوزراء ينس ستولتنبرج. حجم الخسائر البشرية هذا اقترب من  خسائر الشعب النرويجي في الحرب العالمية الثانية إبّان الاحتلال النازي الذي استمر قرابة أربعة أعوام.

كيف تعامل هذا الشعب مع الحزن؟


أنا أسكن في النرويج وأحمل جنسيتها المباركة الطاهرة منذ قرابة عشرين عاما، وعرفت سماحة وإنسانية هذا الشعب الذي يفتخر أنّه شعب وحكومة لم يمارسا الاحتلال طوال التاريخ، بمعنى أنّ دولتهما لم تحتل شعبا ودولة أخرى طوال مراحل التاريخ البشري. ورغم طول إقامتي في هذا البلد المنصور بإذن الله تعالى، فلم أعرف جوانب من إنسانية هذا الشعب إلا من خلال تصرفه بعد الجريمة الإرهابية التي تعرض لها من قبل أحد مواطنية النرويجيين أبا عن جد، وأوقعت هذا العدد من القتلي من الشباب والصبايا في معسكرهم الصيفي وفي  مجمع الدوائر الحكومية.

مرتكب الجريمة

لا يختلف عاقلان أو مجنونان على أنّ من قام بذلك العمل هو مجرم وقاتل وإرهابي بامتياز مخجل ومشين. إلا أنني لم أسمع من أي مواطن نرويجي، ولم أقرأ في أية مطبوعة أو وسيلة إعلام نرويجية إطلاق صفة إرهابي أومجرم أو قاتل عليه. فالكل يستعمل عبارة ( مرتكب العمل الإجرامي ذلك...). تصوروا التسامح والإنسانية!!

الإثنين الدامع الحزين

يوم الاثنين الخامس والعشرين من يوليو 2011 لن ينساه الشعب النرويجي، فقد كان اليوم الذي عبّر فيه هذا الشعب الطيب المسالم عن إنسانيته، فقد لبّى الشعب نداء رئيس الوزراء للتجمع الساعة السادسة مساء أمام مبنى بلدية أوسلو، ثم الانطلاق في مسيرة حاشدة ترفض الإرهاب وتعبّر عن تمسك الشعب النرويجي بإنسانيته وديمقراطيته. يا إلهي ..يا رب العالمين..مئات الألاف من البشر في أحلى الملابس وأحدثها، يحملون الزهور في أيديهم متوجهين لمبنى البلدية. لا أبالغ لقد  بلغ عدد المحتشدين قرابة مائتين  ألفا حسب تقديرات الشرطة النرويجية. فماذا حدث أمام المبنى؟

كلمات موجزة لعدد من المسؤولين ورؤساء الأحزاب، كلها ترفض الجريمة وتتعهد بالاستمرار في المسيرة الديمقراطية. ومن أبلغ الكلمات ما قاله رئيس الوزراء ينس ستولتنبرج: ( إنّ الشرّ يمكن أن يقتل شخصا لكنه لا يمكن أن يقتل شعبا )، داعيا الشعب لمواصلة العمل من أجل القيم التي تمنع تكرار ما حدث.

ثم يصعد للمنصة شاب يحمل القيثارة ليعزف ألحانا حزينة، تدمع لها عيون غالبية المحتشدين.
ثم تصعد سيدة أخرى لتغني مقطعا يمجد الضحايا ويدعو للتسامح.

ثم يختتم الحشد بالأغنية النرويجية المشهورة ( من أجل الشبيبة ) التي كانت قد كتبت إبّان الحرب العالمية الثانية، وراجت كنشيد معاد للنازية، كان يردده أفراد المقاومة النرويجية ضد الاحتلال النازي للنرويج. وكان المقرر أن تبدأ مسيرة الحشد في شوارع العاصمة، ولمّا كان الحشد قد ملأ كل شوارع العاصمة أوسلو، أعلن المنظمون إلغاء سير الموكب لأن وجوده في كل شوارع العاصمة، يكون كأنه قد سار في الشوارع كلها. وبدأ الحشد في مغادرة مبنى البلدية بهدوء حضاري لم يشهد أية مشكلة من أي نوع.

Fri Hug

هاتان الكلمتان تعنيان في اللغة النرويجية ( عبطة مجانية ) أو ( احضنّي مجانا ). ونحن نسير نحو مبنى البلدية للمشاركة في الحشد المذكور، وسط شارع رئيسي وقف شاب وشابة في منتهى الجمال والأناقة، يحمل كل منهما يافطة عليها الكلمتان المذكورتان. وفي التقليد النرويجي يعني ( تقدّم وضمّني لأحضانك لنعبّر معا عن تضامننا في هذا الحدث الجلل ). كنت في مواجهة الشابة الجميلة، فانحرفت قليلا لأحضن الشاب ونبكي معا. شعرت الشابة أنّني تعمدت احتضان الشاب ربما كي لا يساء فهم تصرفي كون ملامحي ليست نرويجية شقراء. فماذا وكيف تصرفت تلك الشابة؟ تقدمت نحوي وشدّتني لأحضانها لتبكي على كتفيّ وتقول لي حرفيا: " نحن شعب واحد ، نبكي معا، ونفرح معا، وعلينا أن نعمل معا من أجل التسامح والمحبة ".

يا إلهي..شعب حضاري في أحزانه وأفراحه


نعم..لقد كان يوم الإثنين الخامس والعشرين من يوليو 2011 من الأيام التي لن ينساها وجدان وعقل الشعب النرويجي. هذا الشعب الذي وقفت كافة شعوب العالم معه في محنته هذه. كم كان مؤثرا قول رئيس الوزراء الدانمركي لارس راسموسن: ( إنّ مجزرة النرويج هي هجوم على القيم الحقيقية التي قامت عليها بلداننا. إنّه هجوم علينا جميعا ). شعب رائع عظيم في فرحه وحزنه. دموع وزهور وشموع وموسيقى وأغاني فقط. لا هتافات ولا صراخ ولا شتائم ولا تكسير وتخريب كما يحدث في أغلب بلداننا العربية. ولا شرطة مسلحة، ولا أفراد جيش ومدرعات وخوذات مخيفة. فقط رجال الشرطة بدون سلاح إذ يمنع القانون النرويجي رجل الشرطة أن يحمل سلاحا من أي نوع. وسيارات الإسعاف والمسعفين الرسميين ومئات المتطوعين من الصليب الأحمر .

لذلك أدعو الله أن يجنّب هذا البلد المبارك الحضاري، المملكة النرويجية، كل شرّ و مكروه، وليت شبابنا العربي والمسلم في هذا البلد يحاول قدر ما يستطيع نقل هذه التعاملات الأخلاقية الحضارية الإنسانية لبلداننا العربية كي نتقدم خطوة نحو الديمقراطية الحقيقية  والإنسانية المتسامحة التي لا تفرّق بين مواطن ومواطن، وصولا لأنظمة يسودها العدل والمساواة.  ألا نقول في تراثنا ( الدين المعاملة ). وبالتالي فأنا أؤيد بالمطلق ما قاله الكاتب والروائي علاء الأسواني ( الأخلاق بلا تدين أفضل من التدين بلا أخلاق ). لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال في أحد أحاديثه: ( إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )، وقال الله تعالى لنبيه الكريم ( وإنّك لعلى خلق عظيم ). فلنسأل أنفسنا كعرب ومسلمين عن طبيعة تصرفاتنا وأعمالنا وسلوكنا مع بعض ومع الآخر، ومدى تطابقها مع هذه الأقوال العظيمة ذات المغازي الأخلاقية النبيلة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


155
النرويج الحزينة الآن: الإرهاب لا دين ولا جنسية له
د.أحمد أبو مطر

التفجيران الإرهابيان اللذان حصلا يوم الجمعة الثاني والعشرين من يوليو 2011 قرب مجمع الدوائر الحكومية الرئيسية في العاصمة أوسلو وفي جزيرة أوتاه القريبة من العاصمة، أدّيا حتى لحظة كتابة هذه المقالة إلى ما يزيد عن تسعين قتيلا، أغلبهم في العملية الإرهابية التي  تعرض لها تجمع شبابي في الجزيرة ، حيث كان يجري هذا  الحشد الشبابي النرويجي غالبيتهم من حزب العمل المشارك في الحكومة، وينتمي له رئيس الوزراء النرويجي ينس ستولتنبرج. كان انفجار أوسلو الإرهابي من القوة بحيث شعرنا ونحن بالصدفة قريبين من المكان أنّه هزّة أرضية، إلى حد أن زجاج غالبية المباني المجاورة على بعد قرابة ثمانمائة متر قد تحطم، وسمع السكان البعيدون عن وسط العاصمة قرابة ثلاثة كيلومترات بالانفجار. وبعده بساعة ونصف هاجم شاب متخفي بملابس الجيش المعسكر الشبابي ليطلق النار عشوائيا ، وغالبية القتلى الذين فاقوا الثمانين شخصا من الشباب والشابات الذين كانوا يشاركون في ذلك المعسكر الصيفي. وقد أعلنت الشرطة النرويجية القبض على ذلك الإرهابي، ليتبين أنّه غالبا يقف وراء تفجير العاصمة أوسلو أيضا، وهو شاب نرويجي..نرويجي أبا عن جد اسمه ( أنّش بيهرنج برايفك) ويبلغ من العمر 32 عاما، وحسب بيانات الشرطة فهو يتبنى فكرا يمينيا متطرفا ، وقد وصفته بعض وسائل الإعلام بأنه نازي الميول. هذا الحدث الدراماتيكي المفجع هو أشد عمل إجرامي تتعرض له النرويج منذ الحرب العالمية الثانية.

الإرهاب لا دين ولا جنسية له

هذا الحادث الإجرامي الإرهابي الذي أشاع الحزن والبكاء في عموم المملكة النرويجية، وقمنا في المنازل والمكاتب والأسواق بتنكيس الأعلام النرويجية تعبيرا عن حزننا ومشاركتنا لذوي الضحايا الأبرياء، يثبت بدون نقاش وجدال أنّ الإرهاب لا دين ولاجنسية ولا ملّة له. أي أنه لا نستطيع القول أو الإدعاء أنّ دينا سماويا معينا ( الإسلام أو المسيحية أو اليهودية ) هو دون غيره دين إرهابي. إنّ رصد العمليات الإرهابية عبر العالم طوال المائة عام الأخيرة، تثبت أنّ هناك العديد من العمليات الإرهابية الإجرامية ارتكبها إرهابيون ومجرمون ينتمون لكل الديانات.

العمليات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك، ارتكبها إرهابيون ينتمون للدين الإسلامي، وغيرها العديد من العمليات الإرهابية التي ارتكبها أفراد ينتمون للدين الإسلامي.

العمليات التي قام بها الجيش الجمهوري الإيرلندي، حسب زعمه لتحرير إيرلندا الشمالية من الحكم البريطاني، وراح ضحيتها ألاف من الإيرلنديين والبريطانيين، قام بها إرهابيو الجيش الإيرلندي الذين ينتمون للدين المسيحي.

العمليات الإرهابية التي مارستها طوال سنوات منظمة إيتا الساعية لفصل إقليم الباسك عن اسبانيا، مرتكبوها ينمتمون للدين المسيحي، ومن جرائمهم المشهورة اغتيال رئيس الوزراء الأسباني لويس بلامكو عام 1973 .


العملية الإرهابية التي نفّذها في التاسع عشر من أبريل 1995 الجندي الأمريكي تيموثي ماكفاي ( 33 عاما )، بتفجيره شاحنة مفخخة أمام مبنى الحكومة الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما، راح ضحيتها 168 قتيلا، وتمّ إعدام الإرهابي بحقنه بمادة سامة، وهو ينتمي للدين المسيحي.

عشرات العمليات الإرهابية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين منذ عشرات السنوات، غالبية مرتكبيها من أفراد الجيش ينتمون للدين اليهودي.

حروب عديدة عبر التاريخ قامت بين دول إسلامية، وحروب عديدة بين دول مسيحية، وسقط في بعض الحروب ملايين من البشر.

لذلك فلنتكاتف معا ضد الإرهاب،

الذي تثبت هذه القائمة أنّه لا دين ولا هوية ولا ملّة له. والسؤال المحير هو: أية أفكار غسلت دماغ هذا الشاب النرويجي ( أنّش برايفك ) الذي يعيش في أرقى دولة حضارية وإنسانية، ليرتكب هذه الأعمال الإرهابية ضد وطنه وأبناء شعبه؟. هل تحرك هذا الإرهابي بدوافع من الدين المسيحي الذي ينتمي إليه؟. لا..وألف لا..وكذلك كافة الإرهابيين الذين مارسوا القتل والإرهاب، فدياناتهم ليست مسؤولة عن أعمالهم الإرهابية. فإذا كان هناك عدة أفراد من كل ديانة إرهابيين، فهناك مقابلهم مئات الملايين المسالمين الداعين للمحبة والتعايش والسلام والعدالة لكل الشعوب.

وأنا كمواطن نرويجي من أصول فلسطينية عربية
،

أناشد تحديدا إخوتي وأحبتي من العرب والمسلمين، أن نكون قدوة للمواطنة الحضارية في هذا البلد المسالم الذي أعطانا حريتنا وكرامتنا، ونمارس فيه تقاليدنا وعاداتنا وديانتنا بحرية لا نجدها في العديد من الدول العربية والإسلامية. أنا شخصيا إذا عرفت بأية معلومة تتعلق بعمل إرهابي قادم، لن أتردد ولن أخجل من إبلاغ البوليس النرويجي فورا. لقد جئنا لهذه البلاد بمحض اختيارنا، فاستقبلتنا وأكرمتنا، فلنكن مثالا لمن يحترم قوانينها وأمنها. وأنا متأكد من خلال علاقاتي بقيادات العرب والمسلمين في النرويج، أنّهم يشاركونني هذا الرأي. الإرهاب لا دين ولا جنسية له يا أحبتي. ولا يستثني أحدا من نتائجه، فكما تمّ تدمير مبان حكومية نرويجية، وتساقط زجاج عشرات ألأبنية، فكذلك تساقط زجاج مسجد الرابطة الإسلامية في وسط أوسلو، ولم يتمكن المصلون من مواصلة صلاة الجمعة.

وكم كان قويا ومؤثرا أن يعلن رئيس الوزراء النرويجي أنّ هذه الأعمال الإرهابية لن تؤثر على المسيرة الديمقراطية في النرويج. فلنحمي جميعا هذه المسيرة خاصة نحن العرب والمسلمين. الرفض والخزي للإرهابيين والعزاء لذوي الضحايا، ولن يدوم إلا السلام والتعايش والمحبة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



156
طاغية اسمه القذافي: أيامك معدودة!!
د.أحمد أبو مطر

أتخيل أحيانا أنه لا يستطيع أي محلل سياسي أو طبيب نفسي أو عالم اجتماع أو منجّم أن يفسر شخصية وسلوك هذا الكائن الحي ( كي لا أقول الإنسان ) الذي اسمه ( معمر بن منيار القذافي ). كائن حي استولى على السلطة في المملكة الليبية منذ سبتمبر 1969 ، وما زال مصرّا بالقتل والدم والمدرعات على مواصلة هذا الإستيلاء الذي جعل من ليبيا التي هي من أغنى دول العالم بالثرو النفطية من أفقر الدول وأتعسها وأكثرها تخلفا في مختلف ميادين الحياة. لماذا هذا الإصرار على مواصلة هذا القمع والقتل من هكذا كائن، رغم ثورة الشعب الليبي التي سيطرثواره حتى الآن على غالبية الأراض الليبية، واعترفت العديد من الدول في العالم بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي كممثل شرعي للشعب الليبي، ونزعت أية شرعية عن هذا الطاغية ونظامه، وتشارك العديد من دول العالم ومنها دول عربية في المجهود العسكري لدحر بقايا كتائبه ومرتزقته. سأحاول الإجابة على هذا السؤال وتحليل شخصية هذه الطاغية القاتل من خلال معرفتي بأوضاع ليبيا اثناء عملي بجامعة طرابلس التي اسماها الطاغية ( جامعة الفاتح ) وعلاقاتي بالعديد من المثقفين والوطنيين الليبيين. أرى أنّ اسباب تمسكه بالسلطة بكل وسائل التدمير والتخريب لدرجة تهديده بحرق كل مدينة طرابلس، هي الأسباب التالية:

جنون العظمة بدون مؤهلات لأية عظمة

كان هذا الكائن في عام 1969 عمره سبعة وعشرون عاما، وبرتبة ملازم أول في الجيش الليبي. وكانت كافة أعماله بعد انقلابه العسكري الذي أطاح بالنظام الملكي للملك إدريس السنوسي، تدلّ على سلوك مجنون بالعظمة أو مريض نفسي من الصعب علاجه، أو فعلا يتعاطى بعض حبوب الهلوسة. وهذه بعض هذه أعماله الجنونية من عام 1969 حتى اليوم.

رتبة عقيد

كان كما ذكرت برتبة ملازم أول، وبدون أية مؤهلات جديدة أو دورات تدريبية أو خبرات اكتسبها سوى سرقة السلطة والاستيلاء على البلاد والعباد في المملكة الليبية، أعطى نفسه أعلى رتبة في الجيش الليبي وهي رتبة عقيد، وظلّ يحتفظ بها وحدة سنوات عديدة، فهل هذا سلوك إنسان سوي؟.

عقدة تعدد الصفات

ما أستطيع تذكره من الصفات التي أعطاها أو أطلقها على شخصيته المريضة المعقدة الصفات التالية: قائد الثورة، القائد الأعلى للقوات المسلحة، عميد الحكام العرب، بصفته أطول الحكام بقاء في السلطة من الرؤساء والملوك، ملك ملوك أفريقيا، أمير المؤمنين، راعي حقوق الإنسان في العالم وأسّس لذلك ما أطلق عليه ( جائزة القذافي لحقوق الإنسان ). تخيلوا مرتكب مجزرة سجن أبو سليم ما لا يقل عن 1200 قتيل، وخطف منصور الكخيا وقتله، ودعوة الإمام موسى الصدر ورفيقيه لطرابلس وقتلهم، هذا المجرم له جائزة بإسمه لحقوق الإنسان. ودخل عالم الأدب والإبداع، وعقد ندوات ومؤتمرات عن إبداعه لم يحظ بها كبار الكتاب العرب والعالميين، وشارك فيها عشرات من الكتاب والنقاد العرب مقابل أجر مدفوع، قائلين مديحا سيظل وصمة عار في تاريخهم النفاقي.
هذا بالإضافة للمشاكل المتواصلة التي كان يفتعلها مع الحكام العرب في أي مؤتمر للقمة العربية، وأحاديثه السخيفة الخالية من أي مضمون ولا تخلو من الشتائم والسخافات. ومن مشاكل عقده النفسية افتعاله الحرب مع الجارة تشاد في ثمانينات القرن الماضي، بحجة أنّ إقليم أوزو تابع لجماهيريته العظمى في القتل والقمع والاستبداد فقط. وقد كلّفت تلك الحرب الجيش الليبي مئات القتلى، والخزينة الليبية ما لا يقل عن ثلاثين مليارا من الدولارات. وأجبّر الطاغية آنذاك المنظمات الفلسطينية على إرسال مقاتلين من صفوفها للقتال بجانب جيشه، فاستجابت لطلبه بعض المنظمات كي لا يقطع راتبها الشهري.

 وبعد هزيمته انسحب خائبا من إقليم أوزو التشادي، وتؤكد كافة المصادر الليبية انها حرب لم يستشر فيها الطاغية أحد، فهو من اتخذ قرارها وحده ثم قرار الانسحاب بعد هزيمته المنكرة. وللكاتب  الليبي سليم نصر الرافعي رأيا يستحق الدراسة والتحليل، فهو يرى: ( أن البعض يقول أن القذافي أراد أصلا  ومتعمدا أن يحطم الجيش الليبي ماديا ومعنويا ، من خلال إغراقه في المستنقع التشادي بعد أن شعر بالخطر من نمو المؤسسة العسكرية يومها بشكل غير طبيعي، وإكتساب بعض الضباط الليبيين لمكانة خاصة في المجتمع والدولة والأوساط الشعبية، فأراد أن يتخلص من هذا الجيش الذي عمل هو نفسه على تضخيم حجمه ودوره في ليبيا ). وهذا التحليل ليس بعيدا عن الواقعية، فقد تخلص الطاغية لاحقا من العديد من زملائه ومنهم عبد السلام جلود الذي لم نسمع عنه أي خبر منذ سنوات عديدة. وقد غذّى عقدة أو مرض جنون العظمة عند هذا الملازم الرئيس جمال عبد الناصر عندما زار طرابلس عقب نجاح انقلابه، وصرف له مجانا لقب ( أمين القومية العربية )، ولم تشهد الدول العربية من الخلافات والحروب الداخلية بقدر ما شهدت في زمن عبد الناصر وما زالت في زمن الطاغية صاحب الأيام المعدودة.

تبديد الثروة الليبية على مشروعات وهمية وعقده النفسية


إنّ اية دراسة موضوعية مهنية بالأرقام سوف تثبت أنّ نسبة عالية من ثروة الشعب الليبي النفطية، اضاعها هذا الطاغية على مشروعات وهمية مثل النهر الصناعي العظيم، والمؤتمرات والندوات التي كان يعقدها لدراسة أفكاره الثورية خاصة ما ورد منها في الكتاب الذي أطلق عليه ( الكتاب الأخضر ) ثم دخل عالم القصة القصيرة، ولولا ثورة الشعب الليبي الأخيرة، من المؤكد لسمعنا عن نتاجاته الروائية وربما ترجماته لروائع من الأدب العالمي، وكلها مكتوبة له ومدفوعة الثمن من ميزانية وثروة الشعب الليبي.

كافة أفراد عائلته شركاء في هذا الفساد،

لذلك هو وأفراد العائلة يعرفون أنّ هزيمتهم في هذه الثورة الليبية تعني جلبهم للمحاكم الليبية والدولية، وهذا ما يجعلهم مصرّين على الاستمرار في القمع واستعمال المرتزقة، بعد أن انفضت عنه وعن نظامه غالبية القيادات الرئيسية التي كانت بجواره. وفعلا لم يبق حوله إلا أفراد عائلته وبعض المنتفعين على حساب الدم الليبي والمرتزقة من جنسيات عدّة، ورغم ذلك وبعد نزع الشرعية الليبية والدولية عنه وعن نظامه، كافة المؤشرات توحي أنّ ايام هذا الطاغية معدودة، وسيكون مصيره وأفراد عائلته إما الموت أو الجلب للمحاكم.

هذا الطاغية كان وما يزال هو عدو الشعب الليبي، والشعب الليبي هو أول أعدائله، لذلك ولأنه يعرف حجم الجرائم التي ارتكبها بحق هذا الشعب، فإصراره على البقاء في السلطة وهو مختف كالفئران، ينطبق عليه المثل ( عليّ وعلى أعدائي )، وسيكون النصر من حظ أعدائه الذين هم أولا الشعب الليبي.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





157
هل يمكن مقارنة الوضع في الأردن والبحرين بالوضع البعثي في سوريا؟

د.أحمد أبو مطر

الحافز لكتابة هذه المقالة هو تعليق أحد القراء الأعزاء على مقالتي ( السفير الأمريكي في حماة: وماذا بعد ياسعادة السفير؟)، التي نشرت بتاريخ العاشر من يوليو 2011 ، فقد كتب بإسم (سمير) التعليق رقم 8 قائلا: ( إلى السيد أحمد. لو كان السفير الإيراني فعل هذا في البحرين، ماذا كان سيكون ردّك؟ ). ولأنه سؤال مهم ضمن متابعة ومقارنة الأوضاع العربية السائدة والمثارة الآن، رأيت من الفائدة الكتابة ردا على هذا السؤال، علّني أصل مع غالبية القراء إلى قناعات مشتركة، انطلاقا من أنّه لا يستطيع أحد أن يدّعي أنّه يملك الحقيقة المطلقة.

هل هناك أي قاسم مشترك في أوضاع الدول الثلاثة المذكورة؟


إنّ اضافتي للأردن على تساؤل السيد (سمير ) مرّده أيضا إلى أنّ أكثر من قارىء تساءل ما هو موقفي من الاحتجاجات الشعبية في الأردن، وكنت قد أبديت رأيي في مقالتي بعنوان ( موقع الأردن من ثورات الغضب العربية) المنشورة بتاريخ 25 مارس 2011 ، وحدث بعدها بعض المستجدات من المهم مناقشتها من خلال المقارنة بين الوضعين الأردني والبحريني والوضع في سوريا منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة في انقلابه العسكري عام 1970 الذي أعطاه اسم ( الحركة التصحيحية ) على اعتبار أنّ ممارسات البعث قبله كانت خاطئة، فجاء انقلابه ليصححها، فإذا بالتصحيح حكم ديكتاتوري مستبد حتى وفاته عام 1990 ليورث ابنه بشار، وكان أهم انجازات الحركة التصحيحية الاعتقالات المستمرة ومصادرة حرية الرأي ومذبحة حماة عام 1981 .

حرية الرأي في الأردن والبحرين مقارنة بقمع البعث

إنّ ما ينشر في الأردن والبحرين في وسائل الإعلام الإليكترونية تحديدا التي هي أكثر شعبية وقراءة، ضد ممارسات الحكومتين فيها، والنقد العلني لتصرفات الوزراء لا يمكن أن يصدر واحد في المائة منه في بلد الحركة التصحيحية. بصراحة شديدة إنّ ما أقرأه من نقد للحكومة الأردنية ووزرائها يجعلني لا أصدق أنّ هذا يصدر في دولة عربية. الأسابيع القليلة الماضية استقال ثلاثة وزراء من حكومة معروف البخيت في الأردن، هم وزير العدل حسين مجلي ووزير الصحة ياسين الحسبان، على خلفية السماح بالسفر خارج الأردن للسجين رجل الأعمال خالد شاهين، وما زالت القضية تصدر فيها يوميا العديد من البيانات مطالبة الحكومة بالكمشف عمن سمح له بالسفر، وقد استقال أخيرا طاهر العدوان وزير الإعلام معلنا بشجاعة أن استقالته احتجاج على ما قال أنّه نية الحكومة إصدار قوانين مقيدة للحريات. فهل سمعتم منذ عام 1970 أي نقد في الإعلام السوري لممارسات البعث وحركته التصحيحية التوريثية؟. هل سمعتم باستقالة وزير سوري احتجاجا على ممارسات وتصرفات حزب أمة عربية واحدة؟. أية رسالة خالدة التي تزجّ في السجون ألاف من المعارضين ، بلغ عددهم في الاحتجاجات الأخيرة ما يزيد على عشرة ألاف معتقل وعشرات ألآف اللاجئين إلى تركيا. هل سمعنا أو عرفنا بنسبة بسيطة من هذه الاعتقالات التعسفية ومصادرة حرية الرأي في الأردن والبحرين؟.

علانية يطالبون في الأردن والبحرين بمحاربة الفساد والمفسدين مع ذكر أسمائهم وشركاتهم ومشاريع الفساد التي تورطوا فيها، فهل يجرؤ مواطن أو صحفي سوري أن يكتب أو يسأل : كيف جمعت عائلة أخوال بشار ( إمبراطورية آل مخلوف ) أموالها التي تقدّر بالمليارات؟. هل جاء ت هذه المليارات معهم من القرداحة عام 1970 ؟ أم سرقوها ونهبوها من ثروة الشعب السوري؟.

هل يحصل في الأردن والبحرين ما حصل لإبراهيم القاشوش؟


ما ذنب الشاب مغني الثورة السورية إبراهيم القاشوش كي يقتل ذبحا بالسكين ويقطع لسانه وترمى جثته في نهر العاصي؟. ما ذنب الشابة طل الملوحي ابنة الثامنة عشرة من عمرها كي تبقى في السجن حتى اليوم فقط لكتاباتها نقدا للنظام في مدونتها على الانترنت؟ ثم يتم تلفيق تهمة تخابرها مع السفارة ألأمريكية في القاهرة.

هل يختفي مئات السجناء منذ عشرات السنين في الأردن والبحرين؟


الذين اختفوا وضاعت أية معلومات عنهم في سجون الحركة التصحيحية التوريثية ألاف من اللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين تحديدا. أين هم؟ عائلاتهم لا تعرف عنهم إن كانوا أحياء أم أمواتا؟. ما ذنب الصحفي الفلسطيني مهيب النواتي الذي سافر إلى دمشق من أوسلو في الثامن والعشرين من ديسمبر 2010  ويختفي حتى اليوم بدون أي خبر عنه؟. هل يستطيع أحد أن يعرف عدد فروع المخابرات والأمن في سورية التصحيح ؟ هل يتذكر أحد أنّ هناك أي معتقل أو سجين اختفى في السجون الأردنية أو البحرينية؟ طبعا هذا لا يعني أنها سجون فنادق من الخمسة نجوم، ولكن مقارنتها بسجون البعث التصحيحي تكون على الأقل فنادق من درجة نجمة ونصف.

هل هذا يعني أن الأردن والبحرين جمهورية أفلاطون الفاضلة؟

أجيب بجرأة وصراحة وبصوت عال: لا..لا..هناك العديد من التعديات ومظاهر الفساد، ويحتاج البلدان لتسريع آليات الإصلاح في كافة ميادين الحياة بدون اضاعة للوقت. ويكفي أنّ الجماهير المتظاهرة أو الثائرة في البلدين لم ترفع مطلقا شعار ( الشعب يريد اسقاط النظام ) كما حدث في ثورات تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، بل تركزت مطالبهم على مناشدة النظام بتسريع عجلة الإصلاحات. ويكفي أنّ حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن ( جماعة الإخوان المسلمين ) أشدّ وأجرأ معارضي الحكومات الأردنية، قالوها صراحة أنهم يدعمون بقاء النظام الملكي الأردني، وتتركز مطالبهم وتحركاتهم على ضرورة الإصلاحات السريعة التي تشمل كافة نواحي حياة المواطن الأردني، ومعهم كل الحق في هذا المطلب. وكذلك في البحرين فالمطلوب هو إصلاحات سريعة تنصّف كافة طبقات المجتمع كمواطنين بغض النظر عن المذهب والعقيدة.

وما هو موقفي لو تدخل السفير الإيراني مثل السفير الأمريكي.؟

اجيب أيضا بصراحة على سؤال السيد سمير ( التعليق رقم 8 ) المشار إليه في مطلع المقالة. لقد رحبت بزيارة السفير الأمريكي لمدينة حماة للإطلاع على أوضاع المتظاهرين ونام ليلة الجمعة فيها، وصباح الجمعة قابل العديد من المتظاهرين في ساحة التظاهرات. فما هو موقفي لو فعل ذلك السفير الإيراني في البحرين؟. فعلا كنت سأشجب ذلك وأدينه بأقسى العبارت، لماذا؟. لأنني لا أصدق اللص أو المجرم عندما يلقي أحدهما محاضرة في الأخلاق والسلوك المثالي. وكذلك لا أصدق نية السفير الإيراني لو تدخل في تظاهرات البحرين أنّ هدفه دعم المتظاهرين ومطالبهم،لأنّه كان الأولى بحكومة الملالي التي يمثلها أن تستمع لمطالب المتظاهرين الإيرانيين بمئات الألاف على مدار السنوات الثلاثة الماضية، ولا تستعمل الرصاص الحي والرشق بالطلاء واعتقال المئات والسجن والإعدام لعشرات. هل تتذكرون من قاد تظاهرات إيران ضد ديكتاتورية الملالي؟. إنهم أئمة وفقهاء في مستوى مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذان رفعا شعار يسقط الديكتاتور. فماذا كان ردّ حكومة أحمدي نجاد الموجهة من آية الله علي خامئني؟. قمع المظاهرات بالقوة ومنع هذه الرموز الدينية من السفر ووضعهم قيد الإقامة الجبرية في منازلهم واعتقال ابناء بعضهم. دولة ونظام هذه ممارساته ضد متظاهري شعبه ضده، كيف سأصدق حسن نوايا سفيره في البحرين؟. وكيف سأصدق نوايا سفير نظام الملالي الذي يهدد باحتلال الخليج العربي، ويعلن من حين إلى آخر أنّ البحرين محافظة فارسية وأحيانا يصرّحون بكل وقاحة أنّ كافة الخليج العربي فارسي؟. بينما في أمريكا التي ذهب سفيرها لمدينة حماة السورية، ينتقد الصحفيون والكتاب الإدارات الأمريكية بقسوة شديدة دون أن يطلب واحد منهم للتحقيق أو يوضع في السجن. إنّ ما كتبه فقط المخرج الأمريكي مايكل مور ضد الإدارات الأمريكية لا يجرؤ على كتابته عمالقة القوميين العرب، ورغم ذلك لم يوضع في السجن بل حاز على جائزة الأوسكار. لذلك ورغم كل سلبيات سياسة الإدارات الأمريكية من وجهة نظرنا كعرب، ليت أنظمتنا ونظام الملالي يعطون لشعوبهم نسبة بسيطة من الديمقراطية والحرية التي تتيحها الإدارات الأمريكية لشعبها. وإلا لماذا كبار القيادات الإسلامية بما فيها العديد من قيادات جماعات الإخوان المصريين ذهبت عمدا وطواعية وتعلمت وعاشت عقودا في أمريكا؟.

وأكرّر أنّ الوضع في الأردن والبحرين حسب رغبات الشعبين وطلائعهم السياسية والمتظاهرين بحاجة لمزيد من الإصلاحات السريعة، ولكن لا يمكن مقارنة وضع البلدين بوضع القمع والقتل في سوريا بعث التصحيح والتوريث والقتل وقطع الرقاب. ما يكاد يوصلني للجنون هو سؤال. لماذا يتشبث رؤساؤنا المفسدون القتلة بالسلطة عبر القمع والقتل والرصاص والدبابات، بينما يستقيل الوزير ورئيس الوزراء الأوربي والأمريكي بسبب أقل خطأ يرتكبه؟ هل من مجيب يا سادة أيها القراء الأعزاء؟
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



158
تحية لبيان أردنيين شرفاء:
إطلاق ( لجنة شعبية لنصرة سوريا)
د.أحمد أبو مطر

كنت أعرف باليقين المطلق أنّ البيان المراوغ الذي نشرته مجموعة من الكتاب والسياسيين والبرلمانيين السابقين الأردنيين يوم الرابع من يوليو 2011 ، بعنوان ( لجنة شعبية أردنية لمساندة سورية ضد المؤامرة )، وكتبت عن هذا البيان مقالتي التي نشرت يوم السابع من يوليو، بعنوان ( مناقشة لبيان لجنة شعبية أردنية لمساندة سورية ضد المؤامرة)، أنّ هذا البيان لا يعبر عن وجهة نظر الغالبية العظمى من المثقفين والسياسيين والكتاب والصحفيين والفنانين الأردنيين، لأنّ خلاصته أو ما كان يقصده الموقعون على البيان كما قلت في نهاية تلك المقالة : (.... فهو في رأيي مجرد بيان خطابي إنشائي لا يهدف إلا للدفاع عن نظام قمعي متوحش على الشعب السوري فقط. فهل قرأ موقعو البيان تصريحات رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد وصديقه الحميم يوم الحادي عشر من مايو الماضي لنيويورك تايمز التي قال فيها حرفيا: ( لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا ). أي استقرار نظام المقاومة والممانعة كما يقول أصحاب البيان ).

وهذا هو بيان أردنيي الحرية والديمقراطية والكرامة


هذا البيان الجدير بالنشر والتوزيع والاحترام العالي، أصدّرته في الأردن ( اللجنة الشعبية لنصرّة سوريا ) التي تمّ إشهارها مساء الثلاثاء الثاني عشر من يوليو 2011 ، وأصدرت بيانها الأول يوم الأربعاء الموافق الرابع عشر من يوليو، وهي حسب القائمة المرفقة مع البيان المذكور،  تضمّ حتى الآن 98 اسما من أشهر الكتاب والصحفيين والسياسيين والفنانيين الأردنيين، ورغم شهرة الجميع، فللدلالة على ذلك أكتفي بذكر الأسماء التالية: إبراهيم نصر الله، زكي بني ارشيد، سالم الفلاحات، موسى برهومة، إبراهيم غرايبة، ياسر أبو هلالة، جميل النمري، بريهان قمق،زليخة أبو ريشة، خالد الكلالدة، عماد حجاج،سفيان عبيدات،طارق زريقات، وليد المصري، وحاكم الفايز الذي أمضى في سجون الطاغية الأسد الأب 23 عاما. وسوف أنشر قائمة الأسماء كلها مع البيان في نهاية المقالة، ليعرف القراء هذه الأسماء الداعمة صراحة لحرية وديمقراطية وكرامة الشعب السوري، في مواجهته الثورية مع نظام دموي قال عنه البيان: ( إنّ الدم الذي سال في شوارع سورية قد أسقط الشرعية السياسية والأخلاقية عن نظام بشار الأسد وشبيحته وأجهزته الأمنية ).

نقد صريح لكل الصامتين  والمتواطئين
 
هذا وقد انتقد البيان الجريء كافة الصامتين والمتغاضين عما يتعرض له الشعب السوري من قمع دموي، وحسب تخيلي فمن ضمن من يقصدون تلك المجموعة من الشخصيات الأردنية التي اعتبرت أنّ ما تتعرض له سوريا مؤامرة، متجاهلين تماما قمع النظام المتوحش لشعب يتظاهر مطالبا بحريته وكرامته. ورد في البيان قول تلك الشخصيات الأردنية الشريفة:

( إن المواجهة الدموية التي اختارها النظام السوري المتهالك تعبّر عن وعي السلطة المأزوم والمتشرذم في دمشق، والذي لا يرى غير الحلول الدموية، والممارسات الوحشية سبيلا إلى التعامل مع الانتفاضة الشعبية العارمة التي يخوضها سوريون نبلاء أحرار أطهار لم يرف لبشار الأسد جفن وهو يصفهم بالحشرات، كما فعل من قبله الطغاة الذين لفظهم التاريخ، وقيّد أسماءهم في سجلات العار.

ولا يسعنا، في الوقت نفسه، إلا أن ننظر بشك كبير، وريبة لا اتساع لها إلى الذين ينظرون إلى ما يجري في سورية باعتباره وجهة نظر. ونؤكد أن إغماض العين عما يجري في سورية، يجعل المجال متاحا أمام التشكيك بقدرة من يدعمون النظام الدموي في دمشق على بلورة موقف متقدم من قضايا وطنهم، وبالتالي عجزهم عن مقارعة السلطات، وتبني أشواق الناس وتطلعاتهم ).

شكرا وتحية لكم أيها الشرفاء،
حيث أغلبكم عرفنا مواقفه ورواياته وأشعاره وكتاباته ورسوماته ولوحاته الفنية الداعمة للحرية والكرامة. ولأنه بيان يستحق القراءة ، وشخصيات تستحق أن يعرف القراء أنها هي من أصدرت هذا البيان، أترك القراء مع البيان كاملا وأسماء الشخصيات الموقعة عليه، علّ هذا يشكّل دفعة لتزايد أعداد قائمة الشرف السورية في مواجهة قائمة العار التي تقف مع الطاغية ونظامه، سواء كانت تلك الشخصيات سورية أو عربية في أية دولة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net

وهذا هو البيان والموقعون عليه كما نشرّه موقع (عمّون ) الأردني:

بيان إطلاق "اللجنة الشعبية لنصرة سورية"

"الشعب باق وأعمار الطغاة قصار" قالها بهذا المعنى شاعرنا محمد مهدي الجواهري، وها هو الشعب السوري البطل يرددها معه، ويكتب كل يوم ملحمة الصمود، ويعلن أن الدم الذي سال في شوارع سورية قد أسقط الشرعية السياسية والأخلاقية عن نظام بشار الأسد وشبيحته وأجهزته الأمنية.

لقد سطر السوريون الأحرار في ثورتهم السلمية، وما يزالون، أروع الدروس في مقاومة الاستبداد، وكسروا جدار الخوف والقهر، وراحوا بصدورهم العارية يتصدون للرصاص والقناصة والدبابات، ويهتفون بملايين الحناجر لسورية حرة ديمقراطية أبية لا تقبل الحكم الاستبدادي العائلي الفاسد، ولا ترضى بغير العزة والكبرياء.

إننا، نحن الموقعين أدناه، إذ نشهر "اللجنة الشعبية لنصرة سورية"، فإننا نقف في الخندق ذاته، وفي هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، مع الشعب السوري في مواجهته البطولية من أجل إخراج الشمس من قمقمها، وإعلان النهار العظيم.

إن المواجهة الدموية التي اختارها النظام السوري المتهالك تعبّر عن وعي السلطة المأزوم والمتشرذم في دمشق، والذي لا يرى غير الحلول الدموية، والممارسات الوحشية سبيلا إلى التعامل مع الانتفاضة الشعبية العارمة التي يخوضها سوريون نبلاء أحرار أطهار لم يرف لبشار الأسد جفن وهو يصفهم بالحشرات، كما فعل من قبله الطغاة الذين لفظهم التاريخ، وقيّد أسماءهم في سجلات العار.

ولا يسعنا، في الوقت نفسه، إلا أن ننظر بشك كبير، وريبة لا اتساع لها إلى الذين ينظرون إلى ما يجري في سورية باعتباره وجهة نظر. ونؤكد أن إغماض العين عما يجري في سورية، يجعل المجال متاحا أمام التشكيك بقدرة من يدعمون النظام الدموي في دمشق على بلورة موقف متقدم من قضايا وطنهم، وبالتالي عجزهم عن مقارعة السلطات، وتبني أشواق الناس وتطلعاتهم.

إننا نستهجن أن يصل الحد ببعض العاملين في الفضاء العام إلى صرف الأبصار عن ويلات البشر، والنظر من ثقب المصالح الضيقة إلى ما يجري في سورية، بل إن تلك المصالح الضيقة والمنبوذة تسمح لأصحابها أن يلوّنوا خطابهم كيفما يشاؤون، فهم لا مانع لديهم أن يصدّروا البيانات الملتهبة ضد ما جرى ويجري في تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا والأردن، لكن حينما يصل الأمر إلى النظام السوري فإنهم يرتبكون ويتلكأون ويتأتئون ويتهامسون، كأن الدم في سورية أرخص من الدم الذي أريق في سواها من بلاد العروبة المنتفضة!

ولئن كنا ننادي، مع شرفاء سورية وأحرارها، بأن الحفاظ على وحدة الوطن السوري أمر مقدس لا تفريط فيه، ونرفض بشدة دعوات التدخل فيه مهما كان مصدرها، فإننا نؤكد في الوقت نفسه أن أي شعار مهما كان نبيلا مثل "المقاومة"و"الممانعة" لا يوفر غطاءً، ولا بأي شكل من الأشكال، لكي يقتل النظام أبناء شعبه وأطفاله، ويزج بحرائره وأحراره في المعتقلات ويشرد عشرات الألوف، ويقتحم بالدبابات والطائرات البيوت الآمنة، ويروع الناس، ويقتل المدنيين الأبرياء، ويشوه أجسادهم، ويقتلع حناجرهم!

إننا نقف بكل قوة وعزم إلى جانب السوريين الأحرار في مقاومتهم المدنية العنيدة من أجل الحرية، كما وقفنا معهم في احتضانهم للمقاومة الوطنية ضد المشروع الصهيوني التوسعي. ونترحم على أرواح الشهداء الذي سقطوا على مذبح الكرامة والانتصار، وندعو إلى التشديد على حق الشعوب العربية في الحرية والتحرر من المحيط إلى الخليج، فزمان الربيع العربي لن يتوقف قبل أن تزهر وروده في كل مكان، وتقتلع أزمنة العبودية والاستبداد والحكم الفردي الغاشم.
الموقعون على البيان:
إبراهيم غرايبة كاتب ،ياسر أبو هلالة صحافي ،محمد الحسيني ناشط سياسي ، سائد كراجة محام، حاكم الفايز سياسي، د. أمجد قورشة أكاديمي،عاكف الزعبي سياسي، سماح بيبرس صحافية، إبراهيم جابر إبراهيم إعلامي، جميل النمري نائب، د. يوسف ربابعة أكاديمي، د. محمد خير مامسر سياسي، فيصل الزعبي مخرج، باسل العكور صحافي ، د. مهند مبيضين أكاديمي، بريهان قمق إعلامية، زليخة أبو ريشة شاعرة، د. خالد الكلالدة سياسي، بسمة النسور قاصّة، عماد حجاج فنان، محمد جميل الحوامدة صحافي، عبير عيسى فنانة، جمانة غنيمات صحافية، سمر دودين ناشطة ثقافية، محمد الجالوس فنان تشكيلي، زياد العناني شاعر، شفيقة الطل فنانة، ارحيل غرايبة سياسي، بسام بدارين صحافي، سفيان عبيدات محام، عمر العطعوط محام، حازم زريقات مهندس، عمر المصري مهندس، وليد المصري سياسي، طارق زريقات رجل أعمال، عيسى حدادين رجل أعمال، د. أحمد ماضي أكاديمي، إبراهيم نصرالله شاعر وروائي، فؤاد أبو حجلة صحافي، معن البياري صحافي، نادر رنتيسي صحافي، د. زهير توفيق أكاديمي، طاهر رياض شاعر،
زكي بني ارشيد سياسي، بادي الرفايعة نقابي، أسامة الرنتيسي صحافي، سالم الفلاحات سياسي، علي أبو السكر سياسي، عمر أبو رصاع ناشط سياسي، جمال القيسي روائي، موفق ملكاوي صحافي، زهير النوباني فنان، فخري صالح ناقد، موسى حوامدة شاعر، غازي الذيبة شاعر، حنان الشيخ صحافية،أحمد الجعافرة ناشط سياسي، إبراهيم عقرباوي روائي ،د. محمد المصري أكاديمي، سامي الزبيدي صحافي، أحمد أبو صبيح روائي، ضرار بني ياسين كاتب، مروان حمارنة ممثل، د. جمال الخطيب طبيب، قاسم محمد المصري نقابي، د.موسى برهومة إعلامي وأكاديمي، د. محمد أبو رمان أكاديمي، جيهان أبو لبن مهندسة، عمر كلاّب صحافي، عكرمة غرايبة معماري، عبدالكريم الغويري ناشط سياسي، زيد الفايز ناشط سياسي، د. محمد أحمد جميعان أكاديمي، رضوان النوايسة ناشط سياسي، عزة الحسن مخرجة، مشهور أبو عيد صحافي، ، د. أكرم كريشان ناشط سياسيد. علي الضلاعين ناشط سياسي، بشار الرواشدة ناشط سياسي، علي البريزات ناشط سياسي، خالدالخشمان مهندس، د. حسن البراري أكاديمي، د. فارس الفايز أكاديمي، علاء أبو طربوش ناشط سياسي، جمال الطاهات ناشط سياسي، محمد أبو طربوش ناشط سياسي، جمعة الوحش ناشط سياسي، د. عبدالله الرواشدة أكاديمي، د.إبراهيم رواشدة أكاديمي، صبر العضايلة ناشط سياسي، صخر الكلوب مهندس، عبدالسلام القدومي ناشط سياسي، د. أحمد عناب سياسي، ناصر القضاة محام، إسراء البطاينة ناشطة سياسية، يارا الجبرين ناشطة سياسية، الصحفي قصي جعرون ، الصحفي أنس ضمرة .
وستثبت ثورات العرب أنّ أعمار الطغاة قصار، مهما استأسدوا على شعوبهم.



159
صدر جواب سؤالي: وماذا بعد يا سعادة السفير؟

د.أحمد أبو مطر

مقالتي الأخيرة  بتاريخ العاشر من يوليو الحالي، كانت بعنوان ( السفير الأمريكي في حماة: وماذا بعد يا سعادة السفير؟ ). أوضحت فيها دلالات زيارة السفيرين الأمريكي والفرنسي للمدينة التي ارتكب فيها والد الطاغية بشار مجزرة حماة عام 1981 ، و أودت بحياة ما لا يقل عن 35 ألفا من السوريين الأبرياء بحجة أنّهم من جماعة الإخوان المسلمين. وكان ملفتا أن يبيت السفير الأمريكي ليلة الخميس السابع من يوليو في المدينة، لينزل لساحات المتظاهرين الثوار يوم الجمعة الثامن من يوليو فيستقبلوه بالورود والهتافات الصارخة ضد طاغية وسفّاح دمشق. إنّ هذه الهتافات وتلك الورود ليست حبا بسعادة السفير روبرت فورد، بقدر ما هي كراهية لطاغية مارس ضد شعبه جرائم ترقى لمستوى إبادة جماعية عشوائية من أجل الاحتفاظ بالكرسي والنهب لثروة الشعب السوري. وضمن العديد من التوضيحات التي تضمنتها المقالة المذكورة خاصة رفض التدخل العسكري الأجنبي من أية جهة أو دولة في تطورات الثورة السورية، كان سؤالي: وماذا بعد يا سعادة السفير؟. اي ما هو موقف دولتك العظمى بعد أن شاهدت شخصيا حجم رفض الشعب السوري لهذا الطاغية ونظامه.

وفورا صدر الجواب من السيدة هيلاري كلينتون

وكان هذا الجواب الأمريكي الرسمي مباشرة بعد تعرض سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في دمشق لهجوم من قبل من أسمتهم الخارجية الأمريكية ( رعاع يدعمون النظام السوري ). وأعقب ذلك إعلان السيدة هيلاري كلينتون في مؤتمر صحفي ( أنّ النظام السوري إما سمح بالهجوم على السفارة أو شجّع عليه ).معلنة بوضوح أمريكي للمرة الأولى ( من وجهة نظرنا لقد فقد الأسد شرعيته. لقد أخفق في الوفاء بوعوده، لقد سعى لمساعدة إيران وقبل بذلك لقمع شعبه...إن الرئيس الأسد ليس شخصا لا يمكن الاستغناء عنه، ولم نسع من أجل بقائه في السلطة ). وقد حذرت كلينتون الطاغية بقولها ( إنّه يرتكب خطأ حين يعتقد أنّ الولايات المتحدة تخشى الإطاحة به ).

وكذلك الموقف الفرنسي،

وأيضا بعد زيارة السفير الفرنسي لمدينة حماة ومشاهداته الميدانية لحجم رفض الشعب السوري لهذا الطاغية المتوحش، فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه يوم الاثنين الماضي ( أنّ الرئيس السوري بشار الأسد بلغ نقطة اللاعودة، وما من سبب لأخذه اليوم على محمل الجد )، معبرا عن قناعته بأنّه لن يكون باستطاعته التغيير بعد القمع المريع في عنفه الذي مارسه ضد شعبه ). مستغربا سكوت الأمم المتحدة وموقف مجلس الأمن الدولي من هذا القتل للشعب السوري، موضحا أنّ فرنسا تحاول جمع أوسع غالبية داخل مجلس الأمن. وكذلك انتقد رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون العنف الذي يمارسه النظام السوري ضد المحتجين، وقال إن "صمت" مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا بات "لا يحتمل"، وأن الرئيس السوري بشار الأسد "تجاوز كل الحدود".

الموقف الروسي والصيني المرفوض شعبيا

والغريب في هذا السياق هو موقف الدولتين العظميين الصين وروسيا، فلماذا تقف هاتان الدولتان مع طاغية سوريا كما فعلتا مع طاغية ليبيا قبل ذلك، وأخذت روسيا وقتا طويلا لتغيير موقفها منه. لماذا لا تحرص الصين على حقوق الإنسان كدولة عظمى لها مكانتها الدولية؟. نستذكر في هذا السياق أنّ الصين احتجت عام 2010 على منح النرويج جائزة نوبل للسلام للمعارض الصيني ( ليو شياو بو ) المسجون منذ العام 2009 لمدة إحدى عشر عاما بتهمة ( تقويض سلطة الدولة ) وهي نفس التهمة تقريبا التي تتهم بها أنظمة القمع العربية معارضيها. وقد رفضت حكومة الصين السماح لزوجة المعارض السجين بالسفر للنرويج لاستلام الجائزة نيابة عنه ووضعتها قيد الإقامة الجبرية، ورغم ذلك تمّت مراسم منحه الجائزة بحضور دولي حافل وبقي مقعده في القاعة خاليا. وكان معارضا جريئا إذ أهدى من سجنه الجائزة لضحايا وأرواح المفقودين في أحداث ميدان ( تيانانمين ) في الرابع من حزيران عام 1989 ، التي قتلت فيها قوات الحزب الشيوعي الصيني ألافا من المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية والتعددية السياسية، وتحجب الصين الانترنت كل عام في مناسبة هذه الذكرى، وما زال مئات من المتظاهرين في السجون حتى اليوم.

هل تصدر مواقف عربية وإسلامية بعد الموقفين الأمريكي والفرنسي؟


إنّ سكوت الدول العربية وجامعتهم العبرية ضد قمع نظام الطاغية في سوريا أمر مستغرب ومستهجن. ليس لأن السكوت علامة الرضا كما يقول المثل العربي، ولكن هذا السكوت يدلل على أنّه لا توجد أمة عربية واحدة، ولا رسالة خالدة لها. إنّ هذا القمع من النظامين السوري والليبي لو تجرأ نظام أوربي أن يقوم بنسبة واحد بالمائة منه ضد شعبه، لرأينا الفزعة الأوربية ضد هذا النظام، أما الدول العربية فلا لايعني أية دولة عربية سوى بقاء نظامها أيا كانت هويته ومضمون حكمه.

ورغم هذا السكوت العربي والإسلامي، يبقى الموقفان الأمريكي والفرنسي يستحقان التقدير، ودلالتهما السياسية أنّ هذه الدول تقف مع أي نظام طالما نحن الشعوب نصفق لهؤلاء الطغاة ( بالروح بالدم نفديك يا...). أو كما وقف أحد المرتزقة في مجلس شعب بشار الأسد ليقول للطاغية ( إنّ الوطن العربي قليل عليك، وأنت يجب أن تحكم العالم ). فعندما تصفق الشعوب للطغاة وتتظاهر نفاقا ودعما لهم، علينا أن لا نتوقع معارضة لهم من الدول الأخرى. ولكن عندما تخرج هذه الشعوب رافضة أنظمة الطغاة والمفسدين اللصوص مطالبة بسقوطهم ورحيلهم، تتحرك دول العالم لتقف مع الشعوب وليس مع أنظمة السقوط، وهذا ما حصل مع ثورات الشعب التونسي والمصري واليمني والليبي، وها هو يحصل مع ثورة الشعب السوري كما رأينا في الموقفين الأمريكي والفرنسي، وحتما سيلحق بهما مواقف دول أخرى تسقط الشرعية عن هذا النظام القاتل. وقد سئل موفد اللجنة الرباعية للشرق الأوسط توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق يوم الاثنين الماضي ( إن كان الأوان قد فات بالنسبة إلى الرئيس السوري )، فأجاب ( بصراحة، أعتقد أنّ الجواب هو نعم ).

ويبقى الجواب الصريح هو ثورة الشعب السوري المتواصلة المطالبة بسقوط هذا النظام، لأنّ تشبثه بالسلطة والقتل المتواصل للشعب السوري، لا يدلّ إلا على حرصه على مواصلة نظام القمع والسرقة التي نهبت البلاد والعباد في سوريا بكاملها شعبا ووطنا. وإلا اي عاقل يفهم بقاء شخص يتشبث بالرئاسة رغم رفض الشعب له؟ لماذا لا يحصل هذا في الدول الأوربية والأمريكية؟ لماذا يستقيل وزراؤهم ورؤساؤهم لأقل خطأ يرتكبونه أو رفع الحصانة عنهم من البرلمان، بينما رؤساؤنا العرب شعارهم ( من المهد إلى اللحد نحكم الشعوب بالقوة والقتل والقمع ). ورغم ذلك فثورة الشعوب ونزع الخوف من قمعهم هو من سيوصل هكذا رؤساء إلى اللحد.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


160
المنبر الحر / إرحل..إرحل يا جزّار
« في: 23:51 15/07/2011  »
إرحل..إرحل يا جزّار

بقلم مواطن سوري من أصول فلسطينية، ويقال أنّه فلسطيني من أصول كردية.
إرحل إرحل يا بشار
إنت مو طبيب إنت جزاّر
عيادتك في حمّاة
فتشناها لقينا فيها حمار
آسف آسف يا حمار
أنا باحبك يا حمار
 إنت أطيب من بشار
ما بتقتل بني جنسك مثل ها لغدّار
حرّر درعا واليوم حماة
والجولان بتستنى على الدوّار
-------------------------------
إرحل إرحل إنت وصاحبك غوّار
وأخوك ماهر سوّاق الجرّار
جرّار المدافع والرصاص
اللي حيصيب راسك وخالك السمسار
سمسار بنوك السرقة والتهريب
ومصيره القتل مش الفرار
------------------------------
دخيلك إنت درست طب بشري
 ولا  طب بيطري
طب بشري بينقذ الإنسان
طب بيطري بينقذ الحيوان
طبّك بيقتل الإنسان والحيوان
شو حنسمي طبّك يا بشار
طب السفاح إبن حافظ الجزار
-------------------------------------
مصيرك القتل مش الرحيل يا ابن الفجّار
 وهذا وعد إلهي بنصر الثوار
ثوار الحرية والكرامة على مندس مثلك
وعصاباتك يا فاسق يا وريث بيّاع الجولان
 

161
السفير الأمريكي في حماة...وماذا بعد يا سعادة السفير؟
د.أحمد أبو مطر

كانت خطوة مفاجئة وجريئة غير مسبوقة من السفير الأمريكي في دمشق روبرت فورد، أن يقوم يوم الخميس الموافق السابع من يوليو الحالي بالدخول لمدينة حماة السورية، التي أصبحت الرمز الدائم لتحدي طغيان وجرائم نظام الأسد على الشعب السوري فقط. ورغم تضارب الأنباء حول آلية هذه الزيارة، إلا أن تتبع التطورات اللاحقة يدلّ على أنّ الولايات المتحدة قد أبلغت النظام السوري بالزيارة، أي مجرد إبلاغ بأن السفير الأمريكي ذاهب إلى مدينة حماة، دون أن تنتظر ردا من النظام بالموافقة أو الرفض، وهذا ما أكّدته فيكتوريا نالاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، وهذا في حد ذاته تحد واضح للنظام الأسدي، خاصة أنّ موكب السفير دخل المدينة عبر حاجز عسكري لقوات النظام، فلم يجرؤ الحاجز على وقف الموكب أو سؤاله، بدليل أن السفير ومرافقيه باتوا ليلة الجمعة في المدينة، وفي صباح الجمعة خرجوا لساحة الثوار ليطّلعوا بأعينهم على مجريات وحجم الثورة، التي تركزت شعاراتها على: ( الشعب يريد اسقاط النظام ) و ( لا للحوار ). ويوم الجمعة نفسه أطلق عليه الثوار ( جمعة لا للحوار ). وبدوره التحق السفير الفرنسي في دمشق إريك شيفاليية بالسفير الأمريكي وزار مدينة حماة يوم الجمعة ليكون الشاهد الثاني من الدول العظمى على ما يجري في سوريا، خاصة مجريات ثورتها الرافض لهذا النظام المجرم بامتياز مشين لا يشرف إلا بثينة شعبان ومن هم في صفّها مع النظام القاتل.

ردود فعل النظام والمتحدثين باسمه

تضاربت ردود الفعل من رافض إلى مؤيد إلى متذبذب أي لا موقف واضح من هذا الحدث المهم على كافة المستويات.  ويمكن اعتبار موقف النظام على لسان ناطقته الرسمية بثينة شعبان هو موقف جنوني لأنّه يعرف أنّ ممثلي دولتين من الدول العظمى ( الولايات المتحدة وفرنسا ) سوف يطّلعان مباشرة على جرائم نظامها الذي لا تحمل ذرة من خجل وهي تدافع عنه، وكأنها فعلا لا تنتمي للشعب السوري، ومواقفها من الثورة السورية ودعمها ودفاعها البائس عن نظام المجرمين واللصوص، يضعها فعلا على رأس قائمة العار السورية قبل دريد لحام بعدة أمتار في القائمة. وهذا الإطلاع المباشر والحديث مع الشعب الثائر مباشرة من قبل السفيرين من شأنه أن يخلق مواقف جديدة من دولتيهما إزاء النظام، خاصة أنّ هاتين الدولتين لها الأسبقية في الضغط على النظام ومعرفة سلوكه الإجرامي بدليل سحب بعض سفرائها من دمشق احتجاجا على ممارساته.

ومن تخرصات بثينة شعبان التي فاقت بها،

أكاذيب محمد سعيد صحّاف صدّام حسين، أنّها اعتبرت زيارة السفير الأمريكي غير مرخصة وقد تزامنت مع اجتماع لأئمة مساجد وقادة المجتمع المدني، معتبرة أنّ فورد ( لا بد وأن تكون له صلات بالمجموعات المسلحة التي تحول دون استئناف الحياة الطبيعية في سوريا ). وقد نسيت بثينة الصحاف أن تقول ( أنّ لديها معلومات مؤكدة أنّ السفير الأمريكي قد يكون قد أشهر إسلامه على يد أئمة المساجد المذكورين ). وإن صحّت تلك الأكذوبة البثينية ( وشهر شعبان بريء من تصرفاتها وهي تحمل اسمه )، فأنا استطيع التأكيد أنّ الشهادة التي نطق بها السفيران الأمريكي والفرنسي هي ( نشهد أنّ لا مجرم في سوريا إلا بشار الأسد وعصاباته ومرتزقته المسلحين بكل أنواع الأسلحة، ونشهد أنّهم قتلوا حتى الآن ما يزيد على ألفي متظاهر سوري، واعتقلوا ما يزيد على 12 ألف مواطن ما زالوا في السجون والمعتقلات، ونشهد أمام الله أنّ هناك ما يزيد على عشرين ألف لاجىء سوري في تركيا ولبنان هربا من جرائم الوحش، ونشهد أن عائلة خاله "إمبراطورية آل مخلوف " سرقت وتسيطر على ما يزيد عن 60 في المائة من ثروة الشعب السوري، ونشهد أنهم يمثّلوا بجثث القتلى كما فعلوا بجثة الطفل حمزة الخطيب ومنشد الثورة السورية إبراهيم قاشوش حيث قطعوا لسانه بعد قتله وإلقاء جثته في نهر العاصي تحديدا كي يشهد على معاصيهم.  والله على ما نطقنا به شهيد ).

وماذا بعد هذه الشهادة يا سعادة السفير؟

لقد التقى السفير الأمريكي في حماة ببعض المتظاهرين وسمع مطالبهم ( الشعب يريد اسقاط النظام، لا للحوار مع النظام المجرم) ، وعاد سالما إلى مقر سفارته في دمشق. فماذا ينتظر الثوار السوريون من الدول العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، خاصة بعد سماعهم وتأكدهم من الرفض الشامل لما أطلق عليه النظام " اللقاء التشاوري" الذي دعا إليه نائب الأسد فاروق الشرع ابن مدينة درعا التي تبرأ ت بعض عشائرها منه ومن انتمائه للمدينة، بسبب تنكره لجرائم الأسد التي بدأت فيها في مارس الماضي، وتحديدا قصفه وقتله لمن كان من المصلين في المسجد العمري بالمدينة. وكما أعلن المحامي والناشط الحقوقي مصطفى أوسو انّ هذا اللقاء التشاوري مرفوض كما هو مرفوض الحوار مع النظام " حيث أنّ النظام السوري لا يزال يمارس العنف والقوة المفرطة والرصاص الحي في قمع التظاهرات والاحتجاجات السلمية المطالبة بالحرية والديمقراطية في مختلف  المدن والمناطق السورية...ولأن الحوار الذي يدعو إليه النظام لا يعدو عن كونه ذر للرماد في العيون ومحاولة للالتفاف على هذه الثورة العارمة للشعب السوري، وهذا ما يتجلى بوضوح من خلال الخطاب الإعلامي السلطوي الرسمي، الذي لازال يصرّ على وصف المتظاهرين والمحتجين بالمخربين والمندسين والمتآمرين".

لذلك بعد ما شاهده سفيرا الدولتين العظميين في مدينة حماة، وما سمعاه مباشرة من المتظاهرين، فأعتقد من وجهة نظري أنّ المطلوب لدعم ثورة الشعب السوري ضد النظام القمعي هو:

1 . معرفة أنّ التدخل العسكري من أية دولة في الشأن السوري الثائر سيكون مرفوضا من كافة أطياف الثورة السورية، ومن كافة تشكيلاتها العربية والكردية، لأنّ هذه الثورة قادرة بإمكانياتها السلمية وإصرارها على مواصلة الثورة وتحدي قمع وتسلط النظام على إلحاق الهزيمة والسقوط به.

2 . المطلوب من كافة دول العالم وخاصة الدول العظمى، مواصلة الضغوطات الدولية على النظام وعصاباته خاصة تحديها لكافة أعراف حقوق الإنسان، وإن كانت المحكمة الدولية قد أصدرت قرارات اتهامية بحق الطاغية القذافي، فجرائم الأسد ومرتزقته لا تقل عن جرائم قذاف الدم، لذلك لا بد من التحرك لتجريمه دوليا.

3 . فرض المزيد من المقاطعة والمنع من السفر على رموز النظام ورصد تحركاتهم  لتهريب وإخفاء ملياراتهم المسروقة أساسا من ثروة الشعب السوري، وإلا كيف جمع آل مخلوف أخوال الأسد ما يزيد على ثمانين مليارا من الدولارات، وهم الذين جاءوا عام 1970 من القرداحة إلى دمشق ليلتحقوا بالأسد الأب، وهم لا يملكون إلا القمصان التي تستر أكتافهم؟.

هذا هو المطلوب دوليا فقط، والباقي الأهم وهو إسقاط النظام كفيلة به الثورة السورية المتصاعدة منذ منتصف مارس الماضي، ويبقى السؤال المحزن هو: لماذا السكوت العربي والإسلامي الرسمي الشامل على جرائم هذا النظام؟. وهذا السؤال تحتاج الإجابة عليه إلى مقالة أخرى لأنّ فيه العديد من التفاصيل، ويبقى الشعار المطروح سوريا هو: الشعب يريد إسقاط النظام، لا للحوار، لا للقاء التشاوري، نعم لاعتقال رموز النظام ومحاكمتهم على جرائمهم ، وإعادة المليارات االمنهوبة من ثروة الشعب السوري.

وإذا الشعب يوما أراد الحياة    فلا بد أن يسقط الطغاة
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net






162
مناقشة لبيان ( لجنة شعبية أردنية لمساندة سورية ضد المؤامرة )

د.أحمد أبو مطر

صدر البيان المذكور يوم الرابع من يوليو 2011 في العاصمة الأردنية عمّان ،عن مجموعة من الشخصيات الأردنية قاربت الأربعين شخصية، من بينها نواب سابقون في البرلمان الأردني وشخصيات أكاديمية معروفة ورؤساء نقابات وأندية أردنية. وأودّ التأكيد منذ البداية وبشكل صريح وحاسم أنّ كل هذه الشخصيات الموقعة على البيان، هي شخصيات وطنية معروفة لا يستطيع أحد أن يزايد على وطنيتها وحسّها الأخلاقي والمهني.  وبالتالي فإن نقاشي معها حول هذا البيان ينطلق من قاعدة ( الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس )، وأيضا ربما أصلّ لأمور غابت عن تحليلاتي المتعددة الناقدة للقمع الذي يمارسه النظام السوري ضد الشعب السوري، حيث أوصل هذا القمع عدد القتلى لما يزيد عن ألفي شخص، غير ألاف المعتقلين والمفقودين واللاجئين إلى تركيا ولبنان، حيث زاد عدد هؤلاء اللاجئين عن عشرين ألفا، وهو ما لم يحدث في كافة مراحل التاريخ السوري، فللمرة الأولى على يد قمع هذا النظام نسمع بوجود ظاهرة ( اللاجئين السوريين ). هذا وقد اعتبر السادة الموقعون على البيان انفسهم الهيئة التأسيسية ل ( لجنة شعبية أردنية لمساندة سورية ضد المؤامرة )، على أن يتم التوسع في عضوية اللجنة خلال الفترة القادمة حسب إعلانهم.

نعم للحفاظ على سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أرضها وشعبها
لا للتدخل الأجنبي ومشاريع التفكيك ولا للتآمر على نهج المقاومة


هذان الشعاران قد تصدرا البيان المذكور، ولا أعتقد أنّ هناك أي مواطن سوري أو عربي لديه الحد الأدنى من الوطنية والانتماء للوطن والشعب، يرفض هذين الشعارين، فمن يرفض سيادة سوريا وشعبها، يعني أنّه يريد إعادة سوريا لزمن الاحتلال الفرنسي الذي كان سائدا في أربعينات القرن الماضي، وهذا موقف خياني أيا كان من يتبناه. ومن يرفض وحدة أرض سوريا وشعبها يعني انّه مع مشاريع التفكيك والتجزئة والتقسيم وهذه أيضا مواقف غير وطنية ولا أخلاقية مرفوضة ومدانة. وكذلك من يتآمر على نهج المقاومة فهو غير وطني لأنه يريد استمرار الاحتلال، والاحتلال مرفوض أيا كانت هوية المحتل: إسرائيليا أم إيرانيا أم اسبانيا أم من أية هوية وجنسية. ولكن ماذا عن تفاصيل البيان التي نختلف معها جذريا؟

هل هذه الشخصيات أكثر وعيا ووطنية من ملايين العرب؟

من المدهش أن يعتبر البيان ( أنّ ما يجري في أمتنا اليوم ليس مشروع تغيير ديمقراطي، ولا ثورة شعبية، بل هجمة إمبريالية شرسة على الأمة والمقاومة وكل من يمتلك الإرادة لقول لا للإمبريالية أي كل الدول والحركات المستقلة عن الهيمنة الإمبريالية ). هذا ما جاء حرفيا في البيان. فهل يعقل أن تكون الملايين التي خرجت في تونس و مصر وليبيا واليمن وسوريا ضد أنظمتها القمعية، كلها تعمل لصالح المخططات الإمبريالية؟. هل هذه الشخصيات الأردنية التي لا أشكّ في وطنيتها أكثر وعيا لهذه المخططات من ألاف المثقفين والسياسيين والكتاب المصريين والتونسيين والليبيين واليمنيين والسوريين الذين يناضلون من أجل وضع ديمقراطي يعطي المواطن في بلادهم حريته وكرامته؟. هل كل هذه الشخصيات والملايين العربية متآمرة وفقدت وعيها الشعبي الذي يقول عنه البيان ( تسعى قوى الهيمنة الخارجية بدأب، من أجل تحقيق هذه الإستراتيجية للنفاذ إلى الوعي الشعبي العربي وإلى الشارع العربي عبر أدوات القوة الناعمة مثل الإعلام الفضائي ومنظمات التمويل الأجنبي....). هل كل هذه الملايين العربية المنتفضة ضد أنظمتها القمعية مغيبة الوعي وتسير بغير هدى في خدمة المخططات الإمبريالية؟. هل الإعلام الفضائي الداعم لهذه الثورات وخاصة فضائية الجزيرة يعمل لخدمة الإمبريالية؟.

ما هي مواصفات المقاومة كما يفهمه موقعو البيان؟

لقد قرأت البيان أكثر من مرة، كي أتأكد من تكراره لوصف النظام السوري بأنه داعم المقاومة ، و ( أنّ المؤامرة على سوريا اليوم هي أيضا مؤامرة على المقاومة وعلى خيار المقاومة وعلى قوى المقاومة ) كما يقول البيان. وكي نؤيدهم في هذا المطلب المقاوم، هل يستطيع موقعو البيان أن يجيبوا على الأسئلة التالية:
1 . هل هذا نظام مقاومة وممانعة وهو الذي وقع في زمن الأسد الأب عام 1999 اتفاقية أضنة لترسيم الحدود رسميا مع تركيا ( التي يهاجمها البيان )، أي الاعتراف رسميا بأن لواء الإسكندرونة المحتل منذ عام 1938 أراض تركية بإعتراف أسدي رسمي؟

2 . هل هذا نظام مقاومة وهو لم يطلق رصاصة واحدة من الحدود السورية منذ العام 1973 لتحرير هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967 ؟.

3 . هل هذا نظام مقاومة ويعرف بعض موقعي البيان الذين عاشوا في سوريا، أنّه نظام كان وما يزال يمنع أي تنظيم فلسطيني من إطلاق أية رصاصة عبر الحدود السورية مع الاحتلال الإسرائيلي؟

4 . هل هذا نظام مقاومة وممانعة وهو يعتقل منذ ما يزيد على أربعين عاما مئات من الفلسطينيين والأردنيين، وربما بعض هولاء المعتقلين من أقارب أو معارف أو أصدقاء الموقعين على البيان؟. هل أذكرّهم بالمؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن، المحامي الأردني المعروف هاني الدحلة في الثاني والعشرين من فبراير عام 2007 ، ليعلن فيه أسماء 52 معتقلا ساسيا أو مفقودا أردنيا في السجون السورية؟. هل هذه ممارسات نظام مقاومة؟.

5 . هل هو نظام مقاومة الذي اعتقل البعثيان الأردنيان ضافي اجميعاني وحاكم الفايز ما يزيد على ثلاثين عاما؟. وهل المواطن السوري هيثم المالح الذي أمضى ما يزيد على خمسة وثلاثين عاما في السجون عميل وعدو للمقاومة؟  ومثلة عشرات ألاف السوريين في السجون والمعتقلات، هل كلهم عملاء وأعداء للمقاومة؟

6 . هل هو نظام مقاومة الذي لم نر دباباته ومدرعاته إلا في قصفها للمدن السورية؟

7 . لماذا يجري نظام المقاومة منذ زمن الأسد الأب ويستمر في زمن الوريث الأسد الإبن في مفاوضاته مع إسرائيل سريا وعلنيا في تركيا وغيرها؟. ما هو الهدف من هذه المحادثات؟ الوصول لاتفاقية سلام مثل اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة أم الهدف هو دعم المقاومة؟. لماذ محادثات مصر والأردن غير وطنية، ومحادثات نظام الأسود مقاومة وممانعة؟.

لماذا تغاضي البيان عن قمع الحريات والقتل الدموي في سوريا؟


أستغرب تماما هذا التغاضي وكأن هذا القتل الوحشي لألاف من السوريين يحدث في جزر الواق واق الخيالية. وهذا التغاضي يتم تحت سيل من الشعارات الخطابية التي ما عادت تنطلي على عواطف غالبية العرب خاصة السوريين المنتفضين بالملايين في غالبية المدن السورية ضد هذا النظام القمعي المقاوم بالثرثرة فقط، كما وصفه الشاعر العراقي المعروف أحمد مطر، أم أنّ هذا الشاعر المشهور بمعاداته للأنظمة القمعية غير وطني أيضا؟.

أنا من طرفي سأقوم بنشر هذا البيان في العديد من صفحات الفيس بوك السورية والعربية كي نسمع ونقرأ ردود فعل العرب وخاصة السوريين عليه. فهو في رأيي مجرد بيان خطابي إنشائي لا يهدف إلا للدفاع عن نظام قمعي متوحش على الشعب السوري فقط. فهل قرأ موقعو البيان تصريحات رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد وصديقه الحميم يوم الحادي عشر من مايو الماضي لنيويرك تايمز التي قال فيها حرفيا: ( لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا ). أي استقرار نظام المقاومة والممانعة كما يقول أصحاب البيان....ولله في خلقة شؤون!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




163
تحية  (فرحان المطر )، هطولك هو البداية

د.أحمد أبو مطر

تتصاعد ثورة الشعب السوري ضد نظام الطاغية الوحش، الأسد الذي جعلنا نسمع للمرة الأولى في التاريخ العربي الحديث عن أمرين:

الأول: هو أن نظاما أرضه محتلة ( الجولان ) منذ عام 1967 ، وبدلا من تحريك دباباته ومدفعيته لتحريرها، حرّك هذه الدبابات والفرق المسلحة لقمع ثورة الشعب ضده بوحشية استنكرتها كافة منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية، وغالبية دول العالم وأهمها حليفته تركيا التي أدانت بصراحة وشجاعة هذا القتل المتواصل لشعب أعزل مسالم يطالب بالحرية والكرامة.

الثاني: هو أنّ قتل هذا النظام ووحشيته جعلتنا للمرة الأولى في التاريخ العربي الحديث نسمع عن (لاجئين سوريين )، هؤلاء اللاجئون الذين هربوا وما زالوا يهربون من وحشيته خاصة إلى الجارة تركيا التي استقبلت حتى الآن ما يزيد عن عشرة ألاف لاجىء سوري، أسكنتهم في حوالي عشرة معسكرات. وبالتالي ما عاد يجوز للفسطينيين أن يحزنوا بأنهم الوحيدون اللاجئون في العالم العربي، فهذا النظام المتوحش أضاف لهم ( اللاجئين السوريين ).

لذلك كانت البداية هطول المطر

الشعب السوري منذ شهر مارس الماضي وهو يصعّد ثورته ضد الطاغية حيث عمّت كافة المدن والقرى السورية، والإدانات من السوريين في الخارج تتصاعد، لكنّ في الداخل السوري، كانت علامة مميزة قيام الصحفي والكاتب السوري ( فرحان المطر ) بتقديم استقالته علنا من التلفزيون السوري الرسمي ومن عضوية اتحاد الكتاب السوريين الساكتين بخزي مشين على جرائم هذا الوحش. قال فرحان المطر في بيان استقالته بشجاعة متوجها لشعبه السوري البطل:

(إنه بعد دخول ثورتكم السلمية في سبيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والسياسية ضد الظلم والتعسف غير المسبوق من قبل نظام أدمن الجور وامتهان كل ما هو إنساني، وبعد وصول عدد الشهداء قرابة الألف وخمسمائة شهيدا، وبعد تجاوز أعداد الجرحى ثلاثة ألاف جريح، وتجاوز عدد النازحين واللاجئين والمشردين قرابة عشرين ألفا من المواطنين السوريين....وبعد أن غصت سجون النظام على اتساعها بأبناء شعبنا الحر العظيم....وبعد دخول ثورة الكرامة والحرية شهرها الرابع، أعلن استقالتي). وأوضح أنّ ( إعلان استقالته من التلفزيون العربي السوري احتجاجا على الدور الذي يمارسه من خلال الكذب والتزوير والفبركة والتجييش الأعمى ضد الشعب ومطالبه بالحرية والكرامة وتغطيته المستمرة وتبريره لجرائم النظام ). إذا كان هذا هو موقف المواطن السوري الشريف ( فرحان المطر ) وهو في داخل سورية، فهل يجرؤ أبواق النظام المتوحش بعد الآن على اعتبارنا نتجنى على نظامهم القاتل؟.

واستقالة من اتحاد السكوت والعار

وأعلن الصحفي والكاتب فرحان المطر استقالته أيضا من اتحاد الكتاب السوريين كما قال: ( احتجاجا ورفضا لمواقف اتحاد الكتاب العرب في سوريا المتعامية أمام ما يتعرض له الشعب العربي السوري المسالم الأعزل في وجه آلة القتل والتصفية والتنكيل، وعدم اتخاذه الموقف الذي يليق بالكتاب والمبدعين السوريين الأحرار المفترض وقوفهم إلى جانب مطالب الشعب المنادية بالحرية ).

هل يقرأ هذا الموقف الشريف من فرحان المطر، أعضاء اتحاد الكتاب السوريين الذين أرسلوا لي شتائمهم ولعناتهم وتهديداتهم بسبب كشفي لبعض مواقف عضو اتحادهم السيدة كوليت خوري في مقالتي ( يا إلهي الرحمة:  كوليت خوري تكتشف مؤامرة كونية ). فهل يسمعوا نداء عضو اتحادهم السابق  (فرحان المطر ) وهو يعبر عن أمله  " أن تكون خطوته هذه حافزا للكتاب والصحفيين السوريين للوقوف بأقلامهم وأصواتهم مع شعبهم السوري المسالم الأعزل في وجه الموت الممنهج الذي يمارسه النظام بحقه ".

وتستمر الإدانات والمناشدات ضد ممارسات الطاغية

فالنائب السوري السابق مأمون الحمصي يوجّه نداءا للأمين العام للأمم المتحدة، يطالب فيه " المجتمع الدولي والممثل بالأمم المتحدة تحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية والأخلاقية والإبتعاد عن الإزدواجية في المعايير وتطبيقها لما يسبب من زعزعة للأمن والاستقرار الدوليين". كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة " بالإرسال الفوري لقوة ردع عسكرية دولية لحماية المدنيين الأبرياء، وإصدار قرار بعدم شرعية النظام وسوقه للعدالة وشركائه في الجرائم لينالوا ما اقترفت أيديهم من الجرائم بحق المدنيين الأبرياء وشرفاء الجيش السوري ".

وكذلك رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين، فقد اعتبر عقب لقائه نظيره الفرنسي فرانسوا فيون، أنّ النظام السوري يستخدم أساليب عفا عليها الزمن في قمع التظاهرات. وقال بوتين " نحن بحاجة إلى فرض ضغوط على قيادة أي نظام حيث توجد تحركات في الشارع، وخصوصا حيث تحدث إراقة للدماء".

في انتظار مواقف مثل هطول فرحان المطر

ولمن لا يعرف، ففرحان المطر الكاتب هو من مواليد 1956 في مدينة الرقة. يقول في لقاء صحفي عن مدينته الرقة: ( الرقة هي جلدي الذي أحتمي به، والذي لا يمكنني التفكير يوما بالعيش دونه، فكيف تتصور إنسانا يواجه العالم ويعيش دون جلد يحمي كل كيانه الداخلي؟ ). وقد صدر له مجموعات قصصية: ( تفاصيل اللقاء ) و ( ما يدعو للهذيان ) و ( عين واحدة تكفي ) و مجموعة قصص قصيرة جدا مع عدد آخر من الكتاب بعنوان ( بروق ). ولا أعتقد يا فرحان أنّ هناك ما يدعو للهذيان أكثر من جرائم ووحشية نظام الأسد.  وفي مجال التلفزيون كان معدّا لبرنامج "صباح الخير " في الفضائية السورية، وبرنامج " نهار جديد " في القناة الأولى. كما أنجز عددا من الأفلام الوثائقية منها: ( رحلة الحب المريمية ) و ( أعمدة الشمس ) و ( غزة ). وبهذه المناسبة يمكن المقارنة بين موقف فرحان المطر الواضح الشجاع وموقف أدونيس في رسالته لمن أطلق عليه ( السيد الرئيس )، حيث ظلّ يلف ويدور مكررا أطروحات نظرية حفظها عن ظهر قلب طلاب المدارس الإعدادية، دون أن يجرؤ على إدانة هذا القتل والجرائم البشعة. وهو يريد أن يقول في رسالته أنّ ( السيد الرئيس )، لا علاقة له بهذه الجرائم. إنه لف ودوران أسقط القناع عن مواقف أدونيس التي لا موقف فيها سوى دعم الطاغية بطريقة مواربة لا تخفى على القارىء العادي.
يا فرحان المطر لك التحية والتضامن مع موقفك الشجاع الذي يضعك في مقدمة لائحة الشرف السورية، لأنك اتخذت موقفك الأخلاقي هذا وأنت في عرين الأسد.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net

 

164
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان للمثقفين الفلسطينيين بشأن ما يجري في سوريا
نحن المثقفين الفلسطينيين، الموقعين على هذا البيان، نعلن أن صمت الأمانة العامة لما يسمى بـ(اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين)، عما يجري بسوريا العروبة، من عدوان للنظام على الشعب، لا يمثلنا ولا يمثل وجه الثقافة الفلسطينية الحرة، بل هو تعبير عن وجهة نظر الأمين العام ومن حوله من (مدمني زيارة دمشق). وإن موقفنا ـ الذي نعتبره معبراً عن أغلبية مثقفي فلسطين وكتابها ـ هو الانحياز إلى ثورة الجماهير العربية السورية ضد جلاديها، ولعن هؤلاء الجلادين ومن أيدهم بصمته أو بكلامه.
التواقيع:
1ـ أحمد أبو مطر      ناقد أكاديمي وباحث وناشط سياسي
2ـ خضر محجز       روائي وشاعر وباحث وناقد أكاديمي
3ـ تيسير محيسن      قاص وناقد وناشط سياسي
4ـ خالد جمعة         شاعر وكاتب أدب أطفال
5ـ فايز السرساوي    فنان تشكيلي وشاعر
6ـ رجب أبو سرية   قاص وكاتب مقال سياسي
7ـ فاتنة الغرة        شاعرة
8ـ ناصر رباح      شاعر
9ـ فؤاد حمادة        ناقد أكاديمي وباحث وناشط سياسي
10ـ مي نايف         ناقدة أكاديمية وباحثة وناشطة جندر
11ـ يسري الغول      قاص وناقد
12ـ حسين أبو النجا    قاص وباحث أكاديمي
13ـ ناصر عليوة        روائي وكاتب سياسي وناقد
14ـ عبد الكريم عليان   باحث تربوي وكاتب سياسي وناقد
15ـ ولاء تمراز        باحث وكاتب سياسي
16ـ عمر شعبان       باحث في الشؤون الاقتصادية
17ـ حسن مي         كاتب وناقد أكاديمي
18ـ معن سمارة       شاعر وصحفي
19ـ محمد حسونة     أكاديمي وناقد           
20ـ عون أبو صفية   روائي
21ـ عاطف حمادة     شاعر وناقد أكاديمي     

165
شخصيات مصرية في إيران: لم لا ؟ ولكن ماذا تناسوا؟

د.أحمد ابو مطر

الحقيقة أنّ فكرة هذه المقالة جاءتني بعد قراءة مقالة الزميل الدكتور أحمد لاشين، المتخصص في اللغة والشؤون الإيرانية، المنشورة في إيلاف بعنوان ( العائدون من إيران وشرعية الديكتاتورية المقدسة ) يوم الثاني عشر من يونيو 2011 . فهي مقالة في منتهى الموضوعية، تطرح أسئلة غابت عن ذهن الذين ذهبوا وعادوا من إيران، أو الأدق أنهم غيّبوها من عقولهم لأسباب شخصية. لذلك فمقالتي هذه مجرد تنويعات جديدة تدعم الفكرة العامة التي عالجها الدكتور أحمد لاشين، وفي الوقت ذاته توجّه أسئلة لتلك الشخصيات المصرية التي زارت إيران.

أشخاص مصريون وليس وفدا شعبيا مصريا

لقد كان عدد الأشخاص الذين ذهبوا من مصر إلى إيران قرابة 45 شخصا، يحملون الجنسية المصرية، وبالتالي فالدكتورلاشين معه كل الحق في نزع صفة ( وفد شعبي مصري ) عنهم كما أطلقت عليهم وسائل إعلامهم تحديدا، خاصة أنّ أغلبهم ينتمي لجماعات دينية وطرق صوفية، وبالتالي فلا تفويض من الشعب المصري لديهم كي يسافروا إلى إيران ويتحدثوا باسمه، فهم قد سافروا بصفتهم الشخصية وهذا حقهم أن يسافروا إلى أي بلد يريدون، ولكن ليس بإسم الشعب المصري الذي يبلغ قرابة 80 مليونا، فلا يستطيع أي مواطن من أية دولة عربية أو أجنبية أن يزور بلدا، ويدّعي أنه يتحدث باسم شعب بلده، حتى لو كان عضوا في برلمان ذلك البلد، فهو عندئذ يتحدث باسمه الشخصي أو نيابة عن كتلته البرلمانية فقط.

ضد التحريض والعداوة ومع بيان الحقائق


أنا شخصيا وأعتقد كذلك الدكتور أحمد لا شين ضد التحريض والعداوة مع النظام الإيراني، فإيران دولة جارة يجب أن تقام العلاقات العربية معها على قاعدة الاحترام المتبادل، وتنمية وتطوير هذه العلاقات في كافة المجالات. والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: هل لدى النظام الإيراني القائم منذ عام 1979 النية الصادقة لإقامة علاقات مع الجوار العربي على قاعدة الاحترام المتبادل، مع حفظ حقوق كل طرف حسب القواعد الدبلوماسية الدولية المعمول بها؟.

أعتقد أنّ ممارسات نظام الملالي الذين يقدّمون أنفسهم صراحة على أنّهم وكلاء الله في الأرض ( ولاية الفقيه )، تدلّل على أنّ ليس لديه الحد الأدنى من أية نية طيبة لإقامة علاقات ود واحترام مع جواره العربي سواء القريب كدول الخليج العربي أو البعيد كمصر وغيرها من دول عربية. وأدلتي على ذلك هي:

1 . لا يعترف نظام ولاية الفقيه الإيراني بعروبة الخليج ويصرّ على تسميته " الخليج الفارسي " لدرجة أنّه منع أخيرا أية طائرات لشركات دولية من النزول في مطارات إيران إذا استعملت كلمة "الخليج العربي". وتؤكد دوما كبار الشخصيات الخمينية على أنّ الخليج العربي بكامله فارسي ليس بالإسم فقط ولكن الملكية أيضا. وقد عاد رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال فيروز أبادي ليؤكد ذلك يوم الثلاثين من أبريل 2011 ، عندما قال في تصريحات في منتهى العدوانية : "الخليج الفارسي انتمى وينتمي وسينتمي دائماً لإيران". كما ندّد برفض دول الخليج العربية تسمية الخليج بـاسم " الخليج الفارسي "، ويعتبر نظام الملالي الخمينيين يوم الثلاثين من أبريل كل عام ( اليوم الوطني للخليج الفارسي ).

2 . تحتل إيران منذ عام 1925  زمن الشاهنشاهات، إلى زمن الخمينيات الحالي إقليم الأحواز العربي، وما زالوا يمارسون فيه تطهير عرقيا يرقى لحد الإبادة الجماعية، خاصة منع ملايين الأحوازيين العرب من ممارسة لغتهم العربية وتسمية أطفالهم بأسماء عربية، وهي حقوق لم تحرم دولة الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين منها.

3 . تحافظ دولة ونظام الفقيه على احتىلال  الجزر الإماراتية الثلاثة المحتلة منذ عام 1971 ، وتعتبرها أراض إيرانية  لا يمكن التفاوض حول عروبتها وإعادتها لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد كان وزير خارجية دولة الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان واضحا في حديثه يوم العشرين من أبريل 2011، عندما قال حرفيا: (  أن إيران لا تختلف عن "إسرائيل" باحتلالها أرضًا عربية ...وإنّ قضية الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، التي تحتلها إيران، تشكل عاملًا سلبيًا في العلاقة بين البلدين وستظل مؤلمة بالنسبة لكل مواطني بلاده ). وقال الوزير أيضا: ( احتلال أية أرض عربية هو احتلال وليس سوء فهم، ولا فرق بين احتلال إسرائيل للجولان أو لجنوب لبنان أو للضفة الغربية أو غزة فالاحتلال هو الاحتلال ولا توجد أرض عربية أغلى من أرض عربية أخرى". ودعا الوزير إيران إلى " إعادة النظر في سياستها تجاه دول المنطقة لأن السياسة الحالية ينقصها بعد النظر، و كل ما أتمناه أن تنظر إيران إلى جيرانها باحترام وتقدير وأن تحترم وحدة دول الخليج وسيادتها وأن لا تتدخل في شؤونها الداخلية".

هل تجرأت الشخصيات المصرية،

المبتجهة بنزولها ضيوفا معززين مكرمين في دار ولي الفقيه الإيراني أن يطرحوا هذه الموضوعات العربية مع المسؤولين الإيرانيين؟. وإلا لماذا يتشدقوا ليلا نهارا بإدانة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؟. هل هناك احتلال جميل نصفق له ونذهب لزيارته والابتسام والتقاط الصورالتذكارية مع مسؤوليه المحتلين، وهناك احتلال قبيح يجب أن نقاومه؟. أم أنّ الأخلاق الوطنية تؤكد أنّ الاحتلال احتلال أيا كانت صفة المحتل وهويته وطائفته وديانته؟. ولمّا كانت بعض الشخصيات المصرية الزائرة لولي الفقيه محسوبة على التيارات الدينية المصرية الإخوانية والسلفية والصوفيه، نودّ أنّ نسألهم من منطلق إسلامي: هل الإسلام يقبل احتلال شعب لشعب؟. هل الإسلام يقبل لنظام الولي الفقيه في إيران ممارسة هذا الاضطهاد والقمع ضد عرب الأحواز، ومنعهم حتى من ممارسة شعائرهم الدينية حسب مذهبهم السنّي الذي ينتمي إليه الزائرون المصريون؟.

وماذا عن القمع الوحشي لمظاهرات الشعب الإيراني؟


هذه الشخصيات المصرية التي أيدت تظاهرات الغضب المصرية ضد نظام حسني مبارك إلى أن تمت الإطاحة به، هل تعتقد انّ قمع نظام الملالي لمظاهرات الشعب الإيراني المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، هو عمل أخلاقي يجب تشجيعه بزيارة هولاء القامعين المستبدين؟. هل يعرف هؤلاء الزائرون أنّ من قادة هذه المظاهرات من هم في مستوى علي خامئني؟ هل يعرفون مهدي كروبي ومحسن رضاي و حسين مير موسوي الذين كانوا من قادة هذه المظاهرات المطالبة بسقوط نظام الملالي؟  هل سمعوا هتافات ملايين المتظاهرين الإيرانيين في ساحة آزادي ( الحرية ) ، وهم يهتفون ( الموت للديكتاتور ). لماذا تتجاهلون المظاهرات الشعبية الإيرانية التي لا تقل غضبا وحشودا عن المظاهرات المصرية، وهي متواصلة منذ يوم الثالث عشر من فبراير 2011 ، والتقارير المنشورة عنها مرعبة للغاية. إذ أقفلت قوات الحرس الثوري شوارع العاصمة طهران، وأغلقوا أغلب مداخل محطات المترو، وسط تحليق كثيف لمروحيات الجيش والمخابرات الإيرانية. وقد شهدت هذه المظاهرات ردود فعل عنيفة من الحرس الثوري، حيث ثمّ إطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع وكرات من الطلاء بألوان مختلفة، وقد رفع المتظاهرون الإيرانيون لافتات فيها صور نجادي ومبارك، وفوق رأسيهما بالإنجليزية:
Tehran, Cairo. Dictators Must Go!!
وقامت أجهزة (الباسيج) بمحاصرة بيت مير حسن موسوي، وقطعوا الاتصالات الهاتفية عن هواتف العديد من قادة المظاهرات، كما فعل نظام حسني مبارك في الأيام الأولى لثورة الغضب المصرية. فلماذا التضامن مع شعبكم المصري و التنكر لمطالب الشعب الإيراني والذهاب للقاء الديكتاتور الذي يقمعه بدون رحمة وأخلاق؟. أليست هذه ازدواجية وعمل غير أخلاقي يتناقض مع أخلاق الإسلام الذي يدّعي نظام الملالي أنه وكيل الله في أرضه؟ ويتناقض مع مبادىء جماعات أغلبكم الإسلامية التي تدّعي حرصها على إقامة العدل وإزالة الإستبداد والمستبدين؟.

وماذا عن العلاقات الإيرانية الإسرائيلية؟

هل تجرأ وفد الشخصيات المصرية أن يسأل مضيفه أحمدي نجاد عن الوثائق التي تمّ نشرها عن العلاقات الإيرانية الإسرائيلية؟. وهي وثائق رسمية تفيد بأن 200 شركة إسرائيلية على الأقل تقيم علاقات تجارية مع إيران بينها استثمارات في مجال الطاقة الإيرانية رغم دعوات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتكررة بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران ومقاطعتها من أجل إرغامها على وقف تطوير برنامجها النووي . وهذا ما كشفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية على الرغم من سن قانون في الكنيست الإسرائيلي في العام 2008 يحظر على الشركات الإسرائيلية القيام بعلاقات تجارية مع إيران ، إلا أن السلطات في إسرائيل لم تنفذ أية خطوة في هذا الاتجاه. وتأكدت هذه الأنباء، بعدما أعلنت الولايات المتحدة عن أنها وضعت شركة الملاحة البحرية الإسرائيلية التابعة لرجل الأعمال الأكثر ثراء في إسرائيل سامي عوفر على لائحة سوداء بعد بيع ناقلة نفط لإيران وهو ما اعتبرته الإدارة الأميركية بمثابة "طعنة سكين في الظهر". ولاحظوا أنّ المقاطعة تأتي من الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبرها الإسلاميون الزائرون لطهران حليفة دائمة لإسرائيل. والمثير للغاية هو مقتل الملياردير الإسرائيلي سامي عوفر في منزله بتل أبيب صباح الرابع من حزيران 2011 فور الإعلان الأمريكي عن فرض عقوبات على شركاته المتعاملة مع النظام الإيراني، وهو قتل يثير الشبهات خاصة أنّ السلطات الإسرائيلية تتكتم على ظروف الحادث. وهناك من التحليلات ما توحي أنّه اغتيال مقصود كي لا ينشر سامي عوفر المزيد عن العلاقات التجارية والاقتصادية افسرائيلية مع نظام الملالي الذي يتبجد ليلا ونهارا بتدمير إسرائيل!!!.

ونقلت صحيفة هآرتس أيضا عن يهوشع مائيري رئيس "جمعية الصداقة الإسرائيلية – العربية" التي تشجع تطوير علاقات اقتصادية لتشكل بديلا للعملية السياسية قوله إنه "على الرغم مما يظهر على سطح الأرض (أي الدعوات لفرض عقوبات على إيران) إلا أن العلاقات السرية مع إيران مستمرة بحجم عشرات ملايين الدولارات كل عام . وأضاف مائيري أنه "حتى عندما يتم إطلاق تصريحات قاسية في الهواء من كلا الجانبين لكن الأعمال التجارية تزدهر والعلاقات مع النظراء الإيرانيين رائعة وفي المجال التجاري يتجاهلون التصريحات السياسية". وتابع أنه "بالإمكان القول إنه توجد أرضية خصبة لتعميق التجارة وحتى أنه في العام الأخير تم إقامة علاقات تشمل تقديم استشارات في مجال هندسة وبناء مصانع أغذية"
وقالت "يديعوت أحرونوت" أن الإسرائيليين يصدرون لإيران بالأساس وسائل للإنتاج الزراعي مثل أسمدة وأنابيب ري وهرمونات لزيادة در الحليب وبذور، بينما يصدر الإيرانيون لإسرائيل الفستق والكاشيو والغرانيت ".

هل سألت هذه الشخصيات المصرية،

أحمدي نجاد عند لقائه عن سرّ هذه العلاقات، وهل تنسجم مع جعجعاته الدائمة ضد غسرائيل وإنكاره الهولوكست، ومتاجرته بالقضية الفلسطينية للتغطية على هذه العلاقات الاستراتيجية مع دولة إسرائيل؟. لذلك فإن هذه الشخصيات المصرية لها الحق أن تزور إيران، ولكن لن تنطلي علينا دعايتها لنظام الملالي، لأنها دعاية تخلو من أي مضمون أخلاقي وعدالة إسلامية. ومن المفارقات التي يمكن أن يكون قد خطّط لها السفير الإيراني في القاهرة، أنّ هذه الشخصيات المصرية سافرت على نفس الرحلة التي أقلت الدبلوماسي الإيراني قاسم الحسيني الذي اعتقلته السلطات المصرية بتهمة التجسس ثم طردته من مصر. وأكّد وجوده على نفس الرحلة علاء الدين أبو العزايم المشارك في الزيارة،مؤكدا أنهم تبادلوا معه الحديث على متن الطائرة أثناء الرحلة.

وما يحتاج لتوضيح أكثر هو ما أدلى به بعد عودته مع هذه الشخصيات، السفير أحمد الغمراوي، رئيس جمعية الصداقة المصرية الإيرانية، قائلا: " إنّ الهدف من الزيارة هو التعرف على وجهة نظر الشعب الإيراني بعد الأحداث الأخيرة، والرغبة في أن يكون هناك وضوح في العلاقات المستقبلية، وأن يقابل التغيير المصري تغيير إيراني من اجل التقاء الشعبين لصالح الأمة الإسلامية ".

أعتقد أنّ وجهة نظر الشعب الإيراني كانت وما زالت واضحة من مظاهراته المستمرة ضد هذا النظام القمعي المسيبد بإسم الله والدين، في حين أنّ الله تعالى لم يعط أحدا وكالة لقمع شعبه باسمه. وإذا كان التغيير المصري أطاح بنظام حسني مبارك فهل التغيير الإيراني الذي يقصده السفير الغمراوي هو الإطاحة بنظام الملالي؟.

نعم لعلاقات احترام متبادلة مع إيران. ونعم لتحرير الأحواز العربية والجزر الإماراتية ونعم لعروبة الخليج العربي. ولا للغطرسة الإيرانية أيا كان عدد الزائرين لطهران فهم لا يمثلون إلا أنفسهم.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




166
يا إلهي الرحمة: كوليت خوري تكتشف مؤامرة كونية!!!
أحمد أبو مطر

إتحاد الكتاب السوريين، يحمل تسمية ( إتحاد الكتاب العرب ) على خلفية أنّ أي كاتب عربي يحمل نفس توجهاته السياسية التي هي غالبا بعثية، يحقّ له الانتساب لعضوية الاتحاد، ورغم ذلك فعدد الكتاب العرب غير السوريين المنتسبين للاتحاد قلة قليلة للغاية، لأن أغلب الكتاب العرب أعضاء في اتحادات الكتاب في بلدانهم. لذلك فتسمية (اتحاد الكتاب العرب ) ينطبق عليها المثل أو الشعار المصري ( جواز عتريس من فؤادة باطل ) كما ورد في قصة " شيء من الخوف "  لثروت أباظة، خاصة أن الرمز في هذا الشعار، الصراخ كما فهمه الجميع، أنّ ( عتريس ) يرمز للسلطة الغاشمة المستبدة و ( فؤادة ) ترمز للشعب المسحوق الذي فرض عليه الزواج أو السلطة بالقوة والقمع.

ندوة استراتيجية لاتحاد الكتاب هذا،


عقد هذا الاتحاد السوري ندوة مساء الأربعاء الموافق الثامن من يونيو الحالي، أطلق عليها صفة (حوارية )، حول الوضع في سوريا وسبل الخروج من الأزمة الحالية التي تعصف بالوطن، كما نقلت ووصفت الندوة وسائل الإعلام السورية الرسمية. وقد كانت كلمات أغلب المشاركين مثل رئيس الاتحاد حسين جمعة، غسان نعيم،  فاديا غبور، و رفيق صالح ، كلمات عامة تلفّ حول المشكلة دون توصيفها بشكل واقعي، يعبر عن غضب هذه الملايين في غالبية المدن والقرى السورية، دون أن يتعرض أحد من المتحدثين لأسلوب النظام القمعي الذي أوقع حتى الآن ما يزيد على ألف وخمسمائة قتيل، وكأن هؤلاء القتلى لا يمتون للوطن السوري بصلة.

اكتشاف خطير لكوليت خوري: إنها مؤامرة كونية

ولكن بصراحة شديدة، فإن أخطر وأجرأ ما ورد في الندوة هو الاكتشاف الخطير الذي يستدعي النفير العام، الذي اكتشفته المستشارة في قصر بشار الأسد السيدة كوليت خوري. وأتحدى أن تستطيع كافة أجهزة ووسائل الدول العظمى بما فيها روسيا حليفة النظام الأسدي، أن تكون لديها الوسائل التكنولوجية لاكتشاف ذلك، بدليل أنها لم تتحدث عنه قبل إعلان وتصريح كوليت خوري في الندوة المذكورة، حيث أعلنت مشكورة شكرا جزيلا ووافرا، ما يلي حرفيا حسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية: ( إنّ ما تتعرض له سورية الآن هو حرب كونية وليست مؤامرة ). والعتب الشديد على صاحبة الاكتشاف الخطير هذا، أنّها لم تعط تفاصيل عن هذه الحرب الكونية، ربما كي يمكن وضع أساليب الردعليها قبل فوات الأوان، ووصول هذه الحرب الكونية للقضاء على نظام الممانعة والمقاومة.

تخيلوا أن المدن السورية منذ ما يزيد على ثلاثة شهور، من مدينة درعا إلى غالبية المدن التي اندلعت فيها الثورة ضد النظام الأسدي المتوحش، وما يزيد على ألف وخمسمائة قتيل على يد عصابات النظام وجيشه، وآلاف المعتقلين والسجناء، هؤلاء كلهم جزء من حرب كونية ضد نظام الممانعة كما تشخّص ذلك المحللة الإستراتيجية السيدة كوليت خوري. وبالطبع ربما لديها وسائل التقنية الخاصة التي جعلتها تستكشف أبعاد وأدوات هذه الحرب الكونية، التي غير مستبعد أن تكون هناك مخلوقات فضائية مجهولة لنا تشارك في هذه الحرب الكونية، ولا أستبعد أن تأتيها اتصالات من الدول العظمى لتزويدها بتلك الأدوات التقنية التي اكتشفت من خلالها تلك الحرب الكونية.

إنها حرب الدفاع عن الطغاة

أمّا التشخيص الوطني الذي تتبناه الغالبية العظمى من الشعب السوري وشعوب العالم وأنظمته فإنها ثورة الشعب السوري المحكوم بالطغيان والقتل الأسدي الوحشي منذ عام 1970 من الأسد الأب إلى الأسد الوارث الإبن. ومن ناحية كوليت خوري فهي حربها ضد الشعب السوري دفاعا عن الطاغية، وهذا هو موقفها منذ أن عملت في قصر الأسد الأب وصولا وراثيا لقصر الأسد الإبن، فهي منسجمة مع نفسها ومع اتحاد الكتاب السوريين صاحب البيان المشين المخزي الذي تعرضت له في مقالة سابقة بتاريخ الثاني عشر من مايو، كانت بعنوان ( قائمة العار السورية: سوريون ضد الثورة ). والدفاع عن الطغاة وتمجيدهم بطرق مشينة لاتليق إلا بالمرتزقة ليس جديدا في مواقف كوليت خوري، ويكفي التذكير بما قالته كوليت خوري في الثامن من يونيو عام 2003 مديحا في عميد الطغاة العرب معمر القذافي، في ندوة نظّمتها ما تسمى ( جائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان ) – تصوروا هذا المجرم لديه جائزة لحقوق الإنسان - ، وتخيلوا حجم المسخرة أنّ موضوع الندوة كان ( القذافي كاتبا ومبدعا ).

ماذا قالت كوليت خوري عن القذافي الكاتب و المبدع؟


لقد قرأت ما قالته كوليت خوري عن القذافي الكاتب والقصاص والمبدع عدة مرات  فلم أصدق عيوني أنّ هذا التزلف والتملق والنفاق والتصفيق يصدر عن هذه السيدة. وتكفي هذه الفقرة من النفاق الخوري وهي تتحدث عن كتاب قيل أنّ القذافي كتبه، في حين أنّ هناك من كتبه وباعه له وسأكشف ذلك لاحقا:

( لماذا لا نقول إن معمر القذافي وجد مجالاً جديداً في الأدب. الأدب دنيا تتسع لشتى المجالات وهنا يتحول سؤالي إلى إقتراح ، وأطرح الفكرة جدّياً... لماذا لا نجد مجالاً جديداً في دنيا القصة نسميه مثلاً اللوحة القصصية أو القصة اللوحة أو شئ كهذا يندرج تحت هذا العنوان، يندرج فيه هذا النوع من الإبداع الأدبي الذي هو بين القصة والمقالة، والذي هو بالأحرى لوحة قصصية مرســومة بالكلام، مكتوبة بالنبض، توحي بأجواء، وتطرح أفكاراً وأراء، ونجد أنفسنا ونحن منسابين مع اللوحة ، نعيد النظر في أمور كثيرة كنا نعتقد أننا نعرفها ، مثلما وجدنا مجالا في جديدا في الشعر الحديث وشعر التفعيلة ، وهذا الاقتراح جدير بأن نناقشه... إن المبدع معمر القذافي حطم هذه القوالب ليخرج منها لا ليبقى فيها ، ويجب أن نجد لهذا النوع من الأدب عنواناً ، ويبقى أن هذا الكتاب "القرية القرية والأرض الأرض" هو عمل إبداعي فعلي وهو في رأيي مجموعة أدبية غنية ضمت القصة القصيرة والمقالة واللوحة القصصية . وكان الكاتب متألقاً في كل هذه المجالات ). تخيلوا الطاغية القذافي عند كوليت خوري متألق في فن القصة القصيرة والمقالة واللوحة القصصية. هل هناك ابتذال وارتزاق رخيص أكثر من هذا؟.

وليست كوليت خوري وحدها

إنّ هذه الندوة مدفوعة ( البوكيت موني ) مسبقا، لم تشارك فيها كوليت خوري وحدها، بل عشرات من الكتاب والنقاد العرب من مختلف الأقطار، وفي مقالة قادمة سأنشر أسماءهم وموضوعات حديثهم فقط عن  (القذافي الكاتب والمبدع )، لنرى كم هو مخجل موقف العديد من الكتاب والمثقفين العرب، الذين أسهموا في صناعة الاستبداد والطغيان بامتياز مخجل، ليت واحدا منهم يعتذر عن ما قاله وكتبه في أولئك الطغاة.
ahmad.164@live.com


167
اجتماع أبو ظبي الثالث: آخر ساعة..آخر زنقة لطاغية ليبيا

د.أحمد أبو مطر

الاجتماع الثالث لمجموعة الاتصال الدولية حول ليبيا، الذي عقد في مدينة أبو ظبي يوم الخميس التاسع من يونيو الحالي، برئاسة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، وحضور وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني، ومشاركة حوالي عشرين وزير خارجية لدول من مختلف قارات العالم، وحضور العديد من ممثلي المنظمات الإقليمية والدولية، منها مجلس التعاون الخليجي العربي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوربي ومنظمة حلف شمال الأطلسي " الناتو ". هذا الاجتماع هو الساعة الأخيرة في آخر زنقة لعميد الطغاة العرب معمر القذافي...لماذا؟.

أولا: الإجماع الدولي على رحيل الطاغية


إنّ مجرد التأمل في عدد الدول التي شارك وزراء خارجيتها في اجتماع مجموعة الاتصال الدولية الثالث، وعدد المنظمات الدولية والعربية والإسلامية، يؤكد أنّه توجد عمليا إرادة دولية وعربية إسلامية، بطي ملف هذا الطاغية ونظامه إلى الأبد، وما عادت تنفع مناوراته لكسب الوقت، أوالإغراء بمليارات الدولارات الموجودة في حساباته المجمدة أساسا، كما فعل مع الحكومة اليونانية حسب ما كشفت صحيفة اندبندانت البريطانية يوم الجمعة العاشر من يونيو، عن عروض لنظام القذافي لاستخدام حوالي 20 مليار دولار من أموال نظامه المجمدة في الخارج للإغاثة الإنسانية. لكن المحادثات لم تتوصل لتوقيع هذا الاتفاق بسبب تحذير الحكومة الفرنسية لليونان بانّ هكذا اتفاقية ستبدو كأنها تمنح شرعية لنظامه الذي سحبت العديد من دول العالم الاعتراف به، وأعطت شرعية تمثيل ليبيا وشعبها للمجلس الوطني الانتقالي الذي يقود الثورة عليه ومرتزقته. والمضحك في هذه المحادثات أنّ الطاغية يتحدث عن ( أغراض إنسانية ) وهو يعرف أنّ كافة هذه الجرائم والقتل والتدمير بسبب إصراره على الطغيان والبقاء في السلطة رغم ثورة الشعب الليبي عليه، وانشقاق غالبية كبار العاملين معه وانضمامهم للثورة.

وكانت مواقف الدول المشاركة في اجتماع أبو ظبي الثالث واضحة ومميزة في رفع الشرعية عنه ، ودعم المجلس الوطني الانتقالي كممثل شرعي للشعب الليبي. لقد صرّح وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني أنّ مرحلة ما بعد القذافي قد بدأت بالفعل في ليبيا، وأنّ بلاده  ستقدم منحة للثوار في ليبيا تتراوح ما بين 300 و 400 مليون يورو نقدا أو كوقود. أما وزيرة الخارجية الاسبانية ترينيداد خيمينيز فقد قامت بزيارة لمدينة بنغازي يوم الثامن من يونيو، حيث أعلنت منها: "جئت إلى هنا لاؤكد أنّ المجلس الوطني الانتقالي هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي.". وكذلك وزير الخارجية الأسترالي كيفن راد فقد أعلن في الاجتماع أنّ بلاده لا تعترف بالحكومات وإنما بالدول، وقد وصف المجلس الانتقالي بانّه المتحدث الشرعي باسم الشعب الليبي...فمن بقي مع هذا الطاغية دوليا؟.

ثانيا: رفع الدعم والمساندة الأفريقية
كان طاغية ليبيا قد صدّق أكذوبته عن نفسه بأنّه ( ملك ملوك أفريقيا )، وظلّ يراهن على أنّ هولاء الرؤساء والملوك سيواصلون دعم بقائه، حتى في لحظات التفكير في الهروب، كان يحلم أنّ  دولة أفريقية سوف توافق على لجوئه إليها. وقد بذلت لجنة الاتحاد الأفريقي حول ليبيا برئاسة الرئيس الموريتاني جهودا عديدة، انتهت بالفشل الذي أدّى بالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أن ينتقل من ضفة المؤيدين للطاغية إلى ضفة المطالبين برحيله، فقد أعلن صراحة يوم الخميس التاسع من يونيو الحالي ( أنّ رحيل القذافي بات ضرورة، ولم يعد بإمكانه حكم ليبيا ). وهذا الموقف من الرئيس الموريتاني ضربة موجعة للطاغية إذ كان يعتبره مناصرا أبديا له. وقد أعقب ذلك موقف الرئيس السنغالي عبد الله واد الذي أعلن بوضوح أثناء زيارته لمدينة بنغازي ناصحا الطاغية ( كلما أسرعت في الرحيل كان أفضل ) و ( ألا تحلم بالعودة إلى السلطة قط )...فمن بقي مع الطاغية من الأفريقيين؟.

ثالثا: تزايد الدعم العربي للمجلس الانتقالي


 فقد أعلن وزير الخارجية الإماراتية الشيخ عبد الله بن زايد انّ مجموعة الاتصال " تعمل على وضع الآلية المالية المؤقتة موضع التنفيذ، وهي أداة حاسمة تسمح للمجلس الوطني الانتقالي الليبي بتلقي وإدارة الأموال لتغطية النفقات الأساسية الضرورية والحفاظ على الخدمات العامة والأوضاع المعيشية الأساسية للشعب الليبي ). أمّا نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد صباح السالم الصباح فقد أعلن ان الكويت ستحول مبلغ 180 مليون دولارا التي أمر بها أمير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح للشعب الليبي إلى صندوق دعم المجلس الوطني الانتقالي الليبي بعد أن تم الانتهاء من وضع الالية المالية المؤقتة للصندوق. ونقلت وكالة الانباء الكويتية عن الشيخ محمد قوله في كلمة خلال الاجتماع الثالث لمجموعة الاتصال حول ليبيا " إنّ اجتماع اليوم ليس للتأكيد على شرعية المجلس الوطني الانتقالي فهذا ليس محل شك بل للايفاء بالتزاماتنا تجاه الشعب الليبي عبر الدعم الفعلي والنصيحة". وكانت الحكومة الأردنية قد أعلنت منذ أسابيع اعتراف الأردن بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي كممثل شرعي للشعب الليبي، وسبقت حكومة قطر لهذه الخطوة أيضا،  وفي تطور جديد أعلن الأردن أنه سيرسل خلال الأيام القادمة مندوبا له يمثله في مدينة بنغازي لدى المجلس الوطني الانتقالي....فمن بقي عربيا مع عميد الطغاة العرب غير مثيله طاغية سورية؟.

آخر زنقة..في انتظار نتائج ما أعلنت عنه كلينتون


مفاجأة الاجتماع الثالث لمجموعة الاتصال حول ليبيا، كانت فيما أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، إذ أكّدت أنّ اشخاصا مقريبن من القذافي يجرون مناقشات حول احتمال انتقال السلطة، وأنّ هذه المحادثات جارية مع أشخاص قريبين من القذافي، وأنّه توجد إمكانية لنقل السلطة في ليبيا بعد أن فقد القذافي الشرعية. وفي نفس السياق أعلن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ليون بانيتا ( أنّ القذافي سيتنحى إذا واصل المجتمع الدولي الضغط على نظامه المتداعي ). وهذا الضغط واضح كما هو مشاهد ميدانيا، إذ كثّفت قوات الناتو غاراتها الجوية على آخر معاقله خاصة تدميرها الكامل لمعسكر العزيزية حيث كانت أغلب مقراته، وبالتالي تجري الملاحقة لمعرفة أين يختبىء حيث تؤكد بعض المصادر أنه يهرب من مستشفى إلى مستشفى لمعرفته أنّ قوات الناتو لا تستهدف المستشفيات والمنشآت المدنية.

كل المعطيات والتطورات السابقة، تؤكد أنّ عميد الطغاة العرب يعيش آخر ساعة من حكمة في آخر زنقة ليبية، وبعدها إما سيعتقله الثوار لتقديمه للمحاكمة أو لدفنه بدون تشييع لجنازته، حيث لن يقبل أي ليبي وطني أن يمشي في هذه الجنازة...وبعد ذلك سيتفرغ العرب والعالم لملاحقة طاغية آخر فتك بشعبه فتكا جعل تركيا أهم حلفائه السابقين تدين هذا القتل الوحشي، خاصة أنّها حتى لحظة كتابة هذه المقالة استقبلت 3500 لاجىء أو نازح أو هارب من فتكه وجرائمه.....من هو هذا الطاغية؟. فليخمن القراء ذلك!!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



168
إلى مقاوم بالثرثرة: لماذا السماح لمظاهرات الجولان هذا العام فقط؟

د.أحمد أبو مطر
يوم الخامس من حزيران، هو يوم الهزيمة العربية المجيدة عام 1967 التي خفّف وقعها إعلام عبد الناصر الأحمد سعيدي – الهيكلي، وأطلق عليها اسم نكسة. تصوروا احتلال كامل سيناء المصرية والجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية الفلسطينية مجرد ( انتكاسة ) مرضية من الممكن الشفاء أو الخروج منها بحبتين ليس من الإسبيرين ولكن من الخطابة والثرثرة. و كان من مظاهرها الاستقالة المسرحية لعبد الناصر، وإخراج الجماهير المنكوسة تهتف بحياته وتطالب بعدوله عن الاستقالة، فوافق حتى الفصل الأخير من المسرحية، أمّا إعلام البعث السوري فقد أعلن بوضوح ثوري ( أنّ العدو لم يحقق هدفه رغم احتلال الجولان، لأنّ هدف العدو كان إسقاط النظام، وما دام نظام البعث لم يسقط فالعدو لم يحقق هدفه ). وهكذا ظلّ نظام البعث صامدا بالقوة والقمع على ظهور وصدور الشعب السوري حتى اليوم، أي بعد 44 عاما من هزيمة النكسة أو نكسة الهزيمة.

خيانة تسليم واحتلال الجولان
من المعروف والمؤكد أنّ هناك خيانة ما في سقوط الجولان واحتلالها، شارك فيها حافظ الأسد أثناء وجوده كوزير للدفاع عام 1967 ، والمعلومة المهمة في سياق هذه الخيانة أنّ حافظ الأسد أعلن عن سقوط الجولان واحتلالها قبل سقوطها الفعلي بما يزيد على أربعة وعشرين ساعة. وهناك كتاب خطير ( سقوط الجولان ) للرائد في الجيش السوري آنذاك خليل مصطفى، كتبه عام 1975 وسجن بسببه ثلاثون عاما، ولم يفرج عنه إلا عام 2005 ، ويكشف الرائد خليل العديد من الأسرار بالأسماء والوقائع، كلها تدين حافظ الأسد ومؤامرة تسليم الجولان وليس احتلاله.
المهم أنّه منذ عام 1967 والحدود السورية مع الجولان المحتل هادئة هدوء الموتى، ما عدا أيام حرب أكتوبر 1973 التي انتهت أيضا بهزيمة رغم تضحيات الجيش المصري والسوري، فقد بقيت سيناء المصرية والجولان السورية محتلتين، إلا أن حررت اتفاقية كامب ديفيد سيناء عام 1979 .
وبعد ذلك ظلت الجبهة السورية هادئة تماما، بحيث لم تطلق رصاصة منذ عام 1973 عبر الحدود السورية نحو الجولان المحتلة، وكانت تعليمات المخابرات السورية للمنظمات الفلسطينية المتواجدة في دمشق، تنصّ على قطع يد وسجن كل من يطلق رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية، ومن سمع من القراء رصاصة عبر تلك الحدود فليخبرني كي أصحح معلوماتي، وهي المعلومات التي عشتها ميدانيا في دمشق بين عامي 1982 و 1991 . وكذلك المظاهرات فلم يحدث أن سمعنا أو شاهدنا مظاهرة في ذكرى تسليم الجولان لا في المدن السورية ولا على الحدود مع الجولان المحتل.

فلماذا المظاهرات هذا العام فقط؟
تتوجه أنظار العرب والعالم منذ مارس الماضي نحو سوريا، حيث تندلع ثورة شعبية ضد النظام الأسدي القمعي الفاشي، ممتدة من مدينة درعا إلى أغلب المدن السورية، موقعة حتى الآن ما يزيد عن ألفي قتيل برصاص القوات الأسدية ، وهو يظهر في خطاباته المثيرة للسخرية ضاحكا مبتسما، وكأنّ هؤلاء القتلى كائنات خيالية من مجرات فضائية بعيدة وليس من الشعب السوري الرازح تحت القمع منذ عهد الأسد الأب عام 1970 وصولا لتوريث الأسد الأبن عام 2000 أي طوال 41 عاما. لذلك كان لا بد من قتلى برصاص الاحتلال الإسرائيلي علّ الشعب والعالم ينسى قتلى الأسد وعصاباته. من هذا المنطلق المسرحي أعلن نظام الأسد لأول مرة عن تنظيم مظاهرات على الحدود مع الجولان المحتل، فأعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي أنها لن تسمح لتلك المظاهرات باختراق الحدود مع الجولان المحتل وستواجهها بالرصاص. فاستمر نظام الأسد في مسرحيته، وسمح لمتظاهرين غالبيتهم من الفلسطينيين لا يشكّ أحد في نياتهم الوطنية المخلصة بالوصول للحدود مع الجولان، فكان أن سقط قرابة خمسة وعشرين قتيلا أو شهيدا أو متظاهرا لا تهم التسمية. إذن فهي مسرحية هزلية مكشوفة الأهداف الأسدية، خاصة أنّه كان يعرف أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ستطلق الرصاص وتوقع قتلى، ولكن بالنسبة له فهذا أمر عادي لا يثير حزنا لديه، طالما هو قتل وهو يبتسم ما يزيد عن ألفي مواطن سوري.
ردود فعل جماهير اليرموك على عملاء الأسد الفلسطينيين
ولم تنته المسرحية عند حدود الجولان، ولأنّ غالبية القتلى من الفلسطينيين، فقد أدركت جماهير مخيم اليرموك في ضواحي دمشق، أنّ ما جرى هو مجرد مسرحية ليست وطنية بل لخدمة أهداف مشبوهة للتستر على جرائم نظام الأسد المتوحش، وساهمت فيها الجماعات الفلسطينية المؤتمرة بأوامر المخابرات الأسدية خاصة جماعة أحمد جبريل، فهذه الجماعات هي التي قامت بحشد الشباب وإرسالهم للحدود مع الجولان المحتل ليلاقوا الموت برصاص الاحتلال لأهداف لا علاقة لها بالنضال والتحرير. لذلك أثناء تشييع القتلى ، هاجمت جموع مخيم اليرموك قيادات هذه الجماعات الفلسطينية خاصة أحمد جبريل ومساعديه، فحصلت اشتباكات أوقعت ما يزيد على عشرين قتيلا في مخيم اليرموك برصاص حراس أحمد جبريل. وهي جريمة قتل جماعية تضاف لجرائم جماعة أحمد جبريل بحق المئات من الفلسطينيين خاصة جرائم هذه الجماعة وحلفائها في حربي المخيمات الفلسطينية في لبنان عامي 1085 و 1988 . وهذه الجماعة لا تعدو أن تكون ملحقا وتابعا للمخابرات الأسدية، وإلا ما معنى وجودها في دمشق؟ هل تقوم بعمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي؟ وما معنى وجود قواعد عسكرية لها في منطقة البقاع اللبنانية؟ هل هي قواعد لمقاومة الاحتلال أم مجرد مكاتب لمخابرات الأسد؟ وإلا لماذا غير مسموح لها ولكل الجماعات الفلسطينية بوجود قواعد عسكرية لها في سوريا المقاومة والممانعة؟.
رصاص الأسد والاحتلال وأحمد جبريل
وهكذا فالشعب السوري والفلسطيني في سوريا، لا مفرّ امامه سوى أن يتلقى رصاص الاحتلال والأسد وأحمد جبريل، وللأسف المحزن لأهداف لا علاقة لها بالتحرير والنضال، ولكن للتستر والتغطية على جرائم نظام الأسد وعصاباته بحق الشعب السوري. ومهما استمرت هذه الجرائم فكل المؤشرات تدلّل على أنّ ثورة الشعب السوري مستمرة حتى سقوط هذا النظام الوحشي، خاصة بعد تزايد ردود فعل العالم المستنكرة لهذه الجرائم، وإمكانية صدور قرار من مجلس الأمن لإدانتها رغم احتمال التحفظ الروسي، وهو تحفط يحتاج لوقت كي يتحول لتأييد كما حصل في ملف الطاغية القذافي. إنّ رحيل نظام الأسد لا مفرّ منه، والذكي من أفراد وعصابات النظام من يسرع بالحجز على أول رحلة متوجهة لطهران قبل نفاذ المقاعد.
ahmad.164@live.com


169
علي عبد الله صالح: خروج نهائي شبه مشّرف

د.أحمد أبو مطر

الرابع من حزيران لعام 2011 ،

تذكّروا هذا اليوم الذي سيضاف لتاريخ الثورات العربية، إذ شهد خروج طاغية اليمن الذي ظلّ متشبثا بالسلطة ملتفا على كل مبادرات مجلس التعاون الخليجي ونداءات العديد من قادة الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، لإنهاء القتل والتدمير في اليمن الذي يرتكبه ومرتزقته، ومتجاهلا في الأساس  مطالبة الشعب اليمني برحيله. وأخيرا في هذا اليوم المشهود جاء رحيله بدون عودة لليمن السعيد فقط بهذا الرحيل، وذلك بسبب قذيفة على قصره، سبّبت له جروحا أيا كان مستواها وخطورتها فقد كانت تلك القذيفة هي المخرج لهذا الطاغية كي يخرج بحجة العلاج، معتقدا أنّ هذا الخروج سينظر له العالم واليمنيون على أنّه ليس هروبا على طريقة التونسي  زين الهاربين بن علي. كان علي صالح طوال الشهور الماضية يلعب على عامل الوقت، وهو يعرف أنّ الشعب اليمني لن يتراجع عن مطلب رحيله، ولكن المكابرة الكاذبة طمعا في سنوات جديدة للنهب والسيطرة والاستبداد، أعمته عن الاستجابة للمطالب الشعبية، إلا أن جاءت هذه القذيفة، لتقول له: أخرج هذه فرصتك شبه المشرفة، فأنت خارج للعلاج ثم الراحة والاستجمام، ثم...ثم...ثم...وبالتالي يطول بقاؤك في الرياض التي هي غير بعيدة عن جدّة حيث زين الهاربين التونسي، إن أردت زيارته والتفكير معا في كيفية ضمان الملايين الملايين التي سرقتموها من ثروة الشعبين التونسي واليمني.

مسلسل أكاذيب الطغاة واحد

طوال ما يزيد على ثلاثة شهور، أثبت الطغاة العرب أنهم خريجو مدرسة استبداد واحدة، فمنذ بداية انتفاضات شعوبهم بدأوا تخويف الدول الأوربية وأمريكا وإسرائيل أيضا، بان زوالهم خطر عليها. فالقذافي بدأ بالتهديد أنّ سقوطه يعني سيطرة القاعدة على ليبيا وتدفق الهجرة البشرية على إيطاليا تحديدا. وعلي عبد اله صالح أيضا بدأ باتهام القاعدة بأنها وراء ثورة الشعب اليمني، وعندما عمّت الانتفاضة كافة محافظات اليمن شماله وجنوبه، بدأ المحايدون يتساءلون: هل كل اليمن قاعدة؟. ثم بدأ اللعب على الانقسانات العشائرية. ونفس السيناريو استعمله بشار الوحش، فمنذ انطلاقة ثورة الشعب السوري في مدينة درعا، اتهم مخربون فلسطينيون متحالفون مع متطرفين سلفيين بانهم وراء هذه الثورة للسيطرة على سوريا وتسليمها للإرهابيين.

ثم كانت رسالة رامي مخلوف لإسرائيل،

يوم الحادي عشر من مايو 2011 في مقابلة له مع صحيفة نيوزويك الأمريكية معلنا صراحة ( أنّ استقرار سوريا من استقرار إسرائيل ). وهذا التصريح أسقط القناع عن نظام المقاومة والممانعة عبر الثرثرة والخطابة الفارغة. وقد سبق تصريح رامي مخلوف طلب بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي من موسكو وقف تصدير السلاح للنظام السوري، مخافة سقوطه ووقع السلاح في يد متطرفين إسلاميين أي أنّ أي سلاح في يد نظام الأسد لا يهدد أمن إسرائيل.

وأخيرا جاءت قذيفة الخلاص

استنفذ علي عبدالله صالح كل مناوراته وأكاذيبه، خاصة بعد شمول الثورة كافة المحافظات اليمنية، وانشقاق العديد من فرق الجيش اليمني وضباطه، وخروج العديد من القبائل عن طاعته، خاصة قبيلة الأحمر صاحبة النفوذ في اليمن. فكيف يهرب أو يخرج أو يرحل مع الحفاظ على أقل نسبة من ماء الوجه إن كان موجودا أصلا؟. جاءت تلك القذيفة المباركة على قصره الرئاسي لتحدث جروحا بسيطة في وجهه وصدره، لا تحتاج لعلاج في الخارج، لكنّها كانت قذيفة النجاة، فاستشعرت القيادة السعودية رغبته في الرحيل شبّه المشرّف، فعرضت عليه القدوم للعلاج، وأرسلت على الفور ثلاثة طائرات إخلاء طبي جلبته مع بعض أفراد عائلته ، ووصلوا الرياض فعلا، ليعلن المستشفى السعودي أنّه تعافى بعد عملية جراحية، ويحتاج لراحة ومتابعة طبية.

خروجه تنفيذ للمبادرة الخليجية

وقبل خروجه كما تنصّ المبادرة الخليجية قام بتسليم سلطاته الرئاسية لنائبه عبد ربه منصور هادي إضافة لقيادة القوات المسلحة، وكون مدة راحته ومتابعته الطبية حتما ستزيد عن شهر، فهذا يعني تنحيه حسب المبادرة الخليجية. وهذا مؤكد بدليل أنّ الدول العظمى بدأت اتصالاتها بنائبه الذي تسلّم مسؤولية الرئاسة، وكانت البداية اتصال مستشار الرئيس الأمريكي جون برينان، وأعقب ذلك تعليق مسؤول أمريكي كبير بقوله ( إن واشنطن تعتقد أنّ اليمنيين ينظرون إلى نائب الرئيس بإيجابية ). وعلى الفور عمّت الفرحة شوارع اليمن بهذا الخروج والرحيل شبّه المشرّف لطاغية حكم اليمن بالقوة والسلاح طوال 33 عاما. فشكرا لتلك القذيفة التي عجّلت رحيل الطاغية.

ونحتاج أيضا لقذيفتين،

الأولى كي تعجل بخروج ورحيل طاغية سوريا بشار الأسد الذي افترس حتى الآن ما يزيد على ألفي قتيل سوري وألاف الجرحى وسط تبشيع بجتههم لم يسلم منه حتى الأطفال. وأعتقد أنّه ما زاتل في المستشفيات السعودية أجنحة رئاسية خالية مستعدة لاستقباله. والقذيفة الثانية كي تعجل برحيل عميد الطغاة العرب معمر القذائف الذي يكفيه 42 عاما من القتل والتسلط والفساد الذي أهدر مئات المليارات من ثروة الشعب الليبي. وأعتقد أنّ قذاف القذائف لن يخرج للرحيل والعلاج إلا في إيطاليا. ومن لا يصدّق نبوءتي هذه فليشاهد هذه الحلقة من البرنامج اللبناني ( بس مات وطن ). طبعا بالنسبة لجماهيرية القذافي فهي ليست ( بسمات ) بل (بس..مات...  وطن ).
http://www.youtube.com/watch?v=7QEW5cyYWBU&NR=1
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
 






170
ما هو موقف كتاب فلسطين المفترض من الثورات الشعبية العربية؟

د.أحمد أبو مطر

هذا السؤال منطقي وطبيعي، ويطرحه العديد من الكتاب والصحفيين والمنظمات الشعبية العربية في مختلف الأقطار، خاصة التي تشهد انتفاضات وثورات شعبية مثل تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا وسوريا، والبقية التي ستأتي آجلا أم عاجلا. وخلفية طرح هذا التساؤل هو أمران:

الأول: هو استغلال بعض الأنظمة العربية للقضية الفسطينية للقفز على ثورات شعوبهم المطالبة بالحرية وإنهاء الديكتاتورية، عبر ترويج هذه الأنظمة خاصة نظام الأسد في سوريا لممانعة كاذبة ومقاومة خطابية كلامية فقط. وللإحاطة بالمسألة شعرا، إسمع قصيدة الشاعر العراقي المعروف أحمد مطر( مقاوم بالثرثرة):

http://www.youtube.com/watch?v=Ss9DllsKE9I

الثاني: هو تذبذب مواقف العديد من الكتاب الفلسطينيين من دعم هذا الثورات، وسكوت بعضهم ودعم بعضهم علانية للطغاة والمستبدين، وهذا ما لا يشرّف كاتب ينتمي لشعب وقضية تعتبرها الشعوب العربية قضية حرية وتحرر، فكيف يقف من ينتمي لشعب هذه القضية ساكتا أو داعما للطغاة العرب، الذين ضيّعوا هذه القضية، وقمعوا شعوبهم في الغالب باسم هذه القضية، تحت شعار فارغ من المضمون ( لا صوت يعلو على صوت المعركة )، وهو في الحقيقة والتطبيق ( لا صوت يعلو فوق صوت الطاغية )، الذي حولّته أجهزة إعلامه ومرتزقته إلى ما هو قريب من الذات الإلهية لا يجوز المسّ بسيادته ولا ذكر اسمه دون أن يكون مسبوقا ب (فخامة ) أو (سيادة ). والدليل على ذلك من الوثيقة الرسمية الصادرة عن دائرة المخابرات الأسدية أخيرا، وكتبت عنها مقالتي قبل أيام قليلة بعنوان ( قراءة في وثائق المخابرات الأسدية ) بتاريخ الرابع عشر من مايو الحالي. وقد ورد في تلك الوثيقة المخابراتية ضمن توجيهاتها لعناصرها من الأسود المتوحشين ضد شعبهم ما يلي حرفيا ( تسيير قوافل سيارات تحمل صور السيد رئيس الجمهورية، ويمكن أن يضاف لها العلم السوري – تصوروا صورة الرئيس أهم من العلم السوري- من قبل عناصر الأمن وأصدقائهم وأولاد المسؤولين والضباط داخل المدن ) . و ( عدم التهاون في المسّ بالرمز الأعلى مهما كانت الأثمان ). وهانحن منذ انتفاضة الشعب السوري في مدينة درعا، نرى الأثمان ما يزيد على ألف وخمسمائة قتيل وألاف المعتقلين والمفقودين.

مواقف كتاب فلسطين المختلفة

في البداية لابدّ من التذكير بمواقف مشرّفة، تليق بالكاتب والشعب الفلسطيني ومنها :


أولا: موقف الكتاب والصحفيين والفنانين الفلسطينيين والأردنيين الذي صدر في العاصمة الأردنية داعما لثورة الشعب السوري، رافضا للقمع والقتل الذي يمارسه النظام الأسدي، وقد وقّع البيان حوالي مائة شخصية منهم: إبراهيم نصر الله، جمال ناجي، فخري صالح، زهير أبو شايب، ليلي الأطرش، بسمة النسور، هاشم غرايبة، عماد حجاج،موسى برهومة، سميحة خريس،ياسر أبو هلالة،غنام غنام،سميرة خوري، وغيرهم العشرات. ويمكن قراءة البيان وبقية أسماء الموقعين كما نشرته جريدة العرب اليوم الأردنية بتاريخ الثاني من مايو 2011 :
http://www.alarabalyawm.net/pages.php?news_id=298175

ثانيا: موقف  المتوكل طه ،عبد الباري عطوان ، ورشاد أبو شاور، سلمان مصالحة،خضر محجز وآخرون

إنّ موقف هؤلاء الزملاء المعروفين في الساحة الثقافية الفلسطينية و العربية من المواقف التي تسجّل لهم، وتعبّر عن حقيقة الكاتب الفلسطيني الحر الملتزم بقضايا الشعوب وليس الأنظمة المستبدة الطاغية، فما كتبه هؤلاء الزملاء خاصة عن دعم ثورة الشعب السوري، وفضح الفساد وقمع الحريات في بنية النظام السوري، يمثّل جرأة وشجاعة يستحقون عليها التحية والتقدير، ولن ينساها لهم الشعب السوري المطحون ببراثن أسود في درعا وبانياس وحلب وحمص، ونعامات جبانة في الجولان المحتل من عام 1967 . ومن الطبيعي ان يتعرض هولاء الكتاب الوطنيين الداعمين لثورة الشعب السوري لهجوم شديد من مرتزقة النظام وأبواقه الإعلامية التي فقدت كل المصداقية، بحيث اصبحت مثالا للتندر والفكاهة الساخرة. هل يعقل أن مئات ألاف المتظاهرين منذ شهور في غالبية المدن السورية، كلهم عملاء يريدون الإطاحة بنظام المقاومة والممانعة بالثرثرة؟.

ثالثا: بيان الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين

وهو البيان الذي صدر عن أعضاء في الأمانة العامة للإتحاد بتاريخ الخامس والعشرين من أبريل 2011 ، وهذا نصّه الشجاع الداعم للشعب السوري:

( تنظر الأمانة العامة للإتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين (الضفة الغربية والقدس وغزة)، بالتعاطف، إلى تطلعات الشعب السوري الشقيق المشروعة، ومطالبه بالحرية وحق التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية؛ وترى وجوب أن يتم الاستجابة لهذه المطالب، وتدين استخدام العنف والقوة بكافة أنواعها، في ردع الباحثين عن الشمس والحالمين بمستقبل أفضل.
لقد كان الإتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين ـ ومنذ اليوم الأول لانتشار الربيع العربي ـ مؤيداً ومؤازراً لأحلام الشعوب العربية، في تونس ومصر وليبيا واليمن؛ كما ساند مطالب الشباب الفلسطينيين المطالبين بإنهاء الانقسام، منطلقاً من تاريخ المثقفين الفلسطينيين الطويل في الدفاع عن الحريات، وبحثهم المستمر والمتواصل عن مستقبل مستقر، يكون فيه المواطن العربي القيمة العليا في وطنه، وتكون فيه السيادة للشعوب العربية، بصفتها صاحبة الكلمة ـ الواحدة والوحيدة ـ في تقرير مصيرها.
إن كتاب فلسطين وشعراءها ومسرحييها ونقادها وفنانيها ومثقفيها، الذين كتبوا بالدم لفلسطين وللحرية، والذين يؤمنون بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة؛ يناشدون كتاب العالم ومثقفيه، وناشطي المجتمع المدني، وكل القوى المثقفة في العالمين العربي والإسلامي، وكل القوى الحرة في العالم، أن يقفوا أمام مسؤولياتهم في إدانة الانتهاكات الجسيمة التي تمارس في سوريا العروبة، ضد أبناء الشعب العربي السوري وضد مناضليه الديمقراطيين والحقوقيين.

إن لحظة النور العربية، التي خرجت من قلب العتمة، وفردت أجنحتها العملاقة على كافة ميادين وساحات وطننا العربي العظيم، قد أضاءت قلوبنا، وزرعت لدينا الأمل في مستقبل أجمل، يكون فيه الإنسان ملك نفسه، ويكون فيه الإنسان مواطناً، لا رعية، وتكون الحياة فيه كريمة، تستحق أن تُحيا، بعيداً عن تحكم الطغاة، ونهبهم لأموال الجماهير المسحوقة.
أيها المثقفون في كل العالم العربي، هذه هي لحظة الحقيقة، وهذا هو بداية انبلاج الفجر. ﴿والله معكم ولن يتركم أعمالكم﴾.
عاشت سوريا عربية حرة
عاش الشعب السوري حراً مستقلاً وصانعاً لغده
عاش المثقفون الأحرار في كل مكان ).

ما هو العار المشين الذي حدث بعد صدور البيان؟

إنه موقف الأمين العام للإتحاد ( مراد السوداني )، وهو اتحاد انسحب منه غالبية الكتاب والأدباء الفلسطينيين الذين لم يعترفوا برئاسة مراد السوداني لاتحادهم ولا الزفّة الديكورية التي اختارته لهذا المنصب الذي لوّثه بموقفه المشين من ثورة الشعب السوري، فقد أصدر قرارا بتشكيل لجنة عالية المستوى ( لا ندري أي مستوى يقصد ) بهدف معاقبة الأعضاء الذين وقعّوا على البيان، وهذا التوقيع يشرّفهم ويضعهم على قائمة الشرف الفلسطينية الداعمة لنضالات الشعوب العربية ضد طغاتها المتاجرين بالقضية الفلسطينية، والموقّعون هؤلاء هم: الدكتور خضر محجز، الدكتور عاطف أبو سيف، الدكتور عاطف أبو حمادة، الدكتور عون أبو صفية،  ناصر رباح، و ناصر عطالله....فلكم التحية والتقدير ولمراد السوداني ولجنته عالية المستوى العار المشين من أعمق المستويات.
 وللعلم فإن أشهر الكتاب الفلسطينيين، أصدروا في مارس 2010 بيانا صريحا واضحا يرفضون فيه المؤتمر الديكوري الذي نتج عنه انتخاب مراد السوداني لرئاسة الاتحاد، وكان من هؤلاء الرافضين بصوت عال: زكريا محمد، يحيى يخلف، غسان زقطان، مريد البرغوثي، سحر خليفة، فيحاء عبد الهادي، فاروق وادي، جميل هلال، نجوان درويش، ليلى الأطرش، زياد خداش، باسم النبريص، سميح فرج، عائشة عودة، سميح حمودة، إصلاح جاد، إياد السراج، صائب شعث، عامر بدران، عبد الناصر رزق، طارق حمدان، فراس جابر، محمد علي سرحان، هاني المصري، يوسف الديكن محسن أبو رمضان، مهيب البرغوثي، فراس عبيد، و ساما عويضة....فمن يمثل إذن مراد السوداني؟

رابعا: وبيان آخر مشرّف لمثقفين فلسطينيين

يدينون فيه القمع الذي يتعرض له الشعب السوري واستغلال النظام الأسدي للقضية الفلسطينية لتبرير هذا القمع الوحشي، وهو بيان يضع الموقعون عليه في قائمة الشرف الفلسطينية. ومما جاء في البيان: ( يدين الموقعون على هذا البيان، من العاملين في الحقل الثقافي في فلسطين، والنشطاء في مؤسسات المجتمع المدني، أعمال القتل التي يمارسها النظام السوري ضد المطالبين بالحرية والكرامة في سوريا، ويعبّرون عن تضامنهم مع أشقائهم السوريين، الذين يناضلون من أجل أن تكون سورية دولة ديمقراطية حقيقية ولكل مواطنيها، تُصان فيها حقوق المواطنة والكرامة وحقوق الإنسان في التظاهر والتعبير، وتمارس فيها الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة وتُحترم فيها التعددية السياسية والثقافية، وآليات الانتقال السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع ) و ( كما يرفض الموقعون على هذا البيان الزج باسم فلسطين والقضية الفلسطينية الذي يقوم به النظام السوري لتبرير قمعه الشعب. إن استخدام اسم فلسطين والقضية الفلسطينية من جانب النظام لتبرير قمع الحريّات في سورية يلحق الضرر بفلسطين وقضيتها. كما ونذكِّر أن في سجل النظام مواقف كثيرة دفع الفلسطينيون ثمنها بالدم والدموع ). أما الشرفاء الموقعون على هذا البيان حتى صدوره يوم الثامن والعشرين من أبريل 2011 ،هم: أنطون شمّاس- أنطون شلحت - كميل منصور - جميل هلال- محمد أبو نمر- إيليا زريق- رمزي سليم - عزيز حيدر- أسعد غانم- حسن خضر- حنا أبو حنا- خالد الحروب- رائف زريق- سليم تماري- حسن أبو حسين- هنيدة غانم- نصير عروري -سليم سلامة- وديع عواودة- محمد مشارقة- أحمد سيف- سامية عيسى- نديم روحانا- رباح حلبي- عادل مناع- بشير بشير-
عبير بكر- ليلى فرسخ- علاء حليحل- نادرة كيفوركيان- محمد علي طه- سلمان ناطور- محمد أبو دقة- محمد عروكي- سامي أبو سالم- محمد حجازي- خليل شاهين.                                             
مواقف إعلام حماس والجهاد الدمشقي والغزّاوي

يمكن أن يفهم المرء سكوت أي تنظيم فلسطيني موجود في دمشق أو خارجها، وعدم إصدار أي موقف من ثورة الشعب السوري على نظام الطاغية الوحش، وذلك على اعتبار مراعاة عدم التدخل في الشأن السوري، كما أنّ السلطة الفلسطينية وأغلب الدول العربية لم تصدّر أية بيانات بخصوص الشأن السوري، لا مؤيدة للثورة ولا النظام المتوحش. ولكن ما لا يمكن فهمه هو طريقة أداء إعلام حركتي حماس والجهاد الذي كتب ونطق كثيرا عن دعم ثورة الشعبين التونسي والمصري، و لا يسكت فقط على ما يحدث من جرائم بحق الشعب السوري، ولكن إصدار البيانات المتتالية التي تؤكد على ( دعم النظام والشعب السوري ). فكيف يمكن فهم هذا الدعم؟ كيف يمكن دعم النظام القاتل وفي الوقت نفسه دعم الشعب السوري المقتول؟. إنه أقرب للنفاق الذي كان السكوت أفضل منه، خاصة بعد التصريحات المعيبة لخالد مشعل التي هاجم فيها الشيخ القرضاوي لأنه دعم الثورة السورية، ورغم النفي الخجول اللاحق لموقع حركة حماس لذلك الهجوم، إلا أنه تأكد انّه صدر عن خالد مشعل، وهو هجوم على القرضاوي ونفاق للنظام الأسدي الذي يمنع إطلاق أية رصاصة من الحدود السورية على الاحتلال الإسرائيلي، ورغم ذلك فهو نظام ممانعة ومقاومة عند مشعل وحماسه.

إعلام جماعة أحمد جبريل

موقف هذا الإعلام مخزي ومخجل للغاية، خاصة بعد تأكيد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي، أنّ هذه الجماعة أرسلت عددا من مقاتليها للقتال مع مرتزقة القذافي ضد الثوار الليبيين، وهذا ليس مستغربا فقد سبق أن أرسلوا في العام 1987 بعض مرتزقتهم للقتال مع قوات الطاغية القذافي ضد تشاد أثناء النزاع على إقليم أوزو التشادي، والعديد ممن أعرف من العائلات الفلسطينية توفي أولادها في تلك الحرب، التي انتهت بهزيمة قوات ومرتزقة الطاغية وخروجه من إقليم أوزو التشادي.
بالنسبة للثورة الشعبية السورية ضد الطاغية بشار الأسد ، موقف هذه الجماعة أيضا غير مشرف لأي فلسطيني، ويكفي تصريح المتحدث باسم الجبهة الشعبية - القيادة العامة "رامز مصطفى" يوم الثاني من مايو 2011 لجريدة الشرق الأوسط اللندنية، حيث تباكى على القيادة الأسدية كونها حسب قوله ( تبنت الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتمثل عمقا استراتيجيا لمحور المقاومة" ومعلنا أنّ جماعته ( تقف في السراء والضراء مع القيادة السورية ). ورغم أنه نفى أنّ قوات جماعته تشارك القوات الأسدية في قمع المتظاهرين، إلا أنّ وقوف جماعته مع الأسد ومرتزقته في السراء والضراء، سوف يظلّ موقف عار لهم، لأنهم ضد إرادة الشعب السوري. وقد عاد وأكّد هذا الموقف المشين مسؤول الجماعة في شمال لبنان، حيث نظّمّت الجماعة مظاهرة في مخيم نهر البارد يوم الثاني والعشرين من أبريل 2011 ، دعا فيها المدعو أبو العبد شمس مسؤول الجماعة في شمال لبنان إلى الوقوف مع " سوريا الصمود والتصدي التي تتعرض لأعمال تخريبية من قبل جهات معادية للأمة والتي تريد النيل من الموقف السوري الشجاع الذي يقف إلى جانب المقاومة بكل أنواعها من المحيط إلى الخليج ". تصوروا مع المقاومة من المحيط إلى الخليج!!!.

مواقف فلسطينية مشرّفة، واخرى مخزية مشينة تجيب على سؤال: لماذا تكره نسبة من الشعوب العربية الفلسطينيين؟. والسبب ليس الشعب ولكن قيادات جماعاتهم كما فعلت مثلا الدكانة المسماة " جبهة التحرير العربية " عملاء المقبور صدام حسين أثناء غزوه واحتلاله لدولة الكويت.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





171
ثورة غضب الشباب المصري
             أو
  " عرفة ينهض من قبره "

د.أحمد أبو مطر
              
ثورة غضب الشباب المصري التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك ونظامه، يعرفها جميع المصريين والعرب والأوربيين والأمريكيين والعالم كله، فتاريخ الخامس والعشرين من يناير لعام 2011 سيدخل التاريخ العربي، كيوم خالد مميز ، أعلن المصريون فيه أنه لا استمرارية للطاغية والمستبد مهما كانت قوته وجبروته. وسيدخل ميدان التحرير بمدينة القاهرة ضمن المعالم السياحية المصرية التي سيحرص غالبية الزوار العرب والأجانب على زيارته والتجول فيه، مستذكرين أو متخيلين مئات ألاف الشباب الذين استمروا متظاهرين حتى أسقطوا الطاغية، وقد حرصت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على التجول فيه أثناء زيارتها الأخيرة للقاهرة في السادس عشر من مارس 2011 ، ووجّه شباب الغضب المصري الدعوة لمقدمة البرامج الأمريكية أوبرا وينفري لتقديم إحدى حلقات برنامجها من الميدان. هذا كله معروف وأصبح مشهورا ومعلوما.

ولكن من يعرف السيد عرفة؟

كي تعرف أو تتذكر السيد عرفة، عليك بالعودة لرواية نجيب محفوظ المشهورة ( أولاد حارتنا ). تلك الرواية التي نشرها حلقات في جريدة الأهرام المصرية، ولم يسمح بطباعتها في مصر آنذاك بسبب الحملة الشرسة التي شنّها شيوخ التكفير محل التفكيرعلى الروائي والرواية، فصدرت عام 1962 في بيروت عن دار الآداب، ولم يتمّ نشر الرواية في مصر إلا عام 2006 بسبب فتوى الأزهر التي منعت وحرّمت الرواية. ومن المهم التأمل في أنّ ما كان ممنوعا وحراما عام 1962 اصبح حلالا ومسموحا بنشره عام 2006 ، صحيح بعد نصف قرن بالضبط ولكن المفارقة ما تزال قائمة، وهي تلك المؤسسات الدينية التي تملك الحق في التكفير لمن تشاء، وتمنح مفاتيح الجنة لمن تشاء. تمنع هذه المؤسسات رواية رمزية بحجة الدفاع عن الدين وكلمة الله، أما ماذا عن السكوت الفاضح لتلك المؤسسات الدينية على رؤساء وحكام ظلمة مستبدين طغاة سارقين، لا يقيمون احتراما لأي من مبادىء الدين والشرع الذي تدّعي تلك المؤسسات الدينية أنها الحارس الأمين عليه. ما الذي يسيء للدين ورموزه وشرائعه، رواية رمزية تحتمل التأويل والتفسير، أم أولئك الطغاة المستبدون؟.
من الصعب تلخيص هذه الرواية للقارىء الذي لم يقرأها ، فهي ليست مجرد حكايات بقدر ما هي إسقاطات تاريخية على الواقع المعاصرمن خلال شخصيات روائية، يمكن للقارىء الذكي أن يعيد كل شخصية روائية لمقابلها التاريخي، وهذا ما قام به شيوخ التكفير آنذاك، ليربطوا كل شخصية في الرواية بمقابلها من الشخصيات الدينية ذات القداسة التي من غير المسموح المساس بها. ودون فتح الجدل القديم الجديد كي لا يعيدنا للتكفير بدلا من التفكير، فما يهمنا في هذا السياق هو الشخصية الأساسية في الفصل الأخير من "أولاد حارتنا".

شخصية "عرفة " حيث المعرفة والعلم

"عرفة" هو الشخصية الرئيسية في الفصل الأخير من فصول " أولاد حارتنا " حيث كانت شخصية جدلية، لها وعليها ملاحظات عديدة، من التعاون مع ناظر الحارة وسهرات عربدة معه، وخيانات زوجية لعواطف التي أحبته وقبلت الزواج منه، إلى القدرة على السحر الذي هو في حقيقة الأمر ليس سحرا، بل هو مواد خاصة تمكن من صنعها أو اختراعها، ولكن نتائجها المذهلة قياسا بالقدرات الغيبية لسكان عصره، جعلهم يعتبرونها سحرا و أنّ عرفة مجرد ساحر، مما جعل كبار القوم يقرّبونه مخافة منه أو لاستعمال سحره ضد خصومهم. ومن ضمن محاولات أو قدرات عرفة الخارقة هي قيامه بقتل الشخصية الكبيرة والأساسية " الجبلاوي" في عموم رواية "أولاد حارتنا" ومحاولته الهروب بعلمه الساحر القادر على هذه الفعلة التي لم يستطع غيره القيام بها طوال مئات القرون من السنين. ورغم كافة الاجتهادات والتفاسير التي تعرضت لها هاتان الشخصيتان، إلا أنه مما لا جدال فيه أنّ "عرفة" يرمز للعلم القادر على تحقيق كل ما لا يخطر على بال أحد، بما فيهم أصحاب الغيبيات الذين يهاجمون ويكفّرون، وفي الوقت نفسه يعيشون على منتجات هذا العلم، من السيارات والطائرات والأدوية والورق وآلات الطباعة التي يطبعون عليه وبها خرافاتهم هذه، وآخر منجزات " عرفة-العلم " هي الكومبيوتر والانترنت حيث من خلالهما ينشرون بسرعة ضوئية كل خرافاتهم وأضاليلهم التي تبحث عن أمور للخداع وإضاعة الوقت، كان آخرها أن رجل دين سعودي رأى في تصميم مطار جدّة إمرأة متهيئة لممارسة الجنس، وأنّ برج المراقبة يمثل العضو الذكري. وأصحاب هذه الغيبيات والتكفيريات والمتحالفين معهم هم من قاموا بقتل عرفة- العلم  مع زوجته عواطف ووضعهما في كيس ، وأهالوا عليهما التراب، كي يتخلصوا من معجزات عرفة العلم التي ستقضي على نفوذهم الغيبي المتخلف وبذلك تزول سيطرتهم وسيادتهم.

حسن توفيق وإنهاض عرفة من قبره

عرفنا حسن توفيق ( مجنون العرب ) شاعرا وباحثا ومحققا. أصدر 14 ديوانا شعريا، كان أولها " الدم في الحدائق " عام 1969 وآخرها " أحبك أيها الإنسان" عام 2008 ، كما أصدر 12 كتابا بين تأليف وتحقيق، كان منها " شعر بدر شاكر السياب، دراسة فنية وفكرية" و " الأعمال النثرية والشعرية للدكتور إبراهيم ناجي". وفي زمن قصيدة النثر وما استجد من أنواع شعرية، أصدر ما أطلق عليه " مقامات عصرية ":  وهي "مجنون العرب بين رعد الغضب وليالي الطرب" ، 2004 ، و "ليلة القبض على مجنون العرب"، 2005 .

وفجأة في بداية العام الحالي 2011 ، يفاجئنا باقتحامه لعالم الرواية بإصدار روايته التي حملت عنوان ( عرفة ينهض من قبره )، الصادرة عن مؤسسة الرحاب الحديثة في بيروت. والآن ربما يعرف القراء لماذا اضطررت للبدء بالتعريف بشخصية " عرفة " إحدى شخصيات رواية " أولاد حارتنا " لنجيب محفوظ. فعرفة يدفنه فتوات الناظر مع زوجته عواطف في نهاية رواية نجيب محفوظ، وحسن توفيق الروائي، يبني روايته الجديدة على فكرة نهوض عرفة من قبره وإعادته للحياة مع زوجته عواطف، بعد أن اكتشف عرفة  أنّه ما زال يتنفس وفيه وعواطف رمق من الحياة، فيخرج من الكيس الذي وضعهما فيه فتوات ناظر الحارة، لتبدأ مع عرفة - العلم بعد لقائه بالمجنون نبوءات قادت إلى ثورة غضب الشباب المصري في يناير 2011 ، وأدّت للتخلص من ناظر الحارة حسني مبارك وفتواته وأولاده ومرتزقته. فالناظر قدري في أولاد حارتنا هو مبارك أو أي ديكتاتور آخر في " عرفة ينهض من قبره".

نفس الحارات والعلم هو الفائز

القراءة المتأنية لرواية ( عرفة ينهض من قبره )، تجعلك تتجول في نفس حارات " أبناء حارتنا " وتسير في نفس شوارعها وتلتقي بعض شخوصها ، وشخوص أخرى أهمها الشخصية المركزية في رواية حسن توفيق، وهي شخصية المجنون الذي يرافق ( عرفة ) ويهيء له لقاءات مع فئات عديدة من الشباب  والضيوف، كي يطّلعوا على ما يستطيع ( علمه ) أن يفعله في ظلّ تخلف حارة الجبلاوي عن بقية الحارات المجاورة والبعيدة في كافة المجالات.

حنش والفرج أو الطوفان

شخصية " حنش " تكاد تكون الملازمة أو المتلاصقة مع شخصية المجنون في إدارة أوجه الصراع الروائية بين الحارات وشخوصها، فهذا الحنش يمكن أن تعتبره أخا أو مساعدا أو مريدا أو تلميذا أو منسقا لأعمال العلم أو المعرفة ( عرفة )، فهو حافظ أسراره وأوراقه، وهو صاحب الإيمان ب ( لا أريد أن أكون بعيدا عن الشباب المتحمس لعمل عرفة، بعد كل ما عرفوه عنه مني. إنهم يتصورون أنهم يستطيعون أن يفعلوا شيئا ما يزلزل الظلم و يبدّد الظلمة ). كل ذلك بفعل الإيمان بعمل عرفة المختلف عن أعمال جبل ورفاعة وقاسم، مهما اختلفت الرؤى في انعكاسات رموز هذه الأسماء على واقع ماض أو حاضر، كي لا ندخل في باب تفصيلات تؤدي لتفسيرات مختلفة أو مشاكل متعددة. والمهم أنّ الثلاثة ( جبل ورفاعة وقاسم ) ساروا في طريق واحد رغم الاختلافات البسيطة في تفرعاته، إلا أنّ عرفة سار في طريق مختلف هو الذي أدّى إلى نتائجه المعاصرة في حارات بعيدة عن حارة الجبلاوي ، ونتائج حاضرة حديثا تنبأت بها الرواية في هذه الحارة وما يجاورها. وهذا هو الفارق بين نتائج من يعتمد على القلب أو العقل.
لذلك واعتمادا على قدرات عرفة ( العلم والمعرفة )، يتخيل المجنون في الرواية خيالا عجيبا غريبا، نجده قد تحقق مع ثورة شباب 25 يناير.  تخيل المجنون صوتا يتردد صداه في الحارة قائلا ( لا بد للظلم من آخر. ولليل من نهار. ولنرين في حارتنا مصرع الطغيان . ومشرق النور والعجائب ). وما أدّى لذلك هو الإيمان بقول إحدى الشخصيات ( لبيب حرفوش ): " لن تتاح لنا الحياة ما دمنا نخاف الموت "، وهذا ما أثبته شباب الغضب المصري، فلم يخافوا من موت مرتزقة النظام وبلطجيته، فأتيحت لهم حياة مصر الجديدة، التي يحاكم فيها كبار الطغاة من وزن الناظر قدري، سواء اسمه قدري أو جمال أو مبارك أو حبيب العادل أو الظالم.

تداخل الشعر والأغاني مع تطورات الحدث

حسن توفيق، وهو يخوض عالم الرواية لا يمكن أن تفارقه روح الشاعر، فمن حدث إلى آخر، يتسلل الشعر والأغنية لخيالات بعض الشخصيات، ولكن تسللا يضفي على الحدث دلالة وعمقا، وهذا ما جعل طريقة السرد الفني بسيطة لا تكلف فيها، تشدّ القارىء إلى الاستمرار في القراءة بدون توقف، ليكتشف هل سيؤدي الحدث إلى ما كان يتصوره أم إلى نتيجة مخالفة وعبر أي من الشخصيات الحاضرة في ثنايا الحدث، خاصة إذا كانت شخصية تحتمل العديد من التفسيرات مثل شخصية السيدة ( جولدا ) التي حتى في حياتها الخاصة تصرّ أن تكون فاعلا وليس مفعولا به.

ومن الدلالات الفنية المهمة في الرواية، أن يبدأها الروائي حسن توفيق الذي لا ينسى أنه شاعر، بمقطع شعري لصلاح عبد الصبور من مسرحيته ( ليلى والمجنون ) التي نشرها عام 1972 :
رعب أكثر من هذا سوف يجيء
لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعالي جبل الصمت
أو ببطون الغابات
او تحت وسائدكم أو في بالوعات الحمامات
لن ينجيكم أن تندمجوا أو تندغموا
حتى تتكون من أجسادكم المرتعدة
كومة قاذورات
فانفجروا أو موتوا
انفجروا أو موتوا

فهل كان صلاح عبد الصبور عام 1972 يوجّه هذا الصراخ للطغاة العرب الذين بدأوا يتساقطون؟. وينهي الروائي حسن توفيق روايته ( عرفة ينهض من قبره )بنفس الصراخ:
رعب أكثر من هذا سوف يجيء
لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعالي جبل الصمت.

وبالفعل تتحقق نبوءة المجنون وعرفة  وصلاح عبد الصبورمن خلال شباب الغضب المصري، فيتساقط الطغاة ، حيث لم ينجيهم من السقوط لا المماطلة ولا البلطجية ولا استعمال السلاح ضد الشباب الغاضب ، لتبدأ مصر صفحة جديدة، تحتاج لمجنون آخر يراقبها كي لا تحيد عن طريق عرفة. إنّها رواية تنبأت بثورة الغضب المصرية، من خلال حس شاعر عبّر عن هذا الإحساس برواية مميزة فنيا وموضوعيا.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net









172
رفع الغطاء الروسي: ساعة رحيل القذافي قريبة

د.أحمد أبو مطر

تطور مفاجىء ومذهل في مسيرة التخلص من عميد الطغاة العرب معمر القذافي، هذا التطور هو الموقف الروسي الأخير القاضي بالتخلي عن القذافي، بعد أن أعلن الرئيس الروسي ديمتري مدفيف في دوفيل شمال غرب فرنسا حيث عقدت قمة مجموعة الثماني يوم الجمعة السابع والعشرين من مايو 2011 ، ضرورة رحيل القذافي، و ( أنّ العالم لم يعد يعتبره زعيم ليبيا ). هذا مع التذكير بأنّ روسيا كانت قد امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي أجاز الضربات الجوية الدولية على طرابلس العاصمة الليبية حيث يختفي القذافي وأبنائه المشاركين في جرائمه وتعدياته، كما كانت روسيا ترفض دعم الدعوات الغربية والعربية لرحيل الطاغية. لذلك جاء الموقف الروسي الجديد حاسما في مسيرة رحيل هذا المستبد خاصة أنّ روسيا وقعت على بيان مجموعة الثماني الذي أكّد ( أنّ القذافي فقد كل شرعية ولا مستقبل له في ليبيا حرة ديمقراطية وعليه أن يرحل ).

دلالات الموقف الروسي

هذا الموقف الروسي يمثل مفاجأة وتطورا ايجابيا دلالاته مفادها، أنّ روسيا ما عادت تستطيع لمجرد مخالفة موقف الدول الغربية، أن تظلّ في موقف يتعارض مع رغبة وتطلعات الشعب الليبي الذي يعاني من جرائم هذا الطاغية منذ 42 عاما. وهذا التطور الروسي سوف يجعل المصالح الروسية في ليبيا الحرة الديمقراطية القادمة مصانة مثل مصالح كافة الدول العربية والغربية التي دعمت الثورة الليبية. خاصة أنّه في العديد من المواقف كانت روسيا تمتنع عن التصويت أو تصوت ضد ما تؤيده الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تحديدا، لمجرد المناكفة والمعارضة فقط، فجاء موقفها الأخير الداعم لرحيل القذافي وأنه ما عاد يمثل أية شرعية في ليبيا، ليؤذن بقرب رحيله بطريقة من الطرق.

هل هذا الرحيل قريب؟

أصبح مؤكدا أنّ هذا الطاغية يعتمد على ألاف من المرتزقة خاصة من بعض الدول الأفريقية، وهؤلاء المرتزقة لا يفكرون فيما يوقعونه من ضحايا، فهم مستعدون للقتل فقط مقابل الرواتب التي يتقاضونها، و رغم ذلك فإنّ ساحة رحيله أصبحت وشيكة بعد التطورات الجديدة التي أهمها:

أولا: الموقف الروسي الجديد الذي يعني أنّه ما عادت هناك دولة ذات أهمية في اتخاذ القرارات الدولية تقف معه، أو تمانع الضربات الجوية الدولية التي تستهدف آخر معاقله حيث يختبىء في آخر الزنقات، وما عاد يردح هو ونجله سيف التخلف من بقايا التلفزيون الذي ما زال تحت سيطرته. خاصة أنّ هناك معلومات شبه مؤكدة أنّه وباقي أفراد عائلته الذين لم يهربوا بعد، يختبئون في المستشفيات على اعتبار أنها لن تتعرض للقصف الجوي من طيران التحالف الدولي المخوّل بذلك حسب قرارات الأمم المتحدة.

ثانيا: التفكير الدولي في البدء بمرحلة جديدة في المستوى العسكري خاصة بعد نشر مروحيات هجومية بريطانية إلى جانب المروحيات الفرنسية، وسوف تزود هذه المروحيات بتقنيات قتالية دقيقة، قادرة على توجيه الضربات الجوية ضد بقايا قوات القذافي في المناطق الحضرية ( السكانية ) بدقة شديدة لا توقع خسائر إلا في الأهداف المقصودة بالقصف.

ثالثا: تصاعد الدعم المعنوي الدولي من الدول العظمى للثوار الليبيين خاصة في معقلهم مدينة بنغازي، فبعد زيارة السيناتور الأمريكي جون ماكين للمدينة صباح الجمعة الثاني والعشرين من أبريل 2011 ، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أنه ينوي زيارة بنغازي مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في الوقت المناسب، وهو ما نعتقد أنه سيكون قريبا جدا.

رابعا: تزايد الانشقاقات في صفوف الطاغية، وكان آخر المنشقين هو السفير الليبي لدى الاتحاد الأوروبي الهادي حديبة ومعاونيه في السفارة الليبية لدى بلجيكا والاتحاد الأوروبي ، حيث أعلن في بيان
  صحفي إنه قام بهذا العمل احتجاجا على أعمال القمع التي تقترفها قوات القذافي ضد المدنيين في ليبيا،
 وأضاف في بيانه أنه وزملاءه اضطروا للإعلان أنهم لايمثلون نظام القذافي ويريدون خدمة الشعب الليبي في نضاله من أجل الديمقراطية والحفاظ على مقومات البلد. وبهذا بعد العديد من الاستقالات لكبار المسؤولين في نظامه، لم يبق معه إلا حفنة قليلة من المنتفعين الذين ستزداد حركة انشقاقهم ومغادرتهم كلما اقتربت الضربات الجوية الدولية من المعقل الأخير للطاغية. ومن المهم في سياق الانشقاقات أخبار مغادرة بعض أفراد عائلته إلى جزيرة جربا التونسية. وكذلك في هذا السياق إعلان المملكة الأردنية الهاشمية في الرابع والعشرين من مايو نزع الشرعية عن نظام الطاغية، واعترافها بالمجلس الوطني الليبي الانتقالي ممثلا شرعيا للشعب اللليبي، وهي بذلك تنضمّ لدول عربية سبقت لهذه الخطوة مثل قطر والإمارات العربية المتحدة.

خامسا: تزايد حجم الجرائم التي يرتكبها نظام الطاغية القذافي، حيث كان آخرها زرع المنطقة المحيطة بمدينة مصراته بالألغام لمنع السكان من المرور والتحرك، واستمرار قصفه للمدن الليبية بصواريخ جراد، مما أوقع ألاف القتلى، وهذا ما يجعل مدّعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو يسعى إلى ملاحقة القذافي بتهمة جرائم ضد الإنسانية، وهو لن يفلت من هذا العقاب مهما طال الزمن، فيكفيه عبرة أن مجرم الحرب الصربي راتكو ملاديتش تمّ القبض عليه وسيسلم للمحكمة الجنائية الدولية بعد فرار واختباء طوال 16 عاما، ومن سيسلمونه هم بني جلدته الحكومة الصربية لاعترافهم بجرائم ضد الإنسانية ارتكبها في البوسنة.

وهذا يطرح سؤال: أين الموقف العربي؟

من ملف المجرم القذافي الذي لم تعد جرائمه مخفية، وليست إبّان ثورة الشعب الليبي الحالية، ولكن طوال فترة حكمه الديكتاتورية منذ 42 عاما. وإنّه لمن المؤسف لدرجة الحزن أنّ مواقف العديد من الدول العربية من الطغاة العرب، لم يرتق بعد لمستوى تطلعات الشعوب العربية الباحثة عن الحرية والكرامة...ورغم ذلك فأيام الطاغية القذافي معدودة...فلننتظر سقوطه ومحاكمته، ثم نخمّن من سيكون الساقط من بعده؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


173
علي عبد الله صالح: إذا قالت هيلاري كلينتون فصدّقوها

د.أحمد أبو مطر

لم تعد مراوغة الرئيس اليمني المخلوع شعبيا علي عبد الله صالح ( الذي لا نصيب له من مدلولات اسمه ) تنفعه. فهو منذ اندلاع ثورة غضب الشعب اليمني على فساده وتسلطه ( فقط 33 عاما ) يلعب على عامل الوقت، منتظرا تطورات تدعم بقاء استبداده، ولكن إصرار الشعب اليمني على الإطاحة به، جاءت بما لا تشتهي سفنه المحملة بالنهب من ثروات الشعب اليمني، وأهمّ ما أفرزتها هذه الإرادة اليمنية الشعبية:

أولا: المبادرة الخليجية القاضية برحيله


لم تعط دول مجلس التعاون الخليجي وقتا وأهمية كما أعطت للمشكلة اليمنية الناتجة عن تسلط علي عبد الله صالح، وإصراره على البقاء في السلطة رغم شهور من ثورة شاملة للشعب اليمني ضد بقائه. وهذا الإهتمام مفهوم بسبب البعد الجغرافي الرابط بين اليمن وبعض دول المجلس والامتدادات الديموغرافية أيضا. وتنصّ آخر نسخة من المبادرة الخليجية على تنحي علي صالح بعد ثلاثين يوما من توقيع كل الأطراف عليها، ويسبق ذلك خطوات عديدة منها، نقل السلطة لنائبه وضمان عدم ملاحقته ورموز نظامه قضائيا، و تكون دول مجلس التعاون والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي شهودا على تنفيذ هذا الاتفاق. ويدعو نائب الرئيس الذي سيتسلم السلطة في اليوم الثلاثين لانتخابات جديدة خلال ستين يوما.

لماذا يرفض علي صالح التوقيع على المبادرة؟

وقعت أطراف المعارضة اليمنية على هذه المبادرة، في حين رفض علي صالح توقيع المبادرة مشترطا توقيع المعارضة عليها في القصر الجمهوري، وهو يعرف مسبقا أنّ المعارضة سترفض هذا الشرط، إذ لا شرعية عندها له ولقصره مقر فساده واستبداده. وهو بذلك يخترع صعوبات لكسب الوقت علّ هناك تطورات داخلية تضمن له المزيد من الاستبداد والفساد. لذلك أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي العربي تعليق مبادرتها، خاصة بعد أعمال الزعرنة والبلطجة التي قام بها مرتزقة علي صالح، حيث قاموا باحتجاز الوسطاء الخليجيين العرب والغربيين الذين كانوا يعدّون لعملية التوقيع داخل السفارة الإماراتية بصنعاء لمنعهم من الخروج لمواصلة عملية التوقيع. وقد أكّدت مصادر يمنية أنّ عملية محاصرة السفارة الإماراتية تمت بتعليمات مباشرة من علي صالح لتعطيل المبادرة وكسب مزيد من الوقت. هذا وكانت دولة قطر قد انسحبت مسبقا من المبادرة الخليجية لتأكدها المسبق من مراوغة صالح ونظامه الذي شنّ هجوما على دولة قطر على اعتبار أنها تغذّي الثورة ضده، وقبل ذلك كان قد اتهم أمريكا وإسرائيل بذلك، ثم اعتذر علانية للولايات المتحدة، لأنه يعلم علم اليقين أنّها ثورة شعبية يمنيه غذّاها فساده وتسلطه.

وماذا بعد ؟

أعتقد أنّ أي تلاعب لكسب مزيد من الوقت لن يعمل لصالح علي صالح لأسباب ثلاثة:

أولا: إصرار غالبية الشعب اليمني بأطيافه المختلفة على مغادرته، رغم تلويحه بحرب أهلية علانية، وهو يعرف أنّ مؤيديه يقتصرون فعلا وحقيقة على مرتزقة وبلطجية، عندما تحين ساعة الجدّ سيهربون ويختفون كي لا تمسك بهم يدّ الشعب مع سيدهم المستبد الطاغية.

ثانيا: الرفض الخليجي لبقائه رغم تعليق المبادرة

أعتقد أنّ دول مجلس التعاون الخليجي العربية، أعطته مزيدا من الوقت ومبادرات كانت تضمن له التنحي السلمي عن السلطة، لكنّ رفضه المستمر وأعماله الدنيئة ضد الوفد الخليجي في سفارة الإمارات بصنعاء برئاسة أمين عام المجلس عبد الطيف الزياني، ورفضه التوقيع على المبادرة الخليجية، سينتج عن كل ذلك مزيدا وإصرارا على رفض التعاون والتعامل مع نظامه، وأنّ أوراقه حرقت خليجيا، وهذا سيضعة في خانة رفض دائمة ستعجّل برحيله بطريقة غير مشرّفة هذه المرّة. ومن الدلالات ذات المعنى أن يدعى الأردن في خضم الأزمة اليمنية لعضوية مجلس التعاون الخليجي، بينما منذ سنوات ترفض رغبة نظام علي صالح في الانضمام لعضوية المجلس، رغم أنه الأقرب لبعض دول المجلس حدوديا وديموغرافيا.

ثالثا: إذا قالت هيلاري كلينتون فصدّقوها!!

وهذا هو القول الفصل والحسم، وهو ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، إذ أعلنت بوضوح يوم السبت الموافق الحادي والعشرين من مايو 2011 : ( على الرئيس اليمني الوفاء بالتزامه الرامي إلى نقل السلطة..على حكومة اليمن الاستجابة للإرادة المشروعة للشعب اليمني ). وهذا المطلب يعني التنحي والرحيل الفوري. ومن دلالات تصريح هيلاري أنَ علي صالح ما عاد يستطيع الاستقواء بحليفته السابقة الولايات المتحدة، رغم تهديداته الفارغة بأنّ تنحيه سيحول اليمن إلى مركز للقاعدة، وهي نفس تخويفات نظيره الطاغية معمر القذافي، المختفي من كل الزنقات الليبية بعد قرار الولايات المتحدة والناتو على الإطاحة به عسكريا من خلال الدعم الجوي للثوار الليبيين، وإعلان الإدارة الأمريكية عن موافقتها للمجلس الانتقالي الليبي أن يفتح له مكتبا في واشنطن، لأنّ الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقف مع طاغية عندما يثور شعبه مطالبا الإطاحة به ورحيله.

من القادم حسب تساؤل أوباما؟

تساءل الرئيس الأمريكي في خطابه الأخير في واشنطن قائلا: تنحى رئيسان عربيان عن السلطة فمن سيلحق بهما؟. أعتقد أنّ هيلاري كلينتون أجابت سابقا ولاحقا على هذا السؤال. سابقا عندما طالبت وما زالت تطالب عميد الطغاة العرب القذافي بالرحيل، ولاحقا منذ أيام قليلة عندما طالبت أو أمرت علي صالح بالتنحي والرحيل. إنّ رفع الولايات المتحدة الدعم والغطاء عن واحد من حلفائها في المنطقة، يدّلل على أنّ أيام علي صالح معدودة، وهي مرهونة بتصاعد تحدي وثورة الشعب اليمني الذي ما عاد يقبل بقاء هذا المستبد ، خاصة بعد تصاعد جرائمه عبر وحدات من جيشه ومرتزقته ضد المتظاهرين المسالمين المطالبين برحيله. ولن تكون آخر جرائمه إحراق وقتل الناشطة اليمنية المعارضة ( غانية علي الأعرج ) التي قتلها مرتزقته بطريقة لا يمكن تخيل عاقل أو مجنون لها. ولكن يتخيلها ويأمر بها من أغواه الاستبداد والثراء المسروق من ثروة الشعب اليمني. لقد أحرّق علي صالح كافة أوراقه، الخليجية واليمنية والأوربية والأمريكية، فلم يعد أمامه سوى الرحيل، لكن يبدو أنّه مصرّ على المزيد من الجرائم علّ الوقت يأت بمستجدات لصالحه، وهذا ما لا تبشر به تطورات مطالب الشارع اليمني.

العفو عنه غير مقبول أخلاقيا

لذا أرى أنه بعد رفضه التوقيع على المبادرة الخليجية والبدء بتنفيذ آليات تطبيقها، وسحب دول مجلس التعاون الخليجي العربية لمبادرتها، لم يعد مقبولا القبول بالبند الوارد فيها حول ( تنحيه خلال ثلاثين يوما وضمان عدم محاكمته وملاحقته قضائيا هو ورموز نظامه ). فلا بدّ من إصرار الشعب اليمني على القبض عليه ومحاكمته وعائلته ورموز نظامه، كما فعلت وتفعل الثورة المصرية مع حسني مبارك وعائلته ورموز نظامه، حيث تكشفت قضايا قتل وفساد ونهب لثروة الشعب المصري، ما كان يحلم أحد بالكشف عنها، وكذلك ستكون النتيجة عند محاكمة علي صالح وعائلته ورموز نظامه. وهذا هو سرّ إصراره على البقاء في السلطة، فقد هاله وضع حسني مبارك وأولاده وزوجته ...فكلهم في الفساد سواء، وليكن لدى كافة الشعوب العربية إصرار الشعب المصري وقوة إرادته التي تعيد الاعتبار لمصر أم الدنيا..
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




 



174
" الغاوون " وما أدراك ما " الغاوون "

د.أحمد ابو مطر

أتذكر مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما كان جمهور المثقفين والمبدعين العرب، يلاحقون آنذاك المجلات الثقافية والأدبية المشهورة، وكنّا نتصل ببعض لنسأل: هل صدر العدد الجديد من المجلة الفلانية؟. كانت الثقافة والإبداع في ذلك الزمن الجميل لها سطوة التفوق على عالم السياسة، والمثقفون والمبدعون أكثر شهرة وحضورا من السياسيين. مالذي حدث في العقود الأربعة الماضية أو ما قبلها بقليل؟. أعتقد أنّ هناك ظروف ومسببات عديدة، أوضحت بعضها تقارير التنمية البشرية العربية للأعوام القليلة الماضية، حيث لاحظت ورصدت تلك التقارير نمو ظاهرة انتشار الأمية في غالبية الأقطار العربية، التي لا تقل في معدلها العام عن خمسة وخمسين بالمائة، وما نتج عن ذلك من تراجع نسبة القراءة والقراء بشكل لا يمكن تصوره أو تصديقه. وقد أثّر ذلك على عالم النشر والمطبوعات ، فمن يتخيل أنّ اشهر الكتاب العرب لا يطبع الناشر أكثر من ألفي نسخة من كتابه لعرب تعدادهم يفوق الثلاثمائة وخمسين مليونا، أي بمعدل نسخة واحدة لحوالي ستة ملايين من السكان العرب، هذا ما عدا بعض الروايات التي اشتهرت وطبعت بأعداد تفوق هذا العدد بكثير.

استقراء ميداني

أتذكر دراسة ميدانية قمت بها عام 1989 في دمشق، من خلال زيارة عشوائية لعشر مكتبات بيع كتب ومطبوعات، مستعرضا رفوف المكتبات لأجد عشرات الكتب الأدبية والثقافية والإبداعية من منشورات ما قبل عام 1960 ما زالت معروضة للبيع. أي أنّ الألفي نسخة من هذه الكتب لم تنفذ خلال قرابة ثلاين عاما.  ويمكن سؤال غالبية الكتاب والمثقفين اليوم، كم واحد منهم توافق دور النشر العربية على طبع كتبه بدون أن يدفع لدار النشر، في حين أنه في الدول الأوربية والأمريكية تدفع دور النشر للمؤلف مكافآت خيالية بالمقاييس العربية. وإذا كنت مؤلفا لك ما يزيد عن خمسة عشر كتابا، ومئات المقالات والدراسات المنشورة في الصحف والدوريات والمواقع العربية، لن يصدّق صديقك الأوربي أو الأمريكي أنك لست ثريا، لأنه يقارنك بالكاتب الأوربي أو الأمريكي الذي له نفس العدد من الكتب والمقالات والدراسات.....وسط هذا الجو القاتم عربيا:

هل سمعتم ب ( الغاوون ) ؟

إنها ( مجلة شعرية، تصدر مطلع كل شهر). تأسست العام 2008 ، وتصدر عن " مؤسسة الغاوون الثقافية" وهي المؤسسة الأم لمجلة "نقد" . رئيسا تحريرها: زينب عساف و ماهر شرف الدين. تعرفت على المجلة منذ عامين تقريبا، لأجد فيها غواية أدبية وإبداعية تشدّك وسط القحل الثقافي الذي رصدت بعض مظاهره. لقد قرأت أخيرا بتمعن وتركيز عددها الورقي رقم ( 37 )، الصادر في الأول من نيسان 2011 ، وأقول الورقي لأن عددها رقم ( 38 ) قد صدر ، وموجود في موقعها على الانترنت:
www.alghawoon.com

ماذا شدّني في عدد نيسان وأنصح القراء بمتابعته؟
أولا: الموقف الوطني المناصر لثورات الشعوب


لقد كان عدد الغاوون جريئا للغاية في فضحه لمواقف مخزية تمثل قمة العار، خاصة البيان الذي صدر عن اتحاد كتاب سوريا الذي ينتحل اسم ( إتحاد الكتاب العرب )، وهو البيان الذي هاجم فيه موقعوه من مرتزقة النظام الأسدي ثورة الشعب السوري، مما استحق حسب (موقف الغاوون ) لقب واسم ( اتحاد كتاب العار العرب ).  وضمن نفس السياق يأتي ما كتبه الزميل الأستاذ ماهر ىشرف الدين على شكل بيان صادر منه وباسمه حول المقال الذي نشره الكاتب جان عزيز في جريدة الأخبار اللبنانية مشبها انتفاضة الشعب السوري في درعا بعملية زائدة دودية. و أنا مع الزميل ماهر شرف الدين ( أتعجب من قيام جريدة الأخبار التي جنّدت نفسها منذ أشهر لمناصرة الثورات العربية في تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن، بمهاجمة الثورة السورية عبر تشابيه صادمة لم تخطر حتى على بال السفاح الليبي معمر القذافي ). إنها إزدواجية تناقضية لا يقبلها لا العقل ولا منطق الممانعة حيث هذه الممانعة لا تأتي إلا من شعب حرّ يتمتع بالديمقراطية، بدليل أننا شاهدنا مدرعات النظام السوري في درعا وغيرها من المدن السورية، ولم نشاهدها في الجولان المحتل منذ عام 1967 . وضمن نفس السياق يأتي ما كتبه الأستاذ أنس البيطار بعنوان ( مرتزقة القذافي يستخفون بعقولنا ). لقد أورد جردا دقيقا بأسماء كتاب عرب وليبيين كانوا من المنظّرين والمصفقين لعميد الطغاة العرب معمر القذافي طوال سنوات عديدة، وفجأة تحولوا لمنتقدين له، ورغم ذلك فهم لن يستخفوا بعقولنا، فنحن مع الشعوب التي لن تنسى داعمي ومنظّري الطغاة العرب.

ثانيا: الدراسات النوعيّة المهمة

وأتوقف في هذا السياق عند دراسة الأستاذ عبد القادر الجنابي ( "حركة أوبيريو" آخر شرارة طليعية روسية ). وهي دراسة تعريفية بالحركة الأدبية الروسية التي أسسها عام 1927 الكاتب الروسي دانيل يوفاتشيف مع زملاء له من بينهم الكسندر فيدنسكي، وهي ما عرفت داخل "اتحاد الأدباء الروس" باسم ( أوبيريو، أي اتحاد الفن الحقيقي ). وتستعرض الدراسة جهود هذه المجموعة الإبداعية ونشاطاتها التفاعلية في داخل مؤسسات المجتمع الروسي آنذاك، مما أهّلها حسب الدراسة لأن تكون ( ثرية في طموحاتها لفتح النص على آفاق بعيدة عن أوهام الواقع، المعنى القبلي. وثراؤها جدّ كبير بحيث يمكننا التصريح بأنها كانت تحمل ( دون أن يعرف أعضاؤها ) البذور الأولى للاتجاهات الطليعية التي سادت بعد الحرب العهالمية الثانية، كمسرح العبث، مسرح القسوة، موجة الرواية الفرنسية الجديدة والقصة القصيرة جدا...). إنها دراسة موجزة من المهم قراءتها للإطلاع على معلوماتها التي ربما يجهلها الكثيرون، وأنا كنت واحدا منهم.

ومن الدراسات المهمة في العدد دراسة الأستاذ شاكر لعيبي ( ما العلّة التي تمنع أدونيس الاعتراف بدينه الشعري والمعرفيّ؟ ). وهي دراسة ورصد هادىء موضوعي لإشكال أدونيسي بامتياز، تحدث عنه العديد من الباحثين، ومفاده إدعاء أدونيس بالتفرد والسبق في مجالات إبداعية عديدة، بينما الرصد الدقيق لحركة الإبداع العربي تثبت بالأدلّة أنّ كل ميادين التفرد هذه التي يدّعيها، سبقه إليها آخرون، وهو قد نهل من مصادرهم رغم إنكاره لذلك، من هنا يصبح التساؤل عنوان الدراسة محقّا ( ما العلّة التي تمنع أدونيس الاعتراف بدّينه الشعري والمعرفي ؟ ). تحتوي الدراسة العديد من الاثباتات من الضروري الإطلاع عليها للوقوف على بعض المصادر التي نهل منها أدونيس دون اعتراف منه بذلك.

لم لم ينشر محمود درويش قصيدة "كردستنان" في دواوينه؟

هذا السؤال طرحه عدد "الغاوون" بصدد قصيدة للشاعر محمود درويش بعنوان "كردستان" نشرها عام 1972 في جريدة "التآخي" لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد، وأنّ محمود درويش لم ينشر هذه القصيدة في أي من دواوينه أو مجلدات أعماله الكاملة، وينسب تقرير الغاوون إلى كاتب كردي زار محمود درويش في منزله في عمّان عام 2007 ، وسأل درويش عن هذه المسألة، فكان جوابه: "لأنّ اصحاب دور النشر يرفضون نشرها". ويقول مطلع القصيدة للشعب الكردي:
معكم قلوب الناس
لو طارت قذائف في الجبال
معكم عيون الناس
فوق الشمس تمشي  لا تبالي
معكم عبير الأرض
من خصر المحيط إلى الشمال

وعن العرب والعروبة يقول:
الموت للأكراد إن قالوا:
لنا حقّ التنفس في الحياة
ونقول بعد الآن: فلتحيا العروبة
مرّي إذا في أرض كردستان
مرّي يا عروبة
هذا حصاد الصيف هلا تبصرين؟
لن تبصري
إن كنت من ثقب المدافع تبصرين
يا أمّتي
باسم العروبة
يطعن التاريخ من شطآن دجلة والفرات

ومن المهم ملاحظة أنّ محمود درويش نشر هذه القصيدة عام 1972 أي وهو في بيروت بعد أن غادر القاهرة التي وصلها قادما من موسكو في أول فبراير 1971 رافضا العودة لدولة إسرائيل حيث كان يقيم منذ ولادته في فلسطين قبل احتلالها وقيام دولة إسرائيل. وكان وصوله للقاهرة قد لاقى أراءا مختلفة بين مؤيد وساكت ورافض على اعتبار أنّه مهما تعرض الفلسطيني من أذى واضطهاد على يد دولة الاحتلال فلا يجوز له أن يغادر وطنه. ومن المعروف أنّ درويش لم يقم في القاهرة فترة طويلة رغم أنّه عمل فترة في جريدة الأهرام، وتمّ تخصيص مكتب له في طابقها السادس كما روى المرحوم رجاء النقاش.

وسؤال الغاوون السابق يثار أيضا حول،

قصيدة محمود درويش ( الصوت الضائع في الأصوات ) عن صلاح الدين الأيوبي، التي تضمّنها ديوانه ( العصافير تموت في الجليل ) الصادر عام 1969 ويقول فيها:
نعرف القصّة من أولها
وصلاح الدين في سوق الشعارات،
وخالد
بيع في النادي المسائي
بخلخال إمرأة
والذي يعرف يشقى

وهناك من يؤكّد أنّ محمود درويش حذفها من إحدى طبعات هذا الديوان، بعد مشاركة في مهرجان المربد بعد طلب من وزير الثقافة العراقي آنذاك لطيف جاسم نصيف على أساس أنّها لا تعجب القائد المؤمن صدام حسين. ولكن وللحقيقة فإن العودة لموقع محمود درويش على الانترنت، حيث توجد أعماله الكاملة، فإن القصيدة موجودة ضمن قصائد هذا الديوان.

وليست قصيدتي محمود درويش الكردية هي التي محل نقاش وانتقاد فقط، فهناك العديد من القصائد التي حذف منها بعض المقاطع أو لم ينشرها في أي من دواوينه كما فعل مع قصيدته المشهورة ( عابرون في كلمات عابرة ). التي كتبها إبان الانتفاضة الفلسطينية عام  1987 ، ومما قاله فيها:

أيها المارّون .. بين الكلمات العابرة
اجمعوا أسماءكم و انصرفوا
و خذوا ما شئتم من صور كي تعرفوا
أنّكم لن تعرفوا
كيف يبني حَجَرٌ من أرضنا سقف السما
أيها المارّون .. بين الكلمات العابرة
منكم السيف .. و منا دمنا
منكم النار .. و منا لحمنا
و علينا نحن أن نحرس أرض الشهداء
و علينا نحن أن نحيا
كما نحن نشاء
آن أن تنصرفوا

وهناك العديد من الروايات حول عدم نشرها في أي من دواوينه التي صدرت بعد ذلك، منها أنّ ذلك كان شرطا لعودته للأرض المحتلة بعد اتفاقية أوسلو عام 1994 . وفي هذا السياق من المهم قراءة الدراسة الأكاديمية الموثقة للباحث الفلسطيني الدكتور عادل الأسطة التي بعنوان ( محمود درويش، ظواهر سلبية في مسيرته الشعرية )، حيث يعرض للعديد من المواقف هذه ومنها حذف مقاطع من قصائده أو عدم نشر قصائد بكاملها في أي من دواوينه.

ومن المهم قراءة مجلة "واوان"
التي هي الصفحة الأخيرة من عدد الغاوون التي يحررها "الضاحك بدون سبب" رغم أنّ اللقطات التي يرصدها وينشرها، تعطيك أسبابا عدّة للضحك المبرر، خاصة أنّها لقطات مضحكة ومبكية من عالم الأدب والأدباء. الغاوون هذه تستحق القراءة والمتابعة، وعند قراءتها كاملة ستقولون معي: وما أدراك ما الغاوون!!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


175
هل توجد عداوة شخصية بيني وبين نظام الأسود في سوريا؟

د.أحمد أبو مطر

شكرا للقراء،
الذين يؤيدونني في أفكاري وقناعاتي والذين يخالفونني نسبيا أو بالمطلق، وهذا الشكر نابع من قناعاتي بأنّه لا أحد يستطيع الإدعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة، وبالتالي فإن الخلاف في الرأي ينبغي أن لا يفسد المودة بين الكاتب وقرائه، وكم هو حضاري وعقلاني أن يخالف أحد السادة المعلقين كافة آرائك الواردة في مقالتك وينقضها، ويكتب في نهاية تعليقه ( وشكرا للقراء والكاتب ). وانطلاقا من قاعدة الحوار المشترك هذه، أودّ أن أوضح خلفية موقفي الناقد بحدّة للنظام السوري، مما أنتج تعليقات لبعض السادة القراء مفادها أنّ لي موقف وعداوة شخصية من النظام السوري. وهنا سوف أسردّ مجموعة من الحقائق والأسئلة للنقاش بيني وبين القراء أملا في الوصول لقناعات مشتركة، وأرحب وأشكر كل من ينقض أية معلومة بحقيقة مغايرة.

بدايتي السورية

قبل عام 1982 زرت سوريا مرات قليلة خاصة في إجازة الصيف اثناء عملي مدرسا وصحفيا في الكويت. وبعد أن استقريت في بيروت بعد ترحال بين العديد من العواصم العربية، عشت حصار بيروت عام 1982 لمدة 88 يوما مع العديد من المقاتلين والكتاب والصحفيين الفلسطينيين. وبعد اتفاقية عرفات والمبعوث الأمريكي فيليب حبيب توزع الفلسطينيون على العديد من العواصم العربية، وكنت من ضمن الدفعة التي خرجت بحرا يوم الثلاثين من أغسطس عام 1982 إلى ميناء اللاذقية السوري، ليستقر بي المقام في سوريا حتى السابع عشر من يوليو 1990 . فماذا شاهدت وعايشت طوال السنوات الثمانية تلك؟

فرق بين الشعب والنظام


في البداية أؤكدّ أنّ صفات وممارسات وسلوك نظام الأسدين ومسؤوليه كما عايشتها لا علاقة لها بأخلاق الشعب السوري الحضارية الكريمة، التي تأسرك ببساطتها وطيبة أهلها. فماذا شاهدت وعايشت في السنوات الثمانية تلك؟.

الفساد الذي لا مثيل له

حيث رسّخ ذلك النظام منظومة من الفساد شملت كافة نواحي الحياة السورية، بحيث أصبح من المستحيل خاصة إذا كنت غير سوري أن تنهي معاملة أو توقيع ورقة بدون رشوة، يطلبها منك الموظف صراحة وعلانية بدون خجل في كافة مكاتب وإدارات النظام بما فيها مطار دمشق. وهذا الفساد هو الذي وضع حسب كافة الدراسات ما لا يقل عن ستين بالمائة من ثروة واقتصاد الشعب السوري بيد أخوال الرئيس الأسد ( آل مخلوف ) الذين أطلقت عليهم المؤسسات الأمريكية والأوربية اسم ( إمبراطورية آل مخلوف )، وهم الذين جاءوا إلى دمشق بعد انقلاب الأسد الأب وهم لا يملكون إلا القمصان التي تستر أكتافهم.

المتاجرة باسم القضية الفلسطينية

الصدمة الأولى التي عشتها في دمشق، هي أنّ هناك فرع رئيسي في المخابرات الأسدية اسمه ( فرع فلسطين )، وأتذكر أن من أسمائه أيضا ما كان يعرف ب ( الفرع 297 ) إن لم أنس الرقم الصحيح. لماذا فلسطين بالذات، وهناك 22 دولة عربية؟ لماذا لا يوجد فرع اسمه فرع مصر أو الكويت أو قطر أو..أو...لماذا فلسطين تحديدا؟ الصدمة الثانية هي عند إطلاعي على تعليمات هذا الفرع الموزعة على كل المنظمات الفلسطينية التي كان لها مكاتب في دمشق، وأهمّ تلك التعليمات:

1 . يمنع منعا باتا إطلاق رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية، ومن يريد محاربة إسرائيل فليذهب إلى جنوب لبنان ونحن نسهل وصوله. وهذا التسهيل كان عبر إصدار نمرة صفراء لسيارات المنظمات الفلسطينية،  تجعل من صلاحية السيارة أن لا تقف ولا تفتش أمام الحواجز السورية واللبنانية التي هي أساسا تحت مراقبة المخابرات الأسدية. وبالطبع لم تستعمل هذه المنظمات النمرة الصفراء لإدخال السلاح لمحاربة إسرائيل، بل لتهريب وإدخال المهربات من السجاير والكحول وألأجهزة الكهربائية.

2 . كل أمور المنظمات الفلسطينية والفلسطينيين غير السوريين، من مهمات فرع ( الضابطة الفدائية ) في منطقة العدوي. ولا يجوز لأي فلسطيني أن يغادر دمشق برا أو جوا إلا بإذن مسبق من مكتب الضابطة الفدائية التي كان يرأسها العميد عبد الرحمن قاسمو، وغالبا ما كان يتم الحصول على الإذن برشوة أيا كان حجمها.

هل أطلق نظام الممانعة رصاصة منذ عام 1973 ؟


لقد اكتسب نظام الأسد الأب ومن بعده الوارث الإبن صفة المقاومة والممانعة، فما هي مؤهلات ذلك؟. كيف يكون نظام ممانعة ومقاومة وهو لم يطلق رصاصة على الإحتلال الإسرائيلي منذ عام 1973 ؟ كيف يكون نظام مقاومة وهو لم ينظّم ويدعم حتى مقاومة سلمية وشعبية للإحتلال الإسرائيلي للجولان منذ عام 1967 ؟ وفي الوقت نفسه يجري مباحثات علنية مع إسرائيل في تركيا وغيرها من الدول، وهدف تلك المباحثات عودة الجولان المحتل. فلماذا عندما استعاد السادات كامل الأراضي المصرية المحتلة عبر اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 أصبح خائنا، بينما نظام الأسود ممانع وهو يقول علنا: لا سلام ولا صلح إلا بعد استعادة الجولان؟.

لماذا اعتقال قيادات المقاومة الفلسطينية؟

1 . ماذا فعل الرفيق صلاح صلاح عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كي يتمّ اعتقاله عام 1986 تقريبا لمدة تزيد على سنتين؟. والله لم أعرف الرفيق صلاح صلاح بعد خروجه من السجن وزيارته في مكتب الجبهة الشعبية؟

2 . ماذا فعل الأخ توفيق الطيراوي مدير المخابرات الفلسطينية السابق في الضفة الغربية ليتمّ اعتقاله عام 1983 لمدة زادت على ستة سنوات، خرج بعدها من السجن يعاني من أمراض عديدة؟

3 . ماذا فعل ياسر عرفات وخليل الوزير ليتم طردهما من دمشق عام 1983 ، وإغلاق مكاتب حركة فتح في كافة أنحاء سوريا. ثم تدبير الانشقاق على فتح من قبل عملاء المخابرات الأسدية أبو موسى وأبو خالد العملة؟ ثم حصار ياسر عرفات ومقاتليه في مدينة طرابلس في شمال لبنان وقصفهم بالطائرات والمدفعية مما أدّى لسقوط المئات من القتلى ، ولم يخرج عرفات سالما إلا بحماية البحرية الفرنسية.  وبعد ذلك دعم المنشقين عن فتح مع عميل المخابرات الأسدية أحمد جبريل لافتعال حرب المخيمات الفلسطينية في بيروت عامي 1986 و 1988 التي قتل فيها أولئك العملاء ما يزيد على 3000 فلسطيني، ثم تهجير جماعي لأعضاء وعائلات حركة فتح إلى الجنوب اللبناني.

4 . ماذا فعل مئات السجناء والمفقودين الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين في سجون الأسدين منذ ما يزيد على أربعين عاما؟. وتوجد قوائم رسمية موثقة بأسمائهم لدى غالبية منظمات حقوق الإنسان في بلادهم والعالمية أيضا؟. وآخر هولاء المفقودين في سجون الأسد منذ الثامن والعشرين من ديسمبر 2010 الكاتب والصحفي الفلسطيني مهيب النواتي الذي وصل دمشق قادما من أوسلو للمرة الأولى في حياته فيختفي هناك حتى اليوم.

5 . هل هناك من يستطيع نسيان مجازر هذا النظام من مذبحة حماة عام 1981 إلى المذابح الأخيرة في غالبية المدن السورية المطالبة بالحرية والديمقراطية؟

6 . هل يستطيع أي محايد أو مؤيد للنظام أن يثبت مرور إسبوع في سوريا دون اعتقالات لنشطاء حقوق الإنسان وحرية التعبير؟.

7 . هل هناك من يستطيع انكار قتل المئات من المتظاهرين في سوريا الشهور القليلة الماضية؟ هل كل هؤلاء المواطنيين بلطجية وسلفيين و إرهابيين؟.

7 . ما هي جريمة مئات ألالاف من المواطنين السوريين من القومية الكردية حتى تسحب منهم الجنسية السورية، ولا يحملون أية أوراق ثبوتية؟ ما هي جريمة الشعب السوري من القومية الكردية حتى يحرموا من استعمال لغتهم القومية بينما الاحتلال الإسرالئيلي يسمح منذ عام 1948 للفسطينيين باستعمال لغتهم وثقافتهم العربية؟.

8 .  هل هناك ضمير أو عاقل يقبل مسخرة توريث بشار لوالده الأسد؟. من يستطيع أن يدافع عن فضيحة تغيير الدستور السوري خلال ساعتين ليصبح على مقاس وعمر بشار؟. أنا استغرب لدرجة الجنون من شخص يقول أنه درس الطب في بريطانيا ، حيث ملكة بريطانيا لا تستطيع إصدار قانون واحد، بينما هو يقبل هذا التزوير الفاضح ليخلف والده الذي استولى على السلطة أساسا بانقلاب عسكري على رفاقة البعثيين.

بعد كل هذه الحقائق والتساؤلات،

هل هناك من السادة القراء أو رموز النظام من يستطيع نقضها؟. لذلك فلا عداوة شخصية بيني وبين نظام الأسود في سوريا، بقدر ما هي عداوة هذا النظام للشعب السوري، وبالتالي فموقفي مع الشعب وضد تزوير الجقائق وضد الممانعة الكاذبة التي تمنع أية مقاومة من الحدود السورية.

وتكفي تصريحات رامي مخلوف،

التي فضحت النظام ، فهذا الرامي يحذّر إسرائيل من أنّ سقوط النظام الأسدي خطر عليها وتهديد لأمنها، وبنيامين نيتنياهو يطالب موسكو صراحة بوقف تصدير السلاح للنظام السوري، مخافة سقوطه ووقوع الأسلحة بعد ذلك بيد معادين لإسرائيل....بعد كل هذه الحقائق هل يستحق هذا النظام دعما و تعاطفا ودفاعا من أي مواطن سوري وعربي؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net








176
قراءة في وثائق مخابرات النظام الأسدي

د.أحمد أبو مطر

كيف تتسرب وثائق من مكاتب مخابرات قمعية متوحشة كالمخابرات التابعة لنظام الأسد الأب والإبن؟. وهل هناك إمكانية بحثية موضوعية لدراسة طرق تسرب هذه الوثائق؟. أو هل هناك طرق محايدة للتثبت من أنها وثائق حقيقية صادرة عن تلك المكاتب المخابراتية، أم انّها مزورة وملفقة تريد الإساءة لذلك القوم المخابراتي، وكأنهم أناس شرفاء ذوو ضمائر وهناك من يريد تشويه صورتهم الناصعة بياضا؟. مناسبة هذه التساؤلات هي الوثيقة التي انتشرت كالنار في هشيم المواقع الإليكترونية السورية والعربية، وهي الصادرة بإسم وعن ( وثيقة سرّية للبعث السوري، الجمهورية العربية السورية، إدارة المخابرات العامة ).وهي  (بدون رقم تاريخ، وبدون تسجيل، سرّي للغاية، إدارة المخابرات العامة، سرّي جدا). ومن الواضح أنّ الوثيقة صدرت بعد اجتماع سري بتاريخ الثالث والعشرين من مارس 2011 ، شارك فيه خمسة مسؤولين من أجهزة المخابرات الأسدية، لدراسة الوضع الناجم عن ثورتي تونس ومصر، وامتداده السوري أولا في مدينة درعا.

ما الدليل على أنها وثيقة مخابراتية صحيحة؟

سأقدّم اجتهاداتي المبنية على معلومات ومعايشات ميدانية بين عامي 1982 و 1991 عام طردي من سورية من قبل هذه الأجهزة، وسأذكر الأسماء بدون حرج حيث كان الواحد منهم يرتشي بما لا يزيد عن مائة دولار، ويطبع لنا إقامة رسمية على جواز يمني أو عراقي مزور، وهو يعرف أن الكثير من الفلسطينيين الذين جاءوا دمشق الممانعة الكاذبة بعد الخروج من حصار بيروت 1982 ، كانوا يحملون جوازات يمنية جنوبية مزورة في الغالب.

 ومن طرائف أو مساخر واحد من عقداء المخابرات الأسدية في فرع ( المخابرات العسكرية )، أن طلب منه أحد الأصدقاء ترخيصا لإحضار ( مربية ) لتعمل في بيته، لأنه وزوجته يعملان ويسافران كثيرا، فوافق على طلبه شرط أن تكون تلك المربية غير فليبينية، لأن الفلبينيات ممنوعات من دخول سوريا، فأحضر الصديق مربية من ( جزيرة موريشيوش ) عبر دبي، فوضع سيادة العقيد لها تأشيرة دخول في المطار، وبعد دخولها الرسمي، أخذ جوازها وطبع عليه لها إقامة رسمية، واصدر لها بطاقة الإقامة. وفي يوم من الأيام كنت و صحفي مشهور في جريدة تشرين في زيارة لذلك الصديق، فشاهد جواز المربية وبطاقة إقامتها الرسمية ، ففرط من الضحك. سألناه: لماذا تضحك؟ قال: هل تمعنتم في بطاقة الإقامة؟ قال له الزميل : لا ؟ قال: إقرأ سبب منحها الإقامة. تمعنّا فيه فإذا السبب: المصلحة العامة. سألناه ماذا تعني هذه الكلمة؟ قال: إنها تعني لدى الأجهزة البعثية، أنها تعمل في جهاز المخابرات العامة. كل ذلك مقابل رشوة لا تتعدى ثلاثمائة دولار، وهذا يفسر للقراء كيف وصل الجاسوس الإسرائيلي (كوهين) لأعلى مستويات وزارة الدفاع في زمن الأسد الأب واللواء مصطفى طلاس؟. هذا رغم أنه جاء من الأرجينتين باسم عربي مزور، على أنّه مليونير ومستثمر سوري، يريد أن يستثمر ملايينه في وطنه الأم سوريا البعث، فوصل لوزارة الدفاع، مما أهّله للحصول على كافة الأسرار العسكرية التي كانت عاملا حاسما في هزيمة عام 1967 .

أمّا الأسماء الواردة في الوثيقة المخابراتية الأسدية،

موضوع الدراسة ومشار إليها بالحروف الأولى، فأستطيع بثقة كبيرة حلّ هذه الرموز، وذكر الأسماء الحقيقية وموقعها. تقول الوثيقة في مطلعها: ( اجتمعت اللجنة الأمنية المصغرة المؤلفة من كل من: ا ش، م ن، ح خ، ع م،ح م ، بتاريخ 23 مارس 2011 فيما يختص الاحتجاجات والتظاهرات المعادية، وناقشت الأمر من جميع جوانبه الأمنية والسياسية والإعلامية ). من هم أصحاب هذه الأسماء المخابراتية المشار اليهم بالحروف الأولى من أسمائهم؟ إنهم كالتالي:
آ ش ، هو اللواء آصف شوكت ، نائب رئيس هيئة الأركان للشؤون الأمنية.
م ن ، هو اللواء محمد ناصيف، المستشار الأمني للطاغية بشار ألأسد.
ع م ، هو اللواء علي مملوك، رئيس إدارة المخابرات العامة.
ح م ، هو اللواء حافظ مخلوف، قائد قسم مكافحة الإرهاب.
ح خ ، هو  العقيد خضر الحسين ، رئيس فرع أمن الدولة في دمشق.

أما عن التوصيات الصادرة عن اللجنة فهي مخابراتية بعثية بامتياز،

تكاد تكون صيغة معدّلة لكافة التوصيات المخابراتية الأسدية منذ مذبحة حماة عام 1981 إلى مذابح درعا وبانياس والعديد من المدن السورية عام 2011 . ويمكن للمتابع الموضوعي لمسيرة هذه المخابرات المتوحشة على الشعب السوري واللبناني فقط ملاحظة ما يلي حول ما ورد في الوثيقة:

أولا: اعتمادها الصريح على بث الفتنة الطائفية بين نسيج المجتمع السوري، لأنها مخابرات نظام طائفي عنصري، مع التأكيد على أنّ الطائفة العلوية بريئة تماما من أعماله وممارساته، ولكن كون هذا النظام المتوحش، قد أوكل غالبية المناصب العسكرية والأمنية والمخابراتية لأشخاص من هذه الطائفة، فيعتقد البعض أنّ الطائفة العلوية مسؤولة عن جرائم هذا النظام. وأنا اقولها بصراحة وشجاعة: لا..وألف لا...فغالبية الطائفة العلوية من السوريين أوفياء لوطنهم، ويتبرأون من ممارسات هذا النظام، وظهر العديد منهم في الفضائيات بأسمائهم الحقيقية، يستنكرون قمع هذا النظام ويصرخون ويبكون بصوت عال: نحن سوريون...سوريون فقط. وللعلم فمن يعرف المناطق حيث الأغلبية العلوية يعرف أنهم يعانون نفس الذل والفقر، فليس كلهم ( آل مخلوف ) ، وليس بينهم من هو ( رامي مخلوف ) الذي يحذّر إسرائيل من أنّ انهيار نظامه الأسدي خطر مرعب على إسرائيل، مما أثبت صحة أنّ نظام الأسد هو حامي إسرائيل الذي دفع الإعلام ألإسرائيلي لتسميته ( ملك إسرائيل ). وللدخول من باب الفتنة الطائفية، تأمر الوثيقة المخابراتية البعثية بشنّ ( حملة إعلامية غير مباشرة في التلفزيون والقنوات الخاصة والشوارع حول الفتنة الطائفية، وتخويف المسيحيين والدروز من الإخوان المسلمين والتطرف إن لم يشاركوا في إنهاء الاحتجاجات، وفي منطقة الساحل استنفار العلويين ليدافعوا عن نظامهم وحياتهم التي ستصبح مهددة من قبل التطرف السنّي ).

ثانيا: اعتماد الوثيقة على التذكير بأسلوب المماطلة لكسب الوقت في مواجهة الثورة السورية، فهي تذكّر بضرورة الاستجابة البطيئة لبعض المطالب، والاتصال ببعض الشخصيات المعارضة لمجرد الحوار كي تبدو هذه الشخصيات، وكأنها مع آلية النظام وخطابات رئيسه التي لم تتضمن أية إصلاحات حقيقية.

ثالثا: محاولة استغلال القومية الكردية المقموعة منذ ما يزيد على ستة عقود والمحروم غالبيتها من الجنسية السورية، من خلال نصّ الوثيقة صراحة على ( الاستجابة لبعض المطالب الكردية الخاصة بالتجنيس فقط، على أن يتم ذلك بشكل لا يغير من الوضع في الدولة والمجتمع وعدم تخريب التوازنات القائمة في الواقع الراهن ).

كيف تسربت هذه الوثيقة وغيرها؟

المشككون في صحة هكذا وثائق، يطرحون تشككهم دوما من خلال سؤال: كيف يمكن تسريب هكذا وثائق سرّية من جهاز مخابراتي قمعي لا مثيل له في العالم؟. إنّ هذا التساؤول تمّ طرحه مرارا، خاصة عند تسريب كتاب البعثي العنصري الملازم أول محمد طلب هلال، الذي كتب للنظام البعثي المخابراتي عام 1963 كتابا حول التطهير العنصري للقومية الكردية السورية، بعنوان ( دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي السياسية،الاجتماعية، القومية). وكان هذا الكتاب السرّي يوزع على عناصر المخابرات البعثية للعمل على قراءته وتنفيذ ما ورد فيه من تطهير عرقي وتعريب المناطق الكردية. ومن خلال واحد من هولاء المئات من العناصر المخابراتية تمّ تسريب الكتاب ليصبح اليوم متداولا بشكل علني ومنشور في العديد من الوسائل الإعلامية.

ونفس الآلية بالنسبة لهذه الوثيقة، فحسب آلية المخابرات البعثية، يتمّ توزيعها على مئات من عناصر المخابرات للبدء بتنفيذ ما ورد فيها، ومن خلال واحد منهم استيقظ ضميره الوطني السوري تمّ تسريب الوثيقة لتصبح متاحة في العديد من وسائل الإعلام السورية والعربية. إنها وثيقة مهمة، تدلّل على أنّ هذا النظام الأسدي المتوحش، أصبح شعاره هو ( أنا أو الموت والدمار لسوريا والشعب السوري ).
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


وهذه هي الوثيقة المخابراتية البعثية لمن فاته قراءتها:

وثيقة سرية للبعث السوري

الجمهورية العربية السورية
إدارة المخابرات العامة

الرقم / / التاريخ / /
بدون تسجيل/ سري للغاية
إدارة المخابرات العامة / سري جداً /

الخطة العامة للتثبيت:
الموضوع:
هناك توجه متزايد لدى فئة ضئيلة نحو تقليد ما حدث في تونس مصر بالاستفادة من الظروف الاقتصادية في القطر والجو الخارجي المناصر للتحركات الشعبية. وهذا التوجه ربما يزداد بعد ما جرى في مدينة درعا منذ أيام قليلة.
التقييم:

  لابد من الاستفادة من التجربة الماضية في التعامل مع حركة الاخوان المسلمين العدائية، والاستفادة من أخطاء النظام التونسي والمصري خاصة أنهما قاما بتحييد قوة الجيش والحرس الجمهوري منذ البداية سمحوا لوسائل الإعلام لتغطية كل تحرك حتى خرجت الأمور عن السيطرة.
  لن تصل الأمور باستخدام الطرق المرسومة في الخطة التفصيلية إلى حالة خطرة على النظام العام والقطر أو تهدد الاستمرارية القائمة وستكون الحصيلة الإجمالية مرور عدة أشهر متعبة وبعدها يخرج النظام أقوى إلى أجل غير محدد.
  اجتمعت اللجنة الأمنية المصغرة المؤلفة من كل من أ ش، م ن، ح خ ، ع م، ح م، بتاريخ 23 /3 /2011 فيما يخص الاحتجاجات والتظاهرات المعادية وناقشت الأمر من جميع جوانبه الأمنية والسياسية والإعلامية ووضعت التدابير والإجراءات التالية: وثم التأكيد أن المعالجة تتطلب إشراك ثلاثة انواع من العمل : أمني وإعلامي وسياسي اقتصادي بالحدود الدنيا.
الخطة التفصيلية:
  تعتمد الخطة على ثلاثة عناصر متكاملة: إعلامي - أمني وأداء ميداني – سياسي اقتصادي.
العنصر الإعلامي:

- ربط التظاهرات والاحتجاجات المعادية للنظام بالشخصيات مكروهة عند السوريين كالشخصيات السعودية واللبنانية المعروفة وربط الجميع بالصهيونية وأمريكا. هناك خطة تقوم خلية أمنية بإعدادها وإدخالها بالطرق المناسبة بشكل مؤقت في مواقع مشبوهة باسم خطة بندر بن سلطان قابلة للتصديق والإقناع.
- حملة إعلامية مكثفة تتهم المحتجين والمعادين بالعمالة للسعودية وإسرائيل وأمريكا، وفي حالة حدوث عمليات قتل يجب على الخلية الأمنية الإعلامية تكرار اتهام عصابات مسلحة أو متطرفة وأن الأجهزة الأمنية والجيش يساهمان في حفظ الأمن والاستقرار والأهالي.
- حملة إعلامية غير مباشرة في التلفزيون والقنوات الخاصة والشوارع حول الفتنة الطائفية وتخويف المسيحيين والدروز من الإخوان المسلمين والتطرف الذي سيواجهونه إذا لم يشاركوا في إنهاء الاحتجاجات وفي منطقة الساحل استنفار العلوين ليدافعوا عن نظامهم وحياتهم التي ستصبح مهددة من قبل التطرف السني.
- تكليف بعض العناصر الأمنية في كافة الأجهزة الأمنية بالعمل من خلال الفيسبووك للرد والتشويش على المعادين, وجعل بعضهم يأخذ صفة معادية للنظام بأسماء مستعارة وطرح أساليب وتوجهات تسيء إلى سمعة المعارضين, وكذلك يمكن لهم كشف الأساليب والمخططات المعادية للسيد الرئيس والقطر.
- منع وسائل الإعلام من التواجد في أماكن الشغب, ومعاقبة من ينقل أي خبر لا يخدم القطر, وعدم إظهار أي تهاون في هذا الأمر.
- في حال تمكن المعادون من تصوير أو نقل أية فيدوهات أو صورة ينبغي قيام الخلية الأمنية الإعلامية بتجهيز مشاهد عن الاحتجاجات ووضع ثغرات فيها يمكن بعدها عرضها على الإعلام السوري والشبكات الإعلامية الأخرى وفضح هذه الثغرات وبالتالي يعمم هذا في ذهن الجميع لإفقاد أشرطة وصور المعادين مصداقيتها.
- تعتمد وسائل الإعلام عندما يمنع المراسلين فيها عن التغطية والتدخل على شهود العيان،ونتوقع أن يتجرأ البعض ويتصلوا بالفضائيات كشهود عيان، لذلك يقع على عاتق الخلية الأمنية لإعلامية تجهيز بعض شهود العيان من العناصر الأمنية المحترفة للتحدث مع الفضائيات على أن يكون شهادتهم مبالغة وثغرات يمكن فضحها مباشرة في إعلامنا ومع الفضائيات، وبالتالي تصبح قضية شهود العيان ورقة محروقة.
- تكليف بعض أعضاء مجلس الشعب بمهام للرد على المعادين والمخربين، ووضع بعض النقاط والمحددات لهم في طريقة الرد.
- تكليف بعض الشخصيات في أجهزة الدولة من مناطق الاحتجاج ذاتها بالرد على المحتجين والمعادين.
- في حال كانت حالة العداء شديدة ويصعب التغاضي عنها، لا بد من تحويل العداء إلى مجرد مطالب محلية خاصة بالمنطقة وحسب.
- تسيير قوافل سيارات تحمل صور السيد رئيس الجمهورية، ويمكن أن يضاف لها العلم السوري، من قبل عناصر الأمن وأصدقائهم وأولاد المسؤولين والضباط داخل المدن، وتزويد بعض هذه السيارات بزمامير ممائلة لسيارات الإسعاف لخلق الرهبة في نفوس المارين والسكان.
- استضافة بعض المعارضين في التلفزيون السوري، ويمكن استخدام التخجيل وشيء من اللباقة معهم، فهذا يخفف مطالبهم ويحولها إلى مطالب بسيطة يطلبون من السيد الرئيس تقديمها لهم، كما لهذا الأمر فائدة في خلق شروخ داخل الرؤوس الحامية والمعادية في المعارضة.
- إصدار وزارة التربية لتعليمات مشددة وتحذيرات للمدارس والطلاب حول استخدام الفيسبووك.
- تكليف بعض الفنانين المعروفين بولائهم أو الممسوكين من قبلنا بالحديث مع مناطق الاحتجاج أو بالرد على المعارضين والمحتجين بحسب ما نضعه لهم.
العنصر الأمني والأداء الميداني:
- عدم التهاون في المسّ بالرمز الأعلى مهما كانت الأثمان، لأن ذلك إن تم السكوت عنه سيزيد من قدرة المعادين على تجاوز جميع الخطوط.
- يتوقع أن تكون تجمعات المعادين والمحتجين في أماكن الاكتظاظ السكاني من أجل لفت الانتباه وطمعا منهم في تشجيع الآخرين على الانضمام لهم، وهنا يجب محاصرة المكان قدر الإمكان والتغطية عليهم وإدخال عناصر أمنية بلباس مدني بين المحتجين لإثارة الخلاف بينهم وإفشال لتجمع وفضه بأسرع وقت ممكن، وإذا اضطر الأمر اعتقال بعض العناصر الفاعلة المخربة بينهم.
- تكليف فرع المعلومات في الإدارة وفي مركز الأبحاث العلمية بالتعاون مع شبكتي المحمول بمراقبة جدية لخطوط الهواتف الأرضية والمحمولة لبعض الشخصيات المحرضة والمعادية المعروفة والمتوقعة.
- حالات استدعاء وجلب للشباب لخلق الرهبة والتردد عندهم بالمشاركة، واعتقال البعض منهم وإعلان تعبئة عامة في الجيش والقوات المسلحة لإرهاق الشباب والناشطين بمراجعة شعب التجنيد.
- إرهاق المعارضين والرموز بالدعاوى القضائية من جميع الأشكال وتشويه سمعتهم الأخلاقية والدينية، ويمكن استخدام وسائل معدة مسبقاً في هذا الشأن.
- عدم السماح بالسفر للشخصيات المؤثرة في المعارضة السورية في الداخل تحت أي ظرف كان.
- قيام فرع الأمن العسكري برقابة صارمة داخل الجيش والقوات المسلحة على القيادات المتوسطة والعليا، خاصة القيادات السنية.
- لدى حصول مواجهات بين عناصر الجيش والمحتجين والمعادين يجب إصدار أمر واضح بعدم إطلاق النار من قبل الجيش، ويبقى ذلك محصوراً بالعناصر الأمنية المدربة وعناصر الكتيبتين السرية والسوداء، واستخدام القناصة في الكتيبتين بشكل غير مكشوف لمنع تحديد مصدر إطلاق النار، وزيادة في التمويه لا بأس من قتل بعض عناصر وضباط الجيش، وهذا يفيد في استنفار عداء الجيش ضد المحتجين.
- أي مكان تخرج فيه الاحتجاجات العدائية عن السيطرة:
* عزل المكان ومحاصرته بقوى الأمن والجيش، وقطع الكهرباء والاتصالات وشبكة الانترنت.
* اعتقال بعض الشخصيات المؤثرة من هذا المكان، وإن كانت الظروف حرجة قتلها.
* استخدام بعض المهربين والمجرمين وإغراق المكان بهم وخلق حالة من الفوضى
* إدخال عناصر أمنية مدربة بلباس مدني ضمن منطقة الاحتجاج ومحاولاتهم إقناع المحتجين باستخدام السلاح ضد قوات الجيش والأمن
* دخول قوات الأمن وعناصر الكتيبتين السرية والسوداء مع القناصين في حملات منظمة أثناء الاحتجاجات ولكن يجب ألا يزيد عدد القتلى عن عشرين في كل مرة، لأن ذلك قد يجعل الأمر مفضوحاً وقد يجر إلى حالة تدخل خارجية
- استخدام عناصر و ضباط في الجيش من المسيحيين و الدروز في الدخول لمناطق الاحتجاج المعادي و إغراؤهم بالدفاع عن أنفسهم, و كذلك استخدام وحدات من الجيش عناصرها بعيدة عن مناطق الاحتجاج منعاً لحالات الرفض و التمرد و التردد في تنفيذ الأوامر.
- في حال وصلت الأمور إلى حالة حرجة و خطرة جر الجميع للاختيار بين الأمن و الاستقرار و الحريات التي يطالبون بها, و سيختارون هنا بقاء الأمن و سلامتهم. و هذا يمكن تنفيذه ببعض الاغتيالات من طوائف و عشائر مختلفة أو تفجير بعض أماكن العبادة في أماكن التوتر الكبيرة.
العنصر السياسي الاقتصادي:
- إخراج مسيرة حاشدة و مؤيدة للسيد رئيس الجمهورية قبل خطابه أمام مجلس الشعب كي يكون الخطاب استجابة لمطالب الجماهير وحسب. وهنا يجب إصدار تعليمات صارمة للمؤسسات الحكومية و النقابات و المدارس بحشد الموظفين و الطلاب, و توزيع شعارات جديدة عليهم.
خطاب السيد رئيس الجمهورية المتوقع:
تأجيل الخطاب قدر المستطاع فهذا التأجيل تعبير عن قوة الدولة و عدم اهتمامها و اكتراثها بما قد يحدث, كما يساهم في جلاء الصورة و تحديد مقدار التحرك السياسي و الإعلامي و الميداني المطلوب.
أي تغيير قد نضطر له يجب إظهاره بأننا نحن من بدأنا به و نادينا إليه.
إعطاء صورة عن تماسك كل أركان النظام.
- الإجراءات التي يمكن عرضها في الخطاب الرئاسي امام مجلس الشعب:

* زيادة رواتب العاملين في الدولة و القطاع الحكومي بعد استشارة السيد وزير المالية ووضع خطة لعودة الاستقرار المالي خلال مدة 3 شهور, خاصة أن هذه الزيادة قد تؤدي لارباك المصالح الاقتصادية المستقرة اليوم.
* إطلاق وعد بخلق فرص عمل جديدة موزعة على المحافظات.
* مقدار من التخفيض الممكن على سعر المازوت و بعض السلع الاساسية
* تغيير حكومي جزئي وفضح فساد بعض الوزراء/ هذا يحتاج للجنة أمنية واحدة تحتار من الوزراء الذين يجب التضحية بهم/ يساهم في اقناع المواطنين بجدية تحرك القيادة السياسية نحو تحركات إصلاحية.
* تخفيض تعرفة مكالمات الهاتف المحمول رسمياً يمكن استعادة قسم منها من خلال الرسوم غير الملحوظة.
- تقديم بعض المزايا الشخصية و العامة لرجال الدين المسلمين و المسيحيين المقربين من النظام و استخدامهم في التوجه للناس وذم المحتجين و المعادين للنظام, و الطلب منهم الاستعانة بآيات و أحاديث مقنعة تبعدهم عن المشاركة فيما يجري.
- إرسال شخصيات رسمية مقبولة نسبياً إلى المعارضة الداخلية تطرح عليهم قبول القيادة السياسية للتحاور معهم ، و طبعاً سيقبل البعض منهم مباشرة, وبعضهم سيقبل بشروط و بعضهم سيرفض, وهذا مفيد في ظهور جدال و خلاف مستمر وعدم ظهورهم ككتلة متوافقة و مؤثرة ، و إبعادهم عن التأثير في التحرك الاحتجاجي.
- الاستجابة لبعض المطالب الكردية الخاصة بالتجنيس فقط على أن يتم ذلك بشكل لا يغير من الوضع في الدولة والمجتمع وعدم تخريب التوازنات القائمة في الواقع الراهن وهذه الاستجابة من أجل تجنيدهم وكذلك لاستبعاد توجههم المؤكد في استقبال قوات أجنبية معادية فيما لو زادت الاحتجاجات المعادية عن المتوقع. فالمنطقة الشمالية الشرقية هي الثغرة الوحيدة من هذه الناحية, أما بقية المناطق فلا يوجد احتمال قبول هذا الأمر.
- إصدار السفارات السورية في الخارج ووزارة الخارجية السورية لتطمينات مستمرة لأمريكا والدول الأوربية وتذكيرهم بإمكانية تعرض الاستقرار على جبهة الجولان للاهتزاز في حال وصل المتطرفون وأمسكوا بزمام الأمور.
- مراقبة السفارة السورية في جميع الدول للسوريين وتصرفاتهم وسلوكياتهم /على وزارة الخارجية التصرف بهذا الشأن/
المناطق الساخنة المتوقعة: درعا – دير الزور – حماة – بانياس – وبعض الأحياء المتفرقة من مدن أخرى.
الحاجات:
تجهيز الطواقم الأمنية والإعلامية الضرورية للتنفيذ في أسرع وقت ممكن وبشكل سري للغاية.
ملاحظة:
الخطة التفصيلية الكاملة لا توضع أبدأ بين يدي أحد أو أي طاقم من طواقم العمل. ولكن يتم تجزئتها إلى فروع وأقسام.
إنتهى


177
قائمة العار السورية: سوريون ضد الثورة

د.أحمد أبو مطر

عنوان المقالة ليس لي، ولكنه اقتباس من الصفحة التي أسّسها ثوار سوريون داعمون لثورة شعبهم السوري على موقع الفيسبوك، يكشفون فيها أسماء الفنانين والمثقفين والصحفيين السوريين الذين وقفوا مع نظام الأسد القاتل ضد إرادة الشعب السوري، بائعين ضمائرهم وعقولهم ساكتين على مقتل ما لا يقل عن ألفين وخمسمائة مواطن سوري حتى الآن في أغلب المدن السورية، خاصة مدينتي درعا وبانياس التي اقتحمها الطاغية بدباباته ومدرعاته، وهو يعرف أنّها مدن سورية وليست الجولان أو الإسكندرونة المحتلتين. وقد زاد المشاركون والموقعون في هذه الصفحة عن خمسة عشر ألف مواطن سوري ضد النظام القمعي، وضد الكتاب والفنانين الساكتين على القمع أو المؤيدين بدون خجل لهذا النظام الذي ما زال يرتكب بحق الشعب السوري ما يؤهله بامتياز مخجل للإقتياد لمحكمة العدل الجنائية الدولية، هو وأركان نظامه القتلة، لأنّ ما يرتكبونه يرقى لحد الإبادة الجماعية المقصودة المخطط لها، خاصة أن المشاهدات الحية والمصورة تضعه في خانة أبشع القوى الهمجية في العالم في مختلف عصوره.

دريد لحّام على رأس قائمة العار

وليس غريبا أن يجمع ثوار سوريا المنكوبة بأسدها المتوحش، على أنّ الفنان دريد لحام يحتل رأس قائمة العار هذه، لأنّ فنانا بمستوى قيمته وابداعه الفني، يحتّم عليه أن يكون في صف الشعب وليس النظام خاصة إذا كان قاتلا بهذا المستوى الإجرامي، وإلا فكيف لايفهم دريد لحام مسؤولية الكاتب والمثقف والفنان العضوي التي رسّخها انطونيو جرامشي وغيره من المفكرين الأجانب والعرب، حيث أصبحت هوية ومكانة المثقف والفنان مرتبطة بمدى قدرته على التواصل مع مستجدات مجتمعه، أو القدرة على خلق الأفكار التي تناسب مستجدات عصره، وتقود الطبقات الاجتماعية لأوضاع سياسية واجتماعية أفضل، وبالتالي هل يمكن مقارنة خنوع دريد لحام بوطنية الفنان السوري سميح شقير الذي فضح الطاغية ، وأشعل روح الثورة بأغنيته الثورية ( يا حيف ).
يا حيف
زخ الرصاص على الناس العزل
يا حيف
وأطفال بعمر الورد تعتقلهم كيف
يا حيف
وإحنا بينقول اللي بيقتل شعبو خاين
يكون مين كاين
http://www.youtube.com/watch?v=Jytzu7LCJOo

وكذلك أغنية ( المندّسين )، أداء وغناء فرقة المندّسين السورية:
قالوا عنّا مندسين
قالوا عنّا مخربين
قالوا عنّا سلفيين
قالوا عنّا ويا ما قالوا
ونسيوا يقولوا سوريين..سوريين
سوريا بلد الأحرار
سوريا رجالك ثوار
شهداؤك زفوا بالغار
ومهما اشتد الظلم وجار
بدنا نشيلك يا بشار
راحة نشيلك ياجزّار

إسمعوا كيف تحارب الأغنية الثورية السورية الطاغية:


http://napeel-alquds.blogspot.com/2011/05/blog-post.html


 وقد أبدع ثوار سوريا الذين أسّسوا موقع قائمة العار هذا، عندما ذكّروا دريد لحام بمقاطع من مسرحياته التي كانت تنتقد القتل والتعذيب والطغيان، وإذا به اليوم والدم السوري حتى الركب فعلا، يسكت وكأن هذه الدماء لا تعنيه. وهو في الوقت ذاته يقفز عن المسرحيات التي أشهرته مثل (ضيعة تشرين ) و ( كاسك يا وطن )، رغم أنّ الفضل والحس الوطني الملتزم فيها يعود لمؤلفها الكاتب الشجاع الشاعر المرحوم محمد الماغوط، فدور دريد لحام كان في التمثيل فقط، أما الأفكار فيثبت بموقفه المعيب اليوم، أنها ليست أفكاره بدليل تبنيه لمواقف الدعم للطاغية ضد ملايين الشعب السوري، وهذا يعني أنّه لو أي ممثل آخر قدّم مسرحيات محمد الماغوط هذه، لنال نفس شهرة دريد لحام، فالفضل يعود للماغوط الذي أثبتت بعض المصادر أنّ دريد لحام لم يعطه ما يستحق من حقوقه المادية، رغم الظروف الصعبة التي عاشها في آخر أيامه، وكنت شاهدا عليها عندما كنا نلتقي الماغوط في مقاهي دمشق.

دريد لحّام يسلخ جلد شعبه

وقد كان لقاء دريد التلفزيوني يوم الخامس من مايو مخزيا بكل معاني الكلمة، إذ قال بدون خجل وخلق: ( أن مهمة الجيش السوري ليست محاربة إسرائيل، وإنما الحفاظ على السلم الأهلي ، وهذا ما يفعله الجيش في الأحداث الجارية ). وهاجم هذا اللحّام الفضائيات التي تغطي ثورة الشعب السوري، واصفا إياها بـ"المعادية"، كما شكك لحام بصدقية المفكرين والمحللين السياسيين الذين ينتقدون تصرفات النظام في بلاده والحملات الأمنية . هذا وقد ضمّت قائمة العار التي نشرها شباب ثوريون سوريون العديد من الأسماء منها:سلوم حداد، ميسون أبو سعد، لورا أبو سعد، راتب الشلاح، عبير شمس الدين، عصام التكروري، بسام ابو عبد الله، طالب إ براهيم، نجدة أنزرو، جهاد سعد،زهير عبد الكريم، صفاء سلطان، فراس السواح، مصطفى الخاني، سلاف فواخرجي، غسان مسعود وغيرهم.

ومفتي النظام أحمد حسون،

الذي كان حديثه يوم السادس والعشرين من مارس الماضي في فضائية الجزيرة مخجلا ومعيبا، لا يليق إلا بفقهاء السلاطين ومنظّري المستبدين الذين عرفنا الكثير من أمثاله عبر التاريخ الإسلامي. لا أتخيل شخصا يحمل صفة ( مفتي الجمهورية السورية )، يتحول لبوق لنظام دموي أسال دماء الشعب السوري في أكثر من مدينة على مرأى ملايين من الشعب. وقد تحدث وكأنه مخبر سري وليس مفتيا للنظام، فقد وعد المشاهدين خلال ساعات بالكشف عن مدبري هذه المظاهرات. ألا يخجل؟ ألا يتق الله في اتهامه لمئات ألاف المتظاهرين ضد الفساد والقمع والاستيلاء على السلطة والثروة طوال 41 عاما؟. فعلا إنك لا تستحق أية صفة لها علاقة بمبادىء الإسلام، ويشرفك أنت ونظامك أولئك الشيوخ الذين انتقدوا نظامك الطاغية، وقمت بمهاجمتهم دون ذكر أسمائهم.

وشركات انتاج فني تبحث عن الربح فقط

وقد ضمت قائمة العار السورية هذه، أسماء شركات الانتاج الفني التي رفضت بيان الكتاب والمثقفين الذين أدانوا النظام وقمعه، وطالبت بمقاطعتهم، متسترة على جرائم النظام بحق الشعب السوري. ومن هذه الشركات: بانة للإنتاج الفني، نجدة أنزور، الهاني، المسار الدولية، سورية الدولية، جراند، دانة، مجموعة شركات الشرق ولين للإنتاج الفني، عاج، حكيم، المسار، القلمون، بلاك تو، جيدا فيلم، غزال، المؤسسة العربية للإنتاج الفني، المدار، الفردوس، غولدن لاين، العنود، المركز الدولي، ميديا للصوتيات.

وبيان العار من اتحاد الكتاب السوريين،

الذي يطلق على نفسه اسم ( اتحاد الكتاب العرب )، والتسمية وحدها مجرد تلفيق بائس، فما معنى اتحاد الكتاب العرب، في ظلّ وجود اتحاد كتاب في كل عاصمة عربية؟. لقد أصدر هذا الاتحاد للكتاب الأسديين فقط، بيانا مخزيا، يضيف هذا الاتحاد والموقعين على بيانه لقائمة العار السورية بامتياز مخزي مشين. فعلا أخجل من ذكر بعض جمل هذا البيان والأوصاف التي أطلقوها على ثوار الشعب السوري المطالبين بالحرية والكرامة، وكلمات دعمهم للطاغية ومرتزقته. إنهم كتاب السلاطين والطغاة الذين لن يحترمكم الشعب بوجود ديكتاتوركم وبعد سقوطه القريب بفضل إرادة الشعب السوري دون غيره.

والمعارضة الأردينة المخزية

وأكتفي بفقرة مما كتبه عن مواقفها المخزية الكاتب الأردني إبراهيم غرايبة في جريدة الحياة اللندنية يوم التاسع من مايو 2011 ، إذ وصف مواقفها الداعمة للطاغية قائلا: " موقف وسلوك المعارضات السياسية الأردنية، الإسلامية والقومية واليسارية والوطنية على السواء هو أبعد بكثير من مخز ومقزز، ولكنه يبعث على القلق والرعب فيما إذا أتيح لهذه الأحزاب والقوى السياسية أن تحكم أو تشارك في الحكم، ويشجع على هذا الاستنتاج بأن فهمها للحريات والعدالة ونظرتها إليها لا يختلف عن الأنظمة السياسية الوحشية والبدائية الموغلة في العنف والإجرام بحق الإنسانية والحياة. فإذا كانت هذه الأحزاب ترى مقاومة إسرائيل والولايات المتحجة ( هل يقاوم النظام السياسي في سورية بالفعل إسرائيل والولايات المتحدة ؟ ) مبررا لإلغاء الحرية وارتكاب الجرائم بحق الإنسانية، فهي تقول لنا بأنها ستفعل الشيء نفسه في الأردن إذا أتيح لها ذلك ).

وجامعة الدول العربية
وأضيف من جانبي جامعة الدول العربية لقائمة العار السورية، بسبب سكوتها وأمينها العام عمرو موسى، سكوتا مخزيا على هذه الجرائم الوحشية بحق الشعب السوري، وكان هذه الجرائم تحدث في جزر الواق واق الخيالية وليس في دولة عربية، يحاصر شعبها ويقتل علانية، وعلى طريقة الفنان الثوري سميح شقير أقول ( يا حيف...يا حيفك يا جامعة الدول العربية ).


ومن طرفي قائمة الشرف،

ولدعم ثورة الشعب السوري في مواجهة الطاغية الأسدي المتوحش، أقترح على شباب الثورة السورية فتح صفحة جديدة باسم ( قائمة الشرف..سوريون مع الثورة )، ومن خلال متابعتي ودعمي للثورة السورية، أقترح أن تبدأ صفحة الشرف هذه بالأسماء التالية: الدكتور برهان غليون، فنان الكارتير علي فرزات، الدكتور محي الدين اللاذقاني، عبد الرزاق عيد، هيثم منّاع، فراس فياض، صبحي حديدي، رياض سيف، الشيخ إحسان بعدراني، رياض سيف، فايز سارة، مأمون الحمصي، غسان المفلح، لافا خالد...وآخرون كثيرون يستحقون أن توضع أسمائهم في هذه القائمة.

تحية خاصة للدكتورخضر محجز

ورغم أنني بصدد قائمة الشرف السورية، إلا أن هذا الكاتب والمفكر الفلسطيني الدكتور خضر محجز، صاحب المؤلفات والكتابات الملتزمة المهمة، مثل كتابه ( إميل حبيبي، الوهم والحقيقة ) و روايته ( عين اسفينة )، وقد كان أحد المبعدين الفلسطينيين عام 1992 إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، والعديد من الدراسات والمواقف الوطنية التي يستحق الشكر والتقدير عليها، فإنني أضم صوتي بقوة وصراحة لندائه الوطني ضد موقف رئيس الإتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين،  مراد السوداني، من الثورة السورية والكتاب الفلسطينيين الذين ساندوها ووقعوا بيانات تضامن معها.  وللعلم فإن وصول مراد السوداني لرئاسة الاتحاد تمّ بطريقة رفضها غالبية الكتاب والمثقفين الفلسطينيين، إذ اعتبروا المؤتمر الذي أوصله للأمانة العامة غير شرعي وتمّ تلفيقه بشكل يسيء لسمعة كنتب فلسطين الذين قدّموا شهداء ومناضلين من صفوفهم. وقد صدر في مارس 2010 بيان من مجموعة من أهم الكتاب الفلسطينيين رفضوا فيه المؤتمر ونتائجه، وجاء في مقدمة البيان:

( نحن الموقعين أدناه، من الكتاب الفلسطينيين، راقبنا ما تمخض من نتائج سلبية عن المؤتمر الثاني لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين في البيرة، يوم 20 شباط 2010؛ حيث تمَّ تعيين أمانة عامة للاتحاد، باتفاق فصائلي (خرجت منه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، ولم تطرح أية قضية دستورية أو ثقافية للنقاش، ولم تعتمد أية معايير مهنية للعضوية، رغم أنه انعقد بعنوان: "مؤتمر القدس العاصمة الأبدية للثقافة العربية"، تحت شعار: "ثقافتنا، وحدتنا، ثوابتنا" ). ثم أعلن الموقعون على البيان: ( نحن الموقعون أدناه؛ نعلن أن الاتحاد الجديد لا يمثلنا بتاتا. كما نعتقد أنه قد انتهى، ومن حيث المبدأ زمن الاتحادات الحصرية للكتاب ولغيرهم... فنحن لا نوافق مطلقاً على تسمية الاتحاد الذي عقد مؤتمره أخيراً باسم (اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين)، فهو يمثل الكتاب المنضوين تحته فقط. أي أنه لا يمثل الكتاب الفلسطينيين خارجه، والذين يشكلون الكتلة الأكبر من الكتاب الفلسطينيين وقد بقي هؤلاء خارجه، ليس بسبب النسيان بل بناء على قرار اتخذوه، يقضي بأن هذا الاتحاد لا يمثلهم. عليه، فمن المفترض أن يتم تغيير اسم الاتحاد كي يتوافق مع الواقع. فهو يمثل بعض الكتاب الفلسطينيين لا غير. لذا فلينطق باسم من يمثل، أما باسمنا فلا. فلن نقبل بعد اليوم أن يقف أحد ما لا يمثلنا لينطق بإسمنا من دون إرادتنا ).

من هنا جاء بيان مراد السوداني مخزي بكل المقاييس،

فكما كشف الدكتور خضر محجز قيام مراد السوداني الذي لا إجماع عليه، بتوقيع ورقة في هذه الظروف المأسآوية التي يعيشها الشعب السوري، تقضي بأنّ دمشق هي عاصمة الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين..ولا اعتراض على دمشق العروبة...دمشق الحضارة..الاعتراض كما وضّحه الدكتور خضر محجز..لماذا لا تكون القدس يامراد هي عاصمة الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين..ولماذا الآن في ظل قصف الطاغية الأسد لشعبه..ولماذا ترفض يا مراد بيان الكتاب الذين يتضامنون مع الثورة السورية، وتعلن أنه لا يمثلك...و أنا اضمّ صوتي مع العشرات من الكتاب والأدباء الفلسطينيين المتضامنين مع ثورة شعبنا السورين وكما يقول الدكتور خضر محجز: ( أما إذا تجرأ (الأمين العام) ـ الشاعر من الدرجة الثالثة مراد السوداني ـ على الادعاء بأنه يتمتع بدعم الكتاب في فلسطين، على طريقة أصدقائه في دمشق؛ فسوف أضطر إلى إثبات أن كتاب فلسطين أكثر شرفاً من أن يدعموا حكم الطغيان، بل إن (البلطجية) و(الشبيحة)، من المخبرين والشعراء من الدرجة الثالثة؛ هم من يفعل ذلك، هنا وفي دمشق. وسوف أنشر اعتراضات كل أعضاء الأمانة العامة، في غزة، على هذا الاتفاق، ممهورة بأسمائهم وتواقيعهم بخط أيديهم ).

لذلك أقترح ضمّ أسماء الكتاب الشرفاء من الفلسطينيين،

لقائمة الشرف السورية الداعمة للثورة، وغيرهم من مؤيدي الطغيان لقائمة العار التي تليق بهم وبمواقفهم التي ستظل تلاحقهم عارا طوال حياتهم...فمن يقف مع طاغية ضد الشعب، سوى منظّري الطغيان والمستفيدين من بقائه على حساب دم يسيل علنا من درعا إلى بانياس إلى العديد من المدن السورية..فللشعب السوري وشرفائه من السوريين وكافة الجنسيات العربية المجد والنصر، ولقائمة العار الخزي والخذلان هم وطغاتهم.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




178
عمر بكري و ابن لادن: إنّ طيور الإرهاب على أشكالها تحزنُ

د.أحمد أبو مطر

العمل البطولي الذي حققته وحدات الكوماندوز الأمريكية  المتخصصة في ملاحقة ومطاردة الإرهابيين يوم الأحد الأول من مايو، المتمثل في اصطياد وقتل الإرهابي الأول في العالم أسامة بن لادن، لاقى ترحيبا واسعا في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أوقع هذا الإرهابي ألاف القتلى في عملياته الإرهابية، وأيضا في موطنه المملكة العربية السعودية حيث قتل المئات ودمّر المنشآت، وكذلك في كافة أنحاء العالم حيث لم تسلم العديد من الدول العربية والإسلامية والأوربية والأفريقيه، من إرهاب قاعدته الذي كان وما يزال يتمّ بإسم الإسلام والمسلمين. ولم تقتصر الفرحة والبهجة لمقتله على الجهات الرسمية الأمريكية التي تمكنت من قتله، ولكن أيضا الفعاليات الشعبية العربية الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية ، التي عبّرت صراحة عن الفرحة بهذا الإنجاز الذي خلّص الإسلام والمسلمين من شرّ جرائمه التي أساءت لهم وشوهت صورتهم و أشعلت الكراهية ضدهم.

نماذج من فرح مسلمي أمريكا

وكما نقلت إيلاف، فقد قال أسامة السبليني مدير مجلة "اراب اميركان نيوز" "نحن سعداء لنبأ مقتله، هذا الرجل ليس مسلما. لقد قتل من المسلمين أكثر مما قتل من الأميركيين عشرات ألالاف.... إنّ المسلمين سعداء لأنهم يريدون طي هذه الصفحة الحزينة. إنهم يعرفون أكثر من غيرهم مدى الضرر الذي ألحقه هذا الرجل بالعالم العربي والاسلامي". وأضاف سبليني "لقد حققنا هدفا كبيرا لكن المعركة مستمرة. هناك متطرفون حولنا يريدون إلحاق الأذى بنا جميعا. سنكون متيقظين وسنبلغ عن أي أمر نشتبه به.
ورحب داود وليد رئيس مجلس العلاقات الاميركية الإسلامية في ميتشغن بمقتل بن لادن وقال: إنه يشكر الرئيس باراك اوباما لأنه ذكر بأنّ أميركا ليست ضد الاسلام. ودعا وليد الى الحذر بقوله "نحن سعداء لأن العدالة أخذت مجراها، ولكن الوضع لا يزال صعبا. هناك أناس فقدوا أعزاءا في هجمات 11 سبتمبر و في العراق وأفغانستان.... هدف الارهاب هو اخافتنا وتغيير نمط حياة الأميركيين. علينا ألا نجعل بن لادن أقوى في مماته مما كان في حياته. إن اصبحنا متشككين الواحد تجاه الاخر، سيواصل بن لادن إرهابنا من قاع المحيط".

مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية


الذي يعتبر من أكبر المنظمات والمجالس التي تمثل وترعى مصالح مسلمي الولايات المتحدة، قد عبّر عن ارتياحة بمقتل هذا الإرهابي، وقال المجلس في بيان له: " إنه ينضم إلى المواطنين الأميركيين للإشادة بالإعلان عن تصفية العقل المدبر للقاعدة أسامة بن لادن باعتباره خطرا يهدد الولايات المتحدة والعالم". وأضاف المجلس " أنّه طالما أعلن مرارا منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر إن بن لادن لم يكن أبدا ممثلا للمسلمين ولا للإسلام".

والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين

أيضا أعلن تأييده لعملية قتل ابن لادن ، حيث أكد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الأستاذ أكمل الدين إحسان أوغلى، "على الموقف المبدئي لمنظمة المؤتمر الإسلامي المدين للإرهاب بجميع أشكاله. وقال إن الدين الإسلامي يرفض الإرهاب ويدينه ويعتبره من أخطر الجرائم التي يمكن أن ترتكب ضد الإنسانية، وقد شرّع الإسلام أقسى العقوبات بحق مرتكبيه". وأقسى العقوبات هذه هي قتل القاتل، وهذا ما ناله القاتل ابن لادن، الذي لم يقتل نفسا واحدة بل عشرات ألالاف من الأمريكيين والأوربيين والعرب والمسلمين والأفريقيين.

وكذلك السلطة الوطنية الفلسطينية،

فقد صرح المتحدث باسم السلطة الفلسطينية، الدكتورغسان الخطيب" إن التخلص من بن لادن أمر مفيد للسلام في شتى أنحاء العالم، لكن المهم هو التغلب على الخطاب والأساليب العنيفة التي طبقها وشجعها بن لادن وآخرون".

إرهابيون يندبون على مقتل الإرهابي

رغم هذه الفرحة العالمية العارمة لمقتل هذا الإرهابي، إلا أنّ إرهابيين مثله بكوا وندبوا حزنا عليه، مطلقين عليه لقب المجاهد والشيخ والشهيد، وأبرز هؤلاء من هو على شاكلته المدعو عمر بكري السوري اللبناني المطرود من بريطانيا والمقيم في طرابلس شمال لبنان، حيث اعتبر  ( أنّ المنطقة العربية خسرت "قائدًا باستشهاد" اسامة بن لادن ) وقال " إنّ نبأ استشهاد الشيخ أسامة محزن ومفرح في الوقت نفسه. محزن لأننا خسرنا قائدًا في هذه المنطقة العربية، ومفرح لأنه نال ما كان يتمناه وهي الشهادة". وهو بذلك يعتبر نفسه ممن يحملون مفاتيح الجنة وموزعي أنواط الشهادة، فهو من يقرّر أنه شهيد أم إرهابي. ومن المعروف أنّ هذا عمر بكري، يحاكم امام القضاء اللبناني بتهمة "الانتماء الى تنظيم مسلح" وحيازة أسلحة ومتفجرات. وكان القضاء اللبناني قد أصدر حكمًا غيابيًا بالسجن مدى الحياة في حق بكري في 12 نوفمبر 2010، وتم توقيفه لمدة أيام بعد صدور الحكم، قبل الافراج عنه مجددًا بكفالة، وبدء محاكمة جديدة بحجة عدم حضوره جلسات المحاكمة السابقة. وهناك جلسة محددة لمحاكمته في شهر تموز المقبل. وبسبب دعمه للإرهاب والإرهابيين سبق أن طردته المملكة العربية السعودية عام 1986 من أراضيها، وفي العام 2005 منعته السلطات البريطانية من العودة لبريطانيا، ومنذ ذلك الوقت وهو في طرابلس شمال لبنان في انتظار محاكمته من جديد.


هنية: غلطة الشاطر بألف

أمّا زعيم حركة حماس في غزة اسماعيل هنية، فقد ندب وبكى على موت هذا الإرهابي بكل المقاييس، فقد وصفه للصحفيين بأنه (مجاهد عربي )، داعيا الله أن يتغمده برحمته مع الشهداء والأبرار. إنّ هذا التصريح سوف يدعم وجهات نظر الجهات والدوائر التي تصنّف حماس بأنها حركة إرهابية، وأعتقد أن هذا التصريح حتى لو كان ينسجم مع توجهات حماس وهنية، فلم يكن هناك داع لإصداره ساعات قبل توقيع حماس وفتح  اتفاق المصالحة في القاهرة، وسط تخوف وترقب من العديد من الدوائر العالمية أيضا، فيما يتعلق بما ستؤول إليه مسيرة مفاوضات السلام مع دولة إسرائيل، هذه المفاوضات التي لا ترفضها حماس، بل تطالب الفصائل الفلسطينية بعدم إطلاق الرصاص على قوات الاحتلال، وتعتقل من يقوم بذلك. فكيف ينسجم هذا مع تمجيد الإرهابي ابن لادن؟. خاصة أنّ اسماعيل هنية هو من أصدر الأمر بقصف مسجد ابن تيمية في مدينة رفح في أغسطس 2009 ، وهدمه على رأس الشيخ الدكتور  عبد اللطيف موسى  وحوالي ثلاثين من أنصاره، لأنه حسب بيان حماس سلفي متطرف. هذا مع العلم أنّ الشيخ الدكتور لم يقتل أي إنسان، لا أمريكيا ولا عربيا ولا مسلما. فمن يفهم هذه الإزدواجية والتناقضات الحمساوية؟.

هل فكّر اسماعيل هنية قبل إصدار تصريحه المعيب هذا؟

أولا: في ردود فعل ألاف من عائلات ضحايا تفجيراته الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر لعام 2011 ، ومن بينهم مئات من العرب والمسلمين؟.

ثانيا: في ردود فعل ألاف من عائلات ضحايا إرهاب بن لادن في الأردن ومسقط رأسه السعودية والعديد من الدول العربية والإسلامية والأوربية والأفريقية؟

ثالثا: وهل يستطيع أن يذكّرنا بمعطيات وحيثيات اعتباره الإرهابي بن لادن مجاهدا وشهيدا؟. هل أطلق هو وقاعدته الإرهابية رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي؟.

لذلك استنكرت الولايات المتحدة الأمريكية تصريح اسماعيل هنية المشين هذا، الذي لم يعط أية نقطة إيجابية لصالح الشعب الفلسطيني.

ونفس الموقف من الإخوان المسلمين المصريين،

إلا أنه كان أكثر مواربة من موقف هنية، فقد أعلنوا ذلك بشكل خجول رافضين لإسلوب الاغتيالات واستخدام العنف الذي أدّى لمقتل الإرهابي بن لادن، متمسكين حسب بيانهم بالمحاكمة العادلة لأي متهم بارتكاب جريمة مهما كانت. ونفس الأسئلة تقريبا توجه للإخوان المسلمين. لماذا لم تطالبوا في حينها محاكمة الإرهابي بن لادن وإرهابييه الذين ارتكبوا عشرات العمليات، أدّت لمقتل ألأف الضحايا الأبرياء من مختلف الجنسيات والديانات؟. لماذا لم تدينوا أعمال هؤلاء الإرهابيين في كافة أنحاء العالم، وفي داخل بلدكم مصر، حيث فجّروا العديد من المنشآت، وقتلوا مئات من المصريين مسلمين وأقباطا؟. لماذا الكيل بمكيالين؟ هل هذه هي عدالة الإسلام الذي تدّعون أنه مرشدكم وهاديكم؟

أما شيخ الأزهر أحمد الطيب،

فقد أغضبه إلقاء جثة هذا الإرهابي في البحر، لأنّ هذا حسب رأيه (  يتنافي مع كل القيم الدينية و الأعراف الإنسانية ولا يجوز في الشريعة الإسلامية التمثيل بالأموات مهما كانت مللهم فإكرام الميت دفنه ). وأيضا نفس التساؤلات لفضيلة الشيخ: أين كانت فتاويك عندما قتل هذا الإرهابي ألاف البشر الأبرياء في العديد من الدول؟. أين كنت من قول الله تعالى: ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)؟. ولماذا لم نسمع رأيا أو فتوى لك في إلقاء الإرهابي بن لادن لجثث ألاف الأبرياء من مجمعي التجارة العالميين في نيويورك؟.

وكذلك إخوان الأردن،

إذ نفس الإزدواجية والكيل بمكيالين ودوما باسم الإسلام، فهم وكلاء الله الشرعيين الذين لا يأتيهم الخطأ مطلقا. فالقيادي في إخوان الأردن ورئيس مجلس شورى الجماعة عبد اللطيف عربيات، يصرّح قائلا: ( إنه رغم نهج بن لادن الذي أثار حفيظة العالم بأسره لضربه برجي التجارة العالميين، إلا أن قتل القوات الأمريكية له هي جريمة مضافة لسلسة جرائم الولايات المتحدة الأمريكية وهي من كبريات الجرائم وتحد جديد للمسلمين....بن لادن أخطأ وجعل من تدميره للبرجين فرصة لأمريكا لتخريب العالم الإسلامي واحتلال العراق وأفغانستان وغيرها.. لكننا نسأل الله أن يتقبله لديه ). وهل هناك من يفهم أيضا هذه الإزدواجية والشخبطات؟ فعربيات يعترف بجريمة بن لادن وتدميره برجي التجارة العالميين، وفي الوقت ذاته يبكي عليه، ولا يطالب بتنفيذ العقوبة القرآنية بحقه، وهي القتل للقاتل خاصة قتل الأبرياء.
وهو ليس غريبا على نهج الإخوان المتلبسين لرداء الإسلام، فقد سبق أن بكوا الإرهابي الزرقاوي الذي قتل حوالي 180 بريئا من مواطنيهم الأردنيين في تفجيرات فنادق عمّان الثلاثة عام 2005 ، وذهب ثلاثة من نوابهم للمشاركة في بيت عزائه في مدينة الزرقاء متحدين مشاعر ألاف من ذوي الضحايا الأبرياء، ولم يكتفوا بذلك بل أقاموا له حفلات خطابة وتمجيدا في مجمع النقابات، واصدروا له شهادة مجاهد وشهيد.

ورغم كل هذا الندب والحزن من مدّعي وكالة الله في الأرض، فقد تخلّص العالم أجمع من إرهابي قاتل بامتياز مشين، أساء لصورة العرب والمسلمين والإسلام في كافة المحافل الدولية...لذلك فلا بكاء ولا حزن على القتلة، إذ ( وبشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين )، وهذا هو حين بن لادن قد جاء، وذهب إلى أعماق البحر الذي نأمل أن لا تلوث جثته ماءه، وفي انتظار عمل بطولي آخر يقتل بقية قيادات الإرهابيين مثل أيمن الظواهري و العولقي، وكل من يقتل الأبرياء من كافة القوميات والجنسيات والديانات. لأنّ المنطق القرآني الإلهي يقول ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ). نعم..وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..صدق الله العظيم.. لتعارفوا..وليس لتتقاتلوا وتقتلوا الإبرياء أيها الإرهابيون..وهذه الإدانة الصريحة لكافة أنواع الإرهاب والقتل أيا كان مرتكبه في أية دولة وأية قارة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





179
نعم للمصالحة الفلسطينية، والخوف من شيطان التفاصيل

د.أحمد أبو مطر

ليس مهما السؤال المطروح: لماذا تمّ التوقيع الآن على الورقة المصرية للمصالحة الفلسطينية بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس؟. المهم أنّ التوقيع تمّ في العاصمة المصرية بحضور مسؤولي الصف الأول، محمود عباس عن السلطة الفلسطينية وخالد مشعل عن حركة حماس، وبحضور ممثلين عن الفصائل الفلسطينية الأخرى ( 13 فصيلا أو دكانا..13 فقط يخزي العين).. وللتذكير فهذا ليس الاتفاق الأول بين الحركتين، فقد سبقه اتفاقيات أخرى تمّ التوقيع عليها، ومباشرة بعد مغادرة عاصمة التوقيع تمّ التنصل من هذا، وحمّل كل طرف الطرف الآخر المسؤولية، مما أدخل الانقسام الفلسطيني عامه الخامس، وقد ارتكب خلالها الطرفان العديد من الجرائم بحق بعضهما، التي هي في النتيجة جرائم بحق الشعب الفلسطيني، تضاف لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، لكنها تدخل في منظور ( وظلم ذوي القربى أشد مرارة ).

 أهم تلك الاتفاقيات التي تمّ لحس التوقيع عليها عقب مغادرة المكان، اتفاقية مكة في فبراير 2007 و اتفاقية الدوحة في مايو 2008 . ثم أعقب ذلك العديد من جولات الحوار بين الطرفين في القاهرة تحديدا،كانت كلها تنتهي بالفشل أو بتمركز كل طرف على مواقفه مما اشتهر باسم ( الورقة المصرية ). وفجأة اجتمع في القاهرة قبل أيام قليلة وفدا الحركتين لمدة لا تزيد عن ساعتين ليعلنا الاتفاق على نقاط الخلاف السابقة، ويبدأ توافد ممثلي كافة الفصائل على القاهرة لتوقيع الاتفاق، الذي تمّ  يوم الأربعاء الرابع من مايو 2011  بحضور محمود عباس من رام الله و خالد مشعل من القاهرة، وذلك في مقر المخابرات المصرية بالقاهرة، وبحضور حشد كبير من المدعوين والسفراء. وكادت تحدث مشكلة بروتوكولية أخّرت الاحتفال ساعة وربع، كانت بسبب أين سيجلس خالد مشعل، على المنصة الرئيسية قرب محمود عباس أم في صفوف المدعوين. ورفضت السلطة الفلسطينية جلوسه على المنصة جنب عباس، لأنه لا يحمل أية صفة فلسطينية رسمية، فهو مسؤول فصيل فلسطيني مثل مسؤولي الفصائل الثلاثة عشر التي حضرت، ووافق مشعل جالسا في الصف الأول مع باقي المدعوين.

فرص النجاح والفشل

يأمل الشعب الفلسطيني أن تسير اتفاقية المصالحة الجديدة نحو التطبيق والتنفيذ الميداني، بعيدا عن الحسابات الشخصية والتنظيمية الضيقة، كي يتخلص الشعب الفلسطيني من هذا الانقسام المخزي والمعيب بكل المقاييس، والذي يتحمل الجميع مسؤولية استمراره بنسبة من النسب. ومصدر التخوف نابع من أمرين:

الأول: كيف تمكن اجتماع واحد بين حركتي فتح وحماس لمدة أقلّ من ساعتين، أن ينهي خلافات طالت مدة أربع سنوات، وأفشلت اتفاقيتي مكة والدوحة التي خاض خلالها الفريقان اجتماعات طالت أياما؟. وأعقب ذلك العديد من الاجتماعات في القاهرة لم تتوصل لاتفاق، فإذا بهذا الاتفاق والتوقيع البروتوكولي يأتي بأسرع من البرق؟.

الثاني: هو شيطان التفاصيل الذي يكمن داخل العموميات التي تمّ الإعلان عن الاتفاق حولها، والتخوف عند التطبيق الميداني، أن يفسر كل طرف هذه العموميات كما يريد، خاصة أن بنود هذه العموميات، يحتاج كل بند منها لاتفاقية خاصة، وهي نفس البنود التي كانت اختلافات وجهات النظر في تفسيرها، سبب الفشل الذي لحق كل الاتفاقيات واللقاءات طوال السنوات الأربع الماضية التي أعقبت الانقلاب العسكري الحمساوي وما نتج عنه من انقسام دائم حتى اليوم.

 أهم الملفات الشائكة ذات التخوف أن تؤدي لفشل جديد

أولا: ما هو الوضع حتى إجراء الانتخابات القادمة؟


نصّت ورقة التفاهم التي وقّع عليها الطرفان الفتحاوي والحمساوي على أن ( تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني متزامنة بعد عام من تاريخ توقيع اتفاقية الوفاق الوطني، من جانب الفصائل والقوي الفلسطينية ). وهذا يعني أن تجري ثلاثة انتخابات بعد عام أي في الرابع من أبريل 2012 ، دون أن يحدد الاتفاق آلية هذه الانتخابات، خاصة فيما يتعلق بانتخابات المجلس الوطني، الذي كان منذ تأسيسه عام 1964 في زمن رئاسة أحمد الشقيري لمنظمة التحرير الفلسطينية، يتمّ اختيار أعضائه مباشرة من الرئيس الشقيري ومن بعده ياسر عرفات، وكان المجلس دوما تحت سيطرة حركة فتح بالكامل، رغم وجود ممثلين لبعض المنظمات الفلسطينية فيه، ولكن وجودهم كان مجرد ( شاهد للبصم ) على ما يريده الرئيس عرفات. وهذا المجلس الوطني غير ممثلة فيه حركة حماس، كما انشق عنه أو تركه العديد من أعضائه القدامى عقب عقد دورته الحادية والعشرين في غزة عقب اتفاقية أوسلو، وإلغائه البنود التي تنصّ على التحرير الكامل وعدم الاعتراف بدولة إسرائيل. والسؤال المهم: كيف سيدار الوضع في القطاع والضفة خلال هذا العام إلى أن تجرى الانتخابات؟ هل سيبقى الوضع الانقسامي كما هو؟ أم كيف سيتم التوحيد بدون اجراء الانتخابات، أم سننتظر حتى أبريل 2012 ؟

ثانيا: مفهوم وطبيعة أشخاص الحكومة القادمة

نصّت ورقة التفاهم التي أوصلت لتوقيع اتفاقية المصالحة على ( تشكيل الحكومة الفلسطينية وتعيين رئيس الوزراء والوزراء بالتوافق ). وتكمن المشكلة في هذا التوافق إن كان سهلا حدوثه أم لا؟. فإن أصرّ محمود عباس على ترشيح سلام فياض لرئاسة حكومة التوافق هذه، فلن تقبل به حماس التي سبق ان هاجمته بعنف، وقد كان غريبا أن يصرّح قيادي حماس محمود الزهار ساعات قبل توقيع اتفاق المصالحة، بأنّ رئيس الوزراء القادم يجب أن يكون من غزة. اي أنّ غزاوي وضفاوي ما زالت تعشش في عقول البعض. وإن تم تخطي هذه المشكلة فهل من السهل حصول التوافق على اختيار الوزراء في ضوء وجود 15 فصيلا فلسطينيا حضروا التوقيع، وحتما كل فصيل يتطلع لحصة من كعكة الوزارة القادمة.

ثالثا: تركيبة قوى الأمن القادمة

وهذا سيكون من أصعب الملفات التي يمكن أن تفجر التوافق، بعد أن تمتعت فتح بالسيطرة المطلقة على قوات الأمن قبل انقلاب حماس، وسيطرة حماس عليها بعد الانقلاب عبر ما أطلقت عليه "القوة التنفيذية"، وقد مارست القوتان الأمنيتان الفتحاوية والحماسية مختلف أنواع التعديات ضد عناصر بعض، وصلت حدّ القتل والسحل. فكيف سيكون التوافق على قوات أمن موحدة؟ ما هو مصير قوات الأمن الوقائي الفتحاوية الدحلانية؟ هل ستعود للوجود عبر إعادة تجميع عناصرها؟. وعندئذ ما هو مصير القوة التنفيذية الحمساوية؟. وهل من الممكن تعايش أفراد القوتين إن تمّ جمعهما في قوة أمن فلسطينية موحدة.

أما اعتراضات إسرائيل على المصالحة،

وتهديدها بوقف التحويلات المالية لمستحقات السلطة الفلسطينية من عوائد الجمارك ،فهي مجرد تدخل في القرار الفلسطيني، تعودت عليه كقوة احتلال تريد اتخاذ القرار نيابة عن شعب يريد دولة مستقلة ذات حدود واضحة، تؤيده غالبية دول العالم في هذا المطلب الإنساني. والدليل على هذه التجاوزات لبعض القوى الإسرائيلية،أنّ هناك قوى إسرائيلية كما نسبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم الأربعاء الرابع من أبريل يوم توقيع اتفاقية المصالحة الفلسطينية إلى مصادر حكومية القول إن وزارة الخارجية الإسرائيلية ترى أن اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المتنازعة يقدم فرصة ايجابية للدولة العبرية.

وهذا صحيح إذا كانت دولة إسرائيل جادة في سلام حقيقي عادل، خاصة انّ كان خالد مشعل صريحا وجريئا، في  كلمته في احتفال التوقيع، إذ أعلن ( إن حركة حماس ستعمل على تحقيق الهدف الفلسطيني الوطني وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على أرض الضفة والقطاع عاصمتها القدس الشريف ودون تنازل عن شبر واحد أو عن حق العودة ). وهذا هو الحد الأدنى الذي عليه إجماع فلسطيني، ولا يستطيع أي فلسطيني شخصا أم تنظيما أن يوقع أو يقبل بأقل من ذلك...وهذا اعتراف علني من حماس بدولة إسرائيل ضمن حدود عام 1967 ، وبالتالي ما عاد من حق أحد أن يعتبرها حركة إرهابية تريد تدمير دولة إسرائيل.

نأمل أن تتم خطوات المصالحة،


لنعود إلى شعب فلسطيني موحد الهدف وخطوات الوصول إلى هذا الهدف، كي لا يندم الفلسطينيون على الحلويات التي وزعوها، والبالونات التي أطلقوها فرحا بالتوقيع..فالمهم خطوات ما بعد التوقيع أي التنفيذ...وإن غدا للشعب الفلسطيني لقريب.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net












180
لا لعضوية النظام السوري في مجلس حقوق الإنسان

د.أحمد أبو مطر

يسعى الآن النظام السوري للانضمام لعضوية مجلس حقوق الإنسان، الذي هو أعلى هيئة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ويتم ترشيح الدول طالبة العضوية أولا، ثم تجري عملية إنتخاب من بين الدول المرشحة هذه. ومن الدول المرشحة لنيل مقعد في المجلس في دورته القادمة ، دولة الرعب والخوف في سوريا وإندونيسيا والهند والفلبين.

جهود جماعية عالمية لمنع عضويته

لم يواجه نظام برفض جماعي لانتخابه لعضوية مجلس حقوق الإنسان كما يواجه الآن، النظام السوري الحالي الذي يتربع على صدور السوريين و اللبنانيين بأدوات قمع لا مثيل لها في كافة جمهوريات الخوف والرعب العالمية، خاصة أنّ جهود جماعات حقوق الإنسان ومنظمة هيومن رايتس ووتش، سبق أن نجحت منذ العام 2006 في الاعتراض على انتخاب بعض الدول لعضوية المجلس بسبب سجلها الأسود في ميدان حقوق الإنسان، مثل إيران وفنزويلا وبيلاروسيا وسيريلانكا. والآن الدور على رفض عضوية نظام الأسد الذي أوقع بين الشعب السوري منذ اندلاع ثورته الحالية منصف مارس الماضي ما يزيد على 600 قتيل ومئات الجرحى والمفقودين والمعتقلين. هذا في حين تأكد من خلال ممارسات النظام مع المتظاهرين السلميين المطالبين بإصلاحات جذرية حقيقية، أنّ كافة القرارات التي اتخذها أخيرا ومنها إلغاء قانون الطوارىء، أنها مجرد قرارت شكلية زاد بعدها مستوى ونوعية القمع لجماهير الشعب ومنعه التظاهر.

الدبابات في درعا بدلا من الجولان

وكم كان مخجلا ودليلا على  مقاومة وممانعة هذا النظام الزائفة، أنّ المرة الأولى التي يرى فيها الشعب السوري والعربي تحرك دباباته ومدرعاته وقناصيه نحو مدينة درعا، حيث أحدث فيها من القتل والدمار، ما لم يجرؤ هذا النظام على توجيهه نحو الجولان المحتل منذ عام 1967 . لذك تنامت ردود فعل الشعب السوري على قمعه وقتله، وأصبح واضحا أنّ ما تمّ تأسيسه على القمع لا يستمر إلا بمواصلة القمع، و بالتالي فهو نظام لا يستطيع ولا يجرؤ على أية إصلاحات ديمقراطية حقيقية، لأنها ضد بقائه واستمرارية هيمنته سياسيا واقتصاديا.

نماذج من الإدانات الدولية

لذلك قال مدير منظمة هيومن رايتس ووتش بالأمم المتحدة ( فيليب بولبيون ): " لم تعمل الحملة التي تقودها سوريا من أجل الانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان على ابطاء وتيرة عمليات القتل والتعذيب التي يتعرض لها عدد كبير من المتظاهرين السلميين على يد قوات الأمن الحكومية. وأرى أن ترشيح سوريا يجب أن يكون أمرا محرجا لداعميها، وهي المجموعة الأسيوية خاصة الجامعة العربية، التي دعمت التدخل العسكري في ليبيا لحماية المدنيين، وتنحاز الآن بشكل صارخ ضد الضحايا السوريين".

كما أصدرت 12 جماعة تعمل في مجال حقوق الإنسان في العالم العربي بيانا، تطالب فيه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، أن يدين علنا ترشيح النظام السوري لعضوية مجلس حقوق الإنسان، وتطالب الدول العربية أن لا تعطي أصواتها لمرشح النظام السوري. وكذلك فإنّ مارك توين المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، علّق قائلا: " أعتقد في تلك الحالة تحديدا أننا نشعر بأننا مضطرون للتعليق، بالنظر إلى ما تقترفه السلطات السورية من أعمال بحق شعبها. ونحن نعتقد أنّه سيكون من غير الملائم ومن النفاق بالنسبة لسوريا أن تنضم إلى مجلس حقوق الإنسان".

نماذج إنسانية محزنة للتذكير بجرائم هذا النظام

وفاء وماهر عبيدات


هذان الشابان من عائلة عبيدات الأردنية المعروفة في شمال الأردن. كانا في عام 1986 طالبان أعمارهما دون العشرين عاما. وقد اختفيا في ذلك العام في أقبية أجهزة المخابرات الأسدية حتى اليوم. من يتخيل هذا دون أن يبكي أو يصاب بارتفاع الضغط. ليت مسؤولو هذا النظام إن توفرت عندهم ذرة من إنسانية أن يخبروننا ما هو ذنب الطالبة ( وفاء عبيدات ) وشقيقها (ماهر) اللذان تم خطفها للسجن ليختفيا حتى اليوم ؟ وما هو ذنبهما وغيرهما حوالي 180 معتقلا وسجينا أردنيا لا يعرف عنهم أية معلومات؟. هل هدّد هولاء السجناء الأمن القومي لسوريا؟ هل منعوا دبابات الأسدين الأب والإبن من التوجه لتحرير الجولان؟.
  هل يقرأ هؤلاء فقرات من حديث والدتهما ( أم هاني ) ل ( عمان نت ) في الحادي عشر من كانون أول 2006 ، علّ خلية واحدة في ضمير واحد منهم تتحرك؟. تقول أم هاني: ( جننت وأصبحت أعيش على المهدئات وأهذي باستمرار منادية بإسمهما على المارة في الطريق. أصبت بهشاشة العظام، أصبحت ضعيفة القوى، عيوني لا تعرف النوم، أما زوجي فقد أصيب بنزيف في دماغه انتهى به إلى الشلل النصفي ثم فارق الحياة بعد رحلة طويلة من الألم والمرض.....لا تصلنا رسائل منهما إلا بعض الاتصالات من أشخاص سوريين أجهل هويتهم ويطلبون مبالغ طائلة كنا غير قادرين على تحملها تصل إلى 50 ألف دينار أردنيا من أجل أن يفرج عنهما )!!!.


السجناء الفلسطينيون واللبنانيون

وهذا أيضا ملف تقشعر له أبدان من لديهم ذرة من ضمير. ألاف اللبنانيين والفلسطينيين مفقودين منذ ما قبل عام 1976 دون أية معلومة عنهم.  ومنهم من مات في السجن مثل المناضل الفلسطيني المعروف ( عبد المجيد الزغموت )الذي اعتقل عام 1966 وظلّ في السجن 34 عاما حتى وفاته في فبراير من عام2000 .  وقد رصدت الجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان حتى يونيو عام 2000 أسماء 28 فلسطينيا ماتوا في السجون السورية منهم : ( النقيب أبو الفخر، أبو رمزي قدورة، المقدم أحمد أبو عيشة، الرائد حسام االبعلبكي، الرائد علي فتحي كريمة، الدكتور محي الدين الأسطل، الرائد نبهان الشيخ، و علي يوسف زعيتر ). كما وثقت الجمعية حتى ذلك التاريخ عدد 494 سجينا فلسطينيا في السجون السورية، ونشرت أمام كل اسم تاريخ سجنه وعمره ومسقط رأسه وعنوان وهاتف أسرته للاتصال بها إن توفرت معلومات لدى أي شخص أو مصدر. ومن الحالات المعروفة  العقيد توفيق الطيراوي مدير المخابرات الفلسطينية السابق في الضفة الغربية ، الذي اختطفته المخابرات السورية من بيروت في 23 يوليو 1986 وبقي في سجن المزة حتى 2 نوفمبر 1989 ، وقد خرج من السجن مصابا بكسور في العمود الفقري وضعف في البصر من جراء التعذيب، وحالة المناضل الفلسطيني المعروف اللواء أبو طعان ( مصطفي ذيب خليل ) قائد الكفاح الفلسطيني المسلح في بيروت الذي سلمّه أحمد جبريل و أبو خالد العملة للمخابرات السورية عقب انشقاق العملة وأبو موسى عن حركة فتح عام 1983 وبقي في السجون السورية 21 عاما حتى فبراير من عام 2004 حيث أفرج عنه بسبب تردي حالته الصحية ومخافة أن يموت في السجن، وهو يعيش اليوم في مخيم عين الحلوة بالجنوب اللبناني، ولا بد من توثيق تجربته المريرة لتبقى شاهدا على جرائم وطغيان هذا النظام. ونفس التفاصيل عن ألاف اللبنانيين المفقودين حتى اليوم في السجون الأسدية.

وآخرهم الصحفي الفلسطيني مهيب النواتي،

الذي وصل إلى دمشق قادما من أوسلو عاصمة المملكة النرويجية يوم الثامن والعشرين من ديسمبر 2010 ، وظلّ يتصل بزوجته وأطفاله حتى يوم الثاني من يناير 2011 ، ثم انقطعت أخباره حتى هذا اليوم. ولا بدّ من التأشير على دور لحركة حماس المشعلية في دمشق، في اختفاء هذا الصحفي الفلسطيني، خاصة أنّه سبق أنّ أصدر وهو في غزّة قبل قدومه للنرويج كتابه ( حماس من الداخل )، الذي لم ترض عنه حماس وممانعيها.

أما سجناء ومعنقلي الرأي،

في سوريا ذاتها، فهو من الملفات المخزية، إذ لا يمرّ يوم دون اعتقال واحد من هؤلاء النشطاء، وهو ملف أصبح معروفا وموثقا لدى الجهات المعنية سوريا وعربيا ودوليا. والكارثة التي تدلّل على عدم نية النظام اتخاذ أية إجراءات حقيقية في ميدان الإصلاح والحريات الديمقراطية، أنّه بعد الإلغاء الشكلي لقانون الطوارىء المعمول به منذ أكثر من خمسين عاما، لم تتوقف حملة الاعتقالات خاصة بين النشطاء المشاركين في ثورة الشعب السوري الحالية، فمنذ اندلاع الثورة الحالية لا يمرّ يوم دون قتلى ومعتقلين وسجناء.

والقمع العلني للسوريين من القومية الكردية،

من الملفات العنصرية التي ترقى لمستوى التطهير العرقي، خاصة منعهم من استعمال لغتهم القومية، وسحب الجنسيات من مئات ألاف منهم خاصة في شمال سوريا، التي شهدت تطهيرا عرقيا ضدهم منذ خمسينات القرن الماضي، وسط سكوت وتجاهل لغالبية منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية. وأذكّر دوما بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي رغم كل جرائمها بحق الفلسطينيين ، لم تمنع من بقي منهم عام 1948 في وطنهم، من استعمال لغتهم وثقافتهم العربية التي أعطت الثقافة العربية عباقرة مثل إميل حبيبي ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم.

الإدانات من داخل سوريا تتواصل،

وما يدعم الجهود الدولية في منع هذا النظام من الحصول على عضوية مجلس حقوق الإنسان، هو تواصل الإدانات من داخل سوريا لممارساته الإجرامية، مما يعني أنّ قطاعات واسعة من الشعب السوري، نزعت رداء الخوف لأنّ الوضع الخاص بالحريات السياسية وحقوق الإنسان لم يعد محتملا، وإلا من يتخيل ردود الفعل السورية التالية الصادرة في داخل سوريا رغم قمع النظام وقتله:

1 . استقال 228 عضوا في حزب البعث السوري في محافظة درعا وفي مدينة بانياس احتجاجا على ممارسات الأجهزة الأمنية تجاه المواطنين. ونقلت "الجزيرة" عن بيان وقعه المستقيلون في درعا أنه "نظرا للموقف السلبي لقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي  اتجاه الأحداث في سوريا عموما وفي مدينة درعا خصوصا، وبعد مقتل المئات وجرح الآلاف على أيدي القوى الأمنية المختلفة وعدم اتخاذ قيادة الحزب أي موقف إيجابي وفعال وعدم التعاطي مع هموم الجماهير نهائيا نتقدم باستقالتنا الجماعية".

2 . أعلن 30 عضوا في حزب البعث الحاكم في سوريا من منطقة بانياس انسحابهم احتجاجا على "ممارسات" أجهزة الأمن، وذلك في بيان لهم.  قالوا فيه " إن ممارسات الأجهزة الأمنية والتي حدثت تجاه المواطنين الشرفاء والعزل من أهالينا في مدينة بانياس والقرى المجاورة لها، لا سيما ما حدث في قرية البيضا يناقض كل القيم والأعراف الإنسانية ويناقض شعارات الحزب التي نادى بها".  وأشار البيان في هذا الصدد إلى "تفتيش المنازل وإطلاق الرصاص العشوائي على الناس والمنازل والمساجد والكنائس من قبل عناصر الأمن والشبيحة بما يؤدي إلى الاحتقان الطائفي وبث روح العداء بين أبناء الوطن الواحد".

3 . بيان الاستنكار الذي صدر قائلا: (يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان ولجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن استنكارهم الشديد للموقف المخزي الذي اتخذته منظمة "المؤتمر الإسلامي" –التي تضم كل الدول الإسلامية- خلال التحضير للجلسة الاستثنائية التي يعقدها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان غدا، للنظر في التدابير والتوصيات التي يتعين على المجلس تبنيها من أجل وضع حد للمجازر، وأعمال القمع الوحشي التي أقدمت عليها السلطات السورية في مواجهة التظاهرات الشعبية السلمية، التي تنشد الحرية والخلاص من النظام القمعي البوليسي في سوريا، والتي شهدت حتى الآن سقوط قرابة 500 قتيل، فضلا عن الآلاف من الجرحى والمعتقلين والمختفين قسريا).

4 . البيان الجريء الذي صدر عن قرابة أربعين كاتبا وصحفيا فلسطينيا في سوريا وخارجها، يستنكر قمع النظام السوري للحريات الديمقراطية، مستغلا اسم فلسطين وقضيتها. وقد ورد في البيان (يدين الموقعون على هذا البيان، من العاملين في الحقل الثقافي في فلسطين، والنشطاء في مؤسسات المجتمع المدني، أعمال القتل التي يمارسها النظام السوري ضد المطالبين بالحرية والكرامة في سوريا، ويعبّرون عن تضامنهم مع أشقائهم السوريين، الذين يناضلون من أجل أن تكون سورية دولة ديمقراطية حقيقية ولكل مواطنيها، تُصان فيها حقوق المواطنة والكرامة وحقوق الإنسان في التظاهر والتعبير، وتمارس فيها الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة وتُحترم فيها التعددية السياسية والثقافية، وآليات الانتقال السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع....كما يرفض الموقعون على هذا البيان الزج باسم فلسطين والقضية الفلسطينية الذي يقوم به النظام السوري لتبرير قمعه الشعب. إن استخدام اسم فلسطين والقضية الفلسطينية من جانب النظام لتبرير قمع الحريّات في سورية يلحق الضرر بفلسطين وقضيتها. كما ونذكِّر أن في سجل النظام مواقف كثيرة دفع الفلسطينيون ثمنها بالدم والدموع ).

وموقف وطني إنساني رائع من الكتاب والفنانين الأردنيين،

عبر بيان وقعه حوالي مائة من أشهر الكتاب والفنانين الأردنيين المعروف أغلبهم في الساحات الثقافية العربية عامة، يعلنون فيه تأييدهم للثورات العربية، ويدينون القمع الوحشي للثورة السورية، ومما جاء في البيان: ( وأننا إذ ندين القمع الوحشي الدموي الذي يمارسه النظام السوري ضد أبناء شعبه الأعزل، لنؤكد على أننا نرفض أي تدخل أجنبي في الشأن العربي السوري، كما نرى أن سفك الدم هو الذي من شأنه أن يخلخل بنيان أوطاننا الداخلي ويضعف قدرة شعوبنا على المقاومة ويدفع الأجنبي للتدخل في شؤون أمتنا ).

إزاء هذه السجل الموثق للنظام السوري،

يصبح من المخجل وأللا إنساني دعمه والتصويت له لنيل مقعد في مجلس حقوق الإنسان، وهو نظام كما سبق لا يحترم الحد الأدنى من حقوق الإنسان السوري في كافة ميادين الحياة، وكذلك جرائمه بحق العديد من الجنسيات العربية.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


صرخة من مواطن عربي حزين
من ضمن التعليقات على مقالتي السابقة المنشورة في إيلاف يوم الأربعاء السابع والعشرين من أبريل، وردت ضمن التعليقات هذه الصرخة من المواطن العربي ( فواز عبيدات ):

" دكتور احمد أمسي عليك .. أنا كنت طالبا عندما كنت مقيما في دمشق، وكنت أراك في إتحادات طلبة فلسطين وفي ندوات تشارك بها... أعرف أنّ هذه المقاله عن ليبيا ولكنني أكتب لك اليوم عن سوريا . أكتب لك هذه الكلمات ودموعي تسيل مني بسبب الوضع في سوريا. تكلمت مع بعض الاصدقاء القدماء وقالوا سوريا تحترق. سوريا تقتل أولادها . هل يستطيع إنسان أن يستوعب أنّ نظام الأسد أرسل دبابات ومدفعية ثقيله لضرب درعا ودوما وبانياس. عقلي البشري لايستوعب ذلك .درعا بها من يومين 300 قتيل ،الجرحى بالألاف ،ممنوع دخول المستشفيات ،ممنوع إرسال الطعام والأدويه .ماهذا القمع؟ ماهذا الإرهاب بحق المدنيين العزل ،والله يادكتور قال اليوم شباب من سوريا أن أمريكا وإسرائييل أشرف وأرقى تعامل من هذا النظام القمعي،  وأرقّ علينا من البعث الأسدي. دكتور أستحلفك بالله وأنت في موقعك في النرويج أن تنظموا فعاليات تندد وتفضح هذا النظام القمعي، وأن تكتب عن تجاربك مع هذا النظام السيئ الصيت ،سلمت يادكتور وسلمت يمناك ). سأفعل كل ما بوسعي يا سيد فواز عبيدات..قلوبنا وعقولنا مع الشعب السوري وكل الشعوب العربية الثائرة على الطغاة والمستبدين.



181
عميد الطغاة العرب: معطيات جديدة، وأيام معدودة

د.احمد أبو مطر

التطورات الميدانية في الساحة الليبية خلال الأيام القليلة الماضية، تشير إلى أنّ أيام عميد الطغاة العرب قذّاف الدم، أصبحت معدودة بسبب معطيات جديدة في الساحة الليبية لصالح الثوار والمجلس الانتقالي الذي يمثلهم،و بسبب حجم الجرائم التي إرتكبها الطاغية ومرتزقته بحق الشعب الليبي منذ إندلاع الثورة الليبية الباسلة، التي كسرت حواجز الخوف والرعب في واحدة من أعتى زنزانات الموت والتغييب في الأقطار العربية.

المعطيات الجديدة

شهدت الأيام القليلة الماضية مجموعة تطورات لصالح الثوار ودعمهم في مواجهة آلية القتل القذافية، التي أصبحت معزولة تماما محليا وعربيا ودوليا. أهم هذه المعطيات الجديدة العازلة والطاردة للطاغية:

أولا: تنامي ظاهرة عزله وسحب شرعيته التمثيلية للشعب الليبي، وإعطائها للمجلس الانتقالي الذي يمثّل ويقود حركة الثورة المتنامية ضده. فبالإضافة إلى وقف عمل وفد نظامه في مجلس الجامعة العربية، ومشاركة دول عربية مثل دولتي قطر والإمارات العربية في عمليات الناتو العسكرية ضد نظامه تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي، بادرت دول أخرى لسحب الاعتراف من نظامه ،كما أعلنت الحكومة الغامبية يوم الجمعة الثاني والعشرين من أبريل 2011 اعترافها بالمجلس الوطني الانتقالي كهيئة "شرعية" وحيدة في ليبيا وأمهلت الدبلوماسيين الليبيين العاملين على اراضيها 72 ساعة لمغادرة البلاد. وقالت الرئاسة الغامبية في بيان تلي على الاذاعة والتلفزيون أنّ حكومتها "اعترفت بشكل كامل  بالمجلس الوطني الانتقالي كهيئة شرعية وحيدة تمثل مصالح وشؤون الشعب الليبي "، كما أمرت بتجميد وإغلاق كل الحسابات الموجودة باسم معمر القذافي فورا. وكان قد سبق ذلك في العاشر من مارس 2011 إعتراف فرنسا بالمجلس الانتقالي ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الليبي، ونيتها إرسال سفير فرنسي لمدينة بنغازي مقر الثوار والثورة.

ثانيا: قيام السيناتور جون ماكين المرشح الرئاسي الأمريكي السابق بزيارة ميدانية لمدينة بنغازي يوم الجمعة الثاني والعشرين من ابريل 2011 ، وهي أول زيارة لمسؤول دولي على هذا المستوى، وهي تعني بدون نقاش قرارا أمريكيا نهائيا بعزل الطاغية القذافي، وانتهاء صلاحياته كممثل للشعب الليبي. وقد زار مبنى قصر العدل الذي بدأت منه الاحتجاجات ضد القذافي في فبراير الماضي، وقد استقبلته جموع من الثوار، وهم يهتفون "ليبيا حرة والقذافي بره، شكرا أميركا، شكرا أوباما".

ثالثا: تأكيد (كاترين فان دي فيت ) المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية في حوارها مع إيلاف الذي أجراه سلطان القحطاني يوم السبت الثالث والعشرين من ابريل 2011 ، ( أنّ المهمة في ليبيا ليست مهمة أمريكية، وإنما مهمة دولية. وهي مهمة تولاها المجتمع الدولي بعد استغاثة من شعب ليبيا لوقف هجمات قوات القذافي على مواطنيها. وعندما طالبت الجامعة العربية مجلس الأمن الدولي بالتدخل لوقف المذبحة، أصدر مجلس الأمن القرارين 1970 و 1973 اللذين فوّضا استخدام كافة الوسائل الممكنة من أجل حماية المدنيين ). وفي جوابها على سؤال آخر قالت: ( الأمر الواضح هو أنّه – أي القذافي- فقد شرعيته كقائد في عيون الشعب الليبي والعالم...ونحن نعتقد أنّ على العقيد أن يتنحى، وأن يتنحى الآن ).

رابعا: قيام دولة الكويت بمبادرة  الأولى من نوعها عربيا، وهي التبرع بمبلغ مائة وثمانين مليون دولارا لدعم أعمال المجلس الليبي الانتقالي الذي يقود الثورة، وقد جاء ذلك أثناء زيارة مصطفي عبد الجليل رئيس المجلس للكويت واجتماعه مع كبار المسؤولين الكويتيين، وإعلان الكويت الاعتراف بالمجلس ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الليبي، وهي الدولة العربية الثانية بعد قطر التي تعلن هذه الخطوة الجريئة. ولاحقا أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها المجلس الانتقالي بمبلغ خمسة وعشرين مليون دولار.

خامسا: تشديد الضربات الجوية لقوات الناتو لمقرات الطاغية في طرابلس بعد إرسال الولايات المتحدة الأمريكية طائرات بدون طيار قادرة على اصطياد أهدافها بدقة متناهية. وكانت البداية التي تقصّر عدد أيام الطاغية هي قيام هذه الطائرات بقصف مقر الطاغية في قاعدة العزيزية بطرابلس صباح الإثنين الخامس والعشرين من أبريل، مما أوقع خسائر كبيرة في الموقع ومرتزقة الطاغية. وبالتالي فالقصف يعني أنه قد افترب من رأس الطاغية ، وبالتالي سيصبح غير قادر على التواصل المنظم مع مرتزقته.

سادسا: تزايد وتصاعد إجرامي من قبل كتائب الطاغية ضد العديد من المدن الليبية خاصة مدينة مصراته، حيث هناك دمار شامل، أعقب الجرائم المتتالية للطاغية منذ اندلاع الثورة في منتصف فبراير الماضي، قتلت كتائب الطاغية ألاف من الليبيين المدنيين، كما استخدمت ألافا منهم دروعا بشرية في وجه هجمات الثوار على مقراته وقواعد كتائبه. كما ثبت بشكل قاطع اعتماده على مرتزقة من عدة دول أفريقية. كما أعلنت قطاعات واسعة من كتائبه التي إنشقت عنه أنه تمّ تضليلها عبر إيهامهم بأنهم سيرسلون لمحاربة عناصر من القاعدة، وفي الوقت ذاته يخّوف الطاغية دول الناتو من أنّ سقوط نظامه يعني وصول القاعدة لليبيا وشمال أفريقيا.

ما هو المخرج المتاح لهكذا طاغية؟

بعد كل هذه المعطيات الميدانية الجديدة، ليبيا وعربيا ودوليا، فلا مخرج له سوى التنحي قبل أن يتمّ قتله من قبل تقدم الثوار الليبيين المدعومين عربيا ودوليا. لذلك فقد أرسل قبل أيام وزير خارجيته العبيدي إلى أثيوبيا ربما للبحث عن مخرج له، حيث أنّ العديد من الدول الأفريقية غير موقعة على بروتوكول محكمة الجنايات الدولية، وبالتالي يمكنها استقباله، رغم الكراهية الشديدة له ولسلوكه من غالبية الدول والشعوب الأفريقية. ويفترض أن تحذو العديد من الدول العربية حذو قطر والإمارات والكويت لدعم المجلس الانتقالي في مواجهة هذا الطاغية الذي تآمر على غالبية الدول العربية. لذلك فأيامه معدودة مهما حاول المكابرة خاصة عبر بيانات نجله سيف الغطرسة وتبذير ثروة الشعب الليبي على جنونه ومجونه هو وإخوته وأخواته.

ملاحظات استفزازية ضمن السياق:

الأولى: استغرابي الشديد إلى أنّه ما زال بعض القراء في تعليقاتهم، يدافعون عن أنظمة الطغاة العرب رغم ثورات شعوبهم المتصاعدة، وسقوط ألاف القتلى والجرحى برصاص قوات وكتائب هولاء الطغاة، وبالتالي فهل هؤلاء القراء المدافعين في تعليقاتهم عن الطغاة القتلة،  ينتمون لشعوبهم أم  لمرتزقة ومنتفعي أولئك الطغاة؟

الثانية: لاحظت أنّ بعض القراء في تعليقاتهم يتهمون من يكتب ضد أولئك الطغاة ويناصرون شعوبهم العربية، بأنهم عملاء يقبضون من أجهزة المخابرات الدولية خاصة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية 
(سي آي إيه )، وحسب رصدي الدقيق فمنذ ثلاثة شهور غالبية الكتاب والمثقفين وعلماء الدين العرب، يدعمون هذه الثورات ويحرضون الشعوب على الاستمرار في ثورتها للخلاص من الطغاة والمستبدين، فهل هؤلاء ألالاف من الكتاب والمثقفين وعلماء الدين عملاء للمخابرات المركزية؟. هل 112 كاتبا ومثقفا سوريا، أصدروا بيانا ضد نظام الطاغية بشار وقتله لمئات من المتظاهرين السوريين ضده عملاء للمخابرات المركزية؟. هل 51 شخصا من رابطة العلماء السوريين الذين وقعوا بيانا بأسمائهم الصريحة ضد النظام وإعلامه أيضا عملاء للمخابرات المركزية؟. وإذا كانت المخابرات المركزية فعلا تدعم وتعمل لإسقاط هؤلاء الطغاة والمستبدين الذين أذاقونا الهوان والقتل، فلا خجل من أن نقول: شكرا لكل من يدعم الشعوب العربية في الخلاص من طغاتها ومستبديها اللصوص القتلة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



182
جمعة دموية نتيجتها زوال نظام الطاغية الأسد

د.أحمد أبو مطر

سيضاف يوم الجمعة الموافق الثاني والعشرين من أبريل لعام 2011 إلى السجل الأسود الدموي لنظام عائلة الأسد المتوحشة، التي تسيطر على البلاد والعباد في كامل سوريا منذ عام 1970 بلصوصية ودموية ، تجعل وحشها الحالي بشار، جدير بامتياز أن يقاد لمحكمة الجنايات الدولية جنبا إلى جنب مع طاغية ليبيا القذافي.

جمعة 90  قتيلا فقط ومئات الجرحى

أصدر مصفقو النظام ومطبليه مجموعة من القرارات الشكلية ، منها إلغاء قانون الطوارىء المعمول به منذ ما يزيد على خمسين عاما، وكأن هذا النظام المتوحش يحتاج لقوانين في مسيرته الدموية. فما إن أصدر ورقة شكلية بهذا الإلغاء حتى ارتكب يوم الجمعة المشار إليها مجزرة في عدة مدن سورية ، كانت نتيجتها ما لا يقل عن تسعين قتيلا من متظاهرين سلميين يطالبون برحيل هذه العصابة التي سرقت ودمرت سوريا ولبنان، بدعم من نظام الملالي الطائفي الإيراني ووكيله في لبنان حزب الله، الذي لا ينتمي لله تعالى إلا بالإسم، فهو الحزب الذي اجتاح بيروت في مايو 2008  بنفس طريقة اجتياح أسياده الأسود والإيرانيين للمتظاهرين السوريين والإيرانيين. خاصة أنّ الفيلسوف بشار، يرى أنه ( بعد قانون السماح بالمظاهرات لم يعد هناك حاجة للمظاهرات )، وكأنه هو وعصابته من يخططون لمشاعر وعقول و تحركات الشعب السوري.

تفاصيل دموية

التفاصيل التي نشرتها ووثقتها مصادر سورية داخلية بالصوت والصورة، ترقى حقيقة لمستوى جرائم إبادة جماعية، أتخذت بقرار رسمي علني، إذ أصدر الطاغية توجيهات لقوات أمنه وميليشياته بالتصدي بالذخيرة الحية لكافة التظاهرات المطالبة برحيله، أمّا تجمعات المنافقين المصفقين لنظامه فيتمّ حمايتها وتوزيع الرشوات العلنية عليهم. تخيلوا بعض تفاصيل هذه المجزرة الدموية يوم الجمعة، يوم الصلاة والعبادة والرحمة:

سقط في مدينتي إزرع و الحراك بمحافظة درعا التي انطلقت منها بداية الثورة السورية الحالية، ما لا يقل عن 15 قتيلا وعشرات الجرحى.
سقط ما لا يقل عن عشرة قتلى وعشرات الجرحى في مدينة حمص ، وعشرات آخرين في مناطق المعضمية و زملكا واالقابون في العاصمة دمشق.
وامتد القتل ليطال غالبية المدن السورية ، حيث انطلقت مظاهرة ضخمة في مدينة القامشلي ، ضمت عربا وأكرادا، هتفوا بلغتهم الكردية الممنوع استعمالها من قبل حزب التخريف القومي البعثي ( آزادي...بيراتي ) أي حرية..إخوة. وكذلك مدينة درعا حيث انطلقت الثورة السورية الحالية، تظاهر عشرات ألألاف في ساحة السرايا مطالبين بسقوط النظام ومحاكمة رموزه الطغاة القتلة، فتصدت لهم ميليشيات النظام بالرصاص الحي ليسقط عشرات القتللى.
أمّا في مدينة بانياس الساحلية التي تعيش منذ أيام ما يشبه حصار شامل، فقد أعلن الشيخ محمد خويفكية ( أنّ نحو عشرة ألاف شخص تجمعوا في مركز المدينة يدعون إلى الحرية والوحدة الوطنية )، وأضاف ( أنّ المتظاهرين ثارت ثائرتهم عندما ظهر على المنصة ثلاثة معتقلين تمّ الإفراج عنهم الخميس، وبدت عليهم آثار التعذيب ).

العالم كله يدين وسكوت عربي مخزي

هذه الجرائم الأسدية المتوحشة، حرّكت ضمائر العديد  من قيادات العالم ومنظمات حقوق الإنسان، فقد أدانها صراحة الأمين العام للأمم المتحدة، مطالبا بوقف هذه المجازر بحق متظاهرين سلميين. هذا بينما يسود سكوت مخزي كافة الدوائر العربية الرسمية، خاصة أنه كان يتوقع أن تصدر جامعة الدول العربية على الأقل بيانا شكليا تدين فيه هذه المجازر، وتوقف عمل مندوب النظام السوري في الجامعة، كما سبق أن فعلت مع مندوب عميد الطغاة العرب القذافي.

إتحاد العلماء المسلمين وعلماء النظام السوري

وفي سياق المواقف العربية، لا بد من تثمين مواقف ( إتحاد العلماء المسلمين ) الذي يرأسه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، فقد سجّل هذا الاتحاد مواقف جريئة بدعمه للثورات العربية في مصر واليمن وليبيا وسوريا، مما يعطي أملا أنه ما زال في هذه الأمة من يؤمن بأنه ( أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر )، فما بالك إذا كان هذا السلطان جائرا وقاتلا على مستوى جرائم الأسد والقذافي.

أما المخزي حقيقة فهو موقف من يسمّى وزير الأوقاف السوري محمد عبد الستار السيد، الذي هاجم بيانات إتحاد العلماء المسلمين المؤيدة لثورة الشعب السوري والمدينة للقمع الدموي لها، إذ اعتبر هذا الوزير أنّ بيانات إتحاد العلماء المسلمين تدخلا في الشأن السوري. وقد كان على حق الشيخ القرضاوي عندما ردّ عليه واصفا إياه بأنه ( أبله وعبيط ) لأنّ ( سوريا دولة عربية، شعبها منّا ونحن منه ). وكان موقفا شجاعا من ( رابطة العلماء السوريين ) التي أصدرت بيانا واضحا يدين تصريحات وزير الأوقاف الأسدي، ويدعم علانية بيانات ومواقف إتحاد العلماء المسلمين، وقد وقّع هذا البيان بأسمائهم الصريحة واحد وخمسون من علماء سوريا برئاسة الشيخ محمد علي الصابوني. ومما جاء في هذا البيان:

(إن رابطة العلماء السوريين تفتخر بعضويتها في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتعتز بمواقف الاتحاد وبياناته التي تصدر عنه من منطلق الواجب الشرعي الذي ألقاه الله على كاهلهم حين وصف العلماء الصادقين العاملين بأنهم: [الذين يُبَلّغون رسالات الله ويَخشونه ولا يَخشون أحدًا إلا الله]، فقد تَعَبّدهم بقول كلمة الحق، وتَحَمل واجباتهم ومسؤولياتهم الدينية والوطنية في صون حقوق الناس ومصالحهم، وحَقْن دمائهم وأموالهم وأعراضهم وكراماتهم، وأن يكونوا آمنين مطمئنين على أنفسهم وأهليهم.
وانطلاقًا من هذا الواجب، تستنكر الرابطة الهجاء الباطل الذي يتعرض له الشيخ العلامة د. يوسف القرضاوي - مدّ الله بعمره – من قبل أجهزة الإعلام السورية "الرسمية" وعلى ألسنة بعض العلماء الذين مشوا في ركاب السلطة فاستجابوا لإكراهاتها وإملاءاتها. كما تؤكد الرابطة على شرعية الموقف الذي اتخذه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من الأحداث في سوريا، وأنه استمرارٌ لمواقف الاتحاد العالمي من الثورات العربية في كلّ من تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها ( .

وعن مطالب المتظاهرين السوريين،
يقول اتحاد العلماء السوريين : ( مطالب المتظاهرين السلميين في سوريا شرعية، ومساندتهم واجب شرعي على كلّ عالمٍ مسلم، أيًّا كانت جنسيته، فالقيم وواجبات الدين منظومة واحدة، والعلم رَحِم بين أهله، فلا يجوز التقوُّل على الدين وباسمه، كما لا يجوز ترديد مثل تلك الأوهام التي يعتاش عليها بعض السياسيين من قبيل تهمة "التدخل في الشؤون الداخلية"، ونربأ بعلمائنا أن يكرروا مثل تلك المقولات التي لا تتفق مع تخصصهم وما أمرهم الله به من بيان الحق والصدع به ).

وفي انتظار مواقف المثقفين على خطى الشجاع برهان غليون

لم تعد هذه المجازر الدموية للنظام القاتل تحتمل السكوت، لذلك المنتظر أن يهبّ الكتاب والمثقفون السوريون لنصرة ثورة شعبهم في مواجهة هذا النظام الدموي، الذي يزجّ عشرات منهم ومن نشطاء حرية التعبير وحقوق الإنسان في السجون. إنّ لهم قدوة في مواقف المفكر الشجاع الدكتور برهان غليون الذي منذ البداية وهو يعلن مواقفه الشجاعة لتعرية القتل ومصادرة الحريات، فلم يعد السكوت ممكنا. أنظمة قمعية يرفضها الشعب في اليمن وليبيا وسوريا، فعليها أن ترحل، لأن تشبثها بالسلطة عبر القمع والقتل يؤكد أنّها لا تبحث إلا عن استمرار سطوتها ونهبها لثروات شعوبها، وإلا فما معنى مواجهة شعب يطالب برحيلها بالقوة التي أوقعت حتى الآن ألاف القتلى والجرحى في الأقطار الثلاثة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




183
هل أخطأ عميد الطغاة العرب بحق الشعب الليبي؟

د.أحمد أبو مطر

إدعاء عام بحق نجل عميد الطغاة

أودّ أن أوضح في البداية أنه رغم أنني مواطن نرويجي من أصول فلسطينية، إلا أنّه من حقي القيام بدور المدعي العام في مواجهة نجل عميد الطغاة العرب ، هذا النجل الذي إسمه في شهادة الميلاد( سيف الإسلام )، وهو في حقيقة الواقع اعتمادا على سيرته الذاتية كما سأثبت يستحق إسم ( سيف الغطرسة ). وحقي في القيام بدور المدعي العام نابع من أنّ هذا الطاغية أطلق على نفسه إسم ( عميد الحكام العرب )، و بالتالي من حق أي مواطن عربي أو من أصول عربية الإدعاء ضده. وكذلك فقد أطلق الطاغية على نفسه لقب  (أمير المؤمنين )، وبالتالي من حق أي مؤمن أو مسلم أن يدّعي عليه وعلى أولاده وبناته، شركاؤه في الجرائم التي سأذكرها.

أمّا حافز هذا الإدعاء فهو تصريح

سيف الغطرسة نجل الطاغية لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية ب ( أنه ووالده لا يخشيان من المحكمة الجنائية الدولية، لأنهما لم يرتكبا أية اخطاء بحق الشعب الليبي).

فما هي الحقائق التي تثبت أنّهم مجرمون و قتلة؟

سوف أقدّم في هذا السياق مجموعة من الحقائق الموثقة من مصادر قذّافية رسمية، تثبت أنّ الطاغية ونجله وبقية أفراد عائلته قتلة مجرمون مفسدّون أضاعوا غالبية الثروة الليبية لدعم الإرهاب وللدعاية لأنفسهم، وعلى مشاريع وهمية لمجرد الغطرسة والديكورات الثورية الفارغة، كما ارتكبوا العديد من المجازر والاغتيالات بحق الشعب الليبي وعرب وأوربيين آخرين من العديد من الجنسيات. فما هي هذه الحقائق؟

أولا: مذبحة سجن أبو سليم الليبي

من يستطيع إنكار هذه المذبحة التي إرتكبتها عمدا وعلانية قوات أمن عميد الطغاة العرب، وبدعم وسكوت مطبق من أولاده خاصة سيف الغطرسة. هذه المجزرة موثقة عبر شهادات لعشرات من الليبين ممن عاشوها أو عاصروها في سجن أبو سليم بضواحي العاصمة طرابلس في التاسع  والعشرين من  يونيو عام 1996 ، حيث قتل مرتزقة الطاغية ما لا يقل عن 1200 سجينا سياسيا، عبر إطلاق للرصاص الحي مباشرة عليهم، وتهديم أجزاء من السجن بقاذفات الصواريخ. ولم تعد هذه المجزرة لحاجة للنقاش أو الإثبات فهي حقيقة مثبتة في تاريخ الطاغية وأولاده المخزي. فهل استنكر نجله سيف الغطرسة هذه المذبحة؟

ثانيا: إغتيالات بحق ليبيين  وعرب

1 .إغتتيال الإمام موسى الصدر ومرافقيه الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين ، أثناء وجودهم في طرابلس بدعوة رسمية في 31 من أغسطس 1978 ، وقد صدرت شهادات عديدة من مسؤولين ليبيين بأنهم قتلوا على يد القذافي شخصيا، وآخر شهادة بذلك من عبد المنعم الهوني المسؤول السابق في الخارجية والمخابرات الليبية.

2 . إختطاف السياسي الليبي منصور الكخيا من القاهرة في العاشر من ديسمبر 1993 ، وتهريبه للأراضي الليبية حيث تم قتله وإخفاء جثمانه إلى اليوم، وآخر من أكدّ مسؤولية الطاغية هو عبد المنعم الهوني نفسه الذي وثّق أن مسؤول المخابرات الليبية السابق إبراهيم البشاري، هو من قام بتخديره في منزله في حي الزمالك بالقاهرة ثم نقله للأراضي الليبية وقتله هناك.

3 . ثم أعقب ذلك إغتيال إبراهيم البشاري نفسه في حادث سير مدبّر عام 1997 ، للتخلص منه لأنه يملك أغلب أسرار العمليات الإرهابية لنظام الطاغية منذ أن كان مديرا للمخابرات الخارجية، خاصة أسرار العمليتين الإرهابيتين ضد طائرة بان أمريكان ( لوكربي ) عام 1988 ، و طائرة يوتا الفرنسية فوق صحراء النيجر عام 1989 . هاتان العمليتان الإرهابيتان اللتان راح ضحيتها قرابة 300 مواطن أمريكي وفرنسي ومن جنسيات أخرى.

4  .  حادث إغتيال مسؤول حركة الجهاد الإسلامي الدكتور إبراهيم الشقاقي في مالطة بتاريخ السادس والعشرين من أكتوبر 1995 بعد عودته لها من ليبيا في طريقه إلى دمشق، ولم يكن يعلم أحد بزيارته الرسمية لجماهيرية الخوف،  سوى القذافي وعملائه إذ كان يستعمل جوازا ليبيا بإسم إبراهيم الشاويش ، وقد ثبت أنّ الطاغية قد نسّق مسبقا مع الموساد معلومات جوازه ووصوله، ثم إغتياله في مالطا بعد قدومه لها من طرابلس، وقد إتهمت حركة الجهاد أخيرا وبشكل رسمي مسؤولية الطاغية القذافي عن هذا الإغتيال..

أمّا عن سجناء الرأي والنشطاء السياسيين فحدّث بلا حرج، فسجون هذا الطاغية وتقييده لحرية الرأي ومنعه أي نشاط سياسي معارض، لا شبيه لها إلا في سجون مثيله طاغية دمشق الأسد على شعبه فقط، ونعامة ناعمة لطيفة إزاء الإحتلال الإسرائيلي للجولان.

ثالثا: تبذيره المليارات على مشاريع ديكورية

إنّ من يعود لمواقع إليكترونية تابعة للطاغية مثل موقع ( جائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان )و موقع ( المركز العالمي لدراسات الكتاب الأخضر )، سيكتشف كم من المليارات وليس الملايين أنفقها هذا الطاغية وأولاده على هذه التفاهات عبر تنظيم مؤتمرات وندوات، كما أثبتّ بالأسماء في مقالة سابقة أنّ واحدا من هذه المؤتمرات تمت دعوة حوالي سبعمائة شخص له من مختلف أنحاء العالم. كل ذلك ليصفقوا له وينافقونه، ليصبح في مخيلته المريضة ( ملك ملوك أفريقيا ) و ( أمير المؤمنين )، ينقل معه خيمته وناقته بالطائرات مع عشرات من فتيات ليبيا بدعوى حراسته، وسهراته الماجنة الكحولية أمام زوجته وأولاده مع محظياته خاصة الأوكرانية التي هربت لبلادها مخمورة  فور إندلاع ثورة الشعب الليبي ضده، وتمّ احتجازها وسحب جوازها في مطار كييف العاصمة الأوكرانية. ويكفي لضحك كالبكاء تذكّر المؤتمرات التافهة التي كان يعقدها الطاغية لما يسمى ( مؤتمرات الهنود الحمر لتحرير أمريكا ).

ومن ينسى مشروعا تافها ديكوريا، أطلق عليه اسم ( النهر الصناعي العظيم ) لينتهي الأمر بدون نتيجة، وأنّه كان مجرد أحلام في مخيلة مريضة أو يتعاطى صاحبها حبوب الهلوسة، بعد أن أنفق عليه مليارات الدولارات.

رابعا: فضائح أولاده وبناته خارج ليبيا

فضيحة نجله المدعو هنيبعل الأخيرة في سويسرا، ما زالت حيّة في عقول القراء حيث قام بتعذيب خادمتيه في فندق بجينيف السويسرية  في يوليو 2008 ، مما استدعى حجزه في مخفر الشرطة كأي مجرم. وقبل ذلك تمّ حجزه في باريس عام 2005 بسبب ضربه لصديقة له علنا في الفندق، كما لاحقته شرطة السير في باريس بسبب قيادتة لسيارته بسرعة زائدة عن المسموح به.

أمّا المغنية الكندية نيللي فورتادو، فقد كانت أشرّف من عائلة القذافي المبذّرة، فبعد إندلاع ثورة الشعب الليبي، وإطلاعها على سجل العائلة القذر، أعلنت أنه لا يشرفها الاحتفاظ بمليون وربع المليون دولارا دفعتها العائلة القذافية لها مقابل غنائها في حفلة خاصة بالعائلة، لذلك تبرعت بالمبلغ للجمعيات الخيرية.

أما عن تزوير العائلة القذافية للشهادات الممنوحة لأولاده، فيكفي ذكر فضيحة ابنته عائشة التي بعد أن فشلت في دراستها للقانون في جامعة السوربون، عادت إلى جماهيرية الخوف ليصدروا لها في دقائق شهادة دكتوراة من كلية القانون من جامعة المرقب الليبية. وبعد ذلك تعلن انضمامها لفريق الدفاع عن الطاغية البائد صدام حسين، معلنة أنها تعتبره مثل والدها، وكانت هذه أصدّق جملة قالتها فوالدها وصدام من الطغاة المتشابهين قولا وفعلا وجريمة.

بعد سجل الجرائم هذا،

هل يمكن لنجل الطاغية أن يظلّ على رأيه ( أنّه ووالده لم يرتكبا أخطاءا بحق الشعب الليبي ؟ ). ربما معه حق في مسألة وهي أنّ ما ارتكبوه ليس أخطاءا بل جرائم تستدعي جلبهما لمحكمة الجنايات الدولية. وهذا تحفيز جديد لمن بقي مع الطاغية من قيادته أن يسارعوا في الإنشقاق عنه والالتحاق بالثورة الشعبية العارمة، ولكم في موسى كوسا عبرة  يا ذوي الألباب!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


184
من غزة إلى إلى الزرقاء: سلفيون أم تكفيريون قتلة؟

د.أحمد أبو مطر

شاع في السنوات الأخيرة إسم أو مصطلح ( السلفية والسلفيون) تسمية لجماعات دينية، تقدّم نفسها على أنها تنطلق من منطلقات إسلامية صرفة ، تعتمد على القرآن والسنّة حسب إدعائهم. وهنا في هذه المقالة لا أريد الخوض في متاهة التعريفات والمصادر حول مصطلح أو مدارس السلفية التي لا يمكن حصرها، ويحتاج كل تيار منها لمجلد لسرد التفاصيل المتعلقة بنشأته ومعتقداته. أود فقط العودة للمصدر اللغوي للتسمية بشكل عام، فيفترض أنّ ( السلفية ) تعود في مصدرها للفعل ( سلف ) بمعنى ( مضى ) أو (سبق ). أمّا الإسم المشتق من ذلك ( السلف ) فقد ارتبط بمصطلح أو تسمية ( السلف الصالح )، وغالبا ما يطلق على صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكونهم القدوة الحسنة في السلوك والتعامل والخلق. ومن هذه الخلفية شاع المثل القائل ( خير خلف لخير سلف ). استنادا إلى هذا المفهوم الأخلاقي المفترض لسلوك السلف الصالح، هل يتمتع بهذا السلوك كل الجماعات التي تطلق على نفسها تسمية ( جماعات سلفية )؟. لن أجيب مباشرة على السؤال ب ( نعم ) أو ( لا )، بل سأستعرض بعض أعمالهم في مدينة غزة الفلسطينية والزرقاء الأردنية، لنرى إذا كان هؤلاء سلفا صالحا أم مجرد مجرمين قتلة، يتخذون من الدين وتسمياته غطاءا لجرائمهم وهوسهم  الذي يدلّ على جهل وغباء وتخلف لا مثيل له إلا فيما عرف بالقرون الوسطى.

قتل المتضامن الإيطالي في مدينة غزة

هذه الجريمة البشعة التي طالت فجر الجمعة الثامن من أبريل 2011 المتضامن الإيطالي ( فيتوريو أريغوني )، حيث قامت جماعة سلفية باختطافه وقتله ساعات بعد عملية الخطف. وقد أعلنت جماعة "سلفية" في قطاع غزة، تطلق على نفسها "جماعة التوحيد والجهاد"، أنها أقدمت على اختطاف الصحفي الإيطالي رداً على قيام حكومة حماس في غزة باعتقال زعيم الجماعة "أبو الوليد المقدسي"، وطالبت حكومة حماس بالإفراج عن زعيمها خلال ثلاثين ساعة وإلا ستقتل المتضامن الإيطالي  وقد قتلته فعلا. هذا الصحفي المتضامن الإيطالي يقيم في قطاع غزة منذ ثلاثة سنوات، تاركا أهله وعمله من أجل أن يعلن للعالم أجمع حجم الحصار المفروض على القطاع، وأنه كإنسان يرفض هذا الحصار الذي حوّل القطاع إلى سجن كبير. لقد خدم القضية الفلسطينية أكثر من كثيرين من الفلسطينيين، فهل يستحق هذا الموت الذي لم ينفذه سوى مجرمون قتلة؟. أية سلفية هذه؟ وأي سلفيون هؤلاء الذين يقولون لكافة المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، لا تأتوا لقطاع غزة فالموت في انتظاركم، خاصة أنّه قد تمّ قبل هذه الجريمة في مارس من عام 2007 اختطاف الصحفي البريطاني( إلن جونستون) الذي يعمل في القطاع مراسلا لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي ، وأعلن من أطلقوا على أنفسهم ( جيش الإسلام ) المسؤولية عن ذلك، وطالبوا الحكومة البريطانية  الإفراج عن إرهابي مثلهم اسمه ( أبو قتادة ) حسب بيانهم، ورغم عدم تلبّية مطالبهم فقد أفرجوا عنه.

وقبل ذلك في زمن السلطة الفلسطينية في أغسطس من عام 2005 ، تمّ اختطاف الصحفي الفرنسي فرانك بيرو ( محمد الضيوفي )، وهو فرنسي من أصل جزائري، كان قد قدم للقطاع لتغطية الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، إذ كان يعمل فني صوت في الفريق الصحفي التابع للقناة الثالثة في التلفزيون الفرنسي. وكانت عملية الخطف هذه قد جاءت بعد أقل من أسبوع على خطف موظفين يعملان في وكالة الغوث الدولية، وقد أشارت مصادر أمنية آنذاك أن هذا الحادث هو التاسع من نوعه الذي يتم فيه اختطاف واحتجاز أجانب في قطاع غزة، وأن عدد المختطفين في هذه الحوادث هو (21) مختطفاً، وذلك منذ شهر يوليو 2004 وحتى أغسطس 2005 . وهناك من تساءل : من المستفيد من هذه العمليات الإرهابية؟ بالتأكيد أنّه ليس الشعب الفلسطيني، وإذا كان المقصود من السؤال هو إلقاء المسؤولية على جهات خارجية مثل الموساد والشين بيت وغيرها من الأجهزة الإسرائيلية، فالمهم أيضا السؤال : من المنفذين في أرض الواقع؟ ولننتظر فقد أعلنت حكومة حماس أنها بصدد اعتقال كل المنفذين لتلك الجريمة، وهذا يعني أنهم فلسطينيون ما زالوا في القطاع.

ومن غزة إلى الزرقاء الأردنية،

كان منظرا مرعبا لا يمكن مشاهدته في أفلام الرعب الهوليودية، حيث تجمع المئات من هؤلاء التكفيريين القتلة بعد صلاة الجمعة، الخامس عشر من أبريل 2011 ، حاملين السيوف التي كان بعضها أقصر من لحاهم المصبوغة بكافة الألوان خاصة لون الدم، الذي أسالوه من عشرات المواطنين ومن بينهم رجال الأمن، الذين رفضوا التعرض لهم بنفس الإسلوب الدموي. عندما شاهدت مناظرهم القبيحة بسيوفهم يلوحون بها في الهواء، ويعتدون على مواطنين كانوا معهم في صلاة الجمعة،  ورجال أمن أبرياء كانوا يلتفون حولهم لحماية مظاهرتهم، تساءلت: أية سلفية هذه؟ وأين سلوكهم الهمجي هذا من سلوك السلف الصالح، صحابة الرسول الكريم؟. أية صلاة جمعة التي  كانوا فيها؟ وأي إسلام يعتنقون ويمارسون، عندما يقول الرسول الكريم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )؟.

لقد كان تصرف رجال الأمن الأردني معهم حضاريا بكل معاني الكلمة، بدليل أنه وقع العديد من الجرحى منهم بسيوف هؤلاء القتلة، بينما لم يجرح أو يضرب واحد من القتلة، وتمّ نقل العديد من رجال الأمن للمستشفيات لإصابتهم بجروح بليغة. بينما تمّ لاحقا اعتقال العشرات من هؤلاء التكفيريين الجهلة، الذين لا أعتقد أنّ مرحلة من أية مراحل تخلف عربي وإسلامي، شهدت مثل هذه الجماعات بسلوكها التكفيري الدموي.

كيف يمكن التعامل مع سجناء الجهلة القتلة هؤلاء؟

من المؤكد أنّهم يستحقون السجن كي يبقوا بعيدين عن الشارع الأردني لا يمارسون فيه جهلهم وتخلفهم وقتلهم الدموي. وفي الوقت ذاته من المهم أن يقوم دعاة إسلاميون حقيقيون بتوعيتهم بحقيقة الممارسات الإسلامية، لأنّ غالبية هؤلاء القتلة تمّ التغرير بهم من خلال شيوخ جهلة، ولنا ولهم عبرة في مراجعات الجماعات الإرهابية المصرية، التي بعد سنوات في السجن بعد اغتيال الرئيس أنور السادات، عادوا إلى رشدهم وأصدروا ما عرف بإسم ( المراجعات )، إعتذروا فيها وتخلّوا عن فكرهم التكفيري الجاهل، معلنين قرارهم بالعودة للحياة المدنية عبر القوانين والتشريعات المعمول بها في البلاد.

إنهم قتلة جهلة،
لا يسيئون للبلاد والشعوب التي يرتكبون جرائمهم فيها وبحقهم، بقدر ما يسيئون للدين الإسلامي عندما يطلقون على جماعاتهم الإرهابية الدموية هذه أسماء مثل ( جماعات سلفية )أو ( التوحيد والجهاد )، أو( جندّ الله )، والإسلام والله تعالى براء منهم ومن جرائمهم.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net









185
جورج واشنطن والرؤساء العرب، مقارنة غير ممكنة

د.أحمد أبو مطر
ليس غريبا في ظلّ التداعيات التي يعيشها عالم العرب المحكوم في أغلبه  من قبل رؤساء على شاكلة عميد الطغاة العرب القذافي، أن تتسلل للمخيلة أو العقل هذه المقارنة المستحيلة بين جورج واشنطن أول رئيس أمريكي ( 1789 – 1797 )، وباقي الرؤساء العرب اليوم بدءا من عميدهم الطاغية معمر القذافي ومرورا بأشباهه علي صالح وحسن البشير وأخيرا وليس آخرا الأسد بشار إبن الأسد حافظ.

من هو جورج واشنطن؟

لتذكير من نسيّ أو من لا يعرف، فهو أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وهو من خلفية عسكرية إذ كان قائدا عسكريا معروفا ومميزا ببسالته أثناء الحرب ضد الفرنسيين، وكان قد ترأس ( الإجتماع الدستوري ) الذي يعتبر نواة الدستور الأمريكي الحالي الذي تمت صياغته عام 1989 أي في بداية أول ولاية رئاسية له. وبعد انتهاء فترة رئاسته الثانية عام 1797 أي قبل 214 عاما، رفض الاستمرار في الرئاسة رغم تجديد الثقة به لحدّ مطالبة البعض ببقائه رئيسا مدى الحياة، إلا أنّه رفض بعزم وإصرار ليصبح تقليد ولايتين فقط للرئيس الأمريكي، أمرا دستوريا له إحترامه منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. ولعظمة هذا الجورج واشنطن يلقبه البعض ب ( أبو الأمريكيين ). وكان خطاب الوداع الذي ألقاه في نهاية ولايته الثانية مؤثرا للغاية لدرجة اعتباره قطعة أدبية أمريكية عالية المستوى الفني.  وقد وصفه ملك إنجلترا جورج الثالث رغم هزيمته لجيشه البريطاني بأنه ( أعظم شخصية في التاريخ )، بينما صديق عمره  (هنري هاري لي ) فقد قاله عنه : ( إنّ جورج واشنطن كان مواطنا أمريكيا من الطراز الأول سواء في الحرب أو السلام، وسوف يبقى في قلوب الأمريكيين إلى الأبد ). وبعد انتهاء ولايته الثانية ورفضه الحازم لطلبات بقائه في الرئاسة، عاد إلى قريته ( مونت فيرنون ) ليعيش باقي حياته مواطنا أمريكيا عاديا، يعمل في مصنع صغير لتقطير الخمور إلى أن توفي في الرابع عشر من ديسمبر عام 1799 بعد إصابته بالتهاب رئوي حاد. وقد سميت مقاطعة كولومبيا التي كانت مقرا دائما للحكومة الأمريكية منذ العام 1790 فيما بعد بإسم ( واشنطن دي سي )، لتصبح عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية.

