عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - سالم إيليا

صفحات: [1]
1
هذيان متعصب (الجزء الرابع)/ القول الفصل في بيان الأصل!!
بقلم: سالم ايليا
كنتُ أتمنى من صميم قلبي أن لا تصل المناكفات والمماحكات إلى هذا الحد بين أي طرفين ينتميان للعراق وهويته والمختلفين بالرأي والحُجّة، لكن للأسف نداءاتي ونداءات كل الوطنيين العراقيين الشرفاء للطرف الآخر بالتوقف عن كيل الشتائم والتُهم للمكونات التي لا ينتمي اليها ذلك الطرف باءت بالفشل!!، حتى وصل به الأمر للإستهانة بالرموز الدينية للمليارات من البشر!!، كل هذه النداءات ذهبت أدراج الرياح، وعجبي لا بل أسفي على البعض ممن يدعي من ذلك الطرف بالإنتماء اليه فشحذوا أقلامهم وساندوا ذلك المتعصب بتهجمه بدل محاولة إبداء النصح له للتوقف عن تجريح نصف البشر من سكان الكرة الأرضية من الأديان والمذاهب الأخرى!!، لا لشيء ولكن فقط لأنهم يختلفون معهم بالطائفة والدين أو المذهب!!، وعلى الرغم من أنّ عدد من يساندونه قليل جداً وهم على عدد أصابع اليد الواحدة، إلاّ أنه كان من المفروض عليهم إدراك ما ذهبتُ اليه من براهين وأدلّة مادية أثارية لا تقبل الجدل لم تكن غايتها الطعن أو التجريح كما يفعل هو!!، خاصة وأنني ذكرتُ لهم من أنّ نصف إنتمائي يرجع إلى طائفتهم من والدتي!!، وكان الأجدر بهم حث الطرف المتعصب والمتعنت بالكف عن القذف والشتم وإطلاق التُهم على الآخرين حفاظاً على سمعة الطائفة الجليلة التي نكن لها كل الإحترام والمحبة والتقدير، كذلك لحفظ ماء الوجه في حالة بيان العكس من الحقائق، وهذا ما سأبيّنه في هذه المقالة بشكل جلي وواضح لا يقبل التأويل والنقاش!!، وهو ليس إجتهاد من عندي أو من المصدر الأول للمعلومة!!، ولكن إستناداً على الجداريات والألواح الطينية الأثارية المرفقة والتي لا تحتاج إلى الجدل، وحاولت مراراً (رجاءه) بالتوقف عن التجريح والإهانة وأبديت إستعدادي للتوقف عن هذه المهاترات الغير مجدية أكثر من مرّة!!، لكن الطرف الآخر المتزمت زاد من شتائمه وتهجمه إعتقاداً منه بأنه الأقوى في الحجّةً والدلالةً والأكثر إطلاعاً وهذا ما يُطلق عليه بـ (الغرور)!!، وانني أسأل كل أبناء الطائفة الأجلاء وخاصة (عُلية القوم) والمنصفين فيهم ـ ـ الم يكن واجباً عليكم مناشدة مراجعكم الدينية وأصحاب القرار فيها للضغط على هذا المتسرع بالإتهامات والنعوت الغير مهذبة على إخوة لكم في الوطن والإنتماء فوصل بإعتداءاته حتى إلى رموزهم الدينية العُليا من الرُسل والأنبياء وبابا روما وغيرهم، وأين هي تعاليم المسيح السمحاء في قلوبكم خاصة وأن بعضكم يجاهر بتدينه!!، لذا فليعذرني كل أهلنا من تلك الطائفة ورجال دينهم الأجلاّء على دفعي مرغماً لنشر الحقائق المدعومة بالوثائق خدمة للحقيقة فقط ليس إلاّ، وإذا كان هنالك أي ملامة فلتوجه إلى مَنْ لَم يكن متأكداً من معلوماته!!، خاصة وإنّ معظم ما بينته في مقالاتي كان مستنبط من مقالاته حرفياً لتضادد ما جاء فيها وتعارض طروحاته مع بعضها البعض!!، ولتكن هذه المقالة نهاية التجاذبات وبداية علاقة طيبة أخوية بين الجميع تحت مظلة إنتمائنا الوطني العراقي حتى مع صاحب المقالات ذاته المعني بالأمر إذا عاد إلى رشده وترك هذه التقاذفات ولينحو منحى آخراً في البحث التاريخي لإشباع (هوايته) ولتكن المصداقية والمعلومة الصحيحة غير المزيفة هدفه!!، هذا فيما إذا وَجَدَتْ هذه المقالة وهذا النداء الأخوي صدى عنده!!، فالغاية ليست إبراز عضلاتنا على بعضنا البعض، فالعراق يتمزق!!، وأهلنا العراقيين في الداخل هم الذين يدفعون ثمن تجاذباتنا العقيمة التي ليس لها محل من الإعراب وقد مضى عليها آلاف السنين ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين ـ  قرن القرية الصغيرة!!!، ولا اعتقد بأن هنالك (هدف سامي) سيتحقق من هذه التجاذبات!!.
وليُدرك مَنْ يستبدل هويته الوطنية العراقية بهويته الطائفية القومية بأن عليه أنْ يَثبت نَسَبه وإنتماءه اليها أولاً بفحص الـ (DNA)!!!، وبعكسه فالإنتماء الوطني الجغرافي هو شعور وإنتماء وجداني لا يحتاج إلى أدلّة (طبية مختبرية جينية) لإثباته!!، لأن الوطن يحتضن مكونات عديدة مختلفة بإنتماءاتها القومية والدينية والمذهبية. أما الإنتماء القومي/ الأثني فبكل تأكيد يعود إلى علم الأجناس بكل تفرعاته وأقسامه (anthropology)، وهو إنتماء بصلة الدم والعِرق والشكل بالمواصفات الجسدية والخلقية وكل ما يتعلق بالأجناس وبيئتها، وبالطبع هذا النوع من الإنتماء يحتاج إلى فحوصات مختبرية جينية!!، وعليه فكل من يتعصب لإنتمائه القومي عليه إثبات نسبه أولاً لقوميته بمثل هذه الفحوصات، وليطلق العنان بعدها لقلمه ولسانه للدفاع والمجاهرة بتعصبه، ورأيي أن لا يفعلها المتعصبون لأنها ستكون فضيحة ما بعدها فضيحة لهم!!!!!!.
ومثلما وعدتُ الجميع في الجزء الثالث من سلسلة المقالات (المُجبَر) عليها لرد الإتهامات والهَجاء على معظم مكونات الشعب العراقي بملايينهم من نفر ضال قليل العدد يدفعني إلى ذلك شعوري وإنتمائي الوطني وليس الطائفي، ولسان حالي يردد "مُجبَر أخاكم لا بطل"، فأنني سأعلن الحقائق الموثقة والمصورة بأدلتها الأثارية ومن مصادرها الأصلية المشفوعة بتأييد اللجان الأكاديمية المتخصصة في البلدان ذات العلاقة!!.
وعليه يجب تعريف المصدر الأول الرئيسي للمعلومات التي سأطرحها على القرّاء بشكل أوسع مما ذكرته عن هذه الشخصية (أي المؤلف) في المقالات السابقة لضرورات إثبات مصداقية المعلومات التي ستنشر.
فمؤلف كتاب "العصور القديمة" هو جيمس هنري برستد ( James Henry Breasted) عاش (من الفترة 27 أغسطس/ آب 1865 الى 2 ديسمبر/ كانون الأول 1935)، وهو عالم آثار ومؤرخ أمريكي يُعتبر من أشهر وأنبغ وأنزه علماء الآثار في المصريات/ حضارة الفراعنة وحضارات بلاد الرافدين وتاريخ الشرق وآسيا الغربية والشرق الأدنى حصراً. وتقول المصادر من أن هذا العالم الأثاري المهم درس في برلين علم الأثار المصرية والرافدينية على يد العالم الألماني الكبير (أدولف ارمان)، وبعد نيله شهادة الدكتوراه عام (1894م) دعيَ للإنضمام إلى الفريق الذي كان يَعد قاموساً للغة المصرية القديمة لنبوغه وفطنته، وقد ترأس العديد من البعثات الأثارية التنقيبية في العراق وبلاد الأناضول إضافة لمصر، وكان ملماً وضليعاً في حل رموز وطلاسم اللغات القديمة ومنها الفرعونية والمسمارية والآرامية والعبرية القديمتين!!، وعليه يُعتبر أهم من وضع أسس دراسة تاريخ الشرق الأدنى وآسيا الغربية للطلبة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأمّا الأستاذ (هَرُلْد نلسن) منقّح كتاب "تاريخ العصور القديمة" فهو أحد اساتذة التاريخ في الجامعة الأمريكية ببيروت، وحيثُ يقول في كلمته في مقدمة الكتاب الذي ترجمه الى العربية الأستاذ (داوُد قربان) وليس كما ورد كخطأ إملائي في الحلقة الأولى بإسم (داوُد فرحان) ما يلي: "ان هذا الكتاب الذي نزفه الآن إلى ابناء الشرق الأدنى بحلّة عربية هو بلا مراء افضل كتاب مدرسي في تاريخ العالم القديم باللغة الإنكليزية" ـ ـ إنتهى الإستدلال.
ولتثبيت الحقائق بمهنية بعيدة عن التشنجات الطائفية الدائرة منذ سنين، وجبَ عليّ طرح الأسباب التي دعتني إلى إختيار هذا المصدر (الوثيقة) دون غيره من المصادر الأخرى لتسهيل قبول وإقناع المتابعين والمختصين/ الباحثين الحقيقيين في التاريخ والقرّاء على حدٍ سواءٍ لما جاء فيه وكالآتي:
ـ مصداقية المؤلف ومكانته العلمية بين المؤسسات الأكاديمية الأثارية والتاريخية العالمية الرصينة، وحيثُ يُعتبر اعظم عالم تاريخ وآثاريات في زمنه ولحد الآن، ولا تزال كتبه ومؤلفاته تغزو المكتبات العالمية وتعتبر من أهم المراجع للباحثين في التاريخ القديم.
ـ صفحات الكتاب التي إستشهدتُ فيها للدلالة والمعروضة مع هذه المقالة تم تصويرها مباشرة من نسخة طبعته الأصلية الأولى المترجمة من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية والتي طُبعت سنة (1926م) تحت إشراف لجان متخصصة في أكثر من دولة وجامعة عالمية، وكما سأبين لاحقاً في الفقرات التالية، ومعنى كونه كتاب أقرّ في المناهج الدراسية لعدّة دول، فهذا يعنى انه ذات مصداقية تكاد تكون مطلقة!!، ولهذا فمن المستبعد حدوث أي تغيير أو تحريف على ما جاء فيه من معلومات مهمة جداً، وعليهِ يُعتبر هذا الكتاب المصدر الرئيسي لبقية المصادر في اخذ المعلومة.
ـ موافقة وتصديق جميع الجهات ذات العلاقة على ما جاء في الكتاب من توثيق مهم للتاريخ القديم بدءاً بوزارة التربية والتعليم الأمريكية في ذلك الوقت لأنه اُعتمد لتدريس مادة التاريخ القديم للدراسة الثانوية في امريكا حينها، كذلك إقراره مِنْ وزارتي المعارف (التربية) العراقية والفلسطينية حينها أي سنة (1926م) وهي سنة طبع الكتاب باللغة العربية، وتمت مراجعته والمصادقة على محتواه من قِبل لجان فحص المواد التدريسية المشكّلة في كلتي الوزارتين والمؤلفة من خيرة الأساتذة الأكاديميين والباحثين في كلي البلدين. إضافة إلى اقرار الجامعة الأمريكية في بيروت بما جاء فيه مِنْ معلومات، وذلك لأخذها على عاتقها تنقيح وترجمة وطبع نسخة الكتاب المعدّة إلى العربية بواسطة إستاذيها (هرُلد نلسن) و(داوُد قربان) على التوالي وبتكليف من وزارتي المعارف في العراق وفلسطين.
ـ اقرار أكاديمية العلوم في برلين لهذا الكتاب لكون العالم الأثاري الدكتور جيمس هنري براستد كان عضواً فيها بعد نيله لشهادة الدكتوراه في اروقتها.
ـ اقرار الكتاب من قبل اتحاد المؤرخين العرب.
ـ كل صفحة من صفحات كتاب "العصور القديمة" لجايمس براستد والمعززة بصور اللوحات الطينية والجداريات الأثارية والمخططات والخرائط وصور التماثيل واللقى الأثارية تُعتبر بمثابة وثيقة رسمية موثوقة!!، لماذا؟!: الجواب، لأن الوثيقة الرسمية: هي عبارة عن مستند مؤثق ومصدّق من الجهات الرسمية الحكومية أوما تصل إلى مستواها من هيئات ومؤسسات ذات العلاقة، وتعطي هذه الوثيقة الحق فيما يُستدل به من محتوى. ولكي نبرهن على تطابق مواصفات صفحات الكتاب وما جاء فيها من معلومات مع ما ذكرته من شروط لتحقيق كونها وثائق رسميّة، فقد ذكرتُ بأن هذا الكتاب هو ليس كتاب عادي لمؤلف له درجة معينة من العلم والبحث والتقصي، وإنما جرت المصادقة على ما جاء فيه من معلومات من أول كلمة فيه الى أخر كلمة من الجهات الرسمية واللجان المتخصصة لثلاث دول ذات العلاقة ومن المؤسسات الأكاديمية العلمية وكما ذكرتُ اعلاه، إضافة الى إعتماده من قبل اتحاد المؤرخين العرب، وكل الجامعات والأكاديميات الرصينة الأخرى في العالم.
ـ حيادية المؤلف ومهنيته استناداً على شهادته العلمية الرفيعة التي نالها من أرقى المؤسسات التعليمية في العالم، فليس من السهولة حصوله سنة 1894م على شهادة الدكتوراه في الأثار الشرقية من الأكاديمية العلمية في برلين بالمانيا في وقت كانت تعتبر الحصول على شهادة التعليم الإبتدائي مفخرة لحاملها!!، ولهذا فان حياديته منبثقة من كونه رجل اكاديمي مهني، وكذلك تدوينه لتلك الحقائق والمعلومات بشكل مباشر مما عَثر (هو) عليه مع فريق عمله من الواح طينية وجداريات وصروح أثارية وبخط يده دون مرور هذا التوثيق بمصدر ثاني أو ثالث وإلى آخره ليتم التشكيك فيه بعملية الحذف او التزوير أو التحوير، وكما نعلم من أنّ المكتبات مملوءة بمثل هذه الكتب المحرّفة ومنها التي يحاول الموما اليه بالنقد الإستناد عليها بطرحه للمتناقضات في مقالاته. أي بمعنى آخر فأن العالم جيمس هنري برستد يُعتبر هو المصدر الأول والوحيد للمعلومة وما يدونه يؤخذ على انه وثيقة معتمدة من مصدرها الرئيسي.
ـ الكتاب (المصدر) تم تأليفه بنسخته الإنكليزية قبل أكثر من (مئة) عام، وأمّا نسخته العربية فعمرها (92) عاماً، والصفحات التي سأعرضها هي من ذات النسخة العربية في طبعتها الأولى، أي بمعنى آخر ان الزمن الذي طُبِعَ فيه الكتاب بنسخته الإنكليزية الأصلية والعربية المأخوذة عنه لم يكن زمن التناحرات الطائفية كما هو الحال الآن لكي نشكك بالغايات والمعلومات التي وردت فيه!!، كما وان مؤلفه لا شائبة عليه ولا ينتمي إلى اي من الجهات المتصارعة طائفياً، وهو أمريكي يهودي كما تذكر المصادر!!، وكان من المفروض ان لا ينصف الآشوريين والكلدانيين لأنهم كانوا سبباً في سبي بني قومه وتشريدهم!!، لكنه لم يفعل ذلك ودوّن معلوماته من الأثار مباشرة وبمهنية عالية!!.
ـ يُعتبر المؤلف المرجع لعلماء عصره ولحد الآن في فك طلاسم لغات العالم القديم، ومنها الفرعونية (الهيروغليفية) والمسمارية في بلاد وادي الرافدين والآرامية والعبرية القديمتين، ولا تزال لحد الآن الأكاديميات العلمية المهتمة بالتاريخ القديم حول العالم تعتمد على توثيقاته وتدويناته.
ذكرتُ كل تلك الأسباب اعلاه لبيان سبب اعتمادي على ما سأنشره من معلومات (مهمة) تضع حد لهذه المهاترات والتلفيقات والأكاذيب التي يطلقها البعض نتيجة تعصبهم لطائفتهم ومذهبهم، وستبين هذه الصفحات بشكل جلي وواضح  (القول الفصل لبيان الأصل) مَنْ مِن الطوائف تعود بنسبها إلى الأسباط العشرة المفقودة لليهود!!، اعتماداً على تدوينات وتوثيقات العالم الأثاري (براستد) التي أخذها بشكل مباشر من اللقى الأثارية وبالأخص المدونة في صفحات كتابه الأربعة الخاصة بمراحل الإستيطان الآرامي والمرقمة (108، 109، 110 و111) على التوالي ومن النسخة (الأصلية) بطبعتها الأولى للكتاب بنسخته العربية، والمصادق عليه من الجهات الحكومية ذات العلاقة لدولتين عربيتين!!!.
ولكي اقطع دابر التأويلات والمناكفات والأفكار السيئة والمبيتة، أقول من ان جميع العراقيين تغمرهم الفرحة عندما يُضاف (باحث في التاريخ) حقيقي ومهني إلى قائمة الأعلام الذين سبقوه أو المعاصرين له ويستخدم في تدوينه الحقائق وبلغة مهذبة بعيداً عن التجريح والإساءة والإتهامات لأكثر من نصف سكان الأرض ما بين نعتهم (بالظالمين والغازين) والتعرض والإستهانة لرموزهم الدينية كونهم يختلفون معه بالدين!!، وشَتمْ البقية ممن يختلفون معه بالمذهب والطائفة والإستهزاء برجال دينهم من اعلى مرتبة فيهم وهو (البابا) مروراً بالبطريرك المحلّي لطائفة من طوائفهم واطلاق الأسماء المخجلة على تلك الطوائف!!، وحيثُ كنّا نتمنى أن ينظم هذا المبتدأ والحديث العهد في الكتابة إلى سلسلة الباحثين الأعلام بعد أن يكتسب الخبرة العلمية الحقيقية بعد عشرات السنين لممارسة (هواية) البحث عنده، وليفتخر بعدها بكونه باحث حقيقي وليس حال خطّه لبضعة سطور وتدوينه للمتناقضات التي أخرجته من دائرة المصداقية و(بإمتياز) بعد أن عرضتُ تناقضات طرحه، أقول كنّا نتمنى أن يضيف ولو الشيء اليسير من الحقائق ليضيء سفر البحوث التاريخية كما أضاءوا ممن قبله من الباحثين الحقيقيين ببحوثهم الرصينة الشيء الكثير عن تاريخ بلدهم ومكوناتهم، لكننا أصبنا بخيبة الأمل عندما قرأنا له على نشر ما يفرّق بدل ما يجمع المكونات، وعزوفه عن البحث عن نقاط التلاقي بدل نشره لنقاط الإختلاف بين الأديان والمذاهب والقوميات، وتأليب الأديان والمذاهب على بعضها البعض ونحن في القرن الواحد والعشرين!!، ومحاولته نبش التاريخ والعودة الآف السنين لعرض نقاط الخلاف بين المكونات للمجتمع الواحد والتي لا نعرف مدى مصداقيتها ليؤجج المشاعر في هذا الظرف الدقيق اكثر مما هي عليه الآن، ولم يُعلن لحد الآن عن هدفه والغاية من مقالاته على الرغم من الحاح كل من يقرأ له على هذا السؤال؟!، ولم يجيب لحد الآن عن أسئلتنا اليه التي تفند إدعاءاته!!.       
       
إنّ جميع المهتمين بالتاريخ وتوثيقاته يعلمون من أن رفوفه مملوءة بالكتب الغير مهنية والمحرّفة والكاذبة التي الفها كتّاب مدفوعي الثمن في مختلف العصور والأزمنة وخاصة البعض من المؤرخين من رجال الدين من هذا الدين أو ذاك أو من هذا المذهب أو غيره أو من هذه  الطائفة أو تلك، وخاصة المنشقين منهم عن أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم أو المتعصبين منهم لأديانهم أو مذاهبهم، وحتى أنّ بعضهم ممن كانوا في غابر الأزمان او من بعض الموجودين الآن والذين لا يزالون على إنتماءاتهم لكنهم يكتبون ضدها لإختلافهم مع رؤسائهم!!!، فمثل هؤلاء لا يمكن الأخذ بتدويناتهم، وكمثل بسيط على نفس (المدعي): هل من الممكن بعد مئة سنة او اكثر اعتماد كتبه المليئة بالتحريض والتزوير للحقائق بعد ان اثبتُ بمقالاتي بطلانها بالوثائق والأدلة المادية الرسمية والمعتمدة من ذوي التخصص؟؟!!، طبعاً سيظهر كاتب متعصب آخر حينها ويأخذ هذه الأباطيل والمعلومات المزورة من كتاب هذا المتعصب الحالي ليبدأ بهذيان جديد وهكذا!!.
وعليه فما سأعلنه وأنشره الآن من وثائق مادية وتوثيقية لم أتدخل مطلقاً بصياغتها وإنما سأنقلها حرفياً من مصدرها الأول والرئيسي الذي أقرّ (الموما اليه) بمصداقيته في ردّه على مقالتي الأولى!!، وكل الذي سأفعله هو الإشارة اليها وتأطيرها وتنظيمها بتسلسلاتها كما وردت في الوثيقة، وسأطرح الأسئلة المستنبطة من الوثائق وعلى القرّاء والمتابعين الألِبّاءُ (ومفردها لبيب) إيجاد الأجوبة لها من هذه الوثائق المرفقة مع هذه المقالة، وسأرفق مع هذه المقالة نسخ الصفحات الأربعة المصوّرة ليطّلع عليها القرّاء النجباء بأنفسهم، وحيث سأبدأ من الصفحة (108) من صفحات الكتاب الموسوم "العصور القديمة" وبنصوصها المنقولة حرفياً وسأضعها بين علامتي التنصيص (")، والماخوذة بشكل مباشر من الآثار المصوّرة والمرفقة في تلك الصفحات والتي لا تقبل الجدل اوالشك، وكالآتي:
ـ " وفي السنة 1400 ق.م حاولوا ان يستولوا على السواحل الغربية اي على فلسطين وسورية كما فعل الاشوريون قبل ذلك بأشور. ولم يكن هؤلاء البدو الرحل الغربيون الاّ العبرانيين في فلسطين والاراميين الى الشمال منهم " إنتهى الإقتباس والإستدلال الأول، وحيثُ نستنتج منه ما يلي: ان العبرانيون والاراميون في ذلك الزمن كانوا (بدو رحّل) عندما كان الآشوريين قد استوطنوا في المدن!!. كذلك نستنج (تحالف) العبرانيين والاراميين للإستيلاء على السواحل الغربية (فلسطين وسورية)!!. وقد ذكر المؤلف في الحاشية الأولى المرقمة (207) للصفحة (105) من كتابه ما يلي: "تأسيس اشور (3000 ق.م) تحت تأثير العوامل السوميرية" ـ ـ انتهى الإقتباس، اي أنّ الآشوريين كانوا قد استقروا في المدن قبل العبرانيين والآراميين بحوالي (1800) سنة وكما سأبين لاحقاً!!، وهنا يجب التنويه على ان الإستيطان لا يعني الحضارة المطلقة، وإنما بداية المرحلة الأولى لتكوين المدن والتحضّر.
ـ " وبعد السنة 1200 ق.م أسس الاراميون في الغرب (يقصد غرب المدن الآشورية او بلاد الرافدين) عدّة ممالك زاهرة بنوا فيها مدناً فاخرة لملوكهم وقصوراً باذخة فرشوها بانفس الاثاث (ش 71) ولا يَدّع في ذلك فانهم كانوا تحت تأثير مدنية الحثيين من الجهة الواحدة ومدنية المصريين من الجهة الاخرى " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال الثاني، والذي نستنتج منه اولاً: بعد حوالي (200) عام من المحاولات للاراميين بالإستيلاء على الساحل الغربي نجحوا في محاولتهم الأخيرة واستولوا على سورية وكونوا فيها عدّة ممالك واقواها كانت "دمشق" وتليها "حماة". والإستنتاج الثاني هو: سرعة تحضّرهم وذلك بتفاعلهم وتأثرهم بالحضارتين الحيثية والمصرية.
وما جاء في الصفحة (109) من الكتاب كوثيقة رسمية ما يلي:
ـ " على ان التجار الاراميين كانوا يَغْشَون (اي يملأون) الاسواق الاشورية. فكانوا في تلك الازمان البعيدة مثل ابناء عمهم اليهود في الممالك المتمدنة اليوم كبار زعماء التجارة وان كانوا لم ينتظموا امةً واحدة "!!!!!!!!! ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال الثالث المهم جداً!!، ومنه نستنتج اولاً: أنّ الاراميين كانوا منذ ذلك الوقت زعماء التجارة وبالفعل سيطروا على التجارة في اسيا الغربية منذ ان كانوا (بدو رحل) هم والعبرانيين وهذه التجارة لا تزال قائمة إلى يومنا هذا بين البدو الرحل في البادية الغربية من العراق وامتدادها البادية الشرقية لسورية وبالتعاون التجاري الوثيق فيما بينهما!!. والإستنتاج الثاني هو: دفعهم (الجزية) للآشوريين وكما سأبين لاحقاً لتفادي غزوهم وتدميرهم، ولهذا سمحوا الآشوريون لهم بالدخول إلى اسواقهم والسيطرة عليها كتجّار. والإستنتاج الثالث هو: نعت الآراميون من قِبلْ (المؤلف جيمس برستد) وهو يهودي امريكي كما تذكر المصادر بأنهم (ابناء عَم) اليهود في الممالك المتمدنة اليوم (اي اليهود الحاليين، وكان كلامه هذا عند تاليفه للكتاب اي قبل مئة سنة من الآن)!!!!!!!، فما رأي الموما اليه بالنقد والذي لا يتوقف عن اتهام الكلدانيين والآشوريين بانهم من الأسباط العشرة المفقودة لليهود، فهذا (شاهد من أهلها) يفتخر ببراعة التجّار الآراميين في ذلك الوقت كبراعة (اولاد عمهم) اليهود في الوقت الحاضر بالتجارة!!!. في الإستنتاج الرابع: اراد المؤلف (وهو العالم الأثاري والتاريخي الذي لا يضاهيه احد) من خلال الجملة الأخيرة "وان كانوا لم ينتظموا امة واحدة" ان يقول بأن الآراميين والعبرانيين هم امة واحدة تاريخياً واثنياً وإن لم ينتظموا سياسياً وإدارياً بإمّة معلنة في الوقت الحاضر!!، واؤكد من أنّ هذا الكلام ليس قولي أنا كاتب هذه السطور وإنما قول مؤلف الكتاب، ومن له استنتاج آخر فليطرحه لتصحيح ما جاء في كلام جيمس برستد أو ليسكت وإلى الأبد؟؟؟؟!!!!.
ـ " وبلغ الاراميون درجة عالية من المدنيّة فكانوا في السنة 1000 ق.م يستعملون في كتاباتهم الحروف الهجائية التي اخذوها عن الفينيقيين ـ وهو اقدم نظام للكتابة معروف ، استعملت فيهِ الحروف الهجائية وحدها (ش 123)، واخذوا عن المصريين القلم والحبر اللذين لا يستغنى عنهما مطلقاً في الكتابة بحروف الهجاء (ش 71) " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال الرابع، ومنه نستنتج اولاً: أنّ الاراميين قوم (اذكياء) منذ ذلك الزمن ولحد الآن، وحيثُ اتقنوا التجارة من اولاد عمهم اليهود ولا يزالُ هم سادة التجارة والأستثمار إلى يومنا هذا كاليهود، بالإضافة إلى سرعة اخذهم للحروف الهجائية من الفينيقيين وبدءوا بالتكلم بها، واستخدامهم بسرعة ومهارة لأدوات الكتابة (القلم والحبر) اللذين اخذوهما من المصريين!!. الإستنتاج الثاني هو: تصحيح معلومة تاريخية خاطئة وهي: (ثبوت عدم ريادية اللغة الآرامية كأول لغة هجائية في العالم!!، وإنما سبقتها اللغة الفينيقية التي منها اخذ الآراميون لغتهم الجديدة ومن بعدهم كل الأمم المحيطة التي كان الفضل للآراميين بإنتشارها بينهم، كذلك عدم اختراعهم للقلم والحبر!!، وإنما اخذوه من المصريين)!!. وهذا ليس كلامي ايضاً وإنما كلام عالم الأثار جيمس برستد).
ـ " وقد وجد في اطلال المباني الاشورية كثيرٌ من قطع الاجر التي علّق عليها حواشٍ بالارامية " ـ ـ انتهى الإقتباس الخامس، والإستنتاج الأول هو: من خلال الهدنة بين المملكة الآشورية من جهة (التي اصبحت فيما بعد امبراطورية واسعة) والدولة الآرامية المنشأة حديثاً من الجهة الأخرى، والتي كان من شروطها ان يدفع الآراميون "الجزية" للآشوريين، فإن التجار الآراميون عوّضوا بذكائهم خسارتهم لمالهم من دفع الجزية في الربح الذي كانوا يحصلون عليه بتجارتهم داخل المملكة الأشورية!!، مما ادى إلى انتشار لغتهم الآرامية المقتبسة من اللغة الفينيقية بواسطة التجّار وبسرعة في المحيط الذي حولهم لسهولتها وسهولة ادواتها الكتابية (ورق البردي والقلم مع الحبر)، وليس كاللغة المسمارية التي تحتاج من الكاتب ان يحمل لوحه الطيني الطري ليكتب عليه جُملهِ المسمارية ثم يتم (شوي أو فخر) هذا اللوح وهي عملية معقدة، ولهذا تُبيّن لنا احدى اللوحات الأثارية المعروضة في الصفحة (110) ان الكاتب باللغة المسمارية قد اخذ قسطاً من الراحة!!. امّا الإستنتاج الثاني فهو: ما بَيّنتْهُ قطع الآجر التي وجدت في اطلال المباني الآشورية المكتوب عليها باللغة الآرامية يؤكد انتشار اللغة الآرامية في المملكة الآشورية وبين سكانها، بمعنى آخر سبب وجود هذه الآثار الكتابية للغة الآرامية في الأرض الآشورية يعود إلى انها اصبحت لغة الجميع لسهولتها، وليس كما يعتقد البعض خطأ من ان الدولة الآرامية اصبحت فيما بعد امبراطورية وبسطت نفوذها على اراضي بلاد الرافدين وخاصة الآشورية منها، ويعطي دليل مغلوط على وجود لغتها وآثارها في هذه الأرض أو تلك.
فلا يوجد ولو مصدر واحد يتكلم عن وجود توسع سياسي ـ اداري للدولة الآرامية، ولا يوجد مصدر واحد رصين وموثوق يتكلم عن وجود امبراطورية آرامية، كالتي تكلمَت عنها المصادر للإمبراطوريتين الآشورية والكلدانية، ولو سمحت حدود النشر لنشرت الفهرست لهذا الكتاب الذي يترك فصلين كاملين للحضارات العراقية (الرابع والخامس)، وهذه الحضارات هي الأكدية والسومرية والبابلية الأولى والآشورية والكلدانية (البابلية الأخيرة) فقط، لكنه بكل تأكيد يذكر من خلال عرض تاريخ الآشوريين في الأربع صفحات المعروضة مع هذه المقالة انبثاق (دويلات) آرامية والبعض منها اصبحت دول متحضّرة وخاصة في (دمشق) وهي دولة جديرة بالوقوف عندها، خاصة في المجال التجاري وتحصين حدودها لصد هجمات الآشوريين منذ سنة (1200) ق.م الى حدود (850 ـ 800) ق.م.
إذن: هل كانت هنالك دولة أو دويلات او ممالك آرامية؟ ـ ـ الجواب: نعم، وهل اصبحت متحضرة وقوية؟ ـ ـ الجواب: نعم، وهل أصبحت امبراطورية واسعة شملت الاراضي العراقية (بلاد الرافدين)؟ ـ ـ الجواب: لم تذكر لنا المصادر الرصينة أي شيء من هذا القبيل، وإنما حدث العكس!!.
ـ " وبعد مدة من الزمان اجمع الراي العام (يقصد في المملكة الاشورية) على ان تدار الاشغال العمومية باللغتين الاشورية والارامية. هذا في الشؤون العمومية. واما في الحكومة فاذا كان الكاتب ارامياً فبالطبع كان يدوّن المحاضر بقلم الحبر على ملف البَرْديَ واذا كان اشورياً كتب على الآجر بقلم قصب كالِ الرأس (ش 72) " ـ ـ انتهى الإقتباس السادس، والإستنتاج الأول هو: تأكيد ما ذهبتُ اليه في الفقرة التي قبلها عن كيفية انتشار اللغة الآرامية المأخوذة من اللغة الفينيقية. امّا الإستنتاج الثاني وهو الأهم: توظيف الآراميون من الكتّاب وغيرهم في الدوائر (الحكومية) الآشورية ـ ـ فماذا تعني هذه الجملة؟!: الجواب هو: أنّ الدولة الآرامية عندما كانت تدفع "الجزية" للمملكة الآشورية وكانت في حالة الهدنة وليس الحرب  معها والتي اصبحت فيما بعد امبراطورية واسعة (اي المملكة الآشورية)، في ذلك الوقت كانت الدولة الآرامية تُعتبر جزء من المملكة الآشورية!!، بالضبط مثلما كان العراق وبقية الدول العربية جزء من الإمبراطورية العثمانية وكانت هذه الإمبراطورية تجمع (الخراج) اي الضريبة مثل (الجزية) في المملكة الآشورية، وكانوا قسم من مواطني هذه الدول ومنها العراق موظفين في اسطنبول.
ـ " واصبحت اللغة الارامية لغة الهلال المخصب برمتهِ. حتى انها حلّت محل شقيقتها العبرانية الفلسطينية " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال السابع.
فالإستنتاج الوحيد المهم الذي نخرج به من هذه الجملة بان اللغتين الآرامية والعبرانية كانتا (شقيقتين)، وبما انه وكبديهية مطلقة تعتبر اللغة هي العنصر الأهم في تحديد القومية، فان الإستنتاج الذي لا لبس فيه هو أنّ القوميتين الآرامية والعبرانية (شقيقتان)، وهذا ليس كلامي وإنما كلام المؤلف العالم في التاريخ الأمريكي ـ اليهودي جيمس برستد، وحيثُ "شهد شاهد من اهلها"، فلا يخرج علينا هذا (المتعصب) او ذاك لإتهام الآشوريين والكلدانيين بالتهويد!!!. نقطة رأس السطر، وستكون لي عودة في الخلاصة لربط جميع التصريحات بهذا الأمر.
وما جاء في الصفحة (110) من الكتاب (الوثيقة الرسمية) ما يلي:
ـ " الشكل 72 كاتب اشوري وكاتب ارامي يقيدون الاسلاب المنهوبة من مدينة اسيوية أخذت عنوة (القرن الثامن ق.م) " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال الثامن، فالإستنتاج الوحيد: يعطي دلالة واضحة من ان عمليات الغزو والسبي (الحروب) وما كان يرافقها من دموية لم تكن حصراً على الآشوريين والكلدانيين والعرب في الجاهلية والعرب المسلمين فقط مثلما اتهمهم بها هذا المدعي كاتب المقالات المتضاددة مع بعضها، وإنما اشترك فيها الآراميون ايضاً وبقوة من خلال احصائهم لـ (غنائمهم) من النساء المسبيات والأطفال والحيوانات وغيرها، وهذا موضّح في اللوح الأثري بشكل جلي، وهو دليل مادي لا يقبل الجدل او الإنكار، وربما كان تواجد الكاتب الآرامي من خلال وظيفته في المملكة الآشورية كما بينته في الفقرة قبل السابقة ـ ـ او كطرف (ممثل) عن الدولة الآرامية لمشاركتها الفعلية بهذا السبي وترغب بجرد حصتها من الغنائم!!، وفي كلتي الحالتين يكونوا الآراميين مشاركين في الغزو والسبي!!، فما رأي المدعي الذي ما فتأ القذف بالإتهامات وكيل الشتائم على الآشوريين والكلدانيين والعرب في الجاهلية والإسلام وإتهامهم بالغزو والسبي والحروب الدموية، وقد قلتُ له صادقاً يا رجل: لماذا تنبش في التاريخ، فحال كل الأمم حينها كان كذلك بالغزو والسبي!!، ولحد الآن نحن نعاني منه بالحروب الحالية!!، فلا تدعنا نبحث ونقدم الأدلّة الحقيقية المدعمة بالألواح والتماثيل الأثرية!!، لكنه لم يأتي إلى جادة الصواب، وقلت له "على نفسها جنت براقش"!!!، وليغالطني هو او غيره من مؤيديه او حتى من المتابعين والمختصين المنصفين ويقولون لي يا "سالم" لقد ناقضت طرحك في المقالة الأولى او الثانية او الثالثة عمّا جاء في هذه المقالة، لا اعتقد سيجدون معلومات متناقضة لأنها ليست من وحي خيالي وإنما من المصادر الرصينة المدعومة باللقى الأثارية.
ـ " وحاول الاشوريون ان يوسّعوا نطاق نفوذهم في شمال سورية ولكنهم باؤوا بالخيبة والفشل. وفي منتصف القرن التاسع ق.م كانوا قد بسطوا سلطتهم على الممالك الارامية لانها ادنى اليهم من سواها. ثم أخذوا في الزحف عبر الفرات ووجهتهم السواحل البحرية. فلما رأت المدن السورية (يقصد الارامية) والفينيقية انها مهددة بالفتح عنوةً اذا هي ابت التسليم وتأدية الجزية، سلّمت وأدتها عن يدٍ دفعاً لهول الفظائع التي قد تنجم عن الفتح عنوةً " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال التاسع، والإستنتاج الأول هو: بدأ التوسع الآشوري لتصبح المملكة الآشورية كإمبراطورية واسعة إلى سواحل البحر. والإستنتاج الثاني هو: دفع "الجزية" من الآراميين إلى الآشوريين لتفادي غزوهم، وهذا ما حاول (المدعي) المعني بالمحاججة إنكاره في مقالاته الهجائية ضد الآشوريين والكلدانيين، لكنني ذكرتُ له هذه المعلومة وصححتها له في مقالتي الأولى اليه.
أما الصفحة (111) من الكتاب فيرد فيها:
ـ " ولما كان ملوك دمشق الاراميون من ذوي الثروات الطائلة المكتسبة بطريق التجارة استطاعوا ان يحافظوا امدّا طويلاً على جَعل قاعدة ملكهم في اسمى درجة من التحصين وان يصدوا الاشوريين عن التقدُّم الى سواحل البحر المتوسط. ومن اجلى البينات على ما كانوا عليهِ من القوُّة والسلطان حمايتهم للمملكة اليهودية الضعيفة زمناً طويلاً من هجوم الاشوريين عليها " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال العاشر. وعليه فالإستنتاج الأول يبين لنا بشكل جلي بلوغ مملكة الآراميين "دمشق" اعلى درجات القوة المالية والعسكرية لتفادي هجمات الدولة الآشورية القوية، وهذا يؤكد ما ذهبتُ اليه من ان الدولة الآشورية هي التي كانت تريد بسط سيطرتها لتصبح امبراطورية، وكان هَمْ الآراميين فقط تفادي الهجمات وليس الطموح ليصبحوا امبراطورية!!، أما لإستنتاج الثاني والأهم هو: (حماية الآراميين للمملكة اليهودية الضعيفة زمناً طويلاً) من هجوم الآشوريين عليها، وهذا الزمن هو ثلاثمئة وخمسون عاماً من سنة (1200) ق.م إلى حوالي سنة (850) ق.م كما سيبين المؤلف في الفقرة التي تليها.
وسؤالي للموما اليه الذي ملأ المواقع الإعلامية ضجيجاً بإتهام الكلدانيين والآشوريين (الجدد) بأنهم أشقاء "نتنياهو"!!، فمن هو شقيق "نتنياهو" بعد هذ المعلومة التي تمّ أخذها من تدوينات  الألواح الطينية التي عثر عليها!!، كذلك كتب مقالة مثيرة لمشاعر الجميع طلب فيها من الآشوريين والكلدانيين (تقديس) العرب وذلك لأنهم حموا النساء النسطوريات في معركة "ذي قار"!!، وحيثُ كانت مقالته تتسم بالتملّق اكثر من كونها مقالة رصينة، وسأقول له الآن من الأجدر بك ان تكتب مقالة بعنوان آخر هو: (على اليهود تقديم للآراميين الشكر والعرفان [ولا اقول التقديس لأنها تقال حصراً للخالق] لأنهم حموا ذريتهم من الإنقراض ودافعوا عنهم لمدة ثلاثمئة وخمسين عاماً)، اليس كذلك!!!!. وهذا ليس كلامي ولا استنتاجي وانما اعتمدتُ عليه مما جاء في المصدر!!!.
ـ " وظلّ ملوك اشور ثلاث مئة وخمسين سنة او يزيد عاجزين عن ان يفتحوا هذه المنطقة الغربية ويبسطوا نفوذهم عليها بسبب مقاومة ممالك ارام وفينيقية واليهودية لهم. وكانت عاقبة هذه المقاومة انهم حصروا الجنود الاشورية وراء حدود بلادهم حتى القرن الثامن ق.م " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال الحادي عشر والأخير. والإستنتاج الرئيسي في هذه الفقرة هو التحالف الوثيق الطويل الأمد بين الممالك الآرامية واليهودية والفينيقية لصد هجمات الآشوريين!!.
وسأترك للمختصين والباحثين عن الحقيقة من متابعين ذوي الإختصاص والقرّاء الأجلاّء النُبَهاء على حدٍ سواء تحديد مَنْ هُم الذين يعودون بنسبهم إلى الأسباط العشرة المفقودة لليهود؟؟؟!!!، ومَنْ هُم الذين كانوا السبب الرئيسي بالحفاظ على الدولة اليهودية ومنع إنقراضها حينها واستمرار ذريتها لحد الآن؟؟؟؟؟؟!!!!!!.   
الخلاصة:
يتبين لنا من الحقائق المدعومة باللقى الأثارية اعلاه ما يلي:
اولاً: اي انتماء لجميع المكونات التي يتهمها هذا (المدعي) باصولها للأسباط العشرة المفقودة لليهود من (المفروض) ان يمر من خلال اصولها الآرامية اولاً!!، وهذا الإستنتاج لم آتِ به أنا وإنما من استشهاده هو ومحاججته بان البطريرك لويس ساكو وغيره ارجعوا اصولهم الى الآراميين اولاً (ثمّ) إلى الأسباط العشرة المفقودة لليهود!!!، اي بمعنى آخر: وبربط ما جاء في ادعاء هذا (الباحث) وإستدلاله بتدوينات البطريرك ساكو ومعها ما جاء من حقائق ثابتة على لسان العالم الأثاري جيمس هنري برستد من ان الآراميين ما هم إلا (اولاد عم لا بل اشقّاء) اليهود الحاليين وإن لم (ينتظموا معهم بأمة واحدة)!!!، فان الآراميين من (المفروض) ان يكونوا هم (حلقة الوصل) بالنَسَبْ والأصل للجنس البشري ما بين الأقوام التي سكنت في الشرق الأدنى واليهود!!!!!!، وهذه الفرضية ليست من عندي وإنما من إدعاء الموما اليه من أنّ الآشوريين والكلدانين وحتى العرب ما هُم إلاّ آراميين، وقولي الأخير هو تذكير (المدعي) بأنني قلتُ له في مقالتي الأولى "خلّي الطبق مستور"!!، لكنه ركبَ رأسه وإستمر بهجاء جميع المكونات من الآشوريين والكلدانيين والمسلمين العرب وغيرهم!!، فما هذا التعصب الذي لديه؟؟!!.
ثانياً: وللإنصاف اقول متكئاً على اصولنا الإنسانية جميعها، ما الضير في ان تعود انت وانا وغيرنا إلى الأسباط العشرة المفقودة لليهود او إلى العرب او يعودوا هم وغيرهم إلى الآشوريين والكلدانيين والآراميين!!، المهم مَنْ نحن الآن؟!، وماذا نقدم للإنسانية؟!، وما مدى مشاركتنا الفعلية في التطور العلمي الذي يفيد البشرية؟!، وما مقدار تأثيرنا على إستقرار السلم العالمي والمحبة والتواصل الإنساني بين الأمم والشعوب؟!، وليس كما ما جاء على لسان احد الذين دفعهم (الموما اليه) بالنقد في احد المواقع لشتمي والتلفظ بكلمات تدلل على تربيته ونشأته، لكن مدير الموقع الجليل الإحترام حذف كلامه الذي لا يليق بالمواقع الرصينة ويهين القرّاء قبل اهانة المعني بالشتيمة!!، وحيثُ ذكر هذا (المؤدب المتديّن متباهياً) من أن (المدعي) وابنه القاصر هجما على احد المتاجر الذي كان يبيع بعض الملابس التي عليها الصور التي تسيء إلى شخص السيد المسيح في بلد المهجر الذي منحه الأمان والحرية ليعيش فيه بسلام وضربا صاحبه وكسرا محتويات متجره وضربا رجال الشرطة التي جاءت لتنفيذ القانون!!، اهكذا علّمه (المسيح) حين قال مخاطباً الله وطالباً منه المغفرة للذين صلبوه " يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون"؟؟!!، اهكذا يربّي ابنه القاصر على العنف واخذ (حقه) بيده بدل القانون وفي الدولة القانونية التي منحتهما حق اللجوء هرباً من دولة اللاقانون؟؟!!، هذا الكلام على ذمّة احد افراد (مجموعته) الذي يتواصل معه، وانا اشكره لأنه افضى بمعلومة عن صاحبه كنّا انا والقرّاء نجهلها واتمنى ان تكون مغلوطة وغير صحيحة لأنها (مخجلة) بحق!!، لكن صاحبه (تفاخر) من ان الصحف الأوربية نشرت الخبر!!!.
ثالثاً: اي مصدر بعد الآن يحاول هذا (المدعي) أن يستشهد بما جاء فيه يجب ان يكون مصدر موثّق بشكل رسمي واقوى بحججه وبراهينه المادية من المصدر الذي استدللت به لتثبيت الحقائق اعلاه، وهذا ما يدعونه في البحث بالمهنية والمصداقية وبالحجّة مقابل الحجّة، وكل مصدر اقل منه فمن الأفضل له ان يرميه في اقرب سلّة مهملات!!، فلا يقول لي قال فلان ـ ـ ونقلاً عن فلان، ويعرض صفحة من كتاب مطبوع حديثاً ليصرخ على الشاشة الصغيرة ويسميها "بالمخطوطة"، ارجوه أن يحترم نفسه من خلال احترامه للمشاهدين والقرّاء فهم اذكياء جداً. اي بمعنى آخر: (يجب) ان تكون المصادر التي سيستشهد بها مصدّقة من جهات رسمية واكاديمية اقوى من الجهات الرسمية التي صادقت على كتاب "العصور القديمة" لجيمس برستد، هكذا هي المناظرة والمحاججة المهنية. 
لاحظوا اعزائي المتابعين من القرّاء والمتخصصين تناقض هذا (المدعي) في طرحه ليس بين مقالة واخرى فقط!!، لا بل حتى في المقالة الواحدة أو المقطع الواحد الذي ربما لا يتجاوز السطرين!!، فمرّة يستشهد بما جاء في تدوينات البعض من رجال الدين المؤرخين الكلدانيين من امثال البطريرك الدكتور لويس ساكو والأب الدكتور يوسف حبّي وغيرهما عندما يتوافق ما كتبوه مع طروحاته واهدافه، ومرّة اخرى ينعتهم (بالمتكلدنين والمزوّرين) للحقائق عندما يجد بان كتاباتهم وتوثيقاتهم لا تنسجم مع طروحاته!!!، فكيف يستشهد بتوثيقات كاتب وهو اساساً ينعته بالمزوّر للحقائق!!!، اهذه هي مهنية (الباحث) في التاريخ؟!، حتى انه رفض وشكك بما جاء في الكتب السماوية ككتاب العهد القديم!!، لأن ما جاء فيها يتعارض مع تعصبه وإدعاءاته، ولي عودة (مثيرة) في الجزء الخامس وبمعلومات من وثائق رسمية (مقدسة) عند الأديان الثلاثة "تقلب رأساً على عقب" كل ادعاءاته وكما افعل الآن!!، اقول له اين هي المهنية والمصداقية فيما تدعيه يا أيها (الباحث) في التاريخ الذي لم يمضي على مسكك للقلم اكثر من سنة بعد كل الذي ذكرته في مقالاتي للرد على تخرّصاتك الجوفاء التي ليس لها قيمة علمية؟؟!!.
ارجو من كل من ينتمي إلى كل الأديان والمذاهب والقوميات التي تضررت من الطروحات الطائفية لهذا (المدّعي) وتعرضه لرموزهم الدينية في المساعدة على نشر هذه المقالة (البحثية) والمهنية المهمة وعبر جميع مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام كافة، وحيثُ دوّنتُ فيها الحقائق من المدوّنات الأثارية ولأول مرة تُنشر وحسب علمي، مع التنويه إلى كاتبها والموقع الذي نُشرت فيه، مع شكري وتقديري لتعاون الجميع في ايقاف المد الطائفي ونشر روح المحبة بين البشر.
وشكراً/سالم إيليا !!!!!
     

2
هذيان متعصب (الجزء الثالث)/ جنون العظمة والتعصب المرضي المزمن صفة المفلسين
بقلم: سالم إيليا
ربما سيكون لدينا كمتابعين وقارئات وقرّاء أجلاّء جولات لا تخلو من الطرافة في بعض فقراتها الرصينة لتقديم النصح والمشورة الإنسانية قبل كل شيء للبعض القليل جداً من المرضى نفسياً والمصابين بداء التعصّب الإثني أو المذهبي أو الديني أوحتى الجغرافي، والكارثة أن بعضهم يحمل كل أنواع هذا التعصّب الذي صار مزمناً لديهم!!!، لذا أكرر معذرتي لكل أبناء شعبنا العراقي النجيب بدفعنا (عنوة) إلى تلك المهاترات التي بدأت تؤذي بسمومها كل الأطياف فكان لزاماً وضع (الطوق) حول مَنْ يبثها لمعالجة تأثيرها بترياق أشد تأثيراً وفعالية!!.
فلقد أبتلينا بعد الكارثة الأخيرة التي حلّت بالعراق سنة 2003م بخروج بعض (الجرذان) من جحورها لتتحدى الأسود!!!، وخروج (نكرات) القوم لتتعدى لفظياً على الرموز وعلية القوم كالمثل الموصلّي الشهير (أسفل غجليي قام عليي) أو كما يقوله البغداديون النُجباء (وُصَخ رجليّه گام عليّه)!!، وقد طرحتُ هذا المثل حصراً على البعض القليل الذين على شاكلتهم ولا ينتمون إلى أي فرد من أهلنا وقراهم التابعة لنينوى العظيمة، وحيثُ كان هذا المثل رداً على تجاسر أحدهم وإستشهاده بمثل سخيف لم يكن له (محل من الإعراب) فيما نتحاجج عليه لينتقص فقط من أهل الموصل جميعهم ودون إستثناء ولم يكن بين سطور كلماته المتقاطعة غير الطعن فيه بالموصليين النجباء بكل أطيافهم وأديانهم ومشاربهم وخاصة أبناء الطائفة بشقيها الشرقي والغربي الذي يدعي بالإنتماء اليها وهي من علية قومها من أبناء المدينة العريقة والتاريخ المجيد والإنتماء الأصيل، فأين أنتَ منهم يا أيها الدخيل؟!، وحيثُ كنتَ تتوسل وتحلم فقط للدخول إلى مدينتهم العراقية العظيمة لتحقق حلم من أحلامك بزيارتها فقط والتجول بين أزقتها حافي القدمين أو العمل حمالاً في أسواقها!!، لكنهم بكرمهم فتحوا لك مدارسهم وجامعاتهم لتتعلم فيها!!!، كذلك طرحتُ المثل بلهجته البغدادية عليك لأنك أستخفيّت بالهوية العراقية في مقالتك وهي خط أحمر لا يستوعبه (الخونة) العديمي الوفاء للأرض التي احتضنتهم!!، هذه الهوية التي منحها العراق للدخلاء الذين التجوا اليه في محنتهم حفاة القدمين!!، ولكن قولنا لك كقول المتنبي: "إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ـ ـ وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا"، وها أنت تتمرد على أولياء نعمتك مرّة أخرى!!!، فلماذا تتباكى على النعوت التي أطلقتُها عليك كفرد متعصب في مقالتي الأولى وبإستحقاق وكرد على شتائمك للعراقيين بكل طوائفهم!!، وحيثُ كان من المفروض أن تلوم نفسك وتجلدها على النعوت التي نعتَ بها ملايين الكلدان والآشوريين بالسحرة والمشعوذين والهراطقة والمجرمين، ونعتَ مليار ونصف مسلم ومن بينهم العرب وبدون إستثناء حتى لأجّل رجالهم ورموزهم بالظلم والغزو!!، والآن تنعت العرب منهم بـ (السطحية) وتسوّق قول موشي دايان المخابراتي المشكوك فيه وكما سأبين لاحقاً!!.   
وكنتُ قد أبديتُ النصيحة (الإنسانية) من باب أخلاقنا وغيرتنا العراقية للموما اليه بالكف عن هذه المهاترات الغير مجدية والتي لا تضر غير النسيج الوطني العراقي وتمزقه أكثر مما هو عليه الآن!!، إلاّ أنه تمادى في غيّه وبدأ (يزبد) بلعابٍ كريه الرائحة كحاله، فكان لزاماً في الإستمرار بالطرق على رأسه حتى يصحو أو ـ ـ ـ !!!.
لقد حاول الموما اليه بالرد على مقالتي (المهذبة) في جزئها الأول بإنفعالية واضحة، وحيثُ كثرت في مقالته وكعادته الأرقام والأسماء والكلمات المبعثرة والمتقاطعة من هنا وهناك في عرضٍ بائس بِئسَ وجهه الذي لا يعرف الإبتسامة وإن حاول جاهداً في صورته الفوتوغرافية الأخيرة إظهارها إلاّ أنه لم يفلح فبدا وكأنه مجبر عليها!!، وسأناقش ما هذى به لإثبات (جنون عظمته) في تصوره بانه أصبح (باحثاً) حقيقياً وكأنه لا يصدق نفسه بأنه يكتب سطرين بإسلوب مضحك ركيك مليء بالأخطاء اللغوية والتاريخية والغير مفهوم بدايتهما من نهايتهما وما هو هدفه!!، وحسبي أنه كان (مخموراً) عند كتابته لمقالته لما ورد فيها من إتهامات خطيرة على كل المكونات بدءاً بالمسلمين وللمرة الثانية ومعهم العرب منهم وكذلك الكلدان والآشوريين!!، وكما سأوضحها بما لا تقبل التأويل وسيحكموا كل القرّاء والقارئات الكرام  على ما ذهبتُ اليه في بيان مقاصده الخبيثة!!!.
وربما سأبدأ بالرد عليه كلمة بكلمة وسطر بسطر وكما فعلت بالمقالة الأولى (المهنية) لي، ولقد (كذبَ) عند الرد بإدعاءه من أنني لم أتطرق إلى (لبّ) الموضوع!!، كما فعل هو عندما حاول جر القرّاء إلى متاهات ليس لها صلة بالموضوع الذي (نتحاجج) عليه، وأقول وأكرر هذه سمة المفلسين ممن يكتبون بإعتمادهم على معلومات (أنترنيتية) فقط!!، وسيكون الحَكم بيننا القرّاء الأفاضل وجلّهم من المطلعين والنبيهين.
فقد اتهمني بأنني تركت في ردّي عليه في المقالة الأولى (لبّ) الموضوع وأهملتُ الوثائق والأدلة التاريخية والكتابية، وأتهم بنفس التهمة وللأسف الشديد مئة وخمسين مليون عربي دون خوف ووجل وبكل صلافة بتسويقه المدفوع ثمنه لكلام موشي دايان الذي لا أجد مبرراً وسبباً واضحاً لطرحه وإقحامه له في مقالته كحديث (إنترنيتي) مخابراتي لا نعلم مدى صحته!!، ولربما تم فبركة وإختلاق هذا الحديث من أقبية الدعاية الإعلامية الإسرائيلية المضادة لطعن العرب به وأستشهد هو به وسوّقه بإسلوب دعائي مجّاني أو مدفوع الثمن!!، وأنا أشكره كما شكرتُ سابقاً زميله المدافع عنه لأنهما يكشفان حالهما بعنصريتهما المتعصبة بسهولة ومن خلال كلامهما ندينهما دون الحاجة مني ومن غيري من العراقيين لإثبات ذلك بالأدلّة والبراهين!!، ففي تفكيرهما المتعصب المريض مَنْ لا ينتمي اليهما من الأقوام يصبح عدواً لدوداً لهما وهدفاً للهجاء!!، هذا هو جوهر عنصريتهما!!، وسأورد نص ما ذكره بمقالته الغير (مهذبة) التي حاول الرد فيها على مقالتي المهنية الأولى، وحيثُ قال نصاً في المقطع الثاني من الفقرة الثانية ما يلي: "في إحدى المرات نشر موشي ديان عن حرب 67 مقالاً عن ذكر فيه بعض المعلومات المهمة أو أسرار الحرب، فاعترض بعض القادة قائلين: إن العرب سيتفادون (يقصد سيستفادون) من هذه المعلومات، فأجاب ديان: لا تخافوا لأن العرب حين يقرؤوا اسم إسرائيل في العنوان، لن يقرؤوا النص" ـ ـ إنتهى الإستدلال بما ذكره في مقالته التهديدية التي شتم فيها الجميع وبأسلوبه الركيك المملوء بالأخطاء اللغوية!!، وهو حديث مشكوك فيه أصلاً لا يتجاوز السطر لكنه لم يستطيع  صياغته أو على الأقل نقله نصاً لخطورة ما جاء فيه من إهانة لكل العرب بنعتهم بالسطحية وعدم متابعتهم لجوهر و(لبّ) المواضيع خاصة لعدوّهم!!، فكان من المفروض نقل نص الحديث وأين نشر ومتى لكي لا يكون مسوؤلاً عنه إذا إحتجّت عليه جموع المئة وخمسين مليون عربي (يعني شلون نظل نعلّم بيك وأنت تگول وتدعي بأنك باحث بالتاريخ وبالشأن الفلاني ومؤلف للكتب)!!!.
وسأناقش ومعي القرّاء الأفاضل السطر أعلاه الذي حاول تسويقه بالطريقة الإسرائيلية المخابراتية و كما يبدو معجب به لأنه يطعن بالعرب وقد حفظه عن ظهر قلب وبطريقة أكثر تشويهاً ليسوقه أينما حل!!، ولكنه عندما رغب بتسويقه أدبياً ولغوياً تاهت عليه الجملة حرفياً فوقع بإخطاء إملائية ونحوية وكحال بقية ما جاء في مقالته (وهو الذي يدعي من أنه يتكلم ست لغات!!، اكيد يتكلمها مثل الهندي الذي يتكلم العربي أو أردئ بكثير، لأنه درس العربية كل عمره وعاش في مجتمعها وأسلوبه ركيك وغير مفهوم عند إستخدامها، فكيف ببقية اللغات الخمسة الباقية)!!!، ولأنه كَتبهُ بحقدٍ وبعصبيةٍ مرضيةٍ واضحةٍ فقد بان فيه كرهه للعرب بشكل واضح!!، ولهذا نعتّهُ بالمريض نفسياً وبحاجة للعلاج وهذا ليس بعيب!!، وليصدّقني هو من أنّ هذه ليست إساءة وإنما نصيحة له لأنه يوقع نفسه بمشاكل هو في غنى عنها وهي خطيرة جداً جداً!!، وربما تؤثر سلباً على كل من يدعي بالإنتماء اليهم كدين ومذهب وقومية!!!، فهو لم يستوعب خطورتها!!!، أمّا كحالة مرضية أو جهلاً أو حقداً تعصبياً!!!، أرجو أن يكون قد فهم قصدي؟!، وسؤالي له هو: هل تستطيع الوقوف شاتماً مئة وخمسين مليون عربي ومليار ونصف مسلم وعشرة ملايين الى خمسة عشر مليون كلداني وبمثلها من الملايين الآشوريين وسبعة وثلاثين مليون كردي (لأنكم تدعون حتى الأكراد هم يعودوا بأصلهم الى طائفتك التي تدعي بالإنتماء اليها وهي بريئة من تصريحاتكم، وكما ورد في تداخل حليفك الشمّاس الديني على مقالتي الأولى)!!!، وسأعود لأحاججك مَنْ منّا خرج عن (لبّ) الموضوع وكان سطحياً؟!: هل أنا كما تتهمني وتتهم العرب بتسويقك لكلام موشي دايان أم أنت؟؟!!، ففي مقالتي الأولى اليك ناقشتُكَ على كل كلمة وعن لسانك وتمّ على أساسها تفنيد ما جاء في كل مقالاتك، ولم أخرج قيد أنملة خارج نطاق كلمات وسطور مقالاتك، ولكنك لم تقرأها ولم تجيبني عليها و(سرحت) خارج الموضوع تماماً (أي أنت الذي يقرأ العنوان فقط ويترك اللّب أو الجوهر وليس العرب وليس أنا كذلك)!!، فأين ردودك على أسئلتي وما تطرقتُ اليه من إدانتك وعن لسانك كلمة بكلمة وسطر بسطر؟؟!!، وها أنا أفعل الشيء ذاته لمقالتك الثانية وكالآتي:
اولاً: لماذا اتهمتَ العرب المسلمين بالظلم وبالغزوات ومشكلتك اساساً ليست معهم؟؟؟!!!، وإنما مع الكلدانيين والآشوريين (القدامى والجدد حسب وصفك)!!. ولماذا مدحتَ عرب الجاهلية وغرزتَ انيابك المسمومة في جسد العرب المسلمين بإتهامهم جميعهم دون إستثناء حتى لرموزهم الدينية بالظلم؟؟؟!!!، كذلك لم تجيبني ماذا جرى لمَن لم يستطيع دفع الجزية أو الهروب؟!، وما حزَّ في نفسي من إنك مؤمن تماماً بتعصبك المذهبي والقومي وحتى الجغرافي من أنّ جميع العرب المسلمين هم ظالمين ـ ـ !!، يا رجل إتقي الله انك تتهم مئة وخمسين مليون عربي مسلم أو ما يزيد بالظلم!!، أأصابتك لوثة!!!، وهذا يدلل بإيمانك المطلق من أنّ أي من الأقوام غير الذين تدعي بالإنتماء اليهم زوراً يستحقون الهجاء من عندك ومِن مَنْ على شاكلتك من مجموعتك!!، هل تقدرون خطورة نهجكم العدواني الغير قانوني هذا؟؟؟!!!، اليس هذا النهج تتبعه داعش أيضاً!!، طبعاً هذه الأسئلة مثبتة عن لسانك وموثقة في مقالاتك وليس من عندي ولا تستطيع نكرانها ولا التهرب (مذعوراً) من الإجابة عليها وعليك تحمل تبعاتها القانونية!!!، ولا "تخلط مرة أخرى الأوراق" فتأتي بكلام آخر كطرحك لأسماء المدن القديمة وأن هذه المدينة وتلك كان اسمها كذا وكذا وسُميت بعد ذلك كذا وكذا في إستعراض (أنترنيتي) لمدى ثقافتك وعلمك بالتاريخ ـ ـ الى آخره من الحشو البعيد عن الموضوع المطروح للنقاش لتبيّن بإستعراض بائس ثقافتك ومعرفتك بالتاريخ وطلاسمه (إستخدمتُ جملة "خلط الأوراق" بدلاً من جملة "خلط الحابل بالنابل"، لأنني كلما أستخدم جملة في مقالاتي يأخذها ليكررها في مقالاته فتصبح مملة أدبياً!!)، ورجائي لا تهين القرّاء بإستغفالك لمعرفتهم!!، فهم في معظمهم من النُخب والمتابعين المهمين وألِبّاءُ (ومفردها لبيب)، أكرر هذا الرجاء وكُنْ مهنياً بحق إحتراماً لنفسك أولاً!!.
ثانياً: لم تجيبني على إثباتي من أنّ الكلدانيين والآشوريين كانوا أيضاً يعطون نفس الخيارين للطرف الآخر؟! ـ ـ وهما: أمّا دفع الجزية أو الهرب؟!، وقد أثبتُ ذلك لك!!، فلماذا لم تجيب عليه وأنت تدعي بأنك "باحث" في التاريخ ومن المفروض أن تتمتع بقدر عالي من المصداقية؟؟؟!!!، علماً بأنه لم يمضي عليك أكثر من سنة أو أقل بكثير على البدأ بنشر مقالاتك موضوع الجدل!!، وللعلم و(كباحث) تاريخي فان هذه المعلومة أي السبي الأول الآشوري لليهود بقيادة سنحاريب والسبي الثاني البابلي/ الكلداني لليهود بقيادة نبوخذ نصر كانا سببهما هو رفض اليهود لدفع الجزية!!، وهذه المعلومة تدرّس في درس التاريخ للصف الأول والثاني المتوسط!!!!، فكيف غابت عن ذهنك أيها الباحث التاريخي المهم!!!!، فأول مقالة نشرتها أنت في هذا الصدد على موقع "الحوار المتمدن" كانت بتاريخ: 16/06/2017م وتحت عنوان "كلمة كلداني تعني: منجّم، مجوسي، ساحر"!!، أي لم يمضي على مسكك للقلم حتى سنة واحدة وبعدد مقالات تُعد على اصابع اليد ونعتَ نفسك بالباحث في التاريخ والشأن الفلاني و ـ ـ و ـ ـ وإلى آخره وعلى قول المثل العراقي "أول ما شطح نطح"!!، ما هذه العناوين الكبيرة التي لم يحصل عليها من قبلك خيرة الباحثين العرب والأجانب وعلى طول فترة أعمارهم التي عاشوها بالبحث والتقصي!!، وما هي علاقة المجوس بالكلدان؟!، فقد أثبتَ أنت سابقاً في مقالاتك من أن الكلدان والآشوريين أصلهم عربي!!، وهذا كلامك وموثق عن لسانك!!، فما علاقة المجوس بالعرب؟!، كما أثبتَ أنت سابقاً أيضاً في مقالاتك وعن لسانك أيضاً من أنّ الكلدان والآشوريين (الجدد وكما اسميتهم) يعود أصلهم إلى الأسباط العشرة المفقودة لليهود، ثمّ قلتَ من أنهم متأشورين ومتكلدنين وأصلهم (آراميين/ سريان) ـ ـ اليس كذلك؟!، وهذا موثق عن لسانك أيضاً، فسؤالي اليك كـ "باحث تاريخي" مهم لم يمضي عليه سنة وبدون إنفعال وتعصب: هل هذا يعني أن الأسباط العشرة المفقودة لليهود وكذلك الآراميون/ السريان هم مجوس بالأصل؟!!، فقط اريد منك الجواب الواضح بدون لف ودوران وتدخلني والقرّاء معي في دهاليز الأسماء وتقول فرنسا كان اسمها كذا وأصبح اسمها كذا، فنريد الإجابات المباشرة لكي نستفيد من علمك ومعرفتك أنا وبقية القرّاء!!.
توضيح بسيط لإخواني وأخواتي القرّاء من أنّ إطلاق تسمية الآراميين/ السريان في الوقت الحاضر خطأ، لكن بعض الإخوة المنتمين اليها يرغبون بذكرها هكذا ونحن نحترم رغبتهم!!، لماذا هذه التسمية خطأ الآن؟!، الجواب: لأن اطلاق اسم الآراميين كان قبل دخولهم للمسيحية وأطلقوا على أنفسهم اسم السريان بعد دخولهم الدين المسيحي للفصل بين حالهم قبل المسيحية وبعدها أو أثنائها!!، وتسميتهم الأخيرة (أي السريانية) جاءت من تواجدهم على الأرض السورية، وهذا كلامهم وليس كلامي ومنهم "الباحث التاريخي" موضوع النقد وهو مؤثق في مقالاته أيضاً!!، واعتقد وربما انا (مخطئ) من أنهم عندما يطلقون على أنفسهم في مقالاتهم مزدوج التسمية (الآراميون/ السريان) فهذا يقابلها المعنى (الوثنيون/ المسيحيون) وهذه التسمية خطأ الآن!!، ورجائي ان لا يخرج لي احدهم ليقول أن تسمية "الآرامية" هي تسمية قومية وأن تسمية "السريانية" هي تسمية دينية/ مذهبية!!، لأنني ومن الآن سأقطع الطريق عليهم وأقول دائماً تذكرون اسم اللغة كآرامية قبل إعتناقكم للمسيحية وتقولون أن المسيح نطق كلماته الأخيرة (ربي ـ ـ ربي لماذا تركتني) باللغة الآرامية ولا تقولوا باللغة السريانية لأن التسمية الأخيرة لم تكن موجودة في عصره وهذا صحيح مئة بالمئة، وأطلقتم عليها اللغة السريانية بعد إعتناقكم للمسيحية نسبة الى تسميتكم الجديدة وهي نفس اللغة لم يتغير منها شيء حينذاك، واللغة هي أحدى عناصر القومية التي يتكلم بها القوم ولا علاقة لها بالمذهب أو الدين!!، أي بمعنى آخر أن الآراميون هم قوم غيروا اسم قوميتهم الى السريان بعد إعتناقهم للمسيحية، فلماذا تبقون متشبثين بالإسم الوثني لقوميتكم مع الإسم المسيحي وطبعاً هذا خياركم ونحن نحترمه؟!، ولكن لماذا تقوم عند البعض المتعصب منكم الدنيا ولا تقعد وتحرّمون على غيركم (تبديل) اسماء إنتماءاتهم وتقولون عليهم متأشورين ومتكلدنين ومتعرّبين ومتكرّدين ـ ـ الخ، ولنتفرض جدلاً فرضيتكم من أنّ معظم سكان الكرة الأرضية كانوا آراميين (كما يدعي الشمّاس الديني) وأنّ جزئهم الذي اعتنق المسيحية سمى نفسه "سريانياً" والآخر "كلدانياً" والآخر "آشورياً" وجزئهم الذي إعتنق الأسلام سمى نفسه "عربياً" أو "كردياً" وهكذا ـ ـ طيب: لماذا تحللون على أنفسكم تسمية "السريان" وتحرّمون وتحاربون بقية التسميات التي ذكرتها (طبعاً تماشيتُ مع فرضيتهم المغلوطة بإدعائهم من أنّ كل القوميات من عرب وكلدان وآشوريين وكرد وفرس وحتى اليونانيين الفينيقيين هم بالأصل آراميين وحسب إدعاء الشمّاس الديني فقط لمحاججتهم)؟!، وهنالك رأي آخر للإخوة الآشوريين الذين يقولون بأن تسمية "السريان" جاءت من حذف الحرف "الألف" من كلمة "آشوريين" مع مرور الزمن لتصبح "شوريين أو سوريين أو سريان"، على أية حال نحترم جميع الآراء والفرضيات!!.
ثالثاً: لماذا حاولتَ يا أيها الباحث في التاريخ أن تتهم العرب المسلمين حصراً بأنهم مَنْ إبتدأوا الغزوات الخارجية؟!، في حين تجاهلت الروم البيزنطينيين/ الفينقيين الذين كانوا قد أغاروا قبل العرب المسلمين بمئات السنين على الشمال الغربي والغربي لحدود الإمبراطورية الآشورية (سوريا وفلسطين) وغزوا البلاد وسبوا النساء وأنتهكوا الأعراض ودمروا وقتلوا ولأكون صادق فعلها أيضاً الآشوريون والكلدانيون!!، وما دام إنك كما تدعي "باحث تاريخي" فأطلب منك أنا كقارئ أن تكتب مقالة مهنية تاريخية عن غزو الروم البزنطينين/ الفينيقيين للمنطقة وما جرى في ذلك الغزو من إنتهاكات وذلك (لجهلي) بما فعلوه أو لتصحيح معلوماتي (الخاطئة) عنهم وليستفيد من (بحوثك) القيّمة باقي القرّاء والباحثين، ولأنك ذكرت في مقالاتك السابقة الغزوات الدموية والظالمة للآشوريين والكدانيين والعرب قبل الأسلام وبعده، فالآن جاء دور الروم البيزنطينيين ودمويتهم ـ ـ اليس كذلك؟!. كذلك لماذا بررت ودافعت لا بل أمتدحت الغزوات التي قاموا بها عرب الجاهلية ولم تبررها للكلدانيين والآشوريين ولا حتى للعرب المسلمين؟!، ونعتهم بالظالمين وسالخي الجلود وبسبيهم للنساء!!.
رابعاً: لم تجيبني عن المعادلة (الأنشتاينية) المعقدة التي أدخلتنا فيها والتي بسطّتها أنا لك بإستخدام مبدأ (الإستعاضة) للرياضيات التي برع فيها الكلدان اجداد العراقيين القدامى، وحيث وصلنا فيها الى "المطلوب إثباته" الذي يقول وعن لسانك وكما ورد في مقالاتك وبوثائقك القيمة التي تعرضها لنا ما يلي: الكلدانيين والآشوريين (الجدد) هم من الأسباط العشرة المفقودة لليهود، الكلدان والآشوريين (الجدد) هم مجرد متكلدنين ومتأشورين وأصلهم آراميين/ سريان، إذن: الآراميين/ السريان هم من الأسباط العشرة المفقودة لليهود (بالإستعاضة) وهو المطلوب إثباته!!. كذلك وعن لسانك ومن مقالاتك الموثقة ذكرتَ: أن الكلدان والآشوريين ما هم إلاّ بالأصل عرباً نزحوا من الجزيرة العربية، وبالعودة الى إثباتك الأول من أن الكلدان والآشوريين هم أصلاً آراميين/ سريان وقد تكلدنوا وتأشوروا، إذن الآراميين/ السريان هم أيضاً أصلهم عرباً (بالإستعاضة) وهو المطلوب إثباته أيضاً. كذلك: في أول مقالة ذكرتها بعنوان (كلمة كلدان: تعني منجّم، مجوسي، ساحر) فهل هذا يعني أنّ كل بقية التسميات التي عاد الكلدان في إصولهم اليها من الآراميين/ السريان الى العرب الى اليهود الى الأسباط العشرة لليهود هم يعودون للمجوسية والسحرة وممارسي التنجيم؟!، هذا سؤال مباشر أرجو أن تحل طلاسمه وقد إستنبطتهُ أنا كقارئ من إثباتاتك (القيمة) المعززة بالوثائق التي عرضتها علينا وليس من عندي، لأنني أرفضه جملة وتفصيلاً. كذلك: وبالعودة الى كل إثباتاتك وبحوثك التاريخية (القيمة) أعلاه فإننا نستنتج من أنّ كل الأقوام السابقة من العرب والكلدانيين والآشوريين والآراميين/ السريان والأسباط العشرة (المفقودة) لليهود والمجوس جميعهم ما هم إلاّ قومية واحدة ولكن بأسماء مختلفة!!، ولكن ماذا عن إختلافهم بلغاتهم وبثقافاتهم البيئية وبتراثهم وبأديانهم ومذاهبهم وبسماتهم الخلقية والجسدية!!، إذن لماذا أوجدوا علم "الأثنولوجيا" وتعقيداته إذا كنّا جميعنا من جنس واحد!!، وحسبي إنك قد عثرت بهذه الإثباتات على الأسباط العشرة (المفقودة) لليهود ولم تعد مفقودة بعد الآن لأنهم موجودين بيننا وباسمائهم التي إنتحلوها من كلدان وآشوريين وآراميين/ سريان وعرب ومجوس وكرد ـ ـ الخ!!، وأعتقد من أنهم سيكرمونك في إسرائيل إذا لا يزالوا لم يكرمونك لحد الآن!!!، ولكن أعذرني على سؤالي الساذج بسذاجتي: لماذا تتحارب هذه القومية الواحدة المنتحلة كل تلك الأسماء من "قال وبلى" ولحد الآن فما بينها؟!، وهذا إستنتاج منطقي لطروحاتك لكل تلك "المسمّيات" ولا أقول "الأقوام" لأنك أثبتَ بأنهم قومية واحدة ومن جنس واحد ولكن بأسماء مختلفة؟؟!!، رجائي وبكل ممنونية أنتظر منك الإجابة.
خامساً: يبدو بأنك حاولت (مرعوباً) تجاوز التعدي الخطير بإتهامك لمئة وخمسين مليون عربي (بالظلم) الذي أوقعتَ نفسك فيه ولتحاول بعده تلافيه بعرض ما قُمتَ به من (فضل) بإقناع أحد الأشخاص الغير مؤمنين في لندن وارجعته إلى إيمانه بدينه بثوانٍ فقط وبجملة سحرية لم تذكرها لنا أطلقها ربما كاتب صعلوك للبرهان على وجود رسول يُعتبر هو ومن معه من الرُسل من أعظم شخصيات الكون شئت أم أبيت!!!، ولم تدرك من أنك كشفتَ نفسك كمتعصب عن مدى إستخفافك بالرموز الدينية لكل الأديان وفي هذا الشأن بالذات لمليار ونصف مسلم كالمثل الشعبي القائل "إچه ديكحلها عماها"!!، وبسبب خطورة ما ذهبتَ اليه بهذا الحديث الذي لا قيمة له لهذا الكاتب النكرة (لأنك لم تذكر لنا إسمه)!!، سأورد نص ما ذكرتَهُ أنت في مقالتك الأخيرة وسنناقش ما جاء فيه من (هذيان) يتّسم بتجاوزك على كل البديهيات والثوابت التي يؤمن بها ربع سكان الأرض لا بل حتى معظم سكان الأرض حتى غير المسلمين بشأن وجود الرُسل والأنبياء ككل، وعجبي كيف تسارعت أقلام مؤيديك الخمسة أو الستة ومنهم من وضع أمام اسمه لقب شهادته الأكاديمية دون تمحيص وتدقيق على ما جاء في سرد هذه القصة المهينة والغير مقبولة أساساً!!، وعليه وبكل تأكيد ستتحمل أنت ومؤيدوك أيضاً ما جاء فيها من (هذيان)، وقصتك أو حكايتك بالنص عن لسانك وهي موثّقة كالآتي:
"قبل أشهر كنتُ في لندن والتقيت مع أحد المثقفين العلمانيين المسلمين الغير متدينين، وسألني لي: أتؤمن بوجود شخصية رسول الأسلام محمد في التاريخ؟، قلتُ نعم، قال لي: لن أؤمن بوجوده إلاّ إن أتيت لي بنص من معاصر له يتكلم عن وجوده كشخص، وليس بعد مئات السنين، فجلبتُ له نصاً من سنة 660 تقريباً، لكاتب سرياني يتحدث عن وجود الرسول محمد، فقال لي أشكرك فقد غيّرت رائي" ـ ـ إنتهى الإقتباس من كلامه لهذه الحكاية أو لنسميها المحاورة (العجيبة).
والمعذرة للقرّاء فالمهنية تتطلب مني نقل النص الحرفي لحكايته ووضعها بين علامتي التنصيص(") للأمانة التوثيقية ولكونها خطيرة جداً جداً، لذا فقد يجد القرّاء صعوبة في قرائتها وفهمها لعدم ترابط جملها لإستخدامه الفوارز في غير محلاتها وأخطائها الإملائية الكثيرة وهي فقط ثلاثة أسطر لا غير، ولا أعلم كيف يدعي بأنه الّف كتابين والآن بين يديه كتاب (ضخم) لتأليفه، الله يساعد (المصحح) اللغوي الذي سيقوم بالتصحيح أكيد سيكون أمامه عمل شاق!!، المهم أعتقد وصلت الفكرة للجميع من خلال حكايته، ولنناقش بهدوء وبأسئلة منطقية ما جاء بها، ليس الغاية منها لإحراجه وإثارة مشاعر أكثر من مليار ونصف مسلم ضده!!، وإنما لتنبيهه إلى نقطتين، أولهما: إثبات تعصبه لإنتمائه القومي/المذهبي بإستدلاله بحديث لكاتب مجهول لمجرّد أنه من قوميته ليحدد شخصية عظيمة معلومة وجرحه لمشاعر الآخرين ربما دون شعور منه بأنه يؤذي الطرف المقابل الذي من المفروض أن يكون (المستفيد) من طرحه!!!، لكنه لم يدرك بأنه يتعرض لأهم رمز من رموزه!!، وثانيهما: ليس كل ما يتم التحاور به خلف الكواليس يطرح على الملأ، لأنه ربما يعطي نتيجة سلبية بجرحه لمشاعر الآخرين من خلال الطرح!!، بالضبط  كمحاورته هذه مع الرجل (المثقف العلماني) الذي إدعى فيها الشخص موضوع النقد عدم (إيمان) ذلك المثقف المسلم بوجود (شخصية) الرسول الكريم!!!!، أقول لك يا رجل لقد وضعتَ نفسك في مأزق حقيقي فعلاً!!، فأنت مطالب بالرد على عشرات الأسئلة من كل من يقرأ هذه الحكاية أو المحاورة!!، وسنرى هل سيخالفني فيها المنصفون من أي قومية أو دين أو طائفة أو مذهب إذا أخطأت بالتقدير بعد أن يطّلعوا على أسئلتي؟!، وأسئلتي التي ربما يتفق معي في طرحها أغلب القرّاء الأجلاّء، لا بل ربما كل من تضرر بهجاءك وإتهاماتك هي، أولاً: بسبب حساسية المحاورة التي طرحتها بينك وبين هذا الرجل العلماني المثقف المسلم كما وصفته انت في لندن، ولإنقاذ نفسك من إتهامك الصريح في مقالتك السابقة لكل المسلمين العرب دون إستثناء (بالظلم) فأوقعت نفسك بمصيبة أكبر!!، فالسؤال هو، هل إتصلتَ به وأخذتَ موافقته على نشر ما دار بينكما من حديث؟!، فاصول النشر يتطلب هذا الإجراء عندما تخص شخصية دينية كبيرة جداً، خاصة وإنّ حواركما يدور حول (وجود من عدم وجود) أحد أعظم الشخصيات الدينية في العالم منذ أن خلق الكون لحد هذه اللحظة!!، فللرُسل والأنبياء أتباعهم الذين يعدّون بالمليارات وسوف لن يقفوا مكتوفي الأيدي وساكتين على هذا الطرح والتجاوز!!، و ببساطة أنّ الإيمان من عدمه لا يدور حول وجود شخصيات الرُسل والأنبياء من عدمها!!، لأن هنالك بديهيات ودلائل قائمة على وجودهم وهي مسلّمات ثابتة وخط أحمر!!!، ناهيك عن الإيمان المطلق لإتباعهم بكتبهم المقدسة التي يؤمنون بها وكونها منزلة من السماء ( لاحظ إنني احدثك كطرف محايد وجرّدت نفسي حتى من إنتمائي الديني لأتسم بالمصداقية والمهنية)، فكل أتباع الديانات ومنهم المسيحيين واليهود وغيرهما إضافة الى المسلمين يؤمنون بذلك سواء أكانت كتبهم منزلة بشكل مباشر على الرسول أو تم كتابتها بإيحاء (ربّاني) كما يعتقدون، وإن التشكيك بوجود الرُسل من عدمه يعني التشكيك بوجود كتبهم السماوية أيضاً!!، فمثلاً وصايا الله العشرة لموسى أعتقد بأنّ جميع أتباع الديانات الثلاثة يؤمنون بأن الله أملاها على النبي موسى، فمن غير المنطق أن يتم مناقشة وجود شخصية النبي موسى من عدمها مثلاً!!، لأنها ستشكك بوجود تلك الوصايا أيضاً!!، فهذا خط أحمر لجميع الأديان، وإنما (ربما) وارد التشكيك وعدم الإيمان بما جاءَ به الرُسل وخاصة  ما بين الملحدين والمؤمنين من هذا الدين أو ذاك وهذا متعارف عليه، أو (ربما) التشكيك بهذه الشريعة أوالناموس أو ذلك الحديث الرسولي أو ذلك القول، لكن لا يستطيع كائن مَن كان أن يطرح للعلن مثلما ما طرحتَهُ أنت وبدون تفكير بالتشكيك بشخصية الرسول الكريم من قبل أحدهم، ولخطورة طرحك ربما سيطالبك الطرف المتضرر بإعلان إسم هذا المثقف العلماني المسلم لتأكيد مصداقية هذه الحكاية أو المحاورة من عدمها ولربما إختلقتها أنتَ لتتجاوز إعتدائك الأول عليهم!!، وربما ستضع هذا المثقف المسلم (إن وجد) في موقف محرج إذا لم تأخذ موافقته المسبقة!!، وبكل تأكيد سيغضب غضباً شديداً على إقحامه في هذا الموقف!!، خاصة ويبدو من حديثك عنه أنه من أصحاب الشأن وربما من المعروفين في المجتمع العربي وفي لندن أيضاً!!!. السؤال الثاني: هل من المعقول أن تتجاوز وتهمل عن عمد كل الأدلة المؤثقة والقائمة التي تثبت بما لا تقبل الجدل مثلما أسلفت عن وجود شخصيات الرُسل ومنهم الرسول الكريم بدءاً بالمؤمنين به الذين تجاوزوا المليار والنصف نسمة حول العالم وهم يتبعون حقيقة واضحة لا سراباً، إضافة إلى بديهيات وجود المئات لا بل آلالاف من الصحابة الذين عاصروا الدعوة الإسلامية، يعني هل الصحابة: عمّار بن ياسر، أنس بن الحارث، هاشم بن عتبة، أبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي وعشرات غيرهم إضافة للقادة العسكريين من أمثال خالد بن الوليد وغيره والخلفاء الراشدين ومن أتى من بعدهم من أمراء المؤمنين، كل هذه الشخصيات لا وجود لها في نظرك لتستشهد بها كأدلّة لها وزنها وتقنع الطرف الآخر بأنه لولا وجود شخصية الرسول لما وجِدت شخصيات هؤلاء في التاريخ!!، لا بل هنالك دليل لم تستطع أنت أو غيرك نفي وجوده وهو إستمرار نسل العائلة الهاشمية التي تحكم الأردن حالياً، فلماذا تجاوزتَ كل هذه الأدلة القاطعة والتي تليق بالمحاورة لشخصية الرسول لتقنع الطرف المتشكك بوجود شخصية دينية كبيرة وتستعيض عنها بطرحك لنص قاله كاتب سرياني (معاصر) مجهول لم تذكر لنا هل كان من عُلية القوم أم صعاليكهم وربما لا يليق حديثه عن الرسول الكريم؟!، وما هو النص الذي أخفيته ولم تجاهر به ؟!، ومتى وفي أي مخطوطة أو كتاب وأي سنة نشر حديثه؟!، هل كان هذا النص أو الحديث إيجابي أم سلبي على الرسول الكريم؟!، فليس كافياً بقولك: "يتحدث عن وجود الرسول محمد"، فما هو هذا الحديث؟!، والأهم من كل ذلك إسم هذا الكاتب السرياني الذي إستشهدتَ أنتَ بجملته (السحرية) التي غيرتَ ذلك المثقف العلماني المسلم من حالة عدم الإيمان الرافض لوجود شخصية الرسول الكريم الى الإيمان المطلق بوجوده و بثانية واحدة ولنرى هل يستحق أن تستدل به لإثبات شخصية عظيمة تتبع نهجها مليارات من البشر؟؟؟!!!، ومن هو هذا (النكرة) ليتحدد بحديثه وجود هذه الشخصية العظيمة من عدمها؟؟!!، لقد وضعتُ لك عشرات الأسئلة بالسؤال الثاني التي تخص هذا الكاتب السرياني المجهول!!، فما هذه التعصبية التي لديك يا رجل التي تفضل من خلالها الإستشهاد بكاتب سرياني ربما "لا يكش ولا يهش" وتفضله على عشرات الشخصيات لا بل المئات من الذين أوردتُ أسمائهم أعلاه!!، فلم تكفيك كل الأدلة التي ذكرتُها  أنا من داخل "البيت الإسلامي" نفسه لتعلّق وجود أعظم وأجل شخصية عند المسلمين بحديث لكاتب سرياني نجهل كل شيء عنه!!، هل تقبل أنتَ أن يتعرض غيرك على قناعاتك وإيمانك الروحي أو غيره وبنفس الطريقة؟؟!!.
وبكل تأكيد سأكمل في (الجزء الرابع) بما هو أعظم وسأعرض وثيقة حقيقية قديمة لا تقبل الجدل للبرهان القاطع الذي يعكس عليك إتهاماتك وتحريضاتك، وحيثُ سأبيّن بالبرهان الواضح وضوح الشمس مَن هم "أولاد عم" اليهود لا بل "أشقائهم"!!، وكيف درّبهم اليهود ليصبحوا تجّار عصرهم مثلهم!!، ولماذا إتحدوا معهم!!، وهذه وثيقة حقيقية كتبها المصدر الأول بنفسه ومعترف بها من الجهات ذات العلاقة في بلدين عربيين يعتبران موطن تلك الأقوام وكذلك مصدقة ومعترف بها من الجهات ذات العلاقة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربية أخرى، وليعذرني من تدعي بالإنتماء اليهم زوراً لأنك تدفعنا دفعاً لعرض الحقائق كما هي "وعلى الباغي تدور الدوائر".
وكلمة أخيرة أقولها لكل القرّاء الأجلاء، لا بل لكل العراقيين والعراقيات بشكلٍ عامٍ اكتبوا اسم هذا المدعي على الحاسوب وستجدون في لقاءاته مع بعض الذين على شاكلته كيف أنه لا يستطيع الظهور إلا والكمبيوتر أمامه (لاپ توپ)، لأنه فارغ المعرفة ويقرأ من الكمبيوتر ولا يستطيع قول سطرين من المعلومات التاريخية إلا بمساعدة الكمبيوتر!!!، كما أنه متشنج بعصبيته المذهبية وغير مصدّق نفسه بأنه قرأ معلومة خاطئة أو إثنتين من هذا الكرّاس أو ذاك ليعرضها كأدلّة (داغمة) ضد المقابل والتي لا نعرف مدى صحتها ولعدم إتزان كلامه وتنقله من هذا الحديث لذاك الحديث يضيع على المتلقي أو المشاهد كل شيء ولا يفهم منه أي شيء (لقد بينّت للقرّاء في مقالتي الأولى وكذلك هذه المقالة وبوضوح تقاطع معلوماته التي عرضها علينا كأدلة وطالبته بالإجابة عن الأسئلة بشكل مباشر دون لف ودوران، لكنه لم يفعل لحد الآن)!!!، ولا أعلم كيف يستضيفه البعض ربما "من قلّة الخيل"!!!!، هل هنالك جهة ساندة له تدفع لهم!!!، فمن المفروض أن "المحاور" أي مقدم البرنامج يسأله وهو كضيف يجيب بشكل مباشر دون (شطحان وهوسة) ويترك عرض الأدلّة للمخرج لعرضها عبر الشاشة وما سماها جزافاً وهولاً وفاجعةً بحثيةً "بالمخطوطات"!!، وهي بالحقيقة ليست إلاّ صفحات من كتاب مطبوع حديثاً كما بدا لي!!!، تصوروا هذا الذي أطلق على نفسه "باحث في التاريخ" لم يمضي على مسكه للقلم سنة واحدة!!!، وقد نشر أول مقالة له في العام الماضي بتاريخ 16/06/2017 على موقع الحوار المتمدن كما أسلفت، والمضحك المبكي في لقاءاته بأنه يعرض من خلال شاشة الكمبيوتر صفحات من كُتب أو كراريس ليس لها قيمة علمية تاريخية وحديثة بطبعتها كما هو واضح ويقول عنها "مخطوطات"!!!، يا للهول ـ ـ يا للهول ـ ـ يا للهول، لقد هزُلت فلا يعرف هذا الباحث في التاريخ ما هو المخطوط وما هو المطبوع!!!!، إذهب يا رجل الى مقالتي الموسومة "لطيف وخوشابا والالتباس في المعنى بين المخطوط والمطبوع" التي نشرتها وسائل الإعلام في 08/04/2008 لتعرف بالضبط ما هو المطبوع وما هو المخطوط يا أيها الباحث في التاريخ والمفروض من أنّ هذه المعرفة ـ البديهية هي بمثابة الـ "الف باء" للباحثين في التاريخ!!!!، وحيثُ بيّنتُ فيها الفرق ما بين المخطوط والمطبوع من خلال أول نص مسرحي عراقي أو كما سماه الأقدمون بالرواية وكانت قد طُبعت بالمطبعة الحجرية للآباء الدومنكيين في الموصل سنة 1893م، وأحتفظ بنسختها الأصلية في مكتبتي المتواضعة!!!.
تواضع يا رجل ـ ـ تواضع يا رجل واحترم بقية القوميات والأديان والمذاهب ولا "تنفش ريشك" خاصة إنك فارغ بمعلوماتك!!!.
ونصيحتي الأخيرة لك: لا تهددني بفضح كذا وكذا ـ ـ وبعمل الكاريكاتير على بابا روما والبطريريك لويس ساكو والأب الراحل الدكتور يوسف حبّي وعلى شخصيتي وعلى غيري ـ ـ الخ، فلربما انت على حق فتلك الشخصيات تحتاج الى عمل كاريكاتير لوجوههم (السمحاء الحسنة والمبتسمة) في حالة هجائهم من قبل الضعفاء من النفوس من أمثالك، لكن بالنسبة لي سوف لن أحتاج بالإستعانة برسّام كاريكاتير لرسم صورتك لأنني أترفع على هذه الطريقة الرخيصة!!، وربما سيكون كافياً وضع صورتك الفوتوغرافية الأصلية دون رتوش أو تغيير لأنك بطبيعة وجهك (مرعب) ومتجهّم وكاريكاتوري!!!، ولا تنسى بأنني أجيد فن الكتابات الساخرة التي ستجعل منك مادة مسلّية للتندر في وسائل الإعلام!!، وهذا يدلل على  أسلوبك المتعصب الحاقد الذي تعلمته وتدربت عليه والمعجب أنت به ممن نشروا الكاريكاتير المستهجن على نفس الشخصية العظيمة التي تعرضت أنت عليها أيضاً في مقالتك السابقة والتي أيدك فيها نفرٌ ضالٌ يعدّون على أصابع اليد (لاحظوا أعزائي المتابعين تفكير هذا المتعصّب والحاقد على من هم يختلفون معه بالإنتماء، فلا يحتفظ في عقله بغير قول موشي دايان المزعوم ورسوم الكاريكاتير المشينة التي إحتج عليها المليارات من المعتدلين والمنصفين في العالم)!!!، أقول لك ولغيرك بوضوح لقد هددني قبلك من هم أقوى منك من اتباع السياسيين بالكف عن نشر مقالاتي الوطنية التي تدينهم!!، كذلك فعل الداعشيون ولم تثنيني عن دعم الهوية العراقية والمسار الوطني للعراقيين الشرفاء، وهذا التوجه هو الذي دفعني للرد عليك كما ذكرتهُ كمقدمة في مقالتي النقدية على تهجمك وطعنك وليس إنتمائي القومي أو المذهبي، وأعتقد جميع من يتابع مقالاتي يعلم بعدي عن التعصب وتمسكي بإنتمائي الوطني، وسأقدم لك الدليل الآن: أرجع الى مقالاتي السابقة فستجد بأنني دعمت بكتاباتي الطائفة التي تدعي أنت بالإنتماء اليها زوراً، وعلى العكس ربما لي أكثر من مقالة لنقد رجال دين طائفتي وكان آخرها قبل أسابيع فقط!!، ففي سنة (2008) نشرتُ لقاءاً صحفياً رائعاً لي مع أحد أهم كبار رجال الدين من المذهب الذي تدعي بالإنتماء اليه، كما نشرت عدّة مقالات عن جريمة ومذبحة كنيسة "سيدة النجاة" للسريان الكاثوليك والتي لا أعتقد بإنك كتبت سطراً واحداً لإدانتها، علماً بأن حتى الأخوة والأخوات من الكتّاب المسلمين كتبوا عشرات لا بل مئات المقالات لإدانتها، هؤلاء الذين تتهمهم أنت (بالظلم)!!، كذلك في سنة (2015) كتبتُ مقالة أدعم وأساند أحد أهم رجال الدين لقوميتك ولمذهبك اللذين تدعي بالإنتماء اليهما ظلماً وذلك عندما ظهر في برنامج "الساعة التاسعة" على قناة البغدادية، حتى أن أحد رؤساء التحرير لأحد المواقع وهو وجه سياسي معروف عراقياً وعربياً (شكك) بما ذهبتُ اليه ببيان شجاعة رجل الدين المعني وأعتقد بأنني أدعمه كونني من (طائفته)، فأجبته بمقالة فاجئته بها بأنني لستُ من نفس الطائفة وطرحتُ له مثلاً آخراً لرجل دين ثاني وموثّق بالفيديو ومن قوميتك ومذهبك أيضاً و ليس من قوميتي ومذهبي، فإعتذر الرجل وأيد ما ذهبتُ اليه!!، كذلك في هذه السنة وقبل أشهر عديدة طالبتُ في إحدى مقالاتي بتخصيص مقعد في البرلمان للسريان إسوة بالقوميات الأخرى، ودعمتُ أيضاً حق الكلدان والآشوريين والأرمن والتركمان والأيزيديين والصابئة المندائيين والشبك بحصولهم على المقاعد ما دام أنّ البرلمان أنشأ على أساس طائفي وليس وطني!!، كل ما ذكرته لك موثّق باليوم والشهر والسنة، وفعلتُ هذا ليس من باب إنتماءاتي الدينية أو المذهبية، وإنما وكما يعلم الجميع توجهاتي من باب هويتي العراقية، فلا تهددني يا رجل لأنه عندها سترى ما لا تتوقعه من أجوبة وسينطبق عليك حينها المثل القائل "على نفسها جنت براقش"!!، ذكرتُ كل هذه التفاصيل لأنك تريد سحب تجاذباتنا وتحاججنا الى دائرة الصراع الطائفي والمذهبي وهو ملعبك وليس ملعبي، أتحداك أنت ومن أيّدك من المتعصبين أن تذكر كلمة واحدة لي طعنتُ فيها قوميتك أو مذهبك أو رجال دين طائفتك في مقالتي النقدية أو قبلها، لا بل على العكس أمتدحتهم وليس كما تفعل أنت عندما وصلتَ بإهانتك حتى لشخص بابا روما الذي أرسل (90%) من الإعانات لطائفتك منذ أن بدأ الحصار الجائر على العراقيين سنة 1990م ولحد الآن وهي مؤثقة، وهذا يدلل على أصلك ومعدنك!!!.
وكما أعلنتُ سابقاً اكررها الآن، الدين والطائفة والمذهب الذين يدعي هذا المدعي بالإنتماء لهم بريئين كل البراءة من تصريحاته وكتاباته التي تهاجم المكونات والأديان والمذاهب الأخرى.   
ولي عودة لتكملة الموضوع.
وشكراً/سالم إيليا!!!!       

3
هذيان متعصب (الجزء الثاني)/ قُلْ ولا تَقُل في الفرق بالمعنى بين كلمتي البَاحث والبحاّثة
بقلم: سالم إيليا
كُنتُ قد سمعتُ وشاهدتُ منذُ زمنٍ بعيدٍ الكثير من التصحيحات اللغوية التي لم تكن تخلو من الطرافة عن لسان أحد جهابذة اللغة العربية الجميلة والواسعة بمفرداتها ومعاني كلماتها العميقة بمدلولاتها الجمالية وهو العلاّمة و(البَاحث) الدكتور مصطفى جَواد رحمه الله وطيب ثراه وهو صاحب البرنامج التلفزيوني الشهير حينها "قُل ولا تَقل"، وكانت إحدى تلك التصحيحات إذا صحّ راويها: (أنّ أحد مقدموا البرامج في  تلفزيون بغداد كان قد إستضاف الدكتور مصطفى جواد وقدّمه بكلمات قصيرة حاولَ جاهداً أن لا يقع في خطأ لغوي أمامه كونه معجم مِن معاجم اللغة وإستهلّ كلامه ببادئة نعتَ فيها الدكتور مصطفى جواد بـ "البحّاثة"!!، فما كان من المصحح اللغوي الأشهر ضيف الحلقة إلاّ مقاطعة المقدم مصححاً له بقوله: "لا تقل البُحاثة، بل قُلْ البَاحث!!، لأنّ البُحّاثة: هي مَن تبحثُ عن الطعام في القمامة والتراب وهي الدَجاجة!!، وأمّا البَاحث مَن يُحقق ويُنقّب ويُفتش في بواطن الكتب وصفحاتها")!!.
وبعد طول فترة في الكتابة التي أحاول تجاوز أخطائها الشائعة بالبحث عن الأصح فيها، وبعد أن إنتهلتُ كتلميذ (ولا زلتُ) القطرات ليس إلاّ من أدبيات اللغة وبحرها الذي لا زلتُ أعوم في جرفه عومَ المبتدئين الحذرين من الإبتعاد عنه لتساعدني على الكتابة التي لا تخلو من الأخطاء اللغوية مهما جهدتُ في التدقيق بنحوها وإملائها، غير أنني لم أجد ما يدلل على عدم صحة إطلاق صفة "الباحث" أو "البَحّاثة" على مَنْ يفني عمره في التنقيب والتدقيق والتحقيق في بواطن الكتب بأنواعها، لكنني توقفت عند مدى صحة ما روي عن العلامة اللغوي د. مصطفى جواد في تفسير المعنى لكلمة "البحاثة" إذا صحّت تلك الواقعة!!، حيثُ تخبرنا معاجم اللغة العربية عن المعنى الآخر من المعاني الكثيرة لهذه الكلمة بعد ضم "الباء" وليس فتحها لتصبح (البُحّاثة) والتي تعطي معنى مغايراً للمعنى الأول وتصبح بمعنى مرادفاً لمن يبحث أو تبحث في التراب والمزابل وهي الدجاجة!!، وهذا هو بيت القصيد ولحد علمي في إعتراض الدكتور الراحل مصطفى جواد.
سردتُ هذه الواقعة التي لا أعلم مدى صدقها للدخول في موضوع البحث وأصحابه (البَاحثين) الحقيقيين الذين ما برحوا يبحثون بجهودهم العظيمة التي أهدروا معظم سنوات أعمارهم يعملون بصمت أناء الليل وأطراف النهار لينالوا صفة "البَاحث" بإقتدار لكنهم ضاعوا بين زخم الكم الهائل (الأنترنيتي) من أسماء "البُحّاثين" الذين ما برحوا في نقل سطر أو سطرين من المعلومات المشكوك بمصداقيتها من الحاسوب الألكتروني المليء بمزابل كتب التاريخ المملوءة بالتحريف والهذيان للبعض من كتّابها الذين لم تخلُ كتاباتهم على مر العصور والأزمان من التحيّز لطوائفهم أو لهذا الطرف أو ذاك وعلى حساب الحقيقة وعلى طريقة المثل الشعبي "حِبْ وإهچي ـ ـ وإكره وإهچي"!!، وحيثُ لا يتردد النموذج الحالي منهم وبكل صفاقة إلاّ ويكتبوا أمام أسمائهم كلمة (البَاحث) وكأنها (ال) التعريف التي لا بد منها لتحويل (النكرة) من أسمائهم الى (المعرّفة) منها!!!.
وعجبي على هذه الوقاحة في زمنٍ ضاعت فيه المقاييس الصحيحة للتقييم العلمي المهني المحايد من ذوي التخصص لإعطاء هذه الصفة المبجلة التي تساوي بقيمتها المعنوية الإعمار الكاملة  للحاصلين عليها عن جدارة، وليس منحها بالقنطار كما يطلقها البعض على أنفسهم أو على الآخرين.
ففي موضوع نقدي كنتُ قد كتبته عن أحد هؤلاء (البُحّاثين) الذي ربما توهم منتحل صفة (الباحث) من أنه أصبح بحق يستحق لقبها فوضعها هو أمام إسمه وليس لجنة متخصصة بعد (تسفيطه) لأقوال وآراء البعض ممن سبقوا عصرنا وأخرجها بكتيّب أو إثنين لا نستطيع وصفها إلاّ بكتيّبات لـ (لكلمات المتقاطعة) لما فيها من تناقضات واضحة جمعها هذا "البُحّاثة" من بحثه في مزابل الكتب ليتفاخر بها ويدعي (بتأليفها) وهي بمجملها نقل لمقاطع وأحاديث وآراء مجتزئة ومشكوك بها أصلاً!!، وحيثُ إعترض أحد (النكرات) الذي يحذو حذو معلمه الفاشل الذي يدافع عنه على ما ذكرته من معلومات تدعمها اللقى الأثرية التي تعتبر أدلة مادية لا تقبل الجدل، وبدأ هذا المحامي الفاشل بكيل المديح لمعلمه بإطلاق الألقاب عليه والتي لا يعي معناها وكأنها (كوشر من البطيخ)!!!، فأجبته بإقتضاب بأنني لم أسمع لا في الماضي ولا في الحاضر وربما حتى في المستقبل بباحث حقيقي يحمل الإسم الذي ذكرهُ!!!، ولربما سنتفاجئ بعد برهة من الزمن بوضعه للقب (الدكتور) والذي ربما سيحصل عليه من الكثير من دكاكين بيع تلك الشهادات المنتشرة حتى في الدول الأوربية متعدياً كغيره على جهد أصحابها الحقيقين الحاصلين عليها بالدراسة في الجامعات الرصينة وسهر الليالي لسنوات طوال حتى إحمرّت مآقيهم!!!، وقد ذكرتُ لذلك المدافع عن صاحبه بأنّ كلمة الباحث هي صفة مهمة وخطيرة ولا تُطلق جزافاً، وربما نستطيع أن ندّعي في كتاباتنا من أننا بحثنا في المصادر والكتب عن المعلومات كذا وكذا لدعم مقالاتنا، لكنها لا تكون كافية لننعت أنفسنا بالباحثين ما لم يتم تقييم (بحوثنا) من ذوي التخصص ولفترة زمنية طويلة وبكم هائل من البحوث!!، وقلتُ لذلك (المتبرع) بالدفاع والمغدق على صاحبه بالألقاب المجانية من أنني أعمل في الإعلام في مجالات متعددة منذ سنة 1979م ونشرتُ في الأحد عشر سنة الأخيرة مئات المقالات المطولة والتي عدّ بعضها ذوي التخصص كمقالات بحثية وأحمل هوية الصحفيين المهاجرين في بلد المهجر الذي أعيش فيه، لكنني لا أتجرأ غالباً بوضع صفة حتى (الكاتب) أمام اسمي وأستعيض عنه بجملة (بقلم: سالم إيليا)!!، وربما هنالك بعض الإستثناءات القليلة الي تحتم عليّ ذكر صفتي في بعض المراسلات المحدودة ليس إلاّ.
وعجبي على البعض ممن أزالوا نقطة الحياء من على جباههم، فباتوا يصفون أنفسهم بشتى الألقاب!!، ويحاولوا أن يتعدوا بكل صلافة على القمم من الأعلام في مجتمعاتهم وهم في وديانها السحيقة، وربما هذه إحدى سيئات التطور الإعلامي الألكتروني ـ التقني الذي سمح لهم بالدخول الى منازلنا عنوة ونكون مجبرين شئنا أم أبينا على مشاهدتم والقراءة لهم في أحيانٍ قليلةٍ من خلال الصندوق السحري الصغير الذي ندعوه بالكمبيوتر جزاه الله خيراً لمخترعه!!!.
ولي عودة قريبة لتكملة هذا الموضوع!!!!.
وشكراً/سالم إيليا !!!!   

4
الديمقراطية والإنتخابات اللي حاميها حراميها
بقلم: سالم إيليا
أتحدى أي واحد يشكك ويگول بالعراق ماكو ديمقراطية من شماله بإقليمنا الحبيب كردستان الى جنوبه ببصرتنا الفيحاء ـ ـ لا وأتحدى أكثر أي واحد يگول أكو مثل ديمقراطيتنا بكل العالم ـ ـ واللي يگول شلون دبرتها ـ ـ أگلله هم شفت ديمقراطية بكل دول العالم صارله الشعب ثلطعش سنة يصيّح "شلع قلع كلكم حرامية" و "بأسم الدين باگونه الحرامية"، والحرامية يضحكون ويصفگوله للشعب ويظلّون يبوگون!!!  ـ ـ شفتو فد يوم واحد من أبناء الشعب إنسجن وإنعل والد والديه كودن يهتف هذا الهتاف حتى يبرّد گلبه ـ ـ أتحداكم إذا تگلولي أي شفنه ـ ـ ولا تتحججون وتگلون لعد هاي السجون شلون ممليّه بالنزلاء ـ ـ أگللكم يابه تره هذوله كلهم، لو أربعة إرهاب ـ ـ لو من جماعه النظام الصدامي ويريدون يرجعون الدكتاتورية ـ ـ لو قسم لاغُفله كل واحد منهم چَم مليار دولار واللي جَابته الإنترپول قابضاً، بس هَذوله الأخيرين خطية مظلومين ومشمولين بالعفو لِمّن راح يرَجْعُون (الچَم فلس) اللي راحت بحساباتهم اللي برّه بالغلط ـ ـ يعني شنو ليش نظلمهم ونگول باگوها ـ ـ هَم الله مَيقبل بالظلم ـ ـ إنتو مو تعرفون أكو كليشه تنكتب بچَعَب الوصولات والأوراق والوثائق المالية تگول "الغلط والسهو مرجوع للطرفين" ـ ـ أي هي هَذي عَلويش يكتبوها ـ ـ غير علمود هَلْ الشغله هَذي ـ ـ صحيح صارلهه المليارات بحسابهم برّة أقل شي سبع سنين لو عشرة وتجي عليها فوائد وعمولة من أثنين الى خمسة بالميّة على الأقل، يعني على كل مليار دولار يجي عشرين الى خمسين مليون دولار كل سنة ونضربها بسبعة سنين صارت ميّة وأربعين الى ثلثميّة وخمسين مليون دولار، بس هَم ما يخالف عوافي عليهم المهم يرجعون فليساتنا وترجع صفحتهم بيضه ويكدرون يرشحون للإنتخابات الجديدة ـ ـ شفتو شلون ديمقراطية عدنا!!!.
يا جماعة لا يكون گلبكم أسود ويگول ماكو ديمقراطية ـ ـ يعني ما شفتو ممثل رئيس الوزراء من راح يفتتح ملعب النجف گبل چم يوم خطية الرجّال ما گال من خطابة غير چلمتين (شلونكم وأودعناكم) ـ ـ ما أنطوو مجال الناس يحچي كلها تصيح "شلع قلع كلكم حرامية" وإشتغل ركع بطاله المَيْ بفلس علي ـ ـ لكن الرجّال أخذها بروح ديمقراطية وإنسحب ـ ـ يعني مسوّه مثل ما چان يسوي الدكتاتور يسد أبواب الملعب عليهم ويدخّل قوّات الأمن الخاص ويبدي الرمي عليهم بالرصاص الحي، لو تجي الطيارات ويرشوهم بالكيمياوي عبالك ذبّان ـ ـ وهسه أكيد رجع ممثل رئيس الوزراء وگلله ال رئيس الوزراء عل اللي صار بملعب النجف ـ ـ وراح يطلع رئيس الوزراء گبل الإنتخابات وشوفو شلون راح يهدد الفاسدين وينعل والد والديهم بالحچي!!! ـ ـ أي لعد أشعبالكم الحديده حارة وما راح يسكت رئيس الوزراء ـ ـ بس فد لحظة هو رئيس للوزراء من صُدك هو رئيس عل الوزراء؟!، شو ما عنده حچاية على أي واحد منهم!!! ـ ـ شو الجعفري عبالك دوله مستقلة بكيفه يدير وزارة الخارجية وهيله اليعرف سياسة الدولة الخارجية بيا إتجاه تمشي ـ ـ ووزير الدفاع بِدَت الحرب ويّه داعش وإنتهت وحرام اللي إنسمعله تصريح واحد ـ ـ ووزير الداخلية لا والله شويه أحسن هم مرّات من يصرّح يجيب طاري رئيس الوزراء عل السريع ـ ـ ووزير الموارد المائية يبسَتْ النهرين وماتت الناس من العطش وهو خطيه مقهور على غزالته بمزرعته اللي هم لحكها العطش وماتت سودة علي موعليّه!!.
يعني أكو أكثر من هاي الديمقراطية اللي ما خللو الناس شي ما ضِربَو بي المسؤولين حتى (بوش) لاحَته إلاّ شويّه قندرة منتظر الزيدي لو مو الگولچي (ياشين المالكي) چان مِتدرّب زين وما خلاها تطلع گول وطلعها ضربة ركنية ـ ـ يعني الجماعة ما يهمهم وگلبهم چبير وغاسلين وجوهم بمَيْ أصفر ـ ـ شلون عيني، لا لا، لا يروح بالكم لبعيد ـ ـ آني ما قصدت اللي ببالكم ـ ـ المي الأصفر اللي قصدته هو مَيْ الزعفران بس صلاحية الزعفران چانت منتهية من زمان والجماعة يخافون الله وما رادو يسوون طلبية جديدة تكلف ميزانية الدولة هوايه ولهذا المّيْ مالته طلع بي ريحه مو طيبه شويّه.
وإبقى يا شعب إنتخبهم حتى إنت تظل تهتف "شلع قلع كلكم حرامية" و "بإسم الدين باگونة الحرامية" وهُمّه يظلون يضحكون عليك ويبوگون فليساتك ـ ـ ودير بالك يا شعب لا تنتخب اللي يردون يبقى للدين هيبه وقدسيه ويفصلو عن السياسة ـ ـ أي أي، أقصد التيار المدني بكل اتجاهاته، تره هذوله ضد الديمقراطية وكفره!!! ـ ـ بس نصيحة لوجه الله تعالى بعد الإنتخابات ما تنتهي خلي يصير تغيير بالهتافات مثل ما الجماعة راح يغيرون كراسيهم، يعني وزير اللغف بالتجارة يمكن راح يصير وزير اللغف بالكهرباء و"على هل الرنّه طحينچ ناعم"!!، وإنت يا شعب همينه غيّر وإكسر الروتين وخلي تصير شعاراتك "بإسم الدين باگونة الدعوچيّة" و "طاح حظ هل الديمقراطية اللي چابتلنه الحرامية" و "بإسم الدين لغفوهه للميزانيه"!!!!.
وأختم وأگول كافي عاد يا عراقي ويا عراقية لا تنطون صوتكم للحرامية ـ ـ وكافي عاد يا عراقي ويا عراقية لا تجربون المجرّب مثل ما گالت المرجعية ـ ـ وكافي عاد يا عراقي ويا عراقية حان الوگت وعبروا الطائفية ـ ـ وأنتوا كلكم نشامى وما يلوك صوتكم غير بس للي ينادون بالمجتمعات المدنية.                           


5
هل هناك هوية وطنية عراقية حقيقية تجتمع تحت مظلتها كل المكوّنات؟!
بقلم: سالم إيليا
في السنوات الأخيرة وتحديداً بعد الحروب الكارثية التي حلّت بالعراق وخاصة الحرب الأخيرة في 2003م وما تلاها من تداعيات بدأنا نسمع من بعض (العراقيين) كأفراد أو مجاميع من المكونات في التشكيك بوجود وطن اسمه (العراق) لغايات عديدة منها الإنفصالية ومنها ما هو أبعد من ذلك قد تغذيها أطراف خارجية لها أجندات إقليمية أو دولية لم تعد خافية على أحد.
وربما من الضروري التطرق إلى بعض البديهيات التي تخص موضوعنا هذا وأولها تباين الشعور والإحساس الوطني بتلك الهوية وفقاً لبارومتر العوامل الرئيسية التي تُرسخ تلك الهوية من عدمه في نفوس المواطنين العراقيين وعلى رأسها قوة البلد إقتصادياً وأمنياً ومجتمعياً وقوة شعور مواطنيه من أنهم على رأس الهرم الإنساني في العالم أجمع وليس أدنى حتى من قاعدته كما يحصل للعراقيين الآن!!، كذلك شعور جميع المواطنين من أنهم متساوون أمام الدستور الذي تترجمه القوانين التشريعية وتجعله فعل واقع على الأرض من خلال الفعاليات والممارسات الحياتية التي لا يمكن تجاوزها في تساوي الفرص التعليمية والوظيفية والعدالة المجتمعية بكل مفرداتها، إضافة إلى الغاء التمايز الطبقي أو الطائفي بشقيه الديني/المذهبي أو الأثني/العرقي، وسأطرح أمثلة قائمة على الكثير من دول العالم وعلى العراق قبل وبعد ما حدث له من كوارث.
لكن في البدأ علينا أن نسأل أنفسنا هل كان يوجد بقعة أرض محددة اسمها العراق قبل تكوين الدولة العراقية الحديثة وإعلانها سنة 1921م في مؤتمر القاهرة؟؟!!، أم هي تسمية حديثة طارئة؟؟!!.
ربما إذا أردتُ إثبات ذلك من خلال المعطيات التاريخية العديدة التي لا تقبل التأويل سأحتاج الى إطالة هذا الموضوع ليتجاوز عشرات الصفحات!!، لكنني سأكتفي ببرهان واحد يتفق عليه جميع الفرقاء ولا أعتقد يختلف عليه أحد وهو خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي المشهورة في مسجد الكوفة والموثقة تاريخياً عندما هدَدَ بها أهل العراق مخاطباً: "يا أهل العراق ـ ـ ـ"، إذن الجواب هو نعم يوجد بلد اسمه العراق على الأقل قبل ما يزيد على الألف وثلاثمئة عام (تقول المصادر إنّ الحجاج ولّيَ على العراق سنة 694 ميلادية)، فلم يخاطب الحَجاج الجموع في المسجد بقوله: يا أهل الكوفة أو يا أيها الأعراب أو يا أيها الحضور!!، إذن كان هنالك منذ ذلك الزمن بلد محدد طبوغرافياً اسمه العراق، لكن ماذا حدث لهذا البلد ليختفي اسمه أو على الأقل يحيّد في الأذهان ثم يظهر مرة أخرى بعد الحرب العالمية الأولى؟؟!!، وللإجابة عن هذا السؤال وبإختصارٍ شديدٍ هو توالي الإحتلالات عليه بعد نهاية خلافة الدولة العباسية على يد المغول أولاً ثمّ ضمه تباعاً إلى إمبراطوريات عديدة وكان آخرها الإحتلال العثماني الذي إنتهت إمبراطوريته مع خسارته في الحرب العالمية الأولى لمعظم أجزائها ومنها العراق فعاد اسم العراق اليه. 
إذن عاد اسم العراق في الدولة العراقية الحديثة وبدأت بوضوح من جديد هوية مواطنيها العراقيين تظهر بعد الإحتلال العثماني والتي ما لبثت تضمحل وتشوبها الضبابية وتتشتت مرة أخرى بعد تكوين الأحزاب الأيديولوجية الأممية والقومية والدينية التي رفعت شعاراتها متجاوزة حدود الهوية الوطنية العراقية، فأصبح من ينادي أولاً وقبل كل شيء بتعزيز الهوية الوطنية في دائرة الإتهام من قِبل البعض أما بمعاداته للأممية أو (قطري) معادي للوحدة أو (علماني) كافر ومعادي للدين!!!، وحيثُ أثبتت الأحداث التي مرّت بالعراق وجميع دول المنطقة خطأ برنامج عمل تلك الأحزاب وقصر نظرتها المستقبلية في إصرارها على تجاوز الهوية الوطنية أو بمعنى أصح مصادرتها لها على حساب أهدافها الأممية والقومية والدينية!!، وحيثُ كان من المفروض أن يكون الهدف الأول الذي يجب أن تعمل عليه كل تلك الأحزاب هو تعزيز وترسيخ الهوية الوطنية لتكون الأساس الذي سيحقق كل تطلعاتها وأهدافها الأخرى وليس العكس، وعليه بقيت الهوية الوطنية أسيرة كتب الوطنية وخطابات السياسيين للمتاجرة بها، لكن الشعور الحقيقي بها كان مدفوناً في أعماق أغلب المواطنين لا يجاهروا به إلاّ بالقدر الذي لا يتجاوز الخطوط الحمراء لأيديولوجيات تلك الأحزاب!!.
ولهذا فقد رأينا وعشنا بشكلٍ واضحٍ وجلي تجليات عديدة ترجمت هذا الشعور الوطني وأظهرته بعفوية لكل العالم حتى أصبح (البُعبُع) الذي أرهب الإخوة و الأصدقاء قبل الأعداء!!، فباتوا يخططون مرة أخرى لإستئصاله من جذوره لأنهم أدركوا بأنه (مارد) لا يمكن السيطرة عليه إذا تركوه يعلو ويتجبر بقدراته أكثر وأكثر!!.
فالروح الوطنية العراقية العفوية واضحة وضوح الشمس عندما يفوز المنتخب الوطني العراقي الكروي مثلاً، فيخرج العراق عن بكرة أبيه من شماله بجباله حتى جنوبه بأهواره ومن شرقه حتى غربه للإحتفال ليس بالفوز الكروي فقط وإنما للمجاهرة بالهوية العراقية!!، ولقد تكللت كل هذه المناسبات والفعاليات المختلفة في إثبات الهوية الوطنية العراقية بمواقف مهمة كانت فيها النفس ترخص أمام تحديات المساس بارضه وهوية أبنائه والجود بالروح للدفاع عن بلد اسمه العراق ـ ـ "فالجود بالنفس أقصى غايةِ الجودِ"!!، أفلا يبرهن هذا السلوك وطنية المجتمع العراقي بمكوناته؟!، فأي مِن كل بلدان العالم خسرت من مواطنيها بالنسبة المئوية لعدد سكانها أعلى مما خَسرهُ العراق من أبنائه العراقيين في حروب الدفاع عنه بغض النظر عن إيمانهم المطلق بضرورة خوض تلك الحروب من عدمها؟؟؟!!!، هذا السؤال أوجهه للمتشككين بوجود بلد اسمه العراق وشعب اسمه الشعب العراقي الموحد بمكوناته!!، الم تتشارك كل مكونات الشعب العراقي بتقديم أبنائها قرابين على مذبح الإنتماء لهذه الهوية ؟؟!!.
لكن من الطبيعي أن يكون هنالك نكوص في الشعور بالإنتماء الوطني للبعض من العراقيين!!، وكما أسلفت فأن المراحل التي مرّ بها العراق منذ نهاية خلافة الدولة العباسية والتركيز عليه من قِبل جميع الغزاة المختلفين في أجناسهم وأعراقهم كان كافياً لزعزعة ثقة البعض بوطنيتهم العراقية!!، وكما أسلفت أيضاً فإنّ هذا الشعور يخضع لبارومتر العوامل العديدة التي قد تزعزع الشعور الوطني لأي شعب في العالم وليس للعراقيين فحسب، وسأطرح بعض الأمثلة القائمة لمواطني بعض البلدان التي تعتبر (الآن) من أقوى البلدان سواء إقتصادياً أو عسكرياً أو حضارياً لبيان كيف يفكر المواطنين فيها وما هو شعورهم، ولنبدأ من الأقرب جغرافياً الينا كالسعودية مثلاً التي كانت قبل تسميتها بهذا الأسم مقسمة الى إمارات عديدة منها نجد والحجاز والقطيف والدرعية وغيرها وكل منها يتواجد على أراضيها طوائف وملل من مشارب عديدة، لكن بعد تأسيس المملكة العربية السعودية في سنة 1932م وإكتشاف البترول الذي عزز مكانتها الإقتصادية في العالم تباهى مواطنوها بهويتهم السعودية وهذا من حقهم!!، كذلك مواطنوا دولة الإمارات العربية المتحدة المتكونة من إمارات عديدة كما يدلل اسمها يتباهون بهويتهم الإماراتية التي وحدت إنتماءاتهم وهذا من حقهم أيضاً، ولنذهب خلف البحار ونأخذ مثلاً آخراً لأكبر وأعظم دولة تقود العالم الآن وهي الولايات المتحدة الأمريكية ومن اسمها يُستدل على أنها كانت (ولا تزال) مقسمة الى ولايات بمواطنيها المتنوعين منذ تأسيسها بعرقهم ومذاهبهم وأديانهم، وحيثُ نشبت الحروب (الأهلية) فيما بينهم قبل ما يزيد على المئة وخمسين عاماً وأرتكبت خلالها أبشع الجرائم بإبادة قرى بكاملها من أطفال ونساء وشيوخ!!، لكنهم الآن يفتخرون ويتباهون بهويتهم الأمريكية وهذا من حقهم أيضاً (تم إكتشاف قارة امريكا الشمالية قبل حوالي الستمئة عام، وإتحدت الولايات الأمريكية قبل ما يزيد على المئتي عام بقليل)!!، وهذه المقارنة وهذا الحال يصحان على كندا واستراليا وروسيا والصين وغيرها الكثير من البلدان، ولو إفترضنا جدلاً نكوص هذه البلدان المنتعشة بإقتصادها ومكانتها الدولية لأي سبب، فهل سيبقى الحال كما هو عليه لمواطنيها بفخرهم وزهوهم أم سيهتز إيمان البعض منهم بإنتمائهم اليها؟؟!!، وهذا ما هو حاصل الآن في العراق للبعض من العراقيين، فلماذا يستكثر البعض (المتخاذل) على باقي العراقيين هويتهم العراقية؟!، ألأن العراق ضعيف الآن وتحكمه شلّة من المفسدين وسرّاق المال العام؟؟!!، وهل كانوا هؤلاء الناكرين لعراقيتهم الآن يتجرأون على نكرانها في السبعينات من القرن المنصرم عندما كان العراق في عصره الذهبي أم كانوا أكثر المتباهين بها؟؟!!.           
ومشكلة البعض من العراقيين وللأسف الشديد إصابتهم بالوهن الذي قادهم للتنكر لعراقيتهم وبدؤا قبل غيرهم من الأغراب ببث بعض الأقوال لِمن حَمَلوا على العراق والعراقيين البُغض والكراهية لهذا السبب أو ذاك، فمنهم من (يجتر) خطبة الحجاج التي إستشهدتُ ببعض الكلمات منها أعلاه للدلالة على وجود اسم العراق فقط وليس لِما فيها مِن غل وتهديد على أهل العراق!!، كذلك يستشهد البعض بمقولة نُسِبت الى الملك فيصل الأول في شكوكه بوجود هوية عراقية واضحة تجمع مكوناته!!!، وهذا في رأيي طبيعي جداً في بلد كان محتلاً لمدة تزيد على السبعمئة عام بعد سقوط الخلافة العباسية وكان مجرد ذكر اسم العراق في فترات إحتلاله يُعتبر جريمة كبرى!!، فما الذي كان يتوقعه المرحوم الملك فيصل الأول الذي جاء من أراضي نجد والحجاز!!، وأيهما أحق بهوية الأرض التي يسكنون عليها: هل هم العراقيون الذين سمّي بلدهم بالعراق قبل أكثر من الف وثلاثمئة عام كما تذكر جميع المصادر التاريخية أم المواطنين السعوديين الذين تكونت مملكتهم بإسمها الحالي في سنة 1932م؟؟!!، والتي جاء من أراضيها قبل تسميتها المرحوم الملك فيصل الأول ليحكم العراق؟؟؟!!!، أم الأمريكيين الذين ركبوا البحار من الجهات الأربع للبسيطة وتوجهوا للقارة المكتشفة حديثاً للبحث عن الذهب وقبل ستمئة سنة فقط؟؟!!، أترك الجواب لكل إنسان عادل ومنصف وغير حاقد للإجابة عليه!!. فيا مَن تشككون بالعراق وهوية أهله العراقية لا تجانبوا الحقائق الواضحة للعميان قبل المبصرين، وبكل تأكيد هنالك نوعان من العراقيين لا ثالث لهما ممَنْ يشككان بالعراق وهوية مواطنيه، فأما أن يكون إنسان ساذج وبسيط ومغرر به ولا يعلم عن تاريخ بلده أي شيء ـ ـ أو مدفوع بأجندات محددة إحدى غاياتها تقسيم العراق!!.
ولي تجربتي الخاصة في الغربة عن الشعور الوطني العراقي وروح الإنتماء لوطن موحد اسمه العراق مع مّنْ عملتُ معهم في البلد العربي المضيف لنا. فحال مغادرتي للعراق في الشهر السابع من سنة 1994م متوجهاً الى البلد العربي الوحيد الذي فتح حدوده لنا مشكوراً فكرتُ بالعمل على الرغم من الضوابط القاسية في منع العراقيين من العمل فيه، وبالفعل وجدتُ لي عملاً في إحدى المؤسسات للأعمال الكهربائية وبراتب كان يبدو في ذلك الوقت عالي جداً، كان عملي هو الأشراف على مجموعة من العمال الفنيين من أهل البلد لتنفيذ بعض المشاريع في أماكن متفرقة من العاصمة وضواحيها، وكان لزاماً على جميع المنتسبين للمجموعات كافة التواجد صباحاً في مقر المؤسسة ثم التوجه منه إلى أماكن عملهم، وكنتُ أشعر بأن هنالك من المنتسبين مَنْ كانت لهجتهم عراقية ومتداخلة مع لهجة أهل البلد عند مخاطبتهم لزملائهم العاملين، وفي يوم من الأيام وقبل تفرقنا كمجموعات جاء اليّ أحدهم ملقياُ السلام العراقي المعروف (الله بالخير) فأبتسمت له مع ردّي لسلامه وطلب مني التحدث جانباً؟؟!!، وعندها طلب مني بوضوح رغبته وزميله العراقي الآخر بالعمل تحت إشرافي ومبادلتي لهما بمن يعمل بأمرتي من أهل البلد معللاً ذلك بالمضايقات والضغط الحاصل عليهما من المشرف عليهما!!، كان هذا الشاب من حي (العامل) في بغداد والآخر من حي (الآثوريين) في الدورة، وأعتقد من أنّ جميع القرّاء سيدركون خلفية إنتماء هذان الشابان دون التصريح علناً بالإنتماءات الطائفية لهما والتي لا احبذها، وحيثُ رغبتُ فقط في بيان تنوع مشاربهما ليس إلا لدعم هدف المقالة، لم أتعهد للشاب العراقي بما طلبه مني، لكنني تعهدتُ له ببذل قصارى جهدي لإنضمامهما الى فريق عملي، وفي مساء اليوم نفسه وخلال عودتي مع رئيس المؤسسة بسيارته الى داري الذي لم يكن يبعد كثيراً عن داره طلبتُ منه ضم الشابين العراقيين الى فريق عملي!!، فالتفت لي مستغرباً طلبي ورافضاً في الوقت ذاته ذلك الطلب ومعللاً بأن ذلك التغيير سيربك العمل ويؤخر الإنجاز في الموقعين، أصريتُ على طلبي وتعهدتُ له بإنجاز العمل في وقته المحدد مع إستعدادي للإستغناء عن ثلاثة فنيين من أهل البلد من فريق عملي للمجموعة الأخرى مقابل الحصول على الشابين العراقيين لأني كنتُ متأكد بأن الغيرة العراقية ستدفعهما للعطاء بشكل أكبر حال معرفتهما شروط المقايضة التي حصلت بيني وبين رئيس المؤسسة!!، وبالفعل عملا معي بكل همّة ونشاط دون حتى محاولة حثهما على العمل!!، لا بل على العكس كنتُ أسألهما الراحة قليلاً فكان جوابهما: "إحنا مرتاحين وما نريدك تخجل ويّا رئيس المؤسسة"!!، كانا يقولان لي لولا إنضمامهما الى فريق عملي لتركا العمل جرّاء مضايقات زميلي الذي كانا يعملان تحت إشرافه والذي كان من أهل البلد!!، بقيا معي حتى قررت ترك العمل للتهيأ للسفر الى بلد المهجر.
سردتُ هذه التجربة لبيان الروح العراقية المتجذرة في أعماق كل أبناء مكونات الشعب العراقي، فلم يكن يربطنا نحن الثلاثة الدين أو القومية أو المذهب ـ ـ  إنما ربطتنا هويتنا العراقية وما أحلاها وأجملها من رباط مقدس!!!.   
وسأنهي مقالتي هذه بمثل عراقي وأعكسه في مخاطبة الوطن لأبنائه الضالين الناكرين لهويته قائلاً: "يا كثرة أصحابي يوم كان ظرفي مملي دبس ـ ـ ويا قلّة أصحابي يوم ظرفي يبس".