وماذا عن الرؤساء الطغاة العرب؟
عميد الطغاة القذافي


كان عميد الطغاة العرب، وملك ملوك أفريقيا، والمؤلف العبقري لكتاب الحيض ( الكتاب الأخضر )، ومسخرة ( القرية...الأرض..انتحار رائد الفضاء )، طبعا كلها كتبها له كتاب معروفون وقبضوا الثمن  (والفضيحة يا رب ). هذا العميد كان حتى الأول من سبتمبر عام 1969 ملازما مغمورا جاهلا في الجيش الليبي، وإذا به فجأة يقود انقلابا عسكريا ضد الملك السنوسي، ثم يغدر بغالبية زملائه الانقلابيين، ليبق متمسكا بالسلطة بالقوة والقتل والسجون حتى اليوم منذ 42 عاما، أي ما يساوي ولاية ستة رؤساء أمريكيين، ولمّا كان بعضهم قد حكم لولاية واحدة، فقد عاصر هذا الطاغية المجرم ثمانية رؤساء أمريكيين منذ الرئيس نيكسون حتى الرئيس أوباما.  ومنذ انطلاق ثورة الشعب الليبي ضد طغيانه، وهو مستمر في قصف الشعب الليبي بالطائرات والمدفعية كي يبق رئيسا طاغية حتى الموت. هل يمكن المقارنة بين هذا الطاغية  و جورج واشنطن؟. لماذا لم يصرّ جورج واشنطن وهو القائد العسكري المشهود له ببسالته في الحروب، على أن يبقى رئيسا لولاية ثالثة رغم مطالبة الكثيرين من الأمريكيين له بذلك؟

وعلي عبد الله صالح أيضا

ما هي مؤهلات علي صالح قياسا بالرئيس الأمريكي جورج واشنطن ، كي يصرّ بقوة السلاح والموت على البقاء رئيسا بعد حكم دام حتى اليوم 33 عاما، أي ولاية  أربعة رؤساء أمريكيين؟. أية عبقرية هذه يتمتع بها هذا الشخص ليصرّ على البقاء حاكما، رغم الرفض اليمني والخليجي الشامل له ومطالبته بالرحيل الفوري؟. وبنفس أسلوب القذافي يستعمل مرتزقته أسلحة الجيش اليمني لقتل الشعب بكافة الوسائل. هل يمكن المقارنة بين هذا الشخص والرئيس الأمريكي جورج واشنطن؟

والأسد من الأب إلى الإبن

استلم الأسد الأب حكم سوريا من عام 1970 إلى عام 2000 أي ثلاثون عاما ، ثم ورّث السلطة لإبنه بشار بشكل مخزي لا يرضىاه أي مجلس للقردة وليس مجلس الشعب كما يسمّى الذي غيّر الدستور لينسجم مع مقاس وعمر الإبن بشار الذي يحكم منذ العام 2000 أي منذ 11 عاما، فتصبح رئاسة الأسود ممتدة منذ 41 عاما بفارق عام واحد عن عميد الطغاة العرب القذافي، وبالتالي يستحق الأسد الإبن لقب ( مساعد عميد الطغاة العرب ).
والدليل على ذلك أن مجازر قواته ومرتزقته ضد المتظاهرين السوريين  والاعتقالات التعسفية لنشطاء حرية التعبير وحقوق الإنسان متواصلة، منذ اندلاع الثورة السورية الحالية في مدينة درعا، وانتقالها للعديد من المدن السورية، وقد زاد عدد القتلى حتى اليوم على مائة قتيل. من يتصور أنّ هذه تصرفات شخص يقول عن نفسه أنّه ( طبيب ) ودرس في بريطانيا؟ هل يتذكر سلوكيات ملكة بريطانيا؟ هل يتذكر حقوق الإنسان وحرية التعبير في بريطانيا؟. هل يمكن مقارنة هذا الطاغية الإبن بجورج واشنطن الأمريكي؟.

من يتخيل الفارق الزمني 214 عاما؟

أليس ما نعيشه في الأقطار العربية قياسا بكل المقاييس العالمية هو كارثة إنسانية وأخلاقية؟ ما هي الظروف والأخلاق والثقافة التي جعلت المواطن الأمريكي قبل 214 عاما، يؤسس لممارسات حكم ورئاسة أخلاقية نزيهة شريفة عادلة، ونحن ما زلنا في عصر الإستبداد الشمولي الذي لم تعرفه حياة الديناصورات المنقرضة؟. إنه ليس دعاية للشقيقة الكبرى ماما أمريكا، بقدر ما هو بكاء على حال العرب العاربة والمستعربة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





186
طغاة متوحّشون ومثقفون منافقون

د.أحمد أبو مطر

كرّرت مرارا أنّ صناعة الاستبداد مهنّة  عربية بامتياز، أسهم فيها بفعالية ونشاط مخجل فئتان في المجتمعات العربية هما: فقهاء السلاطين الذين استعملوا الآية القرآنية ( وأطيعوا أولي الأمر منكم ) لتثبيت هؤلاء الطغاة، ومثقفو المستبدين الذين لا أعرف إن كانوا قد أحسّوا بالخجل لحظة من كتاباتهم هذه خاصة أنّ أغلبها في مجال الثقافة والنقد، أي أنهم جعلوا من هؤلاء الطغاة المستبدين كتابا ومبدعين، يتفوقون على شيكسبير ونجيب محفوظ وغيرهم من كبار مبدعي العالم. وهكذا كتابات نقدية حادة لي ليست جديدة أو وليدة اليوم بعد بدء سباق سقوط الطغاة. لقد كتبت سابقا عن الكتاب والمثقفين الانتهازيين الذي صفقوا وكتبوا بابتذال لا يليق بأحقر البشر. ويمكن الرجوع لبعض كتاباتي هذه ومنها:

(القائد الضرورة عاريا، وكتاب عرب أكثر عريا) ،

نشرت في  موقع إيلاف بتاريخ الثاني من يونيو عام 2005 . وقد أوردت فيها تفاصيل عن كتابات العديد من الكتاب العرب، خاصة العراقيين الذين كتبوا مجلدات في فكر القائد الضرورة، الطاغية صدام حسين. ويكفي أنّ تلك الدراسة تضمنت قائمة بعناوين بعض الكتب التي كتبت عن ذلك المستبد  وغيره ومنها:
1-صدام حسين القائد المفكر، هاني وهيب.
2- صدام حسين : مناضلا و مفكرا و إنسانا، أمير إسكندر.
3- صدام حسين : الرجل والقضية والمستقبل، فؤاد مطر.
 4- بن علي : العقل في مواجهة العاصفة، حميدة نعنع.
 5- صدام حسين و جمال عبد الناصر : القائد و إدارة الصراع، أنمار لطيف نصيف جاسم.
6- صدام حسين القائد الضرورة (قراءة في التكوين الشخصي والقيادي)، حامد أحمد الورد.
7- صدام حسين : قائد و تاريخ، صباح سلمان.
8- مع الفكر الإنبعاثي الجديد (صدام حسين)، فاضل إسماعيل العاني.
9- التكنولوجيا والتقدم العلمي في فكر القائد صدام حسين، حسين عجلان.
10- طارق عزيز: رجل و قضية، حميدة نعنع.

أما عن الشعراء فحدّث بلا حرج،

 فقد نظموا في الطاغية صدّام ما لم ينظموا بيتا واحدا منه في خالد بن الوليد أو صلاح الدين الأيوبي أو عمر المختار أو عز الدين القسّام. وهؤلاء الشعراء المنافقون كثيرون منهم:شفيق الكمالي، عبد الرزاق عبد الواحد، علي الياسري، سامي مهدي،رعد موسى، عبد الكريم يونس الكيلاني، حميد سعيد، ساجدة موسى، صالح مهدي عماش وغيرهم. ويكفي التذكير ببيت شفيق الكمالي في مطلع معلقته الصدامية الذي يقول فيه:
                      تبارك وجهك الوضاء فينا      كوجه الله ينضّح بالجلال

وهناك أيضا بيت الشعر المنسوب لأكثر من شخص، رغم أنّ كثيرا من العراقيين ينسبونه إلى صالح مهدي عمّاش، وهو بذيء لدرجة الكفر والتعدي على الذات الإلهية:
                    نحن البعث والدنيا بنيناها    لو امتدت يد الله إلى البعث لقطعناها


عميد الطغاة روائي وقاصّ ومفكر

هذا الجاهل عميد الطغاة العرب الذي بالكاد يستطيع كتابة جملة بلغة عربية صحيحة، وجد من الكتاب العرب من كتب له تفاهات أطلق عليها مجموعة قصصية بعنوان ( القرية القرية، الأرض الأرض، وانتحار رائد الفضاء ). إنّ استعراض عناوين ما كتبه البعض عن هذه الخربشات يرقى لأن يكون مثالا صارخا عن النفاق والارتزاق لدى عدد من الكتاب والعرب. وليس مطلوبا من القارىء أن يقرأ كامل نصوص ماكتبوه، فيكفيه استعراض عناوين هذه الكتابات أو فقرات منها ليرى أنّ هؤلاء الكتاب فقدوا الضمير والحس الإنساني..وإليكم نماذج من كتابات هؤلاء المرتزقة المنافقين، الذين غلّبوا مصلحة جيوبهم على حساب دماء الشعب الليبي الذي عانى قمع وقتل هذا الطاغية طوال 42 عاما. وكل ما سأورده من نماذج نفاقهم وارتزاقهم كان عن تلك المسخرة التي لم يعرف حتى اليوم من كتبها له بعنوان ( الأرض الأرض، القرية القرية، وانتحار رائد الفضاء )، رغم أننا عرفنا من هو الكاتب الذي كتب  (زبيبة والملك ) وباعها للطاغية المقبور ( صدّام حسين ).

كوليت خوري

هذه الكاتبة السورية، المستشارة في قصر الرئاسة السوري في زمن حافظ الأسد، ابتذلت نفسها مقدّمة المجرم معمر القذافي، على أنّه قد افتتح فنّا جديدا من فنون الإبداع لم يسبقه إليه أحد في الشرق أو الغرب. وقد قالت ذلك في عام 2003 في ندوة عقدتها في طرابلس ( لا تضحكوا ولا تبكوا ) " جائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان ":

( إن معمر القذافي وجد مجالاً جديداً في الأدب. الأدب دنيا تتسع لشتى المجالات وهنا يتحول سؤالي إلى إقتراح ، وأطرح الفكرة جدّياً... لماذا لا نجد مجالاً جديداً في دنيا القصة نسميه مثلاً اللوحة القصصية أو القصة اللوحة أو شئ كهذا يندرج تحت هذا العنوان، يندرج فيه هذا النوع من الإبداع الأدبي الذي هو بين القصة والمقالة، والذي هو بالأحرى لوحة قصصية مرســومة بالكلام، مكتوبة بالنبض، توحي بأجواء، وتطرح أفكاراً وأراء، ونجد أنفسنا ونحن منسابين مع اللوحة ، نعيد النظر في أمور كثيرة كنا نعتقد أننا نعرفها ، مثلما وجدنا مجالا في جديدا في الشعر الحديث وشعر التفعيلة ، وهذا الاقتراح جدير بأن نناقشه . وكي أنهي كلامي أقول : إن المبدع معمر القذافي حطم هذه القوالب ليخرج منها لا ليبقى فيها .. ويجب أن نجد لهذا النوع من الأدب عنواناً ) .
من يتخيل هذا النفاق؟ من يتصور هذا الارتزاق الذي لا يمارسه إلا عديمو الضمير على أبواب طاغية قتل وما يزال يقتل ألافا من الشعب الليبي؟

زاهر حنني، فلسطيني

كتب ( زاهر حنني )، مديحا للمبدع الطاغية محاولا أن يتستر على نفاقه بموضوعية كاذبة مكشوفة عبر محاولته التمييز بين الطاغية سياسيا والطاغية مبدعا. كتب يقول:

( قد نختلف معه في السياسة، وقد نتفق، لكننا عندما نقرأ له بوصفه أديبا، فإن أفضل ما يمكن أن يعبر عن إحساسنا بما نقرأ هو القول بأنه يعبر عنا، أو يكتب بالنيابة عنا، وقلما نشعر مثل هذا الشعور عندما نقرأ أدبا، ذلك أن خيلاء الفوقية تسيطر على كثيرين عندما يكتبون. وقليلون هم الذين تشعر بالحميمية في كلماتهم، يغوصون في أعماقك، ويستخرجون كل ما تختزنه في الشعور واللاشعور، ويترجمونه إلى كلمات تصعب مقاومة الاعتراف بأنها هي ما أردت أن تقول) . تخيلوا أنّ الطاغية هو من القلائل بين ألاف الكتاب والمبدعين العرب من العصر الجاهلي إلى اليوم ،هو من القلة التي ( تعبر عنّا أو تكتب بالنيابة عنّا ). هذا الطاغية عند زاهر حنني يعبر عن مشاعر ملايين العرب، فما رأيه اليوم وملايين الليبيين يثورون عليه، طالبين برحيله ومحاكمته مع أولاده المستبدين الذين شوّهوا صورة العربي والمسلم في كافة أنحاء أوربا بتصرفاتهم الشاذة القمعية؟.

شاكر نوري، عراقي

كتب مديحا نقديا لهذه الخربشات، لا يليق إلا بمبدعين عالميين سواء في الموضوع أو الحبكة الفنية، يقول:
( ففي جميع قصص المجموعة يجد القارئ نفسه غارقاً في عالم مضطرب ، يسبب له الكثير من التوتر .. وفي الوقت نفسه ، يشعر بأنه أمام راو أو سارد يتكلم بصيغة الشخص الأول ويتحد به . إن التعقيد في التخطيط السردي ، وتداخل القصص وغياب الترتيب الزمني والأسلوب التجزيئي .. كل هذا لا يأتي إستجابة لرغبة فنية محض بل هو الشكل الوحيد لتقديم هذا العالم . إذن .. ما دام هذا هو الشكل الوحيد لتقديم هذا العالم .. أي عبر هذه القصص .. فعلينا أن نقرأها بمستويات متعددة .. وبالتالي من خلال تداخل هذه المستويات التي نأتي على تفصيلها لاحقاً ).

محمد سلماوي،

رئيس اتحاد الكتاب المصريين، سلّم عميد الطغاة العرب،  درع الاتحاد في مؤتمر مدينة سرت عام 2009، منظّرا لضرورة هذا الدرع لهذا الطاغية بقوله : “كل فكرة طرحها القذافي، تستحق مؤتمراً خاصا بها”. ربما كان الموقف الرسمي لسلماوي يستدعي تقديم هذه الجائزة للطاغية، ولكن هل كانت هناك ضرورة لهذا النفاق بهذه الكلمات؟.

ندوات خاصة عن إبداع معمر القذافي

وهذا العنوان ليس نكتة أو تخريفا، بل هو حقيقة حدثت في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب في طرابلس ، ديسمبر 2009 ، إذ كان من ضمن فعاليات هذا المؤتمر ندوة بهذا العنوان، شارك فيها العديد من المنافقين العرب، يتحدثون عن الإبداع والفن والسرد القصصي وسحر الزمان والمكان والتقنيات الفنية في أدب الطاغية بلا أدب معمر القذافي. ومن هؤلاء المشاركين في هذه الندوة وندوات أخرى ، وموضوعات مشاركاتهم المنافقة التي لا داعي لإضاعة الوقت وقراءتها، إذ يكفي استعراض عناوين كتاباتهم المنافقة هذه:

إبداع القصة وقصة الإبداع، حنان الهوني، ليبيا
الأبعاد النفسية عند الكاتب معمر القذافي، يحيى الأحمدي، مصر.
دلالات التشكيل المكاني في قصص القذافي، صبحية عودة، فلسطين.
دراسة عن القرية القرية، الأرض الأرض..نجاح قدور.
جماليات النصّ القصصي في مجموعة القذافي، شوقي بدر.
قراءة نقدية في الكتابة الأدبية للقذافي، مدحت الجيار، مصر.
المنطلقات النفسية في أدب القذافي، علاء الدين بن دردوف.
السخرية في أدب القذافي، عبد الرسول عربي.
رؤيا عامة في مجموعات القذافي القصصية، عفاف عبد المحسن.
الدلالة المفارقة للمكان في الخطاب الأدبي للقائد المبدع معمر القذافين عثمان بدوي، الجزائر.

مصفقون من كل الجنسيات

اخترع عميد الطغاة العرب  عام 1988 مسخّرة جديدة، أطلق عليها اسم ( جائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان ). هذا الطاغية صاحب مجزرة سجن أبو سليم عام 1996 التي راح ضحيتها ما لايقل عن 1500 سجين ليبي، يمنح جوائز بإسم حقوق الإنسان. وممن كرّمتهم هذه الجائزة القاتلة عام 2002 من الكتاب: إبراهيم الكوني، أحمد إبراهيم الفقية، و نديم البيطار.
وفي العام 2002 بين السادس والعشرين والثامن والعشرين من سبتمبر، أقامت هذه الجائزة المسخرة مؤتمرا بعنوان:

(معمر القذافي كاتبا ومبدعا )

شارك فيه حوالي خمسون كاتبا وصحفيا عربيا وأجنبيا. وربما يوافقني القارىء أنّه ليس مهما قراءة النفاق الذي قدّمه أغلب المشاركين في هذه المسخرة، ويكفي أن أذكر أسماء بعض من شاركوا في هذا التهريج:

أحمد عبد العال، نوري ضو الحميدي، رجب أبو دبوس، أحمد الصافي سعيد، وجيه عمر مطر، عبد الله أبو هيف، عبد الرزاق عبد الواحد، زياد علي، كوليت خوري، ياسين رفاعية، صبحية عودة، فوزي البشتي، شاكر نوري، صلاح نيازي، محمد الفيتوري، عز الدين الميهوبي، حسن حميد، أحمد إبراهيم الفقيه، ميرال الطحاوي.

وعلى ذكر ميرال الطحاوي، نستذكر هجومها الشديد على قبول جابر عصفور وزارة الثقافة قبل خلع الطاغية حسني مبارك، وهي محقّة في هذا الهجوم، ولكن ماذا عن حضورها وتصفيقها في مؤتمر عميد الطغاة العرب؟ وما زلنا ننتظر موقف جابر عصفور ، وهل سيتنازل عن قيمة جائزة القذافي التي تسلمها عدا ونقدا مائة وخمسون ألف   يورو في أبريل 2010 ،  وهي التي رفض الكاتب الأسباني غوان غويتسوولو قبول مجرد الترشح لها.

إنّ النماذج السابق مجرد غيض من فيض، لأنّ رصد هذا الفيض يحتاج لمجلد من مئات الصفحات. وهذه النماذج تكفي للوصول إلى حقيقة: كم أسهم الكتاب والمثقفون العرب في ترسيخ صناعة الاستبداد والمستبدين في أقطارنا العربية.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





187
إلى خالد مشعل:
إتق الله فيما تدّعيه على لسان القرضاوي ودفاعك عن نظام الطاغية

د.أحمد ابو مطر

 ليس دفاعا عن فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي. وليس تهجما على المناضل خالد مشعل. ولكن إبرازا للحقيقة التي عشت شخصيا فصولها ، وهي ما أثارت تصريحات خالد مشعل التي قوّلت الشيخ القرضاوي ما لم يقله، ومدافعا من خلال أكاذيب وأضاليل عن النظام القمعي الديكتاتوري في سوريا، الذي اكتوى الشعب السوري الصابر طوال 41 عاما في سجونه ومعتقلاته التي لا مثيل لها في غالبية دول العالم. وأنا أكتب موضحا هذه الحقائق من الدوحة عاصمة قطر، حيث كنت بين جموع المصلين خلف الشيخ القرضاوي في صلاة الجمعة بمسجد عمر بن الخطاب يوم  الأول من أبريل لعام 2011 . وبالتالي فأستطيع أن أنقل ما قاله الشيخ القرضاوي أمام ألاف من المصلين، وبالتالي فهولاء المصلون وملايين سمعوا خطبته عبر الفضائيات، يستطيعون الحكم والتأكد مما سأكتبه، وبالتالي يعرفون أنّ كلمات خالد مشعل الموجهة للشيخ القرضاوي، هي التي حادت عن جادة الصواب، وهو المطالب بأن يتق الله فيما قاله زورا على لسان الشيخ القرضاوي، ويتق الله عندما يقدّم نفسه قائدا لحركة مقاومة وفي الوقت نفسه يضع نفسه في موقع المحامي عن نظام يرفضه شعبه السوري، وحتى اليوم قتل عسكر ومرتزقة هذا النظام ما يزيد عن سبعين سوريا منذ بدء ثورتهم الحالية، وثمانية وثلاثين ألفا يا مشعل في مدينة حماة عام 1982 .

ماذا إدّعى خالد مشعل على لسان الشيخ القرضاوي؟


بعد خطبة صلاة الجمعة المشار إليها، وخطبة جمعة سابقة في نفس المسجد، نقلت وسائل الإعلام السورية الرسمية الأسدية تحديدا، والعديد من فقهاء السلاطين المنظّرين للنظام القمعي، أنّ الشيخ القرضاوي يدعو للفتنة ويؤجج لحرب بين الطائفة العلوية التي ينتمي لها بشار الأسد وبين السنّة غالبية الشعب السوري. ونتيجة هذا الإدعاء الكاذب، هاجم عدد من كتاب النظام الشيخ القرضاوي، وقام بعض فقهاء السلاطين في دمشق ممن يقدّمون أنفسهم على أنهم (علماء ) بمهاجمة الشيخ القرضاوي. أمّا المنافقون والمتزلفون على أبواب الطاغية في مجلس كلية الحقوق بجامعة دمشق ، فقد طالبوا بمقاضاة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بتهمة إثارة النعرات الطائفية في خطبه بصلاة الجمعة، و تقدم المجلس بكتاب إلى المحامي العام الأول بدمشق من أجل تحريك دعوى الحق العام بحق القرضاوي، لأنّ هذا المجلس وجد في الخطبة حسب قوله ما  (ينال من هيبة الدولة السورية والشعور القومي فيها، ويحرض على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وهذه الأمور تشكل اعتداءً سافراً على كل مواطن سوري وتقع تحت طائلة تطبيق أحكام المواد التالية 293 و298 و307 من قانون العقوبات السوري المتعلقة بالاعتداء على أمن الدولة وسلامة واستقلال أرض الوطن ). أمّا تغيير الدستور السوري عام 2000 لتوريث الأسد الإبن والقتل المتواصل للشعب السوري وفساد إمبراطورية آل مخلوف أخوال بشار، ليس فيه ما ينال من هيبة الشعب السوري وكرامته وسرقة ثرواته.

موقف خالد مشعل المنافق للطاغية


إزاء ذلك، ظهر خالد مشعل عبروسائل الإعلام السورية منتقدا ومعاتبا الشيخ القرضاوي، قائلا: ( إن حكام السنّة في العالم العربي باعوا قضيتنا ، وأبرز شيوخ السنّة تخلوا عن أهلنا ، ولم تجد حركة حماس سوى الرئيس بشار الأسد ليحميها ويدعمها ويقف إلى جانبها، وحين طردنا الحكام العرب السنّة آوتنا سوريا وبشارها، وحين أقفلت أبواب المدن في وجهنا فتحت لنا سوريا قلبها وحضنت جراحنا، لذا أقول للشيخ القرضاوي من منطلق المحب العاتب، إتق الله يا شيخ في فلسطين ..وسوريا هي البلد الوحيد الذي لم يتآمر علينا ويدعمنا وما تقوله عن وحدتها الدينية يصيب قلب كل فلسطيني بالحزن ويخدم إسرائيل ).

إفتراءات خالد مشعل

هذه الفقرة من حديث خالد مشعل تحتوي على عدة افتراءات وأكاذيب، لا هدف منها إلا أن يتزلف لنظام الطاغية، بدليل ثورة الشعب السوري في غالبية المدن السورية ضده، وسقوط ما لا يقل عن ثمانين قتيلا ببنادق مرتزقته حتى الآن، وهي أساسا تنطلق من خلفية طائفية مقيتة عندما يتكلك عن ظلم أهل السنّة له، وأود أن أسأل مجاهد فنادق دمشق والدوحة ومقبّل يد خامئني هذه الأسئلة ، وعلّه يتق الله ويجيب عليها بصدق:

أولا: ماذا قدّم لك ولحماسك نظام الأسد بشار منذ عام 1988 وحتى اليوم غير خطابات الممانعة الكاذبة؟. هل سمح لك بإطلاق رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي عبر الحدود السورية؟.

ثانيا: ما رأيك في قتلى المدن السورية من درعا إلى اللاذقية برصاص مرتزقة الأسد بشار؟ هل هؤلاء متآمرون أم يطلبون حريتهم يا مشعل ؟ هل اتصلت بذويهم لتقدم لهم التعازي؟ ألم تسمع عشرات الكتاب والنشطاء السوريين المنددين بهذا القمع الدموي؟ لماذا هم لم يخافوا وأعلنوا مواقفهم الصريحة، وأنت تتزلف وتنافق هذا النظام الدموي؟ هل أنت أصدق من النائب السوري  "يوسف أبو رومية " الذي وقف بشجاعة أمام أسدك بشار في جلسة البرلمان الديكوري يوم السابع والعشرين من مارس الماضي، متهما الأمن السياسي في درعا باستدعاء قوات الأمن في هليوكبتر، ونزولهم فورا لإطلاق الرصاص على المواطنين المسالمين، فوقع القتلي والجرحى. ثم قال ( إن أهل حوران موصوفين بولائهم ووطنيتهم وباخلاصهم ولكن للأسف الذي جرّ البلاد كلها فروع الامن في درعا التي باتت تقتل عن جنب وطرف دون هوادة ). فمن أصدق النائب السوري الشجاع أم خالد مشعل المصفق لطاغية سوريا؟ ).


ثالثا: هل سألت عصابات النظام الأسدي من قتل عماد مغنية المسؤول العسكري لحليفك حسن نصر الله، بعد خروجه من مقابلة ضابط استخبارات أسدي في منطقة المخابرات الأسدية بكفرسوسة؟. من يستطيع دخول كفر سوسة يا مشعل؟

رابعا: هل سألت وحقّقت في هوية الأشخاص الذين أرسلوا للموساد المعلومات من دمشق عن سفر ونوع جواز مسؤولك العسكري محمود المبحوح ليتمّ اغتياله في دبي؟. هذا رغم أنك تعرف أنه قد سافر بجواز مزور لا يحمل اسمه الحقيقي. ومن هم الذين اغتالوا عضو حماسك عز الدين شيخ خليل عام 2004 في دمشق؟

خامسا: لماذا تنطلق من منطلقات طائفية وتدّعي أن حكام وشيوخ السنّة باعوا قضيتك؟ وأية قضية حافظت عليها أنت وحماسك بإنقلابكم العسكري في قطاع غزة وارتكابكم جرائم بحق الفلسطينيين هناك أبشع من جرائم الاحتلال؟. وماذا قدّم لك نظام بشار غير سكن فنادق الدرجة الأولى لك ولقيادتك ؟. وهل تجرأت أن تسأله عن مئات الفلسطينيين والأردنيين في سجونه منذ ما يزيد على أربعين عاما ، ولا أحد يعرف إن كانوا أحياءا أو أمواتا؟. هل تتجرأ وتسأله عن الصحفي الفلسطيني مهيب النواتي الذي وصل دمشق يوم الثامن و العشرين من ديسمبر عام 2010  واختفى حتى هذه اللحظة؟.

لا طائفية ولا فتنة في خطب الشيخ القرضاوي

من استمع مثلي مباشرة لخطب الشيخ القرضاوي، ومن شاهدها عبر الفضائيات، ومن قرأ نصوصها، يتأكد أنّ الشيخ القرضاوي لم يدع لفتنة طائفية، ولم يحرّض من منطلقات طائفية، بل انتصر للشعب السوري المقموع المضطهد منذ 41 عاما من عائلة الأسد الأب والإبن. قال الشيخ في خطبة الجمعة ، الخامس والعشرين من مارس الماضي: ( الرئيس الأسد يعامله الشعب على أنه سُنّي، وهو مثقف وشاب، ويمكنه أن يعمل الكثير، ولكن مشكلته أنه أسير حاشيته وطائفته العلوية ). أين النزعة الطائفية في هذه العبارة؟. بالعكس فالشيخ يقول ما معناه: أنّ الشعب السوري يعتبر الأسد واحد من الأغلبية السنّية، ولكن الأسد مرهون ومسجون في إطر حاشيته وعائلته، وهذا صحيح يعيشه ويعرفه الشعب السوري. وإلا كيف أصبحت عائلة الأسد وأخواله من آل مخلوف، من أباطرة المال ولصوص ثروة الشعب السوري، وهم الذين كانوا عام 1970 لا يملكون إلا القمصان التي تستر أكتافهم؟.

عار على علماء منافقين للطاغية

وفي خطبة الجمعة، الأول من أبريل الحالي، انتقد الشيخ القرضاوي مثل ملايين السوريين وقادة العالم خطاب الأسد الأخير الذي كان مجرد ملهاة أقرب للمسخرة، ولم يتطرق لأي مطلب من مطالب ثورة الشعب السوري،  فهل في هذا النقد فتنة طائفية؟. وهل كان ملايين المتظاهرين السوريين ينطلقون من منطلقات طائفية؟. وما أثار البعض في سوريا المنكوبة بالأسد وحاشيته، هو هجوم الشيخ القرضاوي على المنافين ممن يقدمون أنفسهم في سوريا على أنهم (علماء ) أي رجال دين.  وقد قال عنهم الشيخ القرضاوي : (  إنّ هولاء العلماء الذين ضحوا بدماء الشباب السوري لإرضاء النظام يرتكبون جريمة كبرى في حق شعبهم وسوف يلاحقهم عار نفاق السلطة وبيع دماء الشهداء. إنّ هؤلاء العلماء خذلهم الله ووقفوا أمام ثورة الشباب واتهموهم بأنهم عصوا الله والرسول ولم يطيعوا أولي الامر منهم، لأنّ هؤلاء الشباب خرج للمطالبة بالحرية وانهاء 60 عاما من الطوارئ والقمع والهوان ). وتساءل: (  لماذا كل هذه البذاءات.. هل لأنني وقفت مع الشعب السوري أم لأنني أرفض تزييف الحقائق وأندّد بسفك دماء الشباب الحر؟.. زمن الاستهانة بإرادة الشعوب انتهى.. وتهديدات أبواق الأنظمة غير الديمقراطية لن ترعبنا ).

وتساءل الشيخ القرضاوي في الخطبة ذاتها:  (أي أمة تلك التي توهن روابطها من كلمة حق تقال على المنبر؟ ما أوهنكم وما اضعفكم إذا، فأنا لست داعيا الى طائفية او مذهبية ولكني أدعو الى توحيد الأمة وأنا ضد أي تقسيم للامة العربية والاسلامية،  وخطبت في ميدان التحرير أمام اكثر من 4 ملايين مصل منهم مسلمون ومنهم مسيحيون ، وقلت في خطبتي جرت عادة الائمة أن يبدأوا بقولهم (أيها المسلمون) وأنا قلت (أيها المصريون) ، وقلت لإخواننا الأقباط: إذا سجد المسلمون فاسجدوا معهم،  لأن السجود مشروع في جميع الأديان السماوية حتى يرانا الناس في مظهر واحد،  ومن هنا أنا لست داعيا الى الطائفية.  أنا داع الى التوحيد بأن تكون الامة يدا واحدة ).

الشكر والتقدير للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.
والعار كل العار لفقهاء وعلماء السلاطين والحكام الطغاة.
وليتق الله خالد مشعل، ويتوقف عن مديح الطاغية الأسد، وليقل كلمة حق دعما لثورة الشعب السوري، فالطغاة يجب مقاومتهم يا مشعل أيا كانت هويتهم وقوميتهم، سواء احتلوا وطنك فلسطين، أو قمعوا شعوبهم في أي قطر عربي. والسلام على من قال كلمة حق وانتصر للشعوب.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net

الدوحة، قطر

توضيح لاحق


لفت انتباهي بعض الزملاء فور الانتهاء من كتابة المقالة، إلى أنّ موقع حركة حماس نفى تلك التصريحات المنسوبة لخالد مشعل، متزامنا مع نشر الموقع بيان الحركة عن أحداث سورية المنشور في الثاني من أبريل. وأودّ الإشارة إلى نقطتين: الأولى: هناك مصادر صحفية داخل سورية محايدة تماما، تؤكد أنّ تلك التصريحات قد صدرت فعلا عن خالد مشعل، وهذا النفي جاء عقب الإدانات الشديدة من قوى شعبية سورية، لأنه دافع عن النظام القمعي بما لا يستحق. الثانية: عند العودة لبيان الحركة المشار إليه عن أحداث سورية، نجد أنّ هذا البيان قد كرّر ما جاء في تصريحات مشعل من إشادة وتمجيد بالنظام الذي يقمع الشعب السوري، و لم يجرؤ البيان على قول كلمة حق مثل شجاعة الشيخ القرضاوي الذي أدان قمع النظام الأسدي بحق الشعب السوري، وتضامنه الجريء مع ثورة الشعب السوري. بالعكس جاء بيان حماس يحمل تناقضا لا معنى له..فقد جاء في نهاية البيان حرفيا...( انطلاقا من ذلك نؤكد وقوفنا إلى جانب سورية الشقيقة قيادة وشعبا ). ما معنى هذا الوقوف؟ كيف تقف مع القيادة التي تقتل شعبها؟ وفي الوقت ذاته تقف مع الشعب المقتول؟ وأين هذه الإزدواجية من شجاعة وجرأة الشيخ القرضاوي؟. وأين ذلك من حديث ( أفضل الجهاد كلمة حق امام سلطان جائر ) ؟. والسلام على من وقف مع الشعوب في وجه الطغاة وفقهاء السلاطين.
 


188
هل تتعرض سوريا لمؤامرة كما يدّعي بشار الأسد؟

د.أحمد أبو مطر

ألقى بشار الأسد خطابا أمام ما يسمى زورا وبهتانا ( مجلس الشعب السوري )، وهو حقيقة لا يمثل الشعب السوري، خاصة بعد قيام هذا المجلس بعد وفاة الأسد الأب في يونيو عام 2000 بتغيير أيضا ما يسمى الدستور على مقاس بشار الإبن، ليتمّ تعيينه وليس انتخابه رئيسا وراثا لوالده، وكأن سوريا الشعب والوطن مزرعة مسجلة في الشهر العقاري بإسم عائلة الأسد.وقد جاء خطابه يوم الأربعاء الموافق الثلاثين من مارس الحالي ليشكل خيبة جديدة تضاف للخيبات المتكررة التي عاشها الشعب السوري تحت حكم عائلة الأسد الاستبدادي منذ عام 1970 أي طوال 41 عاما بفارق عام واحد عن حكم عميد الطغاة العرب الملازم معمر القذافي. لقد مهّد لهذا الخطاب غير التاريخي نائبه فاروق الشرع قائلا أنه (خطاب سيرضي كل الشعب )، وكذلك روّجت لهذا الخطاب مستشارته بثينة الصحّاف.

هل تضمّن خطاب الطاغية جديدا؟


إعتقد الجميع خاصة الشعب السوري المظلوم بهذه العائلة منذ عام 1970 ، أنّ الرئيس الوارث للحكم عنّوة رغم أنف الشعب السوري، سوف يعود لرشده وهو الدارس في بريطانيا ليعطي الشعب السوري بعض الديمقراطية والحرية والشفافية التي شاهد الشعب البريطاني يعيشها، وهي المبادىء التي حولت بريطانيا لدولة عظمى، فإذا الخطاب مجرد تكرار مملّ لكلام الطغاة المستبدين، ويتساوق مع خطابات الطاغية اليمني عبد الله صالح...كيف ؟

تخويف الشعب بمسخرة المؤامرة

لقد أعاد بشار في خطابه هذا نفس أسطوانة علي عبد الله صالح معتبرا أن مظاهرات الشعب السوري من درعا إلى اللاذقية اللتي شارك فيها مئات ألالاف وسقط فيها ما لا يقل عن خمسين قتيلا برصاص جيشه الذي لم يتذكر أن يطلق رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي للجولان من عام 1967 ، هذه المظاهرات مجرد مؤامرة تتعرض لها سوريا. قال الأسد الإبن : ( أنّ سوريا تتعرض لمؤامرة تعتمد في توقيتها وشكلها على ما يحصل في الدول العربية". هل يستطيع عاقل أو مجنون أن يفهم أو يصدق هذا الكلام الفارغ الخالي من أي مضمون؟. إذا كانت مظاهرات الشعب السوري من أجل الحرية ومكافحة فساد أسرته وأخواله، مؤامرة تعتمد على ما يحصل في الدول العربية، فهذا يعني عند هذا المحلل الإستراتيجي الأسدي ، أنّ ملايين المصريين والتونسيين واليمنيين الثائرين على أمثاله من الطغاة والفاسدينن مجرد أدوات تحركهم مؤامرة، دون أن يعطينا تفاصيل هذه المؤامرة، وهذا دليل على عدم قناعته بتحليلاته الفارغة، وفقط يكرّر هذه الإسطوانة المشروخة ليخيف المتظاهرين ضد قمعه وديكتاتوريته الموروثة عن والدة منذ عام 2000 ومن قبله والده منذ عام 1970 .

تخريف آخر لا ينطلي على الشعب السوري


وضمن نفس سياق التخويف والتخريف، طرح الأسد الوارث في خطابه : (أنّ مدبري المؤامرة خلطوا بين ثلاثة عناصر الفتنة والإصلاح والحاجات اليومية ). وبالطبع لم يسمّي مدبري المؤامرة هؤلاء، لأنهم مجرد تخريف لا يصدقّه أحد. ولا يفهم أحد من وكيف تم الخلط بين هذه الأمور؟. كل من تابع مظاهرات الشعب السوري من مدينة درعا إلى مدينة اللاذقية، لم يسمع ولم يشاهد أي شعار أو لافتة أو هتافا طائفيا ضد أية طائفة من مكونات نسيج الشعب السوري. وبالتالي فهذا الخلط مجرد تخريف يريد به الأسد الوريث أن يخوف طوائف معينة من الشعب السوري، على اعتبار أنّ هذه الثورة المطالبة بالإصلاحات الديمقراطية ومحاربة الفساد موجهة لطائفة محددة من مكونات الشعب السوري. وهذا غير صحيح وغير موجود في ذهنية الشعب السوري المتسامح بتحضر يشهد به وله كل من عرفه وعاش بينه. وبوضوح أكثر فإنّ الطائفة العلوية الكريمة ليست مسؤولة عن استبداده وديكتاتوريته الموروثة من والده، وليست مسؤولة عن فساد أخواله ( عائلة مخلوف ) السارقين لنسبة عالية من ثروة ومشاريع الشعب السوري، بحيث تقدّر ثروتهم بعشرات المليارات من الدولارات. والدليل على ذلك أنّ غالبية الطائفة العلوية تعيش في نفس الفقر والقمع والاستبداد الذي يعيشه الشعب السوري.

من يريد ضرب استقرار سوريا؟

وضمن مسلسل التخويف التخريفي، يصرّ الأسد الوريث على ( أنّ أعداءنا يعملون كل يوم بشكل منظم وعملي من أجل ضرب استقرار سوريا). هل يتجرأ الوريث المستبد على تسمية هؤلاء الأعداء؟. هل هناك دولة عربية تكنّ العداء لسوريا وتحشد جيوشها على الحدود السورية؟. أمّا إذا كان المقصود دولة إسرائيل، فالأسد يعلم أنّ نظامه منذ والده هو الضامن لأمن وحدود دولة إسرائيل بدليل عدم إطلاقه رصاصة من الحدود السورية ضد إسرائيل منذ عام 1967 ، وكانت وما زالت مخابراته تمنع أي تنظيم فلسطيني من إطلاق أية رصاصة ضد الاحتلال من الحدود السورية، بما في ذلك شريكته الممانعة حركة حماس. فلماذا تتآمر إسرائيل على هذا الضامن لحدودها ، ويجري معا مفاوضات مباشرة وغير مباشرة؟. نعم إن دولة الإحتلال تعرف أن بقاء هذا النظام من مصلحتها ومصلحة أمنها ولن تتآمر ضده!!.

بقاء قانون الطوارىء وإصلاح شفوي موعود

ولم يتطرق الوريث لقانون الطوارىء المعمول به من عام 1963 مما يعني بقاءه لأجل غير معروف،  بدليل أنّه بعد خطابه غير التاريخي تمّت اعتقالات جديدة بين نشطاء حرية التعبير السوريين. أما الإصلاحات فحسب فلسفة المستبد تقتضي التمييز بين ( السرعة ) و ( عدم التسرع ). هل فهم أحد هذه الفروق التي طرحها الوريث في خطابه؟. ما معنى عدم التسرع غير بقاء فساد ولصوصية عائلته ومرتزقته الذين وقفوا يصفقون له في مجلس الشعب الذي لا يمثل الشعب السوري؟. ما معنى عدم التسرع؟ ألا يكفي سرقة ونهب ثروات الشعب السوري طوال 41 عاما؟.

من يكذب الوريث أم الفضائيات؟

وآخر البدع في خطابه هي اعتقاده أنّ ثورة الشعب السوري هي من اختراع بعض الفضائيات دون أن يسميها، رغم أنّ الجميع كانوا يتابعون تحديدا فضائية الجزيرة التي كان نقلها مباشرا وحيّا من داخل المدن السورية، وتجرأ عشرات المواطنين السوريين للحديث علانية لهذه الفضائية وغيرها، وبالتالي وبصراحة شديدة فإن الإبن الوريث هو الذي ينطبق عليه القول الذي ذكّره في خطابه وهو (أكذب..أكذب..حتى تصدّ ق نفسك ) ولكن لن يصدّقك الشعب السوري.

لا للفتنة..نعم لسقوط الوريث المستبد

لا أحد يسعى للفتنة خاصة الشعب السوري المتسامح المتحضّر بجدارة، وهي مجرد فزّاعة يريد النظام الاستبدادي ان يتحصّن خلفها، وهي لن تنطلي على الشعب السوري بدليل أنّ المظاهرات اندلعت في مدينة اللاذقية تحديدا بعد الانتهاء من خطابه الذي لم يحتو على كلمة صدق واحدة...وبالتالي فإنّ سقوط هذا المستبد ونظامه حتمي مهما تأخر الوقت قليلا..فلن يعود الشعب السوري للوراء.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


189
بشار الأسد:
زنقة..زنقة..من درعا إلى القرداحة
د.أحمد أبو مطر

يثبّت الشعب السوري مقولة أو مثال ( أنّ للصبر حدود ). فقد صبر وعانى كثيرا وطويلا منذ زمن الطاغية الأب حافظ الأسد، وصولا إلى الطاغية الإبن بشار الذي وصل للسلطة عبر تزييف وتضليل وتغيير للدستور خلال ساعات، بطريقة لا يقبلها أي ضال في أكثر الدول تخلفا وظلامية فما بالك أن يتمّ ذلك في سوريا العريقة ىشعبا وتاريخا.  وهاهو الشعب السوري يعيش طغيان هذه الأسرة وليس النظام طوال ما يزيد عن أربعين عاما. وأقول الأسرة لأنه منذ استيلاء الطاغية الأب على السلطة عام 1970 قد تجيّرت كافة أمور ومقدرات وثروات الشعب السوري في يد هذه الأسرة وأخوالها لصوص عائلة مخلوف. وبثورة الشعب السوري التي انطلقت من مدينة درعا وصولا إلى اللاذقية ومرورا بالعديد من المدن السورية، يعلن هذا الشعب السوري أنّه ما عاد ممكنا المزيد من الصبر على طغيان هذه الأسرة والمرتزقة من حولها، الذين عاثوا فسادا وطغيانا وظلما بالبلاد والعباد، محوّلين سوريا ولبنان إلى مزرعة خاصة بهم. كيف تحولت هذه الأسرة الفقيرة المعدمة القادمة من قرية القرداحة إلى عصابة دموية، إلتف حولها قطعان من المرتزقة واللصوص، حولّوا سوريا بكاملها من وطن إلى سجن كبير، لا أعتقد أنّ دولة عربية أو غربية فيها هذا الحجم من السجناء والمعتقلين، ويكفي أنّ الدفعة الأولى التي أعلن المجرمون الإفراج عنهم تتكون من 260 معتقل رأي، وكما أعلنت ( بثينة الصحاف ) أنّ من بينهم 16 كرديا. ما المقصود بذلك؟ لماذا هذا التصنيف على أسس عرقية؟ أليس الأكراد مواطنون سوريون مقموعون مضطهدون مثل باقي الشعب؟ وإلا لماذا لم تصنّف بقية السجناء على أسس طائفية مثلا؟. ولماذا الآن الإعلان عن إلغاء قانون الطوارىء، وهو مجرد إعلان فقط، لأنّ ممارسات هذا النظام الدموي من المستحيل ان تتغير، فهو يدرك أنّ بقاءه مرهون باستمرار القمع والقتل والسجون، وإلا فليستمع لنداء الغضب السوري ويرحل.

باتريك سيل والطاغية الأب

زار الكاتب البريطاني المشهور باتريك سيل دمشق في بداية عام 1984 ، وبعد مقابلة مع الطاغية الأب حافظ الأسد ، أقنعه بأنه ينّو ي تأليف كتاب عنه بعنوان ( الأسد والصراع في الشرق الأوسط ).إعتقد الطاغية أنّ باتريك سيل سيكيل المديح له على غرار المرتزقة من حوله فوافق على الفكرة، وأمرّ بفتح كافة ملفات الأرشيف السوري أمامه بما فيها أرشيف الأسرة في قرية القرداحة السورية. وبعد أن نشر باتريك سيل كتابه، وتمت ترجمته خلال أيام قليلة،  أغضبه الكتاب لما فيه من أسرار ومعلومات عن المجرم وعائلته، فأصدر قرارا بمنع الكتاب من دخول سوريا، وما زال حتى هذه اللحظة ممنوعا بطبعتيه الإنجليزية والعربية.

من المعلومات المهمة التي نشرها باتريك سيل اعتمادا على أرشيف العائلة السرّي في قرية القرداحة، أنّ العائلة أساسا اسمها (الوحش )، وتمّ تبديل الإسم لاحقا إلى ( الأسد ). وحسب ممارسات الأب حافظ وشقيقه القاتل رفعت ومن بعده الإبن بشار، فإن اسم ( الأسد ) لا يليق بهم لأن من صفات الأسد أن لا يقتل ولا يأكل أحدا من فصيلته وبني جنسه، بينما الأسود (حافظ ورفعت وبشار ) قد قتلوا عشرات الألاف من الشعب السوري. ويكفي التذكير أنّ المعارض الآن والقاتل سابقا ( رفعت الأسد ) هو من قاد سرايا دفاعه المجرمة لتدمير مدينة حماة عام 1982 وقتل ما لايقل عن 35 ألفا من مواطنيها، ولاحقا حاول الانقلاب على شقيقة ( حافظ )، ودارت بينهما معارك أدت إلى هروب رفعت خارج سوريا، وما زال ممنوعا من العودة إليها، وعندما مات حافظ الأسد في يونيو 2000 ، وقام المرتزقة والمنافقون بتغيير الدستور على مقاس الإبن ( بشار ) وتسلمه التسلط على رقاب الشعب السوري، منع عمه الوحش رفعت من حضور جنازة الوحش الأخ.

نماذج من المطبلين والمصفقين

خرجت قبل أيام قليلة مستشارة بشار السيدة بثينة الصحّاف ( شعبان سابقا ) لتعلن مجموعة قرارات قالت أنها تلبية لمطالب الشعب، ومنها كما ذكرت سابقا الإفراج عن  260 معتقلا سياسيا. و ألأسئلة المهمة هي:

ماذا عن بقية المعتقلين السوريين الذين يتجاوز عددهم عدة ألاف؟
ماذا عن المعتقلين الأردنيين الذين يزيد عددهم عن مائتين منذ أكثر من ثلاثين عاما، ولا يعرف أحد إن كانوا أحياءا أو أمواتا؟.
وماذا عن ألاف من المعتقلين والمغيبين اللبنانيين؟.

وقالت بثينة الصحّاف أثناء تقديمها هذه المكرمة الأسدية أنها مطالب شعبية مشروعة. وإذا كانت كذلك فلماذا مضى على هولاء المعتقلين عشرات السنين في المعتقلات الوحشية؟. ولماذا يأتي الإفراج عن هذا العدد المحدود بعد اندلاع الثورة الشعبية؟. أين كان ضمير الوحوش منذ أربعين عاما؟. من يتخيل أنّ البعثيين الأردنيين حكم الفايز وضافي اجميعاني أمضيا في سجون الوحش الأب ما يزيد على خمسة وعشرين عاما؟. وماذا عن الشابة طلّ الملوحي؟ وماذا عن شيخ السجون الوحشية الأسدية هيثم المالح؟. ألا تخجل بثينة الصحّاف من استمرارها في الدفاع والتنظير لهذا النظام الوحشي بامتياز؟.

إعلام أسدي مبتذل

أما عن طريقة دفاع إعلامه عن جرائمه فهي طريقة مبتذلة تافهة لا تنطلي على السذّج من البشر، فما بالك في ظل عولمة المعلومات التي لم تبق سرا إلا وكشفته. تصوروا هذه نماذج من إعلام وبيانات النظام حول ثورة الشعب السوري:

أولا: في بداية اندلاع ثورة الغضب السورية في مدينة درعا وكونها مدينة حدودية مع الأردن، أعلنت أجهزة النظام المتوحش، أنّ القائمين على هذه الثورة مندّسين ومخربين فلسطينيين مدعومين من سلفيين إرهابيين، جاءتهم الأسلحة من الجانب الأردني.

ثانيا: وضع النظام القاتل بامتيازمجموعة من الأسلحة وكمية من الدولارات في أحد المساجد وصوّرها، مدّعيا أنها وجدت مع الإرهابيين الذين تمّ قتلهم في المسجد العمري بمدينة درعا.

ثالثا: قام النظام الوحشي بتقديم شاب مصري مدّعيا أنه جاء من الولايات المتحدة بجواز أمريكي، وعبر إلى الأردن ثم إسرائيل، ليخطط ويدعم الثورة السورية التي اندلعت في أغلب المدن السورية. من يتخيل هذا الغباء الذي يصل حد التفاهة؟ شاب مصري واحد يستطيع أن ينظّم ثورة في غالبية المدن السورية!!!. وربما جاءت هذه الفكرة الساذجة لعباقرة النظام الوحشي من اندلاع مظاهرة عارمة من الجالية السورية في مصر أمام سفارة الوحش في القاهرة مطالبة برحيله.

رابعا: قال النظام الفارغ من أي مضمون غير القتل والنهب، أنّ هذه الثورة السورية خلفيتها فتنة طائفية، دون أن يوضح ماذا يقصد من هذه الفتنة؟. المتابع للوضع السوري من الداخل لم يلحظ منذ سنوات طويلة أي وجود لاحتقان طائفي في نسيج المجتمع السوري المتسامح بحضارية مدهشة. ولكنّ هذا النظام ربما يقصّد أنها ثورة موجهة للطائفة العلوية التي ينتمي إليها الوحوش وعائلاتهم، ألا أنّ ظنّهم سيخيب لأن العلويين ليسوا مسؤولين عن جرائمهم وفسادهم، وكذلك السنّة ليسوا مسؤولين عن مرتزقة النظام وحراسه من أبناء طائفتهم. إنّ قمع النظام ووحشيته وفساده لم يستثن طائفة أو قومية من مكونات الشعب السوري، فإسقاطه ومحاكمة رموزه من مصلحة جميع السوريين من كل الطوائف والقوميات عربا وكردا وغيرهم.

مشاهد غضب سورية معبّرة

من المشاهد المعبرة عن مشاعر الملايين السورية ، وبثتها العديد من الفضائيات العربية من داخل سوريا:

أولا: مشهد للمتظاهرين السوريين أمام مدخل ناد للضباط، يدمرّون تمثالا للوحش الأب ويدوسونه بالأقدام.

ثانيا: مشهد للمتظاهرين السوريين يمزقون صورة للوحش الإبن ويضربونها بالأحذية، في مشاهد تذكّر بضرب الجموع العراقية لتمثال الديكتاتور صدام حسين بالأحذية.

هل يتعلم الوحش الإبن من هذه الدروس وردات الفعل المعبرة للشعب السوري ويرحل سريعا؟..الثورة السورية ضد طغيان هذه العائلة وأخوالها من آل محفوظ ومرتزقتهم قد بدأت..والحال السوري يقول: زنقة..زنقة..من درعا إلى القرداحة...إلى أن تتمّ الإطاحة بك..واعتقالك ومحاكمتك على كل جرائمكم من الوحش الأب إلى الوحش الإبن، وإعادة المليارات التي نهبتموها من ثورة الشعبين السوري واللبناني.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


190
موقع الأردن من ثورات الغضب العربية

د.أحمد أبو مطر

سيكون شهر يناير 2011 له مكانة مميزة في التاريخ العربي المعاصر، لأنه الشهر الذي شهد انطلاق ثورات الغضب العربية ضد الطغاة والمستبدين، الذين عاثوا فسادا وغطرسة في البلاد والعباد، وكانت بداية خير الحرية سقوط زين الهاربين بن علي وليلاه الطرابلسية، ثم أعقبه حسني مبارك وعائلته السوزانية، وما زال القرع مستمرا على مخابىء وأوكار باقي الطغاة: علي عبد الله صالح، وشبيهه عميد الطغاة العرب المهووس بالمسرحيات الساخرة القاتلة لعشرات الألاف من الشعب الليبي، وأخيرا أسد سوريا النعامة الذي بدأ القتل والذبح مستبيحا المساجد التي حرّم الإسلام قتل اليهودي إن استجار بها، فقتلى اقتحام مرتزقته للمسجد العمري في مدينة درعا، تجاوز حتى الآن الثلاثين قتيلا، مذكّرا بمذبحة والده في مدينة حماة في فبراير عام 1982، حيث وجه إليها نظام  المجرم الأسد الأب كلاً من اللواء 142من سرايا الدفاع، واللواء 47 دبابات، واللواء 21 ميكانيكي، والفوج 41 إنزال جوي( قوات خاصة )، واللواء 138 سرايا الدفاع، فضلاً عن قوات القمع من مخابرات وأمن دولة وأمن سياسي، وفصائل بعثية مسلحة، وكلها بإشراف وقيادة شقيقه المجرم رفعت الأسد ، واستمرت قتلا وقصفا وحرقا طوال الشهر المذكور، مما أوقع ما لايقل عن ثلاثين ألف قتيلا من سكانها. ويبدو أن مصير هؤلاء الطغاة مرهون بعامل الوقت فقط، بعد رفض الشعوب لكل مبادراتهم والإصرار على رحيلهم الذي لا أسف عليه، وبعد تدخل قوات التحالف الدولي مدعومة من تركيا ودول عربية لقصف ومطاردة عميد الطغاة في جماهيرية الخوف، ونأمل نفس الدور الدولي والعربي ضد طاغية دمشق.

 ضمن ثورات الغضب العربية هذه، تتطلع أنظار المراقبين العرب والأجانب بدقة متناهية طارحة سؤال:

هل تطال هذه الثورات الأردن؟

هذا سؤال دقيق للغاية يتطلب موضوعية وحيادية عالية لإجابة مسؤولة عنه، تراعي خصوصية فسيفساء نسيج المجتمع الأردني. هذه الخصوصية الأردنية لا مثيل لها في أي قطر عربي آخر، وهي تتلخص في محورين مهمين، المحافظة على تلاحمهما تعني المحافظة على الدولة والمجتمع الأردني الواحد، وأي إخلال بواحد منها يعني التفتيت والتشرذم والفتنة الداخلية. هذان المحوران هما:

الأول: المنابت والأصول

يعرف الجميع أنّ المجتمع الأردني القريب من ستة ملايين من السكان، يتكون في غالبيته من منبتين أو أصلين أساسيين هما: الأردني من شرق الأردن، و الأردني من أصل فلسطيني، ورغم الخلاف على عدد كل أصل من هذه الأصول نسبة لعدد السكان، بمعنى سواء أكان الأصل الفلسطيني هو الأكثر نسبة أم الأصل الأردني،فهذا الأصلان يتعايشان ضمن كيان المملكة الأردنية الهاشمية منذ أبريل عام 1950. هذا بالإضافة إلى أنّ نسيج المجتمع الأردني يحتوي على نسب بسيطة من أردنيين من منابت مختلفة خاصة: الشركس والشيشان والكرد والشوام، ويتعايش الجميع بوئام كامل، ومن النادر البحث عن الأصل والفصل لهذه الأقوام، رغم النعرات الإقليمية من حين لآخر من جهلة لا يراعون أسس العيش المشترك.

الثاني: طبيعة المجتمع العشائرية

هذه مسألة لها علاقة بتكوين المجتمع الأردني القائم أساسا منذ سقوط ما كان يسمى الخلافة العثمانية عام 1917 ، على التركيبة العشائرية القبلية، وهي لا تذكّر هنا من باب النقد السلبي بقدر ما هو توصيف لما هو قائم، والمجتمع الأردني ليس فريدا في هذا المحور، فيشبهه في ذلك مجتمعات الخليج والجزيرة العربية.

ماذا يتطلب نسيج المجتمع الأردني هذا؟

يتطلب هذا الوضع الخاص لطبيعة تكوين المجتمع الأردني، أن يكون على رأس هذا المجتمع نظام حام لكل المنابت والأصول، أي مظلة يتعايش تحتها كل المواطنين بغض النظر عن منابتهم وأصولهم، وهذا النظام هو (الملكي الهاشمي )، لأنّ سيطرة أي منبت أو أصل على السلطة وتفرده بها وحده، لا يعني إلا تغريب وإقصاء الأصول والمنابت الأخرى.  وهنا من المهم تذكر تشديد المرحوم الملك الحسين بن طلال على هذا الأمر، إذ كان من النادر أن لا يؤكّد على هذه الحقيقة في كل خطاباته، لأنها تعني ديمومة الوحدة الوطنية، ومواجهة الأخطار المحيطة بكينونة الأردن خاصة أطروحة الوطن البديل من قبل اليمين الإسرائيلي المتطرف.

إجماع على النظام الملكي

لذلك تعي كل مكونات المجتمع الأردني السابقة، أنّ بقاءها تعيش جميعا على قدم المساواة، مرهون بنظام جامع مانع: جامع لكافة أطياف المجتمع، مانع لسيطرة أي مكون على الآخر، لأن السيطرة والتسيد ليست من صفات الشخصية العربية فقط، بل كافة البشر إن لم تضبطهم قوانين وأنظمة ومؤسسات تحقق الحياة الحرّة الكريمة للجميع بغض النظر عن الأصل والفصل. وهذا ما أكدّ عليه حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين أخيرا، عندما أعلنوا صراحة أنهم يدعمون بقاء النظام الملكي الأردني، وتتركز مطالبهم وتحركاتهم على ضرورة الإصلاحات السريعة التي تشمل كافة نواحي حياة المواطن الأردني، رغم عودتهم لأسلوب المزايدات والمناكفات عندما رفضوا المشاركة في لجنة الحوار المقترحة لوضع آليات تسريع الإصلاحات المطلوبة، وكأنّ هذه الإصلاحات مرهونة بخطابهم السياسي فقط، رغم أنّ كافة أطياف وقوى المجتمع الأردني تطالب بنفس الإصرار على هذه الإصلاحات، وبالتالي لا بد من الجلوس إلى طاولة الحوار للاتفاق على الإصلاحات المطلوبة وآليات تطبيقها بسرعة قياسية حسب مطالبات ورغبة المجتمع بكافة أصوله ومنابته.

لذلك دقّ الملك جرس الإنذار الطارىء

انطلاقا من طمأنينة الإجماع على بقاء ودعم وديمومة النظام الملكي الأردني، جاءت رسالة الملك عبد الله الثاني المفاجئة لرئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت، يوم الأربعاء الثالث والعشرين من مارس الحالي، أشبه بجرس إنذار وطوارىء تطلب من جميع الوزراء والمسؤولين أن يسرّعوا خطوات الإصلاح في كافة المجالات خاصة: الحريات السياسية وحرية التعبيروالإعلام والتجمهر وتشكيل النقابات، ومحاربة الفساد والمفسدين و ظروف العمل ومستوى الرواتب. وتبدو رسالة الملك الأخيرة هذه من أشدّ وأخطر رسائله لحكوماته، وبالتالي فإن المدة الزمنية التي حدّدها لهم تعني: إما أن تنّفذوا رؤى الشعب الإصلاحية أو فلترحلوا. وهنا من المهم أن نسأل. من المسؤول عن التأخير في ميدان تحقيق الإصلاحات المطلوبة، طالما أنّ ملك البلاد أعطاكم الصلاحية ويطالبكم بالتسريع العاجل؟.

ماذا تحقّق بعد الرسالة الملكية الغاضبة؟

هذا موضوع مقالة قادمة ترصد السلبيات، وما تحقّق خلال أيام قليلة كنت فيها شاهد عيان في العاصمة الأردنية، طالما أنّ الجميع يصرّون على بقاء ودعم النظام الملكي.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




 

191
قصف طاغية أم قتل شعب
د.أحمد أبو مطر

بدأ يثار نقاش واسع في العالم العربي حول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 لعام 2011 الخاص بفرض حظر جوي فوق جماهيرية الرعب القذّافية، وأعقبه قيام قوات التحالف الدولي ( الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا)، مدعومة من دول عربية (قطر، دولة الإمارات العربية)، بشنّ غارات من الجو والبحر على قواعد وقوات الطاغية، لوقف قصفه المدن الليبية الثائرة ضده، التي اكتوت فعلا بقصف طيرانه ومرتزقته الذين جلبهم من أقطار عربية وأفريقية. وقد وصل حدّ الرعب أن ناشد قادة الثورة في مدينة بنغازي مجلس الأمن بالإسراع للتحرك لوقف دموية هذا النظام، الذي لا أتذكر طاغية غيره في العصر الحديث، بدأ حربا ضد الشعب بهذه الطريقة. خاصة أنّ الشعب منذ أسابيع وهو يتخوف من المجازر التي يرتكبها هذا الطاغية، إذا تمت هزيمة الثوار، معلنين أنه سيرتكب جرائم ترق لحد الإبادة الجماعية، وستطال في غالبية المدن الليبية ما لا يقل عن نصف مليون مواطن.

قصف طاغية

لذلك تتواصل منذ أيام عمليات قوات التحالف الدولي المدعومة عربيا، ضد الأهداف الرئيسية لهذا الطاغية ومرتزقته والمضللين من الجيش الليبي الذين لم تهزهم جرائمه التي حتما طالت بعض أهلهم وأقاربهم. أصوات قليلة من مضللي العالم العربي يتناسون هذه الجرائم متذرعين بالتدخل الأجنبي في الشقيقة ليبيا، متناسين أنّ هذا القصف قد جاء لإنقاذ شعب بكامله من معتوه بجنون لا يمكن تسميته إن كان جنون عظمة بائسة أم جنون تخلف عقلي، لا يستوعب الخروج من السلطة بعد أن عاث فسادا في شعب وثروته طوال 42 عاما، مما جعله فعلا يستحق لقب (عميد الطغاة العرب ).

عمرو موسى وحمد بن جاسم: موقف شجاع

ضمن هذه الرؤية، كان موقف الأمين العام للجامعة العربية شجاعا للغاية، عندما أعلن مساء الثلاثاء الحادي والعشرين من أبريل 2011 ، تأييده الصريح لعمليات قوات التحالف الدولي التي هدفها إنقاذ الشعب الليبي وحمايته. وكذلك موقف رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل خليفة، الذي أعلن صراحة على غير عادة العرب، مشاركة بلاده في عمليات التحالف الدولي، إذ صرّح لفضائية الجزيرة  قائلاً:" ستشارك قطر في العملية العسكرية لأننا نؤمن أن هناك واجباً يحتم مشاركة الدول العربية في هذا العمل لإن الوضع هناك لا يطاق". نعم إنه وضع لا يطاق ويجب إنقاذ الشعب الليبي وثورته من هذا الطاغية المعتوه.

وليد الحسيني موقف بائس يستحق الشجب

وعلى عكس هذه المواقف العربية الشجاعة، كان هناك موقف بائس كريه من الصحفي اللبناني وليد الحسيني، أحد مرتزقة ومطبلي عميد الطغاة العرب، عندما ظهر قبل أيام قليلة في تلفزيون الطاغية، معلنا تأييده لجرائمه وأنه جاء خصيصا من وطنه لبنان للتضامن مع الطاغية، غير مدرك أنه يتحدى الشعب الليبي بكامله في حين أن غالبية الوزراء والسفراء والضباط والمسؤولين الليبيين، انشقوا عن الطاغية، وأعلنوا صراحة انضمامهم للثورة والثوار. وهذا الصجفي اللبناني معروف عنه منذ الثمانينات الترزق والتكسب على أبواب الطاغية، منذ أن دفع له ليصدر مجلة أكثر بؤسا بإسم ( الكفاح العربي )، فإذا هي وصاحبها كفاح ضد الشعب الليبي وقواه الثائرة. لذلك لا أعرف هل فكّر هذا الصحفي في مصيره وهو محاصر الآن ومختفي مع طغمة الطاغية؟.

تحالف دولي من أجل وقف إبادة شعب

هذا التدخل الدولي بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، هو من التحالفات التي لم تلق شجبا أو استنكارا في العالم العربي على غير العادة العربية، وهذا يدلّ على أن غالبية العرب يستوعبون أنّ هذا التحالف وعملياته العسكرية من أجل إنقاذ شعب، وليس من أجل السيطرة والتوسع والاحتلال.

لو كانت المصالح لوقفوا مع الطاغية

نعم، لو كانت هذه الدول العظمى الثلاث تبحث عن مصالحها الاقتصادية ومن ينفّذّ أوامرها وطلباتها، لوقفوا مع الطاغية، وأرسلوا قواتهم لدعمه ضد الثورة الليبية. إذ أنه لم ينفذ أحد في السنوات الأخيرة طلباتهم وأوامرهم كما نفّذها هذا الطاغية. فقد امتثل ذليلا لطلباتهم، فسّلم القائمين على عملية لوكربي الإرهابية، ودفع مليارت من الدولارات تعويضات لضحايا لوكربي وغيرها من عملياته الإرهابية، و أعطاهم كل ما لديه من معلومات عن المنظمات الإرهابية ، واقفل مكاتب كافة التنظيمات الفلسطينية. ورغم هذا الذلّ وقفت هذه الدول العظمى مع إرادة شعب يريد التحرر من جماهيرية الخوف والرعب القذافية.

نعم، إنه تحالف من أجل إنقاذ شعب من طاغية، نتمنى تطبيقه قريبا لدعم ثورة الشعب السوري التي بدأت ضد الطاغية الأسدي. هذا الطاغية الذي سجّل له رقم مميز في تعداد السجون والمعتقلين، ويقوم إعلامه المبتذل بتصوير الثورة السورية التي بدأت في مدينة درعا، أنها أعمال تخريبية من متطرفين فلسطينيين وسلفيين مسلمين. وهو يعرف أنّ تخريجاته البهلوانية هذه لن تقنع أحدا، واقتلاعه أصبح قريبا بمشيئة وإرادة الشعب السوري أولا.

إنها ساعة الحرية والتحرر التي بدأت تقرع أجراسها في غالبية الأقطار العربية معلنّة: ولّى عصر الطغاة، وجاء عصر الحرية والديمقراطية، فليسرع بقية الطغاة بالرحيل طواعية قبل اقتلاعهم بقوة الجماهير التي سجّلت رقما قياسيا على طريق حريتها وكرامتها.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



192
قرار مجلس الأمن آخر زنقة لعميد الطغاة العرب

د.أحمد أبو مطر

القرار رقم 1973 لعام 2011 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بعد مشاورات مكثفة لثلاثة أيام، والقاضي بفرض منطقة حظر جوي فوق جماهيرية الخوف القذافية، هو أهم خطوة على طريق وقف دموية هذا الطاغية الذي استعمل ضد الشعب الليبي ( ولا أقول شعبه ) كل وسائل القتل العسكرية، بعد 42 عاما من حياة سجون ومعتقلات وتخويف لا أعتقد أن قطرا عاشه إلا تحت النظام الوحيد المدافع عن هذا الطاغية، وهو النظام البعثي الأسدي على الشعب السوري.  وهذا القرار أو الموقف الدولي ضد الطاغية ليس الأول، فقد سبقه في العام 1999 حرب حلف الناتو على جمهوريا صربيا ( بقية ما كان يسمى يوغوسلافيا الاتحادية )، تلك الحرب التي بدأت في الرابع العشرين من مارس 1999 ضد نظام الطاغية ميلوسيفتش، وتواصل قصف مواقعه العسكرية والاستراتيجية طوال 78 يومان إلى أن أذعن لاتفاق يقضي بانسحاب قواته الصربية من كوسوفو خلال 11 يوما. ولولا هجمات الناتو تلك بقيادة ومبادرة الولايات المتحدة الأمريكية، لاستمر نظام ميلوسفيتش في ضرب ومصادرة حرية الشعب المسلم في كوسوفو، خاصة أنّه كان قد بدأ ما هو أشبه بتطهير عرقي لإحلال الصرب بكثافة في مناطق كوسوفو حيث الأغلبية المسلمة، وبعد ذلك فرضت وصاية دولية على كوسوفو، إلى أن تمّ إعلان استقلال الإقليم دولة مستقلة عاصمتها بريشتينا.

وجاء دور عميد الطغاة العرب

اكاد أجزم أنّ هذا الطاغية بامتياز، إما أنه مريض نفسيا بمرض جنون العظمة الذي لا يملك أي قدرة من قدراته، أو أنه يتعاطى حبوب هلوسة أو نوع من حبوب التخدير التي تفقده القدرة على التحكم في أفعاله لدرجة أنها أصبحت منذ سنوات أفعال من النادر أن يقوم بها عتاة الكحوليين ومدمني المخدرات، بدءا من جمعه طابور من الفتيات لحراسته، و خيمته وناقته المسخرة. وكما قال الرئيس أوباما أن هذا المعتوه (قد فقد ثقة شعبه )، بعد ارتكابه جرائم وحشية لا يرتكبها حتى الأعداء، بينما وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، أعلنت أن نتيجة القرار الدولي ستبدأ بوقف اطلاق النار حماية للمدنيين، وستتبعها خطوات تنتهي برحيل هذا الطاغية.

مناورة الطاغية

عقب صدور القرار الدولي، أعتقد الطاغية أنّه مجرد قرار شكلي، مما دفع أحد مساعديه المضللين ليقول: ( أنّ القرار لا يساوي الورق الذي كتب عليه ). ولكن عندما أدرك الطاغية ونجله الأكثر غطرسة وتحديا للشعب الليبي، أنّ المجتمع الدولي مصمم على وقف حربه وقصفه للشعب الليبي، إلى أن يتم اقتلاعه، بدأ يناور ويظهر أنه مسكين مغلوب على أمره فأعلن وقف إطلاق النار، والتأكيد على أن قواته لن تواصل الزحف نحو مدينة بنغازي معقل الثورة الليبية. ومن المهم تذكر أنّ الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أدانوا بشدّة جرائم هذا الطاغية التي وصفوها بأنها ترقى لمستوى الإبادة الجماعية.

وأصبح مفهوما حسب تأكيدات الرئيس الأمريكي أوباما والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أنّ صلاحيات هذا الطاغية العقلية قد انتهت، وبالتالي لا بد من رحيله أو اقتلاعه بالوسائل العسكرية إن لزم الأمر. ويلاحظ ضمن هذا السياق هو سكوت واختفاء نجله سيف الإرهاب وليس سيف الإسلام بعد صدور قرار مجلس الأمن. فلم يظهر ليهدد ويتوعد كما دأب على ذلك يوميا منذ اندلاع الثورة الليبية، وأيضا اختفاء بقية إخوانه المشهورين بعربدتهم في أوربا، وتشويههم لصورة العرب والمسلمين. من يتخيل أنّ هذا الطاغية يدفع أكثر من مليون دولار لمغنية البوب العالمية نيللي فورتادو لتغني له بالإنجليزية وهو لا يعرف حروف الأبجدية الانجليزية؟ هذه النجمة العالمية عندما رأت مجازره بحق الشعب الليبي، أعلنت عن تبرعها بكل ما تقاضته منه لجمعيات خيرية، طبعا غير المليارت التي أنفقها لترويج تفاهاته في كتابه الأخضر الذي لا يحيض، ودعمه للإرهاب في العديد من دول العالم، ومسخرة نهره الصناعي العظيم الذي أضاع عليه مليارات من الخزينة الليبية ليتأكد أنه لا نهر ولا صناعي ولا عظيم.

الجيش المصري و دعم الثوار بالسلاح


وفي تطور نوعي تأكدت أنباء دعم الجيش المصري للثوار الليبيين بالسلاح، بناءا على ضوء أخضر غير مباشر من الإدارة الأمريكية، وهذا بدوره تطور في موقف الإدارة الأمريكية، تريد القول من خلاله أنها مع ما تطلبه الشعوب العربية، فعندما يرفض شعب طاغيته بهذه القوة والعلنية لا تملك حكومات العالم إلا دعم الشعوب وإرادتها. بدليل أن الصين وروسيا رغم عدم تصويتها لصالح قرار فرض الحظر الجوي فوق ليبيا، لاعتبارات خاصة بهما، ألا أنها لم تستعمل الفيتو ضده، مما يعني موافقة ضمنية صريحة. وكذلك إعلان دولتي قطر والإمارات العربية استعدادهما للمشاركة في أي عمل عسكري ضد الطاغية.

آخر زنقة للطاغية اللاجماهيري

كل هذه المواقف الأمريكية والأوربية والعربية من هذا الطاغية الذي ثبت جنونه وغطرسته ضد الشعب الليبي، تعني أنه في آخر زنقة قبل سقوطه الحتمي، وخلاص الشعب الليبي من جرائمه ، ونتمنى أن يتمّ اعتقاله حيا مع نجله سيف الخراب وبقية أفراد الأسرة كي يحاكموا علنا على جرائمهم طوال 42 عاما،
ليكونوا عبرة لباقي الطغاة في اليمن وسوريا وغيرها. ففي اليمن قبل يومين فقط أكثر من خمسين قتيلا في يوم واحد، وفي سوريا الممانعة تمّ قمع المظاهرات السلمية بالقوة، وقد لاقت ممارسات النظامين القمعيين في اليمن وسوريا نفس الإدانات الدولية، هذه الإدانات حسب التجربة الليبية تتصاعد حسب تصاعد ثورة الشعوب.

نعم...تكتب الشعوب العربية تاريخا جديدا مفاده ( لم نعد نقبل حكم الطغاة من المهد إلى اللحد ، ونريد حكما ديمقراطيا يليق بكرامتنا)، وبالتالي سوف تشطب هذه الشعوب من التاريخ ( صناعة الاستبداد ) التي كانت مسجلة باسمها. والسلام للشعوب والموت للطغاة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




193
إمكانية الحضور العربي في القرارات الدولية

د.أحمد أبو مطر

التطورات الأخيرة المثيرة التي ما زالت تتفاعل بين الشعب الليبي وقواه المعارضة وعميد الطغاة العرب في جمهورية الخوف والرعب التي أقامها عام 1969، وما زال يتصرف فيها أبشع من دراكولا ونيرون، أعطت دفعة جديدة لآليات العمل العربي المشترك، فقد كان مثيرا ولافتا للانتباه أنّ جامعة الدول العربية على غير عادتها، تحركت مبكرا في الثاني من مارس الحالي، فاتخذت قرارا جريئا يمنع ممثلي الطاغية قذافي الدم من حضور اجتماعاتها إلى حين وقفه الجرائم ضد الشعب الليبي وتحقيق أمنه. هذا الموقف من الجامعة العربية يعتبر تطورا ملحوظا في أدائها الذي كان دوما لا قرارات فيه، بل مجرد اجتماعات دورية لالتقاط الصور التذكارية.

موقف دول مجلس التعاون الخليجي

أعقب ذلك موقف دول مجلس التعاون الخليجي، الصادر عن اجتماع وزراء خارجية المجلس في الرياض يوم الأربعاء التاسع من مارس 2011 ،إذ كان موقفا شجاعا وجريئا أيضا، ينسجم مع رغبات وتطلعات الثائرين الليبيين،فقد أعلن المجلس أنّ " نظام الزعيم الليبي معمر القذافي قد فقد  شرعيته"، ودعا المجلس الجامعة العربية "إلى تحمل مسؤولياتها باتخاذ الاجراءات اللازمة لحقن الدماء وتحقيق تطلعات الشعب الليبي الشقيق ودراسة السبل الكفيلة لتحقيق ذلك بما فيه دعوة مجلس الأمن الدولي لفرض حظر جوي على ليبيا لحماية المدنيين."

متى تبنّت الجامعة العربية هذا الموقف؟

هذا الموقف الشجاع المناصر لتطلعات الشعب الليبي، صادر عن مجلس التعاون الخليجي الذي يضمّ خمسة دول عربية من أعضاء جامعة الدول العربية هي ( المملكة العربية السعودية، الكويت ، الإمارات العربية المتحدة، قطر، والبحرين ). بالإضافة إلى موقف الجامعة العربية المبدئي القاضي بتعليق عضوية جمهورية الرعب القذافية في اجتماعات الجامعة، مما يعني أنّ هناك شبه إجماع عربي على مقاطعة وحصار النظام الدموي لقذاف الدم ، أعقبه ولو بشكل متأخر قرار الجامعة العربية في اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم الثاني عشر من مارس ، بدعوة مجلس الأمن الدولي لفرض حظر جوي على جماهيرية الخوف، وفتح قنوات اتصال مع المجلس الوطني الانتقالي المعارض في مقره بمدينة بنغازي.

لماذا العرب دوما في موقف الانتظار؟

ثورة الشعب الليبي ضد الطاغية اللاجماهيري، ومن قبلها ثورة الشعب التونسي والمصري والكثير من الأحداث العربية طوال ما يزيد على ستين عاما، أثبتت أنّ الجامعة العربية دوما في موقف الانتظار. ففي ما يتعلق بالوضع الليبي لماذا هذا الانتظار؟ ولماذا مناشدة مجلس الأمن الدولي لفرض الحصار؟ لماذا لا تقوم الدول العربية المؤيدة للقرار، وهي كافة الدول العربية ما عدا النظامين الاستبداديين في سوريا والجزائر، بعقد اجتماع عاجل لوزراء الدفاع أو القادة العسكريين مثلا، لبحث كيفية تطبيق هذا القرار عربيا أولا، ثم مناشدة الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية لتقديم المساعدات الفنية التكنولوجية لهذا الغرض.
هل تعجز كافة الجيوش العربية المؤيدة دولها للقرارعن تطبيق حظر جوي فوق جماهيرية الخوف والرعب القذافية؟. وأساسا لماذا لا تتحرك هذه الجيوش لتقديم الدعم العسكري للثوار الليبيين في مواجهة جحافل هذا الطاغية المجرم، الذي يرتكب بحق الشعب الليبي أبشع مما ارتكبه الاحتلال الإسرائيلي المجرم أيضا بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني؟.

موقف النظامين السوري والجزائري

لم يكن مستغربا موقف النظامين السوري والجزائري الرافض لفرض هذا الحظر الجوي من أجل حماية الشعب الليبي، لأنّ من يضطهد شعبه بنفس الطريقة الإجرامية، لا يمكن إلا أن يكون تضامنه مع الطاغية مثله. إنّ جمهورية الرعب والخوف الأسدية داخل سوريا لا تقل رعبا وقتلا عن جماهيرية القذافي. لذلك ربما تكون أخبار أنَ طيارين سوريين يشاركون في قصف مواقع الثوار صحيحة، لأنّ أي طاغية يعرف أنّ سقوط طاغية آخر سوف يعجل بسقوطه، لذا فمن مصلحته التضامن مع الطاغية الذي لم يسقط أو الذي على وشك السقوط .

لا أعتقد أنّ شعبا عربيا واجه وما زال يواجه القمع والقتل والسجون كما يواجه الشعبين السوري والليبي. هل يدلّني واحد من أنصار النظام السوري، إن كان قد مرّ إسبوع واحد منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة عام 1970 وتوريث نجله بشار عام 2000 ، بدون اعتقالات في صفوف الكتاب والمثقفين والسياسيين ونشطاء حقوق الإنسان عربا وكردا؟. من يتخيل اعتقال الشابة طلّ الملوحي إبنة الثمانية عشر عاما منذ سنتين، لأنها انتقدت النظام الفاشي الأسدس في مدونتها على الإنترنت، وتمّ تلفيق تهمة مضحكة لها هي التخابر لحساب السفارة الأمريكية في القاهرة. وكان آخر هذه الأحكام التعسفية يوم الأحد الثالث عشر من مارس 2011 حيث حكم على الناشط الحقوق علي عبد الله بالسجن ثلاثة سنوات  بتهمة تعكير العلاقات السورية الإيرانية. هكذا نظام أسدي على شعبه ونعامة جبانة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للجولان منذ عام 1967 دون إطلاق رصاصة واحدة، لا نستغرب أنّ بقاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان من مصلحة بقائه كنظام مستبد فاشي بامتياز لا يشرّف أحدا، لأنه يستعمل الاحتلال كشماعة لترويج شعارات الممانعة الكاذبة، في حين أنه لا يمانع إلا بالخطب الجوفاء، وفي نفس الوقت يتمّ اغتيال عناصر من المقاومة أمام مبنى مخابراته، كما حصل في عملية اغتيال عماد مغنية، أو توصيل معلومات وصول محمود المبحوح قيادي حماس من دمشق إلى دبي، ليتمّ اغتياله في الفندق بدبي ثاني يوم وصوله من عاصمة الممانعة الأسدية.

الموقف الفرنسي أكثر عروبة من مواقف العرب

هذا بينما كان الموقف الفرنسي أكثر جرأة في تلبية مطالب الثوار الليبيين، عندما نزع الاعتراف بالطاغية القذافي كممثل شرعي للشعب الليبي، والمبادرة لطلب فرض حظر جوي فوق سماء ليبيا، وهاهو يتدارس مع حلفائه الغربيين كيفية تنفيذ هذا الحظر بسرعة، والتلميح بإمكانية القيام بذلك مع عمل عسكري ضد الطاغية من جانب فرنسا وحدها.  فلماذا لا يرتقي العرب لهذا الموقف، خاصة أن عشرات من السفراء الليبيين في الخارج، تركوا سفارات الطاغية وأعلنوا تضامنهم مع الثوار،  وكذلك عشرات من ضباط جيش القذافي ووزرائه خرجوا عن طاعته وانضموا للثوار...فلماذا الأنظمة العربية وجامعتهم دوما في موقف المتفرجين والمنتظرين؟

إنه ليس النفط يا عرب!!

لا يعتقد البعض أنّ الموقف الفرنسي والأوربي والأمريكي من الطاغية القذافي سببه حرصهم على النفط كما يعتقد العض من خلال منظور المؤامرة، لأنّ الطاغية ومرتزقته لا يستخرجون النفط الليبي ويكررونه ويبيعونه، بل هي الشركات الأمريكية والأوربية منذ اكتشاف النفط حتى اليوم، وبعد فضيحة لوكربي ورضوخه الكامل للولايات المتحدة الأمريكية وطلباتها بما فيها تعويضات الضحايا ما يزيد عن ثلاثة مليارات من الدولارات، أصبح النفط الليبي بكامله تحت تحكم وتصرف الشركات الأمريكية تحديدا، لذلك لو كان النفط هو السبب، لكان موقف هذه الدول  مع الطاغية وليس ثوار الشعب. إذن ما هو التفسير؟.

 أعتقد أنّ كافة دول العالم مع الطغاة العرب طالما شعوبهم معهم، وتهتف بحياتهم ( بالروح بالدم نفديك يا...)، وعندما تثور هذه الشعوب ضد هؤلاء الطغاة، وتقدم دمها من أجل الإطاحة بهم، لا يمكن لهذه الدول الأمريكية والأوربية إلا أن تقف مع إرادة الشعوب، بدليل انّ فنزويلا التي كان البعض يعتقد أنها حليف للطاغية في كل الأحوال، اعتذرت عن استقباله إن فكّر بالهروب إليها. وقبل ذلك في عام 1979 رفضت أمريكا استقبال حليفها شاه إيران، طالما أصبح منبوذا من شعبه، وطرده هذا الشعب. وعندما فرّ زين الهاربين بن علي وليلاه الطرابلسية رفضت فرنسا وكافة الدول الأوربية استقباله...إذن فالكرة بيد الشعوب العربية، إما أن تسكت خوفا و تهتف بحياة هؤلاء الطغاة، أو تثور من أجل ما تبقى من كرامتها التي أهدرها هؤلاء المستبدون، الذين يريدون البقاء على ظهور شعوبهم وقلوبهم من المهد إلى اللحد...وها نحن ننتظر مصير طاغية جماهيرية الخوف والرعب الذي يستدعي موقفا عربيا يرقى لمستوى المواقف الأوربية والأمريكية التي تطالب الطاغية بالرحيل فورا، بينما لم يصدر هذا الطلب من أي نظام عربي.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net











194
زنقة..زنقة..إلى أن يرحل أو ينتحر

د.أحمد أبو مطر

مسلسل عميد الطغاة العرب، الحلقة الرابعة والأخيرة

من يتخيل كيف تصرف هذا الطاغية طوال ما يزيد عن أربعين عاما بالثروة الليبية، حيث أنفق عشرات  المليارات على مشاريع وهمية أو تعويضات للدول الأوربية والأمريكية عن ضحايا عملياته الإرهابية، أو دعاية تافهة فارغة من أي مضمون لكتيبه الأخضر.

مثال واحد على ما أنفقه على هذا الأخضر

لم يعمل طاغية من أجل تحسين صورته أو الدعاية لها عربيا وعالميا كما فعل القذافي مبذّرا مليارات من ثروة الشعب الليبي. من يتخيل أنّ القذافي لديه فكر يستحق أن يؤسس له ما أطلق عليه  ( الملتقى العالمي حول فكر القذافي). الذي عقد له عدة دورات في أكثر من مدينة ليبية، كلفت خزينة الشعب الليبي مئات الملايين من الدولارات. وقد سبق أن نشرت في موقع إيلاف نموذجا من هذه التفاهات عن الدورة  السادسة لهذا المنتدى في مدينة سبها الليبية في شهر مارس الماضي من عام 2007. وقد بلغ عدد المدعوين والمشاركين في المسخرة وحفلة التهريج السادسة فقط 759  شخصا، وأعيد الرقم كتابة كي لا يعتقد البعض أنه خطأ في الأرقام  (سبعمائة وتسع وخمسين شخصا) من  60 ستين دولة كالتالي:
(الجزائر 10، ليبيا آسف الجماهيرية الليبية الشعبية الديمقراطية العظمى 23، الإمارات العربية المتحدة 6، الأردن 8، مصر52، المغرب 26، موريتانيا 9، سورية 16، تونس 30، السودان 14،اليمن 15، إيطاليا 5، ألمانيا 9، الولايات المتحدة الأمريكية 23، أسبانيا 7، أوكرانيا 41، الاتحاد الروسي 18، البرتغال 9، بريطانيا 32، بلجيكا 16، تركيا 1، تشيكيا 18، قبرص 1، كوريا الجنوبية 5، كندا 6، فرنسا 30، الفلبين 3، النمسا 1، الصين 9، سلوفاكيا 11، السويد 18، سويسرا 3، يوغوسلافيا 13، بنين 1، التوغو 1، تشاد 3، الكاميرون 1، الكونغو 2، السنغال 4، الأرجنتين 2، البرازيل 1، المكسيك 1، بورتوريكو 1، الأورغواي 1، فنزويلا 7، بينغلاديش 1، تنزانيا 2، أريتريا 2، أوغندا 2، الكاميرون 1، موزمبيق 1، نيجيريا 2، أفريقيا الوسطى 1، غينيا 1، بوركينا فاسو 1، مالي 1، بوروندي 1، الغابون 1، باكستان 1، سيراليون 1، من فرع مركز دراسات الكتاب الأخضر في مدينة سبها 50، من فرع مركز دراسات الكتاب الأخضر في مدينة سرت 30، من فرع مركز دراسات الكتاب الأخضر بمدينة البيضاء 25،من فرع مركز دراسات الكتاب الأخضر بمدينة بنغازي 31، من جامعة الفاتح الليبية 33). كم عشرات الملايين من الدولارات كلّفت هذه الدورة فقط؟ ومن أين دفعها القذافي؟.

مطالبة الليبيين بالهجرة

من يصدّق أن حاكما يطالب شعبه بالهجرة خارج بلاده؟. هذا ما فعله القذافي في نهاية عام 1992 ، إذ طالب الليبيين علنا وصراحة أن يهاجروا الى تشاد والسودان ومصر،  وأنّه يرغب في هجرة سدس عدد السكان أي حوالي مليون إلا ربع مواطن حسب عدد سكان ليبيا آنذاك ، وأنه سيمنح كل مهاجر مبلغ يتراوح من سبعة ألاف الى عشرة ألاف دولار ، بشرط أن تكون هجرته أبدية ونهائية،  أي أنه مستعد لدفع حوالي خمسة وسبعين مليونا من الدولارات للتخلص من سدس عدد السكان . والسبب المعلن - وليس المخفي في بطن العقيد- أنّ ليبيا سوف تعاني نقصا في الماء، وعلى سدس السكان الهجرة كي يكفي الماء بقية السكان . وقد نسي العقيد أنه أنفق طوال السنوات من 1986 حتى 1992 ، ما يزيد عن عشرة مليارات من الدولارات على ما أسماه مشروع النهر الصناعي العظيم لجر مياه الواحات من باطن الارض في سبها وجوارها إلى طرابلس وبنغازي للشرب ولري مئات ألالاف من الفدادين،  وفجأة تتبخر المليارات العشرة ومعها مياه النهر الصناعي العظيم، فيطالب الطاغية من سدس شعبه الهجرة خارج الوطن وإلى بلاد فقيرة كانت تنتظر العون والمساعدة من جماهيريته.
وعاد العقيد اللاجماهيري في نهاية يناير 2010 لمطالبة الليبيين بالهجرة إلى أوربا بدلا من أفريقيا، وقال ذلك في خطابه الرسمي  فيما يسميه  مؤتمر الشعب العام  بمدينة سرت وسط ليبيا ، إذ طالبهم ( بالإندماج وأن يتزوجوا هناك ويأخذوا الجنسية بسرعة قبل أن يأتي قانون من أوروبا يمنع شيئا كهذا ).

فضيحة زيارة الليبيين القذافيين إلى إسرائيل

أصبح همّ القذافي من سنوات طويلة إرضاء الدول الغربية وإسرائيل، كي ينسوا جرائمه الإرهابية مثل لوكربي وتفجيراته داخل ألمانيا، فلم يكتف بدفع مليارات من الدولارات لضحايا لوكربي، بل عرف أنّ العلاقة الطيبة مع دولة إسرائيل هي أفضل الأبواب لتحسين العلاقة مع الغرب، فقام بالعديد من الحركات الاستعراضية، كان أهمها إرساله وفدا من مائتي ليبي لزيارة إسرائيل في الثلاثين من مايو 1993 ، تحت تسمية (الحجاج الليبيين )، وقد استمرت الزيارة ثلاثة أيام. وقد نشر آنذاك على لسان سليمان النجاب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أنّ العقيد استشار المنظمة قبل الزيارة بثلاثة شهور، ونصحته أن لا يقوم بهذه الخطوة، ورغم ذلك أرسل وفده وزار إسرائيل فعلا.
وقد ثبت آنذاك أنّ القذافي نفسه قد درس الفكرة في بادئ الامر مع مواطنين يهود من أصل ليبي مقيمين في إيطاليا بعد هجرتهم من ليبيا، بدليل أنّ رئيس الجمعية العالمية لليهود الليبيين، اليهودي الليبي  الاصل ( رفائيل فلاح  )المقيم في ايطاليا ، كان موجودا في تل أبيب أثناء زيارة الليبيين القذافيين لها، وأعلن أنّ العقيد القذافي دعا مئات اليهود من أصل ليبي المقيمين في إسرائيل ودول أخرى لزيارة ليبيا .

كيف تمت الاجراءات الميدانية لهذه الزيارة القذرة؟


وصل الزوار الليبيون الى القاهرة برا حيث نزلوا في فندق شيراتون الجزيرة ، و كان في استقبالهم السفير الليبي وموظفو السفارة ، ورغم أنّ يوم السبت عطلة يهودية رسمية يمنع فيها العمل، إلا أنّ السفارة الإسرائيلية فتحت أبوابها يوم السبت 29 من مايو 1993 ، كي تختم تأشيرات الدخول الإسرائيلية على جوازات سفر الليبيين الخضراء ، التي حملها للسفارة مندوب من وكالة السياحة المصرية (يونيفرسال بروجيكت توريزم) التي تمثل شركة (زيارا ترافيل) السياحية الاسرائيلية التي يملكها يعقوب نمرودي. وقبل وضع التأشيرات طلب القنصل الاسرائيلي موافقة خطية على زيارتهم من السفارة الليبية ، وبسرعة فائقة وصلت الموافقة الليبية موقعة من السفير الليبي بالقاهرة ، وخلال دقائق تمّ ختم تأشيرات الدخول الاسرائيلية على الجوازات الليبية، وظهر الاحد 30-5-93 توجهت خمسة حافلات تابعة للشركة الوطنية الليبية للنقل إلى طريق سيناء حاملة الزوار الليبيين، متجهة إلى مركز رفح الحدودي حيث كان في استقبالهم وزير السياحة الاسرائيلي "عوزي برعام" نفسه ، لانّ إسرائيل تعتبرها زيارة سياسية وليست سياحية . وقد ألقى فيهم  كلمة ترحيبية  قال فيها:" إنّا نرحب بالعقيد معمر القذافي في إسرائيل" ، واعتبر أنّ القذافي أرسل الليبيين لزيارة اسرائيل "لأن ذلك يخدم مصلحة علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية،  لكن إسرائيل إذا ما حققت منافع من هذه الخطوة على المدى الطويل فسأكون مسرورا". وكان في استقبال الزوار الليبيين أيضا يعقوب نمرودي الذي صرح أمامهم قائلا:" إنّ القذافي سيقوم بزيارة اسرائيل هذا العام بعد أن يعترف بها . طبعا إنّ زيارتكم هذه استلزمت خمسة سنوات من المباحثات على أعلى مستوى مع السلطات الليبية" . وبعد وصولهم إلى اسرائيل توجهوا الى فندق (هيات) الفاخر في القدس الشرقية،  الذي يتحاشى الدبلوماسيون الغربيون إقامة حفلات الاستقبال الرسمية فيه لأنهم يعتبرون أن الارض التي أقامته إسرائيل عليها أرض محتلة عام 1967.

كيف استقبلهم الفلسطينيون؟


لقد قوبل الزوار الليبيون بمظاهرات احتجاج من فلسطينيي الارض المحتلة، وقد هاجم مسؤولو الأوقاف الاسلامية في القدس هذه الزيارة ،واعتبروها تجميلا لوجه إسرائيل وسياستها القمعية ، إذ من خلالها تستطيع دولة إسرائيل الإدعاء أنّ حكمها واحتلالها للقدس لا يحول دون أصحاب كل الديانات من ممارسة طقوسهم العقائدية بحرية وأمان،  في الوقت الذي تمنع فلسطينيي القدس نفسها من التوجه للصلاة في المسجد الاقصى . وقد علق إلياس فريج رئيس بلدية بيت لحم آنذاك ،وعضو الوفد الفلسطيني لمحادثات السلام على الزيارة بقوله:" لقد عوّدنا القذافي على كل غريب ومستهجن، ولكن إرساله مواطنيه لزيارة اسرائيل ما هو إلا تطبيع واعتراف بالدولة العبرية التي تحتل أرضنا وتنكر علينا أبسط حقوق الانسان" . اما الدكتور جمال الأزايدة أستاذ الشريعة الإسلامية في الجامعة الاسلامية بغزة ، فقد صرح لوكالة رويتر قائلا:" إنّ القذافي الذي ألغى العمل بالتقويم الهجري منذ حوالي 15 سنة وابتدع تقويما قذافيا ، يبتدئ بوفاة الرسول و طالب جهارا بالغاء بعض آيات القرآن الكريم ، و ألغى العمل بأسماء الشهور الهجرية وأعطاها أسماءا قذافية مثل النار، النوار ،الربيع، الطير ... إلخ ليس غريبا عليه أن يستبيح مقدساتنا فيرسل زواره ليعطوا المحتل صفة شرعية وقانونية". ونتيجة المظاهرات الفلسطينية العارمة ضد حجاج القذافي لدولة إسرائيل المحتلة، و محاولة منعهم من زيارة المسجد الأقصى،  قطعوا زيارتهم وعادوا للقاهرة ثم جماهيرية الرعب والخوف.
هذه بعض الصفحات المخزية من سيرة هذا الطاغية، الذي يصرّ الثوار الليبيون على رحيله، ولكنّه يستمر في قصف الشعب بالطائرات والدبابات، لأنه يعرف أنه عند سقوطه بأية طريقة لن ينجو من المحاكمة والموت كما أفتى الشيخ االقرضاوي..فيا أيها الطاغية: زنقة...زنقة..إلى أن ترحل أو تنتحر.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



195
هدم الديكورات الثورية إرضاء لماما أمريكا

د.أحمد أبو مطر

مسلسل عميد الطغاة العرب أو الوافي الكافي في فكّ طلاسم القذافي
                 " الحلقة الثالثة "

بعد تأكد القذافي أنّ هجوم الدول الغربية جاد هذه المرة عليه وعلى نظامه ، خاصة بعد تطبيق قرار مجلس الامن القاضي بفرض العقوبات للمرة الثانية من 15-8-92 وحتى 15-12-92 ، وأنّ مجلس الامن سوف يعود في هذا التاريخ للنظر فيما إذا امتثل الطاغية لشروط الغرب أم لا ، كي يرفع العقوبات أم يجددها للمرة الثالثة ، سارع العقيد لارضاء أمريكا باتخاذ العديد من الإجراءات  العاجلة ، ومنهاهدم العديد من الهياكل الادارية والسياسية والاعلامية التي أقامها اساسا للترويج لجماهيريته وعقده النفسية، منفقا عليها مليارات من ثروة الشعب الليبي الذي نتيجة هذا التبذير والفساد، كان وما يزال الدخل القومي للفرد فيه ،  لا يختلف عن دخل الفرد في الدول الفقيرة غير النفطية.  وقد طالت عملية الهدم هذه الديكورات التالية عقب أكتوبر 1992  :
1-   جمعية الدعوة الاسلامية ، وهي جمعية كانت تدّعي أنها تعمل في مجال نشر الإسلام في مختلف القارات .أسسها الطاغية عام 1973 ، وكان يرأس مجلس إدارتها الدكتور محمد الشريف وزير تربية قذافي سابق . وقد كان للجمعية مكاتب وممثلون فيما لا يقل عن ثلاثين عاصمة في الدول الأسيوية والافريقية ، وامتدت نشاطاتها لتشمل كافة العواصم التي توجد فيها جاليات إسلامية. وقد حاول العقيد في سنوات 1990 – 1992 ، دعم نشاطاتها الإعلامية فألحق بها بعض الإعلاميين الليبيين مثل القصاص (زياد علي) والصحفي (علي ماريا) رئيس تحرير مجلة الثقافة العربية، وسفير ليبيا في الإمارات العربية سابقا، والقائم بالأعمال في القاهرة حاليا. وقد اشتهرت الجمعية في سنوات تأسيسها الاولى ببحثها وترغيبها غير المسلمين من العرب والأجانب على دخول الاسلام مقابل (35000) دولار لمن يشهر إسلامه أمام شيوخ الجمعية . وقد لاقت هذه الدعوة - والتي تبدو وكأنها نكتة- استجابة واسعة بين العديد ممن استهوتهم هذه المبالغ من الدولارات ، الى حد أنَ العديد من الصحفيين والكتاب كان يتمنى لو أنه ولد مسيحيا ، كي يستفيد من هذه الثروة التي لا تكلف صاحبها سوى الوقوف أمام شيوخ الجمعية المدّعين أيضا، والنطق بالشهادتين ( أشهد أنّ لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله) . وفي أعوام 1974 و 75 و 76 و 77 نطق بهاتين الشهادتين العديد من الصحفيين الغربيين الذين كانوا يزورون طرابلس،  أو يعملون فيها وكان أشهر من استغل هذه الدعوة الملاكم الأمريكي محمد علي كلاي ، الذي نقدته الجمعية حوالي خمسة ملايين دولار عام 1979 ، مقابل إشهار اسلامه ومن أجل بناء مسجد في نيويورك . وأتذكر أننا كنا تلك الليلة من ذلك العام في فندق الشاطئ الذهبي ، الذي كان آنذاك الفندق الوحيد من فنادق الدرجة الاولى في طرابلس،  ودخل محمد علي كلاي صالة الفندق وهو يصفر ويرقص نشوة وطربا ، فهرعنا نسأل عن أسباب هذه النشوة ،فأجابنا صحفي عربي كندي الجنسية ومقيم في كندا، كان يرافقه للترجمة أنه - أي كلاي- ربما يصاب الليلة بالجنون ،لأنه لا يصدق وجود (مهابيل) ينقدونه خمسة ملايين دولار من أجل نطقه بجملة لا يفهم معناها، ولا ماذا يريد منه الذين نقدوه الملايين الخمسة. أما الصحفي العربي
فقد حصل على مبالغ طائلة لترجمة الكتاب لأخضر ، وتوزيعه في أمريكا وكندا. وبعد ذلك لم يبن كلاي مسجدا في نيويورك، ولا توزع الكتاب الأخضر في أمريكا وكندا، لأنه في حالة ترجمته سيخجل من قام بذلك من توزيعه.

تبذير ثروة الشعب الليبي ثم إغلاقها
وقد أنفق الطاغية مئات الملايين على جمعية الدعوة الاسلامية ،فقط كي توزع القرآن الكريم عبر مكاتبها في مختلف العواصم، غطاءا لتوزع معه كتيبه الذي لا يحيض (الكتاب الأخضر)، ومعه خطب وبياناته،  الذي كان يطرح نفسه من خلالها في الدول الإسلامية - غير العربية- على أنه (مفكر اسلامي) يعمل من أجل الصحوة الاسلامية ، وتوحيد جهود العالم الاسلامي ، كما أنّ مكاتبها كانت مرتعا وغطاء للعديد من عناصر مخابراته وأمنه خاصة في مجال تعقب أعضاء المعارضة الليبية واغتيالهم.  وفي السنوات التي أعقبت عام 1992  ،دخلت جمعية دعوته الإسلامية مجال الاستثمار العقاري في داخل ليبيا وخارجها ، فأقامت  لأولاده وعائلته مشاريع استثمارية كان أهمها أبراج المكاتب الخمسة ، وهي عبارة عن خمسة عمارات (12 طابقا) أقامتها له شركات تركية وصينية على شاطئ البحر جوار فندق باب البحر ، وقد خصصت هذه الأبراج الفخمة مكاتب للشركات والسفارات الأجنبية فقط ، على أن تؤجر لها بالعملات الصعبة،  وقد كانت هذه الابراج الخمسة آنذاك أضخم مشروع عقاري في جماهيرية الخوف والموت.
وبعد كل هذا التبذير، ولإرضاء أمريكا والدول الغربية، توقف عن كونه داعية إسلاميا، يسعى لنشر الإسلام، فأعلن الطاغية عبر أجهزة (مؤتمر الشعب العام )، الذي هو مكاتب خاصة به ومخابراته ولا علاقة للشعب بها، في دورته الاخيرة (آب اغسطس) 1991 ، الغاء هذه الجمعية واقفالها نهائيا ووقف نشاطاتها وتصفية ممتلكاتها وتوزيع العاملين فيها على الدوائر الحكومية الليبية،  وهو يدرك أنّ هذا القرار يعني لدى الدوائر الغربية اقفال مكاتب الامن والمخابرات التي كانت تعمل تحت غطاء ولافتات هذه الجمعية ، وبعدها سيأتي الدور على ما سمّاه مؤتمر الشعب العام.
2-   ( مؤتمر الشعب العربي ) هو اسم الهيئة التي شكلها القذافي عام 1977 عقب زيارة السادات لاسرائيل، حيث أعلن آنذاك أنه يشكل هذا المؤتمر ليقوم بمحاكمة السادات على جريمته المتمثلة في زيارة اسرائيل، واستقدم لذلك العديد من السياسيين والمحامين العرب خاصة من المعارضة المصرية ، وعقدوا محاكمة شكلية للسادات حكموا عليه فيها بالاعدام . ولمّا وجد القذافي أنه يمكن استغلال هذا الديكور لبناء علاقات جديدة والتبشير بأفكاره (الخضراء)، قام برصد الأموال اللازمة لجعل (مؤتمر الشعب العربي) هيئة عربية دائمة مقرها طرابلس، وبالفعل تم تخصيص جناح في (قصر الشعب) ليكون مقرا للمؤتمر. ولمّا كثر زبائنه وعملاؤه انتقل المقر الى بناء كامل ضخم من ثلاثة طوابق في وسط العاصمة التجاري في شارع الفاتح قريبا من الشاطئ خلف (الفندق الكبير) أفخم وأقدم فنادق طرابلس ، لتكون اقامة الوفود سهلة وغير متعبة في التنقل.  وقد تشكلت للمؤتمر (أمانة عامة) برئاسة الليبي (عمر الحامدي) وعضوية حوالي 12 عضوا تم اختيارهم من مختلف الاحزاب العربية ذات التوجه والبضاعة القومية.
وكان أطرف اعلان صدر عن (مؤتمر الشعب العربي) هو إعلان بعض أعضاء الامانة العامة المصريين ، أنّ حادث اغتيال السادات في حادث المنصة الشهير، أكتوبر 1981 كان تنفيذا لقرار مؤتمر الشعب العربي عام 1977 بإعدامه.

 هذا وقد تخصص المؤتمر في عقد الندوات والمؤتمرات التي تخدم توجه المفكر العالمي الطاغية القذافي ، وكان أطرفها ما أطلق عليه مؤتمر(أحزاب المعارضة الرسمية المعترف بها في أقطارها) ، الذي عقد في طرابلس في عام 1987، وكان مسرحية هزلية بمعنى الكلمة .  كانت فكرة المؤتمر في البداية أن يكون مؤتمرا لاحزاب المعارضة العربية ، و هذا يعني دعوة أحزاب المعارضة التي تقف موقفا معارضا وربما عدائيا من حكومات وأنظمة اقطارها. إلا أنّ التطبيق الكامل لهذا المفهوم كان يعني دعوة أحزاب المعارضة السورية والعراقية واليمنية والجزائرية ، وهذا يوتر علاقات الطاغية الجماهيري  مع أنظمة البلدان الاربعة المذكورة التي كانت حليفة أو شبه حليفة له.  فأعاد القذافي التفكير في أمر هذا المؤتمر خاصة بعد تجميد حزب البعث السوري لمشاركته في نشاطات الامانة العامة لمؤتمر الشعب العربي،  وبعد تفكير طويل اهتدى القذافي وعمر الحامدي لمسرحية هزلية ولا مسرحيات الفرنسي موليير ، إذ قرّرا عقد المؤتمر لأحزاب المعارضة العربية المعترف بها رسميا في أقطارها مثل حزب التجمع التقدمي الوحدوي في مصر. وبهذا الإخراج التافه لم تدع أية احزاب معارضة سورية و عراقية ويمنية وجزائرية ، إذ  ليس في هذه الدول أحزاب معارضة معترف بها ، وبذلك أزال مفكر الكتاب الأخضر عن نفسه الحرج كما اعتقد ، وشارك في المؤتمر ممثلون لجبهة الانقاذ الوطني الفلسطيني  الديكورية أيضا بصفتها أحزاب معارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
هذا وقد أصبح مؤتمر الشعب العربي  خلال تلك السنوات، إقطاعية خاصة لمالكها وصاحبها الملازم  القذافي ووكيله العام فيها عمر الحامدي ، يشترون من خلالها الاقلام والذمم ويوزعون العملاء والرشاوي.  وهكذا ما إن ادرك  الملازم القذافي الصباح ، وأيقن أنّ تهديدات أمريكا  جادة ، حتى انحنى خاضعا مستجديا الرحمة، فهو على استعداد لتنفيذ طلبات القوى الغربية، فقط ليبقى في السلطة ينهب الثروة والشعب والوطن. لذلك بدأ بتفكيك مؤتمر الشعب العربي فلم يعد هناك حاجة قذافية لا للشعب العربي ولا لمؤتمر يحمل اسمه، طالما إرضاء أمريكا والغرب يتطلب ذلك.

حاكم يقصف شعبه بالطائرات
من يصدّق هذا الجنون؟ إنّ التمتع بالسلطة والبلاد والعباد ، وتحول كل فرد من عائلته إلى إقطاعية خاصة تملك المليارات، وجنون كهذا يستمر 42 عاما، لن يصدّق أنّ شعبه بعد كل هذا السكون يثور عليه ثورة عارمة، إقتربت من الإطاحة به ومحاكمته، لذلك فهو مستعد لقصفهم ليس بالطائرات، ولكن بالقنابل النووية إن امتلكها. فهذا الشعب هو (عدوه ) وبالتالي فشعاره ( عليّ وعلى أعدائي )، فهل يعقل بعد كل هذا الطغيان والاستبداد، أنّ يثور عليه الشعب ويحاكمه كمجرم؟. تلك هي نهاية الطغاة التي بدأها الشعب العربي بعد سكون وذلّ دام طويلا.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net

 
 

196
مسلسل عميد الطغاة العرب
أو
الكافي الوافي في فكّ طلاسم القذافي
"الحلقة الثانية"

ماذا بقي من جماهيرية الخوف العظمى منذ سنوات؟!
د.أحمد أبو مطر
استعرضت في (  الحلقة الأولى) من هذا المسلسل مجموعة السيناريوهات والديكورات الفارغة التي أقام منها وعليها الملازم القذافي جمهورية كذبه وعقده النفسية التي أعطاها اسم (الجماهيرية العظمى)، لكنّ انهيارها وخوف وجبن ملازمها ، بدأ منذ عام 1992  عندما شدّدت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا حملتها عليه في جميع المحافل الدولية،  بسبب اتهامها له بتورطه وأجهزته  الأمنية في تفجير طائرة بان أمريكان فوق بلدة (لوكربي) الأسكتلندية عام 1988، وتفجير طائرة (يوتا) الفرنسية فوق صحراء النيجر عام 1989 ، وإصرارهذه الدول على تسليم المواطنين الليبيين الذين قاموا وشاركوا في هذه التفجيرات . اشتدت الحملة الدولية فأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بفرض العقوبات الاقتصادية وحظر الطيران المدني من وإلى الجماهيرية القذافية اللا عظمى، وتخفيض عدد الدبلوماسيين الليبيين العاملين في سفاراتها على أن تكون مدة العقوبات أربعة أشهر، يعود مجلس الأمن للنظر فيها عند انتهائها ، وقد طبّق قرار العقوبات أول مرة في الخامس عشر من أبريل 1992  وانتهت مدته الأولى في الخامس عشر من أغسطس العام ذاته ، وعاد مجلس الأمن و جّدد العقوبات المذكورة مدة ثانية تنتهي في الخامس عشر من ديسمبر 1992 .

ما هي التغيرات التي طرأت في داخل جماهيرية الخوف بعد ذلك؟


كان قد مضى في ذلك الوقت ثلاثة وعشرون عاما على استيلاء الملازم القذافي على السلطة في المملكة الليبية المتحدة، وهي فترة كافية لدى الحاكم المخلص الوطني على إقامة دولة قوية، تعتمد على شعبها وثروتها النفطية الهائلة، خاصة أنّ الشعب الليبي كان في ذلك العام أقلّ من ثلاثة ملايين نسمة ، رغم احصاءات القذافي الوهمية التي  كانت تجعله يقارب خمسة ملايين ، مذكّرين بأنه بالاضافة للنفط هناك موارد ليبيا الزراعية فهي دولة ذات مساحات شاسعة تقع على ساحل المتوسط لا تنقصها الموارد المائية. ولكنّ كافةهذه الموارد المتنوعة وقعت تحت أيدي مجموعة من الصبية المغامرين المهووسين بالقيادة والزعامة، جعلت من المملكة الليبية رغم كل هذه الإمكانيات دولة فقيرة تستورد ما لا يقل عن 90% من احتياجاتها . ولا يمكن أن أنسى أنه عام 1979 أثناء عملي في جامعة طرابلس التي أطلق عليها  المهرّج اسم (الفاتح)، كنّا نبحث عن أغلب حاجياتنا اليومية لدى بائعي البسطات الذين يبيعون المواد المهربة من تونس، وكان الوضع قريبا من ذلك في آخر زيارتين لي عامي 1987  و 1988 .

بدأت الضغوط الأمريكية والبريطانية والفرنسية ضد نظام  القذافي اللاجماهيري غير العظيم في مطلع عام1992 ، وقد لوّحت الإدارة الأمريكية آنذاك  بأن لديها شاهد إثبات ليبي كان ضابطا في المخابرات الليبية في إحدى العواصم الغربية،  فرّ وسلم نفسه للمخابرات المركزية ، و قدّم إثباتات دامغة تؤكد تورط الطاغية في عملية تفجير الطائرة الأمريكية ( لوكربي ).  أمّا الفرنسيون فقد تمكنوا من تهريب مواطن أفريقي من زائير إلى فرنسا ، كان صديقا للمواطن الأفريقي الذي ركب طائرة (يوتا) الفرنسية ،  وهو يحمل الحقيبة المتفجرة التي أسقطت الطائرة ، وأودت بحياة ركابها جميعا دون أن يدري أنها حقيبة متفجرة . إذ أكّد المواطن الأفريقي أنه في الليلة السابقة لانفجار الطائرة، أخبره صديقه المذكور على أنه مسافر في الغد على نفس الطائرة ليوصل حقيبة أحد ضباط المخابرات الليبية لصديق له مقابل 3500 دولار ، لأنها حقيبة مهمة فيها وثائق وجوازات سفر ، وأنّه في اليوم التالي ودع صديقه وسافر فعلا على الطائرة نفسها، وفي المساء سمع بانفجار الطائرة وسقوطها ومقتل جميع ركابها ،والشاهد الأفريقي هذا، كان موجودا في فرنسا وتحت تصرف القاضي الفرنسي الذي يحقق في هذه القضية الإرهابية.

خوف العقيد اللاجماهيري

بعد بدء الضغوط الغربية شعر المهووس الجماهيري،  أنها هذه المرة حقيقية وليست كالمرات السابقة،  خاصة بعد صدور قرار مجلس الامن بالمقاطعة والعقوبات المفروضة عليه المرة الأولى في الخامس عشر من أبريل 1992 ، إذ أنّ حظر الطيران المدني من وإلى جماهيريته الكرتونية، وتخفيض عدد الدبلوماسيين الجماهيريين  في الخارج ، جعله ونظامه في عزلة كبيرة ، ووضع المواطنين الليبيين في صعوبات كبيرة ، إذ أصبح الطريق الوحيد للسفر الى الخارج إما برا عن طريق مصر وتونس أو بحرا عن طريق مالطة ، فاكتظت هذه المنافذ بعشرات ألالاف من المسافرين،  وزادت تكاليف السفر عدة مرات ، وانهار سعر الدينار الليبي أمام الدولار، فقبل قرار المقاطعة كان السعر الرسمي للدينار ثلاثة دولارات ونصف ، فأصبح الدينار - بعد قرار المقاطعة والعقوبات- يساوي ربع دولار،  أي كل أربعة دنانير بدولار واحد ،فارتفعت أسعار كافة المواد الأساسية مثل الطحين والرز والحليب واللحوم والأدوية والملابس ، مما جعل تكاليف الحياة باهظة وزاد الامور تعقيدا عندما أعلن الملازم شخصيا في خطابه بذكرى فاتحه من سبتمبر1993، أنّ غالبية موظفي الدولة لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهرين.

تدخل حسني مبارك

هنا وأمام هذا الوضع الحرج لجأ الملازم الى الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك موسطا إياه لدى الدول الغربية ، وبعد جهود مصرية حثيثة أعلن الرئيس مبارك في مارس 1993 ، أنه استطاع إقناع الولايات المتحدة بضبط النفس ، وعدم توجيه ضربة عسكرية الى ليبيا والاكتفاء في الوقت الحالي بقرار مجلس الامن الخاص بالمقاطعة والعقوبات.  تسارعت اللقاءات المصرية القذافية مرة يزور الرئيس حسني مبارك مدينة طبرق وأخرى يزور فيها الملازم القذافي مرسى مطروح ، إلى ان إقتنع القذافي بشكل مؤكد ونهائي، أنّ النظام العالمي الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية وانتهاء الحرب الباردة ، لم يعد يتيح له أية فرصة أخرى للاستمرار في حركاته وتحركاته البهلوانية الخالية من أي مضمون ، سوى إزعاج بعض الدول كي يبقى هو في ساحة الأضواء والأخبار،  ولأن القذافي يهمه الاستمرار في كرسي السلطة،  انهارت كل ديكوراته الكرتونية في لحظة ، وأفلست نظريته الخضراء في زمن قياسي  لأنها ( نظرية عقيمة لا تحيض )، فبدأت مسبحة التنازلات للولايات المتحدة الأمريكية تكرّ بسرعة فضائية على النحو التالي:
1- عقد القذافي ما يسمى (مؤتمر الشعب العام) ، لبحث مسألة تسليم المواطنين الليبيين المتهمين لأمريكا ، وبعد مداولات أسبوع كامل خرج المؤتمر بقرار أوحى به للقذافي أنه لا مانع من تسليمهما إذا تأكد ضمان محاكمة عادلة لهم ، فاعتبر مجرد صدور هذا القرار رخصة جماهيرية لتقديم المزيد من  التنازلات. تصوروا مؤتمر شعبي عام يقرّر تسليم مواطنين من الشعب للخارج..هل هذا مؤتمر شعبي عام أم مؤتمر قذافي خاص ؟.
2- بعد أسبوعين من صدور هذا القرار،  صّرح مسؤول قذافي أنّ القانون الليبي لا يسمح بتسليم المتهم الليبي بشكل رسمي للمحاكمة في دولة أخرى،  والأمر يكون متروكا للمواطن نفسه إذا وافق على تسليم نفسه فهذا يتم بشكل شخصي. من يتخيل هذه التخريجات التافهة؟ وهل وافق فعلا المتهم الليبي بشكل شخصي للذهاب للمحكمة في بريطانيا وهما يعرف أنه متورط فعلا في جريمة لوكربي؟.
3- قامت المخابرات القذافية بإغلاق مراكز تدريب كافة المنظمات الفلسطينية والعربية والعالمية المتهمة بأن لها علاقة بالارهاب ، ودعت الصحافة العربية والعالمية لتفقد المعسكرات للتأكد من إغلاقها، وقد لبت الدعوة صحف عربية وأجنبية ، ونشرت أغلبها تحقيقات مصورة تثبت إغلاق المعسكرات وخلوها من أية أنشطة وعناصر بشرية.
4- أغلقت السلطات القذافية بشكل رسمي كافة مكاتب الفصائل الفلسطينية ما عدا مكتب منظمة التحرير الفلسطينية ، وطلبت من العاملين في هذه المكاتب إما مغادرة ليبيا فورا أو البقاء في بيوتهم كمواطنين عاديين ولكن يحظر عليهم ممارسة أي نشاط سياسي أو تنظيمي تحت طائلة العقوبات.
5- قامت السلطات القذافية  في شهر يونيو 1993 بالطلب من السلطات البريطانية رسميا إجراء إتصالات مباشرة بين مخابرات بريطانيا ومخابرات القذافي ، كي تتسلم بريطانيا كل ملفات ومعلومات تعاونها السابق طوال 15 سنة مع الجيش السري الإيرلندي . لم تصدق مخابرات سكوتلاند يارد ما سمعته ، ورغم ذلك وافقت بسرعة وبالفعل عقد اجتماع بينها وبين المخابرات القذافية في جنييف وتسلم البريطانيون الملفات ، وبعد دراستها صرح  أحد مسؤوليها جون مايجور شخصيا : ( أنها بادرة طيبة من الليبيين وتساعد على انفراج العلاقات المتأزمة بينهم وبين الغرب ولكن هناك نقصا في المعلومات المسلمة  ). وما أن سمع القذافي الخبر حتى أكدّ ذلك وطلب اجتماعا ثالثا مع المخابرات البريطانية وتمّ الاجتماع فعلا في القاهرة في السفارة البريطانية ذاتها ، وترأس الجانب القذافي فيه عبد العاطي العبيدي السفير الليبي في تونس آنذاك ، ورئيس ما يسمى مؤتمر الشعب العام سابقا ، حيث سلمّ البريطانيين باقي المعلومات التي كانوا قد أخفوها في الاجتماعين الماضيين في جنييف ، وفورا تمكنت سلطات اسكتلاند يارد مستعينة بهذه المعلومات من توجيه ضربات قوية موجعة للجيش الجمهوري الايرلندي،  تمثلت في اعتقال العديد من القياديين وكشف الكثير من مخازن الاسلحة التابعة له في لندن وخارجها.
6- وأخيرا - وليس آخرا- ما أعلنته مصادر عربية وغربية ونشرته العديد من الصحف الاجنبية والعربية يوم 27-9-1992 ومنها جريدة الشرق الاوسط العربية التي تصدر في لندن ، فقد أكدت هذه المصادر - كما نشرته الصحف- أنّ مشكلة (لوكربي) سوف يتم طي ملفها واغلاقه فيما يخص إتهام نظام القذافي ، بعد أن أذعن القذافي لكافة الشروط الأمريكية ، مبلّغا  الرئيس حسني مبارك استعداده لتنفيذ جميع ما تطلبه أمريكا والغرب مقابل انهاء هذه القضية سلميا ، وبدون أية  اجراءات عسكرية واقتصادية وهو على إستعداد فوري للقيام بما يلي:
* فيما يتعلق بالشرط الأمريكي الرئيسي فإن القذافي جاهز ومستعد لوضع النفط الليبي من لحظة استخراجه من باطن الارض وحتى بيعه في الأسواق العالمية ، بيد شركات أمريكية والالتزام بكميات الإنتاج والأسعار التي تحددها هذه الشركات ، كما أنه مستعد لتحديد كمية النفط الليبي المصدر الى الدول الاوروبية وخاصة ألمانيا حسب مشورة هذه الشركات ورأيها.
* استعداد القذافي لتعويض جميع ضحايا طائرة لوكربي ماليا حسب ما يراه خبراء التأمين الأمريكيين، وهو يطلب أن يكون تنفيذ هذا البند إما سّريا او يتم اخراجه على أنه مساعدات إنسانية،  كي يحفظوا بعض ماء وجه القذافي. ولكن عند التنفيذ كان علنا ورسميا أنه تعويضات لذوي الضحايا بلغت أكثر من ثلاثة مليارات دولار، دفعت من خزينة الشعب الليبي ، مما يعني اعترافا رسميا من الإرهابي القذافي بأنه هو وعملاؤه من نفذوا العملية، خاصة بعد تسليمه المواطن الليبي عبد الباسط المقرحي، وتم سجنه في أسكتلندا  حتى الإفراج عنه لأساب صحية في أغسطس 2009 .
* استعداد القذافي لالغاء كافة التشكيلات الادارية والسياسية والاعلامية التي صنع منها (جماهيريته) الكاذبة ، وحلّ الجمعيات التي كانت غطاءا لتمويل منظمات إرهابية في الخارج، وتنفيذ كل مما تطلبه الدول الغربية بما فيها شجن كامل المعدات التي كانت ضمن فكرة مشروع نووي قذافي للولايات المتحدة الأمريكية.

جماهيرية ديكورية منذ سنوات

وهكذا فإن جماهيرية الخوف والرعب القذافية، كانت قد إنهارت فعلا منذ عام 1992 ، ولم تبق هياكلها إلا من خلال القمع والقتل الموجه للشعب الليبي فقط، فلم يعد هناك وقت يضيعه من أجل الهنود الحمر والحرب مع تشاد والمنظمات الإرهابية عبر العالم، فتفرغ لإرهاب الشعب الليبي، إلى أن بدأ عرشه المبني على البنادق والسجون والخطف والقتل ينهار تدريجيا من خلال ثورة الشعب الليبي الحالية.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


197
مسلسل عميد الطغاة العرب
          أو
الكافي الوافي في فكّ طلاسم القذافي

        " الحلقة الأولى "

د.أحمد ابو مطر

كتبت كثيرا في السابق عمن يستحق فعلا لقب (عميد الطغاة العرب) بلا منازع، انطلاقا من معرفتي الوثيقة بالواقع الليبي منذ عام 1972 تقريبا، وأنا أعمل في الصحافة الكويتية. وأتذكر أنه في العام 1974 قد أجريت لقاءا صحفيا مع هذا الطاغية لمجلة الرائد الإسبوعية الكويتية التي كانت تصدر عن جمعية المعلمين الكويتية، برئاسة تحرير المرحوم الأستاذ خالد المسعود. وبعد حصولي على درجة الدكتوراة من جامعة الإسكندرية في عام 1979 ، عملت في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة طرابلس التي كان وربما لا يزال اسمها جامعة الفاتح، وتركتها بمحض اختياري لأنها جامعة تسيطر عليها ما أسماه الطاغية ( اللجان الشعبية )، ولم أكن وحدي من غادرها ذلك العام، فهناك العديد من الأساتذه العرب الذين رفضوا الاستمرار في مهزلة تسمى (جامعة الفاتح ). وبعد ذلك عرفت الكثير عن هذه الجماهيرية من مجلة (الموقف العربي) التي أصدرها الزميل الليبي محمد الشويهدي في قبرص، وشاركت في العديد من المؤتمرات التي عقدت في طرابلس، وكان آخرها (مؤتمر الأحزاب العربية الرسمية ) في عام 1988 ، وكتبت عنه آنذاك مقالة نقدية حادة في جريدة السفير اللبنانية، انقطعت بعدها زياراتي لجماهيرية الديكتاتور. وعبر كل هذه المحطات تعرفت على العديد من الشخصيات الليبية من الأدباء والمثقفين والسياسيين والسفراء.

 لذلك فمعرفتي بنسيج النظام القذافي معرفة داخلية وثيقة، مما جعل كتابتي النقدية عنه  مبكرة للغاية ، تعود للعام 1991 في زمن لم يكن قد انتشر الإعلام الإليكتروني، وفي ظل عدم وصول الجرائد الورقية للعديد من القراء خارج بلدان صدورها، لم يتح لما كتبته ونشرته فيها من معلومات موثقة عن هذا النظام من الوصول للقراء العرب بشكل واسع. و لتوثيق تجربة هذا الطاغية، أعيد كتابة تجربتي ومعلوماتي عنه، معتمدا على ما سبق أن كتبته منذعشرين عاما بالضبط، لأنها معلومات وتجربة شخصية لا تضيع أهميتها مع مرور الزمن، خاصة بقاء هذا النظام في السلطة بطغيان شامل لمدة 42 عاما حتى اليوم، مما جعله يستحق توصيف (عميد الطغاة العرب ) بدون منازع، على نمط  الصفات التي أعطاها الملازم معمر القذافي لنفسه وهي ( عميد الحكام العرب )، و ( ملك ملوك أفريقيا ) وغيرها من الصفات التي تنمّ حقيقة عن نفسية رجل مريض، بلا رجولة عندما يقدم على قصف مواطنيه المتظاهرين ضد طغيانه بالرصاص والطائرات، خاصة بعد مهزلة خطاب نجله الفاسد أيضا سيف الإسلام ، والإسلام من اسمه وتصرفاته وطغيانه ووالده براء.

كيف وصل الطاغية إلى السلطة؟

في الفاتح - أي الاول- من سبتمبر (أيلول) عام 1969 وصل الملازم اول معمر القذافي الى الحكم في المملكة الليبية المتحدة عبر انقلاب عسكري وكان أول ما فعله بعد طرد الملك ادريس السنوسي ، أن اعطى نفسه رتبة (عقيد) وزميله في الانقلاب عبد السلام جلود رتبة (رائد) وغيّر اسم البلاد  من  (المملكة الليبية ) ليصبح (الجمهورية العربية الليبية) ،وغيّره عام 1986 ليصبح (الجماهيرية العربية الليبية الديمقراطية الثورية الشعبية العظمى). كان أول ما فعله  القذافي عقب استيلائه على السلطة أن دعا جمال عبدالناصر الى زيارة (أرض الفاتح العظيم) كما كان يصفها القذافي،  ولبّى عبد الناصر الدعوة واحتشدت الجماهير لاستقباله ، وأصّر العقيد القذافي أن يخطب عبد الناصر في الجماهير من شرفة قصر ولي العهد الليبي الامير رضا ادريس السنوسي ، ولما كانت فتحات الشرفة صغيرة لا يرى عبد الناصر الجماهير منها جيدا ، تقدم العقيد دافعا طوب الشرفة بقدميه ليفتح فيها ثغرة أوسع،  وظلّ حريصا على عدم ترميمها بعد ذلك لتصبح هذه الثغرة من المعالم الثورية التي يجب أن يراها زوار ليبيا كدليل على ثورية قدم القذافي .

دعم وترويج عبد الناصر له
انبهر عبد الناصر يومها كثيرا بهذا الشاب الثوري،  لذلك صرح عند عودته إلى القاهرة بأنه يعود الى بلاده وهو مطمئن على مستقبل الوحدة والقومية العربية، فقد وجد في العقيد أفضل الخفر الذين سيحرصون على حمايتها وتسمينها . الوحيد الذي لم يكن مرتاحا عام 1969 لانقلاب الملازم اول القذافي هو البعثي السوري صلاح شديد  فقد قال في جلسة خاصة : (أنا غير مطمئن لهذا الانقلاب الذي مرت دباباته ومدرعاته عابرة نحو القصر الملكي من أمام قاعدة (هويلس) الأمريكية ، وعلى مرأى من ضباطها وجنودها وهي آنذاك القاعدة التي تتحكم بشكل محكم في كافة التحركات العسكرية على أراضي المملكة الليبية ، وتعرف مسبقا بكل تحرك واتجاهه وأهدافه.
وقد بدأ اسم العقيد يأخذ شهرة نجومية في أقطار الوطن العربي خاصة عام 1974 عندما ناصب شاه ايران (شرطي الخليج آنذاك) العداء وشن عليه أعتى الهجمات ثم أعقب ذلك بمجموعة من الحركات الديكورية التي تلزم و تصاحب النجوم ، واختار أن تكون حركاته هذه (صرعات) لم يسبقه أحد لها في  العالم العربي والعالم أجمع ومنها:
1- اعتماده في حرسه الخاص سواء داخل ليبيا أو خارجها أثناء زياراته للدول العربية أو الاجنبية على مجموعة من الفتيات الحسناوات ، اختارهن بعناية فائقة ودربهن على السلاح ، وكن يرافقنه مثل ظله حتى داخل معسكر قيادته في منطقة (العزيزية) وسط طرابلس رغم أنه لا يحتاج إلى حراسة داخل المعسكر المطوّق من كل النواحي، ومن المستحيل الوصول لما يبعد على الأقل عن كيلو مترين من أسواره.
2- تطويله لشعره وتصفيفه على طريقة (البيتلز- الخنافس) الشهيرة في الخمسينات ، واختياره الملابس الأنيقة التي يحرص على لف العباية الليبية فوقها، و معتمرا فوق تسريحة الخنافس الطاقية الليبية المشهورة.
3- أخذه دروسا في فن الالقاء والتمثيل خاصة طريقة ( البوزات) المتنوعة التي تعطي الانطباع الذي يريده في نفس المشاهد أو المستمع خاصة (البوز) الذي اشتهر به وهو يبدو رافع الراس بشكل مائل الى اليسار،  ويده تسند ذقنه ممثلا أنّه يفكر، مما يجعل الجالس أمامه يتعجب الى أين ينظر هذا الرجل الذي لا يتطلع في محدثه أبدا. وقد اشترك في اعطائه هذه الدروس مشاهير أساتذة فن التمثيل في معهد التمثيل المصري والمعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، ولا داعي أو لا فائدة من ذكر أسمائهم ، فهم يمارسون مهنة التدريس لمن يرغب، طالبا أم مهووسا بعظمة لا يملك مؤهلاتها.
4- اقامة شبكة علاقات واسعة مع خليط من (البشر) ، يضمّ صحفيين وكتاب وجواسيس ومفكرين من كافة أرجاء المعمورة، حتى وصل الخير العميم والشيكات الى زعماء الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية الذين عقد لهم مؤتمرين في طرابلس عامي 1987 و 1988 تحت شعار (تحرير الهنود الحمر من الإمبريالية الأمريكية وإعادة وطنهم  الأم لهم) ، وقد أنفق على هذين المؤتمرين عشرات الملايين تكاليف ورشاوي شخصية. وقد كنت في فندق الشاطىء بطرابلس عام 1987 ، مصادفة أثناء انعقاد واحد من مؤتمرات الهنود الحمر هذه، حيث أكدّ لي صديق ليبي من المطلعين على أسرار الطاغية، أنّه بالإضافة لتذاكر السفر وحجوزات الفنادق، فعند المغادرة يتسلم كل أمريكي هندي أحمر ممن حضروا المؤتمر مغلفا هدية من الديكتاتور القذافي فيه مبلغ خمسين ألف دولار.
5- وكي يكون صاحب فكر ومؤلفات كان لا بد أن يؤلف كتابا يصبح نظريته العالمية الثالثة بعد الرأسمالية والماركسية، وكيف يتأتى له ذلك وهو الطالب الفاشل الذي لا يجيد كتابة موضوع الانشاء . وأخيرا اهتدى الى ضالته في الكاتب والمفكر السوداني اللاجىء في جماهيريته المرحوم (أبو بكر كرار) ، فكتب له دراسة عبثية  مضحكة، قصد منها المرحوم الاستهزاء بعقلية هذا المفكر القذافي الذي لا يجيد التفكير والقراءة ، وسمّاها (الكتاب الاخضر- النظرية العالمية الثالثة) وكانت لا تزيد عن خمسين صفحة ، فكان لا بد أن تطبع بحجم الورق الصغير وفي كل صفحة ما لا يزيد عن عشرة سطور وعرض السطر لا يزيد على ستة سنتيمترات كي يصبح حوالي مائتين وعشرين صفحة، ويومها نكّت الليبيون - الذين لا يجيدون النكتة- فقالوا: سبحان الله كيف أصبح الكتاب بهذا الحجم،  وهو في الأصل ليس أكبر من حجم دفتر ورق السجاير!! والدليل على سخرية المرحوم أبو بكر كرار من عبقرية الملازم القذافي، أنه وضع في نصّ الكلام الساخر ( كي لا أقول الكتاب لأنه ليس كتابا ) بعض العبارات التي هي مجرد نكتة ولكن أعجبت الملازم العبقري،مثل قوله: ( ما الفرق بين الرجل والمرأة؟. إنّ الرجل لا يحيض والمرأة تحيض )، ( البيت لساكنه ) بغض النظر عن كيفية وصوله للسكن فيه.، و (من تحزّب خان )، رغم دعوة الملازم المهووس بالعظمة لقيادات الأحزاب من مختلف الأقطار العربية والعالم. وقد أعقب ذلك طلاء أرضية الساحة الرئيسية في طرابلس المحاذية لشاطىء البحر، قريبا من الفندق الكبير باللون الأخضر فعلا وليس نكتة.
6- وكي يكون له مريدون مثل ماركس ولينين  وماوتسي تونج ،ولأن دفتر الشيكات جاهز ابتدع له البعض معضلة وصعوبة الكتاب الاخضر وأنه لا بد من شروح له فتولى هؤلاء شرح الكتاب الاخضر فصدرت - دون مبالغة- عشرات الكتب للشروح ثم صدرت شروح للشروح وإذا بها كثيرة لا تجدها إلا في مكتبات الجماهيرية العظمى، إلى حد يخجل سفراؤه في العواصم العربية من توزيعها وإبرازها لزوارهم. ثم جاءت صرعة ترجمة الكتاب الأخضر إلى اللغات الأجنبية، وكنت شاهدا على عرض قدّمه له أحد الصحفيين اللبنانيين لترجمته للغة الإنجليزية، وطبع ما لا يقل عن خمسين ألف نسخة منه، وتسلم ذلك الصجفي مبلغا كبيرا من الدولارات. وقد سألته في فندق الشاطىء حيث نقيم: هل ستترجم وتطبع منه خمسين ألف نسخة؟. فضحك قائلا: شو أهبل ولا بتستهبلني. يا عيني سوف أترجمه، واطبع منه ما لا يزيد عن خمسمائة نسخة، ارسلها لمكتب العقيد وبعض سفاراته، ثم رسالة له تقول: أنّ الخمسين ألف نسخة نفذت والجماهير الناطقة بالإنجليزية تطلب المزيد، فقد وجدت في الكتاب الأخضر ضالتها لحلّ كافة مشاكلها.
7- وكي لا ينقطع رزق البعض، اعتمدوا على المثل القائل (رزق الهبل على المجانين) فأقنعوا (مجنون الكتاب الاخضر) بأنه لا يقل أهمية عن مؤلفات ماركس ولينين وبرتراند راسل، ولا بد من معهد أو جامعة تتخصص في دفتر (السجائر)، فأسسوا له ما أطلق عليه  (مركز دراسات الكتاب الأخضر) عام 1980 تقريبا وترأسه الليبي (إبراهيم ابجاد ) ، ثم جعله معهدا تابعا لجامعة طرابلس يمنح درجة بكالوريوس في فلسفة الكتاب الاخضر. وأثناء زيارتي للمركز عام 1986 وبحكم أنني كنت سابقا مدرسا في كلية التربية بجامعة الفاتح عام 1979 ،عرّض عليّ المركز مساعدته في اقناع أربعة طلاب غير ليبيين ، كي يدرسوا في المركز وجامعة الفاتح لدرجة الدكتوراة عن (الكتاب الأخضر )، والمركز يؤمن لهم المنح الدراسية والسكن والمصاريف والوظائف بعد الحصول على درجة الدكتوراة الخضراء. قلت له، يا صديقي من المستحيل وجود هؤلاء الطلاب المهابيل الأربعة، ولا أتذكر أنّ طالبا عربيا وافق على هذه الفكرة الغبية أكثر من غباء الكتاب الأخضر. وقد أصبح هذا المركز وسيلة ارتزاق لعشرات من الكتاب العرب والاجانب، إذ بلغ ما نشره من كتيبات  عن فكر القذافي وعن الكتاب الاخضر ونظرياته عشرات الكتب، لكتاب من كافة الجنسيات وكلها ضحك على الذقون وارضاء لشهوة وسلطة العقيد. أما المؤتمرات التي عقدها لدراسة فكر العقيد فهي تحتاج لدراسة خاصة، وللأسف شارك فيها كتاب ومثقفون عرب مشهورون، وكان أي مؤتمر منها يحشد له أحيانا مئات المدعوين من أغلب قارات العالم، ويكلّف عشرات الملايين المنهوبة من ثروة ونفط الشعب الليبي.
8- واستمرارا في سحب الأفلام وكي يخترع ديكورات تميزه عن كافة الرؤساء والزعماء توصل فكره الخائب الى مسألة (الخيمة والناقة) ولا يظنّ أحد من القراء أنّ هذه نكتة بايخة لكنها حقيقة ، فيتذكر القراء أنه اثناء زياراته الخارجية كان يرفض النزول في الفندق المخصص للملوك والرؤساء ويرفض تناول طعام الفندق وكان يصطحب خيمته وناقته فينصب الخيمة في حديقة الفندق ويربط أمامها الناقة، وقد أحدثت هذه (الصرعة البايخة) مشكلة له في قمة عدم الانحياز التي عقدت أول سبتمبر 1992  في جاكارتا، إذ ابلغته السلطات الاندونيسية استحالة الموافقة على نزوله في خيمته خارج القصر المخصص للملوك والرؤساء لاستحالة توفير الامن المطلوب له ، وكذلك ناقته لأنه حسب القوانين البيطرية الأندونيسية يجب إرسال الناقة أولا الى الحجر الطبي البيطري لتقرير سلامتها وخلوها من الاوبئة المعدية وربما من ميكروبات الكتاب الاخضر، وهذا يستغرق ستة أيام على الاقل في حين أنّ أيام المؤتمر ثلاثة أيام فقط ، وفعلا اعتذر العقيد عن المشاركة فهو لا يحب نظافة الفنادق وفكره لا يبدع الا وهو ممسك بذنب الناقة ولكن سبق أن نفذت له بعض الدول مثل اليونان هذه الشروط فاصطحب الخيمة والناقة ونصبها وسط حديقة الفندق فعلا، وكأن اليونان قصدت أن تظهر هذا المتخلف المريض للعالم أجمع. وقد سمحت له أيضا ايطاليا أثناء زيارته لها في أغسطس 2010 بنصب خيمته في حديقة عامة أمام منزل السفير الليبي في روما، وكان منظرا سياحيا للطليان، خيمة كبيرة مكيفة الهواء، تحيط بها حراسات من فتيات جميلات يحملن السلاح، وعدة خيول عربية تسرح وتمرح جوار الخيمة الخيبة القذافية.
9- وكي تتميز جماهيريته اللا شعبية واللاعظمى عن غيرها من الدول ألغى الوزارات وسمّاها (أمانات) وشكل ما سماه (مؤتمر الشعب العام) حيث رفع شعارات أهمها ( شركاء لا اجراء) و (لا ثوري خارج اللجان الثورية)، ولمّا كان لا بد من (اذاعة) تنطق بإسم هذه اللجان أسس إذاعة ( صوت الوطن العربي )  في طرابلس وإذاعة (  البحر المتوسط  ) في مالطة ، وانفق عليها الملايين ليذيعا ليل نهار خطبه وفقرات من دفتر السجائر المسمى (الكتاب الاخضر).

نكت ليبية معبّرة
عقب الغارة الامريكية على طرابلس وبنغازي عام 1986 كان رد العقيد يومها أن أضاف صفة (العظمى) على اسم جماهيريته الخالية من أية جماهير، وأعلن تحديه لأمريكا في خطابه المشهور الذي قال فيه حرفيا: ( نحن دولة عظمى مثل أمريكا ونقول طز في أمريكا) .نعم هذا الكلام صدر في خطاب عام مسجل ومذاع على الهواء من رئيس دولة، ولما ساءت العلاقات مع أمريكا وقطعت العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين، وتوقف ضمن مئات المواد المستوردة من أمريكا الأرز المشهور (انكل بينز)، انقطع الرز من كل دكاكين طرابلس وتصادف دخول مواطن لإحدى الدكاكين يسأل عن الرز فأجابه البائع العجوز (ما هو احنا لازم نحدد شو نريد رز ولا طز) وكأنه يقول للسائل لا يوجد (رز) عليك أكل (طز) العقيد.
وهكذا عبر سيناريوهات متعددة وديكورات فارغة وتبجحات كاذبة وانفاق المليارات على الدعاية الشخصية والأسلحة التي أكلها الصدأ في مخازنها، أقام هذا الطاغية (جمهورية الكذب والخوف )، ولم يستعمل أسلحته هذه إلا لقصف الشعب الثائر ضد نظامه وطغيانه الذي يجثم على صدر الشعب الليبي منذ 42 عاما. إنها لكارثة لم يلجأ لها أي طاغية، ولا بد أن يحصل على عقابه المناسب حتى لو كان القتل كما أفتي الشيخ القرضاوي ... لذلك يكون سؤالنا القادم: ماذا بقي من جماهيرية العقيد القذافي العظمى الفارغة من الجماهير، المليئة بالقتل والطغيان؟
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net

198
هل تختلف مظاهرات الشعب الإيراني عن مظاهرات الشعب المصري؟

د.أحمد ابو مطر

ملاحظة قبل قراءة المقال

لا أهدف من هذا المقال إلى استفزاز أحد، ولكن أريد أن نحاول الوصول لقناعة عربية مشتركة في النظرة التقييمية للنظام الإيراني، وسلوكه اليومي اتجاه الشعب الإيراني وملفه في ميدان حقوق الإنسان. لذلك فأنا مستعد بهدوء لسماع أي رأي يخالفني عبر حقائق تنقض ما ورد في مقالي، وليس بعيدا إن كانت هذه الحقائق مقنعة، أن أتبناها وأغير رأيي وقناعاتي الحالية. فلنعمل معا على قاعدة ( ما أقوله خطأ يحتمل الصواب، وما يقوله غيري صواب يحتمل الخطأ).

هل النظام الإيراني ديمقراطي؟

المواطنون العرب الذين يروجون ويصفقون للنظام الإيراني، ويطالبون باستيراد نموذجه المستمر منذ عام 1979 ، يعتبرونه نظاما ديمقراطيا يمثّل رغبة الشعب الإيراني، وبالتالي فهم يتمنّون استساخه عربيا ليعمّ كافة الأقطار العربية. أنا أرى أنّ هذا النظام عنصري ديكتاتوري استبدادي، للأسباب التالية:

أولا: يعتمد هذا النظام على خلفية فكرية دينية ، عاد الإمام الخميني إلى بعثها من جديد  عام 1979 بعد استلامه السلطة، وهي نظرية ولاية االفقيه، التي تقول ما معناه ( إنّ ولي الفقيه هو وكيل الله في الأرض في كافة ميادين الحياة، ومن يعصى أمره فقد خالف تعاليم الله تعالى). وأغلب المتخصصين في فقه المذهب الشيعي  ومنهم أئمة إيرانيون يعتبرون هذه النظرية دخيلة على المذهب الشيعي، ولا يعتبرونها صالحة لنظام حكم مدني ديمقراطي. وكذلك لا يعترف بها العديد من فقهاء المذهب الشيعي العرب، ومنهم الشيخ صبحي الطفيلي أول أمين عام لحزب الله اللبناني ، ويعتبر أنّ هذه النظرية لا أصول لها في القرآن والسنّة. وما دام المسلمون – كما يدّعون – أن مرجعيتهم هي القرآن الكريم والسنّة النبوية – فلماذا أيضا لا يعترف كل علماء وفقهاء السنّة بهذه النظرية؟. إنّ خطورة هذه النظرية هي ممارسة ديكتاتورية مطلقة بإسم الله تعالى، وبالتالي من الصعب مقاومتها، بعكس الاستبداد المدني، بدليل الإطاحة برموز كثيرة من رموزه، أولهم كان شاه إيران عام 1979 ، ثم زين العابدين بن علي وحسني مبارك عام 2011 .

ثانيا: ملف حقوق الإنسان في إيران، لا يختلف مطلقا عن أغلب الدول العربية حيث القمع ومصادرة الحريات، والإعدامات المتتالية شنقا ورجما. وبالتالي ففي هذا الميدان النظام الإيراني و أغلب الأنظمة العربية لا يختلفان خاصة نظام حسن البشير في السودان الذي غرامه وبقاؤه في الجلد خاصة للسيدات.

ثالثا: أما عنصرية هذا النظام ، فقد كررت كثيرا ممارساتها الميدانية، خاصة اتجاه عرب الأحواز المحتلة أرضهم من عام 1925 ، ومنعهم من استعمال لغتهم العربية، بعكس دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تسمح للفلسطينيين من عام 1948 باستعمال لغتهم العربية، وإنشاء مدارس وجامعات خاصة باللغة العربية.

لماذا لا نتضامن مع مظاهرات الشعب الإيراني؟

هل المتظاهرون الإيرانيون بمئات الألآف كلهم خونة وعملاء؟. وإلا لماذا لا يتضامن معهم غالبية العرب وفضائياتهم التي تضامنت بشكل واسع (تشكر عليه) مع مظاهرات الشعب المصري؟. هل الشعب المصري والتونسي وباقي الشعوب العربية تستحق الديمقراطية؟ بينما الشعب الإيراني لا يستحقها؟.

هل موسوي ورضائي وكروبي خونة؟

هذه الشخصيات الثلاثة ( مير حسن موسوي، محسن رضاي، و مهدي كربي) الذين قادوا مظاهرات بمئات ألألاف في يونيو 2009  ضد نتائج الانتخابات المزورة التي أوصلت أحمدي نجاد لولاية ثانية (2009 – 2013 )، وهي مظاهرات استمرت عدة أسابيع، وتعرضت لقمع لا يقل قسوة عن القمع الذي تواجهه أغلب المظاهرات في الأقطار العربية، خاصة مظاهرات يناير 2011 في مصر ، في أيامها الأولى قبل أن ينزل الجيش المصري لحماية المتظاهرين والأمن العام، وفي تلك المظاهرات الإيرانية قتل ما لايقل عن 15 متظاهرا إيرانيا. فلماذا نبكي على قتلى المظاهرات المصرية والعربية وننسى قتلى المظاهرات الإيرانية؟.

والمظاهرات الحالية في طهران،

التي لا تقل غضبا وحشودا عن المظاهرات المصرية، وهي متواصلة منذ يوم الثالث عشر من فبراير الحالي، والتقارير المنشورة عنها مرعبة للغاية. إذ أقفلت قوات الحرس الثوري شوارع العاصمة طهران، وأغلقوا أغلب مداخل محطات المترو، وسط تحليق كثيف لمروحيات الجيش والمخابرات الإيرانية. وقد شهدت هذه المظاهرات ردود فعل عنيفة من الحرس الثوري، حيث ثمّ إطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسل للدموع وكرات من الطلاء بألوان مختلفة، وفي ساحة آزادي (الحرية ) كما نقلت العديد من وسائل الإعلام، أطلق المتظاهرون هتافات ( الموت للديكتاتور) ، و رفعوا لافتات فيها صور نجادي ومبارك ، وفوق رأسيهما بالإنجليزية:
Tehran, Cairo. Dictators Must Go!!

وقامت أجهزة ( الباسيج) بمحاصرة بيت مير حسن موسوي، وقطعوا الاتصالات الهاتفية عن هواتف العيد من قادة المظاهرات، كما فعل نظام حسني مبارك في الأيام الأولى لثورة الغضب المصرية.

كل الشعوب تستحق الديمقراطية والحرية

وأقولها بصراحة واضحة. إننا في الأقطار العربية نمارس ازدواجية وتناقض لا مثيل له. إذ نتضامن مع بعض الشعوب ونتجاهل شعوبا أخرى. نتضامن مع الشعب المصري والتونسي ، وركّزنا تحديدا على الظلم والقمع الذي كان يمارس ضد الشعب المصري، والفساد الذي نهب نسبة عالية من ثرواته، بينما يسكت أغلبنا على الظلم والقمع والفساد الذي تمارسه أنظمة مثل: الإيراني والسوري والسوداني واليمني وغيرها. وهذا يتنافى مع الديمقراطية التي نتغنى بها. فلماذا هذه الازدواجية وهذا التناقض؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



199
رجعوا التلامذة وهرب مبارك يا عم حمزة!!

د.أحمد أبو مطر

هذه هي نهاية الطغاة والمستبدين. نهاية لا تشرف أحدا حتى اللصوص لا يتمنونها. تصوروا ماذا تستطيع إرادة الشعوب أن تفعل؟. بعد حكم فردي استبدادي صادر مصر شعبا وأرضا وثروة، استمر لمدة زادت عن ثلاثين عاما، فجأة يقرّر الديكتاتور التنحي أو الأدق الهرب، خاصة أنّه تأكد هروبه لشرم الشيخ ساعات قبل خطابه الأخير مساء الجمعة الذي ناور فيه، فصعّد الشعب الغاضب من ثورته، إلى أن صدر الخطاب الرابع الذي توقعته في مقالتي السابقة، ولكن ليس عن الديكتاتور، وإنما عن اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية الذي عيّنه في خطابه الثالث نائبا له، وقد جاء خطاب اللواء الموجه للشعب المصري في  ثلاثين كلمة فقط منها ثلاثة كلمات هي اسم (محمد حسني مبارك ):
( أيها المواطنون. في هذه الظروف العصيبة التي تمرّ فيها البلاد، قرّر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلّف المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة شؤون البلاد. والله الموفق والمستعان ). والمفارقة أنّ عدد كلمات الخطاب هي نفس عدد سنوات طغيان مبارك ، ثلاثون سنة. وبالتالي فالنتيجة هي تنحي أو رحيل أو سقوط الديكتاتور الثالث في عالم العرب الاستبدادي. ما هي أهم دروس هذا السقوط المهين الذي يليق بكل ديكتاتور؟

أولا: الشعب هو من يقرر ديكتاتورا أو ديمقراطيا

وهذا ما أطلقت عليه في أكثر من دراسة ( صناعة الاستبداد العربية )، لأنّ هذا المستبد لم ينزل على شعبه من سماوات أو مجرات أخرى، بل هو قد استولى على السلطة غالبا عبر انقلاب عسكري، ولم يسكت الشعب على ذلك فقط ، بل خرج يهتف لهذا الانقلابي (بالروح نفديك يا...). فماذا نتوقع منه؟ أن يكون ديمقراطيا أم مستبدا كي يبقى في السلطة حتى اللحد وتوريث ابنه من بعده؟. بدليل أنّ الشعب العراقي لم يتظاهر مطلقا ضد الديكتاتور صدّام رغم كل جرائمه بحق العرب والكرد، بل كانت مظاهرات (هوسات ) التأييد والتصفيق له، لم يشهد مثلها صلاح الدين الأيوبي أو خالد بن الوليد.

 وهذا ليس رأيي فقط بل هناك من القراء من له نفس الرؤية، فمن ضمن التعليقات على مقالتي الأخيرة (رحل مبارك..لم يرحل..في انتظار خطابه الرابع ) المنشورة يوم الجمعة الحادي عشر من نوفمبر الحالي ، كتب الدكتور سعد منصور القطبي تعليقا قال فيه: " ليشهد التاريخ أن الجيش المصري البطل لم يطلق طلقة واحدة على شعبه بعكس جيش صدام الذي قصف مدن الشيعة وألأكراد بكل قسوة ، ولم نشهد أو نسمع عن أي ضابط امتنع أوحتى تقاعس عن قتل المدنيين الشيعة وألأكراد في العراق،  لا بل بالعكس كانوا يتسابقون في ارضاء الجرذ صدام بقتل ألأبرياء من أجل أن يحصلوا على سيارة برازيلي مكافئة لهم  ). هذا بالإضافة لرشاوي ما عرف ب (كوبونات النفط ) التي ارتزق منها العديد من الكتاب والصحفيين والسياسيين العرب، الذين أطلق عليهم بعد إعدامه ( أيتام صدام ).

وقارىء آخر هو عمر المهاوشة ، كتب يعقّب على هذا التعليق:
( أضيف لجيش صدام البعثي جيش الأسد (العلويون)  الذين قصفوا مدينة حماة بالمدفعية وبقيت مغلقة لأكثر من ثلاث سنوات لحين تم إعادة بنائها وثبتت الخراسانات الأسمنتية فوق جثث آلاف الذين سقطوا. وحدّث شاهد عيان من الذين كتب لهم العيش كيف كان رجال المخابرات..... يجمعون العشرات في دكاكين الأسواق التجارية بمن حضر، ويتمّ رميهم بالرشاشات ويرموا في حفر تحت الأبنية فيما بعد. وكلنا يتذكر المقبرة الجماعية التي أكتشفت في مقر المخابرات السورية في لبنان بعد رحيل سوريامن لبنان وعلى شاشات التلفزيون،  فكيف بالله عليكم عشرات بل مئات فروع المخابرات المتوزعة في كل أنحاء سورية والتي يهيؤها النظام السوري لتحرير الجولان ثم فلسطين وليس لقمع الشعب السوري المقهور ).
ولكن عندما امتلك الشعب وجيشه الجرأة والشجاعة، فقد ثار الشعب التونسي أولا ثم الشعب المصري ثانيا، ورفض الجيش في البلدين الانحياز للطاغية بل للشعب، فكانت النتيجة هروب زين الهاربين بن علي ثم لحق به مبارك. إذن فالشعب هو من يقررمن يحكمه: طاغية مستبدا، أم مدنيا ديمقراطيا.

ثانيا: موقف الدول الأوربية وأمريكا مع من يختاره الشعب

من الأسئلة الدائمة في الأقطار العربية هو: لماذا تقف الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية مع الأنظمة الديكتاتورية العربية؟. ونحن عندما نسأل هذا السؤال ننسى أو نتجاوز عن أن العلاقات الدولية لا تسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول، فليس من حق أو واجب الدول الأوربية أو الولايات المتحدة أن تختار للعرب نوع الأنظمة التي تحكمهم. هي كدول مستقلة تتعامل مع النظام الذي يرضى به شعب كل دولة، بدليل رضاهم الكامل وعملهم المشترك مع نظامي زين الهاربين بن علي وحسني اللامبارك، وعندما خلعهما الشعبان التونسي والمصري، باركوا ذلك وطالبوا بديمقراطية يختارها الشعب. وقد كان خطاب الرئيس الأمريكي بعد سقوط الطاغية المصري اللامبارك ، أبلغ واشجع من أي رد فعل عربي. المقصود هو أنّ نوع النظام الذي يحكمنا هو من اختيارنا ومسؤوليتنا نحن، وليس مسؤولية الآخرين.فالدول تتعامل مع النظام الذي نختاره نحن، ديمقراطيا أم ديكتاتوريا، فلنتوقف عن سؤال الديمقراطية من الآخرين، نحن من نقرر من يحكمنا ديكتاتورا من المهد إلى اللحد ، أم مدنيا ديمقراطيا لفترة محددة لا تزيد عن ثماني سنوات وعبر فترتين انتخابيتين بنزاهة وشفافية، وبعد اختيارنا لا تملك كافة دول العالم أن ترفض نظاما اختاره الشعب، بدليل التأييد الدولي العارم لرحيل مبارك والتأكيد على احترام خياري الشعبين التونسي والمصري.

هل يجب ملاحقة المطرود حسني مبارك؟

نعم..وألف نعم..يجب على الحكومة المصرية القادمة التي يختارها الشعب المصري، أن تلاحقه وإن أمكن جلبه للمحاكمة على خلفية العديد من القضايا ، وأهمها:

1 . الفساد والسرقة التي من خلالهما سرق ما لا يقلّ عن سبعين مليار دولارا من ثروة الشعب المصري، وكافة الدول مستعدة لهذه المحاكمة، بدليل أنّ حكومة سويسرا قد أعلنت تجميد كافة الأرصدة التي بإسمه وأفراد عائلته.

2 . بيعه الغاز المصري طوال ثلاثين عاما للاحتلال الإسرائيلي بسعر يقل عن السعر العالمي بحوالي ستين بالمائة.  فسعربيعه للاحتلال الإسرائيلي هو 1.5 دولارا لكل مليون وحدة حرارية، علما انّ سعر تكلفة انتاجه على الخزينة المصرية هو 2.65 دولارا، أي أن سعر التكلفة أكثر من سعر بيعه للاحتلال الإسرائيلي ب 1.15 دولارا لكل مليون وحدة حرارية. وتعتمد دولة الاحتلال الإسرائيلي على حوالي خمس حاجتها من الغاز على ما كان يورده نظام حسني اللامبارك، وتؤكد تقارير مصرية لو أنه كان يبيع الغاز لدولة الاحتلال بالسعر العالمي لوفّر على الخزينة المصرية عشرة مليارات دولار سنويا، والمضحك المبكي أنّ أنبوبة الغاز كانت تباع للمواطن المصري بسعر يزيد عن ثلاثة اضعاف السعر الذي يبيعه لدولة الاحتلال الإسرائيلي. ألا يستحق المحاكمة على هذه الخيانة الأخلاقية والاقتصادية؟.

3 . مساهمته الفاعلة المخطط له مقابل هذه الخيانة في حصار قطاع غزة بالاتفاق مع جيش الاحتلال، والدليل على التنسيق الكامل بينه وبين الاحتلال أن هذا حسني اللامبارك أثناء الأسابيع الثلاثة التي سبقت وهو يناور مع شعبه،  يتصل  بالنائب العمالي الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر مساء الخميس العاشر من فبراير قبل إلقاء خطابه الثالث، ويخبره بأن أمره قد انتهى وأنّه يبحث عن مخرج مشرف فقط، كما أعلن النائب الإسرائيلي نفسه. تصوروا بدلا من أن يخاطب شعبه ويلبي فورا طلباته ، يتصل ويخاطب النائب الإسرائيلي.

هل يتعظ باقي الطغاة العرب؟

هذا هو السؤال المهم لمن تبقى منهم سواء كان اسمه يبدأ بحرف (الباء ) أو ( الميم ) أو أي حرف آخر، فمن كان منهم يتصور ثورة الشعب المصري الشجاعة هذه؟ فعليه أن يتوقع مثيلها من شعبه مهما اعتقد أنه شعب خائف من قمعه وسجونه. الشعب المصري يكتب تاريخا عربيا جديدا، فرّض احترامه على الدول العظمى في العالم، بدليل أنّ الرئيس أوباما قال معلقا على رحيل وهروب مبارك : ( إنّ مصرلن تعود أبدا كما كانت ، لأن الشعب قال كلمته ويطالب بـديموقراطية حقيقية.  إن عجلات التاريخ كانت تدور بسرعة فائقة خلال الأسابيع الماضية عندما طالب الشعب بالتغيير ورأينا محتجين يطلقون هتافات سلمية كما رأينا قوات مسلحة لا تطلق النار على المتظاهرين ، وشاهدنا متطوعين يهتفون سوية مسلمين ومسيحيين ، كما رأينا جيلا جديدا يظهر ويستخدم إبداعه ومواهبه في التكنولوجيا التي حركت ثورة الشبا ب . هذه هي قوة الكرامة الإنسانية ..إن المصريين ألهمونا ....إن الشعب الأميركي تأثر من هذه الثورة وأن كلمة التحرير لها معنى في أرواحنا وأرواح الشعب المصري ومن خلال ذلك كله غيّر المصريون العالم ).
 
نعم إنه تثمين لدور الشعب المصري لم يجرؤ مسؤول عربي على قوله..الشعب المصري لك التحية والاحترام فقد أعدت مصر لدورها القيادي الرائد في العالم العربي. وقد بدأ العدّ التنازلي لزوال وهروب الطغاة والمستبدين العرب. فانتظر يا من عليك الدور منهم، ف (رعب أكثر من هذا سوف يجيء ).
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



200
رحل مبارك..لم يرحل..في انتظار خطابه الرابع

د.أحمد أبو مطر

ضمن مسلسل الديكتاتوريين العرب، الذين صعدوا للسلطة في الغالب عبر انقلابات عسكرية دموية، واحتلوا الكرسي والأرض والشعب والثروة بطريقة بشعة، وحولوا البلد بكامله لمجرد مزرعة خلفية وأمامية لعائلاتهم، كان صدام هو الراحل الأول، وزين الهاربين بن علي الثاني، ثم جاء الدور على حسني مبارك ليحتل الرقم الثالث، رغم الالتفاء والدوران في خطابه الثالث عبر الرحيل أو التنحي الصريح من خلال توكيل نائبه عمر سليمان بصلاحياته، وقد رفضت جموع الشعب المصري الغاضبة خطابه الثالث الالتفافي هذا، مستمرة في التظاهر للتنحي والرحيل الفوري بشكل مباشر، سواء البقاء في مصر أو على طريقة زين العابدين بن علي ، إما في الإمارات العربية أو ألمانيا، حيث تردد استعداد الإمارات لاستقباله وألمانيا للعلاج فيها. لذلك ورغم هذا الخطاب الثالث الذي خيّب آمال الجماهير المصرية، إلا أنّه في الواقع يعتبر حسني مبارك مطرودا أو مرفوضا أو راحلا!!!. رغم أنّه يصرّ بعناد وكبرياء زائفة على البقاء حتى نهاية ولايته في سبتمبر القادم، إذ كان خطابه الثالث لمدة سبعة عشر دقيقة تقريبا، كلها إنشاء خطابي فارغ لا قيمة إلا جملة نقل صلاحياته لنائبه عمر سليمان ، وقد رفض الشعب المصري الغاضب هذا الحل الالتفافي.

مالفرق بين نقل الصلاحيات كاملة والرحيل الفوري

إنّ نقل الصلاحيات حسب الدستور والقانون، يعني أن يتولى نائب الرئيس المنقولة له الصلاحيات كامل المسؤولية الرئاسية، أي أن لا تبقى أية صلاحيات أو مسؤوليات في يد الرئيس السابق، وبالتالي فهي تعني بوضوح انتهاء مدة صلاحيته أي أنّه راحل عن السلطة، فلماذا هذا اللف والدوران بدلا من القول الصريح: ( استجابة لمطالب الشعب، أعلن التنحي والرحيل الفوري ). والأكثر تعقيدا في المسألة أنّ الشعب المصري يرفض هذا النقل للصلاحيات، ومستمر في التظاهرات المليونية، مما يعني أننا في انتظار الخطاب الرابع لحسني مبارك، الذي بعده ربما يغادر مصر بحرا، حيث أكّدت صحف مصرية أنه توجه لشرم الشيخ قبل القاء خطابه الذي كان قد سجّله قبل ساعات من إذاعته، وتعمد التلفزيون المصري التأخير عن الوقت المحدد سابقا لإذاعته، لمزيد من شحن الجماهير على ترقب المفاجأة التي رفضتها هذه الجماهير الغاضبة بحنق وإصرار لا مثيل له في التاريخ العربي.

من أين هذه المليارات؟

السجل الشخصي لحسني مبارك لم يكن يعرف أحد أية معلومات عنه، سوى أنه من ضباط الجيش تسّلم السلطة بعد أنور السادات منذ عام 1981  ، وما زال مسيطرا عليها  حتى اندلاع ثورة غضب الشباب المصري، التي أطاحت به كحلم من كوابيس الليل التي لا يصدقها أحد. ولكن قبل ذلك من كان يعرف أية معلومة عن ثروته التي قدّرتها صحيفة بريطانية بسبعين مليارا. تخيلوا سبعين مليارا خلال ثلاثين عاما، أي أنه كان يسرق ما قيمته حوالي مليارين ونصف سنويا. أما ثروة نجله الوريث الذي طار منه التوريث، فرحا بالثروة التي تقدّر بثمانية مليارات دولار، بالإضافة للبيوت والشركات في لندن تحديدا. من أين لك يا مبارك وجمال اللامبارك هذ المليارات؟. وكذلك ما نشر عن ثروة وزير الداخلية حبيب العادلي حوالي سبعة مليارات!!.

وعودة لخطابه الثالث،

لم يكن مخيبا لآمال الجماهير المصرية فقط، بل حاول فيه الايحاء بأنّ هناك مؤامرة خارجية ضد مصر، عبر تكراره رفض الإملاءات الخارجية، ومحاولته تصوير نفسه أنه هو بطل السلام والحرب والتحرير والأمن والاستقرار والمستقبل في مصر. لقد كان خطابا مثيرا للجماهير لأنه خلا من تلبية مطلبهم الرئيسي وهو التنحي الفوري المباشر العاجل، وكون الرئيس مرفوضا من الشارع بهذه الكثافة فهو غير مخول بتفويض نائبه بصلاحياته، خاصة أنّ هذا النائب تمّ تعيينه بعد رفض ثلاثين عاما من مبارك نفسه، ولم يلجأ له إلا التفافا وخدعة للجماهير الغاضبة.

ثم جاء خطاب نائبه عمر سليمان،

بعد دقائق دون أن يقدّم جديدا سوى الوعود الخاصة بتلبية مطالب الجماهير الغاضبة، متضمنا تلويحا ضمنيا بقوة الجيش وقدرته على حماية الوطن. ويظلّ السؤال، ألم يسمع مبارك هتافات الجماهير الداعية لرحيله وبعد الخطاب الثالث سقوطه علنا؟. لا أعرف هل تبقى عند هكذا حكام ذرة من كرامة؟ أمر غريب يدّلل على تمسك الطغاة بالسلطة بأي ثمن حتى لو ألاف القتلى والجرحى من شعبهم. أي شخص يشعر أنه مكروه من أصدقائه يتركهم ويبتعد عنهم، فما بالك بهذه الملايين من شعبه التي تدعوه وتصرخ مطالبة برحيله، وبعد عناده أصبح المطالبة بإسقاطه . وإن استمر العناد ربما يصبح المطلب سقوطه ثم اعتقاله ومحاكمته، على الأقل لاسترداد هذه المليارات التي سرقها من ثروة الشعب المصري، وهي تكاد تساوي الديون الخارجية على مصر. ويكفي أنّ حسام بدراوين أمين عام الحزب الوطني الديمقراطي الجديد الذي خلف الهارب أحمد عز بمليارات لا تقل عن مليارات مبارك، قال صراحة قبل خطاب مبارك الثالث : " إنّ الخطوة الصحيحة تتمثل في تنحي مبارك عن السلطة". رغم أنّ هذا الحزب اللاوطني اللاديمقراطي قد انتهى برحيل رئيسه مبارك، رغم كل الجراحات التجميلية لترقيع تشويهات هيكله التنظيمي الذي كان يعجّ بالفاسدين وسارقي ثروة الشعب المصري.

رحل أم لم يرحل فقد سقط


ومهما ساعدته سيناريوهات التأجيل، فإن نجح فيها وهذا ما أشكّ فيه، فإن سقوطه أو رحيله قد وقع فعلا. ولا أعتقد أن شباب الغضب سيقبل بمسرحيات التأجيل هذه،  لأنها أقرب للمسخرة منها للكوميديا ، فالذين قدّموا حتى الآن مئات الشهداء، هاهم يسيرون في الطريق ذاته، معلنين غضبهم أيضا على كل إعلامي وفنان وكاتب ومثقف ، وقف في البداية مع الديكتاتور، سواء اعتذر بعضهم أو استقال، فالشعوب لا تغفر مهما طال سكوتها.

من هو الراحل الرابع؟

الأول كان صدام حسين، الثاني كان زين الهاربين بن علي، الثالث كان حسني مبارك، فمن هو الرابع؟ سؤال مطروح للاستفتاء عليه، ومن باب المساعدة في الإجابة ، أذكّر أنّ بعض الأسماء العربية تبدأ بحرف: الباء أو الميم أو الزين أو العين...فمن هو الرابع يا جماهير الشعوب العربية التي ما عاد يليق بك السكوت والذل والديكتاتورية ؟
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




201
نعم أخطأ جابر عصفور، ولكن ماذا عن العصافير الأخرى؟

د.أحمد ابو مطر

أعرف الدكتور جابر عصفور منذ بداية العام 1961 حيث دخلنا معا السنة الأولى في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، وتخرجنا معا حاصلين على ليسانس الآداب من الكلية في يونيو 1965 ، وذهب كلّ منّا في طريقه، الذي هو في الغالب العمل والكتابة والدراسة، إلى أن سبقني بخمسة سنوات في الحصول على درجة الدكتوراة عام 1973 ، ولم ألتق به بعد ذلك إلا في أكتوبر عام 2004 في مؤتمر الرواية العربية الذي عقد في القاهرة بإشراف وتنظيم المجلس الأعلى للثقافة الذي كان هو رئيسه، إلى أن تسلم رئاسة المركز القومي للترجمة عام 2007 حتى لحظة قبوله التكليف بحقيبة وزارة الثقافة في الوزارة الجديدة برئاسة أحمد شفيق التي أعقبت ثورة شباب الغضب المصري في الخامس والعشرين من يناير 2011 ، معلنة دخول الأقطار العربية مرحلة جديدة عنوانها " إزالة الخوف من الأنظمة القمعية العربية"، وكانت خطوتها الأولى انتفاضة الشعب التونسي البوعزيزي التي دحرت أول الطغاة العرب "زين الهاربين" الذي لا أعرف هل غرق في سيول وفيضانات جدّة، أم ما زال شبه حي يتأمل مع ليلاه الطرابلسية هذه النهاية التي تليق به وبكل الطغاة، خاصة إذا نجح الشعب التونسي في ملاحقته قضائيا، والبدايات تبشر بالخير بعد حجز العديد من الدول والبنوك على ملياراتهم المسروقة من ثروة الشعب التونسي.

وعودة لموقف صديقي العصفور،

الطائر نحو وزارة الثقافة في زمن ثورة الغضب المصرية التي تستحق الاحترام والتقدير والدعم، أؤيد أغلب الكتابات التي انتقدت قبوله التوزير في زمن التزوير هذا ، خاصة كما قال أغلب المنتقدين أنه موقف يتناقض مع كتاباته العديدة المتعلقة بالحرية والديمقراطية مثل كتبه : ( التنوير يواجه الإظلام،1992 )، (محنة التنوير،1992 )، (دفاعا عن التنوير،1993 )، (أنوار العقل،1996 )، وغيرها العديد من الدراسات والكتابات التنويرية المهمة، إذ أنّ ما كان يتحقق ويمارس في مصر طوال العقود الأربعة الماضية وما سبقها، يتناقض كلية مع مضمون هذه الكتابات، وربما ذلك الواقع السائد هو ما حفزه للتنظير للتنوير في مواجهة الظلام الذي كان يلفّ الحياة السياسية والديمقراطية المصرية، خاصة في ميادين مثل: قانون الطوارىء، سيطرة وهيمنة الحزب الوطني الحاكم على كافة أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية،و التشكيك الدائم في نزاهة الانتخابات البرلمانية التي كانت تؤدي في كل جولة لسيطرة مطلقة لنواب الحزب الحاكم، والتنظير للتوريث الذي سقط نهائيا في مصر والأقطار العرية بعد ثورة شباب الغضب المصري.

لذلك فإن الانتقادات التي وجهت للصديق العصفور بسبب قبوله التوزير أو التزوير الأخير لا فرق، كانت حادة للغاية لأن هذا القبول يتناقض مع مواقفه التنويرية هذه، التي كانت محل تقدير وانتشار في المكتبات العربية والقراء والمتخصصين العرب. خاصة أنّ هناك شخصيات مصرية عرضت عليها بعض الوزارات في الوزارة الجديدة فرفضوها، لأنّ العرض جاء في الوقت غير المناسب لامتصاص نسبة من غضب الجماهير، أو لأنّ هذه الشخصيات ترفض أن تكون تسويقا لاستمرارية نظام تطالب الملايين برحيله العاجل. وأنا رغم معارضتي للحدة  في بعض الانتقادات لحد التخوين والعمالة، إلا انني كنت أتمنى لو رفض صديقي العصفور هذا التوزير، حفاظا على سمعته وكرامته ودعما لمطالب ملايين الشباب الغاضبين من النظام وممارساته.

قناعات العصفور الميدانية

دافع أو وضّح جابر العصفور قبوله التوزير هذا بمبررات ليست قوية، لكنها تستحق النقاش الموضوعي
الهادىء بعد كل تلك الحملة العنيفة التي واجهها. في لقائه مع تلفزيون (الحياة ) أورد في دفاعه:

( أنا إبن المرحلة الراهنة ووجودي كان إيمانا مني لإنقاذ ما أستطيع إنقاذه من عماء ثقافي).
( أنا عن نفسي سأضع مطالب الشباب نصبّ عيني خلال عملي في الوزارة ).
( أنا أثق بالرئيس وبوعوده، مع أنني أختلف معه في كثير من الأمور ).
( أنا ملتزم بمصالح الناس والعمل على رقي المرافق الثقافية، ومكتبه مفتوح لكل مقترح ).

أخطأ العصفور، وماذا عن العصافير الأخرى؟

يجب أن يكون واضحا أنني كرّرت أكثر من مرة أن موقف صديقي العصفور كان وما يزال في رأيي ورأي المنتقدين الآخرين خاطئا، وتمنيت لو أنّه رفض التوزير كي لا يكون من ضمن مؤيدي ومصفقي التزوير. ولكن سؤالي ماذا عن عصافير الثقافة العرب الآخرين الذين مارسوا تضليلا وتزويرا ومشاركة في قمع المثقفين في بلادهم ؟. لماذا ينساهم جميع المنتقدين لعصفور مصر، وهم ما زالوا في أقطارهم عصافير طائرة فوق رؤوس وظهور مثقفي أقطارهم، ينظّرون للديكتاتور منذ ما يزيد على أربعين عاما. ويقمعون أي مثقف معارض، إما بقطع راتبه أو طرده من وظيفته، أو السكوت على زجّ العشرات من المعارضين في السجون منذ سنوات طويلة، وهم عصافير تنعم بحبوب الديكتاتور التي يرميها لهم، فيتسولوا بالتقاطها ووضعها في جيوبهم أو حساباتهم البنكية. ألا تستحق هذه العصافير النقد والتوبيخ بحدة أيضا؟.

ماذا عن العصفور نوري ضو الحميدي؟

وزير الثقافة الليبي الذي لم ينطق بكلمة ضد كل ممارسات قمع حرية التعبير في بلاده، وظلّ ساكتا على دفاع العقيد القذافي عن زين الهاربين بن علي ونظام مبارك، وتهديده العلني بوقف الاحتجاجات والتجمعات. وهل يعرف نوري الحميدي أنّ بقاء رئيسا في منصبه لمدة 42 عاما وما زال، يتناقض مع أولويات الديمقراطية والحرية؟

وماذا عن العصفور السابق رياض نعسان آغا؟


وزير الثقافة السوري السابق قبل شهور قليلة، وقد أمضى سنوات في منصبه العصفوري هذا، يطير مطنشا عن كل القمع في سورية خاصة ضد الكتاب والسياسيين وحرية الرأي والتعبير. هل سمع رياض نعسان آغا عن عدد معتقلي الرأي والسجناء السياسيين في السجون السورية خاصة سجن صيدنايا، والعديد منهم ما زالوا في هذا السجن منذ سنوات طويلة؟. هل سمع العصفور الطائر في أجواء ديكتاتورية لا مثيل لها وتوريث معيب عن سجناء ومعتقلي الرأي مثل:

هيثم المالح، ماهر أسبر، حسام ملحم، طارق الغوراي، عارف دليلة، مشعل التمو، حبيب صالح، أيهم صقر، مهند الحسينس، طل الملوحي، علام فخور، عمر العبد الله، خلف الجربوع، كمال اللبواني، أنور البني..وآخرهم الكاتب السوري الكردي حواس محمود....وغيرهم كثيرون من السجناء خاصة من اللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين، وآخر الوجبات يا نعسان هو الصحفي الفلسطيني مهيب النواتي الذي وصل لدمشق من أوسلو يوم الثامن والعشرين من ديسمبر 2010 واختفى نهائيا منذ الخامس من يناير 2011 . يقول رياض نعسان آغا في تصريح إدانة للعصفور المصري جابر: (  أعجب كيف يصافح مبارك ودماء شباب مصر ما تزال تنزف )...وأنا اسألك: ماذا عن دماء الشعب السوري؟ هل نسيت هذه الدماء التي كالسيول منذ زمن الرئيس حافظ الأسد وحتى وريثه الإبن بشار؟.
هذا بالإضافة لتوجهات هذا النعسان التي لاقت انتقادات واسعة من قبل كتاب سوريين ، مثل ما كتبه عنه الكاتب السوري  المقيم في اللاذقية داخل سوريا ، نضال نعيسة بتاريخ السابع من أكتوبر 2010 بعنوان ( وطار وزير الثقافة السوري )، ومما قاله عنه:

( لم يصدر قرار سوري أثلج صدري كقرار "إعفاء" وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا، إذ أن وجوده على رأس الثقافة في بلد متعدد الثقافات والأعراق، هو ضربة في الصميم لهذه الثقافة، أولاً، وإساءة لصورة البلد الثقافية بشكل عام. وبرأينا لقد تمادى السيد الوزير السابق كثيراً في توجهاته "المحافظة" ولن نقول غير ذلك، ما أعطى انطباعاً سيئاً عن الثقافة السورية التي اتسمت تاريخياً بالانفتاح والتنوير ولم تشهد انتكاساتها الكارثية، وصبغها بلون أحادي طاغ عليها، إلا على يدي الوزير "الجليل"، ولم يكن ينقص الوزير السابق إلا العمامة كي يعبر عن المرحلة الثقافية التي تميز به عهده غير الميمون، ثقافياً ).

وكذلك العصافير الأخرى

إنّ هذه التساؤلات موجهة أيضا لكل عصافير الثقافة العربية الذين استوزروا حديثا أو طاروا أو ما زالوا يحلقون في أحضان الطغاة ، أمثال:

وزير الثقافة المغربي، أمين سالم احميش.
وزير الثقافة اليمني ، محمد المفلحي، هل يتذكر أنّ علي عبد الله صالح رئيسا مفروضا منذ قرابة ثلاثين عاما؟ هل يرضى ضميره الثقافي إن وجد السكوت على هذه الممارسة الديكتاتورية بامتياز لا يشرف؟.
وزير الثقافة العراقي ،  سعدون الدليمي، تصوروا هذا الطيران من وزارة الدفاع لوزارة الثقافة؟ هل هذه مأسآة أم مجرد ركض وراء المناصب حتى ولو على حساب المبادىء؟
وزير الثقافة السوداني ، السمؤال خلف الله الحربي، هل يتذكر شيئا عن جرائم الطاغية عمر حسن الشير؟ هل يتذكر أنه مفروض على الشعب السوداني منذ عام 1989 ؟ هل يعرف انّ هذا الطاغية أدخل السودان في موسوعة جينز في عدد الجلد الذي تعرضت له النساء السودانيات بسسب لبس البنطلون أو غير ذلك من حجج تافهة يقنعها البشير ونظامه بغطاء إسلامي؟

وتطول قائمة عصافير الثقافة العربية،

الذين يسكتون وينظّرون لجرائم الطغاة والمستبدين العرب..وهذا من الأسباب التي جعلت صناعة الطغيان والاستبداد صناعة عربية بامتياز، يجب تسجيلها في مؤسسات حماية الملكية الفكرية التي لا تشرّف أحدا...و يبدو أنّ ثورة الشعب المصري ومن قبله التونسي سوف تغير هذا الظلام العربي، فأنوار التغيير قادمة لا محالة، فما عاد السكوت على الطغاة والمستبدبن ممكنا!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net







202
إسلاميو الأردن وثورات الغضب

د.أحمد ابو مطر

كتبت كثيرا في السابق نقدا لممارسات وتصريحات جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وحزبهم السياسي " جبهة العمل الإسلامي"، ولأنني لست من مدرسة ( عنزة ولو طارت )، وليس لي موقف شخصي من هذه الجماعة، أجدني اليوم أمتلك الجرأة للكتابة عن بعض مواقفهم الإيجابية التي تستحق التقدير والتثمين، خاصة إن أحببناهم أم لا، فهم يتمتعون بجماهيرية أكثر من أي حزب سياسي آخر موال أو معارض في داخل الأردن.

مواقف تستحق التقدير

أثناء اندلاع ثورات الغضب في تونس ومصر التي ما زالت الثورة فيها مستمرة، صدر عن جماعة الإخوان المسلمين الأردنية موقفان ينمّان عن حكمة وبعد نظر، يفهم واقع المجتمع الأردني وعوامل الاستقرار السياسي والاجتماعي فيه، هذا الواقع السائد منذ عام 1920. هذان الموقفان هما:

أولا: تأكيد المحافظة على النظام الأردني

يوم الاثنين الموافق الحادي والثلاثين من يناير الماضي، أي بعد اسبوع من اندلاع ثورة شباب الغضب المصرية، أكّدت الحركة الإسلامية في الأردن ( أنها لا تدعو لتغيير نظام الحكم في المملكة كما في مصر، بل إلى إصلاحات سياسية وحكومات منتخبة ). وقبل استقالة الحكومة السابقة، التقي رئيسها سمير الرفاعي حسب تصريح لزكي بني ارشيد القيادي في حزب جبهة العمل الإسلامي ( وفدا من الحزب، وسلمه مذكرة مكتوبة بمطالبه المعلنة، وهي خاصة استقالة الحكومة وتعديل قانون الانتخاب، وانتخاب رئيس الوزراء، وتشكيل حكومة انقاذ وطني). أمّا حمزة منصورأمين عام الحزب فقد كان أكثر وضوحا في بيان هذا الموقف، حيث قال: ( هناك فرق بين الأردن ومصر، نحن دعاة إصلاح ولسنا دعاة تغيير شامل كما في مصر...لا ندعو إلى تغيير النظام، نعترف بشرعية الهاشميين (العائلة المالكة)، ولكن ما نريد هو إصلاحات سياسية وحكومة منتخبة ).

ثانيا: التصريح بأنّ أمن الأردن واستقراره فريضة شرعية

أعتقد أنه على ضوء الفوضى والعنف والخراب الذي صاحب ثورة شباب الغضب المصرية، التي أثبتت تقارير اقتصادية دولية، أنّ الاقتصاد المصري يخسر يوميا 310 مليون دولارا، أي أنّه حتى العاشر من فبراير الحالي (مرور 17 يوما على اندلاع الثورة ) سيكون الاقتصاد المصري قد خسر ما مجموعه حوالي ثلاثة مليارات ونصف دولار، ناهيك عن تكاليف اصلاح ما حدث من تخريب في بعض المنشآت والمباني الخاصة والعامة. على ضوء ذلك شدّد مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي عقب الاجتماع الطارىء الذي عقده  يوم السبت الخامس من فبراير الحالي، على ( أنّ أمن الأردن واستقراره وحمايته فريضة شرعية)، مشدّدا على ( ضرورة توحيد الشعارات ضمن الفعاليات الشعبية المنساقة مع القوى السياسية والشعبية لتتركز على المطالب العامة للشارع الأردني وخاصة المتعلقة بالنواحي المعيشية  من ضغوط للأسعار وإصلاح سياسي ومكافحة الفساد).

ومطالب تستحق التلبية والتنفيذ الفوري
وانطلاقا من هذين الموقفين المسؤولين، طرح حزب جبهة العمل الإسلامي مجموعة من المطالب، يلاحظ المراقب للحراك السياسي الأردني، أنها مطالب مطروحة منذ فترة طويلة، وتجمع عليها غالبية أحزاب المعارضة والفاليات الشعبية الوطنية، ومن أهمها:

1 . إلغاء قانون انتخابات الصوت الواحد.
2 . إجراء تعديلات دستورية تسمح بتخويل رئيس الأغلبية البرلمانية بتولي منصب رئيس الوزراء، وهو تقليد ديمقراطي تأخذ به كافة الأنظمة الملكية الأوربية.
3 . إطلاق الحريات العامة بما فيها حرية التعبير والحريات الحزبية والتنظيمية، لتكون كما يقول الملك عبد الله الثاني (حرية سقفها السماء).
4 . محاربة الفساد الذي لا ينكر الملك والحكومات المتعاقبة وجوده، بدليل تأسيس هيئة مكافحة الفساد منذ سنوات، لكّن الأحزاب والجماهير تنتقد طريقة عملها في أنها منذ تأسيسها لم تنجز تحقيقا في قضايا الفساد الكبيرة التي يعرف تفاصيلها المواطنون العاديون فما بلك باللجنة ذاتها.
5 . وضع آلية جديدة لضمان نزاهة الانتخابات، ربما من خلال إنشاء محكمة دستورية للنظر في الطعون والتجاوزات التي ترافق أية عملية انتخابية.

اجتماع الملك مع قيادات الحركة الإسلامية

وعلى ضوء هذه الخلفية وما رافقها من فعاليات احتجاج شعبية لعدة أسابيع سابقة، اجتمع الملك عبد اله الثاني يوم الخميس الثالث من فبراير الحالي مع  وفد من قيادات الحركة الإسلامية الأردنية، وكان موقف الملك في اللقاء منسجما مع مطالب هذه القيادات، خاصة عندما أكّد على ( أهمية أن يعمل الجميع معا من أجل اتخاذ خطوات عملية وفاعلة وملموسة لتحقيق التقدم اللازم في عملية الإصلاح السياسي، الذي يزيد من مشاركة المواطنين في صناعة القرار )، ومشدّدا على ( أنّ الإصلاح الاقتصادي لن يصل مداه المطلوب من دون الإصلاح السياسي ). وحسب بيان للديوان الملكي الأردني عن بعض تفاصيل هذا اللقاء فقد كانت رؤية الملك أكثر صراحة من مطالب القيادات الحزبية، إذ اشار ( إلى أنّ مسيرة الإصلاح الشامل تعثرت وتباطأت، مما كلف الوطن فرصا كثيرة نتيجة تقديم المصالح الشخصية على المصلحة العامة والمناكفات ضيقة الأفق، والخوف من التغيير والتردد في اتخاذ القرار من قبل العديد ممن تولوا المسؤولية العامة ) . وأوضح أيضا أنّ هذه الرؤى ( يجب أن تترجم عبر خطوات عملية إلى واقع ملموس يعيشه جميع الأردنيين، عبر سياسات إصلاحية جادة تستهدف مصلحة الوطن، ولا تتراجع أمام ضغوطات القوى التي لا تريد الإصلاح حماية لمصالحها الشخصية)، وهذا اعتراف صريح من الملك بعدم وجود الشفافية عند التطبيق، وهذا ما يلاحظه الجميع، فهناك فرق شاسع بين كتاب التكليف الملكي وممارسات الحكومات التي تتشكل بناء على هذا التكليف، فخطاب التكليف في واد وممارسات الحكومات في واد آخر، لا جسر بين الواديين.

التوقعات العاجلة

لذلك يتوقع مراقبو الشأن الأردني، أن تسرّع حكومة الدكتور معروف البخيت، سواء شارك فيها الإسلاميون أم لم يشاركوا، باتخاذ خطوات سريعة لتحقيق هذه المطالب ، وربما يكون أولها تعديل قانون الانتخابات حسب المطالب السابقة، وبعد ذلك حلّ البرلمان الحالي الذي عليه اعتراضات شديدة، وغير ممثل فيها الإسلاميون نتيجة مقاطعتهم الانتخابات، ثم إجراء انتخابات حسب القانون الجديد مع ضمان أعلى حد من نزاهتها. إنّ تحقيق هذه التوقعات المطلوبة حزبيا وشعبيا، مرهون باستمرار إرادة التغيير الشعبية التي وصلت رسالتها للملك فكان تجاوبه سريعا معها، والمهم بنفس المستوى هو متابعة الملك شخصيا لتكون الممارسات الحكومية في مستوى الطموحات الشعبية، مترافقا مع رقابة البرلمان الجديد أيضا بشفافية بعيدا عن الاصطفافات الحزبية والعشائرية. إنّ شباب ثورات الغضب العربية ما عاد يرضيهم الجراحات التجميلية لإصلاحات ديكورية، فممارسات ما قبل الخامس والعشرين من يناير المصري، لن تستمر مطلقا بعده في كل العواصم العربية.
ahmad.164@live.com
www.abu-matar.net


203
وماذا عن صوت الجماهير السورية يا بثينة شعبان؟

د.أحمد أبو مطر

نشرت السيدة الدكتورة بثينة شعبان، وزيرة المغتربين السوريين سابقا والمستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية حاليا، مقالة مهمة في جريدة الشرق الأوسط اللندنية يوم الاثنين الحادي والثلاثين من يناير الماضي، بعنوان (صوت الجماهير). وهي مقالة مهمة كتبت بإسلوب عاطفي وهدوء موضوعي، يعبر حقيقة عن مشاعر الملايين العربية الغاضبة. تقول الدكتورة ( هل هذا زمن خروج الجماهير العربية إلى الشوارع لفرض إرادتها على حكومات فرضت إرادتها ،وشعاراتها ، وإخفاقاتها، وتحالفاتها ، وشقاقها على الملايين طوال عقود دون أن تحقق أمل وطموحات هذه الملايين أو قطاعات كبيرة منها، فاختلطت المظالم وتراكمت مشاعر الاحباط والخذلان، والعجز سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والجماهير تتلظى بنيرانها؟).

كل هذا صحيح يا دكتورة، وأنا اضمّ صوتي لصوتك، مكرّرا أنّ احباط الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج من أنظمتها لا يوصف، لأنها أنظمة لا تعبرعن مطالب الجماهير، مما أدى إلى ثورات الغضب هذه التي بدأت في تونس وما زالت مستمرة في مصر، ومؤهلة للإندلاع في أقطار عربية أخرى، ولكنّ سؤالي للدكتورة بثينة شعبان:

ماذا عن صوت الجماهير السورية؟


لقد ذكرت في المقالة العديد من مظاهرات الغضب في أقطار عربية محددة هي تونس والأردن واليمن ومصر، ونسيت أو تجاهلت مطالب شعبك السوري الذي يعيش في ظل نظام لا أريد أن أطلق عليه أية صفات من قاموسي، ولكن أتوجه لك أيتها السيدة المثقفة الواعية بالإسئلة التالية، ربما تتوفر عندك الجرأة والشجاعة للإجابة عنها بوضوح، يثبت أنك تعيشين الوضع السوري وليست مغتربة عنه، واسئلتي هذه نابعة من متابعاتي للوضع السوري ومعيشتي عشرة سنوات في سوريا، وكل أسئلتي ستكون مأخوذة أو صياغة للحقائق التي أوردتيها في مقالتك، وهي التي أدت لثورة شباب الغضب الحالية.

1 . ماذا عن الفساد وهيمنة العائلة

لقد تكلمت عن الفساد في الأقطار العربية، وهل تعرفين حقائق عن هذا الفساد في سوريا؟ هل تسمعين عن توصيف (إمبراطورية آل مخلوف ) أخوال الرئيس بشار الأسد؟. هل تعرفين قطاعات الاقتصاد السوري المسيطرين عليها بالكامل، خاصة قطاع الاتصالات والكهرباء والسيارات والمصارف والعقارات، التي جعلها إمبراطورية اقتصادية فعلا، تسيطر على النسبة الأكبر من الاقتصاد السوري الخاص والعام، وتؤكد المصادر الاقتصادية العالمية انّ ثروة هذه الامبراطورية تتعدى الأربعين مليار دولارا في داخل سورية وخارجها، مما جعل عائلة مخلوف تعني في القاموس (الاقتصاد السوري). فكيف استحوذت هذه العائلة وحدها على هذه الامبراطورية الاقتصادية؟ هل هو بجهودها وثروتها المتوارثة عبر أجيال؟ أم عبر الفساد والسيطرة لأنها عائلة أخوال الرئيس بشار؟. وهذا الفساد يصل أيضا لأفراد سابقين في العائلة: فمن أين ملايين رفعت الأسد التي ينعم بها ويستثمرها هو وأولاده في أوربا، ورغم هذه السرقات اللصوصية يقدّم نفسه على أنه من طالبي التغيير.

2 . وماذا عن قمع الحريات والسجون؟

لا أعتقد أن ملف حقوق الإنسان في أي قطر عربي من الأقطار التي ذكرتيها في مقالتك، والتي لم تذكرينها، يصل من السوء والدموية لمستوى ملف حقوق الإنسان في سورية. ويكفي أذكرك يا دكتورة بثينة بالمواطن السوري هيثم المالح ابن الثمانين عاما. ماذا فعل ليحكم من جديد ثلاثة سنوات سجنا، ليمضي في السجون السورية فعلا أكثر من ثلث عمره. ومن يصدق أنّ الشابة طل الملوحي ابنة الثمانية عشرة عاما، خطر على النظام لتمضي حتى الآن حوالي عامين في السجن، ويجبّر والدها على زيارتها ثم التصريح بأن ابنته كانت عميلة تتجسس لحساب السفارة الأمريكية في القاهرة. وماذا عن السجناء السياسيين السوريين الذين يزيد عددهم على المئات؟ وماذا عن السجناء والمفقودين الأردنيين واللبنانيين في السجون السورية منذ ما يزيد على ثلاثين عاما؟. أتمنى على الدكتورة بثينة شعبان والقراء أن يقرأوا رواية ( القوقعة ) للكاتب السوري مصطفي خليفة، الذي أمضى خمسة عاما في السجون السورية، لتعرف حجم الظلم والقمع والدموية الذي يمارسها هذا النظام ضد الشعب السوري، وتتجاهله الدكتورة بثينة شعبان ، موهمة نفسها والقراء أنها تعيش في جمهورية أفلاطون الأسدية.

3 . وماذا عن المقاومة والتحرير؟

تورد الدكتورة بثينة شعبان في مقالتها المذكورة من أسباب غضب وثورة الشارع العربي ، أنّ الأنظمة العربية وحماتها في الغرب ( لايهمهم سوى حماية أمن إسرائيل والنفط ). وضمن السياق يا دكتورة : هل أطلق النظام السوري الذي تستميتين دفاعا عنه وتجميل صورته رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 لتحرير الجولان السوري المحتل؟. وهل مفاوضاته المستمرة مع إسرائيل بوساطات غربية وتركية مقاومة؟ أم سعيا لإنسحاب إسرائيل من الجولان مقابل توقيع اتفاقية سلام على غرار كامب ديفيد؟. وهل سمعت تصريح الرئيس بشار الأسد الذي تعملين مستشارة سياسية وإعلامية في قصره الرئاسي، يوم الرابع من نوفمبر للعام 2010 ، للصحافة القبرصية والعالمية، ونقلته كافة وسائل الإعلام السورية وقناة المنار التابعة لحزب الله، حيث قال حرفيا: ( إن الطريق الوحيد للسلام في المنطقة هو بالمفاوضات، بهدف توقيع اتفاقية سلام تعيد الأمور إلى طبيعتها ). تمعني في قول الرئيس بشار  (الطريق الوحيد) اي أنّه يلغي من وجدانه وتفكيره وتخطيطه أية مقاومة من الأراضي السورية وغيرها، ولكن إذا انطلقت هذه المقاومة من لبنان دون تعرض النظام السوري لأي اهتزاز فلا مانع. ولماذا يادكتورة مفاوضات السلطة الفلسطينية مع إسرائيل خيانة حسب الإعلام السوري، ومفاوضات النظام السوري مع إسرائيل ذاتها مقاومة ووطنية؟. وماذا عن ترسيم الحدود السورية مع تركيا عام 1999 أي الاعتراف بأن لواء الإسكندرونة أراض تركية، أي ما عاد يحمل صفة (اللواء السليب ) كما كان يذكر سابقا في كتب التاريخ ومناهج التعليم السورية قبل شطبه حتى من الخريطة الرسمية لسوريا؟.

ولإنصاف الدكتورة بثينة شعبان أقول،

أنها في كافة فقرات مقالتها لم تذكر أية سلبية عن النظام السوري، وجعلته خارج توصيفاتها للأنظمة العربية التي ذكرتها بالإسم، لكنها في غالبية الفقرات، كانت تقول وتستعمل كلمة ( الشعب العربي ) و (الأنظمة العربية ) ومن هذه الفقرات قولها : " الحقيقة أنّ الشعب العربي لا ينسى ولا يهمل، وهاهو يبرهن أنّه قد تجاوز حكامه، وحاله يقول لقد أمهلناهم طويلا، ولم يعد ينطلي علينا أي تصرف يفرّط بحقوقنا). أتمنى أن يكون الشعب السوري واردا في وجدان وتفكير الدكتورة عند ذكرها كلمة (الشعب العربي )، وأتمنى أن يكون واردا في وجدانها وتفكيرها النظام السوري أيضا عند قولها ( قد تجاوز حكامه..ولقد أمهلناهم طويلا ). أتمنى ذلك وأن يكون عدم الذكر الصريح هو الخوف على مصيرها فقط بسبب معرفتها الميدانية بدموية هذا النظام، الذي بدأ منذ أيام بتحريك الجيش ومدرعاته وقطع بعض خدمات الانترنت وإغلاق المواقع والمدونات التي تحرّض على ثورة غضب شبيهة بما يجري في مصر.

لا مفر من سقوط كل الديكتاتوريات العربية

نعم لقد أمهلت الشعوب العربية حكامها طويلا، والقمع والفساد والظلم والتجاوزات مستمرة في كافة الأقطار العربية مع اختلاف في النسبة والإسلوب فقط ، لذلك فليسرّع الحكام الباقون من مسيرة الإصلاح والقضاء على الفساد وإطلاق الحريات والتنحي بسرعة، قبل أن تصلهم ثورة شباب الغضب المصري التي ما زالت مستمرة حتى رحيل النظام. وسنرى هل تندلع هذه الثورة في سوريا ومتى؟ وكيف سيكون تعامل الجيش والأمن السوري معها؟ نأمل أن تندلع هذه الثورة وأن يكون تصرف الجيش السوري معها على الحياد مثل تعامل الجيش المصري حتى هذه اللحظة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



204
مبارك: الشعب يسألك الرحيلا، فلماذا العناد والتأجيلا؟

د.أحمد أبو مطر

حالة الغضب الثوري الشعبي المستمرة في الشارع المصري، لا يمكن القفز عن أبعادها المحلية التي جعلتها مستمرة بتصاعد شديد منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي، فهذه الآلآف التي اقتربت من عدد المليون وما يزيد، ليست مجرد هبة عاطفية، بل لها جذورها الداخلية طوال الثلاثين عاما الماضية التي هي فترة ولاية الرئيس حسني مبارك. أتذكر أنه في الخامس عشر من يناير 2005 ، وكان عمر الرئيس حسني مبارك آنذاك 76 عاما، قد كتبت في موقع إيلاف مقالة بعنوان ( ولاية خامسة لحسني مبارك لماذا؟). وقد تمّ فعلا ترشيح مبارك لهذه الولاية التي مدتها ستة سنوات، وهي ما جعلته على رأس النظام حتى لحظة الغضب الجماهيري هذه.

جراحات تجميلية وليست إصلاحات

الطريقة التي يواجه فيها الرئيس مبارك هذه الثورة الجماهيرية مجرد جراحات ظاهرية لا علاقة لها بمطالب هذه الجماهير. فمثلا لماذا ظلّ الرئيس طوال ما يزيد على ثلاثين عاما يرفض تعيين نائب له في الرئاسة؟.  وفي لحظة الغضب التي سقط فيها حتى كتابة هذه المقالة ما يزيد عن 300 قتيل وألاف الجرحى، يقوم بتعيين الفريق عمر سليمان نائبا له، ورغم الاحترام الذي يحظى به الفريق سليمان في أوساط الشعب المصري، بسبب عدم تدخلاته في الملفات السياسية الداخلية المصرية، إلا  أنّ خطوة مبارك جاءت متأخرة جدا، وليست عن قناعة بل محاولة لإرضاء هذا الغضب الجماهيري، لذلك رفضتها جموع المتظاهرين، ورفضت معها الحكومة التي شكّلها الفريق أحمد محمد شفيق بتكليف من مبارك نفسه، حيث بقي فيها عدة وزراء من الوزارة القديمة ومنهم وزراء الخارجية والدفاع والعدل والبترول والشؤون القانونية. هذا بينما تمت مغادرة وزير الداخلية حبيب العادلي الذي كان قد نال أكبر نسبة من الاحتجاجات والنقد الشديد، وحلّ محله في الوزارة الجديدة اللواء محمود وجدي، ورغم كل هذه الجراحات التجميلية، يستمر رفضها جملة وتفصيلا من الجماهير المصرية المليونية الغاضبة بشكل لم تشهده مصر منذ عام 1952 .

اعترافات متأخرة

من ضمن الجراحات التجميلية هذه ، ما ورد في بيان  الفريق عمر سليمان الذي تلاه عبر التلفزيون المصري ، قال فيه "كلفني الرئيس اليوم باجراء الاتصالات على الفور بجميع القوى السياسية لبدء حوار حول كافة القضايا المثارة المتصلة بالاصلاح الدستوري والتشريعي على نحو يخلص بتحديد واضح للتعديلات الدستورية والتشريعية والتوقيتات المحددة"  وأضاف أن الرئيس شدّد على أنّ "قرارات محكمة النقض في الطعون الانتخابية لا بد أن تحظى بالتنفيذ الأمين على نحو عاجل ودون ابطاء بما يكفل اعادة الانتخابات في الدوائر التي تم قبول الطعن فيها في الاسابيع المقبلة".
فلماذا كان هذا التأخير إذن طالما هناك اعتراف صريح واضح بكل هذه الأخطاء والتجاوزات؟ هذا التأخير في أية اصلاحات حقيقية صادقة هو ما أوصل الجماهير هذه إلى لحظات الغضب هذه.

لماذا التعنت والبقاء في السلطة؟

و لمّا كان كل الرؤساء والحكام العرب، يدّعون أنهم جاءوا للسلطة برغبة وحب الشعب والجماهير، فلماذا في الحالة المصرية لا ينصت الرئيس مبارك لأصوات هذه الجماهير وفعالياتها السياسية والحقوقية، ويكفي رصد المظاهر التالية:

1 . هذه المظاهرات المستمرة منذ يوم الخامس والعشرين من يناير الماضي وبتصاعد مثير خاصة للدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، التي طالبته بمزيد من الإصلاحات الحقيقية أي أنّ ما قام به لا يرضي هذه الجماهير.

2 . خمسون منظمة حقوقية وقانونية مصرية...تصوروا خمسون..وعلى رأسها مركز القاهرة  لدراسات حقوق الإنسان ، دعت الثلاثاء  الأول من فبراير 2011الرئيس المصري " أن يحترم ارادة الشعب المصري وينسحب حقنا لدماء المصريين". وطالبت "باصدار دستور جديد للبلاد من خلال جمعية وطنية مشكلة من ممثلي الاحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدني". كما دعت إلى "اجراء انتخابات نيابية ورئاسية حرة نزيهة خلال ستة أشهر باشراف قضائي كامل".
3 . عشرات الشخصيات من قوى المعارضة الوطنية يسارية وإسلامية، مطلبها الأول هو تنحي الرئيس مبارك، ثم تبدأ عملية الإصلاح المطلوبة جماهيريا، أي أنه لا قبول لأية إصلاحات بوجود الرئيس مبارك ونظامه.

لماذا الرحيل السريع من مصلحة مبارك؟

نعم إن الرحيل والتنحي السريع هو من المصلحة والسلامة الشخصية لمبارك وأسرته، خاصة انه كما يبدو أنّ الجيش حسم موقفه بوضوح في بيان رسمي يعتبر أن مطالب الشعب مشروعة وأنه لن يستعمل القوة ضد هذه الجماهير الغاضبة، وبالتالي فإن العناد هو مجرد لعب في الوقت الضائع الذي لن يكون في مصلحة مبارك واستمراريته في السلطة، و هذا العناد لا يمكن معرفة نتائجه إذا وصلت هذه الجماهير المليونية للقصر الرئاسي حيث يقيم الرئيس وعائلته وأولاده وعائلاتهم.
وهذا الرحيل السريع بإرادة الرئيس سيعطيه صفة الاستجابة لمطالب الجماهير ، وهذا سيحسب للرئيس مبارك أيا كانت الاعتراضات والخروقات لحكمه طوال ما يزيد على ثلاثين عاما. وضرورة الرحيل أيضا لأن هذه الانتفاضة الجماهيرية ألغت إلى الأبد فكرة ولاية سادسة لمبارك، وألغت نهائيا أية فكرة أو استعدادات لتوريث نجله جمال على الطريقة الأسدية السورية، وبالتالي فولايته الحالية تنتهي في سبتمبر  القادم من العام الحالي 2011 أي بعد حوالي سبعة شهور، فما فائدة البقاء هذه الشهور السبعة وسط غضب ورفض الجماهير، طالما ماعاد واردا مطلقا ولاية سادسة  له أو توريثا لجمال؟.
لذلك فمن المهم والضروري لمصلحة الجماهير وأمن مصر سياسيا واقتصاديا، أن يستجيب الرئيس مبارك لمطلب الجماهير المصرية الأول وهو التنحي والرحيل. لذلك فالشعار هو:
الشعب المصري يسألك الرحيلا فلمصلحة من هذا العناد و التأجيلا؟
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
 









205
على ضوء مظاهرات الغضب العربية:
هل تنتمي قوى الأمن والجيش لشعوبها؟

د.أحمد ابو مطر

تجتاح العديد من العواصم العربية مظاهرات واحتجاجات غضب عارمة، أعقبت ثورة الشعب التونسي الشجاعة التي أشعلها الشاب محمد بوعزيزي الذي ضحّى بنفسه من أجل شعبه، فكان له وللشعب ما أرادا، برحيل وهروب (زين الهاربين بن علي) بطريقة مذلّة ستنسيه وليلاه أيام العز التي قامت على قمع شعب ونهب ثروته. أفرزت هذه المظاهرات نمو ظاهرة عربية بامتياز هي وقوف قوى الأمن والشرطة والبوليس في الغالب في صفوف الطغاة والمستبدين، لأنّ هؤلاء الطغاة يحركّون هذه القوى البوليسية بالريمونت كونترول، فينزلوا للشوارع بشجاعة وكراهية متناهية، يتصدّون للمتظاهرين من أبناء شعبهم بكل وسائل العنف بما فيها إطلاق الرصاص الحي في أغلب المظاهرات، موقعين دوما قتلى وجرحى، رغم أنّ هذا الشرطي يعرف أنّه في الغالب من بين هؤلاء المتظاهرين العديد من أفراد عائلته أوقريته أومدينته، وبالتالي ربما يسقط بعضهم من جراء إطلاقه الرصاص على هؤلاء الغاضبين من المستبد وبقائه في السلطة عشرات السنين، سارقا ناهبا ثروة شعب بكامله، محّولا الوطن لمزرعة خاصة به وبعائلته.

ظاهرة تحتاج لدراسة نفسية

هذه الظاهرة المشخّصة في حالة العداء والاستنفار بين قوى الأمن العربية وشعوبهم، تحتاج فعلا لدراسة نفسية تربوية، تجيب على سؤال: كيف يجرؤ هذا الشرطي أو الجندي على إطلاق الرصاص الحي على أبناء شعبه تلبية لأوامر طاغية، يعرف هذا الشرطي مهما كان مستواه التعليمي، أنّه إما استولى على السلطة عبر انقلاب عسكري غير مشروع، أو هو باق في السلطة منذ عشرات السنين، وورثها لإبنه أو يستعد لذلك؟. هل هذا الشرطي أو الجندي فقد أية حاسة أو ضمير إنساني؟. أم أنّ طبيعة التربية التي تعرض لها في الدورات الأمنية والعسكرية، أفقدته هذا الضمير من خلال تنامي الاحساس بالخوف والهلع إن هو خالف أوامر الطاغية؟. أعتقد أساسا أن هذا الشرطي كمواطن يعيش حالة الخوف من المستبد كغيره من المواطنين، وتنامت ظاهرة الخوف هذه عنده من خلال التربية والتثقيف الذي تعرض له عند إعداده كي يكون حارسا وأمينا على المستبد وأجهزته ودوائره، بغض النظر عمّا يرتكبه بحق الشعب الذي ينتمي هذا الشرطي له. وإلا بماذا نفسّر هذا العنف الذي يرقى لمستوى الجريمة المنظّمة من غالبية رجال الأمن والبوليس العربي اتجاه مواطنيهم، ليس في مظاهرات الغضب والاحتجاج الحالية، ولكن في كافة نواحي الحياة اليومية التي يحتكّ فيها المواطن العربي بأي رجل أمن في بلاده؟.

لا سلاح بيد رجال الأمن والبوليس


هذه الحالة العربية المخزية، تقابلها حالات إنسانية حضارية بين البوليس ومواطنيه، فمن يصدّق أنه في النرويج وعموم البلدان الإسكيندينافية لا يحمل رجال الأمن والبوليس والشرطة أي نوع من السلاح، سواء في الشوارع أو المقار الحكومية. وأتذكر أنه قبل سنوات قليلة اقترح بعض النوّاب السماح لرجال البوليس النرويجي بحمل السلاح أثناء تأدية عملهم، فرفض وزير العدل هذا الاقتراح، وهدّد بالاستقالة إن تمت الموافقة عليه. لذلك لا خوف في هذه البلدان من رجل الأمن أو البوليس، حتى في حالات القبض على لص أو مخالف للقانون ، فإنها تتم بطرق قانونية تخلو في أعلب الأحوال من أي عنف مصاحب.

كيف سيكون الطاغية بدون قوى الأمن والجيش؟

أعتقد أنّ هذا السؤال أجابت عليه الحالة التونسية مع زين الهاربين بن علي وليلاه، إذ أعتقد أنه لو ضمن تنفيذ قوى الأمن والجيش التونسي لأوامره بالتصدي للمتظاهرين الغاضبين، لما هرب بهذه السرعة والطريقة التي لا يقوم بها إلا اللصوص السارقين. وقد أصبح مؤكدا موقف الحنرال رشيد عمّار قائد الجيش التونسي بأنه رفض أوامر زين الهاربين بتدخل الجيش لحمايته وإطلاق الرصاص على المتظاهرين، لذلك أقاله بن علي لهذا الموقف الأخلاقي الشجاع، ويقال أنه لم يكتف بهذا الموقف ، بل انتقد الطريقة الحديدية التي يدير بها بن علي الأزمة الاجتماعية المتصاعدة في البلاد، ونصحه بالتنحي عن الحكم. وكم كانت مؤثرة صور العديد من الشباب التونسي المتظاهرين ضد الطاغية، وهم يهربون من رصاص الشرطة وهراواتها ليحتموا بدبابات الجيش التونسي وضباطه، وفي أكثر من مشهد كان الجيش التونسي يتعرض للشرطة التي تحاول إطلاق الرصاص على المتظاهرين. وكان منظرا جديدا على العالم العربي أن يطلّ قائد الجيش التونسي الجنرال رشيد عمّار ليخطب في المتظاهرين المعتصمين أمام مقر رئاسة الوزراء، مؤكدا لهم  يوم الرابع والعشرين من يناير: ( أنّ ثورة الجيش هي ثورة الشعب، وأنّ الجيش يحمي العباد والبلاد، والجيش هو حامي هذه الثورة، وأنه هو الضمان لذلك. لا تضيعوا هذه الثورة المجيدة، أنا صادق وكل القوات المسلحة صادقة لكي تصلّ السفينة إلى شاطىء السلام. نحن مع دستور البلاد وحماة لدستور البلاد ولا نخرج عن دستور البلاد). هذا موقف يستحق الاحترام والتقدير من الجنرال رشيد عمّار ليته يسري بين كافة جنرالات العرب، أي أن يكونوا مع شعوبهم وفي خدمتها وليس مع الطاغية وخدمته في مزيد من الاستبداد والفساد والظلم والطغيان.

إنها ثقافة عدم إطالة اللسان

الثقافة والتربية السائدة لا تتجزأ، فهي التي تنتج السلوك والأخلاق المتداولة بين الشعوب، ويشارك في ترسيخ هذه الثقافة مناهج التعليم السائدة، ومواقف بعض رجال الدين (واطيعوا أولي الأمر منكم )، وبعض القوانين الموجودة في أغلب الأقطار العربية التي تنصّ على عدم جواز نقد الحاكم رئيسا أو ملكا، وتضع لهذا القانون اسما مضحكا وهو (إطالة اللسان ). اي أنّ المواطن يجب أن يكون قصير اللسان أو مقطوعه لا يستطيع الكلام أيا كان نوعه خاصة نقد الحاكم. هذا بينما في أمريكا وأوربا ينشر الصحفيون والكتاب حتى الفضائح الجنسية للحاكم بدون أية مساءلة أو اعتقال أو اتصال تليفوني ينذّر بالويل والثبور، ولنا مثال هذه الأيام في الحديث اليومي عن فضائح  رئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني الجنسية. وهو ساكت خجول لا يملك حق أو قوة الاتصال بأي صحفي لتهديده أو إرسال شرطي له ليصفعه على وجهه في الشارع أو علنا في مقر جريدته كما يحدث في بلاد العرب أكفاني.

نعم..إنه الجيش وقوى الأمن

لو ضمن الحاكم منذ اللحظة الأولى لاستلامه السلطة، أنها ستكون في صفّ الشعب وليس في صفّه ضد الشعب، أعتقد أنه لمّا فكّر في أن يتحول إلى طاغية ولص سارق للبلاد والعباد، وبالتالي سيصبح الحكم عنده مسؤولية وليس مركزا للنصب والاحتيال والثروة غير المشروعة، والنتيجة هي عدم تفكيره مطلقا في أن يبقى في السلطة من المهد إلى اللحد ثم التوريث للأبناء ومن بعدهم الأحفاد. وهذا لا ينفي مسؤولياتنا كشعوب عربية عن استمرار هؤلاء الطغاة، لأنّ خروج الملايين للشارع احتجاجا وتظاهرا، لن توقفها أية قوة في خدمة الطغاة، إذ ان طائراتهم جاهزة للهروب. وهذا الهروب لن ينفعهم إذا تمّ تنفيذ مذكرة التوقيف الدولية التي أصدرها القضاء التونسي بحق زين الهاربين وليلاه وبعض أفراد أسرتيهما، وهذا سيترتب على الموقف الدولي من هذه المذكرة ومدى التعاون لتطبيقها، وتسليم المتهمين لتونس كي تجري محاكمتهم ، واستعادة المليارات التي سرقوها من ثروة الشعب التونسي...عندئذ ربما يتعظّ الطغاة الباقون في الحكم.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net







206
احتمالات لبنانية بعد تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة

د.أحمد أبو مطر

لا غرابة في أية نتائج ينجم عنها الوضع في لبنان أو أي بلد آخر، تكون الصيغة السياسية والاجتماعية فيه قائمة على أساس الاصطفافات الطائفية والمصلحية والأجندات الخارجية، وليس على قواعد ديمقراطية شاملة تلغي الطائفية والمصالح الشخصية. وهذا بدليل الديمقراطيات الأوربية التي لا تعترف بوجود أية طوائف كاثوليكية ، أرثودكسية ، بروتستانتية أو غيرها، لأن هذه الطوائف وجودها داخل جدران كنائسهم فقط، أمّا في الحياة السياسية والاجتماعية، فالمعيار هو الكفاءة والبرامج وتصويت الناخبين. وكذلك في الحياة الديمقراطية الأمريكية الداخلية، أيا كانت الملاحظات على سياستها الخارجية، فهذه الديمقراطية أوصلت باراك أوباما الرجل الأسود رئيسا للبيت الأبيض، ليس عن طريق الاصطفافات المصلحية والطائفية كما في بلاد العرب، وإنما من خلال أصوات ناخبي الحزب الديمقراطي الذين اختاروه أولا، ثم أصوات عموم الناخبين الأمريكيين الذي صوتوا له وليس لمنافسه المرشح الجمهوري.

وعودة إلى التوزيع الطائفي والمصلحي

في لبنان تحديدا، نرى العجائب من وضع المحاصصة الطائفية التي أعطت رئاسة الدولة للطائفة المارونية، ورئاسة الحكومة للطائفة السنّية، ورئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية.وقد ظلّ هذا التوزيع الطائفي محافظا على لبنان ديمقراطي هادىء جاذب للسياحة والاستثمارات، حتى اشتعلت الحرب الأهلية عام 1974 إلى حد كبير على خلفيات طائفية رغم تلفحها بخلفيات وطنية زائفة، إلى أن توقفت هذه الحرب وكافة تداعياتها بعد اتفاق الطائف في سبتمبر 1989 ، مع عدم القفز على الوجود العسكري السوري الذي كان قد أخرس الجميع طالبا السلامة الشخصية فقط، بسبب هيمنة هذا الوجود على كافة أوجه الحياة اللبنانية، مما جعل لبنان بكامله مجرد مزرعة خلفية للنظام السوري، أو أنه مجرد محافظة سورية.

الركض وراء المصالح الشخصية

الوضع المتأزم حاليا في لبنان، خاصة بعد تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة التي ستخلف حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها سعد الحريري، مفتوح على كل الاحتمالات بسبب لعب المصالح الشخصية الدور الأساسي في المواقف وليس المصلحة اللبنانية. وأفضل مثالين على ذلك مواقف ميشيل عون ووليد جنبلاط. فما قاله هذان الشخصان بحق النظام السوري لم تصدر نسبة منه عن أي معارض سوري، خاصة سنوات ميشيل عون في باريس التي وصلها هاربا بعد لجوئه للسفارة الفرنسية، إثر قصف الطائرات السورية لمقره الرئاسي وإسقاطه. وكذلك اتهامات وليد جنبلاط المتعددة للنظام السوري، وفجأة يذهب الرجلان إلى دمشق معلنين الاعتذار، طالبين الصفح والغفران، ومنها يتوجه ميشيل عون إلى طهران طالبا رضى ولي الفقيه الإيراني، كخطوة لتمتين العلاقة الشرعية مع الحليف الجديد حزب الله، وكان له ما أرادت مواقفه المتذبذبة. والتشرذم يوجد كذلك بين الطوائف نفسها، فليس كل الشيعة مع حزب الله، وليس كل السنّة مع سعد الحريري، ونفس التشرذم السياسي بين الطوائف المسيحية، فليس كلهم مع ميشيل عون أو فرنجية أو الجميل أو جعجع أو البطرك صفير.

اصطفافات جديدة أسقطت حكومة الحريري

ما دامت الديمقراطية اللبنانية قائمة على التوزيع المصلحي والطائفي فقد استعملها حزب الله بكافة وسائل الترهيب أولا و الترغيب ثانيا، مستعملا سلاحه بشكل علني وتخريبي في داخل بيروت ومناطق أخرى، مما جعل وليد جنبلاط ينحاز لمصلحته وسلامته الشخصية، معلنا انسحابه من تيار المستقبل ومنحازا علنا لحزب الله وسورية، فاستقال وزراء حزب الله ومؤيديه فسقطت حكومة الحريري، ليطرح الحزب مرشحا جديدا هو نجيب ميقاتي، الذي نال 68 من اصوات النواب مقابل 60 صوتا لسعد الحريري، وبالتالي تم تكليفه بتشكيل الحكومة المرتقبة لبنانيا. وقد استعمل تيار المستقبل ردا على ذلك نفس أسلوب حزب الله السابق في اجتياح بيروت، خاصة أعمال الشغب في طرابلس يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير، الذي أطلقوا عليه يوم الغضب، وقد أحرقوا ودمّروا بنفس أسلوب حزب الله الذي سبق أن احتجوا عليه ورفضوه، رغم اعتذار سعد الحريري عن ذلك ومناشدته مؤيديه للهدوء وعدم اللجوء للعنف، إلا أنّ ما حصل قد حصل بما فيه الاعتداء على مراسلي قناة الجزيرة وحرق سيارة البث التابعة لهم.

احتمال عدم مشاركة تيار الحريري

هذا الاحتمال وارد حتى هذه اللحظة، إلا إذا تمخض لقاء الحريري وميقاتي عن تطمينات يقتنع بها الحريري، رغم استبعاد هذا لأن ميقاتي هو مرشح حزب الله، ورغم كافة التطمينات التي أعلنها بأنه سيكون محايدا وفق المصلحة اللبنانية، إلا أنّه في كافة خطواته لن يستطيع الخروج عن أوامر الحزب وتوجيهاته، وإلا فإن اسقاطه  سيكون سهلا من خلال الأغلبية النيابية التي أصبحت لحزب الله وميشيل عون ووليد جنبلاط أو انسحاب وزرائهم من حكومته كما حصل مع سعد الحريري. والنتيجة أنّ  القرار اللبناني مرهون بيد النظامين الإيراني والسوري. وبالتالي فمن الاحتمالات المتوقعة أن يقوم نجيب ميقاتي بتلبية طلبات الذين رشحوه للحكومة ووفروا له الأغلبية النيابية، وأول هذا الطلبات للحزب الإلهي والنظام السوري والإيراني هو الانسحاب من المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رفيق الحريري عام 2005 ، وكان قد سبق لحليف سوريا الجديد وليد جنبلاط أن طالب سعد الحريري بشجب المحكمة الدولية وعم التعاون معها. وهذا سيضيف عاملا تفجيريا جديدا داخل الساحة اللبنانية، خاصة بعد توقف الوساطة السعودية، وإعلان المملكة رفع يدها علنا عن الملف اللبناني. وهذا مما يزيد من حرية التحركات الإيرانية والسورية حسب مصالح النظامين، لتصبح الساحة اللبنانية مركز تنفيس وتصدير توتراتهم الدولية، مستعملين غطاء سلاح المقاومة الذي لم يطلق رصاصة على الاحتلال بعد النصر الإلهي عام 2006 .

المواقف المحلية والدولية بعد ذلك

محليا سيكون الوضع اللبناني مفتوح على كل الاحتمالات، خاصة بوجود حكومة لا يشارك فيها تيار المستقبل، ولكنها تتمتع بنفس الأغلبية النيابية التي أوصلت ميقاتي لتشكيلها، وهذا سيكون وضعا مقلقا لم يعشه لبنان سابقا، لأنه بقدرة المصالح الشخصية ونفوذ الأجندات الإيرانية والسورية، أصبحت الأقلية هي الأغلبية، وبرامجها وارتباطاتهت مخالفة لغالبية توجه الشارع اللبناني. أما المواقف الدولية خاصة الفرنسية والأمريكية فهي تنتظر أداء وممارسات حكومة ميقاتي الميدانية وبالتحديد فيما يتعلق بالمحكمة الدولية. لذلك فالعلاقات اللبنانية الدولية أيضا على محك الانتظارات طالما أصبحت الحكومة والأغلبية النيابية بعد اصطفاف وليد جنبلاط الجديد، بيد حزب الله الذي كلمته ومرجعيته في قم وليس بيروت. وبالتالي فرغم كل التطمينات من كافة التيارات إلا أنّ القادم أعظم، طالما الاصطفافات والتكتلات النيابية تتم حسب المصالح الشخصية والتكتلات السياسية وليس المصلحة اللبنانية العامة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



207
اليسار الفلسطيني ليس أقل فسادا من اليمين
الجبهة الديمقراطية مثالا صارخا

د.أحمد أبو مطر

ما كنت أفكّر في هذه الكتابة لولا تواتر الأنباء التي انتشرت موثقة حول الخلافات المالية بين الرفيق نايف حواتمة ( أبو النوف )  وبين رفيقه فهد سليمان . ولمن لا يتذكر فالرفيق نايف حواتمة هو الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير (ما تيسر ) من فلسطين منذ عام 1969 . تصوروا (يخزي العين ولا حسد) أمينا عاما أي رئيسا منذ 42 عاما، وسيبقى في هذا المنصب حتى نهاية العمر الذي هو بيد الله، أي ربما تصل رئاسته هذه إلى نصف قرن أو أكثر، والعلم عند الله قابض الأرواح. وللعلم والتأريخ الموضوعي فإن نايف حواتمة وأحمد جبريل هما مؤسسا ومخترعا (الانشقاقات والانقسامات الفلسطينية)، فقد تأسست (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ) في الحادي عشر من ديسمبر عام 1967 ، بقيادة المرحوم الحكيم جورج حبش ، وبعد مرور أقل من عشرة شهور في أكتوبر 1968 ، أعلن أحمد جبريل ومعه عدد من مريديه الانشقاق معلنين تأسيس ( الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القيادة العامة )، ومنذ ذلك التاريخ أي قبل 43 عاما وهو ما يزال أيضا (يخزي العين ) أمينا عاما، وسيبقى أيضا حتى الموت. وبعده بخمسة شهور بالضبط في فبراير 1969 ،إنشق نايف حواتمة وعدد من مريديه معلنين تأسيس (الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين )، وبعد شهور حذفوا كلمة (الشعبية) من الإسم ليصبح منذ ذلك التاريخ ( الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ). تصوروا المسخرة والتدجيل!! (الديمقراطية ) أهم صفاتها، وهذه الديمقراطية الحواتمية تسمح لنايف حواتمة بالبقاء أمينا عاما أي رئيسا متوجا للجبهة طوال 42 عاما. فكيف نلوم الرؤساء العرب، إذا كان الثوريون ومدّعو تحرير فلسطين، يبقون في السلطة والرئاسة والكرسي أطول من أغلب الرؤساء العرب؟.

خلافات وسرقات ديمقراطية بالملايين

تصاعدت أنباء الخلافات المالية بين نايف حواتمه وأحد نوابه (فهد سليمان) حول مبلغ ليس كبيرا، فهو فقط تسعة ملايين دولار أمريكي كما نشر وأكّد موقع (المستقبل العربي ) يوم التاسع عشر من ديسمبر لعام 2010 ، ناشرا تفاصيل مخزية عن مصادر هذه الملايين التي استحوذ عليها نايف حواتمة، وهي كالتالي:ثلاثة ملايين دولار من الرئيس العراقي جلال الطالباني، وستة ملايين دولار من هوجو شافيز رئيس فنزويلا. هذا ومن المعروف لعموم الشارع الفلسطيني خاصة في لبنان، انّ حواتمة شخصيا وأفراد من تنظيمه هم المسؤولون مباشرة عن الهجوم في 20 يناير من عام 1976 (أثناء الحرب الأهلية في لبنان) على البنك البريطاني للشرق الأوسط في بيروت، حيث تمّ تكسير ونسف أبوابه، وسرقة غالبية محتوياته التي قدّرتها بعض المصادر الغربية ب 25 مليون باوند من الذهب والمجوهرات والعملات المختلفة، بينما تقدّرها مصادر صحفية غربية كما ذكر موقع ( المستقبل العربي ) ب 450 مليونا. وكانت مجموعة اللصوص الحواتمية هذه قد نسفت جدار البنك المشترك مع الكنيسة الكاثوليكية المجاورة له، ودخلوا القبو الخاص بتخزين الأموال والمجوهرات، واستمروا في نقل المسروقات طوال يومين كاملين، مما يجعل هذا السطو المسلح من أكبر عمليات السطو التي عرفها التاريخ المعاصر، إذ تضعها بعض المصادر الغربية تحت رقم 6 ضمن أشهر عشرة عمليات السطو في التاريخ المعاصر. وقد استخدم فيها نايف حواتمه وجماعته حسب بعض المصادر صانعي أقفال متخصصين من جزيرة (كورسيكيا ) لتدمير أقفال ألأبواب والنفق، ومن المعروف أيضا أنّه كانت من ضمن المسروقات قوائم وسندات أسهم، تمّ إعادة بيعها لأصحابها الأصليين في لبنان لتصبح السرقة مزدوجة ومضاعفة.
والفساد السياسي أيضا

إنّ بداية هذا الفساد السياسي هو الإجابة على هذا السؤال المركزي: ماذا قدّم نايف حواتمة وجماعته (وليس تنظيمه) للقضية الفلسطينية منذ انشقاقه عن الجبهة الشعبية قبل 42 عاما؟. ومن الأساس ما هي مبررات الانشقاق إذن؟ غير المصالح الشخصية التي أوصلته اليوم لهكذا قضايا خلافية مع أهم مساعديه تدور على سرقة ملايين من الدولارات. لقد عاد نايف حواتمة إلى مسقط رأسه ، مدينة السلط ، في الأردن بعد الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين عام 1989 ، وهو نفسه  أي حواتمة الذي كان سببا من أسباب أحداث أيلول عام 1970 ، عندما ملأ شوارع عمّان بشعاراته الخالية من أي معنى مثل: ( السلطة كل السلطة للمقاومة ) و ( فلتعلن مجالس السوفييت في كل قرية ومدينة )، وما يشبهها من شعارات فاضية، ادّت لاستفزاز الشعب والجيش الأردني، فكان ما كان من طرد ما سمّي المقاومة إلى سورية ومنها إلى لبنان، بعد أن منع النظام السوري أي نشاط لكل الفصائل غير النشاط الإعلامي، وكان حكيما وموفقا في ذلك، وإلا لخربوا المجتمع السوري كما خرّبوا المجتمع اللبناني من عام 1970 إلى عام 1982 ، وما زالت بعض الدكاكين مثل جماعة أحمد جبريل تحتفظ بقواعد عسكرية في الناعمة والبقاع اللبناني، والسؤال أيضا: لماذا الاستقواء على لبنان فقط بوجود هذه القواعد؟ وأية دولة مستقلة تسمح بوجود قواعد عسكرية لجماعات أجنبية ، خاصة أنّ هذه الجماعة تدّعي أنها قواعد لتحرير فلسطين، وهي لم تطلق رصاصة على الاحتلال منذ عام 1982 ، وتفتعل من حين لآخر مشاكل ومعارك مع الجيش اللبناني، ويعمل أفرادها في التهريب فقط حيث لا تتوقف سياراتهم على الحواجز الجمركية اللبنانية والسورية كما نعرف منذ أن عشنا في دمشق.

تذبذب حواتمة من الهجوم على السلطة إلى مراضاتها

بعد عودته آمنا مطمئنا إلى مسقط رأسه في الأردن، استمر في رئاسته الدائمة للجبهة ، وأيضا تذبذبه في الموقف من السلطة الفلسطينية، ففي مقابلة له مع جريدة الحياة اللندنية يوم الأحد الثامن من أغسطس لعام 2007 اعتبر الرئيس الفلسطيني رئيسا غير شرعي وأنه ( لايستطيع أحد الادعاء أنه يمثل الشعب الفلسطيني. لا الرئاسة ولا المجلس يمثلان الشعب ). ويدّعي أنه يعارض اتفاقية أوسلو، في حين أنّ غالبية قيادة ديمقراطيته عادت بموجب الاتفاقية إلى رام الله، وتشارك في اجتماعات منظمة التحرير ومجلسها المركزي، ومنهم أبو ليلى (قيس السامرائي) وصالح زيدان، وتيسير خالد، وفهد سليمان الذي يطارد ويلاحق نايف حواتمة لاستعادة الملايين المسروقة من مالية الجبهة التي هي أساسا مسروقة من مصادر عدة كما أوضحنا في حالة سرقة البنك البريطاني للشرق الأوسط في لبنان.

وفي الوقت الذي يدّعي حواتمة أنه يعارض اتفاقية أوسلو، كان قد توسل للسلطة الفلسطينية كي تصدر تصريحا إسرائيليا له لدخول رام الله، فوافقت حسب اعترافه السلطات الإسرائيلية على منحه تصريحا مؤقتا لعدة أيام لحضور اجتماعات المجلس المركزي. ورغم مشاركة ديمقراطيته في كافة اجتماعات اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي للمنظمة التي تعني حركة فتح لا غير، يلاحظ أنّ مجلته (الحرية ) هاجمت عبر مغالطات وافتراءات شديدة اجتماعات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع حركة فتح. أية ازدواجية هذه ؟ أو أي نفاق سياسي وأخلاقي هذا؟.

هكذا قيادات لن تحقق عودة أو نصرا

إذا كانت هذه هي ممارسات الفساد المالي والسياسي لليسار الفلسطيني، فكيف نلوم اليمين خاصة أنّ الفساد واحد بغض النظر عن عدد الملايين المنهوبة أو المسروقة. النتيجة هي أنّ هكذا قيادات لن تقود الشعب الفلسطيني إلا إلى الهزائم والانتكاسات التي يعيشها الشعب في الضفة والقطاع، ولا تشعر بها القيادات التي تتمتع وتتصارع على الملايين من الدولارات، وفي حالات البعض منهم تصل لحد المليار...اللهم لا حسد ، بل الطلب بالمحاسبة والعقاب واسترداد أموال الشعب والبنوك، وهذا ما تؤكد بعض المصادر أن جهات بريطانية تسعى لإعادة فتح ملف نهب البنك البريطاني عام 1976 ، خاصة أنّ نايف حواتمة مواطن أردني ويعيش في الأردن، والأردن دولة موقعة على بروتوكولات الانتروبول لتسليم المتهمين في أية قضايا دولية...فلننتظر الآتي الذي ربما يكون أعظم من سرقاتهم. ذكّرني أحد الزملاء بقول للجنرال جياب أحد أبطال تحرير فيتنام مفاده . ( إنّ الثورة الفلسطينية لن تنجح ولن تنتصر، لأنها الثورة الوحيدة التي ولدت غنيّة، والثروة لا تنسجم مع الثورة ). وهذا ما يفسر الصراعات الحالية على الأموال المنهوبة، وقضايا الفساد بالمليارات التي تحدث عنها أخيرا رفيق النتشة مسؤول لجنة الفساد في المنظمة.

ومن المفارقات المضحكة أنّ الضفة الغربية تسمّى باللغة الإنجليزيةWest Bank  لأنّ كلمة Bank  تعني ضفة النهر أو الطريق أو أي مكان آخر. وفي الوقت ذاته فالمصرف في العربية اسمه في الإنجليزية Bank  وصاحب البنك Banker، لذلك أصدر الصحفي البريطاني بنويت فوكون المتخصص في الشؤون المالية والمصرفية كتابا جديدا بعنوان West Bankers  مع عنوان إضافي ، ترجمته الكاملة (الضفاويون من عرفات إلى حماس، كيف صنع المال منظمة التحرير وكيف دمّرها، وكيف يمكن أن تعود؟ ). ويبدو أنه كتاب مثير بمعلوماته الموثقة، أسعى للحصول عليه لقراءته وتذكّر بعض المعلومات التي عشناها ميدانيا في بيروت. وقد تعرفت على الكتاب أوليا من العرض المفصل الذي قدّمه له إبراهيم درويش يوم التاسع والعشرين من نوفمبر 2010 في جريدة القدس العربي اللندنية، وهو صادر في لندن عن دار مشارق. وأيضا اختتمت (الجزيرة نت ) أحد العروض لنفس الكتاب يوم الثالث والعشرين من ديسمبر 2010  بالقول ( الملمح الهام في الكتاب يتمثل في التشابكات التي تصنعها لعبة المال، حيث يجمع المال أحيانا بين الثورة وأعدائها، والقصة كما يسفر عنها الكتاب غريبة يشارك في صناعتها ثوار وأصحاب مال ومرتزقة ومنتفعون وجواسيس ). لذلك لا بد من السعي للحصول على هذا الكتاب للتزود بمعلومات عن الفساد المالي للثوار من يسار ويمين، وهو فساد عشنا بعض فصوله في لبنان، ولكن من يجرؤ على الكلام؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




208
كي لا تكون النتيجة ديكتاتورية من نوع جديد

أحمد أبو مطر

يتطلع العالم العربي والغربي لما ستسفر عنه تطورات الحدث التونسي بعد اسقاط وهروب الطاغية زين العابدين بن علي، لأنه ليس مهما اسقاط الطاغية فقط، بل الأهم هو ما سينتج عن طرده وسقوط نظامه، خاصة انّه رغم الفارق في بنية النظامين الصدّامي و الزين عابديني، واختلاف النسيج الداخلي للمجتمعين العراقي والتونسي، إلا أنّ ما نتج في داخل العراق بعد سقوط نظام صدّام الديكتاتوري مرعب بصورة تعجز عنها أفلام الرعب الهوليودية، فجرائم القتل الجماعي اليومية فاقت بمئات المرات نوعية وعددا في السنوات السبع الماضية مجموع ضحايا صدام الفردية والجماعية. هذا مع فارق آخر هو سيادة الهدوء والنظام في الشارع والمجتمع العراقي، وبنسبة عالية خوفا من سلطة الديكتاتور وولديه اللذين عاثا فسادا وجريمة من نوع جرائم الوالد القائد. لذلك فالترقب هو سيد الموقف التونسي لمعرفة ما ستؤول إليه الأوضاع الداخلية، ونوعية النظام الذي سيتم توليده أو الاتفاق عليه. ورغم أنه لم يمض سوى أيام قليلة على سقوط الطاغية وهروبه، إلا أنّ تفاعلات هذه الأيام القليلة وتحشداتها توحي بنظام قادم سيكون واحدا من إثنين.

الأول: إعادة استنساخ الديكتاتور بشكل جديد

ما يوحي بذلك هو نوعية المفاوضات والاتصالات التي جرت، وبقاء الوزير الأول محمد الغنوشي رئيسا للوزراء مشكلا حكومة جديدة، أبقى فيها ثلاثة من وزرائه في زمن الديكتاتور الهارب، ومنهم وزير الداخلية أحمد فريعة الذي لا يمكن لأحد أن يعفيه من مسؤلياته عن القمع والتسلط ومصادرة الحريات كافة في زمن الطاغية الهارب، وكذلك بقاء وزير خارجية الطاغية كمال مرجان الذي كان منظّرا للطاغية في المحافل الدولية، ويقدمه على أنّه الديمقراطي الأول والنوعي في العالم العربي. ولإضفاء لمسات ديكورية على هذا الاستنساخ أعلن محمد الغنوشي و فؤاد المبزع استقالتهما من الحزب الحاكم سابقا ( التجمع الدستوري الديمقراطي ) الذي لم يكن دستوريا ولا ديمقراطيا، لأنه لم يحافظ على الديمقراطية والحريات التي نصّ عليها الدستور. إنّ بقاء الرموز الأساسية من النظام البائد هو ما حدا بثلاثة وزراء ينتمون للمركزية النقابية أن يستقيلوا من الحكومة التي شكّلها وترأسها محمد الغنوشي نفسه ، وهم حسين الديماسي و عبد الجليل البدوي و أنور بن قدور، خاصة أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل قام بدور أساسي في تفعيل حركة الجماهير لإسقاط النظام البائد، لذلك يتخوفون من استمرار وجود رموز هذا النظام في قائمة الحكومة الجديدة، بعد أن ثبت أنّ محمد الغنوشي أجرى اتصالا هاتفيا بالديكتاتور الهارب قبل إعلانه تشكيل حكومته الجديدة. فما معنى بقاء رموز هذا النظام واستمرار اتصالاتهم بالطاغية غير أخذ التعليمات منه؟.

وهذه الحالة تعيد للذهن مسألة البعثيين الصداميين بعد سقوط الطاغية، وصدور ما سمّي "اجتثاث البعث" وعدم السماح بعودتهم للمشاركة في الحياة السياسية العراقية الجديدة. وليس سرّا أنّ هذا القرار كان غير موفق لأنه ليس كل القواعد الحزبية البعثية شاركت أو مسؤولة عن جرائم صدّام رغم سكوتها خوفا كباقي الشعب الذي لم ينتفض ضد الطاغية طوال أربعة وعشرين عاما من تسلطه وظلمه. وكذلك في الحالة التونسية فليست كل قواعد ( التجمع الدستوري الديمقراطي ) مسؤولة عن جرائم وتسلط بن علي، لذلك فمن حق هذه القواعد الحزبية المشاركة في الحياة السياسية التونسية الجديدة، ولكن ليس القيادات التي كانت الأداة التنفيذية الميدانية لجرائم بن علي. وذلك كي لا تعمل قيادات بن علي تدريجيا على استنساخ ديكتاتورية جديدة على قياسها وحسب مواصفات الديكتاتور الهارب، رغم أنّ قرار الحكومة الجديدة بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي وإلغاء وزارة الاتصالات خطوة مشجعة .

الثاني: استمرار النضال من أجل ديمقراطية حقيقية

الاحتمال الثاني الذي نأمل وكذلك التونسيون المنتفضون الذين قدموا العشرات من الضحايا، هو بدء حياة ديمقراطية جديدة تشمل جميع الحركات والأحزاب السياسية على قدم المساواة من خلال انتخابات حرّة نزيهة، والحزب الفائز هو الذي يشكل الحكومة، وأهم الشروط هو تحديد مدة الرئاسة والانتخابات على الطريقة الأمريكية والأوربية بحيث لا تزيد عن فترتين مدة كلّ منها أربع سنوات.

ما هي المحاذير والتخوفات؟

أهم هذه المحاذير والتخوفات هو صعود حركات التطرف الإسلامي، هذا الصعود الذي من شأنه أن يحطّم كافة البنى الديمقراطية خاصة في مجال حقوق المرأة والأحوال الشخصية التي تأسست منذ زمن الحبيب بورقيبة. وربما كان هذا التخوف هو وراء استثناء حركة النهضة التونسية من مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة وبالتالي عدم مشاركتها فيها. وهذا التخوف مردّه تطبيقات ميدانية في مجتمعات أخرى سيطر فيها الإسلاميون على الحكم، وآخر ما هو على مرمى السمع والصبر تجربة حماس في قطاع غزة، التي تقود المجتمع الغزّاوي تدريجيا نحو مجتمع طالباني على الطريقة الأفغانية. وهذا ما دعى تنظيما فلسطينيا مثل "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" أن تصدّر بيانا من داخل غزة تحذّر فيه الشعب التونسي ( من موجات الإسلام السياسي التي من شأنها أن تجرّ انتفاضته نحو مستنقع التطرف والإرهاب ). وناشد البيان الشعب التونسي ل ( قطع الطريق على الإسلام السياسي وشعاراته المضللة، وحتى لا تتكرر تجربة قطاع غزة في تونس ، حيث تسود قوى الرجعية والظلام )، ويقصد البيان حركة حماس بوضوح شديد. هذا رغم أنّه من المهم التذكير بأن القانون التونسي منذ زمن الحبيب بورقيبة يحظر إنشاء أحزاب على أساس ديني ورغم ذلك فهي موجودة، ولذلك تطالب حركة النهضة علانية بإلغاء هذا القانون وتغيير الدستور كاملا، وفي هذه المطالبة إشارة خطر بالارتداد عن كافة الخطوات التقدمية التي حققها المجتمع التونسي في مجال حقوق المرأة والأحوال الشخصية، وحافظ عليها طوال أكثر من نصف قرن مضى.

هذه مجرد قراءة احتمالية للوضع التونسي بعد سقوط وهروب الطاغية بن علي، والأيام القادمة ستثبت أي الاحتمالات أكثر قدرة على البزوغ والنجاح في الشارع التونسي؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


209
يومان عربيان تاريخيان: سقوط طاغيتين مع الفارق في الأداة

د.أحمد أبو مطر

أصبح من المؤكد والمثبت عربيا وعالميا، أنّ الشعوب هي التي تقرر نوعية الحكم الذي يدير ويتولى السلطة في بلادها، إن كان حكما ديمقراطيا دستوريا أم ديكتاتوريا استبداديا، لأنّ حكام أي بلد لم ينزلوا على شعوبهم من الفضاء الخارجي أي من مجرّات أخرى، بل هم من أبناء هذه الشعوب، وصلوا للسلطة بطريقة من اثنتين ثم تشبثوا بالسلطة،  وهاتان الطريقتان في العالم العربي هما:

1 . انقلابات عسكرية كما حدث مرارا في سوريا و ليبيا والجزائر وتونس والسودان، وآخرها عربيا انقلاب عمر حسن البشير في السودان في يوليو من عام 1989 ، وما زال ممسكا بالسلطة عبر ديكتاتورية استبدادية تتلفح كذبا بغطاء ديني اسلامي، رغم أنّ الإسلاميين هم أكثر من ذاقوا ويلاته وقرف سجونه، وما زال في السلطة الديكتاتورية منذ 22 عاما، والباقي لا يعلمه سوى عزرائيل ملك الموت أو تحرك الشعب السوداني على الطريقة التونسية. وقد استولد حكام الانقلابات هذه مولودا طريفا غير شرعي (ابن حرام ) اسمه التوريث، وقد بدأه الرئيس حافظ الأسد بكل الخطوات اللازمة لضمان توريث ابنه بشار ، فما إن مات حافظ الأسد في يونيو عام 2000 حتى تمّ تغيير مادة في الدستور السوري لتكون على مقاس الإبن بشار فقد كانت تلك المادة تنصّ على أنّ عمر الرئيس يجب أن لا يقل عن أربعين عاما، فتمّ تغييرها إلى عمر 34 عاما وهو عمر بشار آنذاك . لذلك تمّ توريثه بطريقة سهلة من مجلس االنواب الذي لا يمثل الشعب مطلقا، وتولى بشار الرئاسة في العاشر من يوليو 2000 أي بعد شهر تقريبا من وفاة والده، وقد سبق ذلك ترقيته لرتبة فريق في الجيش السوري متخطيا بذلك كل الرتب والأعمار في الجيش السوري، وهذا ما لا يتم في أية مؤسسة عسكرية تحترم نفسها. هذه السابقة السورية التي نجحت بتقدير امتياز مع مرتبة اللاشرف الأولى، مؤهلة للتكرار في العديد من الرئاسات العربية الحالية، ليصبح الشعار العربي إن لم تتحرك الشعوب على الطريقة التونسية (الحكم من المهد إلى اللحد ثم إلى الخلف إلى اللحد....).

2 . انتخابات غالبا ما تكون مزوّرة يحصل فيها المستبد على نسبة الأربع تسعات ( 99.99 % ) التي أصبحت ماركة وبراءة اختراع عربية موثقة في موسوعة جينس وغيرها من موسوعات توثيق الملكية الفكرية. وفي غياب الديمقراطية وسيادة القمع والقتل والسجون، ينظّم الطاغية الانتخابات لأي موضوع يريده، كما يشاع في الساحة اليمنية أن علي عبد الله صالح ( في الحكم منذ يوليو 1978 أي قبل 32 عاما )، أنه سوف يجري انتخابات قريبة تعطيه التسعات الأربعة للبقاء في السلطة طيلة الحياة.

يومان تاريخيان

هذان اليومان التاريخيان قلبا موازين المعادلات سابقة الذكر السائدة في الأقطار العربية منذ عام 1946 ، وهما حسب تاريخ حدوثهما:

الأول: يوم سقوط طاغية العراق

وهو يوم الأربعاء الموافق التاسع من أبريل لعام 2003 ، عندما دخلت قوات التحالف الدولي بغداد دون مواجهتها برصاصة واحدة، وهروب الطاغية صدّام حسين إلى أن تمّ القبض علية في حفرة قذرة يوم الثالث عشر من ديسمبر لعام 2003 ، وتمّ إعدامه يوم الحادي والثلاثين من ديسمبر 2006 .
الثاني: يوم سقوط وهروب طاغية تونس

 يوم الجمعة الرابع عشر من يناير لعام 2011 ، بعد ثورة شعبية تونسية عارمة مستنكرة طغيانه واستبداده طوال ما يزيد على عشرين عاما. الطريف في هروب الديكتاتور بن علي أنه يشبه سيناريو هروب شاه إيران عام 1979 ، إذ أنّ شاه إيران رفضت كل الدول استقباله بما فيها حليفته الولايات المتحدة الأمريكية طالما هو مرفوض ومطرود بإرادة شعبية إيرانية، فاستقبله أنور السادات إلى أن مات ودفن في القاهرة. وكذلك بن علي رفضت كل الدول استقباله بما فيها حليفته فرنسا، معلنة أنها مع إرادة الشعب التونسي، فاستقبلته المملكة السعودية مع زوجته بشروط منها: السكوت الكامل وعدم القيام بأي نشاط إعلامي أو سياسي معاد للشعب التونسي وثورته، وعدم السماح له بتحويل الأموال التي نهبها إلى البنوك السعودية.

الفارق في اليومين والسقوطين التاريخيين للطاغيتين أنّ طاغية بغداد أسقطته قوات التحالف الدولي أي بأيد خارجية، بينما سقوط طاغية تونس تمّ بواسطة ثورة الشعب التونسي، لذلك ستكون النتائج مختلفة، فأيا كانت نوعية الاضطرابات المستمرة في تونس، لن ينتج عنها التمزق والتشتت والتوزيع الطائفي الذي شهدته العراق، لأنّ بنية المجتمع التونسي مختلفة، ولا جيران كإيران لها أطماع وعملاء في تونس كما في العراق. لذلك فالأغلب أن هذه التضحيات التونسية سينتج عنها نظام ديمقراطي دستوري، لأنّ القادم للحكم عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة لن يغيب عن فكره ما آل إليه الطاغية بن علي رغم كل جبروته وقمعه وتقييده للحريات.

أية حياة هذه؟ هل يتعلم الطغاة الباقون؟

فعلا ليت الطغاة يتعلمون من الدرس الإيراني والتونسي ويسألون أنفسهم: أية حياة هذه يسيطرون من خلالها على حرية شعب وينهبون ثرواته ويعيثون فسادا وقمعا،ومهما طالت سنوات ذلهم تأتي تلك اللحظة الإيرانية أو التونسية ويهربون ويطردون بطريقة لا تليق بالحيوانات؟. أما كان أشرف لهم أن يحكموا بديمقراطية وعدالة، ويتقاضوا رواتب عادية كالرؤساء الأوربيين والأمريكيين، وينهوا رئاستهم بطريقة كريمة؟ ماذا أفادت الملايين شاه إيران وقد قضى باقي حياته كاللص الذي لا يستطيع الخروج من منزله؟ والآن ماذا ستفيد بن علي الملايين التي نهبها من ثروة وأرزاق التونسيين، وهو سيعيش باقي حياته كالسجين لن يستطيع لقاء أحد أو الخروج للتنزه مشيا على الأقدام، أي أنها حياة أشبه بالسجن ، وربما تأتي لحظة يتم فيها تسليمه للشعب التونسي ليلاقي محاكمة وجزاءا يليق بطغيانه كما حدث مع طاغية بغداد.

يومان تاريخيان في تاريخ العرب المعاصر، ليت باقي الشعوب تتأملها لتسأل نفسها: لماذا نحن العرب فقط يحكمنا الطغاة من المهد إلى اللحد؟ لماذا هناك أنظمة ديمقراطية في غالبية دول العالم إلا في بلاد العرب أكفاني؟ لماذا يستقيل وزراء أوربيون وأمريكيون لخطأ بسيط في وزارتهم بينما الحكام العرب يقتلون الآفا من شعوبهم، ويبقون في السلطة مستمرين في القتل والنهب؟. الجواب: لأننا كشعوب عربية نقبل الذل والهوان وفقدان الكرامة. فلنتعلم من الدرس التونسي الذي اشعله قتل الشاب محمد بوعزيزي، ولنتذكر انّ هناك ألاف مثله يقتلون يوميا في غالبية الأقطار العربية، وألاف مثله في السجون والمعتقلات بسبب رأي قالوه....فلنتأمل هذه الأيام التاريخية لنضيف لهما أياما أخرى تشهد سقوط طغاة آخرين وما أكثرهم في أمة عربية غير واحدة!!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


210
بن علي الثاني بعد تشاوشيسكو فمن هو الثالث؟

د.أحمد أبو مطر

تسارع تطور الأحداث في تونس بطريقة مدهشة، لم تعرفها عادة الشوارع العربية التي تعودت على السكوت والرضوخ والخوف منذ الرصاصة الأولى التي تطلقها قوات أمن الحاكم المتسلط، فقد استمرت مظاهرات تونس حتى اليوم لأكثر من شهر منذ بدايتها في منطة سيدي بوزيد التي أشعلتها حادثة انتحار طالب جامعي عاطل عن العمل. فما بالك بمن هم أقلّ منه شهادة وتعليما؟. وربما للمرة الأولى تستمر هذه الاحتجاجات في الوطن العربي لأكثر من شهر وما زالت مستمرة، متدحرجة بعنف من مدينة سيدي بوزيد إلى مدن ومناطق أخرى إلى أن وصلت العاصمة التونسية، رغم سقوط عشرات القتلى والجرحى من قبل الرصاص الذي اطلقته قوات الأمن بدون رحمة. ظلّ زين العابدين بن علي مطمئنا إلى وضعه حتى قبل أيام قليلة، معتقدا أنها مظاهرات سيوقفها القمع والرصاص، فألقى خطابه الأخير معلنا أنه لن يترشح لرئاسة البلاد عام 2014 أي أنه رغم كل هذه الدماء بسبب قمع نظامه، ما زال عنده أمل في الاستمرار ثلاثة سنوات أخرى، وربما تساعده التطورات عندئذ للاستمرار سنوات أكثر، لأنّ آخرين في السلطة منذ 42 عاما ليسوا أذكى وأمهر منه.  لكنّ تزايد الاحتجاجات الشعبية العارمة أمام وزارة (القمع ) الداخلية، والخوف من زحف الجماهير نحو القصر الجمهوري، ذكّرته بما لاقاه الديكتاتور الروماني نيكولاي  تشاوشيسكو في الخامس والعشرين من ديسمبر لعام 1989 ، عندما أضطر خوفا من الجماهير المحتشدة والمحاصرة للقصر الجمهوري، أن يهرب هو وزوجته  (إلينا ) إلى أن لحقته هذه الجماهير الغاضبة على الحدود، وأعدمته رميا بالرصاص مع زوجته بعد أن حكم رومانيا بقبضة حديدية لمدة أربعة وعشرين عاما، ومن المؤكد أنه لولا ثورة الجماهير الرومانية الغاضبة هذه، لبقيّ في السلطة حتى اليوم إن لم يختطفة عزرائيل الموت. عندما تذكر زين العابدين بن علي هذا الفيلم الروماني، غادر أو هرب من تونس يوم الجمعة الرابع عشر من يناير متوجها إلى مالطة مع عائلته، ومنعه لا أحد يدري إلى اين؟.

وماذا أعقب هذا الهروب؟

لقد أعلن الوزير الأول في الحكومة التونسية السابقة محمد الغنوشي تولي زمام السلطة في البلاد بصورة مؤقته، موجها بيانا للشعب التونسي مطالبا ( كافة أبناء الشعب التونسي وبناتها من مختلف الحساسيات السياسية والفكرية، ومن كافة الجهات إلى التحلي بالروح الوطنية والوحدة، لتمكين بلادنا التي تعزّ علينا جميعا من تخطي هذه المرحلة الصعبة واستعادة أمنها واستقرارها).

ورغم ذلك فالصورة الميدانية غير واضحة حتى لحظة كتابة هذا المقال، إذ أعلن الجيش التونسي إغلاق المجال الجوي ، وإعلان حالة الطوارىء بشروط لم تعهدها أية حالة طوارىء سابقة في أي بلد، إذ نصّت شروط الجيش على منع تجمهر أكثر من ثلاثة أشخاص في أي مكان في عموم تونس، ومنع التجول من المساء إلى الصباح، وأمر الجيش بإطلاق الرصاص الحي على كل من يخالف هذه الشروط أو يرفض الوقوف حسب أوامر الجيش. وهناك أنباء عن انشقاق في داخل الحزب الحاكم، وهذا علامة من علامات سقوط النظام الحالي بشكل كامل، خاصة أنّ العديد من الوزراء المقربين لبن علي وأفراد اسرته القريبين والبعيدين يفرّون خارج البلاد. كما أنّ التخوف أن تقود سيطرة الجيش هذه إلى ديكتاتورية جديدة على غرار الظروف التي أنتجت ديكتاتورية بن علي عام 1989 . لأنّ سيطرة الجيش بهذه الشروط القاتلة عبر حالة الطوارىء المعلنة، لا تبشر بخير نحو ديمقراطية قادمة. إذ كان يكفي هروب الديكتاتور السابق بن علي، وتولي الوزير الأول محمد الغنوشي للسلطة بشكل مؤقت، ليبدأ بحزمة إجراءات ديمقراطية تطمئن الشعب التونسي على أنّ زمن الديكتاتورية (من المهد إلى اللحد ) قد ولّى. وهذا يمكن أن يتأتى عبر انتخابات تشريعية ورئاسية سريعة بعد تقليد الديمقراطيات الأوربية والأمريكية في أن تكون ولاية الرئيس لفترتين مدتها ثمانية سنوات على الأكثر. هذا مع احترام رغبة الشعب وحراكه الديمقراطي، كي لا تتكرر تجربة الجزائر عام 1991 عندما ألغيت نتائج الانتخابات البرلمانية التي لم تفز فيها الحكومة وحزب جبهة التحرير.

إنها حالة عربية فقط؟

الدرس التونسي الذي زحف قليلا إلى الجارة الجزائر عبر مظاهرات شعبية محدودة، ينبغي على الحكام العرب دراسته والاستفادة منه، إذ أنّه ىسؤال مهم وضروري: لماذا العربي وحده من بين أغلب سكان العالم  هوالمغرم بالكرسي والحكم والسلطة طول العمر؟. لا أتصور هذه النرجسية المفرطة التي تكاد تكون حالة مرضية، أن يقبل شخص في منصب الحاكم أن يظلّ في السلطة عشرات السنين، وكأنه الوحيد من بين ملايين شعبه القادر على هذه المهمة. لماذا الرؤساء الأوربيون والأمريكيون الذين كلهم أكثر تعليما وثقافة ومهنية وصدقا وأمانة وتجربة من كل حكامنا، هم من وضعوا الدساتير التي تنصّ على بقائهم في السلطة لفترتين فقط مدتهما ثماني سنوات؟. أليست ما نعيشه حالة عربية فقط، ورثناها من العصور الأموية والعباسية التي نفتخر بها وبإنجازاتها، مع أنه فيما يتعلق بالسلطة والحكم، كل من أطلقوا على أنفسهم (الخلفاء ) أيضا بقوا في السلطة من المهد إلى اللحد، ومن الصعب إحصاء الذين قتلوا إخوانهم وأبناءهم ليتولوا السلطة بدلا منهم، وكرّر ذلك العرب في العديد من الحالات في العصر الحديث.

كي لا تضيع تضحيات الشعب التونسي،

الخوف أنّ دماء العشرات من التونسيين الذين قتلوا في المظاهرات، سوف تضيع عبر قمع الجيش الباحث عن ديكتاتورية جديدة وإلا لما أعلن حالة الطوارىء بهذه الشروط التي لا مثيل لها. والأمل أن تستمر المطالبات الشعبية بنظام ديمقراطي سلس لا استمرارية أبدية فيه، على غرار الديمقراطيات الأوربية والأمريكية. إنّ نجاح الرغبة الشعبية التونسية في إقرار هذه الظاهرة الديمقراطية المرتجاة من كل الشعوب العربية، سيجعل السؤال المنطقي المطروح هو:
من هو الثالث بعد تشاوشيسكو وبن علي؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





211
السودان: انفصال سلمي خير من وحدة مع قتال دائم

أحمد أبو مطر

سيكون يوم الأحد الموافق التاسع من يناير لعام 2011 يوما تاريخيا في مسيرة الأقطار العربية، التي نشأت في الغالب ضمن حدودها الحالية حسب ما أطلق عليه اتفاقية "سايكس بيكو" نسبة لوزيري الخارجية البريطاني والفرنسي عام 1916 وبتفاهمات سرّية مع روسيا القيصرية على اقتسام النفوذ في  منطقة ما كان يسمى " الهلال الخصيب " بين بريطانيا وفرنسا، بعد سقوط الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى. ولم تتعرض هذه الاتفاقية لمصر التي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني منذ العام 1882 ، ولا السودان التي كانت تتبع مصر إداريا منذ عهد محمد علي باشا، وكان الملك فاروق الذي أطاح به انقلاب 1952 يسمى ( ملك مصر والسودان)، وأصبحت السودان دولة مستقلة عن مصر كاملة السيادة عام 1956 رغم دعوات الوحدة العربية التي كان يطلقها جمال عبد الناصر.

ومنذ ذلك التاريخ عاشت السودان تطورات وانقلابات مثيرة، ربما لم تشهد مثيلا لها إلا سوريا في مرحلة من مراحل تاريخها عقب الاستقلال، ومن أشهر هذه الانقلابات ما قام به جعفر النميري عام 1969 على حكومة إسماعيل الأزهري، واستمر ممسكا بالسلطة بديكتاتورية مطلقة حتى العام 1985 ، وكانت من أشهر فضائح النميري ما ثبت عن اتفاقه مع شارون في كينيا على المساعدة في ترحيل يهود الفلاشا من أثيوبيا إلى إسرائيل عبر مطار الخرطوم ،إلى أن أطاحت به ما أطلق عليها انتفاضة أبريل 1985 التي تسلم بعدها السلطة عبد الرحمن سوار الذهب، وكان العربي الوحيد الذي أوفى بوعده بتسليم السلطة من بعده لحكومة مدنية ينتخبها الشعب، إذ تنازل طواعية عن الحكم لصالح رئيس الوزراء المنتخب الصادق المهدي زعيم حزب الأمة آنذاك، الذي بقي في رئاسة الوزراء السوداني إلى أن أطاح به انقلاب عمر حسن البشير في يوليو 1989 ، ومن يومها حوّل البشير السودان إلى ديكتاتورية استبدادية لا مثيل لها بدليل اعتقاله المتكرر لمن ساعدوه في انقلابه خاصة حسن الترابي ومؤيديه.
 
وأثناء هذه الديكتاتورية المطلقة تفاقمت الخلافات بين شمال السودان وجنوبه، حيث أنّ غالبية الشمال من المسلمين، وغلبية الحنوب من المسيحيين ومعتقدات أخرى، مما فاقم حرب أهلية استمرت حتى العام 2005 ، سقك فيها ما لايقل عن مليوني قتيل من الشمال والجنوب، وهذه الديكتاتورية الاستبدادية التي تلفحت بغطاء الدين الإسلامي أعطت مبررا قويا لمسيحيي جنوب السودان في النضال والقتال من أجل الاستقلال ، وهذا ما سيحدده استفتاء التاسع من يناير 2011 ، وفي الغالب ستكون النتيجة لصالح الاستقلال عن الشمال الذي يحكمه طاغية سجّل رقما قياسيا في ارتكاب الجرائم بحق أبناء الشعب السوداني، ولا أقول بحق شعبه، لأنه لو كان يشعر أنهم شعبه لما ارتكب أية نسبة من هذه الجرائم التي أدخلته موسوعة جينس في تطبيقات الجلد  للنساء لمجرد ارتدائهن الجينز. ومن ينسى جرائمه ونظامه بحق أبناء إقليم درافور (غرب السودان ويشكّل خمس مساحة السودان، وكان مملكة إسلامية مستقلة حتى عام 1917 ) ، التي بسببها أصبح مطلوبا للمحكمة الدولية لارتكابه جرائم إبادة جماعية. المؤكد أنّ ممارسات نظام البشير هي التي أعطت مبررا إنسانيا وأخلاقيا مدعوما دوليا لمسيحيي الجنوب في المطالبة بالاستقلال الذي غالبا سيكون نتيجة هذا الاستفتاء.

نعم لانفصال سلمي بدلا من اقتتال دائم

تؤكد متابعة التاريخ العربي والعالمي أنه لا يمكن أن تدوم وحدة أي قطر بالإكراه إذا توفرت عوامل الانفصال، بدليل أنه في السنوات القليلة الماضية تحللت عدة دول تمّ توحيدها بالإكراه والحروب،فمثلا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى أقيم اتحاد فيدرالي بين جمهوريتي ( التشيك ) و (سلوفاكيا) بإسم ( جمهورية تشيكوسلوفاكيا)، وبعد وقوعها تحت حكم الشيوعيين مورس فيها ما مورس في كل جمهوريات الاتحاد السوفييتي من استبداد وديكتاتورية، وما إن انهار هذا الاتحاد، حتى اتفقت الدولتان سلميا على الانفصال، وعادتا عام 1993 إلى جمهوريتين مستقلتين كما كانتا دون إراقة قطرة دم واحدة. هذا بينما رفض الصرب الاعتراف برغبة شعوب (كرواتيا،سلوفينيا،مقدونيا، والبوسنة والهرسك) في الاستقلال فاندلعت حروب دامية، ورغم ذلك استقلت هذه الدول، وتمّ تقديم مجرمي الحرب الصربيين للمحكمة الدولية في لاهاي. هذا في الوقت ذاته توحدت ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية سلميا برغبة الشعب الألماني عام 1991 ، وعادت ألمانيا جمهورية موحدة كما كانت قبل تقسيمها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. الدرس المستفاد من كل هذا السرد التاريخي أن رغبة الشعوب في الانفصال أو الوحدة لا يمكن مقاومتها مهما طال أو تأخر الزمن.

زيارة البشير الودية

لذلك وإدراكا من الرئيس السوداني عمر حسن البشير من أنّ شعب الجنوب سيقرر الانفصال، قام بزيارته الودية  يوم الثلاثاء الرابع من يناير 2011 للجمهورية التي ستولد من جديد بعد أسابيع، وقوبل بحفاوة بالغة ومستقبلين يهتفون للحرية والاستقلال، وكان منطقيا وواقعيا أن يقول البشير لمستقبليه من الجنوبيين ( نحن مع خياركم، إن إخترتم الانفصال سأحتفل معكم..على الرغم من أنني على المستوى الشخصي سأكون حزينا إذا اختار الجنوب الانفصال، لكنني سأكون سعيدا لأننا حققنا السلام للسودان بطرفيه). وهذا خلفية عنوان المقالة ( انفصال سلمي خير من وحدة مع قتال دائم).

عقلانية من البشير وتهور من شيوخ الدين

هذا بينما من يطلقون على أنفسهم اسم (رابطة علماء السودان)، قد أصدروا (فتوى تيك أويه) حول بطلان الاستفتاء الخاص بتقرير مصير جنوب السودان، معتبرين ذلك مخططا صليبيا يهوديا، وأنه حرام شرعا. وضمن نفس السياق نسأل: أليس حرام شرعا سكوتهم المخزي على جرائم نظام البشير طوال سنوات بحق أبناء شعبهم في الجنوب وفي إقليم درافور؟. الم تهتز ضمائرهم على ما لايقل عن ثلاثمائة ألف قتيل في الإقليم ضمن عمليات تطهير عرقي منظّمة؟. ما رأيهم الشرعي في وثائق تقول أنّ عمر الشير نهب حوالي ثمانية مليارات من ثروة السودان ومودعة في بنوك بريطانيا؟. لماذا يتذكرون الشرع الإسلامي عندما يريدون، ويتناسونه نفاقا لنظام طاردهم واعتقل كبار شيوخهم؟. إنهم فعلا فقهاء السلاطين كما سمّاهم الكاتب والمؤرخ العراقي الدكتور علي الوردي.

هل هناك انفصالات عربية قادمة

الحالة اليمنية وأيضا بين الشمال والجنوب ، لكنها مختلفة شكلا ومضمونا، وتحتاج لمعالجة مستقلة قادمة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net








212
قتلة وإرهابيون يستحقون المطاردة والموت


أحمد أبو مطر

كان المجتمع الفلسطيني لسنوات قليلة ماضية سواء في القطاع أم الضفة، تماما كما هو المجتمع الأردني في الماضي والحاضر المعاش، مجتمعات لا تعرف التفريق بين المسلم والمسيحي، يسودها الوئام الحقيقي القائم على أنّ الدين لله والوطن للجميع فعلا وتطبيقا ميدانيا، بدليل أنه لم يعرف المجتمع الفلسطيني والأردني وكذلك السوري أية توترات طائفية على خلقيات دينية. تمرّ أعياد المسلمين ومناسباتهم بهدوء تام وربما فرحة وتهنئة من جيرانهم المسيحيين، وكذلك المناسبات والأعياد المسيحية، حيث تتزين البيوت المسيحية دون أية افتعالات وتوترات من جيرانهم المسلمين. وكم هو جميل وتسامح إيماني أن لا تجد أي شرطي أو رجل أمن على باب كنيسة فلسطينية أو أردنية أو سورية أو لبنانية وغيرها من الأقطار، لأنّ وجود هذا الشرطي لا معنى له سوى الخوف من القتل المتعمد لمخالف لك في العقيدة والديانة. لذلك كانت صدمة مرعبة ما جرى في كنيسة سيدة الرجاء في بغداد وكنيسة القديسين في الأسكندرية.

ماذا حدث في قطاع غزة؟

لقد شهدت بنية وتركيبة المجتمع الفلسطيني الداخلية في قطاع غزة، منذ انقلاب حماس العسكري وسيطرتها على القطاع في يونيو 2006 ، أي خلال قرابة خمس سنوات، تغييرات جذرية أحيت ثقافة التخلف والتكفير بدلا من التقدم والتفكير، أسهم في ذلك سياسات حماس وبعض ممارساتها الميدانية سواء عن إيمان ديني أم لإحكام سيطرتها الانقسامية الانفصالية على القطاع، رغم ترجيحي إلى أنّها سياسات قناعية من حركة حماس كونها وليدة شرعية للإخوان المسلمين في مصر والأردن تحديدا، فإخوان مصر يمثلون لها دور الأب، وإخوان الأردن دور الأم المرضعة الحنون حتى لو كان هذا الحنان على حساب فلسطينيين أو أردنيين آخرين، بدليل أنّه من الأزمات المتواصلة داخل جماعة إخوان الأردن هو فك الارتباط بحركة حماس أم لا، رغم معرفتهم أنّ كافة قوانين الدول الديمقراطية العريقة لا تسمح لمواطن دولة أن يكون عضوا في حزب دولة أخرى.

أسهمت قوانين وممارسات حماس في القطاع، في تغذية التطرف الرجعي الظلامي الذي فعلا وبدون تحامل على الحركة، يعيد للأذهان والعقول ممارسات طالبان في أفغانستان، مما جعل من القطاع حسب بعض التوصيفات (مشروع إمارة طالبانية ). ويكفي التذكير ببعض هذه القوانين والممارسات الحمساوية، ثم نسأل إلى ماذا تقود هذه الممارسات؟ وماذا تغذّي هذه القوانين؟
1 . فرض الحجاب والزي الشرعي على المحاميات بما فيهن المسيحيات.
2 . فرض زي مدرسي على الطالبات في المدارس والجامعات بما فيه الحجاب ومنع أية طالبة غير محجبة من دخول الجامعة.
3 . وضع قوانين وضوابط لمقاهي الانترنت ومحلات بيع ملابس النساء.
4 . عدم تحريك قضايا أو ملاحقة لقتلة مجرمين ،كما حدث مع قتلة الفتاة يسرى العزامي على شاطىء مدينة غزة في أبريل 2005 ، رغم اعتراف الحركة أنّ القتلة من كوادرها ولكنهم تصرّفوا بشكل شخصي.
5 . عدم ملاحقة قتلة الشاب رامي عياد مدير المكتبة المعمدانية في عام 2007 ، وظلّ القتلة المجرمون أحرارا بعد قتله ورمي جثته في غابة مجاورة.
6 . مهاجمة مدرسة النور المعمدانية في فبراير 2008 ، وتدمير بعض فصولها وحرق مكتبتها بما فيها من كتب تاريخية أثرية، رغم أنّ غالبية طلاب وطابات المدارس المسيحية في القطاع والدول العربية من المسلمين.

هذه مجرد أمثلة فقط، أما مجموع الاعتداءات المشابهة على مدارس وكنائس ومؤسسات مسيحية فهو أضعاف ذلك، منذ سيطرة حماس باسم الدين وشرعية من الله على القطاع، وهي تمارس كل ما يحلو لها ويضمن استمرار سيطرتها حتى لو كان ذلك عبر تدمير مسجد ابن تيمية في مدينة رفح في أغسطس عام 2009 على رؤوس جماعة الشيخ عبد اللطيف موسى بحجة أنه صاحب جماعة سلفية.

والآن جاء استنكار بعض قرارات محاكم حماس نفسها


كانت محكمة مدنية فلسطينية في القطاع قد حكمت بالإعدام شنقا على المواطن ( أسامة زيدان الغول) لقيامه بالقتل العمد من مسدسه لمواطن آخر هو (أكرم العمش) في أغسطس من عام 2009 . وهذه قضية جنائية بحتة، اعترف فيها القاتل بجريمته، وحسب القانون السائد في القطاع فقد صدر حكم الإعدام شنقا على هذا القاتل. إلى هنا فالموضوع جنائي قانوني ، كان من الممكن مناقشته من خلال سريان الإعدام أم السجن المؤبد مثلا، ولم يكن أحد بما فيهم ربما غالبية سكان القطاع يعرفون أن المواطن القتيل ( أكرم العمش ) هو مواطن فلسطيني مسيحي الديانة، قبل صدور بيان قتلة  إرهابيين بإسم ( تنظيم قاعدة الجهاد في أرض الرباط ) قبل أيام قليلة، يستنكر حكم المحكمة المدنية في القطاع، لإصدارها حسب بيان هؤلاء المجرمين ( الحكم على رجل مسلم بالإعدام وذلك لقيامه بقتل شخص صليبي ينتمي للطائفة النصرانية ). من يصدّ ق هذا؟. ويورد البيان العديد من آيات القرآن التي تحضّ على القتل مثل ( قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله....)؟ ويوردون  في بيانهم حديثا يدّعون أنه للرسول محمد صلى الله عليه وسلم : ( لا يقتل مسلم بكافر ).

ثم تهديد كافة المسيحيين بالقتل أو...

ويخلص هذا البيان الإرهابي الذي تمّ توزيعة بكثافة عبر الانترنت إلى توجيه النداء التالي لكافة المسيحيين في القطاع بقوله: ( إننا نوضح بأنّ الحكم الجاري على أهل الكتاب هو القتل أو الدخول في الإسلام أو البقاء في عهد الذمة الذي يخولهم الإقامة في دار الإسلام على وجه الدوام، على أن يحافظوا على العهد والايفاء به).. ورغم ذلك ينتهي البيان الإرهابي بقوله ( نوجه رسالتنا في هذا البيان إلى الصليبيين عامة، وإلى هم من في غزة خاصة، بأنهم خرجوا من عقد الذمة مع المسلمين، كما أننا نؤكد على أنّ أي حكم بالقتل سواء صدر في غزة أو في الضفة بحق أي أخ مسلم قصاصا لشخص كافر فهو باطل شرعا وفرعا).

ما المطلوب من حركة حماس؟

إنّ هذا البيان خطير للغاية خاصة أنه يأتي بعد مذبحة كنيسة القديسين في مدينة الإسكندرية المصرية، تلك المذبحة التي أدانتها حركة حماس وحزب الله وجبهة العمل الإسلامي الأردنية والكثير من الأحزاب والتنظيمات والشخصيات الإسلامية، لذلك فإن المطلوب من حماس لمواجهة هذا الصعود للمتطرفين الإرهابيين أيا كان عددهم ومحدودية تأثيرهم، هو العمل السريع الجاد من أجل أمرين:

الأول، هو مواصلة البحث عن هؤلاء القتلة المحرضين ومحاكمتهم، وكذلك الإسراع في تنفيذ قرار المحكمة المدنية الخاص بإعدام القاتل ( أسامة الغول) كي لا يكون التأجيل تفسيره الخوف من بيان هذا التنظيم الإرهابي، وكذلك لا بد من إدانة واضحة واستنكار شديد لهذا البيان ومصدريه.

الثاني: هو التجاوب مع مفاوضات انهاء الانقسام الفلسطيني خاصة بعد ثبوت عدم وجود أية فوارق بين برامج حماس وفتح، فكلاهما ينادي علنا بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 و يطالب ويناشد ويعمل من أجل التهدئة مع الاحتلال...فعلى ماذا مختلفون إذن سوى المال والسلطة وعوائد الأنفاق؟.
إنه بيان خطير للغاية، يستدعي مواقف سريعة بنفس الأهمية والخطورة، فالكل مسلمون ومسيحيون يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا وذعرا من تداعيات هذا البيان وتأثيراته في عقول ومواقف المتخلفين الذين يحركهم هولاء الإرهابيون بالريمونت كونترول. وكذلك من المهم إدانة هذا البيان الإرهابي من كافة المنظمات والفعاليات في القطاع والضفة والدول العربية.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


213
من كنيسة سيدة النجاة إلى كنيسة القديسين:
نفس الثقافة، نفس الإرهاب

د.أحمد أبو مطر

التفجير الإرهابي الذي طال كنيسة القديسين بمدينة الإسكندرية المصرية، صباح السبت الموافق الأول من يناير 2011 ، وجموع المصلين من أقباط مصر يقيمون قدّاس العام الجديد بهذه الكنيسة المشهورة في منطقة سيدي جابر، لم يكن مفاجأة للعديد من المراقبين المصريين والعرب والأجانب، لأنه ليس الاعتداء الأول ضد كنائس وأقباط ومسيحيين ليس في مصر وحدها، بل في العديد من الأقطار العربية والإسلامية، كان آخرها بنفس القوة الإجرامية ما تعرضت له كنيسة سيدة النجاة في بغداد يوم الحادي والثلاثين من أكتوبر 2010 . وضمن نفس السياق توضع كافة الأعمال والتفجيرات الإرهابية التي طالت العديد من العواصم الأوربية والأمريكية،  هذه الأعمال التي لم تتوقف منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 ،ومرتكبوها في الغالب المطلق عرب مسلمون، مما يجعل السؤال الضروري هو: لماذا؟.
لماذا العرب المسلمون هم الذين يقومون بهذه الأعمال الإرهابية الإجرامية، والموجهة بنسبة طاغية نحن أبناء جلدتهم العرب من مسلمين ومسيحيين؟

لم تعد المسألة أمنية فقط

هذا التصعيد الإجرامي الذي لم ينجو منه المسلمون والمسيحيون، يدلّل بشكل واضح أن المسألة لم تعد ذات طابع أمني فقط، بحيث نلقي اللوم على أجهزة الأمن كونها لم توفر الحماية والأمن لمواطنيها من مسلمين ومسيحيين، لأنّ هذا النفر من الإرهابيين خاصة خلاياهم النائمة، لا تستطيع أية قوات أمن أن تكتشفها وتحاصرها قبل التنفيذ إلا في حالات معدودة بمحض الصدفة، بدليل العديد من العمليات في بلدان متنوعة عربية وإسلامية وأمريكية وأوربية. إذن المسألة تعود لجذور ثقافية تربوية تعليمية، نشأ عليها النفر المضلل الذي يقتل نفسه من أجل قتل العشرات والمئات الذين لا يعرفهم مطلقا، إذ أنه مجرد آلة صمّاء يتم تحريكها بالريمونت كونترول، وإلا ما ذهب لقتل نفسه تاركا وراءه في الغالب عائلة وزوجة وأطفال، وهو يعرف أنه يضحي بهم وبمئات أمثالهم ممن سيقتلوا في تفجيره الإجرامي.

كيف تبدأ عملية المراجعة؟

هذه ليست عملية سهلة، لأنها تطال التربية المنزلية العائلية، والبرامج التعليمية منذ دور الحضانة إلى الجامعة، والأهم والأخطر مئات القنوات والفضائيات التلفزيونية العشوائية التي تقدّم ( السم في العسل) وهي المشاهدة أكثر من الكتاب المقروء نتيجة نسبة أمية عربية ترقي لما يزيد على أربعين في المائة. إنّ رصد بعض الحالات يؤكد أنّ فكر وتربية هذه الجماعات الإرهابية أكثر تأثيرا من فكر وتربية العائلة والمدرسة والجامعة. وعلى سبيل المثال فإن القتيل الإرهابي المجحوم (تيمور عبد الوهاب) إرهابي تفجيرات السويد يوم الحادي عشر من ديسمبر 2010 ، تأثر بالمتطرفين الإرهابيين وليس بأسرته، خاصة عندما عرفنا أنّ والد زوجته هو المعماري العراقي والكاتب العلماني الدكتور علي ثويني، الذي قدّم رسالة اعتذار للشعب السويدي عما اقترفه زوج ابنته. وعندما نعرف أنّ تيمور قدم للسويد وعمره 11 عاما، ودرس في السويد وبريطانيا، ووالدة زوجته رومانية مسيحية، كل ذلك يؤكد أن تأثير وغسل الدماغ من قبل الجماعات الإرهابية اقوى بكثير من دور العائلة وتربيتها.لذلك لا بد من تضافر الجهود في كافة المستويات لوقف هذه المدّ الإرهابي الذي ينذر بالمزيد من الانتشار والجرائم. ومن المهم تذكر أن الجماعة الإرهابية التي تبنت تفجير كنيسة سيدة النجاة في بغداد في منتصف نوفمبر 2010 ، هددت أقباط مصر بمثل ذلك التفجير، وقد تمذ تنفيذ تهديدهم ذلك بعد مرور شهر ونصف تقريبا.

أقباط مصر..لا تلغوا احتفالات عيد الميلاد


أعرف حجم الفاجعة التي يعيشها غالبية المصريين من مسيحيين ومسلمين، خاصة الأقباط ذوي الضحايا، فمن يده بالماء غير من يده بالنار، وأعرف أنّ الاحتفال بعيد الميلاد من الصعب جدا على من أصبح هذا العيد عنده، عيد موت وقبر وفقدان عزيز، ولكن المقصود من هذه الدعوة أنّ إلغاء احتفالات عيد الميلاد يعني انتصارا لهؤلاء الإرهابيين الذين يريدون أن يفقدوا مصر كلها بهجة الحياة والعيش الآمن للجميع. وأيضا من المهم أن يحاول الجميع التمسك بالهدوء، فالاشتباكات بين المسلمين والأقباط بعد هذه الجريمة الإرهابية، واشتباك أي طرف مع قوات الأمن، لا يحقق سوى غاية وهدف الجماعات الإرهابية التي تنمو في ظل الفوضى وفقدان الأمن.

إدانات مهمة تستحق التقدير

ولحصار هؤلاء القتلة الإرهابيين لم يعد يكفي القول أنّ أعمالهم لا تمت بصلة إلى الإسلام، بل لا بد من تصاعد الإدانات من المرجعيات والأحزاب والحركات الإسلامية، علّ صوتهم يصل لهؤلاء المضللين والقتلة الذي يغسلون عقولهم. من هذا المنطلق كانت الإدانات التي صدرت حتى الان مهمة للغاية، خاصة ما صدر عن:
-   مشيخة الجامع الأزهر.
-   دار الإفتاء المصرية.
-   الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الذي استنكر الجريمة بشدة، مؤكد على أن "فاعلي هذه الجريمة لا يمكن وصفهم إلا بوصف واحد، هو أنهم مجرمون سفّاكون للدماء، يبرأ الإسلام منهم ومن جريمتهم؛ فالإسلام يحترم النفس البشرية، ولا يجيز قتلها إلا بالحق الذي يقضي به القضاء العادل القائم على البيّنة، أما قتل الناس جزافا وخصوصا إذا كانوا في مكان مثل دار عبادة يحتفلون فيه بذكرى دينية فتكون الجريمة أكبر وأفحش".
-   حركة حماس.
-   حزب الله.
-   الجماعة السلفية في الإسكندرية.
-   حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن.
وغيرهم كثيرون مما يدلّل على أنّ محاصرة هولاء الإرهابيين القتلة سهلة، إذا تضافرت الجهود خاصة في الميادين التربوية والتعليمية والثقافية، فالمعركة مع الإرهاب ليست عسكرية وأمنية بقدر ما هي ثقافية تربوية تعليمية.
وختاما لا نملك في هذه الفاجعة المؤلمة إلا تقديم التعازي والتضامن مع ذوي الضحايا، وكل أهل العبادات الذين لم يستثن هذا الإرهاب ديانة من دياناتهم. وليعرف الجميع من كل الديانات أنّ الخلاص هو في التسامح والعيش المشترك، فلا القبطي المصري، ولا المسلم المصري طارىء على أرض مصر، فمصر أرض الجميع، بالتضامن والعقول المنفتحة تعود لمصر الخمسينات وما قبلها، حيث كان (عناق الهلال والصليب ) حقيقة ميدانية معاشة، وليس مجرد شعار كما هو اليوم في ظل هذا الاحتقان الطارىء المستمر، فليعد الجميع إلى مصر ( زمن جميل مضى) حسب عنوان آخر كتاب للصديق الدكتور جابر عصفور.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



214
حصاد العرب لعام 2010

أحمد ابو مطر

هذه المراجعة النقدية ضرورية كل عام من أجل أن نعرف كيف تسير طبيعة الحياة في مجمل الأقطار العربية، إذ انّ غالبية الدول المتقدمة ترصدّ في نهاية كل عام ما حققته في العام الذي انتهى، ليضاف لرصيد إنجازاتها على طريق التحفيز لإنجازات أكثر في العام القادم، وهذه هي مسيرة السباق بين القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، والاقتصاد في هذا السياق يقود للإنجازات في مختلف ميادين الحياة اليومية للمواطن. من المفارقات العجيبة أن ما لايقل عن خمسة دول عربية كانت من مؤسسي الأمم المتحدة عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بينما اليابان ذات القوة الصناعية والاقتصادية الهائلة على مستوى العالم كله اليوم، لم تدخل الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية إلا في ديسمبر من عام 1956 ، أي بفارق 11 عاما عن تلك الدول العربية المؤسسة . وضمن مراجعة حصاد العرب خلال العام 2010 يمكننا تصور الفارق الهائل بين كافة الدول العربية مجتمعة ( 22 دولة، 350 مليون نسمة )، ودولة واحدة هي اليابان (135 مليون نسمة)، لكنها القوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك فهذه المراجعة السنوية لا تهدف البحث عن السلبيات والنواقص أو جلد الذات كما يسميها البعض، وإنما رصد الواقع على حقيقته تحفيزا للإيجابيات والتقدم، خاصة أنّه إذا حققت أية دولة تقدما ما أو براءات اختراع في أي ميدان فهذا ما لا يمكن اخفاؤه أو القفز عنه، لأنّ التقدم وبراءة الاختراعات خاصة في الصناعة والتكنولوجيا يعرفها ويرصدها العالم أجمع، وتركض وراءها الدول المتقدمة للاستفادة منها، والوصول إلى ما هو أكثر حداثة وتقدما مما تمّ تحقيقه. فأين الأقطار العربية من هذا الحصاد في العام 2010 ؟.

السلبيات والخيبات


يشمل هذا الرصد كافة الدول العربية دون تسمية في أغلب الحالات ،كي لا يقال أنني أقصد التشهير ببعض الدول دون غيرها، وذلك لأنّ الوضع يكاد واحدا في غالبية الدول مع فوارق بسيطة في نسبة الاختلاف من دولة إلى دولة. وأهم مظاهر هذا الرصد هي الموضوعات التي يقاس بها تقدم الأمم ودورها في التأثير في الملفات المهمة في العالم أجمع.

1 . لا تزال نسبة الأمية في الأقطار العربية هي الأعلى في العالم أجمع، فحسب احصائيات اليونسكو وتقرير التنمية البشرية العربي لعام 2009، ما زالت نسبة الأمية في الأقطار العربية فوق إل 30 % وترتفع بين النساء تحديدا إلى حوالي 50 %. أي أنّ حوالي 100 مليون عربي من أصل 335 مليون عربيا من الأميين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة في وقت تفتخر هذه الأمة أنها ( أمة إقرأ ) نسبة لآية القرآن ( إقرأ باسم ربك الذي خلق )!. ومن يتخيل أن من نسب الأمية هذه 61 % في العراق، و 42 % في مصر، و39 % في اليمن، و38 % في المغرب؟. ومن هذه الأعداد قرابة 12 مليون طفل ممن هم في سن التعليم الإلزامي خارج المدارس، في حين أن غالبية الدول الأوربية والاسكيندينافية واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، لا يوجد فيها أي أمّي منذ سنوات طويلة، مما جعل تعريف الأمي في هذه الدول بأنه من لا يجيد استعمال الكومبيوتر.

2 . ضمن نفس السياق فإنّ النسب السابقة في ميدان التعليم والأمية، ينتج عنها مع عوامل أخرى ترديات جديدة منها ارتفاع نسبة الفقر والبطالة التي وصلت كمعدل إجمالي في الأقطار العربية إلى حوالي 15 % بينما معدلها العالمي حوالي 6 %، وأغلب الدول العربية فيها نسب متفاوتة من شعوبها تعيش تحت خط الفقر وفي منازل وأحياء عشوائية وبين المقابر.
3 . ارتفاع ملحوظ في نسبة العنف في كافة الأقطار العربية، سواء العنف المنزلي، أو العنف بين قوات الأمن والمواطنين، حيث من النادر أن ينتهي تجمع شعبي أو مظاهرة سياسية أو مباراة كرة قدم بدون عنف يقع فيه أغلب الأحيان قتلى وجرحى، في حين أنّ غالبية الدول الأوربية والإسكيندينافية تجري هكذا تجمعات بأمان بعد أخذ موافقة قوات الأمن وتحديد مسارات التجمع أو المظاهرة. وخير دليل على ذلك ما جرى في مباراة مصر والجزائر في القاهرة، و مباراة الوحدات والفيصلي في الأردن، وأحداث مدينة العيون في المغرب، وأحداث مدينة سيدي بو زيد في تونس، وأكثر من مكان في الكويت تعرضت فيه فضائيات ونواب للعنف، وطبعا لا تخلو عاصمة أو مدينة عربية من هذا العنف المتبادل.

4 . التشرذم والتفكك والتقسيم الذي على أبواب أكثر من دولة عربية، فالسودان ستظهر هذه النتيجة بعد استفتاء التاسع من يناير 2011 إذا كان سيبقى موحدا أم ينفصل الجنوب في دولة مستقلة، وفي اليمن يهدد ما يطلق على نفسه (الحراك الجنوبي ) باللجوء لوسائل غير سلمية لتحقيق انفصال الجنوب والعودة إلى ما كان قبل عام 1990 حيث دولتان يمنيتان. وضمن نفس السياق يدخل الانقسام الفلسطيني بين حماس في غزة وسلطة عباس في رام الله عامه الخامس، مما يعني أنه انقسام دائم رغم عدم وجود أية دويلة أو إمارة مستقلة لأي منهما في غزة أو رام الله. والمملكة المغربية ما زالت تعاني من تداعيات انفصاليي الصحراء المغربية من خلال تحركات جبهة البوليساريو المرتهنة لأجندات خارجية، إذ لا مقومات ولا مبررات تفصل الشعب المغربي في منطقة الصحراء عن بقية الشعب المغربي في كافة أنحاء المملكة.

5 . وحال العراق لا يبشر بالخير في ظل التفكك الحاصل بين طوائف ومكونات وقوميات الشعب العراقي، فمن أطروحات الأقاليم إلى الفيدراليات، تتغلب المصالح الشخصية والتنظيمية على المصلحة العامة للشعب العراقي مما يجعله يواجه مستقبلا مجهولا.

5 . عدم تحقيق أية دولة عربية الاكتفاء الذاتي في أي ميدان من ميادين حياة مجتمعها، فما تزال هذه الدول عالة على أوربا وأمريكا واليابان والصين في أغلب أمور حياتها من  الغذاء و الدواء و وسائل النقل وكافة منتجات التكنولوجيا بما فيه الورق وآلات الطباعة التي يطبعون بها وعليها القرآن الكريم ، أي لا توجد أية دولة عربية تصنّف ضمن ما يطلق عليه (الدول الصناعية).

الايجابيات وبراءات الاختراعات


وكي نكون منصفين غير متحيزين ضد ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة )، من المنطق أن نذكر انجازات وبراءات الاختراع التي سبقت لها الأقطار العربية في العام 2010 ، وأهمها:

1 . فوز دولة قطر بتنظيم الألعاب الأوليمبية للعام 2022 ، وكانت من ضمن منافساتها الولايات المتحدة الأمريكية، وسوف تبلغ تكلفة بناء المنشآت اللازمة لهذه الدورة 80 مليار دولار، كلها ستذهب لشركات ومؤسسات أمريكية أولا ثم أوربية.

2 . صفقة سلاح سعودية أمريكية من المتوقع أن تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار ، وهي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

3 . اختلاس  الرئيس السوداني عمر البشير ( على ذمة برقيات ويكيلكس) حوالي 7 مليار يورو من عائدات بلاده النفطية ( أي قرابة تسعة مليارات دولار) ، وأنّ هذه الأموال أودعت في بنوك بريطانية . طبعا هذا نموذج واحد من الاختلاسات العربية على مستوى كبار المسؤولين، لأنّ المخفي أعظم!!!.

4 . دخل سودان عمر البشير حسب احصائيات حزب الأمة السوداني موسوعة جينس بلا منازع في عدد الجلدات التي ألهبت ظهور أكثر من 40 ألف إمرأة سودانية خلال العام 2010 فقط بسبب قانون البشير الجنائي لعام 1991 ، وبلغت هذه الجلدات العدد مليون و 600 ألف جلدة.

5 . إعلان رسمي من فندق قصر الإمارات في أبو ظبي يوم الأربعاء العشرين من ديسمبر 2010 رفع الستار عن أغلى شجرة عيد ميلاد في العالم، بلغت تكلفتها 11 مليونا من الدولارات، تمّ تزيينها بالمجوهرات ، وبلغ طولها 13 مترا في بهو الفندق، وحضر حفل رفع الستار عنها لفيف من رجال الأعمال ورواد الفندق الذي يصنّف ضمن خانة 7 نجوم.

6 . إعلان رئيس هيئة مكافحة الفساد في السلطة الفلسطينية  رفيق النتشة يوم الثلاثاء السابع من ديسمبر 2010 في مقابلة مع إيلاف ( أنّ الهيئة تبحث في خمسين ملف فساد مالي وإداري تورط به مسؤولون ووزراء حاليون وسابقون موجودون على أرض الوطن وخارجه). وبالطبع لم يذكر رفيق النتشة أسماء أصحاب ملفات الفساد هذه، وحجم المليارات المنهوبة من المنح الدولية والعربية المقدمة للسلطة الفلسطينية منذ عام 1995 ، وهل من بينها قرابة المليار دولار المنهوبة من مستشار عرفات السابق خالد سلام (محمد رشيد) التي قدّرتها شخصيات ومصادر في المجلس التشريعي الفلسطيني بأنها ترقى لمليار دولار، وقد هرب بها ولا أحد في السلطة الفلسطينية يعلم اليوم أين هو ، وأين وكيف يستثمرها ويحتفظ بها.  ونحن من عرف خالد سلام في قبرص وتونس متأكدون أنه حتى عام 1994 قبل عودته للقطاع والضفة مع ياسر عرفات، لم يكن يملك أكثر من راتبه الشهري الذي كان لا يتعدى ألف دولار في الشهر، فكيف اختلس هذه المليار دولار؟. وكذلك يجب وضع حد لما يشاع عن ملايين العديد من الشخصيات الفلسطينية ومنها محمد دحلان وأبناء مسؤولين كبار في السلطة، ونحن نعرفهم مثلنا أبناء مخيمات رفح وخان يونس والبريج وغيرها من مخيمات الضفة، فكيف نزلت عليهم هذه الملايين وتاهت في طريقها عن ملايين من أبناء الشعب الفلسطيني؟.

7 . دخول أطول ثوب فلسطيني موسوعة جينس للأرقام القياسية، بطول 32 مترا وعرض 19 مترا، وعملت فيه 150 إمرأة فلسطينية، بلغت كلفته حوالي 50 ألف دولار أمريكي، والمهم أنه تمّ تدشينه بحضور رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فياض.

8 . وأخيرا فخامة السيدة الفاضلة ( التبولة)، فقد أنجز فلسطينيون في الضفة الغربية، ولبنانيون في الجنوب اللبناني، وسوريون في قرية مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، أكبر أطباق تبولة لتدخل موسوعة جينز أيضا، بعد شقيقاتها أطباق الحمص والفول وأقراص الفلافل. وحسب الأرقام الخاصة بطبق تبولة مجدل شمس ، فقد استعملت في صنعه: 500 كيلو خيار،500 كيلو بندورة،45 كيلو خس،500 كيلو نعناع، 500 كيلو بصل أخضر، 50 كيلو عصير ليمون، 200 كيلو ماء، 100 كيلو زيت.

9 . دخول العراق موسوعة جينس في أطول فترة بدون تشكيل حكومة بعد الانتخابات الأخيرة التي وصلت هذه المدة قرابة ثمانية شهور، أعقبها تشكيل حكومة محاصصة طائفية وتنظيمية تأخذ في الاعتبار المصالح الإقليمية والطائفية أكثر من مصلحة الشعب العراقي، الذي لا يمرّ إسبوع بدون تفجير يودي بحياة العشرات والمئات من أبنائه، وكذلك الفساد والنهب المالي الذي لا أعتقد له مثيل في العالم، وهو نهب وفساد تقوم به الشخصيات المتنفذة وأحيانا الأحزاب الطائفية بشكل علني ومسلح.

ذلك هو حصاد العرب في عام 2010 ، و إذا كنا نسينا بعض انجازات هذا الحصاد، فيشهد الله أنه ليس عمدا بل سهوا. لذلك أرجو من القراء أن ينبهونني إلى أي نسيان فاتني ذكره. وكل عام والجميع بخير والعام القادم بهمة العرب أحسن . وأؤكد للمرة الثانية أنّ هذا الرصد ليس جلدا للذات بل تركيزا على السلبيات لنعمل معا من أجل تجاوزها، والرقي لمستوى الدول الناجحة الفاعلة المؤثرة في مسيرة العالم. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net






215
إخوان الأردن: قاطعوا البرلمان ليتفرغوا للبيانات والفتاوي!!!

د.أحمد أبو مطر

الانتخابات الأردنية الأخيرة التي جرت في التاسع من نوفمبر 2010 ، قاطعتها جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، ورغم ذلك فقد شارك حوالي سبعة أعضاء من الجماعة رافضين الانصياع لقرار المقاطعة الذي اتخذته قيادة الجماعة، وأعقب هذه الانتخابات إعادة تشكيل مجلس الأعيان الأردني الذي يعين العاهل الأردني أعضاءه حسب المادة 36 من الدستور الأردني، ويشكلّ مجلس الأعيان الغرفة الثانية للبرلمان في الأردن. وكان من بين الأعضاء الجدد في مجلس الأعيان عبد المجيد الذنيبات المراقب العام السابق لجماعة ألإخوان المسلمين الأردنيين، وكانت موافقته على عضوية مجلس الأعيان الجديد، قد أثارت غضب الجماعة فقررت تحويله إلى محكمتهم الداخلية لاتخاذ القرار المناسب بشأن تحديه لقرار الجماعة بالمقاطعة، وحسب إعلان الجماعة أنه سوف يتمّ التعامل مع حالته مثل التعامل مع  حالة الأعضاء الذين رفضوا قرار الجماعة بالمقاطعة، وشاركوا في الانتخابات النيابية الأخيرة. وهناك ثأر قديم بين جماعة الصقور (المزايدين) في الجماعة والذنيبات، يعود لعام 2007 عندما صرّح لصحيفة "الحقيقة الدولية" في الثامن عشر من يوليو ذلك العام، متحدثا عن الخلافات والانقسامات داخل حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين، مؤكدا صراحة " معارضته الشديدة لتسلم زكي بني ارشيد أمانة الحزب، مبررا موقفه بأن المرحلة الحالية تتطلب شخصية أخرى وليس كشخصية بني ارشيد". وقد أثبتت الأيام ومجريات التطورات داخل الحزب والجماعة صحة رؤية الذنيبات، فها هي الجماعة بعد مقاطعتها للانتخابات وتمرد العديد من قيادتها على هذا القرار السلبي بمعايير الديمقراطية التي ترى أنّ التغيير نحو الأفضل يتم من خلال الحراك البرلماني وليس من مقاعد المتفرجين، تجد نفسها تعيش فراغا ووقتا طويلا لا مجال لإشغاله إلا بالفتاوي والبيانات وغالبا من يتخصص في إصدار البيانات الاستفزازية هو زكي بني ارشيد.

بداية غيث الفتاوي

كانت الفتوى الأولى منسوبة لما أطلقوا عليها ( اللجنة المركزية لعلماء الشريعة الإسلامية في حزب جبهة العمل الإسلامي ) ، خاصة بمشاركة القوات العسكرية العربية والإسلامية إلى جانب قوات التحالف الدولي في أفغانستان، معتبرين ذلك حراما وظلما، موردين العديد من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية. وبالطبع وبدون ذكر الوحدة العسكرية الأردنية التي تقوم بمهمات انسانية فقط، فتوقيت صدور ما أسموه فتوى يقصد منه إثارة خلافات ومشاكل تغطي على فشلهم في الوصول للمجلس النيابي الجديد، لأنّ مقاطعتهم لم تكن احتجاجا على قانون الانتخابات، بل لتأكدهم من تراجع شعبيتهم وإمكانية عدم فوزهم بمقاعد يعتقدون أنهم يستحقونها، وإلا لماذا شاركوا عام 2007 في الانتخابات بنفس القانون ويقاطعونها عام 2010 ؟ لماذا ما كان حلالا وشرعيا عام 2007 أصبح غير شرعي عام 2010 ؟. ولماذا جاءت هذه الفتوى المصطنعة في ديسمبر 2010 وكافة القوات الموجودة في أفغانستان سواء لأغراض قتالية أو إنسانية كالقوات الأردنية والنرويجية والسويدية موجودة منذ عام 2002 تقريبا؟. لماذا سكوت إخوان الأردن على ما يعتبرونه حراما وظلما طوال ما يزيد على ثمانية سنوات؟. هل كان وجود هذه القوات حلالا حتى عام 2007 عند مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية الأردنية، وأصبح حراما عام 2010 لأنهم قاطعوا هذه الانتخابات البرلمانية؟.

ولماذا قتال المجاهدين نيابة عن دول التحالف حلال؟

وهذا السؤال أكثر خطورة وكشفا لازدواجية ونفاق قيادة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن. فلماذا سكتوا  على وجود ما أطلقوا عليهم ( المجاهدين العرب) الذين ذهبوا لأفعانستان منذ عام 1984 بتنسيق عضو قيادتهم الشيخ عبد الله عزام، حيث تدربوا وتسلحوا على يد جيش واستخبارات الولايات المتحدة الأمريكية لقتال الاتحاد السوفييتي في أفغانستان؟. ولماذا سكتوا ولم يصدروا فتوى حول اغتيال المجاهد أسامة ابن لادن لأستاذه المجاهد عبد الله عزام في 24 نوفمبر 1989 بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، وبدء صراع المجاهدين على المال والسلاح الذي تسلموه من الولايات المتحدة ودول التحالف، وأثبتت كافة التحقيقات أنّ أسامة ابن لادن هو الذي فخّخ سيارة عبد الله عزام، فقتله مع ولديه محمد (20 عاما) و إبراهيم ( 15 عاما). ومن يريد المزيد من المعلومات عن مجاهدي أمريكا من جماعة الإخوان المسلمين، فليقرأ أوراق محمد حسنين هيكل التي نشرها عام 2002 بعنوان (واشنطن تؤذن للجهاد من كابول)، كي يرى العجب الذي يدلل على أنّ هذه الجماعة شعارها المركزي الشرعي هو (الغاية تبرر الوسيلة) أيا كانت هذه الوسيلة وطرقها.
 
وكذلك السكوت المخزي على جرائم عناصر الإخوان وحلفائهم رغم بشاعة هذه الجرائم التي لو ارتكبت من دولة أجنبية لأعلنوا الجهاد ضدها، والمثل الصارخ على ذلك قيام وليدتهم الشرعية حماس في الخامس عشر من أغسطس 2009 بقصف مسجد ابن تيمية في مدينة رفح بقطاع غزة، على الشيخ عبد اللطيف موسى أمير جماعة جند أنصار الله السلفية ومؤيديه، حيث قتلت الشيخ نفسه ومعه أربعة وعشرين شخصا، وجرحت 125 شخصا، وهذه الجريمة ضد مسلمين موجودين في مسجد لم يرتكب مثلها الاحتلال رغم جرائمه العديدة. فلماذا السكوت ولم تصدر فتوى أو بيان يدين هذه الجريمة؟ لماذا تناست اللجنة المركزية لعلماء شريعة الإخوان قول الله تعالى ( إنما المساجد لله )، مما يعني أنّ من يعتدي على مسجد فكأنما اعتدى على الله تعالى.

الإفتاء بغير علم

هذا يدلل على أنها فتاوي موسمية لا علاقة لها بالدين والحلال والحرام، بل لخدمة مناكفات سياسية وأجندات حزبية، وهي في الغالب تصدّر عن غير متخصصين يدّعون أنهم شيوخ ودعاة، بدليل أنّ هذه الفتوى نسبوها ل ( اللجنة المركزية لعلماء الشريعة في حزب جبهة العمل الإسلامي )، دون ذكر اسم واحد من هؤلاء العلماء كي ندقق في مدى علمهم وتخصصهم وأهليتهم لإصدار الفتاوي، التي أصبحت مرتعا لكل من يريد الظهور وإدّعاء العلم والشهرة وجمع المال. وهذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها عن تسمية ( اللجنة المركزية لعلماء الشريعة)،  ولماذا لم تكن تسميتهم (المكتب السياسي لعلماء الشريعة)؟. وإذا كان صفّ آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، تؤهل أي مدّع ليكون مفتيا، فأنا أذكرهم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( من أفتى بغير علم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).

وبداية غيث البيانات،

هو بيان رئيس الدائرة السياسية في حزب جبهة العمل الإسلامي زكي بني ارشيد، الذي هاجم فيه مجلس النواب الأردني بكامله لأنّ النواب انتقدوا فتوى جماعة الإخوان السابقة، معتبرا أنّ هؤلاء النواب لم يقرأوا الفتوى ولم يفهموها، ومكررا ( أنّ مجلس النواب السادس عشر جاء بقانون انتخاب لا يتناسب مع متطلبات المجتمع الأردني )، وسأظلّ أذكّر بهذا السؤال: لماذا كان مجلس النواب الخامس عشر الذي انتخب بناءا على نفس القانون شرعيا ومناسبا للمجتمع الأردني بدليل أنكم شاركتم فيه؟. ويمكن تصور مدى نرجسيته عندما يعتبر 120 عضوا في مجلس النواب الجديد لم يفهموا فتوى لجنته المركزية، مشككا في شرعية وأهلية كل هؤلاء النواب، وكأنه وحده من يمتلك الحقيقة الإلهية المطلقة في كافة نواحي الحياة الفقهية والسياسية.

إدانة فوضى فتاوي الإخوان

لذلك أدانت دائرة الإفتاء الأردنية فتوى جماعة الإخوان، مشدّدة على أنها الجهة الوحيدة المخولة بإصدار الفتاوي في الأمور العامة. وهذا أمر صحيح ودقيق للحد من فوضى الفتاوي التي أصبحت فعلا فتاوي حسب الطلب. وقد سبقت المملكة العربية السعودية في نهاية أغسطس الماضي، بصدور قرار ملكي بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء، وقد لاقى هذا القرار تأييدا واسعا من الغالبية العظمى لشيوخ وعلماء المملكة السعودية الذين رأوا فيه تنظيما للفتوى وليس هيمنة عليها، خاصة بعد انتشار الكثير من الفتاوي الشاذة وشيوع ما يمكن تسميته السوق السوداء للفتاوي.

فتاوي متوقعة من علماء إخوان الأردن

قياسا على فتواهم الخاصة بوجود جيوش عربية وإسلامية في أفغانستان مع قوات التحالف، وتحريمهم لذلك كما أوضحنا، واستنادا لتأكدي من أنهم يسعون إلى أن تكون كافة أمور المجتمع الأردني شرعية وحلالا حسب قياسهم ومواصفات لجنتهم المركزية لإصدار الفتاوي، فأتوقع منهم في الأيام القادمة فتاوي جديدة حول:

1 . ما مدى شرعية وجود مقهى ( ستار بوكس ) في حي الصويفية بالعاصمة الأردنية؟
2 . أيها أقرب للمقاييس الشرعية: مطعم ماكدونالد أم بيرجر كينج أم دجاج كونتاكي؟ وهل يجوز أن تكون هذه المطاعم الثلاثة في شارع المدينة المنورة؟.
3. هل يتطابق مع الشرع وجود مطاعم (سوشي ) الآسيوية في شارع مكة المكرمة؟

وهذه توقعات وليست سخرية، لأنه سبق لأفراد وهيئات مقربة من الجماعة طرح موضوع وجود بعض النوادي في شارعي مكة المكرمة والمدينة المنورة بالعاصمة الأردنية عمّان.  رغم قناعتي أنه كان من الأفضل للجماعة والمجتمع الأردني لو شاركت في الانتخابات الأخيرة، وناضلت من خلال البرلمان الجديد لتطوير الحراك السياسي والديمقراطي في الأردن، بدلا من بقائها الآن في صفوف المتفرجين، وبالتالي فلن يكون لديها عمل سوى إصدار الفتاوي والبيانات...وهذا ما ستثبته أو تنفيه الأيام القادمة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net









216
جندّ الله أم جندّ الشيطان: الإرهاب واحد


د.أحمد أبو مطر

العملية الإرهابية التي تمّ تنفيذها يوم الأربعاء الخامس عشر من ديسمبر 2010 ، أمام مسجد شيعي في مدينة جابهار بجنوب شرق إيران، خلال إحياء مراسم عاشوراء، وراح ضحيتها ما يزيد على 140 شخصا بين قتيل وجريح، العديد منهم في حالة الخطر الشديد. هذه العملية بدون تفاصيل ونقاشات هي عملية إرهابية إجرامية بكل معاني الكلمات، أيا كانت هوية وجنسية منفذيها الذين أعلنوا عن أنفسهم بأنهم (جندّ الله) وسبق لنفس المجموعة أن تبنت عمليات إرهابية مماثلة في الداخل الإيراني. أنا من وجهة نظري فإن الإرهاب واحد، لا يوجد إرهاب جميل ومحمود نصفق له وندعمه، وإرهاب قبيح مجرم ندينه ونستنكره، خاصة إذا كان هذا الإرهاب موجها لأبرياء لا علاقة لهم بنظامهم السياسي الحاكم الذي بين تلك المجموعات وهذا النظام خصومات ومشاكل عديدة. إذا كانوا يسمّون أنفسهم جندّ الله، فالأخلاق الإلهية الربانية بريئة من أعمالهم هذه، فقتلهم للشيعي الذي يؤدي عبادته حسب مذهبه، لا تختلف مطلقا عن قتل السنّي والمسيحي كما حصل في كنيسة النجاة ببغداد في الخامس من ديسمبر 2010 ، وفي العديد من دور العبادة السنّية والشيعية في مختلف أرجاء العراق وباكستان المنكوبين بهؤلاء القتلة الإرهابيين.

نعم..إنهم جندّ الشيطان

لا يستطيع أحد أن يزايد عليّ في نقد النظام الإيراني في كافة مجالات الحياة السياسية والاجتماعية وحقوق الإنسان واحتلال أراضي الغير ، فقد كتبت في ذلك العديد من المقالات و الدراسات، تمّ جمعها مع دراسات لكتاب آخرين، ونشرتها الدار المصرية للنشر والتوزيع في بداية العام الحالي، في كتاب صدر في القاهرة بعنوان ( الخطر الإيراني، وهم أم حقيقة؟). أقصدّ أنّه لا يستطيع أحد أن يتهمني بالعمالة للنظام الإيراني، لأنني أدين هذه العملية الإرهابية. وبالطبع أفرّق بين نضال أية حركات تحرر محتلة أرضها من هذا النظام وهذه العملية الإرهابية، فما هي مبرراتي في هذه الإدانة؟.

تنطلق هذه المبررات من دوافع إنسانية تفرّق بين النظام وجماهير مواطنيه، الذين هم  في العديد من الأنظمة  العربية والإسلامية، يعانون من أنظمتهم  نفس معاناتهم من أعمال هؤلاء الإرهابيين. فكيف انتقم مدّعو (جندّ الله) من النظام الإيراني من خلال قتلهم وجرحهم ما يزيد على 140 مواطنا إيرانيا؟. ونفس السؤال يوجه لكل الإرهابيين الذين يقومون بعملياتهم الإرهابية في أية دولة من الدول مهما كانت ديانتها ومواقفها السياسية.

هل انتقم إرهابيو الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 من الولايات المتحدة الأمريكية؟ أم قتلوا ما يزيد على ثلاثة ألاف مواطن بريء بينهم مئات من العرب والمسلمين، ورغم ذلك وجدوا منظّرّين يسمّونها (غزوة مانهاتن) تشبيها أو مقارنة بغزوات الرسول؟

ممن انتقم المجرم المجحوم أبو مصعب الزرقاوي وأمثاله من الإرهابيين، عندما قتل ما يزيد على 160 مواطنا أردنيا في تفجيرات فنادق عمّان عام 2005 ، وعندما قتل ألاف من العراقيين الإبرياء من مختلف الأعراق والديانات والمذاهب خلال العديد من عملياته الإجرامية التي طالت أغلب المدن العراقية؟

ونفس السؤال يوجّه لكل الإرهابيين الذين يقومون بعملياتهم الإجرامية ضد الأبرياء من الشعوب، دون ان ننسى ما يقومون به في أفغانستان وباكستان وبلوشستان والصومال وكافة الدول التي طالتها هذه العمليات الإرهابية، حيث لم تسلم المدارس ورياض الأطفال والمساجد والحسينيات من إرهابهم وجرائمهم. والغريب المحزن لدرجة الدهشة والبكاء أنهم جميعا يتخذون لعصاباتهم هذه أسماءا إسلامية : (جندّ الله)، (جماعة أنصار السنّة)، (عصبة الأنصار)، (الجماعة الإسلامية المسلحة)، جيش محمد)، (جماعة المقاتلين الإسلامية المغاربة)، (جماعة الجهاد والتوحيد في بلاد الرافدين)، (تنظيم القاعدة في المغرب)...وهكذا فكل يدّعي حبّ الله ورسوله، وكافة أعمالهم تتنافى مع أية مبادىء إخلاقية وإنسانية.

لذلك كانت الإدانات بالإجماع،


لتفجير إيران الإرهابي حتى من خصوم النظام الإيراني. فقد ندّد الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصيا بالعمل الإرهابي المذكور، واعتبره (عملا جبانا ومخزيا) مؤكدا (وقوف الولايات المتحدة إلى جانب الشعب الإيراني في مواجهة مثل هذه العمليات الجائرة التي لا تعرف التمييز بين الديانات والحدود والشعوب). وكذلك ندّد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولي بالحادث ، مشدّدا على أنه  (لابد أن يحاسب مرتكبو هذا الهجوم على جرمهم هذا)، مذكّرا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية قد أدرجت عصابة (جندّ الله) ضمن قائمتها للمنظمات الإرهابية في العالم. والملك عبد الله الثاني،ملك المملكة الأردنية الهاشمية، أرسل برقية إلى أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإيرانية معزيا ومستنكرا هذه العملية الإرهابية معربا عن وقوف المملكة وشعبها مع أسر الضحايا الأبرياء. والرئيس السوري بشار الأسد أدان هذا العمل ووصفه بأنه (إرهابي)، وأرسل برقية تعزية ومواساة للشعب الإيراني. وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر،ورئيس كتلة المستقبل في لبنان فؤاد السنيورة ، كما أبرق رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للرئيس الإيراني أحمدي نجاد معزيا ومستنكرا، وأيضا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أدان هذا العمل الإرهابي بحزم شديد. وكذلك حركة حماس الفلسطينية أدانت هذه العملية الموجهة لدور العبادة والمواطنين الأبرياء. ودون ذكر الجميع فقد أدانت أغلب دول العالم هذا العمل الإرهابي، بما فيها الدول الأوربية التي بينها وبين النظام الإيراني ملفات عالقة خاصة الملف النووي.

نختلف سياسيا، ولكن لا للإرهاب

أقولها صريحة أنه من حق أي فرد أو تنظيم أن يختلف مع أي نظام، ويحاججه بالمنطق كي يفحمه ويبين ظلمه واستبداده ومصادرته لحقوق الإنسان، ولكن لا للإرهاب الموجه للأفراد الأبرياء من أي شعب وأية ديانة. وبالطبع أستثني من ذلك حركات المقاومة التي تواجه وتصارع جيوش الاحتلال، دون التعرض للأبرياء من شعوب ذلك الاحتلال، لأن نسبة منهم ضد الاحتلال الذي تمارسه دولهم. لذلك ضحكت كثيرا لحد البكاء من إدانة إسرائيل لتفجير إيران الإرهابي، وهي أي دولة إسرائيل ترتكب بحق الشعب الفلسطيني بشكل يكاد أن يكون يوميا أبشع من هذه الجريمة، إذ لا يمرّ يوم دون قتل أو اعتقال أو هدم أو توسيع للمستوطنات، مع التنكر الدائم لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني خاصة دولته المستقلة على ما يقل عن 20 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية. وسوف تستضيف دولة إسرائيل بعد أيام قليلة مؤتمرا عنصريا يدعو إلى انّ دولة فلسطين هي الأردن، أو ما يطلق عليه (الوطن البديل) المرفوض بالمطلق من الأردنيين والفلسطينيين. ويكفي التذكير أنه يوجد في سجون الاحتلال الغاشم ما لا يقل عن عشرة ألاف أسير فلسطيني من بينهم مئات النساء والأمهات، ودولة الاحتلال تبكي وتقيم الدنيا على أسير واحد لدى الفلسطينيين اسمه جلعاد شاليط.

لذلك أقول: لا للإرهاب الموجه للأبرياء، وبالتالي التعازي لعائلات الضحايا الإيرانيين الذين لا علاقة لهم بممارسات نظام بلادهم، بل إنّه يكتوون بنار وتسلط واستبداد هذا النظام.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




217
تفجيرات السويد: الإدانات وحدها لم تعد كافية


د.أحمد أبو مطر

التفجير الإرهابي المجرم الذي حدث في العاصمة السويدية أوستوكهولم يوم السبت الحادي عشر من ديسمبر 2010 ، يضيف من قبل بعض الجهلة المغرّر بهم نقطة سوداء لصفحة وسجل الإسلام في هذا البلد الآمن المحايد، الذي يعتبر من أكثر الدول دعما للقضايا العادلة في العالم وتحديدا قضية الشعب الفلسطيني، واستقبل في الوقت ذاته عشرات ألالاف من العرب والمسلمين من مختلف الجنسيات، حيث منحوا الجنسية والعيش الكريم بعد هروبهم أو لجوئهم من بلادهم حيث الظلم والفساد والاستبداد، وإلا لماذا بذلوا كل الجهود للوصول إلى هذا االبلد وغيره من البلاد الإسكيندينافية والأوربية والأمريكية، التي فعلا (أطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف)، وغالبيتهم في سنّ العمل ورغم ذلك لا يعملون ولا يدرسون، ويعيشون عالة على حساب دافع الضرائب الأوربي، من الراتب الشهري الذي تمنحه لهم بسهولة مؤسسات الضمان الاجتماعي، حيث تنصّ دساتير وقوانين هذه البلاد على أنّ هناك أمور ثلاثة ينبغي أن توفرها الدولة للمواطن أيا كان أصله وهي: حق السكن، حق العلاج،حق الطعام.

كيف أصبح إرهابيا؟

هذا السؤال لا يوجه لحالة إرهابي السويد تيمور عبد الوهاب (من أصل عراقي، 34 عاما)، بل لكافة حالات وعمليات الإرهاب في العالم التي قام بها عرب مسلمون من مختلف الجنسيات العربية. هذا الشاب جاء إلى السويد بمحض اختياره واحترمته ومنحته جنسيتها وراتب شهري يعيش منه بكرامة هو وعائلته، وذهب إلى بريطانيا فاستقبلته ودرس فيها وما زالت أسرته تقيم فيها، كيف يتحول لمجرم إرهابي يخطط لقتل أبرياء من البلد الذي احترمه وحفظ له كرامته، ويموت تاركا زوجته وأطفاله؟. إنّه سؤال مهم ينبغي دراسته لأنّ هذه الحالات الإرهابية تكاد لا تتوقف في مختلف دول العالم، وأغلبها من عرب مسلمين. لماذا  لم نشهد أية عملية إرهابية من مسلم هندي مثلا؟. هذا يقودنا إلى طبيعة التربية والثقافة العربية التي تخرّج منها هولاء الإرهابيون، لأنها تربية أنتجت إرهابا لم تنجو منه دولهم العربية أيضا، بدليل التفجيرات الإرهابية التي شهدتها خاصة المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية. ألم يقم المجحوم (من الجحيم) أبو مصعب الزرقاوي (الأردني الجنسية) في التاسع من نوفمبر 2005 ، بتفجيرات فنادق عمّان الثلاثة التي راح ضحيتها أكثر من 160 مواطنا أردنيا؟. أي ضمير عند هذا المجرم؟ وأية ثقافة وتربية أوصلته لقتل أبناء شعبه؟. لذلك كان يوم السابع من يونيو عام 2006 يوما مجيدا بالنسبة للشعب الأردني، حيث تمّ قتل هذا الإرهابي في العراق، وقيل آنذاك أن الوحدات الخاصة من المخابرات الأردنية شاركت في تتبع الإرهابي وصولا لقتله، وإذا صحّ ذلك فهي تشكر عليه، لأنه انتقام من مجرم قتل أكثر من 160 مواطنا من الأردنيين.

استنكارات متوالية لتفجيرات السويد

لذلك توالت الاستنكارات العربية والإسلامية لتفجيرات السويد الإرهابية، لأنها تسيء لصورة العربي المسلم، وتدعم حجج اليمين الأوربي الذي يدعو لوقف هجرة العرب المسلمين، ومعهم حق في ذلك بناء على هذه الأعمال الإرهابية الموجهة للأبرياء الذين غالبا يتعاطفون مع قضايانا الفلسطينية والعربية.

إدانة الشيخ الإمام حسن موسى

لقد كانت أقوى وأوضح وأسرع هذه الإدانات العربية لتفجيرات السويد الإجرامية، هي الإدانة الصادرة عن فضيلة الشيخ الإمام حسن موسى، إمام مسجد "سود مالم " بالسويد، وعضو الأمانة العامة بالمجلس الأوربي للإئمة، والمجمع العالمي الإسلامي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وعضو مجلس إدارة المؤسسة الأوروسويسرية (ميثاق). اتصلت به هاتفيا بعد إدانته العلنية لهذه التفجيرات الإرهابية، وسألته السؤال التالي:
ما هي مبرراتك الشرعية والأخلاقية لإدانة هذه التفجيرات الإرهابية؟.

فكان جواب فضيلته:

أولا: قول الله تعالى: ( ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ) – سورة الأنعام، 151 -.

ثانيا: لقد بيّن الله عزّ وجل في كتابه العزيز ( أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) – سورة المائدة، 32 -.

ثالثا: هو رفضي الشرعي للمساس بالسلم الاجتماعي للمجتمع السويدي، انطلاقا من الأمر بالوفاء بالعهود التي اتخذها الشخص على نفسه عند التوقيع على طلب التأشيرة أو الحصول على الإقامة والجنسية، فهذا يعني التزامنا أن نكون مواطنين أوفياء لهذا المجتمع، ولا نكون سببا في أذيته، خاصة أنّ القرآن الكريم علّمنا  ونصحنا ( وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسئولا)، سورة الإسراء، 34 .

لذلك بناءا على كل هذه التعليمات والإرشادات القرآنية، وجدت من واجبي الديني الإسلامي إدانة هذه التفجيرات، التي لا تخدم الإسلام بل تقدّم صورة سيئة عنه، عندما يكون مرتكبها عربي مسلم ".

وفي إذاعة السويد العربية،

كرّر فضيلة الشيخ حسن موسى إدانته هذه في القسم العربي بالإذاعة السويدية حيث قال: ( لقد حدث أمر منكر وفعل إجرامي وعمل إرهابي، مخالف للشريعة ولمقاصدها، وحتى لا يقع الناس في ريبة ولا في شكّ، ولا يتردد أي متردد، فإني أقول بإذن الله وبه التوفيق، أنّ هذا العمل محرّم شرعا ومدان وغير مقبول، والشريعة الإسلامية لا تقرّه ). واستشهد فضيلته بكافة الآيات القرآنية السابقة وبحيثيات شرعية أخرى تدين هذا العمل وترفضه، مضيفا : أنّ الأمن والاستقرار في السويد هو واجب ديني واجتماعي. وللشيخ حسن موسى رؤى اجتماعية تقدمية تخدم وتؤسس لوجود عربي إسلامي طبيعي في المجتمعات الأوربية، فهو يرى أنّه فيما يتعلق بهذه الأعمال الإرهابية، فإنّ ( الإدانة وحدها لا تكفي، فلا بدّ من أن ننتقل من الأقوال إلى الأفعال، في إطار خطة وبرامج تشمل كل مناحي الوجود الإسلامي  ، خاصة وأنّ الوجود الإسلامي انتقل من التوطين إلى المواطنة ومن الجالية إلى الأقلية).

وتوالت الإدانات

من مختلف الفعاليات العربية والإسلامية، حيث أعرب (اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا) عن إدانته الشديدة واستنكاره لحوادث التفجير المرعبة، مندّدا بالمحاولات المشينة الرامية لزعزعة الاستقرار التي جسّدتها هذه التطورات العنيفة، مذكّرا أنّ الإسلام يحظر قتل الأبرياء ويمنع الانتحار بكافة أشكاله. وكذلك استنكرت الجالية العراقية في السويد ( هذه الاعتداءات الظالمة التي استهدفت العاصمة السويدية من قبل الإرهابيين والتكفيريين بهدف خلق أجواء الخوف والقلق والفتنة لدى الشعب السويدي المسالم ).

لذلك فلا بد أن تتبع هذه الإدانات المهمة، إدانات أخرى من المرجعيات الإسلامية المشهورة، مثل اتحاد العلماء المسلمين والأزهر الشريف والحوزات العلمية في إيران وغيرها، كي تعرف المجتمعات الإسكيندينافية والأمريكية والأوربية، أنه ليس كل العرب والمسلمين إرهابيين. إنّ سكوت هذه المرجعيات غير مقبول، كي لا يصنّف ضمن خانة ( السكوت علامة الرضا). وتظلّ هذه الإدانات وحدها أيا كان حجمها ومصادرها ليست كافية، فلا بد من مراجعات عميقة لكافة شؤون حياة العربي المسلم لمعرفة أسباب هذا الجهل والتجهيل والتغرير الذي يوصل شباب في مقتبل العمر لهذه اللحظة، التي يضحي فيها بحياته ويرمّل زوجته وييتّم أطفاله، ليقتل أناسا أبرياءا نهى قرآنه ودينه عن قتلهم. لا بد من حملة قوية واسعة عبر مئات الفضائيات الدينية من الشخصيات الإسلامية المشهورة بتأثيرها في عقول النسبة الغالبة من هؤلاء المغرر بهم، ليقولوا لهم صراحة وبصوت عال مسموع: كفى...فما تقومون به لا علاقة له بالدين الإسلامي.  كفى..لا جنّة ولا حور عين تنتظر قتلة أمثالكم...كفى فمصيركم حسب تعاليم القرآن هو الجحيم وبئس المصير. لا بد من هذا التحرك وإلا سيظلّ اليمين الأوربي والأمريكي معه حق في حملاته ضد الوجود العربي والإسلامي، لدرجة الدعوة لرحلات طائرات خاصة بالمسلمين ، كل ركابها وطياريها ومضيفيها من المسلمين، فإن فجّرها واحد من هؤلاء القتلة الإرهابيين، عندئذ ( فخار ويكسر بعضو)، رغم أنّ الركاب والطيارين والمضيفين المسلمين أبرياءا لا يجوز قتلهم....فمن يبدأ هذا التحرك يا شيوخ ودعاة المسلمين ذوي التأثير والنفوذ؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





218
أثرياء أمريكا وأثرياء العرب: ليس ممكنا المقارنة!!


د.أحمد أبو مطر

أتوقع أن يبدو هذا العنوان غريبا في البداية لبعض القراء أو مستفزا من خلال سياق عبثية العنوان أو عدم توقع المقصود منه. ورغم ذلك فهو عنوان جدّي يتعرض لحالة عربية تبدو مخزية عند مقارنتها بمثيلاتها في أمريكا وكندا وبعض الدول الأوربية. ما هي هذه الحالة؟. أترك للقراء فرصة معرفتها وتوصيفها من الخبر التالي الذي بثته وكالات الأنباء العالمية من نيويورك يوم الجمعة العاشر من ديسمبر 2010 . يقول الخبر حرفيا:

" تعهد 17 مليارديرا أمريكيا، من بينهم مؤسس موقع فيس بوك "مارك زوكربرج" بالانضمام إلى آخرين من أثرياء أمريكا للتبرع بنضف ثرواتهم في إطار حملة خيرية قادها اثنان من أكبر أثرياء العالم، هما رجل الأعمال الشهير "وارن بافيت" و مؤسس مايكرو سوفت " بيل غيتس". وأوضحت الحملة في بيان أنّ 57 مليارديرا انضموا حتى الآن إلى حملة التعهد بالعطاء، التي أطلقها غيتس وبافيت في حزيران 2010 . وأضاف البيان أنّ الحملة تطلب من أصحاب المليارات الأمريكيين التبرع بنصف ثرواتهم على الأقل في حياتهم أو بعد وفاتهم و الافصاح عن نياتهم في خطاب يفسّرون فيه قرارهم".