6
هذيان متعصّب/ لماذا أطلقوا على البابليين في حقبتهم الأخيرة بالكلدان (السحرة)؟!
بقلم: سالم إيليا
لقد كثر الحديث والمناكفات الطائفية/ المذهبية في السنوات التي تلت الإحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003م بين مكونات الشعب العراقي الذي تمزق الى ملل وطوائف كل منها تبحث عن نصيبها من لحم (الثور) المُسجى والمخضب بالدماء وهو يئن تحت وطأة الألم طالباً الرأفة به ومساعدته على النهوض والعودة الى كامل عافيته.
ومن بين تلك المكونات والطوائف دون إستثناء ظهر البعض من طلاّب المال والسلطة والشهرة ليتحينوا الفرص للترزّق وجني المكاسب دون إعتبار للشرف والمصداقية والوطنية في طرح المعلومة بغض النظر عن حقيقتها مع أو ضد هذا الرأي أو ذاك، وقد تجاوزوا كل الأخلاقيات في الشعور بخطورة الطرح (اللاوطني) الذي يزيد من الضحايا الأبرياء ويُكثر من كميات الدماء الجارية في النهر الثالث الأحمر الذي إرتفع منسوبه أكثر من النهرين الأولين دجلة والفرات واللذين نشك الآن بخلودهما الى ما لا نهاية.
ولقد راقبت منذ زمن ليس بالقصير طروحات (أحدهم) والذي يدعي بإنتمائه لطائفة تنتمي اليها والدتي التي أنجبتني وأنا فخور بإنتمائي المناصف لها مع إنتمائي لطائفتي "الكلدانية" التي إكتسبتها من أبي والتي لم تمنعني من المجاهرة والمفاخرة بهويتي العراقية التي تحتضن كل المكونات، فهويتنا العراقية تأتي قبل أي إنتماء آخر مهما بلغت مكانته!!، فنحن لا نُعَرّف إلاّ من خلال هويتنا العراقية، وأول ما يُسأل الشخص عنه خارج بلده هو: "من أي بلد أصلاً أنت"؟!، ولا يُسأل: "من أية طائفة أو مكوّن أنت"؟!!!.
لا أرغب في تسمية هذا (المتعصّب) الذي توهّم من إنه أصبح شاهيناً فبدأ يحلّق بالتلفيقات المعتمدة على المجتزئات من بواطن بعض الكتب والتي لا تمت للحقيقة بصلة وإنما بجزء من المعلومة المقتطعة من تلك المصادر وسأناقش بالأدلّة والحقائق ما جاء في أحدى طروحاته وهذيانه المَرَضي دون ذكر إسمه تكريماً للملّة والطائفة التي (يدعي) بالإنتماء اليها زوراً والتي نحن منها وهي منّا بالمصاهرة وبالكثير من الأواصر المشتركة والمصير المشترك، ولعدم إعطائه أكثر من حجمه الحقيقي!!!!، وحيثُ "كنتُ أقدم رِجلاً لصدّه واؤخر أخرى عن قصده"!!، لكنه تمادى في غيّه رغم تنبيه الكثير من الكتّاب الأفاضل له بضرورة الإعتماد على المصداقية والكياسة في طرحه، وحيثُ يبدو من انه لم يفهمها لغلّهِ وحقده معتقداً ومتوهماً بأنه الأقوى وهم الضعفاء بالحجّة والدلالة!!!، فكان لزاماً تنبيهه لكي لا يذهب بعيداً في إيذائه للغير!!!.
ونصيحتي المفعمة (بالمحبة) لهذا المتعصّب المذكور والتي ربما لا يفهمها أيضاً أن يراجع طبيباً نفسياً لعلاجه من حالته المرضية/ التعصبية الموجودة عند البعض القليل والمعروفة لنا كطوائف متآخية، وحيثُ تنكّر كل أعلام من يدعي بالإنتماء اليهم بمعرفتهم به!!!، ولعلمنا من أنّ الذي جعل البعض للمحاججة حد التعصّب بنسب أعلى من المتعصبين الآخرين في الطوائف الأخرى هو الصراع من أجل إثبات الوجود في المحيط المتخبط بمشاكله!!، وقد وصلت كراهيته الى ذروتها في كتاباته المخجلة المملوءة بالأكاذيب والمستندة على المقتطفات الغير كاملة التي تجتزء الحقيقة لتعرضها على الناس بطريقة الأدلة المنقوصة التي يَعتمد عليها بإقتناصها من الإنترنيت وليس من مصادرها الأصلية، وحيثُ أجزم من أنه لم يقرأها من الغلاف الى الغلاف ليعرف ما بداخلها، تماماً كما لو أنه أخذ الكلمتين الأوليتين من المقطع الأول لشهادة التوحيد "لا اله إلاّ الله" وكفّرَ فيها الطرف الآخر باتهامه له بالقول "لا اله" الذي يغيّر جوهر المعنى للجملة الكاملة من الإيمان المُطلق بالتوحيد بالله الى نكران وجوده!!!، أو كالذي يبدأ بالآية الكريمة (الماعون:4 ـ 7): "فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ" دون أن يُكملها وحيث تبدو وكأنها تتوعد المُصَلّينَ لكن بعد إكمالها بجملة: "الّذينَ هُمْ عّنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ" يتوضح المعنى ويتبين القصد من قوله تعالى!!، وحيثُ تؤكد بعض الأخبار عن هذا (الباحث) من أنه كان قد (توسّلَ) لمقابلة أحد سفراء العراق الطائفيين في أحد بلدان المهجر حيثُ يتواجد هو (وربما) قد وعده بالدعم المادي للنيل من الآخرين في كتاباته أو لبث الفرقة "لغاية في نفس يعقوب"!!.
وأقول له ولِمَنْ يصدّق إدعاءاته ممن على شاكلته من كل الأطياف والملل إتقوا الله بشعب العراق وضمدوا جراحاته بدل الإمعان بزيادة نزيفها، فمعظمكم تسكنون في المهاجر وخارج مناطق المآسي وتزيدون من سعير النار بتلفيقاتكم وكتاباتكم اللاوطنية لغاية تافهة شخصية يعلم الله وحده من الذي يدفع ثمنها لكم!!!!!، ولقد عاهدت نفسي أن لا أتورط لا من قريب ولا من بعيد بالمناكفات الطائفية السائدة بين البعض ممن يكتبون إلاّ بالقدر الذي يتعلق بالضرر على الوحدة العراقية والهوية العراقية التي تستظل تحتها كل المكونات وتأثيرها على النسيج الوطني العراقي وكما يحاول هذا العنصر اللامنتمي الى العراق تمزيقه أكثر مما هو عليه الآن، وما لنا من قول إلاّ: "اللهم لا تواخذنا على ما فعل ويفعل السفهاء منّا"!!!.
أن هذا المتجهبذ (أي الشخص الذي يعتقد بأنه العالم والعارف ببواطن الأمور ويتوهم من انه جهبذ حقيقي!!، لكنه بنظر الناس يستحق الشفقة على حالته المرضية السايكولوجية) يعتقد من أنه كلّما سطّر الأسماء والأعداد زادت أعداد المصدّقين بإدعاءاته متجاهلاً من أنّ هنالك من يراقب طروحاته من المثقفين الذين يتندرون عليها والتي تفوح منها رائحة العنصرية والطائفية المقيتة، وحيثُ نشعر بالأسى على ما وصل اليه البعض من أمثاله في اللغو والهذيان والهلوسة!!.
وقد كرر الموما اليه في طروحاته ما استند عليه من بعض التصريحات المجتزئة لرجال الدين والمؤرخين من الطوائف الأخرى كالكلدان والآشوريين من أنهم (لربما) من الأسباط العشرة (المفقودة) لليهود والتي ترجع بنسبها الى أبناء يعقوب بن إسحق بن إبراهيم أبو الأنبياء!!، ولنتوقف عند هذه المعلومة لنتأكد: هل هي موضع تهمة كما يريد تبيانها للمتعصبين من أمثال الدواعش ليكثروا من إعتداءاتهم ضد هذه الطوائف الأصيلة المسالمة وعندها بكل تأكيد سيصبح هو مشارك لهم في الجريمة كـ "محرّض" بكتاباته على تلك الجرائم!!!.
أعود لأفنّد بسطرين فقط ما هَذى به هذا (المدعي) في مقالات مطوّلة محشوّة بالأكاذيب المعتمدة على تصريحات بعض رجال الدين بشأن أصل الكلدان والأشوريين، فأقول له: هذا الأمر لا يعيبنا يا (هذا) لأن الأعمى والمبصر والجاهل والعالم (إلاّ حضرتك) يعلمون من أنّ الأسباط العشرة المفقودة لليهود يعودوا بنسبهم الى أبو الأنبياء "ابراهيم" وهو جدّهم الأول من أور الكلدانية العراقية، أي بمعنى آخر أنّ من تتهمهم بالتهويد أصلهم عراقي نقي من (أور) كما تذكر آلاف المصادر، أما إنتماءك أنت فيجمع عليه المؤرخون من أنّ أصولك من "سوريا" ولا تمت للعراق بصلة أو ربما من المشردين من تركيا أو من بقايا اصول الروم البزنطينيين الذين احتلّوا سوريا في غابر الأزمان وحسب عائدية من تدعي بالنسب اليهم!!!!!، فإشغل بالك بسوريا التي يعاني الآن فيها (قومك) وأترك لنا عراقنا!!!!، وبالمناسبة لو تقرأ بشكلٍ عميقٍ ومفصّلٍ ما كُتِبَ عن الأسباط العشرة المفقودة لليهود فستجد ثلث العالم بقومياته أو أكثر يدّعون بنسبهم إلى تلك الأسباط المفقودة بدأ بـ "اللاويين" في الهند مرورا بـ "الفلاشا" في الحبشة وأقوام أخرى في بريطانيا وأمريكا وحتى اليابان ومعظم دول العالم، وحيثُ أثبتت إختبارات الحامض النووي (DNA) صلة البعض منهم الضعيفة بتلك الأسباط وربما أنت واحداً منهم أيضاً وكما اعترفتَ بذلك دون أن تعلم وكما سأبيّن أدناه عن لسانك!!!!.
فمن المفارقات والطرائف أنه إتهم كما اسلفت من يدعي بالإنتماء اليهم الى الأسباط العشرة المفقودة لليهود أيضاً دون أن يدري لأنه خلط "الحابل بالنابل"!!، وعملاً بقاعدة "من السنتهم تدينونهم"، أبيّن من أنه في إحدى مقالاته التحريضية (النارية) قال: "إن الكلدان والآشوريين الحاليين هم سريان ولا علاقة لهم بالقدماء مطلقاً، إنما سمّت روما القسم الذي تكثلك كلداناً، وثبت اسمهم في 5 تموز 1830م، وسمى الانكليز القسم النسطوري آشوريين سنة 1876 لاغراض سياسية عبرية، لأن الأثنين (يقصد الكلدان والآشوريين) ينحدرون من الاسباط العشرة من بني إسرائيل الذين سباهم العراقيون القدماء، وثبت اسم الآشوريين في 17 تشرين أول 1976م" ـ ـ إنتهى نص ما ذكره في إحدى مقالاته، ـ ـ وأرجو من القرّاء الكرام التركيز على ما سأطرحه لوقوعه في فخ إتهام السريان/ الآراميين أيضاً بشقيّهم الشرقي والغربي من أن أصلهم يعود للأسباط العشرة المفقودة لليهود أيضاً!!، إذ ذكر في بداية النص المنقول من مقالته المذكورة أعلاه: "إن الكلدان والآشوريين الحاليين هم سريان ولا علاقة لهم بالقدماء مطلقاً"، ثمّ يعود في نفس النص ليقول: " لأن الأثنين ينحدرون من الاسباط العشرة من بني إسرائيل الذين سباهم العراقيون القدماء"، وحسب الإدعائين على ما أورده في نصّه المذكور فإن السريان/ الآراميون بشقيّهم هم أيضاً من الأسباط العشرة لبني اسرائيل (بالإستعاضة) لأن الكلدان والآشوريون ما هم إلاّ سريان حسب ادعاءه!!!!.
مشكلة هذا الشخص من انه يستقي المعلومات المجتزئة والمنقوصة من الأنترنيت ويعمل على (تسفيط) كل المعلومات دون تمحيص تقاطعها مع بعضها البعض ويحاول إشغال عقول القرّاء الكرام وابهارهم بكثرة الأرقام والأعداد والتواريخ و(تسفيط) الأسماء للمؤرخين لمحاولة التأثير على معرفتهم وعلى قاعدة المثل العراقي "الكذب المسفّط أحسن من الصدق المخربط"!!!. 
وسأورد أدناه البعض من مغالطات الموما اليه المعني بالنقد في إحدى مقالاته الأخيرة قبل الشروع بإيضاح لماذا أطلقوا على "عباقرة" زمنهم الكلدان بالسحرة فرضاً وجدلاً!!!، وليعذرني القرّاء الأفاضل على الإطالة وعرض الدلائل والنصوص من مصادرها الأصلية كاملة وغير منقوصة، وليس كما يفعل هو بالتقاط أجزائها التي تغيّر المعنى.
ففي إحدى فقرات مقالته إدعى بأنّ الباحثون والمؤرخون الكلدان والآشوريون وجلّهم من رجال الدين الحاصلين على أعلى الشهادات الفلسفية واللاهوتية ومنهم فيلسوف كنيسة المشرق الراحل الأب الدكتور يوسف حَبّي لا يجيدون الكتابة باللغة الكلدانية والآشورية وإنما فقط يجيدون القراءة والترجمة!!!، بربكم هل ما يدعيه هذا المدعي والمخالف للمنطق ينطلي على الجهلة بالعلم قبل المبحرين فيه!!، فكيف يصل المترجم إلى أعلى درجات الترجمة الدقيقة والمهنية من لغة إلى أخرى ما لم يكن ملماً قراءةً وكتابةً باللغتين المعنيتين بالترجمة من أحدهما إلى الأخرى وبالعكس، وتناسى هذا (الباحث) من أنّ هنالك ترابط جدلي لا يمكن فصله بين القراءة والكتابة فيقال الشخص الفلاني أمّي (لا يقرأ ولا يكتب) أو الشخص الفلاني متعلم (يقرأ ويكتب)!!.
فمن ناحية الأب الدكتور يوسف حَبّي وكونه إبن عمتي بصلة القرابة فقد كان يجيد كتابة وقراءة خمسة لغات بمستويات متباينة وفي مقدمتها العربية والكلدانية والإيطالية كونه خريج الجامعة الاوربانية في روما ونال شهادة الدكتوراه في جامعة اللاتران في روما ايضاً، وكذلك خاله الذي هو أبي كان يجيد اللغتين العربية والكلدانية قراءة وكتابة إضافة الى الإنكليزية!!، ولكن هنالك تساؤل ربما يطرح نفسه من المتشككين بقولهم: لماذا إذن لا توجد مؤلفات لمعظم هؤلاء المؤرخين بلغتهم الأصلية الكلدانية والآشورية؟!، فيكون الجواب لأن من يكتبون لهم هم من الناطقين باللغة العربية سواء أكانوا من العرب أو الكلدان أو الآشوريين وكذلك السريان والذين بمجملهم بالنسبة للطوائف الثلاثة الأخيرة وبنسبة (90%) من مكوناتهم يتكلمون لغتهم الأم ولكنهم أميّون في قرائتها وكتابتها، ولكنهم يقرأون ويكتبون ويتكلمون بالعربية بحكم تعليمهم في المدارس العربية، فمن غير المنطق أن يقوموا مؤلفيهم ومؤرخيهم بتأليف كتاب يأخذ منهم ربما سنوات بلغتهم الأم الكلدانية/الآشورية/ السريانية ثم يضعوه على الرفوف لعدم وجود قرّاء له ثمّ يعودوا ويهدروا سنوات إضافية أخرى لترجمته الى العربية ليكون في متناول الجميع!!!، ولهذا فمن الأنجع للمؤرخين المذكورين المحسوبين على الـ (10%) المتبقية من تلك المكونات الذين يجيدون القراءة والكتابة بلغتهم الأم نشر مؤلفاتهم باللغة العربية لتعم الفائدة حتى لبقية الطوائف الغير مذكورة أعلاه من الأرمن والتركمان والكرد والصابئة والأيزيديين وغيرهم وفي معظمهم يتكلمون العربية، إضافة الى سهولة إنتشار تلك المؤلفات خارج العراق وعلى مستوى الوطن العربي عند كتابتها باللغة العربية، فهذا هو المنطق الذي حاول هذا (المدعي) الإلتفاف حوله وتزييفه!!.
ولتأكيد ما ذهبتُ اليه في هذا المضمار يقول الأب الدكتور يوسف حبّي في مقدمة طبعة كتابه "كنيسة المشرق"/ الطبعة الأولى/1989م ما يلي: "لم أخصص في هذا التاريخ الموجز مبحثاً خاصاً للوثائق والمصادر والمراجع، واكتفيتُ بذكر اهمها في خاتمة الكتاب مستخدماً في الهوامش اسلوب المختصرات بالعربية تسهيلاً للطباعة وللقراء الافاضل. اما الاسماء، فقد حاولت ارجاعها الى اصولها، في لغاتها مع الحفاظ على ما هو شائع بالعربية التراثية" ـ ـ انتهى الإقتباس (الإستدلال).
ففي المقطع أعلاه يتأكد لنا غرضين يوضحان ما ذهبتُ اليه في (دحض) إدعاءات كاتب تلك المقالات، اولهما: أنّ الأب الدكتور يوسف حَبّي كتب بالعربية "تسهيلاً للطباعة وللقرّاء الأفاضل"، وثانيهما: مقدرته في الكتابة بلغته الأم، إذ كيف يستطيع ارجاع الأسماء الى اصولها دون أن يكون ملماً بالكتابة فيها!!!، إضافة لكونه كان عضواً عاملاً في مجمع اللغة السريانية (الكلدانية ـ الآشورية) منذُ عام (1972م) ولغاية دمجه بالمجمع العلمي العراقي الذي أصبح فيه رئيساً لهيئة اللغة السريانية، فكيف يكون عضواً عاملاً في مجمع اللغة ومن ثمّ رئيساً لهيئته ولا يعرف الكتابة فيها؟؟؟!!!، لكن بكل تأكيد فهو أبرع بالكتابة باللغة العربية لممارسته لها بشكلٍ متواصلٍ، أترك الجواب للجهابذة الحقيقيين للإجابة عليه وليس لأمثال هذا (المدعي) موضوع النقد!!!.
يقول الأستاذ الدكتور "عبد الامير الأعسم" على موقع مدونته ما يلي: "عرفتُ الأب حَبّي أثناء زياراته لقسم اللغات الشرقية بكلية الآداب بجامعة بغداد عندما يأتي محاضراً على طلبة القسم بكل ما يتصل بالسريانية"!! ـ ـ إنتهى الإقتباس، والسؤال الذي اطرحه على المعني بالنقد هو: كيف يكون د. الأب حَبّي محاضراً بكل ما يتصل بالسريانية ولا يجيد الكتابة بها!!!!.
يدعي كاتب تلك المقالات في مقالته الأخيرة التحريضية: من أنّ الأب الدكتور يوسف حَبّي كان (متحسراً) عند ذكره أنّ الموطن الأصلي للساميين هو جزيرة العرب، محاولاً بيأس في طريقته المبتذلة التحريضية هذه إستدرار العواطف لبسطاء القوم من المكوّن العربي!!، بربكم من يقرأ له من المتنوّرين من كل المكونات هذا الهذيان (المضحك) الواضح فيه صيغته التحريضية الرخيصة ألا يتبادر للأذهان مئة سؤال وسؤال عن كيفية إكتشافه لهذا (التحسر) وقد تغلّب بإكتشافه هذا حتى على شخصية المحقق شارلوك هولمز الإسطورية في مسسلسلاته البوليسية؟؟؟!!!، فكيف شَعرْتَ يا ايها (المحقق المتحذلق) بأنّ الأب المذكور كان (متحسراً) ومنزعجاً لكتابته هذه المعلومة التي إستقيتَها من إحدى المجلاّت التي كان ينشر فيها الأب الدكتور يوسف حَبّي؟؟!!، هل كنت (حضرة جنابك) جالس بجانبه عندما خطّها وسمعت أنفاس (تحسره)؟؟!!، أم كان لديك قمراً صناعياً سنة 1983م وهي سنة نشر هذه المعلومة لتتجسس على الأب د. يوسف حَبّي في صومعته في ديره بمنطقة الدورة في بغداد ورأيته يسحب آهات (التحسر) أسفاً على ذكره لهذه المعلومة؟؟!!، ولو كان متحسراً ومتأسفاً فعلاّ ـ ـ لماذا ذكرها أصلاً وثبّتها كحقيقة وهو المرجع الذي يستشهد بمؤلفاته وكتبه المؤرخون في تاريخ الكنيسة المشرقية، فلماذا لم يتجاوزها وكان الله يحب المحسنين؟؟!!، وقد إنتشرت كتبه حتى وصلت الى المكتبة العامة للمدينة التي أسكن فيها في كندا/ القسم العربي لغزارة علمه وإنتشار صيته بين مؤرخي وباحثي عصره.
أتعلم أيها المعني بالنقد من أنّ الأب الدكتور يوسف حَبّي قد جمع عشرات الآلاف من البشر حوله من كل الطوائف والأديان وأولهم العرب المسلمين أينما حلّوا على وجه البسيطة لإنفتاحه ومحبته للجميع بعلمانييهم ورجال دينهم وفي مقدمتهم الراحل الإمام الجليل العلاّمة جلال الحنفي!!، وحين وافت المنية الأب المذكور في حادث مؤسف داخل حدود الأردن في 15 تشرين الاول سنة 2000م وهو في طريقه لتمثيلك قبل غيرك في المؤتمرات الكنسية الدولية التي تدعي زوراً وبهتاناً الإنتماء لطوائفها، وحيثُ صُعِقَ الجميع بنبأ وفاته وذَرَفَت الجموع الدموع وعمّ الحزن أوساط الأدباء والمفكرين ورجال الدين ومن ضمنهم رجال دين الطائفة التي تدعي إنتماءك لها من أعلى مرتبة فيهم الى أقلّها، وجُلّ رجال الدين الآخرين بمذاهبهم من المسلمين والمسيحيين وعامة الشعب والشخصيات العراقية والعربية والعالمية وفي مقدمتهم ولي عهد الأردن حينها الأمير الحسن بن طلال والسفير البابوي، وحيثُ تجلّت الوحدة العراقية بهويتها بأروع صورها وقطعت قناة الجزيرة الفضائية أخبارها لتعلن نبأ وفاة هذا العالم الجليل الذي تحاول أنت يائساً الطعن بمحبته وإنتماءه للجميع!!، والذي لم يسيء اليه الى الآن كائن من كان إلاّ أنت!!، وهل تعلم أنه للمرة الأولى في تاريخ الكنائس العراقية يشيّع رجل دين مسيحي بعشرات الآلاف من أبناء الشعب العراقي دون تفريق بين المسيحيين والمسلمين من جميع المذاهب والصابئيين المندائيين والأيزيديين وكل الأطياف العراقية الآخرى وبموكب تسيير أمامه الدراجات البخارية والعجلات لشرطة المرور وحضر أعلام البلد من السياسيين والمفكرين و رجال الدين من كل الأديان قداس جنازته ووقفوا خاشعين عند تلاوة مقطع من الإنجيل، فأين أنت من هذا الحدث والموقف الجليل؟؟!!، وهل ترغب أن أرسل لك الفيديو لتشييع هذا العالم الجليل الذي تكذب أنت على لسانه وتحاول الطعن بمحبته على الأقل لتتعلّم المحبة منه وتنزع من قلبك الغل والحقد على الآخرين.
لماذا نعتوا الكلدان من خلال إسمهم بالسحرة في زمنهم؟؟؟!!!:
أثبت الدكتور (جايمس هنري براستد) في كتابه "العصور القديمة" ريادية الكلدان وما بلغوه من تطور علمي سبق زمنهم لكل أمم الأرض بعلم الفلك وبقية العلوم الأخرى مستنداُ على اللُقى الأثرية كأدلّة مادية لا تقبل الجدل، وهذا الكتاب بنسخته الإنكليزية كان مرجعاً للطلبة الدارسين في الولايات المتحدة الأمريكية، وإذ يعتبره المؤرخون الحقيقيون أبو المصادر جميعها والذي نقّحَ نسخته المعدّة للترجمة الى العربية الأستاذ (هرُلد نِلسن) أحد أساتذة جامعة بيروت الأمريكية حينها وبإيعاز من وزارتي المعارف العراقية والفلسطينية ليكون هذا المصدر ضمن منهاج طلبة الثانوية لكلي البلدين بعد ترجمته الى العربية من قبل (داوُد فرحان) أحد أساتذة جامعة بيروت الأمريكية سنة (1926م)، وإذ أعتُبِرَ مؤلفه في زمنه من أنزه وأعظم علماء التاريخ والآثار والمؤرخين الذين كتبوا في تاريخ العصور القديمة وتاريخ الشرق وآسيا الغربية والشرق الأدنى حصراً، وكانت له مكانته في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم أجمع، حيثُ كان يعمل كأستاذ تاريخ الشرق ورئيس دائرة اللغات والعلوم الشرقية في جامعة شيكاغو وعضو اكاديمية العلوم في برلين، والذي وقف ضد سرقات الآثار من بلدانها الأصلية، وحيثُ يُعتبر كتابه أهم مصدر تاريخي لتاريخ العصور القديمة والمُعْتَمَدْ من إتحاد المؤرخين العرب.
يقول الدكتور جايمس براستد في كتابه "العصور القديمة" عن الكلدان في الفقرة (246)/علم الفلك والتنجيم/الصفحة (128) في طبعته الأولى سنة (1926م) ما يلي: " لقد نجحَ الكلدانيون في علم الفلك نجاحاً يذكر وكانوا قبلاً مولعين بعلم التنجيم لكشف اسرار الغيب بمراقبة الأجرام السماوية (ف 198) فثابروا عليه وتعمقوا فيه. فكانت نتيجة ثبارهم انهُ ولد لهم علم الفلك. فقسموا بعد ذلك خط الاستواء الى 360 درجة ورتبوا الكواكب مجاميع اثني عشر دعوا كل مجموع منها برجاً وسموّها كلها منطقة البروج. وهذه هي اول مرّة صنعت فيها خريطة للاجرام السماوية"!!!!، ـ ـ انتهى الإقتباس (الإستدلال).
ثمّ يضيف المؤلف الدكتور جايمس براستد في الفقرة (247)/ عن أصل أسماء النجوم السيّارة قائلاً:
"وكان الكلدان يحسبون السيارات الخمس المعروفة في ذلك العهد (وهي عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزُحل) قوات ذات سلطة خصوصية على احوال البشر فحسبوها آلهتهم الخمسة. وقد وصلت الينا اسماء تلك الآلهة فاذا هي اسماءُ السيارات. إلا ان الاوربيين غيّروها الى اسماء رومانية فصارت عشتاروت الاهة الحب، الزهرة. وصار سيّار الاله العظيم مردوخ، المشتري. وهكذا قل في بقيتها، وتقدم المنجمون في ارصادهم تقدماً محسوساً وبلغوا في الرصد درجة عظيمة من التدقيق حتى توصلوا الى معرفة الانباء بالكسوف والخسوف. ووصلت ارصادهم هذه الى اليونان. فاسسوا عليها علم الفلك الذي ابلغوه درجة تذكر من الترقي. ولا تزال بقايا صناعة التنجيم بادية في احاديثنا العادية فنذكر في كلامنا بين وقت وآخر طوالع السعد والنحس" ـ ـ انتهى الاقتباس (الاستدلال).
ونعود الى الفقرة (246) التي ذكر فيها المؤلف (ف 198) والتي تنص على طُرق البابليين لقراءة صفحات المستقبل وكما ورد نصاً:
" وكان في عداد المنافع التي انعمت بها الآلهة على بعض الناس في ذلك الزمان البعيد المقدرة على الانباء بالمستقبل اي العرافة ودُعي الذين مارسوا العِرافة عرّافين وكان مّهَرتهم يدّعون انهم يفسّرون العلامات السرية التي على كبد الشاة (ش 66) المعدّة للمحرقة. وكان الذين يأتون اليهم لكي يَستعلموهم اسباب ما دهاهم من الهمّ ومناهم بالقلق، يوقنون بأنهم قادرون على هتك ستار المستقبل ومعرفة ما خبأته لهم الأقدار. وكان اولئك العرافون يرصدون النجوم الثابتة والسيارة معتقدين انهم بذلك يدركون فضاء الآلهة من جهة المستقبل. والظاهر ان اعمال العرافة اتصلت الى الغرب بدليل ان قراءة العلامات السرّية على كبد الشاة كانت شائعة في رومية (ش 183) وتطورت العرافة تدريجياً مع كرور الايام حتى صارت علماً قائماً بذاته عُرف بعلم التنجيم وهو ابو علم الهيئة الحديث. واقتبس اليونان علم التنجيم ومارسوه آماداً طوالاً وبقيت منه بقية بينهم حتى زماننا الحاضر" ـ ـ انتهى الاقتباس (الاستدلال).
فهل علمت يا كاتب تلك المقالات المعنيّة بهذا النقد لماذا أطلقوا على الكلدان العراقيين اسم (السحرة) في ذلك الزمن وربما المعنى اساساً مغاير لكلمة السحرة؟؟!!، وهل من أسسوا علم "التنجيم" الذي أصبح أبو علم "الهيئة الحديث" كما يقول مؤلف "العصور القديمة" اعلاه هم مشعوذون وهراطقة كما نَعتّهم جهلاً وتزويراً!!!، الجواب واضح للمبصرين والنُبَهاء من القوم وليس لعميان البصيرة التي أعمت التعصبية القبلية عقولهم قبل عيونهم، وهو انهم (أي الكلدان) قد سبقوا أمم عصرهم ومنهم أجدادك بالآف السنين في العلم والمعرفة والأكتشافات الخارقة التي تصل في مخيلة العامة من الناس الى وصفها (بالسحر او العمل الخارق) التي لم يكن ليستوعبها غيرهم وربما لحد الآن لم يستوعبها أمثالك من المتعصبين!!!، هكذا كانوا العراقيين القدامى الذين لا تنتمي أنت اليهم والذين تماديت في شتمهم من خلال شتم أجدادهم الآشوريين والكلدان!!، وأنا كعراقي أولاً فخوراً بهذا الوصف الذي يدلل على عظمة أجدادنا، وأقول للعراقيين عموماً وللكلدان على وجه الخصوص إرفعوا رؤوسكم فخراً بإطلاق تسمية (الخوارق) على أجدادنا عندما يحاول البعض ومنهم هذا (اللامنتمي) أن يجعلها مذمّة يعيّرنا بها، أقول هذا الكلام مجبراً وكلّي آلم لأن نصف إنتمائي يعود الى الطائفة التي إبتليت بإنتماءك لها ومعك قلّة من المهوسين بالتعصب والتي (أي الطائفة) قد يصيبها الضرر بأكثر مما أصابها من جرّاء طروحاتك!!!.
يقول الكاتب جعفر الخليلي في ملخص كتاب "العرب واليهود في التاريخ" لمؤلفه الدكتور أحمد سوسة في طبعته الثانية/ صفحة (56) نقلاً عن المؤلف ما يلي: " وتشير آثار الحفريات الى حضارة الكلدان بشيء كثير من التمجيد وتصور براعتهم في علم الفلك، والرياضيات، وتُنسب لهم التوصل لمعرفة الكسوف والخسوف، وكان الكلدانيون اول من اتقن حساب الساعات واجزائها من الدقائق، كما انهم اول من وضع (التقاويم) لحساب الفصول والمواسم في العالم، فضلا عما عرفوا به من البراعة في ضخامة الابنية وبهرجتها حتى صارت (بابل) في عصرهم اعظم مدينة في العالم" ـ ـ انتهى الإقتباس (الاستدلال).
إذن ما هو رأي الموما اليه المعني بهذا النقد في شهادة الدكتور أحمد سوسة الحاصل على أعلى الشهادات الجامعية من أرقى الجامعات في العالم!!!، ولو تمعنّا بالمفردات الراقية التي إستخدمها الدكتور أحمد سوسة في وصف الكلدان لخيّل الينا مدى عظمتهم إضافة الى تأكيده في بادئة وصفه لهم الى الدلائل من الحفريات لتأكيد حضارة الكلدان.
يقول "المسعودي" في المجلّد الأول من "مروج الذهب"/ الطبعة الثانية الذي شرحه وقدم له الدكتور مفيد محمد قميحة أستاذ الادب العربي في الجامعة اللبنانية وعلى صفحة المجلد (222) في "ذكر ملوك النبط وغيرهم المعروفين بالكلدانيين" ما يلي: " ذكر جماعة من أهل التبصر والبحث، ومن ذوي العناية بأخبار ملوك العالم أن ملوك بابل هم اول ملوك العالم الذين جهدوا الأرض بالعمارة، وأن الفُرس الأولى إنما أخذت الملك من هؤلاء، كما أخذت الروم الملك من اليونانيين" ـ ـ انتهى الإقتباس (الإستدلال).
أمّا المؤرخ الراحل "جورج البنّا" الذي كان قد إستضافه التلفزيون العراقي عدّة مرّات وكان آخرها في الحلقة السابعة من برنامج "قطار العمر" في الرابع من آذار سنة (1994م) وكانت له واحدة من أكبر المكتبات الشخصية في العراق التي تحتوي على اربعة عشر الف كتاب ومخطوط ومصدر عربي وإنكليزي وفرنسي ـ ـ الخ، والحاصل من عمدة مدينة "سان دييگو" في ولاية كاليفورنيا الأمريكية على وسام رجل عام (2006) لتأليفه ست كتب للموسوعة الكلدانية التي إعتمد في تأليفها على (391) مصدراً عربياً رصيناً و (83) مصدراً باللغة الإنكليزية و (64) مصدراً باللغة الفرنسية!!، والذي حصل أيضاً على شهادات تقديرية ووسام خاص من الحبر الأعظم بابا الفاتيكان السابق، وحيثُ كنتُ قد أجريتُ معه لقاءاً صحفياً قبل وفاته بسنوات، يقول في كتابه الأول من السلسلة المذكورة "تاريخ الكلدان"/ الصفحة (19) وتحت عنوان "الكلدان مؤسسو علم الفلك" ما يلي: " ان العلماء والمؤرخين اقروا ان الكلدان هم مؤسسو علم الفلك، ولتأييد ذلك  في المتحف البريطاني بلندن لوحة مسمارية تحت رقم 86378.م.ب عثر عليها في مدينة بابل، دونت فيها معلومات واحصاءات فلكية يعود تاريخها الى عام 2048 ق.م، يعتبرها الباحثون اقدم واهم الوثائق في نشوء علم الفلك في العالم قياسها 8,5×6,1×1,9 سم تتضمن (171) سطراً دونت فيها معلومات فلكية عن المجرات والكواكب مستقاة من مصادر اقدم من ذلك بكثير. عنوان اللوحة مول ـ ابن" ـ ـ إنتهى الإقتباس (الإستدلال)، ـ ـ ثمّ يسترسل المؤرخ الجليل "جورج البنّا" في شرح التفاصيل الدقيقة لما وصل اليه الكلدان في حساب الزمن وتقسيم السنة وما الى ذلك من المعلومات الفلكية الكثيرة.
يقول الكاتب والباحث في تاريخ "بلاد النهرين" الأستاذ حبيب حنونا في كتابه "سفر الخروج الكلداني" الذي نشره في ديترويت في ولاية مشيكان الأمريكية في (2013م)، وكان قد أعدّهُ ليكون اطروحة لرسالة الدكتوراه كما أخبرني بذلك شخصياً والتي لم تكتمل لظروفه الخاصة والذي أرسل لي مشكوراً نسخة من كتابه، وقد إعتمد فيه على (19) مصدراً عربياً و (37) مصدراً أجنبياً رصينة، وحيثُ ذكر فيه دور الكلدان في تطور الحضارة الإنسانية/ صفحة (10) منه مؤثقاً ما يلي: [ يقول العالم الأثاري (أدوارد كييرا) (EDWARD KEERA): " أن الكلدان بلغوا درجة متقدمة في علم الجبر والهندسة، اضافة الى علم الفلك. وان العالم الفلكي (نابو ريماني) الذي عاش في بابل عام 500 ق م والمعروف لدى اليونان بأسم (NABURIAS) قد استعمل الصفر في جداوله الفلكية. كما أن العالم الكلداني كدنو (KADANNO) الذي عاش في بابل عام 367 ق م نال مرتبة عالية في تطوير علم الفلك وتقدمه بحيث يستحق أن يوضع اسمه في مصاف غاليليو (GALILEO) وكوبرنيكوس (COPERNIOS) . . . "] ـ ـ انتهى الإقتباس (الإستدلال)، ـ ـ ثمّ يستطرد الباحث القدير الأستاذ حبيب حنونا في تعداد ما وصل اليه الكلدانيون في علمهم ونبوغهم في الحساب وعلم الفلك ويقول بان الكلدان قد اطلقوا على الشهر الأول من السنة بـ "نيشان" ومعناه بالعربية "الحد" ومنه اشتقّت كلمة شهر "نيسان ـ NISSAN" الذي كان يعتبره الكلدان أول الأشهر التي تبدأ بها السنة البابلية ـ الكلدانية ـ الآشورية.
جميع المصادر اعلاه التي استشهدتُ بها موجودة عندي في مكتبتي ومن ضمنها الطبعة الأولى من كتاب "العصور القديمة" الذي طبع سنة 1926م، وليس كما يفعل الموما اليه المقصود بالنقد من اقتناص المعلومة المنقوصة من الأنترنيت!!!. 
فما هو رأيك يا من تنعت العراقيين القدامى الآشوريين والكلدان بالمشعوذين والهراطقة والسحرة والذين يفتخر كل العراقيين بالإنتماء اليهما كأصحاب أكبر إمبراطوريتين في العصور القديمة وأصحاب أولى الحضارات في العالم، وأين أنتَ من علم ومعرفة الدكتور جايمس براستد والمسعودي والأب الدكتور يوسف حبّي فيلسوف كنيسة المشرق والدكتور أحمد سوسة والمؤرخ جورج البنّا والباحث حبيب حنونا والعلماء الذين كتبوا مئات المصادر التي إعتمد عليها مَنْ ذكرتُهم واستدللتُ بمؤلفاتهم وغيرهم الكثيرين، وحيثُ أنّ العَلَمين (يوسف حبّي وأحمد سوسة ) كانا عضوين في المجمع العلمي العراقي فحاولت تكذيبهم بتغيير الحقائق ونفث سُمومك بالنسيج العراقي الذي سيتعافي إنشاء الله على الرغم من الحاقدين عليه.
وعلى سياق الطريقة الخبيثة في دس "السم بالعسل" فقد وضع عنواناً مثيراً لمقالته الأخيرة ليداعب فيها مشاعر الغير مطلعين من بعض القرّاء له الذين تناقصت أعدادهم نتيجة إكتشافهم لغايته، فبدأ (يتزلّف ويتملّق) من خلال مدح العرب ظاهرياً وخاصة العراقيين منهم ويحرّضهم على الكلدان والآشوريين فمدحَ العرب قبل الإسلام أي عرب الجاهلية!!!!، لكنه في ذات الوقت لم ينسى بغرز أنيابه السامة في جسد (العرب المسلمين) حين وصفهم جميعهم دون إستثناء بالغزاة والظالمين هنا وهناك ( أي في كل أرجاء المعمورة) حتى لم يستثني منهم أحداً من الأئمة والصالحين!!!، لكنه إستدرك بعدها بقوله "وبرغم ما قام به العرب المسلمون من غزوات ومظالم هنا وهناك، لكن يبقون أفضل من الكلدان والآشوريون القدماء بكثير، على الأقل كان للناس خياران الجزية أو الهرب"!!! ـ ـ إنتهى الإقتباس من لغو هذا الفطحل!!!، ولإناقشه على ما قاله بنقطتين، أولهما: من المسلّم به وبشكل جلي وواضح (نبذه) للعرب المسلمين بإختياره لكلمة (الغزوات) وليس (الفتوحات) كما يؤمن بها المسلمون!!، ثانياً: جهله من أنّ في هجمات الكلدان والآشوريين وكل الحروب كان ينجو أيضاً الهاربون من أمامهم!!، أي بمعنى آخر أن الخيارين (دفع الجزية وإمكانية هروب الخصم) كانا موجودين أيضاً منذ زمن الكلدانيين والآشوريين اللذين حاول بهما (تلطيف) الظلم الذي إتهم به العرب المسلمين ولتمييزه عن (ظلم) الكلدانيين والآشوريين وليظهر بزعمه هذا أن العرب المسلمين أقل بطشاً منهما لكنه لم ينفي صفة الظلم عنهم!!!، وقد تجاهل هذا الذي بدأ يطلق على نفسه (بالباحث) من أن سبب سبي اليهود الثاني على يد "نبوخذ نصر" الكلداني وحتى السبي الأول كانا لإمتناع ملوك اليهود عن دفع (الجزية) وعندها هاجمهم نبوخذ نصّر وأجبر ملكهم على دفع الجزية وأتى به وبالباقين من قومه أسرى ليكونوا عبرة لغيرهم!!، أي بمعنى آخر أراد هذا "المحرّض" الذي ملأ المواقع ضجيجاً وهذياناً أن يمرر رسالة بينية لمن يقرأ مقالته بقوله من أن الكلدان والآشوريين وحتى العرب المسلمين كلّهم (مجرمين) ولكن بدرجات متفاوتة!!!!!، وسؤالي له:  لم تخبرنا عن الذين لم يستطيعوا الهروب أو عدم مقدرتهم على دفع الجزية، فماذا كان مصيرهم يا هذا؟؟؟!!!، فكيف تحاول التبرير لتصل غايتك الدنيئة وقد أثبتُ لك بالأدلّة بأن العراقيين الأصلاء الكلدان والآشوريين كانا يعطيان نفس الخيارين!!، أي أما دفع الجزية أو محاولة الهرب، إذن حاولتَ أن تمرر تلفيقاتك على القوم البسطاء لتداعب مشاعرهم!!، لكنك في ذات الوقت أثبتَّ كرهك للعراقيين الكلدان والآشوريين وللعرب المسلمين أمام المثقفين والمطلعين منهم وأرسلت رسالة بينيّة من أنهم جميعاً كانوا غازين وظالمين، ومن البديهي في تلك الأزمان أنّ "الغزو" يصاحبه "السبي" لكنك إختصرته بكلمة "الغزو" للعرب المسلمين وإتهمت الكلدان والآشوريين به علناً!!، وبهذا الإتهام تكون قد وحدتهم جميعاً بكرهك لهم من خلال طروحاتك وبدون أن تدري وليس كما اردت بتفريقهم!!!، وفصلت العرب في الجاهلية وبررتَ غزواتهم وسبيهم بإدعائك من إنها كانت غزوات داخلية فيما بينهم!!، كما بررتَ غزوتهم الخارجية في معركة "ذي قار" لدفاعهم عن النسطوريات المسيحيات وأثنيت عليها!!، لكنك حاولت توثيق مسؤولية باقي (الغزوات) الخارجية متهماً العرب المسلمين للقيام بها والصقت تهمة بدأهم ورياديتهم بالغزوات الخارجية وإحلال الفوضى في المنطقة والعالم وهذا غير صحيح لأن الحروب الخارجية (الغزوات) كانت موجودة قبلهم بآلاف السنين وحتى يومنا هذا، الم يغزو الروم البيزنطينيين موطنك الأصلي سوريا الكبرى قبل آلاف السنين وحتى قبل ظهور الدين الإسلامي، وحيثُ تفتخر انت بالتبعية للبيزنطينيين ولحد الآن!!!، فالغزو هو نفس الغزو أيها المتحذلق إن كان داخلياً أو خارجياً أو كان قد حصل من الكلدان أو الآشوريين أو العرب قبل الإسلام أو بعده، فهكذا كان حال الدنيا حينها!!.
أوليس "الروم البيزنطينيين" الذين تحالفوا أجدادك معهم قبل آلاف السنين وساعدوهم لإحتلال المنطقة والتنكيل بها وبأهلها قد فعلوا أبشع الجرائم؟!، وحيثُ لا زلت تفتخر في التبعية لهم!!، فلماذا لا تستهجنهم وتكتب عن جرائمهم وغزواتهم وسبيهم لنساء الأقوام التي إحتلوها؟؟!!، أنا أقول لك: لأنك تفتخر بالإنتماء اليهم، ولحد الآن هم المسيطرين على إدارة شؤون رعيتك (وخلّي الطبق مستور) لأنني لا أرغب في بيان المزيد لئلا تستغله وتعتبره تهجم على الطائفة التي نحترمها ولا يعترف أهلها بإنتمائك اليهم!!، فلا تبرر الغزو للعرب قبل الأسلام (عرب الجاهلية) وتتهم العرب المسلمين والكلدان والآشوريين به فقط وتوصفه بالظلم والإجرام!!، وليخالفني الرأي فيما ذهبتُ اليه أي من المعتدلين والمتنورين والمثقفين الحقيقيين إن كنتُ مخطئاً في تحليلي وبياني لغايتك، فأي لعبة دنيئة تريد أن تلعبها لإثارة التفرقة بين العراقيين أكثر مما هي عليه الآن ولحساب مَنْ؟؟؟!!!، والتي بكل تأكيد ستصيب من تدعي بالدفاع عنهم قبل غيرهم بالأذى والسوء!!، وطبعاً هذا يدلل على جهلك وفكرك المريض الذي تعتقد واهماً من أنه سيساعدك على تمرير هذه المؤامرة الدنيئة على الجميع!!!.
ومنذ أن بدأ الموما اليه المعني بالنقد بنشر (هذيانه) لم نعرف بالضبط ماذا يريد وما الغاية من هجومه وتحريضاته غير زيادة الفرقة والتناحر بين مكونات الشعب العراقي الذي قطعاً هو ليس منهم كما أثبتُ في بداية حديثي ولا من الطائفة الجليلة التي يدعي بالإنتماء اليها!!، فمرة يقول في مقالاته من أن الكلدان والآشوريين القدامى هم غير الكلدان والآشوريين الجدد الذين أوجدهم أو سمّاهم الإنكليز قبل قرنين من الزمن!!، ومرة ثانية يدعي بمقالة أخرى بأن الكلدان إكتسبوا أسمهم من النساطرة الملتحقين بالفاتيكان والكثلكة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي تقريباً من خلال تسمية الفاتيكان لهم (للذي لا يعلم الحقيقة: يوجد اكثر من فرضية حول جدلية ما حدث للبعض من النساطرة الذين تحولوا الى المذهب الكاثوليكي بغض النظر ان كان فيهم من القومية الكلدانية اصلاً ام لا، ولكن ما يهمني في الأمر هو التسمية التي أطلقها عليهم الفاتيكان وهي ـ الكلدان ـ ومدى صحتها ولنناقشها من باب المنطق جدلاً، فلو فرضنا من أنّ معنى كلمة الكلدان سلبي وتعني "السحرة والمشعوذين" كما يدعي البعض وليس ايجابي لتعني "العباقرة الخارقين"، فكيف يتجرأ الفاتيكان بذم شريحة معينة إنتمت اليه حديثاً ويطلق عليهم اسم له معنى سلبي يعود بالضرر المعنوي عليه اولاً، والفاتيكان قطعاً قد رفع شعار محاربة السحر والشعوذة؟؟!!، وإن المنطق يقول من المفروض أن يطلق الفاتيكان عليهم اسم ذو دلالة ومعنى ايجابي لتكريمهم، من هنا يُستدل على ان لمعنى اسم الكلدان دلالة ايجابية وليس سلبية كما يحاول ترويجها البعض، وربما هذه النقطة لم ينتبه اليها الباحثون والمختصون سابقاً)!!!!!، وفي مقالة ثالثة يرجع نسبهم الى الجزيرة العربية ويقول بأنهم عرب كما إستدلّ  من كلام الأب الدكتور يوسف حبّي وإدعى أنه إعترف بهذه المعلومة (متحسراَ ومنزعجاً) لذلك، وحيثُ أكتشف (التحسّر) هذا المدعي بإحساسه الشارلوك هولمزي!!!!، ومرة رابعة يقول أنهم من الأسباط العشرة المفقودة لليهود، ومرة خامسة يلغي كل التسميات لهم ويدعوهم "بالعراقيين القدماء" كأنهم خرجوا من باطن الأرض وليس لهم أصل!!، ومرة سادسة يقول لا هذه ولا تلك: أساساً لا يوجد قوم اسمهم كلدان وآشوريون وإنما هم آراميون/ سريان!!!، وبهذا الإدعاء اثبتَ أولاً: بأن الآراميون السريان هم أيضاً أصلاً من الأسباط العشرة المفقودة لليهود (بالإستعاضة) ودون أن يعي ذلك!!، وثانياً: ان سلخ الجلود والجرائم قد عادت بأصابع الإتهام (بالإستعاضة) على الآراميون/ السريان لأن حسب إدعائه من أنّ الكلدان والآشوريون هم أصلاً آراميون/ سريان ودون أن يعي أيضاً ـ ـ وثالثاً: وكونه أثبتَ بحججه وبراهينه (الشارلوك هولمزية) من أن أصل الكلدان والآشوريون هم عرب ومن الجزيرة العربية وكذلك أثبتَ سابقاً من أن نفس هؤلاء الكلدان والآشوريين هم بالأصل آراميين/ سريان، إذن وحسب إدعائه هذا فأن الآراميون/ السريان هم أيضاً عرب ومن الجزيرة العربية (بالإستعاضة)!!، أي جميعهم عرب وعليه نستنتج حسب ما يدعيه من أنّ اللغة الآرامية قد اُستنبطت من اللغة العربية وليس العكس كما بيّن سابقاً هو قبل غيره في مقالات سابقة لأن الفرع هو الذي يأخذ من الأصل وليس العكس (يعني مرّة يكتب من أن اللغة الأرامية هي أم اللغات في العالم، لكن يعود من دون أن يعي لينسف هذا الأمر كما بينّتُ)!!، وبهذا يكون قد ناقض نفسه ونسف كل أبحاث المؤرخين الذين يقولون أنّ اللغة الآرامية هي أولى اللغات الهجائية في العالم والتي أشتقت منها بقية اللغات السامية (هنالك رأي آخر لبعض المؤرخين يقول ان اللغة الآرامية قد جاءت أصلاً من اللغة الفينيقية)، هذا إذا كان يؤمن بعلم الحساب والرياضيات الذي برعوا فيه الكلدان والذي يَستخْدِم (الإستعاضة) في حل المعادلات المعقدة مثل المعادلة التي عقدّها علينا وعلى القرّاء الأفاضل!!!.
كذلك نسف بطروحاته الضبابية المتذبذبة قواعد وبديهيات "الأثنيّات" وعلم "الأثنولوجيا" تحديداً وما يميّز الأقوام عن بعضها البعض من مقوّمات أولها اللغة والتاريخ والتراث المشترك وسماتهم الخلقية وخصائصهم وفي حالات معينة الدين المشترك أيضاً والتي على أساسها تم تصنيف الأقوام واختلافهم عن بعضهم البعض حتى وإن كان منبعهم واحد!!، وهذا بالضبط ما هو قائم الآن من وجود أقوام عربية وكلدانية وآشورية وسريانية وصابئية مندائية وأيزيدية وتركمانية وكردية تختلف بلغاتها وتراثها وتاريخها وسماتها الخلقيةـ ـ الخ!!، لكنها موحدة بهويتها العراقية الرافدينية.
والأفظع من ذلك كلّه كذّبَ الكتب السماوية وحاول (تفنيد) ما جاء في كتاب "العهد القديم" الذي يحتوي على "التوراة" التي يعترف بها الإنجيل والقرآن الكريمين كأحد الكتب السماوية، وذلك عندما الغى وجود قوم اسمهم الكلدان في إحدى مقالاته!!، وسأورد نص ما جاء في الفصل الحادي عشر من أول أسفار العهد القديم وهو سفر "التكوين" في فقرته المرقمة (31) حيث ذكرت: " وأخَذَ تَارَحُ أبْرَامَ اُبْنَهُ وَلُوطَ بْنَ هَارَانَ اُبْنَ اُبْنِه وَسَارايَ كَنّتَهُ اُمْرَأةَ أبْرَامَ اُبْنِه فَخَرَجَ بِهِمْ مِنْ أورِ اُلْكَلْدَانِيّينَ لِيَذْهَبُوا إلَى أرْضِ كَنْعَانَ. فَجَآءُوا إلَى حَارَانَ وَاَقَامُوا هُنَاكَ" ـ ـ إنتهى الإقتباس من النص المأخوذ من العهد القديم، ومن يرغب من القرّاء الأفاضل التأكد منه فسأرفق صورة للنص لا تقبل الجدل، ـ ـ طيب يا أيها الباحث النادر بطروحاته ـ ـ  هذا نص واضح في احد الكتب السماوية التي تبيّن وجود قوم أسمهم "الكلدانيون" وأنّ "اُور" مقرونة بإسمهم (هذا يدلل على أن الكلدانيين كانوا متواجدين منذ العصر السومري/ الكلداني الأول، لكن ظهروا كأمبراطورية وقوة عظمى حوالي سنة 627 ق.م وهذا الإفتراض يأخذ به الكثير من الباحثين إستناداً الى ما جاء في كتاب العهد القديم) وعند محاولتك تكذيب هذا النص من خلال إنكارك لوجود قوم اسمهم الكلدان ومدعيّاً بأنهم آراميون فأنه بدون شك قد طعنتَ بكل الكتب السماوية التي تعترف بكتاب "العهد القديم"، ولو كان إدعائك صحيح لذكر كتاب العهد القديم "أور الأرامية" وليس "أور الكلدانية"!!!!، فمن أنتَ لتتجرأ وتفعل ذلك!!، وهذا الأمر وحده كافي لإقامة الدعاوى القانونية عليك أينما توجد ومن كل الأطراف الدينية!!،  فبأي منطق تتكلم يا مكتشف خبايا التاريخ ومحلل ومفسّر طلاسمه!!!، ، ومرة سابعة وثامنة وتاسعة تدعي وتدعي وتدعي ـ ـ الخ من الهذيان والتخبط!!، واقول لك بربك إرسي على بر (جميع القرّاء يقولون عندما يقراؤن لك: "عرب وين ـ ـ طنبورة وين"، هسة هذا شيريد، وهذولة الكلدان والسريان والآشوريون والعرب المسلمين خطية منين ـ ـ أي قابل جوّي من السما هذولة العراقيين القدماء لو من باطن الأرض)!!!.
وقد (اعترَفَ) في مقالة سابقة من أن التقويم الذي تتبعه الكنيسة التي (يدعي) بالإنتماء اليها وَوَصَفَهُ (بالخطأ) وخاصة فيما يخص عيد القيامة، واعترَفَ ايضاً بان التقويم الميلادي هو الأقرب الى الحقيقة والدقّة مرغماً بالأدلّة العلمية الحديثة!!، ودخل في لغة الأرقام لاثبات ذلك!!، ونسف كل المعتقدات وبضمنها معتقدات الكنيسة التي (يدعي) بإنتماءه اليها!!، وخاصة فيما يخص تحديد عيد القيامة، وفنّد في الفقرة الثانية في مقالته تلك تبريرات رجال مذهبه بتمسكهم برأيهم (الخاطئ) متهماً إيّاهم برغبتهم بالسيطرة والإستحواذ على المناصب والسلطة والمال!!، وطرح قول السيد المسيح "إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي اكون وسطهم"، وأنا كاتب هذه المقالة النقدية أؤيده بكل تأكيد على دعوته للوحدة الكنسية ووحدة كل البشر بتواصلهم الإنساني وكذلك عدم دقّة التقاويم المعتمدة سابقاً وأن أكثرها دقّة في الوقت الحاضر هو التقويم (الميلادي)، لكن ألا ترى يا هذا انك تناقض نفسك!!، فمن جهة تطلب من رجال الدين عموماً ومنهم الذين تتبعهم انت بالوحدة ونبذ الخلافات وبالتمسك بقول السيد المسيح!!، ومن جهة اخرى ترفع سيفك على الكلدان والآشوريين والعرب المسلمين، وعليه وبنفس (المنطق) سأحاججك وأقول لك من ان السيد المسيح يقول ايضاً: " لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الّذِي فِي عَيْنِ أخِيكَ، وأمّا الْخَشَبَةُ الّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا"!!، إذاً اقولُ لك اخرج الخشبة من عينك أولاً قبل ان تنظر الى القذى في عين الآخرين ومنهم مّن اتهمتهم من رجال مذهبك!!، اتعلم من انّ في مقالتك تلك قد اتهمت من تدعي بالإنتماء الى كنيستهم (بالهرطقة) للإستحواذ على السلطة قبل غيرهم وخاصة فيما يخص (شعلة نور السيد المسيح)!!، فهل يوافقك الروحانيون من مذهبك على ادعاءاتك؟!، وادعو الجميع ليحكموا ويقرروا مَنْ هم المشعوذين والمهرطقين: هل هم الكلدان كما يتهمهم هذا

7
صَرَخات الموتى من داخل مقبرة الكلدان في الباب الشرقي: "أرواحنا تتعذب من إهمال الأحياء لقبورنا"
بقلم: سالم إيليا
قال الحكيم والفيلسوف كونفوشيوس: " عندما لا ندري ما هي الحياة ـ ـ كيف يمكننا أن نعرف ما هو الموت"!!!.
صُدمت من الصور (المرعبة والمحزنة) من داخل مقبرة الكلدان في وسط العاصمة بغداد في الباب الشرقي التي بعث لي بها أحد أقاربي القلائل المتبقين داخل الوطن والذي لا يزال متشبث بأرضه منتظراً الفرج بأيمانه وثقافته وتعليمه الأكاديمي والحاصل على أرفع الشهادات في مجال تخصصه.
وحيثُ من المفروض أن تُشمَل هذه المقبرة برعاية أمانة العاصمة لوقوعها في مركز العاصمة قبل شمولها برعاية ذوي الشأن الذين تركوا رعاياهم الأحياء يواجهون الموت والإضطهاد والتهجير دون أن يحركوا ساكناً ولم نرى منهم فعلاً على الأرض غير الإستنكار والتنديد وأقصد بهم رؤساء وقادة الكنيسة الذين سيسجل لهم التاريخ مواقفهم الضعيفة وإدارتهم السيئة على صفحاته المظلمة، وبالمقابل سيسجل بأحرفٍ من النور وفي صفحاته البيضاء شجاعة رعيتهم بتصديهم بقلوب عامرة بالإيمان رصاص الغدر وسكاكين التكفير الطائفية.
فيا لكم من شجعان أيها المسيحيون العراقيون المتمسكون بالأرض على الرغم من ضعف وهزالة قادة كنيستكم وشراسة ووحشية أعداء الإنسانية من المتطرفين الدواعش وغيرهم للنيل منكم، إنكم تصارعون من أجل البقاء حباً وهياماً بوطنكم وتواجدكم على أرض أجدادكم، وعلى الرغم من هذا وذاك يزرع فيكم رؤسائكم بذور اليأس بدل الأمل بإهمال قبور موتاكم ومنهم من ماتوا شهداء لإيمانهم المسيحي وتمسكهم بمعتقدهم وحيثُ من المفروض أن يُخَلدوا بنصبٍ خاصٍ ليصبح مزاراً تحج اليه جموع المؤمنين ليستمدوا من تضحياتهم العزم في المطاولة والبقاء.
إن رؤسائكم أيها المسيحيون العراقيون يرسلون رسائلهم اليكم بالإسراع في الهجرة لأن حياتكم البائسة في العراق ستكون أرحم من مماتكم والتي ستكون أكثر بؤساً وعذاباً من خلال إهمالهم للحودكم بعد مغادرتكم لهذا العالم الفاني، إنهم يقولون لكم هكذا ستتعذب أرواحكم في قبورها، فلا من متابع لها ـ ـ ولا من حريص على نظافتها ـ ـ ولا ممن يحترم قدسية نفوسكم التي ستصبح في حضرة الخالق الكريم.
أوليس من المفروض أن نعتني بالقبور ومن بداخلها قبل أن نشجب "داعش" بتهديمها لها ورفع الصلبان من على شواهدها؟؟!!، فما الفرق إذا بين فعل "داعش" الدنئ وفعل من أهمل القبور وجعلها مزابل ترمى على صور رموزها الدينية وصلبانها القاذورات بدلاً من الزهور وكما هو معمول به في البلدان المتحضرة التي بدأت حضارتها من إهتمامها بقبورها!!، أين هو إيمانكم يا دعاة الدين وحماته؟؟؟!!!، وأين هو إهتمامكم بالموتى ليكون الخطوة الأولى لإهتمامكم وتباكيكم على الأحياء من رعيتكم؟؟!!.
وأرجو ألاّ تبرروا هذا الفعل المشين بقولكم من أن المقبرة لم يعد يدفن فيها الموتى الآن والتي أعيد الدفن فيها قبل سنوات حين تعذر الذهاب الى المقبرة الحالية نتيجة تردي الأوضاع الأمنية وربما ستحتاجون اليها مرة أخرى!!!، وماذا عن الأموات الموجودين فيها الآن!!، وربما ستقولون من أنه سيتم إزالتها أو نقل رفات من هم معذبة أرواحهم فيها نتيجة إهمالكم لها وأن رفاتهم سيتم نقلها الى مقابر أخرى ليست في جميع الأحوال بأفضل حالٍ من سابقتها بسبب رداءة بناء القبور وضحالة عمقها حتى يكاد يتعثر الزائرون بصناديق الموتى أو تغرس أقدامهم بهشاشة تربتها!!، وهذا ما هو حاصل الآن في المقبرة الواقعة على طريق بغداد ـ بعقوبة القديم!!، أو ربما ستدعون من أنكم غير مسؤولين عن صيانتها والإعتناء بها وقد تناسيتم واجبكم الديني والأخلاقي كرؤساء معنيين بكل صغيرة وكبيرة تخص مكوناتكم ورعاياكم، أو ربما ستبررون من أنه لا يوجد من المال الكثير لصرفه على المهجّرين الأحياء فكيف بكم لتوفيره للصرف على مقبرة الأموات!!!!، فكل هذه المبررات الحاضرة على طرف السنتكم قد ملّ منها أتباعكم ورعيتكم وهم يشاهدونكم تصرفون الأموال على سفراتكم ورحلاتكم ودعواتكم وأُبَهتكم بحملكم للصلبان الكبيرة الذهبية المطعمة بالياقوت والزمرد والفيروز!!، أطعموا أولاً مهجّريكم وإهتموا بقبور موتاكم ثمّ تمتعوا بعدها بما تحصلون عليه، وفروا أثمان صرفياتكم في رحلاتكم لصرفها على الأهم قبل صرفها على أبَهتكم ومعيشتكم وأفعلوا كما فعل معلمكم الأول الذي تدينون بالولاء والتبعية له، أوليس هذا جوهر ما نادى وضحى لأجله؟!!!.
أوليس للموت رمزية عُليا في سفر الإيمان المسيحي الذي تؤمنون وتبشرون به ونحن على أعتاب الإحتفال السنوي بعيد القيامة المجيد، الم تصلكم رسالة سيدكم المسيح بموته وقيامته!!!.
وسؤالي المهم: هل يقبل أياً منكم أن يُدفن جثمانه في مثل هذه المقابر الأقرب الى المزابل؟؟؟!!!.
وسؤالي الأهم: أين هم المسؤولين عن الوقف المسيحي؟؟!!.
وآخر قولي لكم إحترموا الأموات وقبورهم ليكون الطريق الى إحترام الأحياء وصروحهم!!، فتحضّر البشر وإنسانيتهم تُعرف من الإعتناء بمقابر موتاهم!!.
وسأترك القرّاء مع الصور التي ستتكلم وستدين بنفسها المسؤولين عن هذا التردي المُخجل بأكثر مما نطقتُ به.         


8
ما بين الإشتراكية "البائسة" والإشتراكية "الرغيدة"
بقلم: سالم إيليا
إنّ المفهوم الدارج لمعنى الإشتراكية وتاريخها ليس وليد المئة سنة الأخيرة من الزمن بل كانت معلومة منذ آلاف السنين وقد أوصى بها الأنبياء والرُسل والمصلحين الإجتماعيين من خلال أقوالهم وحِكَمهم، وحيثُ نبذوا كنز المال والإحجام عن مساعدة الفقراء من قبل الميسورين وروّجوا لمبدأ التكافل الإجتماعي والعدالة الإجتماعية.
لكن "الإشتراكية الثورية" التي أوجدها المنظّرين السياسيين مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تختلف بأهدافها ومفهومها عن ما روّجوا له دعاة الإصلاح المجتمعي منذ آلاف السنين فأصبحت كالكابوس أو كـ (البعبع) لأهم شريحة من شرائح المجتمع التي أطلقوا عليها بالطبقة البرجوازية والتي تنظوي تحت مسمياتها إدارات المصانع الإنتاجية وملاّك القطاع الخاص الذين يديرون إقتصاد البلد ويمتلكون رؤوس الأموال والأهم من كل ذلك يمتلكون العقل الإقتصادي والخبرة الميدانية عن كيفية تنمية رأس المال وتدويره إضافة الى خلقهم للفرص التشغيلية للأيدي العاملة وتركيزهم على الصناعات الإستراتيجية المهمة التي يحتاجها البلد وحيثُ تتوفر من خلالها فرص العمل للملايين من أبناء الشعب مما يساعد بشكلٍ كبيرٍ على رفع العِبْءُ الأعظم عن الدولة لإدارة الشركات المتخصصة والمصانع الإنتاجية وورش العمل في المجالات كافة، وحيثُ أثبتت التجارب الإشتراكية الفاشلة عجز أنظمتها الحكومية المتمثلة بطبقة البروليتاريا وجهلها وعدم مواكبتها وتطويرها لفن "الإدارة الصناعية" كما كان يفعل القطاع الخاص (طبقة البروليتاريا بمعناها المبسّط حسب المفهوم الماركسي: هي الشريحة الإجتماعية الفاقدة لأي إمتيازات والتي ولدت من رحم ممارسات الطبقة الإحتكارية التي إستغلت جهدها العضلي والفكري بأبشع الوسائل والتي أخذت على عاتقها إدارة الدول التي أطلق عليها بالإشتراكية)!!!..
وفن "الإدارة الصناعية" هو موهبة كأي موهبة أخرى قبل أن تُصقل بالدراسة الأكاديمية ولها نفس إستحقاقات وشروط المواهب الأخرى من حيث تعزيزها بالعلم والمعرفة والخبرة، فلا يجوز تعيين كل من هبّ ودب بمجرد أنه حزبي لإدارة هذا الفن ما لم يحمل في داخله علامات موهبته!!!، ولهذا قادت تجربة الدول الإشتراكية الى فشل ما أطلق عليه بـ "رأسمالية الدولة"!!!.
وربما يحاجج المحتجّون والمعترضون على الأنظمة ذات "الإقتصاد الحر" التي ينعتونها بـ "الأنظمة الرأسمالية" على إستغلال فئة قليلة نسبياً من فئات المجتمع التي في يدها رؤوس الأموال للشريحة الأعظم من شرائح المجتمع المتمثلة بشريحة العمال أو ما أطلق عليها البعض بالطبقة العاملة أو الكادحة أو "الشغيلة" ـ ـ الخ من التسميات، لكن أثبتت التجارب الناجحة نسبياً في دول الإقتصاد الحر على إمكانية لجم جشع أصحاب رؤوس الأموال بالقوانين الصارمة التي تحمي العامل الى حدٍ كبير وفي نفس الوقت تنصف رب العمل وتقر التوازن بين الواجبات والحقوق لكلا الطرفين، وما أوردته النظريات الإشتراكية وأدبيات أحزابها ربما كانت تُصلح قبل مئة عام وذلك لوجود مبررات تطبيقها نتيجة الإستغلال الجشع والبشع من قبل أرباب العمل للقوى العاملة دون وجود قوانين رادعة لهم، لكن الأمر إختلف بعد النصف الأول للقرن العشرين مروراً الى بدايات القرن الواحد والعشرين الذي نعيشه الآن.
ومن خلال خبرتي العملية والميدانية التي تجاوزت السبعة والثلاثين عاماً عملت خلالها في ثلاث دول مختلفة في أنظمتها السياسية ما بين جمهوري ثوري وملكي دستوري وليبرالي وكنتً على تماس مباشر بالطبقة العاملة فيها ومنها العشرين عاماً الأخيرة التي قضيتها في بلد من البلدان المصنفة بإقتصادها الحر وتدرجتُ في مختلف الدرجات الوظيفية فيه، وحيثُ تبين لي من أنّ العامل محفوظة حقوقه بنسبة عالية لم أكن أتوقعها وليس كما قرأنا وسمعنا عنها!!!!، لكن الفرق بين نظام "الإقتصاد الحر" عن النظام "الإشتراكي" هو مطالبة العامل بالإنتاج الفعلي المساوي لمقدار أجوره في النظام الأول (الإقتصاد الحر) ومراقبة الهدر الإنتاجي مراقبة جادة من خلال مراقبة أرباب العمل للهدر المتعمد لساعات العمل لأن مصانعهم ومؤسساتهم قد أنشأت على أساس ربحي وإستثماري بالدرجة الأولى!!!.
ولو تعمقنا في البحث عن أي من القوانين في النظامين (الإشتراكي أوالإقتصاد الحر) تنصف العامل أكثر فسنجد دون ريب من أنّ المفاجئة ستكون عكسية!!!، أي بمعنى سيكون الضمان للعامل في نظام الإقتصاد الحر في (زمننا الحالي) أشمل وأكثر رصانة من النظام الإشتراكي فيما لو تصرف العامل بطريقة سوية لضمان مستقبله (من يقرأ النظرية الإشتراكية التي طرحها منظّروها يفهم منها من أن المجتمع ككل وخاصة طبقته العاملة سيعيشون في مستوى معاشي مضمون وميسور، لكن الوقائع أثبتت العكس عند تطبيقها)!!!، وربما يسألني أحدهم، كيف؟؟؟!!!، فيكون جوابي له: من أنّ العامل في أنظمة الإقتصاد الحر على سبيل المثال يستطيع رفض أي عمل خطر على حياته إذا لم يتضمنه عقده مع رب العمل وحيثُ تحميه بذلك قوانين العمل النافذة فيما لو حاول رب العمل طرده، وعلى ربّ العمل تهيئة كافة المستلزمات والمعدات الخاصة بالحماية الشخصية للعامل في حال قيامه بأعمال خطرة للتقليل من إحتمالية الإصابة ونسبها وإلاّ سيخسر ربّ العمل ربما مصنعه أو متجرهُ ثمناً لتعويض العامل المتضرر أو ربما يتعرض الى عقوبة السجن أو الأثنين معاً!!، كذلك للعامل حرية قبول أو رفض الأجور المعروضة عليه في العمل فيما لو يعتقد بأن كفائته وطبيعة عمله تستحق أجوراً أعلى، أي هنالك مبدأ الإتفاق بين الطرفين قبل البدأ بالعمل، كذلك لا يوجد في مجتمعات الإقتصاد الحر أي صيغة للعمل المجاني أو ما أطلق عليه "التطوعي" الذي غالباً ما يفقد معناه التطوعي ليصبح "قسرياً" كما هو معمول به في الدول الإشتراكية والذي دأب البعض على تسميته بـ "العمل الشعبي" أو أسماء مرادفة أخرى (أقصد بالعمل التطوعي المجاني المطلوب القيام به في نفس الشركة أو المصنع أو أي مجال إنتاجي آخر وبساعات إضافية غير مدفوعة الثمن، ولا أقصد فيه ما هو معمول به في جميع البلدان من خلال الجمعيات الخيرية والفعاليات الجماهيرية الذي يكون إختيارياً بالفعل وليس قسرياً)، لا بل على العكس من ذلك في بلدان الإقتصاد الحر هنالك ساعات عمل محددة شهرياً للعامل ومازاد عنها تُعتبر ساعات إضافية تدفع للعامل حسب إتفاقه مع رب العمل وقد تحتسب كل ساعة عمل إضافية بساعة ونصف أو ساعتي عمل إعتيادية وحيثُ يطلق عليها بالوقت الإضافي (Over Time)!!، وهذه الفقرات غير موجودة أصلاً في الأنظمة الإشتراكية التي تَعتبر الإمتناع عن العمل الخطر في الحالة الأولى وعدم أحقية مناقشة الأجور في الحالة الثانية ورفض العمل لساعات إضافية مجانية في الحالة الثالثة جريمة قد تدخل في إطار معاداة النظام الإشتراكي!!!، وفي أغلب الأحيان يشترك كلا النظامين (الإشتراكي والإقتصاد الحر) بوجوب تمتع العامل بالتأمين الصحي والتأمين على الحوادث التي قد تحصل له أثناء العمل مع فارق حصول العامل على تعويضات مادية مجزية قد تصل الى ملايين الدولارات في نظام الإقتصاد الحر وحسب نوعية الإصابة مع تخصيص راتب تقاعدي مجزي له لبقية عمره إضافة الى تحمل الطرف المتسبب بالإصابة (أي ربّ العمل) لكافة مصاريف العلاج للطرف المتضرر!!!، في حين لا تتجاوز في النظام الإشتراكي أكثر من ضمان العيش للعامل حتى مماته بالمستوى البسيط المعتاد عليه أصلاً مع شموله بمجانية العلاج التي يتمتع بها المجتمع "الإشتراكي"!!!!.
فالتجربة الإشتراكية في كوبا مثلاً قد قاد فشلها خلال الست سنوات الأولى من عمر الثورة الى رفض بقية شعوب دول أمريكا اللاتينية لها جملةً وتفصيلاً ولأسباب عديدة أولها الدعاية المضادة والحصار الأمريكي المفروض على كوبا، وثانيها عدم تنفيذ قادة الثورة لمعظم وعودهم وحيثُ رأيتُ بنفسي بؤس الشعب الكوبي أثناء زيارتي لهذا البلد بعد ثلاثة وخمسين عاماً بالتمام والكمال على نجاح تلك الثورة!!، وهذا ما كان واضحاً أيضاً من خلال عدم تجاوب الشعب البوليفي وطبقته الكادحة حينها مع دعوة الثائر جيفارا ورفضهم من الإنضمام الى مجموعته الثائرة حين أعلن عصيانه في غابات بوليفيا بعد ست سنوات تقريباً من إنتصار الثورة الكوبية التي كان عمادها المزارعين، وحيثُ صُدِمَت شعوب أمريكا اللاتينية بنتائجها التي قادتهم الى رفض النظام الإشتراكي الثوري البائس بمجمله!!!، مما حدا بالطبقة الكادحة والمزارعين البوليفيين للعمل كجواسيس ومخبرين للحكومة بأكثريتهم الساحقة ضد العصيان المسلح الذي قاده جيفارا وكما جاء في مذكراته التي تكلّم عنها بمرارة الثائر الواهب حياته لإسعاد الفقراء وتحقيق العدالة الإجتماعية لهم لكنهم خذلوه!!!!!.     
وبالمقابل لنأخذ مثلاً آخراً قائماً لإحدى أهم الدول المنظوية تحت مظلّة الإقتصاد الحر والمجاورة لأكبر منظومة إشتراكية والمتمثلة بالإتحاد السوفيتي السابق والتي زرتها أيضاً في شهر آب/2014م، فالسويد سعت بنظامها الى تطبيق الإشتراكية الحقيقية بإعتراف اليساريين العراقيين بعد هجرتهم اليها وطلب اللجوء فيها بعد فترة ملاحقتهم نهاية السبعينات من القرن المنصرم في العراق!!، وحيثُ فضلوا في معظمهم العيش فيها على العيش في إشتراكية جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق التي إحتوتها "النظرية الشيوعية" وأفقدتها لجوهرها وسارت بها الى نظام "البطالة المقنعة" والهدر الكبير لموارد هذه الجمهوريات الغنية بمواردها التي خضعت للنظام الإشتراكي الفوضوي أو كما يسميه البعض بالثوري والذي لا يزال يدافع عنه بعض اليساريين بقولهم من أنّ "الخطأ ليس في النظرية ولكن بتطبيقها"!!، وقد أغفلوا حقيقة ماثلة أمام مثقفي العالم بسؤالهم: هل من المعقول إنّ النظرية كانت صحيحة وأخطأت عشرات الدول الشيوعية وبمختلف إجتهاداتها عند محاولة تطبيقها وأخفقت في نجاحها ولو بنسب معقولة وليس بالنسب المطلقة بدءاً بالجمهوريات السوفيتية والدول الشيوعية الملحقة بركبها الى يوغسلافيا الى المجر الى المانيا الشرقية السابقة الى الصين (لقد لاحظتُ خلال زيارتي للصين في شهر مايس/2016م تعافي إقتصادها نسبياً بعد تخليها عن جوهر الإشتراكية الثورية وتعاون بلدان الإقتصاد الحر معها في إستيراد منتجاتها بمئات المليارات من الدولارات سنوياً، لكن بقي نظامها السياسي يحمل شعارات الشيوعية لإدامة السيطرة على الشارع الصيني المتخم بالتراكمات التي قد تفجّر الوضع في أي لحظة)!!، وحيثُ كانت لكل مجموعة من تلك الدول الشيوعية التي ذكرتها رؤيا وفلسفة تختلف عن غيرها في كيفية فهم هذه النظرية وتطبيقاتها، وحتى البعض من الأحزاب "الإشتراكية" الشرق أوسطية التي تأثرت بمفهوم الإشتراكية الثورية فشلت في تطبيقها كمحاولة حزب البعث العربي الإشتراكي تطبيقها في العراق وسوريا وكذلك الحزب الشيوعي في اليمن الجنوبي وغيرها، فهل من المعقول أنّ كل هذه الدول والأحزاب فشلت بعباقرتها ومفكريها بالوصول الى الطريقة الصحيحة التي طرحاها كارل ماركس ـ فريدريك أنجلز في نظريتهما؟؟؟!!!.
ولو كانت فرضية حدوث هذا الخطأ واردة بالشكل المأساوي الذي أوصل تلك البلدان وشعوبها الى ما هم عليه الآن، فهذا بكل تأكيد يعطينا مؤشرين لا ثالث لهما!!، فأمّا النظرية خطأ من الأساس ـ ـ أو إستحالة تطبيقها على أرض الواقع كونها تسمو على ما فوق تفكير وقدرة البشر وسلوكهم ووعيهم وحيثُ يمكن نعتها بالنظرية "الأفلاطونية" وليس كما يحدثنا عنها فريدريك أنجلز في كتابه (الإشتراكية: الخيالية والعلمية)!!!.
قبل منتصف السبعينات من القرن المنصرم كان هنالك لغطاً كبيراً بين الحزبين الرئيسيين المتحالفين في الجبهة (الشكلية) في العراق وكان كلاً منهما يحاول بيان سلبيات الآخر من خلال فسحة الديمقراطية المفروضة منطقياً من خلال (العقد أو الإتفاق) المبرم بينهما عند قيام تلك الجبهة وعبر صحيفتيهما (الثورة وطريق الشعب)، ولا أعلم لحد الآن لماذا أطلقوا عليها إسم "الجبهة"؟؟!!، وضد مَنْ كانت؟؟!!، فهل كانت ضد تحديات ومؤامرات (الإمبريالية) العالمية أم ضد أعداء (الإشتراكية الثورية) من البرجوازية المحلّية أم ضدهم جميعاً؟؟!!، وحيثُ أنّ واقع الأيام التي تلتها أثبت عدم وجود أي جبهة حقيقية وإنما كانت جبهة على الورق فقط!!!.
ومن بين المحاججات بينهما دفاع الشيوعيين وتسويقهم لمنتجات الإتحاد السوفيتي ومعسكره الذي تضادده آراء البعض من المسؤولين الإداريين في حزب البعث من خلال تصريحاتهم!!، وقد كان جواب مدير الشركة العامة لإستيراد السيارات حينها مفاجئاً في البرنامج الإذاعي "البث المباشر" في معرض ردّه على الإتهامات بشأن الإختناقات المرورية الناتجة عن إغراق الطُرق بالسيارات الخصوصية بدون تخطيط وتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتطوير وتوسيع الطُرق وإنشاء الخطوط السريعة!!، مؤكداً عدم مسؤوليته عنها ودافع عن سياسته بفتح المجال لإستيراد السيارات الخصوصية، وحسب ما برره حينها من أنه يعمل في شركته على هدف حصول كل مواطن عراقي على سيارته الخاصة وعلى بقية المؤسسات ذات العلاقة مواكبة هذا التطور ومنها مؤسسة الطرق والجسور والدوائر ذات العلاقة وبيّن مِن أنّ مشكلة الإختناقات المرورية ليست مشكلته!!، وحيثُ عزا نفس المسؤول تلك الإختناقات المرورية الى إصرار الدولة وقيادة الحزب على إستيراد السيارات من دول المعسكر الإشتراكي وخاصة الروسية منها على الرغم من عدم ملائمتها للأجواء الحارة في العراق مما يؤدي الى إرتفاع حرارة "الفيت بامب" ووقوفها في منتصف الشارع وتعطيل السير إضافة الى رداءة الطرق (كانت الحكومة العراقية وحسب إتفاقيات التبادل التجاري المعقودة مع الإتحاد السوفيتي السابق تقايض إستيراد بعض أنواع السيارات الروسية بثلاثمئة الى خمسمئة زوج أحذية من شركة "باتا" العراقية حسب ما أشيع حينها)!!!!، فرد عليه الشيوعيون في جريدتهم "طريق الشعب" ضمن سلسلة المناكفات السياسية التسقيطية المتبادلة بينهم لكسب المواطن العراقي بقولهم: "من أنّ سبب المشكلة يعود الى إغراق الشارع بالسيارات الخصوصية مع عدم تطوير وتوسيع الطرق، وبدلاً مِن إستيراد السيارات الخصوصية بمئات الآلاف على الحكومة توسيع وتطوير منظومة النقل العام (الجماعي) كون أنّ جوهر النظام الإشتراكي الذي يرفعه الحزب الحاكم من المفروض أن يسير في هذا الإتجاه"!!!!.
فرد عليهم مدير الشركة العامة لإستيراد السيارات حينها بتصريح في جريدة حزبه "الثورة" بقوله: "أنا أفهم من أنّ الإشتراكية لا تعني بالنسبة لي حرمان المواطن المقتدر من إمتلاكه لسيارته الخاصة وإنما السعي لتمكين المواطنين جميعهم الى إمتلاك سياراتهم الخاصة وعلى عدد البالغين منهم في البيت الواحد"!!!، طبعاً تصريحه هذا كان بكل تأكيد ضد مفهوم الإشتراكية الثورية التي تتبناها الأحزاب الشيوعية وحتى حزبه حزب البعث العربي الإشتراكي!!، لكن الحقيقة ما نطق به الرجل جدير بالوقوف عنده والتأمل بمعنى الإشتراكية "الرغِدة أو الرغيدة" وليس "البائسة" كما أسميتهما في عنوان مقالتي هذه.
فإذا توفرت للإشتراكية "الرغيدة أو الميسورة" العوامل الموضوعية وخاصة غنى البلد بمصادره وثرواته القومية وصناعته فلِما لا يتمتع الشعب بها وتقل الفوارق الطبقية بين الجميع عن طريق السعي الى توفير الحياة الرغيدة للجميع وليس مساواتهم بالحياة البائسة!!!!!، أي بمعنى آخراً مساواتهم بمعدل الغنى أو اليُسر المقبول وليس بالفقر المفروض والشامل للكُل!!!!، فهل من الضروري أن يتم تطبيق النظام الإشتراكي من خلال تدمير الطبقة الغنية وسلبها لأموالها ومصادرة ممتلكاتها لصالح الدولة بإسم المساواة بين أبناء الشعب؟؟؟!!!، وإذا كانت الدولة بإمكانياتها المادية قادرة على دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة من خلال تطوير وزيادة مواردها المالية لتقليل الفوارق الطبقية لكان الأفضل في الوصول أو الصعود الى الإشتراكية "الرغيدة" وليس النزول الى الإشتراكية "البائسة"!!!، فالمفصل في هذا الأمر يعود الى عنصرين أساسيين، أولهما: على الدولة توفير فرص العمل لجميع شرائح المجتمع وتوفير مستلزمات التطوير الذاتي للمواطن من خلال فتح آفاق التعليم الأكاديمي والتدريب المهني وتطوير كافة نواحي المردودات المالية للمواطن في جميع المجالات الزراعية والصناعية والعلمية وإقرار القوانين الصارمة لحماية العامل ورب العمل وتنظيم العلاقة بينهما، وثانيهما: شخصي وهو مسؤولية المواطن ذاته في السعي لتطوير ذاته بالتحصيل العلمي أو توسيع دائرة مهارته ومقدرته لضمان مستقبله ورفع مستواه المعاشي، فليس من الإنصاف أن يتساوى في النظام الإشتراكي (البائس) مواطن "عالم" حاصل على الشهادات الأكاديمية العليا وسهر الليالي لبلوغ ما بلغ اليه من علم ومعرفة مع "جاهل" كسول تعمد على عدم تطوير نفسه فنراهما يعيشان بمستوى مادي متقارب ويتجاوران في الحي السكني المملوك للدولة ويدفعان الإيجار الشهري لوحدتي السكن المتماثلة في كل شئ ويتنقلان بوسائط النقل العام، وربما على "العالم" إهدار وقته الثمين بالبحث عن بعض الحاجيات الحياتية الشحيحة في النظام الإشتراكي "البائس" وحيثُ أنّ الوقت لا يعني أي شئ بالنسبة للإنسان "الجاهل" والكسول الذي لا يهمه الوقوف لساعات في الطوابير للحصول على "التموين الإشتراكي" المدعوم من الدولة وعندها سيتساوى "الذين يعلمون والذين لا يعلمون"!!!، وبإعتقادي هذه هي إحدى أهم الأسباب لفشل الإشتراكية "البائسة"!!.
وحيثُ أنّ "النظام الإشتراكي" يعني حسب المفهوم السياسي للقوى اليسارية "دكتاتورية البروليتاريا" التي تقوم على أساس تحجيم لا بل الغاء شريحة القطاع الخاص، وتأميم الممتلكات الخاصة من مصانع وأراضٍ زراعية وممتلكات أخرى للطبقة التي أطلقوا عليها بالبرجوازية وتحويل معاملها الى الإدارات العمالية المتصلة بالدولة الحزبية!!!، بمعنى آخر عدم السماح أو التضييق بأقصى ما يمكن على إمتلاك العقارات الخاصة ووسائل النقل الخاص وكل ما يتصل بالخصخصة أو القطاع الخاص وإخضاعها للملكية العامة بدلاً مِن الملكية الخاصة ومحاولة سيطرة الدولة عليها وإدارتها بشكلٍ كاملٍ والغرق في مشاكلها (طبعاً هذه الفقرة هي إحدى أهم جوهر الإختلاف بين الأنظمة الشيوعية ولا أقول الإشتراكية وبين الأنظمة الرأسمالية أو أنظمة الإقتصاد الحر)!!!.
ولكي نكون منصفين علينا التنويه الى أنّ معظم الدول التي ننعتها بالرأسمالية تطبق فعلاً فقرات مهمة مِن "الإشتراكية" وذلك من خلال قوانينها المجتمعية كالتأمين الصحي ونظام الرعاية الإجتماعية وتوفير المساكن أو الوحدات السكنية الحكومية المؤجرة بأسعار رمزية لذوي الدخل المحدود والمدعومة من فرض الضرائب التصاعدية حسب الدخل المالي السنوي على المواطنين، أي الأخذ من الغني لإعطاء الفقير!!، وتوفير العمارات السكنية لكبار السن بكل مستلزماتها وتخصيص رواتب تقاعدية لكل فرد في المجتمع وصل الى العمر المحدد للتقاعد، والتسهيلات المصرفية للمسنين مع التسهيلات والتخفيضات في الأسعار حتى في وسائط النقل العام والأهم من كل ذلك الرعاية البيتية للمسنين وخاصة العاجزين وعلى حساب الدولة أو بالأحرى يتم تغطيتها من الضرائب المستحصلة من ذوي الدخول العالية أو ما يطلق عليه اليساريين "بالطبقة الغنية أو البرجوازية"، إضافة الى وجود أماكن أو مطاعم الـ (Food Bank) التي تقدم الوجبات اليومية المجانية خاصة للمتسولين أو ما يطلق عليهم بالهوم لِيسْ (Homeless)، اليست هذه هي الإشتراكية التي تتبناها الدول التي أطلقت على نفسها بالمعسكر الإشتراكي؟؟؟!!!، فلماذا يحاربون ويحقدون على "النظام الرأسمالي"؟؟!!، وكلنا نقرأ ونسمع ونعلم عن الكثيرين ممن خرجوا من العراق ودول أخرى من اليساريين وغيرهم قد أخفوا على حكومات الدول "الرأسمالية" التي لجاؤا اليها أموالهم وممتلكاتهم ورواتبهم التقاعدية التي يتقاضونها من بلدانهم الأصلية وبدءوا بمزاحمة ذوي الدخل المحدود في تلك البلدان على مكتسباتهم التي أقرتها أنظمتهم "الرأسمالية"، وبدءوا أيضاً بإستحصال رواتب تقاعدية كاملة من بلدان اللجوء "الرأسمالية" مستغلين قوانينها الإشتراكية أبشع الإستغلال!!!، ألا يعلمون من إنهم بعملهم هذا يدمرون الجزء "الإشتراكي" المهم في النظام الذي أطلقوا عليه بـ "الرأسمالي"؟؟؟!!!.
ولنقارن بالنتائج الملموسة طبيعة النظامين السياسيين الرأسمالي والإشتراكي من خلال شخصية قادتهما، فالأول (أي الرأسمالي أو الإقتصاد الحر) يمتاز قادته بالديمقراطية الحقيقية والبساطة فنراهم يذهبون الى مقرّات عملهم بسياراتهم الخاصة أو دراجاتهم الهوائية دون حمايات وسيارات شرطة تقطع حركة المرور لساعات بإنتظار مرورهم!!!، وبإحترام لحظة مغادرتهم للسلطة ولكرسي المنصب الحكومي حال إنتهاء دورة إنتخابهم من قبل الشعب بإنتخابات غالباً ما تكون شفافة ونزيهة ويتركوا مواقعهم الرسمية بملابسهم فقط مثلما دخلوها!!!!، أما رؤساء الدول التي تقودها الأحزاب الأيديولوجية الثورية التي تُدعى بالإشتراكية، فحال إستلامهم لمناصبهم يظهر عليهم الغنى الفاحش، ويحصّنوا أنفسهم بالحمايات التي لها أول وليس لها آخر، ويبتعدوا ببيروقراطيتهم وإستبدادهم عن شارعهم الكادح الذي جاءوا منه ولأجله ويتشبثوا بالسلطة حتى مماتهم!!، ولقد حاولتُ في هذا الطرح وللإنصاف فقط أن أجد حالة شاذة عن القاعدة التي ذكرتها لطبيعة النظامين لكي أستشهد بها وللتدليل على أن هنالك حالات عكسية تنفي ما ذهبت اليه من خلال طرحي لأدعم فيها الأنظمة الإشتراكية فلم أجد!!!، وهذا الأمر يعني بكل تأكيد من أن نظريتي النظامين الرأسمالي والإشتراكي هي التي حددت سلوك القادة أثناء توليهم للسلطة!!!.
وأرجو أن لا يَفهم البعض مِن كلامي على أنه ترويج للنظام "الرأسمالي" على حساب النظام "الإشتراكي الثوري" بقدر ما أسعى فيه الى المقارنة المنطقية وبنتائجها الواضحة: مَنْ مِن النظامين طبّق "الإشتراكية" بشكلها وصيغتها الصحيحة عملياً وعلى أرض الواقع وبقي مستمر ولحد كتابة هذه السطور في المحافظة على ديمومتها على الرغم من أعباء قبول ملايين اللاجئين في دولهم وشملوهم بنظامهم المجتمعي المبني على أساس التكافل الإجتماعي!!، فبكل تأكيد سيكون الجواب هو أنظمة أو دول الإقتصاد الحر!!.
وكما هو واضح من طرحي مِن أنني لست ضد مبدأ التكافل الإجتماعي والعدالة الإجتماعية المتمثلة بتطبيق "الإشتراكية الرغيدة" وليست "الإشتراكية الثورية البائسة" والفوضوية!!، وأرجو أن لا يخرج لي أحدهم للدفاع عن الأنظمة "الثورية" ليقول لي بأن مؤامرات الدول الرأسمالية هي التي أجهضت التجارب الإشتراكية (الفريدة) في الدول ذات الحكم "الثوري"، فيكون جوابي له: لماذا لم يحصل العكس؟!، أي لماذا لم تُجْهِض الأنظمة الإشتراكية الثورية أعدائها الرأسماليون وأنظمتهم بمؤامراتها فهي لم تكن قاصرة (شر) وتخطيط بمخابراتها التي يُضرب المثل فيها بتنظيمها وقوتها، وحيثُ لم تترك وسيلة إلاّ وإستخدمتها في تحريضها للعناصر اليسارية تحت مسميات حركات التحرر الى المنظمات المتطرفة مثل "بادر ماينهوف" في المانيا و"الألوية الحمراء" في إيطاليا و"النجم الأحمر" في اليابان وغيرها، ولماذا إستطاع المعسكر "الرأسمالي" بمخابراته التأثير على شعوب المعسكر "الإشتراكي" فثارت ضد أنظمتها؟؟!!، ولماذا لم يحصل العكس؟؟؟، اليس لأن الشعوب في بلدان المعسكر الإشتراكي أضنتها الحاجة وهي ترى رفاهية شعوب البلدان "الرأسمالية"!!!، وليعطيني من يخالفني الرأي تجربة "ثورية" واحدة نجحت ولا تزال مستمرة وراضية عليها شعوبها وليس لديها نظام حُكم مستبد لا يسمح حتى بالتعبير السلمي عن الرأي، وجميعنا نعلم من أنّ الأنظمة التي كانت تنعت نفسها بالإشتراكية أسقطتها شعوبها بدءاً بتفكك الإتحاد السوفيتي السابق الى سقوط جدار برلين وإنتهاء النظام في المانيا الشرقية الى رومانيا ويوغسلافيا وجيكوسلوفاكيا وبلغاريا وغيرها.


9
غصاصة (رصاصة) الشيخ متّي وطردها للحسد في الشعر الشعبي الموصلّي للأديب يقين الأسود
بقلم: سالم إيليا
من خلال بحثي وإطلاعي على عدد لا يستهان به من التجارب الإنسانية وجدتُ من أنّ هنالك الكثير من المعتقدات والظواهر التي يجب الوقوف عندها ودراستها دراسة علمية شاملة للخروج بنتائج مقنعة  لجميع الأطراف ومنها معتقدات ما تسمى "بالحسد" والتي ربما قد تصل إلى مستوى الظاهرة المجتمعية في معظم بلدان العالم بغض النظر عن المعتقدات الروحانية ومستوى التحضّر أو الثقافة فيها!!، وحيثُ تتباين القناعات الشخصية حيالها، فلحد الآن يستخدم المواطنون في البلدان "المتحضّرة" في إفتتاحيات كلامهم عندما يرغبون بإبداء رأيهم أو إعجابهم بشيء ما أو شكلٍ ما جملة "Knock on wood" التي تستخدمها بلداننا الشرق أوسطية والأسيوية أيضاً ومعناها "دق على الخشب" التي تعني حرص المتكلم أو المتكلمة على إبعاد "عين الحسد" عن المُعجب بهم!!!، وليس موضوعنا الآن من أين جاءت هذه الجملة وأي الخشب هو المقصود؟؟!!، وحيثُ أنّ هنالك الكثير من الأدوات أو المواد التي يستخدمها الناس لإبعاد الحسد ومنها "أم سبع عيون" وأنواع خاصة من الخرز وغيرها كتعويذات.
ولقد أيدت الروحانيات المتمثلة بالأديان في معظمها ظاهرة الحسد وما يترتب عليها وكيفية الحصانة منها بترتيل أو تلاوة بعض الصلوات التي تَمنح الطمأنينة لأصحابها في إبعاد وطرد العيون الحاسدة عنهم.
لكن البعض من الناس يغالون في الإجراءات (الوقائية) أو الطُرق التي يتبعونها لطرد العيون الحاسدة أو إبطال مفعولها!!، وهذا ما حدا بالأديب والشاعر الشعبي الموصلّي الأستاذ يقين إيليا الأسود رحمه الله إلى تأليف شعر شعبي باللهجة الموصلّية سنة (1973م) في بغداد يسخر فيه من المغالاة بتلك الطُرق يدفعه إلى ذلك مستوى تعليمه وثقافته كمعلّم ومربي للأجيال، وقد تطرق في شعره إلى معتقد البعض من النساء الكبيرات في السن في المجتمع الموصلّي المسيحي حينها على إستخدام قطعة من معدن الرصاص "غصاصة" التي تم مباركتها بالصلاة عليها في دير الشيخ متّي (مزار الشفيع مار متّي) وهو أحد الرجال الصالحين المسيحيين.
وتبدأ طقوس (طرد) الحسد بصهر الرصاصة على النار في حاوية معدنية "چمچه" وصبّها في طاسة ماء موضوعة في "غربال" فيه بصلة وقطعة خبر فوقها رشة من الملح و(فردة نعال) قديمة تحملها فتاة "مطهّرة" فوق رأس "المحسود" مع قراءة بعض التعويذات والصلوات!!!، وبعد الإنتهاء من تلك المراسيم يرمى الماء وتوابعه من الملح والبصل وغير ذلك من المواد المرافقة لهذه التقاليد في مفرق لثلاث شوارع (دربونات)!!!!، وتعتبر تلك التقاليد من الموروث الشعبي الموصلّي.
وكما عودّت قارئاتي وقرّائي الكرام من غير الموصلّيين على تفسير بعض الكلمات الصعبة باللهجة الموصلّية الواردة في الشعر وسأضع مرادفاتها بين قوسين وباللهجة البغدادية أو العربية الفصحى وبشكل متداخل مع أبيات الشعر الأصلية، لكنها إضافات لم ترد في النص الأصلي للشعر أساساً، لذا وجب التنويه.
فقد (إشتكى وعاتب) الشاعر الأستاذ يقين الأسود في شعره قائلاً:
                         "غصاصة الشيخ متّي"
أنا الليلي (الليلة) ما مليح ـ ـ ـ مِن وجعي قمتُ أصيح ـ ـ ـ معغفْ (ما أعرف) فساد معدي لو لا ريحْ
                         مغص بطني موتني
يا ستار يا أمي ـ ـ ـ ـ جسمي هدّتو الحمّي ـ ـ ـ ـ ـ تعذبتُ ونشفْ دَمّي
                      طول وعغض (عرض) مددني
أرجوكم دَبرولي علاج ـ ـ آخذ بيبون أو كلاّج (آخذ بابونك أو كبسول) ـ ـ قوموا إعملولي مَساجْ
                             وَجَعْ ظَهْغي (ظهري) عَذبني
يا ستار أشْ صَاغ (صار) بيك؟! ـ ـ ـ نطلب من الله يخلّيك ـ ـ ـ عيون الحسّاد معذبيك
                                 عَقلم (عقلهم) هذا جننّي
ركضولك خمسي ستّي ـ ـ ـ جابوا غصاصة "شيخ متي" ـ ـ ـ غادوا يعلّولك بختي
                              خافوا لا العين تنكبني
خلّوها ببطن "الچمچه" ـ ـ ـ وحموها علْ الناغ پرچه (على النار شوية) ـ ـ ـ وصبّوها بهوسة وهرجة
                               وجَهْلم هذا كفغني (كفرّني)
خلوّ الغوبيل (الغربال) فوقْ غاسي ـ ـ ـ وصَبّوا الغصاصة بغاسي (برأسي) ـ ـ ـ يغيدون قطع النجاسي
                                             من حسد المعذبني
قامت بيشنگك العايلة (رئيسة العائلة) ـ ـ ـ تخطّي بصورة متمايلة ـ ـ ـ وتدفع عنّي الغايلة
                                            فند النسوان ركصّني
تلفّظت بَعض الجُملْ ـ ـ ـ وقامت تحكي بالعَجَلْ (بسرعة) ـ ـ ـ وأنا قتلني الخَجَلْ
                             غشمة والله حيّغني
تنفقسْ عين الحسود ـ ـ ـ إبجاه خالقنا المعبود ـ ـ ـ وحق حكمة إبن داوُدْ
                            قصدا هي تخلصني
عين التصيب تنفقس ـ ـ ـ إن كان من جان أو إنس ـ ـ ـ ومن المنافقين تنحرسْ
                            بدعاها (بدعائها) تغيد تحفظني
صاحت علْ قيعْدين بحيلْ ـ ـ ـ من النسوان والغجيل (الرجال) ـ ـ ـ حِسْ صياحا بذاك الليلْ
                                  خفتُ منّو وجفلّني
قوموا إغشعوا (شوفوا) أشْ كِنْصاغْ ـ ـ ـ إلصابونو عيونْ كِباغ (كبيرة) ـ ـ ـ هذا كلّو فعل الناغْ (النار)
                                    ومن نص الشَغْ (الشَرْ) أنقذتني
قالتْ لإبنا (لإبنها) قوم إسرعْ ـ ـ ـ جيب غاس بصل منبّعْ ـ ـ ـ باشر دغشَعْ قوم جمّعْ
                                      حيّغْ (حائر) بأمري خلّصني
قالتْ لا تخافْ خلصّتوك ـ ـ ـ ومن الحسّاد نجيتوك ـ ـ ـ ومن كل شرير حَصنتوكْ
                                 وغادتلا بخبيش (بغشيش) منّي
حَضِغلَكْ ملح ونعال ـ ـ ـ ومكنسي وخبز بالحال ـ ـ ـ خذم وإطلع يا غجالْ (رجل)
                            عملت للقصة طنّي
زتْ (إرمي) كل وحدي بزوَيّي (بزِويّة) ـ ـ ـ إتحرك وإعملّك نيّي ـ ـ ـ أش بيك قد تصفن بيّي
                                                  كنكْ قد تغيد (تريد) تاكلني
بالله أسأل الحاضغين (الحاضرين) ـ ـ ـ بعد تحليفم يمين ـ ـ ـ إحنا بأي عصغ (عصر) عيشين
                                            ونصدّق أكو جنّي
جوزوا من هّلْ الخرافاتْ ـ ـ ـ وإتركوا هَلْ السخافاتْ ـ ـ ـ وإتحلّوا بأحسن عاداتْ
                                  حتى أعيش متهني
                                      (إنتهى)
رحم الله أديبنا وشاعرنا الشعبي والمنلوجست المعلّم التربوي يقين إيليا الأسود الذي ترك للأجيال تراثاً أدبياً زاخراً مُوَثِقاً من خلاله عادات وتقاليد كان يزخر بها المجتمع الموصلّي، وأرجو أن أكون قد وفقتُ في عرض جزء من ذلك التراث، ولجميع المعتقدات تقديري وإحترامي.
سالم إيليا


     

10
ما بين شوق مهند محسن للطيران لرؤية بغداد وبكاء ميرنا حنّا على "الوطن المجروح"!!
بقلم: سالم إيليا
الأغاني: خاصة تلك التي تتغنى بالوطن هي سلوى المهاجرين المتيّمين ببلدانهم التي تركوها قسراً بأجسادهم لكن أرواحهم ما تزال عالقة هنالك!!، ولهذا يشعرون بمردديها من المطربين والمطربات يئنّون نوى وحزناً حين تصدح حناجرهم بها في حفلاتهم وتسجيلاتهم!!، وحيثُ تتمايل على وقعها أجساد وأرواح الحاضرين والمستمعين لها ليس طرباً وإنّما الماً وشوقاً!!، وكم من مرّة تتلئلأ المآقي هياماً وحسرةً وشجوناً على ما وصل اليه هذا الوطن المُبتلى بعقوق وخيانة أبناءه السياسيين له!!!.
فبين الآونة والأخرى يضنيني الشوق في غربتي لبغداد والعراق فأصبّر النفس بسماع الأغاني العراقية التي تثير شجوني وشوقي أكثر، لكنها في ذات الوقت تعمل عمل المخدّر لأحاسيسي وهيامي وتسكّن الأوجاع التي تنتابني وأنا لا أرى بصيص أمل للضوء داخل النفق المظلم الذي نعيش فيه.
وربما يشاركونني الرأي معظم المهاجرين لا بل العراقيين بصورة عامة من أنّ أغنية المُطرب والملحن الملتزم مهند محسن "محتاج أطير ويّه الهوى وأوصل على بلادي ـ ـ ويّا آذان الفجر يا محلا بغدادي" تأتي في مقدمة تلك الأغاني التي تشد المهاجرين كلماتاً ولحناً وأداءً لما فيها من سردٍ وأحاسيسٍ تعيدنا الى تلك الذكريات التي لا تأبى أن تفارق عشّاق الوطن وإنتماءه!!.
الرابط أدناه للإغنية بصوت مبدعها الفنان مهند محسن:
https://www.youtube.com/watch?v=4hSoPH5XEIc
وخلال إحدى تجلّيات الحالة التي ذكرتها أعلاه لسماع هذه الأغنية على "اليوتوب" بصوت مبدعها الفنان مهند محسن جلب إنتباهي تسجيل آخر بصوت الطفلة (المهجّرة قسراً) ميرنا حنّا ذات الإثني عشر ربيعاً نجمة "ذا فويس كيدز" في موسمه الأول، وحيثُ تفاعلت مع الأغنية بأحاسيس وقف جميع الحضور بما فيهم المحكمين النجوم (كاظم الساهر، نانسي جرم وتامر حسني) إحتراماً وإعجاباً بأدائها الذي إختلطت فيه مشاعر طفلة تركت وراءها بلدها وهي مرعوبة من التهديدات بإختطافها وبين حبّها للعراق حين ذكرت إنتمائها له بكل فخرٍ وزهوٍ عندما سألها النجم تامر حسني في الحلقة الأولى: "من أي بلدٍ أنتِ"؟!، فأجابته بعد أن رفعت رأسها متفاخرة وبنبرة ثقة وعفوية وتحدي أسعدت النجم كاظم الساهر وكل العراقيين قائلة: "أنا من العراق"!!!.
الرابط أدناه لموال أغنية مهند محسن بصوت الطفلة الموهوبة "ميرنا حنّا" الذي أعقبته بأغنية الفنان الراحل ناظم الغزالي "أحبك وأحب كلمن يحبك":
https://www.youtube.com/watch?v=J5KLm7IQmTc
لكن الذي أفرحني وأحزنني في آنٍ واحدٍ تسجيل هذه الطفلة العراقية لأول أغنية لها والدموع لن تفارق مقلتيها أثناء تأديتها وتصويرها للإغنية التي أطلق عليها مؤلفها الشاعر أحمد هندي أسم "الوطن المجروح"، وتحكي الأغنية قصة شعبها بكل أطيافهم ومعاناتهم في الداخل والخارج وحيثُ لم يسلم منهم أي فرد من الأذى والتشريد!!، لا بل تحكي معاناة كل مواطني الدول العربية، وقد حصدت مشاهداتها على "اليوتوب" ما يقارب المليونين والنصف مشاهدة لما فيها من تعابير وأحاسيس ورسائل إنسانية جسدت الآلام التي يعيشها شعبنا المقهور بإرادات شريرة وأجندات يشترك فيها من أطلقوا على أنفسهم بالسياسيين العراقيين!!، ومما يدلل على رصانة هذا العمل الفني العراقي وهدفه هو إشتراك خيرة نجوم العراق بدعمه وكما ورد في العرض المكتوب في ثوانيه الأخيرة ومنهم قيصر الأغنية العربية الفنان كاظم الساهر والفنانين ماجد المهندس وحاتم العراقي ورافد قرياقوس ونوزاد يوخنّا ويوسف بردقجي.
الرابط أدناه للطفلة ميرنا حنّا وهي تنزفُ الماً على "الوطن المجروح"!!!:
https://www.youtube.com/watch?v=hntvnfpBFII
أفلا تهز مناشدات الأطفال هذه ضمائر الساسة وتجّار الحروب؟؟!!، ألا يكفيهم الدمار الذي الحقوه بالبلد ومواطنيه؟؟!!، وهل أصبح الوجع العراقي مولود مع أبناءه وبناته وصفة وراثية تنتقل مع جيناتهم عبر أجيالهم؟؟!!.
وقد كُنتُ على وشك لإرسال هذه المقالة التي تحتوي على رسالة بينية للمسؤولين السياسيين ومن يقرأها من أبناء الشعب العراقي قبل أن أشاهد مقطعاً لفيديو تناقلته المواقع الألكترونية صدمني وأزالَ عن عيوني غشاوة الصورة الحقيقة لِمن يَحكم العراق الآن وأدركتُ لماذا لا ينصتوا لنداءات الإعلاميين والفنانين حصراً الذين ما برحوا من خلال أغانيهم وأعمالهم الفنية على مناشدة من هم بموقع المسؤولية  لرؤية ما وصل اليه حال البلد من المآسي!!، ومقطع الفيديو هذا برابطه أدناه هو للإعلامي المعروف أنور الحمداني وبرنامجه "ستوديو التاسعة" الذي يسخر فيه من جهل السياسيين الحاليين في معرفتهم لمطربي بلدهم الذين ذاع صيتهم عالمياً أكثر من هؤلاء السياسيين (الذين يدّعون التديّن)) أنفسهم وهم يقودون بلد الحضارات الذي صنع أبناءه القدامى "القيثارة السومرية" كأول آلة موسيقية نغمية عبر التاريخ!!!، كذلك إدعائهم (المشكوك) فيه من عدم سماعهم للأغاني لأنها (حرام)!!!، وعجبي على هذه الإدعاءات التي أشك الآن هل هنالك من يصدقها من أبناء الشعب العراقي أم تغشّهم كسابقاتها من الإدعاءات؟؟!!.
وهل وضع السياسيون في مسامعهم وعلى عيونهم ممن يحللون ويحرّمون حسبما شاءوا المرشحات (الفلاتر) لترشيح ما تصل الى حواسهم من أعمال موسيقية وفنيّة لأنها في نظرهم حرام!!!، والمفارقة المضحكة مِن أنّ جلّهم كانوا لاجئين في البلدان الغربية التي لا مجال فيها للحيلولة دون مشاهدة وسماع الفن بكل أشكاله حد النُخاع!!!!، إضافة الى معايشتهم للمجتمع العراقي ذاته قبل خروجهم منه هاربين وبعد عودتهم اليه مجندين من المحتل والذي لا يكاد يخلوا فيه شارع عام من محل للتسجيلات التي تصدح فيه الأغاني بكل أنواعها!!، وحيثُ أنّ (الحلال) عندهم الذي سمحوا لمرشحات حواسهم بمروره من خلالها هو السرقة والفساد بكل أنواعه والقتل العشوائي وزواج القاصرات أو غيره من الموبقات!!.
وإنهي إستغرابي بالمثل القائل: "إذا طابت النفوس غنّت"، وهم البعيدين كل البُعد عن النفوس الطيبة التي تصدح بالأغاني وتتمتع بجمال ما وهبه الخالق من المواهب للبشر!!، وعجبي على عدم طيبة نفوس هؤلاء السياسيين لا بل حقدهم وعدم مبالاتهم على المآسي التي المّت بشعبهم!!!، لكن بعدما شاهدتُ مقطع الفيديو هذا تقينت السبب وزال عجبي عملاً بالمثل القائل: "إذا عُرف السبب ـ ـ بَطُلَ العجب"، فلهذا السبب إختارهم المحتل لقيادة البلد أو بالأحرى لتدمير البلد!!، فكم هم أذكياء وخبثاء مَنْ خططوا للنيل منك يا وطني!!!.
الرابط أدناه للإعلامي أنور الحمداني:
https://www.youtube.com/watch?v=8CnLdiC2rxA&feature=youtu.be     
فمن أجل إيقاف كل هذه المآسي والخزعبلات والتخلف الفكري نحن بحاجة الى إنتخابات نزيهة لتغيير مجتمع التكتلات والأحزاب الدينية الطائفية وتحويله الى مجتمع مدني يقوده المخلصون من أبناء هذا الشعب.   
         

11
في الإنتخابات العراقية القادمة: هل سيكون التنافس على أصوات الناخبين أم على مهارة "الهاكرز" الدوليين؟!
بقلم: سالم إيليا
ما لفت إنتباهي حقاً من خلال متابعة الندوات أنّ معظم السياسيين العراقيين بأغلب أحزابهم المتضاددة علنياً مع بعضها البعض والمتفقة سرّياً مع بعضها البعض ضد عدوها المشترك الشعب العراقي إنها مؤيدة وبقوة الفرز الألكتروني للأصوات الذي صَرفت عليه الدولة من ميزانية العام الماضي (2017م) مبلغاً مهماً يزيد على (120) مليون دولاراً أمريكياً في أكثر السنوات عجافاً وتقشفاً مالياً بعد سنة التغيير في 2003م!!: فما السبب؟؟!!، فهل صحيح لِما يصرّح به المسؤولون عن أنّ السبب الرئيسي لدعمهم للفرز الألكتروني هو رغبتهم لفرز الأصوات خلال ساعات قليلة وضمان شفافيتها وعدم التلاعب بنتائجها أم العكس؟؟!!، وما هي قيمة الزمن وسرعته في فرز الأصوات في بلد لا تُسابق حكومته وبرلمانها هذا الزمن لتغيير حال الشعب الأسوأ بين بلدان العالم قاطبة؟؟!!، وحيثُ لم تفعل معظم الحكومات المتعاقبة أي تغيير إيجابي خلال فترات حكمها منذ سنة (2005م) ولحد الآن!!، فظهرت المفارقة بإهتمامها المفاجيء بالفارق الزمني البسيط نسبياً ما بين فرز الأصوات يدوياً أو الكترونياً!!، وما الضير لو تأخر الفرز اليدوي لأسبوعين على أبعد تقدير مقابل توفير عشرات الملايين من الدولارات التي صرفت لإستيراد الأجهزة الألكترونية والشعب الآن بأمس الحاجة لها؟؟!!، وحيثُ وُضِعت على عقد شرائها الف علامة إستفهام بدءاً بالشركة الكورية المجهزة وموقعها الألكتروني المريب والمُبهم ومكان توقيع العقد في تركيا الذي قد يعفي الشركة الكورية من الملاحقة القانونية في بلدها فيما إذا تبين عدم قانونيتها أو وجود رائحة فساد في الصفقة وغير ذلك من الأمور؟؟!!، وماذا سيفعل هذا الفارق الزمني البسيط في مدة الفرز للبلد وللعراقيين؟؟!!: وهل سينقلهم من حالهم السيء الى حال مواطني الدول المتطورة مثلاً؟؟!!، وما قيمة هذا التأخير أمام تأخير تصويت مجلس (النوائب) على ميزانية الشعب للسنة الحالية ونحن في نهاية الشهر الثاني منها؟؟!!، فهل التأخر إسبوعين بفرز الأصوات يدوياً مع توفير أكثر من مئة مليون دولاراً أمريكياً من العملة الصعبة لميزانية الدولة يقلق السياسيين أكثر من التأخر شهرين أو ثلاثة لإقرار الميزانية السنوية التي تعتمد عليها رواتب الموظفين وتنفيذ المشاريع الإستراتيجية المهمة التي لها علاقة بالمواطنين؟؟!!. 
وما جلب إنتباه المتابعين للشأن العراقي تهافت السياسيين من الحيتان الكبيرة على الفرز الألكتروني!!، وحيثُ لكل حوت منهم دولته العظمى الحليفة معه والتي تدعمه بمختلف الوسائل المتاحة لديها مع تسرب الأخبار والقلق من البعض القليل منهم وإعلانهم عن تخوفهم من التلاعب (الكترونياً) بنتائج الإنتخابات التي (ستطير) فيها أصوات الناخبين من مراكزهم الإنتخابية في عموم العراق لحظيّاً الى الأقمار الصناعية التي ستعيد إرسالها بدورها الى المركز الرئيسي للإنتخابات في بغداد، وفي هذا (الطيران) بيت القصيد في التخوف من إحتمالية دخول "الهاكرز" الدولي الموجه من هذه الدولة أو تلك ممن يهمهم الشأن العراقي فيقلب النتائج لصالح عملائه عفواً أصدقائه وليذهب العراق وشعبه الى أتون المحرقة التي لا تزال تغذيها تلك الدول منذ سنة 2003م ولحد الآن، ولقد عبّر رئيس الوزراء الحالي الدكتور حيدر العبادي في مؤتمره الصحفي الأسبوعي الأخير ليوم العشرين من شباط الجاري عن نفس المخاوف ووعد بمراقبة الفرز وحذّر من التلاعب بنتائجها (الكترونياً) مع مطالبته حسب زعمه مفوضية الإنتخابات المستقلّة بالإحتفاظ بإستمارات الناخبين الورقية للعودة اليها في حال حدوث مثل هذا التلاعب (الحقيقة أعضاء هذه المفوضيّة ليسوا بالمستقلين، لكنهم ممثلين عن الأحزاب المتنفذة، وحيثُ شكك أيضاً رئيس الوزراء في نفس المؤتمر في محاولة البعض منهم للتنصل من إستقلاليتهم التي أقسموا عليها)!!!!.
وسؤالي الأخير: إذا كان رئيس الوزراء بنفسه متخوف من التلاعب بالفرز الألكتروني، وهنالك إحتمال يكاد يكون مطلق للتشكيك بنتائج الإنتخابات لكثرة الخلافات وعدم الثقة ما بين جميع الأطراف، وإحتمالية العودة الى الفرز اليدوي بعد الفرز الألكتروني تكاد أيضاً أن تكون واردة ومحسومة بنسبة عالية جداً وبهذا سيكون التأخير في إعلان النتائج النهائية للإنتخابات أطول مما لو تمّ الفرز اليدوي منذ البداية!!، إذن لماذا صُرفت كل تلك الأموال والشعب العراقي بأمس الحاجة اليها؟؟؟!!!، وهل أنّ العراق قد وصل بتطوره التكنولوجي الى جميع مرافق الحياة ولم يبقى غير الفرز الألكتروني للإنتخابات ليكتمل تطوره التكنولوجي؟؟؟!!!.       

12
الكمبيوتر ما بين فرز إختيارات العاشقين وفرز أصوات الناخبين!!
بقلم: سالم إيليا
في السنة الدراسية (1975 ـ 1976م) على ما أتذكر جرت المحاولة الأولى من قِبل طلاّب قسم الهندسة الكهربائية لكلية الهندسة/ جامعة بغداد بإستخدام الكمبيوتر لإختيار فتى أو فتاة الأحلام بين طلاّب وطالبات الجامعات والكليات في بغداد كأحدى الفعاليات الطلابية في مهرجاناتهم السنوية!!، وكانت الغاية منها بالدرجة الرئيسية إضفاء جو من المرح والتغيير على نوعية الفعاليات وإدخال البرمجة الحاسوبية التي كانت تعتبر حينها جديدة ومستحدثة، ووزعت الإستمارات الخاصة ببرمجة الكمبيوتر في الكليات للتأشير أمام مواصفات النصف الآخر فعسى ولعل تتدخل (التكنلوجية) الحديثة في إيجاد شريك أو شريكة الحياة بشكل أفضل من إختيارات العقل البشري!!!، وكان على المشتركين أو الباحثين عن نصفهم الآخر الذهاب الى كلية الهندسة لتسليم الإستمارات، فقررت مجموعتنا من الزميلات والزملاء في الجامعة التكنلوجية الذهاب الى كلية الهندسة وسط أجواء من المرح والنكات الشبابية على هذه المبادرة المستحدثة!!!، وقد كانت إحدى زميلاتنا الجميلات تتطلع بجديّة محسوسة نسبياً الى عثورها بهذه الطريقة على فتى أحلامها ذو المواصفات (الخارقة) من شكل حسن وغنى وشخصيّة وحيوية ومستقبل وكلية مرموقة تقود الى مركز وظيفي وإجتماعي متميز و ـ ـ و ـ ـ الخ، وحيثُ كنتُ أناكفها بقولي: من أنّ فتى أحلامها سيكون بطلبية خاصة من السماء لأنه لم يُخلق بعد، وكنّا نضحك ونتبادل السخرية والمناكفات الشبابية فيما بيننا.
ذهبنا الى كلية الهندسة فكانت المفاجئة أن أجد أحد المسؤولين عن إستلام الإستمارات من طلبة قسم الكهرباء هو أحد أقربائي!!!، وبعد أن لاحظ (الإنسجام والتقارب) ما بيني وبين زميلتي تصور بأننا قد أشرّنا في إستمارتينا على نفس المواصفات وحيثُ زالَ هذا التصور من ذهنه بعد إطلاعه على الإستمارتين!!!، وسألني قريبي إذا كان في بالي أي فتاة معجب بها في الجامعة فأنه يستطيع برمجة الكمبيوتر لتتطابق إختياراتنا!!!، فسخرتُ من عرضهِ وأصريتُ على إبقاءه للإختيار كما هو وسنرى ماذا سيفعل الكمبيوتر (الذكي) لأختيار المحبين وسط تبادل كلمات المزاح والإستخفاف بهذه الطريقة بشكلٍ عام!!!.
ظهرت النتائج بعد أسابيع ويبدو من أنّ المواصفات التي أشرّتُ عليها في الإستمارة لم تنطبق على أي فتاة!!!، لكنني تفاجئت في أحد الأيام حين أقبل عليّ طالب لم آراه من قبل في الجامعة وسألني بلهفة عن إسمي ليتأكد من أنني الشخص المطلوب!!!، فأجبته بالإيجاب وسط دهشتي التي أزالها سؤاله الثاني عن زميلتي الحسناء!!!، فأدركت للحال سبب سؤاله وسط صدمتي الممزوجة بالتعجب والسخرية المكبوتة!!!، فالشخص كما بدا لي حين سألني مستفسراً عن شريكة حياة المستقبل لم تكن فيه ولو نسبة واحد في المئة من المواصفات التي وضعتها زميلتي الجميلة!!!، فشكله ذكرني بشخصية "فنسنت" في مسلسل "الحسناء والوحش" وهيئته وشخصيته بدت لي سلبية ومهزوزة بحركاته وتصرفاته وشعرت بالآسى على زميلتي التي بدون أدنى شك ستفقد الثقة (بالتكنلوجية) وهي في منتصف مراحلها الجامعية التي من المفروض أن تكون التكنلوجية إحدى أسسها المهمة، لكنني عُدّت من صدمتي بلحظات وقلتُ في نفسي سأكون أتعس "دليل" وفي موقف لن أحسد عليه!!!، لكنني رغبتُ أيضاً بالتهرّب من المشوار وسط الحرج أمام (زوج المستقبل) لزميلتي في حال طلبي منه بإعفائي من هذه المهمة الصعبة!!!، وبروح شبابية وطلاّبية مرحة رحبتُ به وسألته إن يرغب بالذهاب الى نادي الجامعة لتضييفه أولاً لكنه رفض وسط شعوري بعجلته لرؤية نصفه الآخر!!!، وفي طريقنا الى المكان الذي إعتادت مجموعتنا الطلابية التجمع فيه في إحدى حدائق الجامعة وفضاءاتها بدأ يسألني الضيف عن زميلتي بدءاً بشكلها وأناقتها وـ ـ و ـ ـ وكأنه جاء لشراء سيارة!!، فقاطعته بإسلوب فيه مسحة من الجديّة بقولي من أنه سيحصل على أجوبة لأسئلته بعد دقائق!!!.
لمحتنا زميلتي ومجموعتنا الطلاّبية عند إقترابنا من حلقتهم وسط دهشتهم وتساؤلاتهم بالنظرات الموجهة نحوي عن هوية الزميل الذي لم يشاهدوه من قبل برفقتي!!!، وحال وصولنا عرفّت الجميع على إسمه وبشكل متبادل بدأت أعرّفه بالمجموعة مركزاً على إسم زميلتنا وتركت له الباقي من الكلام الذي حين بدأه سيطر الوجوم والصدمة والدهشة على الجميع وخاصة زميلتنا التي غابت عن الوعي الإدراكي لثوانٍ وكأنها ليست بيننا وعاشت في كابوس مخيف!!!، وكان من الممكن ملاحظة أحاسيس زميلاتنا بمشاركتها لشعورها المهبط وهذا طبيعي في مثل تلك المشاركات الوجدانية بين بنات حواء عندما يتعلق الأمر بإختيار شركاء حياتهن!!!، لكن الزملاء ظهرت على محيّاهم إبتسامات مرّة!!!.
ولكي نتجاوز جميعنا هذا الموقف الذي لم يكن إلاّ مزاحاً طلابياً إنقلب الى موقف جدّي لإحدى زميلاتنا من جرّاء هذه المبادرة (اللعينة) في إحلال (العقل الألكتروني الذكي الذي لا يخطئ) محل (العقل البشري الذي قام بصنعه)!!!، بادرتُ بحركة (خفية) في الإيعاز لمجموعتنا بالإنصراف وترك الإثنين بمفردهما لتفادي الموقف وإحراجاته ولإعطاء الفرصة للمعنِيَيْن بالأمر لحل (خطأ الكمبيوتر)!!، فصرخت بي زميلتنا: الى أين أنتم ذاهبون؟؟؟!!!، فأجبتها ليس ببعيد عنكما لكن علينا أعطاكما فرصة للتعارف مع إبتسامة مني لم تخلو من معانٍ كثيرةٍ!!!، فالتفتت بإرتباك وشيء من الإنفعال الى ضيفها وقالت له بكلام رسمي: " شوف زميلي ترى الأمر من أوله الى آخره كان مزاح ولا تأخذه بجدية وفرصة سعيدة تعرفنا عليك"، لكن الضيف يبدو أنه وقع في "الحب من أول نظرة" وطلب منها فرصة أخرى لزيارتها والتعرف على بعضهما أكثر فرفضت متعللة بأنها مخطوبة!!!.
فقدت زميلتنا الحسناء بعد هذه الصدمة ثقتها بالكمبيوتر وتكنلوجيته!!!!، وكانت دائماً تردد بحرقة جملتها: "شگد هذا الكمبيوتر غبي"!!!، فكنّا نضحك ونمازحها بإصرارنا على أنّ الكمبيوتر لا يخطأ ونقول لها: "يعني قابل الكمبيوتر يچذّب"؟؟؟!!!، فتقول بعصبية: "بالنبي مو هذا اللّي إختاريته"!!!، فلم تدرك زميلتنا بأنّ ذكاء وغباء الكمبيوتر مربوط بذكاء وغباء مُبرمِجه الذي يتحكم بتغذيته بالمعلومات لكي يعطي نتائج حقيقية أو كاذبة، وأي غلطة صغيرة تقلب النتائج رأساً على عقب!!!!.
والآن يعيد التاريخ نفسه ولكن بإتجاهٍ آخر في إختيار الفرز الألكتروني لأصوات الناخبين للإنتخابات العراقية المقبلة، وربما (تسلّق) أحد طلاّب الهندسة لتلك الدورة أحد المراكز الحكومية الحالية وهو الذي إقترح إستخدام هذه الطريقة في بلدٍ لا تزال العملية الديمقراطية التي ولدت فيه مستلقية في حاضنة الولادات (للخُدّج) ممن لم يكتمل نموها بعد والمبكرة بقدومها الى الحياة وتحتاج الى عناية مركزة في بيئة معزولة تماماً عن (الفايروسات) التي لا طاقة لها للعيش في بيئتها قبل إكتمال مناعتها الذاتية ضدّ الإصابة بها والمنتشرة في المجتمع.
وكم هو قلقنا جميعاً أن يتكرر مشهد زميلتي في الفرز الألكتروني لأصوات الناخبين للإنتخابات المقبلة!!!، فيتكرر خطأ (المُبرمِج) ويخطأ الكمبيوتر في إختيار ممثلي الشعب!!!!!، وبدلاً من أن يختار لهم "قائد أحلامهم" يختار لهم "فنسنت" آخراً ليس بشكله الذي لا إعتراض على خلقة الخالق له، ولكن بجوهره القبيح!!!، وحيثُ أنّ زميلتي الحسناء إستطاعت تجاوز خطأ الكمبيوتر في لحظتها، لكن على الشعب العراقي الإنتظار أربع سنوات تقويمية أخرى ليتجاوز خطأ الكمبيوتر اللعين!!! ـ ـ ـ وما أدراكم ماذا سيحصل فيها من كوارث!!!.               