أين أثرياء العرب؟

ألا يطرح الخبر السابق لدى غالبية القراء الآن هذا السؤال: أين هم أثرياء العرب؟. وما موقفهم من ثرواتهم التي تعدّ بمئات المليارات، ولا يعرف عددهم سوى الله والبنوك الأمريكية والسويسرية؟. هل سمع واحد من القراء أن ثريا مليارديرا أو مليونيرا عربيا، أوصى بنسبة ضئيلة من ثروته وليس نصفها، لأعمال خيرية سواء في حياته أو مماته؟. هل فكّر مليارديرا عربيا أن يبني مثلا مستشفيات أو جامعات في بعض العواصم العربية، ويخصصها لعلاج المرضى الفقراء غير القادرين وتعليم المتفوقين من أبناء الفقراء الذين لا يملكون مصاريف ورسوم الالتحاق بالجامعات؟.

تذكّروا المليونير الكندي جيمس ميكجيل

هذا المليونير الكندي من أصول أسكتلندية، وجدوا في وصيته عند وفاته عام 1821 أي قبل 190 عاما، أنه قد خصّص غالبية ثروته وقطعة أرض كبيرة لتأسيس جامعة نوعية. وبدأت أبنية الجامعة باسم (جامعة مكجيل) على مساحة 80 فدانا، تحت جبل مون رويال في مدينة مونتريال الناطقة بالفرنسية،  لتكون الجامعة متخصصة في التدريس باللغة الإنجليزية. بدأ التدريس في الجامعة في زمن الاستعمار البريطاني قبل 45 عاما من تأسيس الاتحاد الكندي. هذه البداية على حساب المليونير جيمس مكجيل، أوصلت الجامعة اليوم لتضم 21 كلية في مختلف التخصصات، وفي كل عام دراسي يوجد فيها ما لايقل عن 34 أف طالب من مختلف دول العالم، مما أوصل عدد خريجيها الذين يعيشون ويعملون في مختلف دول العالم إلى حوالي 200 ألف خريج، لأن الإقبال عليها شديد رغم صعوبة الشروط الخاصة بالقبول الذي لا يحصل عليه إلا الطلبة المتفوقين والمميزين. وهذا ما جعلها واحدة من أهم 21 جامعة في العالم.

وقد كانت دهشتي لا مثيل لها عند زياتي للجامعة في نوفمبر عام 2009 لحضور حفل تخريج فوج من الطلبة من ضمنه ابنتي (بكالوريوس علوم سياسية وفلسفة). وجدتها ليست مباني جامعة بقدر ما هي مدينة مستقلة تحتاج لعدة أيام للتعرف عليها. وكان حفل التخريج لطلبة البكالوريوس والماجستير والدكتوراة، أشبه باحتفالات دولة عظمى بعيدها الوطني. هذا الصرح الجامعي ستة من خريجيه حصلوا على جائزة نوبل، وثلاثة من المتعاونين مع الجامعة حصلوا على نفس الجائزة، وثلاثة منهم رواد فضاء، واثنين منهم رؤساء وزراء كنديين،  وأربعة منهم قضاة في المحكمة العليا الكندية، وتسعة منهم فازوا بجائزة الأوسكار في الفنون، وثلاثة منهم فازوا بجائزة بوليتزر، وثمان وعشرين رياضيا من خريجيها حازوا على ميداليات أولمبية. ومن مفاخر هذه الجامعة العريقة أنّ أحد أساتذتها وهو البروفسور جون هامبيري هو الذي أطلق في ديسمبر عام 1948 "الميثاق العالمي لحقوق الإنسان" الذي ما زال هو المرجعية العالمية لحقوق الإنسان وتطبيقاتها في كافة دول العالم.

هل كان هذا الصرح الجامعي العلمي الهائل أن يكون، لولا تخصيص جيمس مكجيل ثروته لتأسيسه وبنائه قبل 190 عاما؟. وخلال نفس المدة هل يتذكر واحد من القراء أي عمل كهذا منسوب لمليونير أو ملياردير عربي؟.

والمليونير البريطاني ألبرت غوبي

هذا المليونير تبرع في بداية العام 2010 بحوالي 900 مليون دولار من ثروته للأعمال الخيرية، ولم يبق لنفسه وعائلته سوى حوالي 16 مليون دولارا. وعندما سئل لماذا هذا التصرف؟ أجاب: ماذا سأفعل أنا أوعائلتي بعد وفاتي بهذه المبالغ؟ إنّ ما أبقيته في حسابي يكفيني وعائلتي طول العمر أن نعيش حياة مستورة، فلماذا لا يعيش بباقي الثروة مئات من البشر مثلنا؟. وأنا سابقا دعوت الله ( اجعلني مليونيرا واحصل على نصف ثروتي )، فلمّا اصبحت مليونيرا أوفيت بعهدي لله، وتبرعت بأكثر من نصف ثروتي للأعمال الخيرية والبشر المحتاجين في كل قارات العالم؟.

عودة إلى أثرياء أمريكا

فلنتصور أنه خلال أقل من ستة شهور من إطلاق الحملة الخيرية ذات الأبعاد الإنسانية الإيمانية، ينضم إليها57  ملياردير أمريكيا!!. كل واحد يتبرع بنصف ثروته، مما يعني أنّ الحملة ستجمع مئات المليارات من الدولارات، كلها ستذهب لبناء وتأسيس مشايع خيرية خاصة المستشفيات والجامعات ومصانع الأدوية وبيوت العجزة والمسنين، وأغلبها ليس في الولايات المتحدة الأمريكية بل في دول العالم الثالث الفقيرة المحتاجة لتلك المشاريع، ومنها محاربة مرض الإيدز والملاريا والكوليرا وتوزيع ملايين من أجهزة الكومبوتر المحمول مجانا تحديدا  في القارة الأفريقية. وبالتالي أليس غريبا أن نسأل: لماذا تسود هذه الدول العظمى على العالم كله؟.

أثرياء العرب وليلي الأنس في فيينا

بينما أثرياء العرب كما يؤكد لي صديقي الصحفي النمساوي مهوسوون بليالي الأنس في فيينا، ويصرّ هذا الصديق على أن أزوره في فيينا أية ليلة خميس مساءا، ليأخذني إلى مطار فيينا لأشاهد بأم عيني عدة طائرات خاصة بمليونيرات ومليارديرات عرب، واقفة على مدرج المطار تنتظر أصحابها بعد أن ينتهوا من لعب القمار في كازينو فيينا لتعود بهم في اليوم التالي، وقد خسر كل واحد منهم عدة مليونات وهو يتسلى بلعب القمار!!. ومن لا يذهب منهم إلى فيينا يدفع أكثر من مليونين دولار لمجرمين كي يقتلوا سوزان تميم في دبي لأنها رفضت الزواج منه، والمخفي أو المستور من فضائحهم وتبذيرهم يعرفه الله والعديدون من البشر، ولكن من يجرؤ على الكلام؟ بمعنى من يجرؤ على أن يلاقي مصير سوزان تميم أو ناجي العلي أو رضا هلال؟.

إزاء هذه المشاهد الدرامية المبكية،

أليس من حقّنا السؤال: من أقرب للأخلاق والروح الإنسانية والخلق القويم والتفكير في الآخر، أثرياء أمريكا وأوربا أم أثرياء العرب؟. من يتمثل ويطبق قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( خيركم خيركم لأهله )؟. أليس هم أثرياء أمريكا والغرب؟ ، الذين لا يقتصر خيرهم على أهلهم في أمريكا، بل يمتد أغلبه لفقراء أفريقيا والعالم الثالث. أمّا  أغلب أثرياء العرب فخيرهم للفساد وكازينو فيينا والقتل. وبعد ذلك ألا يمكن تفسير وضعنا في نهاية قوائم الأمم بما فيها الآسيوية الصينية واليابانية والكورية، هذه الأمم التي نعتمد عليها في كل أمور حياتنا ورغم ذلك نكفّرها ونلعنها في دعواتنا.

وفي النهاية فليعرف القراء والمعلقون، أنّ هذا ليس جلدا للذات ولا نشرا لغسيلنا الوسخ، بقدر ما هوتحريض على أن نتعلم من الآخرين حسناتهم وايجابياتهم وننافسهم، عندئذ يمكن أن يكون لنا مكانة بين هذه الأمم، فما عاد ينفع التغني بالماضي، بابن رشد والخوارزمي وابن سينا وغيرهم، وما عاد ينفع الرقص على أنغام ( يا زمان الوصل في الأندلس ). فلننظر لهذه الدول كي نرى أنّ عظمتها وصلت إليها من خلال الديمقراطية والشفافية والصدق والتفكير في الآخر والبعد عن الأنانية الذاتية، أيا كانت الملاحظات السلبية على بعض سياساتها، فلنتعلم من ايجابياتهم وننأى عن سلبياتهم.

هل فكّر مليونير أو ملياردير عربي في تخصيص ربع ثروته لتطوير عشر جامعات عربية مثلا؟ كي تصبح ضمن عداد أهم الجامعات العالمية؟. أليس مخجلا أنه لا توجد أية جامعة عربية بين أهم 190 جامعة في العالم ،بينما يوجد من ضمن هذه القائمة 6 جامعات إسرائيلية و 3 جامعات من جنوب أفريقيا؟.  هل فكّر ثري عربي في برنامج عربي شامل حاشد لمحو الأمية في بلده وليس في العالم العربي كله؟ على ضوء أنّ نسبة الأمية  في كافة الأقطار العربية تتجاوز الستين في المئة مع اختلاف النسبة من قطر إلى آخر حسب تقرير التنمية البشرية العربي وليس تقارير الموساد المؤامراتية؟. وبالتالي امّا آن الأوان أن نعرف لماذا ينتصرون علينا في كل المجالات والميادين؟. والله المستعان على أثرياء العرب وملياراتهم!!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




219
تحذيرات المعتدلين العرب من تداعي فرص السلام

د.أحمد ابو مطر

الوضع السياسي والاجتماعي العام في منطقة الشرق الأوسط، ينذر بحلول كوارث جديدة لن يسلم منها أحد، لا فلسطينيا ولا عربيا ولا إسرائيليا، بسبب تعثر عملية السلام بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني،هذا التعثر الذي يزداد انحدارا منذ مؤتمر مدريد عام 1991 ، بعكس كافة محادثات السلام في التاريخ التي تتقدم مع كل جولة، إلا هذه المحادثات التي تزداد فشلا ويأسا من الوصول إلى أي نوع من السلام المؤقت أو الدائم بشكل متواصل ومتصاعد، خاصة أن الجانبين العربي والفلسطيني قدّما كافة التنازلات الممكنة سواء في مبادرة السلام العربية التي أعلنت في القمة العربية الرابعة عشرة في بيروت، مارس 2002 ، تحت شعار ( الأرض مقابل السلام)، أو في اتفاقية أوسلو عام 1993 ، ومن قبلها منذ عام 1988 والفلسطينيون يقبلون بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ضمن حدود عام 1967 أي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومساحتهما لا تتجاوز 20 بالمائة من مجموع مساحة فلسطين المحتلة عام 1948 التي أقيمت عليها دولة إسرائيل، وما نتج عنها من تشريد غالبية الشعب الفلسطيني خارج وطنه.

مواقف معتدلين عربا


 نتيجة هذا التدهور والتجميد غير المنطقي لمسيرة السلام، نجد اليوم مواقف من يصنّفون ضمن فريق المعتدلين العرب أكثر تشاؤما وتحذيرا من أي وقت مضى، رغم أنّ كافة القادة العرب في نفس الموقف، فلا معتدلون ولا ممانعون، فكلهم مع السلام العادل الدائم، خاصة بعد إعلان الرئيس السوري بشار الأسد للصحافة القبرصية والعالمية في الرابع من نوفمبر 2010 ،( أنّ الطريق الوحيد للسلام في المنطقة هو بالمفاوضات بهدف توقيع اتفاقية سلام تعيد الأمور إلى طبيعتها ). لذلك جاءت تحذيرات كل من:

الملك عبد الله الثاني

لم يكن الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية حذرا هذا الحذر القريب من التشاؤم مثل ما أدلى به يوم الثالث من ديسمبر 2010  في ( حوار المنامة ) في البحرين، حيث ألقى الكلمة الرئيسية في مؤتمر الأمن الإقليمي الذي نظّمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بمشاركة 25 وفدا من مختلف دول العالم، وبحضور وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. فقد حذّر الملك بصراحة حول مبادرة السلام العربية من ( أنّ هذه الفرصة لن تبقى إلى الأبد، فثمة تغيرات جغرافية وديموغرافية تهدّد جوهر هذه المبادرة، وهو حلّ الدولتين، الذي يضمن للشعب الفلسطيني الحرية والدولة، بعد أن طال حرمانه من حقه بهما، والذي يكفل لإسرائيل الأمن الذي تطلبه). وللمجتمع الإسرائيلي الذي يفشل هو وحكوماته المتعاقبة مسيرة السلام، يقول الملك عبد الله الثاني : ( إنّ مبادرة السلام العربية لا تعرض نهاية للصراع فقط، بل توفر فرصة لتحقيق السلام الدائم الذي سيتيح لإسرائيل بناء علاقات طبيعية مع 57 دولة عربية وإسلامية، وسيؤدي إلى إزالة خطر الحرب والصراع عن المنطقة). فهل يعي الإسرائيليون شعبا وحكومة هذه الرسالة التحذيرية؟.

 خاصة أنّ الفشل لن تكون نتائجه مقصورة على العرب والإسرائيليين ، بل كما قال الملك عبد الله الثاني ( إنّ بديل السلام هو صراعات جديدة ستتفاعل خارج حدود الشرق الأوسط، وستهدد المصالح الوطنية الاستراتيجية للولايات المتحدة وأوربا وكل المجتمع الدولي، الذي بات طرفا في أكثر من صراع في المنطقة، والذي سيتورط بالتأكيد في المواجهات الجديدة في هذه البيئة التي يسودها الإحباط والتوتر...إنه على إسرائيل ان تختار أين ستكون في المستقبل، فهل ستكون قلعة إسرائيل أو ستكون جزءا من المنطقة؟ وهل ستكون دولة ديمقراطية أو دولة تمييز عنصري)؟. هذه تحذيرات متشاؤمة من السياسات الإسرائيلية من ملك دولة تقيم علاقات سياسية واتفاقية سلام مع إسرائيل منذ عام 1994 ، مع العلم أنها رغم مرور خمسة عشر عاما، ما زالت هذه العلاقات مجرد سفارة مغلقة الأبواب على موظفيها، الذين لا يجرؤون على الخروج إلى الشارع الأردني، حيث الاحتجاجات والاعتصامات المطالبة بإغلاقها وإلغاء اتفاقية وادي عربة لم تتوقف منذ عام 1994 ، وتصاعدت السنوات الأخيرة بعد تجاهل الحكومات الإسرائيلية لكافة المبادرات السلمية الفلسطينية والعربية.

ومحمود عباس أيضا

وهاهو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يوصف من خصومه الحمساويين أنه متخاذل ومتنازل ومهادن، قد طفح به الكيل من الممارسات الإسرائيلية التي تتحدى مشاعر الفلسطينيين جميعا، خاصة من خلال استمرار الاستيطان الذي يكاد يقضي على أي مظهرفلسطيني في القدس الشرقية، ويلتهم أكثر من خمسين بالمائة من أراضي الضفة الغربية التي يتجول فيها جيش الاحتلال ويقتل ويعتقل كما يشاء ليلا ونهارا. لذلك يعلن محمود عباس في نهاية نوفمبر 2010 صراحة بأنه يفكر في حل السلطة الفلسطينية إذا لم توقف إسرائيل بناء المستوطنات، وسوف يسعى لإنهاء الحكم الذاتي، لأنه لا يقبل أن يكون رئيسا لسلطة غير موجودة في حال استمر الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية.

ويزداد الوضع كارثية بإبلاغ الإدارة الأمريكية السلطة الفلسطينية بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتانياهو رفض استئناف تجميد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية. رغم أنّ قرار التجميد هذا في حالة الموافقة الإسرائيلية عليه، يعتبر مجرد ضحك ومهزلة، فالتجميد لا يجيب على سؤال: وماذا عن المستوطنات القائمة فعلا التي تلتهم غالبية الضفة والقدس الشرقية؟. يعني هل يوجد فلسطيني واحد يقبل ببقاء نسبة المستوطنات هذه التي تحول دون إقامة أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية المستقلة مترابطة الحدود والمساحات. ورفض هذا الاستيطان ليس مقصورا على الفلسطينيين والعرب، ففي السابع من ديسمبر 2010 حذّر رؤساء بعثات دول الاتحاد الأوربي في القدس من أنّ سياسة إسرائيل في المدينة المقدسة تهدد بشكل خطير فرص التوصل إلى تسوية إسرائيلية فلسطينية على أساس حل الدولتين، و " إذا لم تتوقف الاتجاهات الحالية بصورة عاجلة، فإن فكرة أن تكون القدس الشرقية العاصمة المستقبلية للدولة الفلسطينية، تزداد ابتعادا وعدم قابلية للتطبيق".

ويستمر الاستفزاز الإسرائيلي

ولا يمرّ يوم دون أن تعطي الحكومة الإسرائيلية دليلا جديدا على عدم رغبتها في أي سلام، إذ كان آخر هذه الأدلة والاستفزازات، هو تتنظيم عضو الكنيست الإسرائيلي "إربه إلداد " في الإسبوع الأول من ديسمبر 2010 مؤتمرا يدعو إلى رفض حل الدولتين الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية ، والتحريض على اعتبار الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين، هذه الدعوة التي قوبلت برفض وشجب أردني في كافة المستويات مطالبين الحكومة الإسرائيلية بتحديد موقفها بوضوح من هكذا دعوات.

ورغم ذلك فالمتضرر هو دولة إسرائيل

لا أعتقد أنّ هناك دولة أو حكومة تعمل ضد مصالح شعبها المستقبلية كما تعمل الدولة والحكومات الإسرائيلية، لأنّ فرص السلام المعروضه عليها منذ عام 1979 لن تستمر طويلا كما أكدّ العاهل الأردني، وعند فلتان الأمور الأمنية في المنطقة لن يتضرر العرب والفلسطينيون أكثر مما هم متضررون الآن، فهم ينطبق عليهم المثل ( خد وتعود على اللطيمة )، بينما هذا الفلتان لن يبقي لدولة إسرائيل أي مظهر من مظاهر الأمان والاستقرار، مهما كانت قوتها العسكرية والتسليحية التي لن تجدي نفعا في مواجهة الملايين الغاضبة التي ما عادت هذه الحياة تختلف عندها عن الموت. هل فكّر الإسرائيليون لحظة في السؤال: ماذا كانت ستنفع ترسانتهم العسكرية هذه، لو كان اجتياح مئات ألاف الفلسطينيين في الثالث والعشرين من يناير 2008 لمعبر رفح باتجاه الحدود المصرية بعد تدمير السياج بالمتفجرات، موجها لمعبرإيرز متوجهين نحو القدس الشرقية؟. هل تستطيع هذه الترسانة العسكرية الإسرائيلية وقف هذه الأمواج البشرية الغاضبة التي تتمنى الموت لأنه أشرف من حياتهم هذه؟.

إنّ فشل مسيرة السلام الحالية، حسب كافة التحذيرات ومنها المعتدلون العرب كما أوضحنا، لن يخسر منها سوى الطرف الإسرائيلي خسارة لم يكن يتوقعها، فهل تعي الحكومة الإسرائيلية  قبل فوات الأوان هذا المأزق القادم لا محالة؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


220
هل تؤمن حماس فعلا بحق العودة؟

د.أحمد أبو مطر

حق العودة بمعنى عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا من ديارهم عام 1948 لتلك الديار سواء كانت تقع فيما سمّي منذ ذلك العام دولة إسرائيل، أو الدولة الفلسطينية الموعودة المستحيلة، هو حلم كل فلسطيني وجدانيا على الأقل، انطلاقا من التساؤل لدى أوساط عدّة: كم هي نسبة من سوف يقررون العودة من اللاجئين في الدول العربية والأوربية والأمريكية؟. خاصة على ضوء أن المرجعية التي يستند لها دعاة ونشطاء حق العودة هي القرار الدولي رقم 194 الصادر عام 1948 قد نصّ صراحة في البند الحادي عشر على:

(تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن الممتلكات للذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف أن يعوض عن ذلك الفقدان أو اضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة).

ومن الواضح أنّ القرار ربط حق العودة بالتعويض لمن لا يرغب، ورغم ذلك فالعودة وقرارها مرفوضان من قبل دولة إسرائيل حتى لو كانت العودة للدولة الفلسطينية المستحيلة التي هي مجرد أوهام أو أحلام في عقول البعض، على ضوء الرفض الإسرائيلي لأية دولة فلسطينية مستقلة خارجة عن الشروط والحدود الإسرائيلية.  وهذا على ضوء التساؤل أيضا: لو فتحت أبواب الهجرة إلى أوربا وأمريكا، كم نسبة الذين سيبقون في القطاع والضفة؟. أي لماذا سيهاجرون طالما هم موجودون فعلا على أرضهم التاريخية؟. وأيضا مع ملاحظة أنّ غالبية دعاة ونشطاء حق العودة هم ممن يحملون جوازات أوربية وأمريكية، فلماذا هاجروا أساسا من الوطن، ويدعون غيرهم لعدم مغادرة الأرض الوطن الأم؟. لماذا ما كان حلالا عليهم أمس، حرام اليوم على غيرهم؟. ولماذا لا يعودون هم طالما الجوازات الأوربية والأمريكية تسمح لهم فعلا بالعودة للوطن. فليعودوا للوطن ويمزقوا الجوازات الأجنبية إن كانوا جادين وصادقين!!!.

موقف وتطبيقات حماس

لا أعتقد أنّ شخصا أو تنظيما فلسطينيا، تحدّث ويتحدّث عن الثوابت الفلسطينية ومنها حق العودة، كما تتحدث وتصرخ حماس في كافة وسائل إعلامها المقروءة والمرئية والإليكترونية. ولكن هل ممارساتها في أرض الواقع وتحديدا في (إمارة طالبان الحماسية) في قطاع غزة، تثبت مصداقية صراخها وشعاراتها الخطابية الورقية هذه؟. أيهما نلوم؟ الاحتلال الإسرائيلي عندما يرفض حق العودة؟ أم حماس عندما تمارس فعلا رفض ومنع الفلسطيني من العودة لبيته وأهله في القطاع؟. هذا السؤال الحزين نابع من ممارسات حماس اللاوطنية منذ انقلابها العسكري الأسود في يونيو 2006 ، إذ تمارس بحق أبناء الشعب الفلسطيني ممارسات أقذر من ممارسات الاحتلال. وهذا ليس تجنيا أو فبركة للأدلة والوقائع، فليتريث القراء والمراقبون ويدقّقوا في هذه المعلومات المسندة لمصادرها الفلسطينية:

أولا:" أكدت أمال حمد عضو المجلس الثوري لحركة فتح أن أجهزة أمن الحكومة المقالة المتواجدة على معبر "ايرز" بيت حانون ، منعت سبعة أعضاء في المجلس الثوري لحركة فتح من مغادرة قطاع غزة الى الضفة الغربية للمشاركة في اجتماعات المجلس في رام الله، والتي كان من المقرر أن تعقد  الاربعاء الرابع والعشرين من نوفمبر 2010 . وقالت" إن أعضاء الثوري انتظروا أكثر من ساعة وتمّ إعادتهم للقطاع، موضحة أن جهودا بذلتها هيئة العمل الوطني للسماح لهم بالخروج من غزة إضافة الى الجهود التي بذلها منيب المصري رئيس لجنة المصالحة الوطنية إلا أنّ جميع الجهود التي بذلت خلال 48  ساعة منيت بالفشل".

ثانيا: منعت سلطات حماس في نهاية شهر نوفمبر 2010 عضوي اللجنة المركزية لحركة فتح عبد الله الإفرنجي و روحي فتوح من الدخول لقطاع غزة، وأعادتهما من معبر إيرز (بيت حانون) وهما قادمان من الضفة الغربية، وأبلغهما ضباط أمن حماس على المعبر أنّ هناك تعليمات من أعلى المستويات السياسية في حماس بمنعهما وأي فتحاوي من دخول القطاع، وعادا أدراجهما إلى الضفة الغربية رغم أن أهلهما وعائلاتهما تقيم في القطاع.

ثالثا: كافة أعضاء حركة فتح وقيادييها الذين أخرجتهم حماس من القطاع عقب انقلابها، وهربوا بالعشرات إلى إسرائيل لتحميهم من بنادق حماس (يا عيب الشوم)، ما زالوا حتى الآن ممنوعين من العودة لأسرهم وبيوتهم في القطاع.

رابعا: منعت حركة حماس في أغسطس 2009 كافة أعضاء المؤتمر السادس لحركة فتح (حوالي 400 عضو) من المغادرة للضفة الغربية للمشاركة في أعمال المؤتمر، وأعلنت الحركة رسميا أنّ كل عضو ينجح في الوصول للضفة لن يسمح له بالعودة للقطاع.

خامسا: أعلن في نفس الشهر (أغسطس 2009 ) محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحماس شخصيا، بأنّ الحركة لن تسمح للرئيس الفلسطيني محمود عباس من زيارة القطاع.


سادسا: أفادت مصادر مطلعة في غزة ( يونيو 2009 ) أنّ الشرطة المقالة التابعة لحماس في قطاع غزة ، قررت منع جميع قيادات وكوادر وأمناء سر الاقاليم وأعضاء لجان الأقاليم من مغادرة  قطاع غزة سواء باتجاه الأراضي المصرية أوالضفة الغربية . وفي سياق متصل أقدم عناصر الأمن المقال على منع الدكتور زكريا الأغا عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح من السفر إلى الخارج للمشاركة في مؤتمر دولي حول اللاجئين وحق العودة.
تصورا المهزلة..تصوروا نتيجة الحرص على الكراسي والسلطة والمال عبر الأنفاق!!! حماس تتشدّق بأنها مع حق العودة، وتمنع الدكتور زكريا الأغا من مغادرة القطاع للمشاركة في مؤتمر دولي حول اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة!.
صراع حماس وعباس سينهي البقية
كل ما سبق من أعمال حركة حماس ضد أبناء شعبها، لا يعني أنّ سلطة عباس في رام الله لا تلاحق الحمساويين وتعتقلهم وتعذبهم، ولكن حتى الآن لم نسمع أنّها منعت واحدا منهم من العودة للضفة الغربية. ويبقى هذا الصراع الحمساوي العباسي شئنا أم أبينا صراع لا علاقة له بالثوابت الفلسطينية، لأنّ برنامج حماس عبر تلميحاتها الأخيرة الصريحة بقبول دولة ضمن حدود عام 1967 ، لا يختلف عن برنامج سلطة عباس، وبالتالي يبقى سؤال الشعب الفلسطيني: لماذا تتصارعون؟ وعلى ماذا تختلفون وتنقسمون، وكل منكم يفعل في الآخر أقذر مما يفعل الاحتلال؟. من يصدّق أنّ انقلاب حماس وفصلها للقطاع عن الضفة إقترب من دخول عامه الخامس، ولا أمل في أية مصالحة ووحدة وطنية فلسطينية حقيقية، فالطرفان يناوران ويلعبان لإضاعة وأطالة الوقت، لأنّ المصالحة ليست في صالح مصالحهم الشخصية والتنظيمية، هذه المصالح التي حولت العديد منهم من فقراء مثل بقية الشعب الفلسطيني، إلى أصحاب ملايين وبيوت وفيلل في أكثر من عاصمة عربية. لذلك فهذا الانقسام الفلسطيني المصلحي مستمر ليس لسنوات ولكن لعقود طويلة، تماما كالانقسام القبرصي الذي بدأ عام 1974 ، واعتقد المتفائلون من الطرفين اليوناني (جنوب قبرص) والتركي(شمال قبرص)، انه انقسام لن يستمر أكثر من شهور قليلة، وإذا هو اليوم مستمر منذ 36 عاما أي أنه انقسام للأبد، وهذا هو مصير الانقسام الفلسطيني الغزّاوي الضفّاوي، ونشكر الله والجغرافيا أنه لا توجد حدود مشتركة بين القطاع والضفة، وإلا لمارس الطرفان ضد بعض حروب عصابات واجتياحات ومطاردات يعجز عنها جيش الإحتلال الإسرائيلي.
إبراهيم طوقان وبقية البقية
إزاء هذا المشهد الفلسطيني المحزن، تذكرت فجأة الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان الذي توفي عام 1941 أي قبل سبعين عاما . وفي ذلك الوقت كان صراع الأحزاب والعائلات الفلسطينية وتحديدا (النشاشيبي والحسيني )، لا يختلف عن صراع حماس وفتح اليوم ، فمنهم آنذاك من ارتمى في أحضان الانتداب البريطاني، ونكاية فيه ذهب الآخر إلى ألمانيا لطلب الرضى والدعم من النازي هتلر، تماما كما يرتمي البعض اليوم في أحضان ولي الفقيه أحمدي نجاد. لقد استشعر الشاعر إبراهيم طوقان ، صاحب النشيد الوطني الفلسطيني (موطني..موطني ) آنذاك ، أنّ القضية الفلسطينية ضاعت، ولم يبق منها سوى بقية، فصاح في المتنازعين والمتصارعين:
في يدينا بقية من تراب   فاستريحوا كي لا تضيع البقية
فماذا سيقول إبراهيم طوقان لو عاد للحياة اليوم، ورأى بعينيه ما آلت إليه هذه البقية بعد صراع حماس وفتح؟ أنصح الشاعر إبراهيم طوقان بالبقاء في قبره كي لا يموت مرة ثانية، لأن نشيده (موطني) حولّه أثرياء الأنفاق في غزة وأمراء الأمن في رام الله إلى نشيد وطني بدون وطن، وأقول له أيضا:
إبراهيم كانت في زمانك بقية      أما اليوم فهي فتات البقية
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net

 





221
رسالة سعد الحريري..هل يستوعبها النظام الإيراني؟

د.أحمد ابو مطر

الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى إيران يوم السبت الماضي السابع والعشرين من نوفمبر 2010، بالغة الأهمية خاصة أنها تأتي ردا على زيارة رئيس الجمهورية الإيرانية أحمدي نجاد إلى لبنان في الرابع عشر من أكتوبر 2010 ، تلك الزيارة التي انقسم حولها الشارع اللبناني بين مؤيد بشدة وتصفيق عال، ورافض بصراحة قوية وواضحة. ولكن زيارة سعد الحريري كما أعتقد لن يختلف عليها الشارع اللبناني بأية نسبة من النسب، لأن جمهور مؤيدي إيران سيفرح لهذه الزيارة لأنها لمركز إقليمي داعم ومؤيد لهم في السرّاء والضرّاء، في حين أن الجمهور الذي عارض زيارة نجادي، سيؤيد زيارة سعد الحريري بوضوح لأنها ضرورية لدعم الاستقرار الداخلي في لبنان، إذا قرّر النظام الإيراني دعم هذا الاستقرار من خلال دعوته لجمهوره ومؤيديه التزام الهدوء أيا كان مضمون القرار الظني المرتقب للمحكمة الدولية، وهذا ما أشار إليه صراحة سعد الحريري في تصريحاته قبل بدء الزيارة، خاصة انّ هذه التصريحات كانت شبه رسالة موجهة للنظام الإيراني عبر وكالة الأنباء الإيرانية.

ما هي مضامين هذه الرسالة؟

إنّ توقيت زيارة سعد الحريري مقصود ومدروس إذ تأتي بعد أقلّ من شهر ونصف على زيارة أحمدي نجاد للبنان، وعادة لا يكون ردّ الزيارات الدبلوماسية بهذه السرعة، ولكنّ الحريري قصد منها الحج إلى طهران - مباشرة بعد انتهاء زيارة أردوغان التركي - أملا في قدرة النظام الإيراني على كبح جماح قاعدته اللبنانية (حزب الله ) من ردود فعله السلبية نحو الداخل اللبناني بعد صدور القرار الظنّي للمحكمة الدولية، الذي بات مؤكدا عبر تسريبات عديدة أنّه سيوجه الاتهام لبعض عناصر حزب الله لتورطهم في محاولة الاغتيال هذه. والسؤال هل تستطيع طهران ذلك؟. أي هل تستطيع الإملاء على حسن نصر الله وحزبه بالرضوخ للأمر الواقع والتهدئة بعد صدور القرار، ونسيان تهديداته العلنية بقطع الأيدي إن توصل القرار الظني لحزبه ؟.

أرى ضمن تحليل معطيات استقواء حزب الله على الداخل اللبناني كما حدث في اجتياحه بيروت في مايو 2008 ، أنّ هذا الحزب لا يستطيع مطلقا أن يعصى أمرا أيا كان للنظام الإيراني، لأنه مصدر تمويله بالمال والسلاح الذي جعله ليس حزبا لبنانيا داخل لبنان بجوار الأحزاب الأخرى، ولكن دويلة مستقلة داخل الدولة اللبنانية، وهذه الدويلة أقوى من الدولة الأم، بدليل سيطرتها على ضواح ومدن كاملة لا وجود فعلي للدولة اللبنانية فيها، خاصة الضاحية الجنوبية لبيروت بما فيها مطار بيروت، وغالبية مدن الجنوب اللبناني، وأفضل دليل على ذلك الاستقبال الذي أقامه حزب الله للواء جميل السيد عند عودته إلى بيروت في الثامن عشر من سبتمبر 2010 ، حيث حشد الحزب ألاف من عناصره ومسلحيه داخل المطار وخارجه، حيث نظّموا استقبالا شعبيا وعسكريا رافق اللواء من المطار إلى منزله، كي لا يتمّ اعتقاله على خلفية تهديداته العلنية لرئيس الوزراء سعد الحريري، وأعلن اللواء صراحة  أنّ عودته جاءت بعد ضمانات حزب الله له بعدم اعتقاله واستجوابه وهذا ما كان حتى اليوم. لذلك فحزب الله في الداخل اللبناني لا يستطيع أن يرفض أمرا للنظام الإيراني أيا كانت حيثياته، لأنّ هذا الرفض أساسا غير وارد لأيمان قادة الحزب بنظرية الولي الفقيه التي تعني طاعة ولي الفقيه في كل أوامره وتعليماته، لأنه حسب عرفهم واعتقادهم وكيل الله في الأرض، وهذا ما تنصّ عليه النظرية صراحة.

وهل من مصلحة إيران تهدئة الداخل اللبناني؟

نعم، أرى أنّ من مصلحة إيران الآن ومستقبلا، أن يبقى الوضع اللبناني الداخلي هادئا ومستقرا لسببين:

الأول: هو إدراك النظام الإيراني لحجم خسارة حزبه (حزب الله) في الداخل اللبناني بسبب استقوائه على هذا الداخل بالمال والسلاح الإيراني، لذلك فالغضب أساسا يوجه للحزب والنظام الذي يدعمه في هذا الاستقواء.

الثاني: رسالة إيرانية لإسرائيل والدول الغربية مفادها، أنّ نظامه يمتلك مفاتيح التهدئة أو التوتير في داخل الساحة اللبنانية، لذلك لوحظ أثناء زيارة أحمدي نجاد لجنوب لبنان في زيارته الأخيرة للبنان، ضبطه للنفس وعدم قيامه بأية حركات استفزازية للجانب الإسرائيلي، ومن ضمنها ما كان مقررا له أن يرمي حجارة على الجانب الإسرائيلي عبر بوابة فاطمة. وهذه ورقة مهمة في سياق بحث الملف النووي الإيراني والعقوبات الدولية على إيران ، لذلك ليس مصادفة أن يعلن الجانب الإيراني أثناء زيارة الحريري بهدوء كامل بعيدا عن أي ضجيج إعلامي كعادته، عن بدء تشغيل مفاعل أولى محطاتها النووية في بوشهر كما أفصح عن ذلك علي أكبر صالحي، رئيس البرنامج النووي الإيراني. هذا دون ردود فعل غربية قوية وقاسية حتى الآن كالعادة، خاصة أنّ هذه الدول لا تمانع في برنامج نووي إيراني سلمي.

ضمن هذه الرؤية أعتقد أنّ زيارة الحريري لإيران، سينتج عنها ضمانات إيرانية تردع حزب الله من أي ردود فعل انتقام داخلية كما يهدد الآن ومارس سابقا، حتى وإن تضمّن القرار الظنّي اتهامات لعناصر من الحزب في اغتيال رفيق الحريري، وهذا الردع مردّه إلى التباحث في عدة سيناريوهات محتمله، أهمها:

1 . أنّ القرار ما يزال (ظنّيا) أي أنه لا يحمل صفة القرار الاتهامي القطعي، الذي يستوجب اعتقالات ومحاكمات لأشخاص محددين فورا.

2 . يمكن اعتبار هؤلاء الأشخاص في حال المطالبة باعتقالهم وتقديمهم للمحكمة الدولية، أنهم تصرفوا بشكل فردي لا علاقة له بقيادة الحزب أو بتعليمات صادرة عنها.

3 . الاعتماد على نظرية ( لا يمكن محاكمة الموتى ) في ظلّ تسريبات تقول، أنّ المتهم الأول من أعضاء الحزب هو كادره الأمني والعسكري عماد مغنية الذي تمّ قتله في دمشق في فبراير 2008 ، ومن أهم ما رافق ذلك القتل أو الاغتيال، سكوت حزب الله بالكامل ما عدا تصريح بأن الحزب سوف ينتقم لمقتله، ومن ذلك التاريخ أي بعد مرور أكثر من عامين لم نر انتقاما للحزب من أية جهة أو دولة. وكذلك رفض الجهات السورية أية مشاركة للحزب أو إيران في التحقيقات الخاصة بعملية القتل، وأيضا لم تعلن السلطات السورية أية معلومات عن نتائج التحقيق حتى اليوم. أمّا السيدة سعدى بدر الدين أرملة عماد مغنية فقد صرّحت آنذاك لموقع"البزر" الإيراني بأنّ السلطات السورية سهّلت قتل زوجها، معتبرة أنّ الدليل على ذلك رفض مشاركة محققين إيرانيين في التحقيق، وأعقب ذلك قيام السفارة الإيرانية  بتأمين رحيلها من دمشق وصولا إلى طهران بحكم أنها إيرانية الأصل والجنسية. وما يساعد على تبني نظرية الموتى هذه، قائمة القتل أو الاغتيال التي طالت مسؤولين سوريين لهم علاقة بالملف اللبناني، وكلهم قتلوا بعد اغتيال الحريري.

لذلك قصد سعد الحريري قبل وصوله إلى طهران وعبر وكالة الأنباء الإيرانية الإشادة بالدور المطلوب من النظام الإيراني وهو قادر عليه، إذ قال: " إنّ إيران معنية بكل مسعى لتوفير مقومات الاستقرار في كل بلدان المنطقة ومن ضمنها لبنان...إنّ دور الجمهورية الإسلامية في المنطقة دور طبيعي ينطلق من الوزن التاريخي والسياسي والاقتصادي لدولة بهذا الحجم وبهذه العراقة الحضارية في الجوار العربي).

الاعتقاد أنّ الحريري توصل لضمانات خاصة بالاستقرار اللبناني قبل بدء زيارته إلى طهران، وهذا هو المؤمل إذا اقتنع النظام الإيراني أن مصلحته العربية والعالمية تقتضي التوقف عن فكرته الخاصة بتصدير الثورة أي تصدير نظرية ولي الفقيه، رغم فقدان الأمل في ذلك من أعمال النظام من حين إلى آخر، التي كان آخرها شحنة السلاح التي تمّ اكتشافها في نيجيريا، واعترف النظام أنها كانت في طريقها لدولة ثانية، اكتشف أنها غامبيا التي قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران..فلماذا إرسال السلاح إلى دولة غامبيا في القارة الأفريقية؟
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net






222
من سيذهب بلبنان إلى المجهول؟


د.أحمد أبو مطر

التصريح الذي أدلى به حسن خليل المعاون السياسي للسيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، يوم العشرين من نوفمبر 2010 بعد زيارته لحليف الحزب العماد ميشيل عون رئيس التيار الوطني الحر، تصريح خطير بكل معاني الخطورة السرّية والعلنية، لأنه يعبّر عن نوايا وخطط مبيتة لدى الحزب وحلفائه، إذ لم تسر كل مجريات الساحة اللبنانية وفق ما يريدون. ففي تصريحه ردا على أسئلة الصحفيين حول التداعيات المحتملة للقرار الظني المرتقب عن المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري  في فبراير عام 2005 ، عبّر عن أمله في نجاح ما سمّاه ( الجهد العربي خصوصا السوري السعودي) في وقف صدور القرار الظني، وإلا (بتقديري إذا لم يحصل هذا الأمر يمكن أن يذهب لبنان إلى المجهول).

هناك العديد من الملاحظات حول المحكمة الدولية المعنية  بالتحقيق في اغتيال الحريري ومنها:

1 . تداخل عملها مع أجندات سياسية مختلفة، مما أفقدها مسبقا نسبة من حياديتها المتوقعة من هكذا محكمة، بدليل استقالة أكثر من مسؤول ممن كانت لهم صلاحيات عليا فيها.

2 . هناك العديد من الشخصيات اللبنانية التي تمّ اغتيالها قبل رفيق الحريري، مثل كمال جنبلاط وبشير الجميل وسليم اللوزي، وبعد الحريري تمّ اغتيال العديد منهم  عماد مغنية ،جبران تويني ، سمير قصير وآخرون، ولم يتم تشكيل محكمة دولية للتحقيق في اغتيال هذه الشخصيات المهمة، فلماذا التحرك الدولي لاغتيال الحريري فقط؟.

3 . وهناك العديد من الشخصيات الفلسطينية والعربية التي تمّ اغتيالها مثل الرئيس ياسر عرفات، الشيخ أحمد ياسين، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، محمد المبحوح، يحيى عياش،المهدي بن بركة وآخرون، ولم يطالب أحد بتشكيل محاكم دولية للتحقيق في اغتيالهم. فهل اغتيال عن اغتيال بيفرق؟.

4 . قضية ما يعرف ب "شهود الزور" لا بد من حسمها لبنانيا، لأن حزب الله معه الحق كل الحق في الاصرار على هذه المسألة، لأنّ هؤلاء الشهود قد ضللوا مسار التحقيق في قضية اغتيال الحريري، بدليل تبرئة سورية من قبل سعد الحريري شخصيا، ثم الإفراج عن الضباط الأربعة بعد سجن أربعة سنوات. والعدالة لا تتجزأ، فكما أنه من الضروري الكشف عن قتلة الحريري، فمن الضروري معاقبة شهود الزور هؤلاء لأن هدفهم كان التستر على قتلة الحريري الحقيقيين، أو تلفيق أدلة كاذبة للحصول على امتيازات شخصية.

ورغم ذلك يبقى السؤال المهم هو:

لماذا..ومن يخاف المحكمة الدولية؟

كرّرالسيد  حسن نصر الله ووسائل إعلام حزب الله مرارا امتلاك الحزب الوثائق المسجلة والمصورة التي تثبت مسؤولية إسرائيل عن عملية اغتيال الحريري، لذلك فلا يفهم كثير من اللبنانيين والعرب، لماذا تتركز معارضة المحكمة الدولية عند حزب الله فقط، طالما هو يمتلك هذه الأدلة القاطعة المؤكدة، لأنه مهما كانت المحكمة مسيسة، وتنصاع لرغبات دول أخرى عظمى أم غير عظمى، فلا يمكنها أن تتجاهل أدلة حزب الله في حال تقديمها ومساعدة المحكمة في إثبات هذه الأدلة، لأنه في عصر العولمة الإعلامية، ما عاد ممكنا إخفاء أية حقيقة بدليل عشرات ألاف الوثائق السرّية التي كشفها موقع ويكليكس. فلماذا يعارض حزب الله وحده المحكمة الدولية إذا كان بريئا من اغتيال الحريري، ويملك أدلة ثابتة حسب إعلان قياداته تدين إسرائيل؟. فهل المعارضة للمحكمة الدولية مبرر في هذه الحالة؟. إنّ المنطق عندئذ لا يحتمل سوى هدفين: إما الخوف من إدانة المحكمة لعناصر من حزب الله، أو أنّ ما يقوله الحزب عن أدلة تثبت تورط إسرائيل غير مقنعة وليست صحيحة، لأنه من غير الممكن أن يكون هدف الحزب من معارضة المحكمة هو عدم إدانة إسرائيل، وبالتالي لو كان ما يملكه الحزب مقنعا لما عارض وحده المحكمة بهذا الشكل العنيف الذي يهدد من خلاله الأمن والاستقرار اللبناني بأجمعه.

موقف سعد الحريري وتبرئة سورية


ما يزيد الموقف تأشيرا نحو حزب الله، هو ما أعلنه سعد الحريري منذ شهور قليلة عن قناعته ببراءة سورية من دم والده، وفي الوقت ذاته ما تمّ تسريبه حول تلميح سعد الحريري لحزب الله بأنّ القرار الظني سوف يدين عناصر من الحزب، وجرى إثر ذلك تداول سيناريوهات منها أن يعترف الحزب بذلك، ويعلن أنها عناصر غير منضبطة تصرفت بدون أوامر من قيادة الحزب، ويتم محاكمتها داخل لبنان. ورغم تبرئة سعد الحريري للنظام السوري، إلا أنّ ملفات تحقيق المحكمة الدولية ستتعرض للشخصيات السورية التي تمّ اغتيالها بعد اغتيال الحريري، ومنها العميد محمد سليمان الذي اغتيل في دمشق في أغسطس 2008 ، بعد ستة شهور تقريبا من اغتيال عماد مغنية المسؤول العسكري لحزب الله في منطقة المخابرات السورية (كفر سوسة) في فبراير 2008 ، ومن بعدهم وزير الداخلية السوري اللواء غازي كنعان الذي اغتيل في مكتبه في دمشق في أكتوبر عام 2005 أي ستة شهور بعد اغتيال رفيق الحريري،  ثم الإعلان أنه انتحر.

 والملاحظة المهمة لدى ضباط تحقيقات المحكمة الدولية هي: لماذا أغتيل عماد مغنية في دمشق، وبعده بستة شهور يتم اغتيال العميد السوري محمد سليمان الذي كان مسؤولا عن ملف عماد مغنية لدى المخابرات السورية؟. وما لم يتم نشره والتركيز عليه ما تمّ وسط هذين الاغتيالين في أبريل 2008 وهواغتيال مدير مكتب خالد مشعل المدعو (هشام أبو لبدة) وعائلته بالكامل وهم في سيارته على طريق دمشق حمص، دون أن تنشر حركة حماس أي خبر عن الحادث أو تفتح تحقيقا فيه ، كما سكت حزب الله نهائيا على اغتيال عماد مغنية في دمشق، ولم يهدد بقطع أيدي كل من تورط في اغتياله، بينما يهدد في وجه المحكمة الدولية بقطع كل يد تمتد للمقاومة، وكأن المحكمة الدولية لديها جيش جرّار سيأتي لبنان لنزع وتدمير سلاح المقاومة الذي لم تتمكن إسرائيل بكامل قوتها من نزعه وتدميره.

نعم فلتقطع كل يد تمتدّ لسلاح المقاومة

أعتقد أنّ أي وطني ذو ضمير إنساني ، يرفض المساس بسلاح المقاومة أيا كانت هويتها، فيتنامية أم لبنانية أم فلسطينية، لأنّ مقاومة الاحتلال-أي احتلال- مشروعة. ولكن هل مقاومة الاحتلال تعطي غطاءا لمقاوم إذا ارتكب جريمة؟ سواء ارتكبها بتصرف شخصي أم بأمر من قيادته؟. أعتقد أنّ المنطق الأخلاقي يدين المقاوم إذا ارتكب جريمة أكثر من إدانته للشخص العادي، بدليل ان حركة حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في رام الله، سبق أن حكمتا بالإعدام على أكثر من شخص من عناصرها لارتكابه جريمة التجسس لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي، أي أن مقاومته السابقة لم تغفر له جريمته فتمت معاقبته عليها.

لذلك أرى أنه من غير الوطني ولا النضالي أن يهدد حزب الله بأخذ لبنان إلى المجهول، إن صدر القرار الظني عن المحكمة الدولية. وهو تهديد جدّي غلّفه حسن نصر الله بسلاح المقاومة، بينما أعطاه معاونه السياسي محمد خليل اسمه الحقيقي (القرار الظني). وهذا ما هو مخيف لأن المجهول الذي يهدد به محمد خليل، ليس مجهولا في الساحة اللبنانية، إذ له له شاهدان عاشهما اللبنانيون وسط شلالات من الدم: الأول هو الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت حوالي ستة عشر عاما ( 1975 – 1991 ). والثاني هو اجتياح حزب الله لبيروت في مايو 2008 وما تخلله من قتل وتدمير.

الملاحظة التي ينبغي الانتباه لها، أنّ هذه الحرب الأهلية اللبنانية توقفت بعد وساطة المملكة العربية السعودية، وتوقيع الأطراف اللبنانية المتحاربة اتفاق الطائف في أغسطس 1989 ، وهو الاتفاق الذي أوقف تلك الحرب، وأعاد لبنان إلى الحياة البرلمانية التي تراعي خصوصيات كافة مكونات النسيج الوطني اللبناني. واليوم في ظل هذا المجهول يراهن اللبنانيون خاصة حزب الله على نجاح الوساطة السعودية السورية في إغلاق الطريق نهائيا أمام هذا المجهول، وهذا ما يأمله اللبنانيون فقد كفاهم قتالا وتشرذما. ونأمل فعلا أن تنجح الوساطة السعودية السورية عبر اتفاق الطائف رقم 2 أو اتفاق دمشق رقم 1 ، فلا يهمّ أين يوقع الاتفاق، المهم تجنيب لبنان ذلك المجهول المعلوم، الذي إن سار إليه فسيكون عبر قياداته وأحزابه وشخصياته، فلا يوجد مجهول من الفضاء يمكن أن يؤدي ببلد لذلك دون أدوات داخلية من أبنائه.

 والمفارقة المبكية في تكتلات اليوم اللبنانية التي يمكن الذهاب بلبنان عبرها إلى المجهول، هي أن هذه التكتلات ليست مبدئية بقدر ما هي مصلحية مؤقتة لدى البعض. فمثلا العماد ميشيل عون، حليف حزب الله القوي اليوم لدرجة أنّ بعض اللبنانيين يسميه (السيد ميشيل عون، تماشيا مع صفة السيد حسن نصر الله )، رفض العماد-السيد اتفاق الطائف في أغسطس 1989 ، ورفض انتخاب النواب العائدين من الطائف آنذاك رينية معوض رئيسا للجمهورية، لأن الاتفاق كان ينصّ على انتشار سوري في الأراضي اللبنانية، وتم اغتيال رينية معوض بعد أسبوعين من انتخابه رئيسا للجمهورية، وخلفه الياس الهراوي الذي رفض العماد أيضا الاعتراف به، وتمت الاطاحة بالعماد من خلال عملية عسكرية سورية لبنانية برّية وجوية، ألجأته للهرب إلى السفارة الفرنسية التي ظلّ مختبئا فيها غير آبه بعناصره الذين تركهم وراءه، إلى أن  نقلته السفارة إلى باريس التي ظلّ فيها لاجئا لمدة 15 سنة، ليعود بعد خروج الجيش السوري من لبنان، طالبا رضى ومغفرة النظام السوري وحزب الله، فكان له هذا عبر زياراته لدمشق وطهران. لذلك يسأل اللبنانيون سؤالا يشبه فوازير رمضان: ( ما الفرق بين جنرال باريس أمس وجنرال بيروت اليوم؟). ورغم ذلك يبقى الأهم من كل هذه الأسئلة هو سؤال: من  سيذهب بلبنان إلى المجهول؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net






223
متطرفون في أوربا، جبناء في بلادهم
عمر بكري و أنغام شودري مثالا

د.أحمد ابو مطر

أعتقد أنّ قوانين الحريات العامة ومن ضمنها حرية التعبير في أوربا، أسهمت بنسبة عالية في تنمية وتزايد الأفكار المتطرفة الداعية للعنف والإرهاب، الذي غالبا يتمّ من خلال عرب ومسلمين، يقدّمون أنفسهم على أنهم (دعاة) أو(مفتين) مسلمين، لأن الدخول عبر أية تسمية مشتقة من الإسلام أو لها علاقة به، فهي أسرع وسيلة لتمرير هذه الأفكار المتطرفة، لعقول وقلوب نسبة عالية من الشباب الذين مرّوا بمراحل غسيل دماغ، جعلتهم نتيجة جهلهم وعدم ثقافتهم، يصدّقون هؤلاء الأدعياء الذين نصّبوا أنفسهم زورا كناطقين بإسم الإسلام. هناك فرق كبير بين أن يتحدث الشخص باسمه أيا كان هذا الإسم، وبين أن يلحق بإسمه صفة ( الداعية الإسلامي) أو ( المفتي الإسلامي) وغيرها من الصفات المشتقة أو المنسوبة للإسلام وما أكثرها. لذلك فإن صورة العربي أو المسلم في الدول الأوربية والأمريكية لا يأخذها المواطن الأوربي أو الأمريكي من قراءته الكتب والمصادر الإسلامية، بل من تصرفات العرب والمسلمين في تلك الدول وممارساتهم المقرونة بتصريحات من أولئك مدّعي العمل في الدعوة والإفتاء، مستغلين قوانين حرية التعبير في أوربا وأمريكا كونها تتسع لغالبية الأفكار.

من هنا يستغل هؤلاء الأدعياء باسم الإسلام هذه القوانين لبث أفكارهم الشاذة والمتطرفة الداعية للعنف والإرهاب، مما يشوّه صورة العربي والمسلم في كافة تلك الدول. وبالتالي ما تعيشه تلك الدول ليست (إسلام فوبيا) مصطنعة، بقدر ما هي حقيقة نتاج تصرفات نسبة من العرب والمسلمين، خاصة الذين يقدّمون أنفسهم كدعاة وناطقين باسم الإسلام. والغريب لحد الدهشة لو أنّ اوربيا نادى بنسبة بسيطة من نوعية تلك الأفكار، باتجاه العرب والمسلمين سواء وهو في أوربا أو في بلاد المسلمين، لشاهدنا عشرات المظاهرات ودعوات الاحتجاج والمقاطعة وحرق السفارات، كما حدث ردا على الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم. بينما عندما يصدر ما هو أسوأ منها من عرب ومسلمين في أوربا وأمريكا اتجاه الأوربيين والأمريكان، تقابل تلك الأعمال بالتصفيق والدعم من جمهور المغسولة أدمغتهم الذين نسبة الأمية بينهم تزيد على ستين بالمائة، والسكوت التام المطبق من كافة علماء وشيوخ العرب والمسلمين، بما فيهم من يقدّمون أنفسهم على أنهم من دعاة التسامح والاعتدال والتعايش وحوار الديانات، والتخوف هنا نابع من المثل العربي القائل ( إنّ السكوت علامة الرضا).

والدليل أنه طوال عشر سنوات متتالية من تحمل أسامة بن لادن ومساعده أيمن الظواهري مسؤولية أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإجرامية، والافتخار بها سنويا واعتبار الإرهابيين الذين قاموا بها أبطالا وشهداءا مصيرهم الجنة، لم يصدر أي تصريح أو فتوى إدانة لهذه الأعمال الإرهابية ومن أعلنوا مرارا مسؤوليتهم عنها، رغم أن من بين ألاف القتلى مئات من العرب والمسلمين، فأين هؤلاء الشيوخ والدعاة الساكتون من قول الله تعالى ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا). فلماذا السكوت على هذا الإجرام بحق أبرياء، لا دخل لهم بتصرفات حكوماتهم إن حاول البعض أن يعزي هذا الأعمال لسياسات حكامهم؟. والداعي لإدانة هذا السكوت المشين، هو أنه لم تصدر أية إدانة من شيخ أو فقيه أو مرجع إسلامي لجريمة وإرهاب قتل ما لا يقل عن ثمانين مواطنا عراقيا في كنيسة النجاة ببغداد قبل أيام قليلة. من يتصور هذا الإجرام الذي يسمح المجرمون الإرهابيون الذين قاموا به لأنفسهم أن يقتلوا بالسكين ويجزوا رقاب الكهنة والأطفال المسيحيين؟. بينما أقام هؤلاء الساكتون الدنيا ولم يقعدوها بعد على احتجاج شخصيات ومنظمات أمريكية رافضة لبناء مسجد قرب موقع إرهاب الحادي عشر من سبتمبر؟. أية إزدواجية ونفاق هذا خاصة في ظلّ العشرات من الأمثلة الفاقعة ومنها؟.

مواقف وتصريحات عمر بكري


يقدّم هذا الشخص نفسه على أنّه (داعية إسلامي)، ويصفه أتباعه بأنه متشدد، وعاش في بريطانيا عشرين عاما (1986 – 2005 )، وكان طوال هذه السنوات يصول ويجول ويعيش على حساب دافع الضرائب البريطاني، لأنه لم يعمل يوما ما في عمل رسمي يدرّ عليه دخلا ماديا يعتاش منه، رغم أن مال الضرائب البريطاني في عرفه مال حرام، إلا أنه أيضا حلال طالما هو يعتاش منه، ويتنقل ناشرا أفكاره الإرهابية التي تحث على العنف والقتل، وتشيد بالقتلة كما وصف مجرمي الحادي عشر من سبتمبر بأنهم (أبطال رائعون).  وقد أعلن بصفته وصيا على العالم أجمع بأن رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجور الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين والرئيس الباكستاني برويز مشرف ، أهدافا مشروعة للقتل والاغتيال. فلماذا ذهب في عام 1986 يستجدي بريطانيا اللجوء والإقامة، ووفرتهما له طوال عشرين عاما؟. وقد تمّ إبعاده وترحيله من بريطانيا قبل خمسة أعوام، ولم يسمح له بالعودة للبلاد التي خدعها وأخلف وعده لها رغم أنها أطعمته من جوع وآمنته من خوف، وإلا لماذا هرب من وطنه سوريا ولجأ إلى بريطانيا؟.

هذا الشخص ظل متخفيا في طرابلس شمال لبنان التي لجأ إليها، بسبب أنه يحمل الجنسية اللبنانية بالإضافة للجنسية السورية. وطوال السنوات الخمسة الماضية، وهو يشجع العنف والإرهابيين من جحره في طرابلس، إلى أن اعتقله الأمن اللبناني يوم الأحد الرابع عشر من نوفمبر 2010 ، بسبب حكم سابق صادر عليه بالسجن المؤبد بتهمة تنفيذ أعمال إرهابية، والانتماء إلى جماعات مسلحة محظورة وحيازة أسلحة ومتفجرات، ومساعدة مجرمين فارين من جه العدالة على الاختفاء والهروب. هذا الداعية العبقري حامل زورا بعض مفاتيح الجنّة، لا يعترف بالقانون الوضعي في لبنان وبريطانيا، ويطالب بتشكيل محكمة شرعية إسلامية لمحاكمته.  ورغم كل ذلك يظلّ هذا الشخص محل شبهات كثيرة حسب تصريح المسؤول الأمني اللبناني ، بأنه «كان يستخدم نشاطه الديني غطاءً لنشاطه الاستخباري المشبوه، وأنه كان تحت مراقبتنا إلى حين تجمّعت لدينا معطيات خطيرة عنه».

وأنغام شوادري على الطريق نفسه

هذا الشخص (43 عاما) و يقيم في بريطانيا، ويقدّم نفسه رسميا بأنه (مفتي مسلم)، وحسب اسمه غالبا فهو باكستاني أو إيراني الأصل. هذا المفتي دعا في نهاية عام 2009 علنا ملكة بريطانيا اليزابيث التي ترأس بروتوكوليا الكنيسة الإنجيلية البريطانية، إلى اشهار إسلامها كي تضمن دخول الجنّة، ودعا صراحة إلى إنقلاب إسلامي في بريطانيا- المملكة المتحدة. وطالب بتنظيم مظاهرات ومسيرات لرفض الديمقراطية البريطانية التي لا تعجبه، متناسيا أنّ هذه الديمقراطية هي التي أتاحت له نشر هذه المواقف التي تتنكر أيضا للبلاد التي آوته وأعطته جنسيتها.
هل يجرؤ في بلاده،
سواء كانت باكستان أم إيران أم أية دولة إسلامية، أن يعلن رفضه وتمرده على الفساد والقمع والسجون ومصادرة حريات البشر وزجهم في السجون بدون أية أسباب؟. أيهما ينسجم أكثر أيها المفتي مع رسالة الإسلام هداية البشر في بلادك الإسلامية أولا أم دعوة البريطانيين لدخول الإسلام؟. هل يجرؤ في بلاده الإسلامية أن يدعو الحاكم أن يتق الله في تصرفاته وبذخه وتبذيره؟. هل يتذكر هذا المفتي قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر)؟. وماذا كان العرب والمسلمون سيفعلون لو قام شخص أوربي أو أمريكي بدعوة الحكام العرب والمسلمين لدخول المسيحية؟.
استغلال الإسلام كتجارة للشهرة والثروة
للأسف الشديد، فقد حوّل هذا البعض من دعاة الفتوى والمشيخة الإسلام إلى سلعة للشهرة وجني الأموال، بدليل أن أغلب هؤلاء الدعاة من الأثرياء، ودخل بعضهم قائمة أصحاب الملايين، دون أن يفكروا لحظة واحدة في اساءاتهم للإسلام وصورة المسلمين في أوربا وأمريكا وكافة البلدان. لذلك فهي ليست نزعة ضد الإسلام في هذه المجتمعات، بقدر ما هي ضد تصرفات هولاء الذين يعتبرون أنفسهم ناطقين باسم الإسلام، مستغلين مساحة الحريات والقوانين الأوربية، وإلا فليعودوا لأوطانهم يناضلوا من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية والمساواة ومحو الأمية وغيرها الكثير، وبالتالي تتزايد الدعوات لتغيير القوانين الأوربية كي تضبط تصرفات دعاة العنف والإرهاب هؤلاء.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net










224
لماذا لم يحقق اليسار العربي نتيجة ما في الواقع؟

د.أحمد أبو مطر

قراءة في البيان الختامي للقاء اليساري العربي

انعقد ما أطلق عليه ( اللقاء اليساري العربي) في بيروت يومي الثاني والثالث والعشرين من أكتوبر 2010 ، بمناسبة الذكري السنوية السادسة والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني الذي يرأسه حاليا الدكتور خالد حدادة، وحضر اللقاء ممثلون عن قوى ليست واضحة السياسات والمعالم، فهي أحيانا يسارية عربية عالمية، وأحيانا أخرى وطنية محلية. وكان الفلسطينيون أكثر الأطراف حضورا، بمعنى تشتتا وتشرذما،فقد حضر ممثلون وخطباء  عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ،والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وجبهة التحرير الفلسطينية (طبعا المقصود أيضا تحرير فلسطين) ، وحزب الشعب الفلسطيني ( لاحظوا لا تحرير في الإسم)، وكذلك ممثلو أربعة تنظيمات يسارية من تونس،  ولم يتفوق عليهم في عدد الحضور والتشرذم سوى المضيف اليساري اللبناني (ستة تجمعات )، في حين كان هناك ممثلون عن اليسار العراقي والكويتي والمغربي والأردني والمصري ، وشخصيات وطنية عامة من أكثر من دولة.

المفارقة المؤلمة التي تحتاج لدراسة، هي أنّ هذه القوى ذات اليافطات والشعارات اليسارية ما زالت محتفظة بهذه الهوية، رغم سقوط هوية وبنية الدولة العظمى الأم ( الاتحاد السوفييتي) منذ ما يزيد على عشرين عاما. وهذه في حد ذاتها مفارقة تدعو للتفكير، عندما يسقط ويتهاوى فكر وطريق سياسي ما، في بلد منبعه وتأسيسه بعد مايزيد على تسعين عاما من تشكيله منظومة ضمت ما لا يقل عن عشرة دول(الاتحاد السوفييتي)، بينما يبقى التشبث بشعارات تلك القوة العظمى المتهاوية في بلاد الأطراف البعيدة جغرافيا  والمختلفة ثقافيا وتربويا، عبر نضالات لا تعدو البيانات والخطابات الموسمية، التي أكاد أجزم أنه لا يقرأها الكثيرون من أعضاء تلك التجمعات – كي لا أقول الأحزاب – بدليل أنها نفس البيانات والخطابات والشعارات منذ ستة وثمانين عاما، دون أن تحدث تلك التجمعات أية تغييرات في البنية الثقافية والتربوية وطرق ممارسة الحكم والسلطة في بلادها. ومن المهم ملاحظة أن التجمعات الفلسطينية المذكورة عمر أصغرها أربعون عاما، أي تعتبر في ريعان الشباب بالنسبة لعمر الحزب الشيوعي (86 عاما).

ماذا يقول البيان الختامي المذكور؟

إنّ تقييمي هذا يعتمد على قراءتي لأوراق اللقاء وبيانه الختامي فقط، أي أنني لست من حضور ذلك اللقاء، وخلفية قراءتي وتقييمي ليست الحقد على هذا اليسار أو الظلم له، ولكن التقييم الموضوعي لمعرفة: هل حقّق هذا اليسار نتيجة ميدانية في أية ساحة عربية بعد عمل ستة وثمانين عاما، أو الساحة الفلسطينية بعد عمل أربعين عاما؟. وإذا كان الجواب: لا شيء...يصبح مفهوما انهيار منظومة الاتحاد السوفييتي بعد ما يزيد على تسعين عاما من نشأتها وسيطرتها وكينونتها دولة عظمى لمدة قاربت نصف القرن، مما يدلّ على أنّ هناك خلل في البنية والتفكير وأسلوب الممارسة، وليست المؤامرة الامبريالية كما تروج قوى اليسار، لأنه في حالة اعتماد نظرية المؤامرة الامبريالية، يظلّ السؤال قائما: لماذا لم تصمد قوة تفكير يساري عاشت ومارست السلطة والحكم طوال تسعين عاما أمام  هذه المؤامرة ؟.

أين الخلل؟

أولا:

للأسف الشديد والمحزن، أنّ كافة قوى اليسار الفلسطيني والعربي، لم تطرح هذا السؤال بجدية علمية، لأنها تحتفظ بشعارات فقط، إذ لم أطّلع على دراسات جدّية لها تقيّم سبب اخفاقها وبقائها مجرد ديكورات ونضال بيانات وأخيرا نضال انترنت ولقاءات للصور التذكارية. الخلل في الأساس أنّ هذه الأحزاب والتجمعات عندما تبنت الفكري اليساري بنسخته السوفيتية، لم تنظر لواقعها العربي القائم على تراث تربوي ديني، عمره ما يزيد على ألف وأربعمائة عام، رسخّت القوى اليسارية في أذهان مئات الملايين ممن تربوا في ظل هذا التراث وثقافته، أنّ اليسار يعني الشيوعية ومعاداة الدين أي الإلحاد حرفيا، بدليل أنّ صفة ( شيوعي ) في الذهن العربي ما زالت تعني الكافر الملحد. فكيف يمكن لهذه الملايين أن تدرس هذا الفكر وتتبناه وسيلة للتغيير الديمقراطي الشعبي المنشود؟.

وهذا الفهم القاصر للواقع الاجتماعي السائد، وهو المؤدي للفشل الدائم لقوى اليسار هذه، يمكن فهمه بشكل غير مباشر من بعض ما ورد في الخطاب الافتتاحي الذي قدّمه الدكتور خالد حدادة، سواء قصد ذلك أم لم يقصد. فقد كان موضوعيا ودقيقا، عندما أكّد على ضرورة امتلاك (الأدوات الفكرية لتحليل وفهم الظواهر السياسية والاجتماعية المختلفة السائدة باتجاه تغييرها). إن قوى اليسار العربي لو طبّقت هذه الرؤية التحليلية ،  لفهمت أنه من المستحيل عليها أن تحدث تغييرا في الواقع السائد، بأدواتها التي تتبناها منذ ستة وثمانين عاما، لأنها طرحت هذه الأدوات النظرية المرفوضة من المجتمع وتراثه، دون أن تعمل قبل ذلك على تطوير هذا التراث، والخروج من عباءة تخلفه التي لا يختلف كثيرون على تخلفه هذا، وتقوقعه داخل مفاهيم ما عادت صالحة لمواكبة العصر خاصة بعد ثورة بعض مشاهير الدعاة أخيرا على هذا التراث مثل الدكتور عائض القرني، وهي قريبة من المفاهيم التي كانت سائدة في أوربا العصور الوسطى، ولم تبدأ أوربا مسيرة العلم والتنوير والديمقراطية الحالية، إلا بعد ثورتها على تلك المفاهيم وحجرها داخل أسوار الكنيسة فقط.

والدليل على ذلك،

أنّ هذه القوى والأحزاب اليسارية طوال ستة وثمانين عاما عربيا وأربعين عاما فلسطينيا، غير قادرة على ايصال نائب للبرلمان أو مجلس الأمة في أي قطر عربي إلا في حالات نادرة تكاد لا تذكر. بينما حركة حماس في فلسطين، وحزب الله في لبنان، اللذان يكاد يكون عمر نشأتهما متقاربا، أي لا يزيد  كثيرا على عشرين عاما، يسيطران بشكل ملحوظ على الحركة السياسية والجماهير الشعبية في فلسطين ولبنان..لماذا؟. لأنهما انطلقا من استغلال للموروث الثقافي والتربوي القائم في أغلبه على خلفيات دينية، تسود بين نسبة من الأميين في الأقطار العربية لا تقل في المتوسط عن ستين بالمائة. هذه النسبة تقضي جلّ وقتها ليلا ونهارا أمام فضائيات تكاد تصل نسبتها إلى (فضائية لكل مواطن)، تنشر وترسخ مفاهيم التخلف، عبر فقهاء سلاطين وشيوخ فتاوي (حسب الطلب)، لم يتركوا شأنا في حياة العربي والمسلم إلا وأصدروا فيه فتوى وفتوى مضادة. ومن المهم لقوى اليسار العربي التي يقتصر نضالها على خطب وبيانات على الورق، أن تلاحظ الصحوة الحالية ضد هذه الفضائيات، بعد أن أدرك العديدون من أصحاب القرار الديني والسياسي دورها الخطير في اشاعة التخلف والتعصب والإرهاب والتكفير محل التفكير....فماذا فعلت قوى اليسار العربي طوال ستة وثمانين عاما لتثوير هذا الموروث؟.

ثانيا:

تشتت قوى اليسار العربي والفلسطيني وصولا لشرذمة، أفقدتها نسبة عالية من الاحترام وسط الجماهير العربية. فكيف ستتوحد الجماهير وراء قوى يسارية هي أساسا غير موحدة، وبينها من الخلافات والانقسامات والحروب أكثر مما بينها وبين ما تسميها قوى اليمين؟. فما هي ضرورة ستة تنظيمات أو تجمعات يسارية لبنانية، إذا كان هناك مفهوم موحد لليسار وبرامجه وأهدافه؟. وللتذكير فقط فإن التنظيم الفلسطيني الذي انبثق من حركة القوميين العرب باسم (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) بعد نكسة يونيو 1967 ثم تبنى الفكر اليساري، نتجت عنه تشرذمات وانقسامات لايصدقها وطني فلسطيني. فلنتخيل أنه من هذه الجبهة نتجت المستنسخات التالية، وكلها إدّعت اليسار برنامجا وسلوكا:
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
ومن هذه الجبهة الديمقراطية ظهر مولود لعدة شهور اسمه:الجبهة الديمقراطية الثورية لتحرير فلسطين.
والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة.
ومن هذه القيادة العامة مستنسخ اسمه:
جبهة التحرير الفلسطينية، التي شهدت عدة انشطارات لا يتعدى مكونو كل انشطار عشرة أشخاص.
أما انشطارات ما يسمى الحزب الشيوعي الفلسطيني، فحدّث ولا حرج!!.
فكيف سيتوحد الشعب وراء أشخاص غير موحدين لا فكريا ولا سياسيا ولا علاقات احترام بينهم، بل صراعات وصلت في حالات كثيرة خاصة في الساحة الفلسطينية تحديدا للقتال المسلح؟.
وقد أشار الدكتور خالد حدادة ضمنا لهذه الانشطارات والانقسامات ،رغم أنه حاول أن يجعلها مجرد انشطارات فكرية، نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 ، إلا أنّ الواقع الذي ذكرته يؤكد أنها انشطارات وانقسامات شخصية مصلحية سابقة على انهيار الاتحاد السوفييتي بسنين طويلة، ومستمرة بعد سقوطه.

والدليل أيضا رفض التوقيع على البيان الختامي،

من قبل المنتدى الاشتراكي اللبناني ( التجمع الشيوعي الثوري والتجمع اليساري من أجل التغيير)، موردين ملاحظات عديدة ضد ما ورد في البيان، رغم أنّ التشرذم والشخصنة تنطبقان على هؤلاء الرافضين التوقيع، فما هي أسس التمايز الفكرية والايدولوجية بين هذين التجمعين، تماما كما نسأل دوما عن التمايز بين الجبهتين الفلسطينيتين الشعبية والديمقراطية، التمايز الذي جعل من أطلقوا على أنفسهم اسم (الديمقراطية) أن ينشقوا عام 1969 .

والملاحظ أيضا أن كل المشاركين في اللقاء اليساري المذكور، ينتقدون الأنظمة الديكتاتورية العربية، وهم يمارسون داخل تجمعاتهم العائلية نفس الديكتاتورية والاستمرارية (من المهد إلى اللحد).  فقادة هذه التجمعات على رأسها منذ تأسيسها حتى اليوم، ومن زال منهم بسبب الرفيق عزرائيل ملك الموت فقط . فما الفرق بين أي ديكتاتور عربي في السلطة منذ أربعين عاما مثلا، وبين الرفيقين نايف حواتمة وأحمد جبريل وهما على رأس وظهر وبطن الجبهتين الديمقراطية والقيادة العامة منذ عام 1969 أي منذ 42 عاما بالتمام والكمال؟.

البيان الختامي للقاء اليساري العربي، يعيد تكرار مصطلحات وجمل بلاغية، لا تبني حقيقي لها وسط الجماهير العربية، مما يدلّل على أنّ هذه التجمعات اليسارية لن تكون لها فعالية وتأثير بين هذه الجماهير، لأن احساسها بمعاناة الجماهير ومآسيها نظري فقط، ولا تعمل لتغيير البنية الأساسية للتخلف والقمع والديكتاتورية، بل أغلب قيادات هذا اللقاء ساكتة على الديكتاتورية في بلادها، وتنعم بحرية التنقل بفضل رضاها...وأعان الله ومن يستطيع الجماهير العربية التي تتاجر بألامها عشرات الدكاكين منذ عشرات السنين، والبقاء فقط للأنظمة وقيادات هذه الدكاكين...وعظّم الله أجركم!!!!
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net







225
الرئيس الأسد يلغي خيار المقاومة صراحة
د.أحمد أبو مطر

انشغلت الساحة السياسية العربية في الأعوام القليلة الماضية بتقسيمات مبنية على شعارات فضفافة، أدّت إلى توترات إقليمية بين أطراف عربية، لم تكن الساحة العربية بحاجة لها لمزيد من الانقسام والتشتت والفرقة. وكانت أهم هذه التقسيمات ما شاع بعد حرب يوليو 2006 بين حزب الله اللبناني وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ووزعت تلك التقسيمات الدول العربية بين فريقين:
الأول: فريق دول الممانعة والمقاومة الذي تترأسه وتتزعمه وتقوده سوريا.
الثاني: فريق دول الاعتدال، وغالبا كان يقصد به مصر والمملكة السعودية والأردن وغيرها من دول عربية.

كان من المنطقي والموضوعي تصديق هذا التقسيم، لو أنّ هناك فوارق ميدانية عملية بين دول الفريقين، إلا أنّ الموضوعية تقتضي التأكيد أنّ الفريقين من هذه الدول العربية، لا تختلف مطلقا في تطبيقاتها الميدانية إزاء الاحتلال الإسرائيلي. فدول مثل مصر وقعت اتفاقية السلام والصلح مع إسرائيل في زمن الرئيس السادات في مارس 1979 التي عرفت بإسم "اتفاقية كامب ديفيد"، واستعادت مصر بناءا عليها كافة أراضيها المحتلة منذ عام 1967 ، التي لم يتم تحريرها بعد حرب أكتوبر عام 1973 . هذا بينما سوريا المحتلة أراضيها في هضبة الجولان منذ عام 1967 لم تطلق رصاصة واحدة، ولم تنظّم أية مقاومة مسلحة أو شعبية في داخل الجولان لتحريره، وكانت وما زالت تمنع أية عمليات مسلحة من حدودها ضد الدولة الإسرائيلية، وكانت توجه من يريد فعل هذه العمليات إلى جنوب لبنان، وتسهل وصوله إلى هناك،  وكان هذا يمارس مع كل المنظمات الفلسطينية. وقد استمرت سوريا في مفاوضاتها السياسية السرّية والعلنية مع دولة إسرائيل منذ زمن الرئيس حافظ الأسد، واستمرارا في زمن نجله الرئيس بشار الأسد، عبر وساطات تركية وغيرها، من أجل الوصول إلى تسوية سلمية تضمن الانسحاب الإسرائيلي من جولانها المحتل، وهذا حق منطقي ودولي لها. وبالتالي لماذا مفاوضات السلام الساداتية كانت خيانة، بينما مفاوضات السلام الأسدية مقاومة وممانعة، مع أن مفاوضات السادات أعادت كامل الأراضي المصرية المحتلة، ومفاوضات الأسد ما زالت تسعى لذلك بالنسبة للجولان السوري.

فتنة أشباه الرجال

ازداد الوضع العربي تأزما وانقساما رغم عدم وجود فوارق بين أي معسكرين كما أوضحنا، بعد حرب حزب الله مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في يوليو 2006 ، وتداول إشاعات وأوهام حول تأييد بعض الدول العربية للعدوان الإسرائيلي، ومزايدة بعض الدول العربية الخطابية، واشتعل الموقف الانقسامي بعد خطاب الرئيس بشار الأسد في البرلمان السوري بعد تلك الحرب، حيث لمّح بشكل غير مباشر لبعض الدول العربية، مستعملا صفة (اشباه الرجال)، فإذا الحكام العرب حسب الرئيس الأسد فريقين (رجال) و ( اشباه رجال)، رغم أن الجميع في خانة واحدة لا يطلقون رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي، بينما يزايد بعضهم بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية. وهذه المزايدة الكلامية كانت سبب الخلاف أو المشادة الكلامية بين الرئيسين الأسد ومحمود عباس في قمة سرت الأخيرة. إذ نقلت مصادر فلسطينية وعربية حضرت الجلسة المغلقة في القمة العربية المذكورة ، أنّ المشادة بدأت عندما تحدث الرئيس الأسد ( أنه ليس من صلاحيات لجنة المتابعة العربية اتخاذ قرارات بشأن المفاوضات، وانتقد موقف السلطة الفلسطينية إزاء المصالحة وتحدث عن خيار المقاومة). فردّ  عليه الرئيس محمود عباس بحدة قائلا: " نحن لا نطلب من أحد أن يغطّي خطواتنا. نحن نعرف مصالح شعبنا وأمناء عليها، ولا نريد تغطية من أحد. إذا كان هناك من يعتقد أنه يجب عدم مناقشة تطورات القضية الفلسطنية في الجامعة والقمة العربية، فهذا شيء آخر، وإذا أردتم ذلك فليكن. أما عن خيار المقاومة، فنحن من إخترع المقاومة، ومن درّب الآخرين، ومن قدّم قوافل الشهداء، وإذا كان القرار العربي هو خيار الحرب، فلتتخذوا القرار ونحن معكم. ولكم نرجوكم كفى..لا تقاتلوا بنا".

مقاومة بدماء آخرين ومزايدات كلامية

وتطورت المشادة خارج القاعة، عندما وقف مسؤول فلسطيني مشارك في القمة، متحدثا بصوت عال وانفعال شديد  مع مشاركين عرب عن مسيرة الخلاف الفلسطيني السوري طوال نصف القرن الماضي، صارخا " إنها خلافات سببها المقاومة التي يزايدون باسمها منذ سنوات. هل تتذكرون اعتقال نظام حافظ الأسد للمرحوم المناضل الدكتور جورج حبش عام 1968 ، وقيام رفيقه المرحوم الدكتور وديع حداد مع مجموعة من الجبهة الشعبية باقتحام السجن وتحريره وتهريبه إلى لبنان؟. هل تنسون مجزرة وحصار مخيم تل الزعتر عام 1976 التي ارتكبتها ميليشيات كميل شمعون بعد أيام قليلة من دخول الجيش السوري إلى لبنان، وعدم تحرك هذا الجيش لنجدة المحاصرين ووقف جرائم الميليشيات الشمعونية التي أودت بحياة مئات من سكان المخيم طوال الحصار الذي استمر أكثر من خمسة شهور، على مرأى ومسمع وسكوت كامل من القوات السورية؟. هل نسيتم  قيام نظام حافظ الأسد بطرد القائدين الشهيدين ياسر عرفات وخليل الوزير من دمشق عام 1983 ؟ هل نسيتم اعتقال عشرات المناضلين الفلسطينيين من كافة الجبهات والتنظيمات، ومنهم صلاح صلاح عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية، وتوفيق الطيراوي مدير المخابرات الفلسطينية. هل نسيتم حصار النظام السوري والمنشقين الفلسطينيين لياسر عرفات ومقالتليه في مخيم طرابلس شمال لبنان عام 1983 لمدة زادت عن ثلاثة شهور، سقط فيها أكثر من ألف قتيل فلسطيني، ولم ينج عرفات وخليل الوزير وحوالي خمسة ألاف من مقاتليهم إلا بعد التدخل اليوناني الفرنسي، حيث خرجوا على متن خمسة سفن يونانية بحراسة وحماية البحرية الفرنسية".
هذا بينما انتقد مصدر دبلوماسي عربي، شارك في القمة العربية في سرت ، الموقف السوري من موضوع المقاومة قائلا: ( استغربنا تشديد الرئيس السوري على المقاومة، في حين أنّ منسوب المقاومة الرسمية والتنظيمية في هضبة الجولان تساوي صفرا، فهل يقصد الرئيس السوري أن نقاوم على طريقته في الجولان، وأن ندفع الجنود الإسرائيليين للتثاؤب من قلة المقاومة).

وفي الصحافة السورية أيضا،

نفس التنظير لهذا النوع من المقاومة وانتقاد أشباه الرجال، فالصحفي السوري خلف علي المفتاح، كتب تعليقا على خطاب الرئيس السوري المذكور، في موقع الفرات الصادر عن دار الوحدة السورية، بتاريخ الحادي عشر من سبتمبر 2006  قائلا: ( ولعل حكمة تقول كلما كثر أعداؤك فاعلن أنك القوي، والعداوة هنا من اشباه الحكام واشباه الرجال أو أنصافهم، فالمسيرة المظفرة التي بدأتها المقاومة قتاليا في لبنان وسياسيا في سورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد، مفتوحة لمن يريد الانضمام إليها لأن مسيرة واثقة من النصر،لا تنظر إلى الواقع باستاتيكيته وجموده، بل ديناميته وفعله التاريخي المنتصر دائما).
تخيلوا هذا التحليل والتفريق بين (مقاومة قتالية لبنانية) و (مقاومة سياسية سورية)؟. حسب هذا المنطق الفارغ من أي محتوى فكل العرب مقاومين سياسيا كونهم لا يعترفون بدولة إسرائيل، ولا يتفاوضون معها ، بينما المقاومة السياسية السورية تتفاوض سرا وعلنا، لإرجاع جولانها المحتل، ونقول هذا حق لها يجب دعمه وتأييده، فقط بعيدا عن هذه المزايدات التي لا تنطلي على عاقل أو وطني.

الرئيس بشاريضع حدا لهذه المزايدات
وأخيرا يضع الرئيس بشار الأسد حدا لهذه المزايدات، وتصنيفات الرجال وأشباه الرجال، وذلك في تصريحه للصحافة القبرصية والعالمية يوم الخميس الرابع من نوفمبر الحالي، وهو تصريح مهم نقلته كافة وكالات الأنباء العالمية والسورية والمجموعة اللبنانية للإعلام (قناة المنار) التابعة لحزب الله، حيث قال الرئيس بشار حرفيا: ( إن الطريق الوحيد للسلام في المنطقة هو بالمفاوضات بهدف توقيع اتفاقية سلام تعيد الأمور إلى طبيعتها). مؤكدا على عودة الجولان المحتل والالتزام بالشرعية الدولية. أعتقد أنّ هذا التصريح الجريء من الرئيس بشار الأسد، يضع حدا لكل مزايدات التقسيم بين ممانعة واعتدال،  وبالتالي يلغي خيار المقاومة من خلال قوله (الطريق الوحيد )، أي لا خيار سوى المفاوضات ، ومن شأنه أن يفتح الطريق لمصالحات عربية، خاصة بين الدول العربية المهمة المؤثرة، فبعد هذا التصريح لم يعد هناك رجال أو اشباه رجال، بل الكل رجال من نفس النوع والمواصفات، همهم السلام الحقيقي العادل الذي يعيد كل أرض محتلة لأهلها من خلال المفاوضات حسب تشديد الرئيس بشار، بغض النظر عن نوع الاحتلال وجنسيته، وبالتالي يتطلب هذا الدعم العربي الكامل للنظام والشعب السوري لإعادة جولانه المحتل منذ عام 1967 ....فهل تبدأ مصالحات عربية صريحة وصادقة رغم تعقد بعض ملفاتها المحتوية على موضوعات أخرى سنتطرق لها لاحقا؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net


226
لبنان على كف عفريت حزب الله
د.أحمد أبو مطر

الوضع الحالي في لبنان حيث عدم الاستقرار وعدم إطمئنان القوى السياسية الفاعلة لمواقفها اتجاه بعض، ليس مرشحا أن يستمر طويلا، إذ يوجد ما هو قريب من الفراغ السياسي، فلا دور للحكومة برئاسة سعد الحريري، ولا دور لمجلس النواب برئاسة نبيه بري، وكذلك رئاسة الجمهورية ورئيسها ميشيل سليمان فهما مجرد ديكور توافقي ليس بيده أي قرار من أي نوع، وباقي القوى السياسية مجرد منتظر لما يأتي، ما عدا حزب الله برئاسة حسن نصر الله، فهو الذي يمتلك كافة مفاتيح السيناريوهات المطروحة للتداول سرا وعلنا، وليس مبالغة القول أنّ لبنان من شماله إلى جنوبه سواء كان هناك وجود علني للحزب أم لا، فهو المسيطر فعلا على الأرض، إما بسلاحه ووجوده الأمني العلني، وإما بشعور الخوف والتخويف والتهديد الذي ما غادر اللبنانيون منذ السابع من آيار 2008 ، حيث كان اجتياح الحزب لبيروت والتدمير والقتل الذي ألحقه، لم يكن مقصودا به الكمية والكيفية، ولكن درسا للمستقبل مفاده ( نحن قادرون على تكرار هذا العمل ضد خصومنا في أي زمان ومكان)، وهذا الشعور هو ما يعيشه الشارع اللبناني اليوم، أفصح البعض عن ذلك أم أنكروا.

هذا الوضع لن يطول،

خاصة أنه بدأ يؤثر على أغلب نواحي الحياة الداخلية اللبنانية، فلا وجود لأية قرارات حكومية اتجاه أي وضع، ولا انعقاد حقيقي فاعل لأي جلسة برلمانية، ومغادرة نسبة عالية من العرب والأجانب الذين لا ضرورة لبقائهم في لبنان، وكذلك تفكير رؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية في وضعها حسب السيناريوهات القادمة، بعد موسم سياحي في الصيف لم يكن حسب التوقعات اللبنانية الداخلية. كما أنّ غالبية القوى السياسية خاصة حزب الله المسيطر فعلا، ما عاد يمكنه الانتظار أطول دون حسم ما، مخافة صدور القرار الظني في اغتيال رفيق الحريري عن لجنة التحقيق الدولية، خاصة بعد دعوة حزب الله رسميا على لسان حسن نصر الله كافة القوى اللبنانية بمقاطعة اللجنة، ومارس الحزب تهديدا علنيا للجميع في الداخل والخارج، من خلال الإعتداء الذي خطط له الحزب على فريق محققي مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية، أثناء قيامهم بزيارة متفق عليها مسبقا لعيادة طبية في الضاحية الجنوبية من بيروت، حيث معقل حزب الله العسكري والأمني والسياسي. وقد حاول الحزب اعطاء الهجوم طابعا شعبيا تلقائيا من خلال جعل المشاركات فيه مئات من النساء فقط، تعرضنّ للفريق بالضرب والشتم، وخطف بعض حقائبهم وأجهزة كومبيوترهم، رغم أنّ الكثيرين من اللبنانيين أكّدوا أن تلك النسوة، تمّ جلبهن علنا بسيارات الحزب ومرافقة قواه الأمنية. وخطورة هذا الاعتداء في أنه رسالة من الحزب، مفادها لن نترك الفرصة لأحد لبنانيا أو أجنبيا أن يستمر في عمل لجنة التحقيق الدولية، وإن اضطررنا لاستعمال القوة بكافة أشكالها، وما حدث في عيادة الضاحية الجنوبية نوع من تلك الأشكال.

ما هي السيناريوهات المطروحة والمتداولة؟

أصبح مؤكدا أن الموقف من المحكمة الدولية هو حجر الأساس في أية تطورات أو سيناريوهات داخل الساحة اللبنانية، فإلغاء هذه المحكمة أو إعلان الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري تحديدا وقف التعامل معها، من شأنه أن يزيل الاحتقان الداخلي وكافة السيناريوهات المطروحة، لأن هذا سيرضي أقوى لاعبين في الساحة اللبنانية ويرفضان المحكمة جملة وتفصيلا، وهما حزب الله والنظام السوري. ولمّا كان إلغاء المحكمة الدولية غير وارد من خلال تأكيدات كافة هيئات المنظمة الدولية والدول العظمى ورئاسة الوزراء اللبنانية ، خاصة بعد تصريحات مساعد الخارجية الأميركية جيفري دي فيلتمان، تعليقا على اعتداء نساء حزب الله على فريق المحققين الدوليين، حيث اتهم كما قال لجريدة الشرق الأوسط اللندنية ( أصدقاء سورية في لبنان «بتقويض الاستقرار» في لبنان، و أن الولايات المتحدة في تحركها الدبلوماسي الأخير حيال المحكمة الخاصة بلبنان أبلغت سورية وإيران أنهما ليستا الدولتين الوحيدتين المعنيتين بشؤون لبنان، وأكد في هذا السياق أن المحكمة الدولية مستمرة في عملها مهما أثار حزب الله من ضجيج وتهديد ).
سيناريو الحسم العسكري هو الأرجح
ما دام المجتمع الدولي والدول العظمى والرئاسة اللبنانية مصرّين على استمرار عمل المحكمة الدولية، وبالتالي صدور قرارها الظني الذي تؤكد بعض التسريبات أنه سيطال أشخاصا من حزب الله، فإن الحزب سوف يسبق صدور هذا القرار الظني بتعطيل كافة نواحي الحياة السياسية في لبنان، من خلال سيطرته العسكرية على الداخل اللبناني بسيناريو شبيه بانقلاب حركة حماس في قطاع غزة، وطردها كافة مسؤولي ومؤسسات السلطة الفلسطينية، ليدخل انقلابها عامه الرابع. وهذا الانقلاب العسكري لحزب الله سيكون مدعوما من قوى لبنانية داخلية متحالفة معه، وسكوت قوى أخرى أو وقوفها موقف المتفرج كي لا يصيبها أذى، كما أنّ الانقلاب سيلقى تأييدا ولو صامتا من النظام السوري الرافض لعمل المحكمة الدولية، بالإضافة لتأييد النظام الإيراني الذي يرى في سيطرة حزب الله بعد زيارة أحمدي نجاد، أنها وضعته معنويا لاعبا رئيسيا في الورقة اللبنانية كنوع من المناكفة مع إسرائيل، رغم أنّ العلاقات الإيرانية الإسرائيلية لا يسودها سوى ضجيج الخطابات الذي يستفيد منه الطرفان.
أيهما الأقرب: تفاؤل جعجع أم حسم أمين حطيط؟
الدكتور سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية، كما صرّح لجريدة الأنباء الكويتية يوم الخميس الرابع من نوفمبر الحالي،  (يستبعد لجوء حزب الله إلى العنف في حال صدور قرار إتهام يتناول أحدا لديه، لأنه لم يحصد من العنف سوى سيئاته ولن يتسنى له قطف حسنة واحدة ). هذا بينما العميد المتقاعد أمين حطيط المقرب من حزب الله حاليا، وكان من ضباط الجيش اللبناني المهمين المقربين من قائد الجيش آنذاك العماد ميشيل سليمان، رئيس الجمهورية حاليا، يرى عكس ما يراه جعجع تماما، فهو يؤكد للشرق الأوسط اللندنية أيضا، أنّه لا خيار أمام حزب الله سوى الحسم العسكري ميدانيا على الأرض إن لم يتمكن الحزب من درء الفتنة، دون أن يوضح ما هي معالم الفتنة التي يقصدها. وتحليلات العميد أمين حطيط تكاد تكون معلومات موثقة خاصة عندما يقول: " الكل يعرف أنّ الفتنة ستكون محصورة جغرافيا في المناطق التي فيها وجود شيعي، مما يعطي حزب الله فرصة للحسم، وهذه المناطق هي بيروت والبقاع الأوسط والجنوب، ففي بيروت وبوجود الأكثرية الشيعية مع الحلفاء، تحسم الوضع في 24 ساعة على الأكثر، أما في الجنوب وتحديدا على طريق بيروت الجنوب، فكان ثمة عاملان يشكلان صعوبة عند الحزب هما وليد جنبلاط والحالة السنّية في إقليم الخروب، وهاتان الحالتان انتهتا بعد أن حسم جنبلاط خياراته العسكرية وأعاد تموضعه السياسي". وأكدّ العميد حطيط أن النتيجة النهائية لهذا التحرك العسكري لحزب الله هي الإمساك ( بالأرض في ثلاثة أيام أو أسبوع على الأكثر، ولكن لا ينتهي الأمر هنا، لأن ما سيحصل على الأرض سيترجم في السياسة، وعندها تصل المعادلة إلى أنّ القرار الظني الذي صدر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سينهي العهد الحريري في لبنان إلى الأبد).
ما لم تذكره معلومات العميد حطيط
هو أنّ مدينة طرابلس شمال لبنان لن تكون بمنأى عن تفاعلات الحسم العسكري إن حصل، فالتوتر قائم ونائم هناك بين منطقة باب التبانة حيث الأغلبية العلوية و جبل محسن حيث الأغلبية السنّية، وهما منطقتان كانتا في السنوات الأخيرة محل تفجيرات عنف طائفي انعكاسا لما يحصل في بيروت.
تلك هي السيناريوهات المؤلمة التي لا يمكن تفاديها، إلا بحكمة اللبنانيين جميعا، والعودة للبنان ما قبل الحرب الأهلية حيث التعايش بين الجميع، بدون طوائف ونعرات وفتن طائفية. لبنان الذي كان مثالا عربيا للديمقراطية وحرية التعبير. ويبدو أنّ هذا الأمل صعب المنال، بسبب المصالح الحزبية الضيقة التي لا اعتبارعندها للوطن، والتدخلات الإقليمية الخارجية التي مصالحها أهم من لبنان واللبنانيين.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net










227
الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب: ديكور وزخارف شكلية
الموقف من كتاب العراق دليل

د.أحمد أبو مطر

يمتاز ما يسمى شكلا ب"الوطن العربي" بمجموعة من استنساخات "الجامعة العربية" التي تأسست بقرار وتوجه بريطاني عام 1945 ، وهذه الاستنساخات عبر الامتداد الجيني الوراثي، لا تختلف في تكوينها وطبيعة قراراتها عن ممارسات الأم "الجامعة العربية" فهي مجرد اجتماعات ديكورية، وبيانات خطابية، غير ملزمة للموقعين عليها، تضاف لأرشيف أصبح مليئا بخطابات فارغة، لم يعد المواطن العربي يهمه أمر هذه البيانات أو الاجتماعات التي صدرت عنه، سواء كانت على مستوى القمة أم الدرك الأسفل.

الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب نموذجا

إيراد اسم الاتحاد كاملا بهذا الشكل مقصود منه التمييز بينه وبين اتحاد الكتاب السوريين الذي اسمه قريب من ذلك، إذ يسمّى ( اتحاد الكتاب العرب )، على خلفية إمكانية انضمام أي كاتب عربي لعضويته، رغم أنه أساسا تجمع أو نقابة للكتاب السوريين. تأسس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب عام 1954 أي أنه أصغر من والدته "الجامعة العربية" بتسع سنوات فقط. ويضم في عضويته تجمعات كتاب 14  دولة عربية من عدد دول الجامعة العربية  البالغة ( 22 دولة)،. ومن الدول المركزية المؤثرة في رسم السياسات العربية الإستراتيجية، وغير ممثل كتابها في الاتحاد :الصومال وجزر القمر وجيبوتي، رغم إثرائها الثقافة العربية كون لغة الصومال غير عربية وتكتب بالحروف اللاتينية، واللغة الفرنسية هي الرسمية والمتداولة شعبيا في جيبوتي، واللغة الفرنسية والقمرية في دولة جزر القمر، وليس معقولا أن تكون هذه الدول أعضاءا في الوالدة جامعة الدول العربية منذ عام 1974 (الصومال) و عام 1993 (جزر القمر)، وغير ممثلة في الاستنساخ المسمى ( الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب )، وأعتقد أنّ ذلك يعود إلى أنّ الاتحاد يؤمن بنظرية ( الأرض بيتتكلم عربي)، وكتاب تلك الدول يرطنون بالفرنسية والقمرية والصومالية، رغم أنّ هذا يخدم نظرية "تلاقح الثقافات والحضارات".

هذه صورة موجزة عن نشأة الاتحاد وعضويته، وبالتالي ليس غريبا أن يستمر منذ عام 1954 مجرد تجمع ديكوري لم يسهم في أية تنمية ثقافية أو حرية تعبير، كون كل عضو فيه مجرد امتداد لنظام بلاده إلا فيما ندر من مواقف. والدليل على ذلك أنّ الكتّاب الذي يسعون لخدمة أٌقطارهم وقادرين على ذلك، ليسوا بحاجة لهكذا مظاهر ديكورية، فلا يوجد في أمريكا اتحاد اسمه " الاتحاد العام لكتاب الولايات المتحدة الأمريكية " ولا يوجد كذلك في أوربا " الاتحادم العام للكتاب الأوربيين " وما شابه ذلك...فلماذا العرب وحدهم مغرمون بتكتلات وتجمعات هي في الحقيقة مجرد ديكورات شكلية، لا فائدة منها تماما مثل الأم الشرعية " جامعة الدول العربية" ، وهي في الحقيقة ميدان "فرقة وتشرذم الدول العربية".

الموقف من اتحاد كتاب العراق مثالا

كان اتحاد كتاب العراق عضوا في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب حتى عام 2003 ، عام الإطاحة بنظام صدام حسين، ووقوع العراق تحت الاحتلال الأمريكي. وهذا الحدث في حد ذاته حدث سياسي عام، وليس شأنا خاصا بالكتاب والأدباء العراقيين، إذ لم يكن كل كتاب العراق مع نظام صدام حسين، ولا كلهم ضده، ففي زمن صدام كان عشرات الكتاب العراقيين هاربين خارج العراق، تماما مثل بقية الأقطار العربية إذ لا يوجد قطر عربي كل كتابه مع النظام أو كلهم ضده. ورغم ذلك ففي اجتماع ما يسمى المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في القاهرة عام 2003 ، في زمن رئاسة علي عقلة عرسان للإتحاد، تمّ تجميد عضوية اتحاد كتاب العراق بحجة وقوع العراق تحت الاحتلال. واستمر التأكيد على تجميد هذه العضوية في اجتماعات لاحقة، كان آخرها الاجتماع الأخير في يونيو 2010 في القاهرة ،حيث حضره كمراقب مندوب عن الاتحاد العراقي هو ياسين النصير، وفي هذا الاجتماع انقسم الكتاب العرب فريقين وبشكل هزلي لا يمكن فهم خلفيته:

الفريق المؤيد لعودة كتاب العر اق للاتحاد ضمّ اتحادات: مصر، المغرب،الإمارات ،السودان،سلطنة عمان،الكويت، لبنان،الجزائر،والبحرين.

الفريق الرافض لعودة كتاب العراق للاتحاد ضمّ اتحادات: سوريا،فلسطين،الأردن،تونس، وليبيا.

رفض غير منطقي وبدون مبررات

هذه المسرحية هزلية ومسخرة بإمتياز، إذ يكفي طرح الأسئلة التالية لبيان مستوى هزليتها:

-   ما دخل كتاب العراق باحتلال وطنهم، وغالبيتهم أدانوا هذا الاحتلال سواء كانوا يعيشون في داخل العراق أو خارجه؟. وقد شهد الاتحاد انتخابات نزيهة في مؤتمره الأخير لم يعترض عليها سوى بعض الكتاب المقيمين في الخارج، إذ طالب بعضهم بتأسيس اتحادين لكتاب العراق في الداخل وكتاب العراق في الخارج، وهو مطلب تقسيمي تشرذمي لا مبرر له، فالمنطق هو اتحاد واحد تمارس فيه ديمقراطية حقيقية، وعندئذ فليقود الاتحاد من يكسب ثقة الأعضاء.

-   ألم يسبق أن تمّ تجميد عضوية كتاب فلسطين إثر الخلافات الحادة داخل الاتحاد بين فرعي دمشق وداخل فلسطين، واستمر التجميد من مؤتمر دمشق عام 1997 في زمن رئاسة علي عقلة عرسان حتى عام 2003 أي عام احتلال العراق. فلماذا تمّ التجميد ؟ وكيف أعيدت العضوية رغم أنّ الظروف لم تتغير وما زالت قائمة حتى اليوم؟. يرى بعض الحضور آنذاك أنّ إعادة عضوية اتحاد كتاب فلسطين، كانت صفقة تجارية سوّقها نفس من اتخذ قرار التجميد وهو علي عقلة عرسان، مقابل أن يوافق اتحاد كتاب فلسطين على تعديل دستور الاتحاد وانتخابه لدورة ثالثة.

-   هل هناك فرق بين احتلال العراق واحتلال فلسطين؟. إذن لماذا عضوية فلسطين واستمرار تجميد عضوية العراق؟. رغم أنه إذا قارنا بين الاحتلالين، فالاحتلال الأمريكي خارج المدن العراقية وبدأ الإنسحاب التدريجي نهائيا، بينما الاحتلال الإسرائيلي في قلب الضفة الغربية، وجيش الاحتلال يسرح ويمرح كما يريد بدون تهديد ووعيد.

-   هل هناك فرق بين الانقسامات في وسط الكتاب العراقيين والانقسامات بين الكتاب الفلسطينيين؟ فالكتاب الفلسطينيون في دمشق يرفضون الانتخابات الأخيرة التي أجراها الكتاب الفلسطينيون في رام الله بإسم المؤتمر الثاني لاتحاد الأدباء والكتاب الفلسطينيين، وأسفرت عن انتخاب الشاعر مروان السوداني رئيسا لذلك الاتحاد. وكذلك غالبية الكتاب في رام الله وغزة يرفضون هذه الانتخابات ونتائجها كما أوردت وسائل الإعلام خاصة البيان الذي وقّعه كتاب وروائيون فلسطينيون مشهورون داخل فلسطين وخارجها، ومنهم " ، يحيى يخلف، زكريا محمد، مريد البرغوتي ، جميل هلال، وباسم النبريص وآخرون".

هل يصلح محمد سلماوي ما رسّخه عقلة عرسان؟

أعتقد أنّ المشكلة في غالبية النقابات والاتحادات العربية، هي أنها من الأساس لم يتمّ تشكيلها بناء على قناعات راسخة لدى أعضائها، بل كما قلت مجرد استنساخ لديكور شكلي اسمه"الجامعة العربية"، وبالتالي فإن هذه المخلوقات المستنسخة تصبح فطريا ملحقة بأنظمتها، والدليل على ذلك هو أنّ علي عقلة عرسان الكاتب السوري المعروف، استمر في رئاسة هذه الاتحاد ما يزيد على عشرين عاما، فحسب موقعه على الانترنت:

1981 -1985،  أمينا عاما لاتحاد الأدباء والكتاب العرب لدورتين متتاليتين.
1997 ، انتخب أمينا عاما للمرة الثانية ثلاث دورات متتالية من 1997 وحتى نوفمبر 2006 . وهل هذا الحال يختلف عن شعار الرؤساء العرب في السلطة (من المهد إلى اللحد )؟.

تتوجه الأنظار إلى الرئيس الحالي للاتحاد الكاتب المصري المعروف محمد سلماوي، خاصة بعد تثبيت مقر الأمانة العامة للاتحاد في القاهرة، وافتتاح مقرّها الدائم الجديد داخل مبنى القلعة المصري الأثري. وقد بدأ محمد سلماوي بخطوات بعيدة عن تأثير السياسة السائدة سابقا، إذ عبّر عن موقف مسؤول داعم لعودة اتحاد كتاب العراق، لكنّ مسعاه لم ينجح بعد بسبب تهديد اتحادات عربية بالانسحاب إن عاد اتحاد كتاب العراق. ورغم ذلك فإن قرار الأمانة العامة في عهده بتثبيت عضوية اتحاد كتاب العراق في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب خطوة جيدة ، ربما تثمر من خلال استقلالية محمد سلماوي عن الأنظمة بما فيها النظام المصري، عن العودة الكاملة لاتحاد كتاب العراق، كي لا يدخل مرحلة تشرذم كما هو حال اتحاد كتاب فلسطين. إنّ المهنية والاستقلالية العالية التي يتمتع بها محمد سلماوي، وعلاقاته الأكاديمية العربية والأجنبية، تضع على كاهله مسؤولية اعادة الاعتبار للاتحاد كي يكون صوت الكتاب العرب، بعيدا عن أجندات أي نظام عربي. هذا هو الأمل، ولا نملك إلا الانتظار.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




228
الإنتخابات الأردنية على الأبواب:
النزاهة مسؤولية من؟

د.أحمد أبو مطر

تجري بعد أيام قليلة في التاسع من نوفمبر القادم الإنتخابات البرلمانية الأردنية لإختيار البرلمان السادس عشر في مسيرة الحياة النيابية الأردنية التي شهدت أول مجلس نواب في أكتوبر 1947 برئاسة هاشم خير. والملاحظ أنّ أكثر من مجلس نيابي منذ ذلك العام كان يتمّ حلّه قبل إنتهاء مدته بقرار ملكي، كما تمّ مع المجلس الخامس عشر الذي حلّه الملك عبد الله الثاني في الرابع والعشرين من نوفمبر 2009 ، وسط ارتياح شعبي عارم بهذا القرار بسبب ضعف هذا المجلس وأدائه السيء. وهاهي انتخابات المجلس السادس عشر تأتي بعد عام تقريبا من حلّ سلفه النيابي الذي واجهت انتخاباته انتقادات حادة وشديدة مشككة في مصداقيتها ونزاهتها، وربما كانت تلك الحملة من أسباب الإرادة الملكية بحله، مع وعد طالما كرّره الملك بضمان انتخابات جديدة نزيهة وذات مصداقية عالية.

انتخابات برلمانية ومقاطعة إسلامية جزئية

يستطيع المراقب المحايد أن يسجّل من الآن أنّ من صفات هذه الدورة الجديدة من الإنتخابات هي مقاطعة الحركة الإسلامية الأردنية ( الإخوان المسلمون ) لها بسبب تحفظهم على قانون الصوت الواحد الذي ستجري الإنتخابات بناءا عليه، رغم أنهم شاركوا في انتخابات عام 2007 التي جرت على أساسه، وأوصلت 18 نائبا منهم لقبة البرلمان. وأقول مقاطعة جزئية، لأن هناك عدد من أعضاء الحركة الإسلامية قرروا عدم الإلتزام بقرار المقاطعة وخوض الإنتخابات، ومنهم حسب ما نشرته وسائل الإعلام الأردنية المحامية سهام بني مصطفى (محافظة جرش) التي عبّرت بجرأة عن قرارها قائلة" إنه لم يأت من باب مخالفة قرار الحزب، وإنما لإيمانها بضرورة المشاركة" وعن احتمال فصلها من حزب جبهة العمل الإسلامي بسبب مشاركتها، قالت " سأحترم القرار مهما كان مؤكدة أنها ستمضي في قرارها خوض الإنتخابات" .  وهناك من الإسلاميين من سيشارك مثل الدكتور أحمد القضاة و سليمان السعد (نائب سابق عن الحركة الإسلامية)، وتقول بعض وسائل الإعلام الأردنية أنّ عدد أعضاء الحركة الإسلامية الذين سيخوضوا الإنتخابات تحديا لقرار المقاطعة ربما يصل إلى سبعة أعضاء. وإن حصل ذلك فسوف يكون بداية أزمة داخلية جديدة في حزب جبهة العمل الإسلامي، خاصة أنّ حمزة منصور أمين عام الحزب، أعلن صراحة أنّ قيادة الحزب ستدرس مخالفة أي عضو لقرار المقاطعة، لإتخاذ القرار المناسب بحقه.

تحفظات ومشاركة..قرار إيجابي

لم تكن الحركة الإسلامية وحدها صاحبة التحفظات على قانون الصوت الواحد الذي ستجري على أساسه الإنتخابات القادمة،  ورغم ذلك فإن قرارها بالمقاطعة لم يحظ بتأييد كافة الجهات والأحزاب التي أبدت التحفظات نفسها، فمن بين 14 حزبا مرخصا سوف يشارك 11 حزبا في الانتخابات، لأن هناك منطق موضوعي، وهو أنّ تطوير أية قوانين انتخابية لا يكون بالمقاطعة بل بالمشاركة ثم الإستمرار من خلال البرلمان الجديد في السعي لتطويرات إيجابية للقانون الإنتخابي، خاصة أنه من النادر وجود قانون انتخابي في العالم لا يوجد عليه بعض التحفظات من جهات أو أحزاب.
من هذا المنطلق، كان قرار الحزب الشيوعي الأردني حكيما وبناءا، عندما شدّد على تحفظاته على قانون الإنتخابات المعمول به، ولكنه سيشارك في هذه الإنتخابات، وحسب بيان اللجنة المركزية للحزب ف " إنّ المشاركة في الانتخابات لا يمكن أن تكون محكومة فقط بالوصول الى المجلس النيابي، على أهمية ذلك ومشروعيته، بل تعني وربما تستهدف في المقام الأول، إظهار التصميم على الاستفادة من الظروف والمناخات التي توفرها الانتخابات، والتي لا تتوفر في ظل ظروف إخرى لخوض غمار الصراع السياسي مع التحالف الطبقي الحاكم وبرنامجه وسياساته، وتكثيف الجهود لبناء التحالف الشعبي البديل، ونشر برنامجه السياسي بين أوسع الشرائح الشعبية، والعمل على تعبئة الجماهير وتنظيمها على قاعدة هذا البرنامج البديل". هذه هي النظرة الإيجابية في ظل توفر الأجواء الديمقراطية، المشاركة من أجل تطوير هذه الأجواء لتصبح ديمقراطية حقيقية، نزيهة شريفة بعيدا عن أي تلاعب يجعلها ديمقراطية ديكورية فقط.

نزاهة الإنتخابات: مسؤولية من؟

أكدّ الملك عبد الله الثاني مرارا على ضرورة نزاهة الإنتخابات كي تكون تعبيرا حقيقيا عن إرادة الناخب الأردني، وأعقبه العديد من المسؤولين الحكوميين مؤكدين على هذه النقطة، كان آخرهم نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية نايف القاضي الذي أكّد في لقاء له مع الفعاليات الرسمية والشعبية و النسائية والشبابية  في محافظة عجلون قبل أيام قليلة " أنّ الحكومة ستقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين، ولن يكون هناك أي تمييز أو إقتراب من أي مرشح بصرف النظر عن أصولهم ومعتقداتهم وانتماءتهم مهما كانت الظروف والأحوال".

ولكن هل يمكن مراقبة نزاهة الحكومة واثباتها؟

نعم لأن التزوير كالكذب عمره قصير، فقد انتهت مدة التسجيل وتثبيت الدوائر الإنتخابية يوم الخميس الثاني والعشرين من يوليو الماضي، وبدأت وزارة الداخلية في الأول من أغسطس بعرض جداول الناخبين في جميع الدوائر الإنتخابية ( 45 دائرة)، وفتح باب الاعتراض عليها، وكان عدد الاعتراضات قياسيا بالآلآف، وبعد النظر فيها من المحاكم والجهات المختصة، أخذت القوائم الانتخابية صفة النهائية في السادس من أكتوبر الحالي. أمّا مراقبة الإنتخابات يوم التاسع من نوفمبر القادم، فهي مسؤولية المرشحين والناخبين، لأن كل مرشح له مندوب أو ممثل أمام كل صندوق انتخابي، يستطيع مراقبة درجة الشفافية والنزاهة . وكذلك هناك المركز الوطني لحقوق الإنسان برئاسة الأكاديمي المعروف الدكتور عدنان بدران، وقد شكّل المركز منذ بداية مراحل الدورة الانتخابية فريقا وطنيا لمتابعتها ومراقبتها بعد التشاور مع حوالي 60 من مؤسسات المجتمع المدني من مختلف المحافظات الأردنية، وقد قام الفريق بدور ملحوظ حيث أبلغ عن العديد من المخالفات والسلبيات، وينتظر الجميع من المرشحين والناخبين دور هذا الفريق الوطني في مراقبة نزيهة شفّافة. لذلك فإن أي تزوير أو تدخل رسمي في سير العملية الانتخابية من السهل كشفه وتوثيقه.

إذن من أين يأتي التزوير والتضليل؟

إنه مما يمكن تسميته عادات الانتخابات وتقاليدها في المجتمع الأردني، أي الناخب والمرشح معا، لأنهما في كافة المحافظات لا يلتزمان بالشفافية والمصداقية، وبالتالي فمعظم التزوير يأتي من تحالفهما غير القانوني. وكأمثلة على دور الناخب والمرشح في عدم الوصول للحد الأقصى من النزاهة والشفافية، نذكر ما يلي:

أولا: سيادة مفهوم العشيرة والقبيلة الضيق، الذي يقبل بإختيار مرشح عن العشيرة وليس عن الوطن بكامله، وإذا كان بعض المرشحين يحوزون رضا العشيرة، فربما لا تتوفر فيهم الكفاءة اللازمة على مستوى الوطن بكامله. وبالتالي فإن فشل هذا المرشح في البرلمان المسؤول عنه هو الناخب الذي اختاره وصوّت له. والدليل على ذلك أن الصحافة الأردنية نشرت عن خلافات بين بعض العشائر لعدم اتفاقها على مرشح محدد من أبناء العشيرة.

ثانيا: يكثر الحديث عن شراء الأصوات بمعنى أنّ مرشحا ما يدفع مالا لناخب ما، كي يصوّت له، وبالتالي من الممكن وصول هذا المرشح لقبة البرلمان عن طريق ماله، وليس كل ذي مال كفؤ ونزيه لتمثيل الشعب. من المسؤول عن هذه الحالة؟ إنه المرشح الذي قبل أن يقدم رشوة، والناخب الذي باع  ضميره مقابل تلك الرشوة. إذن فالمال السياسي ليست مسؤولة عنه الحكومة بل المرشح والناخب معا.

ثالثا: ينتج عما سبق من ممارسات غياب البرامج الواضحة لغالبية المرشحين، لأنهم يعرفون مسبقا أنهم إن نجحوا فسيكون ذلك من خلال أصوات العشيرة أو اصوات مشتراة، وبالتالي فلماذا يفكرون في تقديم برامج انتخابية، ثم يسعون لتطبيقها من خلال البرلمان، لضمان كسب ثقة الناخب كي يصوّت لهم في الدورة القادمة. إن تزوير الحكومة وعدم نزاهتها يمكن كشفه واثباته، أمّا هذه الظواهر والممارسات العشائرية والفردية فهي ما لا يمكن وقفه إلا بإرادة المرشح والناخب، وبالتالي فهما المسؤولان بنسبة عالية عن نزاهة الانتخابات أو عدمها.

مفارقة مضحكة مبكية

هذه المفارقة هي أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، قامت بجهود وحملات عديدة لمقاطعة الانتخابات، ونظّمت العديد من الفعاليات لدرجة إطلاق بالونات ملونة في سماء عمّان تدعو وتهتف للمقاطعة، بينما جماعة الإخوان المسلمين في مصر، قامت بنفس الجهود وأكثر للدعاية لمرشحيها المشاركين في الانتخابات المصرية، وملأت لافتاتهم الشوارع والحارات رغم أنهم ليس مرخصا لهم كحزب رسمي،  وقد وصل حماسهم للمشاركة في الانتخابات أنّ عضو الجماعة وأستاذ علوم الحديث بجامعة الأزهر د.عبد الرحمن البر ، كما أورد موقع إسلام أون لاين ، اعتبر المشاركة  "نوع من الجهاد الأكبر وفريضة الوقت"، واصفاً الداعين لمقاطعة الانتخابات أو التخلف عن واجب المشاركة فيها بأنهم "آثمين". فهل يمكن شرعا تطبيق هذا الرأي القريب من الفتوى على المقاطعين من جماعة اإخوان المسلمين الأردنية؟. والله أعلم.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





229
أنا وأحمدي نجاد وكل الإحتلالات والزمن قصير

د.أحمد ابو مطر

أثارت مقالتي المنشورة في إيلاف يوم الأربعاء الثالث عشر من أكتوبر الحالي بعنوان" أحمدي نجاد في لبنان..لا خوش ولا آمديد )، ردود فعل كثيفة وعنيفة ومتباينة ، فقد بلغ عدد التعليقات حتى لحظة الإنتهاء من هذه المقالة 99 تعليقا، وهو على ما أعتقد رقم قياسي بالنسبة لعدد التعليقات التي تصل على مقالات "كتاب إيلاف". كيف كانت تعليقات القراء هذه، وكيف يمكن تصنيفها وصولا لبعض المواصفات الخاصة بطرق التفكير والحوار العربي، أو ما دأب الكثيرون على توصيفه ب " الرأي والرأي ألآخر ". هذه التعليقات يمكن الوصول من خلالها إلى بعض هذه المواصفات، وأهمها:

أولا: قراء لا يقرأون الموضوع مطلقا

أظنّ - وبعض الظنّ إثم – أنّ بعض القراء والقارئات لا يقرأون مقالات الكتاب، فقط يستشفون من العنوان وبعض السطور فكرة سطحية عن المقالة، وبالتالي إن كانت لا توافق هواهم وميولهم، فيكتفون بعدة كلمات من الشتائم التي لا أعتقد أنهم يقبلون أن يوجهها أحد لهم أو لأبائهم وأبنائهم. لأن السؤال المهم في هذا السياق: لماذا لم يناقشوا أفكار الكاتب، ويطرحوا الأفكار النقيضة التي تثبت خطأ الكاتب، فبنسبة عالية ربما يقتنع الكاتب بأفكارهم ويتبناها ويكتب عنها؟.

مثال اللبنانية الحضارية والمقالة السخيفة

فمثلا صاحبة التعليق رقم 27 التي وقعت بإسم ( لبنانية )، وليتها لم تنسب نفسها للبنان الحضارة الذي يتغنى به الكثيرون. هذه اللبنانية المتحضرة الرائعة السامية في سلوكها وخطابها، علّقت بكلمتين هما (المقال سخيف). هذه اللبنانية بنت الأرز، هل تقبل أن يردّ عليها أحد ويقول لها مثلا ( تعليقك هو السخيف )؟. لماذا هذه اللبنانية لم تقدّم للكاتب أدلة مغايرة لما أورد في مقالته حول أمور وحقائق كثيرة، أهمها إحتلال الأنظمة الإيرانية المتعاقبة للأحواز العربية والجزر الإماراتية. ولماذا هذه اللبنانية ترى أنّ فلسطين و مزارع شبعا محتلة وتنسى الأحواز والجزر الإماراتية ولواء الإسكندرونة ومدينتي سبتة ومليلة؟. وحسب كافة المراقبين لزيارة نجاد للبنان ، فقد عاش الشارع اللبناني انقساما واضحا بين مؤيد ومعارض، دون الخوض في أية نسبة هي الأكثر، فهل كل الذين عارضوا الزيارة في رأي اللبنانية هذه ( سخفاء )؟. لقد رصدّت عشرات المقالات لكتاب لبنانيين مشهورين يرفضون هذه الزيارة ويعتبرونها مجرد عرض عضلات إيرانية على حساب الداخل اللبناني، فهل كل هؤلاء أيتها اللبنانية المتحضرة سخفاء؟.  وكذلك المرجع الشيعي اللبناني السيد محمد علي الحسيني فقد رفض وشجب الزيارة تحت عنوان ( يمزقون صوره في إيران ويرفعونها في لبنان )، ومما قاله عن هذه الزيارة:

" إننا کمرجعية إسلامية للشيعة العرب، في الوقت الذي نؤکد فيه مجددا رفضنا التام لهذه الزيارة ومابعدها التي لانرى فيها خيرا للبنان و شعب لبنان و المنطقة برمتها، فإننا ندعو ابناء أمتنا العربية بشکل عام و الشيعة العرب منهم بوجه خاص الانتباه جيدا الى أن الذي يرفضه شعبه و يمزق صوره علنا و يشجبون سياساته القمعية و الاستبدادية و يسمونه ديكتاتورا، ليس جديرا أبدا بأن ترفع صوره لافي لبنان و لافي أي مکان آخر من الوطن العربي و العالم ". فهل هذا السيد وكلامه سخيف أيضا، وهو أقسى وأوضح مما ورد في مقالتي؟.

 وهناك نقطة مهمة ،هل شاهدت وتابعت اللبنانية عدوة السخافة المظاهرات الإيرانية التي شارك فيها مئات الألاف من الإيرانيين ضد النظام الديكتاتوري وتزويره الإنتخابات لتصعيد أحمدي نجاد لرئاسة الوزراء؟. وهل شاهد كل من صفقوا للزيارة وبطلها المنقذ كيف قمعت أجهزة نظامه هذه المظاهرات، وسقط فيها قتلى وجرحى؟. أستغرب لدرجة الدهشة كيف يرفض بعض العرب الظلم والإستبداد والديكتاتورية في بلادهم، ويصفقون لمن يعتبره شعبه الإيراني ديكتاتورا؟

بإختصار أقول: هذه التعليقات المبنية على شتائم فقط لا تشرّف إسلوب الحوار العربي، وتعطي صورة سيئة عن طريقة الحوار هذا، إن استمرت فلن تسهم في بناء قناعات مشتركة بين الكتاب وقرائهم.
ويمكن تصنيف ما لا يقل عن سبعة تعليقات ضمن خانة أنها لم تسهم في أي نقاش وحوار، رغم أنها خلت من أية كلمات نابية، لكنها اكتفت بالترحيب بأحمدي نجاد في عدة كلمات، دون أن توضح أسباب وقناعات هذا الترحيب.

ثانيا: قراء مؤيدون بحقائق جديدة داعمة

النوع الثاني من القراء أكثر وعيا، ويبدو أنهم يقرأون المقالات بدقة، لأن بعضهم أضاف معلومات وحقائق جديدة تدعم ما ورد في المقالة، وهذا مستوى يشرّف الحوار العربي لأنه يفيد الكاتب والقراء معا. ومثال ذلك صاحب التعليق رقم 4 (ساهر الكويتي) الذي وثّق لأقوال مسؤولين إيرانيين كما أوردتها على لسانهم صحف نرويجية، حيث وصفوا العرب ب ( البدو وهمج الصحراء )، مشددين على عدم الربط بين الفرس الآريين الأقرب للأوربيين بعرب الصحراء الهمج الطارئين على الحضارة بسبب البترول فقط. ووكذلك صاحب التعليق رقم 10 (قارىء محايد ) الذي ذكّرنا جميعا بالكتاب الإيراني (صورة العربي في الأدب الفارسي الحديث ) الذي صدرت ترجمته في دمشق، وأورد ما كتبه عن هذا الكتاب الباحث غياث الحاج حسين، وأيّده في ذلك صاحب التعليق 16 (محمود أبو واصف) الذي دعّم ذلك بما كتبه الكاتب الفلسطيني المعروف الدكتور فيصل درّاج عن هذا الكتاب، الذي يرصد صورة العربي في الأدب الفارسي الحديث، خاصة الكراهية العميقة المتأصلة في النفسية الإيرانية عبر العصور للعربي وهويته. ومن المهم الإشارة إلى التعليق 51 (عراقي مطحون ) الذي أورد ما كتبه موقع ويكيبيديا عن فضيحة ( إيران جيت ) عام 1985 ، وتوريد السلاح الإسرائيلي لنظام الخميني فترة حربه مع نظام صدام حسين، فهل تساعد إسرائيل بالسلاح نظاما يعاديها ويريد محوها من الوجود؟ أم أنها تعرف أنّ ما يقوله هذا النظام مجرد خطابات فارغة لا تهدد أمن ووجود دولة إسرائيل؟.

ثالثا: قراء مؤيدون ومعارضون بعقلانية حضارية
           (الدراويش نموذجا)


هناك بعض القراء ممن يرفعون نسبة الأمل لديك في أنّ الحوار العربي بخير، وإحترام رأي الآخر من الواجبات الضرورية رغم الإختلاف معه. وأفضل مثال على ذلك هو الدكتور محمود الدراويش الذي إنّ علّق على مقالة لأي كاتب، فهو يورد تعليقا يرقى كما قلت سابقا لأن يكون مقالة مستقلة، يناقش فيه بعقلانية أين يتفق مع الكاتب ولماذا، وأين يختلف مع الكاتب وكيف. لذلك فإن هذه الموضوعية التي تنمّ عن ثقافة عميقة، تجعلني أناشد الدكتور محمود الدراويش الذي لا أعرفه شخصيا، ولم نتبادل أية رسائل شخصية ، أن يبدأ بكتابة أفكاره وقناعاته هذه كمقالات مستقلة، وأعتقد أن زاوية (آراء) في موقع الجميع (إيلاف) سوف تستقبل مقالاته الراقية هذه. وإن قبل الله دعوتي سوف أدعو قائلا: ( أللهم أرزقنا الكثير من هكذا دراويش، واجعل أسلوب الدراويش هو السائد في ساحة الحوار العربي ).


وفي الختام والزمن قصير

لا للديكتاتورية إيرانية أم عربية. لا للإحتلالات إسرائيلية أم إيرانية أم تركية أم.....إلخ الصفات. لأن الإحتلال واحد، ويكفي أن نسمع صراخ وأحزان عرب الأحواز وأكراد تركيا، وغيرهم من الشعوب المحتلة المضطهدة، كي نتأكد أنّ هذه الإحتلالات لا تختلف عن إحتلال فلسطين. ويكفينا ما لدينا في الأقطار العربية من ديكتاتوريات واستبداد مدني يمكن أن نقاومه، أما الإستبداد الديني بإسم ولي الفقيه الذي يصفق له بعضنا ويريدون استيراده لنا، فمن الصعب مقاومته، وأسألوا الشعب الإيراني عن ملفات حقوق الإنسان عندهم...والله من وراء القصد...أللهم أبعدنا عن السخافة وأمنحنا رضى اللبنانية وغيرها من كل الجنسيات العربية والآرية.اللهم إنك سميع مجيب يارب العباد.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




230
أحمدي نجاد في لبنان
لا...خوش..ولا..آمديد

د.أحمد أبو مطر
وصل ممثل ولي الفقيه الإيراني أحمدي نجاد في زيارة مفروضة إجباريا على الدولة اللبنانية التي يتحكم في مصيرها سلما أم حربا، هدوءا أم توتيرا، حزب ولي الفقيه اللبناني ( حزب الله )، وهذه التسمية ليست فرضا أو تلفيقا منّي، ولكنها واردة نصّا صريحا في البيان التأسيسي للحزب الذي صدر في السادس عشر من فبراير 1985 بإسم ( الرسالة المفتوحة ) في "حسينية الشيّاح"، إذ ورد فيها حرفيا:
(إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم أوامر قيادة واحدة حكيمة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط. كل واحد منّا يتولى مهمته في المعركة وفقا لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد. نحن في لبنان لا نعتبر أنفسنا منفصلين عن الثورة في إيران. نحن نعتبر أنفسنا، وندعو الله أن نصبح جزءا من الجيش الذي يرغب في تشكيله الإمام من أجل تحرير القدس الشريف ).
وعاد السيد حسن نصر الله لتأكيد هذا الإرتباط بإيران في خطابه في ذكرى ما أطلق عليه "النصر الألهي" أو "يوم المقاومة والتحرير" في السادس والعشرين من أغسطس 2007 ، إذ قال حرفيا:( أنا أليوم أعلن وليس جديدا ، أنا أفتخر أن أكون فردا في حزب ولاية الفقيه، الفقيه العادل، الفقيه العالم، الفقيه الحكيم، الفقيه الشجاع، الفقيه الصادق، الفقيه المخلص). و أكّد ذلك أيضا بوضوح أكثر إبراهيم السيد أمين ، حين كان الناطق الرسمي للحزب بقوله: (نحن في لبنان لا نستمد عملية صنع القرار السياسي لدينا إلا من الفقيه، والفقيه لا تعرّفه الجغرافيا بل يعرّفه الشرع الإسلامي....نحن في لبنان لا نعتبر أنفسنا منفصلين عن الثورة في إيران. نحن نعتبر أنفسنا - وندعو الله أن نصبح – جزءا من الجيش الذي يرغب في تشكيله الإمام من أجل تحرير القدس الشريف، ونحن نطيع أوامره ولا نؤمن بالجغرافيا، بل نؤمن بالتغيير)، مع التذكير بأنه بعد مرور ثلاثين عاما على إعلان الخميني نظرية ولي الفقيه المرفوضة من غالبية الشيعة العرب ، لم يتمّ تشكيل هذا الجيش ولم يحرر مترا من القدس .
ولماذا يتناسى المصفقون لنظام الملالي فضيحة ( إيران كونترا- إيران جيت) عام 1985 التي شحنت بموجبها الأسلحة لنظام الخميني من خلال إسرائيل أثناء الحرب العراقية الإيرانية؟. والخطير في الأمر أنّ نظرية ولي الفقيه الدخيلة على المذهب الشيعي لا تعترف بالتعددية السياسية والدينية ولا الحريات الديمقراطية، وهدفها الإستراتيجي هو فرض رؤيتها الفقهية في أية بقعة من العالم حتى لو عن طريق الإحتلال، بدليل أنّ ملالي الولي الفقيه مستمرون في إحتلال الأحواز العربية المحتلة منذ عام 1925 والجزر الإماراتية الثلاثة المحتلة منذ عام 1971 ، ويهددون دوما بإعادة إحتلال مملكة البحرين على اعتبار أنها محافظة إيرانية، وينشرون الفوضى والمشاكل عبر أزلامهم وعناصر أمنهم في العديد من الدول خاصة دولة الكويت.

زيارة مفروضة على الدولة اللبنانية

لم يعلن في أية وسائل إعلامية عربية أو اجنبية أو إيرانية عن أساس هذه الزيارة، هل هي بدعوة من الحكومة اللبنانية أو بطلب من الحكومة الإيرانية وافقت عليه الحكومة اللبنانية، لأن هذين المبدأين هما أساس كافة الزيارات الرسمية الدولية. لذلك المرجح تبعا لمجريات الحالة اللبنانية ومستجداتها الطارئة، أنّ الزيارة كانت بطلب من حزب الله لأحمدي نجاد ، وبالتالي لم تستطع الحكومة اللبنانية أن ترفض هذا الطلب ليس خوفا من الحكومة الإيرانية، بل من وكيلها المعتمد رسميا في لبنان وهو حزب الله بزعامة وكيل الولي الفقيه السيد حسن نصرالله، لأن ردّ الحزب أصبح علامة مسجلة في الثامن من مايو 2008 ، عندما اجتاح بيروت بطريقة أكثر وحشية وتخريبا من الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 . هذا الإجتياح الذي وصفه الكاتب اللبناني الشجاع الدكتور رضوان السيد قائلا: " الاستيلاء على بيروت من جانب مسلحي حزب الله، قرار إستراتيجي إيراني أما تنفيذه بهذه الطريقة الحاقدة، فالمقصود به الإذلال والقهر، وإكمال إزالة الدولة والمؤسسات، وحزب الله تقدم السنة الى الواجهة. وبيروت الآن بين مشهدين أو واقعتين. واقعة القهر الميليشياوي في الثمانينات من القرن الماضي، وواقعة حماس في غزة». 

لذلك فلا تستطيع أية حكومة لبنانية برئاسة سعد الحريري أو أي رئيس آخر أيا كانت هويته أو إنتماؤه السياسي أن يرفض طلبا أو توجها لحزب الله، الذي هو فعلا دويلة داخل الدولة اللبنانية، إلا أنّه أقوى وأكثر تخويفا ورعبا من كافة أجهزة الدولة اللبنانية مجتمعة بما فيها الجيش اللبناني. وذلك بدليل ممارسات الحزب داخل لبنان، وأهمها سيطرته شبه الكاملة على مطار بيروت وتركيبه كاميرات خاصة به لتصوير كل حركة داخل المطار، وأيضا شبكة اتصالاته الخاصة التي لا علاقة لها بشبكة الاتصالات اللبنانية الرسمية،  وقبل أسابيع قليلة دخوله غير القانوني لمطار بيروت بمئات من عناصره ومسلحيه لإستقبال اللواء جميل السيد، بشكل يدلّل على أن ّ الحزب هو المسيطر على المطار، ثم مرافقته لجميل السيد في موكب مسلح محاط بألاف من أعضاء الحزب ، وكأنهم في زفة عرس شعبية مسلحة، غير آبهين بالسلطة والجيش والأمن اللبناني ، دون أن تتمكن أية جهة لبنانية من سؤال الحزب بأي حق يدخل المطار ويتجول بالسلاح المئات من عناصره ،وغير هذه المظاهر التي تجعله القوة الوحيدة المتحكمة في حاضر لبنان ومستقبله.

شوارع بيروت كأنها شوارع طهران

والدليل الحاضر الآن في شوارع بيروت التي ملأها الحزب بصور أحمدي نجاد وبشعارات مكتوبة باللغة الفارسية، وهذا لا تسمح به أية قوانين في العالم، إلا أنّ قوانين حزب الله فوق الجميع بما فيهم الدولة اللبنانية. ويكفي تذكير الحزب أنه منذ  احتلال الأحواز العربية منذ عام 1925 تمنع كل الحكومات الإيرانية المتعاقبة بما فيها حكومات ولي الفقيه منذ عام 1979 أبناء عرب الأحواز من استعمال لغتهم العربية، أو تسمية أطفالهم بأسماء عربية، وتفرض عليهم أسماء فارسية، بينما دولة إسرائيل منذ عام 1948 تسمح للفلسطينيين بإستعمال لغتهم العربية، التي أنتجت ثقافة وإبداعا باللغة العربية لا يقل في عمقه ومستواه عن إبداع وثقافة أية عاصمة عربية. هذا وقد ملأت منشورات ويافطات الحزب وحركة أمل الشوارع تطالب الجماهير بالخروج الحاشد لإستقبال البطل المنقذ أحمدي نجاد، بينما لم تحّظ زيارة الرئيس بشار الأسد لبيروت يوم الثلاثين من يوليو 2010 بأي إهتمام من الحزب وحركة أمل.

زيارة مرفوضة لبنانيا وعربيا ودوليا

إنّ كافة المؤشرات والدلائل تقول بأنّ هذه الزيارة مجرد استمرار لإستفزازات أحمدي نجاد الخطابية،  خدمة للمخططات الإيرانية وليس لمصلحة التوافق الداخلي اللبناني، فهو يبحث عن أية عاصمة تستقبله فقط ليعيد غوغائياته التي لا تخدم أية قضية عربية، مثل استنكاره المتكرر للهولوكست، وتهديده بتدمير إسرائيل ومحوها من الوجود، وهو بهذا يخدم إسرائيل، من خلال جلب المزيد من الدعم الدولي لها بإعتراف الباحثين الإسرائيليين الذين يؤكدون أنه لم يخدم إسرائيل في السنوات الماضية مثل ما خدمتها تصريحات أحمدي نجاد، التي هي لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، لأنها مجرد غوغائيات ينطبق عليها المثل العربي ( أسمع جعجعة ولا أرى طحنا). فهو يريد القول للعالم أننا هنا في لبنان وبيدنا قرار الحرب والسلم فيها، إعتقادا منه أنّ هذا سيخيف إسرائيل، بينما أية اضطرابات وانقسامات لبنانية داخلية، فهي  تخدم إسرائيل وأمنها، فمن استفاد من اجتياح حزب الله لبيروت في مايو 2008 ، وهو لم يطلق رصاصة واحدة عبر الحدود الإسرائيلية منذ تموز 2007 ، بالعكس يعتقل كل من يفكر في إطلاق الرصاص، فقد هدأت الحدود تماما بعد تطبيق القارا الدولي رقم 1701  .  هذا بدليل حجم الرفض اللبناني العلني لهذه الزيارة ، بينما زيارة رئيس الوزراء الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي لبيروت في مايو 2003 لم تثر أية احتجاجات أو رفض، لأنه رجل كان يسعى للإصلاح والديمقراطية في داخل إيران بعيدا عن نفوذ الملالي، لذلك تمت الإطاحة به عبر انتخابات يسيّرها الملالي كما يريدون.

ومن مخاطر هذه الزيارة أنّ أحمدي نجاد سيصطحب معه أكثر من مائة وخمسين شخصية إيرانية، تؤكد المعلومات أنّ أغلبهم من رجال المخابرات والأمن والعسكر الإيرانيين، الذين لن يغادر أغلبهم بيروت معه، بل سيبقون في صفوف حزب الله، ولا تستطيع أية جهة لبنانية رصد ذلك أو محاسبة من أبقاهم عنده وفي حمايته. وبالتالي لا يعرف أحد سوى حزب الله الدور الذي سيقوم به هؤلاء العشرات من المخابرات الإيرانية. لذلك ستقاطع غالبية الهيئات الدبلوماسية المعتمدة في بيروت حفل العشاء في القصر الجمهوري اللبناني وكذلك كافة الشخصيات السنّية والمسيحية ورجال الأعمال ، ولن يحضره سوى سفراء سوريا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا وربما كوبا.

توقعات ما بعد الزيارة

لن ينتج عن هذه الزيارة سوى زيادة سطوة حزب الله على الوضع الداخلي اللبناني المتأزم بسبب تداعيات المحكمة الدولية، التي يعارضها الحزب والنظام السوري، مع أنّ المنطق يقول: أيا كانت ملابسات تسييس المحكمة وشهود الزور، فمن المنطقي أن يتعاون معها حزب الله والنظام السوري، كي يكشفا تسييسها ويثبتا براءتهما من دم رفيق الحريري، إذ أنّ من يعارض محكمة ما توحي معارضته بأنه يخاف من الإدانة.

لذلك فالمتوقع بعد انتهاء هذه الزيارة أن يصعّد حزب الله التوتير الداخلي اللبناني، الذي ربما ينتج عنه اجتياح ثان لبيروت لإسقاط حكومة سعد الحريري التي تصرّ على استمرارية عمل المحكمة الدولية، وبسقوط الحكومة سيضع الحزب يده على أغلب مؤسسات الدولة اللبنانية، خاصة أنه تمّ رصد تعبئة واستعدادات أمنية وعسكرية للحزب حتى في بيروت الشرقية من خلال بعض حلفائه مثل جماعة العماد ميشيل عون. وكذلك ينشر الحزب مئات من مسلحيه علنا في كافة الشوارع المحيطة بفندق"الحبتور" في بيروت الشرقية، حيث تمّ حجز الفندق بكامله لنجادي والمائة وخمسين رجل المرافقين له، وتمّ إخلاء الفندق من غالبية موظفيه والعاملين فيه، وإستبدالهم بعناصر من الحزب في كافة أعمال الفندق. لذلك فالقادم على لبنان اعظم وأجرم مما مضى، وكله بسبب تدخل الأجندات الإقليمية من خلال ممثلها الشرعي الوحيد حزب الله.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





















231
شهزاد والحكم المؤبد أم سحب الجنسية والإعدام

د.أحمد أبو مطر

من هو شهزاد وليس شهرزاد؟
هو فيصل شهزاد المواطن الأمريكي من أصل باكستاني، الذي تمّ اعتقاله في مطار نيويورك أثناء محاولته مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية متوجها إلى دبي، وذلك بعد ثلاثة وخمسين ساعة من عثور سلطات الأمن على سيارة مفخخة، كان الدخان ينبعث منها أمام أحد المسارح في ساحة تايمز سكوير وسط نيويورك في الأول من مايو 2010 . وهو يقيم في الولايات المتحدة منذ عشرة سنوات، ومتزوج وله ولدان وتقيم عائلته في باكستان. وحسب وصف وكالة الأنباء الفرنسية لعملية اعتقاله آنذاك فقد (استغرق الأمر بالشرطة المحلية ومكتب التحقيقات الفيدرالي "اف بي آي" أكثر من يومين لاعتقاله في عملية مذهلة، أقرب إلى أحداث أفلام هوليودي، حيث تمّ توقيفه في اللحظة الأخيرة قبل فراره في طائرة كانت على وشك الإقلاع من مطار كيندي في اتجاه دبي).و لو تمت عملية تفجير السيارة المفخخة التي وضعها في ساحة تايمز كوير لأسفرت عن مجزرة جماعية، إذ كان ألاف السياح من مختلف الجنسيات يتجولون تلك اللحظة في الميدان، حيث كان الجو ربيعيا دافئا في ذلك اليوم الأول من مايو 2010 .

حكم بالسجن المؤبد ..ألا يستحق الموت؟

قضت محكمة أمريكية يوم الثلاثاء الخامس من أكتوبر 2010 بعد مداولات وجلسات ومرافعات استمرت أربعة شهور، حكمها بالسجن على الإرهابي شهزاد بالسجن المؤبد مدى الحياة، وهي أقصى عقوبة ممكنة في جميع التهم الموجهة إليه، وقد اعترف بها صراحة وعلنا في المحكمة عدة مرات، إذ قال مرة أمام المحكمة الفيدرالية في جنوب مانهاتن " أريد أن أعلن نفسي مئة مرة مذنبا" رافضا أن يعلن ندمه عما كان ينوي فعله. و الكارثة التي تستدعي البحث هي قصة شهزاد التي تشبه قصص ألاف الشباب المسلمين، فهو مثلا شاب في الثلاثين من عمره، وله ولدان وزوجة وعائلة، ألم يفكر في مصيرهم قبل الإقدام على عمله الإجرامي هذا؟. ألم يفكر لحظة في احتمال موته، وتيتم طفليه وترمل زوجته؟. بل تمادى في تفكيره الإجرامي معلنا أنه كان ينوي تنفيذ عمل إجرامي آخر لو نجح عمله الإجرامي الأول.

السجن أم الموت؟

هذه المسالة تحتاج إلى مزيد من البحث خاصة في المحافل الدولية المختصة بحقوق الإنسان. المسألة بسيطة في تركيبتها الظاهرة: إنسان يقتل إنسانا آخر، وربما مئات أو ألاف من البشر، هذا الإنسان المجرم القاتل، ما هي المبررات التي تدافع عن عدم الحكم عليه بنفس العمل الذي ارتكبه بحق آخرين في الغالب أبرياء؟. لماذا ارتكب هو قتل إنسان ويسمح قانون بعض الدول بسجنه أي بقائه حيّا يتمتع بحياته، خاصة في السجون الأمريكية أو الأوربية التي هي في مستواها أرقى وأنظف من حياة الكثيرين في العديد من بلدان الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا.أيا كان موقفك من الأديان، فقد نصّ القرآن على ((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون ) المائدة 45 .  وكذلك في العهد القديم فقد ورد في سفر الخروج  "وان حصلت اذيَّة تُعطى نفساً بنفسٍ وعيناً بعينٍ وسنًّا بسنٍّ ويداً بيدٍ ورجلاً برجلٍ وكيًّا بكيٍّ وجرحاً بجرحٍ ورضًّا برضٍّ. وكذلك ورد في سفر اللاويين "وإذا أحدث إنسانٌ في قريبهِ عيباً فكما فعل كذلك يُفعَل بهِ. كسرٌ بكسرٍ وعينٌ بعينٍ وسنٌ بسنٍّ. كما أحدث عيباً في الإنسان كذلك يُحْدَث فيه".
ورغم ذلك يبقى السؤال من ناحيىة أخلاقية قائما: هل يستحق البقاء حيا يتمتع بحياته حتى لو في السجن، وهو من قتل شخصا أو أشخاصا وسبّب الألم والحزن الدائمين لذويهم؟. يستند بعض المؤمنين إلى قول المسيح حسب ما ورد في قصة صلبه ( يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ). هل القاتل لا يعرف ما هو مقدم عليه؟. هل واضع سيارة منفخخة بالمتفجرات القاتلة في ميدان مزحم بالمارة الأبرياء لا يعرف ما هي نتيجة عمله؟.

دور القوانين الأوربية والأمريكية في تغذية الإرهاب

وفي هذا السياق لا يمكن القفز عن أنّ العديد من الإرهابيين يستغلون سهولة وسماحة القوانين الأوربية والأمريكية، للمضي قدما في أعمالهم الإجرامية، لأنهم يعرفون مسبقا أنه في الغالب لن يحكم عليهم بالموت، بل السجن لعدة سنوات في سجون مستواها أفضل من بعض فنادق بلاده. من هنا بدأت في فرنسا مناقشات مهمة وضرورية ، كانت نتيجتها أن صوّتت الجمعية العامة الفرنسية يوم الخميس 30-9-2010، على مشروع قانون يقضي بتجريد الحاصلين على الجنسية الفرنسية قبل أقل من 10 سنوات، من هذه الجنسية في حال إدانتهم بقتل رجل أمن. وتمّ تبني هذا البند في مشروع قانون حول الهجرة يثير معارضة اليسار، لكن أيضاً بعض نواب اليمين، بأغلبية 75 صوتاً مقابل 57 (من إجمالي 577 نائباً) وذلك بعد ثلاث ساعات من النقاش. وكان  قانون صادر في 1998  قد نصّ على إمكانية تجريد الحاصل على الجنسية الفرنسية، من هذه الجنسية إذا صدر عليه حكم في قضية إرهاب. ووسعت هذه الإمكانية الآن لتشمل من يُدان بقتل رجال الشرطة والقانون والإطفاء، من الحاصلين على الجنسية الفرنسية قبل أقل من 10 سنوات.
وأعتقد أنّ هذا القانون وما يشبهه مهم للغاية، لأن الحصول على جنسية بلد ما يعني احترام قوانينها، حتى الفلسطينيون الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية وينجحون في انتخابات الكنيست الإسرائيلي يقسمون يمين الولاء لدولة إسرائيل، فكيف يكون الحال في الدول الأوربية والولايات المتحدة التي تستقبل الملايين من العرب والمسلمين، وأغلبهم جاءها هربا من ظلم أنظمة بلادهم أو من أوضاعها الإقتصادية البائسة، فبأي حق أو منطق ينقلب على البلاد التي أكرمته وأطعمته من جوع، ليضرب سكانها ويقتل المئات منهم؟. إنّ متابعة وقائع محاكمة الإرهابي شهزاد تثبت كم يستغل هؤلاء المجرمون القوانين الأوربية والأمريكية، فهل يستطيع هذا الشهزاد أو أي واحد من أقرانه أن يتلفظ بكلمة واحدة في محكمة باكستانية مما قاله في المحكمة الأمريكية. تمعنوا في بعض أقواله هذه، وفكّروا فيما هو الحكم الذي يستحقه؟. بعد صدور الحكم عليه بالسجن المؤبد وليس الإعدام كما كان ينتظره لو كان في باكستان أو أية دولة إسلامية، صرخ في المحكمة: " استعدوا، لأن الحرب مع المسلمين بدات لتوها. هزيمة الولايات المتحدة باتت وشيكة وستحصل في وقت قريب ". وهنا لا أعرف من هو الناطق بإسم الإسلام هل هو شهزاد الباكستاني أم أيمن الظواهري المصري؟. لذلك كان تعليق الإدعاء الأمريكي " إرهابي ولم ينتابه الشعور بالندم وخان الوطن الذي أقسم يمين الولاء له، وقد نال العقاب الذي يستحقه ".
 
القاضية الأمريكية تعلّم شهزاد مبادىء الإسلام

من المفارقات المثيرة أنّ هذا الإرهابي يقول علنا للأمريكيين أنه كمسلم كاذب وكاذب. فعندما سألته القاضية الأمريكية: " ألم تقسم يمين الولاء لهذه الدولة؟". أجابها: " نعم ولكني لم أعن ذلك". أي أنه يقسم بالله وهو يعرف نفسه أنه يكذب. بل هو منافق حسب حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : "حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ . فهذا الشهزاد ماذا يستحق من حكم وقد وعد بالولاء وأخلف وأؤتمن على بلد منحه جنسيته وحياة كريمة فخانها؟.
نفس القاضية الأمريكية التي نطقت بالحكم عليه بالسجن المؤبد، خاطبته قائلة " إنّ لديك الكثير من الوقت في السجن لتفكر في ما قال القرآن عن قتل الناس ". ويصرّ هذا الإرهابي على تشويه صورة الإسلام فيردّ على القاضية: " ما فعلته كان دفاعا عن النفس وبإسم الإسلام ". وينسى هذا الإرهابي الجاهل أنّ قرآن الإسلام يقول فيه الله تعالى "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا". فهل حقق شهزاد في هوية وحياة وأعمال من كان ينوي قتلهم في ميدان سكوير تايمز؟. وكذلك إرهابيو الحادي عشر من سبتمبر، هل حقّقوا في هوية وحياة وأعمال ثلاثة ألاف شخص قبل الإقدام على قتلهم، ومن بينهم مئات من المسلمين؟.
الكل يدّعي النطق بإسم الإسلام، ويرتكب أعماله الإجرامية والإرهابية بإسم الإسلام، وهذا مرفوض لكن المرفوض أكثر هو سكوت علماء وشيوخ الإسلام على أفعال هولاء، فسكوت هؤلاء الشيوخ وتساهل القوانين الأوربية والأمريكية ستنتج مئات مثل شهزاد ونضال حسن وأبو حمزة المصري وغيرهم.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net








 




232
توقف المفاوضات المباشرة: فما البديل؟
د.أحمد أبو مطر

توقفت المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بعد أسابيع قليلة من بدئها في واشنطن بإشراف ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية، كما أعلنت السلطة الفلسطينة يوم السبت الثاني من أكتوبر بعد اجتماع في رام الله لقيادتي منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحضور ممثلين عن الكتل البرلمانية ما عدا ممثلي كتلة حركة حماس، وغياب ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بسبب إعلانها المسبق الإنسحاب من اللجنة التنفيذية للمنظمة بسبب عودة السلطة الفلسطينية للمفاوضات المباشرة " لأن هذا القرار يمسّ البرنامج الوطني والحقوق والقواسم المشتركة، ويشكّل تنازلا جديدا خطيرا يضاف إلى مسلسل التنازلات التي أقدمت عليها قيادة المنظمة منذ مؤتمر مدريد حتى الآن"، حسب تبريرات الجبهة لقرارها، رغم عدم منطقية هذه التبريرات، فالتنازلات التي تعتمد عليها الجبهة لتبرير قرار إنسحابها، تعتبرها بدأت من المشاركة في مؤتمر مدريد الذي كان في عام 1991 ، أي أنها استمرت في اللجنة التنفيذية بعده طوال 19 عاما، شهدت عام 1993 توقيع اتفاقية أوسلو التي إعترفت رسميا بدولة إسرائيل، ولم تنسحب الجبهة الشعبية من اللجنة التنفيذية، والمفاوضات المباشرة مستمرة منذ ذلك الوقت ،ولم تتوقف سوى قبل حوالي عشرين شهرا بسبب الأجتياح الإسرائيلي للقطاع في يناير 2008 ، ولم تنسحب الجبهة إلا بعد العودة للمفاوضات قبل أسابيع قليلة....فما الجديد إذن؟

ماذا خسرت السلطة من العودة للمفاوضات؟

أهمية هذا السؤال في أنّ الإجابة عليه فيها ردّ على مواقف كل من رفضوا عودة السلطة للمفاوضات المباشرة، لأنها سجّلت موقفا إيجابيا أمام الرأي العام الدولي خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية الداعية لإستئناف المفاوضات برعايتها، واليوم تسجّل قيادة السلطة هدفا مهما رغم انسحابها من المفاوصات، لأن الإنسحاب سببه التعنت الإسرائيلي والإستمرار في بناء وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، رغم رفض الولايات المتحدة وغالبية دول العالم لهذا الإستمرار الذي يتناقض مع أبسط حقوق الشعب الفلسطيني. ولكن لو لم تذهب السلطة الفلسطينية للمفاوضات المباشرة في الثاني من سبتمبر الماضي، لحمّلتها إسرائيل وغالبية دول العالم السبب  في تعطيل مسيرة السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بينما الآن فهناك تفهم لموقف السلطة القاضي بالإنسحاب من المفاوضات، لأنّ السبب أصبح واضحا للجميع خاصة الولايات المتحدة، وهو عدم رضوخ إسرائيل للمطالب الأمريكية بتمديد قرار وقف توسيع المستوطنات، لذلك تجمع العديد من الدوائر أنّ الولايات المتحدة تشعر بحالة من الغضب نتيجة الموقف الإسرائيلي المتعنت وما زالت ضغوطها متواصلة، وبالتالي فالجانب الإسرائيلي هو السبب في الإنسحاب الفلسطيني من المفاوضات وتعطيل مسيرة السلام.

هل توسيع المستوطنات سبب كاف لوقف المفاوضات؟

تكمن أهمية الإجابة على هذا السؤال في أنها توضح للرأي العام العربي والدولي خاصة المؤيد لدولة إسرائيل، أنّ الجانب الفلسطيني يمتلك أسبابا وطنية وأخلاقية تمنعه من الإستمرار في المفاوضات، طالما الجانب الإسرائيلي مستمر في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، لأن هذا يتناقض تماما مع المطلب الفلسطيني والدولي المؤيد لقيام دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 ، لأن المستوطنات الإسرائيلية بوضعها الحالي تلتهم نسبة من مساحة الضفة الغربية، وتقطّع أوصالها بحيث أصبح من الصعب التنقل بين مدن الضفة الغربية وداخل بعض مدنها بسبب انتشار هذه المستوطنات في غالبية مدن وقرى الضفة. وهذه المعلومات من المهم أن يعرفها الرأي العام العالمي ودوائر القرار مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، إذ لا يكفي طرح العنوان العام ( وقف الإستمرار في توسيع المستوطنات )، لأن المشكلة أساسا قائمة في المستوطنات الموجودة والمقامة فعليا، وتتوسع تدريجيا منذ الإحتلال عام 1967 حتى اليوم. إنّ المعلومات المتوفرة والمؤكدة عن واقع المستوطنات الإسرائيلية حسب رصد المركز الجغرافي الفلسطيني لعام 1995 مخيف للغاية، فما بالك بالتوسع الذي حصل في الخمسة عشر سنة التالية. كانت المستوطنات المقامة في الضفة الغربية حتى العام 1995 كالتالي: 9  في مدينة جنين، 48 في نابلس، 8 في طولكرم، 27 في رام الله، 28 في القدس، 18 في بيت لحم، 11 في أريحا، 27 في الخليل، أي ما مجموعه 176 مستوطنة، مجموع مساحتها 32586 دونما أي حوالي 82 كيلو متر مربع. وحسب دراسة مهمة وخطيرة للمتخصص الفلسطيني الدكتور خليل التكفجي، مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات في جمعية الدراسات العربية بالقدس:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/623CE9C2-90C9-4265-9206-E80A71D957D5.htm

فقد بلغ عدد المستوطنين الإسرائيليين حتى منتصف عام 2000 في الضفة والقطاع والقدس ما مجموعه 393 الف مستوطن، وتبلغ مساحة المستوطنات في القطاع حوالي 8 % من مساحته، و 40 % من مساحة الضفة الغربية حسب القوانين الإسرائيلية المتلاحقة بما فيها القانون الخاص الذي أطلق عليه ( أملاك الغائبين ) أصبحت أملاك دولة، في الوقت الذي تسيطر فيه الدولة الإسرائيلية على 87 % من مساحة القدس الشرقية.

وقد أكّدت ذلك  منظمة "بيتسليم" الإسرائيلية في تقريرها بعنوان ( جميع الوسائل مشروعة)، حيث أوردت ما يؤكد أنّ مساحات النفوذ البلدية للمستوطنات، والمساحات التابعة للمجالس الإقليمية تسيطر على أكثر من 42 % من مساحة الضفة الغربية. وبالتالي فإن بقاء المستوطنات بوضعها الحالي، ودون أي توسيع لا تسمح مطلقا بقيام دولة فلسطينية مترابطة الأطراف، لأن المستوطنات أصبحت (جيتوات) تقطّع أوصال الضفة الغربية من خلال وجودها ، والطرق الإلتفافية التي  تحول دون التنقل مباشرة من مدينة فلسطينية إلى أخرى، والتنقل المعتاد الذي يحتاج إلى أربعين دقيقة مثلا، أصبح يحتاج إلى ما يزيد على أربع ساعات بسبب هذه الطرق الإلتفافية والحواجز العسكرية الإسرائيلية، وقطع المستوطنين للطرق من حين إلى آخر. فكم سيزداد الوضع سوءا في حالة الإستمرار في توسيع المستوطنات الذي بدأ فعلا في الأول من أكتوبر الحالي وبوتيرة متسارعة لتعويض فترة التجميد السابقة.

ما البديل في هذه الحالة؟

تطرح السلطة الفلسطينية بدائل نظرية  على الورق وهي:

أولا: التوجه إلى مجلس الأمن عبر لجنة المتابعة العربية للمطالبة بموقف دولي، يلزم إسرائيل وقف الإستيطان وتطبيق حل الدولتين.

ثانيا: العمل على تحقيق الوحدة الوطنية الشاملة، بمعنى إنهاء الإنقسام الفلسطيني الذي أعقب إنقلاب حماس في القطاع في يونيو 2007 .

ومن الواضح أن الخيار الأول من الصعب التوافق داخل مجلس الأمن على صدور قرار هكذا، وإن صدر فمن يضمن أن تلتزم إسرائيل بتفيذه، فقد صدرت العديد من القرارات الدولية منذ عشرات السنين، ولم تلتزم إسرائيل بها ولم تنفذها، وأصبحت مجرد قرارات على ورق محفوظة في أرشيف الأمم المتحدة. أما الخيار الثاني الخاص بالمصالحة الفلسطينية فهو من المستحيلات أيضا، لأنّ من تذوقوا طعم السلطة والكرسي والمال طوال السنوات الأربعة الماضية، لن يرضخ طرف منهم إلى الآخر، لأن مصادرة الآخر وإلغائه جزء رئيسي من تفكير الفصائل الفلسطينية ( أنا وبس والباقي خس ) حتى خضراوات الخس لها قيمة عندهم أكثر من الإنسان الفلسطيني، لأنه من الأساس لو وضعوا اعتبارا ما لهذه الإنسان وعذاباته، لما أحدثوا هذا الإنقسام وشرّعوه  بمبررات لا منطقية لها ، و بفتاوي دينية من شيوخ الطرفين، لأنه لا توجد مبررات صادقة لتشريع تقسيم بقايا وطن محتل أساسا مهما كانت هذه المبررات، لكنّ التشرذم هو جزء من عقليات وطموحات القيادات الفلسطينية، فلا يوجد تنظيم فلسطيني منذ عام 1965 لم ينشقّ ويتشرذم لفصيلين أو ثلاثة.

فلننتظر نتيجة الضغوط الأمريكية واجتماع لجنة المتابعة العريبة، كي نعيد طرح السؤال: هل هناك خيارات أخرى غير ما طرحته السلطة الفلسطينية؟ خاصة أنّ الأنباء تتحدث عن  خلافات داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي حول الموضوع.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net

233
حماس على خطى طالبان بسرعة ضوئية

د.أحمد أبو مطر

يبدو أنّ عنوان المقال سيكون استفزازيا لبعض القراء، خاصة ذوي الاتجاهات والميول الإسلامية التي يسيطر على عقليتهم أنهم حماة الدين والأخلاق الرفيعة في مواجهة المنحرفين والخارجين عن مبادىء الإسلام، وبالتالي يحلّون ( التكفير محل التفكير)، لأنهم يحملون توكيلا إلهيا يمنحون من خلاله مفاتيح الجنة لمن يريدون، ويحرمون منها من يريدون. ورغم هذا التخويف وما يصاحبه من تخوين لا بد من تملك الجرأة لقول كلمة الحق لأن ( الساكت عن الحق شيطان أخرس )، والحق الذي أدّعيه هنا هو رصدي القادم لممارسات حماس في قطاع غزة منذ انقلابها العسكري في يونيو 2007 وقبل ذلك أيضا. وليت القراء العاقلون وهم الأكثرية أن يدرسوا هذه الوقائع والممارسات الموثقة، وعاشها ويعيشها سكان القطاع، ثم يحكموا إلى أين تريد حماس أن توصل القطاع، وما هو نوع الحكم الذي تريد أن تصنعه؟ وهل يختلف في الطبيعة والنتيجة عن ممارسات طالبان ونظامها في أفغانستان لمدة قرابة خمسة سنوات قبل إسقاطها من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2001 .

خلفية حماس الفكرية

أصبح من المعروف والبديهي أن حركة حماس التي نشأت في القطاع عام 1987 متأخرة 22 عاما عن إنطلاقة حركة فتح وما تلاها من فصائل وتنظيمات فلسطينية من الصعب معرفة عددها بدقة، وتوزع حجمها من السوبرماركت إلى الدكانة إلى الكشك الصغير، ذات خلفية هي نتاج جماعة الإخوان المسلمين في القطاع التي كانت امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين المصرية بحكم ارتباط القطاع وإدارته  من قبل جمهورية مصر العربية منذ عام 1948 وحتى هزيمة يونيو 1967 . وكذلك تقاطع هذا الإمتداد مع جماعة الإخوان المسلمين الأردنية بحكم أنها كانت مشهرة كجمعية خيرية معترف بها من النظام الملكي الأردني، ووجود العديد من قيادات الجماعتين الفلسطينية والأردنية في دول الخليج العربي معا، مما جعل الترابط مع الجماعة الأردنية أعمق منه مع الجماعة المصرية، وهذا سبب أنّ حماس من موضوعات الخلاف داخل قيادة الجماعة منذ سنوات إذ يرى البعض ضرورة فك الإرتباط معها على اعتبار أنها تنظيم فلسطيني، وما حدث من تداخل بسبب ما يطلق عليه "أفراد الجماعة في الخارج" وغالبيتهم من الأصول الفلسطينية ذوي العلاقة مع حماس. وهذا التداخل كان وراء طرد قيادة الحركة من الأردن عام 1999 إذ لا يجوز أن يكون المواطن أردنيا يحمل الجنسية الأردنية، وفي الوقت ذاته عضو أو قيادي في تنظيم ليس أردنيا، وهذا مبدأ دستوري معمول به في أعرق الديمقراطيات في العالم.

ومن المعروف أن جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928 على يد حسن البنا، بدأت نشاطها عبر جمعيات خيرية مركّزة حسب قولهم على: العمل من أجل نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، ومقاومة المنكرات والمحرمات، والتصدي للإرساليات التبشيرية المسيحية. هذا بينما تأسس الفرع الأردني عام 1945 وحظي برعاية القصر الملكي كونه جمعية خيرية رسمية نادرا ما كان يتدخل في الشأن السياسي حتى عام 1990 عندما أطلق الملك حسين الحريات السياسية وما تلاها من تعددية حزبية، نتج عنها إشهار حزبهم ( جبهة العمل الإسلامي )، واستمرار تداخل الحزب مع بنية حماس التنظيمية. هذه الولادة من رحم الإخوان المسلمين، أدّى لإعتبار حماس التجربة الميدانية الحياتية لهذه الجماعة عند إستلامها السلطة في الأردن  أو مصر أو أية دولة أخرى. وهذا ما يفسر دعم جماعتي الإخوان الأردنية والمصرية لحماس ورفض الجماعة الأردنية فكّ الإرتباط مع حماس، على إعتبار أنها إمتداد طبيعي لهم، ولا يستطيع الوالد أو الأم التبرؤ من إبنه أو إبنته إلا إذا كانا عاقين، وهذه الجماعة لا تعرف العقوق إلا مع الأنظمة الحاكمة تمهيدا لوصولها وإستلامها السلطة حتى لو عبر انقلاب عسكري كما فعلت وليدتهم حماس. إذا كانت الممارسات الطالبانية لحماس قد أخذت الطابع العلني المدعوم بقوانين رسمية من حكومتها، فإن هذا السلوك بدأت ممارسته قبل إنقلابها الذي حدث في يونيو 2007 ، ومن خلال أعمال ترقى لحد الوحشية، وأبرزها قبل الإنقلاب،

إغتيال الفتاة يسرى العزامي على شاطىء غزة

تمت هذه الجريمة البشعة في الثامن من أبريل عام 2005 ، عندما كانت هذه الفتاة المحجبة تجلس في المقعد الأمامي لسيارة خطيبها، وخلفهما يجلس شقيق العريس وخطيبته التي هي أخت يسرى العزامي، حيث طاردتهم وحدة من أربعة أشخاص من ميليشيات حماس، وأطلقوا الرصاص على رأس يسرى وأردوها قتيلة ومثّلوا بجثتها، ولولا هرب الثلاثة الآخرون للقوا نفس المصير. أنكرت حماس في البداية مسؤوليتها عن الجريمة، ولكن بعد مظاهرات عارمة في بيت لاهيا، وقيام جمعية أهالي يافا التي تمثل الحي الذي تسكنه المغدورة بنشر أسماء المجرمين الأربعة وتحميلها حماس المسؤولية، إعترفت الحركة بأن المجرمين الأربعة من أعضائها، ولكنهم قاموا بالجريمة بشكل فردي. ورفضت الحركة تسليم القتلة لأجهزة الأمن الفلسطينية. وتصاعدت بعد ذلك ممارسات حماس الرسمية تحت يافطة ( حماية الأخلاق العامة) ومنها:

أولا: قرار مجلس العدل الأعلى التابع لحكومة حماس بفرض  (الحجاب على المحاميات حتى لو كنّ مسيحيات، من خلال إلزامهن بإرتداء الزي الشرعي المخصص لهنّ أثناء مثولهن أمام المحاكم في غزة)، ومن تفاصيل هذا الإلزام ( ضرورة إرتداء المحاميات كسوة من القماش الأسود المعروف بالروب الخاص بالمحاميات، أو البلطو أو ما يماثله، إضافة إلى غطاء يحجب الشعر كالمنديل أو ما يماثله ).

ثانيا: قام مسلحون ملثمون تابعون لميليشيات حماس يوم  الأحد الموافق التاسع عشر من سبتمبر 2010 بحرق أشهر منتجع سياحي في مدينةغزة، وذلك بعد إغلاقه بقرار رسمي من حكومة إسماعيل هنية المقالة، بسبب تدخين بعض الفتيات النرجيلة في المجمّع. ولا تستطيع حماس إنكار مسؤوليتها عن الجريمة، لأن المقتحمين المسلحين كانوا حوالي خمسة وعشرين مسلحا ملثما، ومن يجرؤ على حمل السلاح بهذا العدد في ظل سيطرة حماس وقمعها، إن لم يكن رسميا من ميليشياتها ويتنقل بمعرفة مسؤوليها؟. خاصة أنّ المسلحين قاموا بجريمتهم بهدوء حيث قيّدوا الحراس وكمموا أفواههم وتعصيب أعينهم، ثم إنهالوا عليهم ضربا، وقاموا بجمع النرجيلات وتكسيرها، ثم حرقوا المنتجع وغادروا المكان بهدوء مما يدلل على أنهم كانوا في مهمة رسمية من حكومة حماس، خاصة أن الحرق والتكسير والتدمير جاء بعد قرار حكومة حماس منع النساء من تدخين النرجيلة.

ثالثا: البدء بممارسات ومراسيم تضييق خانقة على فنادق مدن القطاع، منها عدم السماح بإقامة أية حفلة مهما كان نوعها إلا بعد الحصول على إذن رسمي من أجهزة حكومة حماس، ورغم حصول بعض الفنادق على إذن رسمي لحفلات إجتماعية ، إلا انهم تفاجأوا  بمداهمة شرطة حماس للتفتيش خاصة عن النرجيلة، و قد أدّت هذه الممارسات لإغلاق أغلب فنادق القطاع.

هذه الجرائم يضاف لها العديد من الإعتداءات المسلحة على مدارس ومكتبات مسيحية، كان أشهرها فداحة تفجير المكتبة التابعة لجمعية الكتاب المقدس المسيحية في أبريل 2007 ، وقد ألحق الإنفجار دمارا كبيرا بالمكتبة، ثم أعقب ذلك في أكتوبر 2007 خطف رامي عياد المسؤول في المكتبة وإغتياله ورمي جثته في غابة مجاورة، ولم تقم حكومة حماس بفتح تحقيق في الجريمة أو إعتقال المجرمين الذين قاموا بها.

خطوات طالبانية لأسلمة المجتمع

وهكذا تستمر حكومة حماس الإنقلابية بخطواتها بسرعة ضوئية نحو أسلمة المجتمع الغزاوي على هوى تفكيرها الطالباني. ليس من المنطق أن يكون شخص ضد الأخلاق العامة، ولكن من يحدد ضوابط هذه الأخلاق، فهل حكومة حماس هي فقط الحريصة على الأخلاق العامة، عندما نجد في غالبية الأقطار الإسلامية مسموح إقامة الحفلات في الفنادق، ومسموح تدخين النرجيلة للنساء والرجال علنا وفي مقاهي على بعد أمتار من الأزهر!. فمن هو الحريص على الإسلام ؟ هل هي ميليشيات حماس فقط؟. ويؤكد العديد من الباحثين والسياسيين الفلسطينيين المقيمين في القطاع، بأن حكومة حماس تسير فعلا حسب خطة مرسومة لأسلمة المجتمع الغزاوي حسب مفاهيمها التي لا تختلف عن ممارسات طالبان الأفغانية. ومن حسن الحظ أنه لا يوجد في القطاع تماثيل تاريخية مثل تماثيل بوذا التي دمّرتها طالبان في أفغانستان، وإلا لدمرتها حركة حماس، ورغم ذلك مارسوا تطلعهم هذا بتخريب تمثال الجندي المجهول الذي يضم رفات الشهداء المصريين الذين استشهدوا دفاعا عن القطاع.

لذلك فالمطلوب هو التدقيق في هذه الممارسات بهدوء وبدون تشنج، للتقرير هل هي خطوات طالبانية أم لا؟. وسكوت الإخوان المسلمين في مصر و الأردن على هذه الممارسات وعدم إدانتها، دليل  واضح على رضاهم عن تلك الممارسات، وسيقومون بتطبيقها في بلادهم إن تسلموا السلطة لا قدّر الله وأجهزة الأمن في البلدين.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




234
ياسر الحبيب وزوجة الرسول والمزايدات السياسية


د.أحمد أبو مطر
القضايا و المناقشات الخلافية ذات طابع المزايدات السياسية التي أعقبت تصريحات ياسر الحبيب المسيئة للسيدة عائشة رضي الله عنها إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، توقفت عندها من زاويتين لم تأخذا حقهما في الكتابات العديدة التي أشعلت هذه القضية شمالا ويمينا من خلال سياقات عديدية ، يبغي أغلبها خدمة أجندات خاصة أو إقليمية، وللأسف المبكي أن كل هذا يتم على حساب سمعة الكويت ومسيرة  التنمية السياسية و الوحدة الوطنية فيها.

الأولى: أين كويت الخمسينات والستينات؟

أكتب حول هذه الزاوية  بألم مستذكرا كويت الخمسينات والستينات حيث عاصرتها ميدانيا من عام 1968 إلى عام 1977 ، كانت الكويت آنذاك مثالا عربيا بدون مجاملة في ميدان حرية التعبير وديمقراطية الحراك السياسي مما جعلها نموذجا عربيا من خلال وسائل تعبير لا حدود لآفاق هذا التعبير، إذ كانت جرائد ومجلات: الرأي العام، السياسة، القبس، العربي، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، الطليعة، وغيرها الكثير مثالا يحتذى في صحافة عربية عمرها يفوق المائة عاما، وأتذكر في واحدة من تلك الصحف العربية العريقة في عاصمة عربية مشهورة، كان الصحفيون عندما يتعرضون لقيود تمسّ حرية التعبير، يقولون لمسؤوليهم صراحة: ما هذا ؟ أنظروا لسقف الحرية في صحافة الكويت الدولة حديثة العهد؟. في ذلك الزمن الكويتي الجميل، لم يعرف الكويتيون مطلقا لا في السرّ ولا العلن مصطلحات مثل ( سنّي ) و ( شيعي ) أو أية مذاهب أخرى، كان الجميع مسلمون...مسلمون فقط، لأنه حقيقة إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا في الإسلام، ففي عصره وعدة سنوات من بعده، لم يكن هناك سوى الإسلام الذي رسوله النبي محمد، فمن أصدق الرسول الكريم أم من جاءوا من بعده، وقسّموا المسلمين فرقا وطوائف وجماعات وأحزاب، بينها من الفتن والحروب والصراعات أعمق وأقسى مما بينها وبين من يطلقون عليهم أعداء الإسلام، فإذا هذه الفرق والطوائف من خلال ممارساتها وصراعاتها وأحقادها ضد بعض، هي العدو الحقيقي للإسلام.

أين كويت ذلك العصر الجميل، حيث كانت جامعة الكويت رغم حداثة تأسيسها لها موقع مميز بين الجامعات العربية؟. أين ذلك الزمن الراقي الذي كان فيه مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية ومجلته الدورية، يتمنى كبار المفكرين والكتاب العرب أن يتعاونوا معه ويكتبوا فيها؟ أين ذلك الزمن المتحضر الذي كانت سلسلة "عالم المعرفة" ينتظرها القراء العرب في غالبية العواصم العربية؟. أين ذلك الزمن الرائع الذي أوصل عبد العزيز السريع ومحمد المنصور وصقر الرشود وعبد الحسين عبد الرضا وغيرهم المسرح الكويتي ليكون منافسا لمسارح عربية عريقة في أكثر من عاصمة عربية؟.
الكويت تلك بدلا من البناء على إنجازاتها المذكورة والمشهود لها لدى كثيرين غيري من الكتاب والباحثين العرب، الذين عاصروا تلك التجربة ميدانيا، بدأت تشهد في ربع القرن الماضي تراجعا يمسّ حرية التعبير من خلال حراس مزايدات سياسية تأخذ للإسف الطابع الطائفي ( سنّي شيعي )، بحيث يتربص أفراد من كل طائفة بما يصدر من شخصيات الطائفة الثانية ماسّا أية موضوعات أو شخصيات لطائفتهم مهما كانت نسبة التجريح في هذا، ليبدأوا حربا طائفية قائمة على الفتنة، متذرعين بالدفاع عن الرسول وأهل البيت، متناسين قول الرسول ( الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها). والنتيجة الحتمية لهذا الحديث أنّ الكثيرين ملعونون شاءوا أم أبوا، عرفوا أم تجاهلوا!. وهؤلاء الحراس الطائفيون من كل الطوائف لا يريدون خيرا بوطنهم الكويت، لأن خدمة المصالح الشخصية والمزايدات السياسية عندهم فوق الوطن، وإلا ما معنى هذا الضجيج والشغب  المرفوض من ياسر الحبيب وكذلك الردود عليه؟.



الثانية: ردود فعل الرسول في حالات مشابهة

ينبغي التوقف عند نقطة مهمة، وهي أنّ أفكار الإساءات للرسول وبعض الصحابة أو أهل البيت، هي نفس الأفكار التي يجترها المسيئون منذ ذلك التقسيم ( سنّي وشيعي ) الذي لم يكن معروفا في زمن الرسول، وبالتالي فهي أفكار ليست جديدة مما يعني أنّ من يثيرها أياكانت طائفته لا يقصد سوى خدمة مزايدات سياسية خاصة بأجندات معينة، أو من أجل مصالح شخصية أهمها الشهرة ضمن سياق
( إشتم تعرف )، لأنه ما الفائدة من تكرار شتائم وتجريحات  مكررة منذ مئات السنين لتلك الشخصيات الإسلامية؟.

وكمثال معاصر تلك الإهانات والتجريحات التي أعاد تكرارها رجل الدين الكويتي المقيم في لندن ياسر الحبيب. إنها شتائم وإهانات ليست جديدة، فقد تكررت على لسان عشرات الشخصيات عبر التاريخ، شخصيات أهم وأشهر منه، ولا أظنّ أن غالبية العرب والمسلمين كانوا يعرفون من هو ياسر الحبيب، وإذا بشتائمه وإهاناته الجديدة القديمة، تأتي مباشرة بعد أن هدأت زوبعة تصريحات القس المجهول تيري جونز، ليصبح ياسر الحبيب وتيري جونز من أشهر الشخصيات بعد سلمان رشدي ورسّام الكاريكاتير الدانمركي، وإن كانت شهرة مبنية على باطل وإثم مرفوض، تمشيا مع المثل العربي القائل ( يحب الكبرة ولو على خازوق ).

لقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم أبشع من هذه الإهانات، خاصة ما عرف ب ( حادثة الإفك )، حيث أتهمت السيدة عائشة نفسها في شرفها علنا وصراحة، وانتشر الطعن في شرفها وعرضها سريان النار في الهشيم، وليس عند العرب قديما وحديثا أبشع وأجرم من هذه التهمة، والكل يعرف تأني الرسول وصبره وحلمه، رغم أنه يعرف مطلقي تلك التهم وظلّ صابرا متماسكا إلا أنّ برأ الله تعالى السيدة عائشة ( إنّ الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكل إمرىء منهم ما اكتسب من الإثم ). فلماذا ندّعي أننا نسير على خطى الرسول وهديه، في حين أنّ غالبية تصرفاتنا وسلوكياتنا تتنافى تماما مع تعاليمه وهديه؟. لماذا أصبحت حياة الرسول وأهل بيته مجالا للمزايدات السياسية التي تفرق بين مواطني الوطن الواحد، وإذا بهما فريقان متناحران على بعد خطوات من قتل كل واحد الآخر؟. بالعكس في العراق بدأوا القتل حسب المذهب منذ سنوات، بدليل هذا القتل اليومي الذي يحصد العشرات كل يوم.

أهداف رخيصة بإسم الطائفة

المضحك المبكي في ردود الفعل على إهانات ياسر الحبيب للسيدة عائشة، أنه بعد الصراخ واللطم والشتائم، دخلت المقاطعة الإقتصادية الميدان، تماما مثل الحملة الفاشلة بمقاطعة البضائع الدانمركية، فقد بدأت تنتشر في الساحة الكويتية نداءات ودعوات لمقاطعة شركات اتصالات وقنوات تلفزيونية على خلفية أنّ شركة الاتصالات الفلانية قطعت بعض الخدمات عن القناة التلفزيونية الفلانية، على خلفية أنّ شركة الاتصالات شيعية والقناة التلفزيونية سنّية، وهكذا ضمن هذا السياق الطائفي الرخيص الذي لا يهدف الدفاع عن الإسلام كدين بقدر ما هو لخدمة أغراض خاصة أوأجندات إقليمية.

هذه الأسئلة ليست موجهة للكويتيين فقط،

فنفس الحيثيات تتفاعل سرا وعلنا في العديد من الأقطار العربية، فإما الحذر واليقظة النابعة من الحرص على بلادنا أو فالطريق الحالي لن يؤدي إلا إلى التهلكة، خاصة أن أكثر من قطر عربي دخل فعلا بسبب هذه الفتن التي ما عادت نائمة، إلى خانة التشرذم والدول الفاشلة. هل من المعقول أو المفهوم أنّ حوالي ثلاثين دولة أوربية لا يجمعها دين واحد ولا لغة واحدة على أبواب الوحدة الكاملة ، ويتنقلون منذ سنوات بدون جواز سفر أو تأشيرة دخول، وكافة الأقطار العربية التي تدّعي انه يجمعها الإسلام واللغة العربية الواحدة، قد دخلت فعلا طريق التشرذم والتشظي، فلا توجد دولة عربية تخلو من تفاعل مشكلة أو وضع سيؤدي بها آجلا أم عاجلا لهذا التشرذم والتقسيم.

وعودة إلى أهل الكويت أكرر: أين قبرتم ذلك الزمن الكويتي الرائد الحضاري الجميل الذي كانت فيه الكويت مثالا لحرية التعبير والديمقراطية الحقيقية؟. إرحموا الكويت كوطن للجميع، فالفتن ذات الطابع الطائفي لا ترحم أحدا، بل تحرق الجميع، وملعون من يوقظها أيا كانت طائفته أو مذهبه أو هدفه. عودوا إلى كويت الخمسينات والستينات، وستروا كم سيكون الجميع مواطنين كويتيين فقط، حيث الدين دين الله واحد لا فرق ولا طوائف فيه، والوطن للجميع.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




235
ليلة سعودية حافلة في أوستوكهولم
د.أحمد أبو مطر
نحن في أوسلو وأستوكهولم في السويد جيران، نسافر إليها وتسافر إلينا كما يسافر المواطن العربي من غرفة في منزله إلى غرفة أخرى. لكنّ سفرتي إليها صباح الخميس الثالث والعشرين من سبتمبر 2010 ، كان لها وقع خاص إذ تجيء تلبية لدعوة من سفير المملكة العربية السعودية في السويد، الصديق الدكتور عبد الرحمن محمد الجديع، لحضور احتفال السفارة باليوم الوطني الثمانين للمملكة التي تأسست عام 1930 على يد المغفور له الملك عبد العزيز بن آل سعود. وهو تأسيس يسبق ما عرف بمرحلة الإستقلال التي شهدتها بعض الأقطار العربية في بداية الأربعينات من القرن الماضي، في خضم الحرب العالمية الثانية وما نتج عنها، لاحقا لثورة الشريف الحسين بن علي قبل ذلك وسقوط مرحلة ما أطلق عليها ( الخلافة العثمانية) أيا كانت علاقتها بالخلافة الحقيقية أي الراشدة، لأن غالبية ممارسات تلك الحقبة التركية – العثمانية،  كانت احتلالية توسعية مصلحية تركية أولا، ولم يكن ثوب الخلافة الفضفاف سوى غطاءا شفافا لم يتمكن من إخفاء طابع السيطرة والظلم لتلك الخلافة إسما فقط.

احتفال وحشد يليق بهذا اليوم

كان الحفل الذي دعا له السفير الدكتور عبد الرحمن محمد الجديع ( دكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة أريزونا الأمريكية ) في جراند هوتيل بالعاصمة السويدية مساء الخميس الثالث والعشرين من سبتمبر، حافلا بمعنى الكلمة يليق بمكانة المملكة في الساحتين العربية والدولية، اختلطت فيه العديد من اللغات لتنوع الحضور، لكن اللغتين العربية والإنجليزية كانتا الطاغيتان على حديث المحتفلين بهذه المناسبة. ورغم الحضور الكثيف إلا أنّ الحفل كان أشبه بحلقة نقاش سياسية لم يترك المحتفلون موضوعا إلا وتناقشوا فيه، خاصة الحضور العربي الذي كعادته يحمل همومه وصخب موضوعاته في كل مكان. لذلك كان من الضروي اقتناص هذه الفرصة لأسمع أولا والقراء الآن كيف ينظر السفير الدكتور عبد الرحمن الجديع لمناسبة اليوم الوطني هذا.

يوم سعودي مجيد معنى ومضمونا

يعبر الدكتور الجديع عن اعتزازه بهذا اليوم ليس لأنه سفير فقط، بل كمواطن سعودي أيضا،فهو يرى (أنّ الشعب السعودي يستعيد في هذا اليوم أمجاد تأسيس المملكة على يد المغفور له الملك العظيم عبد العزيز طيّب الله ثراه. إذ تتبوأ المملكة اليوم مركزا فريدا من نوعه في العالم وذلك بفضل من الله وقدرة هذا البلد وقيادته الواعية على التعامل الناجح مع متطلبات التنمية ومقتضيات العصروتطورات السياسة الدولية. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى الجهود الموفقة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز- يحفظه الله - على كافة الأصعدة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية في البلاد. فعلى الصعيد الوطني تستمر مسيرة التنمية والبناء ويعمّ الخيرأرجاء هذا الوطن العزيز. لقد سخّرت حكومة خادم الحرمين الشريفين كافة طاقاتها ومواردها في رفعة الإنسان السعودي، وفي تلبية ودعم طموحاته في ظلّ بنيان راسخ آمن، تعلوه المثل الإسلامية وتسوده التقاليد العربية).

الحضور الأقليمي والدولي

يرى الدكتور الجديع : ( كرّست المملكة على الصعيد الإقليمي جهودها كافة في دعم القضايا العربية سواء على مستوى العلاقات الثنائية والعمل الجماعي أو في المحافل الدولية. وقد اكتسبت القضية الفلسطينية موقع الصدارة في اهتمامات القيادة السعودية، حيث تجلى ذلك في طرح المبادرات لحل النزاع في الشرق الأوسط بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وكذلك مشروعية الحقوق العربية كافة، وهو ما جعل المملكة العربية السعودية واحدة من الدعامات الأساسية للأمن والسلام والإستقرار في المنطقة الشرق أوسطية). وضمن هذا السياق لا يمكن نسيان الجهود الكبيرة التي بذلتها قيادة المملكة في موضوع المصالحة الفلسطينية، حيث نجحت اتصالاتها في فبراير 2007 لتوقيع اتفاق مكّة للمصالحة بين حركتي فتح وحماس، إلا أنّ الحركتين لحستا توقيعهما بعد أيام وابتدأتا حربا طاحنة راح ضحيتها حتى الآن  قتلى فلسطينيون أكثر ممن قتلوا بسبب جيش الإحتلال الإسرائيلي، هذا رغم أنّ البند الأول من اتفاق مكّة نصّ على ( تحريم الدم الفلسطيني )، إلا أنّ ما هو حرام في الاتفاق والعرف والأخلاق حلال عند الحركتين عندما يتعلق الموضوع بالمصالح الشخصية والسيطرة التنظيمية، خاصة بعد انقلاب حماس الأسود الذي جاء بعد توقيع الإتفاق بشهور قليلة، ليدخل الإنقسام الفلسطيني اليوم نهاية عامه الرابع تقريبا. وأيضا لا يمكن تجاوز دور المملكة الإقليمي الخاص بالتهدئة في لبنان، فمن  خلال اتصالاتها مع الشقيقة سوريا في الشهور الأخيرة تمكنت القيادتان السعودية السورية ( س س ) من تهدئة الوضع اللبناني الذي كان جاهزا للإنفجار الذي لا تحمد عقباه، و نشطت هذه الإتصالات الأيام القليلة الماضية لتهدئة وضع كان أكثر تفجيرا بسبب تداعيات موضوع المحكمة الدولية داخل الساحة اللبنانية.

وماذا على الصعيد الدولي؟

يرى السفير الدكتور الجديع ( أنّ الجهود الخيّرة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز واهتماماته بالقضايا الإسلامية والإنسانية المتمثلة في دعوته للتضامن والحوار والتفاهم بين الشعوب والحضارات، وكذلك إدانته ومحاربته للإرهاب بكافة أشكاله، إنما تعكس حكمته وعمق رؤيته ومدى إدراكه لأهمية تعزيز الثقة مع كافة الأمم والشعوب المحبة الساعية للسلام. وتزداد صورة المملكة في الساحة الدولية تألقا وإشراقا بفضل هذه السياسات الحكيمة بقدر منجزاتها التي جعلتها من الدول العشرين المتقدمة إقتصاديا في العالم.وأعتقد جازما أنّ هذه السياسة سوف تحافظ على وضع المملكة في طليعة المجتمعات المتقدمة، وأيضل بدليل أهمية أكثر من جامعة سعودية من ضمن الجامعات المتقدمة المهمة في العالم. إنّ اليوم الوطني هو مناسبة عزيزة علينا جميعا، ويثير الإحتفال في نفوسنا مشاعر الحب لهذه المملكة العظيمة بأرضها وقيادتها. إنّ هذه المناسبة تزيد من تفاؤلنا بغد أكثر تقدما ورفاهية للمواطن السعودي في كافة المجالات، وتصاعد الدعم الشعبي والرسمي السعودي لكافة الأشقاء والأصدقاء، فهذا هو الدور الموكل بالمملكة وقيادتها).

وماذا أيضا في هذا اليوم؟

لقد كانت احتفالية اليوم الوطني للملكة السعودية في جراند هوتيل بالعاصمة السويدية، تأكيدا على كل ما قاله السفير الدكتور عبد الرحمن الجديع، الذي أثبت أنّ له حضور لافت في الوسط الدبلوماسي في السويد، بين العرب والأجانب، كما كانت الإحتفالية تواصلا عربيا مميزا حيث التقى العشرات دبلوماسيون وصحفيون وكتاب ومواطنون عاديون ، تناقشوا وتحاوروا، تجمعهم نقطة واحدة هي الدعوة لإستمرار التفاهم والحوار العربي الذي تحرص عليه قيادة المملكة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com




236
هل مقاطعة الحركة الإسلامية الأردنية للإنتخابات قرار خاطىء؟

د.أحمد أبو مطر
استبشر الحراك السياسي الأردني خيرا في الحوار الذي بادرت له الحكومة الأردنية برئاسة سمير الرفاعي رئيس الوزراء ، مع الحركة الإسلامية الأردنية  ( الإخوان المسلمون )، في الأيام القليلة الماضية بخصوص قرارها المبدئي بمقاطعة الانتخابات النيابية في نوفمبر القادم، لإختيار المجلس النيابي السادس عشر في الأردن. وقد جرى لقاء حواري ساده الهدوء الإيجابي في البداية حسب ما أورده موقع الحركة ( وتميز اللقاء بالصراحة والوضوح والمسؤولية الوطنية، وانصبّ على موقف الحركة الإسلامية من المقاطعة، وقد أكّدت الحكومة على دور الحركة الإسلامية ومصداقيتها، وتمنّت عليها إعادة النظر في موقفها، كما أكّدت على أهمية الإصلاح ومواصلة الحوار).

ولكن هذا التفاؤل لم يدم طويلا بعد اللقاء الثاني بين الجانبين الحكومي والإسلامي، إذ أعلن حمزة منصور أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي بشكل واضح وصارم ( لا عودة عن قرار المقاطعة وسنمضي في عدم المشاركة في الإنتخابات خصوصا أنّ الحوار مع الحكومة كان جيدا، لكن لم يتم إزالة أسباب مقاطعة الحركة الإسلامية ).وهذا التصريح بحد ذاته يحمل تناقضا واضحا، يعبر عن التشنج في مواقف الحركة الإسلامية، التي تريد كل شيء في لحظة واحدة و حسب رؤاها هي، متناسية أن غالبية الأحزاب الأردنية المرخصة والفعاليات السياسية والإجتماعية ستشارك في هذه الإنتخابات رغم وجود بعض التحفظات لكل جهة على قانون الإنتخابات، ولكن طبيعة العمل السياسي والإجتماعي تقول:

ما لا يتحقق كله لا ينبغي تركه كله

من باب الإنصاف والحقيقة فإن مشاركة الحركة الإسلامية في الإنتخابات القادمة هو إثراء وتنوع لهذه الإنتخابات والحراك البرلماني القادم، خاصة أنه لا أحد ينكر حجم شعبية الحركة في الشارع الأردني، رغم ضآلة تمثيلها في البرلمانات السابقة، وهذه الشعبية هي التي تجعل قرار المقاطعة خاطىء بشكل أكثر مما لو كانت من حزب هامشي من الأحزاب الأردنية التي لا تحظى بوجود جماهيري واسع، وهذا ما يجعل نسبة من الواصلين لمقاعد مجلس النواب ليس عن طريق أصوات أحزابهم بل أصوات العشيرة والمعارف والمتطلعين لخدمات شخصية من سيادة النائب. وأيضا فإن إعتراف الحركة  بأن الحوارمع الحكومة كان جيدا، يعطي مؤشرات بأن هذا ( الجيد ) كان من السهل أن يزيد وتحقق الحركة من خلال البرلمان الجديد مطالب أخرى مما تريده لقانون الإنتخابات. لذلك فإن قرار المقاطعة لم يستند لأسباب منطقية، لأن الحركة كانت تتعمد طرح مطالب تعجيزية ولم يبق على الانتخابات سوى أسابيع قليلة.

اللجوء للمجلس القادم لتعديل قانون الإنتخابات

ما يجعل قرار الحركة بالمقاطعة أيضا غير منطقي هو تشككها في حجم شعبيتها، وعدد المقاعد التي يمكن أن تفوز بها، لأنها لو كانت واثقة من حجم هذه الشعبية لشاركت في الانتخابات القادمة، وبعد ذلك تواصل العمل من خلال المجلس لتعديل قانون الإنتخابات، خاصة  أنّ الحكومة قد أعلنت عن نيتها لعرض قانون الإنتخابات على المجلس القادم بصفة الإستعجال للنظر في تعديله. لذلك فإن عدم لجوء الحركة لهذا الخيار دليل على أنها تعمدت طلب المستحيل في فترة زمنية قياسية، وهذا الطلب المستحيل يدلّ على نية مبيتة لدى الحركة، خلفيتها عدم قدرتها على مواجهة جماهيرها كيف تعلن المقاطعة قبل أسابيع ثم تعلن المشاركة، وهو امتداد لسؤال طرحته سابقا: لماذا المشاركة في الإنتخابات السابقة عام 2007 على قاعدة نفس القانون الذي تبرر المقاطعة الآن بسببه؟.

وهذا ما يؤكده تلميحا وتصريحا عبد اللطيف عربيات رئيس مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، عندما يصرّح قائلا: " على الحكومة أن تبدي مواقف إيجابية للحركة الإسلامية، حتى تقدمها للمواطنين الذين أخبرتهم بأسباب المقاطعة". وهذا يعني أن الحركة لمست ايجابيات وحسن نية من الحكومة، لكنها تخجل من مصارحة جماهيرها التي كانت قد قالت لها: لا مشاركة في الإنتخابات قبل تعديل قانون الإنتخابات، فماذا تقول لجماهيرها الآن؟. والدليل على ذلك هو تصريح جميل أبو بكر الناطق الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين الذي أضاف طلبا تعجيزيا يؤكد رأينا هذا، عندما قال: " قدّمنا وجهة نظرنا ومطالبنا لتعديل قانون الإنتخاب، إضافة إلى طلب تأجيل الإنتخابات حتى يتسنى للجماعة مراجعة مواقفها". إن طلب التأجيل لهذا السبب المذكور، يؤكد أن قرار المقاطعة أساسا لم يكن مدروسا بشكل جيد من الجماعة، وبالتالي تريد التأجيل لدراسة موقفها، وهل بقاء ما لايقل عن ستة اسابيع للإنتخابات غير كافية لمراجعة الجماعة لمواقفها؟. وأيضا فإن الجماعة بهذا الطلب تضع نفسها فوق كل الأحزاب الأردنية والحكومة، فحسب رغبتها تريد تحديد موعد الإنتخابات خاصة أنه لم يطلب هذا الطلب أي حزب أو جماعة أردنية، وبالتالي فهذه نرجسية مرضية من الجماعة، عندما تضع نفسها فوق الجميع وأنّ لها القرار الذي يجب أن يتم تطبيقه وإلا فالمقاطعة.

 ويشير إلى ذلك من زاوية مختلفة تصريح النائب والمراقب العام السابق الشيخ عبد الرحيم العكور، إذ يرى ( أنّ الحركة الإسلامية وضعت العقدة في المنشار)، معتبرا قرار المقاطعة ( من شأنه أن يعزز عزلة الإسلاميين في الوسط الشعبي والسياسي الأردني )، والشيخ عبد الرحيم العكور من المؤكد أنه ينطلق مما فيه مصلحة الحركة الإسلامية وشعبيتها، خاصة أنه تقلد مناصب عليا في الحركة حيث كان عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، وعضو المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الإسلامي، ونائب سابق للمراقب العام للجماعة، وتقلد مناصب وزارية مهمة، مما يؤهله للحكم : أين تكمن مصلحة الحركة الإسلامية في الأوساط الشعبية والرسمية؟.

ما الفائدة من موقف المتفرج؟

لذلك فإن استمرار مقاطعة الحركة الإسلامية للإنتخابات القادمة التي ستجري في موعدها سواء شاركت أو قاطعت، لن ينتج عنه سوى عزلة الحركة عن الشارع والحراك السياسي والبرلماني، مما يضعها في موقف المتفرج فقط، وبالتالي ستمتهن مهنتها القديمة الجديدة وهي إصدار البيانات والتعليقات على ما يدور في البرلمان، بدلا من أن تكون جزءا من الحراك ذاته، وحتما ستؤثر في ذلك بنسبة من النسب خاصة إذا حققت عددا عاليا من المقاعد حسب ما تدّعي حول شعبيتها وجماهيريتها. إنّ التصريحات السابقة لمسؤلي الجماعة تزيد موقفهم خجلا من قواعدهم وبالتالي تصبح مقاطعتهم شبه مؤكدة رغم اعترافهم بإيجابيات الحوار مع الحكومة، وبالتالي فالسؤال لمن تهمه مصلحة الجماهير بدون مزايدات: لماذا لا تتم المشاركة للبناء على هذه الإيجابيات وتطويرها وصولا لأكبر نسبة من مطالب الجماعة، خاصة على ضوء مشاركة غالبية الأحزاب الأردنية؟. أيا كانت نسبة المقاطعة فإن المشاركة هي الطريق السليم لتطوير الأداء البرلماني والإنتخابي، لأن السلبيات ليست مسؤولية الحكومة والقانون فقط، بل أيضا الأحزاب التي لم تقدم توعية في أرض الواقع لإخراج الناخب من دائرة العشيرة والقبيلة إلى دائرة المواطن والوطن الأوسع، كما أنّ قانون الصوت الواحد ليس خطأ بالمطلق لو مارست الأحزاب دورها في توعية تجعل المواطن يعطي صوته للمرشح الأفضل وليس لمرشح العشيرة أو لمن يدفع له ويعده بمصالح شخصية.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net



237
سارة شورد: هل كان سيفرج عنها لولا جنسيتها الأمريكية؟

د.أحمد أبو مطر
عالم تحكمه القوة والنفوذ. عالم لا تعرف العديد من أنظمته معنى لحقوق الإنسان، ولكن عندما يحمل هذا الإنسان جنسية دولة عظمى ذات نفوذ وقوة، وعصا غليظة تستطيع الضرب في أي مكان يهدد مصالحها ومواطنيها، عندئذ يخافها الجميع حتى لو كان من ولاة الأمر في نظام ولي الفقيه الإيراني، وأقارب أحمدي نجاد صاحب الخطابات الغوغائية في طهران، ويسعى للقاءات الحاخامات اليهود في واشنطن، مطمئنا أنه ونظامه ليسا على عداوة مع إسرائيل والشعب اليهودي. عظمة الولايات المتحدة الأمريكية وقوتها نابعة ليس من القوة العسكرية والاقتصادية فقط، ولكن أيضا من المواطنة التي لا تفرق بين أمريكي من أصل ايطالي أو أمريكي من أصل إيراني وفلسطيني. وأيضا من التسامح الديني الذي يتيح لما لا يقل عن سبعة ملايين  ونصف المليون مسلم ، يحملون الجنسية الأمريكية من ممارسة عقيدتهم الإسلامية بحرية وتنوع لا يوجد في غالبية الأقطار العربية والإسلامية، ففي الولايات المتحدة الأمريكية حسب القانون هناك الدين الإسلامي، فاعبد ربك سنّيا أم شيعيا أم بهائيا أم أحمديا قاديانيا، فالدين علاقة شخصية بين الفرد وربه، بينما في العديد من الأقطار العربية ممنوع إقامة حسينيات شيعية، وفي إيران ممنوع إقامة الشعائر الدينية على الطريقة السنّية، وممنوع بناء مساجد للسنّة، وممنوع على السنّة تسمية أطفالهم بأسماء لها دلالات عربية أو سنّية. وقد روى لي مواطن عربي أحوازي يقيم في دولة غربية ويحمل جنسيتها، أنّ مواطنة من أصول عربية من إقليم الأحواز العربي تحمل جنسية تلك الدولة،  ورزقت بمولود أسمته (عمر)، وعندما نوت زيارة أهلها في إيران ذهبت للسفارة الإيرانية لتسجيل الطفل، والحصول على وثيقة إيرانية له، فرفض موظف السفارة تسجيله بإسم ( عمر) ووضع له في الوثيقة اسما إيرانيا رغم أنف الوالدة التي كانت مضطرة لأخذ تلك الوثيقة كي تضمن زيارة أهلها في إيران، وهكذا فالطفل في الجواز الكندي اسمه ( عمر) وفي الوثيقة الإيرانية له اسم إيراني لا أعرفه ، ولكن ربما يكون ( أحمدي ) او ( نجاد ) أو ( بخزاد ).

و..سارة شورد..تنال الحرية لأنها أمريكية فقط
سارة شورد مواطنة أمريكية من أصل إيراني، كانت قد عبرت الحدود الإيرانية عن طريق الخطأ في الحادي والثلاثين من يوليو 2009 قادمة من كردستان العراق المجاور، مع رفيقيها شاين باور وجوش فتال. وقد أكدّ الثلاثة ان دخولهم للحدود الإيرانية كان عن طريق الخطأ، بينما إدّعت حكومة أحمدي نجاد أنهم دخلوا للتجسس على بلاده.
ورغم الإدعاء الإيراني، إلا أنّ كافة المسؤولين الأمريكيين نفوا هذه الإدعاءات، واستمرت الجهود الأمريكية عبر السفارة السويسرية التي تمثل المصالح الأمريكية في طهران، بضغوطها كي تضمن الإفراج عن مواطنيها الأمريكان الثلاثة، دون أن تخفّ أو تفترالجهود الأمريكية لمجرد أنهم من أصول إيرانية ومحتجزين لدى حكومة أصلهم، لأن المعيار في الفهم والتعامل الأمريكي هو أنهم أصبحوا مواطنين أمريكيين ويحملون الجنسية الأمريكية، وبالتالي ترفض المعايير والقوانين الأمريكية تركهم في سجون دولة استبدادية ديكتاتورية بتهم مزورة. وهكذا نجحت الاتصالات والضغوط الأمريكية في الإفراج عن الفتاة سارة شورد من سجن  (إيوين ) الإيراني، ووصلت مساء الثلاثاء الرابع عشر من سبتمبر 2010 إلى مطار سلطنة عمان في رحلة خاصة حيث كانت والدتها في استقبالها.
كفالة مالية..هذه تزيد أمريكا احتراما
وكانت السلطات الإيراينة قد قالت أنها قررت الإفراج عن سارة شورد بموجب كفالة مالية مقدارها نصف مليون دولار، في حين نفت واشنطن هذا الإدعاء رسميا على لسان ديفيد كراولي المتحدث بإسم الخارجية الأمريكية. وحتى لو دفعت واشنطن هذه الكفالة المالية للإفراج عن مواطنة أمريكية من أصل إيراني من السجون الإيرانية، فهذا يزيد السلطات الأمريكية احتراما، لأنها دفعت هذا المبلغ كي تضمن حرية مواطنة أمريكية. وليس هذا فحسب فالإفراج عن سارة شورد لقيّ ترحيبا واهتماما خاصا من الرئيس الأمريكي باراك اوباما نفسه، مطالبا السلطات الإيرانية بالإفراج عن زميليها  اللذين ما زالا محتجزين في السجون الإيرانية.
سجينة عن سجينة بيتفرق يا ملالي
وكي نعرف الفرق بين سجينة وسجينة فقط لنوع الجواز الذي تحمله والجنسية التي تنتمي إليها، فلنقارن بين حالة السجينة المحررة سارة شودر، وبين السجينة الإيرانية التي تحمل الجنسية الإيرانية سكينة اشتياني ( 43 ) عاما المسجونة منذ بداية العام 2006 أي قرابة أربعة أعوام بتهمة الزنى، وصدر بحقها عدة أحكام من بينها أكثر من حكم بالجلد آخرها حكم ب 99 جلدة. تصوروا أربعة أعوام في السجن وجلد متواصل، دون الإفراج عنها رغم الاهتمام العالمي بقضيتها، لدرجة أنّ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشير أكدّ استعداده للذهاب إلى طهران من أجل الإفراج عنها. وكذلك وزير الخارجية الإيطالي الذي أكدّ استعداده للقاء نظيره الإيطالي لبحث قضية اشتياني وحثه على الإفراج عنها. ويستمر سجنها رغم تصريح محاميها محمد مصطفائي الهارب من إيران واللاجىء للنرويج منذ بداية أغسطس 2010 ( إنها عقوبة وعمل لا يحتملان، إنهما في منتهى الهمجية وعودة إلى العصور الوسطى )، ورغم استغاثات نجلها ( سجاد محمدي ، 22 عاما ) المتواصلة لإنقاذ والدته، الذي أكدّ ومحامون عنها أنّ اعترافاتها انتزعت منها بالقوة والتعذيب....آه يا سكينة لو كنت تحملين الجنسية الأمريكية، لسافرت على طائرة خاصة مثل بنت بلدك سارة شودر..رحلة خاصة  يا سكينة إلى سلطنة عمان حيث سبق ذلك ايصال والدتها للسلطنة لتكون في استقبالها.
وقارنوا بما يحصل في سجون بلاد العرب أوطاني
طبعا هذا لا يعني أنّ الحال في سجون أمة عربية واحدة أفضل من السجون الإيرانية،فلا أعتقد أنّ هناك دولة عربية تخلو سجونها من سجناء من دول عربية أخرى، دون ملاحقة حكوماتهم لقضاياهم والحث على الإسراع في الإفراج عنهم أو عودتهم لقضاء محكومياتهم في بلادهم إن كانوا محكومين بقضايا جنائية كما يحدث عادة في الدول الأوربية. هناك سجون عربية فيها مئات من المواطنين العرب منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، دون معرفة مصيرهم ودون ملاحقة حكومات بلادهم لقضاياهم، وبالتالي أصبحوا في حكم الموتى، فتلك السجون ( داخلها مفقود والخارج منها مولود).
هذا ليس دعاية لأمريكا بل بكاء على أحوالنا
ربما يفهم البعض أنّ هذه المقالة دعاية للشقيقة الكبرى ماما أمريكا، لكنّ هذا ليس وارد عندي فأمريكا لا تحتاج لمن يقوم بالدعاية لها، بل هو بكاء على أحوال الإنسان في بلادنا الشرق أوسطية وإيرانية. لماذا هم يحترمون الإنسان ونحن نحتقره؟. عندما أتجول في شوارع أوسلو عاصمة المملكة النرويجية المباركة المنصورة دوما بإذن الله، أتمنى لوحكوماتنا تعاملنا واحد بالمائة كما يعامل المواطن النرويجي كلبه. هذا المواطن الذي لا يمكن أن يترك كلبه في السيارة لدقائق وهي مغلقة الشبابيك والأبواب، وإن نسيّ وفعل ذلك، يستطيع أي مواطن شاهد ذلك، أن يتصل بالبوليس الذي يأتي فورا لفكّ أسر الكلب مخافة الموت من ضيق التنفس أو البرد أو شدّة الحر. تصوروا لوفتحت أبواب النرويج وأمريكا للعرب والمسلمين، أنا متأكد سيركضون فرحين شاكرين مبتهجين ولن يبقى في بلادهم إلا ما ندر....ويبقى البكاء هو الدائم المستمر على أحوال الإنسان في بلادنا.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net




238
ردود فعل المسلمين أكثر إساءة للإسلام
د.أحمد أبو مطر

مرت الذكرى التاسعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية هذا العام بهدوء، خاصة بعد تراجع القس تيري جونز عن تهديداته الكريهة السخيفة بحرق نسخ من القرآن الكريم بعد أن أدرك حجم التنديدات الأمريكية الرسمية والشعبية، لدرجة أنّ ابنته "ايما" طالبته بوقف هذا العمل المشين، ووصفت والدها بأنه مجنون ، وهي لا تعيش معه  لأنه في الكنيسة التي يديرها يجبر على الطاعة من خلال "العنف العقلي" ويهدد بعقاب الله. وقالت إنه تجاهل رسائلها عبر البريد الالكتروني التي حثته فيها على عدم حرق المصحف. هذا ومن المعروف ان كنيسته هذه لا يتعدى المنتمون لها أكثر من عشرات وليس مئات، وسجله حافل بالأخطاء والتجاوزات فقد سبق طرده من ألمانيا. وكذلك الكاتب الأمريكي الشهير جون جريشام، أدان خطط  هذا القس الأمريكي وقال: “هذه حملة لشخص غير متسامح للغاية، إنه مجنون ومتعصب دينيا ينشر الكراهية بدلا من الوفاء بواجبه كقسيس” . وبعد أن حقّق هذا القس  الشهرة العارمة التي كان يتطلع إليها، عاد إلى رشده ولم ينفذ فعلته القذرة المتخلفة، لا بد من عودة لمراجعة ذاتية نقدية صريحة لدى جمهور المسلمين في كافة بقاع المعمورة. ومن أوليّات هذه المراجعة ملاحظة عدة أمور أهمها:
أولا: مهاجمة الإسلام أسرع طريق للشهرة
أعتمدت في العقود الثلاثة الماضية طريقة جديدة كعلامة تجارية للشهرة السريعة عبر العالم، وهي مهاجمة الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الطريقة أصبحت ملاذ طالبي الشهرة رغم أنها شهرة تطفو على السطح لفترة ما يلبث بعدها أن يعود أصحابها لدائرة النسيان. والمثال الساطع هو الكاتب البريطاني من أصل هندي ( سلمان رشدي )، فقد أصدر أربعة روايات بين عامي 1975 و1787 منها روايتا ( أطفال منتصف الليل، 1980 ) و ( العيب، 1983 )، ورغم أهمية هاتين الروايتين تحديدا موضوعا وإسلوبا وبناءا فنيا، إلا أنه لم يحقق شهرة وانتشارا إلا بعد صدور روايته ( آيات شيطانية ) في سبتمبر 1988 ، وظلت رواية غير معروفة ولا منتشرة، حتى صدور فتوى الخميني بتكفيره وقتله في فبراير 1989 . أدّت هذه الفتوى لشهرة واسعة سريعة له، نتج عنها لاحقا ترجمة الرواية لما لا يقل عن ثلاثين لغة في مختلف أنحاء العالم، ووضعه تحت حماية البوليس البريطاني طوال الوقت. هذا رغم أنّه في الرواية اعتمد بشكل ما على خلفية ما يسمى في كتب التاريخ الإسلامي ( حديث الغرانيق ) الذي لا إجماع عليه عند شيوخ ومؤرخي السيرة النبوية، إلا أنّ هذه الشهرة والانتشار لسلمان رشدي وروايته، ما كانت ستحصل لولا فتوى الخميني، التي كان وراءها خلفيات سياسية خاصة بالعلاقات الإيرانية البريطانية، بدليل أنه في سبتمبر 1998 أعلنت القيادة الإيرانية إسقاط الفتوى الخاصة بتكفير سلمان رشدي وإهدار دمه، وعادت على الفور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأعقب ذلك في نهاية العام 1990 اعتذار سلمان رشدي عن أية إهانات قد تسبب بها للدين الإسلامي والرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
نعم إنّ مهاجمة الإسلام وبعض رموزه لا تحقق الشهرة لأصحابها لولا ردود فعل بعض المسلمين، الذين يتجاهلون أنّ دينهم عمره أكثر من أربعة عشر قرنا لن يـتأثر بأية إهانات أو تعديات ( إنّا نحن خلقنا الذكر وإنّا له لحافظون )، وبالتالي فإن ردود فعلهم أحيانا تسيء لدينهم أكثر من إساءة الآخرين. فماذا تضرّر الرسول محمد من الرسوم الكاريكاتورية التي نشرها الرسام الدانمركي؟ سمعة العرب والمسلمين هي التي تضررت من المظاهرات وحرق بعض السفارات والمطالبة بمقاطعة البضائع الدانمركية، متجاهلين أنّ هذه البضائع خاصة الأدوية والأجبان والحليب، لا غنى لكافة الدول العربية عنها، لأنها لا تنتج ولن تنتج مثيلا لها. وعندنا في أوسلو، قامت مواطنة نرويجية من أصل سوري اسمها ( سارة عزام ) في أبريل 2009 بحرق الحجاب في تظاهرة للاحتفال بيوم المرأة العالمي، ولأن العرب والمسلمين تجاهلوا فعلتها، فما عاد أحد يتذكرها لا باسم ( سارة عزام ) ولا باسم زوجها النرويجي ( سارة رسموسن)  كما تحب أن تقدّم نفسها. ولكن لو صدرت تهديدات بحقها من بعض الجهلة لحققت الشهرة التي كانت تريدها، فهي من حقها أن لا ترتدي الحجاب، ومن حقها حرقه أيضا، ولكن لو استعملت عقلها لأدركت أنّ حرقه حرية تعبير جاهلة سخيفة، الغرض منها اثارة الاخرين والشهرة فقط. فكم كان أفضل لو كتبت تبرر حقها بعدم ارتداء الحجاب، وتقديم مبررات تطالب من خلالها النساء بعدم ارتدائه!!.

ثانيا: هل أضرّ القرآن ما فعله الوليد بن يزيد؟
لدى بعض العرب والمسلمين ازدواجية في الرأي والتعامل بصدد بعض المسائل المتشابهة، فالحملة الهوجاء ضد القس تيري جونز تتناقض مع سكوتهم على تمزيق الوليد بن يزيد بن عبد الملك القرآن الكريم، وما زالوا يسمّونه خليفة وحاكما مسلما، ونادرا ما يتذكرون فعلته الشنيعة التي تؤرخها غالبية كتب التاريخ الإسلامي الموثوقة. كان الوليد يدّعي أنه يتفاءل بالقرآن الكريم، فيفتحه كل يوم قبل خروجه من قصره، ليقرأ الآية التي تظهر أمام عينيه، وفي أحد الأيام ظهرت له الآية التي تقول: ( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد )، فما كان منه إلا أن مزق القرآن ورماه في الهواء منشدا:
أتوعد كل جبار عنيد                فها أنا ذا جبار عنيد
إذا ما لقيت ربك يوم حشر     فقل يارب مزقني الوليد

لماذا ينسى العرب والمسلمون هذا الفعل الشنيع وتحديه للذات الإلهية، وما زالوا يحترمون صاحبه ويسمونه حاكا وخليفة مسلما؟ ويستنفرون كل هذا الإستنفار ضد تهديد القس تيري جونز؟. وأكاد أتخيل أن بعض العرب والمسلمين قد غضبوا من عدم تنفيذ القس تهديده بحرق القرآن، لأنه أضاع عليهم فرصة المظاهرات والحرق والتهديد والصراخ واللطم.
ثالثا: أين الغضب والمظاهرات في وجه الفساد والتخلف والمستبدين؟
ما أعجب له هو أن غالبية العرب والمسلمين يغضبون ويهيجون لتهديد بحرق القرآن ورسوم ضد الرسول، ويسكتون على كافة ما يجري في بلادهم وهو أشد ضررا وإساءة لسمعة الرسول والإسلام. هل يرضى الرسول عن الفساد الذي يعيشه العرب والمسلمون؟ هل يرضى عن الاستبداد والمستبدين والديكتاتوريين الذين يحكموننا من المهد إلى اللحد؟ هل يرضى عن السجون والمعتقلات في بلادنا التي هي أكثر من الجامعات والمستشفيات؟ هل يرضى عن هذا التخلف الذي يجعلنا عالة على الأمم الأخرى في كافة أمور حياتنا من الدواء إلى الطعام إلى وسائل النقل؟. هل يرضى أنّ هذا التخلف من نتائجه المعيبة أنه لا توجد جامعة عربية بين أهم خمسمائة جامعة في العالم؟. هل يرضى عن أنّ نسبة الأمية في أقطار العرب تزيد عن ستين بالمائة؟.
كل هذه الأمور لا تستدعي غضبنا وتظاهرنا، بينما نستنفر بكافة أنواع الأسلحة لمواجهة دعوى حمقاء من قس مجنون بالشهرة . أليس هذا الواقع مدعاة للبكاء أم لضحك كالبكاء، قال صاحبه المتنبي قل أكثر من ألف عام:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم    يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
نعم..إنّ غاية الدين السمو بالفرد وتقدمه وراحته وعدالة تحيط بكل جوانب حياته، فلماذا نسكت على كل ما هو عكس ذلك؟
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net





239
النظام الإيراني والمتاجرة بالقضية الفلسطينية
د.أحمد أبو مطر

أعتقد أنه لا يوجد نظام عربي أو إسلامي، تلاعب بالقضية الفلسطينية خطابيا لخدمة أجنداته الداخلية والخارجية، كما فعل النظام الإيراني منذ توليه السلطة في عام 1979 زمن مؤسسه آية الله الخميني ، الذي بدأ هذا الاستغلال التجاري المصلحي للقضية الفلسطينية في أغسطس من عام 1979 أي بعد ستة شهور من تسلمه السلطة، عندما أعلن الخميني في خطبة آخر جمعة من رمضان ذلك العام: " أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، التي هي من أيام القدر ويمكن أن تكون حاسمة أيضا في تعيين مصير الشعب الفلسطيني يوما للقدس، وأن يعلنوا من خلال مراسيم الاتحاد العالمي للمسلمين دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم ). وبعد عام من ذلك، في نفس الإسبوع من عام 1980 أعلن الخميني نفسه: ( نسأل الله أن يوفقنا يوما للذهاب إلى القدس والصلاة فيها إن شاء الله. وآمل أن يعتبر المسلمون يوم القدس يوما كبيرا، وأن يقيموا المظاهرات في كل الدول الإسلامية ). والمهم في هذا السياق ملاحظة أنّ الله لم يشأ منذ عام 1980 وحتى اليوم، أي بعد ثلاثين عاما، للخميني وورثته أن يصلّوا في القدس، وأن دعوته لتضامن المسلمين أن تكون بالمظاهرات فقط ، أي بالشعارات والخطب البلاغية التي تدغدغ عواطف الجماهير الغفورة الغفيرة.

ماذا قدّم نظام الخميني للفسطينيين؟

واستنادا إلى هذه المناشدة بالدعم والتضامن، يمكن أن نرصد ما قدمه نظام الخميني للقضية الفلسطينية طوال الثلاثين عاما الماضية، لنجد أنّ كل ما قدّمه لا يعدو الخطابات والبيانات، وبعض هذه الخطابات الغوغائية خاصة النجّادية منها، كانت أكبر خدمة لإسرائيل، جلبت لها تضامنا غير متوقع بسبب إنكار أحمدي نجاد المتكرر للهولوكست، وتهديده بإبادة اليهود ورميهم في البحر. وهذه بعض الوقائع من تاريخ هذا النظام طوال الثلاثين عاما الماضية:

أولا: عشر سنوات حرب إيرانية عراقية

يعرف الجميع أن السنوات العشر الأولى من عمر نظام الخميني تقريبا، أمضاها في حرب ضروس مع العراق في زمن نظام صدام حسين، تلك الحرب التي حسب أغلب التقديرات قد أوقعت حوالي مليون قتيل من البلدين، وقدّرت خسائرها في البلدين بما لا يقل عن 400 مليار دولار. والمفارقة المضحكة المبكية أنّ الخميني وصدّام وصلا للسلطة في نفس العام 1979 ، الخميني بعد سقوك نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وصدّام بعد سيناريو استقالة أحمد حسن البكر، والديكتاتوران ( الخميني وصدّام ) أعطيا حربهما المدمرة أسماء وخلفيات إسلامية، فصدّام أطلق عليها (قادسية صدّام )، تمييزا لها عن قادسية سعد بن أبي وقاص في مواجهة قائد الفرس رستم فرخزاد ( عام 635 ميلادي )، والخميني أسماها (الدفاع المقدس ).

الغريب العجيب في مواقف القوميين والإسلاميين العرب أنهم يعتبرون صدّام حسين ( بطلا قوميا مناضلا مؤمنا)، وفي الوقت نفسه يحترمون النظام الإيراني المعادي لإسرائيل ونصير القدس والفلسطينيين، دون أن يتطرقوا لمسألة من كان المخطىء من النظامين في تلك الحرب الضروس حوالي عشرة سنوات (سبتمبر 1980 – أغسطس 1988 )؟. وهل نظامان إسلاميان حقيقيان يقومان بهكذا حرب، وقياداتهما تتبجحان بنصرة الفلسطينيين وتحرير فلسطين؟. إذن النتيجة التي لا يمكن دحضها هي أن النظام الإيراني وكذلك الصدّامي لم يقدما للقضية الفلسطينية أية ايجابية طوال السنوات العشر هذه، بالعكس أحدثا شرخا في العلاقات العربية والإسلامية، التي توزعت في دعم النظامين وانتشار الفرقة والخلافات بينها.

ثانيا: سنوات المهرجانات والخطابات

أثناء سنوات الحرب الإيرانية العراقية، لم يتذكر الخميني ونظامه يوم القدس العالمي الذي دعا له عام 1979 ، لإنشغاله بيوم طهران ومحاولة هزيمة العراق، وبعد موافقة الخميني في الخامس من يوليو 1988 على وقف الحرب، معترفا بهزيمة نظامه التي اعتبرها مثل (كأس السم)، عاد يتذكر يوم القدس العالمي محتفلا به بخطابات نارية، يشارك النظام فيها أغلب السنوات قيادات من حماس والجهاد وحزب الله، أو تقوم هذه القيادات بنفس الخطابات في عواصم وجودها خاصة غزة والضاحية الجنوبية. ويظلّ السؤال قائما: ماذا قدمت هذه الاحتفالات والخطابات الغوغائية من دعم للشعب الفلسطيني طوال الثلاثين عاما الماضية من عمر نظام ولي الفقية الخميني؟.

ثالثا: سنوات غوغائية أحمدي نجاد

دأب أحمدي نجاد منذ تسلمه رئاسة الوزراء الإيرانية في أغسطس 2005 على التخصص في مهاجمة إسرائيل، وعدم الاعتراف بالهولوكست الذي يقول الإسرائيليون أنّ اليهود تعرضوا له في ألمانيا النازية زمن الحرب العالمية الثانية. ومنذ توليه الرئاسة لا أعتقد أنّ خطابا له قد خلا من هذا التهديد والتشكيك. وقد خدمت هذه التهديدات إسرائيل لأنها جلبت لها تضامنا دوليا غير مسبوق ضد إيران نجادي كما أكدّ ذلك باحثون إسرائيليون، رغم أنها مجرد تهديدات لفظية يعرف الإسرائيليون أنها فقط للعب على عواطف الغوغائيين العرب، وإشغال العالم عن ملفات إيران العالقة دوليا خاصة ملفها النووي وملف حقوق الإنسان الذي يعتبر أسوأ ملف في العالم. والدليل على عدم جدية نجادي في أقواله هذه، التصريحات التي نقلتها صحيفة اعتماد ووكالة أنباء فارس الإيرانيتين لنائب نجاد المدعو اسفنديار رحيم مشائي في العشرين من يوليو 2008 التي قال فيها حرفيا: ( إنّ إيران صديقة الشعب الأمريكي والإسرائيلي. ما في أمة في العالم هي عدوتنا وهذا فخر لنا)، فهل صرّح اسفنديار بهذه التصريحات دون أخذ موافقة أحمدي نجاد المسبقة عليها؟. هذا وهو ليس نائبا لنجادي فقط، بل صهره أيضا فابنته متزوجة من إبن أحمدي نجادي.

رابعا: تناقضات موقفه من القيادة والقضية الفلسطينية

صرّح أحمدي نجاد يوم الأحد الموافق 26 أبريل 2009 لشبكة اي بي سي الأمريكية صراحة ( أنّ حكومته ستدعم أي قرار يتخذه الشعب الفلسطيني بما في ذلك حل الدولتين...لن نقرر شيئا ، أي قرار يتخذونه سنعمل على دعمه )، وقد تعمّد أن تواكب تصريحاته هذه الذكرى الحادية والستين لقيام دولة إسرائيل. وعندما قرّر الفلسطينيون في بداية سبتمبر الحالي العودة للمفاوضات على أمل أن توصل لاتفاق حول قيام دولة فلسطينية، هاجم نجادي هذه المفاوضات وكأنه الوصي الوحيد على القضية الفلسطينية، فقد شجب العودة الفلسطينية للمفاوضات، وتدخل في الشأن الفلسطيني وكأنه واحد من التنظيمات الفلسطينية المقيمة في دمشق، إذ رفض وجود السلطة الفلسطينية المعترف بها من غالبية دول العالم، وقال صراحة: ( إنّ حماس هي الممثل الرسمي للفلسطينيين ). وعاد للعب على عواطف الشعوب قائلا: ( إن شعوب هذه المنطقة لن يسمحوا لأحد بمنح ولو سنتيمترا واحدا من أرض فلسطين للأعداء، وبإمكان هذه الشعوب إبادة إسرائيل ). وهو نفس موقف حزب الله وبالكلمات ذاتها، فقد قال نجادي (المفاوضات فاشلة قبل أن تبدأ ) و حسن نصر الله  رفض المفاوضات في خطابه الأخير واصفا إياها ب ( أنها ميتة قبل أن تولد ).

إنّ مواقف نجادي وحسن نصر الله لو بدرت من أي شخص آخر متعلقة بالشأن اللبناني أو الإيراني، لواجهوه بقوة وعنف على اعتبار أنّ هذا تدخل في شؤون البلدين الداخلية، أما القضية الفلسطينية فهي ليست ملكا للشعب الفلسطيني فقط ، بل لحزب الله ونظام نجادي أيضا، ومن حقهما الاعتراف بحكومة حماس  وتعزيز الإنقسام الفلسطيني ورفض السلطة الفلسطينية. هذه الحيثيات والمواقف الموثقة تدلّل على أنّ نظام ولي الفقية الخميني منذ عام 1979 وهو يستعمل القضية الفلسطينية مجرد غطاء للتلاعب بها عبر خطابات نارية لم تقدم للشعب الفلسطيني أية خدمة ميدانية وإذا كان أحمدي نجاد يتغنى بشعوب المنطقة فليته يخبرنا ماذا قدّم شعبه وحكومته للقضية الفلسطينية غير الخطابات؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.dr-abumatar.info




240
تجربة رامي علّيق في حزب الله: جديرة بالتأمل والتفكير

د.أحمد أبو مطر
أود في البداية التوقف عند مسألة الحوار ورأي الآخر لدى القراء العرب أي في الثقافة العربية، حيث يسود كما أعتقد منطق مصادرة الآخر عند الغالبية العظمى، حيث يعتقد الكثيرون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، وغيرهم دائما على خطأ، في حين أنه لا يستطيع أي عاقل إدعاء ذلك، لأن الحقيقة المطلقة من المستحيل الاتفاق عليها في المسائل النظرية خاصة السياسية منها. وهناك نقطة مهمة تتعلق بهذه المسألة وهي ملاحظة الاستنفار المسبق لدرجة حالة الطوارىء الحمراء لدى مؤيدي التيارات والأحزاب التي تضع في نهاية أسمائها صفات إسلامية، أيا كانت برامجها وممارساتها قريبة أو بعيدة أو متناقضة مع روح الإسلام، فأي نقد لهذه الأحزاب يواجه بأسلحة دمار شامل من الشتائم والتخوين والتكفير.
ويظلّ السؤال قائما: لماذا هذا الاستنفار القتالي يظهر من القراء مؤيدي هذه التيارات ذات الصفة الإسلامية في أسمائها فقط؟. لذلك سنرى ردود فعلهم على الدكتور" رامي علّيق " صاحب كتاب ( طريق النحل) الصادر عام 2008 ، و يروي فيه  من ضمن فصول حياته في لبنان ، تجربته الطويلة في ( حزب الله ) التي أهلته ليكون قياديا في الصف الأول للحزب ومسؤولا عن طلاب الحزب في الجامعة الأمريكية في بيروت، خاصة أنه انتمى للحزب وعمره لم يتجاوز بعد الخامسة عشرة بسبب حماسه وتشدده في كل ما يتعلق بالحزب ومبادئه وممارساته، التي انعكست على تصرفاته داخل المنزل، حيث كان يمنع المشروبات والإستماع للموسيقى، وحدث أن ضرب شقيقته الطفلة ابنة العاشرة بسبب ارتدائها الجينز الذي كان يعتبره معيبا وحراما، ويتناقض مع المبادىء التي كان قد بدأ يتشربها من جلساته الحزبية واستماعه لمنظّري وملهمي الحزب.

لذلك فمن له اعتراض على ما سيرد من أراء فليتوجه باعتراضه للدكتور رامي علّيق مؤلف هذا الكتاب المهم، الذي لم يأخذ ما يستحقه من ذيوع وانتشار، بسبب العراقيل الموجودة أساسا أمام تنقل الكتاب العربي بين العواصم العربية. ومن البداية فإنّ القراءة الدقيقة للكتاب تفهم أنّه ليس مقصودا به تجربة الدكتور رامي في الحزب فقط ، بل هي تجربة لبنانية شامله لشاب نمى وعيه من انغلاق في مربع محدود إلى أفق لبناني أوسع وأشمل، أفق لا ينطلق من العقل فقط بل من القلب الذي يؤلمه ما آل إليه هذا الانغلاق والتفتت الذي شاع في نسيج المجتمع اللبناني بعد أن كان مثالا للانفتاح والديمقراطية التي لا تنظر للأصول و الأديان و الطوائف،  بل الإنسان حيث الكل مواطنون وبشر لبنانيون على قدم المساواة.
لماذا تسمية " طريق النحل " ؟
ربما يرى بعض القراء غرابة ما في أن يوضع ( طريق النحل ) عنوانا لكتاب يروي تجربة سياسية وحياتية مثيرة، إلا أنّ الغرابة والدهشة يزولان عندما تعرف أن المؤلف الدكتور رامي علّيق، نشأ في أسرة لبنانية جنوبية تعشق تربية النحل وتمارسها، وكان والده مهندسا زراعيا معروفا ، مما أثّر في رامي الطالب الدارس ليدرس في كلية التربية الزراعية في الجامعة الأمريكية في بيروت، ويتخصص في  ميدان تربية النحل. والتسمية كعنوان للكتاب فيها رمزية عميقة، لأن (طريق النحل هو ذات الشوكة، فيه عقص كثير لكنّ في آخره عسل ) كما يقول الدكتور رامي، وكأنّ ذلك رمز موفق للوضع اللبناني الذي غنّت له فيروز أغنية بنفس الإسم (  طريق النحل )، جاء في كلماتها:
إنت وأنا يا ما نبقى
نوقف على حدود السهل
وعلى خط السما الزرقا
مرسومي طريق النحل
أنا ومتكية ع بابي مرقت نحلي بكير
غلّت بزهور الغابي وصارت تعمل مشوير
وتعن العنين حزين ومش حزين
وبسكوت الظهرية مكسر الحنين

والرمز في هذه الكلمات حزين وغير حزين، فيه الشوك والعسل، المرارة والحلاوة، مثل كل ما يختزنه لبنان في العقود الأربعة الماضية، حيث أشواكه غطّت على عسله، وهذا ما قصد الدكتور رامي علّيق تقديمه في كتابه هذا المهم، الذي هو سيرة ذاتية لنسبة عالية من الشباب اللبناني، أيا كانت ولاءاتهم وانتماءتهم، لذلك يخطىء في الفهم من يعتقد أنّ الكتاب هدفه تجريح حزب الله، لأنه مراجعة ذاتية مرّت بها ووثقتها العديد من القيادات الحزبية لكثير من الأحزاب العربية، التي ناضلوا من خلالها،  وبالتالي فعلينا قراءة الكتاب من منطلق حسنّ النية والرغبة في المراجعة التي توصل للتفاهم من منطلق لا شخص ولا حزب على حق في كل ما يقول ويمارس، خاصة حزب الله في لبنان الذي يدور حوله نقاش لم يسبق حول أي حزب لبناني.
مشاهد وصور أثّرت في تكوين ونشأو رامي
( شاهدت صور التظاهرات في الصحف ومنها صورة لإمرأة تغطي نفسها بالكامل بعباءة سوداء، علقت الصورة في ذهني لأنني لم أكن قد شاهدت شيئا مماثلا من قبل، وكان لافتا في تلك التظاهرات وجود نساء بالشادور الأسود، وشعارات تشيد بالثورة الإسلامية في إيران، الأمر الذي اعتبره معظم الناس ظاهرة غريبة عن مجتمعنا اللبناني في الجنوب في تلك الفترة، كما فهمت من كلام جيراننا وبعض الأساتذة في الجامعة، وبعض رفاقي الذين ردّدوا ما تناقله أهاليهم ).
( أثناء اللعب مع أولاد أسر شيعية مقربة من حركة أمل، كنت أسمع عبارات تفيد أنّ المسيحيين عملاء للإسرائيليين ).
( انتهت الحرب بين أمل وحزب الله بترتيبات سياسية، جاء على أثرها وزير خارجية إيران علي أكبر ولايتي ليقرأ العزاء على أرواح ضحايا الحزب والحركة ). وكان صمود رامي وشدته في قتال حركة أمل بداية صعوده وشعبيته داخل حزب الله، واعتقاله بعد ذلك وتعذيبه في سجون الحركة، هو بداية الطريق لوصوله للجهاز الأمني في الحزب وترقيه لمستويات قيادية. ولكن لماذا الحرب بين حركة أمل الشيعية وحزب الله الشيعي؟
يجيب الدكتور رامي
( كان الحديث يدور داخل الحزب حول أنّ الحرب التي حصلت ما هي إلا محاولة إيرانية للتأثير على الساحة اللبنانية بشكل مباشر من خلال حزب الله، من دون المرور بسوريا، مما دفع سوريا إلى استخدام أمل للوقوف في وجه هذه المحاولة ). وهذا يقودنا لتذكر ظروف تنحية الشيخ صبحي الطفيلي الرافض لنظرية ولي الفقيه والتدخل الإيراني من قيادة الحزب حيث كان أمينه العام الأول عقب تأسيسه، ثم تولي الشيخ عباس الموسوي القيادة، ثم السيد حسن نصر الله الذي تكرّس في زمن قيادته وما زال الدور الإيراني في لبنان بشكل واضح لا سرّية فيه.
أهمية الحديث الداخلي لقيادات الحزب
الأحاديث والصرخات الداخلية التي كانت بعض قيادات حزب الله تبوح بها في جلسات مغلقة، تعبر عن ازدواجية وخوف في التعامل مع أكثر من جهة، اسمعوا بعض هذه الصرخات والتنهدات:
( لا أنس لحظة التقيت أحد الأصدقاء المسؤولين في حزب الله، منذ أكثر من عقد خلا، بعد عودته من دمشق ساخطا، إذ قال بأسى ( وكأننا لم نوجد إلا لنموت في الجنوب ).
( كذلك لا أنسى كيف رفع مسؤول آخر صوته عاليا معترضا على التحالف مع المسؤولين السوريين، الذين لا يؤمن جانبهم، ولا يتمتعون بالحد الأدنى من الأخلاقية في التعامل مع الآخرين، ولا ينفكّون ينهبون ثرواتنا، وغير ذلك مما يصبّ في الخانة ذاتها).
( لماذا نختار أن نصطف وراء هولاء الذين يجروننا إلى المزيد من التطرف في مواقفهم عبر إطلاق شعارات رنانة تدغدغ عواطفنا؟ لماذا صرنا نتحرك وفق خطاب يحاكي لغة العصور البائدة، فيتم تكريس مقدسات ليست مقدسة، ويحلّ جو من الإرهاب الفكري محل أجواء النقد الفعّال؟ ).

جمهورية رامي علّيق،
كتاب جدير بالقراءة، لأنه ينطلق من عقل وقلب إنسان حريص على لبنان وعلى حزب الله الذي عاش وناضل فيه. حرصه هذا نابع من أن يصبح الحزب أداة للوحدة الوطنية والتفاهم والإنسانية التي عاش فيها آباء وأجداد اللبنانيين الحاليين، وليس سلاحا لتهديد الأمن وتخويف من يعارض وينتقد الحزب. كتاب جرىء و صادق، أتمنى قراءته من كل من يريد للبنان الوحدة الوطنية والعودة لزمن مضى، كان الإخاء والتسامح سمته الأساسية. لبنان الذي يستحق عسل النحل ولا يستحق قرصه.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.dr-abumatar.info












241
قرار حق العمل لفلسطينيي لبنان: مجرد ديكور توافقات داخلية
د.أحمد أبو مطر

القرار الذي أقرّه مجلس النواب اللبناني يوم الاثنين السابع عشر من أغسطس، الخاص بمنح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حق العمل في كل القطاعات المسموح بها للأجانب، في ظاهره قرار عادل ومنصف يوقف قرارات وممارسات عنصرية سابقة، كانت تمنع الفلسطيني من العمل فيما لا يقل عن سبعين وظيفة. وكان هذا الموضوع محل نقاش طويل في مجلس النواب اللبناني منذ شهور عديدة، حيث شهد اصطفافات وانقسامات بين مؤيد ومعارض، واختلافات حول المضمون والتفسير فيما يتعلق بحدود الحقوق التي يمنحها القانون المقترح للاجىء الفلسطيني. لذلك كان التوافق سريعا على مسألة منح الفلسطينيين حق العمل والضمان الاجتماعي، ومن المهم ملاحظة الصيغة التي وردت فيها هذه الموافقة، إذ جاءت ضمن سياق ( حق العمل في كل القطاعات المسموح بها للأجانب )، أي أنّ اللاجىء الفلسطيني المقيم منذ عام 1948 ، وتسعين بالمائة من الأحياء منهم اليوم من مواليد لبنان، فغالبيتهم ولدوا بعد عام 1948 في الأرض اللبنانية، ومع ذلك ما زالوا في عرف مجلس النواب اللبناني أجانب، وهذا ينزع الصفة العربية عنهم، وصفة المسلم منهم عند أعضاء مجلس النواب المسلمين، وصفة المسيحي منهم عند أعضاء مجلس النواب المسيحيين، وهذا يعزّز الرأي القائل بأنّ القرار مجرد ديكور لتوافقات داخلية شكلية لا تحمل أي مضمون فعلي، رغم الترحيب بذلك من مصادر فلسطينية ولبنانية ودولية.

ديكور لتوافقات شكلية لبنانية

منذ بدايات الهجرة والنزوح الفلسطيني عام 1948 كانت فسيفساء التكوين الاجتماعي اللبناني تنعكس على وجود اللاجئين الفلسطينيين، فالمسلمون الشيعة يتخوفون منهم على اعتبار أنّ غالبيتهم مسلمين سنّة، وبالتالي إعطاؤهم حقوقهم المدنية والإنسانية يصبّ في خانة دعم اللبنانين السنّة، وكذلك التكوين المسيحي اللبناني كان يتخوف من أ،نّ وجودهم كمسلمين يصبّ في خانة تغليب الديموغرافية الإسلامية. لذلك في مناقشات مجلس النواب اللبناني الأخيرة، كان أشد المعارضين لأية حقوق مدنية للفسطينيين هو العماد ميشيل عون رئيس التيار الوطني الحر حليف حزب الله، رغم أن الحزب كان من الموافقين على حق العمل للفلسطينيين. ويستعمل الجميع فزّاعة التوطين وحق العودة شماعة لاضطهاد الفلسطيني بشكل لا مثيل له حتى في أي قطر عربي مجاور، حيث حياتهم في الأردن وسورية المجاورتين أرفع وأفضل كرامة في الكثير من المجالات، فكل الفلسطينيين في الضفة الغربية أصبحوا مواطنين أردنيين بعد ضم الضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية، وأصبح الفلسطيني يصل لمنصب الوزير ورئيس الوزارة ومدير دائرة المخابرات العامة، ووجوده كالمواطن الأردني ابن شرق الأردن، وكذلك في سورية حيث يعمل الفلسطيني في كافة الوظائف المدنية، ويمارس الخدمة العسكرية في جيش التحرير الفلسطيني، وفقط لا يشارك في الانتخابات البرلمانية، وهذا أمر مفهوم كونه ليس مواطنا سوريا.

لذلك فإن القرار الصادر عن مجلس النواب اللبناني حول منح الفللسطيني حق العمل مثل الأجانب، لن يغير الحالة الكئيبة السائدة، لأن أصحاب العمل هم مواطنون لبنانيون، وبالتالي من الصعب التخلي عن عقد وممارسات ستين عاما، كما أنّ الوضع السابق كان يتيح للمستغلين عديمي الضمائر من أصحاب العمل، أن يمارسوا ابتزازا رخيصا عبر تشغيل الفلسطيني برواتب أقلّ بكثير من مثيله اللبناني، فيوافق حرصا على الحصول على لقمة العيش لأهله ولأسرته. وما يزال سائدا ومعروفا أن أطباءا فلسطينيين متخرجين من جامعات غربية محترمة، ولهم خبرة يندر مثيلها في لبنان، يوافقون على العمل كممرضين بأجور أقلّ لأنهم يريدون البقاء في لبنان مع أهلهم وعائلاتهم.

وماذا عن حق التملك وإعمار المخيمات؟

الطريقة التي اعتمد بها مجلس النواب اللبناني قرار حق العمل للفلسطيني، اعتبرها كثيرون مجرد لفلفة وتأجيل للموضوعات الحاسمة التي لها علاقة بالوجود اإنساني الكريم للفلسطيني الذي يرفض التوطين قبل اللبناني، لكن من حقه العيش الكريم مثل الأوربي والأمريكي في لبنان. فماذا يحمل من خطر عندما يتملك الفلسطيني شقة سكنية له ولأسرته؟ ولماذا أصبح هذه خطر بينما لم يكن خطرا قبل عام 2001 عندما كان من حق الفلسطيني تملك شقة سكنية؟. أما وضع المخيمات الفلسطينية ومستوى العيش فيها، فلا يتخيله عاقل في أدغال الغابات، حيث أصبحت المخيمات شبه جيتوات معزولة، مطوقة بقوات الجيش وميليشيات أخرى، يخضع الداخلون إليها والخارجون منها لحواجز تفتيش عسكرية، تذكرك بالحواجز الإسرائيلية عند التنقل من وإلى الضفة الغربية، ويمنع إدخال الإسمنت ومواد البناء والترميم إليها. وكذلك من المهم ملاحظة مسألتين نادرا ما يتم طرحهما:

الأولى: مسألة شطب ألاف من اللاجئين الفلسطينيين من سجلات الحكومة اللبنانية كلاجئين، إما لإقامتهم حسب ظروف العمل في الخارج، أو لحصولهم على جنسيات أخرى، رغم أنّ كافة القوانين لا تلغي الأصل لمجرد الحصول على جنسية جديدة.

الثانية: الالتباس الحاصل والعقد المريرة الخاصة بحصول اللاجىء الفلسطيني في لبنان على وثيقة السفر اللبنانية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، ومن الصعب فهم أنّ حاملها الذي يعمل في الخارج يحتاج كل مرة يريد زيارة أهله المقيمين في لبنان إلى تأشيرة دخول، بينما كافة الجوازات العربية والأوربية والأمريكية لا تحتاج لأية تأشيرة دخول لا مسبقة ولا في المطار.

تصوروا لو أنّ إسرائيل منذ عام 1948 ،

منعت الفلسطيني الذي بقي في وطنه من حق التملك، وحق حمل الجواز والجنسية الإسرائيلية، وحق العمل، هل كان الفلسطينيون الذين بقوا عام 1948 وعددهم مائة وثمانون ألفا، سيصبحون اليوم مليونا وربع المليون؟

لذلك فالكثير من الهيئات الفلسطينية والدولية ترى أن قرار مجلس النواب اللبناني الأخير ، هو مجرد هروب من القضايا الأساسية التي ينبغي مواجهتها لتوفير حياة كريمة للفلسطيني. والمفارقة المبكية أن هذا اللاجىء الفلسطيني محروم من حقوق اللاجىء المعترف بها دوليا، ومحروم من حقوق الأجانب في لبنان، وبالتالي فهو لا يعرف وضعيته البشرية. وبالتالي فهذه الوضعية المبكية سوف تستمر طالما التوازنات الداخلية اللبنانية قائمة لأسباب طائفية دون أية خلفية سياسية، رغم تذرعها بالحرص على القضية الفلسطينية وحق العودة...إلخ هذه الشعارات الكاذبة التي تستعملها كل القوى والحكومات العربية. وهذا رأي العديد من اللبنانيين الوطنيين، فالأستاذ ناصر قنديل رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والإعلامية والنائب اللبناني السابق، يرى ( أنّ هذا القرار الهزيل والذي جاء بعد مراوغات واحتقانات ومواجهات بين مختلف الكتل النيابية المتصارعة على ملفات عديدة، تتقاطع مع الوجود الفلسطيني في لبنان، يعكس تعقيد الوضع الداخلي الطائفي والعشائري والمناطقي في لبنان، أكثر من كونه حرصا على القضية الوطنية أو خشية توطين توحي به عقول مريضة معادية للحق الفلسطيني).

لذلك سوف تستمر معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وغيرها من الأقطار العربية بنسب متفاوته، إلى أن يتوصل العرب لأخلاق  وإنسانية وقوانين الأوربي والأمريكي والإسكيندينافي التي تمنح أي مواطن الجنسية كاملة الحقوق فور إقامته المدة القانونية المطلوبة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.dr-abumatar.info






242
زيارة القدس: تطبيع أم تعريب؟
د.أحمد أبو مطر

انشغلت الأوساط السياسية والثقافية العربية والفلسطينية الأسابيع الماضية بمسألة زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى، وتضاربت الأراء والمواقف حول هذه المسألة من النقيض إلى النقيض بين محرّم ومانع لهذه الزيارة ومحلل وسامح بهذه الزيارة، والملفت للنظر أنّ هذا التحريم والتحليل أو المنع والسماح يأتي من شخصيات دينية وسياسية مرموقة، مما يجعل موقف المواطن العربي العادي من هذه المسألة ضبابيا، فمن سيقوم بهذه الزيارة لديه تحليل وشرعية من شخصيات، ومن يمتنع عن هذه الزيارة لديه تحريم وعدم شرعية من شخصيات أخرى، وهذه ليست المسألة السياسية والفكرية الوحيدة التي عليها خلاف من النقيض إلى النقيض في الحياة العربية، ورغم ذلك تبقى جديرة بمواصلة النقاش والحوار حولها لما لها من أهمية ، وكونها تتعلق بقضية مركزية لدى العرب والمسلمين ( ولو شكلا وخطابات فقط ) وهي القضية الفلسطينية، وتحديدا المسجد الأقصى لوروده في القرآن الكريم ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ).

بدايات طرح موضوع الزيارة


من المعروف أنّ بدايات طرح موضوع زيارة القدس، يعود لعام 1977 بعد زيارة الرئيس أنور السادات لدولة إسرائيل وما أعقبها من توقيع معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل في مارس 1979 ، حيث طلب السادات – كما يروي هيكل في كتابه خريف الغضب- من البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في مصر، أن يصدر تعليمات لأقباط مصر بالعودة لزيارة القدس كما كان سائدا قبل هزيمة يونيو 1967 ، إلا أن البابا رفض ذلك بل أصدر تعليمات كنسية تحرّم زيارة الأقباط للقدس طالما هي تحت الاحتلال الإسرائيلي. وأعقب ذلك رد فعل نقيض عندما طالب شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي عام 2001  المسلمين والعرب لزيارة المسجد الأقصى كوسيلة لدعم الانتفاضة الفلسطينية وجهاد الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، وثارت وقتئذ نفس الخلافات والنقاشات بين مؤيد وعارض، وصافح الشيخ طنطاوي شيمعون بيريز رئيس دولة إسرائيل في مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في الأمم المتحدة في منتصف نوفمبر 2008 غير عابىء بردود الفعل الهائجة التي أعقبت ذلك.

الشيخ القرضاوي من جديد

وأعاد الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي النقاش حول هذه القضية حاميا متوترا، عندما أكّد من جديد تحريمه زيارة القدس طالما هي تحت الاحتلال، وذلك في يوليو الماضي في افتتاح أعمال دورة المعارف المقدسية التي نظّمها اتحاد ألأطباء العرب في القاهرة بالتعاون مع الجامعة العربية. وهنا أثير النقاش حاميا بين الفقهاء والوزراء والسياسيين والمثقفين:

-   الدكتور احمد عمر هاشم ، رئيس جامعة الأزهر السابق، أيّد دعوة القرضاوي باعتبار الزيارة تطبيعا مع الاحتلال، داعيا المسلمين لمقاطعة إسرائيل ورفض التطبيع معها.
-   الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، اعتبر أيضا زيارة القدس تطبيعا مع الاحتلال الإسرائيلي ولا بد من منعها.
-   وكذلك شيخ الأزهر الجديد الدكتور أحمد الطيب ، لا يؤيد الزيارة وينصح بعدم القيام بها.

والمؤيدون كثيرون أيضا

-   الدكتور حمدي زقزوق، وزير الأوقاف المصري، أعلن في يونيو الماضي أنه " يعتزم زيارة القدس غير عابىء بحصوله على تأشيرة إسرائيلية"، معتبرا زيارته للقدس " أكبر دعم للقضية الفلسطينية وللفلسطينيين " ، وأضاف في مؤتمر صحفي عقده على هامش افتتاحه معسكرا لطلاب من أربعين دولة إسلامية من الدارسين في جامعة الأزهر: " لن أتخلى عن وجهة نظري وما زلت عازما على القيام بهذه الزيارة، وأتحدى المزايدين وأصحاب الشعارات الرنّانة الذين اتهموني بالتطبيع أن يناقشوني دينيا في هذا الأمر...ألم يستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم مشركي مكة حينما أراد أن يعتمر في العام الثالث للهجرة، بل ألم تكن الأصنام وقتها تحيط بالكعبة من كل جانب؟. هل كان الرسول عندما قرّر ذلك يريد أن يطبّع العلاقات مع المشركين ويريد أن يعترف بأصنامهم؟.

-    محمود الهباش وزير الأوقاف الفلسطيني له نفس الموقف المؤيد، فقد أعلن أنه هو من وجّه الدعوة لوزير الأوقاف المصري لزيارة القدس، وتبلغ موافقته وترحيبه بذلك، معتبرا " أنّ الزيارة لا تشكّل تطبيعا مع إسرائيل أو اعترافا بسلطتها وسيادتها على القدس حتى لوجاءت الزيارة في ظل وجود الاحتلال، وإنما هي فرصة لتأكيد عروبة القدس وحقنا فيها".

-   وكذلك الدكتور صبري عبد الرؤوف عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، يرى أنّ " زيارة المسجد الأقصى واجبة، وهذا بناء على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ....وبالتالي فنحن حين نمتنع عن زيارته فإنّنا بذلك نفتح مجالا لليهود على تخريبه وتدميره وإبعاد المسلمين عنه).

-   وأيضا الدكتور عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، والدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر سابقا، والدكتور شوقي عبد اللطيف رئيس الإدارة المركزية للدعوة بوزارة الأوقاف، كلهم يؤيدون زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى لتأكيد الهوية العربية الإسلامية.

كيف أرى المسألة من منطلق الخصوصية الفلسطينية؟

تبدو المسألة بالغة التعقيد خاصة عندما تتضارب وجهات النظر بشكل حاسم كما استعرضنا، إلا أنّ أغلب وجهات النظر السابقة المعارضة والمؤيدة لم تركز على الخصوصية والظروف الفلسطينية المعاشة في ظل احتلال دام حتى اليوم 62 عاما، ولا مؤشرات على زواله في المستقبل المنظور خاصة في ظل التشدّد اليميني الإسرائيلي الذي جعل المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مجرد إضاعة للوقت، ويسهم في تعزيز هذا الوضع العبثي الانقسام الفلسطيني بين حماس وعباس الذي لا مصلحة فيه للشعب الفلسطيني، لكنه مستمر طالما أثرياء الأنفاق في غزة وأمراء الأمن والسلطة في رام الله، يحققون مصالحهم المالية والشخصية على حساب شقاء شعب بكامله، وهم حقيقة لا يعيشون هذا الشقاء، فحياتهم مؤمّنة بشكل مريح ويتنقلون بجوازات دبلوماسية لأكثر من دولة، وبطاقات في آي بي على الحواجز الإسرائيلية الشقيقة لهم فقط.

ضمن هذه الخصوصية والعزلة شبه الكاملة، أرى أنّ زيارات الفلسطينيين والعرب من كافة أقطارهم للقدس والمسجد الأقصى لا علاقة لها بالتطبيع مع دولة إسرائيل والاحتلال الإسرائيلي، حتى لو كانت الزيارة عبر تأشيرة دخول إسرائيلية وعبر الحواجز الإسرائيلية. أي تطبيع عندما يختم جواز عربي بتأشيرة إسرائيلية، ويسافر صاحبه للقدس للاتصال بالشعب الفلسطيني والإقامة بينه ومعه؟. أليس في ذلك إن تمّ من خلال عشرات ألاف العرب والمسلمين سنويا، تعزيز للوجود الفلسطيني وحاجز أمام ما يتخوف منه العرب والمسلمون من تهويد للقدس؟ أليس بقاء الفلسطينيين في هذه العزلة  وحدهم دعم للتهويد؟.

وماذا عن فلسطينيي إسرائيل وأوربا وأمريكا؟

يتناسى معارضو زيارة القدس الوضع الممارس للفلسطينيين في دولة إسرائيل منذ عام 1948 حيث يحملون الجواز الإسرائيلي، ولهم ممثلون في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، ومن ينجح في الانتخابات لعضوية الكنيست يقسم يمين الولاء لدولة إسرائيل، وكلهم يتكلمون اللغة العبرية بنفس إجادتهم للغة العربية، وكثيرون من كتابهم ومبدعيهم يكتبون بالعربية والعبرية. فهل هذه الممارسات منذ 62 عاما تطبيع وولاء لدولة إسرائيل؟.

الجواز النرويجي حقّق لي حق العودة

لم أتمكن من العودة لمخيم رفح منذ أن غادرته عام 1963 ، إذ حصل الاحتلال عقب هزيمة 1967 وبالتالي ما كان ممكنا العودة للقطاع بأي شكل من الأشكال. وبقيت بعيدا عن عائلتي وشعبي حتى عام 1999 ، فكيف تمكنت من العودة للقطاع والضفة؟ كان ذلك بفضل الجواز والجنسية النرويجية، إذ وصلت للقطاع عبر مطار تل أبيب الإسرائيلي، فهل دخولي ووصولي للقطاع كان تطبيعا مع دولة إسرائيل؟ أرى أنه لا علاقة له بالتطبيع بالعكس فقد حقّق لي الجواز النرويجي حق العودة الذي يتمناه ملايين من اللاجئين الفلسطينيين. وهذا حدث ويحدث مع مئات ألاف الفلسطينيين الذين يحملون الجوازات الأوربية والأمريكية والإسكيندينافية، ومنهم نشطاء للغاية في مجال التنظير لحق العودة، وعادوا عشرات المرات في زيارات لأهلهم وعائلاتهم في القطاع والضفة عبر مطارات إسرائيل والحواجز والتأشيرات الإسرائيلية، فهل كان ذلك تطبيعا مع دولة إسرائيل أم دعما لصمود عائلاتهم وأهلهم وشعبهم؟.

أعتقد أنّ مواصلة التنظير لعدم زيارة  العرب لمدينة القدس واعتباره تطبيعا مع دولة إسرائيل، هو أفضل خدمة لتهويد القدس الذي يخاف منه العرب عبر كلام وخطابات فارغة فقط ، لأنّ من يزور القدس هذه الأيام سيفجع من شوارعها شبه الخالية من الفلسطينيين والعرب، وتكفي صرخة الدكتور حسن خاطرالأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس، إذ يقول: ( نحن نتعامل مع الاحتلال بشكل يومي، ونتحدث بلغتهم العبرية، ونبيع ونشتري منهم ونعمل في مؤسساتهم، ورغم ذلك لا أحد يستطيع أن يزايد على أننا العدو الأول لهم ...ندعو المسلمين أن يأتوا إلى فلسطين ليشاركوا في معركة القدس المقدسة، فما الذي استفادته القدس من عزل أبنائها عنها، فقد أصبحت مدينة للأشباح، والمسجد الأقصى ملأه اليهود الذين أصبحوا أكثر من المصلين ).

أين دعاة المنع من العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل؟

لماذا لم يتذكر دعاة منع زيارة القدس والأقصى ما لايقل عن مائة وخمسين ألفا من العمال الفلسطينيين الذين كانوا يعملون منذ عام 1967 وحتى عام 2000 في داخل دولة إسرائيل، يذهبون لعملهم هناك صباحا من القطاع والضفة ويعودون في المساء يوميا. ورغم تناقص العدد بعد ما أطلق عليه الانتفاضة الثانية عام 2000 ، إلا أنه ما زال حتى هذه اللحظة ألاف منهم يعملون في داخل دولة إسرائيل يوميا، فما هو الموقف من هؤلاء في نظر دعاة منع زيارة القدس والأقصى على اعتبار أنه تطبيع مع دولة إسرائيل والاحتلال. لماذا عمل الفلسطيني يوميا في المصانع والمزارع والمؤسسات الإسرائيلية ليس تطبيعا، بينما زيارة المواطن العربي للقدس لعدة أيام تطبيع. إنه تناقض وازدواجية لا معنى لها سوى الدخول في عالم المزايدات والشعارات التي أوصلتنا إلى هذه الهاوية. بموجز سريع مختصر: أرى أنّ زيارة القدس والمسجد الأقصى تعريب وليس تطبيع، فليسرع العرب لزيارتهما بكثافة كي لا تأتي اللحظة التي لا يوجد فيها أي مظهر فلسطيني أو عربي فيهما.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.dr-abumatar.info

                                                                       



243
الشيخ صبحي الطفيلي: استمعوا جيدا لما يقول هذا الرجل!!
د.أحمد أبو مطر

الشيخ صبحي الطفيلي غنيّ عن التعريف في الساحتين العربية والإسلامية، وفقط من باب التذكير نقول: إنه من مواليد لبنان عام 1948، درس العلوم الفقهية في مدينة النجف العراقية على يد الإمام محمد باقر الصدر، وكان أول من أسس (تجمع العلماء المسلمين ) في لبنان عام 1979 ، ثم أول أمين عام لحزب الله اللبناني عام 1989، وبقيّ في هذا المركز حتى منتصف عام 1991 عندما تسلم منه قيادة الحزب الشيخ عباس الموسوي الذي اغتاله الجيش الإسرائيلي في فبراير 1992 ، وتسلم منذ ذلك الوقت وحتى اليوم قيادة الحزب السيد حسن نصر الله. من أشهر مواقف الشيح صبحي الطفيلي إعلانه العصيان المدني على الدولة اللبنانية بسبب ما أسماه تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشيعة اللبنانيين، وهو الموقف الذي أدّى لفصله من الحزب في يناير 1998 ، ودارت إثر ذلك اشتباكات مسلحة بين مؤيديه وقوات الحزب، سقط فيها قتلى وجرحى . المقصود من هذا التعريف هو التوضيح أن الشيخ صبحي الطفيلي ليس شخصية عادية بل هو مرجعية شيعية لبنانية وعربية، وإلا ما كان سيتوصل ليكون أول أمين عام لحزب الله اللبناني. وقد عرف بمواقفه الجريئة التي هي غالبا عكس التيار، هذه المواقف التي لو صدرت عن شخصية عادية لقوبلت بانتقادات حادة ربما تصل لحد القتل، ولكن لأنها صادرة من مقام الشيخ صبحي الطفيلي فقد تعامل معها المعنيون بالسكوت الكامل. ومن هذه الآراء والمواقف المنسوبة له:

-   رفضه لنظرية ولاية الفقيه الخمينية التي يعتبرها لا أصل لها في القرآن أو السنّة.
-   اعتباره حرب تموز2006  بين حزب الله والجيش الإسرائيلي قرارا إيرانيا مئة بالمئة، ومما قاله في لقاء تلفزيوني مع قناة "الآن" بهذا الخصوص: ( حقيقة حرب تموز غير مشرفة)، ( ما في حدا بيشن حرب من أجل أسير)، ( هل حررنا القدس في تموز؟). وفي مقابلة أخرى قال حرفيا: ( من يقول في لبنان أنّ إيران لا تتدخل كاذب، القرار ليس في بيروت وإنما في إيران). ويربط البعض هذا التحليل للشيخ بسياقات مشابهة وردود فعل مختلفة حيث لم يطلق الجيش السوري الرصاص على إسرائيل ردا على  قيام الطائرات الإسرائيلية بقصف منطقة " عين الصاحب " السورية القريبة من دمشق عام 2003 ، وعدم الرد على تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق القصر الجمهوري السوري في مدينة اللاذقية في آب 2006 أثناء تواجد الرئيس السوري بشار الأسد فيه، وعدم الرد على قصف إسرائيل لما قيل أنه موقع نووي سوري في شمال سورية عام 2007 .

مواقف جديدة أكثر جرأة ووضوحا

تضمّن اللقاء الذي أجراه الشيخ صبحي الطفيلي مع جريدة"الشرق الأوسط" اللندنية يوم الجمعة السادس من أغسطس 2010 مواقف موضوعية وجريئة للغاية، تستند على حيثيات واقعية يعيشها العرب خاصة المواطن اللبناني، لذلك من المهم التركيز على هذه المواقف كي يعرف اللبنانيون أولا والعرب ثانيا إلى أين تقودهم بعض الأحزاب والتنظيمات.

شجرة كادت تحرق بستان الوطن

الاشتباك الذي جرى يوم الثلاثاء الثالث من أغسطس 2010 بين وحدات من الجيش اللبناني والإسرائيلي في منطقة الحدود جنوب لبنان، لا يمكن فهم أن السبب هو الشجرة التي كان الجيش الإسرائيلي يعتزم قطعها لتركيب كاميرا ت مراقبة حسب الجانب اللبناني، خاصة أنّ قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب اللبناني، أكّدت أن الشجرة تقع داخل الحدود الإسرائيلية، بينما قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي يؤكد أنها تقع في الخط الأزرق المختلف عليه ، والاتفاق حوله يقضي بعدم قيام طرف بأي عمل داخله دون أخذ موافقة قوات اليونيفيل . ولكن ما جرى هو أنه رغم الخسائر من الجانبين فقد قام الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي للإشتباك بقطع الشجرة دون أي ردّ أو احتجاج من أي طرف لبناني سواء الجيش أو حزب الله. فلماذا إطلاق الرصاص يوم الثلاثاء من أجل الشجرة ونسيانها يوم الأربعاء والسكوت التام على قطع الإسرائيليين لها؟ هذا رغم تحذير المتحدث باسم الجيش اللبناني بأنّ أي تعد على لبنان سيلقى رد الفعل ذاته. فلماذا الرد يوم الثلاثاء والسكوت يوم الأربعاء؟.

من هنا منطقية تحليل ورأي الشيخ صبحي الطفيلي حول ما حدث إذ قال: " إذا ما كان ذلك ضمن سياسة عامة، وهذا ما يجب أن يكون وما يجب أن نبني عليه، فهذا ما يجعلنا نؤيده وندعمه ونطالب جميع الناس في لبنان أن يكونوا على خطه، أما إذا كان في المسألة أنّ أحدا محرج في أمر ما، أو فيلم معين في ظرف ما، فنأسف أن تكون الدماء والأوطان والإسلام والقبلة هي في معرض التجارة والربح والخسارة". ويبدو فعلا أنّ ما حدث كان فيلما لأنه جاء قبل ساعات من خطاب السيد حسن نصر الله، والسكوت على قطع الشجرة من قبل الجانب الإسرائيلي بعد إلقائه خطابه التصعيدي يؤكد هذه الفرضية. لذلك واصل الشيخ صبحي الطفيلي تحليله لما حدث قائلا: " أنا مأخذي ولومي للعقلية اللبنانية ككل وللأسف، هذه العقلية ليست عقلية شعب واحد أو دولة واحدة او مؤسسات واحدة، إنما هي عقلية دول وشعوب...آمل أن تكون بداية جديدة لفهم جديد، لتناول العمل جديد لعمل جديد، وأسأل الله أن لا تكون حادثة وقعت في لحظة ما لسبب ليس له علاقة بالاستراتيجية الدفاعية أو الدفاع عن كينونة هذا الشعب".

إدانته لاجتياح حزب الله بيروت في مايو 2008

لا يمكن نسيان الاجتياح  الدموي الذي قام به حزب الله لبيروت الغربية في السابع من أيار 2008 ، لأنه كان أكثر جرائمية من اجتياح إسرائيل عام 1982 ، لذلك يهدد الحزب من حين لآخر بشكل مباشر وغير مباشر بتكرار العملية لردع خصومه السياسيين، وبذلك تحول الحزب إلى دويلة داخل الدولة، بل هو أقوى من أجهزة الدولة اللبنانية الرسمية. وهذا مبعث قلق الشيخ صبحي الطفيلي الذي يقول: " للأسف كنّا نتمنى أنّ ما حصل في 7 مايو 2008 لم يحصل حتى يملأ الواحد منّا فمه بالقول: لا يمكن لأحد أن يدفع بنا إلى الأتون المذهبي، لكن للأسف بعضنا تسرع وأخطأ وارتكب ما لا يجوز ارتكابه في أي حال، ودخلنا في صراع مذهبي لفترة وجيزة".

تصوروا..الأمريكي منع الفتنة المذهبية

ويواصل الشيخ الطفيلي قائلا: " المشكلة ليست بنا. ليس نحن من تمنّع عن الدخول للأسف أن الأمر هكذا، أنّ الأمريكي هو الذي منع الطرف الآخر، أو لم يمكّن الطرف الآخر من الرد والمشاركة في المعركة، ولو أنّ الأمريكي أراد أن تستكمل عناصر الفتنة المذهبية في لبنان، لكان باستطاعته أن يعطي ضوءا أخضر ما مع سلاح أحمر، وتبدأ المعركة السنّية الشيعية ولا تنتهي"...وبالتالي هل نقول: شكرا أيها الأمريكي لأنك منعت فتنة طائفية كان من المؤكد ستحرق الأخضر واليابس اللبناني، وما كانت ستتوقف إلا بقضاء طرف على آخر أو تقسيمات مناطقية طائفية تشبة الكانتونات الخاصة بكل طائفة.

والمهم تغيير قيادات حزب الله

لذلك يقول الشيخ الطفيلي " من هنا طالبت الحزب بأن تحصل عملية تغيير والتغيير حالة صحية، فالمؤسسات والدول والأحزاب التي لا تتبدل فيها القيادات بين حين وآخر هي حالة مرضية، وثبات القيادة حالة قاتلة، والبشرية وصلت إلى مستوى راق جدا ومتطور جدا من النظام الإداري، حين أرست قواعد تناقل السلطة وتداولها". وهنا نتذكر أن السيد حسن نصر الله هو الأمين العام للحزب منذ ثمانية عشر عاما، وهو بذلك ليس استثناءا، فهذه سمة التنظيمات والأحزاب العربية يسارية أم قومية، فما يطلق عليهم الأمناء العامون للدكاكين الفلسطينية في مناصبهم منذ عشرات السنين، فمثلا الرفيق نايف حواتمة على رأس الجبهة الديمقراطية منذ عام 1969 أي قبل 41 عاما، ونفس الفترة للمناضل أحمد جبريل في الجبهة الشعبية، القيادة العامة، وبالتالي بماذا يختلفون عن الحكام العرب الموجودين في الكرسي من المهد إلى اللحد، وبعد اللحد التوريث للحد قادم. وفي هذا السياق يحترم أي حريص على التغيير قرار الراحل الدكتور جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي رفض في المؤتمر العام السادس للجبهة عام 2000 أن يترشح من جديد أمينا عام للجبهة، مفسحا  بإرادته وقراره الطريق لقيادات جديدة تقود الجبهة الشعبية، وخطوة الحكيم هذه هي الوحيدة في تاريخ المقاومة الفلسطينية في هذا السياق.

صرعة وفزاعة خطب السيد حسن نصر الله

والوضع المتداعي والباعث لصرخات الشيخ صبحي الطفيلي هو ما لا يمكن تسميته إلا ( خطف الشعب والدولة اللبنانية من قبل قيادة حزب الله الحالية)، إذ أصبح المواطن اللبناني ليل نهار في انتظار الخطب التلفزيونية للسيد حسن نصر الله التي لا يخلو واحد منها من التهديد والوعيد، لذلك كان تعليق فارس سعيد منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار مليئا بالمرارة، عندما قال: ( هل من المعقول أن يعيش اللبناني على واقعة إطلالات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ومهما علا شأن الشخص هل من المعقول أن ينتظر اللبناني أو يكون معلقا بشفتيّ زعيم سياسي؟ فهو يملي ما يجب فعله وما لا يجب وإلا ظهرت الفتنة". وهذا حقيقة ما يعيشه الشعب اللبناني بكامل أطيافه وفئاته، فمستقبله معلق بقرار من السيد حسن نصر الله، فهو وحده القادر على ايصاله لحرب مذهبية أو لهدوء وسلام داخلي يؤديان لتنمية يستحقها الشعب اللبناني بعد سنوات العذاب هذه التي قاربت على أربعين عاما.
وآخر الفزعات التلفزيونية للسيد
هي اتهام إسرائيل باغتيال السيد رفيق الحريري، وهذا جائز، ولكن الأكثر منطقية في الطرح هو السؤال:
إذا كان هذا صحيحا فلماذا سكت السيد على هذا السر طوال أكثر من خمس سنوات؟ وبالتالي لماذا هو وآخرون يخافون من المحكمة الدولية إن كانوا أبرياء؟. وماذا عن الوفد الإيراني الذي وصل لبيروت قبل مؤتمر السيد الصحفي وما زال فيها ؟ وهل تسمح إيران لأي وفد من دولة أخرى بدخول أرضها لإجراء اتصالات مع أحزاب إيرانية؟. شئنا أم أبينا..كنا من مناصري حزب الله أم مناوئيه ، فإيران تلعب في الساحة اللبنانية كما تريد من خلال أداتها الداخلية حزب الله . فلننتظر الفيلم القادم للسيد، فلا بد من إطلالة تلفزيونية كل عدة أسابيع عبر شاشات عملاقة يمكن مشاهدتها من طهران حيث الريمونت كونترول، والتوتير قائم ومتواصل ليس دفاعا عن لبنان واستقراره بقدر ما هو خدمة لأجندات إقليمية، وبالتالي..يا ويلك يا شعب لبنان..ما هذا الحظ الذي يجلبه لك بعض أبنائك؟
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.dr-abumatar.info







244
مؤتمر حسن نصر الله الصحفي: الفيلم الهندي أكثر إقناعا

د.أحمد أبو مطر

انتظر اللبنانيون والعرب عدة أيام المؤتمر الصحفي للسيد حسن نصر الله الذي عقده يوم الإثنين التاسع من أغسطس 2010  الذي استمر أكثر من ساعتين، كي تكون النتيجة أنه مجرد سرد حكايات وقصص لا علاقة لها بما هدّد به من أنّ لديه حقائق واثباتات تدين الموساد الإسرائيلي باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في فبراير 2005 . ومن المهم ملاحظة أساسية وهي أن السيد حسن نصرالله ناقض نفسه بدليل أنه بعد كل هذه الحكايات التي ساقها، استدرك في نهاية مؤتمره الصحفي  قائلا : "وأنا لا أدّعي أننا نقدم دليلا قطعيا، نقدم قرائن ومعطيات وإذا كان هناك من يريد أن يصل إلى الحقيقة يجب أن يحمل هذه المعطيات ويفتح الباب لأول مرة جديا للتحقيق مع الإسرائيلي". إذن فالسيد بعد كل الأفلام التي عرضها لا يعتبر كل ما عرضه دليلا قطعيا، بل هي تخمينات وتحليلات لا تختلف عما تتعاطى معه المحكمة الدولية حتى هذه اللحظة.
أفلام ووثائق لا علاقة لها بالموضوع
كانت كل التحضيرات والاستفزازات تتركز قبل مؤتمره الصحفي، على أنّ السيد سيقدم الإثباتات القاطعة غير القابلة للنقاش حول إدانة إسرائيل بقتل رفيق الحريري، فإذا كل ما قدمه لا علاقة له بالموضوع الأساسي، وهنا نتساءل فقط :
-   ما علاقة محاولة اغتيال نبيه بري إن صحت بالموضوع الأساسي وهو اغتيال رفيق الحريري؟
-   ما علاقة اعتراف العميل محمود رافع بأنه ساهم مع الإسرائيليين بزراعة عبوة الزهراني التي كانت موجهة لاغتيال بري بالموضوع الأساسي؟
-   ما علاقة التقاط المقاومة لبث الصور الجوية لطائرات الإستطلاع الإسرائيلية؟
-   ما علاقة رصد إسرائيل للمحاور والطرق الرئيسية اللبنانية بما فيها طرق تحركات رفيق الحريري، وهل هناك طريق واحد في لبنان لا يتنقل فيه إلا رفيق الحريري؟
-   وما علاقة قصة اعتقال المخابرات السورية في صيدا للحاج علي ديب؟
-   ما علاقة فيديو عملية الأنصارية؟
ونفس التساؤل ينطبق على كل الأفلام والفيديوات والقصص التي عرضها السيد حسن نصر الله، فهي مجرد أفلام هندية لا علاقة لها بالموضوع الذي انتظرته الجماهير، وهو الأدلة القاطعة على إدانة إسرائيل، وبالتالي من حق أي مراقب موضوعي أن يطرح الأسئلة المنطقية التالية التي تؤشر على القتلة الحقيقيين لرفيق الحريري.
هذه الأسئلة تحتاج لجواب
-   لماذا ومن قتل اللواء غازي كنعان وزير الداخلية السوري في الثاني عشر من أكتوبر 2005 أي بعد حوالي سبعة شهور من اغتيال رفيق الحريري، حيث المعروف أن كنعان كان هو الحاكم الفعلي السوري في لبنان لغاية عام 2001 قبل أن يسلم المسؤولية المخابراتية لخلفه رستم غزالة، الذي كان يتلقى الأوامر منه في كل صغيرة وكبيرة. ولماذا تمّ قتله الذي قالوا عنه انتحارا بعد استجوابه من قبل محققين من الأمم المتحدة في قضية اغتيال رفيق الحريري؟ ومن الملاحظ حتى للغبي أنّ المحامي العام الأول في دمشق محمد مروان اللوجي قد أعلن بعد قصة الاغتيال بدقائق أنّ التحقيق الرسمي في ظروف وفاة كنعان انتهى باعتباره حادث انتحار. أي تحقيق رسمي يصدر بعد دقائق من الوفاة؟ إنّ هذه اللعبة تدلّ على أن المحامي الأول كان مجرد مذيع لبلاغ أرسل له بدون أي تحقيق في الحادث، وهذا يذكرنا بقصة انتحار رئيس الوزراء السوري الأسبق محمود الزعبي في مايو  2000 حيث كان يخضع للإقامة الجبرية.

-   لماذا ومن قتل العميد محمد سليمان المستشار الأمني للرئيس بشار الأسد وضابط الارتباط السوري مع حزب الله في أغسطس 2008 ، من خلال تمثيلية لا تنطلي على أي غبي، إذ قالت الرواية الرسمية أنه تمّ اغتياله برصاصات أطلقت عليه من البحر وهو يستحم على شاطىء مدينة طرطوس السورية. ومن المهم ملاحظة أنّ اغتياله جاء بعد ستة أشهر من اغتيال عماد مغنية المسؤول الأمني لحزب الله في منطقة كفر سوسة الدمشقية حيث مكاتب أهم فروع المخابرات السورية.

-   وبالتالي من قتل عماد مغنية في منطقة لا تستطيع كل دوائر مخابرات العالم من دخولها؟ ولماذا يسكت السيد حسن نصر الله على قصة قتله؟ ولم نشاهد له أي فيلم هندي حولها؟.

-   من المسؤول عن اغتيالات الصحفيين والسياسيين اللبنانيين عقب اغتيال الحريري؟ لماذا لم يتطرق السيد حسن نصر الله لهذه الاغتيالات؟ أم ان اصحابها لا يستحقون فيلما من أفلامه؟

-   والسؤال الأخطر هو: لماذا سكت السيد عن اتهام إسرائيل من عام 2005 حتى اليوم، أي حوالي خمسة سنوات؟

الجواب ذو شقين لبنانيين

الأول: هو بداية تسريب معلومات حول إمكانية صدور اتهام لحزب الله من قبل المحكمة الدولية، يتعلق بمشاركة الحزب في عملية اغتيال رفيق الحريري بشكل من الأشكال.

الثاني: استمرار استعمال فزّاعة الموساد للسيطرة على الشارع اللبناني مترافقا مع التهديد المستمر المبطن والعلني بإعادة اجتياح بيروت في مايو 2008 . وليس سرا أن السيد وحزب الله أصبحا دولة مرعبة يخافها كل اللبنانيين شعبا وحكومة، وهذا يفسر سكوت الدولة والحكومة اللبنانية على كل ممارسات الحزب وقياداته التي لا يمكن أن تقبل بها أية ديمقراطية في العالم.

البريء فعلا لا يخاف
إنّ الضجيج الذي يثيره السيد وحزبه ومعهما النظام السوري ضد المحكمة الدولية، يثيرسؤالا خطيرا:

لماذا الخوف من هذه المحكمة من أي شخص أو حزب أو نظام إذا كان أي واحد منهم فعلا بريئا من دم الحريري؟. إنّ البريء فعلا لا يمكن أن تدينه أية محكمة مهما كانت مسيسة، فأي تسييس لا يمكن أن يجد أدلة وقرائن تدين بريئا، لذلك فإن هذا الضجيج من أشخاص وأحزاب وأنظمة محددة، يستدعي للذهن العربي القول الشائع: ( يكاد المريب أن يقول أمسكوني ).
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.dr-abumatar.info

245
فخر لفلسطين والسلام في العالم:
الأسقف منيب يونان رئيس للاتحاد العالمي للكنائس اللوثرية
د.أحمد أبو مطر

كان يوم السبت الموافق الرابع والعشرين من يوليو 2010 يوما تاريخيا بالنسبة لفلسطين والفلسطينيين والمسيحيين العرب عامة، إذ تمّ في مدينة شتوتجارت الألمانية انعقاد الجمعية العمومية الحادية عشرة للاتحاد العالمي للكنائس اللوثرية  الإنجيلية الذي يمثل حوالي 66 مليون مسيحي في العالم، تضمهم 145 كنيسة في 79 دولة منها فلسطين.وفي هذا الاجتماع تمّ بالأغلبية العظمى انتخاب الأسقف الفلسطيني منيب يونان ، رئيسا للاتحاد العالمي للكنائس اللوثرية في العالم أجمع.
عرفت الأب منيب يونان شخصيا منذ عام 1996 ، وتكررت لقاءاتي به أثناء زياراته لمدينة أوسلو منذ التؤأمة أو التعاون بين كنيسة الرجاء في رام الله وكنيسة جرفسن في أوسلو. ومن خلاله تعرفت على العديد من الأصدقاء والصديقات من كنيسة الرجاء. من خلال هذه اللقاءات تسلل هذا الأب الأسقف منيب يونان لقلبي قبل عقلي بطيبته وتواضعه اللذين هما تجسيد طبيعي ومؤثر لتعاليم السيد المسيح، وهذا ما جعل أصدقاءه النرويجيين يسعدون بأية زيارة له ، حيث يقدم صورة المسيحي الشرقي في أبهى مظاهرها، وكيف يمكنني أن أنسى إصراره رغم ازدحام برنامجه وضيق وقته أن يزورنا في المنزل ولو لوقت قصير. هل هناك طيبة ومحبة أكثر من ذلك؟. ما أدهشني هو أنّ الأب منيب يونان من مواليد مدينة القدس عام 1950 ، إلا أنّ والده أندريا يونان لاجىء من مدينة بير السبع إلى القدس، وهذا ما أعاد ذكرياتي حيّة لمدينة بير السبع التي ولدت فيها عام 1944 .
وللتعريف بالأسقف منيب يونان الذي أصبح شخصية كنسية عالمية، سأورد سيرته الذاتية كما وردت في بداية ترجمته للغة العربية ودراسته لكتاب ( إقرار أوسبرغ )  الذي " يعدّ الكتاب العقائدي الرئيس للعقيدة الإنجيلية اللوثرية" ، وقد صدرت هذه الدراسة والترجمة العربية عام 1993 في مدينة القدس، وهو كما وصفه المطران نعيم نصّار في تقديمه: " ولا شك في أن أهميّة كبيرة تكمن وراء صدوره باللغة العربية، وهي تجربة رائدة في تقديم وشرح العقيدة الإنجيلية القائمة على كلمة الله ومحورها الإنجيل، البشارة المفرحة والمقدمة لجميع الناس. إن هذا الكتاب سيضيف بُعداً لاهوتياً جديداً للمكتبة الإنجيلية التي ستساعد طلبة اللاهوت وكل لاهوتي مختص وكل مسيحي على تفهّم العقيدة الإنجيلية اللوثرية تفهما أفضل".
ورد في سيرته الذاتية الحافلة بالجدّ والدرس والعطاء:   
-         سيم منيب يونان مطراناً للكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأرض المقدسة في 5/1/1998.
-         سيم قسيساً في 30/5/1976. وأجريت مراسيم التكريسين في كنيسة الفادي في القدس.
-          تولى رعاية كنيسة الإصلاح الإنجيلية اللوثرية في بيت جالا من 1979 – 1984.
-          تولى رعاية كنيسة الرجاء الإنجيلية اللوثرية في رام الله من 1984 – 1998.
-          انتخب رئيساً لمجمع الكنيسة الإنجيلية اللوثرية عام 1990 وبقي في هذا المنصب حتى 1998.
الدراسة:
-         درس المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية في المدرسة الإنجيلية اللوثرية في القدس وبيت جالا. وحصل على شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) في الكلية الأهلية في رام الله، عام 1968.
-         . درس شماساً في كلية الشماسين في Luther Opisto في Järvenpää  في فنلندا 1969 – 1972.
-          التحق بجامعة اللاهوت في هلسنكي في فنلندا عام 1972، حيث حصل على شهادة الماجستير في اللاهوت بتفوق. وكتب أطروحة الماجستير "الاختيار في نبوة أشعياء الثاني".
العائلة :
-         ولد المطران منيب يونان في 18/9/1950، في القدس، من أبوين مسيحيين إنجيليين، هما أندريا يونان، لاجئ من بئر السبع، وأليس قندلفت من القدس الغربية.
-          تزوج في 21/8/1980 من السيدة سعاد يعقوب من حيفا. وقد رزقهما الله ثلاثة أولاد.
المناصب التي يتقلّدها:
-         عضو في اللجنة اللاهوتية لاتحاد الكنائس الإنجيلية في الشرق الأوسط. 1991 – 1996.ومنذ 1994 هو رئيس هذا الاتحاد. (FMECC).
-          منذ عام 1998  عضو في اتحاد الكنائس العالمي. (WCC)
-         رئيس مجلس إدارة اللجنة المسيحية الدولية/القدس (ICC) 1998 – 2004.
-          رئيس مجلس إدارة مستشفى أوغستا فكتوريا في القدس، منذ 1998.
-          عضو في مجلس إدارة مدرسة اللاهوت – بيروت، منذ 1999.
-           عضو في المجلس التنفيذي لاتحاد كنائس الشرق الأوسط (MECC)  منذ 1995.
-          عضو مع حق التصويت في مجلس الاتحاد اللوثري العالمي، منذ 1997.
-          نائب رئيس الاتحاد اللوثري العالمي منذ تموز 2003.
المبادرات والنشاطات:
-         في اللقاءات  بين الأديان والحوار بينها، منها بين المسيحيين واليهود المحليين، وبين الديانات السماوية الثلاث في فلسطين، منذ 1991.
-          أحد المشاركين في تأسيس مركز اللقاء للدراسات الدينية، القدس.
-          في الحركة المسكونية، تنظيم الصلات وتنشيطها بين الكنيسة اللوثرية والكنائس الأخرى في القدس.
-         منذ عام 1998 عمل على تعميق الصلة الحميمة مع الكنائس اللوثرية، وعقد اتفاقات شراكة وتوأمة مع بعض مجامعها وأبرشياتها في العالم أجمع.
-          ساهم مساهمة فعالة في وضع وتطوير أول منهاج دراسي لموضوع الدين المسيحي.  وكتب "البعد المسيحي في المنهاج الفلسطيني"، الذي قيّم فيه المنهاج للمستقبل. ومنذ 1997 تبنته قادة الكنائس في القدس واتخذته الوثيقة الرئيس للمفاوضات مع وزارة التربية والتعليم.
-          خطيب مفوّة وكاتب معروف محلياً ودولياً في موضوع السلام العادل والمصالحة في نظر المسيحيين الفلسطينيين، المؤسس على التعاليم والمبادئ المسيحية.
الجوائز والتكريمات:
- منح جائزة السلام الفنلندية، من حركة السلام الفنلندية المسيحية،                        2001
-         درجة الدكتوراة الفخرية في اللاهوت D.D.، من جامعة Wartburg Iowa U.S.A.             2001
-          جائزة حقوق الإنسان من جمعية الدول المتحدة في واشنغتن                            2001
-          جائزة بيت عنيا، من الكنيسة الميتودستية، أوسلو، النرويج                             2004
-          جائزة المؤسسة المسيحية المسكونية للأرض المقدسة، واشنغتن                          2004
-          جائزة بيت لحم 2000 لصنع السلام، من رئيس الوزراء عباس (ابو مازن)         2005
بعض كتاباته ومحاضراته الحديثة:
له عدة مؤلفات ومحاضرات في مواضيع كالتالية: شهادة اللوثريين الفلسطينيين للسلام، والحياة  المسكونية في القدس، وأهمية القدس للكنائس المسيحية، والتحديات التي تواجه الكنيسة الفلسطينية، ودع الكنيسة تكون الكنيسة (خطاب تكريسه مطراناً)، والديانة جوهر الحضارة، ورؤية الكنيسة للألفية الثالثة، ومواضيع أخرى. 
هذا هو الأب الأسقف منيب يونان الفلسطيني الذي يرأس الكنيسة اللوثرية في الأراضي المقدسة منذ عام 1998 ، و تمّ انتخابه رئيسا للاتحاد العالمي للكنائس اللوثرية، مما يدلّ على مكانته الكنسية واهتمام الاتحاد بكنائس الشرق الأوسط ، خاصة أنه نال ثلاثمائة صوت من بين ثلاثمائة وثلاثة وعشرين.
ماذا قال الأسقف منيب للجميع؟
في خطابه أمام اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد العالمي للكنائس الثورية في مدينة شتوتجارت الألمانية، أكدّ على ضرورة " أن تواصل الكنيسة التركيز على القيم المشتركة لمواجهة التطرف والإرهاب خاصة معاداة السامية والخوف من الإسلام. الصراع في وطني ليس بعيدا مطلقا عن أفكاري. إنني أدعو الله أن يمكن الإسرائيليين والفلسطينيين من أن يروا صنع الله في كل منهما وأن يتوصلوا إلى تسوية سياسية". ومواقف الأسقف منيب هذه واضحة ومعروفة، ففي نوفمبر من عام 2008  قال كل أطروحاته هذه أثناء مشاركته في اجتماع المجمع الكنسي العام للكنيسة النرويجية، إذ أكّد على " أنّ القدس عربية ويجب أن تكون عاصمة لدولتين ولثلاث ديانات سماوية، وأنّ السلام العادل والشامل لن يتحقق من دون القدس ". وقد أيّد المجتمعون كل ما ورد في كلمته، وتبنيهم لما يتعلق بضرورة تحقيق السلام الشامل والعادل، لأن ذلك يخدم الوجود المسيحي في المنطقة أيضا.
الأسقف الأب منيب يونان، ستبقى فخرا لفلسطين ولكل محبي السلام في العالم، ولكل المؤمنين بالديانات السماوية الثلاث..فليحرسك الله لتنشر رسالة المحبة والعدل والسلام والإخاء في المنطقة والعالم أجمع.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.dr-abumatar.info

246
إخوان الأردن:
لماذا المقاطعة اليوم والمشاركة أمس؟
د. أحمد أبو مطر

القرار الذي الذي أصدره بالتوالي مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ومجلس شورى حزبهم جبهة العمل الإسلامي، القاضي بمقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة المقررة في التاسع من نوفمبر 2010 ، يثير علامات استفهام عديدة حول سلوك الجماعة وحزبها في الساحة الأردنية، وعلامات الاستفهام هذه تنطلق من تساؤل إن كانت هذه السلوكيات نابعة من مواقف مبدئية أم من تكتيكات مرحلية لها علاقة بمحاولات التميز إعلاميا فقط ، وإن على قاعدة (خالف تعرف). وفي البداية من المهم التأكيد على ضرورة دعم أي جهد كي تكون الانتخابات القادمة حرة ونزيهة أيا كان القانون الانتخابي الذي ستجري بناء عليه، لإنّ غالبية الأحزاب والفعاليات الأردنية وافقت على المشاركة في الانتخابات على قاعدة هذا القانون،  خاصة أنه لا يوجد قانون انتخابي في العالم إلا ولبعض الأحزاب ملاحظات عليه، لأن لكل حزب تصورات انتخابية يعتقد أنها ستكسبه أصوات أكثر، وبالتالي عدم تحققها في القانون الانتخابي ليست مبررا للمقاطعة، لأنه عندئذ سيقاطع الجميع وبالتالي لا انتخابات ولا برلمانات. وأهم علامات الاستفهام المطروحة على سلوك الجماعة هي:
أولا: لا إجماع داخل الجماعة والحزب
يتكرر الحديث منذ زمن طويل عن التيارات المتصارعة داخل الجماعة والحزب، وتقسيمهم عند البعض إلى "حمائم وصقور" وعندي كما قلت سابقا "معتدلون ومزايدون " ، وعلامات هذا التباين كانت واضحة في أنّ قرار المقاطعة عند عرضه للتصويت في مجلس شورى الجماعة ليلة الخميس 29 يوليو 2010 ، كان قد حضر عملية التصويت 48 عضوا من أصل 51 عضوا، وصوّت 70 % فقط مع قرار المقاطعة، بينما صوّت 20 % لصالح المشاركة في الانتخابات، فيما امتنع 10 % عن التصويت. وهذا عمليا يعني أنّ 30 % ضد قرار المقاطعة. وقد حدث نفس الخلاف داخل حزبهم جبهة العمل الإسلامي، فقد صوّت مع قرار مقاطعة الانتخابات 52  عضوا من بين 70 عضوا هم مجموع مجلس شورى الحزب، أي أنّ هناك 18 عضوا كانوا مع توجه المشاركة في الانتخابات وهم نسبة ليست قليلة.

من الطبيعي أن يعتبر البعض هذا نتيجة للممارسة الديمقراطية داخل مجلس شورى الجماعة، لكنّه من زاوية أخرى يوضّح حجم الخلافات والتباينات داخل مجلس شورى الجماعة ، فنسبة 30 % تعارض قرارا ما داخل جماعة إسلامية تدّعي أنها لا تتحرك إلا بوحي من الإسلام ومرجعيته، يدلّل على أنّ بينهم اختلاف واضح وعلني في تفسير المرجعية الإسلامية هذه. وهنا يصبح من حق أي معترض على قراراتهم أن يطالبهم بالكف عن استعمال الإسلام غطاءا لتحركاتهم السياسية التي لا تختلف عن تحركات أي حزب مدني أو علماني أو ماركسي، فالهدف هو الوصول إلى الكرسي والسلطة والنفوذ وليس خدمة الإسلام . ورغم هذه النسبة المعارضة لمقاطعة الانتخابات يرى الناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين جميل أبو بكر " أنّ القرار جاء باتفاق جميع أطياف التيارات الإسلامية سواء كانت حمائم وصقور ووسط ، وهذا دليل أنّ الخلافات داخل الحركة تحولت إلى اتفاق وإجماع حول قرار المقاطعة " ، وبالتالي فأين يضع جميل أبو بكر نسبة المعارضة هذه، وكيف جيّرها لصالح إجماع وإنهاء للخلافات يدّعيه؟.
ثانيا: لماذا المقبول عام 2007 مرفوض عام 2010؟
لقد ركزت جماعة الإخوان المسلمين الأردنية وحزبها جبهة العمل الإسلامي على أنّ أهم اسباب مقاطعتها للانتخابات النيابية القادمة هو رفضها لقانون الصوت الواحد الذي جرى تأكيده في التعديلات الأخيرة، وهنا يطرح سؤال منطقي: لماذا شاركتم في انتخابات عام 2007 رغم أنها جرت على أساس الصوت الواحد هذا، أي لماذا ما كان حلالا وشرعيا وموافقا عليه ومقبولا عام 2007 ، أصبح حراما وغير شرعي ومرفوض عام 2010 ؟. هل هناك جواب لدى شورى الجماعة وشورى حزبها؟. الجواب عندي هو أنّ الجماعة تخاف من نتائج انتخابات عام 2007 ، عندما دخلتها ب 22 مرشح من الجماعة و 5 من المستقلين، وفاز من بينهم 6 مرشحين فقط. والملاحظ أنه قبل انتخابات عام 2007 لم تثر الجماعة وحزبها هذا الضجيج حول قانون الصوت الواحد، وبدأوا الحملة ضده بعد خسارتهم الفادحة واتهامات التزوير التي حشدوا لها جهدا إعلاميا لم تشهده حملاتهم لنصرة القدس والمسجد الأقصى!!!.
ثالثا: قرار لتصدير أزماتهم الداخلية
إنّ قرار مقاطعة الانتخابات من قبل الجماعة وحزبها ضمن سياق مشاركة كل الأحزاب الأردنية والمستقلين، هل يفهم منه أنهم هم وحدهم الحريصون على الشفافية والنزاهة؟. أعتقد أنّ الضجيج والصراخ واللطم الذي افتعلته الجماعة مصاحبا لقرارها ثم قرار حزبها، هو فقط للعب على عواطف الجمهور الأردني الذي لم ينتخب منهم إلا نسبة ضئيلة في انتخابات عام 2007 ، في حين أنهم يقدمون أنفسهم على أنهم المسيطرون على الجماهير والحائزون على تأييد غالبيتها حسب تأكيدات حمزة منصور في مؤتمره الصحفي الأخير. في حين أن خلافاتهم الداخلية في السنوات الماضية لا تدلل على أنها خلافات من أجل كسب الجماهير بقدر ما هي خلافات شخصية ومصلحية بالدرجة الأولى. ولا ينسى الجمهور الأردني هذه الخلافات التي سادت في الشهور الماضية خاصة ما يتعلق بالازدواجية التنظيمية لأعضاء المكاتب الإدارية في فروع الجماعة في دول الخليج العربي بين عضويتهم في الجماعة الأردنية وحركة حماس الفلسطينية، وهذه الازدواجية لا تقبلها أية ديمقراطية في العالم ، فمن المستحيل أن تكون مثلا مواطنا سويديا عضوا في حزب سويدي وفي الوقت ذاته عضو في حزب دانمركي. كذلك لا يمكن القفز عن الخلاف الداخلي حول شخص زكي بني ارشيد في الشهور الماضية، الذي يعرفه الجمهور الأردني ولا داعي لإعادة وتكرار تفاصيله، والاستقالات المتكررة لقياديين في الجماعة، واعتكافات وانسحابات من اجتماعات قيادية، وبالتالي كمحصلة فإن قرار مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة، ليس قرارا ذي حيثيات نيابية بحتة بقدر ما هو نتيجة لخلافات داخلية حول ملفات خاصة بالجماعة وحزبها.

 وهذا ما يؤكده الدكتور محمد أرسلان رئيس غرفة صناعة مدينة الزرقاء، فهو يعتقد  " أنّ قرار مقاطعة حزب جبهة العمل الإسلامي جاء من رأيهم المسبق في كيفية إدارة الانتخابات، وكذلك عكست طبيعة الخلافات الداخلية التي شهدتها الحركة الإسلامية خلال الفترة الماضية". ويشير أيضا إلى " أنّ تأكيدات الحكومة على اجراء الانتخابات جسّدت واقعيا عبر التشدد في تسجيل الناخبين الجدد، وهذا يؤكد على جدّية الحكومة في اجراء انتخابات شفافة". وفي هذا السياق من المهم التذكير بملف جمعية المركز الإسلامي التابعة للجماعة، التي تمّ تجميد عمل هيئتها الإدارية  في تموز 2006 ، وتعيين هيئة إدارية  مؤقته لها من قبل الحكومة بعد ما أثير حولها من تجاوزات مالية وقضايا ترقى لحدّ الفساد، تطال شخصيات قيادية من الصف الأول في الجماعة والحزب، ومن التهم المنظورة أمام المحاكم إهمال الواجبات الوظيفية وإساءة الإئتمان ومخالفة أحكام قانون الجمعيات الخيرية.

إنّ ما يمكن تسجيله لصالح مسيرة الديمقراطية في الأردن، هو السؤال عن مصير شخص في دول عربية أخرى يطلق تصريحات زكي بني ارشيد التي لا يتفوه بها أي ديمقراطي أوربي أو إسكيندينافي بهذه اللجه الاستفزازية، ورغم ذلك يعيش آمنا سالما في بيته ومع عائلته، وهذا ما يجب أن يكون ويسود، فهو حرّ في آرائه والجماهير حرّة في تقبلها أو رفضها، أمّا سجنه واعتقاله بسبب هذه التصريحات فهو مرفوض في كل الأعراف، فهذه هي مسيرة حرية التعبير التي يجب أن تسود ويمارسها الجميع.
الخاسر من هذه المقاطعة
لذلك أرى أنّ قرار الإخوان جماعة وجبهة بمقاطعة الانتخابات لم يكن موفقا، لأن تعزيز الأداء الديمقراطي، وكشف السلبيات والتجاوزات لا يكون بالمقاطعة بل بالمشاركة الميدانية، التي من خلالها يتم كشف الأخطاء ودراسة كيفية علاجها للوصول لأداء ديمقراطي انتخابي أكثر شفافية ونزاهة، وبالتالي فالخاسر من هذه المقاطعة هو الجماعة وحزبها، لأنهم من موقع المتفرج لن يتمكنوا من التأثير الإيجابي في تطوير العملية الديمقراطية التي يسعى لها الجميع. ومن المهم ملاحظة أن نزاهة الانتخابات القادمة ليست مسؤولية الحكومة وأجهزتها فقط بل مسؤولية الناخب والمرشح أيضا. فمثلا عندما يكثر الحديث عن مسألة "شراء الأصوات" أو " المال السياسي" ، فمن الذي يقوم بشراء الأصوات؟ إنه المرشح الذي رضي لنفسه هذا الإسلوب غير الديمقراطي ويرقى لمستوى السرقة، ويشاركه في العملية الناخب الذي قبل أن يبيع ضميره الانتخابي مقابل حفنة من الدنانير بدلا من مساهمته في اختيار المرشح الأفضل حسب برنامجه الانتخابي و معرفته الشخصية بأدائه. وبالتالي فإنّ استمرار المقاطعة سيخلق تباعدات عديدة بين التيارات المتصارعة داخل الجماعة، خاصة أنّ صراعاتها وخلافاتها لم تعد سرّية في الأعوام الأخيرة، بل علنية وصلت حد تسريب بعض التيارات لوثائق سرّية للجماعة ونشرها في وسائل الإعلام.
حماة الدعوة الربّانية..لا تراجع!!!
 و كانت احتمالات الرجوع عن قرار المقاطعة واردة بنسبة عالية بعد تصريحات جميل أبو بكر حول أنّ ( التراجع عن القرار مرهون بضمانات حقيقية على إجراءات العملية الانتخابية، وكف يد وزارة الداخلية، وجعل هيئة مستقلة برئاسة قضاة وهيئات مجتمع مدني داخلية وخارجية تشرف على الانتخابات ). وأعتقد أنّ هذه الشروط لا تتعارض مع إصرار الحكومة على إجراء انتخابات نزيهة وشفّافة . إلا أنّ هذا الاحتمال تبدد نهائيا بعد تصريحات حمزة منصور الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي في مؤتمره الصحفي يوم الاثنين الثاني من أغسطس، حيث أكدّ عدم الرجوع عن هذا القرار ، مهددا كل من يشارك في الانتخابات من الجماعة بشكل مستقل ، بأنه سيعتبر ( خارجا من التيار ومخالفا للقرار).  وما هو ليس مفهوم هو إعلانه أن ( دواعي المقاطعة موجودة منذ عام 1993 ، إلا أننا كنّا نتحرى المصلحة الوطنية التي نقدمها على كل المكاسب الفئوية والشخصية " . فهل المصلحة الوطنية لها مدة صلاحية انتهت الآن؟. بمعنى لماذا المشاركة في العملية الانتخابية منذ عام 1993 أي طوال 17 عاما ومقاطعتها الآن؟. والتأكيد بعدم العودة عن قرار المقاطعة يبرره أيضا بأنّ ميدان عمل جماعة الإخوان حسب كلامه (إننا أصحاب دعوة ربّانية، وميداننا الأردن والعالم كله)، بمعنى أن هذا الميدان يشمل أيضا كافة شؤون  الكرة الأرضية، وبالتالي فالمفترض أن تترك الجماعة العديد من مسؤولياتها في الساحة الأردنية والتفرغ للدعوة الربّانية في كافة أنحاء العالم، وهم بهذا يلتقون مع جعجعات حزب التحرير، فالأفضل عندئذ هو التحالف مع حزب التحرير والتوحد في حزب واحد إن كان لديهم نفس الدعوة الربّانية عن قناعة وليس مجرد خطابات لدغدغة عواطف الجماهير الغفورة.
ورغم ذلك وأيا كانت خلافاتك مع الحركة الإسلامية الأردنية ،فإن مشاركتها في الانتخابات إثراء للمسيرة الديمقراطية والرقابة التي تدعم مزيدا من الشفافية، لذلك نأمل في تطورات معينة خلال الشهور الثلاثة القادمة، تجعلها تعود عن قرارها الجازم هذا...فلننتظر!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.net
www.dr-abumatar.info






247
عرب ومسلمو النرويج:
كيف ينبغي أن يتصرفوا؟
د.أحمد أبو مطر

أعلنت الشرطة النرويجية في الإسبوع الأول من يوليو 2010 أنها قامت باعتقال ثلاثة أشخاص يقيمون في  مدينة أوسلو عاصمة المملكة النرويجية هم:

-   الأول صيني الأصل من الأقلية الإيغورية المسلمة ، حصل على الجنسية النرويجية عام 2007
-   الثاني عراقي من أصول كردية يقيم في النرويج منذ عام 1999 حيث منح إقامة لدواع إنسانية.
-   الثالث من أصل أوزبكي في الحادية والثلاثين من عمره، كان طالب لجوء ومنح إقامة دائمة ضمن إطار لم الشمل العائلي، تقول بعض المصادر الإعلامية أنه سبق أن زار إقليم وزيرستان الباكستاني أكثر من مرة، وأقام اتصالات مع عناصر من القاعدة، وأنه ينتمي لحزب إسلامي في تركستان. هذا في حين أنّ محاميه النرويجي ( ثيل داهل) يرى أنّ موكله شخص مسالم وليس له سوابق إجرامية ، وأنه ينفي كل التهم الموجهة له. وكان اثنان منهما قد اعتقلا في أوسلو، بينما تمّ اعتقال الثالث في ألمانيا بناء على طلب السلطات النرويجية وتمّ ترحيله إلى أوسلو.

وكانت السيدة يان كريستيانسن رئيسة جهاز الشرطة النرويجية قد أعلنت في مؤتمر صحفي ( أنّ الشرطة اعتقلت الثلاثة بعد أن كانوا تحت المراقبة لبعض الوقت ). وقد تمت الاعتقالات بعد ( أن علمنا أن الصحافة الدولية تبلغت بعض معطيات القضية، وكانت تريد نشرها الأمر الذي كان يشكّل خطرا كبيرا على مواصلة التحقيق ). وقالت كريستيانسن ( أنّ الشرطة النرويجية تعاونت مع العديد من أجهزة الشرطة البريطانية والألمانية والأمريكية ودول أخرى بصدد هذه الاعتقالات ) . ومن الملاحظ أنّ هذا التنسيق الأمني الدولي قد تصاعد لتفادي وقوع هجمات إرهابية جديدة، شهدت عدة عواصم غربية الكثير منها بعدعمليات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية التي تبنتها القاعدة بصوت وصورة مسؤولها الأول أسامة ابن لادن  ومساعده أيمن الظواهري ،الذي أطلق عليها (غزوة نيويورك)، وللأسف الشديد كانت كلها من عرب ومسلمين مما أساء لصورتهم وجعلهم محل ارتياب في المطارات والأماكن العامة.

أمور تدعو للشكّ والريبة

وحسب المعلومات التي تداولتها بعض وسائل الإعلام النرويجية،فإن هذه الاعتقالات لم تأت من فراغ أو بدون معلومات كان يجب التحقق الميداني منها، فقد تأكد العثور في شقة الصيني المسلم من الأقلية الإيغورية على مواد كيمائية تستخدم في صنع بعض أنواع القنابل، تعتقد بعض التحليلات الصحفية أنه كان من الممكن استعمالها ضد أهداف صينية في الأراضي النرويجية بسبب ما تتعرض له الأقلية الإيغورية في الصين ، كما وجد في شقته عدة صور فوتوغرافية لجوازات سفر منها صورة جواز سفر لعضو في تنظيم القاعدة .

وأمور تستحق الشكر والتقدير

من هذه الأمور ما ذكره رئيس جمعية الأقلية الأوزبكية بالنرويج، بأن جاليته سبق أن كتبت مرارا للمخابرات النرويجية تحذرها من تنامي وتصاعد الأفكار المتطرفة بين أفراد جاليته، وضرورة مراقبة هذه الأمور التي من الممكن أن تخلّ بالأمن النرويجي. وضمن نفس السياق هناك  صديق المسلم الإيغوري المعتقل، هذا الصديق الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام النرويجية  اسم " ديفيد ياكوبسون" الذي كان قد بادر وأبلغ المخابرات النرويجية بأن صديقه الإيغوري المسلم قد طلب منه المساعدة في الحصول على جواز سفر نرويجي مزور،مما استدعى وضع كاميرات سرية داخل شقته لمراقبة تحركاته المثيرة للريبة والشك.

كيف تنظر الرابطة الإسلامية لهذه الأمور؟

من المعروف أنّ الرابطة الإسلامية في النرويج، من أهم المؤسسات العربية والإسلامية في هذه البلاد، وقد تأسست عام 1987 ونالت الاعتراف الرسمي النرويجي بها عام 1992 ، وتحظى باحترام شديد في أوساط غالبية العرب والمسلمين، بسبب نشاطاتها الدؤوبة المستمرة للتثقيف الواعي بالإسلام الصحيح القائم على الوسطية والاعتدال، بعيدا عن التطرف البعيد عن أصول الإسلام الصحيحة القائمة على " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى". لذلك فإن جهود الرابطة في هذا الميدان تستحق التقدير والاحترام، خاصة نشاطاتها المتنوعة ودعوتها المستمرة لشيوخ ودعاة معتدلين للمحاضرة في جموع المسلمين في الرابطة، ومشاركتها في العديد من المؤتمرات خارج النرويج. وقد كانت خطبة الجمعة يوم الثالث والعشرين من يوليو 2010 للداعية والشيخ علي عبد الله أبو الحسن ( إمام وخطيب هيئة مسلمي المجر ) القادم بدعوة من الرابطة الإسلامية مهمة للغاية، أتمنى لو يتم تعميمها على كافة المسلمين في أوربا وغيرها من البلدان، إذ ركّز هذا الداعية على أن صورة الإسلام يأخذها الأجانب من تصرفات المسلمين في بلدان الأجانب هؤلاء، داعيا المسلمين لاحترام قوانين كافة البلدان التي يقيمون فيها، لأن كل واحد منهم هو سفير للرسول صلى الله عليه وسلم ، هذا الرسول الكريم الذي  يؤكد على ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )، ومن المهم التوقف عند كلمة ( إنما ) لأنها هنا تفيد الحصر أي تأكيد الرسول على أنّ مكارم الأخلاق من صلب رسالته.

وكذلك يؤكد على ذلك الأستاذ ابراهيم بلكيلاني الأمين العام الحالي للرابطة الإسلامية وأحد رؤسائها السابقين ( ماجستير في علم النفس في موضوع " اشكالية تقدير الذات وعلاقته بقلق المستقبل لدى الجالية العربية المهاجرة في النرويج" ، ففي لقاء خاص معه حول مستجدات الساحة النرويجية ذات العلاقة بالوجود الإسلامي ، يؤكد على أن سلوك المسلم ( الذي يجب أن يتحلى به في أية دولة كانت ، لا بد أن يكون مؤسسا على ما جاء في كتاب الله تعالى وسنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي تنزيل السلوك العملي لا بد من مراعاة الأعراف والتقاليد الخاصة بالمجتمع الذي نعيش فيه، ولا بد للمسلم أن ينضبط بقانون تلك الدولة، وانضباطه هذا هو وفاء بالعهد الذي يؤكد عليه القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة. ونحسب أنّ المسلمين اليوم في بلاد الغربة لم يعودوا مجرد مهاجرين بل هم مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، والإسلام يدعو إلى القيام بالواجبات قبل المطالبة بالحقوق. ففي القيام بواجبات المواطنة من انخراط عملي في أنشطة المجتمع، وتدعيم أواصره ووحدته وأمنه، يكون بذلك قد قام المسلم بواجب ديني ووطني في آن واحد، فالقيم الدينية تحرص وتعزّز الوفاء بمتطلبات الوطن ، والقيم الوطنية بدورها تسمح وتذكّي في المقابل القيم الدينية المؤسسة على التسامح والاعتدال والتعاون والتعارف ).

وعند سؤاله عن ظروف اعتقال الشباب الثلاثة الذين لم تصدر ادانات ضدهم من القضاء النرويجي حتى هذه اللحظة، وبماذا ينصح الشباب المسلم في النرويج وغيرها من بلدان وجود المسلمين ، قال: ( أولا نعتبر للشباب مهمة في شيوع قيم التسامح والاعتدال، وهم الأقدر من أجيال المهاجرين السابقين على الايفاء بمتطلبات المواطنة والخروج من دائرة الانزواء إلى دائرة الفعل، باعتبارهم جزء أساسيا من المجتمع الذي يعيشون فيه، فهم مؤهلون من خلال اتقانهم للغات المحلية ومعرفتهم الدقيقة بثقافة وتقاليد هذه المجتمعات، أن يبدعوا طرقا في التواصل والعيش المشترك، مما تنتفي معه ثنائية نحن والآخر، فيصبح المسلم مكون أساسي  للأنا الجماعية ضمن بقية مكونات المجتمع ).

مفاهيم ورابطة تستحق الدعم

هذه الأراء الإسلامية المعتدلة التي تنسجم مع قوله تعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ليست حكرا على الأستاذ ابراهيم بلكيلاني، بل تتبناها قيادة الرابطة علنا في محاضراتها ونشاطاتها، ونخصّ بالذكر خطب الجمعة التي يلقيها الشيخ الداعية كمال عمارة (ندعو له بالصحة والشفاء ) ، والأستاذ محمد المليوي رئيس الرابطة ، والأستاذ باسم غزلان (أبو بلال) مسؤول الدعوة في الرابطة، فهذه الشخصيات خير من يقدم الصورة الصحيحة لسلوك المسلم في البلاد التي جاءها بمحض اختياره، فاستقبلته ومنحته جنسيتها والأمن والأمان، فمن واجباته الإسلامية أن يحافظ على قوانينها ويرفض التعاون مع كل من يريد لها الشر والخراب.

وللحديث بقية مع شخصيات أخرى من الرابطة حرصا منّا على أن نثبت أننا طرف أساسي في أمن هذه البلاد واستقرارها، لأننا نمارس فيها حريتنا الدينية بشكل لا يتوفر لبعضنا في بعض عواصمنا العربية والإسلامية. فكم هو مثير  للاحترام والتقدير أن تشاهد في أيام العطلة الإسبوعية شباب وشابات من المسلمين يقفون في أهم شوارع العاصمة أوسلو، أمام طاولات ينشرون عليها القرآن الكريم بعدة لغات وكتب متنوعة تدعو للإسلام ، ويجيبون على أسئلة من يريد من المارة معلومات عن الإسلام، أي أنه تبشير علني بالدين الإسلامي، لا تمنعه السلطات الحكومية النرويجية ولا يحظره القانون النرويجي....هذه البلاد ألا تستحق منّا المحافظة على أمنها واستقرارها الذي يعني أمننا واستقرارنا كمواطنين نرويجيين من أصول عربية وإسلامية؟.
ahmad.164@live.com



248
نضال الإنترنت الفلسطيني:
حزب التحرير وحركة الأحرار نموذجا
د.أحمد أبو مطر

أصبح انتشار الإنترنت كتكنولوجيا لتبادل وإرسال المعلومات نعمة كبرى للنضال الفلسطيني الذي يعتمد على البيانات والخطابات والرسائل ونشر نشاطات وفعاليات، تعتمد في مجملها على تنظيم المهرجانات الخطابية الكلامية شعرا ونثرا، وعقد لقاءات على مستوى زيارة العشيرة الفلانية، وتكريم البطل المناضل الفلاني، وتهنئة العريس الفلاني والرقص حتى الصباح في حفل عرسه ،وإذا بالشعب الفلسطيني أمام دكاكين جديدة لا ترقى لمستوى السوبرماركات، فهي مجرد عدة أشخاص وجهاز كومبيوتر واشتراك في شبكة الانترنت وشخص أو اثنان يجيدان كتابة موضوعات الإنشاء التي كنّا نكلّف بها ونحن في المرحلة الدراسية الثانوية. وهنا يساء استخدام الإنترنت فلسطينيا، فبدلا من نشر المعلومات التكنولوجية والمواد العلمية، يسيطر أصحاب البلاغات الديكورية لتضليل الشعب الفلسطيني، عبر وهم نضال جديد يضاف أصحابه لعشرات الدكاكين الموجودة منذ عام 1965 دون أية فاعلية لها بين الشعب الفلسطيني، بدليل واحد واضح ومؤكد، وهو أنّ كافة هذه المنظمات مجرد ( شاهد ما شافش حاجة ) فكافة الشؤون الفلسطينية سلبا وإيجابا، وحدة وانقساما، سلما وحربا، يتحكم فيها تنظيمان فقط هما فتح (السلطة الفلسطينية) وحماس (الحكومة المقالة). ومن الأمثلة الواضحة للعيان هي مجموعة الدكاكين الفلسطينية المقيمة في دمشق التي يزيد عددها عن سبعة ، فهل لها أية فاعلية داخل القطاع أو الضفة؟ أم أنّ كل ما نسمعه عنها هو اجتماعات وبيانات، ولولا الإنترنت ما سمعنا بهذه البيانات. ومن نماذج دكاكين النضال الإنترنتي الفلسطيني في السنوات الأخيرة ، دكانان يصلحان نموذجا للعبث بالقضية الفلسطينية التي أصبحت مجالا للإسترزاق والحضور البائس على حساب شقاء شعب وانقسامه المخزي.

أولا: دكان حزب التحرير

هذا الحزب حسب موقعه الإنترنتي قد تأسس عام 1953 أي قبل 57 عاما، ويهدف الحزب حسب موقعه أيضا إلى( استئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. وهذه الغاية تعني إعادة المسلمين إلى العيش إسلاميا في دار إسلام، وهي مجتمع إسلامي بحيث تكون جميع شؤون الحياة فيه مسيّرة وفق الأحكام الشرعية، وتكون وجهة النظر فيه هي الحلال والحرام في ظل دولة إسلامية التي هي الخلافة، والتي ينصّب المسلمون فيها خليفة يبايعونه على السمع والطاعة على الحكم بكتاب الله وسنّة رسوله، وعلى أن يحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد ).

ومن الملاحظ أن هذا النضال الإنترنتي الخطابي لا يوجد إلا في مدينة رام الله بالضفة الغربية التي يشكو الحزب المذكور دوما من أنّ سلطات الأمن الضفاوية العباسية تمنع مهرجانات الحزب وخطبه الداعية إلى الخلافة الإسلامية، بينما لا يجرؤ هذا الحزب الإنترنتي على إقامة أي نشاط مهرجاني أو تهريجي لا فرق، في قطاع غزة حيث تسيطر منذ أربعة أعوام ( حركة المقاومة الإسلامية-حماس)، أي أنّ هذه الحركة ذات التوجه الإسلامي ينبغي أن تكون أقرب وأكثر تحالفا مع حزب التحرير الذي يهدف إلى استئناف الحياة الإسلامية ، مما يعني أنه محظور عليه العمل الإسلامي في القطاع من قبل حركة إسلامية، وهي نفس الحركة التي سبق لها أن دمّرت مسجد ابن تيمية في مدينة رفح في أغسطس من عام 2009 الذي كان يتواجد فيه الشيخ عبد اللطيف موسى وأنصاره ممن كانوا يطلقون على أنفسهم اسم ( جند أنصار الله )، وحسب تصريحات مؤكدة آنذاك للدكتور معاوية حسنين مدير عام الإسعاف والطوارىء في قطاع غزة، فقد بلغ عدد القتلى 22 قتيلا ( أو شهيدا ليس أنا من يقرر)، أما عدد الجرحى فقد تجاوز 120 جريحا.

ومن المعروف أن الشيخ عبد اللطيف موسى هو طبيب أطفال وكان مدير عيادة مركز شهداء رفح الأولية الحكومية، وجاء قصف حركة حماس للمسجد وتدميره على رؤؤس من فيه، بعد خطبة جمعة ألقاها الدكتور الشيخ عبد اللطيف موسى الملقب بأبي النور المقدسي ، أعلن فيها (ولادة الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس ) التي ( سنقيم هذه الإمارة على جثثنا، وسنقيم بها الحدود والجنايات وأحكام الشريعة الإسلامية، ونعاهد الله أن نعمل على طاعته )، بينما وصفته وزارة الداخلية الحمساوية المقالة بأنّ ( لوثة عقلية قد أصابته )، وفي هذه الحالة كان يجب تحويله لمستشفى مجانين وليس تدمير المسجد عليه وأنصاره، حيث أن الإسلام ينهى عن تدمير المساجد حتى لو استجار بها يهودي.

ورغم أن بيانات حزب التحرير لم تستثن حدثا في العالم إلا وأصدرت بيانا خطابيا حوله، إلا أننا لم نقرأ للحزب الإنترنتي أي بيان على الإنترنت وفي مواقعه حول تدمير المسجد وقتل الشيخ عبد اللطيف موسى وأنصاره، ولم تصدر أية إدانة لحركة حماس حول هذا العمل الإجرامي. هذا بينما بيانات الحزب حسب موقعه الإليكتروني فقد شملت:

-   دعوة مخلصة لبدء كفاح سياسي موحد ضد الإمبرياليين وعملائهم.
-   أيها المسلمون، الشيخة حسنية تسلمكم للصليبيين الأمريكان والمشركين الهنود.
-   استفتاء قرغيزستان وما سبقه من أحداث.
-   موافقة إيران على التخصيب خارج أراضيها.
-   الإنقلاب على باكييف والصراع الروسي الأمريكي في قرغيزيا.
وهم بذلك تماما مثل أشقائهم في جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين الذين لم تهمل بياناتهم الخطابية الإنترنتية حدثا في العالم إلا وأدلت بدلوها فيه، بما في ذلك إعصار كاترينا في أمريكا كما أوضحت في مقالة سابقة.

ضمن هذا التخبيص ( وليس التخصيب) : أيٌ من هؤلاء المناضلين بإسم الإسلام نتبع؟ و أية تجارة ومتاجرة بالإسلام هذه؟. مع ضرورة التركيز على أنّ تجارة حزب التحرير هذه لا وجود لها خارج مدينة رام الله، وتصوروا للحزب المناضل من أجل الخلافة الإسلامية ثلاثة مواقع إنترنتية على الأقل. فأبشروا ياعرب ومسلمين فالخلافة التحريرية قادمة، طبعا دون أن يوضحوا لنا: هل ستكون على النمط الأموي أم العباسي أم الفاطمي أم الأيوبي أم العثماني؟.

ثانيا: دكان حركة الأحرار الفلسطينية
الملاحظ أن هذا الدكان انطلق انترنتيا بعد الانقلاب العسكري الحمساوي، الذي سيطر على قطاع غزة ورسّخ انقساما فلسطينيا طويل الأمد، وكما أنّ دكان حزب التحرير لا نشاط ولا فروع له في القطاع، فدكان حركة الأحرار لا وجود له في الضفة الغربية. ويكفي أن يتعرف القارىء على نشاطات هذا الدكان من موقعه الإنترنتي، وهذه نماذج موجودة في الصفحة الرئيسية للموقع وليست من اختراعي وتلفيقي:
-   حركة الأحرار إقليم رفح تشارك في حفل زفاف الأخ فادي الشاعر.
-   قيادة إقليم خان يونس تشارك في اللقاء مع وزير الداخلية فتحي حماد.
-   قيادة إقليم الوسطى تشارك في مهرجان ذكرى انطلاق الحركة الثالثة في مدينة غزة.
-   أعضاء قيادة إقليم غرب غزة تقدم واجب العزاء لآل درويش الكرام.
-   قيادة حركة الأحرار الفلسطينية إقليم الشمال تشارك في المسيرة الجماهيرية الحاشدة.
-   قيادة حركة الأحرار تشارك في مؤتمر فصائل المقاومة والممانعة حول رفض المفاوضات المباشرة.
-   الناطق الإعلامي لحركة الأحرار : سيشهد العام الرابع انطلاقة فعلية لكتائب الأنصار الجناح العسكري للحركة.

وهذا غيض من فيض النضال الإنترنتي لحركة الأحرار، دون أن يقولون لنا: هل سألوا فتحي حماد وزير الداخلية في حكومة حماس المقالة أثناء اجتماعهم المذكور معه: كيف تمّ فتح معبر إيريز ليلة الخامس والعشرين من أبريل الماضي بشكل خاص سري في منتصف الليل لإدخال عائلة السيد الوزير، لعلاج ابنته (إلهام) التي هي زوجة القيادي في كتائب القسام عبد الله اللداوي، ومعها والدتها ( رباب نظمي أحمد) وشقيقة الوالدة ( أنغام نظمي أحمد)،علما أنّهن شقيقات القائد في كتائب القسام محمد نصّار، الذي تتهمه إسرائيل بالمسؤولية عن خطف الجنديين الإسرائيليين ( آفي ىسبورتس و إليان سعدون). وقد تم نقل العائلة بتنسيق حمساوي إسرائيلي إلى مستشفى إسرائيلي بمدينة المجدل، حيث قدمت للإبنة ( إلهام ) الإسعافات الأولية، قبل نقلها بطائرة خاصة إلى المدينة الطبية الأردنية في عمّان.

نتمنى لها الشفاء، ولكن من حق أي فلسطيني أن يسأل: بماذا تختلف السيدة إلهام عن ألاف المرضى الفلسطينيين؟ ولماذا يقبل وزير داخلية حكومة حماس الإسلامية التي تحكم بقوانين الإسلام كما تدّعي، هذه المعاملة الخاصة لإبنته، والتنسيق مع الاحتلال من أجلها، في حين أنّ الإسلام يدعو للمساواة والعدل؟. وهل التنسيق الذي تمّ مع سلطات الاحتلال يحظى به مريض فلسطيني عادي؟. لماذا تسكت حركة الأحرار على هذه الممارسات الفاضحة، ولم تصدر بيانا حول ذلك؟ أليس هذا أهم من المشاركة في مهرجانات خطابية ديكورية وحفلات زفاف وأعراس؟.

هذه نماذج من النضال الإنترنتي الفلسطيني في القطاع والضفة، وكنتيجة لهؤلاء المناضلين ونوعية نضالهم هذا نقول: يا شعب فلسطين كم سيطول شقاؤك وعذابك وتشردك، فهؤلاء المناضلون الإنترنتيون يعيشون في رخاء وبحبوحة، ولا يشعرون بمعاناتك وشقائك على الحواجز والمعابر!!!.
ahmad.164@live.com


249
لماذا قواعد جماعة أحمد جبريل في لبنان  وأعراس خالد مشعل في دمشق؟
د.أحمد أبو مطر

يسألني بعض القراء: لماذا نشر غسيلنا الفلسطيني الوسخ الآن؟ . أقول لهم: لأنه فاض الكيل بالشعب الفلسطيني من جراء ممارسات وأكاذيب ما لا يقل عن خمسة وعشرين فصيلا فلسطينيا، تتاجر منذ عام 1965 بالقضية الفلسطينية دون أن تحقق خطوة وطنية حقيقية على الأرض، وما حققته فقط هو أثرياء وأغنياء ولصوص من قياداتها وأولادهم وأقاربهم ومرافقيهم . ومن لا يصدق هذه الحقائق فليستمع لآهات وأحزان شعبنا الفلسطيني في القطاع والضفة وكافة أماكن الشتات والمنافي. فاض الكيل لدرجة أن الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة يتحسر على أيام الإحتلال الإسرائيلي المباشر، وقد سمعتها في أكثر من مخيم ومدينة وهم يقولون علنا بحزن: سقى الله على أيام الإحتلال!!!.

جماعة أحمد جبريل مثالا

أقولها بصراحة لا عداوات شخصية بيني وبين أي دكان من هذه الدكاكين التي تطلق على نفسها اسم (تنظيمات)، وهي في الواقع مجرد تجمعات لشخص من يسمي نفسه الأمين العام ومساعديه وأقاربه ومرافقيه، وقد خبرناهم في بيروت ودمشق والأردن والجزائر وتونس ، ومن يصدق أنّ شعبا من الشعوب التي تناضل من أجل دولة مستقلة لديه ما لا يقل عن خمسة وعشرين تنظيما أو حزبا أو دكانا، وكل قارىء يختار ما يناسبه من تسمية. وأقولها صراحة لا عداوة شخصية بيني وبين جماعة أحمد جبريل، بالعكس ربطتني صداقة عميقة مع أناس شرفاء منهم، اسمعوني آهات وشكاوي وأحزان ترفع الضغط من ممارسات هذه الجماعة بإشراف وتوجيهات من يطلق على نفسه من عام 1969 الأمين العام. طبعا هذا ينطبق على كل تلك الدكاكين التي رسخت استبدادا شخصيا لا يختلف عن استبداد الأنظمة العربية، بل هو أوسخ منها لأنه من اشخاص يدّعون العمل من أجل التحرير والدولة المستقلة.

هل هذه قواعد للتحرير والدولة المستقلة؟

انسحبت كل الفصائل أو الفسائل أو التنظيمات أو الدكاكين من لبنان بعد حصار عام 1982 ، وتمركز  بعضها في مخيمات الجنوب اللبناني بدون قواعد عسكرية علنية، تحمل السلاح والصواريخ رغم أنف الدولة اللبنانية. فلماذا جماعة أو دكان أحمد جبريل فقط ما زال لهم قواعد عسكرية علنية مسلحة في البقاع اللبناني، أي داخل دولة عربية مستقلة، انسحب منها الجيش السوري رغم قوته وعتاده وبقيت هذه القواعد متحدية استقلال الدولة اللبنانية، بسلاح وحواجز علنية لا علاقة لها بمقاومة الاحتلال أو أي عمل نضالي مقاوم. وبعكس ذلك من حين إلى آخر يتحرشون بقوى الأمن والجيش اللبناني ويحتجزون عناصره ،كما حدث في ابريل الماضي ومرات عديدة أخرى.
هل يجرؤون على قواعد عسكرية في سورية؟

إذا كانوا يدّعون أنها قواعد عسكرية للمقاومة، فلماذا لا يتجرأوا على إقامة قاعدة واحدة داخل الأراضي السورية، وتحديدا على حدود الجولان المحتل، إن كانوا مقاومين فعلا وليسوا مقاولين بالنيابة عن أنظمة معينة!!. عشت في دمشق تسع سنوات من عام 1982 إلى عام 1990 ، وكانت تعليمات الضابطة الفدائية ( جهاز المخابرات السوري المسؤول عن الدكاكين الفلسطينية) بمنع اطلاق أية رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية، وكان يسهل وصول تلك الدكاكين للجنوب اللبناني لمقاتلة إسرائيل حتى آخر مواطن لبناني!!. أي لماذا الاستقواء على الدولة اللبنانية فقط ؟ لماذا الخوف والجبن أمام المخابرات السورية فقط؟. وبصراحة أنا لا ألوم المخابرات السورية على ذلك لأنها تعلمت الدرس الأردني عندما عاثت تلك الجماعات أو العصابات عبثا وتخريبا داخل المجتمع، فحددت وجودها في مكاتب إعلامية شكلية ديكورية فقط. عرفتهم جميعا لسنوات في دمشق وبيروت، حيث لا نضال ولا مقاومة بل استغلال للقضية أوجد منهم مئات من أصحاب الملايين والعقارات وأغلبهم لا يحمل شهادة الثانوية العامة، لذلك منذ عام 1965 أي منذ 45 عاما والقضية تتراجع من مسخرة إلى مسخرة، وهذه القيادات تبذخ بملايين وحياة لا تختلف عن حياة أثرياء واصحاب الملايين في دول الخليج العربي وغيرها.