13
من أدب الرحلات/ رحلة الى منتجعات المكسيك وحضارة "المايا"/ الجزء الثاني والأخير
بقلم: سالم إيليا
ذكرتُ في الجزء الأول ما فاجئني بعدم تطابق مطلبي للجناح السكني المنفصل والمطل مباشرة على البحر مع الواقع الذي فرضته عليّ إدارة المنتجع بالسكن في وحدة سكنية هي جزء من أربعة وحدات سكنية وعدم إشرافها على البحر بشكل كامل، وتحريري لطلب إحضار فطور اليوم الأول الى جناحي السكني، وسأبدأ الجزء الثاني من صباح أول يوم في المنتجع وملابساته!!.
بدأتُ صباحي كالمعتاد بأخذ حمام سريع وحلاقة ذقني فلاحظت خروج الماء خارج حوض السباحة المحاط بالمرمر وفيضان الأرضية من حولي وذلك بسبب خطأ في التصميم الهندسي مما حدا بأحد السوّاح (الأذكياء!!) قبلي أو أحد عمّال التنظيف الى كسر زاوية المرمر قليلاً للسماح للمياه بتسربها بين جدران البناية بدل سقوطها على أرضية الحمام!!!، أزعجتني هذه الحالة التي تزامنت مع عدم إرتياحي لعدم توافق متطلبات حجزي لوحدة سكنية منفصلة ومطلّة بشكل مباشر على البحر ـ ـ ثمّ جاءت "القشّة التي قصمت ظهر البعير" عندما وجدتُ طلبية الفطور التي جلبها "الساعي" تختلف تماماً عن ما طلبتهُ في القائمة!!!، فرفعت سماعة الهاتف على موظفة التشريفات وقلتُ لها بعصبية واضحة أوصليني بمدير المنتجع؟؟!! ـ ـ وحالاً تكلم معي الرجل بكل أدب وإحترام لكنني كنتُ قد فقدتُ الهدوء وقلتُ له بإنفعال: "جئتُ هنا للراحة والإستجمام وليس لأفقد أعصابي"، وأغلقت سماعة الهاتف ليس لإهانة الرجل لكني خشيتُ من تتطور إنفعالاتي أكثر!!، تركنا جناح السكن الساعة التاسعة صباحاً في اليوم (الأول) الذي كانت بدايته ليست على ما يرام وذهبنا لتناول طعام الفطور في أحد المطاعم الذي يبلغ عددها ثلاثة عشر مطعماً متباينة السعة والبعض منها جاهزة على مدار الساعة لتقديم الطعام المتنوع ما بين الأوربي والأسيوي والمكسيكي ـ اللاتيني، وعند عودتنا بعد ساعة ونصف من الزمن وجدتُ رسالة صيغت بإسلوب مهذّب فوق العادة تدعوني للذهاب الى المكتب الإداري الخاص بمجموعتنا السكنية، وحين وصولي أدركت ـ ـ وأقولها للحقيقة مدى أخذهم للأمر بجديّة وخوفهم من تطور الأمور أكثر وتعاملوا مع الموقف بمهنية عالية من خلال طلب موظفة الإستقبال لي وبإرباك وخوف واضحين للتفضل بلقاء المدير في الغرفة الداخلية!!، فقلتُ لها لا داعي لتلك الإجراءات فأنا أعرف كيفية التصرف بشكل متحضر، لكنها إستدركت بإبتسامة مجبرة عليها من أنّ المدير يرغب برؤيتي على إنفراد (طبعاً هذه الطريقة المهنية واردة في أغلب الأماكن السياحية والخدمية في العالم وذلك لمحاصرة المشكلة وعدم رغبتهم في سماعها من قِبل أي من الزوّار أو الزبائن الآخرين عدا المعنيين بها لكي لا تؤثر سلباً على سمعة المنتجع)!!، إستقبلني المدير بحفاوة وحَذَرْ وهو يحاول قراءة أفكاري!!!، بادرته بالكلام لأطمئنه ولتسهيل مهمته وللتخفيف من تحرجه من أين يبدأ وعرضتُ عليه ما حدث منذ وصولنا، وبعد إنتهائي من الحديث سألني قائلاً: "هل لي أن أسأل من أي بلد بالأصل أنت"؟!، فأجبته: من العراق ـ ـ لكنني مقيم في كندا، فقال لي: هذه المرّة الأولى التي يأتي فيها عراقي الى هذا المنتجع!!!، فقلتُ في نفسي ربما تتمنى يا هذا أن تكون المرّة الأخيرة لزيارة عراقي بعد الموقف الذي حصل!!!، طلب مني الرجل مهلة لساعة واحدة ليرتّب لي كل شئ بعد أن وافقني تماماً على إنزعاجي بعد إطلاعه على التفاصيل المثبتة في أوراق الرحلة، عدنا بعد جولة سريعة في المنتجع الى جناحنا السكني لأجد رسالة أخرى تطلب مني الذهاب مرة أخرى للمكتب الإداري، لكن هذه المرّة إستقبلتني الموظفة بإرتياح واضح وطلبت مني إنتظار المدير لثواني وسيخرج لمقابلتي!!، عرض عليّ المدير أثناء لقائه بتغيير السكن بآخر يلائم متطلباتي وإذا لم يعجبي فسيجدوا حلاً آخراً أفضل!!، الحقيقة عندما ذهبنا لرؤية الوحدة السكنية التي كانت عبارة عن مشتمل أو دار منفصلة جميلة جداً تحمل الرقم (2719) وتبعد أمتار قليلة عن ساحل البحر وتحتوي على مرفقات إضافية عن الوحدة السكنية السابقة كوجود حمام شمشي إضافي خارجي محاط بجدران صخرية عالية لا تسمح بالتطفل ولكنه مفتوح من الأعلى (لا يوجد سقف للسماح بدخول الشمس) وبشاور (دوش) رأسه كقرون حيوان "الآيل" ويأتى الماء اليه مباشرة من البحر أي غير صافي وغير معقم كمياه الحمام الداخلي!!، كذلك يوجد طاولة إضافية لتناول الطعام وسرير إضافي لشخصين في "البالكون" الخلفي المطل مباشرة على البحر للقيلولة أثناء الظهيرة ومحاط بـ "التول" أو القماش النافذ للتمتع بمنظر البحر ولمنحه الخصوصية!!، وبعد قناعتي بمطابقة الوحدة السكنية البديلة مع ورقة الحجز وافقتُ عليها (سأرفق صورة الوحدة السكنية مع هذا التقرير)، لكن طلبوا ساعتين إضافيتين لتهيئتها علماً من أنها كانت وحسب ما بدت لي لا ينقصها أي شيء مطلقاً!!، بعد ساعتين نقلوا حقائبنا من السكن الأول الى الثاني وسلموني المفتاح، عند دخولنا وجدنا الفارق ولماذا طلبوا الساعتين الإضافيتين!!، فالسرير قد كان مرتباً بشكل مغايرٍ وزاهياً بالورود التي نُثرت عليه!! ـ ـ ووضعوا عليه أيضاً المناشف التي صنعوا منها أشكال للحيوانات الأليفة كالأرانب!! ـ ـ والبانيو "الجاكوزي" قد ملئ بالماء الفاتر المطيّب بالعطور والفقاعات للمواد الصابونية المنثورة عليها وريقات الورود مع قنينة "شمبانيا" على حافته موضوعة داخل حاوية ثلجية!!، والحمام الداخلي المنعزل قد جهز بكل ما يحتاجه السائح من مواد معطرة، إضافة الى قنينة شراب "واين" وإناء فيه أنواع من الأجبان الغالية الثمن موضوعة على الطاولة وسط الغرفة (من المعروف أنّ لكل نوع من الشراب الجيّد هنالك أجبان خاصة غالية الثمن تؤكل معه، والبعض من الشراب يُكتب على القنينة نوع الجبن المفضّل تناوله مع ذلك النوع)، إضافة الى كيكة "كعكة" كبيرة كتب على صفيحة قطعة الشوكولاتة الموجودة عليها "عيد زواج وميلاد سعيد"، مع تهيئة الثلاجة بالسندويشات المختلفة والمشروبات بأنواعها الروحية والغازية وكل مستلزمات الخدمات الأخرى!!!.
مكثنا في المنتجع لسبعة أيام كاملة بلياليها ما عدا نهار واحد كامل في منتصفها ذهبنا خلاله في رحلة لرؤية آثار حضارة "المايا" وزقوراتها (أهراماتها) التي لا تضاهي بأي حالٍ من الأحوال زقورة "أور" الأثرية بحجمها وقِدمَها ورمزيتها كمسقط رأس وموطن لأبو الأنبياء والتي أهْمَلتها الحكومات العراقية المتعاقبة!!، وقد أجاب المرشد السياحي المكسيكي على سؤالي (الإختباري) له عن الغاية من تشييد تلك الزقورات بهذه الإرتفاعات العالية لأسمع منه نفس الجواب الذي كنتُ قد قرأتُ عنه في إعتقاد الأولين من إنّ هذا الإرتفاع يقرّبهم الى السماء التي فيها الخالق!!!، فإستغربتُ كيف وصل نفس الإعتقاد من أبناء الرافدين القدامى الذين شيدوا زقورتهم حوالي سنة (2050) قبل الميلاد الى أبناء حضارة المايا الذين بدأت حضارتهم بعد حضارة وادي الرافدين بمدة ليست بالقصيرة!!، فهل كان هنالك تواصل بين الشعوب مثل شعب وادي الرافدين وشعب المايا؟؟؟!!!، أم إنه توارد الخواطر للعقل البشري بأزمان مختلفة (أعتُبِرَ موقع "تشيتشن" الأثري المكسيكي الذي يحتوي على الأهرامات أحد عجائب "الدنيا السبع الجديدة" وقد تم إضافته الى لائحة التراث العالمي لليونسكو، وحيثُ أستبدلت أيضاً جنائن بابل المعلقة العراقية بمدينة البترا الإردنية على لائحة عجائب الدنيا السبع!!!)، وقد شاهدنا مدى الإهتمام بموقع "تشيتشن" الأثري الذي يدر على الخزينة المكسيكية مليارات الدولارات في نطاق السياحة الشاملة والذي بمجمله لا يتعدى واحد من الألف من المواقع الأثرية المهملة الموجودة في العراق!!، ومن المفارقات التي حدثت أثناء تلك الزيارة طَلبْ المرشد السياحي من جميع السوّاح الإصغاء لما سيقوله وكنّا بحدود عشرين سائح وسائحة في مجموعته إضافة الى وجود مجموعات سياحية أخرى حولنا مؤشراً بزهوٍ الى جدارية أثرية محفور عليها رجال المايا وهم ينتعلون الأحذية ومردفاً بصوت مرتفع ليسمعه الجميع: "لاحظوا أجدادنا أبناء المايا القدامى كانوا ينتعلون (الصندل) منذ ذلك الحين للحفاظ على أقدامهم"!!، فسألته بصوت يسمعني فيه الجميع أيضاً وبهدوء وحيثُ كنتُ في آخر المجموعة: "متى فعلوا ذلك"؟!، فأجابني بزهو واضح: "حوالي القرن الثاني بعد الميلاد"، فقلتُ له وبهدوء أيضاً: "أجدادنا قد سبقوا أجدادكم باكثر من الف عام في إنتعال الصندل"!!، وعندها التفت نحوي جميع من كانوا حولنا ونظر اليّ المُرشد السياحي سائلاً : "من أي بلد أنت"؟؟، فقلت له: "من العراق ـ ـ من حضارة وادي الرافدين"، فأوْمأ الرجل برأسه تأييداً وإحتراماً لشعب وادي الرافدين.
وسأورد أدناه ملاحظات لِما سجلته ذاكرتي وقلمي عن المنتجع والرحلة الى الأهرامات الأثرية ليطلع عليها القرّاء الأعزاء:   
ـ كلمة التحية أينما ذهبنا خارج وداخل المنتجع هي "هولا" وهي كلمة باللغة الإسبانية وتعني "مرحباً".
ـ التعامل كان راقياً جداً ومهنياً من أبسط عامل وعاملة في المنتجع الى أعلى درجة وظيفية فيه والجميع يتكلمون الإنكليزية إضافة الى الإسبانية.
ـ المنتجع نظيف جداً وعمال النظافة يتجولون ليل نهار لإدامة نظافته.
ـ يبدو هنالك تعليمات صارمة للعاملين بنقل أي ملاحظة سلبية أو إنزعاج يظهر على السوّاح والإخبار عنه فوراً، وهذا ما حدث معي في اليوم الأول كما ذكرتُ سابقاً، وكذلك موقف آخر حدث في اليوم الخامس من إقامتنا عندما حجزنا مسبقاً في مطعم يدعى "ضوء الشموع الرومانسي" على الشاطئ الرملي وفي الهواء الطلق وعلى ضوء الشموع والقمر!!!، وهو المطعم الوحيد الذي يجب الحجز عليه مسبقاً قبل أيام من بين الثلاثة عشر مطعماً، لكن من سوء الحظ وحال جلوسنا بدأ رذاذ المطر الخفيف بالتساقط، ففضلنا المغادرة من دون إشعار فتاة التشريفات التي لم تكن متواجدة في مكانها عند مغادرتنا، وذهبنا لتناول العشاء في مطعم آخر، وبعد تسجيل أسمائنا ورقم الجناح السكني في المطعم الثاني جاءت "النادلة" لأخذ طلباتنا وبادرتني بالقول: "من أنّ هذه المرّة الأولى التي تراني فيها في هذا المطعم"، ثمّ أردفتْ بسؤالي: "هل هناك مناسبة خاصة لزيارتنا المنتجع"!!، بالمختصر قلت لها كان من المفروض أن يكون عشاءنا في مطعم "ضوء الشموع" لكن سقوط المطر حال دون ذلك، فقالت: "لا عليكم سنعوّضكم بشئ أجمل"!!، وخلال أقل من نصف ساعة عادت برفقة زميل لها يدفع بعربة تحتوي على قنينة "شمبانيا" في حاوية ثلجية وكيكة عيد الميلاد وعليها الشموع وإناء فيه بعض أنواع الأجبان ثمّ الحقت الطلب بصحنين كبيرين من المأكولات البحرية وبقية المقبلات وقنينة شراب أحمر وـ ـ و ـ ـ الخ، وهنا لا بد أن أذكر من إنهم يقدمون المشروبات الكحولية بكثرة وبمختلف أنواعها بغض النظر عن أنّ الزبون سيشربها أو يكتفي بكأس صغيرة فقط!!، تفاجئت بعدها بلحظات لرؤيتي موظفة التشريفات لمطعم "ضوء الشموع" الذي غادرناه وهي واقفة عند مدخل المطعم مع مدير المنتجع لوجبة العمل الليلية وكانت تؤشر عليّ بإرتباك (يبدو إنهم إتصلوا بجميع المطاعم ليعثروا علينا عن طريق تسجيل أسمائنا في التشريفات)!!!!، حقيقة أنا الذي كنتُ محرج وليس هما!!، وشجعتُ المدير بالدخول بإبتسامة خفيفة من عندي، جاء الرجل مستفسراً بعد القاء التحية عن سبب مغادرتنا المطعم الأول وهل هنالك مَنْ أخطأ مِن العاملين فيه نحونا!!!، فبادرته بالقول بأن كل شئ على ما يرام والجميع لم يقصّروا بالخدمة وسبب مغادرتنا المطعم الأول كان نتيجة لتساقط الأمطار ففرح والقى تحية المغادرة بعد أن تمنى لنا الإستمتاع بالطعام وطيب الإقامة بالمنتجع!!!.
ـ بسبب فرق العملة فإن العاملين أغلبهم يتطلعون الى تقدير خدماتهم من قبل السوّاح بتكريمهم ببعض الدولارات كإكرامية، وهي لا تتجاوز بكل الأحوال لكل فرد بين دولار واحد الى خمسة دولارات أمريكية في كل مرّة والتي تعني لهم مبلغاً كبيراً!!.
ـ خلال تجوالنا ظهراً داخل المنتجع عرض علينا أحد كبار السن (البسطاء) من العاملين المساعدة لأخذ الصور لنا وكان يرتدي بدلة العمل الخاكية والخوذة الخاكية الصلدة كالتي يلبسونها في الأدغال الأفريقية في رحلات الصيد وتصورته أحد الذين يعتنون بالحدائق، وعندما التقط الصور بطريقة فنيّة شككت بمركزه وسألت إحدى العاملات التي إجتازتنا بعد القاء التحية عن هوية هذا الرجل؟!، فقالت أنه مالك المنتجع ويعيش هو وأبنته الوحيدة بشكل دائم داخل المنتجع!!!!.
ـ يعيش في المنتجع كمحمية طبيعة بعض الكائنات الحيّة مثل التماسيح المحاطة مستنقعاتهم بسياج معدني من الـ "بي.آر.سي" للحيلولة دون خروجهم الى الوحدات السكنية ـ ـ كذلك أنواع من السحالي والزواحف الغير عدوانية وبأحجام مختلفة والتي تتجول بشكل حر بين السوّاح داخل المنتجع ومن الممكن الإقتراب منها لحد لمسها!!! ـ ـ وطيور نادرة مختلفة الأنواع، وسأرفق بعض الصور لها مع هذا التقرير.
ـ يتجول العاملون في المنتجع من أقصاه الى أقصاه حاملين الحاويات المبرّدة التي تحتوي على الوجبات السريعة "السندويشات" والمشروبات الروحية والغازية بإنواعها لتلبية طلبات السوّاح مجاناً بلحظات وفي أي مكان في المنتجع!!.
ـ هنالك فعاليات مختلفة متوفرة للسوّاح على طول النهار من لعبة كرة الطائرة الساحلية أو داخل المسابح ـ ـ الى الطيران بالبرشوتات التي تسحبها الزوارق ـ ـ الى الجولات البحرية بالزوارق السريعة الرياضية ـ ـ الى رياضة "اليوغا" والمساج ـ ـ الى مشاهدة الأفلام السينمائية ـ ـ الى الجلوس بملابس البحر على السواحل الرملية تحت أشعة الشمس والسباحة مع الإستمرار بالأكل والشرب طوال النهار ـ ـ الى التجوال سيراً على الأقدام بين معالم المنتجع ـ ـ الى الذهاب للتسوق داخل "المول" الصغير الذي يحتوي على التذكارات السياحية والملابس المكسيكية التراثية وكذلك ملابس السباحة وغير ذلك ـ ـ الى الجلوس في غرف خاصة للأنترنيت أو مشاهدة الأفلام والقنوات الفضائية داخل الجناح السكني الخاص، أما ليلاً فهناك برنامج ترفيهي يومي يبدأ في التاسعة والنصف ليلاً على المسرح الكبير الذي يشمل فرق الإستعراضات الراقصة والكروباتيك والألعاب السحرية والفرق الموسيقية للبحر الكاريبي مع تقديم كافة الخدمات من مأكل ومشرب الى ساعات متأخرة من الليل.
ـ كانت درجات الحرارة معتدلة ما بين (18 ـ 25) درجة مئوية والرطوبة لا تتجاوز الخمسين الى الستين في المئة خلال فترة إقامتنا تخللتها بعض الأيام الممطرة رذاذاً خفيفاً.
ـ يوجد في المنتجع كنيسة صغيرة لعقد القران ويوجد موقع جميل على الساحل لأقامة الإحتفال على الرمال، وغالباً ما يحجز الخطيبان هذا المكان لعقد قرانهما في المنتجع بإحتفالية رائعة يحضرها أقاربهما وتتكفل إدارة المنتجع بتوفير جميع مستلزمات الحفل ولكن بأسعار إضافية بسيطة.
ـ يوجد بحيرة مياه معدنية صغيرة ملاصقة للبحر من الممكن السباحة فيها والتمتع بالمياه المعدنية الدافئة.
ـ تُكثر في المنتجع أشجار جوز الهند المثمرة.
ـ للمنتجع بناية خاصة لألواح تجهيز الطاقة الشمسية للحفاظ على البيئة.
ـ تذكرت أيام زمان في العراق من خلال رؤيتي لسيارة رش المبيدات "أم الدخان" وهي تجوب الشوارع الخارجية المحيطة للمنتجع دون الدخول الى شوارع الوحدات السكنية الداخلية، وهذا الإجراء لابد منه لكثرة البعوض خاصة في الصيف لوجود المستنقعات.
ـ تصاميم جميع الوحدات السكنية والخدمية بأغلبها هي تراثية وتم بنائها بالطرق التقليدية للقارة اللاتينية مع تداخل الحداثة والمواد الحديثة للبناء فخرجت بشكل يسر الناظر بالنظر اليها، فيما عدا المطعم الأوربي الفخم وصالة الإستقبال الرئيسية "اللوبي" وبعض المرافق الأخرى.
ـ تُكثر القنوات المائية والمسابح الجميلة جداً الملحقة بالوحدات السكنية في الطوابق الأرضية والعلوية أيضاً وخاصة في الجزء الذي أقمنا فيه على الرغم من وقوع المنتجع مباشرةً على البحر وذلك لتنويع خيارات السباحة للسوّاح!!، وسأرفق صورة للوحدة السكنية العلوية النافذ "بالكونها" على مسبحها الخاص!!!.
ـ هنالك إستثمارات لهذه المنتجعات من قبل رؤوس الأموال الأمريكية بشكل خاص، وكذلك محاولة مشاركة السائحين ذوي المدخولات العالية بهذا الإستثمار مقابل تقديم تخفيضات سنوية للإقامة في المنتجع، وكذلك تخفيضات مجزية للإقامة في بعض الفنادق العالمية حول العالم مثل مجموعة فنادق "هيلتون" وغير ذلك من الإمتيازات.
ـ غادرنا المنتجع في اليوم الرابع من إقامتنا فيه متوجهين بالحافلات السياحية الساعة الثامنة والنصف صباحاً (الخامس عشر من كانون الثاني/ 2011م) الى الموقع السياحي للأهرامات وإجتازت الحافلة السياحية عدّة قرى مكسيكية جميلة، وتوقفنا لتناول وجبة الغذاء في أحد المطاعم الذي أعد لنا برنامجاً راقصاً لأحدى الفرق الفلكلورية خلال تناولنا للغذاء، ثمّ توقفنا مرة أخرى في موقع سياحي لإحدى البحيرات للمياه الجوفية الموجودة تحت سطح الأرض ويتم النزول اليها من خلال نفق صخري بمئات الدرجات، وقد تفاجئتُ عندما رمى الكثير من السوّاح صغيرهم وكبيرهم ملابسهم الخارجية وظهروا بملابس السباحة ورموا بأنفسهم في البحيرة التي حذر المرشد السياحي من تلوث مياهها وأنهم غير مسؤولين عن الإصابات المرضية وخاصة الجلدية التي قد يصاب بها السوّاح نتيجة سباحتهم في هذه البركة!!، بعدها واصلنا السير الى منطقة الأهرامات وكان الدليل السياحي يلبي طلبات الجميع من قناني المياه والمشروبات الغازية والبيرة المثلجة والسندويشات التي جلبها معه من المنتجع بحاوية كبيرة مبردة خلال هذه الرحلة ذهاباً وإياباً!!.
ـ مثلما ذكرت في بداية هذا التقرير تجولنا في موقع شعب المايا والأهرامات الأثري لساعات وكان محاطاً بسياج والدخول اليه ببطاقات خاصة دفعنا أجورها مع المبلغ الإضافي لهذه الرحلة الخاصة، وحول الموقع يوجد محلات لبيع التذكارات السياحية والأعمال الفنية اليدوية الغالية الثمن نسبياً، لكن على السائح شرائها لتبقى ذكرى جميلة بين مقتنيات وديكورات منزله.
ـ عادت الحافلة السياحية بنا الى المنتجع بعد أن أسدل الليل سدوله في ذلك اليوم وكنّا متعبين جداً وبعد تناولنا وجبة العشاء ذهبنا الى المسرح للإسترخاء ومشاهدة الفعاليات الإستعراضية!!، فلا مجال لتفويت الفرص في مثل هذه الرحلات السياحية المعدودة الأيام!!.
لقد حققت هذه الرحلة غايتها بإزالة الإرهاق الذي كنتُ أشعر به من جرّاء عملي السابق!!، وللحقيقة كانت الخدمات ونوعيتها المقدمة وكادرها المتمرس بمهنيته العالية الأثر الكبير في حصولي على مبتغاي من الهدوء والتسلية والإستفادة من رؤية مواقع أثرية وضعت على لائحة "عجائب الدنيا السبعة الجديدة" ولزيادة رصيدي المعرفي الشخصي وتوسيع دائرة الثقافة العامة عن عادات الشعوب وتراثها.
إستقلينا الحافلات السياحية الساعة الثالثة عصراً بالتوقيت المحلي للمنتجع في يوم الثامن عشر من كانون الثاني/ 2011م متوجهين الى مطار "كانكون" للعودة الى أدمنتن/ كندا، لكننا فوجئنا بتأخر الطائرة القادمة من مدينة "أدمنتن" لساعتين بسبب رداءة الأحوال الجوية وهبوب عاصفة ثلجية قوية في إقليم "البرتا" الكندي كما ذكروا في المطار!!، وعند هبوط الطائرة القادمة من أدمنتن في مطار "كانكون" المكسيكي ونزول السوّاح الجدد القادمين من هنالك سألتُ أحدهم عن المناخ والعاصفة الثلجية التي سنصل اليها بعد ساعات أربع!!، فنظر الى طولي وأشّر بيده فوق رأسي قائلاً: "إرتفاع الثلج يصل الى هذا الحد" (أي بإرتفاع مئة وثمانين سنتمتراً عن الأرض)!!!، لم أصدق ما قاله وإعتقدتُ بأنه يمزح على الرغم من علمي من أنّ إقليمنا من ضمن ثلاثة أقاليم تأتي بشتائها القاسي بعد الأقاليم الشبه قطبية الشمالية!!!، لكن عند وصولنا فوق أرض المطار وقيام الطيّار بالدوران عدّة مرات حول محيطه لإعطاء الفرصة لفرق وآليات تنظيف المدرج للقيام بعملها ومن ثمّ هبوط الطائرة بصعوبة بعد أن إنزلقت عجلاتها ومال جناحها الأيمن الذي كان مقعدي بجانبه ورؤيتي للجناح وهو يميل قليلاً على إرتفاع أمتار لملامسة الأرض مع إنحباس أنفاس جميع الركّاب وهم يشاهدون من خلال النوافذ سيارات الإنقاذ والإسعاف وهي متأهبة للتدخل وبدأت بالحركة بإتجاهنا فعلاً وبعد أنْ تداركت مهارة قائد الطائرة الموقف لهذه الثواني الطويلة والصعبة للحيلولة دون وقوع الكارثة إستقر وضع الطائرة وأخذت مسارها الصحيح بالسير فوق المدرج وبدأ الجميع بأخذ أنفاسهم وكأنّ لسان حالهم يقول: "راحت السُكْرة وإچتْ الفِكْرة"!!.
إستقلينا بعدها سيارة الأجرة التي كانت بإنتظارنا لإنني كنتُ قد أخبرت سائقها عندما أوصلنا الى المطار في طريق الذهاب بالعودة الينا في اليوم والساعة المحددين في بطاقة السفر مع تزويده برقم الرحلة ولهذا كان مكتبه على علم من تأخر رحلتنا (طبعاً هنالك سيارات أجرة خاصة في المطار لكن أثناء قدوم الرحلات يُصعب في بعض الأحيان الحصول عليها دون الإنتظار قليلاً خاصة في فصل الشتاء)!!، وكادت التاكسي التي أقلتنا أن تنزلق أيضاً على الخط السريع وتحصل الكارثة نتيجة رداءة الجو وإستمرار تساقط الثلوج، وسأرفق صورة التقطتُها بعد يومين من رجوعنا لممشى السابلة حول دورنا السكنية لتأكيد ما ذهبتُ اليه في سردي ولبيان الفرق بين مناخ المنتجع في المكسيك ومناخ محل إقامتي في إقليم البرتا الكندي لنفس الفترة الزمنية.
وختاماً أتمنى أن أكون قد وفقتُ في نقل الصورة الكاملة عن المكسيك ومواقعها السياحية والأثرية والبعض من منتجعاتها وحيثُ بإمكان القرّاء الكرام الدخول الى (جوجول) وطبع إسم المنتجع باللغة الإنكليزية لمشاهدة عشرات الصور والقيام بجولة في مرافقه.

14
من أدب الرحلات/ رحلة الى منتجعات المكسيك وحضارة "المايا"/ الجزء الأول
بقلم: سالم إيليا
يجب أن أقرّ بأنّ هذه الرحلة لم أخطط لها وإنما جاءت فكرتها لحظياً نتيجة الإرهاق الفكري الذي كنتُ أعاني منه خلال عملي لسنتين كاملتين في القسم الهندسي لإحدى الشركات العالمية المعروفة لبناء مشروع نفطي كبير جداً، وحيثُ نصحتني زميلتي الكندية رئيسة قسم الوثائق والعقود التي كان مكتبها مجاور لمكتبي بالذهاب لقضاء عدّة أيام في إحدى المنتجعات المكسيكية المنشأة حديثاً وذلك بعد عودتها من رحلتها الى هنالك إحتفالاً بالذكرى السنوية لزواجها وبعد أن لاحظتْ ـ نفاذ صبري ـ الذي أوصلني الى حد المحاججة والتماس اللفظي مع مدير الشركة نفسه بسبب المشاكل وتداخل المهمات التي غالباً ما ترافق العمل في مثل تلك الشركات الإنشائية الكبيرة والتي يصل عدد المنتسبين فيها للمشروع الواحد من ثلاثة آلاف الى أربعة آلاف منتسب أو ما يزيد في ذروة الإنجاز وبوجبتي عمل من جميع الإختصاصات حتى الخدمية منها وبمختلف الدرجات الوظيفية وتحت ظروف عمل قاسية ومعقدة (كل وجبة عمل مدتها عشرة ساعات يومياً)، هذا ما عدا منتسبوا الشركات الساندة الذين يعملون داخل وخارج موقع المشروع لرفده بإحتياجاته من المعدّات والأجزاء التي يتم بنائها خارجه ثم يتم شحنها اليه!!!.
طرحتً هذه المقدمة لعلاقتها بما سأسرده من تفاصيل لهذه الرحلة (المميزة) التي كانت الأولى لي لزيارة "منتجع سياحي" بالمعنى الكامل على الرغم من زياراتي العديدة لمدن في دول العالم مع المجاميع السياحية للإطلاع على معالمها، ومنها زيارتي براً لمدينة "تيوانا" الحدودية المكسيكية في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني لسنة 2006م عندما كنتُ في زيارة لمدينة "سان دييغو" في ولاية كاليفورنيا الأمريكية المحاذية للحدود المكسيكية لقضاء أعياد الميلاد ورأس السنة مع الأقارب في سنة 2005م.
(أعتقتني) الشركة التي كنتُ أعمل فيها في السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر سنة (2010م) نزولاً عند طلباتي المتكررة لإعفائي من عملي وحيثُ جاءت مكالمة مدير الشركة الهاتفية في الأيام الأخيرة على إنتهاء المشروع الذي لم يبقى من منتسبي الشركة فيه غير خمسة فقط وكنتُ واحداً منهم لعلاقة عملي بتجهيز الشركة المالكة للمشروع لآخر المخططات والخرائط التي جرت عليها التعديلات الميدانية، وقد (زفّ) المدير لي خبر إنهاء عقدي معهم قائلاً بالحرف الواحد: "ربما هذا الخبر لو كان لغيرك لإنزعج كثيراً خاصة في هذه الأيام القريبة من أعياد رأس السنة التي يكون الجميع فيها بحاجة الى المال لتغطية نفقات هذه المناسبات!!!، لكن بالنسبة لك (يقصدني) فأنا متأكد مِن أن الخبر سيفرحك!!، فأدركت ما سيقوله بعد ذلك وسارعت الى شكره بشدّة وسط ذهوله وإستغرابه"!!!.
بعد عودتي الى مدينتي من ذلك المشروع قررت التهيأ للسفر الى أي مكان في العالم وحيثُ لم إقرر بعد الى أين لإزاحة تعب السنتين!!!!، صدفة تذكرتُ الورقة الصفراء الصغيرة التي كتبت عليها زميلتي في العمل إسم المنتجع ونصحتني بالذهاب اليه لهدوءه والخاص بالبالغين الذين تتجاوز أعمارهم الثامنة عشر من العمر!!.
دخلتُ مكتب السفر الذي أتعامل معه دائماً وسألت الموظفة المعروفة لي مسبقاً عن رأيها لأفضل الأماكن في هذا الوقت من السنة للذهاب اليها للإستجمام، فأعطتني خيارات لمنتجعات عديدة في العالم كان من بينها منتجعات في المكسيك لكن لم يكن الأسم الذي بين يدي من ضمنها فناولتها قصاصة الورق الصفراء المدوّن عليها إسم المنتجع وبعد أن قرأتها إستغربت لأنها لم تسمع به خلال فترة عملها لأكثر من عشرين عاماً في المكاتب السياحية!!، وأثناء توضيحي لها بأنه منتجع لم يمضي على إفتتاحه غير أسابيع قليلة كانت أصابعها قد طبعت إسمه على الكمبيوتر وأردفَتها بصرخة خفيفة ـ ـ واااااو ـ ـ علامة على الإعجاب والدهشة!!!، فأدركتُ بأنّ زميلتي في العمل كانت على حق في نصيحتها لي، لكن موظفة المكتب السياحي بادرتني بدهشتها الثانية من التكلفة الكلّية الباهضة للرحلة للشخص الواحد التي تصل الى أكثر من ثلاث أضعاف مثيلتها للمنتجعات الأخرى المحيطة به والقريبة منه (التكلفة لمعظم الرحلات السياحية للمنتجعات في العالم بشكلٍ عامٍ ودول البحر الكاريبي بشكلٍ خاصٍ تشتمل غالباً على جميع المصاريف من الألف الى الياء من ضمنها بطاقات السفر من والى مكان الإقامة الدائمية، والإقامة في المنتجعات مع معظم التفاصيل من الخدمات التي تشمل الطعام ومشاهدة الفعاليات للفرق العالمية على مسارحها الداخلية وخاصة فرق الإستعراضات لأمريكا الجنوبية ودول البحر الكاريبي عموماً والفعاليات الموسيقية الأخرى داخل تلك المنتجعات وتغطية طلبات جميع المشروبات الروحية والغازية بأنواعها بشكل غير محدود على طول اليوم بنهاره وليله وببارات ومطاعم تلبي في معظمها الخدمات على مدار الساعة مجاناً أو بالأحرى مدفوعة الثمن ضمن المبلغ الكلّي للرحلة!!، كذلك تشمل مشاهدة الأفلام في دور العرض السينمائية الداخلية التابعة للمنتجع!!!، وحيثُ هنالك برنامج يومي متجدد ومتنوع على اللوحة الخاصة بالفعاليات يبين أوقات تلك الفعاليات وأماكنها، لكن هنالك أجور إضافية لبعض الخدمات الأخرى من مساج ورحلات ركوب الخيل أو قيادة سيارات "الجيب" الرياضية في الأدغال والجولات البحرية بالزوارق الرياضية السريعة والتحليق بالبرشوتات التي تسحبها الزوارق في البحر الكاريبي ورحلات بينيّة أخرى خارج المنتجعات لزيارة المواقع الأثرية في المناطق القريبة أو للقيام بجولات حرّة للمدن القريبة للتسوّق والإطلاع على معالمها).
ولكي أضع القرّاء الكرام في الصورة الحقيقية يجب ذكر بعض المعلومات والحقائق عن المكسيك وإن طال قليلاً هذا السرد، ثمّ سأورد بعض التفاصيل من داخل المنتجع لنوعية الخدمات وكيفية قضاء الوقت من أولى ساعات الصباح حتى بعد منتصف الليل بساعات!!!.
المكسيك: بلد موغل بالقِدم ويُعتبر موطناً لحضارات قديمة إبتدأت منذ حوالي (1800) قبل الميلاد وإمتدت الى أن وصلت إحدى حضاراته لشعب "المايا" الى عام (300) ميلادي، وكان قد عثر فيه على هيكل عظمي لإنثى يعود بقِدَمِه الى (12,000) سنة أي عشرة آلاف عام قبل الميلاد، وقد عُثرَ أيضاً على أدوات حجرية كان يستخدمها الإنسان البدائي يرجع تاريخها الى (21,000) عاماً قبل الميلاد!!!.
تقع المكسيك جغرافياً في جنوب قارة أمريكا الشمالية التي تشمل إضافة الى المكسيك على إثنتين من أكبر الدول الصناعية السبع في العالم وهما كندا شمالاً والولايات المتحدة الأمريكية في وسط القارة (عدا جزئها المنفصل جغرافياً عنها بواسطة الأراضي الكندية والغني بالبترول المسمى "الأسكا" الذي إشترته من روسيا سابقاً ويقع في أقصى الشمال الغربي من القارة).
يعتبر المعنيون المكسيك جزءاً من قارة أمريكا الجنوبية على الرغم مما ذكرته من وقوع معظم أراضيها في القارة الشمالية وذلك لوقوع بعض الجزر والأراضي الجنوبية الشرقية للولايات المكسيكية الفدرالية داخل حدود قارة أمريكا الجنوبية ولإرتباط شعبها بروابط مشتركة تاريخياً ووجدانياً وإثنياً ولغوياً وتراثياً وثقافياً مع معظم شعوب القارة الوسطى ـ الجنوبية مما جعلها الأقرب الى القارة اللاتينية (قارة أمريكا اللاتينية تشمل جميع الدول الناطقة بالإسبانية والبرتغالية، وحيثُ كان الإستعمار الإسباني قد إحتل المكسيك أوائل القرن السادس عشر وغادرها في أوائل القرن التاسع عشر ودعاها باللغة الإسبانية "مكسيكانو" أو "مهيكو" وقد إتخذها منطلقاً لإحتلال أجزاء القارة الوسطى التي أطلق عليها جميعاً بـ "إسبانيا الجديدة"، وبالإنكليزية يطلق عليها "مكسيكو Mexico" وهو الإسم الدارج عليها عالمياً)، ولهذا فإن إحدى أهم اللغات في المكسيك هي الإسبانية إضافة الى اللغات الوطنية الأخرى، وعلى ذكر الإحتلال فقد دخلت الولايات المتحدة المكسيكية بعد جلاء المستعمر الإسباني مباشرةً في حربٍ ضروس ضد الولايات المتحدة الأمريكية على الولايات المتنازع عليها فخسرت نصف أراضيها تقريباً لصالح أمريكا الإتحادية ومنها ولايات "نيومكسيكو" و "كاليفونيا" ونصف ولاية "أريزونا" والنصف الآخر أشترته من المكسيك لاحقاً!!.
نظام الحكم في المكسيك جمهوري رئاسي فدرالي وعاصمتها "مكسيكو سيتي" ومساحتها مليوني كليومتراً مربعاً تقريباً وعدد سكانها يصل الى (120) مليون نسمة، تحدها من الشمال الولايات المتحدة الأمريكية ومن الجنوب الشرقي غواتيمالا والبحر الكاريبي ويحيطها من الغرب والجنوب الغربي المحيط الهادي (الباسفيك)، كما ويحدها من الشرق خليج المكسيك الذي يفضي الى البحر الكاريبي ومنه الى المحيط الأطلنطي، وبسبب تباين أراضيها ما بين الشاهقة الإرتفاع والمرتفعة نسبياً في جزئيها الشمالي والوسط التي تتوسطها الوديان والغابات وما بين مرتفعات وسهول ساحلية على إمتداد حدودها بالمحيطات والبحار وكذلك إحتوائها على المناطق الصحراوية التي هي إمتداد للمناطق الصحراوية الواقعة في الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فأن مناخها تباين أيضاً ما بين الإستوائي والمعتدل ليضعها بين صدارة الأنظمة الطقسية المتنوعة في العالم، وبناءاً على هذا التنوع التضاريسي والمناخي فمن الطبيعي أن تتصدر أيضاً التنوع البيئي ـ الإحيائي وحيثُ يعيش فيها أكثر من مئتي الف نوع من الكائنات الحيّة من طيور وحيوانات برية وبرمائية ومائية مما جعلها واحدة من أكثر البلدان الحاضنة للمحميات الطبيعية التي تحتوي على إثني عشر في المئة من التنوع الأحيائي في العالم وبأنواعه النادرة!!!، وبسبب وقوعها أيضاً ضمن الحزام البركاني فإنّ المكسيك تعتبر واحدة من البلدان المعرّضة بشكل مفاجئ الى الزلازل والهزّات الأرضية القوية.
والمكسيك دولة صناعية لا يستهان بها خاصة في صناعة السيارات وكذلك الهيليكوبترات (المروحيات) والطائرات التجارية وفي غالبيتها ليست صناعة بالمعنى المُطلق وإنما عمليات تجميع للأجزاء خاصة للصناعات الثقيلة، وقد تقدمت على جارتيها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا (إنتاجياً) في السنوات الأخيرة!!!، وتعتمد عليها كندا وأمريكا بإعتبارها الرديف أو الإمتداد بقدراتها البشرية للصناعات المهمة في هذين البلدين العملاقين صناعياً، ولنتوقف هنا لتوضيح هذه الفقرة وتأثيرها على الجوانب السياسية والبيئية ـ الجغرافية والإقتصادية والإجتماعية: فبسبب الموقع الجغرافي القريب ووقوع المكسيك على البحار لتسهيل عملية الشحن وإنخفاض أجور العمالة فيها وهبوط العملة المكسيكية مقارنة بالدولارين الأمريكي والكندي (عملة المكسيك هي "البيزو المكسيكي" وحيثُ أنّ الدولار الأمريكي  يتراوح ما بين أحد عشر الى خمسة عشر بيزو مكسيكي)!!!.، فقد شجعت هذه الميّزات الشركات الصناعية الكبرى في كندا وأمريكا على نقل أجزاء كبيرة من مصانعها الى هذا البلد لزيادة أرباحها أولاً، وقد إنعكست هذه الخطوة إيجابياً سياسياً وإقتصادياً على المكسيك في محاولة لإستقرار نظامها السياسي الذي ليس من مصلحة جيرانها زعزعته، كما شجعت هذه الخطوة على التقليل من تدفق اللاجئين المكسيكيين وغيرهم وبعشرات الآلاف سنوياً الى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا بحثاً عن العمل عبر الحدود التي لا يمكن السيطرة عليها لطولها وتنوّع تضاريسها مع الولايات المتحدة، وحيثُ تُعتبر هذه الحدود ممراً سهلاً لتدفق اللاجئين من جميع بلدان القارة اللاتينية ودول العالم الأخرى الى أمريكا وكندا، ولقد وَجَدَتا (كندا وأمريكا) إنّ أفضل حل لتقليل الهجرة اليهما هو بتحسين وضع المكسيكيين المادي داخل بلدهم بتوفير فرص العمل لهم!!، وقد كانت إحدى الوعود الإنتخابية للرئيس الأمريكي الحالي "ترامب" العمل على بناء جدار على الحدود لفصل البلدين والذي لاقى معارضة شديدة من الحكومة المكسيكية ورفضها المشاركة المادية لبنائه، وخلال زيارتي لمدينة "سان دييغو" الأمريكية الحدودية مع "تيوانا" المكسيكية نهاية عام 2005م وبداية سنة 2006م كما أسلفت سمعت والتقيت بعدد من العوائل العراقية التي دخلت بطرق غير قانونية الى أمريكا عبر "تيوانا" وطَلبت اللجوء بعد فترة من الزمن هنالك، لكن هذه الطريقة لا تخلو من المخاطر الكبيرة لوجود عصابات الجريمة المنظمة والمخدرات وكل أنواع الممنوعات في تلك المدينة التي يحجم السوّاح بالذهاب اليها في بعض الأحيان بسبب أعمال العنف!!، وحيثُ يضطر اللاجئون الغير شرعيون المكوث ربما لأشهر أو لسنوات فيها ليتحيّنوا الفرص بمساعدة عصابات تهريب البشر لعبور الحدود الى الولايات المتحدة الأمريكية!!، وغالباً ما تحذّر الدول مواطنيها السوّاح من الذهاب اليها أو أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر أثناء تواجدهم فيها بسبب الإقتتال في الشوارع بين أفراد العصابات المتنافسة، وعلى ذكر الوضع الأمني فأن المكسيك بالرغم من إستقبالها سنوياً لملايين السوّاح خاصة من كندا وأمريكا إلا أنها تعتبر من البلدان الغير مستقرة أمنياً بسبب عصابات الجريمة المنظمة، ولهذا السبب فقد لاحظتُ وجود رجال الأمن في بوابة المنتجع الذي ذهبت اليه، كما وتحث الدول مواطنيها السوّاح الذاهبين الى المكسيك وبقية الدول المطلّة على البحر الكاريبي للتلقيح ضد الأمراض الخطيرة ومنها "الفايروس الكبدي".
وربما من الضروري ذكر الأسباب التي تجعل السوّاح خاصة من أمريكا وكندا يرغبون بالذهاب الى بلدان البحر الكاريبي بشكل عام للإصطياف على الرغم من المخاطر الآنفة الذكر، وهذه الأسباب هي: قربها من بلدانهم جغرافياً ـ ـ وجمال طبيعتها وتضاريسها ـ ـ وكثرة سواحلها الواقعة على أجمل مياه العالم ـ ـ والتمتع بمشاهدة أفضل الفرق الفنية الإستعراضية والراقصة في العالم ـ ـ ومناخها المعتدل والدافئ نسبياً وشمسها المشرقة على سواحلها ومياهها ـ ـ وإنخفاض أسعار الإقامة فيها مقارنة بفرق العملة لبلدان السوّاح ـ ـ وتوفر الخدمات وبأعلى درجاتها السياحية العالمية ـ ـ وتوفر الطعام بمختلف أنواعه مع جميع المشروبات الكحولية والغازية ـ ـ ومعظم شعوب هذه البلدان مسالمة مع الأجانب وتشجع السياحة على الرغم من وجود العنف في مجتمعاتها، إضافة الى توفر وسائل التسلية الغير (بريئة) الأخرى التي يبحث عنها بعض السوّاح!!!. 
كما أنّ المكسيك غنية بالنفط والغاز الطبيعي والمعادن، وتُعد سادس أو سابع بلد منتج للنفط في العالم!، ومشهورة بتجارة الأخشاب لكثرة غاباتها، وهي ثالث بلد في العالم في سرعة فناء أو زوال غاباتها كنتيجة لهذه التجارة الغير منضبطة!!!، كما أنّ لديها رابع أكبر محطة كهرومائية في العالم لتوليد الطاقة الكهربائية!!.   
غادرنا جواً مدينتنا أدمنتن عاصمة إقليم البرتا الكندي الساعة (9:15) صباحاً بالتوقيت المحلّي في رحلة مباشرة الى مدينة "كانكون" المكسيكية وقد إستغرقت الرحلة ذهاباً أربع ساعات ونصف مع الأخذ بنظر الإعتبار فارق الوقت بين البلدين، ووصلنا الى مطار "كانكون" في الساعة (3:50) بالتوقيت المحلّي من بعد ظهر اليوم نفسه المصادف الحادي عشر من كانون الثاني لسنة (2011)، وكان الدليل السياحي بإنتظارنا في المطار والذي قاد المجموعة الى الحافلات السياحية، وخلال الطريق الى المنتجع بدأ بإعطاء بعض التعليمات والتوجيهات للسلامة الصحية والأمنية مع شرح بعض المعالم التي مررنا بها.
كان إسم المنتجع هو ـ الدورادو كاسيتاس رويل (El Dorado Casitas Royale) ـ وهو مكان منفصل ومنعزل جزئياً عن منتجع آخر مختلف نسبياً بتصاميمه وخدماته يحمل إسم ـ الدورادو رويل (El Dorado Royale) ـ كان قد شيّد قبل الأول بسنة أو أكثر بقليل (يبين المخطط التوضيحي الكتلوي المرفق مع هذا التقرير المنتجعين المفصولين بخط أو حدود باللون الأبيض، وحيثُ يظهر الجانب الأيمن من المخطط منتجع "الدورادو كاسيتاس رويل" بوحداته السكنية المنفصلة أو بالوحدات الرباعية السكنية باللون القهوائي والمحاطة بجداول وقنوات مائية أكثر من المنتجع الثاني، أما الجانب الأيسر فيظهر منتجع "الدورادو رويل" بوحداته السكنية باللون الرصاصي وهي عبارة عن عمارات ذو طابقين أو ثلاث طوابق تحتوي على شقق سكنية أنيقة لكنها ليست بفخامة المنتجع الأول).
يقع المنتجع في منطقة ـ كانْكوُنْ ـ (Cancun) السياحية الشهيرة بمنتجعاتها وفنادقها المطلة على الساحل الجنوبي الشرقي للمكسيك على رأس المضيق الذي يلتقي عنده خليج المكسيك بالبحر الكاريبي وحيثُ تُقابل الجزء الشمالي الغربي للساحل الكوبي ويستطيع السائح العثور فيها على فنادق سياحية مناسبة لإمكانياته المادية.
بعد إتمام كافة الإجراءات في المنتجع أخذتنا السيارات الصغيرة الكهربائية التي تسمى "صديقة البيئة" الى وحداتنا السكنية وهي وسائل النقل الوحيدة داخل المنتجع للأماكن التي يصعب الوصول اليها سيراً على الأقدام، وهناك كانت مفاجئتي الغير سارة بسبب عدم تطابق حجزي لأحسن ما موجود في المنتجع وبوحدة سكن منفصلة ومطلّة بشكل مباشر على البحر مع ما فوجئت به بإعطائي لوحدة سكنية هي عبارة عن واحدة في بناية تتكون من أربعة وحدات: إثنتان في الأسفل والأخريتان فوقهما وتسمى (فوربلكس)، وكان نصيبنا إحدى الوحدتين العلويتين!!، عندما دخلناها وجدناها أنيقة ورائعة وأرضيتها من المرمر وفيها جناح منفصل للإستحمام بالجاكوزي أو ما يسمى بالهَوت توب (أي بانيو بفتحات جانبية لتدوير المياه بقوة لعمل المساج الطبيعي) وفوقه "شاور" أو ما نسميه في العراق بـ "الدوش" وهي كلمة غير مستحب تداولها في كندا لأنها تعطي معنى آخراً!!، وفي الوحدة السكنية "برنده" أو "بلكون" رائع يمكن مشاهدة البحر منه ولكن ليس مطل بشكل مباشرٍ عليه!!، الحقيقة رضيتُ بالمقسوم على الرغم من عدم توافق هذا الأمر مع مطلبي وما دفعته من مال إضافي، كذلك تحتوي الوحدة  ككل الوحدات السكنية الأخرى على كل ما يحتاجه السائح من خزانة حديدية "قاصة" لوضع الأشياء الثمينة الى الشمسية الى المكواة والشسوار للنساء والثلاجة المتوسطة الحجم العامرة على آخرها بالسندويشات والمشروبات الكحولية والغازية والماء والفواكه والنستلات وغير ذلك من الإحتياجات، وفاتني أن أذكر من أن لكل مجموعة من الوحدات السكنية مكتب إداري خاص بمديره وموظفيه لتسهيل الخدمة ويقع قريباً من تلك الوحدات، وحيثُ سألتني الموظفة في أول لقاء: هل هنالك حدث خاص أو مناسبة خاصة لزيارتنا للمنتجع وكيف عرفنا به؟؟، فقلتُ لها من أنني جئتُ لأحتفل بعيد ميلادي وعيد زواجي اللذين لم أحتفل بهما كما يرام قبل شهرين من الزمن وكذلك جئتُ للراحة بعد جهد العمل، طبعاً سجلت كل هذه الملاحظات!!، بعدها تركنا حاجياتنا في الجناح السكني وذهبنا مشياً على الأقدام تارة وبالسيارات الكهربائية تارةً أخرى في رحلة إستكشافية داخل المنتجع وعدنا ليلاً منهكين من التعب بعد أن تناولنا طعام العشاء في إحد مطاعم المنتجع الجميلة والفخمة التي تحتوي على بوفيه متنوعة إضافة الى خيارات طلبية خاصة وفق قائمة الطعام المعدّة لذلك اليوم، وهذه المطاعم مدفوعة الثمن ضمن أجور الرحلة مثلما أسلفتُ سابقاً وكل الذي يجب عمله هو تسجيل أسم السائح ورقم الوحدة السكنية عند تشريفات المطعم ثمّ التمتع بما في داخله من مأكولات ومشروبات وحيثُ لم تكن هذه الإجراءات غريبة عنّا لتشابهها في معظم المناطق السياحية في العالم.
في نفس الليلة وبعد عودتنا وكما هو مذكور في تعليمات كُتيبْ المنتجع حررت طلبية "قائمة" طعام الفطور لليوم التالي على بطاقة خاصة وعلقتها على المكان المخصص للباب الخارجي ليأتي الساعي لأخذها في نفس الليلة وذلك لرغبتي بتناول فطوري في الجناح السكني بدل النهوض مبكراً والذهاب لتناوله في أحد المطاعم لأنها كانت أول ليلة بعد رحلة السفر ورغبتُ في أخذ قسط كافي من الراحة.
إنتهى الجزء الأول وسيتبعه الجزء الثاني والأخير


15
هل عشنا حقّاً زمناً جميلاً لنفتقده؟!
بقلم: سالم إيليا
قبل دخولي بالتفاصيل أستشهد بمقولة تنطبق على حالنا اليوم للروائي والفيلسوف جان بول سارتر: "عرفنا كل شئ في الحياة إلاّ كيف نعيشها"!!.
وسيكون المدخل لعنوان مقالتي بتعريف "الزمن" لغوياً كما جاء في المعاجم على أنه الفترة أو الوقت طويله أو قصيره، وربما يكون لثوانٍ أو لأيامٍ وصولاً الى القرونِ منه.
ولكي نشعر ونستمتع بالزمن إذا كان حقاً جميلاً علينا أن نحيا فيه لفترة زمنية (كافية) ونشعر فيه بقيمتنا الإنسانية لتكوين تاريخ وذكريات جميلة حقيقية وليست (تصوّرية أو خيالية) يدفع بها عقلنا الباطن لتكون (إجتراراً قسرياً) لفعالياتٍ إنسانيةٍ طبيعيةٍ جداً لأي شعب عاش في القرن العشرين ومستمر بالعيش في العقود الأولى لبداية القرن الواحد والعشرين، وحيثُ نتوهم بجماليتها لأننا وببساطة لا نستطيع أن نعيش بأفضل منها الآن لإفتقارنا لأبسط مقومات المجتمع الآمن والحضري بالحد الأدنى للخدمات الأساسية أو ما يَطلق عليه المعنيون "البنى التحتية" التي كنّا قد بدأنا خطواتها الصحيحة مع بداية تكوين الدولة العراقية الحديثة لكن توقف الزمن عندها بعد هنيهة، فصرنا نتشبث بأذيال الثوب المهترئة لعدم قدرتنا للوصول الى هرم الثوب الزاهي عملاً بالمثل الشعبي المعروف "مِن قلّة الخيل ـ ـ  الخ"!!.
ويتغنى البعض (المتحسرون) تيمناً وشوقاً وآهاتاً على الزمن الذي أطلقوا عليه جميلاً وذلك بإعادة نشر صور أيامه للسفرات المدرسية أو الجامعية، أو ذكر الفعاليات المحدودة للجمعيات أو التجمعات الأدبية والثقافية والإجتماعية، أو عرض صور لجلسات عائلية أو جماعية حول موائد الأكلات  الشعبية  في مطعم من مطاعم العاصمة أو مدن العراق الأخرى، أو التحسّر على خدمة معينة من المفترض أننا لسنا بحاجة اليها الآن لأنها أصبحت "فاقدة للصلاحية" أو كما يقال باللغة الإنكليزية من أنها أصبحت أوبسُليت (أي مهملة وغير مواكبة للعصر) نتيجة التطور الحضاري ووسائله التقنية كتسويق منتجات الألبان والمشروبات الغازية الى البيوت (من المفروض الآن لكل عائلة سيارة على أقل تقدير لتسهيل عملية التسوّق دون الحاجة لتلك الخدمات)، أو نقوم بنشر الصور لجلسة "سمر" ليلية بين الأصدقاء أمّا على كورنيش "أبو نواس" العاشق بندمائه لدجلة الخالد أو لجلسة في أحد النوادي أو الجمعيات الإجتماعية أو المهنية وأمامهم قناني البيرة الخالدة الذكر "فريدة" ـ ـ وبعدها يتشارك الجميع على صينية "الباچة" العامرة بمفرداتها الدسمة أو أكلة السمك ذو الماركة المسجلة "المسكوف" وحيثُ لا أعلم لحد الآن سبب تقاعس الحكومات المتعاقبة لإدخاله في لائحة الأكلات الشعبية والتراثية لليونسكو!!، أو الإشتياق لليالي سفرة سياحية بالزوارق أو (اليخوت) النهرية الى جزيرة "أم الخنازير" ـ ـ وحيثُ تتسابق مهارة تمايل الأجساد المختلطة للجنسين على سطح اليخت مُشاطِرة أمواج النهر حركاتها الموجية والمصاحبة لصخب الصيحات على أنغام فرق الجاز التي تتوقف فجأة عن عزفها وتتوقف معها الأجساد النَضِرة الثائرة المتمايلة على أنغام الموسيقى حتى يجتاز "اليخت" المسافة المائية المحظورة (بأمر الجهات العليا) أمام القصر الجمهوري الذي ربما لا يروق لساكنيه سماع صوت الشعب وهو سعيد وفرح ومنتعش وليُذكّره بقائمة الممنوعات التي لا تنتهي!!! ـ ـ فيستعيض طالبوا الحرية الحقيقية على متن هذه الطوّافة العائمة دقائقهم الثمينة التي فقدوها عند مرورهم من أمام (المعبد الجمهوري) بصخب ورقص ليلي مضاعف على كثبان جرف الجزيرة الرملي وتحت ضوء القمر والأضواء الخافتة التي لا تسمح إلاّ برؤية (الخليل أو الخليلة) والهمسات التي لا تتعدى مسامع المعني أو المعنية بالأمر، ولربما من قصد أيام الزمن الجميل تلك الأوقات للذهاب الى دور السينما ليس فقط لمشاهدة الأفلام الجيدة والرديئة وإنما لتغيير الروتين الممل أو لإقتناص الفرص من الجنسين عسى ولعل "تغمز السنّارة" وتبدأ قصة حب بإعطاء رقم الهاتف وغالباً ما تنتهي بالعويل والبكاء و(يا ريت الجرى ما كان)!!!.
وربما كان زمننا الجميل في أحس الأحوال عبارة عن (تقمصنا) لدور الجيل الشبابي المثقف الواعد المتواصل مع تقدم الحضارة الإنسانية فنُقنع مَن حولنا قبل أنفسنا بتطورنا عندما ندفع بأجسادنا دفعاً للذهاب الى قاعة الخلد لسماع الفرقة السمفونية العراقية في عزّ مجدها وتألقها وهي تعزف مقطوعات سمفونية لفان بيتهوفن وموزات وشوبان وغيرهم وعندما يفاجئنا متخصص ومتذوق من الجالسين للتعرف على مدى ثقافتنا الموسيقية وسؤاله الغير برئ لنا عن عدد حركات المعزوفة السمفونية التي إنتهت توّاً فنبقى في حيرة غالباً ما تنتهي بأربع كلمات "والله ما عندي علم"!!، أو نتراصف في طابور على مدخل أحد المسارح الذي كافح الممثلون وصرفوا الأموال من جيوبهم الخاصة لتحويل بنايته البائسة الى مسرح يقدموا على خشبته إبداعهم الذي رفع الفنانون العرب قبعاتهم له، أو نحاول فك الغاز لوحة "سريالية" بالوقوف لدقائق طويلة أمامها خلال زيارتنا لمعرض (ورطّنا) أنفسنا بالذهاب اليه وجهدنا لمحاولة معرفة (العقل الباطن) للرسام من خلال ربطه الواقعية بالرمزية وتناقضاتها التي تظهر جنون ـ ـ عفواً (عبقرية) رسّامها!!!، أو التوهان في الأشكال الهندسية للوحة "تجريدية" أصرّ صاحبها على مسخ (خلقة الله) فأظهر ما أظهر من خيال لشخصية لم نحظى بتركيبتها ووجودها حتى على المريخ!!!، فنبحث مهرولين عن اللوحات "الإنطباعية" التي تنقذنا من ورطتنا في الإسراف لجهدنا الفكري والنظري الغير مجدي فنريح العقل والعين ونستمتع بمناظرها ونثني على صانعها فنخرج فرحين بإقناع أنفسنا مِن أننا على الطريق الصحيح لثقافتنا الفنّية والتمتع (بالأيام الجميلة) التي بدون أدنى شك سنعود بذاكرتنا اليها لإجترارها وعرضها لحاجتنا اليها كدليل على "أيام الماضي الجميل" التي عشناها وحيثُ إفتقدناها في الأيام الحاضرة القبيحة التي نعيشها!!!.
ولو دققنا قليلاً وأمعنّا النظر (بأيام الزمن الجميل) التي نستحضرها ما بين الفينة والأخرى، لا بل لن نتوقف عن ذكرها من خلال الصور البائسة التي ننشرها على مواقع التواصل الإجتماعي لباص مصلحة نقل الركّاب الذي بلغ من "العمر عتيّا" والمعمّر بخدماته والمكتظ بركابه كعلب الساردين والمتخم بمشاكله التي عرضها فلم "الجابي" الذي كان أحد الأفلام القليلة البائسة لصناعة السينما في العراق ـ ـ وصور أخرى لتلك الأيام التي أطلقنا عليها ظلماً بالجميلة لشارع مبلّط سيء الصيانة وقد ملئته الحفر وحيثُ تتوسطه إستدارة دائرية (فلكة) تفنن الفلاّح البسيط المسؤول عن رعايتها في تصميم الورود بأشكال لا تمت لعلم المثلثات وأخواته بصلة لإفتقار أمانة العاصمة حينها لشعبة خاصة لتصميم الحدائق والمتنزهات والساحات العامة!!!، أو عَرْضَنا صور لشابات وقد لبسن "الميني أو المايكرو جوب" في أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن المنصرم بعد أن دخلن بمعظمهن في صراع طويل مع أولياء أمورهن لإقناعهم بالموضة ومستحقاتها ثمّ يتفاجئن بصراع آخر في الشارع مع ما أطلقت عليه السلطات المعنية حينها "بشرطة الآداب" لتجنب ختم سيقانهن بختم من المؤكد إنهن بعيدات كل البعد عنه ـ ـ أو (نضالهن) في الأماكن العامة لتجنب التحرش اللفظي أو الفعلي من بعض الشباب الغير مسيطر على مداركه وعواطفه!!!، أو الإستشهاد لذلك الزمن بعرض صور الشباب الذين وصل الخلاف بينهم وبين آبائهم الى حد ترك الدار بسبب الإصرار على لبس بنطلون "الجالستون" بعرض (26) سنتيمتراً من الأسفل أو إطلاق شعر الرأس والزلف للتشبه بجماعة "الهيبيز" المتمردة على مجتمعاتها ولمعاصرة الزمن المسرع الى الأمام!!!.
وحين نستعرض تاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ إعلان تأسيسها سنة 1921م ولحد الآن لنحاول جرد أو حصر (الأيام الجميلة) التي عشناها، وحيثُ لا تزال أجيالها في معظمها على قيد الحياة فسوف نتفاجئ ونصطدم بالواقع الذي ينسف الخيال والإعتقاد بأننا عشنا زمناً جميلاً حقيقياً حتى لأشهرٍ معدودةٍ بمجموعها!!!، وذلك لكثرة الأحداث الدموية بفتراتها الطويلة من عدم الإستقرار والإنقلابات العسكرية والصراعات الحزبية السياسية والعصيان المسلح في الجبال والممارسات الهمجية من سحل للبشر في الشوارع والتمثيل بالمغدورين وسط صيحات الفرح وزغاريد النسوة وتعليق لأجساد المدانين في أكبر ساحات العاصمة الذين إتهمتهم الحكومة (بالتجسس) ودعت الشعب بملايينه للخروج (إحتفالاً) بتنظيف البلد منهم!!!، لكننا كالأطرش بالزفّة لم نكلف أنفسنا حتى بسؤالها أو التشكيك بالتهمة الموجهة اليهم ونقنع ضمائرنا بالرواية المحبوكة التي عرضتها علينا الشاشة الصغيرة بإعترافات (المتهمين) الذين بصموا بالعشرة على جرمهم دون ضغط أو تعذيب!!، وبدون وجود محامي دفاع واحد حقيقي عن المتهمين لترتاح ضمائرنا (المغيبة) ونفرح بقلوب مطمئنة على تنفيذ القصاص العادل ضد مَن أرادوا السوء بالبلد!!!، وحيثُ لم يمنع هذا الإجراء الإستباقي (الوطني!!) بتنظيف البلد من (الجواسيس) للحيلولة دون ضرب مفاعل "تموز النووي" بدقة متناهية وبمعلومات أكيدة من الداخل!!!، وبعد أن إنتهت صراعاتنا الداخلية ودمويتها بالسيطرة الحديدية على البلد بنظام بوليسي كان يحبس أنفاس المواطنين ويسجّل كلماتهم العفوية على أنها مقصودة للإساءة بالسلطة وتأويلها بمقاصد ومعاني بعيدة كل البعد عن تفكير (المتهم) فيذهب قائلها السيء الطالع في تلك اللحظة في زيارة دون رجعة الى ما وراء الشمس!!!، ثمّ جاء زمن الحروب الكارثية التي عصفت كالريح الصفراء بكل ما كان حَيْ حتى (ضمائرنا)!! ـ ـ فبتنا نعيش بأجساد خاوية وخالية ومتجردة من الأرواح والضمائر التي ماتت بـ (السكتة الأخلاقية)!!!، وحيثُ كانت تتقاطع أعراسنا وزفّاتها المفرحة والمتميزة بوقوف سيارة أجرة أمام الدار المُحتفل وعليها تابوت ملفوف بالعلم العراقي المتمخض بالدماء أكثر من أي علم آخر في العالم فينقلب العرس الى مأتم وتمتزج هلاهل الفرح للأخ "المعَرّسْ" مع هلاهل زفّة الأخ الشهيد ذو التاسع عشر ربيعاً "الذي لم يدخل الدنيا بعد" على حد قول الإخوة المصريون والذي لم يمضي على التحاقه بخدمة العلم أكثر من سنة وحيثُ سيُكتب على شاهد قبره: الشهيد فلان الفلاني الذي لم تكن حياتهُ بأفضل حال من حياة الأسطة جَبرْ من بَطن أمّه للگبر (تم تحوير المثل الشعبي لضرورات النشر)!!!، فأين هو الزمن الجميل إذن؟؟؟!!!.
وربما يعتقد من يعتقد بأنه كان لنا "زمناً جميلاً" ويؤمن مِن أن تلك الممارسات والفعاليات البسيطة التي نتذكرها من سفرات وجلسات سمر وسماع للموسيقى على أنها علامات مميزة للأزمان الجميلة التي يعيشها سكان كوكبنا فهو خاطئ بالقَسَمْ التوكيدي الثلاثي!!، لأن تلك الممارسات موجودة الآن في البلد وربما بمساحات وفضاءات أوسع وبتقنيات ومجالات أفضل من محلات التسوّق "المولات" الى مدن الألعاب الى النوادي الى حتى (الحريّات) الإجتماعية وإن كانت غير مكشوفة بصورةٍ تشكّل ظاهرة (مِني جوبية) مجتمعية!!، إذن أين هي المشكلة لنعيش في الزمن الجميل الحقيقي؟؟؟!!!: هل هي بتوفير الأمان فقط؟؟!!، وهل كان الأمان متوفر بشكل حقيقي وثابت في المجتمع سابقاً وبنسب مقبولة لا نبغي منها الوصول الى النسبة المئوية المطلقة التي لا يمكن بلوغها حتى في جمهورية أفلاطون المثالية؟؟!!، أم هي مقارنة نسبية بين الماضي الذي عشنا عدم إستقراره منذ وعينا على هذه الدنيا وفقداننا لأمنه وبنسب أكبر منه في أيامنا الحاضرة؟؟!!.
المشكلة التي تحول دون معيشتنا في "الزمن الجميل" تكمن بنوعية النظام المجتمعي وقوانينه ودستوره الذي تتداخل فيه المعتقدات والقناعات الشخصية بما لا يجب أن تكون عليه لنعيشه في ظلّ نظام حضاري مدني بعيد عن القناعات والمعتقدات الشخصية.
فكل المشكلة تكمن بخطأ صياغة الدستور وإقحام الدين والقومية في النظام المجتمعي المتنوع والشامل الذي من المفروض يستظل تحت مظلته الجميع، والمشكلة تكمن أيضاً بعدم سن القوانين الحقيقية التي تحترم الإنسان وتثقف أفراد المجتمع بأطيافه على قبول الآخر والتعايش السلمي فيما بينهم، والمشكلة أيضاً تكمن في عدم إدراك تداول السلطة بالطرق الديمقراطية الحقيقية، وإن حصل ولم نستطيع الوصول الى السلطة عبر الطرق السلمية والدستورية سنقوم بإنقلاب عسكري أو نزرع الرعب بالوسائل المتاحة للقتل والدمار.
والزمن الجميل يكمن في الراحة النفسية للمواطنين من أن هنالك دستور يحميهم بقوانينه العادلة للجميع ولا يستطيع كائن من كان تغيير بوصلة مستقبلهم بسبب كلمة عفوية خرجت دون قصد فيذهب قائلها في الباي باي!!، أو تتغير بوصلة مستقبلهم بقرار (ثوري) إتخذه "ظل الله على الأرض" في دقائق لإعلان الحرب التي أخذت أرواح مئات الآلاف من الشباب الحالم بمستقبل زاهر فإنتهت إجسادهم وأحلامهم تحت التراب!!، أو بسبب إنتماء أو معتقد ديني أو مذهبي مغاير للأكثرية السلطوية الحاكمة يؤدي الى عدم قبول المعني بوظيفة أو موقع حَلِمَ وعَمل عمره كله ليناله، أو بسبب العِرقْ وما الى ذلك من الإنتماءات المكتسبة التي بدون أدنى شك أصبحت تهمة كلصقة "جونسون" الشهيرة ملازمة لصاحبها حتى وفاته!!!.
وهل نعلم من أنّ غاية الدول المتحضرة التي تعرض في متاحفها وعلى جدران أبنيتها الحكومية ووسائل إعلامها وتواصلها الإجتماعي آرشيف صور مدنها ومواطنيها قبل مئة سنة أو ما يزيد أو ينقص قليلاً هي رسالة لمواطنيها الحاليين مفادها مِن أنّ عليهم مقارنة بؤس وصعوبة حياة أسلافهم عمّا يعيشونه الآن من رخاء ورفاهية وتطور حضاري!!!.
أما نحن فنعرض صور ماضينا للتحسر عليه والتمني بالعودة نصف قرن أو ما يزيد الى بؤسه الذي أطلقنا عليه "أيام الزمن الجميل" زوراً وبهتاناً!!، وحسناً إعترفنا ضمناً بأنها كانت (أياماً) وليست شهوراً أو سنوات أو قروناً لزمنٍ في بلد يقول المؤرخون أنّ عمره (الحضاري) مِن المفروض قد تجاوز الستة آلاف عام!!!.
وخوفي ـ ـ لا بل كلّ خوفي أن تعرض الأجيال الشبابية الحالية وما يليها من الأجيال المعاصرة لهذه الفترة مستقبلاً صور الزمن المزري الذي يعيشونه الآن في العراق ويتفاخروا به على أنه كان "زمنهم الجميل"!!!، فأي مقارنة ومفارقة محزنة تعيشها أجيالنا.
                         

16
عودة ثانية الى الشأن الوطني ما بين المركز والإقليم
بقلم: سالم إيليا
إنّ محاولة تدويل الخلافات الداخلية العراقية من قبل حكومة إقليم كردستان/العراق يؤكد مرة أخرى تصرفها على أساس إنفصالي ربما لترسيخ سياستها الماضية بهذا الشأن وتسويقها لدول العالم وكأنّ الحال هو خلاف قائم بين دولتين وليس بين المركز والإقليم.
وحيثُ أوضحت ممثلة الإتحاد الأوربي في إقليم كردستان/العراق (كلاريس باستوري) لرئيس حكومة الإقليم السيد نيجرفان البارزاني خلال لقائها به يوم الخميس المصادف الحادي عشر من كانون الثاني الجاري وبشكل شفاف وصريح بقولها:
"لا تنتظروا مساعدة من أي طرف لا من أمريكا ولا من أوربا، هذه مشاكلكم الخاصة وعليكم حلّها بأنفسكم ونحن نؤمن بأنكم قادرون على ذلك".   
الرابط أدناه الإتحاد الأوربي يحث حكومة إقليم كردستان/العراق على عدم محاولة تدويل الخلافات الداخلية العراقية:
https://www.algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/33612-2018-01-11-10-07-00.html
ولا أعلم لماذا تحاول حكومة الإقليم تعقيد الحلول الواضحة وتطويل المسافات للوصول الى الهدف المرئي والمباشر بطلب التدخلات الخارجية التي غالباُ لا تؤدي الى نتيجة، لا بل تعقدها وتدخلها في النفق المظلم لمصالح تلك الدول الخارجية وتبدأ مقايضات تلك الدول على سيادة الإقليم وثروته كما ستفعل مع الجانب الإتحادي الشئ ذاته وستكون النتيجة بمحصلتها النهائية فائدة كبيرة لتلك الدول وبقاء الخلاف على ما هو عليه بين المركز والإقليم، لا بل ستغذيه تلك التدخلات الخارجية للحفاظ على إبتزازها للطرفين!!!.
 فليس هنالك تساهل أو تفاوض على تقسيم البلد من قبل أي حكومة إتحادية مهما كانت صبغتها والمتمثلة برئيس سلطتها التنفيذية حتى لو كانت هنالك ضغوطات خارجية عليها، لأنه وببساطة التغاضي عن هذا الأمر يُعتبر خيانة عظمى، وكل ما في الأمر على حكومة الإقليم الغاء نتائج الإستفتاء الغير قانوني والغير دقيق أصلاً وحسب إدعاءات أطراف كردية فاعلة داخل الإقليم، والإعلان عن مصير الأموال المستحصلة من بيع النفط منذ سنة 2014م داخل الإقليم ولحد الآن، والإمتثال للدستور بشأن إدارة المطارات والمنافذ الحدودية ومردوداتها المالية وسيتم حل كل المعضلات الأخرى البسيطة ربما بساعات وليس بأيام وستعود البسمة على شفاه أهلنا في الإقليم قبل غيرهم خاصة الموظفين الذين لم يستلموا رواتبهم لأشهر عديدة ويعود الإنتعاش الإقتصادي في الإقليم ربما أفضل من السابق.
الرابط أدناه لمحاولة حكومة الإقليم للتوسط لدى أنقرة للضغط على حكومة بغداد الإتحادية لحل الخلافات:
https://kitabat.com/news/%d8%b7%d9%84%d8%a8-%d9%88%d8%b3%d8%a7%d8%b7%d8%a9-%d8%a7%d9%86%d9%82%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d8%ba%d8%af%d8%a7%d8%af-%d9%88%d8%a7%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d9%84/
وعلى ذمة الخبر على الرابط أدناه والمعنون عن لسان وفد الأحزاب الكردية الذي إجتمع مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يقول: "بأن بغداد تفهمت إحتياجات مواطنينا لكن حكومتنا مصرّة على نهجها القديم"!!!.
https://kitabat.com/news/%D9%88%D9%81%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%AA%D9%81%D9%87%D9%85%D8%AA-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%8A%D8%A7/
هنالك خطأ متعمد من البعض والغير متعمد من البعض الآخر من السياسيين والإعلاميين العراقيين بصورة عامة وفي الإقليم بصورة خاصة بطرح الخلاف من خلال تسميات تعزز التقسيم من أمثال /الخلاف بين بغداد وأربيل/ أو /الخلاف بين كردستان والعراق/ أو /التعايش السلمي بين الشعب العراقي والشعب الكردستاني/ الى آخره من ـ المصطلحات ـ المستحدثة لغايات إنفصالية معروفة وواضحة !!!، وهذه التسميات الخاطئة المقصودة بنشرها وتداولها من (البعض) يُراد بها تكيّف وترويض الشعب العراقي بمجمله بصورة خاصة ودول العالم بصورة عامة على قبول التقسيم لاحقاً!!!، فعلى المسؤولين الإتحاديين بصورة خاصة ووسائل الإعلام والشعب بشكل عام تجنبها وتحجيمها وعدم السماح بترويجها وبالأخص في لقاءات المسؤولين الإتحاديين بوسائل الإعلام وعدم السماح للصحفي بطرح الأسئلة التي تحتويها لأنها تعزز وتسوّق فكرة التقسيم، كما أنّ على وزارة الخارجية العراقية الطلب الى جميع الدول من خلال سفاراتها ووزاراتها الخارجية لعدم الترويج لهذه التسميات في مخاطباتها الرسمية لأنها ستعتبر مشاركة في تسويق فكرة الإنفصال والمس بوحدة العراق وسيادته، كما أنّ على أعضاء مجلس النوّاب مناقشة هذا التوجه الخطير وإصدار قرار واضح بشأنه.
من جانب آخر يعترض البعض من السياسيين الكُرد في المقابلات على القنوات الإعلامية الفضائية ووسائل الإعلام على إطلاق التسمية العلمية /الجغرافية لإقليم كردستان/العراق والمعرّف بـ "شمال العراق"!!!، وهذا ما تكرر مراراً في اللقاءات مع النائب عن كتلة التغيير في البرلمان العراقي (سروة عبدالواحد) التي بدون أدنى شك يعتبرها المراقبون إحدى الدعامات الأساسية للحيلولة دون إنهيار العلاقة بين المركز والإقليم لأنها تمتلك القدرة على المحاورة والمحاججة الهادئة الخالية من التشنجات الفكرية المتطرفة إضافة الى جرأتها المعهودة في نقد السياسيين وخاصة في الإقليم الذين أوصلوا الأمور بين المركز والإقليم الى حد القطيعة.
وفي لقائها الأخير في برنامج "المناورة" المعروض على الرابط أدناه أعلنت تحفظها على تسمية "شمال العراق"!!!:
 https://www.youtube.com/watch?v=SsXXrl8VlRk
ففي الدقيقة (8:30) من البرنامج طرح مقدم البرنامج الإعلامي غزوان جاسم السؤال الأول على ممثلة كتلة التغيير في البرلمان العراقي سروة عبدالواحد وقبل أن تجيب تحفظت على ما ورد في البرنامج من تداول تسمية "شمال العراق" على إقليم "كردستان" مستندةً على مخالفة هذه التسمية لما أقره الدستور العراقي.
وربما نتفهم جميعنا سبب هذا التحفظ الذي ربما يفضي تداول هذه التسمية الى الغاء جميع المكتسبات المتحققة لأهلنا الكُرد عملياً وستعود الأمور الى المربع الأول ويتناسى الشعب من أنّ هنالك نضال طويل للكُرد تتوج بإقرار إقليم كردستان دستورياً.
لكن لنناقش الأمر جغرافياً وعلمياً برحابة صدر وبدون تشنجات طائفية/قومية، فشاء من شاء وأبى من أبى فإنّ إقليم كردستان/العراقي الدستوري يقع في شمال العراق جغرافياً وحسب الإتجاهات الأربعة لبوصلة الكرة الأرضية التي أثبتتها البراهين العلمية والثابتة عالمياً.
فبمجرد إعتراض البعض على هذا الوصف ورفض قول "إقليم كردستان/العراق الذي يقع في شمال العراق" هو إنتهاك للدستور وإستهانة بالإقليم بالغاء موقعه على الخارطة الجغرافية للعالم ودعوة الى عدم تبعية الإقليم للعراق وبموقعه في شماله ويعد هذا الرفض تكريس لخطوات التقسيم!!!، وعجيب كلام البعض من الذين يعترضون دون تمحيص لمنطقية إعتراضاتهم: فهل يجب على العراقيين تقديم طلب (لخالق) الكون يستسمحوه بتغير إتجاهات الكرة الأرضية ورفع إقليم كردستان/العراق من شماله لأن هذا الوصف لا يروق للبعض؟؟؟!!!، فأي منطق وصلوا اليه هؤلاء في رفضهم للحقائق العلمية الجغرافية والثوابت الألهية التي لا يختلف عليها نقيضان!!!.
وهل يرضى هؤلاء عدم تحديد موقع جغرافي لإقليم كردستان على الخارطة الجغرافية للعالم؟؟!!، وإذا سأل سائل: أين يقع الإقليم؟؟!!، فماذا سيكون جوابهم؟؟!!، هل سيجيبون بأنه طائر في الهواء أو لا يقع في أي إتجاه؟؟!!، أم سيجيبون الجواب العلمي الصحيح من أنه يقع في شمال العراق، وفي نفس الوقت يقع جنوب الحدود التركية وشمال غرب الحدود الإيرانية وشمال شرق الحدود السورية ـ ـ اليس كذلك؟!، هذا إذا كان من يعترض يؤمن بصدق عدم الرغبة بالإنفصال والإلتزام بالدستور الذي يؤكد في الباب الأول/المادة (1) على وحدة العراق، وينص في الباب الخامس/الفصل الأول/المادة (117)/أولاً على ما يلي: "يقر هذا الدستور عند نفاذه إقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليماً إتحادياً" إنتهى النص ـ ـ وهذا يعني إقرار إقليم كردستان الذي هو جزء من العراق الإتحادي ويقع شماله ـ ـ نقطة رأس السطر!!!.     
"وشهد شاهد من أهلها"، ففي الرابط أدناه يكشف نائب رئيس اللجنة المالية في البرلمان الكردستاني علي حمه صالح (الذي يُعرّف في كردستان/العراق على أنه آلة حاسبة) عن إختفاء مبلغ مقداره (642) مليون دولار من واردات النفط المصدّر من قبل حكومة الإقليم البالغ مجموعها ملياراً وأربعمائة وثمانية وثمانين مليون دولار خلال الربع الأخير من العام الماضي وحسب ما ذكر النائب وعلى ذمة الخبر!!!.
https://kitabat.com/news/%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b4%d9%81-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d9%81%d8%a7%d8%a1-642-%d9%85%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d9%88%d8%a7%d8%b1%d8%af%d8%a7%d8%aa/
ولكي ننصف حكومة الإقليم من خلال ما ذهب اليه نائب رئيس اللجنة في البرلمان الكردستاني الذي إعتبر أن حكومة الإقليم من المفترض قد حصلت على خمسين دولاراً صافياً للبرميل الواحد بعد الإستقطاعات لتصديرها ثلاثين مليون برميل خلال الربع الأخير من السنة الماضية، لكن حسب إعتقادي لا يمت هذا التخمين للواقع بصلة، لأن تكلفة إنتاج برميل النفط في الإقليم وحسب تصريحات المسؤولين يصل الى (25) دولاراً أمريكياً للبرميل الواحد والذي يشتمل على حصّة الشركة المستخرجة للنفط وكلفة التسويق والى آخره من المصاريف (وهو مبلغ عالي جداً مقارب لتكلفة إنتاج البرميل الواحد في كندا مثلاً التي تستخرج النفط بعمليات معقدة من الرمال النفطية التي تكون فيها قطرات النفط ممزوجة مع ذرات الرمال، وليس كما يستخرج في العراق ودول الخليج كسائل ثقيل خام لا يحتاج إلاّ لمد الأنابيب ويستخرج النفط غالباً بقوة ضغط الآبار، مع الأخذ بنظر الإعتبار فرق رواتب الموظفين والعمال في كلا البلدين، فعلى سبيل المثال تكون إجرة العامل الغير ماهر أو المستخدم  في الحقول النفطية الكندية ما يصل الى عشرين دولاراً أمريكياً في الساعة أي أنّ راتبه الشهري يتجاوز ربما راتب رئيس مهندسين في الحقول النفطية العراقية)!!!، ولو فرضنا أن معدل سعر البرميل الواحد عالمياً أو كما سوقته بغداد للربع الأخير من السنة هو (60) دولاراً، وحيثُ تصاعدت أسعار النفط لتصل ما بين (58 ـ 62) للبرميل الواحد، فأن هنالك فارق في تقديرات النائب الكردستاني علي حمه صالح بحدود (450) مليون دولار زيادة على المبلغ الذي إستلمته حكومة الإقليم فعلياً، لكن يبقى هنالك بحدود (192) مليون دولار مختفية من أصل المبلغ الكلّي المستحصل للثلاثة أشهر فقط وهو أيضاً مبلغ كبير جداً.
و "شهد شاهد من أهلها" مرة أخرى، لكن هذه المرّة بخصوص التشكيك بنفوس الإقليم وعدد سكانه، وقد جاء كما هو مبين في الرابط أدناه على لسان ريبوار كريم المتحدث بإسم تحالف/ من أجل الديموقراطية والعدالة/ لمراسل الوكالة الوطنية العراقية للأنباء/ متهماً حكومة الإقليم من أنّ هنالك (600) الف مواطن (ناخب) غير حقيقي بين سكان الإقليم جلّهم متوفين ولم ترفع أسمائهم من سجّلات النفوس أو إضيفت أسماء المهجّرين الغير محسوبين على نفوس الإقليم الى سجلات مواطني الإقليم وسجلات الناخبين:
       https://kitabat.com/news/600-%d8%a3%d9%84%d9%81-%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d9%85%d8%b2%d9%88%d8%b1-%d9%84%d9%85%d8%b5%d9%88%d8%aa%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%82%d9%84%d9%8a%d9%85-%d9%85%d8%ae%d8%a7%d9%88%d9%81-%d9%81%d9%8a/
إذن من حق الحكومة الإتحادية التأني بصرف الرواتب لموظفي الإقليم والتشكيك بأعدادهم، وحيثُ تتحمل حكومة الإقليم أسباب معاناة هذه الشريحة المهمة من أبناء شعبنا في الإقليم، لذا عليها واجب تقديم البيانات الصحيحة للإسراع بدفع رواتبهم وعدم إستخدامهم كوسيلة ضغط على حكومة المركز لإجبارها على الغاء القرارات الإحترازية التي إتخذتها بعد إجراء الإستفتاء الغير قانوني في الخامس والعشرين من أيلول المنصرم، ولو كانت حكومة الإقليم جادة في إدعائها عن قلقها في تأثيرات هذه القرارات على حياة مواطنيها لعمدت الى الغاء نتائج الإستفتاء فوراً وبدون تردد والإلتزام بالدستور ولإنهت هذه المعانات خلال أيام قليلة لا تتجاوز الأسبوع أو لكانت إستجابت للأصوات من كل أنحاء الكرة الأرضية التي حذرتها من المضي في إجراء الإستفتاء.
وفي الرابط أدناه يتبين دعوة حكومة الإقليم للشركات العالمية المعتمدة في مجال التدقيق ومنها (ديلويت) و (ئي. واي) من قِبل مجلس النفط والغاز في الإقليم وسيتم من خلالهما تدقيق كافة إيرادات ونفقات مشاريع النفط والغاز في إقليم كوردستان/العراق، إضافة الى أنشطة السنوات السابقة، وحسب ما ذكر التقرير بأنها ستستمر العملية في المستقبل أيضاً!!!، وسؤالي: كيف أراد (البعض) تكوين دولة وليس لديهم القدرة على تهيئة كادر محلّي بفترة تدريبية قصيرة ليكون مؤهلاً لتدقيق إيرادات النفط والغاز وهذا الأمر من الأسس البسيطة لتكوين الدول؟؟؟!!!، فتعاقدوا مع شركات عالمية بملايين الدولارات للقيام بهذه المهمة وبالنتيجة ستعتبر هذه الأموال هدر للمال العام في الإقليم وسيتم مطالبة المركز بدفعها من مردودات نفط الإقليم!!!، الم يكن مفروضاً على حكومة الإقليم السعي الى تكوين الإسس الصحيحة لبناء كيان مستقل إدارياً ومن أولياته وجود دائرة تدقيق مالية، ولماذا لم تسمح حكومة الإقليم للجان التدقيق العراقية التي عرضت إستعدادها هي وديوان الرقابة المالية العراقي على القيام بهذه المهمة منذ زمنٍ بعيد، إذا لم يكن هنالك غاية أخرى؟؟؟!!!، ولماذا لم تفكر حكومة الإقليم منذ البداية في تكوين مثل هذه اللجان التدقيقية التي تحتاج اليها حتى الشركات الصغيرة وليس إقليم وارداته بالمليارات من الدولارات كإقليم كردستان/العراق؟!، "فلم ترحم ولم تسمح لرحمة الله أن تنزل" كما يقول المثل الشعبي، وذلك إمّا بتهيئة كادر تدقيق محلّي أو السماح للّجان التدقيقية للمركز للقيام بهذه المهمة وتركت "الحبل على الغارب" الى أن تفاقمت وتراكمت وتعقدت الحسابات لسنوات طويلة فأصبح من الصعوبة على كوادر الإقليم فك (الغازها)، فإستعانت حكومة الإقليم بتلك الشركات العالمية لمساعدتها!!!، وماذا ستفعل الشركات العالمية أكثر مما سيفعله الكادر العراقي بدون وجود وثائق رسمية للإيرادات ومقارنتها بالوثائق الموجودة في ميناء "جيهان" التركي الذي يتم تصدير النفط منه، وإذا كانت هذه الوثائق والأخرى لصرفيات الأموال المستحصلة من تصدير النفط في الإقليم موجودة وليس عليها أي شكوك لطعنها، فلماذا لا تسمح حكومة الإقليم بتدقيقها من الجانب الإتحادي؟؟؟!!!.
ربما سيقول قائل بأنّ أكيد للحكومة الكردية  هذا الكادر وإلاّ كيف إستطاعت إدارة محافظات شمال العراق (أربيل، السليمانية ودهوك) منذ سنة 1991 ولغاية سنة 2003م وبعدها إدارة إقليم كردستان/العراق لغاية سنة 2014م عندما سمحت لها الظروف المزرية للحكومة الإتحادية ودخول داعش بأخذ زمام المبادرة ومحاولة تكريس خطوات الإنفصال؟!:
فيكون الجواب من أنّ الحكومة الكردية منذ سنة 1991م ولغاية سنة 2014م لم تكن إلاّ إمتداد للحكومة الإتحادية ولم يكن لها دخل في بيع النفط وتسويقه وإستحصال أمواله، وإنما كانت مجرد "وسيط" لتوزيع مستحقات المواطنين وصرفيات الإقليم من الخزينة المركزية، وحتى البطاقة التموينية كانت ولا تزال تصل من المركز وكانت حكومة الإقليم قبل 2003 تسمح لدوائر التدقيق المالي المركزي ومنها ديوان الرقابة المالية الإتحادي بالتدقيق السنوي، وهذا ما يعني بالمختصر المفيد من أنّ الأمور الفنية في إدارة الإقليم كانت لا تزال بيد المركز.
الرابط أدناه لما ورد أعلاه بخصوص تعاقد الإقليم مع الشركات العالمية للتدقيق:   
http://www.ishtartv.com/viewarticle,78998.html
إنّ ما يحدث الآن من تجويع متعمد غاياته سياسية بحتة خاصة لشعبنا في السليمانية وتوابعها وحلبجة وتوابعها وحتى أربيل ودهوك يثير الإشمئزاز لما وصل اليه السياسيون ومافياتهم من إستخفاف بحياة الملايين وضمانهم لعدم قدرة الشعب الجائع حتى على الإحتجاج السلمي والصراخ العلني أو ايصال أنينهم للعالم، وإلاّ سيكون الرصاص الحي بإنتظارهم وستكون (جحوش) السلطة جاهزة لقمعهم وتمزيق أجسادهم الهزيلة بالهروات، فهل سيشعر المتخمون بمليارات الدولارات وسارقيها من أفواه شعوبهم بمآسي الأكثرية المطالبة بحقوقها المشروعة لسد رمق أطفالها وعوائلها؟؟، الم يكونوا يوماً هؤلاء المنعّمون الآن مطاردون في الجبال والوديان والصحارى العراقية أو لاجئون يعيشون على برامج الرعاية الإجتماعية في دول اللجوء؟؟، اليس من المفروض أن يتخذوا من معاناتهم السابقة سبباً للعدل بين الناس وإعطائهم حقوقهم؟؟، أم أنّ للسلطة جدار سميك يفصل أصحابها عن الشارع الشعبي الذي كان يوماً الملاذ الوحيد لهم؟؟، وحيثُ أثبتت الوقائع بطلان شعاراتهم وأنّ (نضالهم) كان لطموحاتهم الشخصية وليس لأهداف قومية أو جماهيرية.       

17
لقاء النقيضان ومتعة المشاهدة ما بين الإعلاميان سلام مسافر وأحمد البشير
بقلم: سالم إيليا
إستضاف الإعلامي المعروف والمميز سلام مسافر في برنامجه الشهير "قصارى القول" الذي يُعرض على فضائية روسيا اليوم الشبه رسمية ( آر.تي) الإعلامي الأشهر أحمد البشير مقدم برنامج "البشير شو" الذي تعرضه القناة الفضائية الألمانية الشبه رسمية (دي.دبليو)، وحيثُ عنونَ مقدم البرنامج حلقته بعنوان مثير "هل يترشح أحمد البشير للرئاسة"؟؟!!، على إعتبار أنّ برنامج "البشير شو" الساخر قد أطلق عليه مقدمه أحمد البشير "جمهورية البشير"(*).
وربما أكون مطالب من قبل القرّاء الأعزاء عن تفسير لمعنى "لقاء النقيضان" كبادئة لعنوان مقالتي هذه والتي ربما أوضحها بشكلٍ دقيق الإعلامي القدير سلام مسافر في الدقيقة الأولى من البرنامج وفي معرض توضيحه لخروجه في هذه الحلقة عن السياق المتبع في إستضافة الشخصيات السياسية من "رؤساء وزارات ووزراء ورؤساء جمهوريات يتحدثون بلغة دبلوماسية عالية ويتجنبون أو يتحاشون الإجابة على الأسئلة التي تثير الجدل"، هذا ما قاله مقدم البرنامج سلام مسافر، أي أنّ برنامجه يمتاز بالجدّية والطرح السياسي البعيد عن السخرية والهزل، إضافة لفارق العمر بين المقدمين، فالأول (سلام مسافر) ينتمي الى جيل الإعلاميين آبان فترة السبعينات للقرن المنصرم وذو خبرة إعلامية تمتد الى أكثر من أربعين عاماً، والثاني (أحمد البشير) ينتمي الى جيل الإعلاميين الشباب.   
وعلى (النقيض) من برنامج ضيفه أحمد البشير الذي تبثه قناة (دي.دبليو) الألمانية ذو الشعبية المميزة الذي وصلت عدد المشاهدات له الى خمسة ملايين مشاهد ومشاهِدة من العراقيين للحلقة الواحدة على السوشيَل ميديا (أون لاين)!!، وحيثُ أصبح من البرامج العربية وحتى العالمية التي يحرص المواطن العربي أينما وجد على متابعته لإستخدام مقدمه الخطاب السياسي الساخر لإيصال الفكرة والمعلومة الجادة وهو أصعب أنواع البرامج السياسية لِما يقتضيه من موازنة صعبة لإرسال الرسائل السياسية الجادة والهادفة بطريقة كوميدية (ساخرة) وغير مسرفة بحيث لا يطغي الهزل على الجد أو العكس، كما ويحتاج الى حنكة ودراية وسرعة بديهية لمقدمه لطرح الموضوع السياسي بصيغة ساخرة، كما أنّ مشاهديه من الجنسين يجب أن يتصفوا بالذكاء لحل الألغاز وإستنباط الجد من الهزل ليحصلوا بالنتيجة على جوهر الطرح الجاد مِن خلال المشهد أو المحاورة السياسية الساخرة مع (الضحية السياسية) سواء أكانت حاضرة داخل البرنامج أو جرى التصويب عليها مِن بُعد أو تمّت محاكمتها من خلال البرنامج (غيابياً)، مما يضفي جو من البهجة والمرح والضحك وجميعها يحتاج اليها الشعب العراقي في خٍضَم المآسي التي يعيشها وعلى شاكلة المثل المعروف "شر البلية ما يُضحك"!!، ولله الحمد فأنّ الشعب العراقي برمته نبيه ويستطيع حل الألغاز وقراءة ما بين السطور لخبرته (الميدانية) التي إكتسبها لعقود طويلة من تجاربه القاسية مع قادته السياسيين الذين لا يجاريهم أي فصيح في إطلاق الوعود وعسل الكلام وفي ذات الوقت لا يجاريهم أي سياسي في العالم في نكث تلك العهود!!!.     
الرابط أدناه لكامل الحلقة لبرنامج "قصارى القول" الذي إستضاف الإعلامي الساخر "أحمد البشير":
    http://2tubenow.com/video/9WEPmgrQ9o4/video.html
لقد كانَ اللقاء ممتعاً بين (النقيضين) تناصف فيه الجد والهزل الحوار بين الشهيرين من مقدمي البرامج العراقية الموجهة عبر الفضائيات الأجنبية الى الشعب العراقي.
لكن ما إستوقفني أو بالأحرى (صدمني) هو ما ورد على لسان الإعلامي المميز سلام مسافر أثناء تداخله مع الإعلامي أحمد البشير في الحوار بينهما حول شخصية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي حين وجّه المحاور الأول (سلام مسافر) سؤالاً الى المحاور الثاني (أحمد البشير) في الدقيقة (23:0) من البرنامج وهذا نصّه:
"ما هي أبرز شخصية يجري إختيارها لتكون المادة للنقد السياسي الساخر؟".
فأجاب أحمد البشير : "بأنها لنوري المالكي".
وتداخل سلام مسافر بإستفساره: "لماذا" ؟؟؟، مبرراً (والكلام لا يزال لسلام مسافر) "من أنّ نوري المالكي أولاً رجل فصيح ويتحدث العربية بفصاحة ربما لا تتوفر عند آخرين!!، كذلك متأنق (تداخل معه بشكل ساخر كما بدا لي أحمد البشير بقوله: جداً)!!، ثمّ طموحاته السياسية عالية جداً وأطلق على نفسه أو أطلقوا عليه مختار العصر"!!، هذا ما قاله الأستاذ سلام مسافر ثم تسائل: "لماذا هو (يقصد نوري المالكي) يكون ضحية لسخرية برنامجك (يقصد برنامج البشير شو)"؟!.
أجاب البشير: "من أنّ الإخفاق في السنوات السابقة في إدارة الحُكم وطريقة الحُكم في العراق ومن المشاكل التي صارت بتسليم محافظات لداعش والسقوط الذي صار لمحافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين صراحةً ـ ـ  والأصدقاء الذين يلتفون حوله (يقصد حول المالكي) هم جميعهم مادة دسمة للسخرية وللتناقضات والوعود الكاذبة وبدون أسماء لأنهم راح يرفعون دعوة قضائية عليّ!!!، لذا فأن المالكي قد أدار العراق بطريقة سيئة وأوصلنا للذي نحن فيه ونحتاج الى ثلاث سنوات لخطأ إرتكبه لنتعافى منه (يقصد إحتلال داعش لثلث العراق ومن ثمّ طردهم منه) ونحتاج الى سنين لنتعافى من الأخطاء الأخرى، أعتقد بالنسبة لي (والحديث لا يزال للبشير) أسوأ مرحلة مرّت بالعراق ربما أو واحدة من أسوأ المراحل التي مرّت في العراق هي فترة حُكم المالكي وهذا رأيي الشخصي، فعلى الأقل نسخر من عنده وره اللي صار بينا"، هذا ما أجاب به الإعلامي أحمد البشير نصاً على سؤال الإعلامي سلام مسافر.
لكن ما تداخل به بعدها الأستاذ سلام مسافر يدعو حقيقةً الى العجب والتوقف عنده حين برر ثانيةً أخطاء نوري كامل المالكي التي أضاعت ما تبقى من البلد بقوله:
" فلنكن رحيمين!!، لولا المالكي ودخول داعش وتدميرها للمدن ـ ـ أولاً: ما كانت تتوفر فرصة للجيش العراقي أن يتدرّب ويصبح واحد من الجيوش المهمة التي يشار لها بالبنان (يضحك الإعلامي أحمد البشير لأنه إعتقد كما إعتقدنا نحن المشاهدين لهذه الحلقة بأنّ السيد سلام مسافر كان يسخر بكلامه هذا من أخطاء المالكي، لكن تبيّن للجميع من أنه كان يتكلم بجد مثلما أكد هو على ذلك لاحقاً وأعتبره أحد أفضال المالكي)!!!!!،  ثمّ أردف الصحفي سلام مسافر مكملاً تبريراته (الجدّية) لأخطاء نوري المالكي بقوله:
" والفضل الثاني للمالكي من أنّ الشركات العالمية ستقوم بإعادة إعمار ما دُمِرَ وبالتالي يحرّك عجلة الإقتصاد الدولي"!!!.
ولغاية إنتهاء مقدم البرنامج سلام مسافر من هذا التبرير وجميع المشاهدين ومعهم الناقد الساخر ضيف الحلقة أحمد البشير كانوا يعتقدون أن الأستاذ سلام كان يسخرأو يمزح في تداخله ليضفي جو من التناصف بين الجد الذي دأب عليه والهزل الذي فرضته عليه حلقته الخاصة تلك!!!، حتى تداخل معه أحمد البشير قائلاً:
"ما أريد دعاوي جديدة لأن الدعاوي اللي عليّ كافية" ظناً منه مرة أخرى بأن مقدم البرنامج يحاول إستفزازه بهذه الطريقة ليسخر من (الهدف المقصود)، فتفاجئ الجميع من قول مقدم البرنامج سلام مسافر:
"لا آني أحچي بمنتهى الجديّة ربما الرجل كان راسمها"!!!!!، فأجابه أحمد البشير:
" تقصد هذا الجانب الإيجابي!!!!، أي ربما كان مخطط الها"!!!، فأيد مستبشراً سلام مسافر هذا الجواب!!!، لكن أحمد البشير خذله بتكملته لتداخله بالقول:
" لا أعتقد هو بهذه الرؤيا، حتى بالفشل ما راح يخطط بهذه الدرجة"، ثمّ يتداخل (بجديّة) مرّة أخرى مقدم البرنامج بقوله:
"النصر الذي تحقق هو نصر مبين، وما كان ليأتي لولا الرجل (يقصد نوري المالكي) سمح ـ ـ "!!، فقاطعه الإعلامي أحمد البشير بطريقة إحتجاجية لا تخلو من الإستغراب والذهول لمثل هذا التعليل أو التبرير الذي شاركه فيه كل المشاهدين بقوله (والحديث لأحمد البشير):
" شنو الفائدة، چان من المفروض أصلاً ما يجي هيچي نصر لأنه ما نريد هيچ خسارة حتى ننتصر"، إنتهى هذا الحوار بعد أن غيّر المخضرم الإعلامي سلام مسافر دفة النقاش!!!!.
ولربما أراد مقدم برنامج "قصارى القول" الأستاذ سلام مسافر إرسال رسالة (بينية) للشعب العراقي مِن أنه وبحكم إستضافته لأرفع الشخصات العالمية ومنهم مَن عملوا أو لا يزال يعملوا في الأجهزة الإستخباراتية والمخابراتية قد إستطاع أن (يستقرئ) معلومة خلف الكواليس مِن ضيوفه (ليس كل ما يقال خلف الكواليس يُطرح على الشاشة) مِن أنّ السيناريو الذي تم تداوله بين المحاوِرَين سلام مسافر وأحمد البشير بشأن (إيجابية النتائج العرضية) لدخول داعش الى العراق هو سيناريو (حقيقي) خططوا له مَن كانوا وراء المالكي مِن دول ونفذه المالكي على إساس  ضمان حصوله على ولاية ثالثة ليقوم خلالها بتصحيح أو معالجة الكارثة بدخول داعش والتي مُنحت لـ (بديله) حيدر العبادي في إعادة هيكلة الجيش وإعادة بنائه وتنظيمه وتقويته ومن ثمّ تحريره للأرض العراقية ودعوة الدول لتقديم المساعدة لإعادة الإعمار!!، وحيثُ أنّ سيناريو السماح لدخول داعش ( مِن قِبل المالكي) ومن ثمّ طردها سيكون عذراً مقبولاً لا يحتاج الى تدقيق للتغطية عن (إختفاء) مئات المليارات من الدولارات خلال فترة الثمانية سنوات من حُكمه!!، فيظهر نوري المالكي بعدها وبولايته الثالثة بمظهر "البطل القومي" الذي خذله القادة العسكريين والمستشارين السياسيين بسماحهم لداعش بالنمو وإحتلال الأراضي العراقية خلال الولايتين السابقتين، لكنه إستدرك الأمر ونظّم بولايته الثالثة الجيش والحشد الشعبي الذي كوّنه بطريقة طردت داعش وجلبت الإستثمارات الى البلد وبهذا يكون قد هيأ لا بل ضمن لولاية رابعة وخامسة والى الأبد!!!، لكن "جرت الرياح بما لا تشتهي السفن"!!!، وذلك عندما أفشلت بعض الدول ذات التأثير الأقوى على الساحة العراقية هذا السيناريو أو المخطط فأجبرت المالكي على التنازل عن الولاية الثالثة فخرج بصيغة المهزوم والفاشل الذي حصلت في فترة رئاسته كل النائبات والهزائم عسكرياً وإقتصادياً وأمنياً.
ولا يسعني إلاّ أن أقول للساخر السياسي أحمد البشير "برافو" فقد نطقت بلسان كل العراقيين، وأقول للإعلامي القدير سلام مسافر: "ما هكذا تورد الإبل" يا إستاذنا الفاضل!!، فمن المعروف لديك بأن الشعب العراقي فطن ولا تنطلي عليه مثل هذه التسويقات الإنتخابية والتي لا تنفع لا بل تضر مروّجيها، كما وأنّ برنامجك يُخاطب النُخب المثقفة من العراقيين والعرب فلا تستخف من خلال هذه الطروحات بفكرهم، وصاحب هذه السطور وأعتقد معي مئات الآلاف من المثقفين العراقيين والشعب العراقي بشكل عام نفتخر بمكانتك الإعلامية فلا تغيّر رأينا فيك!!، فعذرك ومبررك وتبريرك لأخطاء رئيس الوزراء السابق خطير ولا يمكن قبوله ومن الخطأ تسويقه، خاصة على لسان أحد الإعلاميين المعروفين بمكانتهم في الأوساط الثقافية العراقية كجنابك، فلو صح ما تقول لكان على جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق ومنهم روسيا، وكذلك أوربا والعالم أجمع أن يقيموا التماثيل في أشهر ساحات مدنهم ويترحموا على النازي "هتلر" بإحتلاله وتدميره روسيا وأوربا وبلده المانيا، لأن بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة إنتعش الإقتصاد العالمي نتيجة الإعمار للدمار الذي خلفته الحرب وتطورت قدرات الجيوش وإختراعاتها التسليحية ومنها القنابل النووية التي ما كانت لتصنّع لولا قيام الحرب الكونية الثانية وتطورت بقفزات هائلة الصناعات المدنية لأن "الحاجة أم الإختراع"، لكن ماذا عن الضحايا بعشرات الملايين من الجيوش والمدنيين والمآسي التي لا تزال تعرض على الشاشة الصغيرة، كذلك الحال بالنسبة لفترة الثمانية سنوات من حُكم المالكي، ويكفي جريمة سبايكر التي راح ضحيتها (1700) شاب بساعات قليلة وأكثر من ثلاثين الف ضحية مدنية لا تزال البعض منها تحت الأنقاص كلفت أهل الموصل لتحريرها، ناهيك عن الآلاف من السبايا الأيزيديات وضحايا داعش في المدن التي إحتلتها وفقدان مكوّنات عراقية بكاملها نتيجة تهجيرهم مع تحطيم كامل للآثار والصروح المعمارية، إضافة الى الخسائر البشرية الأخرى في صفوف الجيش والقطعات الساندة المتجحفلة معه، وخسارة مئات المليارات من الدولارات وإنهيار كامل للميزانية العراقية.
إنّ ما ذكره الصحفي الجليل سلام مسافر من (مميّزات) ربما إعتبرها هو ضرورة إستثنائية وتفاضلية لصالح رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مقارنة بمنافسيه في إدارة الدولة من عدمها لا أعتقد أنه قد أصاب بها كبد الحقيقة، فما علاقة فصاحة اللغة والأناقة ومختار العصر بإدارة الدولة؟؟؟!!!، ولا أعتقد بأن خليفته العبادي تنقصه هذه المميزات أو تختلف كثيراً عن سابقه.
أعتقد إنّ على الإعلامي القدير سلام مسافر تقديم تفسير مقنع لما برره لنوري المالكي من أخطاء دمرت البلد لكي لا يُفهم من كلامه على أنه عبارة عن تقديم (الشكر) للمالكي نيابة عن روسيا التي تُعتبر إحدى الدول الكبرى المستفيدة من دخول داعش الى العراق وسوريا!!!!!، أو قد يُعتبر كلامه دعاية إنتخابية مبكرة لأحد أهم من شاركوا في تدمير العراق بعد 2003م، وما يعتبره المراقبون السياسيون أسوأ رئيس وزراء في تاريخ العراق الحديث، ولكي لا يوضع هذا التبرير الضبابي على أنه خلط أوراق لمصلحة المالكي الذي زار (روسيا) قبل أشهر و(ربما)بدعم وتسويق إيراني كما تسربت بعض الأخبار عن تلك الزيارة لطلب المساعدة (فنياً والكترونياً) ورد الجميل عند فرز الأصوات الإنتخابية القادمة وعلى شاكلة ما تسرب في الإنتخابات الأمريكية السابقة!!!.
للمُقدِمَيْن الشهيرين أقول كل عام وأنتما بخير ونتمنى أن تكون السنة الجديدة (2018) سنة إستمرار النجاحات الإعلامية لكما.
وبعد أن أنهيتُ المقالة وكنتُ على وشك نشرها، ومن خلال مشاهدتي للبرنامج السياسي "بالحرف الواحد" الذي يُعرض على قناة الشرقية لمعده ومقدمه الإعلامي أحمد ملاّ طلال والذي عُرض يوم الأربعاء المصادف العاشر من كانون الثاني 2018م، تفاجئت وكما تفاجأ غيري من المشاهدين للبرنامج بخبر إنضمام أحمد البشير الى قائمة من القوائم الأكثر راديكالية من بين قوائم إحدى مكونات المجتمع والمثيرة للجدل بسبب إرتباطاتها الخارجية الإقليمية والتي تعزز وبقوة النزعة الطائفية في المجتمع!!.
الرابط أدناه لحلقة  برنامج "بالحرف الواحد" الذي أعلن فيها الإعلامي أحمد ملاّ طلال هذا الخبر:
https://www.youtube.com/watch?v=HgmnIzUnOaQ
فماذا حصل لكم يا أهلنا؟!!، كلما نرتجي الأمل والفرج خاصة على أيدي الشباب الواعد العابر للطائفية نتفاجأ بالأسوأ.
الم يكن الأجدر بالشاب الإعلامي أحمد البشير التفكير الف مرّة، لا بل مليون مرّة قبل إتخاذ هذا القرار؟؟؟، وما هي المغريات التي دفعته لتبديل ثوبه الوطني وهويته الوطنية بالهوية الطائفية؟؟؟!!!، الم يكن في برنامجه يسخر من الطائفيين ويتكلم بلسان العراقيين العابرين للطائفية الذي إستقطب قرابة الخمسة ملايين مشاهد ومشاهدة من العراقيين الوطنيين من مختلف الشرائح؟؟؟!!!، وهل يعتقد بأنّ هذه الملايين ستبقى تشاهد برنامجه حين يستقل بمحطة خاصة تبث من خلال الإنترنيت (كما نوه خلال حديثه في برنامج قصارى القول)، لتصبح هذه المحطة ممولة من جهات مشكوك بأغراضها ودوافعها بدل الفضائية الألمانية الواضحة التمويل من الحكومة الألمانية؟؟، وبكل تأكيد سيكون أصحاب الأقلام والبرامج الوطنية بالمرصاد لبرنامجه الذي سينحى منحى طائفياً بلغة ربما تكون وطنية مغلفة.
لماذا إستبدلت أيها البشير أهلك ذو الخمسة ملايين من مختلف مكونات الشعب العراقي وبعتهم في سوق النخاسة السياسي؟؟؟، فلقد تورطت ووضعت يدك في خلية النحل التي سوف لن تتذوق شهدها!!، وإنما ستدمى وتتورم بلسعات الدبابير السامة!!.
فلقد كنتَ إعلامياً وطنياً محبوباً وستصبح سياسياً طائفياً منبوذاً ما لم تتراجع عن هذا القرار الخاطئ، وإذا كان لابد من خدمة بلدك العراق ومواطنيه من خلال السياسة، فإدعم وإنضم للتحالفات الوطنية العابرة للطائفية التي سخرت منها في برنامجك الذي أصبح شعبياً بوطنيته وليس بطائفيته.
لقد كنتُ قاب قوسين لعدم نشر هذه المقالة "إحتجاجاً" على هذا التطور الدراماتيكي، وحيثُ كنتُ أرى في مقدمتها وكما هو واضح للقرّاء من أنّ هذا الإعلامي الشاب ومن في توجهه الإعلاميين الشباب الأمل للعودة الى لمّ الشمل تحت المظلة الوطنية، لكنني قررت نشرها بعد إضافة المقاطع الأخيرة التي أرجو أن تصل الى كل وطني ووطنية عراقية خاصة من الشباب ليتفادوا الشراك التي يوقعهم فيها تجّار السياسة وبالمغريات المادية وغيرها.
وقولي الأخير لله درّك يا عراق، والف وسفة على من يبيع هويته الوطنية وأهله وناسه بأبخس الأثمان.     
إنتباهة:
(*) إطلاق صفة "الإعلامي" صحيحة لغوياً على من يعمل في الصحافة والنشر والإعلام والأدب، وليس كما يعتقد بعض الساسة ومنهم المهندس إنتفاض قنبر رئيس حزب المستقبل العراقي وحسب ما ورد في حديثه من خلال برنامج "ستوديو التاسعة" لمقدمه (الإعلامي) المعروف أنور الحمداني، وحيث يعتقد أنّ من الخطأ إطلاق هذا الأسم على من يعمل في الصحافة والإعلام!!!.
 
 

18
نشيد البعث "مرحباً يا معارك المصير" الفخ الذي أوقعوا فيه العبادي في الإستعراض العسكري ليوم النصر
بقلم: سالم إيليا
جرت في الأيام القليلة الماضية مراسيم الإحتفال بالإنتصار على داعش بمسك الحدود وتمشيط المناطق الصحراوية التي تقع ما بين محافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين والتي كانت لوقتٍ طويلٍ الحاضنة لتنظيمي القاعدة وداعش.
وقد أعلن السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي يوم السبت الماضي الموافق التاسع من كانون الأول/2017م بيان النصر الذي وقع في فخهِ الصغيرٍ تمهيداً لوقوعه في الفخ الأكبر وكما سأبين لاحقاً، وحيثُ هنئ وشكر في كلمته جميع صنوف الجيش والحشد الشعبي والقطعات والوزارات الساندة وأسقط (عن عمد أو دونه) التهنئة والشكر لقوات "البيشمركة" التي إشتركت في تحرير الأراضي من داعش وقدمت الشهداء حالها حال جميع الصنوف المشاركة الأخرى!!، مما وضع علامات الإستفهام الكثيرة وفي هذا الوقت المتأزم والمحسوبة فيه أنفاس السياسيين، إذ بدأت منذ الآن حمى التسقيطات السياسية بكيد الكائدين من السياسيين وحيثُ لم يتبقى غير أشهر معدودات على الإنتخابات القادمة، وهذه "الهفوة" سرعان ما تفاعلت معها وكما هو متوقع حكومة الإقليم، فأصدرت وزارة "البيشمركة" بياناً ردّت فيه على هذا التجاهل الذي عززته كَرَدِ فعلٍ الى رفض حكومة الإقليم في الحذو حذو المركز بإعتبار يوم الأحد الذي تلا بيان النصر عطلة رسمية في المناطق التابعة لها، الرابط أدناه لبيان وزارة "البيشمركة":
http://www.ishtartv.com/viewarticle,78483.html
 وفي اليوم التالي أقيم مهرجان عسكري كبير في ساحة "الإحتفالات الكبرى" لصنوف الجيش والقطعات المساندة من الحشد الشعبي وطيران الجيش والقوة الجوية والهندسة العسكرية والإستخبارات العسكرية وبقية الأجهزة الأمنية وبرعاية رئيس الوزراء حيدر العبادي، وكم كان مستغرباً لي كمتابع أن أشاهد كتائب وكراديس القطعات المستعرضة من أمام منصة التحية وهي تستعرض على أنغام النشيد الذي حفظه كل العراقيين المؤيدين والمعارضين للنظام السابق وهو نشيد "مرحباً يا معارك المصير" الذي بدون أدنى شك كان نشيداً حماسياً متكاملاً من الناحية الفنية والمُلَّحَن بنوتات المارشات العسكرية التي تصلح لمثل هذه المناسبات وحيثُ إتخذته الكلية العسكرية العراقية في عهد النظام السابق المارش العسكري الذي تسير عليه جحافل طلاّبها يوم تخرجهم وإستعراضاتهم وأصبح جزء لا يتجزأ من تراث الموسيقى العسكرية العراقية (ربما لهذا السبب لم ينتبه الى أمره القادة الجدد)!!، وحيث تتغنى كلماته بشكلٍ واضح بأمجاد الحزب الحاكم حينذاك وأهدافه ورسالته الخالدة!!، وحيثُ يقول أحد مقاطعه "أيها المشردون ـ ـ أيها المعذبون ـ ـ وحّدوا الصفوفَ ـ ـ وإرفدوا مسيرة البعث العظيم ـ ـ طلائع الرفاق شبت كاللهب وفجرت بأرضنا منابع الغضب ـ ـ من المحيط الى الخليج دولة العرب" !!، وحيثُ من المفروض أن يكون مرفوضاً جملةً وتفصيلاً عند من جاءؤا بعد سنة 2003م والذين يعلنون دائماً بمناسبة أو بدونها عدائهم لما أطلقوا عليه "نظام البعث" ولا يزالُ يطاردون أعضائه ومؤيديه!!.
ولقد خمنتُ في بادئ الأمر على أنّه ربما هنالك "تشويش" وتداخل الكتروني عالي الدقة في زمن "الفوتوشوب" وغيره من الحيل الألكترونية، لكن زالت ظنوني حين شاهدتُ الإستعراض على قناة "آفاق" المنسوبة الى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي!!!، فشعرت بأن هنالك مَنْ أعلن ساعة الصفر للإيقاع بحيدر العبادي من خلال هذه الفخاخ المتزامنة التي بدون أدنى شك سيستخدمها خصومه للنيل منه في الإنتخابات والتي لم تأتي إعتباطاً!!.
 الرابط أدناه للإستعراض العسكري  الكامل على القناة الفضائية "آفاق" التي قصدتُ فيها الإستشهاد برابطها حصراً لغاية توكيدية لا تقبل التأويل والجدل، وحيثُ عُزف هذا النشيد في الدقيقة (7:57) ثمّ أعيد عزفه عدّة مرات خلال الإستعراض:     
https://www.youtube.com/watch?v=awyhfSlmFro
   وما دمنا بصدد هذا الإستعراض الذي ظهر فيه الجيش بكافة صنوفه أفضل بكثير من الإستعراضات السابقة، لكن يبقى دون مستوى الطموح لما كان عليه سابقاً، أود أن أطرح بعض الملاحظات التي لا تخدم العملية السياسية ولا الوضع العراقي المجتمعي بشكلٍ عام الذي يحاول فيه بعض السياسيين إعطائه "قبلة الحياة" بتصريحاتهم المتفائلة دون أن نلمس لها وجود على أرض الواقع.
ولأبدأ مع بداية دخول القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء حيدر العبادي وإعتلائه لمنصّة الضيوف وحتى آخر دقائق العرض العسكري:
ـ حرص رئيس الوزراء على أن يلقي السلام على عوائل الشهداء الذين وجهت الدعوات اليهم لحضور الإحتفال وهذا موقف يحسب له (لم يظهر هذا المقطع في الرابط أعلاه، لكنه موجود على اليوتوب)، وكان لتسارع ذوي الشهداء في تمرير (عرائض) ورسائل له يؤكد من أنه لا يزال هنالك غبن وعدم متابعة وخلل في القوانين لإنصافهم وإلاّ ما كانوا ليستغلوا رؤيته لطرح معاناتهم من خلال تمرير عرائضهم له، ثمّ على الحكومة أن تقضي على هذه الظاهرة التي إستشرت في المجتمع العراقي منذ زمن النظام العراقي السابق الذي شجّع فيه الرئيس الأسبق هذه الظاهرة الغريبة والغير موجودة في كافة بلدان العالم!!، فإنصاف المغبون أو المظلوم لا يتم بمعالجة الحالات الفردية من خلال العرائض وإنما من خلال سن القوانين للحالات المتماثلة لإنصاف الجميع على حدٍ سواء، إلاّ اللهمّ يريدون القادة الجدد الحذو حذو الرئيس الأسبق ويعتبرونها مكرمة من مكارمهم!!، وهذا بالضبط ما حدث مع الدكتور حيدر العبادي الذي تردد في أحيان كثيرة لإستلام تلك العرائض محاولاً تخطي الحماية التي فصلت بينه وبين محدثيه من عوائل الشهداء الذين بكل تأكيد تم تفتيشهم بدقة قبل الدخول الى ساحة الإحتفالات، فلِما كل هذه الإجراءات الشكلية داخل منطقة آمنة من مناطق الخضراء والتي تعطي إنطباع سلبي وتذكرنا بالرئيس الأسبق وحماياته وتزيد من مخاوف العراقيين بإحتمالية قيام دكتاتور آخر!!.
ـ دأب رئيس الوزراء في أكثر من مناسبة في الجلوس تحت سقف منصة التحية منفرداً دون مشاركة بقية القادة السياسيين والعسكريين له، وهذه الطريقة تستخدمها الأنظمة الشمولية والدكتاتورية وربما تم تصميم منصة التحية سابقاً على هذا الأساس، لكن: اليس من المفروض تغيير تلك التصاميم بما يتلائم والعهد الجديد وإبعاد شبح قيام دكتاتور آخر كما كان سيحدث مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لولا (إجباره) في التنحي عن الولاية الثالثة؟؟!!، وفي هذا الصدد ربما على رئيس الوزراء الحالي الإنتباه الى محاولة المخضرمين المتزلفين من المحيطين بموقعه لتوريطه في بروتوكولات تقوده في نهاية المطاف الى ان يصبح دكتاتوراً ينتهي مصيره الى ما إنتهى اليه من قبله الرؤساء السابقين وحيثُ نبذهم العراقيون والعالم أجمع، وهذا واضح من خلال كثرة إستخدامه في الآونة الأخيرة لمفردات في خطاباته تعزز هذا التخوف، فبدأ (يحذر) الأفراد وحتى الدول العظمى!!، ومفردة (أحذّر) قوية بمعناها اللغوي ولا يستسيغها المتلقي إن كان فرداً أو دولة لأنها تعطي معنى التهديد!!، وحيثُ يستطيع إستبدالها بكلمة (أنبه أو أجلب إنتباه) الأقل حدّة والأكثر تهذيباً.
ـ غياب رؤساء السلطات الأخرى من رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان والقادة السياسيين الآخرين عن الإستعراض يؤكد عمق الشرخ والتصدّع في علاقاتهم مع بعضهم البعض ويبين حجم صراعهم على السلطة، فمن المفروض أنّ جميع القادة ساهموا في إنجاز النصر وهو نصر لكل العراقيين!!، لكن ربما رئيس الوزراء لديه رأي آخر وكما كان يردد من أنّ الكثير من هؤلاء القادة قد حاولوا ثنيه ووضع العراقيل أمامه لعدم طرد داعش وإبقاء الوضع على ما هو عليه لمنافع شخصية ومنها عدم إجراء الإنتخابات في موعدها المحدد بحجة وجود داعش على ثلث أراضي العراق مما يتيح لهم الإحتفاظ بمناصبهم لأجل غير مسمى!!!.
ـ إبتدأت جحافل الإستعراض بالمرور من أمام منصة التحية وإنتهت على أنغام وإيقاع نشيد البعث "مرحباً يا معارك المصير" وكما أسلفتُ!!، وربما فات الأمر على العبادي وقلّة أخرى هذا الأمر لكونهم كانوا خارج العراق منذ نهايات السبعينات للقرن الماضي ولم يسمعوا بهذا اللحن أو النشيد، لكن هذا "الفخ" الذي وقع فيه يعطيه الفرصة لتتبع خيوط "المؤامرة" عليه وأدواتها وهي بكل الأحوال ليست ببعيدة عنه!!، ويقيناً هذه "المؤامرة" أُعدّت داخل "البيت" وليس خارجه، أي لا علاقة للبعثيين بها، وإنما هنالك مَنْ رتّب هذا الفخ من المتنافسين على رئاسة الوزراء للمرحلة اللاحقة!!.
ـ من الملاحظ غياب صنف مهم يمثل السيادة الجوية وحماية السماء العراقية وهو صنف مقاومة الطائرات بمدافعه المتوسطة والثقيلة (57ملم و100ملم) وقواعده الصاروخية من عائلة "سام" أو غيرها من الصواريخ ومن مناشئ أخرى، وهذا الغياب يؤكد (الإشاعات) من أنّ سماء العراق محمية بشركات أو دول أجنبية ولا نعرف مدى صحة هذه الإشاعة!!.
فتزويد دبابات (تي 72) الروسية الصنع بمدافع خفيفة لمقاومة الطائرات لا يتجاوز مداها مئات الأمتار أو الكليومترين بأقصى الأحوال يعتبر "نكتة" لا يمكن الإعتماد عليها حتى ميدانياً أمام التطور الهائل لهذا الصنف ومضاده من الطائرات التي تطلق على الهدف من مسافة تتجاوز الأربعين كيلومتر، وهذا هو السبب الرئيسي لخسارة العراق المعركتين الأخيرتين لحرب الخليج (1991 و2003م)، أي كانت حرباً أحادية التدمير بطيران حربي أمريكي متطور جداً يقابله دفاع جوي متأخر نسبياً للعراقيين، فأنفردت الطائرات الحربية الأمريكية وتسيدت الأجواء العراقية.
فهل ستتعاطف الجحافل المُسْتَعرِضة مع حيدر العبادي وخاصة الحشد الشعبي العقائدي بمعظمه المثير للجدل الذي إختتمت جحافله الإستعراض على إيقاعات هذا النشيد كون أنّ العبادي كان ضحية لمؤامرة بدأت خيوطها بأول الغيث الذي ينذر بالأسوأ فيما لو تمادت "الضحية" بعدم الدفاع عن نفسها وترك من يحيكون الدسائس للقضاء عليها أحراراً دون عقاب؟؟؟!!!.           

19
ما بين حيدر العبادي وإستخدامه لـ "قوة الذريعة" ـ ـ ومسعود البرزاني وإستخدامه لـ "ذريعة القوة"!!
بقلم: سالم إيليا
وأنا أتصفح الأخبار العالمية ومتابعة إصابة بعض مناطق العالم بعدوى (فايروس) الإنفصال!!، جلب إنتباهي قول رئيس المجلس الأوربي "دونالد توسك" في تغريدة له عبر موقع "تويتر" تعقيباً على إعلان البرلمان الكاتالوني الإنفصال عن إسبانيا قائلاً: "لا شئ تغيّر بالنسبة الى الإتحاد الأوربي، ستبقى إسبانيا المحاور الوحيد لنا، أتمنى على الحكومة الإسبانية إختيار قوة الذريعة لا ذريعة القوة"، هذا ما قاله دونالد توسك.
الرابط أدناه: نص ما جاء في تغريدة رئيس المجلس الأوربي:
https://kitabat.com/news/%d8%a8%d8%b1%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%83%d8%a7%d8%aa%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d9%8a%d8%b9%d9%84%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%82%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d8%b3/
 وحيثُ أعتقد بأنّ ما فعله رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي قد (أثلج) صدور حتى مناوئيه من كل الفرقاء وبالأخص الكُرد منهم المخالفين لخطوة مسعود البرزاني في إجراء الإستفتاء حين إستخدم العبادي "قوة الذريعة" لإفشال الإستفتاء عكس خصمه في هذه المنازلة رئيس الإقليم السابق مسعود البرزاني الذي عوّل على "ذريعة القوة" ولوي الأذرع بتعنته ومكابرته الغير محسوبة التي أضرّت المكوّن الكردي قبل غيره من مكونات الشعب العراقي.
وفي مقالة كتبها الكاتب والصحفي الآيرلندي (باتريك كوكبيرن) المخضرم بالشأن العراقي من خلال زياراته الميدانية التي إبتدأت منذ أمد بعيد حتى قبل سنة 2003م ذكر فيها: "من أنّ مسعود البرزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني قد إرتكبوا أكبر الأخطاء التكتيكية في تاريخ العراق، لا بل في تاريخ الشرق الأوسط كلُه"!!!.
الرابط أدناه لما جاء في مقالة الصحفي الآيرلندي (باتريك كوكبيرن):
https://kitabat.com/news/%d8%a8%d8%a7%d8%aa%d8%b1%d9%8a%d9%83-%d9%83%d9%88%d9%83%d8%a8%d9%8a%d8%b1%d9%86-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%aa%d8%a7%d8%a1-%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%a3%d8%ad%d8%af-%d8%a3/ 
وحيثُ لا يزال السيد مسعود البرزاني متعنت ويدافع بضراوة عن خطأه (التكتيكي) التاريخي كما وصفه الإعلامي "باتريك كوكبيرن" وبطريقة لا تخدم محاولات الطرفين الإتحادي والإقليمي لإيقاف تداعياته التي قد تدفع إلى الصدام المسلح!!، وربما هذا ما يسعى اليه السيد مسعود البرزاني بعد أن حصّن مواضع "البيشمركة" الدفاعية وجهزها بأسلحة جديدة ربما أوهمته مرة أخرى بأنه قادر على إستعادة الأراضي التي أعاد الجيش إنتشاره فيها ومنها كركوك التي قال عنها البرزاني من إنها ستعود تحت سيطرة الإقليم مرة أخرى متحدياً بذلك السلطة الإتحادية لجرّها الى الصدام المسلّح!!، وحيثُ يدري من إنها سوف لن تعود إلاّ بإحتمال غير مؤكد في حال قيام معارك قد تكون مستمرة بين "كرٍ وفرٍ" لا قدّر الله بين أبناء البلد الواحد.
والرابط أدناه لتصريح السيد مسعود البرزاني الذي إتهم فيه مجموعة من "الكُرد" بالخيانة رافضاً كل القرارات الصادرة بشأن الغاء "الإستفتاء" ومدافعاً فيه عن خطأه التاريخي:
 https://kitabat.com/news/%d8%a3%d8%aa%d9%87%d9%85-%d8%a7%d9%83%d8%b1%d8%a7%d8%af%d8%a7-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%8a%d8%a7%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%b9-%d9%83%d8%b1%d9%83%d9%88%d9%83-%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d8%b2%d8%a7/
وفي نشرة الثامنة من العراقية الإخبارية ليوم 2017.10.28 وفي الدقيقة الأولى منها عرضت الخبر المصوّر للإجتماع الذي حصل بين قادة الجيش الميدانيين يترأسهم رئيس أركان الجيش العراقي الفريق الأول الركن عثمان الغانمي مع قيادات من "البيشمركة" في الموصل والذي أصّر فيه رئيس أركان الجيش الإتحادي على ضرورة عودة "البيشمركة" الى حدود ما قبل سنة 2003م التي أقرّها الدستور الإتحادي مع تسليم كافة المنافذ الحدودية والإشراف عليها بشكل مباشر من قبل السلطة الإتحادية.
ومرة أخرى إستخدم المحاورون العسكريون الإتحاديون "قوة الذريعة" في محاولتهم لإقناع الطرف المقابل المتمسك بالأرض المتنازع عليها خلافاً للدستور العراقي الذي ينص على إدارتها من قِبل السلطات الإتحادية لحين التوصل الى الإتفاق بشأنها والذي إشترك في صياغته بشكلٍ رئيسي القادة الكُرد ومنهم رئيس الجمهورية الحالي الدكتور فؤاد معصوم!!!.
الرابط أدناه: لنشرة الأخبار أعلاه:
 https://www.youtube.com/watch?v=6vUSi-Qh-ew
 لكن الوفد المحاور للبيشمركة الذي ترأسه وزير داخلية إقليم كردستان/العراق حاول التنصل أمام "قوة الذريعة" في أكثر من مرّة طالباً العودة الى أربيل لعرض مسودة الأتفاق الذي توصل اليه الجانبان (يبدو من أنّ الوفد الكُردي المحاور قد ذهب الى الإجتماع بدون أي صلاحيات تذكر، وهذا الأمر يذكرنا بالوفد العراقي المفاوض الذي كان برئاسة الراحل طارق عزيز مع الوفد الأمريكي المفاوض برئاسة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر لتفادي إندلاع الحرب التي دمرت العراق فيما بعد)!!.
وهذا ما أكده أيضاً أحد المفاوضين الكُرد الشيخ "جعفر مصطفى" القيادي المخضرم في قوّات البيشمركة وحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" بقوله: "من أنّ الوفد الكردي المفاوض لم تكن لديه أي سلطة سياسية للإتفاق مع العراقيين"!!، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ذهبوا للتفاوض إذن؟؟!!، وهل كانوا جادين فيه؟؟!!.
وطريقة كلام الشيخ "جعفر مصطفى" تؤكد رفض الساسة الكُرد الذين يشاطرون مسعود البرزاني تعنته إنتمائهم للدولة العراقية حين يتحدثون لوسائل الإعلام الأجنبية والمحلية فيذكرون إسم "العراقيين" بمعزل عن مواطني الإقليم وكأنهم يتحدوثون عن خلاف بين دولتين!!!، وهذا الأسلوب كافي لتبرير عدم ثقة الحكومة الإتحادية بنواياهم!!، ومما يلاحظ أيضاً خرق حكومة الإقليم بشكل واضح للدستور العراقي في مادته (4) ثالثاً التي تنص على أن: "تستعمل المؤسسات الإتحادية والمؤسسات الرسمية في إقليم كردستان اللغتين"، أي العربية والكردية، لكن ما نلاحظه التزام الجانب الإتحادي فقط بهذه الفقرة وعدم التزام حكومة الإقليم بها في إستخدامها للغة العربية على لوحات دوائرها ومؤسساتها بشكل عام وداخل مؤسساتها الرسمية أيضاً!!. 
من جانب آخر وفي نفس التقرير يؤكد "منصور البرزاني" نجل السيد مسعود البرزاني الذي يقود قوات نخبة كردية أمنية (تدافع) عن سلسلة تلال مقابلة لمعبر "فيشخابور" العراقي قائلاً: "أنه سيفضل القتال حتى الموت على أن يسمح للقوات الإتحادية بالسيطرة على المعبر"، في إشارة واضحة لعدم رغبته في الإنصياع للدستور العراقي الذي يمنح السلطات الإتحادية حق السيطرة على المعابر الدولية مع بلدان الجوار العراقي!!، وبهذا التصريح الخطير الذي يلّوح فيه "بذريعة القوة" يؤكد بمنطق لا يقبل الجدل من أنّ الجانب المفاوض للإقليم غير جاد بمطالبته للجانب الإتحادي بتحكيم الدستور العراقي والإستناد على فقراته في المفاوضات!!!، وحيث أوصلت هذه التصريحات الغير مسؤولة الأمور الى مستويات خطيرة منذرة بإنفجارها في أي لحظة!!!.
الرابط أدناه لتصريحي الشيخ جعفر مصطفى ومنصور البرزاني:
   http://www.ishtartv.com/viewarticle,78003.html
ثمّ يتفاجئ المراقبون ببيان لحكومة الإقليم رداً على تصريحات نُسبت الى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وتصريحات حكومية إتحادية بالمقابل إتهمت الجانب المحاور الكردي بالتنصل من الإتفاق بعد تعزيز دفاعاته وتعزيز قواته العسكرية على خطوط التماس وإنّ قبوله بالتحاور كان لكسب الوقت ليس إلاّ!!.
ولو دققنا في هذا البيان المقتضب الذي تبرر فيه حكومة الإقليم رفضها للموافقة على المسودّة المتفق عليها وعدم المضي في توقيعها بسبب إختلاف المسودّة الأولى عن الثانية "نوعما" كما ورد في نص بيان حكومة الإقليم والتي لم توضح بشكل كامل ماذا تعني كلمة "نوعاً ما" التي تحججت بها حكومة الإقليم برفضها لمسودة الإتفاق حقناً لدماء الشعب الواحد من الطرفين!!، خاصة وإنها تؤكد على ضرورة تطبيق الدستور العراقي في الفقرات الواردة في المسودّة، والدستور العراقي واضح في هذه الفقرة التي تنص على أنّ حراسة الحدود الوطنية وإدارة منافذها هي من إختصاص السلطات الإتحادية حصراً.
الرابط أدناه: بيان حكومة إقليم كردستان:
http://www.ishtartv.com/viewarticle,77848.html
الرابط أدناه لتفاقم الوضع الأمني بين الطرفين وتبادل الإتهامات:
https://kitabat.com/news/%d8%aa%d8%b5%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a-%d8%ae%d8%b7%d9%8a%d8%b1-%d9%88%d8%aa%d9%87%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a7%d8%aa-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%aa%d8%a7%d9%84-%d8%a8%d9%8a%d9%86/
لكن يبدو من أنّ ما ذهب اليه الجانب الحكومي بإتهامه للحكومة الإقليمية في عدم جديتها للتحاور قد بدأت تظهر مصداقيته حين صرّح أحد المسؤولين الكُرد تصريحاً خطيراً حول السعي لتحصين المواقع الأمامية في كردستان "بالأسلحة الفتاكة" في حال تقدم قوات الحشد الشعبي العراقي كما وصفها الخبر وعلى ذمته، وبهذا التصريح يكون هذا المسؤول قد المح لـ "ذريعة القوة" مجدداً في التنصل من الموافقة على مسودة الإتفاق وعدم المضي على توقيعها!!، والأسئلة التي تطرح نفسها مرة أخرى: ما هي هذه الأسلحة الفتاكة؟!!، ومن الذي زوّدهم بها ببضعة أيام؟!!، وهل سيقف الجانب الآخر مكتوف الأيدي في حال إستخدامها من قبل العناصر المسلحة الكردية؟!!، أم إنّ هذا التصريح يندرج ضمن الحرب النفسية بين كلا الجانبين؟!، لكن الأهم من كل ذلك نتمنى على الطرفين تغليب لغة العقل والحوار بين أبناء البلد الواحد وحل المسائل المتعلقة سلمياً دون غبن لأي طرف، فهم بنهاية الأمر شعب واحد متصاهر بشرائحه.
الرابط أدناه: "مسؤول كردي يهدد بأسلحة فتّاكة وتغيير في موازين القوى":
https://kitabat.com/news/%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84-%d9%83%d8%b1%d8%af%d9%8a-%d9%8a%d9%87%d8%af%d8%af-%d8%a8%d8%a3%d8%b3%d9%84%d8%ad%d8%a9-%d9%81%d8%aa%d8%a7%d9%83%d8%a9-%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7/
ولا ننسى أن نشير الى أنّ ما بدأنا نلاحظه في الآونة الأخيرة من بدأ التصريحات الحكومية وخاصة عبر وسائل الإعلام الشبه رسمية (قناة العراقية الإخبارية الفضائية حصراً)، حيثُ بدأت تأخذ معنى الشمولية في الإتهامات للمكوّن الكردي ككل بما يجري من تداعيات سياسية دون ذكر الجهة الكردية المعنية غالباً بتلك التداعيات!!، وهذا الأسلوب الإعلامي يُعتبر ذو نهج خطير يرجعنا الى المربع الأول في الصراع الطائفي الديني والقومي، فغالباً ما نسمع من مذيعي نشرات الأخبار كلمة "الأكراد" بإتهاماتهم في عرقلة الإتفاقات والحوارات مع الجانب الحكومي دون ذكر من هي الفئة الكردية المعنية بالعرقلة؟!!، وذلك لفرز الأمور بشكلها الصحيح وعدم خلط الأوراق وشمول الجميع وكأنّ "الكُرد" بجميع أحزابهم وفئاتهم يشاركون بهذه العراقيل!!، وقد تناسوا من يروّجون لهذا الإسلوب الإعلامي الخاطئ من أنه لولا مساعدة الفئات الكردية الرافضة لسياسات السيد مسعود البرزاني لما تحقق ما تحقق من تطورات ميدانية أجهضت الى حدٍ كبيرٍ عملية الإستفتاء!!، وهذا الإسلوب الإعلامي الغير مسؤول لقناة العراقية الإخبارية إذا كان مقصوداً ولغايات مستقبلية لإستخدام "ذريعة القوة" للدولة في المراحل اللاحقة سيوصل البلد الى منزلق خطير وهذا ما ترغب به الجهة المستفيدة من الجانب الكردي في تأزيم الأمور!!، أما إذا كان يرد ذكره بشكل عفوي وغير مقصود "فالمصيبة أعظم" لأن من هم في موقع المسؤولية الإعلامية عليهم واجب بلوغ المستوى المهني في أعلى درجاته لحساسية الإعلام في طرح الأحداث ومتابعتها ونقلها الى المواطن العراقي بطريقة مخاطبتهم له بفئاته المجتمعية على حدٍ سواء.     
ويبدو من أنّ الأمور تسير بإتجاه تأزيم الوضع وبلوغه أعلى درجات الخطورة للحد الذي ينبأ بعودة الصراع المسلّح الذي سيكون وقوده المواطنين الأبرياء خاصة المكونات العراقية المتواجدة داخل منطقة الصراع ومنهم الكُرد بعد أن إعتقدوا بأن زمن الحروب قد ولّى!!!.
كما ويبدو من أنّ السيد مسعود البرزاني قد قاده الحنين الى القتال في الجبال بعد حياة الترف التي يعيشها الآن وشجعته على التعنت في قراراته مقامراً مرّة أخرى بحياة الملايين من الكُرد وغيرهم من المكوّنات المتواجدين في دائرة الصراع وحيثُ أتعبتهم لأجيال عديدة حياة البؤس والحروب وفقدان الأمن والأمان!!، إذ لم يستطع يوماً تصوّر نفسه "رجل دولة" عليه واجب الحفاظ على مكوّنه والوصول بهم الى شاطئ الأمان والعيش بسلام وأمن، كما وأنه لم يأخذ الدروس والتجارب من القادة "الثوريين" الذين سبقوه وماذا كان مصيرهم  ومصير شعوبهم.
أمل كل العراقيين كُردهم قبل غيرهم من المكونات العراقية الأخرى أن يتحكم جميع القادة من كل الأطراف بعقولهم ويفكروا بمنطق وحكمة وتعود الأمور حتى الى ما قبل يوم الإستفتاء عندما غلب الحوار والمنطق على لغة البندقية ومآسيها. 
   

20
"دكتور جرحي الأولي عوفه"
بقلم: سالم إيليا
على الرغمِ من أنّ هنالك مقالة أخرى تحمل نفس عنوان مقالتي كان قد كتبها الكاتب والمصوّر الفوتوغرافي العراقي المقيم في السويد "سفيان الخزرجي" والمنشورة على موقع "دنيا الرأي" الألكتروني بتاريخ 29-01-2008 يتحدث فيها عن رأيه في سكوت بعض الأحزاب (اليسارية) العراقية عن ما يجري في العراق!!، وعلى الرغم أيضاً من أنّ الأستاذ كاتب المقالة قد بين السبب الذي جعله يعنون مقالته ببادئة الأغنية الأكثر من شهيرة بداية الستينات من القرن المنصرم التي غناها مطرب الشعب الفنان عبدالجبار الدراجي رحمه الله، وعلى الرغم (ثالثاً) من أنني أشارك الكاتب والمصوّر الفوتوغرافي المتألق "الخزرجي" بالسبب الذي جعلني أُعنون مقالتي بنفس بادئة أغنية الراحل عبدالجبار الدراجي ألا وهو عفوية قفز هذه الكلمات إلى رأسي في لحظة من لحظات التجلّي الفكري على ما وصل اليه حالنا!!!.
 إلا أنّ مضمون مقالتي يختلف (جذرياً) عن مضمون ما طرحه مشكوراً كاتب المقالة السابقة، لأنني وببساطة غير آبه أو معني بالأحزاب وأيديولوجياتها التي أبعدتنا عن شعورنا الوطني وجعلتنا نقدم الهوية (الحزبية) على هويتنا (الوطنية)!!!، وحيثُ لا أرغب في الخوض فيها الآن لأن مضمون مقالتي في غير الإتجاه لمقالة الأستاذ "سفيان الخزرجي".
 لكنه في ذات الوقت ربما يتطابق طرحي مع ما أشيع في وقتها من أنّ للإغنية مَعْنى سياسي أو رسالة تحذير سياسية وإن المطرب عبدالجبار الدراجي كان قد غنى الأغنية (من حيث يدري أو لا يدري) لتنبيه الزعيم (الأوحد) عبدالكريم قاسم إلى الخطر الذي كان يحيط به وجَلْبْ إنتباهه من أنّ هنالك من يتربص به للقضاء عليه!!!، وهذا ما حصل فعلاً!!!.
ولو سلّمنا بهذه الفرضية، أي فرضية تنبيه عبدالكريم قاسم إلى الخطر عن طريق الأغاني والتي أهملها ولم يأخذ بها!!، لوجدنا من أنّ هذه (الشفرة الفنية) ربما تم تنبيه جميع القادة العراقيين الذين جاءوا من بعده من خلالها الى الأخطار التي كانت من حولهم!!، فعبدالسلام محمد عارف وأخيه عبدالرحمن محمد عارف وحتى أحمد حسن البكر وربما معهم صدام حسين لم ينتبهوا إلى الخطر الذي كان يحدق بهم وتصرفوا بفكر وبعقلية فردية مطلقة أوصلتهم إلى نهاياتهم الحتمية مع إختلاف الطُرق والأسباب لكل واحد منهم.
ما يهمني في الأمر أنّ قادة العراق السياسيين لا يزالُ يقعون في نفس تلك (الشراك) دون الإستفادة من تجارب مَنْ سبقوهم في نهاياتهم المأساوية، وحيثُ يشاهدون بأم أعينهم ويسمعون بآذانهم ما يحاك ضدهم في السر والعلن!!، لكنهم يكونون أسيرين لقدرهم دون التفكير ولو مجرد التفكير بأخذ الحيطة والحذر.
أقول هذا الشئ ليس لأجل القادة وخوفي عليهم!!!، ولكن من أجل العراق الذي لا يتحمل هو وشعبه المزيد من المآسي.
 صحيح أنّ زمن الإنقلابات قد ولّى، وصحيح إننا نعيش في زمن (الديمقراطية) إلى حد الفلتان!!!، وصحيح أنّ التغيير في المراكز (السيادية) لا يتم إلا (بالتوافق) بين الكُتل و(البلوكات) الحزبية وبمباركة (ملائكة) الدهاليز الخفية للدول (الصديقة والحليفة)!!!، وصحيح هنالك تعاون وتفاهم كبير وعلى أعلى المستويات بين (الأعداء ـ الأصدقاء) خاصة في فترة الإنتخابات وعلى قاعدة (شيلني وشيلك) لتقاسم النفوذ والمصالح!!، لكن هنالك أيضاً فيما بينهم (المفخخات) التي غالباً ما تُلصَق بالإرهابيين (اللعينين) الذين وصلوا (بقدرة قادر) قبل سنوات حتى إلى كافتريا البرلمان في مركز المنطقة الخضراء ففجروها على من فيها!!!، وهنالك أيضاً (اللواصق) وكواتم الصوت وغيرها من وسائل (الإسكات) والإبْعاد الديمقراطي!!، والتي ربما تتطلب طلب المساعدة الدولية و(الهاكر) الدولي الألكتروني لتغيير نتائج الإنتخابات القادمة وإضافة فقط ستة أصفار أمام الرقم (10) ليصبح عشرة ملايين ناخب إنتخب (بقوة) بَطل تسليم ثلث العراق للدواعش لإعادته إلى موقعه (السيادي) السابق لإكمال ما لم يتم إكماله من تدمير للعراق في فترة (تسيّده) السابقة!!!.
لذا أخاطب "الدكتور" رئيس الوزراء الحالي قائلاً:
(دكتور) جرحي الأولي عوفه ـ ـ ـ جرحي (الهالكي) إعيونك إتشوفه!!.
(دكتور) وصفولنه الصبر والصبر ملينه ـ ـ ـ او لمَّن صُبَحْ حالنه (خطر) شخصك إتعنينه!!.
فهل سيخرج "الدكتور" عن هدوءه وصمته وسكونه وتردده ليعالج "الجرح" بآخر أنواع الدواء وأقلّها تكلفة وهو "الكيّ"!!!(*).

إنتباهة:
(*) كان البدو في السابق يعالجون الجروح بتسخين رأس الخنجر حد الإحمرار ثمّ يضعونه على مكان الجرح ويكوونه (طريقة الكيّ) لإيقاف النزيف وضمان قتل الجراثيم وعدم تلوثه، وهنالك طريقة أخرى تتم بحرق قطعة قماش ليوضع رمادها على الجرح وتدعى "العطّابه"، وطبعاً إنتقلت الطريقتان الى المدن العراقية وكانت تستخدم حتى منتصف القرن المنصرم.     

21
هل أنّ (إحترام) حكومة الإقليم لقرار المحكمة الإتحادية قد جاء من باب التأييد أم الرفض للقرار؟!
بقلم: سالم إيليا
بعد سجال طويل ما بين الحكومة الإتحادية المتمسكة بشرط تطبيق بنود الدستور العراقي من جهة وحكومة إقليم كردستان/العراق من الجهة الأخرى، وأصرار قوي من رئيس الوزراء الإتحادي وأعضاء حكومته على (إنتزاع) إعتراف واضح من حكومة الإقليم بقرار المحكمة الإتحادية العليا القاضي بوحدة الأراضي العراقية والغاء "الإستفتاء" الغير شرعي ومطالبة واضحة بتسليم إدارة كافة المنافذ الحدودية والمطارات المحلية لسلطة الدولة الإتحادية كشرط لبدأ الحوار، ومطالبة بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" لحكومة الإقليم "بأن تعترف وتؤيد الحكم الصادر عن المحكمة الإتحادية العليا بشأن وحدة العراق، وإن تؤكد من جديد التزامها الكامل بالدستور".
 وبعد تهرّب وتعنّت ومماطلة من الحكومة المحلية للإقليم التي لم تغيّر من واقع الحقائق على الأرض أي شئ!!، خرجت علينا هذه الحكومة ببيان يفتقر بمدلولاته الى أبسط مقومات ودلالات الثقة التي يجب أن ترسلها كحكومة محلّية للحكومة الإتحادية وللشعب العراقي وبيان سلامة نيّتها عندما أجرت "الإستفتاء"، وذلك لإبطال المخاوف التي إنتابت القادة السياسيين الإتحاديين والشعب العراقي وتشكيك الجميع من الغاية في إجراءه.
وبعد أن تمّ نشر نص البيان في معظم وسائل الإعلام والمواقع الكترونية وتداولته معظم المواقع الإعلامية العراقية (بإيجابية) لحرصها على عدم وصول الأمر بين أبناء الشعب الواحد الى عودة الإقتتال الذي لم تندمل جراحاته بعد وترجمته بعناوين مفرحة ربما لم (يتنبّه) فيها من تناقلَ الخبر على ما جاء بين سطور هذا البيان من التفاف على ما يجب أن يكون عليه لنزع فتيل الحرب وفسرتّه على أنه "إستجابة" من حكومة الإقليم لنداءات المجتمع الدولي ومنظماته بوجوب العمل بمواد الدستور العراقي وتأييد قرار المحكمة الإتحادية العليا بوحدة الأراضي العراقية الملزم للجميع.
ومرة أخرى يثبت المكتب السياسي للحزب الشيوعي (الذي لا أستطيع تسميته العراقي) قصر نظر وتفكير أعضاءه بتسرعهم في إصدارهم تصريح يرحّبون فيه ببيان حكومة الإقليم دون التدقيق لما جاء فيه وكأنهم يعملون لصالح من يسعون للإنفصال وتقسيم العراق ويعتبرون أنفسهم (ممثلين) لهم في بغداد أو لمجرّد محاولة إثبات وجودهم على الساحة العراقية!!، وهذه هي مشكلة البعض من قياديي هذا الحزب الذين لا ينظرون الى كامل الصورة وليس لديهم بعد نظر أبعد من عدّة أمتار عن أقدامهم والتي أوصلتهم الى الكوارث بجماهيرهم الذين وثقوا بهم!!، وكان آخرها بتحالفهم بما أطلقوا عليه (الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) مع النظام السابق والتي بيّنت الوقائع مدى سطحية تفكيرهم ليقعوا في فخّها الذي نال منهم مقتلا.
الرابط أدناه لتصريح هذا الحزب في جريدته "طريق الشغب" وليس "طريق الشعب" وعلى صفحتها الأولى ليوم الرابع عشر من تشرين الثاني/2017!!، لأن طريق الشعب هو طريق الهوية الوطنية العراقية وليس طريق تقسيم العراق بمبرر "حق الشعوب في تقرير مصيرها".
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=858696.0 
وفيما يلي نص الرد الرسمي لحكومة الإقليم على قرار المحكمة الإتحادية العليا الخاص بوحدة العراق:
"بطلب من الأمين العام لمجلس الوزراء الاتحادي في 2017/11/5، أصدرت المحكمة الإتحادية العليا بتاريخ 2017/11/6 قرارها المرقم (122/اتحادية 2017) حول تفسير المادة الأولى من الدستور العراقي والتي تنص على أن (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة، ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقرطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق).
تأكيداً لإلتزام إقليم كوردستان دوماً بالبحث عن حل الخلافات بين السلطات الاتحادية والإقليم بطرق دستورية وقانونية، وإنطلاقاً من موقعنا المعروف المتمثل بالترحيبب بجميع المبادرات بهذا الإتجاه وفي مقدمتها مبادرة آية الله العظمى السيد السيستاني، وبعض الشخصيات العراقية، والدول الصديقة للشعب العراقي حول العودة الى الدستور العراقي لحل الخلافات، ومن هذا المنطلق، نحترم تفسير المحكمة الإتحادية العليا للمادة الأولى من الدستور، وفي نفس الوقت نؤكد إيماننا بأن يكون ذلك أساساً للبدء بحوار وطني شامل لحل الخلافات عن طريق تطبيق جميع المواد الدستورية بأكملها بما يضمن حماية الحقوق والسلطات والإختصاصات الواردة في الدستور بإعتبارها السبيل الوحيد لضمان وحدة العراق المشار إليه في المادة الأولى من الدستور".
حكومة إقليم كوردستان
2017/11/14
       
الرابط أدناه لنص البيان والأراء التي تم تفسير ما ورد فيه من خلال إختلاف وجهات النظر للمحللين والمتابعين:
https://kitabat.com/news/%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%aa%d8%b3%d8%aa%d8%ac%d9%8a%d8%a8-%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af-%d9%85%d9%86-%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b7-%d8%a8%d8%ba%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ab/
كذلك الرابط:
http://www.ishtartv.com/viewarticle,78018.html
كذلك الرابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=858719.0
ولو دققنا قليلاً فيما ورد أعلاه من نقاط وطروحات مهمة لإستنتجنا ما يلي:
أولا: إصرار حكومة الإقليم على التعنت والمراوغة ربما لكسب الوقت في محاولاتها لتغيير بعض المواقف الدولية المهمة والرافضة أساساً للإستفتاء ومراهنتها بآخر ورقة تلعبها في هذا المجال، وهذا الأمر يبدو واضحاً من الرابط الأول أعلاه وعلى ذمة الخبر من خلال مطالبة بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" لحكومة الإقليم بالإعلان بشكل واضح وصريح لا يقبل الشك والجدل عن: (إعتراف وتأييد حكومة الإقليم لقرار المحكمة الإتحادية وتأكيدها من جديد التزامها الكامل ببنود الدستور)، وهنا علينا التوقف قليلاً لتفسير هذه المطالبة الأممية والسؤال: هل أن بعثة الأمم المتحدة قد أعيتها الوسائل واللقاءات الثنائية الدبلوماسية مع حكومة الإقليم حتى تخرج بتصريح (تحث) فيه حكومة الإقليم على الإعلان الصريح لما ورد أعلاه وعدم المماطلة أو التسويف لتجاوز الأزمة التي ربما ستأخذ منحى آخر لا يُحمد عقباه.
ثانياً: لو دققنا ببيان أو رد حكومة الإقليم لوجدنا في مضمونه إعترافها بتعنتها وعدم رغبتها فيما مضى بتطبيق بنود الدستور العراقي وذلك من خلال ذكرها في البيان ترحيبها لمساعي رجال الدين وبعض الشخصيات العراقية والدول الصديقة للشعب العراقي حول العودة الى الدستور العراقي لحل الخلافات!!، طيب لماذا كل هذه (المساعي) إذا لم يكن هنالك تعنّت وكانت هنالك النيّة الحقيقية من الطرفين في إحترام الدستور العراقي وبنوده؟!!، وحيثُ أنّ المادة الأولى في الدستور بشأن وحدة العراق والتي هي موضوع الجدل وأساس المشكلة واضحة جداً!!، وأنّ تلك المساعي تصلح فقط في حال رفض أو تنعت أحد الطرفين في العودة الى الدستور العراقي بشأنها!!، فأي من الطرفين ليس لديه القناعة بهذه المادة أو لديه تفسير آخر لها؟؟!!، وما هو التفسير الآخر لها ليكون هنالك جدل ومساعي بين الطرفين لكي يتم التقارب بوجهات النظر بينهما؟؟!!.
ثالثاً: هنالك تقاطع واضح وإختلاف بين ما ورد في البيان "من تأكيد والتزام حكومة الإقليم (بالبحث) عن حل الخلافات بطرق دستورية وقانونية (وبكل تأكيد كل الشعب العراقي يقدر ويثني على هذا الإلتزام إذا كان بحق مقصود وليس مناورة سياسية أو مجرّد كلام دبلوماسي)، وهنا يجب السؤال عن: هل هنالك داعي لتعقيد الأمور التي قد توصل الطرفين للمواجهة المسلحة وضياع الوقت الثمين بمحاولة (البحث) عن حل إستناداً الى الدستور والقانون؟؟!!، طيب لماذا (البحث) والتعب وهذان المطلبان قد تحققا فعلاً، فالفقرة الأولى من الدستور واضحة وصريحة بتأكيدها على وحدة العراق وعدم تجزئته وهذا يحقق ما نادى به البيان بالإلتزام (بالطرق الدستورية)، وما أكدته المحكمة الإتحادية العليا يحقق أيضاً ما طالب به البيان وأسماه (الطرق القانونية)، إذن أين هي المشكلة إذا كانا المطلبين لحكومة الإقليم قد تحققا؟؟!!، ولماذا هم لا يزالوا يطالبون (بالبحث)؟؟؟!!!.
رابعاً: أراد البيان بعد كل تلك المقدمات أن يمرر جملة في غاية الأهمية ختم فيها سطوره الأخيرة وحيثُ إعتقَدَ من صاغها على أنها ستكون كافية لذر الرماد في العيون بذكره: " نحترم تفسير المحكمة الإتحادية العليا للمادة الأولى من الدستور".
 ولنتوقف عند هذه الجملة (الضبابية) التي ربما من وضَعَها يعتبر نفسه (أذكى) من ملايين أبناء الشعب بقادتهم ومحلليهم السياسيين ومثقفيه بمراوغته التي تضرّه قبل غيره لأنها تؤكد على عدم صفاء النيّات وهنالك أهداف وخطط مبيّتة في السعي الى الإنفصال!!، ولنأخذ المعنى الإيجابي لها أولاً ونفترض فلربما تعني: أنّ حكومة الإقليم تحترم تفسير المحكمة الإتحادية للمادة الأولى و(تؤيد) هذا التفسير وستعمل على الإلتزام به ـ ـ ـ أو نفترض المعنى السلبي الذي يعطي إنطباع: مِن أنّ حكومة الإقليم تحترم تفسير المحكمة الإتحادية للمادة الأولى من الدستور وهذا التفسير أو الرأي (لا تؤيده) حكومة الإقليم وغير ملزمة بتطبيقه ولكنها من باب الكياسة والدبلوماسية ولتجاوز الظرف الصعب التي هي فيه فقد أقرّت بإحترامه دون الإعتراف به نصاً وبشكل لا يقبل التأويل والجدل من رفضها لقرار المحكمة الإتحادية!!، أي بمعنى آخر أنا أحترم تفسيرك ورأيك لكنني لا أويده، وهذا في تقديري جوهر ما حاول البيان تمريره في تلك الجملة عسى أن يغفل عنها الجانب الحكومي ويعتبرها نوع من (الإستجابة) لقرار المحكمة
!!!.
إنّ هذه المراوغات السياسية لا تخدم الإقليم ومكوناته أولاً لأنهم بكل تأكيد ينتظرون ساعة الفرج قبل غيرهم من أبناء الشعب العراقي للحالة الصعبة التي يعيشونها، ولقد لاحظنا ما جرى نتيجة التعنت والإصرار على إجراء "الإستفتاء"، وأملنا جميعاً أن تكون جميع الأطراف جادة بالعودة الى الدستور والقوانين النافدة لتجاوز الأزمة حقناً للدماء التي هي دماء عراقية من كلا الطرفين، خاصة وأن الطرفين كانا فاعلين في صياغة مواد الدستور العراقي، وقد شارك بصياغته خمسة عشر عضواً كممثلين لكافة الأحزاب الكردية!!، وأن يتساوى جميع العراقيين بالحقوق والواجبات تحت سقف الدستور، وأن يُنعم الجميع بالأمن والسلام، وكفانا حروب وإقتتال، فخيرات العراق كافية لجميع أبنائه فيما لو تمّ إستثمارها بشكل جيد. 
   

22
رسالة مفتوحة الى وزيري التربية والتعليم والتعليم العالي الموقرين بشأن خريجي المرحلة الإعدادية
بقلم: سالم إيليا
لم يكن في ذهني الكتابة عن هذا الموضوع وتوجيه هذه الرسالة المفتوحة الى معالي وزير التربية والتعليم الدكتور محمد اقبال الصيدلي ومعالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور عبدالرزاق عبدالجليل العيسى لولا تواصل العديد من أولياء أمور الطلبة معي والحاحهم في الكتابة عن مصير فلّذات أكبادهم وحيثُ لم يألُ جهداً أحدهم في الإجتهاد والمثابرة يعاضدهم في ذلك أولياء أمورهم في محاولة توفير مستلزمات مسيرتهم الدراسية وبذل الغالي والنفيس لضمان مستقبلهم من خلال تحصيلهم الدراسي والدخول في الكليات ذات المكانة العلمية والمجتمعية العالية.
وسأتطرق بشكلٍ رئيسي الى المواليد التي أصابها الغبن والحيف أكثر من غيرها لمصادفة دخولهم المدارس (الصف الأول الإبتدائي) بالتزامن مع التغيير الجذري الذي حصل للأنظمة والمناهج التعليمية بعد التغيّرات السياسية الكبيرة في البلد عام 2003م والتي لم تستقر بأساليبها التربوية والعلمية لحد كتابة هذه السطور وبعد مرور أكثر من أربعة عشر عاماً على التغيير!!، مما جعل هذه المواليد عبارة عن "حقل تجارب" فاشلة في معظمها للأنظمة التعليمية والأفكار والتصورات للمسؤولين وإجتهاداتهم، وحيثُ جرت العادة الى تغيير كل ما يخص التعليم مع تغيّر الوزير أو وكيله أو بقية الإستشاريين التربويين!!.
فإذا كان في نيّة من تبوّء المناصب بعد سنة 2003م التغيير فقط لغرض التغيير دون تمحيص أو تدقيق ما هو صالح أو طالح ولغرض التخلص فقط من كل ما له علاقة بالنظام السابق ومحاولة عدم الإبقاء على الأنظمة السابقة!!!، فكان الأجدر بمسؤولي النظام السياسي الجديد خاصة في مجال التعليم إرسال الوفود الى دول محددة في العالم والمعروفة بتقدمها العلمي مثل اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من البلدان للإطلاع على تجاربهم وأنظمتهم التعليمية والعودة بتفاصيلها ثمّ الجلوس حول طاولة مستديرة للأخذ بإحداها كاملة غير منقوصة بعد إغنائها بالبحث والتمحيص وتقرير أياً منها يتوافق مع مجتمعنا، ومن الممكن إجراء بعض التعديلات الطفيفة التي لا تؤثر بأي حالٍ من الأحوال على جوهرها لتتماشى مع طبيعة الطلبة العراقيين وظروف مجتمعهم، ولماذا أقول يجب الأخذ بإحدى تلك التجارب كاملة وغير منقوصة!!، فيكون الجواب: لأن هذه البلدان قد أشبعت أنظمتها التعليمية بالدراسات العلمية الميدانية لفترات طويلة وجرى تعديلها مرّات عديدة الى أن وصلت الى شكلها النهائي، لا أن يتم أخذ أجزاء أو فقرات من كل تجربة أو نظام تعليمي في العالم ومحاولة دمجها في نظام واحد بحيث يصبح هذا النظام "مسخ" لا يشبه أي نظام رصين في العالم وعلى شاكلة المثل العراقي "من كل چدر كُبّايه"!!!.
فمشكلة مواليد سنة 1999م وما تلاها من المواليد تكمن في كونهم أول الأجيال تم تطبيق الأنظمة التعليمية الجديدة عليهم كونهم بدءوا في مراحلهم الدراسية الإبتدائية في سنتي 2006 أو2007 عندما بدأ التعليم بنظام مختلف عن الأجيال التي سبقتهم وحيثُ إبتدأت "التجارب الميدانية" عليهم وكما أسلفت في مقدمة هذه المقالة!!، وغالباً ما كانت تلك التجارب فاشلة بإعتراف المسؤولين عنها والمتزامنة مع التغيّرات الدراماتيكية في العملية السياسية ومسؤوليها من الوزراء وظروف البلد التي لا تزال إستثنائية!!، مما نتج عنها تداخل أوتقاطع الإجتهادات لعدم وجود خطّة واضحة ونظام واضح للعملية التربوية، مما يعني التخبط في المسار التعليمي وتعثره وهذا الأمر قد تمّ طرحه  في وسائل الإعلام وبصورة قد تكون يومية وحيثُ لا تزال وسائل الإعلام تطرح مساوئه.
وأحد تلك الأسباب الرئيسية لهذا التخبط (ولنكن صريحين) هو تبوّء العناصر (التربوية) الغير كفوءة للمناصب العالية والفاقدة للتجارب والخبرة الفعلية في معظمهما!!، وحيثُ جاءوا بأغلبهم مع التغيير سنة 2003م من خارج العراق بعد أن كانوا قد تركوه منذ عشرات السنين بسبب نشاطاتهم السياسية المعادية للنظام السابق، والبعض منهم لم يمارس التدريس أصلاً على الرغم من تخرجهم من الكليات ذات العلاقة وهروبهم بعد تخرجهم خارج العراق نتيجة الملاحقات الأمنية بسبب نشاطاتهم السياسية.
كذلك لا ننسى إفراغ جميع المدارس في ليلةٍ وضحاها ومنذ أول يوم دراسي بعد الإحتلال سنة 2003م ولجميع المراحل الدراسية إبتداءً من الكليات والجامعات العراقية وإنتهاءاً بالمدارس الإبتدائية من عناصرها الإدارية الكفوءة ذات التجارب الغنية بحجة إنتمائهم الى حزب البعث، مما أثّر بشكل كبير على سير العملية التربوية (جميع رؤساء الجامعات ورؤساء الأقسام وعمداء الكليات ومدراء ومديرات المدارس الإعدادية والمتوسطة وحتى الإبتدائية قد تمّ فصلهم من وظائفهم ومن ثمّ إحتسب البعض منهم محالين على التقاعد)!!، وهذه حقيقة لا مجال لنكرانها، وحيثُ تضرر الكثير من المخلصين لمهنتهم التربوية بتهمة الإنتماء الى النظام السابق دون الأخذ بنظر الإعتبار وصول هؤلاء التربويون في معظمهم الى مراكزهم عن طريق كفاءاتهم المهنية مما إنعكس سلباً على العملية التربوية، ولي في جعبتي أمثلة لا حصر لها ولا مجال لذكرها الآن.
أعود الى جوهر ما أبغي إيصاله للوزيرين المعنيين بالأمر والقول من أنّ أكثر المواليد المتضررة تربوياً من جرّاء المتغيّرات السياسية التي حصلت في البلد بعد عام 2003م هي المواليد التي نوهتُ عنها أعلاه، وحيثُ لا يخفى على الوزيرين ما رافق هذه المتغيّرات من سلبيات في العملية التربوية مع البدأ بتغيير الأنظمة والمناهج الدراسية وطرق تدريسها وتفشي الفساد الذي لا يستطيع كائن من كان نكرانه والإتهامات بين أعضاء الكادر التدريسي حتى وصلت الى سرقة الأسئلة الإمتحانية و(تسريبها) بطرق عديدة وتغيير النتائج الدراسية للطلبة أما بالرشاوى أو التهديد للأساتذة أوتدخّل القوانين العشائرية بإرهاب الكادر التدريسي و ـ ـ و ـ ـ  الخ.
وحسب ما وصلني من أولياء أمور الطلبة من أنّ هنالك إحصائية رسمية تذكر من أن تعداد المتضررين من المواليد التي إعتبرتُها كحقلٍ للتجارب في تقريري هذا بلغ أكثر من مليون طالب وطالبة!!، أي بعبارة أخرى أن 3.7% من مجموع الشعب العراقي بأجيالهم الناشئة (أجيال المستقبل) هم تحت رحمة هذا النظام التعليمي الذي لم تظهر نتائجه الإيجابية بعد!!، وإنما على العكس كثرت الشكاوى عليه وأزدادت مساوئه وضاع الطلبة بين التخبط في طريقة تنفيذه وعدم مقدرة الكادر التدريسي على إستيعابه وتنفيذه لجهلهم به من جرّاء عدم تأهيلهم من خلال الدورات اللازمة للإلمام به، مما أوصل نظام التعليم في العراق الى أسفل المستويات في الترتيب العالمي حتى تم رفع إسم العراق من الجدول الخاص بهذا الترتيب!!.
وكما زوّدتني به إحدى الأمهات من معلومات قولها من أنّ وسائل الإعلام قد ذكرت في إحصائية لها من أن مجموع ما وصلوا من هذه المواليد الذين يربوا عددهم على المليون الى الصف المنتهي (السادس الإعدادي) بكل فروعه بلغ فقط مئة وخمسين الف طالب وطالبة!!، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: أين ذهب العدد المتبقي من الطلاّب والطالبات، فيكون الجواب المنطقي له من إنهم تركوا الدراسة والتحقوا بجيش "الأميّة" الذي بدأت أعداده بالتزايد المخيف بعد أن كانت قد أعلنت منظمة "اليونسكو" سنة 1979م خلو العراق من الأميّة!!.
إنّ من المشاكل الكثيرة التي تواجهها العملية التربوية هي عدم مقدرة المعنيين بتوفير المستلزمات الضرورية للنظام الجديد الذي أقرّوه بمعظمه منذ سنة 2003م ولحد الآن، وكان الأجدر بهم الإنتظار لحين توفر الإمكانيات المطلوبة لهذا التغيير، فلا وجود للأبنية الدراسية بمستلزماتها الصفيّة بحيث هنالك مدارس يجلس الطلبة الصغار فيها على الأرض، وهنالك نقص واضح وحاد في الكتب الدراسية، لا بل إنعدامها وعدم وصولها الى الكثير من المدارس خاصة في المحافظات وأقضيتها مع صعوبة المناهج الدراسية وضبابيتها وعدم مواكبة الكوادر التدريسية لتلك المتغيّرات في مناهجهم الدراسية، حتى بلغ الأمر بالبعض من أولياء أمور الطلبة المتمكنين مادياً بتجهيز بعض المدارس بالكرفانات على حسابهم الخاص لتصبح صفوف دائمية لأبنائهم حرصاً على مستقبلهم الدراسي، وهذه الظاهرة شملت حتى مدارس "المتميزين" التي من المفروض أن تكون نموذجية بأبنيتها ومستلزماتها الصفية والمختبرية وطلبتها وكادرها التدريسي ونظامها التعليمي (ذكرت لي إحدى الأمهات بأنّ إبنتها لم تستخدم المرافق الصحيّة في مدرسة المتميزين طوال السنوات الستة التي قضتها فيها لردائتها!!، وإنما كانت تنتظر لحين عودتها الى البيت)!!، وأصدقكم القول لم أستطع إستيعاب ما ذكرته لي هذه الأم!!.
 وما دمنا في ذكر مدارس المتميزين من االذكور والإناث التي يتم القبول فيها بدءاً من الإنتهاء من الصف السادس الإبتدائي للطلبة الحاصلين على معدّل (95%) فما فوق بطريقة "إختبار الذكاء" للبدء بالصف الأول المتوسط في مدرسة المتميزين، وهذا الشرط يتلاعب به الوزير أيضاً بحيث تم تخفيضه الى معدّل (93%) لهذه السنة مما ولّد زخم في أعداد الطلبة المقبولين في مدارس المتميزين التي هي أساساً تفتقر الى الكثير من الصفوف لإستيعاب الطلبة!!، فأنا لم أفهم ما ذكره لي أحد أولياء الطلبة المتميزين من أنّ معظم دراستهم لمراحل الدراسة المتوسطة باللغة الإنكليزية، لكن عندما سيؤدون إمتحان البكالوريا ستكون الأسئلة وأجوبتها باللغة العربية بكل تأكيد مثلما يحدث الآن لطلبة "كليّة بغداد" الذين لديهم نفس هذه المشكلة (بدأ الطلبة المتميزين للمرحلة المتوسطة بدراسة موادهم المقررة باللغة الإنكليزية قبل سنتين وسيواجهون نفس مشكلة طلبة كلية بغداد في الإمتحان الوزاري للثالث المتوسط)!!، ما هذا النظام الذي لا يوجد مثيله في كل دول العالم!!!!.
كذلك فأنّ الواقع يبين شيئاً آخراً، فالنقص بلغ أوجه في المدارس وإنتشرت ظاهرة الدوام الثلاثي خاصة في المدارس الإبتدائية (ثلاث مدارس تستخدم نفس البناية المدرسية يومياً، ما عدا مدارس المتميزين وربما الأهلية أيضاً بقيت بدوام غير مزدوج لأكثر من مدرسة في البناية، وليس هنالك نظام الصباحي والمسائي فيها وبواقع سبعة مواد مقررة للصفوف المنتهية/البكالوريا وليست ست مواد)، مما قلّص حصّة المدرسة الواحدة الى ساعتين أو ساعتين ونصف يومياً بضمنها فترات ما يسمى بالفرص أو الإستراحة التي تتخلل الحصص الدراسية بالنسبة لمن شملهم الدوام الثلاثي.
وبكل تأكيد إزدواجية الدوام أو تقسيمه الى صباحي ومسائي وعدم وجود منهاج واضح بكتب مقررة ومطبوعة لكل صف من صفوف جميع المراحل وبأعداد كافية يؤثر بشكل مباشر على المستوى الدراسي للطلبة ويزيد من صعوبة إكمال المنهج المقرر، علاوة على هذا عدم الإستقرار على نهج ونظام تعليمي واضح لا يعطي للطلبة الثقة بنظامهم التعليمي أولاً، وثانياً لا يمنح الكادر التدريسي الفترة الزمنية الكافية على تنظيم جدولهم (يشترك الفرعان التطبيقي والأحيائي بمعظم الكتب عدا كتاب الأحياء الذي الغي من الفرع التطبيقي وتمّ إستبداله بكتاب الإقتصاد، لكن هنالك فصول قد الغيت شفهياً من الكتب سواء للتطبيقي أو الإحيائي إستناداً الى حاجتهم مستقبلاً لها في تخصصهم، الم يكن الأجدر أن يتم طبع كتب لكلا الفرعين تبين التعديلات التي أجريت لتكون واضحة للطلبة والكادر التدريسي معاً).
ومما أثار فيّ الحزن والإحباط هو الخلل بإمكانيات وزارة التربية للقيام بمهامها، وذلك من خلال ما كنتُ أتابعه من أخبار على قناة "العراقية نيوز" ليومي الرابع والسادس من شهر تشرين الثاني الجاري، حيثُ عرضت القناة في اليوم الأول وفي دقيقتها الرابعة والخمسين تحديداً تقريراً مصوراً لقيام أهالي منطقة "الشعلة" في بغداد بإكمال تشييد المدرسة المتوقف بنائها منذ خمس سنوات على نفقتهم الخاصة والتي وضعت وزارة التربية الحجر الأساس لها لكن المقاول لم يكمل بنائها!!، ومن المعروف إن منطقة "الشعلة" يسكنها الغالبية من أبناء الطبقة الكادحة!!، وقد ذكر التقرير بصريح العبارة تقصير وزارة التربية في متابعة إكمال بنائها، وسأترك الأمر للقرّاء الكرام لتقييم جهد المواطنين الكادحين بتوفيرهم المبلغ اللازم لإكمال بناء المدرسة وهذا ما أثار في داخلي الفرح ومقارنته بعجز الوزارة في توفير هذا المبلغ وحيثُ تمثل جهد الدولة الغنية بالنفط والذي أثار فيّ الحزن، وليطلع القرّاء الكرام على هذا التقرير ومن خلال الرابط أدناه:
https://www.youtube.com/watch?v=cax675Q2qDI
أما اليوم التالي (أي السادس من الشهر ذاته) فقد نشرت ذات القناة على نفس توقيت نشرتها الإخبارية وفي دقيقتها الثامنة والثلاثين تحديداً تقريراً مصوراً آخراً لجهد شعبي آخر في مدينة كربلاء المقدسة وحيثُ إدعوا من إدعوا بإنهم جاءوا لرفع الحيف من النظام السابق عنها وعن باقي المدن الجنوبية، وقد بيّن التقرير قيام أحد مواكب الزائرين للمدينة والقادمين من مدينة عراقية أخرى بالتبرع في إعادة تأهيل إحدى المدارس (المنتهية صلاحيتها)، ومما أثار فيّ الحزن هذه المرّة حديث أحد شيوخ المنطقة عن معاناة أطفالهم في هذه المدرسة بحيث يعودوا الى بيوتهم أثناء فترات الإستراحة بين الحصص الدراسية كل يوم لقضاء حاجتهم لعدم توفر المرافق الصحيّة في المدرسة!!!!!، وهذه التقارير لقناة الدولة الفضائية الإعلامية وليس لفضائية (معادية)!!، هل تعلمون يا سادة يا كرام لو حدث هذا الأمر في مدرسة من مدارس الدول المتقدمة لرفع أولياء أمور الطلبة الدعاوى في المحاكم مطالبين الجهات ذات العلاقة بالضرر البدني لإطفالهم نتيجة معاناتهم في مقاومة الذهاب الى المرافق الصحية حتى إنتهاء زمن الحصّة الدراسية، وسأترك الأمر هذه المرّة للمسؤولين بعد مشاهدتهم للرابط أدناه
https://www.youtube.com/watch?v=iBbuj4PLHlA
وبكل  تأكيد أثني على ما أوردته القناة العراقية في فضحها لتقصير الوزارات المعنية بالخدمات وأيضاً عرضها لجهود المواطنين العراقيين وبيان معدنهم الأصيل.
وفي العودة الى بيان ما أصاب نظام التعليم من فوضوية، فقد أخبرني أولياء أمور الطلبة من أنه تم الغاء نظام "الإعفاء" المعمول به في الكثير من الدول المتقدمة، وتمّ إقرار نظام "الكورسات" من الصف الأول المتوسط الذي يجيز للطلبة الدراسة والإمتحان بمناهج مقررة للنصف الأول من السنة الدراسية فقط مع أخذ الدروس أو المواد التي يفشل فيها الطالب الى النصف الثاني إضافة الى دراسته للمواد المقررة للنصف الثاني "نظام التحميل أو ترحيل الدروس" وهكذا!!، لكن السؤال المهم لماذا سيعتبر الطالب أو الطالبة راسبين لتلك السنة وعليهم إعادتها بكامل موادها في حالة فشلهم فقط في إجتياز المادة المرحّلة في الدور الثاني (أي أنّ من وضع هذا النظام لا هو قد إتّبع ضوابطه كاملة كما هو معمول به في الجامعات منذ زمن بعيد، ولا هو أبقى الوضع كما هو عليه في النظام القديم)، وهذا النظام ربما له جدوى وفائدة علمية في نظام التعليم الجامعي الذي يُعتبر المرحلة النهائية للطلبة لأخذ دورهم في المجتمع كأعضاء منتجين وعندما سيفشلون في إجتياز المادة المرحّلة عليهم إعادة السنة الدراسية الكاملة فقط على هذه المادة، وقد تمّ إقراره في التعليم الجامعي منتصف السبعينات من القرن الماضي بسبب حاجة الدولة للأيدي العاملة والخريجين على وجه الخصوص كسبب رئيسي، أما إقراره الآن على طلبة الدراسة الإعدادية فقد تمّ حسب تقديري للتغطية على إخفاقات وزارة التربية والتغطية على النسب الضئيلة للطلبة الناجحين بجميع المواد وعبورهم الى الصفوف التالية فقرر الوزير المعني إقراره لتلافي الحرج ومسائلته ربما برلمانياً!!.
ومن المفارقات التي إستوقفتني سؤالي لإحدى الإمهات النجيبات عن مصير كتاب "الوطنية"؟؟، فقالت لي بأنه قد تمّ دمج كُتب التاريخ والجغرافية والوطنية في كتاب واحد بائس ينتهي من دراسته الطلبة لغاية الصف الثالث المتوسط (داخل)!!، وإنّ فصول أو فصل مادة الوطنية في هذا الكتاب الموحّد لا تحتوي على نصوص تحفّز الطلبة على حب الوطن والتضحية والإيثار في سبيله كما كان سابقاً في الخمسينات والستينات للقرن المنصرم، فقلت في قرارة نفسي إذن هكذا يتم تجريد الطلبة من إنتماءاتهم الوطنية!!، وقد زال إستغرابي وتعجبي بعد سماعي لكلام هذه الأم: لماذا لم يعد معظم الطلبة بجيلهم الشبابي الرائد للقيام بالتظاهرات الوطنية وعدم إهتمامهم بالأحداث وخاصة الوطنية منها، وأخص منها عدم خروجهم بتظاهرات طلابية عفوية في أرجاء المدن العراقية إحتجاجاً على "الإستفتاء" ومحاولة تقسيم بلدهم العراق!!!، وحيثُ كنّا سابقاً كطلبة لنا الجهد الأكبر والمميز في تنظيم مثل هذه التظاهرات حتى لو كان البلد المعني بالتقسيم جزر الواق واق!!، وحيثُ كان حاضراً وبقوة درس الوطنية في المناهج الدراسية!!.
إنّ ما رواه لي أحد أولياء أمور الطلبة من التعقيدات للمنهاج الدراسي بكافة مراحله يحتاج الى "خارطة طريق" يستدل بها الطلبة على موطئ لأقدامهم للبدء بمشوارهم الدراسي الذي بدون أدنى شك فيه من التعقيدات المنهجية والإدارية والضبطية ما تكفي لتشتيت جهد الطلبة في التركيز على المادة العلمية أو الدراسية حصراً.
فالنظام المعمول به حالياً قيام الطلبة بإختيار تخصصهم أولاً للفرع الأدبي أو الفرع العلمي للرابع الإعدادي (أي بعد تخرجهم من الثالث المتوسط وبدون أي مفاضلة بالدرجات)، ثمّ على من إختار منهم الرابع العلمي إختيار تخصصهم أما في الفرع الإحيائي أو الفرع التطبيقي بعد إجتيازهم للرابع العلمي وللسنتين المتبقيتين (الخامس والسادس) وأيضاً بدون أي مفاضلة بالدرجات!!، وبسبب توجيه (غير رسمي) من الدولة بطريقة ضمان التعيين بعد التخرج من الجامعات للمجموعة الطبية العائدة للفرع الإحيائي، فقد دفعت معظم الطلبة وأهاليهم لإختيار الفرع الإحيائي وتفضيله على الفرع التطبيقي الذي تفتقد مجموعته الهندسية للتعيين المركزي (في هذه السنة تخرجت الدفعة الأولى للطلبة الذين شملوا بهذا النظام ونحن نشاهد الآن الإشكالات والتعقيدات والغُبن في التقديم على الجامعات)!!، وعلى الطلبة الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الرشد بعد في هذه المرحلة (حسب الدراسات العلمية في كل دول العالم سن البلوغ هو الثامنة عشر وطلبة الصف الرابع الإعدادي تبلغ أعمارهم ما بين 15 ـ 16 سنة) تقرير مستقبلهم ومصيرهم ومعرفة ماذا يعني الفرع الإحيائي من الكليات الطبية ومعاهدها وما له علاقة بتخصصاتها وفي المقدمة منها كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة وقسم من فروع كلية العلوم، وأما الفرع التطبيقي فيشمل الكليات الهندسية ومعاهدها وما له علاقة بتخصصاتها وفي المقدمة منها كليات الهندسة المعمارية والمدنية والهندسة الكهربائية والميكانيكية ـ ـ الخ، وأيضاً قسم من فروع كلية العلوم!!.
والفرع التطبيقي حسب رأي أولياء أمور الطلبة هو أسهل بكثير من الفرع الإحيائي!!، لأن الفرع التطبيقي قد تمّ الغاء مادة "الأحياء" منه التي كانت مرهقة لطلبة الفرع العلمي العام قبل إقرار النظام الجديد، وتمّ الإبقاء على هذه المادة في النظام (الجديد) للفرع الإحيائي فقط مع حذف مادة "الكيمياء الحياتية" من كتاب الكيمياء المقرر للفرع التطبيقي وابقائها في الفرع الإحيائي (وأنا مع هذا الأمر لعلاقتها بتخصصهم)، لكن بالمقابل قد تمّ إضافة مادة "الإقتصاد" للفرع التطبيقي، وما يجعل الفرع التطبيقي أسهل حسب رأي بعض أولياء الأمور هو عدم وجود كتاب ومنهج مطبوع في أكثر مواده على العكس من الفرع الإحيائي!!، وهذا الإدعاء بشهادة بعض أعضاء الكادر التدريسي!!.
وعند المقارنة المبسطة للمقدرة الذهنية للطلبة في طريقة إختيارهم للفروع الدراسية التي ستقرر مستقبلهم ومصيرهم المهني أرى من أنّ النظام القديم الذي كان يسمح للطلبة بعد صف الرابع الإعدادي وهم في أعمار ما بين (15 ـ 16) سنة، التحديد (الجزئي) لتخصصهم الذي يرغبونه فيختاروا ما بين الفرع العلمي أو الأدبي ثمّ إكمالهم الصفيّن الأخيرين (الخامس والسادس العلمي أو الأدبي) لتكون أعمارهم قد بلغت الثامنة عشر أو ما يزيد وفي هذا العمر يكون الطلبة أكثر إدراكاً لتقرير مستقبلهم تماشياً مع المعدلات التي سيحصلون عليها، فالمتخرجين من الفرع العلمي بشكل خاص في النظام السابق سيكون أمامهم إختيارات واسعة ما بين الكليات الطبية أو الهندسية أو العلوم أو غيرها، في حين على الطلبة في النظام الجديد تحديد مستقبلهم وطموحهم بشكل بات ومطلق منذ الصف الرابع الإعدادي وقبل معرفتهم لمعدلاتهم التي سيحصلوا عليها بعد تخرجهم من الفروع المذكورة!!، وسأطرح مثلاً بسيطاً يوضح أكثر ما ذهبتُ اليه في طرحي: فالطالب أو الطالبة الحاصلين على معدل (94%) في النظام القديم (السابق) بعد تخرجهم من السادس العلمي يقومون بالتقديم على كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة المعمارية والمدنية والكهربائية والسيطرة والنظم أو الميكانيكية وفروع كليات العلوم والى آخره من الكليات الرصينة من خلال إستمارة التقديم الموحدة المدوّن فيها كافة الكليات والمعاهد، وأكيد سيحصلون على إحدى هذه الكليات المرموقة ولا يضيع جهدهم الدراسي الذي توجوه بحصولهم على (94%) كمعدل والذي يُعتبر من المعدلات التفاضلية والتنافسية الجيدة جداً ويعطي الإنطباع بأنّ من حصلوا عليه يتمتعون بذكاء وقابلية ذهنية وإجتهاد عاليين، أما في النظام الجديد فيسمح للطلبة الذين إختاروا الفرع الإحيائي بالمفاضلة والتنافس بعد تخرجهم من صف السادس الإحيائي على كليات المجموعة الطبية ومعاهدها فقط (بعد الإشكاليات التي حصلت في تطبيق النظام في هذه السنة الأولى لتطبيقه كما ذكرت تراجع المسؤولين عن تطبيقه كما أقرّوه نظرياً وسمحوا للطلبة المغبونين بإعادة التقديم على كليات أخرى غير مشمول بها فرعهم، وليتصور القرّاء الكرام مقدار التعقيدات للطلبة والمؤسسات التعليمية معاً)، ونأخذ للمقارنة نفس معدل شريحة الطالبات والطلاّب الذين حصلوا على (94%) في النظام القديم ونسأل: ماذا ستكون خياراتهم في الكليات الطبية بالنسبة للطلبة في النظام الجديد؟!، فمن المؤكد سوف لن يتم قبولهم في كليات الطب أوالصيدلة أوطب الأسنان لأن الحد الأدنى للقبول في هذه الكليات سيكون ربما (96%) فما وفق وليس لهم الحق في إختيار الكليات الهندسية لأنهم إختاروا الفرع الإحيائي، عندها سيذهب هؤلاء للكليات والمعاهد الطبية التي هي دون طموحهم مثل كلية التمريض أو المعاهد الطبية وغيرها وهم الحاصلين على (94%)، وهذا ما حصل فعلاً لإحدى الطالبات عندما أخبرني أحد أولياء أمور الطلبة من أنّ جيرانه جاء اليه طالباً المشورة لإبنته التي حصلت على معدل (94%) دور ثاني لتأجيلها مادة واحدة فقط، وقد تمّ قبولها في معهد الصحة!!!، وسمع والد الطالبة المغبونة بأنّ هنالك تقديم آخر للمتضررين يسمى "الحكومي الموازي" وطلب منه شرحه له، وبعد أن أخبره بأن هذا التقديم ليس مجاناً في حال قبول إبنته فيه لأنه سيكلفه بحدود ثمانية ملايين الى أربعة عشر مليون دينار سنوياً في حال التقديم على الكليات الطبية!!، صعق الرجل لأنه يعمل سائق سيارة حمل صغيرة (بيك أب) وبالكاد يدبّر أمور عائلته وقال: "يا لله شنسوي معهد صحة ـ ـ معهد صحة، أحسن من ماكو وبلكي تكمّل لبنيّه بعد سنتين وتتعين مركزي وتگوم تساعدني"!!، الحقيقة عندما سمعتُ هذه القصة شعرتُ بالأسى على هذه الفتاة التي بدون أدنى شك مشاعرها وحزنها غير مشاعر وتفكير والدها البسيط!!، لأنها خسرت فرصتها ومستقبلها لضيق الحاجة وهي من المتفوقات وكل ذلك بسبب سوء الأنظمة التعليمية!!، في حين زملائها وزميلاتها في الفرع التطبيقي سيحصلون على أفضل الكليات الهندسية لنفس المعدل!!، لكنها وبسبب إختيارها الفرع الإحيائي لم يساعدها معدلها في تحقيق طموحها!!، وهنا يظهر الغُبن لشريحة طلابية ذكية ومجتهدة لا ذنب لها غير إنها وقعت ضحية النظام التدريسي الخاطئ فإختارت الفرع الأحيائي نداءاً لطموحاتها!!.
كذلك فإن تعدد إستمارات التقديم على الجامعات وعدم توحدها في إستمارة واحدة يربك الطلبة خاصة الذين ليس لديهم أولياء أمور يساعدونهم على إملائها، فهناك إستمارات تقديم متعددة تتراوح ما بين الكليات الحكومية والأهلية (هذه السنة يوجد ستة أو سبعة أنواع للتقديم على الكليات والمعاهد ومنها: حكومي مركزي، حكومي موازي، حكومي مسائي، أهلي نهاري وأهلي مجاني)، وهذه السنة أيضاً أضيف لزيادة التعقيد تقديم آخر لبعض الإختصاصات للجامعة التكنولوجية بشكل منفصل عن إستمارة التقديم للكليات والجامعات الحكومية!!.
 فنسبة أولياء أمور الطلبة في مجتمعنا الغير قادرين على مساعدة أبنائهم في مجال مد يد العون لأبنائهم في ملأ إستمارات التقديم (وليس إستمارة واحدة) عالية جداً، وربما مَنْ وضع هذا النظام نسي أو تناسى من أنه يتعامل مع مجتمع بغالبية فلاحية يحاول أبنائه جهدهم مواكبة العلم والمعرفة والخروج من دائرة هذا المجتمع الى فضاء أكثر تقدماً وفرصاً للعمل!!، وهذا التعقيد في التقديم يضر شريحة كبيرة من أبناء الطبقات الفقيرة والفلاحية.
إضافة الى أنّ النظام الجديد للدراسة الإعدادية بفروعها الثلاث (الأدبي، الأحيائي والتطبيقي) زاد الأمر تعقيداً ووضع حملاً إضافياً على الدولة في ضرورة توفير الأبنية الدراسية بمختبراتها وقاعاتها الساندة إضافة الى واجب مضاعفة الصفوف فيها لتنوّع الفروع وتخصصاتها!!، وهذا الأمر يدلل على أنّ من وضع النظام الجديد كان بعيد كل البعد عن واقع حال الدولة بإمكانياتها المحدودة جداً!!، وهنا من حقي أن أشكك في قرارات وسلوك البعض من ذوي المسؤولية ومراكز القرار، فهل أنّ ما يجري من إرباك للأنظمة بشكلٍ عام والنظام التعليمي بشكلٍ خاص له علاقة بالصراعات الحزبية والطائفية بين الكُتل السياسية المتقاسمة النفوذ في مؤسسات الدولة؟؟!!، فيعمد أحدهم الى تغيير نظام وزارته أو مؤسسته دون إدراك وإستحالة نجاحه مما يحرج الدولة ورئيسها التنفيذي ويثير الشعب ضد حكومته!!، لكن في جميع الأحوال يكون المتضرر الوحيد فيها هو الشعب!!.
وربما من المفيد أيضاً الوقوف عند ظاهرة الدروس الخصوصية التي إبتلى بها أولياء أمور الطلبة خاصة للصفوف المنتهية (السادس الإعدادي أي البكالوريا)، وتقول إحدى أولياء أمور الطلبة من إنها كانت مستعدة للتضحية ببيع دارها السكنية في سبيل تهيئة المبلغ اللازم للدروس الخصوصية لإبنتها لأنها من المتميزات منذ مراحل دراستها الإبتدائية الى حد وصولها للصف المنتهي (الفرع الإحيائي) وهي طالبة في مدرسة "المتميزين"، كل هذا الأمر من أجل الفوز بالكلية التي أصبحت حلم الطالب أو الطالبة وعوائلهم!!!، وقد سألتها: لماذا الدروس الخصوصية وإبنتها متميزة وتداوم في مدرسة المتميزين التي من المفروض أن تكون نموذجية بكل شئ من الكادر التدريسي الى البناية المدرسية بمختبراتها ومستلزماتها وكتبها ونظامها التعليمي وكما أسلفتُ سابقاً؟؟؟، أجابتني من أنّ ما طرحته من معوقات سابقاً في هذا التقرير تشمل مدارس المتميزين أيضاً!!، فأستغربت لكلامها وقلت إذن أين هو التميّز؟؟، هل هو فقط في الشكليات الإدارية وربما في الأسلوب الحضاري والعلمي النسبي نوعاً ما في تعامل الكادر التدريسي مع الطلبة!!، وهل هنالك أي تميّز للطلبة في مدارس "المتميزين" عند تقديمهم الى الجامعات والكلّيات؟؟، فذكرتْ لي نفس ما ذكرته سابقاً بقيام أحد أولياء الطلبة بالتبرع بكرفان لجعله صف في مدرسة المتميزين!!!، ثمّ إسترسلت هذه الأم في بيان الظروف والمعوقات لإنخفاض المستوى التعليمي للطلبة ومنها تقليل ساعات المدارس بسبب الدوام الثلاثي كما أسلفت وعدم إستطاعة الكادر التدريسي إكمال المنهاج المقرر وكثرة غيابات الطلبة بسبب الظروف الإستثنائية للبلد، يضاف اليها كثرة العطل الرسمية والغير رسمية ومنها ما يتعلق بالمناسبات الدينية التي يجب على الدولة تنظيمها وتنسيقها، حيثُ بدأت تعطي مردودها السلبي في كافة النواحي حتى الصحيّة والإقتصادية للبلد، وهذه الظاهرة تحتاج الى معالجة ووقفة جادة لجعلها مناسبات ينتظرها كل أبناء الشعب العراقي بشغف للإحتفال بها وتكريم أوليائها وإعطائها الرمزية والمكانة المرموقة في قلوبهم، لا أن تجعلهم في حالة طوارئ لشراء المستلزمات البيتية لخزنها لخوفهم من إنقطاع الطرق وركود الأسواق وشلل تام في الحياة الإجتماعية لمدد تزيد على الأسبوع أو الأسبوعين، كلّنا نقدر ونحترم هذه المناسبات منذ صغرنا لا بل نشترك في شعائرها دون النظر الى الدين أو المذهب، تماماً كما يحتفل الجميع بالمناسبات الدينية للمذاهب والأديان الأخرى وحتى المناسبات القومية، فالعراق بمجتمعه فسيفساء متنوعة بالوانها وأشكالها.
كذلك من المفيد تسليط الضوء على البعض من معانات الطلبة قبل وأثناء وبعد أداء الإمتحانات الوزارية، بحيث أوصلت الطلبة وأولياء أمورهم الى مستويات عالية من الإرهاق الذهني والبدني، فقد أخبرتني إحدى أمهات الطالبات المتميزات من أنه تم تنسيب إبنتها للإمتحان الوزاري في صف من صفوف المدارس الإعتيادية بعيداً عن زميلاتها لعدم توفر مكان لها في الصفوف المنسبة اليها زميلاتها بسبب أبجدية الحروف لأسمائهن!!، وقد خسرت الكثير من الوقت الثمين لمعرفة أين ستؤدي إمتحانها!!، الم يكن بالمقدور ترتيب تواجدها مع زميلاتها للحيلولة دون إرباكها بالترقب والمراجعة لمعرفة مصيرها وأين ستؤدي إمتحانها وهي طالبة واحدة فقط؟!، وفي هذه السنة التي شهدت درجات حرارة عالية جداً سجلت فيها الأنواء الجوية مستويات لم تسجّل في تاريخ سجلاتها سابقاً قامت وزارة التربية بتأجيل الإمتحانات الوزارية للصفوف المنتهية بجميع فروعها الى الثاني أو الثالث من تموز الماضي (الذي يُطلق عليه العراقيون بالطبّاخ) أي ما بعد شهر رمضان الكريم إعتقاداً من أنها تعين الطلبة على عدم أداء الإمتحانات وهم صيام وكذلك لمنح الفرصة بوقت أطول لمراجعة المواد ولربما أيضاً بسبب الحرب على داعش، لكن من قرر هذا القرار قد نسي من أن وزارته أصلاً تفتقر لكل الخدمات الضرورية لأداء هذه الإمتحانات المصيرية في مثل هذا الشهر وأولها تهيئة أجهزة التبريد الحديثة المركزية (المكيفات) ومياه الشُرب، وسآتي الى ذكرها لطلبة المدارس المتميزة حصراً كونها من المفروض أن تكون "نموذجية" كما أسلفت (من المعلوم إنّ الطلبة بشكل عام وطلبة المدارس المتميزة بضمنهم لا يؤدون إمتحاناتهم الوزارية في مدارسهم وإنما في مدارس أخرى، إضافة الى تبديل أو تغيير طواقم المراقبين والمشرفين على الطلبة في القاعات الإمتحانية).
ففي أحد صفوف المدارس التي قام الطلبة "المتميزين" بإداء الإمتحانات فيها تم وضع مبردة هواء متنقلة بعجلات وهي صغيرة بحجمها لكنها مكسورة من إحدى جوانبها والماء يجري منها على أرضية الصف و"الحارس" المسكين كان حريص على أن يأتي كل ربع ساعة لملأ الخزان وطبعاً هذه العملية تشتت أذهان الطلبة، وحسب ما هو معروف علمياً يجب توفير الأجواء الهادئة للطلبة لإداء مثل هذه الإمتحانات المصيرية، أما الحالة الثانية التي نقلها لي أحد أولياء أمور الطلبة، فهي رغبة المُراقِبة الإمتحانية للعب بأعصاب إبنته المتميزة حين فاجئتها وهي تنظر الى بطاقتها الإمتحانية وفي اليوم الأول للإمتحانات وفي دقائقه الأولى قائلة لها: "هاي صورتچ"؟؟، أجابتها الطالبة بكل أدب: "نعم ست"، لكن المراقبة الفهيمة لم تقتنع وأردفت قائلة: "يعني أكيد هاي إنتي ـ ـ ومنو يگول هاي الصورة صورتچ ـ ـ وشجاب هاي الصورة عليچ ـ ـ ومنو گال هاي الصورة تشبهچ ـ ـ ومنو يگول هذا إسمچ" وما الى ذلك من الأسئلة وحربها النفسية لطفلة جاءت لتودي الإمتحان وهي أساساً قد سيطرت عليها الرهبة الطبيعية في أداء هذا النوع من الإمتحانات وتحتاج الى من يهدئ نفسيتها وليس العكس وإستمرت هذه المُراقِبة على هذا المنوال معظم زمن الإمتحان بالإضافة الى خسارة هذه الطالبة لدقائق ثمينة من وقتها بمهاترات ليس لها معنى!!!، بالله عليكم كيف ستستطيع هذه الطالبة الإجابة وهي مهددة كل لحظة بالطرد من قاعة الإمتحان لتشكيك المُراقِبة بشخصيتها!!، أما الحالة الثالثة لطالبة أخرى فقد ذكرت بأن المديرة بنفسها كانت توزع عليهم قناني الماء البارد لكنها تفاجئت بالمُراقِبة الإمتحانية وهي تأتي لتستبدل قنينتها الحارة بقنينة الطالبة بعد خروج المديرة!!، والحالة الأخرى لطالبة من إحدى المدارس الإعدادية الأهلية التي أجبرتها "المُراقِبة" الإمتحانية على الإلتصاق بالحائط الذي تمشي عليه مجاميع من "النمل" وكلما حاولت الطالبة الإبتعاد قليلاً عن الحائط تأتي "المُراقِبة" لتجبرها الى العودة بالإلتصاق بالحائط على الرغم من رؤية هذه "المُراقِبة" للنمل بأعداده الكبيرة حتى شعرت الطالبة بحركة النمل على جسدها، بربكم كيف ستركز وتؤدي هذه الطالبة إمتحانها (هنالك إحساس من معظم أولياء أمور الطلبة وأبنائهم من أنّ هنالك حساسيات من الكادر التدريسي الحكومي على كل ما يخص المدارس الأهلية والذي ينعكس على الطلبة في هذه المدارس عندما يقعون تحت طائلة المُراقبة والإشراف في الإمتحانات الوزارية من قِبل الكادر التدريسي الحكومي!!، لذا أرجو من معالي وزير التربية التقصّي عن هذا الأمر ومعالجته)؟؟!!، الم يكن الأجدر بوزير التربية تعميم كتاب يُشدد فيه على حسن معاملة الطلبة وتوفير كافة الوسائل والظروف الصحيّة لهم لأداء إمتحاناتهم بشكلٍ عامٍ، ويحذر بالعقوبات لمن لم يلتزم من المُراقبين والمعنيين وبالمحاسبة الإدارية لهم في حال عدم تطبيقه، هذه الحالات هي قطرات من البحر ليس الغاية من طرحها والإستشهاد بها هو الإحراج والمحاججة أو المماحكة وإنما عرضها وإيصالها الى مَنْ يهمهم الأمر لأنها بالحقيقة تؤثر كثيراً على الطلبة وتغيّر للبعض منهم طريق مستقبلهم الى آخر سنوات أعمارهم، وللحقيقة ما طرحته كان لمدارس الطلبة المتميزين وطلبة المدارس الأهلية، فكيف هو الحال لبقية المدارس الحكومية، سؤال أوجهه للوزير المختص؟؟.
ثمّ نأتي الى مشاكل ومعاناة من نوع آخر تؤثر بصورة مباشرة على معدلات الطلبة والسؤال عن مدى مهنية واضعي الأسئلة الوزارية ومدى المامهم بالمقرر بشكل دقيق وليس بشكل سطحي أو بإسلوب كيفي يخضع لإجتهاد من يضع الأسئلة؟؟!!، فالمسألة تتعلق بمصير الطلبة ومستقبلهم والخطأ في أغلب الأحيان غير قابل للحذف أو التصحيح، لذا واجب ملزم على من يضعوا الأسئلة التأكد من مطابقتها لما مطلوب في المنهج المقرر، وسأطرح مثلاً رواهُ لي أحد أولياء أمور الطلاّب قائلاً: إن إحد أسئلة درس الدين للفرع "الإحيائي" كان عن ذكر نص لأحد الأحاديث التي ورد ذكرها في كتاب الدين للشرح وليس للحفظ!!، وحمد الله من أنّ ولده كان يعرفه فكتبه، لكن ماذا عن الطلبة الذين لم يحفظونه لأنه ليس مطلوب منهم حفظه في المقرر وإنما فهمه فقط من خلال الشرح، أكيد سيخسرون الخمسة درجات الثمينة من مجموعهم والتي ستغير مجرى حياتهم ومستقبلهم بسبب عدم المام واضعوا الأسئلة لما هو مطلوب ومقرر في الإمتحانات الوزارية، كما أنّ بعض واضعي الأسئلة يتعمدون في محاولة تمويه وإرباك الطلبة بطريقة طرح الأسئلة وحيثُ أخبرتني إحدى الطالبات الحاصلة على معدل (95%) من أنها تفاجئت بطريقة السؤال الذي ليس له جواب!!!، لكنها تعلم من أنّ هنالك جواب لسؤال مقارب بمعناه فوضعته ويبدو أنها كانت محظوظة لأن الكثير من زميلاتها قد فاتت عليهم هذه المحاولة!!.
سأورد الآن بعض التفاصيل للنظام الجديد الخاص حصراً بطريقة المفاضلة والقبول لطلبة الصفوف المنتهية الإعدادي (الوزاري) المتشعب بشروطه ومقرراته وقوانينه: هنالك ضمن النظام الجديد قرار لتحفيز الطلبة وهو إضافة درجة على المعدل لكل طالب أو طالبة إجتازوا الإمتحان الوزاري من الدور الأول (هذه السنة كان فيها الدور الأول والثاني والثالث)!!، أو بمعنى آخر لكل مادة مقررة بالإمتحان الوزاري هنالك درجة واحدة يتم إضافتها للطلبة الذين إجتازوا الدور الأول، وكما هو معلوم هنالك سبعة مواد المقررة إدخالها في الإمتحان الوزاري أي بالنتيجة يكون مجموع الدرجات سبعة على المجموع أو درجة واحدة على المعدل، وفي حالة رسوب الطالب أو الطالبة (أو عدم الدخول أصلاً للإمتحان) في أحد هذه المواد فعليهم إعادته في الدور الثاني أو الثالث لكن ستحذف منهم لهذه المادة تلك الدرجة الإضافية، في ذات الوقت تحتسب للطلبة الممتحنين في الدور الثاني أو الثالث نفس درجاتهم في المواد التي إمتحنوا فيها في هذين الدورين أي إذا حصلوا على (100%) في المادة فتبقى كما هي!!، هذه الطريقة شجعت العديد من الطلبة على تأجيل المواد الى الدور الثاني فالأفضل لهم خسارة درجة واحدة للمادة في دورها الأول وإكتساب ربما ثلاثين أو أربعين درجة في دورها الثاني أو الثالث!!.
كذلك هنالك درجة أخرى تضاف على المعدّل لطلبة المدارس التي يدرّس فيها اللغات الإضافية كالفرنسي وغيرها، لكن في بعض حالات القبول ومنها القبول في الكليات الأهلية الخاص (بالمنحة المجانية) التي منحتها هذه الكلّيات تلبية لنداء وزارة التعليم العالي للمساعدة في حل الإشكالات والغُبن للكثير من الطلبة، وحيثُ منحتهم هذه الكلّيات (350) مقعداً مجانياً خصّت بها أبناء العوائل "المتعففة" وأبناء الحشد الشعبي، فلم يتم الإعتماد على هاتين الدرجتين الإضافيتين للطلبة (الدرجة الإضافية للنجاح من الدور الأول والأخرى التابعة للغات) وتم الأخذ بمعدلّهم الأصلي دون الأخذ بنظر الإعتبار لهاتين الدرجتين!!، إذن ما هي فائدتها إذا لم تُعتمد في القبول والتفاضل ولماذا كل هذا التعقيد!!!.
ولِمَنْ لا يعلم ما هو القبول "الموازي أو الحكومي الموازي" أقول من إنها "فكرة" جاءت متأخرة نسبياً غايتها مادية قبل أن تكون قد أقِرّت لإنصاف المغبونين من الطلبة (وهم بالمئات ومعظمهم من المعدلات التي تجاوزت 90%)، ومختصرها وبعد أن تمّ الإعلان عن نتائج القبول الأولية وبدأ الصراخ والبكاء من الطلبة وأولياء إمورهم للغبن الذي أصابهم تفتق ذهن المسؤولين عن إيجاد طريقة لتجاوز الأزمة بالإعلان عن حق الطلبة المغبونين للتقديم في إستمارة خاصة الى عدد محدود من الكليات الحكومية المهمة بشرطين: أولهما أن لا تقل معدلاتهم الأصلية قبل إضافة درجتي التفاضل (للدور الأول واللغات) عن معدلات زملائهم المقبولين بالنتائج الأولية بأكثر من درجتين في تلك الكليات، أما الشرط الثاني وهذا هو بيت القصيد أن لا تكون دراستهم في تلك الكليات الحكومية مجانية وعليهم دفع أجور تقارب ما هو مطلوب في الكليات الأهلية (دفع ما بين ثمانية الى أربعة عشر مليون دينار سنوياً وحسب تخصص الكليّة)!!!، والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه، لو كان هنالك أساساً مقاعد متوفرة في تلك الكليات الحكومية لماذا تم حجبها عن الطلبة أصلاً وخلقت هذا الظرف المأساوي للطلبة وأهاليهم؟؟، وما هو ذنب الطلبة الفقراء الذين لا تستطيع عوائلهم دفع المبالغ التي تصل ما بين ثمانية الى أربعة عشر مليون دينار للعام الدراسي الواحد للكليات الطبية والهندسية؟؟!!، وربما قد تنخفض الى المليون لطلبة الكليات الإنسانية لكن بالنتيجة تكون حصراً لأبناء العوائل المتمكنة وليذهب الفقراء الى الجحيم!!!، سيقول قائل من أنّ هنالك قرار آخر بتخصيص مقاعد محدودة في الكليات الأهلية لقبول طلبة العوائل الفقيرة والمتعففة المغبونين مجاناً، لكن هل ستفي بكل أعداد الطلبة المغبونين من تلك العوائل؟؟، وما هو الضامن لعدم فصلهم في السنة الثانية منها عندما تغيّر عمادة الكلية رأيها وتطالبهم بدفع الأجور؟؟، وكيف ستتعامل الكلية الأهلية مع الطلبة الذين سيعيدون سنة من سنوات الدراسة لرسوبهم فيها؟؟، وهل ستطالبهم بدفع مصاريفها؟؟، أو في حال عدم دفعهم سيتم فصلهم من الكلّية الأهلية (ذكرت لي إحدى المتصلات من إنّ على الطلبة الراسبين من الفقراء دفع نصف المبلغ السنوي في حال رسوبهم، فمن أين لهم هذا المبلغ وأكيد سيتركون الدراسة)؟؟!!.
إنّ بوادر فشل النظامين (التطبيقي والأحيائي) ظاهرة بكل بوضوح من خلال الإرباكات التي ظهرت في هذه السنة وهي الأولى لخريجي هذين الفرعين بالتقديم الى الجامعات والمعاهد، مما أجبر وزير التعليم العالي وهو الوزير التنفيذي المباشر للقبول في الجامعات على الغاء التخصص بين الفرعين الأحيائي والتطبيقي في التقديم الى الكليات ذات العلاقة بالفرعين وسمح لخريجي الفرع الإحيائي بالتقديم على الكليات الهندسية أيضاً وذلك لكثرة أعدادهم وعدم وجود كليات ضمن تخصص فرعهم لقبولهم ومعظمهم ذوو معدلات عالية ولكن بعد فوات الآوان، حيثُ سمح بقبول طالبين أو طالبتين بنفس الكلية الهندسية أحدهما من الفرع التطبيقي وبمعدل (80%) والآخر من الفرع الإحيائي وبمعدل (90%) وهذا هو الغُبن بعينه، إذاً ما فائدة التخصص بفرعين إحيائي وتطبيقي إذا كان في نهاية الأمر العودة على النظام القديم للقبول؟، وهل النظام التعليمي بحاجة الى المزيد من الإرباكات والتشويه والمشاكل التي لا حصر لها؟؟!!، وأين هم مستشاري الوزيرين الذين يكلفون الدولة المبالغ الطائلة من خلال مناصبهم؟؟!!، وهل هم جالسين على مقاعدهم فقط ويستلمون رواتبهم نهاية كل شهر وأصبحوا من جماعة (موافچ إستاذ)؟؟!!.
ربما سأختم هذا التقرير الشامل والموسّع بظاهرة بدأت تتوسع وتأخذ مديات أكثر من إستحقاقاتها التي بكل تأكيد نؤيدها جميعنا لكن ضمن حدودها المعقولة والمنطقية التي لاتؤثر على الطلبة الآخرين في التفاضل والقبول في الجامعات بشكلٍ عامٍ، ألا وهي إضافة الدرجات على المعدّل لأبناء الشهداء والحشد الشعبي دون غيرهم تكريماً من الدولة لتضحيات آبائهم وأنا شخصياً مع هذه "المكرمة"، ولكن يجب أن تكون شروطها قد تم تنفيذها بحذافيرها وبصرامة دون التلاعب بزيادة أعداد المستفيدين منها بالإلتفاف عليها من هذا المسؤول أو ذاك، وكمثال وردني من البعض من أهالي الطلبة بأنّ لديهم الأمثلة العديدة لمعارفهم وجيرانهم قد تمتعوا أبنائهم بهذه "المكرمة" وزاحموا الطلبة الآخرين على المقاعد المحدودة خاصة في الكليات العالية بدون وجه حق، لأن قسم من المستفيدين ليس لديهم أقارب من الدرجة الأولى مشمولين كشهداء أو حشد شعبي وإنما ربما لديهم من الدرجة الثانية أو الثالثة وقد إستطاعوا الحصول على تأييد لشمولهم بهذه "المكرمة"!!، وبهذا الإلتفاف الصريح على القرار قد إختطفوا مقعد ثمين من طالب أو طالبة يستحقانه بجهدهما ومثابرتهما، والملاحظة الأخرى فقد كان الواجب على مَنْ سنّ هذه "المكرمة" أو القرار أن يوسّع دائرة القبول في الكلّيات والمعاهد بتخصيص مقاعد إضافية خارج ما هو محدد للطلبة بشكلٍ عام، لا أن يحرم الكثير من الطلبة من إستحقاقاتهم ليمنحها الى آخرين، فهذا هو الظُلم بعينه!!!، فهي ليست منحة مالية أو عينيّة سيتجاوزها المتضررون عن طيب خاطر!!، وإنما حرمانهم من مستقبلهم لا بل ربما تدمير كل طموحاتهم!!، وحسناً فعل وزير التعليم العالي في تصريحه الذي وافاني به لاحقاً أحد أولياء أمور الطلبة بأنه وعد (أي الوزير) بإيقاف هذه "المكرمة" السنة القادمة ومن الممكن تعويضها بمنح أبناء الشهداء والحشد الشعبي بقطع أراضي سكنية ومُنَح مادية أو إمتيازات أخرى،ولكن ماذا عن المتضررين منها هذه السنة؟؟، وما ذكره وزير التعليم العالي من إقتراح بهذا الخصوص في نظري أكثر عدالة ومنطقية دون الإضرار بشرائح مجتمعية أخرى، فالتفاضل بالعلم عن طريق الإختبارات والإمتحانات فقط قد باركته كل الشرائع السماوية وهو مقدس ولا يجوز الإلتفاف عليه بمنح الدرجات الثمينة جزافاً والذي يفتح المجال للتلاعب وزيادة الظُلم والغُبن على البعض الآخر، فهل "يتساوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون"!!، قول أضعه أمام مَنْ منح هذه "المكرمة" دون إدراك متجاوزاً على كل الشرائع السماوية!!.
إنّ ما طرحته في هذا التقرير لا يتحمل وزره الوزير أو الوزيرين المباشرين فقط، لكن تتحمل سلبياته كل الدوائر والمسؤولين من أعلى الهرم لمحدودية ربما التخصيص

23
الغاء نتائج الإستفتاء مطلب جماهيري وما أقل من ذلك يُعتبر خطأ تاريخياً
بقلم: سالم إيليا
دخلت الأحداث في نفق لا يبدو قصيراً وبوتيرة متسارعة بعد تعنت وأصرار السيد مسعود البرزاني على إجراء الإستفتاء عندما كان رئيساً للإقليم، وقد إنهارت جميع تطلعات شعبنا الكردي في ليلةٍ وضحاها ليس فقط من أيّد منهم الإستفتاء!، لا بل حتى من كان ضده نتيجة ما حدث من تداعيات كان آخرها أعمال العنف ومهاجمة البرلمان الإقليمي والبعض من أعضائه ورجال الإعلام وحرق مقرّات الأحزاب الكردية التي كان لها رأي مخالف للسيد مسعود البرزاني في بعض مدن الإقليم، وحيثُ إتهمت بعض قيادات تلك الأحزاب عناصر تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بإثارتها، وقد وصفت النائب في البرلمان الإتحادي ورئيسة تكتل حزب التغيير فيه سروة عبدالواحد في بيانها ما جرى من أعمال عنف داخل البرلمان على أنه "عمل إرهابي بإمتياز"!!.
الرابط أدناه: ممثل أربيل عن كتلة التغيير الكردستانية ورئيسه في البرلمان الإتحادي النائب سروة عبدالواحد تصف في بيان لها ما حدث من إقتحام للبرلمان الكردستاني على أنه "عمل إرهابي بإمتياز":
http://www.nrttv.com/Ar/Detail.aspx?Jimare=62496 
إنّ من له دراية بعلم الأنثروبولوجيا بشكل عام ورائده علم الأثنولوجيا بشكل خاص يستطيع تحديد الخصائص للمجموعات البشرية التي تسكن في مناطقنا الجغرافية ومنها تفاعلهم السريع مع الحدث بعواطفهم الشديدة التي تكونت لديهم كنتيجة طبيعية لبيئتهم المتباينة بتضاريسها وطبيعة مناخهم المتباين وقساوة معيشتهم التي حتمت عليهم الإعتماد على العاطفة وقوتها الترابطية بين أفراد المجموعة البشرية الواحدة، وحيثُ كانت إحدى الخصائص المهمة لمقاومة التحديات الطبيعية للبقاء على قيد الحياة.
ومع التطور الإجتماعي المقترن بالتطور العلمي الذي وصل الى أبعد مدياته التي لم يتوقع الإنسان الوصول اليها بالسرعة التي حدثت فيها في القرون القليلة الماضية، أصبحت تلك العاطفة ثقلاً كبيراً على مجموعاتها البشرية مشاركةً الأعراف والتقاليد بثقلها، وحيثُ باتت أحدى العوامل الرئيسية لعدم مقدرة هذه المجموعات من العيش بدونها وتجاوز حِقبها الزمنية الغابرة بتحدياتها الطبيعية.
طرحتُ هذه المقدمة البسيطة لبيان مدى تأثير العاطفة على مجمل ما حدث لشعبنا العراقي بكل مكوناته التي كانت متفاعلة مع التغيرات الفجائية نتيجة إجراء الإستفتاء والتي حصلت ما بين ليلةٍ وضحاها ـ ـ إيجاباً للبعض منهم ثمّ تحولها سلباً، والعكس صحيح للبعض الآخر.(*)
فالمؤيدون للإستفتاء وحق تقرير المصير (ليس فقط البعض من المكوّن الكردي وإنما البعض من الأحزاب العراقية وسياسييها وكما سآتي على ذكرها)، حيثُ كانوا مشجعين لهذه الخطوة ومباركين لها وكانوا (إيجابيين) في الدفع بإتجاه تنفيذها!!، أو على الأقل وقوف تلك الأحزاب أو القادة السياسيين صامتين ظاهرياً أمام الرأي العام العراقي الذي كان يغلي تجاه ما يجري ولكنهم بالخفاء كانوا مؤيدين لها لأسباب خاصة بأيديولوجياتهم (المتناقضة) والمحيّرة للمواطن العراقي أو لمنفعة البعض منهم الشخصية وكما سأبين ذلك لاحقاً!!!.
أما الرافضين للإستفتاء بأغلبية الشعب العراقي والمعتزين بعراقهم الموّحد ومنهم عدد لا يستهان به من الكُرد وسياسييهم المعتدلين فكرياً وقومياً (وهذا واقع لا يمكن تجاهله وحيثُ كان لهم الدور المهم في إفشال الإستفتاء)، فقد غلبت عليهم النزعة السلبية المتشائمة قبل الإستفتاء مستندين الى إعتزازهم بخارطة العراق الموحد وعدم رغبتهم بتصور فقدان جزء مهم من مكوناتهم وأرضهم وعدم رغبتهم في العودة الى التحارب ما بين أبناء الوطن الواحد، فحتى الكُرد الذين يعتزون بعراقيتهم لم يستطيعوا تصور العيش في رقعة محددة لا تشمل كل العراق من شماله حتى جنوبه، وهذه حقيقة يجب أن ندركها بعيداً عن الأكاذيب الإعلامية التي تبين عكس ذلك.
حتى جاءت ساعة الحسم بإصرار السيد مسعود البرزاني وتعنته رغم وقوف العالم بأجمعه ضد قراره، فحدث الإستفتاء وبدأت تظهر الى الوجود ردود أفعاله بالدقائق وليس بالساعات أو الأيام، وهنا تدخلت العاطفة من جديد ليس داخل المجتمع العراقي فحسب وإنما داخل مجمل شعوب المنطقة التي تشترك بنفس الخصائص الإنسانية كما ذكرت، وبدأت تداعيات الإستفتاء تنعكس سلباً هذه المرّة على من أيّد الإستفتاء، خاصة بعد إنهيار أحلامهم بسويعات نتيجة الحقائق على الأرض وخسارة ما كان قد تحقق من مكتسبات وأحلام لشعبنا الكردي لم يتصور بلوغها الجميع قبل ثلاثين عاماً، فإنقلبت المشاعر الإيجابية الى سلبية والسلبية الى إيجابية في غضون يومين أو ثلاثة بين مجمل مكونات الشعب العراقي وتضاربت مشاعرهم فنتج عنها ما نتج من حوادث مؤسفة على جميع المكونات المتواجدة داخل دائرة التأثير الجغرافي الفعلي والمباشر للإستفتاء، وقد لعبت العاطفة دوراً مهماً في تأجيج المواقف والأحداث على الرغم من المحاولات الجادة لرئيس الحكومة الإتحادية وكابينته الوزارية والحق يقال بتهدئة الموقف ومحاولة السيطرة على ردود الأفعال وإتخاذ الخطوات الهادئة لإفشال الإستفتاء.
ثمّ بدأت الجهود لتجاوز الأزمة ولملمة تداعياتها وهنا تدخلت العاطفة مرة أخرى بجانبها السلبي، وزاد تعنت من تسبب بتلك الأحداث في محاولته لعدم الرضوخ للضغوط الميدانية والقرارات المحلية والإقليمية والتشبث بالحس العاطفي المبني على أساس عدم التنازل والرضوخ حفاظاً على ماء الوجه!!، لكن في نفس الوقت لم يكن هنالك خياراً لمن تسبب بهذه الأزمة السياسية المحلية والإقليمية والدولية وتداعياتها خاصة بتسارع وتيرة الإجراءات التي إتخذتها الحكومة الإتحادية ما بين إعادة الإنتشار للجيش الإتحادي والقطعات المساندة له في المناطق التي أقرها الدستور العراقي الذي إشترك في صياغته القادة الكُرد والمصوّت عليه بالأكثرية الساحقة في مناطق الإقليم وبين فرض الخطوات الإدارية والقانونية لتقويض دعاة الإستفتاء مع وضع الحصار الإقتصادي الذي هددت بإتخاذه الحكومة الإتحادية ودول الإقليم المتضررة موضع التنفيذ، فخرجت حكومة الإقليم (وليس رئيس الإقليم السابق لأنه شعل فتيل المواجهة وإختفى من الواجهة!!) بمبادرة أو إقتراح لتجميد الإستفتاء دون تحديد مدته في مناورة مفضوحة لإعادة ترتيب أوضاعها وتجميد الحراك الرسمي والشعبي العراقي والإقليمي ضدها وترطيب الأجواء الدولية، وأيضاً المحاولة في كسر العزلة الدولية لحكومة الإقليم وتفتيت تأييد جميع دول العالم لإجراءات الحكومة الإتحادية في فرض سيطرتها الدستورية، وبالطبع كان جواب الحكومة الإتحادية المتمثلة برئيسها في رفض هذه المبادرة (التكتيكية) لعدم كفايتها كضمان في عدم التفكير بالإنفصال مرّة أخرى، بالإضافة لعدم تحديد زمنها مما يجعل إحتمالية الرجوع عنها والتنصل منها واردة في أي لحظة يكون فيها دعاة الإنفصال بوضع أفضل محلياً ودولياً، كذلك تعطي الموافقة عليها فرضية الإعتراف الرسمي من الحكومة الإتحادية والإقرار بشرعية الإستفتاء الإحادي ضمنياً، عندها سيتحمل من يوافق على مبادرة حكومة الإقليم (التكتيكية) الخطأ التاريخي الذي لا يمكن إصلاحه بعد ذلك، ولربما يُتهم من يوافق عليها (أي على المبادرة) بالخيانة الوطنية!!!.
الرابط أدناه: "المبادرة التي طرحتها حكومة الإقليم بتجميد الإستفتاء والبدأ بالحوار":
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=857092.0
الرابط أدناه: "العبادي يرفض عرض حكومة إقليم كردستان بتجميد نتائج الإستفتاء مطالباً بالغاءه":
https://kitabat.com/news/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a7%d8%af%d9%8a-%d9%8a%d8%b1%d9%81%d8%b6-%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%aa%d8%ac%d9%85%d9%8a%d8%af-%d9%86%d8%aa%d8%a7%d8%a6%d8%ac-%d8%a7/
الرابط أدناه: "رفض الحشد الشعبي على لسان ناطقه الرسمي لتجميد الإستفتاء":
https://kitabat.com/news/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b4%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d8%a8%d9%8a-%d9%8a%d8%b3%d8%aa%d9%87%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%aa%d8%ac%d9%85%d9%8a/
الرابط أدناه: "العبادي يعلن عن إتفاق تمّ ما بين الحكومة الإتحادية وكردسستان لإعادة إنتشار القوات الحدودية وصولاً الى معبر فيشخابور الحدودي":
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=857261.0
أما فيما يتعلق بموقف بعض الأحزاب الأيديولوجية التي تنعت نفسها بالوطنية (ولا أعلم ماهية وطنيتها الحقيقية ما لم تكن واضحة وضوح الشمس في هذا الظرف الذي تحتاج فيه الى الوقفة الوطنية العراقية الحقّة وترجمتها على أرض الواقع أمام تحديات التقسيم!!) فنستطيع القول إنها مواقف تباينت ما بين المنفعة الحزبية أوالمصالح الشخصية لقادتها وفي أبعد الأحوال تشبث بعضاً منها بمقررات كانت قد أقرتها قبل دهر من الزمن للظروف (النضالية) التي كانت تمر بها حينها.
وقبل الدخول في تفاصيل العتاب (القاسي) ربما في نظر البعض المؤيد والمبرر للإستفتاء، أقول ليعذرني من هم أعضاء وأنصار لتلك الأحزاب أو الشخصيات السياسية التي إتخذت المواقف الضبابية أو الإنتهازية تجاه مصير العراق وشعبه بذريعة عدائها الفكري أو الأيديولوجي وصراعها السياسي مع الحكومة الحالية وحيثُ كنّا نتمنى أن لا يصل فيه للتضحية بوحدة العراق تشفياً وكرهاً للحكومة الإتحادية وأحزابها، وأنا أجزم من أنّ الكثير من أعضاء تلك الأحزاب الوطنيين في مشاعرهم قد مارسوا حقّهم برفض الإستفتاء والوقوف ضد توجه قادتهم السياسيين وبياناتهم المخجلة التي تجاوزت الخطوط الحمراء في مباركة خطوة مَنْ حاول تجزئة الهوية العراقية الموحدة لا بل شجعته للمضي بها.   
فمن إطلع على بيانات "الحزب الشيوعي العراقي" من الوطنيين الحقيقيين من عامة الشعب الى مثقفيهم يصيبهم الغثيان لما جاء فيه ويشعرون بالأسى لما وصل اليه هذا الحزب الذي بكل تأكيد نحن لسنا بصدد محاكمته أو تقييمه بقدر ما يتعلق به الأمر بتهديده لوحدة العراق وتأييده الواضح لإنقسامه!!، وما المبرر الذي لا يزال هذا الحزب يتمسك به لتبرير (إنتهازية) قادته وصنّاع قراره "بحق الشعوب في تقرير مصيرها" إلاّ دندنة نشاز أصبحت لا تطرب المسامع وربما لي وقفة مطوّلة مع هذه الأحزاب (الثورية والإيديولوجية) التي أوصلت العراق والعراقيين الى هذا الوضع المأساوي وجلس قادتها على التل يُنَظّرون من جديد ويصوّبون لإطلاق طلقة الرحمة على ضحيتهم العراق الموحد، فلو كانوا يؤمنون حقاً بحق الشعوب في تقرير مصيرها، فلماذا إذن كانوا ضد شعوب الجمهوريات السوفيتية السابقة الخمسة عشر في سعيها لتقرير مصيرها عندما كانت ترزخ بحق تحت وطأة النظام الشيوعي ـ الإستاليني فيتشاطروا فقط على بلدهم العراق ويشجعوا مكوّن منه على الإنفصال ليكون لهم في جباله الملاذ الآمن لنضالهم (بالرموت كونترول)!!.
فلا يوجد بلد واحد في العالم أحادي الأثنية أوالقومية ليعيش أبنائه بشكل مستقل إدارياً عن بقية شعوب الأرض، فلو شجعنا حق تقرير المصير للمكونات العِرقية والإثنية في دول العالم لوجدنا بعد حين إنّ العالم قد أصبح عبارة عن كانتونات قومية صغيرة تتقاتل فيما بينها الدهر كلّه على بضعة أمتار مربعة على حدودها ولأصبح العالم ساحة حرب مستمرة تجري الدماء في أنهاره بدل المياه، فهل هذا ما يريده المُنَظّرون في الحزب الشيوعي العراقي؟؟؟!!!، وهل هذه هي الأممية التي يناضلون من أجلها لتوحيد الشعوب وليس لتفرقتها؟!!، وأين هي شعاراتهم التي ملأت الدنيا ضجيجاً وذهب مَنْ وقع ضحية الإيمان بها فداءً على لاشئ !! ـ ـ و"يا عمال وكادحوا العالم إتحدوا"؟!!،  فالأولى بهم أن يشجعوا عمال بلدهم العراق من كُرده وعَربه وبقية مكوناته على الإتحاد أولاً، لا أن يطالبوا تشرذمهم بين معسكرين يقتل أحدهما الآخر كما فعل حزبهم بتقسيم نفسه الى كردستاني وعراقي متناسياً أمميته وأقرَّ بتقسيم العراق قبل حدوثه!!، وهل سألوا أنفسهم مرّة واحدة لماذا تطالب الدول العظمى كروسيا وأمريكا من الدول الأخرى السماح لمكوناتها بحق تقرير المصير ولا تسمح به في بلدانها؟؟!!. 
وربما نحن المواطنين العراقيين وأكرر هنا كلمة العراقيين إفتخاراً بالهوية العراقية ومستحقاتها الوطنية لدينا الف سؤال وسؤال محيّر أقلق مضاجعنا ونحن نراقب مسيرة هذا الحزب (النضالية) وتضحياته الجسام التي بحق ننحني إكراماً لمن فدى بنفسه لغاية كان يعتقد بأنها نبيلة!!، لكن الوقائع أثبت عكس ذلك!!!.
الرابط أدناه: الشيوعي العراقي يعلن تأييده للإستفتاء:
http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/1dd60164-021e-4009-892e-61637d6f3774
الرابط أدناه: "الشيوعي العراقي يدعو بغداد وأربيل الى الحوار المباشر":
http://ar.iraqnow.news/TopArticles/35330
ولكي نكون منصفين في (عتابنا)، علينا أن نثني على بيان الإتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة الأمريكية الرديف للأحزاب اليسارية العراقية الذي شخّص سبب الأزمة الحالية مؤشراً بوضوح الى تعنت السيد مسعود البرزاني في إجراء الإستفتاء ومشدداً على الحوار ضمن منظومة الدولة الإتحادية بدستورها الإتحادي، فكان من الواجب على من صاغ بيانات الحزب الشيوعي العراقي في الداخل أن يستعين بالنفس الوطني العراقي النقي لمن صاغ بيان الإتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة.   
الرابط أدناه: "بيان من الإتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة الأمريكية" لطلب التهدئة والحوار:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=857470.0
ولأعرج على بقية الأحزاب التي تدعي (الوطنية) في ملامتي وعتابي كمواطن عراقي غير مسيس ومؤدلج إلاّ بالهوية الوطنية العراقية وأقول على ذمة مَنْ نشر مقتطفات من بيان حزب البعث العربي الإشتراكي/جناح عزت الدوري من أنه برر الإستفتاء بوجود "حيف وظلم" بعد سنة 2003م على المكوّن الكردي في محاولة سياسية مكشوفة المقاصد والأهداف وليعذرني كل من له رأي آخر أو أنه ينتمي أو متعاطف مع تلك الأحزاب، ولا يلومني البعض منهم لا بل من العدل والإنصاف توجيه اللوم على من صاغوا تلك البيانات التي تحابي الطرف "الإنفصالي" لمنفعة شخصية على حساب المصلحة الوطنية العليا ووحدة العراق التي إجتازت خطوطها الحمراء تلك الأحزاب (من المعروف في حالة حزب البعث أن السيد عزت الدوري وجناحه هم في حماية جيش النقشبندية ومتواجدين في مناطقهم الآن)، وقد حاولتُ الحصول على نص البيان لكنني لم أفلح، وإذا صحّ ما ورد فيه فإنني أتسائل: أين هو "الحيف والظلم" الذي يدعيه البيان؟، هل هو بسيطرة حكومة الإقليم بعد 2003م على جميع المناطق المتنازع عليها إضافة لإستقلاليتها في المناطق التقليدية بعد عام 1991م في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك وتوابعها الإدارية من أقضية ونواحي وقرى؟، وتكوين حكومة مستقلة في الإقليم؟، وخلق منصب رئيس إقليم؟، وإنتخاب برلمان خاص للإقليم وتشريع قوانين خاصة بكردستان/العراق؟، وترسيم الحدود الإقليمية التي لا يستطيع المواطن العراقي من خارج الإقليم أن يجتازها إلاّ بتصريح خاص من شرطة إقليم كردستان التي تسمى "الأسايش"؟، ودفع الرسوم عند دخوله اليها حاله حال الأجانب؟، إضافة الى السيطرة على المنافذ الحدودية البرية والأجواء الجوية، وتبوء المناصب السيادية في الحكومة الإتحادية من رئيس الجمهورية العراقية الى الوزراء والسفراء والبرلمانيين والسيطرة على قيادة القوة الجوية العراقية وسابقاً كانت رئاسة الأركان الإتحادية بأيديهم وغيرها من المناصب المهمة، وكذلك السيطرة على تصدير النفط للحقول الشمالية قاطبةً والإحتفاظ بعائداته دون سيطرة ورقابة إتحادية عليها، وتوقيع العقود الثنائية مع الشركات النفطية، حتى إستغربت نائب البرلمان الإتحادي العضو عن حزب الإتحاد الوطني الكردستاني آلاء الطلباني خطوة السيد مسعود البرزاني لإجراء الإستفتاء في الوقت الذي كان الإقليم فيه يتمتع بحقوق ومكتسبات دولة مستقلة!!، وتسائلت ماذا نريد أكثر من ذلك؟؟!!.
وأطرح سؤالي لمن يدعي بأنّ هنالك "حيف وظلم" على الكُرد منذ سنة 2003م ولحد ما قبل الإستفتاء: هل أنّ وضع الكُرد كان بأفضل في حملة "الأنفال" التي سُجّل رسمياً ودولياً عدد الضحايا فيها من الكُرد بما يزيد على المئة وإثنين وثمانين الف مواطن كُردي (حسب تصريح النائب عن كتلة التغيير سروة عبدالواحد في الدقيقة الثامنة والأربعين من المقابلة في برنامج المناورة المرفق رابطه مع هذه المقالة)؟، فليكونوا منصفين من يتكلموا عن الماضي القريب والحاضر ولا يستغبوا الشعب العراقي الذي نال من الأذى على أيديهم ما ناله، حتى لم يسلم منه قيادات كانت مخلصة للوطن من نفس أعضاء حزبهم!!!.
وفي بيان آخر (مؤكد) هذه المرّة نعت حزب البعث إعادة إنتشار القوات الإتحادية وإعادة سيطرتها على كركوك "بالإحتلال"، فهل أن العشائر العربية والمكوّن العربي الذين أيّدوا دخول القوات الإتحادية الى مدينة كركوك وحدودها الإدارية قد أيّدوا "الإحتلال" في نظر من صاغ البيان؟!، وما هو تفسيره في الخروج للآلاف المؤلفة منهم الى الشارع رافعين الأعلام العراقية ومحتفلين بقدوم الجيش؟؟، كذلك ما هو رأيه في تأييد وفرحة المكوّن التركماني وحتى البعض من المكوّن الكردي بدليل نقل السلطة بطريقة سلمية والذي إعتبرها السيد مسعود البرزاني "خيانة" من بعض البيشمركة وقياداتهم المنظوين تحت مظلة حزب الإتحاد الوطني الكردستاني، وقد تجاهل من إنّ الإنسحاب الطوعي للبيشمركة حصل أيضاً في المناطق التي يسيطر عليها عناصر الحزب الديمقراطي الكردستاني في سهل نينوى وسد الموصل ومنطقة "زمّار"!!، فهل كان يريد من صاغ البيان بقاء الوضع على ما هو عليه والموافقة على سلخ كركوك عن العراق!!.
الرابط أدناه: لما ورد على ذمة أحد الإعلاميين في نقده لبيان حزب البعث الخاص بالإستفتاء:
http://www.albadeeliraq.com/node/677
الرابط أدناه: بيان يدين فيه حزب البعث ما أسماه "إحتلال" كركوك:
http://www.dhiqar.net/Art.php?id=51214
كذلك لا يفوتنا من توجيه أصابع الإتهام بالتنصل من الهوية الوطنية العراقية الى البعض من قادة الكتل السياسية المشاركين في العملية السياسية الذين أما تراصفوا مع "الشيطان الأخرس" بسكوتهم وإختفاء أصواتهم المجلجلة في أحداث أقل أهمية، أو تقمصوا دور "الشيطان الناطق بالجور" حين حاولوا إقناع الحكومة الإتحادية بالحوار مع "الإنفصاليين" دون شرط الغاء نتائجه!!، والسبب طبعاً للحفاظ على مصالحهم وملاجئهم داخل الإقليم.
إنّ من يتابع ما يجري على الساحة العراقية من أحداث مهمة ستحدد حتماً المصير السياسي للخارطة العراقية وبِنَفَس وشعور وطني مجرّد من التبعية الحزبية أو الطائفية أياً كان مصدرها سيصل الى نتيجة حتمية من أنه لا يزال هنالك حس وطني عراقي مغروس في صدور الملايين من أبناء الوطن المهمشين الذين لا دخل لهم بالسياسة وألاعيبها ومصالح قادتها الشخصية الضيقة وبضمنهم مواطنينا الكُرد، كذلك سيجد من هم ينتمون لتلك الأحزاب المشجعة للإستفتاء ببياناتها التي صاغتها قياداتهم من أنّ قواعدها الشعبية وأعضائها لا يتوافقون بأغلبهم مع مَنْ يقف ضد وحدة العراق من قادتهم، ومن هؤلاء مَنْ هُم أعضاء نشطاء حتى في الأحزاب الكردية وقادة سياسيين في ساحتها، وأجزم أيضاً من أنّ في صدورهم نفس الحيرة والأسئلة التي طرحتها للتصرّف الغير وطني والغير مسؤول لعرّابي الإستفتاء ومن أيّدهم من القادة السياسيين للأحزاب (الأيديولوجية) والكتل السياسية الأخرى!!.
فالنائب عن الإتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان الإتحادي "آلاء الطلباني" أبدت موافقتها الضمنية على الغاء نتائج الإستفتاء في لقاء لها في برنامج "المناورة" لإيقاف التداعيات والبدء بالحوار مع الحكومة الإتحادية، وتسائلت قائلة: ماذا كان ينقصنا ككُرد ـ ـ كُردستان كانت دولة ـ ـ والسيد مسعود البرزاني كان يُستقبل كرئيس دولة في كل دول العالم ـ ـ في الأليزيه والوايت هاوس (البيت الأبيض) وغيرها من عواصم العالم ـ ـ وعندنا برلمان ـ ـ وعندنا حكومة ـ ـ وكان السيد مسعود يتصرف كرئيس دولة ـ ـ كما كان لدينا في كل دول العالم القنصليات حالها حال السفارات العراقية ـ ـ وكان رؤساء الخارجية للدول (تعني وزراء الخارجية) عندما يزورون العراق أما يذهبون أولاً الى بغداد للتباحث ثمّ الى أربيل أو يأتون الى أربيل أولاً ثمّ الى بغداد ـ ـ وحتى جميع دول العالم التي لها سفارات في بغداد لديها قنصليات في أربيل ـ ـ ولدينا البيشمركة النظامية والتي كانت تحت أمرة مسعود البرزاني والتي هي من المفروض وفق الدستور (الإتحادي) أن تكون جزء من منظومة الدفاع العراقية ـ ـ ولدينا النفط وكان مسعود يصدره دون مسائلة من الحكومة العراقية.
وتسائلت النائب "آلاء الطالباني" ماذا كان ينقصنا حتى "صار اللي صار"!!، فيجب سؤال مسعود البرزاني عن ذلك؟!.
ثمّ أكملت (والحديث لا يزال للنائب آلاء الطالباني) قائلة: طلبنا بعد الإستفتاء مباشرة بالغاء نتائجه والذهاب الى بغداد للحوار قبل أن تتأزم الأمور فأتهمونا "بالخيانة"، ثمّ تسائلت: كيف لمحافظة مثل دهوك التي يبلغ تعداد سكانها مليون ونيّف نسمة أن يصل عدد الناخبين المسجلين لديها رسمياً أكثر من تسعمئة الف ناخب!!، فهل من المعقول أن هذه النسبة العالية جداً تمثل مَنْ لهم حق التصويت فوق سن الثامنة عشر من أبناء المحافظة؟؟؟!!!، في إشارة واضحة للتشكيك بنتائج الإنتخابات ونزاهتها!!، كما رمت باللائمة على حكومة الإقليم من خلال تعمدها في تعقيد الأمور مع الحكومة الإتحادية ومماطلتها لحل المسائل العالقة خاصة في مجال النفط وتسويقه، وحيثُ كانت متواجدة في الإجتماعات الدورية للمسئولين في أربيل لهذا الغرض.     
الرابط أدناه للقاء النائب عن الإتحاد الوطني الكردستاني "الاء الطالباني" في برنامج "المناورة" لمقدمه الإعلامي "غزوان جاسم" والذي يُعرض على قناة دجلة الفضائية، وفيه تؤكد النائب آلاء الطالباني على موافقتها ضمناً على الغاء الإستفتاء لما تسببه من إنتكاس للمكاسب المتحققة للكُرد:
https://www.youtube.com/watch?v=mVkt_cPjzsM
كذلك فعلت الشئ ذاته النائب عن حزب التغيير والممثل له عن مدينة أربيل في البرلمان الإتحادي سروة عبدالواحد، حيثُ ذكرت في مقابلة منفصلة لنفس البرنامج (المناورة) ما يلي: "نهاية الإستفتاء بالنسبة للشعب الكردي كانت نهاية محزنة وكارثية ونكسة ومئات العوائل نزحت من كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها وهنالك عدد كبير من الشهداء والجرحى، وقد كنّا نتوقع أن تحدث هكذا أمور، لذا كنّا نطالب بمقاطعة الإستفتاء وتأجيلهُ"، وكما أكدت بأنّ مجموع من صوّت على الإستفتاء كان فقط (40%) وليس كما يشاع!!.
الرابط أدناه: للقاء رئيس كتلة "التغيير" الكردية في البرلمان الإتحادي النائب "سروة عبدالواحد" في برنامج "المناورة" لمقدمه الإعلامي "غزوان جاسم" والذي يُعرض على قناة دجلة الفضائية، والنائب "سروة عبدالواحد" في نفس الوقت ممثلة حزب التغيير لمدينة أربيل لدى البرلمان الإتحادي، وفي هذا اللقاء تؤكد ضمناً النائب سروة عبدالواحد عدم ممانعة كتلتها في الغاء الإستفتاء ونتائجه والجلوس للحوار الوطني مع الحكومة الإتحادية:
https://www.youtube.com/watch?v=W0sBrXVzSyU
إذن هنالك تشكيك من قِبل بعض القادة السياسيين الكُرد قبل غيرهم بنتائج الإستفتاء ونسبة المشاركين فيه ورفضهم لنتائجه، إضافة الى إفتقاره للمراقبة الدولية المستقلة والمراقبة المحليّة من الجانب الإتحادي للإقرار بنزاهته، وقبل هذا وذاك عدم إعطاءه المباركة والشرعية الدولية بوقوف كافة دول العالم من الولايات المتحدة الأمريكية الى بريطانيا الى الإتحاد الأوربي الذي تنظوي تحت مظلته ثمانية وعشرين دولة مهمة بتأثيرها الدولي الى الدول الإقليمية المحيطة (إيران وتركيا) الى الدول العربية وفي المقدمة منها (مصر والسعودية) الى المنظمات الدولية والعربية (الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية)، والأهم من كل ذلك فقدانه للشرعية من المكونات العراقية المشاركة للكُرد في الوطن العراقي الموحد وبرلمانه ومحكمته الإتحادية. 
لقد أصبح واضحاً من أنّ الغاء نتائج الإستفتاء مطلب جماهيري من زاخو الى الفاو لتجاوز الأزمة الخطيرة التي سببها، والجلوس بعده في حوار وطني يُستبعَدْ فيه "الإنتهازيون" وأصحاب المصالح الشخصية ومَنْ تسببوا بهذه الآزمة الخطيرة، فهل سيتمكن رئيس الوزراء من تصحيح المسار والعودة بالسفينة الى بر الأمان بعيداً عن عواصف التقسيم والإنفصال.   
إنتباهة:
(*) ربما سيقول قائل من أن قرار الإستفتاء لم يكن فجائياً وقد أعلن عنه السيد مسعود البرزاني قبل شهور عديدة وحدد موعده في الخامس والعشرين من أيلول المنصرم!!، أقول نعم هذا صحيح لكن تسعة وتسعين بالمئة من العراقيين بجميع مكوناتهم وحتى الكُرد منهم وكذلك كل الدول الإقليمية والعالم بقادتهم السياسيين كانوا يتوقعون بأنها مناورة سياسية سيتم الإعلان عن الغائها في لحظاتها الأخيرة!!!.

     

24
ما أشبه اليوم بالبارحة ما بين عناد الرئيس مسعود وعناد الرئيس صدام
بقلم: سالم إيليا
التاريخ يكرر نفسه والحكم الفردي يتكرر بمآسيه سواء على مجمل الساحة العراقية أو في جزء منها وكأن العراق إبتلى به وَوصِمت أرضه بنظامه!!.
فقد كانت مفرزات الأحداث السلبية جرّاء عناد الرئيسين صدام حسين ومسعود البرزاني من حيث وقوف كل دول العالم في حالة الرئيس الأسبق صدام حسين ضد قرار دخوله الى الكويت المفاجئ ورفضه الإنسحاب وعناد رئيس إقليم كردستان/العراق المنتهية ولايته مسعود البرزاني وإصراره على إجراء الإستفتاء والمضي قدماً في تنفيذه على الرغم من الممانعة الدولية المطلقة له!!، وعليه دأبت الدول الراعية للسياسات الدولية وتوازناتها الى المراقبة الدقيقة لحالات الإنتصار والنشوة للشعب العراقي ككل أو لمكون من مكوناته المجتمعية والحرص على عدم بلوغها الحد الذي لا يمكن السيطرة على نتائجها!!، فعمدت تلك الدول الى سياسة تحطيم الشعور بالزهو والإنتصار للعراقيين ككل لخوفهم من تطور هذا الشعور بالنشوة للسيطرة على المحيط الإقليمي وحيث سيصبح العراق ككل أو جزء منه كالمكون (الكردي) في الحالة الراهنة ذو تأثير إقليمي و(مارد) لا يمكن السيطرة عليه فيما لو إستمر بالإنفلات في القرارات السياسية وهذا ما لا ترغب به الدول العظمى والإقليمية.
فبعد خروج العراق (منتصراً) في حربه مع إيران وبمساعدة معظم الدول الكبرى من خلال إمداده بالأسلحة والمعلومات الإستخباراتية وبما لم يعد خافياً على أحد، ونكران الرئيس الأسبق صدام حسين لهذا الدور في أكثر من تصريح ومناسبة، وتكرار نفس السيناريو مع رئيس إقليم كردستان/العراق مسعود البرزاني الذي تناسى من أنّ بقاء نظامه مرهون برفع الحماية الدولية عنه وليس لقوته وقوة عناصره المسلحة فبدأ (يغرّد) خارج السرب ويتخذ قرارات مهمة تغير من واقع ما هو مرسوم للمنطقة بتوقيتات وموازنات محسوبة بدقة!!، فقررت تلك الدول إعطاءه نفس الدرس الذي أعطته للرئيس الأسبق صدام حسين!!، كذلك وقوع "البرزاني" في نفس الخطأ للرئيس العراقي الأسبق في إتخاذ القرار الأهم في الزمن والتوقيت الخطأ عندما دخل صدام الى الكويت في زمن غابت فيه تعددية الأقطاب الدولية وإنفردت حينها الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد في إتخاذ القرار الدولي بسيطرتها حتى على المنظمة الدولية (الأمم المتحدة)، وفي حالة مسعود البرزاني وقوفه ضد الحكومة الإتحادية برئاسة حيدر العبادي وإتخاذ قرار الإستفتاء في الوقت الذي دأبت فيه جميع دول العالم الى مساندة العراق ورئيس وزرائه للقضاء على الإرهاب المتمثل بداعش وإبعاد شبح عناصره وشرّهم عن دولهم.
بالإضافة الى ذلك عدم إدراك قائد "الجناح العسكري" للحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود البرزاني لتبعات تعنته واعطائه الإذن الصمّاء وتجاهله للنداءات المتكررة للدول العظمى وحلفاء مكونه بتأجيل أو الغاء الإستفتاء وجهله تماماً لما قد يترتب على هذا التعنت من تداعيات تعود به وبالمنجزات التي حققها نضال مكونه على مدار عقود من الزمن الى حالة الصفر يُذكرنا بما مرّ به العراق من مراحل لا تختلف كثيراً عمّا يحدث الآن، وحيثُ سَبقهُ (حليفه) الرئيس الأسبق صدام حسين بقراراته الفردية الغير مدروسة عندما سلك نفس السلوك في تَجاهُلَه للمكاسب التي سيجنيها فيما لو إنصاع حينها الى لغة العقل وحذاقة إتخاذ القرار السياسي الصحيح في لحظته الصحيحة وتجاوبه مع نداءات الدول العظمى بالإنسحاب من الكويت مع منحه الكثير من الإمتيازات ولعادت عليه وعلى شعب العراق بالفائدة ولجنّب نفسه المصير الذي وصل اليه وجنّب شعبه المآسي والويلات!!، فهل سيكون مصير الرئيس مسعود كمصير حليفه عندما رفض أيضاً كل تلك المغريات في زيادة المكاسب التي تلمّسها بيديه منذ ما يقارب عقدين ونصف من الزمن فأدار وجهه عن كل الموفدين اليه من كافة المنظمات الإقليمية والدولية ومبعوثي الدول الكبرى؟!!!.
وحالي كحال الكثير من المراقبين والمتابعين للشأن العراقي الوطني الخالي من التبعيات الحزبية أو الطائفية، فلقد ذكرتُ في مقالة سابقة كنتُ قد نشرتها قبل إجراء الإستفتاء بأكثر من شهر السيناريو الذي سيحصل (وقد حصل فعلاً) فيما لو تعنت قائد "الجناح العسكري" للحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني في إجراءه للإستفتاء وذكرتُ ضمن ما ذكرتهُ فيها ما يلي وبالحرف الواحد:
" فلحد الآن هنالك صراع سياسي داخلي بين القادة الكُرد والذي سيتحول بكل تأكيد الى صراع مسلح دموي حال إعلان الإنفصال للسيطرة على المناطق المتنازع عليها بين الأحزاب الكردية، خاصة وإن قادة تلك الأحزاب يحكمون عائلياً وعشائرياً ويرفضون مبدأ المشاركة القيادية الجماهيرية من خارج العشيرة أو العائلة!!، وإن حدث وكان هنالك سلام ظاهري بين الأحزاب الكردية، فبكل تأكيد سيكون هنالك توتر وحروب بينهم وبين حكومة المركز في العراق على المناطق المتنازع عليها، خاصة وإنّ بعضها مثل كركوك والموصل لا مجال نهائياً للتخلي عنهما من قِبَل أي حكومة مركزية حتى لو كلّف هذا الأمر تجييش الجيوش!!!، وحيثُ أنّ حكومة المركز في العراق لديها أيضاً من يؤيدها من الدول الكبرى بحكم المصالح المتبادلة، وأعتقد قد عَلِمَ الجميع الآن مدى قوة الجيش الحكومي والميليشيات الشعبية التي إنضمّت اليه في مقاتلة داعش والقضاء على معظم مقاتليه الذين لم يكن من السهل الإنتصار عليهم قبل سنتين!!".
ثمّ أردفتُ قائلاً في نفس المقالة: " وتذكروا هذه الكلمات والجُمَل فيما لو صوّتم لا قدر الله على الإنفصال، فسيأتي اليوم الذي سيجعلكم تعضّون أصابع الندم، وهذه الكلمات ليست إنشائية ولغوية لتخويفكم، فالعراقيون يعلمون مدى شجاعتكم وإنّ الخوف بمنأى عنكم، لكن هذه لغة المنطق وفق سياقات التحالفات والسياسات الدولية وبديهيات دهاليز السياسة!!".
وختمتُ توجّساتي بقولي: "وسيكون تطبيق الحصار الإقتصادي على الإقليم من أبسط خيارات الحكومة الإتحادية والدول الإقليمية المجاورة"، إنتهى الإقتباس من المقالة السابقة

فحصل ما كان متوقعاً حتى قبل إعلان الإنفصال وبعد أيام فقط من إنتهاء الإستفتاء الذي رَفَضَتْ الحكومة الإتحادية والمحكمة الإتحادية وجميع دول العالم إعطائه الشرعية.
الرابط أدناه: "برلمان إقليم كردستان/العراق يؤجل إنتخاباته المقررة في الأول من تشرين الثاني القادم ثمانية أشهر أخرى بسبب إنهيار التحالفات الكردية الداخلية وعدم توافقها:
https://kitabat.com/news/%d8%a8%d8%b1%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d9%8a%d8%a4%d8%ac%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d8%a7/
إنّ أهم أخطاء "الحركة الكردية" هو عدم وضوح الرؤيا لأهدافها وتغيّرها حسب بارومتر متطلبات المرحلة وطبيعة علاقاتها بحلفائها مما أفقدها جوهر قضيتها القومية، ومن ناحية أخرى سيطرة قادة الجناح العسكري للحركة على القرار السياسي والغاءهم لدور جناحهم السياسي الذي كان من المفروض أن يكون مستقلاً بإرادته السياسية وأهدافه أفقدهم ديناميكية العمل السياسي ومتطلباته، وبدل أن يكون جناحهم العسكري بقادته تحت أمرة الجناح السياسي ظهر العكس من ذلك!!!!!، كذلك صبغ حركتهم بصبغة عائلية أو عشائرية بأحسن الأحوال أفقدها لشموليتها القومية حتى عُرَّفت لزمنٍ طويل بـ "حركة البرزاني" تيمناً بقائدها مصطفى البرزاني لغاية إنشقاق جلال الطلباني في أواسط السبعينات من القرن المنصرم عن الحزب الديمقراطي الكردستاني وتكوينه لحزب الإتحاد الوطني الكردستاني فبات يطلق عليها بشكلٍ عامٍ "بالحركة الكردية أو التمرد الكردي المسلّح"، لكن بقيت النزعة العائلية بقراراتها الفردية في كلي الحزبين هي المسيطرة على كل صغيرة وكبيرة والتي غلبت عليها المصالح الشخصية والعائلية الضيقة!!، إضافة الى تعدد الأحزاب الكردية وإنشقاقاتها فيما بعد ولحد هذه اللحظة التي ينبثق فيها كل سنة تقريباً حزب كردي أو تجمع جديد!!، كما أنّ سيطرة المنافع والمكاسب المادية لقادة الحزبين الرئيسيين وصراعاتهم الدموية عليها أفقد الحركة لمصداقيتها القومية النبيلة وأضعفها وفتح الباب للدول الإقليمية والعظمى وحتى الحكومات المركزية العراقية المتعاقبة للتعامل معهم على هذا الأساس وليس على أساس الهدف القومي النبيل الذي يحاولون تسويقه كمبرر لإنتفاضتهم المسلحة، وخير دليل على ذلك إتهام "الإنفصاليين" الآن لبعض قادة "البيشمركة" بالتواطؤ مع الحكومة الإتحادية وتسليم كركوك وبقية المناطق دون قتال!!.
الرابط أدناه: الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني تاريخ من التحالفات والخلافات:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/32366-2017-10-18-19-47-17.html
إنّ أهم مكتسبات الحكومة الإتحادية العراقية المتحققة نتيجة عناد رئيس الإقليم المنتهية ولايته في إصراره على إجراء الإستفتاء ليس فقط في إعادة الإنتشار في المناطق "المتنازع" عليها والسيطرة على ثرواتها من جديد وعودة الحال الى قبيل عام 2003م أو ما أطلق عليه "بالخط الأزرق" وإصرار حكومة بغداد في السيطرة على المنافذ الحدودية الواقعة على حدود الإقليم مع بلدان الجوار برمتها وإعادة فرض السيادة الإتحادية على معظم المدن والأقضية والنواحي والقرى ذات التركيبة السكانية المختلطة تطبيقاً لِما نصّ عليه الدستور الإتحادي الذي إشتركت في صياغته الأحزاب الكردية بشكلٍ رئيسي وصوّت عليه المكوّن الكردي بنسبة تجاوزت الـ 95% حسب ما تمّ الإعلان عنه حينها، لكن الأهم من كل ذلك فقدان ثقة الدول العظمى والإقليمية الحليفة (سابقاً) للقادة الكرد بإمكانية العودة للتعامل معهم بنفس الروحية خاصة بعد ظهور الوضع الهش لتحالف الأحزاب والقوى الكردية المتباينة مع بعضها البعض ووضوح عمق الخلافات فيما بينها، حيثُ فضل البعض منها بجناحها العسكري الواسع التعاون مع الحكومة الإتحادية وتسليم الأرض في سويعات قليلة دون قتال نكاية بالطرف الآخر متجاوزة الثوابت والأهداف القومية التي طالما عملت الحركة عقود طويلة في العزف على اوتارها في محاولة منها لإقناع المجتمع الدولي بمظلومية مكونهم وأحقيته في تكوين دولته القومية المستقلة.
الرابط أدناه: يبين مقدار الضرر الذي أصاب المكتسبات التي تحققت للكرد بالإصرار على إجراء الإستفتاء ومطالبة المكونات الغير كردية للحكومة الإتحادية في كركوك وبقية المناطق "المتنازع عليها" بالعودة الى ما أطلق عليه "الخط الأزرق" قبل الإحتلال الأمريكي في عام 2003م.
http://kitabat.com/news/%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a7-%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%b1-%d8%a8%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%88%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%83%d8%b1%d9%83%d9%88%d9%83-%d8%aa/
الرابط أدناه: تقدم القوّات الإتحادية لفرض سيطرتها على محور شيخان وفيشخابور بمعبره الحدودي مع تركيا:
https://kitabat.com/news/%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%aa%d9%82%d8%af%d9%85-%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%b9-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a8/
علاوة على ذلك فأنّ المجتمع الدولي الآن ينظر بعين الإرتياح الى ما تحققه القوات العراقية بكل صنوفها والحشود الشعبية المتجحفلة معها بكل مسمياتها من إنتصارات على تنظيم "داعش" الإرهابي الذي نال من أذيته وإجرامه المجتمع الدولي الكثير والذي تسبب في هجماته بإيقاع مئات الضحايا في الدول الأوربية، وحيثُ إرتفع رصيد رئيس الوزراء حيدر العبادي وثقة رؤساء دول العالم بنهجه وخططه وتأكيدهم بمكالماتهم الهاتفية على مساندته، لكن في المقابل خسر رئيس إقليم كردستان/العراق مسعود البرزاني تلك الثقة الدولية وبانت عزلته الدولية بإصراره وتعنته على إجراء الإستفتاء الذي ولد ميتاُ كما ذكرتُ في مقالتي السابقة قبيل الإستفتاء، والأكثر من ذلك حالة الإنكسار والصدمة للمكوّن الكردي بمجمله سواء المؤيد أو الرافض للإستفتاء بكل شرائحه من القاعدة وصولاً الى القمة، تماماً كما حدث للشعب العراقي ككل بعد (نكسة) حرب الخليج عام 1991م والتي أجْهَضَت نتائجها المدمرة والكارثية حالة الزهو والفخر بالإنتصار الذي كان يتمتع به الشعب العراقي بعد حرب الثمانية سنوات المريرة مع إيران، ورجائي ألاّ يخرج لي أحدهم ليتكلم بالشعارات الرنّانة ويقول إن "الشعوب لها حق تقرير المصير" و "إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر" وما الى ذلك من (المورفين) الذي أهلكنا وجعلنا نسير بعيون مغمضة خلف قادة همهم الأول والأخير الزعامة والمنافع الشخصية وشعارهم الأبدي "سيروا أيها الشعوب المغفلة الى أتون الموت والدمار ونحن ورائكم ننظر اليكم متى ما ضعفتم وإنتكست أعلامكم نطلق أرجلنا مع الريح ونذهب لنمارس النضال من المنتجعات في البلدان المضيفة!!، وعندما يبدأ الشوط التالي سنكون ورائكم أيضاً لتصديع رؤوسكم بالشعارات والخطابات الثورية والقومية".
ففي قناعتي مَنْ يُحب شعبه ووطنه عليه رفع صوته وتشخيص أخطاء قادة الحكم الفردي فيه الذين أوصلوا شعوبهم ومكوناتهم الى الهاوية.
الرابط أدناه: "دول أسسها الأكراد لم يُكتب لها النجاح":
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/32421-2017-10-23-19-14-34.html
والرابط أدناه: "حركة التغيير تطالب رئيس الإقليم ونائبه بالإستقالة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني":
https://kitabat.com/news/%d8%ad%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d9%8a%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8-%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d8%b2%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%88%d9%86/
فهل الإصرار على "إجهاض" روحية الإنتصار والزهو عند الشعب العراقي بكل مكوناته جاء صدفة أم إنه ضمن المخطط الموضوع لعدم تمكين هذا الشعب من النهوض بغض النظر عن التقسيمات الجغرافية وديموغرافيتها؟؟!!، والشئ الواضح والذي ربما حيّر القيادات الكردية هو غياب الصوت المؤيد الإسرائيلي الرسمي ما بعد الإستفتاء عكس ما كان قبله وهذا شئ طبيعي لدولة مؤسسات مثل إسرائيل، فهي كما ذكرت سابقاً ويعلم الجميع تبحث عن مصالحها التي رأت في البعض من القادة الكُرد المتحالفة معهم (الحليف الضعيف) الذي لا يمكن الإعتماد عليه عندما بانت لها الحقائق على الأرض من ضعف وإنهيار المنظومة العسكرية الكردية في سويعات وهشاشة جبهتها الداخلية وعدم إنصياع "البيشمركة" لأوامر رئيس الإقليم بالقتال وعُمْق الصراعات الحزبية والفئوية فيما بينها، وهي (أعني إسرائيل) بكل تأكيد تحتاج الى وقت قصير لتقييم الموقف والمبادرة من جديد حسب المعطيات على الأرض، خاصة وإنها تتطلع الى أن يكون لها موطئ قدم متقدم خلف حدود بعض الدول الإقليمية ذات الأنظمة الدينية التي بدأت بخلق المشاكل لها بجعجعات وتصريحات قادتها السياسيين وبمداعبة الشعور الديني لشعوبها لإهداف سياسية داخلية على أغلب الظن، أو لربما كان الموقف الإسرائيلي السلبي في نظر الكُرد بعد الإستفتاء كجزء من المخطط للإيقاع بمسعود البرزاني والخلاص من تسلطه الفردي على مكونه، وحيثُ يرى أصحاب القرار الإسرائيلي في البعض من المناوئين لسياسة رئيس الإقليم بأفضل منه في تبؤء القيادة لتستطيع التحالف معهم على المدى الطويل ولتحقيق هدفها (الغير معلن) في حال سقوط البرزاني وخروجه من موقع القرار السياسي.
وحيثُ بَدأتْ في الأيام الأخيرة تتوارد الأنباء عن نيّة رسمية إسرائيلية للتحرك الدبلوماسي الدولي بشكلٍ مباشر أو بواسطة اللوبي الدولي المؤيد لها لدعم "الإنفصاليين" في إقليم كردستان/العراق ومحاولة تغيير الموقف الدولي الحالي الرافض لإستفتاء الإقليم الى موقف أقل حدّة ووضوحاً في الرفض الدولي المُعلن لما أقدم عليه رئيس الإقليم مسعود البرزاني ومحاولة رأب الصدع بينه وبين قادة دول العالم المؤثرة، وعليه فعلى الحكومة العراقية إذا ما كانت جادة فعلاً بتحقيق أهدافها في وأد فكرة الإنفصال والى الأبد أن تأخذ هذا المسعى الدبلوماسي الإسرائيلي على محمل الجد لما هو معروف عنهم من أنهم قادرون بكل تأكيد الى الوصول لنتائج مهمة ربما ستغير الكثير من المواقف الدولية الحالية الإيجابية مع الحكومة الإتحادية العراقية، كما على الحكومة الإتحادية واجب المسئولية في إيجاد السُبل (لتحييد) الموقف الإسرائيلي الرسمي وحرق الورقة الوحيدة التي يلعب عليها "الإنفصاليون" بدعم إسرائيل لهم!!، وحيثُ أتمنى أن لا يذهب البعض في تفكيرهم الى أنني أنادي الى "تطبيع" العلاقات مع إسرائيل بالقدر الذي أبين فيه بوضوح وبدون رتوش من أن معاداة إسرائيل بالطريقة التقليدية المعروفة وإنفراد العراق بها من بين كل الدول العربية قاطبة لا تستحق التضحية بالعراق وتقسيمه، خاصة وإنّ هذا الموقف الرسمي العراقي المعادي لإسرائيل ليس له أي تأثير فعّال حالياً، ولا يتجاوز في أحسن الظروف أبعد من التأثير المعنوي/الرمزي تحت حكم المتغيرات الحالية الدولية والإقليمية والعربية وبوجود معاهدات السلام العربية ـ الإسرائيلية خاصة مع دول المواجهة فليس هنالك أي جبهة مباشرة مفتوحة لتحرير الأرض!!، ولم يغير هذا العداء من واقع الصراع أي شئ وعندها سنتمنى لو فكرّنا بحكمة وبطريقة أكثر ديناميكية ومرونة للحفاظ على وحدة العراق وتجنب شرور أعدائه وهذا هو جوهر السياسة في "فنّها الممكن" وهذا هو ظرفها الصحيح الذي يجب أن تُطبّق فيه أُسسها، فلا توجد دولة عربية واحدة حتى أصحاب الشأن الفلسطينيون وبكل أجنحتهم لم يفتحوا قنوات (التفاهم) الدبلوماسي مع إسرائيل ويحاولوا حتى كسب ودّها (الإتفاق المبرم أخيراً بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية المتفاوضة مع أسرائيل يضع  حماس في موضع القبول الضمني بالتفاوض مع إسرائيل)!!!، فمصر الشقيقة الكبرى ترفع العلم الإسرائيلي في القاهرة منذ ما يزيد على (38) عاماً وعمان/الأردن ترفعه منذ ما يزيد على (22) عاماً وسوريا ستتصالح اليوم قبل الغد مع إسرائيل لو أعادوا لها الجولان!!، وجميع الدول العربية ذات التأثير الإقليمي لها قنوات إتصال دبلوماسية وإقتصادية مع إسرائيل من الدول الخليجية والمشرق العربي الى دول المغرب العربي، إلاّ رأس الحربة العراق الذي يتصرف قادته دون مرونة سياسية تبعد شبح التقسيم لا بل ضياع العراق ككل متجاهلين خطورة الموقف الذي تتسارع وتيرته نحو هاوية خسارة العراق الموحد، وحيثُ تظهر في ذات الوقت وبوضوح بوادر الإنفتاح الدولي على العراق والرغبة الشديدة في مساعدته للخروج من عنق الزجاجة الذي هو فيها منذ عقود طويلة حتى ما قبل الإحتلال الأمريكي له في عام 2003م، أفلا يستحق شعب العراق تنفس الصعداء بعد مرحلة المآسي وطريق الآلام الذي سلكه لعقود طويلة؟! ـ ـ ألا تستحق نسائه نزع ملابس الحداد السوداء أم إنها أصبحت ماركة مسجلة بإسمهن؟! ـ ـ آلا يستحق أطفاله إنتظار آبائهم على عتبة الدار في نهاية كل يوم عمل بدل من زيارة قبورهم وذرف الدموع على فقدانهم؟!، أكرر إن هذا الطرح ليس دعوة مفتوحة للحكومة العراقية للمصالحة مع إسرائيل بقدر ما هي دعوة لتجنب تقسيم لا بل ضياع العراق، فالعراق الموحد قدسنا ومحرابنا الذي نحجُّ اليه، فعليكم واجب حمايته بـ (التفاهم) حتى مع الشيطان إذا تطلب الأمر!!، وحيثُ أن الفرصة المواتية الآن لتغيير بوصلة السياسة الدولية المعادية للعراق التي أنتجتها السياسات الخاطئة السابقة الى أخرى إيجابية تخرج العراق من بحور الدم التي هو فيها والتي قد لا تتكرر مرة أخرى، فعلى المعنيين بالقرار السياسي في العراق إستغلالها ومنع أي ثغرة لإجهاضها!!.
الرابط أدناه: نتنياهو يحشد زعماء العالم لنصرة البرزاني:
http://kitabat.com/news/%d9%86%d8%aa%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%87%d9%88-%d9%8a%d8%ad%d8%b4%d8%af-%d8%b2%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d9%84%d9%86%d8%b5%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d8%b2/
وقد بدأت نتائج هذا التحرك الرسمي الإسرائيلي بالظهور السريع بعد طلب واشنطن من الحكومة الإتحادية للحد من تحركاتها في المناطق المتنازع عليها وزيارة وزير خارجية أمريكا للعراق ولقاءاته بأطراف المعادلة السياسية العراقية!!، وإتهام منظمة "رايتس ووتش" للحكومة الإتحادية العراقية بالسكوت على الإعتداءات التي حدثت على ممتلكات الأهالي والمدنيين الكُرد في كركوك من قبل جهة معينة، وإذا صحّ هذا الخبر فعلى الحكومة المركزية واجب تقديم من قاموا بهذه الإعمال الإنتقامية الغير مسؤولة والغير مبررة الى المحاكم لينالوا عقابهم وتعويض المتضررين من أهلنا الكُرد لإثبات صحة إدعاءاتها من إنها لا تفرق بين المكونات، والرابط أدناه لتصريح "رايتس ووتش":
http://kitabat.com/news/%d8%af%d8%b9%d8%aa-%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%83%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%b1%d8%aa%d9%83%d8%a8%d9%8a%d9%87%d8%a7-%d8%b1%d8%a7%d9%8a%d8%aa%d8%b3-%d9%88%d9%88%d8%aa%d8%b4-%d8%aa%d8%aa%d9%87%d9%85/       
الرابط أدناه: برنامج "الإتجاه المعاكس" الحلم الكردي أفشلته التناحرات الداخلية أم الإتفاقات الخارجية:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/32358-2017-10-18-09-36-51.html
                       