اسمعوا تفاصيل زواج ابنة وابن خالد مشعل

أقام خالد مشعل  في الحادي عشر من نيسان 2008 حفل زفاف ابنته فاطمة على صلاح ارشيد في العاصمة السورية دمشق ، وكان حفلا اسطوريا حسب كافة الإعلاميين الذين حضروا الحفل وقطاع غزة تحت الحصار، وتؤكد كافة التقارير أنّ الحفل كلّف على الأقل مليون ونصف المليون دولار. وقد تم إرسال تذاكر سفر خاصة لمدعوين من عدة دول عربية من بينهم من القاهرة فهمي هويدي  ومحمد البلتاجي عضو مجلس الشعب مندوبا عن مرشد جماعة الإخوان المسلمين مهدي عاكف. وكذلك من تونس راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية، وكافة من يطلقون على أنفسهم ( الأمناء العامون للدكاكين الفلسطينية في دمشق). وقالت صحيفة اليكترونية حضر مندوبها الحفل: ( واستمر حفل الزفاف على أنغام أندلسية وأغان تتضمن دعوات دينية وابتهالات للعروسين اللذين احتفلا مع أصدقائهما في الغناء والرقص حتى الصباح في مكان غير معلوم إلا لأقرب المدعوين ). والمدهش المحزن أن الشيخ خالد مشعل لم يبخل على العروسين والمحتفلين بالمزايدة النضالية رغم بذخ الحفل الذي كان المحاصرون في غزة أولى بنفقاته، إذ قال للمحتفلين والراقصين على أنغام ( يا زمان الوصل في الأندلس ) : " كون ابنتي فاطمة من لاجئي عام 1967 وصهري طارق من لاجئي عام 1948 ، هذا يعني سوف يتمكن ابن طارق وفاطمة من الذهاب إلى أراضي 1948 لأن حق العودة مقدس ). تصوروا المزايدة وقت البذخ الملاييني.

ونفس البذخ تكرر في حفل زفاف ابنه وليد في فبراير 2010 ، إذ سافر من أجله وفد طويل عريض من إخوان الأردن، من المؤكد أن تكلفة سفرهم وإقامتهم بفنادق دمشق كانت تكفي لإعاشة عشرات الأسر في القطاع المحاصر. وحسب تقرير موقع عمون الأردني " أما البذخ الملاحظ في العرس فهو باقات الورد التي وضعت بالعشرات على الصفين مقدمة من اصدقاء والد العريس ).

وللمنافقين دور أيضا
هذا الحفل الأسطوري لوليد ابن خالد مشعل لم يخل من فرص للمنافقين شعرا ونثرا، فقد تقدم من أطلق على نفسه ( الدكتور عبد الغني التميمي ) بما أسماه قصيدة شعرية، ولا علاقة لها بالشعر أو النثر أو البلاغة المحترمة، إذ بدأها بقوله:
ليلتنا رائعة الجمال        فريدة الخصال في الليالي
من حسنها يزينها بدران   البدر والعريس بدر ثان

وللقارىء أن يتصور بقية البدور التي تضمنها هذا الكلام الفارغ من أي معنى!!!.
وباختصار محزن،
فإن أصحاب هذه القواعد العسكرية في لبنان فقط لا علاقة لهم بالتحرير والدولة المستقلة، وبالتالي يجب إزالة قواعدهم احتراما لسيادة لبنان، ولينقلوها لدمشق إن كانوا رجالا فعلا، واصحاب هذه الأعراس الباذخة ما عاد من حقهم المزايدة بالنضال بعد انقلابهم العسكري الذي أدخل الانقسام الفلسطيني عامه الرابع...وإلى أجل غير معروف!!!.
ahmad.164@live.com




250
تفاصيل جديدة عن التوطين والتجنيس للفلسطينيين
د.أحمد أبو مطر

أصبح هذا الموضوع مطروحا للنقاش في الساحات العربية أرضيا وفضائيا في الصحافة المقروءة والمرئية، وعبر حوارات شارك فيها لاجئون فلسطينيون ذاقوا عذابات اللجوء وحرمانه، وعرب ذاقوا ويلات الفسائل ( السين مقصودة وليست خطأ ) الفلسطينية، أينما حلّت خاصة في الساحتين الأردنية واللبنانية، ومن ضمن هذه الحوارات تعليقات القراء على مقالتي السابقة بعنوان ( نعم للتوطين والتجنيس إلى حين تحقق العودة ) بتاريخ الرابع من يوليو 2010 ، وقد بلغت سبعة عشر تعليقا لفلسطينيين وعرب من عدة جنسيات. فماذا تقول هذه التفاصيل الجديدة عن الموضوع نفسه؟

أولا: عذابات الفلسطيني من فسائله الفلسطينية

تحدثت عن حرب وحصار حركة أمل الشيعية اللبنانية ( التي ولد حزب الله من رحمها ) للمخيمات الفلسطينية، تلك الحرب البشعة التي لن ينساها الضمير اللبناني والفلسطيني خاصة لما شهدته من قتل تعجز عنه أفلام الرعب الهوليودية. ولكن هذه الحرب لا يمكن أن تنسيني مثيلتها الإجرامية بامتياز التي شنتها الفسائل الفلسطينية الموالية لللمخابرات السورية خاصة ( جماعة أحمد جبريل ) التي انشقت عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1968 ، وقامت هذه الجماعة والعملاء الفلسطينيون الآخرون الموالون لها بحصار مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت من صباح الثلاثين من أبريل عام 1988 وحتى السابع والعشرين من يوليو 1988 أي ثلاثة شهور كاملة، لقتل وأسر أعضاء حركة فتح بقيادة الرئيس ياسر عرفات، وكانت خسائر المخيم من جراء قصف أحمد جبريل والمجرمين التابعين له أكثر من الخسائرخلال حصار بيروت الإسرائيلي عام 1982 بمرات عديدة.

وهذا ما دعى القارىء ( هيثم الدحلة ) يكتب تعليقا على مقالتي تلك قائلا: " أرجو منك إعادة نشر مقالة لك بعنوان ( بوركت انتصاراتكم ) التي كتبتها بعد اقتحام مخيم شاتيلا عام 1988 على أيدي المنظمات الفلسطينية المرتزقة العميلة للنظام السوري. إنّ خسائر الشعب الفلسطيني على يد أخيه الفلسطيني أكثر من جرائم الاحتلال وأفظع لأنها قادمة من أخ وشقيق ).  تلك المقالة نشرتها في  مجلة ( نضال الشعب ) الإسبوعية الصادرة في دمشق بتاريخ التاسع والعشرين من يوليو 1988 بعد يومين من اقتحام مجرمي أحمد جبريل للمخيم وقتلهم لمئات من عناصر حركة فتح، وتطهير المخيم منهم بشحن النساء والأطفال إلى مخيمات الجنوب اللبناني . قلت في تلك المقالة قبل 22 عاما:

( بعد قصف وحشي بالمدفعية والراجمات بمعدل خمس وعشرين قذيفة كل دقيقة، أي ألف وخمسمائة قذيفة كل ساعة، تمكن مهاجمو مخيم شاتيلا الأشاوس من دخوله على أنقاض وجثث أبناء شعبهم، محققين بذلك الانتصار الوهمي المزيف  الذي كانت قيادتهم الفذّة العملاقة، تحلم به وتخطط له.
هنيئا لكم هذا الدخول العظيم
هنيئا لكم هذا الانتصار الكبير
هنيئا لكم هذه القدرة الخارقة على كثافة النيران
هنيئا لكم هذه القدرة على الذبح
هنيئا لكم هذا الإنجاز الإستراتيجي
هنيئا لكم، فقد أثلجتم صدر شعبنا في الأرض المحتلة وخارجها، وقدمتم له دعما كبيرا ليواصل ثورته على المحتلين.
والآن وبعد حلاوة النصر والانتصار،والتقاط الصور التاريخية على أنقاض المخيم، وفوق وقرب عشرات الجثث من شعبنا الفلسطيني، وبعد الانتهاء من قراءة برقيات التهنئة والتبريك، وبعد حفظها في الأرشيف للذكرى والتاريخ. ورغم أننا لسنا من المهنئين، ولسنا من مرسلي البرقيات ولا من المصفقين، يحقّ لنا أن نسألكم كي نستنير بإجاباتكم: فهل هناك ما نجهله وما هو مستعص على فهمنا؟ فقط نسألكم:
ما هي خسائر شعبكم من القتلى والجرحى ثمنا لهذا الانتصار؟
ما هي خسائر المخيم المادية بعد قصف وحشي من الثلاثين من أبريل 1988 وحتى صباح الاقتحام والدخول المبارك في السابع والعشرين من يوليو 1988 ؟
من هو العدو الذي كان في المخيم واستدعى كل هذه الخسائر؟
ما هي خططكم الآن بعد أن أصبحتم القوة العظمى في المخيم؟
هل هذا الدخول والسيطرة أهّلكم لمقاومة العدو ومتى؟
هل مقارعة العدو تبدأ عندكم الآن؟ أم يبقى في الاستراتيجية تدمير واقتحام مخيم برج البراجنة ثم الانتقال إلى مخيمات الجنوب؟
أسئلة بريئة اسمعونا جوابا واحدا مقنها عنها.....كي نقول لكم: بوركت انتصاراتكم !!!).

هذه المقالة استدعت تهديدي من القائد العظيم المناضل أحمد جبريل وإبعادي من سوريا لاحقا.

ثانيا: الأذى التي ألحقته الفسائل بمواطني الدول العربية

أبدت العديد من تعليقات القراء العرب القرف الشديد من ممارسات تلك الفسائل الفلسطينية في الأقطار العربية التي سمحت لها بالوجود والعمل التنظيمي خاصة الأردن ولبنان. إنّ ممارسات تلك الفسائل مجتمعة بدون استثناء كانت مدعاة للقرف والاشمئزاز في الأردن حيث شعارات التزييف والمزايدة ملأت شوارع المدن الأردنية مثل:

" السلطة كل السلطة للمقاومة" " فلنعلن مجالس السوفييت في كافة القرى والمدن". وتلك كانت شعارات الرفيق نايف حواتمة الذي انشق عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين شهورا بعد تأسيسها، معلنا جبهته الديمقراطية. وكانت مظاهر التعدي على الجيش الأردني والفوضى في الشوارع الأردنية خاصة الظهور المسلح وكأنهم في دويلات تابعة لعصاباتهم أكثر ما استفز الشارع الأردني الرسمي والشعبي ،إلى أن تدخل الجيش الأردني بقيادة المرحوم الملك حسين ليطرد تلك الفسائل بعد أن عاثت فسادا في القرى والمدن الأردنية متحدية النظام والقانون معلنة أنّ عمّان ستكون هانوي و أنّ تحرير فلسطين يمرّ من عمّان ، وكان ذلك خير عمل قام به الجيش الأردني  خاصة بعد طرده الجيش السوري الذي دخل شمال الأردن لدعم تلك العصابات المتاجرة باسم تحرير فلسطين، وإلا لعاثوا فسادا وتخريبا في الأردن كما فعلوا في بيروت ولبنان.

ومن المهم تذكر مسألتين في هذا السياق الأيلولي لعام 1970 :

الأولى: هي أنّ أكثر من مسؤول إسرائيلي خاصة وزير الدفاع السابق الجنرال موشية دايان، اعترفوا لاحقا بأنه كان خطأ استراتيجيا إسرائيليا ان الجيش الإسرائيلي لم يتدخل لدعم عصابات الفدائيين ضد الجيش الأردني، لأنه لو تمكنت تلك العصابات من هزيمة الجيش الأردني، لأعلنوا دولتهم الفلسطينية في الأردن، واستلموا السلطة ولانتهت القضية الفلسطينية عند هذا الحد.

الثانية: هي أنّ أغلب قيادات تلك الفسائل التي عاثت فسادا وتخريبا وتحديا للمجتمع والقانون في الأردن، عادت بعد الانفتاح الديمقراطي عام 1989 إلى الأردن واستردت جنسيتها الأردنية، وهي تعيش حتى اليوم في الأردن بأمن وكرامة وتتنقل كما تريد خاصة الرفيق أبو النوف صاحب شعارات (فلتعلن مجالس السوفييت في كل قرية وحارة)!!!. لذلك فإن هزيمة تلك العصابات وطردها من الأردن إلى سورية كان من أهم النجاحات للجيش الأردني حيث قضى على إمكانية فعلية كانت قائمة لما يسمى (الوطن البديل)، ناهيك عن التوتر الاجتماعي الذي كان يمكن أن يقود إلى حرب أهلية في الأردن، كما حصل في لبنان عام 1974 بعد رفض السلطات السورية لتلك العصابات بالتواجد الأمني والعسكري في سورية، وتمّ تصديرها إلى لبنان حيث أقامت ما أطلق عليه اللبنانيون اسم (جمهورية الفاكهاني اللاديمقراطية). وعند توثيق ممارسات تلك الفسائل في لبنان من عام 1970 إلى عام 1982 سوف يخجل التاريخ الفلسطيني من تلك الممارسات التي لا علاقة لها بالتحرير أو الدولة الفلسطينية المستقلة، بل لمصالح شخصية لتلك القيادات وعائلاتها والمقربين منها.

وإلا لماذا قواعد عصابة أحمد جبريل في لبنان حتى اليوم؟

وهذا السؤال يطرحه اللبنانيون والفلسطينيون: لماذا تحتفظ هذه العصابات بقواعدها العسكرية في البقاع اللبناني متحدية الشعب والدولة اللبنانية؟ هل وجود هذه القواعد العسكرية له هدف وطني نضالي؟ لماذا لا تتجرأ تلك العصابات على إقامة مثل تلك القواعد في سورية مثلا؟ ولمصلحة من الاشتباكات المستمرة مع الجيش اللبناني التي كان آخرها في أبريل الماضي؟. هل وجود هذه القواعد يخدم دعم صمود الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة أم مجرد أداة للمخابرات السورية داخل الدولة اللبنانية؟. كم أساءت تلك العصابات لسمعة الفلسطيني في كل قطر حلّت به، فهل ينسى العراقيون مشاركة بعض عناصر البعث الفلسطينيين التابعة لدكانة اسمها (جبهة التحرير العربية) في قمع انتفاضة الجنوب العراقي عام 1991 في زمن الطاغية صدام ، وقبل ذلك عمل بعضهم أدلة وعناصر استخبارية لجيش صدام أثناء احتلاله لدولة الكويت عام 1990 ، ناسين كل ما قدمته الكويت حكومة وشعبا لدعم كافة المنظمات الفلسطينية منذ انطلاقة فتح عام 1965 حيث كانت أغلب قيادتها في الكويت.

ورغم ذلك يبقى التوطين والتجنيس،

مسألة إنسانية يجب أن يتمتع بها اللاجئون الفلسطينيون في كافة الدول العربية التي يقيمون فيها، كي يعيشوا مواطنين لهم كافة حقوقهم المدنية كما في الدول الأوربية والإسكيندينافية والولا يات المتحدة الأمريكية، حيث  مئات ألاف الفلسطينيين حصلوا على جنسيات تلك الدول، دون خوف تلك الدول من وجودهم وممارستهم كافة حقوقهم كمواطنين أوربيين وأمريكيين وإسكندينافيين. وعندما يتحقق حلم  (حق العودة ) ، فليعد عندئذ من يشاء ويحصل على التعويض من يشاء، فلا توجد قوة فلسطينية تجبر أحدا على العودة إن لم يرد ذلك. إنّ انتظار حلم حق العودة بعيد المنال لا يبرر الحياة البائسة اللا إنسانية التي يعيشها غالبية اللاجئين الفلسطينيين في كافة الدول العربية، خاصة أنّ غالبية أولئك اللاجئين غير مسؤولين عن الممارسات المخزية لفسائلهم الفلسطينية التي ذكرتها، فهم عانوا منها أكثر مما عانت الدول العربية، ويكفي التذكر الدائم لحرب حماس فتح المستمرة منذ ما يزيد على خمسة سنوات، شملت التطهير التنظيمي لفتح في القطاع ، ونفس التطهير التنظيمي لحماس في الضفة، وخسائر الشعب الفلسطيني من هذه الحرب في السنوات الثلاثة الماضية أكثر من خسائره على يد جيش الاحتلال، وهم مستمرون في المتاجرة بعذابات الشعب الفلسطيني وحصار قطاع غزة، لاستمرارهم في التمسك بالسلطة والكراسي والأموال ،  رافعين كذبا ونفاقا شعار حق العودة...حققوه لنا لنرى من سيعود للعيش تحت بساطير حكمكم!!!!
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com




251
هيثم المالح:
ثمانون عاما أغلبها طردا وسجنا
د.أحمد أبو مطر

الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات العسكرية السورية  الثانية يوم الأحد الموافق الرابع من يوليو 2010 ، القاضي بسجن الناشط الحقوقي السوري هيثم المالح ثلاثة سنوات جديدة، على أساس تهمة أطلقت عليها المحكمة اسم " إضعاف الروح الوطنية "، يعتبر كارثة إنسانية بكل المعايير التي منها:

أولا: هذا الناشط الحقوقي يبلغ من العمر عند إصدار الحكم الجائر ثمانين عاما ، أمضاها في عمل دؤوب جاد، يكفي التذكر لمن لا يعرفه، أنه من مواليد دمشق عام 1931 ( قبل استقلال سوريا بأربعة عشر عاما، وقبل احتلال لواء الإسكندرونة السوري من تركيا بخمسة أعوام )، وحاصل على الإجازة في القانون ودبلوم القانون الدولي العام ، مما أهّله للعمل كمحام عام 1957 قبل أن ينتقل بعد عام واحد للقضاء، وفي العام 1966 تمّ تسريحه من عمله، فعاد لعمله كمحام بالإضافة لانشغاله بالعمل السياسي الذي أدّى لاعتقاله لستة أعوام متواصلة بين عامي 1980 – 1986 في زمن الرئيس حافظ الأسد ضمن حملة أمنية عامة، شملت العديد من نشطاء حرية الرأي والمعارضين النقابيين والسياسيين. وهو من النشطاء في منظمة العفو الدولية التي تتابع انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم أجمع. وهذا الحكم وما سبقه من سجن يكاد يكون مستمرا أغلب مراحل حياته التي كان فيها جريئا في محاربة القمع السياسي والفساد بكافة أنواعه.

ثانيا: تنفيذ الحكم الجديد لثلاثة سنوات سجن جديدة، يعني أنه سينتهي منها وهو في الثالثة والثمانين من عمره، وهذا بحد ذاته مأسآة لا يقبلها ضمير أو عقل، خاصة أنّ هيثم المالح لم يرتكب جناية أو خيانة وطنية، بالعكس فكافة انتقاداته للقمع السياسي ومصادرة حرية الرأي والفساد، تنسجم تماما مع مقررات كافة مؤتمرات حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم التي تؤكد دوما على هذه المبادىء، وبالتالي فإن اعتقاله لهذه الأسباب يؤكد ازدواجية واضحة غير مقبولة، أو عدم جدية الحزب الحاكم في إعلاناته هذه، خاصة في ظلّ اعتقالات نشطاء حرية الرأي والتعبير التي تكاد تكون يومية في سورية.

ثالثا: من غير المنطقي أو الطبيعي أو الأخلاقي أن تستمر وضعية حقوق الإنسان وحرية التعبير المقموعة بلا حدود في سورية العظيمة تاريخا وشعبا. وأنا شخصيا عندما أكتب عن ذلك وأنتقد استمراريته لا أنطلق من خلفية حقد شخصي، بل من ضمير وطني يعرف أن هذا الوضع لا يليق بالشعب السوري وصبره ونضالاته وانجازاته المحلية والعربية. ومن المهم أن يعي الجميع خاصة أصحاب القرا ر في سورية أنّ الأوطان لا يدافع عنها إلا أحرارها ، ويكفي المثال الرمزي التاريخي الخاص بعنترة العبسي، عندما كان عبدا وهاجمت قبيلة أخرى قبيلة سيده، فطلب منه السيد أن يستل سيفه ويدافع عن القبيلة، فكان رد العبد عنترة:" سيدي..العبد لا يجيد الكر"، فقال له: كر يا عنترة وأنت حر". فاستل سيفه وأبلى بلاءا حسنا جعله مثال الشجاعة في الأمثال العربية، ولأن التاريخ العربي مشكوك في الكثير من رواياته، أصبح عنترة  أيضا مثالا للبطولات الوهمية المبالغ فيها، فنقول دوما لحكامنا أصحاب البطولات الخطابية الأرضية والفضائية:" يا عمي...مجرد عنتريات". لذلك فلا يليق بالشعب السوري العظيم سوى ديمقراطية وتعددية سياسية وحرية رأي سقفها السماء، لأنه من غير المقبول استمرار سيطرة حزب واحد على السلطة والشعب والثروة منذ نصف قرن بالتمام والكمال.

كيف يمكن اضعاف الروح الوطنية؟

أوردت حيثيات حكم السجن الجديد للناشط الحقوقي هيثم المالح أنه في كتاباته وأقواله يسعى إلى ( إضعاف الروح الوطنية )، وقد فكّرت طويلا في هذه الجملة فلم أجد لها أي مستند في أقوال وتصريحات وأعمال هيثم المالح، لأنه كما قلت من يسعى للحرية والديمقراطية والتعددية السياسية الحقيقية، إنما يسعى لتقوية الروح الوطنية والتمسك بصلابة الوطن ومناعته الداخلية، وهذا ما جعلني أفسر سقوط بغداد أمام قوات التحالف الدولي دون اطلاق رصاصة واحدة بأن سببه هو تساؤل الشعب والجيش العراقي: نطلق الرصاص دفاعا عن من؟ عن نظام أرهبنا وقتل مئات ألاف منّا؟ لذلك رمى الجميع سلاحهم وعادوا لمنازلهم ، فدخلت قوات التحالف الدولي بسهولة وأمان، وفرّ القائد البطل المؤمن صدام، إلى أن لقيّ المصير الذي يليق به تاريخيا وإنسانيا . ويكفي صرخة غوار الطوشة " دريد لحام" الفنان السوري في إحدى مسرحياته، عندما أبلغهم المختار أنّ الضبع احتل الضيعة، كناية عن احتلال إسرائيل للجولان السوري : مختار هيك ضيعة ما بدي إياها...صحتين على قلبك يا ضبع!!!. وكأنه يقصد أدافع عن الضيعة لماذا؟ عن الفساد أو السجون أو القمع فيها؟.

وإذا أخذنا على محمل الجد موضوع " إضعاف الروح الوطنية " كتهمة فلي زملاء سوريون كتاب معروفون، لهم عشرات المقالات في نقد قاس وعنيف لما يسمونه"منظومة البداوة والأعراب"، قياسا على ذلك من حق أي مواطن في تلك المنظومة ان يرفع ضدهم قضايا عديدة بتهمة"إضعاف الروح الوطنية" في بلادهم. طبعا وهذا غير مقبول فمن حق أي مواطن النقد ضمن حرية التعبير، بدليل أنّ الأمريكي  مايكل مور كتب مجلدات في نقد الإدارة الأمريكية، ومع ذلك أو بسبب ذلك حصل على جائزة الأوسكار بينما في بلادنا جائزته السجن والتعذيب.

والسجن بالسجن يذكر..قوقعة مصطفى خليفة

من يريد أن يعيش معاناة الناشط الحقوقي الثمانيني هيثم المالح، ولمشاركته في عذاباته، أنصحه بقراءة رواية الروائي السوري مصطفى خليفة ( القوقعة..يوميات متلصص ). هذه الرواية كتبها المواطن السوري المسيحي مصطفي خليفة الذي عاد لوطنه سورية بعد ستة سنوات من الدراسة في فرنسا، ليتم اعتقاله بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان السملمين، ويسجن ثلاثة عشر عاما...تصوروا مسيحي عضو في جماعة الإخوان المسلمين وثلاثة عشر عاما من السجن...أتحدى حجرا أن لا يبكي عند قراءة هذه الرواية..وأنصح من سيقرأها بتناول حبوب مهدئة كي لا يصاب برفع الضغط  وربما أعراض أخرى...ولأنها رواية مهمة سوف أقدمها قريبا للقارىء كي يعرف ماذا يعني رفع الضغط لمجرد قراءة تجربة السجن لدى مسيحي متهم بعضوية جماعة الإخوان المسلمين. وفي النهاية لا نملك إلا القول: الحرية...الحرية لهيثم المالح...هذه الحرية التي لم يلتفت لها أي نظام عربي رسمي بينما طالبت بها وأدانت سجنه الولايات المتحدة الأمريكية وكندا...فهل يستطيع العرب الهجرة الجماعية لهاتين الدولتين؟ افتحوا باب الهجرة وستروا كم عربي يبقى في بلاد العرب سجوني!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com









252
النقابات العربية واقع أم مجرد خطابات غوغائية؟
د.أحمد أبو مطر
أثيرت في الأسابيع القليلة الماضية مسالة الوجود الحقيقي لما أصبح منذ خمسينات القرن الماضي يسمى ( اتحاد النقابات العربية) أي على مستوى أقطار الوطن العربي كافة البالغ عددها على ما أتذكر 22 قطرا أو دولة، يضاف لها دولة جزر القمر العضو الرسمي في جامعة الدول العربية. منذ عام 1993 ، رغم أن عدة أفراد من سكانها من يتكلمون اللغة العربية، إذ أنّ لهم لغتهم الخاصة التي تسمى ( شيكوموري) وهي أقرب للغة السواحلية. وضمن هذا النسق الشكلي الديكوري من الصعب إحصاء هذا العدد من الاتحادات ، ومن باب التذكير فقط لمن غفى عقله القومي وضميره العروبي نذكّر ب:
الاتحاد العام للمعلمين العرب
الاتحاد العام للصحفيين العرب
الاتحاد العام للطلبة العرب
الاتحاد العام للمهندسين العرب
الاتحاد العام للصيادلة العرب
الاتحاد العام للأطباء العرب
الاتحاد العام للمقاولين العرب
الاتحاد العام للمرأة العربية
الاتحاد العام للكتاب العرب
وهكذا لم تبق مهنة عربية إلا ولها اتحاد عام، ما عدا بعض المهن السرّية المحظورة شرعا وقانونا، رغم انتشارها وفعاليتها في الشارع العربي أكثر من كافة الاتحادات النظامية المذكورة سابقا، وصفة النظامية هنا لا أقصد بها الانضباط والقانونية بل التابعية المطلقة العلنية لأنظمة عربية، أو أحزاب عربية، فيكاد يكون كل اتحاد أو نقابة ملكية شخصية مطلقة مسجّلة في الشهر العقاري لنظام محدد ، وغالبا فإنّ عمر هذه الاتحادات قاطبة هو عمر السيدة  العجوز المحفوظة بالصون دون العفاف جامعة الدول العربية، التي دخلت خريف العمر فهي من مواليد عام 1945  من خلال فكرة وقرار وتوجه بريطاني أي ليس بإرادة عربية قومية، وهذا ما جعلها مجرد اجتماعات خطابية روتينية بدءا من اجتماعات الممثلين الدائمين في مقرها بالقاهرة، إلى اجتماعات وزراء خارجيتها ، وقممها العادية والطارئة، الطارئة أي الروتينية للمجاملات التي تعلن كل عام أنّ خطابات الجامعة العربية موجودة، وتكاد تكون نفس الخطاب منذ عام مولدها مع تغيير تاريخ الصدور وبعض المناسبات المستجدة، أما الطارئة فهي لدراسة المستجدات الخطيرة التي تهدد حاضر ومستقبل الأقطار العربية ( أي ليست الأمة العربية الواحدة التي لا أؤمن شخصيا بوجودها)، بدليل وفاة حركة القوميين العرب منذ سنوات دون تشييع رسمي لجثمانها ، واستمرار الاستنساخ الشكلي عنها بإسم مركز دراسات الوحدة العربية، والمفارقة المضحكة أنه كلما زادت دراسات هذا المركز الوحدوية ، تبعها زيادة أكثرفي التشرذم العربي والفرقة الحدودية بدليل حروب تمت بين دول ناطقة بالعربية، وحدود مقفلة بين بعض هذه الدول، وفي دول مثل الصومال والعراق واليمن والسودان والمغرب، هناك حركات انفصالية عسكرية تطالب بالانفصال لقيام دويلات جديدة، من الممكن أن يصل عندئذ عدد دويلات الجامعة العربية إلى ثلاثين دويلة. وهذه القمم العربية تسجل فيها ابتسامات الملوك والرؤساء في وجوه بعض أمام الكاميرات والفضائيات، والقلوب من الداخل محشوة بالأحقاد والضغائن وربما المؤامرات.
والاتحادات العربية نفس الاستنساخ خاصة الطلبة العرب
من خلال خلفية ورحم الأم العاقة السابقة، تمّ ولادة استنساخية على طريقة أطفال الأنابيب لللاتحادات النقابية العربية، التي كان بعضها خاصة ( الاتحاد العام للطلبة العرب ) و ( الاتحاد العام للكتاب العرب ) موضع نقاش حاد في بعض المواقع والفضائيات العربية، حيث تمحورت فكرة الغالبية حول التوصيف السابق الذذي مفاده، أنها اتحادات ونقابات شكلية ديكورية تمتهن اصدار البيانات الفارغة من أي مضمون واقعي، و تمتلىء ببيانات غوغائية من قرأ بعضها يعتقد أن هذه الأقطار العربية المشتتة قد حققت: إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ورفعت الحدود نهائيا بين تلك الأقطار العربية وأصبح المواطن الناطق بالعربية يتنقل بين 22 دولة بدون جوازات وتأشيرات على غرار السبعة والعشرين دولة أوربية، وقامت السوق العربية  المشتركة والعملة العربية الموحدة، وتحققت الديمقراطية العربية الحقيقية  ومن أهم نتائجها التداول السلمي الديمقراطي  للسلطة كل أربع سنوات على الطريقة الأمريكية ، وليس من حق أي رئيس ان يبقى في السلطة أكثر من ثماني سنوات، وبالتالي ما عاد عندنا رئيس ناطق بالعربية يحكم منذ اثنين وأربعين سنة، وآخر يحكم منذ ثلاثين سنة، وثالث منذ ثمان وعشرين سنة، ورابع منذ عشرين سنة ، وبعضهم ورّث ابنه السلطة فعلا ومنهم من ينتظر ، وبالطبع تعمدت عدم ذكر الأسماء لأنني أقصد تشخيص الحالة السائدة وليس التجريح الشخصي بأصحاب الأسماء تلك ، فحسابهم عند شعوبهم  إن أرادت والله تعالى.
الاتحاد العام للطلبة العرب مثالا
إن االبيانات الصادرة عمّا يسمى ( الاتحاد العام للطلبة العرب ) تفتقد المصداقية والأمانة المهنية والأخلاقية لأسباب وحيثيات عديدة منها:

أولا: إن تسمية ( الاتحاد العام للطلبة العرب) تعني أنه اتحاد يتمثل فيه ملايين الطلاب العرب الذين حسب الحالة العربية ينبغي أن لا يقلوا عن خمسين مليونا في كافة المراحل الدراسية. في حين أنه حسب الموقع الخاص بهذا الاتحاد الديكوري فلا يتمثل فيه سوى اتحادات مما لا يزيد عن ستة دول عربية، وأغلب هذه الاتحادات المذكورة اسماؤها وهمية لا وجود حقيقي لها. كما أنه لم نسمع مطلقا بمؤتمر عام للطلبة العرب نتج عنه انتخاب لجنة تنفيذية وهي التسمية التي توقع بها البيانات الصادرة عن شخص واحد فقط . إن توصيف لجنة تنفيذية يعني أنها على الأقل من 22 شخصا ، أي شخص واحد من كل قطر عربي ، وينبغي مهنيا أنّ يمرّ البيان عليهم جميعا ويصوتوا ديمقراطيا على صدوره أم لا . وقد سألت شخصيا على الأقل عشرة من الطلاب الثانويين والجامعيين أبناء زملائي وأصدقائي في ثلاثة عواصم عربية هي عمّان والقاهرة ودمشق ، وفي أشهر الجامعات العربية: عين شمس المصرية، والعلوم والتكنولوجيا الأردنية ودمشق السورية، فأكدّ جميعهم لي أن هذا ( الاتحاد العام للطلبة العرب ) لا وجود فعلي له، وهو مجرد موقع انترنت و شخص واحد هو من ينصّب نفسه ويجدد ولايته كما يريد، وتأكدت من معلومات الطلاب هذه من ثلاثة من أولياء أمورهم الذين هم أساتذة مشهورين في تلك الجامعات. وبالتالي فمن يستعرض الموقع الاليكتروني لهذا الاتحاد الطلابي الوهمي يتأكد اأنه مجرد خطابات فارغة تمدح رؤساء عرب بالذات على الطالع والنازل، وتمجدّ أفعالهم خاصة بقاءهم في السلطة ، فهل هذا أمر معقول من نقابة حقيقية أم أنها مجرد بوق لنظام عربي بعينه دون غيره؟

ثانيا: الأسلوب المبتذل السوقي  الشتائمي في الرد على منتقدي  هذا الاتحاد الوهمي، وهو ردّ مغلف بخطابات قومية أقسم أنّ الرئيس جمال عبد الناصر رائد القومية العربية كما يسميه القوميون، يخجل من هذه الخطابات الغوغائية الافترائية. حدث ان نوقش موضوع هذه الاتحادات النقابية العريبة في العديد من البرامج ومنها برنامج الاتجاه المعاكس الذي يقدمه الدكتور فيصل القاسم في فضائية الجزيرة ، وكذلك موضوع الانتخابات الرئاسية العربية التي تتيح للبعض أن يبقى 42 عاما في الرئاسة وكالعادة فكل موضوع له مؤيده وله معارضه، وهذه سنّة الكون لأنه من المستحيل ان تحوز فكرة ما على تأييد غالبية القراء . وهنا جنّ جنون من يسمي نفسه ( اللجنة التنفيذية للاتحاد العام للطلبة العرب) ، فوزع بيانا بتاريخ الرابع والعشرين من يونيو 2010 ، صبّ جام شتائمه ولعناته على البرنامج وبعض المشاركين في النقاش، ولكن بدون تقديم حقيقة واحدة تدحض رأي من أنكروا وجود هذه الاتحادات النقابية الوهمية. وقد فكّرت أن أؤيد أدلتي على هذه الشتائم والألفاظ السوقية بنشر فقرات من البيان المذكور، إلا أنني لم أجد فقرة واحدة يسمح ميثاق شرف النشر في إيلاف بنشرها، لأنها شتائم جارحة أستغرب كيف يجرؤ كاتب البيان أن يسمح لأولاده وبناته بقراءتها؟.

ثالثا: الافتخار بمنحه أوسمة شكلية ترسخ الاستبداد والاستمرارية في السلطة، فأين دور النقابات العربية في الدفاع عن الحريات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة؟ ألا يؤكد الافتخار بهذه الأوسمة أن غالبية هذه الاتحادات شكلية  ومجرد بيانات وخدمة للأنظمة؟. ومن يسمح لمصدري هذه البيانات الشتائمية باستغلال اسم الشعب السوري العظيم، بحجة أن وجود هذا الشخص في دمشق دليل على وطنيته وقوميته؟ أنا عشت في سورية عشر سنوات وعرفت الشعب السوري الأصيل بثقافته وسمو تعامله مع الآخر، لذلك فأنا متأكد أنه لا يشرّف الشعب السوري صدور هذه الشتائم البذيئة من عاصمته دمشق بحق مواطنين سوريين وعرب.
النقد حق لكل مواطن وليس الشتائم
أكتب هذه المقالة وأنا حزين على ما وصل اليه مستوى حوار نقاباتنا مع مواطنيها، مما يدّلل أنها ليست نقابات مهنية بل نقابات لخدمة الأنظمة، بدليل أنه في كل الاتحاد الأوربي لا يوجد أي تشكيل اسمه (اتحاد الطلاب الأوربيين ) مثلا، ورغم ذلك فهم متفوقون علينا بأدائهم وجامعاتهم وابتكاراتهم العلمية، واتحاداتنا الوهمية خاصة ( الطلاب العرب) لا مهنة لهم سوى بيانات مديح الأنظمة ومنافقتها. لذلك أبكي قائلا " واحسرتاه على ثقافتنا التي استبدل بعضنا في التعبيرالقلم بالحذاء، وبعضهم الآخر النقد الموضوعي  بالشتائم البذيئة)....فإلى أين سائرة هذه الأمة؟ إسألوا بيانات الخطابة الغوغائية وأكاذيب من يسمي نفسه ( اللجنة التنفيذية للاتحاد العام للطلبة العرب ) غير الموجود إلا في البيانات!!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

253
حذاء الزيدي عريسا في غزة


أحمد أبو مطر


فضيلة الملا الشيخ اسماعيل هنية رئيس حكومة حماس المقالة (حسب وصف سلطة رام الله) من طرف الرئيس غير الشرعي محمود عباس(حسب وصف حكومة غزة)، أبدى انسانية منقطعة النظير الأيام الماضية، عندما أعلن تضامنه غير المحدود مع حذاء منتظر الزيدي، ولكن هذه المرة بتضامن من نوع جديد، إذ يعلن الرئيس أبو العبد عن استعداده للقيام بدور أم العبد، أي الخاطبة التي تقوم بترتيب خطبة البنات للشباب ثم تتقاضى عمولتها. الشيخ أبو العبد بعد أن أنهى الانقسام الفلسطيني الذي حصل بعد الانقلاب الحمساوي، و فكّ الحصار عن قطاع غزة، و سدّ حاجات كل الفقراء والمحتاجين في مخيمات القطاع، وقبض على قتلة الكاهن رامي عياد سكرتير الكنيسة المعمدانية، وتناسى قصف عصاباته لمسجد ابن تيمية في مدينة رفح وقتلهم للدكتور الشيخ عبد اللطيف موسى المقدسي وعشرين من أنصاره، قام بتقديم عرضه المغري بتزويج حذاء الزيدي من فتاة من قطاع غزة، دون أن يحدد آلية هذا الزواج:
هل ستكون واحدة من بناته؟
أم واحدة من بنات المكتب السياسي لحركة حماس؟
أم واحدة من بنات الجناح العسكري لحركة حماس؟
أم واحدة من بنات القطاع العاديات؟
وفي كل الحالات كيف ستكون نوعية الخطبة؟ هل سيقوم حذاء الزيدي باختيار الفتاة غيابيا عن طريق الانترنت؟ أم سيدعو الشيخ هنية حذاء الزيدي للإقامة في القطاع إلى أن يتعرف على بنت الحلال؟. والشخ جاد في عرضه إذ أعلن أنه مستعد لتحمل كافة نفقات الخطبة والزواج، أي الجاهة التي ستقوم بالخطبة ومهر الفتاة المخطوبة وتأثيث شقة العروسين في أي مكان سيقيم فيه حذاء الزيدي كما أعلنت أم العبد، وإن تمت الخطبة عن بعد أي عبر النت فسيقوم أبو العبد بإرسال العروس بتذكرة سفر درجة أولى مع مرافقين إما بالطائرة أو على باخرة من بواخر اسطول الحرية القادم، المتوقع أن تكون من إيران وبحراسة الحرس الثوري الإيراني. وكذلك لم تحدد أم العبد المتقمصة لشخصية أبو العبد، من أين الأموال اللازمة لهذه الخطبة؟ هل هي من ميزانية حركة حماس السرّية؟ أم من الأموال التي تحولها سلطة محمود عباس لرواتب الموظفين في غزة؟ أم من ضريبة التجول على شاطىء البحر التي فرضتها حماس على مواطني القطاع أخيرا؟ أم من النسبة التي تتقاضاها الحركة من تجارة التهريب عبر الأنفاق؟.

عرض جدّي وجاد من أبو العبد
اعتقدت في البداية أنّ هذا العرض مجرد دعابة ومسخرة للتسلية أثناء حصار غزة، وبعد انتهاء حفلات اللطم على شهداء أسطول الحرية، أو أنه نكتة بمناسبة دخول الانقسام الفلسطيني عامه الرابع، ولكنّ ابو العبد يعلن عن جدّيته في ذلك، ويود أن يوصل هذا العرض لحذاء الزيدي في محل إقامته أينما كان، لأنه يريد أن يعبر عن افتخاره وتكريمه لهذا الحذاء الذي أعاد كرامة الملايين العربية. إذ قال لمراسل إيلاف حمزة البحيصي يوم الثالث عشر من يونيو " نحن مستعدون لإتمام زواجه وترتيب هذا الأمر،فهو مرحب به في أي وقت إذا أراد ذلك...سنزوجه من هنا، ونتبنى ذلك بتحمل كافة مصروفات الزواج...إطرح عليه هذا العرض إذا تمكنت من الاتصال به، وقل له بأنّ رئيس الوزراء مستعد لاستقبالك وتحمل كافة تكاليف زواجك ". وقد علمت من مصادري الخاص المشكوك فيها أنّ أبو العبد سيوجه دعوة للمطرب متعب الصقار ليكون مع العريس والعروس المرتقبة ليغني في حفلهما الميمون المبارك أغنيته "كندرة الملايين":
هاي كندرة الملايين
اليسار واليمين
يسلم ايدك يالزيدي
حر وما ترضى الكيدي
صار العالم يتمنى يلبس كندرتك ساعة.
اقتراحات مجانية مهداة لأبي العبد
ومساهمة مني في دعم عرض أبي العبد النضالي الرائع هذا أقترح عليه:
أولا: أن يوعز لحذاء الزيدي بالقدوم مع اسطول الحرية الإيراني الذي تقول بعض الأخبار أنه سيتوجه للقطاع قريبا، بحراسة طائرات من الحرس الثوري الإيراني، أي أنه حتما سيدخل إلى شاطىء غزة، ومع نزول المواد التموينية وخلافها التي سينزلها الحرس الثوري الإيراني نضمن وصول حذاء الزيدي سالما غانما، ويكون أبو العبد شخصيا في استقباله. وأعتقد أن أبو العبد بعد أن ينفذ رغبته هذه، سوف يجد الوقت الكافي لحلّ مشاكل القطاع، وآخرها إنهاء الانقسام الفلسطيني، وأنا أضع الانقسام في آخرها لأنه لن يتحقق بسرعة بسبب الخلاف حول: هل يقبل الفلسطينيون بدويلة عباس ضمن ما تيسر من حدود عام 1967 أم بهدنة حماس لمدة ستين عاما مع دولة إسرائيل، رغم أن بعض مصادري المعلوماتية ذات الطابع الاستخباري تؤكد أنّ هناك خلاف بين قيادة حماس في الداخل والخارج، وبين مجلس شورى إخوان الأردن الصقوري والحمائمي، والمرشد العام للإخوان المسلمين في مصر حول مدة الهدنة. فمنهم من يرفض هدنة الستين عاما، لأنها تتواكب مع مرور ستين عاما على النكبة وهذا لايجوز، لأنه يعني في المحصلة انتهائها بعد مرور مائة وعشرين عاما على النكبة وهذا رقم لا يوجد تفسير مقنع له، لذلك يقترح البعض منهم أن تكون الهدنة لمدة تقترب من فترة احتلال العرب لشبه جزيرة إيبيريا (الأندلس) أي حوالي ثمانمائة سنة، كي تتطابق التواريخ ويوجد تفسير شرعي لها.
ثانيا: أن يطلب من الزيدي احضار حذاءه التاريخي الذي أعاد كرامة الأمة العربية معه، كي يلبسه أثناء حفل الزواج ساعة والعروس ساعة، فالعريس والعروس جزء من هذا العالم الذي (صار العالم يتمنى يلبس كندرتك ساعة)ّّّ.
ثالثا: ومساهمة مني في هذا الحفل العروبي الذي سيضاف لنضالات حماس المميزة، أتمنى من أبو العبد أن يقبل اقتراحي بدعوة قريبتي وبنت عشيرتي الفنانة الرائعة المثيرة نانسي عجرم (من عشيرة العجرمي سابقا) كي تغني في هذا الحفل النضالي الشرعي أغنية ألفتها خصيصا لهذا الحفل المبارك:
يا زيدي مرحبا فيك في غزة
غزة غزة بلدالكرامة و العزة
تتشرف بيك وبحذائك اللي كلو مفزة
عريسنا ياعريس الهنا والكرامة
والله بنحبك بعزة وجدارة
يكفي الاحتلال من حذائك انسحب من القرارة
وبحذائك بنعمر المستشفى والعمارة
ومن الفرحة بيتخضر وبتزهر البيارة
وبعد يومين من الهدنة بينفتح السفارة
والحذاء بالحذاء يذكر
وما دام تكريم حذاء الزيدي قائم على قدم وساق حمساوي، فماذا عن حذاء سيف الخياط الذي قام بقذفه على الزيدي في باريس؟ هل سيفكر أحد من معارضي وخصوم وأعداء مقاس حذاء الزيدي بتكريم حذاء الخياط بالعرض ذاته أي بتزويجه من فتاة عربية؟ وهنا أقترح أن يكون هذا العرض من إحدى قيادات الضفة الغربية نكاية بقيادات حماس في غزة. فلماذا حماس وحدها تحتفل بالأحذية وتكريمها، ما في حدا عندو أحذية أكثر من حدا!!!. وفي حفل عرس سيف الخياط المرتقب، أقترح استضافة الدكتور نصر حامد أبو زيد لإحياء الحفل بمحاضرة تنطلق من خلفية تعليقه على منعه من دخول الكويت في ديسمبر 2009، إذ صرّح قائلا: (قرار منعي من دخول الكويت تحت حذائي):
عاشت الأحذية العربية
مستعيدة الكرامة الوحدوية
موحدة الثقافة والأمة العربية
ahmad.164@live.com

 


254
خطاب الملك عبد الله الثاني صراحة غير معهودة
د.أحمد أبو مطر

الخطاب الذي ألقاه الملك الأردني عبد الله الثاني يوم الثلاثاء الثامن من يونيو الحالي في ذكرى يوم الجيش الأردني و الثورة العربية الكبرى، لم تعهد الساحة السياسية والاجتماعية الأردنية صراحته الجريئة هذه، التي تعودت على الخطاب الذي لا يوضح الحقائق بقدر ما يضيعها أو يخفيها،وأحيانا استقواء بعض المسؤولين على الحقائق المعاشة نفسها بتهديد خفي أو علني ، منطلقين من مفهوم خاطىء غشّاش وهو أن النقد العلني في وسائل الإعلام تشويه لصورة البلاد، دون أن يدركوا أنه في ظل عولمة الإعلام صار من السهل أن ينتقل أنين عجوز أردنية في أقاصي البادية إلى كافة الفضائيات المرئية والمسموعة الناطقة بكل اللغات بما فيها الصينية غير المفهومة إلا في الصين، إلا أنها مفهومة ومقروءة من مليار وربع المليار من البشر .
 وأعتقد أنّ صراحة الملك هذه غير المسبوقة نابعة من إحساسه ويقينه من التشاؤم والخيبة التي تسود الشارع الأردني من عدة ظواهر، أغلبها غريبة ودخيلة على المجتمع الأردني الذي يوصف عند البعض بالعشائري أو القبلي، متناسين التقاليد العشائرية التي سادت قرونا دون أن يشهد المجتمع هذه الظواهر، لأن هذا المجتمع العشائري منذ خمسينات القرن الماضي، أنتج ما يفتخر به الأردنيون والعرب في مجال التعليم الجامعي والمؤسسات الطبية، حيث شكّلت الجامعات والمستشفيات الأردنية مقصد نسبة عالية من الطلاب والباحثين عن العلاج العرب، خاصة جامعات مثل الجامعة الأردنية، وجامعة العلوم والتكنولوجيا، وجامعة فيلادلفيا وغيرها، ومؤسسات طبية في مقدمتها المدينة الملكية الطبية. وبعد هذه الظواهر المخيبة لآمال وتطلعات الشعب الأردني، جاء خطاب الملك وكأنه يقول للجميع: شعبا وأحزابا ومؤسسات وأفرادا: استيقظوا ...إلى أين أنتم ذاهبون وإلى أين ستوصلون وطنكم في هذه الظروف الصعبة والخطيرة في العالم كله؟. على ماذا ركزت صرخة وصراحة الملك عبد الله الثاني:
العنف الأسري والمجتمعي
هذه الظاهرة التي استشرت وتصاعدت في السنوات القليلة الماضية، أعطت بصراحة صورة مرعبة عن الشارع الأردني جعلت البعض يخاف من فتح المواقع الإليكترونية الأردنية كي لا يصاب بارتفاع في ضغط الدم أو الجنون من أخبار مثل: قتل أخ لأخيه، اعتداء الطلاب على المدرسين، واعتداء المدرسين على الطلاب، واعتداء أهالي المرضى على الأطباء، واعتداء المواطنين على رجال الأمن والعكس أيضا. والأخطر كما قال الملك صراحة هو أن يتحول اعتداء من شخص على شخص أو قتله، إلى حرب داحس وغبراء جديدة بين عشيرتي القاتل والضحية،تتطور لدرجة استفار قوى الأمن بشكل وكأنها ذاهبة لساحة حرب، وهي ساحة حرب فعلا وليس كأنها. المثير لغضب العقلاء هو احياء تقاليد غير منطقية مثل (الجاهة)و( الجلوة) وهي الأخطر لأنها تعني اجلاء عشيرة القاتل من المنطقة التي فيها عشيرة الضحية ومحيطها. ليس كافيا قول الملك عبد الله الثاني: ( إنّ الدولة قادرة وفي أية لحظة على ضبط الأمور وتطبيق القانون على الجميع، ولا يوجد أحد أقوى من الدولة ) رغم أهمية البدء بتطبيق ذلك فورا، ولكن السؤال المهم هو: ما هو دور المثقفين والسياسيين وأعضاء الأحزاب خاصة ذات التوجه الإسلامي من هذه الظواهر؟ ألا يوجد في كل عشيرة العشرات من هذه الفئات؟ لماذا لا يقومون بالتوعية الداخلية بين أفراد عشائرهم من أنّ أخذ حقك بيدك هو مخالف للقانون والأخلاق والشريعة الإسلامية؟. لماذا لا ينزل هولاء للشارع الأردني بين أفراد عشائرهم لبث روح المحبة والتسامح وأهمية تطبيق القانون بعيدا عن هذه التقاليد التي أصبحت من علامات ومؤشرات الدول الفاشلة؟. علينا أن نحترم تقاليد العشيرة لأنها من سمات المجتمع الأردني، لكن تقاليد العشيرة الأصيلة هي كما قال الملك:(كانت على الدوام ركيزة أساسية في بناء المجتمع،ورديفا وسندا للمؤسسات الرسمية والأمنية في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وكانت دائما رمزا لكل القيم النبيلة والانتماء لهذا الوطن).
كنت وما زلت أتمنى وأنا أتابع ظاهرة ومهنة إصدار البيانات التي صارت وظيفة لبعض الكتاب والسياسيين الأردنيين، لو انهم أصدروا بيانات توعية حول هذه الظواهر التي شوهت صورة المجتمع الأردني في الداخل والخارج. كنت أتمنى وما زلت لو شكّلوا وفودا منهم لزيارة مضارب وأماكن تجمع القبائل بالتنسيق مع زعماء العشائر للتوعية بين المواطنين حول عدم أخلاقية وقانونية هذه الظواهر. كنت وما زلت أتمنى لو أنّ الأحزاب ذات التوجه الإسلامي وشيوخ ودعاة الدين وخطباء المساجد، يستنفرون جهودكم الفقهية والشرعية ليذهبوا ويحرثوا هذه الأرض العشائرية، ويغرسوا فيها قيم المحبة والتسامح قائلين للكل: توقفوا إنكم بهذه الممارسات تسيئون للدين الإسلامي والقيم المجتمعية الأخلاقية. توجد دولة ومؤسسات رسمية هي المسؤولة عن معاقبة المذنب والقاتل والمعتدي، أما منطق غوار الطوشة الذي يقول( حارة كل من إيدو الو) لا يتناسب مع العصر وسعينا لدخول عالم الدول المتقدمة. فهل يتحرك هولاء لدعم توجه الملك الذي يستدعي بصراحة أيضا تحرك سريع لمؤسسات الدولة الأمنية والقانونية لفرض الأمن، وتسريع تنفيذ الأحكام بحق القاتل والمعتدي ليعرف أهل كل ضحية أن القانون فوق الجميع والكل سينال حقه أو جزاءه بالسرعة المطلوبة.

الوحدة الوطنية وفزاعة الوطن البديل
هذا الموضوع نالته صراحة واضحة وجريئة من الملك خاصة أنه خضع في الفترة الماضية للمزايدات والاستعراضات الكلامية من فريق سعى بقصد لضرب الوحدة الوطنية الأردنية من خلال الحديث البغيض عن أصول الأردنيين، والمثير للبكاء أو الضحك أنّ بعض هولاء من المحسوبين على اليسار والماركسية التي لا تفرق بين مواطن وآخر حسب زعمهم اللينيني. ولكن المثير للإعجاب والفرح أنّ هناك آخرون واجهوهم بقوة وشجاعة مؤكدين على تهافت هذه الأطروحات، فالأردن هو لكل الأردنيين بغض النظر عن المنابت والأصول، وفي هذه اللحظة الحرجة جاءت توضيحات الملك صريحة في كلمات قليلة: ( لن نقبل ولا تحت أي ظرف من الظروف بأي حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، ولن يكون للأردن أي دور في الضفة الغربية. ومن المؤسف وبسبب تعثر العملية السلمية يجد هذا الكلام من يروج له عندنا في الداخل بقصد أو بغير قصد، وربما بعضهم موجود معنا الآن، ويجعل منه وسيلة للمزايدة، وتحقيق بعض المصالح الشخصية أو الشعبية العابرة، خاصة ونحن على أبواب الانتخابات النيابية). ومن الملاحظ في هذا السياق ومنذ سنوات طويلة أن بعض كبار المسؤولين الأردنيين تصبح له شخصية ومواقف جديدة بعد تركه أو اقالته من المنصب، بحيث من الصعب أن يتعرف هو شخصيا على الشخص السابق الذي كانه.

ويعلم كافة الفرقاء إذا حكّموا العقل وابتعدوا عن المزايدات الشخصية والمصلحية وظاهرة ( خالف تعرف) بأنه من المستحيل تطبيق مقولة الوطن البديل التي يستعملها فريق منهم فزّاعة لبث الفرقة وروح البغضاء بين أبناء الشعب الواحد. إنّ تطبيق فزاعة الوطن البديل يلزمها كما قلت مرارا توفر عاملين. الأول خيانة الشعب الفلسطيني بمعنى تنازله عن وطنه التاريخي أو الذي يطالب به ضمن حدود عام 1967 والقبول بوطن في مكان آخر سواء كان الأردن أم جزر الواق واق، وهذا مستحيل القبول به من غالبية الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة. والثاني هو تخاذل الشعب الأردني وقبوله بإعطاء وطنه الأردن لشعب آخر، وهذا مستحيل. لذلك فالوطن البديل بمعنى قيام الدولة الفلسطينية في الأردن والتنازل عن دولة فلسطينية مستقلة في فلسطين من المستحيلات، أيا كانت القوى التي تنظّر لذلك وتدعمه، فليكف دعاة الفرقة والتشرذم عن ترديد هذه الفزاعة المتخيلة في أذهانهم فقط، وقد قطع الملك الشك باليقين في تأكيده ( ولن يكون للأردن دور في الضفة الغربية)، وبالتالي لم يعد هناك أي مجال لمزايدات سواء كان اسمها (دسترة قرار فك الارتباط ) أو غيره، لأن قرار فك الارتباط كان من المرحوم الملك حسين عام 1988 بناءا على رغبة فلسطينية عربية لتثبيت الكيانية الفلسطينية، بمعنى أنّ الضفة الغربية لم تعد جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية بل من الدولة الفلسطينية المستقلة كما ريدها ويقبل بها الفلسطينيون دون غيرهم.

أعتقد أنّ صراحة الملك عبد الله الثاني تتطلب ما يدور في ذهنه وورد في خطابه وأهم ذلك: البدء بتطبيق القانون على الجميع بدون هوادة أو مجاملة مما سؤدي لتراجع العنف الأسري والعشائري، وضمان انتخابات قادمة نزيهة كما وعد، كي تتوقف هذه الفوضى الخطابية للأفراد والتجمعات والنضالات الإنترنتية، ويتفرغ الجميع لبناء دولة المؤسسات التي تضمن حقوق الجميع بمساواة نزيهة دون اعتبار المنابع والأصول، وصولا لأردن عصري يدخل عالم الدول المتحضرة، وهو يملك إمكانيات ذلك من شخصيات وقيادات كلها من أبناء العشائر، فهؤلاء أبناء العشائر الذين بنوا الجيش الأردني والجامعة الأردنية والعديد من الجامعات والمؤسسات الثقافية والعلمية، والمدينة الملكية الطبية وعشرات المستشفيات المتخصصة، ينبغي أن لا يرضيهم ممارسات بعض أفراد عشائرهم كي لا تطغى على كل هذه الإنجازات. خطاب ملكي صريح وجريء والشعب بكل منابعه وأصوله ينتظر...والكرة في ملعب الشعب بعشائره وأحزابه وفعالياته السياسية والاجتماعية والثقافية كي يحددوا ماذا يريدون لوطنهم وأين سيتجهون بسفينته؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com


255
وماذا بعد انتهاء موسم اللطم والخطابة؟
د.أحمد أبو مطر

كنت قد أدنت عملية القرصنة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية بقوة وشدة في مقالتي الأخيرة بعنوان (تداعيات القرصنة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية)، وما زلت على موقفي هذا من الإدانة لأن ما حصل يستحق ذلك. ولكن هذا لا يمنع بل يشجع على رصد ظواهر عربية وإقليمية أصبحت تقليدا منذ عشرات السنين أو تحديدا منذ احتلال فلسطين وقيام دولة إسرائيل عام 1948 ، وهي تقاليد عربية إسلامية راسخة كعلامة من علامات الثقافة السائدة وبعضها رسوخه أكثر ثباتا من السنّة النبوية.
أولا: ظاهرة اللطم والخطابة

لا أعتقد أن ما كتب في الإعلام العربي والإسلامي ضد عملية القرصنة هذه يمكن رصده أو جمعه، لأنه بلا مبالغة يمكن أن يصل لعشرات المجلدات بألاف الصفحات خلال أقل من عشرة أيام، وغالبية ما كتب لا يمكن وصفه إلا بأنه مجرد هوسات لطم وخطابة ومبالغة، تعطي الإنطباع وأن تحرير فلسطين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وانتهاء الانقسام الفلسطيني وقيام الوحدة العربية والإسلامية، كل ذلك قد تحقق وأصبح واقعا ملموسا يستحق الرقص والطرب في الشوارع على أنغام ( يا زمان الوصل في الأندلس). وهذا ليس مبالغة فخلال ساعات دخلت الأغاني والموسيقى حفلات اللطم هذه، وانتشرت أغاني وموسيقى تذكرك بعنتريات عنترة العبسي، فاقرأوا واسمعوا معي، وارقصوا إن أردتم بدوني:
ما تمنعنا الاعادي
عن عكا ويافا وحيفا
ونكبر بأسم الله العالي
فوق الصخرة الشريفه قسما يا غزة بالمعزة
قادم قادم

من طنجا ووجدا ومن مكناس
قادم قادم
من قسطنطينه من لوراس

قادم قادم
قسما يا رفح بالمعزة
قادم قادم
ما تمنعنا قنابل عن عفوله ورام الله
في الفلوجه نتقابل
والرايه بينا تتعلى
من الجوف ومن كيدي ومن عكار
قادم قادم

ويستمر كاتب الأغنية ومغنيها في سرد وذكر عشرات المدن العربية والإسلامية التي ينسجم اسمها مع القافية، دون أن يعرف الكاتب والمغني والمستمعون والراقصون، من هو هذا القادم وكيف ومتى وبأية وسيلة نقل؟ إلا إذا كانوا يقصدون أن القدوم سيكون على الخيول التي تصاحب المغني في الفيديو، والسلاح هو السيوف والسكاكين التي تظهر في الأيدي للرقص فقط والبلاغة الكئيبة التي تعودنا عليها، دون فعل حقيقي على الأرض. فتعسا لهكذا خطابة ولطم، تدغدغ عواطف الجهلة لساعات ثم يعودون لسباتهم يصفقون للطغاة والمستبدين ( بالروح بالدم نفديك يا...) وهو نفس الروح والدم القادم قادم لغزة!!. وأنا متأكد أن المغني والمستمعين والراقصين لا يعرفون أين تقع مدن ( كيدي، عكار،لوراس،مكناس،جربة،سوسا،مكنار،الجبل الغربي،بطنان،كسر،جهرة،بورسودان)وعشرات المدن والقرى فقط لتطول لحظات الرقص والنشوة الكاذبة القائمة على فشل وكذب منذ عام 1948 ، متخذة فلسطين وقضيتها وشعبها شماعة لتعليق مقومات الفساد والديكتاتورية والقمع والاستبداد عليها، فلا صوت يعلو على صوت المعركة، ومنها معارك أثرياء الأنفاق في غزة وأمراء الأمن في رام الله كما وصفهم المجدلاوي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير (ما تيسر من فلسطين).
ولا يمكن نسيان دور (مكوجي الجامعة العربية وأمينها العام ) الفنان المتألق شعبان عبد الرحيم، فقد شارك في اللطمية، ولكن بنقدية عالية تقول للعرب والمسلمين: اسكتوا ..انطموا..فهذا هو حالكم كلام وخطابات وشعارات، فاسمعو واقرأوا ما غنّاه ذلك الشعبان:
الحرية اضربت والعالم كله شاف
علشان الكل يكش ويترعب ويخاف
إكمن مافيش ردع والكل شال ايديه
هنموت ويبقى الوضع كما هو عليه

رغم أنني لست مع تشاؤم الشعبان عبد الرحيم، كي لا يغضب صاحب كلمات ومغني قادم...قادم...قادم..فنرقص مع منكم..مع قادم..قادم..أم مع...الوضع حيبقى كما هو عليه؟.

وللأسف المبكي أن قادة غزة بالمعزة مثل اسماعيل هنية شارك بحماسه وحماسته في حفلات اللطم هذه، فقد ألقى خطابا عنتريا عبسيا عرمرميا مرمريا  ) التاسع والعشرين من مايو الماضي ) يعلن فيه بافتخار وشرفية عالية أنّ الحصار على قطاع غزة قد انتهى ، دون أن يتكلم كلمة واحدة عن الانقسام الفلسطيني المخزي بين إمارة حماس ودويلة عباس، بالعكس روجت أنباء حماس ثم نفت زيارة محمود عباس لغزة، وبطريقة وكأنه سيزور دولة أجنبية يحتاج لتقديم دعوة رسمية له، وربما تأشيرة دخول مسبقة وكفيل يضمن عودته لرام الله بعد انتهاء زيارته.
ثانيا: إزدواجية العقل والمقايسس العربية والإسلامية
حفلات اللطم والشتم والهوسات العربية ضد القرصنة الإسرائيلية، كشفت بوضوع لا لبس فيه عن ازدواجية المعايير والمقاييس العربية والإسلامية، إزاء الحدث والعمل الواحد. فنفس العمل في ظرف هو قرصنة ووحشية وجريمة يستحق الشجب والأغاني العنترية، وفي ظرف ومكان آخر نفس العمل مشروع وحلال ودستوري وشرعي. حصار غزة مرفوض وجريمة، وتركيا تستحق التقدير والاحترام لمحاولتها كسر الحصار وتقديمها لشهداء بررة. أما حصار تركيا كما أشار أحد القراء لمعاقل مناضلي حزب العمال الكردستاني الباحثين عن الحرية فهو حلال وشرعي ومسكوت عليه، دون لطم وأغاني رقص تدين كل ما ترتكبه تركيا بحق الشعب الكردي الذي لا يطلب سوى حريته واستعمال لغته وثقافته، وبالمناسبة فإسرائيل لم تمنع الفلسطينيين من استعمال لغتهم العربية بدليل أن ثقافتهم العربية أنتجت محمود درويش وإميل حبيبي وعشرات من المبدعين والباحثين والمفكرين. ومقتل ستة أتراك على البواخر المدنية الذاهبة لغزة هم شهداء ، أما القتل اليومي لمناضلي حزب العمال الكردستاني فهو قتل لإهابيين على يد المجاهدين الأتراك خلفاء محمد الفاتح وأبناء الخلافة العثمانية، واستمرار سجن المناضل عبد الله أوجلان في سجن انفرادي منذ سنوات حلال وشرعي ومقدس، أمّا السجناء الفلسطينيون فهم سجناء الحرية والشهادة والاستقلال والدولة المستقلة.
وضمن نفس الازدواجية فاحتلال إسرائيل لفلسطين مرفوض، واحتلا ل تركيا للواء الإسكندرونة السوري من عام 1936 شرعي وحلال ومقبول، ولا يستحق الشجب واللطم والرقص على موسيقى مكناس ومرمرمة وعرناس بن فرناس. وكذلك احتلال إيران للأحواز العربية فهو شرعي مبارك من ولي الفقيه وكيل الله في الأرض. ومنع عرب الأحواز أيضا من استعمال لغتهم العربية وتسمية أطفالهم باسماء عربية، أيضا لا يستحق الشجب والإدانة لأنه لا يرتكب من إسرائيل بل من فقهاء الملالي الحاكمين باسم الشرع والشريعة الإسلامية.
وأيضا فإقامة دول عربية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل حرام ومرفوض وتطبيع، أما العلاقات التركية الإسرائيلية السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية فهي حلال لأنها من ورثة محمد الفاتح الذين سيحررون لنا فلسطين عبر عضويتهم الرئيسية في حلف الناتو.
ثالثا: لماذا لا نبكي دمعة على قتل المونسنيور لويجي؟
تصوروا هذه الإزدواجية العربية الإسلامية المقيتة!!. ما ذنب المونسنيور لويجي بادوفيزي (63 عاما) القاصد الرسولي في الأناضول ورئيس مجلس اساقفة تركيا اللاتين، كي يقتله سائقة التركي المسلم بسكين ويرديه قتيلا في لحظة يوم الخميس الثالث من يونيو الحالي؟ هذا المونسنيور اليس هو صديق وقائم بنفس وظيفة المطران كبوتشي الذي كان على ظهر السفينةالتركية ذاهبا ليتضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر؟ لماذا ندبنا وبكينا بسبب الإهانات التي وجهها الاحتلال الإسرائيلي للشيخ رائد صلاح والنائبة في الكنيست حنين زعبي، بينما لم تنشر غالبية الصجف والمواقع العربية والإسلامية مجرد خبر قتل المونسنيور لويجي؟ أهذه هي الأخلاق والإنسانية التي نتفاخر بها؟
رابعا: وماذا عن قتلى العراق وأفغانستات والصومال وباكستان؟
وضمن نفس سياق الإزدواجية العربية الإسلامية، لماذا أثاركم ستة قتلى أتراك ومنع البواخر من الوصول لقطاع غزة، بينما لم تذرفوا دمعة على القتل اليومي في العراق وباكستان وأفغانستان والصومال، الذي يطال يوميا العشرات وأحيانا المئات، مدمرا المساجد والحسينيات والمدارس؟ أتعرفون لماذا؟ لأنه قتل مسلمين لمسلمين وليس قتل أجانب لمسلمين!!. يعني قتل عن قتل بيفرقّ!!.
وهذا ليس غريبا ولا مستهجنا ففي التاريخ العربي هناك الوالي أحمد البوشناقي ( 1734 – 1804 ) الذي تنقّل من مصر إلى جبل لبنان وفلسطين مرة مع ولاة مصر وأخرى مع السلطان العثماني، وارتكب مجازر في مصر وجبل لبنان إلى أن استحق حتى اليوم اسم ( أحمد باشا الجزّار) ورغم مجازره فهو يذكر بتقدير واحترام لدرجة أنني شاهدت بعيني شارع (أحمد باشا الجزار) في أكثر من مدينة عربية، وهناك مسجد باسمه في مدينة عكا الفلسطينية. مادام هو مسلم فلا مانع أن يقتل مسلمين متى وكيف ما أراد، بدون بكاء ولطم وأغاني رقص من البوسنة إلى عكا، ودون قادم..قادم...بل ؟؟خائب ..خائب..منافق..منافق!!.
وها هو انتهى موسم اللطم والخطابة الذي انتعشنا به وله لمدة عشرة أيام، وسنعود لسكرتنا القديمة الجديدة، منتظرين مناسبة لطمية وهوسة جديدة، وهي لن تأتي إلا من إسرائيل التي يعود إليها الفضل في تغذية الخطابة والشعارات العربية وتمديد عمر الجامعة العربية اللاعربية. أما الانقسام الفلسطيني ومساخر حماس وأثرياء الأنفاق واصحاب الانتصار الثالث الذي انهى الحصار على غزة حسب بشارة اسماعيل هنية فلا بواكي عليهم...وإلى اللقاء في لطمية وهوسة جديدة قادمة قريبا جدا، قبل أن تنتهي نشوة قادم..قادم.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatr.com





256
تداعيات القرصنة الإسرائيلية ضد إسطول الحرية

د.أحمد أبو مطر
العمليات التي قام بها الجيش الإسرائيلي منذ أيام قليلة ضد بواخر مدنية ، تنقل مساعدات إنسانية لقطاع غزة المحاصر منذ ثلاثة سنوات، عملية قرصنة إجرامية بكل معاني الكلمة، خاصة أنها تمت في المياه الدولية التي لا يحق لأية دولة التعرض لأية بواخر فيها حتى لو كانت عسكرية محملة بالأسلحة. وحسب كافة الشهادات والصور الحية بما فيها شهادات إسرائيليين، فإن حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة بامتياز لا مثيل له، خططت وقصدت القيام بهذه العملية الإجرامية لتحقيق مكاسب انتخابية داخلية، وتحديات خارجية موجهة للشعب الفلسطيني أولا والرأي العام الدولي ثانيا، الذي لا يملك كما رأينا سوى بيانات التنديد الشفهية أو استدعاء السفراء أحيانا نادرة، دون أدنى تأثير على علاقات تلك الدول بدولة إسرائيل التي هي الوحيدة في العالم التي لا تعير اهتماما أو إحتراما للرأي العام العالمي، كما أنها الوحيدة في الكرة الأرضية التي لا حدود لها، بمعنى أنها حدود مفتوحة لاستيعاب ما تستطيعه قوتها العسكرية، فحتى الآن ضمن حدودها الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة، وما لا يقل عن عشرين بالمائة من مساحة الضفة الغربية التي تلتهمها المستوطنات الرسمية التي يتم بناؤها بقرارات وتمويل من الدولة الإسرائيلية. وبالتالي فلا يعرف الفلسطينيون والعرب والعالم ماهي الحدود التي تريدها هذه الدولة، خاصة بعد اعتراف غالبية المنظمات والسلطة الفلسطينية بدولة مستقلة ضمن حدود عام 1967 ، أي على ما لا يزيد عن عشرين بالمائة من مجموع مساحة فلسطين التاريخية المحتلة التي أقيمت عليها دولة إسرائيل قبل 62 عاما.

 إنّ هذه الجريمة البشعة لن تمرّ بدون تداعيات ونتائج سلبية على الدولة الإسرائيلية قبل غيرها، التي أعتقد أن قياداتها وحكوماتها المتتالية هي أكثر ما يسيء لها، ويضعها دوما في حالة الخطر والحرب الدائمة، وهي حالة لم تعشها دولة على مرّ مراحل التاريخ، خاصة بعد المبادرة العربية الجماعية للسلام عام 2000 التي أعلنت دولة الكويت انسحابها من هذه المبادرة ردا على هذه القرصنة ، والمعروف أنّ المبادرة العربية غير مسبوقة، إلا أن جرائم دولة إسرائيل المتتالية والمتصاعدة، جعلتها مبادرة غير سارية المفعول عربيا: حكوميا وجماهيريا. ويكفي أنّ بعض الإدانات الإسرائيلية لهذه القرصنة في قوة الإدانات العالمية، فقد كتب " آري شافيت" في صحيفة هاآرتس يقول: ( أسئلة لا نهاية لها تطرح. ماذا حدث للقدرة على الابتكار التي تفاخر بها إسرائيل؟ لماذا تمّ اعتماد أسوأ الاختيارات الممكنة؟ أين كان رئيس هيئة الأركان؟ أين كانت أجهزة الاستخبارات؟. لماذا لم نستطع أن نرى أننا لم نكن نشدد الحصار على غزة، بل كنا نشدد الحصار على أنفسنا ). أما الكاتب"بين كاسيت" فقد وصف عملية القرصنة بأنها غباء مطلق. كما أنّ شهادات المتضامنين الأوربيين والأتراك والعرب عما تعرضوا له لا يمكن وجوده في أفلام الرعب الهوليودية، حيث الاعتداءات العسكرية الوحشية على مدنيين مسالمين ومن بينهم رجال دين مسيحي مثل المطران كبوتشي البالغ من العمر 84 عاما ويحمل جوزار سفر الفاتيكان ، ومصيره مجهول حتى هذه اللحظة خاصة أنّ إسرائيل سبق لها سجنه وطرده من فلسطين، ومن بينهم أيضا سفير أمريكي سابق ومئات الأوربيين من العديد من الجنسيات، فهل كل هؤلاء مسلحين جاءوا للقيام بعمليات عسكرية، أم للتضامن الإنساني مع شعب محاصر؟.
ما هي أهم تداعيات هذه القرصنة ؟
أولا: فقدان أي أمل في سلام قادم في المنطقة، ويكفي أنه بعد ما لايقل عن عشرة سنوات من المفاوضات المباشرة بين دولة إسرائيل والسلطة الفلسطينية، دون أي تراجع في الموقف الإسرائيلي، تسعى أطراف دولية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية لرعاية مفاوضات غير مباشرة. فإذا كانت المفاوضات المباشرة لم ينتج عنها أي انجاز على الأرض، فكم عشرات السنوات تحتاج المفاوضات غير المباشرة. وقد جربت سوريا المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بوساطة تركية لعدة سنوات دون فائدة، رغم أن الوضع السوري أسهل بكثير منه في فلسطين، فسوريا لها مطلب واحد مقابل السلام وهو الانسحاب الإسرائيلي من جولانها المحتل منذ عام 1967 ، وهو مطلب وطني وقانوني وأخلاقي لا يحتاج لمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، بل رضوخ إسرائيلي للقانون الدولي الذي لا يقبل أي احتلال. وبالتالي فالمنطقة العربية ستبقى لسنوات طويلة مهددة بالقلاقل والحروب والانتفاضات التي ستلحق بإسرائيل خسائر أكثر من غيرها، لأن الفلسطينيين والعرب كما يقول المثل ( خد وتعود على اللطيمة)، كما أنه مهما قتلت إسرائيل من الفلسطينيين والعرب، فلن يؤثر ذلك على وجودهم البشري الكثيف المتصاعد في أوطانهم التاريخية، وإسرائيل تعي أن الخطر المنوي هو الذي يهددها وليس النووي، لذلك فهروبها من استحقاقات السلام العادل والدائم لن يجر الويلات إلإ عليها دون غيرها، فهل تدرك الحكومات الإسرائيلية ذلك قبل فوات الأوان؟

 والحقيقة التي بات يدركها الجميع بما فيهم مؤيدو دولة إسرائيل، أن هذه الدولة هي التي تعيق أية خطط سلام رغم كل التنازلات الفلسطينية، وبالتالي من المهم تذكر مقولة ديفيد بن جوريون في مذكراته التي مفادها: أن دولة إسرائيل لا يوحدها إلا الشعور بالخطر، فعلى إسرائيل شنّ حرب كل عشر سنوات إن لم تفرض عليها. وهنا السؤال المركزي: ما هو مستقبل دولة تعيش في حروب متواصلة منذ ستين عاما؟ ومرشحة بسياساتها المتنكرة لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني والجوار العربي لحروب طويلة ممتدة لعشرات سنين قادمة. إنّ هذه الغطرسة الإسرائيلية في النهاية لن تلحق الخطر إلا بدولة إسرائيل خاصة وسط تنامي الغضب الفلسطيني والعربي والإسلامي والعديد من الدول الأوربية، مما يجعلها حقيقة كدولة معزولة منبوذة أو هي المحاصرة فعلا كما قال الكاتب الإسرائيلي آري شافيت .

وأيضا من المهم ملاحظة أن هذه القرصنة والجريمة الإسرائيلية ليست الوحيدة التي قامت بها الدولة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والمتضامنين معه، لكنها أوقح العمليات وشكلت ما يمكن تسميته تسونامي سياسي إعلامي ضد ممارساتها الإجرامية بسبب وجود متضامنين أوربيين وأمريكيين ممن تعرضوا للقرصنة الجديدة، أما القرصنات الإسرائيلية المتكررة ضد الشعب الفلسطيني ومدنييه والمتضامنين المسالمين معه، فلم تشهد سابقا هكذا تسونامي ناقد لدولة إسرائيل. فمن ينسى دهس دباباتها للمتضامنة الأمريكية المدنية الشابة ( راشيل كوري) في 16 مارس من عام 2003، وهي في الثالثة والعشرين من عمرها، تحاول بصدرها منع الدبابات الإسرائيلية من هدم منزل لاجىء فلسطيني في مدينة رفح؟ وكان يعلم قائد الدبابة الإسرائيلية أنها أمريكية لكنه قتلها متعمدا بغطرسة وهمجية لا مثيل لها. وتفاعل الرأي العام الأمريكي ضد هذه الجريمة، حيث تمّ عرض مسرحية في أكتوبر من عام 2006 بعنوان( اسمي راشيل كوري)، وأدت المسرحية سيدة واحدة، حيث يعتمد النص على يوميات ورسائل البريد الإليكتروني لراشيل كوري أثناء وجودها التضامني في مدينة رفح. واستمر عرض المسرحية عدة شهور في أكثر من مدينة أمريكية، ومنها انتقل العرض لمدينة لندن، ونشرت عائلة كوري في يونيو 2004 رسالة وصلتها من جيمس ويلكرسون كبير موظفي وزارة الخارجية الأمريكية، يقول فيها" إن الحكومة الأمريكية لا تعتبر التحقيق الإسرائيلي كاملا أو موثوقا به". والسفير الإسرائيلي في لندن رون بروسور اعتبر " التدخل العسكري الإسرائيلي لاعتراض سفن المساعدات التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة لم يكن موفقا".

ثانيا: تصاعد الدور والنفوذ التركي

تصاعد اللهجة العدائية التركية الرسمية والشعبية ضد ممارسات القرصنة الإسرائيلية، خاصة أن عملية القرصنة الأساسية كانت ضد الباخرة التركية (مرمرة) وغالبية القتلى من المشاركين المدنيين الأتراك، لذلك كانت تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان غير مسبوقة في غضبها وعدائيتها لدولة إسرائيل التي تقيم معها تركيا علاقات دبلوماسية وعسكرية واقتصادية، مما استدعى اتصالات هاتفية من طرف الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع رئيس الوزراء التركي أردوغان لبحث الموقف المتصاعد كراهية وغضبا بين تركيا وإسرائيل. . يترافق ذلك مع انعدام أي أمل تركي في دخول الإتحاد الأوربي الذي يدرس طلب انضمام تركيا منذ تأسيسه في عام 1957 أي من قبل أكثر من نصف قرن، ولا غرابة في ذلك فمجلس التعاون الخليجي العربي يدرس انضمام اليمن له منذ عام 1981  دون أي أمل أيضا. إنّ انعدام الأمل التركي أوربيا سيجعل تركيا خاصة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، أن تبحث عن مناطق تعاون وتنسيق وتحالف جديدة ، والأهم لها هي دول محيطها العربي، وقد أخذت تركيا خطوات ميدانية مهمة مثل إلغاء تأشيرات الدخول بينها وبين سوريا والأردن وليبيا، رغم وجود تأشيرة الدخول المسبقة بين العديد من الدول العربية ذاتها . إلا أنه في الوقت ذاته لا أعتقد أن العلاقات التركية الإسرائيلية سيطرأ عليها أي تراجع سلبي جذري رغم الخطابات التركية المعادية والمنددة، بمعنى لن يتم تقليص التمثيل الدبلوماسي أو الغاء اتفاقيات التعاون العسكري والاقتصادي والأمني، وليس مطلوبا من تركيا ما لا تستطيع دول عربية القيام به. لذلك فاجتماع وزراء الخارجية العرب الطارىء يوم الأربعاء الموافق الثاني من يونيو لم ينتج عنه كالعادة سوى بيانات تنديد تعودنا عليها منذ نصف قرن، وتكاد تكون نفس الصيغة يطرأ عليها تغيير في مناسبة الاجتماع فقط ، والأخير حضره السفير التركي في القاهرة ضمن تقليد حضور أحمدي نجاد أو مندوب إيراني آخر لقمم عربية.

ثالثا: الموقف المصري وفتح معبر رفح

كان القرار المصري الخاص بفتح معبر رفح بين قطاع غزة ومصر في الاتجاهين لأجل غير محدد، قرارا إنسانيا وشجاعا رغم ارتباط مصر باتفاقية المعابر الموقعة عام 2005 التي تنصّ على تنسيق فلسطيني مصري دولي على المعابر، لأن القرصنة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية المدني المسالم، ما كان يتوقع استقبالها بسكوت مصري، لذلك ففتح معبر رفح في الاتجاهين ولأجل غير محدد، يعني تحديا واضحا للقرصنة الإسرائيلية، ودعما لفك الحصار عن القطاع، وهذه مسؤولية سياسية وأخلاقية من الجانب المصري، من المتوقع أن تسهم كثيرا في تلبية الاحتياجات الإنسانية لسكان القطاع، ومن المتوقع استمرار فتح المعبر كما كان يوميا قبل ثلاثة سنوات، وهذا يعني ضربة مصرية مؤلمة للحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، خاصة أنّ الحدود المصرية هي الوحيدة للقطاع مع العالم. وفي هذا السياق مطلوب من حماس أن تتقاعل ايجابيا مع ورقة المصالحة المصرية التي وافقت عليها كل الفصائل الفلسطينية، وأنّ تكف عن مناوشاتها الإعلامية واستفزازاتها ضد الجانب المصري مستقوية بمواقف الإخوان المسلمين المصريين، فما يربط القطاع بمصر لا يمكن فكّه بسهولة.

وأخيرا..ما هو المتوقع فلسطينيا ردا على هذه القرصنة؟

هذا التضامن العربي والدولي غير المسبوق مع الشعب الفلسطيني، والتنديد الغاضب عالميا بالقرصنة الإسرائيلية، هل يفرض على الفصائل الفلسطينية خاصة فتح وحماس أن تتضامن مع شعبها عبر توحدها وانهاء الانقسام الفلسطيني غير المبرر، الذي يدخل عامه الرابع رغم عدم الاختلاف في البرنامجين السياسيين بين حكومة حماس والسلطة الفلسطينية، ولا اختلاف في ممارساتهما أيضا ضد بعض في القطاع والضفة، وبالتالي يتساءل الفلسطيني الذي يذوق العذاب يوميا: على ماذا يختلفون سوى المصالح الشخصية والتنظيمية. هل ترتقي حركة حماس والسلطة الفلسطينية لمستوى هذا التضامن الدولي مع شعبهما، فيتضامنان لإعلان وحدة وطنية حقيقية ديمقراطية، قبل أن تمرّ الذكر السنوية الرابعة لانقسامهما المخزي؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com


257
لماذا التجسس الإيراني داخل الكويت؟


د.أحمد أبو مطر
قضية خلية التجسس الإيرانية التي تمّ كشفها في داخل دولة الكويت منذ أسابع قليلة، خطيرة بكل أبعاد ومعاني الكلمة والقضية. إذ أن المسألة تتعلق بتفكيك وكشف خلية من سبعة أشخاص على الأقل من بينهم عسكريون ومدنيون في وزارتي الداخلية والدفاع الإيرانيتين، وعناصر من جنسيات أخرى من بينها جنسيات عربية. واستنادا لما تناقلته الصحافة الكويتية قبل وقف النشر عن هذه القضية الخطيرة، فإن من بين المتهمين شخصين لبنانيين ، وأنّ من مهمات الخلية التي قامت بها فعلا جمع المعلومات عن أهداف كويتية وأمريكية داخل الكويت لحساب جهاز الحرس الثوري الإيراني المعروف بإسم ( الباسداران). وحسب تقرير "إيلاف" يوم الرابع من مايو 2010 فإن من الذين تمّ إلقاء القبض عليهم شخص كويتي يعمل في جهاز عسكري كويتي، تمّ تطويق منزله واعتقاله، ومصادرة أكياس يعتقد أنّ بداخلها معدات وأغراض كانت تستعملها الخلية في أعمالها التجسسية، ومن ضمنها أجهزة اتصالات متطورة مع مسؤولهم في الحرس الثوري الإيراني. وأعقب ذلك عبر التنسيق الكويتي الرسمي مع أكثر من دولة عربية، اعتقال مواطن بحريني من قبل الأجهزة الأمنية البحرينية لورود اسمه في التحقيات الجارية مع أفراد الخلية المعتقلين في الكويت. وهذا يعني أنها ليست خلية محلية خاصة بالتجسس داخل دولة الكويت فقط، بل شبكة لها امتدادات في أكثر من دولة خاصة إذا ربطنا ذلك بخلية تجسس حزب الله اللبناني التي تمّ اعتقالها في مصر في منتصف العام 2009 ومن بينهم لبنانيون ومصريون وفلسطينيون ، والمتهم الرئيسي في القضية اللبناني عضو حزب الله (محمد يوسف منصور) المعروف باسم ( سامي شهاب ) وقد اعترف حزب الله بعضوية هذا الشخص فيه ، وقد صدر الحكم ضدهم قبل أسابيع أيضا، مما أثار هيجانا في داخل قيادة الحزب، أدت بحسن نصرالله أن يعلن أن الحزب سوف يتابع الأحكام التي صدرت ضد أعضائه بكافة الطرق القانونية والدبلوماسية، مما يعني صراحة تجاوزه لكافة مؤسسات الدولة اللبنانية، فالمتهمون ممن صدرت أحكاما قضائية ضدهم هم مواطنون لبنانيون مما يعني أن متابعة أمرهم من اختصاص الدولة اللبنانية، إلا أن حسن نصرالله وحزبه يتجاوز الدولة اللبنانية، فهو ليس حزبا داخل دولة بل دولة داخل الدولة.
لماذا التجسس الإيراني؟
هذا هو السؤال الملح عربيا بعد أن تكررت حالات التجسس الإيراني داخل أكثر من دولة عربية مباشرة أو عبر عملاء محليين. هل هناك محاولات عربية في مصر أو الكويت أو المغرب أوغيرها من الأقطار العربية لحرب ضد إيران، كي تقوم بالتجسس داخل هذه الدول؟. المعروف والمؤكد للنظام الإيراني قبل غيره أنه ليس هناك أية نوايا عربية مضادة أو معادية لإيران، بما فيها دولة الإمارات العربية التي تحتل إيران جزرها الثلاثة منذ عام 1971 ، تصرّ على أن المحادثات السلمية هي الطريق الوحيد لإنهاء الإحتلال الإيراني لجزرها الثلاثة. لذلك فإن محاولات التجسس الإيرانية المستمرة لا هدف لها سوى:

أولا: استمرار التأكيد من الطرف الإيراني على نظرته وقناعاته العدوانية اتجاه محيطه العربي، هذا العدوان الذي يعبر عن نفسه باستمرار احتلال الأحواز العربية منذ عام 1925 والجزر الإماراتية منذ عام 1971 ، والتهديد المستمر بإعادة احتلال مملكة البحرين العربية. وهذه النظرة العدوانية هي التي تجعل محاولات التجسس الإيرانية مستمرة بهدف التوسع والاحتلال الذي لا تخفيه رموز النظام الإيراني من خلال العديد من مواقفها، فقد أبلغت مؤخرا شركات الطيران بمنعها من التحليق في الأجواء الإيرانية أو الهبوط في المطارات الإيرانية، إن هي استعملت كلمة " الخليج العربي"، وأيضا أغلقت منذ أسابيع الجناح المصري في معرض الكتاب بطهران لأن من ضمن محتوياته كتب تحمل اسم" الخليج العربي"، أي أنّ النظرة العدوانية اتجاه كل ما هو عربي قائمة في عمق الثقافة والوجدان الإيراني ، ويعبر عنها نظام الملالي القمعي الاستبدادي من خلال تجسسه هذا.

 ومن المفيد للغاية في هذا السياق قراءة كتاب الباحث الإيراني"جويا بلندل سعد" بعنوان"صورة العربي في الأدب الفارسي" الذي صدرت ترجمته للعربية في نهاية عام 2007 عن "دار قدموس"في دمشق، ترجمة صخر الحاج حسين ومراجعة زياد متي. ويكفي لمن لم يقرأ الكتاب توصيف الناقد الفلسطيني المعروف الدكتور فيصل دراج لهذا الكتاب بقوله: ( يربك كتاب "صورة العربي في الأدب الفارسي" القارىء العربي مرتين:مرة بسبب قوله العنصري، والمقذع في عنصريته الذي يناقض وظيفة الأدب ورسالته،لأن الأدب المفعم بالحقد والكراهية والاحتقار يتنكر للتقاليد الأدبية، هذا من ناحية، ولأن القارىءالعربي العادي لا يتوقع أن يصدر عن الإيرانيين أدب كهذا من ناحية ثانية ).( يستطيع الناقدالأدبي المطمئن إلى المعيار الأدبي اللغوي أن يقرأ صورة العربي في الأدب الإيراني الحديث،اعتمادا على الصفات والنعوت والمزايا التي ألصقت به،فقد أعطت النصوص في كتاباتها المختلفة العربي الصفات التالية: الحافي،القذر، الموبوء، البشع، صاحب الجلد الأسود،المتعطش للدماء، القاسي، الكريه، الشيطان، اللص، آكل النمور والسحالي،المغتصب، الجمل، وائد البنات، الخادع الجشع،الوحش، البغيض، الكاره للآخرين، البدائي، الهمجي، المثير للقرف والإشمئزاز. تعبر هذه الصفات وغيرها عن وعي متعصب مهجوس بكراهية العرب والحط من قيمتهم، مؤكدة شوفينية معلنة، تضع بين العرب والإيرانيين مسافة لا متناهية).

وبالتالي ماذا نتوقع من نظام إيراني هذه ثقافته الشعبية والأدبية والرسمية غير التجسس على العرب ومحاولات مستمرة لتخريب بيوتهم وأقطارهم عن طريق خلايا تجسسه، والأخطر فيها الجواسيس المحليون في أكثر من عاصمة عربية إما عن قناعة أو ركضا وراء الملايين التي ينفقها هذا النظام بلاحساب. إنه لولا صدور ترجمة هذا الكتاب عن درار نشر سورية ومن خلال مترجمين مقيمين في دمشق حليفة النظام الإيراني، لما صدقت محتويات هذا الكتاب التي تنضح حقدا وتسفيها وتشويها لكل ما هو عربي، خاصة أنها من الأدباء إيرانيين، وغالبا يعبر الأدب عن مكنونات الشعوب وضمائرها.

ثانيا: استعمال التهديد للجوار العربي كورقة ضد الموقف الدولي من العديد من ملفات هذا النظام خاصة ملفه إزاء حقوق الإنسان الإيراني الذي يعتبر أسوأ ملف في العالم، وملفه النووي الذي يستعمله للابتزاز لتحصين مواقفه إزاء رفض غالبية دول العالم لهذا النظام وممارساته في الصعيدين المحلي الإيراني والعالمي.

ثالثا: من أهداف محاولات التجسس الإيرانية المستمرة في العديد من الدول العربية، هو ايجاد ساحات لتصدير أزمات النظام الداخلية، وملفاته العالقة دوليا، عن طريق إشغال العالم بهذه الملفات في ساحات بعيدة عنها. وهنا يتخذ النظام الإيراني قضية فلسطين وجنوب لبنان مجرد شماعات لتعليق خطابه الغوغائي عليها، عبر ادعاءات عاطفية تخاطب قلوب وعواطف الغوغائيين العرب، في حين أن خطاباته الهجومية كلاميا فقط على إسرائيل، خدمت دولة إسرائيل أكثر من كل ماكينة الدعاية الإسرائيلية، وذلك باعتراف خبراء إسرائيليين.

الوكلاء المحليون للنظام الإيراني

إن خطورة نظام الملالي الإيراني تزداد بشكل واضح من خلال قدرته على اللعب في الساحات العربية من خلال عملاء محليين، وهو يتخذ من دعمه الخطابي والمادي لحركة حماس وحزب الله وسيلة كلامية لذلك ، في حين أنّ من يرفعوا شعار المقاومة في هذين التنظيمين، لم يطلقوا رصاصة ضد الاحتلال منذ أن دمّروا قطاع غزة ولبنان في حروبهم الإلهية عامي 2006 و 2007 مقابل خطف ثلاثة جنود إسرائيليين ، يعيش جلعاد شاليط اليوم مكرما مدللا في رعاية الأشقاء الحمساويين منذ أربعة أعوام، يكلفهم يوميا أكلا على الطريقة اليهودية (كوشير) على الأقل ألف وخمسمائة دولار يوميا، ويطلبون مقابل إطلاق سراحه الإفراج عن ألف وخمسمائة أسير حمساوي وفلسطيني.تصوروا كم هو سعر أسير إسرائيلي واحد؟ ألف وخمسمائة أسير فلسطيني؟ لم يحدث أن تدهور سعر الدولار أو اليورو أو الشيكل الإسرائيلي كما تدهور سعر الأسير الفلسطيني في البورصة الحمساوية، ومن قبله تدهور سعر الأسير اللبناني في بورصة حزب الله، حيث تمّ تبادل رفات جنود إسرائليين مقابل عشرات من الأسرى اللبنانيين.
لا للطائفية ولا للتجسس على الأقطار العربية
وأودّ التأكيد الصريح الواضح أنني لست طائفيا وضد الطائفية والطائفيين، خاصة أنني غير مقتنع إلا بالإسلام المحمدي ، ففي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يكن هناك سنةّ وشيعة، بل إسلام إلهي محمدي، بدليل أن الرسول قال قبل وفاته في حديثه المشهور: ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه) ، وفي كتاب الله وسنة نبيه لا توجد فرق اسمها السنّة والشيعة وغيرها، بل إسلام إلهي محمدي فقط . كل هذا التأكيد للقول بأسف شديد أنّ نظام ملالي طهران يتخذ من المذهب الشيعي شماعة لتوسيع أطماعهم في الجوار العربي، ويكفي أنّ نظرية ولي الفقيه الخمينية التي تحرك نظام الملالي الآن، لا إجماع عليها بين الشيعة العرب . ومن المهم في هذا السياق الإشارة لمواقف السياسي والعلامة الشيعي اللبناني السيد محمد علي الحسيني، أمين عام المجلس الإسلامي العربي، الذي أكدّ في تصريحات له في الثالث من مايو 2010 : ( أنّ النظام الإيراني يسعى إلى تضليل الشيعة العرب عبر نظام ولاية الفقيه ) ، وأضاف:(ولاية الفقيه ليست من صلب العقيدة الشيعية،إنها مسألة سياسية إيرانية ).

إلا أنّ السياسة الإيرانية تسعى للتجسس والتخريب وتجنيد العملاء في أي قطر عربي تستطيع اختراقه، ويستخدم النظام وسائل الإعلام الإيرانية الناطقة بالعربية لذلك، وكذلك منظمات حقوق إنسان وهمية، مثل جمعية ( هابيليان قابيليان ) التي هي مجرد غطاء لمؤسسة تابعة لوزارة مخابرة النظام الإيراني، تمّ تسجيلها على أنها منظمة خيرية (إن جي أو)، وقد سبق أن نشرت محاولة هذه الجمعية لدعوتي لزيارة طهران، عبر تقديمهم اغراءات علنية مكشوفة تصل حد الرشوة المفضوحة، وذلك في مقالة لي بعنوان (شاكو ماكو..هابيليان قابيليان )، وبعد نشري لرسائلهم التي تفضح محاولاتهم هذه، أرسلوا لي رسائل شتم بذيئة لأنني نشرت رسائل سرية منهم لي، ونشروا بيانات علنية ضدي في مواقعهم الانترنتية. ومن المهم نشر تجربة بعض الإعلاميين العرب الذين عملوا سنوات في قناة " العالم" الإيرانية الناطقة بالعربية، وليس من حقي ذكر أسماء من تركوها وتحدثوا لي عن تجربتهم المريرة مع القناة، وغالبيتهم فلسطينيون وعراقيون، وقد أوقفت مشاركتي في التعليق على الأخبار أو البرامج هاتفيا في هذه القناة منذ أكثر من سنتين، بعد أن قطعوا الاتصال معي أثناء حديث لي بسبب قولي ضمن سياق سياسي ( الخليج العربي ).

نعم لعلاقة جوار سلمية سياسية متينة مع الجارة إيران، وهذا لن يتحقق إلا بعد إنهاء احتلالها للأحواز العربية المستمر منذ عام 1925 ، وانهاء احتلال الجزر الإماراتية منذ عام 1971 ، والكف عن التهديد بضم مملكة البحرين، والتوقف عن محاولات التجسس والتخريب خاصة في العراق وغيره من أقطار عربية، وإلا سيبقى التوجس والخوف والحذرهو المسيطر على العلاقة الإيرانية العربية.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com



258
عرب ومسلمون في بلاد الإفرنج

د.أحمد أبو مطر
أصبح الوجود البشري العربي والمسلم ملحوظا من حيث العدد والكثافة البشرية والحياتية والثقافية- أقصد الممارسات النابعة من الخلفيات الإسلامية-  في أغلب البلدان الأوربية والأمريكية، ففي فرنسا وحدها وحسب معلومات موقع "إسلام أون لاين" في دراسة لمصطفى عاشور عام 2008 : (يزيد عدد المسلمين في فرنسا عن ستة ملايين نسمة، يشكلون 10% من السكان، ويمتلكون قوة تصويتية 1.8 مليون صوت انتخابي، وينحدر هؤلاء من (53) بلدًا مختلفًا، ويتحدثون (21) لغة مختلفة إلى جانب الفرنسية، ويحتل الجزائريون أغلبية كبيرة من المسلمين، وتشير توقعات ودراسات إلى أن هؤلاء المسلمين سيتضاعفون ثلاث مرات حتى عام (2020) ليزيد عددهم عن (20) مليون نسمة بسبب نسبة الخصوبة والمواليد العالية بينهم، واستمرار تدفق المهاجرين المسلمين لفرنسا، ودخول أعداد غير قليلة من الفرنسيين في الإسلام (يزيد عدد المسلمين من أصل فرنسي عن 100 ألف)، وإذا أخذنا هذه المتغيرات في إطار قلة الإنجاب بين الفرنسيين، لأدركنا أن المسلمين يخطون في فرنسا خطوات لها ثقل لا يمكن تغافله أو غض الطرف عنه خاصة أنهم يشكلون أكثر من 17 % من العاملين في الجيش الفرنسي ) ، ومن المؤكد أن هذه النسب كلها قد زادت في السنتين الأخيرتين بسبب تزايد الهجرة من كافة أقطار العالمين العربي والإسلامي ، إلى درجة أن هذه الهجرة أصبحت هاجسا ديموغرافيا وأمنيا لدى غالبية الدول الأوربية .                                                       
 أما في الولايات المتحدة الأمريكية ، فتشير الدراسات والتقارير إلى أنه يعيش ويقيم ما لا يقل عن ثمانية ملايين مسلم في مختلف الولايات الأمريكية، ويوجدون في كافة مواقع العمل بما فيها الجيش الأمريكي، ومنهم من قاتل فعليا في الحرب في العراق وأفغانستان. والمعروف طبقا لقوانين البلاد الأوربية فإن غالبية المؤسسات الرسمية للمسلمين بما فيها المساجد (السنّة) والحسينيات (الشيعة)، تحصل على ميزانية سنوية من الدولة. وليس نكتة أو مزحة أن كافة المساجد المسجلة رسميا في المملكة النرويجية، تحصل على ميزانيتها السنوية من (وزارة التربية والكنيسة)،وهذا ما جعل عدد المساجد قياسا بعدد المسلمين والنرويجيين المسيحيين أكثر من عدد الكنائس، حيث يعيش الآن في النرويج ما لا يقل عن مائة وتسعين ألفا من المسلمين من مختلف الجاليات، تتصدرهم في الكثافة الجالية الباكستانية، العراقية، الصومالية ،التركية، والإيرانية. ومن المعروف أنه منذ عام 1969 تعترف الحكومة النرويجية بالإسلام كدين رسمي في المملكة، وأسس أول مسجد عام 1974 ، وأكثر من مسجد له مآذن أعلى من العديد من مساجد العالم الإسلامي. وحسب التقارير الرسمية المتاحة، وكذلك الموقع الرسمي للمسلمين في النرويج :
www.islam.no
فإن عدد المساجد والحسينيات والمؤسسات الإسلامية يبلغ في النرويج العدد تسعون، منها 34 في العاصمة أوسلو،ومنها ما يطلق عليه اسم(حزب الله). وتقوم جماعة الأحمدية الآن بتشييد مسجد في منطقة (فوروسيت) بالعاصمة أوسلو، سيكون أكبر من غالبية مساجد العالم العربي.

كيف يتصرفون ويتعاملون؟

أنا هنا لا أكتب بدافع التشهير ونشر الغسيل الوسخ كما سيرى بعض المتشنجين، فأنا أكتب باللغة العربية أي لذوي الاختصاص والمسؤولية لدقّ الجرس قبل فوات الأوان إن لم يكن قد فات فعلا، وليس بلغات أجنبية ليعرف الغربيون هذه التصرفات فتزداد كراهيتهم للعربي والمسلم، لأنهم أساسا يعرفونها ويعيشونها وتكتب صحفهم ومجلاتهم عنها. إنّ دافعي للكتابة سببه استشراء هذه السلبيات وتغاضي غالبية خطباء المساجد عنها، سواء خطباء المساجد في أوربا أو العالمين العربي والإسلامي. وأقولها بصراحة واضحة أنّ هذه التصرفات والأعمال الهمجية تعطي الحق كل الحق للأوربي والأمريكي أن يخاف من المسلم والإسلام، أي أنّ هؤلاء المسلمين هم الذين يقدمون الصورة السيئة عن المسلم وإسلامه. وسأحاول أن أضع أمام المسؤولين الغيورين عن الإسلام نماذج من هذه التصرفات المسيئة، وأتساءل لماذا السكوت عليها وعدم إدانتها من أي دعوي مسلم في البلاد الأوربية والأمريكية والعربية والإسلامية؟ هل هذا السكوت يعني علامة الرضا كما يقول المثل العربي.
تصوروا هذه مجرد أمثلة!!
هذه مجرد أمثلة من ممارسات العرب والمسلمين في البدان الأوربية والأمريكية، ولنتساءل بعد ذلك: هل تليق هذه التصرفات بالأخلاق والأعراف الدولية، خاصة أنه ما عاد ينفع الرد القائل: هؤلاء لا يتصرفون حسب تعاليم الإسلام، لأنهم يتصرفون انطلاقا من التربية والتعاليم التي يتلقونها في البيوت والمدارس والمساجد التي أغلب شيوخها لا يملكون من الخبرة والشهادات سوى( اللحية الطويلة والدشداشة القصيرة).
ظاهرة المتخلف أبو حمزة المصري
هذا الكائن الذي لا يليق به إلا وصف المتخلف عقليا، فمن يتخيل إنسانا يتفاخر بالخطاف الحديدي الموضوع بدلا من يده التي فقدها لا أدري أين وكيف؟ ويرفض طلب السلطات الصحية البريطانية أن تضع له يدا صناعية تستطيع القيام بأغلب ما تقوم به اليد الطبيعيىة من أعمال. وفي عام 2003 تمّ طرده من مسجد (فنسبري بارك) في لندن بعد أن عثرت الشرطة على بنادق وسموم وكروت اعتماد بنكية مسروقة وجوازات سفر مزورة وكتب خاصة بتعليم صنع السموم والمتفجرات . وحسب تحريات مراسل ( بي بي سي) – أنجوس إستكلر – عن امكانية شراء المواد الضرورية لصنع غاز الأعصاب ( سارين) فقد كان يلزمه فقط ثلاثة أسابيع لشراء هذه المواد من شركات بريطانية. وبعد طرده من المسجد، استمر يصلي مع مريديه في الشارع المقابل للمسجد، والسؤال: هل كان يستطيع فعل ذلك في بلده مصر؟ أم أنه كان سيسكت سكوت الأموات، لأنه في بريطانيا يوجد قانون واحترام للحريات أما في مصر وأي بلد عربي فكانت قوات الأمن ستقلع عينه الثانية وتكسر يده الأخرى في لحظات.
سرقة وضياع الجوازات
أعلن مكتب الجوازات البريطاني أنه بين عامي 1999 و 2002 فقط ، تمّ الإعلان عن فقدان أو ضياع 12 ألف جواز سفر بريطاني، وأغلبها ضاعت حسب بلاغات أصحابها عن طريق السرقة من مواطنين عرب ومسلمين. وفي المملكة النرويجية كشف تقرير صحفي في العام 2002 أن مواطنا باكستانيا يحمل الجنسية النرويجية، أبلغ خمسة عشر مرة عن ضياع جواز سفره، وفي كل مرة يحصل على جواز سفر جديد. وعقّب آنذاك مدير البوليس النرويجي قائلا: نحن متأكدون أنه يسافر للخارج لبيع الجواز الواحد بحدود عشرة ألاف دولار، ولكن القانون لا يسمح للبوليس بعدم إعطائه جوازات جديدة، طالما أننا لم نمسكه يبيع الجوازات. فهل كان هذا المواطن يستطيع فعل ذلك في كراتشي أو إسلام أباد؟. من المؤكد أنه لا يستطيع ولا يجرؤ ، لأنهم كانوا سيبيدونه من المحاولة الأولى.
تفجيرات في ألمانيا
وفي العام 2002 ، قدّم المدعو شادي عبد الله شهادة في محكمة مدنية في مدينة دوسلدروف ضد جماعة سلفية تسمى ( التوحيد) ، بان هذه الجماعة طلبت منه تحديد أهداف داخل ألمانيا لضربها، وأنه اختار المتحف اليهودي قي برلين، وملهى ليلي في مدينة دوسلدروف يملكه يهودي، وقدّم المذكور معلومات أدت لاعتقال ثمانية آخرين يملكون معلومات مذهلة عن خطط للتخريب والتدمير، وعن جمع أموال طائلة أرسلت للقاعدة وطالبان.
وفي الشقيقة الكبرى ماما أمريكا
هذه الشقيقة التي يتسابق العرب والمسلمون، ويدفعون الغالي والرخيص، ودماء قلوبهم ، للوصول إليها والإقامة فيها والحصول على جوازها الأكثر احتراما وتخويفا في العالم خاصة العربي والإسلامي، وما إن يحصلوا على ذلك وينعموا بالحرية والديمقراطية التي أوصلت أوباما الأسود رئيسا للبيت الأبيض، حتى يعود بعضهم لأصوله الظلامية المتخلفة معتقدا أنه يجاهد في سبيل الله عن طريق قتل الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا علاقة بسياسة الإدارة الأمريكية، وفي الغالب يكون من بين هؤلاء الأبرياء عرب ومسلمون كما حدث في العمليات الإرهابية الإجرامية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 .
مالك نضال حسن
ماذا قدّم من خدمة للإسلام والنضال هذا الإرهابي من أصول فلسطينية و يحمل الجنسية الأمريكية ، عندما أقدم في مطلع نوفمبر عام 2009 على إطلاق الرصاص على زملائه في قاعدة ( فورت هود) الأمريكية، فقتل 12 شخصا وجرح حوالي 35 آخرين. هل له اعتراضات على السياسة الأمريكية؟ لماذا لم يجتمع مع زملائه المغدورين ويحاول أن يقنعهم بخطأ هذه السياسة، ويعملوا بالسبل الديمقراطية ضد هذه السياسة؟ ألا نسمع ليل نهار من شيوخنا ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) ( وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
عمر فاروق عبد المطلب
وهذا المسلم النيجيري ماذا قدّم من صورة عن المسلمين عندما حاول في السادس والعشرين من ديسمبر 2009 ، أنّ يفجر طائرة (دلتا إير لاينز) المتجهة من أمستردام العاصمة الهولندية إلى مدينة ديترويت الأمريكية ، وعلى متنها 278 راكبا؟. بالله عليكم أي عقل يمكنه فهم هذا العمليات أيا كانت دوافع هذا الإرهابي؟.
وليس آخرهم الباكستاني فيصل شهرزاد
الذي تمّ اعتقاله في نيويورك يوم الرابع من مايو 2010 وهو في طريقه للهروب مسافرا لدبي ،بعد محاولته تفجير سيارة مفخخة في ساحة ( تايمز سكوير) في وسط مدينة لندن، وهي أكثر الميادين ازدحاما، ونجاح عمليته الإرهابية كان سيودي بحياة المئات من المواطنين الأمريكان من مختلف الأصول ومن بينهم عرب ومسلمون.

وها هم مالك نضال حسن وفاروق عبد المطلب وفيصل شهرزاد وأبو حمزة المصري وغيرهم كثيرون، يعيشون في سجون أنظف من فنادق بلادهم، ولكن ماذا كان سيحصل لهم لو تمّ إلقاء القبض عليهم في دولة عربية أو إسلامية؟ اما كانوا في خبر كان منذ إلقاء القبض عليهم ؟. وهنا يحق للعاقل أن يسأل: هل هناك مسؤولية للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان الغربية إزاء استشراء ظاهرة العنف والإرهاب من قبل عرب ومسلمين؟ بمعنى لو أنهم كانوا يعرفون أن الحكم عليهم سيكون الإعدام كما في أقطارهم، هل كانوا سيقدموا على هذه الأفعال الإرهابية.
آخر الصرعات الإسلامية في النرويج
ألا نكرر أن الإسلام يعلمنا الصدق والأمانة؟ تخيلوا آخر صرعات العرب والمسلمين في المملكة النرويجية..تخيلوا واضحكوا أو ابكوا...يقوم الكثيرون من العرب والمسلمين هنا في النرويج بإبلاغ المسؤول عنهم في مؤسسة الضمان الاجتماعي أنه طلّق زوجته، وحسب القانون تأخذ مؤسسة الضمان زوجته بعيدا عنه، وتعطيها شقة خاصة بها، وراتب خاص لها. وبعد اسابيع قليلة يقوم الزوج والزوجة بتأجير الشقة الجديدة ويعودان للعيش في بيت الزوجية اللامبارك معا، وبالتالي يكسبان أجرة الشقة وراتب الزوجة الجديد. وكان فيلما كوميديا لا ترقى له أفلام عادل إمام، عندما قام بتمثيلية الطلاق هذه أحد المسلمين في أوسلو من شهور قليلة، وبعد التمثيلية حملت زوجته بطفلها الخامس، وتكور بطنها المحروس، ونسيت نفسها وهي تراجع مسؤولتها في مؤسسة الضمان أنها أبلغت أنها مطلقة، وهاهي حامل. استغربت الموظفة النرويجية أنها حامل وهي طالق من زوجها منذ شهور، فسألتها الموظفة النرويجية: رائع اصبح عندك (بوي فريند)؟ . فقالت لها المسلمة مستنكرة السؤال: لا. فقالت لها الموظفة النرويجية: إذن كيف حملت بدون (بوي فريند) وأنت مطلقة منذ شهور؟ لا تقولي لي أنه من الروح القدس مثل مريم العذراء!!. وبعدها انكشفت تمثيليات وأكاذيب العديد من العرب والمسلمين ، ورغم ذلك يستمرون في نفس التمثيلية المخزية.
ما السبب في ذلك؟
عندما نرى أنّ هذه الأعمال الإرهابية والمخزية مستمرة بدون توقف، فلا بد أنّ هناك ما يشجع عليها ويحفز هؤلاء الأشخاص على الاستمرار فيها بافتخار وعزة..فما هي هذه الأسباب؟. هذا موضوع مقالة قادمة.

ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com


 




259
من رسائل المنفى والغياب
( 4 )
منفى حزيران أو اتفاقية أوسلو 1994
د.أحمد أبو مطر
لا فرق بين العنوانين سواء كان ( منفى حزيران 1994 ) أو ( منفى اتفاقية أوسلو 1994 )، فهذا العام من الأعوام الفاصلة في التاريخ الفلسطيني ، إذ شهد توقيع اتفاقية سلام وصلح بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ، بعد 46 عاما مما اصطلح عليه العرب العاربة والمستعربة "نكبة فلسطين" ، وبعد البحث والاستقصاء تبين لي أن تعميم إسم أو وصف ( النكبة ) على ما نتج عن هزيمة الفلسطينيين والعرب عام 1948 ، جاء من التسمية التي كان أول من أطلقها المؤرخ اللبناني قسطنطين زريق في كتابه الذي صدر في آب 1948 بعنوان " معنى النكبة " أي بعد أقل من ثلاثة شهور على قيام دولة إسرائيل في مايو 1948 ، التي كانت دولة للبعض ونكبة وتهجير وتشريد وتهديم وطرد ومجازر لبعض آخر . كان عمري في ذلك اليوم حوالي أربعة سنوات إلا شهرين حسب ما يتذكره والدي ( الشيخ عطية أبو مطر رحمه الله ) ، وحسب ذاكرة أختي الأكبر ( أم رشدي ) فهذا التاريخ يحمل تزويرا ، فهي متأكدة أن عمري كان ستة أعوام أي أنني اليوم وأنا ( مواطن نرويجي من أصول فلسطينية ) ، أبلغ من العمر لحظة إعداد رسالة المنفى الرابعة هذه للنشر ثمانية وستون عاما . المهم أن ( أم رشدي ) على الطالع والنازل بمناسبة وبدون مناسبة تؤكد وتنشر بالدليل أن أخيها ( أحمد ) من مواليد عام 1942 وليس عام 1944 كما يدّعي . يا أختي العزيزة والغالية أم رشدي أطال الله في عمرك ومنحك الصحة والعافية ( استرينا الله يستر عليك فالرجال هذه الأيام يخفون أعمارهم الحقيقية أكثر من النساء ).

ماذا كتب المنفى في 21 يونيو 1994 ؟


" الصديقة العزيزة ماجدة أم فيروز ،
التحيات والأشواق لأعز صديقة ، كانت وستبقى عندي مثالا للوفاء والجدّ والإخلاص . أعتقد أنّ هذه الرسالة ستصلك يوم 29 يونيو 1994 ، وبذلك يكون عمر طفلتك فيروز شهر تقريبا ، وتكون صحتك قد تحسنت وجروحك قد شفيت . في الحمل والولادة تعطي المرأة ولا تأخذ سوى الألم والمشقة ، ولا يخفف ذلك سوى المولود ذكرا أم أنثى ، لذلك لا أستغرب لماذا كتب على المرأة بيولوجيا وحدها أن تحمل وتلد ، ربما هي حكمة الخالق ولا اعتراض لنا عليها ، ف " الحمد لله على هذا الحال وكل حال ، حيث لا يحمد على مكروه سواه " . هكذا كان يردد أجدادي وجداتي في مخيم رفح ، رغم قراءتي لاحقا لعدم جواز ذلك والأفضل الاكتفاء بالقول ( الحمد لله على كل حال )....ما يتعلق ببيولوجيا الرجل والمرأة مجرد تفكير أو إعادة انتاج للأفكار ، إذ أتساءل أحيانا ماذا لو أنّ الطبيعة البيولوجية للرجل والمرأة خلقت على أساس أن تحمل المرأة مرة والرجل مرة ؟. أي يتبادلان الأدوار الحياتية والبيولوجية . وهذه ليست أفكار طوباوية مثالية ، ففي العالم اليوم ألاف من الرجال يأخذون هرمونات أنثوية كي يتحولوا إلى نساء والعكس أيضا ، والعديدون غيّروا جنسهم عبر الهرمونات والعمليات ، وبالطبع لذلك أساس بيولوجي هو ما يسميه العلماء (الجنس الثالث ) ، أي في حيرة لا ذكر ولا أنثى ، وعبر الهرمونات وحسب رغبته ينمّون إما الطبيعة الذكورية أو الطبيعة الأنثوية ...ومهما كان عذاب المرأة وشقائها فيكفيها القول المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم ( الجنّة تحت أقدام الأمهات ) مع العلم باختلاف شيوخنا حول صحة هذا الحديث وصياغته .
وضمن الأقوال التي يكررها الجمهور بدون تمعن بخصوص المرأة الأم ، يكررون ليل نهار في كل مناسبة تتعلق بتكريم الأم قول شاعر النيل إبراهيم حافظ :
الأم مدرسة إذا أعددتها        أعددت شعبا طيب الأعراق
وهذا الجمهور يعتقد أن هذا البيت تكريم للمرأة إلا أنه في حقيقة الأمر كما أرى إهانة لا ترقى لمستواها إهانة ، فهو يحمل معنى أن المرأة العربية هي المسؤولة عن هذا الإخفاق والتردي والفشل والهزائم التي تعيشها الشعوب العربية ، خاصة إذا تذكرنا البيت السابق له حيث يقول:
من لي بتربية النساء فإنها         في الشرق علة ذلك الإخفاق
من يتخيل هذا التطرف المعادي للمرأة ، فهو يبرىء الرجال العرب من أية مسؤوليات ، ف ( المرأة هي علة الإخفاق في الشرق ). لذلك يا صديقتي ماجدة ، لو كان إبراهيم حافظ حيّا لطالبته بشطب هذه الأبيات من شعره أو لأقمت ضده دعوى قضائية باسم المرأة العربية بعد أخذ تخويل منك ، وسيكون تخويلا مشهودا له بالنفوذ لأنه ذو أصول عربية مدعوم بجنسية أمريكية يتمناها حتى رؤساؤنا وملوكنا العرب .
 أسبانيا أم الأندلس
في الأول من يوليو/ تموز 1994 سوف أغادر أوسلو إلى مدريد بدعوة من (مركز الاستشراق العربي الإسلامي الأسباني ) للمشاركة في ندوة تستمر عدة أيام حول ( نظرة معاصرة للوجود الإسلامي في شبه جزيرة ايبيريا ) . سأقدم مداخلة أو دراسة تقارن بين الطبيعة الواحدة للغزو العربي لأسبانيا ، والغزو الصليبي لبلاد الشام (ومنها فلسطين ) ، لأن العرب سمّوا فترة دخولهم واحتلالهم لأسبانيا ( الفتوحات الإسلامية ) ، وسمّى المسيحيون حروبهم لاحتلال بلاد الشام ( محاولات لحماية الآراضي المقدسة ) مستعملين شعار الصليب رمزا لهذه الحروب ، لذلك سميت في التاريخ " الحروب الصليبية "  1096 – 1291  ، وللعلم فإطلاق هذه التسمية ليس من المؤرخين العرب والمسلمين بل الأوربيين المسيحيين أنفسهم ، الذين كانوا يضعون شعار الصليب باللون الأحمر على صدورهم ، وهم يجيشون الجيوش للمشاركة في الغزو ليكون غزوا باسم الصليب والمسيح ودفاعا عن المعتقدات والأماكن المسيحية كما يدّعون . الغزو والاحتلال لايدومان مهما طال الزمن ، لذلك دحر المسيحيون الأسبان الفاتحون ( المحتلون ) العرب بعد ثمانية قرون ، وكذلك دحر العرب المحتلين الصليبيين بعد حوالي قرنين من القدس . هذه هي إرادة الشعوب وحكمة التاريخ...يا ترى هل ندحر الاحتلال الإسرائيلي من فلسطين بعد قرنين أم ثمانية قرون ؟. المفارقة التي تحتاج لتأمل هي أنّ الأسبان المسيحيين دحروا الاحتلال العربي بعد سقوط غرناطة آخر معاقلهم عام 1492 م ، وفي العام نفسه توجه البحار الإيطالي كريستوفر كولومبوس ليكتشف دون تخطيط منه العالم الجديد الذي أطلق عليه ( أمريكا ) ، كما يقولون كتابة عن طريق الخطأ لإسم أحد رفاق كولومبوس ، الإيطالي أيضا " أمريجو فير شبوسي " . ليصبح هذه الاسم ( أمريكا ) الأكثر شهرة وانتشارا في العالم ، لدولة عظمى يسعى الجميع للوصول إليها والإقامة فيها ، بدليل أن الماجدة التي أكتب إليها سبقت وأقامت فيها ، وأنجبت فيروز التي رأت النور حاملة جواز الشقيقة الكبرى ماما أمريكا .

الخامس والعشرين من مايو 1944
في هذا اليوم زار الرئيس ياسر عرفات وصديقه الحميم الرفيق شمعون بيريز العاصمة النرويجية ( أوسلو ، عاصمة السلام المباركة ) ليشكرا الحكومة النرويجية على جهودها التي بذلتها سرا منذ مؤتمر مدريد عام 1991 لإتمام الصفقة التي وقعت في واشنطن في الثالث عشر من سبتمبر 1993 من شمعون بيريز ومحمود عباس ، وبحضور عرفات ورابين والرئيس الأمريكي بيل كلينتون . المفارقة أن الطبخة تم إعدادها طوال أكثر من سنتين في أوسلو ، إلا أن شرف التوقيع نالته واشنطن مع الاحتفاظ بأوسلو الأم تسمية للاتفاقية .
تمّ الإعداد من الأطراف النرويجية والإسرائيلية والفلسطينية إلى لقاء احتفالي عام بهذه المناسبة ، كان من بين المدعوين له أحد أصدقائي ( ليس من حقي ذكر اسمه كون الرسالة الآن علنية لجميع القراء ) ، فماذا فعل هذا الصديق ؟. إستغرب دعوته لهذه الاحتفالية فهاتفني قائلا : " لا أدري هل دعوني بصفتي فلسطينيا أم إسرائيليا فالفروق لدى القيادة الفلسطينية أصبحت غير ملموسة . فكّرت في رفض الدعوة ، ولكن وجريا على عادتي التي تعرفها وشعارها أنه يجب أن يكون لي في كل عرس قرص ، أبت نفسي المقروصة أن يمرّ هذا العرس بدون قرص ، فانتظر ماذا سأفعل !!) .

ماذا فعل أبو القرص هذا في العرس المذكور؟
كتب بيانا باللغة العربية والنرويجية موقعا باسمه الصريح موضحا تحفظاته على اتفاقية أوسلو ، ويوم الاحتفال في صالة الشعب النرويجية بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ، ألبس فتاة / طفلة فلسطينية عمرها حوالي عشر سنوات – قيل أنها ابنته – ثوبا فلسطينيا مطرزا بألوان الثوب الفلسطيني المعروفة حاملة بيدها العلم الفلسطيني ، ودخلت الطفلة كأنها موكب جليل يحمل تاريخ فلسطين وجغرافيتها ، شهداؤها ومعتقلوها ، ومشت في الصالة وسط دهشة الحضور ( واثق الخطوة يمشي ملكا ) ، وتوجهت لرئيسة الوزراء النرويجية ( جرو هارلم ) حيتّها وأعطتها نسخة نرويجية من البيان ، ثم وزعت النسخة العربية والنرويجية على غالبية الحضور ، وما إن انتهت من التوزيع حتى كان الحضور قد قرأوه ، فانقسموا بين مصفقين وواجمين ، ثم توجهت لمنصة الرئاسة وثبتت العلم الفلسطيني أمام الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ، وتركت العلم منتصب القامة ، وخرجت حاملة أسى وغياب شعب بكامله .
 سأمكث في مدريد حوالي اسبوعين ، سأحاول الكتابة لك من هناك إذا أمكن . لك الصحة ولفيروز العمر أيتها الماجدة ".
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

ملاحظة و استطراد
وأنا أعدّ رسالتك يا ماجدة للنشر ، كانت الرائعة ماجدة الرومي تغني من كلمات إيليا أبو شديد وألحان زكي ناصيف :
لا..لا ما فيّ
لا ما فيّ هاللي عاشوا العمر حواليّ
يضيعوا مني ...يضيع الملقى
وليل نهار خيالهم يبقى يشرب من روحي وعينيّ
لا ما فيّ..ما فيّ..ما فيّ

يا شجر العالي اللي عم تنزل أوراقه
ذكرتني بحالي  والعمر ورفاقه
يا زهور عم تذبل وعم تيبس
عم يمرقوا ببالي
تخمين صاروا مثل كل الناس
وضاعوا ورا ليالي
يا إما بقى حالهم مثل حالي

وتستمر ماجدة الرومي في الغناء الحزين ، وبعد انتهاء حزنها ب ( يا ثلج حاجي تشعل بقلبي..بقلبي الحريق ) ، سأرى أيتها الماجدتين هل أستمر في نشر رسائل المنفى أم أتركها للغياب ؟.

260
الشاعر محمد حسيب القاضي :
راحل جديد من منفى قريب
د.أحمد أبو مطر

يغادرون منافيهم القريبة والبعيدة ، ذات اللكنة العربية والغربية ، وهم يحملون معهم حلما واحدا بتنويعات مختلفة متقاربة ، حلم العودة أو دفن الجثمان في تلك البقعة التي ولدوا فيها عام...وغادروها عام 1948  . لكنها تظلّ مجرد أحلام ..أحلام الغياب أو أحلام اليقظة لا فرق ، فبعض هذه الأحلام تداهم أصحابها ولا يقظة بعدها ، كما حصل مع الصديق الشاعر الفلسطيني محمد حسيب القاضي الذي كان راحلا جديدا، مساء الجمعة الثلاثين من أبريل 2010 ، من منفى قريب ( القاهرة ) لموطن أحلامه مدينة يافا التي ولد فيها عام 1935 ، اي يرحل عنها بعد خمسة وسبعين عاما من ولادته فيها ، وبعد إثنين وستين عاما من فراقه القسري لها بسبب نكبة أو هزيمة أو تهجير أو تشريد لا فرق ، المهم أنه غادرها رغم أنها لم تغادره ، إذ بقي طوال ما لايقل عن نصف قرن يكتبها شعرا وأناشيد ثورية ، كانت من أشهر الأناشيد في زمن الثورة الحقيقية قبل أن يستولي عليها اللصوص والمرتزقة ويحيلوها إلى شركات ومصالح شخصية . في ذلك الزمن النقي من لم يسمع ويسجل وينشد ويردد النشيد الذي كتبه الراحل محمد حسيب القاضي :

بإيدي رشاشي... وبدي أضلني ماشي
وأرضنا المحتلة... ما بترجع بلا شي
وبدي أضلني ماشي... وبدي أضلني ماشي
رشاشي ورصاصي... طريق الخلاص
واللي بيوقف سيري... بنطلقه بالراس
وبدي أضلني ماشي... وبدي أضلني ماشي
رشاشي رفيقي... أخويا وصديقي
لغوتنا مفهومة... بينجدني بالضيق
وبدي أضلني ماشي... وبدي أضلني ماشي
رشاشي عاكتافي.... فرشتي ولحافي
وطول ما احنا سوية... عمرنا ما نخاف
وبدي أضلني ماشي... وبدي أضلني ماشي


( وطول ما إحنا سوية ) !!! هل كان يتنبأ الفقيد الراحل قبل خمسة وأربعين عاما بأنه سيأتي انقلاب حماس العسكري واستيلائها على قطاع غزة عام 2007 كي يحدث هذا الانقسام ، ويصبح الفلسطينيون ( ما إحنا سوية ) ؟. وطالما لم يحقق الفلسطينيون نتيجة على الأرض ( طول ما إحنا سوية ) ، فلنا أن نتخيل النتائج الكارثية التي بدأت طلائعها وهم ( ما إحنا سوية ) ، حيث إمارة حماس الظلامية في القطاع، ودويلة عباس الكرتونية الورقية في الضفة ، هذا الانقلاب الذي ألجأه للعودة للإقامة في القاهرة العاصمة التي كثيرا ما أقام فيها ، ومن تلك المرات بعد اعتقاله من قوات الاحتلال الإسرائيلي عقب نكسة وهزيمة 1967 .


بدايات معرفة وثيقة
عرفت الشاعر الراحل في بداية الستينيات من القرن الماضي ، عندما قدمت إلى القاهرة عام 1961 من مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين للدراسة في كلية الآداب بجامعة القاهرة . وأسس آنذاك عام 1963 الراحلان أيضا الأستاذان زهير الريس و محمد زكي آل رضوان في مدينة غزة جريدة ( أخبار فلسطين ) ، وكان الراحل الجديد الشاعر محمد حسيب القاضي أحد أعضاء هيئة تحريرها ، و ممن أذكر منهم الأستاذ اسامة شراب ، والروائي المقيم في أستراليا الآن عبد الكريم السبعاوي ، وكان الفنان الراحل أيضا إسماعيل شموط هو المخرج الفني للجريدة ، التي نالت شهرة ورواجا سريعا في قطاع غزة ، خاصة بعد دخول الصحفيين المصريين مصطفى وعلي أمين صاحبا جريدة "أخبار اليوم " المصرية شريكين في الجريدة، لتصدر بالتعاون مع أخبار اليوم المصرية ، مما ساعد على تطويرها بسرعة كبيرة وتوزيعها في القطاع و مصر وعدة دول عربية . وكنّا نكتب للجريدة ونرسل مقالاتنا إما لعنوانها بالبريد في غزة أو عبر  أخبار اليوم المصرية ، وقد فتحت باب الكتابة والحضور للعديد من الأقلام الناشئة من سكان القطاع الذين أصبح أغلبهم أسماء معروفة في عالم الأدب والنقد والسياسة .
تعرفت آنذاك في القاهرة على الشاعر الراحل محمد حسيب القاضي بعد الاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967 واعتقاله عدة مرات ، ثم مغادرته للقاهرة حيث تقابلنا وتعارفنا في إذاعة صوت فلسطين التي كانت تبث من إذاعة صوت العرب ( أحمد سعيد ) الشهيرة آنذاك . ثم أبعدتنا الغربة ومنافيها وأصبح من الصعب أن تجد طريقا للتواصل مع من تعرفهم وتحبهم ، فكانت لقاؤتنا عبر الصحف والورق ، نقرأ لبعض ونراسل بعض بالبريد أو عبر الصحف التي نكتب فيها ، والتقيته للمرة الأخيرة في عام 2001 أثناء زيارتي للضفة والقطاع للمشاركة في مؤتمر أدبي لجامعة القدس العربية ، وكم كان مؤلما أن تعبر العديد من الحواجز وأنواع التفتيش وصولا لمخيم رفح الذي نشأت وتعلمت فيه منذ نكبة الهجرة والتشريد .

شاعر بعيد عن الأضواء
كان الراحل الشاعر محمد حسيب القاضي رغم غزارة انتاجه الشعري وكتاباته النقدية واناشيده الثورية المشهورة ، لا يحب الأضواء الإعلامية بعكس غالبية الكتاب والمثقفين ، لذلك ورغم حضوره الأدبي في أغلب المحافل الأدبية والفنية الفلسطينية تحديدا ، إلا أنه لم ينل حقه من التركيز الإعلامي على انتاجه ، رغم أهمية القول أن العديد من الدراسات والكتابات نشرت عن انتاجه الشعري تحديدا . كان كالعديد من المبدعين الفلسطينيين قد تجول في أكثر من منفى ، فمن القاهرة إلى قبرص وتونس واليمن والجزائر ، وغزة ثم القاهرة ومنها إلى منفاه الأخير بعيدا عن يافا مسقط رأسه التي لم تفارقه يوما ، وكان كلما التقينا يحدثنا عما يتذكره من تلك اليافا من أهم المدن الفلسطينية المحتلة .

إنّ ما يحتاج للتركيز النقدي عليه هو مسرحياته الشعرية : دولة أيوب ، 1997 مع أهمية ربطها موقفا وابداعا مع ديوانه الصادر قبلها عام 1983 بعنوان " أربعاء أيوب " وما لهذا الأربعاء من حضور في التراث الشعبي الفلسطيني . المفارقة المهمة هي حضور أربعاء ايوب هذا في الوجدان الفلسطيني المسيحي والمسلم ، إذ يحتفل به الجميع صباح الأربعاء الذي يسبق عيد الفصح المجيد . وما زلت أتذكر طفولتي وشبابي في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين بقطاع غزة ، عندما كنّا نخرج صباح هذا الأربعاء بالآلآف أطفالا وشبابا ورجالا ونساءا إلى شاطىء البحر ، وهناك يتجمهر البشر يحمل كل واحد منهم جروحه وآلامه طالبا الشفاء عبر الاستحمام في البحر ، وذلك جريا على تقليد النبي أيوب كما تقول الأسطورة أو السيرة ، ذلك النبي الذي أصبح مثالا للصبر ( صبر أيوب ) ، صاحب المرض العضال الذي ألمّ به عشرات السنين ، وتحملت معه زوجته الألم وصبرت طويلا منتظرة شفاءه الذي كان ذلك الصباح بعد استحمامه في ماء البحر . التعلق بهذه الإسطورة أو السيرة التي وردت في القرآن الكريم والإنجيل ، جعل سكان كل منطقة على شاطىء البحر الأبيض المتوسط في جانبه العربي ، يعتقدون أن النبي أيوب استحم ونال الشفاء على شاطئهم هذا . وضمن ذكر مسرحيات محمد حسيب القاضي الشعرية ، لا يمكن نسيان مسرحيته "شمهورش " 2001 . طبعا دون نسيان أهمية دواوينه الشعرية الخمسة عشر منذ أولها " فصول الهجرة الأربعة " 1974 إلى آخرها " السدى قاطرة..قطرة " 2002 .

هو شاعر طالعلك ياعدوي طالع
محمد حسيب القاضي الراحل الحاضر ، هو كاتب أنشوردة الزمن الثوري الأصيل قبل سرقته ومصادرته من اللصوص والخونة ، هو الذي كتب ، ينشد، يحرض ، قائلا:
طالعلك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع
بسلاحي وايماني طالع
طالعلك يا عدوي طالع
حربنا حرب الشوارع طالعلك يا عدوي
طالعلك يا عدوي
طالعلك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع
من كل حيطة وبيت طايحين
بالسطاطير وبالسكاكين
من كل حيطة وبيت طايحين
بالسطاطير وبالسكانين
بالسطاطير وبالسكانين
وبقانبلنا اليدوية
وبقنابلنا اليدوية
اعلنا الحرب الشعبية
إلى آخر هذه الأنشودة التي يحفظها الأطفال والشباب والنساء والرجال ، أيضا في ذلك الزمن النقي الطاهر .
أين السلطة الفلسطينية من هذا الغياب ؟
الحزن الذي يغمرنا بسبب هذا الرحيل ومن سبقوه ومن سيلحقوه ، يطرح سؤالا على مسؤولي الثقافة في السلطة الفلسطينية ( إن وجدت الثقافة والسلطة ) : ماذا فعلت وتفعل السلطة إزاء أسر هؤلاء الراحلين الغائبين بعد أن تركوا أعمالا إبداعية وأدبية وتاريخية ستبقي القضية حية في الوجدان والضمير والعقل مهما طال الرحيل والتشرد ؟. هل سألت السلطة أو أحد أجهزتها المسماة " ثقافية" كيف تعيش عائلات الراحلين أو إعادة نشر انتاجهم أمثال : توفيق المبيض وأحمد عمر شاهين وشفيق الحوت ، وهذه الأسماء الراحلة ممن أعرف شخصيا ، وغيرهم كثيرون لا يمكن نسيان إبداعهم وحضورهم ...فهل هناك من يسمع أم علينا التسلح بصبر أيوب إن أمكن ؟.
محمد حسيب القاضي..سأظل أفتقدك طالما شعرك لا يمكنني نسيانه..ومن ينسى قولك أيها الغائب الحاضر:
لا هم طيور أبابيل
ولا هو من أي سجيل
إنما هو مما تفتت من صخرة الحزن بين الحنايا
وما خبأته مرايا رمادهم الحي من جمر عنقائهم
وهاهم يرون اشتعال ملامحهم في المرايا
فلا هم طيور أبابيل
ولا هو من أي سجّيل
إنهم بشر
ومعجزة الله في يدهم حجر

الراحل الحاضر محمد حسيب القاضي..حزني عليك مضاعف ، لأنني أمضيت أكثر من أربعين يوما في القاهرة الشهور الثلاثة الماضية ، ولم أقابلك لأنني لم أكن أعرف أنك عدت للإقامة في القاهرة ، ولم يخبرني أحد ممن قابلت بذلك..وداعا أيها الراحل الحاضر.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

261
"مدرستي فلسطين "
هل هناك ضرورة لمبادرة الملكة رانيا هذه؟
د.أحمد أبو مطر
أطلقت الملكة الأردنية رانيا يوم الأحد الثامن عشر من أبريل 2010 مبادرة جديدة تتعلق بمدينة القدس الشرقية التي يصرّ الفلسطينيون على أن تكون عاصمة دولتهم الموعودة ، و أعطت هذه المبادرة اسم " فلسطين مدرستي " ، ومن أهم ما تتضمنه المبادره وتسعى لدعمه  "  إعادة تأهيل وتطوير وصيانة المدارس الفلسطينية في القدس الشرقية ، وذلك انطلاقا من قولها وتأكيدها أنّ ( هناك عشرة ألاف طفل مقدسي لم يذهبوا للمدرسة اليوم ولن يذهبوا هذا العام ، تخيلي مستقبل إبنك أو إبنتك رهن الاحتلال ، وتعليمه رهن الاحتلال، وبيته رهن الاحتلال ، وأرضه رهن الاحتلال  " . ومن هذا التعريف بأهم أهداف المبادرة ، تنطلق ضرورتها التي يمكن التركيز على أهمها فيما يلي :
 
أولا : هذا التوصيف المعلوماتي الرهيب الذي أوردته الملكة رانيا ، من يصدقه في ظل الاحتلال الذي يدّعي المحافظة على القيم الإنسانية ، وحرمان ألاف الطلاب من المدارس لا تمارسه سوى أنظمة مغرقة في العنصرية ، تهدف إلى تجهيل الشعوب المحتلة ، لأنها تعرف أن التعليم والثقافة لا يقودان إلا لمقاومة الاحتلال والسعي للحرية والدولة المستقلة ، خاصة إذا عرفنا حجم التسهيلات والإمكانيات المتوفرة للطفل والطالب الإسرائيلي في القدس الغربية .

ثانيا : هناك دراسات تشير إلى أنه يوجد في مدينة القدس الشرقية ما لا يقل عن مائتي مدرسة بحاجة إلى إصلاح وترميم وإعادة تأهيل لتكون صالحة إنسانيا لاستقبال الطلاب والطالبات ، خاصة في ظل العراقيل والصعوبات والحواجز التي يقيمها الاحتلال في القدس الشرقية ، بما فيها منع ترميم وإصلاح المدارس والمباني التاريخية ، لجعل حياة سكانها صعبة ومستحيلة مما يضطرهم لمغادرتها أو الهجرة نهائيا ، كخطوات تسهم في تهويد المدينة الذي تقوم به سلطات الاحتلال علنا في كافة المجالات الحياتية للمدينة ، التي ترفض الاعتراف بها عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة ، وتعتبرها غير قابلة للتقسيم كعاصمة أبدية لدولة إسرائيل . في حين أن غالبية دول العالم لا تعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية التي تؤجل منذ سنوات نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس ، على أساس عرف دبلوماسي وهو أنّ السفارات تكون في العواصم ونقل السفارة الأمريكية للقدس يعني الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل .

ثالثا: البعد الإنساني الذي يتمثل في الاستثمار في أجيال هي التي يعتمد عليها أن تقود المستقبل ، وهذا الاستثمار ضرورته تنبع من وضع مأساوي حقيقي في القدس الشرقية، أشارت إليه الملكة رانيا بقولها : " خمسين في المائة فقط  من أطفال القدس مقدر لهم أن يكملوا تعليمهم ، ومن استجاب الله لدعواتهم وصلوات والديهم وحظوا بمقعد دراسي ، يدرسون في مدارس ضيقة مخنوقة في صفوف شحيحة بامكانياتها ...وهذه المدارس هي أفضل ما هو متوفر حاليا للأطفال العرب المقدسيين ". وقول الملكة هذا ، أكدّه رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في احتفال اطلاق المبادرة قائلا : " إن العمل بهذه المبادرة في فلسطين والقدس بالذات له الكثير من المعاني...إنّ التعليم هذا القطاع الحيوي الهام أصابه وهن وضعف ووضع مأساوي جراء الاجراءات الاحتلالية والمشروع الاستيطاني الإسرائيلي ، الذي يكاد يقضي وبشكل تام على طريق التوصل إلى حل عادل ودائم ".

رابعا: الرسالة السياسية في مبادرة الملكة لتؤكد أنه بالاضافة لمسؤولية الأردن ، ف" إن مسؤولية القدس هي أيضا مسؤولية فلسطينية وعربية وإسلامية " ، وأهمية هذا التركيز تنبع من حقيقة أنّ غالبية الوعود بدعم صمود أهل القدس هي مجرد قرارات على ورق لم تعرف الطريق إلى أوضاع المقدسيين المأساوي .  و قد كان وسيظل حقيقة مؤلمة قول الملكة رانيا: " القدس اليوم كما بالأمس تتصدر عناوين الأخبار وجداول أعمال القمم ، فالوضع بالنسبة للمقدسيين يزداد سوءا ظاهره وباطنه ما تحمله الأخبار عن الاستيطان ، وتضييق الخناق والترحيل والحرمان من الحقوق الأساسية ، إلى ما تؤكده الاحصائيات من تراجع نسبة الانفاق على التعليم وتضاؤل المعونات الخارجية وزيادة نسبة البطالة . القدس تتهود أكثر فأكثر كل يوم ، وعلينا أن ندعم فلسطينيتها بدءا من اليوم ....الحلول والمفاوضات تأخذ وقتا لا يمكن لأطفال القدس انتظارها ".

خامسا : نتيجة هذه الأوضاع المأساوية التي يواجهها جيل الأطفال والشباب في أهم عامل من عوامل نجاحهم وحياتهم ، ستركز المبادرة حسب توصيف الملكة على : " سنصلح البنية التحتية للمدارس العربية في القدس الشرقية ، ونحاول ضم مباني متوفرة للمدارس الموجودة ونوسعها ، ونمكن الطاقم التعليمي فيها بمتطلبات العليم الضرورية ، ونرفع من مستوى خريجي المدارس لتبقى هويتهم صامدة ليقفوا صامدين في بكرامة في وجه الاستيطان ".

لماذا الأردن ؟
من عوامل أهمية هذه المبادرة أنها انطلقت من المملكة الأردنية التي لها دور تاريخي في حماية القدس وأماكنها المقدسة عند العرب والمسلمين ، كما أن المملكة الأردنية – رغم وجود الاحتلال - هي صاحبة الصلاحيات الخاصة بالأوقاف والمقدسات الإسلامية في القدس ، لذلك ستركز المبادرة في خطواتها الأولى على المدارس التي تتبع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الأردنية وهي حوالي ثمانية وثلاثين مدرسة في مدينة القدس وحدها ، كما أوضحت وزيرة التربية والتعليم الفلسطينية السيدة لميس العلمي . كذلك فإن البدء بتنفيذ المبادرة سيكون كما أوضح وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية السيد عبد السلام العبادي " سيتم من خلال إدارة الأوقاف الإسلامية العاملة في القدس والتابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن ، التي يقع تحت مسؤولياتها العديد من مدارس التربية والتعليم في القدس الشريف ". وهذه المسؤوليات الأردنية يفترض أن لا يتذرع الاحتلال بأية ذرائع لتعطيلها فهي مسؤوليات إنسانية تربوية تحفظها كافة المواثيق الدولية حتى في وجود الاحتلال .

لذلك فإن هذه المبادرة الإنسانية الموجهة لاستثمار مستقبلي في أجيال نراهن عليها في الحفاظ على الحقوق الفلسطينية ، تحتاج إلى دعم كل من يهمه الأمر أيا كانت هويته وقوميته وديانته ، وكي تصبح المشاركة واسعة ومتاحة لأكبر قطاع من المهتمين ، أطلقت الملكة رانيا بعد يومين من مبادرتها هذه ما أطلقت عليه " شبكة المرأة العربية لدعم مدرستي فلسطين " ، وستكون المساهمات لمن يردن بطريقة فردية أو جماعية من خلال نشاطات في دولهن يذهب ريعها لدعم المبادرة الأساسية "مدرستي فلسطين ". وكلنا أمل وتفاؤل أن تنجز النساء العربيات ما عجز أو تخاذل عنه رجال العرب .
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com


262
رابطة الجوار العربي :
فكرة منطقية أم مجرد نكتة ؟
د.أحمد أبو مطر

أثار الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في القمة العربية التي عقدت في مدينة سرت الليبية في السابع والعشرين من مارس 2010 ، فكرة جديدة في ساحة العمل العربي المشترك ، وهي دعوته لقيام ( رابطة الجوار العربي ) بين دول الجامعة العربية ( 22 دولة ) ودول الجوار مثل تركيا وإيران ودول الجوار الأفريقي ، مطالبا أن تكون البداية مع تركيا وتشاد . ولم يكتف الأمين العام بهذا الطموح بل راى أن يتسع هذا الإطار الجواري ليشمل مستقبلا دول جنوب أوربا على البحر المتوسط . ومن غير المعروف لي على الأقل إن كانت دعوة الأمين العام للجامعة العربية هذه ، كانت نتيجة دراسات عميقة قام بها فريق من الخبراء والمختصين ، أم مجرد زلة لسان أو نكتة قصد منها التسلية والإضحاك .
ماذا يقول الواقع ؟
من المعروف أن عمر الجامعة العربية ( 22 ) دولة ، اليوم هو خمسة وستون عاما بالتمام والكمال ، ورغم ذلك لم ترتق العلاقات بين دولها إلى علاقات جوار وتكامل طبيعية على غرار ما هو حادث منذ سنوات بين دول المنظومة الأوربية التي ارتقت منذ سنوات إلى ما هو قريب من الوحدة الكاملة . والسؤال الطبيعي في هذا السياق : هل تستطيع دول ذات صفة عربية لم تقم علاقات جوار طبيعية في ما بينها ، أن تقيم هذه العلاقات مع دول ذات صفات تركية وإيرانية وأفريقية وأوربية ؟. وتبسيط جواب هذا السؤال يكون عبر ألأسئلة التالية :
أولا: ما نوع العلاقات الاقتصادية العربية مع دول الجوار المطروحة ، طالما الدول العربية ذاتها لم تتمكن حتى اليوم من إقامة السوق العربية المشتركة أو العملة العربية الموحدة ؟ ،  في حين أن منظومة الدول الأوربية طبقت العملة الموحدة ( اليورو ) منذ سنوات .
ثانيا : كيف سيكون التنقل بين الدول العربية وبين دول الجوار المطروحة ، طالما التنقل بين غالبية الدول العربية يحتاج إلى تأشيرة دخول مسبقة من الصعب الحصول عليها في أغلب هذه الدول ، والحدود مقفلة منذ سنوات بين بعض الدول العربية  ؟ ، بينما دول المنظومة الأوربية ألغت الحدود بينها ويستطيع مواطنوها التنقل بين سبعة وعشرين دولة أوربية بدون تأشيرة دخول أو جواز سفر ، فبطاقة الأحوال الشخصية تكفي لاثبات الشخصية والتنقل الحر الآمن ؟.

وماذا عن بعض الدول المقترحة للرابطة ؟
أولا: إيران

كيف ستقوم علاقة جوار طبيعية ضمن رابطة سياسية مع دولة الجمهورية الإسلامية في إيران ، وهي تحتل الأحواز العربية منذ عام 1925 ، والجزر الإماراتية الثلاثة منذ عام 1971 ، ولا تتوقف عن التهديد بإعادة ضم المملكة البحرينية التي هي في عرفها محافظة إيرانية ،  وتهدد بتدمير دول الخليج العربي إن تعرضت لعدوان خارجي ، وآخر المهازل منعها أي طيران يستعمل اسم ( الخليج العربي ) من النزول في مطاراتها أو التحليق في أجوائها . وفي الوقت ذاته علاقات إيران متوترة مع العديد من الدول العربية ومقطوعة مع بعضها . وكذلك فإن نظرية تصدير الثورة الإيرانية الخمينية لا تهدد إلا الجوار العربي في دول الخليج العربي تحديدا .
ثانيا : تركيا
كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حاضرا القمة العربية التي أعلن فيها عمرو موسى مبادرته هذه ، وكان طيب رجب أردوغان أول المرحبين بها لأن موسى طالب البدء بالجارة تركيا لقيام هذه الرابطة معها ، في حين لم يرحب بالفكرة في القمة أي رئيس أو مسؤول عربي . ولا أعتقد أن هناك تحفظات على الدور التركي ترقى لنسبة بسيطة من التحفظات على الدور الإيراني ، إلا أنه يبقى مطلوبا موقفا عربيا واضحا من احتلال تركيا منذ عام 1938 لإقليم الإسكندرونة السوري الذي كان يطلق عليه لسنوات في المناهج التعليمية السورية صفة ( السليب ).
ثالثا : أسبانيا
وإذا كان تعريف ( دول جنوب أوربا على البحر المتوسط ) يشمل في عرف عمرو موسى أسبانيا ، فكيف ستقوم علاقة جوار طبيعية في ظل احتلالها لمدينتي سبتة ومليلة المغربيتين ، وهناك توتر واضح بين الدولتين بسبب هذه المشكلة ؟.
رابعا : دول الجوار الأفريقي
ذكر الأمين العام للجامعة العربية في مبادرته دولا أفريقية بالاسم : إثيوبيا ، إريتريا ، تشاد ، السنغال ، مالي ، غينيا ، والنيجر . وهذا يضيف للمسالة تعيقدات أفريقية عربية ، فدولة إريتريا رغم أن نسبة من سكانها يتكلمون اللغة العربية إلا أنها منذ استقلالها عن إثيوبيا عام 1993 رفضت الانضمام لجامعة الدول العربية رغم حدودها المجاورة للسودان ولليمن عبر البحر الأحمر ، بينما انضمت للجامعة العربية دولة ( جزر القمر ) في عام 1993 أي نفس العام الذي رفضت إريتريا الانضمام للجامعة ، رغم – وهنا ضحك كالبكاء – أن جزر القمر لا تربطها أية حدود بأية دولة عربية ، فهي تقع في المحيط الهندي بين شمال غربي مدغشقر والساحل الأفريقي ، على بعد 300 كيلومتر من موزمبيق ومدغشقر . وإريتيريا واثيوبيا المقترحتان لرابطة الجوار لا توجد بينهما علاقات ودية طبيعية بسبب الخلاف الحدودي على مناطق : زالامبيا ، بادمي ، آيروب ، و اليتنيا ، رغم التحكيم الدولي لصالح اثيوبيا عام 2002 ، وقد سبق أيضا نزاع إريتريا مع اليمن على ملكية جزر حنيش الصغرى والكبرى، والتحكيم الدولي بأحقية اليمن بها عام 1998.

دعوة غير منطقية وليست واقعية
وبالتالي استنادا للوقائع والمعطيات السابقة  ، فإن دعوة ( رابطة الجوار العربي ) التي أطلقها عمرو موسى ليست دعوة منطقية ، ولا توجد أية سنائد واقعية تدعمها ولو على مستوى صدور بيان على الورق حولها ، وهذا ما يفسر عدم اهتمام الدول العربية كافة بها ، ولن تطرح للنقاش بعد ذلك في أي منتدى أو لقاء عربي أيا كان مستواه ، فالأهم هو محاولة إقامة ( رابطة الجوار العربي ) بين الدول العربية نفسها ، أعضاء ما يسمى "جامعة الدول العربية " منذ خمسة وستين عاما فقط ، ولا أدري كم ستون عاما أخرى نحتاج لجامعة عربية حقيقية ، تكون في مستوى منظومة الاتحاد الأوربي .
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

             

263
من رسائل المنفى والغياب
( 3 )
منفى مايو 1994
د.أحمد أبو مطر

كان عمر البدوي السبعاوي في مايو 1994 بالتمام والكمال خمسون عاما وشهر واحد حسب التقويم الميلادي ، وهذا يعني حسب تقويمه الخاص ستة وأربعون عاما من النزوح أو الهروب أو الطرد أو التشريد أو التهجير من بير السبع مسقط رأسه ، حيث ما يزال يتذكر بيت الشعر الذي كان يقطنه مع أهله وعشيرته وعلى بابه تسرح وتمرح وتصدح بأجمل الألحان الخراف والماعز والجمال والخيول ، حيث يتقاسم الرجال والنساء العمل في الحقول والمزارع على قدم المساواة ( سواسية كأسنان المشط ) وكأنهم قد تتلمذوا على مبادىء أفلاطون دون أن يعرفوه أو يسمعوا بإسمه ، ومن يتخيل أنّ بعض أشقائه واقاربه ولدتهم أمهاتهم وهنّ يعملن مع الرجال في الحقول ، أو يحصدن القمح والشعير ، بدون ممرضات أو اطباء ومستشفيات ؟. كان قد مضى في مايو عام 1994 حوالي أربع سنوات على هجرته الثانية للمملكة  النرويجية ( المباركة المنصورة دوما بإذن الله ) ، أما الرفيقة المناضلة المجاهدة الماجدة فربما قد مضت على هجرتها للشقيقة الكبرى ماما ( أمريكا ) حوالي خمسة سنوات أيضا . وعندما يكون سلاحك ورأسمالك هو القلم فقط ، فلا بد من استعماله حيث الحزن والألم يلاحقك من منفى إلى منفى، ومن غربة إلى غربة ، فماذا كتب هذا القلم الحزين المتوتر في مايو 1994 إلى تلك الماجدة البعيدة القريبة .

عصر بداية الاستبداد وكاتم الصوت

كتب المنفى في بداية مايو من عام 1994 لماجدته يقول:

" أطيب التحيات مقرونة بأشواقي الصادقة ، راجيا أن تكوني بصحة جيدة خاصة وأنت في الأيام الأخيرة من الحمل ، أو كما كانت تقول جدتي " إن شاء الله تقومي بالسلامة ". انتبهي يوم الهزيمة النكراء التي خففها القائد جمال عبد الناصر إلى مجرد " نكسة " صحية هو الخامس من حزيران ، فإذا كان يوم ولادتك يصادف هذا الموعد فلا داعي لتغييره لا بطلق صناعي أو غيره ، فكّري فقط في تغيير اسم المولودة ليكون بعيدا عن أية إيحاءات إنتكاسية مهزومة . للتذكير فقط للكاتب المشهور إحسان عبد القدوس مجموعة قصصية عنوانها " الهزيمة كان اسمها فاطمة " . وقد نشرها عام 1975 أي ثمانية أعوام بعد الهزيمة – النكسة ، عارضا نماذج مجتمعية من المجتمع المهزوم في كافة أشكاله وعلاقاته . وهناك رواية للكاتب الأردني غالب هلسا اسمها ( الروائيون ) وهي من أعمق ماكتب عن تلك الهزيمة المجيدة ، دعتني لكتابة دراسة عنها بعنوان " هزيمة حزيران في أدب غالب هلسا " ، سأرسل لك الرواية والدراسة مع رجائي قراءة الرواية أولا .

على ذكر الكتب ، أرسلت لصديق في سورية كي يرسل لي ما طلبتيه من كتب أحمد أمين عن العصور الإسلامية خاصة العصر الأموي ، سأرسلها لك فور وصولها لي . لا أعرف سبب  بحثك عن العصر الأموي ، هل لأنه كما أرى هو عصر بداية مصائبنا وهزائمنا وانقساماتنا الحالية ؟ . هذا العصر الذي يبدأ بمعاوية ابن أبي سفيان ، كان بداية العصر الملكي الامبراطوري العربي ، فقد وصل معاوية عبر إنقلاب أو تمرد قاده ضد آخر الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب ، وقتل فيه علي ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم ليتم تتويج معاوية خليفة أو ملكا لا فرق ، ويبدأ بتعيين إبنه "يزيد" وليا للعهد ، لتستمر الخلافة ملكية متوارثة في الأمويين عشرات السنين ، بعد أن كانت الخلافة في زمن الخلفاء الراشدين من قبله لها شكل قريب من الشورى وفيها مسحة من الديمقراطية ، وإلا لماذا تطلق كافة كتب التاريخ العربي والإسلامي على الخلفاء الأربعة الأوائل فقط إسم ( الخلفاء الراشدين ) ، مما يعني ضمنا أن كل من تولى الحكم باسم الخلافة من بعدهم حتى الخلفاء العثمانيون هم خلفاء غير راشدين ، وإلا لماذا تمتنع كتب التاريخ الإسلامي عن ربط هذه الصفة بأسمائهم ؟. كما أنّ هذا العصر بدأ بداية دموية تمثلت في معركة "الجمل" بين السيدة عائشة زوجة الرسول ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام في مواجهة الخليفة الإمام علي بن أبي طالب ، تلك المعركة التي قتل فيها عشرات ألاف من المسلمين من الطرفين ، يرى البعض أنهم كانوا مهووسين بالدفاع عن جمل عائشة إلى أن صرخ الإمام علي : " أعقروه وإلا فنيت العرب...ويحكم ارشقوه بالنبل ، أعقروه لعنه الله ". وهنا أفكر كثيرا في مصير هؤلاء المتقاتلين على ضوء حديث الرسول : " إذا التقى المسلمان بسفيهما فالقاتل والمقتول في النار . قلت يارسول الله هذا القاتل ، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان ينوي قتل صاحبه ".

عصر كاتم الصوت
لقد تم تدشين الاغتيالات السياسية في بداية العصر الأموي حفاظا على توارث السلطة والحكم ، وكان كاتم الصوت آنذاك الخنجر أو السم ، ومن أشهر الاغتيالات التي نفذت ضد مناهضي الحكم الوراثي الأموي :
اغتيال الحسن بن علي
اغتيال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
اغتيال عمر بن عبد العزيز
ومن ذلك العصر الأموي ، ورث العرب والمسلمون الملكية التوارثية من الأب إلى الإبن إلى ابن الإبن ، سواء كان الحكم ملكيا أم جمهوريا ، وورثنا كذلك أعمال الاغتيال السياسي التي مارسها أغلب الحكام العرب المعاصرين ، بما فيهم الرئيس عرفات إن صحت معلومة اغتياله لفنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي في لندن . وهناك قوائم طويلة عندما يكشف النقاب عنها سوف يسود الشعر الأبيض ويبيض الشعر الأسود ، اما شعري فسيعود أسودا من الحزن ، وبذلك لن أكون مضطرا لصبغه . سألتني صديقتي النرويجية بعد أن رأت لي صورة قديمة يبدو في شعري بعض الشيب : كيف إسود شعرك ثانية ؟ قلت لها : في حصار بيروت إبيض شعري من الخوف ، وفي دمشق إسود من الخوف !!. ثم داومت على صبغه لأني لا أريد أن يكون لديّ أبيض اللون سوى قلبي .
الشيخ عطية في مخيم رفح
اكتب هذه الرسالة مساء الحادي والعشرين من مايو 1994 ، وهو يصادف أول أيام عيد الأضحى المبارك عند المسلمين الذي لم يتفقوا سنة على بدايته . اتصلت بوالدي ( الشيخ عطية أبو مطر ) في مخيم رفح للاجئين بقطاع غزة ، فأخبرني أنه منذ اسابيع توفي أخي الأصغر (موسى ) . الطريف في الأمر إن كان في أخبار الموت طرافة ، أنّ تعليقي على الخبر كان : ( الحمد لله فقد ارتاح ). استغرب والدي هذا التعليق فقال : ( سبحان الله..كيف تغير الأحوال والغربة قلوب البشر ) . أجبته : يا شيخ عطية..لا أدري لماذا لم أحزن . ربما لأنه في اللاشعور عندي : حياة الموتى أفضل من موت الحياة الذي نعيشه . وهاهي تمرّ خمسة ساعات على الخبر الفاجع بالنسبة للبعض ، ولكنه كان عاديا بالنسبة لي فلم أبك ، ولم تذرف عيوني دمعة ، رغم أن كلمات بسيطة في رسالتك السابقة أبكتني كما أخبرتك !.
الصديقة العزيزة ماجدة،
أشكرك على شريط ماجدة الرومي وشريط مارسيل خليفة .شريط ماجدة الرومي جميل ، ولكن شريط مارسيل خليفة لا يمكنني سماعه كثيرا ، لأنه يعيدني لأيام حصار بيروت ، لأيام الأمجاد الثورية التي باعوها بأقل من كسرة خبز ، وبالتالي لن نصبح على وطن ، ولكن على خوازيق من المحيط إلى الخليج ، ومن ضمنها خوازيق الدولة الشرعية الجديدة (إسرائيل) التي يخطب ودها عرب المحيط والخليج .
لا أمل . لا متسع في الرجاء. الظلام يطبق من كل ناحية ، وستضاف قضيتنا لملف " القضايا الخاسرة" في العالم ، ولن ينفع فيها لا بروتوكولات حكماء فلسطين ولا صرخات أحمد العربي ، فالجنازة معدّة والثوب كالح السواد ، والكفن لن يكون أبيضا هذه المرة .
نكسة أم هزيمة..لا تغيري الاسم المقترح لمولودتك القادمة..فيروز...حافظي على هذا الاسم فمن صفات الفيروز اللمعان وقت العتمة . تحياتي لك وآسف على هذه الثرثرة المزعجة ، ولكن إذا لم نتحمل بعض على الورق فماذا سنتحمل؟. ومرة ثانية وثالثة بالسلامة وتقومين بالسلامة . والسلام على فيروز يوم تولد ويوم تبعث حيّة ، فربما تكون من أنبياء العصر ، وما أدراك . أقرأ الآن الانجيل الجديد للكنيسة المورمونية الأمريكية . زارني قبل اسبوع شاب وفتاة نرويجيين وقدّما لي هذا الانجيل ، لإكتشف أنه من السهل إدعاء البعض أنهم أنبياء يتصلون بالسيد يسوع المسيح ، كما فعل نبي مورمون جوزيف سميث . بينما في التاريخ الإسلامي سبق أنّ إدعى مسيلمة النبوة فقد تمّ قتله و استحق لقب مسيلمة الكذّاب ،وسجاح المرأة التي نافسته في إدعاء النبوة ، ضحك عليها عبر مغامرة جنسية فتنازلت له مبايعة لنبوته .
العزيزة ماجدة
كل المحبة والإخلاص..ولك الصحة والسلامة ولفيروزك القادمة العافية والشباب ، وكما كانت تقول جدتي " تتربى في عزكم ". إلى اللقاء في أوراق قادمة ، فالورق نصنع منه وطنا ، ولولا الحبر لضاقت بنا الدنيا ، فلا مفر من أن نخلق عوالمنا الخاصة ، ولا بدّ من أن نشدّ على أرواح بعضنا ، فمن كلمة إلى بسمة نصنع صمودا في وجه حياة قاسية .
ahmad.164@live.com 
www.dr-abumatar.com

ملاحظة :
الأصدقاء والقراء الذين كتبوا لي يسألون عن ( ماجدة ) هذه ، هل هي ماجدة الرومي أم ماجدة المصري أم ماجدة الفلسطيني ، أقول لهم الاسم في أهمية مضمون الرسائل ، وإذا أردتم وسمح وقتكم ، فأقرأوا كلمات واسمعوا أغنية ماجدة الرومي :

 عم يسألوني عليك الناس اللي كانوا يشوفونا سوى
شو بقول خبرني لكل الناس ؟ غيّر أمانينا الهوى
وما عاد نتلاقى سوى هيك ببريد الهوى

أما الفلسطيني فلم يغير أمانيه الهوى ، بل غيّرها ودمّرها مناضلون من طراز عدنان ياسين وخال يحيى عياش ومصعب حسن يوسف ورفيق الحسيني ، ومناضلون آخرون ورّدوا الاسمنت لبناء الجدار الفاصل الإسرائيلي ، وبناء مستوطنة أبو غنيم التي يسميها بعض سكان الضفة الغربية "مستوطنة أبو علاء " ولا أدري ماذا يقصدون ؟ من يعرف قصدهم هذا فليخبرني وأجره من أبو علاء نفسه ، أو من محمد رشيد المشهور باسم خالد سلام .

264
من رسائل المنفى والغياب
     1 / 2
نفس القيادات ، نفس الهزائم
د.أحمد أبو مطر
كتب قبل أن يغادر، وأرسل ما كتب لمن وصلته الرسائل فكان أمينا وحريصا عليها كأنها ثروة بنكية لا يجوز التفريط بها، أو الدخول بها في سوق المضاربات كي لا يخسرها . من ولد في مايو عام 1948 فهو اليوم في الثانية والستين من عمره . أي اثنين وستين عاما وهو في المنفى إن كان من اللاجئين الذين طردوا أو نزحوا أو هجّروا من بيوتهم ، ولا يهم نوع الإسم من طرد إلى نزوح إلى تهجير ، فالنتيجة واحدة وهي المنفى واللجوء والخيام في البداية ثم بلوكات من الاسمنت وغرف لا تتوفر فيها الحدود الدنيا للحياة الإنسانية الكريمة . كان واحدا ممن هجّروا ونزحوا وطردوا ، عاش من منفى إلى منفى، من غياب إلى غياب ، وكتب كثيرا ، وكان قد أوصى بنشر ما كتب ، ومن تلقى فقد كان أمينا ، وهاهو يطلب أو يأمر بالنشر ، لنكتشف أن حياة الستين عاما تستنسخ نفسها في حياة الفلسطيني مرة كل عشر سنوات بنفس الحيثيات والقيادات ، من نضال وشهداء إلى فساد ومفسدين ، ومن مناضلين رائعين كحكيم الثورة إلى عملاء ومخبرين بالآلآف دون ذكر أسمائهم، لكنهم من كافة المراتب : أعضاء لجان مركزية ووزراء ومدراء دوائر إلى شباب مراهقين ليس اولهم عدنان ياسين ولا آخرهم مصعب حسن يوسف . فماذا كتب ذلك المنفى والغياب في السادس والعشرين من أبريل عام 1994 أي قبل ستة عشر عاما ، لنكتشف بعد القراءة كأنها كتبت اليوم .
الصديقة العزيزة ماجدة ،
من منفى إلى منفى ومن غربة إلى غربة، تنتقل تحياتنا وأمانينا عبرالأثير والورق، لأن حياة سمتها التشرد لايملك أصحابها سوى الأماني والمحبة، فهما كفيلان بتخفيف حدة المنفى وقسوة الغربة ومرارة التشرد. رسالتك المثقلة بأسى المنفى وشقاء الغربة، وقسوة وعقاب حكام هذا العالم غير المتحضر ، إنها رسالة حياة مئات ألآلآف من شعبنا. أكتبها أنا وأنت بالقلم ، و ثلاثة ملايين ونصف من شعبنا في غزة والضفة يكتبونها بالدم واللحم الطري، بدم ولحم الشباب والأطفال والرجال والنساء، الذين يموتون يوميا برصاص الاحتلال ومستوطنيه ، وقيادة هذا الشعب غير آبهة بذلك وتخاف من اثارته في المفاوضات . في مجزرة الحرم الابراهيمي بالخليل، مات أو قتل أو سقط أو استشهد ( لا فرق فالموت واحد وإن تعددت الصفات) ما لا يقل عن خمسين فلسطينيا . استنكرت القيادة الفلسطينية المجزرة ، ولكن منذ يوم المجزرة وحتى أمس الخامس والعشرين من أبريل عام 1994 ، مات وقتل من شعبنا حوالي ثمانين فلسطينيا، دون أي استنكار أو كلمة من هذه القيادة..لماذا ؟.
يبدو أنه كما قال غسان كنفاني (خيمة عن خيمة بيتفرق ) يقصد خيمة الفدائي بيتفرق عن خيمة اللاجىء، وكذلك عند القيادة الفسطينية (موت عن موت بيفرق )، فالموت على يد جيش الاحتلال مشروع (ذبح حلال ) تسكت عنه وعليه، أما الموت على يد المستوطنين فهو حرام تعترض عليه وتستنكره ، ربما لأنه لم يتم حسب الأصول العبرية التوراتية. وهناك مليون وربع من الشعب الفلسطيني في داخل دولة إسرائيل، يكتبون هذه الرسالة الألم بالسكوت والاحتجاج السلمي أحيانا، وهذا ما يستطيعونه لأنهم كحملة للجنسية الإسرائيلية لا يملكون حق مقاومة الدولة التي (يتشرفون) بحمل جنسيتها ، وتسمح لهم بالتنقل في وعبر كافة دول العالم بعكس اللعنة العربية المسماة " وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين". وهناك حوالي ثلاثة مليون أردني من أصل فلسطيني ، يحملون الجنسية والجواز الأردني ، وهم أكثر الفلسطينيين حظا بسبب حملهم للجواز الأردني الذي يسمح لهم بتنقل حر كريم بعكس الوثيقة اللعنة التي يبدو أن أوراقها طبعت وهي ملوثة بفيروس الإيدز ، لذلك يخاف منها ويحتقرها كل موظفي المطارات العربية بلا استثناء . وهناك في دول الخليج العربي ما لا يقل عن مليون إلا ربع فلسطيني أفضل الجهاد عندهم نسبة إل 10 % التي تقتطع من رواتبهم لتذهب لما يسمى الصندوق القومي الفلسطيني الذي اتهم أحد مدرائه بسرقة الملايين لجيبه الخاص ، وتم حبسه بعد تسليمه من دولة عربية. أما الذين لم ولن يحبسوا فهم بالمئات ، وأغلبهم نعرفهم معا في بيروت ودمشق وتونس وقبرص، وكانوا دون مبالغة لا يملكون إلا راتبهم الشهري ، فإذا هم في لحظة عرفاتية بامتياز ، أصبحوا يملكون الملايين والشركات والوكالات من السلطة والاحتلال معا . إنهم خريجو مدرسة الفاكهاني اللاديمقراطية التي نادرا ما حصلت زوجة شهيد على مخصصها قبل الاحتيال عليها بطرق مختلفة لا داعي لذكر بعضها ، فبعض الأعمال الوسخة تعرف من الإشارة إليها ونوعية مرتكبيها خاصة إذا كانوا من اللصوص الذين أثروا على حساب دماء الشهداء ، وغالبا يحملون أسماء لها شخصيات تاريخية صادقة ، كأن يحمل أحدهم إسم ( محمد ) وأنت تعرفين ذكرى ونصاعة هذا الإسم ، و ( رشيد ) اي انه رجل راشد مستنير، وهو في واقع الحال الفلسطيني العرفاتي سارق لما لا يقل عن مليار دولار باعتراف ما يسمى المجلس التشريعي الفلسطيني ، بعد عودتهم المظفرة للقطاع والضفة. 
أما ما لايقل عن مليون فلسطيني في العراق وسوريا ولبنان ، فحالهم نفس الحال السيء ، لا يتنفسون إلا بعد مرور الهواء على مكاتب المخابرات السورية والعراقية ، وفي لبنان حيث أسسوا عشرات الدكاكين الثورية الغالبية العظمى من الغلابى ممنوعين من العمل في ما لا يقل عن سبعين وظيفة . وهناك حوالي ثلاثة ملايين في أوربا وأمريكا والمنافي البعيدة ، انخرطوا في حياتهم اليومية ، فما العمل طالما العودة حلم يتنقل معهم من منفى إلى منفى وسط عذابات الغالبية وفساد ولصوصية الأقلية الذين يسمون "القادة" الذين سيقودوننا نحو حلم العودة.
هل تتصورين يا ماجدة كيف تتراجع حتى أحلامنا ؟ أتذكر في فترة المراهقة الثورية عام 1968 عندما جاءني قرار حركة القوميين العرب بترك عملي في الكويت والالتحاق بقواعد الجبهة الشعبية لتحرير ( ما تيسر من فلسطين) في منطقة جرش الأردنية ، كان الشباب يتسابقون للوصول من كافة المنافي القريبة والبعيدة ، شباب في عمر الورود ومن كافة الأعمار ، يحلمون باجتياز النهر والموت، كان حلم تحرير فلسطين بعيدا ، وكان هذا واضحا لهم، ولكن حلم الموت هو ما كان يغلي في صدورهم . أتذكر  - ومن الذكريات ما يبكي – أن أشدّ عقوبة كان يستعملها الملازم مسؤول القاعدة بحق الشاب الذي يخطىء أو يقصّر في واجباته، هي التهديد التالي : " فلان..محروم لمدة شهرين من الاشتراك في أية دورية ستعبر النهر نحو فلسطين ".  آه يا ماجدة لو تدرين كيف كانت ردة فعل ذلك الشاب ؟. كان يبكي ويتوسل الملازم ويقسّم أنه لن يخطىء بعد اليوم أو يقصّر في واجباته ، وكان مستعدا أن يقبل قدميه ويديه كي يكون في دورية الليلة التي ستعبر النهر نحو فلسطين لمقاتلة الاحتلال !!! تخيلي أين كنا وكيف أصبحنا؟ لذلك ولكل ما سبق وما سيأتي وهو أعظم ، أقول معك نعم " سنموت جميعا في المنفى دون أن نحقق الحلم الذي يراودنا " وانا مثلك أكتب وعيناي تغرق بالدموع في هذه اللحظة. هل تتصوري معنى أن تصبح الدموع سلاحا للمقاومة ، أعني مقاومة من أجل البقاء والعيش والصمود حتى ولو على المستوى الفردي الحياتي . ومن وقت قصير فقط فهمت معنى قول فرويد عالم النفس اليهودي " أترك من يبكي يبكي ، فالدموع تعبير ومقاومة ". لقد أدهشني تعبيرك " العتمة تزداد يوما بعد يوم. تهدد المستقبل. هذه العتمة تفزعني إلى آخر الرعب ". صحيح ذلك ومدهش ، لقد عرفنا أول الرعب ولكن لم نعرف بعد ولا نعرف آخره . فإذا كان مانعيشه رعبا فماذا نسمي الآتي ؟. لذلك أفهم وأتذكر دعاء جدّي وجدّتي الذي أكرره دوما " يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف "،فهم كانوا يدركون خوفا قادما دون أن يسمّوه!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com
الجزء الثاني
نفس الأحلام في كل المنافي



من رسائل المنفى والغياب
د.أحمد أبو مطر
    2 / 2
نفس الأحلام في كل المنافي

ويواصل نفس الغياب والمنفى رسالته القديمة الجديدة :

" رغم أننا عملنا معا سنوات طويلة ، إلا أنّ زحمة العمل والورق والخدمات الصحفية ومراجعة الكتب، لم تسمح لنا بمثل هذا التفاعل الذي يأتي الآن حيا نابضا عبر الورق والقلم . فيك روح شاعرة بالإضافة للمسات الفنانة . أنا الكتابة أصبحت بالنسبة لي ليست مهنة رغم أنها مهنتي منذ ربع قرن على الأقل ، لكنها منذ تشردي الجديد منذ عام 1989 أصبحت سلاحي الوحيد لمقاومة الكآبة والحزن . لولا الكتابة – بدون مبالغة – لانتحرت منذ سنتين ، رغم معرفتك بي كم أحبّ الحياة وصخبها وضجيجها ومعاركها ، أو في أحسن الأحوال لدخلت مستشفى العقلاء على اعتبار أنّ المجانين هم أكثر عقلاء عصرنا هذا، وإلا لماذا قال القدماء : " خذوا الحكمة من أفواه المجانين " .

سألتني صديقة صحفية نرويجية : " لماذا أنت متجهم الوجه أغلب الأحيان ولا تضحك إلا قليلا ؟ " . فأجبتها : " تخيلي طفلا عمره أربع سنوات طرد من وطنه ، وحمله أهله هاربين مشردين لاجئين ، وكبر وسط شقاء وبؤس المخيمات في قطاع غزة . وعمل وهو ما زال صبيا دون الثالثة عشرة من عمره نادلا في المقاهي والمطاعم ، وتحدى كل الظروف ، وذهب إلى الجامعة منهيا المرحلة الجامعية الأولى ، ثم تعذّب في حرّ الكويت ورطوبتها حتى جمع المال اللازم للعودة للجامعة لإنهاء مرحلتي الماجستير والدكتوراة ، وكان له هذا ، وعندما اعتقد أنه جاء وقت الراحة والاسترخاء ، بدأت المشاكل التي لا يتصورها ، فيطرد سياسيا أو يمنع من العودة إلى الكويت . ويذهب إلى الجماهيرية الليبية الشعبية الديمقراطية العظمى ، فيطرد نفسه كي لا ينخرط في موضة أو صرعة اللجان الشعبية ، ومن الجماهيرية العظمى إلى جماهيرية صدّام ليخّير إما أن ينظّر ويمجد ما أطلق عليه "قادسية صدّام" في الحرب العراقية الإيرانية أو يغادر العراق تاركا عمله الجامعي ، فيختار الخيار الثاني ذاهبا إلى بيروت ، وبعد حصار شارون لبيروت في حزيران 1982 يتم شحنه كالبضائع في باخرة إلى سورية ، وعندما أعاد توازنه وكوّن نفسه من جديد يتم تهديده ومصادرة بعض أملاكه وطرده خارج سورية بلد البعث القومي العربي الاشتراكي . ومع هذا وذاك لم يلتقي والده وأمه وكافة أفراد عائلته في قطاع غزة منذ ثلاثين عاما ، واعتقل والده أكثر من مرة ، وقتل أخاه الأوسط على يد بنادق جيش الاحتلال .....بالله عليك كيف يضحك هذا الشخص ؟.
عندما أنهيت سرد قصة هذه المأسآة ، أجهشت صديقتي النرويجية في البكاء ، وأجهشت أنا في الضحك ، متذكرا بيت شعر المتنبي الذي قال فيه  :  "  إلا أنه ضحك كالبكا  " . نعم إنه ضحك كالبكاء ، وهذا ما يجعل هستيريا الضحك عند بعض علماء النفس تعبيرا عن موقف ساخر أو مشهد حزين .

ما العمل ؟
هذا سؤال لا تسأليه وحدك، ولكن مئات ألاف من شعبنا بما فيهم الأمناء العامون لدكاكين وسوبرماركات المقاومة الذين هم يفترض من يملكون الجواب . لذلك تراودني فكرة لا أدري هل هي معقولة أم مجنونة. إنها فكرة العمل من أجل دعوة 75 مفكرا وكاتبا ومخلصا فلسطينيا لتدارس الوضع الفلسطيني البائس اليائس ، للخروج بكتاب يحدد آفاق المستقبل والعمل والحلم الفلسطيني ، وربما يسمى "بروتوكولات حكماء فلسطين " على غرار " بروتوكولات حكماء صهيون " الذي على هدية سار زعماء الحركة الصهيونية سرا و علنا ، وكان مؤتمر بال عام 1897 أول خطواتهم نحو الوطن القومي اليهودي ، الذي كان أول الخطوات نحو تشردنا وشقائنا . قال أرسطو " أنا أفكر إذن أنا موجود " ، وعندي " أنا أكتب ، إذن أنا موجود " والكتابة لا معنى لها بدون تفكير. لذلك أنت بالنسبة لي الآن جوهرة فيروزة ثمينة كي أكتب لك . إن التزاماتي الصحفية والكتابية لثلاثة صحف ومجلات عربية لا تكفي لاستيعاب ما يهدر بداخلي ،  لذلك يمكنك اعتبار نفسك المجلة الرابعة التي ألتزم بالكتابة اليها فيما لا تجرؤ تلك الصحف على نشره . المهم أن نقرأ بعض جيدا . أرجوك أخبريني عندما تطّل فيروزتكم الجديدة على عالمنا . محظوظة هذه الفيروزة التي ستولد أمريكية ، وربما تنزل وفي يدها الباسبور الأمريكي بطبعته الجديدة الصعبة على التزوير . عندما كنت في دولة عربية قبل شهور قليلة ، وجدت أنّ النسبة الأعظم من شبابنا العربي يفكرون في أمريكا والهجرة إليها ، وكأنها حلم سيدنا سليمان أو مصباح علاء الدين أو جنّة الله . أتوقف عند هذا الفاصل الأمريكي من رسالتي ويبقى الكثير للكتابة والقراءة  ، مع كل ما أستطيعه من التحيات والتقدير والأمل بحياة أمريكية سعيدة مريحة " .

إلى هنا ينتهي هذا الفاصل
من تنويعات المنفى والغياب الخاص ليثبت نشر ما كتب عام 1994 أن المنفى الفلسطيني يفكر نفس الأحلام والتنويعات ، بدليل أن فكرة مؤتمر بال هذه الواردة في الرسالة الخاصة قبل 16 عاما تقريبا أي لم يقرأها سوى صاحبة الرسالة ، ينظّر ويدعو لها الكاتب الفلسطيني الدكتور أفنان القاسم منذ أكثر من عام تحت عنوان " نحو مؤتمر بال فلسطيني " ، وكتب العديد من الدراسات حول الفكرة ، وهذا التأكيد مني من أجل القول صراحة أنّ الدكتور أفنان القاسم هو صاحب الفكرة والمنظّر لها ، فهو أول من أعلنها وما زال يسعى لجلب دعم لها دون اهتمام يذكر ممن يهمهم الأمر .
وتغني فيروز

لما عالباب يا حبيبي بنتودع
بيكون الضو بعدو شي عم بيطلع
بوقف طلع فيك وما بقدر أحكيك
وتفل وما ترجع وبخاف تودعني
إلا الوداع الفلسطيني يا صاحبة " أجراس العودة فلتقرع " فهو وداع اجباري لا يملك الفلسطيني فيه ارادة ، إذ لم أعد قادرا على سماع أغنيتك " سنرجع يوما إلى حينا " بعد أن امتد هذا اليوم 62 عاما ، وفضائح الشهور الماضية من مصعب حسن يوسف إلى ما أعلنه من فضائح المحامي الفلسطيني ضابط المخابرات فهمي شبانة ، يعلن صراحة أنّ هذا اليوم بعيد بعيد ، لا أدري أي جيل سيشهده ؟.
صديقي السويدي لم يقرأ أي كتاب عن المنفى والغياب الفلسطيني ، ورغم ذلك جاءني يوما وقال لي : فهمت كل تفاصيل عذابكم دون قراءة أو متابعة. سألته كيف ؟ قال لي : عندنا جزيرة سويدية في أقصى الشمال كل فصولها ثلوج وبرد قاس ، عدد سكانها خمسة وستين سويديا وثلاثة فلسطينيين ، فسألت نفسي : من أوصلهم إلى هنا حيث يهرب من الجزيرة السويديون أنفسهم ؟ فعرفت الجواب : إنه الشقاء الذي حدثتني عنه كثيرا .
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com
 


265
من رسائل المنفى والغياب
1 / 2
نفس القيادات ، نفس الهزائم
د.أحمد أبو مطر
كتب قبل أن يغادر، وأرسل ما كتب لمن وصلته الرسائل فكان أمينا وحريصا عليها كأنها ثروة بنكية لا يجوز التفريط بها، أو الدخول بها في سوق المضاربات كي لا يخسرها . من ولد في مايو عام 1948 فهو اليوم في الثانية والستين من عمره . أي اثنين وستين عاما وهو في المنفى إن كان من اللاجئين الذين طردوا أو نزحوا أو هجّروا من بيوتهم ، ولا يهم نوع الإسم من طرد إلى نزوح إلى تهجير ، فالنتيجة واحدة وهي المنفى واللجوء والخيام في البداية ثم بلوكات من الاسمنت وغرف لا تتوفر فيها الحدود الدنيا للحياة الإنسانية الكريمة . كان واحدا ممن هجّروا ونزحوا وطردوا ، عاش من منفى إلى منفى، من غياب إلى غياب ، وكتب كثيرا ، وكان قد أوصى بنشر ما كتب ، ومن تلقى فقد كان أمينا ، وهاهو يطلب أو يأمر بالنشر ، لنكتشف أن حياة الستين عاما تستنسخ نفسها في حياة الفلسطيني مرة كل عشر سنوات بنفس الحيثيات والقيادات ، من نضال وشهداء إلى فساد ومفسدين ، ومن مناضلين رائعين كحكيم الثورة إلى عملاء ومخبرين بالآلآف دون ذكر أسمائهم، لكنهم من كافة المراتب : أعضاء لجان مركزية ووزراء ومدراء دوائر إلى شباب مراهقين ليس اولهم عدنان ياسين ولا آخرهم مصعب حسن يوسف . فماذا كتب ذلك المنفى والغياب في السادس والعشرين من أبريل عام 1994 أي قبل ستة عشر عاما ، لنكتشف بعد القراءة كأنها كتبت اليوم .
الصديقة العزيزة ماجدة ،
من منفى إلى منفى ومن غربة إلى غربة، تنتقل تحياتنا وأمانينا عبرالأثير والورق، لأن حياة سمتها التشرد لايملك أصحابها سوى الأماني والمحبة، فهما كفيلان بتخفيف حدة المنفى وقسوة الغربة ومرارة التشرد. رسالتك المثقلة بأسى المنفى وشقاء الغربة، وقسوة وعقاب حكام هذا العالم غير المتحضر ، إنها رسالة حياة مئات ألآلآف من شعبنا. أكتبها أنا وأنت بالقلم ، و ثلاثة ملايين ونصف من شعبنا في غزة والضفة يكتبونها بالدم واللحم الطري، بدم ولحم الشباب والأطفال والرجال والنساء، الذين يموتون يوميا برصاص الاحتلال ومستوطنيه ، وقيادة هذا الشعب غير آبهة بذلك وتخاف من اثارته في المفاوضات . في مجزرة الحرم الابراهيمي بالخليل، مات أو قتل أو سقط أو استشهد ( لا فرق فالموت واحد وإن تعددت الصفات) ما لا يقل عن خمسين فلسطينيا . استنكرت القيادة الفلسطينية المجزرة ، ولكن منذ يوم المجزرة وحتى أمس الخامس والعشرين من أبريل عام 1994 ، مات وقتل من شعبنا حوالي ثمانين فلسطينيا، دون أي استنكار أو كلمة من هذه القيادة..لماذا ؟.
يبدو أنه كما قال غسان كنفاني (خيمة عن خيمة بيتفرق ) يقصد خيمة الفدائي بيتفرق عن خيمة اللاجىء، وكذلك عند القيادة الفسطينية (موت عن موت بيفرق )، فالموت على يد جيش الاحتلال مشروع (ذبح حلال ) تسكت عنه وعليه، أما الموت على يد المستوطنين فهو حرام تعترض عليه وتستنكره ، ربما لأنه لم يتم حسب الأصول العبرية التوراتية. وهناك مليون وربع من الشعب الفلسطيني في داخل دولة إسرائيل، يكتبون هذه الرسالة الألم بالسكوت والاحتجاج السلمي أحيانا، وهذا ما يستطيعونه لأنهم كحملة للجنسية الإسرائيلية لا يملكون حق مقاومة الدولة التي (يتشرفون) بحمل جنسيتها ، وتسمح لهم بالتنقل في وعبر كافة دول العالم بعكس اللعنة العربية المسماة " وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين". وهناك حوالي ثلاثة مليون أردني من أصل فلسطيني ، يحملون الجنسية والجواز الأردني ، وهم أكثر الفلسطينيين حظا بسبب حملهم للجواز الأردني الذي يسمح لهم بتنقل حر كريم بعكس الوثيقة اللعنة التي يبدو أن أوراقها طبعت وهي ملوثة بفيروس الإيدز ، لذلك يخاف منها ويحتقرها كل موظفي المطارات العربية بلا استثناء . وهناك في دول الخليج العربي ما لا يقل عن مليون إلا ربع فلسطيني أفضل الجهاد عندهم نسبة إل 10 % التي تقتطع من رواتبهم لتذهب لما يسمى الصندوق القومي الفلسطيني الذي اتهم أحد مدرائه بسرقة الملايين لجيبه الخاص ، وتم حبسه بعد تسليمه من دولة عربية. أما الذين لم ولن يحبسوا فهم بالمئات ، وأغلبهم نعرفهم معا في بيروت ودمشق وتونس وقبرص، وكانوا دون مبالغة لا يملكون إلا راتبهم الشهري ، فإذا هم في لحظة عرفاتية بامتياز ، أصبحوا يملكون الملايين والشركات والوكالات من السلطة والاحتلال معا . إنهم خريجو مدرسة الفاكهاني اللاديمقراطية التي نادرا ما حصلت زوجة شهيد على مخصصها قبل الاحتيال عليها بطرق مختلفة لا داعي لذكر بعضها ، فبعض الأعمال الوسخة تعرف من الإشارة إليها ونوعية مرتكبيها خاصة إذا كانوا من اللصوص الذين أثروا على حساب دماء الشهداء ، وغالبا يحملون أسماء لها شخصيات تاريخية صادقة ، كأن يحمل أحدهم إسم ( محمد ) وأنت تعرفين ذكرى ونصاعة هذا الإسم ، و ( رشيد ) اي انه رجل راشد مستنير، وهو في واقع الحال الفلسطيني العرفاتي سارق لما لا يقل عن مليار دولار باعتراف ما يسمى المجلس التشريعي الفلسطيني ، بعد عودتهم المظفرة للقطاع والضفة.  
أما ما لايقل عن مليون فلسطيني في العراق وسوريا ولبنان ، فحالهم نفس الحال السيء ، لا يتنفسون إلا بعد مرور الهواء على مكاتب المخابرات السورية والعراقية ، وفي لبنان حيث أسسوا عشرات الدكاكين الثورية الغالبية العظمى من الغلابى ممنوعين من العمل في ما لا يقل عن سبعين وظيفة . وهناك حوالي ثلاثة ملايين في أوربا وأمريكا والمنافي البعيدة ، انخرطوا في حياتهم اليومية ، فما العمل طالما العودة حلم يتنقل معهم من منفى إلى منفى وسط عذابات الغالبية وفساد ولصوصية الأقلية الذين يسمون "القادة" الذين سيقودوننا نحو حلم العودة.
هل تتصورين يا ماجدة كيف تتراجع حتى أحلامنا ؟ أتذكر في فترة المراهقة الثورية عام 1968 عندما جاءني قرار حركة القوميين العرب بترك عملي في الكويت والالتحاق بقواعد الجبهة الشعبية لتحرير ( ما تيسر من فلسطين) في منطقة جرش الأردنية ، كان الشباب يتسابقون للوصول من كافة المنافي القريبة والبعيدة ، شباب في عمر الورود ومن كافة الأعمار ، يحلمون باجتياز النهر والموت، كان حلم تحرير فلسطين بعيدا ، وكان هذا واضحا لهم، ولكن حلم الموت هو ما كان يغلي في صدورهم . أتذكر  - ومن الذكريات ما يبكي – أن أشدّ عقوبة كان يستعملها الملازم مسؤول القاعدة بحق الشاب الذي يخطىء أو يقصّر في واجباته، هي التهديد التالي : " فلان..محروم لمدة شهرين من الاشتراك في أية دورية ستعبر النهر نحو فلسطين ".  آه يا ماجدة لو تدرين كيف كانت ردة فعل ذلك الشاب ؟. كان يبكي ويتوسل الملازم ويقسّم أنه لن يخطىء بعد اليوم أو يقصّر في واجباته ، وكان مستعدا أن يقبل قدميه ويديه كي يكون في دورية الليلة التي ستعبر النهر نحو فلسطين لمقاتلة الاحتلال !!! تخيلي أين كنا وكيف أصبحنا؟ لذلك ولكل ما سبق وما سيأتي وهو أعظم ، أقول معك نعم " سنموت جميعا في المنفى دون أن نحقق الحلم الذي يراودنا " وانا مثلك أكتب وعيناي تغرق بالدموع في هذه اللحظة. هل تتصوري معنى أن تصبح الدموع سلاحا للمقاومة ، أعني مقاومة من أجل البقاء والعيش والصمود حتى ولو على المستوى الفردي الحياتي . ومن وقت قصير فقط فهمت معنى قول فرويد عالم النفس اليهودي " أترك من يبكي يبكي ، فالدموع تعبير ومقاومة ". لقد أدهشني تعبيرك " العتمة تزداد يوما بعد يوم. تهدد المستقبل. هذه العتمة تفزعني إلى آخر الرعب ". صحيح ذلك ومدهش ، لقد عرفنا أول الرعب ولكن لم نعرف بعد ولا نعرف آخره . فإذا كان مانعيشه رعبا فماذا نسمي الآتي ؟. لذلك أفهم وأتذكر دعاء جدّي وجدّتي الذي أكرره دوما " يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف "،فهم كانوا يدركون خوفا قادما دون أن يسمّوه!!.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com
الجزء الثاني
نفس الأحلام في كل المنافي


266
حسن توفيق..آخر مجانين العرب !!
د.أحمد أبو مطر

يا إلهي كيف تمرّ بنا سنوات العمر من شقاء إلى قسوة، من غربة إلى منفى ، ومن عاقل إلى مجنون . من يصدّق أن تستمر علاقة حميمة صادقة نقية بمجنون إلى ما يقارب الخمسين عاما ، وتستمر أنت في التلهف على لقائه وهو يزداد عشقا وولها بالكلمة وجنونا بالكتاب والكتابة التي حفر له فيها اسما يتألق شعرا ونثرا وبحثا وتحقيقا . لم أكن أحلم أنا الشاب القادم من مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين عام 1961 للالتحاق بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القاهرة ، أن التقي بشاب من عمري وربما نفس عام الولادة 1944 في حرم جامعة القاهرة العريقة، ليكون صديقي العربي المجنون الذي اسمه منذ سنوات عديدة ليس علم من نار بقدر ما هو نار أحرقت كل الصعوبات التي عشناها ليصبح هذا الاسم ، الشاعر والباحث والكاتب المصري حسن توفيق الذي اشتهر في السنوات الأخيرة عبر كتابات معينة بصفة"مجنون العرب"، رغم أنني الوحيد المطلع على هذا الجنون منذ بداية لقائنا في جامعة القاهرة. أنا لا أصدق وربما المجنون ذاته أننا تتلمذنا ودرسنا تحت إشراف ورعاية عباقرة ذلك الزمن المصري النقي الرائع . أنا القادم من مخيم رفح وحسن توفيق القادم لا أدري من أية قرية أومدينة أوضيعة أوحارة مصرية ، نجلس معا لنستمع ونصغي لعباقرة مصر وروادها أمثال المرحومين الدكاترة والأساتذة: سهير القلماوي، شوقي ضيف،عبد المحسن طه بدر،يوسف خليف،شكري عياد، علي الراعي ،عبد المنعم تليمة، محمد زكي العشماوي وآخرون لن يتكرر كثيرا ظهور نفس العبقرية والتألق في مصر وغيرها من أقطار عربية. وفي نفس الوقت نسير ونشرب ونأكل مع شاعر ( لا تصالح ولو منحوك الذهب ) أمل دنقل، ونلتقي شعراء وصعاليك ذلك العصر أمثال سفير الفقراء والمحرومين أحمد فؤاد نجم الشاعر البندقية ( هما مين واحنا مين، هما الأمراء والسلاطين، هما المال والحكام، واحنا الفقرا المحرومين ) في مقهى ريش ومطعم فلفلة بميدان طلعت حرب في وسط القاهرة.
وتستمر علاقة المجنون والجنون
استمرت علاقتنا نصعد من عام جامعي إلى آخر وسط حياة مصاعب لبعضنا أقرب للشقاء خاصة بالنسبة لنا القادمون من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في القطاع ، وسلاحنا هو وصية الآباء والأجداد ( سلاح الفلسطيني شهادته ). وتخرجنا معا نحمل درجة الليسانس في الأداب من قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة في مايو من عام 1965  و أكملنا معا الدراسات العليا ، وكان قد سبقنا في إصدار أول دوواينه الشعرية ( الدم في الحدائق ) عام   1969    ، وكنا عندما نريد التشاقي معه نسأله ( حسن إيه أخبار الدم في الجناين ؟ ). واستمر بعده في إصداراته العديدة حيث اشتهر من هذه الأعمال دراسته النقدية ( اتجاهات الشعر الحر ، 1970 ) و ( تحقيق الأعمال الشعرية الكاملة للدكتور ابراهيم ناجي )وقد صدرت طبعتها الأولى عن المجلس الأعلى للثقافة عام 1996.
شعراء جبناء ونساء لهن عضلات
هذا العمل الصادر عام 2009 عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة، هو آخر اصدارات المجنون الذي اكتسب هذه الصفة بسبب كتابين له حاول فيهما إحياء فن المقامة العربي ، وهما ( مجنون بين رعد الغضب وليالي الطرب ) و ( ليلة القبض على مجنون العرب ) ، وسأعرض لهما في مقالة قادمة . أما عمله الجديد عن الشعراء الجبناء والنساء ذوات العضلات ، فهو يستحق الوقوف عنده لأنه يرصد ظواهر نقدية وأدبية معاشة في حالة الشعر العربي ، ولكنه ينتبه لها من زوايا جديدة بإسلوب بسيط ممتع يقترب حينا من السخرية وحينا آخر من النقد اللاذع عبر المفارقات التي ترصدها مقارناته بين شعراء وأشعارهم رغم اختلاف الزمان والمكان ، من زاوية ربما عرفت في بعض المصادر ب " السرقات الأدبية " وتعرض لها العديد من الشعراء القدامى والمحدثين ، عندما تتشابه ظروف القصائد وأجواؤها النفسية وأحيانا كلماتها ، فتدخل عند بعض النقاد والباحثين في باب " السرقة والسطو " وغالبا من اللاحق للسابق بحجة أن هذا هو من سبق لهذه المفردات والتعبيرات ورسم تلك الأجواء، بينما يفسرها مجنون العرب حسن توفيق ، بأن الأمر في حقيقته عائد إلى " أنّ طبيعة حياة الشاعرين هي التي جعلت تجربة الشاعر الثاني تبدو تكرارا لتجربة الأول". ومن هذا المنطلق يتتبع المجنون عدة حالات عربية ابداعية ثار حولها الجدل النقدي من منظور السابق واللاحق في التجربة ذاتها ، وبإسلوبه النقدي الساخر القريب من سيناريو لمشاهد سينمائية أو مسرحية يتتبع عدة حالات أو ظواهر منها:

حالة الشاعر إمرىء القيس السابق ولاحقه الشاعر عمر بن أبي ربيعة
المجنون هنا يكتب فعلا سيناريو مشهد مسرحي خفيف الظل وطريف الكلمات، حيث محاكمة جدّية لعمر بن أبي ربيعة بعد إخراجه من قبره والتأكد عبر تحليل الحامض النووي ( حسب إدعاء المجنون ) أنه هو بن ربيعة شخصيا ، ولن أفصّل مشاهد المحاكمة المتخيلة كي لا أفسد متعة القارىء المتشوق لقراءة الكتاب ، فقط من واجبي الأخلاقي أن أنبه القارىء أن لا يقرأ بعض الصفحات بصوت عال على مسامع من هم دون سن السادسة عشرة لأن في الأمر :
فحييت إذ فاجأتها فتولهت            وكادت بمخفوض التحية تجهر
وقالت وعضّت بالبنان:فضحتني    وأنت إمرؤ ميسور أمرك أعسر
فوالله ما أدري أتعجيل حاجة         سرت بك أم قد نام من كنت تحذر
.................
فبت قربر العين أعطيت حاجتي    اقبل فاها في الخلاء فأكثر
فيالك من ليل تقاصر طوله          وما كان ليلي قبل ذلك يقصر
ويستمر سيناريو المحاكمة المشوق متداخلا مع الشاعر أحمد شوقي وإمرىء القيس ونزار قباني وولادة بنت المستكفي وجميل بثينة الذي كان قد أدخل نوعا من القتلى لقائمة الشهداء ، ولا أدري لماذا لم تصدر فتوى في ذلك الزمان بتكفيره :
يقولون جاهد يا جميل بغزوة
وأي جهاد غيرهن أريد
لكل حديث بينهن بشاشة
وكل قتيل بينهن شهيد
لتطلّ علينا من جانب من جانب المسرح صاحبة الشهداء الحقيقيين الشاعرة الخنساء التي استشهد شقيقها صخر أولا ثم  أولادها الأربعة في معركة القادسية ، وظلت دموعها تذرف شعرا إلا أن أصبحت أشهر شاعرة رثاء في الشعر العربي. وينتهي هذا السيناريو باطلالات لمظفر النواب وحافظ ابراهيم ومحمد مهدي الجواهري مستغرقا أول أربعين صفحة من الكتاب . إنه سيناريو رائع إن انتبه له بعض المخرجين المسرحيين سيجد أمامه مادة دسمة مشوقة تصلح فعلا لمشاهد مسرحية ، تستعيد لقطات من التراث متداخلة مع صفحات من الحاضر العربي ، لا تخلو من رسالة سياسية صامتة لكنها مفهومة .
وإبراهيم طوقان أيضا ،
له حضوره في تخيلات مجنون العرب منذ أن كان طالبا في الجامعة الأمريكية في بيروت ، وكم كان ذو دلالة اليوم تحديدا أن يذكرنا بما قاله إبراهيم طوقان قبل ما يزيد عن ستين عاما، وكأنه يتنبأ بواقع وحال الفصائل الفلسطينية اليوم خاصة بعد حرب حماس وفتح المستمرة:
وبيان منكم يعادل جيشا
بمعدات زحفه الحربية
واجتماع منكم يرد علينا
غابر المجد من فتوح أمية
............
ما تزل في نفوسنا أمنية
في يدينا بقية من البلاد
فاستريجوا كي لا تطير البقية
فهل يعلم ابراهيم طوقان في قبره أن التحرير من النهر إلى البحر ، أصبح مجرد طلب أو تمني أمتار من القطاع والضفة فقط ، وأن قتلى حروب فتح وحماس لا تقل عن قتلى جيش الاحتلال ، وكذلك أحمد شوقي هل يدري في قبره أن خلافات الأحزاب المصرية اليوم لا تقل ولا تختلف عن خلافات هذه الأحزاب في زمنه عام 1924 .
ويستمر المجنون في رصد لقطات مهمة من حياة الشعراء العرب في هذا الكتاب الجدير بالقراءة والاهتمام ، إذ أضفى أسلوبه المشوق البسيط ( السهل الممتنع ) على الكتاب ميزة تجعله محط إهتمام غير المتخصصين في الأدب والشعر.
مجنون العرب هذا ( حسن توفيق ) عمل مديرا للقسم الثقافي في جريدة الراية القطرية ثلاثين عاما فقط ، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر عام 1990 ، و جائزة مؤسسة عبد العزيز البابطين عن أفضل قصيدة عام 1991 .
الخلاف الوحيد بيني وبين هذا المجنون أنه ( مجنون بصدّام ) وأنا ( مجنون من صدّام ) ، وأشكر قدرتنا على الحوار والنقاش وتفهم رأي الآخر بدليل أنه لم يحدث بيننا ( صدام ) ، ولم تتدخل قوات التحالف الدولي لفض أي اشتباك بيننا أو تحرير بعضنا من احتلال الآخر ، وما زلنا نلتقي ونتناقش ونستعيد ذكرى أيام رائعة ، وفي النهاية أقول لهذا المجنون:
عليك مني سلام الله ما بقيت       صبابة منك نخفيها فتخفينا
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

               




267
رؤيتي لأسباب العنف وفقدان الإنسانية
أحمد أبو مطر
لاحقا لمقالتيّ السابقتين " يا إلهي لماذا وكيف فقدنا إنسانيتنا" و " محاولة الأجابة على سؤال: لماذا فقدنا إنسايتنا" ، حيث خصصت هذه المقالة لاستعراض وتصنيف آراء ومواقف القراء من السؤال المطروح، سأحاول في هذه المقالة تحديد أسباب استشراء القسوة وفقدان الإنسانية في مجتمعاتنا العربية بنسبة عالية ، لدرجة أن شيوخ وعلماء دين كبار مثل الدكتور الشيخ عائض القرني ، وصف العرب بأنهم " قساة جفاة " كما ذكرت في مقالتي الأولى ، ووضعت الرابط الخاص بمقالته لمن يريد قراءتها مباشرة . ومن البداية أود التأكيد على أن ما سأطرحه لاحقا من أسباب لهذه الظاهرة المؤسفة، هو مجرد وجهة نظر تحتمل الصواب والخطأ، فلا أحد يستطيع ادعاء امتلاك الحقيقة كاملة ، أو الإلمام بظاهرة ما من مختلف جوانبها وخلفياتها، والاجتهاد في الرأي أمر مشروع ومعترف به طالما هو يحاول مع الآخرين الوصول إلى ما هو أقرب للحقيقة . أسباب القسوة والعنف والجفاء في مجتمعاتنا أسبابها كما أرى متعددة ومنها:

أولا: التربية المدرسية والمنزلية
كيف يعامل الطفل العربي منذ ولادته في منزله وفي كافة المراحل الدراسية ؟. العنف والقسوة هما السائدان من غالبية الآباء والأمهات والمدرسين ، ونادرا ما يستمع هؤلاء للطفل والطالب ، كي يتفهموا ظروفه النفسية والاجتماعية ، فيكون الرد غالبا على طلباته بالتوبيخ والضرب والعقاب مثل حرمانه من الخروج من المنزل للعب مع أصدقائه، أو حرمانه من مصروف الجيب وهكذا . وكمثال أسأل . كيف يتعامل الأب والأم العربيين مع ابنهما الطفل في الصف الأول الابتدائي إذا قال لهما في يوم دراسي : مش جاي على بالي اليوم أروح المدرسة ؟. أعتقد أن الغالبية لن تسأل عن السبب قبل أن يكون الكف قد سمع الجيران صوته على وجه الطفل ؟ . وللمقارنة ففي غالبية الدول الأوربية ، تعتمد التربية المنزلية في هكذا موقف على سؤال الطفل أو الطالب : هل أنت مريض أو تشعر بتعب ما ؟ فإذا أجاب : نعم . يتم التعامل مع الحالة حسب رغبة الطفل ذهابا للطبيب . ولكن إذا أجاب : لا لست مريضا ولا متعبا ، ولكنني لا أرغب في الذهاب للمدرسة اليوم . في هذه اللحظة لا يوجد كف يطرقع على الوجه ، ولكن الطلب من الطفل أن يحضر ما يسمى ( دفتر الآباء ) ، وهو دفتر خاص بالمراسلات بين الأبوين والمدرسة . يحضر الطفل الدفتر، فيكتب أحد الأبوين اليوم والتاريخ  ثم يوجز الحوار الذي تم مع الطفل . في اليوم التالي يكون مع مدرس الفصل قائمة بمن لم يحضر أمس للمدرسة، وبعد انتهاء الدرس يطلب منهم اللحاق به لغرفته . في الغرفة يدور النقاش التالي:
المدرس: أعطني دفتر الآباء .
يقرأ المدرس ما كتب الوالدان من وصف لما جرى أمس مع طفلهما .
المدرس: هل نبهك والداك أمس لموعد المدرسة وأخبرتهما أنك لا تريد الذهاب للمدرسة ؟
الطفل: نعم .
المدرس : لماذا طالما أنت لست مريضا ولا متعبا كما كتب والداك في الدفتر؟
الطفل: هكذا مجرد كسل.. لم أرغب في الحضور للمدرسة أمس .
المدرس: تذكر..أمس فاتك خمسة دروس تحتاج لواجب منزلي ثلاثة ساعات ، واليوم نفس العمل، أي أنك ستجهد نفسك اليوم وغدا في المنزل ، بينما كنت ستتجنب ذلك لو لم تغب عن المدرسة أمس. شكرا مع السلامة .
ولكن لو كانت إجابة الطفل أو الطالب على سؤال عدم مجيئه بأنه كان حزينا ومكتئبا ، فيتم تحويله للطبيب النفسي فورا.
قارنوا ذلك بطريقة تعامل الآباء في بلادنا العربية ، وأيضا طريقة تعامل المدرسين في كافة المدارس . يدخل المدرسون الفصول المدرسية في أغلب البلدان والعصا في أيديهم ، أما العنف من المدرسين نحو الطلاب ومن الطلاب نحو المدرسين فلا تتخيل حجم انتشاره وشيوعه.

انشغلت عاصمة عربية الاسبوعين الماضيين عبر العديد من الصحف والمواقع الاليكترونية بمدرس تربية إسلامية ( انتبهوا مدرس تربية إسلامية أي انه موكل بتعليم الطلاب أخلاق الإسلام وتربيته ) ، ظلّ هذا المدرس يضرب طالبا في العاشرة من عمره حتى فقأ عينه اليمنى ، لأن الطفل دخل غرفة المدرسين ليشرب جرعة من الماء . وتم نقل الطفل للمستشفى ولم يتمكن الأطباء من انقاذه ، وفقد النظر بعينه اليمنى للأبد ويخاف الأطباء من كسور في الجمجمة . ولضخامة الحادث وانشغال المجتمع به ، قام وزير التربية في ذلك البلد بزيارة الطفل في المستشفى، وأعلن أن الحكومة ستتحمل كافة نفقات علاجه . بينما يقبع مدرس التربية الإسلامية في السجن، والطفل يعلن: لن أعود للمدرسة بعين واحدة ، ما كنت أتصور أنّ شربة ماء ستكون نتيجتها فقداني لعيني . وفي نفس العاصمة قامت مدرسة بمعاقبة طفلة عمرها أربع سنوات لوقفها عن الكلام، بإغلاق فمها بشريط لاصق كاد أن يؤدي لوفاتها لأن الطفلة تعاني من وجود لحميات في أنفها ، مما يسبب عدم قدرتها على التنفس من فمها فقط ، وتحتاج لعملية جراحية عند بلوغها سن الست سنوات .

ومن عاصمة عربية أخرى إليكم هذان الخبران المفرحان لدرجة رفع الضغط :
" أقدم أب على إطلاق النار على زوجته وابنيه الأمر الذي أدى إلى وفاتهم على الفور " . و " وقعت جريمة قتل ذهب ضحيتها شخص على يد زوجته التي أطلقت عليه رصاصتين من مسدس ، أصابته الأولى في الرأس والثانية في البطن ، حيث تم نقل جثة إلى المستشفى" . لذلك فإن من أشهر الأمثلة العربية هو   (العصا لمن عصا ) . وتصوروا حجم الكارثة حتى في أصولها اللغوية ، فالمعصية من العصا التي تعني الخشبة الطويلة التي تستعمل لضرب الانسان والحيوان معا ، وتعني أيضا من يعصى الأوامر أي لا ينفذها ، والمعصية هي مفرد المعاصي مرادف الذنوب . كيف ستتصرف أجيال في مستقبلها عندما تكون نشأت وتربت في هذه الظروف والثقافة ؟

ثانيا: البرامج التعليمية
هناك خلل واضح وبيّن في مجموع البرامج التعليمية العربية التي تركز على الجوانب النظرية خاصة المتعلقة بما يسمى ( التربية الدينية ) ، وهذا ليس عيبا أو خللا لو كانت الأمور ضمن نصابها الطبيعي ، ويبدو الخلل واضحا من حجم وعدد ما يسمى المعاهد الدينية والجامعات الإسلامية التي لا تخرج في الغالب سوى متعصبين ظلاميين لا علاقة لهم بالعصر ومستجداته ، وهذا ما دعا الدكتور محمد بن أحمد الرشيد وزير المعارف السعودي عام 2002 ، أن يقول صراحة في اجتماع تربوي عقد في الرياض في الثاني من فبرايير عام 2002 : " إن المسلمات التربوية التي كنّا نؤمن بها قبل ثلاثين عاما، قد اختلفت ولم تعد مصدر التلقي الوحيد ، بل سحبت البساط من تحت أرجل الكثيرين في وسائل الإعلام والاتصال..إن أسلوب التلقين الببغائي لم نجن منه سوى الحنظل ، فلا بد من هجره، وأن الحكمة ليست مقصورة عليكم". وهذا ما يفسر الفارق التكنولوجي العلمي ليس بين العرب وأمريكا وأوربا فقط ، ولكن بين العرب ودولة فقيرة الموارد مثل الهند التي تصدر منتجات الكومبيوتر للولايات المتحدة ذاتها، ونسبة عالية من العاملين في مجال التكنولوجيا (سوفت وير وهارد وير) في أمريكا نفسها من الهنود .
ماذا ستخرج البرامج الدينية السائدة غير العنف والقسوة والجفاء والقطيعة ، عندما تدرس الطلاب في كل المراحل كراهية الآخر خاصة النصارى الذين تكرر المناهج والكتب دعاء شيوخ الدين عليهم بالإبادة والترمل والتيتيم ؟. و في داخل الأسرة الواحدة احتقار المرأة بصفتها عالة على الرجل، فاقدة عقل ودين ، وهي والحمار والكلب يفسد مرورهم من أمام المصلي صلاته.

ثالثا: التوتير الطائفي
وهو للأسف الشديد أمر ما عاد يمكن اخفاؤه أو التستر عليه ، فهو يكاد يكون سمة علنية في بعض المجتمعات العربية بين السنّة والشيعة ، رغم أن الجميع يتشدق بأن معلمهم و قدوتهم هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وفي زمن الرسول لم يكن هناك أي مذهب أو طائفة بل دين واحد للجميع هو الدين الإسلامي . وشئنا أم أبينا ففي الجلسات الخاصة للطرفين يتم التحريض ضد الطرف الآخر ، وهذا ما يفسر القتل الجماعي العشوائي في العراق وباكستان وأفغانستان ، وهناك فتاوي علنية من شيوخ طائفة ضد طائفة أخرى . والتحريض والتوتر السائد بين المسلمين والمسيحيين في بعض الأقطار العربية، ما عاد من الممكن التستر عليه وإنكاره . كل ذلك لن  ينتج سوى مظاهر العنف والقتل والقسوة والجفاء السائدة في تعاملات العرب مع بعض كشعوب ، إذ من يصدق حرب داحس والغبراء الكروية بين الجزائر ومصر وما نتج عنها من مصائب لا يصدقها عاقل أو مجنون ، وينسحب ذلك على نفس العنف بين أبناء الشعب الواحد والأسرة الواحدة .

رابعا: دور شيوخ الدين الإسلامي
أعتقد أن الأفكار التي يبثها بعض شيوخ الدين تؤدي لانتشار ظاهرة العنف والقسوة وفقدان الإنسانية بين شعوبنا . وسأضرب مثالا بفتوتين صادرتين عن شيخين معروفين من شيوخ الدين والدعوة الإسلامية ، كي نسأل بعضنا : ما هي الأحاسيس والممارسات التي تنشرها هاتان الفتوتان .

الأولى: فتوى الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حول تحريم مظاهر الاحتفال بالكريسماس ( عيد الميلاد ) لدى المسلمين ، وهي دعوة تتجاهل وجود نسبة من مواطيننا العرب من الإخوة المسيحيين الذين يحق لهم الاحتفال بعيدهم وعرض أشجار الميلاد أيا كانت خلفيتها ( لكم دينكم ولي دين ). وطالما الدين الإسلامي يسمح للمسلم بالزواج من المسيحية دون اجبارها على تغيير دينها، فهل من المقبول شرعا أن يمرّ عيدها المسيحي دون أن يبارك لها زوجها بهذا العيد ويقدم لها الهدايا في هذه المناسبة، كما تبارك هي له بعيد الفطر وعيد الأضحى والمولد النبوي الشريف ؟. إن مثل هذه الدعوات سيفهمها بعض الجهلة والسطحيين والمتعصبين بأنها دعوة للعنف والمقاطعة ، ويكفي التذكير بما حدث في مدينة نجع حمادي بصعيد مصر حيث قتل شباب مسلمون متعصبون حوالي عشرة من الشباب الأقباط وهم في محيط الكنيسة يحتفلون بعيد الميلاد حسب التقويم القبطي.

الثانية : فتوى الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك حول " تكفير مستبيح الاختلاط " التي قال فيها : ( أنه من استحل الاختلاط – وإن أدى إلى هذه المحرمات – فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا، فيعّرف وتقام عليه الحجة فإن رجع وجب قتله ) . إن الأخذ والتطبيق العملي لهذه الفتوى يعني فعلا أن الغالبية العظمى من العرب والمسلمين هم كفرة مرتدون يجب قتلهم . ورغم الرفض الشديد الصريح لهذه الفتوى خاصة من اساتذة وشيوخ المملكة السعودية ، إلا أن بعض الجهلة والمتعصبين سيأخذون بها لارتكاب المزيد من جرائم العنف والقسوة وتطبيقات لا إنسانية في مجمعاتنا.

تلك هي الأسباب التي أراها كون ( العرب قساة جفاة ) حسب وصف الدكتور الشيخ عائض القرني وتأييدي له في ذلك، لذا أرجو مناقشة هذه الأسباب بهدوء وموضوعية لبيان الصحة والخطأ فيه ، وصولا لما يمكن اعتباره القاسم المشترك بيننا لهذه الأسباب ، وإلا فنحن نسير نحو هاوية لا قاع لها ، أي مجتمعات فاشلة متخلفة بمقاييس العصر والحضارة .
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com



268
محاولة الإجابة على سؤال:
كيف.. ولماذا فقدنا إنسايتنا ؟
د.أحمد أبو مطر

أثارت مقالتي المنشورة يوم الحادي عشر من فبراير 2010 بعنوان" يا إلهي: لماذا وكيف فقدنا إنسانيتنا ؟)، ردود فعل كثيرة ومتباينة من الأصدقاء الذين كتبوا لي من خلال بريدي الخاص أو القراء الذين علقوا على المقالة إذ بلغت تعليقاتهم 48 تعليقا. هذا الاهتمام بموضوع المقالة يدل بدون أدنى أشك على أن التساؤل في عنوان المقالة يحمل مضمونا صحيحا ومؤكدا ،أي أننا كشعوب عربية ( ولا أقول كشعب عربي إذ لا أؤمن بهذه المقولة ) فعلا فقدنا الكثير من الإنسانية والرفق والإخوة في تعاملنا مع بعض كشعوب ، أو تعامل أفراد كل شعب مع إخوانهم، أو تعامل أفراد الأسرة الواحدة مع بعض . وهذه الحقيقة تستدعي حسب السياق والظرف معالجة من محورين :

الأول هو تعليقات القراء والثاني هو محاولتي الإجابة على السؤال عنوان المقالة ، وبالتالي يمكننا مع القراء الوصول لقواسم مشتركة لتشخيص هذه الحالة اللاإنسانية التي تعمّ مجتمعاتنا بحيث صار العنف سائدا حتى في داخل الأسرة الواحدة ، و اللإنسانية سمة مجتمعاتنا في كافة ميادين الحياة، مما سيحولنا إلى دول ومجتمعات فاشلة بالمقاييس العالمية .

أولا : ردود القراء رفضا أو قبولا !
أعتقد من البداية أن التجاوب مع ردود القراء من مهمات الكاتب الذي يكتب بقصد الإصلاح والتغيير وليس من أجل الإحباط وجلد الذات ونشر الغسيل الوسخ فقط . من خلال هذه القناعة لديّ أستطيع تصنيف ردود القراء التي بلغ عددها 48 تعليقا ضمن رؤى ثلاثة :

الأولى: الموافقون والمؤيدون لما طرحت
وهذه المجموعة هي التي شكلت النسبة الأعلى من الردود إذ بلغت ما يزيد على ستين بالمائة ، أيّد بعضها تماما ما قلت وطرحت ، بل زاد بعض آخر بذكر حيثيات جديدة تدعم أطروحاتي مما يعني الاحساس والتيقن بشيوع ظاهرة اللإنسانية في مجتمعاتنا ، وبعض هذه الردود والاضافات المهمة كانت لكتاب معروفين ومشهورين بما قدموه للثقافة العربية، وأذكر فقط كمثال تعليق الأستاذ وليد الكبيسي الكاتب العراقي المعروف والمقيم منذ ربع قرن في النرويج  ( المباركة المنصورة بإذن الله) ،الذي ترجّم تسعة كتب من الأدب النرويجي بحيث أصبحت مقررة رسميا في جامعة الملك محمد الخامس في الرباط بالمغرب ، ضمن مقررات دراسة الأدب النرويجي ، وله العديد من الدراسات المهمة آخرها ( اللغة العربية كلغة عالمية ثالثة ، الحفاظ على العربية إصلاح لها بجعل اللسان الحي مرجعا له ثقل المعاجم والتراث " المنشورة في موقع " الشفاف " ، وهي دراسة من المهم للغيورين على العربية ومستقبلها قراءتها لالتقاط الاضاءات التي توحي لها ، ولا تصدر إلا من غيور على العربية متتبع لطرق تدريسها وتقديمها للراغبين العرب وغير العرب من الأجانب . و أركز على تعليق الأستاذ وليد الكبيسي لأهميته و لأنه جاء التعليق رقم 47  أي ربما بعد اختفاء مقالتي من الصفحة الرئيسية من إيلاف أي أن بعض القراء ربما لم ينتبهوا لما كتب . يقول " أحسنت يا...أحمد...على التشخيص الرائع لمشكلتنا . العيب فينا. ومن المفترض أن لا نرمي بأخطائنا وفشلنا وعارنا على الامبريالية والصهيونية ولا الشيطان. الخلل فينا وفي طريقة تفكيرنا وسلوكنا وأخلاقنا وثقافتنا السائدة اليومية. هناك فرق كبير بين السلوك الحضاري الأوربي الذي يقدّس الإنسان لأنه أعظم وأثمن رأسمال ، بينما في بلداننا اعتدنا على احتقار الانسان وتكريم المقدس والدين والقرضاوي وباقي هؤلاء الحشود ، حشود التخلف ، أعدائنا الحقيقيين " .
وهناك تعليق آخر مهم من قارىء كتب باسم "عاشق الصبار " وبعنوان" عبادة المظهر " : ( ما أتيت به هو تشخيص عام تتفق عليه الغالبية في عالمنا العربي، ولكنهم يختلفون حول مسبباته. في رأيي السبب الرئيسي هو الكم الهائل من تراث الاستعباد والديكتاتورية تحت مسميات مختلفة، وتقديس السطوة والمظاهر على حساب المكنون والجوهر).
هناك أيضا العديد من القراء ممن أبدوا ملاحظات مهمة مؤيدة ، مرجعين الأسباب لعوامل تاريخية منها ثقافة الغزو والاستعباد والسطو واساءة فهم الدين وتطبيقاته والتركيز على الجوانب والسلوكيات السلبية في مراحل التاريخ العربي خاصة المترافق مع الحروب والغزوات والفتوحات وفرض اللغة العربية على غير الناطقين بها وغير ذلك.

الثانية: مجموعة الحروب بين القراء أنفسهم
وهذه ظاهرة في التعليقات على مقالات كافة الكتاب ، إذ تنصرف نسبة عالية من تعليقات القراء عن مقالة الكاتب وموضوعها ، ويبدأون التعليق على تعليقات قراء آخرين بإسلوب حربي قتالي وكأنهم خصوم وأعداء في مواجهة عسكرية ، وأحيانا بشتائم وافتراءات لا علاقة لها بالمقالة وكاتبها ولا بالمعلق وفكرته. وأعتقد أن غالبية الكتاب والقراء يشاركونني هذه الملاحظة القتالية التي تدعم تساؤلي: لماذا فقدنا إنسانيتنا ؟. إن اللجوء لإسلوب التهجم الشخصي والاتهامات الجزافية بالعمالة والتجسس والخيانة مظهر من مظاهر سلوكياتنا غير الانسانية ، فأتحدى أن تجد قارئا أمريكيا اتهم الكاتب الأمريكي" ويليام بلوم " صاحب كتاب ( الدولة المارقة ) بأنه عميل للقاعدة أو طالبان بسبب جراته الشديدة في نقد سياسات الإدارات الأمريكية في هذا الكتاب . و ألاحظ أن الذي يوقع تعليقاته باسم "خوليو" ينال القدر الأكبر من الهجوم بسبب جرأته ويتلقى شتى أنواع الشتائم والاتهامات لدرجة هدر دمه، مما يجعلني أحيانا التفكير في العثور على اسمه الحقيقي وعنوانه، وطلب فرقة من قوات التحالف الدولي لحمايته. لماذا لا نناقش بعض بهدوء لبيان الحقيقة بحقائق مؤيدة، وبيان الخطأ بحقائق نقيضة ؟ لماذا هذه الروح العدوانية إزاء بعض رغم أن القراء لا يعرفون بعض وغالبا ما يوقعون باسماء غير حقيقية ، ورغم ذلك فسلوكنا العداوة والحقد والشتائم والاتهامات؟

الثالثة: مجموعة عنزة ولو طارت
هذه المجموعة من القراء لديها موقف عقائدي تعبوي تنظيمي جهادي ضد بعض الكتاب ، فلا بد أن تأتي تعليقاتهم بالرد الجارح الذي لا يتعرض لأية فكرة من أفكار الكاتب ، لدرجة أنني أتخيل أن هذا الكاتب لو كتب يقول ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) ، لعلقوا قائلين: والله تكذب نشك في صحة شهادتك . وهذا ليس غريبا فله موقف مشابه في الثقافة العربية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، عندما قتل أسامة بن زيد رجلا في إحدى المعارك بعد أن قال ( لا إله إلا الله ). فسأله الرسول: " اقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ، وما تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟. قال أسامة: يارسول الله إنما قالها متعوذا. فقال له الرسول: هلا شققت عن قلبه ؟ ).

فمثلا أحد القراء المعلقين كتب بإسلوب أقرب للشتائم يصرخ كيف أستقوي على الممرض بجوازي النرويجي ؟ وإلا بماذا أحمي نفسي عزيزي القارىء ؟ هل أستعمل معه أسلوب الضرب بالأيدي الذي لا أجيده ، أم الشتائم التي استعملها معي وهو يدخن في غرفة مريض بالقلب ؟ ولماذا فتحت سفارات الدول ، أليس من ضمن عملها حماية مواطنيها وتقديم المساعدة لهم . هذا القارىء لولا أن عنده موقف جهادي قتالي شرعي نضالي مسبق من الكاتب ، أما كان أجدر به أن يقارن بين تصرف السفارة النرويجية التي نقلت المريض النرويجي فورا لبلده مع طاقم ممرضين تم استدعاؤهم من النرويج، وبين تصرف سفاراتنا العربية التي لا همّ لها إلا التجسس على مواطنيها وتقديم التقارير عنهم ولو زورا ودوما أنهم سبّوا أو نقدوا الحاكم بأمر الله!!!.

هذه الأنواع الثلاثة من التعليقات هي مظاهر لثقافتنا العربية ، وما دام بينها نسبة من العقل والمنطق ، فهذا يعني هناك أمل ، فلنعمل على شحن قوة الأمل هذه ، علنا نرتقي لمصاف إنسانية تلك الدول إزاء شعوبها على الأقل .
والحلقة الثانية القادمة من هذه المقالة هي إجابة على التساؤل الأساسي : لماذا فقدنا انسانيتنا..فلنلتقي على الخير والنقاش المنطقي الذي يصوب الخطأ بحقائق نقيضة.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com




269
الحرية لموفق محادين وسفيان التل
والقضاء للمتضررين
د.أحمد أبو مطر

تتفاعل في الشارع النقابي والشعبي والإعلامي الأردني قضية احتجاز الكاتب موفق محادين والناشط السياسي الدكتور سفيان التل ، منذ صباح العاشر من فبراير 2010  في مركز ( سجن ) الجويدة للإصلاح والتأهيل ، وذلك بناءا على قرار مدعي عام محكمة أمن الدولة الأردني على خلفية تهم كما قال تتعلق ب" الإساءة للأردن والجيش العربي ودماء الشهداء الأردنيين " . وسبب الاحتجاز كما وضحه الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الدكتور نبيل الشريف فإن " مجموعة من المتقاعدين العسكريين كانت قد تقدمت إلى مدعي عام عمّان بشكوى ضد محادين والتل قبل أربعة أيام على خلفية تصريحات أدليا بها في برامج حوارية تلفزيونية " . وكانت هذه البرامج قد تناولت قضية الإرهابي الأردني همام البلوي الذي فجّر نفسه في معسكر تابع للاستخبارات المركزية الأمريكية في مدينة خوست الأفغانية في الثلاثين من ديسمبر 2009 ، مما أدى إلى مقتل ستة عناصر عناصر من الاستخبارات الأمريكية وعضو في المخابرات الأردنية هو الشريف زيد بن علي كان موجودا في المعسكر .

وبالتالي فالحكومة الأردنية بكافة أجهزتها التنفيذية لا علاقة لها بالقضية ، لأنه كما أن للزميلين محادين والتل الحق في طرح آرائهما ومعتقداتهما، فالمتضررين من هذه الأراء من حقهم اللجوء للقضاء لرد الاعتبار لهم ولمن تضرر من ذويهم ، خاصة أن المتقاعدين العسكريين رافعي الدعوى القضائية يمثلون ولو بشكل معنوي رمزي الجيش العربي الأردني الذي لا يختلف أردنيان على رمزيته كحام للوطن والشعب ، وهو يتميز بأنه وقادته العسكريون لم يتدخلوا في الملفات السياسية للبلاد كغيرهم من جيوش عربية وأفريقية. وهنا من الضروري أن نكفّ عن نظرية المؤامرة التي تستدعي من البعض أن يقول أن الحكومة أوعزت للمتقاعدين العسكريين برفع الدعوى ضد محادين والتل، لأنه في سياق نظرية المؤامرة من المحتمل أن يدّعي البعض أن هناك جهات إقلمية أو أجنبية أوعزت لمحادين والتل أن يقولا هذه الأراء لتشويه صورة الأردن وسقف الحريات الديمقراطية فيه. إنني أدافع بشدة عن حرية الزميلين وضد احتجازهما ، لكنني في الوقت ذاته أقول بصراحة من حق المتقاعدين العسكريين أو أي مواطن أن يلجأ للقضاء إن تضرر من هذه الأقوال .

 وهذا عرف موجود بشكل يكاد يكون يوميا في أعرق الدول الديمقراطية الأوربية والأمريكية ، فالقضاء هناك ينظر بشكل مستمر في قضايا من هذا النوع، وغالبا نتيجتها إما البراءة أو الغرامة المالية ، ونادرا ما تكون النتيجة السجن إلا في حالات تتعلق بأمن الدولة وتسريب معلومات حساسة لدول أجنبية. لذلك فإنه من المهم ملاحظة أن قضية احتجاز الزميلين المرفوضة من طرفي ، قد استغلت من قبل فريق ( اللطّامين والنواحين ) لتسجيل مواقف تلفزيونية فقط . ويبدو أن القضاء قد أدرك أن قرار احتجازهما كان متسرعا بدليل أنه قبل الانتهاء من كتابة هذه المقالة قد صدر قرار الإفراج عنهما بكفالة لحين الانتهاء من دراسة القضية قضائيا ، وهذا ما يدلل على أن الحكومة الأردنية وأجهزتها لا علاقة لها بالقضية .

تفجيرات موفق محادين

وكانت بداية قضية الاحتجاز هي التفجيرات التي أعلنها الكاتب موفق محادين في برنامج "ما وراء الخبر" في فضائية الجزيرة يوم السابع عشر من يناير 2010 ، في الحلقة التي قدمتها "جمانة بنور": بعنوان" جدل حول التعاون الأمني الأردني الأمريكي " ، وفيها أعلن موفق محادين مواقفه التي ردّ عليها أيضا الكاتب الأردني جميل النمري ، ومما قاله موفق محادين : " من المؤسف أن الأردن بعد أن فقد دوره على الجبهة الفلسطينية على جبهة التمثيل الفلسطيني ، للأسف بدأ ينزلق للبحث عن أدوار إقليمية أخرى ، وللأسف أيضا دخل فيما يمكن تسميته بالاستثمار في الإرهاب ، هذه المسألة لا تتعلق بموقف أو بحادثة محددة ، لا نريد أن تصبح نهجا وقد أصبحت كذلك نهجا تقوم عليه الآن كل السياسة الرسمية على الصعيد السياسي والاقتصادي إلى آخره ، الاستثمار في الإرهاب لا يليق بدولة أية دولة بصرف النظر عن أية اعتبارات أخرى ". ومن أخطر ما قاله محادين في البرنامج أيضا : " الحكومة الأردنية كما كثير من الحكومات العربية هي التي دربت وهي التي أمنت وصول مئات بل ألاف الذين تسميهم الآن إرهابيين إلى أفغانستان أيام ما يسمى بالجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي، قسم من هؤلاء هم نعم صناعة أردنية وصناعة عربية وصناعة دولية ".

آراء تستدعي النقاش

هذه الأراء بتفاصيلها لمن سمعها في برنامج فضائية الجزيرة ، تستدعي النقاش الجاد الموضوعي لما ورد فيها من مغالطات ومبالغات أهمها : ماذا يعني هذا المصطلح الفضفاض "الاستثمار في الإرهاب "؟ . هل صحيح أن الحكومة الأردنية تستفيد من الإرهاب في أي بلد في العالم كي تستثمر قدراتها وإمكانياتها فيه؟. وكيف يكون الاستثمار والاستفادة من قتل الآخرين كما يحدث في العراق وباكستان وأفغانستان ، خاصة من طرف الدولة الأردنية التي من مصلحتها القومية والاقتصادية الاستقرار خاصة في الجارة العراق ، وكيف تستثمر الحكومة الأردنية الإرهاب في مجال الاقتصاد كما يدّعي محادين؟ . هذه أشبه بفزورة مستعصية على الحل والفهم، فأية فوائد أو عوائد اقتصادية تأتي للأردن من الإرهاب في العراق وأفغانستان وأية بقعة في العالم؟. مع أن المنطق والتحليل السياسي يقول أن الاستقرار في العراق وغيره هو الذي يؤدي إلى فوائد اقتصادية للأردن من خلال تدفق الصادرات والاستثمارات ، لذلك فإطلاق هكذا مقولات بشكل عشوائي لا يخدم إلا الإرهاب والإرهابيين أنفسهم  . وهل ينسى الزميل موفق محادين أن بلده الأردن قد عاني من هذا الإرهاب خاصة في تفجيرات الفنادق الثلاثة ، تلك العملية الإرهابية بامتياز وعار شديدين في نوفمبر 2005 التي راح ضحية إرهابها حوالي خمسة وستين قتيلا أردنيا ومائة وخمسين جريحا ، كلهم مواطنون مدنيون لا علاقة لهم بالسياسة والإرهاب ، وكان من بينهم المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد . وبالنسبة للمجاهدين الذين حاربوا الاتحاد السوفييتي بقيادة أسامة بن لادن ، فهذا إن كان عيبا وعارا فهو على أسامة بن لادن وقاعدته وليس الأردن أو أية دولة أخرى ، فإذا كان بعض الزملاء يبكون ويترحمون على الاتحاد السوفييتي ، فلماذا ينسون دور قاعدة أبن لادن عميل المخابرات المركزية الذي قامت قاعدته بالمجهود الأساسي في قتال السوفييت وسقوط الاتحاد السوفييتي ، فكيف يتحول هذا العميل آنذاك في نظرهم إلى مجاهد اليوم ؟ . أسئلة تحتاج لإجابة من موفق محادين وسفيان التل ، خاصة أن الزميل محادين اليساري الوطني يوزع شهادات الاستشهاد كما يحلو له ، فهو يقول في البرنامج المذكور: " ...إن عملية خوست التي ذهب فيها ضابط أردني واستشهد فيها همام البلوي...". الضابط الأردني من وطنه وبني قومه " ذهب " أما الإرهابي قاتله ف "استشهد ".
وكيف فقد الأردن دوره الفلسطيني ؟
وكذلك قوله أنّ بلده الأردن ( فقد دوره على الجبهة الفلسطينية ) ، أعتقد أن هذه مغالطة كبيرة فلم يكن للأردن الرسمي أي دور محدد متفق عليه ليقول أنه فقده. الدور الأردني كان واضحا منذ إعلان المرحوم الملك حسين قرار فك الارتباط إداريا بالضفة الغربية عام 1988 بناء على رغبة فلسطينية وعربية لتعزيز ما أطلق عليه ( الكيانية الفلسطينية ) ، وبعد ذلك أصبحت العلاقة مع السلطة الفلسطينية كعلاقة أية دولة عربية . وللزميل أن يتخيل أي دور مطلوب من الأردن إذا كانت مصر بكل ثقلها العربي والدولي عاجزة منذ أربعة سنوات أن تحقق مصالحة فلسطينية بين فتح وحماس، بسبب صراع الحركتين على السلطة والمناصب ، ولبيس تقصيرا من مصر. ويكفي أن الأردن في الشأن الفلسطيني يعلن رسميا وشعبيا وحزبيا ونقابيا رفضه لمشروع الوطن البديل وفكرة ارسال قوات أردنية للضفة الغربية . لذلك فإن هذه الأقوال من الزميل موفق محادين حادت عن الصوا ب والمنطق ، وكذلك بيان من أطلقوا على أنفسهم " المبادرة الوطنية " ، فلهم كل الحق في الدفاع عن الزميلين المحتجزين والتضامن معهما ، وأنا أضم صوتي عاليا للتضامن معهما، ولكن من حقي دون أن يرفعوا عليّ قضية أن أعتبر بعض فقرات بيانهم التضامني مجرد لغو عبر صف كلمات لا معنى لها في الواقع ، ويكفي تصديرهم البيان بقولهم : ( إن عملية اعتقال القادة الوطنيين تأتي في سياق الهجمة الصهيو-أمريكية ، ودق طبول الحرب ضد سورية والمقاومة وايران وانعكاسها على الصعيد الوطني ) . بالله عليكم هل هذا منطق يقبله أو يفهمه أستاذ جامعي أو طالب في الابتدائي ؟. تصوروا أن اعتقال موفق محادين وسفيان التل كان ضروريا كمقدمة للهجوم على سوريا والمقاومة وإيران !!. آه الان فهمت لأن الزميلين المذكورين يمتلكان أسلحة دمار شامل ، كانا سيستعملانها ضد من يهاجم سورية والمقاومة وإيران ، لذلك فإن اعتقالهما سيحول دون تدمير من يهاجم الدول المذكورة.
 نعم أراء جدلية لا يوافق الجميع عليها وعلى طريقة التحليل التي استعملها موفق محادين ، ولكنها تبقى في ميدان حرية الرأي التي تحتاج لرد ونقاش
وليس الاحتجاز والسجن
خاصة أنه لا يستطيع أحد ممن يعرفون موفق محادين أن يشككوا في وفائه وإخلاصه لوطنه وشعبه ، وأنا ممن عرفوا هذا الصديق سنوات عديدة في العاصمة السورية دمشق قبل عام 1989 ، حيث لم تصدر عنه أية اساءة للوطن والبلد والشعب الأردني ، بل كان نشطا في مجال "لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية في الأردن " ، وهو المطلب الذي استجاب له بجرأة وشجاعة تواكب متطلبات العصر ، المرحوم الملك حسين الذي بدأ الانفتاح الديمقراطي والتعددية السياسية والحزبية في نهاية عام 1989 ، ذلك الانفتاح والأفق الديمقراطي الذي أتاح للزميل موفق محادين ومئات من الناشطين السياسيين الأردنيين ، أن يعودوا لوطنهم وعائلاتهم ويمارسوا كافة النشاطات الفكرية والحزبية والسياسية بأمن وأمان ، مما أوجد في الأردن ما لا يقل عن أربعين حزبا أيا كان حجمها ومستوى تأثيرها . لذلك فالإساءة الشخصية للزميل موفق محادين مرفوضة بكل المقاييس خاصة ممن لم يبذلوا من أجل الحريات الديمقراطية في الأردن أية نسبة مما بذل موفق محادين ، لذلك أشارك شقيقته تلك الصرخة التي أطلقتها في الاعتصام الذي نظمته النقابات المهنية والفعاليات الحزبية في محمع النقابات يوم الثالث عشر من فبراير ، تلك الصرخة في وجه من أسمتهم  (الأقلام المأجورة التي افترت كذبا على شقيقها ) ، وحسب معرفتي بمواقف موفق محادين السياسية والعملية اتجاه وطنه الأردن ، أصرخ معها ب ( أن موفق أردني أبا عن جد ، كركي ابن كركي ).

ويؤكد الملك عبد الله الثاني طوال السنوات العشر الماضية من ولايته على احترام حرية الرأي التي ( سقفها السماء ) مما يعني استيعابها لكافة الأراء التي أطلقها موفق محادين وسفيان التل وغيرهما ، مما يجعل عملية احتجازهما من قبل مدعي عام محكمة أمن الدولة متسرعة ، وتتناقض صراحة مع ما يؤكد عليه دوما الملك ، لأن احتجاز كل مخالف لرأي آخر سيعني عند التطبيق أنه سوف يزج في السجون يوميا مئات أو ألاف المواطنين . لذلك فإن قرارالإفراج عنهما الذي تمّ فعلا ليس من أجل حريتهما التي انتهكت فقط وهي مهمة وليس من حق أحد انتهاكها بسبب رأي ، ولكن من أجل المحافظة على المسار الديمقراطي في الأردن الذي يتميز فعلا عن العديد من الدول العربية . كان من المهم منذ بداية القضية أن تأخذ وقتها في المحاكم لسماع وجهة نظر المتضررين من المتقاعدين العسكريين وردود الزميلين على ذلك ، وكان من المحتمل أن تنتهي القضية بتراض الطرفين أو بحكم قضائي ما دون اللجوء مسبقا لاحتجازهما ، وهذا ما تداركه القضاء بقرار الإفراج عنهما.
 وفي هذا السياق من المهم أن تنظر منظمات حقوق الإنسان الدولية عند مراجعتها لملفات حقوق الإنسان في أية دولة للقضايا من مختلف جوانبها ، أي الطرف الذي أدلى بأقوال ضمن حرية التعبير أوصلته للقضاء ، والطرف الذي لجأ للقضاء ، كي لا تكون النظرة أحادية تتناسى حقوق طرف من الأطراف ، وينتج عنها تقارير غير حيادية ، لأن من شأن ذلك ترسيخ مفهوم الديمقراطية الحقيقية التي تعني أن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين ، أو أن الديمقراطية لا تعني مطلقا أن تسيء لآخرين عبر افتراءات غير منطقية.
حرية الرأي تصنع العظمة والقوة
من المهم أن نعرف أن الأوطان لا يدافع عنها سوى أحرارها ، وأولويات الحرية هي حرية الرأي والتعبير ، وهذا ما يفسر هذا الاستنفار النقابي والشعبي تضامنا مع الكاتب موفق محادين والدكتور سفيان التل، وإلا لماذا تجمهر واعتصم أمام مركز احتجازهما في الجويدة ما لا يقل عن مائة من الكتاب والصحفيين والشعراء والمهندسين ، وكان عملا موفقا أن يسمح مدير المركز للمتضامنين جميعا بالدخول للمركز ومقابلة محادين والتل ، ثم قرار القضاء بالإفراج عنهما لحين الانتهاء من نظر القضية قضائيا .
الحرية الدائمة لهما
ومن يعارض بعض أفكارهما وأنا واحد من المعارضين لبعض هذه الأفكار، فليناقش أفكارهما ويرد عليهما في الصحف والمجلات والفضائيات ، وقد فعلت أنا سابقا في مقالتي ( الأردن والإرهاب المحلي والدولي ) في إيلاف بتاريخ السابع عشر من يناير 2010 .
وقام جميل النمري بمناقشة موفق محادين في نفس حلقة البرنامج المذكور ، وطرح أراءا مناقضة لكل ما قاله محادين،  وكذلك فعل جهاد المومني ردا على أطروحات سفيان التل في برنامج  "بلا رقابة " في قناة نورمينا الأردنية  ، وإلا فاللجوء للقضاء بشكل حضاري يعطي المسار الديمقراطي ترسيخا وديمومة.

 لذلك فالحرية الدائمة لمحادين والتل مسألة ضرورية للحفاظ على مستوى الحريات الديمقراطية في الأردن ،  و يستطيع الجميع إن تضافروا على القواسم المشتركة ، وتناسوا الخلافات الشخصية والعشائرية أن يجعلوا  شعار ( حرية سقفها السماء ) قيد التنفيذ الحقيقي دون العودة للمحاكم التي لا تليق بالكتاب والمشتكين إلا في حالات خطيرة تستدعي ذلك .  إن حرية موفق محادين وسفيان التل وكل الكتاب والصحفيين والناشطين السياسيين مسألة تتعلق بكرامة الأردن وموقعه الذي نتمنى في العالم ، وكذلك احتراما لتعهدات الملك عبد الله الثاني التي أعاد التأكيد عليها مرارا و منها لقاؤه مع رؤساء تحرير الصحف الأردنية في العاشر من نوفمبر 2008 عندما أكدّ بوضوح ( إنّ توقيف الصحفيين في قضايا النشر لن يتكرر في الأردن...إنني لا أرى أي سبب لتوقيف صحفي لأنه كتب شيئا ) ، وأعتقد أن الذين اتخذوا سريعا قرار الإفراج عنهما تذكروا تعهد الملك هذا ، ونأمل أن لا يتكرر هذا الاحتجاز مرة أخرى بحق أي كاتب أو ناشط سياسي ، فلكل شخص الحق في حرية التعبير وكل الحق لأي متضرر اللجوء للقضاء.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

270
يا إلهي : كيف ولماذا فقدنا إنسانيتنا ؟
د.أحمد أبو مطر
عدت إلى المملكة النرويجية المباركة (بإذن الله ) بعد جولة دامت عدة أسابيع في أكثر من عاصمة عربية ، حاملا معي كمية زائدة الوزن من الإحباط والتشاؤم مما شاهدته في أقطار صفتها (عربية ) و ديانتها (إسلامية ) . هذا الاحباط والحزن لما شاهدته وعشته لا يعبر عنه إلا التساؤل عنوان هذه المقالة: يا إلهي كيف و لماذا فقدنا إنسانيتنا ؟ لماذا نتصرف في أوطاننا مع بني جلدتنا بوحشية وقسوة لا وجود لها حتى في الغابات وحدائق الحيوانات ؟. لماذا نشعر بحجم قسوتنا وهمجيتنا عندما نعيش بين ومع من يسميهم شيوخنا ( أحفاد القردة والخنازير ) ، ونرى كم هم طيبون مع بعض ومعنا نحن المختلفين عنهم في الدين والعرق والأصل ؟ لماذا هم إنسانيون يتعاملون برفق وحنان لا نعرفه حتى في بيوتنا مع خاصتنا من أهلنا ؟ لماذا لا يسمع الله لشيوخنا  يدعون  يوميا عليهم في المساجد : ( اللهم عليك بالنصارى والكفار الملحدين. اللهم شتّت شملهم . اللهم رمّل نساءهم ويتّم أطفالهم . اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم . اللهم أرنا فيهم يوما أسودا ) إلخ هذه المجزرة التي لا تقل رعبا عن أفلام الرعب الهوليودية . وبالعكس فنتائج هذه الدعوات المرعبة ينزلها الله تعالى على رؤوسنا نحن ، أهي حكمة إلهية ؟..وأنتم تعرفون بالتأكيد ، فقط للتذكير إن نفعت الذكرى ، فمن يصدق كيف نتعامل مع بعض في أقطارنا الموصوفة ( عربية ) ، وقارنوا نفس المعاملة بما يتعاملون به في بلاد ( أحفاد القردة والخنازير ) كما نسميهم وندعو عليهم ، لنتأكد أنهم حقيقة أحفاد ( الأنبياء والملائكة ) ونحن من الصعب توصيفنا بناء على سلوكنا وتصرفاتنا مع بعض ...فقط إليكم بعض الأمثلة واصدروا أحكامكم أية صفات نستحق نحن و هم ؟
ممنوع..آسف.. مسموح التدخين!!!
تعلق كافة الدوائر والمؤسسات الحكومية والخاصة على جدران مكاتبها وخلف ظهر مدرائها ، يافطة مكتوبة بلغة عربية واضحة صريحة مفهومة عبارة ( ممنوع التدخين ) ، وفي بعض العواصم يكتبون تحت هذه العبارة ( بناءا على قرار مجلس الوزراء رقم...لعام ...) . ورغم ذلك فالمراجعون والمدراء العامون والموظفون يدخنون بحرية وشجاعة منقطعة النظير . ومن يصدق أنه بأم عيني رأيت وشاهدت أنه حتى في المستشفيات الحكومية والخاصة يدخن الأطباء والممرضون والمراجعون والزوار والمرضى . المستشفيات الحكومية التي دخلتها لا يمكن وصفها إلا أنها ( مزبلة ) والمستشفيات الخاصة مجرد ( مدخنة ). سألت أحد الممرضين قبل أن يدخل غرفة صديقي المريض أن يطفىء سيجارته ، فبحلق فيّ بعيون نارية ، وزمّ فمه ووجهه وقال بصوت سمعه الزوار : ( غور عن وجهي أحسنلك )!!. لحقته مبرزا جوازي النرويجي قائلا : (  إذا كنت رجلا فأمسك سيجارتك لحين استدعاء السفير النرويجي الذي سيأتي فعلا في دقائق ، لأن هذا الصديق نرويجي الجنسية ويتعالج في مستشفاكم على حساب المملكة النرويجية ليس لأن مستشفياتكم حسنة السمعة والمظهر، لكن سوء حظه أن هذه الحالة المرضية المفاجئة داهمته وهو في عاصمتكم ) . جاء على صوتنا العالي نائب مدير المستشفى حاملا سيجارته يسأل عما حدث ، فقلت له : بمنظرك هذا مع السيجارة على باب غرفة المريض لا أستطيع الإجابة . فدّخن سيجارته متعمدا في غرفة المريض ، ونظر لي باستهزاء خارجا من الغرفة ، وأنا أكاد أبكي من الألم صارخا: يا إلهي كيف فقدنا إنسانيتنا ؟.
 وما كان مني إلا الاتصال بالسفير النرويجي ووضعه في صورة ما حدث ، وما هي إلا عشرين ساعة بالضبط حتى كان المريض النرويجى ينقل مع طاقم طبي نرويجي جاء من أوسلو على أول رحلة جوية في درجة رجال الأعمال على نفقة الحكومة النرويجية كاملا، وفي بعض الحالات من السهل إرسال طائرة طبية نرويجية مع طاقمها الطبي الكامل من أطباء متخصصين وممرضين وممرضات .
وهنا أتذكر وأقارن بين مستشفياتنا المزابل المداخن هذه ومستشفيات ( النصارى أحفاد القردة والخنازير ) كما يدعو عليهم شيوخنا في صلواتهم ، فإذا مستشفياتهم هي الجنة بعينها ، وممرضاتهم وممرضوهم هم ( ملائكة الرحمة ) فعلا . عبر تجربة شخصية لمدة ثلاثة أسابيع ( 20 نوفمبر2008  إلى 9 يناير 2009 )   في مستشفيين في المملكة النرويجية المباركة بإذن الله ، اكتشفت حجم تخلفنا وقذارتنا وقسوتنا . ممرضات شابات في عمر الزهور وفتنة الورود ، لا يخجلن أو يترددن من خدمة المريض وتقديم المساعدة له في أمور تخجل الزوجة العربية أن تقدمها لزوجها حتى لو كانا وحدهما في غرفة مغلقة مظلمة . أحاول التحرك وحدي لأمر ما ، فتسرع الممرضة ملكة الرحمة والجمال والحنان راكضة طالبة مني عدم التحرك وحدي لأن حالتي الصحية لا تسمح بذلك . أقول لها : أريد الذهاب لدورة المياه !. فتقول لي بهدووء ورفق : أنا آخذك ، هذه مهمتي ووظيفتي ولا أخجل منها . تسندك على ذاعيها وكأنها ابنة لك وليست ممرضة . تدخلك دورة المياه وتقول لك: اضغط على هذا الزر إذا احتجت مساعدة فأنا واقفة على الباب طوال وجودك في دورة المياة .
طوال الليل يستحيل أن تمرّ عشرة دقائق دون أن تمرّ ممرضة أو ممرض يتفقدون أسرة المرضى بهدوء لامثيل له في بلادنا. في كل جناح غرفة مركزية تراقب كافة الغرف عبر شاشة تلفزيونية ، فإذا حصل لمريض طارىء أو احتاج مساعدة يسحب خيط قرب سريره متدلي من السقف ، فيظهر عندهم في الغرفة المركزية على الشاشة اسم المريض ورقم غرفته وسريره ، ويكونون عندك في ثوان..نعم خلال ثوان وليس دقائق . في أوقات الطعام الأربعة إن كنت قادرا على الذهاب لصالة الطعام تذهب لتأكل مع الآخرين ، وإلا فتأتيك الممرضة بالطعام إلى سريرك . وفي أوقات تناولك الدواء تأتيك عدة مرات بالدواء أي لا وجود لأمر إسمه النسيان أو التغافل. بعد عملية في القلب ( قسطرة ) وأسابيع ثلاثة في اشهر مستشفيين في أوسلو العاصمة النرويجية المباركة بإذن الله ، وهذه الخدمات الإنسانية الراقية من ملائكة رحمة حقيقيين ، سألني ابني القادم من واشنطن لزيارتي : والدي..كم ستكلفك العملية وهذه الرعاية لمدة ثلاثة أسابيع في أشهر وأرقى مستشفيين نرويجيين ؟ سألته لماذا السؤال ؟ أجاب : لأنه في الولايات المتحدة إن لم يكن لديك تأمين صحي يكلفك ذلك حوالي ثمانين ألف دولارا. أجبته : سترى بعينيك عندما أخرج من المستشفى بعد غد ، لن أدفع دولارا واحدا ، فكل الشعب النرويجي بملايينه الستة مؤمن صحيا تأمينا كاملا من الحصول على حبة الأسبرين إلى أعقد وأغلى عملية جراحية . وفي صباح اليوم الذي قرّر الأطباء عودتي للمنزل لأن حالتي أصبحت مستقرة وآمنة، جاء الممرض ملاك الرحمة والإنسانية ليسألني : هل لديك سيارة أو يوجد من سيوصلك للمنزل ؟ اجبته حقيقة : لا . فقال : استعد بعد ربع ساعة سيأتي تاكسي على حساب المستشفى يوصلك للمنزل ، وحسب مواعيد المراجعة للمستشفى المكتوبة في هذه الورقة ، سياتيك التاكسي في كل موعد على باب المنزل، ليوصلك للمستشفى ويعيدك للمنزل بعد انتهاء مراجعة الطبيب . كل هذا وهم يعرفون أنني ( بدوي سبعاوي ) ، ولكن منذ حصولي على الجنسية النرويجية عام 1996 ، فأنا مواطن نرويجي لي كامل حقوق النرويجي ابا عن جد ، واشارك في انتخابات البلدية والرلمان ومن حقي الترشح في هذه الانتخابات . ونسأل: لماذا ينصرهم الله ويوفقهم في كل الاكتشافات العلمية والاليكترونية؟ وعندما وصل التاكسي في موعده ، حمل الممرض حقيبتي وأمسكني من يدي موصلا غياي للتاكسي ، فتح لي الباب ,جلسني مغلقا الباب قائلا: مع السلامة لا تتردد في الاتصال بهاتف الطوارىء عند أية حالة!!. ولذلك أدعو في كل صلواتي : اللهم أنصر المملكة النرويجية المباركة . اللهم أحمها من كل الأعداء الكارهين للتقدم والإنسانية ؟ اللهم ساعدهم في اكتشاف المزيد من الغاز والنفط لأنه كل ايراداته لخدمتنا نحن المواطنون النرويجيون ، ولا يستطيع ملك النرويج أخذ دولارا واحدا منه لا يسمح له به القانون زيادة على راتبه الشهري . اللهم العن لاعنيهم وزلزل الأرض تحت أقدام كارهيهم ، لأن مساعداتهم لدول العالم الثالث تفوق ميزانية دولة نفطية عربية أو إسلامية .
هل تصدقون التخين ممنوع حتى في البارات ؟
منذ أكثر من خمسة عشر عاما التدخين ممنوع في كافة الدول الأوربية في كافة الأماكن العامة والمستشفيات والجامعات والمدارس والمطاعم ، ومنذ خمسة أعوام أصبح التدخين ممنوعا حتى في البارات والمقاهي . فور صدور القرار وإعلانه في الصحف والتلفزيونات ، يتقيد المدخنون والمحششون بذلك بدون رقابة أو متابعة . يذهبون للمطاعم والبارات يأكلون ويشربون ويضحكون ، وإن أراد واحد منهم تدخين سيجارة ، يخرج خارج المطعم أو البار ليدخنها في لحظات ثم يعود. وهناك مطاعم وبارات تضع كراسي وطاولات في الهواء الطلق لمن يريد ان يدخن سواء كانت الحرارة فوق الصفر أو عشرين تحت الصفر . شعارهم  الذي يطبقونه هنا بدون إعلانه أو كتابته هو ( من حقك أن تدخن ، ولكن ليس من حقك أن تؤذي غيرك بتدخينك ).
كارثة سيارات الأجرة
في بعض العواصم العربية التي زرتها هناك مسلسل كارثي اسمه ( كيف تركب تاكسي أجرة ) ، فغالبية التاكسيات بدون عدّادات لقياس المسافة والأجرة ، وبالتالي عليك أن تبدأ خوض مباحثات عسيرة مع السائق حول الأجرة التي يريدها للمكان الذي أنت ذاهب إليه . بصراحة مباحثات كامب ديفيد كانت أسهل واسرع من تلك المباحثات التي غالبا لا تنتهي بنجاح مع السائق الأول ، فتضطر لخوضها مع سائق ثان وربما ثالث . أما إذا كان التاكسي فيه عداد وهذا ما ندر ، فإن عرف السائق أنك تجهل البلد وكيفية الوصول للمكان الذي تريده، فسيبدأ باللف والدوران عبر الأماكن المزدحمة لتحقيق أعلى مبلغ ممكن عبر العداد .
لماذا هنا صادقون وواضحون ؟
بينما هنا في كافة بلاد النصارى لا توجد سيارة تاكسي بدون عداد ، ويسألك عن العنوان الذي تريد الذهاب إليه فيضعه على جهاز ( جي بي إس ) ، فيقود السائق للعنوان من أقصر الطرق، وعندما تصل ينظر إلى العداد ليطبع لك ايصالا رسميا بالمبلغ الذي ستدفعه . عندما يتوقف التاكسي الذي طلبته ، إذا فكرت في الجلوس جنب السائق ، يقول لك بأدب : آسف أنت مكانك في الخلف . بينما في بعض عواصمنا الموصوفة ( عربية ) ، يرفض السائق أن يتحرك إذا جلست في الخلف ، ويجب أن تجلس جانبه ، لماذا ؟ يجيبك : كي لا يظن الناس أنني سائق عندك ؟. تصوروا مدى تخلفنا وحرصنا على المظاهر الكاذبة!! من يخجل من مهنته كسائق أو نجار أو سبّاك أو حدّاد سوى خريجو ثقافة الكذب والأدعاء والمظاهر الفارغة ؟
وهناك كوارث تعمّ كل حياتنا
ليس من باب جلد الذات الكتابة عنها ، ولكن من باب السؤال الصارخ : لماذا وكيف فقدنا إنسانيتنا ؟ ورغم ذلك يدعو شيوخنا على النصارى أحفاد القردة والخنازير ، ونحن والله غالبية تصرفاتنا وسلوكنا لا يقبله القردة والخنازير ، فكم القردة والخنازير رحيمون مع بني جلدتهم . هل شاهدتم قردا يقتل قردا ؟ أم خنزيرا يكيد لخنزير ؟ إن سمع الله دعاء شيوخنا بترميل نساءهم وتيتيم أطفالهم وزلزلة الأرض تحت أقدامهم :
من سيصنع ويورد لنا الدواء الذي نعالج به مرضانا؟
من سيصنع ويرود لنا السيارات والطائرات والبواخر التي نتنقل بها أم سنعود للجمال والبغال والحمير؟
من سيصنع ويورد لنا الكومبيوترات والإذاعات والفضائيات التي يبث من خلالها شيوخنا دعواتهم تلك؟
من سيصنع ويورد لنا آلات الطباعة والورق الذي نطبع بها وعليه القرآن الكريم وأحاديث الرسول ودعوات الشيوخ المذكورة؟
أو ليس عيبا وعارا أن كافة دولنا العربية والإسلامية لم تتحرك لنجدة وإغاثة ضحايا الزلزال في هاييتي .دولتان أو ثلاثة أرسلت طائرتان بمواد غذانية ، بينما ماما الشقيقة الكبرى أمريكا استنفرت كل قوتها كدولة عظمى ، وأرسلت قرابة عشرة ألاف جندي ومتطوع وشرطي وطبيب وممرض ، للعلاج وحفظ الأمن والإغاثة ، وعشرات الطائرات والبواخر محملة بالخيم والمواد التموينية والطبية . وكذلك فرنسا والنرويج وبريطانياودول أوربية أخرى ، بينما دولنا بما فيها الغنية بالنفط لم تسمع أساسا بالزلزال ، وبعض منظرونا القومجيون تناسوا عذابات شعب هاييتي ، واعتبروا المساعدات الأمريكية غزوا عسكريا ، وياليت كل الغزوات العسكرية مثل هذه الغزوة الهاييتية ، لأنه لا يوجد في هاييتي من ثروات وامتيازات تستدعي الغزو و الاحتلال .
أتريدون دليلا دامغا على ما كتبت ؟
عودوا لقراءة مقالة الشيخ الدكتور عائض القرني بعنوان ( نحن العرب قساة جفاة ) بتاريخ السادس والعشرين من مارس 2008 بجريدة الشرق الأوسط اللندنية. http://www.aawsat.com/details.asp?section=17&article=458436&issueno=10670
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com





271
من اغتال المبحوح : الموساد أم حماس؟
د.أحمد أبو مطر

عملية الاغتيال التي طالت أحد المسؤولين الأمنيين والعسكريين في حركة حماس محمود المبحوح في دبي بتاريخ العشرين من يناير 2010 ، تطرح أسئلة صعبة ومعقدة ما عاد من الصدق والوطنية السكوت عليها ، خاصة أن عملية الاغتيال هذه تكاد تكون الاغتيال رقم عشرين لقيادات من حماس منها : الشيخ أحمد ياسين،  عبد العزيز الرنتيسي، يحيى عياش ، سعيد صيام ، و نزار ريان وآخرون. ونجا منها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس الذي كان سيلقى مصرعه لولا عناد وشجاعة المرحوم الملك حسين الذي اعتقلت أجهزته الأمنية المنفذين ، وأصرّ على بنيامين نتينياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أن يرسل اللقاح المضاد للسموم التي تمّ رشها عليه، فرضخ نتينياهو لطلب الملك حسين الذي أصرّ أيضا على اطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من السجون الإسرائيلية ، واستقبله جلالته في المدينة الطبية الأردنية حيث مكث أسابيع للعلاج قبل عودته لقطاع غزة  .
 هذا العنوان الاستفزازي للمقالة يقصد منه تفتيح العيون والعقول على الآلية التي أوصلت جهاز الموساد لهذه السطوة والقدرة على فعل كل ما يبدو أنه من المستحيلات ، لدرجة أن هناك من يتصور أن هذا الجهاز قادر على التنصت على البشر في غرف نومهم ، في حين أن هذه السطوة والقدرة الخارقة ما كان يمكن أن تحصل لولا المساعدات اللوجستية التي يقدمها عملاؤه المحليين ، وهم في الساحة الفلسطينية تحديدا ألاف مؤلفة ليست منذ اليوم ولكن منذ تواجد المقاومة الفلسطينية في بيروت وتونس . وعلى سبيل المثال فقط وللتذكير فمن لا يعرف قصة أشهر جاسوسة للموساد أمينة المفتي التي اعتقلتها المخابرات الفلسطينية في بيروت في سبتمبر عام 1975 بعد أن مارست تجسسها عدة سنوات ، أوصلتها لمكتب ياسر عرفات شخصيا الذي أعطاها تصريحا لدخول أية مكاتب أو مواقع تريدها ، ورغم اعتقالها وتعذيبها إلا أن المخابرات الفلسطينية واللبنانية التي تسلمتها لفترة لم تجرؤا على إعدامها بسبب تهديدات الموساد ، وتمت مبادلتها بعد خمسة سنوات مع الأسيرين الفلسطينيين محمد مهدي بسيسو و وليام نصار . ومن ينسى عميل الموساد عدنان ياسين الذي اعتقلته السلطات التونسية في أكتوبر من عام 1993 بناءا على معلومات أولية من المخابرات الفرنسية ، وأثناء التحقيق ثبت أن له علاقة باغتيال أبو جهاد في تونس عام 1988 وعاطف بسيسو في باريس عام 1992 ، وبعد أن سلمته المخابرات التونسية للسلطات الفلسطينية لم تجرؤ على المساس به ، ونقلته في طائرة ياسر عرفات إلى اليمن ثم أطلقت سراحه سالما غانما مكرما مبجلا .
من أوصل الموساد لمحمود المبحوح؟
هذا هو السؤال المركزي في قضية الاغتيال هذه ، فقد كان المبحوح في دمشق وتم الحجز له على طيران الامارات يوم التاسع عشر من يناير للسفر إلى دبي بجواز سفر مزور أي ليس باسمه الحقيقي ، ووصل إلى دبي وكان في استقباله ثلاثة من كوادر حماس ، كانوا قد حجزوا له في فندق روتانا ( خمسة نجوم ) ، وبقوا معه حتى آخر الليل ، وبعد مغادرتهم بساعات صباح العشرين من يناير تم اغتياله في الفندق بالطريقة التي عرف بها الجميع . فمن أوصل لجهاز الموساد تفاصيل رحلته واسمه المزور والفندق الذي ينزل فيه ورقم الغرفة ؟. هل من فراغ أن تعتقل سلطات دبي أحد كوادر حماس الأمنية المدعو نهرو مسعود الذي أثبتت التحقيقات أنه كان مع البحبوح حتى ساعات قليلة قبل اغتياله . والتخبط الذي ظهر في تصريحات قيادات حماس عقب الاغتيال ليس بريئا ، فعزت الرشق صرّح أنه كان في دبي في مهمة خاصة ، بينما أعلن أبو مرزوق أنه كان في طريقه لدولة ثانية ، وهناك من لام قيادة حماس على ممارسة بعض أعمالها من دبي المدينة التجارية التي لا علاقة لها بأية سياسات .
ومن أبلغ الأباتشي الإسرائيلية
عن مكان المكتب الذي كان يتواجد فيه جمال منصور و جمال سليم من قادة حماس في مدينة نابلس بالضفة الغربية ليتم قصف المكتب ظهر الحادي والثلاثين من تموز 2001 ، فيتم قتلهما مع سبعة آخرين من المتواجدين في المكتب وقربه.
ومن أبلغ نفس الأباتشي
عن مكان تواجد صلاح شحادة القائد العام للجناح العسكري لحماس ، ليتم تصفيته مع خمسة عشر آخرين من بينهم زوجته وابنته ليلة الثاني والعشرين من تموز 2002 ، وجرح ما لايقل عن مائة وخمسين من المتواجدين قريبا من مكان الاغتيال .
ومن أخبر الأباتشي ذاتها
 بنوع سيارة الدكتور ابراهيم المقادمة ، وساعة تواجده فيها ليتم اغتياله بقصفها ظهر يوم الثامن من مارس لعام 2003 مع بعض مرافقيه ، مع أنه كان من أشد شخصيات حماس سرّية ، ونادرا ما ظهرت له صورة في وسائل الإعلام أو تحدث اليها.
ومن وضع المادة الشمعية المشعة
على الكرسي المتحرك للشيخ أحمد ياسين ، تلك المادة التي أعطت الإشارة لطائرة الأباتشي الإسرائيلية لتعرف مكان الشيخ في مسجد المجمع الإسلامي بحي الصبرة بمدينة غزة ، ليتم قصفه بعد خروجه من المسجد مع ثمانية من مرافقيه والمصلين فجر الثاني والعشرين من مارس 2004 . ونفس السؤال عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي تم اغتياله بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين بخمسة وعشرين يوما ، بقصف سيارته وهو يقودها في أحد شوارغ مدينة غزة.
وفي دمشق
من وضع المتفجرات في سيارة عز الدين الشيخ خليل القابعة في كراج مغلق بمحل سكنه في حي الزهراء بالعاصمة السورية دمشق ، ليتم اغتياله صباح السادس والعشرين من سبتمبر 2004 ؟
وفي مالطة
من أبلغ وحدة الموساد مسبقا أن الدكتور فتحي الشقاقي مسؤول حركة الجهاد الإسلامي ، سوف يسافر من دمشق إلى ليبيا لللمشاركة في مؤتمر ، ويعود منها إلى دمشق عبر مالطة ، وسيتم تأخيره كي يضطر للمبيت ليلة في فندق في مالطة ، ويتم الوصول اليه رغم أنه كان يستعمل جوازا ليبيا باسم إبراهيم الشاويش ، واغتياله ظهر السادس والعشرين من أكتوبر لعام 1995 . وقد ثبت لاحقا أن الموساد كان يحصل على كافة تحركات الشقاقي وأسفاره من خلال قطعة اليكترونية تم وضعها داخل جهاز تليفونه ، فمن أوصل هذه القطعة لتليفونه ؟ الموساد أم أحد المقربين الثقاة منه؟.
وفي دمشق أيضا
من وضع المتفجرات في سيارة عماد مغنية وهي متوقفة في داخل مباني المخابرات السورية بكفر سوسة في دمشق، رغم أنه قاد السيارة من مسكنه لمباني المخابرات ولم تنفجر، فكيف انفجرت بعد خروجه من لقاء مع مسؤول مخابراتي سوري في الثاني عشر من فبراير لعام 2008 . هذا ومن المهم ذكره أن زوجة مغنية السيدة سعدى بدر الدين إيرانية الجنسية ، اتهمت صراحة السلطات السورية بالوقوف وراء اغتيال زوجها ، وكما نقلت آنذاك وكالة الأنباء الايطالية تصريحا لها لموقع "البرز"الإيراني قالت فيه أن الدليل على تورط السلطات السورية هو رفضها مشاركة محققين إيرانيين في التحقيقات الجارية ، ثم قامت السفارة الإيرانية في دمشق بنقل الزوجة فورا إلى طهران . هذا وتمت عملية الاغتيال أيام قليلة قبل القمة العربية في دمشق ، ولم تتهم السلطات السورية الموساد آنذاك بل لمّح الإعلام السوري لجهات عربية ، وكان المقصود أن أية جهة عربية لن تحضر القمة خاصة المصرية والسعودية سوف توجه لها التهمة ، وبعد ذلك تمّ طي الملف نهائيا بدون أية تهمة لأية جهة عربية أو موسادية.
ونفس التساؤل عن وفاة ياسر عرفات
فإذا كانت وفاته فعلا بسبب تسميمه من قبل الموساد ، فمن وضع له السم في طعامه أو شرابه؟ أليس واحدا من المقربين منه الذين يتواجدون معه ليلا ونهارا و يعدون له الطعام والشراب ويقدمونه له بأيديهم ؟. وأين الملف الذي قيل تسلمته زوجته سهى الطويل من المستشفى الفرنسي ؟.
إن هذه الاختراقات الفلسطينية والعربية
هي التي صنعت القدرة الخيالية للموساد ، وهي اختراقات لو توفرت لأي جهاز مخابراتي لحقق نفس القدرة الموسادية ، أي أنه بدون هذه الاختراقات لا يستطيع أي جهاز في العالم الوصول إلى ما يصل إليه الموساد الذي هو ليس دائما المنفذ الميداني بل هؤلاء العملاء الفلسطينيون والعرب . ورغم ذلك يهدد خالد مشعل إسرائيل بحرب مفتوحة ، وقبله بأيام قليلة يناشد اسماعيل هنية كافة الفصائل الفلسطينية بعدم اطلاق الرصاص على إسرائيل كي لا يعطيها الحجة والسبب لاجتياح ثان لقطاع غزة ، وهو يقصد المحافظة على البقاء في السلطة مع هدنة لستين عاما .
مثل فلسطيني قديم يقول " دود الجبنة منها فيها".
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com
 
 


272
ابن لادن و نضال التغيرات المناخية
د.أحمد أبو مطر
لا يختلف العقلاء الحريصون على سمعة العرب والمسلمين على حقيقة حجم الأذى الذي ألحقه ابن لادن بالعالمين العربي والإسلامي منذ تأسيسه تنظيمه الإرهابي "القاعدة" الذي أصبح فيما بعد ملاذا لكل الإرهابيين من مختلف الأقطار والبقاع ، مولدا بشكل مستمر جماعات إرهابية تحت مسميات في الغالب إسلامية ، تمويها على إرهابها وجرائمها وقرصنتها بحثا عن الملايين من الدولارات . والمؤسف المثير لضحك يقترب من البكاء أن هناك من ينظّر لهذه الجرائم الإرهابية على أنها "مقاومة". وليت من يتبنون هذه المقاومة يجيبون على أسئلة تطرحها الملايين من العرب والمسلمين ومنها:
أولا: أية مقاومة في جرائم الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 الإرهابية التي راح ضحيتها ألاف من الأبرياء بينهم مئات العرب والمسلمين ، ولمزيد من التضليل أطلق عليها "غزوة نيويورك" ويحتفل سنويا بذكرى هذه الجريمة ؟
ثانيا: أية مقاومة في هذا القتل اليومي العشوائي في بغداد والمدن العراقية ، حيث يقتل في كل عملية إرهابية العشرات والمئات ولا تسلم المساجد والحسينيات من هذا الإرهاب المجرم.
ثالثا:أية مقاومة في عمليات القرصنة على السواحل الصومالية حيث خطف السفن التجارية ، ثم الإفراج عنها مقابل الملايين من الدولارات ؟ أم أن هذه الملايين يستخدمونها فيما بعد لنشر الدعوة الإسلامية انسجاما مع الأسماء التضليلية التي يستخدمونها بصبغات إسلامية ؟
رابعا: أية مقاومة في هذا الإجرام الذي يحصد يوميا المئات من المواطنين الأفغان دون ذنب ارتكبوه ، وفقط لأنهم موجودون هدفا سهلا لهذا الإرهاب ؟
خامسا: أية مقاومة في تفجيرات باكستان الإرهابية التي كان نتيجة آخرها قتل ما يزيد على مائة شاب في ملعب لكرة القدم ؟
وتطول أسئلة هذه القائمة التي يسكت عليها دعاة المقاومة ومدّعي الدين أيضا ، فلم نسمع إدانة من واحد منهم لهذا الإجرام ، لأنهم مشغولون بتطورات "إرضاع الكبير" ، و"تحريم الموسيقى وتبادل الزهور" ، و "تحريم الجلوس على الكراسي والأرائك ". ويتركون الإرهابيين أمثال ابن لادن وتلميذه الظواهري يعيثون فسادا وتخريبا وتشويها لسمعة العرب والمسلمين .
وأخيرا النضال من أجل التغيرات المناخية
رصدت في مقالة لي بعنوان ( من يداوي هذا المريض المدعو أيمن الظواهري ؟ ) بتاريخ الرابع عشر من مارس 2007 ، المجالات والموضوعات التي أفتى فيها من يقدمه منظرو المقاومة على أنه الرجل الثاني في القاعدة ، وأسندت أقواله التي أفتى حولها بما فيها انتقاده الشديد لحزب الله وحركة حماس ، وردود الحركة العنيفة عليه من خالد مشعل شخصيا وأسامة حمدان ممثل الحركة في لبنان . و أخيرا كي يبقى الإرهابي المعلم أسامة بن لادن تحت الأضواء من مخابئه في تورا بورا وكهوف أفغانستان وباكستان ، بدأ النضال من أجل :
التغيرات المناخية في العالم
وهذه ليست مزحة أو نكتة بايخة ولكنها موضوع تسجيله الصوتي الأخير الذي بثته قناة الجزيرة منذ أيام قليلة ، حيث ثار الإرهابي غضبا على الدول الكبرى التي تتحمل مسؤولية التغيرات المناخية وما ينتج عنها من مخاطر تطال كافة دول العالم من تصحر وجفاف وسيول وأعاصير . ويحمل كذلك الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش مسؤولية عدم التصديق على اتفاقية كيوتو إرضاء للشركات الكبرى .
وكذلك الأزمة المالية العالمية ،
لم تسلم من تنظيرات ونضالات هذا الإرهابي ، فهو يرى أن الدول الكبرى ذاتها هي المتسببة في الأزمة المالية العالمية بفعل سياسات المضاربة والاحتكار ورفع الأسعار ، وموجها خطابه لمليارات سكان الكرة الأرضية ، ومقدما حلول هذه الأزمة من خلال الاعتدال في الاستهلاك ومحاولة ابطاء عجلة الاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد على استهلاك العالم لبضائعه . وهنا يتناسى هذا الجاهل أنه وإرهابيو قاعدته يستخدمون ويستهلكون المنتجات الأمريكية من سيارات ودواء وغذاء وانترنت وهوتميل واسطوانات لتسجيل نضالاتهم الانترنتية ، فلماذا لا يتوقفون عن استخدام هذه المنتجات ، ويعودون للنضال من على ظهور الجمال والخيول ، ويكتبون بياناتهم على الجلود ويرسلونها لأتباعهم مع الحمام الزاجل إن تمكنوا من تدريبه .
القاعدة وكافة منتجاتها ،
قوى ظلامية لا تعترف بالتطورات الحضارية ، ولا تعرف طرق النضال الحقيقي التي ينبغي أن تتركز على عناصر تقدم الشعوب العربية والإسلامية من محو للأمية وترسيخ الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة ومحاربة الفساد ، كي نلحق بالخطوة الأولى لركب التقدم ، إذ أنه مما يبكي ويضحك أن تكون نسبة الأمية في الأقطار العربية حسب تقارير التنمية البشرية العربية لا تقل عن ستين بالمائة ، وأنه لا توجد أية جامعة عربية ضمن قائمة أهم خمسمائة جامعة عالمية ، أي أن كافة الجامعات العربية دون مستوى التقييمات العالمية ، بينما من ضمن الجامعات العالمية ثلاثة جامعات في جنوب أفريقيا وستة جامعات إسرائيلية . أما ميزانيات البحث العلمي لدى كافة المؤسسات والبنوك وأصحاب المليارات العربية فتكاد لا تذكر ولا وجود لها ، بينما رجال المليارات من النصارى والملحدين نسبة عالية من ثرواتهم للأعمال الخيرية والجامعات العملاقة . فمثلا جامعة ماك جيل الكندية التي ترتيبها هو السادس عشر بين أهم مائة جامعة في العالم ، كانت قد أسست عام 1823 من كامل ثروة المليونير الكندي ماك جيل الذي أوصى بكامل ثروته لتأسيس جامعة عملاقة ، فإذا بها تبلغ هذه الدرجة العالمية المتقدمة  وتصل ميزانيتها عام 2009 إلى مليار دولار . فأين نحن وهذا الإرهاب الذي يقودنا للتخلف والظلامية كما فعلت وتحاول أن تفعل طالبان وشقيقاتها في أفغانستان وباكستان والعراق والصومال ودول أخرى ؟.
أما التسجيل النضالي القادم
للإرهابي ابن لادن الذي لم يسلم مسقط رأسه المملكة العربية السعودية من إرهابه وجرائمه ، فاؤكد لكم حسب مصادري القاعدية أنه سيكون تسجيلا صوتيا مرئيا عن زلزال هاييتي الأخير ، يحلل فيه أسباب هذا الزلزال منتقدا المساعدات الأمريكية لهاييتي لأنها مساعدات ضخمة وضرورية ولكنها أخذت طابعا عسكريا دون أن يوضح للمضللين في عالمنا العربي والإسلامي كيف كان يمكن نقل هذه المساعدات و ألاف من رجال الأنقاذ والأمن دون مساعدة الجيش الأمريكي ؟ ، فانتظروا هذا التسجيل خلال أيام قادمة لنضحك قليلا ونبكي كثيرا .
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com



273
دور الدعاة والمثقفين في ترسيخ الاستبداد العربي
د.أحمد أبو مطر
وضع الحريات الديمقراطية في الأقطار العربية أمر مؤسف بشكل عام في غالبية هذه الأقطار . العديد من الشعوب عاشت نفس الوضع لكنها ناضلت سلميا لإسقاط أنظمتها أو تطوير أدائها لينسجم مع وضع الحريات العالمي ، فالشعب الإيراني أسقط في عام 1979 نظام الشاه أعتى الأنظمة الديكتاتورية ، وجاء الخميني ليقيم نظام ولي الفقيه الملالي ليصبح عبر الممارسة لا يختلف عن نظام الشاه في قمعه ومصادرته للحريات ، وهاهو الشعب الايراني يعود لنضاله من جديد لاسقاط نظام الملالي المستبد عبر غطاء ديني مضلل اسمه " نظرية الولي الفقيه : التي لا إجماع عليها داخل المذهب الشيعي ، فهي براءة اختراع خمينية لنشر سلطته التعسفية التوسعية على حساب أراض الغير من خلال ما أطلق عليه " تصدير الثورة ". والشعب الروماني أسقط أيضا نظام الديكتاتور تشاوشيشكو في ديسمبر عام 1989 ، وظل يطارده إلى أن أعدمه وهو يحاول الهروب عبر الحدود ، وأمثلة عديدة من تاريخ الشعوب الأخرى ، إلا الشعوب العربية أصبحت أسيرة هذا النمط من الأنظمة حيث لا يعدو نضال بعض أحزابها وفعالياتها البيانات الخطابية التي راجت رواجا شديدا مع ثورة الانترنت التي جعلت العالم أجمع مجرد حارة أو قرية صغيرة . والملاحظ أن غالبية هذه النضالات الخطابية هي من الجماعات والأحزاب التي تتبنى خلفية دينية إسلامية في الغالب ، وخطورة ذلك أن نجاح هذه الجماعات في الاستيلاء على السلطة سينقلنا من ديكتاتورية الدولة المدنية إلى ديكتاتورية الدولة الدينية ، وهي ديكتاتورية أكثر خطورة خاصة بعد معايشة تجربة حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة .  هاتان التجربتان أوضحتا سطوة وخطورة من يتحرك سياسيا باسم الدين ، ويكفي التذكير باجتياح حزب الله لبيروت في مايو 2008 ، حيث خرّب ودمّر العديد من المنشآت من ضمنها وسائل الإعلام المخالفة له في الرأي . وكذلك تجربة حماس في القطاع منذ انقلابها العسكري واستيلائها على السلطة في يونيو 2007 ، الذي أعقبه تطهير تنظيمي لكل ما هو غير حمساوي حتى لو تلفع برداء الدين كما حصل في تدميرها لمسجد ابن تيمية في مدينة رفح على رؤوس جماعة دينية يقودها الشيخ موسى عبد اللطيف ، وقتلت منهم حوالي عشرين وجرحت العشرات ، لأن حماس لا تقبل من يدّعي تمثيل الله في القطاع غيرها . والمؤسف أن حلاوة السلطة والنفوذ تبيح لحماس ما كانت تخّون الآخرين بسببه. فالملا اسماعيل هنية قبل أيام قليلة طالب الجميع علنا وصراحة بعدم اطلاق الرصاص على إسرائيل كي لا يعطيها مبررا لاجتياح القطاع مجددا، واعتبر أن من يقوم باطلاق الرصاص سيرتكب خيانة وطنية ، متناسيا أن حماسه طوال فترة الرئيس عرفات كانت تواصل اطلاق صواريخها الكرتونية ، فأعطت اسرائيل المبرر لحصار عرفات عدة سنوات إلى وفاته في باريس .....فهل كانت حماس ترتكب آنذاك خيانة وطنية ؟
لماذا رسوخ الاستبداد العربي ؟
أعتقد أن هذا الرسوخ والتجذر في الحياة العربية ، يساهم فيه بشكل جذري طبقتان أو فئتان من الشعوب العربية هما:
أولا : دعاة وشيوخ الدين
أو من أطلق عليهم الدكتور علي الوردي "فقهاء السلاطين" الذين يقومون بخدمة السلاطين ( رؤساء ، ملوك، أمراء ، أو شيوخ ) ، ويبررون كافة أعمالهم مستخدمين القرآن الكريم والسنّة النبوية ، وغالبا آية القرآن التي تقول" واطيعوا أولي الأمر منكم " ، وهناك من هؤلاء الفقهاء من قال صراحة " لا يجوز الخروج عن طاعة ولي الأمر إلا إذا أعلن كفره ". ومن من هؤلاء المستبدين من هو غبي لهذه الدرجة كي يعلن كفره ؟ وبالتالي فلا حق لمواطن أن يخرج عن طاعته وأوامره حتى بالتظاهر السلمي أو العصيان المدني . وضمن نفس السياق يتكرر في صلاة كل جمعة في ما لا يقل عن نصف مليون مسجد في الأقطار العربية دعاء "اللهم انصر حاكم اليلاد على أعدائه" ، متناسين أن أعداءه في الغالب هم الشعوب ، وبالتالي فهم يدعون الله أن ينصر هذا الطاغية على شعوبه . وما ينبغي ملاحظته في هذا الأمر أن الكلام الصادر عن أي داعية أو شيخ أو فقيه من فقهاء السلطان أكثر تأثيرا في نفوس وقلوب الشعوب من كلام أي كاتب أو مثقف أو سياسي، حتى لو كانت كل مؤهلات هذا الشيخ " دشداشة قصيرة ولحية طويلة " فقط .
ثانيا: مثقفو السلطة والسلطان
وهم غالبية الكتاب والصحفيين والمثقفين خاصة العاملين فيما يسمى "الإعلام الرسمي " ، وهم يقومون بنفس دور دور فقهاء السلاطين بشكل مختلف مستخدمين المهارة الإعلامية والمعلومات الرسمية للسلطان ، وبالتالي فهذه المعلومات هي عين الحقيقة وحدها . ولنا أن نتذكر عشرات الكتب التي تمجد الطغاة بالاسم ، وواحد من هؤلاء الممجدين من اخترع شعار وهتاف الملايين العريبة "بالروح بالدم نفديك يا....".
لذلك فإن المسيرة الديمقراطية في الأقطار العربية ستبقى متعثرة وتسير للوراء إلى أن تصحو هاتان الطبقتان أو الفئتان لممارسة دورهما الريادي الحقيقي ، وفيما يخص رجال وفقهاء الدين هو الخروج من عباءة خلط الدين بالسياسة أو الدين بالدولة ، فأوربا الحالية لم تصل لوضعها الديمقراطي الحالي إلا عندما تم أسر رجال الكنيسة داخل جدران الكنيسة ، فتوقفوا عن التحليل والتحريم ، وعاد الدين ليكون علاقة شخصية بين الفرد وربه ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ، وفي النهاية فعقاب أو ثواب كل فرد عند ربه .
الدولة المدنية
وهذا المسار السائد يقودنا إلى أن الحل هو اقامة الدولة المدنية بدلا من الدولة الدينية ، الدولة المدنية التي تفتح باب الحريات الديمقراطية التي تسمح للكاتب والمخرج الأمريكي مايكل مور أن يقول في القيادات ألأمريكية ما لا يجرؤ عليه أي قومي عربي .
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

274
التوفيق بين الشريعة والسياسة في مسألة الجدار الفولاذي
د.أحمد أبو مطر
كانت مقالتي السابقة " الجدار الفولاذي بين الشريعة والسياسة" محاولة لعرض تناقض فتاوي وأحكام الشيوخ العرب المسلمين بخصوص الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدودها مع قطاع غزة ، وكان هذا التناقض صارخا من محلل للجدار مكفر لمن يرفضه ، ومحرم للجدار مكفر لمن يقبله ويبرره ، وقلت في نهاية المقالة المذكورة " أنّ الحل هو في الوسطية التي يعبر عنها مفتو وشيوخ الدول الإسكندينافية كي توفق بين فك الحصار عن قطاع غزة والمحافظة على السيادة والأمن المصري ". فإليكم هذا الحل الوسطي كما نراه ونعتقد به نحن شيوخ و دعاة الدول والممالك الاسكندينافية ، ويعزز ذلك أننا نحن شعوب اسكندينافيا من أشد الشعوب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ، وتربطنا علاقات طبيعية وجيدة مع الشعب والحكومة المصرية ، ونرى أن هذا الحل الوسطي ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) يحقق رفع الحصار عن قطاع غزة ويحافظ على السيادة والأمن المصري.
أعتقد أن الموضوع أسهل من
 كل التعيقدات التي أضافها أهل الشريعة والسياسة من الطرفين الرافض والمؤيد للجدار ، لأنه من حق الحكومة المصرية ممارسة سيادتها على أراضيها بما ترتأيه لمصلحتها ومصلحة شعبها ، وأيضا من حق الشعب الفلسطيني في القطاع على إخوته وبني قومه في الحكومة المصرية أن لا يسهموا في حصاره بل تخفيف هذا الحصار قدر الإمكان ، خاصة إذا كانت الحكومات تعبر عن رأي شعبها ، فالمتابع للموضوع يستطيع أن يرصد رفض غالبية الرأي العام المصري لبناء هذا الجدار الفولاذي الذي لا يخدم سوى أمن إسرائيل مقابل حصارها وتجويعها لمليون ونصف المليون فلسطيني في القطاع، وهو مرفوض بكل المعايير السياسية والأخلاقية في زمن الحرب والسلم ، خاصة أن مصر تتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية اتجاه قطاع غزة كونه أحتل من قبل إسرائيل في يونية عام 1967 وهو واقع تحت ما كان يسمى ( إدارة الحاكم العسكري المصري ) الذي كان في ذلك الزمن المرحوم الفريق يوسف العجرودي .
لذلك فالحل السياسي الوسطي يكمن في التركيز على أسباب ودوافع الحكومة المصرية لبناء هذا الجدار ، وهي كما أعتقد تتركز فقط في تهريب السلاح وليس المواد الغذائية والطبية والتموينية ، وذلك بحكم التزاماتها المتعلقة باتفاقية السلام والصلح الموقعة مع إسرائيل وما يتبعها من التزامات دولية مثل خلو سيناء من السلاح وغير ذلك .  لذا وكون حركة حماس المسيطرة والحاكمة للقطاع لا تطلق الرصاص على إسرائيل وتعتقل فعلا من يقوم بذلك ، وتطالب من غزة بهدنة طويلة الأمد لمدة ستين عاما، بينما خالد مشعل يعلن لوسائل الإعلام الأمريكية الشقيقة عن قبول حركته لدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، فيمكن إن حسنت النوايا وتحسنت العلاقات ، أن يتم التنسيق بين حركة حماس والحكومة المصرية بجدية وصدق على منع تهريب السلاح الذي لا يستعمل ، مقابل تنظيم علني مبرمج لدخول المواد التموينية والطبية وكافة مستلزمات الحياة اليومية لمليون ونصف فلسطيني في القطاع . ويعقب ذلك فتح معبر رفح بشكل دائم لحركة الخروج والدخول كما كانت قبل ثلاثة سنوات حتى ولو بإشراف إسرائيلي ودولي ، لأنه من غير المنطقي تحويل القطاع كما هو عليه الآن لسجن كبير ، حيث فقد المئات من الشباب مقاعدهم الدراسية في الخارج، ومئات آخرين وظائفهم لتصادف زيارتهم لذويهم مع إغلاق المعبر ، وهناك مئات المرضى الذين يحتاجون لعلاج غير متوفر في مستشفيات القطاع ، وعندئذ لا يعود مهما هل أقيم الجدار الفولاذي أم لا ، فالكل يريد العنب وليس مقاتلة الناطور، والعنب هنا هو الغذاء والدواء والكهرباء و أدوات البناء للشعب الفلسطيني في القطاع.
إن وقف الحملات الإعلامية المسعورة ضد مصر،
أمر ضروري كي تعود كل الأطراف لحوار العقل الذي من المؤكد سينتج عنه ما هو في مصلحة السيادة المصرية وتخفيف الحصار عن الشعب الفلسطيني في القطاع ، ومما سيسهم في ذلك هو تحكيم المصلحة الفلسطينية لدى حركة حماس تحديدا للوصول لمصالحة فلسطينية حقيقية بناءا على الورقة المصرية التي طالت المباحثات حولها ، ليس حرصا على المصلحة الفلسطينية بقدر ما هو استمرار السيطرة والكرسي والنفوذ ، فلا يفهم أي فلسطيني هذا الخلاف الفتحاوي الحمساوي ، والطرفان لا يطلقان الرصاص ويعتقلان من يقوم به ، إذن على ماذا تختلفون ؟. وعلينا التذكر أنه قبل سيطرة حماس على القطاع كانت حياة الفلسطيني أكثر سهولة عبر المعابر المفتوحة أغلب الأوقات ، والتنقل عبرها إلى مصر لكل من لديه أسباب رسمية مثل شهادات الدراسة والعمل في الخارج أو العلاج في مصر...إلخ هذه الأسباب . في الدول الديمقراطية تستقيل حكومة أو وزير لحادث قطار أو طائرة ، أما حركة حماس فهي متشبثة بالكرسي والسلطة والسيطرة رغم كل ما جرّه انقلابها العسكري من ويلات على شعب القطاع...فإلى متى ؟ وأين علماء الشريعة الإسلامية الأشاوس ؟ لماذا لا يصدرون فتوى بهذا الخصوص ؟ هل يجوز لسلطة أو حركة أن تستمر في الحكم والسيطرة ووجودها لا يسهم في تحرير وطنها، بل يلحق الخسائر الجسيمة بشعبها كما نرى في القطاع منذ ثلاثة سنوات؟.
وإلا فليسكت الشيوخ والمفتون ،
 لأن الخطورة الناتجة عن هذا الخلاف الشرعي  وإقحام الدين في أمور سياسية لا علاقة لها بفروض الإسلام الأساسية ، يسبب الضرر والتشتت والفرقة كونها تطال الملايين من البشر في مختلف البلدان والأقطار باسم الإسلام  ، فالمتظاهرون ضد الجدار في عرف الشيوخ المحللين والداعمين له يعتبرون بالنتيجة مخطئين وضالين لأنهم يتظاهرون تأييدا لباطل ومحرّم ، وهؤلاء المحللون والداعمون للجدار يعتبرون في عرف الآخرين على باطل وضلال ، وبالتالي تكون النتيجة أن كل الأمة شعوبا وشيوخا وحكومات على باطل وضلال.  أبعدوا  الدين عن أمور السياسة ، وليحتكم أصحاب السياسة لمصلحة الشعوب عبر حوار هادىء بعيدا عن هذه الحملات الإعلامية المسعورة التي تعيد للذاكرة حملات داحس والغبراء الكروية. إبدأوا حوارا ملتزما بأخلاقيات الحوار يعيد الشعب الفلسطيني في القطاع لما قبل يونيو 1967 ، حيث كنّا نسافر وننتقل من كافة مدن ومخيمات القطاع عبر الحدود المصرية حتى قرية الشيخ زويد ومدينة العريش بدون إبراز أية هوية أو اثبات شخصية ، والمواطن المصري كذلك عبر الحدود المفتوحة إلى كافة مدن ومخيمات القطاع....سقى الله تلك الأيام!!! والله يجيرنا مما هو أعظم كما كان يدعو يوميا جدّي في مخيم رفح، وليته يسمعني في قبره لأقول له : وهل هناك يا جدّي أعظم من هذه المصائب التي نعيش ؟
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com
 


275
الجدار الفولاذي بين السياسة و الشريعة
د.أحمد أبو مطر
أصبح مؤكدا أن الحكومة المصرية تقوم ببناء جدار فولاذي تحت الأرض بعمق طويل على الحدود بين قطاع غزة وسيناء المصرية، التي تمتد حوالي تسعة كيلومترات ، وذلك بهدف إعاقة بناء أنفاق سرية عبر الحدود تستعمل للتهريب بين القطاع ومدينة العريش المصرية ، خاصة بعد انقلاب حركة حماس العسكري الذي أدى إلى سيطرتها الكاملة على القطاع في  يونيو 2007 ، وطردها كافة كوادر وقيادات حركة فتح والسلطة الفلسطينية ، ومنذ ذلك التاريخ يعيش حوالي مليون ونصف مواطن فلسطيني بنسبة عالية على ما يتم تهريبه عبر هذه الأنفاق ، التي أقل ما يهرب عبرها هو السلاح لأن حماس نفسها رغم صراخ المقاومة الخطابي لم تطلق رصاصة على الاحتلال منذ انتهاء اجتياح يناير 2009 ، بالعكس فهي تعتقل كل من يحاول إطلاق الرصاص أو الصواريخ الكرتونية ، بمعنى أن السلاح سلعة غير مطلوبة في السوق اليومي ليتم تهريبها عبر الأنفاق .
 وقد أوجدت هذه الأنفاق حسب كتابات ورصد بعض الكتاب الفلسطينيين المقيمين في غزة طبقة من الأثرياء التي يمكن تسميتها "أثرياء الأنفاق"التي يتم بناؤها بعلم سلطة حركة حماس مقابل مبالغ باهظة للحركة رسوما لكل نفق ، مع العلم أن غالبية سكان القطاع فعليا تحت خط الفقر ولا يملكون ما يشترونه من المواد التي يتم تهريبها . وكم هو مثير للفزع والخوف أن تشاهد وتتأكد من معلومة وليس نكتة وهي أنه في الفترة الأخيرة بدأ تهريب الخيول والحمير عبر الأنفاق لاستعمالها كوسائل نقل ومواصلات لعدم توفر البنزين والمازوت لاستعمال السيارات. ورغم كل هذا الوضع المأساوي إلا أن رصدا لأهم موضوعات العام 2009 وبدايات 2010 تثبت أن موضوع الجدار الفولاذي هذا قد طغى على الاهتمام بالذكرى الأولى للاجتياح الإسرائيلي للقطاع ، وذلك ليس بسبب خطورة الجدار على حياة السكان في القطاع فقط ، ولكن بسبب تداخل الشريعة والسياسة في الموضوع . وهذا وحده يثبت عشوائية الحياة التي يعيشها العرب بسبب تدخل رجال الدين في كل صغيرة وكبيرة من "إرضاع الكبير" إلى "الجدار الفولاذي"، ولم يبق إلا فتاويهم بخصوص لون الملابس المحرّمة للرجال والنساء ، ولم لا فربما يكون اللون الأحمر مثلا غير شرعي فعليهم دراسة الأمر ونصحنا.
الجدار..شرعي أم غير شرعي ؟
هذا الموضوع السياسي تسابق فيه المفتون باسم الشريعة الإسلامية بين محلل ومحرم ، وبالتالي فلا يعرف المواطن المسلم شيخ أية طريقة يتبع ، الذي أفتى بتحليل الجدار شرعيا وتأييد بنائه لمطابقته لتعاليم الإسلام ،  أم الذي أفتى بمخالفة الجدار للشريعة الإسلامية وتكفير القائمين على بنائه والمحللين لذلك أيضا ؟. من نتبع منكم خاصة أن كل طرف يورد عشرات الآيات القرأنية والأحاديث والمواقف النبوية التي تدعم وجهة نظره.
فالأزهر يؤيد بناء الجدار ،
إذ أصدر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف برئاسة فضيلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي حفظه ورعاه الله ، بيانا رسميا بإجماع أعضائه أيّد فيه قيام الحكومة المصرية ببناء الجدار الفولاذي على الحدود المصرية مع قطاع غزة ، وقد جاء في البيان حرفيا: " إن من الحقوق الشرعية لمصر أن تضع الحواجز التي تمنع أضرار الأنفاق التي أقيمت تحت أرض رفح المصرية، حيث يتم استخدامها في تهريب المخدرات وغيرها مما يهدد ويزعزع أمن مصر ومصالحها . إن ما تقوم به مصر تأمر به الشريعة الإسلامية ويتفق مع أحكامها التي تؤيد حق كل دولة في حماية حدودها ومصالحها . إن الذين يعارضون بناء هذا الجدار يخالفون بذلك ما أمرت به الشريعة الإسلامية ".
إذن فالشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ،
يخالف الشريعة الإسلامية وأوامرها لأنّ فضيلته أصدر بيانا يوم السابع والعشرين من ديسمبر لعام 2009 ، ورد فيه:" إنّ بناء الجدار الفولاذي الذي تقيمه مصر هذه الأيام على الحدود بينها وبين غزة عمل محرم شرعا، لأن المقصود به سدّ كل المنافذ على غزة للزيادة في حصارهم وتجويعهم وإذلالهم والضغط عليهم، كي يركعوا ويستسلموا لما تريده إسرائيل". طبعا ليس الشيخ القرضاوي وحده فهناك العديد من الشيوخ والمفتين ربما أكثر من عدد أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، أيدوا فتوى القرضاوي بتحريم الجدار ومخالفة القائمين عليه والمؤيدين له للشريعة الإسلامية والسنّة النبوية ، وهم بذلك خارجون عن تعاليم الإسلام ضالون عن الطريق النبوي الصحيح.
أما حزب التحرير في فلسطين ،
الموكل بإقامة الخلافة الإسلامية في عموم الدول الإسلامية أولا، ثم العالم أجمع  وكما يعد فهي قاب قوسين أو أدنى ، وبعد قيامها سيتولى خليفة المسلمين عندئذ تحرير فلسطين كاملة ثم تحرير العالم أجمع من الكفار والنصارى ، فقد أعلن فضيلة السيد الشيخ الأستاذ حسن المدهون ، من المكتب الإعلامي للحزب :" إن العلماء الذين أصدروا هذه الفتوى الخبيثة فاقدون للأهلية الشرعية كونهم يعترفون بالحدود التي أقامها الكافر المستعمر ، بل ويجعلونها فوق حدود الله التي دعت إلى نصرة المسلمين ". وأضاف فضيلته :" إن الأمة تزخر بالعلماء المخلصين الذين يرفضون هذه الفتوى وأمثالها ، ويتطلعون إلى اليوم الذي يكونون فيه جزءا من جيوش المسلمين الزاحفة لتحرير فلسطين وكل البلاد الإسلامية المحتلة".
وفي فلسطين ذاتها منْ حلّل بناء الجدار،
فقد أفتى فضيلة الشيخ الدكتور محمود الهباش وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطيني ( الحمساوي سابقا ، العبساوي حاليا) " أنّ من حق مصر أن تتخذ من الإجراءات ما تراه مناسبا لضمان أمنها وحماية حدودها وتنفيذ القانون في أراضيها...إنّ مجمع البحوث في الأزهر الشريف أصدر بيانا واضحا وهو أعلى مرجعية جماعية لأهل السنّة في العالم وليس مصر فقط ". بينما فضيلة الشيخ الدكتور محمد أسعد بيوض التميمي ، مدير مركز دراسات وأبحاث الحقيقة الإسلامية ، ونجل مفتي فلسطين السابق الإمام المجاهد أسعد بيوض التميمي ، فقد نشر دراسة طويلة مدعمة بآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، تحت عنوان " الكفر البواح في الفتوى الشيطانية بشرعية الجدار الفولاذي الفرعوني " ، وصف فيها الشيوخ الذين أيدوا شرعية بناء الجدار بأنهم " علماء السلطان الجائر الموالي للكفار ، ويا أتباع الشياطين يا أيها المجرمون ، أيها الكافرون ". و كنتيجة فإن الطرفين كافران حسب وجهة نظر كل طرف في ألآخر.
والبابا شنودة الثالث أيضا،
بابا الإسكندرية ، بطريرك الكرازة المرقسية ، تدخل أيضل في الموضوع وأفتى في مقابلة تلفزيونية بقوله:" أنا مع حماية البلاد وحدودها بأية طريقة تراها الدولة، ومن حقنا أن ندافع عن بلادنا وحدودها ولا تعتبر هذه خيانة كما يردد البعض، مع التذكير أن البابا ما زال على فتواه التي أعلنها عام 1980 بتحريم ومنع الأقباط المصريين من زيارة القدس طالما هي تحت الاحتلال الإسرائيلي .
إذن ما الحل يا أهل الشريعة والسياسة؟
الحل هو في الوسطية التي يعبر عنها مفتو وشيوخ الدول الاسكيندينافية ، كي توفق بين فك الحصار عن قطاه غزة والمحافظة على السيادة والأمن المصري ، وهذا هو موضوع المقالة القادمة ، فانتظروا يا أهل العلم ، وفقنا ووفقكم الله تعالى.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

276
الأردن : ماذا بعد حل مجلس النواب وتكليف الرفاعي ؟
د.أحمد أبو مطر
تميزت ولاية الملك عبد الله الثاني في العشر سنوات الماضية بأن الملك هو صانع المفاجآت في الساحة الأردنية ، وغالبا استجابة غير مباشرة لتململات وهمسات الشارع الجماهيري الأردني ، الذي يعلو صوته همسا في كثير من الأحيان بخصوص مجلس النواب بصرخة ( مشان الله حلّه يا عبد الله ) حسب تعبير الزميل الكاتب الأردني خالد محادين ، وهي الصرخة التي جلبته للمحكمة بناء على شكوى مجلس النواب ، ولكن القضاء الأردني انتصر لحرية التعبير وبرأ الزميل محادين.  وقد كانت آخر مفاجأتين للملك عبد الله الثاني :
الأولى: حل مجلس النواب
المجلس الذي قام الملك بحله يوم الثلاثاء الموافق الرابع والعشرين من نوفمبر لعام 2009 ، هو المجلس النيابي الخامس عشر في تاريخ الحياة النيابية الأردنية ، و كان قد تم انتخابه في نوفمبر من العام 2007 ، وجاء حله بعد عامين من انتخابه وقبل عامين من انتهاء ولايته في نوفمبر 2011 ، وكان أبرز ما ميّز انتخابات هذا المجلس هو إصرار السيدة فلك الجمعاني على خوض انتخابات دائرة مدينة مأدبا تنافسيا مع المرشحين الرجال أي خارج الكوتا النسائية ( ستة عضوات ) التي تضمن لها حظا أوفر من الفوز ، ورغم ذلك فازت بعضوية المجلس دون الحاجة لهذه الكوتا النسائية ، وبالتالي اصبح في هذا المجلس سبعة سيدات مع السيدات الستة اللواتي نجحن من خلال  تلك الكوتا التي بدأ العمل بها في قانون انتخابات 2001 والتعديلات التي طرأت عليه .
 النقابات تبارك حل المجلس
وقد كان أوضح وأقوى تأييد للخطوة الملكية بحل المجلس قد جاء من مجمع النقابات المهنية الذي يسيطر عليه في الغالب كوادر ونقباء من الحركة الإسلامية ، خاصة أن الحركة خسرت خسارة فادحة في انتخابات هذا المجلس ، إذ لم يفز لها من بين 22 مرشحا سوى ثمانية مرشحين . لذلك عبّر العديد من النقباء عن تأييدهم ورضاهم عن خطوة حل المجلس الذي كان رئيسه عبد الهادي المجالي ( رئيسا لتسع مرات ) قد أعلن عدم نيته خوض الانتخابات القادمة . وقد عبّر عن ذلك رئيس مجلس النقباء المهندس عبد الله عبيدات  كما أورد موقع عمون الأردني ، قائلا : " إنّ المجلس المنحل جاء نتيجة قانون الانتخابات الحالي الذي أدّى إلى افراز مجلس يفتقر إلى هوية سياسية محددة نتيجة التراكيب والتجمع العشوائي في الكتل النيابية، بالاضافة للمصالح الشخصية التي طغت على المجلس المنحل الذي أدّى إلى عدم تأدية المجلس لواجباته اتجاه المواطنين ".
هذا التشخيص الموضوعي للخلل في طريقة وأداء المجلس ليس مسؤولا عنه الناخب الأردني الذي أوصل للمجلس من يعتقد أنه أقدر على تمثيل مصالحه الحياتية ، ولكن المسؤول هم النواب أنفسهم ليس في المجلس المنحل فقط  وإنما في كل ما سيأتي من مجالس منتخبة ، لأن المتابعة الميدانية والزيارات والمعرفة الشخصية لعمل النواب، تدلل على أن مكمن الخلل في اضاعة وقت النائب والمجلس ليس من أجل سنّ واصدار قوانين دائمة لتفعيل ما يخدم حاجات المواطن الحياتية بشكل قانوني دائم دون الحاجة لتدخل النائب لدى المسؤولين في كل صغيرة وكبيرة يحتاجها المواطن ، وإنما وراء التدخل الشخصي من النائب الذي يحول وقته في المجلس وخارجه إلى ما يشبه ( ساعي خدمات ) لا يستطيع دوما تأمينها للمواطن، بينما في حالة وجود القانون وتطبيقه تنتفي هذه الحاجة لتدخلات النائب ، وقد عبر عن ذلك نقيب المحامين أحمد طبيشات قائلا : " إنّ تدخل النواب في عمل الحكومة وإلحاحهم على التوظيف والطلبات الخاصة ، بالإضافة إلى التصرفات الفردية من بعض النواب أدى إلى عكس صورة سلبية عنه...إنّ المجلس عانى من حالة عدم الانسجام في داخل جسمه نتيجة عدد الكتل وعدم اكتمال النصاب في العديد من الجلسات نتيجة الخلافات الجانبية للنواب ، مما أدى إلى فقدان المجلس قيمته عند المواطن المتابع  " ، وهذا ما يجعل مهمة النائب في الدول العريقة في ديمقراطيتها تختلف عن مهمة النائب في بلادنا ، حيث مهمته تنحصر في سن القوانين وإصدارها ثم ملاحقة تنفيذها بشفافية تشمل الجميع . ونتيجة الارتياح من الخطوة الملكية بحل المجلس اصدر أكثر من نقيب مهني تصريحات وبيانات مؤيدة .
التعديلات المتوقعة لقانون الانتخابات
وكانت إرادة ملكية أخرى قد صدرت تنص على ( إجراء انتخابات المجلس النيابي حسب أحكام القانون طبقا للمادة 34 من الدستور ) ، وهذا يفتح المجال لاحتمالات تعديل قانون الانتخابات الحالي القائم على مبدأ (الصوت الواحد ) أي أن يعطي الناخب صوته لمرشح واحد فقط ، وهو القانون الذي أنتج المجلس المنحل الذي رافقته كل الانتقادات السابقة ، لذلك فقد عبّر العديد من نقباء التجمعات المهنية والشخصيات العامة عن أملها في تغيير هذا القانون قبل الانتخابات القادمة ، ويبدو أن الملك عبد الله الثاني مقدم على أخذ رأي الشارع الأردني بعين الاعتبار حول أهمية تغيير قانون الصوت الواحد المثير للنقد ، ويمكن استنتاج ذلك من افتتاحية جريدة الرأي شبه الرسمية ، حيث ورد : " إن الحكومة مدعوة وفق الرسالة الملكية إلى اتخاذ كل ما يلزم من اجراءات وخطوات عملية، والبدء بشكل فوري بالإعداد لإجراء انتخابات برلمانية وفق مواصفات وأسس ومعايير غير مسموح بالخروج عليها أو تجاوزها أو اخضاعها لأي تفسير ، ويجب أن تتم بعد اجراء تعديل قانون الانتخابات وتطوير اجراء العملية الانتخابية بحيث تكون نقلة نوعية " . أعتقد أن " يجب " هذه التي استعملتها جريدة الرأي ليست قادمة من تحليلات بقدر ما هي توجيهات ، وكون " يجب " هذه موجهة للحكومة ، و حكومة نادر الذهبي قدمت استقالتها ، فهذا يعني أن الشارع الأردني في انتظار قرارات حكومة سمير الرفاعي التي من المحتمل الإعلان عن تشكيلها خلال ساعات أو أيام قليلة جدا.
هل يشرف الجيش ودائرة المخابرات على الانتخابات القادمة؟
وجهت انتقادات عديدة في أكثر من انتخابات برلمانية أردنية لدوائر وأجهزة وزارة الداخلية المشرفة عادة على اجراء الانتخابات ، لذلك فاجأ الجميع الزميل الكاتب الأردني خالد محادين يوم الخامس من ديسمبر بدعوة ورد فيها بعد أن انتقد بشدة مؤسستي الأمن والدرك : " من هنا أدعو وأتمنى أن يكون الإشراف الأمني على كل صغيرة وكبيرة في عملية الانتخابات مسؤولية جهازين محترمين يحمل لهما المواطنون التقدير والثقة والاعتزاز ، وأعني القوات المسلحة ودائرة المخابرات العامة ، فالأولى تحمينا من أعداء الخارج والثانية تحرسنا من أعداء الداخل ".
وأعتقد أن هذه الدعوة تنقضها نفس المبررات التي أوردها الزميل خالد محادين تبريرا لدعوته ، فبالإضافة لتناقض إشراك الجيش الأردني في الإشراف على الانتخابات مع الدستور الأردني ، ليس من المنطقي ولا الوطني أن يخرج الجيش عن مهمته التي قال عنها محادين ( تحمينا من أعداء الخارج ) ليصبح طرفا في خلافات داخلية دوما تصاحب أية انتخابات ، فليبق الجيش الأردني جيش الوطن بكل مواطنيه أيا كان المرشح الذي صوت كل مواطن له . وكذلك دائرة المخابرات العامة فكون مهمتها كما قال الزميل (تحرسنامن أعداء الداخل ) ، فالمنطقي والوطني أن تحافظ على وظيفتها المهمة هذه التي أفشلت العديد من مؤامرات أعداء يستهدفون الداخل الأردني ، وعدم الزج بالدائرة في خلافات الداخل هذا ، فمهمتها أسمى وأثمن من ذلك ، فلتبق بعيدة عن أية خلافات حزبية أو انتخابية لأنها حامية للداخل بكامله ، خاصة أنها في ظل قيادتها الجديدة تثبت مهنية عالية مصدر تقدير العديد من الجهات الداخلية والخارجية لابتعادها عن الأضواء والتصريحات والمؤتمرات وتفرغها الكامل لحراسة الوطن من أعداء الداخل والخارج الذين يخططون للمس بالداخل الآمن المستقر.  والجهاز الوحيد المؤهل للإشراف على الانتخابات هو الجهاز القضائي الذي يجب أن يمتلك  الجراة والشفاقية المطلوبة التي يتحدث عنها صاحب المفاجأت الأردني.
فهل تكون مفاجأته القادمة ،
هي الطلب من القانونيين الأردنيين وذوي الاختصاص اجراء التعديلات المطلوبة شعبيا وحزبيا ومهنيا على قانون الانتخابات الذي أشارت له جريدة الرأي شبه الرسمية ؟. الداخل الأردني يترقب الشهور القليلة القادمة خاصة أنه حسب الدستور يجب أن تجري الانتخابات القادمة في موعد أقصاه الرابع والعشرين من مارس لعام 2010 أي أربع شهور بعد حلّ المجلس السابق وإلا يعاد التجديد له وبث الروح فيه من جديد ، وهذا ما لا أعتقد يلبي طموحات صانع المفاجآت الأردني ، وإلا ما كان قد لجأ لحله أساسا ، وبالتالي فهذه التعديلات لن تتم إلا بعد ،
التشكيل الوزاري الجديد ،
الذي كلف الملك عبد الله الثاني به سمير الرفاعي رئيس مجلس الأعيان الذي بادر للاستقالة كي لا يكون هو ونجله على رأس المؤسستين التشريعية والتنفيذية في نفس الوقت . هذا ومما يلاحظ أن بعض قيادات الإخوان المسلمين الأردنيين الذين يجب أن يعارضوا حتى ولو على خطأ، فقد استبقوا التشكيلة الوزارية لسمير الرفاعي ، وأعلنوا رفضهم لما أطلق عليه حمزة منصور رئيس مجلس شورى الجماعة ( توريث للمناصب وإقطاع سياسي ) باعتبار سمير الرفاعي هو نجل زيد الرفاعي وحفيد سمير الرفاعي حيث شكل الأب والجد أكثر من حكومة أردنية . ويمكن ملاحظة مسألتين على تحفظ الزعيم الإخواني :
الأولى : إن مجرد جرأته على هذا الانتقاد وكونه موجه لإرادة ملكية ، وما يزال حرا في بيته وعمله الحزبي دون استدعائه لأي جهة أمنية ومحاسبته ، وربما يدخل الانتخابات القادمة ، هذا مما يضاف لرصيد الأفق الديمقراطي الذي يتجذر في الأردن ، خاصة إذا ما قورن الوضع الأردني بأوضاع عربية لا يمكن فيها نقد وزير وليس الرئيس أو الملك ، متذكرين أنه في بعض الحالات تمّ توريث لرئاسة الجمهورية ، دون أن نسمع احتجاجا أو نقدا من حمزة منصور وجماعته .
الثانية: الحكم في الدول الديمقراطية لا يتم على الشخص قبل بدء حكومته العمل ، بل يكون على تقييم أدائها في كافة الميادين وإصدار الحكم على الأداء والنتائج وليس الشخوص . والدليل أنه لم ينتقد أحد في الولايات المتحدة الأمريكية وصول جورج بوش الإبن لرئاسة البيت الأبيض بعد والده جورج بوش الأب ، ولم يسموه توريثا أو إقطاعا سياسيا ، بل انتظروا ممارسة جورج بوش الإبن لمسؤولياته الرئاسية ثم كانت الأحكام السلبية والايجابية على نتائج فترة حكمه .
ولكن جماعات الإخوان المسلمين يعتقدون أنهم يمثلون الذات والأحكام الإلهية ، لذلك فلهم الحق في إصدار ما يشاءون من انتقادات غير موضوعية ، متناسين أن كل المرشدين العامين في كافة جماعاتهم يستمرون في زعاماتهم من المهد إلى اللحد ، فما هو حلال لهم حرام على غيرهم. لذلك فليعلن سمير الرفاعي حكومته ، وبعد ذلك فالحكم على أدائها لغالبية الشعب الأردني بغض النظر عن والده وجده اللذين شكلا عدة حكومات أردنية ، وكان لهما دور واضح ومؤثر ايجابيا في الحياة السياسية والحكومية الأردنية .
لذلك في انتظار إعلان التشكيلة الوزارية الجديدة ، يتطلع الأردنيون لمفاجأة جديدة تتعلق بتغيير وتطوير قانون الانتخابات ، صارخين هذه المرة ( دخيل الله يا أبو حسين ).
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

277
أوباما في أوسلو...يا هلا و مرحبا
د.أحمد أبو مطر
تستعد مدينة أوسلو العاصمة النرويجية منذ منح الرئيس الأمريكي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام في أكتوبر الماضي ، لاستقباله استقبالا يليق برئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم، وفي نفس الوقت بشكل يليق بتواضعة وبساطته التي جعلته يقول عند إبلاغه خبر منحه الجائزة : ( هذا شرف عظيم لي...رغم أنني لا أستحقها ) ، و لكنّه قبلها متبرعا بقيمتها التي تبلغ مليون وأربعمائة ألف دولار للجمعيات والأعمال الخيرية . واليوم الأربعاء الموافق التاسع من ديسمبر لعام 2009 ، والرئيس باراك أوباما بيننا في أوسلو وسط شوارعها وسقوف بيوتها الملونة ببياض الثلج مثل قلوب أهلها النرويجيين خاصة أعضاء معهد نوبل للسلام النرويجي ، من المفيد التذكير بالحيثيات التي جعلت المعهد يقرر منح الجائزة لأوباما بعد حوالي تسعة شهور فقط من توليه الرئاسة الأمريكية ، وكان أول رئيس أمريكي أسود للبيت الأبيض .
لماذا منحوه الجائزة ؟
تسعة شهور من توليه الرئاسة ليست كافية لتحقيق انجازات ضخمة سواء على المستوى الأمريكي الداخلي أو العالم الخارجي ، كي تكون مبررا لمنحه جائزة نوبل للسلام ، ورغم أن قرار اللجنة كان مفاجأة للجميع إلا أن السيد ثوربيورن ياجلاند رئيس لجنة نوبل النرويجية ، قدّم من الأسباب والحيثيات المقنعة مما جعل الغالبية حول العالم تؤيد هذا القرار حتى في دول تعادي الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها . من هذه الأسباب والحيثيات :
أولا: " قررت منح جائزة نوبل للسلام لعام 2009 إلى الرئيس باراك أوباما بسبب جهوده الاستثنائية لتعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب . الدبلوماسية المتعددة الأطراف استعادت موقعا مركزيا مع التركيز على دور الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى ".
ثانيا: "نادرا ما استطاع شخص أن يجذب اهتمام العالم ويعطي الشعوب الأمل من أجل مستقبل أفضل كما فعل أوباما . دبلوماسيته القائمة على مفهوم أنّ هؤلاء الذين يقودون العالم يجب أن يفعلوا ذلك مستندين إلى القيم والتوجهات التي تتشارك بها الغالبية العظمى من سكان العالم".
ثالثا: " لمست اللجنة أهمية خاصة لرؤية أوباما وعمله من أجل عالم خال من الأسلحة النووية . إنّ اوباما خلق مناخا جديدا من الدبلوماسية . إنّ الحوار والمفاوضات لهما الأفضلية كوسائل من أجل أكثر النزاعات الدولية تعقيدا ، ورؤية عالم خال من الأسلحة النووية حفز بقوة مفاوضات نزع السلاح والسيطرة عليه . وبفضل مبادرات أوباما تؤدي الولايات المتحدة دورا بناء أكثر في مجابهة التحديات المناخية الكبيرة التي تواجه العالم .
وها هو يصل إلى قمة التغييرات المناخية
وهي صدفة مهمة للغاية أن يصل الرئيس أوباما إلى العاصمة النرويجية أوسلو يوم الاربعاء التاسع من ديسمبر ليتسلم الجائزة الخميس العاشر من ديسمبر الذي يصادف ذكرى وفاة مؤسس الجائزة الصناعي السويدي ألفرد نوبل في حفل ضخم يليق بالجائزة والرئيس ، ثم يغادر أوسلو ليصل كوبنهاجن العاصمة الدانمركية يوم الثامن عشر من ديسمبر الحالي للمشاركة في قمة التغييرات المناخية المنعقدة بإشراف الأمم المتحدة . وللعلم فقد دعاه الملك النرويجي هارالد الخامس للإقامة عنده في القصر الملكي ، إلا أن أوباما فضّل اقامة بسيطة في مركز المدينة في  (جراند هوتيل ) ، الذي سيطل من شرفته غدا لتحية الجماهير المحتشدة وموكب المشاعل التقليدي الذي يمر من أمام الفندق . ومن الأهمية أيضا أن يكون الرئيس أوباما هو الرئيس الأمريكي  الرابع الذي يفوز بالجائزة بعد الرئيس تيودور روزفلت ( 1906 ) و الرئيس ويدرو ويلسون ( 1919 ) والرئيس جيمي كارتر ( 2004 ) ، ومن الشخصيات الأمريكية أيضا آل غور ( 2007 ) نائب الرئيس الأمريكي آنذاك مناصفة مع هيئة التغييرات المناخية التابعة للأمم المتحدة ، وهي الهيئة التي تحظى باهتمام ودعم الرئيس أوباما لأهمية دورها في نشر المعرفة والتحذيرات حول مخاطر التغييرات المناخية التي نسبة عالية منها بسبب تصرفات وسلوك سكان العالم وحكوماته .
إنها جائزة اللغة الجديدة والأمل القادم
لا يختلف اثنان أن هذه الجائزة التي جاءت بعد تسعة شهور فقط من تولي أوباما رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ، كانت للغة الجديدة التي أدخلها في قاموس البيت الأبيض ولقيت ترحيب العالم أجمع ، و جرعات الأمل الزائدة التي وعد بها البشرية جمعاء بعد حروب وصراعات أحرقت الأخضر واليابس . لقد دخلت قاموس البيت الأبيض لغة جديدة تقول :
يوم الخامس من أبريل 2009 ، حيث شارك الرئيس أوباما في قمة الاتحاد الأوربي قال بشجاعة نادرة: " إن الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها القوة النووية الوحيدة في العالم التي استخدمت السلاح النووي، تتحمل مسؤولية أخلاقية العمل من أجل جعل العالم خاليا من السلاح النووي . من هنا أؤكد بوضوح وعن قناعة التزام الولايات المتحدة ورغبتها بالعمل من أجل السلام والأمن في عالم خال من الأسلحة النووية ".
ويوم الرابع من يونيو 2009 ، وجّه الرئيس أوباما من جامعة القاهرة خطابا للعالمين العربي والإسلامي مغايرا تماما للهجة التي سادت البيت الأبيض في الرئاسة السابقة لرئاسته ، حيث أكّد على التعايش السلمي بين الشعوب كافة واحترام سيادة الدول ، معتذرا عن سياسة سابقة أساءت للإسلام والمسلمين : " أقدم اعتذاري للعالم الإسلامي عن سوء الفهم واللغط الذي ساء إليهم وإلى شعائرهم نتيجة تهور سلفي الرئيس بوش ، الذي أدى إلى عدم توازن سياسته الدولية في الشرق الأوسط وعدم تمكنه من تصنيف المسميات بشكل يتناسب مع أهمية التعايش والتعامل مع دين الإسلام وهو دين الأغلبية في الشرق الأوسط وخلط الإرهاب بالدين ، تلك الأمور التي جئت من أجلها هنا كي أصحح نصاب الأمور وأنقل لكم رؤيتنا لتجربتنا الحديثة في التغيير في جوانب العلاقات الإسلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية ".
" ليس هناك أي شك أن الإسلام هو جزء لا يتجزأ من أمريكا ، وأعتقد أن التطلعات المشتركة بيننا جميعا بغض النظر عن العرق أو الديانة أو المكانة الاجتماعية ، ألا وهي تطلعات العيش في ظل السلام والأمن والحصول على التعليم والعمل بكرامة والتعبير عن المحبة التي نكنها لعلائلاتنا ومجتمعاتنا ولربنا ".
ويوم السابع من يوليو 2009 ، أكدّ الرئيس أوباما من موسكو ضرورة قيام علاقات متوازنة بين القطبين الأعظمين في العالم ، مركزا على ضرورة المجتمعات الديمقراطية : " إنّ مسار التاريخ يظهر لنا أن الحكومات التي تعمل على خدمة شعوبها تستمر وتزدهر ، وليس الحكومات التي لا تخدم سوى قوتها الخاصة " ، وقد كان جريئا في دعوته الحكومة الروسية إلى احترام قواعد دولة القانون والديمقراطية على الصعيد السياسي وإلى مكافحة الفساد والعمل على احترام القانون على الصعيد الاقتصادي .
وفيما يتعلق بالقارة السمراء ،
أفريقيا التي تعود أصول الرئيس أوباما إليها حيث كان والده مهاجرا كينيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ففي زيارته إلى أكرا عاصمة غينيا في يوليو 2009 ، ألقى خطابا مثيرا أمام البرلماني الغاني بعد أن قام مصطحبا عائلته بزيارة لقلعة كيب كوست التي استخدمها تجار العبيد بدءا من القرن السابع عشر ، وأصبحت تمثل رمزا لمعاناة الملايين من البشر الأفارقة حيث كان يتم احتجازهم في زنازين قبل شحنهم في بواخر عبر طريق اللاعودة ، التي قال عنها أوباما:" هناك إحساس خاص في أن هذا المكان يرمز من ناحية للحزن العميق ومن ناحية أخرى من هنا بدأت رحلة التجربة التي خاضها كثير من الأمريكيين الأفارقة". لقد شخّص أوباما في خطابه أهم المشاكل الأفريقية :" ما زال النزاع أو الصراع بالنسبة للكثيرين من الأفارقة جزء لا يتجزأ من الحياة . ثابت ومستمر مثل وجود الشمس . وهناك حروب على الأراضي وحروب على الموارد . وما زال من اليسير جدا على أولئك الذين لا ضمائر لهم أن يستغلوا مجتمعات بأكملها ويدفعوها نحو الحرب بين العقائد والعشائر . لذا ينبغي علينا أن نتضدى لكل ما يخالف الإنسانية بين ظهرانينا ".
مرحبا بك في وطني الثاني ،
مملكة النرويج التي يفتخر شعبها أنه وحكوماته المتعاقبة لم يمارسوا الاحتلال والاستعمار كغيرهم من الشعوب وحكوماتهم ، فلم يحدث أن احتلت أو استعمرت النرويج أية أوطان أخرى ، وهذا مصدر فخر واعتزاز لشعبها ، لذلك فالشعب النرويجي من أكثر الشعوب احساسا بمعاناة الشعوب الأخرى أيا كانت أسباب هذه المعاناة: اقتصادا أم فسادا أم احتلالا. وأنا أرحب بك سيادة الرئيس باراك أوباما في موطني الثاني المملكة النرويجية المباركة بإذن الله ، وسأكون أحد المصفقين لك وأنت تتسلم جائزة نوبل للسلام للعام 2009 ، أرجوك أن لا تنسى وعودك بالنسبة
لموطني الأول فلسطين
الذي وعدت في خطابك المهم في جامعة القاهرة في الرابع من يونيو 2009 بشأنه وعودا مهمة أكسبتك احتراما لا مثيل له . تذكر قولك سيادة الرئيس في ذلك الخطاب قبل ستة شهور فقط :" لا يمكن نفي أن الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين ، قد عانوا أيضا في سعيهم إلى إقامة وطن خاص بهم ، لقد تحمل الفلسطينيون آلام النزوح على مدى أكثر من ستين سنة ، حيث ينتظر العديد منهم في الضفة الغربية وغزة والبلدان المجاورة ، لكي يعيشوا حياة يسودها السلام والأمن ، هذه الحياة التي لم يستطيعوا عيشها حتى الآن. يتحمل الفلسطينيون الاهانات اليومية صغيرة أم كبيرة والتي هي ناتجة عن الاحتلال ، وليس هناك أدنى أشك أن وضع الفلسطينيين لا يطاق ، ولن تدير أمريكا ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم ".
خطابك القادم في القدس الشرقية
كم سيكون رائعا سيادة الرئيس أن تساعد الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ وعودك هذه ، مما يعني أنه ليس بعيدا أن يكون إحدى خطاباتك القادمة في القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية الموعودة ، بدليل أن إدارتك الأمريكية الحالية أجلت نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ، مما يعني رفض التزمت الإسرائيلي الخاص بوضع القدس الشرقية...كم جميل سيادة الرئيس أن تكون هناك ، وتتجول في شوارع القدس متنقلا من المسجد الأقصى إلى كنيسة القيامة إلى شوارع بيت لحم حيث آثار السيد المسيح ، مسيح السلام والمحبة التي افتقدها الفلسطينيون كما قلت لأكثر من ستين عاما...مرحبا بك ومبروك الجائزة التي تستحقها باعثا للأمل والسلام والتفاهم المشترك بين الشعوب كلها.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

278
وثيقة حزب الله الجديدة :
تأجيل للتفجير الداخلي حسب مصلحة الحزب
د.أحمد أبو مطر
الوثيقة السياسية التي أعلنها السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله يوم الاثنين الموافق الثلاثين من فبراير 2009 ، وتقع في 32 صفحة واستغرقت قراءتها منه ساعة وربع ساعة في مؤتمر صفحي عبر شاشة كبيرة ، أي دون تواصل مباشر مع الصحفيين المشاركين في مؤتمره ، يمكن اعتبارها الوثيقة السياسية الثانية للحزب بعد وثيقته الأولى التي أعلنها عام 1985 ، التي كانت بمثابة البرنامج السياسي للحزب ، وكان أبرز ما يميزها الارتباط بين الحزب والايدولوجية الايرانية الخاصة بولاية الفقيه التي لا إجماع عليها في الوسط الشيعي العربي . والمثير أن قياديي الحزب ومنظريه أكثروا آنذاك من التركيز على بيان هذه العلاقة والافتخار بها ، إلى حد قول الشيخ نعيم قاسم نائب السيد نصر الله في كتابه " حزب الله : المنهج ،التجربة،المستقبل " : ( الحزب يلتزم القيادة الشرعية للولي الفقيه كخليفة للنبي والأمة...وأمره ونهيه نافذان ) ، والسيد نصر الله قال مرارا : ( نحن ملزمون باتباع الولي الفقيه ولا يجوز مخالفته فولاية الفقيه كولاية النبي والامام المعصوم ...والذي يرد على الولي الفقيه حكمه فإنه يرد على الله وعلى أهل البيت ). وخلال ربع القرن الماضي حوّل الحزب الضاحية الجنوبية في بيروت إلى معقل خاص به تختلف في كافة مضامين حياتها وسلوكها عما يعرفه الجميع عن لبنان ومظاهر حياته . وكان كل ذلك يتم من خلال الدعم المالي الإيراني الهائل الذي جعل الرفاهية معلما من معالم الضاحية ، وهي الرفاهية التي اشتكى منها السيد حسن نصر الله بعد افلاس مليونير الحزب صلاح عز الدين ، ومطالبته كوادر الحزب وقيادييه بالعودة للتقشف .
هل من جديد في الوثيقة الجديدة ؟
أرى أن هذه الوثيقة رغم عموميتها في أغلب الموضوعات التي تعرضت لها خاصة البند الخاص بالوضع العالمي ، إلا أنها فيما يتعلق بالوضع اللبناني والإسلامي حافظت على استراتيجية الحزب المعروفة الخاصة باستمرار التميز والسيطرة الداخلية على الوضع اللبناني أيا كانت نسبة الأغلبية التي تنتجها الانتخابات التشريعية ، والإعلان الصريح عن الولاء لإيران بطريقة مواربة لكنها واضحة.
في الوضع اللبناني
تقول الوثيقة الجديدة أنّ ( لبنان وطن الجميع ) وهذا تعريف ديمقراطي لا يختلف عليه أحد ممن يسعون لوطن ديمقراطي يتساوى فيه الجميع أيا كانت قوميتهم وطائفتهم ، وفور ورود هذا التعريف الديمقراطي يلصق به ( وهو الذي قدمت المقاومة من أجل تحرير أرضه أغلى الشهداء ) ، وأعتقد أن هذا الإلصاق يقصد منه التلويح باستمرار سلاح الحزب الذي اجتاح بيروت عسكريا في مايو 2008 مدمرا ومخربا العديد من مؤسسات مناوئيه في الأغلبية البرلمانية . وضمن نفس الرؤية الداخلية التهديدية تقول الوثيقة : ( أهم الشروط لقيام لبنان ، قيام دولة عادلة ونظام سياسي يمثل إرادة الشعب ). وهو أيضا تعريف يرقى لمفاهيم أعرق الديمقراطيات في العالم ، ولكن يتم نسف هذا المفهوم الديمقراطي بما يأتي في الوثيقة لاحقا له حيث تقول: ( الديمقراطية التوافقية الصيغة الأساسية للحكم في لبنان ) ، فكيف تنسجم ( إرادة الشعب ) التي تأتي عبر الانتخابات النزيهة مع ( الديمقراطية التوافقية ) التي تعني توافق كافة الأحزاب على سياسة واحدة ، وهذا يعني نسف الديمقراطية إذ من الصعب توافق كافة أحزاب أي دولة على نفس الرؤية في كافة القضايا ، بدليل أن هذه الديمقراطية التوافقية هي التي أخرت تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية حوالي ستة شهور بسبب عدم موافقة المعارضة التي يتزعمها حزب الله وهي الأقلية البرلمانية على رؤى الأغلبية البرلمانية التي يمثلها قوى الرابع عشر من آذار ، ثم امتد الوقت سبعة عشر يوما للاتفاق فقط على صياغة البيان الوزاري للحكومة الجديدة ، رغم أن الديمقراطية الحقيقية تعطي للأغلبية البرلمانية وضع برنامج حكومتها والحكم هو الشعب في الانتخابات القادمة ، وما زلنا في انتظار مناقشة هذا اليان تحت قبة البرلمان لنرى ما ستسفر عنه .
وسلاح الحزب لتخويف الداخل فقط
عند الحديث عن بناء الدولة اللبنانية أصرّت الوثيقة على الاحتفاظ بسلاح حزب الله عبر صيغة مواربة حيث قالت : " التهديد الإسرائيلي الدائم للبنان يفرض تكريس صيغة دفاعية تقوم على المزاوجة بين المقاومة الشعبية التي تساهم في الدفاع عن الوطن في وجه أي غزو إسرائيلي ، وجيش يحمي الوطن ويثبت أمنه واستقراره في عملية تكامل ) . إن هذه الصيغة المطاطة تعني حق حزب الله وحده في الاحتفاظ بسلاحه تحت صيغة ضبابية اسمها ( سلاح المقاومة ) ، رغم أن هذا السلاح لم يستعمل منذ يوليو 2006 بعد الانتصار الإلهي ضد الاحتلال الإسرائيلي رغم خروقاته وطلعاته الجوية شبه اليومية ، وذلك احتراما من الحزب وخوفا من تبعات خرق القرار الدولي رقم 1701 .  والمرة الوحيدة التي استعمل فيها الحزب ما يسمى سلاح المقاومة ، كانت في اجتياحه العسكري لبيروت في مايو 2008 . لذلك فإن استمرار الحزب وحده في الاحتفاظ بسلاحه لا يعني سوى تهديد لديمقراطية الأغلبية التي تنتج عن الانتخابات البرلمانية ، لتكريس ما أطلق عليه الحزب "الديمقراطية التوافقية" أي لا تمرير لأية رؤية وتوجه حكومي إلا بموافقته ، وهذا يعني نسف الديمقراطية والاحتكام للسلاح الذي هو في يد الحزب فقط ، خاصة أن طبيعة تشكيل الجيش اللبناني لا تسمح بمصادرة هذا السلاح بالقوة ، وبالتالي فالنتيجة هي استمرار هيمنة هذا السلاح على الوضع الداخلي اللبناني ، و فرض رؤى الحزب ومواقفه السياسية أو تعطيل الحياة البرلمانية والحكومية مما يعني فراغا نيابيا وحكوميا كما حدث في الشهور الماضية .
في العلاقة مع إيران
تتحدث الوثيقة في بندها السادس ( لبنان والعلاقات الإسلامية ) عن إيران ودورها ومكانتها بتفصيل ينسجم مع ما أوردناه في مطلع المقالة عن تأكيدات قادة الحزب منذ ربع قرن عن الانتماء لإيران وتلقي الأوامر من فقيهها . ويكفي ذكر ما قالته الوثيقة عن إيران حيث لم تحظ دولة إسلامية مثل تركيا بكلمة واحدة رغم تشابه بعض مواقفها مع الموقف الإيراني الذي تشيد به الوثيقة . تقول الوثيقة :
" الدعم الإيراني مستمر للعالم العربي حتى يومنا هذا " . فكيف ينسجم ادعاء الدعم هذا مع احتلال الأحواز العربية منذ عام 1925 والجزر الإماراتية الثلاث منذ عام 1971 ، واستمرار التهديد بضم مملكة البحرين ، وضرب دول الخليج العربي إن تعرضت إيران لأي تهديد خارجي .
" يعتبر حزب الله  إيران دولة مركزية مهمة في العالم الإسلامي ، فهي التي أسقطت بثورتها نظام الشاه ومشاريعه الصهيونية الأمريكية، ودعمت حركات المقاومة في منطقتنا ، ووقفت بشجاعة وتصميم إلى جانب القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطنية ". إن هذا التثمين من حزب الله للدور الإيراني مبالغ فيه ، ويقفز على خلفية هذه السياسة التي تستعمل هذا الدعم الخطابي للفت أنظار العالم عن ملفاتها العالقة دوليا ، خاصة تصريحات أحمدي نجاد العنترية التي أكسبت إسرائيل تضامنا دوليا لم تكن تحلم به حسب اعترافات مسؤولين إسرائيليين . أما محاولات إيران التخريبية في العديد من الأقطار العربية، فلم تعد خافية على أحد من اعتقال خلية الحزب في مصر إلى قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية معها . لذلك فإن هذه الوثيقة تؤكد من جديد بطريقة التفافية عن استمرار ارتباط الحزب بإيران ، ووجوده في المنطقة العربية كامتداد إيراني قبل أن يكون حزبا لبنانيا ، وذلك يشبه امتدادات إيران الأخرى في بعض دول الخليج العربي وبنفس التسميات ( حزب الله في...).
وكنتيجة فإن هذه الوثيقة الجديدة،
تؤكد استمرار حزب الله ليس ( حزبا سياسيا)  في دولة بقدر ما هو ( دويلة داخل دولة ) ، وبالتالي فهو قادر على التفجير الداخلي المسلح في أية لحظة لا تنسجم سياسة ومواقف الأغلبية البرلمانية مع سياسته ومواقفه التي تسعى للانسجام مع دولة الولي الولي الفقيه في إيران قبل توافقها مع الأغلبية البرلمانية المنتخبة من الشعب اللبناني ، لذلك فالقادم المخفي أعظم .
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com




279
دولة فلسطينية من طرف واحد:
ماذا تعني في أرض الواقع؟
د.أحمد أبو مطر
كثرت في الأسابيع القليلة الماضية المطالبات الفلسطينية ومن مستويات قيادية متعددة ، لإعلان دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 من طرف واحد، أي من الطرف الفلسطيني بدون انتظار موافقة الطرف الثاني الشريك في العملية التفاوضية وهو الطرف الإسرائيلي . واتخذت هذه المطالبات في بعض الأحيان شكل التهديد للطرف الإسرائيلي في حالة استمراره في المماطلة المصاحبة بتصعيد بناء المستوطنات الجديدة وتوسيع القائم منها تحت مسمى ( النمو الطبيعي ) ، متناسيا أن هذا النمو غير شرعي ولا قانوني لأنه قائم من الأساس على بنيان غير قانوني ولا شرعي . ولو قام الطرف الإسرائيلي بتنفيذ كافة التزاماته التي نصّت عليها اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993 لقامت الدولة الفلسطينية المستقلة نهاية عام 2005 . لذلك فإن المطالبات أو التهديدات الفلسطينية بإعلان الدولة من طرف واحد، تبدو من خلال هذا السياق منطقية وضرورة وطنية فلسطينية . وحسب رئيس دائرة المفاوضات الفلسطينية صائب عريقات فإن الجانب الفلسطيني سوف يلجأ إلى مجلس الأمن في محاولة لإصدار قرار من المجلس بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 . وجاءت هذه الخطوة الفلسطينية وكأنها تصعيد جديد لمضمون المطلب الفلسطيني على اعتبار أن مجلس الأمن الدولي صاحب الصلاحية العليا في فض الخلافات الدولية.
ولكن ماذا تعني هذه الدولة في أرض الواقع؟
تستطيع أية مجموعات وطنية تعيش في أرضها أن تعلن دولتها الخاصة بها طالما هي تسيطر على مساحة من الأرض بشكل كامل وقادرة على حمايتها ، وحسب هذا المفهوم نستطيع اعتبار أنه في مساحة من الأرض اسمها ( الصومال ) توجد الآن حسب هذا المفهوم للدولة على الأقل ثلاثة دويلات ، وفي الوقت ذاته تشنّ على بعضها حروبا لم تتوقف منذ سنوات . وضمن حالة ( الصوملة ) هذه نستطيع القول أن هناك فعلا دولتان فلسطينيتان قائمتان من طرف واحد هما ( إمارة حماس ) في قطاع غزة و ( دويلة عباس ) في الضفة الغربية ، ولكن لا توجد دولة في العالم تعترف بهما كدول مستقلة ، حتى الدول العديدة التي وافقت منذ سنوات طويلة على فتح ممثليات فلسطينية فيها لا تعترف بأنها سفارات لدولة بل ( ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية ) ، ما عدا الدول العربية التي فيها هذه المكاتب فهي تطلق عليها تسمية ( سفارة دولة فلسطين ) ، في حين أن الدولتين الفللسطينيتين القائمتين على الورق فقط  لا تعترفان ببعضهما البعض ، ف ( إمارة حماس ) تعتبر وجود الرئيس ( محمود عباس ) غير شرعي وبالتالي لا اعتراف بدويلته من طرف حماس، و ( دويلة عباس ) لا تعترف بحكومة اسماعيل هنية في القطاع فهي حكومة مقالة وبالتالي فهي غير شرعية ولا قانونية ، ورغم ذلك فكلتاهما قائمتان على الأرض رغم ديكورية هذا الوجود الذي لا يملك اصدار أية قرارات بدون موافقة الجانب الإسرائيلي الذي يسيطر على حدود الدويلتين ، ويتحكم فيهما برا وبحرا وجوا وماء وكهرباء وهواء.
لذلك فإن المطلب الفلسطيني الحالي الذي يتطلع إلى إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد ، عمليا وواقعيا حسب مفاهيم الدول المستقلة ذات السيادة لا معنى له ، ولن يغير من واقع الشرذمة والضبابية الفلسطينية أمرا ملموسا  حتى وإن تمّ اصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بهذا الصدد وذلك للأسباب التالية:
أولا:كيف ستكسب الدولة الفلسطينية المزمع اعلانها من طرف واحد صلاحيات الدولة المستقلة ذات السيادة ، طالما الطرف الإسرائيلي يتحكم في كافة أمورها الحالية ، ويقفل قطاع غزة برا وبحرا وجوا، وتكاد لا تتوقف توغلاته في الضفة الغربية يوما واحدا في كافة مدن وقرى الضفة مصاحبة باعتقالات أيضا شبه يومية ، مما أوصل عدد السجناء والمعتقلين الفلسطينيين إلى ما يزيد على ثلاثة عشر ألفا . ومن الملاحظ أنه لا تصدر عن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أية تعليقات أو إدانات لهذا التوغل الإسرائيلي اليومي ، وذلك بسبب أنه يومي مما جعله روتينيا رغم مصاحبته للاعتقال والمطاردة وإطلاق  الرصاص . فهل مجرد إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد هو الفلسطيني سيوقف هذه التوغلات ؟ أو سيعطي السلطة الفلسطينية صلاحية وحق منح الفلسطيني جواز السفر والدخول من المعابر والجسور بدون الموافقة الإسرائيلية؟ أو سيعطي السلطة صلاحية الاستيراد والتصدير بدون المرور عبر الموانىء والمطارات الإسرائيلية؟ . وأسئلة كثيرة ضمن نفس سياق الاستقلالية والسيادة المعدومة الآن ، لن تتحقق بمجرد إعلان دولة على ورق دون موافقة الجانب الإسرائيلي ، بدليل أن هذه الدولة الشكلية من طرف واحد قائمة منذ نوفمبر عام 1988 ، عندما أعلن ياسر عرفات قيامها في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر .
ثانيا: استحالة تعزيز الطلب الفلسطيني بقرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي ، لأن مجلس الأمن تسيطر عليه الدول العظمى التي تتمتع بحق الفيتو ( النقض ) وحتى الآن هناك رفض من ثلاث دول عظمى في المجلس هما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا .
فالولايات المتحدة الأمريكية ، أعلنت أن التفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين هو أفضل وسيلة للحصول على دولة فلسطينية ، وقد قالها صراحة ىإيان كيلي المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ( ندعم قيام دولة فلسطينية تكون نتاج مفاوضات بين الطرفين ) ، أي ليست من طرف واحد وليست عن طريق الحرب بل ( مفاوضات بين الطرفين).
وفرنسا ، أعلنت بوضوح أشد معارضتها لمساعي السلطة الفلسطينية استصدار قرار من مجلس الأمن يعترف بدولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية . وكأنه مقصود إعلان وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير أنه سيلتقي الرئيس محمود عباس في العاصمة الأردنية عمان وليس في مقاطعته برام الله.
وروسيا وريثة الاتحاد السوفييتي التي يعتبرها بعض العرب حليفة استراتيجية لقضاياهم ، أعلنت صراحة قيام دولة فلسطينية من طرف واحد، كما ورد في تصريح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسي أندري نيستيرينكو يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من نوفمبر 2009 ، ( أن روسيا تعارض الإعلان من جانب واحد عن قيام دولة فلسطينية مستقلة..إن السبيل الأمثل هو الحوار والمحادثات والبحث عن حلول مقبولة من كلا الجانبين ومضمونة من جانب المجتمع الدولي ).
وأيضا ليس هناك توجه عربي لتحدي إرادة الدول العظمى ، فكما أعلن دبلوماسي عربي في الأمم المتحدة ( أن تقديم طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى مجلس الأمن سيتم في الوقت المناسب ). وبالتالي حسب رفض الدول العظمى وتهديدات اسرائيل فهذا الوقت المناسب لن يدخل الأجندة العربية الرسمية.
ولو افترضنا أن مجلس الأمن الدولي ،
وافق على بحث الطلب الفلسطيني ، وأصدر القرار الخاص بذلك مع موافقة كافة أعضاء المجلس عليه بالاجماع ، فماذا سيعني ذلك في أرض الواقع ؟. فكم من القرارات صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وبقيت حبرا على ورق منذ عشرات السنين ؟ ماذا عن قرار رقم 194 الخاص ب  ( حق العودة أو التعويض ) الذي صدر في ديسمبر من عام 1948 أي قبل ستين عاما الذي ربما يكون حبره قد تلاشى وورقه قد تمزق؟. وماذا عن قرار 242 الصادر في نوفمبر من عام 67 عن مجلس الدولي نفسه ، أي قبل أربعين عاما ونصّ على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي تم احتلالها في حرب هزيمة حزيران 1967  ولاقى نفس المصير ؟ والعديد من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي بصدد قضايا عالمية عديدة ولم تجد طريقها للتنفيذ والتطبيق في أرض الواقع .
تهديدات إسرائيلية عنيفة
ورغم معرفة الجانب الإسرائيلي بأنه لا قيمة لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، إلا أنّ المسؤولين الإسرائيليين أصدروا تهديدات علنية وعنيفة للجانب الفلسطيني إن هو أقدم على هذه الخطوة الشكلية الورقية. فقد اتهم وزير البيئة جلعاد أردان القادة الفلسطينيين باللعب بالنار ، وأن الفلسطينيين سيخسرون الكثير إن أقدموا على هذه الخطوة ، مهددا بقطع التحويلات المالية التي تعود للسلطة الفلسطينية بموجب الاتفاقات الموقعة بين الطرفين المتعلقة بالتعرفة الجمركية. أما وزير البنى التحتية عوزي لاندو فقد هدّد بأن الجيش الإسرائيلي سيعيد احتلال مناطق خاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية.
وحماس ترفض وتدين
وكذلك حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة ، فقد أدانت توجه السلطة الفلسطينية هذا ، ومن منطلقاتها ورؤيتها الخاصة ، رأى صلاح البردويل أحد قياديي حماس أن حركته تقلل من أهمية هذا التوجه ، واعتبره ( مجرد إعلان دولة في الهواء ) ، مطالبا بدلا من ذلك ب ( تحرير الأرض وانهاء الإنقسام ) ، وكعادة ضبابية مواقف حماس لم يحدد أية أرض يريد تحريرها ، وما هي مسؤولية حركته عن الانقسام الذي بدأ بانقلابها العسكري في يونيو 2007 .
لذلك أعلنت السلطة الفلسطينية تعليق توجهها
الخاص بإعلان الدولة من طرف واحد ، ولكن بطريقة لا تكسبها الاحترام والمصداقية في المجتمع العربي والدولي ، لأن أكثر الذين أصدروا تصريحات عن التوجه لمجلس الأمن الدولي بهذا الصدد هو صائب عريقات رئيس دائرة المفاوضات في السلطة الفلسطينية ، التي أعلنت رسميا ( أنها تقدمت بطلب رسمي من دول الاتحاد الأوربي لدعم توجهها لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ) . وكرّر ذلك صائب عريقات نفسه في تصريح يوم الحادي عشر من نوفمبر الحالي ، قال فيه : " إنّ الفلسطينيين يعتزمون الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس ...استطعنا أن نأخذ قرارا في الجامعة العربية خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد يوم الخميس الماضي ( الخامس من نوفمبر ) بأن نحصل على قرار دعم وتأييد عربي بالذهاب لمجلس الأمن لاستصدار قرار بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران 1967 ".
وبعد كل زوبعة التصريحات الكلامية الفارغة،
و إزاء التهديدات الإسرائيلية التي أشرنا اليها، قامت السلطة الفلسطينية بلحس كافة تصريحاتها السابقة بخصوص اعلان الدولة من طرف واحد، وعلى لسان صائب عريقات ذاته الذي أعلن يوم الأربعاء الثامن عشر من نوفمبر الحالي لوكالة الأنبتء الكويتية: ( لا تنوي السلطة الفلسطينية الاعلان قريبا عن اقامة دولة من طرف واحد ، واساء الأوربيون فهم ما قيل بهذا الصدد حيث أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قام بتضليلهم ). ويمكن أن نتخيل مستوى الجهل في هذا التصريح ، فهو يلحس كل تصريحاته السابقة بهذا الخصوص ، وفي الوقت ذاته يتهم الأوربيون كافة بعدم فهم تصريحاته وتصريحات مسؤولي السلطة ، ويعطي شهادة امتياز لرئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه قادر على تضليل حكومات 27 دولة أوربية.
دولة من جانب واحد ، كانت مجرد همروجة للتسلية لعدم وجود موضوعات مهمة يتسلى مسؤولو السلطة بإصدار تصريحات فضائية بصددها ، وعندما صدرت التهديدات الإسرائيلية كان أول ما فكروا فيه هو تنقلاتهم عبر المعابر والجسور وبطاقات (في آي بي ) التي تمنحها لهم السلطات الإسرائيلية ، فسارعوا للحس تصريحاتهم ..وبالتالي فحتى المعارك السياسية لا يجيدون بدئها وإدارتها ....ويبقى الموضوع السائد والحاضر للنقاش هو: استحالة الدولة الفلسطينية المستقلة...ففكروا ما البديل؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

280
لماذا لا تنتخب سيدة رئيسة لفلسطين؟
راوية الشوا..مثلا!
د.أحمد أبو مطر
كثرت التكهنات والتوقعات عقب إعلان الرئيس محمود عباس عدم نيته للترشح لرئاسة جديدة في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية القادمة ،وأكدّ قبل أيام قليلة أن هذا هو رأيه النهائي ولا عودة عنه ،وهذه الانتخابات حسب قراره يجب أن تتم متلازمة مع انتخابات تشريعية في السادس والعشرين من يناير 2010 . وإذا تمت هذه الانتخابات في الموعد المحدد وعدم عودة محمود عباس عن قراره ، فهذا يعني أن باب الترشح سيكون مفتوحا لأي مواطن فلسطيني يرى أنه قادر على تولي هذه المسؤولية ، وبعد ذلك يبقى الحكم لصناديق الانتخابات أي رغبة الشعب في حالة ضمان انتخابات حرة ونزيهة كالتي جرت في يناير من عام 2006   ، وأوصلت حركة حماس لأغلبية المجلس التشريعي الفلسطيني ، وبالتالي تشكيل الحكومة برئاسة اسماعيل هنية التي هي الآن ( حكومة مقالة ) في عرف السلطة الفلسطينية في رام الله فقط ، حيث لا سيطرة أو وجود لها في قطاع غزة الواقعة تحت سيطرة حماس بعد انقلابها العسكري في يونيو 2007 ، وبالتالي فهي سلطة غير شرعية ايضا في عرف حكومة حماس المقالة.
سيدة فلسطينية رئيسة
طوال تاريخ المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها في يناير 1965 ، لم تأخذ المرأة الفلسطينية حضورا ووجودا يليق بمكانتها الاجتماعية والأدبية والثقافية ، وهي المرأة التي قدمت شخصيات بارزة ومبهرة في عالم الثقافة والسياسة والأدب ، ويكفي أن نتذكر بعض هذه الأسماء أمثال : فدوى طوقان ، سلمى الخضراء  الجيوسي ، حنان عشراوي ، سحر خليفة ، انتصار الوزير ، ليانة بدر ، خالدة جرار وغيرهن الكثيرات ممن أثبتن حضورا وتألقا رغم ذكورية المجتمع الفلسطيني كغيره من المجتمعات العربية.
وفيما يتعلق بشخصية نسائية فلسطينية لها حضورها السياسي والاجتماعي ، وأرى أنها تستحق عن جدارة ومؤهلات أن تكون الرئيسة القادمة للسلطة الفلسطينية ولدولة فلسطين في حال قيامها بموافقة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني ليس من باب الإذعان للشروط الإسرائيلية ولكن لضمان بقائها واستمرارها بعيدا عن التهديدات الإسرائيلية التي لا تتوقف . هذه الشخصية النسائية الرئيسة هي :
السيدة راوية الشوا
في البداية أود التأكيد أنني لا أعرف السيدة راوية شخصيا ولم يحدث أن قابلتها ، ولكنني متابع لمسيرتها ومواقفها السياسية خاصة منذ انتخابها عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني لدورتين متتاليتين بما فيها الدورة الحالية للمجلس عن مدينة غزة . راوية هي ابنة شخصية فلسطينية مشهورة في تاريخ قطاع غزة ، إذ أن مدينة غزة لا تذكر في أي سياق إلا وتذكر معها عائلة ( الشوا ) التي اشتهرت من خلال ما يمكن تسميته عميدها الحاج رشاد الشوا ( 1909 – 1988 ). هذه الشخصية الرائدة التي تخرج صاحبها من الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 1934 متخصصا في السياسة والاقتصاد ، وشغل منصب قائمقام مدينة حيفا عام 1935 ، ورئيسا لبلدية غزة من عام 1972 حتى 1975 ، وكان رحمه الله من الشخصيات التي بذلت كل امكانياتها التعليمية والسياسية والمالية لخدمة البنية التحتية للمواطن الفلسطيني في القطاع ، فيكفي أن نذكر من أعماله  كما ورد في سيرته الشخصية المنشورة في العديد من المواقع ومنها موقع وزارة الخارجية الفلسطينية:
1 . أسس أول نادي رياضي عام 1934 باسم "مركز رعاية الشباب " (نادي غزة الرياضي حاليا).
2 . أسس جريدة " الوطن العربي" الإسبوعية عام 1950 وترأس تحريرها بمساعدة وديع الترزي وغالب النشاشيبي .
3 . أنشأ في السبعينات من القرن الماضي ( الهيئة الخيرية العامة ) التي أول من بدأت علاقات القطاع بجواره العربي.
4 . أنشأ أول دار سينما في مدينة غزة في أربعينات القرن الماضي ، وعرفت باسم " سينما السامر " في الشارع الرئيسي بالمدينة. وأتذكر في ستينات القرن الماضي عندما كنت أدرس مرحلة الثانوية العامة في مدينة خان يونس ، وتسمح لنا الظروف الاقتصادية بزيارة مدينة غزة لا بد من المرور لمشاهدة دار السينما ولو من الخارج ، ونبقى أسابيع نفتخر أمام زملائنا بأننا مررنا من أمام سينما السامر .
5 . ومن انجازاته التي ما زالت معلما ثقافيا وهندسيا في مدينة غزة ( مركز رشاد الشوا الثقافي ) ، وهو أول مركزثقافي في القطاع ، قدّم الكثير من الدعم والحضور للحياة الثقافية الفلسطينية ، استمر العمل في انشائه طوال عشر سنوات ( 1977 – 1988 )، ويكفي وصف جريدة ( القدس ) له في أبريل 2008 أنه ( حاضنة المبدعين وواحة الحضارة وقبلة المختلفين ). وأصبح المقر والملتقى لغالبية النشاطات الثقافية والإبداعية والفنية في القطاع.

راوية وريثة هذا التراث

هذه السيدة وريثة هذا التراث العائلي الفريد والمميز ، لم تخلو مسيرتها من التعب المضني كغالبية الفلسطينيين ، فقد عملت في الستينيات من القرن الماضي مع زوجها (عون الشوا) رجل الأعمال المعروف ورئيس بلدية غزة بعد عودة السلطة الفلسطينية ، عملا معا في منطقة الخفجي السعودية في ميدان التدريس ، ومع انطلاق اىنتفاضة الأولى بداية العام 1988 ، كانت كتاباتها مميزة وشجاعة في التصدي للاحتلال ودعم النضال المشروع للشعب الفلسطيني . و بعد عودة السلطة الفلسطينية للقطاع والضفة في عام 1994 ، وفي زمن الرئيس ياسر عرفات الذي كان يهابه الجميع ، تميزت راوية بشجاعة منقطعة النظير في النقد البناء المتربص بالفساد والفاسدين من رجال السلطة ومؤسسات أمنها القامعة لحريات المواطن بما لا يجعلها تختلف عن مؤسسات الاحتلال ، خاصة في عمودها الصحفي "بداية الحوار" في جريدة القدس . كان الكثيرون آنذاك يستغربون هذه الشجاعة في زمن الرئيس عرفات حيث ما كانت إلا قلة قليلة تجرؤ على نقد سلطته ورجالها والفساد الذي جلبوه معهم ليصبح السمة العامة للحياة الفلسطينية السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وما زلت أحتفظ في أرشيفي مقابلتها الصحفية المشهورة مع الزميل أمير طاهري في جريدة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 23 أكتوبر 2002 ، حيث كانت المقابلة أشبه بعملية انتحارية في مواجهة السائد الفلسطيني في زمن الرئيس عرفات ، ويكفي التذكير ببعض ما قالته في تلك المقابلة :
1 . عند سؤالها عن عدم معرفة سوى القليل عن السياسات الفلسطينية في الداخل ، أجابت : " السبب الأساسي الذي خلفه الرئيس عرفات بأنه وحده الذي يجسد الإرادة السياسية الفلسطينية. ولسنوات ظلت سياسته تتلخص في: تحدثوا معي ولن تحتاجوا للانتباه لأي شخص آخر . وهو لم يكلف نفسه بالتشاور مع أي أحد مصرا على اتخاذ قراراته بمفرده . إنه أحد السياسيين الذين يستطيعون أن يتحركوا فقط في الظلام وبسرية".

2 . وعند سؤالها عن استشارة عرفات للمجلس التشريعي ، أجابت : " لقد استخدم المجلس بوصفه ختما مطاطيا . فمثلا عندما وقع عرفات اتفاقيات الخليل تلقينا المعلومات من عزمي بشارة ، ولم يشعر عرفات أبدا بالحاجة ليأتي الينا ويطلب التأييد لصفقاته السرية فهو لا يحتاج أي استشارة . إنه فلسطين نفسها ".

3 . وعند سؤالها عن الفساد في أجهزة السلطة وتقييم الاتحاد الأوربي أن السلطة الفلسطينية تعتبر واحدة من أكثر الحكومات فسادا في العالم ، أجابت : " لقد رأينا أشخاصا قدموا بقميص واحد قبل سنوات قليلة وهم الآن من أصحاب الملايين...لقد صار معدمو الأمس ملاك قصور يتفاخرون اليوم. من يعلم كم عدد حسابات المصارف التي تضخمت وزادت ".

رؤية راوية السياسية

هذه السيدة النالئبة الفلسطينية في المجلس التشريعي ، تمتلك خبرة سياسية عميقة تعبر عنها برؤية واضحة تعتمد على أساسيات الحقوق الفلسطينية ومنها ضرورة الموافقة الإسرائيلية على حق العودة والقدس كمدينة فلسطينية عاصمة للدولةالمقترحة .  وعن السياسة الإسرائيلية ترى : "  إن خطة إسرائيل ظلت مراوغة على طول الخط . إنها تستند إلى الخداع الدائم فهي تأخذ منا بينما لا تعطينا في المقابل شيئا ". وتتكلم عن معاناة الفلسطيني أيا كان وضعه الاجتماعي تحت ظلم وبطش الاحتىلال فتقول: " أنا إمرأة عادية وأم وسياسية وشخص طيب ، لكن حتى أنا قد أبلغ حد الجنون تحت ضغط الاحتلال . عندما تندلع النيران في منزل قد يتجه البعض للقفز عبر النافذة وقد يدفع البعض غيرهم جانبا كي ينجو بأنفسهم . هل يوافق أي شخص عاقل على هذا؟ بالطبع لا . لكن لا يمكن أن تدفع البشر خارج اطار الحياة الانسانية وتظل تسحب عليهم القواعد الخاصة بأعلى الخلاقيات ".

ويطول الحديث عن صفات هذه السيدة الفلسطينية ، راوية الشوا ، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن مدينة غزة. فلماذا لا تكون رئيسة فلسطين القادمة كي نجرب سيدات فلسطين بعد أن خذلنا رجالها في موقع الرئاسة ؟.
ahmad.164@live.com

www.dr-abumatar.com

281
هل بدأت استقلالية التفكير والقرارات لدى جماعات الإخوان؟
د.أحمد أبو مطر
كانت وما زالت جماعات الإخوان المسلمين في كافة الأقطار العربية تلف وتدور في كافة تحركاتها ومواقفها حول موقف الجماعة الأم في مصر، وذلك بحكم أن بداية انطلاق وتأسيس "جماعة الإخوان المسلمين" كانت في مدينة الاسماعيلية  المصرية على يد حسن البنا وستة من رفاقه في مارس من عام 1928 . ومنذ ذلك الوقت شهدت أفكار الجماعة انتشارا وحضورا ميدانيا واضحا في الحياة السياسية والاجتماعية المصرية ، رغم الصراع السري والعلني بين الجماعة وحزب الوفد أشهر الأحزاب المصرية آنذاك . واكتسبت الجماعة في داخل مصر شهرة وتأثيرا واسعين بعد عملية اغتيال الزعيم المؤسس حسن البنا في فبراير من عام 1949 ، وكان في الثالثة والأربعين من عمره ، وثبت أن الاغتيال كان من تدبير السلطات الأمنية الرسمية إذ وقع بعد شهور قليلة من إعلان رئيس الوزراء المصري محمود النقراشي حلّ الجماعة ومصادرة أموالها واعتقال قياداتها النشطة في ديسمبر 1948 . كل هذه الظروف والملابسات أكسبت الجماعة جماهيرية واسعة في الجوار العربي ، فكانت امتداداتها سريعة الولادة في فلسطين والأردن وسوريا . وأدى الخلاف بين نظام جمال عبد الناصر والجماعة ، وقيامه بإعدام مسؤولها الأول سيد قطب في أغسطس 1966 مع اثنين من قيادة الإخوان ( عبد الفتاح اسماعيل و محمد هواش ) إلى زيادة شعبية الإخوان ، وهجرة العديد من كوادرهم وقياداتهم إلى دول الجوار التي كانت في معارك إعلامية طاحنة مع عبد الناصر ونظامه ، فاحتضنت هذه الدول الجماعة ووفرت لها امكانيات العمل والتوسع والتمويل فإذا بها من أهم الجماعات والأحزاب في أغلب الأقطار العربية من المحيط إلى الخليج . ظروف النشأة والتوسع هذه جعلت من القيادة المصرية للجماعة ، أشبه بالقيادة الأم المركزية لمختلف فروع الجماعة في غالبية الأقطار العربية والإسلامية والأوربية، مما أوجد ما يسمى "التنظيم الدولي للإخوان المسلمين"  الذي ينظم العلاقة والتحرك والمواقف بين فروع الجماعة ، خاصة في حالة نشوب خلافات في داخل أحد الفروع لحل الخلافات داخليا وسريا، كي تبقى للجماعة سمعتها الموحدة غير القابلة للخلافات والشرذمة بعكس غالبية الأحزاب العربية ، وهذا ما جعل فروع هذه الجماعة نادرا ما تشهد انشقاقات وخلافات علنية كما يحدث في فرع الجماعة الأردني الآن ، وقد تردد أن محمد مهدي عاكف المرشد العام للجماعة في مصر يحاول التوسط لحل الصراع والخلاف داخل فرع الجماعة في الأردن ، إذ عبر ممارسات السنوات الطويلة الماضية أصبح مرشد الجماعة في مصر في موقع ( بابا جماعات الإخوان المسلمين ) .
اشارات الاستقلالية
ويمكن التقاط اشارات على البدء باستقلالية التفكير والمواقف بعيدا عن مواقف ( بابا جماعات الإخوان المسلمين ) من الموقف الذي اتخذته ( جماعة الإخوان في سوريا ) من ( عصابات الحوثيين ) التي تهدد أمن اليمن ووحدتها ومحاولة نقل أعمال عصاباتها العسكرية داخل حدود المملكة العربية السعودية ، والجماعة السورية في هذا الموقف تشذّ أو تخرج عن طاعة ( البابا المصري ) لأن موقفه من هذه العصابات كان غير وطني ولا يفكر باستقرار دول عربية .
البابا مهدي عاكف وعصابات الحوثيين
كان من المتوقع أن يدين البابا محمد مهدي عاكف العصيان والعمليات المسلحة لعصابات الحوثيين وتهديدها للأمن والسلم في دولة عربية هي اليمن ، ومحاولاتها توسيع عملياتها العسكرية عبر الحدود السعودية ، أو في توقعات أخرى أن يمد يد الوساطة بين النظام اليمني وهذه العصابات ، أو مناشدته لهذه العصابات بوقف عملياتها المسلحة ، وفي الوقت ذاته مناشدة الرئيس اليمني العفو عمن يلقي سلاحه من عناصر هذه العصابات ومساعدته للعودة لحياته الميدانية الطبيعية مع ضمان الأمن والحرية للجميع.إلا أن البابا عاكف خالف كل التوقعات  وإذا به يوجه نداء للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ، يقول فيه : ( أدعو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود إلى وقف القتال فورا لمنع إراقة دماء المسلمين وقتل المدنيين الأبرياء ) . وطالب أيضا ( كافة العلماء والفقهاء من أنحاء العالم الإسلامي للتدخل ومناشدة العاهل السعودي وقف القتال وحقن الدماء ),
بيان مشبوه وملغوم
الشبهة في هذا البيان البابوي العاكفي نابعة من سكوته وقفزه عن نتائج وقف المملكة السعودية للقتال ضد هذه العصابات ، خاصة أن التصدي السعودي لها يتم داخل الحدود السعودية التي اخترقتها هذه العصابات . ألا يعرف هذا البابا أن وقف التصدي السعودي لها سيعني استمرار تدفقها وتقدمها داخل الأراضي السعودية؟ وإلا لماذا صعّدت هذه العصابات حربها ضد السلطة اليمنية لتوسيعها داخل الحدود السعودية المجاورة؟ . هذا ولم يتضمن بيانه أية مناشدة للعصابات لوقف عملياتها العسكرية أو إدانة لحربها هذه الممتدة منذ أربعة سنوات ، دون أن يسأل نفسه : كيف يتوفر السلاح والمال والدعم لعصابات تستطيع مواصلة حربها ضد النظام طوال أربعة سنوات ؟. إن هذا البيان والموقف البابوي لا يمكن فهمه إلا أن سكوت وتستر على الأعمال العسكرية لتلك العصابات ، وتمنياته أن تستمر في تصعيد توغلها العسكري داخل الأراضي السعودية  عبر مناشدته للمدافعين السعوديين وقف اطلاق النار . ومن هذه الشبهة جاءت :
استقلالية موقف إخوان سوريا
كانت البداية في البيان الذي اصدرته ( جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ) يوم الخميس الثاني عشر من نوفمبر 2009 ، بلهجة صريحة واضحة تدين عصابات الحوثيين وتوسيعهم لعملياتهم العسكرية داخل الأراضي السعودية ، وهي صراحة وجرأة تنم عن بعد نظر تشكر عليه قيادة الجماعة ، إذ اعتبرت ( أن المخطط الحوثي الأثيم في اليمن والسعودية يندرج ضمن مخطط مرسوم بهذف المزيد من التقسيم في بلاد العرب والمسلمين . إن من يتابع ما يجري من العراق إلى الشام إلى لبنان إلى اليمن يدرك بوضوح أنّ ما يجري على أرض اليمن ليس حلقة في فلاة بل هو جزء من مخطط مرسوم غايته دق المسامير الديمغرافية والسياسية في بنية المجتمعات العربية و الإسلامية بغية تمزيقها واثارة القلاقل فيها والتحكم بانسانها وقرارها ) . وعن أعمال عصابات الحوثيين يقول البيان : ( وحين تزحف فلول مجموعات الحوثيين في هذه الأيام إلى أراضي المملكة العربية السعودية إنما تكشف عن النيات المبيتة للقائمين على هذا المشروع الأثيم الذي هو في حقيقته ليس مشروع دفاع عن وجود أو مطالبة بحقوق، بل هو مشروع بناء لكيان مزروع ليؤدي دورا استراتيجيا في زيادة حجم الفرقة والانقسام في قلب بلاد العرب والمسلمين ). إنه موقف شجاع من جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ينمّ عن بعد نظر في هذا الموضوع وأبعاده الإقليمية .
وأيضا إخوان البحرين
وضمن نفس سياق الاستقلالية عن موقف البابا العاكفي ، صدر موقف جماعة الإخوان المسلمين في مملكة البحرين ، حيث أدانوا علنا موقف وأعمال هذه العصابات كما ورد على لسان محمد خالد نائب كتلة الإخوان في البرلمان البحريني الذي ردّ على انحياز كتلة الوفاق في البرلمان ذاته، لمطالبتها بالتريث في اصدار بيان يدين العمليات الحوثية داخل الحدود السعودية، ووصف هذه المطالبات ب ( أنها عذر أقبح من ذنب ) . هذا بينما فجّر النائب المستقل جاسم السعيدي نائب رئيس اللجنة التشريعية والقانونية في البرلمان البحريني قنبلة أخرى في مواجهة مواقف كتلة الوفاق ، عندما أعلن ( أنّ لديه أدلة وبراهين تؤكد من أنّ شخصية حوثية بارزة من الصف الأول، زارت البحرين والتقت مع نواب جمعية الوفاق فقط ) . و واصل كاشفا ( أنّ هذه الشخصية الحوثية لها سوابق وتاريخ مشبوه في الجمهورية اليمنية حيث سبق أن اعتقل على خلفية زيارات ومؤتمرات شارك فيها في الجمهورية الإيرانية التي تحتضن الفكر الحوثي وتموله في شبكة أخطبوطية وخلايا موزعة في جميع الدول الخليجية والعربية ) . وهذه إدانة واضحة من النائب البحريني للدور الإيراني بعكس سكوت وتطنيش البابا العاكفي ، وتوجيهه نداءات في الاتجاه الخاطىء عمدا وليس جهلا.
نأمل أن تكون هذه المواقف ،
هي البدايات التي تحقق من خلالها جماعات الإخوان المسلمين في كافة الأقطار العربية استقلاليتها عن مواقف وقرارات قيادة الجماعة في مصر ، التي غالبا هي مناكفات ومزايدات واختلاق مشاكل لتبقى هذه القيادة تحت ضوء الفضائيات والأرضيات ، وإلا من يصدق أن بابا الجماعة محمد مهدي عاكف يصرّ على الاستمرار في منصب المرشد العام للجماعة رغم بلوغه سن الحادية والثمانين من عمره ، وفي الوقت نفسه ينتقد الحكام العرب الذين يبقون في السلطة من المهد إلى اللحد ؟ فبماذا تختلف عنهم يا بابا مهدي عاكف ؟
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com



282
"الفوضى والمزيد من التأزيم في انتظار الجميع"
د.أحمد أبو مطر
عنوان هذه المقالة مقتبس من أقوال  العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في لقائه الصحفي الطويل مع صحيفة" الحياة اللندنية" ، الذي أجراه الزميل غسان شربل رئيس تحريرها ، ونشرته الصحيفة في أجزاء ثلاثة متوالية الأيام القليلة الماضية، ومن بعدها نقله عنها أكثر من وسيلة إعلامية أردنية و عربية. وهي حسب متابعاتي أشمل حديث للملك عبد الله الثاني وأكثر أحاديثه صراحة ووضوحا، وكأنه تعمد أن يكون هذا الحديث الطويل جردة شاملة: سياسية، اقتصادية، واجتماعية لمحصلة عشر سنوات من تسلمه ولاية العرش في المملكة الأردنية الهاشمية . والكتابة عن هذا اللقاء سببه أنه يضع أجوبة صريحة من مسؤول عربي على مجمل الأسئلة المطروحة في الساحة العربية ، ونتيجة التعاطي مع هذه الأسئلة أو نتيجة الأجوبة على هذه الأسئلة هي التي ستقرر في السنوات القليلة جدا القادمة ، ما إن كان سينعم الجميع بالسلام والأمن والرفاهية أو ( الفوضى والمزيد من التأزيم في انتظار الجميع ).
أولا: سؤال المفاوضات والسلام في الشرق الأوسط
لا يجامل الملك عبد الله الثاني أي طرف عندما يتحدث بهذه الصراحة والجرأة عن سير عملية السلام في الشرق الأوسط ، خاصة أن بلاده وقعت اتفاقية سلام وصلح مع دولة إسرائيل منذ عام 1994 أي قبل خمسة عشر عاما ، وبالتالي فهو يدرك طوال عشر سنوات من حكمه من هو الطرف الذي يعرقل عملية السلام . وهو يحمل إسرائيل صراحة هذا التدهور في المنطقة بسبب رفضها لكافة مبادرات السلام الفلسطينية والعربية واستمرارها في تحدي الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي بما فيه الرأي العام للإدارة الأمريكية . يقول الملك عبد الله الثاني : ( كلنا نشعر بخيبة الأمل لعدم حدوث التقدم المطلوب، وأعتقد أن إسرائيل لعبت بطريقة ما لإحراج أبو مازن وإحراج العرب حتى لا تنطلق المفاوضات ، وحتى يقول العرب لا نريد مفاوضات وبالتالي تتذرع بعدم وجود شريك ....هناك إجماع دولي على عدم شرعية المستوطنات وما تمثله من عقبة في وجه السلام، ونحن نطالب بوقفها بشكل كامل ، والسؤال هو: إذا كانت إسرائيل فعلا ملتزمة بحل الدولتين ، فما معنى بناء المستوطنات على أراضي الدولة الفلسطينية المقبلة؟. طالبنا بوقف المستوطنات وبدء مفاوضات فاعلة توصلنا إلى حل الدولتين وفي إطار إقليمي يحقق السلام الشامل، وليس عملية سلام جديدة لأن الناس يئست وملت من عملية سلام مفتوحة لا تحقق نتائج ). هذه الصراحة لا يمكن لأي طرف بما فيه إسرائيل أن تقول أنه تهرب من المفاوضات وعملية السلام، لأن دولة صاحب هذا القول وقعت اتفاقية سلام منذ خمسة عشر عاما ، وإسرائيل بتعنتها في الملف الفلسطيني وعدم جديتها في إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، جعلت هذه المعاهدة ومن قبلها بسنوات معاهدة الصلح مع مصر ، مجرد اتفاقيات على الورق لم تشهد أي تقدم في علاقات الشعبين أو التطبيع كما يسميه البعض .
وأرى أن استمرار الدولتين المصرية والأردنية في الالتزام باتفاقيتي الصلح والسلام رغم التعنت الإسرائيلي ومطالبة المعارضة في البلدين بإلغائهما هو الموقف السياسي الصحيح ، لأن الإلغاء ستستغله إسرائيل للتدليل على مقولتها الخاطئة بأن العرب لا يريدون السلام. وبالتالي ما معنى أو ما الفائدة من المطالبة بإلغاء الاتفاقية خاصة من طرف جماعات الإخوان المسلمين في البلدين ، عندما يقول ملك إحدى الدولتين الموقعة على هذه الاتفاقية ، وهو الملك الأردني عبد الله الثاني حرفيا وبالصوت العالي : ( يجب أن تكون هناك آلية تضمن أن المفاوضات ليس لتضييع الوقت ، فإذا لم  يتحقق مبدأ تجميد الاستيطان لبدء المفاوضات ، يجب أن تكون هناك ضمانات أمريكية ودولية ملزمة ومكتوبة من خلال الأمم المتحدة ، تؤكد أن المفاوضات ستعالج كل قضايا الوضع النهائي: الحدود والقدس واللاجئون ، وستؤدي إلى قيام دولة فلسطينية بحدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفي إطار جدول زمني واضح ). وماذا يريد المطالبون بإلغاء الاتفاقيات أكثر من ذلك ؟ وهي المطالب التي تريدها منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني والسلطة الفلسطينية ، وطالب بها خالد مشعل في حديثه مع الصحف الأمريكية ، وتطالب به حماس – غزة علنا من خلال الالتفاف القائل بهدنة طويلة المدى مع دولة إسرائيل لمدة ستين عاما. وبالتالي فإن حديث الملك عبد الله الثاني الصريح الجريء الواضح هذا يضع كامل المسؤولية على التأزم القائم والعنف السائد ، على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خاصة حكومة نينياهو الحالية التي تستمر في استفزازات عالية خاصة في موضوع المستوطنات والقدس .
ثانيا: القدس خط أحمر
هذه المسألة في منتهى الخطورة والحساسية لأن القدس الشرقية بالنسبة للفلسطينيين والعرب والمسلمين ليست مجرد كيلومترات من الأراضي ، ولكنها بحكم موقع المسجد الأقصى فيها ومكانته عند المسلمين ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) ، هو مسألة روحية لا تقبل التحدي والمساس به وبالقدس الشرقية كمدينة تحتضن هذا المسجد . وهذا ما لا تدركه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. وليت الحكوم الإسرائيلية الحالية تفهم الدرس من قول الملك عبد الله الثاني : ( القدس خط أحمر، وعلى الإسرائيليين أن يدركوا مكانة القدس عند العرب والمسلمين والمسيحيين وعدم اللعب بالنار، ونحن في الأردن سنستمر في عمل كل ما في استطاعتنا لحماية القدس...ونعمل أيضا عبر اجراءات عملية على الأرض لتمكين المقدسيين وتثبيتهم في مدينتهم وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية التي يحمل الأردن مسؤولية رعايتها ).
ثالثا: الوضع الداخلي في الأردن
من الموضوعات التي استحوذت على تفكير وحديث الملك عبد الله الثاني طوال الجزء الثالث من لقائه الصحفي هو الوضع الداخلي في الأردن من كافة النواحي. وأهمية هذا الجزء من الحديث نابع من أهمية الأردن لوقوعها بين بؤرتين متوترتين هما العراق في الشرق والأراضي الفلسطينية المحتلة في الغرب ، ووقوعه على جوار سوريا المحتلة هضبة جولانها أيضا من إسرائيل أيضا، مما يعني أنها مهتمة بعملية السلام الدائرة ، وأيضا لا سلام شامل بدون سوريا ينتج عنه استعادة كامل أراضيها المحتلة في هضبة الجولان ، ومزارع شبعا إن كانت لبنانية أو سورية فالمهم هو تحريرها من الاحتلال. وقد أجاب جلالته على أسئلة الوضع الداخلي الأردني بصراحة ، ليت كل أطياف العمل الحزبي السياسي الأردني تعي ذلك ، لتعرف أن العمل الديمقراطي من خلال هذه الثوابت يحقق لها المزيد من حضورها الفاعل وللأردن استقرارا ومناعة. أهم هذه الضوابط في الحديث الملكي التي أعتقد أن هناك إجماع حزبي وشعبي ورسمي أردني حولها هي رغم أنها موضوعات الجدل والنقاش والخلاف داخل بعض الأحزاب الأردنية خاصة الحركة الإسلامية:
1 . "حماس ليست حزبا أردنيا ، وسياستنا أن لا نسمح لأي تنظيم أو حزب غير أردني بالعمل في الأردن ".  وهذا المبدأ تطبقه أعرق الديمقراطيات الأوربية والاسكيندينافية والأمريكية ، فمن المستحيل قيام  حزب سويدي بأي نشاط سياسي أو اجتماعي داخل النرويج أو التفكير بفتح مكتب له فيها.
2 . " أما بالنسبة للحركة الإسلامية فهي جزء من النسيج الوطني والحراك السياسي ، ونحن نشجع أن نتخرط كل التيارات السياسية والأحزاب في الأردن في مسيرة البناء وفي خدمة المصالح الوطنية وفقا للقانون...ومعيارنا في التعامل مع الجميع هو الالتزام بالقانون والعمل لخدمة المصلحة الوطنية".
فهل تعي الأحزاب الأردنية هذه الرسالة وضوابطها؟
أستطيع القول أن المتابع للحراك السياسي الداخلي الأردني يجيب على هذا السؤال بكلمة: لا كبيرة . وذلك عائد لسببين أساسيين:
الأول: أسلوب المناكفة والزعيق لدى الحركة الإسلامية
فهذه الحركة من خلال تصرفات مسؤلي حزبها الرسمي ( جبهة العمل الإسلامي ) لا تستعمل أسلوب الحوار حتى بين أعضائها وكوادرها، بدليل الخلافات السرية والعلنية التي أدت لفرز تيارين ( صقور وحمائم أو الأصدق معتدلون ومزايدون ) تبادلا الاتهامات العلنية التي ما زالت تعصف بالحركة وحزبها، لدرجة وصف بعض القيادات لبعضها ب ( الدخلاء ) وهو تخفيف لوصف ( العملاء ) كما ورد حرفيا في حديث رحيل غرايبة رئيس المكتب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية وعضو مكتبها التنفيذي للزميل علي عبد العال في موقع ( الإسلاميون نت )  يوم الخامس والعشرين من أكتوبر 2009 ، حيث قال حرفيا:
" أؤكد أن هناك بعض الأشخاص يشكلون اختراقا لصفوف الجماعة وطريقة عملها، وهم يتعمدون اثارة الخلاف وتأجيج الأزمة وتوصيل ذلك للإعلام ، لأنهم يرسلون رسائل مقصودة إلى أطراف خارجية كثيرة ". لو صدرت هذه التهمة من كاتب أو صحفي لأهدرت جماعة الإخوان المسلمين الأردنية دمه !! ولكنها شهادة من قيادي من الصف الأول بأن هذه القيادة فيها ( خونة وعملاء ) يرسلون رسائل مقصودة لأطراف خارجية كثيرة ، لذلك فإسلوب الزعيق والمناكفة المتبع من الجماعة داخل الحراك السياسي الأردني لا يهدف إلا الوجود تحت الأضواء رغم أنف هؤلاء العملاء والخونة في داخل قيادة الجماعة، ومن لا يعجبه هذا القول فليراجع الدكتور رحيل غرايبة  فناقل خبر الخيانة ليس بخائن!!!.

الثاني : تعدد الأحزاب الأردنية من سوبرماركت إلى ميني ماركت
بداية التعدد السياسي الحزبي في الأردن بدأه المرحوم الملك حسين عام 1989 ، ومنذ ذلك العام سارع الحزبيون والسياسيون الأردنيون لتأسيس أحزابهم ، فإذا في الأردن الذي لا يزيد عدد سكانه عن خمسة ملايين ونصف يشهد ما لا يقل عن خمسة وثلاثين حزبا ، المعترف بعضويتها في نكتة اسمها ( المؤتمر العام للأحزاب العربية ) فقط 17 حزبا . وهي نكتة سخيفة تطرح السؤال: كيف يفهم العرب الديمقراطية والتعدد الحزبي والسياسي ، خاصة أن دولا عظمى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لا تعرف سوى حزبين أو ثلاثة . وتعالوا معي في رحلة حزبية أردنية لتكتشفوا حجم الملل والقرف من كيفية تطبيق بعض العرب للديمقراطية. من يسمع من الأردنيين تحديدا عن هذه الأحزاب المعتمدة في قائمة ( المؤتمر العام للأحزاب العربية )  ولها قيادات وأمناء عامين وسكرتارية ومرافقين وأعلاما خاصة :
حزب العمل القومي (حق) ، حزب المستقبل ، حزب النهضة الأردني ، حزب الأرض العربية ، حزب الأنصار العربي الأردني ، حزب البعث العربي الاشتراكي ، حزب البعث العربي التقدمي ، الحزب التقدمي ، حزب جبهة العمل القومي ، حزب الحركة القومية ، حزب الوحدة الشعبية الديمقراطية ....والقائمة تطول إذا استمرت زيادة النسل الحزبي الأردني ،فربما يصل الأردنيون ل ( حزب لكل ألف مواطن ).
لذلك يمكنني القول هناك بعض القيادات الغربية الرسمية أكثر وعيا وتقدما و إصلاحا من قيادات بلادها الحزبية المعارضة تحديدا . ويبقى حديث الملك عبد اله الثاني مهم في طافة تفاصيله ومنها العلاقة مع إيران ،  لأنه جردة دقيقة لعشر سنوات من ولايته في الأردن...والخلاصة الموجهة للعرب والعالم أجمع : ( إما السلام العاجل أو الفوضى والتأزيم في انتظار الجميع ).
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

283
الحوثيون: مطالب داخلية أم أدوات خارجية
د.أحمد أبو مطر
التطورات الأخيرة التي شهدتها الحدود السعودية – اليمنية التي صعّدت من خلالها جماعة الحوثيين اليمنية عملياتها داخل الأراضي السعودية  مستهدفة الجيش والمواطنين السعوديين ، تحفز أي مراقب موضوعي أن يعيد النظر في الحكم على هذه الجماعة اليمنية  من خلال تساؤل مهم وهو:
من هم الحوثيون وماذا يريدون ؟
كنت قد كتبت مقالتين الأسابيع الماضية عرضت فيها ظروف نشأة هذه الجماعة ، وحملت المقالتان مناشدة للرئيس اليمني علي عبد الله صالح ، كي يحاول ترتيب البيت الداخلي لليمن على أساس المساواة الكاملة بين الشمال والجنوب وداخل كل شطر ، كي يشعر كل يمني أنه مواطن متساو في الحقوق والواجبات مع غيره من المواطنين ، بغض النظر عن مكان وجوده وهوية انتمائه الطائفي لأنه كنتيجة لا يدافع عن الأوطان إلا أحرارها . وكانت هذه النظرة للصراع الدائر في اليمن مرشحة أن تبقى قيد النقاش خاصة مطالبة قيادات يمنية جنوبية علنا بالانفضال والعودة إلى ما كان يسمى قبل عام 1990 " جمهورية اليمن الديمقراطية " التي فعليا لم تكن ديمقراطية مطلقا بدليل السحل والقتل بين القيادات نفسها صراعا على من يبقى في السلطة والكرسي. ولكن مجرد نقل الحوثيين صراعهم الداخلي مع السلطة اليمنية الحاكمة إلى داخل الأراضي السعودية  ومهاجمتهم قرى ومواطنيين سعوديين ، يشير بأصبع الاتهام لهذه الجماعة التي أخذت بهذا العمل شكل وسلوك العصابات ، مما يؤكد أنهم منذ عدة سنوات وهم يطرحون مسائل المساواة والتهميش اللاحق بهم ، كان ذلك مجرد غطاء هشا لحقيقة أعمالهم التي لا تعدو أن تكون تنفيذا لأجندة خارجية بدليل :
أولا: ما علاقة الجوار السعودي ؟
الإجابة على هذا السؤال تدين سلوك هذه العصابات، لأنه كان من الممكن الاستمرار في مناقشة طلباتهم اليمنية الداخلية بضرورة تحقيق المساواة ورفع التهميش عنهم إن وجد ، ولكن مجرد نقلهم لصراعهم ضد السلطة الحاكمة في اليمن إلى داخل الأراضي السعودية، يدلّ بوضوح على أن هذه المطالب الداخلية كانت مجرد غطاء لارتباطات خارجية لهم ، لأنه من غير المنطقي ولا المعقول أن تصفي جماعة أو حزبا أو تنظيما خلافاته مع دولته بشنّ حرب على دولة مجاورة واختراق حدودها وسيادتها ، وهذا نادرا ما حدث في كافة دول العالم ، لذلك كان وما يزال من حق المملكة العربية السعودية القيام بكل ما تستطيع لطرد هذه العصابات من أراضيها ، وحماية حدودها ومواطنيها وقراها من أية اختراقات محتملة لها .

ثانيا: من أين كل هذا السلاح ؟

تدخل حرب هذه العصابات ضد السلطة الحاكمة في اليمن عامها الخامس ، وهي تأخذ أشكال الكر والفر من سيطرة على مناطق بكاملها في محافظة صعدة وجبالها لدرجة عدم تمكن القوات الرسمية من دخولها ، وعبر أشكال الصراع هذه تستخدم هذه العصابات كافة أنواع الأسلحة التي لا تتوفر إلا للجيوش الرسمية ، وهي في الغالب ليست من أسلحة الجيش الرسمي اليمني كي يقال أن هذه العصابات استولت علىها من الجيش اليمني أثناء عمليات الكر والفر ، وبالتالي تأتي مشروعية السؤال: من أين كل هذا السلاح الذي يسمح لهذه العصابات بالاستمرار في صراعها المسلح مع الجيش اليمني طوال خمسة سنوات ؟.

ثالثا: مشروعية حمل السلاح ضد السلطة الحاكمة
هذا السؤال ليس خاصا بالعصابات الحوثية في اليمن ، ولكنه يخص كافة أحزاب وتنظيمات المعارضة في الأقطار العربية التي لا ينكر أحد تقليص هامش الحريات الديمقراطية في أغلبها ، ووجود اضطهاد حقيقي لبعض فئات المجتمع في بعضها ، والسؤال هو: هل يحق لكل مضطهد ومصادرة حقوقه أن يحمل السلاح في وجه السلطة الحاكمة أيا كان نوع ظلمها وتسلطها؟ . إن ممارسة هذا الإسلوب تعني حروبا أهلية في أكثر من دولة عربية ، أي التشرذم والدماء والانقسام والتشطير أكثر مما هو سائد . وكأمثلة ميدانية لتقريب حجم الفزع وسيل الدماء الذي سيحدث نسأل :
1 . يقول الأقباط والبهائيون والنوبيون أنهم مضطهدون في داخل مصر ، والعديد من حقوقهم مصادرة بسبب التهميش وقوانين عدم الإنصاف والمساواة . فهل يحق لهم حمل السلاح ضد الحكومة والجيش الرسمي ؟.
2 . يقول السنّة خاصة الإخوان المسلمين أنهم مضطهدون في سورية ، فهل يحق لهم حمل السلاح في مواجهة الحكومة  وصولا لمطالبهم هذه ؟
3 . يقول الشيعة أنهم مضطهدون ومصادرة حقوقهم في العديد من الأقطار العربية، فهل يحق لهم في هذه الدول حمل السلاح وافتعال الحروب الداخلية للحصول على حقوقهم كمواطنين كاملي المواطنة ؟.
الجواب الصريح هو : لا
لأنه في داخل كل مجتمع عربي لا يخلو الحال من اشكاليات معينة يعترف بها القريب قبل البعيد ، وأشكال النضال السلمي متاحة رغم القمع السائد في غالبية الأقطار العربية ، وهنا تكمن مشروعية هذا النضال الذي حتما سيكسب تأييد كافة المجتمعات الديمقراطية في العالم ، أما حمل السلاح وإطلاق الرصاص للحصول على هذه الحقوق المصادرة فهو لن يجلب سوى حروبا أهلية ستقضي على الجميع : المطالبين بحقوقهم قبل المصادرين لهذه الحقوق ، أي الأخضر واليابس كما يقول التشبيه العربي . ومن المهم أخذ العبر من الدول والمجتمعات التي حققت أفضل الأنظمة الديمقراطية بنضالات سلمية دون إطلاق رصاصة واحدة ، فلماذا أصبح الاستبداد والظلم والبقاء في السلطة من المهد إلى اللحد ، وتوريثها للأبناء قبل وصول اللحد سمة عربية بامتياز ؟.

إذن من وراء الحوثيين ؟ وما هو هدفه؟
هذا الاستمرار لحرب عصابات طوال خمسة سنوات بكل أنواع الأسلحة التي لا تتوفر إلا لجيوش رسمية ، ثم نقل حربهم داخل الأراضي السعودية دون مبرر من أي نوع أو هوية ، يؤيد الاتهامات اليمينة الرسمية للدور الإيراني في دعم هذه العصابات ، وهو ما ينسجم مع الهدف الإيراني الساعي  لنشر الاضطرابات والحروب الداخلية في المنطقة العربية ، فهذا الوضع هو أفضل ما يحقق أهداف هذا النظام في التمدد في المنطقة ، ولفت أنظار العالم بعيدا عن ملفاته العالقة مع المجتمع الدولي . والدليل على ذلك مطالبة الحجاج الإيرانيين من قبل قيادات إيرانية رسمية بافتعال المشاكل والاضطرابات في موسم الحج الذي لم يتبق على بدئه سوى أيام معدودة ، وهي ليست مزحة فقد سبق للحجاج الإيرانيين أن افتعلوا مشاكل وصدامات في موسم الحج أودت بالعشرات من القتلى والجرحي في موسم ينبغي أن يتسم بالعفة والبراءة والخلق الطيب حسب تعليمات الله تعالى . ولكن النظام الإيراني وسط مشاكله الداخلية التي تصاعدت فيها المظاهرات المليونية الرافضة لهذا النظام والصارخة علنا ( لا للديكتاتور ) ، والنقد العنيف لتسلط النظام وعدم مشروعيته من داخل النظام نفسه ومن شخصيات دينية عالية المستوى ، يجعل هذا النظام يفكر في افتعال أية معارك في الجوار العربي تحديدا ، للفت أنظار الشعب الإيراني بعيدا عن مشاكله الداخلية المتصاعدة . وإلا ما معنى أن يحتفل النظام ويقيم مراسم كبيرة في ما أطلق عليه ( الذكرى الثلاثين لاحتلال السفارة الأمريكية )؟. ماذا حقق هذا الاحتلال المرفوض أخلاقيا ودبلوماسيا ودوليا للشعب الإيراني ؟ فقط تصعيد قيادات متسلطة ديكتاتورية مثل أحمدي نجاد ، وتوسيع سيطرة الحرس الثوري القمعي على كافة نواحي الحياة الداخلية الإيرانية بدليل قمع المظاهرات الأخيرة بقوة السلاح وتصاعد الإعدامات ومصادرة أبسط حقوق الإنسان .
نعم إنهم أداة إيرانية بامتياز
لذلك فإن كافة الشواهد الميدانية تدلل بدون أدنى أشك أن عصابات الحوثيين مجرد أداة إيرانية لنشر الاضطرابات والدويلات الداخلية الشبيهة بدويلة حزب الله اللبنانية داخل ما أمكن من الدول العربية ، وهي تستعمل الغطاء الديني لهذه العصابات المطالب بعودة ( الإمامة الزيدية ) ، وكأن العالم العربي لا يكفيه ما فيه من تشرذم وطني وطائفي . وبالتالي فالمستفيد الوحيد من حروب هذه العصابات هو النظام الإيراني ، والخاسر الوحيد هو الشعب اليمني لأن حروب العصابات هذه عادة ليس من السهل القضاء عليها في وقت سريع ، بدليل امتدادها الحوثي للسنة الخامسة مما سيعني للشعب اليمني المزيد من الفقر والأمية والتخلف . ومن هنا أيضا تأتي مشروعية قيام الحكومة السعودية بكل ما تستطيع للقضاء على هذه العصابات ووقف محاولاتهم الإيرانية لنقل حربهم داخل الأراضي السعودية ، كما يعطي مشروعية لكافة جهود الحكومة والجيش اليمني للقضاء على أسلحتهم وإعادتهم مواطنين يمنيين من حقهم المطالبة بأيةحقوق لهم مصادرة بالطرق السلمية التي تحافظ على أمن المواطن ووحدة البلاد .
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

284
تفاءلوا بوقف الاستيطان..فربما تجدوه!!!
د.أحمد أبو مطر
تشكل السياسة والأجندة الإسرائيلية الخاصة بالاستيطان وبناء المستوطنات في أراضي الضفة الغربية و حول مدينة القدس ، مسألة خطيرة تهدد فعلا عملية السلام أيا كان راعيها الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوربي أو من يدخل على خطها من جديد . وهي سياسة إسرائيلية ذات بعد استراتيجي لدى الحكومات الإسرائيلية على اختلاف مشاربها : ليكود أم عمال أم وسط حيث من الغرابة والاستهجان أن تصعيد بناء المستوطنات الجديدة وتوسيع القديم منها وهدم منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية ، قد زاد بوتيرة متصاعدة عقب توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 التي أدرجت موضوع المستوطنات ضمن الموضوعات التي سيتم التفاوض عليها لاحقا ، ولاحقا تمّ العكس إلى الحد الذي جعل حركة السلام الإسرائيلية الرافضة صراحة لسياسة الاستيطان ، أن تعلن في بداية عام 2008 أنّه حوالي 100 مستوطنة عشوائية مأهولة بالسكان اليهود موجودة وقائمة فعلا في الضفة الغربية ، من بينها 65 مستوطنة أقيمت بعد وصول الحي الميت شارون للحكم في مارس 2001 .
تصعيد استيطاني مستمر
 وكل هذا التحدي والتصعيد رغم أن غالبية دول العالم تعتبرها غير شرعية ويجب تفكيكها أيا كانت تسميتها لدى الجانب الإسرائيلي . ومجرد التأمل في التسميات الإسرائيلية يثير البكاء والدهشة ، فهم يطلقون اسم "المستوطنات " على ما تمّ بناؤه بقرار رسمي من الحكومة الإسرائيلية ، أما التوسيعات التي يقيمها المستوطنون على هذه المستوطنات  فهي عند السلطة الإسرائيلية "مستوطنات عشوائية". وإذا ما أرادت الدولة الإسرائيلية تخدير الرأي العام العالمي أو الضحك عليه خاصة قبل زيارة رئيس دولة عظمى مثلا، تقوم بإزالة بعض هذه البيوت العشوائية ، ويقوم المستوطنون بإعادة بنائها بعد أيام  قليلة تحت بصر وعلم الحكومة ، وهي سياسة رسمية وعلنية خاصة للحزب اليهودي المتطرف "إسرائيل بيتنا " ، ويهدد دوما زعيمه أفغيدور ليبرمان وزير الخارجية في الحكومة الحالية بالاستقالة إذا عمدت الحكومة للمس بسياسة وتوجه تصعيد الاستيطان . ومجرد ذكر بعض الأرقام الخاصة بالاستيطان في الضفة الغربية ، يؤكد خطورة هذا الوضع وتهديده ليس لمسيرة السلام فقط  ولكن لمستقبل الضفة الغربية ، فهذه الأرقام تقول أنه حتى نهاية العام 2007 بلغ :
1 . عدد المستوطنات 207 مستوطنة.
 2 . عدد المستوطنين الإسرائيليين فيها يزيد عن نصف مليون مستوطن.
3 . مساحة هذه المستوطنات المسروقة من أراضي الضفة الغربية 453 كم .
هذا غير الأراض الفلسطينية التي تم عزلها لحماية هذه المستوطنات ، وغير الشوارع الرئيسية والالتفافية التي تم شقها لتسهيل تنقل المستوطنين ، و المساحات التي صادرتها قوات الاحتلال منذ انتفاضة عام 2000  يزيد عن 600 ألف دونم ، مما يجعل مساحة المستوطنات والأراضي المصادرة تزيد عن 4 % ، بينما قطاع غزة الذي تبلغ مساحته الإجمالية 365 كيلومتر مربع، فإن المنطقة الأمنية التي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية على طول حدود القطاع تزيد عن 18 % من مساحة القطاع .
وتزايدت كافة هذه الأرقام بشكل مذهل في العام الماضي خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الأراضي التي هجرها ملاكها الفلسطينيون لوقوعها على حدود تلك المستوطنات ، ويتعرضون يوميا لعنف المستوطنين بما فيه إطلاق الرصاص عليهم لمنعهم من استغلال أراضيهم ، وبالتالي يسهل الاستيلاء عليها وتوسيع المستوطنات القريبة منها. والأرقام نفسها أكثر رعبا فيما يتعلق بالقدس الشرقية التي ضمتها السلطات الإسرائيلية عام 1967 للقدس الغربية معتبرة القدس الموحدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل ، مطالبة دول العالم بنقل سفاراتها من تل أبيب إليها .

الموقف الأمريكي من الاستيطان

أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثالث والعشرين من سبتمبر 2009 ( أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر مواصلة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة غير شرعي ) ، وجاء تأكيده هذا بعد يوم من لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ، وطالب بتجميد تام للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية لتسهيل مفاوضات عملية السلام. وقد أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في مؤتمرها الصحفي مع وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ، الأربعاء الرابع من نوفمبر 2009 : ( أنّ سياسة بلادها ترفض الأنشطة الإستيطانية الإسرائيلية ، وأنّ هذه السياسة تعتبر مواصلة إسرائيل لإعمالها الاستيطانية أمر غير شرعي ) ، و ( أن واشنطن ترغب في قيام دولة فلسطينية مستقلة على أراضي حدود عام 1967 ).

ما هو العرض الإسرائيلي ؟

أعلنت هيلاري كلينتون في المؤتمر الصحفي ذاته أن الولايات المتحدة تلقت عرضا إسرائيليا يتعلق بموضوع المستوطنات ، دون ذكر تفاصيله رغم أنها قالت عنه : ( إن العرض الإسرائيلي الذي تلقته الولايات المتحدة بشأن التجميد الجزئي للاستيطان تحرك إيجابي حتى لو لم يكن ما نفضله ) . وفي الصدد ذاته قالت في مقابلة مع " قناة الحرة" : ( عندما دعونا تحت قيادة الرئيس أوباما إلى إنهاء الأنشطة الاستيطانية ، كان ذلك إعادة إقرار للسياسة الأمريكية وإعادة التزام من قبل إدارة أوباما بأن النشاط الاستيطاني غير شرعي . وعن العرض الإسرائيلي المذكور أوضحت تفاصيل أكثر في قولها: ( إن العرض الذي تقدمت به الحكومة الإسرائيلية لا يمثل كل ما ترغب به واشنطن ، إلا أنه سيكون كفيلا بإنهاء كافة الأنشطة الاستيطانية ووقف منح تراخيص بناء جديدة في المستوطنات ومصادرة الأراضي ، وسيعزز من فرص استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين ).

من فمك يا كلينتون لباب الحكومة الإسرائيلية

لا نريد استباق المواقف الميدانية للحكومة الإسرائيلية بطرح مزيد من التفاؤل النظري ، إلا أن قراءة التطورات توحي أن هناك ضغوط أمريكية ودولية ، ومواقف فلسطينية متشددة من شأنها أن تحدث ليونة في التشدد الإسرائيلي ، وهذا يذكرنا بموقف ميناحيم بيجن عقب توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر عام 1979 ، عندما رفض الرضوخ لابتزاز المستوطنين والمتطرفين اليهود ، وقام فعلا بتفكيك كافة المستوطنات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء المصرية .
ويبدو أن هناك تفاصيل أخرى أعطيت لوزراء الخارجية العرب بدليل قول هيلاري كلينتون : ( أوضحت لوزراء الخارجية العرب خلال اجتماعي بهم على هامش مؤتمر المستقبل في المغرب ، كيفية عمل المقترح الإسرائيلي الخاص بالاستيطان ، وأعتقد أن الوزراء العرب تفهموا الأمر ) ، وربما هذا ما دعا وزير الخارجية المصري إلى القول بضرورة الاستماع إلى الموقف الأمريكي الواضح فيما يخص القضايا العالقة ، وقد أعقب ذلك اتصال الرئيس المصري بالرئيس الفلسطيني حيث تباحثا في جهود إحياء عملية السلام  كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية .

الموقف العربي والمصالحة الفلسطينية

إن هذه المؤشرات الايجابية يمكن تعزيزها باستمرار الموقف العربي الضاغط والرافض للسلام الشامل كما تطلب إسرائيل ، إلا إذا قامت بتفكيك المستوطنات القائمة وتجميد الاستيطان ، لأن كافة هذه الأنشطة غير الشرعية حسب كافة القوانين ، تتم تحت مسميات منها حماية أمن إسرائيل ، وهذا الأمن يتحقق بتطبيق كامل للمبادرة العربية ( الأرض مقابل السلام ) . وتؤكد كافة الشواهد أنه لا توجد دولة عربية مستعدة لتوقيع معاهدات سلام جديدة قبل الايفاء بهذه الالتزامات من الطرف الإسرائيلي ، وكذلك الدول الموقعة على معاهدات سلام مثل مصر والأردن ، فهي حتى الآن مجرد معاهدات بين حكومات لم تجد صيرورتها وتطبيقاتها في شوارع البلدين بسبب الرفض الشعبي ، فربما تدرك الحكومات الإسراتئيلية هذا الدرس . وكذلك فإن اتمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام الحاصل من شأنه أن يعزز هذه المواقف ، لأنه في النهاية ستدرك سلطات الاحتلال أن العنف لا يولد سوى العنف ، والظلم ومصادرة الحقوق لن ينتج عنه سوى العنف أيضا . فهل تدرك الأطراف الفلسطينية أن الموقف الوطني الموحد أثمن من خلافاتها واقتتالها الحالي ، لأنه اقتتال على المصالح الشخصية والتنظيمية فقط ، والضائع هو الوطن والذي يزيد ويتوسع هي المستوطنات .

تصاعد التنديد الدولي بالمواقف الإسرائيلية

وما يدعم الموقف الفلسطيني والعربي والأمريكي في مواجهة الموقف الإسرائيلي المتعنت و المماطل ، هو تصاعد التنديد الدولي صريحا وغاضبا ، فالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعا قبل أيام قليلة إسرائيل إلى وقف أعمالها التحريضية في القدس الشرقية ، وأعرب عن ذهوله لتصرفات إسرائيل في القدس الشرقية وهدم منازل الفلسطينيين ، وإسكان مستوطنين في أحياء غالبية سكانها فلسطينيون. ودعا إسرائيل أيضا إلى ( وقف هذا النوع من التحريض ، والوفاء بالتزاماتها حيال خارطة الطريق بتجميدها كل الأنشطة الاستيطانية بما فيها المتعلقة بالنمو الطبيعي وتفكيك المراكز المتقدمة وإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية ) . وكذلك وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند ، أعلن صراحة موقف بلاده الرافض للأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية ، وقال : ( إن وجهة نظرنا إزاء الاستيطان واضحة وهي أن المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية ، غير شرعية وتشكل أيضا عقبة في طريق السلام ). وعقب محادثاته مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قال: ( لقد تحدثت مع الملك عبد الله الثاني والمبعوث الأمريكي جورج ميتشل حول ما أرى أنها محاولة صادقة من حكومة الرئيس أوباما وبقيادة الرئيس نفسه ، مدعوما من وزيرة الخارجية كلينتون والمبعوث الخاص ميتشل ، لإيجاد سبيل ذات مصداقية تؤدي إلى إحلال سلام حقيقي وإنشاء دولة فلسطينية ذات مصداقية ، وأعتقد أنه ينبغي أن يفهم الجميع أن هذه العناصر الثلاثة مترابطة ).

نأمل أن تكون كل هذه الظواهر بداية صحوة فلسطينية عربية دولية في مواجهة التعنت الإسرائيلي ، هذا التعنت الذي هو أكبر خطر على دولة إسرائيل ، بدليل أن حركة السلام الإسرائيلية ذاتها تدرك منذ سنوات أنه لا راحة ولا أمن للمواطن الإسرائيلي ، إلا بنفس الراحة والأمن للمواطن الفلسطيني الذي لن يصل لذلك إلا بدولة مستقلة ذات سيادة ضمن حدود عام 1967 بما فيها القدس الشرقية ، فهل يدرك المسؤولون الإسرائيليون هذه الحقيقة؟.
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com


285
استحالة قيام دولة فلسطينية...ما البديل إذن؟
د.أحمد أبو مطر
تقوم هذه المقالة على حيثيات فكرة قابلة للنقاش فحواها أنه ضمن معطيات الواقع الحالي من المستحيل قيام دولة فلسطينية حسب شروط ومواصفات الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية . ومن المعروف أن فكرة قيام أو إعلان قيام دولة فلسطينية ، كان في دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي انعقدت في الجزائر عام 1987  التي أعلن فيها الرئيس ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 ، وهذا يعني أن المجلس الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية ، اعترفا بدولة إسرائيل علنا وصراحة قبل توقيع اتفاقية أوسلو بستة سنوات ، في حين أن دولة إسرائيل كانت في ذلك الوقت تمنح أي اتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية، وتجرّم وتحاكم من يقوم بذلك من مواطنيها .
لماذا هذه الاستحالة ؟
هذا السؤال من طرفي ليس تشاؤما أو رفضا لفكرة قيام الدولة الفلسطينية ، بقدر ما هو دراسة منطقية عقلانية للظروف وموازين القوى السائدة التي أرى أنها تحول دون قيام هذه الدولة ، وهذا يكمن في الأسباب التالية :
أولا: عدم وجود اتفاق فلسطيني واضح صريح
 الدولة الفلسطينية المقترحة لا يوجد توافق فلسطيني صريح على مواصفاتها وحدودها ، فمنظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر عليها بشكل من الأشكال حركة فتح ، رغم تمثيل منظمات فاعلة فيها مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية ، ومن خلفها المجلس الوطني الفلسطيني الممثلة فيه المنظمات الفلسطينية ( ما عدا حركة حماس )، يؤيدان صراحة قيام تلك الدولة ضمن حدود عام 1967 ، كما أعلن المجلس الوطني الفلسطيني عام 1987 دون معارضة أي تنظيم آنذاك إذ لم تكن حماس موجودة حتى ذلك العام . هذا بينما حركة حماس التي اصبحت موجودة وفاعلة الآن ، وتسيطر على كامل قطاع غزة عقب فوزها بأغلبية المجلس التشريعي الفلسطيني في انتخابات 2006 ، وتشكيلها الحكومة الفلسطينية برئاسة اسماعيل هنية ، هذه الحركة لا موقف واضح لها من مسألة قيام الدولة الفلسطينية ، فهي في إعلامها وعلى لسان بعض الناطقين باسمها في الفضائيات ، يطرحون التحرير ( من النهر إلى البحر ) ، وبعض القادة فيها مثل المرحوم الشيخ أحمد ياسين واسماعيل هنية وخالد مشعل وغيرهم ، يطرحون دوما مسألة عقد هدنة مع دولة فلسطين أحيانا يقترحون لها عشر سنوات ، وأحيانا هدنة طويلة لمدة ستين عاما . بينما خالد مشعل طرح أكثر من مرة مع وسائل إعلام أمريكية تحديدا موافقة حركته على قيام دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، وضمن هذا التذبذب وعدم الصراحة في موقف حماس ، لا يستطيع أحد بما فيهم أعضاء الحركة العاديين معرفة حقيقة ما هو برنامج حماس السياسي ؟. وهذا التذبذب والتناقض في الموقف الفلسطيني من فكرة قيام الدولة وحدودها ، وما يتبعه من الاعتراف بدولة إسرائيل ، تستعمله إسرائيل سببا لعدم تقدم المفاوضات على قاعدة : أي من الأطراف الفلسطينية نفاوض وهي غير متفقة على الاعتراف بدولة إسرائيل؟ .
ثانيا: تناقض الخطوط الحمر للطرفين
هذا السبب من العوامل الحاسمة التي أطرحها لاستحالة قيام دولة فلسطينية ضمن أية مواصفات ، لأن هناك ثلاثة قضايا يعتبرها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي خطوطا حمراء . الفلسطينيون يقولون لا دولة فلسطينية بدون تحققها ، والإسرائيليون يرفضونها جملة وتفصيلا ويرفضون مجرد طرحها للنقاش وهي:
1 . قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تشريدهم من أرضهم وبيوتهم عام 1948 بعد قيام دولة إسرائيل ، ويبلغون اليوم في الشتات العربي والأوربي والأمريكي على الأقل ستة ملايين ، مضافا إليهم أربعة ملايين ونصف يعيشون في القطاع والضفة، أي أنه في حالة عودتهم المستحيلة سيكون عدد الفلسطينيين حوالي عشرة ملايين ونصف مقابل أقل من خمسة ملايين إسرائيلي ، وهذا في حد ذاته تهديد لوجود وبقاء واستمرارية دولة إسرائيل ، وهو الخطر الذي اطلق عليه باحثون إسرائيليون ( خطر القنبلة المنوية ) ويقصدون التزايد المتسارع لنسبة الولادات في المجتمع الفلسطيني .
2 . قضية القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المقترحة، وهي مسألة يصرّ عليها الجانب الفلسطيني ويرفضها بشكل قاطع الطرف الإسرائيلي لأنه في عرفه أن القدس التي تم توحيد شطريها الشرقي والغربي بعد احتلال الضفة عام 1967 ، أصبحت ( عاصمة دولة إسرائيل ) ولا يمكن النقاش أو التفاوض حول هذه المسألة ، وهذا ما يفسر الجهود الإسرائيلية السرية والعلنية لتهويد المدينة وتخفيض الوجود الفلسطيني فيها إلى أقصى درجة ممكنة .
3 . مسالة المستوطنات في الضفة الغربية التي تلتهم ما لا يقل عن ثلاثين بالمائة من مجموع مساحة الضفة الغربية ، بالاضافة لتقطيعها أوصال الامتداد الجغرافي لأراضي الضفة، مما حولها إلى جيتوات مقطوعة ومعزولة بالمستوطنات والحواجز العسكرية ، ونتج عنه استحالة التنقل الطبيعي الحر بين مدن وقرى الضفة ، مضافا إلى ذلك التنقل الحر للجيش الإسرائيلي في كامل مدن وقرى الضفة وكأنه لا وجود للسلطة الفلسطينية وقواها الأمنية ، مما نتج عنه اعتقال 4500 فلسطني في القطاع والضفة منذ بداية عام 2009 فقط ، وهذه السياسة هي التي جعلت عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يرقى لحدود 12 ألف فلسطيني  وهو رقم قياسي في تاريخ كافة الاحتلالات . وقد كانت وما زالت مسألة الاستيطان والمستوطنات مركز خلاف حتى بين الإدارة الأمريكية التي تطالب بوقف الاستيطان وإزالة بعض المستوطنات ودولة إسرائيل التي ترفض ذلك . وقد أعلنت السلطة الفلسطينية منذ أيام قليلة رفض العودة للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي قبل وقف الاستيطان والبدء بتفكيك بعض المستوطنات ، بينما ترفض إسرائيل ذلك واعتبره نيتنياهو ( مجرد ذريعة فلسطينية لوقف التفاوض ) مطالبا الإدارة الأمريكية بالضغط على الجانب الفلسطيني وليس الإسرائيلي . هذا الظرف الشائك زاد تعقيدا بطلب إسرائيل الجديد الاعتراف الفلسطيني والعربي الرسمي العلني ب ( يهودية الدولة الإسرائيلية ).


إزاء هذا التناقض الواضح والصارخ في بين الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني في كافة القضايا الرئيسية ، يتوصل تحليلي إلى استحالة قيام دولة فلسطينية حقيقية في أرض الواقع ، تمارس صلاحياتها باستقلالية كباقي دول العالم . وبالتالي فلا معنى لتهديد مسؤول فلسطيني قبل أسابيع قليلة بإعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد إذا تعثرت المفاوضات ، فمن حيث الإعلان الكلامي الشكلي فالدولة الفلسطينية معلنة وقائمة من طرف واحد منذ عام 1987 في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر كما أشرت سابقا ، ولكن لا دولة ولا صلاحيات على الأرض ، حتى إصدار جواز السلطة الفلسطينية وتأشيرة دخول لأي فلسطيني وتنقل الفلسطينيين بما فيهم وزراء السلطة يحتاج لموافقة إسرائيلية ، ودولة إسرائيل تتحكم في المعابر والمياه والكهرباء وشبكة الاتصالات الأرضية والفضائية .
إذن ما الحل ؟ ما البديل؟
يتداول الفلسطينيون في مجالسهم وجلساتهم الخاصة بعض الأفكار البديلة التي لا يجرؤ كثيرون على مجرد الحديث فيها، كي لا تطالهم تهم الخيانة والعمالة وقلة الوطنية وعدم المشاركة في النضال والتحرير والاستشهاد...إلخ هذه المعزوفة الكلامية الخطابية و من هذه الأفكار :
أولا : العودة لمصر والأردن
أي أن يعود قطاع غزة للإدارة المصرية والضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية كما كان الوضع قبل هزيمة عام 1967 . وهذا البديل مستحيل لأنني أعتقد أن جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية ترفضان ذلك بوضوح وصراحة ، لأنه لا توجد أية دولة تقبل أن تكون المسؤولة عن تبعات الاحتلال ونتائجه ، فمصر لن تقبل أن تعود لإدارة القطاع وهو في هذا الوضع البائس لأنها ستكون مسؤولة عن هذا البؤس ، ناهيك عن إدارة شؤون شعب نحو غد مجهول ستتحمل مصر عندئذ نتائجه المجهولة هذه . وكذلك الأردن يرفض كما أرى أن يعود لضم الضفة للملكة الأردنية الهاشمية في وضعها مقطع الأوصال ، لأن هذا الضم يعني الموافقة على الاستيطان والمستوطنات الإسرائيلية، والاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل وهو مرفوض أردنيا وعربيا وإسلاميا . وهذا الحل أيضا سيكون مرفوضا من حكومة حماس المقالة في عرف السلطة الفلسطينية ، ومن السلطة الفلسطينية التي تعتبر غير شرعية ولا دستورية في عرف حماس ، لأن السنوات الماضية أوجدت امتيازات سلطوية للطرفين يتمتع بها عدد محدود من قياداتهم ، من المستحيل التنازل عنها حفاظا على هذه  المصالح الشخصية التنظيمية وليس غيرة وطنية وشعبية .
ثانيا : عودة الاحتلال الإسرائيلي المباشر
أي كما كان الوضع في القطاع والضفة منذ عام 1967 وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1988 ، حيث كانت أوضاع الحياة اليومية للمواطنين على الأقل تسير بيسر وسهولة ، وهذا البديل أرى أنه سيكون مرفوضا بصراحة وقوة من الطرف الإسرائيلي أولا ، لأن هناك شروط وتبعات دولية للاحتلال لن يقبل الطرف الإسرائيلي في تلبيتها والقيام بها ، كما أن الوضع الحالي حيث الانقسام والاقتتال الفلسطيني أفضل خدمة لدولة إسرائيل ، فلماذا تريح إسرائيل الفلسطينيين من قتالهم وصراعاتهم الداخلية التي وصلت حد التصفية واستعمال السلاح ، وحملات إعلامية وفتاوي تكفير شرعية لم تصدر بهذه الشدة ضد الاحتلال ذاته.
إذن ما هو المتوقع؟
المتوقع هو أن يستمر الوضع الحالي حيث ( إمارة حماس ) في القطاع المحاصر البائس ، و ( دويلة عباس ) الكرتونية التي لا تملك ولا تحكم في الضفة لسنوات طويلة قادمة ، والمبكي أن القيادتين في القطاع والضفة لا يعانيان أبدا ، فمن يتحمل البؤس والفقر والحصار والاعتقالات هم الغالبية المسحوقة من الشعب الفلسطيني ، لذلك وحسب اتصالاتي وما يأتيني من اتصالات ، فلو أنه فتحت أبواب الهجرة لسكان الضفة والقطاع ، لما بقي هناك إلا نسبة بسيطة من الشعب وعلى رأسهم هذه القيادات التي أثرت على حساب الشعب ، وهذا ما يفسر تراجع القضية الوطنية يوما وراء يوم .
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com


286
هل يغطي النظام الإيراني متطلبات إفلاس مليونير حزب الله؟
د.أحمد أبو مطر
أصبح معروفا ومؤكدا خاصة في البيت اللبناني أنه مهما كانت طيبة وخلق صلاح عزالدين ، فإنه لولا علاقته الوطيدة بحزب الله قيادة وقواعدا ، ما كان سيصل لهذا الثراء بالشكل السريع الذي حصل عليه. ومن المهم ملاحظة أن غالبية جماهيرية صلاح عز الدين والأموال الملايينية التي دفعت له للإستثمار في مشاريعه كانت من الوسط الشيعي اللبناني المقيم في لبنان أو خارجه. لذلك مهما نفت قيادة حزب الله عن علاقتها بمشاريع المليونير المفلس ، فأول من لن يصدقها هو ذلك الوسط اللبناني الذي فقد أمواله ومدخراته و " تحويشة العمر " في ظروف ما زالت مجهولة الأسباب حتى الآن ، خاصة في ظل المعلومات التي تحدثت عن تورط أجهزة مخابرات معادية لحزب الله في نصب كمائن اسثمارية مغرية للمليونير اللبناني ، لكنها كانت في الحقيقة ألغاما أدت لإيقاعه في خسائر أدت إلى إفلاسه .
تورط حزب الله
علاقة الحزب بالملايين التي تم جمعها من أوساط البيت الشيعي اللبناني لا مبالغة فيها ، فمن المؤكد أن هناك قيادات وأوساط متنفذة في الحزب استثمرت أموالا طائلة في مشاريعه ، بدليل أن بداية افتضاح موضوع افلاسه كان قد ظهر في صحف مقربة من الحزب في نهاية أغسطس 2009 ، على خلفية أنه محتجز لدى المباحث المركزية اللبنانية التي تحقق معه بإشراف القاضي سعيد ميرزا ، وأن القضية أصبحت في يد القضاء اللبناني الذي يسعى لمعرفة أسباب وخلفية الإفلاس الحقيقية ، مخافة أن يكون من ضمن هذه الخلفية عملية نصب واسعة من المليونير نفسه  للإستيلاء على أموال المودعين بحجة الإفلاس ، وهذا ليس سهل التحقق منه لأنه يحتاج لوقت طويل واتصالات مع العديد من البنوك لمعرفة الأصول المالية المودعة باسمه ، وهذا ما لا يمكن معرفته من بعض البنوك تحت ستار سرية الأعمال المصرفية المعمول بها .
وقد تأكد تورط حزب الله في مجمل القضية ، بعد أن انكشف أن الحزب هو من قام أولا باعتقال المليونير في مطار بيروت اثناء محاولته الهرب للخارج ، وتم احتجازه في مقر سري للحزب في الضاحية الجنوبية لمدة إسبوع ، ثم قام الحزب بتسليمه للسلطات الأمنية اللبنانية الرسمية في محاولة لجعل القضية تأخذ الصفة الرسمية القانونية ، إبعادا لشبهة تورط الحزب وعلاقته النابعة أساسا من استثمار بعض قياديي الحزب لملايين من الدولارات في مشاريعه ، مما يطرح لدى المواطن اللبناني شبهة السؤال: من أين هذه الملايين لتلك القيادات ، والمواطن اللبناني ابن الضاحية تحديدا الذي يعرف تلك القيادات من مهدها ، بأنهم أناس على ( قد الحال ) ، مما أعطى الشبهة التي تكاد ترقى لحد المعلومة إلى المصدر الإيراني المزود بتلك الملايين ، بدليل أن النائب في كتلة حزب الله السيد حسين الحاج حسن ، قد تقدم رسميا بدعوى جزائية ضد المليونير المفلس اساسها ( شيك بدون رصيد واحتيال ) ، وتسرب من أوساط النائب أنه استثمر لدى المليونير قرابة  200 ألف دولار . والدولارات الإيرانية لدى الحزب ليست إشاعة أو تجنيا ، بل مثبتة من حجم مصروفات ومشاريع الحزب التي لا تتوفر لغالبية الأحزاب اللبنانية ، وهذه المصروفات في القرى والمدن اللبنانية ذات الأغلبية الشيعية فقط ، هي مصدر التفاف الناس حول الحزب والتصفيق له، ليس ايمانا بمبادئه بقدر ما هي استفادة من دعمه المالي لهم في الظروف اللبنانية الاقتصادية المعقدة وغير المستقرة . وكانت الملايين الإيرانية لدى الحزب قد ظهرت عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية مع الحزب في يوليو 2006 ، عندما قام الحزب بتوزيع ما يقرب من 15 ألف دولار أمريكي لكل عائلة شيعية تهدم أو تضرر منزلها جراء تلك الحرب في الضاحية أو الجنوب اللبناني ، وقدر المجموع الذي تم توزيعه آنذاك بما يزيد على 40 مليونا ،
التناقض بين الشرع والممارسة
وليس سرا أن هناك انتقادات قاسية للحزب في أوساط المجتمع البناني بكافة أطيافه الدينية ، فمن المستغرب للغاية قيام الحزب الذي يتصف بصفة ( الله ) ويسمي نفسه ( حزب الله ) ، أن يستثمر أموالاويقدم حماية لمليونير يستثمر أمواله بطرق غير شرعية لاترقى لعدم شرعيتها البنوك الأوربية والأمريكية ، فكيف تمكن هذا الرجل من أن يصرف في بعض الحالات للمستثمرين معه أرباحا ترقى لحدود 40 في المئة من المبلغ الذي استثمروه في مشاريعه  التي لا يعرفون عنها أية معلومة . خاصة أن بعض التقديرات في أوساط المتضررين تقدر حجم الخسائر بمليار دولار ، مما يعني ميدانيا أن نسبة عالية من الوسط الشيعي اللبناني تضررت من طرق استثماراته غير المعروفة ، خاصة حجمها الذي وصفه بعض الاقتصاديين أنه ( اقتصاد مواز للاقتصاد الرسمي اللبناني ) ، الذي ما كان يرقى لهذا المستوى غير المنطقي الذي أدى إلى الإفلاس السريع ، لولا تبني حزب الله له ودعمه من خلال استثمار العديد من قيادات الحزب وكوادره الملايين لديه ، ومصدر الثقة الزائدة فيه منبعها أنه متزوج من ابنة شقيقة القيادي في الحزب هاشم صفي الدين القريب للغاية من السيد حسن نصر الله، وترشحه بعض الأوساط لخلافة السيد نصر الله . وهنا مصدر الصدمة الشديدة : كيف تقوم أوساط حزب الله وقياداته وكوادره بدعم تجارة واستثمار تتناقض مع مبادىء الله  مما أدى لهذه الخسارة المروعة ، بدليل أن القضية تمت احالتها للمباحث الجنائية في محاولة لمعرفة سبب هذا الإفلاس ، وإن كان حقيقيا أم ادعاءا على خلفية محاولة صلاح عز الدين الهروب عبر مطار بيروت للخارج ، وأن بعض المودعين لديه هم مستثمرون قطريون وكويتيون يتردد أن واحدا فقط من هؤلاء القطريين أودعوا لديه 185 مليونا من الدولارات ، وزاد من الشك في هذا المليونير المفلس عدم العثور على أية أصول مالية وعقارية لاستثماراته ، مما يرقى لحد النصب والاحتيال بدليل مئات الشيكات المرتجعة بالملايين من الدولارات لعدم وجود تغطيات مالية لها في حساباته . وجريمة النصب والاحتيال لذلك واردة  لأنه كان يغطي أرباحا للبعض مما يودعه البعض الآخر ، أي  ( تلبيس طاقية فلان لفلان ) كما يقول المثل الشعبي .

هل تغطي إيران متطلبات هذا الإفلاس؟
الجواب على هذا السؤال ليس تخمينا أو تحليلا بقدر ما هو معلومات مؤكدة حول اتصالات يجريها النظام الإيراني لإيجاد الطريقة التي يمكن من خلالها انقاذ سمعة الرجل وإخراجه من هذه الورطة الجنائية التي لن تقتصر عواقبها عليه شخصيا ، بل ستمتد لسمعة حزب الله ونفوذه في الساحة اللبنانية ، كما أن استمرار التحقيقات معه في المباحث الجنائية اللبنانية من شأنه أن يقود لأسماء ضباط كبار من الحرس الثوري الإيراني موجودين في لبنان ضمن قواعد وكوادر حزب الله ، واستثمروا ملايين من الدولارات لديه دعما إيرانيا له ، من خلال استخدام أسماء مواطنين لبنانين وافقوا على ايداع الأموال لديه باسمهم ، وكل من يعرفهم من الجيران والأقارب أنهم ( على قد الحال ) لا يملكون أية نسبة ضئيلة من هذه الملايين . الاستعداد الإيراني لتغطية متطلبات هذا الإفلاس أو أغلبه واردة ، والاتصالات جارية للوصول لأشخاص ثقة يقبلون استلام مبالغ إيرانية ثم يودعونها في حساب المليونير المفلس على أساس انها استحقاقات قديمة له لديهم . والبديل لهذه الطريقة في حالة عدم الوصول لأشخاص يقبلون هذا التوريط المحتمل، هو تهريب أموال نقدية لداخل لبنان ، يتم توزيعها على المتضررين من هذا الإفلاس مما يؤدي لإسقاط القضية الجنائية ضده ، على أساس أنه قام بتسديد غالبية المستحقات عليه ، والإفراج عنه مطلوب لتمكينه من تسديد القليل الباقي عليه.
مصادرة ملايين الدولارات من شاحنة إيرانية
وليس مستبعدا لدى بعض الدوائر الأمنية الغربية أن تكون الشاحنة الإيرانية التي تمت مصادرة حمولتها في الأراضي التركية في نهاية يوليو 2009 ، على علاقة بهذا القرار الإيراني لتعويض خسائر مليونير حزب الله ، انقاذا له ولسمعة الحزب والنفوذ الإيراني في لبنان الذي لا يؤمنه إلا الحزب وقوته الميدانية المالية والعسكرية . وكانت السلطات التركية قد صادرت شاحنة الترانزيت الإيرانية وهي في طريقها إلى سوريا ثم لبنان ، وكانت تحمل مئات الملايين من الدولارات والذهب ، وتم مصادرة الحمولة وايداعها في المصرف المركزي التركي ، واحالة سائقها الإيراني ( اسماعيل صفاريان ) إلى السجن والقضاء . وقد تم بث الخبر رسميا في وسائل الإعلام التركية ، ونشر التلفزيون التركي صورة لجواز سفر السائق الإيراني .
لذلك فإن قضية افلاس مليونير حزب الله مفتوحة على كل الاحتمالات ، رغم ضغوطات الحزب لإبقائها قيد السرية التامة، وعدم نشر أية معلومات جديدة بعد التغطيات الإعلامية الواسعة وغالبا المنتقدة للحزب في وسائل الإعلام اللبنانية . مركزة على ( ما جمع مال إلا من شح أو حرام ) و ( ناظر المدرسة الذي أصبح مليارديرا وعاد فقيرا كما كان ).
ahmad.164@live.com
www.dr-abumatar.com

287
وماذا بعد اعتماد تقرير جولد ستون ؟
د.أحمد أبو مطر
وأخيرا...وافق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جينيف على تقرير القاضي اليهودي الجنوب أفريقي ريتشارد جولدستون ، المتعلق بما جرى في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في يناير 2009 .وكانت نتيجة تصويت المجلس موافقة 25 دولة ( أغلبها عربية وأفريقية وإسلامية ومعها روسيا والصين  )، ومعارضة 6 دول هي : الولايات المتحدة الأمريكية ، المجر ، إيطاليا ، هولندا ، سلوفاكيا ، وأوأكرانيا . بينما امتنعت عن التصويت 11 دولة من بينها : النرويج ، البوسنة ، اليابان ، سلوفينيا ، والأروجواي ، وتغيبت دولتان هما : مدغشقر و قرغيزستان .

آلية ما بعد الاعتماد
اعتماد التقرير بالشكل السابق في مجلس حقوق الإنسان لا يعني البدء بتطبيقات عملية ميدانية لما ورد فيه ، أي لا يضمن تحقيق العدالة الفورية لكل ضحايا العدوان ، أو ملاحقة المتسببين فيما شهدته تلك الحرب من جرائم ، لأن الاعتماد يعني دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى الانعقاد لبحث تقرير جولدستون ، ويطالب الأمين العام للأمم المتحدة ( بان كي مون ) بإبلاغ مجلس حقوق الإنسان بمدى التزام الطرفين – الفلسطيني والإسرائيلي – بالتقرير ، خاصة أن التقرير يطالب الطرفين بإجراء تحقيقات ذات صدقية خلال ستة شهور وإلا فيحال الملف على المحكمة الجنائية الدولية ، وهذه الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية لا بد أن تمر عبر مجلس الأمن الدولي التي تمتلك فيه الدول العظمى حق قرار النقض ( الفيتو ) أي أن القرار لن يحال للمحكمة الجنائية الدولية إذا مارست أية دولة حق النقض هذا ، وهو ما تلوح به الولايات المتحدة الأمريكية منذ الآن . وحسب الألية التي تم فيها اعتماد القرار فليس مستبعدا أن لا يصل لمجلس الأمن الدولي ، لأنه ( يوصي مجلس الأمن الدولي بإحالة القضية إلى محكمة الجزاء الدولية في حالة رفض أي من طرفي النزاع  إجراء تحقيقات مستقلة بشأن الجرائم الواردة في التقرير ) .

وهنا تكمن آلية تعطيل القرار ،
فإذا بدأت إسرائيل من جانبها بإجراء تحقيقاتها الخاصة كما يدعو القرار ، فنتيجتها حتما لن تتضمن أية إدانة للجانب الإسرائيلي ، وفيما يتعلق بالطرف الفلسطيني الذي يجب أن يجري تحقيقاته الخاصة ، هنا تكمن المشكلة التي ستعطل تنفيذ القرار مع القاء اللوم على الجانب الفلسطيني ، والمشكلة هي :
من هو الطرف الفلسطيني الذي سيجري التحقيقات؟
فغالبية دول العالم لا تعترف بسلطة وحكومة حماس في قطاع غزة ، بينما تعترف بالسلطة الفلسطينية الموجودة في الضفة الغربية فقط ، وفي الوقت نفسه لا تعترف السلطة بشرعية حماس منذ انقلابها العسكري في يونيو 2007 وتعتبر الحكومة التي شكلتها مقالة ، وحماس من طرفها لا تعترف بشرعية السلطة الفلسطينية وتعتبر رئيسها محمود عباس رئيسا غير شرعي . فمن هو الطرف الفلسطيني الذي سيقوم بالتحقيقات الخاصة ذات المصداقية التي طلبها مجلس حقوق الإنسان عند اعتماده الأولي للقرار في السادس عشر من أكتوبر 2009 ؟ ومن المؤكد أن حكومة حماس المقالة لن تسمح للسلطة الفلسطينية بممارسة هذه التحقيقات المطلوبة في قطاع غزة ، رغم أن العودة لبحث القرار واعتماده كان بناءا على طلب السلطة الفلسطينية ، بعد قرارها الخاطىء السابق بتأجيل بحث القرار ، وهو التأجيل الذي أثار موجة غضب عارمة في الشارع الفلسطيني بمختلف ألوان طيفه السياسية بما فيها أوساط حركة فتح ولجنتها المركزية ، وكانت أشد الحملات الموجهة ضد الرئيس عباس من قبل حركة حماس قيادة وإعلاما ، حيث وصف الرئيس عباس بكافة الصفات التحقيرية الموجودة في اللغة العربية، بما فيها طرده ومحاكمته وقتله . وبعد اعتماد القرار لم يصدر من كافة الأوساط والأقلام التي هاجمت الرئيس محمود عباس أي كلمة ثناء بحقه ، وكان كل ما صدر عن حركة حماس هو بيان من عدة كلمات يثني على اعتماد القرار فقط .
والدليل أن الانقسام الفلسطيني يتعمق ،
فحركة فتح وقعت على الورقة المصرية المقترحة للمصالحة الفلسطينية ، بينما حركة حماس أجلت يوم الأحد الموافق الثامن عشر من أكتوبر سفر وفدها للقاهرة ، الذي كان من المفترض أن يذهب للتوقيع الأولي على الورقة ، ومثل كل مرة كان السبب الحاجة للمزيد من الوقت وطلب بعض الايضاحات لما ورد في الورقة المصرية ، المتداولة بين أيدي حركة فتح وحماس منذ عامين ، ورغم ذلك فالايضاحات مستمرة والتأجيل هو السائد . والتحدي أو الصراع يكمن في أن الجانب المصري طلب من حركتي فتح وحماس توقيع الورقة المصرية قبل الخامس عشر من أكتوبر الحالي ، وتوقيع بقية الفصائل الفلسطينية قبل العشرين منه ، أما الاحتفال بالتوقيع فتم تأجيله لما بعد عيد الأضحى ، وكما قال عزام الأحمد ممثل حركة فتح في الحوار الفلسطيني : ( بالنسبة إلينا المهم ليس الاحتفال إنما التوقيع ) ، ومن جانبي أعتقد أن ( الأهم هو التطبيق وليس التوقيع والاحتفال ) ، فلقد سبق أن وقعت حركتا فتح وحماس على اتقاقي مكة وصنعاء ، وتم لحس التوقيعين فور مغادرة مكان التوقيعين ، ملقية كل حركة على الأخرى مسؤولية عدم التنفيذ والتطبيق الميداني . ومن جانب آخر فإن إجراء الانتخابات الفلسطينية القادمة رغم أنه من صلاحيات الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، إلا أن حماس لن تشارك فيها ولن تعترف بنتائجها ، بينما أعرب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه ( أنه في حالة عدم توقيع حركة حماس حتى الخامس عشر من أكتوبر الحالي كما طلبت مصر، فإن رئيس السلطة محمود عباس سيوقع على مرسوم رئاسي بإجراء الانتخابات الفلسطينية قبل الخامس والعشرين من شهر يناير 2010 ) أي بعد حوالي ثلاثة شهور ، وهي بالطبع انتخابات لن تسمح حماس بأن تجري في قطاع غزة ، وفي حال إجرائها في الضفة الغربية فقط ، فأيا كانت نتائجها فالنتيجة المرة القائمة والمستمرة هي الانقسام الفلسطيني الذي سيتعمق ليصبح واقعا قائما، مثل الانقسام القبرصي المستمر منذ عام 1974 .
ولا يمكن فصل التدخلات الإقليمية ،
عن موضوع الانقسام الفلسطيني واستمرار مراوغة حماس لتأجيل اتفاق المصالحة الفلسطينية ، إذ أنه من المهم ملاحظة أن الفريق الذي يضع الشروط تلو الشروط للتأجيل هو الفريق المتمترس في دمشق  من قيادة حماس ،  والفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق فقط ولا وجود لها لا في القطاع ولا الضفة مثل : الجبهة الشعبية – القيادة العامة ( جماعة أحمد جبريل ) ، حركة فتح ( المنشقين عن فتح الأم منذ عام 1983 ) ، الجهاد الإسلامي ، حزب الشعب الفلسطيني ، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني . وهي تنظيمات لا فاعلية لها سوى إصدار البيانات التي غالبا ما تخدم مصالح ورؤى إقليمية ضمن الصراع العربي- العربي .والكل يعرف خاصة الفلسطينيون أن هذه التنظيمات – عدا حماس – هي مجرد ديكورات انترنتية وبيانات خطابية مع احترامنا لبعض الشخصيات فيها. فالشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع يعرف أنه لا وجود لها في صفوفه ولا فعاليات سوى البيانات التي يقرأها في صفحات الانترنت فقط . وهذا يعني بصراحة مطلقة أن توتر العلاقات بين القاهرة ودمشق أحد أسباب تأجيل حماس للتوقيع على ورقة المصالحة الفلسطينية ، فحماس لا تجرؤ قيادتها في دمشق على التوقيع دون أخذ الموافقة السورية .  وهذه الموافقة مرهونة بتحسن العلاقات السورية المصرية ، وهو وضع يكاد يشبه مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية الذي ينتظر المجهول منذ عدة شهور . خاصة أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم سبق له – كما أشار تقرير لإيلاف يوم السابع عشر من أكتوبر- أن قال في أحد الاجتماعات الطارئة بان " الوسيط المصري يتعين عليه أن يقف في الحوار بين حركتي فتح وحماس على مسافة واحدة من الطرفين " ، ملمحا إلى تأييد مصر لحركة فتح ، وردت القاهرة في بيان رسمي أكدت فيه " أن منطق الأمور والعديد من المواقف والتصرفات والحقائق المعروفة ، تقتضي أن توجه هذه الدعوة إلى سوريا ذاتها " ، مشيرا لدعم سوريا لحركة حماس .
وعودة لتقرير جولدستون ،
فأيا كانت تطورات آليات تنفيذه التي توقعت سابقا بعضها ، ففي أحسن الأحوال سيضاف للعديد من القرارات الدولية للحفظ  في أرشيف الأمم المتحدة ، فهو لن يكون أحسن حظا من القرار رقم 194 الخاص بحق العودة ، وقرار 242 الخاص بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 .  وسنكتشف بعد أن راحت سكرة الشتائم ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس والاتهامات المتبادلة بين السلطة وحماس ، وجاءت فكرة التدقيق في الواقع ، كم أهدرت القيادات الفلسطينية من الوقت في الشتائم والاتهامات المتبادلة والانقسامات والانشقاقات المستمرة ، وهذا ما يفسر أنهم لم يحققوا على الأرض ما يستحقه شعبهم الفلسطيني ....وتبقى الحكمة الصينية هي الأساس ( التاريخ يكتبه الأقوياء ).
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com



288
إعدامات عرب الأحواز و بهنود شجاعي :
جرائم تستحق الشجب


أحمد أبو مطر

سواء كنت من محبي النظام الإيراني أو من معارضيه وكارهيه ، فإن بعض أعماله لا علاقة لها بالنظرة الشخصية للنظام ، بل بالنظرة الأخلاقية لمعايير الحياة الإنسانية التي شوهتها ممارسات هذا النظام الذي يقدم نفسه أنه يحكم باسم الإسلام ، ويعلن عن تصدير تجربته هذه أينما يستطيع استنادا لمبدأ ( تصدير الثورة ) الذي أعلنه الخميني عقب وصوله للسلطة عام 1979 . والمخزي في هذه الممارسات أنها تمارس ضد أبناء الشعب الإيراني الفرس وغيرهم من القوميات الأخرى خاصة ( عرب الأحواز ) الذين يحتل النظام الإيراني وطنهم وأرضهم العربية منذ عام 1925 أي قبل احتلال فلسطين ب 23 عاما . من أبشع هذه الممارسات للنظام الإيراني تلك الإعدامات العشوائية غالبا لمعارضيه ومنتقديه وأحيانا ضد أطفال يتم احتجازهم في السجون لحين بلوغ سجن الرشد ، ثم يقتادون لحبل المشنقة كما حدث مع :

بهنود شجاعي

أليس مدعاة للاستهجان والاستنكار المحلي والعالمي حادثة إعدام الشاب الإيراني " بهنود شجاعي " يوم الحادي عشر من أكتوبر 2009 وعمره 21 عاما ، بينما هو في السجن منذ عام 2004 أي وعمره 17 عاما ، وظلّ سجانوه المجرمون يحتجزونه حتى يوم إعدامه . وكافة القوانين البشرية الدولية تعامل القصر ضمن ظروف خاصة أيا كانت الحوادث التي ارتكبوها ، خاصة إرسالهم للمؤسسات الإصلاحيةالتي تتولى تعليمهم وإصلاح ما طرأ على سلوكهم من انحراف أو خطأ ، ولا أعتقد أن هناك نظاما منذ العصور الحجرية وحتى اليوم يحتجز القصر لحين إعدامهم غير نظام الملالي فيما يسمى ( الجمهورية الإسلامية في إيران ). لذلك كانت الإدانات لهذه الجريمة البشعة من غالبية دول العالم خاصة رئاسة الاتحاد الأوربي التي أعلنت ضمن إدانتها ( تجدد معارضتها منذ فترة طويلة لعقوبة الإعدام في جميع الظروف ، تؤكد أنّ أي خطأ أو فشل في تحقيق العدالة في تطبيق عقوبة الإعدام يمثل خسارة لا يمكن تعويضها ولا رجعة فيه للحياة البشرية . إنّ رئاسة الاتحاد الأوربي تواصل دعوتها للسلطات الإيرانية إلى إلغاء عقوبة الإعدام بشكل نهائي ).

والمثير للفزع في تصرفات هذا النظام أنه أصرّ على إعدام الشاب بهنود شجاعي رغم عشرات المناشدات المحلية والدولية ، وقد تم تنفيذ الإعدام الوحشي أمام أعين تجمهر مئات من المواطنين الإيرانيين بمن فيهم أمهات شهداء ومعتقلين خلال المظاهرات الأخيرة ، حيث تجمعوا أمام سجن " ايفين " الرهيب منذ منتصف الليل للحيلولة دون إعدامه ، ورغم ذلك أصرّ نظام الملالي على تنفيذ الإعدام أمام أعين المتظاهرين والمحتجين الإيرانيين . لذلك وكما وصفت السيدة مريم رجوي زعيمة المعارضة الإيرانية : ( إن تنفيذ حكم الإعدام الوحشي بحق بهنود شجاعي الشاب البالغ من العمر 21 عاما والذي كان عمره أثناء الاعتقال دون 17 عاما ، وغداة اليوم العالمي لمناهضة الإعدام بأنه جريمة وحشية وهمجية نفذها نظام الولي الفقيه ) . وتحذر السيدة مريم رجوي من ( أنّ المفاوضات ومنح التنازلات لهذا النظام الذي يعتبر وصمة عار على جبين الإنسانية المعاصرة أمر غير مقبول اطلاقا، وسيعتبره الملالي الحاكمون في إيران ضوءا أخضر لمواصلة القتل وإراقة مزيد من الدماء في إيران ).

الإعدامات في صفوف عرب الأحواز المحتلة

وضمن نفس الممارسات الوحشية لنظام الملالي لا تتوقف الإعدامات الوحشية في صفوف عرب الأحواز المحتلة منذ عام 1925 ، خاصة في وسط المناضلين المقاومين لهذا الاحتلال البشع الذي يحرم المواطنين الأحوازيين العرب من استعمال لغتهم العربية،  وهو  الحق الإنساني الذي سمحت به دولة إسرائيل منذ عام 1948 للفلسطينيين العرب الذين بقوا في أرضهم ووطنهم . وغير ذلك قامت سلطات الاحتلال الإيراني بتغيير الأسماء العربية لكافة القرى والمدن والأماكن ، وعلى سبيل المثال : المحمرة أصبحت خرمشهر ، والفلاحية أصبحت شادكان، والخفاجية تحولت إلى سوسنكرد ، وعبادان صارت آبادان ، هذا فضلا عن فرض اللغة الفارسية إجباريا على العرب وغيرهم من القوميات .

وبالنسبة لموجة الإعدامات التي لم تتوقف فقد كان آخرها بداية أكتوبر الحالي ، حيث صدرت أحكام إعدام على سبعة عرب أحوازيين كانوا في السجون من عام 2007 ، وقد كشف المركز الأحوازي للإعلام عن أسمائهم : علي الساعدي 25 عاما، وليد نيسي 23 عاما ، ماجد فرادي بور 26 عاما ، ودعير مهاوي 50 عاما، ونجله ماهر مهاوي 21 عاما، و أحمد ساعدي 28 عاما . وهولاء المعدومون السبعة من عرب الأحواز هم آخر دفعة من إعدامات متواصلة منذ عام 1979 عند وصول الملالي للحكم ، ولن تكون الأخيرة طالما هناك رفض ومقاومة للاحتلال الإيراني الذي يقمع ويصادر حريات كافة القوميات بما فيها الفارسية .

ابنة مستشار للملالي تطلب اللجوء

من يصدق أن هذا القمع من قبل نظام الملالي يجعل حتى أبناء المتنفذين يهربون من وطنهم طالبين اللجوء في الدول الأوربية والأمريكية ؟. من يصدق ما تناقلته وكالات الأنباء الأسابيع القليلة الماضية من أن (نرجس كهلور ) ابنة مهدي كهلور أحد مستشاري الرئيس الإيرني أحمدي نجاد ، وصلت إلى ألمانيا وطلبت حق اللجوء فيها ، وهي سينمائية سبق أن أخرجت فيلما ينتقد ممارسات النظام الإيراني . وكما نقل راديو سوا : فهذه الفتاة البالغة من العمر 25 عاما، أعلنت أنها تخشى من العودة لإيران كي لا تتعرض للمشاكل ، خاصة أنها عرضت في مهرجان للفيلم في مدينة نورمبيرج فيلما استغرق عشرة دقائق ، استوحت فكرته من رواية الكاتب التشيكي "فرانز كافكا " المسماة " مستوطنة العقاب " للتعبير عن التعذيب الذي يمارس في سجون الملالي .
فإذا كانت ابنة مستشار من مستشاري الرئيس الإيراني ، لم تتحمل السكوت على القمع والسجون ومصادرة الحريات داخل سجن الملالي الذي اسمه ( الجمهورية الإسلامية ) ، فلنا أن نتخيل حجم عذاب ومعاناة المواطنين الإيرانيين من كافة الأعراق والقوميات . ورغم كل هذا هناك من العرب من ينظّر لهذا النظام ويريد استيراده لبلادنا  وكأنه لا يكفينا ما نحن فيه ، خاصة أن خطورة هذا النظام أنه يحكم باسم الإسلام ، أي من المحرمات مناهضته والنضال ضده .
ورغم ذلك تبقى هذه الجرائم موضوعا للإدانة أينما ارتكبت ومن أي نظام ، أيا كانت هويته واسمه وصفته...والله المستعان !!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com



289
هل يستحق الرفيق أوباما جائزة نوبل للسلام ؟
ومتى الرئيسان محمود عباس و خالد مشعل؟

د.أحمد أبو مطر

ينطبق على ألفرد نوبل صاحب جائزة السلام السنوية منذ عام 1901 شعار ( من صناعة الموت إلى صناعة الحياة ) ، فقد نشأ ( ألفرد ) منذ أن كان طفلا في عائلة تمتهن ( صناعة الموت ) ، فقد استقر والده (عمانويل ) في روسيا القيصرية عام 1838 حيث كان صاحب إختراع الألغام البحرية التي استخدمها الجيش الروسي ببراعة فائقة في مياه بحر البلطيق أثناء حرب القرم ( 1853 – 1856 ) ، ونتيجة اختراعه هذا تمكن الجيش القيصري من وقف الجيشين البريطاني والفرنسي مما أهله لنيل وسام الامبراطور الذهبي من القيصر الروسي. عاد الأب والإبن ( ألفرد ) إلى مسقط رأسهما العاصمة السويدية ( استوكهولم ) عام 1862 ، ليواصلا معا ( صناعة الموت ) حيث تمكنا من إنشاء مصنع لسائل النيتروجليسرين شديد الانفجار ، وكان أول ضحايا صناعة الموت هذه شقيقه ( إميل ) ومجموعة من العمال إثر انفجار هائل دمّر المصنع عام 1864 . ورغم ذلك استمر الشقيق ( ألفرد ) في تطوير صناعة الموت حتى تمكن من اختراع وصناعة ( الديناميت ) عام 1866 ، حيث انتشر استعماله في كافة دول العالم في البناء والمناجم والحروب أي في التعمير والتدمير في الوقت ذاته ، مما أهله لفتح مصانع لآلة الموت هذه فيما يزيد على عشرين دولة ، فدرّت أداة  الموت والدمار هذه للمخترع ( ألفرد نوبل ) ثروة مالية هائلة بمقاييس ذلك الزمان .
صحوة ضمير
ومع تقدم العمر بدأ ( ألفرد ) يفكر في نتائج صناعته هذه ، فإذا هي ( الموت...الموت...الموت ) ، وكنوع من إرضاء الضمير بعد جولات الموت هذه ، قرّر أن يسخّر تلك الثروة من صناعة الموت إلى تشجيع مبادرات الحياة من خلال الحث على السلام بين الشعوب ، فسخّر تلك الثروة لجائزة سنوية تمنحها الأكاديمية السويدية للعلوم  في ميدان الكيمياء والفيزياء ، وأن يختار معهد كارولينسكا السويدي الفائز في مجال الطب . وكانت جائزة ( نوبل للسلام ) مخصصة للبرلمان النرويجي الذي أسس لجنة تقوم سنويا باختيار الفائز بها ، سواء كان شخصا وحده أو بالتقاسم بين شخصيتين أو منظمة من المنظمات العاملة في مجال السلام وحقوق الإنسان .ولأن غالبية الشعوب قد عانت من صناعة الموت عبر الحروب ، وشوقها جميعا للأمن والسلام والتعايش السمح ، فقد اشتهرت من بين جوائز ألفرد نوبل جائزته السنوية للسلام التي تأسس لها في العاصمة النرويجية أوسلو معهدا خاصا هو ( معهد نوبل للسلام ) حيث تقوم لجنة منه باختيار الفائز بالجائزة سنويا ، وقد كان هذا الفائز لعام 2009 هو الرفيق المناضل الرئيس الأسود في البيت الأبيض باراك أوباما .

هل يستحق الرفيق أوباما هذه الجائزة ؟

من المهم التذكر أنه منذ عام 1901 أي حوالي 110 سنوات تم فيها منح الجائزة ، لم يحظ الاختيار في أية سنة على إجماع الكل، ففي كل سنة كانت هناك موافقة عالمية على الفائز بالجائزة وهناك معارضة على اعتبار أن هذا الفائز لا يستحقها ، وهذه مسألة طبيعية فلا يمكن وجود اتفاق جماعي عالمي على مسألة واحدة ، سواء من الحكومات أو المنظمات أو الأفراد . ونفس الخلاف بين التأييد والمعارضة واجه قرار اللجنة النرويجية بمنح جائزة نوبل للسلام لعام 2009 للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي لم يكمل بعد عاما واحدة من رئاسته للقوة الأمريكية الوحيدة في العالم . والخلاف ليس في العواصم البعيدة عن ( أوسلو ) فقط  بل وصل للعاصمة النرويجية ذاتها ، ولكن ليس بسبب الجائزة وحدها ولكن لأن رئيس اللجنة رئيس الوزراء النرويجي السابق ( ثورنبيورن ياجلاند ) كان قد انتخب الشهر الماضي رئيسا لمجلس أوربا في ستراسبورغ ، وهما مهمتان ترفض بعض الأصوات النرويجية أن يتسلمها ياغلاند في نفس الوقت ، بدليل أن زعيمة حزب التقدم النرويجي المعارض ( سيف جنسن ) طالبته بالاستقالة كي يتجنب تحمل مسؤوليتين كبيرتين في الوقت ذاته، وكذلك لحزب المحافظين النرويجي نفس الموقف .

أما الرفيق ميدييف ،

الرئيس الروسي ورغم ما بين رئيسي أقوى قوتين في العالم من احتقان ومشاكل وصراعات ، إلا أنه وافق على اختيار الرئيس أوباما للجائزة ، وكان من السباقين لتهنئته معتبرا ( أنّ قرار لجنة نوبل يدل على رؤية واقعية لديناميات التنمية العالمية ...ويأمل أن يكون القرار تشجيعا اضافيا للانضمام إلى الجهود من أجل توفير مناخ جيد في العلاقات الدولية وترويج مبادرات لها أهمية اساسية للأمن الشامل ).

وأيضا الرفيق كاسترو ،

الذي تناصبه الولايات المتحدة الأمريكية العداء والمقاطعة منذ حوالي نصف قرن ، فقد عبر عن تثمينه لقرار اللجنة النرويجية  الايجابي، لأن القرار من وجهة نظره ( أمر ايجابي يرمي إلى انتقاد سياسة الإبادة التي اتبعها عدد من أسلافه ) ، رغم أن هذه الرؤية للقرار لم تكن واردة في أذهان أعضاء اللجنة ، إذ عبر رئيسها ( ياجلاند ) عن هذه الرؤية بقوله : " أريد القول أيضا أنه كان يمكن أن يحصل عليها بعد فوات الأوان . هل يستطيع أحد أن يدلني على من أنجز أكثر منه هذه السنة ؟ من الصعب اختيار فائز بجائزة نوبل للسلام أقرب من أوباما إلى وصية الفرد نوبل ".

أما أنا كمواطن نرويجي

من أصول بدوية سبعاوية قريبة من أصول الفايكنج الاسكيندينافيين ، فأرى أن الرفيق الرئيس المناضل (باراك أوباما ) يستحق هذه الجائزة بامتياز وعن جدارة للأسباب والحيثيات التالية :

أولا: تأييدا لأطروحات وحيثيات الرفيقين ديمتري ميدييف الرئيس الروسي والرفيق المناضل العالمي فيدل كاسترو الرئيس الكوبي لمدة نصف قرن ، فلا أعتقد أنّ هناك من يشك في وطنيتهما ونضالهما ، لذلك فتأييدي لمنح الرئيس أوباما الجائزة نابعة من قناعة هذين المناضلين العالميين ( ميدييف و كاسترو ) ودعما لقناعتهما هذه .

ثانيا : دعما لتوجه التعايش السلمي بين الشعوب الذي يصرّ عليه الرئيس اوباما خاصة مع العالمين العربي والإسلامي الذي عبّر عنه بوضوح وجرأة في خطابه بجامعة القاهرة في الرابع من يونيو 2009 ، إذ رفض وأزال الصورة النمطية السيئة المفروضة على العرب والمسلمين ، وبعد ذلك الخطاب يستمر في تعزيز رؤيته هذه في كل مناسبة ، وكانت آخر خطواته هي تعيينه للسيدة المسلمة المصرية الأمريكية المحجبة " داليا مجاهد " في مجلس أوباما الاستشاري حول الشراكات التي تعتمد على الأديان والحوار...فمن كان غير أوباما يجرؤ على هذه الخطوة؟

ثالثا :محاولاته المستمرة لوقف المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ودعم مسيرة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، رغم عدم تحقق أي نتيجة ملحوظة على الأرض حتى الآن ، وهذا يطرح تساؤلا : هل تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أيا كان رئيسها أن تفرض وجهة النظر الفلسطينية والعربية على الجانب الإسرائيلي ؟ . ومن تداعيات هذا التساؤل : لماذا لا تستطيع 22 دولة عربية عدد سكانها 350 مليونا ، و 44 دولة إسلامية عدد سكانها أكثر من مليار نسمة أن يفرضوا الرؤية الفلسطينية والعربية على الدولة الإسرائيلية ؟. لذلك نأمل أن يتمكن الرئيس أوباما من تحقيق أمل ما من محاولاته المستمرة هذه .

رابعا : سعيه الدؤوب لإزالة أي عودة للحرب الباردة بين القوتين الأكبر في العالم الأمريكية والروسية ، وربما كان هذا من دوافع الرئيس الروسي ميدييف لتهنئة الرئيس أوباما ، واعتباره قرار لجنة نوبل ( رؤية واقعية لديناميات التنمية العالمية ) ، هذه التمية التي تحتاجها غالبية دول العالم الثالث وغيرها.

من وجهة نظري المتواضعة ، أعتبر هذه مبررات كافية لمنح الرفيق الرئيس المناضل باراك أوباما جائزة نوبل لعام 2009 ، وقد كان في مستوى هذه الجائزة بتواضعه عندما أعلن أنه لا يستحق هذه الجائزة وهناك من هم أجدر منه ، وتبرعة بقيمتها المالية للأعمال والجمعيات الخيرية في العالم.

أما الرئيسان محمود عباس و خالد مشعل ،

فسوف أجمع التأييد الكافي لترشيحهما لجائزة نوبل للسلام للعام القادم 2010 ، إذ تمكنا من الآن وحتى أكتوبر عام 2010 من تحقيق السلام بين إمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله ، بشرط أن يتضمن هذا السلام عودة الوحدة الوطنية الفلسطينية كاملة ، بقيادة واحدة معترف بها من الطرفين ، وانتخاب مجلس تشريعي واحد ورئيس واحد ، ووقف عمليات الاعتقالات والتطهير التنظيمي المتبادل ، وتوحيد كافة الأجهزة الأمنية ، أي إنهاء كافة  مظاهر الانقسام والحرب الحالية بين الإمارة والدويلة ، وهو ما يتمناه الشعب الفلسطيني في الداخل والمهجر ، وكذلك أصدقاء الشعب الفلسطيني في كافة الدول الذين سيدعمون ترشيحي للرئيسين عباس ومشعل لجائزة العام 2010 ، وكلها عدة شهور لنرى هل يتم ترشيحهما أم لا ؟!!!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

 


290
هل كان ينقص الانقسام الفلسطيني خطيئة جولدستون؟
د.أحمد أبو مطر
زاد من عزيمتي على الاستمرار في الكتابة معبرا عن قناعاتي ، غالبية التعليقات على مقالتي الأخيرة ( قراء مناضلون و كتاب عملاء ) ، حيث رفضت تلك التعليقات أسلوب السباب والشتائم منحازة للنقاش المنطقي الذي يحاجج الكاتب ويرد على أطروحاته بحقائق مغايرة تنقض ما قاله ، وأكثر من تعليق سألني : لماذا لم تكتب عن موقف السلطة الفلسطينية من تقرير جولد ستون ، وبعض الزملاء في تعليقاتهم كانوا يدّعون أن لهم القدرة على اختراق النوايا وقراءة ما في قلب وعقل الكاتب رغم أن هذا من قدرات الله تعالى فقط ، فالسيد عبد الباسط البيك في تعليقه رقم ( 9 ) كتب يقول :
( كنا ننتظر من الدكتور أبو مطر مقالا يعكس فيه رأيه حول طلب الرئيس المناضل محمود عباس تأجيل مناقشة تقرير جولدستون ، حتى نتمكن من تثبيت تصنيف الدكتور في المكانة التي تتلاءم مع فكره، لكنه قفز في الهواء ليتجنب الحرج الذي يتلقاه كل من دافع عن السلطة ورئيسها ).
وأنا أتوجه للجميع بالسؤال : هل هذا التعليق يبتعد عن أسلوب المناكفة للمناكفة فقط ؟ لأن السيد البيك كما قلت طرح نفسه على أنه يقرأ خفايا القلوب والضمائر ، ثم أنه يطرح نفسه الحكم الشرعي الوحيد في تصنيف الكتاب وإعطائهم صفة ( المناضلين ) أم ( العملاء ) ، ولا أعتقد أن الزميل صاحب التعليق يقبل هذا من أحد إذا كان التصنيف سيطاله ، لأنه من المؤكد أن هناك نسبة توافق على تعليقاته ونسبة ترفضها ، فهل يقبل تصنيف الرافضين له؟.  إذن يبقى الحل الوحيد هو محاججة الفكرة المكتوبة بما ينقضها أو يؤيدها ، ضمن مقولة ( الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس ). أما مطالبة الكاتب أن يكتب عن كل فكرة يريدها القراء فلن يكون باستطاعته ذلك ، لأنه في نفس وقت هذا الطلب من السيد البيك أن أكتب عن تقرير جولد ستون ، أرسل لي أحد القراء يطلب رأيي في منح جائزة نوبل للسلام للرئيس الأمريكي أوباما بحكم أنني مقيم في النرويج ، وربما أعرف ما يدور في كواليس لجنة نوبل. فطلب من ألبي أولا ؟
خطيئة وقف تقرير جولدستون ؟
في البداية وليكن واضحا للجميع أنني ضد وقف التقرير من المناقشة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جينيف، أيا كانت آلية اتخاذ هذا القرار ، وأيا كان الشخص الذي اتخذ هذا القرار ، رغم أن المسؤولية أولا وأخيرا تقع على مسؤولية الرئيس محمود عباس ، لأن السفير ابراهيم خريشة مندوب فلسطين لا يستطيع ولا يجرؤ على اتخاذ هذا القرار الخطير بدون طلب رسمي من الرئيس عباس نفسه، وهذا ما أكده السفير خريشة ، موضحا أنه حصل على طلب الرئيس عباس خطيا وموقعا من الرئيس عبر الفاكس . لذلك فالمسؤولية أيا كانت نتائجها فهي تقع على عاتق الرئيس عباس وحده دون مشاركة أحد من مساعديه  وإن كان موقفهم وراء الكواليس مؤيد لقراره . وبعد هذا التوضيح الواضح الصريح لموقفي حيث يتأكد أنه ليس في فمي ماء كما تنبأ قارىء القلوب والنيات عبد الباسط البيك ، ورغم كل هذا الهياج والصراخ والتخوين وطلب رأس عباس وسحب الجنسية الفلسطينية منه، ورمي صوره بالأحذيه من الزيديين ( نسبة للرائد المقدام البطل منتظر الزيدي ) الفلسطينييين والعرب ، إذ لا أعتقد أنه قد كتب ضد ميناحم بيجن أو جولدا مائير أو بينيامين نيتينياهو ربع ما كتب ضد الرئيس عباس ، رغم كل ذلك  أملك الجرأة للجوء لتحكيم العقل ، كي أطرح بعض الملاحظات حول ما قبل التقرير وما بعده ، لنكتشف أنه رغم إدانتي وإدانة الغالبية لوقف القرار إلا أن هناك من الأمور ما تم تغييبها وسط هذا الهياج والصراخ والتخوين .
موقف حماس المسبق من القاضي جولدستون
من المهم أن نتذكر موقف قيادة حماس الرسمي المعلن من القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد جولدستون فور تكليفه بالمهمة ، وقبل أن يبدأ سفره للمنطقة مع بعثة تقصي الحقائق المرافقة له ، إذ مجرد التكليف للقاضي جولد ستون كان مرفوضا من حماس وبشكل صريح وحاسم ، فلنتذكر التصريحات التالية لقادة حماس والناطقين باسمها :
أيمن طه
القيادي في حركة حماس ، رفض تعيين جولدستون لرئاسة لجنة تقصي الحقائق ، وعبر عن استيائه وحركته لأنه حسب رأيه ( إن هذه اللجنة ستكون منحازة لإسرائيل لأن رئيسها يهودي وسينحاز لا محالة للجانب الإسرائيلي ). هذا والقاضي جولد ستون من مواطني جنوب أفريقيا رغم ديانته اليهودية ، وينسى أيمن طه أن قريبا منه في داخل دولة إسرائيل عشرات الالاف من اليهود من يرفضون مصادرة حقوق الشعب الفلسطيني ويصرحون علنا ب ( دولتين مستقلتين لشعبين يعيشان في أمن وسلام ).
سامي أبو زهري
الناطق الرسمي الفضائي والأرضي باسم حركة حماس والنجم التلفزيوني المعروف ، صرّح قائلا : ( إن اللجنة التي شكلت لكتابة التقرير يقودها يهودي ، ولن تكون حيادية ولن نقبل بما سيصدر عنه ).

وفعلا بعد صدور التقرير رفضته حماس ،
إذ صرح اسماعيل رضوان القيادي المعروف في حركة حماس ( أنّ التقرير سياسي وغير متوازن وغير منصف وغير موضوعي ، لأنه ساوى بين الجلاد والضحية ، وهو تقرير يفتقد الجرأة والصراحة ). وكذلك القيادي الحمساوي فوزي برهوم صرّح قائلا : ( أقولها بصراحة وبكل وضوح أنّ من قرأ التقرير يعلم جيدا أن كاتبه اليهودي قد ساوى بين حماس وبين إسرائيل في تحمل المسؤولية عن الحرب الأخيرة ، حتى أن هذا اليهودي ساوى بين حماس و بين إسرائيل في أنّ كليهما ارتكبا جرائم حرب ).
لماذا تغير اللحن بعد وقف التقرير ؟
ما دامت هذه هي مواقف حركة حماس الرسمية فور تعيين القاضي ريتشارد جولدستون وعقب صدور تقريره ، فما الذي تغير عند وقف مناقشة التقرير لقيام هذه الهوجة واللطمية ضد الرئيس عباس ؟ وكيف أصبح القاضي اليهودي المنحاز حياديا شريفا ، و خائنا متواطىئا عميلا جاسوسا من أوقف مناقشة تقريره في مجلس حقوق الإنسان في جينيف ؟.
الجواب: إنها ليست رمانة بل قلوب مليانة!!
نعم إن السبب الحقيقي ليس الموقف من وقف مناقشة التقرير ، بل هي تصفية الحسابات الممتدة منذ سنوات بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية ، هذه الحسابات التي تضخم رصيدها بعد سيطرة حماس على القطاع ، وحدوث انقسام فلسطيني علني أوجد قيادتين في دويلتين كرتونيتين على الورق لايملكان من أمرهما وأمر الشعب الفلسطيني شيئا ، سوى الصراع على المناصب والكراسي والمال وأنفاق التهريب . وأعتقد أن حماس حسب تصريحاتها السابقة مسرورة لوقف التقرير من المناقشة كي لا يأخذ آليته المستمرة لملاحقة كل من أدانهم التقرير ،
ومنهم قيادة حماس التي أدانها التقرير
لأن ما يحاول الصراخ والهيجان والتخوين والضرب بالأحذية أن يتجاوزه أو لم يقرأه ، هو أن تقرير جولدستون يدين حركة حماس بنفس مستوى إدانته القيادة الإسرائيلية ، بل إدانته لقيادة حماس في بعض الفقرات أشد وأقوى ، فقد ورد في أحد بنود التقرير : " كانت البعثة قد حددت أن الصواريخ وإلى حد أقل مدافع الهاون التي أطلقتها المجموعات الفلسطينية هي غير قادرة على التوجه نحو أهداف عسكرية محددة، وقد أطلقت على مناطق يتجمع فيها سكان مدنيون ، وأكدت البعثة أن هذه الهجمات تشكل هجمات عشوائية على السكان المدنيين في جنوب إسرائيل وليس على أهداف عسكرية ، وأن هذه الأعمال من شأنها أن تشكل جرائم حرب ويمكن أن ترقى لمستوى جرائم ضد الإنسانية ). وحول جرائم حماس في قطاع غزة ضد شعبها الفلسطيني ، ورد في التقرير : " لقد قامت حماس في غزة بتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء وإحداث عاهات جسيمة واعتقالات تعسفية واحتجاز وسوء معاملة للناس وخاصة للمعارضين السياسيين ، وكل هذا يشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان....إن التقارير بخصوص التعذيب وغيره من اشكال سوء المعاملة أثناء الاعتقال والاحتجاز تتطلب التحقيق الفوري والمساءلة " .
التقرير كان سيجلب قيادة حماس أيضا للقضاء
لذلك فإن الاستمرار في مناقشة التقرير الآن أو استئناف مناقشته في المستقبل كما تطلب القيادة الفلسطينية بعد الضجة الحاصلة ، سوف يطال قيادة حركة حماس أيضا ، ويجلبها للمحاكم الدولية جنبا إلى جنب مع القيادات الإسرائيلية . وهذا ما يؤكد لماذا رفضته قيادة حماس فور صدوره واعتبرته غير منصف لأنه ساوى بين الضحية والجلاد ، في حين أن التقرير يعتبر قيادتي حماس وإسرائيل من الجلادين ، وهذا يعني أن الضجة المفتعلة من حماس تحديدا مجرد تفريغ للحقد والضغينة بينها وبين السلطة الفلسطينية ، أما هي في قرارة نفسها فمرتاحة وسعيدة لوقف التقرير ، كي لا تطالها المساءلة كما يطلب التقرير صراحة وعلنا...نعم إنها ليست الرمانة ولكنها القلوب المليانة حقدا وضغينة ، والخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني فقط لا غير.

أما السائلين عن جائزة نوبل
فأنا من مؤيدي منحها للرئيس الأسود في البيت الأبيض الرفيق المناضل باراك أوباما ( مع تذكر ان أصل إسمه "بركة" ) ، وفي الوقت نفسه لديّ حيثيات مفادها أهمية منحها للرئيسين خالد مشعل و محمود عباس إن تمكنا من تحقيق.............والبقية في المقالة القادمة المخصصة لجائزة نوبل .
ahmad64@hotmail.com

291
ترحيل الفلسطينيين واللبنانيين من دولة الإمارات:
حقيقة أم ضجة مفتعلة لأهداف خاصة بها ؟
د.أحمد أبو مطر
تواترت في الأسابيع القليلة الماضية أنباء متلاحقة عن إبعاد جماعي للفسطينيين من حملة وثائق السفر من دولة الإمارات العربية المتحدة ، وتحديدا من إمارة أبو ظبي ، ثم تلتها ضمن نفس السياق الأنباء الخاصة بترحيل لبنانيين من الطائفة الشيعية تحديدا ، تلا هذه الأخبار تصعيد في الساحة اللبنانية نجم عنه تشكيل لجنة متابعة لأوضاع هؤلاء المبعدين تراسها حسام عليان أحد هؤلاء المبعدين ، وما نشرته وسائل إعلام لبنانية من أن رئيس جهاز أمن مطار الرئيس رفيق الحريري العميد وفيق شقير المقرب من حزب الله ، قد تلقى تعليمات بحصر المسافرين الإماراتيين المترددين إلى بيروت ، فيما اشتكى بعض المواطنيين الإماراتيين من تعرضهم لمضايقات علنية في بعض شوارع العاصمة اللبنانية ، وصل بعضها حد إشهار السلاح في وجه أحد الإماراتيين وهو يستقل سيارة أجرة .
حقيقة أم ضجة مفتعلة؟
يجيب على هذا التساؤل الرصد الدقيق لبدايات الضخ الإعلامي في هذه القضية ومحاور هذا الضخ . إذ يلاحظ أن البداية كانت من خلال ما بثته وكالة الأنباء الإيرانية ( وكالة فارس ) ، إذ كانت بداية هذا البث نشرها خبرا يقول : " الدفعة الأولى من اللبنانيين أبعدت بعد الانتخابات اللبنانية التي جرت في لبنان في يونيو / حزيران ، وفازت فيها الموالاة المدعومة من الغرب ومن دول في الخليج الفارسي  " . من الواضح أن هدف الوكالة الإيرانية هو اللعب على العواطف لتمرير تسمية ( الخليج الفارسي ) الذي هو عند كل العرب ( الخليج العربي ) . والتناقض المفضوح هو ربط عمليات الإبعاد المزعومة بفوز الموالاة وخسارة المعارضة المدعومة إيرانيا ، فلماذا الانتقام من خلال الإبعاد طالما المعارضة قد خسرت ، وربحت الانتخابات الموالاة ( الأغلبية ) المدعومة من الغرب ودول في الخليج العربي حسب التسمية العربية وليس الفارسية !!. ثم دخلت على الخط جريدة السفير اليومية اللبنانية الموالية لحزب الله أيضا ، بربطها إبعاد بعض اللبنانيين بإبعاد بعض الفلسطينيين  ومحاولة دسّ السم في ثنايا الخبر من خلال تجيير المبعدين اللبنانيين المفترضين للون طائفي معين ( الشيعة ) ودمغ الفلسطينيين منهم  بصفة سياسية ( التنظيمات الإسلامية المعارضة للسلطة الفلسطينية ) ، و زايد على ذلك حسان عليان بإدعائه ( أن قرار الإبعاد يستهدف كل من يأتي من بيئة لها وجه مقاومة ) ، ومن الواضح أن هذا إدعاء يفتقر للموضوعية ، إذ يستطيع التمسح بلباس المقاومة كل فاشل أو مقصر تم إنهاء عقد عمله ، خاصة أن عمليات انهاء العقود تمارس كل يوم وفي ( بيئات المقاومة ) ذاتها ، إذ أن ما قام به حزب الله عقب اجتياحه لبيروت في تموز 2008 ، وما قامت به شقيقته ( حماس ) عقب انقلابها العسكري في يونيو 2007 ، ليس إنهاء لعقود بعض الموظفين بل هو إنهاء كامل لاستقرار الوطن والشعب . ومن الملاحظ هو استمرار بث ( وكالة فارس ) لأية أنباء تتعلق بالموضوع ونشرها في صفحاتها الأولى ، وكأنها أهم من المباحثات الإيرانية الأوربية المتعلقة بالملف النووي الإيراني ، مع التركيز على الانتماء المذهبي الشيعي للمبعدين ، و لأنه لا يوجد شيعة بين الفلسطينيين لذلك تم ضخ صفة ( المقاومة ) كي تشمل الفلسطيني واللبناني ، وكأنه ليس بين عشرات  ألاف الفلسطينيين واللبنانيين الذين ما زالوا يقيمون ويعملون في دولة الإمارات من يدعم المقاومة.
دخول حماس على الخط لمزيد من الضجيج
وعلى الفور دخلت حماس على خط الضخ الإعلامي لهذه القضية المبالغ فيها ، وعلى أعلى مستوياتها الحماسية ، فقد أعلن حسام أحمد مسؤول دائرة اللاجئين التابعة للحركة ، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية ( أن الفلسطينيين في دول الخليج خاصة دولة الإمارات يتعرضون بهدوء ودون ضجيج لفصل جديد من فصول مأسىتهم عبر طردهم وترحيلهم لدواع أمنية واهية ) . ومن المهم ملاحظة القصد من التشويش على سمعة دولة الإمارات بتخصيصه التصريح لوكالة الأنباء الألمانية ، وذكره لدول الخليج بدون أية صفة عربية أو فارسية  كي يرضي أسياده في النظام الإيراني ، واتهامه يطال كل دول الخليج العربي أي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان ، فهذه هي الدول التي تشكل ما يعرف باسم ( مجلس التعاون الخليجي ). واسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة قال إنه يطلب توضيحات لهذا الأمر . أما أمر ترحيل حكومة حماس لعشرات من العائلات الفتحاوية وزج المئات منهم في السجون أو هروبهم لدولة إسرائيل ، فهذا لا يستدعي توضيحات وأسئلة . هذا بينما اعترفت مصادر لبنانية وإماراتية بأن مجموع اللبنانيين الذين أنهيت عقودهم وتم إبعادهم لا يتجاوز عددهم الخمسين ، وأكد مصدر إماراتي بأنهم يرتبطون بنشاطات سياسية محظورة في دولة الإمارات .
فكيف أصبح اللبناني والفلسطيني مقدسين ،
من حقهما ممارسة ما يشاءون في الدول الأخرى دون أن تمارس هذه الدول حقها في ابعاد من يخل بأمنها ؟. نعم من حق دولة الإمارات العربية المتحدة وأية دولة أن تحمي بلادها من نشاطات تنظيمات خربت أوطانها خاصة في لبنان وقطاع غزة ، فمن لم يكن حريصا على بناء وطنه لن يكون حريصا على أوطان الآخرين . خاصة أن دولة الإمارات العربية المتحدة من حقها الافتخار بأمرين :
الأول: أنها لم تتدخل مطلقا في الملفات الداخلية لأي قطر عربي ، ورغم المحاور التي أوجدها الصراع في قطاع غزة ولبنان ، إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة ظلت مواقفها دوما حيادية تدعم الدولة والحكومة الشرعية في كل بلد ، غير ملتفة مطلقا لإقامة أية علاقة مع أي فريق من فرقاء الأزمة ، وبالتالي لم تطرح وساطتها لعدم وجود أية علاقات مع أولئك الفرقاء المتصارعين على السلطة والنفوذ وليس بناء الوطن وتعميره .
الثاني : إن المساعدات الإماراتية للحكومتين اللبنانية والفلسطينية لا يمكن لأي جحود أن ينكرها بما فيها المساعدات العسكرية للجيش اللبناني التي كان من بينها تسع طائرات مروحية من نوع "فوما " أسقط حزب الله واحدة منها وقتل قائدها اللبناني قبل شهور قليلة .
أما مساعدات دولة الإمارات للشعب الفلسطيني ،
فيكفي شهادات أبناء فلسطين ومسؤوليها :
الدكتور عكرمة صبري ،
رئيس الهيئة الإسلامية العليا في فلسطين وخطيب المسجد الأقصى ، أشاد بدور دولة الإمارات قائلا: ( إن الشعب الفلسطيني لم ير من القيادة الإماراتية سوى الخير والدعم والتأييد والمؤازرة في أوقات الشدة والمحن، فالمساعدات الإماراتية المادية والعينية لم تنقطع ولولاها لاشتدت على شعبنا ويلات الحصار الجائر . إن المدن والمدارس والمستشفيات والطرق والمرافق التي شيدتها دولة الإمارات في الضفة وقطاع غزة هي أبلغ حديث عن الموقف الايجابي لدعم القضية الفلسطينية ).
هشام السراج ،
مؤسس صندوق التكافل الاجتماعي الفلسطيني في أبو ظبي قال: ( إن دولة الإمارات تقف تاريخيا إلى جانب الشعب الفلسطيني وتساند قضيته العادلة ، ولها مواقف مشرفة في تخفيف معاناة أبناء شعبنا المحاصر في قطاع غزة . إن نشر مثل هذه الشائعات هدفه الحاق الضرر بالعلاقات الاماراتية الفلسطينية . إن قيادة الامارات الحكيمة لا يمكن أن تنساق وراء الاشاعات التي تأتي من طهران ).
خيري الدين العريدي ،
سفير فلسطين في دولة الإمارات العربية المتحدة أكدّ : ( أنّ الأخبار التي نشرت وتناولتها وكالات الأنباء والصحف عن طرد الفلسطينيين عارية عن الصحة تماما ولا أساس لها ) . ونفى الدكتور خيري العريدي ( أي استهداف متعمد للمعلمين الفلسطينيين وانهاء خدماتهم ، مؤكدا أنه جرى انهاء خدمات جنسيات أخرى أيضا بهدف التوطين واحلال الكوادر الاماراتية الشابة دون أبعاد أخرى ).
والعديد من الفعاليات الشعبية الفلسطينية ،
نفت وجود هذا الطرد المتعمد للفلسطينيين أيا كانت وظائفهم ، وأعلنت استنكارها لمحاولات بث الفرقة بين الشقيقين الاماراتي والفلسطيني ، وما يروج له الاعلام الإيراني ومناصريه مجرد حملة ظالمة لا أساس لها من الصحة.
إذن ما هو الهدف من هذه الحملة
التي يقودها الإعلام الإيراني ومواليه في حزب الله اللبناني وحماس الفلسطينية ؟. هل هي للتغطية على فضيحة افلاس رجل الأعمال اللبناني عز الدين اسماعيل المقرب والموجه من حزب الله ؟ وذلك لأن كافة الشواهد ومواقف حزب الله من القضية والرجل ، تؤكد ضلوع الحزب في هذه الاستثمارات ، وستكون أم الفضائح صفقة الماس التي يقال أن عز الدين اسماعيل وقع ضحية صفقتها الخاسرة ، وأن الدولة الإسرائيلية كانت وراء تلك الصفقة...فلننتظر ! إن غدا لناظره قريب .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com



292
شمالي ، جنوبي ، حوثي : العنف لن يوقف القتال
د.أحمد أبو مطر
يتواصل القتال المسلح بعنف بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في محافظة صعدة وجوارها ، حيث يسقط بشكل شبه يومي العشرات من القتلى والجرحى خاصة في صفوف التمرد الحوثي المسلح ومن حولهم من المدنيين ، ويبدو أن هذا القتال مفتوح الأبواب إلى أمد طويل ، خاصة بعد تصريح الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أن القتال سوف يستمر إلى أن يرضخ المتمردون الحوثيون لشروط وقف النار التي أعلنتها حكومة الرئيس . والملاحظ  هو أن هذه الشروط الستة من الأمور البديهية لتثبيت سيادة أية دولة ، إذ منها ما ينص على : ( الالتزام بوقف اطلاق النار وفتح الطرقات وإزالة الألغام والنزول من المرتفعات وإنهاء التمرد في المواقع وجوانب الطرق وإطلاق المحتجزين من المدنيين والعسكريين والانسحاب من المديريات وعدم التدخل في شؤون السلطة المحلية  والالتزام بالدستور والنظام والقانون ) . ورغم الموافقة المبدئية العامة لقيادة المتمردين ( أنهم على استعداد لوقف القتال ) إلا أنها وضعت شرطا مسبقا وهو ( إطلاق سراح السجناء منذ أربع سنوات ) . لذلك فالمعارك بين الجانبين ما زالت متواصلة بنفس الكثافة موقعة خسائر فادحة بين المدنيين تحديدا ، إذ وقع ثمانون قتيلا في قصف للقوات الحكومية يوم السابع عشر من سبتمبر 2009 ، استهدف تجمعا للاجئين في ( حرف سفيان ) شمال صنعاء . وعدم الإفراط في التفاؤل الخاص بموافقة الطرفين على وقف شامل ونهائي لاطلاق النار ، مرده أن هذه الجولة من القتال التي اندلعت يوم  الحادي عشر من أغسطس 2009 هي الجولة السادسة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين منذ عام 2004 .
تشابك مصالح متناقضة
ما يعقد أزمة التمرد العسكري الحوثي ليس قدرات المتمردين العسكرية ، فاندحارهم أمام القوات الحكومية لا يؤخره سوى أهم سلاح لديهم ، وهو وعورة المناطق الجبلية التي يتحصنون فيها ، مما يجعل آليات الحكومة من الصعب إن لم يكن من المستحيل اقتحامها لتلك المواقع وصولا لحسم عسكري سريع . يضاف إلى ذلك دخول أكثر من طرف على خط الأزمة نتيجة التقاء في الهدف وهو زعزعة الحكومة المركزية ونظام الرئيس علي عبد الله صالح ومنها :
الحراك المضاد في اليمن الجنوبي ،
 إذ ما يسترعي الانتباه هو أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح هو من وقع اتفاق وحدة اليمنين الشمالي والجنوبي في الثاني والعشرين من مايو 1990 مع الزعيم الجنوبي آنذاك علي سالم البيض ، الذي رغم توقيعه الوحدوي رفض أن يمارس صلاحياته من العاصمة صنعاء ، واستمر يتعامل وكأنه رئيس دولة مستقلة لم توقع اتفاقية وحدة بشكل طوعي  ، بدليل أنه كان من القيادة الجنوبية التي حاولت الانفصال مجددا في تموز 1994 عبر حرب دامية مع الجيش الشمالي الذي تمكن من هزيمة المطالبين بالانفصال ، وهروب علي سالم البض إلى سلطنة عمان المجاورة . ويعود علي سالم البيض للواجهة الإعلامية الآن من خلال دعمه أو تفهمه لتمرد الحوثيين ومطالبته بالانفصال عن اليمن الشمالي والعودة إلى ما كان قبل عام 1990 أي جمهوريتان يمنيتان الجمهورية العربية اليمنية في الشمال والجمهورية اليمنية الديمقراطية في الجنوب ، هذا رغم مرور تسعة عشر عاما على اتفاقية الوحدة وخمسة عشر عاما على الحرب التي حاولت الانفصال ومنيت بالهزيمة مرسخة نظام الرئيس علي عبد الله صالح على ( الجمهورية اليمنية ) منذ حوالي ثلاثين عاما ، تنتهي آخر ولاية له في عام 2013  ليس مستبعدا تمديدها بانتخابات معروفة النتائج سلفا . ويبدو أن السيل بلغ الزبى بالحراك السلمي الجنوبي للعودة للانفصال ، بدليل التهديدات العلنية لعلي سالم البيض من أن هذا التحرك السلمي ليس آخر المطاف ، نافيا ما يقال عن ( جيل الوحدة ) أي اليمنيين الذين ولدوا بعد عام  الوحدة 1990 ، لأن ( جيل الوحدة أكثر رفضا لها لأنه أصبح يعاني التمييز في الدراسة وفي الأعمال ، وعدم المساواة في المواطنة مع أهالي الشمال ). وقد وصل حد رفض استمرار الوحدة بالقوة إلى استعداد علي سالم البيض الديمقراطي الاشتراكي لتلقي الدعم من إيران الدولة ذات التوجه الديني ، معتبرا أن (حكومة علي عبد الله صالح تتصرف في الجنوب كقوة احتلال ) .
ما الفائدة من وحدة تقود لحرب أهلية ؟
صحيح أن الوحدة مطلوبة عربيا أكثر من التقسيم والانفصال والتشتت ، ولكن هل هذه وحدة التي تقود للحرب والموت والدمار الدائم ؟ لذلك من المهم أن يصغي الرئيس علي عبد الله صالح وحكومته وجيشه لمطالب اليمنيين الجنوبيين واليمنيين الحوثيين ، من خلفية وثقافة أن العدالة هي التي تحقق الوحدة الطوعية ، والظلم والتعسف ومصادرة حقوق الآخر يقود للتمرد والمطالبة بالانفصال ، والدعوة لقسمة يمنين لا نسمعها من علي سالم البيض فقط ، فهناك العديد من الأصدقاء اليمنيين العاديين الذين لا مصلحة لهم في الانفصال ولا التمرد العسكري ، يتحدثون بألم وحزن عن تهميش الجنوبيين ومصادرة أبسط حقوق المساواة لهم مع أبناء شعبهم الشماليين . وكذلك الحوثيون كطائفة زيدية أو شيعية أو أيا كانت خلفيتهم فمن حقهم المساواة والمحافظة على خصوصيتهم الثقافية والدينية ، مع عدم الركض وراء أوهام تروج لمحاولتهم إقامة دولة شيعية أو إعادة إمامة الزيدية ، فهذه أطروحات ما عادت تروج في أوساط الشعب اليمني ، ولن تقبل بها دول الجوار العربي والبعيد الأوربي والأمريكي .
إذن هي العدالة والمساواة فقط
التي تجعل انتماء المواطن لوطنه يغلب على أي انتماء عرقي أو مذهبي ، بدليل أنه تم توحيد ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية في عام 1991 بعد عام تقريبا من وحدة اليمنين ، فلماذا لا تشهد ألمانيا الموحدة حركات تمرد مسلحة أو دعوات للانفصال ؟. السبب أن الوحدة قادت لرفاهية أكثر للشعبين بدون أي تمييز أو استعلاء ، ومن المعروف أن ألمانيا الاتحادية ( الغربية آنذاك ) أنفقت عشرات المليارات من الدولارات لتطوير البنية التحتية في ألمانيا الشرقية لتصبح في مستوى مثيلتها في ألمانيا الغربية ، والارتقاء بمستوى المواطن الألماني في الشطر الشرقي ليصبح في مستوى مواطنه في الشطر الغربي ، بعد أن اصبحت هناك جمهورية ألمانية واحدة ومواطن ألماني فقط  لا شرقي ولا غربي.
لذلك فإن وقف التمرد الحوثي وانهاء المطالبة بانفصال الشطر الجنوبي مرهونان بقدرة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وحكومته وجيشه على إدراك معادلة المواطنة والمساواة ، عندئذ نستطيع تبين الخيط الابيض من الخيط الأسود في مواقف الحوثيين والجنوبيين ، إذ تلتقي مطالبهما عند المساواة وعدم التهميش ومستوى واحد لكافة المواطنين ايا كانت أعراقهم أو مذاهبهم . وبدون ذلك ستظل كافة الاحتمالات مفتوحة في اليمن ، خاصة ( الصوملة ) بمعنى قيام عدة حكومات في عدة أقاليم تتحارب على السلطة والنفوذ وليس مصلحة الوطن وتقدمه . كما أن اليمن بؤرة صالحة لوصول عناصر ومطاردي القاعدة والسلفيين لتتحول عندئذ إلى ملاذ آمن لانطلاق التطرف والإرهاب ، الذي عندئذ لن يسلم منه نظام الرئيس علي عبد الله صالح نفسه ، لذلك فخطوة البناء والتعمير وانطلاق مسيرة المساواة والعدالة  التي تنهي كافة هذه المظاهر الشاذة مطلوبة من الرئيس اليمني وحكومته ، كي لا يأتي يوم يمني نتذكر فيه المثل العربي القائل ( اكلت يوم أكل الثور الأبيض )!!!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


293
من هم الحيثيون وماذا يريدون ؟
د.أحمد أبو مطر
أأود أن أؤكد في البداية أنني لست من المعجبين أبدا بنظام الرئيس علي عبد الله صالح ، ولا المدافعين عنه لأسباب كثيرة منها ما يشترك فيه مع أنظمة جمهورية عربية عديدة ، وهو الاستمرار في الكرسي والسلطة  ( من المهد إلى اللحد ) رغم ديكور الانتخابات الشكلية التي تمدد لهولاء الرؤساء كل ثماني سنوات ، وما إن يهرموا حتى يكونوا قد أعدوا لخلافة أولادهم مغيرين الدستور على مقاس الابن الرئيس القادم ، كما حصل في الدستور السوري بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد ، وخلافة نجله الرئيس الحالي بشار الأسد ، وتغيير الدستور حسب حاجة النظام  ومصلحة رجاله يعني أنه لا وجود لدستور . وحسب معطيات الواقع العربي لن يكون توريث بشار الأسد هو الحالة الاستثناء في الحياة السياسية العربية ، والمستقبل الخاص بهذا السياق على الأبواب في أكثر من عاصمة عربية .
من هم الحيثيون ؟
من الصعب التعامل مع الظاهرة الحوثية اليمنية على أنها ذات بعد تاريخي مزمن خاصة من يحاول إعادة جذورها التاريخية لما عرف قبل الميلاد بالشعوب الحيثية من سكان ما يعرف اليوم باسم تركيا، تلك الشعوب التي بدأت السيطرة على أجزاء واسعة من المنطقة عام 1900 قبل الميلاد ، ويرى علماء التاريخ والحفريات أنهم شعوب أتت من أوربا أو آسيا الوسطى . أما الحيثيون في اليمن فغالبا مجرد قبيلة يمنية تسكن في منطقة صعدة الجبلية وما يجاورها ، حيث تعرف هذه الجبال بوعورتها وصعوبة ارتيادها والتجوال فيها . وتنسب هذه القبيلة نفسها للمذهب الزيدي الذي يربطه البعض بالمذهب الشيعي ، ويرفض هذا الربط البعض ويعتبرونه أقرب للمذهب السني ، ومن المعروف أن الإمامة الزيدية التي حكمت اليمن قرابة ألف عام (  897 – 1962 ) كان أئمتها ينتمون لهذا المذهب حتى الإطاحة بآخر إمام لهم ( الإمام أحمد بن يحيى ) في انقلاب عام 1962 ، حيث أعلن النظام الجمهوري الحالي ، ومن المعروف أن نظام الإمام أحمد بن يحيى كان من أكثر الأنظمة العربية فسادا وتخلفا وقمعا ، أدت الإطاحة به إلى حرب علنية بين مصر عبد الناصر والمملكة العربية السعودية على الأرض اليمنية ، استمرت حتى هزيمة العرب في حرب 1967 ، حصل بعدها اتافاق على وقف تلك الحرب العربية في اليمن وانسحاب الجيش المصري منها.
حسين الحوثي ووالده بدر الدين
التمرد العسكري الذي يقوم به الحوثيون في محافظة صعدة اليوم ليس جديدا ، فهناك محاولات مستمرة بنسبة من النسب منذ عام 2004 ، وما يلاحظ أن التمرد لم يفرز قيادة عشائرة أو طائفية ذات ثقل مذهبي تشكل كاريزما واضحة داخل الحوثيين أنفسهم ، على غرار قيادات أو زعامات دينية طائفية في أكثر من دولة عربية ، فلم يعرف عن ( حسين الحوثي ) ووالده ( بدر الدين ) أن كانا زعماء سياسيين أو مراجع دينية بين قبيلتهم ذاتها ، فهما مجرد زعيم قبيلة وابنه يديران معهدا أو مدرسة دينية يوجد المئات مثلها في عموم الأراضي اليمنية ، ولم يبرز اسم الولد ووالده إلا بعد تصعيد التمرد العسكري الأخير الذي أدى حتى الآن  إلى قتل ألاف من اليمنيين وتشريد ونزوح ما لا يقل عن مائتي ألف من بيوتهم ومناطق سكنهم ، تعتبر المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أوضاعهم أكثر من بائسة ومخيفة . لذلك فإن هذا التمرد يبقى أقرب إلى الانقلاب العسكري بمعنى لا خلفية فكرية أو مذهبية طائفية له ، بدليل أن قيادة المتمردين لم يسبق أن صدر عنها وثيقة توضح مطالبهم وخلفيتهم الإيدولوجية التي تجعلهم مختلفين أو متقدمين على النظام الحالي . وهذا التمرد العسكري أخطر جماهيريا من الانقلابات العسكرية التي كان ظاهرة عربية في خمسينات وستينات القرن الماضي ، لأن تلك الانقلابات كانت تنتهي بمجرد استيلاء ضابط من الجيش على الإذاعة والقصر الجمهوري ، دون إراقة دماء بمثل الغزارة اليمنية الحالية المستمرة منذ خمس سنوات .
لا مبرر ولا منطق
لذلك لا يمكن العثور على مبرر وطني ولا منطق أخلاقي ، يبرر هذا التمرد أيا كانت الملاحظات السلبية ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح  وهي كثيرة تكاد لا تحصى ، لأن أي ظلم أو فساد أو استبداد وقمع في أية دولة عربية ، إذا وافقنا على مواجهته بشكل من أشكال هذا التمرد العسكري ، فلك أن تتخيل عدد الحروب المحلية الداخلية التي ستشهدها الأقطار العربية ، التي هي متشرذمة ومتخلفة وفقيرة بدون هذه الحروب ، فكيف وأين سيصل التشرذم والتخلف والفقر عند اندلاع هذه التمردات العسكرية ، وما سيرافقها من قتل وتشريد ونزوح ودماء ؟. هذا بدليل أن الشعوب الحضارية الواعية أسقطت أكثر من نظام ديكتاتوري قمعي مستبد بانتفاضات جماهيرية سلمية لم تشهد إراقة نقطة دم واحدة ، كما حدث في رومانيا وجورجيا وغيرها ....فلماذا الشعوب العربية لديها خيار من خيارين مدمرين : السكوت والتصفيق والهتاف للطاغية ( بالروح بالدم نفديك ...) أو التمرد العسكري الذي لن ينتج بالاضافة للقتل والتشريد سوى طاغية جديد ؟.
هل هناك دور إيراني ؟
وكون هذا التمرد لم يطرح أجندة سياسية أو فكرية تنظيمية لعموم اليمن كبديل عن نظام الرئيس علي عبد الله صالح ، فهذا يعني أنه مجرد تحرك قبلي على نطاق ضيق ساعدته الظروف الجغرافية الخاصة بالمناطق الجبلية اليمنية ، واستمراره لمدة تزيد على خمس سنوات بهذا الأفق الفكري الضيق أو شبه المعدوم ، يطرح إمكانية التدخل الخارجي خاصة الإيراني ، وذلك حسب ما قاله الرئيس اليمني في لقائه مع فضائية الجزيرة  أن التمرد يتلقى دعما من جهات معينة في إيران ، بدليل العثور على خليتين يمنيتين اعترف أعضاؤها بتلقيهم أموالا من إيران . ويؤكد ذلك العرض الإيراني  بالوساطة بين الحكومة والمتمردين ، فلا وساطة بدون علاقة للوسيط بين الطرفين . وقد كان مستغربا الحديث عن علاقة التيار الصدري الشيعي في العراق بالتمرد الحوثي في اليمن ، لولا تصريحات الناطق الرسمي باسم التيار الصدري صلاح  العبيدي الذي اعترف بأن التيار الصدري عرض على الحكومة اليمنية الوساطة مع المتمردين الحوثيين ، وقال حرفيا " حاولنا التدخل بواسطة لانهاء الأزمة وفق الطرق الدبلوماسية الصحيحة عن طريق السفير اليمني في بيروت ". ويمكن ملاحظة الخطورة الكامنة في هذا التصريح من زاويتين :
الأولى : القول " وفق الطرق الدبلوماسية الصحيحة " ، ومن المعروف عربيا ودوليا أن الطرق الدبلوماسية الصحيحة لا تكون إلا بين دولتين ، وليس بين دولة ومتمردين عليها من أبناء شعبها ، وهذا ما يعني محاولة تقديم وتسويق التمرد الحوثي على أنه تيار يمني قوي يعبر عن غالبية الشعبي اليمني ، وكأنه دويلة داخل دولة تحتاج لوساطة خارجية .
الثانية : القول " عن طريق السفير اليمني في بيروت " ، لماذا بيروت وليس عاصمة عربية أخرى حيث السفارات اليمنية موجودة؟. هل تحديد السفارة اليمنية في بيروت يعني وجود علاقة ما لحزب الله بالموضوع ؟ هو مجرد تساؤل يعيد للأذهان دعوة السيد حسن نصر الله في منتصف سبتمبر 2009 لوقف إطلاق النار بين الحكومة والمتمردين ، وترحيب اليمن الرسمي بتلك الدعوة . وكان مما ورد في دعوة حسن نصر الله موجها حديثه للرئيس اليمني قوله: ( الله بأهلك وشعبك ولا دخل لي بالتفاصيل . ولكن لتبادر لوقف نزف الشعب وفتح الباب السياسي ولوقف اطلاق النار ). والسؤال : لماذا لم يشمل النداء مطالبة قيادة المتمردين أيضا لوقف اطلاق النار ووقف تمردهم ؟. إن اقتصار المناشدة على الرئيس اليمني يعني أن الحكومة اليمنية هي المسؤولة والمدانة فقط . والغريب هو استغلال القضية الفلسطينية دوما لتسويق وتمرير أية دعوات سياسية ، فدعوة حسن نصر الله هذه أطلقها في خطابه بمناسبة ما صار يعرف باسم ( يوم القدس ).
باختصار مفيد
هذا التمرد الحوثي مرفوض بكافة المقاييس الوطنية لأنه لن ينتج عنه سوى تمزيق الوطن وشرذمته ونزيف دماء لا يطال سوى أبرياء لا ناقة ولا جمل لهم في هكذا التمرد ، وستجد أن غالبيتهم ليسوا مع الحكومة ولا التمرد أيضا . وهذا الرفض لا يعني إبراء ساحة الحكومة اليمنية من ضرورة البدء باصلاحات داخلية تشمل كافة الأراضي اليمنية ، ليشعر الجميع أنهم في ( يمن واحد موحد ) ، وإلا كيف يمكن التغاضي عن التحركات السياسية والاجتماعية في ما كان يسمى ( اليمن الجنوبي ) التي تشكو منذ سنوات من سياسة التهميش والاضطهاد التي وصلت في الشهور الأخيرة حد المطالبة بالانفصال والعودة ليمنين ( الشمالي ) و ( الجنوبي ) ؟. هل هذه الدعوات من فراغ أم تعبيرا عن رفض سياسة التهميش والاضطهاد والقمع التي تجعل نصف شعب يحن لزمن الانفصال ؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

294
إخوان الأردن :
حمائم وصقور أم معتدلون ومزايدون ؟

د.أحمد أبو مطر
الخلافات الداخلية في صفوف جماعة الإخوان المسلمين في الأردن التي تتفاعل منذ سنوات ، ويتم تسويتها بطريقة ( تبويس اللحى )  أي دون حلول جذرية لمسائل الخلاف ، أفرزت تيارين أطلق عليهما ( الحمائم ) و ( الصقور ) ، وهي كما يلاحظ تسميات مشتقة من عالم الطيور على اعتبار أن ( الحمام ) طائر مسالم لا يعتدي على طائر آخر ، إلى حد أنه أصبح رمزا للسلام إذ يقال ( حمامة السلام ) ، بينما طائر الصقر معروف بالقسوة والاعتداء القاتل على كل من يقع تحت مرماه طائرا أم غير طائر . وإذا أردنا تبديل هذه الصفات لجماعة الإخوان المسلمين بصفات مشتقة من عالم البشر لقلنا:
معتدلون ومزايدون
وأساس ذلك أن الاعتدال هو  ما يعني النظر كحزب سياسي لأمور السياسة والمجتمع والاقتصاد نظرة عقلانية ، تراعي ظروف المجتمع وقدراته وإمكانياته لوضع الحلول واتخاذ القرارات المناسبة . أما المزايدة فهي تعني خاصة في الحياة السياسية الحزبية العربية إطلاق الشعارات الرنانة التي تدغدغ عواطف الجماهير التي لن تحاسب مطلقي هذه الشعارات ، إن كان بإمكانهم تطبيقها أم لا في حالة استلامهم السلطة وحكم البلاد والعباد ، وهي في الغالب شعارات براقة كاذبة مثل شعار ( يا أهلا بالمعارك...) والعرب ينهزمون في كل المعارك منذ تحرير شبه جزيرة إيبريا( اسبانيا والبرتغال ) الأندلس عربيا  عام 1492 م ،  أو شعار ( أمة عربية واحدة ) والمواطن العربي يحتاج إلى تأشيرة مسبقة لدخول غالبية الأقطار العربية ، بينما سبعة وعشرون دولة أوربية يتنقل مواطنيها ويقيمون ويعملون بدون الحاجة لإبراز جواز السفر  فالبطاقة الشخصية تكفي .
فيما يتعلق بواقع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ، من المهم التنبيه أولا أنها الجماعة الوحيدة في الأقطار العربية التي لها وجود رسمي علني مرخص به من وزارة الداخلية الأردنية ، ولها حزبها السياسي ( حزب جبهة العمل الإسلامي ) المعترف به من الدولة منذ إقرار التعددية السياسية في عام 1989 ، ويحصل حزبها كباقي الأحزاب على ميزانية سنوية من الدولة ، وإن نفى واحد منهم تلقي مثل هذه المساعدة نقول له: هذا قراركم ولكن القانون يمنح كل حزب سياسي مرخص رسميا ميزانية سنوية تكفي لدفع أجور مقراته في كافة مدن المملكة ، والعديد من الأحزاب المرخصة تحصل على هذه الميزانية وبعضها يطالب بزيادتها .
وفيما يتعلق بالمعتدلين والمزايدين في جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين وحزبهم ( جبهة العمل الإسلامي ) ، فهناك موضوعات يشترك فيها الفريقان ( المعتدلون والمزايدون ) في المزايدة ذاتها وهما :

أولا : الموقف من اتفاقية وادي عربة
وهي اتفاقية الصلح والسلام التي وقعت عام 1994 بين الأردن ودولة إسرائيل ، وأعقبها الاعتراف الدبلوماسي وتبادل السفراء ، ومن الملاحظ أن هذا التوقيع في زمن الراحل الملك حسين جاء بعد 16 عاما من توقيع أكبر دولة عربية وهي جمهورية مصر العربية اتفاقية كامب ديفيد مع دولة إسرائيل عام 1978 ، وعام بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو عام 1993 ، أي أن القيادة الأردنية لم تكن السباقة للعلاقات مع الدولة الإسرائيلية والاعتراف بها ، بل جاء موقفها هذا بعد توقيع أولي الأمر أي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني حسب قرار القمة العربية في الرباط عام  .
.1974 
ورغم أن هذه الاتفاقية أعادت كامل أراضي المملكة وضمنت استقلالها وسيادتها ، رغم اللبس والاختلاف في التفسير المتعلق بواقع منطقتي الباقورة والغمر الواقعتين داخل الحدود الأردنية ، إلا أنّ جماعة الإخوان المسلمين من معتدلين ومزايدين لا يقدمون البديل لإلغاء اتفاقية وادي عربة ، التي يعني إلغاؤها سحب التمثيل الدبلوماسي والسفراء بين الدولتين أي الدخول في حالة حرب علنية ، سيكون الأردن دوليا هو المسؤول عنها بسبب إلغائه الاتفاقية . هل يملك إخوان الأردن البديل لهذا الإلغاء ، وهل يملكون القدرة العسكرية والاقتصادية لمواجهة هذا التحدي ؟. ونتائج هذه الإجابة الصريحة هي التي تجعل جماعة الإخوان المسلمين المصرية لم تطالب مطلقا بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد رغم حديثهم المستمر عن عيوبها وسلبياتها ، بالعكس صرّح أكثر من مصدر إخواني مصري في أكثر من مناسبة ، أنّ الجماعة ستحافظ على كل الاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر في حالة استلامهم السلطة ، وكأن تأكيدهم هذا رسالة للمجتمع الدولي والدول العظمى وإسرائيل .
 إن هذا الرأي من طرفي ليس دفاعا عن اتفاقية وادي عربة وترويجا لها، ولكنه سؤال مشروع لكل مواطن أردني وعربي : ما البديل يا جماعة الإخوان الأردنيين ؟ وهل تملكون البديل العسكري والاقتصادي ؟. وفي السياق نفسه أتساءل : ما هو هدف سوريا ( عاصمة الممانعة العربية ) من اتصالاتها المباشرة وغير المباشرة عبر الوساطة التركية مع إسرائيل ؟ وكم مرة أعلن المسؤولون السوريون عن استعدادهم لتوقيع معاهدة صلح واعتراف دبلوماسي مع إسرائيل إن هي انسحبت من الجولان السوري المحتل ؟. وهذا هو الشرط الذي تحقق في اتفاقيتي كامب ديفيد و وادي عربة ، ومع ذلك لم يصدر أي بيان من جماعة الإخوان الإردنيين أو المصريين  يدين المحادثات السورية الإسرائيلية ، بالعكس قامت جماعة الإخوان المسلمين السوريين برئاسة صدر الدين البيانوني بالانسحاب من تجمعات المعارضة السورية المناوئة للنظام السوري ، ومدت يدها للعمل والتعاون مع النظام . فلماذا ما هو حلال عند جماعة الإخوان المسلمين السورية والمصرية حرام عند شقيقتهم الأردنية ؟. أليس كل هذه الجماعات تستقي من المصدر ذاته وهو التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ؟ وإلا لماذا التحريم والتحليل بالنسبة للموضوع ذاته بين جماعة وجماعة ؟ . إذن هو المزايدة الداخلية فقط حسب ظروف كل جماعة بدليل عدم تدخل الجماعات الأخرى والتنظيم الدولي لتصحيح هذه المزايدات على اعتبار أنّ ظروف هذه الجماعات تقتضي ذلك ، وإلا ماذا حصل من تغيير في سلوك وممارسات النظام السوري طوال الأربعين عاما الماضية ، كي يتناسى صدر الدين البيانوني كل معارك جماعته الإعلامية ضد النظام  ليطلب منه السماح والتنسيق والعمل المشترك ؟. لذلك لم يستجب النظام السوري لنداءات وتبويس الأيدي الذي أبداه البيانوني وجماعته ، لمعرفته بتقلب هذه الجماعات الإخوانية المسلمة اسما فقط ، وهي مستعدة لبيع كل شيء فقط من أجل استلام السلطة  ، وعندئذ سيظهر وجهها الحقيقي وممارساتها الفعلية كما حدث بعد استيلاء ابنتهم حماس على السلطة في قطاع غزة .

ثانيا : موضوع التطبيع مع دولة إسرائيل
وهو الموضوع الذي يخضع لمزايدات لا مثيل لها بدليل أنه لا يكاد يمر شهر دون سجال في الساحة الأردنية ، حول مسألة متعلقة بالموضوع ، وإلا ماذا ستعمل ( لجنة مقاومة التطبيع ) في ( مجمع النقابات المهنية ) الذي تسيطر عليه الجماعة؟. باختصار إن تطبيق أفكار اللجنة عن التطبيع وفهمها الضيق المتزمت لذلك ، لن ينتج عنه سوى مقاطعة شاملة للشعب الفلسطيني في داخل إسرائيل وفي القطاع والضفة .اي تطبيع مع دولة إسرائيل إذا سافر وفد صحفي أو فني أو موسيقى أو مسرحي لإقامة فعاليات في الضفة والقطاع ؟ وإلا لماذا وافقتم وصفقتكم لاختيار القدس عاصمة للثقافة العربية العام 2009 ؟ وإذا منعت إسرائيل إقامة أية فعاليات تحت هذا المسمى في القدس ذاتها ، فأي تطبيع عند السفر من الأردن أو أية عاصمة عربية للقطاع أو الضفة لإحياء فعاليات لهذه المناسبة حتى لو تمّ السفر عبر المعابر والبوابات الإسرائيلية ؟ باختصار إنها المزايدة التي لا ينتج عنها سوى مقاطعة الشعب الفلسطيني والمشاركة بشكل من الأشكال في حصاره .

المسائل الداخلية الإخوانية في الأردن
تبقى بعض المسائل الداخلية في الساحة الأردنية التي يفترق فيه الإخوان الأردنيون إلى  حمائم وصقور أو معتدلون ومزايدون . وقد تزايدت الخلافات الشهور القليلة الماضية بعد تسريب بعض المعتدلين للوثيقة الإخوانية التي علافت باسم ( التقرير السري للإخوان المسلمين الأردنييين ) . ومن الواضح أن هكذا تقرير سري للغاية ما كان يمكن الكشف عنه لولا تسريبه من قبل أحد أفراد القيادة الإخوانية ، مما يطرح تساؤلا مهما : لماذا التسريب وما هو الغرض منه ؟. أعتقد أن التسريب تمّ من قبل أحد القيادات المعتدلة التي ملّت مزايدات العناصر المزايدة ( الصقور ) الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ، ويعتاشون على تكرار أسطوانات مشروخة لشعارات غوغائية لا يستطيعون هم وتنظيمهم الديماغوجي تنفيذ وتطبيق واحد منها ، ورغم ذلك يستمرون في مزايداتهم هذه لأنها سلاحهم الوحيد عبر تصفيق الغوغائيين الجهلة الذين لا يدرسون الواقع الأردني وإمكانيات الأردن شعبا ووطنا وحكومة ، وفي الوقت ذاته يتطلعون ويناشدون الأردن أن يتولى مهمة تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وهضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية وربما لاحقا يضيفون لمطالبهم التحريرية إقليم الإسكندرونة والأحواز وسبتة ومليلة والجزر الإماراتية الثلاث على اعتبار أنها مسؤولية الأردن فقط  !!!.
استقالات..استقالات
ربما على هذه الخلفية كانت استقالة ( الدكتور رحيل الغرايبة وأحمد الكفاوين وممدوح المحيسن ) المحسوبين على تيار الحمائم ( المعتدلين ) ، وقد غابوا فعلا عن اجتماع المكتب التنفيذي الذي عقد يوم الاربعاء السادس عشر من سبتمبر 2009 ، ونتيجة غيابهم يعني حضور الصقور ( المزايدين ) فقط ، مما عنى عدم وجود معارضة لتوجهاتهم وأفكارهم ، لذلك وصف جميل أبو بكر الناطق الإعلامي باسم الجماعة  الاجتماع بأنه كان عاديا وهادئا وناقش موضوعات عادية ولم يصدر عنه أية قرارات ، وأنه لم يتم التطرق إلى موضوع حل الدائرة السياسية أو البحث في مضامينها ، وأنه لا نية لتقديم أعضاء المكتب التنفيذي لتقديم استقالاتهم لإعادة تشكيله بعد الاستقالات الأخيرة .
ومن المهم ذكره أن القيادات المستقيلة أصدرت بيانا عاما علنيا حمل توقيع أحمد الكفاوين ، قد حمّل بشدة غير مسبوقة على المراقب العام للجماعة ( همّام سعيد ) مستنكرا (  طريقته ومنهجيته في إدارة الجماعة التي أدت إلى تأزيم المواقف واتساع شقة الخلاف بين تيارات الجماعة وإضعاف دور الجماعة في الإصلاح والتغيير وتناقض دورها السياسي وعجز المراقب العام عن حل الخلاف وتوحيد صفوف الجماعة وردم الهوة بين المختلفين ) . وهذه الحملة على المراقب العام الجديد تذكر بالحملة ضد زكي بن ارشيد من قبله ، تلك الحملة التي أدت إلى تنحيه بطريقة أقرب إلى الطرد . إن هذه الجملة التي وردت في بيان القيادات الثلاثة المستقيلين تؤكد على طريقة ( وشهد شاهد من أهلها )  كل ما سبق أن قلناه عن مزايدات صقور هذه الجماعة ، واعتمادها أسلوب الشعارات الفارغة الذي يجعلها تهتم بإعصار كاترينا وأحداث الصومال ونظام برويز مشرف ، دون أن تتكبد العناء لوضع الحلول لبعض المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في الأردن ، واضاعة الوقت في المناكفات داخل البرلمان وخارجه .
حماس وخلافات إخوان الأردن
ورغم النفي المتكرر فإن حركة حماس الفلسطينية ليست بمنأى عن خلافات الإخوان في الأردن ، بسبب الازدواجية التي يمنعها القانون والدستور الأردني ، من زاوية أنه لا يجوز أن تكون مواطنا يحمل الجنسية الأردنية وفي الوقت ذاته عضوا أو قياديا في حركة حماس ، وهذا الوضع غير الدستوري ينطبق على العديد من كوادر وقيادات حماس ، وكان سبب أكثر من أزمة ومشكلة للحركة مع الحكومة الأردنية . واستمرار هذا التداخل بين جماعة إخوان الأردن وحركة حماس الفلسطينية ، هو خلفية الأنباء التي تحدثت عن طلب ( همام سعيد ) من خالد مشعل عدم التدخل في الخلافات الدائرة داخل الجماعة وبالتالي عدم استقبال وفد الحمائم المعتدلين عبد اللطيف عربيات و عبد الحميد القضاة . هذا رغم أن بعض المصادر تعتقد أن تحركات همام سعيد هذه مجرد زوبعة تقصد الايحاء بأنه لا دخل لحركة حماس في خلافات الإخوان ، رغم أن المطلعين على دواخل الإخوان ، يؤكدون أن حماس وازدواجية التنظيم بين الإخوان وحماس هي لبّ المشكلة ، مما جعل الصراع والخلافات تمتد إلى داخل تيار الصقور ( المزايدين ) أنفسهم .

إذن ما هو الحل يا إخوان ؟
أولا: إنهاء الازدواجية في العضوية والتنظيم ، بما يتطلب عدم جواز عضوية الفرد الواحد في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين الأردنية وحركة حماس الفلسطينية ، سواء كان الفرد عضوا عاديا أو كادرا متقدما أو قياديا ، فعليه أن يختار إما عضوية الجماعة أو الحركة . وإن كان مواطنا أردنيا واختار عضوية الحركة فعليه التنازل عن الجنسية الأردنية فورا بمحض اختياره ، لأن كافة دساتير الدول وقوانينها لا تسمح لمواطن دولة أن يكون عضوا في حزب في دولة أخرى ، بما فيها سوريا والعراق التي يحكمها نفس الحزب ( حزب اليعث العربي الاشتراكي ) ، كانت وما زالت لا تسمح للمواطن السوري أن يكون عضوا في حزب البعث العراقي ، ونفس القياس بالنسبة للمواطن العراقي رغم أنه حزب ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ). فلماذا تريدون من الأردن الرسمي والشعبي أن يقبل بما لا تقبل به كل دول العالم المستبدة والديمقراطية ؟.
ثانيا : حل كافة المكاتب الإدارية بحيث لا يصبح وجود لأية مكاتب إدارية في داخل ألأردن أو خارجه تمثل الإخوان والحركة في الوقت ذاته . وبعد ذلك يشكل إخوان الأردن ما يشاءون من مكاتب إدارية لتنظيمهم وحزبهم ( جبهة العمل الإسلامي ) داخل المحافظات الأردنية فقط ، حسب ما يجيزه القانون الأردني . أما حركة حماس فهي حرّة تشكل ما تريد من مكاتب إدارية في فلسطين أو اية دولة تسمح لها بذلك بشرط أن لا يكون من بين أعضاء تلك المكاتب أي مواطن يحمل جنسيات تلك الدول ، إلا إذا وافقت تلك الدول فهي المسؤولة عندئذ عن هذه الازدواجية .
ثالثا : عدم الارتباط بأي تنظيم إخواني خارج الأردن سواء تنظيم بلاد الشام أو التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ، والتحرك في كافة الميادين الأردنية كتنظيم أردني فقط ، و ( رحم الله إمرىء عرف قدر نفسه ) فهل إخوان الأردن سيكونون أقوى من حزب العمال البريطاني أو الحزب الجمهوري الأمريكي ، اللذين هما حزبين أمريكي وبريطاني فقط ، وليس لهما أية فروع او امتدادات أو تطلعات تنظيمية في أية دولة أخرى ، لذلك تركيزهم على داخل بلادهم مما يجعلهم ينتجون ويحققون ، بينما كافة فروع تنظيمات الإخوان المسلمين في كافة الأقطار العربية ، لم تحقق سوى نضال البيانات والخطابات أو الانشقاقات والتقاتل المحلي كما في قطاع غزة والعراق والصومال وأفغانستات وباكستان وغيرها.
رابعا : احترام قانون ودستور المملكة الأردنية الهاشمية ، والعمل من خلال ذلك كحزب سياسي مرخص داخل دولة كاملة السيادة وليس دويلة داخل دولة ، مما يتطلب شطب كافة التوصيفات ضد المملكة التي وردت في وثيقتهم السرية التي أصبحت علنية وفجرت الخلافات المذكورة ، وهي توصيفات وتشنيعات ضد المملكة كدولة وحكومة لو صدرت عن قيادة أي حزب في دولة ديمقراطية ، لأحيلت تلك القيادة للقضاء والمحاكم .
إن تمكن حمائم الإخوان ( المعتدلين ) من تحقيق هذه الأجندة الإصلاحية داخل جماعتهم ، سيجدوا قريبا حجم الإنجازات التي يمكن أن يحققوها داخل وطنهم الأردن  وحجم الشعبية الحقيقية التي سيحظون بها ، وليس شعبية الخطابات الفارغة الرنانة التي لا تحقق ثمن الورق والقماش الذي يعلق على جدران مجمع النقابات المهنية حاملا تلك الشعارات ....الصراع مستمر داخل جماعة الإخوان ، وربما يكون النصر لتيار الحمائم المعتدلين ، بدليل امتداد الخلاف إلى داخل تيار الصقور المزايدين...فلننتظر ونرى...والله المستعان!!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

295
يا أهلا بأبطال معارك الأحذية !!!
د.أحمد أبو مطر

يومان من حق المحتفلين بالبطولات والتضحيات العربية أن يضيفوهما للأعياد العربية ، ويتم تعطيل المدارس والجامعات وكافة دوائر العمل احتفالا بهما ، وهما يوم الرابع عشر من ديسمبر حيث قذف المواطن العراقي منتظر الزيدي الرئيس الأمريكي  جورج دبليو بوش بالحذاء ، في هذا اليوم من عام 2008 ، أثناء مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي . أما اليوم الثاني الواجب الاحتفال به وتعطيل العمل فيه ، فهو الخامس عشر من سبتمبر حيث تم في هذا اليوم من عام 2009 الإفراج عن  (البطل المناضل المقدام المغوار الشهم العنيد العتيد منتظر الزيدي صاحب أول براءة اختراع في التاريخ العربي الحديث للنضال والتحرير والمقاومة عبر أخطر سلاح عربي وهو الحذاء ، السلاح الوحيد المتوفر بكثافة) . ذلك الحدث النضالي غير المسبوق والإفراج عن مخترعه يستوجب بعض الملاحظات ويطرح بعض الأسئلة ، وذلك من باب الحرص على اعطاء هذا الحدث حقه التاريخي الموثق المكتوب كي لا يضيع وسط ألاف حقوق المواطن العربي الضائعة على يد أنظمته المستبدة اللاديمقراطية .
أولا: هل كان يجرؤ هذا البطل على فعلته في زمن صدام ؟
إذا كانت لغة الحذاء هي وسيلة من وسائل التعبير لدى هذا البطل المغوار وكل من صفقوا له ، فهل يستطيعوا الإجابة على سؤال : هل كان يجرؤ أي واحد منهم على استعمال لغة الحذاء هذه أو لغة الكلمة الناقدة المعترضة في وجه أي شرطي او مخبر من أزلام صدام حسين الذي ارتكب بحق الشعب العراقي ، سنّة وشيعة عربا وأكرادا ، من الجرائم الوحشية التي يصعب توثيقها و وصفها ، وقد تحدث عنها بعثيون عملوا مع صدام وفي خدمته ؟. والسؤال نفسه موجه لكل الذين صفقوا لهذا البطل المغوار في كافة العواصم العربية : هل يجرؤ واحد منكم على استعمال الحذاء في وجه أي شرطي أو مخبر أو حاكم من العرب العاربة أو المستعربة ، التي يضيع في أغلب عواصمها ألاف المواطنين لأنهم كتبوا أو قالوا نقدا للرئيس أو واحد من مفسديه في البلاد والعباد ؟. فما هو مصير المواطن الذي يتجرأ على رفع حذائه في وجه ذلك الرئيس أو واحد من حراسه ؟. أعتقد أنه لا يخالفني قارىء واحد أنه سوف تطلق عليه في نفس اللحظه زخات من الرصاص التي ستقطع أشلاءه من الرأس إلى القدم ، هذا بالإضافة إلى جلب أهله وعائلته وأقاربه واصدقائه ليلاقوا نفس المصير الدموي ، وقصص ألاف من الأبرياء في السجون العربية شاهد على ما نقول ، ولا ينكرها إلا واحد من مرتكبي هذه الجرائم أو المخططين لها والآمرين بتنفيذها .
إذن لماذا تجرأ الزيدي على فعلته الحذائية هذه ؟
أعتقد جازما أنه كان متأكدا هو ومن خططوا له العملية الحذائية هذه وحرّضوه عليها ، أنّ هذا الحذاء في مواجهة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش رغم وجود رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ، لن يسبب له قتلا أو موتا أو سحلا على الطريقة العربية المتعارف عليها ، بسبب وجود الرئيس الأمريكي فقط لأنه يؤمن أن هذا الفعل رغم حقارته لا يستوجب الموت والسحل في الديمقراطية الأمريكية ، وهذا السبب هو الذي شجع المالكي وحكومته على إطلاق سراح البطل المغوار بعد مرور شهور على سجنه ، وقبل انتهاء ثلث محكوميته التي قررها القضاء العراقي . و سؤال منطقي آخر : هل يستطيع البطل المقدام أو أي واحد من المصفقين له أن يقوم بفعلته الحذائية هذه في وجه المالكي أو اي مسؤول من حكومته ، وهم قد ارتكبوا من الجرائم والفساد بحق الشعب العراقي مئات أضعاف ما ارتكبت قوات التحالف الدولي ؟.  أو في وجه أي مسؤول عربي في أية عاصمة عربية دون أن يكون مصيره القتل الفوري برصاص الحراس والمرافقين وربما جمهور الحضور الذين تلقوا ألاف الضربات والخسائر من ذلك المسؤول؟.
وإن لم يقتل هل كان سيكون عقابه أقل من السجن عشرين عاما ، سيتلقى خلالها عشرات أنواع التعذيب المعروفة في السجون العربية من المحيط ( الهادر ) إلى الخليج ( الثائر ) ؟. بينما هذا الزيدي البطل العروبي ، مستعيد أمجاد الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة ، تم الإفراج عنه بعد تسعة شهور فقط من سجنه ، وتم نقله بطائرة خاصة إلى عاصمة الممانعة العربية ( دمشق ) ومن بعدها إلى اليونان للعلاج والراحة والاستجمام ، على نفقة رجل الأعمال العراقي مالك قناة البغدادية التي تبث من القاهرة ، مما يثبت أن الزيدي كان مجرد المنفذ لخطة وضعت مسبقا . و يقول بعض أفراد عائلته أن سفره خارج العراق  خوف من القتل والاغتيال من قوى سياسية أو أفراد رافضين لفعلته الحقيرة ، أو من عشيرة ( المالكي ) لأنه ألقى الحذاء على الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وعلى وجه ابن العشيرة ( نوري المالكي ) رئيس الوزراء العراقي ، وهذا عمل حقير مدان في العرف العشائري العراقي ، يستحق فاعله الملاحقة والثأر والانتقام من تلك العشيرة ، كما يقول الكاتب العراقي ( تقي جاسم الدين ) : " يعتبر ذلك انتهاك للقبيلة التي تستضيف ذلك الضيف ". ورغم ذلك قفز نوري المالكي على ذلك العرف العشائري العراقي ، ووافق على إطلاق سراح البطل المغوار منتظر الزيدي ، والكل يعلم أنه كان بإمكانه إبقاءه في السجن لعشرات السنوات حيث أن القضاء في غالبية الأقطار العربية رهن إشارة الحاكم ورغباته ، وهذا أيضا مما يسجل للديمقراطية الأمريكية التي يعمل المالكي في ظل قواتها ، لأن حادثة الحذاء الزيدي لو كانت في مواجهة رئيس عربي  لتم الحكم عليه بالمؤبد على الأقل لإرضاء ذلك الحاكم ، إن لم يكن قد تم قتله بالرصاص الفوري على يد حراس ذلك الرئيس .
ثانيا: طرق الاحتفال العربي بهذا الحذاء
الطرق التي احتفل بها بعض العرب بصاحب الحذاء بعد خروجه من السجن ، تدلل أيضا على تغلغل وعراقة ثقافة الحذاء وعلى حساب إنسانية بعض مواطنيهم . فأكثر من مواطن من أكثر من قطر عربي ، عرض على صاحب الحذاء أن يرسل أو ( يشحن ) له ابنته كي يتزوجها ، وواحد من هؤلاء المواطنين العرب فلسطيني من مدينة نابلس . والسؤال الإنساني في هذا السياق هو: هل سأل هولاء المتبرعون بناتهم إن كنّ يقبلن الشحن لإمتاع صاحب الحذاء ؟ وهل فكّروا بماذا سيتعامل صاحب الحذاء مع بناتهم إن حصل خلاف بينهم ؟ هل سيستعمل اليد أم اللسان أم الحذاء الذي أصبح براءة اختراع عربية مسجلة بإسمه ، ومن الطبيعي أن يحرص على استخدامه وتطوير طرق وميادين ذلك الاستخدام . وتحديدا بالنسبة للفلسطيني من نابلس : لماذا لم يفكر في عرض ابنته على أسير فلسطيني بعد خروجه من سجون الاحتلال ؟ وغير عروض البنات هناك من عرض على صاحب الحذاء أن يشتري له منزلا ، وبالفعل منحه صاحب قناة البغدادية العراقي عون الخشلوك شقة فاخرة في العاصمة بغداد ، وهناك من عرض عليه هدايا ذهبية وفضية . وفي ميدان الهدايا والعطايا سوف يتاجر منتظر الزيدي بحادثة حذائه تماما كما تاجر والد الطفل الفلسطيني " محمد الدرة " بحادثة قتل طفله برصاص جيش الاحتلال ، وطاف أكثر من عاصمة عربية وجمع مئات ألاف الدولارات متاجرة بدم ذلك الطفل البريء .
عروض مزايدة عربية للوجاهة فقط
عروض ملايين الدولارات على صاحب الحذاء من أثرياء عرب ، تدلل على ركض العربي وراء الجاه والشهرة حتى ولو على ( خازوق الحذاء ) ، لأنهم لو كانوا يفكرون في المصلحة العامة والمستقبل لوجدوا عشرات المجالات النفعية العامة لانفاق ملايينهم هذه . هل فكروا في توزيع أجهزة كومبيوتر مثلا على طلاب فقراء في العديد من العواصم العربية عاجزين عن اقتناء هذا الجهاز ، الذي استخدامه أو عدمه هو مقياس الأمية في أمريكا واليابان وأوربا منذ أكثر من ثلاثين عاما .

ورغم ذلك هناك من يرفض الحذاء وصاحبه،
فالعديد من الكتاب العراقيين والعرب هاجموا فعلة الحذاء وصاحبه ، واعتبروها عملا همجيا لا أخلاقيا أيا كان الشخص الموجه له الحذاء ، وهذا دليل واضح على أن هناك ما زال عقلانيون عرب ، لا يحكمون العاطفة جريا وراء مشاعر الغوغائيين الذين تتحكم الأمية في ستين بالمائة منهم ، وبالتالي ف ( كندرة الملايين ) القذرة علامة من علامات التخلف ، وتعويض عن العجز والهوان العربي الذي من مظاهره إدعاء كل ما لا نستطيع فعله . ومن المهم التذكير بمضمون الفكرة التي قالها فضيلة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي في خطبة الجمعة في أحد مساجد الدوحة العاصمة القطرية عقب حادثة الحذاء ، إذ قال ما معناه: لقد أصبحت قنابلنا أحذية وأحذيتهم قنابل فوق رؤوسنا !!.ويكفي أن الطالبة الجامعية العراقية سماح يوسف محمد 21 عاما ، ترى " أن مافعله الزيدي يعتبر مخزيا بكل معايير الأدب والأخلاقيات ، كما أن رفع الحذاء بوجه الضيف هو الأسوأ في تقاليدنا التي تنص على معاقبة من يفعل ذلك  ....لو قام الزيدي بفعلته ابان النظام السابق ، لما فكر أحد بالافراج عنه ، لكن الأوضاع الجديدة وأجواء الحرية في البلد أتاحت له ذلك ". وغير هذه الطالبة عبّر العديد من المواطنين العراقيين عن رفضهم لأسلوب الحذاء هذا مما يدّل أن أسلوب وثقافة ( الكندرة ) ليس أسلوب كل العراقيين .

وبطل الحذاء غير المسبوق بفعلته ،
صدر عنه ما يدلل على أنّ هناك من خطط له فعلته الحقيرة هذه ودفعه لها ، فوافق ركضا وراء الشهرة ، بدليل تصريحه عقب الإفراج عنه " إذا كنت أسأت بغير قصد للصحافة فإني أعتذر " ، فغير القصد هذا دليل على أنه كان ( عبد المأمور ) كما يقولون في الشارع المصري ، وقد أكدّ الخبير القضائي العراقي طارق حرب أن بطل الحذاء قد بعث برسالة اعتذار لرئيس الوزراء المالكي عما قام به ، وربما كانت هذه الرسالة سببا في تخفيض مدة محكوميته ثم الإفراج عنه .
لذلك فإن الترويج لبطولة الحذاء وثقافة الكندرة إهانة للشخصية العربية خاصة عندما تهلل الملايين لهذه الكندرة ، ويدفع بعض الأثرياء العرب ملايين الدولارات لشرائها ، لذلك فإن :
كندرة الملايين
لا تعبر إلا عن فكر المجانين
ولا يسوق لصاحبها إلا الأفاقين
و لا يعتز بها إلا المعقدين
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com




296
الخلل في الأنانية الفلسطينية وليس الورقة المصرية !!
د.أحمد أبو مطر
يكاد من الصعب إحصاء عدد  جولات الحوار الفلسطيني التي رعتها مصر بإشراف الفريق عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصري و مساعديه ، وتتابع هذه الجولات رغم فشلها الواحدة تلو الأخرى ، يدلّ على رغبة وإصرار مصريين في أن لا تترك الساحة الفلسطينية مهددة باستمرار الانقسام والتحارب ، اللذين أوقعا من الخسائر الفلسطينية ليس أقل من الخسائر على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي . كما أن الإصرار مرده إلى أن مصر وجهاز مخابراتها أدرى من كافة الدول والأجهزة العربية بنسيج المجتمع الفلسطيني في القطاع ، لكون القطاع كان يدار من قبل الإدارة العسكرية المصرية منذ عام 1948 وحتى عام 1967 ، وغالبية التنظيمات الفلسطينية التي نمت في القطاع بدأت بذورها الفكرية والتنظيمية في تلك المرحلة . انطلاقا من هذا الإصرار جاءت الورقة المصرية الأخيرة التي قدمت للتنظيمات الفلسطينية ، كإطار جديد للتفاوض حولها وصولا للمصالحة الفلسطينية المنشودة من الشعب الفلسطيني . وقد بدأت تتوالى ردود فعل هذه الفصائل على الورقة المصرية هذه ، دون أية إشارات إيجابية من هذه الفصائل توحي أن المصالحة ستتم والإنقسام سينتهي ، بينما أجلت حماس ردها النهائي لما بعد عطلة عيد الفطر.

بنود هذه الورقة

الملاحظ أن هذه الورقة قد حاولت تقديم إطار جمعي عام لا يعبر عن مخططات أي تنظيم فلسطيني ، بقدر ما إنها تهدف إلى أن يكون هذا الإطار مدخلا توافقيا عاما من منطلق عدم منطقية الانقسام والتقاتل في أي مجتمع ودولة ، لمجرد الخلاف في وجهات النظر حول بعض المسائل الداخلية ذات الطابع الإجرائي التي لا قيمة لها  ، مقابل وحدة شعب وسعيه لتحقيق طموحات وطنية يعمل من أجلها منذ ستين عاما .

الانتخابات التشريعية والرئاسية
اقترحت الورقة المصرية أن " تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في النصف الأول من العام المقبل ( 2010 ) ، على أن تكون انتخابات المجلس الوطني بالنظام النسبي الكامل ، وتكون انتخابات التشريعي بالنظام المختلط 25 في المائة نسبي ، وأن يجري تقسيم الوطن إلى 16 دائرة انتخابية 11 في الضفة و 5 في القطاع " .

ولأن كافة المنظمات الفلسطينية تنظر لما ستحققه كتنظيمات من هذه الانتخابات بما يعني مصلحتها التنظيمية أولا ، فقد توالت ردود الفعل على هذا البند من الورقة المصرية من منطلقات غير وطنية عامة في الغالب ، بقدر ما هي تنظيمية مصلحية ضيقة ، يعتقد كل تنظيم أنها ستحقق له الفوز في تلك الانتخابات . فلمجرد تسجيل موقف ولو لا معنى له ، أعلن عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح " فيما يتعلق بالانتخابات نوافق أن تجري الانتخابات كما يقول الإخوة المصريون ، ولكن بما لا يتجاوز النصف الأول من العام القادم ) . ماذا أضاف من جديد تصريح عباس زكي ، عندما تنصّ الورقة المصرية على إجراء الانتخابات ( في النصف الأول من العام المقبل ) ؟.أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فترى " في مقترح النظام الانتخابي المختلط ( 25 % دوائر و 75 % نسبي خروجا عما تم التوافق الجماعي عليه في حوار القاهرة في مارس 2009 ، وترفض عدم تحديد موعد دقيق لعقد الانتخابات ، وترى في ذلك سببا لاستمرار الانقسام ). وما يثير الغرابة والدهشة أن حركة الجهاد الإسلامي ( المنشقة سابقا عن حركة حماس ) تطالب أيضا بتحديد موعد للانتخابات رغم أنها لم تشارك في انتخابات سابقة كان متفقا عليها بين فتح وأمها الشرعية ( حماس ) .
 وموقف حماس أكثر غرابة فهي ترفض الدخول في أية تفاهمات قبل إنهاء ملف معتقليها في سجون السلطة الفلسطينية ، بينما لا يهمها موضوع معتقلي فتح في سجونها أو عودة كوادر فتح الهاربين من قمعها ومطارداتها . وهكذا فكل تنظيم له أجندته المصلحية الخاصة الضيقة التي لن تؤدي لتوافق أو تفاهم على موضوع الانتخابات التسريعية والرئاسية ، لأن هناك تنظيمات مثل حماس يوافق مصلحتها مسألة تأجيل الانتخابات إذ ربما تتمكن من التمديد للمجلس التشريعي الحالي الذي لها فيه الأغلبية لمدة سنتين جديدتين ، بينما حركة فتح غير متأكدة من امكانية فوزها بأغلبية تمكنها من دحر حماس دستوريا ، وباقي الفصائل مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحركة الجهاد ، فلا يتوفر لها قاعدة جماهيرية تمكنها من الفوز بالعدد الذي يؤهلها لأن تكون رقما داخل المجلس التشريعي ، بدليل أن الحوار الفلسطيني يجري منذ سنوات بين حركتي فتح وحماس فقط ، وباقي المنظمات والفصائل التي يزيد عددها على عشرة مجرد بيانات صحفية في المناسبات التي لا تنتهي . والأهم هو هل ستقبل حركتا فتح وحماس بنتائج الانتخابات إن كانت دحرر واحدة منهما مما يعني انهاء سيطرتها المطلقة في القطاع أو الضفة؟.
اللجنة الأمنية العليا
تنص الورقة المصرية على ( تشكيل لجنة أمنية عليا بمرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس ، ويجرى الاتفاق على ضباط مهنيين بالتوافق يخضعون لإشراف مصري ، وتتولى هذه اللجنة مهمة إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أساس مهني بمساعدة وإشراف مصري ). وهذا البند رغم وضوحه في الورقة المصرية ، فتنفيذه مرهون بالنوايا الفلسطينية ، فهل تقبل حماس بلجنة أمنية تتشكل بناء على مرسوم رئاسي من الرئيس عباس الذي تعتبره غير شرعي ولا تعترف برئاسته ، الذي هو بدوره لا يعترف بحكومة حماس الحالية في القطاع ، لأنه سبق أن أصدر مرسوما بإقالتها وتشكيل حكومة بديلة برئاسة سلام فياض . كما أن تشكيل هذه اللجنة الأمنية العليا يعني عمليا إنهاء وتفكيك القوة التنفيذية التابعة لحماس ، وكافة أجهزتها الأمنية ، وإن تمّ استيعاب بعضهم أو كلهم في التشكيل الجديد الذي نصّت الورقة المصرية على استيعاب ثلاثة ألاف عنصر من الشرطة والدفاع المدني والأمن الوطني فيه ، على ( أن يكون هناك ضمان وظيفي لكل الموظفين العموميين ) ، مما يعني ضمان رواتب من لا تستوعبهم التشكيلات الجديدة . وهكذا فالكرة أيضا فيما يتعلق بهذا البند في الملعب الفلسطيني ، فهل تقبل حركتا فتح وحماس بهذا التشكيل الجماعي المشترك لأجهزة الأمن ، أم تريد حماس استمرار قوتها التنفيذية في القطاع ، وترغب فتح في سيطرة أمنها الوقائي في الضفة ؟.
المعتقلون لدى كل طرف
لم تتجاهل الورقة المصرية موضوع المعتقلين الفتحاويين والحماسيين لدى الطرف الآخر ، ونصّت على ( تحديد قوائم المعتقلين فور توقيع الاتفاق وفق الوضع الحالي ، وتسليم القوائم لمصر ومؤسسات حقوقية وقانونية ، ويقوم كل طرف بالإفراج عن المعتقلين المتواجدين لديه ، على أن يسلّم كل طرف قائمة بالأسماء التي يتعذر الافراج عنها ) . ورغم هذا الوضوح الملازم لرفض عمليات الاعتقال الانتقامية المتبادلة بين الحركتين ، إلا أنّ حماس تشترط الإفراج أولا عن معتقليها قبل توقيع الاتفاق ، وهو شرط تعجيزي في سياق عدم ذكرها لمعتقلي فتح لديها.
أما رد منظمة التحرير الفلسطينية فهو مجرد روتيني لا قيمة له ، لأن منظمات مثل حماس والجهاد الإسلامي غير ممثلة في المنظمة ، وتعتبرها مجرد ملحق من ملاحق السلطة الفلسطينية خاصة بعد الخلافات الأخيرة بين قيادات فتح ، التي نجم عنها تجميد الدائرة السياسية للمنطمة التي يرأسها فاروق القدومي ، وإحالة الموظفين فيها للسفارة الفلسطينية في تونس . لذلك فإن الخلل ليس في الورقة المصرية ، بل في الأنانية الفلسطينية التي ينجم عنها تغليب كل تنظيم لمصلحته الخاصة على المصلحة الوطنية لشعب بكامله .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

297
في الذكرى الثامنة : هل إختفت نتائج غزوة نيويورك؟
د.أحمد أبو مطر
 
تمر ثماني سنوات على العملية الإرهابية بامتياز التي استهدفت أبراج نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 ، إذ شهدت هذه السنوات تغييرات وتطورات عديدة في كافة الصعد والمجالات العالمية ، ربما كان أهمها الأزمة الاقتصادية التي مسّت غالبية الدول والمجتمعات ، ثم الإدارة الجديدة للبيت الأبيض ممثلة في وصول باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة ، ومحاولاته لمخاطبة العالمين العربي والإسلامي بلهجة تبدو جديدة على سلوك الإدارات الأمريكية السابقة خاصة ما ورد في خطابه من جامعة القاهرة في الرابع من يونيو 2009 ، حيث حمل الخطاب لهجة وتوجها وديا متفهما للعالمين العربي والإسلامي ، رافضا النظرة النمطية السلبية عن هذين العالمين .
ومن المعروف ان أخطر وأهم نتائج تلك العملية الإرهابية أنها أعطت ورسخت الصورة الإرهابية للمسلم خاصة اعتراف أسامة بن لادن بالصوت والصورة عدة مرات أن تنظيمه القاعدة هو من خطط لها ونفذها ، واطلق على المجرمين الذين قاموا بالتنفيذ صفة الأبطال والشهداء ، مطلقا عليها اسم " غزوة نيويورك " اي أنها في مفهومه ترقى لمستوى غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم . ويتم الاحنفال سنويا من تنظيم القاعدة بهذه المناسبة عبر اشرطة وأحاديث جديدة للإرهابيين أسامة بن لادن و أيمن الظواهري وغيرهما من الإرهابيين من مختلف الجنسيات العربية والإسلامية . لذلك فإن السؤال المهم طرحه والتفكير فيه هو :

هل اختفت نتائج غزوة نيويورك الإرهابية ؟
والمقصود من السؤال هو الجوانب السلبية التي ربطت صفة الإرهاب والعنف بالمسلم أيا كانت أصوله وقومياته . المتابعة الموضوعية المجردة تجيب ب ( لا ) كبيرة وصارخة ، أي أن هذه الصفة التي ألصقت بالشخصية المسلمة ما زالت تتعزز وتزداد رسوخا بعد مرور ثماني سنوات على غزوة نيويورك الإرهابية ، وذلك بسبب تنامي العنف والإرهاب في العديد من الأقطار العربية والإسلامية خاصة، بينما تنعم الدول الأوربية والأمريكية بالهدوء والسكينة ، و يمكن التأكد من صحة هذه الإجابة عبر استعراض النماذج التالية:

أولا : القتل اليومي العشوائي في العراق
لا أعتقد أن هناك من يصدق ما يحدث فعلا وبشكل شبه يومي في العراق ، حيث القتل المتعمد بين العراقيين أصبح أمرا عاديا يمر في نشرات الأخبار وكأنه مجرد انخفاض أو ارتفاع في سعر أسهم شركة ما ، رغم أنه يحصد في كل عملية أرواح عشرات أو مئات من العراقيين ، وكله يتم بأيدي عراقية أو عربية قدمت للعراق بشكل مخطط ومتعمد لارتكاب هذا القتل الذي يتم دوما باسم الاسلام والجهاد معززين بياناتهم عن ذلك الإرهاب بآيات من القرآن ، مطلقين صفة الشهيد على أولئك القتلة واعدين إياهم بالجنة والحور العين . ما يصعب على الفهم هو أن يترك أولئك الشباب القتلة من العراقيين والعرب عائلاتهم وأطفالهم ويموتون من أجل قتل عشرات ومئات من العراقيين في كل عملية . والمهم ملاحظته هو التسميات التي يطلقها أولئك الإرهابيون على مجموعاتهم الإجرامية ، فكل التسميات تتمسح وتتغطى بالاسلام : " تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين " ، " جند الله " ، " جند الإسلام " وغيرها من التسميات لتضليل أولئك الجهلة لاستقطاب المزيد منهم للقتل والعنف الإرهابي .

ثانيا: أفغانستان وطالبان
وهذا القتل اليومي في أفغانستان من قبل عصابات طالبان لا يختلف عن مثيله في العراق ، فهو يستعصي على الفهم سوى مفهوم أن هذه الطالبان مغرمة بالتخلف والظلامية التي أغرقت فيها أفغانستان عدة سنوات قبل اسقاطها في أكتوبر 2001 ، بعد حكم ظلامي زاد عن خمسة سنوات أعادت فيه الشعب الأفغاني لعصور أعمق من الحجرية . وايضا يتم كل هذا القتل والإرهاب باسم الجهاد والإسلام ، وفي غالبيته العظمى : أفغانيون يقتلون أفغانيين إلى حد أنه ما عادت تختلف الحالة العراقية عن الأفغانية لا في الشكل ولا المضمون .

ثالثا : الحالة الباكستانية
وهي تؤأم الحالة الأفغانية بسبب تداخلها الحدودي والطائفي والمصلحي المتشابه بين ما يسمى " طالبان باكستان " و " طالبان أفغانستان " القاسم المشترك بينهما هو القتل الإجرامي المتعمد الذي بلغ ذروته في أحداث المسجد الأحمر في يوليو 2007 ، واغتيال رئيسة الوزراء السابقة بينازير بوتو في ديسمبر من العام ذاته . والسؤال الذي يطرح دوما ضمن السياق الباكستاني هو:  لماذا لا يقوم ولا يرتكب المسلمون في الهند المجاورة أية عمليات إرهابية داخل بلادهم أو خارجها؟. إن الإجابة على هذا السؤال تفضي إلى أن الهدوء والسلم الاجتماعي هو نتاج الأنظمة الديمقراطية ، بعكس الأنظمة الشمولية الاستبدادية التي يولد استبدادها ضد شعوبها استبدادا مقابلا في الداخل والخارج.

رابعا: الوضع الصومالي
لا يختلف في دمويته عن النماذج السابقة إذ يكاد أن يكون نسخة من إحدى تلك النماذج ، بالإضافة للتشطير والتقسيم القائم فعلا حيث عصابات وجماعات تسيطر كل منها على قسم من البلاد ، مضيفة إرهابا موجها للعالم أجمع حيث عمليات القرصنة البحرية التي تطال عشرات السفن والبواخر مما جعل مياه تلك المنطقة من أخطر بقاع العالم ، ليس من أجل قضايا وطنية نضالية كما تدعي عصابات النماذج السابقة، ولكن من أجل جمع الدولارات من خلال ما يسمى الفدية لإطلاق سراح البواخر وأطقمتها البشرية.

وأخيرا النموذج الحوثي اليمني ،
حيث يحاول هذا النموذج تشطير البلاد التي كانت تسمى ( اليمن السعيد ) فإذا هي اليوم الأتعس في العالم ، من خلال قتال ضد الدولة المركزية التي لا يبرر فسادها وتحيزها وظلمها هذا القتال الذي يدفع ثمنه الشعب اليمني من الحوثيين وبقية الطوائف . وخطورة الحالة اليمنية في ان التململ والاحتجاجات لا تشمل مناطق الحوثيين في محافظة صعدة وجوارها  فقط ، ولكن عموم الشطر الذي كان يسمى ( اليمن الجنوبي ) ، وإن لم يأخذ هذا التململ حتى الآن طابع المواجهة المسلحة مع اليمن الشمالي الحاكم والمتنفذ على حساب تهميش الجنوب شعبا وقيادات وأحزابا ، لكن هذا ليس بعيدا إن استمرت حكومة علي عبد الله صالح في نفس سياسة التهميش والإهمال والإضطهاد للجنوب ، بدليل أن هناك دعوات علنية للإنفصال ليس بعيدا أن تتطور لحالة المواجهة المسلحة كما في الحالة الحوثية ، رغم تميز تلك الحالة باتهام الجانب الإيراني بالتحريض والدعم .

وهكذا فإن الذكرى الثامنة ،
لإرهاب الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ، تمر والدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية تزداد تحصينا ضد ذلك الإرهاب  وتركيزا على التصنيع والتطوير ورفاهية شعوبها ،  بينما الدول العربية والإسلامية التي صدرت ذلك الإرهاب تحصد الآن داخليا ثمار ذلك قتلا وموتا مرشحا للامتداد للعديد من الدول التي لم يصلها بعد ، وهذا مؤكد طالما هذه الدول تتمترس وراء استبدادها وشموليتها وظلمها الطاحن لشعوبها ، متغاضية عن التربية والمناهج التعليمية والثقافة التي تنتج هذا الإرهاب وتغذيه . في النهاية لا يحصد المرء والدولة إلا ثمار ما يزرع !!!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com



298
من يعرف ماذا تريد حماس في قطاع غزة ؟
د.أحمد أبو مطر
الأوضاع التي تتردى في قطاع غزة بشكل يومي في  كافة ميادين الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني ، تطرح السؤال المنطقي الذي يتردد على ألسنة غاليبة الشعب الفلسطيني في القطاع ، وهو : ماذا تريد حماس أن تفعل بالشعب الفلسطيني في القطاع ؟. و عندما أقول غالبية الشعب الفلسطيني ، لأن هناك نسبة قليلة وهم أعضاء حماس والمحسوبين عليها خاصة في قوتها التنفيذية وأجهزتها الأمنية ومكاتبها الإدارية ، لم يتأثروا بتردي الأوضاع هذه ، لأن كافة أمورهم على ما يرام لأنهم هم  من يمارسون السلطة والحكم وأوصلوا الشعب الفلسطيني إلى هذه الحالة التي لا ترضي صديقا ولا تغيظ عدوا .

لا يناقش أحد في أن حماس وصلت لتشكيل الحكومة الفلسطينية ( المقالة حاليا ) بعد فوزها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني ، في انتخابات يناير 2007 ، وعلى إثر ذلك كلف الرئيس محمود عباس مرشح حماس إسماعيل هنية لتشكيل الحكومة الفلسطينية ، واستبشر العرب والغرب خيرا نتيجة أنه رغم غابة السلاح غير المنضبط فقد جرت انتخابات ديمقراطية للغاية ، لكن هذه الفرحة لم تدم طويلا نتيجة معادلة صعبة وقاسية مفادها أن فتح لم تصدق أنها خسرت الانتخابات بعد سيطرتها على كافة نواحي الحياة الفلسطينية طوال أربعين عاما ، وحماس أيضا لم تصدق أنها ربحت الانتخابات وهي الجديدة على العمل السياسي والعسكري الفلسطيني الذي دخلته منذ خمسة عشر عاما قياسا بحركة فتح التي انطلقت عام 1965 . لذلك عملت فتح ما بوسعها كي تكون حكومة إسماعيل هنية مجرد ديكور شكلي بينما القرار والسيطرة في يد أجهزة فتح خاصة الأمن الوقائي الذي يقوده آنذاك محمد دحلان . ونتيجة ذلك بدأت حماس في تأسيس أجهزتها الأمنية الخاصة لعدم قدرتها ممارسة مسؤولياتها على الأجهزة والدوائر التي ما زالت تحت سيطرة وقيادة فتح ، وكانت بداية الصدام تأسيس حماس لما عرف بالقوة التنفيذية من عناصرها المسلحة ، لتصبح جهازا أمنيا في مواجهة جهاز الأمن الوقائي الفتحاوي . ثم كانت الخطوة النهائية التي قصمت ظهر البعير الفتحاوي ، وهي الانقلاب العسكري الحمساوي في الرابع عشر من يونيو 2007 أي بعد أقل من ستة شهور لتشكيلها الحكومة الفلسطينية ، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الشعب الفلسطيني يذوق الأمرين من ويلات تخلف حماس وظلاميتها الفكرية التي تركزت في غالبية الحياة الاجتماعية الفلسطينية ، وتحديدا الميادين التي تمس عمل وحياة المرأة الفلسطينية .
حجاب الطالبات

كنا نعتقد أن قرار حماس بإلزام المحاميات الفلسطينيات بارتداء الحجاب والزي الخاص الذي هو أقرب للنقاب ، سيكون آخر قراراتها المفروضة إجباريا وبالقوة ، فإذا بنفس القرار يصدر بخصوص الطالبات في المدارس حيث تم إلزامهن بزي واحد فيه الحجاب الكامل الشامل المانع أو ما يسمى ( الجلباب ) . وهو قرار أدانته القيادات والناشطات الفلسطينيات في مجال حقوق المرأة ، وكان أبلغ تعليق هو قالته السيدة ( هيثم عرار ) عضو المجلس الثوري لحركة فتح وعضو الأمانة العامة لاتحاد المرأة الفلسطينية ، إذ قالت ( إن هذا القرار يشكل عبئا على إبداع الطالبات ويقيد عقولهن. إن إلزام الطابات في غزة بلباس الزي الشرعي أو الجلباب محاولة لفرض نموذج أو موديل معين على النساء  مما يشكل خطرا حقيقيا على النسيج الاجتماعي ويهدد الوحدة الوطنية . لسنا ضد الجلباب ولكننا ضد فرضه بالإكراه سيما وأننا في مجتمع تعددي ويؤمن بالحريات الشخصية ، وما تقوم به الحكومة المقالة يعتبر محاولة لتغيير الهوية الثقافية ) .  ومن المهم ملاحظة أن حماس تتبع سياسة القرار ونفيه ـ أو سياسة الخطوة خطوة لتمرير قراراتها الرجعية هذه ، فهي تصدر القرار وبعد موجة الانتقادات العنيفة تنفي صدور القرار ، بينما الشعب الذي يعيش تحت سطوتها العسكرية يؤكد صدوره والبدء بتفيذه في أرض الواقع وبالقوة العسكرية ضد المخالفين .

العنف الداخلي في بنية المجتمع

الظاهرة التي بدأت تقلق كافة طبقات وفئات المجتمع الفلسطيني في القطاع ، هي ظاهرة تكريس العشائرية المرافقة للعنف داخل الأسرة والمجتمع إلى حد يكاد يعلن غياب أية سلطة وحكومة ، مما يعني في التطبيق الميداني أن قوة حماس وبطشها المعروف موجه فقط ضمن من يخل بسيطرتها وتفردها في القطاع ، أما أن يعم العنف داخل الأسرة الفلسطينية وبين العشائر الفلسطينية فهذا لا يهمها وليس مجال تدخل قوتها التنفيذية وأجهزتها الأمنية . إن الأخبار التي تأتي من مدن وقرى ومخيمات القطاع منذ انقلاب حماس تكاد لا تصدق خاصة لمن عاش ويعيش في القطاع ، فبدلا من تطوير الأفق الاجتماعي للمواطن من خلال سيادة القانون ، برزت عمليات الخطف والقتل والثأر العشائري ، الذي تكاد لا يخلو يوم من أيام مواطن القطاع من قتل وخطف وثار وجاهات عشائرية ، دون أي تدخل من سلطات حماس وكأن الأمر لا يعنيها ، فطالما هي مسيطرة وبيدها المال والسلاح فباقي الشعب ( بطيخ ويكسر بعضو ).

الاستمرار عبر افتعال المشاكل
بعد أن استنفذت حماس القاء كافة المشاكل التي يواجهها الشعب الفلسطيني في القطاع على كاهل حركة فتح والسلطة الفلسطينية ، بدأت بصرعة جديدة وهي استعمال منظمة الغوث الدولية ( الأونروا ) عبر تلفيقات وأكاذيب ثبت أنها غير صحيحة ، متناسية أن هذه الوكالة لم تكن مسيسة أبدا بدليل أنها مستمرة في تقديم كافة الخدمات لملايين اللاجئين الفلسطينيين في عشرات المخيمات في العديد من الدول العربية ، طوال ما يزيد على ستين عاما خاصة في مجالات التربية والتعليم والصحة . وآخر التلفيقات الحمساوية أن الوكالة أدخلت في مناهج التعليم بمدارسها مقررات عن الهولوكست اليهودي وأنها تمنع وصول الأدوية للمستشفيات الفلسطينية . وفورا جاء تكذيب هذه التلفيقات من مسؤولين فلسطينيين غير فتحاويين بل مستقلين ، إذ صرّح عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي لوكالة الغوث في غزة بعدم صحة هذه الأنباء وتحدى أن يكون هناك سطر واحد عن الهولوكست في المناهج المدرسية في مدارس الوكالة ، وأيده في ذلك خليل أبو شمالة مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان .

لذلك واستنادا لكل هذه الحقائق المعاشة ميدانيا في القطاع ، هل يجرؤ قادة حماس على مواجهة الحقيقة القائلة : ألا يكفي هذه المصائب التي ألحقتموها بالشعب الفلسطيني ؟ ولماذا التمسك والإصرار على سلطة لم تنجحوا في قيادتها ؟ وما هي مسؤولياتكم إزاء هذه الكوارث والاستمرار في تقسيم الشعب الفلسطين بين غزاوي وضفاوي . أليس كل ذلك صراع على من يحكم ويسيطر أنتم أم فتح حتى ولو على خازوق لا يجلس عليه إلا الشعب الفلسطيني ، أما قياداتكم وعناصركم المتنفذين فهم في منأى عن هذه المصائب . كل هذا لا يعني أن الوضع في الضفة الغربية الفتحاوية جنة أفلاطون ، ولكن على الأقل كونكم وفتح والسلطة عاجزين عن الوصول للدولة المستقلة ولو على أمتار من الضفة والقطاع ، فإنهاء الانقسام أرحم بالشعب الفلسطيني من صراعكم على المال والنفوذ والسلطة الشكلية ، وتبقى الكرة في الملعب الحمساوي ، فإما الاستمرار في هذه الانقسام المسيء للشعب الفلسطيني أو التخلي عن السلطة نهائيا لسلطة فلسطينية واحدة ، ربما تستطيع الوصول لنسبة من مصالح الشعب الفلسطيني...فهل في قيادة حماس من يسمع صراخ الشعب الفلسطيني السري والعلني ( سقى الله على أيام الاحتلال ) ؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

299
إخوان الأردن : حزب سياسي في دولة أم دويلة داخل دولة
د. أحمد أبو مطر

التقرير السياسي السري لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن الذي تم تقديمه لمجلس شورى الجماعة الذي انعقد في الثالث عشر من أغسطس 2009 ، وأصبح علنيا بعد أن كشفته مصادر مقربة من الجماعة ، ربما عن قصد لتعرف الحكومة الأردنية تحديدا هذه المواقف الجديدة للجماعة ، يعتبر من أخطر الوثائق التي صدرت عن هذه الجماعة التي منذ نشأتها في أربعينات القرن الماضي ، وهي تعيش في ظل وحماية العرش الهاشمي ، حيث كانت جماعة خيرية مرخصة علنا بعكس حال الإخوان المسلمين في كافة الدول العربية  الذين كانوا وما زالوا يتعرضون للسجن والاعتقال ومنع مزاولة العمل السياسي رسميا ، وأعلنت الجماعة رسميا عن حزبها السياسي المرخص من قبل الحكومة الأردنية  ( حزب جبهة العمل الإسلامي ) بعد الانفتاح  الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين عام 1989 ، واستمرت الجماعة تعمل في ظل وحماية العرش الهاشمي كحزب سياسي له الحق في التعبير عن رأيه وخوض الانتخابات ، مما جعل من الجماعة وحزبها السياسي كتلة مهمة مؤثرة داخل البرلمان الأردني ، وهذا هو حقها الذي تضمنه الديمقراطية الحقيقية . وظلت هذه المارسة السياسية الديمقراطية الراقية لعدة سنوات إلى أن برز تيار ما سمي ( الصقور ) في داخل الجماعة وحزبها خاصة من خلال شخصية ( زكي بني إرشيد ) الذي منذ توليه هذا المنصب القيادي في الجماعة ، كان قد رسّخ سلوكين واضحين في ممارسات الجماعة وحزبها السياسي ، أديا إلى النفور منه في أوساط الجماعة والحزب والحكومة ، مما حدا بالجماعة لإقالته منذ شهور بشكل غير متوقع ويقترب من حالة الطرد :

الأول : النضال الانترنيتي في كافة ساحات الكرة الأرضية

لقد تفرغ إخوان الأردن في السنوات الماضية بشكل أساسي لما يمكن تسميته ( نضال البيانات الإنترنتي ) عبر كافة نواحي الكرة الأرضية ، ويندر أن يكون هناك حدث في القارات الخمس ومحيطاتها لم يحظ ببيان من الجماعة ، بما فيها إعصار كاترينا في أمريكا، وأحداث الصومال ومورياتانيا وتشكيل الحكومة الفلسطينية وتصريحات محمود عباس وأحداث باكستان والموقف من برويز مشرف ، ولقد سبق أن رصدت مسيرة إصدارهم للبيانات التي شملت كافة نواحي المعمورة في مقالة طويلة بعنوان ( ما هو موقف إخوان الأردن من إعصار كاترينا ) بتاريخ الرابع والعشرين من أغسطس 2007 . هذا بينما لم تشمل بياناتهم وأدبياتهم أية وثيقة شاملة للإصلاح والتطوير الديمقراطي والافتصادي في الأردن ، متفرغين لبيانات الشجب والاستنكار لكل ما يحصل في الأردن، وكأن البلاد لا إيجابية واحدة فيها في أي مجال من مجالات الحياة .

الثانية : مشاكسة الحكومة على قاعدة " عنزة ولو طارت "
مقابل النضال البياناتي الانترنتي لما يحدث في كافة نواحي المعمورة ، لم تحظ الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتطوير السياسي بأية دراسة للجماعة وحزبها ، إذ تفرغت فقط لبيانات الشجب والاستنكار لكل ما يصدر عن الحكومة الأردنية والكتل النيابية الأخرى في البرلمان الأردني ، وكأنهم فعلا يملكون الحقيقة المطلقة لمجرد وضع صفة ( الإسلامي ) في اسم حزبهم ، وهذا يقترب من المرض النفسي لغالبية الأحزاب والجماعات التي تنتحل صفة إسلامية أو إلهية في اسمها .

تخرصات وأكاذيب لا تطاق

وضمن نفس مسيرتهم المعتمدة على التهويل والإثارة للبقاء تحت الأضواء دوما، جاءت الوثيقة السرية للجماعة التي انكشفت سريتها، واصبحت حديث الشارع الأردني خاصة أنها تعتمد بشكل صارخ على التخرصات والتلفيقات التي لا تطاق ولا يمكن تصديقها من ألد أعداء الأردن وطالبي السوء والشر له . وهذه الوثيقة – الأكذوبة تطرح فعلا سؤالا مهما وهو : ماذا تريد هذه الجماعة للأردن ؟ وهل هي حزب سياسي في دولة اسمها ( المملكة الأردنية الهاشمية ) أم دويلة ( الإخوان المسلمين ) داخل الدولة الأردنية ؟

وهذا التساؤل خلفيته أن ما تضمنته هذه الوثيقة يطرح علامات استفهام عديدة حول غرض هذه الجماعة ، وما تكنه للأردن دولة ومستقبلا ، وأؤكد أن غالبية ما ورد في هذه الوثيقة لا يمكن السكوت عليه في أعرق الدول الأوربية والأمريكية ديمقراطية ، ففي هذه الدول للديمقراطية حدود وضوابط  ، أما الافتراءات والتجني والأكاذيب فمصيرها القضاء والمحاكمة ، فما هي الأكاذيب والافتراءات التي تضمنتها هذه الوثيقة الإخوانجية :

أولا: التوصيف المضلل الكاذب للدولة الأردنية

كنت أتوقع أن تحترم جماعة الإخوان في المسلمين في الأردن عقول المواطنين الأردنيين ، وتنسى كل الفضائل والحسنات التي قدمتها لهم الدولة الأردنية طوال ستين عاما من وجودهم ، لأن الدولة التي حمتهم رسميا طوال العقود الستة الماضية ، ورخصت لهم حزبا سياسيا سمحت الديمقراطية الأردنية أن تكون له كتلة داخل البرلمان ، في حين تعرضوا لمجازر وتصفيات طالت الألاف في دول مجاورة ، هذه الدولة لا يمكن القبول بوصفها الذي جاء في تلك الوثيقة المفترية حرفيا : ( إن الأردن ما زال منخرطا على الصعيد السياسي في المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يقضي بتصفية القضية الفلسطينية وفقا للرؤية الصهيونية المفروضة على المنطقة والذي يقضي بتحمل الأردن قسطا وافرا من آثار هذه التصفية والمتمثلة باستيعاب أكبر عدد من الاجئين والنازحين الفلسطينيين عن طريق التوطين الأبدي المصحوب بشطب حق العودة ) .
إن هذا التوصيف خال تماما من الحقيقة التي يعرفها الجميع ويعيشها الفلسطينيون سلطة وشعبا . فعن أي توطين يتحدثون والأردن كان هو السباق عام 1988 لفك الارتباط مع الضفة الغربية ترسيخا للكيانية والدولة الفلسطينية المرتقبة ؟. وعن أي لاجئين يتحدث التقرير  والكل يعرف أن الأردنيين من أصول فلسطينية اكتسبوا المواطنية الأردنية بحكم القانون والدستور الذي نتج عن ضم الضفة الغربية بعد عام 1948 ؟ ويعرف العديدون من قيادات الجماعة أنهم أصبحوا أردنيين ضمن هذه الحالة ، فإذا كانوا يعتبرون أنفسهم لاجئين ويتمسكون بحق العودة ، فلماذا لا يتنازلون عن جنسيتهم الأردنية ، ويبيعون قصورهم وفيللهم في عبدون والضاحية والرابية والصويفية ، ويذهبون للعيش مع اللاجئين في مخيم البقعة او النازحين من القطاع بعد هزيمة 1967 في مخيم جرش؟ . إن الرؤية الأردنية في هذا المجال واضحة : لا تجنيس للاجئي ونازحي ما بعد عام 1967 تمسكا وتثبيتا لحقهم في العودة لوطنهم ، وبعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود معترف بها دوليا ، كل مواطن أردني من أصول فلسطينية من حقه التنازل عن الجنسية الأردنية والعودة للدولة الفلسطينية . وعندئذ سنرى من منهم سيعود بما فيهم الأجيال التي ولدت بعد عام 1950 فهي لا تعرف وطنا لها سوى الأردن الذي من مفاخره تعدد المنابت والأصول وتعايشها بسلام و وئام رغم بعض الفقاعات التي تطفو على السطح من حين إلى آخر ، من قلة لا يدركون حجم الأمن والأمان الذي يتمتعون به قياسا على العديد من الدول العربية بالذات . لذلك فإن هذا التوصيف للأردن كما جاء في الوثيقة الإخوانجية وما فيه من الكذب والتجني والافتراء ، فإنه من المفروض أن يحيل أصحابه للسؤال والمحاكمة .

ثانيا : اعتماد الخطابية المضللة في مواقف الجماعة
كيف ستواجه الجماعة هذه الأكاذيب التي اعتمدتها كحقائق وكأن الأردن في طريقة للضياع والتوطين أصبح حقيقة...إلخ تلك التخيلات المريضة ؟. المواجهة عندهم بنفس الإسلوب المعروف عنهم وهو الخطابة والبلاغة التي تزخر بها اللغة العربية ، فهم حسب وثيقتهم بصدد ( أن تتقدم الحركة الإسلامسة بمشروع مواجهة شامل على مستوى الأمة العربية والإسلامية يشكل إطارا لكل القوى الفاعلة والمخلصة، يستند إلى رؤية واضحة وخطاب موحد مزود بإرادة شجاعة وعزيمة قوية من أجل إفشال المخطط الصهيوني على طريق اضعاف المشروع الصهيوني والحاق الهزيمة به والعمل على تحرير كافة الأرض المحتلة ) .

تخيلوا هذه الخطة الإخوانجية ،

كم هي سهلة وبسيطة عند كتابتها في موضوع إنشاء لطالب في الثانوية العامة ، فأنا متأكد أنه سيحصل على أعلى الدرجات ، لكنه بهكذا خطابة لن يحصل على متر من ( كافة الأرض المحتلة ) . وكون برنامج الإخوان يشمل حسب قولهم ( الأمة العربية والإسلامية ) فهذا يعني علنيا أن المقصود ب ( كافة الأرض المحتلة ) هو : كامل فلسطين من النهر إلى البحر ، والأحواز العربية والجزر الإماراتية المحتلة من إيران ، ولواء الإسكندرونة السوري المحتل من تركيا ، ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة من إسرائيل ، ومدينتي سبتة ومليلة المغربيتين المحتلتين من أسبانيا  . وبالتالي فأنا أصبحت في شك حول مسألة نوع الأسلحة النووية والجرثومية والبلاستيكية والصواريخ العابرة للقارات التي يملكها الإخوان المسلمون في الأردن لتنفيذ خطتهم التحريرية هذه !!!. ثم تذكرت أن سلاحهم الوحيد هو هذه البلاغة الخطابية التي ما عادت تخدع الجماهير الغفيرة والغفورة لأكاذيبهم هذه .

رابعا : موقف الإخوان من السلطة الفلسطينية ومؤتمر فتح
السؤال الذي تفرضه الديمقراطية الحقيقية هو : ما دخلكم كجماعة أردنية وحزب سياسي أردني بمواقف السلطة الفلسطينية ومؤتمر فتح الأخير؟ أليست هذه شؤون فلسطينية بحتة لا دخل لكم بها كحزب أردني ؟ وأؤكد أنه من المستحيل أن يصدر حزبا سياسيا أوربيا بيانا عن مسألة محلية داخلية بحتة في دولة أوربية أخرى ، فلماذا هذا التدخل من الجماعة الأردنية فيما ينبغي أنه لا علاقة لهم به ، إلا إذا كانوا امتدادا أردنيا لحركة حماس الفلسطينية ، لأن ما ورد في وثيقتهم عن مواقف السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس ومؤتمر فتح الأخير ، هو نفس مواقف حركة حماس وتمت صياغته بلغة حماس حرفيا ، وإيراد مقاطع كاملة من وثائقها السياسية ، مما يطرح السؤال الطبيعي : هل هذه الوثيقة صادرة عن جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين أم حركة حماس ؟. وأنا أميل إلى انها وثيقة حماسية مائة بالمائة مضمونا وصياغة ومراوغة وتضليلا ، تبنتها الجماعة التي لا يعرف أحد حدود العلاقة والامتداد والتداخل بينها وبين حماس ، مما يطرح التساؤل مجددا : هل هي حزب سياسي داخل الدولة الأردنية أم دويلة إخوانية حماسية داخل الدولة الأردنية ؟
وبالطبع وحسب عادة حليمة الإخوانجية ، فقد أسهبت الوثيقة في إنشائها عن الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية والأزمة المالية العالمية ، وقضايا التصحر والفقر والبطالة ، والوضع العسكري في الصومال وأفغانستان وباكستان وكافة أنحاء المعمورة ، فهم جماعة شمولية وقوة عظمى يملكون الحلول لكل مشاكل الكون بما فيها مشكلة ثقب الأوزون .

ويبقى أردنيا أن مواقف الجماعة غير منطقية ومليئة بالافتراءات ونكران الجميل لدولة حمتهم حتى أصبحوا حزبا سياسيا رسميا معترفا به ، وهذا لا يعني ولا يستدعي منافقة الدولة والحكومات الأردنية  فهذا أيضا مرفوض ، لأن النقد الهادف البناء ضروري ومن واجبهم الشعبي ممارسته بقوة وشجاعة ، ولكن بدون هذه الافتراءات والمبالغات والتدخل خطابيا في شؤون كافة دول العالم . تفرغوا للشأن الأردني بهدوء ضمن سقف الحريات الديمقراطية الأردنية ، وضمن مجلس النواب الأردني ، وسترون كم ستكسبون من جماهير وشعبية ، أما إسلوب هذه الوثيقة فلا يهدف إلا لصدام علني مع كافة مؤسسات الدولة ، وهذا ليس من مصلحة الأردن دولة وشعبا ، ولا من مصلحتكم كحزب سياسي أردني مرخص حسب القوانين والدستور الأردني .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

300
دلالات غضب وصراحة الملك عبد الله الثاني
د.أحمد أبو مطر

الزيارة المفاجئة التي قام بها الملك الأردني عبد الله الثاني قبل أيام قليلة مرتديا بدلته العسكرية للقيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية ، واجتماعه مع كبار ضباط الجيش الأردني ، متحدثا لهم وبغضب واضح في موضوعات حساسة عايشتها الساحة الأردنية في الشهور الماضية ، حملت العديد من الرسائل والدلالات لمن يعنيهم الأمر في كل موضوع طرحه الملك ، خاصة أن للساحة الأردنية خصوصيتها من نواح كثيرة ، استدعت هذه الزيارة والغضب الملكي . أهم هذه الدلالات عند من يعرف ميدانيا هذه الخصوصيات الأردنية ما يلي :

أولا: لماذا القوات المسلحة الأردنية ؟

هو سؤال منطقي خاصة أن الملك عبد الله الثاني ، كان يستطيع توجيه رسائله الغاضبة هذه من خلال وسائل عديدة ، منها مؤتمر صحفي أو لقاء مع الصحفيين الأردنيين أو مواجهة مع مجلس النواب أو توجيه هذه الرسائل من خلال التلفزيون الأردني وغيرها. لقد كان توجهه للقاء القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية ، لأن هذه القيادة من خلال كبار قادتها ومسؤوليها العسكريين عرفوا بالمهنية العسكرية المنضبطة ، ويعرفون بجدارة حدود مهمتهم وهي الحفاظ على أمن البلاد والعباد فقط ، دون التدخل في أية أمور سياسية أو اقتصاديه أو برلمانية كعادة كبار الضباط العسكريين في العديد من الدول العربية والإسلامية ، وهذه المهنية العالية جعلت الأردن بمنأى عن الاضطرابات والمشاكل والتهورات التي يقود العسكريون بلادهم إليها ، إلى درجة أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق ركن أول خالد الصرايرة ومن سبقه في هذا المنصب طوال نصف القرن الماضي ومن معهم من كبار الضباط  ، من النادر أن يتردد اسمه أو ظهوره في وسائل الإعلام الأردنية، إلا في المناسبات الرسمية والوطنية التي تشارك فيها القوات المسلحة بعكس العديد من الدول العربية والإسلامية حيث كبار العسكر دوما في الواجهة الإعلامية المكتوبة والفضائية. وهذه الخاصية يرصدها بعض المتابعين لمدير دائرة المخابرات العامة الجديد اللواء محمد الرقاد الذي تولى منصبه منذ بداية العام مكرسا نفس المهنية بعكس مدراء سابقين سرقتهم أضواء الإعلام ، فكان حضور أسمائهم وصورهم في وسائل الإعلام أكثر من السياسيين ، وهذه المهنية المتفرغة لأمن البلاد ترفد دور القوات المسلحة الأردنية التي لجأ إليها الملك عبد الله الثاني ، طالبا أن يكون حديثه لكبار الضباط علنيا وموجها من خلالهم للشعب الأردني .

 وهذه الخاصية تعني للملك والشعب الأردني أن القوات المسلحة الأردنية هي المرجع الأساسي في حماية البلد أيا كانت تقلبات السياسيين والحزبيين الذين لن يجدوا صدى لتقلباتهم هذه داخل صفوف القوات المسلحة الأردنية ، وكأن الشعار الداخلي للقوات المسلحة الأردنية الموجه لتلك الأحزاب والسياسيين هو ( لكم تقلباتكم ومواقفكم المتعددة ولنا موقف واحد هو الحفاظ على البلاد ووحدتها ). لذلك كله كانت الزيارة الملكية لتوجيه الرسائل الغاضبة من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية .

ثانيا : مواجهة مثيري الفتنة الداخلية

هذه كانت من أهم رسائل الملك الواضحة الغاضبة ، خاصة أنه في الشهور القليلة الماضية قام بعض الصحفيين الأردنيين بأدوار أقل ما يقال عنها أنها مشبوهة ولا تخدم إلا أجندات خارجية لا تريد للأردن الاستقرار من خلال ضرب الوحدة الوطنية التي لا علاقة لها بالمنابت والأصول المتعددة التي تشكل نسيج المجتمع الأردني  بقدر ما لها علاقة بانتماء الفرد وصدقه في خدمة وطنه . وذلك في ضوء أنه من النادر أن تجد شعبا في الكرة الأرضية يتكون من منبت وأصل واحد . هذه الأقلام الأردنية كانت تتصيد مناسبة وبدون مناسبة لتزرع فتنة بين المكونين الأساسيين للشعب الأردني وهما الأردني من أصول فلسطينية وما يمكن تسميته الأردني الأردني . وقد كانت خطورة أقلام الفتنة هذه أنها تصعد من خطابها الشرير في وسائل إعلام عربية محسوبة على جهات حزبية لا يمكن الشك في أنها لا تضمر الخير والاستقرار للأردن . وقد وصل الحد ببعض هذه الأقلام لاستفزاز الجانب الساكت الهادىء الذي لا يريد الانجرار لمحاولة الفتنة هذه من خلال التشكيك في هدوئهم من خلال تساؤل بغيض : ( فلسطينيو الأردن : صمتكم الذي يوجعنا ) . والهدف من هذا التساؤل هو الانجرار لردود ربما تكون إقليمية كما يتمناها صاحب هذا السؤال و تسيء للوحدة الوطنية الأردنية ، فيتحقق له ما يريد . إن الخبث والعبث في هذا التساؤل لا يمرّ على جاهل أو غبي ، لأنه لا معنى ل ( فلسطينيي الأردن ) إلا التشكيك والفتنة ، لأن غالبية من قصدهم هم أردنيون ولدوا في أرض الأردن ، و إلا ماذا نقول عن الولايات المتحدة الأمريكية التي يتعايش فيها ما لا يقل عن خمسين أصلا ومنبتا ، ولا يزايد أحد على الآخر بأنه ( أمريكي ) أكثر من الآخر ؟. ولنا أن نتصور حجم الخبث والفتنة لو تساءل آخرون من نوعية هذا الصحفي قائلين : ( يا شركس الأردن ) ، ( يا شيشان الأردن ) ، ( يا شوام الأردن ) إلخ المنابت والأصول التي يتشكل منها نسيج المجتمع الأردني ، ومن المؤكد أن الغالبية العظمى من هذه المنابت والأصول لا تعرف عن بلاد الشيشان والشركس وفلسطين إلا ما قرأته في كتب التاريخ ، وبالتالي لا يشكك في انتماء أي منها إلا من يريد الفتنة بين هذه الأصول والشر للأردن عموما.

لذلك كان الملك عبد الله الثاني واضحا بغضب شديد في هذا الموضوع ، عندما أكدّ على أن :

( الوحدة الوطنية خط أحمر ولن نسمح لأحد في الداخل أو الخارج أن يسيء إليها ). ( أكثرية من يحاول الإساءة هم في الداخل وهذا عيب وحرام ). وهذه نقطة ملكية مهمة تؤكد ما قلناه عن تلك الأقلام الأردنية التي تحيلها كتاباتها تلك في أعتى الدول ديمقراطية للمحاكمة والمساءلة ، فما بالك لو قالت هذا الكلام في دول عربية فيها من المنابت والأصول ما هو أكثر من الأردن . والمؤسف أن هذه الفتنة الجوالة وجدت مرتعا لها في أماكن لا يتخيل عاقل أو مجنون أن تصلها تلك الفتنة الإقليمية ، وهي ملاعب الرياضة كما حدث من هتافات مسيئة في المباراة الأخيرة للنادي الفيصلي والوحدات من قبل جهلة من مشجعي النادي الفيصلي ، وقد تعامل معها الملك عبد الله الثاني باستنكار شديد  . وكي نكون موضوعيين فإن اللوم لا يقع على النادي الفيصلي الذي أطلق بعض مشجعيه تلك الهتافات فقط  ، ولكن نادي الوحدات يتحمل أيضا نسبة من المسؤولية من خلال بعض  شعاراته التي يضع فيها اسم القدس ملحقا باسمه ( الوحدات ) ، وكأنه الممثل الشرعي الوحيد لمدينة القدس .

فما دخل مباريات رياضية بهذه الشعارات التي لا يمكن فهمها إلا أنها للمزايدة والفتنة بطريقة غير مباشرة ؟. وهذه الشعارات لا تكون أحيانا إلا للشهرة الكاذبة كما فعل اللاعب المصري ( أبو تريكة ) عندما وضع شعارا لدعم غزة وصمودها على صدره. ماذا قدّم للصمود من خلال هذه الفهلوة التي لم يقصد منها سوى الشهرة الشخصية ، وقد تحقق له منها ما لم يتحقق لصلاح الدين الأيوبي . ولا بد أن نتملك الجرأة للقول أن هناك أفرادا قلائل من الطرفين بهذه الشعارات المتخلفة يعبرون عن جهلهم الذي أثار غضب الملك عبد الله الثاني ، واعتبره ( عيبا وحراما ) . لا أتخيل من يستطيع أن يزايد على من بأردنيته ،؟. إن المزايدة الحقيقية الوطنية في هذا المجال هي الارتقاء بالحفاظ على الوحدة الوطنية للشعب الأردني ، وكلما ارتقى الفرد لتلك القمة بسلوكه وتصرفاته وممارساته ، عندئذ يستطيع اعتبار نفسه أنه أردني أكثر ولاء للأردن من غيره . وعندما يقرر الملك عبد الله الثاني أن ( أكثرية من يحاول الإساءة هم من الداخل ) فهذا صحيح لأن الأردني عندما يكون خارج وطنه لا يسأله أحد عن منبته وأصله طالما هو يحمل الجواز والجنسية الأردنية . من هنا أقولها بصراحة أن هناك صحفيون أردنيون يسيئون لبلادهم أكثر من أي إعلام معادي ، وما يريح في هذا الجانب أن الكثرة من الصحفيين والكتاب هم من الغيورين على وطنهم ووحدته ، بدليل أنهم تعرضوا بجرأة لهذه الفئة القليلة وأطلقوا عليها اسم ( حزب الكتائب ) ، إشارة إلى القتل على الهوية الذي مارسه هذا الحزب أثناء الحرب الأهلية اللبنانية  وهو يفرق بين الفلسطيني واللبناني .

ثالثا : الإشاعات التي تطلقها الصالونات السياسية

إن ظاهرة ما أصبح يعرف باسم ( الصالونات السياسية ) ربما تتفرد بها العاصمة الأردنية ( عمّان ) أكثر من أية عاصمة عربية أخرى ، والملاحظ لمن يتتبع سلوك الشخصيات السياسية الأردنية أنها في الغالب عندها هوس بالبقاء في دائرة الضوء بأي ثمن وأي شكل ، لذلك ما إن تنتهي مدته ( أو صلاحياته ) من الوزارة أو مجلس النواب أو رئاسة دائرة ما ، حتى يفتح صالون بيته أو مضافة عشيرته للزوار وغالبا يجب أن يكونوا من الأنصار والمريدين ، ويبدأ بممارسة التحليل ونقل الأنباء أو فبركتها كي يوهم المريدين أنه ما زال فاعلا ومؤثرا ويحسب له ألف حساب أكثر من زمن أن كان في المنصب . وحسب متابعتي الأردنية فإن غالبية هذه الشخصيات التي انتهت مدة صلاحيتها تقول وتتبنى أفكارا جديدة عكس ما كانت تقول وتمارس وهي في المنصب . ولم تكتف بعض شخصيات الصالونات تلك بالإدلاء بعكس ما كانوا يقولون وهم في المنصب ، بل تجرأت على تكرار ذلك في لقاءات صحفية أو مقابلات تلفزيونية .
ولأنها قلة فقد قال الملك عبد الله الثاني مشخصا هذه الحالة الصالونية : ( الريف والبادية والمخيمات خارج دائرة الإشاعات التي تبدأ في صالونات عمان ومن يقف وراءها ). وهذا تشخيص دقيق لأن سكان الريف والبادية والمخيمات هم من يشكلون الغالبية العظمى من الشعب الأردني ، الذي يعرف طبيعة شخوص الصالونات هذه ، وربما ذاقوا من إهمالهم الأمرين وهم في السلطة ودائرة القرار. لذلك كان الملك واضحا عندما أشار إلى (أن هناك من يسعى إلى التخريب ولن نسمح لهم بتخريب مستقبل الأردن ).

وهذا المستقبل لن تهدده

فزاعة التوطين التي أكدّ الملك  أنه ( ما في قوة قادرة على أن تفرض علينا أي شيء ضد مصالح الأردن والأردنيين ) ، وهي فزاعة لأنه كما قلت في مقالة سابقة لا توطين للاجئين الفلسطينيين في الأردن بدون تواطؤ الشعب الفلسطيني أي ترك وطنه ومطالبته بدولة فلسطينية مستقلة ، وتخاذل الشعب الأردني في قبول هذا التوطين ، وهما موقفان من المستحيل أن يوافق عليها الشعبان الفلسطيني والأردني .

هذه الدلالات للخطاب الملكي من خلال القوات المسلحة الأردنية ، تستدعي العديد من المراجعات من كافة الأردنيين أفرادا وأحزابا وبرلمانا ، ليسأل كل نفسه : ماذا قدم لخدمة الوحدة الوطنية في بلاده ، وماذا قدم لوقف شائعات الصالونات السياسية التي أدانها الملك ، وهي فعلا مصدر بلبلة وفتنة لا يقصد أصحابها سوى البقاء في دائرة الضوء حتى لو على حساب مستقبل الوطن وحاضره . وهذا ينطبق على بعض الأقلام الصحفية في الأردن ، ومن هنا تأتي أهمية تفعيل دور نقابة الصحفيين لوضع آليات لتعميق المهنية والمسؤولية بدلا من دور المتفرج والمعلق على الأحداث بعد وقوعها .

ولا قوة للأردن ولا مستقبل آمن مستقر

إلا بالارتقاء لمستوى التحذيرات الملكية ، وما سيتبعها من تغييرات قادمة محتملة .
ahmad64@hotmail.com

301
كيف تمت سرقة شهر رمضان ؟
د.أحمد أبو مطر

يعتبر شهر رمضان من الشهور الفضيلة المباركة في الدين الإسلامي ، حيث قال فيه الله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينت من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه .....) ، سورة البقرة ، آية 185 . وهو تكريم يليق بهذا الشهر الذي شهد نزول القرآن الكريم كتاب دعوة وهداية ، أسس لخاتم الديانات السماوية ( الدين الإسلامي ) . وبالإضافة لذلك وكونه شهر عبادة فقد تخصص هذا الشهر بما يسمى ( صلاة التراويح ) بعد صلاة العشاء طوال هذا الشهر الكريم ، مقرونة بإكثار المؤمنين الحقيقيين من قراءة القرآن وحفظه لمن يريد ويستطيع . إذن فإن سمات وخصائص هذا الشهر إسلاميا يمكن تلخيصها في : الصوم ، الصلاة ، التقوى ، ذكر الله ، وقراءة القرآن الكريم.
كيف أصبحت ممارسات المسلمين في هذا الشهر؟

طوال قرون مضت ، يمكن وصف ممارسات غالبية المسلمين في هذا الشهر بأنها مظاهر وتدليسات لا تليق بمواصفات هذا الشهر التي ذكرناها ويؤكد عليها كل علماء وفقهاء المسلمين عبر كافة العصور والمراحل ، ويمكن رصد هذه الممارسات التي من خلالها تمت سرقة هذا الشهر ومصادرته :

أولا: سلّي صيامك!!!
الصوم هو الامتناع عن الطعام والشراب من وقت الإمساك إلى وقت الإفطار ، وهي فترة زمنية لا تتعدى 17 ساعة تقريبا في مختلف البلدان ايا كان موقعها الجغرافي ، مما يعني أنه باستطاعة كل من يريد وينوي الصوم أن يجتاز هذه الساعات بدون تعب أو ملل ، وبالتالي فلا يحتاج المؤمن الحقيقي إلى أية وسيلة لتلهيته ومساعدته في تمرير هذه الساعات ، وفي ساعات فراغه من العمل يمكنه تمضية ما تبقى من الوقت في القراءة خاصة القرآن الكريم أو ما يريد من كتب تنسجم مع القول الإلهي ( إقرأ...) . ورغم هذه البديهيات فقد أتحفتنا الإذاعات والفضائيات العربية طوال العقود الماضية ببرامج سخيفة لا معنى ولا فائدة منها تحت مسمى ( سلّي صيامك ) ، وهي سخيفة في غالبها لأنه من عنوانها تعني التسلية أي التلهية لإضاعة الوقت وصولا لساعة الإفطار ، وكأن ساعات الصوم فريضة قاسية مملة تحتاج لمن يتسلى بأي أمر لنسيانها وتمريرها. ومجرد التسمية فيها إهانة للمعاني الكريمة للشهر الفضيل ، لأن مجرد إطلاقها على ممارسة أمر يتعلق بالشهر كقراءة القرآن مثلا لا تنسجم مع المقصود بقراءة القرآن التي هي للعبرة والتقوى وليس للتسلية التي لا تعني سوى أي أمر لتمضية الوقت وصولا للحظة المبتغاة وهي الإفطار عند الصائمين.

ثانيا: فوازير رمضان

وهذه الصرعة لا تختلف في مضمونها وهدفها عن ( سلّي صيامك ) فهي تعتمد على حزازير يقصد منها أيضا التسلية وإضاعة الوقت عبر أسئلة تقترب من الفكاهة، وفي السنوات الأخيرة لجأت الفضائيات والأرضيات العربية إلى التسابق لتقديم الفوازير من خلال الفنانات المشهورات بالعري والإثارة مثل هيفاء وهبي التي ورد في الأخبار أنها ستقدم فوازير رمضان الحالي في إحدى الفضائيات مقابل مليون دولار !!!. وهي في الغالب لا تهدف في مضامينها للتعليم والتثقيف بقدر ما هو التسلية واضاعة الوقت في أمور تافهة رغم الإقبال الجماهيري عليها ، فعلى ماذا سيقبل ستون بالمائة من الشعوب العربية أميون لا يعرفون القراءة والكتابة ، في حين أن مقياس الأمية في أمريكا وأوربا منذ ربع قرن هو هل يستعمل الشخص الكومبيوتر أم لا ؟ ولنا أن نتصور لماذا يعيش العرب وغالبية المسلمين على منتجات التكنولوجيا الأوربية والأمريكية بما فيها الدواء وآلات الطباعة والورق التي نطبع بها وعليها القرآن الكريم . وعندما قامت دعوات عربية وإسلامية لمقاطعة المنتجات الغربية ، هل فكروا أية سيارة سيركبون ، وفي أية ثلاجة سيحفظون الغذاء ، ومن أي دواء سيعالجون مرضاهم ، وهل سيعودون لكتابة القرآن الكريم على الجلود وورق البردي إن وجد ؟.

ثالثا : الصلاة الرمضانية فقط !!
نسبة عالية من العرب والمسلمين لا يعرفون الصلاة إلا في شهر رمضان ، أما باقي شهور السنة فالصلاة مؤجلة للعام القادم ، مما يعني عبر هذه الممارسة أنهم مؤمنون في موسم ما وهو شهر رمضان فقط ، وهذا لا يمكن تسميته إلا أنه ضحك على النفس ، تماما مثل المشهد المألوف بعد صلاة الجمعة في العديد من المساجد في الدول الإسكيندينافية ، حيث يخرج بعض المصلين من صلاة الجمعة ليفتح حقيبة سيارته ويبيع المصلين أيضا المواد المهربة من السجاير وغيرها ، وكأن إيمان ساعة يسمح ويغفر فجور ساعات . وبعض المصلين يؤمن بتأثير الجهلة من الشيوخ أن السرقة من محلات المسيحيين الإسكيندينافيين حلال ، ويمارسها عن قناعة إيمانية في شهر رمضان وبقية الشهور متناسيا أن هؤلاء النصارى هم من منحوه الأمن والأمان والجنسية وراتب شهري من الضمان الإجتماعي وهو شاب في سن العمل، ولكن لماذا يعمل طالما الراتب مضمون وسرقاته متوفرة ، والأدهى من ذلك لا تفوته صلاة في المسجد ، والشيخ الذي يؤمه في الصلوات يعرف ذلك ، ولا يفكر في حثه على العمل والانتاج ليعطي فكرة حضارية عن المسلم قي بلاد الغرب.

رابعا: موائد الرحمن
اشتهرت في غالبية الأقطار العربية خاصة مصر ما أصبحت تسمى ( موائد الرحمن ) التي يقيمها الأثرياء في الشوارع والحارات من خلال خيم يتم نصبها ويقدمون فيها طعام الإفطار بحجة إطعام الفقراء والمحتاجين ، وهي غالبا تقام في الأحياء الغنية أي التي لا يحتاج سكانها للطعام والشراب ، وهي أساسا يقصد منها الشهرة والدعاية الشخصية ، إذ تجد أعلى الخيمة يافطات كبيرة تحمل اسم صاحب موائد الرحمن وعناوينه ووظائفه والمشاريع التي يقوم بها وهواتفه ، وكأن اليافطة ( ويب سايت ) تحمل المعلومات المهمة عن هذا الثري ، وما يقدمه من طعام يكلفه أقل من ثمن الإعلان في جريدة مشهورة إن تضمن الإعلان المعلومات التي تضمنتها اليافطة فوق الخيمة الرحمانية!!!. والسؤال : لماذا لم يفكر صاحب مائدة الرحمن هذا في مشروع صغير يعيل نتاجه بعض الأسر الفقيرة المحتاجة ؟ لماذا لم يقيم بتكلفة هذه الموائد دورات تعليمية لبعض الشباب يتعلمون من خلالها استعمال الكومبيوتر ثم يقدم جهاز كومبيوتر هدية لعدد من الشباب ؟

خامسا: الدعاة المليونيرات

لا يجادل أحد في أنه من الصعب احصاء عدد المحطات والفضائيات المتخصصة في تقديم ما يسمونه برامج (دعوية ودينية ) ، وما أوجدته من طبقة أو فئة تحترف تقديم هذه البرامج دون أن يتوفر عند غالبيتها العلم والمعرفة الدينية التي تؤهلهم لهذا النوع من البرامج ، ولكن من سيحاسبهم في ظل أن غالبية مستمعيهم ومشاهديهم من الشعوب التي لاتقرأ ولا تكتب وغير واعية لأمور دينها؟؟.وجمهور هذه البرامج والفضائيات يفوق مئات المرات جمهور البرامج العلمية والثقافية والسياسية ، بدليل أن هذه الموجة أوجدت طبقة من المليونيرات من هؤلاء الدعاة تتحدث الإحصائيات الموثقة عن عشرات منهم تفوق ثروة الواحد منهم خمسين مليونا من الدولارات . وحسب المعلومات المتوفرة من الساحة المصرية أن كتبا مثل ( الطب النبوي ) باعت ما لا يقل عن ربع مليون نسخة خلال عامين ، في حين ان أشهر كاتب مصري لم تبع من كتبه أو رواياته أكثر من خمسة ألاف نسخة في أحسن الأحوال ، ويستثنى من ذلك روايات ( علاء الأسواني ) التي وزعت رقما قياسيا بالنسبة للمطبوعات العربية.
إزاء كل الظواهر الرمضانية السابقة ألا يحق لنا الإقرار بأنه لقد تمت سرقة ومصادرة شهر رمضان من شهر للتقوى والصبر والعبادة والمغفرة ، ليصبح شهرا للتسلية والدعاية الشخصية والسرقات المختلفة غير المشروعة؟ وهذا يوضح كيف أصبحت ممارسة غالبية المسلمين لإسلامهم مما يذكر بقول المتنبي:

 أغاية الدين أن تحفوا شواربكم    يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
هذا القول لأبي الطيب المتنبي شاعر العرب والعروبة الذي يفتخر به كل العرب ، وأتخيل لو أن هذا البيت صدر عن شاعر أو كاتب معاصر لصدرت من أولئك الدعاة عشرات الفتاوي بقتله أو جلده أو تكفيره ، والملاحظ أن الغالبية لا يتذكرون صدر البيت ( أغاية الدين أن تحفوا شواربكم ) و يتذكرون عجزه ( يا أمة ضحكت من جهلها الأمم ) رغم أن صدر البيت هو الأهم ، لأنه يشخص منذ مئات السنسن كيف تم الانحراف عن المضمون الأساسي للدين نحو المظاهر والاستعراضات والانحرافات التي لا تمت للدين بصلة إيمانية أو علمية عبر دعاة متطفلين على المهنة ، أغلبهم لا يحمل من المؤهلات سوى ( اللحية الطويلة والدشداشة القصيرة ) ...ولنا عندئذ أن نعرف وندرك كيف تمت سرقة ومصادرة شهر رمضان؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com



302
صعود ملامح إمارة حماس الطالبانية في غزة

يتزايد تطور وظهور ملامح إمارة حماس الطالبانية في قطاع غزة ، بعد مرور عامين على انقلابها الأسود على السلطة الوطنية الفلسطينية المعترف بها رسميا ممثلا للشعب الفلسطيني في ما لا يقل عن مائة دولة عربية وأجنبية ، وهو انقلاب لا يمكن تأييده مهما كانت الأسباب التي تطرحها حماس وأنصارها ، فهو يعيد الشعب الفلسطيني لزمن عربي أكثر سوادا قبل أن يمتلك دولة مستقلة ، مما يعني أن الصراع ليس من أجل الدولة أو الوطن أو التحرير ، بقدر ما هو من أجل السلطة والكراسي والنفوذ ، وكل ذلك تسترا بالدين بحكم أن الحركة تضع في اسمها كلمة ( الإسلامية ) ، وهي الخارجة من رحم حركة الإخوان المسلمين ، تلك الحركة التي لم تقدم إيجابية واحدة للشعوب التي عرفتها ، خاصة في مصر وسوريا والأردن والسودان ، بل صراعات وجرائم خاصة في سوريا  والسودان لا تقل عن جرائم أعتى الأنظمة استبدادا ووحشية ، مع ملاحظة أنها في السودان تتم من خلال نظام يدّعي الحكم باسم الشريعة الإسلامية ، وكان بداية انقلابه مؤيدا من الإخوان المسلمين قبل أن ينقلب عليهم  وباسم الإسلام أيضا .

معالم الإمارة الطالبانية في غزة

مرت سنتان وعدة شهور على استيلاء حماس على القطاع عبر انقلابها العسكري ، وخلال هذه المدة القصيرة مارست حماس أعمالا صورة طبق الأصل أو استنساخا شرعيا لممارسات طالبان في أفغانستان قبل سقوطها بفضل المجاهدين الأمريكان في زمن المناضل المؤمن جورج بوش الابن . الاستنساخ الحماسي لممارسات وأفكار طالبان  تجلى في :

أولا: سرقة الجامع

وهذا العنوان اقتباس من عنوان كتاب ( من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة ) للمفكر الليبي المرحوم ( الصادق النيهوم ) ، وأستطيع القول بموضوعية أن هذا العنوان الذي صدر عام 2000 ، ينطبق على إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة ، الذي حرص منذ توليه رئاسة الحكومة في عام 2006 وحتى اليوم بعد إقالته على أن يلقي خطبة صلاة الجمعة في واحد من مساجد القطاع ، وبشكل منتظم يكاد يكون أسبوعيا ، وسرقة الجامع هنا تتجلى في استغلال الجامع من شخص سياسي ينتمي لحركة سياسية واحدة أي لا تعبر عن رأي مجموع الشعب الفلسطيني ، لتقديم وجهة نظر حركته والتنظير لأعمالها بما فيها المرفوضة من غالبية الشعب الفلسطيني وباقي تنظيماته السياسية ، وهذا يعتبر سرقة للجامع عندما لا يكون مسموحا للأحزاب والتنظيمات الأخرى تقديم أفكارها من خلال الجامع نفسه. وكذلك فهذا يعني أن يوم الجمعة ذهب للفتنة والتحريض من طرف ضد بقية الأطراف ، لأن كافة خطب جمعة الشيخ إسماعيل هنية تبرير لأعمال حركته حماس ومواقفها ، خيرا كانت أم شرا ، قتلا لأبرياء أم سجنا أم تشريدا لعائلات بأكملها بحجة أن واحدا منها مسؤول في حركة فتح . هذا بينما خطبة الجمعة ينبغي أن تكون تكريسا لمبادىء الدين الإسلامي كي تتعزز لدى المصلين ، وإسماعيل هنية كسياسي ليس مؤهلا لتقديم خطبة جمعة إيمانية غير مسيسة تنظيميا ، ومنحه شهادة الدكتوراة الفخرية من الجامعة الإسلامية المسيطر عليها من حركته حماس لا يؤهله أيضا لذلك .

ثانيا: الاعتداءات المتكررة على المؤسسات المسيحية

وكي نكون موضوعيين علينا القول صراحة أنه ليس بالضرورة أن تكون حماس وراء هذه الاعتداءات ، ولكن ظهورها بالشكل الاستغلالي للدين ، شجع ظهور جماعات تكفيرية متطرفة منها ما أطلق على نفسه ( جند الإسلام ) ، وقد قامت هذه الجماعات أو الأفراد بعمليات لا يمكن التخيل أنه تحدث في المجتمع الفلسطيني ، ويكفي التذكير ببعضها :

- تفجير المكتبة التابعة لجمعية الكتاب المقدس المسيحية في إبريل 2007 ، وقد ألحق الانفجار دمارا كبيرا بالمكتبة . وقد أدان رامي عياد المسئول في الجمعية هذا العمل الإجرامي ، موضحا أن هذه الكنيسة تقدم مساعدات إنسانية جليلة للفقراء والمرضى في قطاع غزة . وبعد شهور قليلة في أكتوبر 2007 تم قتل رامي عياد ابن الثلاثين من عمره وينتمي للطائفة الانجليكانية ، ولم تفتح حكومة إسماعيل هنية تحقيقا في القتل البشع ، ولم تعلن عن اعتقال المجرمين القتلة .

- اقتحام مدرسة النور المعمدانية في فبراير 2008 من قبل رجال ملثمين ، قاموا بالاعتداء على حراسها ضربا، وعاثوا فيها خرابا وتدميرا ، وهددوا الحراس إن هم عادوا لعملهم في المدرسة.

- تفجير المدرسة الأمريكية  شمال قطاع غزة  في أبريل 2007 علما أن كافة طلابها ومدرسيها من الفلسطينيين ، وقام الجناة بإبلاغ حراس المدرسة رسائل ذات طابع أصولي ، إلا أن تقرير مركز الإعلام الفلسطيني الصادر في 25 أبريل 2007 ، ورد فيه : " إن معلومات أولية تشير إلى مسئولية مجموعة تعمل في إطار القسام ، وهي تحمل نفس بصمات تفجير منتجع الواحة المملوك لصندوق الاستثمار ، والذي يقع في المكان تقريبا ".

- حدثت صدامات مسلحة في منتصف فبراير 2008 بين جماعات من حماس وعناصر تابعة لما يسمى (جيش الإسلام ) بقيادة المدعو ممتاز دغمش ، وذلك بعد اعتقال حماس مجموعة من الجماعة تقف وراء تفجير مكتبة جمعية الشبان المسيحيين ، وبعد تهديد علني من دغمش  قامت حماس بالإفراج عن المعتقلين ومن بينهم واحد من عائلة دغمش ، ونقلت وكالة فلسطين برس في التاسع عشر من فبراير 2008 ما نصه ( أن مصالحة تمت بين قيادات القسام التابعة لحماس وجيش الإسلام بقيادة ممتاز دغمش ، وقام الجانبان بإطلاق الرصاص في الهواء ابتهاجا بهذا الصلح الذي سعت له حماس لتأمن جانب جيش الإسلام ، ولكي يقنعوا دغمش بعدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل ). وهذا يفيد أن هناك نوع من التواطىء بين مجموعات من حماس وهذه الجماعات الإرهابية باسم ( جيش الإسلام ) الذين كانوا قد أعلنوا تسليمهم الجندي الإسرائيلي ( جلعاد شاليط ) لحماس ، على اعتبار أنه كان في حوزتهم لأنهم كانوا مشاركين لحماس في عملية خطفه . وكان دغمش قد هدد المسيحيين في القطاع معلنا أن جماعته هي فرع تنظيم القاعدة في قطاع غزة .

هذه مجرد نماذج من نوعية هذه الجرائم التي تكررت عشرات المرات في أغلب مدن القطاع ، من قبل عصابات تكفيرية إجرامية ، لم يسمع عنها المواطن الفلسطيني في القطاع في زمن السلطة الوطنية الفلسطينية أي قبل انقلاب حماس العسكري وسيطرتها المطلقة على القطاع أرضا وشعبا ، مما يشير علانية أن أجواء حماس المتسترة بالدين الإسلامي ، ساعدت على ظهور هذه الجماعات التكفيرية الإجرامية ، لأن حماس لا تستطيع منعهم وهي تمارس نفس الأعمال وبوحشية زائدة ، ويكفي التذكير بقتل الشاعر المقاتل أبو علي شاور في يوليو 2007 ، وتهديد العديد من الكتاب والمثقفين توقف بعضهم نهائيا عن الكتابة كي يتفادوا غدر حماس المسيطرة على القطاع ، وعمليات التطهير التنظيمي لكل ما هو فتحاوي لدرجة أنه في نوفمبر 2008 منعت الاحتفال بذكرى وفاة الرئيس عرفات ، وفي أغلب مهرجاناتها لا ترفع العلم الفلسطيني بل رايات حماس الخاصة.

ثالثا : جرائم باسم حماية الأخلاق العامة

هذا النوع من الجرائم بدأته حماس قبل انقلابها العسكري ، حيث قامت مجموعة منها بقتل الفتاة الفلسطينية ( يسرى العزامي ) في الثامن من أبريل 2005 ، وهي فتاة محجبة كانت هي وشقيقتها مع خطيب يسرى وخطيب شقيقتها في سيارة قريبا من شاطىء البحر، عندما هاجمتهم مجموعة من كتائب القسام التابعة لحماس ، وقتلت يسرى واعتدت بالضرب على البقية ، وقامت أجهزة السلطة الفلسطينية باعتقال اثنين من القتلة ، واعترفا بانتمائهم لكتائب القسام  بينما رأت حماس أنهم محسوبين على الحركة ولكن لم يتلقوا أمرا من الحركة بقتل يسرى العزامي . وقد شهد القطاع عمليات قتل لأكثر من فتاة و امرأة وجدت جثثهن في المزارع والغابات ، وقد أعلن مركز الميدان لحقوق الإنسان أنه في الشهور السبعة الأولى فقط من عام 2007 ، بلغ عدد النسوة اللواتي وجدن مقتولات في ظروف غامضة 12 سيدة . وعقب استيلاء حماس على القطاع تصاعدت هذه الجرائم باسم ( حماية الأخلاق العامة ) ، وتركزت على :

- تفجير مقاهي الانترنت التي من الصعب إحصاء عددها الذي لم تسلم منه أية مدينة من مدن القطاع ، وأغلب التفجيرات يتم نشر بيانات بعدها باسم ( جماعة سيوف الحق ) معتبرة أن مقاهي الانترنت ( أوكارا شيطانية ) متناسين الخدمات المعرفية التي تقدمها هذه المقاهي لطلاب الجامعات تحديدا في ظل عدم توفر الانترنت في غالبية البيوت الفلسطينية في القطاع ، والانقطاع المتكرر للكهرباء في حين أن هذه المقاهي تعتمد على مولدات كهربائية لتفادي انقطاع التيار. وحسب تقريرلمركز الميزان الحقوقي أنه في الشهور الأربعة الأولى من عام 2007 فقط تم تدمير 19 محلا خاصا ، و 6 مقاهي انترنت ، و 8 مؤسسات أهلية، و 19 مدرسة حكومية ، ومركز تموين لوكالة الغوث .

-  ومهرجانات نشاطات الأطفال لم تسلم من تفجيرات هذه الجماعات التكفيرية المجرمة المتسترة بالدين الإسلامي ، فقد هاجمت مجموعة تسمي نفسها ( السلفية ) مهرجانا رياضيا للأطفال أقامته وكالة الغوث (الأونروا ) في مدرسة العامرية للاجئين في حي تل السلطان غرب مدينة رفح في السادس من مايو 2007 ، قتل فيه مرافق أحد نواب المجلس التشريعي ، وأصيب ثمانية مواطنين بجراح من بينهم طفلان.

وأخيرا فرض الحجاب على المحاميات

وآخر أنباء هذا الصعود الطالباني في إمارة حماس الغزاوية ، هو (  قرار مجلس العدل الأعلى التابع لحكومة حماس في غزة قبل أيام قليلة ، بفرض الحجاب على المحاميات حتى لو كنّ مسيحيات ، من خلال إلزامهن بارتداء الزي الشرعي المخصص لهن أثناء مثولهن أمام المحاكم في غزة ). وينص القرار الطالباني ( على ضرورة ارتداء المحاميات كسوة من القماش الأسود المعروف بالروب الخاص بالمحاميات ، أو البالطو أو ما يماثله ، إضافة إلى غطاء يحجب الشعر كالمنديل أو ما يماثله ). وقد استنكرت نقابة المحامين الفلسطينيين هذا القرار معتبرة أنه اعتداء على الحريات الشخصية . ومن جانبه اعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن هذا القرار الحمساوي ( مخالف للقانون ويشكل تدخلا غير مبرر في شؤون المحامين ، وينطوي على مساس بالحريات الشخصية وحقوق المرأة من خلال فرض ارتداء الجلباب والحجاب على المحاميات ). وطالب التجمع الديمقراطي الفلسطيني للمحامين والقانونيين بإلغاء القرار لأنه ( ينطوي على مخالفة للقانون وانتهاك للحريات العامة التي كفلها القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 خاصة المادتين 10 و 11 ).

وماذا بعد من خيرات طالبانية تخلفية؟

من يتخيل هذا التدهور والتخلف خلال عامين من سيطرة حماس على القطاع ؟ مما يعني أنه كلما استمرت سيطرة حماس المنفردة على القطاع ستسير الأمور نحو الأسوأ تحت شعار ( أسلمة قطاع غزة ) الذي تسعى له حماس رغم نفي بعض مسؤوليها الخجول لذلك ، وهو ما يجمع عليه العديد من الباحثين الفلسطينيين المقيمين في القطاع مثل الأستاذ ناجي شراب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر ، إذ يرى ( أن حماس تستند إلى الدين لتطبيق أهداف كبرى...إن هدف حكومة حماس البعيد هو أسلمة غزة ). وكذلك الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل الذي يرى ( إن حماس تقوم بإجراءات تدريجية لأسلمة المجتمع وتعزيز الثقافة والقواعد الإسلامية ، وهذه الإجراءات سياسة منهجية مقصودة من قبل الحركة ).

ولنا أن نتخيل اهتمامات حكومة حماس موجهة نحو ماذا ، بدلا من فك الحصار ووحدة البيت الفلسطيني مثلا ؟. إن حركة أوصلت الشعب الفلسطيني إلى كل هذا الإحباط والتخلف خلال عامين من السيطرة والحكم ، وما تزال مصرة على السيطرة والحكم ، يثبت أنها تتعلق بالسلطة والكرسي والنفوذ فقط ، أما النتائج فلتكن هي الهاوية بعينها ما دام من يسير نحو الهاوية هو الشعب الفلسطيني باستثناء قياداتها المؤمنة من كل النواحي في الداخل والخارج .

تذكير للسيد إسماعيل هنية

وإزاء هذا التراجع في كافة الميادين في ظل سيطرة حماس على قطاع غزة ، أذكر السيد إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة في عرف السلطة الفلسطينية والشرعي بامتياز في عرف حماس ، بما قاله في الحادي عشر من نوفمبر لعام 2006 في كلمته بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل الرئيس ياسر عرفات ، فقد قال السيد إسماعيل هنية حرفيا: ( إذا خيروني بين رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وبقائي في الوزارة ، فأنا أختار رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ) . فلماذا التشبث بالوزارة يا سيد هنية رغم استمرار الحصار ، وهذا التراجع والتخلف في كافة ميادين الحياة الفلسطينية ، واستمرار الانقسام بين الفلسطينيين بين إمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله ؟ هذا الانقسام الذي جعل الشعب الفلسطيني بعد كل هذه التضحيات ميدانا للضحك والتندر في كافة أنحاء العالم ، حيث يتقاتلون على لا شيء...على دويلات كرتونية على الورق إلى حد أن العديد من الفلسطينيين يترحمون على أيام الاحتلال المباشر . لقد سمعتها بأذني في رفح وخان يونس وغزة ورام الله ونابلس ( سقا الله عأيام الاحتلال )...أليس هذا نتيجة بلاويكم جميعا في حماس وفتح ..ويظل السؤال الذي يحتاج لمعالجة مستقلة : أين المنظمات والفصائل الفلسطينية الأخرى التي تزيد عن خمسة عشر دكانا ؟ لماذا يقتصر دورها على بيانات على شبكة الانترنت فقط ؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com





 

303
لماذا نلوم الاحتلال فقط ؟
د.أحمد أبو مطر

يوجد خلل وتناقض في العقلية العربية عند الحكم على الأعمال والممارسات وتقييمها ، فالمنطق والموضوعية يقتضيان أن ( نفس الفعل أو العمل ) يستحق الحكم والتقييم ذاته بغض النظر عمن ارتكبه ، فعمل الخير يستحق الثناء أيا كانت هوية أو قومية أو ديانة فاعله ، وعمل الشر يستحق الإدانة أيضا بغض النظر عن هوية أو قومية أو ديانة فاعله . إلا أنه في العقلية والممارسة العربية والإسلامية يتم التغاضي عن هذه البديهيات وتجاوزها رغم تعليمات الدين الإسلامي الصريحة التي تنص على أن ( الساكت عن الحق شيطان أخرس ) ، سواء صحت نسبته لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما يرى البعض أو لا كما يرى البعض الآخر. أي أنها كقاعدة أخلاقية لا يجوز السكوت عن قول كلمة الحق في وجه أي شخص كان . من أهم المسائل التي يتم فيها تجاوز هذه القاعدة الأخلاقية في التفكير والممارسة العربية والإسلامية:

أولا : تعريف  ومفهوم الاحتلال

إن تعريف الاحتلال من المفاهيم المتفق عليها في كافة الثقافات ، ويفترض أنه لا يوجد احتلال جميل نصفق له ، واحتلال قبيح نقاومه، فالاحتلال واحد لا خلاف على تعريفه ومفهومه، إلا في العقلية العربية التي لا تحتفظ إلا بذكرى احتلال فلسطين من قبل إسرائيل عام 1948  ، أما احتلال مدينتي سبتة ومليلة من قبل أسبانيا منذ ما يزيد على 500 سنة فلا ذكر لها مطلقا لا في الذاكرة ولا أي منهج دراسي عربي ، وكذلك  لواء الإسكندرونة  المحتل من قبل تركيا عام 1936 فقد أصبح في طي النسيان عربيا ، لدرجة أن النظام السوري في زمن الرئيس حافظ الأسد وقّع على ترسيم الحدود الحالية مع تركيا، أي الاعتراف بتركية اللواء بشكل رسمي ، أعقبه حذف أي ذكر للواء سوري محتل من كافة المناهج السورية . وكذلك احتلال إقليم الأحواز العربي عام 1925 والجزر الإماراتية الثلاث عام 1971 من النظام الإيراني ، أيضا لا يتذكره أحد بل على عكس ذلك هناك كتاب عرب يقولون صراحة بتسمية ( الخليج الفارسي ) وأن إيران كدولة متحضرة أولى بالجزر الثلاث من البدو الإماراتيين وسواهم من بدو الخليج العربي . و قياسا على هذا الفهم الخاطىء يمكن للبعض أن يستعمل نفس القياس اللا وطني ويقول إن إسرائيل المتقدمة والمتحضرة والديمقراطية أولى بفلسطين من شعبها الذي يتقاتل ويوقع خسائر من بني شعبه لا تقل عن خسائره من الاحتلال . في حين أن المنطق والعرف الدوليين يقولان بأن الاحتلال احتلال بغض النظر عن هوية ونوعية الشعب المحتلة أرضه، وضمن هذه الذاكرة العربية المختلة فقد صفق عرب لاحتلال صدام لدولة الكويت عام 1991 ، ولعبا بعواطف الجماهير الجاهلة اشترط صدام انسحاب إسرائيل من فلسطين كي ينسحب من الكويت ، فهل هناك منطق غوغائي وهمجي أكثر من ذلك؟.

ثانيا: تقييم القتل حسب هوية القاتل

وهذه مسألة بنفس خطورة ما سبق ، فأن يقتل المسلم مسلما أو يقتل العربي عربيا ، أو يقتل الفلسطيني فلسطينيا ، فهذا لا يثير الحمية والعنترية لدي العرب والفلسطينيين  والمسلمين ، أما أن يقتل عربيا أو فلسطينيا أو مسلما على يد إسرائيلي أو أوربي ، فهنا تقوم دنياهم ولا تقعد ، رغم أن القتل جريمة بغض النظر عن هوية وديانة القاتل . فمثلا تم تسطير ألاف الصفحات في مقتل المصرية ( مروى الشربيني ) على يد قاتل ألماني ، وتم منحها صفة ( الشهيدة ). إنها بدون نقاش جريمة قتل يستحق مرتكبها الألماني أشد العقوبات ، ولكن ازدواجية المعايير العربية تجعلنا نسأل :

- وماذا عن مئات جرائم القتل شهريا في الدول العربية والإسلامية تحت غطاء كاذب اسمه ( غسيل الشرف ) ، وفي أغلب الأحوال يتم قتل الفتاة على يد أخيها أو واحد من أقاربها ، ويعلن ذلك صراحة ، وتستقبله نساء الحارة وأهل القتيلة بالزغاريد والتبريكات وتوزيع الحلويات الفاخرة ...من يكتب أو يتظاهر ضد ذلك رغم أن الطب الشرعي أثبت أن ما يزيد على 95 في المائة من أولئك القتيلات كن عذراوات ، أي أنه لم يكن هناك ( شرف رفيع قد لحقه الأذى ) ( كي تسال على جوانبه الدماء ).

- وماذا عن القتل بسبب الأفكار التي انتشرت منذ منتصف القرن الماضي ، بحيث أصبحت مصدر هلع وخوف لعموم الكتاب والمفكرين العرب ، خاصة بعد أن تم قتل الكاتب المصري فرج فودة في الثامن من يونيو عام 1992 ، وكان قد استقال من حزب الوفد الجديد لرفضه تحالف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات عام 1984 ، وحاول بعد ذلك تأسيس حزب جديد باسم ( المستقبل ) ، وكان ينتظر موافقة لجنة شؤون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى المصري ، في حين شنّت جبهة علماء الأزهر هجوما عنيفا عليه ، مطالبة بعدم الترخيص لحزبه المقترح ، وأصدرت الجبهة بيانا في جريدة ( النور ) يكفر فرج فودة ووجوب قتله ، وكان أن قام واحد من الجهلة بتنفيذ طلب القتل هذا ، وأقول ( واحد من الجهلة ) ، لأنه في محاكمته كقاتل سئل :
- لماذا اغتلت فرج فودة؟
- لأنه كافر.
- ومن أي من كتبه عرفت أنه كافر؟
- أنا لم أقرأ كتبه .
- كيف؟
- أنا لا أقرأ ولا أكتب.

وأعقب ذلك محاولة قتل الروائي نجيب محفوظ  في أكتوبر 1995 قبل أن يتوفى وفاة طبيعية في أغسطس 2006 . وكذلك تهديد الدكتور نصر حامد أبو زيد وهروبه من مصر إلى هولندا منذ ما يزيد على عشر سنوات . وتدور الآن معركة حامية في جبهة علماء الأزهر وغيرها ضد منح وزارة الثقافة المصرية جائزة الدولة التقديرية إلى الأستاذ سيد القمني و الدكتور حسن حنفي ، ويطالب الشيخ يوسف البدري بسحب الجائزة منهما.

كل هذا القتل المادي والمعنوي

لا يهم العرب والمسلمين ولا يثير حميتهم وضمائرهم ، لأنه قتل عربي لعربي أو فلسطيني لفلسطيني ، أما قتل مروى الشربيني على يد ألماني والطفل الفلسطيني محمد الدرة على يد الجيش الإسرائيلي ، فهذه أعمال قتل استدعت أطنانا من البكائيات و الندب واللطم وصفة الشهيد والمطالبة بالثأر..الثأر..الثأر!!!.

وضمن الملف الفلسطيني المخزي

من يصدق الأخبار الموثقة التالية ؟ ومن سوف يحتج عليها من العرب والفلسطينيين ؟ وقارنوا ذلك بنفس الغضب والعنتريات التهديدية لو صدرت هذه الأفعال نفسها عن الاحتلال الإسرائيلي ؟ تقول هذه الأخبار :

الزهار : حماس تمنع عناصر فتح من السفر

كشف القيادي في حماس محمود الزهار يوم الجمعة الرابع والعشرين من يوليو الحالي  ( أن حركة حماس قد لا تسمح لعناصر فتح في غزة بالسفر إلى الضفة الغربية للمشاركة في مؤتمر حركتهم السادس المقرر عقده في الرابع من شهر أغسطس القادم في بيت لحم بالضفة الغربية ). ورغم الوساطة المصرية بهذا الشأن قال الزهار للصحفيين عقب صلاة الجمعة ( نحن نقول الحسنة بالحسنة والسيئة بالسيئة ) . ومن المهم إحالة هذا التعليل لجبهة علماء الأزهر كي يعطوا الشعب الفلسطيني تفسيرا له !!!. فكم من البكائيات كنا سنذرف لو كان هذا المنع من الاحتلال الإسرائيلي ؟.

الزهار : زيارة عباس إلى غزة مرفوضة

وعن احتمال زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى قطاع غزة ، قال محمود الزهار : ( هذا أمر غير مقبول على الإطلاق لأسباب أمنية. كيف سيعود أبو مازن في ظل هذا الوضع الأمني ؟ وكيف سيكون استقباله؟ ).

تصوروا أو تخيلوا لو كان هذا المنع من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، كم كان الفلسطينيون والعرب سيرسلون من اللعنات ضد الاحتلال ؟. يتحجج الزهار بالوضع الأمني ، أما قيادات حماس لا يعرف هو من يؤمن لها تنقلها العلني في كافة مدن القطاع ومخيماته .

قتلى الفلسطينيين في حروب حماس وفتح

منذ الانقلاب العسكري لحماس في قطاع غزة في يونيو 2007 أي قبل قرابة عامين وشهر ، اندلعت الحرب بين حماس وفتح في غزة ، وحسب المصادر الفلسطينية فقد وقع في تلك الحرب الداخلية ( لا علاقة للاحتلال بها ) ما يزيد على 700 قتيل و 3500 جريح ومعاق ، بالإضافة للمئات الذين ما زالوا في السجون لدى الحركتين . فمن من العرب والفلسطينيين بكى هؤلاء القتلى ؟ من يتذكرهم اليوم غير أهالي القتلى ؟. أما الطفل محمد الدرة فتكتب فيه حتى اليوم القصائد والمرثيات لأنه قتل بواسطة الاحتلال فقط ، أما القتلى الفلسطينيين بيد فلسطينيين فليس مهما ، فمرة ( الدم ما بيصير مية ) و مرة ( الدم بيصير أرخص من مياه المجاري ).

وكذلك قتلى دارفور

هولاء القتلى من الشعب السوداني في إقليم دارفور الذين تقدرهم أغلب التقارير الدولية المحايدة بربع مليون قتيل ، والرئيس السوداني عمر البشير نفسه يقول أنهم لا يزيدون عن تسعة ألاف قتيل!! من يتذكرهم أو يبكي عليهم من العرب ؟ لا أحد لأنهم سودانيون قتلوا بأيدي سودانيين ، إلى درجة أن الجامعة العربية رفضت قرار المحكمة الدولية بتسليم عمر البشير لمحاكمته.

وأخيرا هذه البشرى من إسماعيل هنية

قال إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة ، أي غير الشرعية من وجهة نظر السلطة الفلسطينية في رام الله ، وشرعية ونص من وجهة نظر حماس في غزة ، قال مبشرا الشعب الفلسطيني يوم الجمعة الرابع والعشرين من يوليو الحالي : ( إن طريق اتفاق المصالحة الفلسطيني ما زال طويلا محملا قيادة فتح المسؤولية ) ، وحركة فتح تحمل قيادة حماس المسؤولية ، والنتيجة الميدانية انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية لزمن طويل ، ومن ضمن نتائجه إقفال القطاع في وجه أبناء الضفة ، وإقفال الضفة في وجه أبناء القطاع ، كما هو حاصل في تهديد حماس بمنع أعضاء فتح في القطاع من التوجه إلى الضفة للمشاركة في مؤتمر حركة فتح .

هذه الأعمال من الفلسطينيين

بحق بعضهم البعض وإقفالهم القطاع والضفة في وجه من يخالفهم تنظيميا ، لن يتوقف عنده أحد من الفلسطينيين والعرب والمسلمين ، أما إقفال معبر رفح من سلطات الاحتلال الإسرائيلي فيستحق الصراخ والإدانة والدعاء بالموت والفناء . إنها ازدواجية المعايير العربية التي تنظر لما يفعله العربي بحق العربي أمرا عاديا لا يستحق التوقف عنده ، أما إن ارتكب نفس العمل أجنبي بحق العربي فهذا عمل إجرامي يستحق الإدانة والعقاب ....وتذكروا المثل العربي الشائع والمطبق في حياتنا اليومية ( أنا و أخوي على ابن عمي ، وأنا وابن عمي على الغريب )!!!. ولله في خلقه شؤون !!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com



 

304
صائب عريقات:
لم تكن صائبا في طلبك وساطة إيرانية

د.أحمد أبو مطر

ورد في الأنباء يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من يوليو الحالي منسوبا إلى حسن قشقاوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ، أن ( صائب عريقات مسؤول ملف المفاوضات الفلسطينية ، اجتمع مع منوشهر متكي وزير الخارجية الإيراني ، على هامش اجتماعات قمة دول عدم الانحياز التي انعقدت في شرم الشيخ ، وأن صائب عريقات طلب من متكي مساعدة إيران لإتمام المصالحة بين فتح وحماس ). إلى هنا ينتهي هذا الخبر العجيب الغريب لأسباب كثيرة تدل على تخبط المسؤولين الفلسطينيين وخلطهم لألوان مختلفة لا علاقة لها بألوان العلم الفلسطيني ، ولا بآلية التحالفات والعلاقات الفلسطينية التي هي أساسا (عربية ) بحكم الموقع والجوار على الأقل . وغرابة هذا الطلب غير الصائب تنبع من عدة اعتبارات:

الأول: ما هي علاقة إيران بالقضية الفلسطينية ؟

سوف تجد من يقول لك أن القضية الفلسطينية هي قضية إسلامية بحكم وجود المسجد الأقصى في مدينة القدس ، لكن هذا مجرد وهم يفتعل في عواطف البعض ، وأكرر البعض إذ أتحدى أن تكون غالبية المسلمين فيما عدا الدول العربية يعرفون معلومة واحدة عن القدس كمدينة أو فلسطين كبلد ، بدليل أن تركيا وهي من أكبر الدول الإسلامية وأقواها اقتصاديا وعسكريا من أوائل الدول التي اعترفت بقيام دولة إسرائيل ، وتربط الدولتين علاقات اقتصادية وعسكرية من المستحيل وجودها بين دولتين عربيتين أو إسلاميتين . وفيما يتعلق بإيران ستجد من يقول لك : هل نسيت أن الإمام الخميني قطع علاقات إيران بإسرائيل وفتح سفارة لفلسطين محل السفارة الإسرائيلية ؟ وهل نسيت تصريحات أحمدي نجاد المهددة بتدمير إسرائيل ومحوها من الخريطة ؟ وهل نسيت تصريحات نجاد المنكرة للهولوكست ؟. أقول كل ذلك لم أنساه ، ولكن تقييمي له أنه لا يعدو أن يكون للاستهلاك المحلي والعربي لكسب عواطف الجماهير (الغفورة ) ، وهذه التصريحات كسبت منها دولة إسرائيل أكثر مما خسرت ، بدليل تثمين ساسة إسرائيليين لتهديدات نجاد الورقية الغوغائية لأنها جلبت تعاطفا دوليا مع إسرائيل غير مسبوق خاصة ضد برنامجها النووي ، وقال بعض الإسرائيليين حرفيا : ( إن نجاد قدّم من حيث لا يدري أكبر مساعدة للدولة العبرية ). ولا أحد يستطيع نسيان فضيحة ( إيران جيت ) التي أمدت إسرائيل من خلالها الإمام الخميني بالسلاح طوال حربه مع العراق في زمن صدام حسين .

والغريب الملاحظ دليلا على غوغائية أحمدي نجاد هو تنقله من موقف إبادة إسرائيل إلى موقف اسمه (القبول بما يقبل به الشعب الفلسطيني حتى لو كان حل الدولتين ) ، أي أنه يقبل بوجود إسرائيل التي يقبل بها الشعب الفلسطيني ضمن حدود عام 1967 . فكيف يمكن الاطمئنان لصاحب هكذا مواقف بهلوانية كي يطلب منه صائب عريقات الوساطة بين فتح وحماس؟. ومن المهم التذكير بتصريح أحد نواب نجادي وهو صهره اسفنديار رحيم مشائي ( ابن نجاد متزوج من ابنة مشائي ) الذي أطلقه يوم العشرين من يوليو 2008 في مؤتمر إيراني حول السياحة ونقلته حرفيا وكالة أنباء فارس الرسمية ، حيث قال : ( إن إيران اليوم هي صديقة الشعب الأمريكي والإسرائيلي ، ما من أمة في العالم هي عدوتنا وهذا فخر لنا ). وبالتالي فلا يمكن تمييز مواقف إيران السياسية بخصوص القضية الفلسطينية عن مواقف باقي الدولة الإسلامية ، مما يجعل طلب عريقات الوساطة من إيران تحديدا لا معنى له وخارج عن السياق .

ثانيا : تجاهل الدور المصري المستمر منذ سنوات

إن هذا الطلب من عريقات لا يمكن فهمه من البعض إلا أنه تجاوز للوساطة المصرية منذ سنوات ، وقد انتهت آخر جولات حوارها الفتحاوي الحمساوي منذ أيام على أساس العودة للحوار في نهاية الشهر القادم . ولا يستطيع إنسان منصف إلا أن يعترف بأن الساسة المصريين تحملوا ما لا يحتمله الكثيرون في وساطتهم التي لم تنقطع منذ عدة سنوات ، خاصة الفريق عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية الذي أبدى صبرا منقطع النظير مع المماطلات التي يبديها الطرفان الفلسطينيان ، وهي مماطلات لا علاقة لها بمصلحة الشعب الفلسطيني بقدر ما هي حرص على الاستئثار بالسلطة والنفوذ والمال والشرطة . وأن يأتي طلب صائب عريقات الوساطة الإيرانية والجهود المصرية ما زالت مستمرة بموافقة فتح وحماس ، فهذا الطلب لا يعني سوى مراهقة سياسية لا تقدر الجهود المصرية ، وطلب غير صائب ممن لا يملك النية ولا القوة لتحقيق مصالحة فلسطينية .

ثالثا : تنظيمات تحتاج لوساطة خارجية لا تستحق الاحترام

وهذه المسألة من النادر أن يتوقف عندها المحللون والمتابعون السياسيون ، رغم أنها توحي بسبب فشل الحوار الفلسطيني . لقد سبق الوساطة المصرية المستمرة وساطة سعودية أسفرت عن توقيع ( اتفاق مكة ) في الثامن من فبراير 2007 بين وفدي حركة فتح وحماس ، وما إن وصل الطرفان إلى غزة ورام الله حتى بدأت الحرب والتطهير التنظيمي بين الحركتين متجاهلين الوساطة السعودية والاتفاق الذي نصّ على حرمة الدم الفلسطيني . وبعد ذلك جاء ( اتفاق صنعاء ) في الثالث والعشرين من مارس 2008 ، ليتنصل منه الطرفان فور مغادرتهم صنعاء ، متهمين بعض بالتنصل من الاتفاق وهم لم يصلوا غزة ورام الله بعد. وبعد ذلك استأنفت مصر وساطتها التي لم تتوقف أساسا ، وما زال الطرفان يتفسحان في فنادق القاهرة للسنة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة ، وكل جولة بينهم تنتهي بمزيد من تأصيل الانقسام بين إمارة حماس  في غزة ودويلة فتح في رام الله . والسؤال لصائب عريقات : تنظيمات فلسطينية لم تسمع صراخ وآلام شعبها ، ولم تنجح معها الوساطة السعودية واليمنية والمصرية ، هل كان منطقيا أن تطلب وساطة إيران؟

طلب غير صائب وخارج عن السياق

لذلك فإن هذا الطلب من صائب عريقات غير صائب بالمطلق وخارج عن السياق الفلسطيني والعربي ،و سيؤدي إلى نتائج سلبية ، خاصة في ظل التوتر العلني بين مصر و إيران ، وقطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران اعتبارا من السادس من شهر مارس 2009 .  وأيضا استغلت إسرائيل هذا اللقاء بين عريقات و متكي  كي تستعمله حجة ضد السلطة الفلسطينية ، فقد رفض عوزي آراد مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي لشؤون الأمن القومي لقاء صائب عريقات بسبب هذا اللقاء، في حين نفى عريقات أنه طلب لقاء مع المسؤول الإسرائيلي ....هذا ولم تصدر عن الجانب الإيراني حتى الآن أية خطوة أو تصريحات على طلب عريقات الوساطة ، ربما لأن الجانب الإيراني يعرف أنه لا يستطيع تقديم أية خطوة إيجابية في هذا الشأن...فحوار فشل في مكة وصنعاء والقاهرة ، لن ينجح في طهران خاصة في ظل الرؤية الفلسطينية بأن إيران منحازة لمواقف حماس ، رغم أن التصريحات الإيرانية التي سبق ذكرها تدلل على أن إيران ليست في خصومة مع إسرائيل رغم تصريحات أحمدي نجاد التي تراجع عنها . بالإضافة إلى أن الموقف داخل إيران غير مستقر بعد المظاهرات والاحتجاجات الأخيرة ضد النظام ، مما يوحي بأن النظام نفسه ربما يحتاج لوساطة بينه وبين الرموز الإصلاحية التي أعلنت موقفا صريحا ضد النظام....وهنا ربما تقوم الصومال بالوساطة بين الفلسطينيين وبين النظام الإيراني وخصومه.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com




305
خطبة رفسنجاني : شرخ جديد في نظام الملالي

د.أحمد أبو مطر

تداعيات مظاهرات الشعب الإيراني الأخيرة التي وصلت حد انتفاضة جماهيرية ، لم تتوقف رغم تراجع واضح لنسبة وعدد المتظاهرين في الشوارع ، خاصة بعد خطبة علي خامئني يوم الجمعة التاسع عشر من يونيو 2009 التي توعد فيها المتظاهرين باستعمال القوة المفرطة ضدهم ، إن استمروا في تظاهراتهم واحتجاجاتهم التي أخذت بعدا أكبر من الاحتجاج ضد نتيجة الانتخابات بل ضد هيكلية النظام نفسه ، القائمة على فكر مطلق غير قابل للنقاش كونه يتمتع برضا وتأييد ( ولي الفقيه ) الذي يعني في المنظور الخميني ، وكيل الله في الأرض وبالتالي من له الحق في مناقشة وكيل الله المنزه عن الخطأ والضلال ، بدليل أن خامئني أثناء تهديده للمتظاهرين ، أعلن صراحة أن نظامه لن يستجيب لمطالب الشارع الإيراني بأي شكل ، مذكرا هذه الجماهير المنتفضة ( أن إيران ليست جورجيا ) ، مشيرا بذلك للثورة الوردية السلمية التي قامت بها جماهير الشعب الجورجي في نوفمبر من عام 2003 ، وانتهت خلال ساعات بالإطاحة بالرئيس إدوارد شيفرنادزة ، وهرب من الباب الخلفي للبرلمان أثناء إلقائه كلمة في برلمان اتهمته المعارضة بتزوير انتخاباته . وخامئني أراد أن يقول للمتظاهرين الإيرانيين ( أنا خامئني و وكيلي أحمدي نجاد لسنا شيفرنادزة كي نسمع لمطالب الجماهير ، فعودوا لبيوتكم و إلا ستواجهون بالعنف ) ، وهو أساسا لم ينتظر فقد أوقعت صدامات شرطته ومخابراته مع الجماهير المتظاهرة سلميا عشرات القتلى  ومئات المعتقلين من بينهم العشرات من الصحفيين الإيرانيين .

شهادة خامئني بحق رفسنجاني

دافع ولي الفقيه علي خامئني في خطبة الجمعة تلك عن رئيس مجلس تشخيص النظام ورئيس مجلس الخبراء علي أكبر هاشمي رفسنجاني رافضا الإساءة إليه ، وقال عنه حرفيا : " إنني أعرف رفسنجاني منذ 52 عاما وهو من المناضلين في الثورة الإسلامية ، وكان إلى جانب الإمام روح الله الخميني وهو يقف إلى جانب القيادة حاليا ) . كانت هذه الشهادة بحق رفسنجاني في التاسع عشر من يونيو 2009 ، فماذا قال رفسنجاني بحق النظام في خطبته يوم الجمعة السابع عشر من يوليو الحالي في جامعة طهران أي بعد شهر ويومين من شهادة خامئني الإيجابية للغاية بحقه ؟.

رفسنجاني يشكك في نزاهة النظام

كان المتوقع من ولي الفقيه وأعوانه أن يكون موقف رفسنجاني داعما لهم بعد تلك الشهادة الإيجابية بحقه من ولي الفقيه علي خامئني شخصيا ، إلا أن رفسنجاني خيّب آمالهم في خطبة الجمعة المذكورة في جامعة طهران ، نفس المكان الذي ألقى فيه خامئني خطبته المتضمنة الدفاع عنه ، فماذا قال رفسنجاني في خطبته عن النظام ؟

- ( ما الذي علينا فعله في هذا الوضع ؟. إنّ مهمتنا الأولى هي استعادة الثقة التي كانت لدى الشعب والتي فقدت اليوم إلى حد ما ).

- ( ليس من الضروري في الوضع الراهن أن يتم سجن الناس . دعوهم يعودون لعائلاتهم ، يجب علينا أن لا نسمح لأعدائنا بأن يلوموننا وأن يهزأوا بنا بسبب الاعتقالات . علينا أن نسامح بعضنا البعض ).

- ( إن عددا كبيرا من حكماء البلاد قالوا أن لديهم شكوكا حيال نتائج الانتخابات ، وعلينا إذن أن نعمل من أجل الرد على شكوكهم ).

- ( لقد خسرنا كل شيء . نحن اليوم بحاجة أكثر من أي وقت إلى الوحدة...أولئك الذين أصيبوا في الحوادث بحاجة إلى التعويض عليهم ).

- ( إن ما يجري في البلاد هو الأزمة السياسية ).

وبالإضافة لما سبق ،
طالب رفسنجاني بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين فورا ، ورفع القيود عن عمل الصحافة كخطوة  لتهدئة التوترات ، كما انتقد صراحة ( مجلس صيانة الدستور ) معتبرا أن المصادقة على نتائج الانتخابات لم تستغل المهلة المحددة للتحقق من الأصوات . فهل هناك تشكيك بالنظام وفقدان الثقة به أقوى من هذه الشهادات الصادرة من شخصية لها هذه المناصب المهمة الآن ، وكان رئيسا سابقا للجمهورية الإيرانية ؟.

لذلك كان الهجوم عليه عنيفا

من العديد من أنصار ( الديكتاتور ) و ( الخصوم ) كما هتف المصلون الذين استمعوا لخطبته ، دون أن يسمّوا من هو ( الديكتاتور ) رغم أنه معروف للجميع فهو ( أحمدي نجاد ) و ( الخصوم ) هم خصوم المعارضة والمتظاهرين ...وعينة من هؤلاء الخصوم الذين هاجموا رفسنجاني :

محمد يزدي عضو مجلس صيانة الدستور

لقد هاجم رفسنجاني بعنف متهما إياه أنه وراء المظاهرات التي شهدتها إيران . ( إن الصمت الطويل لهاشمي رفسنجاني والذي تجاوز 50 يوما، يوضح أن الرجل كان وراء الاضطرابات التي حدثت في البلاد....إن هذا الرجل طرح أمس شبهات تتعلق بالانتخابات وموضوعات فقهية وأصولية تتناقض وفكر الثورة السياسي والاعتقادي  ). وأخطر ما جاء في هجوم يزدي قوله : ( إن شرعية الحكومة مستمدة من الله ، وموافقة الشعب لا تعني شرعية الحكومة . لقد أهمل رفسنجاني هذا المبدأ الإسلامي وتحدث وكأن الحكومات يعينها الشعب فقط ). ولا أعتقد أن هناك شمولية وديكتاتورية استبدادية أكثر من هذا القول ، فأي مبدأ إسلامي يعتبر الحكومات المشكلة من أفراد مختلفي التوجهات في كل دولة ، تستمد شرعيتها من الله تعالى؟. وهذا يعني في النتيجة الميدانية عدم أحقية وأهلية أي شخص أن ينتقد الحكومة كونها تستمد شرعيتها من الله .

وكذلك حسين شريعتمداري

رئيس تحرير صحيفة كيهان اليومية فقد اتهم هاشمي رفسنجاني بمساندة الخارجين على القانون ، وانتقد توصيف رفسنجاني لما تمر به إيران بأنه ( أزمة سياسية ) ، معتبرا أنها مؤامرة . وهذا يعني في عرفه أن ما لا يقل عن ثلاثة ملايين إيراني تظاهروا ضد النظام وقمعه ، هم مجرد حفنة من المتآمرين دون أن يقول لحساب من تآمروا!!. ووصف شريعتمداري خطبة رفسنجاني ب ( أنها الأسوأ في تاريخ الثورة الإيرانية ). وهذا صحيح من وجهة نظره المؤيدة للنظام ، لكنها ألأجرأ في تاريخ الثورة لأنها جاءت بهذه القوة من داخل صفوف قيادات الثورة ، ومن شخص بحجم ووزن وتأثير رفسنجاني . ومن المعروف إيرانيا أن ولي الفقيه علي خامئني هو من يعين شخصيا رئيس تحرير صحيفة كيهان لذلك فهي الصحيفة الناطقة باسم النظام وملاليه .

وأيضا وزير الاستخبارات الإيراني

غلام حسين محسني هاجم رفسنجاني  لأنه كان ضد ترشيح أحمدي نجاد ، وفي هذه النقطة استعمل شماعة إسرائيل لأنها حسب قوله ، كانت مثل رفسنجاني لا تريد ترشيح ونجاح أحمدي نجاد . لكنه لم يقل لنا ما هو تصنيفه للملايين الإيرانية التي تظاهرت ضد النجاح المزور لنجاد في الانتخابات ، فهل هذه الملايين الإيرانية أيضا تأتمر بأمر إسرائيل ؟.

ما هو هدف رفسنجاني من هذه الانتقادات ؟

اختلفت الآراء والتحليلات ، فمنها من يرى أنه يعرض وساطة بين المعارضة والنظام القائم ، إلا أن التدقيق في نوعية هذه الانتقادات التي أوردها لا توحي بذلك ، فأية وساطة بين المعارضة ونظام يرى رفسنجاني أنه فقد ثقة الشعب  وأنه يمر بأزمة سياسية ، ويشكك بشكل غير مباشر في نتائج الانتخابات الأخيرة بدليل أورده هو مصادقة مجلس صيانة الدستور على فوز أحمدي نجاد قبل انتهاء المدة المقررة للتدقيق في نتائج الانتخابات . لذلك فإن الرأي الأكثر إقناعا هو أن رفسنجاني يهدف إلى تغيير في بنية النظام وأفكاره وممارساته بدليل ما أعقب خطبته هذه :

أولا: استمرار المظاهرات رغم القمع العنيف

وذلك فورا عقب انتهاء خطبه وصلاة الجمعة في جامعة طهران ، فقد خرج للشوارع ألاف من مؤيدي المعارض مير حسين موسوي ، وانتشر ألاف منهم في الحرم الجامعي وهم يلفون معاصمهم برباطات خضراء ، اللون الذي كان رمزا لحملته الانتخابية ، وكعادتها تدخلت الشرطة وعناصر ميليشيا الباسيج لتفريق المتظاهرين بقوة وعنف وعيارات مطاطية ، واعتقلت العشرات من بينهم الناشطة البارزة والمحامية شادي صدر ، وكان المتظاهرون يرددون ( أحمدي نجاد...استقل...استقل...استقل ). وقد ذكر موقع ( حزب اعتماد ملي ) بزعامة مهدي كروبي أن الشرطة اعتدت عليه ، وقد صرّح بذلك نجله حسين قائلا : ( عندما ترجل والدي من سيارته عند مدخل الجامعة ، هاجمه رجال باللباس المدنية وشتموه وأوقعوا عمامته أرضا ، لقد قذفوه بعبارات نابية وبذيئة...وبعد ذلك شاهدت مسؤولا بالزي المدني يهنىء رجاله على ما أنجزوه من عمل جيد ).

ثانيا : مواقف محمد خاتمي الجديدة

فقد دعا الرئيس الإيراني السابق محمد علي خاتمي يوم الأحد التاسع عشر من يوليو الحالي إلى إجراء استفتاء عام حول الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران . وقال خاتمي : ( إن الاستفتاء هو السبيل الوحيد لاستعادة ثقة الشعب الإيراني في نظام الحكم في البلاد...إن الشعب يجب أن يستفتى حول ما إذا كان راضيا عن الأوضاع الحالية ؟..إن استمرارية النظام وتواصل التقدم في البلاد رهن باستعادة ثقة الشعب ). وقد أيدته في دعوته هذه ( جمعية رجال الدين المجاهدين ) التي تضم رجال الدين الإصلاحيين ، معتبرة (أن ملايين الإيرانيين فقدوا الثقة في العملية الانتخابية ).

وهذا هو خاتمي وجمعية رجال الدين المجاهدين  يؤكدون على الثقة المفقودة بين النظام والشعب التي أشار إليها أيضا هاشمي رفسنجاني ، لذلك فإن كل هذه التطورات مجتمعة تؤكد أن شرخا كبيرا حصل بين النظام والشعب الإيراني ، مما يعني أن أنظمة الاستبداد الشمولية لن يطول عمرها ، فنظام الملالي رغم تستره بالدين لن يكون في مواجهة الشعب الإيراني أقوى من نظام الشاه البائد . وتبقى أهمية الإشارة إلى أن كل هذه الملايين المتظاهرة ومعها كل هذه الشخصيات الإصلاحية ، من المستحيل أن تكون كلها عميلة للخارج ، بل إنها عميلة للشعب الإيراني الذي فاض به الكيل .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com






306
فاروق القدومي: تحت الأضواء ولو على جثة فتح!!
د.أحمد أبو مطر

التصريحات التي أطلقها فاروق القدومي في لقاء خاص ( وليس مؤتمرا صحفيا ) مع بعض الصحفيين في  منزله في العاصمة الأردنية ، كانت محل اهتمام الجميع إعلاما وأفرادا ، خاصة أنه يتهم صراحة الرئيس محمود عباس و رئيس الأمن الوقائي السابق محمد دحلان بالمشاركة مع الحي الميت شارون في اغتيال الرئيس عرفات الذي توفي في العاصمة الفرنسية في نوفمبر من عام 2004 أي قبل قرابة خمس سنوات .هذا الاتهام من خلال ما اعتبره القدومي وثيقة محضر اجتماع بين عباس ودحلان وشارون ووفد أمني أمريكي ، يزعم القدومي أنه حصل عليه منذ أربعة سنوات ، وهذا الزعم يثير بعض التساؤلات والملاحظات ، منها :

أولا: لماذا سكت أربع سنوات؟

وهو سؤال منطقي ومهم خاصة أن الذي يزعم حصوله على هذه الوثيقة المحضر هو فاروق القدومي  مسؤول الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية ، رغم أنها أصبحت بعد عودة السلطة الفلسطينية للضفة الغربية وقطاع غزة مجرد منصب شكلي لا قيمة ولا دور له سوى مناكفة المنصب الجديد لوزير الخارجية الفلسطيني أيا كان اسمه . هذا بالإضافة إلى أن القدومي هو أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح منذ وفاة الرئيس عرفات ، وهو أيضا مجرد تسمية شكلية فأية لجنة مركزية يقودها القدومي ، وهذه اللجنة المركزية لم تتمكن من عقد مؤتمر لحركة فتح منذ عشرين عاما ، وغالبية أعضاء لجنتها المركزية إما توفوا أو تشتتوا بين تونس وغزة والضفة وتونس ، وبعضهم تمت تنحيته نتيجة عمليات تهريب ، أي أنه أمين سر نفسه فقط  لأنه لا وجود فعلي للجنة مركزية للحركة بمعنى أنها تجتمع دوريا وتخطط وترسم سياسات ومواقف الحركة ، خاصة في ظل المشاكل التي كان يفتعلها من حين إلى آخر ودوما خارج الوطن ، لأنه كما يدّعي يرفض العودة للضفة لرفضه اتفاقية أوسلو . فكيف يسكت شخص بكل هذه المناصب الفتحاوية أربع سنوات على مقتل رئيسه عرفات؟. أليس هذا السكوت يشكل إدانة واضحة له ؟. هو سيقول انتظرت هذه السنوات الخمس كي أتأكد من صحة المحضر الوثيقة ، وأيضا هذا مجرد أكذوبة جديدة ، فممن سوف يتأكد إلا من واحد ممن وردت أسماءهم فيه؟ فشارون حي ميت منذ أكثر من أربع سنوات ، ومحمود عباس ومحمد دحلان والوفد الأمريكي من المستحيل أن يعترف واحد منهم بأن له علاقة باغتيال عرفات إن كان هناك هذه العلاقة ، فكيف تأكد القدومي إذن من صحة الوثيقة المدعاة ؟.

 والملاحظ أن عنتريات القدومي هذه لم يكن يجرؤ على الإفصاح عن أي منها في زمن الرئيس عرفات ،  رغم أنه كان بنفس التهميش ولا صلاحيات له رغم الصفات والمناصب المسنودة له، وكان لا يجرؤ على مغادرة مكتبه في تونس بدون إذن من عرفات ، أو اختلاق أية مشكلة مع أحد خاصة وزير الخارجية الفلسطيني آنذاك ناصر القدوة ، وما إن مات عرفات حتى بانت كل هذه العنتريات الكرتونية ، وهي عنتريات في بعض المواقف غير أخلاقية على الإطلاق ، منها صراعه مع وزير الخارجية الفلسطيني  ناصر القدوة والتنازع معه حول تمثيل فلسطين في المؤتمرات العربية ، وتصفية حساباته مع بعض السفراء الفلسطينيين بطريقة بشعة منها إقدامه على ضرب سفيرة فلسطين في مالطا السيدة نهى تادرس بالكف على وجهها ، في مكتبه بتونس بسبب خلافها مع أحد موظفي مكتبه ، رغم أنه يعرف أنها كانت من أنشط السفراء الفلسطينيين وأكثرهم إخلاصا قبل إحالتها للتقاعد مع عدد من السفراء في مطلع عام  2007 .

والقدومي نفسه هو الذي على الطالع والنازل يقدم نفسه على أنه ( رئيس اللجنة المركزية لحركة فتح ) رغم إعلان الحركة الرسمي أنه لا وجود لهذا المنصب في  الترتيب التنظيمي للحركة ، واستنادا لهذا المنصب المزعوم قام في منتصف عام 2005 تقريبا  بفصل الكاتب الفلسطيني ( عوني صادق ) من عضوية الحركة لأنه انتقد في مقالة له سلوكه وتصرفاته ، وبعد استنكار كوادر ومراتب الحركة لأنه غير مخول بذلك أعلن إعادته للحركة ، ويشغل الكاتب اليوم منصب السفير الفلسطيني في رومانيا. وفي الفترة ذاتها أعلن القدومي ببهلوانية كرتونية عن تشكيله ( الجيش الشعبي الفلسطيني ) ، وكان مجرد بيان صادر عن مهووس بالأضواء وصور التلفزيون ، ثم غيّر اسمه إلى ( حرس أمانة سر اللجنة المركزية لفتح ) ، وأيضا مجرد بيان ما عاد يذكره أحد ، إلا أنه دليل على هذا الهوس القدومي  بالأضواء مهما كان الثمن وعبر أية وسيلة حتى وإن كانت بيانات لا يصدقها أهبل أو معتوه.

ثانيا : لماذا هذه العنتريات الآن؟

من الواضح والمؤكد لكل محايد غير فتحاوي أن هذا المحضر الوثيقة مجرد لعبة قدومية لتصفية الخلافات والصراعات الشخصية داخل حركة فتح ، خاصة قبل عقد مؤتمرها العام في الضفة الغربية في الرابع من أغسطس القادم  في مدينة بيت لحم ، رغم أن بعض المؤشرات توحي بعدم إمكانية انعقاده نتيجة الخلافات الفتحاوية . و القدومي يعرف أنه لا يرغب في حضور المؤتمر داخل الضفة كي يبقى محافظا على انتهازية وكذب رفض اتفاقية أوسلو ، التي تؤكد مصادر فتح أن الرئيس عرفات عرضها عليه قبل توقيعها  ووافق عليها بالمطلق ، بدليل أنه في زمن عرفات لم يتجرأ على رفض الاتفاقية . إذن فإن ادعاء هذا الاتهام لعباس ودحلان مجرد حرق أوراق وتصفية خلافات بعد أن أدرك القدومي أن كافة أوراقه قد حرقت داخل الحركة ، ولم يعد له أي دور أو تأثير في صفوفها ، سوى استمرار ادعائه لمناصب وهمية مثل أمين سر اللجنة المركزية للحركة  وأمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة ، وهي مناصب لن يرد عليه أحد بعدم وجودها لديه ، وليس بعيدا أن يعطي نفسه رتبة اللواء ليصبح قائد الجيش الشعبي الذي أعلن في بيان عنه كما ذكرت سابقا . وهذا الهوس بالمناصب ليس جديدا على الساحة الفلسطينية خاصة بين عواجيز حركة فتح ، فمثلا أبو خالد العملة الذي تنقل من منصب وهمي لمنصب كرتوني آخر ، أعلن منذ شهور عن تشكيله ( التيار الوطني الديمقراطي ) لإعادة الحيوية الوطنية للكفاح المسلح الفلسطيني ، وكالعادة كان مجرد بيان لا يستحق ثمن الورقة والحبر الذي كتب به وعليها.