و"ما طارَ طيرٌ وإرتفع إلاّ كما طار وقع"، و"إنّ الزرازيرَ لّما قامَ قائُمها ـ ـ تَوَهّمَتْ أنّها صارَتْ شَواهينا":
 وهذان المثلان ينطبقان تماماً على حال الدكتاتوريات وأصحابها في العالم، فقد ولى زمن الحُكم الفردي المتسلط وزمن الحُكم العائلي والعشائري الذي كان منتعشاً أبان العقود الماضية والذي ظهر جلياً مع ظهور الحرب الباردة بين القطبين الرئيسيين وتشجيعهما لتلك الإنظمة بغية منع سيطرة أفكار كل قطب وتوسعه على حساب القطب الآخر دولياً وإقليمياً وحيثُ إنتفت الحاجة اليه الآن.
الرابط أدناه: "مفاوضات كتلة الإتحاد الإسلامي في برلمان إقليم كردستان حول إمكانية الغاء منصب رئيس الإقليم ونائبه وتوزيع صلاحياتهما بين حكومة الإقليم والبرلمان أو إستقالة البرزاني":
https://kitabat.com/news/%d9%85%d9%81%d8%a7%d9%88%d8%b6%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d9%84%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a7%d8%a1-%d9%85%d9%86%d8%b5%d8%a8-%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3-%d8%a3%d9%84/
وإذ يدعي "الإنفصاليون" ضمن التبريرات الإعلامية لإخفاقاتهم الميدانية العسكرية تورط إيران وتركيا ومساعدتهما للقوات الإتحادية العراقية بإعادة الإنتشار والسيطرة مرة أخرى على الأراضي "المتنازع" عليها في كركوك وما جاورها ومناطق سهل نينوى وديالى وواسط وصلاح الدين، وقد تناسوا من أنّ حركتهم المسلحة وأحزابهم ما كان لها وجود لولا دعم هاتان الدولتان وبإختلاف فترات ومراحل أنظمتهما السياسية وعلى مدار الصراع المسلّح بين "الإنفصاليين" الكُرد من جهة والحكومات العراقية المتعاقبة من جهةٍ أخرى (إيران الشاه ومن بعده الخميني ونظام دولته الإسلامية / وتركيا العلمانية ومن بعدها نظام أردوغان الديني والى وقت ما قبل الإستفتاء)، وهذا ما يصرّح به دائماً قادة الكُرد ومنهم العضو السابق في الحزب الديمقراطي الكردستاني السياسي المخضرم محمود عثمان الذي ذكر في برنامج "خطى" على قناة العراقية تاريخ ومراحل المساعدات الإيرانية للحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل مفصّل!!، وليذكر لي أحدهم متى إستطاعت أحزابهم الكردية الوقوف ضد السلطة الإتحادية/المركزية وإعلان العصيان المسلح عليها دون دعم هاتين الدولتين لهما بشكل منفرد أو متحد؟، ومتى إستطاعت تلك المجاميع المسلحة الصمود أمام الآلة العسكرية الضخمة للدولة العراقية دون وجود دعم لوجستي كبير من هاتين الدولتين وحلفائهما الغربيين الذين كانوا وما زالوا لهم أجنداتهم لزعزعة إستقرار العراق والإستمرار في إضعافه وإستمرار مسلسل الضحايا من جرّاء أعمال العنف؟، فبمجرد إتفاق الحكومة المركزية العراقية مع تلك الدول الإقليمية أو العظمى ينهار العصيان المسلح بأيام ويخرج عشرات الآلاف من المسلحين من بين ثنايا الجبال رافعين أسلحتهم للإستسلام للقوات الحكومية ليلاقوا مصيرهم أما بالعفو المشروط بالمراقبة المستمرة لهم من قِبَل الأجهزة الأمنية المركزية طوال تواجدهم داخل مجتمعاتهم التقليدية أو بنفي بعض المتنفذين منهم الى جنوب العراق مع الإقامة الجبرية أو طلب اللجوء الى الدول الأوربية، أما قادتهم الرئيسين فيحزمون حقائبهم المملوءة بملايين الدولارات ويذهبوا في إستضافة إحدى الدول الإقليمية أو العظمى الراعية لهم معززين مكرمين بإنتظار أوامر أخرى تأتيهم من تلك الدول عند تعثر إتفاقياتها مع الحكومة المركزية للدولة العراقية فيتم إستدعائهم مرة أخرى للملمة فلولهم ومداعبة الحس القومي للمكوّن الكردي المغلوب على أمره و"تعود حليمة الى عادتها القديمة"!!.
الرابط أدناه: عن إتهام الحرس الثوري الإيراني والمخابرات التركية بمساعدة القوات الحكومية العراقية في إعادة الإنتشار في كركوك:
http://kitabat.com/news/%d8%a3%d8%aa%d9%87%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a9/
الرابط أدناه: "كيف إستخدمت الدول الغربية الأكراد كورقة":
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/32340-2017-10-17-09-11-48.html
وربما آن الأوان لتبديل الوجه القومي المتزمت الذي لم يعد مجدياً ومتماشياً مع السياسات الدولية والعودة الى حاضنة المجتمع العراقي بوجوه سياسية معتدلة أثبتت كفائتها وقدرتها وإحترام كافة الدول المعنية بالشأن العراقي لها من أمثال السياسي المخضرم محمود عثمان والدكتور برهم صالح والنائبة آلاء الطلباني الذين يحملون في صدورهم نفسهم القومي الذي نحترمه جميعنا والمبني على أساس التعايش الإنساني والوطني مع بقية مكونات الشعب العراقي، فليس من الصحيح إستمرار الجناح العسكري لحركتهم المتمثل بقادة الحزبين التقليديين (الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني) بسيطرتهم على جناحها السياسي أيضاً على الرغم من أنّ الراحل "مام جلال" كان بارعاً في قيادة الجناحين وهذه حالة نادرة لا تنطبق على مسعود البرزاني الذي لم يستطع أن يكون "رجل دولة" ولم يرغب في تبديل اللون "الخاكي" حتى وهو يرتدي الملابس الكردية التقليدية تماماً كما كان الرئيس الأسبق صدام حسين مغرماً بالبدلة العسكرية حتى خارج فتراتها التقليدية.
إن إحدى مسببات سقوط بعض القادة الكُرد في فخ الزهو بالإنتصارات والمكاسب المتحققة جاء نتيجة لضعف إدارة الدولة العراقية وليس لقدراتهم وقوتهم العسكرية وقد حدث الجزء الأكبر منه في زمن أسوء رئيس للوزراء في العراق على مدار مراحل الدولة العراقية الحديثة نوري كامل المالكي ـ ـ أقول إنّ إحدى مسببات السقوط في فخ الزهو هو إحاطة مسعود البرزاني نفسه بالمستشارين العسكريين والسياسيين والإعلاميين المطبلين والمنتفعين الذين صوروا له إمكانية الذهاب الى أبعد مما تحقق من أحلامه دون الأخذ بنظر الإعتبار التوازنات السياسية الدولية والأوضاع الإقليمية والتحالفات المتغيرة حسب ما تقتضيه المصالح المشتركة تماماً كما سقط في نفس الفخ من قبله الرئيس الأسبق صدام حسين، وهذا واضح من خلال خسارة مسعود البرزاني لتحالفاته مع الدول العظمى المؤثرة على الساحة العراقية بالإضافة الى الدولتين الإقليميتين المهمتين لإقليم كردستان/العراق إيران وتركيا، بالإضافة الى خسارته للمملكة العربية السعودية كحليف عربي مهم للكرد وتوحد روءى جميع دول العالم ضد الإستفتاء وتراصفهم مع الحكومة الإتحادية العراقية برئاسة حيدر العبادي على الرغم من تباين سياساتهم الأخرى لا بل تضاددها فأصبح "أعداء الأمس أصدقاء اليوم"، وبهذا قد مَنحَ البرزاني الفرصة الذهبية لحيدر العبادي بإعادة ترتيب وتقوية وضعه الدولي والإقليمي، وكذلك تقوية وضعه الداخلي برص الصفوف للكتل السياسية المتابينة مذهبياً ودينياً وعرقياً ووقوفها جميعها معه في رفض الإستفتاء على تقسيم العراق، إضافة الى مناصرته من قِبل البرلمان الإتحادي بأغلب أعضائه حتى من هم ممثلين للكُرد وحيثُ مَنَحَهُ الصلاحيات المطلقة لوأد الإستفتاء حتى بالعمل العسكري إن تطلب الأمر!!، والخاسر الوحيد في هذا المشهد كان مسعود البرزاني وقادة الإنفصال!!.
الرابط أدناه: المانيا توقف مساعداتها وتدريبها للبيشمركة:
http://kitabat.com/news/%d8%a8%d8%b3%d8%a8%d8%a8-%d8%a3%d8%ac%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%aa%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d8%aa%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%aa%d8%af%d8%b1/
وربما من المفيد في هذا الصدد سؤال الحكومة الإتحادية عن سبب تغيير شروطها وموقفها المتشدد بالغاء نتائج الإستفتاء من أفواه مَنْ دعوا اليه كشرط لا يمكن التنازل عنه للبدء بالحوار بين المركز والإقليم؟!، فهل كان هذا الشرط مجرد ورقة ضغط على "الإنفصاليين" ليتعنتوا أكثر ويكون سبباً معقولاً ومبرراً لأصحاب القرار في الحكومة المركزية لإعادة إنتشار القوات الإتحادية في المناطق المتنازع عليها؟، أم هو صفقة مع بعض الأطراف الكردية بالتخلي عن المناطق المتنازع عليها دون قتال مقابل تخلي الحكومة الإتحادية عن مطالبتها للجانب الكردي بالغاء نتائج الإستفتاء؟.
 فما قاله رئيس الوزراء حيدر العبادي في مؤتمره الإسبوعي مع الإعلاميين أثناء إعادة إنتشار القوات الحكومية في المناطق المتنازع عليها من "أن الإستفتاء قد إنتهى منطقياً وعملياً على الإرض وأنه يعتبره كما لو أنه لم يحدث أصلاً"!!!، هذه (الفرضية) التي بدأت الأوساط الحكومية بالترويج لها بعيدة كل البعد عن واقع الحال وهي (فخ) واضح للرضوح الى الأمر الواقع الذي حاول "الإنفصاليون" في سعيهم لفرضه على الحكومة الإتحادية والشارع العراقي وسيكون مستقبلاً الخنجر المسموم في الجسد العراقي، وسيكون الزمن كفيلاً بظهوره كورقة مهمة للإنفصال بعد إعادة مروجيه ترتيب أوراقهم وربما عندها ستؤيده دول كثيرة ومهمة!!!، فعلى أصحاب القرار السياسي في الحكومة المركزية الإنتباه والحذر من هذا التوجه، فبمجرد جلوس الحكومة الإتحادية للتحاور مع فئة من الكُرد التي أيدت الإستفتاء رسمياً دون نفي تلك الفئة وبشكل رسمي أيضاً الغاءها وتنصلها من الإستفتاء سيكون إعتراف ضمني من الحكومة الإتحادية بشرعيته والقبول بنتائجه!!!!، ولو كان لا بد من تجاوز الأزمة بالجلوس حول طاولة الحوار، فعلى الأقل على الحكومة الإتحادية إقناع الجهات الكردية المعتدلة على إصدار بياناً واضحاً يتنصلون فيه من تأييدهم للإستفتاء مقابل رفع الحظر الإقتصادي عن المناطق الكردية التي تحت سيطرتهم وهذه الخطوة المتبادلة المنافع يتخذها الطرفان الحكومي والكردي المعتدل كمبرر وطني وأخلاقي أمام مواطنيهم لبدء حوار بنّاء يقوم على أساس الدستور ووحدة العراق
.     
الرابط أدناه: بعد الإستفتاء "حلم الإستقلال بات صعب المنال":
http://kitabat.com/news/%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%aa%d8%a7%d8%a1-%d8%ad%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%82%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%b5%d8%b9%d8%a8-%d8%a7/
من جانب آخر فقد أثارت قضية الإستفتاء وما رافقها من تداعيات تجاوزات رئاسة الإقليم المالية والقانونية بوجه عام، فالحكومة الإتحادية تطالب حكومة إقليم كردستان بمبلغ (70) مليار دولار لبيعه النفظ خارج صلاحياته الإقليمية وإتفاقاته مع الحكومة المركزية وذلك خلال فترة سيطرة الإقليم على آبار النفط الشمالية!!، هذا ما جاء في نشرة الثامنة الصباحية للأخبار في قناة العراقية الإخبارية ليوم (20) من الشهر الجاري (تشرين الأول)، وحيثُ طرح التقرير الإخباري التساؤلات عن مقدار (14) مليار دولار كدين للشركات النفطية العالمية المستثمرة في الإقليم والمترتب على حكومة الإقليم إيفاءه حسب إدعاء الحكومة الإتحادية، وتسائلت عن مصير الأموال المتحققة من تصدير ما يزيد على (600) الف برميل يومياً كمعدّل!!!.
فلو فرضنا من أنّ حكومة الإقليم كانت تصدّر ما بين (450 ـ 600) الف برميل يومياً للثلاث سنوات الماضية فقط وبمعدّل (40) دولار للبرميل الواحد (سعر برميل النفط قد تجاوز منذ ما يقارب السنة حاجز الخمسين دولار للبرميل الواحد)، فإنّ المردود المالي بالعملة الصعبة سيكون ما بين (540 ـ 720) مليون دولار شهرياً وهذا الرقم قريب الى ما كان الإقليم يحصل عليه شهرياً من وزارة المالية الإتحادية لدفع رواتب الموظفين في الإقليم (كانت الحكومة الإتحادية ترسل مليار دولار شهرياً كرواتب للموظفين قبل إنخفاض أسعار النفط عالمياً وقبل إيقافها له قبل أقل من سنة نتيجة عدم التزام رئاسة الإقليم بما أتفق عليه ورفضهم السماح لديوان الرقابة المالية الإتحادي في التدقيق والإشراف على الميزانية للإقليم حسب التصريحات الرسمية)، هذا بالإضافة الى عائدات الإقليم من الرسوم الكمركية للمنافذ الحدودية الرسمية البالغة ستة منافذ (ثلاثة على الحدود مع إيران وإثنان منها على الحدود مع تركيا ومنفذ واحد على الحدود مع سوريا) إضافة الى خمسة وعشرين منفذاً غير رسمياً لتهريب البضائع على الحدود مع إيران!!!، كذلك الواردات الضخمة التي لا تقل أهمية عن الواردات الأخرى المستحصلة من شركات الإتصالات (الهواتف الخلوية) والرسوم المستحصلة عن مرور الطائرات للخطوط الجوية العالمية فوق أجواء الإقليم، يضاف اليها المبالغ المستحصلة من الزائرين والسوّاح سواء من بقية العراقيين من غير مواطني الإقليم أو الأجانب القادمين جواً يضاف اليها المردودات المالية (الغير مسجلة والغير مرصودة) مع جميع المساعدات المالية للدول المانحة، والسؤال الذي يفرض نفسه أين ذهبت كل تلك الأموال ومن المستفيد منها  هل هو شعبنا الكردي أم بعض قادته؟!!، وهل تمّ صرفها كرواتب للموظفين الذين ما فتئوا يتظاهرون في السليمانية وغيرها من مدن الإقليم لدفع رواتبهم المتأخرة؟؟؟!!!.
الرابط أدناه لتصريحات منسوبة الى النائب عن حزب الإتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان الإتحادي "آلاء الطلباني":
 http://nnciq.com/news/6655/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A--%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D9%84%D9%86-%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%85-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%84%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D9%84-%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%AA%D8%A8   
وقبل أن أختم هذا التقرير أتسائل كغيري من العراقيين عن الموقف (المخزي) لبعض الساسة العراقيين تجاه قرار الإستفتاء وما بعده وغياب أصواتهم المنددة له أو تظاهرهم بالحيادية والموضوعية بين كلا الجانبين (الجانب الحكومي الإتحادي من جهة والإنفصاليين من الجهة الأخرى) وقيامهم بزيارات لا تغني لإقناع رئيس الإقليم على قبول مبادراتهم التي لا تتضمن في كل الأحوال تأكيدهم على رفض الإستفتاء والتأكيد على وحدة العراق الذي أكد عليه جميع قادة الدول الأجنبية بوضوح أفضل بكثير من موقف و(حيادية) هؤلاء الساسة!!!، أقول لهؤلاء السياسيين أما أن تكونوا عراقيين قلباً وقالباً أو لتخرجوا من دائرة ما يسمى بالمشهد السياسي العراقي، فالوفاء للهوية الوطنية العراقية الموحدة ليس فيه حيادية وموضوعية، لكن بكل تأكيد موقفكم هذا كشف أكثر محاولاتكم للحفاظ على (مكتسباتكم) في إقليم كردستان/العراق وملجأكم عند الضرورة وربما خوفكم مما قد تمّ تسريبه من تهديد مبطن لكم من داخل الإقليم لبعض الممارسات الخاطئة خلال تواجدكم داخله في حال إعلانكم رفض الإستفتاء!!، ولا أخفي عليكم سرّاً من إنكم خسرتم آخر أوراقكم للإنتخابات المقبلة، فالشعب العراقي لا ينسى من يسئ الى وحدته.
الرابط أدناه يبين تطورات الأوضاع بملاحقة القضاء العراقي لمن تسبب في وصول الأحداث لما هي عليه الآن بإصدار مذكرة إعتقال بحق نائب رئيس الإقليم كوسرت رسول:
 http://kitabat.com/news/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d9%8a%d8%a3%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d8%a3%d8%b9%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84-%d9%86%d8%a7%d8%a6%d8%a8-%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d9%88/
 إننا كشعب عراقي ما زلنا ننظر بعين المحبة والأُلفة لإخواننا الكُرد المشاركين لنا في الوطن الواحد من شماله بجباله الشمّاء الى جنوبه بأهواره الغنّاء، وما أصابنا من حزن وغضب على دعاة الإستفتاء والإنفصال لم يكن فقط لإحتمال خسارة رقعة جغرافية عزيزة على قلوب كل العراقيين وإنما لإحتمالية خسارة المكوّن الكردي برمته الذي نعتبره شقائق النعمان بالوانها الزاهية وورود النرجس بنقاء لونها الأبيض ورائحتها الزكية، وأملنا أن تنعم جميع مكونات الشعب العراقي بالعدالة الإجتماعية والمواطنة الحقيقية البعيدة عن التحزب والطائفية تحت سقف العراق الموحد ودستور عادل يتساوى أمام بنوده كل العراقيين بحقوقهم وواجباتهم، وحيثُ نرى على شاشات التلفزة عفوية الكلام للعراقيين في كل مدنهم بتأكيدهم على أنه لا يوجد خاسر ورابح بين أبناء الشعب العراقي فيما حدث من تطورات على الأرض ما دام الجميع يستظلون تحت مظلّة العراق الموحد، فما يصيب إبناء البصرة والأنبار ونينوى من السرّاء والضرّاء سيصيب أبناء السليمانية ودهوك وأربيل بكل تأكيد.

25
مجلة "فرسان كولومبس" في كندا ترصد عودة المسيحيين العراقيين الى مناطقهم
كتب سالم إيليا نقلاً عن مجلة "فرسان كولومبس" التي تصدرها الكنيسة الكاثوليكية في كندا ما يلي:
نشرت مجلة "فرسان كولومبس" الشهرية التي تصدر عن الكنيسة الكاثوليكية في كندا في عددها لشهر أيلول/2017م تقريراً مصوراً مفصلاً بثلاث صفحات كاملة عن بدء عودة مجموعة من العوائل المسيحية المهجرة الى قراهم المتواجدين هُم ومن قبلهم أسلافهم فيها منذ القِدم في القرى والأقضية والنواحي المحيطة والتابعة لمدينة الموصل المحررة.
وأفردت المجلة غلافها لصورة مجموعة من منتسبي قطعات الجيش المحرر وبعض الأهالي في محاولتهم لنصب صليب كبير على إحدى الروابي تحدياً لداعش وإرهابها الفكري.
كما عرضت المجلة إصرار تلك العوائل على العودة والمباشرة بإعادة إعمار دورهم وكنائسهم، وحيثُ تجولت كاميراتهم في قرية كرمليس لتصور وتوثق الجهد الذاتي لأبناء القرية العائدين لبناء بلدتهم التي دمرتها داعش والعمليات الحربية القائمة عليهم وحيثُ أسفرت عن طردهم منها.
وأوضح التقرير معاناة المكوّن المسيحي من خلال الزيارات الميدانية التي قام بها عدد من أعضاء "فرسان كولومبس" للوقوف على حجم الأضرار العمرانية وإمكانية زيادة المساعدات المالية المقدمة من المنظمة والمنظمات الدينية الأخرى التي ساهمت بما مجموعه 35.5 مليون دولار منذ سنة 2011م لدعم مخيمات اللاجئين المسيحيين في كل من سوريا والعراق حسب ما ورد في تقريرها، وحيثُ بين التقرير من أن تلك المخيمات تعتمد بالدرجة الأساس على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدينية والإمكانيات الذاتية للكنائس المحلية كونها لم تشمل برعاية الحكومة المركزية أو حكومة الإقليم بشكلٍ كامل. 
وقد حثّ التقرير المؤمنين في أرجاء المعمورة على دعم برنامجهم الإغاثي الإنساني الذي سيساعد بلا أدنى شك على تشجيع العوائل المهجرة في العودة الى ديارها وإيقاف نزيف الهجرة لما تبقى من هذا المكوّن الأصيل على أرضهم وأرض أجدادهم، خاصة إذا علمنا من أنه لم يتبقى منه في العراق أكثر من (300,000) نسمة بعد أن كان تعداده يزيد على (1.5) مليون نسمة قبل سنة 2003م كما ذكر التقرير.   

26
ما هي الأسباب التي دعت رئيس الجمهورية فؤاد معصوم لإلغاء زيارته المقررة الى نيويورك؟
بقلم: سالم إيليا
تُعرّف السياسة في قواميسها على أنها "فن الممكن" بناءاً على أحكامها في تقديم المصلحة العامة والمصلحة الوطنية العليا على المصلحة الشخصية في تحاورالسياسيون مع الفرقاء داخلياً وخارجياً، أي بمعنى أوضح جلوس القائد السياسي الحقيقي حول طاولة المفاوضات (إن تطلب الأمر) مع قاتل أبيه للتوصل الى الحلول إذا كانت فيها مصلحة لبلده!!!.
أما في العراق فمن الممكن تعريفها على إنها: "فن اللعب بالبيضة والحجر" بناءاً على المصلحة الخاصة للمسؤول السياسي!!!.
فموقع رئيس الجمهورية في العراق الآن مثل بقية المواقع السيادية والغير سيادية الأخرى هو عبارة عن تحاصص (للبزنس) بين الأطراف المسيطرة على مقدرات البلد ومستقبله، ومن غير المعقول خسارة هذا البزنس الذي يدر الملايين من الدولارات سنوياً من الميزانية العامة للدولة على صاحبه وهو جالس فقط في مكتبه الفخم لا يفعل شيء غير مشاهدة بعض البرامج التلفزيونية التي تتخللها فترات إستراحة و(قيلولة) لمعاودة النشاط لمشاهدة برامج أخرى وهكذا!!!، وهذا ليس ذنب مَنْ يشغل هذا الموقع، لكن ذنب من وضع وصاغ الدستور الذي حدد وظائف منصب الرئيس وجعلها (تشريفية) أكثر من كونها مسؤوليات حقيقية تضعه على المحك في إدارة البلد.
 فمعظم مسؤوليات رئيس الجمهورية شكلية وبروتوكولية وهي لا تتجاوز أكثر من (مباركته) بوضع توقيعه على بعض القرارات الصادرة من مجلس النوّاب أو رئاسة الوزراء أو السلطات القضائية!!!، وسأقف عند فقرة مهمة في الدستور هي محور مقالتي هذه التي ربما تستحق أن (يلغف) عليها صاحب هذا (البزنس) الملايين من الدولارات سنوياً هو وبطانته، ألا وهي مسؤوليته عن "وحدة العراق" التي تهرب منها (الرئيس) في أول إمتحان له عليها عندما جاءت لحظة المواجهة الحقيقية!!!.
 فنص المادة (67) من الدستور تقول: "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة اراضيه، وفقاً لاحكام الدستور".
وتؤكد المادة (68) التي تليها الخاصة بشروط ومؤهلات المرشح لهذا المنصب وفي فقرتها (ثالثا) تأكيدها على مَن يشغل هذا المنصب شرط  "الاخلاص للوطن"!!!.
ومن الملاحظ إنّ الدستور خصص مادة كاملة لا تتجاوز السطرين لتعريف هذا المنصب دون إقحامها بفقرات أخرى لإعطاء الوضوح والرمزية لمدلولاتها الإعتبارية ـ السيادية في كل كلمة وردت في التعريف وذلك لأهميتها، وهذا يعني بالمختصر المفيد إن الملايين من الدولارات التي يتقاضاها رئيس الجمهورية وكابينته هي للمحافظة فقط على ما ورد في هذين السطرين!!!، فهل وفق سيادة الرئيس في هذا الأمر؟!، وهل يعتقد إنّ ما يتقاضاه من مردودات مادية هي "حلال" عليه إستناداً على الشرع من خلال دراسته له ولأحكامه والذي حصل بموجبه على شهاداته الدراسية العُليا الثلاث من جامعة الأزهر؟!!!.
ـ فهل نطق (سيادته) بجملة واحدة فقط إحتجاجاً على التدخل العسكري التركي الذي إنتهك (إستقلال وسيادة العراق وسلامة أراضيه)، وهل طالب بالضرب بيدٍ من حديد على رأس كل خائن (عراقي) أيد وزمّر لهذا الإحتلال؟!!، وماذا فعل للحيلولة دون ذلك الإنتهاك؟!!.
ـ وهل إحتج على التدخل الإيراني السافر بكل صغيرة وكبيرة بأمور البلد منتهكاً إستقلال القرار السياسي العراقي ومحاولة نظامه تنفيذ سياسته من خلال أخطبوطه  المنتشر في معظم مؤسسات الدولة العراقية وفرض أجنداته على أراضي البلد ومواطنيه، وهل أمر بتقديم عملاء إيران المأجورين داخل الوطن الى المحاكمة ليكونوا عبرة لغيرهم؟!!.
ـ وهل إعترض ولو من باب الإخوة (الكردية ـ الكردية) على من سمح للأحزاب الكردية ـ التركية بإتخاذهم للأراضي العراقية (التي هي تحت سيطرة إدارة الإقليم) مرتعاً لهم فراحوا يصولون ويجولون ويحكموا ويتحكموا بالأرض والعِرض فيها دون وجود من يوقفهم عند حدهم؟!!.
ـ وهل صرخ بوجه (كاكه مسعود) محذراً من إنّ إصراره على إجراء الإستفتاء يُعتبر إنتهاك صارخ للدستور الفدرالي الذي إشترك في صياغته الكُرد وإنتهاك لوحدة العراق الذي هو حاميهما؟!!.
إذاً هل تحقق (الإخلاص للوطن) الذي نصَّ عليه الدستور في نهاية الفقرة الثالثة للمادة (68) كشرط رئيسي لأهلية من يشغل هذا المنصب؟؟؟!!!.
ولا أعتقد من أن (سيادته) سيلومني لأنني طرحتُ هذه الأسئلة التي حيرّتني كمواطن بسيط حريص على (إستقلال وسيادة ووحدة وسلامة) العراق و(الإخلاص له) وحيثُ لم أختلق مفرداتها أنا، وإنما أخرجتها من بين الكلمات القليلة الموجودة في السطرين المخصصين لرئيس الجمهورية للمادتين الآنفتي الذكر في الدستور لتعطي الغطاء القانوني لمنصبه الذي هو مصدر رزقه لـ (يلغف) من خلاله هو وحاشيته جزء ليس بالقليل من ميزانية الدولة العراقية وشعب العراق بحاجة للكهرباء والماء والخدمات الضرورية الأخرى التي يتزود بها قصره الجمهوري ومنطقته الخضراء على مدار الساعة!!!، فهل هذا ما تعلمته خلال دراستك يا سيادة الرئيس؟!، ألا يتعارض هذا الموقف مع ما نهلته خلال سنوات دراستك الأكاديمية من بواطن الكتب الرصينة والأخلاقية وأمتحنت فيه (نظرياً) وحصلت من خلاله على شهادة الدكتوراه وربما بإمتياز، وعندما حانت ساعة الإمتحان (العملي) فشلت فيه وبإمتياز أيضاً!!!.
فلماذا لم تكن يا سيادة الرئيس شفافاً وواضحاً بإعلان السبب الحقيقي وراء الغاءك لرحلتك المقررة منذ زمن الى نيويورك لإلقاء كلمة (العراق الموحد) في الجمعية العمومية للإمم المتحدة وهي من صلب مسؤوليات رؤساء الدول؟!، فهل كانت هنالك حاجة ملحّة لإنابة مسؤول آخر رفيع المستوى؟، فالصدق يا سيدي الكريم صفة المؤمنين!!، وحيثُ كان عذرك بالإلغاء غير مقنعاً، فكيف ستتفرغ لمبادرة الحوار بين الزعماء السياسيين بشأن الإستفتاء وأحد أهم الأطراف فيها وهو رئيس الوزراء سيكون غائباً!!!، أياتي قرار الغاء تمثيلك للعراق الموحد في أهم محفل دولي لشعورك الآن من إنك لم تعد مؤهلاً للتكلم بإسم العراقيين جميعاً في المحافل الدولية؟!!، فإن كان الأمر كذلك فلك العذر!!، لكن عليك وضع طلب إستقالتك على مكتبك الفخم والخروج من الباب الرئيسي مزهواً بمصداقيتك، عندها سيحترم قرارك كل أبناء الشعب العراقي وستكبر شعبيتك عند أبناء شعبنا الكُردي، وربما ستداعب أحاسيس من يطالبون بالإستفتاء ليكون لك شأناً فيه!!!.
فهل هنالك أسباب غير معلنة لإلغائك مهمتك الوطنية هذه كتجنبك الإحراج مثلاً؟!!!، وحيثُ ستكون مضطراً للتصريح أمام وسائل الإعلام ورؤساء الدول عند إجتماعك بهم على هامش إجتماع الجمعية العامة على إنك ترفض الإستفتاء المخالف للدستور العراقي الذي أنت حاميه وتماشياً مع تصريحات المسؤولين السياسيين لجميع دول العالم الذين تجرأوا على رفض الإستفتاء لكنك لم تفعل؟!!!، أو ستكون مضطراً  لتمثيل العراق بهويتك العراقية وليس هويتك الإقليمية نزولاً عند رغبة الأكثرية من العراقيين وإحتراماً لمسؤولياتك القانونية التي نص عليها الدستور؟، وهل أنّ الغاء رحلتك هو نوع من أنواع المراوغة والهروب لتفادي الإحراج أمام من يطالب بالإستفتاء من الكُرد؟، وهل هذا الأمر يجنبك المواجهة المباشرة مع "كاكه" مسعود البرزاني؟، وهل هو تهرباً من لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كونك ستكون مضطراً حينها للإتفاق معه على لجم جماح من يطالبون بالإستفتاء وستتفق معه على الآليات حتى ولو تطلب الأمر إعطاء (مباركتك) بإستخدام القوة المسلحة؟، وهل أنت محرج من أنّ وجودك في هذا اللقاء سيكون بهويتك العراقية الوطنية وليس القومية مما سيضعك في موقف صعب أنت وجميع الفرقاء على حدٍ سواء؟!!، وعندها ستكون مسؤولاً أمام جميع الدول عن كل ما سيتمخض عنه هذا اللقاء من إتفاقيات؟، أم إن الغائك لرحلتك جاء بطلب من رئيس الوزراء حيدر العبادي (ربما) لشكوكه وعدم قناعته بمقدرتك للدفاع عن العراق الموحد بصدق؟!، أو لتجنبك الإحراج في التصريح الواضح عن رفضك للإستفتاء؟!!، أو لشعورك الوطني الذي لا تريد الإفصاح عنه علانية إستيحاءاً وخجلاً أو ربما (خوفاً) من البعض من أبناء جلدتك ممن يزمرون للإنفصال!!!، لذا قررت إعطاء الفرصة لرئيس الوزراء للذهاب نيابة عنك لحشد التأييد الدولي بفاعلية أكبر ضد قرار السيد مسعود البرزاني وإفشال إستفتاءه الذي ترى ويرى فيه الكثيرون من السياسيين الكُرد وأحزابهم بأنه قرار متسرع وخاطئ لا يستطيع أحد التكهن بعواقبه، وكأنك بحركتك الدبلوماسية (الذكية) هذه حميت نفسك وأبعدت عنك تهمة إفشال الإستفتاء أو تأييده ولسان حالك يردد قول الملكة "الزبّاء" المضروب كمثل لكنك إستخدمته بصيغتة المعكوسة "بيد عمرو لا بيدي"!!!.(*) 
لكنني أطمئنك يا (سيادة الرئيس) بأن الإستفتاء على الأغلب سوف لن يحدث في موعده المحدد، ليس فقط لأن هنالك معارضة دولية وإقليمية وعربية شديدة له، أولأنه ولد ميتاً، أو لأن رئيس الوزراء حيدر العبادي جاداً هذه المرّة بتهديده، وإن لم يفعله هو فهنالك مراكز قوى أخرى ستتجاوزه وتنفذ التهديد وعندها سيخسر الكُرد كل الإمتيازات التي ناضلوا للحصول عليها وسالت دماء الكثير من الأبرياء فيها لأكثر من سبعين عاماً وسيعود الوضع الى المربع الأول!!، لكن الأهم من هذا كله من أنّ ما خطط له "كاكه" مسعود من أهداف قد تحققت سواء حصل الإستفتاء أم لم يحصل وذلك بتعاطف الشعب الكردي معه بعد أن عزف على أوتار أحاسيسهم وإسترجع جزءاً كبيراً من شعبيته التي وصلت الى أدنى مستوياتها في السنوات الأخيرة، كذلك وهذا هو المهم عند السيد مسعود البرزاني فلربما سيحظى بدعم مالي من أطراف عربية لتأجيل أو الغاء الإستفتاء خاصة بعد زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان لأربيل ولقاءه به وكذلك ربما دعم مالي آخر من الدول العظمى الرافضة للإستفتاء.
 لكن لو فرضنا بأن هذا الأمر سيحدث (أي تأجيل أو الغاء الإستفتاء) فكيف سيكون موقف إسرائيل من رئيس الإقليم الذي سيحرجها قراره وهي التي وقفت مؤيدة بشكل رسمي لقرار الإستفتاء ومساندتها الى حق تقرير المصير للكُرد؟!!.   
وسأختم مقالتي هذه بهمسة صغيرة في إذنكم قائلاً: هل تعلمون يا سيادة رئيس الجمهورية من إنّ (المواطن العراقي الوطني الحقيقي) الجالس على كرسي هذا المنصب (يجب) وهي كلمة ملزمة أن يكون ضد مصلحة (أبيه) إذا إقتضى الأمر لصالح مصلحة (الوطن) في حالة تعارضهما، وهل تعلم إن "كاكه" مسعود ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وكل الفرقاء سوف لن يكونوا سعداء جداً بفن سياستكم باللعب "بالبيضة والحجر" لمصلحتكم الشخصية وعلى طول الخط !!!.
إنتباهة:
(*) كنتُ متقصداً أن أذكر مقولة الملكة الزبّاء "بيدي لا بيد عمرو" بصيغتها العكسية تماشياً مع الغاية المقصودة، أي بمعنى لسان حال فؤاد معصوم كان يردد (ليكن تحشيد الرفض الدولي لإلغاء الإستفتاء بيد حيدر العبادي وليس بيدي).






 


27
النصر الذي نحن بإنتظاره
بقلم: سالم إيليا
أيها السياسيون ـ ـ نصركم هذا هو نصراً سياسياً معنوياً ربما يفيدكم في صناديق الإقتراع ولا يهمنا بقدر ما يهمكم إلاّ فيما يتعلق بعودة الأرض وإن عادت محروقة وأنقاضاً!!، وقد يستغرب البعض لإفتتاح مقالتي بهذا الإتجاه!! ـ ـ فلا تستغربوا أيها الإخوة والأخوات فالنتيجة دائماً ضد الشعب المُستخدم كالوقود لماكنة القاطرة التي توصل الساسة الى أهدافهم الشخصية ومقاعدهم الحكومية!!!.
أما نصرنا كشعب عراقي الذي دفع ثمنه الشهداء والجرحى وكل المقاتلين بكل صنوفهم ومسمياتهم فلم يكتمل بعد ما لم يتم تثمين الدماء الزكية التي فُتِحتِ صنابيرها من أوردة المقاتلين والمدنيين الذين إستشهدوا ـ ـ ونصرنا لا يكتمل إلاّ بتثمين خسارتنا لمعالمنا التاريخية وصروحنا الدينية والعلمية ومعالم مدننا الحضارية ـ ـ فمن يُعيد الينا منارة الحدباء التي هُدمت ـ ـ ومَنْ يعيد الينا أديرتنا وكنائسنا التاريخية وعبقها التاريخي التي دُمرت ودُنست ـ ـ ومَنْ يعيد الينا أضرحة ومقامات رُسل الله وأنبيائه التي أبيدت ـ ـ ومَنْ يعيد عفاف وعذرية الصبايا المسبيات، فتثمين كل ما ذكرته يا سادة يا كرام ويا أيها السياسيون يكمن في محاسبة المتسبب بهذه الكارثة ـ ـ وحيثُ شَخّصَت لجانكم التحقيقية "الجمل والجمال" ووضعت النقاط على الحروف ولم يبقى إلاّ قراراً شجاعاً بتتويج النصر الميداني وإستكماله وجعله واقعاً ملموساً في كل بيت عراقي من زاخو الى الفاو ومن الرطبة الى خانقين وذلك بمحاسبة المقصرين حتى وإن كان (نائب) الحاكم في العراق!!.
ولو حصل ما حصل في بلدٍ غير العراق لسقطت حكومات ـ ـ لا بل رؤوس من على أكتافها ـ ـ لكن في بلد الغرائب والعجائب ـ ـ فكل شيء مباح ـ ـ الخيانة للوطن مباحة ـ ـ نحر أكثر من الف وسبعمئة طالب عسكري في سبايكر مباح ـ ـ السرقات لمليارات الدولارات من خزينة الدولة وقوت الشعب مباحة ـ ـ الخطف والإغتصاب مباح ـ ـ سيطرة العصابات على مدن بأكملها مباحة ـ ـ إستعباد البشر والحجر مباح ـ ـ تهديم مدن بأكملها مع معالمها مباح ـ ـ قتل وتهجير ملايين المواطنين مباح!!!، فلا وجود للمذنب الذي ترك ورائه الضحية مخضبة بدمائها وحولها الخراب.
فلقد سكت العراقيون وكان لسكوتهم سبباً لعدم إعطاء الفرصة للعدو الداعشي بإستغلال الظرف وعاضدوا قواتهم المسلحة وحشود الحشد الشعبي بكل مسمياته، أما بعد أن هدأ أزيز الرصاص وإنقشع غبار المعركة فمن حق الشعب ومواطنيه المطالبة بالقصاص العادل من المسببين للكارثة، هذا فيما إذا كانت الحكومة جادة بحماية العراق الموحد.
فيا رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، لم يتبقى على فترة رئاستكم لمجلس الوزراء إلاّ أشهر معدودة وقد كانت فترتكم حُبلى بالأحداث والمآسي التي خلّفها لكم سلفكم الجالس على يمين رئيس الجمهورية!!!، وللتاريخ إستطعتم وكابينة وزارتكم إجتياز الكثير من المِحن وأولها عودة الأرض العراقية الى أهلها ولكن بأغلى الأثمان!!!، وحيثُ لا تزال (المفخخات) السياسية مزروعة في طريق ما تبقى من مساركم وأولها الإستفتاء المزمع إجرائه في إقليم كردستان/العراق في الخامس والعشرين من أيلول من هذا العام، والشعب العراقي سوف لن يهدأ إلاّ بعد أن يرى من تسبب بهذه المآسي قد نال عقوبته القانونية على فعلته وتقاعسه، ولتكن خاتمة فترتكم بداية لفترة أخرى جديدة يُبصمُ عليها الشعب بملء إرادته وليس بمقايضة البسطاء منهم على منحهم البطانيات والإراضي وغيرها من المغريات كما حدث في الإنتخابات الماضية!!، فقد لامكم البعض وأعذركم البعض الآخر على عدم إستغلالكم للفرص بالضرب بيدٍ من حديد على كل من أساء لوظيفته، وكان لمن أعذركم تبريره من إنكم بدأتم مهمتكم بالعوم في بحرٍ تحيطكم فيه القروش السياسية وأنتم لا نصير لكم، لكن الآن وبعد مرور أكثر من ثلاثة سنوات على إدارتكم فمن المفروض أن تكونوا قد جمعتم حولكم عدد لا يستهان به من المخلصين للدفاع عن سياستكم وبرنامجكم، هذا إذ كنتم مؤمنون حقاً بما وعدتم به الشعب في خطاباتكم.
 فكل الذي تحقق من منجزات لا تكتمل إلا بخاتمته، وخاتمته قد وعدتم الشعب بها في أكثر من مناسبة وهي محاسبة من تسبب بتلك المآسي وملاحقة الفاسدين والسارقين للمال العام وإستحصاله الى آخر دولار تم سرقته، وخاتمته أيضاً تكمن بفرض القانون وتوفير الأمن والأمان على مدار الساعة، وخاتمته بكل تأكيد تتجلى بتوفير كل مقومات الحياة الحديثة من البُنى التحية الى البُنى الترفيهية المكملة للحياة الرغيدة ـ ـ نعم الحياة الرغيدة، فشعب العراق بمقوماته كان من المفروض أن يكون أول الشعوب في المنطقة والعالم يتمتع بالحياة الكريمة لولا غباء ساسته على مر المراحل المتعاقبة، وليكن حافزكم أنتم وفريق عملكم هويتكم (الوطنية) وليس (الحزبية) فقد سَئِمَ الشعب بغالبيته من التكتلات الحزبية، ولو لم تفعلوا هذا فستبقى منجزاتكم ومنجزات فريق عملكم ناقصة وسوف ينساها التاريخ والشعب العراقي بعد فترة وجيزة من الزمن، ولربما إن لم تخطوا الخطوة الأخيرة في ملاحقة من تسبب بتلك الكوارث وسرّاق المال العام فستغادرون وأنتم متهمون بإشتراككم في كل تلك الجرائم!!!.           

28
المسيحيون ودورهم في الإستفتاء المزمع إجراءه في كردستان العراق وأشياء أخرى
بقلم: سالم إيليا
لا يخفَ على المتتبع للشأن العراقي التَغَيُّرات الديموغرافية والجيوسياسية التي تحصل الآن في العراق وتوقيتاتها المحسوبة بدقة من قبل بعض الأطراف الدولية والإقليمية، وكان آخرها إعلان بعض القادة في كردستان/العراق عن تحديد موعد الإستفتاء للبقاء مع العراق الموحد من عدمه والذي تزامن مع قرب تحرير الموصل بالكامل!!!.
وقد بدأ المروّجون لهذا الإستفتاء بإستخدام المكونات الأخرى والمتواجدين جغرافياً في مناطقهم التاريخية التي فرض عليها الإنفصاليون سيطرتهم الإدارية بالقوة المسلحة مستغلين ثقافتهم المسالمة والظروف القاسية التي تعرضوا لها خاصة في السنوات الأخيرة بعد سيطرة عصابات داعش وجرائمهم ضدهم، ومن هؤلاء المكونات الأيزيديين والشبك والتركمان والمسيحيين بمختلف مسمياتهم القومية.
وقد جرت في الآونة الأخيرة محاولات لإقصاء الممثلين الحقيقيين لتلك المكونات في قصباتهم وقراهم بآخرين ربما سيتسامحوا ويتساهلوا وربما سيروّجوا أيضاً للتشجيع على الإنفصال بطرق الترغيب تارة والتهديد تارة أخرى!!!، وبتركيز واضح على أبناء المكوّن المسيحي لِما لهم الآن من ثقل دولي وعدد لا يزال لا يستهان به في مناطقهم شمال الوطن، خاصة بعد أن واجه مروّجوا الإستفتاء الممانعة الدولية في تأييدهم بخطوتهم الإنفصالية وبهذا التوقيت الخاطئ حسب رأي أغلب المحللين السياسيين الدوليين!!!.   
وعليه نتمنى على جميع المكونات المتواجدة جغرافياً داخل كردستان/العراق ومنهم المسيحيين أن لا ينجرّوا وراء أجندات مكتوب لها الفشل والمآسي المستمرة ونقول لهم بكل محبة: إذا أُجْبِرتُم على الإستفتاء أيها الأصلاء بحكم تواجدكم الجغرافي في مناطقه وبضغط ظروفكم التي لا تخفَ على أحد، فإجهضوه في مهده بالتصويت بكلمة "لا" للإنفصال عن العراق الموحد وهو رقم لا يقبل القسمة على إثنين، وقفوا وقفة أجدادكم ورجال دينكم الذين أجهضوا من قبلكم محاولة إنفصال الموصل عن العراق وضمها الى تركيا بالإستفتاء الأممي في ربيع سنة 1925م، فأنتم ليس أقل منهم وطنية ومحبة للعراق الموحد، فقد وقف أبناء العراق من كلدانٍ وآشوريين وسريانٍ وأرمنٍ وبقية الملل بممثليهم رجال الدين ووجهائهم يتقدمهم البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني توما والمطران كريكور والخوري أنطوان زبوني والوجيهة "سورما خانم دبيث مار شمعون" وغيرهم الكثيرين وقفة رجل واحد حينها ليعلوا صوتهم جهوراً بكلمة "لا" للإنفصال عن العراق، فأفعلوها ثانيةً وليسجل التاريخ مأثرة أخرى من مآثركم الوطنية كما سجله لأجدادكم من قبلكم.
 فما نمر به اليوم من مصاعب ما هي إلاّ "مزنة صيف" بحساب الزمن لا تلبث أن تنجلي وإن طالت، فافعلوا هذا من أجل أحفادكم الذين لا ترضوا لهم العيش في زمن الحروب التي نعيشها، وحيثُ ذكرتُ في مقالة سابقة كانت معنونة بالعنوان التالي "هل سيكون هنالك سلام في المنطقة فيما لو قسّم العراق؟" والتي بينّت فيها الإحتمالات الواردة لِما سيحدث من مآسي وحروب فيما لو قسّم العراق وسأقتطف منها الآتي للتذكير بها:
"أما إقليم كردستان فسيكون من بين أسوأ الأقاليم الثلاثة (فيما لو قسّم العراق الى ثلاثة أقاليم أو إنفصل الإقليم بمفرده عن العراق) لأنه سيكون بين كماشتي الأمبراطوريتين السابقتين اللتين سوف لن تتركانه ينمو ويقوى بتطلعاته الوحدوية لقيام دولة كردية تضم المناطق الكردية في إيران وتركيا، وستكون لعائلة البرزاني المسؤولية التاريخية الكبرى في إبادة الشعب الكردي وتعرضه للتنكيل من قبل الفرس والأتراك بدلاً من بقائها (أي العائلة) الآن في نظر الكُرد في المنطقة كرمز لتحقيق الكثير من المكاسب لكُرد العراق، وربما لم يدرك السيد مسعود البرزاني قواعد اللعبة السياسية الدولية بعد، فصديق اليوم في السياسة من السهولة أن يصبح عدو الغد وينقلب عليه حلفائه بلمح البصر لمصلحة بلدانهم، أو لتغيير الإتفاقيات بين الأقطاب الرئيسية في السياسة الدولية، وأمامنا خير مثال على ذلك في موافقة كل الأطراف على بقاء الرئيس السوري في السلطة، عندها ربما ستعطي هذه الأقطاب الدولية الضوء الأخضر لإيران وتركيا لضرب الكُرد ولجم جماحهم، وسوف لن تفيدهم حتى إسرائيل لأنها ستبحث عن مصالحها أيضاً".
 هذا ما قلته كجزء من السيناريوهات والتصورات فيما لو فكر بعض قادة الكُرد بالإنفصال، فمن غير المعقول أن تضحي إسرائيل بعلاقاتها الإستراتيجية مع أهم دولتين إقليميتين إعترفتا بها مبكراً (إعترفت إيران بإسرائيل سنة 1948، ثمّ تبعتها تركيا سنة 1949 ولا تزال علاقاتهما قوية معها وليس كما تظهران للعالم)، أو حتى لو أخذنا بفرضية سوء العلاقات (مرحلياً) لإسرائيل مع نظام إحدى هاتين الدولتين، لكنها بكل تأكيد سوف لن تجازف بخطأ إستراتيجي وتاريخي يجعلها دائماً في موضع المتهم الأول أمام شعوب الدولتين والدول المجاورة المتضررة الأخرى في دعم إنفصال الكُرد في هاتين الدولتين وإعلان دولتهم المستقلة!!، وبهذا الفعل ستضع إسرائيل نفسها في موضع العدو الأول لشعوب المنطقة وستعطي الحجة على طبق من ذهب للمتطرفين في المنطقة لتأليب شعوبهم عليها وبشكلٍ مطلقٍ وستصبح المنطقة أكثر غلياناً وحروباً، خاصة وإن القضية الكردية وتطلعات الشعب الكردي على مدار فترة علاقتهم مع إسرائيل كانت مجرد ورقة بيد الكثير من الأطراف ومنهم إسرائيل، وكانوا الكُرد ولا يزالون بحاجة اليها أكثر من حاجتها اليهم وحسب إعتراف قادتهم في الكثير من المقابلات على الفضائيات.
 ولو سلّمنا جدلاً بفرضية قناعة المخططون الإسرائيليون في تشجيع الكُرد على تشكيل دولتهم على حساب كسر شوكة الأنظمة للدول الإسلامية في المنطقة سواء العربية منها أو الأقليمية (تركيا وإيران)، فبكل تأكيد ستكون غايتها وهدفها الحقيقي هو نقل الحرب ما بين إسرائيل من جهة والدول الإسلامية في المنطقة (العربية والغير عربية) من جهة أخرى وجعلها حروب فيما بينها (أي بين الدول الإسلامية، لكنها ستكون حروب قومية)!!!، وسيكون طرفها الأول الدولة الكردية الفتية المفترض إعلانها بشعبها الذي سيتجاوز بكل تأكيد العشرين مليون نسمة (يوجد أكثر من أربعة عشر مليون كردي في تركيا وأكثر من أربعة ملايين في إيران وبحدود ثلاثة ملايين في العراق ومليونين في سوريا) وطرفها الثاني (المضاد) تركيا وإيران والعراق وسوريا وربما لبنان، وستكون الحرب إسلامية ـ إسلامية ولكن بدوافع قومية!!!، وستكون الأضعف فيها منطقياً والتي سينالها الجزء الأكبر من الضحايا والتدمير هي الدولة الكردية الفتية، عندها ستنشغل دول المنطقة المعنية بالخطر المباشر الذي سيتهددها من الدولة الكردية وستنسى ما تعتبره "القضية المركزية" للدول الإسلامية وهي القضية الفلسطينية!!!، وبهذا الأفتراض سيكون الشعب الكردي بمآسيه كضحية وكورقة أيضاً بيد المساومات الإقليمية والدولية، إضافة الى أنّ إسرائيل والدول المصنعة للأسلحة ستنتعش بسوقها مقابل الإستنزاف المادي الذي سيصيب الدول المتحاربة.   
وندائي أوجهه لشعبنا الكردي أيضاً: لقد كان الشعب العراقي برمته متفهماً ومتعاطفاً مع قضيتكم ومطالبتكم لحقوقكم منذ بدايتها بعيداً عن القادة السياسيين وقمعهم الذي شمل الجميع دون إستثناء، ولقد كنتم متواجدين في كل أرجاء العراق وبنسب كبيرة خاصة في مناطق تواجدكم التقليدية والتاريخية التي شاركتم فيها من كان قبلكم من الأصلاء من المكونات الأخرى الذين لم يمنعوكم في مشاركتهم لأرضهم!!، وحيثُ كنتم متعايشين معهم عبر مئات السنين بأمن وسلام وقبل أن يبدأ البعض بالتحريض على إيذائهم والتنكيل بهم عبر مذابح يندى لها جبين الإنسانية!!، ومع ظهور بوادر النزعة الإنفصالية لإعلان تلك المناطق المشتركة للجميع على أنها أحادية الإدارة السياسية من قِبَل القومية الكردية فقط تمهيداً لإعلانها دولة كردية (وهذا الأمر لا يختلف عليه مؤرخان)، عندها بدأت الحكومات المركزية المتعاقبة في العراق بالإنتباه وأعتمدت بعضها على الإجراءات القسرية لتحجيم أماكن تواجدكم جغرافياً خوفاً من زحفكم سكانياً الى مناطق أخرى بفعل الحرية التي كانت متاحة لكم للعيش والتنقل قبل بدأ إنتفاضتكم القومية المسلحة، ودليلي على هذا الكلام مشاركة أبنائكم بتولي الوزارات السيادية (وزارتي الدفاع والداخلية) ضمن التشكيلات الوزارية المتعاقبة منذ بداية تكوين الدولة العراقية الحديثة، وحيثُ لم يعترض على مناصبهم تلك أي عراقي كونهم كانوا يتمتعون بالكفاءة المهنية لإشغالها وأوفياء لهويتهم العراقية ولوطنهم العراق، وحيثُ نتمنى أن يفشل الوطنيون منهم الآن (وهم كُثُر) محاولة الإنفصال.
 وأنا أتذكر جيداً كيف كان طلاب المدارس في المرحلة المتوسطة والإعدادية لا يخفون تعاطفهم مع الشعب الكردي وكيف كانت الفرحة كبيرة حين أُعلِنَ بيان الحادي عشر من آذار بعدها بسنوات، وكيف إستقبلت الجماهير العراقية قادة الكُرد في بغداد، وذهبت الوفود الطلابية في الذكرى الأولى للبيان الى المدن في شمال الوطن للإحتفال وحناجرهم تصدح بدون تردد لكردستان/العراق بيچي ـ ـ بيچي كردستان (تعيش ـ ـ تعيش كردستان)!!، فلا تخذلوهم بتصويتكم على الإنفصال ولا تخذلوهم بمحبتهم لكردستان/العراق وأهلها، فإذا كانت الموصل كما وصفها البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني من إنها رأس العراق أبان الإستفتاء الأممي في القرن المنصرم لإثبات عائديتها للعراق ورددها من بعده الملك فيصل الأول، فأنّ كردستان هي قلب العراق النابض بالتعددية والتآلف المجتمعي، وحيثُ كانت مصائركم سابقاً بأيدي السياسيين الحقيقيين الذين إنزوا في بيوتهم الآن تاركين الأمر لتجّار السياسة ومافياتها لقناعتهم بأنّ الهدف السامي لنضالهم القومي قد إختفى وحلّت محله الأطماع الشخصية!!، وأنتم تعيشون الآن نتائجها بشكلٍ واضحٍ ويتراءى لكم مستقبلها الذي لا يبشر بخير في كل الأحوال!!!.
وتذكروا هذه الكلمات والجُمَل فيما لو صوّتم لا قدر الله على الإنفصال، فسيأتي اليوم الذي سيجعلكم تعضّون أصابع الندم، وهذه الكلمات ليست إنشائية ولغوية لتخويفكم، فالعراقيون يعلمون مدى شجاعتكم وإنّ الخوف بمنأى عنكم، لكن هذه لغة المنطق وفق سياقات التحالفات والسياسات الدولية وبديهيات دهاليز السياسة!!.
فهل أنتم مستعدون على العيش والتأقلم مع الحروب بشكلٍ دائم يا من لكم حق التصويت على الإنفصال من مختلف المكونات المتواجدة جغرافياً في الإقليم؟؟؟، وحيثُ سيكون عندها السلام في ربوع الإقليم هو الإستثناء بلا أدنى شك!!!، فلحد الآن هنالك صراع سياسي داخلي بين القادة الكُرد والذي سيتحول بكل تأكيد الى صراع مسلح دموي حال إعلان الإنفصال للسيطرة على المناطق المتنازع عليها بين الأحزاب الكردية، خاصة وإن قادة تلك الأحزاب يحكمون عائلياً وعشائرياً ويرفضون مبدأ المشاركة القيادية الجماهيرية من خارج العشيرة أو العائلة!!، وإن حدث وكان هنالك سلام ظاهري بين الأحزاب الكردية، فبكل تأكيد سيكون هنالك توتر وحروب بينهم وبين حكومة المركز في العراق على المناطق المتنازع عليها، خاصة وإنّ بعضها مثل كركوك والموصل لا مجال نهائياً للتخلي عنهما من قِبَل أي حكومة مركزية حتى لو كلّف هذا الأمر تجييش الجيوش!!!، وحيثُ أنّ حكومة المركز في العراق لديها أيضاً من يؤيدها من الدول الكبرى بحكم المصالح المتبادلة، وأعتقد قد عَلِمَ الجميع الآن مدى قوة الجيش الحكومي والميليشيات الشعبية التي إنضمّت اليه في مقاتلة داعش والقضاء على معظم مقاتليه الذين لم يكن من السهل الإنتصار عليهم قبل سنتين!!، ناهيكم عن التدخلات والصراع المسلّح (في حالة الإنفصال) الذي ستختلقه إيران وتركيا لقضم أجزاء من الإقليم أو حتى الدخول الى عمقه دون أن يكون هنالك رد فعل دولي فعلي لمنعهم الى أبعد من إطلاق التصريحات السياسية لذر الرماد في العيون، وخير دليل على ذلك تواجد تركيا الآن بجيشها قرب تلعفر التي يعتبرها الكرد منطقة كردية دون وجود رد فعل دولي واضح أو رد فعل من الحكومة المركزية أو من حكومة الإقليم!!، فهل أنّ الشعب الكردي مهيأ لهذه الحروب برمتها؟؟!!، خاصة وإنّ الأقليم سيكون محاط بحدوده من كل جهاته بالأطراف التي تتطلع الى إفشال تجربته الإنفصالية وسيكون تطبيق الحصار الإقتصادي عليه من أبسط خياراتها!!، وهل فكر القادة الكُرد من أنهم وشعبنا العراقي الكردي سيكونوا ضحية مؤامرة دولية متفق عليها مع الدولتين الإقليميتين العدوتين اللدودتين (إيران وتركيا) لقيام دولتهم في المنطقة؟؟؟!!!، كونهم الأقلية بحساب النسبة العددية الى ما موجود من الكُرد في تلك الدولتين!!!، وليكونوا فيما لو فشلت تجربتهم الإنفصالية وحدثت المآسي للكُرد العراقيين عبرة لغيرهم من الكُرد في تلك الدولتين لتخويفهم وردعهم عن المطالبة بالإنفصال ولتفشل وللأبد تطلعاتهم بعدما سيشاهدون ما سيحل بإخوانهم كُرد العراق!!!، ولدينا دليل واضح لا يزال ماثلاً بتسليم الثائر الكردي مؤسس حزب العمال الكردستاني التركي "عبدالله أوجلان" بمؤامرة دولية وصفقة سياسية الى الحكومة التركية.
وربما سيقول قائل من الذين يتطلعون الى الإنفصال: لولا الغُبن الذي يمارس بحقنا ما فكرنا بالإنفصال!!، أقول هل ما تحقق لحد الآن للكُرد ضمن حدود الدولة العراقية يُعتبر غير كافي أو غير مقبول على الأقل في هذه الظروف الإستثنائية؟؟؟!!!، ومَنْ مِن شرائح المجتمع العراقي ومكوناته في مدن الجنوب والوسط والغرب والشرق قد حصل على أكثر مما حصلتم عليه من حقوق في ظل الفوضى السياسية القائمة؟؟؟!!!، وهل حصل إخوانكم الكُرد في الدول المجاورة على نصف ما حصلتم عليه في العراق من مكاسب في ظل حكم ذاتي سياسي شبه مستقل ومردودات مالية وافق عليها ممثليكم في البرلمان العراقي؟؟؟، وهل من الضروري التلويح دائماً أما بالثورة المسلحة أو الإنفصال لإنتزاع الحقوق؟؟؟!!!، ولماذا إخوانكم المتداخلة أراضيهم مع أراضيكم من المسيحيين بكل مسمياتهم القومية لم يرفعوا السلاح على الرغم من أنّ تاريخ إضطهادهم يعود الى القرون الأولى حتى قبل الإضطهاد الأربعيني في زمن الملك سابور الثاني الساساني وأستمر بين مدٍ وجزرٍ ولحد الآن وقد إشتركت بعض قبائلكم بإضطهادهم؟؟؟!!!، والشئ ذاته يصلح كمثل على أبناء المكوّن الأيزيدي الذي تعرض لما تعرض له المسيحيون وغيرهم من المكونات الأخرى!!، ألا يمكن إنتزاع الحقوق بغير طُرق العصيان المسلح أو إعلان الإنفصال؟؟؟!!!، أعتقد من الممكن فعل ذلك لو كان المعنييون يفكرون بأرواح شعبهم وإبعاد المآسي عنهم!!، ولنا في هذا المضمار مثالين لشخصين فقط إستطاعا دحر أكبر إستعمارين مدججين بالأسلحة والتأييد الدولي الذي تخلى فيما بعد عنهما (أي عن المستعمرين) ووقف مع الحق، وحيث كان أحد هذين الشخصين يناضل من داخل زنزانته وهو الخالد "نيلسون مانديلا" في جنوب أفريقيا وقبله حصل المهاتما "غاندي" إبن الهند البار على إستقلال بلاده بالطُرق السلمية والنضال السلمي أيضاً.   
وأملنا كبير بالوطنيين الكُرد وقادتهم السياسيين الحقيقيين لتنوير العامة ومنعهم من تغليب لغة العواطف والإندفاع الغير محسوب على حساب لغة العقل والحكمة، والتوقف عن مداعبة عواطفهم من قِبَل البعض لتحقيق مكاسب شخصية وزعامة شكلية على حساب آلامهم ومعاناتهم، فليس قليلاً ما حصل لهم من مآسي.       
وأقول للمسيحيين أيضاً المتواجدين جغرافياً في المناطق التي سيتم الإستفتاء عليها، لا تضعوا رقابكم تحت سيف من كان سبباً بإبادتكم في المجازر التاريخية التي نعرفها جميعاً من المجازر الحميدية (نسبةً للسلطان العثماني عبدالحميد) ومذابح الأرمن (الجريمة الكبرى) خلال الحرب العالمية الأولى ومروراً بمذابح "سيفو" و "سميل" ومَنْ كانوا أدواتها من قبل بعض القبائل الجاهلة وأبطالها مثل بكر صدقي وغيره من المحسوبين على الكُردِ وللأسف الشديد، وحيثُ أنّه ليس هنالك أي ضمان لعدم تكرارها في المستقبل، وبوادر أعمال العنف لبعض المتعصبين تظهر بين الآونة والأخرى في مختلف المناطق في كردستان/العراق ضد المكونات الأخرى من حرق محلات بيع الخمور في السليمانية الى الإعتداءات والتحرشات في عينكاوة وغيرها الى الغبن في التمثيل السياسي والإداري والتدخل به ضد رغبة مواطني المكوّن المسيحي وغيرهم وحكومة الإقليم تقف مكتوفة الأيدي لا بل تكون طرف فيها في بعض الحالات!!!، فأين هي قُراكم في أعالي الجبال أيها المسيحيون؟؟؟!!!، ولماذا تركتموها ومَنْ الذي إستولى عليها؟؟!!، وأعلموا يا أهلنا بأنهم بحاجة اليكم أكثر مما أنتم بحاجة اليهم في مناطقكم التاريخية وإنْ هم يدعون بعائديتها إدارياً لسلطتهم، لكن تاريخها يثبت عائديتها لكم منذ آلاف السنين، فهم يستخدمونكم كورقة رابحة في المحافل الدولية لكسب تأييد الدول الكبرى لتتطلعاتهم الإنفصالية بحجة حمايتكم مستخدمين بعض المأجورين من مكوننا المسيحي المستعدين لبيعنا جميعاً من أجل مصالحهم الشخصية.
وليتذكر من يقرر التصويت لصالح الإنفصال "ولات ساعة ندمٍ" بعده، إننا جميعنا أقوياء بالعراق الموحد، وتأثيره دولياً (مهما كان ضعيفاً) سيكون بكل تأكيد أقوى من تأثير أقاليم الإنفصال المقسمة، حتى ونحن نعيش التدهور ومآسيه بكل تفاصيله الآن، فالقادم سيكون أسوء فيما لو تضاربت فيه المطامع الشخصية للقادة الإنفصاليين مع بعضهم البعض ومصالح الدول الكبرى والإقليمية أيضاً، وربما سيتعرض الإقليم الى جميع تلك الحروب ومن كلّ صوب وفي آنٍ واحد، وحيث سيصُعب التكهن ماذا سيحصل للمكونات الكردية وغيرها من المكونات داخل الإقليم من المآسي، فأمامنا مثال حي حينما وقفت قوات الحماية الكردية التي كانت داخل الموصل عاجزة عن حماية المكونات الأخرى من مسيحيين وشبك وتركمان مشاطرة بذلك عجز القوات الحكومية، لا بل وقفت حكومة الأقليم مكتوفة الأيدي أمام الكارثة والإبادة الجماعية التي حصلت للمكوّن الأيزيدي الذي يعتبره القادة الكُرد جزءاً منهم لكنهم يختلفون عنهم بمعتقداتهم الدينية.
 نتمنى من الصميم أن يجهض الوطنيون بمختلف مكوناتهم هذا الإستفتاء من أجل مستقبل أبنائهم وأحفادهم وأجيالهم القادمة وبكل تأكيد سيذكره لهم خلفهم والتاريخ بأحرفٍ من نورٍ.   



29
متحف ونصب تذكاري لضحايا الإرهاب في الموصل
بقلم: سالم إيليا
لم يعد خافياً على أحد حجم المآسي التي تعرضت لها المناطق التي كانت تحت سيطرة "داعش".
وحيثُ أنّ مدينة الموصل بثقلها السكاني وأهميتها الجغرافية والتاريخية التي جعلها كثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد قد أصابها ما أصابها من ويلات سيطرة هذه العصابة المجرمة عليها ومن بعدها عمليات التحرير التي إستغرقت أكثر من تسعة شهور ثقيلة بتفاصيلها المؤلمة من حصارٍ قاسٍ وهجرةٍ جماعيةٍ وقتلٍ ممنهجٍ وجوعٍ وصل الى حد أكل الأعشاب البرية خلال سيطرة "داعش" أو أثناء تحريرها، وحيثُ لم يتبقى من معالمها الأثرية وصروحها العلمية ومعالمها الحضرية وبُناها التحتية وأحيائها السكنية ودور عبادتها لمختلف الأديان والطوائف التي يتميز بها إقليم نينوى بشكلٍ عامٍ إلا العدد القليل والتي أصابها أيضاً بعض الأضرار.
وتقف في مقدمة المآسي الأعداد الهائلة للضحايا المدنيين الذين لم يتم لحد هذه اللحظة حصرهم بشكلٍ كاملٍ ودقيقٍ، لكن الأنباء تتحدث عن عدد مَهُول يتجاوز عشرات الآلاف (أحد الأطباء الذين أعرفهم في المهجر قد فقد سبعة أفراد من أقاربه من درجات قربة مختلفة ما بين قتيل على يد داعش لرفضهم الإنتماء اليهم وبين ضحية نتيجة القصف).
لذا فمن الواجب توثيق هذه الفترة المظلمة من تاريخ المدينة من خلال متحف خاص ينتصب في محيطه نصب تذكاري يتم إختيار موقعه في الجانب الغربي من الموصل مطلاً على نهر دجلة ليكون على مرأى من الجانب الشرقي أيضاً (طال الجانب الغربي والذي يُطلق عليه بالأيمن النسبة الأعلى من الخسائر البشرية والعمرانية).
 وليحتوي هذا المتحف على كل ما سجلته عدسات المصوريين الإعلاميين ووكالات الأنباء المحلية والأجنبية ومراسليهم وتسجيل وتوثيق المآسي بالصوت والصورة على لسان أصحابها وشهود العيان مع جمع الأدلة المادية كنماذج على الممارسات الهمجية للتنظيم المذكور ووضعها جميعها في قاعات داخل هذا المتحف وحسب تصنيفها (قاعة خاصة لعرض الصور والسلايدات، وأخرى خاصة لعرض الفيديوهات، وغيرها لعرض آلات القتل ـ ـ ـ الخ).
ولغرض تنفيذ هذا المتحف المهم، يجب تشكيل لجنة مهنية وحيادية متخصصة تتسم بالموضوعية تراجع كل صغيرة وكبيرة وتدقق المعلومة بشكلٍ لا يقبل التأويل أو التشكيك بها وتُحَدَد مهامها على الأسس التالية:
ـ جمع البيانات الدقيقة عن عدد الضحايا المدنيين وأسمائهم من الموصل/المركز ومناطقها التابعة لها إدارياً من أقضية ونواحي وقرى لكتابتها (حفرها) على جدار النصب التذكاري مع بيانات مقتضبة لتاريخ ومكان وسبب إستشهادهم وأعمارهم (قسم منهم قضى على أيدي داعش والآخرين بالقصف).
ـ ذكر الأرقام (الحقيقية) للنازحين والمهجّرين من أطياف ومكونات المجتمع الموصلّي ومناطقه الإدارية المجاورة وتخصيص قاعة خاصة لعرض معاناتهم وما أصابهم من ضرر ودمار وتهجير وقتل وسبي على أيدي هذه العصابة الدولية.
ـ توثيق الأعداد الكبيرة للنازحين أثناء عمليات التحرير ومعاناتهم في معسكرات الإيواء، مع ذكر البيانات الدقيقة للعائدين منهم الى بلداتهم وتواريخ عودتهم، وكذلك الأرقام الحقيقية لِمَنْ فضلوا المغادرة بشكلٍ نهائي لبيان الضرر الديموغرافي الذي تعرضت له نينوى بشكلٍ عامٍ، مع تسجيل قصصهم المأساوية على السنتهم والتي قد تكون في البعض منها أغرب من الخيال.
ـ جمع الأدلة المصوّرة عن حجم الدمار العمراني مع بيان مقدار الضرر للبُنى الخدمية الأساسية.
ـ تدوين كافة القوانين المجحفة التي فرضتها هذه العصابة الدولية على المجتمع الموصلي وقصباته بكافة أطيافه وشرائحه.
ـ تسجيل وتوثيق البيانات عن حجم الضرر التعليمي والتربوي (إيقاف التعليم بمختلف مراحله والتدمير الذي أصاب الأبنية التعليمية)، وحجم الضرر الذي أصاب الجانب الصحي ونتائجه الكارثية (تدمير المستشفيات والمراكز الصحية وقلّة الأدوية وإنعدامها للمرضى بالأمراض المزمنة كأمراض القلب والسكري والربو والسرطان ـ ـ الخ)، ومعانات السكان نتيجة إنعدام أبسط الخدمات وتدمير البُنى التحتية، وممارسات "داعش" القسرية خلال فترة سيطرتها على المدينة ومناطقها الإدارية.
ـ تخصيص قاعة لشهداء الجيش والقوات المسلحة والقطعات المساندة والمتجحفلة معها بكافة صنوفها ومسمياتها مع ذكر مناطقهم الجغرافية لتعزيز اللحمة الوطنية، وحيثُ إشترك العراق بكافة مدنه في عملية التحرير، بالإضافة الى تسجيل أسماء مَنْ أبلى البلاء الحسن في تقديم المعونة للمدنيين، وقد شاهدنا بعضهم عبر الفضائيات المختلفة التوجهات وهم يعرّضون حياتهم للخطر من أجل إنقاذ طفل أو إمرأة أو كبار السن.
ـ من الممكن شمول المحتوى الفني للمتحف بحملة إعادة الإعمار بصيغة المقارنة الميدانية المصورة للمناطق المدمرة قبل وأثناء التحرير وبعد إعادة إعمارها لتكون حافزاً للمعنيين على الإيفاء بوعودهم في إعادة إعمار الموصل بكافة صروحها وأحيائها.
ـ درج النشاط الإعلامي المميز بمشاركته الميدانية وفعالياته التي أسهمت بشكلٍ ملحوظ في تقديم الدلالة للممرات الآمنة وبقية التعليمات من خلال توجيه السكان عبر الإذاعات المحلية التي أوجدتها الحكومة أو عبر الفضائيات المختلفة خلال عملية التحرير، وتوثيق أسماء شهداء الصحافة والإعلام والمراسلين الحربيين العراقيين والأجانب، مع توثيق ما تعرضت له الكوادر الإعلامية من أخطار كبيرة أثناء تغطيتها للأحداث وتعزيز هذا التوثيق بالأفلام الناطقة (صورة وصوت).
إن هذا المقترح يقع ضمن سلسلة المقترحات المهمة الواجب دراستها والنظر فيها لتنفيذها ولو بعد حين لتذكير الأجيال القادمة بالمآسي التي حدثت، ولتكون تلك التوثيقات الرادع مستقبلاً لمنع وتفادي تكرارها، وأملنا كبير بتجاوز هذه المحنة لكل أهلنا في نينوى والمدن العراقية الأخرى التي تعرضت لسيطرة داعش.

30
مكتبة المفهرست والمعجمي "كوركيس عوّاد" أمانة في أعناقكم
بقلم: سالم إيليا
قرأتُ قبل سنة ونصف تقريباً خبراً مفاده إقتناء (شراء) مؤسسة دار التراث في النجف لمكتبة المفهرست والمعجمي الراحل الأستاذ "كوركيس عوّاد" الجالس في صَدرِ ديوان الخلود الأدبي في العراق، وحيثُ وصفها المدير العام لمؤسسة دار التراث الأستاذ علاء الأعسم "من أنها من أهم المكتبات المهمة والنادرة"، وبتوكيده الواضح بذكره لجملة "أهم المكتبات المهمة والنادرة"، يكون قد توّجها وبدون منازع للجلوس على عرش المكتبات المهمة والنادرة في العراق، وحيثُ وصَفَ صاحبها الموسوعي "كوركيس عوّاد" من أنه:
 "من نخبة الشخصيات التراثية على مستوى العراق والعالم والذي كَتبَ عنه الكثيرون وأشادوا بعلميته وعِشقه لتراثِ العراقِ وتاريخه ويعد من اهم المفهرسين في العراق بلا منازع بعد ان حصر جلّ اهتمامه في هذا المجال"، وحيثُ يضيف الأستاذ الأعسم في تصريحه بوصفه لمحتويات هذه المكتبة النادرة والعملاقة قائلاً:
 "تضمنت المكتبة عشرات الآلاف من الأوعية المعرفية المهمة والنادرة ما بين وثائق وحَجريات وكتب ومراسلات وصحف ودوريات، بالإضافة الى العديد من الوثائق المهمة والنفيسة ولعلّ من أهمها مراسلاته الشخصية مع العلماء والشخصيات المهمة على مستوى العالم وبمختلف الديانات والفرق والمذاهب واجوبتهم عليه"، ثمّ ينهي المدير العام وصفه لمحتوياتها بتصريح: "وقد تم بحمد الله تعالى ضمّها لمكتبة المؤسسة"!!!.
الرابط أدناه للخبر المنشور في 25 شباط/2016م والذي تناقلته معظم المواقع الألكترونية ووسائل الإعلام العراقية وتحت عنوان "دار التراث تقتني مكتبة كوركيس عوّاد ببغداد ضمن خطتها للحفاظ على الموروث الثقافي":
 http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/d1549cc8-d8f4-4470-9397-979cec4d4b01
 وسوف لن أتكلم عن الظرف الذي حدا بعائلته الى قرار التفريط بجهد ما يقارب السبعين عاماً لوالدهم في البحث والتقصي والتأليف وشراء النوادر من المخطوطات والكتب من أرجاء العراق وخارجه، إذ أنّ السبب يبدو لي وللجميع واضحاً وحيثُ أنهم جزء من العراقيين بمجمل طوائفهم الذين قرروا المغادرة نتيجة الظروف الغير طبيعية والإستثنائية، وهم من طائفة أُجْبِرت في معظمها بفعل الظروف إلى مغادرة العراق نتيجة القلق والخوف من العنف الذي طال الكثير من مواطنيها، خاصة في المناطق التي كانت تعتبر ساخنة وحيثُ إنتقلت العائلة عام 1984م من منطقة الكرادة إلى منطقة الدورة في بغداد.
 إذ أخبرني الراحل الخالد الذكر المؤرخ "جورج البناء" من أنه والراحل الخالد الذكر "كوركيس عوّاد" كانا يجوبان المكتبات المهمة في لبنان وبقية الدول الأخرى خلال زياراتهما العائلية الموسمية لخارج العراق (ترتبط العائلتان بروابط صداقة قوية) بحثاً عن النوادر من المؤلفات لشرائها وشحنها إلى العراق لضمّها إلى مكتبتيهما، جاء ذلك من خلال اللقاء الصحفي الذي أجريته مع المؤرخ جورج البناء في مدينة سان دييغو الأمريكية/كاليفورنيا في اليوم الثاني من عيد الفصح الموافق السابع من نيسان سنة 2010م وقبل وفاته بسنوات قليلة حين سافرتُ اليه خصيصاً لإجراء ذلك اللقاء الذي لم أنشره بعد بإنتظار رد عائلته على بعض المعلومات التي طلبتها عنه بعد وفاته رحمه الله (كُنت قد كتبتُ قبل سنوات مضت مقالة مطوّلة بجزئين عن الراحل المؤرخ جورج البناء التي نشرتها الكثير من وسائل الإعلام المحلية والمهجرية، وحيثُ سَلطتُ الضوء فيها على الكثير من نشاطاته وتاريخه الأدبي ورحلاته السياحية وتقليده وسام رجل عام 2006 من قِبل عمدة مدينة سان دييغو الأمريكية مع منحه أربعة شهادات تقديرية أخرى).
فالذي أرجوه من القائمين على "مؤسسة دار التراث في النجف" تشكيل لجنة متخصصة نزيهة تتسم بالمهنية والحِرفية العالية لجرد مؤلفات المفهرست والمعجمي الخالد الذكر "كوركيس عوّاد" وتدوينها وتوثيقها والإعلان عنها في وسائل الإعلام، خاصة (المخطوطة) منها التي لم تُنشر ولم ترى النور بعد حفاظاً على حقوق مؤلفها ومنعاً للسرقات الأدبية وإكراماً لجهود مؤلفها الذي أفنى سنوات عمره منكبّاً على المصادر ومناهل العلم لتأليف جواهر الأدب والتراث العراقي، ولتوثيق ما وصل اليه فِكره وبحثه عن تراثنا الموغل في أعماق التاريخ وحِقبِهِ الزمنية.
كما أتمنى على القائمين على "مؤسسة دار التراث في النجف" أيضاً تخصيص قاعة تليق بمحتويات المكتبة وصاحبها وكل ما يتعلق به من مقتنياته الشخصية ووضع إسمه على باب القاعة (وردني بشكل مؤكد من أنّ مكتبته قد إحتوت حتى على لعبة النرد/الطاولي الخاصة به أيضاً)، وهذا أقل ما يمكن أن يُكَرِّم به أبناء النجف الأصلاء أصحاب العلم والأدب وأحد جهابذة العلم والمعرفة في العراق الذي أفنى حياته من أجل أن يترك لنا كنزاً ثميناً من المعلومات الموثقة والمُبوّبة والمُفهرسة بدقة متناهية، كما أنني على علمٍ أكيدٍ بما تحتويه مكتبته من نفائس المخطوطات والكتب التي ربما لا يوجد نسخٍ أخرى منها أو نسخ قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ومنها النسخة الأصلية لمطبوع أول مسرحية أو رواية عراقية طُبِعت في مطبعة دير الآباء الدومنكيين الحجرية في الموصل سنة 1893م وهي "رواية لطيف وخوشابا" لمؤلفها (إستخرجها بتصرف عن الفرنسية) الأستاذ الراحل "نعوم فتح الله السحّار"، وحيثُ أنّ العلاّمة الراحل كوركيس عوّاد كان قد عرضها أمامي أثناء تشريفي بترحيبه لزيارتي له في مكتبته العظيمة في دار ولده البكر "سهيل" في منطقة الدورة في بغداد قبل وفاته بسنواتٍ قليلةٍ، إذ كنّا نتجاذب أطراف الحديث عن المقتنيات الأدبية النادرة فأفضيتُ لهُ بإمتلاكي للنسخة الأصلية للرواية المذكورة، فبادرني بالقول من أنه يمتلك نسخة منها أيضاً في نفس اللحظة التي أمتدت فيها يده الكريمة لتستلها من على أحد رفوف مكتبته الضخمة العامرة، وحيثُ ذكر لي حينها من أنه أصبح من المؤكد وجود ثلاث نسخ منها أو ربما أكثر بقليل إحداها بحوزته والأخرى بحوزتي من الأرث الأدبي لوالدي (أي بحوزة كاتب هذه السطور) والأخرى تمتلكها عائلة المرحوم مؤلف الرواية "نعوم فتح الله السحّار" الذي كان معلماً في مدرسة الآباء الدومنكيين حينها.
وربما من المفيد ذكر نبذة مختصرة عن الأستاذ المفهرست والمعجمي "كوركيس عوّاد" الذي لم يبخل من وقته على بلده وأجياله بالمشورة الأدبية والمساعدة العلمية والعطاء الأدبي الثر، وحيثُ ذكر لي ولده "باسل" وهو صديقي منذ ما يزيد على الأثنين والأربعين عاماً ورفيق دراستي الجامعية وخدمتي العسكرية بعد تخرجنا، والمقيم حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية "من أنّ والده الجليل كان يؤجل أو حتى يلغي بعض الإلتزامات العائلية له بمجرد إتصال أحد المعنيين بالشأن الأدبي أو أحد طلبة الدراسات العليا لطلب المساعدة منه في أمرٍ ما له علاقة بالعلم والأدب"!!!، هكذا كانوا الأوائل من عظماء العراق المعطاء دائماً إنشاء الله.
وقد ذكر الباحث "كريم إينا" في بحثه الموسوم "المفكر الموسوعي كوركيس عواد" الذي نشره على موقع "قناة عشتار الفضائية" في الثاني عشر من آب سنة 2015م ما يلي:
"ولد كوركيس عواد في مدينة الموصل، يوم 9 تشرين الأول سنة 1908 وتلقى مبادئ العلم في بعض مدارسها. – واصل الدراسة في دار المعلمين الإبتدائية بغداد، وتخرج فيها عام 1926.- عمل في التعليم عشر سنوات (1926 – 1936).- في عام 1936، عين أميناً لمكتبة المتحف العراقي، وكان فيها من الكتب حينذاك 804 مجلدات فلما أحال نفسهُ إلى التقاعد سنة 1963، كانت محتويات تلك المكتبة، قد بلغت نحواً من 60000 ألف مجلد.- في سنة 1950، إجتاز دورة مكتبية في جامعة شيكاغو. – في أواخر عهده بالوظيفة، أنشئت في بغداد "الكلية الجامعة" التي أصبحت بعد ذلك "الجامعة المستنصرية". فعهد إليه رئيسها يوم ذاك أن يتولى إدارة مكتبتها التي كانت خالية من أيّ كتاب، فبدأ عملهُ بالكتاب ذي الرقم (1). فلمّا إعتزل إدارتها بعد تسع سنوات، كانت محتوياتها قد جاوزت 90000 مجلد. – أحبّ المطالعة، وأقبل على البحث والتأليف منذُ مطلع شبابه، وصار من أصدقاء الكتاب المخلصين لهُ، وإجتمعت لديه بتوالي السنين مكتبة ثمينة حافلة بأمّهات المصادر والمراجع. – نشر عدداً من المباحث، ما بين كتاب ورسالة ومقالة ونبذة، يتعلق بالتاريخ واللغة والحضارة والبلدان والتراث العربي. – في سنة 1948، أنتخب عضواً مُراسلاً في المجمع العلمي العراقي. – في سنة 1980، أنتخب عضواً مؤازراً في مجمع اللغة العربية الأردني. – وهو إلى ذلك، عضو مؤازر في المجمع  العلمي الهندي في نيودلهي. – متزوج ولهُ إبنان وإبنتان"(*).
ثمّ يضيف الباحث "كريم إينا" في مقدمة بحثه عارضاً رأيه في المفهرست والموسوعي أستاذنا الجليل "كوركيس عوّاد" قائلاً: "وكوركيس عواد المؤلف التاريخي المبدع هو مثال الإنسان للخلود . . يحول اللحظة العابرة التي قد تضيع الى لحظة حية من الإبداع الملموس . . انه أداة من أدوات التغلب على الموت". كذلك يصف كاتب البحث الموسوعي "كوركيس عوّاد" في خاتمة بحثه بصَّنْوُ "إبن النديم"، إنتهى الإقتباس من البحث المقدم بواسطة الباحث القدير "كريم إينا"، ومن يرغب من القارئات والقرّاء الأكارم في الإطلاع عليه كاملاً فسيجده على الرابط أدناه:
http://www.ishtartv.com/viewarticle,62677.html
ومن الضروري أن أوثق بشكلٍ دقيق اليوم الذي غادرتنا فيه روح مؤرخنا الجليل الى دار الخلود الأبدي لعلمي بعدم إدراجه في بعض المصادر حين تتحدث عن سيرة حياته، فلقد أسلم الروح لخالقها في يوم الأحد المصادف التاسع عشر من تموز عام 1992م، هذا ما أخبرتني به عائلته مشكورة، ومن الصُدف أن يأتي نشر هذه المقالة أو (النداء) بعد إسبوعين تقريباً من ذكرى مرور ربع قرن على رحليه.
ومن خلال متابعتي المستمرة لكل ما يُكتب عن الموسوعي النجيب "كوركيس عوّاد" ومعرفتي به عن قربٍ كوالدٍ لصديقي "باسل"، أستطيع نعته بـ "قديس الأدب والتراث العراقي"، لما كان يحمله من خصال وأدب جم وهدوء مفرط ومصالحة مع النفس ومع الآخرين وكياسة إنسانية راقية ونفس طيبة ومتواضعة وروح فيّاضة بالمحبة للجميع وإهتمام وشغف وإيثار قلّ نظيرهُ لبلده وتراثه وتاريخه ولأهل بلده دون تخصص أو تفرقة. 
وكلمتي الأخيرة أقولها لأبناء النجف الأصلاء وأدبائها من أنّ التاريخ سيسجل لهم حتماً وللقائمين على منافذها وصروحها الأدبية هذه الوقفة الجليلة والمبادرة الكريمة فيما لو إستجاب لندائنا هذا فرسان الأدب والمعرفة فيها، فمن غير المعقول أن يُكرَّم جهابذتنا في مهاجرهم من قبل الغرباء كما كُرِّم المؤرخ "جورج البنّاء" ولا يُذكر لهم أي ذكر أو تخليد لأسمائهم من خلال عطاءاتهم في بلدهم العراق!!!.
تحية إكبار وإجلال لكل أدبائنا وأعلامنا الذي أعطوا دون مقابل وتركوا لنا نتاجاتهم التي تنتظر مَنْ يقيّمها ويضعها في موضعها الصحيح وينشر مخطوطاتهم في زمنٍ أصبح النشر فيه أسهل من شرب قدح الماء وبطرق مختلفة بتطورها التقني والشكلي الجمالي.
وتحية إكبار وإجلال أخرى لكل من ينفض غُبار الزمن والإهمال عن مدوّنة أو مخطوطة أو أي عمل أدبي لأي من أدباء العراق ليحافظ عليه بإخراجه من دهاليز الإهمال والنسيان ليرى النور على يديه.

إنتباهة:
(*) ورد في مدونة المؤرخ الجليل أ.د. ابراهيم العلاف في البحث المقدم من قبله مشكوراً والموسوم "كوركيس عواد بصمة واضحة في جدار الثقافة العراقية المعاصرة" والمنشور في يوم الخميس ،20 مايو، 2010 :
من أنّ الموسوعي كوركيس عواد قد "ولد في ناحية القوش بمحافظة نينوى سنة 1908".
لكنه وحسب معلوماتي من والدي الأديب الراحل "يقين إيليا الأسود"، والمؤرخ الراحل "جورج البناء" الذي كانت تربطه مع المعجمي الراحل "كوركيس عوّاد" علاقة صداقة طويلة وعميقة ومتينة منذ الصغر، وكذلك بالعودة الى عائلة الأستاذ "كوركيس عواد" بخصوص مكان ولادة والدهم الجليل، وإستناداً الى ما ورد على لسان المؤرخ القدير "بهنام سليم حبابة" بهذا الخصوص خلال لقاء مراسل موقع "عينكاوا دوت كوم" به الأستاذ "سامر الياس سعيد"، مع العودة أيضاً الى الموقع الألكتروني للـ "المجمع العلمي العراقي" الذي كان المفهرست القدير "كوركيس عواد" عضواً فيه، تأكد بما لا يقبل الجدل من أنّ الأستاذ "كوركيس عواد" كان قد ولد في الموصل/المركز وعلى الأرجح في منطقة الميدان ثم إنتقلت عائلته الى منطقة الساعة، أي أن أصول عائلته "أباً عن جد" من داخل مدينة الموصل/المركز، ولربما هنالك التباس قد حصل بسبب خدمة الأستاذ "كوركيس عواد" كمعلم في مدرسة "القوش" الإبتدائية لمدة أربع سنوات بعد إنتقاله اليها من مدرسة "بعشيقة"، وعليه وجب التنويه مع تقديرنا العالي للجهد التوثيقي العظيم الذي يتبناه مؤرخنا الكبير أ.د. ابراهيم العلاف.

31
نصرٌ مخضّبٌ بالدماءِ الزكيةِ ـ ـ فمتى نتعض؟!!
بقلم: سالم إيليا
ثلاث سنوات مرت ثقيلة بإحداثها بعد أن سيطرت عصابة مجرمة بأيامٍ قلائلٍ على أكثرِ من ثلثِ العراق كشفت خلالها الحالة السياسية والعسكرية المزرية التي كان يعيشها البلد كنتيجة لقيادة الأحزاب الدينية بكل مشاربها ومذاهبها الغير مؤهلة بأفكارها ورؤاها لمنطق العصر والغير مدركة لتكوينة المجتمع العراقي.
وقد جَمّلَت تلك العصابة الدولية أفعالها الدنيئة بإسم أطلقتهُ على نفسها لمداعبة العواطف والمشاعر الدينية للبعض ممَنْ تُطرِبُهم نغماتها الطائفية وتطرفاتها المذهبية والدينية وكره وتكفير الآخر حتى لو كان من أقربِ المقربين أو جار مشارك لهم في الأرض بسرّائها وضرّائها!!، فإنتُهِكَت الحُرمات وسُبيت النساء وحُرقت الممتلكات وهُجّرت المكوّنات بشيوخها وعجائزها وأطفالها ـ ـ رضيعهم قبل صغيرهم الذي يحبو بعفوية الى أمام ظناً منه من إنه يحبو الى مستقبلٍ زاهرٍ وغدٍ مشرقٍ!!.
 ثمّ بدأ السيل الجارف يبتلعُ حتى مَنْ فتح سدود الحصانة المجتمعية السلمية مرحباً بشواذِ العقلِ والفكر الإنساني وفاقدي الصفة الإنسانية بكل تفاصيلها، فسمحَ ذلك البعض الخائن للوطن ولهويته الوطنية لتلك الشراذم بإنتهاك الحُرمات وأصبحَ كل شيء مباح بإسم الدين وتحت صيحات التكبير ظلماً وتزييفاًـ ـ جَزّ الرقاب والتفنن بطرق القتل التي لم تفعلها حتى الحيوانات التي لا تقتل إلا جوعاً أو دفاعاً عن النفس!! ـ ـ سَبي النساء ـ ـ خطف الأطفال ـ ـ تهجير مكونات أصيلة بكاملها ـ ـ تفجير المعالم الدينية والتاريخية وكان آخرها منارة الحدباء التاريخية وجامعها النوري (الكبير) ـ ـ سرقة الأثار والنفائس من القطع التاريخية التي لا تقدر بثمن ولا يمكن تعويضها ـ ـ سرقة الذهب الأسود والأصفر وكل ما نالته أياديهم الدنيئة ـ ـ حرق الكتب والمخطوطات النفيسة ـ ـ إيقاف التعليم العلمي وإستبداله بالتعليم المُحرِّض على العنفِ وكراهية الآخر وتحويل الكليّات الى أبنية ومعامل لصناعة أسلحة القتل والتدمير ـ ـ فرض القوانين الشاذة ليس عن منطق هذا العصر فحسب وإنما الشاذة على مر العصور، فنال ما نال مِن الأذى الملايين من أبناء المناطق المحتلّة مِمَنْ لم يكن لهم "لا ناقة ولا جمل" بمجملِ تلك الأفكار الغريبة والدخيلة على مجتمعهم في تكريت والأنبار وديالى ونينوى وغيرها مِن الأقاليم العراقية، فهُجِّروا زرافات زرافات الى المجهولِ تحت وابل القصف العشوائي من هذا الطرف أو ذاك وهُدّمَت البيوت على ساكنيها، وتزايدت أعداد الضحايا والأرامل واليتامى وكأنّ المجتمع العراقي لم يكتفي بعد من الأعداد المذهلة لضحايا الحروب ومآسيها!!، وحيثُ أصبح اللون الأسود يغطي الأجساد والحيطان.
 لكن مَنْ بيدهم دفة السياسة الغبية والملعونة لم يكتفوا بعد من رؤية مشاهد الدمار والخراب، وحيثُ لا يزال التعنت يركبُ رؤوسهم الخاوية إلا من معتقداتهم وأيديولوجياتهم الحزبية التي إبتلى بها المجتمع العراقي منذ بداية الثلاثينات من القرن المنصرم ولحد هذا اليوم!!، فما الذي جنيناه منها غير البؤس والآلام والتصدع المجتمعي؟!!، فبات الأخ يعادي أخيه ـ ـ لا بل ينحره بدمٍ بارد وقلبٍ ميتٍ ويدٍ ثابتةٍ كيد قابيل عندما حزّ رقبة أخيه هابيل!!.
 فهذا أُممي يطالب بفرض إشتراكيته حسب نظريته التي يُؤمنُ بها وحيثُ فشلت بإمتياز في جميع البلدان التي حاولت تطبيقها!!، وذاك قومي يَرغبُ بصبغِ المجتمعِ المتعدد الأعراق والأجناس بصبغته التي لا يُهادن على فلسفتها الأحادية!!، والآخر ديني لَبسَ "عمامة" التعنت والتطرف المذهبي وصاحَ برعاعِ القوم "حيَّ على الجهاد" لقتل القومِ الكافرين حتى وإن كانوا إخوة له في الدين لكنهم إجتهدوا برؤيتهم التي تعارضت مع رؤيته!!، وفي خِضَم هذه المتناقضات أضعنا هويتنا الوطنية وسحقناها تحت أقدام الجحافل السياسية الثائرة والمتشبعة بتلك الأيديولوجيات، وسَحِقنا معها "المواطنة" وأصحابها ممن كانوا يجلسون على مدارجِ حَلبة الصراعات السياسية بملايينهم ينظرون بأسى وحزن مشاهد السحل في الشوارعِ وردود أفعالها ـ ـ والتعليق على أعوادِ المشانق وعسكرة المجتمع وتسييسه ـ ـ وصعود المتصيدين والوصوليين ومتعطشي السلطة وإمتيازاتها الى مواقعِ القرار لإدارة البلد.
 وتكالبت قوى الشر من هذا الحلف وذاك البلد لإذكاء النار المستعرة وديمومة حرائقها التي أتتِ على الأخضر قبل اليابس ـ ـ كيف لا والكل يبحثُ عن ليلاه إلاّ (أولاد الخايبة) فهم يتطوعون مجاناً لمد يد العون للغرباء لتسهيل مهماتهم في القتل والتدمير وحصد الغنائم من البلد المباح بأرضه وشعبه ـ ـ فنحن لا نجيد التخطيط فنتركه للعم سام والعم أبو ناجي ومن لفّ حولهم من الحاقدين من العربان والفرس والعثمانيين ليمرروه الينا لتنفيذه حتى دون فرز صالحه من طالحه ـ ـ فهم لا يجدون أفضل منّا في التنفيذ المدمر ـ ـ لا بل نفاجئهم بنجاح نتائجه بأكثر مما خططوا ومما يتوقعون منّا ـ ـ كيف لا ونحن الكرماء دائماً حتى شمل كرمنا نحر مواطنينا في كل زقاق وحي إكراماً للمخططين!! ـ ـ وحيثُ أننا (ملوك) التدمير لكل ما تركه لنا السلف الصالح!! ـ ـ وكوننا (نفتخر) بأننا الخلف الطالح!! ـ ـ  فيا لبؤسنا وسذاجتنا ـ ـ ويا لجهلنا وضحالة فكرنا ـ ـ فالى متى نبقى مطيّة لهذا وذاك حتى لِمن كنّا لا نحسب لهم حساب في الأمس القريب!! ـ ـ فبتنا اليوم نذهب اليهم زاحفين على بطوننا وفوداً وفرادى نتوسلهم ونقبّل أكتافهم ليمنّوا علينا بكلمةِ عطفٍ وصدقةٍ تخرجُ من أفواههم المُزْبدة ذو الرائحة النتنة وبعلياءٍ وتشفّي على ما آل اليه حالنا!!.
ويا عجبي على من أطلقوا على أنفسهم رجال سياسة وحكم وهم يتباهون بضخامة شواربهم لكنهم قد غسلوا وجوههم بالبول ـ ـ فذاك الذي سَخّرَ أبواق آلته الإعلامية لتقول بكل صلافة لنا وللعالم الذي شهد على هزيمته المنكرة بأنه إنتصر بعد أن فعلت آلة الدمار المعادية بكل أنواعها ومسمياتها فعلها في القتل الجماعي والتدمير وخسارة شعبه لكل شيء من الألف الى الياء حتى خسر هو نفسه بأذل الطرق وأرذلها لكنه لم يتنازل حتى آخر لحظات حياته عن غروره وعنجهيته الفارغة!!! ـ ـ وهذا الذي يتربع الآن على منصب نائب رئيس الجمهورية كمكافئة له على هزيمته وهو بطل تسليم ثلث العراق بأيام معدودة لعصابة لا تتجاوز المئات من شراذم تقيئتها مجاري المياه الثقيلة لدولهم فرمت بهم الينا ليَحكموا ويتحكموا على شعب إبتلى بالفاشلين من السياسيين أو مِمَنْ أطلقوا على أنفسهم هذه الصفة التي من المفترض أن يكون صاحبها متقد البصر والبصيرة وليس جاهلاً وغبياً ومنحرفاً وممتلئاً بالعقدِ النفسيةِ.
فأي نصرٍ هذا الذي نتكلم عنهُ وقد خُضِّبَ بدماءِ الآلاف من أصحابِ الغيرةِ المقاتلين بكل صنوفهم من كل قرية ومدينة عراقية ودماء المدنيين الأبرياء بعد أن إستغرق عودة المدن المدمرة بالكامل الى أصحابها ردهاً من الزمن وبعد أن سُلِبت بأيام على يد الرُعاع وهي في عِزّ زَهوها ـ ـ وكيف لنا أن نحتفل والجرحى المقاتلين الأبطال لا يزالون يناشدون السياسيين بتوفير الخدمات الطبية لهم وصرف رواتبهم ورواتب إخوانهم من الشهداء ـ ـ وكيف لنا أن نتغنى بنصرٍ تعلو على صوته أنين وصرخات الحرائر المسبيات الأيزيديات ـ ـ وكيف لنا أن نحتفل بنصرٍ لا تزال فيه مئات الآلاف من العوائل مشردة في الصحارى والبراري تعاني ما تعاني!! ـ ـ وكيف لنا أن نحتفل بنصرٍ كان ثمنه إختفاء منارة الحدباء وجامعها النوري ومراقد النبي شيت والنبي يونس والنبي جرجيس والأديرة والكنائس التاريخية ودور العبادة لبقية المكونات وآثار أجدادنا التي تركوها لنا شاهداً على تحضرهُم ونحن أزلناها من على وجه الأرض كشاهدٍ على تخلفنا وبؤسنا.
 فلا نصر يكتمل إلا بمحاسبة السياسيين الفاشلين والقادة العسكريين المتخاذلين ممن كانوا سبباً على الهزيمةِ ـ ـ ولا نصر يكتمل إلا بمعاقبة أفراد تلك العصابات ومن وقف معهم بالفعل والقلب واللسان ودعاهم "بالمجاهدين" ظلماً وعدواناً ـ ـ ولا نصر يكتمل إلاّ بطرد عوائل المجرمين من الموصل والأنبار وتكريت وسامراء وديالى ممن كانوا على علمٍ بأبنائهم وكانوا حاضنة للدواعش ليكونوا عبرة لغيرهم ـ ـ ولا نصر يكتمل إلا بإعادة بناء ما دمرته الحروب اللعينة وبصروح وأنظمة أفضل من أفضل البلدان التي كنّا بالأمس القريب نتفضل عليها وعلى شعوبها ونرثي لحالها، فشعب العراق الذي عانى ما عانى يستحق أن يعيش مثلما تعيش غيره من الشعوب، وحيثُ كنّا نتمنى أن يكون لدى السياسيين الفاشلين ذرّة من الغيرة ليعاقبوا أنفسهم وينهوا حياتهم ليكون لشواربهم معنى رجولي بحق تحت أنوفهم التي مُرِّغَت بالتراب.
ومتى نتعض ونتعلم من أخطائنا ونستغني عن التشبث بأحادية معتقداتنا والغاء الآخر الذي هو شريكنا في الوطن والعزوف عن الخلط ما بين إنتماءاتنا الدينية والقومية والوطنية لنحيا كما يحيا غيرنا في القرن الواحد والعشرين.
فهل وصل الى غايته مَنْ رحّب "بالمجاهدين" وصفق لهم بتدمير منارة الحدباء وجامعها الكبير ومراقد الأئمة والأنبياء ودور العبادة الدينية والصروح التاريخية والمتاحف والمكتبات ودور العِلْم والمعرفة حتى لم يسلم من التدمير حارة أو زقاق أو بيت؟؟!!، وهل شفى غليله نزوح مئات الآلاف من  العوائل الكريمة من كل مكونات المجتمع ودمار الأحياء والبيوت على ساكنيها؟؟!!، وهل تنبه الآن مَنْ أيّدهم (وبعد فوات الآوان) الى مَنْ أرسل هؤلاء "المجاهدين" والغاية منهم؟؟؟!!!، فلا ماء ولا كهرباء ولا حتى هواء نقياً بدءاً بالعاصمة بغداد الى أبعد ناحية في العراق الذي حباه الله بكل مقومات العيش الرغيد لكنه أسير بيد رعاع القوم ودونهم الذين نعتوا أنفسهم بالسياسيين وأمتهنوا (مافيا) السياسة في أزقة وأروقة الأحياء المشبوهة في بلدان اللجوء.     
         

32
الشهيدة منارة الحدباء أنقذها من الموت "عبودي الطنبوره چي" وإغتالها داعشي!!
بقلم: سالم إيليا
كنتُ أتواصل تلفونياً مع إحدى أخواتي التي تسكن مع عائلتها (قسراً) كمغتربة في إحدى البلدان الأوربية في مساء يوم الأربعاء المصادف الحادي والعشرين من حزيران/2017م، وإذا بها تصرخ ـ ـ ويييييييي ـ ـ فجروا المنارة (أثناء محادثتها معي كانت تشاهد القنوات العربية كالمعتاد من خلال شاشة التلفاز التي أمامها)، كنتُ حينها خلف مقود السيارة على إحد الطرق السريعة وكانت زوجتي بجانبي فكُدت أن أحرر كلتا يدي لأشبك بهما على رأسي وصرخت مستفهماً منها بجملة (لا مستحيل الرجاء تأكدي من الخبر) فجائني الجواب منها بعد لحظات من الصمت الرهيب بأنّ الخبر صحيح!!!!، قلت لها كلمتي "لا مستحيل" لأنني لم أكن أتوقع أن تصل الدناءة والخسة واللؤم والجهل بالفاعلين الى هذا المستوى ـ ـ لماذا؟!!، لأنني وغيري من المتابعين ربما نجد سبباً (فقهياً) كما يدعون بترويجهم لأفكارهم وأحكامهم وسيكولوجية أتباعهم عندما فجروا أضرحة الأنبياء على إعتبار إنها قبور!!، ولا أعلم بأي منطق أو مفهوم (فقهي) يتم تفجير ضريح لرسول أو نبي ذُكِر إسمه في الكتب المقدسة للديانات الإبراهيمية الثلاث؟؟!!، وبأي مفهوم تم تفجير وتدمير الأثار على إعتبار إنها أصنام؟؟!!، وحيثُ أنّ المنصف والمتنور يعتبرها أعمال فنية رائعة تبين عظمة الخالق في خلقه حين منح البعض منهم مواهب دون غيرهم!!، فنحتوا هذا الصخر لإبراز جمالية المقدرة البشرية وإبداعها التي خصّهم بها الخالق دون غيرهم من الكائنات الحيّة!!، فهل يستطيع أي حيوان نحت طينة أو صخرة ليحيلها الى عمل إبداعي؟؟!!، الجواب بالطبع لا، لماذا؟ ـ ـ لإن الخالق أكرم الإنسان بالعقل ليميزه عن باقي الكائنات الحيّة!!، والخالق أيضاً وضع الحدود لمقدرة البشر وإبداعاتهم لكي لا يتوهم البعض منهم أنّ بإستطاعتهم تجاوز حدودهم البشرية، ولهذا فمهما بلغ النحّات من مقدرة وفن فأنه لا يستطيع تحويل نحته أو عمله الفني الى كائن حي ويبث الروح فيه، لأن هذا الأمر هو من إختصاص وقدرة الخالق الذي وضع الحد الفاصل بينه وبين المخلوق ـ ـ أي بين الإله والإنسان!!!، فالإنسان المؤمن السوي هكذا يفهم الأمور وهكذا يؤمن من أنّ الخالق لا يحتاج الى وصاية أو حماية من أحد للدفاع عن عظمته ومقدرته التي لا يستطيع خلقه منافسته عليها، فهو الذي وضع القوانين الإلهية وهو الذي صاغ الإنسان بحدود لا يستطيع تجاوزها مهما بلغ من المقدرة!!، إذن لماذا هؤلاء المتشددون يدمرون التماثيل التي مِن الإستحالة على مَنْ نحتها أن ينفخ الروح فيها؟؟!!، كذلك ليس هنالك أي خوف ونحن في القرن الواحد والعشرين من أن يأتي أحدهم ليقدم فروض الطاعة والتأليه لهذه التماثيل والحجارة كما كان يفعلها الأولون جهلاً وتخلفاً، فالزمن الحالي غير ما كان عليه البشر قبل الف أو الفي عام، إذن ممن الخوف؟؟!!.
وربما نعرف أيضاً سبب حقد المتشددين على دور العبادة للمكونات الأخرى من كنائس وأديرة ومعابد للديانات القديمة كالأيزيدية وغيرهم.
لكن لنعود الى الشهيدة منارة الحدباء وجامعها، فهي ليست ضريح وليست تمثال وليست معبد أو دار عبادة للأديان المرفوضة بالفكر الداعشي لتدخل ضمن مفهوم المتشددين على أنها حرام ويجب إزالتها من على وجه الأرض!!، وإنما دار عبادة حالها هي وجامعها كحال أي منارة جامع آخر، ولو كانت تُعتبر غير ذلك برأي المتشددين فلماذا خصّها البغدادي بإعلان خلافته من على منبر جامعها، إذن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا فجروها؟ هل هو الخوف من إنهيار معنويات من تبقى منهم كونها مثلت رمزاً لهم بعد ظهور البغدادي وخطبته المشهورة من على منبرها؟؟؟، أم نكاية بالقوات المقاتلة لحجب فرحتهم بالوصول اليها؟؟؟، أم نكاية بالموصلين الذين لم يدعموا في معظمهم دولة الخلافة المزعومة؟؟؟، أم هنالك أصابع حاقدة خفية ترغب بإنتهاز حالة الفوضى فدست من يفجرها من المتشددين حالها حال كل الصروح التاريخية دينية كانت أم عمرانية؟؟؟.
وهنا أقف للمقارنة بين فعل وفعل آخر مضاد له في كل المعاني والمعايير الإنسانية، وحيث أنّ الفرق الزمني بين الفعلين لا يتجاوز (78) عاماً وهو عُشُر (أي واحد من العشرة) من عمر المنارة أو ما يزيد قليلاً (عمر المنارة بحدود 850 سنة).
الفعل الأول كما حدّثنا عنه تاريخ الموصل القريب يعود لحكاية حقيقية ربما لا يزال البعض ممن عاصروها على قيد الحياة تتكلم عن شخص يمتهن مهنة البناء إسمه "عبود الطنبوره چي" وباللهجة الموصلّية يدعونه بعبودي الطنبوغه چي ـ ـ و"عبودي الطنبوره چي" إنسان كادح بسيط من مسيحيي الموصل كان يعمل خلفة أي (أسطة) أو عامل بناء ماهر مع بقية إخوانه الموصليين من جميع المكونات في هذا الصنف (الكار أو الكاغ) كما يُطلق الموصلييون عليه والذي يمتاز بكثرة مشاهيره محلياً من جميع مكونات المجتمع الموصلّي المتجانس حينها، وفي سنة 1939 (بعض المصادر تذكر سنة 1940م) تحديداً أرسل متصرف الموصل (محافظ الموصل) بطلب عبودي الطنبوره چي لسمعته الجيدة في مجال مهنته وكلّفه بترميم الجزء المتهدم من منارة الحدباء والذي يقع في وسطها من الخارج وحيثُ كان يُعتبر الوصول اليه ضرب من الخيال لعدم توفر الإمكانيات من الأليات والعُدد المطلوبة، وبعد أن (درس) الإسطة عبود الحالة بصعوده على سطوح البيوت المجاورة للمنارة لمشاهدة الجزء المتهدم من مسافات أفضل من رؤيته له من على الأرض قرر المجازفة بحياته بإستخدامه لصندوق صنعه له النجارون بناءً على طلبه وربطه بحبال من أطرافه ودعا ستة من عماله الأقوياء الى الإمساك بإطراف الحبال لينزلوه مع عُدَدِه وما يحتاجه من مواد البناء من أعلى المنارة الى الجزء المتهدم من الجهة المائلة للمنارة!!، وجرت محاولات عديدة صعوداً ونزولاً للصندوق الخشبي وبداخله الإسطة (عبود) للوصول الى هذا الجزء حتى إستطاع الوصول اليه والمئات أو ربما أكثر من الناس المتجمهرة حول المنارة وجامعها وسطوح البيوت المحيطة بها كانت تنظر اليه حابسة أنفاسها وتدعوا له بالنجاح في مهمته، وحيثُ كانوا مساعديه الذين يمسكون بالحبال يعدون الثواني لإنهاء هذه المهمة الصعبة خوفاً من إخفاق أحدهم بالمطاولة في مسك الحبل فيحرره وعندها سيخسر عبود حياته!!، وخلال ترميم عبود للجزء المتهدم الذي عشعشت فيه الطيور تفاجأ بوجود ثعبان كبير كان يتوقع وجوده لفطنته العالية، وحيثُ كانت حينذاك تتواجد الثعابين في داخل الموصل وبيوتها التي تحتوي في أغلبها على السراديب التي تعتبر الملاذ الآمن لبعض الزواحف ومنها الثعابين، وكان عبود قد أخذ الحيطة لمثل تلك المفاجئات بضم مذراة الحصاد الى عُدده التي حملها معه، وبشجاعة وسرعة خاطفة سحب الثعبان من الفتحة بواسطة المذراة ورماه أرضاً وحيثُ تكفل مَنْ هم على الأرض بقتله.
وبعد أن أنهى "عبودي" عمله على أحسن ما يرام وسط هلاهل وتصفيق الجموع المحتشدة سأله متصرف (محافظ) الموصل عن أتعابه وأتعاب فريق عمله، فقال له "عبودي" مؤشراً على الجامع ومنارته: هذا بَيتُ مَنْ؟؟؟.
أجابه المحافظ: هذا بَيت الله.
قال له "عبود الطنبوره چي": إذن حسابي سيكون عنده وليس عندك وسط ذهول مَنْ كان حاضراً!!!، ثمّ دفع مِن جيبه الخاص أجور عُماله وتحمل مصاريف عمل الصندوق الخشبي الذي حملهُ وجميع مصاريف العُدد ومواد البناء التي إستخدمها لتنفيذ مهمته.
والروابط أدناه بالتتابع للباحثين والكتّاب الأفاضل: أزهر العبيدي والقصة التي كتبها بقلمه (حكايات عمّو مشتاق الدليمي/ حية البيت: الجزء الثاني/ عبودي الطنبورجي ومنارة الجامع الكبير) والدكتور غازي رحّو نقلاً عن ما أعده الكاتب مؤيد ناصر وكذلك الدكتور سيار الجميل، وجميعهم كتبوا ونقلوا حرفياً فعل "عبود الطنبوره چي" الحسن، وهنالك آخرين من الباحثين الأجلاء كتبوا عن هذا الحدث أيضاً ووثقوه بتفاصيله:
http://www.baytalmosul.com/1575160416051607160615831587-1587157516041605-1575160415811587160016001608/15
https://www.youtube.com/watch?v=z7UYhXLWgzY
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=640703.msg5909445#msg5909445
http://www.algardenia.com/maqalat/30695-2017-06-27-16-39-12.html
الرابط أدناه لحفيد عبود الطنبورجي (وأسمه جرجيس) وقصته مع محافظ الموصل سنة 2014م، كما نشرتها صحيفة المدى في عددها (3070) ـ السبت 03/05/2014:
 http://almadapaper.net/ar/printnews.aspx?NewsID=463836
ولكي نصل الى المقارنة بين الفعلين، فإنّ "عبود الطنبوره چي" لم يتصرف إعتباطاً في موقفه النبيل هذا لأنه شعر عندما قرر مع نفسه المجازفة بحياته التي لا تساويها كنوز الأرض لتصليح وترميم منارة (بيت الله) لقيمتها الدينية والتاريخية وعَلِمَ بفطرته مِن أنّ أسمه سيخلده التاريخ وسيذكره في صفحاته الناصعة.
أما مَنْ فجّرَ في لحظات مجنونة ما بناه ورممه "عبود الطنبوره چي" فسيلعنهُ التاريخ في نفس كتابه لكن في صفحاته المظلمة، وسيبقى الموصليون والعراقيون يتذكرون الفعل الحسن لعبود والفعل السيء لمَنْ هدّم المنارة، وسيبقى التاريخ أيضاً يذكر في صفحاته السوداء زمننا (الأغبر) وسياسييه الذين سلموا لتلك العصابات مدن وأقاليم بكاملها ولم يستطيعوا الحفاظ على تراثهم وآثارهم.

 

33
على هامش تداعيات تصريحات رئيس الوقف الشيعي ـ ـ برنامج "بالحرف الواحد" وتقييم متابع
بقلم: سالم إيليا
على الرغم من ذهاب وفد من الوقف الشيعي كما ذكرت الأخبار الى مقر البطريركية الكلدانية وتقديمه الإعتذار لما ورد على لسان رئيس الوقف الشيعي خلال إحدى خطبه قبل ثلاث سنوات تجاه المسيحيين ونعتهم (بالكفار) حسب ما أوردته الأنباء وما الى ذلك!!، وعلى الرغم أيضاً من سحب الفديو من اليوتوب، إلاّ أنّ تداعياته لا تزال قائمة ومتداخلة مع الكثير من الأسئلة التي يتقدمها التساؤل الذي يفرض نفسه وهو عزوف رئيس الوقف الشيعي لمشاركة الوفد الذي قدم الإعتذار وهو الشخص المعني بتقديم الإعتذار!!، فهل هذا يعني تمسكه بخطابه وما ورد فيه؟؟؟!!!، ولماذا إستنكر الآن بيان البطريركية الكلدانية ونوّاب مكونهم في البرلمان هذا الخطاب وبعد مرور ثلاث سنوات عليه والذي ربما يؤكد تقاعس الجهات الدينية والسياسية المسيحية عن كل ما يسيء الى مكونهم وعدم مواكبتهم للحدث في لحظته؟؟!!، وهل له علاقة بقرب الإنتخابات ولعبتها بالنسبة لنوّاب المكوّن المقصود بالإساءة؟؟!!، ولماذا تم تداول هذا الفيديو في هذا الوقت العصيب ونحن على أبواب التحرير النهائي للأراضي العراقية من براثن عصابات داعش الإرهابية والخطوات التي ستليها في تحقيق المصالحة المجتمعية؟؟!!، وما هي الغاية من إثارة الموضوع الآن دينياً وسياسياً؟؟!!، وهل له علاقة ببيان بعض المكونات المسيحية للمطالبة بحكم ذاتي لمناطقهم في سهل نينوى؟؟؟، ومن هي الجهة التي تقف وراء نشره؟؟!!، والكثير من الأسئلة الأخرى المطروحة حتى وصلت تداعياته الى قيام بعض المواقع الألكترونية بإعادة نشر بيان المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني الذي أصدره في 22/جمادي الآخرة 1427 هـ (19/تموز/2006 م) أي قبل ما يزيد على أحد عشرة سنة للتذكير برفض الممارسات والخطابات الطائفية أياً كان نوعها.
رابط بيان المرجع الديني السيد علي السيستاني:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=840294.0
وحيثُ سارعت الفضائيات ومنها "قناة الشرقية" الى عرض ونشر تداعياته، خاصة بعد إستنكار البطريركية الكلدانية ببيان موَقّع من البطريرك لويس ساكو وبيانات أخرى لبعض السياسيين للمكون المسيحي على ما جاء في تصريح رئيس الوقف الشيعي ومطالبته بالإعتذار ومخاطبة جميع المنابر الدينية من خلال بياناتهم الى التوقف عن نشر وترويج الخطابات التحريضية ضد مكونات عراقية دينية وإثنية أصيلة وحثّهم على نشر لغة الحوار والمجتمع الواحد بين جميع المكونات.
فقد خصصت قناة الشرقية المعروفة بتوجهاتها حلقة كاملة لبرنامجها "بالحرف الواحد" لمعدّه ومقدمه الإعلامي أحمد ملاّ طلال لهذا الحدث، وحيث حَمَلت الحلقة عنواناً مثيراً للجدل يدلل على الواقع المأساوي للعراق، إذ عُنْوِنت الحلقة بـ "الدين لله والوطن للمسلمين"!!!، وحيثُ إستضاف مُعد ومقدم البرنامج كل من سيادة المطران شليمون وردوني المعاون البطريركي للكنيسة الكلدانية والشيخ خالد الملاّ رئيس جماعة علماء العراق والشيخ مجيد العقابي /الكاتب والباحث الإسلامي، وبعد مشاهدة البرنامج لأكثر من مرّة تولدت لي ملاحظات أعرضها كمتابع مهتم لِما يجري في العراق:
ـ ترَكتْ المقدمة الأكثر من جيدة التي وردت قبل البدء بمحاورة الضيوف أكبر الأثر في نفس المُشاهد الوطني الذي ينشد الى مجتمع مدني يتساوى في واجباته وحقوقه المواطن العراقي بشكلٍ عامٍ، لكنها (أي المقدمة) وللأسف لم تكن حلقة الوصل بين ما تم طرحه فيها من تساؤلات مشروعة وبين ما تم مناقشته أو محاورته من قِبل الضيوف فيما بينهم أو ما بين مقدم البرنامج وضيوفه، وحيثُ إنسحب الجميع الى فخ التكتل الفئوي والدفاع عن مكوناتهم بشكلٍ أو بآخر!!.
 فالمطران "شليمون وردوني" دافع عن مكونه بطريقة ساذجة وبسيطة تاركاً بقية المكونات المتضررة الأخرى من جرّاء مثل تلك الخطابات لتدافع عن نفسها!!، وسأتي بشيء من التفصيل على الإخفاقات التي وقع فيها والتي لا تعطي للمتلقي أو المُشاهد أية بيّنة أو دليل واضح على (ظاهرة الكراهية) والعداء من البعض المتطرف لمكوّنه وبشكلٍ علمي ومنطقي يُقنع المتابع بما يدعيه رؤساء مكونه ورعيته.
 أما الضيف عن المكوّن الشيعي الشيخ "مجيد العقابي" وعلى الرغم من تظاهره بالإعتدال الفكري والإنفتاح المذهبي!!، إلاّ أنّ خطابه أو مناقشته كانت تبريرية غير مقنعة أسقطته بشكلٍ واضحٍ في خندق الدفاع عن مكونه وعلى مبدأ "إنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" على الرغم من إستعراضه لتاريخه المعتدل والمنفتح على بقية المكونات!!.
ولكي أكون منصفاً فإنّ رئيس جماعة علماء العراق الشيخ "خالد الملاّ" كان أكثر الضيوف إعتدالاً في خطابه والأكثر منهجية ومنطقية في طروحاته، وحيثُ تجاوز في الكثير من الأحيان السقوط في خندق الطائفية على الرغم من ردود أفعاله القليلة التي حاول السيطرة عليها والدفاع عن وجهة نظره تجاه ما يطرحه الضيفين الآخرين ومقدم البرنامج، ولقد كان واضحاً في تقبله لِما الصق بمكونه نتيجة أفعال بعض المتشددين عارضاً الحلول المنطقية الواضحة في تغيير الخطاب الديني المتشدد ومناشداً الجميع للسيطرة عليه وتغييره بخطاب آخر يتماشى مع روح العصر وليعكس جوهر الدين الحقيقي وهدفه، لا بل إستطاع ملئ الفراغ الثقافي والمعرفي لممثل المكوّن المسيحي وأخذ زمام الدفاع عنه وعرض تظلّم هذا المكوّن وهذه نقطة تحسب له!!!.
ـ لقد وفِقّ مقدم البرنامج أحمد ملاّ طلال في إختيار ضيفه رئيس جماعة علماء العراق الشيخ خالد الملاّ، لكنه في نظري أخفق في إختيار ضيف المكوّن الشيعي وكنتُ أتمنى لو كان الضيف رجل الدين أياد جمال الدين ليتماهى أكثر مع الشيخ خالد المُلاّ بفكره ونظرته الدينية الحداثوية التي بلا أدنى شك نحن بأمس الحاجة اليها الآن لطرحها وتَبَنيها خدمة للدين والمجتمع معاً.
أمّا من ناحية إختيار مقدم البرنامج لرجل الدين المسيحي المطران شليمون وردوني فلا أعلم هل اللوم يقع عليه أم على البطريركية الكلدانية التي لا تزال لا تحسن الإختيار لِمن يمثلها في مثل هذه البرامج المهمة على القنوات الفضائية أو المؤتمرات الدولية؟؟!!، وحيثُ لا يزال أصحاب المراكز العُليا فيها متشبثين بـ "الأنا" لتمثيل مكوناتهم على الرغم من فشلهم المتكرر في إيصال مظلوميتهم سواء للطرف المقابل أو المحافل الدولية، فليس عيباً أن لا يستطيع رأس الهرم التحاور مع الآخرين بمنطق الحجج والحكمة والثقافة العالية الدينية أو التاريخية على الرغم من حمله للشهادات اللاهوتية والفلسفية العليا المختلفة، ولهذا نجد من أنّ الدول أوجدت لها وزير خارجية وأعتبرته رئيس الدبلوماسية الممثل لها على الرغم من وجود الأعلى منه منصباً في السلطة التنفيذية كرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. فموقف المكوّن المسيحي صعب ويحتاج الى محاورٍ "لَبِقٍ" وملمٍ ونبيهٍ في طريقة عرضه لمأساة مكونه أو مجمل المكونات المتأثرة بالأحداث المأساوية وأن يستطيع الإجابة على الأسئلة التي تُطرح عليه خاصة في مجال خلط الأوراق ونفي تعرض مكونه لظاهرة الإقصاء والتهجير من قبل المتشددين من الطرف الآخر وتحت مبرر إنّ ما تعرض له مكونه من مآسي قد تعرض له كل أبناء الشعب العراقي وبالقفز والإلتفاف الذكي على النسب المئوية لبيان الضرر الفعلي للمكون وديموغرافية تواجده في العراق قبل وبعد الأحداث، فالمكوّن الأيزيدي مثلاً كان الأكثر ضرراً بمقدار المئة بالمئة بالنسب المئوية على الرغم من أن ضحاياه عددياً لا تتعدى العشرين الف الى الخمسين الف كما يشاع من الشهداء والنساء المسبيات والبقية الباقية منه قد هجّر والذي يصل عددهم الى النصف مليون، فمن غير العدل أن نحاججهم من أن ضحايا المكوّن العربي من المسلمين في العراق جرّاء العنف الطائفي قد تجاوز أعداد الأيزيديين من مجموع ثلاثين مليون (أقدم إعتذاري لقرّائي الأعزاء عن دخولي في تفاصيل المكونات لأن طبيعة الندوة في قناة الشرقية كان بهذا الإتجاه)، ونفس المقارنة يخضع لها المكوّن المسيحي الذي فقد خمسة وسبعين بالمئة من مجموعه بين مهاجر ومهجّر ومفقود وشهيد، وهذا الأمر يسري على معظم المكونات الأخرى من الصابئة المندائيين الذين لم يكن حالهم بأفضل من أولاد خالتهم المسيحيين والتركمان والشبك والكاكائين وغيرهم.
  فهل أنّ إختيار مقدم البرنامج لضيوفه جاء عن قصد ليرجّح كفة على الكفة الأخرى؟؟!!، أم إنّ عدم المامه بشكلٍ واسعٍ بخلفية ضيوفه المعرفية والفكرية أوقعته في الإخفاقات وعدم بلوغ الحلقة المخصصة للموضوع المطروح لهدفها؟؟؟!!!.
ـ نعود لنركز على المحاور لممثل المكون المسيحي كونه المعني الرئيسي بهذه الحلقة أو البرنامج:
فقد كان على البطريرك لويس ساكو الذي إستلم مكونه من خًلفِهِ الكاردينال "عمانوئيل دلّي" بأردئ حالته وتشرذمه بين مهاجر ومهجّر ومفقود ومختطف وضياع ممتلكات الرعية وممتلكات كنيستهم التاريخية والوقفية التي أهدرها الفساد في عصر سلفه، وحيثُ وعد البطريرك لويس ساكو رعيته في الإعلان بشفافية عن الأموال والممتلكات (الضائعة) عند تسنمه منصبه، لكنه وللأسف لم يفي بوعده ولحد علمي!!!.
أقول كان عليه حال تسنمه منصبه أن يختار فريق محاور ثابت عالي الحُجّة والثقافة والمعرفة القانونية والتاريخية ليكون دائماً مستعداً لشرح ظروف مكونه وما آل اليه حاله بطرق علمية ومنطقية وتاريخية توثيقية دقيقة جداً بأعداد المهاجرين خارج العراق والمهجرين داخله وأماكن تواجدهم داخل العراق وخارجه واعداد الضحايا والمحتجزين والمخطوفين وما تبقى من مكونه في العراق بشكلٍ دقيق جداً أيضاً معتمداً على سجلات الولادات والوفيات وشهادات مطلق الحال وغيرها التي تحتفظ بها الكنائس، وإن يتم تخصيص فريق عمل من رجال الدين والعلمانيين في كنيسته لديمومة ومتابعة تحديثها ونقلها على أقراص الكمبيوتر وبنسخ متعددة تحتفظ بها الكنيسة في أماكن مختلفة ليتجاوز هو ومن في معيته الإحراجات حين يُسأل عنها في المحافل الدولية وعلى الفضائيات الإعلامية فيعطي أرقام تخمينية ربما تكون بعيدة عن الواقع ولا تقنع المتلقي!!، وكان عليه وعلى رؤساء المذاهب المسيحية الأخرى تكوين غرفة طوارئ جاهزة على مدار الساعة لمواجهة الأزمات خاصة بعد حادثة كنيسة "سيدة النجاة" المأساوية.
وربما هذه المرة الأولى التي أتدخل فيها كناقد لأقطاب المكون المسيحي ورجال الدين فيه، لأنني أؤمن بضرورة الكتابة عن ما يتعرض له العراق ككل، لكن المستوى الضعيف الذي يتكرر في ظهور غالبية المحاورين السياسيين والروحانيين للمكون المسيحي دفعني للتنبيه له، ليس لأجل الإنتقاص والتشهير لكن لمعالجته وتصحيحه، وكمثال بسيط لذلك فلم يكن المطران شليمون وردوني موفقاً للإستشهاد بالآية القرآنية (29) من سورة الكهف: "فمَنْ شَآءَ فليُؤمِنْ وَمَنْ شَآءَ فَليُكفُر"، ولسبب بسيط من أنه لم يقرأ أو يطلع على تكملة الآية التي تهدد وتتوعد الكفّار بالنار!!، وهو بهذا الإستشهاد الذي ليس في محله يضع مكونه بموضع "الكفّار" وهذا غير صحيح، فالمسيحيون ليس بالكفرة يا من تدافع عنهم، وكأنك أردت القول للطرف الآخر: (بأنهم مؤمنون وهذا خيارهم ونحن كفّار وهذا خيارنا فدعونا وشأننا)!!، إذن لماذا أتيت الى هذا البرنامج؟!، اليس إحتجاجاً على ما تفوه به رئيس الوقف الشيعي بنعت المسيحيين بالكفّار وحسب ما أوردته بياناتكم؟!!.               
الرابط أدناه لحلقة برنامج "بالحرف الواحد" الذي عرضته قناة الشرقية الفضائية  لمقدمه الإعلامي أحمد ملاّ طلال والخاصة بتداعيات تصريح رئيس الوقف الشيعي:
https://www.youtube.com/watch?v=5zNvagvUMvc
الرابط أدناه لتوضيح رئيس ديوان الوقف الشيعي الشيخ علاء الموسوي على ما جاء في محاضرته قبل ثلاث سنوات:
http://www.ankawa.org/vshare/view/10405/ala-almosawi/
وربما لي وقفة أو نقطة نظام على الشيخ علاء الموسوي وغيره من رجال الدين لأقول لهم اليس بالإمكان عدم طرح مثل هذه المعتقدات الفقهية كما صَرحتَ لتبريرها، الم يكن الأجدر تحييدها بعد أن تجاوزت زمنها ومكانها مثلما أكدتَ أنتَ في الرابط أعلاه وإستبدال الحديث عنها بالتذكير بمعتقدات فكرية تشجع التسامح والعيش المشترك والتي نحن الآن بأمس الحاجة اليها لتغيير الأفكار المتطرفة خاصة عند الشباب وليس لتذكيرهم بمعتقدات تؤجج وتدعم تطرفهم.
بقي أن أجلب إنتباه رجال الدين المسيحي ورأس هرمهم على ضرورة إختيار ممثليهم في الإعلام الذين يظهرون على القنوات الفضائية وليس في جعبتهم غير المفردات التي حفظها الشعب العراقي والعالم عن ظهر قلب من أمثال التسامح والسلام والمحبة وصولاً الى جملة "المكوّن الأصيل"وغيرها وإن كانت هي المحرك وبيت القصيد في مجمل تداعيات الحالة العراقية، وإن يتمتع ممثلهم في الإعلام ببلاغة وفصاحة وبلغة عربية قوية وسليمة متجاوزاً اللهجات المحلية وخاصة الموصلية منها مع محبتنا لها، كونه يخاطب كل من يسمع له من المحيط الى الخليج ولكي يفهم الجميع على ما يود إيصاله من فكرة وتحقيق الغاية المنشودة لهدف الظهور للإعلام وما يبغي المحاجج أو المتكلم إيصاله للناس وطرح البيّنات والأدلة والبراهين وبحجج يقتنع بها المتلقي.     