النفي لتلك الأكاذيب القدومية

جاء من أكثر من مصدر فلسطيني ،إضافة لنفي الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، جاء أقوى وأوضح نفي من  بسام أبو شريف المستشار السابق للرئيس ياسر عرفات ، حيث نفى أن تكون للرئيس الفلسطينى محمود عباس "أبو مازن" أية علاقة باغتيال عرفات ، مشيرا إلى أن تصريحات فاروق القدومي حول ضلوع عباس في اغتيال أبو عمار قد فاجأته . وكشف في  تصريحات لقناة "الجزيرة" الإخبارية يوم  الخميس  الموافق السادس عشر من يوليو أنه يملك محضره الخاص الذي يثبت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق شاؤول موفاز هما من خططا لاغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل . و أشار أبو شريف إلى أنه أول من اتهم إسرائيل بالسعي والتخطيط
لاغتيال عرفات بدس السم له ، مشددا على أن تل أبيب تقف وراء موت عرفات وليس محمود عباس .

خطأ إقفال مكتب الجزيرة

لذلك كان خطأ فادحا من السلطة الفلسطينية أنها قامت بإقفال مكتب فضائية الجزيرة في مدينة رام الله ، ومنعها من العمل في الضفة الغربية ، لأن القناة ليست مسؤولة عن تصريحات القدومي فقط لأنه أعلنها من خلال لقاء مع القناة ، فالواعي المدرك لحرية الصحافة يعرف أن الوسيلة الإعلامية أيا كان اسمها وهويتها ليست مسؤولة عن تصريحات أي شخص من خلالها ، فالمسؤول كذبا أو صدقا ، حقيقة أو تلفيقا ، هو الشخص الذي أطلق التصريحات وليست الوسيلة ألإعلامية ، لذلك من باب المصداقية والوعي ينبغي أن تعود السلطة الفلسطينية عن قرارها بإغلاق مكتب الجزيرة ، وأن لا تأخذها العزة بالإثم ، لأن إغلاق المكتب إثم يؤثر على سمعة السلطة فيما يتعلق بحرية الصحافة والقدرة على سماع رأي الآخر. والمدهش أن السلطة أي حركة فتح اتخذت قرارا بشأن قناة الجزيرة رغم عدم مسؤوليتها ، إلا أنها ما زالت ساكتة على القدومي صاحب تلك التصريحات ، وسكوتها هذا ليس وليد اليوم ولكن منذ سنوات ، وهو يطلق التصريحات والمواقف التي أشرت لبعضها ، وكم أضرت بمصداقية السلطة وحركة فتح.

وكذلك لا داعي لاعتذار المسؤول الأردني

وضمن نفس السياق والمنطق لم يكن هناك داع لاعتذار الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الدكتور نبيل الشريف عن تصريحات القدومي ، فالأردن الرسمي والشعبي ليس مسؤولا عن هذه التخريفات القدومية فقط لأنه أطلقها في لقاء خاص مع صحفيين في منزله  في العاصمة الأردنية . فهو لقاء مع زوار خاصين بعضهم من الصحفيين ، وليس مؤتمرا صحفيا أخذ إذنا من السلطات الأردنية لعقده ، حتى وإن كان كذلك فصاحب المكان الحكومة الأردنية ليست مسؤولة عما أطلقه القدومي ، فالقدومي هو المسؤول وليس صاحب المكان الذي أطلق منه تصريحاته أو تخريفاته لا فرق ، كما أن تصريحات القدومي تتعلق بشأن فلسطيني داخلي لا علاقة للحكومة الأردنية به ، وإن كان الناطق الرسمي الأردني مضطرا للاعتذار عن كل ما شابه تصريحات القدومي ، فسيجد نفسه في هذا الموقف بشكل مستمر ، فقيادات الشعب الفلسطيني لا تنتهي خلافاتها ومواقفها ضد بعض ، في العاصمة عمان وغيرها من العواصم ، فمثلا هل مطلوب من الناطق الرسمي المصري أن يعلن عن اعتذار الحكومة المصرية عن فشل الحوار الفلسطيني وتبادل الاتهامات بين وفدي حماس و فتح في القاهرة التي ترعى الحوار منذ عدة سنوات .

وتظل الكرة في الملعب الفتحاوي ،

فالحركة مطالبة بتنقية صفوفها من هؤلاء الانتهازيين والنرجسيين ، لتعود من خلال جيلها الشاب إلى حركة قيادية تقود الشعب الفلسطيني كما كانت رائدة في كفاحه المسلح ، والأمل معقود على هذا الجيل الشاب في مؤتمرها القادم في مدينة بيت لحم في الرابع من أغسطس القادم ، إن لم تؤثر الصراعات بين جيل عواجيز الحركة على تأجيله ، لأنه ليس منطقيا أن لا تعقد الحركة مؤتمرا عاما خلال ما يزيد على عشرين عاما ، مما دعا بعض الكتاب إلى اعتبار أن الحركة نتيجة هذه الصراعات الشخصية بين جيل العواجيز  إنما تصنع نعش تشييع جثمانها...لا قدّر الله وجيل الشباب فيها كما عبر عن هذا القيادي الشاب في الحركة الدكتور أسامة الفرا .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


 

307
هل هذا السودان أم طالبان ؟
د.أحمد أبو مطر

أصبح صعود التيارات الدينية المتطرفة  يهدد كافة أوجه الحياة المدنية في غالبية الأقطار العربية ، باسم حماية الأخلاق العامة، وتحت هذه التسمية ترتكب من الجرائم ما لا يمكن قبوله في الإسلام الصحيح الذي يقول دعاته المتنورين أنه صالح لكل زمان ومكان . ولا يمكن أن تتوقف هذه الجرائم طالما هناك أفراد أو جماعات أو أنظمة تعتقد أنها وكيلة الله في الأرض ، فتحرف النصوص كما تتطلب مصالحها الشخصية . أما بعض الأنظمة العربية فهي تأخذ من الدين ستارا لتعمية عقول الناس وتخدير ضمائرهم  بعيدا عن ظلمهم وفسادهم ، خاصة أن كل ما يتعلق بالدين من التابوات والمحرمات غير القابلة للنقاش .

الحجاب و البنطلون

ليس هنا محله أو وقته مناقشة هل هناك نصوص قرآنية أو من السيرة النبوية تثبت وجود الحجاب على رأس المرأة ، خاصة أن هذا النقاش لا يفيد بعد أن أصبح موضوع حجاب المرأة محسوما لدي الغالبية العظمى من المسلمين فقهاء ودعاة وجماهير . ولكن ما يستحق النقاش هو : هل هناك مواصفات لملابس المرأة بعد أن تكون قد تحجبت فعلا حسب الأصول المتعارف عليها عند هذه الأغلبية ، بحيث ما عاد يظهر للعيان سوى دائرة  صغيرة من وجهها ؟. هل هناك قواعد دينية متعارف عليها بعد ذلك مثل أن تلبس  جلابية أو عباءة أو بنطلونا ؟ هكذا هو الحجاب في غالبية الدول العربية والإسلامية من مصر إلى إندونيسيا وما بينهما وحولهما ، فغالبية النساء ترتدي البنطلون وغالبا ما تلبس فوقه أيضا ما يستر البنطلون سواء سميّته عباءة أم جلابية أم شالا ؟ وبهذا اللباس الذي لا يكشف من المرأة سوى دائرة صغيرة من وجهها  تسير مطمئنة آمنة في أعتى الدول سلفية .

ما عدا سودان البشير ،

حيث القائمين على حماية الأخلاق العامة أكثر حرصا على ذلك من شيوخ الأزهر وفقهاء إيران ، بدليل ما تعرضت له الصحفية السودانية ( لبنى أحمد الحسين ) التي كانت تلبس الحجاب كاملا حسب الأوصاف السابقة ، ولكنها تعرضت حسب روايتها :  ( في الثالث من يوليو الحالي كنت في مطعم حين دخل شرطيون ، وطلبوا من الفتيات اللواتي ترتدين سراويل مرافقتهم إلى مفوضية الشرطة ) ، و أضافت لبنى وهي محجبة بشكل كامل : ( لقد اصطحبوني و 12 فتاة أخرى من بينهن جنوبيات ، وبعد يومين تمت دعوة عشرة منهن إلى مفوضة وسط الخرطوم لتتلقى كل واحدة منهن 10 جلدات ). ووجه إلى الثلاثة الباقيات ومن بينهن لبنى أحمد الحسين التهمة بموجب الفصل 152 من القانون الجنائي السوداني ، وينص هذا الفصل على عقوبة 40 جلدة لكل من يرتدي لباسا غير لائق . وفي حالة الصحفية لبنى الحسين ومن معها من الفتيات ، فاللباس غير اللائق رغم أنهن محجبات هو ارتداء البنطلون . وفعلا من شاهد صورتها عند اصطحاب الشرطة لها لم يرى سور تلك الدائرة الصغيرة من وجهها ، وتلبس بنطلونا وفوقه ما يشبه العباءة التي تستر كافة جسدها.

هل هذه السودان أم طالبان ؟

وهو سؤال منطقي  حيث لم يعد أحد يعرف ما هي مواصفات الأخلاق العامة واللباس الذي يحفظ هذه الأخلاق ، طالما بين المليار وربع المليار مسلم ، مئات الملايين الذين نصّبوا أنفسهم حماة للأخلاق العامة ، وكل واحد منهم يستخدم الآيات والأحاديث التي يريد لتبرير أفعاله دينيا ، وبالتالي حسب منظوره لا يمكن مناقشته أو الطعن في قراراته . فالغالبية من المسلمات المحجبات في مصر وإيران تحديدا  وغالبية الدول الإسلامية يرتدين البنطلون ،فهل  هذه الملايين المسلمة لا بد من جلدها حسب مفاهيم طالبان السودان ؟. وهذه ليس أول خطوة منافية للأخلاق العامة يقوم بها دعاة حماية هذه الأخلاق ، فقد سبق لأشقائهم الطالبانيين في أفغانستان أن حرّموا التماثيل  ، وقاموا بتفجير تماثيل تاريخية تعود لألآف السنين ، مما حدا بالشيخ الدكتور يوسف القرضاوي لترأس وفد من علماء ومشايخ المسلمين لزيارة كابول طالبان  لإقناعهم بالتوقف عن هدم التماثيل الذي لا أساس له في الإسلام ، و إلا لطالب الإخوان المسلمون والأزهر الشريف  في مصر بتهديم التماثيل الأثرية الفرعونية وغيرها وفي مقدمتها الأهرام ، خاصة أن في مصر ما يزيد عن ثلثي الآثار في العالم . فهل كل علماء وشيوخ مصر والأزهر الشريف لا يفقهون الإسلام ، ومن يفقهه هم ظلاميو طالبان بشأن التماثيل في أفغانستان  ؟. وأشقاؤهم في السودان بشأن البنطلون للمحجبات  ؟.

التضامن مع لبنى بعد قراءة رسالتها                                                      

من المهم قراءة رسالة الصحفية السودانية (  لبنى أحمد ألحسين  ) التي وجهتها للأصدقاء والصديقات وكل من تهمه العدالة:


سلام عليكم أيها الصديقات و الأصدقاء

أشكركم كثيرا وأود أن أعرب عن سعادتي عن هذا التضامن ، الذي  أرجو أن يسلط الضوء على المادة 152 من القانون الجنائي السوداني  لسنة 1991م، ذلك أن قضيتي في بدايتها ليست قضية استهداف شخصي لي أنا ككاتبة... ولا هي تفلت عرضي من بعض أفراد شرطة النظام العام .. كلا .. رغم أنها يمكن أن تتحول أو حولت بالفعل لتكون هكذا بعد أن اتخذت القضية منحى آخر هو دعوة الناس والعالمين ليكونوا شهودا على هذه الفضيحة " فضيحتي أم فضيحتهم " ذلك ما ستحددونه أنتم بعد سماع أقوال الاتهام وشهوده وليس أقوالي أنا .
 
قضيتي هي قضية البنات العشرة اللواتي جلدن في ذات اليوم ....وهى قضية عشرات بل مئات بل ألاف الفتيات اللواتي يجلدن يوميا و شهريا وسنويا في محاكم النظام العام بسبب الملابس .. ثم يخرجن مطأطأت الرأس لان المجتمع لا يصدق ولن يصدق أن هذه البنت جلدت في مجرد ملابس .. والنتيجة الحكم بالإعدام الإجتماعي لأسرة الفتاة و صدمة السكري أو الضغط أو السكتة القلبية لوالدها وأمها .. و الحالة النفسية التي يمكن أن تصاب بها الفتاة ووصمة العار التي ستلحقها طوال عمرها كل هذا في بنطلون ..والقائمة تطول ، لان المجتمع لا يصدق أنه من الممكن أن  تجلد فتاة أو إمراة في "هدوم ".

ولهذا طبعت 500 كرت دعوة ليحضر الناس والعالمون المتضامنون والأصدقاء والأخوان والشامتون أيضا .. إنها دعوة عامة .. وكما ترون أنني لم أسرد حتى الآن تفاصيل ما جرى .. تعمدت ذلك .. وحتى يسمع الناس بآذانهم ويروا بأعينهم من أقوال الاتهام وشهوده .. وليس منى أنا . 
و إذا كانت هناك ثمة أسئلة تدور حول لماذا يقبض على البعض ويترك البعض الآخر ؟ فإن هذا سؤال وجيه يمكن أن يطرح على الشرطة أو النيابة ..ولنرى ماذا يحكم الناس .. ولنرى ما هي الأفعال الفاضحة ما ألبسه أنا ولبسته البنات اللواتي جلدن ؟ أم هذه المهزلة التي قاموا بها و تتكرر يوميا دون أن تجرؤ واحدة على الشكوى خوف الصدمة على والديها من الفضيحة .. إذن القضية هي المادة 152 التي تعاقب بالجلد 40 جلدة أو الغرامة أو العقوبتين معا ... في موضوع الملابس الفاضحة دون أن تحدد ما هي مواصفات هذا الزىّ الفاضح ؟.

وفوق ذلك اسم المادة في القانون : أفعال فاضحة .. تخيلوا ماذا يمكن أن يتبادر إلى الذهن حين تسمع أن فلانة بنت علان جلدت في النظام العام بسبب أفعال فاضحة ؟ .هذا ما أردت أن أشهد الناس عليه .. وليسمعوا من الاتهام وشهوده .. أما أنا فلن أقول يوم المحكمة سوى " نعم " " هكذا صحيح " ولنرى ما هي الجريمة .. جريمتي التي ارتكبت؟

لبنى أحمد حسين

الخرطوم - السودان

 11 يوليو 2009

 إن رسالة الصحفية السودانية لبنى الحسين هي أبلغ عرض لقضيتها ، وهي تحمل اتهامات واضحة لدعاة الأخلاق في شرطة البشير الذين لم تحركهم جثث مئات ألاف القتلى في إقليم دارفور ، لأن هؤلاء القتلى على يد خصومهم من عصابات الجنجويد بأمر وتخطيط وتحريض البشير وحكومته ، لا يسيء قتلهم للأخلاق العامة ، وفي منظورهم الرجعي المتخلف ينسجم مع تعاليم الإسلام التي يدّعي البشير أنه يحكم باسمه بدليل سجنه ومطاردته لزميله السابق حسن الترابي!!. من هذه الاتهامات في رسالة لبنى هو سؤالها:  لماذا يلقى القبض على البعض ويترك البعض الآخر ؟ الجواب هو استعمال هذه المادة الغامضة من القانون لملاحقة من يريدون خاصة من يتعرض بالنقد للبشير وحكومته. وهنا نتذكر أن الصحفية لبنى الحسين هي من أجرأ الصحفيين السودانيين ، وتكتب مقالا أسبوعيا  بعنوان ( كلام رجال ) ، غالبا ما تنتقد فيه ممارسات حكومة البشير والمتشددين السلفيين باسم الإسلام .

إن التضامن مع الصحفية السودانية لبنى أحمد الحسين هو تضامن مع الوجه المشرق للحياة ، هذا الوجه الذي يحافظ على الأخلاق العامة التي ينتهكها هؤلاء الظلمة . و إلا فانشروا تفاصيل فهمكم للأخلاق العامة ثم نرى هل تتقيدون  أنتم بها في كافة مناحي حياتكم ومع الجميع ، أم فقط مع من تريدون تصفية حسابات معهن ومعهم .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


308
التطبيع ..كيف يفهمه كتاب ومفكرون عرب؟
د.أحمد أبو مطر

أثارت مقالتي السابقة بعنوان (  ما هو مفهوم التطبيع مع دولة إسرائيل ؟ ) قضية التطبيع من جديد ، كقضية خلافية بين الكتاب والمفكرين العرب  وأيضا بين القراء من خلال تعليقاتهم على المقالة . ولإثراء النقاش حول هذه القضية وجدت أنه من المفيد للكتاب والقراء أن أقدم أراء ومواقف بعض الكتاب والمفكرين العرب المعروفين حول هذه القضية ، وصولا لفهم أعمق وأشمل وإثراء للنقاش حولها...فكيف ينظر ويفكر هؤلاء ؟

عبد القادر الجنابي

هذه القضية كانت محط اهتمام وتفكير الأستاذ عبد القادر الجنابي  منذ زمن طويل ، فقد كتب رأيه كمبدع وشاعر له مفاهيمه ومنطلقاته الخاصة التي أعتقد أن الكثيرين من المبدعين يشاركونه نفس الرؤية ، إذ عالج قضية التطبيع هذه في أواخر مارس 1997 ، عندما  كتب في جريدة " الحياة " :

 ( ليس للشعراء سوى سلاح واحد هو رؤاهم. رؤى واحدة رغم اختلاف اللغات، يفهمها كل "فؤاد شاعر". ليست هناك لحظة أجمل من لحظة الالتقاء بمن تربطني بهم رابطة الكلمة – الرؤيا ، حتى لو تطلب هذا الالتقاء انتهاكَ محرّم ذهني. فثمة حنين بين الشعراء وكأنهم من أسرة واحدة إلى أي شاعر حتى لو عاش خارج الأرض، يتوسلون إلى رؤيته كلّ السبل. لذا آملُ ألا يُفهم من حضوري في هذا المهرجان وكأنني ممثّل عن بلد، أو عن شعب أو عن "القضية". كلا أنا أبعد من كل هذه المسؤوليات التي تقع على عاتق أناس خُلقوا لها. الشاعر، في نظري، ليس نبيا ولا "مهدي منتظر" ولا ساحرا، بل ليس له جَلَد ولا الوقت للانخراط في مناقشة فاقعة حول التطبيع و اللا تطبيع هذين الوجهين لعملة واحدة:  إبقاء الوضع العربي كما هو، يتخبط في طريق مسدود بلا حل ولا رؤيا. فالذين وراء التطبيع يتجاهلون الطابع السياسي الذي من دونه ما من حوار ذي منفعة وفعّال. وها أن كل ما ينجزونه تسويات مشهدية لا تحلّ ولا تربط. أما صخّابو اللاتطبيع من الكتاب والشعراء فإنهم أكثر الناس مخافة من تحقيق السلام الشامل لأنه قضاء على جل الدكتاتوريات التي لولاها لما كان لهم وجود قط. يجب ألا ننسى أن تحقيق هذا السلام تغيير في الأسلوب والمضمون بل حتى في الذائقة الشعرية نفسها بحيث أن نصف قرن من الإنتاج الأدبي ستلفظه أيضا مزبلة التاريخ إذ ليس له حتّى قيمة التسجيل المرحلي لتلك النضالات الحالمة التي كان لها وجود فعلي مدوّن في مكتبة التاريخ تحت مادة: الصراع العربي – الإسرائيلي. نضالات فُرّط بها دون أي تعويض شعري يُركن إليه في لحظات العزلة، أو ظفر بملموس حياتي تستلهمه خشبة إنقاذ، ولو إلى حين، هذه الشعوب الغارقة في مستنقع الظلامية المهُول. لِمَ لا، ومعظم هذا النتاج كان يُكتب حسب الطلب على حساب الضمير.
إن الشاعر الحق الذي لا يتزعزع إيمانه مهما اشتد وطيس الحرب، بأن شاعرا في معسكر العدو أقرب من جندي صديق، لهو إنسان آخر مأخوذ بالبحث في ما وراء الـ"مع" والـ"ضد" عن تركيبة شعرية مستخلصة من عين موقفه هو إزاء ما يجري؛ عن صورة يريدها أن تكون أفضل تعبير عن وجوده كمؤنّبٍ لضمير زمنه السيء. أن تكون آثاره شاهدا خالدا على صدقه الذي اجترحته حدّة بصيرته وقدرته على خوض المعمعان بلغة لا تواطؤ فيها. فقط بكسله المعهود، أي بممارسة حريته كفرد فالت من مِخنَقَة الأحداث السياسية الـمُسيّرة، وبالتالي من وصايا القوامين على هذه الأحداث التي لا تنفرج، بفضلهم، إلا على موت آخر، على وضع أسوأ من السابق. تكسب كلّ ُ قضية إنسانية نصيرا في منتهى الوعي لعدالتها. لأنه لا يني يشذب شعريا اللغة التي أعطيت له حتى ينشط فيها حوار الشعوب المراد. الحوار، إذن، يولد ما إن يفكّر الشاعر بكتابة قصيدة. مِن ثـَّم، لا يوجد حوار ليس له نتيجة تحررية، مثلما لا يوجد شاعر جدير بهذا اللقب يحمل ضغينة عِرقية. نعم، الحوار مع الشعراء الإسرائيليين وحده قادر تزويد القضية بهورمونات التمنّع ضد أي تمييع لها. من يدري؟ ربما كل مشروع السلام هذا جاء نتيجة تحاور تخاطري  بين شاعر عربي وشاعر إسرائيلي، تخاطفته مظان الشعر المكتوب سلفا على الجبين. ).

إن شاعرية عبد القادر الجنابي

 في هذه المداخلة لا تستعصي على الفهم إلا عند من يصمون آذانهم ويغلقون عيونهم عن وجود الآخر خاصة إذا كان شاعرا أيا كانت جنسيته وهويته العرقية ، لأن الحوار مع هذا الآخر الشاعر لا يمكن أن يكون تطبيعا لحساب أي طرف ، فمجرد كونه شاعرا يعني أنه لن يغمض عينيه ويصادر مشاعره سكوتا على آلام الآخرين ، بدليل أن أفضل الشعر الذي كتب عن مجزرة صبرا وشاتيلا بحق الفلسطينيين ، كان لشعراء إسرائيليين سبق أن نشرت لهم ( مكتبة إيلاف ) في السادس من سبتمبر لعام 2005 ، تحت عنوان ( مختارات من الشعر الإسرائيلي ) وهي مجموعة قصائد اختارها وترجمها للعربية من العبرية وقدّم لها البروفسور ( رؤوبين سنير )رئيس قسم اللغة العربية بجامعة حيفا . ومن هذه الأشعار الإنسانية عن القتيل الفلسطيني ما كتبه ( يتسحاق لاؤور ) :

أريد أن أكتب قصائد لقراء منعدمي الآباء والأمهات
لأنهم يفهمون وحدهم ما لا يحكون لأحد
من له أم وأب يذهل أحيانا
من فكرة ، من هذيان حتى في وسط الشارع
في الطريق إلى المقهى ، أو إلى المكتب ، مستعجلا
يتوقف ، يعود ، يتلفن ،
قد يزور أحدا ، ليس لغرض إلا مجرد الحكي ، الحديث
ولكن من ليس له أب أو أم  يفهم الغرف الخالية،
الكتب المغبرة ، القصائد المكبوتة
يمشي قرب موته ( عميقا داخل الجسد لمسة لينة تقوده )
من غير الحديث ، أو التوقف ، أو العودة ، أو القيام بأية زيارة ، أو الكلام .

ويمكن قراءة هذه المختارات من الشعر الإسرائيلي في موقع ( أزاهير ) كما نشرها ذاكرا أنها نقلا عن موقع إيلاف .
http://www.azaheer.org/vb/showthread.php?t=15466

فهل أتهم هذا الشاعر الإسرائيلي المتضامن مع ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا و ذويهم من شعبه الإسرائيلي بأنه يطبّع مع الفلسطينيين والعرب ؟ وكيف كان سيقابل أي شاعر فلسطيني أو عربي لو تضامن مع ضحية إسرائيلية ؟؟.

ولمزيد من إثراء النقاش

حول هذا الموضوع الذي يشغل مساحة واسعة من النقاش والجدل في الساحات العربية ، أرى أنه من المهم قراءة الكلمة التي ألقاها الأستاذ عبد القادر الجنابي يوم الخميس الموافق السادس عشر من يونيو 2005 ، في اللقاء الذي أجراه معه ( معهد الدراسات السامية العربية ) التابع لجامعة برلين الحرة ، بمناسبة وجوده آنذاك ضيفا على المعهد لمدة أسبوع ، وأعقب كلمته هذه قراءة عدد من قصائده .

http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphLiterature/2005/6/69815.htm

عادل سمارة

أما الكاتب الفلسطيني الدكتور عادل سمارة المقيم في رام الله ، ويتنقل خارجا و داخلا  منها وإليها عبر الحواجز الإسرائيلية ، وبموافقات وتفتيش وتدقيق إسرائيلي ، فهذا من طرفه عمل نضالي مقاوم مناهض للتطبيع، أما إن فعله غيره فلسطينيا أو عربيا أو أوربيا متضامنا مع الشعب الفلسطيني ، فهو من أنصار التطبيع ويستحق لعنة عادل سمارة ، الذي لا يمكن إعطاؤه حقه كما يبدو من كتاباته المتشنجة إلا أنه (مفتي  و عميد وحارس مناهضة التطبيع ) ، ولكن من خلال أكاذيب وشتائم واتهامات ومغالطات ، طالت العديد من رموز الثقافة والنضال مثل إدوارد سعيد و محمود درويش وإبراهيم نصر الله وغيرهم  وكل من عاد في زيارة لوطنه وأهله . وأقولها صريحة أنني لم أقرأ في حياتي أكاذيب وتجني وافتراءات مثل ما ورد في مقالته البذيئة ضد الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله ، لأن شتائمه وادعاءاته هذه تطال أيضا غالبية الكتاب والشعراء والصحفيين الفلسطينيين المقيمين في رام الله وغزة ، والعديد منهم من المقيمين في الأردن تحديدا  أو أوربا وأمريكا ، فمن منهم لم يغادر القطاع والضفة أو يدخل عبر الحواجز الإسرائيلية ؟ هل كل هؤلاء مطبعون متواطئون مع الاحتلال الإسرائيلي ؟ بينما عادل سمارة الذي يتنقل عبر الجسور والحواجز والتأشيرات نفسها مناضلا مقاوما ؟ . ونزعته التكفيرية التخوينية هذه  تطال أيضا كل القيادات الفلسطينية التي عادت للوطن بعد توقيع اتفاقية أوسلو ، بما فيهم المرحومان الرئيس ياسر عرفات والمناضل المرحوم أبو علي مصطفى ، وما لا يقل عن مئة وخمسين ألفا من الفلسطينيين تمكنوا من العودة ، وما زالوا متشبثين بوطنهم رغم أن حوالي ثلاثين ألفا منهم لا توجد معهم إقامة وموافقة رسمية من الاحتلال ، ورغم ذلك يرفضون مغادرة أهلهم وأرض وطنهم .

بينما  عادل سمارة يستجدي القنصلية الأمريكية

في القدس أن تساعده بالسعي لدى سلطات الاحتلال للسماح لزوجته حاملة الجنسية الأمريكية بالعودة لمدينة رام الله ، بعد أن منعتها فجأة سلطات الاحتلال من العودة  ، وهي الزوجة التي كانت تسافر لأمريكا كل ثلاثة شهور وتعود لرام الله . وحسب رواية عادل سمارة نفسه لمركز ( باحث للدراسات ) ، فقد تقدم بطلب لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية للسماح له بالسفر . هل هذا استجداء للاحتلال واعتراف بدولته أم لا  حسب منظور اتهاماته الباطلة لغيره ؟ . وكي يكون كلامي موثقا يمكن قراءة تردد عادل سمارة على القنصلية الأمريكية والمحاكم الإسرائيلية  كما رواه شخصيا للمركز المذكور.
http://www.bahethcenter.net/A.W/oldsite/mosharakat/ara2/2006/11/23_3adel.htm

واستحقاق عادل سمارة للقب ( مفتي وعميد مقاومة التطبيع ) لا يكفي ولا يعطيه حقه ، فهو أيضا (  وكيل الشهداء والمقاومين والناطق باسمهم ) ، يمكن استنتاجه من هذه النرجسية المريضة التي تعبر عنها كتاباته  فهو يقول عن نفسه : ( أنا من أنا ؟ أنا مواطن بسيط لا أملك من عرض الدنيا غير قلمي ، ولا يسمع لي إلا الشهداء ونواصي وشخوص قبورهم.....أكتب عن الشهداء وأكتب للجيل المشرق القادم كي لا يحوله التطبيع محاقا ) . وماذا عن مواطن فلسطيني آخر يا وكيل الشهداء لو ذهب للقنصلية الأمريكية والمحكمة الإسرائيلية ؟ هل هو عندئذ من المطبعين  أم من حراس نواصي قبور الشهداء بتوكيل منك ؟. إن افتراءات وأكاذيب عادل سمارة ربما تصيبك بالجنون إن لم تتماسك ، فهو فعلا صورة طبق الأصل من أصحاب فتاوي التكفير والتخوين ، والمضحك المبكي أنه يتهم ويخون غيره رغم أن يرتكب أفعالا لم يرتكبوها ، ولا يعبر عن حالته سوى قول الشاعر:
    لا تنه عن خلق وتأتي مثله    عار عليك إن فعلت عظيم

و ( عار ) عادل سمارة في هذا الصدد أكثر من ( عظيم ) لأنه في بعض المواقف يتناغم مع ما يريده الاحتلال سواء قصد ذلك أم لم يقصد ، لكن المواقف في السياسة لا تعود للمقاصد بل لنتائجها الميدانية ، فعادل سمارة طالب كافة الكتاب والمثقفين الفلسطينيين والعرب بعدم الذهاب للقدس للمشاركة في نشاطات ( القدس عاصمة الثقافة العربية ) ، وعلى الفور صدر قرار حكومة الاحتلال بمنع إقامة أية فعالية أو نشاط في القدس بصفتها عاصمة الثقافة العربية ، وكي أكون منصفا  فهذا لا يعني أن حكومة الاحتلال قد أصدرت قرارها تنفيذا لمطالبة عادل سمارة  ، ولكن القاعدة تقول : عندما تلتقي رغباتك مع رغبات الاحتلال فهذا يعني أنك مخطىء.

إبراهيم نصر الله

أما الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله صاحب كل تلك الأعمال  الشعرية والروائية التي ذكرتها في مقالتي السابقة ، وقد ناله بعض الردح الشتائمي المتجني من عادل سمارة يقول :

( ...ليعذرني القارىء وأنا أستعير من الكاتب الكبير خوسية سراماغو وصفه لكلام برلسكوني قبل أيام بالقيء ، إذ لم يكن مقال سمارة أقل من هذا ....من الصعب أن يتمتع المرء بعبقرية الردح هذه التي يتمتع بها الدكتور ( يقصد عادل سمارة ) ، ولا بعبقرية الكذب حين يورد مجموعة من الاتهامات التي لا أساس لها ، ومن الصعب أن يملك المرء عبقرية شتم المثقفين والناس والمؤسسات بهذه الجرأة!! فالذي عاد بهوية إلى بيته في الضفة الغربية وغزة المحتلتين مطبع مع العدو الصهيوني ، والذي جاء في زيارة لأهله مطبع ، والكتاب الذين أتوا لمناصرة الشعب الفلسطيني مطبعون و...تطول القائمة إلى أن تصلني )

( إن التطبيع الحقيقي هو القيام بذبح الكتاب الشرفاء والأصدقاء وأبناء الشعب ممن يحملون هويات أو ممن لا يحملونها وتقديمهم أضاحي سهلة للعدو والمطبعين معه ، ولا أخال أن هناك تطبيعا أكبر من هذا الذي تقوم به ....لم أتصورك أكثر من قناص يجلس في برج قرب جسر اللينبي ، ويقوم بإطلاق نار التخوين على كل إنسان قادم إلى الأرض الفلسطينية ، ولذلك أطمئنك بأنك تعمل جيدا ، فهناك أكثر من مليون ونصف المليون يعبرون هذه الجسور كل عام أطفالا ونساء ورجالا ، أترى إن حصادك يفوق أي حصاد آخر ويحطم الرقم القياسي الذي لم يحققه العدو الصهيوني في أي وقت ).

أما الدكتور حسيب صباغ

صديق وكيل الشهداء عادل سمارة ، فيرى كما نقل عنه إبراهيم نصر الله (  أنه كان آسفا ومحرجا من مقال سمارة ( يقصد الذي تهجم فيه افتراء على إبراهيم نصر الله ) الذي تربطه به علاقة تمتد على مدى ثلاثين عاما ، وأبدى امتعاضه مؤكدا ضرورة الحديث مع صديقه لأن الأمر لم يعد يحتمل ، ولأن هذا الرصاص الطائش الذي يطلقه في كل الاتجاهات يجب أن يتوقف ) . ويرى الدكتور صباغ الذي كان واحدا من الأعضاء الفاعلين في لجنة مقاومة التطبيع الفلسطينية ( أن التطبيع هو الاعتراف بالعدو الصهيوني وقبول روايته واللقاء معه على هذه الأرضية ، في حين أن اللقاء معه في ندوة أو نشاط ما لمحاججته والوقوف أمام أكاذيبه لا يعتبر تطبيعا ).

أما الكاتب الفلسطيني عمر حلمي الغول

فيقول ( من المؤكد أنني لم أفاجأ بما جاء في مقالة الدكتور عادل ، لأنه يعتبر نفسه وكيلا حصريا للوطنية الفلسطينية ، ولأن معاييره غير الموضوعية والبائسة ، هي المعايير التي تقاس من خلالها وطنية أو عدم وطنية أية شخصية فلسطينية . رغم ذلك أعتقد أن الدكتور سمارة ذهب بعيدا في مغالطاته واتهاماته ليس فقط للأديب المبدع إبراهيم نصر الله ، بل للراحل الكبير شاعر الشعب والقضية محمود درويش وللراحل العالمي إدوارد سعيد ولكل العائدين الفلسطينيين. ولا يعلم المرء كيف لرجل من المفترض أنه مثقف فلسطيني ، ويدّعي الدفاع عن الوطنية الفلسطينية ، ويدعو لتجذيرها في التربة والتاريخ الفلسطيني يصل في خوائه الفكري والسياسي إلى هذا الحد من العدمية والاغتراب عن الهوية والثقافة الوطنية ).
وكذلك الكاتب الفلسطيني مهند عبد الحميد ،

يؤكد أن ( إبراهيم نصر الله جاء بتصريح إلى وطنه ، وهذا حق له استعاده لمدة أسبوع ، عاد أسبوعا واحدا فقط ، ونحن نتمنى ويجب أن نسعى من أجل عودته الدائمة وعودة كل مواطن اقتلع من وطنه ويرغب في العودة إليه . لم يعترف نصر الله بإسرائيل ولم يشطب حق العودة ولم يطبع مع الاحتلال والمحتلين. فلماذا إقحامه واتهامه زورا وبهتانا بالاعتراف والتطبيع. منطق غرائبي شكلي اتهامي لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال . وإذا مددنا اتهام د. سمارة للشاعر نصر الله على استقامته فإن كل مواطني الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة هم مطبعون لأنهم يمرون على حواجز الاحتلال ونقاط الجسور مع الخارج ، ويقدمون بطاقاتهم لجنود الاحتلال . كما أن كل مواطني إل 48 مطبعون لأنهم يحملون الهوية الزرقاء وجواز السفر الإسرائيلي ، ويركبون العربات التي تحمل النمرة والعلم الإسرائيلي ).

وسؤال الختام هو :

هل كل هؤلاء الكتاب والمثقفين والمفكرين والملايين مطبعون ، ما عدا حارس نواصي قبور الشهداء وقناص جسر اللينبي ؟.

ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


309
ما هو مفهوم التطبيع مع دولة إسرائيل؟
د.أحمد أبو مطر

يفترض أن هذا الموضوع قد انتهى النقاش حوله منذ سنوات ، خاصة بعد الصخب والصوت العالي الذي أعقب زيارة الرئيس السادات لدولة إسرائيل في نوفمبر من عام 1977 ، وما تلاها من توقيع اتفاقية الصلح المصرية الإسرائيلية التي عرفت باسم ( كامب ديفيد ) المنتجع الأمريكي الذي وقعت فيه بحضور السادات وميناحم بيجن والرئيس الأمريكي جيمي كارتر في سبتمبر 1978 ، و نتج عنها الاعتراف الدبلوماسي بين مصر وإسرائيل وتبادل السفراء وفتح السفارات في كل من القاهرة و تل أبيب .

الفلسطينيون و التطبيع

وبعد خمسة عشر عاما  وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو مع الدولة الإسرائيلية ، التي تم توقيعها في واشنطن في الثالث عشر من سبتمبر عام 1993 بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون و شيمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ، وسميت الاتفاقية على اسم العاصمة النرويجية أوسلو ، لأن المحادثات السرية بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي جرت فيها منذ عام 1991 عقب مؤتمر مدريد . وقد نتج عن هذه الاتفاقية عودة غالبية قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الأخرى وأغلب أجهزتها بما فيها الشرطة المدنية إلى قطاع غزة والضفة الغربية . وقد أخذ النقاش بين المثقفين العرب حول التطبيع أبعادا مختلفة خاصة بعد الزيارات العديدة التي قام بها كتاب مثل المسرحي المصري علي سالم لدولة إسرائيل ولقاءه مع الكتاب والمسؤولين الإسرائيليين ، وقد قوبلت زياراته باستنكار واسع ومقاطعة له في مصر وأغلب الأقطار العربية . ولكن زيارات الكتاب والصحفيين والمثقفين الفلسطينيين لأرضهم في القطاع والضفة لم تكن تثير هذه الاحتجاجات رغم  أنهم يصلوا إما عبر مطار تل أبيب أو الحواجز الإسرائيلية على الجسور في الجانب الفلسطيني من نهر الأردن ، حيث الكلمة الأولى والأخيرة للدخول أو عدمه للضابط الإسرائيلي .

إدوارد سعيد..هل كان مطبّعا ؟

وممن زاروا الضفة الغربية  وإسرائيل عدة مرات الفلسطيني المرحوم البروفيسور الدكتور إدوارد سعيد ، قادما من الولايات المتحدة الأمريكية بجواز سفره الأمريكي ، وزار مسقط رأسه مدينة القدس المولود فيها في الأول من نوفمبر عام  1935 ، وكان دائم الدفاع عن الهوية الوطنية الفلسطينية ومن المنتقدين الأقوياء للسياسة الإسرائيلية التي تصادر أبسط الحقوق الفلسطينية . وفي إحدى الزيارات اصطحبته قناة تلفزيونية ناطقة بالإنجليزية ، وتجولت معه في أنحاء القدس وفلسطين ليوضح ماذا فعل الاحتلال بالأرض الفلسطينية التي ولد وعاش صباه فيها . ومن المعروف عنه أنه كان من المعارضين لاتفاقية أوسلو ، وانتقد الرئيس عرفات علانية بشأنها ، وكان يعتبرها صفقة خاسرة للفلسطينيين ، وكتب عنها عام 1995 كتابين هما : ( غزة أريحا ، سلام أمريكي ) و ( أوسلو، سلام بلا أرض ) . هذه المواقف السياسية الواضحة تضاف لأعماله الفكرية خاصة ( خارج المكان ، سيرة ذاتية  2000 ) و ( الاستشراق 1978 ) و (الثقافة والامبريالية 1993 ) و ( القضية الفلسطينية 1979 ) . وله مواقف مشهورة مع جنود الاحتلال عندما كان يزور فلسطين عبر مطار تل أبيب بجوازه الأمريكي ، فمما يذكر عنه أنه شاهد في إحدى الزيارات ضابطا إسرائيليا يطرد فلاحين فلسطينيين من مزارعهم وحقولهم ، فسأل الضابط الإسرائيلي  : لماذا تفعل ذلك ؟ فأجابه : إنها أرض إسرائيل ولا يحق لهم التواجد فيها وزراعتها . فردّ عليه إدوارد سعيد : هذه نفس مقولات النازيين الألمان التي طردوا اليهود من منازلهم وأرسلوهم للمعتقلات والموت !!.

 وقد أسس مع الموسيقار الإسرائيلي دانييل بارينبويم  فرقة موسيقية تضم عازفين عربا وإسرائيليين ، أطلقا عليها اسم ( أوركسترا الديوان الشرقي الغربي ) لخدمة السلام بين الشعبين من خلال الموسيقى، ومن المعروف أن بارينبويم من دعاة السلام المعروفين بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ، وكان قد زار القاهرة في أبريل من عام 2009 حيث قدم حفلا سيمفونيا في دار أوبرا القاهرة، قدمه فيه الممثل العالمي المصري عمر الشريف وحضرها جمهور غفير بينهم دبلوماسيون عرب وأجانب .  وكان قد زار المغرب عام 2003 ، و هو يحمل الجنسية الفخرية الفلسطينية إيمانا منه بحق الشعب الفلسطيني في العيش بسلام وأمن جوار الشعب الإسرائيلي ، وذهب خصيصا مع فرقته الموسيقية للعزف لجمهور مدينة رام الله .
فهل يمكن أن يقال عن البروفيسور الدكتور إدوارد سعيد صاحب هذه المواقف والكتب أنه كان مطبعا مع دولة إسرائيل ، لكونه يزور وطنه ومسقط رأسه رغم وجود الاحتلال فيهما ؟

وأخيرا الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله

عاد سؤال التطبيع للنقاش في بعض وسائل الإعلام الفلسطينية الشهور القليلة الماضية ، إثر زيارة قام بها الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله  لمدينة رام الله ( يونيو 2009 )  قادما من عمّان ، حيث زار الأهل والأصدقاء و أحيا أمسية ثقافية في مركز السكاكيني في مدينة رام الله ، حضرها جمهور غفير ممن يعرفون كتابات هذا الروائي المعروف الذي يستحق أن يوصف بأنه مؤرخ الذاكرة  والنكبة الفلسطينية روائيا من خلال أعماله الروائية التي تشكل علامة مميزة في مسيرة الرواية الفلسطينية ، وهي مجموعة ضخمة من الأعمال التي يستغرب القارىء والناقد كيف ومتى تمكن هذا الروائي ( من مواليد عام  1954 في عمّان لوالدين فلسطينيين من قرية الولجة قرب مدينة القدس ) ، أن يكتبها بهذه الفنية والنوعية الروائية  وبهذا الكم الهائل من الصفحات:
براري الحمى ، 1985
سردية الأمواج البرية ، 1988
عو ، 1990
مجرد 2 فقط ، 1992
طيور الحذر ، 1996
حارس المدينة الضائعة ، 1998
الملهاة الفلسطينية :

طيور الحذر ، 1996
طفل الممحاة ، 2000
زيتون الشوارع ، 2002 
أعراس آمنة ، 2004
تحت شمس الضحى ، 2004
زمن الخيول البيضاء ، 2007

هذا بالإضافة لدواوينه الشعرية

التي قاربت 14 ديوانا ، كان أولها  ( الخيول على مشارف المدينة ) عام 1980 ، وآخرها ( لو أنني كنت مايسترو ) عام 2009 . إبراهيم نصر الله عندما يزور أهله  وأرض و وطنه في مدينة رام الله  ، ويتم الاحتفاء به من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية ، ويلتقي محبي شعره ورواياته ، هل هو مطبّع مع دولة إسرائيل ؟.
هذا السؤال موجه لباعة الشعارات الغوغائية

الذين هاجموا هذا الشاعر والروائي بسبب هذه الزيارة ، وبعبارات متجنية لا تليق إلا بمروجي الشعارات الفارغة التي تشكل كل رصيدهم الغوغائي ، خاصة إذا كانوا من الفلسطينيين الذين يقيمون في القطاع أو الضفة ، ويتنقلون يوميا عبر الحواجز الإسرائيلية ، ويغادرون الضفة والقطاع ويعودون إليها عبر نفس الحواجز ، وفجأة هم وطنيون وغيرهم مطبعون !!! هل هناك مسخرة أكثر من هذه المساخر التي تتغطى بوطنية زائفة مدعاة ؟؟. وقد كان أبلغ الردود على واحد من هؤلاء الباعة المتجولين لشعاراتهم الفارغة التي ما عادت تنطلي على أحد ، هو الرد الذي كتبه الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله نفسه بعنوان  (قناص للخونة على جسر اللينبي و مطوّع في شوارع رام الله ).

http://www.almubadara.org/new/details.php?id=5892

ويظل إبراهيم نصر الله أطول قامة منهم وأكثر فخرا بمواقفه الوطنية الملتزمة في أشعاره ورواياته ومحطات حياته ، لأن الأسئلة المنطقية تحرج هؤلاء المدّعين وبائعي الشعارات الفارغة من أي محتوى :

1 . هل من يزور أهله و أجزاء من أرضه ووطنه في القدس أو القطاع أو الضفة مطبّعا مع الدولة الإسرائيلية ؟ وإن وصل عبر الحواجز الإسرائيلية أو مطارات إسرائيل ؟. أم هل لدى بائعي الشعارات مظلات هبوط سرية من الممكن أن يستعملها الزائر دون المرور عبر تلك الحواجز والمطارات ؟

2 . هل من يصل للضفة والقطاع للتضامن مع الشعب الفلسطيني في محنته أوربيا كان أم فلسطينيا أو عربيا ، فهل هو مطبّع مع الدولة الإسرائيلية ؟

3 . هل من يشترك في مناظرات مع كتاب إسرائيليين للتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس تطبيع أم إيصال للرأي الفلسطيني والعربي ؟

4 . هل من يوافق على إجراء لقاء مع وسيلة إعلامية إسرائيلية لتأكيد ذلك الحق الفلسطيني تطبيع أم تحد ؟ هذا إذا وافقت الوسيلة الإعلامية الإسرائيلية على بث أقواله ومواقفه تلك .

5 . هل من يقوم بترجمة عمل أدبي من اللغة العبرية أو يوافق على ترجمة أعماله إلى العبرية تطبيع مع إسرائيل ؟ . ألم يقل العرب قديما ما معناه ( من عرف لغة قوم أمن شرهم )..فما بالك عندما تعرف ذلك القوم من خلال نتاجهم الأدبي . وهنا كي نكون دقيقين فإن نوعية العمل هي الأساس ، حتى لو كان دعاية لدولة إسرائيل ، ألا يكون ذلك فرصة للمبدعين العرب بالرد على هذه الادعاءات بأعمال إبداعية أيضا ، تتم ترجمتها للغات العالمية بما فيها العبرية ليعرف قراءها كيف ننظر للمسألة من منظور الحقوق الفلسطينية المشروعة . وقد سبق أن عالجت هذه المسألة بالتفصيل في مقالة بعنوان ( هل الترجمة من وإلى العبرية تطبيع مع دولة إسرائيل ؟ ، سبتمبر 2008 ). وقد ترجمت في السنوات الستين الماضية عشرات الكتب الإسرائيلية للغة العبرية ، كان منها من يحتوي ادعاءات وأباطيل إسرائيلية مثل كتاب  (مكان تحت الشمس ) لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بينيامين نيتينياهو ، دون أن يتهم المترجم والناشر بأنهم من دعاة التطبيع مع دولة إسرائيل .

و زيارة القدس أيضا !!

و ضمن نفس السياق ، وكون الفلسطينيين والعرب ، يريدون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة ، وجعلوا منها عام 2009 ( عاصمة الثقافة العربية ) ، هل زيارتها من الفلسطينيين والعرب أيضا تطبيع مع دولة إسرائيل ، أم تأكيد لهويتها العربية رغم محاولات الاحتلال لتهويدها ؟ ما الضرر أن يزورها العرب والمسلمين ويصلون في المسجد الأقصى ؟ أليس هذا تحديا لمحاولات الاحتلال تلك ؟

وموقف اتحاد الكتاب العرب

بهذا الخصوص يبدو غريبا أو بحاجة للنقاش ، فقد أكد محمد سلماوي أمين عام اتحاد الكتاب العرب في تصريح لصحيفة ( أخبار الأدب ) المصرية ( رفض الاتحاد مشاركة أي مثقف عربي في الاحتفالات التي تقام داخل فلسطين ، بمناسبة اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009 ، مناشدا الكتاب والمثقفين العرب مقاطعة ذلك ، وأن يظلوا على قناعتهم الوطنية بعدم التطبيع مع إسرائيل ، رافضين وجودهم على نفس الأرض مع الاحتلال الصهيوني في أي جزء من الوطن العربي ). وهذا الموقف يحمل موقفا جاهلا وآخر مزايدا .

الموقف الجاهل

يتمثل في عدم الوعي بأن دخول الكتاب والمثقفين العرب للقدس ، تأكيد لعروبتها التي تطالب السلطة الفلسطينية وكافة المنظمات بما فيها حماس أنها عاصمة الدولة الفلسطينية . وأساسا أعلنت السلطات الإسرائيلية رفضها إقامة أية نشاطات باسم ( القدس عاصمة الثقافة العربية ) داخل مدينة القدس . ونستطيع أن نتصور الحرج الإسرائيلي أمام أدباء ومثقفي العالم ، لو ذهب كتاب وشعراء ومثقفون عرب للقدس ، ورفضت سلطات الاحتلال دخولهم أو منعت قيامهم بنشاطات ثقافية ؟

أما الموقف المزايد

فيوجد في جملته ( رافضين وجودهم على نفس الأرض مع الاحتلال الصهيوني في أي جزء من الوطن العربي ) ، فهو يتناسى أنه شخصيا وكافة الأدباء والكتاب والمثقفين المصريين يتواجدون في القاهرة مع السفارة الإسرائيلية على نفس الأرض منذ عام 1978 !!!. هذا بينما وزيرة الثقافة الفلسطينية  السابقة السيدة تهاني أبو دقة ، في السابع من نوفمبر 2008 ، أكدت ( دعوتها للعرب للاحتفال بالقدس عاصمة الثقافة العربية من خلال زيارتهم للقدس ، نافية أن تكون دعوتها هي للتطبيع ).

لذلك فإن موضوع التطبيع مع إسرائيل ، أصبح مادة للمزايدة وبيع الشعارات الفارغة ، لأن التطبيع باختصار هو ( دعم مطالب الاحتلال الرافضة لحقوق الشعب الفلسطيني ) سواء كان ذلك في داخل دولة إسرائيل أو في أية عاصمة عربية أو أجنبية ، أما ( دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المتمثلة في دولة مستقلة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ) فهو ليس تطبيعا حتى وإن أعلنه صاحبه من داخل دولة إسرائيل ، فالمسألة في الأساس موقف سياسي والتزام فكري بغض النظر عن المكان الذي أعلن منه هذا الموقف . لذلك فليكف بائعو الشعارات الفارغة خاصة من نوع من هاجموا الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله ، لأنه حسب حججهم الواهية يجب إدانة مئات الكتاب والمثقفين والباحثين والشعراء الفلسطينيين المقيمين في داخل دولة إسرائيل ، ويحملون جنسيتها وجواز سفرها ويسافرون ويعودون لبيوتهم عبر مطاراتها ، وتترجم أعمالهم للغة العبرية ، ويترجمون كتبا وأعمالا عبرية للغة العربية . إنها مسألة موقف : هل أنت مع مطالب وشروط الاحتلال ، أم مع مطالب وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة ؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com



310
ديكتاتور ملوك أفريقيا في مواجهة الصحافة المغربية
د.أحمد أبو مطر

من هو ( ديكتاتور ملك ملوك أفريقيا ) ؟. إنه صاحب المواصفات التالية :

1 . هو من يحكم بالقمع والاستبداد وأجهزة المخابرات ( المملكة الليبية ) سابقا ، الجماهيرية العربية الشعبية الديمقراطية الخضراء العظمى ، منذ سبتمبر عام 1968 بعد انقلاب عسكري على الملك الليبي محمد بن إدريس السنوسي ، ملك ليبيا منذ استقلالها عن إيطاليا في ديسمبر عام 1951 ، وهو حفيد محمد بن علي السنوسي مؤسس الطريقة السنوسية ، وبعد الانقلاب العسكري المشؤوم الذي قاده الديكتاتور المعني ، عاش الملك في المنفى إلى أن وافته المنية في القاهرة في مايو 1983 .

2 . هو واضع اسمه على كتيب بحجم دفتر السجاير ( الكتاب الأخضر ) كتبه في جلسة فكاهة ساخرة اللاجىء السياسي السوداني آنذاك المرحوم ( بابكر كرار ) ، وقدمه أيضا بسخرية للديكتاتور المعني بحجة أن العالم شهد النظرية الماركسية والنظرية القومية  وكلتاهما فشلتا في إنقاذ العالم ، فلا بد من نظرية ثالثة خضراء هي ما يتضمنها دفتر السجاير هذا ، فأعجب الديكتاتور المعروف بنرجسيته الفائقة بالكتيب ، وطلب طبعه باسم ( الكتاب الأخضر ) ، وأسس مستقبلا مركزا باسم ( المركز العالمي  لدراسات الكتاب الأخضر ) ، يرجى الانتباه للاسم ( المركز العالمي....) وله موقع على الانترنت باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية ، وكان يرأسه في بداية تأسيسه عام 1981 الليبي ( إبراهيم إبجاد ) وحاليا الليبي (أحمد إبراهيم ) .

3 . هدف هذه النظرية التي يعمل صاحبها الديكتاتور على تطبيقها محليا وإقليميا ودوليا هو ( ضرورة تسخير المعطيات الفكرية والمفاهيم الاستراتيجية والأساليب الديمقراطية الكامنة بفكر النظرية الجماهيرية ( الكتاب الأخضر ) ...تقديما لكل الحلول الجذرية التطبيقية لجميع المشاكل والإشكاليات المجتمعية على صعيد الساحة المحلية والإقليمية والعالمية ).  - بصراحة أنا لم أفهم شيئا من هذه الهلوسات الخضراء ، فمن فهم شيئا منها فليكتب لنا جزاه الله خيرا -

4 . من نتائج هذا التطبيق لهذه النظرية العملاقة الخضراء مجزرة سجن أبو سليم بالعاصمة الليبية طرابلس في حزيران 1996 ، وتم فيها قتل 1200 معارض ومعتقل سياسي بإشراف مباشر من صهر الديكتاتور وابن عمه رئيس حرسه الشخصي . وكذلك خطف وقتل الإمام اللبناني السيد موسى الصدر ومرافقيه الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين في آب  عام 1980 وهم في زيارة رسمية للعاصمة الجماهيرية الخضراء ، وغيره الكثيرون من المعارضين الليبيين منهم : جاب الله حامد مطر ، علي الكلحي ، منصور الكخيا ، و عزت المقريف . ومحاولة اغتيال العاهل السعودي التي كشف عنها القضاء البريطاني عام 2003 إثر اعتقال الموريتاني عبد الرحمن العمودي ، الذي صدر بحقه حكما بالسجن لمدة 24 عاما بعد اعتقاله في مطاردولس بولاية فيرجينيا الأمريكية بتهم تتعلق بالقيام بأعمال غير مشروعة لصاحب النظرية الخضراء  . وكان قبل ذلك قد ألقت الشرطة البريطانية القبض عليه في مطار هيثرو وهو يحاول تهريب 330 ألف دولار أمريكي  ، عرف فيما بعد أنها لتمويل عملية الاغتيال .

5 . هو من أطلق على نفسه ألقاب ( عميد الحكام العرب ) و ( ملك ملوك أفريقيا ) و ( إمام المسلمين ) أي المليار وربع مسلم في كافة أنحاء الكرة الأرضية .

6 . وأخيرا وليس آخرا دفع تعويضات مالية حوالي ثلاثة مليارات دولار لضحايا إسقاط طائرة بان أمريكان فوق قرية لوكربي الإسكتلندية  عام 1988 ، بعد أن اعترف رسميا وعلنيا بأن أجهزة مخابراته هي التي فجرت الطائرة  ، وراح ضحيتها 270 شخصا من بينهم 170 أمريكيا ، وذلك بواقع 10 مليون دولار عن كل ضحية .

من هو هذا الديكتاتور صاحب هذا السجل الحافل بالجرائم ؟

من يعرف اسمه فليكتب لنا وللقراء ، فأنا ربما أعرف اسمه بالكامل وتاريخ حياته الأحمر وليس الأخضر حسب لون نظريته ، ولكنني أحجم عن ذكر اسمه مباشرة وكاملا وصريحا كي لا يلاحقني قضائيا كما حدث في جريمته مع

الصحافة المغربية

وهذه الجريمة التي تتعارض كليا مع حريات الجماهيرية الخضراء  التي يدّعيها ، ما كنت قد سمعت عنها لولا مقالة الكاتب المغربي ( رشيد نيني ) بعنوان ( قتل الميت والمشي في جنازته ) التي أرسلها لي مشكورا الزميل ( عبد الباسط البيك ) ، ثم اكتشفت لاحقا أن الزميل داود البصري قد كتب عن هذه الجريمة بعنوان (القذافي يخوض معاركه في بلاط صاحبة الجلالة المغربية ) -  يرجى ملاحظة أن من ذكر الاسم صراحة هو الزميل داود البصري وليس أنا – رغم اطمئناني أنني كمواطن نرويجي من أصول فايكينجية محمي بالقانون النرويجي الذي يسمح حتى بانتقاد الملك النرويجي طالما النقد يعتمد على حقائق مثبتة .

هذه الجريمة خاضها ( ملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين ) مع الصحف المغربية اليومية الثلاث : المساء ، الجريدة الأولى ، و الأحداث ، حيث كان قد رفع ضدها قضية لأنها تعرضت لشخصه الملكي بالنقد ، ومطالبا بتعويضات قدرها تسعة ملايين درهم مغربي ، أي بواقع ثلاثة ملايين درهم من كل جريدة . وهذه القضية الجريمة تستدعي ثلاثة ملاحظات  :

الأولى : أن ( ملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين وعميد الحكام العرب ) يعتبر نفسه فوق النقد ، رغم أنّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،كان قد خطب في المسلمين قائلا : " إذا وجدتم فيّ اعوجاجا فقوموه " فوقف له رجل من بين المصلين يلوح بيديه كأنها سيف قائلا : " والله إن وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا هذه " . فلم يعاقبه عمر بن الخطاب ، ولكنه عقّب قائلا : " الحمد لله الذي أوجد في المسلمين من يقوّم اعوجاج عمر بسيفه ". و الإمام علي رضي الله عنه هو القائل . " إنما أنا رجل منكم لي ما لكم وعليّ ما عليكم ". فهل سمع ديكتاتور ملك ملوك أفريقيا والمدّعي بأنه ( إمام المسلمين ) بهذه المواقف من قادة عظام مؤمنين بالحق والعدل .

الثانية : الحكم الجائر الذي أصدرته الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء لصالح ملك الملوك ، وتغريم كل جريدة من الجرائد الثلاث بمبلغ مليونين ومائة ألف درهم ، أي ما مجموعه ستة ملايين وثلاثمائة ألف درهم ، تساوي تقريبا ربع مليون دولار أمريكي ،  وكانت سفارته قد رفعت القضية ضد الصحف المغربية. والغريب المثير للسخرية أن سفاراته تحمل اسم ( مكتب الإخوة....) فأية إخوة هذه التي ترفض نقد الأخ إذا كان ظالما فاسدا مفسدا ، أفسد بلدا بكامل ثرواته وجعلها مزرعة لأولاده التي شهدت أكثر من عاصمة غربية حالات وقضايا ضد فسادهم وعنجهيتهم وتحديهم لقوانين تلك البلاد معتقدين أنهم في مزرعة والدهم ملك ملوك أفريقيا ، وبذلك يحق لهم ما يرفضه ويدينه القانون .


ابتزاز معروف عنه ومنه

 وهذا الابتزاز ليس غريبا ولا جديدا على ملك ملوك أفريقيا ومدّعي إمامة المسلمين ، ففي حربه المفتعلة  ضد  الجارة تشاد بين عامي 1980 و 1987 قام بابتزاز المنظمات الفلسطينية المتواجدة في العاصمة الجماهيرية بوقف دعمها المالي الشهري إن لم ترسل عددا من عناصرها للقتال مع جيشه كي يعطي الحرب ضد تشاد طابعا قوميا، وبالفعل فقد امتثلت بعض الفصائل الفلسطينية لابتزازه وأرسلت بعض مقاتليها للمشاركة في الحرب التي استمرت حوالي سبع سنوات ، انتهت بانسحابه المخزي من إقليم (أوزو ) معترفا أنه عائد لتشاد ، مما يدّل على  أن حربه تلك كانت مفتعلة لحسابات شخصية ظالمة لا تليق إلا بشخص يعتقد حقيقة أنه ملك ملوك أفريقيا ، وبالتالي يحق له التصرف في القارة الأفريقية كما يريد.

الثالثة : هي حاجة ديكتاتور ملوك أفريقيا لربع المليون دولار هذا من الصحف المغربية ، كي يعوض ولو قليلا مبلغ المليارات الثلاثة التي دفعها لضحايا إسقاطه لطائرة بان أمريكان المعروفة باسم (جريمة لوكربي ) ، وكذلك مبلغ إل 170 مليون دولار التي دفعها لضحايا الطائرة الفرنسية التي اعترف بأنه أسقطها عام 1989 فوق صحراء النيجر .

خطورة الرضوخ لابتزاز عميد الحكام العرب

إن هذه الخطورة التي أجازها أو مرّرها القضاء المغربي لا تليق بحرية الصحافة المغربية التي تمارس النقد بحق كبار المسؤولين المغاربة ، ولا تليق بالصحافة العربية عموما التي حققت في الأعوام الأخيرة في العديد من الأقطار هامشا واسعا من الحرية تخافه غالبية الأنظمة ومسؤوليها . إنها سابقة ستشجع العميد وغيره من المستبدين على ممارسة هذا الابتزاز لإخافة منتقديهم ، كي تمرّ جرائمهم بدون نقد أو تعريف الشعب بهذه الجرائم ، خاصة أن العقيد تحديدا لن يعدم وجود ملف للابتزاز مع أية دولة عربية ، بينما هو لا يستطيع أن يحرك ساكنا ضد أية صحيفة غربية أو صحيفة عربية تخضع للقوانين الأوربية والأمريكية ، وهذه الصحف نادرا ما تخلو من نقد سياسات إمام المسلمين ملك ملوك أفريقيا ،خاصة في ملف حقوق الإنسان الليبي الذي يعتبر من الملفات القذرة في العالم من حيث مستوى القمع والاعتقال وإخفاء المعارضين أي قتلهم سرا.

إن التضامن مع هذه الصحف المغربية الثلاث واجب وطني وقومي وذلك ليس من أجلها فقط ، بل من أجل الصحافة العربية عموما في معاركها وتصديها للديكتاتوريين والمستبدين ، حتى لو انتحلوا صفات إمام المسلمين وملك ملوك أفريقيا وعميد الحكام العرب ، المتربع على قلب وثروة الشعب الليبي منذ سبتمبر عام 1968  ، فحرية الصحافة جزء أساسي من حرية الشعوب التي صادرها هذا العقيد وأمثاله.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

311
خطاب مشعل الأخير: نعم...و...لكن!
د.أحمد أبو مطر

يمكن القول أن شهر يونيو من عام 2009 قد شهد موضة خاصة يمكن أن نطلق عليها ( موسم الخطابات )  ، التي كان كل خطاب منها تنتظره الملايين من الساسة والجماهير والحكومات ، لمعرفة الجديد في كل خطاب خاصة أن الخطابات كانت منتظرة من ساسة لديهم ملفات ساخنة يؤثر مضمونها على العديد من القضايا العالمية . بدأ هذا الموسم بخطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة في الرابع من يونيو ، وتلاه خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نيتينياهو في جامعة بار إيلان  في الرابع عشر من  يونيو ، وتلاه خطاب ولي الفقيه الإيراني آية الله العظمى على خامئني  ( قدّس الله سره ) في خطبة الجمعة بجامعة طهران في التاسع عشر من يونيو ، ثم خطاب سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني غير المعترف به من حركة حماس في الحادي والعشرين من يونيو في جامعة القدس بقرية أبو ديس ، قضاء القدس أي أن الخطاب والجامعة ليس في القدس ذاتها التي يعتبر الفلسطينيون  القسم الشرقي منها الذي أحتل عام 1967 عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة ، بينما تعتبرها إسرائيل القدس الواحدة الموحدة العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل .  وأخيرا وليس آخرا خطاب خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي ألقاه في الخامس والعشرين من يونيو في قاعة خاصة في العاصمة السورية دمشق ، رغم التأجيل الذي طرأ على موعده أكثر من مرة ، قالت المصادر أنه بسبب انتظار خطاب سلام فياض للرد على ما يجيء فيه ، أو بسبب زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لدمشق ، أيضا في انتظار ما تسفر عنه هذه الزيارة خاصة لقاء عباس مع الرئيس السوري بشار الأسد.

خطاب نعم...و...لكن

أيا كان موقفك من سياسة حركة حماس وممارساتها في قطاع غزة إلا أن الموضوعية تقتضي القول أن هذا الخطاب المشعلي كان متوازنا في أغلبه  وأكرر في أغلبه وليس كله . من هذا التوازن تحت عنوان ...نعم ..و.. لكن ، قوله:

( لقد جاءت إدارة أمريكية جديدة وحصل تغيير في لغتها تجاه المنطقة ..و..لكن السؤال من أحدث هذا التغيير ، إنه الصمود العنيد لشعوب المنطقة الحيّة ).

( إننا نلمس تغييرا في النبرة والخطاب الأمريكي تجاه المنطقة والعالم الإسلامي كما بدا في خطاب أوباما في القاهرة..و..لكننا لا نسحر بالخطابات ، فمفعول اللغة مؤقت وعابر بل نبحث عن التغيير في السياسات على الأرض ).

( إن الحديث الأمريكي عن تجميد الاستيطان وعن الدولة الفلسطينية أمر جيد..لكنه ليس جديدا كما أنه ليس كافيا، فالأهم هو مدى الاستجابة لحقوق شعبنا ).

( بعد خطاب أوباما ، خطب نيتيناهو ، ونطق بكلمة الدولة الفلسطينية ، ولكن بعد أن أفرغها من مضمونها فهي مجرد حكم ذاتي تحت مسمى دولة ).

( نحن وإن رحبنا بالتغيير في لغة أوباما ، لكننا بكل وضوح لم نتجاوز هذا الحد طالما بقي التغيير في حدود اللغة ).

وأعتقد أن خالد مشعل كان متوازنا في ( نعم ولكن ) هذه في المفاصل التي ذكرها ، فالكل ينتظر خاصة من الرئيس الأمريكي أوباما ، أن تمارس الولايات المتحدة دورها المنشود منها لتحقق للشعب الفلسطيني تطلعه لدولة مستقلة كاملة السيادة ، بعيدا عن اشتراطات نيتينياهو التي تجعل من هذه الدولة مجرد محمية إسرائيلية كما قلت في مقالة سابقة عن خطاب نيتينياهو.

التحول الجذري في خطاب مشعل

الجديد في خطاب مشعل هو تصريحه بوضوح وصراحة عن التوجه السياسي الجديد لحركة حماس ، وهو الذي كان مطلوبا منها من العديد من الجهات الفلسطينية والعربية والدولية ، وهو اعترافه بأن كل ما تطمح له حماس هو دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 أي في القطاع والضفة والقدس الشرقية ، إذ قال حرفيا : ( إن البرنامج الذي يمثل الحد الأدنى لشعبنا ، وقبلناه في وثيقة الوفاق الوطني كبرنامج سياسي مشرك لمجمل القوى الفلسطينية ، هو قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بعد انسحاب قوات الاحتلال وإزالة جميع المستوطنات منها، وإنجاز حق العودة ). ورغم أن هذا التصريح يعني الاعتراف العلني الرسمي من حماس بدولة إسرائيل ، إلا أنه سيصطدم بتحفظات إسرائيلية مصدرها الإصرار على نقطتين :

الأولى ، هي النطق علنا وصراحة بالاعتراف بدولة إسرائيل ، وهذا كما أعتقد  ليس صعبا أن يصدر عن حماس إذا لمست جدية في الموقف الإسرائيلي حيال حقوق الشعب الفلسطيني .

الثانية ، هي الطلب الإسرائيلي بالاعتراف بأن دولة إسرائيل يهودية الطابع فقط ، وهو ما ترفضه السلطة الفلسطينية وكافة الفصائل الفلسطينية ومنها حماس ، لأنه ينطوي على خطر تهجير وترحيل مليون وربع فلسطيني يقيمون في دولة إسرائيل منذ عام 1948 ، ويحملون الجنسية الإسرائيلية ويشاركون في الانتخابات ولهم ممثلوهم في الكنيست الإسرائيلي .

وهذا يعني أن الشروط الإسرائيلية تناقض تماما مع الحقوق الفلسطينية ، مما يعني أنه لا أمل في سلام شامل وعادل في المستقبل القريب ، خاصة أن هناك تناقض بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي فيما يتعلق بالمستوطنات ، وتحاول إسرائيل الالتفاف على الطلب الأمريكي بوقف الاستيطان عبر مراوغات منها وقف الاستيطان ثلاثة شهور ، وماذا بعد ؟ هذا هو السؤال !.

التذكير بجرائم فتح ونسيان جرائم حماس

أفاض خالد مشعل في الحديث عن تجاوزات وجرائم فتح في الضفة الغربية ضد عناصر حماس ، وأغلب ما قاله حقيقة لا يمكن نسيانها أو تجاوزها من أي منصف وموضوعي ، لكنه تناسى نهائيا أن من بدأ هذه التجاوزات والجرائم في قطاع غزة ضد عناصر فتح ، هي حركته حماس بعد انقلابها العسكري في يناير 2007 ، وهي جرائم لا تقل بشاعة عن جرائم فتح في الضفة، شملت الاعتقال والقتل والتطهير التنظيمي ، وهذا يعني أن حماس وفتح في الجرائم والتجاوزات لا يختلفون عن بعض ، مما يؤكد للشعب الفلسطيني أن الصراع الفتحاوي الحمساوي ليس من أجل الدولة الفلسطينية ولا من أجل رفاهية الشعب الفلسطيني ، لكنه صراع من أجل السلطة والكراسي والمال والنفوذ ، بدليل فشل جولة الحوار السادسة الأخيرة في القاهرة ، وإعلان تأجيلها لوقت لاحق ، وضمن عقلية السيطرة والاستفراد لن ينجح الحوار الفلسطيني حتى لو وصل للجولة الستين ، وهو حوار أعلنت في مقالة سابقة عن تشييع جنازته لمثواه الأخير، وللأسف المبكي أن من يعاني هو الشعب الفلسطيني وليس قيادات فتح وحماس ، فهذه القيادات من الحركتين تعيش في العسل ، ولا ينقصها أي أمر من متطلبات الحياة المريحة ، لذلك ليس غريبا أن تسمع العديد من الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة ، يصرخون قائلين ( سقى الله على أيام الاحتلال )!!!وهل هناك كارثة أكبر من هذه المصيبة ؟؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

312
دروس الانتفاضة الإيرانية الأخيرة
د.أحمد أبو مطر

شهدت شوارع العاصمة الإيرانية تراجعا في عدد وحجم التظاهرات بسبب عمليات القمع والقتل الواسعة التي قامت بها قوات الباسيج والحرس الثوري والعديد من أجهزة الأمن والمخابرات السرية والعلنية ، لدرجة أن القتل المتعمد طال أطفالا لأنهم شاركوا أو تواجدوا في مكان المظاهرات العارمة ، مثل حادثة قتل ( ندى سلطاني ) التي لا يمكن وصف حجم بشاعتها ومدى جريمة مرتكبيها من الباسيج الذين تعمدوا بشكل مسبق ومتعمد أن يطلقوا الرصاص على قلب هذه الفتاة ، ربما لتكون عبرة لمن هو أكبر منها من المشاركين في المظاهرات ، لأن من ينعدم الإحساس في عقله وقلبه ويقتل هذه الطفلة لن يتردد في قتل غيرها صغارا أم كبارا . و أيا كان التطور لهذه الانتفاضة الإيرانية تراجعا أم تطورا ، فقد أنتجت هذه الانتفاضة الباسلة العديد من الدروس المهمة للشعب الإيراني والشعوب العربية تحديدا ، من الضروري التأمل فيها لأنها كما أرى ستضع بصماتها على المنطقة في المرحلة القادمة.

أولا: صفة النظام ديكتاتورية وليست إسلامية

من يدّعي أن نظامه يحمل الصفة الإسلامية ( الجمهورية الإسلامية الإيرانية ) ، عليه أن يحترم هذا الإسلام ويحقق في نظامه الحد الأدنى من تعاليم وصفات الإسلام ، إلا أن حجم القمع والقتل والاعتقالات التي شهدتها المدن الإيرانية خاصة العاصمة طهران ، تثبت بدون أدنى شك أن نظام الملالي لا يختلف عن أية أنظمة ديكتاتورية شمولية استبدادية ، يسعى ملاليه برئاسة ( ولي الفقيه علي خامئني ) للبقاء في السلطة حتى لو كان ذلك عبر هذا الحجم من القتل والدم الذي لم تشهد أية مظاهرات في أية دولة عربية مثله . وهذا لا يعني تحقق الديمقراطية والشفافية في كافة الأقطار العربية ، ولكن عند مقارنة الأنظمة المستبدة غير الديمقراطية لم نرصد هذا الحجم من القتل والقمع في أية عاصمة عربية. وبالتالي فإن نظام الملالي لا يعدو كونه نظاما استبداديا شموليا يستخدم الدين غطاء لقمعه واستمراريته ، فأي إسلام يسمح بهذا القتل العلني لمتظاهرين سلميين لم يستخدموا العنف ، والتظاهر حق في كافة الشرائع والقوانين ، وكذلك الاعتراض على الخطأ والباطل حتى لو كان من الحاكم نفسه .

هل قرأ ملالي إيران أو سمعوا عما دار بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبين بعض المسلمين عندما سألهم : ( أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ، ماذا أنتم فاعلين وكرره فلم يجيبوا، فقال بشر بن سعد: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بسيوفنا هذه . فرد عمر قائلا: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوّم عمر بسيفه ). هذا بينما ملايين المتظاهرين الإيرانيين حاولوا الرد على تزوير الانتخابات الرئاسية بالتظاهر السلمي وليس السيوف، فكان رد مخابرات النظام قتل العشرات واعتقال ما لا يقل عن سبعمائة شخص من بينهم ثلاثين  صحفيا ، عشرين من العاملين في صحيفة مقربة من مير حسين موسوي ، وطرد أغلب وسائل الإعلام الأجنبية كي لا ترسل فضائحه للخارج، ولكن بفضل التكنولوجيا الحديثة تمكن الشباب الإيراني نفسه بإرسال كل جرائم القتل والقمع للعالم أجمع. وكذلك تمّ اعتقال سبعين من أساتذة الجامعات بعد اجتماع عقدوه مع مير حسين موسوي . وهذا هو آية الله العظمى حسين منتظري يعلن أن الدين الإسلامي يحرم منع المتظاهرين من الاحتجاج ، ويدعو إلى ثلاثة أيام حداد على أرواح ضحايا القمع من قبل عسكر الملالي .

ثانيا: تآكل النظام من الداخل

هذا النظام المستبد ربما يستمر سنوات أخرى ، ولكن الدرس المهم هو أن هذا النظام بدأ يلاقي معارضة علنية من داخل صفوفه كما حدث في مواقف السيد مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي والمرشح الرئاسي محسن رضائي الذي أعلن أنه سيواصل المعركة دفاعا عما أسماه بشكاوي الناس ، وأن سحب شكاواه الشخصية بسبب التهديدات و الضغوط لا يعني تخليه عن التحرك دفاعا عن شكاوي الناس وإصلاح الضرر الذي لحق بالنظام الإسلامي . وآية الله العظمى حسين منتظري نفسه يصرح علنا ( أن النظام يمكن أن يسقط إذا استمر قمع التظاهرات السلمية في إيران ). أما مهدي كروبي فقد وصف الحكومة الجديدة برئاسة أحمدي نجاد بأنها غير شرعية . ويكفي أن هذه الحكومة ونظامها و ولي الفقيه لها رفضت أن تسمح للمعارض مهدي كروبي من إقامة مراسم الحداد على أرواح القتلى ، وهذا ما يخالف أبسط المبادىء والقواعد الإسلامية . لذلك فإن هذا النقد القاسي للنظام من شخصيات من داخله ، يعني أنه ما عاد يحظى بتأييد كافة  القيادات أو كافة الشعب الإيراني بدليل هذه الملايين من المتظاهرين .

ثالثا: اختراع فزاعة جديدة اسمها المخابرات المركزية

تعودنا في العالم العربي أن يضع المسؤلون المسؤولية في كل ما يتعرضون له على كتف شماعة اسمها المخابرات الإسرائيلية ( الموساد ) ، أما أحمدي نجاد فقد اخترع فزاعة جديدة اسمها ( المخابرات المركزية الأمريكية ) محملا إياها مسؤولية التظاهرات لثلاثة ملايين إيراني . وهذا يعني أن هذه الملايين الثلاثة وكل الشخصيات المعارضة من قلب النظام مجرد عملاء للمخابرات المركزية...هل هناك غباء وتجني أكثر من هذا ؟. وقد تأكد ضمن هذا السياق أن إصلاحيين إيرانيين معتقلين قد تعرضوا للتعذيب لإجبارهم على الخروج لشاشات التلفزيون والإدلاء باعترافات تقول أن هناك مؤامرة أجنبية ضد النظام الإسلامي . وتؤكد المعلومات أن مصطفى تاج زادة وعبد الله  ومحسن أمين زادة وهم من مؤيدي مير حسين موسوي ، قد تعرضوا لجلسات استجواب وتهديد في سجن ايفين الرهيب بطهران.

رابعا : من دافع عن هذا النظام الديكتاتوري ؟

مسألة مهمة أن ندقق فيمن أعلن تأييده للنظام المستبد لأن هذا يعني التطابق في السلوك والرؤيا والفكر. أول من هنأ آية الله خامئني وأحمدي نجاد هو السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله في لبنان ، فقد أرسل الحزب رسالة يهنىء فيها ( بإنجاز الانتخابات الرئاسية ) ، وجاء في بيان الحزب يوم الأحد الرابع عشر من يونيو ( أن الحزب يتقدم من سماحة آية الله العظمى الإمام القائد السيد على خامئني والجمهورية الإسلامية الإيرانية بأحر التهاني على إنجاز الانتخابات ) ، وأشاد الحزب ب ( المشاركة الكثيفة في أجواء الحرية والحضارة والتنظيم ما يضاهي أكثر الديمقراطيات عراقة في العالم )!!!.

ونسأل السيد حسن نصر الله

 هل سمع بالملايين من الشعب الإيراني الذين تظاهروا ضد نتائج هذه الانتخابات ؟ وهل سمع بمواقف شخصيات إيرانية من قلب النظام ومنهم من هم في مرتبة آية الله العظمى مثل حسين منتظري ؟. وضمن السياق نفسه نسأل : هل من حق رئيس أي حزب في العالم أن يهنىء رئيس دولة أخرى أم أن هذا فقط من اختصاص رئيس الدولة فقط ؟. وهذا ما يعزز القناعة القائلة بأن حزب الله ليس حزبا سياسيا في دولة، بل دويلة في داخل دولة . ومن المهم التمعن في الصفات التي أطلقها السيد حسن نصر الله على آية الله علي خامئني ، فهو (  آية الله العظمى الإمام القائد السيد....) ، والسؤال ما ضرورة صفة القائد في سياق التهنئة ؟. لأن هذا يستدعي السؤال : هل الإمام علي خامئني قائدا للجمهورية الإسلامية الإيرانية أم لحزب الله أيضا ؟ لأن هذا يذكرنا بالبيان التأسيس لحزب الله عام 1985 الذي نص ّ صراحة على ( أن هدف الحزب إقامة جمهورية إسلامية في لبنان مرجعيتها الفقهية في قم الإيرانية ) . وعاد السيد حسن نصر الله ليؤكد ذلك في خطابه المشهور في ذكرى ( النصر الإلهي ) في 26 مايو 2008 ، عندما قال صراحة ( أنا اليوم أعلن وليس جديدا ، أنا افتخر أن أكون فردا في حزب ولاية الفقيه ، الفقيه الحكيم ، الفقيه الشجاع ، الفقيه الصادق ، الفقيه المخلص ).

وتشافيز فنزويلا أيضا

أعرف مسبق أن الرئيس الفنزويلي تشافيز يحظى بالإعجاب والتصفيق في العالم العربي ، بسبب طرده السفير الإسرائيلي في يناير 2009 أثناء الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة . وهذه مسألة مختلفة عن كيفية نظرة الشعب الفنزويلي لتشافيز وملف حقوق الإنسان في فنزويلا الذي يعتبر من الملفات السيئة للغاية في العالم بافضافة لإيران والصين وفيتنام . وهو لا يوصف في داخل فنزويلا إلا بالديكتاتور الذي يسعى للبقاء في السلطة طول العمر، ولكن الشعب الفنزويلي رفض في ديسمبر 2007 التعديلات التي اقترحها على الدستور كي تسمح له بالبقاء في السلطة لفترة غير محددة ، مما دعى النائب الأوربي الأسباني " هو لويس هيريرو "  أن يصفه وهو في زيارة لفنزويلا في فبراير 2009 بأنه ديكتاتور، فتم طرد النائب الذي كان في زيارة رسمية لفنزويلا .

هذا الديكتاتور الفنزويلي  قام أيضا بتهنئة نظيره الإيراني أحمدي نجاد لفوزه في الانتخابات ، متجاهلا الاحتجاجات والمظاهرات  الإيرانية ، واعتبر تشافيز فوز نجادي رغم كل ما سمعه عن التزوير بأنه ( فوز كبيرا جدا ومهم للشعوب التي تناضل من أجل عالم أفضل ) ، متناسيا أن يسأل نفسه : هل الملايين الإيرانية المتظاهرة ضد أحمدي نجاد ونظامه  من عداد هذه الشعوب أم لا ؟. ويبدو أن المثل العربي صادق عندما قال : ( إن الطيور على أشكالها تقع ) ولا ( يؤيد الديكتاتور إلا من هو شبيه له )....ولله في خلقه شؤون !!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

313
استحالة الموافقة على الوطن البديل فلسطينيا وأردنيا
د.أحمد أبو مطر
فكرة الوطن البديل لدى اليمين الإسرائيلي ليست جديدة فهي تكاد تكون من عمر الدولة الإسرائيلية ، إذ حاول هذا اليمين إيجاد حل دائم  للقضية الفلسطينية عبر استنساخ نموذج عربي من تجربة إقامة الدولة الإسرائيلية التي قامت على أنقاض الوطن القومي التاريخي للشعب الفلسطيني من خلال ادعاء ( وطن بلا شعب لشعب بلا وطن ) القائم على خلفية رسالة أو وعد بلفور وزير الخارجية البريطاني في الثاني من نوفمبر عام 1917 ، الذي أرسله إلى الزعيم اليهودي البريطاني اللورد ليونيل روتشيلد  واعدا بأن حكومة الجلالة البريطانية سوف تسعى إلى ( تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ) ، وهو الوعد الذي تحقق بعد 31 عاما في مايو 1948 . وفكرة الاستنساخ هذه تقوم على أكذوبة أن ( لا دولة فلسطينية غرب النهر ، لأن الدولة الفلسطينية قائمة أساسا شرق النهر ) أي في المملكة الأردنية الهاشمية التي عمرها سابق لتأسيس دولة إسرائيل ب 28 عاما ، فهي  دولة عربية تأسست أثناء الثورة العربية الكبرى على الاحتلال العثماني الذي كان يسيطر على غالبية العالم العربي ، ومن المعروف تاريخيا  أن هزيمة الرجل المريض ( تركيا ) في الحرب العالمية الأولى وأثناء الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف  الحسين بن علي ، أعقبها تشكيل جديد لخريطة المنطقة العربية نشأت عنه دول عربية عديدة مستقلة مثل سوريا والأردن والعراق وفلسطين ولبنان والكويت وقطر، وكان الأردن قبل ذلك جزءا من ولاية دمشق ، والدولة السورية الحالية كانت تتكون من ولاية دمشق وولاية حلب ، والعراق يتكون من ولاية البصرة وجزء من ولاية حلب ، أما فلسطين ولبنان فكانا معا يسميان ولاية بيروت ، أما دولتي الكويت وقطر فكانتا أقضية تتبع ولاية البصرة ، وهذا يعني تاريخيا وواقعيا أنه لا يمكن التشكيك في طريقة نشأة وتكون أية دولة عربية ، فأغلبها تاريخيا نتاج التشكيل الجديد الذي قام به تخطيط سايكس بيكو الذي أعقب هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، تلك الهزيمة التي قامت الثورة العربية الكبرى بدور فاعل فيها.

العزف على أوتار المنابت والأصول

 وتعتمد تلك الأكذوبة الإسرائيلية على أن نسبة من سكان الأردن من أصول فلسطينية نتيجة توحيد الضفة الغربية مع إمارة شرق الأردن عام 1950 ليؤسسا معا المملكة الأردنية الهاشمية ، و أيا كانت هذه النسبة فهي بكل المقاييس لا تصمد لتأسيس دولة فلسطينية ، لأن اعتماد هذا القياس يعني تقسيم فعلي للعديد من الدول ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وكندا، حيث يعيش في كل منها أكثر من عرق وأصل ، ويبلغ بعضها أكثر من مجموع سكان المملكة الأردنية الهاشمية ، لذلك كان المرحوم الملك حسين يؤكد دوما في أغلب خطاباته على أنّ ( الأردن وطن الأردنيين بغض النظر عن منابتهم وأصولهم ) ، وذلك هو المقياس الأخلاقي الذي اعتمدت عليه قوة الكيان الأردني وديمومته رغم كل المؤامرات التي واجهها في القرن الماضي ، لأن تنوع المنابت والأصول في المملكة دليل على حيوية وتآلف لا يستطيع واحد من أي أصل أنّ يدعي أنه أردني وغيره ليس  أردنيا أو أنه أكثر انتماء للأردن من غيره خاصة أن غالبية أجيال هذه المنابت و الأصول التي تشكل الآن غالبية سكان المملكة ولدت في الأردن . إن الذي ولد في المملكة الأردنية عام 1950 عمره الآن ستون عاما ، ومن المؤكد أيا كان أصله فقد ولد له على الأقل جيلين ، ولبعض هذين الجيلين ولدت أجيال، فمن منهم يستطيع القول أنه أردني وغيره غير أردني ؟.

هل يقبل الفلسطينيون دولة خارج وطنهم التاريخي ؟

الطرف الأول والأساسي في فزاعة الوطن البديل هو الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية الذي يبلغ تعداده حوالي أربعة ملايين نسمة ، واللاجئون الفلسطينيون في المنافي العربية والأجنبية وهم حوالي سبعة ملايين ، فهذه الملايين الفلسطينية تسعى  كحد أدنى لقيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 كما أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 في دورته بالعاصمة الجزائرية ، وكي تقوم هذه الدولة الآن شرق نهر الأردن أي في المملكة الأردنية الهاشمية ، فهذا يتطلب موافقة هذه الملايين الفلسطينية على الفكرة أولا ثم تهجيرهم لشرق النهر ثانيا ، فهل يقبل أي عاقل أو مجنون منهم هذا الحل التطهيري الذي لا يعني سوى أنه شعب خائن بكامله كونه وافق على التنازل عن وطنه التاريخي مقابل قيام دولة له على أرض و وطن شعب آخر ؟. هل يقبل أي فلسطيني إعادة استنساخ الفكرة البلفورية التي نهبته وطنه لإقامة دولة لشعب آخر ويوافق على قيام وطنه الفلسطيني على أرض ووطن شعب آخر هو الشعب الأردني الشقيق  ؟.

الجواب القاطع غير القابل للنقاش

هو مليون لا كبيرة وصريحة وواضحة وغاضبة ، لأن شعبا يصرّ على تنفيذ حقه في العودة لوطنه تنفيذا لقرار الأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948   ، لن يقبل بأي وطن بديل لا في غرب النهر في المملكة الأردنية الهاشمية ولا في أية بقعة في العالم حتى لو كانت امتدادا للجنة أو مدينة أفلاطون الفاضلة ، لأن الفضيلة هي التمسك بالحق في الوطن القومي التاريخي ولو عبر حل دولتين لشعبين كما ترى غالبية الشعب الفلسطيني وأنصار السلام من الشعب الإسرائيلي أيا كانت نسبتهم .

وهل يرضخ الشعب الأردني ؟

ولدحض أية احتمالية لتنفيذ فكرة الوطن البديل من المهم السؤال عن موقف الشعب الأردني في المملكة الأردنية الهاشمية لأنه هو الطرف الثاني في مشروع الفكرة ، وفي جدلية حالة موافقة الطرف الأول وهو الشعب الفلسطيني ، فالسؤال المنطقي هو : هل يرضخ الشعب الأردني لهذا المشروع غير الأخلاقي ؟ . أعتقد لدرجة ترقى لحد اليقين المطلق أن هذا الشعب لن يرضخ ولن يقبل هذا المشروع لسببين أساسيين :

الأول : لأنه كشعب عربي أصيل بكل منابته وأصوله ، الشعب وارث الثورة العربية الكبرى التي أسهمت في الخلاص من الاحتلال العثماني واستقلال العديد من الدول العربية ، لن يقبل مطلقا بالتنازل عن الحق التاريخي العربي في فلسطين حتى لو وافق الشعب الفلسطيني أو قطاعات وتيارات منه ، وأعتقد أن هذا سيكون موقف كافة الشعوب العربية ، التي لن تقبل بأقل من دولة فلسطينية مستقلة معترف بها ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية لما لها وفيها من إرث عربي إسلامي عند كافة الشعوب العربية والإسلامية .

الثاني : لأنه شعب عريق في المقاومة دفاعا عن حقوقه ، فالتاريخ الأردني حافل بمحطات تاريخية نضالية لا يمكن تجاوزها ، ومنها تلك المحطات المهمة التي قادها وخطط لها اللواء العسكري المشهور علي خلقي الشرايري ( مواليد مدينة إربد عام 1878  ) و كان قائدا عسكريا بارزا في الجيش العثماني ، قاتل في العديد من الجبهات في القوقاز واليمن وليبيا ، وعند اندلاع الثورة العربية الكبرى كان حاكما عسكريا لمدينة مكة المكرمة، وبناءا على اتصالات الشريف حسين ، أعلن انضمامه للثورة مقنعا العديد من الضباط العرب لدعم الثورة للخلاص من نير الاحتلال التركي الذي مارس أبشع أنواع القمع والقتل والاضطهاد ضد العرب في كافة أقطارهم الواقعة تحت احتلاله. وكان أيضا ممن قادوا عمليات المقاومة في حوران ضد الاحتلال الفرنسي ، ولعب دورا بارزا مؤثرا في مؤتمر أم قيس ( أيلول 1920 ) الذي أكد على ضرورة قيام الدولة الوطنية المستقلة ، لذلك ربطته علاقة قوية مع الملك المؤسس عبد الله ، وكان وزير الأمن في أول حكومة أردنية التي ترأسها الزعيم اللبناني رشيد طليع في تموز 1921 . وتشكيل المواطنين العرب غير الأردنيين لحكومات أردنية على مستوى رؤساء وزارات ووزراء ظاهرة ملفتة للنظر في تاريخ الحكومات الأردنية منذ عام 1921 ، مما يعني تجذر النزعة القومية عند الشعب الأردني الذي لا يهمه إن كان رئيس الوزراء لبنانيا مثل المواطن اللبناني رشيد طليع ( 1921 ) ، وعقب ذلك المواطنين السوريين  مظهر رسلان و حسن خالد أبو الهدى ، والمواطينن العراقيين رشيد المدفعي   و علي رضا الركابي وغيرهم العديد من الوزراء والمسؤولين .

وضمن نفس المشهد الأردني المقاوم

لا يمكن نسيان الشيخ كايد مفلح العبيدات الذي كان أول شهيد أردني  ( 1920 ) على التراب الفلسطيني في زمن الانتداب البريطاني . وأيضا البطولات التي أبداها الجيش العربي الأردني في معركة الكرامة مع الاحتلال الإسرائيلي في عام 1968 ، وهي بطولات وصمود مذهل أوقع خسائر جسيمة في صفوف الجيش الإسرائيلي حسب الشهادات الإسرائيلية .  هذا الشعب الأردني الذي يتشكل من العديد من المنابت والأصول التي انصهرت في شعب عربي واحد صفته أردنية ، هل يقبل من أي طرف فلسطيني أو عربي أو إسرائيلي أو دولي ، محو وطنه المملكة الأردنية الهاشمية لقيام دولة بديلة مكانها أيا كان اسمها ولأي شعب مهما كان اسمه وأصله ؟. الجواب قطعا مليون لا وسوف يقاوم هذه الفكرة بكل ما يملك وسط رضا وقناعة كل الأردنيين أيا كانت منابعهم وأصولهم ، فالولاء للوطن وليس العرق والأصل ، هذا الوطن الذي احتضن الأجداد منذ مئات السنين ليخلفوا أجيالا أردنية لا تعرف الولاء لغير الأردن أرضا ووطنا و قيادة. وكنتيجة لما سبق من وقائع تاريخية وميدانية ، فإن فكرة الوطن البديل لا يمكن تحقيقها أيا كانت القوى التي تقف حولها ، لأن الشعب الفلسطيني من المستحيل أن يتنازل عن دولته المستقلة على وطنه التاريخي وعاصمتها القدس . والشعب الأردني لن يرضخ لهذه الفكرة غير الوطنية  وسوف يقاومها بكل ما يملك من وسائل وإمكانيات .

ولتأصيل هذا الانتماء الأردني الأصيل ،

لا بد من تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وتوسيع مجالات الأفق الديمقراطي المتحقق واقتلاع جذور الفتنة الإقليمية التي أطلت برأسها العفن في ألأسابيع الأخيرة عبر العديد من وسائل الإعلام .... كيف يمكن ذلك ؟ هذا هو موضوع الحلقة الثانية من هذه المقالة .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


314
خامئني في خطبة الجمعة :
تكريس لديكتاتورية ولي الفقيه وتهديد للقوى الديمقراطية

د.أحمد أبو مطر

الخطبة التي ألقاها علي خامئني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران يوم الجمعة الموافق التاسع عشر من يونيو 2009 ، من أخطر أدبيات النظام الشمولي الإيراني في السنوات الأخيرة ، لأنه كان فيها  شديد الوضوح والصراحة معبرا عن أغلب توجهات نظامه داخليا وخارجيا ، وأهمية ذلك أنه لا يأتي من مسؤول إيراني عادي أو عالي المستوى ، ولكنه من فم المرشد الأعلى أي ( ولي الفقيه ) الذي يتحكم ويسيطر على كافة مقاليد الحياة الإيرانية ، ويضع الخطط والتوجهات لكل صغيرة وكبيرة دون أن ينازعه السلطة  أو يخطئه أحد ، ف ( ولي الفقيه ) منزّه عن الخطأ وهو بمثابة وكيل الله تعالى في الأرض . لذلك من شاهد البث الحي للخطبة ربما هاله أن يتحول المسجد الذي أقيم في جامعة طهران إلى صالة لخطاب سياسي وليس دعوي ديني كعادة خطب الجمعة ، وهذه مسألة مهمة وخطيرة لأنه لا يجوز لأحد مقاطعة خطيب الجمعة أو الطلب للتعليق على ما قاله، بعكس لو كان الخطاب في يوم عادي وليس في المسجد ، وهذا يعني أن المسجد والحسينية تحولا في العديد من الأيام والمناسبات أماكن لاستعراض العضلات السياسي  ، وعلي خامئني ليس الوحيد في هذا المسار ، إذ أن أشهر من مارس وما زال يمارس ذلك هو إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني المقال ، إذ أصبحت عادة أو موضة أن يلقي خطبة الجمعة في أحد مساجد مدينة غزة منذ تشكيله الحكومة المقالة في يناير 2007 ، وهذا يذكرنا بصرخة المفكر الليبي المرحوم الصادق النيهوم ( من سرق الجامع ؟ ).

أين تكمن خطورة الخطبة التهديدية؟

لم يترك المرشد الأعلى شاردة أو واردة إلا وتعرض لها في خطبته مباشرة أو بشكل غير مباشر ، ويمكن تحديد مكامن هذه الخطورة فيما يلي :

أولا: الإصرار على نزاهة الانتخابات ورفض إعادتها

تناقض واضح في موقف خامئني من نتائج الانتخابات الرئاسية ، فقد دافع بشدة عن فوز أحمدي نجاد ، فكيف ينسجم هذا التأييد مع إعلانه يوم الثلاثاء الماضي أنه (  طلب من مجلس صيانة الدستور إعادة فرز جزئية للأصوات بحضور ممثلين عن المرشحين لكي يتأكد الجميع من النتائج ) ؟. وفي نفس السياق كيف ستغير إعادة فرز جزئية للنتيجة التي باركها خامئني ، وما هي نسبة ( الجزئية ) هذه من ادعاء أن 24 مليونا صوتوا لأحمدي نجاد ؟.

هذا رغم أن العديد من الشخصيات الإيرانية المعروفة طالبت بإلغاء نتائج الانتخابات ، فالمرشح الشيخ مهدي كروبي جدّد يوم  الجمعة مطالبته بإلغاء الانتخابات رغم تأييد خامئني لنتائجها في خطبته . وكذلك دعت السيدة شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام إلى إلغائها وتنظيم انتخابات جديدة ، وقالت عبادي صراحة ( إنّ هذه الانتخابات شابتها مخالفات ) ، وأكدت أنه في العديد من مكاتب الاقتراع لم يسمح لممثلي مير حسين موسوي ومهدي كروبي بالدخول مما سمح بالتلاعب بالصناديق . وكما أوضحت شيرين عبادي فهناك مفارقة صارخة تدلّ على التزوير ، إذ أشارت إلى أن أحمدي نجاد كما أعلنت السلطات الرسمية قد حاز في الانتخابات السابقة قبل خمس سنوات على 14 مليون ، بينما حصل في هذه الانتخابات على 24 مليون ، مما يعني زيادة شعبيته رغم كل الانتقادات الشعبية والمسؤولين الرسميين لسياساته طوال السنوات الخمس الماضية ، وهذا يؤكد أن الذين قاموا بالتزوير لم يراعوا العدد كي لا تنكشف ألاعيبهم الانتخابية . وكذلك فإن أكثر عمليات التزوير أعطت الشيخ مهدي كروبي عددا من الأصوات أقل من عدد أعضاء حزبه الذين أكدّ العديد منهم ، أنه من المستحيل أن يكون عضو في الحزب قد صوّت لأحمدي نجاد ، ورغم كل هذه الإدانات  يعلن خامئني تأييده لنتائج الانتخابات ولأحمدي نجاد شخصيا .

ثانيا: استغلال الدين للهيمنة السياسية

هذه المسألة من أخطر ما ورد في الخطاب ، وهي ليست جديدة لأنها من لوازم نظرية ( ولي الفقيه ) الأساسية ، كونه وكيل الله في الأرض أي لا ينطق عن هوى وغير قابل للخطأ ، لذلك قال حرفيا : (الانتخابات أثبتت الديمقراطية الدينية وحاكمية الشعب الدينية ) ، رغم أنه في كافة العلوم السياسية والاجتماعية لم يرد ما يمكن تسميته ديمقراطية دينية أو ديمقراطية غير دينية ، وإذا حاولت البحث عن توصيف ( الديمقراطية الدينية ) لن تجد لها أي تعريف ، واستعمالها فقط للتدليس على الجماهير بأن ما حصل كان باسم الدين وتبعا لتعاليمه ، لذلك لم ينس خامئني التأكيد على الدعم الإلهي لهذه الانتخابات ، إذ ادّعى أن ( نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 85 % وهذا يدل على الدعم الإلهي ) ، وأعتقد أن هذا (الدعم الإلهي ) هو الشقيق الشرعي ل ( النصر الإلهي )!!. ولم ينس خامئني أن يعطي أحمدي نجاد مسحة من بركاته كولي الفقيه المبارك إلهيا ، فعند ذكره للمعترضين على نتائج الانتخابات الرئاسية قال: (بين رفسنجاني ورئيس الجمهورية ( أحمدي نجاد ) اختلافات حول إدارة القضايا الخارجية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، ورأي رئيس الجمهورية هو أقرب لرأيي  من رفسنجاني ) ، وهذا دعم ديني من ولي الفقيه لممثله في رئاسة الجمهورية ، وكون رئيس الجمهورية هو الأقرب لأراء ولي الفقيه فهذا يعني أنه أيضا منزه عن الخطأ بهذه الصبغة الإلهية.

ثالثا: الاعتراف بالفساد ونفي التزوير

اعترف خامئني  بالفساد في نظامه بصيغة ملتبسة تحمل التناقض في طياتها ، فقد قال حرفيا: ( نعم يوجد فساد ، ولكن نظام الجمهورية الإسلامية هو من أكثر الأنظمة الحكومية في العالم سلامة وصحة . اتهام الفساد ليس صحيحا ). فمن يفهم هذا التناقض ؟ ( نعم يوجد فساد ) ثم ( اتهام الفساد ليس صحيحا ) ثم (يجب مكافحة الفساد على كافة الأصعدة ). أما بالنسبة لتزوير الانتخابات فيقول ( بلدنا لا يسمح بالتزوير ) ،  هكذا بصيغة إلهية حاسمة مما يعني أن المرشد الأعلى ( ولي الفقيه ) هو الوحيد في مكان الحقيقة ، أما المليون ونصف الذين تظاهروا في شوارع العاصمة طهران فهم ( أعداء الشعب الإيراني ) حسب وصفه .

رابعا : الادعاء بأن نظامه حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان

وهذه تكاد تكون كذبة القرن الحادي والعشرين والقرن القادم أيضا ، إذ يكفي العودة لتقارير المنظمات والشخصيات الإيرانية لنعرف أن نظام الملالي لا يعرف أي قيمة للإنسان حتى لو كان طفلا يتم إعدامه شنقا أو رجما بالحجارة ، وهذه الكذبة لا تحتاج لمزيد من التفصيل لدحضها فهي ثابتة ثبوت شروق الشمس من الشرق وغروبها في الغرب .

خامسا : التمسح بقضية فلسطين

ولم يجد المرشد الأعلى من دليل على أن نظام الملالي ( حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم ) سوى أنه نظام يدعم الشعب الفلسطيني ، دون ذكر أي وجه من وجوه الدعم سوى خطابات نجادي العنترية التي باعتراف الإسرائيليين حشدت تأييدا عالميا لدولة إسرائيل لم تكن تحلم به . والدليل على كذب نجادي القاضي بمحو إسرائيل هو إعلانه مؤخرا أنه يوافق على حل الدولتين إن وافق عليه الفلسطينيون، وهو يعرف أن هذا مطلب الشعب الفلسطيني ، فهل نصدقه في هذا التصريح أم في تصريحاته الخاصة بمحو إسرائيل من الخارطة .

سادسا: التهديد والوعيد للمتظاهرين

وكيف ينسجم نظام حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان مع التهديد الواضح لخامئني بوقف الاحتجاجات والمظاهرات رغم أنها سلمية ويحرص قادتها على أن تكون سلمية ، وكافة انتهاكات القتل والاعتقال من رجال أمن ومخابرات النظام ، وكما أكدت السيدة شيرين عبادي بأنه في مظاهرة واحدة تم قتل سبعة أشخاص ، وفي هجوم قوات الباسيج على جامعة طهران ثم قتل خمسة طلاب من بينهم طالبتان وإصابة الكثيرين بجروح ، ورفض تسليم الجثث لذوي الضحايا ، وتم اعتقال المحامي عبد الفتاح سلطاني مساعد السيدة شيرين عبادي الذي يعمل معها في مركز الدفاع عن حقوق الإنسان ، كما تم اعتقال الصحفي رضا طاجيك مسؤول الانترنت وسبعة من العاملين في المركز، كما أكدت أن عدد المعتقلين خلال المظاهرات تجاوز 500 شخص ، وكل ذلك يجري ويحدث في نظام الملالي ( حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم )!!.

ونتيجة هذا التهديد ،

أعلن المرشح الرئاسي مير حسين موسوي أنه لن يدعو مؤيديه لتنظيم احتجاجات جديدة يوم السبت كما كان مقررا سابقا ، خاصة بعد أن رفضت وزارة الداخلية طلبا بتنظيم تلك المسيرات السلمية . وقد لخص الرئيس الإيراني السابق المقيم في المنفى في باريس الوضع بقوله : ( إن موجة الاحتجاجات التي أثارتها الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها أصبحت تهدد الحكومة بأكملها ) و ( إن هذا التحرك يثبت أن الناس يريدون الديمقراطية وأن النظام ليس ديمقراطيا ، لذا فإن التحرك لن يتوقف ) و ( إن قوة الدفع أصبحت تهدد الآن بالإطاحة بحكم رجال الدين في إيران برمته ).

ويظل السؤال مطروحا :

من أصدق في التعبير عن مطالب الشعب الإيراني ؟ هذه المظاهرات والاحتجاجات المليونية الإيرانية ، وكل هذه الشخصيات الإيرانية المعارضة علانية وصراحة ، أم المصفقين من العرب لنظام الديكتاتور ولي الفقيه كما أطلق عليه المتظاهرون الإيرانيون في هتافاتهم ؟. ألا نقول في الأمثال العربية ( أهل مكة أدرى بشعابها ) و بالتالي ف ( أهل طهران أدرى بفسادها وقمع ديكتاتورها )!!!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com





315
مظاهرات الشعب الإيراني: رسالة للعرب الإيرانيين!!

د.أحمد أبو مطر

المظاهرات المليونية العارمة لكافة فئات الشعب الإيراني في شوارع العاصمة طهران وغيرها من المدن، جاءت مفاجأة غير متوقعة لكافة متابعي الشأن الإيراني ، خاصة أن حجم القمع الذي تمارسه أجهزة نظام الملالي منذ العام 1979 ، جعلت من جمهورية الملالي الإسلامية اسما فقط ، أشهر مكان لمصادرة حقوق الإنسان والتنكيل والبطش في العصر الحديث ، بشكل لم يعهده الشعب الإيراني حتى في زمن الشاه . لذلك تستمر المظاهرات الحاشدة منذ أكثر من عشرة أيام ، بلغ المشاركون فيها وفق تقارير محايدة أكثر من مليون ونصف ، وقتلت أجهزة الحرس الثوري التابعة للملالي حتى الآن عشرات من المتظاهرين ، ورفضت تسليم جثثهم لذويهم ومنع إقامة مجالس العزاء ، واعتقلت العديدين من بينهم شخصيتين كبيرتين من أنصار المرشح الرئاسي مير حسن موسوي هما الاقتصادي سعيد ليلاز وعالم الاجتماع حميد رضا جلالي ، وأيضا تم منع اثنين من أبناء هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس الخبراء من السفر ومغادرة البلاد هما نجله مهدي وابنته فايزة . وإذا كان رئيس مجلس الخبراء في النظام يعامل بهذا الشكل ، نستطيع أن نتخيل العذاب والمرارة التي يعامل بها المواطن العادي . لذلك تحركت الشخصيات المعارضة بعنف واضح ضد النظام القاتل مطالبة بوقف عمليات القتل والاعتقال كما جاء في الرسالة المشتركة لمير حسن موسوي والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي . وقد طالب المتظاهرون علنا بإطاحة نظام الملالي ، وكان من بين هتافاتهم : ( الموت للديكتاتور ) ( نصر من الله وفتح قريب ، الموت لهذه الحكومة المراوغة ) ( المدفعية والدبابة وقوة التعبئة لم تعد تجدي نفعا ) .

ويودع المعتقلين في سجون

  حسب شهادات إيرانيين لا يمكن وصف حجم التعذيب فيها ، وهذا ليس سرا فالإعدامات شنقا ورجما بالحجارة تجري بشكل شبه أسبوعي ، وتطال أحيانا أطفالا لا تتعدى أعمارهم السادسة عشرة كما حدث منذ أسابيع قليلة مع الطفلة ديلارا دارابي التي تم إعدامها شنقا بشكل همجي لا يتصوره عقل في حديقة الحيوانات . وحسب تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية ، فإن نظام الملالي هو الأول على العالم أجمع في مسألة إعدام الأطفال وأغلبهم دون الخامسة عشرة عاما . وقد ورثت أجهزة الملالي منذ الملا الخميني حتى خامئني كل خبرات جهاز السافاك في زمن الشاه، واستعملوا غالبية جنوده وضباطه ، وغيروا اسمه فقط إلى فافاك أي وزارة المخابرات ، هذا بالإضافة لميليشيات الباسيج التابعة لقوات الحرس الثوري الذي يعتبر من أقسى أجهزة الأمن في العالم ، ويعتمد عليه الملالي في استمرار سيطرتهم على الشعب الإيراني ، ورغم حجم هذا القمع والقتل  فقد بلغ السيل الزبى بدليل هذه المظاهرات المليونية الحاشدة التي ما عادت تخاف كل أجهزة القمع والقتل هذه ، إذ أعلن أيضا  120 مدرسا في جامعة طهران استقالتهم احتجاجا على تعرض الجامعة لهجوم عنيف من قوات أمن الملالي ، وكذلك فعل مدير جامعة شيراز بعد اقتحام قوات الباسيج للجامعة بشكل همجي نتج عنه ضرب وتكسير العديد من طلابها وموظفيها . وبسبب حجم القمع والقتل والاعتقالات منعت قوات الباسيج كافة وسائل الإعلام الأجنبية من تغطية الانتفاضة الشعبية المستمرة ، وتمّ أيضا اعتقال ما يزيد على 12 صحفيا إيرانيا . ورغم ذلك تستمر المظاهرات ، ومن الهتافات

هل نستورد هذا النموذج القاتل من الأنظمة؟

كل مواصفات القتل والتعذيب ومصادرة كافة حقوق الإنسان المتوفرة بامتياز لنظام ( الولي الفقيه ) ، وهناك من العرب من يصفقون لهذا النظام ويريدون استيراده لبلادنا ، ورغم ذلك هناك الذين عرفوا هذا النظام من الداخل نظريا وتطبيقيا ، ويقدمون رؤيتهم فيه التي تعني أن هذا النظام استنفذ صلاحياته الجماهيرية بامتياز ، ومن هؤلاء الدعاة التنويريين

رجل الدين الشيعي البارز السيد ضياء الموسوي

الذي شخّص هذا النظام بشكل دقيق نتيجة معرفته الميدانية بالنظام ، فقد أدلى بآراء مهمة في لقائه مع إيلاف يوم الاثنين الخامس عشر من يونيو الحالي ، ومن المهم للغاية التذكير ببعض مما قاله في هذا اللقاء ، علّ العرب الإيرانيون يراجعون مواقفهم ، ويتوقفوا عن التنظير والدعاية لنظام مرفوض من الشعب الإيراني فكيف يريدون استيراده لنا . قال السيد ضياء الموسوي :

" إنّ إيران تخوض مخاضا عسيرا ما بين الحداثة وما بين التثبت بالبيروقراطية والقديمة ، والشعب الإيراني المعروف بحب الحياة يستحق رئيسا أفضل " .

" جلست في إيران سنين طوال، في كل مرحلة أحاول أن أفتح النافذة لأشم أكسجين الحرية . كنت أحتاج في كل سنة إلى أكثر من رئة احتياطية لأتنفس عبق الحياة . ذهبت هناك بحثا عن حياة ملائكية ، فاكتشفت أن الدولة الايدولوجية لا يمكن أن تتصالح مع الجمال " .

" العارف بإيران يعرف كيف يتم توصيل أي شخص حتى لقائمة مرشحي الرئاسة . إنه يمر بألف فلتر وفلتر ويقيد بألف قيد وقيد...الانتخابات الإيرانية هي بداية شرر قد يتطاير ليصل إلى هشيم ثقافي كبداية ولادة مرحلة ، وقيل قديما إن القوي جدا ينهار من أضعف شيء في جسده وكذلك هي الحضارات ".

هل تقرأ وتعي بعض الحركات الإسلامية

خاصة جماعات الإخوان المسلمين في مصر وغيرها ، هذا التشخيص للنظام الإيراني من داعية ورجل دين شيعي بارز هو السيد ضياء الموسوي ؟. ربما تكف عندئذ عن الدعاية والتحزب لهذا النظام ، وهذا لا يعني أن نعادي النظام الإيراني ونعمل ضده ، فقط علينا أن نعي خطره القائم والماثل للعيان ،خاصة إصراره على التنكر لحقوق الشعب العربي الأحوازي المحتل وطنه منذ عام 1925 ، والاستمرار في احتلال الجزر الإماراتية العربية الثلاث منذ عام 1971  والتهديد المستمر لدول الخليج العربي ، ومحاولات التخريب الداخلي في بعض الأقطار العربية من خلال عملاء عرب كما حدث في اعتقال خلية حزب الله في مصر ، وكذلك المغرب الذي أعلن قطع علاقاته الدبلوماسية مع النظام الإيراني في مطلع مارس 2009 . والعديد من المؤشرات تثبت وجود أيادي لنظام الملالي في التمرد الذي تقوم به منذ سنوات جماعة أنصار الحوثي في اليمن ، وكانت آخر جرائمهم منذ أيام قتل مجموعة من الأجانب العاملين في اليمن من بينهم مدرس من كوريا ومهندس بريطاني وسبعة من ألمانيا : ممرضتان وطبيب وزوجته وأطفالهم الثلاثة . ويكفي التذكير بما قاله أحد القراء في مدونة على الانترنت: ماذا سيحصل لو بدا الأوربيون يقتلون المسلمين المقيمين في أوربا بمثل ما فعلوا أنصار الحوثي في اليمن ؟.

وكذلك أعداد الإيرانيين الهاربين

من قمع نظام الملالي إذ يشكلون أكبر الجاليات في العديد من الدول الأوربية ، فهولاء الملايين لماذا هربوا من دولة تعتبر ثاني أكبر دولة مصدرة للبترول في منظمة أوبك؟ هل هربوا بالملايين من أجل السياحة ؟ أم من قمع النظام واستبداده واكبر نسبة بطالة وسجون وإعدامات ؟. لذلك فهذا النموذج القمعي من الأنظمة الشمولية لسنا بحاجة لاستيراده لبلادنا العربية ، مهما تستر بالدين خاصة أن نظريته ( الولي الفقيه ) الشمولية لا تحظى بموافقة وتأييد العديد من الشيعة العرب  في لبنان وغيره ...والجميع في انتظار ما سينتج عن هذه المظاهرات الحاشدة للشعب الإيراني في مواجهة تسلط النظام وقمعه ، وهي أفضل رسالة للعرب الإيرانيين علهم يفكروا في الإجابة على سؤال : لماذا يتظاهر الشعب الإيراني ويرفض هذا النظام ؟. علهم عندئذ يتوقفوا عن الدعاية والتصفيق له ومحاولة استيراده لبلادنا.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

316
دويلة نتنياهو الفلسطينية : مجرد محمية إسرائيلية
د.أحمد أبو مطر

انتظرنا الخطاب الذي ألقاه نيتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في جامعة بار إيلان الإسرائيلية يوم الرابع عشر من حزيران ، بنفس اللهفة التي انتظرنا خطاب الرئيس الأمريكي أوباما في جامعة القاهرة يوم الرابع من حزيران 2009 . وإن كان خطاب أوباما فيه العديد من نقاط الأمل والتفاهم والتفهم ، فإن خطاب نيتنياهو جاء صدمة لقوى السلام الفلسطينية والعربية والإسرائيلية  وربما الإدارة الأمريكية أيضا  ، التي وعد الرئيس أوباما في خطابه بأن يعمل من أجل الوصول لحل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية . فهل تحققت الظروف المناسبة لقيام الدولة الفلسطينية في خطاب نيتينياهو ؟.

الجواب ألف لا كبيرة وصارخة

لأن الشروط أو المواصفات التي وضعها نيتينياهو  لقيام هذه الدولة ، لا ينتج عنها دولة ذات سيادة مطلقا بقدر ما هي عبارة عن مساحة من الأرض يمكن تسميتها فقط ( محمية ) تابعة للدولة الإسرائيلية ، والدليل على ذلك من شروط ومواصفات نيتينياهو الذي اشترط :

أولا: دولة منزوعة السلاح ، وهذا أبسط الشروط ويمكن التغاضي عنه أو قبوله إذا كانت الدولة تلبي طموحات الشعب الفلسطيني الوطنية ، لأنه عندئذ ما لزوم السلاح وضد من سيستعمل السلاح ، لأن تلك الدولة مشروطة بالتعايش مع الدولة الإسرائيلية ، والفلسطينيون يقبلون بذلك منذ عام 1988 وقت انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر الذي وافق على قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 أي أربعة عشر عاما قبل توقيع اتفاقية أوسلو . وبالتالي فلا ضرورة للسلاح في هكذا دولة تلبي طموحات الشعب الفلسطينية ، إذ لن تستعمله ضد الدولة الإسرائيلية الجارة أو ضد الجيران العرب .

ثانيا: الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل أي أنه دولة يهودية للشعب اليهودي وحسب تعبيره الحرفي   (اعتراف فلسطيني علني ملزم وصادق بصفتها الدولة القومية للشعب اليهودي شرطا أساسيا لإنهاء النزاع  ). وربما يبدو هذا الشرط عاديا لا يثير النزاع طالما يعترف الفلسطينيون بالدولة الإسرائيلية ، فهم أي الإسرائيليون عندئذ أحرار في تسميتها كما يريدون ، دولة يهودية أو غير ذلك . إلا أن الإشكالية الخطيرة مستقبلا هي مصير ربع مليون فلسطيني يقيمون الآن داخل دولة إسرائيل منذ عام 1948 ويحملون الجنسية الإسرائيلية . فما هو مصيرهم كمواطنين غير يهود في دولة ( يهودية للشعب اليهودي ) ؟. أليس من المحتمل جدا أن يتم ترحيلهم أو تهجيرهم في المستقبل بوسائل شتى ، خاصة أن نيتينياهو قال عنهم في خطابه : ( يعيش في قلب مناطق الوطن اليهودي اليوم جمهور غفير من الفلسطينيين . إننا لا نريد حكمهم أو إدارة حياتهم أو فرض رايتنا أو ثقافتنا عليهم ). إن هذا الكلام خطير وملغوم ، فهم يعيشون في داخل دولة إسرائيل ، وهذه الدولة لا تريد حكمهم أو إدارة حياتهم . وهذا لا يفترض سوى حالتين ، إما إعطاءهم حكما ذاتيا ، وهذا مستبعد نهائيا في دولة يهودية الطابع ، لذلك الحالة الثانية الأقرب لعقلية يهودية الدولة هو تهجيرهم ليضافوا لملايين اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948 .

ثالثا: ديمومة الاستيطان والمستوطنات بشكل واضح جلي رغم محاولته التلاعب باللغة إذ قال ( لا للمستوطنات الجديدة ولا لمصادرة مزيد من الأراضي ) وفي الوقت نفسه يؤكد على ( أن المستوطنات القائمة لن يتم إزالتها ويفضل توسيعها ضمن ما يسميه النمو الطبيعي للمستوطنات ) ، و هل يختلف توسيع المستوطنات القائمة فعلا عن إقامة مستوطنات جديدة ؟ خاصة أن المستوطنات بوضعها الحالي في الضفة الغربية وجوارها ، تقطع أوصال الضفة وتجعل تنقل الفلسطينيين صعبا بشكل لا يتخيله إنسان عاقل وطبيعي ، فكيف سيصبح الحال بعد توسيع هذه المستوطنات الذي يشدد عليه نيتينياهو؟؟. والخطير في أمر توسيع المستوطنات القائمة في الضفة الغربية أنه يتم مترافقا مع عقلية توسعية تعتبر الضفة الغربية هي ( يهودا والسامرة ) كأرض يهودية ، إذ ورد في خطاب نيتينياهو حرفيا : ( إن مناطق يهودا والسامرة ( أي الضفة الغربية ) حيث سار وتمشى كل من أبراهام ويتسحاق ويعقوب وديفيد وشلومو وإشعيا وإرميا ليست بالغريبة علينا بل هي أرض الأباء والأجداد ). وهذه العقلية التوسعية الاستيطانية هي التي تصر على بقاء المستوطنات وتوسيعها في الضفة الغربية عند الفلسطينيين ويهودا والسامرة عند اليهود.

رابعا : رفض الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة حسب القرار الدولي 194 وطرح توطينهم علنا . وكذلك رفض تقسيم القدس ، وحسب قوله ( إن أورشليم القدس عاصمة إسرائيل ستبقى موحدة ) .

ما هي هذه الدويلة إذن ؟

ضمن شروط واشتراطات نيتينياهو الصريحة الواضحة هذه، فإن المعروض على الفلسطينيين هو مجرد (محمية ) لا تزيد مساحتها عن ستين بالمائة من مجموع مساحة الضفة الغربية التي هي أساسا 5860 كيلو متر مربع ، وهي مع قطاع غزة ( 360 كم ) لا تزيد مساحتهما عن 21 % من مجموع مساحة فلسطين التاريخية ، وذلك لأن المستوطنات وجدار الفصل العنصري يستوليان على ما لا يقل عن أربعين بالمائة من مجموع مساحة الضفة الغربية . لذلك فما يطرحه نيتينياهو على الشعب الفلسطيني لا علاقة له بأية مواصفات لأية دولة في التاريخ القديم أو الحديث . فهي مجرد محمية خاضعة لشروط الاحتلال ومزاجه ورغباته التوسعية .

وهذه المحمية المسخ ،


لن يقبل بها أي فلسطيني أو عربي ، لأن هذا يعني أن الخطوط الحمر الفلسطينية العادلة تتناقض تماما مع الخطوط الحمر الإسرائيلية العدوانية الظالمة ، مما يعني أنه لا سلام للشعبين في ظل هذه العقلية التوسعية التي وردت في خطاب نينينياهو ، ولاقت تأييدا واسعا في أوساط اليمين الإسرائيلي المسيطر الآن على مقاليد السلطة والحكم . ورغم الظلم الوارد في خطابه إلا أن مجلس حاخامات يهودا والسامرة ( ألاسم اليهودي للضفة الغربية ) يرفض إعطاء الفلسطينيين هذه المحمية المسخ ، ووصف خطاب نيتينياهو بأنه (نية لتسليم قطع من أرض إسرائيل إلى أيدي القتلة وإعطاء القتلة دولة ) ، وحث أنصاره على التوجه إلى قمم التلال في الضفة الغربية لبناء مستوطنات جديدة .  لذلك فإن الصراع سيظل مفتوحا على كل الاحتمالات ، وأي ويل ينتج عنه سيصيب الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ، فهكذا عنف متوقع لن يسلم منه أحد.

إن هذا التحدي موجه أيضا

للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس أوباما الذي وعد في خطابه بالعمل من أجل قيام دولتين تعيشان في سلام ، ولا أعتقد أن الرئيس أوباما يمكن أن يسمي هذه المحمية المسخ بأنها دولة أو دويلة ، فماذا عسى الإدارة الأمريكية أن تفعل إزاء هذا الوضع الخطير الذي يعني استمرار الصراع والعنف ؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com
 

317
الوضع اللبناني بعد الانتخابات : نفس المشكل ، نفس الأزمة
د.أحمد أبو مطر

انتهت الانتخابات اللبنانية الأخيرة عدديا باحتفاظ قوى الأغلبية ( الرابع عشر من آذار ) بغالبية أعضاء البرلمان اللبناني ( 71 عضوا ) مقابل ( 57 ) عضوا لقوى المعارضة ( حزب الله وحلفاؤه ). ورغم هذه الأغلبية إلا أن النتيجة الميدانية في الواقع اللبناني لم تتغير بوقائع جديدة توحي أن البلد سيبدأ مرحلة جديدة تعتمد على ديمقراطية حقيقية تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الناخب والوطن ، وذلك لعدة أسباب تجذرت في السنوات الأخيرة في بعض البلدان العربية خاصة لبنان والعراق وأهمها :

أولا: المحاصصة الطائفية

وهذه المسألة ترقى لحد الوباء في الحياة العربية خاصة بين السنّة والشيعة مع ملاحظة تهميش بقية الطوائف  والديانات أو عدم أخذهم بعين الاعتبار. وليس من المعقول أن هذا الوباء تصاعد في العقود الأربعة الماضية بدلا من تواريه كما حدث في أوربا ، فالناخب الأوربي يتوجه لصندوق الانتخابات بعد دراسته لبرامج الأحزاب ومرشحيها غير سائل إن كان المرشح كاثوليكيا أم بروتستانيا أم أرثودكسيا ، بينما في الحالة العربية من المستحيل أن ينجح مرشح سنّي في الصاحية الجنوبية ، أو أن ينجح مرشح شيعي في الأشرفية ، وهكذا فبعد نجاح المرشح وفوزه بعضوية البرلمان فإن مصلحة الطائفة هي الأساس ولها الأولوية على مصلحة الوطن بشكل عام ، وهذا ما لوحظ في السنوات الخمسة الماضية إذ تمّ تعطيل جلسات البرلمان اللبناني عدة مرات بسبب مواقف رئيسه نبيه بري الذي كان يتحرك وفق أجندة طائفية وإقليمية لا علاقة لها بمصلحة الوطن والمواطن اللبناني .

ثانيا: تبعات وشروط المحاصصة

ما إن انتهت الانتخابات وفق التقسيمات المكانية الطائفية حتى بدأت الاشتراطات الطائفية أيضا ،فحزب الله ما زال كالسابق يشترط أن يحصل على ما تمت تسميته منذ الدورة البرلمانية السابقة ( الثلث المعطل ) ، أي أنه رغم عدم حصوله على الأغلبية البرلمانية فهو يشترط أن يكون له حق الأغلبية أي تعطيل أية قرارات برلمانية لا تناسب مصالحه الطائفية وارتباطاته الإقليمية خاصة الإيرانية والسورية. وهذا ما لا تفهمه أو تقبل به أية ديمقراطية في العالم ، فدوما إقرار القرارات يتم بالأغلبية وطالما حزب الله لا يملك هذه الأغلبية فليس من حقه أن يمارس ما لم يحصل عليه عبر أصوات الناخبين . وقد دخل على الخط نفسه جنرال بيروت العماد عون الذي يختلف تماما عن جنرال باريس أي عندما كان هاربا من النظام السوري ولاجئا في باريس ، فهو يشترط الآن أن يكون له سبعة وزراء في التشكيلة الحكومية الجديدة ، رغم أنه فقد غالبية مصداقيته لدى غالبية الناخبين اللبنانيين ، فهو بعد أن قال في النظام السوري ما لم تقله أحزاب المعارضة السورية وهو لاجىء في باريس ، وجدناه بعد عودته إلى بيروت عقب الانتفاضة الشعبية اللبنانية التي حققت انسحاب الجيش السوري بعد احتلال فعلي دام ثلاثين عاما ، يقوم بزيارة لدمشق للقاء رموز النظام الذين أشبعهم نقدا وشتما وتجريحا ، ويشبعهم مدحا وتمجيدا  ، ثم يعلن عن تحالفه مع حزب الله ، ولا يمكن أن تفهم الملائكة أو الشياطين مساحة القناعات المشتركة بينه وبين الحزب ، لكنها المصلحة الانتهازية التي قادته لزيارة طهران معلنا تأييده لنظام الملالي الديكتاتوري الاستبدادي صاحب نظرية ( الولي الفقيه ) التي لا تعترف بوجود ميشيل عون ولا الديانة المسيحية التي يعتنقها.

ثالثا : فزّاعة اسمها سلاح حزب الله

وهي فزّاعة بمعنى الكلمة يستخدمها حزب الله لتعطيل أية مصالحة وطنية لبنانية تقوم على التكاتف والمساواة الكاملة . فما إن أعلنت نتائج الانتخابات حتى اعترف السيد حسن نصر الله بفوز قوى الرابع عشر من آذار بأغلبية الأصوات ، وفورا ذكّر بأنه يحذر من المساس بسلاح حزب الله . وهذه الفزاعة سيظل الحزب يستخدمها في وجه الأغلبية بشكل خطير خاصة بعد اجتياح بيروت في مايو 2008 بشكل همجي يرقى لحد جرائم الاحتلال الإسرائيلي بل في بعض الميادين أشد بشاعة وهمجية، فلم يحدث أن اجتاح الجيش الإسرائيلي وسائل الإعلام اللبنانية بما فيها المملوكة والموالية لحزب الله . والغريب أن ما يسميه حزب الله (  سلاح المقاومة ) لم يتم استعماله منذ صدور القرار 1701 عام 2006 إلا ضد الشعب اللبناني ، بينما هذا السلاح أعمى أطرش أمام كل التعديات والتجاوزات الإسرائيلية شبه اليومية ، وينسى هذا السلاح وحزبه أن مزارع شبعا ما زالت محتلة ، ولم يطلق رصاصة واحدة عبر حدودها تماما مثل شقيقه السلاح السوري الذي لا يعرف أن الجولان السورية محتلة منذ عام 1967 ، وهو في غاية الأدب والالتزام تجاه الحدود السورية – الإسرائيلية . لذلك فلا أحد يفهم الاحتفاظ بهذا السلاح إلا ليكون أداة تخويف في وجه الأغلبية المعارضة لتوجهات الحزب وارتباطاته الإقليمية التي لا يخفيها الحزب منذ بيان تأسيسه الداخلي عام 1985 .

ما الحل إذن ؟

ضمن معطيات الواقع القائم بمواصفاته السابقة لا حل يمكن انتظاره بشكل جذري ، وسوف تظل الحالة اللبنانية مشروطة بالتأزم والفلتان الأمني في أية لحظة ، وسيعود اللبنانيون من جديد لنفس المسلسل من تعطيل تشكيل الحكومة إلى تعطيل جلسات البرلمان إلى عدم السماح بمناقشة وجود سلاح حزب الله ، الذي استمرار وجوده لا يعني سوى أن حزب الله ليس حزبا سياسيا في دولة بل دويلة في داخل دولة . ويبقى الحل في اعتماد العقلانية والمصلحة اللبنانية من خلال فك ارتباط حزب الله بالأجندة الإقليمية التي تحافظ على وجودها الإقليمي والدولي من خلال الإستقواء بسلاح الحزب في وجه معارضيه اللبنانيين ، وما استمرار السيد حسن نصر الله في التذكير بعدم المساس بسلاح الحزب إلا التذكيرا باجتياح بيروت في الثامن من مايو 2008 ، وقد كان سعد الحريري عاقلا عندما كان رده أن مشكلة سلاح الحزب لا تحل إلا على طاولة الحوار. ويظل السؤال قائما دون جواب من حزب الله : لماذا من حق الحزب وحده امتلاك السلاح في ظل سيطرة الجيش اللبناني على عموم الأراضي اللبنانية ؟
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

318
الحوار الفلسطيني : عظّم الله أجركم!!!!
د.أحمد أبو مطر

كتبت بتاريخ العاشر من مايو 2009 مقالة بعنوان ( دعوة عامة لتشييع جثمان الحوار الفلسطيني ) ، تناولت فيها بالتحليل آفاق نجاح الجولة الأخيرة من الحوار الفلسطيني التي عقدت في القاهرة بتاريخ الخامس عشر من مايو 2009 ، وكنت أميل إلى نتيجة الفشل الذريع لهذه الجولة التي كان طرفا الحوار (فتح و حماس ) يلمحان أو يهددان بأنها ستكون جولة الحوار الأخيرة في حالة فشلها . وقد انتهت الجولة المذكورة بالفشل الصريح المعلن كغيرها من الجلسات التي من الصعب إحصاء عددها في العديد من العواصم العربية من مكة إلى صنعاء إلى القاهرة التي استضافت معظم هذه الجلسات . وكالعادة ولتخفيف وطأة الفشل – الهزيمة ، دوما يعلن وفد حركة فتح بأسلوب ودي ناعم أن الحوار متواصل وهناك عدة لجان تمّ الاتفاق على البدء بعملها لتذليل العقوبات . أما وفد حماس فدوما يكون إعلانه بعد الفشل – الهزيمة أنه سيعود لدمشق لإطلاع قيادة حماس ( خالد مشعل ) على نتائج الجولة تمهيدا للجولة القادمة  . وهي جولات مجرد عدد رقمي لا تحقق على أرض الواقع أية نتيجة ملموسة أو مجرد إبداء نية طيبة من أي من الطرفين. ويخطىء من يظن أن الخلاف بين حركتي فتح وحماس أساسه البرنامج السياسي أو متطلبات مواجهة الاحتلال والاستيطان ، فهكذا برامج لا تستدعي هذه المواجهات العسكرية بين الحركتين حيث أبديا من الصمود والشجاعة  ما لم يتمكنا من إبدائه أمام الاحتلال والمستوطنين.

مواجهات و جرائم قلقيلية ،

كانت القشة التي قصمت ظهر بعير الحوار الفلسطيني المتآكلة أساسا منذ انقلاب حماس العسكري وسيطرتها على القطاع في يونيو 2007 ، وهو الانقلاب الذي مسح بقايا خط أحمر اسمه ( الدم الفلسطيني ) ، ويتحمل القائمون على هذا الانقلاب مسؤولية كافة التداعيات الإجرامية التي حدثت خلال العامين الماضيين دوم تغييب مسؤولية حركة فتح في هذا الميدان التي لا تقل عن مسؤولية حركة حماس في كافة التداعيات والتطورات . كانت الأوضاع الفلسطينية قبل الانقلاب تميل إلى التهدئة واستخدام العقل قدر ألإمكان خاصة بعد الاعتراف بفوز حماس بأغلبية المجلس التشريعي الفلسطيني وتشكيلها الحكومة برئاسة إسماعيل هنية ، مما جعل حماس تشيد بديمقراطية ونزاهة الرئيس محمود عباس واعتباره حسب حماس أكبر ديمقراطي في الشرق الأوسط .

هل فكرت حماس في نتائج انقلابها؟

من الواضح حسب النتائج الكارثية التي يعيشها سكان قطاع غزة خلال العامين الماضيين ، أنّ حماس لم تكن يعنيها سوى الاستيلاء على السلطة كاملة بدلا من ازدواجية السلطة بينها وبين فتح خاصة في مجال الأمن والقوى الأمنية ، إذ رغم تشكيل حماس للحكومة إلا أن حركة فتح وأجهزتها الأمنية تحديدا ظلت تتنازع السلطة مع الحكومة الرسمية محاولة سلبها كل الصلاحيات لتبقى مجرد حكومة كرتونية في يد حماس ، بينما الحكومة الحقيقية في يد فتح وأجهزتها . وكان تشكيل القوة التنفيذية المسلحة كجهاز أمن وشرطة خاصين بحماس ، بداية رفض حماس لازدواجية السلطة مع حركة فتح ، وما هي إلا أسابيع حتى قامت بانقلابها الذي أعقبه ما لا يمكن تسميته سوى ( تطهير فتحاوي ) في عموم قطاع غزة ، يقابله (تطهير حمساوي ) في عموم الضفة الغربية . ورغم شبق الاستئثار بالسلطة كعادة وتراث عربي ،إلا أن حماس لم تكن تعي النتائج الكارثية التي ستعقب هذه الانقلاب ، فهل كانت تعرف أنها ستتحمل مسؤولية :

1 . اقتحام المقرات الأمنية ومطاردة عناصر فتح والشرطة الفلسطينية ، مما أوقع في ألأسبوع  الأول للانقلاب فقط حسب مصادر حقوقية فلسطينية مستقلة ما لا يقل عن أربعمائة وخمسين قتيلا ... قتيلا لأنهم في عرف حماس لا تنطبق عليهم مواصفات ومقاييس الاستشهاد !!. وحوالي ألف وثمانمائة جريح نسبة عالية منهم جراحهم خطيرة تهدد بإعاقات دائمة.

2 . ازدياد معدلات البطالة التي وصلت لحدود 60 % بينما حوالي 90 % من الشعب في القطاع يعيشون تحت خط الفقر ، وهي أعلى نسبة عاشها القطاع في الستين عاما الماضية ، سواء في زمن الاحتلال المباشر أو بعد عودة السلطة الفلسطينية للقطاع بعد توقيع اتفاقية أوسلو .

3 . توقف غالبية مشاريع تنمية البنية التحتية بما فيها بعض مشاريع وكالة الغوث ( الأونروا ) التي كان يعتمد عليها حوالي 120 ألف فلسطيني ، وإغلاق ألاف المؤسسات والمشاريع في كافة ميادين الحياة، بسبب نقص المواد الأولية وغلاء الأسعار الجنوني ، مما أدى لفقدان ما لا يقل عن سبعين ألف فلسطيني لوظائفهم وأعمالهم  ليضافوا لنسبة ممن يعيشون تحت خط الفقر.

4 . تصاعد المعاناة النفسية والحياتية بسبب الإغلاق شبه الدائم للمعابر بما فيها معبر رفح ، مما حوّل القطاع إلى سجن كبير بموافقة وحراسة حماس  طالما هذه السجن تحت سيطرتها وتحكمها .

5 . تبني شبكات التهريب عبر الأنفاق بشكل يكاد يكون أن يكون رسميا تحت إشراف وموافقة حماس حسب شهادات كتاب ومواطنين فلسطينيين ، مما أوجد طبقة جديدة من الأثرياء يطلقون عليها في القطاع (أثرياء الأنفاق ) ، وربما يجد البعض التبرير لذلك نتيجة الحصار الخانق الذي يعيشه القطاع، إلا أن هذا لا ينفي أنها تجارة تتم على حساب الفقراء الذين يزدادون يوميا .

5 . وجود واقعي علني لحكومتين ودويلتين كرتونيتين على الورق ، دويلة حماس في غزة ودويلة فتح في رام الله ، وكل من الدويلتين ينشد رضا الاحتلال أكثر من راحة ومستقبل شعبه ، ويكفي للتدليل على ذلك بأن حماس على طريق ما أسمته التهدئة مع الطرف الإسرائيلي مارست قمعا وقتلا بحق مقاومين فلسطينيين ، وكذلك حركة فتح ارتكبت من الجرائم في أحداث قلقيلية مما لا يختلف عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي .

لذلك حماس أبلغت مصر رسميا تجميد

الحوار الفلسطيني الذي ما عاد ممكنا أن يحقق أية نتائج مهما خضع الطرفان للضغوط المصرية التي تأمل أن ينتهي بالتوافق والوحدة في يوليو القادم ، وسيذهب الطرفان للقاهرة في حال إصرار مصر ، مع استمرار اللف والدوران والمماطلة حرصا على المكاسب الرخيصة لحماس في القطاع وفتح في الضفة، مما بدأ يعني منذ عامين قسمة حقيقية واقعية بين صفوف شعب واحد ليصبح ( غزاوي ) في القطاع و (ضفاوي ) في الضفة بشكل يذكرنا بالانقسام القبرصي عام 1974 الذي كان الجميع يعتقدون أنه لأسابيع أو شهور ، فإذا به اليوم يدخل عامه الخامس والثلاثين مكرسا القسمة بين ( قبرصي شمالي من أصول تركية ) و ( قبرصي جنوبي من أصول يونانية ) ، رغم الحدود المشتركة بين القسمين ، إلا أنه في الوضع الفلسطيني لا حدود مشتركة بين القطاع والضفة مما يعني ازدياد وتعمق الانقسام ، خاصة أن له جذوره النفسية بسبب الانقطاع الجغرافي أيضا منذ عام 1948 حيث كان القطاع يخضع للإدارة العسكرية والمناهج التربوية المصرية بينما الضفة الغربية جزء من المملكة الأردنية الهاشمية حتى قرار فك الارتباط الذي اتخذه المرحوم الملك حسين عام 1988 .

ويعزز الفشل في عقد مؤتمر حركة فتح ،

هذا الانقسام غير الوطني والمخجل، لأن حركة تفشل حواراتها الداخلية منذ أكثر من عامين في الوصول لأسس عقد مؤتمرها التنظيمي الداخلي الذي لم يعقد منذ عام 1989 ، لن تنجح في وضع أسس تفاهمات مع حركة حماس ، خاصة أن الصراع حول آليات عقد المؤتمر يدور بين ما لا يزيد عن عشرة أشخاص من بقايا قيادة فتح التاريخية ، لكل منهم أجندته المصلحية الخاصة التي لا علاقة لها بالعمل الوطني والقضية الفلسطينية بقدر ما هي مرتبطة بالمال والنفوذ والمناصب .

لذلك يجب أن لا نخجل من الاعتراف بهذا الواقع المخزي ، لأن عدم الاعتراف به لا يعني أنه غير قائم وأن أمور الشعب الفلسطيني على ما يرام ، وأن الدولة الفلسطينية المستقلة على الأبواب ، فهذا الواقع يستدعي الإعلان رسميا عن تشييع جثمان الحوار الفلسطيني ، ونقول للشعب الفلسطيني : عظّم الله أجركم والبقاء فقط لقيادتي حماس وفتح استمرارا في السلطة والنفوذ والحفاظ على المصالح التنظيمية الضيقة ، وهذا يعزز التحليل القائل أنه في كافة المراحل ، كانت مشكلة الشعب الفلسطيني في قياداته وليس في الاحتلال فقط .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

319
خطاب أوباما: وقائع جديدة أم مجرد علاقات عامة
د.أحمد أبو مطر

سيظل يوم الخميس الرابع من يونيو لعام 2009 يوما مهما في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية والمنطقة العربية ، بسبب هذه الخطوة غير المسبوقة متمثلة في زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للقاهرة العاصمة المصرية ، عاصمة المعز ، وبهذه الطريقة الاحتفالية الضخمة رغم امتداد الزيارة لعشر ساعات فقط قادما إليها من الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية محطة زيارته قبل القاهرة، وذلك لغرض توجيه رسالة سلام ومحبة وتفاهم موجهة للعالمين العربي والإسلامي. وقد انشغلت مصر الرسمية والشعبية بهذه الزيارة إلى حد ارتفاع نسبة جماهيرية أوباما في أوساط المجتمع المصري من 7 % إلى 25 % ، وقيام مجموعات من الشباب المصري بارتداء قمصان خاصة عليها صور الرئيس أوباما مكتوب تحتها ( أوباما توت غنخ آمون العالم الجديد )، والمعروف أن هذا  ( الملك الذهبي والفرعون العظيم ) يعتبر من دعاة ومطبقي المساواة وحقوق الإنسان في الزمن الفرعوني .

لغة جديدة ناتجة عن عقلية تنويرية

هذا الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي أوباما في جامعة القاهرة وسط حشد غفير متنوع من البشر ، يؤسس لمرحلة جديدة أهم معالمها :

أولا: الموقف من الإسلام

كان المفهوم للعلاقة مع الإسلام والمسلمين الذي طرحه أوباما حضاريا إنسانيا بمعنى الكلمة، إذ أعلن مبادرة تصالحية بين الإسلام والمسلمين والولايات المتحدة الأمريكية،مشيدا بدور الحضارة الإسلامية وتأثيرها في التأسيس للتقدم الحالي، ومستشهدا بآيات من القرآن الكريم ، تؤسس للتفريق الواضح بين تعاليم الإسلام وسلوك بعض المسلمين خاصة الذين ارتكبوا وما زالوا أعمالا إرهابية ليس بحق الولايات المتحدة وشعبها فقط ، ولكن بحق المسلمين أنفسهم من طرف مسلمين إرهابيين كما يحدث في العراق وباكستان وأفغانستان ، هذه اللهجة التصالحية لا تعني كما أكدّ أوباما الرضوخ للإرهابيين وجرائمهم .
هذا الموقف يعني انهيار ما أطلق عليه ( صراع الحضارات ) عندما تتوفر نية البشر والحكومات في إعادة صياغة عالم يسوده الحق والحرية والمساواة ، مما يؤسس إلى أن ( صراع الحضارات ) أو ( تفاهم الحضارات ) مرهون بالبشر أنفسهم . جرأة الرئيس أوباما تمثلت في اعترافه بتاريخية سوء الفهم بين أمريكا والإسلام ، رغم أن عناصر التفاهم والانسجام بين الطرفين أكثر من عناصر الفرقة والصراع، فمن يصدق أنه رغم سوء الفهم هذا يوجد في الولايات المتحدة قرابة ثمانية مليون مسلم، يمارسون عباداتهم فيما لا يقل عن 1200 مسجد ، وهي حرية لا تتوفر لبعض الطوائف والملل في العالمين العربي والإسلامي. وكم هو معبر في هذا السياق أن تكون المملكة المغربية هي أول دولة في العالم تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776 وأبرمت معها معاهدة الصداقة الأمريكية المغربية عام 1786 .

إن الوصول إلى لحظة المصالحة هذه تتطلب جهودا أوسع وأشمل من الجانب الإسلامي ، بعد إعلان الرئيس أوباما أن ( أمريكا والإسلام ليس اقصائيين ) في حين أنه من الشجاعة الاعتراف بأن العديد من التيارات الإسلامية اقصائية بمعنى الكلمة ، لا تعترف بوجود الآخر وهي في حرب علنية معه، بدليل ما حدث في جرائم إرهاب الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 التي أودت بحياة ما لا يقل عن 3000 إنسان بريء بينهم العديد من المسلمين أنفسهم، ويستمر هؤلاء الإقصائيين في الاحتفال سنويا بذكرى مجزرتهم التي أطلقوا عليها ( غزوة نيويورك ) . وهل هناك تشويه لغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك ؟.  ويستمر أيضا الإرهابيان أسامة بن لادن و أيمن الظواهري في ضخ الكراهية والعداء بين العالم والمسلمين ، مستبقين خطاب الرئيس أوباما برسائل الكراهية والعنف ، لذلك فإن الجهد الرئيسي لمكافحة ثقافة الإرهاب والكراهية وإقصاء الاخر مطلوبة من الجانب العربي والإسلامي خاصة في مجال التربية والتعليم الذي ينمّي هذا العنف من خلال اجتهادات جهلة لا يفهمون حقيقة وطبيعة الإسلام الذي استشهد أوباما بآيات التسامح والتفاهم مع الآخر من خلال آياته الكريمة. هذا الجهد المشترك من شأنه أن (يغير الصورة النمطية عن الإسلام ) و ( الإقرار بإنسانية الجميع ).

ثانيا: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

يدرك الرئيس أوباما أن هذا الصراع هو مصدر أساسي من مصادر التوتر والحروب والمواجهات ، لذلك شدّد على ضرورة وقف بناء المستوطنات وقيام دولة فلسطينية مستقلة بجانب دولة إسرائيل . السؤال في هذا المجال: هل هذا التأكيد يكفي ؟. اعتقد أن الجانب الفلسطيني ممثلا في منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني والسلطة الفلسطينية ، اعترفوا بدولة إسرائيل صراحة ضمن حدود عام 1967 وذلك منذ عام 1988 أي قبل اتفاقية أوسلو التي تم فيها أيضا الاعتراف بذلك عام 1993 . وهذا يعني أن وضع العراقيل في وجه مسيرة السلام الشامل والدائم العادل تقع على الطرف الإسرائيلي الذي لو التزم حرفيا باتفاقية أوسلو لأعلن قيام الدولة الفلسطينية منذ نهاية عام 2005 . لذلك فإن الشهور القادمة التي وعد الرئيس أوباما بالعمل خلالها وصولا لهذه المطالب الفلسطينية العربية العادلة ، ستظهر مدى قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الضغط على إسرائيل وإقناعها بأن السلام الحقيقي العادل هو لمصلحتها قبل مصلحة الفلسطينيين ، لأن بقاء هذا الصراع مفتوحا لن يجلب إلا مزيدا من العنف ، فالفلسطيني المحروم من أساسيات الحياة البشرية ، ما عاد يفرق عنده الموت عن الحياة ، وبالتالي فهو مستعد لموت أشرف من هذه الحياة البائسة ، وهذا الموت لن يكون له وحده بل للإسرائيلي أيضا !!. فهل يفهم الإسرائيليون ذلك؟.

أما مطالبة حركة حماس

 بالاعتراف العلني بدولة إسرائيل ، فهو سؤال فلسطيني قبل أن يكون أمريكيا ، لأن الفلسطيني نفسه لا يفهم الخط السياسي لحركة حماس ، فلديها العديد من الأطروحات الغامضة ، من تهدئة لعشر سنوات إلى هدنة طويلة الأمد لستين عاما ، إلى تلميح خجول أحيانا إلى مبدأ الدولتين خاصة في لقاءات خالد مشعل مع الإعلام الغربي ، دون التطرق صراحة لموضوع الاعتراف بدولة إسرائيل ، وأي برنامج سياسي من حق حركة حماس أن تتبناه فلا أحد يملك أن يفرض عليها خطا سياسيا غير مقتنعة به ، خاصة أنها فازت في انتخابات التشريعي الفلسطيني بأغلبية أهلها لتشكيل الحكومة التي  أصبحت مقالة في عرف السلطة الفلسطينية . ولكن هل تستطيع حماس تحمل مسؤوليتها اتجاه الشعب الفلسطيني في ظل هذا الخط السياسي الغامض ؟ الجواب غالبا : لا...بدليل الانقسام والاقتتال الفلسطيني الحالي الذي لا يمكن أن يصدق فلسطيني حمساويا أو فتحاويا أنه صراع من أجل التحرير والدولة المستقلة، بقدر ما اقتتال على السلطة والكرسي والمال والنفوذ . حماس كما قلت حرة في أي برنامج سياسي تتبناه ، مع التذكير بان مطلب الرئيس أوباما من الحركة الاعتراف بدولة إسرائيل علانية وصراحة، من شأنه أن يزيل آخر ذريعة إسرائيلية للتملص من التزاماتها اتجاه الشعب الفلسطيني . فهل تفعل حماس ذلك ؟. الجواب غالبا: لا...لأن من لم يصل لتفاهم سياسي مع فصائل وتنظيمات شعبه لن يسمع نداء الرئيس أوباما . وهذا يعني استمرار الوضع الحالي الذي أهم سماته: الاقتتال والانقسام الفلسطيني ، والمماطلة الإسرائيلية اتجاه الدولة الفلسطينية المستقلة . من هنا تكمن أهمية أن تلبي حماس مطلب الرئيس أوباما الخاص بالاعتراف بدولة إسرائيل ، كي نستطيع القول للرئيس : تفضل..ها نحن اعترفنا فماذا قدّم الجانب الإسرائيلي مقابل ذلك !!.

إنه خطاب تاريخي يؤسس

لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي والإسلامي ، نأمل أن يتعاون الجميع من أجل الوصول إليها، فهي ليست مسؤولية أوباما وحده. وفي الوقت ذاته قدّم الخطاب شخصية أوباما عميقة الثقافة والإطلاع ، فكم كان ملفتا للنظر هذه الشمولية والدقة في خطاب شفوي عفوي غير مكتوب لمدة خمسة وأربعين دقيقة . ومن الأهمية أيضا أن يعي الجميع في عالمنا كيف تصنع الديمقراطية البشر الأسوياء ، فمن كان يتخيل أوباما الرجل الأسود رئيسا للبيت الأبيض الأمريكي ؟. وكي نعرف حجم مزرعة الحيوانات التي نعيش فيها في الشرق الأوسط فلنتخيل ماذا كان سيكون مصير الفتى باراك لو عاش ونشأ مع والده حسين أوباما المسلم الكيني في عاصمة عربية ؟ يا ترى بأي وثيقة سفر كان سيتنقل ؟

لذلك فإن الديمقراطية المنشودة

في عالمنا العربي ليست من مسؤوليات الولايات المتحدة الأمريكية رغم كل علاقاتها مع أنظمتنا على اختلافها ، بل هي مسؤوليات الشعوب نفسها . فلماذا انتزع السود في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها حقوقهم الكاملة عبر نضال سلمي متواصل ، بينما صناعة الشعوب العربية هي ( بالروح بالدم نفديك يا....) ، و ( يا ) هذا يذيقنا من القمع والفساد والاستبداد ما لا يتخيله بشر أو حيوان...إنها مسؤولياتنا فقط ، إذ لا ينفع صراخنا ( أوباما أجرنا مما هو أعظم ) ، فكل إنسان يحصل على النتيجة المناسبة لعمله.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

320
أنا والنظام الإيراني والسوري في الاتجاه المعاكس
د.أحمد أبو مطر

يواكب برنامج "الاتجاه المعاكس"الذي يقدمه الدكتور فيصل القاسم عبر فضائية الجزيرة ، آخر الأسئلة والشكوك التي تقتحم المخيلة العربية في هذا الزمن العربي الذي من الصعب أن تعتبره " رديئا " أم "جيدا" أم أنه في طريقه للتحسن والتقدم وصولا لشخصية وموقف عربي موحد مستقل ،محققا ما يمكن تسميته ( السلّة العربية ) بدلا من استمرار هذا الضياع الذي يوزع الجهود العربية لتصبّ في سلال أخرى : أمريكية أو إيرانية أو أوربية. لذلك فتحت الحلقة الأخيرة من البرنامج التي قدمت ليلة الأربعاء الموافق السادس والعشرين من مايو 2009  الباب على كافة المواجع العربية السرّية والعلنية .

النظام الإيراني والسوري

تناولت الحلقة المذكورة موضوعا مهما وهو ( الضغوط التي تتعرض لها سوريا لفك ارتباطها بإيران ، أليس من حقها ألا تضع كل بيضها في السلة الأمريكية ، أم أن تحالفها مع إيران أضرّ بعلاقاتها العربية ؟ ) . شاركت في الحلقة مع الزميل الأستاذ غالب قنديل ، رئيس تحرير المجلة الشهرية المشهورة " محاور استراتيجية " في بيروت  . وكانت حلقة مثيرة بسبب التعارض الكامل بين آرائي وآراء الزميل الأستاذ غالب قنديل، بالإضافة للإثارة التي يضفيها الدكتور فيصل القاسم على إدارته الحوار، بحيث ينتزع من كل ضيف رأيه الصريح في السؤال المطروح بدون لف أو دوران  يجيده بعض المشاركين ليتهربوا من الإجابة الصريحة الواضحة المباشرة .

رأيي في طريقة القوميين في إدارة الحوار

أستطيع القول عبر مشاركاتي العديدة في النقاش والحوار مع الزملاء الأساتذة المحسوبين على التيار القومي العربي ، أنّ هؤلاء الزملاء من النادر أن تخلو ردودهم على الطرف الآخر من توجيه تهم العمالة والخيانة والجاسوسية ، ويكون التصنيف أنهم هم المدافعون عن قضايا الأمة العربية والساهرون على مصالحها في وجه الطرف الآخر الذي هو غالبا في نظرهم من ( جوقة العملاء ) و (المحافظين الجدد ) و ( كتاب المارينز ) ، الذين يتلقون التعليمات من أسيادهم الأمريكان ويقبضون نظير عمالتهم هذه بالدولار واليور وكل أنواع العملات المتاحة في أسواق الصرافة العالمية.

في أول مداخلة لي في البرنامج أبديت وجهة نظري القائلة أنّ التحالف بين أية دولتين يعني أن هناك مصالح استراتيجية مشتركة غير أن العلاقات السورية الإيرانية لا ترقى لمستوى الحلف ، بسبب تناقض مصالح الطرفين التي يغطي عليها أمران: التأكيد شبه اليومي من المسؤولين السوريين حول حرصهم على علاقاتهم من النظام الإيراني ، والزيارات المتكررة للمسؤولين الإيرانيين للعاصمة السورية التي   يكاد أن لا يخلو شهر من زيارة إيرانية ، رغم أن بعض هذه الزيارات لا تخلو من الغطرسة التي لا تليق بهذه العلاقات سواء كانت حلفا أم مصالح مؤقتة ، وذكرت مثالا على هذه الغطرسة حضور وزير الخارجية الإيراني  منوشهر متكي  للقمة العربية التي عقدت في دمشق في آذار – مارس الماضي .  والسؤال هو: ما علاقة إيران بقمة عربية حتى تدعو القيادة السورية وزير الخارجية الإيراني لحضورها؟ وجاءت غطرسة وزير الخارجية الإيراني في المؤتمر الصحفي الذي عقده في دمشق عقب انتهاء القمة ليحتج بصفاقة متناهية على ذكر البيان الختامي للقمة لمسألة الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث وأهمية حلها بالوسائل السلمية.

هل هناك احتلال جميل و احتلال قبيح ؟

وضمن تقديمي لما يدعم وجهة نظري بأنه لا يوجد تحالف سوري إيراني بقدر ما هو مزايدات ومصالح آنية  تساءلت :
 أي حلف هذا بين نظام يقوده حزب البعث العربي القومي ونظام قيادته ورئاسته الشمولية بيد ( ولي الفقيه )  الذي يعتبر نفسه للمسلمين وكأنه ( بابا قم ) ؟. ونظرية الولي الفقيه تشمل من ضمن رؤاها السيطرة والتوسع ونشر المذهب الطائفي الخاص بها ، بدليل أن إسم الدولة ( الجمهورية الإسلامية في إيران ) ، وهناك فرق بين هذه التسمية و ( الجمهورية الإسلامية الإيرانية ) ، لأن التسمية الأخيرة تعتبر إيران هي حدود هذه الجمهورية ، بينما التسمية الأخرى تعتبر جمهورية ولي الفقيه هي في إيران اليوم ، ولا أحد يعرف حدود سيطرتها وتوسعها في المستقبل عبر نظرية الإمام الخميني ( تصدير الثورة ) ، وتعليماته بهذا الشأن واضحة حول تصدير نظريته وثورته لأي مكان يستطيع وأسهل الأمور الجوار العربي .

وتساءلت أيضا : أي حلف هذا مع نظام إيراني يحتل إقليم الأحواز العربي منذ عام 1925 والجزر العربية الإماراتية منذ عام 1971 أي منذ زمن الشاة ، وولي الفقيه يستمر في سياسة الاحتلال الشاهنشاهية ؟. ويستمر في التهديد الدائم بضم مملكة البحرين لأنها محافظة إيرانية ، رغم أنّ الشاه رضخ في عام 1971 لنتائج الاستفتاء البحريني الذي جاء لصالح الاستقلال ، وكان هذا بدليل عضوية المملكة البحرينية في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الأمم المتحدة. لذلك فالعلاقات السورية الإيرانية في وجهة نظري لا ترقى لحد الحلف ، بقدر ما هي علاقات مصلحية آنية المستفيد منها النظام الإيراني بدليل أن القيادة السورية خسرت غالبية علاقاتها العربية، وجرّت على نفسها وشعبها مقاطعة أوربية أمريكية أضرت بكافة المصالح السورية ، والحل كما أراه هو فك هذا التحاف أو تلك العلاقات والعودة للحاضنة العربي.

الردود القومية على هكذا أطروحات !!

حاول الزميل الأستاذ غالب قنديل نقض أطروحاتي القومية العربية هذه بوجهة نظر تعتمد على الدعم الإيراني للمقاومة المتمثلة في " حزب الله " و "حركة حماس" وتهديد إيران لوجود إسرائيل من أساسه ، دون أن ينهي عرضه لوجهات نظره هذه، بدون اتهامي أنني أكرر أقاويل " جوقة العملاء الأمريكان " و " المحافظين الجدد " وبالتالي كل ما قدمته يتعارض مع المصلحة العربية التي الحلف السوري-الإيراني من أهم أعمدتها وقوتها. بالإضافة لتهمة العمالة فإن الزميل الأستاذ غالب قنديل لم يتعرض ولو بكلمة واحدة لأمور قومية عربية سواء جاءت على لسان قومي عربي أم واحد من الكتاب العملاء وهي :

1 . ما هو الموقف من الاحتلال الإيراني  للأحواز العربية والجزر الإماراتية الثلاث والتهديد المستمر بضم مملكة البحرين؟

2 . ما هو الرأي في النظام السوري الذي يعتبر نفسه ( نظام الممانعة والمقاومة ) وهو نظام لم يطلق رصاصة واحدة منذ عام 1967 لتحرير هضبة جولانه المحتلة ، فأي تناقض هذا بين دعم مقاومة حزب الله وحركة حماس ، والسكوت المطبق عن تنظيم أية مقاومة مسلحة أو سلمية في جولانه المحتل ، وأي ممانعة وهو يركض وراء إسرائيل عبر وساطات أمريكية في زمن الرئيس المرحوم حافظ الأسد ، وتركيا في زمن الرئيس بشار الأسد لاستعادة الجولان المحتل ( وهذا حق تاريخي له ) بالوسائل السلمية بينما ليل نهار يعيبون على مصر والسلطة الفلسطينية أنهم وقعوا معاهدات صلح وسلام مع إسرائيل ، رغم أن معاهدة كامب ديفيد عام 1979 أعادت لمصر كامل سيناء المحتلة ، واتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993 أعادت القيادة الفلسطينية للقطاع والضفة ، رغم عدم التزام إسرائيل بالتزاماته التي كانت تنص على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في نهاية عام 2005 .

3 . يشيد الزميل الأستاذ غالب قنديل بقدرة القيادة السورية على تنويع تحالفاتها الإقليمية لخدمة المصالح القومية بدليل التقارب والتنسيق السوري التركي ، ويتناسى أنه تنسيق مع دولة محتلة هي الدولة التركية التي احتلت لواء الإسكندرونة العربي السوري منذ عام 1936 أي 12 عاما فقط قبل احتلال فلسطين ، وتقيم أقوى العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع دولة إسرائيل ، وخطب وتصريحاترئيس حكومتها رجب طيب أردوغان لا تختلف عن تصريحات أحمدي نجاد الخطابية لكسب رضا العاطفيين العرب والمسلمين ، والله أعلم بالصفقة الأمريكية الإيرانية القادمة التي ستكون سوريا أول ضحاياها.

4 . وهذه مسألة مهمة وخطيرة في طرح ومواقف زملاء التيار القومي العروبي ، وهي أنهم يتناسون ويقفزون عن احتلال تركيا للإسكندرونة السورية ، واحتلال إيراني للأحواز العربية والجزر الإماراتية الثلاث ، واحتلال أسبانيا لمدينتي سبة ومليلة المغربيتين ، بينما يستمر كتاب جوقة العملاء والمحافظين الجدد في التذكير بهذه الاحتلالات كلها ولا يتذكر أولئك الزملاء إلا أحتلال فلسطين، وكأن هناك أرض عربية أغلى من أرض عربية ، أرض عربية يجب أن يزول عنها الاحتلال، وأراض عربية تستحق الاحتلال  . وهذا ما يفقد الزملاء الأساتذة في التيار القومي العروبي جزءا كبيرا من مصداقيتهم كأشخاص ومؤسسات مثل مركز دراسات الوحدة العربي والمؤتمر القومي العربي .

ورغم ذلك كانت الحلقة مثيرة ،

رغم اتهامات العمالة وتسمية جوقة العملاء الذين يقبضون من أسيادهم المتعددين من طرف الزميل الأستاذ غالب قنديل ، إلا أن الدكتور فيصل القاسم تمكن من إنطاق كل مشارك بوجهة نظره صراحة دون مراوغة أو هروب . وأؤكد الوعد الذي أقسمت عليه في الحلقة ، وهو أنني سأتقاسم مع الدكتور فيصل القاسم والأستاذ غالب قنديل أية مبالغ مالية استلمها من أسيادي ، وسيكون التقاسم بأمانة ومصداقية دون الاستحواذ على دولار أو ريال أو تومان واحد يخل بمصداقية القسمة الأمين.، والله على ما أقول شهيد!!.

ما هو رأي سادة من أهل البيت  ؟

أنهيت مداخلاتي في البرنامج بقول ورأي لشخصية معروفة ومشهورة من أهل البيت في لبنان هو سماحة العلامة السيد محمد علي الحسيني ،الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي ( لبنان ) ، ويتبعه أو ينسق معه : جمعية بني هاشم العالمية ، وجمعية ذوي القربى اللبنانية ، ومركز بين هاشم للأبحاث والترجمة . يقول سماحة السيد محمد علي الحسيني الذي استشهدت به موجها حديثه للنظامين السوري والإيراني :

(  أيها الحاكمين للشعب الإيراني المسكين ، وتذيقونه من ظلمكم الكثير، ارجعوا إلى ضمائركم ، وقدّروا الدول والأمم بالميزان الصحيح ، فإن أباطيلكم لم تعد تنطوي على أمتنا العربية والإسلامية ، فخيطوا بغير هذه المسلة.....أيها الحكام الإيرانيون والسوريون يا من زرعتم الفتنة في لبنان وفلسطين والعراق زرعا مسموما يفتك بالناس ويقتل أبناء البلاد ، ماذا استفادت لبنان منكم إلا الدمار والخراب والفراغ في القمة..أجل الفراغ في رئاسة الجمهورية اللبنانية إسفين في بناء هذا البلد الصغير...فهل تريدون للحرب الأهلية أن تعود إلى لبنان؟ أيها الذين تدّعون الإخلاص لهذا البلد وفلسطين وحدثوا ولا حرج!! ...يكفيكم اللف والدوران ، وإبعاد شبح الحرب عن بلادكم فتنقلوها إلى بلاد ضعيفة خالقين ذرائع ما أنزل الله بها من سلطان .أيها الحكام الإيرانيون عودوا إلى رشدكم ، وهذا ما يطلبه العرب منكم ).

رأي الأستاذ غالب قنديل في هذه الشخصية

ردّ الزميل الأستاذ غالب قنديل على أطروحات سماحة السيد محمد علي الحسيني التي ذكرتها ، حرفيا بما يلي :
" بدك تعرف من هو هذا؟ بالون ، بالون ، بالون اعتلالي " . وعندما ألححت عليه أن يعطيني رأيه في هذه الأقوال الصادرة عن سماحته، أجاب حرفيا : " ما بأرد على كلامه لأن هذا دون الرد. هذا قال عن حاله أنه راح عالسعودية جاب مصاري ليقعد يشتغل بحزب الله. بالون من إنتاج محور الاعتلال ، مخابرات بندر أنتجت هذه الفقاعة ، والتقطها السيد أبو مطر من الشبكة الافتراضية، لأن هذا الشخص افتراضي في الواقع السياسي اللبناني وفي واقع الرأي العام ، وفي واقع البيئة التي يريد أن يمثلها . هو موجود في مكتب ومعه مرافقان ويدير موقعا إليكترونيا بوظيفة مدفوعة الأجر لصالح إحدى المخابرات المعتلة ".

وأنا لا أستطيع تأييد هذه الاتهامات لسماحته ،

فقط أسأل: لماذا التنسيق مع المملكة السعودية ومخابراتها حرام، والعمل العلني لحساب النظام الإيراني ومخابراته وحرسه الثوري حلال؟. وقد ورد في البيان التأسيسي لحزب الله عام 1985 بأن ( هدف الحزب الاستراتيجي إقامة دولة إسلامية في لبنان مرجعيتها الفقهية في قم بإيران ). وعاد السيد حسن نصر الله وأكدّ وكرّر ذلك في خطابه الشهير في تموز 2008 في الذكرى الثانية لما أطلق عليه " النصر الإلهي " ، إذ أكدّ حرفيا أنه وحزبه يفتخران بأنهم حزب يتبع الولي الفقيه  ويشرفهم ذلك ، موردا كل الصفات الايجابية عن ولي الفقيه هذا. ولماذا القبض من المملكة السعودية بالريال حرام والقبض من إيران بالتومان والدولار حلال؟. أنا ما أعرفه أن سماحة السيد محمد علي الحسيني له حضور في الساحة اللبنانية مهما كانت نسبته ، ومعروف عنه السعي الدؤوب لإعادة مذهب آل البيت إلى أصوله العربية بعد أن تمّ خطفه من قبل ولي الفقيه الإيراني الذي نسبة عالية من العرب الشيعة الكرام لا يعترفون بنظرية ولي الفقيه الشمولية الاستبدادية . وذلك أيضا لأن مذهب آل البيت نشأ عربيا ، وكل دعاته من الإمام علي رضي الله عنه ونسله الأسياد الكرام عرب أقحاح ينتمون لبيت الرسول صلى الله عليه وسلم . وهذه الاتهامات العشوائية لا تختلف عن أسلوب رئيس وزراء النظام الإيراني محل الخلاف في البرنامج ، وهو الذي قد أعلن في خطاب رسمي علني صريح قبل أسابيع قليلة أثناء حملته الانتخابية ( أن خصوم إيران ومعارضي نهجها مجرد كلاب ضالة ) !!! من يتخيل هذا المستوى من رئيس نظام وحكومة ودولة ؟ فهذا يعني أن الملايين من معارضي النهج الإيراني من عرب ومسلمين وأوربيين وآسيوين وأمريكيين مجرد كلاب ضالة!!! وهذا يعني أن الملايين من عرب الأحواز العربية المحتلة ، وملايين السنّة المضطهدين لأنهم من أعراق وأصول غير فارسية ، هم مجرد كلاب ضالة في عرف السيد أحمدي نجاد.

وإزاء هكذا اختلافات فكرية ،

بين المثقفين والسياسيين العرب حول أساسيات منها " تعريف الاحتلال " ، أقترح على الزميلين الدكتور فيصل القاسم و معن الشريطي الجندي المجهول المعلوم في خلفية وآلية إعداد البرنامج ، أن يقدما حلقة عنوانها : ( ما هو تعريف الاحتلال في الثقافة العربية ؟ ) . وإذا تمكنت من تقليد أسلوب الدكتور فيصل القاسم الناجح والمثير سأقول:

" أعزائي المشاهدين..ما هو تعريف الاحتلال في الثقافة العربية؟ هل هناك احتلال جميل نصفق له واحتلال قبيح يجب مقاومته يتساءل بعضهم ؟ ولكن ما الفائدة من إعادة التذكير باحتلالات قديمة مثل الاحتلال التركي للواء الإسكندرونه السوري ، واحتلال إيران لإقليم الأحواز العربي والجزر الإماراتية الثلاثة ، ألا يكفي الآن التركيز على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يقول آخر . ولكن هل فلسطين أغلى من الأحواز والإسكندرونة العربيتين ، أليس كل بلاد العرب أوطاني يتساءل أحدهم . وبالمقابل لماذا طرح احتلال لواء الإسكندرونة طالما أن النظام السوري منذ عهد الرئيس المرحوم حافظ الأسد وافق على ترسيم الحدود مع تركيا بوضعها الحالي، أي التوقيع والاعتراف بأن لواء الإسكندرونة أرض عربية  وخارطة سوريا الرسمية اليوم لا تشمل لواء الإسكندرونة وتم حذفه من مناهج التربية والتعليم السورية على أنه إقليم سوري محتل يتساءل آخر .

أعزائي المشاهدين نعود إليكم بعد هذا الفاصل

وأثناء هذا الفاصل أود التأكيد صراحة أن كل الخلافات الفكرية السابقة لا تعني أنني على صواب ، وزميلي الأستاذ غانم قنديل على خطأ ، فهي مجرد خلافات في وجهات النظر مع زميل لا أشك لحظة في صدقه ووطنيته وغيرته على خروج العرب جميعا من حالة الاعتلالات هذه التي تشملهم جميعا بدون استثناء . وأنا من أشد المؤمنين بالقول الذي ينسب أحيانا لسيد آل البيت الإمام علي رضي الله عنه ، وأحيانا للإمام الشافعي : ( رأيي خطأ يحتمل الصواب ، ورأيك صواب يحتمل الخطأ ) . ويظل برنامج الاتجاه المعاكس مهما في إثارته لكافة نواحي الحياة العربية من احباطات ونجاحات رغم أن النجاحات شبه معدومة ، ولا يمكن الوصول إليها إلا بإثارتها ونقاشها بهذا الإسلوب الصريح الجريء ، وتبقى دعوانا: اللهم أجرنا مما هو آت...اللهم أجرنا مما هو أعظم.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


321
الحراك السياسي الأردني وتخوفات المستقبل
د.أحمد أبو مطر

كانت الأضواء الإعلامية بمختلف وسائلها مركزة على المملكة الأردنية الهاشمية في الأسابيع الماضية، من خلال ما يمكن تسميته ( الحراك السياسي النشط ) الذي شهدته الساحة الأردنية ، من خلال العديد من النشاطات الفاعلة التي كان أهمها:

أولا: زيارة الملك عبد الله الثاني للولايات المتحدة الأمريكية في الحادي والعشرين من أبريل 2009  ، ليكون أول زعيم عربي يقابل الرئيس الأمريكي الجديد أوباما  في البيت الأبيض ، وبعد هذا اللقاء وجّه الرئيس الأمريكي الدعوة لزيارة الولايات المتحدة لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نيتنياهو  الذي لبّى الدعوة في السابع عشر من مايو والتقى الرئيس الأمريكي يوم الثامن عشر من مايو 2009  ،    والرئيس المصري حسني مبارك الذي كان يستعد للقيام بتلك الزيارة ، وألغاها بسبب الظرف الطارىء الخاص بوفاة حفيده ( محمد علاء ) يوم الاثنين الثامن عشر من مايو 2999 في باريس ، والرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي من المحتمل قيامه بهذه الزيارة في الأيام القليلة القادمة .

وقد اتخذت زيارة الملك عبد الله الثاني طابعا عربيا أكثر منه أردنيا ، إذ كان كمبعوث عربي للإدارة الأمريكية الجديدة لدراسة أفاق العملية السلمية في الشرق الأوسط ، والطلب من الإدارة الأمريكية الجديدة لإثبات حضورها في عملية السلام الذي بات مهددا خاصة بعد تولي حكومة اليمين الإسرائيلي الجديدة برئاسة نيتنياهو . وقد كان تعقيب الملك عبد الله الثاني على لقائه مع أوباما إيجابيا قائلا: ( اجتماعنا كان مهما لتأكيد الالتزام بالسلام والاستقرار في هذا الجزء من العالم ، حيث أكدّ أوباما على أهمية حل الدولتين ودفع الطرفين إلى مفاوضات مباشرة بأسرع وقت ممكن ). وقد نقلت صحيفة تايمز أوف لندن عن الملك عبد الله الثاني قوله ( إن الولايات المتحدة تروج لخطة سلام في الشرق الأوسط تضمن حلا يضم 57 دولة يعترف فيها العالم الإسلامي كله بإسرائيل ). وفي الوقت نفسه حذّر الملك من أنه ( إذا أخرنا مفاوضاتنا للسلام فسيكون هناك صراع آخر بين العرب أو المسلمين وإسرائيل خلال ما بين ال12 و ال18 شهرا المقبلة ).

ثانيا : زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر للملكة الأردنية في الفترة من الثامن إلى الثاني عشر من مايو 2009 ليكون الثالث من بابوات الفاتيكان الذي يزور المملكة الأردنية ، وقد كانت زيارته تأكيدا واضحا على دور المملكة في مسيرة السلام والتعايش بين الشعوب ، خاصة أن زيارته أعقبتها زيارة الأراضي الفلسطينية مؤكدا صراحة على حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة.

ثالثا : انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط في منطقة البحر الميت من الخامس عشر إلى الثامن عشر من مايو 2009 بحضور ما يزيد عن 1500 مشارك من القادة والرؤساء والوزراء ورجال وسيدات الأعمال وحملة جائزة نوبل من ثمانين دولة ، وتأتي أهمية انعقاده في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية ، وتحديات السلام المطلوب لاستقرار الشرق الأوسط ، من هنا ركزت الكلمة الافتتاحية للملك عبد الله الثاني على مسألة السلام وحق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة بناء على حل الدولتين ، وقد كان صريحا في تحميله إسرائيل مسؤولية التأخير في تحقيق هذه السلام عبر حل الدولتين ، عندما قال صراحة: ( لقد التزمنا نحن بالسلام ويجب على إسرائيل أن تلتزم بالسلام أيضا ، فقد قدمت مبادرة السلام العربية لإسرائيل مكانا في الجوار ، وأكثر من ذلك القبول من 57 دولة هي ثلث أعضاء الأمم المتحدة ، لا تعترف بإسرائيل حتى الآن وهذا يوفر الأمن الحقيقي ، الأمن الذي لا تستطيع أن تحققه الحواجز ولا الجيوش المسلحة ).

هذا الحراك السياسي والاقتصادي

الذي شهدته ونظمته المملكة الأردنية ، أعاد للملكة الأردنية حضورها المؤثر كطرف أساسي في العملية السلمية في الشرق الأوسط ، بسبب جوارها للطرف الفلسطيني حدوديا ، وكونها تقيم علاقات دبلوماسية مع الطرف الإسرائيلي سبقتها مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية في إقامة هذه العلاقات ، مما يجعل حضورها هذا لا يمكن أن يزايد عليه أي طرف عربي ، فمصر أقوى قوة بشرية وعسكرية في العالم العربي أقامت هذه العلاقات قبل الأردن ب 14 عاما ومنظمة التحرير الفلسطينية تعترف بإسرائيل رسميا وعلنيا منذ اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988 ، بينما انتظر الأردن حتى العام 1994 لتوقيع اتفاقية وادي عربة مع الطرف الإسرائيلي ، ومنذ ذلك التاريخ لا تعدو العلاقات فتح سفارة لا تطوير من خلالها لأية علاقات بسبب تعنت الطرف الإسرائيلي وعدم إيفائه بالتزاماته التي
نصت عليها اتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية ، وكان بناءا عليها أن تقوم الدولة الفلسطينية عام 2005 . من هنا ينتظر العالم ما يقال عن مبادرة أمريكية اتفق علي ملامحها الأساسية العاهل الأردني مع الرئيس الأمريكي أثناء زيارته الأخيرة ، ويتوقع أن يعلن الرئيس الأمريكي هذه المبادرة أثناء زيارته للقاهرة المتوقعة في 4 يونيو 2009 ، وهذا ما يجعل الملك عبد الله الثاني حذرا إزاء هذه المبادرة ، ففي مقابلته الصحفية مع التايمز اللندنية يوم الاثنين الحادي عشر من مايو 2009 ، قال : ( إن الرئيس الأمريكي الجديد هو المفتاح لحل أزمة الشرق الأوسط ، لكننا لا نريد رئيسا أمريكيا آخر يخذلنا ، وما لم تكن هناك مؤشرات وتوجهات واضحة لنا جميعا ، سيسود شعور بأن إدارته هي مجرد حكومة أمريكية أخرى تخذلنا جميعا . إن المصداقية الهائلة للرئيس أوباما في العالمين العربي والإسلامي ستتبخر في ليلة واحدة في حال ماطلت إسرائيل في تنفيذ حل إقامة دولتين، ولم تكن هناك رؤية أمريكية واضحة لما سيحدث هذا العام ).

هل يرتبط هذا الحذر الأردني بتخوفات مستقبلية؟

نعم واضحة وصريحة لأن التعنت الإسرائيلي مرتبط بمؤشرات أيضا ليست إيجابية تجاه المملكة الأردنية الهاشمية ومنها :

أولا: عودة أطروحات اليمين الإسرائيلي الخاصة بالوطن البديل قوية وصريحة بعد انتخاب نيتنياهو رئيسا للوزراء الإسرائيلي وتشكيله الحكومة الجديدة التي تضم عناصر يمينية متطرفة منها وزير الخارجية ليبرمان ، وإقدام نيتنياهو على تعيين " عوزي أراد " مستشارا له  وهو صاحب نظرية " مملكة هاشمية فلسطينية" ، وقد كان من عناصر الموساد المهمة وصاحب خبرة أكاديمية عالية من خلال تأسيسه "معهد الدراسات متعددة المجالات  " ، ومن الرافضين لمفاوضات متساوية مع الفلسطينيين ، ورأيه ( إن المفاوضات مع الفلسطينيين يجب ألا تكون عنصرا أساسيا في سياسة إسرائيل، فنحن غير ملزمين بالتشاور مع الفلسطينيين ، وعلينا أن نركز اهتمامنا على حلفائنا الأمريكيين. معهم نتفاوض  ومعهم نتفق ). وهذا الرأي إعادة صياغة لمقولة اليمين الإسرائيلي القديمة الجديدة أنه ( لا دولة فلسطينية غرب النهر لأن هذه الدولة قائمة أساسا شرق النهر ).

ثانيا : إعلان نتينياهو أكثر من مرة منذ ترؤسه للحكومة الإسرائيلية الجديدة أنه لا ( عودة لتقسيم القدس وهي العاصمة الأبدية للدولة اليهودية) و ( لا محادثات مع الجانب الفلسطيني إلا بإقراره علنا بيهودية دولة إسرائيل ) و ( لا لحق العودة للاجئين الفلسطينيين ).  ومن الواضح أن هذه اللاءات الإسرائيلية الثلاثة أو الخطوط الحمر الإسرائيلية هي نفس اللاءات والخطوط الحمر الفلسطينية والعربية ، مما يعني أن احتمالات التقدم في مسيرة السلام محدودة أو شبه معدومة ، وربما يكون ذلك هو خلفية حذر الملك عبد الله الثاني الذي عبر عنه صراحة وبوضوح . ومن الواضح أن اللاءات الإسرائيلية الثلاث هذه تصب في خدمة وضخ دماء متنوعة لفكرة الوطن البديل الذي يطرح أحيانا من خلال تسميات خادعة مثل ( الاتحاد الكونفدرالي بين الأردن والضفة الغربية ) ، وطبعا المقصود ما تيسر من هذه الضفة الذي تقبل إسرائيل الانسحاب منه ، وأحيانا تطرح بعض الدوائر عودة الجيش الأردني لحفظ الأمن في الضفة ، ولا يملك الأردن الرسمي والشعبي إلا التمسك بثوابت أردنية واضحة في مواجهة هذه المخططات ،  وهذه الثوابت التي تؤكد عليها السياسة ألأردنية دوما هي :

1 . لا عودة عن قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية الذي اتخذه المرحوم الملك حسين في يوليو 1988 تدعيما للكيانية والدولة الفلسطينية التي أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني في نفس العام.

2 . لا تنازل عن حق الفلسطينيين في دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ، ولا بحث في أية علاقة مع المملكة الأردنية إلا بعد قيام هذه الدولة بحدود واضحة واعتراف دول العالم بها ، وبعد ذلك تكون العلاقة معها ميدانا للبحث مثل أية علاقات بين دولتين عربيتين.

3 . حق العودة مشروع للفلسطينيين حسب قرار الأمم المتحدة 194 لعام 1948 ، والتمسك به أو التنازل عنه وقبول التعويض مسألة فلسطينية بحتة لا علاقة للأردن أو أية دولة عربية به سلبا أو إيجابا .

ما هو موقف الشعبين الأردني والفلسطيني

من موضوع الوطن البديل ؟ . أعتقد أنه لا يوجد إجماع شعبي ورسمي أردني على أي موضوع سوى الرفض العلني الصريح للوطن البديل ، لأنه لا يختلف عن ظروف إقامة دولة إسرائيل التي قامت على أرض و وطن شعب آخر ، لذلك أيا كانت خلافات أي حزب معارض أردني مع حكومته، فهو يلتقي معها صراحة في رفض ومقاومة فكرة الوطن البديل ، بما فيها حزب جبهة العمل الإسلامي الذي رغم خلافه مع الحكومة حول ملفات عديدة ، إلا أن رئيس كتلته النيابية حمزة منصور صرّح قائلا: " يتحتم على كل الأردنيين حماية وطنهم من أية مشاريع يراد فرضها ، ودعم المقاومة في فلسطين كونها خط الدفاع الأول وراس حربة الأمة في مواجهة مخططات الكيان الصهيوني ".

و وصولا لتمتين الجبهة الداخلية الأردنية

في مواجهة هذا المخطط ، أفضل الوسائل هي توسيع الهامش الديمقراطي الذي يصرّ ويلح عليه الملك عبد الله الثاني دوما ، ومن ضمن تطبيقاته توسيع هوامش مشاركة المواطن حسب كفاءاته لتقليص حسابات العشائرية والمحسوبية والإقليمية ، خاصة أن الملك عبد الله الثاني قد حسم الجدل حول فكرة تقسيم المملكة لأقاليم ، وهي الفكرة التي أحدثت جدلا وتخوفا واسعا في المملكة ، فجاء الحسم الملكي بترك تطبيق الفكرة التي أقرتها اللجنة الملكية بهذا الصدد ، معلنا ( أنه يسعى لتطبيق اللامركزية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صناعة القرار التنموي ) ، وذلك في نطاق كل محافظة تاركا فكرة الأقاليم لتهدئة مخاوف الشارع الأردني ، التي هي في بعض جوانبها مرتبطة بتبني اليمين الإسرائيلي لفكرة الوطن البديل. إن مخاوف الشارع الأردني مشروعة ، لكن الفكرة غير قابلة للتنفيذ حتى بالقوة في ظل الرفض الصريح من الشعبين الأردني والفلسطيني وقياداتهم .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


322
إخوان سوريا : جرائم متبادلة و انتهازية استراتيجية

2 / 2

د.أحمد ابو مطر

تبدو حالة الإخوان المسلمين في سوريا مختلفة عن تجارب الإخوان في العديد من الأقطار العربية ،فهم الإخوان الوحيدون الممنوعون من العمل الحزبي والتنظيمي في داخل بلادهم ، بمقتضى القانون رقم 94 لعام 1980 الذي ينصّ على ( إعدام كل من يثبت انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين ) ، وهذا النص يعني أنه ليس شرطا قيام الشخص بأعمال مخلة بالأمن كما يراه ويفهمه النظام الحاكم ، ولكن فقط مجرد أن يكون عضوا في الجماعة فهو يستحق حسب هذا القانون الإعدام . ويبدو هذا القانون مجحفا للغاية لأنه يحاسب الشخص على مكنونات ضميره واعتقاده الفكري ، رغم أنه من المهم التذكير بطبيعة الصراع في تلك المرحلة بين النظام البعثي السوري والجماعة التي تصف نفسها ب ( المسلمين ) وهذا في حد ذاته مستفزا لمكونات المجتمع الأخرى ليس في سوريا فقط ، ولكن في كافة الأقطار التي تتواجد فيها هذه الجماعة سواء سميت ب ( جماعة الإخوان المسلمين ) مباشرة كما في مصر والأردن وسوريا أو بأسماء غير مباشرة مثل ( جمعية الإصلاح الاجتماعي ) في الكويت ، وذراعها السياسي ( الحركة الدستورية الإسلامية ) ، ونفس التسمية في مملكة البحرين ( جمعية الإصلاح ) ويشاركون في البرلمان من خلال تنظيمهم السياسي المعروف باسم ( جمعية المنبر الإسلامي ) وهكذا في أقطار عربية أخرى مع اختلاف التسميات التي لا بد أن تشمل صفة مشتقة من الإسلام .

ومصدر الاستفزاز أن كل المجتمعات العربية

 فيها مواطنون مسيحيون ، ويوجد في بعضها مواطنون يهود ، فكيف سيصبح النسيج الاجتماعي إذا وجدنا في دولة عربية الجمعيات أو الأحزاب التالية : ( جماعة الإخوان المسلمين ) و ( جماعة الإخوان المسيحيين ) و ( جماعة الإخوان اليهود ) ، وعندئذ لن نعدم تنويعات جديدة تتعامل مع الحس الطائفي سنّة وشيعة ، أو مع الحس الطائفي المسيحي كاثوليك وأرثوذكس وغيرهم ، لذلك يبدو منطقيا أن لا تسمح بعض الدول بالترخيص لأحزاب ذات خلفية دينية حتى لو بالاسم فقط ، لأن استعمال أي اسم أو صفة دينية لأي حزب أو تجمع يضعه في عيون أصحابه وملاكه أنه فوق النقد والمساءلة ، كما هو في تسمية ( حزب الله ) ، فمن يجرؤ أو يملك الحق في نقد ومساءلة ( حزب الله )الذي هو لدى أصحابه والعاطفيين من المواطنين امتداد للذات الإلهية التي هي الحق المطلق ، مما يعني أن النقيض ل ( حزب الله ) هو حتما (حزب الشيطان ). وهذه الخلفية التي تستغل أسماء وصفات من الإسلام في مسمياتها وأمور أخرى هي ما جعلت ( جماعة الإخوان المسلمين ) في مصر محظورة وممنوعة من العمل السياسي باسمها الإسلامي هذا ، وكل أعضائها الذين فازوا بعضوية مجلس الأمة المصري ، خاضوا الحملة الانتخابية كمستقلين بدون الإعلان في برنامجهم الانتخابي أنهم ينتمون للجماعة، ورغم ذلك لهم اليوم في المجلس أكثر من ثمانين عضوا.

المسكوت عنه من جرائم إخوان سوريا

المتابع للحياة السياسية السورية في العقود الأربعة الماضية ، يلاحظ أن غالبية وسائل الإعلام المؤيدة للمعارضات العربية ، تركز على القانون السوري رقم 94 لعام 1980 الذي يحكم على المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام ، وفي الوقت ذاته يقفزون إما عمدا أو نسيانا على الجرائم البشعة التي ارتكبتها تلك الجماعة بحق الأبرياء من المواطنين السوريين عبر ما تسميه ( الصراع مع النظام البعثي العلوي ). وبداية أقول إن القانون المذكور ظالم ومجحف ويجب إلغاؤه ، ولكن ضمن نفس السياق من يحاسب هذه الجماعة التي تعطي نفسها صفة إسلامية على جرائمها تلك التي لن ينساها الشعب السوري ، وبالطبع هذا التذكير ليس للتغطية على الجرائم التي ارتكبها النظام الحاكم وإن جاءت تلك الجرائم في سياق الصراع بين القوتين: الجماعة والنظام ، خاصة ما جرى في مدينة حماة ( فبراير 1982 ) على خلفية الصراع بين المعارضين المسلحين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين السورية والجيش النظامي  ، وهو صراع ليس من أجل تطوير سوريا وتقدمها ، بل صراع على السلطة رغم قلة عدد مسلحي الإخوان قياسا بقوات الجيش التي اقتحمت المدينة ، وفي هكذا صراع تنعدم المقاييس الأخلاقية طالما هدف كل طرف تصفية الطرف الآخر وصولا للسلطة ومغرياتها خاصة في دول الشرق الأوسط ، حيث من يحكم يستولي على البلاد والعباد بشرا وثروة.

جرائم متبادلة

بمعنى أنها ارتكبت من الطرفين  وهي مدانة بكافة المقاييس الأخلاقية والدينية ، ويمكن القول بصراحة جارحة أن هذه الجرائم مسألة طبيعية في الشرق الأوسط ، فلم يخل انقلاب عسكري سعيا للسلطة والحكم من هكذا جرائم أيا كان عدد وقودها من البشر من كافة الأطراف . وفي سياق جرائم الإخوان المسلمين السوريين بحق أبناء شعبهم الأبرياء ، لا يمكن نسيان قتلهم للعشرات من الكوادر العسكرية السورية خاصة ما شهدته مدرسة المدفعية في مدينة حلب في السادس عشر من يونيو 1979 ، حيث قام الضابط المناوب النقيب ( إبراهيم اليوسف ) الذي تم شراؤه ورشوته من جماعة الإخوان المسلمين حسب الرواية الرسمية  بدعوة الطلاب للقاعة العامة ، وفتحت عليهم النار مجموعة كان قد استقدمها من خارج المدرسة يرأسها ( عدنان عقلة ) ، مما أوقع 32 قتيلا و 54 جريحا ، معلنة جماعة باسم ( الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين ) مسؤوليتها عن العملية ، بينما ظلت قيادة الإخوان المسلمين كعادتهاعلى الدوام تنفي مسؤوليتها عن هذه العملية ، رغم أن قيادات سابقة في الجماعة اعترفت بأن هذه الجريمة من إعداد وتنفيذ الجماعة . ومن جرائم الإخوان المسلمين في سورية تفجير السيارة المفخخة الذي شهده حي الأزبكية في دمشق في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1981  وتبنته الجماعة رسميا  وقد أوقع 175 قتيلا ، والعديد من العمليات مثل تفخيخ السيارات التي تنقل طلاب المدارس العسكرية كما حدث في مدينة حمص. وتشير بعض المصادر السورية المستقلة لجريمة الاغتيالات التي قامت بها الجماعة للعديد من الخبرات الأكاديمية السورية ومنهم : الدكتور محمد الفاضل ، الدكتور يوسف اليوسف ، الدكتور علي العلي ، الدكتور عبد الرحمن هلال ، الدكتور نزار الحمصي ، والدكتور محمود شحادة وآخرون.

انتهازية استراتيجية هدفها السلطة

إن العديد من مواقف جماعة الإخوان المسلمين في سورية لا يمكن وصفها إلا أنها مواقف انتهازية ، هدفها وهمها الأساسي هو الوصول للسلطة والحكم أيا كانت الوسيلة ، ففي عرفهم وعبر ممارساتهم (الغاية تبرر الوسيلة ) ، لذلك يتخذون الموقف ونقيضه خلال فترة قصيرة لا يمكن للأحمق أن ينسى هذا التناقض ذو الطابع الانتهازي العلني . فكم كتبوا ضد النظام البعثي الحاكم منذ عام 1963 ، ومارسوا ضده وضد شعبهم  الجرائم كما أوضحنا ، إلا أنهم فجأة يتحالفون مع عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري لما يزيد على ثلاثين عاما ، أي أنه مسؤول عن كافة أعمال وسياسات النظام بما فيها الموجهة ضد جماعة الإخوان المسلمين ، وفجأة عقب هروبه إلى باريس في ديسمبر 2005 ، يصبح في عرف الجماعة وطنيا مخلصا معارضا لسياسة النظام ، ويشكلون معه في مايو 2006 الميني ماركت الذي عرف باسم ( جبهة الخلاص الوطني ) . ولم تمض سوى قرابة العامين حتى يسحبوا بضاعتهم من هذا الميني ماركت معلنين انسحابهم من الجبهة ( 7 يناير 2009 ) وتعليق معارضتهم للنظام ، الذي قال علي صدر الدين البيانوني شخصيا في مايو 2008 في لقائه مع برنامج بصراحة الذي يقدمه إيلي ناكوزي من قناة العربية ( إن مسألة إسقاط النظام في سورية أصبح وشيكا...النظام فقد مبررات وجوده ). فأي كذب ونفاق أكثر من ذلك ؟ كيف توقف جماعته المسلمة معارضتها لنظام أصبح سقوطه وشيكا ؟. أما لماذا اتخذوا قرار تعليق معارضتهم للنظام التي كانت أساسا معارضة على الانترنت فقط  ؟  . يقول علي صدر الدين البيانوني عظّم الله أجره : ذلك تثمينا لمواقف النظام من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة !!. وليت البيانوني أخذنا على قدر عقولنا الساذجة ، وأوضح لنا هل تعدت هذه المواقف البيانات والتصريحات الخطابية ؟ أم أن جبهة الجولان ومزارع شبعا قد اشتعلت في وجه الاحتلال ونحن لا ندري ؟. وضمن نفس التناغم الانتهازي يهاجم إعلام الجماعة وكتابها قوى الرابع عشر من آذار في لبنان والسلطة الفلسطينية ورئاسة الرئيس محمود عباس وكل ذلك لإرضاء النظام السوري . ولكن خاب ظنهم فالنظام أذكى من انتهازيتهم ، لذلك كانت صدمة البيانوني قوية  حيث اعتبر أنه  ( لا ردود مباشرة من النظام على مبادرته ولكن ردود باهتة من بعض دوائره  ) . إن تاريخ الجماعة في العديد من الأقطار العربية لا يمكن أن يطرح الثقة فيهم مطلقا ، فهم ( يتمسكنوا حتى يتمكنوا ) ثم تأتي بلاويهم بالجملة والقطاعي شاملة كافة نواحي حياة البلاد والعباد كونهم وكلاء الله في أرضه حسب أطروحاتهم .

النتيجة المرعبة
 
هي أن أي نظام علماني يمكن إصلاحه مهما كان مستبدا وطاغيا ، إلا الأحزاب والجماعات التي تحكم باسم الدين إسلاميا أو مسيحيا أو يهوديا ، فهي تقيم أنظمة شمولية تغلق كافة مسارب العقل والتفكير ، فلماذا العقل والتفكير طالما هي تحكم باسم الله تعالى ، وبالتالي تصبح سياستها الميدانية ( التكفير بدلا من التفكير ) ، وليت أصحاب هذه المدرسة الشمولية يفسرون لنا خلفية تمجيدهم ومدحهم لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ، وهو مسلم ورئيس لنظام علماني يعتقل ويسجن كل من يحاول الإخلال بقيم العلمانية التركية ، ويمنع حجاب المرأة المسلمة في الجامعات والعديد من دوائر الحكومة . لماذا العلماني التركي المسلم يمجد كبطل ، بينما يسعى نفس الإخوان الممجدين المطبلين لإقامة نظام إسلامي شمولي يدعون من خلاله أنهم حماة الأخلاق ، هذه الأخلاق التي شرّعت الانتهازية كسلوك استراتيجي لهم  وتصفية الخصوم قتلا أحد أساليبهم ، منذ اغتيال الجناح العسكري  لجماعة الإخوان المسلمين في مصر لرئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في الثامن والعشرين من ديسمبر لعام 1948 ، ثم محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954 في الحادث الذي عرف باسم منشية البكري ، وقام بالمحاولة المدعو محمود عبد اللطيف الذي كانت الجماعة تعتبره أحد أمهر رماتها للرصاص . ويستطيع الدارس لتاريخ الفرع المصري لجماعة الإخوان أن يعتبر هذا الفرع الأب الشرعي لكافة فروع الجماعة في الأقطار العربية ، فمن تأثيراته وامتداداته ولدت فروع الجماعة التي ما زالت تعتبر الفرع المصري كقيادة دولية للجماعة ، وهو الفرع الذي تم استنساخ غالبية جماعات التطرف والعنف من سياساته وتنظيرات قياداته.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com




323
الإخوان المسلمون : لا العجب ولا الصيام في رجب!!!
د.أحمد أبو مطر
1 / 2
             
             

المتابع لسياسات وممارسات مدرسة الإخوان المسلمين كأحزاب سياسية في العديد من الأقطار العربية ، يستطيع رصد بعض الملامح الأساسية لهذه المدرسة طوال نصف القرن الماضي ، خاصة أشهر هذه الأحزاب الإخوانية في الأردن و مصر و سورية ، ومن هذه الملامح :

أولا : عدم رؤية الواقع السياسي المعاش والمحيط  من خلال نظرة واقعية تدرك أن السياسة هي فن الممكن ، إذ لا يستطيع شخص أو حزب أو دولة أن يصمم العالم على ذوقه ومزاجه وتبعا لمصالحة الذاتية  وكأنه هو المتحكم في العالم من كافة نواحيه وزواياه.

ثانيا : التشنج في الخطاب أيا كان الموضوع سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا ، وفي أغلب الأحيان يكون الخطاب فقط لإثبات الحضور خاصة في ظل شيوع الفضائيات ، ومن يدمن على مشاهدة نفسه أو اسم حزبه في هذه الفضائيات ، يجد نفسه يركض وراء تصريحات ومواقف لا علاقة لها بتوجهات حزبه أو مصلحة بلده ، فهي فقط للظهور الفضائي والأرضي .

ثالثا : الانتهازية في المواقف سواء لخدمة مصالح شخصية أو تنظيمية ، وغالبا بمبررات ضعيفة لا يقتنع بها أي عاقل أو مجنون لأنها فاقعة في ضعف مبرراتها وتوقيتها.

وسوف أقدم أمثلة على هذه الملامح من ممارسات ومواقف أشهر وأعرق أحزاب مدرسة الإخوان المسلمين في الأردن و مصر وسوريا ، وسأحاول أن تكون هذه المواقف معاصرة يتذكرها غالبية القراء .

1 . إخوان الأردن و مصر

لا يجادل أحد في أن جماعة الإخوان المسلمين نشأت في الأردن منذ بداية منتصف القرن الماضي في ظل ورعاية العرش الهاشمي ، حيث كانت تعمل علنا ورسميا ك ( جمعية خيرية ) حتى عام 1990 ، عندما أسست حزبها السياسي العلني ( حزب جبهة العمل الإسلامي ) والمرخص رسميا من الحكومة عقب الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين . و من أمثلة غرورها وعدم واقعيتها موقفها الأخير قبل أيام من زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر للملكة الأردنية ، فبدلا من التخطيط للقاء البابا وحثه على دعم حقوق الشعب الفلسطيني والتعايش بين كافة الأديان، فتحت بطريقة متشنجة صفحة اعتذار البابا عن محاضرة له في عام 2006 ، أورد فيها قولا فيه إساءة للإسلام ، وقد اعتذر عن ذلك البابا مرتين كما أوضحت في مقالتي السابقة عن زيارته الأخيرة  للمملكة الأردنية . وقبل ذلك عند موت الإرهابي المدعو أبو مصعب الزرقاوي في يونيو 2006 خالفوا المزاج الشعبي الأردني ، وذهب أربعة من نوابهم لبيت عزاء في الإرهابي وأعلنوا أنه شهيد وسوف يشفع لسبعين من أنصاره وأتباعه بدخول الجنة ، متناسين بدون أي وازع من ضمير أن هذا المجرم قبل شهور في نوفمبر 2005 ، نفذ تنظيمه تفجيرات الفنادق في عمان التي راح ضحيتها 57 قتيلا و 115 جريحا ، كان أحد هذه التفجيرات الإرهابية في حفل عرس أي لحظات فرح لمواطنين أردنيين ، فأي إسلام وأي شرع يمكن أن يعتبر هكذا مجرم شهيدا؟؟.

والإصرار على البقاء في المشهد الإعلامي خاصة الفضائيات جعلهم لا يتركون حدثا أردنيا أو عربيا أو عالميا لم يصدر الإخوان المسلمون في الأردن بيانا فيه وحوله ، إلى حد أن ( إعصار كاترينا ) في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2005 حظيّ ببيان من حزبهم ( جبهة العمل الإسلامي ) أدان فيه تقصير الإدارة الأمريكية في إغاثة ومساعدة الضحايا ، وكان البيان شديد الحرارة لدرجة أنني تصورت أن أولئك الضحايا الأمريكان أعضاء في الحزب . وفي بيان آخر طالب زكي بني ارشيد أمين عام الحزب بإحالة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى المحكمة ، وذلك تأييدا منه وحزبه لمولودتهم الشرعية حركة حماس.
وهذا التأييد لحماس بشكل مطلق وأعمى يضع علامة استفهام إن كان حزب جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين حزبا سياسيا أردنيا ، يعمل بترخيص من وزارة الداخلية الأردنية ، أم فرع أردني لحركة حماس؟؟. ولم ينس الحزب وخاصة أمينه العام أحداث الباكستان وجرائم عمر البشير المطلوب جنائيا من تصريحاته ودعمه ، وستبقى صفحة سوداء في تاريخ هذا الحزب دعمه المتواصل للديكتاتور البائد صدام حسين ، حيث أعطوه لقب وصفة ( سيد الشهداء ) ، ويحتفلون سنويا بذكرى إعدامه في مهرجانات حاشدة في مجمع النقابات المهنية الذي يخضع لسيطرتهم المطلقة في مدينتي عمان وإربد .

ويكاد  أن يكون زكي بني ارشيد استنساخا دقيقا لمهدي محمد عاكف المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر ، من ناحية تصريحاته الاستفزازية غير الموضوعية ، فمهدي عاكف مشهور برئاسة مدرسة (الطزطزة ) في مصر بعد تصريحه المشهور في أبريل 2006 في حوار صحفي نشرته مجلة (روز اليوسف ) بعد رفض جريدة الكرامة التي أجري اللقاء لها نشره ، فقد سأله الصحفي عن رأيه في قوله (أنه لا مانع لديه أن يحكم مصر غير مصري طالما كان مسلما ) ، فردّ عليه مهدي عاكف قائلا : (طز في مصر وأبو مصر واللي في مصر ) ، وهذا يعني أن هذه الطزطزة تشمله هو وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر طالما هم من ضمن ( اللي في مصر ) . وضمن نفس النهج الاستفزازي يورط نفسه هذا المهدي غير المنتظر في كل القضايا الداخلية المصرية بما فيها اختصاص القضاء ، من خلال تصريحاته المدافعة عن خلية تجسس حزب الله في مصر ، مدعيا أن " حزب الله لم يهدد الأمن القومي المصري، بل قام بجهد الكبير في دعم المقاومة " ، هكذا وكأن هذا المهدي كان عضوا في الخلية ويعرف ما كانت تخطط له ، رغم أن بعض أعضائها اعترفوا أنهم جاءوا لرصد أهداف أجنبية في الأراضي المصرية . هذا الاستفزاز الذي لا يخدم إلا حضور هذا المهدي في وسائل الإعلام ، جعل صحيفة الأهرام المصرية تطالب أعضاء جماعة الإخوان المصرية ب " أن يعملوا على إقصاء هذا المنفلت قبل أن يكون سببا في وقوع كارثة سيدفع ثمنها الإخوان جميعا " .

وضمن نفس المدرسة الاستفزازية ،

تأتي تصريحات زكي بني ارشيد التي لو صرّح بكلمة واحدة منها في بعض الأقطار العربية ، لأصبح كما نقول في الحواري الشعبية ( في خبر كان ) أي كان حيا ، من خلال سيناريوهات الإختفاء والقتل التي عرفت بها بعض العواصم العربية ، فمن يصدق أن زكي بني ارشيد ما زال حيا ، وهو الذي صرّح في الثاني عشر من مايو 2007 قائلا : " إن رئيس الوزراء معروف البخيت أداة في يد السفير الأمريكي لتنفيذ مخططاتهم في المنطقة والعمل على تضييق عمل الحركات الإسلامية " . ومن باب الموضوعية فالنقد من حق زكي بني ارشيد كمواطن أردني ، ولكن هذه التصريح الغوغائي غير المقترن بأدلة ووثائق يعرضه للمحاكمة القضائية في أعرق الدول الديمقراطية ، ورغم ذلك ضمن الهامش الديمقراطي المتاح للأحزاب السياسية في الأردن لم يتعرض لمجرد السؤال ، وبالتالي بدلا من أن يعمل الإخوان المسلمون في الأردن ومصر على تعميق الهوامش الديمقراطية المتاحة ، يتقصدون الاستفزاز الذي يثير السلطات ضدهم ، لأن وجودهم في الشارع يعتمد دوما على شكوى المظلومية والاضطهاد الموجه ضدهم .

لذلك فقد أطاح مجلس شورى الإخوان

قبل أيام قليلة بزكي بني ارشيد كأمين عام لجبهة العمل الإسلامي ، وتم اختيار شخصا معتدلا بدلا منه هو الدكتور اسحق الفرحان ، وهو شخصية إسلامية معتدلة ومقبولة وتولى الوزارة في زمن المرحوم وصفي التل عام 1970 . وتشير العديد من الدلائل أن تنحية زكي بني ارشيد كان الحل المنطقي بسبب تذمر وتحرك تيار الحمائم المعتدلين في جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين ، لأن مواقفه وتصريحاته الاستفزازية غير الواقعية أضاعت وقت الحزب وجهوده في محو آثار هذه التصريحات والمواقف في الشارع الأردني ومع السلطات الأردنية بدلا من توجيهها نحو تعميق التجربة الحزبية والديمقراطية في المملكة الأردنية . لذلك من المتوقع بشدة وعمق أن شخصية معتدلة مثل الدكتور اسحق الفرحان ستعمل على ردم الهوة بين جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين والسلطات المحلية وقطاعات واسعة من الشارع الأردني لا تؤيد النهج المتشدد ، مما يعني صبّ جهود الجماعة وحزبها السياسي في خدمة الحراك الديمقراطي بإسلوب هادىء بعيدا عن الاتهامات العشوائية ، وحصر جهود الحزب في الساحة الأردنية بدلا من ساحات العالم كله التي كانت مجالا لتصريحات بني ارشيد الخطابية الفضائية والأرضية ، خاصة أن الدكتور اسحق الفرحان يمتلك خبرة واسعة في ميدان العمل الوزاري المؤثر في القاعدة الشعبية حيث تولى سابقا منصب وزارة التربية والتعليم والأوقاف واشرف على تخطيط مناهج التعليم في وزارت أردنية سابقة ، ورئاسة الجامعة الأردنية ، وعضوا بمجلس الأعيان ورئاسة جامعة الزرقاء الخاصة ، وهي تجربة ميدانية من النادر أن تتوفر لغيره . ومن المؤمل أيضا في ظل توليه أمين عام جبهة العمل الإسلامي أن تعيد شخصيته القوية الاعتبار لقيادة الداخل الأردنية وتقلص من تأثير القيادة الدولية لجماعة الإخوان المسلمين التي تتدخل في كل كبيرة وصغيره من عمل ساحات تواجد الإخوان رغم عدم معرفة العديد من هذه القيادة الدولية بتفاصيل خصوصيات كل ساحة .

الهدف هو السلطة مهما كان الثمن

خطورة جماعات الإخوان المسلمين في كافة أماكن تواجدهم العربية هو سعيهم الحثيث لاستلام السلطة بأي شكل وأي ثمن ، حتى لو اضطروا لأسلوب الانقلابات العسكرية كما فعلت حركتهم حماس الفلسطينية في قطاع غزة ، والخطورة الفادحة هي ما تعقب نجاحهم في السيطرة على الحكم حيث القمع لكل معارضيهم ، فهم الوحيدون الذين يعملون كوكلاء لله في أرضه ، ومن يحتمي بالدين ولو تمثيلا لا يجوز تخطيئه بأي شكل وأية حجج مهما كانت دامغة ، وبالإضافة لأفعال حماس الداخلية لا يمكن نسيان أفعال وجرائم طالبان في أفغانستان وجيش المهدي لصاحبه ومالكه الوحيد مقتدى الصدر في العراق ، ونفس الويل سيصاحب كل تجربة إخوانية تستطيع الاستيلاء على السلطة أو الوصول إليها بأي شكل من الأشكال.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


324
دعوة عامة لتشييع جثمان الحوار الفلسطيني
د.أحمد أبو مطر

تمر الأيام القليلة القادمة ذكرى مرور عامين ونصف على الانقلاب العسكري الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة ، ونتج عنه في أرض الواقع الفلسطيني قيام دويلتين كرتونيتين على الورق فقط : إمارة حماس  في قطاع غزة ، ودويلة عباس الفتحاوية في الضفة الغربية ، وأهم ملامح الحرب بين الإمارة والدويلة :

أولا: قامت القوة التنفيذية ألأمنية لإمارة حماس بطرد وقتل وسجن المئات من العناصر والكوادر الفتحاوية، بشكل قذر بعضه لم يجرؤ الاحتلال على ممارسته، ويكفي التذكير بهروب العشرات من كوادر فتح إلى إسرائيل خوفا من جرائم حماس في يناير 2008 بما فيهم القيادي في حركة فتح أحمد حلس وعائلته ، أي أن دولة إسرائيل كانت عندهم في لحظة ما أرحم من عناصر شرطة حماس ، وكلنا يتذكر كيف قامت الشرطة الإسرائيلية  بتعريتهم من ملابسهم كاملة ما عدا الملابس الداخلية ، وتصويرهم وتوزيع صورهم على وسائل الإعلام  . أما القيادة السياسية للإمارة فقد نزعت الشرعية عن منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس محمود عباس ، مما يعني في عرفهم أن لهم الحق إن تمكنوا للقيام بنفس الانقلاب في الضفة الغربية لضمها لشرعيتهم وإلحاقها بإمارتهم في القطاع .

ثانيا : قيام نفس الممارسات في دويلة عباس في الضفة ضد عناصر حماس بشكل ألطف وأرق  فلم يحدث قتل أو طرد خارج الضفة ، ولكن السجن فقط للحد من نفوذ حماس أو توسع نشاطاتها ، وقد صاحب ذلك بعض الاعتداءات على العديد من عناصر حماس ومؤيديها ، ومنع ندوات ونشاطات للحركة ومناصريها.

ما هو مصير الحوار بين الإمارة والدويلة ؟

أعقب انقلاب حماس منذ عامين ونصف تقريبا ، انطلاق الوساطات العربية فكان توقيع اتفاق مكة في  فبراير 2007 في المملكة العربية السعودية ، وفور عودة وفدي حماس وفتح للضفة والقطاع ، أعلنوا تنكرهم للاتفاق محملا كل طرف الطرف الآخر بإفشال الاتفاق ، ثم كان الحوار في صنعاء وتوقيع اتفاقية هناك في مارس 2008 ، وأيضا تمّ التنصل منها فور مغادرة صنعاء ، وكأنهم بهذا يتلهون ويضحكون على أنفسهم وشعبهم والدول التي ترعى الحوار والتوقيع ، إذ لا يفهم عاقل أو مجنون أن يستمر الحوار عدة أيام ويتم التوقيع ، وفور المغادرة يتنصل الطرفان مما وقعوا عليه ، أليس في ذلك مسخرة تعتبر قمة المساخر ؟.

أما جولات الحوار في مصر ،

فحدث ولا حرج ، فهي مستمرة بدون انقطاع حيث أصبح من الصعب معرفة عدد جولاتها رغم أن كافة الأطراف في انتظار ما يسمونه الجولة الخامسة بعد أيام قليلة في القاهرة ، والموضوعات محل الخلاف في الحوار طويلة ومعقدة ، وأكثر تعقيدا من موضوعات الخلاف مع الجانب الإسرائيلي ،لأن الجانب الإسرائيلي رغم الاجحاف الواضح في شروطه وتهربه من التقدم نحو السلام العادل ، إلا أنه واضح إلى حد أن بينامين نيتنياهو رئيس الوزراء الجديد أعلن بوضوح أن إسرائيل لن تنسحب من هضبة الجولان السورية المحتلة ، مما يعني توقف محادثات السلام السورية الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة ، وفي الموضوع الفلسطيني تعلن إسرائيل رفضها لعودة اللاجئين وكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية ونزع كافة المستوطنات . هذا بينما وفدي فتح وحماس لا أحد يستطيع فهم شروطهم وفهمهم لموضوعات الخلاف التي منها : الموقف من رئاسة محمود عباس ، والموقف من الانتخابات التشريعية وهل تكون مستقلة أم متواكبة مع الانتخابات الرئاسية ، والموقف من منظمة التحرير الفلسطينية من مدخل هل هي فعلا ممثلة للشعب الفلسطيني ، وكيف يكون هذا وحركة حماس والجهاد غير ممثلة فيها ؟. وكذلك الخلاف حول حكومة حماس التي أعقبت فوزها بأغلبية المجلس التشريعي في  الخامس والعشرين من يناير 2006 ، فحركة حماس تعتبرها حكومة شرعية تمثل الشعب الفلسطيني ، و في عرف دويلة رام الله فهي حكومة تمت إقالتها من الرئيس عباس ، وأعقب ذلك تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة سلام فياض لا تعترف بها حكومة حماس وتعتبر رئيسها خائنا حسب وصف حماس الرسمي له.

النتيجة المتوقعة

إزاء تمترس كل فريق خلف وجهات نظره بقوة لا تقبل التنازل ، فالجولة القادمة من الحوار الفلسطيني بعد أيام قليلة في القاهرة ليس من المتوقع أبدا لها النجاح أو تقريب وجهات النظر بين الإمارة والدويلة ، وبالتالي هذا يعني  إعلان الطلاق البائن بين الحركتين مما يعني أو سيخلفه :

أولا : تكريس الانقسام الفلسطيني بين القطاع والضفة بشكل دائم وقد مرّ عليه الآن عامان ونصف ، رغم أنه عند حدوثه كان رأي بعض المتفائلين أنه مجرد أسابيع ويعود الطرفان لرشدهم وتوحدهم قيادة لشعب طاله من ظلم الاحتلال وبني قومه ما لم يطل شعب آخر.

ثانيا : استمرار حكومة حماس طرح نفسها على أنها الشرعية التي تمثل كل الشعب الفلسطيني ، واستمرار دويلة عباس عدم الاعتراف بشرعيتها وأنها حكومة تمت إقالتها وأن الشرعية هي للحكومة المؤقتة التي يرأسها سلام فياض في رام الله .

ثالثا : اللجوء إلى إجراء انتخابات عامة تشريعية وربما رئاسية في الوقت ذاته ، لن تسمح حركة حماس بإجرائها في القطاع ، وبالتالي يتكرس الانقسام بين الإمارة في غزة والدويلة في رام الله .

ولأنها من المحتمل أن تكون هذه الجولة هي الجولة الأخيرة ليس من المستبعد أن يتظاهر الطرفان في القاهرة بالاتفاق والتوقيع ، وفور عودتهما للقطاع والضفة يتنصلا من الاتفاق ويطرح كل طرف مفهوما مختلفا لما تمّ الاتفاق عليه ، كما حدث مع اتفاق مكة و إعلان صنعاء قبل ذلك ، مما يعني أيضا فشل الحوار وتكريس النتائج المتوقعة سابقا .

لذلك فإنني أقترح التالي :

أولا : الدعوة لإعلان رسمي لتشييع جثمان الحوار الفلسطيني وذلك كالتالي : التجمع والتجمهر في قطاع غزة في ساحة الجندي المجهول  وقراءة الفاتحة على الحوار المرحوم ، مع ملاحظة رفع أعلام حماس فقط ، يمنع رفع العلم الفلسطيني لأنه علم باق وخالد لشعب لن يموت ولن يتوقف نضاله من أجل الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف . أما في رام الله فيكون التجمع والتجمهر في ساحة المنارة  وأيضا يتم رفع أعلام فتح فقط وعدم رفع العلم الفلسطيني للأسباب المذكورة سابقا .

ثانيا : الدعوة والدعاء في هذين التجمعين للطرفين إمارة حماس ودويلة عباس للتهدئة بينهم ، ومحاولة بحث إقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين ، لأنه من غير المعقول أن يحرص الطرفان على الحوار مع دولة إسرائيل ، والحرب والتقاتل فيما بينهم ، ضاربين عرض الحائط ومقابر ألاف الشهداء بتضحيات ومصالح الشعب الفلسطيني . وفي هذا المجال من الممكن أن يقوم الجندي الإسرائيلي الفرنسي الجنسية جلعاد شاليط برسول سلام بين الطرفين ، لما يتمتع به من حب واحترام وحرص على حياته لدى الإمارة والدويلة ، التي لو توفر ربع هذا الحرص على حياة ومستقبل ومعاناة الشعب الفلسطيني ، لأنجح الطرفان الحوار وعادوا للوحدة والعمل المشترك خاصة أن خلافهم أصبح واضحا أنه ليس من اجل التحرير أو الدولة المستقلة ، بل من أجل مصالح كل طرف واستمرار سيطرته على الكرسي والسلطة والمال .

ثالثا : التوجه بالشكر لله تعالى والظروف الجغرافية التي لم توجد حدودا مشتركة بين القطاع والضفة ، و إلا لمارس الطرفان ضد بعض حرب عصابات وتسلل وتفجيرات وتصفيات لا يتصورها أي عاقل أو مجنون .

ملاحظة

إذا نجحت الجولة الخامسة من الحوار بعد أيام وانتهى الانقسام الفلسطيني  ، وترسخت وحدة وطنية فلسطينية جديدة على برنامج سياسي موحد غير قابل للاختلاف والانقسام مستقبلا ، فسوف أعتذر عن هذا التحليل والتوقع ، وأضع نفسي في خدمة الحرس الرئاسي الموحد الجديد سواء كان الرئيس حمساويا أو فتحاويا  ، وإذا فشلت الجولة وترسخ الانقسام فسوف نعلن بعد التشاور عن موعد تشييع جثمان الحوار في ساحة الجندي المجهول بالقطاع وساحة المنارة في الضفة..فلننتظر القادم لنعرف ماذا سنفعل !!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


325
زيارة البابا الأردنية :
تأكيد على دور الأردن في التعايش وخدمة السلام
د.أحمد أبو مطر

قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم ، سيحل ضيفا على المملكة الأردنية الهاشمية ( 8 – 11 مايو الحالي ) ، وهي زيارة لها أهمية خاصة من زوايا ثلاث :

الأولى : هي أن المملكة الأردنية الهاشمية بموضوعية مجردة تعتبر من بلدان التسامح والتعايش الحقيقيين في العالم العربي ، حيث أن الشعب الأردني يتمتع بميزة حضارية تتمثل في التعايش المتسامح للغاية بين مسلميه و مسيحييه ، فمن المستحيل أن يسأل شخص عن ديانة شخص آخر، فالكل إخوة متساوون في الحقوق والواجبات ، يحملون لبعض من المشاعر الطيبة والأخوية الإنسانية ما يحسد عليه الأردن مسيحيو ومسلمو دول أخرى. وفي هذا الشأن يقول الأب نبيل حداد المدير التنفيذي للمركز الأردني لبحوث التعايش الديني : ( إن التعايش والتواد بين المسلمين والمسيحيين هو ميزة تجسد العلاقة بين الأردنيين جميعا. إن تعايشنا طاعة وخضوع لأمر السماء التي أوصتنا مسلمين ومسيحيين بأن نحترم الجار والقريب ونهتدي بالوصية في تعاملاتنا اليومية، فتعايشنا شاهد على إيماننا وتقوانا وعبادتنا واستحقاق للمواطنة في هذه الأرض الأطهر التي بارك الله حولها...إنّ حالة التعايش بين أبناء الشعب الأردني حالة إعجاز إنسانية ، تتحدى قدرة الغريب أن يميز بين مسلمهم عن مسيحييهم عند دخوله إلى بيوتهم ، أو يجد علامة فارقة في سلوكهم أو عاداتهم وتقاليدهم ).

الثانية : التأكيد البابوي على أهمية المملكة الأردنية الهاشمية لوجود موقع عماد السيد المسيح على الضفة الشرقية لنهر الأردن ، حيث سيزور قداسة البابا هذا الموقع ويضع حجر الأساس لكنيسة اللاتين والروم الأرثوذكس ، وإقامة قداس ديني بمشاركة ألاف من الزوار والمدعوين المحتفين بزيارة قداسته  الذين يزيدون عن ألف شخصية عالمية.

الثالثة : أهمية المملكة الأردنية في خدمة السلام في المنطقة بسبب جهود قيادتها ومحاذاتها لفلسطين محور الصراع في المنطقة ، حيث تؤكد القيادة الأردنية دوما في كافة المحافل على أنه لا سلام في المنطقة  دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن الحدود التي تحددها وتقبل بها القيادة الفلسطينية وهي حدود عام 1967 . والدليل على هذا الدور الأردني أن زيارة قداسة البابا الحالية هي الزيارة الثالثة لقيادة الفاتيكان للملكة حيث كانت زيارة البابا بولس السادس عام 1964 هي الأولى ، وزيارة البابا يوحنا الثاني عام 2000 هي الثانية ، وزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر الحالية هي الثالثة  .

 وهي زيارات لم تحظ بها غالبية دول العالم ، مما يدلل على أهمية المملكة الأردنية ودورها في خدمة التعايش والسلم القائمين على العدالة ، وهذا ما أكدته رسالة عمان التي أطلقها الملك عبد الله الثاني عام 2004 التي هدفت إلى توضيح الصورة الحقيقية للإسلام ، التي قال الملك عبد الله الثاني عنها في إحدى لقاءاته الصحفية : " أعتقد أننا نسعى إلى توضيح الصورة الحقيقية للإسلام ، والمشكلة التي واجهناها في العقود الماضية هي أنّ البعض سار على نهج مختلف وأساء كثيرا لسمعة الإسلام . إنّ الهدف من رسالة عمّان هو أن يعرف الناس في العالم الإسلامي وفي الغرب بأنّ هذا هو الإسلام الحقيقي وهذا ما يعنيه وهذه هي معتقداتنا . إنّ كل الذين يزهقون أرواح الأبرياء والذين يعيشون على الدمار و الكراهية لا علاقة لهم بالإسلام . وبطريقة ما فإن كلمة متطرف كلمة خاطئة حيث لا يمكن أن تكون مسلما متطرفا أو مسيحيا متطرفا أو يهوديا متطرفا، لأنك إذا كنت يهوديا أو مسيحيا أو مسلما فإنك تؤمن بتعاليم الله التي لا تسمح لك بارتكاب الجرائم التي يقوم بها أولئك المتطرفون . لذا ما نحاول القيام به هو حث الغالبية المعتدلة من المسلمين على القول بأن هذا هو الصواب وهذا هو الخطأ " .

مواقف متشنجة لا تعي أهمية الزيارة

لذلك فإن موقف جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وتحفظاتهم بشروط على الزيارة هي مواقف ( خالف تعرف ) فقط ، مع أنه في هذه المناسبة يكون السياق ( خالف تجهل ). فقد أعلن زكي بني ارشيد أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي ( الإخوان المسلمون ) في رسالة بعث بها لرئيس الوزراء نادر الذهبي "ضرورة أن يطلب الأردن اعتذارا علنيا من البابا على التصريحات المسيئة لديننا الحنيف " . والمقصود في رسالته هي التصريحات التي وردت في خطاب للبابا في الحادي عشر من سبتمبر 2006 في جامعة ألمانية استشهد خلالها بأقوال امبراطور مسيحي كان قد انتقد بعض تعاليم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ووصفها بأنها  " شريرة وغير إنسانية ". ومن المهم هنا ملاحظة أن هذه الأقوال ليست للبابا بنديكتوس السادس عشر ولكنها منسوبة لإمبراطور مسيحي ، وفي التراث الإسلامي يقولون ( إن ناقل الكفر ليس بكافر ) ، ورغم ذلك فقد اعتذر البابا عن ورود هذه الأقوال التي لغيره في محاضرته ، وتعمد تنظيم لقاء مع سفراء الدول الإسلامية في الفاتيكان عبّر فيه عن احترامه للدين الإسلامي وسعيه الدائم من أجل التعايش الحضاري بين كل الديانات السماوية . وتأسيسا على هذا الخط سيكون من ضمن زيارته للملكة الأردنية تنظيم لقاء مع قيادات إسلامية في مسجد الحسين بن طلال ، وهذا وحده دليل على إصرار البابا أن يؤكد للجميع احترامه للدين الإسلامي والحوار السلمي بين الأديان ، و " أنّ الدين أساس لخدمة السلام العالمي والعدالة خصوصا في الشرق الأوسط ".

لو فكّرت قيادة الإخوان المسلمين

في الأردن جيدا بما يخدم سمعة الإسلام والمسلمين وتأكيد أهمية وطنهم الأردن من خلال هذه الزيارة ،  لتذكروا أن البابا سبق أن اعتذر في مناسبتين عن أقوال غيره التي وردت في محاضرته ، وتوقفوا عن أسلوب المناكفة هذا ،ورحبوا بزيارة قداسة البابا للمملكة وحضروا اللقاء معه في مسجد الحسين بن طلال ، وأسمعوه ملاحظاتهم الخاصة بالتعايش السلمي بين الأديان ،وضرورة دعم مسيرة السلام خاصة المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني . إذ أنّ لقاء البابا هذا مع القيادات الإسلامية مهم للغاية كما أكّد الأب رفت بدر الناطق باسم الكنيسة الكاثوليكية لأنه "  سيشكل دفعا جديدا للحوار الإسلامي المسيحي في الأردن والوطن العربي والعالم أجمع والتأكيد على دور الأديان في تعاونها وتجاوبها في صنع السلام " . ويؤكد هذه النظرة المحلل السياسي الأردني الدكتور مصطفى الحمارنة في تعقيبه على موقف الإخوان المسلمين الأردنيين : ( إن ردة فعل الإسلاميين جاءت طبيعية نتيجة لفهمهم لتصريحات البابا . على كل حال يجب طي الصفحة الآن والعمل على بدء حوار الأديان الذي يقود إلى التسامح وقبول الآخر ).

يريدون تفصيل العالم على مقاسهم وفكرهم

وهذه مشكلة غالبية القوى ذات الصفة الإسلامية ، فهي ترفض قبول الآخر أولا ثم مناقشته وصولا لقواسم مشتركة تخدم أهدافهم ولو بنسبة من النسب ، فالمسألة عندهم لا تحتمل الوسطية التي هي صفة الإسلام (إنا خلقناكم أمة وسطا ) ، فهي إما أبيض أو أسود ، أما محاولة اشتقاق لون بين اللونين أو يجمع القاسم المشتركة بين اللونين فهو غير وارد في قاموسهم . لذلك فهم يريدون تفصيل زيارة البابا الأردنية على هواهم إذ يشترطون ماذا سيزور من أماكن في فلسطين المحتلة ، وبناءا على ذلك يحددون هل سيحضرون اللقاء مع البابا في مسجد الحسين بن طلال . هذا رغم أنهم يعرفون أن قداسته سوف يزور بعد المملكة الأردنية القدس والناصرة وبيت لحم ، وهذا يكفي كي يطلع على الأوضاع الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون مسلمون ومسيحيون ، وهذا ما أكده بيان سفارة الفاتيكان في الأردن ،إذ ركز على أن قداسته يبدي " اهتماما بالغا بالمسيحيين في الأرض المقدسة والذين يعانون مع إخوتهم وأخواتهم من مختلف الديانات غياب السلام ، وبالتالي فإن هذه الزيارة تظهر تعاطف قداسته  ودعمه للساعين لتحقيق السلام وبناء عالم أفضل يحكمه السلام والأمن والازدهار " .

وعن مكانة الأردن يقول البيان :

" الأردن  كجزء من الأراضي المقدسة متأصل بعمق  في كامل الإرث الروحي للكنيسة في الشرق الأوسط ، حضارته وتاريخه تنتمي إلى الإرث الثقافي للجنس البشري . الأردن لهذه الأسباب وكل الأراضي المقدسة والكنيسة الكاثوليكية أولا معنية بتناقص أعداد المسيحيين في الشرق الأوسط . إن زيارة البابا سوف تشجع الوجود المسيحي والاستمرار لحياة الكنيسة في الأراضي المقدسة ".  وهذه مسألة مهمة ليت الإخوان المسلمون في الأردن يولونها الاهتمام الخاص للإجابة على سؤال: لماذا يتناقص عدد المسيحيين الفلسطينيين سنويا في كافة الأراضي الفلسطينية والقدس ؟. أليس هذا الموضوع أهم من المناكفات الشكلية حول زيارة البابا التي من ضمن أهدافها دعم الوجود المسيحي في فلسطين والشرق الأوسط ؟. إن أهمية المملكة الأردنية في دعم الوجود المسيحي وعملية السلام والسعي الدؤوب لتعميق ثقافة الحوار ونبذ العنف هي التي جعلت الأردن المحطة العربية الأولى التي يزورها قداسة البابا منذ توليه منصبه البابوي عام 2005 .

زيارة بابوية مهمة ،

تحث كل المؤمنين للسعي من أجل سلام عادل يستحقه الشعب الفلسطيني بعد معاناة ستين عاما ، وهي المعاناة التي سيسمع بعض جوانبها قداسته من المسيحيين في فلسطين والأردن ، فالمعاناة طوال العقود الستة الماضية لم تستثن أحدا مسيحيا أم مسلما . وفي هذا السياق نتذكر ومن المؤكد أن قداسته يعرف أن التسامح والعدل هو فقط ما يحقق السلام في هذه المنطقة ، ودعم العدالة والإخوة والمساواة ورفع الظلم سمة الأديان السماوية ، بدليل أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عندما اشتد أذى وعنف بني قومه من قريش ضد المؤمنين من أتباعه ، كان الفرج الوحيد أمامه أن نصح أصحابه بالهجرة إلى الحبشة التي يحكمها النجاشي شديد الاعتقاد بالسيد المسيح ، ومما قاله الرسول ( ص ) لأصحابه : " إنّ بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه " ، فكانت هجرتهم الأولى والثانية لحبشة الملك المسيحي النجاشي ، الذي رفض بإباء وشهامة السماع لطلبات رسل قريش وبعض مستشاريه لطرد هؤلاء المسلمين المستجيرين بعدله هربا من ظلم وجور بني قومهم  ، وقال النجاشي لهم كلمته المشهورة : ( والله ما أحب أن لي جبلا من ذهب وأني آذيت رجلا منكم ) .
هذه الزيارة البابوية تحتم علينا جميعا دعم التآخي الإسلامي المسيحي اليهودي القائم على العدل والمساواة وردع الظلم ، وهذا ما تسعى له المملكة الأردنية الهاشمية وأكدته رسالة عمان منذ عام 2004 ، وهذا ليس مستحيلا بتضافر الجهود ودعم القواسم المشتركة بين كافة الديانات والبشر، فالظلم لا يدوم لأن أساس الديانات هو العدل والعدالة.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

326
البعد الإسرائيلي : ليس غائبا ولكنه شماعة لتخلفنا وهزائمنا

د.أحمد أبو مطر


توجد في ساحة الفكر والنقاش العربي مسألة مهمة وشديدة الحساسية عند غالبية المتلقين العرب، وهي مسألة نقد وتعرية الأخطاء والسلبيات العربية . هناك من يرى وأنا واحد منهم أنه لا يمكن تقييم الأخطاء والتغلب على السلبيات إلا بتعريتها ونشرها على الملأ كي يتأكد من وجودها ، وبالتالي التركيز على مرتكبيها الذين يحولون دون تقدم الأقطار العربية في كافة المجالات . وهناك وجهة النظر الأخرى التي ترى أنه ما الفائدة من نشر غسيلنا الوسخ على العالم ؟ أي أنهم يعرفون أنه غسيل وسخ وقذر ولكنهم يعملون بالقول ( وإذا بليتم فاستتروا ) ، رغم أنه مهما كانت سواتر تغطية هذه البلاوي فهي معروفة للقريب والبعيد ، العربي والعجمي . والملفت للنظر أن أصحاب هذا الرأي يقبلون منك ويشكرونك جزيلا إذا تحدثت عن هذه الأخطاء والسلبيات والهزائم في المجالس الخاصة المغلقة ، ولكنهم ينتقدونك ويلعنونك إذا ما أقدمت على الكتابة عنها صراحة في وسائل الإعلام . وهذا ما يجعلني أعتقد بأن ( العرب يخافون من الأقوال أكثر من الأفعال ). فهم يسكتون على كل الظلم والفساد والقمع الذي يتعرضون له من أنظمتهم المستبدة التي جعلت عدد السجون أكثر من عدد رياض الأطفال ، ويثورون في وجهك إن كتبت منتقدا مساوىء هذه الأنظمة بحجة أن هذا لا يخدم سوى الأعداء خاصة دولة إسرائيل !.


البعد الغائب في محور أبو مطر – برادلي


ومن تنويعات وجهة النظر السابقة هناك من يضع اللوم كل اللوم على دولة إسرائيل فيما يتعلق بهزائمنا وتخلفنا ، وينتقدون بقسوة شديدة أصحاب وجهة النظر الأولى المنتقدة للأخطاء والمعرية للسلبيات معتمدين على أنهم يتغاضون أو يغيبون البعد الإسرائيلي المتسبب في كل هذه الأخطاء والسلبيات والهزائم . ومن أوضح الكتابات في هذا السياق ما كتبه الزميل الأستاذ مسعد غنيم رئيس تحرير موقع ( مصرنا ) في العاشر من أبريل 2009 بعنوان ( البعد الغائب في محور أبو مطر – برادلي ).


وللتذكير فقط فهو يقصد الكاتب البريطاني جون برادلي صاحب الكتاب المشهور ( داخل مصر ) الذي ركّز على السلبيات والأخطاء وممارسات الفساد في داخل مصر خاصة في مرحلة الرئيس جمال عبد الناصر ، وقد تردد أن السلطات المصرية قد منعت الكتاب من التوزيع في مصر ، وذلك استنادا على معلومة تقول أن الجامعة الأمريكية في القاهرة كانت قد طلبت من دار النشر البريطانية ( بلجريف ماكميلان ) خمسين نسخة من الكتاب ثم ألغت الطلبية بعد أن أبلغتها أجهزة الرقابة المصرية أن الكتاب ممنوع في مصر. ويقع الكتاب في 242 صفحة ، من المهم للقارىء الذي لم يطلع عليه أن يلمّ بعناوين فصول الكتاب : الثورة الفاشلة ( يقصد ثورة 1952 ) ، الإخوان المسلمون ، المسيحيون والصوفيون في مصر ، البدو وسيناء ، التعذيب ، الفساد ، ضياع الكرامة في مصر ، مصر بعد مبارك . ومن المعروف أن جون برادلي من الخبراء البريطانيين في الشؤون المصرية والسعودية ، وقد اعتمد في كتابه على العديد من المشاهدات والمصادر منها لقاءات مع كتاب ومثقفين ليبراليين مصريين في مقهى ( الندوة الثقافية ) قرب الجامعة الأمريكية ، لذلك يبدأ كتابه بعبارة للروائي المصري علاء الأسواني صاحب رائعة ( عمارة يعقوبيان ) ، يقول فيها: " إن جون برادلي كاتب يبحث عن الحقيقة في بلاد عربية يحكمها ديكتاتوريون ، وأنّ كتاباته جريئة وضرورية من أجل فهم الحقيقة خلف الصورة الحكومية المزيفة لمجتمعاتنا ". 


يقول الزميل الأستاذ مسعد غنيم في توصيفه ل ( محور أبو مطر – برادلي ) :

( بعد قراءتي للكتاب لم تكن مفاجأة أن أجد الطرف الآخر لمحور مميز في ساحة الحرب الإيدولوجية والنفسية التي تطل علينا بوجهها الزلق حربا على العرب والمسلمين ، والطرف العربي لذلك المحور يمثله فريق يطاردنا صوته وصورته في برنامج الجزيرة " الاتجاه المعاكس" وغيرها من القنوات مثل الحرة والعربية ....ويحاصرنا قلمه في الصحافة الورقية والاليكترونية....وسواء حسنت نية أصحاب هذا الفريق أو ساءت ، فالعبرة بالمآلات وليس بالمقاصد التي لا يعلمها إلا الله وليس لنا الحكم عليها ، وتحديدا في مآل وقع ما يكتبون على القارىء العربي وقضيته المركزية فلسطين ، وهو ما أراه سلبيا أكثر منه إيجابيا ، ونقضيا أكثر منه نقديا ، ويعتبر الدكتور أحمد أبو مطر من أكبر ناشطي هذا المحور...القاسم المشترك الأعظم بين طرفي هذا المحور هو أنهم في نقدهم أو نصحهم لمصر خاصة والعرب عامة غالبا ما يغيبون البعد الإسرائيلي عن الصورة التي يرسمونها لفشل المشروع العربي عموما ، وإن ورد ففي الهامش ويأتي لينا ومبررا في الطرف الأمريكي في حالة برادلي ، وتحت هجوم لفظي شكلي في الطرف العربي في حالة أبو مطر ) .


تناقضات وأحكام غيبية


هذا الرأي للزميل الأستاذ مسعد غنيم يحمل من وجهة نظري متناقضات عديدة منها:


أولا : هو يعترف بأنني لا أغيب البعد أو العامل الإسرائيلي عند التعاطي مع القضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية ، ولكن نقده لي أنني أورد العامل الإسرائيلي ( تحت هجوم لفظي شكلي ). وطالما أنا كاتب فسلاحي هو القلم أي الكتابة التي يسميها ( هجوما لفظيا شكليا ) ، فهل يستطيع الزميل أن يعطينا أسلوبا آخر يستعمله الكتاب بما فيهم هو في كتاباته. هل هناك هجوم لفظي شكلي وهجوم غير شكلي ولفظي؟. كتبت أكثر من مرة عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي بألفاظ صريحة قاسية فهل هذه أيضا شكلية؟ وما معنى شكلية هنا؟ هل قام هو أو كتاب آخرون بعمليات انتحارية كي نقول: أنت تستعمل الألفاظ والكلمات وغيرك ضحى بنفسه ؟. ماذا كتب غيري أكثر قسوة من عناوين بعض مقالاتي : ( نتائج مستقبلية للجرائم الإسرائيلية ) ، ( بعد كل هذا الإرهاب : هل تريد إسرائيل السلام فعلا ؟ ). أتمنى على الزميل أن ينصحني ماذا أكتب أكثر من ذلك كي يشطب اسمي من محور برادلي ، ويعطيني شهادة حسن سلوك في العمل الوطني . وبالنسبة لبرادلي أيضا على القارىء أن يتذكر أن كتابه عن وصف ما يجري داخل مصر ، وليس عن أسباب ذلك كي نقول له أنت أغفلت البعد والعامل الإسرائيلي . لماذا لم يناقش الزميل الأستاذ مسعد غنيم المعلومات التي وردت في الكتاب ، ويفندها ويبين ما فيها من مغالطات إن وجدت ؟. أما أسباب ذلك فمن يقرأ الكتاب بدقة وموضوعية ربما يخالف برادلي في بعضها ولكن لا علاقة للبعد الإسرائيلي بحدوثها . 


ثانيا : الخلاف حول النقد هل نمارسه أم لا ؟ وبصراحة لم أستطع أن أميز بين النقض و النقد كما أورده الزميل في سياق خوفه من وقع ذلك على القارىء العربي وقضيته المركزية فلسطين . إن بديل النقد هو هذا الضجيج العاطفي صاحب شعارات: ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) في حين أن المواطن الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي يتجول في كل الأقطار العربية بحرية واحترام وسلام وترحيب بينما المواطن العربي يحتاج إلى تأشيرة دخول مسبقة في أغلب الأقطار العربية. و (أمجاد يا عرب أمجاد ) في حين أننا نتجرع الهزائم والفساد والاستبداد ورغم ذلك نصفق للمستبدين واللصوص ( بالروح بالدم نفديك يا...). فهل إذا كتبت وغيري كثيرون عن هذه المظاهر والتخلف نكون نمارس النقض وليس النقد . كل ما أكتبه أنا وغيري ممن يطلق عليهم الليبراليين يكتبه بقسوة أكثر الكتاب المنتمين للتيار الإسلامي والقومي العروبي ، فلماذا لا يواجهون بنفس النقد والتجريح ؟.


وبصراحة جارحة: هل إسرائيل مسؤولة ؟


دولة إسرائيل احتلت فلسطين وسيناء المصرية والجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية ، وهي المسؤولة عن ممارسة هذا الاحتلال وما نتج عنه ، ولكن هل إسرائيل مسؤولة :


1 . عن نسبة أمية تصل إلى ما يزيد عن متوسط ستين بالمائة في كافة الأقطار العربية حسب إحصائيات تقارير التنمية البشرية العربية وليست إحصائيات الموساد والمخابرات المركزية؟.


2 . عن أكبر نسب وحالات فساد في كل الأقطار العربية بدون استثناء ، مما يجعل غالبية هذه الأقطار في صدارة قائمة الدول الفاسدة التي تنبأ جون برادلي لبعضها بالانهيار ؟.


3 . عن مصادرة حقوق الإنسان في غالبية الأقطار العربية حيث السجون والمعتقلات أكثر من المستشفيات ورياض الأطفال . لماذا أنت وأنا حصلنا على الجنسية الأمريكية والنرويجية بعد مرور السنوات الخمسة أو السبعة على إقامتنا بينما المواطن العربي من أي قطر يعيش أربعين عاما في قطر آخر ويحتاج لتجديد إقامته كل عام ، وعندما ينتهي عقده يطرد بدون رحمة وتناسي مجرم أنه أعطى ذلك البلد خبرته وشبابه . لماذا يوجد مواطنو ( البدون ) في أكثر من قطر عربي أي بدون أي إثبات للهوية الشخصية ؟.


4 . عن حرمان الفلسطيني في مخيمات لبنان من العمل فيما يزيد على ستين مهنة ووظيفة ، حيث لم يترك هذا القانون له سوى مهنة الزبالة والدعارة!.


5 . عن التمييز العنصري والعرقي الذي يمارس ضد الأكراد في سورية بقرارات حزبية رسمية ؟


6 . عن التطهير العرقي الذي يتعرض له سودانيو دارفور الذين اعترف المطلوب جنائيا عمر البشير أن القتلى منهم لا يزيدون عن تسعة ألاف شخص !!. تصور تسعة ألاف لا يهزون ضميره ولا وجدانه إن وجدا!!.


7 . عن عدم قيام سوق عربية مشتركة كي لا أقول وحدة عربية بينما الدول الأوربية على أبواب الوحدة الكاملة بعد فتح الحدود بين 27 دولة وعملة موحدة؟.


8 . عن حروب فتح وحماس التي قتلت من الفلسطينيين ما لا يقل عن قتلاهم من جيش الاحتلال الإسرائيلي ؟ . هل إسرائيل مسؤولة عما سبق من فضائح وجرائم ؟؟.


إسرائيل مجرد شماعة لتخلفنا و هزائمنا


هل تريد إسرائيل النصر والتقدم والنهضة والحضارة للعرب ؟ منطق الحياة والصراع يقول : لا . وهل يريد العرب النصر والتقدم والنهضة والحضارة لإسرائيل ؟. الواقع الميداني المعاش يقول لا و نعم بشكل ملتبس ، فعندما توقع دول عربية معاهدات صلح وسلام مع إسرائيل فهذا يعني أنها ضد محو إسرائيل من الخارطة . وعندما يستمر النظام السوري في مباحثاته السرية والعلنية مع إسرائيل بقصد الانسحاب من الجولان المحتل ، فهذا يعني أن سورية مع الاعتراف بدولة إسرائيل إن انسحبت من الجولان كما انسحبت من سيناء التي كانت ثمن توقيع اتفاقية كامب ديفيد. وعندما يعترف المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1988 بقيام دولة فلسطين ضمن حدود عام 1967 فهذا يعني اعترافا بدولة إسرائيل ضمن تلك الحدود، وعلى هذه القاعدة تم توقيع اتفاقية أوسلو التي اعترفت فيها السلطة الفلسطينية بدولة إسرائيل . حتى حماس تعترف بدولة إسرائيل عندما تقترح هدنة طويلة الأمد لستين عاما ، أم أنها تريد ستين عاما أخرى للإعداد لمعركة التحرير؟. والإخوان المسلمون في مصر نفسها صرّحوا أكثر من مرة بأنهم سوف يحترمون كافة المعاهدات والاتفاقيات الموقعة مع النظام المصري ، مما يعني بوضوح أن المقصود هو اتفاقية كامب ديفيد ، فقط لو يساعدهم العالم بالسكوت لاستلام السلطةّّّ!!!. فما علاقة كتابات برادلي وأبو مطر بهذا الواقع ؟ هل نحن مسؤولين عنه ؟.


التاريخ يكتبه الأقوياء


لذلك فإنه إزاء تلك الأسئلة والمعطيات فإن إسرائيل المعترف بها من العرب والفلسطينيين علنا عند البعض وسرا عند البعض الآخر والبقية تسعى لذلك ، هي مجرد شماعة نعلق عليها هزائمنا وتخلفنا وعنترياتنا الفارغة . هل تستطيع إسرائيل منعنا إن قرّرنا محو الأمية في الأقطار العربية؟ . هل تستطيع إسرائيل منعنا إن قررت الشعوب العربية الثورة ضد حكامها المستبدين الطغاة وإقامة أنظمة ديمقراطية تحترمنا كبشر أو كاحترام الحيوانات في الدول الأوربية والأمريكية؟. هل تستطيع إسرائيل منعنا إن قرّرت أنظمتنا العربية قيام الوحدة العربية وإلغاء الحدود بين ألأقطار العربية؟.


أقولها بوضوح العامل والبعد الإسرائيلي موجود ، لكنني لا أقبل أن تكون إسرائيل وموسادها شماعة لهزائمنا وتخلفنا وفسادنا وحروبنا الداخلية . لذلك نخاف من النقد الواضح الصريح بينما الدول التي تعرف قدراتها ومتأكدة من عظمتها وقوتها لا تخشى أجهزتها ومواطنوها وكتابها من النقد بدليل أنه لو اجتمع قوميو وعروبيو وإسلاميو الأقطار العربية ما كتبوا ضد سياسة الولايات المتحدة ربع ما كتبه الأمريكي مايكل مور أو ويليام بلوم ورغم ذلك لم يواجها بالنقد واللوم كما في حالتنا العربية. ولماذا ننسى أنه في دولة إسرائيل يتم إحالة أصغر موظف ورئيس الوزراء للقضاء بسبب قضية فساد لا تتعدى ربع مليون دولار ، دون أن يقال لهم: استروا علي فضائحنا كي لا يتشفى فينا أعداؤنا العرب !! . ومن يستطيع نسيان المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه صاحب كتاب ( التطهير العرقي في فلسطين ) الذي فضح بالوثائق أغلب جرائم التطهير العرقي التي مارستها الدولة الإسرائيلية منذ عام 1948 ضد الفلسطينيين؟. لماذا لم يواجهه أي إسرائيلي بنفس النقد والتعنيف العربي ويقولوا له: أنت خائن لأنك تعطي أعداءنا شهادات ووثائق إسرائيلية عن جرائم دولتنا . قارنوا ما قام به هذه المؤرخ الإسرائيلي  مع تطبيل غالبية العرب لصدام حسين ونظامه الذين ارتكبوا بحق الشعب العراقي عربا وأكرادا جرائم ترقى لحد التطهير العرقي خاصة ما أطلق عليها حملات الأنفال التي تؤكد الوثائق والشهادات العراقية أن ضحاياها لا يقلوا عن مائة وثمانين ألفا أغلبهم من الأكراد . وما زالوا يصفقون أيضا للمطلوب جنائيا عمر البشير رغم كل جرائم التطهير العرقي التي طالت ما لا يقل عن ربع مليون سوداني من أصول أفريقية في إقليم دارفور . تلك دول قوية تعرف قدراتها وتتقدم من خلال النقد مهما كان قاسيا وفاضحا ، ونحن شعوب نريد التستر على فضائحنا وتخلفنا ونلعن من يكتب عنها ، ولدينا شماعة جاهزة هي إسرائيل ، نعلق عليها كل فسادنا وتخلفنا وقمعنا وأميتنا وهزائمنا....والله المستعان على هذا الحال وكل حال.

ahmad64@hotmail.com

www.dr-abumatar.com

327
لماذا المزايدة على الجبهة المصرية دون باقي الجبهات؟
د.أحمد أبو مطر

كشفت المتابعات والكتابات العربية عن اكتشاف خلية تجسس حزب الله في مصر العديد من المزايدات والتناقضات العربية ، التي تحتكم للعاطفة دون العقل والمنطق ، تبعا لارتباط كل جهة مما يجعلها تركز على مسألة في قطر عربي وتنسى مثيلتها في قطر عربي آخر، وهذا لا يجوز خاصة عند كتاب وصحفيي وأحزاب ( أمة عربية واحدة ، ذات رسالة خالدة ) ، فالتطبيق المنطقي لهذا الشعار في حالة وجوده ميدانيا تستدعي الاحتكام لنفس المكيال بالنسبة لكافة الأقطار ، أما أن يكون أمر ما مطلوب في قطر عربي ويتم تناسيه في قطر عربي آخر ، فهذا يضرب مصداقية هذا الشعار والمؤمنين به ، فإذا كنّا نتهم العديد من الدول  الأوربية والأمريكية بالكيل بمكيالين فيما يتعلق  ببعض القضايا العربية ، لا يجوز أن يمارس العرب نفس ألأسلوب وبشكل فاقع ومخزي . فما هو حلال ومشروع في جبهة عربية يجب أن يكون حلالا ومشروعا في باقي الجبهات ، وما هو حرام وممنوع يجب أن يكون هكذا في كل الجبهات العربية.

المزايدة الكاذبة باسم دعم المقاومة

ما يستدعي هذا التحديد الواضح للمفاهيم هو استمرار المزايدات الكاذبة باسم دعم المقاومة تبريرا لتجاوزات حزب الله عبر اكتشاف خلية التجسس التابعة له في مصر، وصدور اعترافات مشينة من مسؤول هذه الخلية اللبناني الجنسية المدعو محمد يوسف منصور الذي دخل مصر بجواز سفر لبناني رسمي ولكن باسم مزور هو ( سامي شهاب )، وهذا يعني تواطؤ أجهزة لبنانية رسمية مع حزب الله لإصدار هكذا وثائق رسمية بأسماء مزورة ، أو تواطؤ عناصر حزب الله العاملين في أجهزة الدولة اللبنانية ، والفضيحة المدوية في السياق نفسه أن شهادة رسمية وصلت إلى النيابة العامة المصرية من أسرة منصور في لبنان لتوكيل المحامي منتصر الزيات للدفاع عنه، وثبت أن هذه الوثيقة صدرت بالأسلوب نفسه أي أنها وثيقة رسمية باسم وليد شهاب باعتباره شقيق المتهم سامي شهاب ، مما يعني استمرار أجهزة لبنانية رسمية بإصدار وثائق مزورة عليها أختام لبنانية رسمية صحيحة ، وهذا يدلل على تغلغل حزب الله وعملائه في الأجهزة الرسمية اللبنانية، وتزوير كل ما يسهل عمليات تجسس الحزب في أقطار عربية ليست مصر هي الوحيدة في ذلك.

فهل تسمح المقاومة

في أي قطر عربي أو أجنبي بهذا التزوير الذي يستعمل أسلوب المافيات العالمية لانتهاك سيادة دولة عربية أخرى؟ وهل يسمح حزب الله نفسه وكافة المزايدين باسم المقاومة على استعمال هذا ألأسلوب في لبنان، لدعم صمود المخيمات الفلسطينية مثلا كشعار زائف أيضا ؟. فلماذا ما هو حلال على حزب الله حرام على الآخرين؟ وكيف يستطيع المدافعون عن تجسس حزب الله الدفاع عن هذا التناقض في السلوك والفكر والممارسة ، خاصة عندما يتواصل هجومهم على مصر متناسين كل إنجازاتها وما قدمته للقضايا العربية المختلفة ، وكل ذلك يتصاحب مع مديح كاذب مزيف لنظام الملالي الإيراني على أنه نظام المقاومة والتحرير والممانعة ، وهو الذي يحتل أراض عربية تزيد مساحتها عن مساحة فلسطين المحتلة ، ويستمر في التهديد بضم مملكة البحرين وتدمير دول الخليج العربي إن هو تعرض لهجوم غربي . ويستمر تذاكي أحمدي نجاد بتقديم أفضل الخدمات لدولة إسرائيل باعتراف العديد من قادتها باستمرار تهديداته بمحو إسرائيل من الخارطة الدولية ، وهجومه عليها في مؤتمر مناهضة العنصرية الأخير في   جينيف ، متجاهلا هو والمصفقين له من العرب أن نظامه يمارس أبشع العنصرية ضد عرب الأحواز والقوميات الأخرى غير الفارسية في إيران. إن الدعم الدولي الذي تحصل عليه إسرائيل من جراء تهديدات نظام الملالي لم تكن تحلم به أيا كانت جهودها الدبلوماسية والدعائية.

و ماذا عن جبهتي مزارع شبعا والجولان؟

يدّعي السيد حسن نصر الله أن شبكة جواسيسه هذه كانت تخطط فقط لتقديم الدعم اللوجيستي لقطاع غزة ، فكيف يمكن أن نصدق هذا الادعاء عندما تسكت سكوت الموتى جبهة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وجبهة عاصمة الممانعة في الجولان السوري المحتل؟. ألا يكرر السيد حسن نصر الله و نظام الممانعة أنّ معركة التحرير واحدة؟ وأن المقاومة في أية جبهة دعم للجبهة الأخرى؟ فلماذا لا يشعلوا جبهتي مزارع شبعا والجولان دعما للمقاومة في قطاع غزة؟ . وفيما يتعلق بالجبهة السورية لماذا حلال عليها عدم إطلاق أية رصاصة على إسرائيل منذ عام 1967 وحرام على الجبهة المصرية؟. كل الذين عاشوا في سورية من فلسطينيين وعرب يعرفون أن تعليمات المخابرات السورية الخاصة بالشأن الفلسطيني ( الضابطة الفدائية ) كانت وما زالت واضحة منذ عام 1967 لكل المنظمات الفلسطينية بما فيها الموالين للنظام السوري أنه من المحظور إطلاق أية رصاصة عبر الحدود السورية مع إسرائيل ،ومن سمع برصاصة واحدة عبر هذه الحدود فليكتب لنا ويعطينا دروسا في الوطنية والمقاومة. فلماذا نلوم مصر على ما نسكت عليه بتواطؤ في جبهة مزارع شبعا والجبهة السورية؟

إن ترافق الحملة الإيرانية ضد مصر في وقت اكتشاف خلية تجسس حزب الله، ينفي إدعاءات السيد حسن نصر الله ، فما علاقة دعم قطاع غزة باعتراف أعضاء الخلية بأنهم كانوا مكلفين برصد وتصوير أهداف إسرائيلية وغربية في مصر؟ ما علاقة ذلك بتقديم الدعم اللوجيستي الذي يدعيه حسن نصر الله لقطاع غزة؟. وهل يتذكر السيد القول الحازم الصريح الواضح لعلي خامئني للمتظاهرين من الطلبة الإيرانيين أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟ قال لهم حرفيا: " عودوا إلى بيوتكم لا تستطيع إيران القيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل ). وبالتالي فكل الخطابات الغوغائية للنظام الإيراني لا تخدم دوليا إلا إسرائيل لأنها تحشد لها دعما دوليا لا حدود له .

ما هو هدف النظام السوري من مباحثاته مع إسرائيل؟

السيد حسن نصر الله وأنصاره من ذوي الشعارات العاطفية الفارغة يتهجمون على مصر، ويطالبون النظام المصري بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع إسرائيل  عام 1978 . هذا مطلب من حق الجميع مناقشته ، ولكن هل يستطيعوا أن يجيبوا على سؤال: ما هو هدف النظام السوري من مباحثاته العلنية المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل في تركيا؟ ألا يسعى النظام السوري ويهدف لتحقيق السلام عبر الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان السورية المحتلة؟. هذه المباحثات التي يؤكد على ضرورتها دوما الرئيس السوري بشار الأسد  شرط تحقيق الانسحاب من الجولان. وفي حالة تحقيق ذلك ألن توقع سوريا معاهدة صلح وسلام مع إسرائيل وسوف يرفرف العلم الإسرائيلي في سماء عاصمة الممانعة؟. إذن لماذا يطالبون بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد ويسكتون على المباحثات السورية الإسرائيلية؟. ألم تحقق كامب ديفيد الانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي المصرية المحتلة؟ وهذا ما يطمح له النظام السوري بالنسبة لهضبة الجولان؟. فلماذا مجرد الطموح السوري حلال وتحرير كامل الأراضي المصرية المحتلة حرام؟.

كم الخطايا والجرائم ترتكب باسم دعم المقاومة؟

المقاومة حق لكل الشعوب التي لها أراض محتلة ، وضمن هذه الحقيقة التي تعترف بها كل الشرائع الدولية ، يصبح من حق من يعنيهم الأمر أن يدينوا الجرائم التي ترتكب باسم المقاومة أو تحت غطائها كتبرير ومسوغ لتلك الجرائم . وضمن هذا السياق أطرح بعض الأسئلة فقط كي نسمع جوابا عليها من المدافعين عن النظام الإيراني وخلية تجسس حزب الله :

1 . كيف يستمر تمجيد البعض للنظام الإيراني وهو يحتل أرض عربية هي الأحواز، وبالتالي نصدقه في أنه يريد دحر الاحتلال الإسرائيلي ؟؟. لماذا الاحتلال الإيراني حلال ومشروع ومقبول وغيره من احتلالات تستحق المقاومة؟

2 . ما هو الرأي في الجرائم التي نتجت عن حروب حماس و فتح في قطاع غزة وكلها تتم من كل الأطراف باسم التحرير ودعم المقاومة؟

3 . أية مقاومة تقوم بها حماس ، ووسط كل هذه الخسائر وهي تسعى لمعاهدة طويلة الأمد مع الاحتلال الإسرائيلي ، يمكن أن تصل لستين عاما حسب تصريحات بعض قادة حماس. فما الفرق إذن بين نهج حماس والسلطة الفلسطينية والأنظمة العربية التي وقعت معاهدات صلح وسلام مع دولة إسرائيل؟.

هذه الازدواجية في المفاهيم والتناقض في التعامل مع القضية الواحدة حسب الارتباط والمصالح مع كل دولة ، يؤكد عدم اللجوء للعقل والمنطق دوما في الساحات العربية ، بل الركض وراء العواطف والخطابات والمواقف الغوغائية ، ويكفي التذكير بالبطولات والأمجاد التي أسبغها بعض الكتاب العرب على انسحاب رئيس الوزراء التركي الطيب رجب أردوغان من جلسات منتدى دافوس في يناير الماضي ، رغم أنه لم ينسحب احتجاجا على رئيس الدولة الإسرائيلية شيمعون بيريز ، ولكن لأن رئيس الجلسة لم يعطه وقتا إضافيا للحديث بعد أن استنفذ الوقت المعطى له كباقي رؤساء الوفود. إن حجم البطولات والتمجيدات التي أصبغت على أردوغان لم يحظ بها خالد بن الوليد وغيره من الصحابة، متناسيا أصحاب تلك الأمجاد الوهمية أن تركيا تربطها علاقات اقتصادية وعسكرية وسياسية بدولة إسرائيل أفضل من علاقات كافة الدول الأوربية ، إلى حد أن الدولة التركية تقيم مناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الإسرائيلي. هذه الازدواجية ومنطق العواطف لا يلغي أن خلية حزب الله التجسسية في مصر كانت تعمل لخدمة النظام الإيراني وليس دعما مفقودا لقطاع غزة.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

328
قرارات حزبية سورية لم تجرؤ إسرائيل على التفكير فيها!!!
د.أحمد أبو مطر

أود وآمل أن يفكر القراء خاصة مناصري النظام السوري والمدافعين عن خيره ( إن وجد ) وشره ، ويتمعنوا في هذه القرارات السورية الرسمية التي صدرت في الثالث من نوفمبر لعام 2008 عن القيادة القطرية لحزب البعث السوري – فرع الحسكة ، على شكل تعميم ملزم ل ( الرفاق أمناء الشعب في المحافظة ) ، ثم يجيبوا بصدق وموضوعية على تساؤلي : هل فكرت دولة إسرائيل باتخاذ مثل هذه القرارات بحق الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم عام 1948 بعد قيام دولة إسرائيل؟ وماذا كان سيكون واقع الفلسطينيين اليوم لو اتخذت إسرائيل بحقهم هذه الإجراءات والقرارات التي يطلب هذا التعميم  الحزبي البعثي اتخاذها بحق المواطنين السوريين من القومية الكردية؟. ولمن لا يعرف فإن الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم عقب قيام دولة إسرائيل كانوا حوالي 180 ألف فقط ، واليوم هم يقتربون من مليون وربع مواطن ، لم تمنعهم دولة إسرائيل من استعمال لغتهم العربية ، فإذا بهم ينتجون بها أدبا وثقافة وسياسة لا تقل أهمية وعمقا عما تنتجه أية عاصمة عربية ، ويكفي التذكير بأسماء مثل إميل حبيبي ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وتوفيق فياض وحبيب بولس وإنطوان شلحت وغيرهم.

وماذا يطلب التعميم الحزبي البعثي ؟

هذا التعميم الصادر عن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي - القيادة القطرية، فرع الحسكة ، يذكّر ( الرفاق أمناء الشعب في المحافظة ) بقرارات القيادتين القطرية والقومية في جلستها رقم 143 / 31 بتاريخ 1 / 11 / 2008 ، ويبدأ بتمجيد النظام السوري وصموده ، ثم مهاجمة القيادات الكردية في العراق ، ويصف رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البرزاني ب ( العميل الصعلوط ) ، ثم يبلغ الرفاق البعثيين بأن القيادة قررت :

1 . مضاعفة الجهود للنيل من الأكراد ضمن الأطر القانونية في جميع المجالات وتهميش البعثيين منهم بشكل خاص ، والعمل على عدم تسرب هذه المعلومات.

2 . تقديم المساعدات اللازمة والاهتمام بالمعارضة العراقية والمقاومة المسلحة القادمين والمغادرين من وإلى العراق، علما أنهم يحملون وثائق تثبت انتماءهم للمعارضة.

3 . يمنع عرض صورة لأي قائد سياسي أو عسكري كردي في محلات التصوير أو أماكن أخرى بقصد البيع أو العرض وخاصة لقادة الأكراد " .

وهذا التعميم الحزبي يحمل توقيع ( أمين فرع الحزب بالحسكة ، الرفيق محمد السطام ). ولقراءة التعميم من الأصل :
http://img16.imageshack.us/img16/2926/biryaraa.jpg


هل هو تعميم حقيقي أم مزور؟

لم يصدر عن قيادة حزب البعث السوري في الحسكة أو في دمشق نفي لهذا التعميم ، إلا أنّ موقعا إليكترونيا ( شبكة بيور الثقافية ) ، إدّعى أنه اتصل بالرفيق محمد السطام الذي نفى الوثيقة وما جاء فيها، وأشادت الشبكة بالرفيق محمد السطام المؤمن بالوحدة الوطنية . وحاولت الشبكة التدليل على تزوير التعميم من خلال دليل ضعيف للغاية ، وهو نشر وثيقة حزبية أخرى عليها توقيع الرفيق محمد السطام ، كي يقارنه القراء بالتوقيع الوارد في التعميم على أنه توقيع الرفيق محمد السطام ، فيظهر الخلاف بين التوقيعين دلالة على تزوير التوقيع الوارد في التعميم، وكما يبدو فهو دليل ضعيف للغاية ، لأن أي قارىء للتعميمين لا يملك الدليل على أي التوقيعين صحيح أو مزور. وإذا إفترضنا أنه تعميم مزور فماذا عن :

كتاب الرفيق محمد طلب هلال الصادر عام 1963 ؟

الملازم الأول محمد طلب هلال ، كان في العام 1963 رئيس الشعبة السياسية بمحافظة الحسكة ، وأصدر في الثالث عشر من نوفمبر لعام 1963 كتابا يقع في 156 صفحة من الحجم الصغير بعنوان ( دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية ، الاجتماعية ، السياسية ). وهو كتاب رسمي كان يوزع على القواعد الحزبية في سوريا بشكل رسمي ، وأحتفظ بنسخة منه حتى هذه اللحظة منذ عام 1984 ، حصلت عليها في دمشق من زميل سوري كان يشغل منصب رئيس التحرير لصحيفة يومية رسمية ، وكان له موقع متقدم في الحزب في محافظة دمشق .

يقرر الملازم الأول محمد طلب هلال في مقدمة الكتاب أنه لم يمض على وجوده في المحافظة أكثر من ستة شهور ، وهي مدة ليست كافية ( إلا أن الحادي الذي حدا للإسراع بها – أي الدراسة المتضمنة الكتاب – هو الظروف الخاصة التي تمرّ بها محافظة الجزيرة اليوم وخطورة المرحلة الحالية لما للأحداث الجارية في شمالي قطرنا العراقي الغالي من أثر ، ومدى تأثير تلك الأحداث على هذه المحافظة المجاورة من أثر ). ويؤكد أن الكتاب ( مشروع دراسة أو محاولة لمشروع دراسة ، على أنها تعطي خطوطا عريضة مع مقترحات أحسست أنها ضرورية جدا للإطلاع وتكوين فكرة على درجة من الوضوح، لكي يتسنى للمسؤولين وضع الخطة لأنه باعتقادي أنّ الأوان قد آن لوضع خطة راسخة لهذه المحافظة وتنقيتها من العناصر الغريبة ، كي لا يبقى الأغيار ومن ورائهم الاستعمار يعيثون فسادا في هذه الرقعة الغالية ذات الثروة الكبيرة من الدخل القومي ، وخاصة أن روائح البترول قد أخذت تفوح فيها وفي حقولها مما يزيد في تعقيد المشكلة ). ومن الواضح أن المقصود بالأغيار في ذهن الملازم الأول  هم السوريون من القومية الكردية لأنهم يمثلون الغالبية الساحقة من سكان محافظة الجزيرة.

ماذا يقترح سيادة الملازم الأول ؟

يبدأ كتابه بنفي قاطع لوجود شعب اسمه الشعب الكردي ...إذن لماذا الخوف من شعب وقومية غير موجودة حسب ادعائه؟ . و أخطر ما في الكتاب الصفحات من 45 إلى 48 من الفصل الثاني ، التي جاءت بعنوان ( المقترحات بشأن المشكلة الكردية ). هذه المقترحات هي التي جعلتني أعنون المقالة ب ( قرارات حزبية سورية لم تجرؤ إسرائيل على التفكير فيها ). لأن هذه المقترحات لا يمكن وصفها إلا بالعنصرية الكريهة التي تفتت الوحدة الوطنية السورية بدلا من أن تزيدها لحمة ومتانة . وهذه بعض هذه المقترحات بشأن سكان محافظة الجزيرة كما وردت حرفيا في الصفحات المذكورة :

1 . أن تعمد الدولة إلى عمليات التهجير إلى الداخل مع التوزيع في الداخل ، ومع ملاحظة عناصر الخطر أولا فأولا ، ولا باس أن تكون الخطة ثنائية أو ثلاثية السنين ، تبدأ بالعناصر الخطرة لتنتهي إلى العناصر الأقل خطورة وهكذا.

2 . سياسة التجهيل أي عدم إنشاء مدارس أو معاهد علمية في المنطقة ، لأن هذا أثبت عكس المطلوب بشكل صارخ وقوي.

3 . إن الأكثرية الساحقة من الأكراد المقيمين في الجزيرة يتمتعون بالجنسية التركية ( وهذا غير صحيح ) فلا بد لتصحيح السجلات المدنية ، وهذا يجري الآن ، إنما نطلب أن يترتب على ذلك إجلاء كل من لم تثبت جنسيته.

4 . سدّ باب العمل: لا بد لنا أيضا مساهمة في الخطة من سدّ أبواب العمل أمام الأكراد حتى نجعلهم في وضع أولا غير قادر على التحرك وثانيا في وضع غير المستقر المستعد للرحيل في أية لحظة. هذا ويجب أن يؤخذ به في الإصلاح الزراعي أولا في الجزيرة ، بأن لا يؤجر ولا يملك الأكراد ، والعناصر العربية كثيرة وموفورة بحمد الله.

5 . شن حملة من الدعاية الواسعة بين العناصر العربية ومركزة على الأكراد.

6 .نزع الصفة الدينية عن مشايخ الدين عند الأكراد وإرسال مشايخ بخطة مرسومة عربا أقحاحا .

ويقول في البنود رقم:

8 . إسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكردية على الحدود ، فهم حصن المستقبل ورقابة بنفس الوقت على الأكراد ريثما يتم تهجيرهم.

 10 . إنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تسكنهم الدولة في الشريط الشمالي على أن تكون هذه المزارع مدربة ومسلحة عسكريا كالمستعمرات اليهودية على الحدود تماما.

وماذا عن الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 ؟

وهو الإحصاء الذي تم عام 1962 في محافظة الجزيرة ذات الأغلبية من القومية الكردية ، وتبناه البعث عام 1963 وحتى اليوم ، وتجمع دراسات عديدة لقانونيين سوريين عرب، أن عدد المواطنين الكرد الذين سجلوا في عداد الأجانب أي المحرومين من الجنسية السورية أو من المكتومين أي غير المقيدين لا يقل ألآن عن ثلاثمائة ألف مواطن . ويمكن الرجوع لكافة التفاصيل المتعلقة بحقوق الإنسان في سوريا في ظل القوانين الاستثنائية ،في الدراسة الموثقة ل ( مركز الدراسات ، أمان ) وهو مركز عربي يعنى بحقوق الإنسان .
http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmview.php?ArtID=313
وماذا بعد ؟

إن الأفكار الواردة في تعميم الرفيق محمد السطام عام 2008 لا تختلف عن محتويات كتاب الملازم الأول محمد طلب هلال عام 1963 ، وهذا ما يجعلني أميل إلى أنه تعميم حزبي رسمي صحيح ، كما أنه لا يختلف عن النتائج التي خطط لها لتنجم عن إحصاء 1962 . وأود أن أؤكد :

أن الغرض من هذا العرض هو التأكيد على أن الأوطان بما فيها سورية لا تتم قوتها ومناعتها إلا من خلال الوحدة الوطنية الحقيقية التي لا تتم إلا بالمساواة والعدالة بين كل المواطنين بغض النظر عن العرق والدين والقومية، وهذا ما نأمل أن يتحقق بالنسبة للمواطنين السوريين من القومية الكردية التي اعترف الرئيس بشار الأسد في لقائه مع قناة الجزيرة في مايو 2004  صراحة بأنهم القومية الثانية في سوريا ، وأن مشروع الإحصاء الإستثنائي الذي صدر قبل 42 عاما كان مجحفا، وكان يجب إنصاف الأكراد وتجنيسهم  ووعد بتصحيح هذا الوضع . ورغم ذلك وبعد مرور خمسة أعوام على وعد الرئيس بشار لم تتحقق أية خطوة بهذا الاتجاه، بالعكس تكاد تكون الاعتقالات في صفوف النشطاء الأكراد شبه يومية ، وأحيانا اغتيالات في وضح النهار كما حدث مع عالم الدين الشيح محمد معشوق الخزنوي في مايو 2005 ، و تهديد نجله الشيخ مرشد الخزنوي الذي لم يجد ملاذا آمنا إلا في المملكة النرويجية حمّاها الله.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

ملاحظة : قبل أن يسأل أي قارىء لماذا أكتب دعما للشعب الكردي ، أنصحه بقراءة كتب الدكتور محمد علي الصويركي : ( الأكراد الأردنيون ) و ( أكراد فلسطين ) ففيها الجواب الشافي الوافي.



329
خلية تجسس حزب الله في مصر:
ماذا غاب عن الرواية المصرية والتفسيرات النصراوية ؟

د.أحمد أبو مطر

انشغلت الساحات الإعلامية العربية ألأسابيع القليلة الماضية بجدل حاد ومتناقض حول ما أصبح يعرف ب " خلية حزب الله في مصر " ، وذلك في أعقاب كشف الجهات الأمنية المصرية عن هذه الخلية ضمن الرؤية المصرية الخاصة بذلك.

الرواية المصرية

تقول هذه الرواية ما مفاده أن الجهات الأمنية المصرية ألقت القبض على خلية إرهابية سرّية تتكون من 49 شخصا من أربع جنسيات عربية، دخلوا مصر بطرق غير شرعية مستخدمين جوازات سفر مزورة وأسماء حركية بهدف تضليل أجهزة الأمن. وكان هؤلاء الأشخاص يشكّلون أربعة مجموعات يديرهم قيادي بارز في حزب الله زار مصر أيضا بأوراق مزورة ، والتقى عددا محدودا من قادة تلك الخلية التي تتهمها السلطات المصرية بالعمل لحساب حزب الله اللبناني للقيام بعمليات تخريبية في مصر، ومن بين هؤلاء المعتقلين عضو الحزب سامي شهاب ، وأن أعضاء الخلية اعترفوا بأن مسؤول استخبارات حزب الله كان يشرف على عملهم ويقوم بتوجيههم لتنفيذ تلك العمليات التخريبية، وأنّ قياديا في الحزب يدعى محمد قبلان قد أقام في مصر بين عامي 2007 و 2008 لاستقطاب عناصر للخلية، وأنّ الحزب أرسل مرة ثانية قياديا آخر من الحزب يدعى محمد يوسف منصور ( أبو يوسف ) وهو من الضاحية الجنوبية في بيروت ( معقل حزب الله ) مستخدما أيضا جواز سفر مزور. ويمكن قراءة تفاصيل الرواية المصرية في تقرير الزميل نبيل شرف الدين في إيلاف يوم الثاني عشر من أبريل الحالي.
http://www.elaph.com/Web/Politics/2009/4/429013.htm

التفسيرات النصراوية

وعلى الفور أطلّ على المشاهدين السيد حسن نصر الله زعيم " حزب الله " عبر فضائيته " المنار " ليقدم وجهة نظر الحزب في المعلومات المصرية ، وهي وجهة نظر ملتبسة فيها نفي واعتراف في الوقت ذاته. فقد نفى هذه الاتهامات ولكنه اعترف صراحة بأن المتهم اللبناني في مصر المدعو سامي شهاب هو عضو في حزب الله . ولماذا كان في موجودا في مصر ؟ يقول السيد " إن ما كان يقوم به هو عمل لوجيستي لصالح المقاومة ولنقل العتاد والأفراد للإخوة الفلسطينيين " ، وفي الوقت ذاته شنّ هجوما عنيفا على السلطات المصرية ليس منطقيا أن يصدر عن زعيم حزب سواء كان حزب الله أم حزب البشر ، فأبسط معاني وتطبيقات الديمقراطية أن أي حزب في أية دولة مسؤول ومعني بالأوضاع الداخلية لبلده ، أما العلاقات مع الدول الأخرى والرأي فيها فهو من مسؤولية الحكومة المركزية في ذلك البلد ، لأنه في أية دولة العديد من الأحزاب ، فإذا كان من صلاحيات كل حزب إعطاء رأيه في ممارسات وسياسات الدول الأخرى، سنجد أنفسنا مع عشرات التقييمات المتناقضة مما يعني غياب الدولة المركزية ، وهذا ما يطرح السؤال بخصوص حزب الله في لبنان : هل هو حزب داخل دولة ؟ أم دويلة داخل الدولة؟. ومنطقية هذا السؤال أيضا نابعة من ممارسات الحزب الداخلية في لبنان ، حيث يمارس فعلا دور دويلة مستقلة لها إعلامها وقواتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية الخاصة ، وتمارس هذه الأجهزة ممارسات لا تستطيع الحكومة المركزية اللبنانية وقفها أو التدخل فيها ، وكان أبرزها الشهور القليلة الماضية خطة الحزب في نصب كاميرات سرّية في محيط مطار بيروت للتجسس على القادمين والمغادرين للمطار، ثم الاجتياح العسكري للعاصمة بيروت الذي قام به الحزب في مايو 2008 ، حيث مارس جرائم علنية أبسطها حرق وتدمير بعض المؤسسات الإعلامية المتناقضة مع ممارسات الحزب . وتبدو الضاحية الجنوبية معقل الحزب فعلا وكأنها دويلة لا علاقة للقوى الأمنية اللبنانية الرسمية بها، ولا يجرؤ شرطي لبناني على دخولها ، فهي عاصمة إلهية غير مسموح بدخولها إلا لعناصر الحزب الإلهي . وأيضا يستمر الحزب في الاحتفاظ بسلاحه بحجة المقاومة ، وهو لم يمارس أي نوع من المقاومة العسكرية منذ انتهاء حرب تموز 2006 وتطبيق القرار الدولي رقم 1701  الذي نشر قوات اليونيفيل في الجنوب اللبناني ، وأبعد مسلحي الحزب عن الحدود مع إسرائيل . وأيضا لماذا حزب الله فقط من يسمح له بسلاح باسم المقاومة بينما الحزب نفسه لسنوات طويلة يمنع المنظمات الفلسطينية من استعمال سلاحها عبر الحدود مع إسرائيل.

هل من حق حزب الله ممارسة هذه الرؤية من داخل الأراضي المصرية ؟

وما دامت غالبية القوى اللبنانية ترفض ممارسات حزب الله في داخل الدولة اللبنانية ،فهل من حق الحزب ممارسة التجسس في داخل الأراضي المصرية باسم ( دعم سكان قطاع غزة )؟. ولنقلها صراحة:  ما هو رأي الحزب لو اكتشف وجود خلية مخابراتية لدولة عربية تحت ذريعة دعم المقاومة الفلسطينية وحماية المخيمات الفلسطينية ؟. هل سيقبل الحزب بهذا التبرير عند صدوره من تلك الدولة العربية في حالة اكتشاف خليتها المخابراتية تلك؟. لذلك فإن حجم الغضب المصري من أعمال حزب الله مبرر ومنطقي ووطني، لأنه ليس من حق حزب الله أو حزب الشيطان أن ينتهك سيادة الدولة المصرية باسم دعم سكان قطاع غزة ، لأن هذه حجة لا يصدقها عقل إنسان راجح ، فكيف تستطيع خلية من عشرات الأشخاص تقديم الدعم لسكان القطاع   وهم غرباء عن البلدين مصر والقطاع ؟.

هذه الذريعة من حزب الله ،

فقط للتغطية الإعلامية والخطابية على إذعانه منذ تموز 2006 للشروط الإسرائيلية والدولية عقب تنفيذ القرار 1701  ، والسكوت المؤدب للغاية من الحزب على كل الاختراقات الجوية والبرية الإسرائيلية ، إذ لم يطلق الحزب رصاصة واحدة منذ تموز 2006  حتى ولا في مزارع شبعا المحتلة . لو كان الحزب جادا وصادقا في دعم الشعب الفلسطيني في القطاع ، لأطلق ولو رصاصات رمزية عبر الحدود مع إسرائيل ، بالعكس عندما أطلقت صواريخ بدائية قبل شهور قليلة  تبرأ الحزب منها علنا في كل وسائل إعلامه الأرضية والفضائية .

والتجسس داخل الأراضي المصرية،

يعترف به صراحة المتهم من أعضاء الحزب سامي شهاب ، إذ حسب تصريحات محامي الجماعات الإسلامية منتصر الزيات الذي قابله في مباحث أمن الدولة ، فقد اعترف أمام النيابة أنّ رصد الأفواج السياحية الإسرائيلية وجميع الأعمال الأخرى تمت تحت مسؤولية القيادي في الحزب محمد قبلان ، الذي أيضا كان قد دخل الأراضي المصرية بجواز سفر مزور. فهل يعقل أن يدخل محمد قبلان مصر بجواز سفر مزور ويرصد أفواج سياحية إسرائيلية بدون معرفة الحزب وتخطيطه؟. و إلا لماذا يدخل مصر بجواز سفر مزور ؟. وهذا ما يجعل الشبهة الإيرانية أيضا واردة ضمن السياق، لأن أية زعزعة للاستقرار في دول المنطقة يصب في خدمة النظام الإيراني ، الذي يعمل كل جهده لإشغال العالم عن قضايا ملفه النووي وحقوق الإنسان داخل إيران.

ولا يمكن نسيان أن الحزب يعترف صراحة ،

بأنه امتداد إيراني في المنطقة العربية ، ويكفي التذكير بما قاله السيد إبراهيم أمين الناطق الرسمي باسم الأمين العام الأول لحزب الله . ( نحن لا نستمد عملية صنع القرار السياسي لدينا إلا من الفقيه...والفقيه لا تعرفه الجغرافيا، فنحن في لبنان لا نعتبر أنفسنا منفصلين عن الثورة في إيران، نحن نعتبر أنفسنا جزءا من الجيش الذي يرغب في تشكيله الإمام من أجل تحرير القدس الشريف....ونحن نطيع أوامره ). وأيضا ما جاء في البيان التأسيس لحزب الله عام 1985 حرفيا: ( نحن أبناء أمة حزب الله نعتبر أنفسنا جزءا من أمة الإسلام في العالم، إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم أوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع الشرائط ).

وهناك الكثير من الاعترافات لقيادات الحزب تؤكد أنهم يتلقون التعليمات من ملالي إيران الذين يحكمون باسم الولي الفقيه الذي لا ينازعه أحد في أية صلاحيات مدنية أو عسكرية أو قضائية أو تشريعية . إن الامتداد الإيراني في المنطقة من خلال حزب الله هو ما يفسر وجود هذه الخلايا في مصر أو غيرها من الدول ، وهو ما يجعل قلق السلطات المصرية مشروعا ومبررا ، وبالتالي يمكن تفهم موقف السلطات المصرية رغم النعيق الخطابي لجماعات عديدة تدافع عن النظام الإيراني وخلايا حزب الله التي لا يمكن فهم وجودها إلا أنه تجسس باسم دعم المقاومة الفلسطينية . وعندما تذهب السكرة وتأتي الفكرة سيعرف الجميع خطر الولي الفقيه إذا تحكم في أية بقعة من بقاع العالم إسلامية أو غير إسلامية ، ويكفي التمعن في حجم القمع والاستبداد ومصادرة حقوق الإنسان في الداخل الإيراني، الذي تتم التغطية عليه بخطابات كلامية حول إنكار الهولوكست وتدمير إسرائيل وتحرير فلسطين وغيرها من خطابات ترضي العامة لساعات ثم يستفيقون ليجدوا أن هذه هي نفس الخطابات للولي الفقيه منذ ثلاثين عاما..وتستمر خطابات كلامية فقط !!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


330
تضامنا مع الشعب العربي الأحوازي

د.أحمد أبو مطر

أعلنت القوى الوطنية العربية في الأحواز المحتل من قبل الاحتلال الفارسي – الإيراني ، أسبوع التضامن مع الشعب الأحوازي في مواجهة أبشع احتلال عرفه العالم ، حيث يدخل هذا الاحتلال عامه الرابع والثمانين ، وسط تساؤلات مهمة موجهة خاصة للقوى القومية العربية ومنها المؤتمر القومي العربي وكافة الأحزاب القومية البعثية والناصرية ، وأهم هذه التساؤلات من وجهة نظر الشعب العربي الأحوازي وكل شخص يستعمل المنطق ويبتعد عن الكيل بمكيالين :

الأول: هل هناك احتلال جميل نرحب به ونصفق له ، واحتلال قبيح نقاومه ونعمل على تحرير الأرض التي يحتلها ؟. المنطق الوطني يقول: الاحتلال احتلال أي أن احتلال فلسطين لا يختلف عن احتلال إيران للأحواز العربية والجزر الإماراتية العربية وتركيا للواء الإسكندرونة السوري وأسبانيا لسبتة ومليلة المغربيتين. هذا رغم حجة البعض بأن النظام السوري في زمن الرئيس حافظ الأسد قام بترسيم الحدود الحالية مع تركيا أي أنه اعترف بأن لواء الإسكندرونة أرض تركية . فلماذا يسكت غالبية القوميين العرب وتنظيماتهم الحزبية على هذه الاحتلالات ما عدا احتلال فلسطين؟؟. أليس في ذلك ازدواجية ليست عمياء لكنها مقصودة ، فعندهم احتلال دولة إسلامية لأراض عربية أمر عادي ، وكذلك احتلال دولة عربية لدولة عربية، كما طبلوا وصفقوا لاحتلال صدام حسين لدولة الكويت عام 1990 .

الثاني : هل هناك أرض عربية أغلى من أرض عربية أخرى ، بحيث نحافظ على أرض ونتخلى عن أرض ؟.

إن السكوت على الاحتلال الفارسي الإيراني للأحواز العربية خاصة من قبل المؤتمر القومي العربي والأحزاب العربية الناصرية والقومية ، ينسف من الأساس مقولة ( أمة عربية واحدة ، ذات رسالة خالدة ) التي يتغنى بها ويرقص على موسيقاها القوميون العرب ، لأن التغاضي عن الاحتلال الإيراني يعني التخلي عن الشعب العربي الأحوازي ، وبالطبع ينطبق نفس المنطق على الاحتلالات الأخرى التي ذكرتها. فلماذا ما زالت فلسطين المحتلة في الذاكرة ولو نظريا وخطابات عنترية ما حررت شبرا منها، بينما يلف النسيان بقية الأراضي العربية المحتلة من تركيا وإيران وأسبانيا؟.

أسبوع التضامن مع الشعب الأحوازي..هل هناك من يسمع؟

لذلك أعلنت القوى الوطنية والشعبية الأحوازية أسبوع التضامن مع الشعب العربي الأحوازي من الخامس عشر من أبريل الحالي إلى الثاني والعشرين من الشهر ذاته ، لأن هذا الأسبوع من كل عام يشهد حدثين مهمين ، الأول في العشرين من الشهر ذكرى الاحتلال الإيراني للوطن الأحوازي العربي عام 1925 ، وفي الخامس عشر منه ذكرى الانتفاضة الشعبية الأحوازية عام 2005 في مواجهة آلة القمع الفارسية، تلك الانتفاضة التي قتل فيها المحتلون الإيرانيون مئات من الشباب الأحوازيين . فلماذا الإشادة سنويا بالانتفاضة الفلسطينية والسكوت المخزي على الانتفاضة الأحوازية؟ لماذا سطّر الكتاب والشعراء العرب أطنانا من الورق في استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة والسكوت المخزي على مئات الأطفال  والشباب الأحوازيين الذين قتلتهم آلة القمع الفارسية الإيرانية؟ . أم أن طفل عن طفل بيفرق ؟ وانتفاضة عن انتفاضة بتفرق؟

لماذا الإصرار على الاحتلال

منذ زمن حكم الشاه إلى زمن الملالي الذين يدّعون أنهم يحكمون باسم الإسلام؟ يجيب على هذا السؤال بيان القوى الوطنية الأحوازية :
 
( ثروة الأحواز اقتصاديا هي التي تموّل مشاريع تسلح إيران الصاروخي والنووي الذي يهدد بالدرجة الأولى العالم العربي، والنفط الأحوازي وما تحصل عليه إيران من دخل سنوي عبر هذه الثروة العربية المنهوبة،يشكل القاعدة الأساس في توسيع إيران لتمددها وانتشارها وتكريس مشروعها السياسي في المنطقة على حساب العرب،وكذلك شرائها لذمم الكثيرين من كتاب وإعلاميين وسياسيين عرب بهدف تلميع صورتها القبيحة على الساحة العربية ،لاسيما التسويق لمشروعها السياسي وتفتيت مجتمعاتنا العربية  .
من جانب آخر،احتلال إيران للأحواز وضمها للجغرافيا الإيرانية منذ العام 1925م ،أعطى لإيران المكانة الإستراتيجية المهمة على حدودها الواسعة والكبيرة المجاورة للدول العربية الصغيرة بحجمها البشري والثرية بمالها،لتتمكن من التدخل في شؤونها وبناء قواعدها المخربة فيها وتهديد استقرارها . إيران الفارسية العنصرية لو لم تكن الأحواز جزءا منها لعادت لـ "بلاد فارس" وحدودها الطبيعية،التي تقع خلف جبال زاغروس ولا تجاور من العرب إلا الأحوازيين الذين لديهم القوة البشرية والاقتصادية الكافية لردع أي تهديد يأتي منها باتجاه العالم العربي عموما،هذا لو تمكن الأحوازيون من إعادة كيانهم العربي المستقل على وطنهم وإعادة الدولة العربية في الأحواز إلى شرعيتها القانونية ، كما كانت عليه قبل العام 1925م ).

والموقع الاستراتيجي هو نفسه الذي يجعل الملالي مستمرين في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث ، بسبب موقعها الذي يتحكم في الملاحة عبر الخليج العربي حيث تمر منه نسبة عالية من صادرات النفط للدول الأوربية والأمريكية والآسيوية. وهذا يعني كذب الملالي الذين إدّعوا أنهم انقلبوا على الشاه بسبب ظلمه وطغيانه ضد الشعب الإيراني، أما ظلم وطغيان الملالي ضد الشعوب العربية  فهو حلال وشرعي ومبرر. بالعكس هناك لفتات لشاه إيران تجعله أنظف وأعقل منهم عندما اعترف عام 1971 باستقلال مملكة البحرين إذعانا لنتائج الاستفتاء الذي صوتت فيه الغالبية العظمى من الشعب البحريني لاستقلال البحرين. بينما نظام الملالي يمنع الشعب العربي الأحوازي من استعمال لغته الأم العربية، وهو ما لم يفعله الاحتلال الإسرائيلي مع الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم عام 1948 ، وكانوا حوالي مائة وثمانين ألفا، فإذا بهم اليوم حوالي مليون وربع ينتجون بلغتهم العربية ثقافة و إبداعا أرقى مما تنتجه العديد من العواصم العربية...فأين هذا من ممارسات التطهير العرقي الذي يمارسه الملالي في إقليم الأحواز العربي المحتل؟.

هل هناك من يسمع ؟

نداء القوى الوطنية والقومية الأحوازية :

( إخوتنا وأخواتنا العرب
انطلاقا من الحاجة الأحوازية متكئين على الأخوّة العربية التي تجمعنا معكم لصالح قضيتنا الإنسانية الحقة،ندعوكم بتواضع ونحن واثقون من مساندتكم لنا ولقضايا أمتكم ، وخوفكم على مستقبل عروبتنا عموما من التجاوزات والتمدد والتوسع الإيراني على أوطاننا واستقرار دولنا العربية واستهدافها لهويتنا العربية،والعراق الشقيق شاهد حي أمام أعيننا حيث رأينا كيف مزقته اليد الفارسية الآثمة إربا،ندعوكم للمشاركة الفعالة مع إخوتكم الأحوازيين بما تمتلكون من إمكانيات فكرية وإعلامية وسياسية،كتابية، شعرية، رسم، كاريكاتير،كلمة حق على فضائية،مقابلة صحفية، وحث جهة عربية أو غير عربية على مساندة الأحواز والأحوازيين وعلى صفحات مراكزكم الإعلامية الغرّاء،فإننا نطمح من خلال مشاركاتكم الفعالة في  أسبوع التضامن مع الشعب الأحوازي  )  في الفترة المذكورة في مطلع المقالة .

أمنيات ...أمنيات
و أتمنى أن يتحرك المؤتمر القومي العربي والقوى الناصرية والقومية لدعم قضية ونضال الشعب العربي الأحوازي في مواجهة الاحتلال الفارسي – الإيراني ، كي أنسى قول الشاعر:
    لقد أسمعت لو ناديت حيّا        ولكن لا حياة لمن تنادي
ورغم ذلك لن يتوقف نضال الشعب العربي الأحوازي فكل الاحتلالات قبيحة ويجب أن تندحر . وللعلم والتذكير فقط ، فالاحتلال الإسرائيلي يعرض على الشعب الفلسطيني كامل قطاع غزة وغالبية الضفة الغربية ، بينما الاحتلال الفارسي يرفض مجرد الاعتراف بأن إقليم الأحواز عربي تم احتلاله عام 1925 ،  ويرفض إعطاء هذا الشعب أبسط الحقوق التي تنصّ عليها القوانين الدولية . لذلك لا يمكن أن تنطلي طويلا إدعاءات وعنتريات أحمدي نجاد الخطابية حول تحرير فلسطين ، وهو يحتل أراض عربية ليست فلسطين أغلى منها ..فكل أرض عند أهلها هي الأغلى .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com
ملاحظة:
نرجو من القراء خاصة العرب الذين تفرسوا أكثر من الفرس ، أن يناقشوا أفكار المقالة لدحضها أو الموافقة عليها، خاصة هل هناك احتلال إيراني لأراض عربية اسمها الأحواز أم لا ؟ فربما يقنعونني بأفكارهم وأتبناها .




331
حوار الطرشان وجنايات حماس
د.أحمد أبو مطر

أعتقد أن الفريق عمر سليمان نفسه من الصعب عليه أن يحصي عدد جلسات ولقاءات الحوار الفلسطيني-الفلسطيني  ،التي جرت في القاهرة برعاية مصر وبإشرافه في السنوات الخمسة الماضية ، خاصة السنتين الماضيتين التي أعقبت انقلاب حماس العسكري في قطاع غزة في يناير 2007 الذي اعتبرته الحركة التحرير الثاني للقطاع من الاحتلال الفتحاوي بعد أن اعتبرت انسحاب إسرائيل من طرف واحد عام 2005  هو التحرير الأول. وبعد مرور عامين ونصف إلا قليلا على سيطرة حماس العسكرية على القطاع بدأت بوضع كافة العراقيل التي تحول دون نجاح أي حوار فلسطيني ، وهي تعي ذلك بحس انقلابي وما حضورها لجلسات الحوار في القاهرة إلا لذر الرماد في العيون وإضاعة الوقت لاستعماله ذريعة مفادها: هانحن نحضر جلسات الحوار ونحن لسنا مسؤولين عن فشلها. أهم العقبات التي تعمدتها حماس لإفشال الحوار هي:

أولا: التشكيك في رئاسة الرئيس محمود عباس واعتباره رئيسا غير شرعي عقب يناير 2009 ، وكأن الذين سيطروا على القطاع بالقوة العسكرية التي صاحبتها جرائم بشعة شرعيون، في حين أن شرعيتهم الإجرامية هذه تشهد عليها جرائم القتل العلني بقصد وقد شملت المئات خاصة من أعضاء حركة فتح وأنصارها ، ويكفي قادة حماس عارا أنهم اضطروا العشرات من عناصر فتح في أغسطس عام 2008  للهرب إلى إسرائيل خوفا من رصاصهم الهمجي ، وكان من بينهم القائد الفتحاوي أحمد حلس عضو المجلس الثوري لحركة فتح وأحد رموز عائلة حلس العريقة في القطاع، وهذا العار يكمن في أن إسرائيل في لحظة ما كانت أرحم لهؤلاء العناصر من القوة التنفيذية الأمنية لحركة حماس.

ثانيا: نزع الشرعية التمثيلية للشعب الفلسطيني من منظمة التحرير الفلسطينية كما أعلن ذلك المندوب الإيراني في دمشق خالد مشعل. وهو يعرف أولا يعرف أن غالبية دول العالم الأسيوية والأفريقية والأوربية والأمريكية تعترف بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني خاصة بعد قرار فك الارتباط الجريء مع الضفة الغربية الذي اتخذه المرحوم الملك حسين عام 1988 تثبيتا وتدعيما للكيانية الفلسطينية ، و غالبية دول العالم التي تفتح سفارات فلسطينية في بلادها ما زالت تطلق عليها " ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية " ، لذلك لا لوم علي أية دولة لو أقدمت على إغلاق مكتب منظمة التحرير وطردت موظفيها بحجة أنه بناءا على فتوى خالد مشعل فإن المنظمة ما عادت شرعية ولا تمثل الشعب الفلسطيني....فهل من يتخذ هذه الخطوات الخطيرة بحق الشعب والنضال الفلسطيني حريص على إنجاح الحوار الفلسطيني؟؟

ممارسات حماس في الداخل

أما عن ممارسات حماس في الداخل الغزاوي فحدث ولا حرج ، لأن بعض هذه الممارسات لم يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني طوال احتلاله المباشر للقطاع ، ويكفي التذكير ببعض هذه الممارسات ليس اعتمادا على وثائق دولية ، وإنما معايشة ميدانية لمئات ألالاف من أهلنا وشعبنا في القطاع الذين لا تسمع قيادات حماس صراخهم وآلامهم لأن كل ما يهمهم هو الاستمرار في السيطرة والجلوس على الكراسي حتى ولو كانت بمستوى خازوق .

أولا: التطهير التنظيمي بمعنى طرد وسجن واعتقال وإخراس كل من ينتمي لحركة فتح ، فإذا بهذه الحركة العريقة رائدة النضال الوطني الفلسطيني لا وجود ولا صوت لها في القطاع ، إلى حد منع حماس رسميا إحياء الذكرى الرابعة لرحيل الرئيس ياسر عرفات  في نوفمبر من عام 2008 ، إذ أصدر محمد أبو شقير وكيل وزارة التربية والتعليم العالي المقال في القطاع تعميما على مدراس القطاع يقضي بمنع الطلبة والمعلمين من المشاركة في احتفالات إحياء ذكرى رحيل عرفات التي أعلنتها الوزارة في رام الله . وبناءا على تعليمات حماس قامت قوتها التنفيذية المسلحة بمنع الطلبة والطالبات من القيام بأية نشاطات أو مظاهر احتفالية ، واقتحمت جامعة القدس المفتوحة ، وهاجمت منازل المواطنين في مخيم الشاطىء وأنزلت رايات فتح والأعلام الفلسطينية من فوق أسطحها، وقامت ميليشيات حماس بملابس مدنية وعسكرية بمهاجمة المسيرات الشعبية وتفريقها بالقوة .

ثانيا: عمليات القتل العلني بطريقة همجية للعشرات من أعضاء فتح والمستقلين غير المؤيدين لسياساتها وممارساتها ، وقد صورت بعض هذه الجرائم وتم بثها علانية بشكل تقشعر له الأبدان، ما عدا أبدان القتلة الذين قاموا بها.

ثالثا: منع الصحف والمجلات الصادرة في الضفة الغربية من دخول قطاع غزة ، وكأنه إمارة حماسية مستقلة لا علاقة لها بالضفة الغربية ، وكذلك منع بث التلفزيون الفلسطيني ومراسليه في القطاع.

رابعا: وقف رواتب عشرات ألاف من عناصر فتح والمستقلين في وقت يستمر صرف رواتب الحماسيين دون توقف ، وحتى المساعدات الغذائية والتموينية تخصص لهم أولا وقبل غيرهم، والكل يعرف وشاهد بالصور استيلاء القوة التنفيذية لحماس على قوافل إغاثة عربية أثناء الحرب الأخيرة مع إسرائيل وتحويلها لمخازن حماس الخاصة كي تتصرف فيها كما تريد، وليس حسب ما تريد الجهات المتبرعة التي كانت تحرص على إيصال المساعدات لجميع المحتاجين.

وحتى الحرب الأخيرة مع الجيش الإسرائيلي ،

دللت على غباء قيادة حماس لأنها جرت القطاع لحرب غير متكافئة ، وباعتراف خالد مشعل فقد كانت الحركة تقصد مناوشة إسرائيل واستفزازها فقط ، ولم تكن تدري بأن إسرائيل سترد بهذه القوة والعنف...أي أن حماس كانت تريد حربا حسب مزاجها وهواها وأن تكون ردود إسرائيل كما تريد هي وتهوى، وهو نفس اعتراف حسن نصر الله بعد انتهاء حرب تموز 2006 ، عندما قال صراحة لو كنا نعرف أن إسرائيل سترد بهذا الحجم والعنف لما أقدمنا على خطف الجنديين الإسرائيليين . وأنانية قيادة حماس غريبة عجيبة فلا يهمها ألف وخمسمائة قتيل فلسطيني خلال الأسابيع الثلاثة للحرب ، إذ خرج علينا في الأيام الأخيرة للحرب خالد مشعل ليبشر الشعب الفلسطيني بأن قيادة حماس بخير ولم تصب بأذى وأن الخسائر من مقاتليها أقل من أربعين قتيلا أو شهيدا لا تهم الصفة.

والحقيقة التي أصبحت مؤكدة أنه طوال الأسابيع الثلاثة للحرب لم تجري مواجهات عسكرية خططت لها وأعدتها حماس ، وكل ما حصل من اشتباكات مع الجيش الإسرائيلي كانت بمحض صدفة وجود مقاتلين في مواقع تحرك الجيش الإسرائيلي ، وهذا ما جعل كافة الخسائر الإسرائيلية أقل من خمسين جنديا وفردا مقابل ألف وخمسمائة قتيل فلسطيني وقرابة خمسة ألاف جريح بينهم نسبة كبيرة من الميؤوس شفائهم التام. وعدم التخطيط لأية مواجهة هو ما جعل كافة قيادة حماس العسكرية والسياسية والأمنية تخرج من حرب أسابيع ثلاثة بخير وسلامة وصحة جيدة لأنها أمضتها في المخابىء المحصنة الخاصة بها فقط ، حتى القياديان سعيد صيام ونزار ريان لم يموتا أثناء مواجهة ميدانية مع الجيش الإسرائيلي ، بل في مخابئهما بسبب وشاية عملاء محليين من حماس ، وهذا مؤكد بدليل أن الحركة اعتقلت بعض المرافقين والمساعدين لهذين القياديين.

هل هناك خلاف سياسي مع فتح يستدعي هذه الجرائم ؟

لو كان هناك خلاف سياسي بين حماس وفتح أي بين حماس والسلطة الفلسطينية ، لكان من الممكن تبرير انقلاب حماس العسكري وما أعقبه، ولكن حماس تلعب في برنامجها السياسي بشكل مضحك ، فهي حينا ضد الاعتراف بدولة إسرائيل ، وحينا مع هدنة طويلة الأمد لستين عاما، وحينا ثالثا مع دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، وبالتالي من الصعب على أي مراقب سياسي أو منجم أن يعرف ماذا تريد حماس ، وقد اختزلت كافة جهودها وتحركاتها في قضية الجندي الإسرائيلي المدلل جلعاد شاليط ، متناسية أنها تهين الأسرى الفلسطينيين عندما تطالب بالإفراج عن ألاف منهم مقابل هذا الشاليط !!!. وما لم يعد سرا أن هناك تباين في الرأي والتوجه بين حماس الداخل وحماس الخارج التي يمثلها خالد مشعل وبعض قياداته الذين الطاعة عندهم لولي الأمر الإيراني الذي من مصلحته بقاء المنطقة مشتعلة لإشغال العالم عن ملفاته الخاصة ، وبالتالي فهو يشغل العالم بدون أية خسائر إيرانية ، فقط عدة ملايين من الدولارات ، ويكفي تصريح على خامئني في الطلبة الإيرانيين الذين تظاهروا أثناء الحرب في غزة، إذ قال لهم صراحة " عودوا إلى منازلكم ليس بوسع إيران القيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل " ، إذن فلتستمر المتاجرة بالشعب اللبناني من خلال حزب الله ، والشعب الفلسطيني من خلال حركة حماس والشعب العراقي من خلال عملاء طهران الكثيرين أحزابا وأفرادا ".

وبالتالي فلا نجاح لأي حوار فلسطيني ،

لو وصل عدد جلساته في القاهرة أو غيرها لمليون جلسة ، لأن صراع حماس مع السلطة الفلسطينية ليس من أجل التحرير أو الدولة الفلسطينية مهما كان حجمها، ولكنه صراع على البقاء في الكراسي والسلطة وتصريف الأموال كما يريدون..والجحيم لغالبية الشعب الفلسطيني ، لأن هذا الواقع قائم لسنوات طويلة ، دويلتان كرتونيتان على الورق ، حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في رام الله...و اللهم أجرنا مما هو آت !!!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

332
القذافي: نرجسية مرضية تستعصي على العلاج

د.أحمد أبو مطر

كارثة...مصيبة...  مسخرة...ملهاة... أو حالة مرضية ؟ لا أعتقد أن اللغة العربية من الممكن أن تتوفر على كلمة تصف حالة عميد الحكام العرب الملازم معمر القذافي . هذا الشخص يجثم على قلب وظهر وجسد الشعب الليبي منذ أربعين عاما بالضبط . من يتخيل ذلك؟ من يصدق ذلك؟ . وطوال الأربعين عاما المرشحة للاستمرار ربما أربعين عاما أخرى إن لم يتدخل ملك الموت عزرائيل على عجل مستمعا لآهات الشعب الليبي السرية وأصوات المعارضة الليبية في الخارج التي تنشر من المعلومات عن الوضع الداخلي في الجماهيرية القذافية ما لم يعرفه أي قطر عربي طوال التاريخ الحديث والمعاصر. طبعا الأمل في تدخل ملك الموت عزرائيل هو الوحيد بعد أن تلاشى تدخل الرئيس جورج بوش كما حصل في حالة صدام حسين ، لأن الملازم القذافي فهم الدرس قبل أن ( انتهى الدرس يا غبي )، وأعلن استعداده لدفع وتنفيذ كل ما تريده الإدارة الأمريكية  وبالفعل قام بما يلي في السنوات الخمسة الماضية:

أولا: قام بتفكيك ما كان يعتقد أنه بداية لمعدات وتجهيزات مشروع نووي ، ولم يكتف بذلك بل شحن كل هذه المعدات بباخرة على حسابه أي مسروقة من ثروة الشعب الليبي إلى الولايات المتحدة الأمريكية كي تتأكد من إذعانه وطاعته لكل أمر يصدر من البيت الأبيض.

ثانيا: اعترف صراحة بدوره الإجرامي في إسقاط طائرة لوكربي عام 1988 ، ودفع بالفعل التعويضات لذوي الضحايا الأمريكان التي بلغت حوالي ثمانية مليارات دولار، و أيضا من ثروة الشعب الليبي .

ثالثا: الاستمرار في سياسة القمع وتكميم الأفواه ، ويكفي مجزرة سجن أبو سليم في مدينة درنة الليبية في يونيو من عام 1996 ،  التي قتل فيها حراسه الثوريون في ليلتين ما لا يقل عن ألف وخمسمائة مواطن ليبي من الموقوفين الساسيين. وتستمر منذ ذلك الوقت ومن قبله هذه السياسة الإجرامية من خلال ما يسميه اللجان الشعبية ، وهو النظام العربي الوحيد الذي تخصص في خطف و قتل معارضيه من السياسيين الليبيين كما حصل مع جاب الله مطر و عزت المقريف في مارس 1990 و منصور الكخيا في ديسمبر 1993 ، و الإمام اللبناني موسى الصدر عام 1978 ، أثناء وجوده في زيارة رسمية لمزرعة القذافي اللاجماهيرية.

وأخيرا جنونه في قمة الدوحة

من يتخيل سلوكه وأقواله في داخل قاعة القمة العربية في الدوحة، وفي الجلسة الافتتاحية التي كان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يلقي كلمته لافتتاح القمة بعد تسلمه رئاستها من الرئيس السوري بشار الأسد؟. أعتقد أنه سلوك وأقوال لا تصدر من أي مستوى يتخيله البشر الأسوياء!!. تخيلوا: يقاطع أمير قطر ليتحدث بقلة أدب وعنجهية مرضية موجها حديثه للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز قائلا: ( أقول لأخي عبد الله ست سنوات وأنت هارب وخائف من مواجهتي ، وأريد أن أطمئنك بأن لا تخاف ، وأقول لك بعد ست سنوات ثبت أنك أنت الذي الكذب وراءك والقبر أمامك ، وأنت الذي صنعتك بريطانيا وحاميتك أمريكا....أنا قائد أممي وعميد الحكام العرب وملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين ). قلة الأدب أولا ثم هذه النرجسية المريضة التي أعتقد أنها تستعصي على العلاج  لو جمعنا لصاحبها كل علماء النفس من فرويد حتى اليوم.

قائد أممي

صحيح مائة بالمئة لأنه قاد الشعب الليبي للظلم والقمع والفقر بين كافة أمم العالم ، فقد أهدر مليارات ثروة الشعب الليبي لدفع تعويضات جرائمه الأممية في العديد من عواصم العالم ، وعلى لقاءات واجتماعات للانتهازيين لمناقشة دفتر السجاير المسمى " الكتاب الأخضر " الذي كتبه له من باب السخرية اللاجىء السياسي السوداني آنذاك المرحوم بابكر كرار ، وكما أوضحت في مقالة موثقة منذ سنتين تقريبا أن مؤتمرا واحدا عن فكره الأممي تمت دعوة ما لا يقل عن ستمائة شخص له من 57 دولة ، ويستطيع القارىء أن يتصور أن هذا المؤتمر الاستعراضي وحد قد كلّف ما لا يقل عن أربعمائة مليون دولار.

عميد الحكام العرب

صحيح مائة بالمئة فهذا الطاغية هو الوحيد الذي يجثم على قلب وظهر الشعب الليبي منذ أربعين عاما وما زال ، مع ضرورة العلم أن صفة ( عميد ) هنا لا تعني المهارة أو الحكمة أو الأدب ، بل تعني فقط مدة الحكم كما يطلق في العرف الدبلوماسي  صفة ( عميد السلك الدبلوماسي ) في أية دولة على أقدم سفير في تلك العاصمة، ايا كان مستواه وسلوكه وثقافته.

ملك ملوك أفريقيا

هذه نكتة بايخة بكل المقاييس لا تصدر إلا عن مهووس بالصفات والألقاب تماما كما يقول المثل العربي ( بيحب الكبرة ولو على خازوق ) ، خاصة أن ملوك ورؤساء أفريقا لا ينسون مغامرتك المجنونة التي أحرقت الأخضر واليابس في أكثر من دولة أفريقية أهمها وأوسخها حربك العبثية ضد الجارة تشاد عام 1980 عندما تدخل في الشأن التشادي منحازا لكوكني وداي خصم حسين حبري ، واستمرت هذه الحرب العبثية قرابة ستة سنوات ، أكلت ما لا يقل عن عشرة ألاف مواطن ليبي ومثلهم من التشاديين.

إمام المسلمين

إذا كان إمام المسلمين بهذا السلوك وهذا الخلق وهذا التصرف وهذا العبث، فهذا يعني كم هو حجم الجناية ضد هذا الإسلام العظيم !!! وأنا أحيل هذا الادعاء لعلماء المسلمين كي يقولوا رأيهم : هل يشرف الإسلام والمسلمين إماما بمواصفات وسلوك الملازم القذافي؟؟. وهو ينسى ماذا كان سيحصل له لو لم ينفذ أوامر أمريكا التي سبق ذكرها ، أي أنه باق بحماية أمريكا ورضاها.

باختصار ، هذا الرجل يعاني من حالة مرضية يمكن تسميتها نرجسية مبالغ فيها، وقد وصلت إلى مستوى ما عاد ينفع فيها أي علاج أو أية أدوية أو أي أطباء نفسيين...وأعان الله الشعب الليبي أولا والشعوب العربية ثانيا على هكذا مريض من الصعب علاجه.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

333
أنا وحذاء الزيدي في الاتجاه المعاكس
د.أحمد أبو مطر

يظل برنامج الاتجاه المعاكس الذي يقدمه الدكتور فيصل القاسم في قناة الجزيرة أشهر برنامج حواري عربي على الإطلاق، رغم مرور حوالي 13 عاما على تقديمه، دون أن تخبو أضواؤه أو يتراجع عدد مشاهديه ، وذلك مثبت من خلال رصد دقيق بغير المواصفات العربية التي تعطيك النتائج التي تريدها إذا دفعت ، مما يجعل مصداقية الاستفتاءات العربية التي تقوم بها العديد من المراكز متدنية للغاية. وسواء كنت من محبي البرنامج أو كارهيه إلا أنه يمكن القول أنه أوجد حراكا حواريا سلّط الضوء على طبيعة وعقلية المثقف العربي خاصة عندما يواجه الآخر ،وهذه الطبيعة دوما نتاج الثقافة والتربية السائدة التي تخرج منها هذا المثقف وذاك السياسي ، فمثلا نحن الكتاب والسياسيون والمثقفون العرب من الجنسيات القليلة التي تستعمل حركات اليدين مع اللسان عند الحديث ، وهي حركات في الغالب عصبية ناتجة عن انفعال زائد لا يخدم الفكرة بقدر ما ينفس عصبية المتحدث . هنا في النرويج أول درس تعلمته من المؤسسات النرويجية أن أتدرب على وقف حركات اليدين أثناء الحديث ، ومحاولة عدم الصراخ العصبي كي أستطيع إيصال الفكرة التي أريد ها لعقل المستمع والمشاهد . والغريب أن الكثير من أصدقائي يلومونني على نسبة هدوئي العالية وعدم صراخي حتى في وجه من يترك موضوع النقاش، ويبدأ الردح والشتائم ضد الشخص ناسيا أنه جاء لمناقشة فكرة وتقديم رأي ، كما حصل معي في أكثر من حلقة في الاتجاه المعاكس خاصة التي كانت بتاريخ الأول من يناير عام 2002 مع السيد أبو خالد العملة أحد مسؤولي الانشقاق عن حركة فتح مع شريكه أبو موسى قبل أن يختلفا ويتبادلا أبشع الاتهامات التي لم يوجهوها لياسر عرفات عند انشقاقهما عام 1983 . في تلك الحلقة عندما لم يتمكن أبو خالد العملة من الرد على بعض الحقائق التي طرحتها توجه للدكتور فيصل القاسم قائلا بعصبية : من أي جئت لي بهذا الجاسوس العميل الخائن؟. العديد من الأصدقاء الذين تابعوا الحلقة لاموني لأنني لم أرد على شتائمه بالمثل، وكنت هادئا تاركا له المجال حتى أكمل حديثه، ثم رددت عليه مكررا الحقائق التي أثارته ولم يتمكن من الرد عليها بحقائق تنقضها وتبين خطأها.

وماذا عن حذاء الزيدي؟

حلقة البرنامج يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من مارس 2009 ، كنت مشاركا فيها في ضيافة حذاء منتظر الزيدي ، مع الزميل الليبي أحمد مبارك الشاطر رئيس اتحاد الطلبة العرب المقيم في دمشق ، وهذه هي المرة الأولى التي أتقابل أو أتناقش معه . كنت في موقف الإدانة الواضحة الصريحة الحادة لتعبير الزيدي عن أفكاره عن طريق رمي حذائه على الرئيس الأمريكي جورج بوش ، حيث بدأت حديثي بوصفه (عملا همجيا ، عملا حقيرا ، عملا لا أخلاقيا ، لأنه كصحفي سلاحه اللسان والقلم فاستبدلهما بالحذاء ، وهذا لا يليق بنا ككتاب وصحفيين عرب ). وأوردت العديد من الأدلة على رأيي ، أخلاقية وإنسانية وإسلامية ، مستشهدا برأي فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي سخر من فعلة الزيدي تلك في إحدى خطب الجمعة بمسجد من مساجد العاصمة القطرية الدوحة ، إذا قال ما معناه : ( نحن نرد عليهم بالأحذية أي أن قنابلنا أصبحت أحذية بينما هم أصبحت أحذيتهم قنابل ).

وعلى الرغم من تنبيهي الواضح في بداية حديثي أن هناك فرق بين نقد فعلة الزيدي وسياسات بوش ، لأن الحلقة كانت لمناقشة ما فعله الزيدي وليس سياسات جورج بوش ، إلا أن الزميل الأستاذ أحمد مبارك الشاطر ركّز غالبية حديثه على سياسات بوش التي في رأيه يستحق عليها الضرب بالحذاء ، وبالتالي فإن الزيدي بطل جديد يضاف لأبطال العرب الذين يستحقون التكريم والتمجيد وليس النقد والتعنيف والسجن !!.

مبالغة تنقضها الوقائع

أفاض الزميل الشاطر في المضايقات والتعذيب الذي تعرض له الزيدي في السجن ناسبا إياها لشهادات من عائلته، إلا أن أغلبها ليس صحيحا وأيضا بشهادة بعض أفراد عائلته، كما نبهني لذلك وكتب لي الباحث العراقي الدكتور عبد الخالق حسين : " أما قضية التعذيب للزيدي وما ذكره القاسم عن تصريحات المالكي أنه قال هذا المليون ونصف المليون الذين قتلوا بسبب الاحتلال أو قتلهم الأمريكان فهذا افتراء أو محض خيال أنتجه الإعلام العربي المهرج. الزيدي لم يتعرض للتعذيب حسب تصريحات والدته ، ولم تكسر يده أو ضلعه كما ادعى الإعلام المتحالف مع البعث...حسب إحصائيات الأمم المتحدة فعدد قتلى العراقيين خلال السنوات الست الماضية لا يتجاوز 400 ألف ، وهذا العدد بالطبع كارثة وكل نفس خسارة...علما أن 99 % من القتل حصل على أيدي الإرهابيين من البعثيين وحلفائهم القاعديين الذين يسمونهم المقاومة الشريفة ، فلماذا ينسبونه إلى الأمريكان، بينما العراقيون وخاصة العرب السنّة يتمنون بقاء القوات الأمريكية ". وهذا ما قلته عندما سألني الدكتور فيصل القاسم : هل أستطيع أن أدين الاحتلال الأمريكي للعراق؟ كان جوابي ما معناه : الاحتلال احتلال ولكن هناك عراقيون يتمنون بقاء الاحتلال فليتفق العراقيون على ضرورة خروج الاحتلال كي ندعمهم في ذلك.

ردود فعل متباينة

كتب لي الكاتب المعروف الأستاذ سلمان مصالحة من كتاب " الخط الأخضر " أو " عرب إسرائيل " أو " الفلسطينيون الذين بقوا متشبثين بأرضهم ووطنهم " يقول: (  لقد شاهدت البرنامج في الجزيرة مع هذا الشاطر الذي يمثل غوغائية هذا الأمة أفضل تمثيل ، مع أني أخالفك الرأي بشأن الحكم على ملقي الحذاء . لا أعتقد أنه يجب الزج به في السجن . إن من يطلب الزج بالسجن يضع نفسه في طرف غوغائيين آخرين من الجهة الأخرى. ربما أقول هذا الكلام لأني أعيش في مكان آخر. على كل حال تحياتي دائما والعقل ولي التوفيق ). بصراحة شدّني رأيه خاصة أنه وضعني في زاوية غوغائية مقابلة للزاوية الغوغائية التي وضع فيها الزميل الشاطر ، فكتبت له أسأله : إذا ما هو الحكم الذي يرى أنه مناسب  للزيدي على فعلته تلك ، فكتب لي رأيا يستحق التأمل والمناقشة إذا قال: ( لا أختلف معك بشأن تصرف هذا الشخص الذي يدّعي أنه صحفي. الصحفي وظيفته أن يسأل الأسئلة الصعبة ليس إلا. تصرفه غوغائي بلا أدنى شك . عقابه كان يجب أن يكون الطرد من المؤسسة الصحفية التي يعمل فيها ). وهو رأي فيه من الصحة نسبة عالية خاصة في ظل ما أسماه الغوغائية التي تتحكم في غالبية الصحافة العربية.

الكاتب العراقي المأمون الهلالي ،

له رأي مختلف ويستحق التأمل أيضا ، إذ كتب لي يقول: ( لم يكن رأيك فيما فعله منتظر الزيدي منصفا في لقاء الجزيرة ، كما أنك وضعت كل من كتب عن منتظر في سلة واحدة وهذا غير صحيح . تذكر مقالتي التي أرسلتها إليك وبينت فيه أن فعل منتظر الزيدي خطأ عموما ، لكن الظروف القاهرة تخرج الناس عن طورهم وهذا في القديم والحديث وفي كل مكان. وأما استضافة السيد أحمد الشاطر ليكون مدافعا عن منتظر فهذه لم تكن موفقة من قناة الجزيرة ، وأنا معك في أن هذا الرجل من أتباع ثقافة الحذاء التي أرفضها واستهجنها ، أتمنى على جنابك الكريم ألا تعمم ، وأن تضع البعد النفسي أمام عينيك إذا أردت أن تنقد الذات العربية ). أنا أوافق الكاتب المأمون الهلالي في ضرورة أخذ البعد النفسي بعين الاعتبار، ولكن من هذا المنظور يستطيع كل من يرتكب خطأ أن يعيده للبعد النفسي أي أنه غير مسؤول مائة بالمائة لأن نفسيته اضطرته لهذه الفعلة. أما التعميم فأنا لا أتذكر لا في الحلقة ولا في كتاباتي أنني عممت حكمي على الجميع، لأنني أعرف أن هناك خاصة من الكتاب العراقيين من أيدّ فعلة الزيدي وهناك من أدانها بحدة أكثر من صراحة إدانتي لها.

من المسؤول عن الصراخ والخروج عن الهدوء ؟

العديد من الكتاب والمشاهدين يلومون مقدم البرنامج الدكتور فيصل القاسم لأنه يحرك الحوار بطريقة مثيرة وربما استفزازية ، تجعل نسبة الصراخ والتعرض للشخص بعيدا عن فكرة البرنامج . أنا شخصيا لا أضع اللوم على الدكتور فيصل القاسم لأن دوره هو تحريك النقاش بهذه الطريقة ليجعل المشارك مثارا ليعبر عن رأيه بصراحة دون لف أو دوران كما يفعل بعض المشاركين . أما من يلجأ للصراخ والعنف فهذه مسؤوليته الشخصية بدليل أنه ليس كل المشاركين يلجأون لهذه الطريقة ، وأعتقد أنّ حيوية البرنامج من هذا المنظور تجعله الأكثر مشاهدة في العالم العربي ، والعرب يقولون ( كل واحد ذنبو على جنبو ).

وغلطة الشاطر بألف ،

أما من جانبي فانا ألوم الزميل أحمد الشاطر على مسألتين :

الأولى : أنه كان ينبغي أن يخبرني أنه سيجيء للبرنامج يلبس الملابس الشعبية الليبية ، كنت عندئذ لتحقيق المساواة جئت بالملابس الفلوكلورية الفايكنجية النرويجية، بحكم أنني مواطن نرويجي من أصول فلسطينية كما يشاع.

الثانية : هي ضرورة إخباري مسبقا أنه سيلجأ في نهاية البرنامج لإخراج الحذاء يلوح به ، كنت عندئذ أعددت له الرد المناسب وهو ( قلم أطول من الحذاء الذي استعمله )، لأن سلاحي سيبقى دوما اللسان والقلم امتثالا لقول الله تعالى ( وادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .

ويبقى ضرورة التأمل أن حذاء الزيدي أحدث من الحراك الثقافي والسياسي ما لم يحدثه غيره، وهذا دليل أكيد على الغرام العربي بثقافة الحذاء ، إذ لاحظت أن البطولة والمجد والعظمة التي اصبغها كتاب عرب على منتظر الزيدي لم يحظ بها صلاح الدين الأيوبي محرر القدس ، ونسبة الكرامة التي أعادها ذلك الحذاء للشخصية العربية لم تحدث إثر النصر الإلهي الأول لحزب الله في بيروت في تموز 2006 أو النصر الإلهي لحماس في غزة في يناير 2009 ...لذلك تحتاج هذه الأمة العربية لدراسة نفسية إذ يعيد لها الكرامة حذاء وفي الوقت نفسه يتهجم بعضنا على خصمه بالحذاء أو يصفه بأنه حذاء ، وآباء يضربون أطفالهم وأبناءهم بالحذاء أيضا ، مما جعل الحذاء لازمة من لوازم الشخصية العربية ، وهذه هي ( كندرة الملايين ) كما سماها رائد الشطناوي قائلا:
                                     هاي كندرة الملاييني
                                     اليساري واليميني
                                     تسلم ايدك بالزيدي
                                    حر وما ترضى الكيدي
                                   ودعت الظالم بعز وشجاعة
                                   صار العالم يتمنى يلبس كندرتك ساعة

ولا أستبعد أن تبدأ موضة جديدة في العالم العربي ، وهي إهداء الأحذية بدلا من الزهور ، وعندئذ علينا أن نتوقع ما هو غير متوقع..ولله في خلقة شؤؤن !!!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

334
هيكل : انتقائية حسب المصالح الشخصية
                   2 / 2
لماذا يتجاهل هيكل هذه المعلومات؟
د.أحمد أبو مطر

هشام خضر وكتابه  "عبد الناصر وعلاقاته الخفية "

( ملاحظة : أنا في هذه الحلقة الثانية لا أتهجم على أحد ، ولا أتهم أحدا .أنا دوري هنا هو نقل معلومات موثقة في هذا الكتاب الذي صدر في القاهرة ، لأقدم دليلا على أن هيكل انتقائي في كتاباته عندما يتجاهل هذه المعلومات التي أغلبها تدينه هو و شخصيات عمل معها وعاصرها...فلماذا سكوته عنها وتجاهله لها نفيا أو تأكيدا؟. لذلك فمن عنده احتجاج فليرسله للمؤلف . أنا ناقل للمعلومات وناقل المعلومات ليس مسؤولا عنها تماما كما أنّ ناقل الكفر ليس بكافر ).

دليل جديد على انتقائية هيكل وتضليله أحيانا وسوء استعماله لما بين يديه من معلومات يقدمها الكاتب المصري ( هشام خضر ) في كتابه:
عبد الناصر وعلاقاته الخفية بالموساد والمخابرات الأمريكية
الطبعة الأولى 2004
الطبعة الثانية 2006
رقم الإيداع 13460 / 2004
الناشر: العالمية للكتب والنشر ، مكتبة النافذة
المدير المسؤول سعيد عثمان
العنوان: الجيزة ، 2 شارع الشهيد أحمد حمدي ، الثلاثيني ، فيصل
تليفون وفاكس : 7241803
E.mail: alnafezah@hotmail.com

هذا الكتاب يتعرض لفترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر ( 1952 – 1970 ) ، مركزا على الاتصالات والعلاقات الخفية بين عبد الناصر ورجال نظامه بالموساد والمخابرات المركزية الأمريكية ومن بينهم محمد حسنين هيكل ، وهو كتاب مثير في معلوماته المسندة لمصادرها كتبا أو وثائق أو شخصيات عاصرت المرحلة ، وكان لها دور مؤثر فيها بحكم موقعها في السلطة وقربها من عبد الناصر. يقول الناشر في صفحة الغلاف الأخير للكتاب معرفا به : " هذا أول كتاب يكشف النقاب عن علاقة عبد الناصر بالموساد والمخابرات الأمريكية بالأدلة والوثائق ومن خلال رموز عهده وأنصاره أمثال: محمد حسنين هيكل وأحمد حمروش وعبد اللطيف البغدادي وأمين هويدي و خالد محيي الدين وإبراهيم عزت والدكتور ثروت عكاشة..كما يكشف المؤلف الكثير من خفايا السياسة في مصر خلال العهد الناصري ودور عبد الناصر التاريخي في تحقيق الأهداف الصهيونية والأمريكية في المنطقة ". والملاحظ أنه بعد مرور خمسة سنوات على صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب ، لم يرد محمد حسنين هيكل أو أي كاتب من كتاب الناصرية على ما ورد فيه، حتى أسرة الرئيس جمال عبد الناصر بما فيهم ابنته الدكتورة هدى جمال عبد الناصر التي كانت مسؤولة عن وحدة دراسات الثورة بالأهرام التابعة لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ، لم ترد على أي من معلومات هذا الكتاب ووثائقه ، رغم أنها كانت مهتمة بالرد على أمور تبدو شكلية وأقل أهمية فقط لأنها تتعلق بالرئيس عبد الناصر ، كما حدث في يوليو عام 2002 إذ قدمت استقالتها من مركزها المذكور لخلافها مع الأهرام لأنها  حسب قولها  قامت ب " انتزاع مقولات للرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن العلاقات المصرية – الأمريكية من خلال نشر المحاضر السرّية لجلسات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي " . وكانت الأهرام قد بدأت بنشر هذه المحاضر في الثامن عشر من يوليو 2002 ممهدة لذلك بمقال للدكتورة هدى عبد الناصر، وكان اعتراضها على عنوان المقال: ( بعد قبول مبادرة روجرز ، عبد الناصر يعلن أنه ليس مستعدا لكي يقف ضد أميركا ). هذا رغم أنه في المحضر الرسمي لاجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي ، ورد على لسان الرئيس عبد الناصر حرفيا : " إحنا مش مستعدين ندخل دلوقت في معركة مع أميركا لسبب بسيط ..إذا حصل تغيير في سياسة الولايات المتحدة فلا يمكن أن يحدث فجأة ". والملاحظ أن هذا النص يرد في المحضر الرسمي ، وكان اعتراض الدكتورة هدى أن يكون ذلك عنوانا للمقال، أي لا مانع أن يرد ذلك في ثنايا المقال ولكن لا يكون عنوانا للمقال ، وبناءا على ذلك قدمت استقالتها من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام ، ولا أجد تفسيرا لذلك إلا أنه ربما كانت رؤيتها أن ورود هذا الاعتراف من الرئيس عبد الناصر في ثنايا المقال لن يلتفت له كل القراء ، أما وروده في عنوان المقال سيلفت نظر غالبية القراء فيعمدون لقراءة باقي التفاصيل في المقال ذاته . لذلك أبدى الصحافي عزت السعدني المسؤول آنذاك على ملف " 50 سنة ثورة " استغرابه من تقديم هدى عبد الناصر استقالتها ، وقال إن الأهرام سيواصل في الملف نشر إنتاج وحدة دراسات الثورة وهي أوراق بخط يد عبد الناصر " . – تفاصيل هذه القضية في العدد 8635 من جريدة الشرق الأوسط اللندنية الصادر بتاريخ 20 يوليو 2002 .  أليس غريبا ومدعاة للتساؤل تقديم استقالة على مسألة شكلية رغم صحة مضمونها والسكوت من عام 2004 حتى اليوم على كل المعلومات والوثائق الواردة في كتاب هشام خضر؟.

ومن المعروف أن موافقة عبد الناصر،

على مبادرة روجرز وزير الخارجية الأمريكي في زمن ولاية الرئيس ريتشارد نيكسون ، جاءت في يوم الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 أي في العيد الثامن عشر لما يعرف ب " ثورة 23 يوليو " وكانت المبادرة تنص على وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل ، ورفضت كافة الفصائل الفلسطينية آنذاك موافقة عبد الناصر هذه ، وشهدت العاصمة الأردنية عمّان تحديدا مظاهرات ضخمة ضد عبد الناصر ، وصلت لأبواب السفارة المصرية ، وكان رد عبد الناصر وقف بث إذاعة صوت فلسطين التي كانت تبث من القاهرة رغم أنها كانت جزءا من إذاعة صوت العرب لصاحبها أحمد سعيد ، أي لا تبث إلا ما ينسجم مع السياسة المصرية في كافة الأمور والمواقف . ووضعت المبادرة قيد التنفيذ من الجانبين المصري والإسرائيلي صباح الثامن من أغسطس لعام 1970 ، ولكن القدر لم يمهل عبد الناصر طويلا إذ توفي يوم الثامن والعشرين من سبتمبر أي بعد تنفيذ مبادرة روجرز بخمسين يوما ، تلك الوفاة التي صاحبها العديد من الآراء والاتهامات ، وكان آخر النكات حولها ما أعلنه حاخامات يهود أنهم قتلوا عبد الناصر عن بعد باستعمال السحر الأسود من خلال إدخال 100 مسمار صلب في جسد بهيمة ، وهم يرددون بعض الكلمات الغامضة مع كل مسمار يغرسونه ، وفي النهاية وضعوا قلب البهيمة على النار كي تتفحم وصار جسدها أسود اللون ، وبعد ذلك دفنوه وأعلنوا لتلاميذهم وفاة عبد الناصر. ويلاحظ أن أكبر المشعوذين العرب أكثر عقلانية من هكذا خرافات وخزعبلات  يهودية . والسؤال أيضا ماذا كان هيكل سيقول لو أن الموافقة على مبادرة روجرز كانت من رئيس أو ملك عربي آخر، رافق موافقته بقول عبد الناصر " إحنا مش مستعدين دلوقت ندخل في معركة مع أمريكا "؟.

المهم ماذا يقدم كتاب هشام خضر؟

يؤكد المؤلف في صفحة رقم 9 من الكتاب أنه لا يهدف ( سوى كشف النقاب عن وجه الحقيقة التي أراد ناصر وهيكل قتلها ، ولهذا نهلنا معلوماتنا من أنصارهم بدلا من خصومهم حتى يخجلوا ويصمتوا ويكفوا عن اتهام الوطنيين والشرفاء بالعمالة والخيانة .  فإذا استشهدنا في كتابنا هذا بحقيقة علاقة ناصر مع الأمريكان واليهود من خلال رموز عهده ورجال عصره وأنصاره ، فهل نكون بذلك كاذبين؟. وإذا كان الأستاذ هيكل هو أهم مصادرنا فهل نكون بذلك منافقين وأفاقين؟. وإذا استشهدنا بمذكرات الدكتور ثروت عكاشة والناصري أحمد حمروش والثوري عبد اللطيف البغدادي فهل نكون بذلك مأجورين وموتورين؟.وإذا اعتقدنا في معلوماتنا بيوميات جمال عبد الناصر أثناء حرب فلسطين ، فهل نكون بذلك محتالين ؟. ). المهم أن كافة هذه المصادر والأسماء التي يوثقها الكتاب تدين عبد الناصر بسبب علاقاته المشبوهة وهيكل بسبب سكوته أو ( تطنيشه ) كما يقول المصريون وأحيانا تبريره لكل أعمال الرئيس فيحول الهزيمة واحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس وقطاع غزة إلى مجرد نكسة!!!.

الأسماء التي يكشف الكتاب عن علاقاتها

مع أجهزة المخابرات وتحديدا الأمريكية كثيرة ، منها الدكتور محمود فوزي الذي كان مندوب مصر في هيئة الأمم المتحدة في زمن الملك فاروق ، واستمر قريبا من عبد الناصر حتى تولى منصب وزارة الخارجية ثم رئاسة الحكومة ثم نائب الرئيس عبد الناصر ، مما أثار غضب زملاء عبد الناصر من الضباط الذين شاركوه الانقلاب عام 1952  . و ينشر هيكل في كتابه ( المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ) نص وثيقة توضح دور الدكتور محمود فوزي في الاتصالات مع اليهود أثناء توليه منصب مندوب مصر في الأمم المتحدة ، و نصّ الوثيقة كالتالي :

                                وثيقة رقم 2548 / فلسطين ب ب 501

                    برقية من المندوب الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة
                         من السفير أوستن إلى وزير الخارجية الأمريكي
عقد بروسكار رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية اجتماعين مع محمود فوزي بيك مندوب مصر في مجلس الأمن ، وكان فوزي بيك متقبلا بما فيه الكفاية فكرة تشجيع الاتصالات بين العرب واليهود في فلسطين بهدف ترتيب هدنة تيسر ترتيب الأحوال فور انتهاء الانتداب البريطاني ، وقال فوزي بيك أنه مخول من القاهرة وفي الغالب من الجامعة العربية أيضا حسب إشارته ، بأن يجلس مع وسطاء وممثلين يهود لبحث الوقف كله بدون تعهد نهائي من جانبه )
                                                    إمضاء
                                                  أوستن

والسؤال هو : لماذا يبقي جمال عبد الناصر أهم رموز العهد الملكي بجانبه وفي أهم المواقع الحكومية من وزارة الخارجية إلى رئاسة الحكومة إلى نائب الرئيس وهو يعرف ارتباطاته هذه ؟. والشائع أنّ الذي قدّم الدكتور محمود فوزي لعبد الناصر ودعمه وصولا لتلك المواقع هو محمد حسنين هيكل ، وهو يعرف علاقاته وارتباطاته ، وبالتالي فهذا التركيز على الدكتور محمود فوزي لا يمكن تفسيره إلا بالحاجة له في الاستمرار في نفس الاتصالات والعلاقات في زمن ناصر ومن بعده السادات .

ويورد الكتاب معلومات مشابهة عن أحمد حسين سفير مصر في الولايات المتحدة في العصر الملكي والناصري الذي كان على علاقة مباشرة مع مدير المخابرات الأمريكية آنذاك كيرميت روزفيلت ، وقد أكدّ ذلك هيكل في كتابه ( حرب السويس ) إذ قال : لقد أحسّ جمال عبد الناصر أنه يريد سفيرا في واشنطن يستطيع مخاطبة الأمريكيين ، ولفت نظره الدكتور أحمد حسين وزير الشؤون الاجتماعية الذي كان على صلات قديمة بالأمريكيين...كما أنه تعرف مبكرا على كيرميت روزفيلت، وقرّر عبد الناصر أن يبعث به سفيرا في واشنطن وترك له حق اختيار معاونيه ).

وأيضا حسن التهامي الذي كان يعمل

قرب عبد الناصر في رئاسة الجمهورية رغم شكوك وزير الحربية ومدير المخابرات العامة أمين هويدي ، وعدم فهمه لماذا يقرب عبد الناصر رجلا كهذا . قال عنه أمين هويدي في كتابه ( مع عبد الناصر ) ص 80 " إنه في مجلس الوزراء بعد الهزيمة ، كان ينصحهم ألا يتعبوا أنفسهم في بحث إزالة أثار العدوان، وكان يسخر في هذا الصدد ويقول ( لم تجهدون أنفسكم هكذا ؟ إنني موقن من إنسحاب اليهود ، إن الله سيرسل عليهم طيرا أبابيل تحرقهم !. ...ولا تسألوني لم استوزره عبد الناصر ؟ فهذا سؤال يضاف إلى عشرات الأسئلة التي تحيرني ولا أجد لها جوابا وعزائي أنني لست الوحيد في مصر )...تخيلوا ذلك وهو وزير الحربية ومدير المخابرات ّّ!!. أما الكاتب الناصري المعروف عادل حمودة فيعلق على ذلك في كتابه ( عبد الناصر والحروب الخفية مع المخابرات الأمريكية ) ويقول: " إذا كان رئيس المخابرات العامة في ذلك الوقت محتارا ولا يملك إجابة عن أسئلة يطرحها ، فماذا نفعل نحن ؟. لعلنا لا نتجاوز إذا ما توصلنا إلى أن جمال عبد الناصر ظلّ يستخدم حسن التهامي في أدوار معينة مع الولايات المتحدة حتى رحيله في سبتمبر 1970 ". و " حسن التهامي هو الذي تسلم مبلغ ثلاثة ملايين دولار من مايلز كوبلاند وقام بتسليمها إلى جمال عبد الناصر في عام 1953 وهذا ما ذكره أحمد حمروش وأكده هيكل في أغلب كتاباته ". و " حسن التهامي هو مهندس المفاوضات السرية مع موشي دايان في الرباط التي تمخضت عنها مبادرة السلام الشهيرة التي قام بها الرئيس أنور السادات " .

ومحمد حسنين هيكل عليه نفس الاتهامات ،

خاصة ممن عرفوه عن قرب مثل الأستاذ محمد جلال كشك الذي يؤكد أن هيكل ( أحد أهم عملاء المخابرات الأمريكية مع أستاذه مصطفى أمين، وقد ورد اسمه كثيرا في خطاب مصطفى أمين الوثيقة الذي بعث به إلى جمال عبد الناصر ، وقد استشهد فيه بهيكل أثناء لقاءاته مع رجال إل سي آي إيه ، بل كان الشريك السري لمصطفى أمين في صياغة بنود اتفاقية البوليس الدولي في سيناء مع الجانب الأمريكي والإسرائيلي في مبنى أخبار اليوم بعد حرب عام 1956 . وهيكل هو الذي التقى كثيرا مع كيرميت روزفلت مدير المخابرات الأمريكية و جيمس إيكلبرجر رئيس شبكة العملاء في السفارة الأمريكية ) الذي كان يوقظه من نومه الثالثة صباحا ليسأله عن صحة بعض الأخبار المتعلقة بناصر والسوفيت كما ذكر ذلك هيكل نفسه في كتابه  ( بين الصحافة والسياسة ).

ومن سمع بفضيحة الصحفي إبراهيم عزت ؟

هذا الصحفي ذهب في العام 1956 لزيارة إسرائيل مكلفا من صلاح نصر مدير مخابرات عبد الناصر لإجراء مفاوضات مع الإسرائيليين والاستماع لوجهات نظرهم  بعلم عبد الناصر وتنفيذا لأوامره ، ويورد الكتاب تفاصيل هذه الفضيحة في الصفحات من 81 إلى 95 ، وهي تفاصيل موثقة مثيرة لا يمكن تلخيصها ، والأفضل قراءتها كاملة بالأسماء واعترافات العديد من الشخصيات بما فيهم الصحفي إبراهيم عزت نفسه، والمثير أن الصحافة اللبنانية آنذاك هاجمت عبد الناصر بالاسم هجوما عنيفا لا يتوقعه أحد أن يصدر ضد معبود الجماهير عبد الناصر.

وإذا أردت تلخيص وذكر كل الوقائع المذكورة في الكتاب عن علاقات عبد الناصر مع أجهزة المخابرات تلك فهذا يحتاج للعديد من الصفحات لذلك أكتفي بذكر أهم العناوين:

الفصل الخامس من الكتاب ، عن اتصالات ومفاوضات ثروت عكاشة مع الإسرائيليين بأمر من الرئيس عبد الناصر وتفاصيل ذلك في مذكرات ثروت عكاشة بكل تفاصيلها .

الفصل السادس : حمروش وجولدمان وجها لوجه.
الفصول التالية عن العلاقات المشبوهة لرجال ثورة 1952 بالمخابرات الأمريكية حسب اعترافات وكتابات لعدد من رجالها منهم خالد محيي الدين عضو مجلس قيادة الثورة ، وأطرف هذه الغرائب قصة برج القاهرة التي يعتمد الكتاب في روايتها على محمد حسنين هيكل نفسه الذي يعترف بأنه تم بناؤه بمبلغ ثلاثة ملايين دولار من المخابرات المركزية الأمريكية ، ويؤكد ذلك عادل حمودة حرفيا في صفحة 136 من كتابه ( عبد الناصر والحروب الخفية ) : " حمل حسن التهامي الدولارات في سيارته المرسيدس متجها إلى جمال عبد الناصر الذي كان في استراحته بالدور العلوي بمبنى مجلس قيادة الثورة بجانب كوبري قصر النيل ". وكل ذلك كي يكون في قمة البرج شبكة اتصالات وتصنت للمخابرات المركزية ، وهو ما يؤكده الكثيرون على أن هذه الشبكة موجودة حتى اليوم.

إذن لماذا يتخصص هيكل في مهاجمة الملوك الهاشميين ،

ويتهرب من الرد على هذه المعلومات المنشورة في داخل مصر التي تدينه صراحة بمجمل علاقاته التي توسع الكتاب في ذكرها فاضحا ألاعيب هيكل وتجنيه حتى على شخصيات مصرية منها الرئيس محمد نجيب الذي كسب قضية ضد هيكل في عام 1972 ، طبعا بعد وفاة الرئيس عبد الناصر لأنه في حياته ما كان قاض أو محكمة تتجرأ على مناقشة أو محاكمة مستشار معبود الجماهير .

وعودة للحلقتين اللتين هاجم فيهما،

الملك حسين فلا بد من الإشارة إلى ضعف أدلته خاصة أنه كان يحرك أوراقا أمام الكاميرا مدعيا أنها وثائق ، ولا يستطيع إلا الله تعالى التأكد من ذلك خاصة أن بعض الأوراق كانت بيضاء وأكثر بياضا من قلب هيكل. ومن تابع الحلقتين بدقة يلاحظ أنه كان متذبذبا بين الإشادة بالملك حسين والهجوم عليه ، وفي الوقت نفسه يفسر بعض الأحداث على هواه . فما هو العيب أو الخلل في ذهاب الملك حسين للقاهرة ولقاء الرئيس عبد الناصر ووضعه الجيش الأردني تحت تصرف عبد الناصر؟ هذا رغم تحذيرات الملك حسين لعبد الناصر أن لا ينجر وراء المعلومات التي تأتيه من الضباط البعثيين ، وقد ثبت لاحقا صحة هذه التنبيهات، ورغم ذلك مضى عبد الناصر نحو الهزيمة برجليه ويديه ، عندما طلب سحب القوات الدولية من سيناء وقطاع غزة وإغلاق مضائق تيران ، وهو يعرف عدم جاهزية الجيش المصري لمواجهة الجيش الإسرائيلي  ، ورغم ذلك كان هيكل وأحمد سعيد يمارسان كذبا مفضوحا ولا أخلاقيا وهما يوصلان عدد الطائرات الإسرائيلية التي تمّ إسقاطها إلى ما يفوق المئة وخمسين ، والشارع العربي يصفق ويهلل لأن الغوغائيين في صوت العرب وشريكهم هيكل أعطوه الانطباع أن الجيش المصري على أبواب تل أبيب ، وإذا به كان قد انسحب من سيناء كاملة تاركا إياها للجيش الإسرائيلي بدون قتال يذكر، وأغلبية الطائرات المصرية تمّ تدميرها في قواعدها ، والمشير عبد الحكيم عامر قائد الجيش المصري في سهرة متعة ساخنة في شقة الممثلة برلنتي عبد الحميد .

 ويحاول هيكل أن يكون عالم نفس أيضا فيتهم الملك حسين بانفصام الشخصية رغم أنّ سياسات ومواقف الملك حسين كانت واضحة سواء لمن أيدها أو من خالفها ، وعالم النفس هيكل هو نفسه من مارس نفس الدور مع الرئيس السادات بعد أن أقصاه عن مراكز النفوذ ، فنجده يكتب عن عقدة السادات النفسية لأنه أسود اللون!!! نعم يستعمل كلمة أسود وليس أسمر التي هي صفة غالبية المصريين والعرب. ولكن هيكل إذا وضع شخصية في موقع الخصم يحاول استعمال كل الوسائل المنطقية والغوغائية للنيل من هذه الشخصية ، فيمثل دور عالم النفس وباحث في الاجتماع والحائز على وثائق لا يملكها غيره رغم أنه لا يلتزم بالمهنية المطلوبة عند استعمال هذه الوثائق .

إذن من المسؤول عن الهزيمة النكسة يا هيكل؟

هذا السؤال يطرحه الصحفي والكاتب الفلسطيني المعروف بصداقته لهيكل وعبد الناصر ، إذ أمضى أغلب حياته في مواقع متقدمة في الصحافة المصرية و منها رئاسة تحرير جريدة الجمهورية ، وهو الأستاذ ناصر الدين النشاشيبي  ، الذي وضع كتابا مهما بعنوان( حضرات الزملاء المحترمين ) ، و يخصص فيه فصلا كاملا للحديث عن  هيكل وعلاقاته وافتراءاته وهو ( المستشار الأول والأخير ) كما سمّاه ، ويصرخ النشاشيبي في صديقه هيكل :

" يا أخي ويا عزيزي ويا رفيق العمر الصحفي ، لقد ضاعت بلدي في عهدكم وعلى يديكم فمن هو المسؤول؟. من ؟ من ؟ من ؟ كنت أنت المقرب الأوحد إلى عبد الناصر ، وكنت أنت المؤتمن الأوحد على كل أسراره وعلى كل قراراته قبل التنفيذ و بعد التنفيذ!...وكنت أنت المستشار الأول والأوحد والأكبر لكل نبضة فكر في عقله وتفكيره...فمن أضاع بلدي في غمرة قرار مرتجل أمر بإغلاق المضائق وطلب سحب القوات الدولية وجرّنا إلى الكارثة الأعظم في تاريخ العرب والإسلام ؟ ".

الخلاصة هي أن هيكل ليس أمينا في تعامله مع أسرار ووثائق المرحلة ، ومما يدعو للأسف أن الجماهير العربية العاطفية مغيبة العقل ، أصبغت على عبد الناصر وفيلسوفه هيكل صبغة الأنبياء الذين لا يمكن المسّ بكراماتهم حتى ولو جرّونا لهزيمة أضاعت الأرض العربية . ومما يلاحظ أيضا هو تطنيش ونسيان وغيبوبة هيكل عن كل ما يمت لحقوق الإنسان المصري في زمن عبد الناصر ، حيث شهدت السجون الناصرية من القتل والتعذيب والتغييب الذي لم يستثن الشيوعيين ولا الإخوان المسلمين ، مما يجعل السؤال قائما في وجه هيكل: إذن من هي قوى الشعب العامل إذا كان الشيوعيون من اليسار والإخوان المسلمين من اليمين وقودا لسجون عبد الناصر الذي يمكن اعتباره مؤسس مدرسة القمع والتنكيل في السياسة العربية مع حلفائه لحين من البعثيين.

وفي انتظار( بقايا هيكل ) ،

الكتاب الثاني للمؤرخ العراقي الأستاذ الدكتور سيار الجميل ، وهو في نقد هيكل على امتداد السنوات العشر الأخيرة ، من خلال " نقد تاريخي ومعرفي وتفكيكي لكل نصوصه التي ألقاها عبر فضائية الجزيرة" . ومن الملاحظات المهمة ما وافاني بها الكاتب والباحث نواف الجداية في النمسا ، حيث لفت انتباهي إلى تناقض هيكل مع الدعاية المصرية المرحبة والممجدة بالملك حسين عند وصوله للقاهرة في الثلاثين من مايو 1967 ، خاصة لأنه أحضر معه إلى الأردن قائدا مصريا للجيش الأردني . وأيضا ضرورة الانتباه لمواقف الأمير عبد الله بن الحسين ( الملك فيما بعد ) الذي طالب العرب بقبول قرار التقسيم فرفضوه ليتمنوا اليوم أمتارا من غزة والضفة . وأيضا مبادرة الحبيب بورقيبة عام 1964 التي نادى فيها مبكرا بالاعتراف بإسرائيل ضمن حدود 1967 ، فرفضها القومجيون والناصريون وهاجموا بورقيبة ليترحموا اليوم على حدود 1967 دون التفكير فيمن أضاع بلادي حسب صرخة ناصر الدين النشاشيبي .
 
 والخلاصة أن أحاديث هيكل عن الملوك الهاشميين فيها نسبة كبيرة من التجني والكذب والتلفيق عبر لوي عنق حقائق ووثائق يلف ويدور هيكل حولها محاولا إقناع المستمع بحركات تمثيلية أقرب إلى مسرح العرائس منها لبرنامج توثيقي يقتضي الدقة والمباشرة الواضحة، لأن أية حلقة مدتها نصف ساعة من أحاديث هيكل إذا أردنا تجميع ما فيها من معلومات وحقائق سواء صحيحة أم ملفقة وكاذبة فهي لن تستغرق سبعة دقائق ، ولكن الظهور المسرحي التمثيلي يقتضي هذه الحركات و وقت ضائع لا قيمة له.
وما زال السؤال قائما : من أضاع سيناء المصرية والجولان السورية والقدس وقطاع غزة والضفة الغربية عام 1967 الملوك الهاشميون أم عنتريات عبد الناصر التي ما قتلت ذبابة ، وأيضا فلنتذكر أن سيناء لم  يتم تحريرها عقب حرب أكتوبر ولكن بعد معاهدة كامب ديفيد ، وأن الملك حسين انتظر ستة عشر عاما ليوقع معاهدة وادي عربة..فلماذا ما هو حلال على مصر حرام على الأردن ، متذكرين أن قيادة الإخوان المسلمين في مصر أعلنت في أكثر من مناسبة أنها إذا استلمت الحكم في مصر سوف تلتزم بكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية الموقعة مع مصر أي بما فيها كامب ديفيد...فلماذا مزايدات وتلفيقات هيكل ضد القيادة الأردنية؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

حلقة قادمة عن: ضحايا اغتيالات الشرفات اللندنية من رجال المخابرات المصرية: أشرف مروان ، الليثي ناصف ، وعلي شفيق ، ومن الفنانين سعاد حسني . وهي أسرار يعرفها هيكل ويطنش عنها أي يتناساها، ولا بد من وضعها كاملة أمام القارىء.










335
متخصصون في الإساءة للإسلام والمسلمين
د.أحمد أبو مطر

تتعرض كافة الأديان والنظريات في العالم إلى إساءات من الذين يؤمنون بها ويعتقدون بصوابها، وربما في هذا المجال كانت النظرية الماركسية وتطبيقاتها الميدانية من أكثر النظريات التي تعرضت للنقد والمناقشة في داخل معسكر المؤمنين بها خاصة أثناء ما أطلق عليه الحرب الباردة التي انتهت في مطلع تسعينات القرن الماضي بانهيار منظومة الاتحاد السوفييتي ، مما عنى إفلاس النظرية الماركسية وعدم إمكانية تطبيقها تطبيقا عادلا في ظل أنظمة سوفيتية عرفت بالقمع والاستبداد ومصادرة أبسط الحريات،وكانت هذه الأنظمة قد شهدت انتفاضات مهمة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي خاصة ما عرفت باسم ربيع براغ عام 1968 الذي قاده الزعيم التشيكي ألكسندر دوبتشيك رافعا شعار ( اشتراكية ذات وجه إنساني ) مقابل اشتراكية القمع والظلم والفقر ، فدخلت الدبابات الروسية باسم الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو لتقمع تلك الانتفاضة بدموية وتعيد احتلال كامل تشيكوسلوفاكيا. هذه الإساءات للنظرية الماركسية الاشتراكية جاءت من أبنائها وقادة تطبيقها الذين حولوها لمستنقع لا مثيل له ، أدى لانهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال كافة الدول التي كانت تشكل منظومته ، وهي في الواقع كانت ملحقة إجباريا بروسيا الدولة الكبرى في المنظومة التي شهدت ميلاد النظرية الماركسية التي انهارت بلا رجعة ، رغم تغني بعض متقاعدي الماركسيين العرب بهذه النظرية وكأنها ما زالت تحكم العالم كله. ومن مساخر الضحك الذي يشبه البكاء أنه عند انطلاق المقاومة الفلسطينية رفع بعض الماركسيين الفلسطينيين والأردنيين شعارات مثل ( فلتعلن مجالس السوفييت في كل حارة وشارع ) ، وملأوا بها شوارع العاصمة الأردنية عمّان ، ونشكر الله والمرحوم الملك حسين الذي قضى على أصحاب هذه المجالس وطردهم مهزومين خارج الأردن، وإذا بهم بعد سنوات يتوسلون النظام الأردني للسماح بعودتهم كزائرين لوطنهم وأهلهم ، وكان لهم ذلك بدون مجالس سوفييت مما يعني اعترافهم بمراهقتهم الفكرية والسلوكية آنذاك ، بدليل انهيار النظرية في عقر دارها فما بالك بمن أراد استيرادها لمجتمعات غريبة عنها في كافة النواحي.

وما دخل الإسلام بهذا السياق؟

السياق هو أننا نفهم أن تتعرض نظريات من وضع البشر للإساءة والتنفير من واضعيها والمنظرين لها، أمّا أن يتعرض دين سماوي مثل الإسلام العظيم للإساءة له والتنفير منه ممن يدّعون نصرته والتبشير به فهو المستغرب لدرجة الصدمة . ولماذا الصدمة إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم استشعر ذلك في زمانه وقال في أكثر من مناسبة لصحابته : ( بشروا ولا تنفروا ) ، ( إنّ منكم لمنفرين ) ، و ( يسرا ولا تعسرا ، بشرا ولا تنفرا ) والأخيرة قالها لمعاذ وأبا موسى عندما أرسلهم إلى اليمن . فإذا كان هذا التحذير وارد لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما بالك بمنفري اليوم أمثال أسامة بن لادن  والظواهري  في كهوف تورا بورا وأبو حمزة المصري في لندن والمقبور الزرقاوي والجاهل الأمي أبو أيوب المصري في العراق .

أبو أيوب المصري أكثرهم تنفيرا!!

هذا الرجل الذي كان نكرة في موطنه مصر لم يفلح في أية دراسة حاولها  من كلية الصيدلة إلى كلية التجارة ، ونتيجة فشله الذريع في حياته الشخصية وجد أن المخرج هو الالتحاق بمن يطلقون على أنفسهم زورا صفة ( المجاهدين ) فتنقل من باكستان إلى أندونيسيا إلى أفغانستان ليستقر في العراق خليفة للمجرم المقبور الزرقاوي ويحمل لقب ( زعيم تنظيم القاعدة في العراق ). والمثير للدهشة والنفور هو تهالك هؤلاء القتلة على أضواء الفضائيات وكل ما يهمهم هو الظهور مهما كانت نسبة تنفيره خاصة أن أي ظهور لهم يغلفونه بخلفيات إسلامية الإسلام منها براء ، مثل شريط الفيديو الذي تم بثه في الأول من أكتوبر لعام 2006 ، يظهر فيه وهو يدرب بعض الإرهابيين على طرق تفخيخ السيارات بالمتفجرات ، والكل يدرك حجم ألاف الضحايا الذين سقطوا في العراق تحديدا من جراء هذه السيارات المفخخة التي كانوا يفجرونها وسط الأبرياء من رواد المساجد والحسينيات والأسواق الشعبية...فأي إسلام يقبل هذا ويبرره ؟. وفي شريط آخر تم بثه في أغسطس من عام 2004  ، ظهر فيه المجرم أبو أيوب المصري وهو يقتل رهينة تركي مسلم ، وكان خلفه مع القتلة الآخرين يافطة مكتوب عليها ( لا إله إلا الله ) ، فهل تعاليم الله ورسوله تبيح هذا القتل الإجرامي ، والرسول نفسه الذي أوصى بعدم قطع حتى الشجر أثناء الحروب فما بالك بقطع الأعناق أثناء السلم ، وأعناق المسلمين مثل هذا التركي الذي يظهر في شريط الإرهابي أبو أيوب المصري.

فهل قتل المدنيين الأبرياء،

من تعاليم الإسلام الذي قال رسوله الكريم " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق باب داره فهو آمن " ؟. وأين هذه التعاليم السمحة من ألاف الضحايا العراقيين تحديدا من رواد المساجد أو الحسينيات أو المشاركين في مراسم عاشوراء وغيرها من المناسبات الدينية عند الشيعة والسنّة؟. يقول بعض هؤلاء القتلة أنه يجوز قتل المدنيين الذين يعملون في خدمات مدنية عائدة لجيش الاحتلال الأمريكي ، ويتناسون أنه لا أحد من علماء الأمة الإسلامية في فلسطين وخارجها أوصى بقتل الفلسطينيين الذين يعملون في داخل دولة إسرائيل ، ونسبة منهم في بناء المستوطنات...فلماذا قتل هؤلاء المدنيين الفلسطينيين حرام وقتل أمثالهم من المدنيين في العراق حلال؟. إنه تناقض يعني جهل هؤلاء وانتقائيتهم التي تخدم مصالح شخصية لهم لا تحترم تعاليم الإسلام ، رغم أنهم يعرفون حجم السمعة السيئة التي ألحقوها بالإسلام في الغرب والشرق وفي بلاد أبنائه ومعتنقيه ، كالتفجيرات الهمجية التي تجري في باكستان وأفغانستان وتطال البشر والحجر والمدارس والمساجد والمستشفيات.

ولا نستغرب ذلك عندما نعرف

أن أغلب هؤلاء القتلة هم خريجو السجون في بلادهم كالمقبور الزرقاوي وأيمن الظواهري وأبو أيوب المصري اللذين أمضيا في السجون المصرية من عام 1981 إلى عام 1984 ، وتعتقد الجهات الأمنية المصرية أن المدعو أبو أيوب المصري قد شارك في أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها مصر وخاصة منطقة سيناء بين عامي 2004 و 2006 . فمن لم يرحم المدنيين الأبرياء من شعبه المصري، هل سيكون رحيما على الشعب العراقي؟.

إن القاعدة وكافة تنظيماتها ومسمياتها في كل أماكن تواجدها ، من أكبر وأجرم المسيئين للإسلام والمسلمين ، وهي وكافة أعضائها لا يتحركون إلا ضمن أجندة مصالح شخصية ، لا تهتم بالإسلام وتعاليمه ، وبالتالي فهم أوسخ من يسيء للإسلام والمسلمين ، خاصة أن هذا أصبح تخصصهم في أي بلاد تواجدوا فيها، يمارسون جرائمهم زورا باسم الإسلام...وبالتالي فإن محاربتهم ليس مسؤولية الدول وحدها ، بقدر ما هي مسؤولية كل فرد يهمه أمن وسلم بلاده وسمعة الإسلام والمسلمين . وأفضل من شخّص حالتهم هذه هو الدكتور حكمت بن بشير بن ياسين من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، عندما قال: ( ومع هذا فإن بعض الناس لا يعرفون حقيقة هذا الدين يظنّ أنّ الإسلام لا يعرف العفو والصفح والسماحة، وإنما جاء بالعنف والتطرف والسماجة، لأنهم لم يتحروا الحقائق من مصادرها الأصلية، وإنما اكتفوا بسماع الشائعات والافتراءات من أرباب الإلحاد والإفساد الذين عبدوا الشهوات ونهجوا مسلك الشبهات بما لديهم من أنواع وسائل الإعلام المتطورة )....فهل نستغرب هذه الجرائم وهذا القتل المتواصل؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


336
آخر إصدار من سلسلة ثقافة الحذاء:
المطلوب عمر البشير:
 " كل أعضاء المحكمة ومدعيها العام تحت حذائي "

د.أحمد أبو مطر

من يتخيل أن هذا هو مستوى رئيس دولة اسمها السودان تعداد سكانها لا يقل عن أربعين مليونا، مستوى لا يليق بأي شخص فما بالك إذا كان في موقع رئيس جمهورية . ففي زيارة استعراضية مفاجئة لولاية شمال دارفور يوم الأحد الثامن من مارس الحالي ، قام بها المطلوب جنائيا دوليا عمر حسن البشير الذي يحمل صفة ( الرئيس السوداني ) ألقى خطابا فيه من العنتريات ما يكفي لتحرير كل الأراضي العربية المحتلة ، ولكن لا يحقق المساواة والعدالة لكافة أبناء الشعب السوداني ، رغم ألاف خرجوا لاستقباله مما يذكرنا بالعديد من أمثاله من الديكتاتوريين العرب الذين يعرفون أن هذه الجماهير يتم حشدها عنوة من قبل أجهزة المخابرات ، ولا يستطيع أي مواطن أن يتخلف أو يقول لا. في هذا الخطاب المليء بالأكاذيب ، أصدر الرئيس عمر حسن البشير آخر إصدار عربي من ثقافة الحذاء العربية ، عندما قال : ( إن قضاة المحكمة الدولية ومدعيها العام تحت حذائي هذا)، ولم يقل الرئيس المطلوب دوليا كم مقاس حذائه الذي يدوس به الشعب السوداني وقياداته الدينية خاصة منذ انقلابه العسكري في الثلاثين من يونيو عام 1989  على حكومة الصادق المهدي المنتخبة انتخابا شعبيا حرا ، ومن ذلك اليوم الأسود في تاريخ الشعب السوداني عاث فسادا وقمعا ضد كل معارضيه إلى حد أن الدكتور حسن الترابي الذي دعم انقلابه وأعطاه المسحة الإيمانية الإسلامية المزيفة ، لم يسلم من سجونه فقد تم منذ عام الانقلاب إلى اليوم سجنه واعتقاله وفرض الإقامة الجبرية عليه عدة مرات كان آخرها في منتصف يناير الماضي ،  لأنه تجرا على تقديم نصيحة له مفادها ( أن يسلم نفسه لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية حفظا للبلاد وأمنا للعباد وتحمل المسؤولية السياسية ). وقد أعدم الذي يقول أنه يحكم باسم الإسلام في مايو عام 1990 بشكل علني وشنقا 28 ضابطا سودانيا بحجة تخطيطهم لانقلاب عسكري عليه، وهذا في عرفه الإسلامي  البعيد عن كل تعاليم الإسلام أن انقلابه عام 1989 ضد حكومة الصادق المهدي المنتخبة شعبيا حلال بينما محاولة انقلاب هؤلاء الضباط عليه وحكومته العسكرية غير الشرعية حرام .

ولم يعد سرا أن سجل حقوق الإنسان السوداني من قبل حكومة البشير العسكرية من أسوأ السجلات في العالم . ويكفي التذكير أن الجرائم التي ارتكبتها عصابات ومجرمي ( الجنجويد ) المدعومة والمدربة والمسلحة من عمر البشير شخصيا، ارتكبت في إقليم دارفور بحق المواطنين السودانيين من أصول أفريقية من جرائم القتل والاغتصاب والتدمير والترحيل، ما لا يشرف أي عربي يملك ضميرا أن يدافع عن هذه الجرائم ومرتكبيها. في حين أن عمر البشير دعم هذه الجرائم علنا وبدون خجل من خلال العديد من الأعمال التي منها تعيينه لأحد مجرمي الجنجويد المدعو موسى هلال مستشارا له بدون خجل وحياء من ما لا يقل عن مائتي ألف مواطن سودني قتلتهم هذه العصابات، وتم نزوح وهروب حوالي مليونين ونصف سوداني من منازلهم ، وجرائم الاغتصاب التي طالت عشرات ألاف الفتيات والنساء السودانيات .

جرائم مثبتة دوليا من خلال لجان محايدة

هذه الجرائم بحق مواطنين سودانيين بدأتها عصابات ومجرمو الجنجويد منذ ما لا يقل عن خمسة سنوات ، وبدأت معلومات هذه الجرائم تتأكد للمجتمع الدولي من خلال لجان وجمعيات ومواطنين سودانيين أولا، وكان تحرك المجتمع الدولي مبكرا في رصد هذه الجرائم وتوثيقها ميدانيا على أرض إقليم دارفور من خلال لجان دولية ، كانت إحداها في منتصف عام 2007 ضمت 18 خبيرا دوليا محايدا ، وأثبتت أن طائرات النظام العسكرية الرسمية في العديد من الحالات تقوم بمطاردة الهاربين من جرائم عصابات الجنجويد وقصفهم لدرجة الإبادة.

وأيضا حليفه السابق ،

 الدكتور حسن الترابي الذي أفرج عنه من السجن قبل أيام قليلة، ما زال على رأيه في ضرورة أن يسلم  عمر حسن البشير نفسه للمحكمة الجنائية الدولية ، وقد صرّح للصحافة من منزله في ضاحية المنشية في العاصمة الخرطوم : " أنا رجل قانوني وأؤمن بالعدالة الدولية ، أنا أوافق على العدالة الدولية بغض النظر كانت معنا أو ضدنا " ، وكرّر الترابي تأكيده " أنه على البشير أن يتحمل المسؤولية السياسية عما جرى في دارفور من تقتيل وعمليات القتل التي جرت بصورة واسعة، ومن حرق للقرى والاغتصابات ". ...فهل الدكتور حسن الترابي عميل للغرب كي يستمر في إصراره على ضرورة تقديم  عمر البشير للعدالة الدولية؟ طبعا دون أن ننسى التلون السياسي للترابي ودعمه في مراحل سابقة للمطلوب جنائيا عمر البشير والتنظير الديني لمواقفه ، وهو بالتالي ينطبق عليه في شهادته الآن ضد البشير ( وشهد شاهد من أهلها ).

وكذلك هو موقف الشاعر،

والروائي المسرحي الأفريقي ( وول سوينكا ) الفائز بجائزة نوبل العالمية للآداب ، فقد أعلن يوم الأحد التاسع من مارس العالي في مؤتمر صحفي عقده في دبي تأييده لحكم محكمة العدل الدولية لتجريم واعتقال عمر البشير ، وقال صراحة كما نقل مراسل إيلاف من دبي ( إنني ألوم كلا من اتحاد الدول الأفريقية وجامعة الدول العربية لأنهما لم يحركا ساكنا أمام المجازر والمذابح والاغتصابات التي ارتكبت بحق النساء والأطفال والشيوخ من أبناء الشعب السوداني المنتمي إلى القارة الأفريقية . إن السودان ينتمي إلى عائلتين الأولى الاتحاد الأفريقي والثانية جامعة الدول العربية ، ولأننا نعرف أن كلا العائلتين شاهدتا ما حدث من مجازر ومذابح واغتصابات بحق المواطنين القاطنين بالجانب الأفريقي من السودان وأنهما لم تتحركا لمواجهة ذلك ، لم تتحركا لحماية وإنقاذ ونجدة ما يزيد عن مليونين ونصف المليون لاجىء ولم تقوما بأي فعل بصدده، قامت محكمة العدل الدولية وتحملت المسئولية واتخذت قرارها بتجريم عمر البشير....من يكون عمر البشير بالمقارنة مع هؤلاء النساء اللواتي اغتصبن والأطفال والشيوخ الذين أبيدوا وغيرهم ممن جردوا من كافة الحقوق الإنسانية؟ ) .

والسؤال المنطقي للمدافعين ،

عن عمر حسن البشير مستعملين ذريعة أنه لا توجد عدالة دولية مطلقة، وأن هناك مجرمون آخرون يستحقون التقديم للمحكمة الجنائية الدولية، نقول لهم هذه أمور منطقية ونؤيدكم فيها تماما، أي أن كل من ارتكب جرائم بحق أي شعب من الشعوب يجب أن يقدم للمحكمة الدولية، وإذا كنا لا نستطيع تطبيق هذا الآن ، فهل هذا مبرر لإفلات من نستطيع تقديمه لهذه المحكمة من المجرمين بحق شعوبهم ؟. هل وجود لصوص ومجرمون يبرر ظهور مجرمين آخرين؟. هل يستطيع قاتل أن يقول للمحكمة: أنا لست وحدي القاتل فهناك قتلة آخرون؟. إن جرائم عمر حسن البشير ليست بحق شعب أجنبي بل هي جرائم بحق شعبه السوداني متنوع الديانات والأعراق، وهو العسكري الذي اغتصب السلطة من حكومة منتخبة شعبيا ، وحاول طوال السنوات الماضية الكذب على الشعب تحت ستار تطبيق الشريعة الإسلامية، وهل سأل نفسه إن كانت هذه الشريعة تبيح له هذا القتل والتهجير والاغتصاب الجماعي؟. أليست هذه الشريعة هي التي ورد في قرآنها الكريم : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والسن بالسن والجروح قصاص )؟. و أليست هذه الشريعة هي التي قال رسولها محمد صلى الله عليه وسلم : ( والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها )؟. إذن لماذا التستر من قبل البعض على جرائم النظام الذي يقوده عمر حسن البشير ومحاولة الدفاع عنها بحجج واهية لا تصمد أمام منطق الشريعة الإسلامية ذاتها؟. هذا رغم أن حكومة المطلوب جنائيا اعترفت على لسانه شخصيا في خطاب له في مايو 2007 أن هناك مبالغات في عدد القتلى في إقليم درافور ، وأن عدد هؤلاء القتلى لا يتعدى تسعة ألاف شخص!!. تخيلوا قاتل تسعة ألاف شخص باعترافه  ألا يستحق الجلب للمحكمة الجنائية الدولية؟ خاصة أنه منذ أكثر من سنتين يرفض تسليم متهمين آخرين مثل الوزير أحمد هارون الموثقة مشاركته في هذه الجرائم. وفي مجال الإعدامات الرسمية لنظام البشير التي تمت علنا ، من ينسى العشرات من ضباطه ومعارضيه الذين أعدمهم شنقا وعلنا في الساحات العامة، وغيرهم ألاف حالات الشنق والسحل والجلد العلني أمام كاميرات التلفزيون ، وهي بحق كل من اعتقد البشير أنه يخطط ضد نظامه اللاشرعي الذي جاء على ظهور الدبابات.

إن لغة الحذاء الوضيعة ،

الموجهة من رئيس دولة لمنظمات دولية ورؤسائها الحقوقيين المعروفين بنزاهتهم وبعدهم عن اللعبة السياسية الدولية ، لا تكسب العربي والمسلم أي احترام وتعاطف ، وهي لا تصدر إلا عن متهم لا يستطيع الدفاع عن براءته ، لأن البريء فعلا يذهب بجرأة لأي محفل عربي أو دولي ليدحض الاتهامات الموجهة له بحقائق مناقضة ، أما لغة الحذاء هذه فهي لا تليق حتى بأبناء الشوارع بل بالمتهمين فعلا الذين يجب أن يساقوا للعدالة عربية أم دولية . إن المصفقين والمدافعين عن هؤلاء الديكتاتوريين الانقلابيين المستبدين لا يملكون أية حجة قوية، ولو كانوا من ضحايا مجازر دارفور لعرفوا حجم الألم والحزن الذي عاشه ويعيشه الشعب السوداني في ذلك الإقليم فقط لأنه من أصول أفريقية...إذا لم يجتمع رأي العرب على رفض لغة الحذاء هذه وأصحابها ، فإن هذا من شأنه أن يعني أننا نستحق هؤلاء الطغاة المجرمين لأنهم من صناعتنا ، صناعة بالروح بالدم نفديك يا....هذا علنا في مواجهته ، وسرا نلعن الساعة التي جاءت به حاكما علينا...فمتى نجرؤ كشعوب ومنظمات وأحزاب عربية على أن نقول علنا ما نعيده ونكرره سرا؟؟.

إضافات مفيدة

من بين التفسيرات لكلمة الجنجويد أنها تعني ( جن على جواد ) كونها تضم عصابات القبائل من أصول عربية مسلمة ، تواجه القبائل من أصول أفريقية غير مسلمة، وغالبية هذه القبائل العربية تمارس الرعي والتنقل حيث المرعى والكلأ ، وغالبية القبائل الأفريقية تمارس الزراعة مما يعني الاستقرار، لذلك تمارس عصابات الجنجويد الهجوم عليهم لتصفيتهم والاستيلاء على مقدراتهم الحياتية. وهناك تفسير آخر للاسم يرى أنه نسبة إلى المدعو ( حامد جنجويت ) أول سوداني من أصول عربية بدأ بتشكيل العصابات المسلحة لمحاربة القبائل السودانية من أصول أفريقية قبل ما لا يقل عن ثلاثين عاما . أما أحد أهم مسؤولي عصابات الجنجويد الآن فهو المطلوب دوليا أيضا  زعيم إحدى القبائل العربية المدعو موسى هلال كان قد قال حرفيا  أنه ( لم يفعل سوى ما طلبته منه الحكومة ) وأضاف ( إن حكومة الخرطوم طلبت من زعماء القبائل تجنيد شبان للانضمام للميليشيات في دارفور، وأن الحرب في دارفور لم تكن أمرا يقرره زعماء القبائل ولكن قرار شنّ الحرب كانت تتخذه سلطات أعلى بالدولة . إنّ زعماء القبائل العربية وغيرها عملوا بتكليف من الحكومة للمشاركة في جهود التجنيد الإجباري ولم يكن أمامهم سوى تنفيذ الأوامر ). نقلت تصريحاته هذه علنا وصراحة من الخرطوم وكالة رويترز ، وأعاد نشرها موقع فضائية العربية يوم العشرين من فبراير عام 2005 .

والملاحظة التي  تستحق التفكير وتدين عمر البشير مباشرة: لماذا تسكت حكومة رسمية مسؤولة عن أمن وسلامة شعب بكامل أصوله وأطيافه على ممارسات عصابات الجنجويد طوال ما لا يقل عن ستة سنوات ؟ ألا تستطيع هذه الحكومة وقف العصابات وردعها لتوقف جرائمها ضد قبائل من الشعب السوداني ؟ كيف تقبل حكومة أن تمارس عصابات هذه الجرائم على أرضها ؟. إن هذه الأسئلة تثبت صحة كلام المطلوب دوليا موسى هلال ، من أن كافة تحركات وجرائم عصابات الجنجويد تتم بأمر حكومة البشير وتخطيطها ودعمها ، لذلك فهو يستحق هذه المحاكمة الدولية ليكون عبرة لغيره من الطغاة والمستبدين.


ahmad64@hotmail.com 
www.dr-abumatar.com

337
عن اليمن السعيد و توبة محمد العوفي
د.أحمد أبو مطر

منذ أن تعلمنا القراءة والكتابة لا يمرّ اسم دولة اليمن إلا مقرونا بصفة السعيد، رغم أن كافة نواحي حياة هذا البلد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية منذ ما يزيد على نصف قرن، من الصعب ربطها بالسعادة  التي يستحقها هذا الشعب الطيب البسيط المتواضع . لكن ظروف البلد منذ الانتداب البريطاني وتقسيم البلاد إلى شمال وجنوب،وانقلابات متعددة منذ عام 1962 ثم حكم شمولي فردي منذ عام 1978 سواء عندما كان شمالا وجنوبا أو بعد أن توحد في عام 1990 ، والحكم بيد فرد واحد هو الرئيس علي عبد الله صالح، مما يجعله أطول رئيس عربي في الكرسي بعد العقيد القذافي ، وهو بذلك يستحق لقب ( نائب عميد الحكام العرب ) ، على اعتبار أن العقيد القذافي هو عميدهم لأنه أطولهم بقاء في الكرسي منذ عام 1969  . الطريف في الأمر هو كثرة التفسيرات لتسمية هذا البلد باليمن ، فهناك من يرى أنها سميت بذلك نسبة ل ( أيمن بن يعرب بن قحطان ) ، والأقرب للمنطق هو نسبة لليمن بضم الياء أي الخير والبركة التي كانت تنعم بها هذه البلاد في عصور سابقة شهدت قيام دولة سبأ قبل الميلاد، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم ، وكان من ملوكها الملكة بلقيس ، وقصتها مع سيدنا سليمان والهدهد معروفة في القرآن الكريم في سورة " سبأ " . والمثير للمعرفة أنه في عصور سابقة قريبة أي حتى الاحتلال البريطاني كانت القهوة اليمنية من أشهر أنواع البن في العالم، وإذا بها تتراجع وتكاد تختفي لصالح القهوة البرازيلية بسبب عدم الاهتمام بها لصالح القات اليمني حيث جلسات " التقويت أو " التخزين " من عادات المجتمع اليمني التي من الصعب مكافحتها حتى في أوقات الدوام الحكومي الرسمي ، وهذا يكلف الاقتصاد اليمني خسائر تصل لعدة مليارات سنويا، خاصة عدم نجاح حملات مكافحة القات والتوعية من خطورته في ظل نسبة الأمية بين السكان البالغين التي تصل حسب الاحصائيات الرسمية إلى ما يزيد على 55 % ، أي أن هذه النسبة من السكان لا تقرأ ولا تكتب..وهنا فقط يمكن تصور حجم المصيبة أو الكارثة!!.

ما مناسبة هذه الذكريات اليمنية ؟

هي تعدد الأخبار والمعلومات عن تعزيز مجرمي وإرهابيي القاعدة لوجودهم وحضورهم في اليمن ، خاصة بعد تضييق الخناق عليهم بشكل ناجح ومستمر في المملكة العربية السعودية، التي عانت كثيرا من إرهابهم ، فكان لا بد من هذه الحملات المستمرة ضدهم التي أدت لهروبهم وتعزيز حضورهم في اليمن المجاور، ويؤيد هذه المعلومات كثرة عمليات هذه المجموعة الإرهابية في اليمن في الأعوام الأخيرة ، التي كان أبرزها الهجوم الانتحاري على المدمرة الأمريكية " كول " في 12 أكتوبر من عام 2000 وأودى بحياة 17 بحارا أمريكيا ، ثم توالت هذه العمليات الإرهابية خاصة في العامين الأخيرين ضد البعثات الدبلوماسية و خطف وقتل السياح الأجانب والمنشآت النفطية اليمنية ، وكان أبرز هذه الهجمات ضد السفارة الأمريكية في أيلول 2008 التي أسفرت عن مقتل 16 يمنيا من الشرطة والمدنيين وستة من المهاجمين . ومن المؤكد ميدانيا أن غالبية إرهابيي القاعدة بدأوا الفرار من المملكة السعودية لليمن بعد تضييق الخناق عليهم،مستغلين صعوبة ضبط الحدود اليمنية السعودية بشكل كامل بسبب الطبيعة الجغرافية والقبلية هناك ، خاصة بعد إعلان بعض قياديهم الولاء لقيادة القاعدة في اليمن مما يعني انتهاء وجودهم المؤثر والفاعل في المملكة السعودية. وفي اليمن يجدون الأجواء الملائمة للاستمرار في ممارسة إرهابهم سواء في داخل اليمن أو في دول أخرى ، خاصة ما يتعرضون له من غسيل عقل ودماغ من قبل فئة ضالة تصور لهؤلاء المضللين أن الجهاد يعني الجهاد ضد شعوبهم وبلدانهم، و إلا كيف يجرأ  شخص على أن يفجر نفسه في حشود بشرية من شعبه وأهله ، أو تفجير منشآت نفطية يعتمد عليها اقتصاد بلاده ومعيشة أهله؟.

محمد العوفي مثالا!!

هو المواطن السعودي محمد عتيق عويض العوفي الملقب ( أبو الحارث )، وكان من ضمن المعتقلين السعوديين في معتقل جوانتانامو ( يحمل الرقم 333 ) الذين تمّ تسليمهم للسلطات السعودية، وخضع مع غيره من المضللين بالفكر التكفيري لبرامج توعية ، عرفت باسم ( المناصحة ) بمعنى تقديم النصيحة والإرشاد لهم بعد ما تعرضوا له من غسيل عقل ودماغ أدى لتضليلهم بدليل الأعمال الإرهابية اللاإنسانية التي قاموا بها أو حرّضوا عليها. وبعد أن اعتقدت السلطات السعودية أنه تاب وندم عن كافة أعماله السابقة ،قامت بالإفراج عنه  لتفاجأ أنه غادر السعودية قبل أشهر قليلة إلى اليمن مع زميله سعيد الشهري، ليظهرا في شريط فيديو يعلنان فيه انضمامهما لما أطلقوا عليه ( تنظيم القاعدة في جزيرة العرب )، بزعامة اليمني ناصر عبد الكريم الوحيشي السكرتير السابق لأسامة بن لادن ، وكان العوفي من ضمن قائمة المطلوبين الخمسة والثمانين التي أعلنتها السلطات السعودية في الثاني من فبراير الماضي ويحمل الرقم 73  ، ومن بينهم يمنيان والباقي سعوديون موجودون في أماكن مختلفة في الخارج. ثم توالت أشرطة الفيديو التي تبين حجم التضليل الذي يتعرض له هؤلاء الشباب من قبل التكفيريين ، ومنها الشريط الذي يظهر فيه العوفي وهو يحمل قنبلة يدوية أطلق عليها اسم ( قنبلة الانتحاري علي المعبدي ) ، وهو الإرهابي الذي فجّر نفسه في مجمع المحيا السكني في مدينة الخبر السعودية في نوفمبر من عام 2003 وراح ضحيته 18 شخصا كلهم من الجنسيات العربية . وكان هذا العمل الإرهابي وما يشابهه صدمة قوية لمن كانوا ينظّرون لهذا الإرهاب ويدعمونه بفتاويهم ، لذلك أعلن أكثر من واحد منهم التوبة العلنية والاعتذار عن التضليل الذي اقتنعوا به لفترة ، وغسلوا من خلاله أدمغة الشباب الذين يقومون بمثل هذه الأعمال ، وكان من هؤلاء المعتذرين بجرأة وصراحة يشكرون عليها الشيخ ناصر بن حمد الفهد والشيخ على الخضير ، وأعلن الشيخ ناصر الفهد أنه شخصيا طلب من التلفزيون السعودي إجراء المقابلة معه التي بثت مساء السبت الثالث والعشرين من نوفمبر 2003 ، وذلك حسب قوله : " من أجل إبراء الذمة ..وبيانا للناس أننا لا يمكن بحال أن نقرّ مثل هذه الأعمال..هذه لا يقرها أي عاقل فضلا عن مسلم فضلا عن طالب علم..نحن نبرأ إلى الله منها..هذه الأمور محرمة " . و وصف الشيخ الفهد الهجوم الإجرامي على المجمع السكني في المحيا بأنه  " من الفساد وأن من يفجر نفسه في هذه العمليات ليس شهيدا لأنه خالف تعاليم الإسلام بقتل المسلمين وغير المسلمين وأضرّ بالأمن وشوّه صورة الجهاد ".


مفاجأة محمد العوفي

بعد أن راجع الأعمال التي قام بها استنادا لدروس المناصحة الإسلامية التي تلقاها في موطنه السعودية قبل هروبه لليمن ، أدرك محمد العوفي حجم الخطأ والضلال الذي وقع فيه ، لذلك كان جريئا في مواجهته مع نفسه استنادا للشريعة الإسلامية السمحة في أساسها ، فقام في السابع عشر من فبراير الماضي بتسليم نفسه طواعية للسلطات اليمنية التي قامت  بالتنسيق مع السلطات السعودية التي أعادته لبلاده برا، ثم نقلته بطائرة خاصة إلى العاصمة الرياض متيحة فرصة إنسانية لعائلته كي تستقبله في المطار. وقد كان تسليم محمد العوفي نفسه بمحض إرادته ، وكما قال ناصر الحقباني مراسل جريدة الحياة في الرياض يوم التاسع عشر من فبراير الماضي ، بأن وجه من خلال ذلك صفعتين قويتين الأولى لتنظيم القاعدة والثانية لزميله نائب التنظيم سعيد الشهري الذي حرّضه على الانضمام إلى القاعدة في اليمن.

مواجهة الإرهاب بالفكر والتوعية

لقد اصبح واضحا من هذه العمليات الإرهابية في العديد من الأقطار خاصة الآن في العراق وباكستان وأفغانستان ، أن هؤلاء الشباب يتعرضون لتشويه عقلي من خلال الطريقة التي يقدم لهم بها الدين الإسلامي ، وبالتالي فالمواجهة معهم خاصة في تنظيم القاعدة بكافة فروعه وتسمياته ليست عسكرية فقط بل فكرية تعليمية تثقيفية ، كما بدأ ذلك في برنامج ( المناصحة ) الذي نفذته وزارة الداخلية السعودية ، وأهم نتيجة هي بدء القائمين سابقا على التنظير لهذه العمليات الإرهابية بمراجعة جريئة كما ذكرنا ، وقد سبقهم لذلك مراجعات بعض قيادات الجهاد في مصر ، وهو ما يعلق عليه الدكتور محسن العواجي ، الناشط السعودي والمشرف على موقع ومجلة الوسطية : " إنهما بلا شك ضحية  مدرسة فكرية موجودة طالما اقترحنا المكاشفة والمصارحة حولها لا للتنكر لها والجور عليها، وإنما طمعا في التخلص من الألغام الفكرية الموروثة دون مساس بثوابت الدين العظيم وأصوله التي نستقيها من مصدرنا الإسلامي لا من اجتهادنا المرحلي ".

وبالتالي فإن موقف محمد العوفي الجريء في مواجهته مع نفسه، ورفضه الاستمرار في ممارسات إرهابية تناقض مع قناعاته وتستجيب فقط لتضليل بعض أصدقائه، من شأنها أن تقنع آخرين بالتوبة والعودة لجادة الصواب . وليت هؤلاء المستمرون في ضلالهم يسألون أنفسهم في لحظة صراحة: ما علاقة قتل الأبرياء من شعوبهم بالجهاد وغالبية ضحاياهم من مواطنيهم المسلمين ؟ .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com
 





338
مقاييس النصر والهزيمة في الثقافة العربية
د.أحمد أبو مطر

الموضوعات الإشكالية في الثقافة والحياة العربية ليست قليلة، أقصد الموضوعات التي لا يمكن الاتفاق على خلفيات تحديد مفاهيمها بحيث يصبح هناك شبه إجماع على تعريفها ومواصفاتها، مما يجعل النظرة إليها واحدة عند الغالبية العظمى من الجماهير، وأقصد الغالبية العظمى فقط لأنه من المستحيل وجود إجماع كامل على أي موضوع ، بدليل أن القرآن الكريم عندما أنزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وجد من قومه وأهله من رفض الاعتراف والإيمان به، معتبرين أنه  مجرد كلام شاعر أو ساحر، فما بالك بكلام و موضوعات الحياة اليومية التي هي من فعل البشر وسلوكهم اليومي الخاضع غالبا للمصالح الشخصية للفرد أو العشيرة أو الدولة. ولقد أوجد الصراع العربي الإسرائيلي في نصف القرن الماضي واحدا من أهم هذه الموضوعات الإشكالية التي لا يتفق على تحديد مفاهيمها الأشخاص والتنظيمات والدول، هذا الموضوع هو " النصر و الهزيمة "  في المواجهات التي لم تتوقف منذ عام 1948 مع الاحتلال الإسرائيلي.

ما هو النصر ؟

في كافة تلك المواجهات ما عدا نتيجة حرب عام 1948 التي اتفق على أنها هزيمة تمّ تخفيف الاسم إلى نكبة ، وجدت نتائج كل المواجهات المريرة التالية من الأفراد والدول من يعتبر تلك النتائج انتصارات باهرة سوف يسجلها التاريخ بأحرف من نور، ويصنّف قادة تلك النتائج ضمن الأبطال الخالدين. وهذه أمثلة خلافية والحكم للعقل وليس العواطف والمهاترات.

العدوان الثلاثي عام 1956

وهو العدوان الذي شنتّه فرنسا وبريطانيا وإسرائيل على مصر وقطاع غزة إثر تأميم مصر لقناة السويس التي كانت خاضعة للنفوذ البريطانية في يوليو من عام 1956 . وكانت إسرائيل قد بدأت العدوان في 29 أكتوبر 1956 بمهاجمة الحدود المصرية، وتظاهرت فرنسا وبريطانيا في البداية بدعوة مصر وإسرائيل بوقف الحرب على أن تبقى قوات البلدين على بعد أميال قليلة من جانبي قناة السويس، ولما رفضت مصر هذا العرض دخلت الدولتان الحرب مع إسرائيل ، فانسحب الجيش المصري من سيناء مما نتج عنه تقدم الجيش الإسرائيلي واحتلالها كاملة بالإضافة لاحتلال قطاع غزة. نتجت عن ذلك مقاومة شجاعة خاصة في منطقة بورسعيد المصرية ، بينما احتل الجيش الإسرائيلي القطاع بدون أية مقاومة تذكر ، وارتكب في أغلب مدن القطاع جرائم ومجازر أكثر من بشعة. وأتذكر ذلك الوقت وأنا طفل في الثانية عشرة من عمري، وكنت أعيش مع عائلتي في مخيم رفح للاجئين في مدينة رفح ، الجريمة الوحشية التي ارتكبها جيش الاحتلال في مدينة رفح يوم الحادي عشر من نوفمبر لعام 1956 ، إذ نادت مكبرات الصوت من دبابات الاحتلال على الرجال من عمر العشرين وحتى الخمسين بالتوجه فورا لمدرسة رفح الأميرية. وخرج الشباب والرجال متوجهين للمدرسة ليجدوا جيش الاحتلال موزع على كل الطرق والشوارع المؤدية للمدرسة، ويطلقون الرصاص بشكل عشوائي ، فوصل للمدرسة من وصل وسقط ميتا من سقط ، وفي باحة المدرسة تمّ الفرز والبحث فاعتقلوا مئات وأعادوا البقية لمنازلهم، ليرووا أن العديد قد سقطوا قتلى ولكن عند العودة لم يجدوا جثثهم في الشوارع التي سقطوا فيها. توجه المخاتير في اليوم التالي لمقر الحاكم العسكري الإسرائيلي ليسألوه عن المفقودين، فكان جوابه: إذهبوا إلى المنطقة الفلانية على شاطىء بحر رفح في المناطق الزراعية التي كنّا نسميها ( المواصي ) فمن تجدوا جثته فهو قد مات ومن لا تجدوا جثته فقد تم إرساله لمعتقل عتليت. توجهنا أطفالا ورجالا  ونساء يوم الثالث عشر من نوفمبر لعام 1956 لنجد أكواما من الجثث لا تقل عن مائة وخمسين جثة . وارتكب الاحتلال مثل هذه المجزرة في كل مدينة من مدن قطاع غزة ، الذي كان يخضع منذ عام 1948 لما يسمى الإدارة العسكرية المصرية.

الموقف السوفييتي و الأمريكي المعارض

كان الموقف الأمريكي في زمن إدارة الرئيس أيزنهاور معارضا بقوة للعدوان الثلاثي ، مما نتج عنه مطالبة الدول الثلاثة المعتدية بالانسحاب من سيناء وقطاع غزة، وكذلك الموقف السوفييتي المهدد بالتدخل العسكري لوقف وردع العدوان ، مما أدى لرضوخ بريطانيا وفرنسا والانسحاب من منطقة بورسعيد المصرية،  ووصول قوات الطوارىء الدولية وتمركزها للفصل بين مصر وإسرائيل مما ضمن أمن وحدود إسرائيل حتى حزيران من عام 1967 ، بينما تلكأت إسرائيل في الانسحاب من قطاع غزة حتى السابع من مارس لعام 1957 . ومن ذلك اليوم وقطاع غزة لسنوات لاحقة يحتفل في السابع من مارس كل عام  بما أطلق عليه ( عيد النصر ).

فهل كانت النتيجة حيث التدمير وسقوط ألاف الضحايا في الجانبين المصري والفلسطيني ، ووصول قوات الطوارىء الدولية الضامنة أساسا لحدود وأمن إسرائيل نصرا يستحق الاحتفال به كل عام؟.

حرب الأيام الستة عام 1967

يطلق عليها الحرب الثالثة في سلسلة الصراع العربي الإسرائيلي ، وكانت بين مصر وسوريا والأردن من جهة ودولة إسرائيل من جهة أخرى. بدأت شرارتها الأولى في السادس عشر من مايو 1967 عندما طالب الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر قوات الطوارىء الدولية المتمركزة على الحدود بين مصر و إسرائيل وفي قطاع غزة منذ عام 1957 بالانسحاب الفوري الذي تمّ خلال يومين بقيادة الجنرال الهندي  ريخي ، أعقبه إعلان الرئيس جمال عبد الناصر إغلاق مضائق تيران أمام الملاحة البحرية الإسرائيلية . بدأت إسرائيل عقب ذلك الحرب صباح الخامس من حزيران 1967 بهجوم جوي مباغت على القواعد الجوية العسكرية المصرية ، حيث تمّ تدميرها بالكامل خلال ثلاث ساعات ، وأغلب طائراتها على المدرجات دون أن تتم أية مواجهة جوية بين الدولتين، رغم أن الإعلام المصري آنذاك بقيادة محمد حسنين هيكل وأحمد سعيد كان يزيد كل خمسة دقائق عدد الطائرات التي تم إسقاطها حتى زادت على مائة وخمسين طائرة ، ورغم انسحاب الجيش المصري بالكامل من شبه جزيرة سيناء وعودته إلى الجانب المصري فيما وراء قناة السويس في اليوم الثاني لبدء الحرب ، إلا أنه حتى اليوم الخامس من الحرب كانت إذاعة صوت العرب بقيادة أحمد سعيد وتوجيهات محمد حسنين هيكل ، تؤكد أن الجيش المصري على أبواب تل أبيب ، وتوسعت إسرائيل في هجومها على الجبهتين الأردنية والسورية ، مما نتج عنه احتلال كامل سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية التي كانت تعتبر جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية.

هزيمة أم نكسة أم انتصار ؟

في الجانب المصري  اخترع محمد حسنين هيكل صفة ( نكسة ) بدلا من ( هزيمة ) ، ومن الملاحظ أن صفة ( نكسة ) لا علاقة لها بالعلوم العسكرية ، فهي أقرب للتوصيف الطبي عندما تتراجع صحة مريض بشكل مفاجىء فيطلق على حالته أنه تعرض لنكسة مفاجئة. وعقب ذلك أعلن الرئيس جمال عبد الناصر  استقالته معلنا مسؤوليته عن هذه النكسة ، فخرجت الجماهير المصرية والعربية بالملايين تطالبه بالعدول عن استقالته ، فاستجاب الرئيس عبد الناصر لمطالب الجماهير ، وأعقب ذلك تصفيات في القادة العسكريين المصريين من بينهم انتحار أو اغتيال المشير عبد الحكيم عامر قائد الجيش المصري آنذاك. وفي الجانب السوري تم إعلان الانتصار رغم احتلال كامل هضبة الجولان السورية ، وحسب تعليل هذا الانتصار من وجهة النظر البعثية ، لأن هدف الحرب كان إسقاط النظام الثوري التقدمي في دمشق ، وعندما لم يسقط هذا النظام فغرض العدو من حربه لم يتحقق ، فهذا نصر كبير ما بعده نصر.

حرب أكتوبر ( تشرين ) أو العبور أو الغفران ( كيبور )

هي الحرب الرابعة التي بدأت صباح السادس  من أكتوبر لعام 1973 بعبور مفاجىء للجيش المصري لقناة السويس حيث يتواجد الجيش الإسرائيلي في سيناء منذ حزيران 1967 ، وتم تدمير ما كان يسمى اسرائيليا خط بارليف ، وتقدم الجيش المصري موقعا خسائر جسيمة في الجانب الإسرائيلي عبر بطولات وتضحيات اعترف بها العدو قبل الصديق ، وفجأة تمكنت قوة اسرائيلية ليلة الخامس عشر من أكتوبر باجتياز قناة السويس إلى ضفتها الغربية حيث حاصرت الجيش المصري الثالث ، وكان هذا العبور الإسرائيلي قد عرف باسم ( ثغرة الدفرسوار ) ، وكانت النتيجة أن وافقت مصر في الثالث والعشرين من أكتوبر على وقف القتال، رغم استمراره في الجبهة السورية التي أبدى فيها الجيش السوري بطولات عظيمة للغاية موقعا خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي البرية والجوية ، حيث تم تحرير مدينة القنيطرة وأجزاء من هضبة الجولان . واستمرت حرب استنزاف بين الطرفين حتى تمكنت الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر من توقيع اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا و إسرائيل في حزيران عام 1974 حيث وافقت إسرائيل على الانسحاب من مدينة القنيطرة التي كان الجيش السوري قد حررها وأجزاء أخرى من هضبة الجولان ، وقام الرئيس السوري حافظ الأسد برفع العلم السوري في مدينة القنيطرة المدمرة تماما يوم الرابع والعشرين من حزيران 1974 .

بطولات وتضحيات عظيمة ،

ولكن سيناء المصرية  ظلت محتلة حتى انسحبت منها إسرائيل بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مارس 1979 التي أعقبت زيارة السادات لإسرائيل في نوفمبر 1977 واتفاقية كامب ديفيد  في سبتمبر 1978 بين السادات ومناحم بيجن برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، مع ضرورة التذكر أن من بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية منع تواجد الجيش المصري المسلح في كامل سيناء المصرية و عبور السفن الإسرائيلية لقناة السويس بحرية كاملة واعتبار مضائق تيران وخليج العقبة مياه دولية . وما زال حتى اليوم الجزء الأكبر من هضبة الجولان السورية محتلا ، كذلك مزارع شبعا اللبنانية ، وأيضا قطاع غزة والضفة الغربية رغم الانسحابات الشكلية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ، وللعلم فإن الدولة الفلسطينية المستقلة كان يجب أن تكون معلنة وقائمة حسب اتفاقية أوسلو في نهاية عام 2005 ، إلا أنها ما زالت بعيدة المنال حتى اليوم ولأعوام طويلة قادمة. فهل النتيجة لحرب أكتوبر 1973 بناءا على هذه النتائج نصر أم هزيمة أم نكسة ؟

حصار بيروت عام 1982

هذا الحصار الذي استمر 88 يوما دون أن يشهد معارك ومواجهات كبيرة كما يعتقد البعض ، كانت نتيجته خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان ، حيث تمّ توزيعها مدنيين وعسكريين على العواصم العربية ، ورغم ذلك عندما سئل الرئيس ياسر عرفات وهو على مدخل الباخرة التي أقلته إلى تونس : إلى أين أنت ذاهب ؟. أجاب: إلى فلسطين . وظلّ مغتربا في تونس حتى عاد لأمتار من فلسطين بعد اتفاقية أوسلو الموقعة في سبتمبر من عام 1993 ، وظل محاصرا من عام 2001 إلى أن توفي في باريس عام 2005  . فهل هكذا نتائج نصر أم هزيمة أم عودة لفلسطين لمجرد دفن ياسر عرفات في مبنى المقاطعة في رام الله ؟

النصر الإلهي الأول في تموز 2006

الحرب التي اندلعت في 12  يوليو 2006 بين حزب الله والجيش الإسرائيلي ، شهدت من طرف حزب الله بطولات عظيمة تعجز عنها الجيوش النظامية العربية ، وحسب تقرير ( فينوغراد ) الإسرائيلي وبالمقاييس الإسرائيلية كانت نتيجة الحرب التي استمرت 34  يوما هزيمة للجيش الإسرائيلي ، وتم تقريع قاس للعديد من المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين . وفي الجانب الميداني اللبناني كانت النتيجة  التي يعترف بها الجميع بما فيهم حزب الله نفسه:
1 . التدمير والتهجير الذي لم يعد سرا ولا يحتاج لإعادة تكرار المعلومات الخاصة به، وما زال لبنان حكومة وشعبا يعاني من آثار ذلك بعد مرور أكثر من عامين على انتهاء الحرب، وقدرت خسائر البنية النحتية بما لا يقل عن ثمانية مليارات من الدولارات .

2 . سقوط ما لا يقل عن ألف وخمسمائة قتيل و ألاف الجرحى والمعاقين ، وكانت إساءة كبيرة أن يعلن حزب الله آنذاك أن من بين هؤلاء القتلى لا يوجد سوى عدد قليل من مقاتلي الحزب وكوادره.

3 . صدور القرار الدولي رقم 1701 الذي نتج عنه بسط سيطرة الدولة اللبنانية وجيشها النظامي فوق كافة الأراضي اللبنانية ، ووصول قوات اليونيفيل الدولية المسلحة ومن ضمنها قوات من حلف الناتو من فرنسا وأسبانيا وألمانيا وايطاليا وتركيا لمراقبة وقف إطلاق النار، وقيام البحرية الألمانية بمراقبة السواحل اللبنانية لضمان عدم وصول أسلحة جديدة لحزب الله.

4 . تراجع مسلحي حزب الله لما وراء الحدود مع إسرائيل ، ولم يعد الحزب يتجرأ على إطلاق أية رصاصة ضد إسرائيل منذ وقف إطلاق النار في أغسطس 2006 رغم أن التجاوزات الإسرائيلية لم تتوقف بما فيها اختراق الطيران الإسرائيلي للأجواء اللبنانية ، حتى طوال الحرب الأخيرة بين حركة حماس وإسرائيل في قطاع غزة طوال ثلاثة أسابيع لم يتجرأ الحزب على إطلاق رصاصة أو صاروخا على إسرائيل تضامنا ونصرة لمقاتلي حماس رغم الخطب الرنانة والتهديدات النظرية لإسرائيل من قبل السيد حسن نصر الله.

5 . النتيجة العامة الميدانية لما سبق تأمين كامل للحدود الإسرائيلية مع الجانب اللبناني بدليل الهدوء الكامل منذ وقف الحرب رغم استمرار احتلال مزارع شبعا اللبنانية ، بما يعني أن حزب الله لم يعد قادرا على إطلاق رصاصة بحجة تحرير المزارع. وهذا الهدوء الحدودي الشامل هو ما كانت تريده إسرائيل من حربها وليس كما ادّعت تحرير الجنديين المخطوفين . واستمر حزب الله في تبادل وقائع حسن النية مع الجانب الإسرائيلي من خلال صفقة تبادل الجثث واستمرار الحزب في نفي أن تكون له أية علاقة بالصواريخ البدائية التي تم إطلاقها من الحدود اللبنانية على إسرائيل أكثر من مرة .

بناءا على هكذا نتائج ميدانية ، هل ما تحقق في حرب تموز 2006 نصر إلهيا أم  نكسة أم هزيمة ؟.لأنه إذا كانت هذه هي نتائج النصر الإلهي فما هي النتائج لو كان نصرا بشريا ؟.

النصر الإلهي الثاني في يناير 2009

وهو ما أعلنت عنه حركة حماس عقب انتهاء الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة الذي توقف يوم العشرين من يناير الماضي ، وكانت نتائجه حسب المصادر الفلسطينية والدولية:
1 . سقوط ما لا يقل عن 1500 قتيل فلسطيني وحوالي 5000 جريح ومعاق ، مقابل ما لا يزيد عن  ستة أربعين إسرائيليا من المدنيين والعسكريين.

2 . تدمير حوالي خمسين بالمائة من منازل ومباني القطاع خاصة المباني الحكومية والسكنية التي لم تعد صالحة للسكن بالمقاييس الإنسانية المتواضعة.

3 . استمرار حركة حماس في المباحثات الخاصة بالتهدئة ووقف إطلاق النار مع الجانب الإسرائيلي من خلال الوساطة المصرية.

4 . استمرار الانقسام الفلسطيني بين إمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله ، وتوسع شقة هذا الخلاف لدرجة اتهامات من الطرفين بالعمالة والخيانة والتجسس لصالح إسرائيل ، مما يعني أنه لا نجاح لأي حوار فلسطيني بعد فشل وسقوط اتفاقية مكة وصنعاء ، واستمرار إضاعة الوقت في الحوار الفلسطيني في القاهرة المستمر منذ ما لا يقل عن أربعة سنوات.

والملاحظ هو أن حركة حماس تماما مثل مفهوم حزب الله لا تعتبر القتلى المدنيين الفلسطينيين خسارة كبيرة طالما القتلى من كوادرها وعناصرها لا يزيد عن خمسين شخصا من بينهم القياديان نزيه أبو ريان و سعيد صيام ، وهذه ما ظلت قيادات الحركة بما فيها خالد مشعل تؤكده طوال الأسابيع الثلاثة للاجتياح الإسرائيلي من خلال تكرار مقولة أن المقاومة بخير وخسائرها محدودة جدا.

إزاء كل هذه النتائج ، هل النتيجة نصرا إلهيا ثانيا أم هزيمة أم نكسة أم نكبة ؟

الخلاصة والنتيجة


هذه هي نتائج الحروب السبعة منذ عام 1948 مع الاحتلال الإسرائيلي ، إذ ما تزال الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية محتلة بالكامل ، فهل كانت تلك النتائج نصرا أم هزيمة ؟. هذا السؤال أطرحه للقراء أيضا للإجابة بوضوح : نصر أم هزيمة ؟ دون اللف والدوران حول الموضوع بما لا علاقة له به...وأنا لا أعتبر نفسي مصيبا وصاحب القول الفصل في الموضوع ، فكما قيل قديما: قولي خطأ يحتمل الصواب وقول الآخر صواب يحتمل الخطأ، وليتنا نطبق المقولة العربية: الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس ، ويبقى السؤال مطروحا: نصر أم هزيمة؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com





339
هل عودة النظام السوري للإجماع العربي ضرورة عربية؟
د.أحمد أبو مطر

نقلت أخبار الأيام القليلة الماضية تفاصيل عن الاتصالات السعودية السورية التي توجت بزيارة الأمير مقرن بن عبد العزيز، رئيس جهاز الاستخبارات السعودي  لدمشق يوم الأحد الخامس عشر من فبراير الحالي ، و لقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد ، مما اعتبره المراقبون خطوة جديدة إلى الأمام بعد اللقاء القصير الذي جمع العاهل السعودي والرئيس السوري في قمة الكويت الاقتصادية . هذه الخطوة السعودية كانت قد سبقتها خطوات أخرى غير علنية من بينها زيارات مسؤولين كبار من الطرفين لعواصم البلدين، و أيا كان الطرف المبادر للقيام بتلك الزيارات  فهي تعبر عن رغبة متبادلة لإعادة العلاقات الأخوية الطبيعية بين البلدين بعد خلافات عمرها على الأقل أربعة سنوات، أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير عام 2005 ، والتعقيدات التي أحدثها موضوع تشكيل المحكمة الدولية للتحقيق في حادثة الاغتيال ومعاقبة مرتكبيها أمام محكمة دولية ، وما تلا ذلك من هبّات شعبية لبنانية عارمة ، أدت إلى القرار السوري بالخروج  الإجباري من لبنان الذي بدأ يوم الخامس من مارس 2005 وانتهى يوم السادس والعشرين من أبريل 2005 ، منهيا وجودا عسكريا سوريا دام حوالي ثلاثين عاما، مصادرا كافة نواحي الحياة اللبنانية لحساب النظام السوري خاصة  آنذاك في ظل عدم الاعتراف السوري الرسمي باستقلال لبنان ورفض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، رغم عضوية لبنان في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة العالمية.

الانقسام إلى معسكرين ضبابيين

من ضمن الأحداث التي أدخلت تطورات وتعقيدات على المشهد العربي خاصة السوري السعودي، الحرب بين حزب الله اللبناني وإسرائيل في تموز 2006 ، والموقف السوري الرسمي المزايد على مواقف بقية الأنظمة العربية، خاصة أن كافة المواقف العربية المؤيدة والمبدية ملاحظات على الحرب وتطوراتها ، كانت مواقف نظرية لم تخرج عن دائرة الحبر على الورق، فلا الأنظمة المؤيدة زحفت قواتها العسكرية لدعم حزب الله، ولا الدول المبدية بعض الملاحظات تقاعست عن الدعم المعنوي للبنان كدولة لها سيادة واستقلال. وبالتالي فإن تقسيم العرب لمعسكري ( ممانعة ) و ( اعتدال ) ، كان وما يزال كلاما نظريا للمناكفة فقط ، فالمعسكران لا يمانعان في الصلح مع دولة إسرائيل ، وزعيم ( الممانعة ) النظرية – النظام السوري – يجري منذ زمن الرئيس حافظ الأسد مباحثات علنية مع إسرائيل ، وتستمر المباحثات في زمن الرئيس بشار الأسد مرات مباشرة ومرات بوساطة تركية ، وبالتالي فإن تقسيم العرب إلى هذين المعسكرين لا أساس له في الواقع، وهو مجرد مشادات بين الأنظمة العربية للمزايدة والدجل على شعوبها للبقاء في الكرسي من المهد إلى اللحد.

وماذا استجد الآن؟

الجديد القديم الآن هو أن الحياة العربية لا تقدم فيها ولا غلبة على الاحتلال والعرب متحدون، فما بالك وهم منقسمون لمعسكرات نظرية غير عسكرية مطلقا، لذلك فقد ملّ المواطن العربي من هذا الانقسام والمعارك الجانبية لدرجة القرف والحزن، وسؤاله هو: إلى متى يستمر هذا الحال ؟ لماذا وصلت الدول الأوربية على اختلاف لغاتها وثقافاتها وأجناسها إلى الوحدة الكاملة والعملة الموحدة والتنقل بدون جواز سفر وتأشيرة دخول بين 27 دولة أوربية ، والعربي يقف ساعات في أي مطار عربي قبل السماح له بالدخول، وتخيلوا العنصرية والفوقية: كل مواطني الدول الخليجية يدخلون كل الدول العربية بدون تأشيرة دخول، بينما مواطنو كل الدول العربية يحتاجون إلى تأشيرة دخول عبر كفيل خليجي لدخول أية دولة خليجية ، والحصول على تأشيرة دخول للجنة أسهل من الحصول على تأشيرة دخول خليجية. ورغم ذلك نتغنى ليل نهار بالإسلام واللغة العربية اللذين يجمعاننا ، وهذا مجرد ضحك على الذقون ، فالفرقة والتشتت والضغينة والكيد إلى بعض أساس القواسم المشتركة في حياتنا العربية.

لذلك طالما كلنا في الهم شرق وغرب،

فمن المهم أن تعي هذه الأنظمة حجم الفرقة والتشتت، وتبدأ في لملمة الأوضاع العربية ، علها ( تسرّ الصديق ) إلا أنها ( لن تغيظ العدو ) في أي حال من أحوالها. من هنا تأتي أهمية المبادرات السعودية السورية من خلال الزيارات المتعددة التي كان من بينها زيارة اللواء على المملوك مدير إدارة العلاقات العامة السورية للرياض قبل أسابيع قليلة ، وكون النظام السوري هو محور أساسي  في دائرة الخلافات العربية بسبب مواقفه سواء في لبنان أو علاقاته مع إيران ، من المهم أن تسعى الدول العربية الرئيسية في هذا التشابك خاصة السعودية ومصر لحل كافة أشكال سوء التفاهم ، وهنا ليس إهانة ولا تقليلا من مقام الدول التي تبدأ بالاتصالات ، فالعرب يقولون ما معناه ( كبير القوم هو الحريص على حاضر ومستقبل قومه ) ، وربما يتساءل البعض:

هل سورية مهمة للإجماع العربي؟

الجواب نعم كبيرة وصريحة أيا كانت ملاحظاتك وانتقاداتك للنظام السوري لأسباب عديدة منها:


1 . سورية تبقى أرضا وشعبا قوة إقليمية عربية مهمة بشعبها وتراثها وعمقها الثقافي العربي.

2 . سورية دولة عربية تعيش هما مشتركا مع لبنان وفلسطين ، فهضبة جولانها محتلة مثل مزارع شبعا وفلسطين ، وبالتالي من الضروري عربيا دعمها في المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي لضمان الانسحاب الكامل من هضبة الجولان رغم كل الادعاءات والتبريرات الإسرائيلية.

3 . سورية مهمة عربيا لضمان الاستقرار الداخلي في لبنان بحكم علاقاتها مع أطراف لبنانية جزء من الصراع الداخلي ، و إمكانية تحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية بحكم تأثيرها على حركة حماس ، و تكرار اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني ، وبالتالي فعلاقاتها طبيعية مع السلطة الفلسطينية التي هي نتاج منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت اتفاقية أوسلو عام 1993 .

4 . أيا كانت نتائج المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية ، و أيا كان شكل وحجم السلام الفلسطيني الإسرائيلي ، فلا استقرار في المنطقة بدون المتطلبات السورية وعلى رأسها الانسحاب الإسرائيلي من كامل هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967 .

ومن المهم أن تدخل مصر،

على خط الاتصالات السعودية السورية لأن الخلل الذي طرأ في العلاقات السورية المصرية، لا يملك أسبابا وحيثيات مهمة من الصعب تجاوزها ، فالتفكير من الطرفين بالمصلحة العليا للشعبين والأمة العربية يجعل من السهل نسيان هذه المعوقات الشكلية ، وكم سيكون مفرحا عربيا أن نرى الرئيس المصري حسني مبارك في دمشق والرئيس السوري بشار الأسد في القاهرة ليس لزيارات بروتوكولية تغطي على الخلافات ، ولكن زيارات ودية صريحة تتجاوز تلك الخلافات  فكفانا شرذمة وتشتتا ، وهذا ما نأمله ونتوقعه من دول مهمة في تحديد سياسات المنطقة مثل المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا دون أن يعني ذلك التقليل من أهمية أية دولة عربية أخرى ....فهل يدخل هذا الأمل العربي حيز التنفيذ؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com





340
ثلاثينية نظام ملالي الخميني:
نموذج يستورد أم خطر يقاوم؟

د.أحمد أبو مطر

ينشغل الإعلام العربي والأجنبي هذه الأيام بذكرى مرور ثلاثين عاما على وصول الملا آية الله الخميني للسلطة في إيران، وإعلانه قيام " الجمهورية الإسلامية في إيران ". ومن المهم تقييم تجربة وممارسات الثلاثين عاما الماضية من عمر نظام الملالي من وجهة نظر المصلحة العربية بعيدا عن الشعارات الغوغائية والخطب الرنانة التي ينتهجها النظام خاصة في سنوات رئاسة أحمدي نجاد . ومن خلال التقييم الموضوعي المعتمد على الممارسات الميدانية للنظام ، يستطيع القارىء والمتابع العربي أن يستعمل عقله بناءا على المعطيات التي سأطرحها، ليصل لجواب للسؤال الوارد في عنوان المقالة : هل نظام الملالي نتمنى استيراده للوطن العربي أم خطر داهم ينبغي مقاومته وردعه؟. وسوف أطرح الحيثيات التي سأحاول أن أثبت من خلالها أنه خطر شديد وداهم من ثلاثة زوايا تحدد ممارسات هذه النظام وتوجهاته إزاء جواره العربي.

أولا: جمهورية إيرانية أم جمهورية للتصدير

من الواضح أن الخميني اختار لنظامه اسم ( الجمهورية الإسلامية في إيران ) وهذه التسمية تختلف عن (الجمهورية الإسلامية الإيرانية ) ، لأن هذه التسمية تعني أنها جمهورية إسلامية إيرانية فقط أي داخل حدود إيران ، بينما (...في إيران ) تعني أنها الآن في إيران ومستقبلا في دول أخرى ، وهذا إن تم نجاحه لن يكون إلا في الجوار العربي الحدودي مع إيران وليس في أستراليا البعيدة ألاف الأميال برا وبحرا وجوا. والدليل على ذلك أنه في العام الثاني لجمهوريته أعلن الخميني رؤيته حول ما سمّاه ( تصدير الثورة )، وبدأ الملالي الإيرانيون ووسائل إعلامهم المرئية والمقرؤوة التنظير والدعاية لهذا النظام على قاعدة (يجب تصديره واستنساخه في كافة الدول الإسلامية ) ، مما يعني أولا في الجوار العربي ، ويعزز رؤيتنا هذه التهديدات المستمرة منذ عام 1980 لدول الخليج العربي لمجرد استعمال ( العربي ) صفة للخليج، وأتذكر أنه قبل ثلاثة أعوام كنت على خط الهاتف مع تلفزيون العالم الإيراني الناطق باللغة العربية للتعليق على حدث عربي بناءا على طلبهم واتصالهم، وحصل أن ورد على لساني ضمن سياق الحديث قولي ( دول الخليج العربي ) فقطعوا الاتصال فورا ولم يتصلوا إلا بعد إسبوع مدّعين أنه قبل أيام وأنا معهم على الخط انقطع الاتصال ، ولم يتمكنوا من الاتصال ثانية، فقلت لهم : أنتم تكذبون لقد قطعتم الاتصال لأنني قلت دول الخليج العربي، ومن بعدها توقفت عن التعاون مع تلفزيون العالم الإيراني حتى في الشأن الفلسطيني ، وأبلغتهم ذلك صراحة وبوضوح.

هل هو نموذج صالح للإستيراد؟

الجواب على ذلك هو من خلال التقارير الإيرانية والدولية حول:

أولا: مصادرة كافة حقوق الإنسان الإيراني مما حول إيران لجمهورية ظلامية استبدادية، لا تطبيق فيها سوى لرؤية الملالي في كافة شؤون الحياة.

ثانيا: قمع كافة حقوق العمال مما جعل أوضاع العمال الإيرانيين من أقسى الأوضاع في العالم بشهادة نقابات العمال العالمية المستقلة ، ومنها الإسلامية كنقابة العمال الإندونيسيين التي حاول نشطاؤها الذهاب لإيران للدفاع عن زملائهم الإيرانيين وتحري أوضاعهم ولم يسمح لهم بذلك.

ثالثا: أوضاع المحاكم الإيرانية وقراراتها، حيث عقوبات السجن والسحل والجلد، مما حوّل سجنا مثل سجن " نيفين " مثالا للوحشية والإجرام تماما مثل سمعة سجن " المزّة " في سوريا.

رابعا: القمع والمصادرة الواقع على المرأة الإيرانية من فرض الشادور إلى ترويج " بيوت المتعة " التي ذكرت تقارير إيرانية أنه أصبح في العاصمة طهران وحدها ما لا يقل عن ألفي بيت من " بيوت المتعة " بعلم وحراسة شرطة الملالي ، واضعين شرطا مضحكا يجب أن يتوفر في مرتادي هذه البيوت وهو أن يكون وافدا على طهران أي ليس من سكانها خاصة قطاع الطلبة الذي يدرسون في جامعات العاصمة طهران، وهم من محافظات إيرانية أخرى. لذلك كتبت العديد من الدراسات لباحثين عرب ضمن سياق أو موضوع (  من تصدير الثورة إلى تصدير المتعة ) كوسيلة من وسائل نظام الملالي لنشر أفكارهم وتطلعاتهم التوسعية خاصة في الجوار العربي . وقد تحدثت الناشطة الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل شيرين عبادي عن العديد من أوجه الظلم الواقع على المرأة، وهي نفسها كما صرحت أستدعيت للتحقيق ثلاث مرات بسبب حصولها على جائزة نوبل بدلا من الافتخار بهذا الفوز.

هذا بالإضافة للمحاولات الدؤوبة من قبل قيادات وأجهزة مخابرات النظام لشراء الذمم للعديد من الأشخاص خاصة في مجال الإعلام للترويج لنظرية تصدير الثورة ونموذج الملالي ، وضمن هذه السياق يأتي ما أعلنه الفلسطيني محمد غوانمة في الأول من يناير عام 2007 في مدينة غزة ، عن تشكيله ما أطلق عليه " المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في فلسطين " ، وجاء في بيانه: ( إننا وباسم الإسلام العظيم ومن قلب فلسطين نعلن عن تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في فلسطين امتدادا للإسلام العظيم . إن الجمهورية الإيرانية هي ركيزة المشروع الإسلامي العالمي عن طريق إقامة خلافة إسلامية راشدة عاصمتها القدس الشريف . وإن مشروع المجلس الأعلى هو إسلامي دعوي ، وأنه سيكون في دولة فلسطين حكومة ورئاسة وشعبا ". وعلى ما يبدو أنه بعد قبض الثمن من الملالي وموجة الرفض في الشارع الفلسطيني لهذه الفكرة، أعلن محمد غوانمة شخصيا بعد أيام من صدور إعلانه ذلك ، أنه ( لا وجود لمثل هذه المجلس بعد اليوم وبراءته من الفكرة رافضا الإفصاح عن أسبابه ). وقد سبق في مقالة لي بعنوان ( شاكو ماكو..هابيليان قابليان ) أن كشفت عن مراسلات منظمة هابيليان التابعة للحرس الثوري لدعوتي لطهران دعوة مدفوعة التكاليف وملحقاتها ، ونبهت الإعلاميين العرب من محاولات التورط  في تلبية مثل هذه الدعوة الهادفة للترويج لنظام الملالي وشراء ذمم البعض عن طريق الرشاوي.. وبعد نشر المقالة وأصول رسائلهم لي هاجمتني تلك  المنظمة الاستخباراتية الإيرانية في بيان شديد وزعوه على نطاق واسع من باب أنني نشرت علنا رسائل خاصة بيني وبينهم وهذا لا يجوز من وجهة نظرهم.

الاحتلال الإيراني هل يختلف عن أي احتلال آخر؟

هذا السؤال أتمنى أن يجيبني عليه بهدوء ومعلومات بعض الإيرانيين العرب أي العرب الذي تفرسوا أكثر من الفرس . لماذا السكوت المخزي عند هولاء على احتلال الأنظمة الإيرانية المتعاقبة للأحواز العربية منذ عام 1925 ؟. وهل هذا يختلف عن احتلال فلسطين والجولان والاسكندرونة وسبتة و مليلة ومزارع شبعا؟. ولماذا السكوت الفاضح على احتلال نظام الشاه ونظام الخميني للجزر الإماراتية الثلاث منذ عام 1971 ورفض الخروج منها ، بل إقامة قواعد عسكرية فيها العام الماضي؟. هل هذا يختلف عن الاحتلال والمستوطنات الإسرائيلية؟. وماذا يعني استمرار تهديد دول الخليج العربي بالضم خاصة مملكة البحرين التي يستحيل مرور شهر دون تصريح مسؤول إيراني أنها المحافظة الإيرانية الرابعة عشر. وقد تكررت التصريحات بهذا الشأن من العديد من المسؤولين الإيرانيين خاصة شريعتي مداري مستشار علي خامئني ورئيس تحرير جريدة كيهان ، وقبل أيام قليلة أعاد نفس التصريحات المهددة بضم البحرين ناطق نوري رئيس التفتيش العام في مكتب خامئني في خطاب علني في مدينة مشهد الإيرانية، مما استدعى إدانة شديدة من وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة و محمد جاسم الصقر رئيس البرلمان العربي و عبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الخاص بدوله العربية.

الدعاية الغوغائية الخطابية فقط

ويعتمد نظام الملالي للتغطية على أطماعه التوسعية تلك إسلوب الدعاية الخطابية مستغلا قضية فلسطين فقط ، ومن لا يتذكر دعوات أحمدي نجادي شبه اليومية عن محو إسرائيل ورفض الهولوكست ، وعندما حان الجد أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كشف على خامئني نفسه المستور: عندما خطب في متظاهرين إيرانيين : ( عودوا لبيوتكم لا تستطيع إيران القيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل ). ويساعد نظام الملالي في هذا التدليس الزيارات المتكررة لقادة حماس في دمشق، خاصة خالد مشعل الذي صادر كافة حركة حماس ورماها في كيس الملالي ، عندما صرّح في إحدى زياراته : ( إن حماس هي الابن الروحي للإمام الخميني ). ومن الصعب فهم هذا التبني خاصة أن حركة حماس كانت وما زالت نتاج حركة الإخوان المسلمين ، فكيف يتوازن هذا التبني لحماس من نقيضين: نظام الملالي و حركة الإخوان المسلمين ؟. يمكن مساعدة خالد مشعل في التوفيق بين هذين النقيضين ، من خلال اعتبار حركة حماس الابن الروحي للخميني والبنت الشرعية للإخوان المسلمين!!!.

وقد صرّح أكثر من مسؤول إسرائيلي،

 أنه لم يخدم إسرائل أحد كما خدمتها تصريحات أحمدي نجاد ومواقف حكومته الخطابية ، حيث حشدت تأييدا عالميا لإسرائيل مخافة أن يمحوها الملالي من خريطة العالم ، علما أن العلاقات الإيرانية الإسرائيلية السرية على ما يرام، ومن ينسى فضيحة إيران جيت حيث كانت إسرائيل المزود الرئيسي للخميني بالسلاح في حربه مع نظام صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي. وضمن هذا السياق يسجلّ للبعثيين العراقيين استمرار تحذيراتهم من الخطر الإيراني عبر دراسات تاريخية موضوعية موثقة.

ديكتاتورية وتسلط الولي الفقيه

ومن الأخطار الإيرانية لنظام الملالي الإيرانيين هو إيمانهم ودعمهم وتطبيقهم لمبدأ ولاية الفقيه الذي بدأ به الخميني في عام 1971 في المنفى، ووضعه قيد التنفيذ بعد وصوله للسلطة عام 1979 . وبعيدا عن الجدل والمناقشات الفقهية حول هذا المبدأ يهمني في هذا السياق هو ديكتاتورية وتسلطية هذا المبدأ الذي يضع في يد الخميني وعلي خامئني من بعده كل السلطات المنصوص عليها في الدستور ، وكما عدّدها الباحث السوري صبحي حديدي في مقالة له أخيرا في القدس العربي: ( إن مرشد الثورة الإيرانية علي خامئني هو اليوم كما في الأمس أشد المدافعين عن مبدأ ولاية الفقيه، وأبرز المتمسكين بالنص على المبدأ في الدستور، بل وتشديد وتوسيع صلاحيات الولي الفقيه المنصوص عنها حاليا، لأسباب جلية لا تخصّ الفقه بقدر ما تٌبقي على ميزان القوة في صف السلطة الدينية على حساب السلطة المدنية. فكيف يمكن الحديث عن صلاحيات ملموسة لهذه السلطات ، وعى رأسها موقع رئاسة الجمهورية، إذا كان في يد الولي الفقيه تسمية أعضاء مجلس المرشدين ، ومجلس القضاء الأعلى ، ورئاسة القيادة العليا للقوات المسلحة، وضمن هذه الصلاحية ما يلي: تعيين أو عزل رئيس الأركان، وقائد الحرس الثوري ، وأعضاء مجلس الدفاع الأعلى، وقادة صنوف الأسلحة، وإعلان الحرب والسلام والتعبئة ، وإقرار أسماء المرشحين للإنتخابات الرئاسية، وتوقيع مرسوم تسمية رئيس الجمهورية بعد الانتخابات، وإدانة وعزل الرئيس بموجب أسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية وإصدار مختلف أنواع العفو ). ويذكر صبحي حديدي في دراسته تلك : ( أن آية الله أحمد أزاري ( من قم ) وهو واحد من كبار شارحي فكر الخميني ، أن من بيّن صلاحيات الولي الفقيه منع مؤقت لأداء فرائض دينية مثل الصلاة أو الحج أو الصوم، وفي وسعه أن يأمر بهدم بيت المسلم أو يأمره بتطليق زوجته ). وللمزيد من التفاصيل حول نظرية الولي الفقيه شبه المجهولة عند غالبية المسلمين ، يمكن قراءة دراسة طويلة للكاتب العراقي الدكتور عبد الخالق حسين بعنوان " حزب الله و ولاية الفقيه ) ، وردت في الصفحات ( 161 – 171 ) من كتاب ( حزب الله، الوجه الآخر ) الصادر عن دار الكرمل للنشر والتوزيع عام 2008 .



ومن يتخيل طبيعة هذا الشخص،

الذي يحتاج لقدرات إلهية كي يتمكن من القيام بكل هذه المسؤوليات ، إذ لم يبق صلاحية لأحد غيره، فعلا وكما يروجون فهو وكيل الله في الأرض. فهل هذا النموذج التسلطي الاستبدادي الديكتاتوري هو ما يطمح البعض لاستيراده لأوطاننا العربية؟ 

بناءا على المعلومات والتحليلات الموثقة السابقة، نستطيع الجزم بعد ثلاثين عاما من نظام الملالي في إيران، أنه بالنسبة لنا كعرب نظام احتلالي توسعي إلى أن ينسحب من كافة الأراضي العربية المحتلة، وهو نظام استبدادي شمولي لا أظنّ عاقلا يريد استيراده لشعوبنا الباحثة عن الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية وحرية التعبير.
ahmad64@hotmail.com   
www.dr-abumatar.com


341
براءة اختراع عربية بامتياز:
حافظوا عليها واعملوا على تسويقها

د.أحمد أبو مطر

نقلت وكالة الصحافة الفرنسية يوم الاثنين الثاني من فبراير الحالي الخبر التالي:"ألقى متظاهر اليوم الاثنين حذاءه باتجاه رئيس الوزراء الصيني وين جياباو أثناء إلقاء الأخير كلمة في جامعة كا مبريدج شمال لندن في اليوم الأخير من زيارته لبريطانيا...وقال المتظاهر وهو شاب ذو ملامح غربية: كيف يمكن الاستماع إلى هذه الأكاذيب التي يرويها هنا هذا الديكتاتور؟. وتوجه إلى الحضور أثناء اقتياده خارج القاعة: انهضوا واحتجوا . فردوا عليه: عار عليك عار عليك ". انتهى الخبر حرفيا
http://www.elaph.com/Web/Politics/2009/2/405764.htm

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية أيضا يوم الخميس الخامس من فبراير : " تعرض سفير إسرائيل لدى السويد بيني داجان لإلقاء حذاء وكتب عليه، بينما كان يحاضر في جامعة ستوكهولم. وكان السفير يلقي محاضرة عن الانتخابات القادمة في إسرائيل عندما ألقيت عليه تلك الأشياء. وأوضحت الوكالة أن الشرطة السويدية قامت بعد ذلك بإلقاء القبض على شخصين.
http://www.elaph.com/Web/Politics/2009/2/406672.htm

وقد نقل موقع حزب الحل الديمقراطي الكوردستاني خبرا مفاده: " أقدم مواطن كردي هو جتين إيشك من ولاية وان بشمالي كردستان، على رمي حذائه على وزير التربية التركي حسين جليك ورئيس البلدية عن حزب العدالة والتنمية دورهان ينيغون ". وقد قامت الاستخبارات التركية باعتقال قاذف الحذاء.
http://www.pcdk.org/pcdk/index.php?sid=1853

وتفيد أغلب استطلاعات السوق أن براءة الاختراع العربية هذه مرشحة لمزيد من الانتشار والتسويق خاصة في ظل الإستنفار العربي للدعاية لها وترويجها في مختلف مجتمعات العالم.

أصل براءة الاختراع هذه

والأصل في براءة الاختراع العربية هذه ، يعود للمواطن العراقي ( منتظر الزيدي ) الذي قام يوم الرابع عشر من ديسمبر لعام 2008 برمي حذائه باتجاه الرئيس الأمريكي جورج بوش في بغداد أثناء مؤتمر صحفي . ولم يتفاعل العرب مع حدث طوال القرن العشرين كما تفاعلوا مع هذا الحذاء ، وكأنه خلاصة الانتصارات العربية بعد هزائم مريرة ، بدليل أنه و بعد مرور أقل من شهر على براءة اختراع (منتظر الزيدي )، وقف النائب عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر ( علي أبو لبن ) رافعا حذاءه في  البرلمان المصري ملوحا به في الهواء أثناء استعراضه للاستجواب المقدم منه ، معلنا بثقة وعزيمة إيمانية ( أن جلاء إسرائيل لا يكون إلا بالحذاء ). وللحذاء سطوة ومكانة كبيرة في أدبيات الإخوان المسلمين المصريين، فهو شقيق مسلسل ( الطزطزة ) المشهور لمرشدهم ( محمد علي عاكف ) – طز في مصر - وفي أكثر من برلمان عربي وغالبية الطوشات العربية الفردية أو الجماعية، غالبا وبشكل لا إرادي أول ما يقدم عليه من يريد ضرب أو إهانة خصمه هو اللجوء لحذائه كسلاح يحافظ على الكرامة ويردّ المعتدين عليها ،وهو بذلك يصبح سلاحا فعالا لا يقل تأثيرا عن الأسلحة الكيماوية والفوسفورية والصاروخية ، بدليل إعلان أبو لبن أن الحذاء قادر على إجلاء إسرائيل من فلسطين المحتلة، وهذا يتطلب نزع كافة الأسلحة من الجيوش العربية ومنظمات المقاومة المسلحة ، وتزويد عناصرها بما يمكن من الأحذية خاصة ماركة ( زلط ) المشهورة بصلابتها في مصر ، أو ماركة ( باتا ) المشهورة في بلاد الشام إن كان هذا لا يخل بمبدأ المقاطعة كون هذه الماركة صناعة أوربية.

سلاح الحذاء في الثقافة العربية

مفردة ( حذاء ) و ( نعال ) هي الأكثر انتشارا و رواجا واستعمالا في الحروب العربية اليومية ، وبعد صدور براءة اختراع منتظر الزيدي ، كتب الشاعر الفلسطيني لطفي الياسين قصيدة ورد فيها:

ما نال مالا ..مركزا ووظيفة إلا عميل...حيّة رقطاء
كل المراكز و الوظائف إنها دون الحذاء جميعها لهواء
شعري هو الشعر الذي سجدت له كل الورى والغيد والشعراء
الجن تعجز أن تجيء بمثله والإنس والفصحاء والبلغاء
فمدارس الشعر العديدة كلها تحت النعال وأنها خرقاء
أدونيس والدرويش ..كل مجددي شعر الغموض مصيره الإخلاء

وكتب صحفي عربي:

( اليوم حان لكل عراقي أن يرفع رأسه بين شعوب الأرض. اليوم نرفع رؤوسنا عاليا بين كل الأمم. اليوم يوم النصر يا شعب العراق وفلسطين وكل مظلوم وجريح ). المدهش أن حذاءا فقط  يحقق كل هذه الكبرياء والانتصارات ، أي لا ذكر عند هذا الصحفي للانتصار الإلهي في لبنان عام 2006 وفي قطاع غزة عام 2009 .

وكتب صحفي آخر:

( والله منتظر الزيدي أرجل عربي بعد الشهيد صدام ). أي أنه عند هذا الصحفي أرجل ( أي أكثر رجولة ) من قوافل الشهداء في لبنان وقطاع غزة والعراق .

وفي التراث العربي فهذا الحذاء الذي رفع رأس الأمة العربية وأعاد لها كرامتها المسلوبة، هو في بعض السياقات دليل على الخسارة والهوان والمذلة ، و أشهر الحكايات في هذا الميدان المثل الرائج ( عاد بخفي حنين ) . وأصل هذا المثل أن صانع أحذية مشهور في بلاد الحيرة اسمه ( حنين ). دخل عليه أعرابي لشراء حذاء ( خف ) بضم الخاء – أحد تسميات الحذاء الخفيف - ، جادل الأعرابي حنين على السعر ، ولما اختلفا شتم الأعرابي حنين وخرج مسرعا على ناقته.  صمّم حنين على رد الصاع صاعين للأعرابي، فخرج مسرعا من دكانه، وسبق الأعرابي راميا أحد الخفين على طريقه، ثم مشى مسافة ورمى الخف الثاني. وصل الأعرابي للخف الأول ، أمسكه ودقق فيه وقال: يا إلهي إنه هو يشبه خف حنين ولكن ما فائدة قطعة واحدة منه فرماها وتابع طريقه. وبعد مسافة وجد القطعة الثانية ، فترك راحلته وعاد مسرعا لجلب القطعة الأولى، فظهر حنين من مكمنه وأخذ الراحلة هاربا بها. عاد الأعرابي فلم يجد الناقة فعاد لأهله خائبا مكسور الجناح، فسألوه : بماذا عدت؟ قال: عدت بخفي حنين. ومن ذلك الوقت وهذا الحذاء (الخفين ) مثال على الخيبة والانكسار والهزيمة. وتخيلوا كم هذا الحذاء بكافة مسمياته يثير الحيرة والخلاف ، فهو عند البعض مثال للكرامة والعزة وعند آخرين مثال للخيبة والانكسار والهزيمة .
الكندرة ( قندرة )

من أسماء الحذاء خاصة في العراق ( الكندرة ) أو ( القندرة ) ، وهي مثار التناقض والخلاف أيضا، فعند البعض رمز للكرامة والعزة كما في الأغنية التي اشتهرت بعد حذاء الزيدي ، وكتبها رائد الشطناوي وغناها المطرب الأردني متعب الصقار بعنوان ( كندرة الملايين )  ومما جاء فيها :
هاي كندرة الملايين
اليساري واليمين
تسلم ايدك ياالزيدي
حر وما ترضى الكيدي
ودعت الظالم بعز وشجاعة
صار العالم يتمنى يلبس كندرتك ساعة

وقد تمّ تلحين الأغنية بطريقة أقرب للفولكلور الشعبي الأردني الذي يعتمد على الدبكة الشعبية واليرغول، بأنغام راقصة تستثير فيك الرقص مهما كنت معارضا للكندرة وصاحبها  وربما تتمنى أن تلبسها دقيقة ، خاصة إذا شاهدتها مصورة مع الدبيكة الشعبيين.

والكندرة مثال للحقارة أيضا

بينما في الغالب تستعمل مفردة الكندرة للشتم والتحقير، وتستعملها الأغلبية الصامته والأقلية المتحدثة ، ففي شريط فيديو منشور على مواقع الانترنت بكثافة ، يرد الشيخ كمال الخطيب المحسوب على حركة حماس على الفتحاوي الطيب عبد الرحيم بعنف وكندرة. الطيب عبد الرحيم يسخر من رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية قائلا: يتحدثون عن رئيس وزراء في غزة..هل يعقل أن يكون رئيس وزراء خطيب مسجد؟. وهو يقصد قيام اسماعيل هنية بإلقاء خطب الجمعة في مساجد غزة. يرد عليه الشيخ كمال الخطيب في شريط الفيديو المثير حرفيا: عندما تتحدث عن اسماعيل هنية حط ايدك على راسك...حط كندرة على راسك ..حط كندرتين على راسك .

و في تقرير كتبه الكاتب والصحفي الأردني شاكر الجوهري عن مشاجرة عنيفة حدثت بين مسؤولين فلسطينيين في منزل الرئيس محمود عباس في عمان وفي حضوره ، بصق واحد على الآخر وتبادلا شتائم قذرة للغاية، فرد واحد على الآخر: الغبرة اللي على كندرتي بتشرفك . وللتسلية وربما رفع الضغط يمكن قراءة تفاصيل المشاجرة على الرابط التالي :
http://www.alqudsinfo.com/vb/showthread.php?p=27878

أما عن النعال شقيق الحذاء،

فحدّث ولا حرج ، فهو في التراث العربي سابق بمئات السنين لنعال ( أبو تحسين ) الذي ضرب به رأس تمثال صدام حسين عند دخول القوات الأمريكية إلى بغداد وهدم نصب صدام .فهناك أبيات شعرية ذائعة الصيت ينسبها البعض للإمام الحسين بن علي ( على مسؤولية من يقول ذلك فأنا لست متأكدا )، ورد فيها في وصف وتصنيف الأصحاب :

              لا تأسفنّ على خل تفارقه    إن لم يكن طبع الوفا فيه
              فبعضهم مثل التاج تلبسه    وبعضهم كقديم النعل ترميه

وحديثا نشر موقع حركة حماس على الانترنت ( المركز الفلسطيني للإعلام ) رثاء للشهيد القسامي بلال الدروبي ، جاء فيه :

                         قم يا بلال فأمتي                    ميزان عزتها انقلب
                         النعل في قدميك                    يعلو فوق هامات العرب

وهناك كتاب من كتب التراث الإسلامي عنوانه ( فتح المتعال في وصف النعال ) لأحمد بن محمد بن أحمد أبو العباس المقري ، مطبوع بدار القاضي عياض للتراث في القاهرة عام 1417 هجري ، وصدر في طبعة ثانية عام 2006 عن دار الكتب العلمية في بيروت المتخصصة في الكتب الإسلامية، وتحت العنوان المذكور أعلاه وضع عنوان تعريفي يقول ( في وصف نعال الرسول ) ، ويقول الناشر عن الكتاب : (ينصرف موضوع هذا المؤلف إلى الإحاطة بكل ما ورد من أخبار نعال الرسول صلى الله عليه وسلم، في الكتب والمراجع نثرا وشعرا ، وقد ذكر أوصافها وقدّم رسما مصورا لهذه النعال الشريفة ).

وضمن نفس السياق ، كتب محمد الهادي الحسني في ديسمبر من عام 2008 في موقع الشروق اليومي : (لو أوتيت مثل ما أوتي أحمد بن محمد المقري التلمساني – 1631 م – من قلم سيال، وفكر جوّال ، وخصب خيال لألفت كتابا عن حذاء الشاب العراقي منتظر الزيدي كما ألف المقري كتابا عن نعل سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ، سمّاه فتح المتعال في مدح النعال ). وهناك تفاصيل كثيرة عن نعال الرسول بما فيها تفاصيل التفاصيل إلى حد التداوي والتبرك به ، وهي تفاصيل لا داعي للخوض فيها لأنها ستعيدنا لنفس الجدل حول التداوي ببول الرسول ص .

و في الأدب العربي المعاصر أيضا،

هناك ربط غير مباشر للحب والعشق بالنعال ، ففي رواية ( عابر سرير ) لأحلام مستغانمي ( الطبعة الثانية 2003 ) ، ورد في صفحة 11 قولها : " أكانت تعي وقع انحنائها الجميل على خساراتي ، وغواية قدميها عندما تخلعان أو تنتعلان قلب رجل ؟ " وفي صفحة 12 تقول: " اشتقتها ! كم اشتقتها هذه المرأة التي لم أعد أعرف قرابتي بها، فأصبحت أنتسب إلى قدميها " . وهذا يذكر بقول الشاعر العربي الذي لا أتذكر اسمه:
         وما حبّ النعال شغفن قلبي          ولكن حب من لبس النعالا

لا أعتقد أن هناك ثقافة أخرى لأي شعب من الشعوب اهتمت بالحذاء والكندرة والنعال وأخواتهما مثل الثقافة العربية ، وهذه ملاحظة تحتاج إلى تحليل آخر ....والله المستعان.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

342
عشر سنوات من ولاية الملك عبد الله الثاني في الأردن
د.أحمد أبو مطر

تمر في السابع من فبراير الحالي الذكرى العاشرة لتتويج الملك عبد الله الثاني ملكا للملكة الأردنية الهاشمية بعد رحيل والده الملك حسين الذي استمرت ولايته من مايو 1953  حتى وفاته في  السابع من فبراير 1999 ، وإعلان نجله الأمير عبد الله ( عمره سبعة وثلاثون عاما آنذاك ) ملكا على المملكة الأردنية الهاشمية ،حاملا اسم ( عبد الله الثاني ) ليكون بذلك الملك الهاشمي الرابع في المملكة التي أعلن استقلالها في مايو من عام 1946 وتولي الملك عبد الله المؤسس العرش الهاشمي كأول ملك للمملكة. عشر سنوات من ولاية الملك عبد الله الثاني ، هل تميزت بملامح معينة؟ هل أسست لخطوات نوعية في مسيرة المملكة؟. هذا ما تحاول هذه المقالة الإجابة عليها بقدر عال من الموضوعية والمعلوماتية بعيدا عن الإنشاء والخطابة ، والنظرة السلبية للمملكة تلك النظرة التي هي من مخلفات مدرسة أحمد سعيد ، ويحاول محمد حسنين هيكل إحياءها والحفاظ على أكاذيبها وتلفيقاتها في العديد من الملفات ومنها الملف الأردني خاصة في لقاءاته التلفزيونية، مستغلا قربه من جمال عبد الناصر آنذاك واطلاعه أو احتفاظه بالأرشيف الناصري التي شهدت مرحلته خلافات واقتتالات عربية لم تشهدها أية مرحلة، وغالبا ما يسند هيكل معلوماته لوثائق يدعي وجودها عنده ولم يطلع عليها أحد غيره أو يسند معلوماته لأموات لا يمكن استنطاقهم . أهم ملامح هذه السنوات العشر:

أولا: تجذير المسيرة الديمقراطية

كانت بداية المسيرة الديمقراطية قد أعلن انطلاقتها الملك حسين عام 1989 حيث كانت التعددية السياسية والحزبية أهم مظاهرها عام 1992 ، رغم سوء الفهم الشعبي لتطبيقات الديمقراطية التي نتج عنه قيام أو إعلان قيام حوالي سبعة وثلاثين حزبا وسط مجتمع لا يزيد تعداده عن خمسة ملايين آنذاك ، ومقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا حيث لا يوجد أكثر من ثلاثة أحزاب في كل دولة، تبدو عشوائية أو فردية التفكير في المجتمعات العربية، وكان مؤكدا في الشارع الأردني أن غالبية هذه الأحزاب لا يزيد عدد أعضاء كل حزب عن عشرات وليس مئات . تمت المحافظة في عهد الملك عبد الله الثاني على هذه التعددية الحزبية المرافقة بطبيعة الحال لحرية التعبير، وعند وضع بعض الضوابط العام الماضي  لما يمكن تسميته الفلتان الحزبي ، أهمها أن يكون عدد أعضاء ومؤسسي أي حزب لا يقل عن خمسمائة شخص من خمسة محافظات أردنية ، لم تستطع أغلب تلك الواجهات الحزبية تأمين هذا الشرط البسيط ، فتقلصت  الأحزاب المرخصة إلى قرابة خمسة عشر حزبا، ورغم ذلك يبقى العدد مبالغا فيه قياسا لتعداد سكان الأردن ، و الأطروحات السياسية والمتغيرات الاجتماعية السائدة في ثقافة المجتمع الأردني . وهذا يذكر بحديث سابق للملك عبد الله الثاني ، قال فيه : " إن تشرذم الأحزاب وتعددها ليس في صالح هذه العملية بل إنه أحد المعيقات الأساسية لها، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه لدينا من ثلاثة إلى أربعة أحزاب قوية تمثل التيارات الفكرية الرئيسية في البلد ". ورغم هذه الرؤيا الملكية لم تحاول الحكومة الضغط على هذه الأحزاب للدمج أو الإلغاء بدليل وجود ما لا يقل عن خمسة عشر حزبا في الأردن اليوم، تمكنت من تسوية أوضاعها حسب الشروط الجديدة ، وقامت وزارة الداخلية العام الماضي بدعم هذه الأحزاب من خلال صرف ميزانية سنوية لكل حزب مقدارها خمسون ألف دينار أردني ، وهو مبلغ بالنسبة لمستوى المعيشة في الأردن يستطيع تأمين الإيجارات السنوية لأكثر من مقر لكل حزب ، وهي خطوة تدل على دعم الحكومة لاستمرارية التعددية الحزبية.

ثانيا: حرية التعبير الصحفي والحزبي

يتأكد المراقب للصحافة الأردنية الورقية والإليكترونية أن ما تم تأكيده في السنوات العشر الماضية في ميدان حرية التعبير الصحفي والحزبي من النادر وجوده في العديد من الأقطار العربية، وبصراحة موضوعية شديدة أن التصريحات والمواقف السياسية تحديدا لحزب جبهة العمل الإسلامي ( الإخوان المسلمون ) سواء في الصحافة أو داخل مجلس النواب دليل واضح ملموس على حرية التعبير خاصة إذا تذكرنا حملات الاعتقال والسجن التي يتعرض لها الإخوان المسلمون في أكثر من قطر عربي، وفي بعض الأقطار العربية ينصّ القانون صراحة على عقوبة الإعدام لكل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. وهذه الميزة ليست مكرمة أو جميلا من الحكومة للصحافة والأحزاب ، بل هذا ما يجب توفره نظريا وتطبيقيا لأن الحرية والديمقراطية هي مقياس تقدم الشعوب ، بدليل وصول باراك أوباما الأسود لرئاسة البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تدخل الملك عبد الله الثاني أكثر من مرة لوقف ملاحقة صحفيين وكتاب ، واتصل شخصيا بأكثر من صحفي مستنكرا بعض التجاوزات التي تعرضوا لها ، وأكدّ مرارا على حرية الصحافة ومنع وقف أو سجن أي صحفي بسبب آرائه السياسية. إنّ العديد من كتابات الكتاب والصحفيين الأردنيين النقدية لممارسة بعض وزراء الحكومة ، يمثل جرأة متناهية وصراحة غير معهودة، ما كانت ستتوفر لولا طمأنينة الكتاب لسقف الحريات المسموح به في المملكة.

ثالثا: الدعم الكامل للقضية الفلسطينية

لقد تميز عهد الملك عبد الله الثاني بدعم واضح ومعلن للقضية الفلسطينية حسب المطالب الوطنية الفلسطينية بقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة ضمن حدود عام 1967 كما أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني في زمن الرئيس ياسر عرفات في الجزائر عام 1988 ، وتطالب بذلك وتدعمه غالبية الفصائل والتنظيمات الفلسطينية. الدعم الأردني الصريح في هذا الميدان له أهمية خاصة لحدودية الأردن مع الضفة الغربية الفلسطينية، وتكرار سيناريو الوطن البديل من أطراف يهودية يمينية. وضمن نفس السياق كانت إدانة الملك عبد الله الثاني الصريحة الواضحة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مؤكدا في العديد من المحافل العربية والأجنبية أن خيار الدولتين هو الحل، وتأكيده على أن الإسراع في الوصول لهذا الهدف يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد كانت المظاهرات والتجمعات الشعبية الأردنية هي الأكثر دعما للقطاع، وقد بلغت ما يزيد على ستمائة مظاهرة وحشدا وتجمعا ، وكلها بإذن وموافقة السلطات الرسمية مما حدا بأحد الأحزاب الإسلامية أن يعلن عن فخره بتوحد الإرادتين الرسمية والشعبية الأردنية في مواجهة العدوان. وكذلك كانت المساعدات التموينية والطبية الأردنية بما فيها فرق الأطباء والممرضين ومستشفى ميداني هي الأكثر والأسرع في الوصول للقطاع بكثافة أكبر من إمكانيات الأردن الإقتصادية، وما زالت هذه الطواقم تعمل في القطاع رغم توقف العدوان الإسرائيلي.

وضمن حدودية الأردن لأكبر بؤرتين عربيتين ملتهبتين العراق في الشرق وفلسطين في الغرب، تبدو حكمة عهد الملك عبد الله الثاني في محاولات مستميتة لتحقيق علاقات عربية متوازنة مع كافة الدول العربية، مما حقق علاقات طبيعية مع الجارة سوريا ودولة قطر بعد خلافات على أمور ليست استراتيجية ، خاصة أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة ألغى عمليا مقولة " دول اعتدال" و " دول ممانعة " ، فلم يتميز أي موقف عربي عن آخر، فليس هناك دولة عربية تحاصر جيوشها تل أبيب ، ودول أخرى تطالبها بالتوقف عن ذلك ، فجميع الدول العربية أدانت العدوان ،  وتميزت الأردن بالدعم المادي الذي أشرت إليه.

هذه الملامح الأساسية لعشر سنوات من ولاية الملك عبد الله الثاني في المملكة الأردنية، ليست دعاية أو تملقا ، بل تثمين لإنجازات مستعدون للكتابة عنها وتثمينها في أية دولة عربية، فهذا الطريق الديمقراطي والوضوح السياسي يجعل الأردن محدود  الإمكانيات اقتصاديا غني بشعبه وسلمه وأمنه الاجتماعي الوطني . وفي النهاية من المهم التأكيد أن سقف الحريات الديمقراطية هو فقط من يخلق شعبا متمسكا بوطنه ومستعد للدفاع عنه، فلا يدافع عن الأوطان إلا أحرارها.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com



343
توضيحات وصولا لحقيقة غائبة
د.أحمد أبو مطر

أصبح منذ سنوات طويلة إلصاق التهم والإساءات هي أسهل وأروج ما في الإعلام العربي، فعند أي خلاف في وجهات النظر تجد دوما من يتهم الطرف الآخر بتهم أبسطها العمالة والخيانة، وهذا السلوك اللا أخلاقي ليس مقصورا على الأشخاص فقد تبنته كسياسة وسلوك التنظيمات والأحزاب العربية خاصة التنظيمات الفلسطينية، إلى  حد يستحيل أن تجد تنظيما لم يتهم بالعمالة والخيانة والتجسس من قبل تنظيم آخر. وخير مثال على هذا السلوك المتدني هو الاتهامات التي تم تبادلها بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية أثناء الاجتياح الإسرائيلي الأخير لقطاع غزة، فعند التمعن في تفاصيل تلك الاتهامات المتبادلة من كل طرف للآخر ، يبدو وكأن حركة حماس والسلطة الفلسطينية مجرد مجموعة من الخونة والعملاء والجواسيس للاحتلال الصهيوني....فهل هذا منطقي وأخلاقي؟.

مساهمة الإعلام الإليكتروني في هذا التلفيق

وقد راجت الأيام الأخيرة في بعض المواقع الإليكترونية إشاعة ملفقة بغباء شديد تحت عنوان:

" أسماء الكتاب العرب الذين نشر موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية مقالاتهم في حرب غزة"

واجتهدت مواقع أخرى لنشر هذه الإشاعة بإثارة أكثر تحت عنوان:

" أسماء الكتاب العرب الذين يتقاضون رواتبهم من وزارة الخارجية الإسرائيلية "

ولبيان الحقيقة و احتراما لعقول القراء العرب، من المهم إبداء الملاحظات التالية التي غابت عن مروجي هذه الإشاعة وهذا التلفيق:

أولا: عدت للموقع المذكور فلم أجد قائمة بهذه الأسماء كما ادعت بعض المواقع العربية، على أنها  أسماء الكتاب العرب الذين ساندوا العدوان الإسرائيلي الهمجي ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة. هناك في الموقع زاوية تحت عنوان ( مقالات رأي ) ، يختارون مقالات لكتاب عرب من مختلف الأقطار فيها أي نقد للتنظيمات أو الأحزاب العربية ويقومون بنشرها مع ذكر المصدر، وأنا أرى أن هذا اصطياد في الماء العكر، لأنهم كموقع تابع لدولة الاحتلال يريدون أن يوهموا بعض العرب أن هناك كتاب عرب يؤيدون الاحتلال. في حين أن أي قارىء لو عاد لغالبية تلك المقالات للعديد من الكتاب العرب، لوجد أنها لا تخرج عن ميدان النقد والنقد الذاتي، و إلا فعلينا أن نخرس خوفا من أن يعيد ذلك الموقع نشر مقالاتنا، وهذا يعني السكوت على كل الأخطاء والسلبيات في حياتنا العربية. وقياسا على هذه الحالة هل يمكن اعتبار الكتاب الإسرائيليين الذين ينتقدون حكومتهم وقادتهم ويعيد الإعلام العربي نشر مقالاتهم ، بأنهم عملاء للدول والأحزاب العربية؟.

ثانيا: فيما يتعلق بي أتحدى أن يكون ذلك الموقع المشبوه قد نشر لي أية مقالة  أثناء الاجتياح الهمجي لقطاع غزة، لأنني في كل مقالاتي أثناء تلك الفترة في موقع إيلاف ، كنت أصف ذلك الاجتياح بالهمجي والوحشي وأن القائمين عليه يرتكبون جرائم ترقى لحد الإبادة البشرية ، ويجب أن يقدموا لمحاكم العدالة الدولية، وهذا ما لا يجرؤ ذلك الموقع على نشره، وإن نشره بكل توصيفاتي المذكورة للهمجية الإسرائيلية سوف أشكرهم على ذلك، ويستطيع أي قارىء أن يعود لمقالاتي تلك في موقع إيلاف .


طبعا وكي أكون دقيقا وموضوعيا، لا تخلو مقالاتي تلك  من نقد واضح لحركتي حماس وفتح والسلطة الفلسطينية ، إذ لم يرتقوا لمستوى تحديات ذلك الاجتياح الهمجي ، وظلوا مستمرين في حملاتهم ضد بعض واتهاماتهم لبعض بالخيانة والعمالة، فإذا نحن من وجهة نظرهم أمام شعب فلسطيني كله خونة وعملاء.

ثالثا: من المهم أن نتحرى الدقة والموضوعية فليس كل نقد يهدف للمصلحة الوطنية، يدخل في خانة مصلحة الاحتلال الهمجي، فمثلا مقالتي الأخيرة في موقع إيلاف، كانت بعنوان" متى يصدر تقرير فينوغراد الغزاوي ؟ ". طالبت فيها أن تتجرأ حركة حماس والمسؤولون الفلسطينيون على دراسة ذلك الاجتياح ونتائجه ، تماما كما قامت دولة الاحتلال بدراسة ظروف ونتائج حربها ضد حزب الله في تموز عام 2006 ، وصدر تقرير في ستمائة صفحة عرف باسم القاضي الإسرائيلي " فينوغراد" ، وتضمن التقرير نقدا قاسيا لأغلبية قيادات الدولة الإسرائيلية...فمتى نجرؤ على ذلك في حياتنا العربية؟.

رابعا: أنا متأكد أن بعض أسماء الكتاب العرب الذين وردت أسماؤهم في قائمة التلفيق تلك، لم ينشروا أية مقالة منذ ثلاثة سنوات على الأقل، فكيف ترد أسماؤهم على أنهم كتبوا دعما للعدوان الإسرائيلي الهمجي قبل أسابيع؟

خامسا:

هذه القائمة الملفقة لا يمكن مطلقا أن يتم نشرها في الإعلام الغربي بخصوص كتاب وصحفيين غربيين، لأنه في الدول الأوربية والأمريكية السيادة للقانون، و لا تجرؤ جريدة أو موقع غربي على نشر هكذا قائمة إلا إذا كان لديها صورة عن التحويلات المالية والشيكات القادمة لكل شخص، لإثبات ذلك عند اللجوء للقضاء، فهل يملك أي موقع عربي ممن نشر تلك التلفيقات إثباتات على ما نشره؟. والملفت للنظر أن موقعا اليكترونيا أردنيا ربما كان هو البادىء بنشر هذا التلفيق مركزا على اسمين لكتاب أردنيين معروفين، وأرسلت أنا توضيحات لهذا الموقع ولم يتم نشر ما أرسلته، ولكن فجأة تم إزالة الخبر والأسماء نهائيا من الموقع مع أنّ أخبارا سابقة وقديمة ما زالت في الصفحة الأولى للموقع، مما يدلّ على أن حذف الخبر تمّ بقرار من مسؤولي الموقع، خاصة أنهم سمحوا بنشر تعليقات أغلبها شتائم بحق الكاتبين المذكورين، وهذا لا يليق بأية وسيلة إعلامية تتوخى الموضوعية والمهنية ، لأن السؤال المنطقي هو: ما هي رسالة الإعلام ؟ نشر الشتائم أم توخي الحقيقة التي تهدف للتصحيح والبناء؟.

سادسا: هل يستطيع أي موقع عربي ممن نشر تلك التلفيقات أن يقدم إثباتات على ذلك؟. وهذا من حق ممن وردت أسماؤهم، لأننا أساسا لو كنا نعيش في دول تحترم القانون وحقوق الإنسان لكان من السهل تقديم القائمين على تلك المواقع للتحقيق والقضاء، ولكن في ظل الفوضى وغياب القانون لا نستغرب هذه الفوضى القائمة على عدم الخلق والأخلاق. وأستغرب لماذا لا تقوم أجهزة الأمن والقضاء في تلك الدول العربية بالتحقيق مع هؤلاء الكتاب والطلب من مسؤولي تلك المواقع تقديم الإثباتات على ما نشروه من تلفيقات.

تلك التوضيحات كانت ضرورية إحقاقا للحق ومساهمة في كشف الحقيقة، وربما يتعظ البعض فلا ينشروا أية معلومات إلا ولديهم الوثائق التي تثبت دعواهم، لأنه ليس هناك أسهل من اتهامات الخيانة والعمالة بدليل ما تمّ بين فتح وحماس والسلطة الفلسطينية، والله المستعان في وطن عربي وصفه دريد لحام " غوار الطوشة " بأنه " حارة كل من إيدو إلو "!!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


344
مصالحة دائمة أم خلافات نائمة؟
د.أحمد أبو مطر

قمة طارئة في الدوحة بمن حضر غاب عنها اللاعبون الأساسيون في الساحة العربية، وأسهمت في شرخ جديد في العلاقات بسبب غياب رئيس السلطة الفلسطينية، وبدلا منه حضور وجاهة لخالد مشعل ورمضان شلح وأحمد جبريل ، وكأنهم هم السلطة الشرعية الفلسطينية، في حين أنّ شخصا مثل أحمد جبريل ودكانته المسماة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أيديهم ملطخة بالدماء الفلسطينية بما لا يقل عن جيش الاحتلال، خاصة في حربي المخيمات الفلسطينية في لبنان عامي 1985 و 1987 ، وما زال يحتفظ بقواعد عسكرية في البقاع اللبناني مهددا السيادة والوفاق في لبنان ، و إلا ما معنى ولزوم هذه القواعد التي لا تطلق منها  أية رصاصة واحدة على جيش الاحتلال؟ بل يقوم سكانها باستفزاز الجيش اللبناني من حين إلى آخر خدمة لأوامر وأجندات إقليمية،  و إلا لماذا لا يجرؤون على فتح هكذا قواعد في أية دولة عربية بما فيها سورية حيث تتواجد قياداتهم اللاوطنية. وكانت قمة الوجاهة في المنصة الرئيسية بقمة من حضر في الدوحة حضورممثل الملالي الإيرانيين أحمدي نجاد الذي تحتل جمهوريته الإسلامية الأحواز العربية منذ عام 1925 والجزر الإماراتية الثلاثة منذ عام 1971 ، والسؤال المثير للعجب والسخرية هو : ما دخل هذا المحتل بقمة عربية ستبحث وضع قطاع غزة في ظل اجتياح الاحتلال الإسرائيلي، ومتى كان هناك احتلال مقبول نصفق له واحتلال مرفوض نقاومه؟. وهل سبق أن دعت دولة الاحتلال الايراني أي مسؤول عربي لحضور أي مؤتمر إيراني؟

قمة خليجية في السعودية

وقبل قمة بمن حضر في الدوحة، عقدت قمة خليجية في الرياض يوم الخميس الخامس عشر من يناير بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكانت المفاجأة حضور كافة قادة دول الخليج العربي بمن فيهم سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ، وكان حضوره إلى الرياض يوما واحدا قبل القمة العربية المنتظر عقدها في عاصمة بلاده، خطوة حكيمة دلت على بعد نظر متناسيا أية حساسيات وخلافات عربية ، وقد أسست خطوته هذه ، والإشارات التي أرسلها خادم الحرمين الشريفين في تصاعد إشارات المصالحة العربية، التي برزت مظاهرها في قمة الكويت الاقتصادية التي افتتحت يوم الاثنين التاسع عشر من يناير 2009 ، و شاركت فيها كافة الدول العربية بحضور 17 رئيسا وأميرا وملكا. وقد أعطى خادم الحرمين الإشارات القوية الواضحة لضرورة نسيان الماضي وتجاوز الخلافات العربية، خاصة أن خطابه جاء بعد خطاب الرئيسين حسني مبارك وبشار الأسد اللذين اعتقد بعض المراقبين أنهما لا يوحيان بأي تقارب أو مصالحة، فجاءت المفاجأة في خطاب العاهل السعودي الذي أكد على أساسيات مهمة ، تجد إجماعا عربيا خاصة في ما يطلق عليه معسكر الممانعة،من هذه الأساسيات:

أولا: إن المبادرة العربية للسلام لن تبقى على الطاولة وأن الخيار بين الحرب والسلام لن يكون مفتوحا في كل وقت .

ثانيا: وصفه الواضح للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بالغادر والذين قاموا به " عصابة إجرامية".

ثالثا: إننا جميعا ومن دون أن استثني أحدا مسؤولون عن الوهن والضعف في تضامننا، ومن المهم تجاوز الخلافات العربية وفتح باب الوحدة.

نداءات لاقت قبولا

عقب خطاب العاهل السعودي شهدت قاعة المؤتمر الذي ترأسه سمو أمير الكويت انفراجا، عبرت عنه الابتسامات على وجوه القادة ولقاءاتهم العلنية خاصة ذلك اللقاء الذي ضمّ الرئيس المصري والعاهلين السعودي والأردني والرئيس السوري وأمير دولة قطر وملك دولة البحرين، وأهمية ذلك أن هؤلاء القادة الستة يمثلون غالبا تمثيل المحورين المتصارعين في الساحة السياسية العربية. ورغم هذه المظاهر المريحة والمشجعة ، إلا أن السؤال المركزي هو هل ما شاهدناه من مظاهر وابتسامات دليل على:

مصالحة دائمة أم خلافات نائمة؟

الجواب على هذا السؤال لا يخضع لأمنيات وتطلعات الشعوب العربية التي ملت الانقسامات والمشاحنات، وإنما هو رهن المعطيات المطروحة بين الدول العربية وتخلق تكتلات معينة  متصارعة في الغالب. ومن أهم هذه المعطيات:

العلاقات السورية الإيرانية

من الواضح أن علاقات النظام السوري المتميزة مع النظام الإيراني هي من أسباب الخلافات والاصطفافات العربية، خاصة أن هذه العلاقات تأتي والنظام الإيراني ما يزال يحتل أراض عربية في الأحواز والجزر الإماراتية الثلاثة، ويستمر في تهديداته لدول الخليج العربي، وتدخله في شؤون كل الدول العربية بلا استثناء خاصة مصر، فيندر أن يمرّ أسبوع دون تصريح من مسؤول إيراني خاص بالشؤون المصرية، من وضع الإخوان المسلمين إلى معبر رفح ، وقد دخلت على الخط الإسبوع الماضي زوجة أحمدي نجاد عبر مخاطبتها للسيدة سوزان مبارك طالبة منها ( نصيحة زوجها بفتح معبر رفح ). ومن الواضح حتى الآن أن النظام السوري لا توجه لديه نية بفك ارتباطه بالنظام الإيراني، لأن هذا الارتباط الذي من علاماته دعم حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، حقيقة لا يهدف لدعم مقاومة حقيقية بقدر ما هو توتير الأوضاع الإقليمية التي تؤجل فتح الملف النووي الإيراني على مصراعية وملف المحكمة الدولية الخاصة بقتلة رفيق الحريري، وهذا الملف يزعج النظام السوري لدرجة عالية، لأن ردود فعل النظام توحي أنه خائف أن تطاله يد العدالة الدولية في هذا الملف، لذلك فمن مصلحته تأجيل هذا الملف قدر الإمكان، سواء باستمرار التوتر في لبنان وقطاع غزة أو تصعيد الارتباط بالنظام الإيراني لدرجة التحالف.

الورقة الفلسطينية للمزايدات

وضمن معطيات الصراع والاصطفاف، تستخدم الورقة الفلسطينية خاصة الموقف من حكومة حماس عقب انقلابها وسيطرتها على القطاع في يونيو 2007 ، فتتم أحيانا تصفية خلافات سورية مصرية أو سورية سعودية من خلال تأييد حماس على حساب السلطة ألفلسطينية أو العكس، في حين أن المنطق أن تقف كل الدول العربية مع السلطة الفلسطينية كشرعية فلسطينية وحيدة ، ومن خلال ذلك تجري محاولات لم الشمل الفلسطيني. وفي هذا المجال بذلت المملكة السعودية جهدها الذي أثمر توقيع اتفاق مكة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية في فبراير 2007 ، وما إن غادر الطرفان السعودية حتى تنصل كل واحد منهم من هذا الاتفاق، وكذلك فقد رعت مصر وما زالت عشرات اللقاءات بين السلطة الفلسطينية وحماس، وما زالت هذه المحاولات واللقاءات جارية حتى هذه اللحظة، دون أن تثمر أي تقارب بين الطرفين الفلسطينيين، وهذا أمر طبيعي لأن حوارا لم ينجح بين طرفين فلسطينيين وهما بين شعبهما ورائحة دم الشهداء والضحايا تملأ الأنوف، والدمار يعم كل ركن وزاوية ، لن ينجح لا في مصر ولا السعودية ولا  في جزر القمر.

لذلك وضمن المعطيات السابقة فإن حصيلة القمم واللقاءات العربية السابقة هي: خلافات نائمة وليست مصالحة دائمة...و أتمنى أن أكون مخطئا ، عندئذ سأعتذر للحكام العرب وأهتف بحياتهم جميعا: بالروح بالدم نفديكم كلكم بدون استثناء.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

345
هل سيصدر تقرير "فينوغراد" الغزّاوي؟
د.أحمد أبو مطر

للتذكير إن نفعت الذكرى

تقرير فينوغراد هو التقرير الإسرائيلي الذي صدر عقب حرب تموز بين الجيش الإسرائيلي و حزب الله في لبنان التي استمرت 33 يوما، وعرف التقرير بهذا الاسم نسبة للقاضي الإسرائيلي الذي ترأس لجنة التحقيق الخاصة بالتحقيق والتدقيق في دراسة ظروف الحرب والنتائج التي انتهت إليها من وجهة نظر المصالح الإسرائيلية، للوصول إلى رأي محدد : هل كانت النتيجة انتصارا أم هزيمة وإخفاقا لإسرائيل والجيش الإسرائيلي؟. ولمزيد من المهنية والدقة الموضوعية، استمعت اللجنة إلى شهادات 74 مسؤولا عسكريا وسياسيا وأمنيا وخبيرا إسرائيليا، وجاء التقرير في 600 صفحة، صدر كتقرير أولي عام 2007 " محملا أولمرت مسؤولية الإخفاقات في الحرب المذكورة " وتمّ إصدار التقرير المفصل يوم الثلاثين من يناير 2008 ، حيث خلص إلى نتائج مهمة من وجهة النظر الإسرائيلية منها:

أولا: إن الدخول في الحرب دون وضع استراتيجية للخروج منها شكّل ثغرة خطيرة، مما أدى لسقوط 33 جنديا إسرائيليا، بسبب أن إدارة الحرب كانت متعثرة على المستويين السياسي والعملياتي وخصوصا في مجال القوات البرية.
ثانيا: إن هذه الحرب شكلت إخفاقا كبيرا وخطيرا ، وكشفت وجود ثغرات خطيرة على أعلى المستويات الهرمية السياسية والعسكرية.
   ثالثا: أخفق الجيش الإسرائيلي في إدارته للحرب ولم يقدم للقيادة السياسية نتائج يمكن الاستفادة منها    على المستوى السياسي ، وأن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من وقف إطلاق صواريخ حزب الله على
إسرائيل.
رابعا: انتقد التقرير الهرمية السياسية والعسكرية الإسرائيلية محملا أولمرت مسؤولية الإخفاقات في تلك الحرب.

اختلاف حسابات النصر والهزيمة

هذه النظرة النقدية الإسرائيلية الصريحة القاسية لنتائج الحرب التي تقول أن نتيجة الحرب من وجهة نظر المصلحة الإستراتيجية كانت هزيمة وإخفاقا كبيرين. هذا رغم أن إسرائيل حققت بعد انتهاء الحرب ما لم يكن يتوقعه زعيم النصر الإلهي السيد حسن نصر الله حسب اعترافاته. فقد تحقق لإسرائيل: وقف نهائي لإطلاق النار، لم يتبعه منذ عامين إطلاق أية رصاصة من الحدود اللبنانية على إسرائيل،حتى طوال أيام الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، لم يتجرأ حزب النصر الإلهي على الانتصار للشقيقة حماس ولو بطلقة واحدة عبر الحدود. كما تمّ تطبيق القرار 1701 ووصول قوات اليونيفيل المسلحة التي تراقب الحدود ، والبحرية من أكثر من دولة تراقب المياه اللبنانية لضمان عدم وصول أسلحة لحزب الله من إيران أو غيرها ، وبقاء مزارع شبعا محتلة كما كانت منذ عام 1967 ، وهذه النتائج هي ما كانت تريدها إسرائيل، ورغم ذلك اعتبر تقرير فينوغراد أن نتيجة الحرب كانت إخفاقا يرقى للهزيمة....لماذا؟. لأن حسابات النصر والهزيمة تختلف من طرف إلى آخر، بدليل أن كافة الخسائر التي وقعت في الجانب اللبناني وتدمير البنية التحتية وتشريد ألاف المواطنين، كل ذلك كان نصرا إلهيا عند السيد حسن نصر الله، رغم اعترافه المخجل بأنه لو كان يتوقع حجم الرد الإسرائيلي لما أقدم على خطف الجنديين الإسرائيليين، وهو نفس اعتراف زعيم النصر الإلهي الثاني خالد مشعل بأن حماس لم تكن تريد أكثر من استفزاز بسيط لإسرائيل!!!.

وألان متى سيصدر تقرير فينوغراد الغزّاوي؟

وأنا أقصد عن وعي كلمة " الغزّاوي " وليس " الفلسطيني " لأن هذه الحرب كانت بين حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة بعد انقلابها العسكري في حزيران 2007 الذي نتج عنه تحرير القطاع كاملا من الفتحاويين والسلطة الفلسطينية، واستفردت حماس بحكم وإدارة القطاع مما يعني أنها تتحمل كامل المسؤولية إزاء مليون ونصف فلسطيني في زمن السلم والحرب، وفي كافة المجالات الحياتية رغم الحصار و إغلاق المعابر، لأن حماس ينبغي أنها كانت تعرف أن إسرائيل لن تبارك انقلابها وسيطرتها على القطاع وسوف تعاقبها بكل ما تستطيع، ورغم ذلك قامت بانقلابها الذي اعتبرته التحرير الثاني للقطاع.

لقد نتج عن هذا الاجتياح الإسرائيلي غير المتوقع حماسيا: مقتل ما لا يقل عن ألف وثلاثمائة فلسطيني حتى صباح وقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي، وجرح ما لا يقل عن خمسة ألاف وخمسمائة  ، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية، بدليل أن تقريرا فلسطينيا اعتبر أن خمسين بالمائة من منازل ودور القطاع أصبحت غير صالحة وآمنة للسكن، وتمّ تدمير كافة المباني الحكومية وأربعة ألاف منزل وتشريد مائة ألف مواطن يعيشون في العراء أو الخيم والمدارس، وتدمير شبه كامل للمنطقة الحدودية مع مصر التي تقول إسرائيل أنها مليئة بالأنفاق التي تستعمل للتهريب. ورغم كل ذلك يصرح اسماعيل هنية " لو أبدتم غزة فلن نستسلم "، وكأن المقصود هو الموت من أجل الموت، إلا أنه في واقع الأمر الموت والتدمير من أجل البقاء حكاما منفردين للقطاع، لا يسمحون كما كان قبل الاجتياح الإسرائيلي بأي تحرك أو نشاط لأي فصيل فلسطيني آخر خاصة حركة فتح إلى درجة منع وقمع محاولة الاحتفال بذكرى وفاة الرئيس ياسر عرفات، كل ذلك مقابل مقتل 13 إسرائيليا من بينهم عشرة عسكريين.

وأخيرا وقف إطلاق النار،

من جانب واحد هو إسرائيل، وبعد ساعات قليلة أصدرت الفصائل الفلسطينية بيانا أعلنت فيه:
" نعلن نحن فصائل المقاومة الفلسطينية عن وقف لإطلاق النار من طرفنا في قطاع غزة، ونؤكد على موقفنا ومطلبنا بانسحاب قوات العدو من قطاع غزة خلال أسبوع مع فتح جميع المعابر والممرات...وفي ضوء ذلك نحن مستعدون للتجاوب مع أية جهود وخاصة المصرية والتركية والسورية والقطرية للوصول إلى اتفاق محدد يلبي مطالبنا المعروفة برفع الحصار بشكل نهائي وفتح جميع المعابر بما فيها معبر رفح ". من المهم التوقف عند كلمات هذا البيان الصادر عن حماس أساسا، فهو يؤكد على أن الهدف الذي تسعى إليه حماس هو رفع الحصار وفتح المعابر فقط ، فبماذا تختلف إذن عن مطالب السلطة الفلسطينية؟ وما هي حيثيات الخلاف سوى السيطرة والحكم الذي أوجد للشعب الفلسطيني إمارة حماس في القطاع وسلطة عباس في الضفة؟ أي أنه صراع لا علاقة له بتحرير ما أو إقامة دولة فلسطينية على كامل أراضي 1967 طالما يتمتع الحماسيون بحكم القطاع والسيطرة عليه بانفراد ديكتاتوري قمعي لكل من يخالفهم، ومن ينسى هروب حوالي 150 من عناصر وكوادر وقيادات فتح إلى إسرائيل قبل الاجتياح الحالي بشهور قليلة، أي أنه في لحظة ما كان الاحتلال الإسرائيلي عند بعض الفلسطينيين أرحم من القوة التنفيذية لحركة حماس...وهل هناك مسخرة مدعاة للبكاء أكثر من ذلك؟

نصر إلهي أم هزيمة منكرة نريد تقرير،

 فينوغراد غزّاوي أي من حركة حماس تحديدا، بنفس جرأة وشجاعة تقرير فينوغراد الإسرائيلي ، ليعطينا التفاصيل والوقائع والحيثيات التي تجعلنا نعرف هل حققنا نصرا إلهيا جديدا أم هزيمة تضاف لنكباتنا بفعل قياداتنا أكثر من كونها من فعل الاحتلال...سننتظر هذا التقرير الغزّاوي الذي أغلب الظن أنه لن يصدر..وآمل أن يكون بعض ظني إثما ويصدر هذا التقرير!!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com






346
النتائج المتوقعة للاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة

د.أحمد أبو مطر

دخل الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة أسبوعه الرابع ضمن وتيرة توحي أنه سوف يستمر لما يزيد على شهر، محدثا خسائر في الجانب الفلسطيني لا أعتقد أن أحدا كان يتوقعها بين الفلسطينيين والعرب، قياسا على اجتياحات و هجومات سابقة، فعدد القتلى من الفلسطينيين يزيد عن ألف قتيل، والجرحى عددهم على أبواب الخمسة ألاف ، أما التدمير في المنازل والمباني والبنية التحتية فيكاد يصل لتدمير شامل لنصف ما في القطاع، وتقدر هذه الخسائر بمليارات الدولارات حسب التقديرات الفلسطينية والإسرائيلية. هذا على المستوى المادي المحسوس والمعاش تحديدا من فلسطينيي قطاع غزة ( من يده بالنار ليس مثل من يده بالماء ). أما النتائج المتوقعة لهذا الاجتياح في الميدان السياسي، وهو المتوقع حسب مصادر إسرائيلية توقفه يوم العشرين من هذا الشهر، أي يوم تسلم باراك أوباما مهامه الرئاسية في البيت الأبيض، فهي نتائج تخضع للتحليل والمعطيات السياسية التي سادت ورافقت هذا الاجتياح، وبناء على ذلك فهذه النتائج  حسب رؤيتي للحدث وأبعاده العربية والدولية  فهي كالتالي :

أولا: الترويج والقناعة بانتصار إلهي لحماس

وهذا قياسا على ما سبق أن تم الترويج له من انتصار إلهي لحزب الله في حرب تموز 2006 بينه وبين دولة إسرائيل، رغم كل الخسائر والتدمير في البنية التحتية اللبنانية الذي تم تقديره بما يزيد على 12 مليارا من الدولارات، والتطبيق الكامل لقرار الأمم المتحدة رقم     1701  ، ووصول قوات اليونيفيل المسلحة وسيطرتها على الشريط الحدودي بين لبنان وإسرائيل، وبسط سيطرة الجيش والدولة اللبنانية على كافة الأراضي اللبنانية ، مما أوجد على الأرض هدوءا كاملا لم يتمكن من خلاله حزب الله إطلاق أية رصاصة طوال العامين الماضيين على إسرائيل بما فيها أسابيع الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، إذ لم يجرؤ حزب النصر الإلهي من الانتصار لشقيقته حركة حماس بطلقة أو صاروخ واحد عبر الحدود مع إسرائيل ، إلى حد أن حزب الله نفى رسميا وصراحة أن لا علاقة له مطلقا بالصواريخ الثلاثة التي أطلقت على إسرائيل من الحدود اللبنانية. وضمن هذه المقاييس العربية فسوف يتم إصدار شهادة رسمية بالنصر الإلهي الثاني لحركة حماس رغم سقوط أكثر من ألف قتيل وخمسة ألاف جري وتدمير شبه كامل للبنية التحتية في القطاع. وهذه المقاييس العربية للنصر والهزيمة معتمدة منذ عام 1967 ، إذ أعلن حزب البعث السوري رسميا ، أنه في حرب حزيران ذلك العام ورغم احتلال كامل هضبة الجولان السورية إلا أن حزب البعث اعتبر أن القطر السوري قد خرج منتصرا من تلك الحرب. كيف ذلك؟. لأنه حسب أدبيات الحزب فإن هدف الحرب كان إسقاط النظام البعثي الثوري في سورية ، وكون هذا الحزب ونظامه لم يسقطا فقد خرجا منتصرين ببقائهما جاثمين على قلب الشعب السوري بالقمع ومصادرة كافة الحريات. وبالتالي فرغم كل الخسائر الفلسطينية أمام خسائر تكاد لا تذكر للجانب الإسرائيلي، وكون حركة حماس ما زالت تسيطر وتحكم القطاع منفردة دون أي تنظيم فلسطيني آخر، فهي قد خرجت منتصرة رغم أنف الاحتلال وعملائه الفتحاويين تحديدا. ومن المهم التذكير أنه في بداية ألاسبوع الثاني للاجتياح ورغم سقوط ما لا يقل عن 300 قتيل فلسطيني ، إلا أن خالد مشعل خرج بتصريح يطمئن الشعب الفلسطيني بأن قيادة حماس ما زالت بخير ولم يقتل  منها أي قيادي.

ثانيا: ازدياد الخلاف بين حماس الداخل والخارج

كان وما يزال واضحا أثناء الاجتياح الإسرائيلي وقبله وجود تباينات واسعة في الرؤية السياسية بين حماس الخارج التي نجمها الأول والوحيد خالد مشعل، وحماس الداخل التي قائدها الشرعي المنتخب إسماعيل هنية . والدليل على عدم وجود رؤية وسياسة حمساوية واحدة هو أنه في كافة الحوارات الفلسطينية سابقا واتصالات وقف الاجتياح الإسرائيلي الحالي، نسمع ونرى ونعيش يوميا موضوع موافقة قيادة الداخل لكنها في انتظار موافقة قيادة الخارج، وفي كافة المباحثات يوجد وفدان لحماس: وفد الداخل ووفد الخارج. ومن الواضح أن حماس الخارج تأخذ أوامرها من القيادتين السورية والإيرانية، وقد عبّر عن ذلك خالد مشعل نفسه ، عندما صرّح قبل أيام أن القيادة السورية ( نصحتنا ) برفض المبادرة المصرية . لاحظوا نه استعمل فعل ( نصحتنا ) وليس ( أمرتنا ). وحسب مواقف القيادتين فإن قيادة حماس الداخل أكثر عقلانية وهدوءا من قيادة الخارج التي لا تعيش هموم الشعب الفلسطيني ميدانيا. لذلك فالمتوقع بعد وقف إطلاق النار بأية صيغ ونتائج ، سيقوي ذلك قيادة حماس في الداخل مما يمكنها من أخذ قراراتها باستقلالية عن قيادة الخارج.

ثالثا: ترسيخ الانفصال بين إمارة حماس ودويلة عباس

كان الجميع فلسطينيون وعربا ومراقبون أجانب ، يتوقعون أن هذا الاجتياح الإسرائيلي سينتج عنه بشكل فوري نبذ الخلافات الفلسطينية خاصة بين حكام قطاع غزة من حماس وحكام الضفة الغربية من فتح، إلا أن النتيجة كانت مخيبة للآمال، لأن الحملات العنيفة بين الطرفين استمرت بشراسة وقصف أشد ، خاصة من طرف حماس التي كان وما يزال قادتها وإعلامها و فضائيتها يصرون على أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحكومته وسلطته كانوا على علم بالاجتياح الإسرائيلي ، وأعطوا موافقتهم ومباركتهم له مع رجاء أن لا يتوقف الاجتياح قبل إسقاط حكم حماس وتدمير بنيتها التحتية العسكرية بما لا يسمح لها الاستمرار في حكم القطاع وإطلاق الصواريخ على إسرائيل. وترد حركة فتح وسلطتها بنفي ذلك متهمة حماس بالتهور وجلب المصائب على الشعب الفلسطيني من أجل أن تبقى فقط مسيطرة على القطاع متنكرة للشرعية الفلسطينية. هذا الوضع المزري الذي لا يحترم مشاعر الشعب الفلسطيني خاصة ذوي الضحايا شهداء أم قتلى ، ولم يتوقف أثناء الاجتياح بل تصاعد أكثر، لن ينتج عنه بعد توقف الاجتياح أي تقارب بين الفريقين خاصة بعد فشل اتفاق مكة وعشرات الاتفاقيات مع الجانب المصري تحديدا، وهذا يعني أن إمارة حماس في القطاع ودويلة عباس في الضفة، سيبقى وضعا فلسطينيا لسنوات طويلة . وهذا الوضع يقدم أفضل خدمة للاحتلال الإسرائيلي الذي ليس من مصلحته إسقاط حكم حماس في القطاع أو تقوية دويلة عباس في الضفة. وبناء على ما ارتكبته حماس من جرائم قتل وتصفيات بعد نجاح انقلابها العسكري في حزيران 2007 ، علينا أن نشكر الله والظروف التي لم توجد حدودا مشتركة بين القطاع والضفة ، و إلا لاستمرت حرب العصابات بين الطرفين بهدف كل طرف أن يحرر الأرض من الطرف الآخر العميل، وبالتالي وحسب الاتهامات المتبادلة فالطرفان عميلان.

رابعا: استمرار الخلافات العربية الرسمية

كان من المتوقع في أوساط الشارع العربي أن يكون الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة عامل توحيد للمواقف العربية الرسمية ، مما يجعلها في معسكر واحد بدلا مما ساد سابقا حول ( معسكر الاعتدال ) و معسكر ( الممانعة )، إلا أن بعض الأنظمة خاصة النظام السوري استغل هذا الاجتياح لتأجيج الخلافات الرسمية العربية، من خلال تسيير مظاهرات تجاه السفارة المصرية والهتافات ضد النظام المصري والرئيس مبارك تحديدا، بالإضافة لحملة واسعة في الإعلام السوري عما أطلقوا عليه تواطؤ النظام المصري ومباركته للاجتياح. واتضحت رقعة الخلاف والانشقاق في الصف العربي الرسمي من خلال المواقف من الدعوة القطرية لعقد قمة عربية يوم الجمعة السادس عشر من يناير الحالي، وحتى كتابة هذه السطور رفضت مصر وتونس والسعودية علنا حضور القمة ،بينما عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية ينتظر موافقة 15 دولة عربية لانعقاد القمة عندئذ بمن يحضر. هذا مع التأكيد على أن القمة لو عقدت بحضور كافة الدول العربية أو بحضور 15 دولة فقط، فلن ينتج عنها سوى بيانات تأييد وإدانة تعيش عليها الفضائيات العربية لعدة ساعات، أما في التطبيق فلا مساعدة ولا دعم ولا أمل للشعب الفلسطيني من هكذا قمم  كما تعودنا عليها منذ أول قمة عام 1964 .

تلك هي قراءة سياسية اعتمادا على ما تشهده الساحات الفلسطينية والعربية، وكنت سأقول: أتمنى لو أن واحدة من هذه القراءات أو كلها لا تتحقق ، لكن الواقع غير الأمنية :

ليس كل ما يتمناه المرء يدركه             تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

وهكذا دوما ( رياح الأنظمة العربية ) تجري بما ( لا تشتهي سفن شعوبها ). فهل هناك فرقة وخصومات أكثر مما بين الأنظمة والشعوب العربية؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

347
غوغائيون حتى في التعبير عن تضامننا

د.أحمد أبو مطر، أوسلو

المجازر الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة تدمي القلب والعقل والجسد ، ولا يستطيع كل من يمتلك ضميرا إلا أن ينفعل وربما ينفجر وهو يرى أشلاء الأطفال قرب أشلاء أمهاتهم وآبائهم ، وأكثر من نصف منازل قطاع غزة أصبحت مدمرة أو غير صالحة للسكن. هذا العنف لا بد أن ينتج عنه مظاهر احتجاج ورفض، وقد تمثلت في العديد من دول العالم خاصة الأقطار العربية بالمظاهرات المستمرة طوال أيام الاجتياح العسكري الإسرائيلي ، والملفت للنظر أن هذه المظاهرات التي هي المظهر الوحيد للتعبير في الأقطار العربية قد  ترافقت مع العديد من الممارسات السلبية المسيئة ، وهي نفس الممارسات التي أصبحت صفة لازمة للمهنة الوحيدة التي يجيدها العرب وهي مهنة التظاهر والتصريحات.

الغوغائية في التظاهر والتعبير

يتجمعون للتظاهر تعبيرا عن رفض المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهذا أمر مشروع وحق للجماهير ( الغفورة ) و ( الغفيرة ). ولكن ما هو ذنب رجال الأمن والشرطة كي يتعرض لهم هؤلاء الغوغائيون بالضرب والقذف بالحجارة وتحطيم السيارات والمرافق العامة، مما يضطر الشرطة لاستخدام القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه؟. وهذا ليس في أقطار ( بلاد العرب أكفاني ) فقط ، ولكن أيضا أينما حلت جموع العرب العاربة والمستعربة، ففي أغلب الدول الأوربية  والاسكيندينافية، تنتهي المظاهرات بعنف وحرق وحجارة من المتظاهرين، مما يجعل وسائل الإعلام بشكل عفوي لا تكتب عن هدف المظاهرات بقدر ما تكتب عن العنف والخراب الذي رافقها ونتج عنها. هؤلاء الغوغائيون الجهلة ينسون أنهم يعيشون في ظل دولة ونظام وقانون ، وهذا القانون يحتم على الدولة أن تحمي السفارات الأجنبية الموجودة على أرضها بما فيها سفارة دولة إسرائيل . من حق المتظاهرين الوصول للسفارة الإسرائيلية وهذا ما تسمح به الشرطة المرافقة للمظاهرات، ومن حق المتظاهرين أن يلقوا الخطابات والبيانات المنددة بممارسات إسرائيل مهما كانت هذه الخطابات عنيفة ومحرضة على العنف، طالما هذا ما يزال يقع ضمن حدود الكلام ، وفجأة يبدأ الغوغائيون بمحاولات اقتحام السفارات ورميها بالحجارة والعبوات الحارقة، معتقدين أن الشرطة في تلك الدول ستبارك أعمالهم هذه وتسكت عليها، لذلك تبدأ الشرطة في التصدي لهؤلاء الجهلة بالقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه واعتقال من يرفض الانصياع للقوانين التي تنظم المظاهرات. تخيلوا أنه في الجزائر قبل يومين سقط في مظاهرة مؤيدة للشعب الفلسطيني ثلاثة وستون جريحا من بينهم خمسة وعشرون شرطيا ! فأي تضامن هذا مع الجرحى الفلسطينيين ويسقط فيه ثلاثة وستون جريحا جزائريا ؟.

الملفت للنظر أن مظاهرات الطرف الآخر المؤيد لدولة إسرائيل وممارسات جيشها ، لا يصاحبها أي عنف أو تجاوز لقوانين تنظيم المظاهرات، ولا يحاولون مطلقا الوصول لمكاتب منظمة التحرير الفلسطينية ومهاجمتها ورشقها بالحجارة والعبوات الحارقة. وهذا يكسبهم تعاطف بعض مؤيدي وجهة النظر الفلسطينية عندما يقارنون بين الممارستين والفعلين ، وأن ممارسات المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في الغالب ينتج عنها التخريب والتدمير ....فلماذا العرب فقط أصبحت الوظيفة الوحيدة التي يجيدونها هي الكلام والتظاهر والثرثرة؟. كانوا يقولون في التراث العربي ( الحرب أولها الخطابة )، وكان واحد من الخطباء محترفي الكلام وبلاغة الثرثرة يثير حمية الجيش بخطبة رنانة ، تمهيدا لهجومه على العدو الذي من الممكن أن يكون خارجيا أو قبيلة منافسة لقبيلته. وقد ورث العرب هذه العادة، وتمّ تطويرها لتصبح ( أول الحرب ووسطها و آخرها الخطابة ).

نضال الانترنت وتوابعه

وضمن نفس الممارسات اللامجدية ، ينتشر في الأوساط العربية ما يمكن تسميته ( نضال الانترنت ) الذي أبرز مظاهرة إصدار البيانات وجمع التوقيعات ، وأكاد أجزم أنه لا يمر يوم عربي واحد دون مشهد من مشاهد ( النضال الفارغ ) هذا ، وقد تصاعد هذا النوع من النضال الانترنتي في أيام الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة ، من حملة ( مليون توقيع لتقديم قادة إسرائيل للمحكمة الدولية ) و ( ادعموا حملة المحامين اليمنيين لمقاضاة حكام إسرائيل ) و  حملة  ( لا تبخل على الشعب الصامد بالدعاء ) متناسين أننا منذ ستين عاما ندعو لزوال دولة إسرائيل، وقوتها واحتلالها يتصاعد كلما تصاعد دعاؤنا....لماذا ونحن نتذكر قوله تعالى ( إنما النصر من عند الله ).

ومزايدات بعض الأنظمة العربية

وضمن نفس النضال الغوغائي ، يلاحظ أنه في أقطار عربية حولوا سير التضامن مع الشعب الفلسطيني ، إلى تصفية حسابات داخلية بين الأنظمة العربية نفسها، خاصة الحملة المسمومة على مصر في العديد من وسائل الإعلام العربية الرسمية، إلى حد  اقتحام القنصلية المصرية في عدن اليمنية وحرق العلم المصري ورفع العلم الفلسطيني . إن ما كتب من تجريح وتشهير وردود في الصحافة المصرية أكثر مما كتب عن دعم الشعب الفلسطيني ....وقد شاركت بعض وسائل إعلام حركة حماس في هذه الحملة ضد مصر، فهل تخدم هذه المهاترات صمود الشعب الفلسطيني؟. ومن ضمن هذه المزايدات مواقف عميد الحكام العرب العقيد معمر بن منيار القذافي الذي دعا ( العرب إلى القتال مع الفلسطينيين ضد إسرائيل ) و دعا ( العرب لفتح باب التطوع لقتال إسرائيل )، منتقدا ردود الفعل الجبانة والانهزامية للبلدان العربية. إن بعض من يسمعون نضالات العقيد الفارغة هذه، يعتقدون أن جيش جماهيريته تحاصر تل أبيب،وهو في الواقع الجيش الذي قام في سبتمبر عام 1995 بطرد ألاف من الفلسطينيين من جماهيرية القذافي إلى الحدود المصرية ، وظلوا عالقين على الحدود أكثر من شهرين حيث توفي العديد منهم...وهكذا يكون تضامن العقيد مع الشعب الفلسطيني!.

وضمن نفس السياق،
نتمنى أن يفي سيف الإسلام نجل العقيد القذافي بوعده بمقاضاة صحيفة " ذي صن " البريطانية التي نشرت خبر تواجده في حفلة رأس السنة الميلادية في نادي " نيكي بيتش " للمرفهين على شاطىء جزيرة " سانت بارتس " في جزر الكاريبي ، ودفعه حوالي مليون دولار لمطربة الشباب " ماري كاري " حيث غنت له أربع أغنيات، أي ربع مليون دولار مقابل كل أغنية. وأتمنى فعلا وحقيقة أن يكون خبر الصحيفة البريطانية عاريا من الصحة، وان سيف الإسلام كان متواجدا أثناء تلك الحفلة المزعومة في مدينة أبو ظبي كما أعلن هو، وكشف الحقيقة لا يتم إلا عبر لجوئه للقضاء البريطاني كما أعلن ووعد. لأن هذا الخبر لا يشرف سيف الإسلام ولا العقيد ولا الجماهيرية الليبية ولا أي عربي في وقت يتعرض فيه الشعب الفلسطيني لمجازر بشعة ، والعقيد نفسه يلوم العرب على تخاذلهم...إلا أنه رغم مرور أكثر من أسبوعين على نشر الصحيفة البريطانية للخبر ، لم نسمع شيئا عن لجوء سيف الإسلام للقضاء البريطاني .

هذه المظاهر النضالية الفارغة هي سلاح العرب الوحيد في ظل سيادة أنظمة القمع والفساد وتفشي أمية ترقى لحدود ستين بالمائة وخنوع مزري لكافة الشعوب العربية  ، مما نتج عنها أن التمجيد الذي لقيه ( حذاء الزيدي ) العراقي في كافة الأقطار العربية ، لم يحصد شهداء مثل الشيخ أحمد ياسين واحد في المائة من هذا التمجيد ، وقد وصل الحد بالبعض أن يطلق على منتظر الزيدي لقب ( البطل المقاوم ) ووضعه البعض في صف ومستوى صلاح الدين الأيوبي ، وطالب البعض ببناء تماثيل له في العواصم العربية، وقد عرض مواطن عربي من السعودية شراء حذاءه بثمانية ملايين من الدولارات، ثم أعلن ذلك المواطن أنه لا يملك من هذه الملايين المزعومة عشرة دولارات، وأنه كان يضحك ويسخر من النضالات العربية الفارغة ( عنتريات لم تقتل ذبابة ).

سؤال ربما يكون غير بريء

ورد في الأخبار يوم التاسع من يناير الحالي ما يلي " توجه وفد من حركة حماس إلى القاهرة عبر معبر رفح لبحث المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة ، وضم وفد الحركة من الداخل: ايمن طه و جمال أبو هاشم وصلاح البردويل ". السؤال: كيف تسمح القوات الإسرائيلية المسيطرة على كل المعابر منذ بداية الاجتياح الحالي ، بخروج قيادات الصف الأول من حماس للقاهرة علنا عبر معبر رفح ، وهي التي تدعي ملاحقة قيادات الحركة الإرهابيين حسب توصيفها؟؟....والله المستعان!.
                                                ahmad64@hotmail.com
                                              www.dr-abumatar.com   


348
دروس الاجتياح الإسرائيلي الهمجي لقطاع غزة
د.أحمد أبو مطر

لا يمكن لعاقل أو مجنون ، وطني أو عميل،إلا أن يدين هذا الاجتياح الهمجي الوحشي لشعب أعزل من السلاح في قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته الإجمالية عن 365 كيلو متر مربع، ويقطنه مليون ونصف من البشر المحرومين من كافة أبسط مقومات الحياة الإنسانية ، وهو بذلك يعتبر أكثف مناطق العالم سكانا، وبعد الاجتياح العسكري الهمجي أكثر مناطق العالم بؤسا وحزنا ومرضا وتقشفا. من يتخيل سقوط ما يزيد عن سبعمائة قتيل أو شهيد ـ فالتسمية لا تهم عند ذوي الضحايا – حتى لحظة كتابة هذه المقالة ، وما يزيد على ثلاثة آلاف جريح نسبة عالية منهم مرشحة للموت أو الإعاقة الدائمة؟ إنه بوضوح هولوكست حقيقي يرتكبه من تعرضوا لنفس الهولوكست في زمن النازية الألمانية ، وهنا معضلة تحتاج لمئات من علماء النفس كي يبحثوا كيف يتحول الضحية إلى مجرم أكثر إجراما ووحشية ممن سبق أن ارتكب بحقه الجرائم ؟ . هل سينسى الفلسطينيون في القطاع والضفة وكافة المنافي هذا الهولوكست البشع؟ حتما لا..فكيف ينسى ذوي الأطفال والشباب والنساء ضحاياهم ؟ وقد ترملت مئات النساء وتيتم مئات الأطفال وأصبحوا معاقين مئات الشباب؟. ورغم كل هذه المآسي يبقى متسع من الوقت لاستخلاص دروس مهمة من هذا الاجتياح وما صاحبه من جرائم ترقى لحد الإبادة الجماعية.

دروس لحركة حماس

أهم هذه الدروس التي من المفترض أن تستنجها وتفهمها حركة حماس هي أن توازن الرعب يختلف عن توازن القوى ، فعلى مستوى الرعب رغم بدائية صواريخ حماس والجهاد فقد أحدثت رعبا في الشارع الإسرائيلي يكاد يوازي الرعب في أوساط المجتمع الفلسطيني، إلا أنه عند دراسة موازين القوى لا ينكر أحد أنها تميل بشكل حاسم لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يتحدى جيوش 22 دولة عربية بما فيها دولة جزر القمر العضو في جامعة الدول العربية. ولو وعت حركة حماس هذه المسألة لأصرت ولو من طرف واحد على استمرار التهدئة الهشة ، التي في لحظة انتهائها تم إطلاق بعض تلك الصواريخ البدائية مترافقة مع تصريحات التهديد والوعيد ، لتعطي مبررا لجيش الاحتلال أمام الرأي العام العالمي تحديدا الأمريكي والأوربي للبدء بهذا الاجتياح الوحشي إلي لم يستثن بشرا أو حجرا. إن هذا المشهد الحماسي يشبه تماما لو كنت أنا الإنسان الضعيف أتناقش مع محمد على كلاي الملاكم العالمي ، وفي لحظة عصبية  قمت بصفع كلاي كفا على وجهه ! فكيف سيكون رد كلاي ؟ حتما سوف يحطمني بلكماته مما يحيلني أشلاء متناثرة من الصعب التعرف عليها وجمع شتاتها.

اعترافات مشعل الشبيهة باعترافات نصر الله

والدليل على صحة رأينا هذا ما نقلته جريدة الشرق الأوسط اللندنية عن الأديب الفرنسي اليهودي مارك هالتر الذي التقى خالد مشعل في دمشق يوم الجمعة الثاني من يناير الحالي ، وقد نقل على لسان خالد مشعل كلاما خطيرا يدين حركة حماس بشكل صارم ، ومما نقله على لسان مشعل قوله:

" إن إسرائيل بإدارتها المفاوضات السلمية مع الرئيس محمود عباس إنما تضيع الوقت هباء، فأبو مازن ليس قويا ولا يتمتع بقدرات ونفوذ الرئيس الراحل ياسر عرفات. وفقط حماس هي التي تستطيع اليوم استيفاء الشروط للمفاوضات "

" إن حماس لم تكن قد خططت لإدارة حرب مع إسرائيل، وكل ما أرادته هو إجراء استفزاز بسيط لا أكثر، ولم تتوقع أبدا أن يأتي ردها بهذه الضخامة "

ومواقف خالد مشعل هذه نسخة طبق الأصل من مواقف السيد حسن نصر الله عقب الاجتياح الإسرائيلي في حرب تموز 2006 على لبنان، عندما صرّح بوضوح . " لقد سبق أن خطف حزب الله جنودا إسرائيليين ولم يكن رد إسرائيل بهذا الحجم. لو كنت أعرف أنهم سيردون بهذا الشكل لما قمنا بخطف الجنديين الإسرائيليين ".

الغباء في هكذا مواقف أن أصحابها يريدون خوض الحرب مع الاحتلال على ذوقهم ويريدون أن يكون حجم رد الاحتلال كما يريدون هم ، وكأنهم يحركون الاحتلال بالريمونت كونترول كما يتوهمون . متناسين أن الاحتلال أي احتلال في أغلب الأوقات يريد سببا من خصمه كي يقوم بتدمير ما يستطيع من قدرات ذلك الخصم، وهذا ما حدث في حرب تموز 2006 مع حزب الله ، وفي المواجهة والاجتياح التالي مع حركة حماس.

 والدرس الثاني لحماس هو أهمية أن تدرك خطأها الفادح بانقلابها العسكري في يونيو 2007 الذي أحكمت من خلاله السيطرة المطلقة على قطاع غزة، وطردت ببشاعة ووحشية كل ما يمت بصلة لحركة فتح والسلطة الفلسطينية مترافقا ذلك بجرائم بعضها لا يختلف عن جرائم الاجتياح الإسرائيلي. لأنه أيا كان تقييمك لحركة فتح والسلطة الفلسطينية ، فطوال وجودهما أو سيطرتهما على القطاع لم يجرؤ الاحتلال على هكذا اجتياح، لأنه كان يعتبر السلطة الفلسطينية طرفا في محادثات السلام التي لم ينتج عنها أية نتيجة على الأرض، وكان الاحتلال يماطل لفرض شروطه المجحفة التي لا يمكن قبولها من أي مفاوض فلسطيني.

سقوط أكذوبة دول الممانعة

الدرس الثالث من تطورات هذا الاجتياح واستمراره هو سقوط أكذوبة راجت العامين الماضيين حول تقسيم الدول العربية إلى " دول ممانعة " و " دول اعتدال " ، وقد روج لذلك أولا الرئيس السوري بشار الأسد صاحب نكتة أشباه الرجال، فيأتي هذا الاجتياح الهمجي الإسرائيلي لقطاع غزة، ليثبت أن أصحاب نكتة أشباه الرجال، هم أول من يمكن أن يطلق عليهم بموضوعية أنهم أشباه رجال، فالعدوان الإسرائيلي يدخل أسبوعه الثالث دون أن نسمع طلقة واحدة أو نشاهد صاروخا واحدا من النظام السوري لنصرة الرجال في قطاع غزة، وبدلا من ذلك يستمر النظام السوري في مهازله لمزيد من شق الصف العربي المشقوق أساسا، فيسير المظاهرات نحو السفارة المصرية متهما النظام المصري بالتآمر على الشعب الفلسطيني ، أما نظامه السوري فهو ليس متآمرا وهو الذي لم يسمح لأي فلسطيني من عام 1967 بإطلاق أية رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية ، وجيش النظام نفسه يحمي الحدود مع إسرائيل بحيث أصبحت أهدأ حدود ، والمهم معرفة أن نظاما لم يطلق رصاصة لتحرير جولانه المحتل ، ولم ينظم أية مقاومة سلمية أو مسلحة في الجولان ، لن يتوقع منه أن ينتصر للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إلا بالبيانات الخطابية التي لا يصدقها سوى الجهلة والمغفلين.

التاريخ يكتبه الأقوياء

الدرس الرابع من وقائع هذا الاجتياح الهمجي هو أن الشعوب العربية وأنظمتها ، تحترف مهنة الضحك على الذات ، فقد تظاهرت الشعوب العربية بشكل من الصعب رصده، فلم تخلو مدينة أو قرية أو حارة أو شارعا عربيا من مظاهرات عنيفة صاخبة أحرقت الأعلام الإسرائيلية ، واجتاحت مواقع الانترنت البيانات وجمع التوقيعات المتضامنة مع قطاع غزة، ويعرف أصحاب ذلك أنه مجرد جعجعة لا يرافقها أي طحن يمكن أن يطعم جائعا أو دواء يشفي مريضا في القطاع. وبالتالي أصبحت الشعوب العربية مهنتها المظاهرات فقط ، وليس في أجندتها النضال لإقامة أنظمة ديمقراطية ترتقي بشعوبها وتجعلها في مستوى تحديات الاحتلال. وليس ذلك فقط بل هذه الشعوب هي التي تسير المظاهرات التي تهتف لذلك الطاغية " بالروح بالدم نفديك يا....".

الدرس الخامس والأخير من وجهة نظري هو أنه في ظل عجز حركة حماس عن الدفاع عن الشعب الفلسطيني في القطاع ، وهي التي أسهمت بنسبة من النسب في جرّ هذا الاجتياح الهمجي ، فعليها أن تكون شجاعة وتعترف بخطئها وذلك إما عبر التنحي عن السلطة في القطاع أو تسهيل شروط الحوار الوطني الذي يسمح بعودة حركة فتح والسلطة الفلسطينية لرص الصفوف الفلسطينية احتراما لدماء ألاف من القتلى والجرحى . هذا رغم أن تصريحات خالد مشعل السابقة لا تبشر بخير ، عندما يطلب من المفكر الفرنس اليهودي أن ينقل رسالة للرئيس الفرنسي ب " أن مشعل معني بأداء دور في قضية الشرق الأوسط ، وأنه مستعد للتفاوض مع إسرائيل على سلام يقوم على أساس حدود عام 1967 ". إذن لماذا تمّ الانقلاب على السلطة الفلسطينية وطردها من القطاع، وهي التي تعلن سرا وعلنا أن حدود عام 1967 هي أساس وقاعدة المفاوضات مع إسرائيل ولا تنازل عن ذلك؟.

كل هذه الدروس لا يمكن أن تنسينا بشاعة وهمجية الاحتلال ، وجرائمه هذه لا تعني إلا أنه غير معني إلا بسلام حسب الشروط الإسرائيلية ، وهي شروط لا يقبلها أي خائن فلسطيني أو عربي ، فهل يعي الاحتلال هذا الدرس ؟
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

349
أوباما رئيسا:تلك هي عظمة أمريكا!

د.أحمد أبو مطر

باراك أوباما الأمريكي الأسود رئيسا للبيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية .خبر صحيح ومؤكد وليس فزورة من فوازير رمضان العربية. من هو باراك أوباما؟

سيرة ذاتية مختصرة

ولد ( باراك حسين أوباما ) في هونولولو -  هاواي في الرابع من آب عام 1961 ، من أب كيني مسلم وأم أمريكية مسيحية بيضاء كالثلج  اسمها ( أنا دانهام ) .  أثناء دراسة الأب بجامعة هاواي انفصل الوالدان بعد ولادة أوباما بعامين ، وعاد الوالد لموطنه كينيا في القارة السوداء وتوفي عام 1982 في حادث سيارة. تزوجت أمه للمرة الثانية من مسلم أندونيسي، وانتقلت مع طفلها ( باراك ) للعيش في اندونيسيا مع زوجها الجديد، وفي سن العاشرة عاد الطفل إلى هاواي حيث عاش مع جده وجدته، وهناك حصل على منحة للدراسة في أكاديمية (بوناهو) المشهورة. بعد أن أنهى دراسته الجامعية عام 1983 عمل أوباما في شركة للاستثمارات المالية في نيويورك، وبعد التخرج من جامعة هارفارد عام 1991 عمل في مجال القانون المدني في شيكاغو، ثم محاضرا في القانون الدستوري بجامعة شيكاجو عام 1993 . فاز بمقعد في مجلس شيوخ ولاية إيلنوي عام 1996 و عام 2004 بمقعد في مجلس الشيوخ. (نقلا من موسوعة ويكيبيديا الأمريكية ). وفي يوم الثلاثاء الرابع من نوفمبر لعام 2008 ، تمكن من الفوز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في معركة حامية خاضها أمام منافسه الجمهوري جون ماكين، لا أعتقد أن العالم تابع حملة انتخابية مثل هذه الحملة.

هل هذا حقيقي أم كذبة نيسان جاءت في تشرين ثاني؟؟

أفريقي اسود البشرة من أب مسلم ، وفي وقت  يروج فيه الأصوليون المسلمون من أن هناك حملة ضد المسلمين والإسلام، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا التي أذاقها المتطرفون المسلمون الأمرين بقيادة الإرهابي أسامة بن لادن فيما أطلق عليها "غزوة نيويورك" في الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 ، يفوز هذا الأفريقي الأسود برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، في مواجهة خصمه الجمهوري جوم ماكين أبيض البشرة المسيحي أبا عن جد!!. هذا الحدث النوعي لم يحدث عبر التاريخ إلا في أمريكا. ولا يمكن تصور أهميته إلا بتذكر ما يلي:

لم يحدث في أوربا قاطبة

لم يحدث هذا الحدث التاريخي  في كافة القارة الأوربية العريقة في ديمقراطيتها، وأقصى ما تحقق في هذا الميدان ما حصل في فرنسا ساركوزي حيث تقلدت الفرنسية من أصل مغربي ( رشيدة داتي ) منصب وزيرة العدل، والفرنسية من أصل جزائري ( فضيلة عمارة ) منصب وزيرة دولة لسياسات المدن كي تتولى مسؤولية الأحياء الفقيرة التي كانت لأكثر من مرة مصدر تظاهرات واحتجاجات عنيفة نجم عنها تدمير محلات وإحراق مئات السيارات. والمهم التركيز عليه أن هاتين الوزيرتين لم يتم اختيارهن عبر انتخابات شعبية، بل بالتعيين من مركز القرار الفرنسي الرئيس ساركوزي، وقوبل ذلك برفض العديد من مراكز القوى السياسية الفرنسية ، بينما الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما يصل  وهو أسود البشرة و من أصول إسلامية لرئاسة  البيت الأبيض عبر أصوات الناخبين الأمريكيين بيضا وسودا.

أما في العالم العربي فحدث ولا حرج،

ويكفي التذكير بنماذج فاقعة كي ندرك عظمة وعدالة أمريكا هذه:


أولا: قضية البدون

من يتخيل أو يصدق أو يحلم أنه في غالبية دول الخليج العربي، هناك مأسآة إنسانية اسمها "حالة البدون ". مواطنون يعيشون أبا عن جد في البلد ورغم ذلك لا يحملون جنسية البلد ولا يملكون أية إثباتات انتماء للبلد ، وكأنهم نزلوا قبل لحظات من إحدى مجرات الكون الفضائية. وهم بمئات ألالاف محرومون من غالبية الحقوق التي يتمتع بها بنو جلدتهم حاملي جنسية البلد. ولا يمكن تصور معاناتهم وحقوقهم المسلوبة إلا بسماع قصصهم التي تقشعر لها أبدان أي إنسان عنده ذرة من ضمير. وأيضا إذا تمرد خليجي وتزوج من عربية من جنسية أخرى يحرم من كافة الامتيازات التي تعطى للخليجي عند الزواج من خليجية، وإذا  أنجب من زوجته العربية وله أولاد من زوجة خليجية، فيعامل أولاده من زوجته العربية كمواطنين من الدرجة الثالثة ويكونوا أذلاء أمام إخوانهم من الزوجة الخليجية رغم أنهم من صلب ودم نفس الأب.

ثانيا: قضية الجنسية في كافة بلاد العرب أوطاني

هل بلاد العرب والمسلمين أغلى وأنظف وأجمل من الدول الأوربية والأمريكية؟ و إلا لماذا يقيم العربي في قطر عربي عشرات السنين ربما تصل لنصف قرن دون أن يتكرم عليه حكامها بمنحه جنسية البلد الذي أمضى عمره يعمل فيه ويخدم شعبها. وعندما ينتهي عقد وظيفته يعطى مكافأة هزيلة و تلغى إقامته ويطرد عائدا لبلده الأصلي الذي ربما نسي شوارعه و حاراته. بينما في الدول الأوربية وأستراليا وكندا وأمريكا وغيرها، كل من يقيم إقامة قانونية المدة المحددة يعطى جنسيتها بطريقة إنسانية كريمة لائقة. وهي مدد خيالية في قصرها: سنتان في أستراليا. خمسة في النرويج. سبعة في السويد والدانمرك. خمسة في كندا وأمريكا. ومن يصدق من حكام العرب العاربة والمستعربة أن الحكومة الكندية تمنح الجنسية لأي طفل في أية دولة يتبناه مواطن كندي دون شرط انتقال الطفل للإقامة الدائمة في كندا؟ ومن يصدق أن حكومة الولايات المتحدة الأوبامية تمنح سنويا أكثر من خمسين ألف شخص الجنسية الأمريكية الكريمة العظيمة عن طريق اليانصيب المجاني، دون النظر لأصله وجنسه وبلده ولونه إن كان اسود أو أحمر أو أبيض؟. ومن يصدق أن الحكومة الكندية منحت زعيم التيبت الروحي الدالاي لاما الجنسية الكندية عن بعد أي دون أن تطأ قدماه الأراضي الكندية، وكانت سابقا قد منحتها للزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا ومن باب التقدير لراوول والنبرج الذي يحمل الجنسية السويدية المحترمة كمبادرة رمزية تقديرا لجهوده الإنسانية في إنقاذ أرواح ألاف الهنغاريين في الحرب العالمية الثانية. ومن يصدق أن هذه الدول الأوربية والولايات المتحدة الأوبامية فور منح الجنسية يمنح الشخص راتبا شهريا منتظما من الضمان الاجتماعي إلى أن يحصل على عمل راتبه منه أكثر مما كان يتقاضاه من الضمان الاجتماعي....وقارنوا كل هذه الحالات الأوربية والكندية والأمريكية بما هو حاصل في بلاد العرب أكفاني. 



ثالثا: قضية أطفال المصريات المتزوجات من فلسطينيين

وقد صدرت في هذه القضية عشرات البيانات والوثائق من منظمات حقوق الإنسان المصرية والعربية، وهي تشمل حسب بعض التقديرات ما لا يقل عن خمسين ألف طفل ولدوا لأمهات مصريات من آباء فلسطينيين، ومحرومين من الحصول على الجنسية المصرية لأن قانون الجنسية المصري رقم 26 لعام 1975 استثنى أبناء المصريات المتزوجات من فلسطينيين من الحصول على الجنسية المصرية، وتم التأكيد على هذا الاستثناء وفقا لنص المادة الثالثة من القانون رقم 154 لعام 2004 الذي استثنى ( أولاد المصرية المتزوجة من فلسطينيين والأطفال المعوقين الذين لم يمض على وجودهم في مصر عشر سنين على الأقل ). ويمكن تصور هذا المأسآة عندما يعرف القارىء العربي حجم الرعاية الذي يتلقاه الشخص صاحب أية إعاقة في أوربا وأمريكا، وهم يطلقون عليه صفة ذات طابع إنساني ( ذوي الاحتياجات الخاصة )، بينما هؤلاء الأشخاص في الدول العربية محل تندر وضحك واستهزاء لدرجة  أنّ بعض الأسر تحبس أولادها من ذوي الاحتياجات الخاصة في المنازل كي لا يخرجوا ويضحك المارة عليهم ويستهزئون بهم، بينما في أوربا وأمريكا تجد فتاة جميلة متعلمة في العشرينات من عمرها، تمضي ساعات عملها الثمانية في دفع عربة يدوية فيها واحد من ذوي الاحتياجات الخاصة ، تفسحه في المدينة وتضحك معه وله، وكافة المارة يتعمدون مبادلته الابتسامة والضحكة.

وكمثال من أوجه هذه المأسآة فقد منح وزير الداخلية المصرية في 12 يونيو من عام 2004 الجنسية المصرية ل 160 شخصا من بينهم  باكستانيون وهنود وأتراك ونيجيريون وإيطاليون وبينغلاديشيون، ولم يكن بينهم أي طفل لأم مصرية متزوجة من فلسطيني.  وغالبا ما يبرر المسؤولون المصريون ذلك بأنه امتثال لقرار جامعة الدول العربية عام 1959 الذي ( يحظر على الدول الأعضاء في الجامعة منح الجنسية للفلسطينيين حفاظا على الهوية الفلسطينية ) ، ومن المهم التذكير أن هذه كانت مجرد توصية وليس قرارا ملزما، وقد قدّمت مندوبية فلسطين في جامعة الدول العربية في الثلاثين من سبتمبر لعام 2003 توضيحات للجهات المصرية تنقض ذلك ، جاء فيها:

أولا: لقد تجاوز الزمن والأحداث هذه الذريعة ، ذلك أن فلسطين عند صدور هذا القرار لم تكن بعد قد اكتمل كيانها ، إذ أنها بفضل الدعم المصري والمساندة المصرية تمكنت من بناء كيانها الفلسطيني على أرضها وأن تحصل أيضا على مكانها في الأمم المتحدة وإلى عضويتها الكاملة في جامعة الدول العربية.

ثانيا: إن دولة فلسطين تتطلع إلى رفع المعاناة عن الأم المصرية المتزوجة من فلسطيني أسوة في ذلك بشقيقتها المصرية المتزوجة من غير المصريين.

ولماذا الأثرياء الفلسطينيون ،

يتم استثناؤهم هم ورجال الأعمال الذين لهم مشاريع استثمارية بملايين الدولارات في العديد من العواصم العربية، ويمنحوا جنسيات العديد من الدول العربية وأحيانا جوازات سفر دبلوماسية ؟.  هل لأنهم أكثر تمسكا بحق العودة من اللاجئين الفقراء الذين يبحثون عن هوية تؤمن لهم حياة إنسانية كريمة؟. ومن المهم التأكيد أن هذه المشكلة ليست محصورة في مصر فقط  بل في كافة الدول العربية التي فيها لاجئون فلسطينيون ، مع التذكير أن أية جنسية يحصل عليها اللاجىء الفلسطيني لن تنسيه حق العودة إذا كان فعلا يريد هذا الحق، بدليل أن غالبية المطالبين والمدافعين عن حق العودة من الفلسطينيين يحملون جنسيات أوربية وأمريكية واسكيندينافية، وأغلبهم يقع في تناقض واضح مع سلوكه وتصرفاته، فهم سمحوا لأنفسهم بالحصول على الجنسية الأجنبية ويعيشون في راحة بال، ويرفضون توطين الفلسطيني وإعطائه جنسية أجنبية مثل التي حصلوا عليها، دون أن يوضحوا لنا هل هم أكثر وطنية من هذا اللاجىء؟ لماذا هم سيعودون إذا تحقق حق العودة ويشكون في ذلك اللاجىء الذي يرفضون توطينه ومنحه جنسية أجنبية مثلهم؟.

خامسا: النظرة الدونية لسود البشرة في بلاد العرب أكفاني                                                         

شئنا أم أبينا ففي غالبية الأقطار العربية ما زالت تسود النظرة الدونية للمواطنين من ذوي البشرة السوداء، وفي أقطار عربية فقيرة للغاية يقولون عنهم بشكل لا شعوري( فلان العبد)،
وهي مسألة لها علاقة بالموروث الثقافي الذي منه قال شاعر العروبة أبو الطيب المتنبي قصيدته العنصرية الكريهة التي ورد فيها:

العبد ليس   لحر   صالح    بأخ               لو أنه في ثياب الحر مولود
لا تشتر العبد إلا والعصا معه                 إن العبيد لأنجاس    مناكيد
من علّم العبد المخصي مكرمة                أقومه البيض أم آباؤه الصيد

وقوله في قصيدة عنصرية قبيحة أخرى:

وتعجبني رجلاك في النعل أنني            رأيتك ذا نعل ولو كنت حافيا
وأنك لا تدري   ألونك     أسود             من الجهل أم قد صار أبيض صافيا
ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة                  ليضحك ربات الحداد البواكيا

وربما لم يتوقف الكثيرون من العرب أمام معلومة مهمة، وهي أن كافة دول القارة الأفريقية السمراء لها أسماء ذات دلالات تاريخية أو بشرية لا علاقة لها باللون ( الكونغو، كينيا، الصومال، ليبيريا، تشاد....إلخ ) ، إلا الدولة السمراء الوحيدة في هذه القارة التي تقع ضمن منظومة الدول العربية ، لها اسم ذو دلالة بشرية عنصرية وهي دولة ( السودان ) أي بلد السود ،

إزاء كل ما سبق من نماذج عربية ذات طابع عنصري ودوني ، يصل باراك أوباما الأسود  من أصول مسلمة لرئاسة البيت الأبيض في أكبر وأقوى دولة في العالم، أليس هذا دليل على عظمة الولايات المتحدة الأمريكية أقصد الولايات المتحدة ألأوبامية، وهذا ما يفسر أن هذه الدولة العظمى تحرك العالم أجمع بالريمونت كومنترول.

تنبيه

سيقول بعض القراء لماذا لا تذكر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم والعديد من قصص الإسلام التي تحث على المساواة، وأن أكرمكم عند الله أتقاكم، و متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، والناس سواسية كأسنان المشط ...أقول : كل هذا كلام ملك للتاريخ في الكتب فقط، أنا ادرس السائد والممارس في بلاد قال بعض أهلها هذا الكلام الجميل قبل مئات السنين، والآن يتعاملون مع بعض كما أوضحت في النماذج السابقة. ومنها نعرف لماذا أمريكا الأوبامية قوية وعظمى؟ لأن فيها مساواة حقيقية بين مواطنيها في خمسين ولاية مساحتها قرابة عشرة ملايين كيلومتر مربع، تعترف كل ولاية بخصوصية سكانها بدليل أن هناك عشرات اللغات المستعملة، أهمها حسب الترتيب: الإنجليزية، الأسبانية، الصينية، الفرنسية، الألمانية، الإيطالية،اليونانية، البولندية،العربية، وعشرات اللغات ألأخرى، بينما في بعض الأقطار العربية التي فيها مواطنون من القومية الكردية ممنوعين من استعمال لغتهم الأم وتفرض عليهم اللغة العربية بالقوة. هل عرفتم ألان سرّ ارتباط المواطن الأمريكي ببلاده واستعداده للدفاع عنها، هذا الارتباط الذي جعلها الصانع الرئيسي للتكنولوجيا في العالم بشكل عام وتكنولوجيا المعلومات بشكل خاص. وسؤال أخير: كم مواطن عربي من الثلاثمائة مليون سيبقى في الأقطار العربية إذا فتحت لهم أبواب الهجرة للولايات المتحدة الأوبامية؟؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


350
الاتفاقية الأمنية الأمريكية أو الخراب
د.أحمد أبو مطر

أعتقد أنه لم يحدث في تاريخ العرب الحديث أن حظيت أية اتفاقية عربية أو دولية بهذا النقاش المستفيض، مثل ما حظيت وما زالت الاتفاقية الأمنية الأمريكية المعروضة للتوقيع مع الحكومة العراقية. فهذه الاتفاقية منذ عدة شهور وهي محل نقاش بين مؤيد ومتحفظ ورافض خاصة من الجانب العراقي، وهذه ظاهرة صحية لم تعهدها الدول العربية التي تعودت أن غالبية الاتفاقيات بين هذه الدول لا تخضع للنقاش لأنها أساسا اتفاقيات لن يتم تنفيذها في الواقع، أو أنها كما يقول السائد العربي لا تستحق ثمن الحبر الذي وقعت به، والدليل على ذلك أنه منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 لم يتم تنفيذ أية اتفاقية عربية تمّ التوقيع عليها بإجماع ورغبة الدول العربية، وعدم نقاش هذه الاتفاقيات لأن الموقعين يعرفون مسبقا أنهم غير مطالبين بتنفيذها، فلماذا إذن إضاعة الوقت في مناقشتها أساسا،والدليل الفاضح على هذه الحالة العربية أنّ البيانات الختامية لما يسمى مؤتمرات القمة العربية تتم صياغتها النهائية قبل توجيه الدعوة لأن قراراتها أيضا ليست للتنفيذ، والنتيجة الوحيدة لهذه القمم هي الصور التذكارية التي أيضا لا أعتقد أن مسؤولا عربيا يهمه الاحتفاظ بها، فمن يرغب في الاحتفاظ بصور مع خصمه العربي الذي يرقى لمستوى العدو الحقيقي.

هل في الاتفاقية الأمريكية انتهاك لسيادة العراق؟

أعتقد أن الكثيرين من السياسيين العراقيين عارضوا الاتفاقية لأسباب ومصالح حزبية أو ارتباطات خارجية دون التدقيق في بنود الاتفاقية التي حرصت في العديد من بنود صفحاتها  التي تزيد على خمسة عشرالتأكيد على سيادة العراق في الميادين كافة. وعلى سبيل المثال فقط:

ورد في البند الأول من المادة الثالثة: ( يلتزم أفراد القوات المسلحة الأمريكية وأفراد العنصر المدني بواجب احترام القوانين والأعراف والتقاليد والعادات العراقية، عند القيام بعمليات عسكرية بموجب هذه الاتفاقية، ويمتنعون عن أي نشاطات لا تتماشى مع نص وروح هذه الاتفاقية).

ورد في البند الثاني من المادة الرابعة: ( تجري جميع العمليات العسكرية التي يتم تنفيذها بموجب هذه الاتفاقية بموافقة حكومة العراق وبالتنسيق الكامل مع السلطات العراقية، وتشرف على تنسيق كل تلك العمليات العسكرية لجنة مشركة لتنسيق العمليات العسكرية يتم تشكيلها بموجب هذه الاتفاقية).

ورد في البند الأول من المادة الخامسة: ( يمتلك العراق جميع المباني والإنشاءات والهياكل غير المنقولة المتصلة بالأرض والقائمة في المنشآت والمساحات المتفق عليها، بما في ذلك ما تستخدمه قوات الولايات المتحدة منها أو تشيده أو تغيره أو تحسنه).

ورد في البند الثالث من المادة الثانية والعشرين: ( يحتفظ العراق بحق التوصل إلى اتفاق مع أية دولة من الدول المشاركة في القوات متعددة الجنسية لطلب مساعدتها في تحقيق الأمن والاستقرار في العراق ).

وغالبية تفاصيل الاتفاقية الجوهرية،

تؤكد على السيادة العراقية وحق الحكومة العراقية في أن يكون لها الرأي النهائي في كافة الأمور الجوهرية المتعلقة بالحركة والتداول على الأرض العراقية،مما يعني بدون أي شك أن غالبية الذين عارضوا مشروع أو مسودة الاتفاقية من العراقيين ، أفرادا أو سياسيين أو حزبيين، لم يقرأوا نص الاتفاقية الذي لم يكن متاحا بشكل علني لكل من يريد قبل أسابيع قليلة  بنصه الكامل ، مما يعني أنه يحتاج لقراءة متأنية موضوعية قبل الحكم بالرفض أو القبول.

نماذج من الرفض العراقي

أولا: رفض تلبية لأوامر إيرانية

وهذا ما عبّر عن بعضه خضير الخزاعي وزير التربية في الحكومة العراقية الحالية، أنه يرفض الاتفاقية لأن علي خامئني قد أفتى برفضها، والمدهش أن غالبية المرجعيات الدينية الإيرانية ركزت جهودها ومهاراتها في الفتاوي للتحريض على رفض الاتفاقية،وكأن تخصصهم هو السياسة الدولية والمصالح العراقية قبل الإيرانية. فمثلا أصدرالمرجع الشيعي الإيراني كاظم الحسيني الحائري فتوى بتحريم الموافقة على هذه الاتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية، مهددا بأن الله تعالى لن يغفر لمن يوافق على هذه الاتفاقية، وبإسلوب يوحي أنه موكل من الله تعالى بتقييم كافة أمور الحياة الدنيا لجميع البشر وصرف مفاتيح الجنة لهم كما عمل سابقا رئيسه الخميني. وانضم لنفس الجوقة مرجع شيعي إيراني آخر هو صادق الحسيني الشيرازي بفتوى مثيرة لعواطف الغوغائيين ، إذ قال في فتواه : "إن كل اتفاقية تجعل سلطة للكفار على المؤمنين أو تنقص من سيادة العراق المسلم فهي مخالفة للشرع "، ومن المؤكد أنه يقصد شرع الخميني و خامئني و أحمدي نجاد، لأن تزويد إسرائيل للخميني بالسلاح في زمن الحرب الإيرانية العراقية، كان متوافقا مع هذا الشرع !!.و أيضا المرجع الإيراني – العراقي علي السيستاني فقد طلب من رئيس الوزراء نوري المالكي رفض توقيع الاتفاقية فور صدور الأوامر الإيرانية بذلك، بعد أن كان موقفه أن هكذا اتفاقيات من شأن السياسيين العراقيين. وضمن نفس الخط الإيراني أعلن مقتدى الصدر امتثاله لفتوى مرجعيته في إيران، فأعلن رفضه لها والتظاهر ضدها ، وأنا متأكد أن هذا الصدر لم يقرأ الاتفاقية ولا يعرف بندا من بنودها، فهو مجرد ( عبد المأمور ) كما يقولون في الأمثال الشعبية المصرية. كل هذه المواقف والفتاوي من نفس المراجع الشيعية التي تعاونت علنا وبالفتاوي مع القوات الأمريكية لإسقاط نظام صدام حسين، لكنها ألان تمتثل للأوامر الإيرانية أكثر من المصلحة العراقية.
وقد انضم السياسيون الإيرانيون لتدعيم موقف الفتاوي الاشرعية في رفض الاتفاقية، إذ أبلغ علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني عادل عبد المهدي نائب الرئيس العراقي رفض بلاده إيران لتوقيع الاتفاقية، وذلك أثناء زيارته لطهران في أيلول الماضي. ويمكن تخيل الغطرسة الإيرانية من خلال تصريح وزير الداخلية الإيراني علي كردان في مؤتمر دول جوار العراق، إذ قال: ( إن بلاده تعارض أية وثيقة لا تتفق مع إرادة الشعب العراقي )، وهو بهذا يقصد نفسه وحكومته بأنهم من يقرر إرادة الشعب العراقي. و أحمدي نجاد لم يترك هذه الهمروجة أن تضيع دون أن يرفض هذه الاتفاقية أثناء زيارة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني لطهران، وكان البرزاني واضحا في دفاعه عن الاتفاقية لأنها حسب رأيه أفضل من الوضع العراقي الراهن. ويتناسى أحمدي نجاد وزمرته من السياسيين والفقهاء غير الشرعيين إن كان التخريب الذي تمارسه المخابرات الإيرانية في داخل العراق ينسجم مع إرادة الشعب العراقي أم أنه ضد هذه الإرادة بشكل مطلق. لذلك فإن هذا الرفض من القوى العراقية الموالية لإيران وتأتمر بأمرها يصاحبه رشاوي كما أعلن قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال رايموند أوديرنو ( أنّ إيران حاولت رشوة نواب عراقيين بهدف تعطيل الاتفاقية الأمنية المشتركة التي تتيح للقوات الأمريكية البقاء في العراق بعد نهاية العام الحالي ).

ثانيا: تحفظ يطالب ببعض التعديلات

وهذا التيار هو المنطقي والموضوعي إذ يرى أنه من مصلحة العراق توقيع الاتفاقية ، وفي الوقت نفسه يطالب ببعض التعديلات على بعض نصوصها، لأنه يرى من وجهة نظره أن هذا التعديل يحقق أكثر مصلحة العراق وسيادته ، رغم أن البعض ضمن هذا التيار يحاول من خلال المطالبة بالتعديل أن يستمر في المماطلة وإضافة شروط جديدة لتضييع الوقت مما يحول دون توقيع الاتفاقية. خاصة إذا تمعنا مليّا في البنود التي يطالب هذا البعض بتعديلها، لنجد أن بعضها يمكن أن يطلق عليه التوصيف العربي الشائع بأنه ( مجرد مماحكة ) يقصد منها إضاعة الوقت ، فمثلا يركز هذا البعض على عنوان الاتفاقية، أي أنه يترك المضمون الذي جاء في ثلاثين مادة تفاصيلها فيما يزيد على خمسة عشر صفحة. يقول عنوان الاتفاقية حرفيا : ( نص اتفاقية حول الوجود المؤقت للقوات الأمريكية في العراق وأنشطتها فيه وانسحابها منه بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية العراق ). العنوان ينصّ صراحة على ( الوجود المؤقت للقوات الأمريكية في العراق )، ورغم ذلك فإن بعض جهابذة الحكومة العراقية يطالبون بتغيير العنوان السابق بكلمات أقل وضوحا مما ورد في عنوانها المقترح من الولايات المتحدة الأمريكية.

ويختلف الإئتلاف الشيعي العراقي الموحد الحاكم إزاء هذه الاتفاقية، ولا يمكن اعتبار أن له موقف موحد واضح ، خاصة أن المطالبين منهم بالتعديل يبدون سذاجة واضحة لأنهم يركزون على شكليات لا علاقة لها بأمن العراق واستقراره خاصة في مواجهة الإرهاب القادم من الخارج، ويطرحون أمورا تتعلق ب " الولاية القضائية والسجون والمعتقلات وبطبيعة البريد الأمريكي وإمكانية رقابة الحكومة العراقية عليه ". مع أن أي ساذج في العراق يستطيع ضمانة محاكمة أي جندي أمريكي من قبل قيادته الأمريكية إن ارتكب مخالفات أو تعديات  كما حدث في العديد من الحالات، ولكنه يعرف أن  حكومة هذا الائتلاف لم تحقق في مئات الجرائم والمعتقلات السرية طوال السنوات الأربع الماضية. وتعرف هذه الحكومة أن البريد الدبلوماسي  في كافة أنحاء العالم لا يخضع للرقابة بما فيه بريد السفارة العراقية داخل الولايات المتحدة الأمريكية ، ورغم ذلك يطالب هؤلاء الأشاوس بمراقبة بريد القوات الأمريكية ، وكان الأولى بهم أن يطالبوا بمراقبة بريد السفارة الإيرانية الذي يتضمن تعليمات الحرس الثوري لعناصرهم وعملائهم في داخل العراق.



أما النقاش الدائر حول الوجود الزمني،

للقوات الأمريكية في العراق فهو لا يدقق في النص الواضح بهذا الشأن كما ورد في الاتفاقية، فهو واضح وصريح بشكل لا يحتمل التأويل أو التفسير، فقد ورد في البند الأول من المادة الخامسة والعشرين :" تنسحب قوات الولايات المتحدة من الأراضي العراقية في تاريخ لا يتعدى 31 ديسمبر عام 2011 . وينص  البند الثاني من المادة نفسها على: " تنسحب قوات الولايات المتحدة المقاتلة من المدن والقرى العراقية في تاريخ لا يتعدى 30 حزيران 2009 ". أما وجود قوات أمريكية بعد المدة الواردة في البند الأول فيخضع لطلب الحكومة العراقية. فأين الإخلال بالسيادة ؟ وأين الترويج لاحتلال دائم في وجود  البند السادس الذي يقول صراحة وبوضوح منقطع النظير: " يجوز انسحاب قوات الولايات المتحدة في تواريخ تسبق التواريخ المحددة في هذه المادة بناء على طلب أي من الطرفين. وتعترف الولايات المتحدة بالحق السيادي لحكومة العراق في أن تطلب خروج قوات الولايات المتحدة من العراق في أي وقت ".

ومن المعروف أن الأحزاب الكردية وحكومة إقليم كردستان والوزراء الأكراد في الحكومة بما فيهم الرئيس العراقي جلال الطالباني و وزير الخارجية هوشيار زيباري، يدعمون بدون تحفظ الموافقة على الاتفاقية والتوقيع عليها، لأن فيها مصلحة العراق الفيدرالي الموحد كاملا، وهم بذلك يبدون وعيا كبيرا في أن هذه الاتفاقية هي الضمانة لحماية العراق الموحد من أية تدخلات خارجية تخل بأمنه واستقراره. ومن أهم التوضيحات ما أعلنه وزير الداخلية العراقي جواد البولاني في لقائه مع قناة الشرقية العراقية مساء السبت الخامس والعشرين من أكتوبر 2008 ، إذ حذّر من تداعيات عدم توقيع الاتفاقية معتبرا ذلك " خطأ استراتيجيا "وأردف قائلا: " أنا أتكلم عن منجز أمني يجب أن يحافظ عليه كل عراقي". وتساءل: " إذا حدث أي تراجع في هذا الملف مهما كانت ظروفه، من سيكون مسؤولا عن هذا التراجع وهذا الخطأ الاستراتيجي في وضع الأمور في غير نصابها".

والخلاصة المفيدة،

هي إما هذه الاتفاقية التي تحمي أمن واستقرار وسيادة ومستقبل العراق، أو الخراب خاصة القادم من إيران وهو للأسف خراب سيصفق له بعض العراقيين ويدعمونه.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

351
إلى كل الشامتين: خسئتم عاصمة الممانعة" تحتفظ بحق الرد"

د.أحمد أبو مطر

الغارة التي نفذتها مروحيات أمريكية مساء الأحد السادس والعشرين من أكتوبر 2008  في قرية السكرية غرب البوكمال داخل الأراضي السورية المحاذية للحدود مع العراق، وأسفرت عن مقتل ثمانية أفراد ، يقول الأمريكيون والعراقيون أنهم إرهابيون ويدّعي السوريون أنهم مواطنون أبرياء، هذه الغارة كشفت جوانب عديدة ذات صلة بموضوعها:

الأول: هو اتفاق الجانبين الأمريكي والعراقي الرسمي على أن الحدود السورية ما زالت مفتوحة بعلم النظام السوري لتصدير الإرهاب والإرهابيين لداخل العراق، كما أكّد علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة العراقية " أن هذه المنطقة كانت مسرحا لنشاط تنظيمات إرهابية معادية للعراق تنطلق من سوريا، كان آخرها مجموعة إرهابية قتلت 13 منتسبا لوزارة الداخلية العراقية في قرية حدودية " ، وأضاف : " طلب العراق من السلطات السورية تسليم المجموعة التي تتخذ من سوريا مقرا لنشاطاتها الإرهابية "، هذا وكالعادة لا تستجيب السلطات السورية لهذه المطالب. وأيضا قال مسؤول عسكري أمريكي من واشنطن، أن العملية " استهدفت عناصر في شبكة لوجستية للمقاتلين الأجانب "، معتبرا " أن تراخي سورية دفع واشنطن لتقرر أن نتولى الأمر بأنفسنا ". وأضاف " أن عملية الإنزال شنتها قوات أمريكية خاصة ضد عناصر في شبكة لتهريب المقاتلين من شمال أفريقيا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط إلى سورية " وذلك حسبما نقلت جريدة السفير اللبنانية يوم الاثنين السابع والعشرين من أكتوبر 2008 . وتؤكد مصادر معلوماتية أن تحديد المسؤول العسكري الأمريكي هوية هؤلاء الإرهابيين بأنهم من شمال أفريقيا، يعني حصول الجهات الأمريكية على معلومات دقيقة من حكومات في شمال أفريقا ومن داخل سوريا  ليس مستبعدا أن تكون من عناصر سورية متعاونة مع الجانبين العراقي والأمريكي. والدليل على ذلك هو سلسلة الاغتيالات التي طالت في السنتين الأخيرتين قيادات كبيرة في المخابرات السورية بدأت بالعميد غازي كنعان وزير الداخلية بعد أن تأكد أنه أعدّ ملفات خطيرة خاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري  بقصد تسليمها لمحكمة العدل الدولية ، ثم اغتيال العميد محمد سليمان في آب 2008  في اللاذقية  ، وقد كشف الدكتور البرادعي رئيس هيئة الطاقة النووية بشكل غير مباشر سبب اغتياله عندما صرذح بأن الهيئة فقدت باغتياله من كان يزودها بأسرار هذا الملف. و في سبتمبر 2008 افتعل النظام تفجيرا قرب مركز أمني على طريق المطار قتل فيه ما لا يقل عن عشرين شخصا ، تأكد أن المستهدف كان ضابطا أمنيا كبيرا قتل هو وأبنه ،  و ادعى النظام أنه تفجير  من عمل جماعات إرهابية. ومن المؤكد أنه لا مصلحة للنظام السوري في استقرار العراق وتأسيس نظام ديمقراطي، لأن هذا سيكشف حجم قمعه للمواطن السوري وحجم الفساد من خلال سيطرة عائلة الرئيس وحاشيته على كافة مقدرات البلاد.

الثاني: هو استمرار النظام السوري في ترويج سلعته الوحيدة منذ عام 1967 وهي " نحتفظ بحقنا في الرد في الزمان والمكان المناسبين ". والمتتبع الموضوعي للشأن السوري يعرف أن هذا النظام تخصص في بيع الخطابات والأكاذيب والشتائم لمن يعارضه ويفضح ادعاءاته، لأنه على ضوء ذلك يستطيع حتى مؤيدو هذا النظام أن يكتشفوا من هم ( أشباه الرجال )؟. هل هم الذين يقولون الحقيقة على ضوء مجريات الواقع وموازين القوى أم أصحاب ( نحتفظ بحقنا في الرد ). وليتخيل خاصة مؤيدو النظام كم من قرون يحتاج هذا النظام للوصول للزمان والمكان المناسبين؟ خاصة أن العمليات الإسرائيلية طالت حتى التحليق فوق القصر الجمهوري ومواقع عسكرية في العمق السوري. ولكن يجب أن لا نكون متجنين على النظام ونتذكر أن الزمان والمكان المناسبين كانا دوما في الجنوب اللبناني، أي فلتحترق لبنان ومن فيها ولكن الصمت والسكوت والنعومة سمة الحدود السورية ، وهذه كانت تعليمات ما كان يسمى في المخابرات السورية ( مكتب الضابطة الفدائية ) المتخصص في ملاحقة شؤون التنظيمات الفلسطينية، فقد كانت تعليماته في زمن العميد عبد الرحمن قاسمو وما زالت واضحة وضوح من هم أشباه الرجال: ( سنقطع يد كل من يطلق رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية، ومن يريد ذلك فعليه أن يتوجه لجنوب لبنان، ونحن نسهل وصوله إلى هناك ). وبالفعل استحدثت المخابرات السورية ( نمرة صفراء ) خاصة بسيارات المنظمات الفلسطينية، تسمح بعدم وقوف هذه السيارات ومن وما فيها على أية نقاط تفتيش سورية أو لبنانية في زمن سيطرة المخابرات السورية على لبنان،فاستغلها مناضلو التنظيمات الفلسطينية لتوصيل السلاح والقذائف التي استخدموها ضد شعبهم في حربي المخيمات وحصار وقصف طرابلس لإخراج ياسر عرفات منها، وعند العودة تهريب السجاير والكحول والأجهزة الكهربائية. لذلك صاغ اللبنانيون الشعار الذي يعبر عن سلوك النظام السوري قائلين: ( إن لدى النظام السوري قرار استراتيجي لقتال إسرائيل حتى آخر مواطن لبناني ). ودليل آخر أن هذا النظام لا يتجرأ حتى على حشد عسكري شكلي على الحدود مع إسرائيل، أما على الحدود الشمالية مع لبنان فيحشد ما يزيد على خمسين ألف جندي ومئات الدبابات والمعدات العسكرية، ليقول للشعب اللبناني ربما يأتي الزمان الذي نعود فيه لاحتلال لبنان الذي طردتمونا منه في أبريل 2005 .

ردود الزمان والمكان المناسبين

وكي نقول الحقيقة كاملة فردود النظام السوري على الغارة الأمريكية لم تتأخر ، فقد قرّر مجلس الوزراء السوري يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من أكتوبر 2008 (  إغلاق المركز الثقافي الأمريكي والمدرسة الأمريكية في دمشق، وذلك احتجاجا على الغارة التي نفذها الجيش الأمريكي داخل الحدود السورية ، وطلب من وزيري التربية والثقافة اتخاذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ بالتنسيق مع الجهات المعنية ). وهذا الإجراء سوف يرضي المصفقين والمطبلين لنظام الممانعة ( أشباه الرجال )، لأنهم سوف يتخيلون في أحلامهم أنّ المتضرر من هذا الإغلاق هو الشعب الأمريكي ، قافزين عمدا عن أنّ هذه المدرسة الأمريكية غالبية الدارسين فيها هم من الطلاب السوريين، وكذلك المركز الثقافي الأمريكي فالمستفيد الوحيد من نشاطاته ودوراته المتعددة هو المواطن السوري، بدليل أنّ هذا المعهد والمدرسة مفتوحان في عاصمة الممانعة منذ ما يزيد على أربعين سنّة برضا النظام ومعرفته، والجميع يعرفون أن غالبية الطلاب السوريين الذين يدرسون في المدرسة الأمريكية هم أبناء وزراء النظام وضباط مخابراته ورجال أعماله ، بدليل أنه في كل محطات التوتر الأمريكي السوري، لم يلجأ النظام السوري لهذا الإغلاق إلا هذه المرة، لأنه لم يجد ما يمكن عمله في الزمان والمكان المناسبين إلا هذين الصرحين الثقافيين. ولو كان المعهد والمدرسة يشكلان خطرا أمنيا على النظام لما سمح لهما بالعمل طوال الأربعين عاما الماضية.

توقعات في المكان المناسب

أصبح واضحا لغالبية المحايدين والموضوعيين من العرب والسوريين أن هذا النظام لا يستمد ديمومته إلا من التغريد خارج السرب العربي، لأن امتثاله للمصلحة العربية العامة لا تسمح له بتوتير العلاقات مع أكثر من نظام عربي ، ولا المماطلة في ترسيم الحدود مع لبنان، ولا الارتماء في أحضان نظام الملالي الإيرانيين المحتلين لأراض عربية تزيد مساحتها عن الجولان السوري المحتل. ونتيجة لهذا السلوك الدائم المستمر للنظام يتوقع مراقبون مطلعون أنه للفت أنظار السوريين والعرب عن سلوكه هذا، سوف يعمد إلى فتح ملفات وجبهات أهمها:

أولا: فتح ملف العراقيين المقيمين في سورية و تفعيل الإجراءات والضوابط التي وضعها النظام قبل شهور التي من شأنها تصعيب استمرار إقامة غالبية العراقيين، كي يقول لهم بطريق غير مباشر أن السبب في ذلك هو رضا حكومتكم العراقية عن الغارة الأمريكية.

ثانيا: إعادة التوتير المسلح للجبهة الشمالية في لبنان ( طرابلس ) من خلال العديد من خلاياه الإرهابية النائمة هناك في انتظار أوامر الزمان والمكان المناسبين، وبدعم مع جيش النظام الذي تمّ حشده على الحدود مع طرابلس اللبنانية.

ثالثا: محاولة فتح جبهة المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان من خلال عملائه في تنظيمات فلسطينية مثل الجبهة الشعبية – القيادة العامة ، والمنشق السابق عن فتح أبو خالد العملة بعد أن أطلق سراحه من السجون السورية قبل أسابيع قليلة، ليعلن انشقاقا جديدا عن شريكه في انشقاق عام 1983 المدعو أبو موسى ، معطيا انشقاقه الجديد اسما ثوريا ( المنبر الوطني الديمقراطي )، بعد أن تبادل مع شريكه أبو موسى اتهامات خاصة باختلاسات مالية بملايين الدولارات. وما سوف يساعد عملاء النظام السوري في استغلال وتسخين هذا الملف الخلافات العلنية بين قيادات تنظيم حركة فتح المسيطر على مخيم عين الحلوة، بعد إقالة عباس زكي مسؤول تنظيم فتح في لبنان لسلطان أبو العينين مسؤول فتح في جنوب لبنان.

على الهامش..ماذا حدث ليلة الثلاثاء؟

ما استرعى انتباه المراقبين أنه يوم ألاثنين السابع والعشرين من أكتوبر تم قطع كافة الاتصالات الدولية والانترنت من وإلى عموم القطر السوري...فما هو السبب؟ وماذا حدث؟ في اليوم التالي صرّح وزير الاتصالات السوري " أنّ لصوصا أضرموا النار في إحدى غرف التفتيش في منطقة عدرا القريبة من دمشق مما أدى لانقطاع سوريا عن العالم ". مهندس سوري عمل سابقا في شبكة الكهرباء السورية لمدة تزيد عن عشرين عاما رفض الإفصاح عن اسمه قال:  هذا كذب فلا توجد أية غرفة تفتيش أو نقطة تحويل كهربائي تربط كل القطر السوري معا، مما يعني أنه من المستحيل أن تخريب غرفة واحدة في أية مدينة سورية ، ينجم عنه قطع الكهرباء والاتصالات الدولية عن عموم القطر السوري. إذن هناك مصلحة أو هدف للنظام استدعى قطع الاتصالات الدولية والانترنت تلك الليلة.

قرار ممانع في اللحظة الأخيرة

وكي لا يتهمنا البعض بالتغاضي عن بعض قرارات نظام الممانعة، نذكر أن وزير الخارجية الممانع المقاوم وليد المعلم قد أعلن قبل لحظات من إنهاء هذه المقالة: ( نتعهد بالدفاع عن أراضينا إذا تكرر الاعتداء علينا ).
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

نداء للرفاق والإخوان المدافعين عن نظام الممانعة والصمود:

نرحب بممارستكم حقكم في الدفاع عن نظامكم الحبيب، ونرجوكم أن يكون دفاعكم مبنيا على حقائق ومعلومات تنقض الحقائق والمعلومات التي أوردناها، لأن شتائمكم واتهاماتكم لن تخدم نظامكم الممانع بل ستعطي دليلا جديدا على ملفات القمع التي يمارسها بحق المواطن السوري، وهي ستذكرني بالمثل العربي ( خذوهم بالصوت العالي قبل أن يغلبوكم ) و (الشتائم حجة الضعيف في الدفاع عن حقه ).

352
الفتنة مستيقظة .. أحسن الله لمن أنامها


د.أحمد أبو مطر

تتواصل تداعيات التصريحات التي أطلقها الشيخ يوسف القرضاوي حول ما يراه محاولات لنشر التشيع في الأقطار العربية السنّية من قبل النظام الإيراني تحديدا، بسرعة ضوئية تثبت أن الهوة شاسعة بين أنصار ومعتنقي المذهبين السنّي والشيعي، وكأن كل طرف منهم كان يترقب صدور هذه التصريحات لتأجيج الصراع الطائفي مجددا بعد أن اعتقد البعض أن الفتنة نائمة، فإذا هي مستيقظة منذ قرون في النفوس سرا وتقية ، وكانت تحتاج لهذه التصريحات فقط كي تعلن يقظتها المستمرة بدون الحاجة لمنبهات الشيخ القرضاوي. الكثيرون لاموا الشيخ لأنهم اعتقدوا أن تصريحاته هذه هي التي أيقظت الفتنة، وأنا أخالفهم هذا الاعتقاد إذ أن الفتنة كانت وما زالت مستيقظة في النفوس والعقول رغم سرّية تفاعلها في كافة الأوساط الاجتماعية، ويكفي سرد موقفين من تجربتي الشخصية مع الطائفية التي لا أؤمن بها ولا أسعى للتفاعل مع وقائعها بأي شكل من الأشكال، لأنني كما أوضحت في مقالتي السابقة ( هل أخطأ القرضاوي أم أصاب؟ )، أفهم وأعتقد أنه هناك دين واحد هو الإسلام له فروضه المعروفة الملزمة، وما عدا ذلك فروع واجتهادات غير ملزمة:

الأول: كان في عام 1980 عندما بدأت عملي مدرسا في كلية التربية بجامعة البصرة، وتصادف أنّ مكتبي كان في غرفة واحدة مع أربعة زملاء عراقيين من هيئة التدريس، وفي أول يوم من عملي اختلى بي أحد الزملاء ليقول لي : ( أحمد مسؤوليتي أن أنبهك أن الزملاء الثلاثة الذين يجلسون معنا في نفس الغرفة هم شيعة فاحذرهم )، فأعلنت له صراحة عن استغرابي لهذا الطرح من مدرس جامعي ، وان هذه الأمور لا تهمني ولا أعيرها انتباها، فكلكم زملاء لي بنفس الدرجة أما معتقداتكم الدينية فهي بينكم وبين الله تعالى. وتصادف أنه في نفس اليوم الأول من عملي أن اختلق أحد الزملاء الثلاثة عدة حركات كي أمشي معه وحدنا في ساحة الكلية كي يحذرني من ذلك الزميل لأنه سنّي ، و أنه من المهم التنبه لجرائم نظام صدّام بحق الشيعة وقتله العديد من مراجعهم الفقهية، فأبديت له نفس الاستغراب ونفس الملاحظات، رغم إدانتي لجرائم صدام بحق أي عراقي دون سؤالي عن هويته الطائفية.

الثاني : كان في عام 2007 هنا في أوسلو ، عندما اتصل بي أحد الشباب الذين يؤمون المصلين في أحد المساجد من حين إلى آخر يطلب لقاءي للتحدث معي في أمر مهم . كان ذلك الأمر أنه يريد أن يشكرني على مقالاتي التي تكشف ممارسات النظام الإيراني وانتهاكاته لحقوق الإنسان ونواياه العدوانية تجاه جيرانه العرب واستمراره في احتلال الأحواز العربية والجزر الإماراتية الثلاث وتهديده بإعادة احتلال البحرين. ثم كانت المفاجأة أنه يريد أن يزودني بمصادر ومراجع تكشف وتثبت كفر وزندقة هؤلاء الروافض الشيعة. أبديت استغرابي الشديد له موضحا أنّ هذه المصادر لا تهمني ولن أسعى لقراءتها ـ فأنا أكتب ضد ممارسات النظام الإيراني من خلفية سياسية وحقوقية وليس طائفية، بدليل أن العديد من الكتاب العراقيين والإيرانيين الشيعة يكتبون عن ممارسات هذا النظام أقسى مما أكتب، فلو احتكموا لخلفيتهم المذهبية لما كتبوا كلمة واحدة من كتاباتهم تلك، وبدليل أن شخصيات إيرانية معروفة مثل الرئيس السابق محمد خاتمي تنتقد العديد من ممارسات النظام خاصة أحمدي نجاد الذي وصفه إفراييم هاليفي الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي بأنه " أجمل هدية لإسرائيل لأنه يخدم مصالحها..نجاد هو أجمل هدية حصلنا عليها، لا يفعل سوى تقديم الخدمات لنا. كل كلامه دليل على أن إيران لا يمكن التعايش معها. إنه يوحد العالم ضد طهران".

الفتنة سياسية وليست مذهبية

ورغم وجود هذا الشحن الطائفي على خلفيات مذهبية تنتقص من مذهب كل طرف وتخطئه تماما لدرجة التكفير أحيانا من ( روافض ) إلى ( نواصب )، إلى أن هذه الحرب المستعرة كانت في أغلب المراحل تدور سرا وفي الخفاء أو في داخل أروقة المساجد والحسينيات، غير هذه الحرب التي أعقبت تصريحات الشيخ القرضاوي الأخيرة التي امتدت نيرانها للعديد من الدول العربية والإسلامية بخلفيات سياسية وليست مذهبية دينية ، ويمكن تفهم ذلك من خلال الكثير من ردود الفعل التي لم تناقش تصريحات القرضاوي دينيا وفقهيا، ولكن تعاطت معها من منظور مصالح سياسية لتلك الدولة أوغيرها. ومن الملاحظ أن النظام الإيراني هو أكثر الأنظمة التي دارت حولها تلك الردود سواء معه أم ضده، خاصة تعقيبا على توضيح الشيخ يوسف القرضاوي حول " إصرار إيران على نشر المذهب الشيعي في الدول العربية معتبرا أن ذلك المسعى الإيراني غزوا سياسيا وليس دينيا" ، والهجوم الحاد غير الأخلاقي الذي شنته عليه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "مهر".

والدليل على ذلك،

أن المرجع الشيعي الكويتي محمد باقر المهري ، طالب الأزهر الشريف بخلع عمامة الشيخ يوسف القرضاوي ومنعه من الظهور إعلاميا، كما طالب حكومة قطر بسحب جنسيته القطرية ، وطالب علماء السنّة في الكويت بالبراءة منه. وقد علق الكاتب الكويتي عبد الله الهدلق على هذه التصريحات في جريدة الوطن الكويتية يوم الرابع عشر من أكتوبر 2008 قائلا. " من كان بيته من زجاج فلا يرمي الحجارة على بيوت الآخرين، فكم من عمائم سوداء وبيضاء وخضراء يجب أن تخلع وكم من جنسيات يجب أن تسحب وكم من حاقدين وذوي تصريحات مثيرة للجدل وشاذة يجب البراءة منهم!. فليس هناك من هو أشد حقدا على السنًة وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المجرم الهارب إلى بريطانيا ( ياسر الحبيب ) المدان من محكمة الجنايات الكويتية بحكم جنائي واجب النفاذ، فلماذا لم يطالب المهري بخلع عمامته وسحب جنسيته والبراءة منه؟".

أما علماء السنّة في الكويت،

فقد رفضوا الاستجابة لطلب المهري ، وأدانوا تصريحاته ضد الشيخ يوسف القرضاوي، متهمين الشيخ المهري بالتجني وبث الفتنة الطائفية، وعلى هامش ذلك ذكّرت وسائل إعلام كويتية بمواقف المهري غير الوطنية والحاقدة على الكويت خاصة وصفه محاولة اغتيال المرحوم الشيخ جابر الأحمد الصباح عام 1985  بأن من قاموا بها هم وطنيون شرفاء، ومن المعروف أن العملية كانت من تنفيذ ما أطلق عليه حزب الله الكويتي وتردد أن عماد مغنية هو من أشرف عليها شخصيا.

وكذلك فإن الكتاب والمثقفين العرب،

يؤكدون في بيانهم التضامني مع الشيخ يوسف القرضاوي على الخلفية السياسية لهذه الفتنة التي يقودها من أساسها النظام الإيراني، وهو بيان وقعه مئات من أشهر الكتاب والمثقفين العرب حيث أكدوا فيه على:

أولا: " إننا نود أن نذكر جموع المسلمين بأن من يكرّس الطائفية في العالم الإسلامي ، هو من ساهم في تذبيح وتشريد وتهميش أهل السنّة في كل من العراق وإيران ولبنان، وما زال يحرك الفتنة في الخليج واليمن ولبنان ".

ثانيا: " إننا ندرك أنه في حين تبرم دولة إيران الاتفاقيات مع من كانت تسميهم في الماضي بالشيطان الأكبر بشأن تقسيم العراق وأفغانستان نفوذا معها، وتتعاون سرا وجهرا مع الأمريكيين والإسرائيليين ، وتضع يدها في يد أعداء هذه الأمة حيث يقول مستشار الرئيس الإيراني السابق أبطحي : " لولانا ما استطاعت الولايات المتحدة غزو العراق وأفغانستان ".

أما حركة حماس حليفة إيران،

ووكيلتها في قطاع غزة ، فقد أعلنت موقفها الداعم لإيران في مواجهة تصريحات الشيخ القرضاوي تحديدا حول الغزو السياسي لإيران في الجوار العربي، من خلال رئيسها الشيخ إسماعيل هنية الذي رفع يداه في صلاة الجمعة نحو السماء مبتهلا لله تعالى " أن يحفظ  آية الله العظمى خامئني والسيد محمود أحمدي نجاد وأن يرزقهما أن يصليا في القدس الشريف صلاة الخلاص " وفي الوقت ذاته يستعيد سيرة آية الله العظمى الخميني ويصفه ب " الرجل العظيم الذي رفع من مكانة الجهاد لتحرير فلسطين " ، وفي هذا مواقف انتهازية واضحة، فأي رجل عظيم الذي أمدته إسرائيل بالسلاح لمحاربة صدام حسين الذي يعتبره إسماعيل هنية وحماسه شهيد الأمتين العربية والإسلامية، ونكس الأعلام ولطمت عناصره في الشوارع يوم إعدامه في الثلاثين من ديسمبر لعام 2006 .

لذلك فإن هذه الفتنة الطائفية لن تهدأ نيرانها إلا بانسحاب العامل السياسي منها ، وهو العامل الذي يدعمه النظام الإيراني لأغراض سياسية لا علاقة لها بنشر المذهب الشيعي ، بل لخدمة المصالح الإيرانية السياسية التي تجعل من إيران قوة إقليمية تلعب في الملفات الإقليمية وتغطي على ملفاتها الدولية العالقة مع المجتمع الدولي خاصة الملف النووي الذي في حالة اكتماله لن يهدد إلا دول المنطقة العربية. وضمن هذا السياق يخطىء من يعتقد أن النظام الإيراني يدعم حركة حماس من أجل تحرير فلسطين ، فأي تحرير الذي كانت حماس باسمه تتهم محمود عباس وسلطته بقمع المقاومين ومطلقي الصواريخ، ومنذ خمسة شهور وباسم التهدئة تقوم حماس وقوتها التنفيذية باعتقال وسجن وقتل كل من يطلق رصاصة على إسرائيل. وكذلك من سوف يثق في حزب الله ( حزب الولي الفقيه في لبنان )، الذي قام باجتياح بيروت في مايو 2008 ، وقتل وخرّب ودمّر وحرق ما  لم يفعله الجيش الإسرائيلي طوال العقود الماضية. أليس من حق الشعوب إذن أن تخاف من النظام الإيراني ووكلائه المعتمدين علنا في العديد من الدول العربية؟.

لذلك فلن تهدأ هذه الفتنة ذات الشكل المذهبي إلا بانسحاب العامل السياسي منها ، الإيراني تحديدا، عندئذ فليؤمن كل مسلم بالمذهب الذي يقتنع به ، ولن تصبح مشكلة آنذاك إذا تحول سنّي للمذهب الشيعي أو شيعي للمذهب السنّي ، لأن ذلك سيتم بين الشخص وربه ولن تعطى الفرصة للسياسي لاستغلاله. الفتنة مستيقظة وجاهل من يتجاهلها ، ولن تعود لنومها إلا بانكفاء النظام الإيراني ضمن حدوده، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، والكف عن التهديد باحتلال دول الخليج العربي وتدميرها في حالة تعرض لعدوان ، ووقف التدخل في شؤون الدول العربية من خلال عملائه المحليين الذين يتاجرون بالتحرير مدعومين بملايين دولارات الملالي.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

 


353
من يصدق ما يحدث في باكستان؟


د.أحمد أبو مطر

يكاد المرء أن لا يصدق وهو يسمع ويرى ما يحدث في باكستان طوال السنوات الأربع الماضية، تحديدا عقب سقوط نظام طالبان في الجارة أفغانستان، لأن ما يحدث فوق نطاق كافة التصورات والتفسيرات من حيث دمويته وهمجيته خاصة أن هذا القتل اليومي يتم من قبل جماعات تطلق على نفسها أسماء ذات مشتقات أو دلالات إسلامية، كنفس الجماعات الإرهابية التي ترتكب هذا القتل في مصر والجزائر والمغرب والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية  وغيرها، وغالبا ما توحي هذه الجماعات بأنها من مشتقات إرهابيي القاعدة الذين كانت أكثر  أعمالهم همجية ما أطلقوا عليه غزوة نيويورك التي شهدت جريمة بشعة بكل المقاييس في الحادي عشر من سبتمبر 2001 . باكستان التي يعني اسمها في اللغة الأوردية " الأرض النقية" أو " الأرض الطاهرة " ، هذه الأرض التي أراد مؤسسوها عام 1947 أن تكون طاهرة ونقية يمكن أن نتخيل همجية ما تعيش اليوم حيث القتل اليومي بشكل لا مثيل له سوى ما يجري في العراق. المفارقة التي تستدعي الدراسة والتأمل هي الفارق في مفاهيم وتطبيقات المسلمين في باكستان ( 170 مليون ) والمسلمين في الهند ( 140 مليون )، خاصة أن دولة باكستان خلقها الإنجليز بالموافقة على انفصالها عن الهند في الرابع عشر من أغسطس عام 1947 ، لتكون دولة للمسلمين وتبقى الهند دولة للهندوس. وقد رافق هذه الولادة العسرة لدولة إسلامية مشكلة إقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة ،وهو ما زال منذ عام 1947 بؤرة توتر واقتتال بين الهند ووليدتها باكستان، حيث تريد كل دولة السيطرة على الإقليم وبسببه قامت حروب متعددة بين الدولتين. وفي الوقت ذاته كانت الولادة العسرة لدولة باكستان تحمل مشاكلها الداخلية بين مسلميها أنفسهم فيما كان يعرف بباكستان الغربية وباكستان الشرقية التي أعلنت انفصالها في خضم الحرب الباكستانية الهندية عام 1971 ، وشكلت منذ ذلك التاريخ ما عرف  بدولة بنغلادش ( 85 ) مليون نسمة.

مسلم عن مسلم بيفرق!

لماذا يميل المسلمون الذين انفصلوا باسم دولة "باكستان" إلى هذا العنف والقتل الدموي البشع، بينما ينعم المسلمون الذين بقوا مواطنين مسلمين سالمين في دولة " الهند" إلى الهدوء والتسامح، بحيث أنه من النادر أن تشهد أوساطهم عمليات عنف؟. هل كان مؤسس باكستان محمد علي جناح يعي ذلك عندما ظلّ فترة طويلة يرفض بشدة انفصال المسلمين عن الهند في دولة مستقلة بدليل انضمامه عام 1905 لحزب المؤتمر الوطني الهندي، وعبّر عن قناعته تلك بذلك الغضب العارم عام 1906 عند إعلان تقسيم إقليم البنغال إلى منطقة إسلامية ومنطقة هندوسية، واعتبر ذلك مقدمة لتقسيم الهند، ولم يغير محمد علي جناح قناعته تلك إلا بعد تطورات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي أدت لفرض التقسيم برغبة بريطانية، ورغم ذلك رفض محمد علي جناح رغبة أعضاء الرابطة الإسلامية بانتخابه رئيسا لباكستان حديثة الولادة مدى الحياة، وأصرّ على انتخاب الرئيس كل عام....إذن هل مشكلة باكستان الدموية الحالية تعود لفقدان الديمقراطية وبرامج التعليم الحضارية؟ أعتقد أن هذا هو السبب بدليل أن جارتها الهند ( مليار وعشرة ملايين نسمة بينهم مئة وخمسون مليون مسلم ) تعتبر بكافة المقاييس العالمية أكبر ديمقراطية في العالم، حيث يتم تداول السلطة ديمقراطيا بشكل يذهل العالم الأوربي والأمريكي ، بينما الجارة المسلمة الوليدة من رحم هذه الديمقراطية الكبرى تشهد منذ بداية انفصالها انقلابا عسكريا بعد انقلاب، بحيث شكلت مع موريتانيا أكبر نسبة في الانقلابات في حين تراجعت ظاهرة الانقلابات في الأقطار العربية التي كان آخرها انقلاب عمر البشير في السودان عام 1989 ، رغم بروز ظاهرة التوريث السياسية التي بدأها حافظ الأسد بتوريث ابنه بشار بعد وفاته عام 2000 ، وسير البقية الباقية في مصر واليمن وجماهيرية القذافي على خطاه، حيث أن أولادهم قادمين رؤساء ، وهذا رغم عدم ديمقراطيته أرحم بكثير من الانقلابات العسكرية التي عانى منها باكستان أيضا ، وتشكل سببا أساسيا للصراع على السلطة الذي يؤدي لهذا الموت المستمر باسم الإسلام في أغلب الحالات.

 تماما مثل المسلسل الدموي الذي عاشته أفغانستان، ويمكن إعادته لعام 1975 عندما بدأ مسلسل الانقلابات والموت الذي قاده الجنرال محمد داود ضد ابن عمه ملك أفغانستان آنذاك ظاهر شاه، ومن بعده بدأ هذا المسلسل الانقلابي بما يحمله من استبداد وديكتاتورية وقتل يومي ، فانقلب محمد طرقي على محمد داود، ثم انقلب حفيظ الله أمين على محمد طرقي ، ثم انقلاب بابراك كارمال على حفيظ الله أمين ، وعبر هذه الانقلابات كانت تتم مغازلة التيارات الإسلامية الرجعية التي كبرت وتغلغلت في أوساط المجتمع الأفغاني لتنتج عام 1994 حركة طالبان بدعم من المخابرات العسكرية الباكستانية . ومسلسل الانقلابات الدموية يحمل دوما المفاجآت التي أهمها أن قائد الانقلاب غالبا ما يشرب من سم الكأس الذي سقى سابقه منه ، فبنظير بوتو رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة وزعيمة حزب الشعب التي تمّ اغتيالها يوم الخميس السابع والعشرين من ديسمبر 2007 ، هي ابنة ذو الفقار علي بوتو الذي حكم باكستان من عام 1973 حتى عام 1977 إلى أن أطاح به انقلاب الجنرال ضياء الحق الذي أودعه السجن حتى عام 1979 إلى أن تمّ إعدامه بعد محاكمة مثيرة للجدل في أبريل 1979 ، وفي السابع عشر من أغسطس 1988 يلقى ضياء الحق مصرعه في حادث تفجير طائرته ومعه العديد من ضباط الجيش الباكستاني. وفي أكتوبر 1999 ينقلب الجنرال برويز مشرف على حكومة نواز شريف ، ويحكم البلاد بالحديد والنار حتى استقالته تحت ضغط المعارضة في الثامن عشر من أغسطس 2008 ، وخلال كل هذه المحطات الانقلابية تتدهور باكستان من سيء إلى أسوأ خاصة في مجال الفساد حيث تعتبر في قائمة الدول التي يستشري فيها الفساد بشكل مذهل، ونسبة الأمية التي تزيد على ستين بالمئة أي أنها تفوقت في هذه النسبة على متوسطها في الأقطار العربية،ونمو التيارات ذات العلاقة مع طالبان الأفغانية لتستنسخ منها نسختها الباكستانية التي تشيع القتل والدم والخراب اليومي في أرجاء باكستان منذ سنوات وحتى اليوم.

أية أخلاق هذه؟ أي إسلام هذا؟

كان تفجير فندق الماريوت بمدينة إسلام آباد يوم السبت العشرين من سبتمبر 2008 من أكبر الجرائم التي نسبت لحركة طالبان وحليفتها القاعدة، حيث سقط أكثر من ستين قتيلا ومئتين وخمسين جريحا، وهو الأسوأ في مسلسل الإرهاب الذي يسود باكستان الأرض النقية أو الطاهرة اسما فقط ، فمن يصدق أن هذا الإرهاب يحدث في شهر رمضان وجموع من البشر من مختلف الديانات والجنسيات في ساعة الإفطار الرمضاني حيث يستعد المسلمون منهم لتناول طعام الإفطار، فإذا مجرمو طالبان والقاعدة تناولهم الموت والقتل والدم غير آبهين بحرمة شهر الصوم وما سيخلفه قتلهم من أطفال يتامى وعائلات ملوعة بالفقدان و حياة تعيسة بائسة. وتزايد هذه الإرهاب الدموي ينذر باقتراب باكستان من صورة ما يجري في أفغانستان على يد فلول المجرمين من بقايا طالبان الذين يسعون لإعادة أفغانستان إلى عهدهم الظلامي المتخلف، ووضع باكستان خطير للغاية لأن الشعب الباكستاني يواجه طالبان الباكستانية وطالبان الأفغانية وفلول القاعدة من خلال تسميات جديدة كما أعلن " فدائيو الإسلام" مسؤوليتهم عن تفجير الفندق ، وبالتالي يطرح السؤال: أي إسلام هذا ؟ أية أخلاق هذه؟.

وليس بعيدا أن تتزايد هجمات هؤلاء الإرهابيين بسبب الخلاف العلني بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الباكستانية حول سبل مواجهة هذا الإرهاب،مما حدا بالولايات المتحدة لاتخاذ قرارها المنفرد بتوسيع هجماتها ضد إرهاب القاعدة وطالبان داخل الأراضي الباكستانية، وهو ما أحدث توترا بين الدولتين، في حين يرى كاتب عربي هو الدكتور أحمد عبد الملك في جريدة الاتحاد الإماراتية يوم الثامن من أكتوبر 2008 أنه لتفادي أفغنة باكستان " نعتقد أن أول الحلول كي لا تدخل باكستان دوامة العنف هو أن تصلّح باكستان علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي تقوم بدور مؤثر مع حلفائها في الأطلسي من أجل محاربة عناصر الإرهاب، وهذا لن يتأتى بتبادل الاتهامات بين الطرفين الباكستاني والأمريكي، بل ينبغي أن يبدأ الرئيس الباكستاني عهده بإرساء نظام أمني جديد يقوم أساسا على التعاون مع الجهود الدولية من أجل مواجهة عدو مشترك واحد " ، والبديل كما يراه الدكتور أحمد عبد الملك هو أنّ باكستان " ستدخل في دوامة أحداث دموية مع عناصر طالبان الباكستانية وطالبان الأفغانية وكذلك عناصر القاعدة، ولعل هذا الثالوث الإجرامي سيمهد لإقامة دولة إسلاموية غير ديمقراطية في باكستان تتحالف مع الأفغان المتشددين وتحظى بدعمهم. وهذا قد يمهد الأرضية الملائمة لنقل العنف - لنقل العنف الذي تؤمن به تلك الطوائف الطالبانية – من أجل تصدير ثورة جديدة على غرار ثورة الخميني في أواخر السبعينات، وهنا لن تنجو أية دولة من الدول التي تتحالف مع الولايات المتحدة من أعمال عنف وتفجيرات".

جماعات لا تؤمن إلا بالقتل والدم

هذه الجماعات مختلفة الأسماء الطالبانية والقاعدية لا تؤمن إلا بالقتل وسفك دماء الأبرياء دون غيرهم، ويكفي التذكير ببعض جرائمهم غير الإنسانية لنسأل: ما هدف هذا القتل سوى إقامة مجتمعات لا ديمقراطية ولا إنسانية يسودها منهجهم الظلامي المتخلف كما عرفت أفغانستان في سنوات حكم المجرمين الطالبانيين، حيث تمّ فرض إطالة اللحية على الشباب، وفرض الشادور على النساء، ومنع الموسيقى والأغاني والمسارح، وحظر البث التلفزيوني بكافة أشكاله، وهدم التماثيل ، وفي الوقت ذاته الاستمرار في زراعة الحشيش وتصنيعه وتصديره بحجة تدمير شباب الغرب الكافر!!!. والدليل على هذا الإجرام الدموي المتستر باسم الدين الإسلامي هو التذكير ببعض هذه الجرائم التي يرفضها أي منطق إنساني أو حيواني وأغلب ضحاياها من مواطنيهم الأبرياء الذين لا دخل لهم بلعبة السياسة والانقلابات:

تفجيرات طابا المصرية

وهي التي طالت صباح الثامن من أكتوبر 2004  عدة مناطق سياحية منها فندق هيلتون طابا، ومنتجعين سياحيين في رأس السلطان في نويبع و جزر القمر المصرية، و سقط فيها أكثر من أربعين من المصريين والسائحين الأجانب، وأعلنت مجموعتان مسؤوليتها عن هذه الجرائم هما " المنظمة الإسلامية العالمية" و" جماعة التوحيد والجهاد المصري"....تخيلوا كم من الجرائم ترتكب باسم الإسلام!!.

تفجيرات فنادق الأردن عام 2005

هذه التفجيرات التي ارتكبها المجرم المقبور أبو مصعب الزرقاوي وقاعدته الإرهابية في التاسع من نوفمبر 2005 ، واستهدفت ثلاثة فنادق في العاصمة الأردنية عمّان ، وتعمد الإرهابيون حفل زفاف لشاب وفتاة أردنية في فندق الراديسون مما نجم عنه مقتل ما يزيد على ستين مدعوا وجرح قرابة 120 آخرين. من يتصور حجم هذه الجريمة التي تقول لنا علنا : أي إرهاب وقتل وحزن سيجلبه هؤلاء المجرمون إن تسلموا زمام الحكم في أية دولة.

تفجيرات شرم الشيخ 2005

وقد استهدفت عدة فنادق ومنشآت سياحية في منطقة شرم الشيخ المصرية أحد أهم مقومات السياحة والاقتصاد المصري، وقد تعمد الإرهابيون ممن أطلقوا على أنفسهم " كتائب عبد الوهاب عزام التابعة للقاعدة" أن يقوموا بجريمتهم البشعة صباح الثالث والعشرين من يوليو 2005 وهو اليوم الذي يصادف العيد الوطني لمصر، ليحصدوا أرواح 88  وجرح ما يزيد على 200 شخصا أغلبهم من المصريين العاملين في المنطقة. وكانت أقوى إدانة لهذا العمل الإرهابي من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو الذي وصفه ب " جريمة بشعة لا تستحق سوى الازدراء من الجميع".

تفجيرات جزيرة ذهب المصرية

وهي التي استهدفت أيضا منشآت سياحية في جزيرة ذهب السياحية  في الرابع والعشرين عام 2006 على شاطىء البحر الأحمر شرق مصر، وسقط فيها أكثر من 40 وجرح حوالي 160 أغلبهم من المصريين أيضا، وأعلنت مسؤوليتها جماعات بتسميات إسلامية مرتبطة بالأم الإرهابية القاعدة.

تفجير السفارات الأمريكية في كينيا وتانزانيا

وذلك في التاسع من أغسطس 1998 ، حيث سقط أكثر من 224 شخصا أغلبهم من المواطنين الكينيين والتانزانيين، وأعلنت قاعدة المجرم أسامة بن لادن مسؤوليتها عن هذه الجريمة البشعة.



وماذا بعد في باكستان وأفغانستان؟

استنادا إلى هذا الإرهاب المنظم في باكستان وجارتها أفغانستان، تصبح محاربة هذا الإرهاب والاستعداد لمواجهته مسؤولية باكستانية أفغانية دولية ، لأن نجاحه في السيطرة على هذين البلدين يعني تمدد هذا الإرهاب وقواه الرجعية إلى أقطار مجاورة وسط سيادة الثقافة والتربية الرجعيتين مما يعيد المنطقة لحكم الإرهابيين الطالبانيين . لذلك فإن القول أن سبب ذلك هو وجود قوات التحالف الدولي لا يرصد الواقع الحقيقي، لأن انسحاب قوات التحالف سيعني السيطرة السريعة لطالبان أفغانستان وطالبان باكستان على زمام الأمور، وهذه كارثة كبيرة كما قال الدكتور أحمد عبد الملك . إن الواقع لا يسمح إلا بواحد من خيارين: التكاتف العربي والإسلامي والدولي لمواجهة هذا الإرهاب المتستر باسم الإسلام وهزيمته أو السماح بسيطرته وإعادة المنطقة لفكر وثقافة وتربية وسلوك أقذر ظلاما وممارسة مما كان سائدا في العصور الظلامية الوسطى.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com






354
هل أخطأ القرضاوي أم أصاب؟

د.أحمد أبو مطر

أود التوضيح في البداية أنني كمواطن عربي عادي لا أعترف في أعماقي المؤمنة بمسألة التقسيم الطائفي السائدة بين سنّة و شيعة، فأنا أقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وعصره الرشيد الحكيم، حيث كان في زمنه هناك إسلام ومسلمون فقط ، فلا وجود لطائفة سنّية أو  شيعية أو بهائية أو أحمدية أو حبشية أو إمامية أو زيدية، فهذه كلها تفريعات خلافية تطال الأصل الإسلامي أعقبت عهد الرسول ولعبت المصالح السياسية والفئوية دورا في اختلاقها وتغذيتها بمضامين فكرية ، وكلها تعتمد على الأصل وهو القرآن الكريم من خلال التفسيرات والتأويلات المختلفة، التي نتج عنها استحالة الاتفاق على تفسير موحد لأغلب آيات القرآن الكريم ليس بين السنّة والشيعة فقط ولكن بين علماء ومشايخ كل طائفة، لدرجة أن هناك مسائل حياتية يحرمها البعض ويحللها البعض الآخر اعتمادا على نفس الآية القرآنية. انطلاقا من ذلك فإن معالجتي لما أطلقه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، ينطلق من الخلفية السياسية وليست الطائفية التي لا أؤمن بها ولا أعيرها اهتماما في حياتي وسلوكي وكتاباتي، فليس من حق أحد تكفير الآخر اعتمادا على قوله تعالى ( لكم دينكم ولي دين ) ( إنّ الله يهدي من يشاء  ويضل من يشاء ) ( إنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) ، وبالتالي فالحكم على نيات وعقائد الشخص متروكة لله تعالى وحده.

البداية وتداعياتها

بدأ السجال الحالي بين فقهاء وعلماء وإعلام السنّة والشيعة بعد التصريحات التي أطلقها الشيخ يوسف القرضاوي يوم التاسع من سبتمبر لعام 2008  في جريدة " المصري اليوم"، وكان أبرز ما قاله فيها:

" أما الشيعة فهم مسلمون ، ولكنهم مبتدعون ، وخطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السنّي، وهم مهئيون لذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة على التبشير بالمذهب الشيعي في البلاد السنّية "

" خصوصا أن المجتمع السنّي ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو الشيعي، فنحن العلماء لم نحصّن السنّة ضد الغزو والمذهب الشيعي، لأننا دائما نعمل بالقول " ابعد عن الفتنة لنوحد المسلمين" وتركنا علماء السنّة خاوين".

" للأسف وجدت مؤخرا مصريين شيعة، فقد حاول الشيعة قبل ذلك عشرات السنين أن يكسبوا مصريا واحدا ولم ينجحوا من عهد صلاح الدين الأيوبي حتى عشرين عاما مضت ما كان يوجد شيعي واحد في مصر، الآن موجودون في الصحف وعلى الشاشات ويجهرون بتشيعهم وأفكارهم ".

من يجرؤ على الكلام الصريح؟

هل تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي هذه جديدة على ساحة الصراع المذهبي السنّي الشيعي ؟. الحقيقة التي تعيش وتتفاعل وتنمو في نفسية وعقلية جموع الطائفتين هي الشك وعدم الثقة وتكفير الآخر، ومن الصعب رصد كتب ومصادر كل طائفة التي تفنّد و تخطىء وتكفّر الآخر، مما يضع المسلم العادي في حيرة من أمر إسلامه إن كان مستقيما أم لا ، والأجنبي الذي يرصد هذا الصراع بين الطائفتين ، يعتقد عن يقين أنه لا يوجد هناك دين إسلامي واحد  فهناك إسلام الشيعة و إسلام السنّة ، فبأي إسلام يقتنع إن فكّر في اعتناق الإسلام؟. و طبيعة هذا الصراع أخذت الشكل الدموي منذ عصر الخلفاء الراشدين حيث سقط ألاف القتلى في العديد من المعارك ، كانت بدايتها في معركة الجمل التي حدثت عام 63 هجري في مدينة البصرة ، بين جيشي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و جيش الصحابيان طلحة بن عيد الله و الزبير بن العوام وأم المؤمنين زوجة الرسول عائشة. والسؤال الذي يفرض نفسه : ما هو مصير المتقاتلين بما فيهم أمراء المؤمنين والصحابة وزوجة الرسول على ضوء ما ورد في القرآن الكريم في الآية 93 من سورة النساء: ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما ). وأيضا على ضوء ما ورد في السنّة النبوية ، حيث رويّ عن أبي بكرة: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار، فقيل هذا القاتل فما بال المقتول، قال: قد أراد قتل صاحبه) متفق عليه. وعلى ذكر مصر ومحاولات نشر التشيع فيها ، فمن المعروف أن مصر الفاطمية كانت تدين بالمذهب الشيعي بشكل كامل حتى زمن صلاح الدين الأيوبي الذي يعتبره السنّة بطلا حرّر القدس، إلا أن الشيعة لا يعتبرونه كذلك لأنه هو من أسقط الدولة الفاطمية الشيعية وفرض المذهب السنّي في مصر حتى اليوم، ورغم ذلك ما زال حي الحسين والسيدة زينب من اشهر أحياء مصر القديمة  و
 لهما مكانة خاصة في الوجدان الشعبي المصري.

لذلك فهذا السجال الذي يقترب  من حد القتال ليس جديدا على المجتمعات الإسلامية ، رغم خفوته إلى حد الاختفاء في مراحل عديدة حيث تقوقع أصحاب كل مذهب في داخل بيتهم الطائفي ، وإن كان هناك تبشير في وسط معتنقي المذهب الآخر فكان يتم بشكل فردي لا يتبعه ضجيج أو إثارة تماما على شاكلة التبشير المسيحي في أوساط المسلمين أو التبشير الإسلامي في الدول الأوربية والأمريكية، حيث يدخل الإسلام ألاف من الأوربيين دون هذا السجال العنيف الذي يقترب من الحرب الدموية.

فلماذا هذه الضجة ألآن تحديدا ؟

أعتقد أن هذا العنف الطائفي بشكله الدموي خاصة في العراق لم يظهر إلا عقب قيام جمهورية الخميني ( الجمهورية الإسلامية في إيران )، ومن هذه التسمية يفهم أنها جمهورية إسلامية في إيران ألآن ولكنها تطمح للتمدد أينما استطاعت، فالخميني لم يطلق عليها (الجمهورية الإسلامية الإيرانية ) ولكن (....في إيران ) وقد أعقبها بنظريته ( تصدير الثورة) ، وهنا بدأت الشكوك والظنون التي ترقى لحد اليقين، فماذا يملك الخميني للتصدير سوى التبشير بالمذهب ، وقد عبّر عن ذلك امتداده اللبناني من خلال حزب الله حيث ورد في بيانه التأسيسي عام 1985 ما نصّه : ( إنّ هدف حزب الله هو إقامة جمهورية إسلامية في لبنان مرجعيتها الفقهية في قم بإيران ) ، وعاد وأكد ذلك السيد حسن نصر الله في خطابه في تموز 2008 عندما اعترف صراحة ( نعم نحن حزب ولاية الفقيه في لبنان ).  وصاحب ذلك ضخ مئات الملايين من الدولارات لتنفق في الضاحية الجنوبية من بيروت والقرى والمناطق الشيعية لتعمق الفرز الطائفي الذي لم يعرفه لبنان قبل ذلك مطلقا ، وقد أعقب ذلك تهميش القيادات الشيعية التي لم توافق على هذا التوجه الإيراني وعلى نظرية ولاية الفقيه المرفوضة من كثير من القيادات الشيعية العربية في لبنان والعراق . ويمكن أن يتساءل المراقب المحايد: من أين لحزب الله في لبنان هذه الملايين من الدولارات التي وزعها عقب حرب تموز 2006 على العائلات الشيعية فقط ، وبلغت حسب بيانات الحزب نفسه أربعة عشر ألف دولار لكل عائلة شيعية. أليس هذا التخصيص تعميق للفرز الطائفي في مجتمع كانت تتعايش فيه بسلام وطمأنينة عشرات الطوائف المسيحية والإسلامية والدرزية وغيرها؟. والدليل على رفض توجه حزب الله الإيراني هو التنظيمات الشيعية اللبنانية المعارضة له علنا وبشعبية واسعة مثل " التيار الشيعي الحر " الذي يرئسه الشيخ محمد الحاج حسن ، و "المجلس الإسلامي  العربي " برئاسة العلامة الشيخ محمد علي الحسيني .

تمدد طائفي أم توسع استعماري؟

لذلك أصاب الشيخ القرضاوي في توضيحاته التي قدمها في برنامج " القاهرة اليوم " بقناة أوربيت يوم السادس والعشرين من سبتمبر 2008 ، عندما ركّز على الهدف السياسي للنظام الإيراني المتخفي وراء دعوى التبشير بالمذهب الشيعي ، عندما قال: ( إنّ إصرار إيران على نشر المذهب الشيعي في دول عربية هو غزو سياسي وليس دينيا...إيران تحاول فرض نفوذها على من حولها ، ونحن نرفض التبعية لأي استعمار جديد إيراني أو غير إيراني ). هذا هو بيت القصيد الإيراني تجاه الجوار العربي ، فلا غيرة لدى هذا النظام على أي مذهب ديني ، والمذهب مجرد غطاء للإثارة والتهييج لمزيد من التوسع والهيمنة والنفوذ، بدليل استمرار احتلال الأحواز العربية منذ عام 1925 والجزر الإماراتية منذ عام 1971 والتهديد المستمر بإعادة احتلال البحرين .وقد كان ملفتا درجة الغطرسة والبذاءة التي دخلت من خلالها  وكالة الأنباء الإيرانية الجدل الدائر حول تصريحات ومواقف الشيخ القرضاوي، عندما انهالت بشتائمها القذرة ضده واصفة إياه بأنه " أداة للماسونية والصهيونية ".

ما الحل يا عقلاء الأمة ؟

الحل المنطقي الذي يحفظ مصالح الجميع هو أن يكف النظام الإيراني عن محاولات التمدد والتوسع في جواره العربي تحت غطاء المذهب ، والتهديد المستمر بحرق وتدمير دول الخليج العربي إن تعرض لعدوان خارجي ، و التوقف عن زرع العملاء من أفراد ومنظمات من خلال دولاراته الخضراء ، ليكسب المزيد من الدعاية الخطابية العاطفية التي لا تغني ولا تسمن سوى أولئك العملاء الظاهرين وفي الخلايا النائمة. وأيضا توقف شيوخ وفقهاء كل المذاهب عن الطعن في مذاهب الآخرين ، ويتركوا الأمر لقناعة الفرد فمن أراد أن يتحول سنّيا أو شيعيا فهذا عائد لقناعاته الشخصية خاصة أن الأمر متروك لله تعالى للحكم على صحة إيمان كل شخص ، فمن هو المسلم والمؤمن الحقيقي على ضوء حديث الرسول الكريم " تتفرق أمتي إلى سبعين فرقة كلها في النار إلا الفرقة الناجية " ، واليوم أصحاب كل مذهب يعتقدون ويتصرفون على أنهم ( الفرقة الناجية )....والله أعلم.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com
 










355
أيهما أخطر: زيارة إسرائيل أم العمالة لإيران؟

د.أحمد أبو مطر

الزيارة التي قام بها النائب العراقي مثال الألوسي إلى دولة إسرائيل قبل أيام قليلة هي الزيارة الثانية له ، حيث تمت الأولى في منتصف سبتمبر من عام 2004 عندما كان عضوا في المؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه أحمد الجلبي، وقام بطرده من الحزب إثر تلك الزيارة،فأعلن في أكتوبر من العام ذاته تأسيس " حزب الأمة العراقية الديمقراطي " ، الذي فاز ألألوسي باسم الحزب في الانتخابات العراقية الأخيرة. وقد دفع الألوسي ثمن زيارته الأولى لإسرائيل اغتيال ولديه وأحد حراسه الشخصيين في الثامن من فبراير 2005 ، وكان واحدا من ولديه أبا لثلاثة أطفال وحارسه أبا لأربعة أطفال. وألألوسي ليس غريبا على الساحة السياسية العراقية، فقد كان مساعدا لأحمد الجلبي ونائبا لرئيس هيئة اجتثاث البعث من قبل مجلس الحكم السابق الذي شكله طيب الذكرالرفيق المناضل بول بريمر. وتم تداول معلومات إثر إقالته من المؤتمر الوطني العراقي أن زيارته إلى إسرائيل تمت بعلم أحمد الجلبي وموافقته، ولكن بعد الرفض الذي قوبلت به الزيارة في الأوساط العراقية، ضحى به أحمد الجلبي الذي قوبلت تصرفاته وارتباطاته برفض أشد ، مما جعله يختفي تدريجيا من الواجهة السياسية العراقية، خاصة بعد ترويج معلومات عن زياراته السرّية لإيران وتسريبه معلومات ووثائق لنظامها. وتكشف لاحقا أن وزير الثقافة العراقي السابق أسعد الهاشمي هو من خطط وحرّض وموّل وأشرف على اغتيال ولدي ألألوسي عندما كان خطيبا بأحد مساجد غرب بغداد ، كما ورد في اعترافات إرهابيين تمّ إلقاء القبض عليهم، لذلك حكمت محكمة عراقية في الثالث والعشرين من أغسطس 2008 حكما غيابيا بالشنق بحق وزير الثقافة العراقي بتهمة قتل نجلي مثال الألوسي ، وقبل ذلك في الثامن من تموز 2008 تمّ تفجير منزل الألوسي استمرارا للجرائم الإرهابية ضده، ورغم ذلك قام بزيارته الثانية إلى إسرائيل التي أدت إلى رفع الحصانة البرلمانية عنه. وفي هذه الحوادث تبدو همجية المشهد العراقي فوزير ثقافة يخطط للقتل ويموله، وهذا يعني أن هكذا وزير ليس إلا مجرما وقاتلا، والمسخرة الحقيقية أنه كان إمام مسجد فهل نستطيع أن نتخيل أية إرشادات إيمانية كان يقدمها للمصلين خلفه؟؟.

هوسة إيرانية بأصوات عراقية

ولاحقا في السابع عشر من سبتمبر 2008 ، قرّر البرلمان العراقي في جلسة صاخبة و اشتباكات يدوية شوارعية لا تحدث حتى في ( باب الحارة ) رفع الحصانة البرلمانية عن النائب ألألوسي ومنعه من السفر وتكليف المستشار القانوني للمجلس بالمتابعة مع المحكمة الاتحادية في شأن الموقف القانوني من ألألوسي وزيارته.  وقد تبارى العديد من النواب في تلك الجلسة لإثبات قدراتهم الوحيدة في الشتم والردح التي دللت على أنه لو كان لدى بعض هؤلاء النواب أسلحة رشاشة لما ترددوا في استعمالها داخل أروقة المجلس. غالبية النواب خاصة من الائتلاف الشيعي أبدعوا بجدارة يحسدون عليها في رفض الزيارة وتخوين الألوسي حرصا منهم على سمعة العراق ومستقبله كما ادّعوا في خطاباتهم النارية ، لكن النائب الألوسي وضع يده  على سبب غيرة هؤلاء النواب وإبداعاتهم الخطابية، عندما ردّ عليهم قائلا : " لقد زرت إسرائيل سابقا لكن بيوت النواب من مختلف الكتل من الإئتلاف الشيعي والتحالف الكردستاني احتضنتني باعتباري وطنيا مخلصا، ولم يتخذوا أي إجراء ضدي، ولكنني لأنني تعرضت لإيران هذه المرة فقد ثار النواب وهاجموني وطالبوا بمعاقبتي ". واتهم ألألوسي " الطابور الخامس الإيراني في مجلس النواب بالعمالة لإيران وتدمير العراق تنفيذا للمخططات الإيرانية المعادية للشعب العراقي " ، وألمح إلى أن العديد من زعماء الأحزاب الدينية المعممين زاروا إيران سرّأ " .  والملاحظ أن العديد من النواب أدانوا الزيارة بحجة أنها لدولة إسرائيل التي تضطهد الشعب الفلسطيني، بما فيهم النائب بهاء الأعرجي عن التيار الصدري، متناسيا أن عصابات المهدي التابعة للتيار الصدري هي التي ارتكبت غالبية جرائم القتل والاغتصاب ضد الفلسطينيين في العراق، مما أدّى لهروبهم إلى البرازيل التي كانت أرحم عليهم ومعهم من تلك العصابات التي تأتمر بأمر ولي الفقيه الإيراني أكثر من رغبات الشعب العراقي ، ومتناسيا أن إسرائيل هي التي أمدّت ولي نعمتهم الخميني بالسلاح أثناء الحرب العراقية الإيرانية . آنذاك كانت إسرائيل دولة صديقة لهم يدعون لها بطول العمر، أما ألآن فهي دولة معادية لأن الألوسي انتقد من خلال المؤتمر الذي شارك فيه نظامهم الإيراني ، وقال عنه: " إن إيران هي مركز المصائب في المنطقة وغالبية الشعب العراقي لا تؤيد النظام الإيراني، وانه ينبغي التعاون مع إسرائيل من أجل إنتاج سلاح استخباراتي سوية مع تركيا والولايات المتحدة والكويت من أجل ضمان انتقال معلومات إستخباراتية جيدة ومواجهة الإرهاب الشرق الأوسطي معا ".

قرار متسرع و خاطىء

لذلك كان صوت النائب عبد الباري زيباري عن التحالف الكردستاني هو الصوت المنطقي،  إذ  وصف قرار مجلس النواب العراقي في جلسته الإيرانية تلك بأنه " متسرع وخاطىء...فالقرار غامض لا يستند إلى أية أسس دستورية أو قانونية، حيث تمّ رفع الحصانة من دون وجود طلب قضائي كما نصّ عليه الدستور العراقي...إن البرلمان العراقي لم يشكل أية لجنة تحقيق في قضية زيارة ألألوسي إلى إسرائيل لكشف أسباب الزيارة وما جرى خلالها قبل قراره رفع الحصانة عن الألوسي مباشرة. إنّ الألوسي فقد ولديه على يد الجماعات الإرهابية من أجل إسكات صوته كسياسي عراقي ناضج، ولهذا كان الأجدر بمجلس النواب معاملته معاملة ذوي الشهداء، وأن يعطيه بعض الوقت لشرح أسباب زيارته لإسرائيل قبل رفع الحصانة عنه ".

أيهم أخطر: الزيارة أم العمالة؟

كانت زيارة مثال الألوسي لدولة إسرائيل للمشاركة في المؤتمر العالمي الثامن لمكافحة الإرهاب الذي ينظمه معهد السياسات ضد الإرهاب التابع لأكاديمية هرتسليا الإسرائيلية، وشارك في المؤتمر شخصيات عربية وإسلامية مما يزيد عن عشرة دول، ولم تحصل هذه الهوسة ضد أي مشارك إلا في مجلس النواب الإيراني ( أقصد العراقي )، وإذا كان السبب الحقيقي لتلك الهوسة هو مجرد الزيارة و التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني ، فهذا يجافي الحقيقة رغم وروده على لسان أغلب النواب الإيرانيين ( أقصد العراقيين ) الذين شاركوا في تلك الهوسة اللطمية وذلك لأسباب عدة منها :

أولا:  إن الزيارة لم تلحق أي أذى أو ضررا بالعراق وشعبه ، فهي زيارة للمشاركة في مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب والعراق من أكثر الدول التي تتعرض للإرهاب.

ثانيا: إن الدستور والقانون العراقي لا يمنع زيارة دولة إسرائيل بأي شكل من الأشكال، والجواز العراقي ينص على أنه صالح ( لكافة دول العالم ) أي بما فيها إسرائيل.

ثالثا: إنّ إسرائيل لا تهدد العراق ولا تعلن عن أية أطماع توسعية لها في أية دولة عربية، بدليل تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت في جلسة حكومتة العادية يوم الرابع عشر من سبتمبر 2008 التي ناقشت مشروع قانون يقضي بدفع تعويضات سخية للمستوطنين المستعدين للانسحاب من الضفة الغربية، إذ قال صراحة في تلك الجلسة : ( منذ أربعين سنة ونحن نبتدع الحجج والذرائع لتبرير سياستنا في التقاعس عن القيام بأية خطوة للسلام مع الفلسطينيين على أساس دولتين لشعبين....رفضنا رؤية الواقع. رفضنا قراءة الخريطة التي تقول لنا بوضوح أنّ الزمن لا يعمل لصالحنا. كنّا نرى أننا أصحاب حق، وأنا شخصيا كنت من المخطئين، وأنا أيضا كنت أعتقد أنّ الأرض الواقعة ما بين البحر والنهر هي ملك لنا وحدنا، ولكن في نهاية المطاف وبعد الكثير من العناء والتردد، توصلت إلى القناعة بأن علينا أن نقتسم الأرض مع من فيها ). وبهذا يكون أولمرت قد أعلن صراحة انتهاء حلم إسرائيل الكبرى لليهود. و من قبل أولمرت عندما انسحب شارون من جنوب لبنان ومن قطاع غزة، كان هذا الانسحاب إعلانا بوفاة حلم إسرائيل الكبرى. ومن قبل شارون أعلن اليميني المتشدد ميناحيم بيجن وفاة ذلك الحلم عندما انسحب نهائيا من كافة ألأراضي المصرية المحتلة عقب توقيع معاهدة السلام والصلح مع مصر في كامب ديفيد عام 1979 .

هذه إسرائيل بينما إيران الملالي

ما زالت تحتل ألأحواز العربية منذ عام 1925 ، والجزر الإماراتية منذ عام 1971 ، وتهدد بإعادة احتلال مملكة البحرين ، ووقف الملاحة وتدمير دول الخليج العربي إن تعرضت لأي عدوان، ورغم ذلك يتبارى نواب عراقيون في العمالة لهذا النظام علنا ، ويدافعون عنه أكثر مما يدافعون عن العراق ، ويسهلون التمدد والتوغل الإيراني فيه، فإذا هم فرس أكثر من الفرس أنفسهم ، وهذه طامة كبرى لم يشهدها العراق في أية حقبة من تاريخه. وهنا يأتي السؤال المقصود في هذه المقالة: أيهم أخطر زيارة الألوسي لدولة إسرائيل أم العمالة لنظام الملالي الإيرانيين؟. الأخطر هو تلك العمالة التي تعمل لحساب من يهدد بالاحتلال والتوسع وتخريب العراق بكل الوسائل. ومن المهم قول الحقيقة الصارخة أن العديد من النواب والساسة العراقيين يأتمرون بأمر ولي الفقيه الإيراني ، وسيرقصون فرحا بدلا من اللطم إن وصل ذلك الفقيه حاكما للعراق.

وهل هناك غطرسة أكثر

من أن هذا النظام ألاحتلالي التوسعي الإيراني يستغل كل مناسبة لإثبات نواياه في السيطرة والاحتلال لجواره العربي، وتنصيب نفسه وصيا على الشعوب والحكومات العربية كافة، فمن يصدق أن خارجية الملالي الإيرانية  رفضت واحتجت على فكرة الجامعة العربية إرسال قوات عربية لقطاع غزة. من يصدق ذلك؟ إن هؤلاء الملالي الشياطين يعتقدون أن قطاع غزة محافظة فارسية يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من شؤونها . وبالتالي فهذا النظام أخطر بكثير على كافة الأقطار العربية من دولة إسرائيل خاصة في ظل انتشار عملائه في العديد من الأقطار العربية خاصة في العراق.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com






356
منتقدو سياسة ملالي إيران العرب يتزايدون بسرعة ضوئية

د.أحمد أبو مطر

ظاهرة ملفتة للنظر في أوساط السياسيين ورجال الدين والكتاب والصحفيين العرب، وهي ظاهرة تزايد عدد الذين اتضحت أمامهم سياسة ملالي إيران  القمعية الاستبدادية ضد الشعب الإبراني والعنصرية التوسعية ضد الجوار العربي،  خاصة أن هذه السياسة يزداد منتقدوها في داخل إيران بسبب الغوغائية التي أصبحت سمة هذا النظام منذ تولى رئاسة الوزراء صاحب أعلى جعجعة وتطبيل في تاريخ إيران المدعو أحمدي نجاد خريج الحرس الثوري ألإيراني. ومن أهم ألانتقادات  التي وجهت لغوغائيته هذه هو ما صرّخ به قبل أيام قليلة حسن روحاني المستشار الأمني للمرشد ألأعلى ألإيراني علي خامئني، وهي من أقسى وأفصح الانتقادات حيث اتهمه بأنه ضيّع الفرص الذهبية لتنمية الدولة الإيرانية وتسويد وتشويه سمعتها، حيث قال: " إن التصريحات بدون تفكير وغير المدروسة التي تقال بدون حساب، والشعارات كلفت الأمة والبلد ثمنا كبيرا...إنّ سياسات نجاد لم تساعد على تحسين الأوضاع الداخلية الإيرانية...لماذا جيوب الناس خاوية وكرامتهم ضائعة؟ ". و كرامة المواطن الإيراني الضائعة هذه تعبر عنها أحكام الإعدام شنقا ورميا بالحجارة التي تكاد تكون يومية في المدن الإيرانية، والمعتقلين من السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان وحرية الرأي التي جعلت سجل الملالي في هذا الميدان من أوسخ وأقذر السجلات في العالم، ولأنه نظام يخاف من الحقيقة والنقد فهو يمارس أبشع الجرائم بحق القوميات والطوائف الأخرى خاصة عرب الأحواز المحتلة .

المؤتمر العربي الإسلامي في باريس

وقد عبّر هذا المؤتمر الذي عقد في باريس يوم السبت الموافق السادس من سبتمبر الحالي بدعوة من المقاومة الإيرانية " منظمة مجاهدي خلق " عن تنامي الوعي العربي والإسلامي بخطر هذا النظام، من خلال الشخصيات العربية والإسلامية التي شاركت في هذا المؤتمر، والحشد الهائل من الحضور من مختلف الجنسيات، مما يعني أن جعجعة هذا النظام وأكاذيبه من خلال استغلاله القضية الفلسطينية، ما عادت تنطلي على الواعين من أبناء الأمتين العربية والإسلامية، رغم ترويج حزب الله في إمارة الضاحية الجنوبية في لبنان وحماس في إمارة غزة لأكاذيب هذا النظام.ويكفي أن نذكر أنه من فلسطين حضر هذا المؤتمر الشيخ تيسير التميمي  قاضي القضاة في فلسطين ، الذي أعرب عن تضامنه مع المقاومة الإيرانية لتغيير هذا النظام المخادع الكاذب الذي ما زال يحتل أراض عربية ويهدد بالتوسع في جواره العربي. ويكفي قراءة أسماء الشخصيات التي حضرت هذا المؤتمر لمعرفة حجم تنامي الوعي بخطر هذا النظام ، إذ كان من الحضور بالإضافة إلى السيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة من المقاومة الإيرانية:


1 – السيد جان فرانسوا لوجاره  رئيس بلدية المنطقه الاولي في باريس
2 – العلامة السيد اياد جمال الدين مساعد لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب العراقي
3 – السيد عزام الاحمد نائب رئيس الوزراء في الحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية - رئيس كتلة فتح في مجلس التشريعي الفلسطيني
4 – الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين- رئيس المجلس الاعلى الشرعي
5 – السيده ناريمان الروسان النائبة في البرلمان الاردني- مساعد رئيس البرلمان
6 – السيده انيسه بومدين الباحثة الاسلامية و السيده الاولي في الجزائر في عهد رئاسة الراحل هواري بومدين
7 – السيد غالب بن شيخ الباحث الاسلامي و مدير برنامج الاسلام في تلفيزيون الفرنسي - القناة الثانية.
8 – السيد خالد عيسي طه المحامي العراقي  و رئيس منظمة محامين بلا حدود .
9 – السيد مولود آئونيت رئيس حركة الصداقة بين الشعوب ( مراب)
10 – السيد سعيد سعيد رئيس جمهورية جزر القمر الاسبق.
12 – السيدة أمينه ودود استاذة الجامعة و الباحثة الاسلامية من الولايات  المتحدة الاميريكية.
13 – السيدة رحيل رضي الباحثة الاسلامية و الكاتبة من باكستان .
14 – السيدة كارول فونتان الاستاذه في العلوم الدينية في معهد نيوتن بمدينة بوستون الاميريكية.
15 – السيدة أمينيه مك كلاد الاستاذة في الدراسات الاسلامية بجامعة شيكاغو الاميريكية.
16 – الاستاذ جلال كنجئي رئيس لجنة المذاهب و الاديان في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية
 

              ومن لبنان السيد محمد الحاج حسن رئيس التيار الشيعي الحر الذي وصف أمام المعتصمين في جينيف تضامنا مع سكان مدينة أشرف، النظام الإيراني بقيادة خامنئي واحمدي نجاد بأنه " سرطان في جسد المجتمع الدولي ". و طالب الحكومة اللبنانية وبقية الحكومات العربية بأن يطردوا سفراء النظام من دولهم وأن يقطعوا العلاقات مع هذا النظام ، وتابع قائلا : " باسمي وباسم لبنان الصامد الذي تعرض للتمزيق من قبل الملالي الهمجيين في إيران أحييكم وأثمن تضحياتكم. إنني وبعد مشاهدة آلامكم ومعاناتكم عرفت طبيعة النظام الإيراني أكثر من ذي قبل وأدعو جميع أبناء الشيعة إلى نبذ ألأفكار الشيطانية الخمينية " .وبخصوص مدينة أشرف قال السيد محمد الحاج حسن:" اشرف هي مدينة السلام. إننا نقول من أمام مكتب الامم المتحدة مادامت القوات الأمريكية متواجدة في العراق فان حماية أشرف تقع على عاتقهم ".
 
  وقد كان القاسم المشترك في كلمات ومداخلات المشاركين هو إدانة السياسات القمعية للنظام الإيراني، وأعماله التخريبية في العراق ولبنان وفلسطين من خلال عملائه المحليين في تلك الدول، وكذلك محاولاته التخريبية في دول مجاورة مثل أذربيجان وغيرها، حيث يسعى لتنظيم انقلابات توصل عملائه للحكم. وسياسة النظام الإيراني مستمرة في تنظيم عملاء جدد له في مختلف دول الجوار العربي، و آخرها ما تمّ في دولة الكويت قبل أيام قليلة ، كما كشفت جريدة الشرق الأوسط اللندنية يوم الحادي عشر من سبتمبر الحالي، حيث  " جددت النيابة العامة الكويتية حبس المتهمين على ذمة قضية التعاون مع دول مجاورة، والمتهم فيها مقدم في جهاز أمن الدولة وعسكري سابق في الاستخبارات العسكرية في الجيش ورجل أعمال عراقي.وكانت مهمتهم تسهيل دخول عناصر ممنوعة من دخول الكويت أو الخروج منها مقابل مبالغ مالية، وكذلك رفع القيود الأمنية للراغبين في الحصول على الجنسية الكويتية. وقد أسهم جهاز الاستخبارات البريطاني في كشف القضية عندما قام باستدراج  الضابط عن طريق مقيم عربي عليه قيد أمني يمنعه من دخول الكويت، قام بتسليم الضابط مبلغ 30 ألف دولار نظير تسهيل دخوله وخروجه من البلاد، وتكشف أن ممن يقوم بتسهيل حركة دخولهم وخروجهم عناصر من الاستخبارات الإيرانية.

و بنوك الملالي للتخريب أيضا

وكما كشفت صحيفة «الغد» الاردنية فأن ثلاثة بنوك ايرانية وهي صادرات وملي وسبه تعمل على نهب الاموال وثروات الشعب العراقي. وتقول الصحيفة إن هذه المصارف لها فروع في كل من بغداد والبصرة والنجف تحاول اجتذاب أموال المستثمرين العراقيين ومصادرة أموالهم من خلال إقامة مشاريع استثمارية وهمية في إيران. وأضافت «الغد» أن مصارف النظام الإيراني وبسبب عدم وجود رقابة في هذا البلد بصدد توسيع نشاطاتها المالية في العراق لكي تجتذب المستثمرين العراقيين. ونقلت عن بعض الخبراء الاقتصاديين تحذيرهم للمستثمرين العراقيين من المشاركة في الاستثمار في مصارف النظام الإيراني .


قرارات تدين تطرف وإرهاب الملالي

وحيث أن القاسم المشترك في كلمات ومداخلات كافة المشاركين، كانت ضد التطرف والإرهاب الذي يرتكبه نظام الملالي باسم الإسلام، فقد أجمعت قرارات وتوصيات المؤتمر على:

1 . إدانة تدخل الحكومة الإيرانية الواسع في البلدان الإسلامية بهدف الاستيلاء عليها، خاصة سياسة إثارة الحروب ورعاية الإرهاب في كل من العراق ولبنان وفلسطين مطالبين دول العالم بالتصدي لهذا التدخل.

2 . إدانة الجرائم التي يقترفها النظام الإيراني ضد أبناء الشعب الإيراني والعقوبات اللا إنسانية التي يرتكبها والأعمال الإجرامية له ولإذنابه في العديد من الدول باسم ألإسلام.

3 . رفض سياسة التمييز بين أتباع مختلف الديانات والمذاهب، خلافا للقرآن الكريم وسنة الرسول التي ترفض الإكراه و الإجبار في الدين، خاصة أنّ الإسلام يدافع عن حرية الأديان.

4 .تأييد مجاهدي خلق في مدينة أشرف ضد مخططات حكام إيران يعدّ واجبا إنسانيا وإسلاميا، ودعوة جميع الدول العربية والإسلامية إلى دعمهم، ومطالبة القوات متعدة الجنسيات في العراق للتصدي لمخططات النظام الإيراني ومواصلة حماية السكان كلاجئين سياسيين تشملهم معاهدة جينيف الرابعة لعام 1949 .

وهل يعرف نظام الملالي أية واجبات إنسانية؟

هذا النظام الذي يتبنى نظرية ولي الفقيه المرفوضة من غالبية المسلمين السنّة والشيعة، لا يقيم اعتبارا لأية واجبات أو حقوق إنسانية، فولي الفقيه خامئني وعصاباته لا تعرف سوى منطق التخريب والتهديد وإراقة الدماء والجلد والرمي بالحجارة، فهل يقوم سوى ولي الشيطان على قصف مدينة أشرف بالصواريخ، وتخريب محطات المياه والكهرباء فيها؟. وهل يقدم غير ولي الشيطان على اتهام الأردن بدعم الإرهاب لأن وفدا أردنيا من شخصيات برلمانية وصحفية شارك في هذا المؤتمر، رافضا أن يسمع توضيحات وزير الخارجية الأردني حول أن هذه الشخصيات شاركت باسمها الشخصي ولا دخل للحكومة الأردنية بمواقفها، لأن الأردن كعادته لا يقيم أية علاقات سوى مع الحكومات الرسمية، وأن الدستور الأردني يكفل حرية التعبير والتنقل للمواطن الأردني. وتكرار احتجاجات الملالي دليل على رغبتهم أن يكون الجميع أفرادا وحكومات نسخا شيطانية من نظامهم وأفكارهم وممارساتهم. وهذه هي المرة الثانية التي يغضب نظام ولي الفقيه من مشاركة شخصيات أردنية في هكذا تجمعات ومؤتمرات، وقد استغربت أن هذا النظام لم يقدم احتجاجا لحكومة مملكتي النرويجية بسبب مشاركتي في المؤتمر، وأنا مواطن نرويجي أحمل الجنسية النرويجية التي أفتخر بها وأدافع عنها في وجه أي ولي للفقيه أو للشيطان، خاصة عندما رفضت قبل أسابيع إغراءات رشاوي عملاء النظام من عناصر هابيليان، احتراما لهذه الجنسية التي توفر لي حكومتها العيش المستقر الأمين مما يجعلني صلبا أمام إغراءات الهابليانييين.

إن نظام الملالي نظام تخريبي عنصري طائفي ، يزداد كل يوم العرب والمسلمون الذين يكتشفون خطورته التدميرية، مما يجعل اقتلاعه مهمة عربية إسلامية دولية إنسانية...وليت عملاء هذا النظام يسألون أنفسهم: هل كل هذه الشخصيات العربية والإسلامية التي شاركت في هذا المؤتر على خطأ وهم فقط على صواب صراط ولي الفقيه؟؟. هل الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين على خطأ؟ وهل السيد إياد جمال الدين الداعية الشيعي الرافض لكل سياسات ولي الفقيه على خطأ؟ وهل السيد محمد الحاج حسن رئيس التيار الشيعي الحر في لبنان على خطأ وهو يصف نظام الملالي أنه " سرطان في جسد المجتمع الدولي ". نعم إنه سرطان يجب اقتلاعه بكافة أنواع العلاج بما فيها المضادات الكيماوية قبل أن ينتشر في جسد المجتمع الدولي ويصبح اقتلاعه صعبا.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


357
نوايا إيران : توسع واحتلال في الجوار العربي


د.أحمد أبو مطر

أكثر من مرة تساءلت: هل يمكن الاطمئنان للسياسة الإيرانية تجاه جيرانها العرب القريبين والبعيدين؟. تؤكد السياسة والممارسات الإيرانية يوميا أنها سياسة مخطط لها ، تقوم على عدم احترام أي حقوق للجوار العربي القريب والبعيد، فهي سياسة تعتمد أسلوب الغطرسة التي تبيّت استمرار تحدي كل ما هو عربي لا يدور في فلكها أو يكون عميلا محليا لها، والكارثة أن هؤلاء العملاء المحليين موجودون في العديد من العواصم العربية سواء لمصالح ونزعات طائفية أو لمنافع شخصية وتنظيمية.

تكريس احتلال الجزر الإماراتية

الجديد في هذه الممارسات محاولات نظام الملالي تكريس احتلاله للجزر الإماراتية المستمر منذ عام 1971 ،وذلك من خلال رفضه لكافة المحاولات السلمية لإنهاء احتلاله  بما فيها إحالة القضية لمحكمة العدل الدولية ، وقيامه في الأسابيع القليلة الماضية بتكريس هذا الاحتلال من خلال إقامته لمكاتب وإدارات عسكرية في جزيرة أبو موسى بحكم أهمية موقعها الاستراتيجي الذي يتحكم في مرور ناقلات النفط واحتياطها النفطي . رغم أن قضية هذا الاحتلال واضحة للجميع، فقد تم احتلال الجزر الإماراتية الثلاث في عام 1971 في زمن الشاه محمد رضا بهلوي  بعد رحيل القوات البريطانية عن الخليج العربي ، أي أن الشاه لم يكن يقوى ويتجرأ الإستقواء على جيرانه العرب واحتلال أراضيهم في وجود القوات البريطانية ، ومن بعده بثمان سنوات استمر الملالي الذين يدّعون الحكم باسم الإسلام في هذا الاحتلال، وكأن الإسلام يسمح باعتداء المسلم على أرض وعرض مسلم آخر، وكون هؤلاء الملالي مستمرين في احتلالهم بعد 30 عاما من استيلائهم على الحكم  في إيران، فهذا يعني أن مفهومهم للإسلام يسمح باحتلال أراض المسلمين ، وهذا يعطي إشارة واضحة لميولهم التوسعية الاحتلالية، فما انفكوا يهددون بإعادة احتلال البحرين التي يكرر أكثر من مسؤول إيراني أنها محافظة إيرانية.

مظاهر احتلالية  متنوعة

ويحاول نظام الملالي نقل عدواه الاحتلالية للشعب الإيراني ، فقد سيّر في أبريل الماضي مظاهرة أمام السفارة الإماراتية في طهران تشجب تسمية ( الخليج العربي ) ، وتطالب العرب أنفسهم أن يطلقوا عليه " الخليج الفارسي " ، لذلك اختلقوا يوما في إيران اسمه "اليوم الوطني للخليج الفارسي " أي ليس في إيران فقط بل في كافة الدول العربية المحيطة بالخليج. وفي تلك المظاهرة رفعوا لافتات منها: " الخليج الفارسي دائما" و " أبناء إيران يتطلعون صوب البحرين ". وفي عام 2004 منعت سلطات الملالي  دخول عدد من مجلة ناشيونال جيوجرافيك لأنه تضمن خريطة ذكرت اسم الخليج ب " الخليج العربي " ، ويرفض الملالي ذكره باسم " الخليج " فقط ، ويصرّون على وصفه ب " الفارسي "، رغم أن المنطق يرفض هذه التسمية لأن عدة دول عربية تقع على واحد من شواطئه، لكن السياسة والغطرسة الاحتلالية الإيرانية ترفض إلا وأن تعبر عن نفسها علانية بهذه الممارسات الاستفزازية.

ردود خليجية عربية رافضة ومستنكرة

إزاء هذه الغطرسة المتصاعدة، كانت ردود الفعل العربية الخليجية للمرة الأولى بهذا الوضوح:

عبد الرحمن العطية

أمين عام مجلس التعاون الخليجي العربي ، أعرب "  عن إدانته الشديدة لما قامت به إيران من افتتاح مكتبين إداريين في جزيرة أبو موسى التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة والمحتلة من قبل إيران " . و أكّد " أن هذا الإجراء من قبل السلطات الإيرانية يعد انتهاكا صارخا وعملا غير مشروع على جزء لا يتجزأ من دولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها دولة مستقلة ينبغي احترام سلامتها الإقليمية ووحدة أراضيها ". وكان العطية قد صرّح لجريدة الشرق الأوسط اللندنية قائلا : " لا يجوز في الحقيقة أن تحتل دول أراضي الغير كما هو معروف في حالة النزاع القائم بين الجانب العربي والإسرائيلي ". وهو ما أكدّه مسؤول إماراتي في شهر مايو الماضي عندما قال : " يبدو أن الجانب الإيراني لا يريد أن يفهم . ليس هناك سوء تفاهم مع إيران وإنما احتلال حقيقي . ليست هناك أرض محتلة أكثر قدسية من أرض محتلة أخرى. إن الاحتلال هو احتلال سواء كان من قبل إسرائيل أو إيران أو أية دولة أخرى ".

إيران تهاجم وتستنكر

وردا على هذه المواقف الملتزمة بالحقوق العربية الرافضة لاستمرار الاحتلال الإيراني ، شنّ رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني كاظم جلال، هجوما على بيان وموقف الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي العربي ، معتبرا أن تصريحات العطية تحاول"إثارة الشقاق والخلاف في العالم الإسلامي وتحريف الرأي العام عن القضايا الرئيسية التي تواجه المنطقة ". وفي الوقت نفسه أكّد الناطق باسم الخارجية الإيرانية حسن قشقاوي "أن جزيرة أبو موسى المتنازع عليها مع دولة الإمارات العربية إيرانية". وهذا لا يمكن فهمه إلا ضمن أسلوب الغطرسة والتغابي لنظام الملالي ، فما هي القضايا الرئيسية التي تواجه المنطقة أكثر أهمية من احتلا ل أراضي الغير؟. هذا النظام التوسعي الاحتلالي يعتبر أن قضاياه هي الرئيسية فقط ، وعلى الجوار العربي أن يكون تابعا ذليلا له ويسكت حتى على احتلال أراضية ، بدليل أن هذا النظام احتج قبل شهور قليلة على تأكيد الحكومة العراقية المطلق على سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث، ورفض كافة الإجراءات الرامية إلى تكريس احتلالها من قبل إيران . واستدعت الخارجية الإيرانية آنذاك السفير العراقي وسلمته مذكرة احتجاج طالبة من الحكومة العراقية تصحيح موقفها، أي الإعلان عن إيرانية الجزر الثلاث كما يريد ويهوى نظام الملالي ، وتكرر نفس المشهد الاستفزازي عقب انتهاء القمة العربية في دمشق في نهاية شهر مارس الماضي، عندما أعلن وزير الخارجية الإيراني علنا في مؤتمر صحفي في دمشق عاصمة القمة العربية ، رفضه لما ورد في بيان القمة حول ضرورة إنهاء النزاع على الجزر الإماراتية بالطرق السلمية ، معتبرا أن الجزر إيرانية..إيرانية.

إيران و إسرائيل وجهان لعملة واحدة

هذا ما صرّح به عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور محمد آل زلفة "  منتقدا ممارسات إيران ضد جيرانها العرب من خلال احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث  طنب الصغرى و طنب الكبرى وأبو موسى  ورفضها للتفاهم مع الدولة الخليجية ، أو عرض القضية على التحكيم الدولي كما طالبت الإمارات". وأوضح " أنّ إيران تمارس نفس الدور الذي تمارسه إسرائيل ، وهي دولة جارة لا تحترم شروط الجوار وما للجار من حقوق ". مستغربا "مواقف بعض الدول والأنظمة العربية الذين يرون في إيران المحرر الوهمي للأراضي العربية المحتلة في فلسطين ، بينما يتغاضون عن الدور الذي تمارسه إيران في احتلال أرض عربية وهو مشابه للدور الإسرائيلي ".

من أخطر : إيران أم إسرائيل؟

في الوقائع الميدانية المتداولة فإن إسرائيل تحتل فلسطين ، ولكنها تدير مفاوضات مع السلطة الفلسطينية من أجل الانسحاب ضمن حدود عام 1967 التي حددها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 حدودا للدولة الفلسطينية المستقلة، ورغم تعثر المفاوضات وعدم تحقيقها خطوة ميدانية على طريق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي كان يجب أن تعلن عام 2005 حسب اتفاقية أوسلو، إلا أنه في الواقع يحكم الفلسطينيون كل قطاع غزة وغالبية الضفة الغربية، رغم الحواجز والمداهمات والاعتقالات اليومية والمستوطنات العديدة، وما زالت إسرائيل تقرّ بقيام دولة فلسطينية حسب شروطها المرفوضة فلسطينيا. إلا أنه في الواقع الإيراني المفروض بالقوة ، فالأحواز العربية محتلة من عام 1925 وترفض إيران الحد الأدنى من حقوق شعبها العربي، وتمارس بحقهم تطهيرا عرقيا لو مارسته إسرائيل ضد الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم عام 1948  لما تكاثروا من 200 ألف عام 1948 إلى  أكثر من مليون وربع  عام 2008 ، و أيضا تستمر إيران في احتلال الجزر الإماراتية من عام 1971  رافضة أية مباحثات أو تحكيم دولي حولها وتستمر في التهديد بإعادة احتلال البحرين .

 بينما في الوقت ذاته انسحبت إسرائيل عام 1979 من  كامل الأراضي المصرية المحتلة، ومنذ شهور تجري مباحثات علنية مع سوريا بهدف سوري صارم وهو الانسحاب من الجولان السوري المحتل عام 1967 . ولا تهدد إسرائيل أية دولة عربية بالاحتلال رغم أنها القوة العسكرية الضاربة في المنطقة. بينما  يستمر التهديد الإيراني  بإسقاط كافة دول وأنظمة الخليج العربي ، كما جاء في تصريحات مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الأبحاث منوجهر محمدي  في ألأسبوع الأول من أغسطس الحالي التي قال فيها حرفيا: " إن الشرق الأوسط سيبقى مركزا للأزمات طالما ظلت الأنظمة الملكية قائمة في الخليج ". وهذا التصريح العلني في ختام الملتقى العاشر لأساتذة الجامعات في مدينة مشهد، يعني بوضوح أن نظام الملالي الإيراني يهدف للإطاحة بهذه الأنظمة الملكية التي حققت الرخاء والاستقرار لشعوبها، من أجل قيام أنظمة عميلة تأتمر بأمر الولي الفقيه  كي تعيد هذه الدول لنفس التخلف والقمع والظلام الذي يعيشه الشعب الإيراني منذ عام 1979 .

ويبقى اللوم و العتب المريرين

كما قال الدكتور محمد آل زلفة على " بعض المثقفين العرب الذين غسلت أدمغتهم من إيران وعملائها في المنطقة ،  بكل أسف  إنهم يصفقون لإيران من أجل المواقف الوهمية تجاه القضايا العربية، بينما يتغاضون عن ما يشكله الخطر الإيراني على المنطقة العربية في الوقت الحاضر وعلى المدى البعيد ". فأفيقوا يا عرب قبل فوات ألأوان.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com




358
شاكو..ماكو: هابيليان و قابليان
د.أحمد أبو مطر

كنت قد وعدت القراء قبل أسبوعين بتسليتهم عن طريق سرد وقائع  قصتي مع السيدين هابيليان و قابليان الإيرانيين، وهي قصة ممتعة وفرصة مجانية لمن يريد زيارة مدن قم و طهران ومشهد ، والعودة بهدايا وتذكارات مجانية ربما يكون من بينها قطعة سجاد إيراني، لكن لا تحلم أن تكون مساحتها أكثر من ستين سنتيمتر مربع، يعني للتعليق على الجدار وليس للفرش على الأرض. كيف ومتى بدأت الحكاية؟. يتذكر القراء أنني نشرت في الشهور القليلة الماضية العديد من المقالات عن ( الاحتلال الإيراني المستمر للأحواز العربي ) و ( التهديد الإيراني المتواصل بضم دولة البحرين ) و ( الواقع المخيف للحركة النقابية في إيران ) و (السجل الأسود لحقوق الإنسان في إيران ). ونشرت في الأسابيع القليلة الماضية مقالتين عن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة للنظام الإيراني، كانت الأولى بعنوان ( حشود باريس الإيرانية : تضامن عراقي ودولي غير مسبوق مع مجاهدي خلق ) بتاريخ               الثلاثين من يونيو الماضي  . وفجأة وصلتني عبر بريدي الإليكتروني رسالة من البريد الإليكتروني :
info@habilian.com
وموقعة باسم ( منظمة هابيليان ) ، تطلب مني التعاون معها لكشف ما أطلقوا عليه ( جرائم منظمة مجاهدي خلق )، وللمزيد من المعلومات يمكنني الرجوع لموقعها الإليكتروني:
www.habilian.com
عدت للموقع المذكور، فوجدته مخصص من الألف للياء للهجوم على منظمة مجاهدي خلق، عبر العديد من القصص على ألسنة أشخاص لا تستطيع أن تعرف إن كانت حقيقية أم مصطنعة، خاصة أن الصياغة والوقائع لا تنسجم مع بعض من قصة إلى قصة ، وداخل القصة ذاتها. رددت على هذه المنظمة قائلا: ( أنا مستعد للتعاون معكم في التحقيق في جرائم منظمة مجاهدي خلق إن كانت لديكم وقائع وحقائق مثبتة ، بشرط أيضا أن تتعاونوا معي في كشف جرائم النظام الإيراني بحق المعارضين الإيرانيين و العرب الأحوازيين، والملف الإيراني الأسود في ميدان حقوق الإنسان بشكل عام ، وأن تحددوا موقفكم من الاحتلال الإيراني للأحواز العربية  والجزر الإماراتية الثلاث).

وهنا بدأت الحكاية!!

لعدة أيام لم يردوا على اقتراحي، فنشرت المقالة الثانية بعنوان ( حشود باريس الإيرانية:استفتاء شعبي لإيراني رافض لنظام الملالي ) بتاريخ السادس عشر من يونيو الماضي . وبعدها بتاريخ 28 يونيو وصلتني من نفس منظمة ( هابيليان )، ومن خلال نفس البريد الإليكتروني رسالة، أنشرها فيما يلي كاملة كما وصلتني  بكافة أخطائها الإملائية و ألأسلوبية:

( بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الدكتور أحمد مطر
السلام عليكم
شكرا على ردكم واقتراحكم، ونعتذر منكم بسبب التأخير في الرد. طلبتوا منا أن نتعاون بشجاعة وفي نفس الوقت لكشف جرائم مجاهدي خلق، وما تسموه بجرائم النظام الإيراني. نحن نرحب بهذا التعاون. يا استاذ جرائم منظمة خلق مكشوفة على الجميع، وهناك وثائق وشهود عيان ونحن بعض هؤلاء الشهود لأن قتلوا آبائنا أمام أعيننا في بداية الثورة الإسلامية في إيران. أنا ابن شهيد وكنت شابا حينما راح أبي ضحية هذه الزمرة. لماذا؟ ابي كان رجلا عاديا يذهب صباحا الى عمله ويرجع ليلا كي يسد جزع أولاده. اغتالوه اثناء مراجعته الى البيتئ. لأن كان ملتحي ويحمل المعنوية والروحانية في وجهه. ثم يتبنوا العملية وقالوا قتلنا عميلا وهذا حال الثير من اصدقائنا واقاربنا ومواطنينا.
راجع يادكتور الى صحيفة المجاهد التي كانت تنشر باسم منظمة خلق، وترى آلاف العمليات التي تبنتها المنظمة اضافتا الى الوثائق آلاف الوثائق التي تصلنا يوميا من انحاء ايران والعراق. فنحن جاهزين وعندنا ثقة عن انفسنا بعملنا أن نتعاون معكم بشان هذه الزمرة الإرهابية.
ولكن عما تسموه بجرائم ايران يا اخينا العزيز نستبعد انك جئت إلى إيران حتى لمرة واحدة حتى تنظر الأمور من قريب وترى ما يشاع في الصحافة والاعلام الغربي عن جرائم النظام الايراني والوضع الاسود هو ليس الا كذب وخداع لاصحاب النفوس الضعيفة ومع الاسف سيدنا يبدو شخصكم الكريم وقعتوا في فخ اصحاب الاعلام المدفوع اجره.
كثيرا من الشخصيات من الفنانين والسياحين والعلماء والاكاديميين و.....يذهبون إلى ايران  لكن ما يعتقدوا ما تعتقده حضرتك عن الوضع الايراني بل يرجعوا الى بلدهم وينقلوا صورة جيدة ورائعة عن الوضع الداخلي الايراني.
استاذنا الفاضل نقدم لكم دعوة رسمية لزيارة الجمهورية الاسلامية الايرانية ونتقبل كل تكاليف الزيارة كي تتعرفوا على ما يجري داخل ايران. فنطلب منكم قبول دعوتنا. نحن نرى أن المشاهدة من قريب تفيد اكثر من ساعات وايام من البحث على شبكة الانترنت ولكن ايضا لا ننسى هذا الجانب الاخير يعني التواصل عبر السبكة ونرى الخير في علاقاتنا.
نشكركم مرة اخرى على اهتمامكم وردكم وهذا يوضح لنا اننا نتعاون مع شخصية فاضلة تهتم بالامور.
مع التقدير
منظمة هابيليان
www.habilian.com
( انتهت رسالة هابيليان ، وأذكّر أنني نشرتها حرفيا كما وصلتني بما فيها من أخطاء لغوية وإملائية وأسلوبية ).

قراءة ما بين سطور الرسالة

واعتمادا على حسّي الأمني قمت بالتمعن فيما بين السطور في هذه الرسالة الهابليانية ( الاسم ليس من الهبل ولكن من هابيل ابن سيدنا آدم الذي قتله شقيقه قابيل)، فلاحظت ما يلي:

أولا: هؤلاء الهابليانيون يقرّون بشكل مطلق أن هناك جرائم منسوبة لمنظمة جماعة خلق، وأنهم من ضحايا هذه الجرائم ، وهذا هو ما يريدونني أن أقرّ به معهم بدون نقاش أو إثباتات، وكأنني واحد من ضحايا هذه الجرائم المفترضة . أما فيما يتعلق بطلبي منهم الكشف عن جرائم النظام الإيراني فهم في رسالتهم لا يقرّونها ولا يرفضونها ، بل يراوغون ويبتعدون عن الموضوع بشكل مباشر ، ويطرحون مسألة لا علاقة لها بالموضوع من خلال قولهم (ولكن عما تسموه بجرائم إيران يا أخينا العزيز نستبعد أنك جئت إلى إيران حتى لمرة واحدة حتى تنظر الحقائق بأم عينك ). وفي هذا الطرح غباء من هابيليان واستغباء للمخاطب، لأن الأنظمة المستبدة لا ترتكب جرائمها في الشوارع في وضح النهار كي يشاهدها الزائر والسائح خلال زيارته التي تستغرق يومين أو ثلاثة ، وفي نفس الوقت فهذه الإشارة تمهيد لما سيطرحونه على الكاتب في السطور التالية.

ثانيا: يستعمل الهابليانيون إسلوب التسقيط النفسي من خلال الإيهام بأن هناك من شهدوا بديمقراطية وروعة النظام الإيراني من خلال قولهم في رسالتهم لي : ( كثيرا من الشخصيات من الفنانين والسياحين والعلماء والأكاديميين  و...يذهبون إلى إيران لكن لن يعتقدوا ما تعتقده حضرتك عن الوضع الإيراني بل يرجعوا إلى بلدهم وينقلوا صورة جيدة ورائعة عن الوضع الداخلي الإيراني ). هذا دون أن يذكروا اسما واحدا من هؤلاء العلماء والأكاديميين والفنانين الذي أشادوا بديمقراطية وروعة النظام الإيراني . أية روعة وديمقراطية وكافة شهادات ووثائق منظمات حقوق الإنسان الإيرانية والعالمية تضع هذا النظام على رأس قائمة الدول المستبدة المصادرة لكافة حقوق الإنسان الإيراني، وسجله في مجال الإعدامات والسحل والرجم من أوسخ السجلات في العالم ، بما فيها شهادات محامين إيرانيين يعيشون في داخل إيران، وهذا ما يفسر هروب ألاف الإيرانيين سنويا طلبا للجوء في الدول الأوربية والأمريكية، مما جعل الإيرانيين طالبي اللجوء من أعلى النسب في هذه الدول. فلماذا يهرب هؤلاء الإيرانيون من الروعة والجنة التي يتحدث عنها هولاء الهابيليانيون  ؟.

ثالثا: استعمال أسلوب الترغيب والترهيب غير المباشر، فأنا العبد الفقير كما في رسالتهم (مع الاسف سيدنا يبدو شخصكم الكريم وقعتوا في فخ اصحاب الاعلام المدفوع اجره ) ، وفي الوقت نفسه فأنا ( سيد ) و ( حضرة ) و ( شخصكم الكريم ) و ( أخينا العزيز )، فكيف يكون الشخص يحمل كل هذه الصفات الراقية العالية وفي الوقت نفسه ( وقع في فخ الاعلام المدفوع أجره ) ؟. إنه التمهيد النفسي لقبول ما سيدفعونه هم ليكون الشخص بوقا لهم ، مدافعا عن جرائم نظامهم  بدليل العرض  التالي الذي قدّموه للكاتب .

رابعا: وهذا هو بيت القصيد أو الغرض من كل مراسلاتهم مع الكاتب، وهو ما جاء في نهاية رسالتهم : ( استاذنا الفاضل نقدم لكم دعوة رسمية لزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ونتقبل كل تكاليف زيارتكم كي تتعرفوا على ما يجري داخل إيران. فنطلب منكم قبول الزيارة ).

زيارة مدفوعة التكاليف مع " بوكيت موني "..أقبلها أم أرفضها؟

فكرت طويلا بموضوع الزيارة وقمت بالعديد من الاتصالات والتحقيقات المعلوماتية ، كانت نتيجتها أن كتبت لهم ما يلي:

( شكرا على رسالتكم ودعوتكم لي لزيارة إيران، إلا أن ما يحيرني هو حماسكم في الدفاع عما أكتب عنه و نفيكم بالمطلق لما أسميه أنا جرائم النظام الإيراني ، في حين أنكم تقدمون أنفسكم على أنكم متخصصون في الكشف عن جرائم منظمة مجاهدي خلق، وهل تعتقدون أنكم ستجنون من زيارتي ما يستحق تكاليفها؟ ). ولم يجيبوا على رسالتي هذه منذ أكثر من شهر ، وبالتالي طارت الزيارة وهذا ما كنت أريده  بسبب ما توصلت إليه تحرياتي عن (هابيليان ) الإيراني هذا، وإليكم مجانا ما توصلت إليه دون الاستعانة بأي محقق دولي :

أولا: منظمة " هابيليان " هي إحدى المؤسسات التابعة لوزارة مخابرات النظام الإيراني ،  NGOوللتمويه على أعمالها ودورها ألاستخباراتي تمّ تسجيلها كجمعية خيرية غير ربحية
وتمّ تأسيس هذه المنظمة في خريف عام 2005 ، وأسندت إدارتها إلى عضو من المخابرات الإيرانية يدعى سيد جواد هاشمي نجاد ، وكان من أول ما صرّح به لوكالة أنباء "فارس" في الرابع عشر من آذار 2006 حول نشاطات جمعيته هذه: " أجرينا لقاءات عديدة مع مسؤولين عراقيين بمن فيهم نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي ، وتباحثنا حول نشاطات الجماعات الإرهابية في أرض العراق ضد إيران، وهم أعربوا عن معارضتهم لهذه النشاطات مؤكدين أنهم حاكموا مجرمين من هذه المنظمة ( يقصد مجاهدي خلق ) وطردوا آخرين منهم ، ولكن على أية حال نلاحظ أنّ محتلي العراق يحمون اليوم هذه الجماعات التي تقوم بأعمال ضد النظام في الحدود بين البلدين، إذن فباستمرار الاحتلال سوف تستمر الأعمال ضدنا أيضا ). وواضح تماما من هذا التصريح وأسلوبه، أنه لا يصدر عن مسؤول في جمعية خيرية ، بل عن شخص مهم في أجهزة النظام الإيراني، وصفته الرسمية هذه هي التي سمحت له بلقاء نائب الرئيس العراقي .

ثانيا: من ضمن أعمال منظمة " هابيليان" الاستخباراتية رصد كتابات الكتاب والصحفيين التي تكشف جرائم النظام الإيراني ومخططاته التخريبية في دول الجوار، والكتابة إليهم لدعوتهم لزيارة إيران، دعوة مدفوعة التكاليف بالكامل كما حدث معي في رسالتهم المنشورة في بداية هذه المقالة. ويتم إعداد مخطط الزيارة لمن يقبل بحيث تشمل لقاءات مع المسؤولين الإيرانيين ، ومقابلات صحفيه وتلفزيونية مع وسائل إعلام النظام، ومن يجرؤ وهو في أروقة النظام أن يهاجمه أو يقول جملة واحدة مما كان يقوله أو يكتبه وهو في مكان إقامته قبل الزيارة غير الميمونة. و يتم كذلك نشر تصريحات على لسان الزائر تشيد بالنظام وإنجازاته الديمقراطية، والزائر لا يدري بذلك ولا يسمع إلا بعد خروجه من نفقهم ، وعندئذ لن يصدقه أحد إن قام بنفي ذلك ، وهذا يعني ثبوت تلك التصريحات والمواقف التي تشيد بالنظام الديمقراطي الإيراني ، مما يفقده مصداقيته لأنها تصريحات على نقيض ما يكتب ويقول منذ سنوات.

ثالثا: أثناء الزيارة يُعطى الزائر في آخر ساعات الزيارة مظروفا مغلقا فيه ما تيسر من دولارات الأخضر الأمريكي، وهي العملة المفضلة عند ملالي واستخبارات إيران، و يقدم المظروف على أنه رسالة شكر له لقيامه بالزيارة، وعليه أن يوقع على إيصال يثبت أنه تسلم الرسالة لتقديمها للمسؤولين، والرسالة عادة باللغة الفارسية منصوص فيها مقدار المبلغ الدولاري في المغلف الذي تسلمه ، والزائر لا يعرف غالبا اللغة الفارسية  فيكون قد وقّع على تسلمه رشوة السكوت فيما بعد، وإن فتح فمه فالفضيحة قادمة بنشر مضمون الرسالة بتوقيعه على الرشوة التي تسلمها.

وقد تأكدت من هذه المعلومات أعلاه، من صديق صحفي فلسطيني معروف عمل لسنوات عديدة في بيروت وطهران مع تلفزيون " العالم " الإيراني الناطق بالعربية ، وترك العمل معهم طواعية بسبب توجهاتهم العنصرية تجاه العرب،ومعاقبتهم لكل من يفلت لسانه بقول "الخليج العربي ".

لست الوحيد المدعو من هابيليان

وقبل الانتهاء من كتابة هذه المقالة بلحظات، اطلعت على بيان صادر من "دار النشر الحر" العراقية، تأكدت من معلوماته أن دعوة زيارة إيران جزء أساسي من عمل منظمة هابيليان، مما يؤكد أنها مجرد واجهة للمخابرات الإيرانية، فقد كان البيان بعنوان " تحذير للعراقيين" وقد ورد فيه:

( احذروا فخ المخابرات الإيرانية بترتيب سفرات سياحية إلى إيران على نفقة النظام الإيراني. هناك قسم في الاطلاعات الإيرانية يعمل تحت غطاء جمعيات المجتمع المدني التي تسمى ب " جمعية هابيليان " يترأسها شخص يدعى محمد هاشمي نجاد ، وهو معروف بانتمائه إلى المخابرات الإيرانية ، وواجب هذه الجمعية توجيه الدعوات إلى العراقيين من جميع الصنوف ، وعلى الخصوص شيوخ العشائر والإعلاميين والصحفيين وأساتذة الجامعات والأكاديميين والفنانين والكتاب، لزيارة إيران، وعادة ما تتم الدعوة من قبل السفارة الإيرانية في بغداد....بشكل مباشر وتوجيه الدعوات لهم وبإغراءات ووعود بدفع مكافآت لهم، وأن تكون تكاليف السفر التي تشمل الذهاب والإياب والإقامة والسفرات خلال الزيارة كلها على عاتق الجانب الإيراني ". ويورد البيان تفاصيل هذه الزيارات التي شملت حتى ألآن مئات الأشخاص، ومنها لقاء المسؤولين في النظام وزيارة قبر الخميني وتوزيع كتيبات عن مشاريع وأفكار الثورة الإسلامية، ويتم تصوير كل هذه الزيارات لبثها من التلفزيون الإيراني لاحقا، مما يوحي للمشاهدين أن كل هؤلاء الزوار من أنصار ومؤيدي النظام، وفي الغالب تكون آخر فعالية لكل زيارة هي زيارة مقر جمعية هابيليان في مدينة مشهد، حيث يصور اللقاء وكأنه مؤتمر لدعم وتأييد النظام، ومعاداة ونقد منظمة مجاهدي خلق....إذن لست الوحيد من وجهت له الدعوة التي طارت بقرار مني ، فهذا جزء أساسي من عمل الشقيقين هابيليان و قابيليان.




كلمة أخيرة عن مجاهدي خلق

من المهم أن يعرف جميع القراء أنني لست محاميا ولا مدافعا عن مجاهدي خلق، فقد تعاملت فقط مع المتغيرات السياسية حيث لا تعرف السياسة عدوا أو صديقا دائما، ومن لديه معلومات وحقائق عما يسمى " جرائم مجاهدي خلق " بحق الشعب العراقي أو غيره ، فليتفضل بكتابتها ونشرها إذ لا يستطيع أحد منع أو حجب ذلك، و كراصد للمتغيرات السياسية وثقت مواقف العراقيين الذين مع مجاهدي خلق، وهناك عراقيون ضدهم بالمطلق...فنقف مع أي فريق من العراقيين؟. وهناك مسألة مهمة طالبني بها أحد القراء العرب، وهي أن أسأل قيادة مجاهدي خلق: ما هو موقفكم من الاحتلال الإيراني  للأحواز العربية والجزر الإماراتية الثلاث؟ وعليهم أن يعلنوا موقفا واضحا من هذه المسألة، خاصة أن بعض الإخوة الأحوازيين أكدوا لي أنهم قابلوا الخميني في باريس قبل تسلمه السلطة، ووعدهم بأمور كثيرة وتنكر لها بعد تسلمه السلطة ، واستمر نظام الملالي في نفس سياسة الشاه الاحتلالية التوسعية، فما هو موقف مجاهدي خلق ؟ إذ أنه ليس من مصلحة أي عربي دعمهم لاستبدال نظام احتلالي بنظام احتلالي آخر، فالاحتلال مرفوض سواء من الشاه أو الخميني أو مجاهدي خلق....فما هو رأيكم يا مجاهدي خلق من احتلال الأراضي العربية من النظام الإيراني؟؟.



وأخيرا...نصيحة مجانية للجميع

أن احذروا هذه المنظمة " هابيليان " فهي مجرد تسمية خادعة لمكتب من مكاتب الاستخبارات الإيرانية ، وهي لا علاقة لها ب " هابيل " الذي قتله شقيقه " قابيل"، بل هي "قابيل " نفسه ، فهي مسؤولة عن العديد من عمليات الرصد والتحري التي أدت لاعتقال وقتل العديدين، وتخريب بيوت وتدمير سمعة من قبل دعوتهم وتورط في زيارة عقر دار النظام الاستبدادي الإحتلالي التوسعي الإيراني...فاحذروا قابيل الذي يتستر بدموع و آلام هابيل.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

359
هل بالغتُ في نقدي لجماهيرية القذافي اللاشعبية؟
د.أحمد أبو مطر

لاقت مقالتي السابقة ( العنجهية والتخلف: القذافي وعائلته ولجانه الثورية نموذجا )، صدى واسعا بين القراء من مختلف الأقطار العربية، بدليل أنه حتى لحظة اختفائها من الصفحة الرئيسية لإيلاف تلقت المقالة 42 تعليقا، ومن خلال رصدها بدقة متناهية توصلت إلى ما يلي:

أولا: أن أغلب التعليقات من قراء ليبيين سواء من وضع أمام اسمه صفة ( ليبي ) أو كما يُفهم من مضمون التعليق. وكانت غالبية هذه التعليقات مؤيدة بالمطلق لما ورد في المقالة من حقائق عن التصرفات الشاذة المرفوضة لنظام القذافي وعائلته . وبعض هذه التعليقات كانت أكثر قسوة وهجوما على الجماهيرية القذافية، كما ورد في التعليق رقم 17 بعنوان(مرفوض)  لمن كتب باسم ( الشافعي رجب الشافعي ) ، إذ ورد في تعليقه قوله:

" هنا أيها السادة والسيدات الكرام انكشف الغطاء عن القذافي، وعرف بأنه مرفوض رفضا قاطعا من الشعب الليبي، ولنرى معا لماذا رفض الشعب القذافي. الشعب الليبي رفض خطاب القذافي. الشعب الليبي رفض وجود القذافي. الشعب الليبي رفض ما فعل القذافي وأبنائه.....دعْني أقولها لك ولأمن أبيك السّفاح: أبناء ليبيا سيعملون ويجتهدون ليلا ونهارا لإزاحة أبيك وطاقمه الغبي. سنعمل لتطبيق القانون، لا أبيك ولا قضاة أبيك ومحامييه وحاشيته، أدركوا بأن هذا القانون كان موجودا يا ابن السّفاح. اسمع أيها الأبله: الموضوع والقضية ليست بالسهولة التي أنت تتصورها. المسألة ليست مسألة مادة ملك أو حكم. فاسمع أيها الأبله هناك شيء اسمه قيم. هناك شيء اسمه مبادىء. هناك شيء اسمه عزّة وشرف. هناك شيء اسمه ليبيا. هناك شيء اسمه الشعب الليبي . لو استطعت تقييم القائمة أعلاه يا سيف ( ابن القذافي سيف الإسلام ) فما هو ثمن أية منها؟ وما هو ثمنها أجمع؟ يا سيف القيم والمبادىء أشياء ينتمي إليها الإنسان وتزرع به منذ الولادة فتصبح جزءا منه، لذلك لم نرى أو نلاحظ هذه ألأشياء في شخصك، لذلك فشل أبوك في تربيتك وتربية إخوانك مثلما فشل في نظريته التي لم يصدقها إلا الأغبياء، وقام بحمايتها أمن أبيك الفاشي الذي لا أمان له، فهل عرفت ألآن أنت وأبيك وإخوتك ولجانك ومؤسساتك وأمنك وقضاتك ومحاميك بأنكم قوم "مرفوض" ).  هل هذه القسوة في النقد والتشريح لهذا النظام الذي يكتم أنفاس الشعب الليبي منذ أربعين عاما تأتي من فراغ، أم تعبر عن معاناة الشعب من النظام الفاشي كما يصفه هذا المواطن الليبي؟.

ثانيا: يكتب بعض القراء دون التمعن في المقالة التي يعلقون عليها، لذلك تأتي تعليقات هذا البعض لا علاقة لها بموضوع المقالة، كما ورد في التعليق رقم 14 بعنوان ( على مهلك ) لمن كتب باسم ( محمد )، إذ ورد في تعليقه:

" نرجو من الكاتب التمهل لأنه من الواضح أنه متوتر قليلا، والدليل هو استخدامه لدلالات عدوانية تجاه اسم هنيبعل...هل هذا يصحّ بحق هنيبعل القائد القرطاجي الفينيقي العسكري الفذ الذي كاد أن يدمر روما ويغير وده التاريخ". إذا كان هنيبعل قائدا تاريخيا رغم هزيمته في زاما التونسية عام 202 قل الميلاد، فهل اسمه التاريخي يمنع انتقاد المعاصرين الذين حملوا اسمه ، خاصة هنيبعل القذافي التي كانت غزواته في أوربة ليست فتوحات علمية أو نشاطات ثقافية حتى لو كانت محاضرات عن " الكتاب الأخضر" ، ولكنها فتوحات وغزوات لتكسير أجنحة الفنادق التي ينزل فيها، وضرب الخدم العرب الذين يخدمونه وحاشيته، وقيادة سيارته بسرعة فائقة مخالفا قانون الدولة التي يمارس ( زعرنته ) فيها، وإشهار مسدسه مهددا الموظفين في الفنادق. فهل هذه غزوات تشرف اسم هنيبعل القائد القرطاجي؟ وكم من لص ومجرم وقاتل وسفاح، يحملون اسم ( محمد ) و ( عمر ) و ( خالد )، فهل الدلالات التاريخية العظيمة لهذه الأسماء تبرر جرائم حاملي أسمائهم المعاصرين أو السابقين واللاحقين؟. ولماذا لم يفكر ابن القذافي أن يكون سلوكه وتصرفاته تليق بهذا الاسم التاريخي الذي أطلقه على نفسه ؟. وضمن نفس السياق فواحد من أبناء المعمر القذافي اسمه ( سيف الإسلام )، فلماذا لم نسمع من " سيف القذافي المسلول" إدانة لتصرفات أخيه المرفوضة والشنيعة؟ كيف يكون سيف الإسلام وشقيقه هنيبعل يشوه صورة العرب والإسلام وهو ساكت ، والسكوت علامة الرضا ؟.