34
رمضان كريم ـ ـ فأكرموا أمتكم أيها البائعون بتخفيض أسعار سلعكم
بقلم: سالم إيليا
الصوم هو فرض ديني تتبعه معظم الأديان سواء أكانت سماوية أم غيرها لهدف جليل يسمو بمستحقاته وفروضه وواجباته على كل مَنْ يقع تحت حكمه وطاعته، وحيث يعطي جوهره رسالة الهية لمبدأ التكافل الإجتماعي والشعور الإنساني من قبل الإنسان لأخيه الإنسان وهي فترة لمراجعة النفس المبتعدة عن هذا الشعور خلال سنة كاملة من الإنغماس في التعاملات والتصرفات الدنيوية التي غالباً ما تبعد الإنسان عن واجباته ومستحقاته الروحية والإلهية.
فجوهر رمضان هو الصوم الجسدي/الغذائي للشعور بجوع الفقير والصوم الروحي لحجب النفس عن الكثير من المغريات المادية والروحية وما تأمر به النفس البشرية من سوء وعلى رأسها القسوة على الفقراء وعدم مد يد المساعدة لهم .   
لكن وللأسف الشديد فقد أصبحت هذه الفروض فرصة معاكسة لجوهرها الذي وضعه الخالق!!، كما وأصبحت عبأً كبيراً على الفقراء الذين من المفروض أن يكونوا هم هدفها الأسمى لإنصافهم بشهرهم الفضيل الذي خصهم به الخالق وحيثُ يتشوقون اليه كل سنة ليشعروا بعطف إخوانهم من البشر عليهم وسموهم الى مستوى التعاضد المادي والمعنوي لهم لتتكلل نهايته بفرحة العيد التي تضع البسمة على شفاه الفقراء قبل غيرهم لإحساسهم بإنسانيتهم ومعاضدة إخوانهم في الإنسانية لهم، وشعورالأغنياء بالرضى من فعلهم الحسن تجاه إخوانهم الفقراء.
وقد تولدت لي فكرة الكتابة عن هذا الموضوع منذ سنوات عديدة لما أشاهده وأقرأ عنه في المهجر وفي بعض البلدان العربية والإسلامية من سباق محموم وممنهج لجعل هذا الشهر الفضيل من أكثر الشهور قسوة على الفقراء وذوي الدخل المحدود حتى باتوا يتمنون أن لا يأتي ليروا أفواه القُرُوش الآدمية مفتوحة على آخرها لإفتراسهم!!، لكنني في كل مرة كنت أمني النفس ليتغير الحال ويعود الى ما كان عليه مذ كنّا صغاراً ونرى التكافل الإجتماعي والطيبة العفوية والتسابق الإنساني من المتمكنين من التجّار وبقية الميسورين فتمتلئ دور العبادة بكل مستويات المجتمع وطبقاته وبكل مصنفاتهم المجتمعية كما كان يروي لنا أصدقائنا ليجلسوا بعد الصلاة على شكل مجاميع حول الموائد التي تضيع عندها الفوارق الطبقية ليأكلوا من نفس الإناء الذي لا يعرف أياً منهم مَنْ مِنَ المحسنين المشاركين لهم بطعامهم قد تكرم به عليهم، وحيث تفتح دور العبادة أبوابها لتجهيز المتيسر من الطعام لطالبيه من الفقراء قبل موعد الإفطار!!!، لكن الأمر لم يتغير في العودة الى جوهر وغاية هذا الشهر الكريم، لا بل إزداد سوءاً سنة بعد أخرى حتى فوجئت ومنذ سنوات قريبة وأنا في المهجر ببادرة أسعدتني وأحزنتني في آنٍ واحدٍ وهي شروع محلات التسوق الكندية الكبرى بإعلانها عن تخفيض أسعار سلعها بنسب قد تصل الى 30% من أسعارها الأصلية، خاصة لما يحتاجه الصائم منها مقرونة بالتهنئة بالشهر الكريم والعيد من بعده وبكلمات متداولة في المجتمعات الإسلامية مثل "رمضان كريم" و "عيد مبارك" وباللغة الإنكليزية وكما سيشاهدها القارئ الكريم في النماذج التي سأرفقها مع هذه المقالة ليس دعاية لهم ولا لغاية غير بريئة سيئة المقاصد، ولا سذاجة مني لجهلي من إنهم ربما يفعلون ذلك لكسب ود زبائنهم وزيادة مبيعاتهم، ولكن هذه هي الحقيقة التي يجب أن نعي لها ونحذو حذوها.
ففي رمضان الماضي وجدتُ من أنّ القصّاب العربي الذي أتسوق منه اللحوم (الحلال) قد رفع من أسعاره بنسبة تزيد على 35% ثم عاد بعد إنتهاء العيد الى تخفيضها الى سعرها الحقيقي!!، كذلك معظم محلات البقالة العربية التي أتسوق منها رفعت أسعار سلعها بنسب تصل الى المئة بالمئة حتى أنني نبهت المحاسبة (الكاشيرة) لإحدى السلع التي يكثر بيعها في رمضان والتي أظهرت شاشة الكمبيوتر ضعف سعرها الأصلي الموجود تحتها على الرفوف، فكان جوابها بأنهم غيروا سعرها على الكمبيوتر ولم يتسنى لهم تغييره موضعياً لكثرة المواد وضيق الوقت!!، وهذا الرفع بالأسعار سرى على جميع السلع التي يحتاجها الصائم!!، فشعرتُ بالأسى على أصحاب الدخل المحدود والعوائل التي تعتمد في دخلها على برنامج الرعاية الإجتماعية وهم كثر في المهجر خاصة وإن لمعظمهم عدد كبير من الأطفال، فلربما لي ولغيري من القادرين والحمد لله على تحمل تلك الفروقات في الأسعار لا تؤثر في مجمل التسوق على ميزانيتنا لكن ماذا عن الذين ذكرتهم من إعتمادهم على المساعدات الحكومية في معيشتهم؟!!.
وهذه السنة تفاجئت من خبر قرأته ولا أعلم مدى صحته على المواقع الألكترونية وكما هو مبين في الرابط أدناه وخلاصته من أنّ الحكومة الألمانية قررت إعفاء المحلات ذات العلاقة ببيع السلع من الضرائب خلال شهر رمضان!!، وإن صح الخبر فهي رسالة إيجابية وودّية وإن كانت في مضمونها تتصل بالإنتخابات وجمع أصوات الناخبين من القوميات والأديان المختلفة، إلا أنها في ذات الوقت تعتبر بادرة فريدة ستتبعها دول أوربية عديدة لما في طياتها من إنعكاسات إيجابية ليس فقط للمعنيين بها وإنما لجميع أفراد المجتمع.   
الرابط أدناه يبين حسب الخبر المنشور قيام الحكومة الألمانية ببادرة إعفاء أصحاب بيع المواد الغذائية من الضرائب لتشجيعهم على تخفيض أسعار السلع خلال شهر رمضان:
http://www.karemlash4u.com/vb/showthread.php?t=299320
فليحذوا من هم في أيديهم إسعاد الفقراء من تجار وباعة وميسورين في بلداننا المعنية بالشهر الكريم حذو الحكومة الألمانية ليس لكسب الأصوات الإنتخابية وإنما لكسب صوت الخالق الذي يعلو على كل أصوات البشر وليعملوا على تخفيض أسعار سلعهم التي سيزداد بيعها بدون أدنى شك وتكثر أرباحها ويحققوا في ذات الوقت جوهر الصوم ورضى الله.
وليكن رمضان هذا العام هو رمضان الفقراء والمهجرين لنكرمهم به ونسمو بمقاصده لأجلهم.
وأختم قولي وقولنا جميعاً رمضان كريم على كل من يصومه أو تصومه إيماناً منه أو منها بجوهره.


35
مناجاة أم عراقية لولدها المهاجر
بقلم: سالم إيليا
الغربة ليست دائما كما يظنها البعض هي قارب النجاة من الموت والمنقذة من الحياة المليئة بالمعاناة والمآسي والحروب وويلاتها التي تعاني منها بلدانهم، ففي بعض الأحيان تكون الغربة أقسى بتفاصيلها من كل الأسباب التي جعلت المهاجرين يتركون بلدانهم ويركبون المخاطر منشدين لحياة أفضل!!، لكنهم يصدمون بالواقع فيختارون أما الضياع في بلد الغربة أو الموت إنتحاراً أو العودة من حيث أتوا !!!.
وهناك معاناة في الطرف الآخر لمن تركهم المهاجر في بلده من أهل وأحباب خاصة الأم والأب والإخوة والأخوات أو ربما الأبناء والزوجة أو الزوج.
ولقد شاهدتُ وسمعتُ مقدار الحزن الذي يتركه عزيز مهاجر في أفئدة محبيه وهو في الغربة، وهذه المناجاة لأم تعرض فيها حنينها لولدها التي أصبحت رؤيته بمثابة حلم صعب المنال بالنسبة لها!!!، وهي ليست أبيات شعرية كما قد يظنها البعض وإنما مناجاة من القلب الى القلب بين الأم وفلذة كبدها بلسان عفوي صادق نقلْتهُ عن لسانهما ووضعْتهُ في صيغته الأدبية، فماذا قالت الأم لإبنها معاتبة:
بَسْ تعال وشوف إسوّه بيه فراگكْ ـ ـ
وشوف دمعة عيني اللي أبد ما جفّت بصحرا غيابكْ ـ ـ
تعال واگعِدْ بحضني الما أبد يوم بُرْدَتْ بي دُفو اجنابكْ ـ ـ
تعال يا وليدي ولا تخلّي الهجرْ يقسّي عليك أحبابكْ ـ ـ
ما أدري شگد بُگه من العمر حتى أحرگه جوّه عتبة مداسكْ ـ ـ
تعال ولا تخلّي االغربة تنسيك وجه أمك الذِبْلتْ إخدوده بعد ما چانت تضوي (چِدامكْ) ـ ـ
تعال وودّع أمك گبلْ ما ياخذها الموت بشهكه أبعادكْ ـ ـ
رد الإبن قائلاً:
مِنْ گلچ يا يمّه آني مرتاح بغربتي ـ ـ
كل يوم أديحنْ بالدرابين وتعالي وشوفي دَمعتي ـ ـ
أبد لا تظنين ناسي دفو إحضانچ، عدما البَرِدْ يلسع وجنتي ـ ـ
غريب وعايش بين الخَلَكْ أستجدي خبزتي ـ ـ
وگلبي هَلْ تَرفْ واگف على شعرة حلم رجعتي ـ ـ   
تشوفيني يا يمّه بالصور أضحك!!، وما تدرين بحسبتي ـ ـ
نعم هذه هي الحقيقة لإحدى مآسي الغربة، فهنالك من يعاني من الطرفين بعد أن غزت الحروب دولاً عديدة وشردت العائلة الواحدة بين الدول والأمصار البعيدة، فقسمت أجزاء الجسد الواحد للعائلة وقذفت بها بالإتجاهات الأربع للمعمورةِ!!، فبات التلاقي حُلم يراود الجميع فيدفعون ثمنه في كل لحظة ودقيقة، وقولي الأخير أستعيره من هذا البيت الشعري لإبن الملوّح، فقد يعطي أملاً لطالبيه: "وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ـ ـ يظنان كل الظن أن لا تلاقيا".

   


36
هل ستصبح سدود تركيا المائية أسلحة دمار شامل ضد العراق؟
بقلم: سالم إيليا
على الرغم من أنّ المياه تشكّل مع الهواء روح الحياة للكائنات الحيّة على الكرة الأرضية، إلاّ أنها أيضاً تعتبر سيف ذو حدّين في حالة شحتها أو كثرتها إذا لم يتم السيطرة عليها، لذا دأبت الدول الى إيجاد الوسائل الفنية للسيطرة على كميات المياه السطحية المتواجدة على أراضيها خاصة بواسطة السدود.
في سنة 1969م كنتُ طالباً في الصف الثاني المتوسط، وكان مدرّس مادة الجغرافية شاب ذكي من محافظة السليمانية أسمه "هيوا عزالدين" تم تعيينه في العاصمة بغداد حال تخرجه لتفوقه على أقرانه في كليته، وكان طيب الذكر إستاذي العزيز ذو ثقافة عامة واسعة وحريصاً على تخصيص ثلث راتبه شهرياً أي ما بين (20-30) ديناراً لشراء الكتب والمجلات العلمية التي تعنى بتخصصه بشكلٍ خاص حسب ما ذكره لنا كطلاب، وغالباً ما كان يخرج عن المنهاج الدراسي المقرر أو بالأحرى يقوم بدعم ما موجود في المنهاج المقرر بمعلومات إضافية واسعة عن جغرافية العالم وعلى الأخص الدول الإقليمية المتاخمة للعراق، وكان يركز دائماً على موضوع السدود المقترح إنشائها في تركيا ومدى تأثيرها على كميات المياه القادمة الى العراق، وحيثُ بدأت تركيا منذ سنة 1954م بالتخطيط لبناء السدود داخل أراضيها بإستراتيجية متعددة الأوجه منها الإقتصادية والزراعية والصناعية وحتى السياسية!!!.
وكنّا كطلبة لا تتجاوز أعمارنا الرابعة عشر من العمر قد نظرنا الى قلق أستاذنا الجليل بذهول حين ذكر وبألم شديد سعي الجانب التركي لتنفيذ بناء هذه السدود مع تجاهل واضح من الحكومة العراقية!!، مبيناً لنا خطورة هذا التوجه التركي على حياة المواطن العراقي العادي، وما زال وجهه ماثلاً أمامي بإمتعاضه من إهمال وإستخفاف الجانب العراقي وعدم مواكبته لما عزمت تركيا على تنفيذه ومجاراتها بوضع الخطط اللازمة لبناء سدود مماثلة داخل الأراضي العراقية لدرء الخطر عن المدن العراقية وسكانها في حالة ما لا تحمد عقباه وكأنّ الكارثة ستحصل في اليوم التالي!!!.
لقد كان هنالك فرص متاحة وميسرة للعراق لبناء سدوده، وحيثُ كانت العائدات المالية للعراق على مدار السنوات الخمسين الماضية والى وقتٍ قصيرٍ أفضل بكثير من تركيا ومن السهولة عليه تنفيذ برنامجه الإروائي والمائي ببناء سدود ضخمة تعود عليه بتأمين إحتياجاته المائية وتوليد الطاقة الكهربائية التي هو بأمس الحاجة اليها!!!، تساعده في ذلك معاهداته الثنائية الإستراتيجية التجارية والعمرانية مع الكثير من الدول التي لها باع طويل في بناء السدود ومنها الإتحاد السوفيتي السابق، خاصة في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم، وحيثُ لم يكن العراق ليخسر أي عملة صعبة بالسيولة النقدية لبناء سدوده فيما لو طلب المساعدة في بنائها من تلك الدول!!، وإنما يدخل بندها تحت بنود معاهدات التبادل التجاري أو التعاون المشترك!!. 
ويحضرني في هذا المجال سعي الحكومة العراقية في أواسط السبعينات من القرن المنصرم وبالتحديد سنة 1975م للحصول على المفاعلات النووية من الإتحاد السوفيتي الذي رفض بناء مفاعل كبير للعراق ما لم يكن مراقباً من قبل الوكالة الدولية للطاقة (كان الإتحاد السوفيتي السابق قد وقع مذكرة تفاهم سنة 1959م مع الحكومة العراقية لبناء مفاعل نووي صغير للعراق غير قادر على إنتاج القنبلة النووية، وبالفعل تم بناء المفاعل سنة 1968م)!!، ثمّ وافقت فرنسا على بناء المفاعل بعد رفض الإتحاد السوفيتي لطلب العراق الغير مشروط وتحت  ضغط الأزمة المالية التي كانت تمر بها ومغريات المبلغ الكبير لبنائه في منطقة التويثة قرب بغداد، إذ بلغت تكلفته ما بين (3 ـ 5) مليار دولار أمريكي!!، فتمّ توقيع العقد خلال زيارة النائب الأول لرئيس مجلس قيادة الثورة العراقي حينذاك صدام حسين لفرنسا، وكان تبرير العراق لحصوله على المفاعل هو لتوليد الطاقة بشكلٍ أساسي إضافة الى الإستعمالات الأخرى!!، وحيثُ أصبح فيما بعد الحجة الرئيسية التي إعتمدت عليها الولايات المتحدة وحلفائها لتدمير العراق ووصوله الى ما هو عليه الآن مع خسارة ثمنه الذي أصبح أنقاضاً!!!.
ولو صُرِفَ ذلك المبلغ الكبير جداً في وقتها على بناء السدود، وحيثُ لم تكن تكلفة أكبر السدود سعةً تساوي عُشر (أي واحد من العشرة) من تكلفة بناء المفاعل النووي لحصلنا على عدد من السدود يتراوح عددها ما بين (6 ـ 10) مختلفة الأحجام تستطيع تزويدنا بالطاقة الكهربائية اللازمة لإنارة العراق من أقصاه الى أقصاه وتشغيل مصانعه مهما بلغ حجمها وإستهلاكها للطاقة وأصبحنا بلد مصدّر للطاقة الكهربائية لبلدان الجوار، إضافة الى توفير خزين مائي هائل إستراتيجي يكفي العراق لعشرات السنين حتى لو إنخفضت مناسيب مياه أنهاره الى أدنى مستوياتها، وأيضاً يؤدي بنائها لزيادة الثروات السمكية والمائية بشكلٍ عامٍ والحيوانية البرية خاصة الطيور المهاجرة الباحثة عن البحيرات المائية خلال هجرتها، علاوة على تأمين وزيادة الإنتاج الزراعي، وإعتبار تلك السدود مناطق جذب سياحية تدر دخلاً إضافياً للعراق فيما لو أنشأت حولها المدن السياحية، ولسحبنا أيضاً البساط من تحت أقدام الجانب التركي في تهديده لنا بين فترة وأخرى بقطع المياه عنّا!!!، ولكان العراق الآن هو الذي يتحكم بأمر وارداته المائية وخزينها وليس العكس!!!.
لقد سمعنا مراراً من أعلى المستويات للمسؤولين الأتراك من إنهم عازمون على مقايضة نفط العراق بكميات المياه التي سيسمحون بتوريدها له، وحيثُ أنّ هذه المقايضة المجحفة ستكون بمثابة قرصنة مكشوفة وسرقة بمحض إرادتنا نتيجة إهمال الحكومات العراقية المتعاقبة في تأمين الوسائل المطلوبة لتخزين المياه التي من المفروض أن تكون مجاناً من منابعها لجميع الدول التي تمر فيها مجاريها وأنهارها حسب كل الإتفاقيات الدولية ومنها إتفاقية سنة 1947م التي تنظم الحصص المائية للدول المستفيدة من مرور الجداول والأنهار المائية في أراضيها.
فليس من العدل والإنصاف أن يكون ضرر هذه المياه المتدفقة من الأراضي التركية علينا كبيراً عند فيضانها بأغراقها للأراضي الزراعية ونفوق المواشي وبقية الحيوانات التي يعتمد على منتجاتها الفلاح العراقي البسيط، علاوة على تدميرها لكل ما يقف بطريقها من مبانٍ وبنى تحتية إضافة للخسائر البشرية، لكن عندما يحين الوقت للإستفادة منها يتم حجبها عن العراق ومقايضته عليها!!!، وكم من حربٍ إندلعت بين الدول من جرّاء تخاصمها على كميات المياه المشتركة فيما بينها!!!.
ولنعود الى موضوع مقالتنا لبيان خطورة هذه السدود وتهديدها للعراق أرضاً وشعباً فيما لو أستخدمت كسلاح من مورد طبيعي مهم تستطيع مياهه إكتساح بلدان بكاملها فيما لو حررت فجأة عن عمد أو دونه لا قدّر الله!!!، خاصة وإن سياسة تركيا مضطربة ولديها مشاكل داخلية وخارجية كبيرة وتحديات إقليمية ودولية لا يستهان بها قد تقودها الى حروب مدمرة!!، إضافة الى وقوعها في منطقة تأثير الزلازل والكوارث الطبيعية المدمرة والتي تعتبر الأخطر على سلامة السدود!!، كما أنها واقعة تحت تأثير المناطق ذات الأمطار الموسمية الغزيرة، وقد كانت تركيا قاب قوسين أو أدنى قبل سنوات وتحديداً سنة 2011م عازمة على تحرير مياه بعض سدودها لغزارة الأمطار المتساقطة على مناطقها الجنوبية والجنوبية الشرقية لوصول مناسيب المياه فيها الى حدودها الحرجة لطاقاتها الإستيعابية كما إعترفت بذلك الجهات التركية ووسائل إعلامها، وحيثُ لم يتبقى إلا (35) سم لإرتفاع منسوب المياه في سدودها لتقوم بفتح بوابات الطوارئ لتصريف المياه قبل حدوث الأسوأ!!!، وهذا يعني إغراق مساحات واسعة داخل الإراضي العراقية بمياه الفيضانات!!!، فكل هذه المخاوف والإحتمالات قد تؤدي بما لا تقبل الشك الى قتل الملايين من البشر داخل الدول الواقعة في منطقة تأثيرها بمدة لا تتجاوز الساعتين أو الثلاث ساعات لا أكثر فيما لو أخفق أي سد من السدود التركية في السيطرة على مياهه!!!، خاصة وإنّ سد الموصل في العراق القريب من الحدود غير مؤهل بطاقته القصوى بسبب المشاكل الفنية وخطأ إختيار موقعه بسبب تربته الرخوة القابلة للذوبان!!، وحيثُ كنّا سنعوّل عليه درء الخطر أو التقليل منه في إستيعاب أي تحرير مفاجئ لمياه السدود التركية، لا بل يضاف هو كخطر قائم الى قائمة مخاطر السدود التركية، وإذ يعتبره بعض الخبراء أخطر السدود قاطبة في العالم!!.
فتركيا لديها الآن الخطط لأمتلاك (22) سد!!!!، تم بناء العديد منها مثل سدود "أتاتورك" و"كيبان" و"اليسو" الذي سينتهي العمل منه قريباً وبطاقتة الإستيعابية البالغة (10.4) بليون متر مكعب وسيحتاج الى مدة تتراوح ما بين السنة الى الثلاث سنوات لملأه بالماء وتتوقف المدة على كميات الأمطار المتساقطة لتلك السنوات، وحيثُ سيؤثر هذا الأمر بشكلٍ كبيرٍ على حصة العراق المائية المقررة دولياً، وسد "جزرة" المقترح إنشائه الذي لا يبعد عن الحدود التركية ـ العراقية سوى (38) كم وهذا السد بموقعه القريب جداً من الحدود يبين النيّات المبيتة للجانب التركي للإضرار بالعراق أرضاً وشعباً لمحدودية فائدته بالنسبة لتركيا، لكنه سيكون القشة التي ستقصم ظهر البعير للحصص المائية العراقية وتهديده المباشر للعراق في حالة إخفاقه لأي سبب كان للإحتفاظ بخزين مياهه، فهذا السد سيستهلك 40% من مياه دجلة ويقضي على آخر أمل لحصول العراق على حصته المائية السنوية!!، وهنالك سدود كثيرة قائمة ومقترحة أخرى على الجانب التركي لا مجال لذكرها الآن!!.
 وإذا ما أعلنت تركيا الحرب المائية على العراق فبإستطاعتها حجب المياه بشكل كامل لتكون حصة العراق في أي سنة من السنين صفر (أي لا شيء) لتحويل حصته لملأ السدود المذكورة!!!، فليتخيل القاريء الكريم ماذا سيحصل لشعب العراق وزراعته ومياه شربه فيما لو حصل هذا الأمر، خاصة وإنّ العراق يتجه الى التصحّر بسرعة مخيفة ؟؟!!، وعلينا أن لا نستبعد حدوث هذا الأمر في ظل ظروف عالمية سياسية قلقة، إذ باتت دول العالم بشكلٍ عام لا تحترم الإتفاقيات الدولية وتحديداً في المناطق الساخنة ومنها منطقتنا الشرق أوسطية مع ضعف واضح لدور الأمم المتحدة في دفع الدول لتنفيذ قراراتها!!، لذا سارع الجانب العراقي للتفاوض والتفاهم مع الحكومة التركية ومناقشة خطتها لملأ سد "اليسو"، لكن ستبقى جميع الإحتمالات قائمة في التنصل من الوعود!!.
ربما هنالك من يقول بأنّ هنالك ضوابط وقوانين دولية تجبر الجانب التركي على الإلتزام بها، ومنها إتفاقية عام 1947م التي تنص مادتها الخامسة "على قيام دول المنبع بإطلاع الدول المتضررة على النيّة في إنشاء السدود وإعطاء كامل التفاصيل قبل الشروع بتنفيذها ليتسنى للجانب المتضرر إتخاذ الإحتياطات اللازمة وإيجاد السُبل والبدائل أو التفاهم على تقسيم المياه حسب الحصص المقررة دولياً"، لكنني أرى بأننا نعيش في زمن الغاب، وسأكون في هذه المرّة متشائماً من جرّاء مشاهدتنا لمعظم الدول حتى الضعيفة منها تضرب عرض الحائط القوانين الدولية بحروبها المدمرة وإنتهاكاتها ضد شعوبها وضد الدول الأخرى، وحيثُ أصبحت الأمم المتحدة "حارة كلمن إيدو الو"!!!.
فبعدما كان يُضْرَبُ المثل بالعراق في وفرة مياهه وتسميته بلاد ما بين النهرين أو بلاد وادي الرافدين، بات الآن يفكر جدياً بكيفية دوام حصوله على المياه والسيطرة الفنية عليها لدرء مخاطرها المدمرة لشحتها أو إكتساحها لأراضيه الخارجة عن السيطرة بسبب إهمال وغباء حكوماته المتعاقبة التي شغلت الشعب بالحروب وأهدرت أمواله.
وتقع الآن مسؤولية حماية المواطنين من المخاطر التي ذكرناها على عاتق الحكومة الحالية والحكومات التالية المتمثلة بوزارة الموارد المائية وعليها واجب إيجاد السبل والموارد المالية اللازمة لبناء السدود لتخزين مياه الفيضانات الموسمية التي تهدر دون الإستفادة منها وكما يحدث الآن (حتى لو إستطاعت عقد الإتفاقيات للدفع بالآجل أو بالمقايضة النفطية)، لا بل عادت هذه الفيضانات لتهدد العاصمة بغداد ومعظم المدن العراقية وحيثُ أرجعتنا الى مآسي الإحتلال العثماني بداية القرن العشرين أو ما قبله حين كان العراق ومواطنيه على موعد يكاد يكون سنوياً مع الكوارث الفيضانية وتفشي الأمراض الفتاكة التي تصاحبها، وعلى الوزارة المتخصصة أيضاً واجب تفعيل كافة الإتفاقيات المائية الدولية والثنائية ومنها إتفاقية سنة 1947م، لا بل على الحكومة العراقية نقل مخاوفها من تهديد السدود التركية للعراق وشعبه الى الأمم المتحدة لإصدار قوانين جديدة أكثر فاعلية لتنظيم العلاقة المائية بين العراق وتركيا، كأن يقترح العراق مثلاً إستحداث قانون أممي جديد يجبر الجانب المستفيد (تركيا) على عدم تجاوز 60% من الطاقة الإستيعابية لكل سد وإبقاء ربعه أو أكثر وعلى مدار السنة مهيأ لإستيعاب مياه الأمطار الموسمية أو أي طارئ آخر لدرء الخطر عن الجانب المتضرر (العراق)، ووضع السدود التركية تحت المراقبة الدورية لتنفيذ التزاماتها، كما يتم وضع شروط جزائية على الجانب المستفيد (تركيا) لأي ضرر فعلي على الجانب المتضرر (العراق)، وحتى لو رفضت تركيا بعد إقرار القرارات تنفيذها إلاّ أنها ستكون بمثابة دليل على مسؤوليتها عن أي ضرر يصيب العراق مستقبلاً، خاصة وإنّ السياسة الدولية التركية الآن في الحضيض، وعكسها هنالك تعاطف من المجتمع الدولي مع العراق لتحمله الوِزْر الأكبر في محاربته للإرهاب الدولي، فهل هنالك من سيصغي الى مخاوفنا هذه ويعمل على عدم إضاعة الفرصة الذهبية المتوفرة الآن لتصحيح أخطاء الحكومات المتعاقبة في هذا المجال ؟؟؟!!!، خاصة وإن رئيس الوزراء الحالي الدكتور حيدر العبادي أخذ على عاتقه متابعة ملف المياه بترأسه للجنة التي شكلها مجلس الوزراء قبل عدّة أيام لمتابعة الثروة المائية في البلد.


37
التعايش السلمي في المجتمع: هل هو شعور فطري أم ثقافة مجتمعية؟
بقلم: سالم إيليا
إنعقد في بغداد مؤتمر للتعايش السلمي للمجتمع في الثالث من نيسان الجاري برعاية كلية الإعلام من أساتذة وطلبة تحت شعار "المؤتمر العلمي لدور الإعلام في التعايش السلمي".
حضرَ المؤتمر نخبة من الأكاديميين والمسؤولين السياسيين يتقدمهم المتحدث الإعلامي الرسمي لمكتب رئيس الوزراء سعد الحديثي ونخبة من الإعلاميين لتغطية فعالياته.
وقد توصل المؤتمرون بعد مناقشات ودراسات مستفيضة على أن: "التعايش السلمي هو شعور فطري بين مكونات المجتمع "!!!، هذا ما ذكرهُ عن لسان المؤتمرين مراسلي الفضائيات التي غطت المؤتمر!!!.
و"الفطرة" بجوهرها ومفهومها العام تعني: "الْخِلقة التي يكون عليها كل موجود أوّلَ خَلْقِهِ"، أي أنّ المولود الإنساني يكتسب صفاته الإنسانية الإيجابية والسلبية من طبيعته الإنسانية التي خصّه الخالق بها.
ففي أعماق المولود الإنساني المتضاددات من الصفات، لكن عدم إكتمال النضوج العقلي والفكري المرتبط بعدم إكتمال النضوج الفيزيائي/الفسيولوجي للأعضاء البشرية للطفل ومنها المخ مركز السيطرة العقلية والفكرية في جسم الإنسان تجعل الطفل وبسبب ضعفه البدني أيضاً مسيّر ومستعد للإنقياد اللاشعوري الى ما يُملأ عليه من حواضنه وغالباً ما يكون البيت المتمثل بالأم والأب في المقدمة منها ثم يليهما البيئة والمدرسة بعد التدرج العمري والنضوج البدني.       
وصحيح أنّ الطفل يحمل صفة البراءة وكل الصفات الإنسانية السليمة والسلمية في ساعة ولادته، لكنه أيضاً لديه الإستعداد لتغيير هذه الصفات مع نموه كلما تقدم به العمر لتتحدد صفاته وتتوضح أكثر إعتماداً على نوعية بيئة منشأه وهنا يكمن بيت القصيد!!، أي أنّ ما كان عليه الطفل ساعة ولادته من صفات قابلة للتغير حسب طبيعة ومكان وزمان نشأته.
وبعد ما ذكرته من توضيح وتفسير للمعنى الجوهري لمفهوم "الفطرة" التي يولد عليها الإنسان، فإني أتسائل: هل أنّ التعايش السلمي هو شعور فطري أم ثقافة مجتمعية تبدأ من أصغر وحدة إجتماعية ألا وهي العائلة برأس هرمها المتمثل بالأب والأم وحيث تعتمد على مقدار ثقافتهما ومقدرتهما على زرع بذور السلم الأهلي والمجتمعي وتقبّل الآخر وأهميته في فكر أبنائهما والمجتمع ككل على حدٍ سواء؟؟؟، هذا إذا كانا أساساً مقتنعان تماماً بضرورة العيش السلمي في المجتمع ولديهما الثقافة الكافية لنقلها الى أبنائهما والمرتبطة بمقدار النسبة المئوية لثقافة مجتمعهما بشكلٍ عامٍ!!، وهذه الثقافة يجب أن تكون مدعومة بالقوانين المشرّعة من أعلى السلطات التشريعية والمنبثقة من دستور وطني في بلد مثل العراق متعدد الأديان والمذاهب والأعراق لتعطيه القوة التنفيذية في حالة تجاوز بعض أفراد المجتمع للخطوط الحمراء لشرخ السلم المجتمعي.
وسأعطي مثالاً حياً على ذلك: ففي نفس يوم إنعقاد هذا المؤتمر في بغداد جرى في جنوب لندن عاصمة إنكلترا إعتداءً عنصرياً في منتصف الليل على مراهق مهاجر لم يتجاوز السابعة عشر من عمره بالقرب من إحدى الحانات، وحيثُ تبين من أنّ المُعتدى عليه كردي إيراني وإنّ المعتدين مجموعة من المتطرفين الشباب الإنكليز الذين تتراوح أعمارهم ما بين العشرين الى أربع وعشرين سنة، فتحركت الشرطة بسرعة والقت القبض على مجموعة تقدّر بثمانية عشر متطرفاً، ولا تزال التحقيقات والملاحقات جارية للقبض على ما تبقى منهم!!، ووجهت اليهم الشرطة حال القبض عليهم تهمة الإعتداء العنصري على لاجيء/مهاجر قد تلحقها بتهمة أخرى وهي القتل الغير متعمد كون إنّ الضحية في وضع قلق وغير مستقر، وقد لاقى هذا الإجراء القانوني الحكومي المتمثل بالسلطة التنفيذية من الشرطة التأييد الشعبي الواضح في الشارع الإنكليزي!!.
طرحتُ هذا المثال الحي لسببين: أولهما، على الرغم مما قد يبدو من أنّ هنالك تغيّر سلبي ونسبي في نظرة المجتمع الغربي تجاه المهاجرين بشكلٍ عام والقادمين منهم من دول معينة بوجهٍ خاص بسبب إستغلال العناصر الإرهابية المتطرفة لموجات النزوح الى تلك البلدان والتخفي بين اللاجئين الأبرياء للدخول في دول اللجوء والقيام بأعمال إرهابية مشينة بطريقة تنفيذها ووحشيتها وإختيارها لضحاياها من المدنيين دون إستثناء والتي ذهب ضحيتها العشرات لابل المئات من الأبرياء المدنيين مما ولّد حالة من الغضب الشعبي في الشارع الغربي، إلاّ أنّ هذا الأمر لم يثني الجهات التنفيذية المؤيَدة بإجراءاتها شعبياً من تطبيق القانون الجنائي بحق من يعتدي على اللاجئين أو المهاجرين الأجانب دون وجه حق وبدوافع عنصرية!!.
وثاني السببين: على الرغم من أنّ المُعتدى عليه لم يمضي على وصوله الى لندن ربما أشهر أو سنوات وربما لم يتمتع بعد بكامل حقوق المواطنة، إلاّ أنّ القانون يحميه بشكلٍ كاملٍ من أي إعتداء لفظي أو فعلي ويقف الى جانبه أمام القضاء!!.   
ولو قارنا بين ما حدث في لندن وما يحدث في العراق من إعتداءات على مكونات عراقية أصيلة يقف القانون فيها عاجزاً عن حمايتها أو الدفاع عنها أو ردع المعتدين المسببين لها لوجدنا من أنّ الخلل الأساسي يكمن في إتجاهين: الأول، عدم وجود قوانين حقيقية لحماية المواطن العراقي بغض النظر عن عرقه أو دينه أو مذهبه!!، لا بل على العكس من هذا فإنّ الدستور الحالي الذي يُعتبر المصدر الأساسي لتشريع القوانين يشجع على الطائفية وبث التفرقة العنصرية بكل أشكالها!!، كما يشجع على تقاسم النفوذ والسلطة على أساس طائفي!!، ويفرد مواد خاصة على أحقية المكوّن الأكثر دينياً وقومياً عن غيره من المكونات!!، وحيثُ يمتاز بميزة لا يوجد مثيلها في دساتير كل بلدان العالم المتطورة والمتخلفة على حدٍ سواء وهي تناقض مواده مع بعضها البعض مما يولّد الضبابية وسوء الفهم في تنفيذها!!، فالمادة (2)/أولاً/ الفقرة (أ) من الباب الأول تتعارض تماماً مع الفقرة (ب) و (ج) من نفس المادة، كذلك فإنّ الشطر الأول يعارض الشطر الثاني من المادة (2)/ثانياً، والمادة (7) من الباب الأول تتناقض مع واقع الحال تماماً والمباركة من أعضاء الحكومة بمختلف إنتماءاتهم ـ ـ وهكذا!!!.
أما الإتجاه الثاني في المقارنة بين ما حدث في لندن وما يحدث في العراق، فهو يخص مقدار تجذر الثقافة المجتمعية السلمية النوعية لدعم القوانين التي تحد من ظاهرة التطرف الطائفي بكل أشكاله، وإصطفاف أغلب مواطنوا المجتمع الإنكليزي خلف الجهات التنفيذية لوقف العنف العنصري وتداعياته بغض النظر عن تأثر المجتمع بحوادث إرهابية فردية لتغيير قناعاتهم وثقافاتهم المجتمعية السلمية وإستمرار التعايش السلمي الإنساني المبني على أساس إحترام الحقوق والممارسات والإنتماءات أو القناعات الشخصية ما لم تؤثر على حقوق الآخرين. 
ولهذا نجد من إنّ المغتربين في الدول الغربية (دول أوربا وأمريكا الشمالية وإستراليا ونيوزلندة) خائفون من أن تتحول ثقافة هذه المجتمعات السلمية التعايشية الى ثقافة عنصرية بسبب الأعمال الإرهابية التي تحدث في بلدانهم، وحيثُ قد تترك أثرها النفسي العميق بين أفراد مجتمعاتهم على الرغم من وجود دراسات حقيقية وقوانين صارمة تقف بوجه أي توجه عكسي في هذا الخصوص لتحويل هذه المجتمعات الى ساحات للصراعات الطائفية.
وهنا لا بد من التوقف عند ظاهرة مهمة وجديرة بالإنتباه والمراقبة ربما لم يعِ المغتربون اليها بشكلٍ عام دون أن أعني دين أو مذهب أو قومية بذاتهم، وإنما يمكن ملاحظتها عند الكثير من المهاجرين بشكلٍ عامٍ، وهذه الظاهرة ربما سيكون البعض منهم سبباً في ظهورها وإستفحالها نتيجة سعيهم الى تلقين تراثهم المجتمعي الذي فرّوا منه في بلدانهم الى أبنائهم وليعودوا الى تطبيقه في مهاجرهم من حيثُ يعلمون أو لا يعلمون!!، وقد عاد البعض منهم لممارسته وإنعاشه بين أفراد عوائلهم في المهجر إعتقاداً منهم لضرورة تحصين أبنائهم من المجتمع الجديد المنفتح بحريته الشبه مطلقة خاصة في مجال الحرية الشخصية، وأعني بها بشكل أوسع تشجيع أبنائهم على الإنغلاق وعدم الإنفتاح على المجتمع الجديد بطريقة عقلانية ومدروسة، وحثّهم على التمسك بالتراث الديني الى أقصاه الغير قابل للنقاش!!، وحيثُ سيكونوا هم السبب الرئيسي لتأسيس ثقافات أحادية متطرفة أو بأحسن الأحوال ثقافات منغلقة قابلة الى تقبل أي فكرٍ متطرفٍ، فتمسكهم المنغلق والرافض للإنفتاح العقلاني المقبول على مجتمعاتهم الجديدة دون التأثير على جوهر إيمانهم الحقيقي الروحي أو التراثي المعتدل سيودي دون أدنى شك الى خلق أجيال مهيأة للتغيير السلبي مما سيؤدي الى تكوين حواضن لمجتمعات مبتلية بأمراض التعصبية الفكرية بنواحيها الدينية أو المذهبية أو العرقية، وخوف المغتربين من تغير نظرة دول المهجر عليهم يقابله تخوف من نوع آخر لمواطني تلك البلدان من نقل المهاجرين لمشاكلهم الإجتماعية الى مجتمعاتهم المتميزة بالتطور الفكري والإنساني.
 والمشكلة الكبيرة في هذا الأمر هي عدم إدراك المهاجرين الذين يسلكون هذا التوجه لخطورة فعلهم ومدى ضررهم مستقبلاً على أبنائهم، وحيثُ سيقعون في نفس الخطأ الذي أجبرهم على الهجرة من بلدانهم الأصلية، وبكل تأكيد سيكون تأثير هذا التوجه السلبي واضح بسبب تباين الثقافة والمعرفة والخلفية المجتمعية الجغرافية بين المهاجرين أنفسهم الذين هاجروا من كلّ حدبٍ وصوب من قارات العالم الى بلدان اللجوء أو الهجرة المتميزة بأنظمتها.
وظاهرة نقل الكثير من المهاجرين الى بلدان المهجر التي لجئوا اليها لموروثهم التي ورثوه من تراكمات الثقافة الإحادية في مجتمعاتهم لقوميتهم أو دينهم أو طائفتهم والتي نطلق عليها في مراحلها المتقدمة بـ "التعصب" وإنغلاقهم عليها في بلدان اللجوء أو المهجر كرد فعل على تخوفهم من فقدان هويتهم، لا بل يحاول الكثير منهم تعزيز هذا التعصب وزيادته في أبنائهم وإجبارهم على ممارسة طقوسهم الدينية والإجتماعية بأعلى مستوياتها التي لم يكونوا يفعلونها في بلدانهم الأصلية قناعة منهم في حصانتهم وحمايتهم من المجتمعات المنفتحة المتجاوزة لتقاليدهم المجتمعية والدينية التي نشأوا عليها في أوطانهم، وحيثُ تناسوا من أنّ سبب لجوئهم أو هجرتهم الى تلك البلدان هو للهروب من نفس الثقافة وتداعياتها التي يحاولون غرسها من جديد في عقول أبنائهم في المجتمعات الجديدة الخالية منها بأنظمتها العلمانية، وهذه الأزدواجية هي التي دمرت بلدانهم الأصلية وستدمر حتماً مجتمعاتهم الجديدة.
وهذا التصرف من بعض اللاجئين أو المهاجرين بشكلٍ عامٍ لا يشمل شريحة قومية أو دينية محددة منهم وإنما يشمل الجميع دون إستثناء، ولأنهم ببساطة لم يأتوا من بلدان تتمتع بأنظمة سياسية أو مجتمعية منفتحة ومتعايشة سلميا،ً وإلاّ لما كانوا قد قرروا ركوب المخاطر لمغادرة أوطانهم وأحبائهم والتغرّب عن بيئتهم.
وأعتقد من يقرأ هذه السطور من المغتربين سيوافقني على ما طرحته وبأمثلة كثيرة لديهم وليس مثل واحد أما عن نفسه أو محيطه من المهاجرين الذين يعلم علم اليقين بأنهم كانوا أكثر إنفتاحاً في بلدانهم الأصلية، لكنهم عندما هاجروا الى هذه البلدان إنغلقوا على أنفسهم حماية لأبنائهم وعوائلهم وحسب إعتقادهم، وحيثُ نرجوا جميعنا أن لا تتحول بلدان المهجر بعد عقود من الزمن الى ساحات صراع قومية أو دينية أو طائفية بين المهاجرين أنفسهم والتي بدأت بوادرها بالظهور في مناطق معينة في تلك البلدان التي يسيطر عليها المهاجرون جغرافياً بحكم معيشتهم فيها بكثافة سكانية عالية قابلها تواجد آخرين من نفس موطنهم الأصلي أو من أوطان مختلفة في أماكن أخرى قريبة منهم لكنهم يختلفون معهم أما قومياً أو دينياً أو مذهبياً فبدأت من جديد بوادر الصراع الذي هربوا منه في بلدانهم، لكن هذه المرّة في أماكن إستيطانهم الجديدة، وحيثُ ذهبوا اليها آمنين طلباً للسلام لكنهم عادوا لبلورة صراعاتهم الفكرية فيها من جديد، وقد بدأوا بتكوين كيانات طائفية على غرار كياناتهم في مواطنهم الأصلية بسلبياتها التي دمرت مجتمعاتهم التي هربوا منها!!. 
إذاً الحل الذي بإستطاعته إيقاف هذا التناحر هو تقبل الثقافة السلمية للمجتمعات التي هاجروا اليها طوعاً ودعمها طلباً للإستقرار السلمي الإنساني دون فقدانهم بالضرورة للهويتهم الشخصية، والإستفادة القصوى مما وفرته لهم بلدان اللجوء والهجرة بأنظمتها العلمية الحديثة وإمكانياتها المادية الضخمة ونظامها التكافلي المجتمعي بكل تفاصيله للعيش في حياة خالية من الصراعات الفكرية وحروبها ومآسيها.

38
وداعاً شاعر الموصل وعاشقها معد الجبوري
بقلم: سالم إيليا
غادرنا شاعر العراق والموصل معد الجبوري (أبا حارث) الى عليين في الساعة الأولى من يوم السبت المصادف الأول من نيسان لهذا العام (2017) عن عمرٍ ناهز (71) عاماً أثر مرض لم يمهله كثيراً.
لقد عرفتُ الفقيد إنساناً وطنياً مبدئياً لا يحييد عن وطنيته غير راغباً بالتسلق الى أعلى المناصب الزائلة التي كانت مفتوحة أمامه على مصراعيها، لكنه رضي بإن يخدم معشوقته الموصل من خلال منصب مدير المجمع الإذاعي والتلفزيوني فيها قبل سنوات الإحتلال.
أمتعنا الراحل/الخالد الذكر معد الجبوري بشعره الذي كانت تشع من مفردات كلماته وأبياته صفات النُبل والشموخ والوطنية الحقّة ـ ـ وقد أفرغ فيه عظيم محبتهِ لبلدته الموصل وبلدهِ العراق وإنتمائه القومي النقي المتفاعل إيجابياً مع محيطه الإنساني المتنوع، كما كان آخر عمالقة مؤلفي المسرحيات الشعرية الذين من الصعب تكرارهم وملئ فراغهم الأدبي والفني.
لقد كان لي مع "أبي حارث" تواصل عبر موقع "بيت الموصل" ومن ثمّ عبر البريد الألكتروني، وكم تمنيتُ أن يسعفني الزمن للقائه والتعرف عليه عن كثب، ولقد إستمر التواصل بيننا عبر المخاطبات في البريد الألكتروني كلما نشر قصيدة من قصائده في وسائل الإعلام، فينبئنا نحن ممن تشرفنا بحمل صفة "الأصدقاء" له بمتابعة نشاطاته الأدبية الغزيرة بمحتواها الأدبي والمعرفي حتى جاءت أسراب الجراد "الداعشية" غازية للموصل وقطعت سبل التواصل الإنساني والمعرفي بين محبي الحياة وجماليتها، فجازفتُ يوماً ما بإرسال رسالة له عبر البريد الألكتروني وبعد أن فاض بي الشوق والحيرة والقلق لسماع أخبار الأصدقاء من أدباء وأساتذة أجلاّء المتواجدين داخل الموصل ومنهم شاعرنا الراحل وفي ظل الظروف والأحداث التي كانت تتناقلها وسائل الإعلام وتبثها حول معاناة الموصليين تحت حكم داعش وبالأخص أصحاب القلم والمعرفة، وكان هذا مع بداية زمن الإحتلال الداعشي، فأجابني الراحل العزيز بمقتضب الكلام وبما قلّ ودل وأوضح لي الصورة المأساوية المحددة بإطارها أو الأصح بسورها الذي أحاطت به "داعش" مناحي الحياة، وأحاطني علماً بما يجري تحت حكم الدواعش بكلمات معبّرة لشاعر وأديب متمكن يستطيع إختصار كتاب ضخم بكلمات وجيزة مختارة تماماً كما كان يفعل عندما كان يُعلّق على مقالاتي ونشاطات بقية الأدباء والأساتذة الأدبية في موقع "بيت الموصل" بصدق ومهنية وبعيداً عن المجاملات المُسْرِفة إلا بحدودها الإنسانية الطبيعية.
وعندما قررتُ كتابة مقالة بعنوان "إنها الموصل أيها المحررون" قبيل تحرير الموصل لحثِ الطرف المحرر على العناية بأقصى ما يستطيعون بأهلنا في الموصل وصروحها الباقية التي سلمت من تدمير داعش وتذكيرهم بعظمة الموصل ومكانتها ومكانة أهلها عبر التاريخ، لم أجد بداً إلا أن أزينها وأدعمها بأبيات من قصيدة الشاعر الراحل معد الجبوري "أم الربيعين"، وكم كانت المفاجئة لي حين نشر الإعلام نموذجاً لإحد المنشورات التي أسقطتها الطائرات العراقية على الموصل في نفس يوم نشري للمقالة تحتوي على أبيات نفس القصيدة لشاعرنا وأديبنا معد الجبوري!!!.   
وحين تحرر الجانب الشرقي للموصل تواصلتُ مع أ.د. سمير بشير حديد وتمنيتُ عليه إطلاعي على أخبار الأصدقاء من جهابذة بلدتنا الموصل فرداً فرداً ومنهم إستاذنا الجليل الدكتور حسيب حديد الذي شرفني وفاجئني برسالة الكترونية لا يزال محتواها عالقاً في ذهني أيام ما كان التواصل من داخل الموصل مع خارجها يُعتبر جريمة بنظر داعش!!!، وأيضاً كان مِن بين مَنْ حرصتُ بسؤالي عنهم شاعرنا الراحل العزيز معد الجبوري وولده العوّام في نفس بحر والده الشعري "حارث" وصديقنا الفنان المسرحي صبحي صبري وجميع أصدقائنا وإخواننا الآخرين الذين أحجب أسمائهم الآن خوفاً عليهم من أنهم ربما في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة داعش، فطمئنني الأستاذ الدكتور سمير حديد مشكوراً على البعض منهم ممن يسكنون في الجانب الشرقي ومنهم أبو حارث (معد الجبوري) فبعثتُ له بإيميل مهنئاً بسلامته وإنتظرتُ ردّه ولم يكن في خلدي من أنّ المرض قد داهمه وحجبه على غير عادته في الرد السريع على إيميلات معارفه وأصدقائه، وجاءني الجواب في اليوم الذي أُطْلِقَ عليه كذبة نيسان بخبرٍ قرأته ونزل كالصاعقة على كياني برحيله الى دار حقه ناعياً مغادرته على غير موعد إبنه الشاعر حارث معد الجبوري، وكم تمنيت أن يكون خبر وفاته كذبة ككذبة نيسان التي يتداولها الناس في مثل هذا اليوم من السنة!!!.
وسأورد أدناه بعضاً من مراسلاتنا الألكترونية لما فيها من أهمية أدبية وتوثيقية:
حيثُ كنتُ قد أرسلتُ له إيميلاً جواباً على إرساله لإيميل الى نخبةٍ من أصدقائه ومنهم كاتب هذه السطور يدعوهم فيه الى قراءة إحدى قصائده التي نشرها في الف ياء جريدة الزمان الدولية  بعنوان "للبلاد التي تسكنني" ، أدناه نص جوابي:
"والله وأنا أقرأ قصيدتك (للبلاد التي تسكنني) تراءى لي الوطن بما أحمله له في صدري وأعماقي من صورة جميلة حملتها بين ثنايا جوانحي وتحت أضلعي حين غادرته مكرهاً، أمنّي النفس بعودة بلدي الحبيب الى ربيعه الذي ما عادت تتفتح فيه أزاهيره البرّية المعبّقة بأريجها الربّاني، دمت للوطن شاعراً يحمل همومه التي أثقلت كاهله"
أخوكم ـ ـ
سالم إيليا ـ ـ
وفي تبادل للمراسلات الألكترونية بيننا وقفت عند معلومة فريدة ذكرها فقيدنا الشاعر معد الجبوري في إحدى مقالاته وذكرياته عن مهرجان "أبي تمّام" ربما لم يتطرق اليها الشاعر الكبير نزار قباني إلا أمام نخبة قليلة من الشعراء والأدباء ومنهم شاعرنا الكبير معد الجبوري، وحيثُ تُعتبر معلومة مهمة عن أصول الشاعر نزار قباني!!، وستجدونها من خلال ردّي على رسالته الألكترونية والرابط المرفق لمقالته:
05/21/13 at 9:46 pm  ـ ـ
أصدقائي الأعزاء ـ ـ
إليكم من التحيات أطيبها ـ ـ
على الرابط أدناه:
(من الذاكرة: مهرجان أبي تمام عام 1971) ـ ـ
حديث لي نشر في صحيفة (المثقف) ـ ـ
وكنت قد نشرته قبل سنوات في (ملتقى أبناء الموصل) ـ ـ
والمنشور في المثقف هو (الحلقة الأولى) ـ ـ
وستتبعها حلقات أُخَر ـ ـ
وددت أن تطلعوا ـ ـ
مع فائق تقديري ـ ـ
معد الجبوري ـ ـ
 http://www.almothaqaf.com/memoir/74832.html

وكان جوابي له:
05/30/13 at 10:31 am ـ ـ
رفوف ذاكرتك أيها الشاعر الموصلّي الأصيل الأستاذ معد الجبوري تحتوي على نفائس المخطوطات التي لم تُنشر بعد !! ، فلأول مرة أسمع من أن الشاعر الكبير نزار قباني يعود بأصله الى مدينة الموصل بقولك: "ثم فاجأَنا قباني بقوله (الله .. يا مدينة أجدادي) وأضاف (لا تستغربوا، فأنا أَصْلِي من مدينة الموصل وقد هاجر جدي منها منذ زمنٍ بعيد، إلى الشام)". هذا التوثيق المهم لجذور شاعر كبير كنزار قباني يضفي أهمية مضاعفة لِما تجود به علينا ذاكرتك الوقّادة، حيثُ تتحفنا بنوادر الأحداث التي تعرضها علينا بإسلوبك الأدبي الآخاذ إذ نعيش فيها بأزمانها، ومن المؤسف حقاً أن تصل المماحكات بين الشاعرين الكبيرين البياتي والقباني الى هذا المستوى، وحسناً فعلت أيها الصديق الصدوق الإستاذ معد الجبوري في تدوينها، أشكرك جزيل الشكر على هذا التدوين الشفاف الصادق والخالي من التزويقات لطريقة سير الأحداث بأماكنها وشخوصها والى المزيد من النفائس التي تزدحم فيها رفوف ذاكرتك الحادة دائماً بعونه تعالى.
كان هذا هو تعقيبي الذي نشَرْتُه في موقع المثقف على ما جادت به ذاكرتك الرائعة فأتحفتنا بدرر الأحداث، مع محبتي الصادقة.
أخوكم ـ ـ
سالم إيليا ـ ـ
وفي إحد ردوده على مداخلتي لقصيدة من قصائده قال :
شكرا لك أيها المتلقي الرائي القاص والكاتب المبدع الأستاذ سالم إيليا، على قراءتك المتفردة الخاصة، المبشرة  بمجيء شهدائنا ، يوم يبدأ يوم جديد لعراق جديد حقا وليس كما ادعى المحتلون وحلفاؤهم .. وإنه لآت مهما طال الليل .. أحييك عزيزي ابن الموصل الأصيل الأستاذ إيليا، وأشكر لك هذه الإطلالة الشفافة على قصيدتي .. دمت متألقا ـ ـ
ستجد هذا التعقيب منشورا في صحيفة المثقف. ـ ـ
معد الجبوري ـ ـ
لقد رحلتَ يا أديبنا وشاعرنا معد الجبوري كمداً والماً على ما أصاب معشوقتك الموصل من الهول والدمار على يد الضلاليين، فهكذا هم العشّاق لا يموتوا من علّةٍ إلاّ علّة الحزن على معشوقتهم. 
لا أعلم هل نعزي أنفسنا أم نعزي عائلتك وإبنك حارث على رحيلك؟!!.
وداعاً يا صائغ حروف الأبجدية وأبيات شعرها المطهّمة بفيروز عشقك وحبك لبلدتك الموصل وبلدك العراق.
نَمْ يا أبا الحارث قرير العين، فقد رحلتَ وما رحلتَ!!! ـ ـ وحيثُ رحل الجسد وبقيت أشعارك وأعمالك الأدبية مخلّدة تحمل إسم شاعر جلس على أعلى قمة هرم الشعر العربي يُكنى بمعد الجبوري.


39
من المسؤول عن قتل المدنيين في الموصل؟
بقلم: سالم إيليا
صُدِمَ الشعب العراقي والعالم أجمع بمنظماته المدنية والإنسانية بكارثة سقوط العشرات لا بل المئات من المدنيين خاصة في الساحل الغربي الذي لا تزال العمليات الحربية جارية فيه وكما تناقلتها وسائل الإعلام (المعادية) والصديقة ووسائل الإعلام الرسمية التي لم تنفي ما جاء في الأنباء عن إنتشال جثث للمدنيين من أطفال ونساء وكبار السن من قِبَل فرق الدفاع المدني وحيثُ أكدته أيضاً منظمات المجتمع المدني والمرصد العراقي لحقوق الإنسان من خلال تواصلهم عبر البريد الألكتروني مع المهتمين بالشأن العراقي ومنهم كاتب هذه السطور.
ومن الطبيعي تبادل التُهم عن المسبب لها في مثل هذه الكوارث المروعة بين طرفي النزاع، فالدواعش يتهمون طائرات التحالف بقصف المناطق السكنية متناسين حقيقة كونهم متواجدين بين المدنيين وإتخاذهم لهم كدروع بشرية بالإضافة الى تفخيخهم للكثير من مضافاتهم التي هي أساساً بيوت سلبوها من سكانها الأصليين في وسط الأحياء السكنية، علاوة على إجبارهم للمدنيين على السماح لهم بإستخدام سطوح منازلهم لعمليات القنص والرمي العشوائي بمختلف أنواع الأسلحة ضاربين عرض الحائط سقوط الضحايا من المدنيين، هذا بالإضافة الى جرائمهم في التصدي للقطعات المحررة عن طريق تفجير السيارات المفخخة وسط الأحياء السكنية.
أما الطرف الحكومي المحرر والمتمثل بالجيش والشرطة وطيران التحالف فينأى بنفسه عن الجريمة متهماً داعش بتفخيخ جدران المنازل التي إحتلوها لسكان مدنيين أجبروهم للنزول الى السراديب كمحتجزين وإستخدام دورهم كقواعد لقتال الجيش والشرطة المهاجمين لإسترداد المدينة من سيطرة داعش.
ولغرض بيان الحقيقة علينا أولاً ذكر بعض الثوابت التي لا يختلف عليها قائدان عسكريان محايدان ومهنيان وغير مسيسان أو غير مؤدلجان بأيديولوجيات طائفية دينية أو عرقية أو سياسية من أي جهة أو بلد أو جيش في العالم، وأولى هذه الثوابت توقع سقوط ضحايا من المدنيين في حرب شوارع تحسب بالأمتار من بيت لآخر ومن غرفة لأخرى في البيت الواحد في مدينة كبيرة مثل الموصل التي يصل عدد سكانها الى أكثر من مليون ونصف نسمة وبتباين واضح بجغرافيتها المنقسمة بين ضفتي نهر يُعتبر من أكبر وأهم أنهار العالم وبتباين واضح أيضاً بهندسة عمارتها للدور السكنية والأبنية والشوارع بين ضفتيها، إضافة الى قِدَم الكثير من أحيائها خاصة في الساحل الغربي الذي يحتضن الصروح التاريخية المهمة والتي أجبرت الجيش على تحييد الكثير من إمكانياته، مضافاً اليها شراسة ووحشية وعدم مهنية الطرف المدافع وأقصد به عناصر داعش، علاوة على تباين الكفاءات القتالية بدرجاتها العالية والأقل منها ما بين قطعات وصنوف القوات الحكومية المهاجمة وإستخدامها لأسلحة تقليدية غير ملائمة لهكذا حروب، وهذه حقيقة يجب الإعتراف بها.
 ومما يزيد الأمر تعقيداً هو صعوبة فرز عناصر داعش من بين الأهالي لتجنيدهم للنساء وحتى الفتيان في صفوفهم، وحيثُ يُصعب على أي جيش في العالم كفوء ومدرب على التعامل الميداني المهني بشفافية في ظروف حربية وميدانية معقدة وصعبة للغاية ومصاحبة لظروف جوية قاسية لفرز العنصر المعادي (الشبح) من بين الأهالي، فبمجرد أن يحلق الداعشي ذقنه أو حتى إبقائه (لأن داعش أجبرت كافة الرجال على إطلاق لحاهم) ويقوم بتبديل ملابسه (القندهارية) عندها يصبح شبح متخفي بين الأهالي والقوات الأمنية المهاجمة على حدٍ سواء!!!، وهنا يأتي دور الأهالي ومستوى وعيهم في ضرورة مساعدة الأجهزة الأمنية للإخبار عن تلك (الأشباح) لأن السكوت عنهم معناه إعطائهم الفرصة للقيام بعمل إجرامي قد يكون ضحيته نفس الأشخاص الذين تستروا عليهم.
أما طائرات التحالف التي ترمي بقذائفها الذكية والغبية على أهدافها التي تحددها عناصر الإستخبارات العسكرية العراقية ووكلائها من أبناء الموصل المتعاونين مع القوات الحكومية فيقع على عاتقهم دقة المعلومة والإصابة للهدف بتأثير تدميري لا يتجاوز بأي حالٍ من الأحوال عدة أمتار مربعة!!، وهذا ما لم يحصل دائماً خاصة عند إستهداف العجلات والصهاريج المفخخة التي تختفي في الأزقة وتظهر فجأة على بعد عشرات الأمتار من القطعات المهاجمة فلا تترك الخيار إلا لضربها وتدميرها في نفس النقطة التي تم رصدها فيها مخلفة ورائها دمار شامل مع سقوط ضحايا من المدنيين كما حصل في الكارثة الأخيرة وحسب إدعاء الجانب الحكومي في تبريره المعلن، لذا على قيادة القوات المشتركة وغرفة العمليات إيجاد طريقة أنجع لمعالجة تلك الأهداف.
ومما زاد الأمر صعوبةً وتعقيداً  هو تشجيع الحكومة للأهالي للبقاء في دورهم السكنية وعدم مغادرتها لعدم قدرتها بإمكانياتها المحدودة لإستيعاب النزوح المليوني فيما لو حصل، وذلك لأسباب مادية ولوجستية وأمنية ومن جميع النواحي الإدارية والإغاثية وغيرها وخاصة في الجانب الغربي الذي تجري فيه المعارك الآن، وجميعنا سمعنا وشاهدنا ولاحظنا عدم إرتياح قائد عمليات "قادمون يا نينوى" الفريق الأول الركن عبد الأمير يار الله حين صرّح لوسائل الإعلام من أنه سيوجه القادة الميدانيين بضرورة إقناع سكان الساحل الغربي للبقاء في دورهم تنفيذاً لأمر سياسي وليس عسكري كان قد إستلمهُ قبل أيام قليلة فقط من حدوث الكارثة التي راح ضحيتها مئات المدنيين لتخفيف الضغط على الوزارات الخدمية التي ظهرت وكأنها "ريشة في مهب الريح" بخدماتها الهزيلة للاجئين، وهو الأعلم (أي قائد العمليات) من أنّ هذا الإجراء سيعيق قيام القطعات المحررة بواجبها على أكمل وجه!!، وهذا برأيي خطأ إستراتيجي كلّف الحكومة خسائر إضافية بالأرواح من المدنيين ومن القوات الحكومية أيضاً مما وضعها في موقفها المحرج الآن محلياً ودولياً وحتى عسكرياً.
نأتي الى جوهر السؤال: من هو المسبب لهذه المآسي الإنسانية المروعة بدءاً بدخول داعش وتهجير وقتل وسبي مكونات دينية وعرقية بكاملها وصولاً الى تهجير وقتل المدنيين الأبرياء من مختلف الأعمار للمكوّن الأكبر في الموصل: هل هي القطعات المحررة من جيش وشرطة وحشد شعبي يضم بين صفوفه جميع الطوائف؟ أم السياسيين الطائفيين الذين سلّموا الأرض والعِرض بيد داعش سواء من هذه الطائفة أو تلك؟ أم الدول الإقليمية والعالمية المتهمة بتكوين داعش وتهيئة عوامل نجاحها المرحلي في تدمير البلدان التي إحتلتها بأرضها وسكانها وديموغرافية تنوعها وخصائصها الفريدة وتراثها وتاريخها بصروحه وأثاره؟ أم إنّ هنالك عوامل أخرى محلية كانت الحاضنة المساعدة لتفقيس بيوض الثعابين الداعشية من حيثُ ندري أو لا ندري والتي أثبتت الأحداث مسؤوليتها ولو جزئياً لكن مهماً في الترويج للفكر المتطرف الغريب عن منطق العصر والحضارة، والغريب عن تعاليم الأديان السماوية؟؟ أم المجتمع نفسه المتمثل بأصغر وحدة فيه وهي العائلة التي يجاهد الوالدان فيها في غرس بذور التفرقة الطائفية الدينية/المذهبية أو العرقية ومبدأ القطب الطائفي والعرقي الأكثر والأكبر والأوحد مع تنمية شعور "الأنا" ضد مكونات من المفترض أن تكون متعايشة إنسانياً قبل كل شيء في مجتمع موحّد متجانس إعتقاداً منهما من أنهما يحميان فلذاتهما من الإنصهار المجتمعي الخليط والغير منفرد بهويته الدينية والمذهبية والقومية؟؟؟!!!.
وللإجابة على كل تلك التساؤلات المنطقية علينا الإعتراف من أننا جميعاً كعراقيين نتحمل المسؤولية وبنسب مختلفة عمّا يجري في وطننا من مآسي، فالساكت على الظلم ـ ـ والداعم لطائفته على حساب الطوائف الأخرى ـ ـ والمرتشي والسارق ـ ـ والسياسي الوصولي المتاجر بدماء مكونه ـ ـ والعسكري الغير مهني والغير كفوء ـ ـ والقلم الإعلامي المُطبّل للذي يدفع أكثر ـ ـ وأصحاب الفكر التنظيري الذين (لغفوا) مليارات الدولارات وذهبوا الى الدول المجاورة وسكنوا في قصورها الفارهة ـ ـ ومالكوا الفضائيات (العاهرة) بأبواقها وبرامجها المحرّضة ـ ـ ومريدوا المؤتمرات الإقليمية والدولية المشبوهة، كل هذه الشرائح المجتمعية مسؤولة عن مآسي الملايين من أبناء الشعب وإنسانه البسيط.
وحيثُ أنّ ما يحدث في الموصل الآن من مآسي وتدمير لم تشهد مثيله هذه المدينة العريقة على مدار تاريخها حتى في حصار نادر شاه (طهماسب) سنة 1743م جعلنا نميط اللثام عن كثير من السلبيات التي أثقلت كاهلنا كشعب عبر مئات السنين!!!، فهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إحتلال الموصل وتدميرها من عصابات جاءت من كلّ فجٍ عميقٍ وللأسف بمساعدة البعض القليل من ضعاف النفوس والمغرر بهم من سكانها وسكان القرى المجاورة لها، حتى في حروب العراق الحديثة منذ سنة 1980م لغاية 2003م لم تتأثر الموصل جغرافياً بالعمليات العسكرية لبعدها عن مسرح العمليات مقارنة بمدن الجنوب والوسط على الرغم من مشاركة أبنائها في غالبيتهم للدفاع عن الوطن من خلال قطعات الجيش، ومن المفارقات المزعجة والمستهجنة: كيف إرتضى هذا النفر الضال من المحسوبين على أهل الموصل المعروفين بتحفظهم المجتمعي وقوة تمسكهم بقيمهم الدينية والعرقية على الترحيب بالشيشاني والروسي والكازاخستاني والصيني والأفغاني والأوربي والألباني وغيرهم من حثالة مجتمعاتهم لكي يأتوا ويتحكموا بمقدراتهم المجتمعية؟؟!‍!، وحيثُ إستهجنت إحدى الموصلّيات النجيبات الطاعنات في السن على شاشات التلفاز قوانين داعش المفروضة عليهم بقولها: "نحن من نعلّم الغير الإيمان والتقوى، نحن مدينة الأربعين نبي من أنبياء الله، فكيف يأتينا الروسي والشيشاني ليعلمنا الدين"، وللحقيقة صحّ وصدق لسانها.
إذن علينا أن نرفع الملامة والإتهام العشوائي عن الجيش والقطعات المحررة التي تنفذ واجب التحرير بكل طاقاتها المتاحة وحيثُ يضعون أرواحهم في راحاتهم كل لحظة ودقيقة، ولنلقي اللوم على أنفسنا نحن الذين وضعنا على كاهلهم مسؤوليات التحرير والإغاثة والعلاج الميداني الطبي والإنقاذ ونقل المهجّرين والمحافظة على المدنيين والبنى التحتية والصروح المعمارية والأثرية وقائمة المسؤوليات تطول وتزداد أكثر مع  كل متر محرر دون أن نرى وللأسف الشديد كتائب والوية الموصل التي شهدنا لهم صولاتهم ضد عناصر داعش في مقاطع الفيديوهات المسرّبة عبر وسائل الإعلام قبل بدأ عمليات "قادمون يا نينوى"، وكان أملنا أن نراهم بجهدهم المضاعف أثناء التحرير، وكنّا كشعب نعوّل عليهم الكثير في إختصار زمن التحرير وتقليل الخسائر بين المدنيين وليسجَلْ عملهم البطولي في سفر صفحات مدينتهم وتاريخها، خاصة وإنّ الشهود من سكان المناطق التي تتعرض الى القصف الجوي يؤكدون بأن مناطقهم لا تتواجد فيها عناصر داعش بكثرة وعددهم محدود بعدد أصابع اليد الواحدة ـ ـ إذن الم يكن الأجدر قتلهم والسيطرة عليهم بواسطة كتائب والوية الموصل تجنباً لقصفهم بالطائرات وإيقاع الضحايا من الأبرياء المدنيين؟؟!!، أم إنّ هذا الأمر أيضاً يدخل في حسابات تجيير الإنتصارات لهذه الطائفة أو تلك أو لهذا الحزب السياسي أو ذاك وليذهب مئات الضحايا من المدنيين بأطفالهم ونسائهم الى الجحيم وقرباناً لأيديولوجيات سياسية ودينية مسيسة لم يرى المواطن العراقي منها غير الدمار والخراب!!، فكفانا أيها الأخوة هذه الحسابات المغلوطة والتي أثبتت السنوات العجاف التي يعيشها العراق منذ سقوط الملكية ولحد الآن بؤسها ونتائجها الكارثية.
وأنا أعلم تماماً مَنْ أخاطب في كلامي هذا ـ ـ إنني أخاطب شجعان الموصل من أهل الغيرة والحمية ـ ـ أخاطب فرسان القبائل والعوائل الموصلّية العريقة بأمجادها ـ ـ أخاطب إخواني وأبنائي الذين إذا التقيتُ بهم خارج حدود مدينتنا الموصل يسارعون الى تحيتي بجملة "هلا بإبن الِلّوا"!! ـ ـ أخاطب مَنْ يشدّهم إنتمائهم لبلدتهم الموصل وبلدهم العراق قبل أي إنتماء آخر سياسي أو طائفي ديني أو قومي، فإثبتوا وجودكم ونظفوا أحيائكم من العناصر الظلامية الدخيلة على مجتمعكم وما تبقى من ذيولها وحواضنها لتنهوا مآسي الأبرياء وتوقفوا صراخ الأطفال المرعوبين من الحرب وويلاتها وبكاء إمهاتهم، ولتنتهي هذه الحرب اللعينة بخاتمة تكون صولاتكم فيها هي مسك الختام ليسجل التاريخ مآثركم وثأركم ممن أرادوا إباحة الأرض والعِرض من مجرمي ومرتزقة الحروب، فهل سنسمع صدى لندائنا هذا؟؟؟. 
ولقد كنتُ قبل أيام أهاتف إحدى النجيبات الموصلّيات التي تربطنا وإياهم علاقات عائلية متينة لأكثر من خمسين عاماً، وحيثُ لم يكن إختلاف الدين والمعتقدات إلاّ عاملاً رئيسياً على التقارب العائلي بأروع صوره، ولقد كان والدها رحمه الله وإخوانه يتبؤون المراكز المهمة في مدينة الموصل سياسياً وعسكرياً قبل رحيلهم الى دار حقهم، وحال سماعها لصوتي أجهشت بالبكاء فرحاً وخاطبتني بلهجتنا الموصلّية: " أخويي سالم إحنا هسع (أي الآن) ببغداد وإختي وإختك الثانية الحمد لله خلّصه هي وعائلته الجيش (أي خلّصها هي وعائلتها) من داعش الظالم الكافغ (أي الكافر)، والله العظيم يا أخويي سالم تقول وتحلف (تقصد إختها التي لا تزال في الساحل الشرقي من الموصل) إنو أهل الموصل لازم يعملون تماثيل ال عبد الوهاب الساعدي وللأسدي، الله يحفظم وينصرم مع جيشم (أي جيشهم) على هذولي الما يخافون من الله (تقصد الدواعش)"، الحقيقة أفرحتني كثيراً لشعوري من إنّ العراق لا يزال موحداً بنسيجه على الرغم من كل المحاولات لتمزيق وحدته، فها هي إبنة الموصل النقية من كل المعتقدات الدخيلة المسيسة تقول كلمة حق لمنقذها مع عائلتها من براثن داعش. 
ولو إفترضنا جدلاً عدم إتخاذ الحكومة لقرار تحرير الأراضي التي إحتلتها داعش ومنها الموصل، فهل هذا سيرضي سكان المناطق المحتلّة الذين أنهكتهم قوانين داعش القسرية وجرائمها ضدهم يومياً وبطرقها الوحشية السادية؟؟، وهل ستسكت السِنة (جمع لسان) الملامة لنعت الحكومة وجيشها بالضعف؟!، وهل سيتوقف الإعلام الأصفر الذي يعمل كالمنشار صعوداً ونزولاً في تأجيج الوضع الداخلي لغايات سياسية خبرناها صغاراً وكباراً؟!، فالتحرير كان يجب أن يبدأ اليوم أو غداً أو بعد غد، وسقوط المدنيين الأبرياء يتحمل وزره كل من أوصل الأمور الى ما وصلت اليه وخاصة من غرسوا في أولادهم ثقافة الطائفة الواحدة.
أم إننا نحن الذين ننظر من خارج المناطق المحتلة سواء المتواجدين داخل العراق أو خارجه لا يهمنا إلا أن نؤشر على الأخطاء وننتقد الحكومة والقوات المحررة على كل خطأ ميداني أو لوجستي عملاً بالمثل القائل : "الأيده بالميّ مو مثل الأيده بالنار".
فكفانا أيها الإخوة المزايدة والمتاجرة بأرواح أهلنا وشعبنا من أجل أجندات معروفة المقاصد والغايات رافعين شعارات إستهلكنا جوهرها
الحقيقي النبيل من أجل غايات سياسية ومؤامرات تقودها بلدان بعيدة وقريبة وشقيقة للأسف الشديد.
رحم الله كل ضحايا الموصل والعراق من الأبرياء المدنيين الذين ستكون دمائهم شاهدة أمام الخالق على كل من تسبب بإهدارها عن قصد أو غير قصد نتيجة ضخهم وتشجيعهم للفرقة والتناحر والغاء الآخر لغايات سياسية لعينة لم نجني منها غير الخراب والدمار.     


40
أيها السياسيون: هذا هو وفائهم . . . فأين وفاء الأغلبية الغالبة منكم؟!!
بقلم: سالم إيليا
"الشيء الوحيد الضروري لإنتصار الشر . . . هو أن لا يفعل الرجال الجيدين شيء"!!!، هذه المقولة للمفكر السياسي الإيرلندي إدموند بيرك (من روّاد الفكر المحافظ الحديث، عاش ما بين 1729-1797م، وقد نُسبَ اليه إطلاقه لمصطلح السلطة الرابعة)، وكم ينطبق قوله هذا على الحالة العراقية منذ زمنٍ بعيدٍ.
وسأورد مقدمة قصيرة (لتبرير) مقالتي هذه التي وضعتني في موضع الدفاع عن مكونات وشرائح عراقية معينة أصيلة دون غيرها لما أصابها من إضطهاد وتهجير أوصَلَ البعض منها الى نقطة محو مكوّنها من على الخارطة الديموغرافية للعراق وبنسب قد تصل الى المئة بالمئة من مكوّنها العددي!!، وحيثُ لم يبقى منها حتى مواطن واحد أوعدد قليل بعدد أصابع اليد أو عدّة آلاف لا غير!!!، وإنّ البقية من المكونات التي أعنيها في طريقها الى الزوالِ السريعِ!!!.
وبما إنني أمقت لا بل أعادي كل من يتكلم ويدعم طائفته أو مكونه فقط على حساب المكونات الأخرى دون الكلام عن شعب موحد حمل إسم العراق متباهياً ومتفاخراً بتاريخ مشرّف سعينا جميعنا الى إخماد بريق حضارته السالفة التي شعّت بالإتجاهات الأربع للبسيطة وحاضر مظلم أصبح مضرباً للأمثال السيئة بين دول المنطقة والعالم عموماً ومستقبل مجهول يتأرجح على كف عفريت!!!، لذا أتمنى على من يقرأ المقالة أن يكون قاضياً وطنياً عادلاً غير منحازاً لإنتماءاته الشخصية ومتمسكاً بالإنتماء الوطني الأسمى ليصل في حكمه على المقالة الى ما أبغيه من طرح الحقائق المؤلمة فيها.
وما دفعني الى الكتابة وبجرأة القلم الحر عن هذا الموضوع هو أملي في إستنهاض الهِمم للغالبية الوطنية الساحقة من المكوّن الذي صنفه المصنفون على أنه (الأكثرية) دينياً وعِرْقياً، وعسى أن تكون هنالك صحوة وطنية خالصة بعيدة عن دهاليز السياسة ومؤامراتها!!.
 نعم إنها مقالة قد يصنّفها البعض في خانة المقالات (الإستفزازية) القاسية التي تضع النقاط على الحروف، لكن الغرض منها ليس لوضع هذا المكوّن العريق بشقيه في قفص الإتهام بكل تاريخه وتضحياته الكبيرة، لكنها بكل تأكيد هزّة عنيفة لمحاولة صحوة الوطنين الأحرار المغيبين من هذا المكوّن والمستكينين تحت وابل التبعية الدينية/المذهبية والعٍرْقية التي يقودها السياسيين العنصريين المحسوبين عليهم والمنضوين تحت مظلة الدول الطامعة بالعراق والمتسابقين لنيل رضاها!!، وهي دعوة أيضاً للوقوف بوجه توجهاتهم التي حان الوقت فيها الى إستئصالها من جذورها و"عدم ترك الحبل على الغارب" بعد الآن!!.
 والسبب الآخر لكتابتي عن هذا الموضوع هو تنامي ظاهرة "اللاوطنية" المشفوعة بالمبررات "اللامنطقية" للدفاع عن التواجدات الأجنبية من الدول الإقليمية أو القوى الدولية البعيدة والتي تصل وبشكلٍ لا يقبل الشك أو الجدل الى إعتبارها خيانات مذلّة لأصحابها المباركين لها بأعدادهم التي لا يستهان بها من هذه الطائفة أو تلك تحت ذريعة "نصرة المذهب أو الدين أو العِرْق" على حساب "نصرة الوطن والإنتماء الوطني".
وسوف لن أعود بمحاججتي هذه الى العصور الأولى لأجدادنا الذين بنوا حضاراتنا السالفة وهم في أغلبهم من تلك المكونات المهمشة والمطرودة من جنة عدن!!!، لكنني سأبدأ مع بداية الدولة العراقية الحديثة سنة 1921م والذي يحاول البعض (الكثير) وللأسف الشديد تدميرها وتقسيمها لتتوزع كغنائم مع مواطنيها على بقايا إمبراطوريات زالت وإندثرت ولم يتبقى منها إلاّ رماداً متطايراً يذر في عيون مَنْ حيّدوا بصرهم وبصيرتهم فتشبثوا (بالنازيين) الجدد المتعصبين لعِرْقهم من تلك الدول الإقليمية للإتحاد معهم تحت يافطة الإنتماء الديني/المذهبي أو العِرْقي الذي يستخدمه هؤلاء المتصيدين النازيين كطُعْمٍ للسيطرة على العراق.
وأنني في هذه المقالة أخاطب مَنْ ظلموا تلك المكونات بدافع التمييز المتعدد الأوجه، وحيثُ أطلقوا عليهم تسمية (الأقلية) العددية تصغيراً لدورهم الوطني الكبير في بناء العراق الموحد قبل وبعد نشوء الدولة العراقية الحديثة، وحيثُ ضلّلوا ونكروا عليهم دورهم الوطني وإيثارهم لبلدهم وصبابتهم له وهم منفيون قسراً عنه.
فهل جرّبَ أحد مواطني (الأكثرية) يوماً ما شعور الأسى لأحد مواطني (الأقليات) بحجب منصب إحدى الرئاسات الثلاث (التشريعية، التنفيذية والقضائية) عنه أو منصبي وزيري الدفاع والداخلية أو غيرها من المناصب السيادية المهمة في حالة رغبته في تبؤء أحدها والمحظورة عليه كونه من (الأقليات) وليس بسبب عدم كفائته أو عدم ولائه لوطنه أو الشك في أصالته أو إفتقاره للشهادات الأكاديمية التي تؤهله لإشغال هذه المناصب؟؟؟!!!، وإنما حُجِبَ المنصب عنه بسبب معتقده الديني أو العِرْقي!!، وحيثُ أنّ هذا الإستحقاق حقاً مشروعاً وواجباً لكل من يحمل الجنسية العراقية؟!!، وهل جرّبَ أحدهم يوماً شعوره عندما يُسأله سائل بمغزى طائفي عن دينه أو قوميته ليرسل السائل رسالة تحذير وربما شماتة الى المتلقي على أنه من (الأقليات) لكي لا يتعدى حدوده للمطالبة بنفس حقوق مواطنه من (الأكثرية)!!، وربما هنالك مَنْ لم يدرك المعنى الإعتباري لما ذكرته حتى من تلك المكونات ويستسخف هذا الطرح الوطني ويقول "هي بقت على الرئاسات الثلاث"!!.
وأرجو أن لا يقفز أحدهم على المنصّة مدافعاً ومبرراً ليقول لي أنّ الجميع متساوون في العراق ولا وجود للتفرقة أو الغبن على (الأقليات) في هذا الزمن أو الأزمان التي سبقته وغير ذلك من الكلام المعسول بالمفردات الرنانة وإعطاء أمثلة بسيطة عن هذا الوزير أو ذاك المدير العام من (الأقليات) لتبرير التفرقة المدعومة بالقوانين الوضعية والمبررة خطأ وظلماً بغطاء االتوصيات الإلهية!!!!، فبمجرد رفع البطاقة الحمراء بوجه أحد مواطني (الأقليات) لمنعه من التمتع بنفس إمتيازات وحقوق مواطنه الآخر الكاملة والغير منقوصة من (الأكثرية) بسبب دينه أو عِرْقه هو تمييز وإنتهاك صارخ لمواطنته وإنتمائه حسب كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية وإعتباره مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة!!.
ومن المفارقات المزعجة والمؤلمة أن هؤلاء المتعصبون المَذهبيون/العِرْقيون هم أنفسهم الذين تآمروا على العراق على مدار مراحل وفترات نشأة الدولة العراقية ووضعوا أياديهم بيد المحتل الأجنبي الإقليمي والدولي، وهم أنفسهم الذين وضعوا العراق في سوق المزايدات السياسية محاولين بيعه لهذا الطرف أو ذاك متجردين من عراقيتهم ومبررين خياناتهم بأغطية مُهَلْهَلة من أسمال التبعية المذهبية الدينية أو العِرْقية، علماً بأنّ مَن ْشرّدوهم من يهود ومسيحيين وصابئة مندائيين ويزيديين أو غيرهم هُم من ذرية الأصلاء الأولين الساكنين على هذه البقعة الطيبة ممن يختلفون مع الأكثرية الساحقة من أبناء الوطن أما بالدين أو العِرْق أو الإثنين معاً والذين أصبحوا (أقلّية) في نظر العنصريين بعد أن فعل السيف فعله في إبادتهم أو تغيير معتقداتهم ثمّ تلاه التهجير القسري بسوط القوانين الجائرة وأبرزها قوانين الأحوال المدنية التي فرضت تغيير المُعتقد المُكتسب للقاصرين عنوة في حالات معينة وقوانين أخرى باركتها البرلمانات الشكلية على أمتداد مراحلها الزمنية، ثمّ إعتداءات و(غزوات) المتشددين على مناطق تواجد تلك (الأقليات) بتساهل وتقاعس واضح من الحكومة الفدرالية ومؤسساتها الأمنية، مروراً بقوانين تحريم ما هو مسموح به في المعتقد الديني للبعض منهم والداخل في ليتورجيات طقوسهم الدينية (الأفخارستيا) وأعني به الخمر كرمز ديني، تاركين المشرّعين لتلك القوانين القسرية الأهم في تحريم السرقات للمال العام والفساد المالي والإداري والمجتمعي!!!.
وأسأل هنا غالبية السياسيين ممن تظاهروا بنصرتهم لدينهم أو مذهبهم أو عِرْقهم سؤالاً محدداً: مَنْ هم التابعون الآن لإيران أو لتركيا أو للسعودية أو للمحتل الأمريكي أو غيرهم من الطامعين؟؟؟، ومَنْ هم الذين تآمروا مع بعض الدول العربية والإقليمية والدولية ما قبل سقوط الملكية وبعدها ولحد الآن على العراق والذين أوصلوه الى ما هو عليه الآن؟؟؟، هل هم من أولئك المنتمون الى (الأقليات) كما أطلقتم عليهم والذين شرّدتموهم بلا هوادة من ديارهم وأبحتم أعراضهم وحلالهم وممتلكاتهم ونكرتم عليهم إنتمائهم الوطني الذي لم يتخلى معظمهم عنه وهم في العراءِ ـ ـ ولم يتخلوا عنه وهم في طريقهم عبر اليَم القاتل الى الضفة الأخرى حتى وصل مَنْ وصل اليها بكسوة جلدهِ فقط ـ ـ ولم يتخلوا عنه وهم في (جنتهم) الحقيقية في دول المهجر والتي أعطتهم من الحرية في ممارسة طقوسهم وبناء حياتهم الإجتماعية أكثر مما أعطاهم بلدهم الأم وللأسف الشديد؟؟؟!!!، لكنهم ومع هذا لم يشعروا بإنتمائهم الى موطنهم الجديد على الرغم من تقديرهم العالي لإحتضانه لهم!!!!، فلم يتركوا فرصة فرح لهم في مَهَاجِرُهُم إلاّ وصدحت حناجرحم بحُبِ العراق ـ ـ وجنة جنة جنة والله يا وطنّا!!!، وكأنّ لسان حالهم يردد أمنياتهم التي لم تتحقق في ظلِ وطنهم العراق وجنته الحالمين بها!!، وقد تحدّوا حتى الدول المضيفة لهم حين تحالفت ضد العراق في حربي الخليج الثانية والثالثة فكانوا يفتتحون حفلاتهم الشخصية والعامة بأغنية "يا گاع ترابچ كافوري" وهم في عقر دار (العدو)!!!.
 أما مَنْ هُجّروا من اليهود العراقيين فلهم قصصهم المأساوية المقرونة بالحقائق والتسجيلات الصورية والسمعية لِما تؤكد لحد الآن إخلاصهم بمعظمهم لإنتمائهم العراقي الذي نقلوه الى أبنائهم المولودين في المنافي خارج وطنهم العراق، ومع كل هذا فقد كانوا يصرخون وبكائهم وعويلهم يشق عنان السماء مستذكرين عراقيتهم وإنتمائهم الوطني في نفس اللحظة التي كان البعض من السياسيين المحسوبين على (الأكثرية) يتآمرون فيها على العراق مع هذه الدولة الإقليمية أو تلك الدولة العربية ويتسابقون في عرض ولائهم لها وعارضين خدماتهم لتقسيم العراق الى مناطق وأقاليم طائفية ولغايات شخصية زائلة، متظاهرين نصرتهم لإنتمائهم الديني/المذهبي أو العِرقي ظلماً؟؟؟.
فمَنْ أحَب وأوفى لجذوره ومسقط رأسه العراق أكثر من البروفيسور د.اليهودي سامي (شموئيل) موريه ومواطنه الشاعر أبراهيم عوبديا حين نقل لنا عنه البروفيسور د.سامي موريه مناداته ودعائه للعراق وهو على فراش الموت بعيداً عنه ومناجياً ربّه:
  يا رب نجِّ العراق اليوم من محنتِهِ وإجعله يزهو كما كان في زمنهِ ـ ـ
يا رب وانعم عليه بالسلام، فقد آن الأوان لينجوّ اليوم من شجنهِ ـ ـ
دعْ الرخاء يعمّ الشعب أجمعه والخير في ريفهِ يجري وفي مُدُنِهِ ـ ـ
كما كتب د. سامي موريه إحدى قصائده سنة 2006م وعنونها الى سياسيي (الأكثرية) في العراق "كفاك ضياعاً يا عراق"، يقول المقطع الأخير منها:
أصيحُ بالعراق، يا عراقْ ـ ـ
يا واهب الشباب اليُتْمَ والردى ـ ـ
عُد الى رُشدكَ يا عراقْ ـ ـ
عُد الى الوفاقْ ـ ـ
وخلّي شباب العراقْ مرّة أبعُمرَه يتْهنّا ـ ـ
ومن أحَب وأوفى للعراق أكثر من حبِ الصابئي المندائي الشاعر الكبير عبدالرزاق عبدالواحد الذي توفي بعيداً عن وطنه حين بلغ ذروة حبه في قصيدته الخالدة "سفر التكوين"؟، ومَنْ وصَلَ الى ذروةِ وجعهِ على العراقِ حين صدح في إحدى قصائدهِ قائلاً؟؟:
ما قلتُ يوماً سوف أفتحُ منفذاً لدمي على هذه القصيدة لأرى بها وجعي يراقْ ـ ـ
إلاّ وجدتُ منافذي سدّت بأوجاعِ العراقْ ـ ـ
وقالَ في قصيدةٍ أخرى مهنئاً مَنْ أحبَّ العراق!!:
هنيئاً لِمَنْ لا يخوُنكْ ـ ـ هنيئاً لِمَنْ إذ تكوُنُ طعيناً يكوُنكْ ـ ـ
هنيئاً لِمَنْ وهو يَلفظُ آخرَ أنفاسه ـ ـ تتلاقى عليهِ جُفونُكْ ـ ـ
وأقسى الشعور أن يشعر أحد الأبناء في البيت الواحد لظلمِ والده له وتفضيل بقية أبنائه وتمييزهم عنه لأنهم من رحمٍ ثانٍ، هكذا يشعر يا إخواننا من (الأكثرية) إخوانكم من (الأقليات) طوال حياتهم، لكنهم لا يجاهروا بشعورهم هذا خوفاً مما لا يحمد عقباه!!.
وحسناً فعلتا رئاستي الجمهورية والوزراء بالإقتراح المقدم للبرلمان للموافقة على تخصيص مقعداً برلمانياً للأرمن وحيثُ أعتبرهم أنا نموذجاً رائعاً في إخلاصهم للإنتماء الوطني العراقي، فلربما الكثير منهم آخر مَنْ إستوطنوا في العراق بحساب الزمن وبأعداد كبيرة، لكنهم أثبتوا ولائهم المطلق للعراق وقبلهم فعلوا التركمان في إثبات ولائهم للأرض التي إحتضنتهم، وهذان النموذجان يعطيان الدليل القاطع على وفاء كل من شرب من نهري دجلة والفرات، فهل (للأكثرية) العددية الحق في سلب كل تلك (الأقليات) كما يطلقون عليها لحقوقهم المشروعة؟؟!!، لا بل طردهم وإباحة قتلهم وتشريدهم وإنهاء تواجدهم على أرضهم وأرض أجدادهم التي أخلصوا لها ودافعوا عنها وسالت دمائهم عليها وشاركوا في بناء صروحها.
وهل سيستمر العمل للبعض من (الأكثرية) على تهجير ما تبقى من (الأقلية) ثمّ يجلسوا بعد هنيهة من الزمن ومن معهم يندبون تلك الساعة الشيطانية المتسرعة ويشحذون هممهم وأقلامهم بعد حدوث التهجير في تعداد خصائل تلك المكونات وإخلاصها للوطن ويعددون مَنَاقِبُها وأفعالها الحميدة وما فعله مواطنيها للعراق من خير وإيثار، ثمّ ينهي المجتمعون مناحتهم هذه بإستغفار ربّ العالمين وجملة "لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم" ويذهب كلٌ الى داره وينتهي الأمر؟!!.
فلو كان عضو البرلمان يمثل بحق كل أبناء الشعب العراقي دون تخصص طائفي لإنتفت الحاجة الى مطالبات تلك المكونات بمقاعد لها في البرلمان للحفاظ على حقوقها، لكن الذي نراه على أرض الواقع نخجل من ذكره لما فيه من صلافة المجاهرين بتعصبهم الطائفي العِرْقي والديني بشقيه المذهبي من البرلمانيين وغيرهم من السياسيين.
 ولقد أثبتت النتائج من أنّ المتشددين قد أضرّوا معتقداتهم وإنتماءاتهم الفكرية والروحية أكثر مما أضرّوا معتقدات الآخرين، فمن أراد لإنتمائه الخير والسمو والقوة والإستمرارية من أي دينٍ أو مذهبٍ أو عرقٍ أو حتى فكر سياسي عليه أن يدعمهُ بتحديث خطابه وإنفتاحه على مجتمعه المتعدد الأديان والمذاهب والأعراق والأفكار وتفاعله إيجابياً مع البيئة التي يحيا عليها ومع العالم أجمع، ـ ـ وليقف لحظة كل من ينتصر لإنتمائه بالقوة المسلحة والتشدد بالقوانين المفروضة قسراً على بيئته ويفكر بنتيجة تشدده هل إنعكست إيجاباً على إنتمائه أم سلباً؟؟!!، إذن فليجرب الإنفتاح والتحديث في كيفية عرض قناعاته بالنقاش والحجج وليس بقوة السلاح والقوانين الوضعية الجائرة أو بالإقصاء القسري لمكونات كاملة وتهميشها.
ولقد أثبتت النتائج بكل مآسيها على أرض الواقع من أنّ سبب كل مصائب العراق وعدم تقدمه خطوة واحدة الى أمام هو تمسك السياسيون المحسوبين على (الأكثرية)  بأرائهم في فرض إنتماءاتهم الشخصية وتعميمها على الجميع بقوة السلاح تارة أو قوة القوانين التي يشرعونها تارةً أخرى وبخصوصيتها التي يستحيل تعميمها إلا إذا تجاوزوا عصرهم وأعرافه السائدة دولياً بإحترام حقوق الإنسان وهذا ما حصل ويحصل الآن!!!.
ولأكن صريحاً أكثر، فمَنْ أرادَ أن يكون وطنياً فينبغي له أن لا يكون طائفياً ويحتفظ بإنتماءاته وخصوصياتها لنفسه ولعائلته على أبعد حد!!!، وإبعادها وفصلها عن العيش المجتمعي المتنوع الأعراق والأديان والمذاهب، وحيثُ أصبحت تتعارض بشكلٍ واضحٍ مع نقاوة الإنتماء الوطني العام ومستحقاته والذي تستظل تحت مظلته كل مكوّنات الشعب العراقي، وحيثُ أثبتت النتائج المأساوية والكارثية التي لحقت بالجميع تعارض الولاءات الخاصة مع الولاء للوطن، فما دام هنالك أكثرية وأقلية فإنّ نهر الدم سيستمر وتستمر معه المآسي والويلات.   
وهذه دعوة صريحة للوطنيين لتغيير واقع عنصري مرير منذ عشرات أو مئات السنين والذي أوصل البلد الى ما هو عليه الآن من تدهور مريع، وليرقى الجميع بأفكارهم الى المستوى الحضاري والإنساني للقرن الواحد والعشرين، وليعبّر الدستور بفقراته عن تمثيله لجميع المواطنين على حدٍ سواءٍ، وليكن الولاء أولاً للوطن الذي إذا تعافى فستتعافى معه كل الولاءات الشخصية الأخرى بكل تأكيد.
     


41
المنبر الحر / برلين تواسي الموصل
« في: 21:43 09/03/2017  »
برلين تواسي الموصل
بقلم: سالم إيليا
منذُ نهاية الحرب العالمية الثانية في بداية أيلول/1945م ودخول الحلفاء الى برلين مع بداية شهر مايس من نفس السنة لم تتعرض أية مدينة كبيرة مكتظّة بالسكان الى حربٍ شعواءٍ من بيتٍ الى بيت ومن غرفةٍ الى غرفة مثلما تتعرض له الآن الموصل ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد.
وبعد مرور (72) عاماً بالتمام والكمال على دمار برلين وما أصاب سكانها المدنيين من قتلٍ وتجويع ومآسي مروعة سيبقى التاريخ يذكرها تتكرر مأساتها اليوم على الجهة الأخرى من العالم وتحديداً في مدينة الموصل العراقية وبكل تفاصيلها الحربية المدمرة مع سكوت واضح وإهمال شديد من لدن المنظمات الإنسانية العالمية ومسؤولي القرارات الدولية المنضوين تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس أمنها.
لقد صدقّنا الإعلام الحكومي وأصحاب القرار السياسي والعسكري حين روّجوا لنظرية "الحرب النظيفة" التي ستحرر الموصل من عصابات داعش الإجرامية الدولية، وتفاعل أهل الموصل الأسرى لدى داعش مع وعود الحكومة وتعليماتها بإيجابية كبيرة في دعوتها لهم في البقاء في دورهم والتعاون معها لكي لا يصيبهم الأذى وسوف تعمل الحكومة بوزاراتها الخدمية ذات الصلة على إسعاف المواطنين المحليين بكل إحتياجاتهم من أغذية ووقود وغير ذلك من الضروريات، خاصة وإنهم كانوا محاصرين لأشهر عديدة قبل إقتحام الموصل من جانبها الشرقي وكانوا قاب قوسين أو أدنى لقرب نفاذ خزين طعامهم وذخيرتهم المالية بسبب عدم إستلامهم لرواتبهم لشهور عديدة!!.
وبدأت المعركة وجرى إقتحام الجانب الشرقي ( والذي يطلق عليه خطأ بالأيسر) من الموصل ووقفنا جميعنا مع الجيش المحرر وأستقلبت النساء في الجانب الشرقي القطعات المحررة من جيش وشرطة بالزغاريد، لا بل حتى بالقُبلات متجاوزين تقاليدهم ومعتبرينهم أبنائهم وإخوتهم ومنقذيهم.
والحق يقال لقد شاهدنا المحررين وهم يقومون بواجباتهم القتالية على أكمل وجه رغم صعوبة قواعد الإشتباك داخل المدن مع عصابات تكفيرية تبرر قتل المدنيين إذا لزم الأمر وإتخاذهم لهم دروعاً بشرية، فكان المحررون يقاتلون لحماية أنفسهم وتحرير الأحياء السكنية ويساعدون على إخلاء بعض المدنيين من بيوتهم ومناطقهم المدمرة وينظفون المناطق من العبوات الناسفة والدور المفخخة التي نصبها الداعشيون كأشْرَاك، لا بل تركوا أسلحتهم وخاطروا بحياتهم لإخراج عوائل بكاملها من تحت أنقاض دورهم وهذا الأمر قلما يحدث في حروب المدن التي لا يبعد المقاتل فيها عن خصمه إلاّ أمتاراً قليلة!!!، إضافة الى معالجة الجرحى المدنيين ميدانياً وبشكل مؤقت لحين إخلائهم بالعجلات العسكرية (الهمر) الى الخلفيات وإستغناء الجيش عنها مجبراً وهو في أحوج أوقاته لها، كل هذا الأمر وكنّا كمواطنين ومراقبين متفائلين على الرغم من سقوط عدد قليل نسبياً (بالنسبة لظروف المعركة وعدد سكان الساحل الشرقي) من الضحايا بين شهيد وجريح من المدنيين وفي غالبيتهم سقطوا بتفجير الدواعش لسياراتهم المفخخة على مقربة من دورهم.
نأتي الى الجانب الآخر للمعركة وهو الجانب الإنساني والخدمي الإغاثي وهو مهمة الوزرات والدوائر والمنظمات الخدمية التي ملئت وسائل الإعلام ضجيجاً بإستعدادها لمعركة التحرير وتهيئتها لكافة المستلزمات الضرورية من معسكرات الإيواء الى وسائل النقل الى الطبابة والمستشفيات وبدأت بالتباهي بإستعدادها لإستقبال المهجّرين مهما بلغ عددهم!!، لكن الحقيقة إتضحت مع أول حي جرى تحريره في الجانب الشرقي وتلكؤ هذه الوزارات وخاصة الهجرة والمهجرين والنفط والصحّة في توفير المواد الغذائية ومواد الإغاثة والوقود (النفط الأبيض والبانزين) والأدوية الضرورية لساكني الأحياء المحررة والمهجّرين في معسكرات الإيواء على حدٍ سواء!!، وحيثُ كان من المفروض تهيأت المستلزمات داخل الخيم قبل قدوم العوائل المهجّرة بساعات على أقل تقدير وأن يكون هنالك تنسيق مع الجانب العسكري الذي حمل على عاتقه مسؤولية الإخلاء لتأتي العوائل المنهكة من تداعيات المعارك فتجد الخيمة كاملة بمستلزماتها وموادها الغذائية لا أن تقف بطوابير لساعات وقد أعياها التعب لإستلام المواد الغذائية وتنتظر أيام في البرد القارس لإستلام المدافئ ثم تنتظر الوقود وهكذا، غير أنّ تلك الوزارات إعتمدت على جهود المنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية حتى وصلت مساعدات تلك المنظمات الى البعض من معسكرات المهجّرين قبل وصول مساعدات الوزارات الحكومية المعنية على الرغم من عدم وصول أعداد المهجّرين الى ثلث الأرقام المتوقعة من قبل تلك الوزارات الحكومية!!!.
ولنضع النقاط على الحروف ونشخص الخلل وأسبابه:
فمن الناحية العسكرية كان واجباً على القائد العام للقوات المسلحة وقادة غرفة العمليات تخصيص فوج مدرّب  خاص على أقل تقدير ليقوم بعمليات إنقاذ وإغاثة المدنيين وإخلائهم الى الخلفيات المخصصة والمتفق عليها كونهم الجهة المهاجمة وهم الأعلم بخططهم ومن أين سيبدأ التحرير ولتستلمهم بعدها الجهات المدنية من وزارة الهجرة والمهجّرين والدوائر ذات العلاقة لنقلهم بالناقلات السياحية الى معسكرات الإيواء دون إرباك القطعات الحربية المشتبكة مع العدو والمحررة بهذا العمل!!.
 كذلك كان على قادة غرفة العمليات دعم القطعات الحربية المحررة بشكل متوازي وميداني بالكادر العسكري المدرّب الذي يتنقل معها لتوزيع مواد الإغاثة الطارئة على السكان الذين قرروا البقاء في دورهم تلبية لنداء القيادة العامة للقوات المسلحة وبالتنسيق مع منظمات الإغاثة المدنية والوزارات الخدمية التي لا تستطيع الدخول الى ساحة العمليات بشكلٍ متزامنٍ مع القطعات المحررة، وحيثُ تكون تلك الأفواج أو المجموعات متخصصة ومدربة ومجهزة بمعدات خاصة ( آلات لقطع القضبان الحديدية والمجارف اليدوية والفؤوس ـ ـ الخ) للقيام بأعمال إنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض بالطرق الصحيحة لتقليل الخسائر البشرية وإسعافها، وإذا كان هنالك نقص في الكادر العسكري لتكوين هذه الأفواج والمجموعات المهمة لأي معركة من هذا النوع، فكان من الأجدر للقيادة العسكرية والسياسية العراقية الترتيب مع الحشود المحلية الذين دربتهم دول الجوار وفتحت لهم المعسكرات في بعشيقة وغيرها للقتال ولخلط الأوراق لأغراض سياسية، والتفاهم معهم لإحتوائهم في عرض مشاركتهم بعمليات الإنقاذ وإخلاء المهجّرين دون الإنخراط كمقاتلين حربيين، وبهذا تكون الحكومة قد وضعتهم على المحك لإثبات صدق نواياهم لمد يد المساعدة لأهلهم وناسهم دون الإشتراك الفعلي لتحرير ومسك الأرض، وحيثُ تكون بهذا الإجراء قد ضربت عصفورين بحجر واحد!!، خاصة وإنهم جاهزون على التكيّف مع متطلبات ساحة العمليات وبيئتها القتالية!!.
وحيثُ تعذّر القيام بتهيئة ما أوردته أعلاه من مستلزمات الإغاثة والإنقاذ فقد كان لزاماً على القيادتين السياسية والعسكرية  أن تتهيأ لإخلاء المدينة بالكامل لأسباب عديدة منها الإنسانية لتجنيب المدنيين والأطفال والنساء بشكلٍ خاص الرعب الذي يلازمهم على مدار الساعة ومشاهدتهم للجثث المرمية لعناصر داعش حتى في حدائق منازلهم وتعرضهم الى الحصار والموت جوعاً، والسبب الآخر هو سبب  أمني لتفويت الفرصة على أفراد داعش من الإختلاط مع الأهالي بعد التحرير فتضيع فرصة القضاء عليهم نهائياً، فلو أفْرِغَت المدينة لكان واضحاً من أنّ ما تبقى في معظمهم هم من داعش أو مع داعش مع وجود إستثناءات بسيطة يمكن فرزها بسهولة.
كذلك فإن مهمة توفير الممرات الآمنة للمدنيين كما صرّح القادة العسكريين لم تكن بالمعنى الآمنة مئة بالمئة حسب المعطيات على أرض الواقع سواء في محافظة نينوى التي تعتبر من المناطق الساخنة الآن وساحة مفتوحة للعمليات العسكرية بمختلف أنواعها أو مناطق العراق الأخرى التي لا تزال تحت سيطرة داعش، فقد برر هؤلاء القادة الخسائر البشرية في صفوف بعض المدنيين من جرّاء إنفجار العبوات الناسفة عليهم التي زرعها الداعشيون في مناطقهم والتي حاول المدنيون السير من خلالها الى الممرات الآمنة (فرضياً وليس حقيقياً) للوصول الى القطعات العسكرية، وهنا تحضرني قصة مؤلمة هي الأقرب الى الخيال في قصص الحروب ومآسيها التي رواها عبر الفضائية العراقية نيوز قبل أيام النائب في البرلمان عن الموصل عبد الرحمن اللويزي، حيثُ يروي ما أخبرته به إمرأة طاعنة في السن من ناحية "العلم" من أنها كانت تسمع صراخ طفل لأكثر من ثلاثة أيام وكانت تخبر عائلتها والمقربين لها بذلك حتى إنتشروا في البرية يبحثون عن مصدر الصراخ فوجدوا طفلاً لا يتجاوز الخمسة أعوام يحوم حول خمسة جثث لعائلته حاولوا الهروب من قبضة داعش في الحويجة فسقطوا في حقل الغام أبادهم جميعاً تاركاً هذا الطفل لمصيره المجهول!!!.   
أما مآسي الجانب الغربي (الذي يطلق عليه خطأ بالأيمن) والخسائر البشرية من المدنيين فيه فقد بدأت بداية مأساوية مع القصف المدفعي والضربات الجوية لقوات التحالف وطيران القوة الجوية العراقية، وعلى الرغم من تأكيد جميع الأطراف على دقة الإصابات لكن الأخبار المتسربة من المدنيين في الساحل الغربي تؤكد حدوث أخطاء كلفت بعض المدنيين حياتهم، ونقلاً عن الفضائية الشبه الرسمية فقد تمّ إنقاذ (37) مدنياً من تحت الأنقاض لإحدى البنايات من قبل الجيش المحرر لكن بعد عدة أيام من تدمير بنايتهم وبعد إخبار المواطنين عنهم (بعض الأنباء غير المؤكدة تقول تم قصف البناية لوجود مجموعة من قناصي داعش فوق سطح البناية)!!!، فأين هو الجهد الإغاثي الفوري؟!!.
وقد سمعنا قبل بدأ معركة الساحل الغربي من أنه ستكون هنالك مفاجئات لا يتوقعها العدو وإنّ القطعات المحررة ستستخدم الأسلحة (الذكية) وستحيّد الأسلحة (الغبية) لتقليل إحتمالات إصابة المدنيين الى حدودها الدُنيا، لكن تبين في الأيام الأولى للقتال من أن تلك الأسلحة لم تكن في حوزة المحررين إلا بعد مرور أكثر من إسبوع على بدأ إقتحام الأحياء المهمة في الجانب الغربي مما أدى الى سقوط الضحايا من المدنيين والعسكريين نتيجة هذا التأخير في إستلامها!!.   
أمّا من الناحية اللوجستية الداعمة لعمليات التحرير من قبل الوزارات الخدمية المتخصصة، فقد فشلت في مواكبتها وإستمرارها وأعلنت عملياً عن عجزها على مواكبة عمليات النزوح خاصة في الجانب الغربي وبعد تباطؤ عمليات الإغاثة الدولية ومنظمة الأمم المتحدة ورمت باللوم عليها، وقد تناست هذه الجهات من إنّ المنظمات الدولية ما هي إلاّ منظمات ساندة ولا تقع على عاتق مسؤولياتها تباطئ أو فشل إغاثة اللاجئين كون إن هذا الأمر مسؤولية وطنية وقرار التحرير كان قراراً وطنياً كما صرّح ويصرّح المسؤولون السياسيون والعسكريون، وقد صرّح وزير الهجرة والمهجّرين يوم أمس الأربعاء السيد الجاف في كلمته في "ملتقى السليمانية" من أنّ الوزارة عازمة على بناء مئة الف خيمة إضافية لإستيعاب نصف مليون مهجّر!!!، صح النوم يا سعادة الوزير، فأين كنتَ أنت وكادر وزارتك، وهذه الـ (عازمة) التي تذكرها سيكون عندها المهجّرين قد شبعوا من المآسي والبرد والإمطار في العراء، وتكون الموصل قد تحررت وعاد اليها مواطنيها، فبأي منطق تتكلم ومن أي موقع مسؤولية تصرّح، بالتأكيد ليس من موقع هرم المسؤولية وإنما من أدنى موقع لأبسط موظف في وزارتك الفاشلة دائماً في مواكبة الأحداث المتسارعة في العراق. 
وقد إعترف الناطق الرسمي لغرفة العمليات المشتركة العراقية والناطق بإسم الإعلام الحربي العميد يحيى رسول عن أن هنالك تباطئ واضح في عمليات إغاثة المدنيين في الجانب الغربي من الموصل ونحن لا زلنا في بداية تحرير أحيائه، لكنه تدارك الأمر ورمى بالكرة في ملعب الأمم المتحدة متهماً إياها بالتوقف عن أداء واجبها!!!، وقد أيده في ذلك أحد الخبراء الأمنيين الذي كان جالساً في نفس الندوة التلفزيونية!!، ومثلما ذكرتُ سابقاً من أنّ هذا الأمر هو من مسؤولية المؤسسات والوزارات العراقية أولاً، خاصة وأنهم صرّحوا مراراً من أنهم إستلموا الأموال الداعمة من الدول المانحة والخزينة العراقية بشكلٍ كاملٍ وكافٍ لجميع الإحتمالات، فأين ذهبت تلك الأموال؟؟!!.
ولكي لا تتهمني الحكومة العراقية وإعلامها الشبه رسمي من أنني أروّج للدعايات الكاذبة والإصطفاف مع من أطلقوا عليهم الإعلام الأصفر، وحيثُ أؤيدهم من أن هنالك إعلام أصفر لا بل إعلام حاقد وأسود على كل ما هو عراقي، أؤكد من أنّ كل ما ورد في مقالتي هذه قد نقلتهُ عن القناة الفضائية العراقية نيوز التابعة للإعلام الشبه الرسمي!!، وسأورد أدناه ما جاء على لسان المواطنين والمسؤولين والعسكريين والسياسيين والإعلاميين على حدٍ سواء ومن داخل المؤسسة الإعلامية الشبه الرسمية، وسأترك الحُكم أمام من يهمه الأمر لإتخاذ القرار والإجراء المناسب.
فقد صرّح أحد المواطنين أمام كاميرا الفضائية العراقية في الجانب الغربي من أنّ الجوع قد بلغ مبلغه حتى أنّ الأطفال من جوعهم أخذوا علبة فارغة لمشروب البيبسي من يد أحد المقاتلين وبدأوا يشمونها ـ ـ ركزوا معي رجاءاً على كلمة يشمونها لإحساسهم بالجوع والعطش الشديدين ولأنهم لم يتذوقوا الطعام منذ يومين!!!، فما كان من المراسل للقناة إلاّ أن قال له متداركاً الإحراج: المهم الحمد لله على سلامتكم وهذا هو المهم!!، لكن سؤالي: هل هم حقيقة قد سلموا من الموت؟!!، أم أنّ الجوع سيكون العدو الأقسى من طلقة مسرعة لأخذ أرواحهم!!، الم يكن الأجدر بمن في أيديهم القرار أن يأمروا بوضع عدة أكياس من الخبز فقط في كل عجلة من عجلات (الهمر) المهاجمة والتي قد لا تشغل أي حيز يُذكر للإغاثات الطارئة لجياع الجانب الغربي لحين وصول المواد الغذائية لهم!!!. 
يقول أحد المراسلين من القناة العراقية نيوز بعد سؤاله عن مدى تعاون الأهالي مع القوات المحررة في الجانب الغربي التي تجري فيه المعارك الآن: "أنّ المواطنين المدنيين والعوائل المتواجدة في بعض الطوابق للأبنية العالية كانت تعطي الإشارات الى القوات المُحررة لتحذيرهم من وجود القناصين لداعش الإرهابي على سطوح بناياتهم"، إذن المواطنون يقومون بواجبهم معرضين حياتهم للموت على يد عناصر داعش بسبب تعاونهم الأمني والإستخباري مع القطعات المحررة وقد أبيدت عوائل بكاملها من قِبَل عناصر داعش لهذا السبب وكما نقلته الأخبار المتسربة، ألا تستحق هذه التضحيات الرد بالمثل من قبل الدوائر الخدمية الحكومية؟!!.
ثمّ يُسْأل نفس المراسل للقناة المذكورة عن مدى فعالية عمليات الإغاثة، فتهرّبَ من السؤال مرسلاً رسالة تحذيرية لمن يهمه الأمر قائلاً: " العوائل بالرمق الأخير نتيجة نفاذ المواد الغذائية والأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة مع معاناتهم النفسية وحالات الصدمات النفسية التي أصيبوا بها"، وهذه المعاناة التي يذكرها المراسل خاصة للأطفال والنساء وكبار السن هي بكل تأكيد نتيجة ما عانوه وما شاهدوه من جثث متروكة لأيام أمام أنظارهم وقصف مستمر على مدار الساعة.
لقد ذكر أحد المهجّرين وهو جائع من أن عدّة مئات من المدنيين الفارين من قرى "الصمود" و "السكر" وغيرها من القرى قطعوا عدّة كيلومترات مشياً على الأقدام من أطفال ونساء وكبار السن والمعوقين وباتوا ثلاثة أيام في العراء بدون طعام أو ماء!!!، إذن أين هي منظمات الإغاثة، اليس من المفروض أن يكونوا مهيئين لإستقبالهم وتقديم كل أنواع الدعم وخاصة الغذائي لهم، الم يكن بالإمكان للطائرات السمتية وهي تحلّق فوق أجواء المعركة بإستمرار أن ترمي لهم بعض المساعدات الغذائية الضرورية، فهم أكيد تحت مرمى أنظارها!!. 
إذن أهالي الموصل وحسب شهادة القادة العسكريين الميدانيين والمراسلين الحربيين يقومون بواجبهم الوطني بمساعدة القطعات المحررة بالمعلومة الإستخباراتية، لكن من جانب آخر هنالك قصور واضح من قبل منظمات الإغاثة وخاصة الحكومية منها، وللحقيقة فأن ما قدمته وتقدمه المنظمات المدنية والدينية من الجنوب والوسط أكبر بكثير مما تقدمه الدوائر الحكومية المعنية، وبالتأكيد فإن قطعات الحشد الشعبي الذي وقفنا ضدها جميعنا أثبتت إنسانيتها في هذه المعركة أفضل بكثير من غيرها من المتباكين على المكوّن!!!، وهنا أتوقف لأسأل المتباكين على المكوّن من دول الجوار والدول العربية وحلفائهم من الداخل: أين أنتم الآن؟!!، وأين هي مساعداتكم الإنسانية للعوائل التي تباكيتم عليها؟!!، وهل أنتم ناشطون فقط في تزويد الأسلحة وتدريب الجموع على الإقتتال وزرع الموت فقط!!، لكنكم تحجمون عن تقديم يد العون عندما يصل الأمر لتقديم المساعدات الإنسانية من أغذية وأدوية ومستلزمات ضرورية أخرى؟!!، وأين هي تركيا صاحبة اللسان الطويل والتي وضعت نفسها في موضع المدافع عن المكوّن؟؟، وحيث يقول النائب رعد الحيدري الممثل للمكوّن متحدياً ومخاطباً تركيا من أنها لم ترسل حتى رغيف خبزٍ واحد لأهالي الموصل في حين التزمت بتغطية تكاليف وإستضافة مؤتمر إسطنبول الذي يُعقد الآن لأشخاص من المكوّن لم نسمع بأسمائهم من قبل تحت يافطة "نداء الموصل"!!!، فأي نداء تتكلمون عنه يا من خنتم الموصل وأهلها؟؟، هل هو نداء داعش الذي سربته تركيا الى الموصل لزرع الموت فقط!!!.
وأختتم مقالتي بالقول من أنّ القطعات المحررة من الجيش بمختلف صنوفه وتسمياته والشرطة الإتحادية والقطعات المتجحفلة معهم قد أبلوا البلاء الحسن ويقومون بواجبهم في التحرير والإغاثة والإنقاذ بأقصى ما يستطيعون من جهد ومحاولاتهم القصوى في تجنب الإضرار بالمدنيين وممتلكاتهم في ظروف إشتباك صعب جداً مع العدو، لكن ملامتنا تقع على عاتق الجهات الساندة لإدامة فرحة الإنتصارات والتحرير.
كما على كل إعلامي منصف أن يثني على الخدمات التي تقدمها المستشفيات في أربيل وبلدات كردستان الأخرى للجرحى المدنيين والعسكريين، كما علينا أن نثني بحق على جهود المراسلين والمصورين الحربيين وخاصة من الفضائية العراقية الذين سُمِحَ لهم بمرافقة القطعات المقتحمة لنقل الصورة الحقيقية دون رتوش لما يجري في ساحة العمليات.
كما أني أخاطب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي قائلاً: جهودكم مما لا شك فيها واضحة وأنتم تسبحون في بحرٍ مملوء بأسماك القرش المفترسة!!!، وكلامكم وأمنياتكم في "ملتقى السليمانية" الثقافي هي أمنيات أغلب العراقيين بمختلف مكوناتهم وتوجهاتهم، وإذا عنيتم ما ذكرتموه فعلاً فستجدون صداه الوطني قد ملأ الأجواء ودخل الى كل حيز في كل بيت عراقي من زاخو الى الفاو ومن القائم الى خانقين، وعندها سيكون لجميع العراقيين موقف ورؤيا واضحة منكم شخصياً، وسوف يكون للشعب العراقي وإعلامه كلام صريح معكم بعد إنجلاء غبار المعارك والتحرير التي تتخذونها الآن سبباً في عدم ضربكم للفاسدين ومحاسبتكم للذين سلّموا الموصل والأنبار وصلاح الدين للدواعش.       


42
المنبر الحر / طوبى لكم
« في: 20:01 21/02/2017  »
"طوبى لكم"
بقلم: سالم إيليا
ـ طوبى لأهلنا العراقيين المهجرين بكل مكوناتهم ـ ـ وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وعيونهم ترنو الى الفرج القريب.
ـ طوبى للمغدورين بسكاكين (الإيمان) المزيف التي رفعتها أيادي الكُفر والعُهر لتحز رقابهم بها.
ـ طوبى للعذارى والنساء المسبيّات بأمر المخلوق الخارج عن تعاليم الخالق!!!.
ـ طوبى للأبرياء المدنيين الصابرين بساحلي مدينة الإيمان والتعايش الأخوي نينوى الماضي والحاضر والمستقبل ـ ـ طوبى لهم وهم يستقبلون كل يوم أطنان القنابل (العمياء) المنهمرة على مناطقهم بجلدٍ وصبرٍ وبقلوب مؤمنة متطلعين للخلاص من ليلهم البهيم.
ـ طوبي للجياع المحاصرين بأسوار قوانين الغاب ودعاة الإيمان المزيفين. 
ـ طوبى لدموع الأطفال الذين سَرَقت منهم "داعش" برائتهم وطفولتهم وحاولت غَسل أدمغتهم بتحويلهم الى مفخخات تمزق أجسادهم النضرة دون وعي وإدراك منهم.
ـ طوبى لكل من عيّروهُم وإضطهدوهُم بسبب إختلافهم في قوميتهم ودينهم ومذهبهم وجنسهم ومعتقدهم.
ـ طوبى للمحررين الذين يحملون في أيديهم بنادقهم وفي قلوبهم حب العراق وأهل العراق دون تمييز.
ـ طوبى لِمَنْ يمدّوا يد العون بكسرةِ خبزٍ للجيّاع ورشفة ماء للعَطاشى وبسمة فرح للحزانى المهجّرين. 
ـ طوبى لِمَنْ يعملوا من أجل مصلحة العراق ولا شيء غير العراق متجردين من أي تبعية لهذه الدولة الإقليمية أو تلك، أو لذلك الطرف الدولي أو غيره.
ـ طوبى لمن يعيد حجارة أو تمثال أثري صغير سرقته داعش من كنزِ أجدادنا الذين تركوه لنا ليحكي قصة الحضارة التي بادت وحيثُ عجزنا على ديمومتها لفرقتنا وخيانتنا لإنتمائنا الوطني!!!.
ـ طوبى لكل من تجردوا من طائفيتهم وإنتمائهم الضيّق إكراماً للإنتماء الوطني الأسمى وبإيثارٍ لبقعةِ الأرضِ المقدسةِ موطن الأنبياء والرُسل.   
ـ طوبى لك يا عراق يا من تكالبت عليك قوى الشر وتآمر عليك بعضاً من أبناءك إكراماً لإنتماءات أيديولوجية حزبية مستوردة!!!.
وختامها بمسكِ الدعاءِ لقولٍ خالدٍ أبد الدهر:
ـ طوبى لصانعي السلام ـ ـ  فإنهم أبناء الله يدعون.           

43
لكي ننصف الحضريين من أهالي نينوى والموصل
بقلم: سالم إيليا
للدخول في صلب المقالة وهدفها فإنّ ما قصدته من المعنى في كلمة "الحضريين" التي وردت في عنوان المقالة هو معنى "الحاضرة" من أهل الموصل بشكلٍ خاص ونينوى بشكلٍ عامٍ مستنداً على الإحصائيات الرسمية التي تبين من أنّ أهل نينوى يتكون نسيجهم الإجتماعي من 70% من الحضر و30% المتبقية من خلفيات لا تمت للحضريين بصلةٍ، ومعنى كلمة "الحاضرة" هي حياة المدن والقرى على حدٍ سواء التي تأقلم مواطنيها مع الحضارة وتطورها الإنساني. 
فلقد أثارت المقالة السابقة التي كنتُ قد كتبتها كنداء لإنقاذ سكان الساحل الأيمن للموصل بعض الشجون والإمتعاض للبعض (المتصيد) القليل جداً للنيل من أهل الموصل!!، والبعض الآخر المتضرر من أحداث الموصل (ولهؤلاء ربما نتفهم سبب إمتعاضهم، غير أنّ الكثير منهم يشاطرون المدنيين الأبرياء من أهل الموصل في مآسيهم رغم جراحاتهم التي سببتها داعش لهم) وما رافقها بإحتلال داعش للموصل وقراها ومجمل محافظة نينوى ولمدة تزيد على السنتين كانت كافية لتدمير الكثير من القيم الإنسانية قبل تدميرها للصروح التاريخية والمعمارية الحضارية التي تميزت بها نينوى عبر تاريخ حضارتها الإنسانية، لذا وجب عليّ تكملة ما بدأته لتوضيح الصورة بشكلٍ أوسع وذلك من خلال السؤال المطروح في أذهان من أدان وبشكلٍ (مطلقٍ) أهل الموصل لوقوفهم مع داعش وحسب ظنّهم دون الإعتماد على الحجج والأدلة في إتهاماتهم التي وجهوها الى شريحة عراقية يشهد لها تاريخ العراق بلمساتها الحضارية على مجمل الدولة العراقية الحديثة!!.
فلقد إتهم البعض بحكمٍ متسرعٍ مطلقٍ أهالي الموصل بترحيبهم بداعش وفتح بيوتهم لعناصرها ليكونوا الحاضنة لهذا التنظيم الإرهابي!!، ولتفنيد هذا الإتهام علينا أن نبين خلفيات ما حدث وأسبابه وتداعياته للسيطرة على المجتمع الموصلي ودفعه مرغماً على الإستكانة والقبول بتغيير الأسوأ بالسيء أو العكس، وحيثُ ساعدت تصرفات الحكومة السابقة برئاسة نوري كامل المالكي في ترسيخ فكرة تقبل البديل السيء لدى البعض القليل من أفراد المجتمع الموصلّي وبغض النظر عن سوءه، وحيثُ عمدت حكومة المالكي السابقة الى أساليب التهميش والإقصاء للموصل بمجتمعها ورجالها وبشكلٍ متعمدٍ مستفزٍ متجاوزة على كل الحقائق التاريخية منذ نشأة الدولة العراقية الحديثة في أحقية أن يأخذ المجتمع الموصلي المتمثل بشخصياته وأعيانه دورهم الوطني في المشاركة برسم وإدارة العهد الجديد وكإستحقاق جيوسياسي لثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد متناسية في الوقت ذاته ريادية أهالي الموصل في تصدر المشهد الإداري المهني والسياسي والعسكري للدولة العراقية منذُ نشأتها لكفائتهم ومميزاتهم المعروفة بجدارتها في المشاركة ببناء العراق.
لذا فإنّ هذا الإتهام المجحف فيه الكثير من التجني على الحقيقة دون ذكر المشهد كاملاً بعيداً عن الإحتقانات الطائفية ضد الموصل ومواطنيها، ولكي نكون منصفين علينا ذكر الحقائق كما هي وأولها بكل تأكيد من أنّ الغلبة الغالبة من عناصر داعش من أهالي نينوى لم يكونوا من أهل الموصل المركز وإنما من المهمشين من خارجها والذين لم يكونوا ليتجرؤا بالدخول الى الموصل قبل سنوات مضت إلا لغرض البيع أو الشراء ولسويعات قليلة وفي أغلبيتهم كانوا من رعاع قومهم ودونيتهم!!.
والحقيقة الثانية وكنتيجة لِما ذكرتهُ من تعمد واضح من قبل حكومة المالكي السابقة في إقصاء وتهميش أهل الموصل، وإيغالها في إثارة مشاعر الموصليين في تنصيب المسؤولين الغير كفوئين والغير مرغوب بهم وفاقدي الشعبية لإدارة الموصل إرضاءاً للمحاصصات السياسية المدعومة من الدول الإقليمية متجاهلة واقع المجتمع الموصلي في رفضه تحت أية ضغوط لسياسة "لَوِي الأذرع" التي إعتمدتها الحكومة السابقة.
أما الحقيقة الثالثة فإنّ داعش إستغلت بشكلٍ ذكي سياسة الإقصاء من حكومة المالكي للموصليين وإعتمدت على وسيلة الخداع السياسي بغية حصولها على الدعم العسكري بإشراك مجموعات أخرى معها بأساليب الترغيب الديني مثل جيش "النقشبندية" وعناصر عسكرية ذو خلفيات سياسية قومية مقبولة نسبياً عند المجتمع الموصلي، ثُمّ ما لبثت أن أقصتهم في الأيام الأولى لإحتلالها للموصل وبعد تأكدها من سيطرتها الكاملة على الشارع الموصلّي وعمدت الى التنكيل بالكثير منهم وسط دهشة وصدمة المجتمع الموصلّي لعنصر المفاجئة وحيثُ إنعكس هذا الأمر على التزام معظم الموصليين لبيوتهم وعدم مغادرتها إلاّ للضرورة مما أجبر الداعشيون الى إستخدام أساليبهم القسرية لإجبار أصحاب المراكز والمهن المهمة الى كسر إضرابهم وإعتكافهم والمباشرة في الدوام في الدوائر المحلية الحكومية مرغمين تحت طائلة العقوبات القاسية.
والذي يعرف طبيعة الموصليين سيتوافق مع طرحي ورأيي بكل تأكيد، أقول هذا الأمر وبكل ثقة لأنني كنتُ على تواصل مع البعض من حضر الموصل وشخصياتها المعروفة بمراكزها ووقفتُ على مدى تذمرها وضجرها.
ولكي لا يتهمني البعض ممن يروق لهم رمي حمم براكين حقدهم على كل ما هو موصلّي ولغايات عديدة منها ما هو شخصي يقع ضمن تركيبتهم النفسية والبيئية، ومنها ما هو غير ذلك دون الدخول في التفاصيل!! ـ ـ أقول لهؤلاء: نعم كان هنالك البعض من المغرر بهم من أهل الموصل المركز الذين إنضوا تحت راية داعش ودولتها، لكن بكل تأكيد هم من رعاع القوم ومن بعض مناطق الموصل المعروفة عند الموصليين ببؤسها وبؤس ساكنيها.
 وكما ذكرتُ سابقا من أنّ نسبة 30% من غير الحضريين سيكون لها تأثير كبير فيما لو إنضم عُشرها فقط الى هذا التنظيم مدفوعين بجهلهم ومغريات السبي والحصول على النساء والغنائم المادية والسيطرة العسكرية على بلدة كانوا يحلمون في زيارتها والتجول في شوارعها قبل إنضمامهم لهذا التنظيم وسيطرتهم على الشارع الموصلّي بقوة السلاح مع الرُعب الذي نشروه بإستخدامهم للإساليب التي لم يتصورها العقل البشري الذي يحيا في القرن الواحد والعشرين.
ولكي أكون أكثر وضوحاً، فما من مجتمع يخلو من ضعفاء النفوس وحيثُ يستطيعون بهمجيتهم تدمير مجتمعات بكاملها على قلّة عددهم، والمثل لا يزال ماثل أمامنا حيثُ سيطرت داعش بثلاثة آلاف الى خمسة آلاف عنصر من عناصرها على ثاني أكبر المدن العراقية التي يربو عدد سكانها على المليون والنصف في كلا الجانبين.
فلننصف أهل الموصل النجباء الذين كبّروا حين دخل الجيش المحرر اليهم مخاطبين ربّهم "ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا"، والحقيقة هؤلاء السفهاء ليس منهم لكنهم محسوبين عليهم بحكم تواجدهم في محيط رقعتهم الجغرافية.
 

44
كارثة إنسانية وشيكة الحدوث لسكان الساحل الأيمن للموصل
بقلم: سالم إيليا
يبدو من أن ما خَططت لهُ القيادة السياسية والعسكرية العراقية قبل البدء بتحرير محافظة نينوى من رجس عناصر داعش الإرهابية لم تتضمن الظروف الميدانية لمعاناة الأهالي المحاصرين فيما لو طال زمن التحرير وهذا ما هو حاصل فعلاً الآن؟؟!!.
فلقد وردني من عدّة جهات موصلّية وآخرها من الأستاذ الدكتور سمير بشير حديد المتواصل على مدار الساعة مع أهلنا في الموصل الجريحة المحاصرة من أنّ سكان الساحل الأيمن على وشك الموت جوعاً نتيجة نفاذ خزينهم من المواد الغذائية إضافة الى نفاذ الوقود للتدفئة في ظروف شتائية مناخية وصلت درجة الحرارة فيها دون الصفر المئوي ولكم أن تتوقعوا البرد القارس في الموصل في هذه الأيام التي تساقط فيها رذاذ الثلوج حتى في البصرة جنوب العراق، إضافة لتساقط الثلوج بكثافة في المدن الشمالية المحيطة بالموصل (كركوك والسليمانية) وكما نقلته وسائل الإعلام عبر عدسات كاميراتها!!!.
إنّ عدم إتخاذ القيادة السياسية والعسكرية الإجراءات السريعة لحل هذه الكارثة الإنسانية الوشيكة الوقوع وذلك بفتح منافذ محددة ومسيطر عليها أما لخروج السكان جميعهم أو إدخال المساعدات الإنسانية لهم وعلى وجه السرعة سيعتبر عقوبة جماعية قد تؤدي الى إبادة جماعية بالموت جوعاً لسكان الساحل الأيمن من المدنيين الأبرياء ومعظمهم من النساء والأطفال الذين يربوا عددهم على النصف مليون نسمة حسب التقديرات الرسمية!!، والذين يعانون الأمرين، فهم أسرى بيد داعش بقوانينها المجحفة من جهة، وطائرات التحالف والمدفعية البعيدة المدى ترمي بحمم براكينها وقذائفها على مناطقهم بقصفٍ تمهيدي مركز تمهيداً لإقتحام الساحل الأيمن من جهةٍ أخرى، يضاف الى هذه المآسي نفاذ خزينهم الغذائي والمالي بعد أن تجاوزت فترة التحرير المئة يوم وخلافاً لما هو متوقع (بدأت الحركات الفعلية للجيش والقطعات العسكرية المتجحفلة معه بعد أن أعلن القائد العام للقوات المسلحة في السابع عشر من تشرين الأول/2016م بدأ عمليات التحرير).
إن أبناء العراق جميعهم مطالبون برفع أصواتهم الوطنية النقية الموحدة للضغط على مّنْ بيده القرار لإنقاذ إخوانهم المدنيين المحاصرين في الجانب الأيمن من الموصل.
كما أناشد جميع المسؤولين في المنظمات الإنسانية المحلية والإقليمية والدولية لمد يد العون للمدنيين في الجانب الأيمن والمناطق الأخرى التي لم تصلها بعد جحافل التحرير.
ولكي أكون منصفاً في ندائي الوطني والإنساني هذا عليّ واجب الشكر لكل المنظمات الوطنية الجماهيرية والدينية والحكومية المحلية والوزارات الخدمية المعنية، وأخص منهم أبناء العراق الغيارى من جنوبه ووسطه ومن إقليم كردستان العراق لإستجابتهم لطلب (الفزعة) وهَبَّتهم الأخوية الرجولية والوطنية لمد يد المساعدة للنازحين في المخيمات، وكذلك علينا واجب الشكر للمنظمات الإقليمية والدولية التي تؤدي واجبها الإنساني تجاه النازحين في معسكرات ومخيمات النزوح.       