ثالثا: يكتب بعض القراء ما يعتقدون أنه معلومات ، وهو إما ادعاءات أو فبركات للتحامل على الكاتب معتقدين أن البعض سيعتبرها حقائق، كما ورد في التعليق رقم 5 بعنوان (غريبة ) للقارىء الذي كتب باسم " متابع "، إذ ورد في تعليقه الادعاء التالي:

" غريبه هذا الهجوم من قبل الكاتب على ليبيا، على الرغم ة من أنه عاش الكثير من سنوات عمره في ليبيا، وكان يمجد دائما في القذافي وحكمه وبلده. لا أعلم ما الذي قلب الأمور: هل هي المواقف السياسية أم أسباب شخصية ".  وأقول صراحة وبوضوح، أنني لم أعش في ليبيا سنوات، بل عام دراسي جامعي واحد فقط، أثناء عملي نهاية  عام 1979 مدرسا بكلية التربية بجامعة الفاتح ، والعام الجامعي لا يتعد ثمانية شهور، وغادرت ليبيا بقرار ذاتي عند بداية المسخرة التي كان وما زال اسمها " اللجان الشعبية " وهي في الواقع مجرد أدوات للنظام يتركز عملها في دعم تنظيرات القائد المفكر المعمر القذافي، وغادر آنذاك الجامعة أكثر من زميل فلسطيني وعربي. أما ادعاءه بأنني كنت أمجد وأمدح القذافي، فانا أقول صراحة هذه كذبة كبيرة ، أتحدى القارىء وأي مسؤول ليبي أن يقدم سطرا واحدا كتبته تمجيدا في القذافي وحاشيته، وإن ثبت هذا فأنا على استعداد أن اعتزل الكتابة علنا، لأن الكتابة مهمة حضارية تنويرية لا تليق بمدّاحي السلاطين والحكام.

 وللتذكير فقط أنه في عام 1974 عندما كنت أعمل في مجلة الرائد الكويتية التي كانت تصدر عن جمعية المعلمين، كنت واحدا من الصحفيين الذين أجروا لقاءا صحفيا مع المعمر القذافي، وأتحدى إن كان اللقاء أكثر من سؤال وجواب. وكتاباتي النقدية ضد هذا النظام اللاجماهيري ليست وليدة اليوم ، بل منذ سنوات عديدة لأنني اطلعت ميدانيا على فضائح وجرائم هذا النظام ، ومصادرته لأبسط حقوق الإنسان الليبي ، وسجله في ميدان حقوق الإنسان من ضمن السجلات القذرة في العالم العربي. وليت هذا القارىء وغيره يقرأ ما يكتبه الكتاب الليبيون أنفسهم ، والساسة الليبيون الذين عملوا مع هذا النظام ثم غادروه، ليكتشف أنني لست الوحيد الذي ينتقد ممارسات وسياسات هذا النظام. وهذا القارىء وغيره يخلطون بين البلد والنظام الذي يحكم أو يتحكم في البلد ، فهو يقول: " هذا الهجوم من الكاتب على ليبيا "، وهذا ما استغربه من كل من يستعمل هذا الخلط: فهل نقد النظام يعتبر نقدا للشعب والبلد؟ ولأن هذا الخلط الأعمى منتشر بين بعض القراء سبق أن عالجته في مقالة بعنوان " التفريق في النقد بين الأنظمة وشعوبها ".

أية جماهيرية هذه؟

وهؤلاء القلة من القراء الذين يدافعون عن هذا النظام أتمنى أن يختلوا لحظة مع ضمائرهم، ويسألوا أنفسهم :

أية جماهيرية هذه التي يتسلط  فيها هذا المعمر القذافي وعائلته ومخابراته على مقاليد السلطة فيها منذ أربعين عاما؟. أية جماهير انتخبته وصوتت له؟.
أية جماهيرية هذه التي تسمح لأولاده بهذه السفرات بطائرات خاصة مع حاشية ومرافقين، لمختلف العواصم الأوربية في أفخم الفنادق؟ هل هذه الأموال من عرق جبينهم أم من رواتب شهرية يقبضونها ؟ وأية رواتب شهرية تسمح باستعمال طائرات خاصة ومئات من المرافقين والحراس والخدم والخادمات؟
أية جماهيرية هذه التي لا تسمح بأي إضراب أو اعتصام أو مظاهرة سلمية مناوئة للنظام وتوجهاته؟
أية جماهيرية هذه التي تقع فيها جرائم عظمى بحق السجناء السياسيين، ليست آخرها مجزرة سجن أبو سليم في مدينة طرابلس في يونيو عام 1996 . وهي مجزرة ترقى لحد ألإبادة الجماعية ، وقد تم ارتكابها بأوامر شخصية من العقيد المعمر القذافي شخصيا، وأشرف عليها كل من: عبد الله السنوسي – صهر القذافي ، منصور ضو – ابن عم القذافي ورئيس حرسه الشخصي، التوهامي خالد – رئيس المخابرات العامة – نصر المبروك – وزير الأمن العام، محمد صالح قرين – رئيس كتيبة الحرس الثوري، عامر المسلاتي – مدير سجن أبو سليم، و إبراهيم التبروري – الكاتب العام للسجن . وتمت وقائع هذه المجزرة كما نشرتها العديد من المواقع والكتب الليبية الموثقة كالتالي:
 نظّم المعتقلون من السجناء السياسيين احتجاجا داخل السجن يوم الجمعة الثامن والعشرين من يونيو عام 1996 مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية، وإخراج المرضى منهم للعلاج ومن بينهم 120 مريضا مصابين بالسل والمطالبة بمحاكمات عادلة. وصل الخبر للمعمر القذافي فأصدر أوامره لصهره عبد الله السنوسي ، الذي وضع خطة اقتحام السجن ووافق عليها المعمر شخصيا، فطلب السنوسي من المعتقلين تعليق احتجاجهم والعودة لعنابرهم في السجن، كي يضع خطة تفصيلية تستجيب لمطالبهم، فاعتقد السجناء أنهم يتعاملون مع مسؤول صادق وشريف، وكانت كذبته هذه فقط كي يكسب الوقت لوصول تعزيزات الشرطة والجيش المسلحة بكافة أنواع الأسلحة، الذين بادروا للتمركز على أسطح عنابر السجن . ويوم السبت التاسع والعشرين من يونيو 1996 بدأت هذه القوات بإطلاق النار عشوائيا على المعتقلين السياسين، وكانت النتيجة الموثقة بالأسماء قتل  1200 سجينا سياسيا. وبعد يومين في الأول من يوليو 1996 قامت أجهزة النظام بدفن القتلى في مقبرة جماعية في محيط السجن.
أية جماهيرية هذه التي تنفق مئات الملايين من الدولارات على تنظيم وعقد ندوات شبه سنوية للحديث عن أعمال المفكر القذافي ، وإبداعاته في مجال تنمية آفاق الفكر العالمي في كافة الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والاستراتيجية الدولية؟

وأية عظمى هذه؟

وهؤلاء القلة من القراء ليتهم يسألون أنفسهم:

أية عظمى هذه الجماهيرية التي لا تذكر في المحافل الدولية إلا بمؤتمرات العقيد المعمر الخاصة بتحرير الهنود الحمر، وعمليات إرهاب " لوكربي " ومرقص " لا بيل " في برلين، التي ما زال دفع التعويضات عن القتلى فيها مستمرا رغم المليارات الثمانية التي تمّ دفعها عام 2003 ، فقد نقلت أخبار الأيام القليلة الماضية كما قال المحامي الأمريكي  جيم كريندلر ، أنه بموجب اتفاق جديد ستدفع الجماهيرية العظمى مبلغ 536 مليونا من الدولارات لتسوية مطالب التعويض الباقية لضحايا تفجير لوكربي، كما ستدفع مبلغ 283 مليونا لضحايا تفجير الملهى في برلين الغربية سابقا عام 1986 أي عامين قبل تفجير لوكربي.

أية عظمى هذه في غير حربها العبثية ضد تشاد عام 1986 التي استمرت عشرة أعوام، ثم انسحب جيشها العظيم من إقليم أوزو الذي كان يدّعي العقيد المعمر عائديته لجماهيريته العظمى؟ وعلى هذا البعض من القراء المدافعين عن النظام أن يخمّنوا كم كلفت هذه الحرب الشعب الليبي من قتلى وجرحى ومفقودين، وكم مليارا كلفت الخزينة الجماهيرية؟

أية عظمى هذه في غير مأسآة طرد ألاف من الفلسطينيين عامي 1995 و 1996 إلى الصحراء على الحدود المصرية الليبية عند معبر السلوم، حيث مكثوا ما لا يقل عن ستة شهور في العراء والخيام ، سقط منهم العديد من الموتى ، ثم أعادهم المعمر القذافي في شاحنات ليجدوا أن أغلب منازلهم وممتلكاتهم تمت مصادراتها من لجانه المخابراتية اللا شعبية.

أية عظمى هذه في غير تلفيق قصة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني ، واعتقالهن من سبتمبر عام 1999 إلى يوليو عام 2007 ، محاولا استغلال القضية لتحقيق انفتاح مع المجتمع الدولي، وهي قضية ملفقة بدليل أنه أفرج عنهن .


القائمة طويلة ومريرة ومؤلمة ، وهي تعطي نموذجا من الطغاة المتسلطين على قلوبنا وظهورنا من المهد إلى اللحد، حيث لم نتخلص من هؤلاء الطغاة إلا بواحد من اثنين: عزرائيل ملك الموت أو الرفيق جورج بوش ....اللهم نجينا مما هو آت!!!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

360
العنجهية والتخلف: القذافي وعائلته ولجانه الثورية نموذجا
د.أحمد أبو مطر

كيف سيحترم العالم الأوربي والغربي بشكل عام العرب ؟. تبادر هذا السؤال لذاكرتي عقب الأزمة التي افتعلتها ( الجماهيرية القذافية العظمى ) مع الدولة والشعب السويسري، بسبب ما تعرض له ابنه الرابع عددا ( هنيبعل ) في سويسرا قبل أسبوعين، بسبب اعتقاله من قبل الشرطة السويسرية لمدة يومين بعد شكوى من خادمة تونسية وخادم مغربي إثر تعرضهما للضرب المبرح من الولد وزوجته في فندق ( ويلسون ) الفخم في مدينة جينيف ، وقد تمّ ضرب الخادمة التونسية بقضيب حديد على رأسها ، أفقدها الوعي وسبّب لها ألما مبرحا. ولأن الزوجة الهنيبعلية حامل، قامت الشرطة السويسرية بنقلها للمستشفى لتكون تحت الرعاية الطبية ،وبعد تدخل سفارة الجماهيرية القذافية العظمى  ودفعها كفالة مالية بلغت حوالي نصف مليون فرنك سويسري، أُخلي  سبيله وغادر سويسرا مع زوجته وحاشيته وحراسه من اللجان الشعبية الذين يزيد عددهم عن أربعين شخصا، في طائرته الخاصة التي ترافقه في جولاته، وبالطبع فكل مصاريف الطائرة وطاقمها ورواتب ومصاريف حاشيته وتكاليف الفنادق الفخمة التي لا يحجز فيها إلا طابقا كاملا، فهي مسروقة من ثروة الشعب الليبي، الذي رغم النفط فهو من أتعس وأفقر شعوب أفريقيا.  إثر ذلك ثارت عنجهية العقيد وتضخم تخلفه المعروف، فحرّك دكاكينه المسمّاة " اللجان الثورية " للتظاهر في شوارع جماهيريته وأمام السفارة السويسرية، مطالبين بالثأر للشرف القذافي المهان، عبر قطع العلاقات الدبلوماسية ووقف تصدير النفط الجماهيري لسويسرا، وسحب الودائع القذافية من بنوك سويسرا.

ما هذه المسخرة  ؟

وقد نسى الولد الضال المدلل أنه في سويسرا، حيث لا يمكن أن تسكت الشرطة عن أية شكوى تقدم لها حتى لو كانت ضد رئيس الوزراء السويسري، وعليه أن يخضع للتحقيق في مركز الشرطة لبيان حقيقة الشكوى، وهذا ما حصل مع الولد الجماهيري، خاصة أن الشكوى ضده من خادمين عربيين ، و لولا أنهما تعرضا للضرب المبرح والقذف والشتم لما تقدما بشكواهم حرصا على استمرارهم في خدمة الولد والتمتع بالتنقل معه من فندق إلى آخر في طائرة خاصة غير متوفرة لرؤساء وزراء دول أوربية. وهذه ليست السابقة الإجرامية الأولى لهذا الولد، فقد سبق أن تعرض للملاحقة في باريس عام 2004 بسبب قيامه بقيادة سيارته البورش الفخمة بسرعة 140 كيلومتر في الساعة، في شارع السرعة القصوى المسموح بها 100 كيلومتر في الساعة. وفي عام 2005 قامت الشرطة الفرنسية أيضا بملاحقته إثر قيامه بتكسير محتويات الجناح الذي كان يشغله في فندق إنتركونتينانتال الواقع قريبا من دار الأوبرا في باريس، وذلك عقب قيامه بضرب صديقة له تمّ نقلها للمستشفى، وفي فندق آخر قام بضربها أيضا ، وأخرج مسدسه مهددا عمال وموظفي الفندق مما أدّى لاستدعاء الشرطة التي اعتقلته للتحقيق معه ، ودوما تتدخل السفارات القذافية لإخلاء سبيله بكفالة مالية باهظة لكونه يحمل جوازا دبلوماسيا.

ألا يخجلون ؟

ودخلت هذه الحرب الجماهيرية ضد دولة سويسرا البروفسورة الدكتورة القانونية عائشة القذافي ، التي استعملت كافة خبراتها الدولية في القانون والسياسة الاستراتيجية وعلم النفس والتنجيم ، معلنة دفاعا عن شقيقها الولد الضال " إن تدخل الشرطة السويسرية كان غير قانوني وأنه بدافع العنصرية ضد العرب ". وقد تجاهلت البروفسورة القذافية أن تدخل الشرطة السويسرية كان بسبب شكوى قدمها مواطنان عربيان ( مغربي و تونسية )، أي أنه جاء دفاعا عن مواطنين عربيين لإنقاذهم من براثن شقيقها المعروف عنه سوابقه الإجرامية في داخل جماهيرية اللجان القذافية وخارجها، خاصة الدول الأوربية مستغلا الملايين التي سرقتها عائلته من ثروة الشعب الليبي وحمله جوازا دبلوماسيا، يتنقل به حاملا إساءاته وتعدياته من عاصمة إلى أخرى، غير آبه هو ووالده وعائلته بالسمعة السيئة المتنقلة معه ، مشوها صورة العربي والمسلم ، لأنه في الثقافة الأوربية دوما أولاد رؤساء الجمهورية والوزراء والمسؤولين الكبار أكثر التزاما بالقانون والأخلاق العامة والضوابط الإنسانية، لأن ما يرتكبونه يُحسب على آبائهم وعائلاتهم، إلا في حالة ( العرب ) خاصة الأسرة القذافية التي شوهت خلال ألأربعين عاما الماضية صورة العربي بشكل تعجز عنه كافة الأجهزة المعادية. إذ يكفي جريمته النكراء في تفجير طائرة بان أمريكان الأمريكية فوق قرية لوكربي البريطانية عام 1988 التي راح ضحيتها 270 مواطنا أمريكيا وأوربيا، وظلّ النظام القذافي ينكر مسؤوليته عنها، ومع استمرار تضييق الخناق الأمريكي والدولي  عليه، اعترف عام 2003 بمسؤوليته الكاملة عن العملية الإرهابية، ودفع فعلا ما يقارب ثمانية مليارات دولار تعويضات لذوي الضحايا، وما زال مواطنه عبد الباسط المقرحي عضو مخابراته اللاجماهيرية قيد السجن في بريطانيا.

وهكذا بدلا من أن يعتذر عميد الحكام العرب للدولة السويسرية، ويقوم بمحاسبة ولده الهنيبعلي، يصعّد ضد سويسرا كالتالي:

وقف تصدير النفط لها، منع رعاياها من دخول جنته الجماهيرية، اعتقال مواطنين سويسريين في عاصمته العظمى، التهديد بسحب السفراء ما لم تعتذر الحكومة السويسرية، سحب الأرصدة الليبية من البنوك السويسرية، وأخيرا طرد الشركات السويسرية من بلاده العظمى..هذا بينما هذا القذافي للدم، قام في عام 1991 بإرسال وفد من لجانه الجماهيرية المخابراتية لدولة إسرائيل تحت اسم الحجاج الليبيين، وفتحت السفارة الإسرائيلية في القاهرة أبوابها يوم عطلتها السبت لمنحهم تأشيرات دخول ووصلوا القدس فعلا .  ولمّا اكتشف الشعب الفلسطيني  أن الهدف من زيارتهم هو إبداء حسن النية لتساعده إسرائيل في إنهاء قضية الجريمة الإرهابية المتمثلة في إسقاط طائرة بان أمريكان، تظاهروا ضدهم وطردوهم مما اضطر حجاج المخابرات الليبية لقطع زيارتهم والمغادرة لجماهيريتهم العظمى، ورغم ذلك قبلت مبادرة حسن النية، مما أدى لدفعة التعويضات وانتهاء المقاطعة الأمريكية الأوربية لنظامه .

تسعة وثلاثون عاما....من يصدق؟؟

بعد أسابيع قليلة تمر تسعة وثلاثون عاما بالتمام والكمال على انقلاب الملازم الجماهيري مؤسس الجماهيرية اللاديمقراطية اللاعظمى ، الذي اغتصب السلطة  مستوليا على ليبيا شعبا وثروة حاضرا ومستقبلا، من خلال قمع لا مثيل له تقوم به أجهزة مخابراته التي يطلق عليها اسم " اللجان الثورية: ويحركها كقطع الشطرنج خاصة لتنظيم مظاهرات غالبها من أعضاء فروعها المخابراتية، ودوما هذه المظاهرات للدفاع عن القائد العظيم وعائلته، و إلا من يصدق أن هذه اللجان لم يحدث أن تظاهرت في أية مناسبة عربية، وتتظاهر دفاعا عن الولد الضال الذي شوّه صورة العرب جميعا من خلال تصرفاته الإجرامية هذه. وسيظل هذا الطاغية وعائلته، وكل من يشبههم في الأقطار العربية يستولون على السلطة والشعب والثروة، طالما هذه الشعوب العربية محكومة بالخوف والجبن وانعدام الكرامة. و إلا لماذا غالبية الشعوب تتحرك لإسقاط طغاتها فيما عدا العرب العاربة والمستعربة. الشعب الإيراني تحرك عام 1979 وأسقط شاه إيران أقوى الطغاة آنذاك. الشعب الروماني تحرك عام 1989  وأسقط الديكتاتور تشاويسكو، الذي هرب إلى الحدود ولحقت الجماهير الرومانية به وأعدمته. الشعب الجورجي أسقط الديكتاتور شيفرنادزة عام 2003 بالتظاهرات السلمية....والقائمة طويلة، إلا الشعوب العربية دون غيرها، تخرج ليلا ونهارا تهتف بحياة الطغاة والمستبدين...بالروح والدم نفديك يا..... و إلا من يبقي هذا الطاغية وعائلته في السلطة تسعة وثلاثين عاما ..من يصدق؟

لو حدث هذا في أمريكا

ولنتذكر أنه عندما تمّ توقيف هذا الولد الضال في فرنسا، لم تتحرك مخابرات اللجان القذافية للتظاهر، لأنها فرنسا الدولة العظمى التي تستطيع لوي ذراع العقيد وأمره بالسكوت و إلا...وكذلك لو حدثت جرائم هذا الهنيبعل في داخل الشقيقة الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية ، هل كان يجرأ العقيد على تحريك مظاهرة من عشرة مخبرين له؟ ولكن لأنها سويسرا الدولة المسالمة المحايدة فقد وجدها فرصة لإظهار مؤيديه من المخبرين واللصوص..وبالتالي فعلى العرب أن يعرفوا لماذا يحتقرهم ولا يحترمهم العالم .  إن أي مواطن سويسري أو أوربي من المستحيل أن يرتكب هكذا جرائم في بلاد الغير، وإن حدثت فلا يعيب حكومة بلاده أن تعتذر علنا....ولكن هذه هي العنجهية والتخلف العربي الذي أسوأ نماذجه القذافي وعائلته.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

361
حشود باريس الإيرانية:
        2 / 2
استفتاء شعبي إيراني رافض لنظام الملالي

د.أحمد أبو مطر

كان آخر مظاهر التأييد لمنظمة مجاهدي خلق، هو ذلك الحشد لعشرات ألآلاف من الإيرانيين الذين تجمعوا يوم السبت الموافق الثامن والعشرين من يونيو 2008 ،  في موقف معرض مركز المعاهدات شمال باريس قريبا من مطار شارل ديجول، قادمين من فرنسا ومختلف العواصم ألأوربية القريبة، وممثلين للجاليات الإيرانية في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، قاصدين أن يكون هذا التجمع في باريس متزامنا مع تولي فرنسا رئاسة الاتحاد الأوربي، معربين عن رفضهم للنظام القمعي في إيران حيث سجله أقذر السجلات العالمية في ميدان حقوق ألإنسان، وأكثر دول العالم سجونا وإعداما وقطعا للرؤوس والأيدي. وكان 570 برلمانيا أوربيا قد دعوا لدعم هذا الحشد الإيراني، لأنه " يعكس إرادة كافة أبناء الشعب الإيراني لتغيير النظام وتحقيق الديمقراطية والسلطة الشعبية في إيران ". وقد شارك في هذا المؤتمر قرابة ألف من نواب البرلمانات والشخصيات السياسية والثقافية و الدينية البارزة والحقوقيين المهتمين بحقوق الإنسان وحرية التعبير من مختلف الدول الأوربية وأمريكا وكندا و من أقطار عربية منها العراق والأردن ومصر والمغرب والجزائر.

مريم رجوي تخاطب المؤتمرين

وكانت قمة نشاطات وفعاليات المؤتمر خطاب السيدة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية الإيرانية المنتخبة من المقاومة الإيرانية، حيث ألقت خطابا أوجزت فيه أهم الملاحظات حول معاناة الشعب الإيراني من نظام الملالي الرجعي الظالم المتسلط على قلب ومقدرات الشعب الإيراني منذ عام 1979 :

" إن إلصاق تهمة الإرهاب الجائرة بمنظمة مجاهدي الشعب الإيراني، قد جلب لشعبنا ولشعوب الشرق الأوسط كثيرا من المحن والويلات....هذا وإن الدول الغربية وبتوجيهها تهمة الإرهاب لمجاهدي خلق ، قدمت أكبر الدعم لأكبر راع للإرهاب الحكومي في العالم، وساهمت أكبر مساهمة في مدّ الإرهاب وتناميه في العالم. لهذا السبب فإن شطب اسم مجاهدي خلق من قوائم الإرهاب فتح الطريق أمام التغيير الديمقراطي في إيران، ومن شأنه وضع نقطة النهاية للسياسة الخاطئة والقاتلة التي اعتمدها الغرب حيال النظام الإيراني والإرهاب والتطرف".

-   " أليس إبداء حسن النية لحكام إيران الفاشيين قمة سوء النية للشعب الإيراني ولشعوب الشرق الأوسط والقوى الديمقراطية في هذه المنطقة من العالم؟ وفي الوقت الذي تمّ فيه إدراج قوات الحرس الثوري وقوة القدس، التابعتين لحكام إيران في قائمة الإرهاب، لماذا تستمر تلبية طلبات حكام إيران لتسمية مجاهدي خلق بالإرهابية، وفرض قيود قاسية ومضنية على الأفراد المحميين بموجب اتفاقية جينيف في مدينة أشرف".
-   
" إن بيان ثلاثة ملايين من شيعة العراق الذين طالبوا بطرد النظام الإيراني من العراق مؤكدين أن مجاهدي خلق الذين وقفوا مع الشعب العراقي ، هم بمثابة سدّ منيع أمام تدخلات النظام الإيراني، قد هزّ دعائم النظام الإيراني وأثبت أن هذه هي أمثل وأفضل طريقة لإرغام حكام إيران على التراجع لكونهم يستغلون اسم الشيعة....وهذا منعطف في نضال الشعب العراقي من أجل طرد فاشية ولاية الفقيه من بلدهم "

وقد شارك في هذا الحشد الجماهيري الإيراني وفد من البرلمان البريطاني ضمّ خمسة عشر عضوا من مجلسي العموم واللوردات البريطانيين، بمن فيهم وزير الداخلية السابق اللورد وادينغتون واللورد كوربت والبارونة جولد. وكذلك وفد من البرلمان الأوربي  ضم عشرين عضوا برئاسة آلخو فيدال كوادراس نائب رئيس البرلمان الأوربي . أما من العراق فقد ضمّ الوفد العراقي خمسين من زعماء الأحزاب السياسية وشيوخ من مختلف العشائر العراقية ، ومن مجلس النواب الأردني شارك وفد ضمّ 12 نائبا منهم: الدكتور ممدوح العبادي، مفلح الكريمي ، ناريمان الروسان، أحمد العتوم ، ابراهيم العموش ،فخري اسكندر، وابراهيم الغرايبة، وغيرهم من نواب وشخصيات عامة معروفة مثل فخري قعوار النائب والرئيس السابق لاتحاد الكتاب العرب. وعقب انتهاء الحشد الجماهيري الإيراني ، استقبلت السيدة مريم رجوي الوفد الأردني يوم الاثنين الموافق الثلاثين من يونيو الماضي، ومن أهمّ ما قالته في هذا اللقاء :

" إن نظام الملالي القائم في إيران، باللجوء إلى الخدعة والتضليل وبإطلاقه شعارات دجالة ضد أميركا وإسرائيل وبتباكيه على الشعب الفلسطيني ، يريد التستر على طبيعته الشريرة القائمة على معاداة الشعوب المسلمة في المنطقة. إن هذا النظام بذره الرماد في عيون الجماهير المسلمة والعربية وباستغلاله الأزمات المتفاقمة في المنطقة يحاول تصوير نفسه صديقا للشعوب المسلمة والعربية ورقم صعب في موازنة القوى ، ويوحي بأنه قد رجّح ميزان القوى لصالح هذه الشعوب، ولكن الواقع أن هذا النظام بنواياه الشريرة هو ألد عدو لشعوب المنطقة "

وقد عقّب على كلامها الدكتور ممدوح العبادي نائب رئيس البرلمان الأردني، شاكرا السيدة رجوي على دعوتها وكلمتها التي ألقتها، مؤكدا على أهمية قضية الديمقراطية واحترام آراء الشعوب التي تفصل بين الإسلام الحقيقي والديكتاتورية المتسترة بغطاء الدين، وقال أيضا:
" نتمنى أن تتحقق الحرية والديمقراطية في إيران على أساس العدالة والمساواة...إنّ الذين يدّعون الإسلام والثورة ، ولكنهم يثيرون الطائفية والتمييز الديني، يقومون اليوم في العراق بقتل الناس على الهوية. إننا في الأردن وجارنا العراق لم نكن نعاني قط من الفتن والنزاعات الطائفية ، بحيث أننافي جميع المناسبات الاجتماعية وفي حالات عديدة، لم نكن نعرف ما هو مذهب أصدقائنا الأردنيين والعراقيين، هل هم شيعة أم سنّة أم مسيحيين. إن هذه الفتن الطائفية وحالات الفصل الديني ناجمة عن النوايا الشريرة لأولئك الذين يدّعون زيفا بأنهم يمثلون الإسلام ". أما النائبة السيدة ناريمان الروسان، فقد وجهت خطابها للسيدة مريم رجوي واصفة إياها بأنها رمز وقدوة لنساء الشرق والنساء المسلمات ، وقالت : " إننا وبصفتنا مسلمات نفتخر بسيادتك ونراك خلاصة قيمنا. إن شعوب البلدان العربية لا تنطلي عليها المزاعم الدجالة للملالي الحاكمين في إيران الذين عقدوا بأنفسهم صفقات أسلحة مع إسرائيل عند حربهم مع العراق. إن القوى الوطنية سواء في الأردن أو في العراق أو في البلدان الأخرى، تقيّم كل قوة على أساس أدائها الديمقراطي، وبصفتي سيدة تحمل القيم الإنسانية والديمقراطية، أتمنى لكم النجاح والموفقية ".

نكتة مضحكة للغاية من ملالي طهران

عقب هذه المشاركة البرلمانية الأردنية المميزة في حشود باريس دعما لمنظمة مجاهدي خلق، انفجر غضب ملالي طهران متخيلين أن المنطقة العربية حكومات وشخصيات برلمانية وسياسية، يجب أن تأتمر بأمرهم كما تعودوا من بعض الشخصيات والأحزاب العراقية ، لذلك أطلقوا  أكثر نكات العام الحالي إضحاكا، وهي النكتة المسخرة التي مفادها أنّ المملكة الأردنية الهاشمية متحيزة وتدعم الإرهاب، وفي التفاصيل أنّ وزارة خارجية الملالي استدعت السفير الأردني لدى طهران أحمد مفلح، و أنّ " رئيس دائرة شؤون الشرق الأوسط العربي بوزارة الخارجية أبلغ مفلح الاحتجاج الشديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية إزاء توجهات الأردن المتحيزة للعناصر الإرهابية ". هذا ودون أن توضح وزارة خارجيتهم أية عناصر إرهابية يقصدون، ولكن من الواضح أنّ هذه الفزعة تقصد مشاركة الوفد البرلماني والسياسي ألأردني في حشد باريس المذكور، والتصريحات الواضحة التي أطلقها بعض أعضاء الوفد دعما للمقاومة الإيرانية، وانتقادا عنيفا لإرهاب زمرهم وعصاباتهم خاصة في العراق. واستنادا إلى هذه النكتة السمجة لو أنهم  وجهوا تهمة التحيز للإرهاب لدول كافة الوفود التي شاركت في حشود باريس لبلغت تلك الدول ما يزيد على ثلاثين دولة. وهم بهذا ينسون إرهابهم ضد الشعوب الإيرانية خاصة هذا الشهر والعالم أجمع يتذكر انتفاضة الطلاب الإيرانيين عام 1999 ، والملف الأسود لسجل حقوق الإنسان في جمهوريتهم ، التي سجلت الرقم القياسي في الإعدامات بكافة أنواع القتل، واضطهاد المسلمين السنّة بشكل لا يقبله أي إسلام يتشدقون به، ومنع عرب الأحواز المحتلة منذ عام 1925 من استعمال لغتهم العربية حتى في منازلهم وداخل أفراد العائلة الواحدة.

وهل يتفق العراقيون على موضوع واحد؟

ضمن نفس السياق المتعلق بمنظمة مجاهدي خلق وطبيعة وجودها في الأراضي العراقية، دار نقاش حضاري راق بيني وبين مثقفين وكتاب عراقيين، بعد نشر الحلقة الأولى من هذه المقالة ( حشود باريس الإيرانية: تضامن عراقي ودولي غير مسبوق مع مجاهدي خلق ) بتاريخ الثلاثين من حزيران الماضي. فكيف ينظر العراقيون إلى هذا الموضوع؟

رحيم الغالبي

الشاعر والكاتب العراقي رحيم الغالبي، كتب لي يقول:
 " موضوع مجاهدي خلق الساعد الأيمن لصدام لم أرتاح له، وأنت تعلم أنا متابع لكل كتاباتك، ولكن هؤلاء الساعد الأيمن للبعث. هل هزّهم لقاء العراق وإيران؟ إذن عملاء. لماذا لم تطالب إيران بطردهم يوم سقوط الصنم ؟ هم عملاء في عملاء في عملاء ".وفي رسالة ثانية يؤكد " أما زمرة خلق فهي الساعد الأيمن لصدام ، وقتلت أهل الجنوب والأكراد وحتى الفلسطينيين في شارع حيفا ممن رفضوا التعاون مع زمرة صدام، وهل سمعت بأنهم قاموا بعمل من أجل شعبهم الإيراني ".

ساطع راجي من بغداد

وكذلك الكاتب العراقي ساطع راجي ، بادر للكتابة لي قائلا:
" أنا أعتبر نفسي ليبراليا، وقد لا أتفق مع الأحزاب الدينية الحاكمة في العراق في قضايا كثيرة، ولكن عندما اطلعت على مقالكم الذي يتحدث عن منظمة مجاهدي خلق، رأيت أن أطلعك على الملاحظات التالية:
أولا: وضعت بعض الدول الأوربية منظمة خلق في خانة الإرهاب، عندما اقتضت مصالحها ذلك، ورفعتها من هذه الخانة بعد لغير تلك المصالح، ومن حق العراق التصرف وفق نفس الآلية.
ثانيا: جميع العراقيين يعلمون أنّ منظمة خلق مسلحة، وكانت جزءا من أدوات صدام على الأقل في التوازن مع الوضع الإيراني، حيث تقيم المعارضة العراقية المسلحة.
ثالثا: العراقيون يعانون اليوم من العنف المصدّر من دول الجوار، وبالتالي لا يمكنهم  المطالبة بوقف تصدير العنف، وهم يسمحون بتواجد منظمات على الأراضي العراقية، تستهدف حكومات الدول الأخرى مهما كان رأينا بتلك الحكومات.
رابعا: الإيرانيون الموجودون في معسكر أشرف، إذا كانوا لاجئين فيجب أن يكون المعسكر تحت إدارة المنظمات الدولية المختصة وبإشراف من الحكومة العراقية.
خامسا: على مدى سنوات طويلة، كان إعلام صدام يظهر مئات المقاتلين الإيرانيين في معسكر أشرف وقياديين من خلق، يديرون تدريبات واستعراضات عسكرية فيها مختلف أنواع الأسلحة.
سادسا: حان الوقت ليكون العراق بلدا محايدا في المنطقة، فقد تعب من الحروب بالنيابة والتدخل في شؤون ألآخرين.
سابعا: مع احترامنا للشخصيات الأمريكية، لكن الولايات المتحدة في حالة خصومة مع إيران وليست طرفا محايدا في تشخيص وضع معسكر أشرف . استخدمت الولايات المتحدة نظام صدام في حرب ضد إيران وهي تبحث اليوم عن حليف لها في العراق من أجل جولة الصراع القادمة مع إيران، ومهما كانت مبررات الولايات المتحدة، فليس في طاقة العراق ولا مصلحته خوض أي حرب.
ثامنا: الأطراف العراقية التي استشهدت بأقوالها وتصريحاتها، تحاول التودد للولايات المتحدة أولا باعتبارهم حلفاء يمكن الاعتماد عليهم ضد إيران عندما تحتاج واشنطن ذلك، ثم هم معارضون للحكومة في الغالب، ولو تبنت الحكومة قرارا أو بيانا يؤكد دعمها لخلق أو للمتواجدين في معسكر أشرف، لعارضوا ذلك وتحدثوا عن المصالح الوطنية وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
تاسعا: قد لا نحبذ النظام السياسي الإيراني القائم ، ولكن لا مصلحة للعراقيين في دفع فاتورة تغييره ".

ماذا رددت على ساطع راجي؟

" أشكرك جزيل الشكر على تكبدك عناء قراءتي والكتابة لي. لقد قرأت ملاحظاتك بدقة، وأنا أوافقك بشكل كامل على ما ورد فيها. كان منطلقي في الكتابة هو أنّ السياسة لا مصالح ثابتة فيها. الصديق اليوم ربما يصبح عدوا غدا والعكس أيضا. أنا أرصد سياسة وتوجهات و تدخل النظام الإيراني في العراق فأجدها غير مقبولة، وللأسف لولا وجود عراقيين يرحبون بهذه السياسة الإيرانية، لما وجدت هذا الحضور الذي يجعل الساسة الإيرانيين يتعاملون  بصلافة وصفاقة مع كافة الشعوب العربية. لذلك أنا مع الرأي القائل بأن العراق محتل من إيران وليس أمريكا.
أؤيدك تماما أن الشعب العراقي كفاه الموت والخراب الذي عاشه، وأنا شخصيا ضد استعمال أية جهة للحدود العراقية لتصفية حساباتها مع إيران، فيكفي العراقيون ما عانوه. ولكن ما العمل يا أستاذ ساطع طالما العراقيون ساسة وشعبا منقسمين في كافة الأمور بما فيها وجود منظمة مجاهدي خلق، فهناك ساسة وجماهير معها، وساسة وجماهير ضدها بغض النظر عن أية نسبة أكثر. لذلك ففي هذا الموضوع وكافة أمور الساحة العراقية، فإن الكرة في ملعب الشعب العراقي. يا عراقيون اتفقوا على أجندة واحدة يجتمع عليها الشعب العراقي، أما الوضع الحالي فأنت أدرى مني: عراقيون مع رحيل الأمريكان، وعراقيون مع بقاء الأمريكان. عراقيون مع إيران وعراقيون ضد سوريا...وهكذا لا يوجد أي موضوع عليه إجماع عراقي...فما العمل؟ ".

فماذا كان رد ساطع؟

" شكرا جزيلا لردكم على ما بعثته إليكم من رأي. أما بخصوص انقسام العراقيين فهو أمر حقيقي ولكنه حتمي أيضا، خاصة عندما يكون هناك نظام يوفر مناخا للمعارضة، وبوجود الأوضاع المعروفة يكون الانقسام في العراق أشدّ ضراوة، ويبدو هذا الانقسام صحيا لولا أنه يتخذ الشعارات الطائفية واجهة له ويستعين بالسلاح لفرض وجهات النظر. وليس هناك أفضل من الحل الديمقراطي، فالإجماع يكاد يكون مستحيلا، لذا فالقرارات السياسية يجب أن تمرر بالأغلبية، و إلا أصاب الدولة العراقية الشلل. أما إيران فهي حكاية. نعم إيران تتدخل في العراق وبشكل غريب، ولكن كيف تسمح به واشنطن، وخاصة بهذا الحجم والاستمرارية؟ هل هو نتيجة عجز أمريكي؟ أم نتيجة رغبة في إنتاج حالة استقطاب داخل الوسط السياسي العراقي في ظل المواجهة الأمريكية الإيرانية؟ أحيانا يبدو الأمريكان مرتاحين لحالة التورط الإيراني في العراق. نعم يمكن تسميته تورط يهدف إلى استنزاف الخصم الإيراني، أما السلوك الإيراني تجاه الدول والشعوب العربية، فيمكن فهمه إذا عرفنا أنّ إيران تتصرف كدولة تريد أن تكون كبرى على الأقل في المنطقة، بينما الدول العربية فهي مجرد ضياع لإقطاعيين أو شيوخ يسمّون أنفسهم رؤساء وملوك ".

آه عيني ....شاكو ماكو!

عيني والله ما خلصت الحكاية...من أسبوعين ثلاثة أربعة... دخل على الخط السيدان (هابيليان و قابيليان )...وراس الإمام علي هاي مو نكتة ولا تخريف نتيجة بسطة عراقية .. انتظروا شاكو ماكو ألأسبوع القادم...بس ما تخافوا...شي  يضحك ما يخوف!
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com




362
استيقظوا:
أردنيون يسعون لخراب بلادهم!!


د.أحمد أبو مطر

الحراك السياسي والاجتماعي والإعلامي المثير للغاية، الذي تشهده الساحة الأردنية طوال الشهور القليلة الماضية، نادرا ما تشهد أية ساحة عربية مثيلا له من زاويتين:

ألأولى: أن يكون الباب مفتوحا أمام أي فرد ( كل من هبّ و دبّ ) ، أن يدلي بدلوه النظيف أو الوسخ في الموضوع المفروض للنقاش من قبل بعض اخترعوا الموضوع من خيالهم معتمدين على إشاعات مصدرها دوما ( مصدر رفض الإفصاح عن اسمه )، وتسري الإشاعة بسرعة ضوئية وسط تجمعات معينة، كل واحد منها يضيف عليها من اختراعاته غير الموثقة، فإذا الرأي العام أمام قضية أخطر من نكبة فلسطين عام 1948 وهزيمة حزيران عام 1967 ، وأفضل مثال لذلك ما سمّي الخصخصة لبعض المنشآت والمراكز الأردنية العامة، وموضوع مهرجان ألأردن الذي كتبوا فيه عبر مغالطات من اختراعهم أكثر مما كتبوه عن معاناة سكان قطاع غزة ، وبطريقة مثيرة خيل لي في لحظات أن  المهرجان من تنظيم الكنيست الإسرائيلي ، والذين سيحيون  حفلاته هم  المغني الشهير حاييم هيرتزل و راقص البالية الحي الميت شارون و مغني الروك أولمرت.

الثانية: على غير العادة العربية السائدة والمتبعة ، تبقى مؤسسات الحكم الرئيسية ( الملك ، رئاسة الوزراء ، دائرة المخابرات العامة ) بعيدة عن التدخل لوقف  هذا العبث بسمعة البلاد وشعبها ومؤسساتها، تراقب ما يجري بطريقة حضارية تقول للجميع ( قل ما تريد، أكتب ما تشاء ، ولكن كن مسؤولا عما تقول وتكتب ) . لم يتدخل الملك كما تعودنا من غالبية المسؤولين العرب ،  أن يصدروا أوامرهم لوقف هذه الحملة المغرضة على الوطن من قبل بعض أبنائه، وعادة فالأمر لا يتعدى عدة اتصالات من نوع معين معروفة ماركته التجارية في الأقطار العربية، وفجأة يسكت الجميع بل يعتذرون لاعنين تلك المصادر المعلوماتية المغرضة. رئيس الوزراء ( المهندس نادر الذهبي ) أيضا قام بدور المراقب الذي يرصد كل هذه الأقاويل والإشاعات التي اعتمد مطلقوها على نظرية (أكذب..أكذب..حتى تصدق نفسك فيصدقك الناس )، وفي اللحظة المناسبة أوعز لكل مسؤول طالت الإشاعات والأكاذيب موضوعا خاصا بوزارته أو دائرته أن يعلن الحقائق المتعلقة بالموضوع . دائرة المخابرات العامة (الفريق محمد الذهبي)، لم تتدخل في سير وسريان هذه الإشاعات المشوهة لصورة البلاد ، لأنها خارج اختصاصها الذي يتركز على تحقيق الأمن الداخلي للدولة والمجتمع، وهذا على غير ما نعرفه في غالبية الأقطار العربية، حيث تتدخل هذه الدوائر في كل أمور المواطن بما فيها ساعات نومه ويقظته وأحيانا عدد مرات نومه في فراش زوجته.

كمثال للمقارنة غير البريئة فقط
وكي يدرك الأردنيون خاصة من كان منهم وراء تلك  الإشاعات وما أعقبها من حملات مغرضة ضد وطنهم ودولتهم، حجم هامش الحريات الديمقراطية التي يتمتعون بها، نذكّرهم أنه طوال الشهور الثلاثة الماضية منذ بداية حملة التشويه والمبالغة التي وصلت حد الكذب المتعمد، لم يتم مساءلة أو اعتقال أي مشارك فيها، أو منعه من السفر أو التضييق عليه في عمله، بينما أتحدى هؤلاء أن يمرّ أسبوع واحد دون محاكمة أو اعتقال أو سجن أو منع من السفر لشخص أو أكثر من العاملين في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة والصحافة في الجارة سورية!. و هل يستطيع أي صحفي أو كاتب سوري أن ينتقد المفاوضات السورية الإسرائيلية التي تهدف للتطبيع مع الدولة الإسرائيلية ؟. وهؤلاء أنفسهم من الأردنيين  يعرفون تمام المعرفة عبر مصادر لا تخجل من ذكر اسمها أنه حتى هذه اللحظة هناك أكثر من 250 مواطنا أردنيا في السجون السورية بعضهم منذ خمسة وعشرين عاما، انقطعت أخبارهم وغير معروف إن كانوا أحياء أو أمواتا، فهل يجري في مملكتهم الأردنية شيء من هذا؟. وهل تجرأ واحد منهم يوما ما أن يسأل الرفاق في دمشق عن مصير هؤلاء السجناء السياسيين؟ ولماذا لم يستنكروا قتل ما لا يقل عن خمسة وعشرين من السجناء الإسلاميين في سجن صيدنايا السوري يوم السبت الماضي في مجزرة جديدة ، وصفتها مصادر حقوقية سورية بأنها صورة مصغرة  من مجزرة سجن تدمر عام 1980 ، وذلك  بسبب إطلاق الرصاص عليهم من حراس السجن، أثناء احتجاجهم على سوء معاملتهم وبقاءهم رهائن دون محاكمة عدة سنوات؟  بالله عليكم ماذا كنتم ستفعلون لو أن هذا الحادث وقع في سجن أردني؟.

ولماذا السكوت على التطبيع في سورية؟

والدليل على ضلال وازدواجية هذه الأصوات والأقلام والنقابات الأردنية، أن أغلب بكائها ولطمها ضد مهرجان ألأردن إشاعة مفادها أن الشركة التي نظّمت بعض عقوده هي شركة "ببليسيز" الفرنسية التي نظّمت احتفالات دولة إسرائيل بذكرى تأسيسها الستين، وأن هذا تطبيع مع الدولة العبرية، وهذا ما جاء في بيان " لجنة مقاومة التطبيع " التابعة لمجمع النقابات المهنية في الأردن ، وهذا يمكن أن يعتبر قناعة فكرية للجنة، ولكن من المنطقي سؤال اللجنة: وماذا عن التطبيع السوري الإسرائيلي الذي بدأ علنا في تركيا قبل شهور عبر لقاءات غير مباشرة، اعترفت بها كل الأوساط السورية بما فيها الرئيس بشار الأسد، وفي آب القادم ستصبح لقاءات مباشرة . لماذا مهرجان الأردن عبر إشاعة كاذبة أصبح تطبيعا أماّ المفاوضات السورية الإسرائيلية العلنية المؤكدة  نضالا ومقاومة؟. ربما يقول مناضلو اللجنة أن ذلك موضوع سوري لا دخل لنا به وهم في هذا يضللون ويكذبون، لأنهم في موضوع مهرجان ألأردن ناشدوا كل النقابات العربية بما فيها السورية لمقاطعته، فلماذا لم يقتصر عملكم ضد المهرجان إذن على الساحة الأردنية ، بينما النقابة السورية التي استجابت بسرعة ضوئية لمطالبتكم بمقاطعة مهرجان الأردن، تقطع بحد السكين لسان كل عضو فيها يأتي على مجرد ذكر المحادثات التطبيعية السورية الإسرائيلية ، لذلك في هذا السياق يتذكر الشخص المحايد القول الشائع: إذا لم تستح فافعل ما شئت!.

وأيضا نقابة الفنانين الأردنيين

وكمثال أيضا على التسرع في تصديق الإشاعات وما يبنى عليها من ردود أفعال لا تبغي سوى الشهرة الإعلامية ولو على حساب تشويه صورة الوطن والدولة، البيان الذي أصدره نقيب الفنانين الأردنيين شاهر الحديد ضد المهرجان، وتمّ تم توزيعها فضائيا مطالبا النقابات الفنية العربية بمقاطعة المهرجان المشبوه حسب رسالته، فأعلنت أكثر من نقابة عربية المقاطعة بناءا على طلبه الثوري القومي المقاوم الصلب، وفجأة يفاجئنا سعادة النقيب (الحديد الصلب ) ببيان يعتذر فيه عن الأكاذيب التي أرسلها للنقابات العربية، داعيا الفنانين العرب ونقاباتهم العدول عن المقاطعة لأنه " تأكد أن الشركة المنظّمة لم تنظم احتفالات إسرائيل بالذكرى الستين لقيامها". وأعلن سعادة النقيب الحديد الصلب بيانه المذكور بكلمات اعتذارية، يدرك صاحبها حجم الضرر الذي ألحقه بوطنه ودولته، إذ قال في بيانه الاعتذاري المكذب لبيانه الأول: ( عندما يتحدث سيد البلاد " يقصد الملك عبد الله الثاني " فإن الحديث يكون قد أخذ أعلى مداه وصافي سناه ويكون حديثه بوصلة المركب الذي أحاطت به الأنواء واستعصى على وضوح الاتجاه. لقد جاءت الحقيقة التي كنّا نطلبها ناصعة بعد أن راوغ البعض في إيضاحها.....إننا في نقابة الفنانين الأردنيين لا نختار سوى الأردن العزيز الأبي سيرا على هدى القيادة الهاشمية ونربأ بها أن تكون مجالا للمزايدة بين أي من الناس كائنا من كان، ولا نقبل والحال هذا أن يشكك المشككون بولائنا " لا سمح الله"، فنحن أردنيو النسب هاشميو الانتماء والولاء وليس للإنسان من فخر أعزّ وأعلى من هذا. وبعد أن تمّ إزالة اللبس والغموض وتبين أن الشركة المشبوهة ليست هي التي تدير المهرجان، فإننا ندعو زملاءنا الفنانين العرب ، الذين هبّوا دفاعا عن صورة الأردن حبّا و وفاءا للأردن، أن يهبوا من جديد للوقوف معه بعد أن أوضح جلالته كل الغموض واللبس وثوقا بالقائد وحكمته ".

الاعتراف بالذنب فضيلة..ولكن بعد ماذا؟

إن اعتراف نقيب الفنانين الأردنيين بخطئه الفادح أمر يشكر عليه، ولكن هل يدرك ألآن حجم الضرر والتشويه الذي ألحقه بوطنه ودولته نتيجة تسرع الشهرة والفضائيات؟. أما كان بإمكانه التريث والاتصال بالمسؤولين المعنيين لإيضاح الحقيقة له ولغيره؟.  ولماذا لا يبدأ  ألآن اتصالات مباشره حتى لو اضطرته للسفر للنقابات العربية في عواصمها ليوضح لها مباشرة حجم خطئه ؟ وماذا عن مجمع النقابات الأردنية ولجنة مقاومة التطبيع ؟ هل أدركوا ما أدركه شاهر الحديد ونقابته؟. أم أن الحديد في واد صلب وهم ما زالوا في واد خشبي لا يعون ولا يفقهون مصلحة الوطن؟ وكان مهما أن يعلن الفنان الأردني المشهور عمر العبدلات أنه سيشارك في المهرجان بعد قرار النقابة العدول عن المقاطعة  لأن إعلان مقاطعته سابقا  كان امتثالا لقرار النقابة.

السياسات العامة لن تكون رهينة للإشاعات

هذا ما قاله الملك عبد الله الثاني بعد أن نفذ صبره من حجم الإشاعات والتضليل الذي غالبه يصدر من مواطنين  ونقابات وقيادات أردنية ، وهو في مجمله لا ينطبق عليه النقد البناء، لأن صاحب هذا النقد لا يصدر نقده إلا بعد أن يـتأكد من معلوماته ، كي لا يضطر لنفي ما قاله كما فعل نقيب الفنانين الأردنيين. لذلك كان لا بد من تدخل سريع للملك عبد الله الثاني يوضح كافة الحقائق وبشفافية كاملة دون أن يتصاحب ذلك بأمر لدائرة المخابرات العامة باعتقال أصحاب هذه الشائعات، لذلك كان حديثه لوكالة الأنباء الأردنية " بترا" يوم الثاني من يوليو الحالي، جريئا وصريحا بشكل يفحم كل الذين عاشوا على إشاعات " مهرجان الأردن" و" بيع الأملاك العامة " طوال الشهور الماضية. ماذا قال وأكّد الملك عبد الله الثاني ؟ ، يكفي العناوين و ألأسس التالية في حديثه:

استمعوا إلى ما يقوله المهنيون والخبراء وتجاهلوا الإشاعات والثرثرة
أشعر بصدمة وخيبة أمل بسبب المستوى المتدني للجدل الدائر
الأكاذيب المكشوفة والإشاعات الصبيانية أمر غير مقبول
لن تكون هويتنا وثقافتنا الوطنية للبيع
الإشاعات حول الفساد الحكومي ليس أكثر من خيال وافتراء
بيع أراضي الخزينة أنقذ الأجيال الحالية والقادمة من دفع فوائد عالية للدين الخارجي
المدينة الرياضية والجامعة الأردنية لم تباعا  ولا نية لذلك، والمدينة الطبية كمؤسسة واسم لن يباعا أبدا
حماية إرث الحسين والحفاظ عليه يعتبران بالنسبة لي أمرين طبيعيين كالتنفس
أوعزت بتشكيل لجنة لتدقيق وتقييم  أي بيوعات محتملة للأراضي العسكرية
بابي سيظل مفتوحا لكل شخص ورأي إذا ما كان القصد مصلحة الأردن والأردنيين
الأسعار تستحوذ على تفكيري وتقلقني كثيرا
سدّدنا جزءا كبيرا من ديوننا هذا العام بلغ 4 .2 مليار دولار

ثم جاء دور الحكومة

وأعقب التدخل الملكي السريع الصارم ، توضيحات رئاسة الوزراء عبر تصريحات وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصالات ناصر جودة، حيث أوضح كافة الحقائق المتعلقة بمهرجان الأردن، وأهمها:

أولا: إن فكرة تأسيس وإطلاق مهرجان الأردن لم تأت من فراغ ، ولم تكن نتيجة قرار آني مستعجل، وإنما جاءت إثر دراسة مستفيضة وبحث دقيق في الخيارات، وكان قرار الحكومة بتأسيس المهرجان  بالاستجابة إلى جملة من الضرورات الوطنية.

ثانيا: إن القرار كان واضحا من حيث أن المهرجان سينطلق رسميا العام القادم 2009 ، على أن تقام فعاليات فنية هذا الصيف، تحت مظلة المهرجان بما يضمن الاستفادة من فصل الصيف والموسم السياحي الواعد.

ثالثا: قبل أن تنطلق الفعاليات وبالتزامن مع استعدادات القيام بالحملة الإعلانية، انطلقت حملة دعائية بهدف إفشال فعاليات هذا الصيف الفنية، واستندت إلى إشاعات و معلومات ملفقة ، دارت حول الجهة المنظمة للمهرجان، وطالت غاياته وأهدافه، وبزعم أنّ شبهة تطبيعية تشوب المهرجان، تنظيما وأهدافا.

رابعا: الشركة الوحيدة الأجنبية التي تمّ التعاون معها لهذه الغاية هي شركة " لي فيزيتور دي سوار " الفرنسية المعروفة والمتخصصة في مجال الاتصالات وترتيب العقود مع الفنانين العرب والعالميين، وقد تمّ التعاون معها لغاية الوصول إلى الفنانين المشاركين، من خلال خبرتها و إمكانياتها، في حين أن التعاقد مع الفنانين لا يتمّ إلا مع هيئة تنشيط السياحة،وهذه الشركة هي المسؤولة عن إقامة وتنظيم حفلات عدد من الفنانين العرب الكبار وفي مقدمتهم السيدة فيروز.

خامسا: إنّ كل ما أشيع حول علاقة شركة " بوبليزيز" مع المهرجان وفعالياته عار عن الصحة.

الدروس المستفادة من هذا الخراب

هذه الحقائق التي تمّ توضيحها من الملك عبد الله الثاني ورئاسة الحكومة، تؤشر على عدد من الدروس التي ينبغي أن يستوعبها كل من يهمه مصلحة الأردن وسمعته، وذلك للاستفادة منها مستقبلا وأهمها:

أولا: ضرورة رصد ومعرفة كيف انطلقت الإشاعة المعلوماتية المغلوطة التي بنى عليها بعض الصحفيين والنقابات حملتهم  الظالمة بحق وطنهم ودولتهم. وأنا هنا أقصد  ملاحقة آلية بداية انطلاق الإشاعة وكيفية تبنيها بسرعة ضوئية من صحفيين وكتاب ونقابات، لتدارك عدم حدوث ذلك بشأن موضوعات أخرى.

ثانيا: لماذا ظلت الحكومة و دوائرها ومراكزها الإعلامية في موقع الغائب المتفرج الساكت  على الإشاعة المعلوماتية التي بنيت عليها حملة مقاطعة المهرجان، وهي تملك كل هذه الحقائق والمعلومات التي أعلنها وزير الدولة لشؤون ألإعلام  والاتصالات ؟. لماذا لم تتدخل منذ اللحظة الأولى، وتنشر هذه الحقائق أمام الجميع ليوقفوا حملتهم وتشويههم لوطنهم ودولتهم؟ أي لماذا جاء نشر هذه الحقائق بعد أن حلّ الخراب وانتشر التشويه؟.

ثالثا: ضرورة اعتماد آلية معينة لانسياب المعلومات والحقائق من دوائر ووزارات الحكومة ، للصحافة ووسائل الإعلام بطريقة شفافة سريعة، تجعل من حق الصحفي والإعلامي والسياسي والنقابي الوصول للمعلومة في اللحظة المناسبة وبالسرعة الأنسب، كي لا يعيش الأردن موسم إشاعات جديدة كل فترة بسبب فقدان المعلومة من مصادرها في اللحظة المناسبة.

سؤال ضمن السياق

لماذا لم نقرأ اعتذارا أو تصحيحا من قبل الصحفيين والكتاب والنقابات التي أسهمت في حملة الإشاعات والتشويه بحق وطنهم؟ كما تجرأ نقيب الفنانين شاهر الحديد على الاعتذار وسحبه لبيان مقاطعة المهرجان، ودعوته للفنانين الأردنيين والعرب بأن يهبوا للدفاع عن الأردن وصورته بعد جلاء الغموض ومعرفة الحقيقة الناصعة من كلام الملك عبد الله الثاني شخصيا؟. هل هذا البعض الذي ما زال ساكتا وغير نادم على التشويه الذي ألحقه بوطنه ودولته من مدرسة ( عنزة ولو طارت )؟ أم من أتباع ( نكاية بالطهارة تبول في لباسه )؟.

وأخيرا ، يقول الملك عبد الله الثاني

رادا على الشائعات والثرثرة السائدة في الشارع الأردني:

" وفي الواقع فإن العديد من أولئك الذين حولي نشأوا وترعرعوا في ظلّ والدي رحمه الله، وخلفياتهم واضحة ومعروفة للجميع. فنادر الذهبي رئيس الوزراء الحالي، خدم قبل عهدي بصورة مميزة في سلاح الجو ومديرا للخطوط الجوية الملكية الأردنية، وأنا فخور جدا بإنجازاته وسعيد بأدائه الحالي. ورئيس الديوان الملكي باسم عوض الله تلقى تعليمه الجامعي بمنحة دراسية من المرحوم والدي، وقد خدم بتميز مرموق في أربعة من الحكومات التي شكلت في عهد والدي رحمه الله، ومنحه وسامين لعطائه وتميزه وخدمته، ولا أحد يستطيع أن يشكك في خلفية رجال الحسين من العسكريين في قواتنا المسلحة من رئيس هيئة الأركان المشتركة إلى الجندي العادي في الميدان، والأجهزة الأمنية ومنها دائرة المخابرات العامة التي يرأسها محمد الذهبي "وهو أحد الذين خدموا هذا الجهاز على مدى سنوات " خدمت بلدنا وحمته بوسائل وطرق سنظل دائما عاجزين عن إيفائها ما تستحق من تقدير، ومن رئيس مجلس الأعيان إلى رئيس مجلس النواب، فهم جميعا رجال والدي رحمه الله وأنا فخور بهم وبإنجازاتهم "...بعد كل هذه التوضيحات الملكية ، هل سيتوقف سيل الإشاعات الأردنية  الذي انتشر طوال الشهور القليلة الماضية؟ أم أنّ نفس الماكينة قادرة على خلق إشاعات جديدة تشغل بها الشارع الأردني؟.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com




                           



363
دولة فلسطينية في الأردن:
دعاية انتخابية غير قابلة للتحقيق

د.أحمد أبو مطر

التصريحات التي نسبت لروبرت كيغان، مستشار المرشح الجمهوري الأمريكي للرئاسة جون ماكين ، حول أن ( ألأردن الوطن الطبيعي لملايين الفلسطينيين من سكانه، وكذلك هو الحل الأمثل لقضية اللاجئين الذين ذاب أغلبهم في المجتمعات التي يقيمون فيها )، أثارت ردود فعل احتجاجية في الأيام القليلة الماضية تدلل على خطورة هذا الطرح، وأن الرأي العام الأردني والفلسطيني تحديدا مستنفر أساسا ضد هذه الأطروحات ، التي ذكر موقع  " فيلكا إسرائيل " أنها  صدرت عن المستشار في محاضرة له في جامعة نيويورك ، ولم يصدر نفي لها ، سوى ما يشبه التكذيب الغامض الذي ورد في مقالة للزميل عبد الرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط ، يوم الأربعاء الثامن عشر من يونيو، إذ ذكر أن ( أحدهم أرسل رسالة إلى روبرت كيغان يطلب نسخة من محاضرته في جامعة نيويورك التي تحدث فيها عن الحل الأردني للفلسطينيين )، فردّ عليه كيغان بنفي المعلومة من أساسها. في حين أن الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط "مايكل بالتيه" لم يستبعد صدور مثل هذه التصريحات التي تستميل الصوت الانتخابي اليهودي لجهة التأكيد على ضرورة تبني الخيار الأردني كحل مقبول للصراع العربي الفلسطيني ، وذلك أثناء لقاء له في عمّان بعدد من الأمناء العامين لأحزاب أردنية وشخصيات سياسية وإعلامية، وذلك كما ذكر موقع " عمّون " الأردني يوم الثامن عشر من يونيو ، وأنّ اللقاء المذكور تمّ بحضور"فيليب فرايني" المستشار الإعلامي في السفارة الأمريكية.

 و أيا كانت الحقيقة حول هذا التصريح فأنا لست مع رأي الزميل عبد الرحمن الراشد الذي قال تعقيبا على ردة الفعل الأردنية المستنكرة ( ألا يبدو الموقف سخيفا جدا؟ كل هذه الهبة والمواقف الحماسية قامت على كذبة )، وذلك حتى في حالة ثبوت عدم صدور ذلك التصريح، فالمسألة في أساسها ليست كذبة ولكنها من أفكار اليمين الإسرائيلي القديمة الجديدة.

التذكير بأحلام إسرائيلية  قديمة

هذه الأحلام القديمة هي التي أخذت اسم ( الوطن البديل ) كحل للقضية الفلسطينية ، وهي تطرح مشروعا وهميا يتبناه اليمين الإسرائيلي مفاده ( أن الدولة الفلسطينية قائمة فعلا شرق النهر ) ، لمصادرة مجرد النقاش حول قيام دولة فلسطينية في القطاع والضفة ضمن حدود عام 1967 كما يطالب الفلسطينيون والمبادرة العربية ، وتتبنى بعض فصائل هذا اليمين "مسالة التهجير الجماعي لفلسطينيي غرب النهر ليلتحقوا بدولتهم القائمة شرق النهر" .  ويتخذ هذا المشروع الوهمي شكل المزايدات خاصة إبان الحملات الانتخابية الإسرائيلية من فصائل اليمين الإسرائيلي في العديد من الأحزاب والتنظيمات خاصة الليكودي الشاروني، رغم انفصاله الأخير عن الليكود وتأسيسه حزب "كاديما" الوسط . وهذا ما يفسر إصرار الجانب الإسرائيلي على ضم القدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، وتكثيف بناء وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، التي تلتهم نسبة عالية من مساحة الضفة، وتحيلها بسبب الحواجز والطرقات ممنوعة الاستعمال على الفلسطينيين إلى جيتوات مغلقة، وهذه الضفة الغربية في تسميتنا هي " يهودا والسامرة" عند اليمين الليكودي، الذي يرى أن من الأخطار التي يجب مواجهتها ، ما أطلق عليه " القنبلة المنوية" مقصودا بها التكاثر البشري الفلسطيني، إذ يعيش في داخل دولة إسرائيل حوالي مليون ونصف فلسطيني، وفي قطاع غزة مليون ونصف ، وفي داخل الضفة الغربية حوالي مليونين ونصف ، مما يعني أن الفلسطينيين ألآن في داخل إسرائيل و القطاع والضفة، حوالي  خمسة ملايين و نصف المليون ، بينما عدد السكان اليهود في داخل دولة إسرائيل حسب ما هو منشور في موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية يوم السابع من مايو 2008 هم فقط خمسة ملايين وأربعمائة وتسع وتسعين ألف ، أي تقريبا نفس عدد السكان الفلسطينيين، ومصدر التخوف الإسرائيلي من القنبلة المنوية الفلسطينية، هو نسبة التكاثر البشري الفلسطيني التي تثبت ألإحصائيات أن سكان القطاع والضفة تزايدوا بين عامي 1998 و 2005 بنسبة 39 % ، يقابل ذلك تزايد ملحوظ في الهجرة من داخل دولة إسرائيل، والمشاكل و التناقضات بين اليهود السفارديم (الشرقيين ) وألإشكيناز ( الغربيين )، وشبه الرفض لليهود الإثيوبيين ( الفلاشا )، ومعاملتهم بعنصرية علنية أدت إلى تظاهرهم العديد من المرات، مظاهرات رافقتها مظاهر عنف من الطرفين . كما ثبت للسلطات الإسرائيلية نفسها أن ما لا يقل عن مائتي ألف من المهاجرين لدولة إسرائيل من دول المنظومة ألاشتراكية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 ، كانوا وما زالوا مسيحيين وليس يهودا، ادّعوا أنهم يهود للوصول لدولة إسرائيل هربا من الفقر والاقتصاد المنهار في تلك المنظومة، وهذه ألآلاف لا يربطها بدولة إسرائيل إلا لقمة الخبز والمسكن، وبالتالي فهي مستعدة للهجرة السريعة إذا وجدت لقمة خبز أفضل ومكان سكن أكثر راحة من مجتمع ينام ويستيقظ على صوت الرصاص وأخبار العمليات الانتحارية. ويكفي للتدليل على هذه الأحلام الإسرائيلية ذكر موقفين:

ألأول: هو ما عبر عنه إيجال ألون العسكري والسياسي الإسرائيلي السابق، الذي يعتبر من مؤسسي المشروع الصهيوني وجيش الدفاع الإسرائيلي، وتولى وزارة الخارجية من عام 1974 إلى عام 1977 ، وهو صاحب نظرية " علينا العمل وفق سياسة الزحف الاستيطاني من أجل الوصول إلى بناء الخريطة السياسية لدولة إسرائيل العظمى ، وإنّ أمن وسلامة إسرائيل أرضا وشعبا يقتضي إلغاء جميع الخرائط الحدودية التي رسمت للدولة منذ عام 1948 ".

الثاني: الموقف الذي عبّر عنه شارون في قوله " على الحكومة الإسرائيلية ضم الضفة الغربية فهي جزء لا ينفصل عن الوطن التاريخي لليهود، كما يتوجب على الحكومة الإسرائيلية توطين مليوني يهودي في الضفة الغربية، تكون مجتمعاتهم أو مستوطناتهم نمطا من المجتمعات التعاونية الزراعية الصناعية المحلية، ولا تخلو من القدرة الدفاعية العسكرية، تشكّل بمجموعها حزاما أمنيا عريضا".

وهذه المواقف ليست سرّية بل يؤكدها أصحابها في العديد من المناسبات، ومن الواضح أن تطبيق هذه الأفكار لا يعني سوى التهجير الجماعي لفلسطينيي الضفة الغربية، وهذا لن يكون إلا عبر النهر للضفة الشرقية أي إلى ألأردن ، بدليل عملية النزوح التي أعقبت هزيمة حزيران عام 1967 ليسن الضفة الغربية المحاذية لشرق النهر فقط  بل من قطاع غزة أيضا . من هذا التخوف الفلسطيني والأردني ، كانت الهبة الجماعية لرفض واستنكار تصريحات مستشار المرشح الجمهوري الأمريكي، لأنها دخان ليس بدون نار وإن صدرت لاستمالة ناخبين أمريكيين.

أحلام غير قابلة للتحقيق

ضمن معطيات الواقع الأردني والفلسطيني ، فهذه الأحلام غير قابلة للتحقيق بشكل مطلق مهما بلغ حجم التخطيط والاستعداد والأموال المرصودة لهذا المشروع الخيالي، وذلك لأسباب غير قابلة للنقاش والمساومة:

أردنيا

لأن الأردن أصبح كيانا سياسيا منذ تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921 بقيادة الأمير عبد الله بن الحسين بن علي ( الملك عبد الله  المؤسس لاحقا )، وأعلنت المملكة الهاشمية لشرق الأردن عام 1946 وملكها عبد الله بن الحسين، وفي عام 1949 سميت المملكة الأردنية الهاشمية بعد إعلان وحدة الضفتين وهما شرق الأردن والضفة الغربية، وظلّ هذا الوضع المعترف به دوليا وعضو في جامعة الدول العربية، حتى احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967 ، وظلت المملكة الأردنية الهاشمية في زمن المرحوم الملك حسين، تعمل وتطالب ضمن المجموعة العربية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية. ومن المعروف أن قرار الملك حسين في عام 1988 بفك الارتباط مع الضفة الغربية لم يكن تخليا عن مسؤولية المملكة الأردنية الهاشمية بقدر ما هو امتثال لرغبة فلسطينية عبرت عنها منظمة التحرير الفلسطينية منذ قرار القمة العربية في الرباط عام 1974  القاضي بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ، وإعلان المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988 الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، فكان قرار فك الارتباط دعما للإعلان الفلسطيني و الكيانية الفلسطينية ، إذ من غير المنطقي ولا المقبول دوليا، أن تستمر المملكة الأردنية الهاشمية في اعتبار الضفة الغربية جزءا منها تم احتلاله، وفي الوقت ذاته يعتبر الفلسطينيون الضفة الغربية جزءا من دولتهم المعلنة نظريا، ويعملون على تحقيقها خاصة بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 ، وتستمر المملكة الأردنية الهاشمية دولة كاملة السيادة معترف بها في منظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ولها حضور واضح في كافة المحافل والملفات الدولية.

لذلك فإنه من المستحيل ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين أن تتمكن أية مؤامرة من شطب هذه الدولة، خاصة إذا كان هدف  هذا الشطب هو شطب دولة أخرى هي الدولة الفلسطينية المقترحة ، وهي هدف العمل والنضال الفلسطيني والعربي المشترك طوال ما يزيد على نصف قرن مضى. ومن المهم التذكير بأن أصحاب هذه الأحلام والرؤى المؤامرة، يلعبون بوضوح على مسألة النسب الخاصة بالأصول الديموغرافية في الأردن، خاصة ما يتعلق بالأردنيين من أصول فلسطينية، و أيا كانت هذه النسبة فهي لا تخدم المؤامرة التي يفكرون فيها، لأن الانتماء لأي وطن ودولة لا علاقة له بالأصول والمنابت ، لأن هذه النظرة أول ما تنسف هي الدولة الإسرائيلية إذا تذكرنا الصراع القائم بين اليهود السفارديم والإشيكناز ولاحقا اليهود الفلاشا ، وأيضا فالأصول الفلسطينية بمئات ألآلاف في دول كسوريا ولبنان ، فهل يفكر هؤلاء في كيانات مستقلة أو سلطة حكم ذاتي ، وكون هذا غير موجود مطلقا حتى في أحلام أولئك الفلسطينيين، فهذا يعني أن طرحه فيما يتعلق بالمملكة الأردنية الهاشمية، فقط لأنه يطرح من قبل ساسة إسرائيليين وموالين لهم خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية في أسابيع الانتخابات فقط، وهذا ما يدلل على أنه غير مطروح كأجندة سياسية تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيقها في ظل الدعم العلني الأمريكي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة أيا كان خلافنا معها حول حدود هذه الدولة، لأن الولايات المتحدة تدرك تماما أنه لا أمن حقيقي لدولة إسرائيل إلا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وتعايش الدولتين والشعبين في سلام واستقرار حقيقيين، ويدرك ذلك قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي حيث يتبنون مبدأ ( دولتين لشعبين ) .

فلسطينيا وتأكيد ملكي أردني

لا يمكن تصور أن أي فلسطيني أيا كانت الدولة التي يحمل جنسيتها بما فيها المملكة الأردنية الهاشمية، أن يفكر حتى في أحلامه بالتنازل عن حقه في دولة فلسطينية مستقلة أيا كانت حدودها مقابل قيام دولة فلسطينية مكان دولة أخرى .  من هنا يأتي التأكيد الأردني في كل مناسبة، وأعاد تأكيده الملك عبد الله الثاني في مقابلته مع جريدة السفير اللبنانية يوم الأربعاء الثامن عشر من يونيو الحالي بقوله: " لقد تعودنا على مثل هذه التسريبات الإعلامية والتحليلات السياسية، ولا نخشى على مستقبل الأردن، ونحن متفائلون بأن الأردن الذي جابه تحديات عديدة سيمضي لتحقيق مستقبل أفضل، فهذا البلد وجد ليبقى، والأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين . لقد تعايشنا مع الصراع العربي الإسرائيلي على مدى نصف قرن، ودافعنا عن حقوق ألأردنيين والفلسطينيين، وسنبقى راسخين في مكاننا، مؤمنين بعدالة قضيتنا، وبحق الشعب الفلسطيني في دولة وهوية فلسطينية مستقلة على أرض فلسطين. والفلسطينيون لن يقبلوا بديلا لوطنهم فلسطين، وعلى إسرائيل أن تعي هذه الحقيقة وتسلم بالوجود الفلسطيني وبحتمية التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين ".

لذلك أعتقد أن إعادة طرح هذه الأحلام المؤامرة من أي شخص ولأي غرض، كان مسألة إيجابية ليعرف صاحب هذا الحلم حقيقة الموقف الفلسطيني والأردني الرافض لشطب الأردن لأنه يعني شطب فلسطين، وهذا ما لن يتحقق إلا في أحلام مريضة لأغراض موسمية، سيدرك أصحابها عاجلا أنها مجرد أوهام غير قابلة للتحقيق.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


                                                                                                                                                                   

364
متابعة لإنجازات انتصار حماس الإلهي

د.أحمد أبو مطر

حدث عظيم في تاريخ النكبة الفلسطينية طوال الستين عاما الماضية،  كانقلاب حماس العسكري ، لا يكفيه معالجة واحدة كما حصل في مقالتي السابقة بعنوان ( الذكرى السنوية الأولى لانتصار حماس الإلهي ) ، لذلك سأواصل الحديث عن تنويعات أخرى لهذا الانتصار طمعا أن ننال بعض بركات هذا الانتصار من المنتصرين الأشاوس الذين ردّ بعضهم على مقالتي الأخيرة بالتهديد والألفاظ النابية التي لا تليق بصفة "الإسلامية " التي يضعونها في نهاية اسم حركتهم، وهذا يعني إما أن توافق على مصائبهم وجرائمهم ، و إلا فأنت جاسوس و خائن و عميل، وهذه صفة شبه عامة بين الحركات والأحزاب ذات الصبغة الدينية ولو تظاهرا وتقية ، كما وصفوا كل قيادات فتح من الرئيس محمود عباس إلى أصغر عنصر، وطالت نفس الصفات رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فياض الذي هو ليس فتحاوي أو حمساوي أو جبهاوي  أو صاعقي ، ولكن أكاديمي اعترف صندوق النقد الدولي سنوات عديدة بنزاهته وخبرته . ورغم التهديد والشتائم التي طالت الأحياء والأموات ، سأواصل الحديث عن هذا الانتصار الوهمي علّ بعض الشعب الفلسطيني يصدّقها ، فتهون عليه المصائب والجرائم التي نتجت عن هذا الانتصار الانقلابي.

 من الكوارث التي أصبحت علامة مميزة لمسيرة النكبة الفلسطينية منذ ستين عاما، هي الغباء السياسي الذي لازم غالبية القيادات الفلسطينية و من أهم مظاهره :

أولا: المراهنة دوما على الحصان الخاسر كما في علاقة الحاج أمين الحسيني مع الزعيم النازي الألماني  هتلر، و تأييد ياسر عرفات لصدام حسين في احتلاله الكويت، والانقسام العلني لحساب الأنظمة العربية كما حصل في حالة البعثيين الفلسطينيين الصداميين ( جبهة التحرير العربية) و البعثيين الفلسطينيين الأسديين ( طلائع حرب التحرير الشعبية، قوات الصاعقة )، الذين قاموا بأعمال قذرة مشينة لحساب النظامين، وصلت حد اغتيال الدكتور عبد الوهاب الكيالي ، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعضو المجلس الوطني الفلسطيني وصاحب ومؤسس أشهر دار نشر عربية" المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في مكتبه في بيروت في السابع من ديسمبر لعام 1981 ، وفي مقابل ذلك تفجير السيارات المفخخة في مدن سورية.

ثانيا: شهوة السلطة والمال والمناصب التي تحكمت في قيادات غالبية مراحل المسيرة الفلسطينية، فلا يمكن تفسير حركات الانشقاق الفلسطينية أنها كانت بسبب الخلاف على البرامج السياسية، بقدر ما هو صراع على المنصب والمال والوجاهة، ويمكن توجيه السؤال التالي لكافة المجموعات التي انشقت عن تنظيماتها: ماذا أضفتم للنضال الفلسطيني أكثر من تنظيماتكم التي قمتم بالانشقاق عنها؟ وأتحدى أن يكون بعض هذه المجموعات المنشقة قد أطلق رصاصة واحدة على الاحتلال الإسرائيلي، وأخص بالذكر جماعات مثل: جبهة التحرير العربية، طلائع حرب التحرير الشعبية، جبهة النضال الشعبي، فتح الانتفاضة، وغيرها من جماعات يعرف كل من عاصرهم في دمشق وبيروت أن عدد أفراد كل جماعة من هذه لم يكن يتجاوز سعادة الأمين العام ونائبه وسائقه وحراسه ومرافقي السيدة الأولى  عند التسوق والسياحة  وبعض أقاربه وأقاربها ، أي أنهم في أفضل الحالات لا يتجاوزوا الثلاثين، ولكنهم في كشوف المالية والرواتب يزيدون عن الثلاثمائة. وضمن نفس السياق نسأل المنشقين عن فتح عام 1983 : ماذا قدمتم للنضال الفلسطيني عقب  انشقاقكم؟ وهل تشرفكم حربا المخيمات في لبنان عامي 1985 و 1987 ضد أبناء شعبكم بالمشاركة مع جماعة أحمد جبريل بحجة مقاتلة المستسلمين الفتحاويين، فقتلتم ما لا يقل عن ألفين وخمسمائة من أبناء المخيمات، وشردتم ألاف منهم إلى مخيمات الجنوب اللبناني. هل هذا كان من أجل تسريع التحرير أم من أجل المنصب والسلطة والمال وخدمة أنظمة عربية؟.

وكذلك هو رأي الدكتور غازي حمد

لا يعتقد البعض أنني أتحامل على القيادات الفلسطينية، فها هو الدكتور غازي حمد الناطق الرسمي باسم حماس قبل الانقلاب، وترك الحركة رسميا بعد الانقلاب، يقول في مقالة له يوم الثالث من يونيو الحالي في جريدة القدس: " نعشق الخلاف...مشكلتنا كفلسطينيين أننا طوال مسيرتنا النضالية والسياسية نعشق الخلاف والاختلاف والانقسام والتشظي لدرجة التتيم والوله، وكأنه أصبح سنّة مؤكدة من سنن الواقع الفلسطيني!!. فما من قضية إلا ونحن منقسمون فيها وعليها، ونتبارى في أينا أكثر بعدا وتميزا عن ألآخر. اختلفنا في السياسة حتى أصبحت علينا عبئا ورمزا للفشل والإحباط والمرمطة. واختلفنا في المقاومة حتى باتت ساحة للتنافس والمزايدة. اختلفنا في كيفية صياغة المجتمع الفلسطيني حتى حولناه إلى مجتمع فسيفسائي من ألوان خليطة وعادات غريبة وسلوكيات فوضوية شاذة. حولنا وطننا إلى رايات ملونة فوق كل بيت وشارع. حولنا إذاعاتنا وصحفنا ومواقع الانترنت إلى دشم عسكرية للهجوم والانتقاص والانقضاض حتى باتت صورتنا في العالم مهتزة. سلاحنا تحول إلى أداة خطرة يمكن أن يصبح في أية لحظة قنبلة موقوتة متفجرة في وجوهنا ( وقد كان ). اتهمنا بعضنا بعضا باتهامات وصلت حد التخوين والعمالة والبيع والجري خلف الكراسي، حتى ملّت وسائل الإعلام من ملاحقة مؤتمراتنا الصحفية وناطقينا الإعلاميين ".

هل هناك أكثر صدقا من هذا التشخيص للدكتور غازي حمد الذي أيضا لم توفره حركة حماس من اتهاماتها بعد تركه صفوفها ونقده لما قامت به خاصة في مقالته المشهورة بعد الانقلاب " ارحموا غزة ". نعم إنها قضية مقدسة وشعب مناضل صابر وقيادات تعيسة لا تفكر إلا في الكرسي والسلطة والمنصب والمال والعمالة لهذا النظام وذاك، لذلك تتصارع بوحشية لا تتعامل بنسبة بسيطة منها مع جيش الاحتلال. هل بقيّ فلسطيني شريف وصادق بعد الاتهامات المتبادلة خاصة بين حماس وفتح بعد انقلاب الانتصار ألإلهي؟. إن رصد المواقع الإليكترونية الناطقة باسم الحركتين ، لا يستنتج منها عبر الاتهامات المتبادلة إلا أن الجميع جواسيس وعملاء وخونة ومرتزقة!. ويتشدقون بالتحرير ودعم صمود الشعب!!!.

وهذه سمة انقلاب حماس أيضا

ما استدعى هذه الذكريات البشعة من صنع هذه القيادات ، هو ما صرّح به (أحمد يوسف القيادي رفيع المستوى في حركة المقاومة الإسلامية، حماس، ومستشار رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية ) - هكذا ورد وصفه في تقرير إيلاف يوم السبت الرابع عشر من يونيو الحالي -: " إن إراقة الدماء في غزة كان أمرا مؤسفا . إن أحداث العنف قد أدّت إلى إتلاف النسيج الاجتماعي الفلسطيني والاستقطاب ". هل هذا الاعتراف من قيادي حماس يختلف عن التشخيص الذي ورد في مقالتي الأسبوع الماضي؟. وليت أحمد يوسف يمتلك الشجاعة خجلا من تلك الدماء، ويقول لشعبه نيابة عن حركة حماس: هل كان انقلابكم الدموي من أجل تسريع مسيرة التحرير ووقف بناء المستوطنات وعودة اللاجئين؟. وأنتم منذ سنوات تلعبون لعبة الكلمات المتقاطعة ذاتها: اعتراف بإسرائيل أم هدنة؟ وهل هي هدنة قصيرة لمدة عشرة سنوات أم طويلة لستين عاما؟. وأكرر التحدي إن كان أي قيادي من حماس يعرف برنامجها السياسي، فخالد مشعل في طهران يعزف الموسيقى النجادية مهددا متوعدا بالويل والثبور، وإسماعيل هنية في غزة يستجدى التهدئة من السلطات المصرية بدون برنامج سياسي واضح!.

 وتستمر سياسة الحركة التي لم تكتف بالمصائب التي جلبتها للشعب الفلسطيني العام الأول من انتصارها ألإلهي في العناد والمكابرة الكاذبة ، كما يقول المثل " نكاية بالنظافة تبول في ثوبه " ، مفتعلة معارك جانبية مع الجوار العربي خاصة مصر والأردن، فبعد بطولات اقتحام معبر رفح ورفع العلم الفلسطيني فوق مبان حكومية مصرية في قرية ( الشيخ إزويد ) المصرية ، يقابل ذلك الأدب والنظام والالتزام عند التظاهر أمام معبر بيت حانون، وعدم الجرأة على اقتحامه حيث يرابط جيش الاحتلال على الجانب ألآخر، مما عنى العنتريات في وجه الجيران المصريين والانضباط أمام جيش الاحتلال. بعد هذه البطولات التي عكّرت العلاقات مع الحكومة المصرية، حاولت حركة الانتصار ألإلهي افتعال أزمة مع الحكومة ألأردنية من خلال استنكار الحركة ألأسبوع الماضي لأحكام السجن التي أصدرها القضاء العسكري الأردني بحق متهمين أدينوا بتهمة تخزين أسلحة في الأردن لصالح الحركة ، متهمة الحكومة الأردنية ب " انشغالها وأجهزتها باستهداف حماس وتلفيق الاتهامات لها " ، بينما في الوقت ذاته تستمر الاتصالات مع جيش الاحتلال بحسن نيّة وصدق وأمانة، لدرجة أنه من المستحيل معرفة عدد زيارات وفود الحركة إلى القاهرة لتسليم ردود على أسئلة الحكومة الإسرائيلية، وتسلم ردود الحكومة الإسرائيلية على أسئلة الحركة.
رغم اعترافات مسؤولي حماس بالمصائب التي جرّها انقلابهم العسكري على الشعب الفلسطيني، ما زالوا يصرّون على العناد والمكابرة الكاذبة، خاصة بعد أن ذاقوا خلال العام الماضي طعم الكرسي والمنصب ، حيث يتحكمون حتى في أرزاق الناس فيطردون من يريدون ويقطعون رواتب من يشاءون ويسجنون من لا يعجبهم شكل ملابسه ولحيته، و إلا لكانوا اكتفوا بمصائب وجرائم عام واحد، وعرفوا أن التشدق بالوحدة الوطنية لا يكفي، فالأيمان بذلك يستدعي التراجع فورا عن انقلابهم وإعادة الوضع الفلسطيني لما كان عليه قبل الانقلاب والاعتذار العلني للشعب الفلسطيني ، ثم الاحتكام لرأي الشعب من خلال انتخابات  تشريعية ورئاسية حرة نزيهة. ويبدو أن السبب أنهم ما زالوا يريدون تجريب حوارا جديدا في أماكن جديدة فيها بركة أكثر من بركات مكة المكرمة .

لذلك كان الحوار في داكار عاصمة السنغال

فعلا قيادات من كافة المستويات والجماعات والفصائل والفسائل والتنظيمات والحركات لا تستحي ولا تعرف في قاموسها معنى الخجل، وهي حتما تذكّرك بالمثل ( إذا لم تستح فافعل ما شئت ). حوارها غير الوطني  لم ينجح في مكة المكرمة ولا في صنعاء ولا عشرات المرات في القاهرة ، فذهبت أخيرا إلى داكار عاصمة السنغال، ومن هناك أعرب الجميع عن تفاؤلهم بنجاح الحوار الذي فشل علنا فور مغادرتهم داكار، وعادوا يطلبون المساعدة من القاهرة التي ملّت من وصولهم ومغادرتهم دون تقدم يذكر، فالخلاف يتصاعد، وشق الصف والبيت الفلسطيني يزداد.

إذن فلا بد من تجريب الحوار في جمهورية النيبال (المملكة سابقا)
فربما يتعظون من ملك النيبال الذي احترم رغبة شعبه بإنهاء الملكية كنظام، فغادر القصر الملكي بهدوء وسلام. ربما إذا اتعظوا من ملك النيبال ، سوف يغادرون الكرسي والصراع على السلطة والمنصب، ويشعرون بحياة الذل والهوان والشقاء التي أوصلوا الشعب الفلسطيني إليها العام الماضي ، وكله باسم التحرير وهم يتسابقون لنيل رضا جيش الاحتلال، ولن يرضى عنهم ، فهكذا قيادات أوصلت القضية والشعب إلى ما لم يكن جيش الاحتلال قادر عليه بعد ستين عاما أخرى.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

365
الذكرى السنوية ألأولى لانتصار حماس الإلهي

د.أحمد أبو مطر
سيظل يوم الرابع عشر من يونيو/ حزيران يوما تاريخيا مميزا في تاريخ الشعب الفلسطيني، لأن حركة المقاومة الإسلامية "حماس"تمكنت في هذا اليوم من عام 2007 ، عبر انقلاب عسكري ناجح من فرض سيطرتها الكاملة على قطاع غزة، وتحريره -  حسب وصفها -  من الاحتلال الفتحاوي، بعد أن قتلت و طردت بقسوة ووحشية غالبية قيادات وكوادر المستوطنين الفتحاويين، وترحيلهم عبر دولة إسرائيل إلى مستوطناتهم في الضفة الغربية. وهذا التحرير حسب وصف حركة حماس هو التحرير الثاني للقطاع، إذ أنها أطلقت على انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة من طرف واحد عام 2005  بأنه التحرير الأول للقطاع . وكنت قد كتبت في الخامس من أغسطس/آب لعام 2007 أي حوالي شهرين بعد الانقلاب المذكور، مقالة بعنوان (الفلسطينيون والنموذج القبرصي )، توقعت فيها أن يستمر  طويلا الانقسام الفلسطيني الحاصل بعد انقلاب التحرير، متذكرا النموذج القبرصي الذي طرأ بعد الانقلاب الذي مارسه الجيش التركي محتلا شمال قبرص فاصلا إياه دويلة منتزعة من الوطن القبرصي، ويستمر هذا الانفصال في دولتين قبرصيتين من عام 1974 حتى هذه اللحظة .  وتساءلت إلى متى يستمر الانقسام الفلسطيني: إمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله؟. راهنت غالبية القيادات الفلسطينية وجماهير الشعب الفلسطيني المنكوب العديد من المرات على  أن هذا الانقسام الانقلابي لن يستمر سوى أيام أو أسابيع، ويعود العقل إلى رؤوس القائمين عليه ، فيعتذروا ويعيدوا الأمور إلى نصابها الشرعي السابق لانقلابهم . وها نحن نعيش ذكراه السنوية ألأولى، ترسّخت خلالها العديد من المفاهيم الانفصالية التي تعني واقعا لم تحلم به إسرائيل وما كانت تستطيع تحقيقه لو سخّرت كل قوتها العسكرية والاستخباراتية.

إنجازات انقلاب النصر الإلهي الثاني

ماذا تحقق خلال العام الأول من السيطرة الكاملة لحركة حماس عبر انقلابها العسكري على قطاع غزة ( 365 كم )؟. سوف أرصد أهم هذه الإنجازات التي عاشها ويعيشها الفلسطينيون داخل القطاع ، ويرصدها الجميع خارجه مما يعني أنه من الصعب أن تنكر حماس هذه الإنجازات أو يشكك فيها أحد القراء:

أولا: تدشين مفاهيم القتل والثأر بدلا من سيادة القانون

أثناء عمليات الانقلاب العسكري وبعد السيطرة الكاملة على القطاع، مارست ميليشيات الحركة عبر ما تسميه " القوة التنفيذية " عمليات قتل وسجن ومطاردة وترحيل لغالبية عناصر وكوادر حركة فتح، بشكل انتقامي لم يمارس مع الاحتلال الإسرائيلي، بدليل أن الجندي الإسرائيلي الأسير ما زال حيا ، ويجلب له الطعام  ثلاثة مرات يوميا من مطعم خاص يعدّ  له على الطريقة اليهودية، بينما قيادي فتح سميح المدهون تم قتله بطريقة بشعة بعد القبض عليه بإطلاق ما لا يقل عن سبعين رصاصة على رأسه وجسده، وبعد ذلك تمّ سحل جثته في شوارع غزة. وكذلك  مهاجمة منزله والاعتداء على أفراد من أسرته، ثم نبش قبره وتخريبه أكثر من مرّة . و شاب آخر كان يعمل طباخا في منزل الرئيس محمود عباس تمّ قتله بالرصاص وإلقاء جثته من الطابق الثامن عشر من أحد الأبراج السكنية في مدينة غزة، وأحدثت جريمة قتله ردود فعل عنيفة ليس في القطاع والضفة فقط، ولكن في كافة أقاليم الشعب الكردي لأن ذلك الشاب من أصول كردية، وتزامنت هذه الجريمة مع تصريحات إسماعيل هنية قائد الانقلاب التي وصف فيها فدائيي الشعب الكردي البيشمركة ب " الميليشيات"، وأثارت حينها ردود فعل شاجبة لدى كافة الأحزاب الكردية. وما زالت عمليات المطاردة والقتل والسجن والملاحقة مستمرة، وطالت وتطول ليس من هو  فتحاوي  فقط ، ولكن كل من يجرؤ على نقد السياسة والانتصارات الإلهية لحركة المقاومة الإسلامية. وكان من بينها سجن الكاتب والصحفي عمر الغول،الذي كان قادما للقطاع للمشاركة في جنازة أحد أقاربه، وقد لاقى اختطافه وسجنه استنكارا واسعا في أوساط الكتاب والصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين من كافة الاتجاهات السياسية، بسبب السمعة الطيبة والأداء الوطني المنفتح الذي عرف به.  وعندما اكتظت سجون حماس بمعتقلي فتح، فرضت قانونا عجيبا غريبا، إذ طلبت من أسرة كل معتقل دفع غرامة مالية مقدارها 250 دولار ، مع توقيعه وأسرته على تعهد بعدم ممارسة أي نشاط سياسي في القطاع مقابل إطلاق سراحه.

ثانيا: تقييد حرية الإعلام بشكل غير مسبوق

كعادة غالبية الأحزاب ذات الطابع الشمولي الاستبدادي التي لا تستطيع سماع  أية وجهات نظر مناقضة لتوجهها الإلهي، أقدمت سلطة الانقلاب على خطوات قيّدت أية حرية للصحافة والإعلام الفلسطيني، كان أولها منع بث فضائية تلفزيون فلسطين الرسمية من القطاع،ومنع الصحف الفلسطينية الصادرة في الضفة الغربية من دخول " إمارة حماس ".

وقد تعرضت أكثر من مظاهرة ومسيرة احتجاج على تعديات الانقلابيين للقمع وإطلاق الرصاص و تفريق المتظاهرين بالقوة، ووقوع العشرات من الجرحى من بينهم تحديدا العديد من المصورين الصحفيين الذين كانوا ينقلون وقائع المظاهرات الاحتجاجية. أما عن خطف الصحفيين العرب والأجانب فقد تكرر العديد من المرات، وتمّ أيضا تدمير مكتب فضائية العربية من خلال زرع عبوات ناسفة، ومنعت القناة من العمل في  الإمارة، وغادر أكثر من مراسل لها القطاع نهائيا خوفا من القتل والسجن. وكنتيجة لتقييد كافة الحريات الصحفية، أصبحت فضائية الأقصى التابعة لحماس وخطب الجمعة للشيخ إسماعيل هنية مقررا إجباريا على المليون والنصف من سكان القطاع.

ويكفي مثال واحد صارخ

اعتدت ميليشيات القوة التنفيذية الحماسية على ممثلي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية يوم الثالث عشر من أغسطس 2007 ، أثناء اعتصامهم في ساحة الجندي المجهول أمام مقر المجلس التشريعي وسط مدينة غزة ، ومنعت الصحفيين من تغطية الاعتصام، الذي تمّ تنظيمه احتجاجا على الأوضاع السيئة في القطاع، وتمّ الاعتداء على المعتصمين من كافة الفصائل الفلسطينية بالهراوات وأعقاب البنادق، وقد لاقت هذه الاعتداءات الإجرامية المقيدة للحريات ، إدانة  من كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ومنها تلك الإدانة الواضحة التي أعلنتها جبهة النضال الشعبي التي قال الناطق باسمها: " إنّ شعبنا في قطاع غزة لن يستسلم لسياسة القمع والإرهاب، وسيواصل التعبير عن موقفه الرافض للانقلاب العسكري ونتائجه على الأرض، رغم التهديدات والتحذيرات التي تطلقها حماس ضد أية محاولة شعبية تعبر عن رفضها لكافة ممارسات القوة التنفيذية ضد أبناء شعبنا". وكذلك أدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تلك الاعتداءات غير الشرعية على المعتصمين سلميا في ساحة الجندي المجهول، ومنع الصحفيين من تغطية الاعتصام واقتحام مكتب قناة العربية في غزة ومصادرة الكاميرا والشريط المصور الذي يتضمن مشاهد الاعتداءات على المعتصمين. وضمن عمليات قمع حرية الرأي هذه، فقد تمّ التعرض بالضرب والسجن والمداهمة لعشرات من الصحفيين، ومداهمة مكاتب قناة أبو ظبي ووكالة رويترز. واقتحمت نفس المليشيات برج إسكان الصحفيين في تل الهوى ( أصبح اسمه تل الإسلام بعد انقلاب حماس)، واقتحام منزل عضو مجلس إدارة نقابة الصحفيين ومدير عام هيئة الإذاعة والتلفزيون محمد الداوودي ومصادرة سيارته وهاتفه المحمول. ومجرد ذكر أسماء الصحفيين والمؤسسات التي تعرضت للقمع والمداهمة والمصادرة يحتاج إلى عدة صفحات لذكرها وتوثيقها.

ثالثا: التطهير الفتحاوي

خلال العام الأول من الانقلاب  مارست حركة حماس تطهيرا تنظيميا يمكن أن نطلق عليه "التطهير الفتحاوي " عبر طرد كافة أعضاء فتح وكوادرها ومناصريها من كافة الوظائف في الدوائر والمؤسسات الفلسطينية الخاضعة لسيطرتها المطلقة ، وشمل التطهير أعضاء المنظمات والفصائل التي أدانت علنا انقلابها العسكري، فمثلا عقب قمع ميليشيات القوة التنفيذية للاعتصام السلمي السابق ذكره، تمت مطاردة وطرد وضرب وسجن مئات من أعضاء المنظمات التي أدانت التعرض للاعتصام بالقوة والضرب وإطلاق الرصاص. وعبر هذا العمل الانتقامي المستمر، ترسخت في صفوف الشعب الفلسطيني نعرات قبيحة مثل : "فتحاوي " " حماسي" " غزّاوي " " ضفّاوي"، وتسري في أوساط الشعب الفلسطيني المقهور المصادرة حريته وخياراته، نكات ساخرة معبرة مثل: " إمارة حماس في غزة " و " دويلة عباس في رام الله ".، خاصة أنه لم يوجد تواصل جغرافي وبشري بين القطاع والضفة طوال الفترة بين عام 1948 حتى  اليوم. فمنذ عام 1948 وحتى عام 1967  يخضع القطاع لسيطرة وإدارة الحاكم العسكري المصري، ويدرس طلابه وطالباته المناهج التعليمية المصرية في كافة المراحل الدراسية، ويحمل سكانه " وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين " ، بينما أصبحت الضفة الغربية  في نفس الفترة جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، ويحمل سكانها الجواز والجنسية الأردنية، ويتعلم طلابها وطالباتها المناهج التعليمية الأردنية، و بعد هزيمة عام 1967 تمّ احتلال القطاع والضفة ، وبالتالي أصبحت فلسطين التاريخية كاملة تحت السيطرة والاحتلال الإسرائيلي، وبقيت نفس القيود على التنقل بين القطاع والضفة، إلى أن أصبحت قيودا صعبة للغاية، ساهمت في قطع شبه نهائي للتواصل الجغرافي والبشري بين القطاع والضفة، خاصة منذ بداية عام 2000 ، إلى حد أن موظفي السلطة الفلسطينية من كبار الموظفين والوزراء لا يستطيعون التنقل إلا بتراخيص إسرائيلية. هذا الواقع الفلسطيني المعاش عبر عقود من الزمن، أسهم انقلاب حماس العسكري الذي نتج عنه عزل كامل للقطاع عن الضفة، في تغذية هذه الفرقة بين القطاع والضفة، ونتج عنها ممارسات مخزية بين سكان الإمارة والدويلة لا تليق بنضال الشعب الفلسطيني وتاريخه.

رابعا: تغذية ملامح الحكم الطالباني

عقب انقلاب حماس الربّاني ، ساهمت الحركة عن قصد في تغذية ملامح ومظاهر عديدة من فترة حكم طالبان الرجعي المتخلف في أفغانستان ، وذلك من خلال الخلط بين دور رجل الدين ورجل السياسة، وقد رسّخ ذلك رئيس الانقلاب الشيخ إسماعيل هنية من خلال خطبته الإسبوعية في صلاة يوم الجمعة في مساجد غزة، وبالتالي ما عدنا نعرف هل السيد فقيها وإماما وداعية أم سياسيا ورئيس وزراء؟. ونتج عن هذه الممارسات نشوب حرب جديدة بين الإمارة الحماسية والدويلة العباسية، يمكن تسميته "حرب الفتاوي" بعد أن بدأت ممارسة جديدة اسمها " صلاة الجمعة في الساحات العامة"  ، على اعتبار أنها صلاة ربّانية لا يستطيع أحد منع التجمهر من أجلها وهذا التجمهر لا يحتاج إذن من أية سلطة. وكانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المؤمنة، قد طالبت الفلسطينيين بإقامة صلاة الجمعة في الساحات العامة، احتجاجا على انقلاب حماس غير المؤمن، فأصدرت " دائرة ولاية الفقيه في حركة حماس " فتوى تمنع صلاة الجمعة في الساحات العامة. فردّ عليهم مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين " بجواز الصلاة في الأماكن المفتوحة على اعتبار أن جمهور العلماء قالوا بصحة الصلاة في الخلاء قياسا على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خارج المسجد وتبعه الخلفاء الراشدون والصحابة " ، مضيفا " أنّ من غايات وأهداف هذه العبادة اجتماع الناس لسماع ذكر الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالجمعة هي مؤتمر المسلمين الإسبوعي "، ورغم ذلك ظلت " دائرة ولاية الفقيه في حركة حماس" على فتواها بمنع إقامة صلاة الجمعة في الأماكن العامة .

وأيدّ جواز الصلاة في الساحات العامة قاضي قضاة فلسطين الشيخ تيسير التميميي ، حيث قال: " إن الفتوى بعدم جواز صلاة الجمعة في العراء لا تستند إلى نص أو دليل شرعي ". لكن رابطة علماء فلسطين التابعة لدائرة الولي الفقيه الحماسي ، ردت على الجميع موضحة: " نحن أفتينا لولي الأمر بمنع صلاة العراء التي تهدف للتخريب رغم شرعية الصلاة في الساحات. إن اعتماد الساحات العامة وهجران المساجد فيه محاربة لبيوت الله ونزع لهيبة المسجد وقدسيته، ومع الإصرار على الاستمرار فيها نقول إن هذه الصلاة صلاة خطيرة ولا يجوز لأحد أن يشارك فيها لا في غزة ولا في الضفة الغربية تحت أي ستار كان ".

والملاحظ في فتوى رابطة العلماء الحماسية، أنها جعلت من ولي الأمر الشيخ إسماعيل هنية ( عالم بما في القلوب ) ، عندما  تقول " أفتينا لولي الأمر بمنع صلاة العراء التي تهدف للتخريب " ، فكيف يعرف أنها للتخريب  وليس العبادة؟،  ولاحظوا أن منع و تحريم الصلاة في الساحات العامة يقتصر على غزة والضفة، أي ساحات الصراع الحمساوي الفتحاوي. وفي نفس السياق، أعلنت جمعية الفلاح الخيرية في القطاع، أنّ ميليشيات القوة التنفيذية اعتقلت مساء الخامس من سبتمبر لعام 2007 رئيس الجمعية الشيخ رمضان طنبورة ، واستنكر نائبه العضو السابق في حماس عدنان أبو وردة هذا العمل وسيطرة القوة التنفيذية على الجمعية الخيرية وممتلكاتها.

ولاقت حرب الفتاوي بين إمارة حماس و دويلة عباس، صدى واسعا في دول الجوار العربي، فقد أكدّ العديد من علماء وفقهاء السعودية ومصر على جواز الصلاة في الساحات العامة، استنادا لقول الرسول ص " جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا ". وذهب للرأي نفسه الدكتور عبد الصبور شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة.

وقد رافق حرب الفتاوي هذه، مظاهر طالبانية منها إطالة اللحية لدى غالبية أعضاء حماس خاصة في ميليشيات القوة التنفيذية، وفرض الحجاب على الفتيات والسيدات بطرق مختلفة منها إشاعة ثقافة ازدراء غير المحجبات والتعرض لهن في الشوارع، خاصة بعد العثور العام الماضي على العديد من جثث الفتيات والسيدات مقتولات وسط المزارع والبساتين، وكانت حماس قد دشنت هذه الثقافة الرجعية الظلامية في أبريل عام 2005 عندما قام خمسة من كوادرها المسلحة بقتل علني للفتاة يسرى العزامي وهي محجبة، لأنها كانت على شاطىء غزة في سيارة خطيبها و معهم ابن عمها . و بعد استنكار واسع في القطاع، اعترفت حماس رسميا بأن الكوادر القاتلة من عناصرها و الاعتذار عن ذلك العمل الإجرامي. وتبع ذلك بعد الانقلاب العسكري الحماسي ، فرض رقابة على مقاهي الانترنت ، وتغيير اسم منطقة تل الهوى إلى تل الإسلام، والاعتداء عدة مرات على كنائس ومدارس مسيحية، توجت في أغسطس عام 2007 باختطاف وقتل رامي خضر عيّاد سكرتير جمعية الكتاب المقدس التابعة للكنيسة المعمدانية ، وتمّ خطفه وقتله بعد ستة شهور من تفجير المكتبة التي يديرها، وفي كل هذه الاعتداءات على الكنائس والمدارس المسيحية،  لم يحدث أن ألقت القوة التنفيذية على أي مشتبه أو لاحقت أي معتدي، والنتيجة هي حالة الفزع التي يعيشها المسيحيون في القطاع، التي عبر سنوات أبقت هذه الحالة حوالي 2500 مسيحي في القطاع فقط بعد هجرة الغالبية العظمى منهم.

خامسا: الحصار الكامل للقطاع

من الأمور الخطرة التي تدلل على ضيق أفق الذين خططوا ونفّذوا الانقلاب، أنهم لم يقدّروا ردود الفعل الإسرائيلية ، لأن هذا الانقلاب وما نتج عنه من انقسام فلسطيني، عزّز الدعوى الإسرائيلية الدائمة حول عدم وجود شريك فلسطيني للسلام ، مستغلة ضبابية رؤى الانقلابيين التي تتذبذب بين الاعتراف بإسرائيل و الهدنة طويلة الأمد، إلى حد أن المواطن الفلسطيني ما عاد يعرف ما هو البرنامج السياسي لحماس؟ فهي ترفض الاعتراف بإسرائيل، ومع هدنة طويلة الأمد ودولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، ويعزز هذه الضبابية الزيارات شبه الشهرية لخالد مشعل إلى طهران، ومن هناك يطلق تصريحاته النارية المنسجمة  مع تصريحات أحمدي نجادي  المستفزة للعالم أجمع ، ولا ينتج عنها سوى جعجعة إيرانية خطابية كاذبةن ودعم دولي متصاعد لدولة إسرائيل . وقد نتج عن ضيق الأفق والتذبذب في الموقف السياسي ، هذا الحصار الشامل الذي يعيشه القطاع مما أفقد سكانه الحد الأدنى من المعيشة الإنسانية في كافة المجالات بما فيها الطبية والعلاجية. وعندما فكّرت حماس في فكّ الحصار بدلا من التوجه نحو المعابر المؤدية إسرائيل، وجّهت جماهيرها لاقتحام معبر رفح بشكل أثار غضب السلطات المصرية، لأنه بشكل واقعي لا تستطيع مصر تحدي الدول الأوربية وإسرائيل كي تفتح المعبر من طرف واحد، بينما قبل أيام قليلة عندما طالبت حماس الفلسطينيين بالتظاهر أمام معبر بيت حانون لكسر الحصار المفروض على القطاع، تظاهر ألاف دون الإقدام على اقتحام المعبر.

القرارات و القدرة على مواجهة النتائج 

 ليس المهم اتخاذ القرارات فقط ، ولكن أيضا دراسة نتائج هذه القرارات، وهل تستطيع مواجهتها أم لا؟. و ألآن بعد عام من الانقلاب هل تستطيع حركة حماس أن تعطينا نتيجة إيجابية واحدة لانقلابها هذا ؟. والمهم ذكره هو أنه طوال العام الماضي ،تتباكى جميع الأطراف الفلسطينية على الحوار الوطني و توحيد الصف ، بعد إفشال اتفاقية مكة و حوار صنعاء وعشرات الحوارات في القاهرة، لسبب بسيط هو أن نجاح الحوار لا علاقة له بنوع الوساطة ومكانها ولكن بنية المتحاورين، لأن حوارا فشل  في غزة و رام الله لن ينجح في مكة و صنع الله!.

هذه الانتقادات القاسية ليست فرحة بالانقلاب وترحيبا بالانقلابيين ، بل هي نقمة على من أوصلوا الوضع الفلسطيني إلى هذا الوضع ، وكل هذه الجرائم تتم باسم تحرير فلسطين والدولة المستقلة وعاصمتها القدس!!. وأتمنى أن لا أكتب في حزيران عام 2009 عن الذكرى السنوية الثانية للانقلاب ، وذلك رهن بنهاية الانقلاب عبر قرار من حماس وإعادة الوضع الفلسطيني لما كان عليه قبل الانقلاب ، لأن مجرد الترحيب بالمبادرات والحوارات لا يعني أية نية صادقة ، و ختاما أقول: اللهم نجّنا مما هو آت !!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com





366
وأخيرا أجاب الملك عبد الله الثاني على تلك الزوبعة

د.أحمد أبو مطر، أوسلو

أعتقد أن الشعب الأردني لم ينتظر خطابا سياسيا أردنيا بشغف وقلق، كما انتظروا خطاب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي ألقاه يوم الأحد الموافق الخامس والعشرين من مايو 2008 بمناسبة عيد الاستقلال الأردني الثاني والستين، وذلك بسبب العديد من الزوابع  والاتهامات التي أثارها برلمانيون وإعلاميون أردنيون في الأسابيع الأخيرة، تعامل معها القصر الملكي بهدوء وصبر يليق بالملوك الذين يحترمون مكانتهم الدستورية كحماة للبيت الواحد ، بكل من فيه من مخلصين ومجتهدين وغيورين على البيت، وغوغائيين يفتقدون الحكمة والتدقيق الذي يقود للحقيقة بعيدا عن الإثارة الإعلامية  التي تضع صاحبها تحت أضواء الشهرة لأيام قليلة ، ثم يتلاشى كغبار الزوبعة التي أثارها. وقد كان ترقب الأردنيين للخطاب الملكي رغم أنه خطاب سنوي في مثل تلك المناسبة، لأن موعده كان سيحين بعد أسابيع قليلة من اتهامات أطلقتها النائبة الأردنية السيدة ناريمان الروسان، طالت الدكتور باسم عوض الله رئيس الديوان الملكي والوزير السابق في أكثر من وزارة، مما يعني أنه كان وما يزال من الطاقم القيادي الذي يحظى بثقة العاهل الأردني . كانت تلك الاتهامات من العيار الثقيل جدا، إذ وصفت رئيس الديوان الملكي بأنه مثل الجاسوس الإسرائيلي ( إيلي كوهين ) الذي كان من أعمدة القصر الرئاسي السوري قبل أن يكتشف أمره ويتم إعدامه في الستينيات من القرن الماضي . وقد كالت النائبة اتهاماتها تلك في جلسة للبرلمان الأردني، بطريقة خطابية دون تقديم أية معلومة سوى اتهامات ببيع أراض حكومية وصفقات مشبوهة حسب خطابها، الذي رفضه رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي.

صبر ملكي وحكمة في الأداء

ولأن الأمر يتعلق برئيس الديوان الملكي ، فقد اعتقد الأردنيون أن هناك بيانا ملكيا سيصدر سريعا، تعقبه حملة اعتقالات تطال النائبة وإعلاميين أردنيين روّجوا لانفعالاتها التي لا تليق بنائب في البرلمان يحترم نفسه ومصداقيته، إلا أن القصر الملكي ظلّ ساكتا هادئا، وكأن ما حصل هو أمر عادي، ستظهر حقيقته بدون تدخل القصر الملكي، وكذلك رئاسة الوزراء الأردنية وأجهزة المخابرات والأمن، بدليل أن السيدة النائبة ما زالت تتمتع بحقوقها كنائبة ، وتمارس حياتها الطبيعية، وكذلك صحفيون أردنيون التقطوا الاتهامات الجزافية من النائبة، ليجعلوها أساسا لتقارير خيالية ( نهب الأردن: صفقات بيع مشبوهة ) كما جاء في عنوان أحد تلك التقارير، وكأنه تمّ بيع المملكة الأردنية كاملة شعبا وأرضا وبنية تحتية، وهذا ما يمكن للبعض فهمه من هكذا تعميم ( نهب الأردن )!!.

و بعد انتظار وقلق، جاء الخطاب الشفوي الذي ألقاه العاهل الأردني  في دقائق معدودة بهدوء ورزانة، متسلحا بالأمل والتفاؤل من قدرة الشباب الأردني على مواجهة كافة التحديات، كما هي مسيرة الأردن طوال نصف القرن الماضي ، إذ خاطب شعبه قائلا:" لدينا الكثير مما نعتز به ونفتخر فيه من الإنجازات الكبيرة التي حققناها في السنوات الماضية، وهي مؤشر على أن مسيرتنا سليمة، وأنّ أداء اقتصادنا الكلي يمضي قدما نحو الأفضل، فهناك ارتفاع في نسب النمو الحقيقي ،والقدرة على إيجاد فرص عمل جديدة ، وزيادة انتاجية الفرد الأردني، وهذه حقائق نفخر بها وبكم، لأنكم أنتم الذين صنعتموها، وجعلتموها واقعا ملموسا بإرادتكم وعزيمتكم، ولا نريد أن نلتفت إلى أصوات المشككين بمسيرتنا الاقتصادية". وهذا ما فسره المراقبون أنه انتصار لرئيس ديوانه الملكي، ورد غير مباشر على اتهامات النائبة ومن والاها من المشككين.


ماذا لو كانت ناريمان في دمشق أو لندن؟

تسمح الديمقراطية الحقيقية للنائب في البرلمان و الإعلامي و أي  مواطن أن يسأل ويحاسب أي مسؤول، طالما هو يمتلك الأدلة والمستندات للقضية التي يتهم المسؤول فيها أو حولها. ولكن ما تفوهت به النائبة الأردنية ناريمان الروسان بشكل جزافي دون تقديم أدلة ووثائق على ما تقول، وأن تظل بعد ذلك نائبة في البرلمان، وتمارس حياتها الطبيعي ، فهو ما قادني للسؤال السابق، والإجابة عليه:

في دمشق

لو قالت السيدة النائبة ما قالته في مجلس الشعب السوري بحق رئيس ديوان القصر الجمهوري، لتعامل معها القصر الجمهوري من خلال أجهزة المخابرات بطريقة من إثنتين: الأولى اسمها ( انتحار وزير الداخلية غازي كنعان، أكتوبر 2005  ) ، حيث قال البيان الرسمي أنه أطلق الرصاص على نفسه في مكتبه، أي أنه انتحر ولم ينحروه !. أو الثانية التي أصبح اسمها الحركي  ( عماد مغنية )، أي سيارة مفخخة يتم تفجيرها على بعد أمتار من مقر دائرة المخابرات ، ويغلق ملف التحقيق دون إعلان أية معلومة عن الجهة التي نفّذت الاغتيال، مما يعني أنها جهة داخلية بعلم ومساعدة الجهاز الذي تمت عملية التصفية على بعد أمتار من مقره الرئيسي. إذ لا يعقل أن عملية اغتيال بهذا الحجم والنوعية، لا يتم إعلان كلمة واحدة حولها  لولا أن الدولة هي التي نفّذت العملية، وبعد هذه العملية كرسالة حسن نية، يتم الإعلان الإسرائيلي السوري عن تقدم وتفاهم في المباحثات بين الطرفين في تركيا. ويعقب ذلك السفر المفاجىء لخالد مشعل لبيت الطاعة في إيران، وكما نقلت بعض المعلومات الصحفية أنّ السفر هدفه البحث عن مكان إقامة جديد ، قبل تحقيق تقدم في المباحثات الإسرائيلية السورية، يستدعي حسن نية جديدة على طريقة عماد مغنية، اسمها الحركي الجديد خالد مشعل.

في لندن

أما لو كانت السيدة النائبة في لندن لتمّ رفع الحصانة البرلمانية عنها، وتقديمها للمحاكمة للتدقيق في اتهاماتها لمسؤول في القصر الملكي البريطاني، فإن أثبتت بالأدلة والوثائق أنها حقائق وليس اتهامات، كسبت القضية وخسر المسؤول في القصر موقعه، وبالتالي محاسبته على كل تلك الجرائم التي كشفتها النائبة. أما إن لم تثبت بالأدلة والوثائق صحة اتهاماتها لخسرت موقعها في البرلمان وتمت محاكمتها على تلك الاتهامات.

أما في الأردن، فالملك شخصيا ينفي هذه الاتهامات عن رئيس ديوانه، من خلال دعوته لعدم الالتفات إلى المزايدات وأصوات المشككين بالمسيرة الاقتصادية، وأيضا كما قال الزميل عامر الحنتولي في تقريره في إيلاف يوم الأحد الخامس والعشرين مايو " بدأ خطابه بالتركيز على الشأن المحلي مساندا رئيس ديوانه باسم عوض الله الذي كان عرضة لحملة إعلامية ظالمة إرضاء لمراكز قوى لاسيما مع بروز لهجة تدهور بين مراكز القوى الأردنية، وهو الأمر الذي استدعى اشادة العاهل الأردني بالسياسات الاقتصادية في محاولة للجم الأصوات السياسية والإعلامية النشاز التي تعرضت لرجل مهمات الملك الخاصة الوزير عوض الله، الذي ظلّ يتحرك مبتسما في بهو مكان الاحتفال مكرسا ثقة القيادة السياسية به ".

ورغم هذا الموقف الملكي الواضح الرافض لتلك الاتهامات الجزافية لرئيس ديوانه ، لم يتم التعرض أو الإساءة للسيدة النائبة، وهو أمر يُشكر عليه العاهل الأردني ورئيس وزرائه وأجهزته المخابراتية والأمنية ، لأن هذا الهامش الواسع جدا من حرية إبداء الرأي، تطبيق ميداني لتأكيد العاهل الأردني في خطابه المذكور على ( التنمية السياسية وضمان الحريات الأساسية للمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز مشاركتهم في اتخاذ القرار هي حق مكفول في الدستور، وهي متطلب رئيسي لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بوجود بيئة تسودها قيم الحرية والتعددية والتسامح واحترام الرأي والرأي ألآخر وسيادة القانون وتكافؤ الفرص ).


 إن شجاعة وجرأة النائبة ناريمان الروسان مطلوبة أن تتوفر عند أي نائب ، بشرط أن تكون مدعمة بالحقائق والوثائق، وليس اتهامات جزافية انفعالية، رفضها رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي " قبل أن تبادر الروسان نفسها خلال برنامج تلفزيوني إلى القول بأن باسم عوض الله صديقها، وأنها لم تقصد ما نقل عنها حرفيا،قبل أن تثير توضيحاتها تناقضا لافتا حول المزاوجة بين صداقتها لعوض الله واتهامه بالجاسوس الذي ينفذّ مخططات مشبوهة " كما ورد في تقرير آخر للزميل عامر الحنتولي.

وطن التحديات و أمل العزائم

لا أعتقد أن هناك وطن أو دولة يعيش أوضاعا حسّاسة كما هو الأردن، المحاط بالمشاكل السياسية من الشرق والغرب عبر بؤر ملتهبة لا نهاية مرتقبة لنيرانها، ويترافق هذا مع ضعف هائل في الثروات الطبيعية . من هنا تبدو أهمية ما أطلقت عليه في مقالات سابقة (الاستثمار في الإنسان )، ومن أولويات هذا الاستثمار توفير مستوى كريم من الحياة، لذلك ركّز خطاب الاستقلال الملكي على أنّ ( الأردن بالرغم من محدودية موارده الطبيعية وإمكانياته في طليعة دول المنطقة في مجالات عديدة في مقدمتها التعليم ونسب النمو الاقتصادي وكفاءات الشباب الأردني، الذي أثبت أنه متميز على المستويين المحلي والخارجي، وهذه الإنجازات ما كان يمكن تحقيقها لولا نعمة الأمن والاستقرار التي ينعم بها الأردن، التي هي نتاج قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية ). ويكفي التذكير أنه في أردن الموارد والإمكانيات المحدودة، يعيش ويقيم ويعمل حوالي 800  ألف مواطن عربي ، وتحديدا من العراق ومصر وسورية.

أردنيون هواة فتنة وفرقة

ضمن هذه الظروف الأردنية الحساسة التي تتعامل معها القيادة الأردنية من القصر الملكي إلى رئاسة الوزراء والأجهزة الأمنية  بحكمة ودقة عالية، هناك مواطنون أردنيون ينفخون في نار الفتنة من خلال التفريق بين مواطن ومواطن، رغم تأكيد الملك الحسين الراحل دوما على ( أردن الأردنيين من كافة المنابت والأصول )، وتأكيد الملك عبد الله الثاني: ( أنا أعرف الواقع الذي يعيشه أبناء وبنات هذا الوطن العزيز في مختلف مناطقهم من الشوبك إلى المفرق، ومن المريغة إلى الأزرق، ومن مخيم حطين إلى القويرة وجرش وغيرها الكثير في الأرياف والبادية والمخيمات ) . فمثلا في سياق الاتهامات العشوائية التي ساقتها النائبة ناريمان الروسان بحق رئيس الديوان الملكي الدكتور باسم عوض الله، وعادت تقرر أنها لا تقصدها كما أوضحت سابقا،فقد كتب الكاتب الأردني ناهض حتر تقريرا في جريدة "الأخبار" اللبنانية يوم الثالث عشر من مايو 2008 ، بعنوان "نهب الأردن: صفقات بيع مشبوهة " ، تحدث في بداية تقريره عمّا أطلق عليه ( مجموعة الليبراليين الجدد المتنفذين وصقور رجال الأعمال)، فيقول" ويقود هذه المجموعة باسم عوض الله وهو في الثالثة والأربعين من العمر، ومن أصل فلسطيني أميركي، قدم إلى الأردن مطلع التسعينات، وعمل موظفا بسيطا في رئاسة الوزراء والديوان الملكي، ثم أصبح رغم الهجمات العنيفة التي تعرض لها من خارج النظام وداخله، أقوى رجل في عهد الملك عبد الله الثاني، ويحتل منصب رئيس الديوان الملكي، ويرافق الملك كظله. ويسبب صعود عوض الله الذي لا يحظى بأي حيثية سياسية أو عشائرية أو اجتماعية في الأردن تساؤلات عن مصدر قوته ).

 فهل هذا التوصيف يخدم الوحدة الوطنية في الأردن؟ ومصدر غرابتي أن الزميل الكاتب ناهض حتر من الكتاب العلمانيين التقدميين، حيث يفترض أن يكون تقييم أي مسؤول عنده حسب أدائه وإنجازاته وليس أصله وفصله .  لذلك أتساءل: ما المقصود بقوله ( من أصل فلسطيني أميركي ) سوى إعطاء تشكيكه نفحة إقليمية بذكر أنه فلسطيني، ونفس مؤامراتي بذكر أنه أمريكي ). وفي الوقت الذي تنادي فيه غالبية القيادات الأردنية وعلى رأسها الملك عبد الله الثاني بتعزيز مفاهيم المجتمع المدني ومؤسساته الديمقراطية، يعيب الكاتب على باسم عوض الله ، أنه ( لا يحظى بأي حيثية سياسية أو عشائرية أو اجتماعية )، وهذا في رأيي لا ينسجم مع الطرح التقدمي الذي يرى أن تقييم الشخص يكون من خلال أعماله وليس من خلال انتمائه السياسي أو الاجتماعي أو العشائري.

وضمن نفس السياق التوتيري، جاء ما نشره موقع " الحقيقة الدولية" يوم الحادي والعشرين من مايو 2008 حرفيا: " قالت النائب الروسان للحقيقة الدولية، أنها بصدد إعداد مذكرة نيابية تطالب فيها وزير الداخلية عيد الفايز شرح الأسس التي تمّ بموجبها منح الإعلامي عمر كلاب الجنسية الأردنية قبل ثلاث سنوات ". وذلك على خلفية نشر عمر كلاب ( من أصول غزّاوية ) مقالة بعنوان ( باسم عوض الله: ظلال المكان واغتيال الإنسان )، دافع فيها عن رئيس الديوان الملكي في مواجهة اتهامات النائب الروسان. وفي نفس اليوم الحادي والعشرين من مايو نفسه نشر موقع " عمّون " الأردني خبرا قال فيه حرفيا: " نفت النائب الروسان في تصريحات لعمّون أن تكون قد طالبت بسحب الجنسية من الزميل عمر كلاب، مؤكدة أن الجنسية حق دستوري......مؤكدة أنها لم تطالب بسحب الجنسية أو تقوم بتوجيه أسئلة حولها أو تسلك أيا من هذه المسالك " ، وبالتالي يحتار القارىء هل يصدق روسان الحقيقة الدولية أم روسان عمّون .  و في كل الأحوال، فإن هذه الأطروحات الإقليمية لا تصب في مصلحة الأردن، ونسيجه الإجتماعي الذي يحرص القصر الملكي من الملك عبد الله المؤسس إلى الملك عبد الله الثاني على وحدة الأردنيين من كافة المنابع والأصول، فلا يوجد مجتمع في دولة في العالم يتكون من عرق واحد، و إلا ماذا نقول عن المجتمع الأمريكي الذي لا يوجد عرق في العالم إلا ويعيش فيه ويحمل جنسية اسمها الأمريكية ، وهذا المجتمع يشكّل القوة العظمى الوحيدة في العالم، تحرك ما تريد بالريمونت كونترول عن بعد.

الملك: لا نخشى على مستقبل الأردن

لذلك ربما كان مقصودا أنه في اليوم التالي للخطاب الملكي المذكور، كما نقلت وكالة الأنباء الأردنية " بترا" أنّ الملك عبد الله الثاني التقى في دار رئاسة الوزراء بحضور رئيس الوزراء نادر الذهبي ورئيسي مجلسي الأعيان والنواب، وحضر اللقاء رئيس الديوان الملكي الهاشمي الدكتور باسم عوض الله ومدير المخابرات العامة الفريق محمد الذهبي وجرى البحث في العديد من القضايا التي تهم الشأن الداخلي وموقف الأردن من القضايا الإقليمية. وأكّد الملك أهمية التعامل مع القضايا الوطنية بكل وضوح وجرأة وبمسؤولية مشتركة وبسط الحقائق أمام المواطنين لقطع الطريق أمام جميع محاولات التشكيك والإساءة للإنجازات ولمواقف الأردن الوطنية والقومية ".

من هنا فإن ضمانة عدم الخوف على مستقبل ألأردن هو في التلاحم الوطني، وتعميق التجربة الديمقراطية التي تجد في فكر الملك عبد الله الثاني ورؤاه التقدمية حاضنة حقيقية، قياسا بغالبية الممارسات والتجارب العربية المجاورة.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


367

أنا و حسناء الموساد ليفني في السليمانية!
                  2 / 2


د.أحمد أبو مطر

أخبرت زميلي في الرحلة إلى كردستان الكاتب العراقي عبد المنعم الأعسم أنّ هدفا من أهدافي في هذه الرحلة،الذي شجّعني على تلبية دعوة المكتب السياسي للإتحاد الوطني الكردستاني ، هو البحث عن وجود الموساد في إقليم كردستان ، خاصة بعد رواج إشاعة أنّ السيدة الحسناء ليفي ضابطة الموساد السابقة ووزيرة الخارجية الإسرائيلية الحالية، سوف تطير بعد  مشاركتها في منتدى الديمقراطية في الدوحة ، مباشرة إلى إقليم كردستان للإطمئنان على أوضاع الديمقراطية في الجوار الكردي، خاصة تركيا الحليفة العلنية لإسرائيل ، وإيران المحاربة كلاميا فقط لإسرائيل . طلبت من زميلي الأعسم أن يكون هذا سرا بيني وبينه كي لا يفسد مهمتي ، فيخفي المسؤولون ألأكراد أية مظاهر موسادية من الأماكن التي نزورها. ووعدني مقسّما أغلظ الإيمان  أن يبقى هذا سر ، و أن يساعدني في الوصول إلى جواب حاسم قاطع لما أبحث عنه .

 وفجأة اكتشفت أنه غدر بي وطعنني طعنة حادة لا تقل آثارها الكارثية بالنسبة لي عن جروح هزيمة حزيران عام 1967 ، إذ نقل حواراتنا السرّية  هذه  في عموده اليومي  "جملة مفيدة " بجريدة الاتحاد، رغم اتفاقي معه أن هذه الحوارات ( توب سيكرت ) ، وكشف علنا بالعبري الفصيح أنني جئت في زيارتي الثانية لإقليم كردستان، أبحث عن سرّ ثمين وهو العثور على السيدة الموسادية الحسناء ليفي في كردستان ، فربما تكون قد طارت من إحدى العواصم العربية التي تزورها بانتظام إلى إقليم كردستان ، وبكشفه هذا  السر أفسد عليّ متعة البحث عن الموساد في كردستان ، رغم أنه حاول بعد ذلك المساعدة الجدية في هذا المجال خاصة أنه يستطيع التفاهم باللغة الكردية، متفاخرا أمامي ومتعاليا عليّ أنني لا أجيد سوى  أربع كلمات كردية ، هي كاك ( الأخ )  و مام ( العم )  و آزادي ( الحرية ) و آشتي ( السلام )، وهذه الأخيرة تعلمتها من اسم الفندق الذي نزلنا فيه.

فماذا اكتشفنا يا ليفي ؟؟

إنه خبر سوف يصدم القومجيين العرب ، وبقايا النظام البائد بلا أسف ، وكافة العنصريين  الذين يطلبون الحرية والاستقلال لشعوبهم، وعندما يصلون للشعب الكردي في كافة أقسام وطنه المجزأ، ينسون مطالبهم بالحرية والديمقراطية، ويضللون الغوغائيين في بلادهم بحكاية ألف ليلة وليلة الجديدة القديمة، وهي وجود الموساد في إقليم كردستان، وزاد شغف هؤلاء العنصريين بالحكاية بعد زيارة حسناء الموساد السيدة الشقيقة ليفني لأكثر من عاصمة عربية، وكان يتمنى هؤلاء أن يشاهدوها في إقليم كردستان، كي يضللوا جماهيرهم وينسوا وجود الموساد في أكثر من عاصمة عربية من المحيط الهادر إلى الخليج العربي النائم ، حيث يتواجد الموساد بشكل رسمي في السفارات الإسرائيلية في عدة دول عربية، وبشكل سرّي في العواصم التي لا توجد فيها سفارات علنية.

و أقول بصراحة جارحة تصدم هؤلاء العنصريين ، أنه خلال كل تجوالي في إقليم كردستان، في مدنه وقراه، لم أجد أي مظهر من مظاهر وجود السيدة ليفني ، والمدهش أكثر أن كل مواطن كردي يعرف أنني فلسطيني، إلا ويعلن تضامنه مع الشعب الفلسطيني ، وإدانته للجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ، بينما رئيس الانقلاب العسكري في غزة الشيخ اسماعيل هنية يصف فدائيي الشعب الكردي البيشمركة بالمليشيات. وكم كان مفرحا ومبكيا في قرية ( ده مريكان )، ذلك الاستقبال الرائع الذي أعدته لنا تلك الأسرة الكردية الكريمة، وأثناء الحديث يسألني مواطن كردي إن كنت أعرف قريبه ( فلان ) الذي استشهد في لبنان مع فصائل المقاومة الفلسطينية ؟.

 لذلك أنصح كل هؤلاء الداعين للفرقة بين الشعب الكردي والشعوب العربية ، أن يركزوا على وجود الموساد في عواصمهم العربية المعترفة علنا بدولة إسرائيل وغير المعترفة وتقيم علاقات صداقة وأخوة  مع إسرائيل لا تقيمها مع دول عربية، ويتركوا الشعب الكردي في إقليم كردستان، يلملم جراحه وينسى أحزانه الكيماوية، ويبني مستقبلا كريما لشعبه، وقد أكّد أكثر من مسؤول كردي صراحة : أنّ الإقليم جزء لا يتجزأ من العراق الفيدرالي الديمقراطي الموحد ، والاعتراف بإسرائيل هو من اختصاص الحكومة العراقية المركزية التي تمثل كافة مكونات الشعب العراقي القومية والدينية . إن أي عاقل عربي لا بد أن يعترف أن هذه الحملة العنصرية ل ( شيطنة ) الشعب الكردي، لا تصبّ في خدمة أي قطر عربي ، لأنه شاء البعض أم أبى ليس من خيار سوى التعايش العربي الكردي، بعد عقود طويلة من التاريخ ارتبط  خلالها الشعبان بعلاقات وأواصر عائلية وتاريخية مشتركة.

و أقول: فلتتفرغ الفعاليات الكردية لبناء إقليمها، ولا تضيع وقتها في هذه الضغائن العنصرية ، فعيب أن يرى المرء القشة في عين جاره، ولا يرى الخشبة في عينه...و يا صديقي عبد المنعم الأعسم مفشي الأسرار و فاتح الجروح : كيف نساعد العنصريين العرب أن يتذكروا القول: إللي استحوا ماتوا ، و إن لم تستح فافعل  و قل ما شئت.

هل تحققت مطالب الشعب الكردي؟

هل ما سبق يعني أن القيادات الكردية في حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني و الديمقراطي الكردستاني خلال السبعة عشر الماضية ، ومنذ إعلان الحكومة المركزية للإقليم ، تمكنت من تحقيق غالبية أهداف ومطالب وطموحات الشعب الكردي ؟. الجواب: لا. والكتابة النقدية لأوجه القصور هي من اختصاص الكتاب والصحفيين الكرد ، ف ( أهل كردستان أدرى بشعابها ) ، وعليهم تقع مسؤولية أن يتصدّوا بشجاعة ومسؤولية لهذه المهمة، لأنه من غير المنطقي ولا المقبول بعد كل هذه التضحيات  والمعاناة وألآف الشهداء، أن يتم استنساخ أنظمة الشرق الأوسط حيث الفساد والمحسوبية والعشائرية وهدر المال العام ، خاصة أن العديد من الكتاب والصحفيين الكرد ، كانوا مناضلين لسنوات طويلة في الجبال مع فدائيي البيشمركة ، فليسألوا أنفسهم: لماذا ناضلوا ؟ ولماذا حملوا السلاح؟. ليس فقط من أجل الخلاص من الحكم الديكتاتوري الكيماوي الصدامي ، ولكن من أجل إقليم كردستاني ديمقراطي متحرر من الفساد والقمع والمحسوبية والعشائرية ، و تسوده المساواة وحرية الرأي ، خاليا من الخوف سواء من الحزب أو العشيرة أو الحكومة ، فهل يكون كتاب وصحفيو كردستان في مستوى هذه المسؤولية ، احتراما ووفاء لشهداء البيشمركة و ضحايا الكيماوي في حلبجة؟. وليكن اعتمادهم على ما طالبهم به الرئيس جلال الطالباني في رسالته لهم بمناسبة الذكرى المائة و عشر سنوات ليوم الصحافة الكردية ، حيث اعتبر مهمتهم صعبة ومصيرية ، وكما  قال " أن الدفاع عن المكتسبات التي حصل عليها شعب كردستان وتثبيت دعائم المجتمع المدني والحضاري و المنفتح والبعيد عن كل وجوه العنف والقسوة ومحاربة الفساد ، مهمة أخرى من مهام الصحافة والصحفيين ". إن كلمة الرئيس العراقي جلال الطالباني تعني صراحة أن الإقليم ما زال ينقصه قيام مجتمع مدني حضاري ، وما زال يعاني من العديد من أوجه العنف والقسوة في ميادين عديدة ، وأيضا انتشار ظاهرة الفساد ، و إلا ما كان الرئيس الطالباني قد ذكر ذلك صراحة.

  والحقيقة أنه ما زالت قطاعات واسعة من الشعب الكردي تشكو علانية من أن الحكومة المركزية للإقليم التي أعلنت قبل أكثر من عام ، ما زالت بحاجة إلى تفعيل أكثر جدّية خاصة ضرورة توحيد وزارتي الداخلية والمالية. وهناك شكاوي عديدة سمعتها من العديد ممن قابلتهم: صحفيون وكتاب وأساتذة جامعات. وما يبعث على الأمل أنّ هامش الحريات الصحفية يسمح بالنقد والمساءلة ،استنتاجا مما نشرته صحيفة " روزنامة " الصادرة في مدينة السليمانية يوم الثالث من أبريل 2008 ، وترجمه لي زميل من الصحفيين الكرد ، فقد أدلى " سيد كاكه " عضو البرلمان في إقليم كردستان ، بتصريح للصحيفة انتقد فيه بقسوة شديدة الحكومة الإقليمية وحزبي الاتحاد الوطني الكردستاني و الديمقراطي الكردستاني ، وكذلك الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني  والسيد مسعود الرزاني رئيس حكومة إقليم كردستان . وهناك مقالات نقدية عديدة ممن ترجمت لنا ، من صحيفة " هاولاتي " الصادرة أيضا في السليمانية، وأكثر من شخصية حزبية و حكومية ممن قابلناهم ، يؤكدون أن هامش النقد البناء الهادف مطلوب أن يمارسه الجميع، شرط أن يبتعد عن المهاترات والافتراءات التي تهدف لتصفية حسابات شخصية، وليس من أجل مصلحة الشعب الكردي.

جملة أخيرة

نحن ككتاب عرب متضامنين مع القضية  والشعب الكردي، مهمتنا تقديم القضية والمعاناة الكردية للقراء العرب، في مواجهة العنصريين الذين يحاولون زرع الفرقة والضغينة بين الشعب الكردي والشعوب العربية، أما المهمات الداخلية في إقليم كردستان خاصة التصدي لكافة الجوانب السلبية التي يعاني منها الشعب الكردي فهي مهمة الكتاب والصحفيين الكرد قبل غيرهم....ومسؤوليتهم الوطنية تجاه شعبهم الكردي أن يتصدوا لذلك بشجاعة تليق بالتضحيات التي قدمها شعبهم طوال عشرات السنين.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


368
محام فاشل عن قضية قبطية عادلة

د.أحمد أبو مطر

لا يستطيع أحد من أية قومية أو ديانة أن يزايد عليّ في مجال الدفاع عن القضية القبطية في مصر، حيث كتبت العديد من المقالات، وشاركت في أكثر من مؤتمر دفاعا عن حق الإخوة الأقباط في مواطنة كاملة غير منقوصة في مصر، وإدانة واضحة لكل التعديات التي تحصل ضدهم من خطف الفتيات القاصرات غالبا، وإجبارهن على اعتناق الإسلام بعد التباسات كثيرة من بينها اعتداءات جنسية،وحرق محلات الأقباط خاصة في صعيد مصر، والتعدي على الكنائس ، إلى حد أن الاعتداءات من كافة الأنواع هذه أصبحت معروفة وموثقة ، ولا تنكرها السلطات الرسمية أيا كان مستوى مواجهتها لمرتكبي تلك الاعتداءات، خاصة بعد المدّ الإسلامي السلفي الرجعي في مصر في العقود الأربعة الماضية، إلى درجة أن مصر اليوم في ميادين كثيرة غير مصر في الستينات، التي كانت منارة العلم والتطوير والتجديد في  العالم العربي ، وهذا التيار السلفي لم يقتصر تحريضه ضد أقباط مصر فقط، بل نال المسلمون أيضا ، فمن نتائجه تكفير الدكتور نصر حامد أبو زيد وهجرته إلى هولندا، ومحاولة اغتيال الروائي الراحل نجيب محفوظ، وقتل الدكتور فرج فودة، وتهديد الدكتور سيد قمني وتوقفه عن الكتابة، وطلب التفريق بين الدكتورة نوال السعداوي وزوجها الدكتور  شريف حتاتة. وهذا المدّ الظلامي من أوجهه المواجهة المحتدمة بين الحكومة المصرية و جماعة الإخوان المسلمين الذين هم أهم واجهات هذا المد  والحاضنة الأساسية التي تفرّخ كافة هذا الظواهر التي لا يمكن وصفها إلا بأنها إرهابية و رجعية ظلامية ، إلى الحد أن المواجهة التي يخوضها النظام المصري مع جماعة الإخوان المسلمين هي مواجهة من أجل مستقبل مصري يخلو من هذا الظلام والقمع والإرهاب الإخواني التكفيري المتخلف.

التضامن لا يعني السكوت على الخيانة

إلا أن موقفي الذي كان وما يزال وسيظل متضامنا بشجاعة وصراحة مع إنصاف أقباط مصر والمظلومين أيا كانت قوميتهم وديانتهم، لا يعني بأي مقياس من المقاييس السكوت على مواقف انتهازية خيانية مرفوضة، يتخذها بعض الذين كسبوا شهرتهم في الغرب من خلال ادعاء الدفاع عن القضية القبطية، خاصة إذا كانت تلك  المواقف لا أخلاقية بكل المعايير حتى الأمريكية والإسرائيلية منها  . وهذا يعني أن نسبة من الأمريكيين والإسرائيليين أشرف من هذه النوعية القذرة من الأقباط ، وهذا لا يعيب أقباط مصر أبدا، فمن بين الفلسطينيين أنفسهم ألاف يعملون مع مخابرات الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبهم ، ومع ذلك فهذا لم ينقص من قدر الشعب الفلسطيني ولا عدالة قضيته التي يعترف بها قطاع واسع من الشعب الإسرائيلي ويطالب بزوال الاحتلال.

موريس المنافق وغير الصادق

369
كيف وجدت كردستان بعد أربع سنوات؟
               1 / 2


د.أحمد أبو مطر                                               


كانت زيارتي الأولى إلى إقليم كردستان العراق عقب سقوط النظام الصدامي ، الذي أطلق عليه البعض وأنا واحد منهم ( تحرير العراق )، و امتدت تلك الزيارة طوال أسبوعين من شهر نوفمبر 2004 ، شملت المؤسسات التعليمية والإعلامية والخدماتية في العديد من المدن الكردية، للإطلاع على ما تمّ تحقيقه بعد اندحار السيطرة الدموية الصدّامية على الإقليم منذ عام 1991 . والتقيت في تلك الزيارة العديد من المسؤولين الكرد في مختلف مجالات الحياة، وتوجت الزيارة بلقاء مهم مع السيد جلال الطالباني الأمين العام لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي انتخب لاحقا رئيسا للجمهورية العراقية ، فكان ذلك خطوة على طريق إنصاف كافة القوميات التي تكّون نسيج المجتمع العراقي ، وبداية نهاية مصادرة وإلغاء القومية الكردية التي مارسها النظام البائد بعنصرية بعثية شوفينية كيماوية، قتلت عشرات ألآلآف من الشعب الكردي. وجاءت زيارتي الثانية للإقليم أيضا بدعوة من الاتحاد الوطني الكردستاني، من الرابع عشر من أبريل 2008 إلى الثامن والعشرين من الشهر ذاته ، برفقة القاضي العراقي زهير كاظم عبود والكاتب العراقي عبد المنعم الأعسم ، فماذا وجدت ولاحظت في الإقليم بعد غياب أربع سنوات ؟

الأمن والاستقرار

وأنت تتذكر مسلسل الرعب والقتل والخطف والتفخيخ العشوائي الذي يسود بعض المدن العراقية ومنها العاصمة بغداد ، تتأكد أن مدن إقليم كردستان من أربيل إلى السليمانية ، ومختلف المناطق والقرى في السهول والجبال تنعم بحالة من الأمن والاستقرار والهدوء ، يتمنى كل محب للعراق الفيدرالي الموحد أن يعم ذلك كافة أقاليم العراق. ويعود هذا الأمن والاستقرار إلى يقظة أجهزة الأمن التي يتشكل غالبيتها من أفراد وقيادات البيشمركة (الفدائيون الأكراد ) الذين قاتلوا بشجاعة دفاعا عن شعبهم في مواجهة آلة القتل الصدامية البرية والجوية والأنفالية الكيماوية،و كذلك ليقظة الشعب الكردي أحزابا ومنظمات وفعاليات شعبية ، واستحالة وجود أي مستضيف للإرهابيين القتلة، فالمواطن الكردي أيا كانت انتماءاته أو انتقاداته لحكومة الإقليم من المستحيل أن يتعاون مع الإرهابيين ويساعدهم في إيجاد ملاذ آمن يخططون منه لجرائمهم الإرهابية. تتجول في مدن وقرى وأسواق ومنتزهات الإقليم بهدوء وطمأنينة لا تختلف عن مثيلاتها في أية عاصمة عربية أو أوربية، مما يجعلك تشعر بالفرح والسعادة لهذا الشعب الذي منذ سنوات يحاول أن يعوض الحرمان والخوف والرعب والقتل الذي عاشه طوال العهد البائد، رغم أن ذوي مئات ألاف الضحايا لا يمكن أن ينسوا ذويهم المغدورين ، الذين تمّ تخليد حوالي خمسة ألاف منهم في النصب التذكاري في مدينة حلبجة التي قصفها الديكتاتور بأسلحته الكيماوية ، في سابقة لا يمكن أن يتخيلها عقل بشري ، فكيف يمكن تصور أن حاكما مهما كان قاتلا ومجرما ومتوحشا أن يقصف مدينة من مدن وطنه بالسلاح الكيماوي؟ . لكن هذا العمل الوحشي ليس غريبا على طاغية قتل عشرات من قيادته القطرية والقومية وضباط جيشه ووزرائه!.

ومن مظاهر الأمن والفرح الذي يغمر قلوب أبناء هذا الشعب، ما شاهدناه في رحلتنا الجبلية يوم الجمعة الثامن عشر من أبريل إلى منطقة " جة مي ريزان "  بصحبة الزميل محمد عثمان رئيس تحرير نشرة " إنصات " . كم هو مدهش تلك التجمعات و قوافل ألاف من المواطنين وهم يفترشون الأرض وسط المزارع والبساتين، يرقصون الرقصات الشعبية على أنغام الموسيقى الكردية والعربية، ويعدون الطعام في مظهر غامر بالفرح، وتسأل عن العديد من المناطق والبنايات فتعرف أنها كانت معسكرات مقفلة للطاغية البائد وأجهزة مخابراته وسجونه.  وفي منتجع " قشقولي " كان منظرا مفرحا ومبهجا للغاية ، حيث مجموعة من الشباب العرب والكرد ، يمرحون ويلعبون على أنغام الموسيقى الحية التي يعزفها واحد منهم ، ويغنون أغان عربية وكردية . شدّني المنظر فذهبت إليهم و سألتهم : أين هذا مما يجري في بغداد والبصرة؟. أجابني أحد الشباب: عيني بإرادتنا سيعم هذا الفرح كل مدن العراق؟. قلت : والله منظر مفرح لعرب وأكراد معا، يمرحون متآلفين ويغنون بالعربية والكردية. أجابني شاب كردي باللغة العربية: وما الغرابة في هذا ؟ هذا هو الطبيعي الذي يجب أن يسود . نحن عراقيون الطبيعي أن يحترم كل واحد منا هوية ألآخر بعد أن ذهب بلا رجعة النظام الظالم الذي فرّق قلوبنا وعقولنا لفترة، ولا عودة لتلك الفترة البائدة . نحن مصرّين عرب وأكراد على أن نعيش في فرح ووئام، مع احترام خصوصية كل واحد منّا ، ضمن عراق فيدرالي واحد موحد. ونفس المشهد تراه على بحيرة " دوكان " الشهيرة، حيث تتآلف أصوات خرير الماء مع الموسيقى العربية والكردية، وكم هو رائع أن نفس الشاب أو الفتاة، يغني أغنية عربية ثم أغنية كردية. إنه الحب والتآلف الذي يجب أن يسود ، كي يتمكن  العراقيون  من بناء عراق ديمقراطي بعد أن أنعم الله عليهم بسقوط ذلك النظام الذي عمّت جرائمه كافة أطياف المجتمع العراقي رغم تفاوت حجم تلك الجرائم بحق طيف من الأطياف.

 نسبة كبيرة من القوافل البشرية تلك من طلاب وطالبات الجامعات، يأتون في رحلات جماعية ، يرقصون ويغنون وينشدون، فتتذكر منظر الإرهابيين الظلاميين في مدينة البصرة ، حيث فرضوا على شبابها إطالة اللحية وعلى شاباتها الشادور الإيراني ، في الشوارع والجامعات ، في الليل والنهار، ومنعوا الموسيقى والغناء، منتظرين قدوم المهدي المنتظر الذي سيحل لهم كافة المشاكل من الماء إلى الكهرباء، ة وزيادة انتاج إنتاج النفط وتعبيد الطرق أيضا. والمفرح أن هناك عشرات من العائلات العربية قدمت من محافظات عراقية من خارج إقليم كردستان، لتقضي إجازة نهاية الأسبوع في هدوء وأمان، بعيدا عن مفخخات الإرهابيين القتلة.

العرب والعربية في كردستان

أينما تتجول في إقليم كردستان، تستطيع التحدث مع غالبية الشعب الكردي باللغة العربية، في الفنادق والمدارس والجامعات والمؤسسات والأسواق، فلم أزر أية جهة طوال إسبوعين إلا وكان حديثي باللغة العربية ، وفي هذا ردّ واضح صريح على العنصريين العرب الذين يروجون لأكذوبة معاداة الشعب الكردي للعرب واللغة العربية، ورغم ذلك هناك سؤال منطقي وموضوعي : لماذا مطلوب من المواطن الكردي في إقليم كردستان العراق أن يتحدث ويتعلم من خلال اللغة العربية ، بينما غير مطلوب من المواطن العربي أن يتعلم ويتحدث اللغة الكردية؟. أليس ذلك عنصرية وتمييزا ضد مكون من مكونات المجتمع العراقي؟.

 والدليل على حسن نية الشعب الكردي نحو جواره العربي في العراق وكافة الأقطار العربية، أن هناك أكثر من مؤسسة  ودار نشر كردية تهتم بنشر الكتب والمطبوعات العربية ، فعن مكتب الإعلام المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني تصدر باللغة العربية صحيفة (الاتحاد ) اليومية التي مكتبها الرئيسي في العاصمة بغداد، وهي صحيفة تتابع كافة التطورات العراقية والعربية والدولية كأية صحيفة عربية تصدر في عاصمة من عواصم  (بلاد العرب أوطاني ) ويرأس تحريرها ( فرياد راوندي ) في بغداد ، ونائب رئيس التحرير ( المصطفى الصالح الكريم ) في السليمانية. وعن نفس الإعلام المركزي تصدر باللغة العربية النشرة اليومية ( إنصات ) منذ بداية عام 1994 ، وهي ( نافذتك على الحدث والتطورات وسجلك لتوثيق المواقف والبيانات )، وحسب هذه المواقف والبيانات والتطورات تأتي النشرة يوميا من 40 إلى 56 صفحة ، و يرأس تحريرها ( محمد عثمان أمين ) ،  وبموضوعية لا أعتقد أن هذا المستوى والمتابعة يمكن أن يصدر في نشرة يومية في عاصمة عربية. هذه النشرة اليومية تغنيك عن متابعة العديد من الصحف والإذاعات والمجلات لمعرفة آخر التطورات الكردية والعربية والعالمية، وفيها صفحات يومية بعنوان ( مختارات من الصحافة العربية ).   وضمن نفس السياق هناك دار النشر المشهورة ( سردم ) التي يرأسها الشاعر الكردي المشهور ( شيركو بيكوس ) ، وتصدر عنها مجلة ثقافية عامة باللغة العربية باسم ( سردم العربي )، وقد صدر عنها العديد من الكتب باللغة العربية ليست كلها عن الشأن الكردي ، والدار مستعدة لاستقبال ونشر كتب الكتاب والمثقفين العرب من كافة الأقطار. وهناك أيضا مؤسسة ( حمدي للطباعة والنشر ) التي يرئسها فؤاد مجيد ، وصدر عنها العديد من الكتب العربية لكتاب عرب وأكراد.

وفي ميدان المطبوعات باللغة العربية، هناك أيضا المجلة الثقافية الدورية ( لالش ) التي يصدرها مركز لالش باللغات العربية والكوردية والإنجليزية ، وكذلك المجلة الشهرية (الصحفي ) التي تصدر في مدينة أربيل عن نقابة صحفيي كوردستان، ويرأس تحريرها (فرهاد عوني ) ونائب رئيس التحرير ( المصطفى الصالح الكريم ). وفي أربيل وبغداد تصدر صحيفة ( التآخي ) اليومية عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه السيد مسعود البرزاني رئيس حكومة إقليم كردستان، ويرأس تحريرها الدكتور بدرخان السندي، وأيضا المجلة الشهرية " زهرة نيسان " التي يرأس تحريرها غسان سالم . وهناك أيضا مراكز دراسات وبحوث تصدر مطبوعاتها بعدة لغات منها العربية، مثل (مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية ) الذي تأسس عام 1992 ك " مؤسسة ثقافية تهدف إلى الدراسات العلمية في مجالات الأمن القومي والسياسة الدولية والاقتصاد والقضايا الاستراتيجية "، ومن منشوراته باللغة العربية مرجع مهم هو ( أصول العقائد البارزانية ) ل " فريد اسسرد " الذي هو أيضا مدير المركز. ويطول الحديث إذا أردنا استعراض كافة أوجه التعبير والثقافة باللغة العربية في إقليم كردستان، ولعلّ هذا العرض الموجز خير ردّ موثق على العنصريين العرب الذين يريدون الحرية لشعوبهم، والقمع والمصادرة والقتل للشعب الكردي، مروجين لأكاذيب وافتراءات لا تصمد أمام الحقيقة المعاشة والسائدة في الإقليم.

وتصادف أثناء زيارتنا احتفال إقليم كردستان بالذكرى العاشرة بعد المائة للصحافة الكردية، وصدور أول عدد من صحيفة " كوردستان " في أبريل من عام 1898 ، باللغة الكردية في العاصمة المصرية القاهرة على يد رائد الصحافة الكردية مقداد مدحت بدرخان، المنتسب لعائلة بدرخان الكردية المشهورة في مصر ، التي قدمت كتابا ومخرجين سينمائيين معروفين في كافة الأقطار العربية. وأقيم بهذه المناسبة احتفال كبير في مدينة السليمانية ، حضرته السيدة العراقية الأولى " هيرو أحمد إبراهيم " المعروفة في الإقليم باسم " هيرو خان "، حيث تمّ تقديم الجوائز والشهادات التقديرية للعشرات من الصحفيين الأكراد من مختلف الصحف والمجلات والمدن الكردية، كما وجّه الرئيس العراقي جلال الطالباني  رسالة تهنئة لصحفيي كردستان ، اعتبر فيها هذا اليوم ( تاريخيا وعيدا ثقافيا في مجال التصدي لمحاولات العداء محو لغة وتراث وتاريخ شعبنا ) ، كما حثّ الصحفيين والإعلاميين الكرد على توسيع فهمهم للواقع والرؤية إلى الأفق البعيد ، واعتبرها مهمة صعبة ومصيرية ، كما أن المكتسبات التي حصل عليها شعب كردستان، وتثبيت دعائم المجتمع المدني والحضاري المنفتح والبعيد عن كل وجوه العنف والقسوة ومحاربة الفساد، مهمة من مهام الصحافة والصحفيين . وكذلك وجّه السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان رسالة لصحفيي كردستان، حثّهم فيها على مواصلة العمل الدؤؤب من أجل كردستان ديمقراطي حضاري منفتح على كافة مكونات نسيج المجتمع العراقي.

 وتصادف كذلك افتتاح معرض الكتاب الذي نظمته " دار المدى " التي يرأسها الأستاذ فخري كريم ، وكان المعرض أولا في مدينة أربيل حيث رافقته العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية، ثم انتقل المعرض إلى مدينة السليمانية، وكانت دهشتي كبيرة أثناء تجوالي في المعرض، إذ أن الغالبية العظمى من كتب المعرض في مدن كردية هي كتب عربية لمختلف دور النشر العربية المشهورة . وفي كلمته في الاحتفالية الخاصة بذكرى الصحافة الكردية، ألقى فخري كريم كلمة باللغة العربية، وهو الكردي الأصل ويتحدث اللغة الكردية، لكنه يجيد العربية ويكتب بها...فهل بعد كل هذه الشواهد هناك من  يتنكر للغة والثقافة العربية في إقليم كردستان الكردي؟

أما عن تدريس اللغة العربية في مدارس إقليم كردستان ، فتكفي المعلومة التي ردّ بها الكاتب  الكردي ( المصطفى الصالح الكريم ) في جريدة " الاتحاد " يوم الحادي والعشرين من أبريل 2008 ، على  مقالة الكاتب السعودي " حسين شبكشي " المنشورة في جريدة " الشرق الأوسط " الصادرة يوم الخامس عشر من أبريل 2008 ، حيث فنّد بعض الأخطاء الواردة في مقالة شبكشي ، فقال: ( أما موضوع عدم التدريس اللغة العربية فهو بهتان مبني على الباطل، ففي كل المراحل الدراسية تدّرس اللغة العربية وفق المنهج المقرر من قبل وزارة التربية العراقية، والكتاب العربي الذي يدرس فيه الطالب في إقليم كردستان هو نفسه الذي يدرسه طالب في النجف الأشرف . ولتصحيح معلوماته  فإن إقليم كردستان تمتع بحكمه الذاتي منذ أن أمر صدام بسحب إدارته من كردستان عام 1991 بعد الانتفاضة المجيدة التي هزّت عروش البعث في كردستان، والفترة هي سبعة عشر عاما وليس عشر سنوات كما ذكرها الكاتب، ورغم عدم وجود أية سيطرة لصدام حسين ونظامه منذ ذلك الحين، إلا أن الإقليم أبقى على المناهج الدراسية فيما عدا تلك الموضوعات التي تمجد صدام حسين ونظامه، وتبارك غزو الكويت ، وتنعت العاهل السعودي بنعوت أقل ما يقال أنها خارجة عن الأدب والأخلاق ، عدا هذا وذاك فهناك مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية خاصة للطلبة غير الكرد، يدرسون جميع الدروس فيها باللغة العربية ، وإحدى هذه المدارس سميت باسم شاعر العراق والعرب الأكبر الجواهري ).

وقد تأكدت من صحة هذه المعلومات من خلال زيارات ميدانية لأكثر من مدرسة من هذه المدارس من ضمنها مدرسة الجواهري التي تأسست عام 2000 ، أي في زمن زوال السيطرة الصدامية على الإقليم ، مما يثبت أن تأسيس المدرسة تمّ برغبة كردية بحتة . وقد عُلق على مدخل المدرسة لوحة كبيرة، كُتب عليها:

( مدرسة الجواهري الابتدائية المختلطة للدراسة العربية )
وتحت الاسم البيتين التاليين من شعر الجواهري:

قلبي لكردستان يهدى والفم               ولقد يجود بأصغريه معدم
شعب دعائمه الجماجم والدم             تتحطم الدنيا ولا يتحطم
 
واستمعت للدروس باللغة العربية مباشرة مع الطلاب في فصولهم الدراسية، والغريب أن هناك نسبة لا بأس بها من الطلبة والطالبات الأكراد يدرسون كامل مقرراتهم الدراسية باللغة العربية ، وذلك استعدادا للدراسة الجامعية حيث غالبية الكليات تدرّس باللغة العربية، وكذلك غالبية المصادر والمراجع في المكتبات الجامعية باللغة العربية. وفي زيارة لكلية العلوم الإنسانية بجامعة السليمانية ، تأكدنا أن طلاب الماجستير والدكتوراة هم من يختارون أن يكتبوا أطروحاتهم الجامعية باللغة الكردية أم العربية. وهذه المعلومات الميدانية الموثقة عيانا تثبت عدم صحة المعلومات العنصرية التي يرّوج لها البعض ، انطلاقا من خلفيات عنصرية متناسين قرونا من العيش المشترك بين الشعبين الكردي والعربي . والمضحك المبكي أن العرب العاربة والمستعربة تتغنى بالقائد الكردي مُحرر القدس ، ويسكتون أو يدعمون قتل أحفاده ، بما فيها محاولة تعريب صلاح الدين الأيوبي ، كما فعل واحد من قيادات المقبور صدام ، عندما اصطنع نسبا عربيا لصلاح الدين الأيوبي .

لا بد من الوعي بأنه لابدّ من بذل كل الجهود لتعبيد كافة الطرق وصولا للتعايش والتآلف بين العرب والكرد، ففي هذا مصلحة الشعبين، لأن استمرار الحملات العربية العنصرية ضد الشعب الكردي وقياداته لا يخدم مستقبل الشعبين ، والمعيب أن العديد ممن يؤججون الضغينة ضد الشعب الكردي، يطالبون بالتعايش والتسامح مع الشعب الإسرائيلي . هل هذا قصر نظر ؟ أم تطبيق لشعار " أمة عربية واحدة ، ذات رسالة واحدة "؟.

معلومة للتنكيت و التبكيت

للتذكير فقط :هل منعت دولة إسرائيل الفلسطينيين الذين بقوا صامدين في وطنهم من استعمال لغتهم العربية؟ هل فرضت عليهم بالقوة استعمال وتعلم اللغة العبرية؟ . الجواب هو ما  أنتجته الثقافة العربية في إسرائيل من إبداعات عربية لرموز مثل إميل حبيبي ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد  وغيرهم . وفي المقابل ممنوع على الأكراد في سوريا  حتى اليوم استعمال لغتهم والتعلم والكتابة بها؟ أليست دولة إسرائيل في بعض الميادين أرحم من بعض الدول العربية؟. عجيب أن يطالب البعض بالحرية والمساواة والتقدم للشعوب العربية، وفي الوقت ذاته بالقمع والمصادرة والإلغاء للشعب الكردي الأكثر من شقيق !.

" الحلقة الثانية: أنا والحسناء الموسادية ليفني في السليمانية "
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

370
قراءة في أجوبة مريض اسمه الظواهري


د.أحمد أبو مطر

حققت شبكة الانترنت لمجاهدي القاعدة خاصة الإرهابيين مثل المريض النرجسي أيمن الظواهري، حضورا وانتشارا يفوق نجوم أفلام الجنس الفاحش ( بورنو ) ، ففرضوا أنفسهم على قطاعات واسعة من الجماهير المغلوبة على أمرها، ناشرين ثقافة ظلامية متخلفة، والدليل على هذا الانتشار ما أعلن عنه منذ شهور موقع السحاب القريب من القاعدة و التنظيمات الإرهابية المتفرعة عنها أو المستخدمة لاسمها منسوبا للقطر الذي تمارس إرهابها فيه ، إذ أعلن هذا الموقع أنه سوف يستقبل أسئلة الجمهور لمدة شهرين من السادس عشر من ديسمبر عام 2007 إلى السادس عشر من يناير 2008 ، ثم يعرضها على المريض النفسي  أيمن الظواهري كي يجيب عليها. والدليل على انخداع هذه الجماهير بهذا الشخص، أن هذا الموقع استقبل حوالي 2000 سؤال، قدمها لهذا (العبقري الموسوعي الخارق في ذكائه ) كي يجيب عليها، وقد احتاج وقتا من السابع عشر من يناير إلى الثالث من أبريل 2008 ،  كي يصنف الأسئلة التي وصلته ويختار ما سيجيب عليه . رغم أننا سنلاحظ من بعض الأسئلة التي وجهت لهذا القاتل استنكارا شديدا لعملياته الإرهابية التي يسمّيها جهادية.  ومن المعلوم أن هذا ( الجهاد الانترنتي ) مراقب لحظة بلحظة من شركات أمريكية تحديدا، ترصد كل حركة فيه ومن خلاله، بدليل أن مجموعة (إنتل سنتر ) الأمريكية هي التي تنشر تسجيلات الإرهابيين ولقاءاتهم قبل أن نعرفها منهم مباشرة .

رجل مبارك يستخير الله في أفعاله

 ما هي الطريقة التي استعملها ليختار الأسئلة التي سيجيب عليها من بين ألفي سؤال؟.  كونه رجل مبارك يقول: ( كانت نيتي قبل وصول الأسئلة أن أجيب على أي سؤال يصلني...ولكنني وجدت أنّ الإخوة شرّفوني بسيل من الأسئلة ، مما يتعذر الإجابة عليها جميعا ، فاستخرت الله ، واخترت منها تسعين سؤالا ). من بداية تعاطيه مع الجمهور يلجأ لإعطاء نفسه مسحة دينية من خلال ادّعائه أنه استخار الله تعالى ، وليت هذا الدّجال عرّفنا كيف ولماذا استخار الله ؟. المعروف أن ( المذاهب الأربعة اتفقت أن الاستخارة تكون في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها ). فهل هذا ينطبق على مبادرة سؤال الجمهور أن يوجه له أسئلة كي يجيب عليها؟. هل هناك صواب في الإجابة على أسئلة ، وخطأ في الإجابة على بعضها، مما استدعى أن يصلي صلاة الاستخارة، ثم يختار 90 من بين 2000 سؤال؟. إنه الدجل بعينه يحاول صاحبه أن يخدع الناس، بأن كل خطواته مباركة من الله تعالى ، مما يعني عنده على الأقل أن هذا القتل والإرهاب الذي يمارسه ويشجع عليه بحق المدنيين الأبرياء في العراق والجزائر وأفغانستان والمغرب وغيرها ، إنما هو عمل قام به بعد استخارة الله ، وذلك ما عناه صاحب السؤال الأول ( مدرس جغرافيا ) ، عندما سأله: (من يقتل بمباركة من سيادتكم الأبرياء في بغداد والمغرب والجزائر ، هل قتل الأطفال والنساء جهاد عندكم ؟ أتحداك أنت وتنظيمك أن تفعل ذلك في تل أبيب . لماذا لغاية اليوم لم تنفذوا أية ضربة في إسرائيل؟ أم أنه أسهل قتل المسلمين في الأسواق ! ربما يجب أخذ دروس في الجغرافيا لأن خرائطكم ليس بها إلا دول المسلمين ). ويجيب عليه نافيا قتل الأبرياء ، وكأن ألاف الذين يموتون يوميا في العراق والجزائر والمغرب وأفغانستان يموتون بسبب إنفلونزا الطيور وليس بمفخخات إرهابيين ترسلهم وتدربهم قاعدته . وهو بنفيه هذا يعتقد أن الجماهير ستصدقه، عندما تتذكر وهي متأكدة أنه في الجزائر وحدها منذ عام 1990 قتل الإرهابيون مثله ما لا يقل عن مائة وخمسين ألف من المدنيين الجزائريين في كمائن وهم ذاهبون أو عائدون من عملهم، ناهيك عن اغتصاب ألآف من الفتيات والنساء، اللواتي شهد بعضهن أن ( المجاهدين ! ) كانوا يتعاقبون على اغتصابهن ، وفي بعض الحالات حوالي أربعين مجاهدا تعاقبوا على اغتصاب فتاة واحدة، وهم يصرخون بالتكبير لله على أنهن سبايا.

ويستمر استنكار قتل الأبرياء،

فيسأله ( طالب جامعي طب من الجزائر): " تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي: هل قتل الأطفال والنساء جهاد عندكم؟ أريد من الظواهري أن يجيبني على من يقتل الشعب في الجزائر، ما هو الدليل الشرعي في قتل الأبرياء، ستون مسلما سفكت دماؤهم يوم الحادي عشر من ديسمبر في الجزائر، والقاعدة تتبنى انفجارا مات فيه مسلمون يوحدون الله عز وجل. لا حول ولا قوة إلا بالله. فهنيئا للبطل الظواهري بقتل الطلبة والأطفال والنساء الأبرياء في هذا العيد . ما هو ذنب الأبرياء؟ حسبنا الله ونعم الوكيل ". ويستمر المجرم الظواهري في غطرسته، و ينكر أن هؤلاء القتلى من المدنيين الأبرياء، معتقدا أنه وهو مختبىء في كهوف تورا بورا أصدق من هذا الطالب الجزائري الذي يسأل بألم وحزن شديدين على مواطنيه الذين رآهم يقتلون صباح العيد، وأغلبهم من النساء والأطفال.

مجرم من يبارك الاعتداء على مقرات الأمم المتحدة

ويواصل تبريره للإرهاب قائلا: " لقد كانت العملية في الحادي عشر من ديسمبر على مقر الأمم المتحدة وعلى المجلس الدستوري والمدرسة العليا للشرطة ، ولم تكن على مدارس الأطفال ولا مستشفيات النساء ". وهل هناك إجرام أكثر من هذا الذي يبرر نسف مقرات الأمم المتحدة والمجلس الدستوري الجزائري والمدرسة العليا للشرطة الجزائرية؟. لذلك استنكر الأمين العام للأمم المتحدة تصريحات هذا الإرهابي ، وقال: أنها " خاطئة تماما وغير مقبولة " ، وكذلك أدانتها جامعة الدول العربية، إذ قال المتحدث الرسمي باسم الجامعة : " إن الدول العربية التي تطالب الأمم المتحدة بتعزيز دورها وتحمل مسؤولياتها، لا يمكنها أن تقبل توجيه اتهامات غير مسؤولة . ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها تشكل سندا للموقف الفلسطيني والعربي الذي يعمل لتفعيل وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة...الاتهامات التي تطعن بدور الأمم المتحدة وتصفها بأنها عدوة الإسلام والمسلمين تسيء إلى الموقف العربي والإسلامي ".

ويهاجم الشيخ يوسف القرضاوي وحماس وجماعات الإخوان المسلمين

إن نرجسية هذا المريض الظواهري، تقوده لاعتبار نفسه أعلى مرجع ديني إسلامي ، فيهاجم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، فعندما تسأله ( أخت إعلامية ) عن رأيه في إدانة الشيخ القرضاوي لعمليات قتل المدنيين الأبرياء، يجيبها قائلا: ( القرضاوي يصادق أكابر المجرمين ويكذب المجاهدين ، فهو قد تعرض في فتواه هذه لما حدث في مدينتي باتنة و دلس، ووصف ما حدث بأنه قتل للأبرياء واستحلال لدماء المسلمين، وهو بهذا يردد نفس أكاذيب النظام الجزائري المجرم . وكان الشيخ القرضاوي قد قال: " كيف يزعم هؤلاء الذين يسفكون دماء أهليهم أنهم إسلاميون؟ ومن أين يستقي هؤلاء أفكارهم السوداء التي تستحل قتل الناس بالجملة . لا قدوة لهؤلاء إلا الخوارج الذين استحلوا دماء من عداهم من المسلمين وأموالهم ". وكذلك حركة حماس لم تسلم من نقده فهو الذي يملك الحقيقة المطلقة، فهو يجيب على من سأله عن خلفية انتقاداته المتكررة لحركة حماس قائلا: ( أني قد تدرجت مع حماس من التأييد إلى النصح المتكرر إلى التحذير إلى النقد العام، ثم لمّا وقعوا على اتفاق مكة كان لا بد من نقد صريح، فأنا تدرجت معهم وهم لم يأبهوا برأي إخوانهم، واستمروا فيما اندفعوا فيه من دخول الانتخابات ملتزمين بالدستور العلماني إلى التخلي عن إخوانهم في الشيشان، وصولا للتنازل عن أربعة أخماس فلسطين في مكة ).

أما عن جماعات الإخوان المسلمين فيقول: ( إني لم أنتقد الإخوان المسلمين إلا بعد أن طفح الكيل، وبلغ بهم التنازل أن يسيروا في مظاهرة النفاق من مجلس الشعب إلى قصر حسني مبارك ليطالبوا بتمديد رئاسته، فأصدرت الطبعة الأولى من كتاب " الحصاد المر"، ثم أصدرت طبعته الثانية بعد أن دخل الإخوان أعضاء التنظيم العالمي في أفغانستان والعراق الحكومتين العميلتين فيهما في ظلال الحراب الأمريكية، وسكتت بقية أفرع الإخوان على هذه الخيانات ) . إذن هو فقط  من على حق فقط ،  ويملك الحقيقة الإلهية التي تجعله يخوّن الجميع !!.

تخيلوا هذا الجنون النرجسي!!

هذا الشخص المريض حقيقة يريد من كهوف تورا بورا أن يضع السياسة والبرامج التي تسير عليها حركة حماس والسلطة الفلسطينية، وكأنه المخول من الله تعالى بالتخطيط للكرة ألأرضية كلها، ولا يستطيع عاقل أن يعرف كيف تخلت حركة حماس عن إخوانهم في الشيشان؟ هل كان هناك مقاتلون لحماس وقامت بسحبهم؟ أم أنهم أيدوا الجيش الروسي في عملياته هناك؟. وهنا أتذكر القول المنسوب للخليفة عمر بن عبد العزيز موجها إياه لواحد من أولاده: " رحم الله إمرىء عرف قدر نفسه " ، ومن هذا المنظور أعتقد أن هذا الظواهري لا يعرف قدر نفسه ويتوقف عند حدود ها، بل يدسّ أنفه في كل أمور الكرة الأرضية التي أغلبها ليست من اختصاصه ، ولا يفهم فيها ولا يتابع تطوراتها وهو مختبىء في الكهوف المظلمة بعيدا عن البشر والبشرية.

وفي الوقت الذي ينتقد حماس لتوقيعها اتفاق مكة ،وموافقتها حسب ادعائه على أربعة أخماس فلسطين لإسرائيل ، أي أنه مع تحرير كامل فلسطين  إلا أنه ينتقد صواريخ حماس ، فعندما سألته ( أخت إعلامية ): " ألا ترى بأن القاعدة تقدم خدمات جليلة من حيث لا تدري  للمخابرات الأمريكية  لا ستباحتها دماء المسلمين في دول العالم العربي )، يجيبها قائلا : (ولكني بدوري أسألها: و ما مبرر حماس في قتل من لا يجوز قتله من الأطفال في المستعمرات الإسرائيلية بصواريخ القسّام المباركة التي لا تفرق بين  طفل و بالغ؟  بل وربما بين اليهود والعرب والمسلمين العاملين في تلك المستعمرات أو في شوارع فلسطين المحتلة، مع أن الشريعة حرّمت قتلهم ) . هل هذا تناقض أم جنون أم استرضاء لدولة إسرائيل ذات اليد الطويلة التي ضربت المفاعل النووي العراقي واغتالت عماد مغنية ( حسب اتهام حزب الله ) على بعد مائة وأربعين مترا من مقر المخابرات السورية؟. و عندما واجهه طالب الجغرافيا حول قتل الأطفال والمدنيين الأبرياء قائلا ( أتحداك أنت و تنظيمك أن تفعل ذلك في تل أبيب )، ردّ عليه في سياق آخر: ( إنّ القاعدة ستتحول لقتال إسرائيل بعد الانتصار في الحرب في العراق ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة و قوات الحكومة العراقية  ). أي أن هذا المريض المغرور بجهله لا يجد وقتا ألآن لقتال إسرائيل، ولكنه يجد الوقت الكافي لقتل الأبرياء في العراق والجزائر والمغرب وأفغانستان وكينيا وغيرها.

علاقة القاعدة بإيران

حول الأسئلة الخاصة بعلاقة قاعدته بإيران، لم يجب علاّمة العصر مباشرة وبوضوح، خاصة أن السائل ( أيمن ) ذكّره بما ينشر عن أن هناك قيادات للقاعدة تقيم في إيران مثل ( سيف العدل )، وتدير عمليات القاعدة بتعليمات إيرانية، كما سأله عن علاقة التنظيمات الفلسطينية ( حماس والجهاد وغيرها) بإيران وزيارات قياداتها المتكررة لإيران وتقبيلهم للمسؤولين الإيرانيين ، فكانت ردوده ملتبسة، متهربا بإحالة السائل إلى لقاءات وأشرطة سابقة له، وهذه النقطة تحديدا تدلل على نرجسية هذا المريض وجهله، ففي العديد من الموضوعات التي سٌئل عنها يحيل السائل لأشرطة سابقة له، أو أوراق كتبها  هو وغيره من إرهابيي القاعدة الجهلة ، وأعطوها أسماء ضخمة مثيرة مثل: ( رسالة التبرئة ) ، (التترس في الجهاد المعاصر)، ( فرسان تحت راية النبي ) ، و ( بطلان ولاية الضرير ) ، وهو يستشهد بهذه الأوراق وكأنها في مستوى ( صحيح البخاري ) أو أحد مصادر الشريعة الإسلامية التي لا يمكن الطعن فيها، وهو وغيره من الإرهابيين الذين ذكرهم ، لم يدخلوا مدرسة أو كلية أو جامعة خاصة بالدراسات الدينية ، وبالتالي فهم لا يحق لهم الإفتاء أو التوجيه باسم الإسلام ، كما أوضحت في مقالتي السابقة ( هل أصبح الظواهري مرشدا لمليار وربع من المسلمين؟ ).
وقد كشف الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد في مقالة له بعنوان ( ما سرّ علاقة القاعدة بإسرائيل وإيران؟ ) - جريدة الشرق الأوسط، الثامن من أبريل – سرا خطيرا :  " سألت مرة أحد كبار الشخصيات الإيرانية: لماذا تسمح إيران لعدد من قيادات القاعدة بالبقاء على أراضيها ،مثل سيف العدل وسعد بن أسامة بن لادن وآخرين، الذين فرّوا إلى هناك بعد أن طاردتهم القوات الأمريكية في أفغانستان؟. فأجأني بإجابته الصريحة. قال: هم هناك لحماية إيران من عمليات القاعدة . ظننت أنني لم أفهم ما قاله، هم رهائن؟ ببرود وبصريح العبارة أجابني نعم رهائن ". وهذا يفسّر وجود قيادات قاعدية في إيران مثل أبو حفص الموريتاني الذي يعتبرونه مفتي القاعدة، وسليمان أبو غيث الناطق باسم القاعدة، وعبد الله أحمد عبد الله أحد المسؤولين الماليين للقاعدة ، خاصة أن بعض العمليات الإرهابية في داخل المملكة العربية السعودية، ثبت إصدار الأوامر بها من هؤلاء الإرهابيين المقيمين في إيران، وليس معقولا أنهم خارج نطاق مراقبة ورصد الحرس الثوري الإيراني الذي يوفر لهم الإقامة والمصاريف  والتنقل والحماية.

أسئلة لا تحتاج إلى أجوبة

السائل " محمد سمير : تنمّ أسئلته عن إطلاعه الدقيق على حالة الظواهري وقاعدته، فهو يسأله: (  لماذا قمت بتحريف كتاب الشيخ الدكتور فضل، وزعمت أنه من تأليف لجنتكم الشرعية؟  . وما هي مبرراتك الشرعية للقيام بتزوير كتاب لم يأذن صاحبه لك بالعبث فيه؟ . وما ردك على التهم الموجهة لك خاصة ما قيل على لسان الدكتور فضل أنك كنت عميلا للاستخبارات السودانية، وتقوم بعمليات في مصر لصالحها مقابل أجر مادي مائة ألف دولار؟. لماذا لم نسمعك تهاجم إيران كما تهاجم غيرها من دول الشرق والغرب مسلمها وكافرها باستثناء إيران؟ علما أنّ إيران ارتكبت من الجرائم ما يستحق ذكره ومهاجمته في التسجيلات الكثيرة، وهذا ما لم تفعله في حين أنك تهاجم وتخوّن من يختلفون معك من الإسلاميين في الصغيرة والكبيرة؟. لماذا كفّرت الدكتور الشهيد عبد الله عزّام ورفضت الصلاة خلفه في بيشاور؟ وهذا ما أفادت به زوجة الشهيد عزام في مقابلة لها مع صحيفة تركية، أنك رفضت الصلاة خلفه وحرّضت المسلمين عليه، وما مدى صحة ما قيل أنّ لك يد في اغتياله؟. وألا ترى معي أنّ كثرة ظهورك على الفضائيات يؤكد ما قاله الدكتور فضل في حقك، وهو أنك لست أكثر من ظاهرة صوتية تحب الظهور والشهرة ).

إجابات مراوغة تؤكد صحة معلومات الأسئلة

ويجيب المريض النرجسي عبر مراوغات وتهرب من مواجهة حقائق أصبحت مؤكدة، ومنها أنه وسيده الإرهابي ابن لادن هما من خططا ونفذا اغتيال الشيخ الدكتور عبد الله عزام، بسبب صراعهم معه على القيادة والنفوذ، خاصة أن الدكتور عزّام  كان الشخصية الأولى ومؤسس تنظيم القاعدة إبان القتال ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وباغتياله خلت الساحة لابن لادن والظواهري، لينصّبا نفسيهما شاهدين على أحداث العالم كافة، ومرشدين لعموم المسلمين . ويحاول المريض النرجسي الطعن في مصداقية زميله الدكتور فضل الذي كشف العديد من ارتباطاته وجرائمه ، فيقول : ( لماذا لم يستيقظ ضميره إلا في مباحث أمن الدولة ؟ ) . و صاحب هذه الظاهرة الصوتية يتناسى أنه قدّم اعترافات بحق أصدقائه السريين ، وأنه ذهب بنفسه مع رجال مباحث أمن الدولة لتسليمهم القيادي في القاعدة (عصام القمري )، وكما أكدّ محامي الجماعات الإسلامية منتصر الزيات ، فالظواهري  كان هروبه إلى باكستان وأفغانستان " بسبب الألم النفسي وعذاب الضمير الذي تسبب فيه اعترافه على زملائه ". ومن كهوف تورا بورا استساغ لعبة الظهور على الفضائيات، فأرضى نرجسيته، وشغل الناس عن جرائمه بحق زملائه و وطنه مصر والعديد من الأقطار الإسلامية بهذه الظاهرة الصوتية المضللة ، فإذا هو مرشد روحي تنتظر الجماهير إجاباته المليئة بالكذب و الإدعاء  والمراوغة في النقاط التي تحرجه وتثبت أنه مجرد أداة تسيء للإسلام والمسلمين.

وتبقى في أسئلته العديد من النقاط التي تحتاج للتفنيد لبيان الكذب والتضليل فيها، و أتوقف عند هذا الحد في هذا الاستعراض، كي لا أثقل على قلوب القراء وعقولهم ، فالمزيد يوصل للغثيان إذا كان هذا الإرهابي أصبح ناطقا باسم المسلمين، ومرشدا يعطي رأيه وتوجيهاته في كل صغيرة وكبيرة من حياة مليار وربع من المسلمين، ولنا منازلة أخرى مع هذه الظاهرة الصوتية علّنا نسهم في كشف كذبها ونرجسيتها المريضة.
ahmad64@hotmail.com
www.abu-matar.com

371
هل أصبح الظواهري مرشدا لمليار وربع من المسلمين؟


د.أحمد أبو مطر

كارثة عقلية وأخلاقية التي يمرّ بها المسلمون خاصة العرب منهم، لأن الإسلام ارتبط أساسا بالعرب ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )، لذلك لا تجد أي شعب من الشعوب المسلمة مشغولا بالفتاوي ونقيضها، واستغلال الدين ونصوصه لمصالح شخصية وتنظيمية وخرافية  وإرهابية كما هم المسلمون العرب، رغم أن بعض الشعوب المسلمة كالشعب الاندونيسي والماليزي والهندي والباكستاني أضعاف عدد المسلمين العرب، وعلى سبيل المثال فالمسلمون في الهند يقترب عددهم من مائة وخمسين مليون مسلم، ولم نسمع أية فتوى من علماء المسلمين الهنود تتدخل في كل صغيرة و كبيرة من شؤون مسلمي بلادهم أو المسلمين في العالم . ولأن الإسلام ارتبط بالعرب واللغة العربية منذ نزول الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم ، وتأثير هذه المسألة النفسي فيما يزيد على مليار وربع مسلم اليوم، تخصصت نسبة كبيرة من علماء وفقهاء وجهلاء ومتعصبي وتكفيريي العرب في إصدار الفتاوي والإجابة على أسئلة الجماهير، لدرجة أنه من المستحيل وجود أية مسألة في حياة المسلم العربي، إلا وصدرت فيها فتاوي متعددة متناقضة، يصعب على المسلم العادي المتفرغ لطاعة الله وتنفيذ أوامره أن يعرف من يتبع من هؤلاء مدّعي العلم والفقه، بعد أن أصبح هذا الحقل سوقا مفتوحة بدون رقابة، يعرض فيها كل  طالب للشهرة بضاعته غير العلمية التي مردودها فقط هو الإساءة للإسلام والمسلمين، وهي بضاعة يستغلها كل من يريد تقصد هذه الإساءة من العرب وغيرهم.

سوق استهلاكي جديد

انتشر بازار الفتاوي في الأقطار العربية بشكل لا تنافسه أية سلعة استهلاكية مهما كانت رخيصة الثمن، فالسلع المتعلقة بإصدار الفتاوي والإرشادات الإسلامية كما يسميها أصحابها، هي السلعة الوحيدة في العالم العربي بدون جمارك أو ضرائب، لأنها مباشرة من المنتج (مدّعي الإفتاء ) إلى المستهلك عبر الانترنيت تحديدا، فإذا نحن على أبواب تعداد يقول: (مفتي لكل ألف مواطن )  وربما أقل . ومن خلال رصدي وتتبعي لهذه السلعة، يمكنني تصنيف هؤلاء الدعاة الأدعياء إلى ثلاثة فئات:

الأولى: فقهاء السلاطين والحكام

وهم غالبية العاملين في سوق الفتوى ، إذ تجدهم لا يتركون صغيرة أو كبيرة من حياة المواطن المقهور المغلوب على أمره إلا وتدخلوا فيها كوكلاء لله تعالى في أرضه، بينما هم (صمّ بكمّ عمى لا يعقلون ) في كل ما يرتكبه  ويمارسه الحاكم . وأفضل من شخّص هذه المهنة هو الدكتور على الوردي في كتابه المشهور ( وعاظ السلاطين ) الذي صدرت طبعته الأولى حوالي عام 1955 ، إذ يقول تعقيبا على حادثة الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي أمر بخصي أحد المغنيين لأنه كان يغني بصوته الرخيم في الهواء الطلق، فاعتبره الخليفة خطرا على عفاف النساء ، يقول الدكتور الوردي: ( الواعظون لا يهتمون لو كان المغني يغني للخليفة فتهتز على صوته بطون الجواري، ولكنهم يهتمون كل الاهتمام إذا رأوا صعلوكا يغني لنفسه أو لأهل قريته من الفقراء والمساكين. ويبدو لي هذا دأب الواعظين عندنا ، فهم يتركون الطغاة والمترفين يفعلون ما يشاءون ، ويصبّون جلّ اهتمامهم على الفقراء من الناس فيبحثون عن زلاتهم وينغّصون عليهم عيشهم وينذرونهم بالويل والثبور في الدنيا و الآخرة ) - ص 11 - . وهاهم وعاظ وفقهاء اليوم من العرب المسلمين، لا يسكتون فقط على مفاسد الحكام واستبدادهم وسرقة ثروات الشعب، بل يروجون لبقائهم وتكفير من يعصاهم ويخرج على أوامرهم الظالمة ( وأطيعوا أولي الأمر منكم ) ، وكثيرة هي الفتاوي التي تأمر بطاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه طالما هو لم يعلن كفره ، أي أن من حقه أن يرتكب كل المعاصي والمفاسد ويقتل شعبه ويصادر حريته ويفتح من السجون أكثر من المدارس ورياض الأطفال ، و تظلّ طاعته واجبة طالما هو لم يخرج للعلن ويقول ( أنا كافر ملحد ). وأيضا إصدار الفتاوي التي تخدم الحاكم وهي لا تحصى، و كان آخرها ما أشرت له في مقالة سابقة وهي فتوى عندليب سورية المفتي أحمد حسون، الذي أفتى بأن ( حضور القمة العربية في دمشق فرض عين على كل حاكم عربي)، أو ذلك الشيخ المصري الذي يصرّ على أن الرسول( ص) زاره في منامه أكثر من مرّة وحمّله رسالة للرئيس حسني مبارك، ما يزال متحفظا على مضمونها إلى أن يقابل الرئيس مبارك شخصيا.

الثانية: فقهاء خالف تعرف

وهذه الفئة تشمل عناصر الفئة السابقة، يضاف لهم ألآف يتصيدون أمورا يومية عادية، لا علاقة لها بالخطأ والصواب والحلال والحرام ، ليصدروا فيها فتاوي غالبا بمضمون التحريم والتكفير والوعيد بالويل والثبور، كفتاوي تحريم الجلوس على الكراسي وألآرائك لأن الجن يدخل من بين فخذي المرأة وينكحها نكاحا حقيقيا، تصل المرأة معه إلى ذروة النشوة، و منع   استعمال حرف إكس اللاتيني لأنه يشبه شكل الصليب متناسين علامة الضرب في الحساب والرياضيات وهي بنفش الشكل، مما يعني حسب هؤلاء المفتين أن هذا الشكل حرام عندما يكون في كلمة لاتينية وحلال في الحساب والرياضيات ، و تحريم دخول المرأة شبكة الانترنت بدون محرم، وموضة تكفير الكتاب والمفكرين الذي لا يخلو شهر في السنّة من تكفير عدد جديد منهم، وفتوى جواز استحمام الفنانات في أحواض من اللبن الخالص ، وربما يضيف عليها ذلك المفتي ألآن أن لا يكون اللبن من المنتجات الدانمركية والهولندية.

 وأهم هذه الفتاوي هي التي أطلقها شيخ صليّنا وراءه صلاة الجمعة في عاصمة إسكيندينافية، حيث نصح المصلين من الرجال والنساء، بأنه يحظر على المرأة الإمساك بقطع كاملة من الموز أو الجزر أو الكوسا أوالخيار، لأن شكل هذه الخضراوات والفواكه وهي في يد المرأة، يذكرها بقضيب الرجل مما يستدعي لديها تخيلات معينة، من المؤكد أن تقودها للإثارة والشعور بالرغبة الجنسية ، وفي أغلب الحالات الوصول إلى ذروة النشوة أي العملية الجنسية كاملة، وكأنها مع رجل حقيقي في الفراش. وبعد صلاة الجمعة سأله أحد المصلين: سيدي الشيخ، ماذا أفعل و زوجتي وبناتي البالغات يحببن هذه الأنواع من الفواكه والخضروات؟ فأجابه، تأخذها أنت أو أحد أبنائك الشباب إلى زاوية في المطبخ أو المنزل، كي لا تراها زوجتك وبناتك، وتقوم بتقطيعها قطعا صغيرة تفقدها الشكل المثير، ثم تقدمها لهن ليأكلنها. فقاطعه أحد المصلين قائلا بسخرية: طيب سيدي وكيف سأراقبهن وهن في السوق، فربما يشترين خيارة أو موزة، ويمسكنها بأيديهن فترة طويلة يتلذذن بأكلها في فمهن؟. فما كان من الشيخ المفتي الغيور على العفة والأخلاق إلا أن أجاب: دي مش شغلتي..دي بينهن وبين ربّنا!!!.

الثالثة: إرهابيون و فقهاء

وهذه الفئة هي أحدث أنواع هذه المهنة، حيث حقق رموزها أوسع انتشار يفوق الفقهاء الحقيقيين الذين يحوزون على كافة الشروط المطلوبة لمهنة الإفتاء، وهم الذين مارسوا قتالا فترة وإرهابا فترات أطول، ومن أشهرهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري والمقبور الزرقاوي ومن على شاكلتهم وبمواصفاتهم ، وهم الذين دأبوا على نشر أشرطة الفيديو والرسائل الصوتية ، فأصبحوا أشهر من أية مطربة أو فنانة ،وأشرطتهم ورسائلهم أشهر من أشرطة الرقص الشرقي والغربي على حد سواء .

واشهرهم ألآن هو من يسمونه الرجل الثاني في القاعدة، المدعو أيمن الظواهري، وأنا على قناعة مؤكدة أنه مريض نفسي ، مصاب بالعديد من العقد في فترة سجنه في السجون المصرية . لأنه ليس شخصا طبيعيا من يتنطح للتدخل في كافة شؤون المليار وربع من المسلمين ، واضعا نفسه في موقع النصح والإرشاد والإفتاء والتقييم لكافة أمور الحياة ، إذ من المستحيل أن تجد أمرا عربيا وإسلاميا لم يصدر فيه حكما في السنوات الخمسة الماضية، مما جعله يتفوق على أستاذه أسامة بن لادن في الانتشار والشهرة، مما يجعلني لا أستبعد أن يخطط ابن لادن لقتله، كما فعل سابقا وقتل أستاذه ومرشده الشيخ  الدكتور عبد الله عزام.

سؤال وجواب من الظواهري

آخر موضة  لهذا المريض طالب الشهرة ، هي ما أعلنته المواقع القريبة من هذه الجماعات، كموقعي السحاب والفجر، أن الظواهري سيجيب على أسئلة الجمهور في أي شأن من شؤون الحياة ، وأن فترة تلقي الأسئلة ستكون من السادس عشر من ديسمبر 2007 إلى السادس عشر من يناير 2008 ، ثم الإعلان عن أن المرشد الفقيه العالم الإرهابي الظواهري قد تلقى 2000 سؤال، ومن المتوقع نشر إجاباته عليها خلال هذه الأيام.  والسؤال المنطقي: هل الظواهري في موقع علمي وفكري وفقهي يسمح له أن يضع نفسه في هذا المركز؟.ا لجواب الموضوعي على هذا السؤال هو أن نعرف من هو الظواهري ؟ وما هي الشروط التي يتوجب تحققها في الشخص الذي يعمل مفتيا وفقيها ومرشدا ؟. وبعد صدور إجابات الظواهري سوف ندرسها تطبيقيا ليرى الجمهور الذي سأل واستمع وقرأ مستوى هذا المريض الذي لا أعتقد أنه قابل للشفاء من هذا المرض.

من هو أيمن الظواهري؟

سوف أجيب على هذا السؤال بالاعتماد على كتاب المحامي المصري منتصر الزيات ( أيمن الظواهري كما عرفته) ، الصادر عام 2002 في القاهرة عن " دار المحروسة " في 247 صفحة .

أيمن الظواهري من مواليد عام 1951 في حي المعادي الراقي في القاهرة . وتعتبر أسرته من الأسر الأرستقراطية ، ووالده من أطباء مصر المشهورين  و هو الدكتور محمد الظواهري. نشأ في أسرة ملتزمة دينيا فكان حريصا على حضور الدروس الدينية ، ورغم ذلك الالتزام والدروس الدينية، فقد أقام حفل زفافه عام 1979 في فندق الكونتيننتال، أشهر فنادق مصر آنذاك . ودرس الطب في جامعة القاهرة، وحصل على الماجستير عام 1978 . وشارك في تأسيس الجماعة الإسلامية في مصر. ألقي القبض عليه في أكتوبر 1981 وكشف أن الجماعة المصرية هذه تضم جماعات وأشخاص مختلفين ومتناقضين في الرؤية والسلوك . أفرج عنه من السجون المصرية عام 1985 ، وغالبا بسبب تعاونه مع الأجهزة الأمنية من خلال إعطائه معلومات عن الجماعات الإسلامية وقياداتها، حيث من المؤكد كما سنرى أنه أعطى معلومات أدت لاعتقال العديد من زملائه  كي ينجو بجلده ، ويدّعي النضال والجهاد رغم أن تقديمه لهذه المعلومات مهما كان حجم الضغوط عليه، لا تصنفه بمفهوم المناضلين والمجاهدين إلا في خانة العملاء والخونة.   ثم سافر للسعودية ومنها لباكستان وأفغانستان، وكان مع ابن لادن في السودان عام 1993 . ويعدّد منتصر الزيات الأخطاء الكبرى في سلوك وتفكير الظواهري ، الناجمة عن اعتداده المبالغ بنفسه ( النرجسية الفائقة ) وجنوحه نحو الصدام مع مخالفيه أي عدم قدرته على التعامل مع الرأي الآخر .  وتصوروا بعض جرائم هذا المجاهد ، وهل يقبلها أي قانون في العالم ، وتخيلوا حجم الجريمة عندما ينسب هذا المجرم كل أعماله للإسلام ؟.

أولا: أعدم الظواهري صبيا في الثالثة عشرة من عمره، وهو ابن لأحد قادة تنظيم جماعته الإسلامية، بذريعة أن هذا الصبي يتجسس على الجماعة، وقد تمّ إعدام الصبي في السودان عام 1994 بإطلاق الرصاص على رأسه بيد الظواهري أمام والده القيادي في الجماعة. أي جماعة هذه وأي دين يسمح بذلك؟

ثانيا: أعدم الظواهري في باكستان القيادي في جماعته محمد عبد العليم، بحجة أنه أثناء اعتقاله في مصر ، قدّم معلومات أدت لاعتقال عصام عبد المجيد أحد أعضاء الجماعة السريين. هذا رغم أنّ الظواهري نفسه كان قد قدّم معلومات لأجهزة الأمن المصرية أدت لاعتقال زميله عصام القمري وإعدامه ، والظواهري نفسه تمّ استخدامه شاهد إثبات على زملاء له أدينوا بأحكام قاسية وطويلة .

 ويعلق على ذلك " عمر عبد الرحيم " الباحث في الشؤون الإسلامية في برنامج ( صناعة الموت ) الذي قدمته ريما صالحة في قناة العربية بتاريخ الثامن من سبتمبر لعام 2006 قائلا:

(  وهو لم يتذكر قبل هذا أنه اعترف ليس فقط  كان واشيا على التنظيم ، ولكنه اعترف اعترافات تفصيلية على كافة أعضاء التنظيم ) ويؤكد عمر عبد الرحيم " أن الظواهري اعترف على كافة زملائه بالاسم بما فيهم عصام القمري الذي لم يكن مكشوفا لأجهزة الأمن حتى هذا التوقيت. ذهب بنفسه للمنزل الذي يختبىء فيه عصام القمري ، وسلّمه بنفسه لأجهزة الأمن ). ونسأل مريدوه: أي مناضل ومجاهد هذا ؟.

ثالثا: قاد وخطط عام 1977 للعملية الإرهابية في مدينة الأقصر المصرية، التي أودت بحياة أكثر من خمسين سائحا و مصريا، وضربت السياحة في مصر لسنوات لاحقة.

لذلك يعتقد المحامي منتصر الزيات ، أن هجرة الظواهري عام 1985 من مصر للسعودية ثم باكستان وأفغانستان " كانت بسبب الألم النفسي وعذاب الضمير الذي تسبب فيه اعترافه على زملائه " ، وأنا أقول : لقد هرب من جرائم إلى جرائم أشد فتكا ، وهو يمارس دور الداعي والفقيه والموجه ، كي ينسي الجماهير هذه الجرائم التي ارتكبها في موطنه مصر، وما زال يمارسها في باكستان وأفغانستان وغيرها، وأخطرها جريمة تنصيب نفسه موجها ومرشدا لمليار وربع من المسلمين، وهو الذي لم يدرس أي علم من علوم الدين، ولا تخصص في الفقه والشريعة، وهو لا يلام طالما أصبحت هذه وظيفة القتلة والإرهابيين، في ظل سكوت العلماء والفقهاء الحقيقيين.

الشروط الواجب توفرها في المفتي

وسأترك الإجابة على هذا السؤال لفضيلة الشيخ الدكتور علي القرا داغي ، رئيس لجنة القضايا والأقليات بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إذ يحدد هذه الشروط كما وردت بتاريخ الثاني عشر من تموز 2007  في موقع الاتحاد:
www.iumsonline.net

أولا: العلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يتعلق بهما من علوم.
ثانيا: العلم بمواطن الإجماع والخلاف والمذاهب والآراء الفقهية.
ثالثا: المعرفة التامة بأصول الفقه ومبادئه وقواعده ومقاصد الشريعة، والعلوم المساعدة مثل النحو والصرف والبلاغة واللغة والمنطق وغيرها.
رابعا: المعرفة بأحوال الناس وأعرافهم، وأوضاع العصر ومستجداته، ومراعاة تغيرها فيما بني على العرف المعتبر الذي لا يصادم النص.
خامسا: القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من النصوص.
سادسا: الرجوع إلى أهل الخبرة في التخصصات المختلفة لتصور المسألة المسؤول عنها، كالمسائل الطبية والاقتصادية ونحوها.

وعلى ضوء هذه الشروط  وما سبقها من سيرته الذاتية نسأل. هل يحق للمدعو الظواهري الإفتاء وتنصيب نفسه موجها لمليار وربع من المسلمين؟ وسنرى أيضا
كيف سيجيب الإرهابي المريض الظواهري على ألفي سؤال للمضللين الذين وجهوا له الأسئلة؟. هذا ما سنجيب عليه بعد دراسة وتحليل أجوبته التي من المتوقع نشرها هذه الأيام .
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

372
نجحت القمة العربية : ألف مبروك يا عرب!!

د.أحمد أبو مطر

يوجد في ألأمثال العربية مثل يكثر استعماله للتعبير عن الحالات التافهة التي لا تستحق أي ضجيج أو نقاش حولها ، وهو المثل القائل ( ما فيْ ميت بيستاهل جنازة ). أعتقد أن الحي الميت في الحياة السياسية العربية منذ عام 1946 هو ما أصطلح على تسميته ( القمة العربية)، و لمن يكون قد نسيّ فإن أول قمة عربية عقدت يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من مايو عام  1946 ، بدعوة من الملك فاروق ( ملك مصر والسودان ) الذي استضاف القمة في مزرعته بمنطقة إنشاص القريبة من القاهرة، وحدّد الملك فاروق مسبقا موضوع القمة ، وكان دراسة كيفية التصدي للهجرة اليهودية إلى فلسطين، وكان التصدي  ناجحا بشكل مبهر بدليل قيام دولة إسرائيل وطرد الشعب الفلسطيني بعد عامين من تلك القمة.

وتوالت القمم لكن العدّ الرسمي لها بدأ منذ قمة الرئيس جمال عبد الناصر التي عقدت في القاهرة في الثالث عشر من ديسمبر عام 1964 ، التي أصدرت قرار إنشاء القيادة العربية الموحدة، وكان المعني بها القيادة العسكرية للجيوش العربية ، وبعد ثلاثة سنوات تمكنت إسرائيل من إلحاق هزيمة 1967 بهذه الجيوش الموحدة، واحتلال قطاع غزة والضفة الغربية ( أي كامل فلسطين ) وسيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، ولأن وقع الهزيمة كان محبطا، عالجها جمال عبد الناصر نفسيا فأطلق عليها تسمية ( نكسة )،  نعم مجرد نكسة بسيطة مما يعني الشفاء منها بعد أسابيع قليلة، وتعامل معها النظام البعثي بإسلوب عروبي قومي متمترس وراء المبادىء بصلابة لا تقهر، فأعلن أن نتيجة الحرب كانت انتصارا باهرا، لأن العدوان كان يقصد إسقاط النظام التقدمي ، ولمّا لم يسقط هذا النظام وظلّ
خانقا لحريات الشعب السوري ومثيرا للخلافات والفرقة العربية، فالنتيجة هي نصر مؤزر لا نقاش فيه ولا خلاف حوله. لذلك فالعد الرسمي للجامعة العربية يعتبر القمة التي انتهت في دمشق قبل يومين هي القمة العشرون ( عود في عين الحسود ). وليس من باب الشماتة أو جلد الذات القول أن السمة الأساسية للقمم العربية هي أنها منذ بدايتها عام 1046 ، اعتمدت  أسلوب المجاملات ( تبويس اللحى )، ولم يمتلك رؤساؤها وملوكها وأمراؤها القدرة على الصراحة والجرأة في تشخيص الأوضاع العربية التي كانت تواجه كل قمة، و الأسباب التي أوجدت كل وضع ( مشكلة ) وكيفية حلها ، فأصبحت القمم مجرد لقاءات دورية للمجاملات والتقاط الصور التذكارية وإلقاء الخطب التي تتغنى وتتغزل بالتضامن العربي والوحدة العربية التي ( ما يغلبها غلاّب )، والتضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق المناضل الصامد، وإدانة الاحتلال الإسرائيلي ومطالبته ( بأدب شديد ) بضرورة الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة ( مع نسيان دائم للواء الإسكندرونة المحتل من تركيا، وإقليم الأحواز والجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من إيران الشاهنشاهية و الإسلامية لاحقا ، وسبتة ومليلة المحتلة من أسبانيا ). طبعا وهم يعرفون أن كل هذا مجرد خطابات تفرضها المناسبة، فليس هناك من يتابع أويسأل المقصر، لدرجة أنه إذا نشرنا البيان الصادر عن أية قمة عربية في السبعينات على أنه البيان الصادر عن قمة دمشق في الثلاثين من مارس 2008 ، لما اكتشف غالبية القراء ذلك، وربما قصد معدو مؤتمر دمشق أن ينتهي يوم الثلاثين من مارس، لأنهم لو تأخروا يومين، وصدر البيان الختامي للمؤتمر في الأول من نيسان لاعتبره القراء العرب  (كذبة نيسان) للأسباب التالية:

أولا: يتحدث البيان عن التضامن العربي وتكاتف الأشقاء العرب في مواجهة التحديات، وتسعة من الملوك والرؤساء العرب يقاطعون القمة الدمشقية، ويرسلون موظفين من وزارات خارجيتهم لتمثيل بلادهم في تلك القمة. طبعا هذا أمر لا يرضي صديقا ولا يغيظ عدوا، ولكن البادىء أظلم ، فالرئيس السوري بشار الأسد صاحب بطولات وانتصارات (أشباه الرجال ) هو من بدأ تلك السخافات عندما أرسل وزيرا مجهولا لم يسمع به السوريون أنفسهم، أطلق عليه صفة ( وزير شؤون الهلال الأحمر السوري) لتقديم دعوة المشاركة في القمة للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، في حين أرسل وزير خارجيته وليد المعلم لتقديم الدعوة للرئيس المصري محمد حسني مبارك ، معتقدا أنه بذلك يوقع شرخا بين الموقفين المصري السعودي الخاص بمستوى التمثيل في القمة، فإذا مستوى التمثيل المصري والسعودي والأردني والعماني واليمني والبحريني والمغربي والعراقي  والصومالي ردّ بنفس ألأسلوب. طبعا هذا لا يعني أنه لو حضر الغائبون من الملوك والرؤساء لكان التضامن العربي قد تحقق، وأعلنت الوحدة الشاملة ورفعت الحواجز والتأشيرات وفتحت الحدود بين الدولة العربية.

ثانيا:التضامن مع سوريا في وجه الضغوط الخارجية، وهذا مطلب عربي ولكن لم يجرؤ المجتمعون على التضامن الصريح مع الشعب اللبناني إزاء الضغوط السورية التي وصلت حد القتل والاغتيال وتعطيل الحياة السياسية وانتخاب رئيس للبلاد . و أنا متأكد أنّ غالبية الحضور لم يصدقوا كلمة مما قاله الرئيس السوري بشار الأسد في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، حيث تبرأ من أي تدخل في لبنان، وليت واحدا من الحضور سأل رئيس (أشباه الرجال ) عن السرّ في أنه منذ عام 1976 تاريخ بدء الاحتلال السوري للبنان كان يتم انتخاب الرئيس اللبناني الذي يريده البعث السوري في جلسة واحدة روتينية، لدرجة أنهم عدّلوا الدستور قبل سنوات للتمديد لرجلهم إميل لحود، وما إن تم طرد هذا الاحتلال عبر التظاهرات اللبنانية والضغوط الدولية، حتى بدأ مسلسل القتل والاغتيالات والتفجيرات وتعطيل انتخاب الرئيس اللبناني. لماذا كان ما يسمى ألآن المعارضة اللبنانية غائبا ولا وجود له ، ولم توجد هذه المعارضة إلا بعد طرد الاحتلال السوري؟

ما نسيته وتجاهلته القمة

أولا: مطالبة النظام السوري الاعتراف باستقلال لبنان

وهذه المسألة أصبح عمرها يزيد على ستين عاما ، وهي حالة فريدة في العالم كله وليس الأقطار العربية فقط، فرغم ميثاق جامعة الدول العربية، يرفض النظام السوري منذ عام 1945 الاعتراف باستقلال لبنان و ترسيم الحدود وتبادل التمثيل الدبلوماسي معه. وهذا يفسر كافة التدخلات السورية في لبنان، ففي عرف النظام السوري لبنان مزرعة خلفية سورية وليست دولة مستقلة، ورغم الإشارة لذلك بوضوح في رسالة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة للقمة، إلا أن لبنان لم يسبق أن طرح هذه المسألة على اجتماعات الجامعة العربية، لأنها مسألة خطيرة أن لا تعترف دولة عربية بدولة أخرى وترفض تبادل التمثيل الدبلوماسي معها.

ثانيا: إدانة محاولة التمرد في دولة جزر القمر

رغم أن أحمد عبد الله سامبي رئيس دولة جزر القمر العربية، كان أول الواصلين لمطار دمشق للمشاركة في القمة العربية، إلا أن كافة وسائل الإعلام العربية التي غطت القمة تجاهلت حضوره وكلمته أمام القمة، التي لم أسمع بأية لغة ألقاها، لأن اللغة الرسمية في تلك الدولة العربية هي لغة ( الشيكومور) وهي لهجة من اللهجات السواحلية السائدة في بعض الدول الأفريقية كالصومال وجيبوتي ( عضوان في الجامعة والقمة العربية أيضا). وقد كان جبنا وغبنا أن البيان الختامي للقمة العربية لم يتضمن إدانة واضحة صريحة لمحاولة التمرد التي قادها محمد بكر في جزيرة أنجوان ، وقد تم القضاء عليها بمساعدة قوات أفريقية (وليس عربية...يا للعار ) يومان قبل وصول الرئيس أحمد سامبي لدمشق. وكم هو معيب أن لا تطالب القمة الحكومة الفرنسية بتسليمها المتمرد محمد بكر الذي فرّ إلى جزيرة ( مايوت ) الخاضعة للحكم الفرنسي . هل هكذا تعامل دولة جزر القمر التي انضمت للجامعة العربية منذ عام 1993 رغم أن شعبها لا يتكلم اللغة العربية ، ولكنه انضم للجامعة حبا في العرب والعروبة. أهكذا يتم التعامل مع بعض ( بلاد العرب أوطاني ) ؟. وربما الخوف من هكذا معاملة جائرة هو ما دفع حكومة إرتريا رفض الانضمام لجامعة الدول العربية، عندما استقلت عن إثيوبيا عام 1993 رغم أنها تقع بجوار دولتين من دول الجامعة هما السودان وجيبوتي وغالبية سكانها يتحدثون اللغة العربية.

ثالثا: نسيان تقديم الشكر لمفتي الجمهورية السورية

وهذا أيضا تقصير ونسيان يرقى لحد العار المشين، فكيف تنسى القمة تقديم الشكر العلني لفضيلة الشيخ أحمد بدر حسون مفتي الجمهورية السورية، التي أعلن فيها قبل انعقاد القمة بأيام ( بأن حضور القمة العربية في دمشق واجب شرعي لأنها فرض عين على القادة العرب، ومن يتخلف عنها دون عذر إلا من مرض أو خوف أن يقتل فهو آثم ). لله درك أيها الحسّون المفتي كم أنت متبحر في علوم الإفتاء البعثي و النفاق والعبث والمسخرة ، لذلك ألوم القمة على نسيانها تقديم الشكر لك ، رغم أن بعض مصادري الخاصة أكدت أن القمة درست فتواك تلك، وكان الرأي بالإجماع - بما فيهم المندوب السوري - أنها فتوى تافهة لا تستحق الشكر. ولغير المتبحرين في تنويعات اللهجات العامية العربية، أقول أنه في بلاد الشام (الحسّون ) هو اسم مرادف ل ( العندليب ) الذي يغرد في كل حديقة تحلو له، لذلك سوف أطلق على هذا المفتي لقب ( العندليب البعثي ).

رابعا: نسيان بحث انضمام إيران للجامعة العربية

لا أعرف سببا مقنعا لعدم بحث القمة العربية موضوع انضمام إيران للجامعة العربية لتصبح العضو رقم 23 في الجامعة العربية المفتوحة، لأن المشاركة الرسمية لوزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي في القمة بدعوة رسمية من الدولة السورية المضيفة، لم يقبلها الوزير الإيراني إلا على أمل بحث انضمام بلاده رسميا للجامعة، خاصة أن علاقات بلاده مع الدولة السورية ودويلة حزب الله في لبنان وممثلي إيران في العديد من الدول العربية، أقوى من العلاقات بين أية دولتين عربيتين. كما أن شروط وحيثيات انضمام الصومال وجزر القمر وجيبوتي تجعل من السهل انضمام إيران ألآن للجامعة العربية و في المستقبل القريب تركيا التي حضر أمين عام وزارة خارجيتها القمة بدعوة رسمية.

أكثرهم صدقا في القمة

عمرو موسى

للمرة الأولى منذ تسلمه منصب الأمين العام للجامعة عام 2001 يكون بهذه الصراحة، إذ قال في خطاب افتتاحه قمة الممانعة في دمشق:

( إننا نعاني أزمة ثقة فينا وفيما بيننا، نعم لقد وصل الأمر إلى درجة غير مقبولة من الاضطراب في العلاقات العربية. تنعقد القمة والغيوم تملأ الجو العربي الذي أصبحت قتامته مضرب الأمثال، وباتت سلبياته تضرب في جذور النظام العربي ، وتخلق حالة من الالتباس السياسي، والارتباك في الأولويات، والاضطراب في العلاقات العربية، وتكبيل الحركة الجماعية نحو المستقبل ).

العقيد الأخضر و شخبط  لخابيط

كان خطاب العقيد الأخضر في القمة يحاكي أغنية المناضلة التقدمية الملتزمة الرائعة نانسي عجرم ( شخبط شخابيط، لخبط لخابيط)، إلا أنه بصراحة وسط هذه الشخابيط واللخابيط، تمكن أن يلمس بعض جوانب اللخبطة التي تشخبط العلاقات العربية، عندما قال مشخبطا: "الحكام العرب يتآمرون على بعض وأنهم يكرهون بعض ولا يتمنون الخير لبعض، والحكومات العربية سخّرت أجهزتها الأمنية لحبك المؤامرات على الدول العربية ". وفي اتصال خاص مع إحدى الحارسات الشخصيات اللواتي رافقن العقيد الأخضر في رحلته وداخل قاعة المؤتمر بما فيه الجلسات المغلقة، أعرفها منذ عام 1979 عندما عملت مدرسا في جامعة الفاتح بطرابلس عاصمة الجماهيرية العظمى ، قالت لي راجية عدم ذكر اسمها: "كان الأخ العقيد يقصد التدخل السوري في لبنان، والتخريب الذي تمارسه أجهزة ألأمن السورية في لبنان، وبشكل غير مباشر يقصد أيضا خطته لاغتيال الملك السعودي، ودعوته في الثمانينات للسيد موسى الصدر وقتله في طرابلس، وخطف وقتل العديد من المعارضين الليبيين، كما أنه يريد بشكل غير مباشر الاعتذار عن المشاكل التي افتعلها مع مصر إبان عهد أنور السادات التي أدت إلى حرب برية وجوية بين البلدين ". وعند سؤالها عن غرض العقيد من الطلب من العرب  التعامل بطريقة جيدة  مع الجارة إيران رغم احتلالها للأحواز العربية والجزر الإماراتية الثلاث، قالت الحارسة الشخصية للعقيد: " هذه مسألة متفق عليها مع وزير الخارجية الإيراني الذي حضر القمة العربية، إذ وعد العقيد مقابل ذلك، بعدم الاستمرار في فتح ملف اختفاء الإمام موسى الصدر بحكم أنه كان إيراني الأصل رغم قيادته لحركة أمل اللبنانية آنذاك ". وفي نهاية حديثها قالت لي الحارسة الشخصية للعقيد: "  رجاء لا تأخذوا كل ما يصدر عن سيادة العقيد على محمل الجد، فهناك ظروف خاصة تستدعي منه هذه الهلوسات، كما أعلن منذ شهور ضرورة إحياء الدولة والخلافة الفاطمية في المغرب العربي أولا ثم باقي الدول العربية بما فيها جزر القمر ".

توقعات ما بعد عشاء القمة الأخير

بناءا على الدورات المكثفة التي تلقيتها الشهور الأخيرة في علم التنجيم ، بالإضافة لخبرتي في سلوك الأنظمة العربية، أتوقع بعد انتهاء قمة العشاء الأخير ما يلي:

أولا: استمرار تدهور العلاقات بين بعض الدول العربية خاصة بين سوريا من جهة والمملكة السعودية ومصر من جهة أخرى بسبب مقاطعة الملك السعودي والرئيس المصري للقمة، والمشاركة بتمثيل أقل من مستوى ( وزير الدولة السوري لشؤون الهلال الأحمر).

ثانيا: وكون النظام السوري لا يستطيع الرد والعبث داخل السعودية ومصر، فسوف تكون ساحة انتقامه الممكنة هي لبنان، لذلك ستشهد الشهور القادمة اغتيالات جديدة ستطال قيادات سبق أن قتل النظام السوري بعض أفراد من نفس العائلات. وسوف يستمر تعطيل انتخاب رئيس جديد للبنان، لأن استمرار الفراغ الرئاسي يسّهل عمل وتحرك المخابرات السورية وعملائها في لبنان.

ثالثا: استمرار الانفصال الفلسطيني بين ( دولة عباس في رام الله) و ( إمارة حماس في غزة)، خاصة بعد رفض إمارة حماس لخطاب عباس في القمة، وإعلانها أنه لا يمثل الشعب الفلسطيني، وبالتالي سوف ترسخ إمارة حماس وجودها خاصة أن الذكرى السنوية الأولى لتحريرها قطاع غزة على الأبواب في الخامس عشر من حزيران القادم، رغم أن هناك قيادات في حماس تطالب بتقديم الذكرى السنوية عشرة أيام لتكون في الخامس من حزيران كل عام، ليكون متوافقا مع ذكرى هزيمة العرب في عام 1967 ، ليعرف العرب من المحيط إلى الخليج وفي جزر القمر، أن الحركة قادرة على تحقيق انتصارات التحرير في ذكرى هزائم المدحورين. وبالتالي سيكون لفلسطين وفدان في القمة القادمة في دولة قطر، وفد لعباس وآخر لحماس، وكما يطالب البعض سورية بالاعتراف باستقلال لبنان وتبادل التمثيل الدبلوماسي معه، ستطرأ مطالبات جديدة للاعتراف باستقلال الدولة والإمارة الفلسطينية، وتبادل التمثيل الدبلوماسي بينها، والطلب من الشقيقة إسرائيل توسيع دائرة الحاملين لبطاقات في آي بي، لتسهيل حركة وزراء الدولتين، اللتين سوف تتسابقان حينئذ على تحسين العلاقات مع الجارة إسرائيل وستتحول هدنة حماس الطويلة إلى اعتراف قصير.

وهناك توقعات أخرى مخيفة، لن أجازف بذكرها كي لا أثير الرعب في الشارع العربي، وأشجع الهجرة والهروب من ( بلاد العرب أكفاني ) والله المستعان.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com
 





373
" سكن كريم لعيش كريم " ماذا يعني ؟
د.أحمد أبو مطر

ماذا يكتب الكاتب وأية موضوعات يختار أسبوعيا لمقالته من بين عشرات الموضوعات والأحداث الساخنة في الساحات العربية ؟. المشكلة معقدة وذات جوانب عديدة ، ولكن مهما اجتهد الكاتب فلن يرضي كل قرائه خاصة من نوع (لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب )، ومن خلال تجربتي فالكاتب يختار الموضوع الأكثر نضوجا عنده من خلال ما هو متوفر لديه من معلومات وحقائق، وأحيانا لعلاقة هذه المعلومات بموضوع سبق أن نشره ومن المهم عنده  أن يثري هذا الموضوع بما استجد من معلومات وحقائق ذات الأهمية للإنسان العربي ، لذلك وجدت أن موضوع " سكن كريم لعيش كريم " هذا الأسبوع من الأهمية لمواصلة الكتابة فيما استجد لاحقا  ذو علاقة بموضوعي السابق ( الاستثمار في الإنسان: التجربة الأردنية ) المنشور بتاريخ الثاني عشر من فبراير 2008 . وأعرف مسبقا أن بعض القراء سيعلقون قائلين مثلا : ( لماذا لا تكتب عن الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة ؟ ) ، أو ( لماذا لا تكتب عن النصر الإلهي  الجديد لحركة حماس ) ، أو ( ألم تسمع بعملية القدس؟ أتحدى أن تكون  فلسطينيا  ووطنيا) ، أو ( ألم تهزك الإساءات للرسول الكريم )،  وعلى هذه الشاكلة التي أراحني في الرد عليها القارىء الذي علّق باسم ( ناطق فرج ) على مقالتي (الواقع المخيف للحركة النقابية في إيران ) المنشورة بتاريخ السادس والعشرين من فبراير 2008 ، إذ كتب يقول: " غالبا ما تتناول المقالة، أية مقالة، موضوعا محددا يسلط فيه الكاتب الضوء على جانب من جوانب المعرفة  - سياسة، دين، مجتمع- لتعميم الفائدة. ومن المقالات ما يصلح أن يكون بحثا أكاديميا رصينا يمكن أن ينشر في إحدى الدوريات أو في مجلة متخصصة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلمّ مقالة ما بشؤون الحياة أو أن تقوم بسرد لتاريخ البشرية منذ الخليقة وإلى يومنا هذا. لقد لاحظت غير مرة أن الكثير من المعلقين يعاتبون إن لم أقل يحرجون الكاتب أو هكذا يظنون بالعبارة البائسة التالية: ( لماذا لا تكتب عن الموضوع الفلاني في المكان العلاني؟ ). وأنا أقول: نعم بإمكان الكاتب أن يكتب عن الموضوع الفلاني أو الوضع العلاني، ولكن ليس نزولا عند رغبة زيد أو عبيد، إنما هو يكتب ما يمليه عليه ضميره أو الوضع الراهن ، ناهيك عن أن لكل كاتب اهتمام أو تخصص معين. من خلال متابعتي لكتابات أبو مطر وجدته كاتبا جادا مناصرا لحقوق الإنسان أينما وجد هذا الإنسان سواء في إيران أو الكونغو، في سيريلانكا أو طشقند. الأمر الذي أتمنى أن لا يغيب عن بال المعلقين هو أن ما يحدث من مشاكل في هذا العالم هو من مسؤولية المثقفين. بعبارة أدق: على المثقف أن يتصدى لها بمقالة ( وهذا أضعف الإيمان )، وذلك أفضل من أن يدسّ رأسه في الرمل أو يصمت ). وبصراحة لقد عبّر ( ناطق فرج ) تماما عمّا أفكر وأمارس ، لذلك أدعو له قائلا: زادك الله نطقا يا ناطق وفرّج كل كروبك يا فرج.

لذلك أعود وأنا مرتاح البال والضمير لموضوع ( سكن كريم لعيش كريم ) ، وهو عنوان المبادرة التي أطلقها الملك الأردني عبد الله الثاني في السادس والعشرين من الشهر الماضي في مركز الحسين للمؤتمرات في البحر الميت أمام أكثر من 2500 مواطن يمثلون فئات المجتمع الأردني، وتتضمن المبادرة مشاريع لبناء 100 ألف وحدة سكنية لدعم شريحة ذوي الدخل المحدود والمتوسط ضمن مرحلتين خلال خمس سنوات وبكلفة تصل إلى خمسة مليارات دينار أردني ( حوالي سبعة مليارات دولار أمريكي )، على أن يبدأ تنفيذ المرحلة الأولى هذا العام بواقع 20500 وحدة سكنية ، وقد عبر الملك عن الهدف الاستراتيجي للمشروع بجملة قصيرة ومعبرة إذ قال: ( إنه من خلال دراسات الواقع السكاني في الأردن للسنوات الخمس القادمة أظهرت لنا أن الأمن الاجتماعي والاقتصادي أولوية ملحّة، وتستدعي توفير السكن الكريم للعديد من الأسر الأردنية ).

ما علاقة المشروع بالاستثمار في الإنسان؟

الاستثمار في الإنسان يعني توفير الحياة الكريمة للمواطن من خلال ربط كافة موارد الدولة باحتياجات هذه الحياة ، وبالتخطيط الجيد الدقيق الأمين يمكن توفير هذه الاحتياجات مهما كانت موارد الدولة محدودة، لأن فقدان الأمن الاجتماعي والاقتصادي للفرد لن يقوده إلا للتطرف وفقدان الصواب في أغلب مناحي تفكيره وسلوكه المصاحب لذلك التفكير أو الناتج عنه . في العديد من المجتمعات خاصة العربية يعتبر تملك المواطن لسكن كريم أي أن يكون هو مالكه من أولويات الشعور بالأمان، فقد تعودنا على القول الصحيح واقعيا، وهو أن تسكن بيتا ملكا لك، تستطيع تدبر أمورك الحياتية الأخرى مهما كان دخلك متواضعا. ومن يتابع الوضع الديموغرافي  والسكني في ألأردن في السنوات الخمسة الماضية تحديدا عقب سقوط النظام العراقي السابق، يلاحظ الطفرة الهائلة في سوق العقارات السكنية والتجارية المصحوبة بارتفاع هائل في الأسعار مما جعل مستحيلا على ذوي الدخل المحدود تملك شقة سكنية أيا كان موقعها وسعرها، خاصة أن الأسعار التمليكية والإيجارية زادت بما لايقل عن 100 % . من هنا تأتي أهمية هذا المشروع في ظروف الأردن الاقتصادية الحالية، وفي نفس الوقت ظروفه الجغرافية بين أسخن بؤرتين عربيتين، العراق في الشرق وفلسطين في الغرب، مما يجعل الشباب الأردني أكثر من غيرهم من العرب تأثرا بما يجري في هاتين البؤرتين المشتعلتين نارا وقودها الدماء البشرية بشكل يومي دون انقطاع.

الأمن الاجتماعي يعني تراجع التطرف

لذلك ففي ظل هذه الخصوصية الأردنية يأتي هذا المشروع ضمن رؤية واعية هدفها ليس اقتصاديا فقط بقدر ما هو ذو علاقة بالأمن الاجتماعي الذي في التطبيق الميداني يحقق الحاجات الأساسية للمواطن ضمن قدراته المتعلقة بمستوى دخله، ولن ينتج عن هذا الأمان الاجتماعي سوى الهدوء وراحة البال، وبالتالي البعد عن التطرف في التفكير والسلوك، والتفرغ للارتقاء   بحياته الخاصة ومستوى أدائه الوظيفي الذي ينعكس بالتالي على مجمل حياة الوطن والمواطن ، ومن شأن هذه المبادرة الأردنية أن تسهم في تغيير الذوق العام للمواطن الذي أصابته لوثة المظاهر في السنوات القليلة الماضية ، أو كما شخّص المحلل الاقتصادي الأردني الدكتور فهد الفانك  هذه المبادرة الملكية بأنها  "  ثورة إسكانية ذات مضمون اجتماعي ، ومن شأن نجاحها تغيير ثقافة المباهاة بالأبنية الفاخرة الكبيرة العالية التكاليف، والفائضة عن حاجة العائلة كالفلل الكبيرة والقصور التي تحتاج من الخدم أكثر من أعضاء العائلة " .

 وهذا المشروع المبادرة بالإضافة للتمويل الذاتي فهو يفتح آفاقا جديدة مضمونة للاستثمار العربي  والأجنبي، وربما ليس مصادفة أنه بعد أيام قليلة من إطلاق تلك المبادرة ، انطلق يوم الثاني من مارس الحالي ملتقى الأردن الاقتصادي في دورته الثالثة في مركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات في البحر الميت، الذي تنظمه مجموعة الاقتصاد والأعمال بالتعاون مع مؤسسة تشجيع الاستثمار، وقد شارك فيه حوالي 900 مشارك بينهم نحو 300 رجل أعمال ومستثمر وممثلي شركات كبرى من 20 بلدا عربيا وأجنبيا، كما صاحب ذلك افتتاح المعرض الذي شاركت فيه كبرى الشركات العقارية والاستثمارية الأردنية، حيث عرضت فيه أهم مشاريعها ، وقد تمّ الإعلان عن تفاصيل الخارطة الاستثمارية التي تضم 150 مشروعا منها 75 مشروعا تم إعداد دراسات جدوى اقتصادية لها، ويتراوح حجم الاستثمار في كل مشروع منها من 5 إلى 100 مليون دينار أردني، وهذا الخارطة تدلل على أن الأردن سيكون هدفا أساسيا لحركة الاستثمار العربية والأجنبية في السنوات القادمة التي بدأت فعلا من خلال حزمة القوانين الحامية للاستثمارات والمشجعة لها، بعد النجاح الهائل الذي شهدته منطقة العقبة الاستثمارية في زمن قيادة رئيس الوزراء الحالي المهندس نادر الذهبي لها وخلفه فيها المهندس حسني أبو غيدا. فقد جذبت حتى ألآن استثمارات عربية وعالمية بقيمة 8 مليارات دولار، كما ارتفع متوسط النمو الاقتصادي في محافظة العقبة إلى 12 %، كما بلغ متوسط دخل الفرد فيها خلال العام 2005 إلى 4152 دينارا، وتساهم بما قيمته  5,4 من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في الأردن.  وهذا ما شجّع سلطة منطقة العقبة الاقتصادية على البدء بخطة جديدة للتنفيذ في السنوات الأربعة القادمة بموازنة تبلغ 100 مليون دينار أردني، تستهدف توفير خدمات البنية التحتية في منطقة العقبة من شبكة طرق حديثة ومدروسة خدمة للمشاريع القائمة وجذب استثمارات جديدة، بعد النجاح المضطرد الذي حققته المنطقة ، مما يضمن نجاح أية مشاريع استثمارية جديدة في ظل حزمة الأمن والأمان المتوفرة وتوفير البيئة والتسهيلات الجاذبة للاستثمار.

دعوة رؤوس الأموال العربية

هذه الفعاليات الاقتصادية وما يصاحبها من طرح للمعلومات المعززة بالحقائق والأرقام ، تحمل دعوة جادة لتعريب رؤوس الأموال العربية بمعنى توجهها للاستثمار في الأقطار العربية ومنها الأردن التي توفر بيئة استثمارية ناجحة لا تقل عن مثيلتها الأوربية، بدليل أن الاستثمارات التي استفادت من قانون تشجيع الاستثمار زادت في العام 2007 بنسبة 21 % ، وقد انعكس هذا الجو الاستثماري ألآمن في تصنيف المؤسسات الغربية المتخصصة في معايير الحرية الاقتصادية، فأصبح الأردن يحتل المرتبة الخامسة في ترتيب  17  دولة شرق أوسطية . وهذه النتيجة كانت بسبب تعديل العشرات من القوانين التي لها علاقة بالعديد من أوجه الاستثمار، وهناك العديد من القوانين التي تحتاج للتعديل كما أوضح رؤوف أبو زكي مدير عام مجموعة الاقتصاد والأعمال، خاصة المتعلقة بحرية الاستثمار وحقوق الملكية العقارية والقضاء على الفساد والتدخل الحكومي.

وتأتي أهمية توجه رؤوس الأموال العربية للاستثمار في ساحات عربية مطمئنة كالأردن، لضمان أعلى مستوى للأمن الاجتماعي للمواطن العربي في دول تفتقر للموارد الطبيعية، وطالما أن رأس المال العربي سيحصل في هذه الدولة العربية أو غيرها على نفس الأرباح المرجوة، فلماذا التوجه للدول الأوربية والأمريكية؟ خاصة في ظل التعقيدات التي بدأت الاستثمارات العربية تواجهها في الدول الأوربية بسبب شعار محاربة الإرهاب منذ عدة سنوات، كما أشار نجيب ميقاتي رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الذي أكّد في حلقات نقاش هذا الملتقى الاقتصادي " أن السياسة الاقتصادية الأردنية استطاعت أن تضع الرؤية وتعد التشريعات لمواكبة جهود القطاع الخاص وضرورات تقدمه، فأزالت من أمامه الكثير من المعوقات القانونية والإدارية، فصار يقترب بهدوء وثقة من ملازمة أسس الاقتصاد العالمي الواسع، وصار قادرا على الاستفادة من انفتاح السوق وتدفق الاستثمارات وملاقاة الفورة الاقتصادية غير المسبوقة في منطقتنا العربية ".

شهادات تدعم هذا التوجه

وضمن جلسات النقاش والحوار التابعة للملتقى، أكدّ بهاء الحريري رئيس مجلس إدارة شركة العبدلي للتطوير " على جدوى وأهمية الاستثمار وعلى البيئة الاستثمارية الملائمة والمشجعة في الأردن، خاصة فيما يتعلق بالنمو الذي يوازي بين النمو الاجتماعي والاقتصادي مما يعطي الأردن مكانة رفيعة عالميا ". ومن المعروف أن شركة العبدلي للتطوير تقوم منذ عدة سنوات على استملاك كافة المباني القديمة في منطقة العبدلي ذات الموقع المهم في وسط العاصمة عمّان، لإقامة العديد من المشاريع التي بدأ العمل فعلا في بعضها، وستشمل فنادق ومراكز تجارية ومباني سكنية ومساحات واسعة من الحدائق الخضراء، ومن المتوقع أن تنتهي المرحلة الأولى في نهاية عام 2010 ، أما المرحلة الثانية التي تنتهي في عام 2013 فقد رفعت حجم الاستثمارات المتوقع ضخها في الوسط الجديد للعاصمة عمّان إلى استثمار إجمالي يبلغ 3 مليارات دولار، ومن المعروف أن حجم الإقبال من المستثمرين المحليين والإقليميين في تزايد ، فقد تمّ استقطاب ما يزيد على مليار ونصف دولار من الاستثمارات في المرحلة الأولى، وكما كشفت شركة العبدلي للتطوير والاستثمار في معرض سيتي سكيب في دبي في أكتوبر 2007 ، فإن مجموع مساحة مشاريع العبدلي ستكون حوالي نصف مليون متر مربع، وعند اكتمال كافة المشاريع في نهاية عام 2013 " فمن المتوقع أن يحدث نموا ثوريا في عمّان على عدة أصعدة، فالعبدلي يمثل نمط عيش مدني ذكي مع مزيج من العناصر التجارية والسكنية والسياحية ومراكز الأعمال والتسوق، ومن المتوقع أن يخلق المشروع أكثر من 15 ألف فرصة عمل، فضلا عن تأمين الوظائف لآلاف الأردنيين من العمال خلال فترة البناء والإنشاءات القائمة حاليا في المرحلة الأولى من المشروع ، كما سيساهم في تحديث أوجه جو الأعمال في الأردن بشكل عميق، حيث سيكون للعبدلي تأثيرا اجتماعيا بالغا على مدينة عمّان، إذ يمنح المقيمين فيه مركزا يجذبهم إليه ومصدرا حيويا يمكنهم أن يفخروا به ومساحات واسعة من الساحات والحدائق ".

هذه ليست دعاية بل انتصار للإنسان

لست متحمسا أو مدافعا عن أية  دولة أو نظام عربي بقدر انتصاري وانحيازي للإنسان العربي الذي تمتلك دوله من المحيط إلى الخليج الإمكانيات والثروات الطبيعية الهائلة، لكنها للأسف غير مسخّرة لتنميته كإنسان، بدليل الأرقام المذهلة التي تشير إلى 17 مليون عربي عاطلين عن العمل، وثلث العاملين يعتبرون ضمن خانة الفقراء، والمطلوب تأمينه سنويا يرقى إلى قرابة 4 مليون وظيفة سنويا، وتشير المعلومات إلى أن خريجي الجامعات العربية سنويا يبلغون حوالي 300 ألف سنويا، يهاجر حوالي 70 ألفا منهم سنويا خارج بلدانهم العربية، مما يجعل خسارة هذه البلدان من هجرتهم لا تقل عن 1,57 بليون دولار سنويا. والغريب المحزن أنه نادرا ما تجد خبرة عربية الطريق للهجرة نحو الغرب وترفضها، بل تبذل الجهود المضنية للحاق بقطار الهجرة قبل فوات الأوان، وأثبتت استطلاعات رأي جرت بين ملايين الخبرات العربية في الأقطار الأوربية والأمريكية أن الغالبية العظمى منها لا تخطط للعودة لأقطارها الشرق أوسطية.

 من هنا تأتي الأسئلة المحزنة والرافعة للضغط عند أي غيور على الإنسان العربي: لماذا تفشل كل المشروعات الاقتصادية العربية المشتركة؟ لماذا لم نتمكن من إقامة السوق العربية المشتركة بعد الإعلان عنها منذ قرابة نصف قرن؟ لماذا كل قرارات الجامعة العربية مجرد حبر على ورق؟  لماذا القارة الأوربية على أبواب الوحدة الكاملة ونحن العرب في صميم الفرقة والتشتت الكاملين؟ لماذا يتنقل المواطن الأوربي ويقيم ويعمل بين 27 دولة أوربية دون تأشيرة ، ودخول العديد من الدول العربية ذات القدرة الاقتصادية ممنوع على أي مواطن عربي إلا بتأشيرة دخول مسبقة من الصعب الحصول عليها، بينما المواطن الأوربي والأمريكي والإسرائيلي يدخلها وابتسامة موظف الجوازات أكبر من هلال شهر رمضان؟ لماذا غالبية الدول النفطية العربية تستخدم مئات ألآف من العمال الآسيويين بينما العامل العربي ممنوع من الدخول والعمل فيها رغم أن كل الدراسات تؤكد خطورة هذه العمالة الوافدة على التركيبة الاجتماعية لتلك الدول، بما فيها مستوى أداء اللغة العربية لدى أطفال تلك الدول عندما يمضي أولئك الأطفال غالبية أوقاتهم مع خادمات من سيريلانكا وأندونيسيا والفلبين؟ لماذا لا توجه الاستثمارات العربية للأقطار العربية؟ لماذا يستفيد منها المواطن الأوربي والآسيوي والأمريكي وهم ليسوا في حاجة ملحة لهذه الاستثمارات، بينما يحرم منها المواطن العربي الذي هو في أغلب أقطاره ومنها الأردن بحاجة لها. آن الأوان أن ندرك أن السلم الاجتماعي في أية دولة عربية يحتاج إلى سكن كريم وعيش كريم وحياة تؤمن الحد الأدنى للمواطن كي يعيش بكرامة تبعده عن سوداوية الحياة التي تقوده إلى العنف الذي لا يسلم منه أحد حتى أصحاب رؤوس الأموال. لهذه الأسباب أنا مهتم بالاستثمار في الإنسان العربي في كافة أقطاره، لتوفير حياة كريمة تنعكس على مجتمع ينعم بالأمن والأمان، ويبتعد عن التطرف في القول والسلوك، فهل يعي ذلك أصحاب رؤوس المال والاستثمارات العرب، كي يقرروا أين يتوجهون برؤوس أموالهم واستثماراتهم؟
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

374
إرهابيون و شهداء...كيف ذلك؟
د.أحمد أبو مطر

غريب لحد الفزع حال الشعوب العربية خاصة تعلقها وركضها وراء القشور في هذه الحياة، فالشعوب الأوربية والأمريكية والعديد من ألآسيوية تتسابق من أجل الاختراعات العلمية وتطوير الحياة البشرية، هذه الاختراعات التي نعيش عليها كشعوب عربية من الدواء إلى الورق وآلآت الطباعة التي لولاها لما عرفنا كيف نطبع كتاب الله القرآن، الذي من خلال تحريف مضامينه ندعو على وضد أولئك المخترعين لأنهم أحفاد القردة والخنازير، وفي العقود الثلاثة الماضية تحديدا اخترعت النخبة من العلماء والدعويين والفقهاء والنواب ملهاة جديدة لهذه الشعوب، وهي توزيع الصفات والشهادات من نوع: شهيد ، بطل ، مقاوم ، ومناضل وغيرها من نعوت اللغة العربية ، فبدلا من توجيه الجهود والطاقات لدى تلك النخبة نحو تخفيض نسبة الأمية ولا أقول محوها لأنه من أول المستحيلات في ظلّ هكذا شعوب وأنظمة، تركض هذه النخبة ليلا ونهارا في توزيع الصفات تلك، وتفتعل معارك من أجلها لا تقل شراسة عن معاركهم المصطنعة في الدفاع عن الرسول والإسلام، متناسين أن ممارساتهم تلك هي أشد الإساءات للرسول والإسلام، وأولها مباركتهم لأنظمة الاستبداد والمستبدين من الحكام ، والدعاء لهم بالنصر في خطبة كل صلاة جمعة لأنهم أولي الأمر حسب تعريف أولئك النخبة من الدعاة والنواب خاصة القادمين من التيارات الإسلامية في مختلف أنحاء الوطن الموصوف ب " العربي ".

صدام، ابن لادن،الزرقاوي، عماد مغنية..والقادم أعظم

الفصل الجديد من هذه الملهاة المضحكة المبكية هو ما أثاره نواب كويتيون ( عدنان عبد الصمد وأحمد لاري ) على خلفية فتحهم مجلس عزاء يوم السادس عشر من فبراير الماضي ل " عماد مغنية " في حسينية الحسين بمنطقة السالمية ، وصرف شهادة علنية موثقة معتمدة له بأنه " شهيد " و رفع النائب ومؤيدوه أعلام حزب الله هاتفين بحياة ( الشهيد عماد مغنية ) و راعي شهادته ( حسن نصر الله ) ، و بالسقوط والموت لأميركا وإسرائيل ، وقد نسي عبد الصمد أن يقول للمعزين ماذا فعل عند احتلال ( الشهيد! ) صدام حسين لوطنه الكويت عام 1990 ، وكيف عاد للكويت فرحا مبتهجا مع الدبابة الأمريكية التي طردت القاتل صدام وجيشه ودباباته من الكويت. ووسط فرح وهياج عبد الصمد هذا " هدّد وزير الداخلية الكويتي بالمساءلة الدستورية نظير تصريحاته السخيفة التي وصفت مغنية بالإرهابي " ، واتهم عبد الصمد " وسائل الإعلام الكويتية بأنها تدار من المخابرات الأمريكية من أجل تشويه شخصيات المقاومة " ، ولنا أن نتخيل هذه المسخرة التي تريد أن تصادر عقولنا ونصدق ادعاءه حول أن ما يزيد على ثلاثين صحيفة ومجلة وإذاعة وفضائية كويتية، لا موضوع ولا شاغل لها سوى تشويه شخصيات المقاومة ،متناسيا عن قصد أو غباء أطنان الصفحات التي كتبتها الصحافة الكويتية دعما للمقاومة الفلسطينية واللبنانية من خلال أقلام كتاب كويتيين وطنيين وعروبيين وإسلاميين. وهو بصرفه شهادة الشهيد ( بكافة اللغات خاصة اللغة الفارسية ) لعماد مغنية يتناسى أن الغالبية العظمى من الشعب الكويتي لا يمكن أن تنسى الجرائم التي ارتكبها عماد مغنية لحساب أجندات إقليمية بحق الشعب الكويتي ، ويكفي تذكير عبد الصمد وعصبته بعناوينها:

الجريمة الأولى: التخطيط وتوفير الدعم للعمليات الإرهابية التي شهدتها الكويت في ديسمبر من عام 1983 ، واستهدفت عدة منشآت وسفارات أمريكية وفرنسية وكويتية، وألقي القبض على سبعة عشر شخصا من المشاركين في تلك العمليات من بينهم إلياس صعب المكلف شخصيا من عماد مغنية، وتم الحكم على إلياس صعب واثنين من المشاركين الرئيسيين بالإعدام في عام 1984 إلا أن الحكم لم ينفذ .

الجريمة الثانية: المشاركة في عملية خطف طائرة " إيرباص" كويتية إلى طهران عام 1984 ، والمطالبة بالإفراج عن السبعة عشر معتقلا في الكويت ، والملاحظ أن عملية الخطف هذه تمت فور الحكم على الثلاثة السابقين بالإعدام والتوجه بالطائرة لطهران وليس لعاصمة أخرى، وبقيت الطائرة محتجزة في مطار طهران ستة أيام دون الرضوخ من حكومة الكويت لمطالبهم، ولما يئس الحرس الثوري الإيراني من إمكانية الرضوخ لمطالب الإرهابيين، أنهى العملية بمسرحية مكشوفة من خلال الإدعاء أنه قام باقتحام الطائرة وتحرير الركاب دون أية كلمة حتى اليوم عن الإرهابيين الخاطفين، وقد أكدّ العديد من الركاب بعد ذلك أنه لم تكن هناك عملية اقتحام حقيقية بل مجرد مسرحية مكشوفة، لأن الحرس الثوري الإيراني لو كان صادقا لحاكم الإرهابيين الخاطفين أو سلّمهم لدولة الكويت.

الجريمة الثالثة: محاولة اغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح في الخامس والعشرين من مايو عام 1985 ، وأصيب فيها الأمير بجروح خفيفة وقتل عشرة من حراسه جرّاء السيارة المفخخة التي تمّ تفجيرها في موكبه، وعلى إثرها تمّ اعتقال ستة من عملاء استخبارات الحرس الثوري الإيراني، وحكم عيهم بالإعدام وأودعوا السجن المركزي في الكويت، وقد تأكد أنهم هربوا من السجن أثناء غزو البائد صدام حسين للكويت في آب 1990 ، وقامت السفارة الإيرانية بإيصالهم إلى إيران. ولمزيد من التفاصيل حول هذه الحادثة وغيرها من عمليات الغدر الإيراني ، يراجع التحقيق الذي كتبه صباح الموسوي في الرابع والعشرين من ديسمبر 2005 .

http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2005/12/115349.htm

الجريمة الرابعة: خطف الطائرة الكويتية ( الجابرية ) في أبريل عام 1988 ، وكانت متوجهة من بانكوك إلى الكويت وعلى متنها 111 راكبا غالبيتهم من المواطنين الكويتيين، وتمّ إنزالها أولا في مطار مشهد الإيراني حيث تمّ تزويد الخاطفين بالسلاح وإرهابيين جدد، ثم توجه بها الإرهابيون الخاطفون إلى مطار لارنكا القبرصي حيث تمّ قتل الشابين الكويتيين عبد الله محمد حباب و خالد اسماعيل أيوب بدر ورمي جثتيهما في ساحة المطار، ثم توجه بها الخاطفون إلى الجزائر حيث انتهت العملية هناك، ولم يتم القبض على الإرهابيين الخاطفين ضمن صفقة ما زالت تفاصيلها مجهولة.

بعد كل هذه الجرائم الإرهابية الوحشية بحق الشعب الكويتي ، هل يمكن لأي مواطن كويتي لديه ذرة من ضمير وانتماء وكرامة أن يعتبر عماد مغنية شهيدا وبطلا حتى وإن تمّ على يديه وقدميه تحرير الجولان والقرى السبعة ولواء الإسكندرونة.

سوابق مماثلة من حَمَلة التوكيل الإلهي

وما يمكن ملاحظته أن عبد الصمد في هذا الخروج عن الإجماع الكويتي يحذو حذو نفس المدرسة من نواب حملة التوكيل الإلهي في الأردن الذين وحدهم يملكون حق صرف شهادات ( الشهيد ) وتوزيع مفاتيح الجنة ، فقد سبقوه في مطلع حزيران 2006 إلى الذهاب إلى بيت عزاء الإرهابي المجرم القاتل أحمد الخلايلة المشهور قتلا وإجراما ب ( أبو مصعب الزرقاوي ) الذي تم اصطياده وقتله في العراق في الثامن من حزيران 2006 ، وفي بيت العزاء قام النواب الأربعة المنتمين لحزب جبهة العمل الإسلامي ( محمد أبو فارس، وعلي أبو السكر، إبراهيم المشوخي، و جعفر الحوراني ) بإصدار واعتماد شهادة ( شهيد ) للمجرم الزرقاوي، وزاد على ذلك فضيلة الملا محمد أبو فارس بأن أكّد أن هذا المجرم ( سيشفع يوم القيامة لثمانين من أنصاره ومريديه )، أي أن له الحق لدى الله تعالى بأن يشفع لثمانين قاتلا ومجرما مثله فيدخلهم معه الجنّة. وكان موقف النواب الأربعة المخزي هذا تحديا لمشاعر الغالبية العظمى من الشعب الأردني الذي فقد 60 قتيلا وأكثر من 100 جريحا في تفجيرات الفنادق الشهيرة في العاصمة الأردنية في التاسع من نوفمبر2005 التي نفذها المجرم الزرقاوي، وتحديا لمشاعر الشعب الأردني رفض الملا أبو فارس اعتبار قتلى تلك التفجيرات شهداء  ولم يحاججه أحد في ذلك ، فمن يملك محاججة أو نقض شهادة حملة التوكيل الإلهي ومفاتيح الجنة.

خلفية طائفية...أم ماذا؟

هذا الخلاف حول إصدار شهادات ( إرهابيين ) أم ( شهداء )، هل يخضع عند حملة التوكيل الإلهي العرب لمواقف فكرية إيدولوجية أم عقائدية طائفية؟. في البداية أود التأكيد أنني لست طائفيا على الإطلاق، وأنا مع المظلومين المضطهدين ومع العدل والإنصاف للجميع سنّة أو شيعة أوإيزيدية أو فيلية أو بهائية أو  مسيحية أوهندوسية... للجميع بغض النظر عن دياناتهم وطوائفهم ومعتقداتهم ، لأنني مؤمن بقوة بأن الإنسان إنسان بسلوكه ( الدين المعاملة ) بصرف النظر عن ديانته وطائفته ، و أن الله تعالى هو وحده المسؤول عن عقيدة وطبيعة إيمان الشخص ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( إن الله يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء ). لذلك فسبب سؤالي هذا ( خلفية طائفية أم ماذا ؟ ) ، هو رصدي لهذه الظاهرة العربية بامتياز الذي قادني لملاحظة ما يلي :
أولا: كل الذين اعتبروا صدام حسين شهيدا وبطلا وقائدا مؤمنا هم من الشخصيات السنّية ، وفي مقدمتهم وعلى رأسهم إسلاميو حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن الذين ما زالوا يحتفلون بذكرى ( استشهاده )، وقد طلبوا في عيد الأضحى الماضي من أنصارهم وأتباعهم والراغبين في شهادات دخول الجنّة أن تكون أضحياتهم على روح ( القائد الشهيد المؤمن صدام حسين )، ورفعوا بذلك يافطات علنية لعدة أسابيع على جدران مبنى مجمع النقابات في العاصمة عمّان ومدينة إربد شمال الأردن. هذا ومن خلال رصدي ومتابعتي لم أجد أي شخصية دينية أو فكرية شيعية أصدرت شهادة ( شهيد ) لصدام حسين، وربما كان ذلك لأن كل جرائمه بحق العلماء والفقهاء والقيادات الدينية، كانت بحق الشيعة منهم وقد نشرت في كتابي (سقوط ديكتاتور) قوائم موثقة بإعدامه 25 شخصا من أسرة آل طعمة ، و عشرات من آل عنوز، و 25 من علماء وفقهاء أسرة الحكيم، وعشرات من عائلة القزويني من بينهم العلامة آية الله السيد محمد صادق القزويني الذي أطلقت عليه منظمة العفو الدولية لقب " أكبر سجين سياسي في العالم ، و 66 من عائلة الحلو، وغيرهم من عائلتي الصدر والخلخالي، وعند استعراضي لقوائم محامي صدام لم أعثر على أي محام شيعي تقدم للدفاع عنه ، وعند إعدامه لم يحزن عليه أي شيعي أو كردي.

ثانيا: الذين أطلقوا على القاتل أبو مصعب الزرقاوي صفة ( شهيد ) وتوكيل بالشفاعة لثمانين في الجنة، هم أنفسهم الذين أعطوا نفس الصفة والشهادة لصدام حسين ، في حين أن هؤلاء ( الملا محمد أبو فارس وإخوانه البررة ) لم يصدروا أية كلمة أو أية صفة  بحق عماد مغنية ، في حين أن الذين تحركوا لإعطائه صفة الشهيد وفتحوا الحسينيات لتأبينه وتقبل العزاء في موته هم النواب الشيعة في الكويت ، ولبنان موطنه بطبيعة الحال خاصة حزب الله الذي كان عضوا في قيادتة الأولى ، بينما هؤلاء في لبنان والكويت لم يصدروا أية شهادة بحق أبو مصعب الزرقاوي وربما لم يسمعوا بموته، بينما القيادات الدينية الشيعية في العراق عبرت عن فرحها وسعادتها العارمة بموت القاتل المجرم أبو مصعب الزرقاوي.

وهذا ما سيحدث أيضا،

عند موت أسامة بن لادن ( إن كان حيّا فعلا ) أو  أيمن الظواهري أو أيا ممن يطلقون على أنفسهم أمراء الجهاد في العراق أو المغرب العربي، فلن يبكيهم ويصرف لهم شهادات شهيد  و توكيلات بالشفاعة سوى الشخصيات السنّية التي فعلت الشيء نفسه مع صدام والزرقاوي، و لم تفعله مع عماد مغنية .ماذا يعني ذلك؟

إن ذلك يعني حسب رصدي وتحليلي أن مسألة التصنيف إلى شهيد وقاتل ومقاوم ومجرم و إرهابي ، تعود للخلفية الطائفية بنسبة عالية  و إلا لماذا تناسى محمد أبو فارس وإخوانه وكل محامي صدام من كافة الجنسيات العربية مقتل عماد مغنية؟. بينما تغنوا وبكوا وضحّوا من أجل صدام والزرقاوي؟. ونفس السؤال: لماذا تناسى عدنان عبد الصمد في الكويت مقتل صدام والزرقاوي وفتح حسينية ليبكي ويلطم على موت عماد مغنية ؟. ربما يقول البعض بالنسبة لصدام لأنه احتل وخرّب وطنه الكويت ، والرد على ذلك إن عماد مغنية أيضا ارتكب جرائم فظيعة بحق شعبه الكويتي ، فلماذا عدم البكاء على موت صدام واللطم على مقتل عماد مغنية؟

ملاحظة ونقطة نظام

 من المؤكد أن هناك من سيحتج ويصرخ بأنني بهذا الطرح أغذي النعرات الطائفية، وبدوري أقول لهم كما أكدت قبل سطور بأنني لست طائفيا ، وتشخيصي هذا مجرد احتجاج على الطائفيين الذين هم من يغذون الطائفية بممارساتهم التي ذكرت تنويعات منها ، و إلا ما معنى أن القاتل المجرم الزرقاوي ( الشهيد عند البعض ) هو من أصدر فتوى ( وهو لم يكمل المدرسة الثانوية ) قبل موته تطالب بقتال المسلمين الشيعة، ولم تصدر أية إدانة أو رفض لها من أي عالم أو فقيه أو مفتي سنّي ، على الأقل من باب أن هذا القاتل الزرقاوي غير مؤهل ولا يحق له إصدار الفتاوي. لذلك فهؤلاء أصحاب الشأن هم من يغذون الطائفية والصراع الطائفي بقصد أو من خلال سكوتهم . والدليل على ذلك تلك المواقع العديدة على شبكة الانترنت التي تهاجم الشيعة ونظيرتها التي تهاجم السنّة ، فمن وراء تلك المواقع ؟ إنها ليست الموساد ولا المخابرات البرازيلية، ولكنهم مجموعات من كتاب وعلماء العرب بدليل  نشرهم الدراسات الموثقة من وجهة نظر كل فريق، والاستشهاد بمصادر الطرف الآخر التي لا يصل إليها إلا المتخصصون ، الذين يستخدمون تخصصهم في بث الفرقة والنعرات الطائفية.

وبالتالي نستطيع تصور إلى أية هاوية ستنحدر هذه الشعوب طالما جهدها الأساسي ضائع في الخلاف على التصنيف بين إرهابي وشهيد، وصرف شهادات دخول الجنة والحرمان منها ، وغالبية من يقود هذه الحملات يسيرون في الاتجاه المعاكس لتوجهات شعوبهم ، من عدنان عبد الصمد إلى محمد أبو فارس ومن لفّ لفهم ودار في حلقاتهم ، وفي الوقت ذاته نحن الجماهير الغلبانة التي بالكاد نفكّ الخط وبقية جماهيرنا الأميّة التي لا تقرأ ولا تكتب، وتسمعكم فقط عبر الفضائيات التي جعلتكم أشهر من نانسي عجرم وهيفاء وهبي... نسمع من منكم؟ ونتبنى أية صفة: شهداء أم إرهابيين ؟ أم من الممكن أيها الملالي حملة التوكيل الإلهي ومفاتيح الجنة أن يكون الشخص شهيدا وإرهابيا في نفس الوقت كما في حالة صدام والزرقاوي وعماد مغنية حسب تصنيف كل فريق منكم ؟ . لذلك وإزاء هذه الملهاة المبكية لم يبق لنا سوى الدعاء: اللهم أجرنا مما هو أعظم ، إن كان هناك ما هو أعظم مما نعيش !!.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

375
الواقع المخيف للحركة النقابية في إيران
                        2 / 2

د.أحمد أبو مطر

يعود تأسيس أول اتحاد عمالي إلى العام 1790 ، ومع التصاعد الناجح للنشاطات العمالية منتزعة الكثير من الحقوق للطبقة العاملة في العديد من بلدان العالم الغربي الرأسمالي، تأسس عام 1884 أول اتحاد دولي للعمال لتنظيم النشاطات والفعاليات العمالية من أجل هدف أساسي وهو تحسين ظروف الطبقات العمالية في ظل الجشع المتصاعد للرأسمالية العالمية، ومنذ العام 1884   بدأت الدعوة لاعتبار الأول من أيار عيدا للعمال ، وفي العام 1886 قرّر المؤتمر التأسيسي للأحزاب العمالية اعتماد هذا اليوم ليصبح منذ ذلك الوقت يوم العيد العالمي للعمال في كافة دول العالم الرأسمالية  والاشتراكية ، وزادت القناعة بأهمية النقابات العمالية في النضال الاجتماعي بعد نجاح الثورة البلشفية عام 1917 وتركيزها على مسألتي الصراع الطبقي و وحدة الحركة العمالية ( يا عمال العالم اتحدوا ) ، وقادت هذه التطورات إلى تأسيس ( اتحاد العمال الدولي ) في أكتوبر عام 1945 عقب التشكيلات الجديدة التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية في كافة الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

الحركة النقابية الإيرانية في ظل حكومات آيات الله

خطورة أية حكومات أو أحزاب دينية أنها تحكم وتخطط وتنفذ على اعتبار أنها وكيلة لله في الأرض، وبالتالي فكل ما يصدر عنها من أفعال وممارسات لا تخضع للنقاش، فما يصدر من وكلاء الله يبدو وكأنه صادر من الله تعالى الذي لا يصدر عنه إلا الصواب والحق المطلق، وفي ظل هذا التوكيل الباطل تتم أبشع الممارسات التي لا تصدر إلا عن هذه الأنظمة الدكتاتورية الشمولية المتلفعة بغطاء الدين، ومن أخطرها وأكثرها وحشية في مجال العمل النقابي الحكومات الإيرانية منذ وصول آيات الله العظمى للسلطة في عام 1979 ، فسجلها في هذا الميدان مخيف للغاية ، وقد كان عام 2007 ذروة الانتهاكات التي شملت طلاب الجامعة والنشيطات في مجال حقوق المرأة والصحفيين والعاملين في ميدان الدفاع عن سجناء الرأي وممثلي الأقليات العرقية وعمال النقابات المهنية المختلفة . ومنذ العام 2005 زادت شدة هذه الإجراءات القمعية بحيث أصبحت النقابات المستقلة محظورة في إيران ، و لا يسمح للعمال في مختلف مجالات العمل من اختيار ممثليهم ، وهناك جهات حكومية تقوم هي باختيار من تريد إيصالهم لما يسمى المجالس العمالية ورئاساتها ، وكمثال صارخ على هذه الممارسات ذلك التحذير الذي أصدره في أبريل 2007 محمد باقر ذو القدر وكيل وزارة الداخلية للشؤون ألأمنية، حذر فيه من إقامة أية تجمعات أو احتجاجات بمناسبة الأول من أيار عيد العمال العالمي، ورفض إصدار أي ترخيص لأي تجمع مهما كان محدودا بتلك المناسبة، وأعقب تحذيره اعتقال وتوقيف العديد من القيادات النقابية والطلابية ، وهذا القمع وحده يصّور مدى استبدادية هذا النظام، خاصة أنه في غالبية الدول العربية مهما كان تصنيف أنظمتها، لا يتم منع أية احتجاجات وتجمعات سلمية ، مذكرين فقط بالتظاهرات والإضرابات العمالية الضخمة التي شهدتها مصر الأسابيع الماضية من قبل عمال الغزل والنسيج مطالبين بزيادة أجورهم تبعا لارتفاع الأسعار اليومية.

ومنذ نهاية العام 2007 يدور جدل واحتقان في الأوساط العمالية الإيرانية حول نية حكومة أحمدي نجاد تغيير قانون العمل الذي سيلغي العديد من حقوق العمال، كما أكدت ذلك قيادات عمالية معروفة مثل النائب الإصلاحي علي رضا محجوب الذي يرأس أبرز نقابة عمالية، لأن التعديل المقترح يسمح القيام بطرد جماعي للعمال ، خاصة أن طرد أي عامل حسب القانون المنوي تعديله يحتاج إلى إجراءات طويلة غالبا ما ترفضه المحاكم المختصة، وقد صرّح علي رضا محجوب قائلا: " إذا لم تسحب الحكومة مشروع تعديل القانون سنواصل تظاهراتنا...بدلا من الدفاع عن العمال، تقوم الهيئات الحكومية بحماية أرباب العمل" ، وأردف مخاطبا العمال المتظاهرين: " إنكم تعملون في مصانع تشهد أزمة منذ فترة طويلة، وبعضكم لم يتلق رواتبه منذ أشهر، لكن للأسف ليس لدينا أي منبر للدفاع عن حقوق العمال ". وتفيد الإحصائيات الإيرانية ذاتها أن حوالي ثلاثة ملايين عامل عاطلين عن العمل، وقد بلغت نسبة التضخم في تشرين الثاني 2007 ما مقداره 16 % ، وارتفاع الأسعار قد تجاوز 20 % في نفس العام ، ومن بين المطالب التي رفعتها بعض التجمعات العمالية استقالة وزير العمل محمد جهرومي الذي يعتبر من أهم أدوات أحمدي نجاد في ميدان مراقبة العمال ومنع احتجاجاتهم بكل الوسائل بما فيها الطرد التعسفي من العمل .

سجن واعتقالات ونفي لا يتوقف

وقد تدخلت النقابات العربية والعالمية في العديد من حالات الاعتقال والسجن الصارخة بحق العمال الإيرانيين ، ففي الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2005 ، أصدررئيس اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق ( فالح علوان ) بيانين حول أحكام السجن بحق قيادات عمالية إيرانية ومنها السجن خمس سنوات بحق " علي محمود صالحي " أحد قياديي عمال المخابز في ( سقز ) والنفي إلى منطقة قروة، والسجن ثلاث سنوات ل " علي جلال حسيني " و السجن سنتين لكل من " برهان ديواركة " و " محمد عبدي بور " و " محسن حكيمي " ،  وطالب السلطات الإيرانية ب (إطلاق سراح العمال الذين صدرت بحقهم أحكام ثقيلة وجائرة، ونطالبها باحترام حقوق العمال وتوسيع الحريات المدنية وإقرار الالتزام باللوائح والاتفاقيات التي تؤكد على الحريات والحقوق العامة للعمال وحقهم في التنظيم والإضراب . إن تشكيل المنظمات العمالية والانضمام إليها هي حق من حقوق العمال، والتجمع وتنظيم الإضرابات والاعتصامات هي من الحقوق الأساسية للعمال التي لا يجوز التطاول عليها " ، وذكّر البيان السلطات الإيرانية ( أن عمال إيران هم من قام بالثورة ضد النظام الشاهنشاهي، وإن التجمعات العمالية للعمال والإضرابات وتقديم عشرات ألآلآف من الضحايا هي القوة التي أطاحت بالنظام الشاهنشاهي . لقد قدّم عمال إيران دماءهم في الثورة الإيرانية لنيل الحرية وتوسيع الحقوق العامة للعمال ولسائر الجماهير، لا ليكون نصيبهم من الثورة بعد كل تلك التضحيات هو المزيد من السجون والتعذيب كما كان عليه عهد الشاه الذي أطاحوا به ).

وللمعلمين من الظلم نصيب

وحسب بيانات اتحاد المعلمين الإيرانيين فقد حكم على العشرات من مئات المعلمين الذين اعتقلوا أثناء المظاهرات السلمية في عام 2007 بالطرد أو النفي، وتلقى اثنان من هؤلاء أحكاما بالسجن مع وقف التنفيذ وهما: محمد رضا رضائي و رسول باداقي ، اللذين حكم عليهما بالسجن لمدة سنتين وثلاث سنوات. وقد كانت حركة الاحتجاجات التي قام بها المعلمون آنذاك من أخطر وأقوى ما شهدته إيران احتجاجا على قمع المعلمين ورفض الاستماع لمطالبهم النقابية بدءا من رفع الأجور وانتهاء بتحسين ظروف العمل ، خاصة رفع رقابة الأجهزة المخابراتية على كل ما يدور في الفصول الدراسية ، وكما ترى الكاتبة الإيرانية( جميلة كاديفار) في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ السابع والعشرين من مارس 2007 ، ف " إنه على الرغم من الوعود الممنوحة لهم ، فإن نمط حياتهم لم يتحسن ، وأقل ما يمكن القول به هو أنه أصبح أسوأ بكثير مما كان عليه في السابق. ويرى أحد منظمي هذه الاحتجاجات أن الخبز طار من سلال تسوقهم ، وهم يرون أنه ليست الوعود فقط التي تمّ نقضها ، لأن هناك استمرار أنماط عيش المعلمين في تدهور عاما بعد عام ".

وعمال النقل أيضا

من المؤكد أن نقابات العمال المستقلة غير مسموح به في جمهورية آيات الله العظمى، وبموجب ما وضعوه من قوانين فإنه لا يسمح لفئات معينة من الأشخاص بالترشح لانتخابات ممثلي العمال في النقابات التي تعترف بها الحكومة، والهيئات الاستشارية الحكومية هي التي تختار من يُسمح لهم بالترشح للمناصب النقابية وجميع الوظائف في القطاع العام. ويمثل نقابات العمال في إيران هيئة تعرف باسم " بيت العمال " يخضع قادتها لمعايير اختيار تفرضها الدولة مما يضعف قدرتها على التمثيل الفعال المحايد لطلبات وحقوق العمال، لأن أفرادها يخضعون تماما لرغبات وتوجهات الحكومة التي عينتهم، ولا يستطيعون الخروج على هذه التوجهات، لأنهم يعرفون المصير المظلم الذي ينتظر من يقوم بذلك ، من خلال معرفتهم الميدانية بما يلحق بالعمال من سجن ونفي وطرد من العمل، ولا تزال نقابة عمال شركة الحافلات في طهران والضواحي التي استأنفت نشاطها في العام 2004 بعد مرور خمسة وعشرين عاما على حظرها غير معترف بها قانونيا من السلطات الحكومية.

منصور أوسانلو مثال صارخ للظلم

منصور ( 47 عاما ) هو رئيس نقابة العاملين في شركة الحافلات في طهران والضواحي، تمّ اعتقاله بين ديسمبر 2005 و أغسطس 2006 ، وأعيد اعتقاله في نوفمبر 2006 واحتجز في القسم 209 في سجن إيفين الرهيب وسيء السمعة، وفي تلك الفترة تعرض لضربة على رأسه من أحد موظفي السجن ، نتج عنها تلف في الشبكية في كلتا عينيه، وأصيبت عينه اليمنى بالماء الأزرق، وكان من المقرر أن يتلقى علاجا طبيا لعينه اليسرى في تموز 2007 ولكنه حُرم منه، فأصبح عرضة لفقدان البصر ، وأعيد تجديد اعتقاله في نفس الشهر عقب قيامه برحلة إلى أوربا، وعندما حاولت زوجته زيارته مع وفد من نقابات العمال الأندونيسيين في التاسع من أكثوبر 2007 ، ادّعت سلطات السجن أنه غير موجود إذ تمّ نقله للمستشفى لتلقي معالجة طبية من الإصابة التي ألحقها به موظفو السجن في مايو 2005 (تخيلوا أي بعد أكثر من سنتين على الإصابة )، وعندما تمكنت زوجته من زيارته في الخامس عشر من أكتوبر أخبرها أنه لم يتلق أي علاج على الإطلاق ، وبعد ضغوط عمالية من عمال العديد من الأقطار تمّ إدخاله المستشفى لإجراء عملية في العين، لم تعرف نتيجتها بعد إذ أعيد للسجن بعد العملية مباشرة.

تضامن وفعاليات النقابات الأندونيسية

ومما يبعث على الأمل والتفاؤل هو حجم التضامن الذي أبدته وقامت به نقابات العمال في إندونيسيا من خلال جهود حنفي روستاندي رئيس اتحاد نقابات العمال، و رئيس نقابة البحارة الأندونيسيين، فقد ترأس حنفي وفدا نقابيا إندونيسيا إلى طهران معلنا أن زيارتهم هذه ستكون اختبارا للصداقة بين القطرين الإسلاميين. وعلى الرغم من المساندة التي تلقاها الوفد الإندونيسي من وزارة الخارجية و المنظمة المحمدية الإندونيسية ، فقد رسبت الحكومة الإيرانية فورا في هذا الاختبار إذ رفضت منح حنفي روستاندي والوفد المرافق له تأشيرات دخول لإيران قبل مغادرتهم بلدهم إندونيسيا، وبعد وصولهم لطهران منعوهم من زيارة منصور أوسانلو في سجن إيفين ، وتعرضوا لمضايقات ومعاملات سيئة للغاية ، لذلك فور عودة الوفد الإندونيسي إلى جاكرتا أرسل رسالة احتجاج قوية للسفير الإيراني متحديا إياه أن يناقش معه ضحايا النشاطات النقابية في إيران في التلفزيون الإندونيسي . وكي يوضح الهدف من زيارته فقد أصدر حنفي روستاندي بيانا في 17 أكتوبر 2007 ، أوضح فيه أن زيارته انطلقت من رغبة نابعة من بلد مسلم إزاء بلد مسلم آخر لمساعدة عماله ونقابييه الذين يتعرضون لمعاملة سيئة، ومجرد منعنا من زيارتهم ودخول سجن إيفين يدلل على أن هناك الكثير مما تريد السلطات الإيرانية إخفاؤه . وتواصلت بعد ذلك الاحتجاجات والتظاهرات المناصرة لأوسانلو ورفاقه في العيد من بلدان العالم، بما فيها المناطق الفلسطينية المنكوبة بالعديد من مصائب الاحتلال، إذ أعلنت تضامنها مع منصور أوسانلو ورفاقه، فقد أصدر ناصر يونس الأمين العام للنقابة العامة لعمال النقل الفلسطينيين بيانا استنكر فيه الإسلوب الجبان والهمجي الذي تقوم به عصابات غير مسؤولة ضد الديمقراطية وضد المؤسسات الشرعية )  مطالبا السلطات الإيرانية بسرعة الإفراج عن منصور ورفاقه.

وللمزيد من المعلومات والحقائق،

أتمنى على الجميع خاصة مناصري ومؤيدي النظام الإيراني من العرب، أن يلجأوا لإسلوب المنطق والحوار ، وبالإضافة للمعلومات والحقائق السابقة ، أن يقرأوا ما ورد في تقرير منظمة المدافعين عن حقوق الإنسان ( فرونت لاين ) عن وضع الحريات النقابية في إيران، من خلال الرابط التالي:

http://www.frontlinedefenders.org/ar/nodelist/story/21

وكذلك ما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2007 عن الشأن الإيراني، من خلال الرابط التالي :

http://thereport.amnesty.org/ara/Regions/Middle-East-
and-North-Africa/Iran

ثم يردون على هذه الحقائق المخيفة بالمعلومات وليس الشتائم والاتهامات التي هي سلاح من لا يستطيع الرد بحقائق مناقضة لما ورد، ثم يجيبونني: هل هذا النموذج الإيراني المخيف القامع لكافة الحريات  هو ما تريدون استيراده لأقطارنا العربية ؟. إن أقسى الأنظمة العربية قمعا ومصادرة للحريات الفردية والنقابية يظلّ أرحم بمئات المرات من هذا النظام الإيراني . ويكفي في الختام أن نقرأ ما كتبه في مجلة نيوزويك الصحفي الإيراني " أكبر غانجي " الذي تمّ سجنه في إيران من عام 2000 حتى عام 2006 ، ونشر موقع " الجيران " ترجمته العربية يوم التاسع عشر من فبراير الحالي:
http://www.aljeeran.net/wesima_articles/iran_and_gulf-20080212-
95109.html

وكان بعنوان" النضال من أجل تحرير إيران " وقد ورد فيه قوله: ( استراتيجية الملالي بسيطة للمحافظة على نفوذهم، يحتاجون إلى عدو ، لذلك يسعون إلى إبقاء بلدهم على أهبة الحرب من خلال استغلال المفهوم القائل إن إدارة بوش تتآمر لإطاحتهم ولتدمير الجمهورية الإسلامية وتقويض الإسلام بحد ذاته. الناشطون المسالمون والمدافعون عن حقوق الإنسان والمفكرون يعتبرون عملاء للعدو، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة في إيران تعزى للعقوبات الأمريكية بدلا من سوء الإدارة المزمن . على الصعيد الدولي تدعو إيران القوى العظمى أن تلعب دورا خيّرا وعادلا وأخويا، لكنها تنتهك هذه المُثل باستمرار، فسجل الجمهورية ألإسلامية شنيع فيما يتعلق بحقوق الإنسان . في صيف عام 1988 أعدمت ألاف السجناء السياسيين متجاهلة الإجراءات القانونية الإيرانية. وفي تسعينات القرن الماضي، عمد عملاء في وزارة الاستخبارات إلى اغتيال عشرات المنشفين الإيرانيين داخل إيران وخارجها ، وفقا لخطة خلال عرفت باسم " الاغتيالات المتسلسلة " . عندما فضحت هذه الخطة خلال عهد محمد خاتمي، ألقى القائد الأعلى علي خامئني الملامة على بعض الضباط المارقين، لكن الأشخاص الذين أمروا بهذه الاغتيالات لم يعاقبوا، والكثيرون منهم يشغلون ألآن مناصب حكومية رفيعة المستوى .ازدادت حدة القمع في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد ، وتمّ حظر عشرات الصحف ، ووضعت عوائق للدخول إلى بعض المواقع الإليكترونية، وتمّ قمع المطالبين بمزيد من الحقوق للنساء والأقليات العرقية والدينية، وفرضت رقابة مشددة على الكتب ).

فهل مؤيدو النظام الإيراني من العرب يحبون إيران أكثر من هذا الصحفي الإيراني؟ وهل كل هؤلاء المعتقلون والسجناء وألاف الذين تمّ إعدامهم عملاء وخونة؟ أم أنها طبيعة النظام الشمولي الاستبدادي القمعي المتستر بغطاءات دينية ، وغالبية ممارساته تتناقض مع الدين ومبادئه... ارحمونا فهكذا نظام لا نريد استيراده ولا استنساخه في أقطارنا.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

376
الاستثمار في الإنسان: التجربة الأردنية
د.أحمد أبو مطر
لم يكن مطروحا عندي الكتابة في هذا الموضوع لولا صدور تقرير البنك الدولي في الرابع من فبراير الحالي بعنوان " الطريق غير المسلوك : إصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "  ، وهو عبارة عن دراسة تحليلية اقتصادية شاملة عن أثر الاستثمارات في قطاع التعليم على المنطقة ، فضلا عن التغيرات السكانية والعولمة وهجرة العمالة ودور أسواق العمل". وهذا التقرير المنشور باللغتين الإنجليزية والعربية في أربعة وعشرين صفحة من المهم دراسته لوضع ألآليات الخاصة لمعالجة الخلل الذي توصل إليه التقرير، خاصة أن البنى التعليمية السائدة في أية دولة هي التي تقود خط التنمية السياسية والاجتماعية ، و ما إن كانت ستوصل لتنمية بشرية أو تخلف عن كافة مناحي التطور في ظل العولمة التي ما عادت تسمح لأية دولة أو مجتمع أن يعيش منعزلا بعيدا عن تأثيرات الجوار القريب والبعيد، وكما يقول التقرير فإن " التعليم هو المصدر الرئيسي لخلق المعرفة، فإن هذه المهمة واضحة جلية، ولذا فمن اللازم تغيير أنظمة التعليم حتى يمكنها توفير المهارات والخبرات الجديدة اللازمة للتفوق في بيئة أكثر تنافسية ".

مثال الأردن

استنادا للنتائج التي توصل إليها التقرير بعد دراسة أوضاع 14 دولة عربية وشرق أوسطية ، ف ( إن أفضل البلدان أداء هي الأردن والكويت ، وأدنى البلدان أداء هي ( جيبوتي واليمن والعراق والمغرب ) ، أما المتوسطة فهي  ( تونس ولبنان وإيران ومصر والضفة الغربية و قطاع غزة والجزائر ). والنقطة الملفتة للنظر فيما يخص الأردن كونه احتل المرتبة الأولى على مستوى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، فهي توصل التقرير إلى أنه ( لا يرتبط النجاح في تحقيق الأهداف التعليمية دائما بمستوى دخل الفرد . من المؤكد أنّ أداء الكويت كان أفضل من أداء جيبوتي أو الجمهورية اليمنية، غير أن أداء الجزائر والمملكة العربية السعودية اللتين تتمتعان بمتوسط دخل عال نسبيا، كان أدنى من أداء الأردن وتونس اللتين لديهما متوسط أدنى لدخل الفرد ، ولذلك فلا الصراع ولا نقص الموارد يمتلكان عنق الزجاجة مطلقا أمام إحراز تقدم في تنفيذ إصلاحات التعليم ) ، وهذا ما يمكن أن يقودنا لدراسة الحالة التي يمكن تسميتها ( الاستثمار في البشر).

من المعروف أن سكان الأردن حسب إحصاء عام 2005 حوالي خمسة ملايين و سبعمائة ألف نسمة ، في مساحة تبلغ حوالي 92  ألف كيلو متر مربع تشكل الجبال والتلال والصحراء نسبة كبيرة منها ، وتفتقر البلاد للثروات المعدنية والنفطية ، ولا تشكل الثروة الزراعية نسبة كبيرة من مردودات الدخل القومي للبلاد ، مما جعل الاستثمار في ميادين أخرى هي الأساس الذي يعتمد عليه الأردن ، ومن هذه الميادين ما يمكن تسميته بالاستثمار في الإنسان ، خاصة في ظل الانعكاسات السلبية للظروف السياسية في منطقة الشرق الأوسط ومجاورة الأردن لأسخن بقعتين متوترين : العراق في الشرق والمناطق الفلسطينية في الغرب ، والارتفاع غير المسبوق لأسعار النفط في الأسواق العالمية ، مما شكّل ضغوطا هائلة على الموازنة العامة للدولة. ومن مظاهر الاستثمار في الإنسان التي تتميز بها التجربة الأردنية وهي من نتائج أن أصبحت الأردن في المرتبة الأولى من حيث مستوى التعليم كما ورد في تقرير البنك الدولي المشار إليه.

الجامعات ومستواها

إن شحّ الموارد الطبيعية لم يؤثر على مستوى التعليم الذي جعل الأردن يتفوق على غالبية الدول العربية الأكثر منه دخلا والمتوسطة كذلك، ومن مظاهر ذلك الجامعات الأردنية، فقد أنشئت أول جامعة عام 1962 وهي ( الجامعة الأردنية ) الحكومية ، واليوم في عام 2008 وحسب بيانات " إتحاد الجامعات العربية " ففي الأردن عشرون جامعة منها تسع جامعات حكومية وإحدى عشرة جامعة خاصة، يبلغ عد أعضاء التدريس فيها مجتمعة 6214 من كافة الرتب الجامعية ، وعدد الطلاب فيها من مختلف الجنسيات 199379 طالبا وطالبة ، غالبية الطلاب غير الأردنيين من دول الخليج العربي و من الفلسطينيين في دولة إسرائيل ( الخط الأخضر كما يطلق عليهم ) حيث نسبة منهم يدرسون بمنح حكومية أردنية، وطلاب الضفة الغربية حيث تراعي الجهات المسؤولة أوضاعهم الاقتصادية كما حدث قبل أسابيع قليلة حيث أعلن وزير التعليم العالي الأردني أن الحكومة قررت تأجيل دفع الرسوم الجامعية للطلبة الفلسطينيين في الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة ، نظرا للظروف الصعبة السائدة في المناطق الفلسطينية . ومن الطلبة الأجانب غير العرب من يرتاد مركز اللغات في الجامعة الأردنية لدراسة اللغة العربية في دورات مركزة لغير الناطقين بها في شهور الصيف خاصة. ولمجاراة القفزة العالمية في مجال تقنية المعلومات هناك ثلاثة جامعات أردنية اكتسبت شهرة عربية وعالمية في هذا الميدان وهي جامعة العلوم والتكنولوجيا، وجامعة البلقاء التطبيقية ، وجامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا ( خاصة ).

مستوى استعمال الكومبيوتر وخدمات الإنترنت

هذا المستوى التعليمي أدى إلى تميز أردني في استعمال الكومبيوتر وخدمات الانترنت ، فحسب تقارير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لعام 2004 اعتمادا على دراسة عالمية ( أن مستخدمي الإنترنت في الأردن يبلغ 19 لكل ألف شخص في عام 2003 ، وحتى عام 2001 كانت كثافة الحاسبات في الأردن تصل إلى 3.28 حاسب لكل مائة نسمة وهو ما يعني أن الأردن كانت تحتل المرتبة الخامسة بعد الإمارات والكويت والسعودية وعُمان ) وتعتبر المرتبة الخامسة متقدمة للغاية قياسا بثروة البلدان الأربعة السابقة ودخل الفرد فيها. وحسب إحصائيات موقع النادي العربي لتقنية المعلومات والإعلام فقد بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في الأردن نحو نصف مليون عام 2004 وهي نسبة تعدّ متقدمة جدا ، وقد دخل في العام نفسه شارع الجامعة في مدينة إربد شمال الأردن موسوعة جينس بالنسبة لعدد مقاهي الإنترنت المتوفرة في الشارع، ولتشجيع الاستثمار في مجال تقنية المعلومات وافقت الحكومة الأردنية على قرارات جديدة منها السماح لمن تجاوز سن الثالثة عشرة الدخول لمقاهي الانترنت دون موافقة الأهل، كما خفضت الشروط الواجب توفرها في مراكز الانترنت ومساحتها ، ويخلص تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إلى نتيجة مفادها " ويبقى الأردن ورغم بعض التخبط الذي يعانيه قطاع الاتصالات، ضمن الدول المبشرة في العالم العربي ، ليأتي كاستثناء ومثال يمكن لدول أخرى الإقتداء به ) ، و " في إطار التطور التكنولوجي تسعى الأردن لتجاوز النقص أو الضعف لديها وذلك من خلال الشبكة التعليمية التي تهدف إلى ربط ما يزيد على مليون ونصف طالب بحلول عام 2006 بشبكة معلومات وبحث واسع، وهو ما يعني زيادة نسبة عدد مستخدمي الانترنت وزيادة القادرين على استخدام الكومبيوتر إلى 210 مستخدم لكل ألف شخص ) ، وتبلغ نسبة التصدير من التكنولوجيا المتطورة ما يعادل 8% من إجمالي صادراتها الصناعية ، حسب دراسة رشاد مصطفى عوض لواقع المعلوماتية في الدول العربية في المجلة العربية للعلوم والمعلومات، العدد الأول بتاريخ 1 يونيو 2003 ص 15 .

الخدمات الصحية

ومن المظاهر المميزة للاستثمار  في الإنسان الخدمات الصحية في الأردن حيث هي من أفضل الخدمات والمقاييس في المنطقة العربية ، وكمثال فالأردن الأول الذي تُجرى فيها عمليات القلب المفتوح وزراعة القلب ، وتبلغ نسبة الأطباء إلى السكان 16.1 طبيب لكل ألف نسمة ، وهي متقدمة في ذلك على بريطانيا التي النسبة فيها 15.1 لكل ألف نسمة ، واكتسبت المستشفيات والخدمات الصحية الأردنية سمعة عربية وعالمية عالية المستوى ، ويوجد حاليا في الأردن حوالي 47 مستشفى وحوالي خمسة قيد الإنشاء، واكتسبت من بينها ( المدينة الطبية الملكية ) سمعة ذائعة الصيت في مستوى تقنياتها وتخصصية الأطباء العاملين فيها، مما جعلها مقصد طالبي العلاج من الشخصيات الخليجية الغنية القادرة على الذهاب لأية عاصمة أوربية ، وممن عولج فيها الشهور القليلة الماضية الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني .

العقبة بوابة الأردن الاستثمارية

تأسست منطقة العقبة الاقتصادية في عام 2001 ، وكان من ضمن أهدافها عام التأسيس أن تستقطب ستة مليارات من الدولارات خلال عشرين عاما أي حتى عام 2020 ، وبرئاسة المهندس نادر الذهبي رئيس مجلس مفوضي سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ، تمكنت المنطقة أن تستقطب حتى عام 2007 أي بعد ستة أعوام من تأسيسها مبلغ سبعة مليارات من الدولارات كاستثمارات في مجالات مختلفة ، وحسب تصريحات سابقة للمهندس الذهبي لمجلة أريبيان بيزنس " فإن المنطقة تقوم بعملية مراجعة ودراسة لوضع هدف رقمي جديد للسنوات الخمس القادمة لاستقطاب استثمارات جديدة تصل إلى ستة مليارات دولار عدا تلك التي تم استقطابها في السابق " ، وهو يشخّص الظروف التي قاد فيها المنطقة قائلا: " في ضوء التسارع المضطرد في استقطاب الاستثمارات إلى المنطقة نواجه تحديا كبيرا لتطوير البنية التحتية التي كان مخططا لتنفيذها خلال عشرين عاما لاستقطاب ستة مليارات دولار، أما ألآن ومع وصول حجم الاستثمارات خلال ست سنوات إلى سبعة مليارات ، أصبح من الضروري جدا أن يتم إنجاز وتأهيل هذه البنية خلال فترة زمنية قياسية أقصر وتوفير المال اللازم لها أيضا ، لذا فإننا نحاول جاهدين العمل مع جميع الجهات والمؤسسات التي تنفذ عمليات تطوير التسهيلات والخدمات من كهرباء وماء وطرق، لكي يتسارع تنفيذ هذه المشاريع ويتم إنجازها بالتوازي مع الاستثمارات القائمة والمستقبلية الأخرى في المنطقة " .

نجاحات ذهبية

لذلك جاء تصنيف الأردن ضمن أول 20  دولة من أصل 141 في مؤشر أداء تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في تقرير الاستثمار العالمي لعام 2006 ، وهذا النجاح هو الذي قاد المهندس نادر الذهبي من رئاسة منطقة العقبة الاستثمارية إلى رئاسة الوزراء في الأردن منذ  22 نوفمبر من عام 2007 بناءا على التكليف الملكي الأردني ، والمؤمل أردنيا أن ينقل أداءه المتميز في منطقة العقبة لرئاسة الوزراء خاصة في عام 2008 الذي يعتبره كثيرون عام التحديات بالنسبة للاقتصاد الأردني لأسباب عديدة منها التوتر السائد في المنطقة والارتفاع الجنوني لأسعار النفط عالميا خاصة أن ألأردن يعتمد على الاستيراد في كل ما يحتاجه من النفط . وهو من الأشخاص المعروفين بمهنيتهم العالية منذ بدأ حياته العملية عام 1964 مكلفا في سلاح الجو الملكي ، وتدرج إلى أن أصبح مساعد القائد العام للشؤون اللوجستية ، وحصل عام 1982 على ماجستير في هندسة الطيران من جامعة كرانفيلد البريطانية، ثم ماجستير في الإدارة العامة من جامعة أوبرن الأمريكية ، وترأس عام 1994 مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية حتى عام 2001 ، ثم تعين وزيرا للنقل حتى عام 2003 ، قبل أن يترأس مجلس مفوضي منطقة العقبة الاقتصادية، ومنها لرئاسة الوزراء.

ليست دعاية بل اهتمام بإنسانية الإنسان،

الذي يمكنه أن يحقق إنجازات غير متوقعة إن أُعطي الاهتمام اللازم عبر الدراسات التي تحدد احتياجاته وقدراته ضمن قدرات البلد، وكيفية استغلال هذه القدرات للقفز على الشح في الموارد الاقتصادية، خاصة في ظل غياب التنسيق العربي في المجال الاقتصادي وغيره من المجالات ، فمن يصدق أن الدول الأوربية الغنية دفعت مئات المليارات من الدولارات للدول ألأوربية الأقل دخلا  كي تؤهلها لدخول الوحدة الأوربية ، بينما في عالمنا العربي هناك من يعاير بعض الدول العربية بأنها فقيرة وفيها نقص للمياه والغذاء مثلا . وما ينبغي معرفته أن الاستقرار الاقتصادي يعني في النتيجة بنسبة عالية الاستقرار الأمني خاصة في الدول التي تشهد توترات مزمنة كالمناطق الفلسطينية والعراق وهذا يؤثر على الأردن الواقع بينهما ، وكمثال ميداني ما زالت صوره في الأذهان من كان يتصور تهديم الحواجز والجدران والمعابر وتدفق سبعمائة ألف فلسطيني عبر الحدود المصرية خلال يومين فقط ؟ لو كانت هذه الجموع مؤَمنة بالحد الأدنى من اقتصاديات الحياة ، هل كان من الممكن اللجوء لهذا الأسلوب ؟ . بدليل أنه في السنوات الماضية رغم الاشتباك اليومي مع جيش الاحتلال ، لم تلجأ هذه الجموع لهذا الأسلوب ، ولكن عندما يجتمع الموت والقتل مع الجوع والعطش والظلام ، ونتيجة فقدان أي أمل في حياة كريمة بحدها الأدنى ، لا بد من اللجوء لهذا الأسلوب وحسب ظروف كل دولة لجموعها أساليبها الخاصة ، لهذا لا بد من الوعي أن الاستثمار في الإنسان يعني الاستقرار الأمني والاجتماعي ، وقد عبّر الشاعر العربي منذ مئات السنين عن ذلك عندما قال:

  أعلل النفس بالآمال أرقبها    ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

وقد أثبتت العديد من الدراسات  أن نسبة من العنف والإرهاب الذي يسود العديد من بلدان العالم من أسبابه أيضا فقدان الأمل في حياة حرة كريمة ، مما يجعل لا فرق بين الموت وهذه الحياة الذليلة ، فيلجأ للموت بدليل أن الدول الغنية إن عرفت إرهابا من بعض مواطنيها فغالبا يعود لتعبئة تربوية دينية معينة تعده أيضا بحياة أفضل من حياته رغم أنها حياة مريحة قياسا بدول أخرى.

مثال الأردن ومشكلة اللاجئين والعمالة الوافدة

وبدون شك فإن ما يزيد وضع الأردن الاقتصادي صعوبة رغم كل هذا الاستثمار الناجح في ميدان الإنسان ، هو نسبة اللاجئين العراقيين الذين لا يقلون عن سبعمائة ألف مواطن، وهذه نسبة عالية جدا من مجموع الشعب الأردني ، وكذلك العمالة الوافدة خاصة من مصر حيث تقدرهم أغلب الإحصائيات بما لا يقل عن مائة و عشرين ألفا . ولا أحد يستطيع أن يلوم المواطن العراقي الذي يهرب من الموت الذي يعمّ بلاده ، ومن حقه أن يلجأ إلى أية دولة يستطيع دخولها بما فيها ألأردن ، وفي الوقت نفسه لا بد من تقديم الدعم الكافي للدول المضيفة خاصة الأردن وسوريا التي تستقبل أيضا ما لا يقل عن مليون وربع مواطن عراقي ، والغريب أن الكثيرين يتطلعون لدعم دولتين كالأردن وسورية من الدول الأوربية أو ألأمم المتحدة ، متناسين أن هذه مسؤولية الحكومة العراقية أولا وأخيرا ، فهي التي لم تؤمن الأمن لمواطنيها مما دفعهم للجوء للدول المجاورة ، في الوقت نفسه فإن الفساد المستشري في كافة مؤسسات الحكومة العراقية ، وسرقات بعض وزرائها يكفي لإعاشة ملايين من المواطنين العراقيين في الخارج الذين هربوا بحياتهم من موت يومي لا يوفر أحدا . ورغم ذلك تتعثر المحادثات العراقية ألأردنية حول الديون ألأردنية على العراق ، ولا ينتظم وصول النفط العراقي للأردن بأسعار مخفضة تبلغ حوالي 18 دولارا أقل من السعر العالمي، وهو نسبة بسيطة للغاية في ظل الضغوط التي يتحملها الاقتصاد الأردني من واقع وجود سبعمائة ألف لاجىء عراقي دون أي اهتمام بهم من الحكومات العراقية المتعاقبة ، وتتجاهل الحكومات العراقية مسألة كم يكلف السبعمائة ألف لاجىء عراقي البنية التحتية والاقتصاد العراقي لو بقوا في مدنهم وقراهم العراقية ، فلماذا لا توجه هذه التكلفة التي تقدر بمئات الملايين شهريا لدعم حياتهم في الأردن وسوريا ؟ السبب في ذلك أن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط النظام السابق غير مهتمة إلا بالمحاصصة الطائفية في الحكم ، وبالتالي فشعار غالبية الوزراء هو خدمة الطائفة ومحاربة الطائفة، وبالتالي فالشعار الذي يسعى غالبيتهم لتنفيذه هو ( أسرق ما تستطيع بأسرع ما تستطيع، فأيامك في الوزارة معدودة ) . أما بالنسبة للعمالة المصرية فأغلبها يعمل في قطاع البناء والزراعة وهي غالبا ميادين يستنكف العمال الأردنيون عن العمل فيها ، وهذه مشكلة تربوية في الأساس تحتاج لتوعية خاصة ليس من السهل نجاحها في وقت سريع ، ورغم ذلك هناك مباحثات أردنية مصرية لتنظيم تنقل العمالة بين البلدين ، وهذا من شأنه أن يضع حلولا لمشكلة البطالة التي يعاني منها سوق العمل الأردني في ظل العاملين السابقين ، لأنه ليست صحيحة الفكرة الشائعة أن كل مئات ألاف العراقيين في الأردن وسورية هم من أصحاب الملايين الذين يستثمرون ملايينهم بما يفيد الاقتصاد الأردني والسوري ، لأن تقديرنا للظروف التي ألجأتهم للهجرة ومطالبتنا خاصة حكومة العراق بمساعدتهم ، لا يمنع التأكيد على أنهم أثروا في فرص العمل المتاحة في البلدين.


كخلاصة مستقبلية ،

تخلص هذه الدراسة إلى أن التجربة الأردنية في ميدان الاستثمار في الإنسان تستطيع أن تكون مثالا وتعطي المزيد من النتائج في المستقبل ، كما هو مرجو من رئيس الوزراء الجديد المهندس نادر الذهبي بعد نجاحه المثير في تجربة منطقة العقبة الاستثمارية ، لذلك أوردت وكالة التصنيف الائتماني الأمريكي ( موديز ) وهي وكالة عالمية متخصصة في تقييم أداء الاقتصاد والشركات الوطنية في مختلف دول العالم ، وكما ذكر المحلل الاقتصادي الأردني الدكتور فهد الفانك في جريدة الرأي الأردنية يوم العاشر من فبراير الحالي،  أن (أهم إيجابية في نظر الوكالة هي السياسات التقدمية للحكومة الأردنية واستمرار عملية الإصلاح المباشر بدفع مباشر من الملك عبد الله شخصيا ، هذه السياسة التي سمحت بتحقيق نسب نمو جيدة في الناتج المحلي الإجمالي ، وأدت إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية ).

وكم هو مهم  في هذا الميدان التنسيق العربي للاستثمار في البلاد العربية بدلا من البلدان الأجنبية التي ما زالت تستقطب الغالبية العظمى من الاستثمارات العربية ، فإذا تأكد للمستثمر العربي أنه يجني نفس الفوائد والأرباح من الاستثمار في دولة عربية ، فلماذا الهروب بالمليارات لدول أجنبية ؟. ....فهل نثبت فعلا أننا أمة عربية واحدة؟ و نعرف أن الأمن الاقتصادي يؤدي إلى أمن بشري وهو ما يعني الاستقرار والنمو في كافة مناحي حياة الإنسان العربي.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

377
الوداع لا يعني التمجيد والتأليه

د.أحمد أبو مطر

أعتقد أن من عايشوا تجربة المقاومة الفلسطينية ميدانيا في العديد من الساحات يتفقون على  أن الحكيم الراحل الدكتور جورج حبش، الأمين العام الأسبق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ،  كان من أفضل القيادات الفلسطينية وأكثرها نزاهة وشفافية ، وقد ركّزت على هذه الصفات المميزة له في مقالتي الأخيرة بعنوان ( يا حكيم الثورة : وداعا ).
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2008/1/299377.htm

خاصة رفضه في عام 2000 أن يرشح نفسه مجددا لمنصب الأمين العام للجبهة مفسحا المجال لقيادات جديدة، فكان اختيار ( مصطفى الزبري – أبو على مصطفى ) الذي اغتالته قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 2001 ، فانتخب من بعده أحمد سعدات الموجود في سجون الاحتلال منذ مارس 2006 . واستعرضت محطات من مسيرة الجبهة من سلبياتها إلى ايجابياتها، وكانت الخلاصة قولي : " ومما لا يمكن تجاوزه أو نسيانه للحكيم أنه كان معروفا بنزاهته وصرامته الشديدة في قيادة الجبهة الشعبية " ، واستشهدت كدليل على مقولتي هذه بجرأته في مراجعة خط الجبهة في عمليات خطف الطائرات، وقرار المكتب السياسي بوقفها وطرد وديع حداد من عضوية المكتب السياسي والجبهة بسبب رفضه للقرار واستمراره في عمليات خطف الطائرات .

  قراء يفضلون طمس الحقائق

ورغم هذا التثمين لمواقف من مسيرة الحكيم تستحق التقدير ، إلا أن بعض القراء قفزوا عن هذا ، وركزّوا في تعليقاتهم على  الدفاع عن قضايا يعتبرها الكثيرون خاطئة و قاتلة  خاصة سلبيات المقاومة في الأردن قبل عام 1970  ، حيث محاربة النظام الملكي  الأردني ومحاولة الإطاحة عبر الفوضى وتحدي الأمن والجيش الأردني وعمليات خطف الطائرات التي كانت السبب الرئيسي في أحداث أيلول عام 1970  ، فقد استنكر القارىء الذي وقّع باسم الدكتور (عادل حامد ) ذكري لهذه السلبيات ، وقال: " على أن ما لا يثير استغرابي هو من يتمسح بالحكيم ويشرق ويغرب ويأتي على تاريخ أسود نود نسيانه ، وهو الكاتب ينفخ في الجمر ليشعل النار ويثير الفرقة والانقسام علما أنّ وعي الناس ومفهوميتهم أكبر من كل خرابيطه وأمنياته وأمانيه) ، وهو يقترح عليّ  أن أطلق على نفسي اسم كوهين وأقبض بالشيكل ، تصوروا هذا المستوى الحضاري الراقي المتمدن في الحوار؟ فإذا كان هذا هو مستوى من يقدم نفسه على أنه (دكتورا ) ، فماذا نتوقع من جهلة أميين يشكلون نسبة ما يزيد على ستين بالمائة من عموم الشعوب العربية؟ ونسأل بعد ذلك لماذا يغلب الصراخ  والردح والشتائم والاتهامات والتخوين والتكفير على مجمل الحوار والتفكير العربي؟.

هل يعتقد الدكتور عادل حامد أن ذكري لبعض صفحات التاريخ المخزية أقصد منه إشعال الفتنة؟ إن كان ذلك فهذا يعني أنه عند كتابة تاريخ المقاومة الفلسطينية ينبغي طمس كل ممارساتها قبل أيلول عام 1970 في الأردن، وكل عمليات الانشقاق التي جعلت مجموع فصائل المقاومة من الصعب حصرها ، وكل القتل الفلسطيني الفلسطيني في حرب طرابلس شمال لبنان عام 1983 وحروب المخيمات في لبنان عامي 85 و 1988 ، وكل ممارساتها في جمهورية الفاكهاني اللاديمقراطية ، وكل عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية التي مارستها أغلب الفصائل ، و عمليات الفساد والنصب بالمئات من الملايين وتوريد الاسمنت المصري لبناء الجدار العازل، والشركات الفلسطينية التي بنت مستوطنة أبو غنيم ،فماذا يبقى بعد طمس هذه الحقائق المخزية المعيبة سوى التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية الذي لم ينجزا بعد؟. وقد ناقشت هذه الظاهرة في مقالة لي بعنوان ( ما العيب في نشر غسيلنا الوسخ ؟ ) في الخامس من حزيران لعام 2007 .

http://www.dr-abumatar.com/artikal/elaph/202.htm

ومن طبيعة الأمم والدول الواثقة من نفسها أن لا تخجل من نشر أية سلبيات والتحقيق فيها، وليتنا نتعلم مما يحدث في دولة إسرائيل في هذا المجال حيث النقد القاسي والنشر العلني لكل الفضائح لكبار المسؤولين دون أن يقول أحد" كفى كي لا يشمت فينا العرب " لأن هذا هو الوسيلة الوحيدة للتقدم والشفافية ، ولكننا شعوب نخاف من الأقوال أكثر من الأفعال فكل هذه الفضائح نستنكرها  ليلا ونهارا في مجالسنا الخاصة ، ونكاد نصل للجنون إن كتب عنها كاتب في وسائل الإعلام؟ أليست هذه حالة انفصام تستدعي دراسات نفسية ؟.

قارىء أكثر وعيا وعقلانية

وفي المقابل هناك قراء يستحقون الاحترام لأنهم يناقشون الكاتب من باب الغيرة والحرص على الوصول لقواسم مشتركة في التفكير ، وليس من باب المناكفات الشخصية لأنهم لا يحبون كاتبا معينا ، والدليل على ذلك القارىء الواعي الذي كتب لي على بريدي الخاص بتوقيع ( خالد ) يقول:

( نشارك جميعا بأن من سقط اليوم هو علم ورائد من رواد النضال الفلسطيني والقومي والأممي ، ولكن هل من الأخلاق والموضوعية القدح وذم القيادات الفلسطينية مثل قولكم الانشقاق المخزي لنايف حواتمة و تقزيم الانشقاق أنه من أجل مكاسب مادية، رغم أنكم ذكرتم أن حواتمة قيادي في الجبهة، يعني أن الرجل ليست له أطماع قيادية، وهو لا يقل فكريا وايدولوجيا عن الحكيم بل يفوقه على المستوى النظري والفكري، وهاهي الأيام أثبتت لكل حصيف أن الجبهة الديمقراطية لم تشكل إضافة عددية لمجموع فصائل العمل الوطني بل شكلت تيارا تميز بواقعيته الثورية، تيارا قادرا على اشتقاق المهام والرؤى وفق مراحل ومخاضات ودهاليز العمل الوطني الفلسطيني، فمن الدولة الديمقراطية العلمانية إلى البرنامج المرحلي ، إلى التحالفات مع القوى التقدمية ، والكثير من المواقف الوطنية الوحدوية، حيث شكّلت في السبعينات تيارا ثالثا قادرا على جمع الأطراف على القواسم المشتركة.......أما بخصوص مواصلة قيادة حواتمة فالرجل لا يملك سيفا ليسلطه على رفاقه من أجل إعادة اختياره ، وإنما شكّل إجماع داخل التنظيم كبر أو صغر......لذا يا عزيزي ما كان هناك داعي للغة الخشبية والتخوين وتقزيم الآخرين لأن هذا لا يليق مع تقديري لشخصكم وتاريخكم ).

وقد رددت على السيد خالد قائلا :

(  أخي العزيز...شكرا على كتابتك لي ، وهذا رأيك الذي لا أتفق معك فيه ، فأنا عرفت شخصيا كل من ذكرتهم  والتاريخ سيحكم عليهم ، ولا أستطيع قبول بقاء الرفيق نايف حواتمة أربعين عاما على رأس الجبهة الديمقراطية فهذا إهانة لكوادرها ، ولا أستطيع قبول مراهقات الديمقراطية في الأردن ثم عودة حواتمة لأحضان الأردن ، المراهقات التي أوصلتنا للوضع الحالي، والخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس..وشكرا لك مرة ثانية ).

وعاد السيد خالد ليكتب لي من جديد مدافعا عن وجهات نظره مذكّرا أن العديد من القادة الثوريين مثل كاسترو ولينين بقوا سنوات طويلة في قيادة بلادهم ، وموضحا بأسلوب راقي أن الرفيق حواتمة أردني ومن حقه العودة لوطنه ، وأنا أؤيده في هذه النقطة صراحة . وتصل الموضوعية بالسيد خالد قوله : " وأخيرا لا أنسى أن أقدم لكم الشكر والتقدير على مقالتكم التي ما زلت أذكر مضمونها حين كانت ردا ودفاعا عن قيس عبد الكريم حين هوجم كونه عراقي. الحقيقة لا أذكر التفاصيل بل أعتقد أنه أنتم من كتب ذلك المقال إن أسعفتني الذاكرة مع الشكر ".
وهو يقصد مقالة لي بعنوان ( أبو ليلى: الفلسطيني العراقي ) بتاريخ السادس والعشرين من ديسمبر لعام 2005 
http://www.dr-abumatar.com/artikal/elaph/103.htm
حيث كتبت عن هذا القيادي النزيه في الجبهة الديمقراطية الذي عاد مع رفاقه الفلسطينيين إلى رام الله ، ولم يعد لمسقط رأسه سامراء العراقية لأن إيمانه الوطني قاده إلى أن النضال واحد في فلسطين أو العراق.

هل الوداع يعني التمجيد والتأليه ؟

والنقطة المركزية ضمن هذا السياق تتعلق بطبيعة التقاليد العربية الخاصة بالتأبين والوداع لمن نفقدهم من قياداتنا السياسية ، فقد ترسخت في الثقافة الشعبية العربية مفاهيم مثل: (أذكروا محاسن موتاكم ) و ( لا تجوز على الميت إلا الرحمة )، وهذه المفاهيم خلقت أبطالا أنبياء من غالبية ممن فقدناهم من القادة السياسيين ، رغم أن ذكر محاسن موتانا لا يعفينا ولا ينقص من قدرهم ذكر سلبياتهم وأخطائهم ، كما أن مفهوم ( لا تجوز على الميت إلا الرحمة ) لم أجد له أي سند فقهي أو شرعي أو تربوي ، خاصة أن الميت غادرنا بجسده لكن تراثه وأعماله ومواقفه ستبقى ملكا للباحثين والمؤرخين سلبياتها وإيجابياتها . من هذا المنطلق كان الزميل خير الله خير الله جريئا للغاية في مقالته يوم التاسع والعشرين من يناير الماضي، بعنوان ( هل يتعلم الفلسطينيون من تجربة جورج حبش )

http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2008/1/299902.htm

إذ ذكر أيضا محاسن الحكيم وإيجابياته وكذلك سلبياته التي لخصها بقوله: " شاء القدر أن يتوفى الحكيم في عمّان. حبذا لو اعتذر ولو متأخرا من الأردن والملك حسين رحمه الله. الرجل الذي أنقذ القضية الفلسطينية غير مرة، خصوصا عندما حال دون قيام الوطن البديل على أرض بلاده. حبذا لو اعتذر جورج حبش قبل غيابه من اللبنانيين ومن مشاركة مقاتليه في الحرب اللبنانية مع طرف لبناني ضد أخر بما خدم في نهاية المطاف النظام السوري الذي كان همه الوحيد تدمير ما أمكن تدميره في لبنان. حبذا أخيرا لو اعتذر من الكويت والكويتيين بعد الموقف المشين الذي اتخذه من الاحتلال العراقي لهذا البلد العربي الآمن )، وهناك قراء استنكروا في تعليقاتهم موقف الحكيم من احتلال الكويت ، وأمنيات الزميل خير الله خير الله كانت مطلوبة أيضا من الرئيس ياسر عرفات ، و ألآن من الرفيق نايف حواتمة الذي نتمنى له طول العمر، خاصة الاعتذار من شعبه الأردني ونظامه الملكي الأردني عن مواقفه والجبهة الديمقراطية قبل أيلول عام 1970 ، تلك المواقف التي كانت تعمل من أجل الإطاحة بالنظام وإقامة مجالس السوفييت في كل شارع وحارة ، عبر الفوضى و التعديات على الأمن والجيش الأردني ،   ومن سنوات يعود لوطنه معززا مكرما دون مجرد سؤاله عن تلك المواقف التي لا تشرّف أحدا، بينما هو يتذكر أن أعضاء في المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية والشعبية اعتقلوا لسنوات في السجون السورية بسبب تصريحات صحفية أدلوا بها ، إذ لا يمكن نسيان اعتقال صلاح صلاح عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية حوالي سنتين ، وقد وصل الخوف والذعر إلى حد أنه بعد الإفراج عنه لم تجرؤ مجلة الهدف الناطقة باسم الجبهة الشعبية على ذكر اسم السجن أو الدولة التي كان معتقلا فيها ، فقد نشرت الخبر في زمن رئيس تحريرها المرحوم صابر محيي الدين بصيغة ( نال الرفيق صلاح صلاح حريته...) ، وعندما زرنا صلاح  صلاح في مقر المكتب السياسي للجبهة في دمشق مهنئين بنيله حريته ، لم نصدق حالته ووضعه الصحي الذي آل إليه في سجون الرفاق ، في حين أنه بعد الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين عام 1989 عاد العشرات من السياسيين الأردنيين لوطنهم دون أية مساءلة أو تحقيق . ألا يستدعي هذا الوضع من الرفيق نايف حواتمة المراجعة والنقد على قاعدة النقد والنقد الذاتي التي درسناها في أدبيات الجبهتين الشعبية والديمقراطية؟. وهذه المطالبات لا تنقص عندي من مكانته إذ أحترمه وأقدر  عاليا إسهاماته في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني.

لا للتأليه نعم لذكر السلبيات والايجابيات

 لذلك من المهم أن يخرج العقل العربي من خانة التمجيد والتأليه للقيادات السياسية ، هذا التقليد الذي جعل كل من ماتوا زعماء وقادة مثاليين يقتربون من مكانة الأنبياء والرسل وأولياء الله الصالحين .  الحكيم رحمه الله كان قائدا حقيقيا لكن له سلبياته وإيجابياته  ولا ينقص من قدره ذكر السلبيات والأخطاء ، فمن بين القادة الفلسطينيين يظلّ الحكيم أفضلهم وأكثرهم نزاهة....ومرة أخرى للفقيد الرحمة ولأهله ومحبيه وأنصاره العزاء.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com

378
وداعا يا حكيم الثورة
أحمد أبو مطر

غادر الدنيا الفانية يوم السبت الماضي المناضل العربي الفلسطيني الدكتور جورج حبش، الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي اشتهر بلقب ( الحكيم ) في صفوف المقاومة الفلسطينية ، بعد رحلة عطاء ونضال شاقة امتدت أكثر من نصف قرن منذ تأسيسه ( حركة القوميين العرب ) عام 1952 عقب تخرجه طبيبا للأطفال من الجامعة الأمريكية في بيروت ، تلك الحركة التي انتشرت فكريا وتنظيميا في العديد من الأقطار العربية، وضمّت نخبة من خيرة المناضلين العرب الذين عرفوا بالشفافية والصدق مثل المناضل العراقي باسل الكبيسي الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في باريس في مارس 1973 والمناضل الكويتي الدكتور أحمد الخطيب مسؤول حركة القوميين العرب في الكويت وكان صديقا للدكتور جورج حبش في الجامعة الأمريكية في بيروت .

بعد هزيمة العرب في حزيران 1967  التي خفف جمال عبد الناصر وقعها المزلزل بتسميتها ( نكسة )، تعاقدت من العاصمة الأردنية عمّان للعمل مدرسا في الكويت ، وكانت مثل هذه الفرصة ثمينة للغاية بعد نزوح ألاف الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى ألأردن، ووصلت الكويت حيث بدأت عملي مدرسا في مدرسة الأحمدي الثانوية، وكان مديرها الفلسطيني هاشم أبو عمارة ومن ضمن المدرسين فيها عدنان أبو عودة الذي أصبح بعد ذلك وزيرا للإعلام و رئيسا للديوان الملكي في ألأردن. في شهر يوليو عام 1968 عقب تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وانطلاقها من الأغوار الأردنية حيث تتواجد حركة فتح أول تنظيم فلسطيني أعلن المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي ، وصلتنا في الكويت نحن  أعضاء حركة القوميين العرب الذين أصبحنا تلقائيا أعضاء في الجبهة الشعبية رسالة من قيادة الجبهة تطلب منّا ترك وظائفنا في الكويت والالتحاق بقواعد الجبهة في ألأغوار الأردنية. في ذلك الوقت زمن الصفاء الثوري لم يتردد أحد في تنفيذ قرار قيادة الجبهة رغم حاجتنا الماسة للوظيفة في الكويت لإعالة أهلنا وعائلاتنا في مخيمات القطاع والضفة. كانت أول مرة أقابل فيها الدكتور جورج حبش في قاعدة للجبهة الشعبية في الأغوار الأردنية حيث جاء للسلام على الحركيين القادمين من الكويت حاملين له تحيات الدكتور أحمد الخطيب و عبد الله النيباري . كان رجلا يفيض حماسا ونقاء وحيوية إذ كان في الثالثة والأربعين من عمره، يحمل هموم وطن تمّ تشريده منه ، من مدينة اللد التي ولد فيها عام 1925 من أسرة فلسطينية من الروم الأرثوذكس ، وهذه نقطة مهمة إذ يلاحظ أن غالبية المنظّرين والمؤسسين لفكرة القومية والحركة العربية هم من المسيحيين العرب أمثال: قسطنطين زريق ، وإنطوان سعادة،بطرس البستاني،ناصيف اليازجي ، ميشيل عفلق ، وجورج انطونيوس صاحب كتاب " يقظة العرب " ، جورج حبش ، و وديع حداد وغيرهم ، وكانت هذه الطليعة ترى أن الوحدة العربية هي الطريق لتحرير فلسطين. في تلك الفترة كان الدكتور جورج حبش الذي اشتهر بلقب ( حكيم الثورة ) دائم التردد على قواعد الجبهة الشعبية في الأغوار الأردنية، وكلّما نزلنا للعاصمة عمّان نزوره في مكتب الجبهة في حي اللويبدة .

لم يمض شهور قليلة على انطلاقة الجبهة حتى بدأ نايف حواتمة  القيادي في الجبهة المسلسل الذي لن ينتهي بعد ذلك، وهو المسلسل المخزي المعروف باسم ( الانشقاق )، إذ أعلن انشقاقه عن( الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) ، معلنا تأسيس ( الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين )، وبعد شهور حذف كلمة ( الشعبية ) من اسم انشقاقه، فصار لدينا ( الجبهة الشعبية ) و ( الجبهة الديمقراطية )، وبعد ذلك انشق أحمد جبريل معلنا تأسيس ( الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة ) ، ثم انشقت عن أحمد جبريل مجموعة أطلقت على نفسها ( جبهة التحرير الفلسطينية )، ومن ( جبهة التحرير ) انشق أفراد فأصبح لدينا ( جبهة طلعت يعقوب ) و ( جبهة أبو العباس ) ، والكل يتهم الآخرين بالتخاذل وأنه هو فقط من سينجز تحرير فلسطين من النهر إلى البحر ويتولى رمي اليهود في البحر، وهي في الواقع مجرد صراعات شخصية على النفوذ والمناصب والمال الذي كان وفيرا وغزيرا آنذاك من دول أرادت أن تكف هذه التنظيمات عنها شرّها.

ارتكبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش خطأها القاتل في سبتمبر من عام 1970 ، عندما قامت مجموعة لها يرأسها وديع حداد بخطف أربعة طائرات أجنبية وإنزالها في مهبط مهجور قريبا من مدينة المفرق الأردنية، أطلقوا عليه اسم ( مطار الثورة ). جرت مساومات كثيرة تخللتها ملابسات عديدة انتهت بتفجير الطائرات الأربعة واقتياد ركابها إلى العاصمة عمّان، وكانت هذه العملية القشة التي قصمت ظهر أية علاقة بين الحكومة الأردنية والمنظمات الفلسطينية خاصة بعد تغول هذه المنظمات في داخل الأردن، وطرح نفسها بديلا للنظام ألأردني وتصرفها وكأنها هي الحاكم الشرعي الوحيد في الأردن، مترافقا مع التجاوزات الخطيرة خاصة التصدي لأفراد الجيش والأمن الأردني بطريقة أثارت قطاعات واسعة من الشعب الأردني ، ولا يمكن نسيان تصريح ياسر عرفات في الخامس من أغسطس عام 1968 الذي قال فيه : ( قررنا  أن نجعل من الأردن مقبرة لكل المتآمرين، وستكون عمّان هانوي الثورة )، وذلك عقب موافقة الرئيس المصري جمال عبد الناصر على مبادرة روجرز الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي ، و برقية الملك حسين لجمال عبد الناصر (ما تقبلونه نقبله، وما ترفضونه نرفضه )، فسيّرت المنظمات الفلسطينية مظاهرات عارمة هتفت ضد جمال عبد الناصر، وأحرقت العلم المصري أمام السفارة المصرية في عمّان، وتفرد الرفاق في الجبهة الديمقراطية بتسيير مظاهرات في مخيم البقعة ضد جمال عبد الناصر واضعين صوره على ظهر حمار ، وكانوا قد ملأوا شوارع عمّان بشعاراتهم المراهقة الخالية من أي مضمون مثل: ( السلطة كل السلطة للمقاومة ) و ( فلتعلن مجالس السوفييت في كل شارع وحارة ).  إثر ذلك كانت المواجهة بين الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية في سبتمبر عام 1970  التي انتهت بطرد هذه المنظمات وهروبها إلى سوريا التي حاولت أثناء المواجهة التدخل لمساندة المنظمات الفلسطينية إلا أن الجيش الأردني تصدى لها بنجاح وطردها خائبة ، وكان أول شرط للمخابرات السورية على تلك المنظمات الهاربة إليها هو  (عدم إطلاق أية رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية، ومن يريد ذلك فعليه أن يتوجه للجنوب اللبناني بمساعدة المخابرات السورية ). كانت هزيمة المنظمات الفلسطينية وطردها خارج الأردن من أهم إنجازات الملك حسين والجيش الأردني، لأنه لو بقيت تلك المنظمات والدكاكين في الأردن  لخربت البلاد والعباد كما فعلت في لبنان بعد ذلك  ، حيث الصراعات والانشقاقات والاغتيالات والتصفيات الشخصية والتنظيمية والعمل لحساب أجهزة مخابرات عربية وأوربية شرقية ، وكل ذلك باسم التحرير الذي لم ينجز منه أية خطوة سوي البيانات والشعارات بدليل الوضع الحالي الذي أوصلت تلك القيادات الشعب والقضية إليه.

الحكيم و مرحلة ما بعد أيلول

راجعت الجبهة الشعبية في عام 1973 موقفها من العمليات الخارجية خاصة خطف الطائرات، وأدركت ضررها على القضية الفلسطينية فقررت وقفها ، فرفض وديع حداد مسؤول تلك العمليات ذلك القرار، فلم يتردد المكتب السياسي للجبهة برئاسة جورج حبش عن طرد وديع حداد من صفوف وقيادة الجبهة ، فلجأ مع بعض مناصريه إلى بغداد حيث واصل عمله من هناك بالتنسيق مع المخابرات العراقية برئاسة سعدون شاكر، مستعملا اسم ( الجبهة الشعبية – المجال الخارجي )، وظلّ في بغداد إلى أن قتلته المخابرات العراقية ذاتها بدس السمّ له في فنجان قهوة حيث توفي في الثامن والعشرين من مارس 1978 ، وكان اغتياله رسالة من نظام صدام للقوى الغربية أنه ضد الإرهاب ولإرضاء دول ارتكب وديع حداد عمليات ضد أهداف لها مثل ألمانيا، وقد فصلت ذلك في مقال لي بعنوان ( من قتل وديع حداد ) ، من خلال معايشتي لوديع شخصيا في مقر قيادته بمنطقة المسبح ببغداد التي كان يطلق عليها ( فيلا المسبح ) ، هذا رغم ذكر الصحافي الإسرائيلي آرون كلاين في كتابه ( ردّ الضربة ) بأن الموساد  هو من دسّ السمّ له في قطعة شوكولاته  في بغداد ، وإن كانت هناك صحة ما لمعلومة الصحفي الإسرائيلي ، فهذا يؤكد تورط المخابرات العراقية مع الموساد في تلك العملية، لأنه من المؤكد أن وديع حداد شعر بالألم في معدته مشتكيا لنا في فيلا المسبح بعد عودته من اجتماع ليلي له مع سعدون شاكر مدير المخابرات العراقية ، وقال لنا صراحة أنه شعر بالألم فور شربه فنجان القهوة في منزل سعدون شاكر، ثم سافر إلى الجزائر ومنها إلى ألمانيا الديمقراطية للعلاج حيث توفي هناك بعد أن عجز الأطباء الألمان عن تشخيص مرضه ،  وذلك يذكّر بقتل مخابرات صدام لصبري البنا ( أبو نضال ) قبل حرب إسقاط نظامه بشهور قليلة كرسالة أيضا لقوات التحالف أنه لا يدعم الإرهاب بدليل أنه يقتل أي إرهابي يتواجد في بغداد. وبعد وفاة وديع حداد أقامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مهرجانا تأبينيا ضخما له في بغداد ، وكنت آنذاك أدرس في جامعة الأسكندرية لدرجة الدكتوراة ، وسافرت خصيصا لبغداد لتنسيق الجهود الإعلامية لذلك الحدث ، وفي المهرجان الخطابي بعد التشييع قال الدكتور جورج حبش في خطابه قوله المشهور: ( يقولون وديع حداد إرهابي ، نعم إنه الإرهاب الذي يرد على إرهاب العدو الصهيوني ).

الحكيم وطلب القذافي منه إشهار إسلامه

كنت أعمل في عامي 1979 – 1980 مدرسا بكلية ألآداب بجامعة الفاتح في " الجماهيرية  العربية الشعبية الديمقراطية العظمى " ، وكان الأمناء العامون للمنظمات الفلسطينية دائمو التردد على الجماهيرية العظمى خاصة أن القذافي قرّر صرف راتب شهري لكل منظمة بدءا من مليون إلى خمسة ملايين دولار شهريا حسب حجم التنظيم إن كان في حجم ( دكانة ) أم (سوبرماركت ) حسب توصيف العقيد نفسه ، مع إعطاء مستشاريه الصلاحيات بزيادة الراتب شهريا تبعا لمستوى الولاء للعقيد ومساهمتهم في نشر الكتاب الأخضر ، وقد استغل مستشارو العقيد تلك الصلاحيات أسوأ استغلال فكانوا يساومون ممثل كل تنظيم على أنهم يستطيعون زيادة المخصص الشهري لتنظيمه مليوني دولار مثلا على أن يوقع على المبلغ الجديد ، ولكنه يتسلم المبلغ القديم المحدد من العقيد  مقابل أن يأخذ المبلغ الزيادة لإيداعه في حساب مستشار القذافي في قبرص أو بيروت  مع خصم نسبة بسيطة عمولة له . وقد ابتز القذافي المنظمات الفلسطينية بوقف المخصص الشهري إن لم ترسل كل منظمة مجموعة من عناصرها للقتال مع جيشه في حربه ضد تشاد التي استمرت عدة سنوات نكاية بخصمه اللدود رئيس الوزراء التشادي حسين حبري ، إلى أن انسحب منها نهائيا في عام 1994 بعد القرارات الدولية التي أجبرته على ذلك رغم أنفه ، وقد تجاوبت غالبية المنظمات الفلسطينية مع دعوى القذافي  ،وأرسلت مقاتلين من عناصرها للقتال والموت في تشاد  فالطريق إلى فلسطين أصبح يمرّ عبر نجامينا العاصمة التشادية.

كان الحكيم جورج حبش يزور عاصمة الجماهيرية ويلتقي القذافي ، الذي فاجأه في زيارة له نهاية عام 1979 بأن طلب منه اعتناق الإسلام علانية وأطلق عليه القذافي اسم ( الخضر )، وفي لقاء لي معه في الفندق الكبير بطرابلس ضحك الحكيم كثيرا من مسخرة القذافي الجديدة ، وأخبرني أنه رفض دعوة القذافي علانية أمامه مخبرا إياه أنه في المجتمع الفلسطيني لا توجد هذه التفرقة الطائفية ، لأن الاحتلال الإسرائيلي لا يفرق بين مسلم ومسيحي  وبالتالي تمنّى على القذافي نسيان هذه المسخرة ، ورغم ذلك ظلّ إعلام القذافي الجماهيري يطلق عليه اسم ( الخضر ) ،  وفي نشرات الأخبار الرسمية في  أية زيارة له نسمع الخبر في الإذاعة الليبية كالتالي : ( وصل اليوم الأخ المناضل الخضر الأمين العام للجبهة الشعبية لعاصمة الجماهيرية ، حيث قابل الأخ الخضر العقيد القذافي مستعرضا معه تطورات القضية الفلسطينية...إلخ الأسطوانة البايخة المشروخة ). وفي لقاء مع الحكيم في الفندق ذاته سألني : هل يمكنك أن تخمن لماذا اختار العقيد لي هذا الإسم إن قبلت الدخول في الإسلام  ؟ .  وبعد الاستفسار من واحد من مستشاري العقيد ، أخبرت الحكيم أن الاسم يقصد به العقيد الجماهيري ( الخضر صاحب النبي موسى عليه السلام ) ، وهو شخصية مختلف عليها عند علماء المسلمين سواء فيما يتعلق بنسبه وطول عمره وكونه نبيا وبقاءه حيا إلى زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ومما قاله فيه ابن الأثير في تاريخه : ( وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا فالجمهور على أنه باق إلى اليوم ، قيل لأنه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان فنالته دعوة أبيه آدم بطول الحياة وقيل لأنه شرب من عين الحياة فحيي ). وإن اختلف الجمهور حول ( الخضر ) فلن يختلفوا على أن الحكيم كان من أنقى القيادات الفلسطينية خلقا وممارسة مما أكسبه احترام الجميع أفرادا وقيادات .

رفض المسؤولية من المهد إلى اللحد

مما لا يمكن تجاوزه أو نسيانه للحكيم أن كان معروفا بنزاهته وصرامته الشديدة في قيادة الجبهة الشعبية ، وتواضعه الجمّ الذي كان يسمح لأي عضو أو كادر أن يلتقيه ويتحدث معه، خاصة في مرحلة وجوده في العاصمة السورية دمشق بعد عام 1982 ، وهذه الصرامة هي التي أدت أيضا إلى طرد بسام أبو شريف من عضوية المكتب السياسي للجبهة الشعبية بسبب علاقاته مع الرئيس ياسر عرفات من وراء ظهر الجبهة الشعبية ، مما أدى إلى تركه دمشق عام 1986  وإقامته في تونس مع ياسر عرفات الذي عيّنه مستشارا له ، وهي وظيفة شكلية ابتدعها عرفات ديكورا يضع فيه كل الهاربين إليه من التنظيمات ألأخرى ، دون أن تكون لهم أية صلاحيات أو مسؤوليات سوى الوساطة لدى عرفات من حين إلى آخر في مسائل شخصية تهم الأصدقاء والأقارب وهي غالبا صرف المساعدات المالية ، وكما قال أحد هؤلاء المستشارين من جبهة التحرير الفلسطينية " عبد الفتاح غانم ":  (أنا مستشار لا أستشار في شيء، وأقابل عرفات مرتين كل سنة مهنئا مع الجميع بعيدي الفطر والأضحى ) وقد وضعه عرفات بعد ذلك في السجن لشهور طويلة.

وفي عام 2000 رفض جورج حبش أن يترشح من جديد لمنصب الأمين العام للجبهة الشعبية، فاتحا المجال لغيره لقيادة الجبهة، فكان اختيار مصطفى الزبري ( أبو علي مصطفى ) الذي اغتالته إسرائيل في مكتبه في رام الله في السابع والعشرين من أغسطس عام  2001 ، فردت الجبهة على ذلك باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام وئيفي الذي نفذته مجموعة من الجبهة الشعبية ، وكان أبو علي مصطفى قد عاد إلى الضفة الغربية عام 1999 على قاعدة اتفاقية أوسلو بتنسيق مع ياسر عرفات رغم رفض الجبهة الشعبية لاتفاقية أوسلو، وأعقب وفاته اختيار أحمد سعدات أمينا عاما للجبهة الشعبية ، وقد اعتقلته السلطة الفلسطينية بناءا على الضغوط الإسرائيلية ، وظلّ في سجن أريحا حتى الرابع عشر من مارس عام 2006 حيث اقتحم الجيش الإسرائيلي السجن عقب انسحاب المراقبين ألأمريكيين والبريطانيين وتمّ اقتياده  إلى السجون الإسرائيلية مع مجموعة من السجناء الفلسطينيين من بينهم ( العميد فؤاد الشوبكي - أبو حازم ) أحد مستشاري الرئيس عرفات والمتهم من قبل السلطات الإسرائيلية بموضوع الباخرة (  كارين إي ) حيث ما يزالون في السجون الإسرائيلية حتى اليوم .

خطوة الحكيم هذه الرافضة لاستمراره أمينا عاما للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أكسبته احتراما واسعا لأنه شذّ عن القاعدة العربية والفلسطينية بتولي المسؤولية من المهد إلى اللحد، مقابل التشبت بهذه المسؤولية من رفاق سابقين له كنايف حواتمة وأحمد جبريل اللذين يصرّان على البقاء أمناء عامين بدون أمانة منذ عام 1968 وحتى اليوم ، أي منذ أربعين عاما متساوين بذلك مع الطاغية العقيد معمر القذافي ، وهم يشكرون على ذلك لأنه في تنظيماتهم ودولهم لا يوجد من يستطيع القيادة سواهم، وبالتالي فهم جديرون بهتاف ( بالروح بالدم نفديك يا أبو النوف ، ويا أحمد جبريل، ويا عقيد الجماهيرية العظمى )، لذلك إزاء هذه المسخرة المضحكة المبكية يستحق الحكيم جورج حبش التحية والاحترام.

حكيم الثورة المناضل جورج حبش يموت في عمّان التي عاش فيها سنواته الأخيرة عقب تخليه عن منصب الأمين العام ، وهذه مفارقة كبيرة أن تحتضنه عمّان التي ناصب نظامها العداء في السبعينات ، وبموتك يا حكيم نودّع مناضلا نزيها ومخلصا ، فلك الرحمة ولأهلك ورفاقك ومحبيك العزاء.
ahmad64@hotmail.com
www.dr-abumatar.com


صفحات: [1]