45
برقية عاجلة الى القائد العام للقوات المسلحة: الرجاء اِتّخاذ ما يلزم
بقلم: سالم إيليا
لقد إستبشر الشعب والعالم وأهالي نينوى حصراً بكل مكوناتهم وأطيافهم خيراً منذُ إعلان رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي بداية تحرير نينوى بمدنها وقصباتها مع بداية الساعات الأولى من فجر يوم الأثنين المصادف السابع عشر من تشرين الأول/2016م ووضعه لآليات ميدانية للحركات العسكرية وتسميته بوضوح للقطعات العسكرية المشاركة في التحرير من صنوف الجيش والشرطة العراقية وقوات مكافحة الإرهاب وتحديد مهام الميليشيات المتجحفلة معها بالإسناد اللوجستي فقط دون الإشتراك في عمليات إقتحام المدن والأقضية وخاصة مدينة الموصل ولأسباب لم تعد خافية على أحد.
وكان لموقف العبادي في إصراره على عدم السماح أثناء عمليات التحرير للجيش التركي الغازي والحشد المتجحفل معه الذي أطلق على نفسه "حشد نينوى" الذي يقوده محافظ الموصل السابق والمطلوب للعدالة أثيل النجيفي (الذي سُلِّمت الموصل لداعش في زمنه على طبقٍ من ذهب) أبلغ الأثر والإرتياح  في نفوس أهل نينوى والموصليين بشكلٍ خاص، وحيثُ سارت عمليات التحرير بمهنية شهد لها الجميع على الرغم من الصعوبات الميدانية للمُحَرِرين وللمدنيين الأبرياء بكل تفاصيلها التي ستظهر جلياً بعد سكوت المدافع والأسلحة المختلفة وبعد أن ينجلي غبار المعركة بمآسيها التي مهما حاول ويحاول الجيش مشكوراً تفاديها إلاّ أنها وقعت ولو بأقل الخسائر بين المدنيين (البيانات الرسمية أكدت سقوط ما يتجاوز المئة قتيل وثمانية مئة جريح بين المدنيين أثناء تحرير الجانب الأيسر من الموصل، ومعظمهم سقطوا نتيجة إستخدام داعش للعجلات المفخخة والهاونات).
وقد أثنى على مهنية الجيش أكثر من مسؤول سياسي أوربي ومنهم رئيسة وزراء بريطانيا "تيريزا ماي" التي كانت وزيرة للداخلية ولها خبرة لا يستهان بها في المجال الأمني والعسكري وأمتدحت القائد الميداني الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي من خلال (التقارير الإستخباراتية) التي كانت تصلها ومشاهدتها للجولات المصوّرة التي كانت تسجلها عدسات الكاميرات لمراسلي الفضائيات العالمية، وحيثُ وصفت تعامله الإنساني مع المدنيين "بالمبهر" وأثنت على إبتكاره للخطط العسكرية الحديثة التي ربما ستستفيد منها إنكلترا مستقبلاً إذا ضربها الإرهاب!!!، هذا ما جاء ذكره في الرابط أدناه:
https://www.kitabat.com/ar/page/29/01/2017/93339/%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D9%88%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D8%A8%D9%87%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D9%8A.html   
ونحن على أعتاب المرحلة الأخيرة لهذه العمليات بعبور نهر دجلة والبدأ بتحرير الجانب الأيمن (الغربي) للموصل ظهرت مشكلة مسك الأرض في الجانب الأيسر (الشرقي) لمنع عمليات الإلتفاف أو الظهور المفاجيء للخلايا النائمة لغرض إستعادة السيطرة على الأجزاء المحررة والتي يجيدها الدواعش بأساليب التمويه والإختفاء بين المواطنين.
 وتفاجئ أهل الموصل بكل مكوناتهم بقرار القائد العام للقوات المسلحة بتغير بوصلة قناعاته ووعوده بالسماح لما يسمى بحشد نينوى بمسك جزء من الأرض المحررة علماً من أن قائده أثيل النجيفي هارباً وملاحقاً قضائياً (لا أعلم كيف يثق رئيس الوزراء بحشد تدرب عسكرياً وسياسياً على أيدي الجيش التركي ومنظومته الإستخباراتية ويقوده شخص مطلوب قضائياً)!!!.         
خرجت "داعش" من الجانب الأيسر في الموصل بتضحيات الجيش والمدنيين الموصليين على حدٍ سواء، ودخلت مجاميع "داحش" أي عناصر "حشد نينوى" وبمباركة أصحاب القرار السياسي والعسكري والمتمثل برئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة لتحتل بيوت حرف النون "ن" مجدداً في محافظة نينوى ولتسرق البسمة والفرحة من على وجوه وشفاه المتضررين الذين لا يزالون يفترشون العراء بإنتظار جلاء المعركة للعودة الى دورهم التي إغتصبتها عناصر العصابة الدولية المجرمة في وضح النهار، والرابط أدناه الذي نشره أحد المواقع الرصينة المعني بشؤون المكونات المختلفة لأبناء الشعب العراقي ومنهم المسيحيين يؤكد سيطرة عناصر ما يسمى بحشد نينوى على بيوت المسيحيين في حي "المصارف" بعد أن حررها الجيش من عناصر "داعش" الإرهابية وبشهادة شهود عيان ذهبوا لتفقد دورهم التي سيطرت عليها عناصر من حشد نينوى والمرفوضة جملة وتفصيلاً من أهالي نينوى النجباء!!.
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=831074.0
 وهذا الخبر يتقاطع مع تصريح العميد يحيى عبد الرسول الناطق الرسمي بإسم قيادة العمليات المشتركة على الفضائية العراقية الشبه رسمية في صباح يوم الأحد المصادف التاسع والعشرين من كانون الثاني الجاري والذي يؤكد على عدم السماح لحشد نينوى بدخول الجانب الأيسر المحرر لمسك الأرض وإنما الإكتفاء بإنتشاره خارج المدينة والذي يعلن في نفس الخبر تعميم مذكرة إعتقال بحق محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي القائد الميداني لهذا الحشد فيما لو شوهد داخل المدينة!!، وحيثُ أكد تصريحه السابق هذا في اليوم التالي في برنامج "ستوديو النصر" لكن مقدم البرنامج قاطعته متسائلاً من أنّ أثيل النجيفي قد دخل وتجول في الساحل الأيسر من الموصل بحرية ولم يعتقله أحد؟؟!!، وهذا التصريح مُبهَم بصياغته، إذ لم يبين الناطق الرسمي للعمليات المشتركة: هل أنّ أثيل النجيفي متهم مطلوب القاء القبض عليه داخل مدينة الموصل فقط، لكنه بريء حر يقود حشده بحرية خارجها؟؟؟!!!، أم إنّ قرار إشراكه بمسك الأرض جاء من خلال الإتفاقيات السرية وكأحد الشروط التي حددتها المفاوضات التي جرت بين رئيس الوزراء العراقي ومثيله التركي خلال زيارة الأخير الى بغداد بداية السنة الحالية كون أنّ أثيل النجيفي هو رجل تركيا في الموصل؟!!!، وحيثُ يعود العميد يحيى عبد الرسول مؤكداُ على لسان جميع من قابلهم من أهالي الموصل خلال تجواله في الساحل الأيسر بعدم ثقتهم بمعظم السياسيين في الموصل ومناشدتهم للجيش بالبقاء لحمايتهم، وهذا ما أكدهُ الموصليون من خلال تواصلنا معهم من داخل الموصل وطريقة إستقبالهم لقطعات الجيش المُحَرِرة لأحيائهم!!، إذن لماذا لا يتم تهيئة عناصر مدربة على مسك الأرض من الجيش والشرطة خاصة وإنّ ما تبقى من الأراضي الغير محررة داخل الموصل تشمل الجانب الأيمن (الغربي) فقط والذي تبلغ مساحته 40% من المساحة الكلية!!، وحسب ما يروّج الإعلام الحكومي نقلاً عن الناطقين الرسميين والقادة العسكريين بأنّ معركة الساحل الأيمن ستكون أسهل بكثير وبفترة زمنية أقصر لتحقيق النصر!!، وقد إنتظرنا عدّة أيام لنفي هذا الخبر من قبل الجهات الرسمية قبل نشرنا لهذه المقالة، لكن يبدو من أن الخبر الذي نقله شهود عيان ذهبوا لمعاينة دورهم التي لا تزال مغتصبة من قبل جماعة أثيل النجيفي صحيح، وحيثُ إستبدلت "داعش" بـ "داحش" التي تتمثل بالحشود الغير مرغوب بها والمنبوذة من قبل أهالي الموصل.
وأختتم رسالتي هذه لأقول بكل أمانة نقلاً عن لسان الوطنيين المخلصين من أهالي الموصل ومن داخل الساحل الأيسر المُحرر من إنهم ليسوا متفائلين ويتوقعون من أنّ ما سيلاقونه لاحقاً سيكون الأسوأ إذا ما غيّر أصحاب القرار السياسي والعسكري رأيهم بالسماح للحشود المسلحة وبمسمياتها المختلفة والتي ظهرت الى الوجود من خلال التكتلات الإقليمية والمحلية في العودة للسيطرة على مقدرات الأمن في الموصل وكما كان الحال قبل إحتلال داعش.
اللهمّ إشهد إني بلغت. 



46
آهٍ يا شعب الأقليات؟!!
بقلم : سالم إيليا
قال الصحفي والناشر الأمريكي لاري فلينت (بغض النظر عن توجهاته وأفكاره المتحررة): "حكم الأغلبية يصلح فقط إذا كان هناك احترام للحقوق الفردية .. فمن الغير معقول أن تجمع خمسة ذئاب وخروف ثم تأخذ رأي الأغلبية عمن سيأكلون في العشاء"!!!.
  ففي العراق كل المساوئ ما بعد سنة 2003م نعلّقها على شماعة الإحتلال، فالمحاصصة الطائفية لا يختلف عليها خصمان من أنها ظهرت بأقبح صورها بعد الإحتلال ـ ـ ـ  والسرقات المليونية من خزينة الدولة والمكشوفة بأبطالها وشهرتهم التي تجاوزت شهرة "علي بابا" قد باركها وشجعها الإحتلال ـ ـ ـ والدمار والتخريب في البُنى التحتية و(الفوقية) قد نفذته وتنفذه الأيادي الخفية للمخابرات الدولية بأدواتٍ محلية!!! ـ ـ وداعش صنيعة (الشيطان الأكبر) قد سيطرت على ثلث مساحة البلد بسويعات قليلة بمخطط رسمته لها عقول (الفضائيين) القادمين من الأجرام السماوية بصحونهم الطائرة!!!، إلا شيء واحد أتحدى كائن من كان لم يتدخل فيه الملعون المحتل بفرضه حرفياً ولغوياً على ألسُن من يرددونه ويتعاملون بمفردته التي هجمت بيوت العراقيين وسلبتهم كل شيء، وحيثُ يمقته جميع العراقيين لكثرة تداوله حين يُراد به الباطل ألا وهو مصطلح "الأقلية"!!!.
فالسنّة العرب هم أقلية مقارنة بالشيعة العرب في العراق ـ ـ ـ والمسيحيون هم أقلية مقارنة بالمسلمين في العراق ـ ـ ـ والكرد أقلية مقارنة بمواطنيهم العرب في العراق ـ ـ ـ والكلدان والآشوريون والسريان والأرمن والصابئة المندائيون واليزيديون والشبك هم أقلية مقارنة بالعرب والكرد في العراق ـ ـ ـ والأرثوذكس هم أقلية مقارنة بالكاثوليك في العراق ـ ـ ـ وكتلة الصدر هي أقلية مقارنة بكتلة دولة القانون بين الشيعة في العراق ـ ـ ـ وكتلة حيدر العبادي هي أقلية مقارنة بكتلة نوري المالكي في الحزب الواحد ـ ـ ـ وعائلة الأخ الذي لديه خمسة أطفال هي أقلية بمثيلتها للأخ الذي لديه سبعة أطفال ـ ـ وهلم جرا !!ّ!.
وهنالك البيت الشيعي والبيت السني والبيت المسلم والبيت المسيحي والبيت العربي والبيت الكردي والآخر التركماني!!، وكان يا ما كان في قديم الزمان البيت اليهودي الذي هُجّر أصحابه في ليلةٍ ليلاء كما يُهجر اليوم غيرهم، وبيوت ـ ـ ـ وبيوت ـ ـ ـ وبيوت!!!، ولكن أين هو البيت العراقي بين كل هذه البيوت؟!!، وأين هو المواطن العراقي بين كل تلك الأقليات والأكثريات؟!!، وأين هي الروح الوطنية المغيبة والغائبة بين كل هذه المفردات والمصطلحات؟!!، وحيثُ أصبحت كلمة "الأقلية" التهمة التي تُلجم أفواه مَنْ يُطالبون بحقوقهم في هذا المجتمع الذي لا نزال نُطلق عليه كلمة "عراقي" زوراً وبهتاناً.
فالمجتمع العراقي الذي كنّا نعرفهُ ونشأنا وترعرعنا فيه لم يكن إلاّ عبارة عن بوتقة إنصهرت فيها مكونات (الطبخة) المميزة بمحتوياتها الرئيسية التي لا يمكن الإستغناء عنها والتي أفرزت طعمها اللذيذ مع الإحتفاظ لمتذوقها بخصوصية عناصرها التي أضافت الشيء المميز في تكوينها. 
وعجبي على مَنْ يروّج لتلك المصطلحات ويرددها كالببغاوات في الإعلام، فالفضائية العراقية الشبه رسمية المدعومة من أصحاب القرار ملئت مسامعنا بهذه المفردة المستهجنة بمعناها التسويقي البغيض الذي يُراد به الباطل!!، والبرلمانيون تطربهم نغمتها النشاز فلا يتحدثون في الإعلام إلاّ وحشروا كلمة "الأقليات" في تصريحاتهم المملّة لتكتمل بها (توافقيتهم) الملعونة!!، والحكومة بأعضائها المرئيين والمخفيين يروق لهم وضع كلمة "الأقليات" في خطاباتهم السياسية والغير سياسية!!، وأمّا الطامة الكبرى فهي خروج هذه المفردة كمقطوعة موسيقية من أفواه من نصبوا أنفسهم كحماة ومدافعين عن تلك "الأقليات"، فيتغنون بها بإستمرار وكأنهم يتسولون من خلالها كمطربي الدرجة العاشرة من متشردي شارع الشانزليزيه مطالبين بالعدل والمساواة و"لله يا محسنين"!!، ورجال الدين من هذا الدين أو ذاك ومن هذا المذهب أو غيره يصرخون الى الله رافعين أذرعهم ومتضرعين بطلب مساعدته لإحقاق الحق "لأقلياتهم" الدينية أو المذهبية!!.
وكأنّ هذه المفردة لا يوجد غيرها في قاموس اللغة لوصف المواطنين من هذه المدينة أو تلك، أو من هذا الدين أو ذاك، أو من هذه القومية أو غيرها.
وقد غابت عن أذهانهم، لا بل تحجرت وعجزت في مقدرتها على إختيار كلمة أخرى مرادفة أكثر تهذيباً وإنصافاً لهذه الكلمة المهينة بكل معانيها وتفسيراتها، فما الضير من إستبدالها بكلمة "مكوّن" ؟؟؟!!!!.
فهل أنّ كلمة "الأقليات" وحسب موقعها في الجملة والتي شملت كل شرائح المجتمع دون إستثناء ممن ذكرتهم أعلاه لديهم نقص (أي أقلية) في إخلاصهم لإنتمائهم الوطني وأحاسيسهم الوطنية وحق الشعور بالمواطنة الكاملة التي كفلها الدستور (الشكلي) بفقراته وأبوابه التي تجاوزت دساتير العالم أجمع بعددها وتفاصيلها!!، لكنه لا يزال العاجز بتفاصيله الفائضة عن إحقاق العدل والمساواة بين المواطنين؟؟؟!!!.
 وهل أنّ تلك "الأقليات" لديها نقص (أي أقلية) في عطائها وواجباتها تجاه الوطن؟؟!!، أم إن إطلاق صفة "أقلية" عددية عليهم مهمة جداً لسلبهم حقوقهم وإعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية وناقوس لتذكيرهم بأن مواطني الدرجة الأولى يتصدقون عليهم بين الحين والحين بهذا القرار أو تلك المكرمة؟؟!!.
وهل أنّ "عَالِم" مُجتهد ومعروف بمقدار فائدته وعلمه لوطنه وشعبه يُعتبر بالمفهوم الرقمي أو العددي "أقلية" أمام الف جاهل لا فائدة ترتجى منهم غير أن يكونوا رعاع يركضون وراء كل ناعق؟؟؟!!!.   
 ورجائي أن لا ينبري لي أحدهم ليدافع بالقول من أنّ المستعمر قد جاء بهذه المفردة الرخيصة لوصف المواطنين العراقيين، ولو فرضنا جدلاً بصحة هذا الإدعاء، فكيف يرضى بها من يطلقوا على أنفسهم "أقلية" ويرددونها صاغرين مذلولين؟!!. 
وهذه الكلمة بكل تأكيد تعطي معنى عنصري فيما إذا تمّ إستخدامها بين أبناء البلد الواحد، فهي ربما تصلح للتداول السياسي بين الكتل السياسية في الإنتخابات أو ما بعدها في مجلس الشيوخ أو البرلمان وحيثُ يكون فيه الصراع السياسي على أشدّه بين "الأقلية" و "الأكثرية" من الفرقاء السياسيين لتمرير قرار أو رفض آخر.
وربما أستطيع إستيعاب إستخدام هذه المفردة في الدول المتقدمة كون مواطنيها قد تجاوزوا معناها الحرفي المهين، ولكون القوانين الحضارية المكفولة بالدستور الوطني الحقيقي في تلك البلدان تُحيّد هذه الكلمة وتُبطِل مقاصدها وغاياتها السيئة لتبرير سلب حقوق مواطن على حساب الآخر أو كتلة أو طائفة على حساب الأخرى، لكن في بلدنا العراق وفي هذا الوقت الحرج والصعب تستخدم هذه المفردة بأبشع الطرق لسلب الحقوق والمستحقات وتضعف وتستخف بهيبة شرائح كاملة وتنكر تأثيرهم المجتمعي ومكانتهم الإجتماعية التي من المفروض أن تكون مكفولة ومحمية دستورياً.
فإذا سُئِلَ أي مواطن عن هويته، فمن الجُرم أن يقول إنه عراقي لكنه من "الأقلية" الفلانية حسب المفهوم المتداول في بلد الأقليات والأكثريات والبيوت المتعددة، واللعنة الأبدية ستلاحق كل مَنْ سوّق ويسوّق عن قصد هذه المفردة وهذا المفهوم الذي كرّس وزاد من إتساع الفجوة بين مكونات الشعب الواحد، وعلى وسائل الإعلام التي تدعي وطنيتها وإستقلاليتها التوقف عن الترويج لهذه المفردة في وصف المواطنين العراقيين، فهل سيستجيب الوطنيون لندائنا الوطني هذا.               

47
الطيبة العراقية هل هي نخوة وشهامة أم سذاجة مفرطة؟
بقلم: سالم ايليا
كنتُ قد قرأت في أحد مواقعنا العراقية الألكترونية قصة لأحد المهندسين الأجلاء والمنحدر من عائلة عراقية أصيلة شرب وترعرع في بيئة من الصفات الإنسانية الراقية من خلال تربيته البيتية وتعليمه بأرقى المدارس العراقية، وقد بدأ بتدوين تجربته الحياتية هذه عندما كان طالباً في إنكلترا ونَشْرَها في أجزاء على الموقع المذكور، ومما جعلني أندفع لأخصها بمقالة منفردة هو خسارته لسنة دراسية ثمينة في الغربة نتيجة طيبته وشهامته وغيرته لتقديم يد العون لمواطن عربي فأقرضه كل ما يملك على أمل أن يسترجع أمواله من صكّي المسافرين اللذين لا يمكن تحويلهما الى نقد إلا بعد مرور ثلاثة أيام على إيداعها في المصرف واللذين دفع بهما المواطن العربي له كضمان مؤيد من المصرف لإسترجاع ماله، وحيثُ تبين فيما بعد مغادرة المواطن العربي عائداً الى بلده في اليوم التالي من أن الصكّين كانا مسروقين!!، ويوضح العراقي الشهم ملابسات ما حصل له وبشكلٍ جلي على الرابط أدناه:
http://algardenia.com/maqalat/27841-2017-01-09-12-46-48.html
وسوف لا أتخذ من موقف العراقي الشهم سبباً لسرد المئات لا بل الآلاف من القصص المشابهة التي حدثت للعراقيين خارج العراق لا بل حتى بداخله ممن عاملناهم كإخوة لنا، خاصة وإن الطالب العراقي المذكور تصرف وحسب عمره الصغير حينذاك تصرف الفرسان بموقفه النبيل.
 وحيثُ لا يعني هذا الأمر عدم وجود من هم بمستوى الشعور القومي الحقيقي من إخواننا العرب والذين يتواصلون معنا بنفس مستوى شعورنا القومي تجاههم.
لكنني سأركز على ظاهرة أكثر شمولاً من خسارة عدة مئات أو الآلاف من الدولارات أو حتى سنة دراسية لطالب مجتهد أرسلته عائلته العراقية الى المملكة المتحدة وكانت بإنتظاره بفارغ الصبر ليعود مكللاً بالنجاح، وسأعرض خسارة بلد بأرضه ومياهه وسمائه ومواطنيه نتيجة هذه الشهامة والطيبة التي ليس في محلها في أغلب الأوقات، والتي قد تصل الى إعتقاد المستفيدين منها من إنها سذاجة مفرطة من قبل المتبرع أو المانح مُرَسّخة في أذهانهم مقولة "شيّم العْرُبي وأخذْ عبائتهُ".
ومن كثرة طيبتنا وسذاجتنا تبرع رؤسائنا وقادتنا حتى بثرواتنا القومية للدول العربية ودول أفريقية وأخرى لا نعلم أين موقعها على الخارطة ووهبوا (المال والحلال) ولا يزالوا لحد الآن مبسوطي اليد لهذا وذاك وبطيب خاطر دون مسائلة من المواطن عن أموال بلده التي تهدر هنا وهناك وهو جائع.
وبغض النظر عن الدافع السياسي للرابط أدناه، إلاّ إنه يُعطي الأدلة على تبذير الحكومة للثروة القومية وإدخالها في لعبة السياسية:
http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/27874-2017-01-11-10-11-42.html
وريادية العراق بتبديد الثروات الوطنية بدأت بعد سنوات من إنقلاب 14 تموز/1958م عندما بدأ العراق بمنح تخفيضات كبيرة جداً لأسعار النفط المصدرة الى إحدى الدول العربية في الشمال الأفريقي مقارنة بأسعار السوق العالمية، ثم توالت (مكرمات) العراقيين لكافة الدول والرؤساء ما بين هبات من الثروات الوطنية وعلى رأسها ما يُطلق عليه الذهب الأسود (النفط) الى أموال نقدية وبالعملة الصعبة حتى وصلت ذروتها في زمن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وشعب العراق كان في أمس الحاجة لتلك الأموال.
 فتكلفة الطريق الدولي السريع من الحدود العراقية الى ميناء بلد عربي مجاور والبالغة تكاليفه أكثر من ستين مليون دولار قد دفعها له العراق ثلاث مرّات ولم ينفذ المشروع حسب ما صرّح به الرئيس العراقي الأسبق بنفسه بعد تدهور العلاقات مع ذلك البلد بعد حرب الخليج الأولى/1991م!!!، إضافة لما كان يمنحه العراق سنوياً لذلك البلد كدولة من دول المواجهة حسب مقررات قمة بغداد/1978م.
 وبلد عربي مجاور آخر كان العراق يمنحه سنوياً (66) مليون دولار سنوياً منذ عام 1978م كدعم لدول المواجهة وحسب قرارات مؤتمر القمة العربي في بغداد أيضاً وكان يقف ضد العراق في حربه مع إيران!!.
 وربما من سذاجة سياسيينا إنهم أقحموا المساعدات الإقتصادية والمالية للدول العربية والإقليمية والدول الأفريقية التي في غالبيتها فقيرة مع السياسة وفنّها وربطوها في الغالب مع حروب العراق وذلك لكسب أصواتها في المحافل الإقليمية والدولية ولحشد التأييد الشعبي والرسمي للدول المعنية للوقوف مع العراق، لكن من إتخذ هذا القرار لم يأخذ في الحسبان من أنه شجع هذه الدول دون أن يدري على تغذية عدم إستقرار العراق لفائدتها في إستمرارها للحصول على المكاسب المالية من العراق.
وفي هذا السياق كلنا نتذكر كيف أن بلد عربي مجاور أعلن عن خلو ميزانيته  وعدم قدرته على دفع رواتب موظفيه بعد أشهر قليلة من توقف الحرب العراقية ـ الإيرانية/1988م نتيجة لإيقاف العراق لمساعدته المالية والإمتيازات الإستثنائية التي كان يحصل عليها ذلك البلد وحيثُ إنتفت المبررات لتلك الإمتيازات بعد توقف الحرب، وكان الجزء المهم من ميزانية ذلك البلد تُمنح من العراق بتغطية إحتياجاته النفطية في معظمها مجاناً أو بأسعار منخفضة جداً (لايزال هذا البلد يتمتع بنفس الإمتيازات من قبل الحكومة العراقية الحالية لإحتضانه معظم المعارضة العراقية وإستخدامهم كورقة ضغط لديمومة الفائدة المتحققة وتزويد الحكومة العراقية بتحركاتهم وفعالياتهم كجزء من إزدواجية التعامل لمصلحته)!!، كذلك حصل هذا البلد على مئات الملايين من العملة الصعبة من خلال الرسوم الكمركية ونقل البضائع العراقية وشحنات الأسلحة والعتاد التي كانت تأتي الى العراق عبر الطريق البري من أحد موانئه وذلك لتوقف الرحلات التجارية الجوية العراقية وشلل كامل للنقل البحري العراقي خلال الحرب مع إيران، بالإضافة الى مردوداته المتحققة من دفع العراق الرسوم الإضافية لشركات التأمين على تلك الشحنات والمملوكة في معظمها لذلك البلد والتي تُعد بمئات الملايين من الدولارات سنوياً، يضاف الى أن ذلك البلد ومعه دولتين عربيتين أخريتين وضعوا قسم من الوية قواتهم كإحتياط وظهير للقوات العراقية (مشكورين) لسنوات عديدة في حال الحاجة لها عندما بدأ الجيش الإيراني بتحقيق التقدم داخل الأراضي العراقية ما بعد سنة 1982م وحيثُ لم يحتاج اليها العراق مطلقاً، مما فرض على الميزانية العراقية أعباء إضافية في دفع رواتبهم بالكامل وهم في بلدانهم ودفع جميع تجهيزاتهم العسكرية السوقية لكل السنوات التي وضِعَت فيها تلك الألوية كإحتياط للقوات العراقية، أي أن المساعدة أو (النخوة) لم تكن مجاناً.
كنتُ في زيارة قصيرة لنفس البلد العربي المذكور أعلاه بعد حرب الخليج الأولى/1991م، وقد ذهلتُ لرؤيتي التوسع الذي حصل لعاصمة ذلك البلد والعمران والشوارع المبلطة النظيفة، إذ كنتُ أحمل في ذهني فكرة مختلفة عنها من بعض أفراد عائلتي الذين زاروها قبل ذلك بسنوات، وعندما أبديتُ إعجابي لمرافقي الذي كان قد أصبح تاجراً معروفاً وغنياً من مآسينا وحسب ما صرح لي بذلك، التفتَ لي قبل أن يرفع سماعة الهاتف اللاسلكي في السيارة للتحدث في الوقت الذي كنّا نحن العراقيين نتمنى أن نجده في سياراتنا وقال: "يا زلمي ما هو من خيبتكو إحنا وسعنا عاصمتنا وإغتنينا ـ ـ كل اللي بتشوفو من مصاريكم (أي من أموالكم)، والشوارع اللي عاجبتك بنكسيها بالأسفلت اللي من عندكم ببلاش"!!.
وبعد سنوات قليلة قررتُ مغادرة العراق وبقيتُ حوالي السنتين في نفس البلد وقد إستأجرتُ إحدى الشقق المفروشة في مبنى كان صاحبه يعمل مهندساً في إحدى الدول العربية وعند تقاعده بنى هذا المبنى المتكون من سبعة وحدات سكنية متباينة السعة، فسكن هو وأولاده المتزوجون في ثلاث منها وأجَرَ الشقق المتبقية للعوائل العراقية، كانوا يحبون العراقيين ويتفاعلون مع مآسيهم، وكنّا كعوائل نتبادل معهم الزيارات ونجلس ونتحادث، وفي أحد الأيام من أواخر سنة 1995م سمعنا خبراً عبر التلفاز من أن الأمم المتحدة على وشك توقيع الإتفاق مع العراق لرفع الحصار عن العراقيين وأطفالهم، وتبادلنا نحن العراقيين التهاني، لا بل بدأ الكلام عن العودة الى الوطن في نفس اللحظة، وبعد ساعة من الزمن التقيت بصاحب المبنى وكان حزيناً جداً فأستغربت وسألته عن سبب حزنه فأجابني قائلاً: "كيف ما أكون حزين وبيقولو الحصار راح ينفتح عنكو وإنتو بدكو بترجعو على بلادكم وإحنا منين نعيش"!!، حقيقة إستغربتُ لكلامه وصدمني وحيثُ جعلني أرد عليه بأدب حفاظاً على العلاقة الطيبة بيننا، لكنني أعطيته العذر بعد أن فكرت بأنه سيخسر مردوده المادي من الشقق الأربعة التي كان قد إستأجرها للعراقيين والتي كانت تدر عليه المال الذي لم يكن يحصل على مثيله حتى من عمله في البلد العربي!!، وحيث ينطبق القول علينا: "مصائب قومٍ عند قوم فوائد".
طرحتُ هذه الحادثة لبيان مقدار المنفعة المادية لمعظم الدول المستفيدة من الوضع العراقي الغير مستقر حتى على مستوى الشارع والإنسان العادي الذي ذكر بعفوية صادقة عدم رغبته بفتح الحصار وإنهاء الحالة الشاذة التي يعيشونها العراقيين لأنها وببساطة ستفقدهم للكثير من المردودات المادية والإمتيازات الأخرى وعلى جميع المستويات.
أي حتى على مستوى الشارع والإنسان البسيط لم يكونوا يرغبوا في معظمهم بإستقرار العراق لأنهم سيخسرون إمتيازاتهم، وأنا لا الومهم فهم يتصرفون من منطلق المثل القائل: "عُگبْ روحي لا حِلا"، وعملياً كانوا سياسيينا لا يزالون يمنحون تلك الدول التسهيلات والمساعدات الإقتصادية والنفط (مجاناً على الأغلب أو بتخفيضات كبيرة) ليس لكسبهم سياسياً كما يتصور واهمون قادة العراق، وإنما واقع الحال يقول: إن المستفيدين مستمرين في لعبتهم لتأليب الفرقاء العراقيين فيما بينهم أو تشجيعهم لمخططات الدول الكبرى على إستمرار عدم إستقرار العراق لكي تستمر إمتيازاتهم التي يحصلون عليها من العراق.
وفي هذا السياق أذكر بأن أحد المسؤولين في الدولة العراقية ذكر لي خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية من أن معظم دول العالم كانت تستفيد من الحرب بين الطرفين حتى الهند والباكستان، فإستغربت لكلامه وسألته ما نوع إستفادة هذان البلدان؟!!، قال: أن معاملهم تعمل ليل نهار لتجهيز الطرفين بالخيام وأكياس الرمل (الكواني) لعمل التحصينات والملاجئ في جبهات القتال!!!.           
وقد إعتقدنا خطئاً بعد التغيير الذي حصل في 2003م من أنّ القادة السياسيين العراقيين قد إستوعبوا الدرس، لكن يبدو من أن مسلسل الطيبة الممزوجة بالسذاجة المبررة بفن السياسة وألاعيبها والتي لا يجيدها سياسيونا وحيثُ لم نرى من فوائدها غير خسارة العراقيين لكل شيء وحصول الأطراف الأخرى المستفيدة على كل شيء. 
والرابط أدناه يعطي الدليل على تبديد الثروة الوطنية وربطها باللعبة السياسية بين الدول التي لا شأن للعراقيين بها، فما دخل العراقيين لكسب ود مصر ضد السعودية أو العكس لكي يغدق قادته على مصر مليون برميل نفط شهرياً بتسهيلات كبيرة قابلة للزيادة وشعب العراق جائع وأسعار النفط متدنية، والأتعس من ذلك مديونيتنا للبنك الدولي بالقروض الكبيرة التي كبلت العراق وثروته الوطنية، ووزير خارجية العراق وبقية المسؤولين يسافرون الى جهات العالم الأربع وأياديهم مفتوحة لطلب المساعدات المالية!!، فهل هنالك مصلحة وطنية عراقية لهذا الإتفاق أم هي مصلحة لإيديولوجية دينية طائفية، وإذا كان لا بد من هذا الإتفاق لأغراض سياسية فالمفروض أن تسارع اليه إيران لتزويد مصر بالنفط لأنها هي صاحبة المصلحة الكبيرة في عزل مصر عن السعودية، وهل أن هذا الإتفاق يتضمن صفقة إستجابة السلطات المصرية في تحجيم بعض وسائل لإعلام العراقية العاملة في مصر والتي كشفت الكثير من صفقات الفساد وأبطالها إذ تم غلق مكاتبها وإستوديوهاتها بطلب من الحكومة العراقية مثل قناة "البغدادية" الفضائية؟؟؟، فأي سياسة لعينة وحمقاء يسير عليها القادة السياسيين منذ عهود مضت ولحد الآن، ولماذا كل قادة الدول وسياسييهم يتعلمون من أخطائهم إلا من إبتلى بهم العراق:
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-38585115
وهل تناسى الشعب العراقي بكم (باعه) الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك الذي ترأس مؤتمر القمة العربي بعد دخول الجيش العراقي للكويت وشحذه للدول العربية لإعطاء الضوء الأخضر لقرارات الأمم المتحدة ضد العراقيين وأطفالهم وتمخضها عن عقوبات إقتصادية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وأعقبها بفتح قناة السويس أمام حاملات الطائرات والبارجات الحاملة لصواريخ "كروز" المدمرة للعبور من خلاله الى الخليج العربي لضرب العراق وتدميره، متحججاً بكون قناة السويس ممر دولي لا يمكن إغلاقه بوجه الملاحة الدولية، وقد تجاهل من إنّ مصر أغلقته لصالحها في حرب 1956م أبان العدوان الثلاثي الذي خرج فيه العراقيون بمئات الآلاف الى الشارع رغم بطش السلطة حينذاك إحتجاجاً على ذلك العدوان وفعلوها ثانية وثالثة في حربي 1967م و1973م إضافة لإشتراك أسراب الطائرات الحربية العراقية بالضربات الجوية الأولى في العمق الإسرائيلي وإعطاء سبعة طيارين وفنيين عراقيين كشهداء لضرب الأهداف الإسرائيلية في حرب 1967م، وحيثُ كرر الرئيس المصري المخلوع فعله المشين في الحرب الأخيرة 2003م التي لم يكن لها أي مبرر سياسي أو عسكري لعدم وجود تهديد حقيقي من الرئيس العراقي الأسبق غير بعض الإدعاءات المفبركة التي أثبتت الوقائع بطلانها، وقد تشجع على فعلها ثانية الرئيس المصري لأنه لم يجابه بسخط جماهيري وشعبي واسع في المرة الأولى من داخل بلده، وقد كان الشعب العراقي يعوّل ويراهن على وقوف الشارع المصري العربي مع إخوانهم العراقيين لرد جزء من الدين الذي عليهم في كلا الحربين، لكنه تفاجئ بل صُدمَ لخروج عدة مئات من الطلبة الجامعيين بمسيرة إحتجاج خجولة داخل الحرم الجامعي فقط وليس خارجه وتصريحات إدانة لا تغني من هنا وهناك من مجموع شعبه الذي تجاوز الثمانين مليون نسمة.
 وفي مجمل الحربين بقيت عشرات الملايين (لإخواننا) في مصر والدول العربية الأخرى متحلّقة حول التلفاز تشاهد جحيم القنابل المتطورة من كل نوع تنهال على رؤوس (إخوانهم) العراقيين، فيحزن قسم منهم دون حتى أن يكلفوا أنفسهم عناء الخروج الى الشارع الفرعي الذي يسكنون فيه ليصرخوا صرخة إحتجاج واحدة فقط!!، والبعض الآخر كان (يصلّي) لنا والدموع تنهمر من مآقيهم لكن رب العباد لم يكن ليستجب لصلواتهم وحيثُ لا يكفي أضعف الإيمان!!، والآخرين كانوا (مبهورين) بالتطور التكنولوجي لأمريكا ومتعجبين جداً لا بل متفاخرين لِما وصلت اليه التكنولوجيا الأمريكية وآلتها المدمرة ودقتها في ضرب "ملجأ العامرية" الذي كانت تحتمي بداخله ليست قوات الحرس الجمهوري وقوات الطوارئ بل مئات النساء والأطفال ممن تحولت أجسادهم الى أشلاء وكتل متفحمة بعد ضربها بصاروخين متطورين (عاليي الدقة) جُرِبا لأول مرة فأثبتا نجاحهما في إصابة الهدف (الإستراتيجي) وتمزيق لحوم من كانوا بداخله ونثرها على جدرانه!!!!، والبعض الآخر كانوا يلومون العراقيين على عدوانيتهم وشغفهم بالحروب ويصيحون (بالزايد بيهم) ويكيلون التُهم جزافاً لشعب تكالبت عليه قوى الشر كونه قومي وليس قطري ـ ـ  وكونه لا يستطيع الوقوف متفرجاً على مآسي إخوانه من الدول العربية الأخرى دون التدخل الفعلي وليس الإعلامي، والشواهد كثيرة يعلمها (الإخوة) أكثر منّا، وقد التقيتُ هنا في المهجر بالعديد من مواطني تلك البلدان الذين كانوا يترحمون على الرئيس العراقي الأسبق الذي كان يمدهم بالمؤون والمساعدات المالية والغذائية في عزّ حصار شعبه الذي كان يتضور جوعاً!!.     
وحيثُ يبقى الشعب العراقي "كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماءُ فوق ظهورها محمول".       

48
سياسة أردوغان هي التي إغتالت الدبلوماسية وأنعشت التطرف
بقلم: سالم إيليا
عندما نأتي على ذكر تركيا الحديثة يُذكَر معها مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك (أبو الأتراك) الذي جهد بعد الحرب العالمية الأولى وبعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية وإستسلامها الى تحديث الأنظمة والقوانين للجمهورية التركية الفتية بحلتها ورقعتها الجغرافية الخالية من المستعمرات التي كانت تئن تحت وطأة الإستعمار العثماني وحيثُ بقي جاثماً على صدور شعوبها لأكثر من خمسمئة عام، لذا فقد أدرك هذا القائد العسكري أهمية موقع بلده الجغرافي الذي يربط ما بين الثقافات والأمم بتنوعها الأثني والديني، فعمل على تحديث تركيا بنظامها العلماني لتهيئتها للعب دوراً سياسياً دولياً كبيراً ما بين الشرق والغرب عبر بوابات عديدة، خاصة وأن تركيا بأراضيها المنقسمة بين القارتين الأوربية والأسيوية وطبيعة شعبها وتاريخه العميق يؤهلها للعب هذا الدور.
ولقد نجح أتاتورك في إقناع الدول الغربية عموماً بإصلاحاته الجذرية للمجتمع التركي وبتغييره له (ولو مرحلياً) من مجتمع منغلق الى آخر منفتح يتعايش مع الدول الأوربية على أساس المباديء الإنسانية المتعارف عليها دولياً، وذلك من خلال تشذيبه للقوانين القسرية التي كانت سائدة في زمن الإمبراطورية العثمانية، وتغييره لنظرة المجتمع من المرأة وتهذيبه للقوانين الوضعية المتخلفة والغاء الكثير منها، وفصله للشأن الديني ومستحقاته عن الشأن المجتمعي العام، وتحييده للمؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية الداخلية ومنعه لأعضائها من ممارسة السياسة وتركيزهم فقط على مهنيتهم، وإنفتاحه على الحضارة الأوربية التي إنتهل من منهلها بصياغتهِ للدستور التركي على منوالها وحيثُ إقتبس من القانون الجنائي الإيطالي والقانون المدني السويسري معظم فقرات الدستور التركي.
وعلى الرغم من تمسك أتاتورك المطلق بالفكر الذي حدده الميثاق القومي التركي، إلاّ أنه بقي متمسكاً بالمعاهدات الدولية وأهمها معاهدة لوزان/1923م الموقعة بين تركيا من جهة ودول الحلفاء من الجهة الأخرى.
غير أن هذا الأمر لم يدم طويلاً بعد وفاة أتاتورك بعقيدته المؤمنة بمبدأ الحزب الواحد الذي كان يقود من خلاله البلد (1923ـ1938م)، فمرت تركيا بفوضى سياسية ما بين التمسك بالسياسة الأتاتوركية (الكمالية) وبين الدعوة الى كسر الإحتكار للسلطة من قبل (الحزب الواحد) وتوسيع قاعدة الديموقراطية بصعود أحزاب أخرى الى سدة الحكم، مما أدى الى عودة الجيش للتدخل بالسياسة من خلال الإنقلابات العسكرية للسيطرة على الوضع الداخلي المتردي، فزاد تدخل العسكر الأمر سوءاً بعدم إستقرار الوضع السياسي في ظل حكمهم.
ومن خلال هذا المخاض السياسي والضبابية السياسية التي بدأت بالزوال والوضوح بتوجهاتها أكثر مع بداية الثمانينات للقرن المنصرم برزت الأحزاب الدينية بتنظيماتها وأفكارها المتعددة التي لاقت المعارضة الشديدة من العلمانيين واليساريين وقادة الجيش، لكنها إستطاعت أن تتغلغل بأفكارها التي لم يتخلى عنها المجتمع التركي بشكلٍ كلّي ونهائي في مرحلة الإنفتاح الحضاري على الغرب بسبب تجذرها في داخله وحيثُ أصبحت جزءاً لا يتجزأ من موروثه القومي والمجتمعي بتفاصيله الحياتية، إضافة الى تمسكه المطلق بموروثه الديني ومعتقداته الدينية والتي جاءت في غالبيتها من التراكمات التاريخية لهيمنة الإمبراطورية العثمانية وحكمها السياسي وتسويقها لأعراف بعيدة كل البعد عن جوهر الدين لفرض سيطرتها السياسية على المستعمرات (وخاصة المستعمرات العربية) تحت يافطة الخلافة الإسلامية والبعيدة كل البعد عن الخلافة الإسلامية الحقيقية أبان فترة الخلفاء الراشدين!!!، وبعد أن فشلت في محاولاتها لإنعاش التوسع (الفتوحات) بإتجاه الغرب من خلال تلك الأفكار. 
ففي عام 1997م تغيرت بوصلة القادة العسكر في تركيا (ربما بتوجيه خارجي!!) مئة وثمانين درجة من مضاد الى مؤيد للأحزاب الدينية والتي جاءت متزامنة مع التغيير الذي حصل لإستراتيجية الدول الغربية بمساندتها للأحزاب الدينية أيضاً في الدول الإسلامية للسيطرة على الحكم وبمختلف الوسائل المتاحة وإنتفاء حاجتها للدكتاتوريات العسكرية الفردية في غالبيتها والتي كانت تقف معها بوجه المد الشيوعي وتبديلها بدكتاتوريات كتلوية متطرفة من الأحزاب الدينية لحاجتها اليها لتنفيذ مخطط المرحلة المقبلة (عن طريق العصيان المدني ومن ثمّ إجراء الإنتخابات كما حصل في مصر وتونس وحتى تركيا أو عن طريق العصيان المسلح وبدعم جوي من حلف الناتو والولايات المتحدة كما حصل في ليبيا والعراق ويحصل الآن في سوريا) ولغاية مبيتة ستظهر نتائجها لاحقاً وحيثُ يظهر هذا التوجه جلياً بعد أن إنتهت هذه الدول (الغربية) من مهمتها في تحييد الأيديولوجية الشيوعية ومعسكرها الشرقي المتمثل بالإتحاد السوفيتي السابق ودول الكتلة الشيوعية الأخرى (نلاحظ وقوف الدول الغربية مع الحكومة العراقية المحسوبة على طائفة معينة ضد التنظيمات الدينية المتطرفة والمحسوبة على طائفة أخرى ودعمها للحكومة العراقية بالقصف الجوي لأماكن تواجد تلك التنظيمات وتبريرها لتشريد مئات الآلاف من المدنيين العراقيين من تلك الطائفة والإنتهاكات الصارخة التي تحدث لهم، في حين تقف تلك الدول الغربية مع نفس التنظيمات المتطرفة في سوريا وإن إختلفت تسمياتها وتدعمها بنفس الطائرات التي تقصفهم بها في العراق ضد نظام الحكم السوري وتتباكى على تهجير المدنيين السوريين هنالك، وهذا الدليل كافي لتوضيح سياسة تلك الدول وغاياتها في المنطقة)!!.
ولو بحث المتابع السياسي لمراحل تشجيع الدول الغربية وبطريقة غير مباشرة لتطرف الأحزاب اليسارية (الشيوعية) بطريقة حكمها لمجتمعاتها وحيثُ أفضى في نهاية الأمر الى حالة الغليان الشعبي ضدها والإنقلاب عليها في ليلةٍ وضحاها دون تدخل فعلي (عسكري) من الدول الغربية لكن بدعم سياسي دولي تحت مسميات الديموقراطية للشعوب الثائرة، فإنه بكل تأكيد سيصل الى نتيجة حتمية من أن السيناريو يتكرر الآن مع الأحزاب الدينية في البلدان الإسلامية أو الحركات السلفية المتطرفة التي إستطاعت فرض إرادتها على مجتمعاتها بالدعوة الى إقناع المجتمع للرجوع الى عصر الخلافة الإسلامية تارة أو عن طريق فرض أفكارها الغريبة عن العصر بالقوة العسكرية والعقوبات التي تدعي بشرعيتها  تارة أخرى!!.
من بين كل هذه الأحداث ظهر رجب طيب أردوغان بحزبه السياسي ـ الديني في المنطقة الذي أطلق عليه "حزب العدالة والتنمية" المنشق عن "حزب الفضيلة الإسلامي" والذي سوق نفسه على أنه حزب إسلامي ـ علماني (لاحظوا التناقض) ساعياً بهذا الوصف للإنضمام الى الإتحاد الأوربي ومحاولاً إعطائه صبغة الإعتدال الديني ومشجعاً لرأسمالية السوق (التي تتناقض أيضاً مع المبادئ الدينية) وحيثُ وفرت له هذه الشعارات الغطاء الكافي للنمو المرحلي للإقتصاد التركي إضافة الى عوامل عديدة منها: إستغلاله لأزمة اللاجئين العراقيين والسوريين بشكلٍ بشع، وإبتزاز كابينته الحكومية للمنظمات الإنسانية الدولية ودول الإتحاد الأوربي لتقديم الأموال الطائلة لهم، وإلا فإن تركيا ستفتح الطريق للاجئين في الهجرة الغير شرعية والغير منظمة والتي يتسرب من خلالها الإرهابيين لتلك الدول لإرتكاب أبشع الجرائم ضد المدنيين، وما تهديد أردوغان الذي تناقلته وكالات الأنباء قبل أيام إلا تأكيداً لمنهجه هذا، والرابط أدناه يؤكد إنصياع الإتحاد الأوربي لتلك التهديدات بالموافقة على منح تركيا ثلاثة مليارات يورو (أي بحدود خمسة مليارات دولار أمريكي)، وهذا المبلغ يعادل ميزانية دولة صغيرة من دول العالم الثالث، فهل سيصرف أردوغان جميع هذا المبلغ على اللاجئين حقاً؟، أعتقد من أن الجواب ستجدونه عند اللاجئين الذين يفترشون العراء في المرتفعات الحدودية وحيثُ يعانون من زمهرير البرد شتاءاً:
http://aa.com.tr/ar/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D8%A8%D8%B5%D8%AF%D8%AF-%D9%85%D9%86%D8%AD-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-3-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D9%8A%D9%88%D8%B1%D9%88-%D9%83%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%8A%D9%86/480868
كما وأنّ الإتحاد الأوربي وحسب البيانات والأخبار الواردة من داخل تركيا وخارجها يساهم بمنظماته الإنسانية الدولية بأغلب المساعدات على مدار السنة للاجئين لأهداف سياسية واضحة للجميع.
كذلك فإنّ إزدياد عمليات الهجرة الغير شرعية للاجئين من تركيا الى دول الإتحاد الأوربي في فترة حكم أردوغان أضعاف مضاعفة عما كانت عليه قبلها أدت الى إنتعاش سوق المافيات المحلية وأوجدت سوقاً أخرى في تسريب المتطرفين الى سوريا والعراق، وحيثُ نشطت مافيات التهريب بشتى الطرق وبتغاضي واضح من السلطات التركية وهي منظومة متكاملة تبدأ بالمهرب وتنتهي بخفر السواحل والجميع يبتز اللاجيء المسكين الذي تكلفه رحلة الموت هذه ما بين (16 ـ 19) الف دولار أمريكي للشخص الواحد للوصول الى محطته النهائية في إحدى دول اللجوء الأوربية أو عودته بتابوت الى بلده الأصلي، وهذا المردود المالي الغير منظور والمدوّر داخل الإقتصاد التركي قد أنعش السوق التركية، وهي أموال قادمة من خارج تركيا بواسطة اللاجئين الهاربين من جحيم الحروب الذين باعوا ممتلكاتهم وحاجياتهم الثمينة في بلدانهم ليرموا بثمنها بين أحضان المافيات التركية ولينعشوا الإقتصاد التركي على حساب مآسيهم، ناهيكم عن الأموال التي يصرفها اللاجئين الميسورين داخل تركيا لتغطية معيشتهم إضافة لإنعاشهم لسوق العقارات بشرائهم للبيوت والشقق السكنية، وهنا لا بد لي من التوقف وتحذير من له عقار في تركيا والتفكير من تغيير أردوغان لسياساته كما أوضحنا في ليلةٍ وضحاها فيشمل تلك العقارات بسياسته المتذبذبة ويخسر مالكيها أموالهم!!!.
لقد شبه بعض المحللين السياسيين أردوغان بأتاتورك وبتسويق واضح من دول لها تأثير واضح في رسم سياسة هذا البلد خدمة لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة، وفي رأيي فإن هذا التشبيه غير وارد للأسباب التي سأذكرها ومنها: أولاً على الرغم من تشابه الزعيمين أتاتورك وأردوغان بإيمانهما المطلق بالهوية القومية لتركيا والسعي لإعادة مجدها، لكن أتاتورك جمح لجام مشاعره بإحترامه للإتفاقيات الدولية كما أسلفنا، أما أردوغان فقد أعلن مراراً بالتصريحات وبشكل فعلي وعملي عدم إحترامه وإعترافه لتلك الإتفاقيات (التدخل السياسي في شؤون دول الجوار الذي أعقبه التدخل العسكري المباشر بإحتلال الجيش التركي لمساحات واسعة من العراق وسوريا وبذرائع واهية فندناها في مقالات سابقة، لا بل إعلانه بصراحة عن أطماعه لعودة النفوذ الإستعماري العثماني للمنطقة).
ثانياً: إن سلوك أردوغان المتشبع بالتراث الديني (وليس جوهر الدين) وظهوره على المسرح السياسي من خلال الأحزاب الدينية التي إنتمى اليها يبعده عن التشبه بأتاتورك الذي قاد التيار العلماني التركي وحيّد الشأن الديني في المجتمع وعلى العكس من أردوغان الذي شجعت سياسته المؤيدة لعودة الإسلام السياسي الى تنامي المشاعر الدينية المتطرفة ككتل وأحزاب أو بشكل فردي وحيثُ كان من نتائجها تأثر المنظومة العسكرية والأمنية بها بشكل واضح (تسويق فكرة الإنقلاب المزعوم وإتهام الداعية الديني فتح الله غولن بأنه كان وراء محاولة الإنقلاب الذي أعطى المبرر والغطاء القانوني لأردوغان بإزاحة عشرات الآلاف من عناصر الجيش وقادته وزجهم في السجون وفصل أكثر من 2700 قاضي في منظومة القضاء والقضاء الأعلى من وظائفهم خلال الساعات القليلة التي أعقبت السيطرة على الإنقلاب المزعوم، وحيثُ كان واضحاً من أن الأمر ربما كان جاهزاً ومرتباً وبالأسماء لعزل المناوئين لسياسة أردوغان، وحيثُ وضعت عملية تنظيف المؤسستين العسكرية والقضائية بهذه السرعة الف علامة إستفهام على حقيقة الإنقلاب من عدمها، كذلك فإنّ إغتيال السفير الروسي بالطريقة التي حدثت يعطي الدليل القاطع على إختراق المنظومة الأمنية من قبل العناصر الدينية المتطرفة التي تمتعت بحرية الحركة والتنظيم في فترة حكم أردوغان).
ولنبدأ من حيثُ بدأ أردوغان بتسويق نفسه (إعلامياً) في تركيا والدول العربية بشكلٍ خاص ودول العالم الإسلامي بشكلٍ عام تمهيداً لتنفيذ طموحاته بعودة الإمبراطورية البائدة تحت مظلة الخلافة الإسلامية وبقيادته!!.
ففي الرابط أدناه الذي عرضته قناة الجزيرة القطرية وتناقلته جميع وسائل الإعلام العالمية الذي يبين معارضة أردوغان لكلمة شمعون بيريز في مؤتمر دافوس الإقتصادي/2009م ومقاطعته للمؤتمر والذي جعل منه البطل السياسي في العالم العربي والإسلامي في دقائق معدودة وحيثُ عجز هو أو غيره من السياسيين في تحقيقه بعشرات السنين بالطرق الإعلامية الكلاسيكية، لكنه حققه بلمح البصر بمداعبته لعواطف عشرات الملايين ولعلمه بسايكولوجية المجتمعات التي لعب على أوتار عواطفها، فعُلِّقَت صوره على واجهات المركبات والمحلات التجارية وتصدرت صوره جميع الفضائيات ووسائل الإعلام لأسابيع وخرجت التظاهرات في شتى الدول الإسلامية تُمَجد فعله البطولي!!!، وهذه الطريقة التسويقية (المخابراتية) مكشوفة للمتخصصين بالشؤون السياسية، لكنها تفعل فعلها الساحر حتى على المعارضين في تلك الدول:
https://www.youtube.com/watch?v=ZiYZAO_J5k4
ولنقف قليلاً عند تاريخ العلاقات التركية ـ الإسرائيلية وموقف أردوغان وحزبه (الإسلامي) منها وكيفية إستغلاله لها لتنفيذ طموحاته الشخصية وسياسة حزبه المتقلبة!!.
وسأنقل أدناه النص الحرفي لِما جاء في ويكيبيديا عن تاريخ العلاقات التركية ـ الإسرائيلية لكي تكون المدخل الى جوهر هذا الموضوع:
"العلاقات الإسرائيلية التركية، هي العلاقات بين إسرائيل وتركيا والتي تأسست في آذار/مارس 1949 عندما أصبحت تركيا ثاني أكبر بلد ذات أغلبية مسلمة (بعد إيران عام 1948)، تعترف بدولة إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت إسرائيل هي المورد الرئيسي للسلاح لتركيا. وحققت حكومة البلدين تعاوناً مهماً في المجالات العسكرية، الدبلوماسية، الإستراتيجية، كما يتفق البلدان حول الكثير من الإهتمامات المشتركة والقضايا التي تخص الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، يعاني الحوار الدبلوماسي بين البلدين الكثير من التوترات، بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الهجوم على غزة 2009. وصرح السفير الإسرائيلي گابي ليفي بأن العلاقات بين البلدين سوف تعود الى مسارها الطبيعي في أقصر وقت"، إنتهى الإقتباس من موقع ويكيبيديا.
ثم يضيف "موقع ويكيبيديا" بالقول:
كما يوجد مستشارون عسكريون إسرائيليون في القوات المسلحة التركية، وتشتري جمهورية تركيا من إسرائيل العديد من الأسلحة وكذلك تقوم إسرائيل بتحديث دبابات وطائرات تركية. ومنذ 1 كانون الثاني/يناير 2000، أصبحت اتفاقية التجارة الحرة الإسرائيلية التركية سارية، هذا ما جاء ذكره أيضاً في الموقع المذكور.
 وليسمح لي القاريء الكريم بجلب إنتباهه الى بعض مما ورد في هذا الوصف للعلاقات بين إسرائيل ودولتين إسلاميتين لهما حجمهما وثقلهما في العالم الإسلامي، وحيثُ يُعتبر البلدان اللاعبان الأساسيان في الساحتين العراقية والسورية بشكلٍ خاص وفي المنطقة بشكلٍ عام والذي أدى تدخلهما الى تدمير العراق وسوريا والمنطقة لمصلحتيهما:
أولاً: إعتراف إيران وتركيا المبكر بإسرائيل (عامي 1948 و1949) على التوالي جاء في الوقت الذي لم تجف فيه بعد دماء مذبحة "دير ياسين" وفي الوقت الذي لم تتجرأ فيه معظم الدول الأوربية للإعتراف بإسرائيل!!!، ناهيكم من أن هذا الإعتراف لدولتين لهما ثقلهما لطائفتيهما الإسلاميتين الرئيسيتين قد أعطى الشرعية المبكرة لدولة إسرائيل!!!، كما وأعطى الضوء الأخضر لجميع الدول للحذو حذوهما، وهذا دليل كافي للذين أعمتهم بصيرتهم في دعم توجهات البلدين للتدخل في الشأن العراقي، وحيثُ بات واضحاً من أنهما تبحثان عن مصلحتيهما بغض النظر عن إنتمائهما الديني!!!، ولا علاقة لهما بما يصيب المسلمين وحتى "بيت المقدس" بقدر ما يتعلق الأمر بمصلحتيهما!!!.
ثانيا: منذ إعتراف تركيا المبكر بإسرائيل أصبحت الأخيرة (أي إسرائيل) المورّد الرئيسي للسلاح لتركيا، أي بمعنى أصح من أن جزء مهم من ميزانية إسرائيل في ذلك الوقت كانت تأتي من عمولتها من توريد الأسلحة الى تركيا!!، وهنا يجب التوقف وطرح السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه: لماذا لم تستورد تركيا سلاحها من المنشأ مباشرة دون تدخل الوسيط الإسرائيلي لتوفير المبالغ الطائلة التي كانت تدفعها كعمولة لإسرائيل؟؟؟!!!، خاصة وأن الأخيرة لم تكن في ذلك الوقت مصنعة للأسلحة؟!!!!.
ثالثاً: من خلال ما ذكره موقع ويكيبيديا فأن تركيا وإسرائيل قد حققتا تعاوناً مهماً إستراتيجياً، عسكرياً، دبلوماسياً، مناورات عسكرية مشتركة، شراء الأسلحة، تحديث السلاح التركي بخبرة إسرائيلية، وجود مستشارين إسرائيلين في الجيش التركي، إتفاقية التجارة الحرّة بين البلدين (والتي تم التوقيع عليها سنة 2000م)، أي عملياً هما دولة واحدة!!!، وعلاقاتهما أقرب من علاقة ربما أمريكا مع إسرائيل!!، وبإلإضافة لما ذكره موقع ويكيبيديا سأورد لاحقاً بعض الحقائق المدعومة بالتصريحات لإستمرار التعاون التركي ـ الإسرائيلي وبأعلى مستوياته وفي زمن أردوغان وبالأدلة، وبإستطاعة كل من يشكك بهذا التعاون أن يبحث بنفسه في "جوجول" عن "تاريخ العلاقات الإسرائيلية التركية" فسيقرأ العجب العجاب عنها، إذن لماذا نلعن أمريكا دائماً لدعمها لإسرائيل ونصفق لتركيا!!!.
رابعاً: تصريح السفير الإسرائيلي "گابي ليفي" في تركيا بعد توتر العلاقات بن البلدين على خلفية تصريحات أردوغان في مؤتمر "دافوس الإقتصادي" وكون السفير هو الأقرب الى دهاليز المسؤولين الأتراك وتطميناتهم له دَفعهُ للقول: "بأن العلاقات بين البلدين سوف تعود الى مسارها الطبيعي في أقصر وقت"، وهذا التصريح ما هو إلا إعتراف من أن جعجعات أردوغان ما هي إلاّ "فلم هندي" متفق عليه لتسويق سياسة أردوغان وإيهام العرب والمسلمين بشكلٍ عامٍ والتلاعب بعواطفهم ومشاعرهم وليحقق طموحه بعودة الإمبراطورية العثمانية بقيادته، وبالفعل لم تتأثر العلاقات بين البلدين وحسب المعطيات على أرض الواقع وكما سأبينهاً.
وسأعرض في الروابط أدناه العلاقة الصميمية والإستراتيجية لأردوغان وحكومته مع إسرائيل (التي إستقيتها من مصادر مختلفة بإتجاهاتها الفكرية وتوجهاتها السياسية المختلفة ومقدار تأييدها لسياسة أردوغان أو رفضها لها) ، لأضع أمام القاريء الكريم الصورة بشكلٍ واضحٍ دون ترك مجالاً للتأويلات:
في الرابط الأول أدناه سأضع بين علامتي التنصيص نص ما نشره موقع "صوت اليسار العراقي" نقلاً عن صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، حيث ذكر التقرير تحت عنوان (إسرائيل تنشر فضيحة تهز عرش أردوغان) جاء فيه ما يلي:" هزت فضيحة جديدة عرش حكومة اردوغان في تركيا، وكشفت النقاب عن الوجه الحقيقي للأخير، وكيف كان يصعد هجومه الاعلامي على “اسرائيل” عقب احداث سفينة مرمرة وسقوط عدد من الشهداء الاتراك، فيما كان ابنه يفاوض ويعقد صفقات متتالية مع “تل أبيب”، لم تنقطع حتى في عز ما سمي “ازمة علاقات تركية اسرائيلية”. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية الصادرة اليوم النقاب عن مواصلة نجل رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان عقد الصفقات التجارية مع “إسرائيل” خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، حين كانت العلاقات بين أنقرة “تل أبيب” في الحضيض. ونقلت الصحيفة عن أعضاء في المعارضة التركية، أن “إبن اردوغان، احمد براق اردوغان هو أحد أصحاب شركة MB للنقل البحري التي تملك سفينتين تجاريتين: “سفران 1 “و “سكريا”، كاشفة أن سجلات سلطة الموانىء في تركيا، أظهرت أن السفينة الاولى (سفران 1 أبحرت عدة مرات بين موانىء تركيا وموانئ “إسرائيل” ونقلت البضائع ذهاباً واياباً" ـ ـ إنتهى الإقتباس، وليس لدي أي تعليق عليه فقط أريد أن أشير بأن التقرير يذكر في نهايته من أزدهار العلاقات التجارية بين إسرائيل وتركيا في زمن أردوغان حتى بلغت أربعة مليارات دولار أمريكي سنوياً!!، أي إرتفاع بنسبة 30%!!!، ومن يرغب في الإطلاع على كامل التقرير فما عليه إلاّ الذهاب الى الرابط أدناه:
http://saotaliassar.org/02AP012013/ArdoganIsraiel02.htm
وفي الرابط الثاني لموقع آر تي (RT) أدناه يصرح أردوغان قائلاً وعلى ذمة الخبر: "في أول حديث له مع وسائل إعلام إسرائيلية، منذ 13 عاما، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن الوقت حان لطي ملف الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين إسرائيل وتركيا. جاء ذلك في حديث للقناة الإسرائيلية الثانية، الأحد 20 نوفمبر/تشرين الثاني.وقال أردوغان بأن أحداث السفينة مرمرة لا تزال تخيم على هذه العلاقات، مضيفا أنه لا يصدق أقوال ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي الذين قالوا إنهم قد بذلوا كل جهد مستطاع لتفادي أعمال العنف في هذا الحادث.وذكّر بمقتل عشرة مواطنين أتراك خلال العملية العسكرية على السفينة" ـ ـ إنتهى الإقتباس.
المصدر: موقع عربيل
ياسين بوتيتي
ومن يرغب من القرّاء الكرام مشاهدة كامل اللقاء لحديث أردوغان للقناة الإسرائيلية الثانية والذي إتهمته فيه بعض وسائل الإعلام العربية بالتهرب من التمسك "بإسلامية القدس"، فما عليه إلا أن يبحث في اليوتوب عن اللقاء كاملاً، وللتأكد مما جاء في التقرير فسيجده على الرابط أدناه:
https://arabic.rt.com/news/850608-%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D8%AD%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D8%AA-%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%B5%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7/
أما الرابط الثالث لموقع قناة الجزيرة التي يتكلم عن إعادة حكومة أردوغان لعلاقاتها مع إسرائيل وروسيا بغض النظر عن رفع الحصار عن غزة:
والذي جاء فيه: "وصف مسؤول تركي بارز الاتفاق بأنه (انتصار دبلوماسي) لتركيا، رغم أن إسرائيل لم توافق على رفع الحصار المفروض على غزة، وهو من شروط أنقرة الأخرى" ـ ـ إنتهى الإقتباس.
أدناه كامل التقرير على موقع قناة الجزيرة:
http://www.aljazeera.net/news/international/2016/6/27/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B7%D9%88%D9%8A-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D9%85%D8%B9-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7
أما الرابط الرابع والأهم من كل الروابط السابقة والذي عرض فيه موقع "عربي 21" الألكتروني تقريراً يبين تبريرات أردوغان لإعادة العلاقات مع إسرائيل والذي يعتبره إنتصاراً لوعد إسرائيل بتنفيذ شروطه الثلاثة وكما أوردها بالنص أدناه: "أشار إلى أنه كانت هناك مبادرات، عقب الحادثة، من جانب العديد من الأطراف، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من أجل تسوية القضية، مؤكداً أنه " من البداية إنه يجب تحقيق ثلاثة شروط من أجل تسوية العلاقات مع إسرائيل. وهو ما قلته عندما كنت رئيساً للوزراء ورئيساً للجمهورية".
وأوضح أن الشرط الأول كان أن تقدم إسرائيل اعتذارا رسميا لتركيا، مشيرا إلى أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي قدم شخصيّا هذا الاعتذار لي، وشهد على ذلك الرئيس الأمريكي،باراك أوباما، عام 2013".
ولفت إلى أن الشرط الثاني كان "دفع إسرائيل تعويضات لذوي الأبرياء الذين استشهدوا في حادثة مافي مرمرة، وهذا الشرط، الذي تم التوافق عليه مبدئيا، وتحقق بعد التأكيد على أن مبلغ التعويضات هو 20 مليون دولار"، موضحًا أن إسرائيل ستدفع مبلغ مليوني دولار لحساب يفتح في المصرف عن كل شهيد.
أما الشرط الثالث، فتمثل في رفع الحصار عن غزة لتحسين ظروف معيشة الفلسطينيين المقيمين في القطاع، والذي كان غاية شهداء "مافي مرمرة"، الذين بذلوا أرواحهم لأجله، بحسب الرئيس التركي" ـ ـ إنتهى الإقتباس.
وحيثُ أتمنى على القرّاء الكرام الدخول الى الرابط أدناه لقراءة كامل التقرير لأهميته وحيثُ يتعذر نشره كاملاً لإختصار المقالة قدر الإمكان:
http://arabi21.com/story/917781/%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%B1-%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B9-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3-%D8%AA%D8%B4%D9%83%D8%B1-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7
ومما يؤسف له ما ذكره التقرير من أن "حماس" شكرت أردوغان على جهوده!!!،ولا أعلم على ماذا شكرته!!، وكأن هدف الصراع العربي والإسلامي ـ الإسرائيلي يتوقف على رفع الحصار عن غزة!!، (عفرم أردوغان لقد جئت بالسبع من ذيله)!!، وماذا عن الأراضي المغتصبة وهي جوهر الصراع ـ ـ وماذا عن بناء المستعمرات؟؟!!، وماذا عن شعار "إسلامية القدس" الذي رفعتَهُ والذي أوصلك الى رئاسة الجمهورية التركية؟؟!!، وهذا ليس كلامي، لكن كلام الذين إستشهدوا من الفلسطينيين، وكلامك أنت أيضاً يا أردوغان في الإنتخابات.
والرابط الخامس لرئيس تحرير "رأي اليوم" الألكترونية الصحفي الفلسطيني المعروف بتوجهاته القومية عبدالباري عطوان والذي لاأعتقد سيكذبه ممن لا تزال لديهم الشكوك من مناصري أردوغان وسياسته، والمقالة جديرة بالقراءة والتأمل لما فيها من لوعة والم وخذلان أردوغان للملايين التي صدقته، فقد ذكر عبدالباري عطوان في مقالته:
 "لا نعرف لماذا انتقل الرئيس اردوغان من النقيض الى النقيض، وبات حريصا على إقامة علاقات استراتيجية مع عدو يحتل الأراضي الفلسطينية، ويستمر في تشديد الحصار على قطاع غزة، ويمارس الاعدامات الميدانية ضد الشباب الفلسطيني لممارسة حقه في المقاومة السلمية المشروعة، ويمنع الآذان من مساجد القدس المحتلة، وعلى رأسها المسجد الاقصى" ـ ـ إنتهى الإقتباس، ومن الممكن قراءة المقالة على الرابط أدناه:
http://www.raialyoum.com/?p=567691
وسأختتم الروابط في سياق العلاقات الإسرائيلية ـ التركية وتطورها في فترة حكم أردوغان  لبيان الصداقة (الحميمية) بين أردوغان والقادة الإسرائيلين من خلال وقوفه معهم ووضعه لكل إمكانيات تركيا تحت تصرفهم في إطار المساعدة في إطفاء الحرائق التي إندلعت في إسرائيل، وقوله للرئيس الإسرائيلي خلال المكالمة الهاتفية بينهما وعلى ذمة الخبر المنشور على الرابط أدناه في "سكاي نيوز" قائلاً:" بمجرد أن علمتُ بخبر النيران التي تلتهم المحميات الطبيعية والغابات الإسرائيلية، قررت إرسال الدعم والمساعدة"، ـ ـ إنتهى الإقتباس، وسؤالي هل يوجد إخلاص بين صديقين أكثر من هذا الإخلاص وحيثُ طبق أردوغان مقولة "عند الشدائد يعرف الأصدقاء"، الرابط أدناه يبين ما دار من حديث بين الصديقين!!:
http://www.skynewsarabia.com/web/article/896351/%D8%A7%D9%95%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D9%94%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D8%B4%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%94%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%95%D8%AE%D9%85%D8%A7%D8%AF-%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D9%94%D9%82%D9%87%D8%A7
  ولكي لا يتهمني البعض من أنني ضد السلام مع إسرائيل ـ ـ أقول أنا أول الأشخاص مع السلام في إطار التعايش السلمي والعادل بين الطرفين ومع السلام بين كل شعوب الأرض، لكنني إخاطب أغلب السياسيين العراقيين وخاصة الذين يرفضون مبدأ التطبيع أو حتى اللقاءات الجانبية مع الشخصيات الإسرائيلية المعتدلة لمصلحة بلدهم العراق وينتفضون غضباً عند سماعهم وجود محاولات في هذا الإطار، لا بل يضربون ويهينون كل من تجرأ بوضوح وصراحة وبشكل علني لا سرّي على حضور مؤتمر عالمي سلمي في إسرائيل (هذا ما حدث للنائب البرلماني السابق مثال الآلوسي)، لكن ليس لديهم مشكلة بمعاضدة أردوغان ودعوته الى إحتلال جزء من أراضيهم قرب بعشيقة ويضعون يدهم بيده التي وضعها بيد أعلى القيادات الإسرائيلية والمتفق معها إستراتيجياً كما هو واضح، ولا أعلم لماذا يكره هؤلاء السياسيين السلام والخير لبلدهم العراق عندما يأتي ذكر التطبيع مع إسرائيل، لكنهم في ذات الوقت يحزمون حقائبهم فرحاً للذهاب الى تركيا والأردن وقطر ومصر وإيران لعقد مؤتمراتهم هنالك ومصافحة مسؤولي تلك البلدان الذين وضعوا أيديهم بأيدي المسؤولين الإسرائيليين لمصلحة بلدانهم وحيثُ يمارسون النفاق السياسي معها ويسمحون لها بالتدخل في الشأن العراقي ويستلمون أوامرهم من قادتها، حتى وصل في البعض من القادة العرب في وصف العلاقة مع الإسرائيليين مثل القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والملك الأردني الراحل الحسين بن طلال سليل العائلة الهاشمية بنعت القادة الإسرائيليين "بأولاد العم" إذن أين تكمن مشكلة التطبيع؟!!، ولماذا يكون التطبيع والسلام مع إسرائيل حلالاً على كل الدول العربية ومن بينهم أصحاب الشأن الفلسطينيين ويحرّم على العراق حصراً من قبل بعض المنافقين السياسيين العراقيين الذين لا يروق لهم رؤية العراق معافى والمسيّرين بأجندات خارجية من الدول الإقليمية؟!!.         
وأما ملابسات حادث إغتيال السفير الروسي ودوافع القاتل ومن يقف خلفها؟، والأسئلة التي تحوم حولها، وهل أن القاتل كما إدعت السلطات التركية من أنه كان من عناصر الشرطة المحلية إستغل هويته الأمنية للعبور من خلال العناصر الأمنية المكلفة بحماية السفير أم (ربما) هو العنصر الرئيسي أو الوحيد المكلّف بالحماية الشخصية للسفير فغدره بإطلاق رصاصات إخترقت جسده واردته قتيلاً في الحال؟!!، ولماذا فبركت السلطات التركية هذه القصة؟، وهل فعلتها بالإتفاق مع الحكومة الروسية لتجاوز الإحراجات بعد الإنفتاح الذي حصل بين الدولتين على خلفية إسقاط الطائرة الروسية الحربية ومقتل طاقمها؟، وهل عملية قتل السفير جاءت بتخطيط من مخابرات دولية (لفركشة) التقارب الثلاثي التركي ـ الروسي ـ الإيراني المتمثل بالإجتماع الوزاري الثلاثي الذي كان مقرراً له بالإنعقاد في موسكو في اليوم التالي لمقتل السفير؟، وحيثُ فوت المجتمعون الفرصة على المخططين بإصرارهم على عقد الإجتماع  في المكان والزمان المحددين دون تأجيله على الرغم من هول ما حدث!!، وهل صدقت السلطات التركية بإدعائها من إصرار القاتل على الإعتصام داخل المبنى ورفضه تسليم نفسه إلا ميتاً؟!!، علماً بان القاتل كانت لديه فرصة البقاء حياً في السجن لعدم وجود عقوبة الإعدام في تركيا!!، أم جاءت الأوامر بقتله لغلق القضية ومحاصرة تداعياتها بالإتفاق مع روسيا ولتفويت الفرصة على (المخططين) من تنفيذ أهدافهم؟، في حين كان من الضروري منطقياً الإبقاء على حياة القاتل بأي طريقة ممكنة خاصة وإن عتاد مسدسه وما كان يحمله معه كخزين كان على وشك النفاذ مما سيسهل القاء القبض عليه حياً لمعرفة إرتباطاته والتنظيم الذي ينتمي اليه، وهل هنالك عناصر أخرى في الشرطة متورطة في هذه العملية؟!!، ومن هي الجهة التي تقف خلفهم؟!!، هذا فيما إذا كانت حكومة أردوغان جادة لمعرفة خيوط العملية!!، وجادة أيضاً في تنظيف منظومتها الأمنية من المتطرفين!!، فهل جاء قرار قتل (قاتل) السفير بأمر تركي فقط للتخلص من الإحراجات والمفاجئات أمام لجنة التحقيق المشتركة الروسية ـ التركية؟!!، أم أنه جاء بأمر مشترك روسي ـ تركي لغلق القضية والتضحية بدم السفير إكراماً لمصلحة روسيا العليا في كسب تركيا الى جانبها بعد تغيير أردوغان لخط سياسته مئة وثمانين درجة بالإتجاه المعاكس وبعد أن يأس من قبول الإتحاد الأوربي لتركيا كعضو فيه؟!!، وبعد أن تركه حلفائه الغربيين في مواجهة الدب الروسي لوحده؟!!، وهل أنّ تصريحات أردوغان بشأن إتهامه لقوات التحالف الدولي علناً بمساعدة داعش ماهو إلا إستباق سياسي للأخبار المتسربة لقرب إتهامهم له بتورطه في مساعدة داعش محاولاً أن "يتغدى بهم قبل أن يتعشوا هم به" مثلما يقول المثل الشعبي؟!!، ومهدداً إياهم من "إنّ الحال من بعضوا" كما يقول المثل الشعبي المصري، وحيث يؤكد إشتراك جميع الأطراف في مساعدة داعش كلاً حسب أجندتهِ، فكل هذه التساؤلات سنطرحها على طاولة التحليل محاولين دعمها بالأدلة المتوفرة.
الرابط أدناه يعرض إتهام أردوغان لأمريكا وقوات التحالف الدولي بمساعدة داعش:
 http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/27642-2016-12-27-22-30-55.html
إنّ تخبّط أردوغان بين مراكز القوى العالمية سيوصله الى نهايته المأساوية المحتومة، فهو مهما علا فسوف لن يكون إلاّ زرزوراً بين الصقور التي تحوم في أجواء المنطقة الساخنة.
ومن الجدير بالتنويه اليه خذلان أردوغان للبلدان العربية (قطر والسعودية) التي ساندته ووقفت معه في حرب سوريا، ثمّ تركها لوحدها بعد إتفاقه مع روسيا وتخليه عن المجموعات المسلحة التي كان يساندها فتركها لمصيرها المحتوم.
وهنا يجب التوقف قليلاً لتذكير أردوغان بتحذير الرئيس الروسي "بوتين" له خلال فترة تردي العلاقات بين البلدين حيثُ خاطبه قائلاً "لا تلعب بالنار" ورد عليه أردوغان بنفس المقولة!!، لكن من خلال ما يجري في تركيا من أعمال إرهابية تذكرنا بتنبيه العراقيين لبشار الأسد بعد 2003م بان "لا يلعب بالنار" ويشجع إرسال المرتزقة المتطرفين للقيام بأعمال إرهابية داخل العراق بدعوة مقاومة المحتل والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين العراقيين المدنيين الإبرياء، وحيثُ تصور دكتاتور سوريا بشار الأسد من أن منظومته الأمنية القوية قادرة على الإحتفاظ بتلك الجماعات المتطرفة تحت السيطرة وتوجيهها حسب رغباتهم وأهدافهم، لكنه تفاجئ بإنقلابهم عليه في ليلة وضحاها، وها هي نتيجة مخططاته واضحة من خلال الدمار الكامل لسوريا وملايين المهجرين مع مئات الآلاف من القتلى، وما حصل لبشار الأسد سيحصل لأردوغان التي بدأت ملامح الكارثة المرتقبة بالظهور من خلال العمليات الإرهابية الأخيرة وفقدان السيطرة على المجموعات المتطرفة التي سمحت سياسة أردوغان بدعوتهم وتشجيعهم للمرور عبر تركيا الى كلٍ من سوريا والعراق، لكن الكثير منهم بقي في تركيا لتأسيس منظومات متكاملة من المتطرفين في الداخل وحيثُ يُصعب السيطرة عليهم ومراقبتهم لكون تركيا بلد ذو مساحة شاسعة وحدود متنوعة وحرّة ما بين البحرية والبرية والمرتبطة بعدة بلدان أوربية وأسيوية، وقد صدق قول الرئيس الروسي "بوتين" حينما خاطب أردوغان في إحدى تصريحاته الصحفية قائلاً من إن المتطرفين ما هم إلا جماعات مغرر بهم تحت غطاء ديني تقودهم منظمة  للمرتزقة يذهبون مع الذي يدفع لهم أكثر!!!.         
وبالعودة الى حادث إغتيال السفير الروسي نلاحظ من خلال الفيديو النادر في الرابط أدناه الطريقة المتمرسة الفنية والمهنية (Professional) في تصويب القاتل لمسدسه على السفير وعلى الحضور فيما بعد لتخويفهم، ومحاولته إختيار المكان المناسب لإطلاق رصاصاته دون إصابة أشخاص آخرين!!، وإختياره لموقع الرمي بزاوية حادة وهو الأصعب في التنفيذ!!، لكنه الأئمن لضمان عدم إصابة أشخاص آخرين!!، كل تلك الملاحظات تعطي الإنطباع المؤكد من أن القاتل هو عنصر مدرب تدريب عالي المستوى للحمايات الشخصية وليس عنصر أمني عادي!!، وبقائه على المنصة خلف السفير لفترة طويلة قبل إطلاق النار وحريته بالحركة لإختيار موضع الرمي وعدم ظهور من يسائله من عناصر الأمن الآخرين المكلفين بحماية السفير (إن وجدوا) عن سبب تواجده خلف السفير وعدم ظهور أي رجل أمن آخر، كل علامات الإستفهام هذه تعطي الدليل القاطع على أنه (ربما) كان هو الشخص المكلف بحماية السفير رسمياً وليس كما إدعت السلطات التركية من أنّ القاتل كان عنصر أمني مندس!!، لكن إنكار السلطات لذلك يعفيهم من أن توجه أصابع الإتهام الى منظومتهم الأمنية الخاصة جداً والمكلفة بحماية الشخصيات المهمة الوطنية والأجنبية بكونها مخترقة من قبل المتطرفين، وحيثُ تفقد عندها الهيئات الدبلوماسية والشخصيات المهمة الوطنية والأجنبية المتواجدة على الأرض التركية ثقتها بمنظومة وطاقم الحماية المكلّف من قِبَل الحكومة التركية لحمايتها.
الرابط أدناه يضع الشكوك من أن القاتل (ربما) كان مكلّف بحماية السفير وليس كما أدعت الحكومة التركية لاحقاً بأنه شرطي تسلل بلباس وهوية رجال الأمن المكلفين بالحماية:
https://www.youtube.com/watch?v=17a37Q0ANuQ
وعليه فإنني أعتقد بعد مشاهدتنا للفيديو من أننا قد وصلنا الى قناعة من أنه ربما كان (الحامي هو الحرامي) أي ربما العنصر المكلّف بالحماية قد نكث قسمه على كتاب الله في الإخلاص لمهنته وغدر بمن أمّنه على حياته وأعطاه ظهره مطمئناً ومعتقداً من أنّ الذي عهد له بحمايته يخاف الله ولا ينكث بقسمه به حتى على قاتل أبيه (وهو الذي إدعى بخطبته القصيرة من أنه ما فعلها إلا إرضاءاً لإيمانه بالجهاد في سبيل الله)!!.
فما هو رأي المدافعين عن التواجد التركي داخل العراق؟، وما هو رأي الذين يعتقدون من أنّ أردوغان نصير الطائفة أو المذهب بعد أن تبين وبشكل واضح علاقته الإستراتيجية مع إسرائيل وتغيير سياسته في لحظات بناء على مصلحته الشخصية ومصلحة حزبه ضارباً عرض الحائط الثوابت الدينية.   
من المقالة أعلاه يتبين بالأدلة الموثقة من أن أردوغان وسياسة تركيا الإستراتيجية مع إسرائيل ثابتة بشكلٍ عام كثبات الأصابع في اليد على مدار السنين ومنذ قيام الدولة الإسرائيلية، وستبقى كذلك مهما تغيرت الوجوه السياسية في تركيا وتحت مختلف التسميات، وأرجو أن لا يبرر (المتجهبذون) والمدافعون عن سياسة تركيا وعرّابها أردوغان بقولهم هذه مصالح وعلاقات دولية و ـ ـ و ـ ـ والى آخره من التبريرات التي يطرحها المنتفعون من المنافقين السياسيين العراقيين اللاهثين وراء الأجندات للدول الإقليمية والقابعين تحت حماية البعض منها والمتنعمين بإمتيازاتها لهم، وليس فقط اللاهثين وراء تركيا وإنما إيران أيضاً ومصر والأردن والفسطينيين وقطر والسعودية وكل من فتح قنوات التواصل مع الدولة الإسرائيلية، لكن هؤلاء (المتجهبذين) يقفون حد السيف ضد مصلحة العراق فيما لو فكر ولو تفكير عابر بفتح قنوات الحوار مع إسرائيل لمصلحته، فإصحوا يا عراقيين وأبحثوا عن مصالحكم بعيداً عما تعتقدون من إنهم أنصاركم وقت المحن.               



49
قصة قصيرة
أنت عراقي . . . إذن سوف لن تموت!!(1)
بقلم: سالم ايليا
جلسَ "شجاع" بجانب سريره في إحدى ردهات المستشفى التخصصي لمدينة من دول المهجر بإنتظار الممرضة التي ستأخذه الى صالةِ العملياتِ الكبرى، حيثُ ستجرى له عملية قال له الطبيب المعالج حينها بأنها ستكون حرجة!!!.
تذكرَ كيف أنه قد أهملَ صحته كثيراً حين كان يشعر ببعض الآلام في رأسه لكنه لم يكن يبالي بها ـ ـ !!.
تذكرَ وحدته القاتلة منذُ وصوله الى هذه المدينة قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً مضت وكأنها الدهر بطوله ـ ـ !!.
راجع حياته كلها، وتوقف عند لحظة إستدعائه لخدمة الإحتياط في بلدهِ وإرساله الى الحرب التي لم يعلم لحد هذه اللحظة لماذا أبتدأت وكيف إنتهت ـ ـ ـ !!!، لكنها بكلِ تأكيد أخذت منه أحلى سنوات شبابه، وكادت أن تفقده حياته لمرّات عديدة، وحيثُ كان الموت يأتيه قابضاً على روحه لكنه كان يزاوغه ويراوغه في كلِ مرّة متهرباً منه!!!.
عندما قرّرَ "شجاع" تركَ بلده الذي لم يكن يشعر يوماً ما بأنه سيمنحه الرفاه والطمأنينة كمكافئةٍ له على هدره لشبابه (للدفاع) عنه ـ ـ !!، تردد قليلاً في إتخاذ القرار خوفاً من النتائجِ ـ ـ !!، لكنهُ أدرك وبسرعة بأنّ ما يعيشه الآن من سنواتٍ ما هي إلاّ كرم من الخالق!!، حيثُ من المفروض أن يكون راقداً بأمان في لحدهِ منذُ زمن بعيد جداً!!!.
قال في نفسه: "يا الله ـ ـ شراح أخصر ـ ـ هو شنو عندي حتى أخصره"!!!.
عاد بذاكرتهِ الى السنوات الأولى من وصوله الى بلد المهجر وكيف أنه عمل في أحقر الأعمال وهو الحاصل على بكالوريوس هندسة زراعية!!.
تلمّسَ رأسه الحليق ليتحسس الورم الذي يريد الجرّاح إستئصاله في هذه العملية!!، لكنهُ إبتسم في ذاته مدركاً من أنّ الورم قد ظهر في الفحوصات الشعاعية والرنينية داخل جمجمته وليس خارجها!!!، هزّ رأسه مستهزئاً بجهالة حركته اللاإرادية!!!.
قاطع سرحانه صوت الممرضة الناعم مردداً إسمه ـ ـ ولأول مرّة شَعَرَ بحلاوةِ إسمه!! ـ ـ التفت اليها مؤكداً ضنّها ومبتهجاً بجمالها الذي أعطاهُ الشعور بالتفائل والسعادة على أنه (سيغفوا) بعد قليل على صورة وجهها مثلما كان يفعل وهو صغير عندما كانت والدته تأخذه في حضنها!!!.
في صالة العمليات وقبل أن يفعل المخدر فعله خاطبه الطبيب الجرّاح مستفهماً ومكرراً لسؤاله الذي طرحه عليه قبل أيام ـ ـ هل أنتَ مدرك لنوع العملية وخطورتها؟!.
أجابهُ "شجاع": أعتقد ذلك، إنها لورمٍ في المخ!!.
نظرَ اليه الطبيب نظرة تأمل إخترقت حواسه، وسأله ثانية: هل أنتَ خائف من الموت؟!!.
تفرسَ "شجاع" في وجوه الكادر الطبي المحيط بسريره، فلم يستطع قراءة تعابير وجوههم إن كانت لملائكة الرحمة أم ملائكة الموت؟؟؟!!!.
أجاب "شجاع" طبيبه بثقة "كلاّ"، فالموت عندي قد فقد "هيبته ووجله" منذُ زمنٍ بعيدٍ!!!.
بادرهُ الطبيب بسؤاله: من أي بلدٍ أنتَ؟.
قال "شجاع": أنا من العراق ـ ـ !!.
تمتم الطبيب مبتسماًً ـ ـ إذن سوف لن تموت!!!.

إنتباهة:
(1): كتبتُ هذه القصة الرمزية ـ التعبيرية بإسلوب سردي بسيط لكن بدلالات ومعاني عميقة، وحيثُ رغبتُ في إيصالها لجميع القرّاء الأعزاء بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم الفكرية، فعسى أن أكون قد وفقتُ للهدف منها.



50
رحل فيدل كاسترو وبقيت كوبا

بقلم: سالم ايليا

كوبا هي عبارة عن أرخبيل من الجزر الواقعة شمال البحر الكاريبي الذي يفصل بينها وبين الجزر المكسيكية جنوباً، وتقع جغرافياً عند تلاقي المحيط الأطلسي (الأطلنطي) بخليج المكسيك بواسطة مضيق فلوريدا الذي يفصل أيضاً السواحل الشمالية لكوبا عن السواحل الجنوبية لفلوريدا الأمريكية، وحيث أعطى موقعها القريب هذا من السواحل الأمريكية أهميتها السياسية في الصراعات الدولية خاصة بين المعسكرين الشرقي والغربي أبان الحرب الباردة التي إبتدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية وإستمرت الى نهاية القرن المنصرم تقريباً بتفكك الكتلة الشرقية والإتحاد السوفيتي السابق نهاية عام 1991م.
وربما من المفيد عرض بعض المعلومات بشكلٍ سريعٍ عن هذه الجزيرة التي كادت أن تتسبب بحربٍ نوويةٍ بين أكبر قطبين في العالم (الإتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية) أبان ما عرف عنها بأزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962م.
فجزيرة كوبا هي عبارة عن أراضٍ منبسطةٍ في معظمها فيما عدا بعض المرتفعات في الجنوب الشرقي للبلاد والتي تُعرف بجبال "سييرا مايسترا" والتي جاهد الثائرون بقيادة فيدل كاسترو وأخيه راؤول كاسترو والثائر الأرجنتيني الخالد أرنستو تشي جيفارا للوصول اليها والإحتماء بمرتفعاتها الشاهقة تمهيداً لإعلان الثورة والعصيان على نظام الدكتاتور "باتيستا" سنة 1956م بهدف توحيد قارة أمريكا الجنوبية.
ويعتبر مناخ كوبا الإستوائي وخصوبة معظم أراضيها بيئة مثالية لزراعة قصب السكر الذي أصبح من الموارد الرئيسية للبلاد، إضافة الى زراعة التبغ وإنتاج السيكار (الچروت) الكوبي الأشهر والأغلى في العالم مثل "كريستوفر" و"كوبين أو كوهيبا" والتي تصل سعر السيكارة الواحدة منه الى أكثر من مئة دولار أمريكي في الأسواق الحرّة العالمية!!.
كما تعتبر كوبا من البلدان الغنية بالمعادن وخاصة الكوبالت الذي وضعها كخامس بلد منتج له في العالم، والنيكل كثاني أكبر إحتياطي في العالم بعد روسيا، إضافة الى وجود الحديد والنحاس والمنغنيز والسيليكا، كذلك أكتشف في السنوات الأخيرة النفط على أراضيها، وهنالك دراسات ميدانية لإمكانية إستغلاله تجارياً، وبسبب إحاطتها بمياه المحيطات والبحار فقد شملت منتجاتها الملح أيضا كثروة قومية تدر عليها المردودات المالية التي هي بأمس الحاجة لها، خاصة في ظل الحصار الإقتصادي الأمريكي لها الذي بدأ بالتلاشي في السنوات الأخيرة نتيجة الإنفتاح السياسي بين الدولتين.
ويبلغ تعداد الشعب الكوبي أكثر من أحد عشر مليون نسمة معظمهم يعيشون في المدن ويمتهنون مختلف المهن البسيطة مع إنخراط البعض منهم في المهن الخدمية التي لها علاقة بإنتعاش السياحة كنتيجة للإنفتاح الجزئي لنظام الحكم الشمولي على العالم في السنوات الأخيرة.
يُعتبر الراحل فيدل كاسترو الذي غادر العالم في السادس والعشرين من تشرين الثاني/2016م عن عمرٍ ناهز التسعين عاماً  أكثر الثوريين تشدداً وتطرفاً في العالم والذي تسبب في أكثر من مرّة في زيادة التوترات السياسية الدولية بين القطبين الرئيسيين حينذاك ووصولها الى حافة المجابهات العسكرية بينهما، وربما تطرفه الشديد جاء نتيجة لِما كان يؤمن به من أفكار ثورية بلورها إيمانه المطلق بالأفكار الماركسية التي إقترنت مع مبدأ مهنته كمحامي للدفاع عن المظلومين وتحقيق العدالة الإجتماعية وكنتيجة حتمية لِما عانى منه شعبه في ظل الدكتاتورية الرأسمالية وأدواتها التي دعمتها حسب ظنّه الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر قوة رأسمالية في العالم!!، علاوة على تمرسه النضالي وسيرة كفاحه المرير مع رفاقه الذين تطابقت رؤاهم مع منظوره الثوري على الأقل في السنوات الأولى من إعلانه قيادة العصيان تحت يافطة حركة أطلقوا عليها "حركة 26 يوليو"، فكان أخوه من والدته راؤول كاسترو الذي يقود البلد اليوم صنوهُ ورفيق دربه الذي وصفه فيدل كاسترو حين ذهب لإلقاء خطابه الشهير في الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1960م من أنه أكثر تطرفاً منه داعياً الحكومة الأمريكية للحفاظ على حياته لمصلحتهم التي سوف لن تكون أكثر أماناً في حال تبوّء أخيه الموقع الأول في السلطة!!!، وقد إكتمل ثالوثهم الثوري المتطرّف بإنضمام الطبيب الأرجنتيني الشاب أرنستو تشي جيفارا اليهما في المكسيك وتعاهدهم على  البدء بتحرير كامل تراب أمريكا اللاتينة (أمريكا الجنوبية) من الهيمنة الرأسمالية تمهيداً لإعلانها فيما بعد كقارة حمراء بنظامها الشيوعي الماركسي!!، وحيثُ بدأت الخطوة الأولى بإبحار أعداد قليلة لا تتجاوز العشرات من (الرفاق) على متن مركب بائس مغادراً السواحل المكسيكية في الخامس والعشرين من تشرين الثاني سنة 1956م قاصداً السواحل الجنوبية الشرقية لكوبا (سواحل جبال سييرا مايسترا) مجتازاً البحر الكاريبي في رحلة خُططَ لها أن تكون خمسة أيام لكنها إستغرقت ضعف هذه المدّة لجهل المبحرين وقلّة خبرتهم، فوصل المركب في الخامس من كانون الأول الى موضع ساحلي بعيداً نسبياً عمّا خططوا له في مقاطعة "أورينتي" (حالياً قُسِمت الى خمسِ مقاطعات)، وقد كان في إنتظارهم القوة العسكرية الحكومية وطائراتها الحربية التي أبادت معظم الثوّار ولم يبقى منهم غير عدد قليل لا يتجاوز عدد أصابع اليد!!، ومنذ تلك اللحظة ترسخت للثائرين فكرة "الإنتصار أو الموت" حتى تحقق لهم النصر بعد ثلاث سنوات عجاف من الكفاح المسلّح الأسطوري الذي رسخ فيهم أكثر شرعية هذا الكفاح والذي سيكون لاحقاً السبب الرئيسي في مصرع أحد أهم الرموز الثورية في العالم وهو الثائر "جيفارا" الذي إختلف فكرياً فيما بعد مع رفاق نضاله وخاصة فيدل كاسترو فتنازل عن كل مناصبه الحزبية والحكومية في كوبا سنة 1965م، إضافة الى تنازله عن الجنسية الكوبية التي منحها له فيدل كاسترو وبدأ من جديد رحلة كفاحه المسلح الذي أنهى حياته في غابات بوليفيا بعد وقوعه في الأسر وإعدامه دون محاكمة في تشرين الأول سنة 1967م، ومن العوامل التي سرّعت من فشله ومصرعه بتلك الطريقة المأساوية هو ورفاقه تخلي الحزب الشيوعي البوليفي عنه بدفع من الكرملين وحثّهم على عدم مساندته ودعمه لإختلافه معهم في منظوره الثوري!!!.
في السابع والعشرين من كانون الأول/2012م سنحت لي الفرصة لزيارة كوبا كسائح لقضاء فترة أعياد رأس السنة في أفضل منتجع فيها وهو EL PATRIARCA "الپاتري یريرکا" والواقع في منطقة "VARADERO" الواقعة على ساحل مضيق فلوريدا، وإسم المنتجع يعني باللغة الإسبانية نوع من أنواع شجرة الصبّار الضخمة المتواجدة بكثرة في تلك المنطقة، والمنتجع لا يبعد سوى ساعتين تقريباً بالحافلة الى الشرق من العاصمة هافانا، وقد كان حديث العهد حيثُ لم يمضي على إفتتاحه غير أشهر معدودة، وبسبب علمي المسبق بالوضع الإقتصادي المتدني لكوبا، وتوقعي من رؤية أعلى درجات الخدمة السياحية لبلد هو بأمس الحاجة الى العملة الصعبة، وعلى الرغم من إرتفاغ سعر الإقامة لمدة أسبوع من الألف الى الياء في بلد تُعتبَر عملته الوطنية متدنية مقارنة بالعملات العالمية المعتمدة (بضمنها تذاكر الطيران ووجبات الطعام) ومقارنة بأحسن المنتجعات السياحية لبلدان البحر الكاريبي الأخرى ومنها المكسيك والتي لم تتجاوز نفس المبلغ بأحسن الأحوال (يوجد منتجعات لا تتجاوز ثلث هذا المبلغ ولنفس الفترة الزمنية ولنفس الخدمات في كل بلدان البحر الكاريبي ومنها كوبا والمكسيك أيضاً، لكنها أقل بكثير في نوعية خدماتها ومعالمها المعمارية ووحداتها السكنية وغيرها من وسائل الترفيه)، لكنني وللأسف فوجئت بالمستوى الهابط للخبرة والخدمة السياحية التي يجب أن يتمتع بها العاملون في هذه الأماكن، مع جهل المسؤولين أو القائمين على تلك المرافق السياحية لحاجة السائح عكس ما شاهدته في منتجعات المكسيك القريبة جغرافية من كوبا والتي تختلف عنها بنظامها السياسي (المقارنة تمت بين المنتجعين المصنفين عالمياً بنفس الدرجة السياحية)، إذ إنعكست على المرافق السياحية الكوبية القوانين (الإشتراكية) بمساوئها أيضاً، والتي لم يشفع لها عنوانها السياحي من الإستثناء لتلك القوانين خدمةً للسياحة ومردوداتها الإقتصادية، وإنصافاً للعاملين في المجال السياحي أقول لو وفرت لهم الحكومة الإمكانيات المادية والفنية اللازمة لإنجاح السياحة في كوبا لوجدناهم بلا شك في مقدمة دول البحر الكاريبي السياحية. 
ومن المفارقات لدولتين متخاصمتين لا يفصل بينهما غير مضيق مائي (أحداهما تتباهى بقيادتها للعالم الحر والأخرى تتباهى برفعها للواء الشيوعية وهما الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا)!!، أن تتطابق الإجراءات الأمنية الإحترازية في مطاراتهما من حيث التقاط الصور للقادمين دون إستثناء وأخذ طبعات الأصابع وعدم السماح بإدخال فواكه معينة مثل الحمضيات أو قناني ماء الشرب، إضافة لبقية الإجراءات الأمنية الروتينية السارية في كل مطارات دول العالم لكن مع إختلاف الأسباب والمبررات لتلك الإجراءات المتشددة لكل من الدولتين!!.
ولنتوقف قليلاً لننصف الشعب الكوبي المسالم من وجهة نظر سائح وليس محلل سياسي أو صحفي في زيارة مهنية صحفية لبلد تباينت الآراء حول نظامه السياسي، وسأنقل مشاهداتي لواقع الحال الذي رأيته من خلال معايشتي لهذا الشعب لنهارٍ كاملٍ داخل العاصمة "هافانا" وسبعة أيام كاملة داخل المنتجع، وسأنقل حرفياً ما سمعته ورأيته من الشعب الكوبي.
غادرنا المنتجع الكوبي في الساعة الثامنة صباحاً من يوم السبت المصادف التاسع والعشرين من كانون الأول/2012م متوجهين بحافلة سياحية الى هافانا التي كثيراً ما أطرب إسمها الثوّار الراديكاليين والغير راديكاليين في العالم لا بل حتى الناس العاديين الذين لا دخل لهم بالسياسة، وحيثُ إستغرقت الرحلة من المنتجع الى العاصمة هافانا بحدود الساعتين، توقفنا مرتين في الطريق لمدة قصيرة لتناول المرطبات وإختلطنا بالناس وحادثناهم، لكنهم كانوا حذرين جداً في التطرق الى الوضع المعيشي لهم، ومن محاسن الصدف أن التقيت بأحد المهندسين وسألته أسئلة عديدة وبفضول الإعلامي والصحفي فأجابني عليها بحذر وإختصار شديدين!!. وقد عادت بنا الحافلة الى المنتجع الساعة الثامنة ليلاً، وسأورد أدناه مختصر لما سجلته ذاكرتي وقلمي عن هافانا وكوبا بشكلٍ عامٍ:
ـ يعتبر النظام في كوبا أكثر الأنظمة الشمولية قوة وأطولها بقاءاً في العالم.
ـ إسم هافانا باللغة الإسبانية يُكتبت ويُلفظ هابانا (HABANA)، وباللغة الإنكليزية هافانا (HAVANA).
ـ الإستعمار الإسباني ترك أثره الواضح من حيث اللغة والعادات، وكما تبين لنا خلال جولتنا الحرّة وما أخبرتنا به المرشدة السياحية.
ـ كانت عصابات المافيا متواجدة وبقوة قبل الثورة الكوبية وكما ذكرت المرشدة السياحية.
ـ عدد نفوس هافانا لوحدها يصل الى (2.5) مليون نسمة.
ـ السيارات الأمريكية القديمة منذ زمن الدكتاتور "باتيستا" أي قبل الثورة الكوبية في 1959م لا تزال تعمل وبمحركات محوّرة لنوعيات أخرى روسية (فولكا، لادا ومسكوفيج)، ولم نشاهد غيرها في الشوارع عدا البعض القليل جداّ من السيارات الروسية القديمة!!!.
ـ اللافت للنظر عدم وجود أي صور معلّقة لقادتهم السياسيين الأحياء، وإنما وجدنا وبكثرة وفي كل مكان صور الراحلين من القادة وبشكلٍ خاصٍ جيفارا الثائر، وقد أخبرتنا المرشدة السياحية من أنهم لا يمجّدون الأحياء من القادة!!!.
ـ نسبة 85% من الشعب الكوبي لا يزال يعيش في حالة الفقر أو تحت خط الفقر، وقد شاهدنا العديد من الفرق الموسيقية الشعبية الجوّالة التي تتخذ من الموسيقى مصدر رزق وعيش لها، وهي إحدى الوسائل التي تعكس التراث الفني للكوبيين ودول أمريكا الجنوبية عموماً، كذلك تُعتبر إحدى الوسائل للتنفيس والترفيه من الضغوط الحياتية وتعكس الطبيعة المسالمة والطيبة للشعب الكوبي وفقاً للمقولة المأثورة "إذا طابت النفوس غنّت".
ـ كانت لنا جولة حرّة في هافانا لمدة (8) ساعات شملت المتاحف والمناطق الأثرية والساحات العامة والأسواق والمطاعم، والحقيقة فقد يبدو للسائح بأن هافانا وكوبا بشكلٍ عام أثرية وعبارة عن متحف مفتوح في الهواء الطلق، وحيثُ توقف الزمن فيها منذ الخامس من تشرين الثاني 1959م يوم إنتصرت الثورة الكوبية على الدكتاتورية!!، فلم نرى أي سيارة تجاوزت سنة صنعها 1959م كما ذكرت سابقاً، حتى السيارات الروسية لا وجود لأثرها بشكلٍ ملحوظ ومكثّف في الشوارع، وعندما سألتُ الدليل السياحي عن السبب قالت بإنها غالية الثمن وقد يصل سعر الواحدة منها الى (40) الف دولار أو أكثر!!، ومن الصعب جداً شرائها!!، أما الأبنية فقد بقيت على حالها مع الصيانة المستمرة لها دون وجود أي صرح معماري حديث إلا ما ندر والذي يخص الساحات العامة القليلة والمعروفة وحيثُ إبتدأ التغيير بصعود راؤول كاسترو الى سدة الحكم.   
ـ الأبنية الحكومية جميعها محاطة بحراسة مشددة من الجيش والشرطة!!، تميّز رجال الشرطة بلون قمصانهم الزرقاء الفاتحة وبسراويلهم النيلي، أما الجيش فكان لون لباسهم زيتوني!!.
ـ عندما حاولنا أخذ الصور بكثرة في ساحة "الثورة" والأبنية المحيطة بها تحرك رجال الشرطة والجيش من أماكنهم الثابتة في الساحة وتوجهوا الينا بشكل ودّي إشارة الى التوقف عن أخذ الصور والمغادرة!!، وهذا ما حصل!!، حيثُ طلبت المرشدة السياحية من السائق مغادرة المكان.
ـ نسبة السوّاح الكنديين تبلغ 45% من مجموع السوّاح سنوياً وتأتي بالمرتبة الأولى وبعدها السوّاح من روسيا!!، ولا يسمح بالتعامل بالدولار الأمريكي داخل كوبا.
ـ العملة المالية لكوبا هي الـ "بيزو" ولديهم نوعان منها: النوع الأول بدون غطاء نقدي دولي وتستعمل للتداول الداخلي (المحلّي) بين أبناء الشعب الكوبي وهي أقل بـ (25) مرة أو أكثر من النوع الثاني المدعوم نقدياً والذي يتداوله السوّاح والأجانب بصورة عامة، وتساوي العملة المدعومة الدولار الأمريكي تقريباً في سوق صرف العملات.
ـ الشعب الكوبي بشكلٍ عامٍ بعيد كل البعد عن التطور الحضاري بكافة أشكاله، وهذا ما كان واضحاً من الأبنية القديمة ووسائل النقل (فيما عدا الحافلات السياحية التي أيضاً لا ترقى الى مثيلاتها في بلدان أخرى)، وقد أذهلتني إحدى النادلات في احد المطاعم داخل المنتجع والذي صنّف بالخمسة نجوم ووضعتني في موقف محرج قبل أن تضع نفسها فيه حين طلبتُ منها تسخين الشاي البارد الذي جلبته لي بواسطة المايكرويف للسرعة، فوقفت مشدوهة أمامي، إذ لم تسمع بهذا (الإختراع) من قبل!!، وبعد أن حاولت تجاوز الأمر بشرحه لها إعتذرت لعدم  توفره في كوبا!!، وقصّت لي بعد أن إطمئنت مني كيف أن السوّاح الكنديين قد عزفوا عن المجيء الى كوبا بعد السنة الأولى التي فتح فيها هذا البلد أبوابه للسوّاح، وبعد أن إستفسر المسؤولون الكوبيون عن السبب وجدوا بأن مطاعمهم السياحية لم تكن تقدم اللحوم في وجباتها الرئيسية وإنما تستعيض عنه بالبيض كحال الكوبيين!!، مما أزعج السوّاح القادمين للأكل والشرب والإستمتاع بالسواحل وأماكن الترفيه فيها!!!، فشعرتُ بالأسى على هذا الشعب الذي بدا لي ولجميع السوّاح من أطيب الشعوب التي عرفتها، فلعنت الأنظمة الشمولية وشعاراتها البرّاقة التي أوهمت شعوبها بحياة أفضل، لكن الحياة الأفضل لم تتحقق إلاّ لنخبة (المناضلين) الذين ساعدتهم شعوبهم في الوصول الى سدّة الحكم فتمسكوا بها وللأبد متنعمين بإمتيازاتها وتاركين شعوبهم على حالهم.
ـ سألت المرشدة السياحية مازحاً وقاصداً معرفة المزيد عن بطل الثورة الكوبية من أفواه مواطنيه في الداخل وقلتُ لها: هل بالإمكان مقابلة أو رؤية فيدل كاسترو؟!!، فنظرت لي بتمعن وقالت: من الصعب جداً رؤيته، فهو يتجول في بعض الأحيان ضمن قافلة متكونة من ثلاث سيارات نوع ميرسيدس ولا أحد يعلم في أي سيارة منها يكون (تعرض فيدل كاسترو لأكثر من ستمئة محاولة إغتيال منذ تسنمه لمنصبه وحسب زعمه، وقد إعترفت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالبعض القليل منها، لذا هو دائم الحذر)!!، ففهمتُ رسالتها المشفّرة عندما ذكرت نوعية السيارات، ولعلمي بثورية هذا القائد ومعاداته لكل ما هو مصنوع في الدول الرأسمالية وحسب ما قرأناه في مذكرات الثائر جيفارا عن سلوكية قائد ثورتهم فيدل كاسترو وأدبيات الثورة الكوبية، لذا فقد تناغم سؤالي الثاني مع جوابها المشفّر مستفسراً ومتظاهراً بالتعجب: كيف للثوري والشيوعي الماركسي فيدل كاسترو قبول إستملاك وإستخدام سيارة صنعتها إحدى أهم الدول الرأسمالية؟؟؟!!!، فكان جوابها بأنهم أرسلوها له هدية!!، وحيث كان الجواب متوقعاً كوننا خبرنا هذه الأجوبة في البلدان التي ترفع الشعارات دون تطبيقها على قادتها، وحيثُ بدا لي من أنها كانت قد هيأت الجواب مسبقاً ولعلمي من أن المرشدين السياحيين في الدول ذات الأنظمة الشمولية يخضعون لدورات مخابراتية وأمنية مكثفة وغالباً ما يكونوا وكلاء لتلك الأجهزة!!.
ـ أخبرتنا المرشدة السياحية من أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تدفع سنوياً (20) مليون دولاراً أمريكياً للكوبيين المناهضين للثورة الكوبية لزعزعة النظام في كوبا.
ـ الرواتب متدنية، وكمثال على ذلك لا يتجاوز راتب المهندس شهرياً أكثر من (400) بيزو محلّي (أي بحدود 15- 18 دولاراً أمريكياً)، أي نصف دولاراً أمريكياً في اليوم الواحد، فما بال بقية الوظائف!!.
ـ المناطق السياحية (المنتجعات) معزولة، وهنالك بوابة كبيرة بنقطة تفتيش تبعد بحدود (2-3)كم عن مركز مجمع الفنادق السياحية ومنتجعاتها.
ـ الإستقرار الأمني عالي والأمان سائد على مدار الساعة ليلاً ونهاراً ويستطيع السائح مغادرة المجمع السياحي ليلاً لقضاء السهرة في النوادي المنتشرة في هافانا (هذا ما أخبرني به بعض السوّاح الذين التقيتهم هنالك والذين خرجوا بمفردهم من المجمع دون مشاركة المجموعات السياحية)، وحيثُ أن هذا الأمان غير متوفر بدرجته العالية في البلدان السياحية الأخرى المطلّة على البحر الكاريبي، ويعود هذا الأمر الى طبيعة النظام وحيثُ وجدنا من أن المسافات بين رجال الشرطة والجيش المنتشرين على طول الشوارع الداخلية لا تتجاوز عشرات الأمتار خاصة في المناطق المزدحمة.
ـ على الرغم مما ذكرته أعلاه يبدو للزائر من أنّ الشعب الكوبي شعب حي يحب الحياة.
وسأنهي تقريري هذا بإعتذار مسبق لمن لا يتوافقون مع طرحي الحيادي للحقائق مع أو ضد نظام الحكم في كوبا وأن لا يذهبوا بعيداً في تصوراتهم من أنّ ما ذكرته هو دعاية مؤيدة أو مضادة للثورة الكوبية وزعيمها الراحل، لكن الحقيقة التي مثلت أمامي بوضوح هي فشل التجربة الثورية الكوبية في تنفيذ برنامجها الذي أعلنته بعد الثورة، وحيثُ فشلت أيضاً في التأثير على بقية دول أمريكا اللاتينية ولأسباب عديدة أولها الدعاية المضادة، وثانيها عدم تنفيذ قادة الثورة للكثير من وعودهم، وثالثهما الحصار الأمريكي، وهذا ما كان واضحاً من خلال عدم تجاوب الشعب البوليفي وطبقته الكادحة مع دعوة الثائر جيفارا ورفضهم من الإنضمام الى مجموعته الثائرة حين أعلن عصيانه في غابات بوليفيا بعد ست سنوات تقريباً من إنتصار الثورة الكوبية التي كان عمادها المزارعين، وحيثُ صدموا بنتائج الثورة الكوبية، مما حدا بالطبقة الكادحة والمزارعين البوليفيين للعمل كجواسيس ومخبرين للحكومة بأكثريتهم الساحقة ضد حركة جيفارا وكما جاء في مذكراته التي تكلّم عنها بمرارة الثائر الواهب حياته لإسعاد الفقراء وتحقيق العدالة لهم!!.
وسننتظر لنرى ماذا  سيحصل بين كوبا الشيوعية ورئيسها الجديد راؤول كاسترو وأمريكا الرأسمالية ورئيسها الجديد ترامب؟، وهل ستنتهي حالة الشد والعداء بين الدولتين الجارتين؟، وهل سيغير راؤول كاسترو بشكلٍ مدروس نظام الحكم المغلق لينفتح على العالم الغربي قليلاً كما فعل قادة الصين بعد حكم ماو تسي تونغ؟؟!!.   


51
من أين تحصل داعش على الأسلحة والمواد المتفجرة؟!!
بقلم: سالم إيليا
منذُ أن بدأت تتردد على مسامعنا أخبار التشكيلات الدينية المتطرفة بدءً بحركة طلبان والقاعدة في أفغانستان والعالم ومروراً بداعش (جاءت تسمية داعش كمختصر من جمع الحروف الأولى من "دولة الخلافة عراق ـ شام") والنصرة وغيرها من التنظيمات، ودول المنطقة والعالم في قلقٍ دائمٍ على السلمِ العالمي وعلى أمن بلدانهم وسلامة مواطنيهم.
وقد أخذ أمر تلك التنظيمات مساراً آخراً وإهتماماً دولياً واسعاً بعد تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك وضرب البنتاغون مبنى قيادة وزارة الدفاع الأمريكية في الحادي عشر من أيلول سنة 2001م، والذي أصبح يوماً مشهوداً يتم إحياء ذكراه الآليمة كل سنة في الولايات المتحدة الأمريكية. 
كذلك بات أمر تلك التنظيمات أخطر وأشد بتبني "داعش" لسلسلة من التفجيرات الدموية في الكثير من العواصم الأوربية، وإحتلالها لأكثر من ثلث الأراضي العراقية وثلثي مساحة سوريا تقريباً بأيام قلائل، ودخولها الى الموصل ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد في التاسع من حزيران سنة 2014م، وتبنيها لطرق بربرية في القتل والتدمير لم يشاهدها أو يسمع بها العالم من قبل، وفرض الفتاوى الغريبة عن منطق العصر، وحيثُ أذهلت العالم ليس بقوة تنظيمها وتنامي قدراتها فحسب، وإنما بهشاشة القوات المدافعة عن الموصل وضعف إدارة قادتها الميدانيين، ومن ثمّ إعلان خليفة داعش "أبو بكر البغدادي" دولة الخلافة الإسلامية بعاصمتها الموصل!!!.
لذا سأحاول في هذه المقالة طرح التساؤلات التي شغلت المختصين والعامة من الناس في العالم أجمع عن كيفية حصول تلك التنظيمات وأخص بالذكر منها "داعش" على أسلحتها ومعداتها الحربية؟، ومن هو ممولها؟، وغيرها من التساؤلات التي لم يجد المتتبع والقارئ العادي الأجوبة لها.
فمن ناحية التسليح فإن الجميع يعلم من أن الكثير من المعدات الحربية الثقيلة والمتوسطة والخفيفة قد حصلت عليها داعش من إحتلالها للموصل في العراق والرقة في سوريا والمناطق الأخرى في هذين البلدين، لكن السؤال الأهم يبقى من أين حصل هذا التنظيم على المواد شديدة الإنفجار مثل (TNT) و(C4) وغيرها من المواد المحظورة دولياً وبكمياتها الكبيرة، وحيثُ يخضع تداولها الى رقابة شديدة من قِبَل المخابرات العالمية الأشهر في العالم!!!، والتي لا تمتلكها دول مثل العراق وسوريا لعدم حاجة الجيوش النظامية لها، وإنما ينحصر إستخدامها بين المنظمات الإرهابية؟؟؟!!!.
ولو أفترضنا جدلاً من أنّ داعش وهي حديثة التكوين نسبياً قد إستطاعت فتح خطوط الإتصالات مع منظومة تجّار الأسلحة ومافياتها ومد جسور الثقة معهم لتزويدها بما تحتاجه من هذه المواد المحظورة، لكن من الصعوبة عليها وعلى من يزودها بإحتياجاتها هذه الإستمرار لأكثر من سنتين في ضخ مئات الأحزمة الناسفة وعشرات الأطنان من المواد شديدة الإنفجار والطائرات المسيرة بدون طيّار لإستخدامها كقنابل تُقذف من الجو دون أن تقع تحت رقابة أعين المخابرات العالمية والأجهزة الأمنية الأخرى!!!، خاصة وإن دولتها الإسلامية من المفترض إنها محاصرة من جهاتها الأربع بدول قسم منها خصومها مثل العراق وسوريا، والأخرى تدعي محاربتها لداعش مثل تركيا والإردن، إذن من أين تأتيها الأسلحة والمواد المتفجرة!!، هل تأتيها من السماء!!، خاصة وإن هذه المواد لها ضوابطها ومحاذيرها العالية الدقة في طريقة شحنها!!!.
وجميعنا نتذكر أزمة الطائرتين التابعتين للتحالف الدولي والقادمتين إحداهما من قاعدة الكويت والأخرى من قاعدة أنجرليك التركية والتي عثرت في داخلها لجنة التفتيش في مطار بغداد الدولي على أسلحة كاتمة للصوت وأسلحة خفيفة ومتوسطة، واللتين كانتا متوجهتين الى إقليم كردستان، وحيثُ تمّ إيقافهما وأمرهما بالعودة من حيثُ أتت دون إتخاذ الإجراءات القانونية بإيقاف طاقم الطائرتين ومسائلتهم، وهذا ما صرّح به رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي للسومرية نيوز في يوم الأثنين الموافق 02 تشرين الثاني 2015م، وكما هو مبين على الرابط أدناه:
 http://www.alsumaria.tv/mobile/news/150627/iraq-news
وسؤالنا ماذا تفعل قوات التحالف الدولي باسلحة كاتمة للصوت؟؟!!، ولِمن أساساً كانت هذه الشحنة متجهة؟؟!!، ولماذا لم تتخذ السلطات العراقية الإجراءات القانونية بحقها كما هو متعارف عليه دولياً أو على الأقل مصادرتها؟؟؟!!!.
 كذلك السيارات ذات الدفع الرباعي الحديثة وباعدادها التي تصل الى الآلاف والتي تم شحنها من أشهر الشركات العالمية، وحيثُ حورتها داعش في غالبيتها الى عجلات مسلحة بمدافع الرشاشة، إضافة الى حصولها على سيارات أخرى عليها علاماتها وتخصصاتها كسيارات "الحسبة" وغيرها وبشكلها والوانها الموحدة!!!، والتي يبدو بإنها قد تمّ شحنها من منشأها جاهزة ومكملة، وإلا فإن داعش تحتاج الى جيش آخر من المتخصصين والفنيين والعمال المَهَرَة والى المعدات الفنية الحديثة والى جهدٍ كبيرٍ لتحديث وتحوير تلك العجلات الى ما هي عليها الآن وبزمن قياسي لإدخالها في الخدمة!!!، وهذه الجهود تحتاج الى دراسة لسنوات لتهيئة عوامل نجاحها وليس وليدة اللحظة التي خرج فيها أبو بكر البغدادي ليعلن تكوين دولته الإسلامية!!!.
والرابط أدناه يبين بعض المصادر المشكوك بتسهيلها لحصول داعش على سياراته منها:
https://arabic.rt.com/news/796145-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D8%AA%D9%88%D9%8A%D9%88%D8%AA%D8%A7-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82/
ولو إفترضنا جدلاً أيضاً من أن لداعش بعض الخبراء الميدانيين والمتخصصين الذين التحقوا بها وساعدوها في بناء مصانعها المحلّية البدائية لصناعة الأحزمة الناسفة وتفخيخ العجلات وتحوير الأسلحة البسيطة الى أسلحة أكثر فاعلية، لكن السؤال الذي يبقى قائماً: من أين لهم القدرة على ديمومة الحصول على تلك المواد شديدة الإنفجار لإستمرار مصانعهم في إنتاج العبوات والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة!!!، وحيثُ من المعروف عنهم إفراطهم في إستخدامها وبشكلٍ يكاد أن يكون يومياً، مع إفراطهم بإطلاق العيارات النارية من مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بمناسبة أو بدونها!!!، ودون الأخذ بنظر الإعتبار صعوبة حصولهم عليها!!!. 
وبحسابات بسيطة لمقدار المتفجرات التي أستخدمها الدواعش ضد المدن العراقية بالعجلات المفخخة والعبوات اللاصقة والأحزمة الناسفة مضافاً اليها المتفجرات والقذائف والأسلحة الأخرى التي أستخدموها في معاركهم ضد الجيش العراقي وجحافل الحشد الشعبي لعرقلة تقدمهم لتحرير الأراضي من سيطرتهم، مضافاً اليها نفس الكميات من الأسلحة التي أستخدموها في سورية وأماكن أخرى في العالم، ومضافاً اليها أكداس الأعتدة والمخازن التي دمرها طيران التحالف والطيران الوطني، وحيث لا يكاد يمر يوماً دون سماعنا لتدمير مخزن للعتاد والمتفجرات لداعش، لوجدنا بأن ما حصلوا عليه من سيطرتهم على المدن العراقية والسورية ومخازن الجيش فيها لا يكفيهم لأكثر من سنة على أبعد الإحتمالات؟!!، إذن من أين لهم الإستمرار بالحصول عليها، خاصة والجميع يعلم بأن هذه الأسلحة تحتاج الى الممول (السرّي) الذي لا يُسْتَبْعد من أنه يكون ضمن دائرة الشك وتحت  مجهر المخابرات الدولية!!.
وهنالك أخبار غير مؤكدة تذهب الى حصول دول الإتحاد الأوربي على معلومات مؤكدة ستنشرها بداية السنة القادمة (2017م) عن تورط وزارة الدفاع لإحدى الدول المجاورة للعراق في عقود شراء الأسلحة التي تم تمريرها لعناصر داعش!!.
فتاجر السلاح (الغير شرعي) لا يعطي إطلاقة مسدس واحدة دون أخذ ثمنها أضعافاً مضاعفة عن سعرها الحقيقي للمنشأ، وهذا هو السبب الرئيسي للمغامرين والمقامرين من تجّار الأسلحة الغير شرعيين للإستمرار بتجارتهم المحظورة والخطرة، وحيثُ يكونوا في كل لحظة معرضين فيها للملاحقة والمطاردة والمسائلة القانونية الدولية ومعرضين كل ثروتهم التي جمعوها للمصادرة فيما بعد (الحقيقة جميع صفقات الأسلحة التي تتم خارج نطاق الأتفاق بين الدولة المصدرة والدولة المستوردة وعبر القنوات الرسمية تكون غير شرعية)، إذن من أين يموّل داعش بعشرات المليارات من الدولارات لتغطية نفقاته العسكرية المضاعفة الثمن عن سعرها الحقيقي!!، إضافة الى نفقاته الإقتصادية الأخرى وتجهيزاته العسكرية الغير حربية وتجهيزاته الخدمية والرواتب السخية لمنتسبيه وغيرها من المصاريف، فهي دولة قائمة بذاتها تحتاج الى ما تحتاجه الدول الأخرى من ميزانية وبأضعاف مضاعفة لحصولها على إحتياجاتها من السوق السوداء وكما أسلفنا!!.
ربما سيقول من يقول من أن داعش سيطرت على مناطق نفطية وأخرى غنية بالفوسفات وبقية المعادن الأخرى وإستطاعت أن تغطي تكاليفها من مردودات تلك الثروات، لكن السؤال الذي يبقى قائماً: هل أن تلك المردودات كانت كافية مع إنخفاض سعر النفط، وإنخفاض أكثر بكثير لسعر برميل النفط الخام القادم من داعش لترغيب المستهلك للمجازفة الغير قانونية لشرائه وصعوبة تسويقه ومشاركة المسوّق لداعش بأخذ حصته التي قد تصل الى 50% من المردودات (أثبتت صور الأقمار الصناعية تورط دولة إقليمية بتصريف نفط داعش)، وكمثال بسيط: فلو كان سعر برميل النفط الخام في السوق العالمية (50) دولار، فإن داعش لا تستطيع بيعه للمستهلك (السرّي) بأكثر من (25) دولار لترغيبه في شرائه، يستقطع نصفها كعمولة للتاجر أو الدولة المسوّقة فتحصل داعش على (12.5) دولار للبرميل الواحد أو ربما أقل.
والرابط أدناه الذي عرضته فضائية (RT) الروسية يعطي بالدليل القاطع تورط دولة إقليمية بالمساعدة في تهريب النفط لصالح داعش وتسويقه:
https://www.youtube.com/watch?v=LdCl-irIPQY
والرابط أدناه ينوه الى نجل رئيس تلك الدولة الأقليمية بإحتمال تورط شركته بموضوع تهريب النفط وبيعه لصالح داعش:
https://www.youtube.com/watch?v=0Yos_SH1v4k
ولو قارنا قدرة دول المواجهة لداعش (أي العراق وسوريا) بقدرة داعش ودولتها الإسلامية (المحاصرة) من كل دول العالم (كما يدعون) على تأمين متطلباتها العسكرية والإقتصادية والخدمية بكافة أشكالها، وتأمين متطلبات المواطنين المحصورين تحت إدارتها في المناطق التي سيطرت عليها، لوجدنا قدرة داعش أسهل بكثير من قدرة تلك الدول بحكوماتها وميزانياتها وإمكانياتها المالية والإقتصادية الضخمة كالعراق مثلاً!!، وحتى سوريا (التي عليها عقوبات من بعض الدول الغربية) لكنها تعتمد بتعاملاتها على الشرعية الدولية ولها ضماناتها وتعاقداتها الرسمية للحصول على إحتياجاتها العسكرية والإنسانية، ولا يزال لديها مقعد في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
 إذن مَنْ هو (عرّاب) داعش الخارق الذي يسهّل لها كل هذه المتطلبات وخاصة العسكرية منها، مع وضع الخطط الإقتصادية والحياتية لها؟؟؟!!!.
فلم نسمع يوماً من أنّ داعش قد نفذت ذخيرتها أو قلّت إمداداتها بشكلٍ عملي في الميدان، فقط سمعناه من خلال الحرب الإعلامية لدول التحالف الدولي لإثبات فعاليتهم في ضرباتهم الجوية، ولو أحصينا أكداس العتاد ومخازن الأسلحة ومصانعها التي دمرتها طائرات التحالف والطائرات الحربية للقوة الجوية وطيران الجيش لكل من العراق وسوريا، لحصلنا على أرقام مخيفة من أطنان الأعتدة والمتفجرات التي كانت ولا تزال بحوزة داعش، فمن أين حصلت عليها؟؟؟!!!.
 وعلى العكس عند الطرف أو الأطراف الأخرى للدول التي تقف بوجه داعش (العراق وسوريا) نجدهما دائمة الطلب والحاجة للمساعدة المالية والعسكرية والإنسانية على الرغم مما ذكرناه من أن هاتين الدولتان تتمتعان بعلنية وشرعية بيع منتجاتها النفطية بأسعار السوق الرسمية وشراء الأسلحة وبضمانات مصرفية دولية ومساعدة الدول العظمى لها والتي تُعتبر في ميزان القوى الدولية من أعظمها وأكبرها مقدرة، لا بل هي مصدر كل التجهيزات والمعدات الحربية، إضافة على حصول دول المواجهة (العراق وسوريا) على الخبرة العسكرية لتدريب وتأهيل جيوشهم من خبراء الدول العظمى العسكريين بأعلى مستوياتهم لمواجهة (العدو) الذي من المفترض أن يكون بدائياً وغير مؤهلاً وبعناصر متشرذمة من هنا وهنالك من أصقاع العالم.   
وربما نستطيع إستيعاب مهارة عناصر داعش الفنية والهندسية في إستخدام وسائل الإتصالات الحديثة وقنوات التواصل الإجتماعي من خلال أجهزة الحاسوب وشبكات الإنترنيت لتجنيد الإرهابيين من مختلف دول العالم حتى الغربية منها وهذا ما حصل فعلاً، لكن الذي يجب التوقف عنده مقدرتهم (الخارقة) في تجنييد الآلاف من المتشددين والإرهابيين من دول متقدمة كبريطانيا وفرنسا المعروفتين بقدرتهما الرقابية وخاصة الأسكتلنديارد ذو الخبرة الدولية العالية في الرصد والمتابعة في حقل الجرائم والمجرمين!!، لكن عناصر داعش ببدائيتهم إستطاعوا التمويه والتخفي والهروب من ملاحقة أكبر أجهزة الرقابة الدولية ـ ـ أيعقل هذا الأمر؟!!!، وحيثُ إستخدم عناصر داعش وبحرية تامة شبكات التواصل الإجتماعي لتجنيد الإرهابيين مع إعطائهم علناً وعبر الأنترنيت الممرات (الآمنة) لكيفية الإلتحاق بهم من خلال دولة أو دول إقليمية!!!.
 ثمّ نتفاجئ بعد ما يزيد على السنتين بظهور الناطقين الرسميين على شاشات التلفاز وعبر الفضائيات بإطلاقهم للتصريحات في إنكلترا ودول أوربية أخرى ليزفوا لنا خبر تمكنهم ونجاحهم من غلق شبكات التواصل الألكترونية لداعش بعد ثلاثة أسابيع على معركة تحرير الموصل وبعد ان تأكد لهم قرب إنهيار داعش بمنظومتها العسكرية وحواضنها الجغرافية!!، أي بعد أكثر من سنتين على أفساح المجال وبحرية مطلقة لعناصر التنظيم لتجنيد المرتزقة من تلك الدول!!.
وعندما حاولت بعض الدول الغربية المؤثرة في المجتمع الدولي توجيه إصبع الإتهام الى حكومة الدولة الإقليمية المشكوك بأمرها في مساعدتها لداعش، عمدت الأجهزة الأمنية لتلك الدولة الإقليمية الى إعتقال بعض المهربين للعناصر الإرهابية عبر حدودها مع العراق وسوريا والمعروفين لديها من أصل عربي وهم يحملون جنسيات تلك الدول الغربية ويعملون في أجهزة مخابراتها كمخبرين (وكلاء) وفضحتهم عن طريق الإعلام، مما حدا بالدولة أو الدول الغربية المعنية بالأمر الى التنصل والإدعاء من أن هؤلاء المهربين وحيثُ تبين لديهم من أنهم عملاء مزدوجون دون علمها أو علمهم حتى تمّ القاء القبض عليهم من قِبل تلك الدولة الإقليمية!!!، فأسكتت الدولة الإقليمية بحركتها البوليسية هذه جميع الدول الغربية خوفاً من أن تذهب الى أبعد من ذلك وتكشف اللعبة وعلى قاعدة "عليّ وعلى أعدائي".
وهذا الأمر يبين بشكل جلي تركيبة داعش النوعية والعددية، والتي تتمثل بتنوع الأجندات والمصالح لدعم وديمومة داعش، وحيثُ أن قسم منهم جاءوا أو التحقوا من خلال أجندة لدول إقليمية، وآخرين من خلال أجندة عربية خليجية، وثمّ من جاءوا بدفعٍ من الأفكار المتطرفة في دول شمال أفريقيا العربية، ومنهم من جندهم اللاجئين السلفيين المنتشرين في الدول الأوربية وشمال أمريكا والمكشوفين من قِبل مخابرات الدول المستضيفة لهم!!، والتي تغاضت عنهم لتنفيذ أجنداتها في المنطقة من خلالهم وربما بدون التورط المباشر بتوجيههم ودعمهم!!، ومنهم من التحق من آسيا الوسطى عن طريق مكاتب أعدّت لهذا الغرض، وجميع تلك الدول لها غاياتها المختلفة التي توحدت تحت مظلة هذه المنظمة الإرهابية الدولية.
 ومن المفارقات أن كل هذه الدول تدعي وتشارك (بشكلٍ فعالٍ) للقضاء على داعش!!!، وهذا الأمر يعطي مبرراً مشتركاً بالإضافة الى ما ذكرناه أعلاه، من أن أنظمة وحكومات تلك الدول ساعدت على ضخ مواطنيها المتشددين الى العراق وسوريا للإلتحاق بداعش للخلاص من شرّهم في مجتمعاتهم ومن ثمّ المساعدة في القضاء عليهم خارج دولهم، دون الأخذ بنظر الإعتبار الدمار الذي لحق بالعراق وسوريا!!، إضافة الى تنفيذ أجندات أخرى مختلفة.
إذن ما نوع أو أنواع الفوائد التي تجنيها تلك الدول بالإضافة الى ما أوردناه في عرضنا السابق في إستمرار بث الرعب والدمار لهذه المنظمة الإرهابية؟!!، وهل أنّ تلك الدول وخاصة الأوربية منها والولايات المتحدة الأمريكية وبمنظومتها السياسية وأحزابها الوطنية المتباينة في طريقة تنفيذ أهدافها الخارجية دخل فيما يجري؟!!، وحيثُ أن قسم من تلك الأحزاب وبعناصرها المؤثرة في الحكومة تدفع بإتجاه ديمومة داعش لتنفيذ مخططاتها الدولية، والقسم الآخر من تلك الأحزاب تحاول المساعدة في القضاء على داعش كنوع من الصراعات الحزبية بينهم في كيفية تنفيذ مخططاتهم الخارجية؟!!. 
والعالم برمته يسأل من هو الطرف أو الأطراف التي تعطي (الحصانة) لممولي داعش ومجهزيهم بكل إحتياجاتهم ومدهم بالعدّة والعدد بالآلاف من العناصر المتطرفة حول العالم وتوفير الممرات الآمنة لإلتحاقهم بالتنظيم وتحت (مجهر) الأقمار الصناعية المتطورة لمختلف الدول العظمى المالكة لها والتي تقوم بجرد أي بقعة في العالم خاصة في المناطق (الساخنة) بمعدل زمني لا يتجاوز الدقائق وبشكل يومي وعلى مدار الساعة؟!!!.
إضافة الى تنامي قدرات داعش العسكرية والتنظيمية والإدارية والفكرية ووسائل تواصلهم وإتصالاتهم وتجهيزاتهم ومصادر تمويلهم وحرية حركتهم وتنقلاتهم بعناصرهم الإرهابية من سوريا الى العراق أو الى ليبيا وكذلك الى الدول الأوربية بكامل أجهزتهم ومعداتهم التفجيرية، حتى وصلوا الى أكثر الدول تطوراً وحيثُ إخترقوا أجهزتها الأمنية والإستخباراتية بعملياتهم الإنتحارية، وحيثُ أثبتوا قدرتهم في الوصول الى أي نقطة يحددونها في العالم.   
وعلينا أن نسأل أيضاً مَنْ الذي زوّد داعش بإمكانياتها الإعلامية وبتقنيتها العالية من "دابق" ووكالة "اعماق" وغيرها من النشرات والمواقع؟!!.
كذلك تستوقف المشاهد والمتابع الطريقة الهوليودية ذو التقنية الفنية العالية الجودة في تصوير الطرق البشعة في عمليات تنفيذ الإعدامات وبمختلف الوسائل الهمجية، ولو قدر لأي مختص سينمائي على تقييم تلك المشاهد لأعطاها درجة عالية من الحرفية في الأخراج والتصوير الفني، فمن أين لشراذم داعش العاملين في هذا المجال القدرة الفنية والإعلامية لولا تبنيهم من قِبَل مؤسسات إعلامية ضخمة ربما أشرفت على تدريبهم ولفترات طويلة قبل أن تعلن داعش عن نفسها.
أما من الناحية الفنية/الهندسية في بناء الملاجئ والأبنية والخنادق والأنفاق بشكلٍ خاص ولمسافات طويلة بمئات الأمتار أو ربما تتجاوزها الى عدّة كيلومترات، فهي تحتاج الى معدات ضخمة وجهد هندسي كبير لحفرها تحت الأرض ودعمها بالمساند والدعامات المعدنية والكونكريتية للمحافظة عليها من الإنهيار، كما وتحتاج الى كادر متخصص ذو خبرة عالية في مجال حفر الأنفاق، خاصة وإنها تمر داخل تضاريس وتربة متباينة في محافظة نينوى ومحافظة الأنبار ما بين الصخرية في بعض المناطق والطينية الجافة وحتى الكلسية في مناطق أخرى والرملية في الصحراء!!، والتي تم تجهيزها بكافة الوسائل المساعدة من تهوية وقدرة كهربائية وبأحجام تسمح لهم بالتنقل داخلها بواسطة الدراجات البخارية.
 ومن المفروض من أنّ معظم تلك الأنفاق سهل إستهدافها من قبل طائرات التحالف في المناطق الصحراوية المفتوحة كونها تستخدم المولدات الكهربائية المتنوعة الأحجام لتجهيزها بالقدرة الكهربائية، وهذه المولدات تعطي مبدأ الفائدة لطيران التحالف لقدرتها على إستخدام الصواريخ الحرارية العالية الدقة لتدميرها وتدمير الأنفاق التي تجهزها بالقدرة الكهربائية، خاصة في الليل عندما تكون درجة حرارة الجو حول المولّدة أعلى بشكل واضح عن ما هو أبعد منها في المنطقة الصحراوية، فلماذا لم تدمرها طائرات التحالف!!، وقد شاهدنا عناصر داعش يقاتلون من داخلها عندما إقتحم الجيش مواقعهم!!، وحيثُ تفاجأ الجيش عند تقدمه بمنظومتها الواسعة والمتشعبة، إذ عرقلت في فترة من الفترات خططه مما حدا به الى تغيير البعض من تكتيكاته القتالية.   
فكيف إستطاعت داعش الحصول على معدات حفر الأنفاق الثقيلة التي بلغ وزن إحداها (12) طن!!، وحيثُ أنّ عملية شراء تلك المعدات المتخصصة تجلب الريبة لمحدودية إستخداماتها والجهة أو المنطقة المسوقة اليها، خاصة وإنّ العالم أجمع يعلم بحاجة "داعش" الى حفر الأنفاق التي إعتمدت عليها في إستراتيجيتها العسكرية!!.
 ومن جانب آخر كيف تم (تهريب) وأدخال هذه المعدات الضخمة عبر حدود الدول المحيطة بمنطقة داعش أو حدود دولتها الإسلامية؟؟!!، والتي من المؤكد تم شحنها بشاحنات عملاقة وعبر الطرق الدولية المعبّدة ومنافذها الحدودية الرسمية وربما بأوراق رسمية!!!، إذ من المستحيل شحنها على ظهور الحيوانات أو السيارات الصغيرة عبر الطرق الرملية الصحراوية البعيدة عن المراقبة الأرضية أو الطرق الميسمية بين التلول، والتي كانت أيضاً في ذات الوقت مراقبة على مدار الساعة جوياً بواسطة الأقمار الصناعية!!، فكيف وصلت تلك المعدات الى داعش؟؟!!.
وختاماً إنّ ما يلفت النظر ويستدعي التوقف عنده للحظات هو أنّ داعش سيطرت في وقتٍ ما ولمدة تجاوزت السنتين على كامل المنطقة الغربية للعراق، ووصلت القائم وعكاشات وإقتحمت عناصرها أقوى جيش ونظام في المنطقة وهو النظام السوري وإستطاعت أن تحتل ثلثي مساحة أرضه، لكنها (أي داعش) لم تحرك ساكناً تجاه بلد عربي آخر مجاور لسوريا والعراق!!!، صحيح أنه يوجد مبرر طائفي لسلوكها وهو إختلاف الحكومتين للعراق وسوريا بإنتمائهما الطائفي عنها وعن حكومة ذلك البلد وملكها، لكن هدفها المعلن هو مقاتلة إسرائيل وكل الدول الإسلامية التي لا تطبق القوانين السلفية الإسلامية كما تدعي، والذي يعطيها المبرر لشمول هذا البلد المعني مع جميع الدول الإسلامية بمختلف طوائفها دون تمييز وتكفيرهم لغرض نشر "دولة الخلافة الإسلامية" التي أسستها، والسؤال هنا: لماذا بقي هذا البلد غير مشمول بدولة داعش الإسلامية في الشام وخارج حساباتها العسكرية (يطلق مصطلح بلاد الشام على سوريا والأردن ولبنان وفلسطين)!!!، فهل أنّ جيشه أقوى من جيش بشار الأسد في سوريا فخشيت منه داعش؟؟؟!!!، وهل أن محاربة داعش لإسرائيل عبر إحتلالها لسوريا وعن طريق مرتفعات الجولان أسهل من محاربتها لها عبر إحتلالها لهذا البلد الذي له حدود مع إسرائيل أيضاً؟؟!!.
ولماذا كان هذا البلد مطمئن ولم يقرر إجتياز الحدود العراقية بحجة محاربة داعش بعملية إستباقية مثلما فعلتها تركيا وبررها لها مؤيدوها من العراقيين وللأسف الشديد (حكومة أردوغان تدعي قلقها على أمن تركيا لتبرير إحتلالها للأراضي العراقية) ؟؟!!، وحيثُ يبدو لي ولجميع المراقبين المحايدين من أنّ للبلد المعني مبرر أقوى وأشد من مبرر تركيا كونه في تماس مباشر مع المناطق الغربية المنبسطة العراقية التي إحتلتها داعش (المنافذ الحدودية العراقية الغربية التي إحتلتها داعش لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن المنافذ الحدودية له)، وعدم تمتعه بعمق جغرافي ومساحة كبيرة تساعده على الصمود وترتيب وضعه الدفاعي مقارنة بمساحة تركيا وعمقها، إضافة الى سهولة تضاريسه الجغرافية مقارنة بتضاريس تركيا فيما لو فكرت داعش بإقتحامه، وحيثُ يسهل على عناصر داعش الإنتشار والسيطرة في أرضه، خاصة وإنّ لحكومته ولملكها الأسباب السياسية والديموغرافية للتخوف وأخذ الحيطة والحذر، كون أن مجتمعه مخترق من قبل الأفكار المتشددة خاصة في بعض المدن ومخيمات اللاجئين فيه، وأن رجل القاعدة الأول الذي قُتِل في إحدى قرى محافظة ديالى في العراق بغارة أمريكية قد خرج من إحدى محافظاته، ومن هذا التحليل نستطيع الإستنتاج عن الكثير من الأجندات وخاصة زيف مبررات الحكومة التركية لإحتلالها للأراضي العراقية.         
فمَنْ الذي يقف خلف داعش وحركات التطرف الديني السابقة واللاحقة؟!، وما هي الأهداف والغايات لإستمرارها عدا ما تم ذكره أعلاه؟؟؟!!!.
وهل أنّ أحد الأهداف هو تحييد أو القضاء على الإسلام السياسي الأيديولوجي المتطرف، مثلما نجحت خطة الغرب بالقضاء على الإيديولوجية الشيوعية المتطرفة في نظرهم، وذلك من خلال تشجيعهم على زيادة تطرفهم وتشجيع إنعكاسه السلبي على مجتمعاتهم، مما حدا بمواطني الدول الشيوعية للثورة ضدها فأنهى بذلك الحلم الأممي لها خلال فترة قصيرة وسريعة لم تزيد على الشهر وعملاً بالقاعدة القائلة: "كل شيء يزيد عن حده ـ ـ ينقلب ضده"!!، وتأكيداً للتصريحات التي أطلقها بعض المتنفذين في أجهزة المخابرات الغربية حينها في غمرة نشوتهم بتفكيك الإتحاد السوفيتي السابق، معلنين: "من أنّ القضاء على الأيديولوجية الشيوعية لم يكن إلا إختباراً بسيطاً للقضاء على أيديولوجية أعقد منها هي الأيديولوجية الإسلامية السياسية المتطرفة"!!.
وحيثُ أنّ المعطيات على أرض الواقع تؤكد مرور التنظيمات الدينية المتطرفة بنفس مراحل مرور التنظيمات اليسارية المتطرفة في حقبة الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات من القرن المنصرم، كذلك فإن المعطيات تشير الى أن المستفيدين أو المخططين لتحقيق تلك الأهداف سيفاجئون العالم ربما بالعناصر المتعاونة معهم من داخل المنظومة الدينية والتي لديها الآن مراكز دينية أو سياسية مهمة، بالضبط مثلما تفاجئ العالم بتعاون ميخائيل غورباتشوف الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي منذ عام 1985م ورئيس الإتحاد السوفيتي منذ عام 1988م في تحقيق الحُلم الغربي في تحييد الأيديولوجية الشيوعية وتفكيك دولها!!.
لذا فقد وجب على الجناح الديني المعتدل ومنظومته الروحانية العمل بفاعلية على بث روح الثقافة الدينية ومعتقداتها السمحاء خارج نطاق الفكر الديني المسيس المتطرف للحفاظ على جوهر الدين وقوته الروحية.     


52
ما بين كبة الموصل ولبن أربيل وطرشي النجف
بقلم: سالم ايليا
كنتُ في زيارة لإحد المهرجانات التراثية السنوية التي تقيمها الجاليات العراقية في إحدى المدن المهجرية.
وخلال تجوالي بين فعاليات المهرجان الذي لم يكن يخلو من الأطعمة العراقية المميزة، إنسابت الى أنفي رائحة طرشي النجف النافذة والتي لا تترك الفرصة للمتحسس أي مجال للهروب منها، وحيثُ لا يضاهيها بنكهتها وجودتها وماركتها المسجلة غير طرشي "طه المَلَكْ" الموصلية، فالتفت الى من رافقني قائلاً بعفوية صادقة ونقية وبدهشة: "طرشي النجف"!!!!، فنظرت نحوي البائعة الثلاثينية وقد إختفت من على وجهها علامات السرور وحلّ محلها التجهم ونظرت لي شزراً قائلة وبتردد واضح: "آآآني ما أعرف طرشي النجف، هذا طرشي ......؟"، فإستدركتُ الأمر وقرأتُ المخفي في عيون المرأة المحتجّة وبحكم متابعتي لما يجري في بلدي من عجائب العراق (السبعمئة) ومآسيها والتي فاقت عجائب الدنيا السبعة ومباهجها!!!، وبعد أن قرأتُ اللافتة الإعلانية التي تعلن عن الإسم الجديد لطرشي النجف!!، قلتُ لها بلطف: "هذا طرشي النجف، أستطيع تمييزه من رائحته ولونه وطعمه" بعد أن مدت يدها بحاوية صغيرة تدعوني الى تذوقه!!.
كررت مضيفتي بلهجة أقل حدّة والطف نبرة في تأكيدها على إسم الطرشي الذي تحولت "ماركته المسجلة" قسراً من طرشي النجف الى طرشي مدينة عراقية أخرى نعشقها جميعنا أيضاً!!، فعرضتُ عليها رغبتي  في شراء عُلبة منه تشجيعاً لوحدة الإنتماء لكل المدن العراقية!!!، وبالطبع أظهرت البائعة كرمها العراقي ـ الحاتمي في زيادة الكمية وإختيار الأجود منه، فشكرتها على كرمها، وهذا ما حدث!!!.
تجولت بعدها في بقية أروقة المهرجان فرأيتُ عُلَب "الشنينة" المصنوعة من لبن أربيل أو السليمانية الشهير، والذي أيضاً تحولت "ماركته المسجلة" الى لبن لعلامة ليس لها علاقة بجبالنا الشَمَّاء ووديانها وروابيها الجميلة!!.
فهيأت نفسي لرؤية كبة الموصل وقد مُسِخَ إسمُها!!، لِيُكتب عليها أسم إحدى المدن لبلد إقليمي مجاور نكاية بالكبة وأهلها الموصليين!!، والذين جهدوا في إبتكارهم لمحتوياتها وصناعتها منذ عصر البابليين والآشوريين، وكما أخبرني عنها العديد من المؤرخين الأجلاّء، وحيثُ يفتخر أهلها لإنفرادهم في صناعتها كإفتخار "هارلاند ساندرز" بصناعته لدجاج الكنتاكي (KFC)!!.
فالى أين أنتم سائرون بنا يا أهلنا؟!!، فإذا كان هذا هو حال البعض ممن يعيشون في المهجر والمفروض أنهم قد نزعوا جلباب النزعات العشائرية السلبية عند خروجهم من باب الطائرة التي أقلّتهم الى أوطانهم الجديدة هرباً من هذا التعصب القبلي، وحيثُ أجبرهم على ترك ديارهم ومحبيهم ووطنهم الأم، منشدين لحياة مريرة بغربتها وسعيدة بخلوها من هذه الصراعات ومآسيها، فما بال إذن حال أهلنا في الداخل؟؟؟!!!.
ولو سلّمنا جدلاً بما يحاول البعض تسويقه الينا، وبواقع الحال المرير القائل علينا بالتقسيم فالدم قد وصل الى (الرچپ)، فهل سيكون لهذا التقسيم خلاص وراحة بال للجميع؟!!، أم العكس؟!!.
وماذا سنقسم، هل نقسم المناطق أم المدن أم البيت الواحد أم العائلة الواحدة، فيكون للزوج من هذه الطائفة غرفتين وصالة وولدين، وللزوجة التي تنتمي الى الطائفة الأخرى ما تبقى من الدار مع إبنتيها!!!، وعندما يريد أحدهما زيارة الأهل من إحدى الطائفتين في المدن المقسمة عليه أو عليها أخذ تأشيرة المرور لعبور الحدود!!، أو ان على أحد الزوجين أخذ تأشيرة (الدخول) الى مخدع الطرف الآخر عندما تصرخ العاطفة مستغيثة بمستحقاتها الإنسانية في داخلهما طلباً (للإتحاد) كجسد واحد!!.
أم نقسّم بغداد الجميلة والحبيبة الى كرخ ورصافة ونقطع جسورها الثلاثة عشر ونقطع ماء دجلتها الخالد بالحبل!!، وعندما تجتمع العوائل ويتواعد الأصدقاء والخلان على أحد أطرافه ليتناولوا السمك المسگوف ذو الماركة العراقية المسجلة، وحيثُ جمعتهم هذه الأكلة فيما مضى ومنذ مئات السنين دون تمييز، فيتفاجئ المجتمعون على المائدة بصرخة أحدهم من الجهة المقابلة محتجاً على (سگف) سمكته الرصافية التي عبرت بطريق الخطأ الى جانب الكرخ أو بالعكس!!!، وينشب عندها الإقتتال من جديد؟؟؟!!!.
وما ذكرته لم يكن طُرفة أو نُكتة لتلطيف المقالة وجعلها ساخرة أكثر من سُخرية ما نشاهده في مجتمعنا العراقي الحالي، ولا مبالغة أدبية أو نظرة سوداوية من لدن كاتب هذه السطور.
ففي شهر أب من سنة 1980م وعند ذهابي الى الحبانية لإستلام جثة شاب جامعي قريب لي غرق في البحيرة، جلب إنتباهي تواجد مكثّف لقوات الأمن والشرطة في المستشفى، وشاهدت بأم عيني سبعة جثث مرمية في حافظة التبريد لأفراد من عشيرتين تقاتلوا فيما بينهم على خلاف كان سببه سمكة تمّ إصطيادها من أحدهم!!!، وحيثُ فقد الطبيب المناوب هدوءه ورزانته صارخاً بوجه أفراد العشيرتين الذين جاءوا لأستلام الجثث، مؤنباً لهم بأقسى الكلمات على جهلهم وتخلفهم لتمسكهم بقوانينهم البدوية.
ومن يضمن لنا من أنّ التقسيم سيحل المشكلة!!، وسينهي الصراع الطائفي الذي وصل الى الحدود الغير معقولة من لدن جميع الأطراف، وحيثُ تجاوز البعض فيه حدود الإنتماء الوطني وخطوطه الحمراء مرحبين بتدخل تلك الدولة الأقليمية بشؤوننا الداخلية والسيطرة على مقدرات البلد وشعبه، أو بإحتلال هذه الدولة الإقليمية العسكري لأرضٍ عراقيةٍ.
لذا قررت أن أعلن إحتجاجي ومن أعماق أعماقي بعدم زيارتي بعد الآن لأي مهرجان (وطني) آخر يكون موحداً بيافطته الخارجية فقط، ويكون من داخله ممسوخاً ومتشرذماً بأهله وتراثهم، كما وعاهدتُ نفسي أيضاً أن لا أشارك في أية فعالية تراثية ما لم يعود سمك المسگوف البغدادي وطرشي النجف ولبن أربيل وكبة الموصل ليتصدروا مائدتي العراقية.           
 

53
الطابور الخامس يعود راكباً حصان طروادة(1)
بقلم: سالم ايليا
برز مصطلح الطابور الخامس مع بداية الحرب الأهلية في إسبانيا (1936 ـ 1939)، وطورته المانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية من خلال تدريب حلفائها من دول المحور وحلفائها الآخرين على فنون دس وغرس العملاء داخل المجتمعات في دول الحلفاء لنشر الأكاذيب وإحداث البلبلة فيها.
 والطابور الخامس لا يقل خطورة عن أكبر جيش مجهز بأحدث الأسلحة المدمرة، وهذا بالضبط ما حدث عند سقوط بغداد السريع ومدن العراق الأخرى بيد المحتل الأمريكي سنة 2003م، حين بثّ هذا الطابور الإشاعة الكاذبة لإستسلام وهروب فرق الجيش وخاصة قوات الحرس الجمهوري وقوات الطوارئ، والذي أدى بالفعل الى أنهيار المقاومة ودخول المحتل الى بغداد بسهولة.
كذلك حدث نفس الشيء في الموصل والمدن الغربية عند سقوطها بيد داعش إبتداءاً من العاشر من حزيران/2014م وما بعده!!، وهنا يجب التوقف عند هذا الحدث، لأن بعض الدول الإقليمية كان لها موطئ قدم في تلك المناطق والمتمثلة بقنصلياتها ذات الغايات المشبوهة، بالإضافة الى تغلغل عناصر مخابراتها في تلك المدن، حالها حال دول إقليمية أخرى تعمل في المدن الوسطى والجنوبية للعراق.
فليس من المعقول أن يدخل جيش دولة إقليمية داخل الأراضي العراقية وبعمق لأكثر من مئة كيلومتر والتمركز بكامل عدته الحربية بالقرب من ثاني أكبر المدن العراقية دون أن يكون قد دفع بعناصر مخابراته للإنتشار داخل المجتمع العراقي وخاصة في المناطق المتواجد فيها لنشر الأكاذيب والتهيئة النفسية للقبول بتواجدهم ولحمايته بالمعلومات الإستخباراتية اللوجستية، خاصة وأنه لعب على الوتر الطائفي بشكلٍ ماهرٍ، ساعده في ذلك السلوك الطائفي الذي سلكه أعضاء الحكومة ذات الأكثرية الدينية لطائفة واحدة من طوائف المجتمع العراقي، والتي همّشت الطوائف الأخرى بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ.
وبالتأكيد فأنّ عناصر هذا الطابور قد تمّ إختيارهم بدقة في معرفتهم (ولو بإسلوب لغوي ركيك ليس من الصعب تمييزه) للغة العربية وبلهجاتها المحلية، وبإنتحال أسماء شائعة في المجتمع العراقي أو أسماء رمزية لتتداخل في المماحكات الحاصلة على وسائل التواصل الإجتماعي ومواقعه الألكترونية لإثارة الفتنة وتسعير جذوة النار الطائفية، وتسويق بضاعته للقبول بإحتلاله للأرض العراقية  وبتبريرات طائفية لا تخفى على معظم أبناء الشعب مستغلة الحس العاطفي الذي يتميز به الشعب العراقي عن غيره من الشعوب.
وما أغاض قادة تلك الدولة المتورطة عسكرياً هو سرعة توحد العراقيين حين تمّ الإعلان عن بدأ عمليات تحرير الموصل متناسين خلافاتهم متراصفين خلف جيشهم تماماً مثلما حصل خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية.
كذلك فإن الذي أفقد حكومة تلك الدولة الإقليمية لرشدها هو سهولة كشف مخططاتها التوسعية وأطماعها في الأراضي العراقية، مما حدا بقادتها على البوح في تصريحاتهم العلنية والمكشوفة للمطالبة بمدن عراقية على إعتبارها تابعة لهم في الأصل!!، وهنا تدخل الطابور الخامس أيضاً عبر وسائل التواصل الإجتماعي ومواقعه الألكترونية لدعم هذا التبرير والمطلب.
ومما يؤسف له من أن البعض القليل جداً من السياسيين العراقيين المغيبين والذين يعانون من التهميش والإقصاء تفاعلوا مع هذا المطلب ربّما بحسن نيّة تدفعهم مشاعرهم الطائفية، وأنظموا الى المعسكر المضاد لوطنهم وجلّهم من طلاّب المناصب والمواقع السياسية، معللين موقفهم الغريب هذا بإختلافهم مع فرقائهم على مناصب سياسية زائلة لا تغني ولا تشبع، وحيثُ نتمنى عليهم مراجعة مواقفهم قبل فوات الأوان، فخيانة الوطن ليس لها أي مبررات مهما زوّقَت بالمسببات.
كذلك فإنّ اللوم يقع على عاتق وسائل الإعلام بكل فروعها ومصنفاتها في السماح بنشر كتابات الطابور الخامس وسمومها القادم من وراء الحدود دون (غربلة) ما هو مقصود وممنهج، وما هو عفوي صادر من متتبع وطني له مبرراته في الإعلان عن إحتجاجه على الممارسات الطائفية الخاطئة للبعض من أعضاء الحكومة.
 وحيثُ أن البعض من مواقع التواصل الإجتماعي تعلن بضوابطها في عدم نشر أي تعليق أو مقالة ما لم تحمل الإسم الصريح لكاتبها، ثمّ تتغاضى عن هذا الأمر بشكل إختياري للبعض الآخر!!، وبشكل إنتقائي يضع علامات الإستفهام على مصادر تمويلها!!.
وربما علينا أن نعطي الحق للبعض من تلك المواقع الألكترونية في إخفاء الإسم الصريح للبعض من الكتّاب أو المتداخلين ولأسباب وطنية بحتة لحمايتهم من الملاحقة.
فأي منطق هذا الذي يروّج له المندسون من خارج الحدود للقبول بالإستعمار الذي دمّر البلد لأكثر من أربعمئة عام، وحيثُ أنّ المعركة أصبحت مكشوفة بكل صفحاتها العسكرية والإعلامية ما بين داعش وبعض الأنظمة (الشقيقة) والإقليمية والدولية والطائفيين من أي دينٍ أو مذهب كان ومن يقف ورائهم من جهة، وبين الشعب العراقي بكل مكوناته وأطيافه وأديانهم بمذاهبهم ومكوناتهم القومية ومن يقف معهم من شرفاء العالم من الجهة الأخرى.
ولا أعلم ما سبب هذا الحقد الذي ليس له نهاية على العراق وشعبه، فهؤلاء الذين يتباكون الآن على مكوّن معين من مكونات الشعب العراقي بإسم المذهب، هم أنفسهم الذين سمحوا لطائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالإنطلاق من قواعدها في بلدانهم (قاعدة أنجرليك في تركيا، وقاعدة العديد في قطر) لتدمير العراق وشعبه بكل مكوناته، فلم تفرّق صواريخهم بين طفلٍ من هذه القومية أو تلك أو هذا الدين أو المذهب أو غيره، وهم أنفسهم الذين حشدوا الجيش الغازي في بلدانهم في الحربين الأخيرتين (1991م، 2003م) التي أوصلت البلد الى ما هو عليه الآن، وحيثُ إنطلقت جحافل القتل الهمجي لتغزو العراق (كان هجوم التحالف في حرب الخليج الأولى سنة 1991م من السعودية وقاعدة أنجرليك في تركيا، وكان هجوم التحالف في حرب الخليج الثانية سنة 2003م من الكويت والأردن وقاعدة العديد في قطر، وكما هو معروف ومثبت)، وهم أنفسهم الذين إحتضنوا أحزاب ما سميت بالمعارضة قبل إحتلال العراق سنة 2003م، والتي تكونت في معظمها من الطائفيين الذين يقفون الآن ضدهم!!!، وحيثُ كان شعار تلك الدول مساعدة العراقيين للتخلص من الدكتاتورية، وهم أنفسهم الذين يتباكون الآن على المكوّن الذي كان ينتمي اليه ذلك الدكتاتور!!!، فأي مفارقة دنيئة ومخزية تلك التي تنتهجها هذه الدول، وأي لعبة قذرة تلعبها حكوماتها.
أفلا يكفيهم ما جرى للعراق وشعبه من ويلات؟ ـ ـ ـ أوليس هم أنفسهم من زاد النار سعيراً ليتورط العراق في الحروب منذُ سنة 1980م مستغلين حماقة قيادته؟!!! ـ ـ ـ ألا يكفيهم ملايين الشهداء من كل مكونات الشعب العراقي دون تمييز ومعظمهم من المدنيين؟ ـ ـ ـ ألا يكفيهم تشريد الشعب برمته بين مهجّر داخل وطنه ومهاجر خارج وطنه؟ ـ ـ ـ ألا يكفيهم الإفلاس الذي يعاني منه العراق والديون المتراكمة عليه بعد أن كان من أغنى دول المنطقة؟ ـ ـ ـ ألا يكفيهم الدمار الذي حلّ بالبُنى التحتية والذي حرم العراقيين من أبسط الخدمات الإنسانية ونحن في القرن الواحد والعشرين، فلا كهرباء، ولا ماء صالح للشرب، ولا أدوية ومستلزمات طبية، ولا شبكة صرف صحي جيدة، وغير ذلك من الأمور ـ ـ ـ ألا يكفيهم إذلال الشعب الذي ساعدهم وعلّمهم في وقتٍ ما كيف يلبس فريقهم الكروي الأحذية الرياضية بعد أن كان يأتينا لاعبوه حفاة القدمين للعب مع فرقنا الكروية!!!.
وحيثُ إغتنى البعض من هذه الدول على حساب مآسي العراقيين وبؤسهم، وعلا بنيان مدنهم وتوسع من أموال العراق، فلا يزال النفط العراقي يتدفق اليهم بالمجان أو بأسعار رمزية، ويبتز حكامهم الدول الأوربية بحجة تدفق اللاجئين العراقيين الى بلدانهم، فلا يُصرف على اللاجئين خُمْس ما يحصلون عليه من المساعدات القادمة من الدول الأوربية والمنظمات الدولية، والباقي يذهب الى جيوبهم وخزائن دولهم، علماً من أن معظم اللاجئين العراقيين يذهبون الى تلك الدول ومعهم ما يكفيهم من المال لشهور أو لسنوات عديدة، وحيثُ أنعشوا الأسواق المحلية لتلك الدول وسوق عقاراتها وحرّكوا فيها عمليات البيع والشراء!!!.     
 إنها لعبة المصالح المجردة من الإخوة الدينية أو المذهبية أو حتى القومية، فإستيقضوا أيها العراقيون الذين تطبلون لهذا الطرف أو ذاك!!!.

إنتباهة:
(1)   الطابور الخامس: هم مجموعة من الجواسيس والعملاء الذين يعملون خلف قطعات الجيش وفي داخل المجتمعات لبث الأكاذيب، أول من أطلق عليهم بالطابور الخامس هو القائد اميليو مولا قائد القوات الوطنية في الحرب الأهلية الإسبانية التي بدأت سنة 1936م، وقد كان لديه أربعة طوابير عسكرية لقطعاته وأضاف اليهم "الطابور الخامس" المتكون من العملاء المدنيين، هذا ما ورد عن الطابور الخامس في ويكيبيديا.
أما حصان طروادة: فهو حصان خشبي ضخم مجوف صنعه الإغريق وأخفوا بداخله جندهم وأدخلوه الى طروادة بإتفاق سلام بين الطرفين، وما أن حلّ الظلام خرج الجند من داخله وغدروا بالطرواديين وإنتصروا عليهم بعد حصار دام لأكثر من عشرة سنوات. 

54
أيها الساسة كفاكم تدويلاً لمشاكلنا وخلافاتنا الداخلية
بقلم: سالم ايليا
من خلال البرامج الإخبارية والسياسية التي كانت تتناقلها الفضائيات وخاصة العراقية منها لمتابعة مجريات تقدم جحافل الجيش العراقي وقوّات البيشمركة على محاور الموصل، عرضت قناة الشرقية برنامج "بالحرف الواحد" لمقدمه الإعلامي أحمد ملاّ طلال، وذلك يوم الأثنين المصادف السابع عشر من تشرين الأول/2016م، وحيثُ كانوا ضيوف البرنامج في الأستوديو كل من: حاكم الزاملي رئيس هيئة الأمن والدفاع في مجلس النوّاب العراقي، وظافر العاني عن كتلة "متحدون للإصلاح" وكنائب في المجلس المذكور أيضاً، ومن خلال الهاتف كانت السيدة أشواق الجاف النائبة في المجلس عن الحزب الديمقراطي الكردستاني.
ومن خلال أسئلة مقدم البرنامج وأجوبة المشاركين عليها، والتي لم تكن تخلو من المماحكات والمطبّات التي كان يثيرها مقدم البرنامج وبمهنية الإعلامي المتمرس، فقد أوصل المشاركين فيها الى نقطة مهمة تُعتَبَر مثار جدل وطني وإقليمي ودولي، ألا وهي التدخل العسكري التركي المباشر بجيشه النظامي المزوّد بالأسلحة والمعدّات الحربية الثقيلة وعدّة وعدد يصل الى الألفين (لم يُعرف تماماً عددهم بالضبط، لكن الأنباء المتسربة تتحدث ما بين 600 ـ 2000 عنصر) من جنود النُخبة للجيش التركي!!.
لقد حاول النائب ظافر العاني (متطوعاً) الدفاع عن التواجد التركي العسكري ومبرراً قرار أردوغان في إصراره على إحتلال جزء من العراق!!، ومقحماً نفسه كمحامي دفاع عن تركيا وبحجج أثبتت ومن خلال تلعثمه بالكلام من أنها واهية وغير منطقية بدءً بمخاوف تركيا من حزب العمال الكردستاني أو جناحه العسكري (PKK) وصولاً الى خوفها من التدخل الإيراني في العراق، حتى إنتهى الى النقطة الأساسية وبيت القصيد في تفكيره وهي خوف الجانب التركي من محاولة الأطراف المؤثرة في المعادلة العراقية الى تغيير الواقع الديموغرافي لبعض المناطق، والتي فنّدها له المشاركين الآخرين في الندوة (حاكم الزاملي وأشواق الجاف) بالإضافة الى مقدم البرنامج، وحيثُ أصبح في موقف لا يحسد عليه في التهرب من الأسئلة وأجوبتها.
 فبالنسبة للإدعاء والتبرير الأول المتضمن خوف تركيا من قيام الـ (PKK) بعمل عسكري من داخل الأراضي العراقية، فقد تحدى حاكم الزاملي ومعه أشواق الجاف بالإضافة الى توافق مقدم البرنامج معهما الطرف المدافع ظافر العاني في ذكر حادث واحد فقط لعناصر الـ (PKK) التحموا فيه بالجيش التركي وهاجموه من داخل الأراضي العراقية ليكون المبرر للتخوف التركي والمبرر لتواجدهم العسكري داخل الأراضي العراقية وبعمق مئة كيلومتر والواصل الى الحدود الإدارية لثاني أكبر المدن العراقية (الموصل)، فجميع هجمات الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني/التركي تمت من داخل الأراضي التركية.
أما الإدعاء الثاني للنائب ظافر العاني بتخوّف تركيا من التدخل الإيراني (وأنا كاتب هذه السطور اؤيده فيه، لكنني أختلف معه في أن يكون مبرراً للتواجد العسكري التركي داخل الأراضي العراقية)، فقد أجاب عنه النائب حاكم الزاملي الذي أحرج خصمه في المماحكة بقوله إنّ الإيرانيين دخلوا كمستشارين حالهم حال العشرين بلداً من الذين أبدوا رغبتهم في المساعدة لتدريب القوات العراقية وإعطائها المشورة العسكرية، وبشكل متفق عليه مع الحكومة العراقية من ناحية أعدادهم وأماكن تواجدهم ومحدودية تسليحهم!! (وهذا على الأقل ما يبدو ظاهرياً) من وجهة نظر بعض العراقيين والمختصين؟!.
أما الأتراك فقد دخلوا من دون إستئذان أو مشاورات مع الحكومة العراقية وبجيش نظامي مسلّح بأحدث الأسلحة الثقيلة التي يمتلكها الجيش التركي وبعمق كبير وعسكروا في معسكر إختاروا هم موقعه في "بعشيقة" وعلى مرمى عصا من ثاني أكبر المدن العراقية (الموصل)، وكأنهم ينقلون قطعاتهم داخل حدودهم الوطنية!!!، فمن الذي أذن لهم بذلك، ولماذا لا تزال الحكومة المركزية ساكتة عن محاسبة المتواطئين على هذا الأمر!!!.، ألا يعتبر هذا الأمر خيانة عظمى يجب محاسبة المتورطين فيه ومحاكمتهم ومصادرة أملاكهم المنقولة وغير المنقولة، أم إنه يدخل أيضاً في حسابات مراكز النفوذ والقوى المسيطرة على مقاليد السياسة؟!!.
لم يستطع النائب ظافر العاني الإجابة وحاول الخروج من المستنقع الأول والدخول في المستنقع الأكثر منه عمقاً ورداءة، وإنتقل الى المبرر الأخير في جعبتهِ وهو مخاوف أردوغان وحكومته من التغيير الديموغرافي لبعض المناطق وحرصه وتخوفه على بعض المكوّنات العرقية والمذهبية في العراق!!، وحيثُ يعتقد المحللون السياسيون جازمين من أن أردوغان وحكومته والشعب التركي غير متحمسين لها، فلهم مصالحهم وإستراتيجيتهم التوسعية التي بدءوا بالكشف عنها من خلال صحفهم ووسائل إعلامهم المقربة من الحكومة بنشرهم لخارطة تركيا الجديدة، ومطالبتهم بمراجعة معاهدة "لوزان" الدولية التي أُقرّت سنة 1923م بعد سنوات من خسارة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، أي بعد زوال الضغط العسكري للحلفاء على تركيا، ومباركة وموافقة الحكومة التركية على بنودها حينذاك.
 وما تصريحات أردوغان ورئيس وزرائه من أن الموصل وكركوك كانتا ضمن الأراضي التركية إلا التأكيد على الغاية المبيتة لإحتلال أجزاء من العراق، وحيثُ تناسى من أن تركيا برمتها كانت ضمن الدولة العربية العباسية.
وبطرح النائب ظافر العاني لهذا المبرر وجد نفسه ليس فقط أمام خصميهِ في الندوة المذكورة لمحاججته، وإنما أمام تسعة وتسعين في المئة من العراقيين بكل فئاتهم وإنتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية، وفي مقدمتهم من يدعي هو تمثيلهم ولسبب بسيط جداً، وهو إنّ الأمر يتعلق بسيادة العراق وإستقلاله ورفض الجميع لأي إحتلال مهما كانت مبرراتهُ، وهذا الأمر يعود بنا الى الثمانينات من القرن المنصرم عندما وقفت الأكثرية المطلقة من شيعة العراق قبل غيرهم من أبناء البلد لدحر إحتلال إيران للأراضي العراقية عندما تيقنوا من إصرار الجانب الإيراني على الإستمرار في الحرب وغايته إحتلال الأراضي العراقية، وحيثُ أعطوا أعلى نسبة من الشهداء في تلك الحرب، وهذا الأمر لا يختلف عليه خصمان.
ولو سلمّنا جدلاً بالمبرر الأخير الذي إستخدمه النائب ظافر العاني للإحتلال التركي وتمركز جيشه بالقرب من بعشيقة، فعليه وعلى مَنْ يتفق مع رأيه أن يعطي المبرر أيضاً للإستعمارين الفرنسي والإنكليزي لإحتلالهم بعد الحرب العالمية الأولى لأجزاء من الدول العربية التي كانت تحت سيطرة الأمبراطورية العثمانية، وبحجة حماية المسيحيين في تلك البلدان، الذين عانوا من الإستعمار العثماني أكثر من غيرهم!!!!.
 كذلك على النائب ظافر العاني أن يعطي المبرر للحملات التي أطلق عليها بـ "الصليبية" والتي عبرت البحار حاملةً نفس المبرر لحماية مسيحي الشرق من التغيير الديموغرافي والديني الذي حصل لهم نتيجة التبشير بالدين الجديد والقائم على الإنتشار بالقوة، وهذا الأمر مثبت بكتب التاريخ ولا خلاف عليه بين جميع الفرقاء.
 وعلى السيد ظافر أيضاً أن يوافق على الإحتلال الأمريكي الأخير للعراق والذي رفعت فيه الإدارة الأمريكية شعار تخليص مكوّنات عراقية محددة من الإستبدادية والسيطرة المناطقية على كل العراق.
 وأخيراً على النائب العاني أن يبرأ العدد القليل من طائفة معينة من طوائف الشعب العراقي الذين نُعِتوا بالعمالة لإيران لتبريرهم حربها مع العراق عند إندلاع الحرب سنة 1980م، فتلك المجموعة بررت إحتلال إيران لجزء من الأراضي العراقية بدعوة حمايتها من ظلم النظام السابق وتهميشه لها.
 فما الفرق بين التبريرات السابقة لدول الإحتلال عن تبرير النائب ظافر العاني لتركيا في إحتلالها للأراضي العراقية ودخول جيشها مسافة مئة كيلومتر في عمق الأراضي العراقية بدعوة حماية طائفة أو شريحة قومية معينة!!.
 فهل يوافق السيد النائب ظافر العاني على مبررات المستعمرين الأوربيين والإيرانيين ليطالب الشعب العراقي برمته الموافقة على مبرر الإحتلال التركي لأجزاء من العراق؟!!!، أم إنه أيضاً سيحاول الكيل بمكيالين، وحيثُ يرفض هذا المبدأ ويشتكي منه هو ومن يقف مع رأيه من أنّ أمريكا تكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بين العرب والصهاينة!!.
فالمبررات ذاتها لجميع المستعمرين، جميعهم جاءوا من خارج الحدود، وهم ليسوا بعراقيين ولديهم أطماع غير مبرراتهم المعلنة، ومسألة توافقهم أو إختلافهم معنا بالدين لا تعطي المبرر لإحتلالنا، وعلينا جميعاً الوقوف ضدهم.
ثمّ وبغير مقدمات وبماغتة ذكية من مقدم البرنامج الإعلامي أحمد ملاّ طلال وجه سؤالاً مباشراً الى السيد ظافر العاني متسائلاً: هل ستفعل كتلة "متحدون" مثلما فعل التيار الصدري وتقوم بتحشيد جماهيرها ومناصريها لتقول لأردوغان "أردوغان بره ـ ـ بره" مثلما صدحت حناجر الصدريين ومن كان معهم من العراقيين بقولهم "إيران بره ـ ـ بره"؟؟؟؟؟؟.
 عندها سكت ظافر العاني عن الكلام المباح وحاول الإلتفاف على السؤال ولسان حاله يقول: متى ينتهي وقت البرنامج!!!، طبعاً من الممكن للمتابعين معرفة جواب السيد العاني برفضه إدانة التواجد العسكري التركي، ولسبب بسيط هو أنّ بعض العناصر من كتلته هم الذين أعطوا الضوء الأخضر للقوات التركية بالدخول الى الأراضي العراقية.
كنتُ أصغي الى ضيفي البرنامج في إستيديو الشرقية وأنا أكاد لا أصدق من إنهما عراقيَين وليس مندوبَين، أحدهما لطهران والآخر لأنقرة.
والضيف الوحيد الذي إستطاع أو إستطاعت أن تجيب وتتعامل بحرفية السياسي الوطني (وهذا ما كان ظاهراً على الأقل، وليس لي علاقة بنياتها الغير معلنة) مع الأسئلة هي النائب أشواق الجاف وبلغة عربية فصيحة وسليمة ومؤثرة شدّت اليها المشاهد.
كان على النائبين ظافر العاني وحاكم الزاملي أن لا يكونان محاميا الدفاع لدولتين معروفتين تاريخياً بنواياهما ومصالحهما المشبوهة في العراق.
وعتب الشعب العراقي على من جاءوا من السياسيين مع قوات الإحتلال الذين جهدوا في تهميش مكوّنات دينية ومذهبية وقومية لها وزنها الإجتماعي والفكري الحضاري والمعروفين تاريخياً بولائهم المطلق ووفائهم للعراق، وحيثُ أوصلوا البعض الغير مدرك منهم ولو على قلّتهم أو الذين لهم مصلحة شخصية أو أطماع سلطوية مناصبية لإستدعاء أو طلب المعونة من بلدان معروفة بأجندتها التوسعية.
وعتب الشعب أيضاً على مَنْ يحاول إستغلال سلطته أو "قوة السلطة" بشكلٍ أصح لتغيير الواقع الديموغرافي لبعض المناطق ذو الأكثرية المطلقة من دينٍ أو مذهبٍ أو قوميةٍ معينةٍ أو جميعها معاً، وإستغلال الظرف الإستثنائي لإعادة رسم حدود الخارطة الإدارية المعروفة تاريخياً للمناطق والمدن العراقية.
وعدّتُ بذاكرتي وأنا أصغي للمتحدثين (السياسيين) الى زمنٍ بعيدٍ جداً، وعلى قول أهلنا "من قال وبلى" لأتذكر مشكلة داخلية واحدة صغيرة كانت أم كبيرة لم يركض فيها الفرقاء العراقيون (السياسيون) الى الدول العربية أو الإقليمية أو الكبرى لإقحامهم فيها وجعلهم شريك أساسي في تعقيدها وليس حلّها، ولتدخل تلك المشكلة في صُلب مصالح تلك الدول وأجنداتها، وليكون الضحية فيها الشعب العراقي فقط.
كما حاولتُ أن أسعف ذاكرتي بقضية أو مشكلة داخلية أياً كان حجمها أو طبيعتها لتلك الدول، فجاءوا سياسييهم الى العراق لإستشارة (سياسيينا) ولأخذ المشورة منهم فقط وليس لطلب التدخل بشكلٍ مباشرٍ في قضايا تلك الدول، عرفاناً منهم بمبدأ المعاملة بالمثل فلم أجد!!!، لابل على العكس من ذلك، فسياسيو تلك الدول ذهبوا حتى الى حكومات جزر (الواق واق) لإستشارتهم ولم يكلفوا أنفسهم عناء رفع سماعة الهاتف لأخذ المشورة لمشاكلهم الداخلية من سياسيينا.
 حتى الدول الكبرى التي لها مصالح في المنطقة تضعنا في نهاية قوائمها لإستشارة سياسيينا في أي أمر يخص المنطقة، وتضع حكومات دول أو جُزر لا تجاوز مساحتها قرية عراقية صغيرة في أولوية أخذ الرأي والمشورة!!!، أو ربما لا تستشار سياسيينا مطلقاً!!!.
فلماذا يرغب السياسيون العراقيون أن يكونوا دائماُ تابعين مذلولين على أن يكونوا مستقلين بقراراتهم ومرفوعي الرأس بوطنيتهم؟؟؟!!!.
وقد يؤشر البعض من إخواني وأبناء بلدي وقرائي موقفي المضاد لما ذهب اليه النائب العاني، وخاصة في هذا الظرف المتشنج والغير مستقر على ما يبدو ويدعون من أن المقالة قد ركّزت على ضيف واحد في الندوة المذكورة دون الآخريَن، والحقيقة فإنّ اللقاء المذكور فرض هذا التوجه، وإتجهت مناقشاته بإتجاه التدخل العسكري التركي المثير للجدل وطنياً وإقليمياً ودولياً، والذنب كل الذنب يقع على عاتق السيد ظافر العاني الذي أقحم نفسه كمحامياً عن التواجد التركي دون طلب من أحد!!، وبرز أكثر من غيره مدافعاً عن تواجد أجنبي غير مبرر على الأراضي العراقية.
 واللقاء المذكور عرضته قناة الشرقية المعروفة بتوجهاتها وجهاتها، وحيثُ كان من يدير الندوة الإعلامي أحمد ملاّ طلال متجرداً من أي إنتماء عدا إنتمائه الوطني، وهذه صفة الإعلامي المهني المتفوق، وهذا الأمر يُحسب له وللقناة التي يعمل لها، وأملنا أن تحذو حذوها جميع القنوات الأخرى.     
   

55
الناشطة المدنية هناء أدور والإعلامية فيروز حاتم والعراقية نيوز
بقلم: سالم ايليا
منذُ بدء عمليات تحرير نينوى والشعب العراقي يتابع مجرياتها على كافة القنوات الفضائية، وحيثُ أسعدنا أن تبدأ القناة الوحيدة المحسوبة على الدولة بتغيير نهجها الذي سلكته طوال السنين الماضية والمؤشر عليها بميلها لطائفة واحدة دون الأخريات، ورفعها بعد بدء عمليات "قادمون يا نينوى" لشعار "سبق وطني ـ ـ لا سبق صحفي"، ودعوتها لكل وسائل الإعلام للمشاركة معها في تغطية موحدة لإنتصارات الجيش العراقي والشرطة الإتحادية وقوات البيشمركة وكل الجحافل المساندة على جبهات القتال ضد داعش.
وقد إستبشرنا خيراً للبدء بصفحة جديدة بين أبناء الشعب العراقي بكافة مكوناته بعد تحرير الموصل.
وللحقيقة ومن خلال مشاهدة البعض من برامج قناة العراقية الفضائية إستطاع المشاهد العراقي أن يتحسس ببعض التغيير الإيجابي الحاصل في برامجها ولغة خطابها الإعلامي، لكن وللأسف الشديد يبدو من أنّ هذا النهج سوف لن يستمر طويلاً بسبب عودة البعض من مقدمي ومقدمات برامجها السياسية الى ذات الأسلوب السابق في محاباة جهة معينة والدفاع عن أخطاء الحكومة وتبريرها، وهذا يعني الإصرار على تكرار نفس الأخطاء.
وحيثُ تحاول العراقية الفضائية الظهور بمظهر القناة الوطنية الناطقة بإسم كل العراقيين دون إستثناء، نجد من جهة أخرى عدم محاولتها الجديّة بتغيير نهجها الإعلامي بإتجاه زرع الثقة بينها وبين المشاهد العراقي من خلال المعطيات الواردة في برامجها وخاصة السياسية منها.
فقد قدمت قناة العراقية نيوز في يوم الجمعة المصادف الثامن والعشرين من تشرين الأول/2016م وضمن برنامج "ستوديو التحرير" لمقدمته فيروز حاتم الضيفين السيدة هناء أدور الناشطة المدنية في مجال حقوق الإنسان والمرأة بشكلٍ خاص، والأستاذ باسم الشيخ رئيس تحرير صحيفة "الدستور" العراقية ومن خلال الجزء الأول من البرنامج، وحيثُ كان موضوع الحلقة "المرأة في ظل سيطرة داعش الإرهابي".
فقد تقاطعت السيدة الفاضلة هناء أدور مع مقدمة البرنامج فيروز حاتم برؤيتها للمشهد العراقي، وذلك حين طرحت وبشكل علمي وموضوعي وموثق لديها كونها ناشطة في حقوق المرأة لها مكانتها الوطنية والدولية والحاصلة على جوائز عالمية لمناصرتها للسلم العالمي وللمرأة، ما أعتبرته خللاً في كيفية التعامل مع المواطنين وخاصة المرأة من قبل الجهات المسؤولة، إذ كان سؤال مقدمة البرنامج عن كيفية التعامل مع المرأة العراقية التي إنخرطت في صفوف داعش، فكان جواب السيدة هناء أدور من أننا يجب أن نبدأ بالبحث عن الأسباب التي دفعت بعض النساء للإنضمام الى داعش، خاصة وإن المرأة العراقية في الكثير من الأحيان تكون مسيّرة وليست مخيّرة بسبب التقاليد العشائرية، وهنا حاولت مقدمة البرنامج الدفاع عن تلك التقاليد المجحفة بحق المرأة بقولها إنها تحت السيطرة في المناطق الوسطى والجنوبية وبمنطق رجعي لا يليق بها كأمرأة تبدو متحضرة!!!، ثمّ أكملت السيدة هناء عرضها لتضرر المرأة بسبب فقدان الأب والزوج والإبن والأخ نتيجة الأجراءات التعسفية للسلطة السابقة، ففقدت المرأة في المناطق الساخنة للكثير من أفراد عائلتها ومعيليها وهي ترى أمام أعينها إنهيار منظومتها الأسرية بسبب العقوبات الجماعية التي مارستها الدولة في فترات معينة، والتي أجبرت بكل تأكيد البعض من أفراد تلك العوائل بنسائهم للإتجاه صوب الفكر الداعشي والإنضواء تحت مظلته مكرهين لا راغبين فيه، وخاصة في المناطق الغربية والشمالية الغربية والمناطق الشمالية، وبدل أن تؤيد وتقر مقدمة البرنامج بما ذهبت اليه الخبيرة في حقوق المرأة والإنسان السيدة هناء أدور ومحاولة طمئنة الشارع بالتغيير الذي وعد به رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، راحت مقدمة البرنامج تبحث عن الأعذار الواهية لتصرف الحكومة الطائفي، وحيثُ بررت ذلك بقولها من أن الإرهاب لم يعطي للسلطة المجال لإثبات حسن نيتها محاولة إبعاد صفة الطائفية عنها!!!، خاصة في فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري كامل المالكي، ومحاولة الصاق تهمة الإرهاب بشكل قاطع بمنطقة جغرافية بكاملها مدعية بأن التظاهرات والإحتجاجات التي حدثت في محافظة الأنبار قبل سيطرة داعش عليها لم تكن إلاّ حواضن لداعش بشعاراتها وأناشيدها، ومتناسية من أن داعش إستغلت معاناة تلك المناطق بسبب تهميشها والجور الذي وقع عليها من الحكومة، فوجدت الأفكار المتطرفة في البعض من مواطنيها الطريق السالك الى عقولهم.
لكن السيدة هناء أدور إستوقفت مُحاوِرَتَها بنقطة نظام رافضة هذا الإتهام والتبرير ومؤكدة على عدم إستجابة الحكومة، خاصة في المرحلة السابقة الى صوت المجتمع الواحد والإنفتاح على الآخر وسماع صوته وإشراكه في إتخاذ القرار وإدارة الدولة بشكلٍ فعلي وليس بتوزيع المناصب الشكلية.
فما كان من مقدمة برنامج "ستوديو التحرير" فيروز حاتم إلا محاولة تغيير مجرى الحوار للخروج من هذا المأزق والدخول في نفق مظلم آخر بإدعائها من أنّ المكوّن الآخر قد قاطع الإنتخابات الأولى وحاول تقويض العملية السياسية، وأرجعتنا الى المربع الأول في المجادلات السياسية قبل أكثر من عشرة سنوات والتي أوصلتنا الى ما نحن عليه الآن، وكأنها تريد القول الذنب ذنبهم؟!!، وأنا هنا أقف مع مقدمة البربامج وأعطي لمبررها بعض الصحة والذي كان سببه أحد أركان ذلك المكوّن الذي وافاه الأجل، وهي غلطة كبيرة لا تغتفر لمن سعى اليها وإقترحها من ذلك المكوّن.
 لكن هذا الأمر لا يعطي المبرر إطلاقاً لعدم إشراكهم كشركاء عراقيين هم وبقية المكوّنات الأخرى في إدارة الدولة وفي حق تمتعهم بالعدالة الإجتماعية بكل مفرداتها الرسمية والغير رسمية، أي بمعنى آخر لا يحق لأي كان إقصائهم ومن معهم من المكوّنات الأخرى بحجة غياب تأثيرهم الإنتخابي، في الوقت الذي ينادي به الجميع على ضرورة نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة من العلاقات بين المكوّنات.
أما النقطة الأخرى التي حاولت فيها المحاورة فيروز حاتم بيان عدم حياديتها أيضاً، فهي تشكيكها بعدم إنصاف المجتمع الدولي، وذلك لتكريم البعض من الناجيات الأيزيديات من أسر داعش وإغفال وإهمال غيرهن من النساء الغير أيزيديات من الناشطات العراقيات!!، لكن السيدة هناء أدور إستوقفتها مرة أخرى وصححت معلوماتها بأن من ذكرتهن من بقية الناشطات الغير أيزيديات كرمن أيضاً من المنظمات الدولية على الرغم من عدم تعرضهن لنفس ما تعرضن له النساء الأيزيديات من سبي وإغتصاب جماعي وبيع في سوق النخاسة.، إضافة لعودة مقدمة البرنامج في الجزء الثاني من البرنامج لمحاولة التقليل من أهمية ما تعرضت له النساء الأيزيديات ثمّ تداركها للموقف!!.
كذلك أصرّت السيدة الفاضلة هناء أدور في التركيز على معاناة النساء الموصليات حصراً في ظل سيطرة داعش، وأعطت مثالاً قائماً على معاناتهن عندما نشرت داعش قائمة بالفي ضحية أعدمتهم وكان ثلاثمئة منهم من النساء ومنهن الطبيبات والمهندسات والإعلاميات وغيرهن، إضافة الى الرجم والعض من أماكن محددة كعقوبات آنية وغيرها من المعاناة.
وحيثُ كان يبدو لي وللمشاهدين في بداية الحوار من أن مقدمة البرنامج فيروز حاتم ستكون مهنية وحيادية في إدارتها للبرنامج لكنها لم تفعل!!، لا بل حاولت حصر الحوار بالإتجاه الذي يعكس قناعاتها ومكنوناتها.
وما دمنا في مجال النقد الإيجابي الخالي من الغايات المبيتة للإعلام الحكومي والمتمثل بفضائيته العراقية، نود أن نسترعي إنتباه من يهمهم أمره على ضرورة البحث في تفاصيله الصغيرة، كون ان الشارع العراقي لا يتحمل المزيد من المحاولات لتهميش مكوّن منه، وإن كانت تلك المحاولات غير مقصودة، فالأغاني الموصلية التي تبث بين فقرات البرامج السياسية ومنها الأغنية التراثية "كم يردلي" وبصوت هزار أغنية "يا طيور الطايرة" المحببة لدينا جميعاً المطرب الكبير سعدون جابر لا تصلح لعرضها لتذكير الموصليين بأغانيهم وتراثهم، وذلك لتأديته لها بلهجته الجنوبية التي نعشقها في أغانيه الأخرى وليس في هذه الإغنية مما أفقدها جماليتها، فلا تبخلوا على الموصليين وفي هذه الأيام العصيبة والمفرحة في آنٍ واحدٍ الإستمتاع بسماع أغانيهم من مطربيهم وبلهجتهم، لذا فمن الأفضل أن يختار منسقوا الفضائية مطرب موصلّي لغناء أغانيهم للمحافظة على هويتها من أمثال قارئ المقام ومؤدي الأغاني التراثية الفنان عامر يونس الموصلّي أو المطرب فخري فاضل أو غيرهم ذوي الأصوات الكبيرة، فلا تزال حناجرهم تصدح منشدة:
طالَ إشتياقي ـ ـ متى التلاقي ـ ـ أرض العراقِ عزّت عليَ
 مع جل إعتزازنا بالمطرب الكبير سعدون جابر لمشاركته للموصليين في أغانيهم.     
فعلى من يهمه أمر إستقرار البلد وأخص بالذكر رئيس وزرائه الدكتور حيدر العبادي وكابينته وإن كانوا جادين بما صرحوا به من تصريحات إيجابية أن يدرسوا إمكانية إعادة تأهيل المنظومة الإعلامية بالإتجاه الوطني وليس الحزبي الطائفي، أو إقصاء مَنْ ليس لديه القدرة على تقبل الآخر في مجتمع متعدد المكونات كالمجتمع العراقي.
وقولي الأخير للإعلامية فيروز حاتم، نرجو أن تنتبهي الى مفرداتك وإسلوبك الإعلامي لتمثيل كل العراقيين، فالزورق لا ينجو في بحرٍ شديد العواصف وبمجذاف واحد فقط يا سيدتي!!!.

56
أعضاء في البرلمان العراقي يتبادلون الأدوار مع داعش
لإسقاط حكومة العبادي بتصويتهم على منع الخمور!!
بقلم: سالم ايليا
القرار الذي صوت عليه مجلس النوّاب العراقي بالأكثرية في جلسته التي إنعقدت في يوم السبت المصادف 22/10/2016م، والذي نص على حضر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة انواعها في المادة (14) من قانون واردات البلديات أثار ردود أفعال وجدل كبيرين في الشارع العراقي للغاية منه وتوقيته.
 وحيثُ من المفترض أن يكون مجلس النوّاب مشغولاً الآن في إصدار القرارات التي تقوّض الفكر الداعشي السلفي وليس القرارات المؤيدة لفكره وترسيخها، وحيثُ يؤكد رافضوا هذا الحظر تعارضه مع المادة الأولى من الدستور والتي تنص على :"عدم تشريع أي قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية"، والمادة الثانية التي تنص على : "منع أي تشريع يتناقض مع الحقوق والحريات الفردية ومبادئ الديمقراطية"، والتي تشمل حرية الأديان الأخرى في إختيار أساليب وطرق حياتهم ومعيشتهم، فداعش طرد وهجّر بقوة السلاح المسيحيين واليزيديين والصابئة المندائيين وغيرهم ممن يؤمنون بمعتقدات دينية خاصة بهم، ومجلس النوّاب العراقي يطردهم ويهجرهم بقوة قراراته!!!.
ولقد أدخل مجلس النوّاب نفسه في عنق الزجاجة وبمواجهة مباشرة مع الكنائس المسيحية ورجالها، وحيث لا يعلم جهلته من أن الشعائر الدينية (الليتورجيات) وخدمة الإفخارستيا المقدسة في القدّاس المسيحي أيام الآحاد وفي جزءٍ مهم منه هو أن يرفع الكاهن كأس الخمر مردداً نفس العبارات التي رددها السيد المسيح لتلاميذه في العشاء الأخير!! ـ ـ ـ، وفي هذه الحالة، فيجب ـ ـ ويجب ـ ـ ويجب على مجلس النوّاب العراقي أن يشرّع قانون آخر يستثني الكنائس المسيحية من منع إستيراد أو صناعة الخمور لديمومة القيام بشعائرها الدينية، وإلا سيكون مخالفاً للمادة الثانية من الدستور بشكلٍ لا يقبل الجدل، ولو فعل فأنه سيواجه مشكلة تجاوزه على الشريعة الإسلامية وأحكامها!!!، كونه سيكيل بمكيالين في تفسيره لأحكام الشريعة، وفي هذه الحالة أيضاً سيصبح قراره بمنع الخمور ومبرراته الفقهية في خبر كان!!!، وكان من المفروض على نوّاب البرلمان المسيحيين التنبيه الى هذه النقطة المهمة قبل التصويت على القرار.
فأفراد الجيش العراقي البطل والحشد الشعبي بكافة تسمياتهم يُضحون بأرواحهم لتحرير المناطق المسيحية وكنائسها ودعوتهم لإخوانهم المسيحيين للعودة وإحياء شعائرهم الدينية، وأعضاء مجلس النوّاب في قاعاتهم المبردة يصدّرون القرارات لمنع المسيحيين من ممارسة شعائرهم وتهجيرهم مرة أخرى!!!.

 وبدل من ان يناقش مجلس النوّاب في جلسته قانون إزدواج الجنسية محاولاً إستثناء أعضائه  منه، وحيثُ أن القرار كان صريحاً بشمول كل المسؤولين في الدولة العراقية به، راح البعض من أعضائه المتضرر من هذا القرار إشغال المجلس بطرح قرارات أخرى للتصويت عليها ومنها منع شرب وتداول الخمور الذي وافق عليه المجلس.   
وبهذا القرار تبادل (البعض) من أعضاء المجلس الأدوار مع إخوانهم وابناء عمومتهم الدواعش الذين قُتِلوا في عمليات تحرير الموصل وغيرها من المناطق المحررة، فأخذوا محلّهم في إصدار فتاوى التحليل والتحريم متذرعين بالشريعة وأحكامها.
وليس لي علم عن سبب تباكي (المتأسلمين) من أعضاء الحكومة ومجلس نوّابه على فقرات محددة من الشريعة دون غيرها، فنراهم متمسكين بها فيما يخص الأرث والخمور ومتغافلين عنها فيما يخص السرقة والزنى وغيرها من الفقرات!!!!، وحيثُ صوت المجلس بالعفو عن سرّاق المال العام دون إرجاع دينار واحد من السرّاق للخزينة المركزية، لا بل أعطاهم الغطاء القانوني لسرقاتهم، ومنحهم حريتهم في التنقل والإستمتاع بالأموال المسروقة التي تقدر بمئات المليارات.
فلماذا لا يُحرّمون سرقة المليارات وهم أهلها، وليسمح لي مجلسهم (الموقر) في إقتراح إعادة التصويت على قرار منع المشروبات الروحية، ولكن بشكل سرّي وليس علني، وأنا أجزم بان النتيجة ستكون لصالح بقاء المشروبات الروحية وليس عكسها وبأغلبية ساحقة!!!.
 ايها المتخلفون هل الضرر في شرب الخمر أكثر من ضرر الأفكار المتطرفة؟؟!!، وهل رأيتم اي مخمور او محتسي للخمر قد فجر نفسه وقتل الأبرياء صارخاً ومكبراً للخمر؟؟!!.
فبدلاً من أن تحرّموا وتمنعوا تداول الخمور، حرّموا وأمنعوا تداول الأفكار المتطرفة التي تجيز كل الموبقات من قتلٍ وتدميرٍ وسبي للنساء والأطفال وإستعباد للبشر، والبعض من أعضائكم حاضنين ومروجين لها، ولهم قنواتهم المعروفة في دعم عناصرها.
لقد قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي: "ليس هدفنا القضاء على داعش عسكرياً فقط، وإنما القضاء عليهم فكرياً ودينياً"، وسؤالي: هل قرار منع المشروبات الروحية يدخل في إطار القضاء على داعش أم نصرتهم؟؟!!!.
والقرار المذكور في منع المشروبات الروحية تم إقرارهُ نتيجة إقتراح قدمه النائب محمود الحسن عن حزب الدعوة الجناح المؤيد لنوري المالكي، وكما مبين في الرابط أدناه:
https://www.kitabat.com/ar/page/23/10/2016/87348/%D8%AC%D8%AF%D9%84-%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%B9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%85%D9%86%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D9%88%D8%B5%D9%86%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%85%D9%88%D8%B1.html     
ويدخل هذا القرار في مجال الصراع على منصب رئاسة الوزراء بين رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي ونوري كامل المالكي رئيس الوزراء السابق الذي أُجبِرَ على التنازل عن منصبه نتيجة لفشله في إدارة الدولة وإتهامه بمسؤوليته المباشرة بسقوط ثلث الأراضي العراقية بيد داعش، وإختفاء أكثر من سبعمئة مليار دولار من الميزانية العراقية خلال فترة حكمه وتصاعد الصراع الطائفي الذي كان سبباً في تغذيته له، حيثُ شعر الأخير (نوري المالكي) إزدياد شعبية حيدر العبادي بعد إعلان البدأ بعمليات تحرير نينوى وموقفه الصلب بوجه أردوغان في منع التدخل التركي، وإستثماره للفرص المتاحة الداخلية والخارجية لتعزيز منصبه الذي بدا مهزوزاً طوال فترة حكمه، فأوعز المالكي لأحد أعضاء حزبه في البرلمان الى طرح مقترح منع الخمور للتصويت عليه ولإحداث بلبلة في الشارع العراقي، ولكسب بعض المؤيدين وإحداث فتنة داخلية.
فلماذا لم يطرح نوّاب البرلمان لحزب الدعوة المؤيدين للمالكي هذا الإقتراح للتصويت عليه في فترة رئاسته للوزراء التي تجاوزت الثمانية سنوات، كان فيها إبنه أحمد المالكي يصول ويجول في بارات وديسكوات بغداد ولياليها الحمراء.
 وكعادة أعضاء مجلس النوّاب لم يُخضِعوا هذا القرار كغيره من القوانين التي تمس المجتمع  الى دراسة مستفيضة وأخذوا جانبه الفقهي الديني فقط، وحيثُ أن تطبيقه سيؤدي بالتأكيد الى إنتعاش صناعة الخمور في البيوت والمزارع وبشكل غير قانوني، وتكثر المشروبات الروحية ذات الكحولية العالية التي قد تصل مابين 70 ـ 90% بنسبة الكحول فيها، مضافاً اليها بعض المواد الكيمياوية المضرّة لزيادة تأثيرها المسكّر، وهذا النوع يكون قاتلاً في الكثير من الأحيان والذي يعرّفه العراقيين بـ "أبو الكلبجة" أو "هبهب" نسبة الى قرية هبهب في محافظة ديالى التي ينتمي اليها رئيس المجلس سليم الجبوري!!!، وحيث كانت تكثر صناعته هنالك.
وستحتاج الدولة وأجهزتها التنفيذية الى سحب أجزاء كبيرة من عناصر شرطتها من مهماتهم في مراقبة الإرهابيين وإستتباب الأمن الذي هو أساساً هش لمراقبة تنفيذ هذا القرار وملاحقة مخالفيه وتقديمهم للمحاكم، التي ستنشغل بقضايا "سخيفة" مقارنة بالقضايا التي تحتاج الى سرعة البت فيها لتسريع المصالحة الوطنية التي رفعها العبادي تزامناً مع تحرير نينوى والتي تتعلق بالآلاف من الموقوفين بتهمة الإرهاب.
 كما ان آلية تنفيذ هذا القرار ستزيد من الرشاوي لعناصر الشرطة التي هي أصلاً متهمة بها على شكلٍ واسعٍ، وستحرج رئيس الوزراء بمطالبة وزارة الداخلية له لتعيين المزيد من العناصر لأجهزتها الأمنية مما سيولد ضغطاً إضافياً على الميزانية الحكومية في هذا الظرف الإقتصادي الصعب.
وعلى الدولة تعويض المتضررين من هذا القرار من مالكي محلات بيع المشروبات الكحولية وبقية المرافق التي تعتمد في مردودها المادي على بيع وتجارة الخمور، وحيثُ لم يعطي مجلس النوّاب المدة الزمنية الكافية (سنة على أقل تقدير) للمتضررين لتلافي الخسارات المادية التي ستتجاوز الملايين من الدولارات، والتي ستحرج الحكومة في تعويضهم بسبب الضائقة المالية.
إن وراء هذا القرار وتوقيته عناصر يقودهم من له مصلحة شخصية في إسقاط حكومة العبادي وهم بذاتهم الذين أحرجوا رئيس الوزراء الحالي برفع الثقة عن أهم وزرائه وفي هذا الوقت بالذات، والذي هو بأمس الحاجة لهم لتنفيذ خطته للقضاء على داعش ومن ثمّ الألتفات الى بقية القضايا وخاصة الميليشيات الحزبية.
وقد أشغلوا مَنْ أقرّوا هذا القرار وفي هذا التوقيت بالذات الشعب وإعلامهِ بإنتقاده للقرار بدلاً من توجيه إهتمامهم وأقلامهم لخدمة المعركة ضد داعش، وكأن من أقروا وصوتوا على هذا القرار يريدون الإنتقام والثأر لهزيمة داعش في أرض المعركة!!!.
 وربما هنالك إتفاق ما بين (البعض) مِمَنْ أيد هذا القرار من أعضاء البرلمان وتجّار إقليم كردستان الذي يسمح بشرب وتداول الكحول داخل حدوده، وحيثُ إتفق هذا (البعض) مع تجّار كردستان لعمل "البزنس" وخلق مافيا جديدة لتجارة مربحة بيئتها السوق السوداء لتعويض خساراتهم للمليارات التي كانوا يسرقونها من الخزينة العراقية وبطرق مختلفة، فمن المعروف دولياً من أن تجارة السوق السوداء للمشروبات الروحية تدر ربحاً كبيراً جنباً الى جنب مع تجارة المخدرات وتجارة السيكاير، وتنحصر تجارتها بالمافيات المحلية المرتبطة بالمافيات الدولية.
ولا أرغب في هذه المقالة في الدخول الى ما يقوله الفقه وتفسيراته المثيرة للجدل ما بين فقهاء الفقه والشريعة أنفسهم حول هذه النقطة بالذات، ويستطيع القارئ الكريم البحث في جوجل (كوكل) عن كل صغيرة وكبيرة بهذا الشأن والتصريحات الصادرة بالصوت والصورة من أفواه رجال الدين ذوي المراكز المهمة وعبر لقاءاتهم على الفضائيات الكبيرة، وحيث أن الكثير منهم يشكك بطريقة التفسيرات الخاطئة لمنع شرب الخمر.   
ولم يحدث ان تم سابقا منع الخمور في العراق وعلى مر العصور، وكانت بغداد في العصر العباسي وما بعده تشتهر بليالي سمرها التي تغنى بها شعرائها ومن أشهرهم "أبو نؤاس"، حيثُ تغنى بالخمر قائلاً:
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ـ ـ ـ لو مسها حجرٌ مستهُ سرّاءُ.
فدعوا الناس مخمورين أفضل لكم من أن يصحوا ويشاهدوا ما حلّ بهم من دمار، عندها سيدخلون الى منطقتكم الخضراء بكامل قواهم ويحيلونكم الى أجساد تغطيها الدماء، كما فعلوها سابقاً بقنفتكم.
والشعر الشعبي العراقي زاخر بالمفاخرة بشرب الخمر:
ما طول بالنخلة تمر ـ ـ ما جوز من شرب الخمر.
وأنا أتوقع من أنّ هذا القرار "الداعشي" سيجبر المحتجين عليه على رفع شعار:
بغداد ممليّة تمر (گطّر) وإشرب الزحلاوي.
مستلهمين بيت شعرهم من نفس وزن وقافية شعر الشاعر الشعبي الخالد "الملا عبود الكرخي" بقوله متفاخراً ببغداد الحبيبة:
بغداد مبنية بتمر فلش واكل خستاوي
وحين إتهم البعض من سياسيينا "أنجيلا ميركل" رئيسة وزراء المانيا بسرقة الكفاءات العراقية وإحتسائها للبيرة حين وافقت بقرارها الإنساني على قبول اللاجئين الهاربين من بطش سياسيينا ودواعشهم، عنونتُ إحدى مقالاتي السابقة للدفاع عنها وعن قرارها قائلاً:
نريد مسؤول يشرب بيرة ـ ـ وما نريد مسؤول ما عنده غيرة!!.
وقد أثار قرار منع المشروبات الروحية ردود أفعال كبيرة في الشارع العراقي وإعلامه، وضجّت وسائل الإعلام بالمقالات والتحليلات على تداعياته فيما لو نفذ، ادناه بعض الروابط التي تخص قرار منع المشروبات الكحولية:
http://algardenia.com/maqalat/26540-2016-10-23-08-13-02.html
والرابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=824152.0
 كما أن الباحث "طلعت ميشو" كان قد نشر مقالة بحثية فريدة وظريفة تضمنت الكثير من المعلومات التاريخية والقصص الظريفة والأشعار عن الخمور وما له علاقة بها على الرابط أدناه:
http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/8463-2014-01-21-20-16-07.html
ختاماً وختامها مسك دائماً، على رئيس الوزراء حيدر العبادي أن يستخدم صلاحياته في تأجيل تنفيذ هذا القرار الى "إشعار آخر"، وذلك لإفشال مخططات خصومه في القضاء عليه وعلى مكاسبه التي حققها.


57
يا جماعة الخير أين هو رئيس الجمهورية؟؟؟!!!
بقلم: سالم ايليا
بدأت معركة تحرير الموصل بعد إنتظار وترقب طويلين مع بداية الساعات الأولى من فجر يوم الأثنين المصادف السابع عشر من تشرين الأول/2016م ببيان للقائد العام للقوات المسلحة/ رئيس الوزراء العراقي السيد حيدر العبادي وإعلانه البدء بعمليات تحرير الموصل وبمحاور عديدة يشترك فيها الجيش العراقي بكافة صنوفه، وطيران الجيش بشقيه، مع جحافل البيشمركة لإقليم كردستان/العراق، والقطعات المساندة الأخرى للحشد الشعبي والوطني، وقوات التحالف الدولي بطلعاتها الجوية.
وقد تحلّق العراقيون شيبهم وشبابهم ـ ـ ـ عجائزهم وصباياهم ـ ـ ـ داخل العراق وخارجه حول أجهزة التلفاز ومحطات فضائياته، وأجهزة الكمبيوتر وما توفر من أجهزة الأتصالات الأخرى لمتابعة الحدث الأهم في العالم الآن، ألا وهو دحر داعش في الموصل.
وإنظمّ الى العراقيين أغلب مواطني دول العالم حتى الذين ليس لهم علاقة بداعش وإرهابها لا من قريب لا من بعيد!!، وصرّح المخوّلون من كافة دول العالم بتصريحاتهم نيابة عن رؤسائهم، وإنظمّ اليهم وزراء الدفاع من مختلف الدول ورؤساء أركانهم، وشرعوا بالتحليلات والإحتمالات التي لا تزال قائمة على سير المعارك وتكتيكاتها ومفاجأتها ـ ـ ـ، حتى رؤساء الطوائف الدينية أعلنوا ببياناتهم مباركتهم ومساندتهم لصولة الجيش لتحرير الموصل ـ ـ ـ، وإحتفل العراقيون بالإنتصارات التي حققها الجيش للأيام الأربعة الأولى ـ ـ ـ ، إلاّ شخص واحد إفتقدناه كما يُفتقدُ البدرُ في الليلة الظلماء وهو رئيس جمهورية العراق السيد فؤاد معصوم، فلم نسمع منه ولو كلمة واحدة أو تصريح واحد !!!، وعسى أن يكون المانع من عدم ظهوركم خيراً يا سيادة الرئيس ـ ـ ـ ويا ترى ما هو السبب؟ ـ ـ ـ هل أن سيادة الرئيس معتكف؟ ـ ـ ـ أم أن هنالك من أجبره على السكوت عن الكلام المباح؟؟؟!!!، أم إنه يرتب أوضاعه لنظام حُكم وراثي بديل يكون فيه "مصون غير مسئول"؟!!.
صحيح أن (كاك) مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان/العراق يقوم بالواجب وزيادة، ويزور الخطوط الأمامية لقوات البيشمركة الكردية، وصحيح أن رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي هو المسئول الأول عن عمليات تحرير الموصل ويزور أيضاً جبهات القتال، وصحيح هنالك تقسيم للأدوار بإعلى درجاته في الدولة العراقية الجديدة والحديثة العهد منذ 2003م!!!!!!، وصحيح أن هنالك (توافقات) بين الكتل و (البلوكات) السياسية التي نحاول جاهدين كعراقيين التعامل مع (توافقاتها) التي خربت العراق وأنهت الأسس الصحيحة التي بنيت عليها الدولة العراقية منذ تأسيسها سنة 1921م وحتى مجيء المحتل ليخلصنا من الدكتاتورية المقيتة، فأوقعنا في مستنقع الطائفية (التوافقية) المميتة.
 لكن الم يكن من الكياسة والدبلوماسية و(بعيداً) عن الشعور الوطني!!!، و(قريباً) من الشعور بموقع المسئولية، أن يبارك رئيس الجمهورية ولو بكلمات خجولة تلك العمليات العسكرية لتحرير ثاني أكبر مدن العراق؟، ويشارك ولو كضيف في هذا العرس العراقي والدولي؟!، أم إنه فعلها، لكنني لم أعثر على تصريحه في القنوات الإخبارية!!، فإن كان الأمر كذلك، فالمعذرة لجهلي!!، أو لربما هنالك تعتيم إعلامي على تصريحات رئيس الجمهورية بهذا الخصوص.
 فيا سيادة الرئيس ظهوركم في (المشهد) بركة، كفحل التوت في البستان، ونحن العراقيين نؤمن ببعض المعتقدات والأفكار التي تدخل في خانة "الخزعبلات" على الرغم من فكرنا النيّر وتاريخنا المشرق وحاضرنا المظلم!!، ولهذا نتوجس قلقاً إذا غابت عن المشهد أحدى الشخصيات المباركة كجنابكم ؟، إنه مجرد سؤال وإستفسار وقلق على مصيركم، حيث كان لنا كعراقيين تجربة مريرة من إختفاء الرئيس الذي سبقكم، أطال الله بعمره وأكرمنا وأكرمه بمعجزة لشفائه، فلقد تصرفت عائلته بشكل (سرّي وشخصي) في إخفاء سبب إبتعاده عن المشهد الوطني والسياسي العراقي فجأة وهو رئيساً للدولة العراقية وكأنّ أمره لا يهمنا!!!، وبتنا نقرع أبواب الدول والحكومات و"فتاحي الفال" لمعرفة مصيره!!!، وبقيت (الدولة) بدون رئيس لها لمدة تجاوزت السنة!!!، ـ ـ ـ صحيح إن أعمال الدولة وإدارتها لم تتأثر قطعاً بغيابه!!، لكننا كشعب نحب رؤسائنا!!، ونقلق لإختفائهم!!، وقد تعودنا على ظهورهم اليومي في التلفاز أكثر من مقدمي نشرة الأخبار!!!، لذا فقد وجب التنويه لبيان السبب، والله يستر!!!.   

58
إنها الموصل أيها المحرّرون

بقلم : سالم ايليا

الموصل وكما هو معروف عنها هي ثاني أكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد، ومركز حضاري وتاريخي مهم موغل في أعماق التاريخ، والتي أنجبت على مدار سفرها الخالد أهم أعلام العراق في مختلف المجالات، وساهمت بشكل فعّال لا يختلف عليه خصمان في رفد العراق بخيرة أبنائه لخدمته، وسالت دماء أبنائها الكريمة على حدوده الأربعة للذود عنه، وسال عرق جبينهم على كل ذرة تراب إنتصبت فوقها صروح حضارته وبنيانه.
لقد كتبَ المؤرخون عن الموصل على مر العصور والأزمنة والأمكنة، وأسهبوا في ذكر محاسنها وجلال ونُبلِ سكانها، وزادوا من كتبوا عنها في وصفهم لها لعظمتها، وحيثُ توقّدت البابهم، وفَصُحَت السِنَتَهم، وانسابَت من يراعهم ينابيع الكلمات وحروف أبجديات لغاتها بنثرها، وللآلئ أشعارها لتروي ظمأ سطور صفحات التاريخ ببلاغة وصف المدينة التي تستحق ان تجلس على عرش مدنه التاريخية الخالدة، وليزهو عمقه الموغل في عروق أزمنته اللامتناهية بمآثرها وصنيعها للبشرية جمعاء.
يقول ياقوت الحموي (المتوفي ما بين سنة 622-626هـ) عن الموصل في كتابه ذو الأجزاء الثمانية "معجم البلدان" في المجلد الرابع لطبعته الأولى الجديدة المصححة والمنقحة من قبل الأستاذ محمد عبدالرحمن المرعشلي وفي الجزء الثامن/ صفحة (339) ما يلي(1): "وكثيراً ما وَجَدْتُ العلماء يذكرون في كتبهم أن الغريب إذا أقام في بلد الموصل سنة تبيَّن في بدنه فضل قُوة وإن أقام ببغداد سنة تبين في عقله زيادة وإن أقام بالأهواز سنة تبين في بدنه وعقله نقص وإن أقام بالتبتِ سنة دام سروره واتصل فرحه وما نعلم لذلك سبباً إلا صحة هواء الموصل وعذوبة مائها ورداءَة نسيم الأهواز وتكدر جوه وطيبة هواء بغداد ورقته ولطفه فأما التبت فقد خفي علينا سببه وليس للموصل عيب إلا قلة بساتينها وعدم جريان الماء في رساتيقها وشدة حرها في الصيف وعظم بردها في الشتاءِ فأما أبنيتهم فهي حسنة جيدة وثيقة بهية المنظر لأنها تُبنى بالنورة والرخام ودورهم كلها آزاج وسراديب مبنية ولا يكادون يستعملون الخشب في سقوفهم البتة وقلَّ ما عدم شيء من الخيرات في بلد من البلدان إلا ووجد فيها"، إنتهى الإقتباس.   
إنها موصل الحضارات الإنسانية، وموصل الثقافات بين الأمم، وموصل الخيرات بين الشعوب.
إنها موصل إسحاق الموصلّي وعندليب الموسيقى الشرقية والعربية زرياب، وموصل الملا عثمان الموصلّي وقارئ المقام إسماعيل الفحّام.
 إنها موصل الجوامع والكنائس والأديرة والصوامع والأضرحة ودور العبادة لأنبياء الله ورسله ـ ـ إنها موصل الأديان والمعتقدات الإنسانية التي لا تضاهيها بتنوعها أي مدينة أخرى في العالم ـ ـ إنها موصل القوميات بتنوعها الإثني المتجانسة والمتآخية منذ آلاف السنين، وموصل العلوم بفروعها وتخصصاتها.
وقد ذكر ابو الحَسَن المسعودي المتوفي سنة (346هـ)، في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر"/الجزء الأول/الصفحة (221)، وفي ذكر مُلوك الموصل ونينوى وَهُم الأشوريون وَلُمعٌ مِن أخبَارِهم وَسِيَرهم ما يلي(2): "وكان أهل نينوى ممّن سمينا نبيطاً وسريانيين، والجنس واحد، واللغة واحدة، وإنما بان النبط عنهم بأحرف يسيرة في لغتهم، والمقالة واحدة"، إنتهى الإقتباس .
أي أن المسيحيون الآشوريون والكلدان والسريان كانوا في نينوى والموصل منذ نشأتها، وليس كما يحاول البعض أن يروّج بغير ذلك، ولنا في هذا الموضوع عودة مفصلة.
  لقد وصفها غبطة البطريرك يوسف عمانوئيل توما في خطبته المشهورة باللغة الفرنسية سنة 1925م أمام لجنة عصبة الأمم لتقرير مصير الموصل: من أنها الرأس لجسد العراق، فإذا فصل الرأس فكيف سيحيا الجسد؟!!، هذا ما ذكره لي الأستاذ المهندس غانم كني في إحدى محادثاتنا الهاتفية، نقلاً عن جده رجل الدين الذي كان حاضراً الجلسة.
فإختصر البطريرك يوسف عمانوئيل توما العلاقة المصيرية بين العراق ككل والموصل كجزءٍ منه في ذلك الوصف.
هكذا يصف الموصلّيون بلدتهم، وهكذا يعبّرون عن حبهم وولائهم للعراق.
لقد وصل الى أسماع الملك فيصل الأول هذا الوصف، وأعجب به، وبدأ بترديده في لقاءاته، فمنح الكرسي البطريركي المتمثل بالبطريرك المذكور شرف عضوية مجلس الأعيان تثميناً لوطنية رؤسائه.   
وللموصليين تواصل روحي ووجداني مع بلدتهم، وتفاخر نابع من عمق تاريخها وأصالة مكوناتها المجتمعية.
وحيثُ أنّ التاريخ يعيد نفسه، وحيثُ حانت ساعة الولاء المطلق للقيم ومبادئها، والروابط المجتمعية ووفائها، والإنتماءات الجغرافية وجذورها، والإنتماءات الوطنية ومستحقاتها، لأهل الموصل المهجّرين في الخارج، وأهلها الأسرى في الداخل، ولكل المعنيين بأمر تحريرها وتحرير سكانها.
لذا فقد وجبَ على الموصليين بأطيافهم إنشاد نشيد الولاء للموصل وللعراق وبحنجرة واحدة وإن إختلفت أوتارها الصوتية لتخرج مقطوعتها الموسيقية متنوعة الأنغام، متجانسة اللحن، ليعيدوا مآثر أبائهم وأجدادهم الذين أنشدوا من قبلهم نشيدهم الوطني الموصلّي ليعيدوا عرس محبتهم لبلدتهم وبلدهم العراق:
لستِ يا موصُل إلاّ ـ ـ ـ دارَ عزٍّ وكرامة
أنتِ فردوسُ العراق ـ ـ ـ حبَّذا فيكِ الإقامة
أنتِ منه خير جزءٍ ـ ـ ـ خابَ مَن رامَ إنقسامة
وعماد المجدِ أنتِ ـ ـ ـ فيهِ، بل أقوى دعامة
أنتِ روحٌ هو جسمٌ ـ ـ ـ أنتِ تاجُ هو هامة
أنتِ شمسٌ هو بدرٌ ـ ـ ـ منكِ قد لاقى تمامه
إنَّ مَنْ يدنو حِماكِ ـ ـ ـ فلقد أدنى حِمامة
كيف يدنوكِ وأنتِ ـ ـ ـ غابُ ابطال الشهامة
دونكِ شعبٌ غيورٌ ـ ـ ـ باذلٌ فيكِ إهتمامه
أقعدَ الكونَ قديماً ـ ـ ـ بالقنا تمَّ إقامة
كم أبى فيكِ حبّاً ـ ـ ـ قد نضى العِضبُ حسامة
يلتقي الموتَ ببِشرٍ ـ ـ ـ وسرورٍ وابتسامة
نحن شوسُ الحرب قُدُماً ـ ـ ـ ولنا فيها الزعامة
كيف نولي مَن أتاكِ ـ ـ ـ طامعاً غيرِ النداما
سوف نُصليها ضِراماً ـ ـ ـ حرُّها يصلي عظاما
ويسح الدمُ منهم ـ ـ ـ مثل ما سحت غمامة
بلدي الموصل دومي ـ ـ ـ في آمانٍ وسلامة
لن ينال الغيرُ منكِ ـ ـ ـ قطّ، مِن ظِفرٍ قلامة
هذا هو نشيد الموصل الوطني الذي صدحت به حناجر الموصليين بكل مللهم وأطيافهم حين خُيروا ما بين إنتمائهم العراقي أو تبعيتهم للأجنبي العثماني.
لقد إجتمعت في هذا النشيد أحاسيس الأصلاء، فخطّ كلماته شاعر الموصل الوفي لها ولإنتمائه الوطني العراقي إسماعيل أحمد فرج، ولحنه الموسيقار الموصلّي العراقي حنّا بطرس، بعد أن أُنْشِدَ النشيد ولأول مرة في مدرسة كنيسة الطاهرة في 5/1/1925م، هذا ما جاء في أحدى مراسلاته لي الأستاذ الموسيقار باسم حنّا بطرس مشكوراً أدام الباري عليه الصحة والعافية.
 وهذه الكنيسة بمدرستها قد تمّ تفجيرها من قبل عصابات داعش الإجرامية كما ذكرت الأنباء، وليس لنا علم أكيد بهذا الخبر.
وقد ذكر الشاعر الشعبي الموصلّي "يقين ايليا الأسود" بلدته الموصل متفاخراً في شعره الشعبي "جولة في سيارة" المنشور في جريدة "فتى العراق"/العدد (1942) بتاريخ 16/03/1956م منشداً:
نعمل جولة ببلدتنا    هذي (الحدبا) ولايتنا    دنبني نواقصنا
                       نعرف اسباب راحتنا
كذلك تغنى شاعر العراق والموصل وإبنها البار "معد الجبوري" في وصفها بقصيدته "أم الربيعين" وقال ما لم يقلهُ شاعراً ببلدته من قبل، حيثُ صدحت حنجرته قائلاً:
ولو ظَمِئتِ ، لصَيَّرتُ الفؤادَ يداً
على شِفاهِكِ ، كالعنقودِ تعصرُني
                *
دارَ الزَّمانُ، ومَنْ داسُوا على كبدي
ظنُّوا بأنَّ جراحي ، عنكِ تُبعِدُني
ثُمّ يختتم قصيدته بالأبيات التالية:
حَصَّنْتُ وجهَكِ باسمِ اللهِ مِنْ حَسَدٍ
ومِنْ أراجِيفِ أطمَاعٍ ، ومِنْ فِتَنِ

ما زلتِ، والشمسُ مِنْ كَفَّيكِ طالِعةٌ
حِصْنَ الفُراتَينِ، في الأَرزاءِ والمِحَنِ

ما زلتِ ثَغرَ بلادي ، ما زَكا زَهَرٌ
غَضٌّ، وما صدَحَتْ وِرْقٌ على فَنَنِ
وللإطلاع على النص الكامل لقصيدة الشاعر الكبير "معد الجبوري"، فهي منشورة على موقع "بيت الموصل" على الرابط أدناه:
 http://www.baytalmosul.com/157516041588157515931585-160515931583-1575160415801576160815851610/25
وقد ذكر الأستاذ الدكتور غازي إبراهيم رحّو في مقالته "نوري السعيد وما يقوله عن أهل الموصل" على الرابط أدناه:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=534337.msg5350612#msg5350612
موضحاً من أن رئيس الوزراء في العهد الملكي الباشا نوري السعيد وخلال إحدى جلسات مجلسي النواب والأعيان لإختيار الوزراء، قد وصف "أهل الموصل" قائلاً:
بسلاء ....... امناء ....... على بعضهم رقباء
كرماء ....... بخلاء ....... على بعضهم رقباء
وقد عرض أ.د. غازي رحّو في مقالته تفسير الباشا لتلك الجملتين قائلاً: ".. ان الباشا قال ان اهل الموصل يشتهرون ببسالتهم المنقطعة النظير... فهم بسلاء في الحروب والقتال والتضحية والفداء من اجل الوطن وحبهم لارضهم يجعلهم متعلقون بها حتى الموت .. وشجاعتهم يعرفها القاصي والداني  ولهذا فهم بسلاء في العسكرية والانضباط العسكري وتنفيذ الاوامر .. ..كما انهم امناء على العهد والولاء فان منحوا الولاء يبقون عليه امناء مهما جرى لهم ومهما كانت الريح تسير بعكس اتجاههم  فهم امناء على العهد الى حد الموت في الحفاظ على الامانة والدفاع عنها ...وعلى بعضهم رقباء ..فهم يحملون في عقولهم ودمائهم الغيرة والخوف من الاخرين عند الخطأ ..فان اخطأ احدهم يعتريه الخوف من رقابة الاخرين له لانه يعتبر ذلك جرحا في القيم ومسيرة الانسان والعيب.. ولهذا فهم ينجزون الواجبات والاوامر بحذافيرها ولا يحيدون عن تنفيذ ما يوكل لهم  يدفعهم رقابة الاخرين لهم .. ولهذا فهم على بعضهم رقباء ....
وفي هذه العبارة الاولى كان يقصد بها الباشا انهم رجال بسلاء في الحفاظ على الامن والدفاع عن الوطن فهم افضل من يدير وزارة الدفاع لانهم سوف يبدعون في هذه الوزارة التي هم بسلاء وامناء فيها لهذا ... فوزارة الدفاع ستوكل لأحدهم ...
اما الجملة الثانية والتي يقول فيها الباشا  كرماء ... بخلاء .... على بعضهم رقباء .....  فقد قصد منها الباشا ان اهل الموصل معروفين بكرمهم لاهلهم واصدقائهم وضيوفهم وخاصة فهم مشهورين .. باكلاتهم الموصلية اللذيذة وشهرتهم في الطبخ المنزلي واعتماد العائلة الموصلية على ما تكتنزه صيفا من غذاء وحبوب  وتخزنه للشتاء فاهل الموصل يعتمدون على العائلة في تصنيع جميع ما تحتاجه وتقديمه للاهل والاقرباء والاصدقاء عند الحاجة وكرمهم في استقبال الضيف وتكريم الغريب والزائر لمدينتهم معروفة على مر التاريخ فهم اول من قام بتخزين حتى  اللحوم  والمواد الغذائية من الحبوب بكافة انواعها ويكرمون اهلهم واقربائهم وضيفهم مما خزنوه فهم كرماء" ـ ـ إنتهى قول الأستاذ الدكتور غازي رحّو.
ولنينوى وموصلها بتوابعها لعنتها ولعنة سكانها على من يؤذيها ويؤذيهم وستلاحقهم الى أحفاد أحفادهم.
بوركت جميع الجهود والسواعد الخيّرة لتحرير الموصل وتوابعها، وتحرير أهلها من براثن الإرهاب وتخلفه، وبوركت سواعد المقاومة الداخلية والويتها الشجاعة التي ما انفكت تقلق مضاجع الإرهابيين ومناصريهم.
واللعنة على كل من يحاول إستغلال الظرف لتدمير الموصل وإيذاء أهلها النجباء الأصلاء بدافع الحقد والبغضاء، وحيثُ أننا متأكدون من عدم وجوده بين العراقيين المعروفين بطيبتهم ونخوتهم، وأملنا أن يعود المهجّرون الى ديارهم وأن تحتضنهم الموصل بأطيافهم كما كانت، وأن يبعد عنها اولاد السوء وشرورهم، وأن يعود العراق بمدنه كافة واحة للسلام والأمان والإستقرار.

إنتباهة:
(1)- ياقوت الحموي: هو شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (574 - 626هـ)، أديب ومؤلف موسوعات وخطّاط من أصل رومي اشتغل بالعلم وأكثر من دراسة الأدب، وقيل أن وفاته كانت 623 هجري في حلب حيث كان قد استقر في حلب، من أصحاب هذا الرأي، المؤرخ ابن كثير في كتابهِ "البداية والنهاية". وقال المؤرخ وليد الأعظمي في كتابهِ "أعيان الزمان وجيران النعمان": (كان أبو الدر ياقوت الرومي قد تحول من المدرسة النظامية وسكن في دار بدرب دينار الصغير، ووجد ميتاً في منزلهِ يوم الأربعاء 12 جمادى الأولى عام 622هـ/1225م، وكان قد توفي قبل ذلك بأيام، ولم يشعر بهِ أحد، ثم دفن في مقبرة الخيزران في بغداد، بجوار مشهد الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه). هذا ما جاء في جزء من تعريفه في ويكيبيديا.
(2)- أبي الحسن المسعودي (896 ـ957م/283 ـ 346 هـ): هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، وكنيته أبو الحسن، ولقبه قطب الدين، وهو من ذرية عبد الله بن مسعود، وقد ورد ذلك في كتابه "مروج الذهب، عالم فلك وجغرافيا. ولد ببغداد وتعلم بها، وكان كثير الأسفار وقد زار بلاد فارس والهند وسيلان وأصقاع بحر قزوين والسودان وجنوب شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والروم، وإنتهى به المطاف الى فسطاط مصر، وتوفي بالفسطاط.
 وهو من أشهر العلماء العرب ورائد نظرية الانحراف الوراثي، مؤرخ، جغرافي والمعروف بهيرودوتس العرب.
 هذا ما جاء في جزء من سيرة حياته في ويكيبيديا، والملاحظ وجود فارق في عمره بين التقويمين الميلادي والهجري، وأعتقد من أن هذا الفارق ناتج عن الإختلاف في طريقة حسابهما للأشهر الشمسية بالنسبة للتقويم الميلادي، والأشهرالقمرية بالنسبة للتقويم الهجري.



59
هل سيكون أردوغان البطل السياسي لتحرير الموصل؟
بقلم: سالم ايليا
من المعلوم أنّ لتركيا بحزبها الحاكم الآن "حزب العدالة والتنمية" وبجذوره وتوجهاته الدينية (تأسس من إنشقاق البعض من نوّاب حزب الفضيلة الإسلامي) أطماع لم تعد خافية لإحياء الإمبراطورية العثمانية أو جزءاً منها، وحيثُ وجد اردوغان الفرصة مواتية للبدأ بمشروعه إبتداءً من الموصل ولأسباب تاريخية وجيوسياسية، مستغلاً ديموغرافيتها الفريدة وضعف الدولة العراقية وحكومتها المركزية والصراع الطائفي الذي سعت تركيا مع جارها وعدوها التاريخي إيران إلى تغذيته ومدّه بوسائل الديمومة لتحقيق هدف إسترجاع الحكم العثماني أو الفارسي على المنطقة. 
وما تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش إجتماعات الأمم المتحدة يوم الأحد المصادف الخامس والعشرين من أيلول الماضي بتحديده لساعة الصفر لإنطلاق عمليات تحرير الموصل في التاسع عشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وإعلانه لأسم القطعات المشاركة في التحرير بالإسم (القوات المسلحة العراقية والبيشمركة الكردية) كما نقلتها وسائل الإعلام وعلى ذمّتها الخاصة، إلا التأكيد على التدخل السافر في الشأن العراقي من دول الجوار، ولإستفزاز قطعات الحشد الشعبي التي ربما إنصاعت للنداءات المتكررة من جهات عديدة لعدم الإشتراك في دخول الموصل لحساسية وطبيعة التكوين المجتمعي فيها والإكتفاء فقط بالدعم اللوجستي، وهذا ما لا يرضي أردوغان وسياسته، وحيثُ يرغب في عدم إنصياع الحشد الشعبي لنداءات عدم دخول الموصل، ليكون لقواته المبرر لدخولها بحجة حماية المكوّن السنّي فيها.
كذلك رغب أردوغان في إرسال رسالة أخرى إلى رؤساء الدول المشاركة في إجتماعات الأمم المتحدة على ان تركيا هي صاحبة القرار، وإرسال رسالة ثالثة لِمن يهمه الأمر على أن الموصل أصبحت بحكم المنتهي من أنها تابعة لتركيا، وبأنّ رئيسها أردوغان هو صاحب القرار لإعلان ساعة الصفر لتحريرها وتحديد مَنْ سيشترك من القطعات لتحريرها، بالإضافة إلى تعمده تجاهل السيادة العراقية على الموصل بتجاهل رئيس وزرائها حيدر العبادي كقائد عام للقوات المسلحة، بغض النظر عن ضعف إدارته وعدم سيطرته على مجمل القرارات والأوضاع لظروف العراق السياسية المتدهورة، وتشعب مراكز القوى فيه، مع فقدان المركزية في إدارة الدولة.
 من جانب آخر أراد أن يبعث أردوغان برسالة للموصليين على انه الجانب الأقوى في المعادلة، وانه يعطيهم المعلومة لأخذ الحيطة والحذر لضمان ارواحهم.
 كما ان أردوغان أعطى الضوء الأحمر لداعش للإستعداد للمنازلة والتهيّأ لها بكافة وسائلهم، لاغياً مبدأ المباغتة في إعلان ساعة الصفر وكما هو معروف في الدراسات العسكرية، ولربما تساهل معه الدواعش لإخلاء الموصل بعد مقاومة بسيطة!!!، ليدخل هو دخول الفاتحين المنتصرين اليها، وليكسب قلوب وتأييد المحاصرين من أبناء الموصل، وليؤكد للجميع رسائله السياسية التي بعثها في جميع الإتجاهات.
لقد تطرقتً في مقالات سابقة الى ضرورة إفشال اهداف المتصيدين في المياه العكرة، وها هو أردوغان يعلن عن نفسه بأنه أحدهم، عازفاً على أوتار الطائفية في مقابلة تلفزيونية مع قناة "روتانا خليجية"، كما اوردتها شفق نيوز، حيثُ عزف عزفاً نشازاً لا تستسيغه مسامع العراقيين الوطنيين قائلاً: "يجب أن يبقى في الموصل عقب تحريرها من العناصر الإرهابية، سكانها من السنة التركمان، والسنة العرب، والسنة الكورد"، إنتهى التصريح.
الله وأكبر يا أردوغان ما هذا الإهتمام بالبعض من مكونات الشعب العراقي وأطيافه في الموصل، وما هذا التصريح (الخطير) الذي أطلقتهُ؟، وهل جئت بشيءٍ جديد؟؟؟ - - بالطبع يا حامي حمى المسلمين إنهم سيبقون شئت أم أبيت، أنت وأي متآمر آخر على وجودهم، فهم أهل الدار، ليسوا بحاجة الى تصريحك الهزيل للبقاء، فهم بالتأكيد يعلمون كيف يحافظوا على وجودهم، فلا تزال رائحة الطائفية تخرج من فمك ولا تستطيع حجبها، لأنها وببساطة تسري في جوفك كسريان دمائك الزرقاء كما تعتقد انت (يطلق في الوقت الحاضر مصطلح "أصحاب الدماء الزرقاء" على المتكبرين على شعوبهم بمختلف مكوناتها، وقد أُخِذ المصطلح مما كان يُطلقه على أنفسهم النبلاء في إسبانيا).
 فقد أراد أردوغان ان يعزف على وتر المكوّن السني (الديني المذهبي)، لكنه عزف خطئاً وبدون أن يدري على الوتر الطائفي القومي، فخرجت معزوفته بنوتاتها الطائفية القومية بدلاً من الدينية المذهبية.
 فلماذا قدمت يا من تحمل لواء الدفاع عن المذهب المكوّن السني التركماني في الموصل كأفضلية في حرصك على حقوقهم قبل المكوّن السني العربي وهم الأكثرية المطلقة في الموصل؟؟؟!!، ولماذا وضعت المكوّن السني الكوردي في آخر إهتماماتك وتسلسلك؟؟!!!، الم يكن من الأجدر أن تعطي لهذه المكونات حقوقها الكاملة في تركيا قبل أن تجعل نفسك حاميهم المقدام في الموصل؟؟، فلماذا لا تعطي حكماً ذاتياً للعرب والكورد في أقاليمهم المعروفة داخل تركيا؟؟؟!!!، ولماذا أسقطت من حساباتك بقية المكونات المتضررة كالمسيحيين واليزيديين والشبك وغيرهم؟؟؟، وحتى إخواننا التركمان هل تعتبرهم مواطنين اتراك أم مواطنين عراقيين؟؟؟، ولماذا لا تمنح من يرغب منهم الجنسية التركية؟؟!!.
 وسأقف لحظة هنا لسرد حادثة حدثت أمامي سنة 1993م أمام السفارة التركية في بغداد حين كنّا واقفين في طابور طويل للحصول على الفيزا الى تركيا، وكان واقفاً أمامي أحد إخواننا من التركمان، وحيثُ كان فرحاً ومزهواً بنفسه من ثقته بأن موظف الإستعلامات في السفارة سيعطيه الأفضلية والضوء الأخضر للحصول على الفيزا عندما يعلم بأنه تركماني، وحال وصوله إلى الموظف بدأ بالتكلّم معه باللغة التركية وهو مبتسم، فتفاجئنا جميعاً كما تفاجأ هو أيضاً حين صرخ بوجهه موظف الإستعلامات قائلاً له: "تكلّم بالعربي، فانا أفهم وأتكلم اللغة العربية"!!، فأجابه المواطن العراقي التركماني من أنّ أصله تركي!!، فصرخ في وجهه موظف الإستعلامات ثانية قائلاً له: "كلا، أنت ليس تركي، انت عراقي، ونحن لا نرضى ان تأتي إلى تركيا لتبقى فيها كمواطن وليس كزائر"، ورمى امامه جوازه رافضاً إعطائه الفيزا وسط دهشة الشاب العراقي التركماني ودهشتنا جميعاً!!، لكن الموظف أخذ جوازاتنا العراقية جميعاً ما عدا أخينا التركماني، وطلب منّا ان نأتي في اليوم التالي لإستلام الفيزا، وهذا ما حصل.
وللذي يرغب من القرّاء الكرام الإطلاع على ما جاء في تصريح رئيس جمهورية تركيا في تلك المقابلة فسيجدها على الرابط أدناه:
 http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/26203-2016-10-03-07-01-43.html
وفي تصريح آخر لأردوغان في يوم السبت المصادف الأول من تشرين الأول الجاري، وخلال إفتتاحه للدورة التشريعية في تركيا للعام الحالي، تكلم بلهجة المتحدي "من ان قوات بلاده سيكون لها دور في عملية إستعادة مدينة الموصل التي تخضع لسيطرة تنظيم "الدولة الاسلامية" داعش منذ حزيران 2014، مشيراً إلى أن لا يمكن لأي جهة منع ذلك".
فهل يحاول أردوغان بتصريحاته النارية هذه إستثارة الحكومة العراقية والحشد الشعبي لتوريطهم في مقابلة عسكرية مع الجيش التركي المتواجد بالقرب من بعشيقة، والمعروفة نتائجها سلفاً لتخفيف الضغط عن حليفه داعش، وليعطي المبرر للعالم أجمع بخطته لإحتلال الموصل وتوابعها!!.
الرابط أدناه يوضح تصريح أردوغان بهذا الخصوص:
https://www.kitabat.com/ar/page/01/10/2016/85919/%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86--%D8%B3%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D8%A8%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B5%D9%84-%D9%88%D9%84%D9%86-%D9%8A%D9%85%D9%86%D8%B9%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D8%AD%D8%AF-%D8%B9%D9%86-%D8%B0%D9%84%D9%83.html
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ان مشاركة القوات التركية ستأتي لإنقاذ قادة داعش قبل سقوطهم بيد الجيش العراقي ومن ثمّ فضح إرتباطاتهم مع اردوغان؟؟، ام لأجل تهريب ما تبقى منهم للبدأ بتكوين تنظيم آخر للمرحلة المقبلة؟؟، أم للبقاء في الموصل بحجة حماية التركمان وسنّة الموصل كما يدعي؟؟، أم لإعادة تقسيم جغرافية المنطقة وضم الموصل عنوة الى تركيا على الرغم من الإرادة الدولية والقرار الأممي الصادر عن اللجنة الأممية في سنة 1925م؟؟، أم جميعها معاً؟؟؟.
وسنرى هل أن أردوغان كان مصيباً بحركته أو لعبته السياسية هذه؟؟، وسيظهر مرة أخرى بمظهر المنتصر بعد أن فعلها سابقاً بسحق خصومه وغربلة الجيش التركي من قادته العسكريين الغير موالين لسياسته وسياسية حزبه بالقضاء على الإنقلاب العسكري المشكوك بجديته وهدفه، أم إنها ستنعكس عليه وتصيبه في مقتل؟؟، إذ لم يبقى على الموعد الذي حدده أردوغان إلا أيام معدودة، وإنّ غداً لناظره لقريب.       



60
آل النجيفي والإستعمار العثماني الجديد وأشياء أخرى ؟
بقلم : سالم ايليا
 كنتُ قد نشرت مقالة تحت عنوان "إتقي الله يا أثيل النجيفي بهوية الموصل العراقية"، حذرته فيها من الإنجرار وراء المطامع التركية في الموصل وتوابعها.
لكنه يبدو من أن "آل النجيفي" ماضون في طريقهم الذي سلكوه أجدادهم، لذا وجب علينا أن ننور القارئ الكريم، وأخص منهم أبناء الموصل النُجباء بخلفية الأحداث وربطها (بإستقتال) آل النجيفي للعودة إلى أحضان الإستعمار العثماني الجديد، ونبين أيضاً حقيقة آل النجيفي وأصلهم وفصلهم.
وسأورد أدناه نص "قضية محمد النجيفي"، كما عرضها متصرف (محافظ) لواء الموصل حينذاك عبدالعزيز القصاب في مذكراته التي أعدها وحققها في طبعتها الثانية نجله الدكتور خالد عبدالعزيز القصاب في كتابه "مذكرات عبدالعزيز القصّاب"(1).
 والتمس العذر من القارئ الكريم من أنني سأعرض النص كاملاً وإن طالت المقالة، فهو لا يقبل التجزئة لأهميته وإن دَأبَ البعض من الكتّاب على الأخذ بالمقتطفات الصغيرة من النص الكامل للقضية مثلما جاءت في المذكرات، عندما تطرقوا إلى نفس الموضوع.
لقد عرض المؤرخ والسياسي الجليل عبدالعزيز القصاب "قضية محمد النجيفي"، جد أثيل النجيفي في مذكراته بشكلٍ منفصل عن بقية الأحداث التي عاصرها، وحيثُ نجد نصّها في الصفحتين (232،233) من مذكراته في طبعتها الثانية، وهذا نصّها:
"كان لمحمد النجفي قرى كثيرة في ناحية (قرة قوش)، ومنها قرية كان يملك ثلاث أرباعها وربعها الباقي للفلاحين. وقدم النجفي شكوى على مدير الناحية يتهمه بعدم الاهتمام بإخراج الفلاحين المفسدين (كما يزعم) من قريته. سألت مردان أفندي، مدير الناحية، فأجابني: بأن المستمسكات تثبت حق الفلاحين في أرضهم، وأن ادعاء النجفي هو باطل، وأن النجفي كان يهدده ويتوعده عن طريق وكلائه ويطالب بنقله والتخلص منه. وأجبته مشجعاً بلزوم حفظ حقوق الفلاحين والتمسك بالحق والعدل، وأن لا يهتم بالتهديد والوعيد. وزاد كلامي هذا من معنويات مدير الناحية فشكرني واستمر بموقفه السليم. ثم جاءني النجفي، وهو يحمل أوراقاً للطابو، وقال: إنها تثبت أن له في ناحية (قرة قوش) تسعاً وعشرين قرية ملك (طابو). وقال: (إني سأسجل ربع هذه القرى باسمك باختياري ورغبتي، ولا أطلب مقابل ذلك سوى العدل والحق). استغربت من كلامه هذا وسألته إن كان هناك تجاوز عليه أو ضرر أصابه من الإداريين في الناحية أو في مركز اللواء، فأجاب بالنفي، وقال: ( إني أطالب نقل مدير الناحية وترحل قسم من الفلاحين من قريتي). أجبته : (إن الفلاحين يملكون الأرض مثلك ويشاركونك فيها ولا مجال للاستجابة لمطالبك. وعليك مراجعة المحاكم لإثبات حقك). ثم طلبت منه جمع أوراقه والمغادرة لأني لست بحاجة إلى تسجيل قرى باسمي.
وبعد يومين سمعت من المفتش (لويد) أن محمد النجفي قد غادر إلى بغداد آخذاً معه ثلاثة رؤوس خيل ممتازة. ثم ورد لي كتاب من وزارة الداخلية بعد مدة قصيرة يتضمن سؤالاً عن قصة النجفي وأسبابها، فجمعت الأوراق الخاصة بها وقدمتها بكتاب خاص إلى وزارة الداخلية، طالباً أن تنورني عن الطريق القانوني الذي يجب اتباعه لحلها، ولم يردني جواب.
وعندما تسلمت وزارة الداخلية من وكيلها رئيس الوزراء، عبد المحسن السعدون، بعد أربعة أشهر، جاءني السعدون بملف وضعه على مكتبي وقال ضاحكاً ما معناه: (ستلاقي الكثير من المشاق مع هذه الأوراق) وانصرف. قلبت الملف وإذا به كل ما يخص قضية النجفي، وهو خال من أي شرح عليه مدة بقائه في الوزارة وفي عهد وزيرين سابقين.
زرت الملك فيصل زيارة اعتيادية بعد تسلمي منصبي الوزاري بعشرة أيام، وقال لي ضاحكاً : (يا عبدالعزيز، أرجو أن تخلصني من محمد النجفي وتنهي قضيته المعلقة). قلت له: (إني سأكلف متصرف الموصل الجديد، ناجي شوكت، بحسمها بالطريقة التي يقترحها) ووافق الملك على هذا الحل. ومرت أربعة أشهر حتى وردني كتاب من ناجي شوكت يقول فيه إنه درس الأوراق وحقق فيها، وكشف موقعياً على الأملاك بشكل جيد ولا يجد مجالاً لنقض القرار المتخذ من قبلي وهو المطابق للحق والقانون. عرضت هذا الكتاب على جلالته وانتهت القضية." ـ ـ إنتهى الإقتباس عن قضية محمد النجفي (النجيفي) كما ذكرها بالنص مؤرخها المرحوم عبدالعزيز القصاب.
ولنقرأ الآن كيف حصل "آل النجيفي" على تلك القُرى، هل حصلوا عليها بجهدهم وعرقهم ومالهم أم من خدمتهم المشكوك بنزاهتها للمستعمر العثماني؟!!.
يقول أحد المؤرخين الموصليين المحاديين والمعنيين بالتراث الموصلّي (حجبتُ إسم المؤرخ الآن حفاظاً على سلامته، والمعذرة له لحجب حقه وجهده في الإعلان عن إسمه في توثيقه لهذه الحقائق، فللضرورة أحكام وسأعمل على نشره لاحقاً بعد زوال الظرف) في معرض توثيقه لسيرة "آل النجيفي" ما يلي: "أما تسمية أسرة (النجيفي) بهذا الاسم فقد أشتقّ من تسمية قرى (النجيفات) في الشام التي قدمت منها الأسرة صحبة جمع من قبيلة بني خالد المخزومية سنة 1638م مع السلطان مراد الرابع في حملته العسكرية لتحرير بغداد من الاحتلال الفارسي. وصحّفت لفظة (النجيفي) إلى (النجفي) لكثرة تداولها وصعوبة لفظ الأولى.
ويقول الحاج عبدالعزيز النجفي عميد الأسرة الحالي أنّ جدّ الأسرة (حسن بك) سكن في محلة السوق الصغير بعد أن منحه والي الموصل لقب (بك) وقرى عدة في ولاية الموصل، حتى كانت سنة 1913م عندما قرر والي الموصل سليمان نظيف باشا فتح شارع جديد يربط شارع نينوى وشارع المحاكم (العدالة حالياً). ويضيف أنّ الوالي أصرّ متعمداً وخلافاً لرغبة البلدية أن يمرّ الشارع في وسط بيت آل النجفي على الرغم من انحرافه عن مساره المستقيم الذي رسمته البلدية. وفي رأيي أنّ بلدية الموصل بتأييد من الوالي اضطرّت لكي يكون مدخل الشارع الشمالي يقابل ويوازي مدخل سوق الشعارين أن تحرف مسار الشارع الجديد عن جامع العباس لكي تتجنب هدم الجامع بأكمله فيما لو رسم بصورة مستقيمة. ولو كان الوالي يعلم أن تصرّفه اللئيم هذا سيفتح في المستقبل كنزاً لأسرة النجفي لما فعل ذلك، إذ بنت الأسرة عدداً كبيراً من المحلات على جانبي الشارع فيما بعد عادت عليهم بأرباح كبيرة.
في سنة 1959م هدمت أسرة النجفي بيتها القديم والمحلاّت الكائنة على جانبي الشارع وشيّدت على انقاضها عمارتين متقابلتين. وكذلك فعلت أسرة عبدالباقي الشبخون الواقع دارهم جنوبي دار النجفي، إذ شيّدوا عمارة الشبخون سنة 1984م. وتعرّض جامع العباس الكائن في المنطقة بين البيتين المذكوريين إلى اقتطاع جزء من مشهده ضمن الشارع، ويقول الأستاذ سعيد الديوه جي عن هذا الجامع أنه بني سنة 405هـ/1013م من قبل شخص اسمه الحاج كاظم وكتب على رخامة فيه (هذا قبر العباس بن علي)، وهدمه سنة 1346هـ/1927م الحاج عبدالباقي الشبخون وجدد عمارته" ـ ـ إنتهى الإقتباس.
وأنني (أي كاتب هذه المقالة) ربما أختلف مع رأي مؤرخنا الجليل في إصرار الوالي سليمان نظيف على مرور الشارع الجديد في وسط بيت آل النجفي وبالإتفاق مع آل النجفي أنفسهم وليس بالضد من رغباتهم، كونهم أولاً من أتباعه المخلصين ولمعرفتهم بأنه سيفتح لهم هذا الإجراء كنزاً تجارياً وإقتصادياً ثميناً، وثانياً لطريقة آل النجيفي بتقديم الهدايا للمسئولين لتمشية مصالحهم مثلما حاولوا مع الملك فيصل الأول ومتصرف الموصل حينها عبدالعزيز القصاب كما ذكر في مذكراته، على الرغم مما هو معروف عن سيرة الوالي "سليمان نظيف" الجيدة، لكن الهدايا والعلاقات الشخصية حينذاك وخاصة في زمن الإمبراطورية العثمانية كانت عادية جداً ومستشرية، وحيثُ أن السبب الذي عرضه المؤرخ وحسب رأيه لأصرار الوالي في مرور الشارع من وسط بيت النجفي تجنباً لهدم الجامع االتاريخي يبدو ضعيفاً وحيثُ أهمل بعد وقت قصير، وإنما أُتخذ كذريعة لتمرير إصرار الوالي على مرور الشارع الجديد في وسط بيت آل النجيفي، إذ أن الجامع قد تمّ هَدمه بالفعل بعد (14) عاماً فقط من قرار الوالي دون مراعاة لأهميته الدينية والتاريخية !!!.       
ولهذا ومن حقنا أن نستنتج مما ورد ذكره أعلاه من توثيق الأحداث بأقلام المؤرخين المحايدين كيف يفكر آل النجيفي؟، لنصل إلى فرضية محاولتهم إرجاع أملاكهم التي وهبها اليهم السلاطين العثمانيين، وحيثُ "وهب السلطان ما لا يملك"، بعد أن انتزعوها من سكانها الأصليين أبناء الموصل وتوابعها، ومن حقنا أن نسأل ماذا فعل جد أسرة النجيفي الأسبق (حسن بك) من عمل جليل وخارق للعراق أو للإمبراطورية العثمانية ليمنحه والي الموصل حينها لقب (بك) وقرى وصلت بمجموعها الى (29) قرية بأرضها وسمائها ومياهها وناسها مجاناً وبدون مقابل، وكأنه كان يهبه (كوشر من الرقي أو البطيخ)؟؟؟!!!!، وهل لصاحب أملاك حصل عليها بماله وبجهده أو جهد أجداده أن يهب ربعها أي بحدود سبع قرى مجاناً وبدون مقابل (كرشوى رفضها المتصرف النزيه) لمجرد انه يطالب بإحقاق الحق، فلو كانت تلك القرى بتعبه وحقه فلماذا يفرّط بربعها كهدية؟!!!.
وعليه فلربما يوجد إتفاق أو وعد من الحكومة التركية الحالية بقيادة أردوغان المصاهر لأثيل النجيفي عائلياً، في حال عودة الإحتلال العثماني (التركي) للموصل لا قدّر الله أن يعيدوا اليهم القرى التي طالب بها جدّهم محمد النجفي وخسر الدعوة القضائية في المحاكم العراقية، وسيكون المرسوم العثماني (الفرمان) الصادر اليهم من الدولة العثمانية (السلطان العثماني) نافداً بأثر رجعي ولا يعتبر ساقطاً أو ملغياً على إعتبار أنه صادر من الإمبراطورية العثمانية السابقة، وحيثُ يُعتبر الحُكم القضائي من القضاء العراقي بشأن أحقية أهالي قرة قوش وقراها ملغياً بشكل طوعي (أوتوماتيكي) على إعتبار أنه صادر من المحاكم العراقية،  فيعودوا آل النجيفي للإستحواذ على القرى، وعندها سيستعبدون الأرض والعباد الساكنين عليها ويعتبرونهم مجرد فلاحين (عمالة زراعية) يعملون لديهم.
وللتذكير أيضاً، وبالعودة إلى الماضي القريب في حسابات التاريخ وبحدود (90) عاماً إلى الوراء، عندما أجرت اللجنة الأممية المكلفة من عصبة الأمم بتقرير مصير الموصل إستفتائها، وقف جد أسرة النجيفي "محمد النجفي" بالضد من رغبة (95%) من أهل الموصل وتوابعها لإنضمام الموصل إلى العراق وإعتبارها مدينة عراقية.
 ويذكر المؤرخ السياسي الوطني عبدالعزيز القصاب في مذكراته/الطبعة الثانية/على الصفحتين (222،223) ما يلي: "وفي 8 شباط (1925م)، غادر فتاح بك وبدري بك (وهما من اللجنة التركية التي تسعى لضم الموصل الى تركيا)، رفاق جواد باشا (المفتش العام للجيش التركي في منطقة الجزيرة)، القصر بسيارة مغلقة إلى محل حسو إخوان ومن هناك زاروا دار محمد النجفي، وعند خروجهم منها أهانهم أشخاص وطنيون كانوا واقفين خارج الدار، وتجمهر الناس حولهم فاضطر الأتراك إلى الرجوع إلى القصر.
وفي مساء ذلك اليوم، نشب نزاع أمام دار النجفي بينه وبين إبراهيم كمال (إبراهيم كمال: وطني عراقي من أهل الموصل كان ضابطاً في الجيش التركي، لكنه التحق بالثورة العربية في الحجاز، ثم تقلّد عدّة مناصب في الدولة العراقية) بحضور جمع غفير من الناس، وأصيب إبراهيم بجرح بسيط بكتفه، وألقت الشرطة القبض على كليهما، ثم أطلق سراحهما بتوسط أعيان من البلد. شاهَدَ (أي.أف.فرسن) و (الكونت تلكي) هذا النزاع والسب والشتم، والذي كان سببه دفاع إبراهيم كمال عن عروبة الموصل وتحمس محمد النجفي لتتريكها) ـ ـ إنتهى الإقتباس.
 وأعتقد بأنه لا داعي لأي تعليق على ما أوردهُ المؤرخ في مذكراته، فالأمر واضح تماماً!!.
لقد حاول أثيل الجيفي إستمالة بعض المكوّنات الموصلّية بطرق مختلفة لكسب أصواتهم للوقوف مع رأيه في حصول الموصل وتوابعها على حكم ذاتي إقليمي مشابه للمناطق الكردية تمهيداً لضمها إلى تركيا، لكن في يقيني من أنه سيفشل كما فشل جدّه محمد النجفي في ذلك.
ويعرض المؤرخ عبدالعزيز القصاب في مذكراته المكاتيب (المكاتبات) السرية التي عثرت عليها الحكومة العراقية والمُرسلة من تركيا لتحرض سكان لواء الموصل ضد العراق، والتي أحبطها الموصليون لِما عرف عنهم بإخلاصهم لوطنهم وعن وطنيتهم، ولا تتسع مساحة هذه المقالة لنشرها.
هنالك قصة كنتُ قد قرأتها ولا أعلم مدى صحتها، ومختصرها: إن أحد الدبلوماسيين البريطانيين في الهند أبان الإحتلال البريطاني رأى أحد الشباب المثقفين من الهنود وهو يركل بقرة في وسط أحد الشوارع في نيودلهي، فما كان منه إلا أن ترجّل من عربته ودفع الشاب ونهره، فتجمع الهنود حول الشاب بعد أن شاهدوا موقف البريطاني وهجموا على الشاب وأشبعوه ضرباً، وشاهدوا الدبلوماسي البريطاني وهو يمسح البقرة ويؤدي فرائض الطاعة لها، بعد عودته إلى عربته سأله جليسه مستغرباً عمّا فعله؟ وهل هو مؤمن بعبادة الأبقار؟!!، أجابه الدبلوماسي قائلاً: "ركلة الشاب للبقرة هي صحوة وركلة للعقيدة التي نريدها ولو سمحنا للهنود بركل العقائد، لتقدمت الهند خمسين عاما إلى الامام وحينها سنخسر وجودنا ومصالحنا الحيوية فواجبنا الوظيفي هنا إبقائهم على ماهم عليه".
لقد نال العراق ما نال هو وجميع البلدان التي إستعمرها العثمانيون بإسم الدين من تخلّف لاتزال أثاره باقية وراسخة في عقول الكثير من أبناءه، حتى نُعِتنا ما نُعِتنا به من صفات التخلف فإنطبق علينا قول المتنبي :" يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ"، وعندما خرج العراق من فم الحوت العثماني دخل في فم القرش الإنكليزي الذي إستغل تورط العثمانيون الغبي والغير مدروس بدخولهم إلى جانب المانيا ودول المحور في الحرب العالمية الأولى، فأحتل العراق بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية والمانيا في تلك الحرب.   
ولولا دخول الإمبراطورية العثمانية إلى جانب المانيا في الحرب لما وجدوا الإنكليز والفرنسيين الذريعة لإحتلال العراق والبلدان العربية، أو لربما كانوا بحاجة إلى خطط أكثر صعوبة ودهاءاً ووقت أطول للسيطرة على المنطقة، لكن لشدة كره العثمانيين للعرب فقد ضحّوا باراضيهم وممتلكاتهم ومواطنيهم، حيث ساقوهم إلى محارق الحروب دون تدريب او تجهيز لأبسط المعدات، ولا زلنا نذكر "طابور ابو شخاطة" السيء الصيت وما جرى قبله وبعده (سمّيَ بهذا الأسم لأن الأهالي في المدن العراقية ومنها بغداد والموصل هبوّا الى محطات التسفير مع غياب الشمس للبحث عن فلذات أكبادهم بإستخدام أعواد "الشخاط" أي الكبريت للتعرف على أبنائهم في وسط الظلام، وكان بحثهم ممزوجاً بأصوات البكاء والنحيب، وحيثُ إختطف الجيش العثماني من كان عمره بين 15-45 سنة من الشوارع والأزقة ومواقع عملهم بحجة النفير العام لسوقهم إلى الحرب، ولهذا إشتهر ذلك اليوم بإسم السفر بر أو السفر برلك، وكان هذا الأسم مرعباً حتى لأبناء المدينة المنورة في السعودية حين هجّرهم العثمانيون، لا بل أنه كان مرعباً لكل البلدان التي كانت خاضعة تحت الإحتلال العثماني).
ولربما علينا أن نذكّر بعض المؤرخين من أن معظم مَنْ ذهبوا في تلك الحروب لم يعودوا إلى دورهم وفُقِدَت عنهم المعلومات وأصبحوا في حكم الذكريات الأليمة في عقول عوائلهم وأقربائهم، ولو سألنا أي عائلة عراقية عن أجدادهم لرأينا من أن كل عائلة كان لها نصيب في فقدان عزيز أو أكثر في زمن العثمانيين.
 وعجبي على البعض من المؤرخين الذين يدّعون الحيادية والمنطقية في التوثيق وهم حين يمسكون بأقلامهم ينسون أو يتناسون الكوارث التي حلّت بشعوبهم من جرّاء الإستعمار العثماني وماتركه من تخلف في تلك الأمم، وحيثُ يتناسون محاولات التتريك لشعوبهم، وحيثُ لم يُعرف عن سلاطينه غير الغزوات النسائية وهواية جمع الجواري والغلمان.
وإني إذ أسأل هؤلاء المؤرخين: هل يوازي الثمن الذي وعدهم به المستعمرون الأتراك الجدد ثمن نكرانهم لعراقيتهم وموصلّهم!!!!، وهل يعتقدون بأنهم سيمررون تزييفهم للحقائق على أبناء الموصل النُجباء.
وليذكر لي أحدهم وبشجاعة المشاريع التي بناها العثمانيون والتي عادت للشعب بالفائدة والباقي أثرها ليومنا هذا؟!!، هل هي وسائط النقل التي لم تتطور منذ سنة 1450م (منذ سيطرة قبائل الخروف الأسود ومن ثمّ الخروف الأبيض على العراق)، فالبغال بقيت نفس البغال والطرق الغير معبّدة بين مدن العراق التي كانت مليئة بقطاعي الطرق لم تتغير حتى جلاء المستعمر العثماني، وسأورد أدناه إصلاحات مدحت باشا الذي حكم فيها كوالي لبغداد قرابة ثلاث سنوات ونصف والتي طبّل لها المطبلون وأثنوا على أهميتها، وبكل تأكيد نشكره عليها لأنها أفضل من اللاشيء.
وما دمنا ننبذ الإستعمار بأشكاله ودوله، فلنا أن نتوقف هنيهة من الزمن عند حسناته لنعطيه الجزء اليسير من حقه علينا!!، ونراجع سنوات إحتلاله (بمحاسنها)!!.
 فبالنسبة للإستعمار العثماني البغيض الذي إستمر جاثماً على صدورنا ما يزيد على الأربعة قرون (بإستثناء فترة سبع عشرة سنة 1621-1638م تمكن فيها الصفويون القادمين من ايران من السيطرة على بغداد) لم نرى منه غير الحلب المستمر لضروع ثرواتنا القومية بمختلف مصادرها، حتى أزكمت أتاواته وضرائبه الإنوف، وأفرغت الجيوب، وأفقرت أغنى طبقات الشعب، لتزداد كروش سلاطينه وولاته إتساعاً، وتكثر جواريهم وغلمانهم، وتتوسع وتعلو قصورهم، وتعمّر مناطق الأتراك حصراً في الإستانة (إسطنبول) وغيرها من المدن التركية على حساب باقي مناطق وبلدان الإمبراطورية من غير الأتراك، ولا داعي للكلام عن بذخ السلاطين العثمانيين وولاتهم فقد أصبح مضرباً للأمثال.
ناهيكم عن المصادرات للممتلكات والأموال أثناء حروب الإمبراطورية العثمانية التي كان لها أول وليس لها آخر، حتى لفظت تلك الإمبراطورية أنفاسها الأخيرة في نهاية الحرب العالمية الأولى، وحيثُ كانت تلك المصادرات تتم تحت يافطة التبرعات التي غالباً ما كانت قسرية وليس طوعية، ويحدثنا في هذا الصدد الدكتور علي الوردي في كتابه "لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث"/الجزء الرابع/الطبعة الثانية/الصفحة (2) ذاكراً ما يلي(2): " وصارت دوائر الاعاشة العسكرية تضع يدها على حيوانات النقل والكثير من المواد التي اعتبرتها لازمة للجيش بإسم (التكاليف الحربية)، وكانت هذه الدوائر تعطي لمن تأخذ منه شيئاً ورقة تتعهد الحكومة فيها بأنها سوف تسدد الثمن بعد انتهاء الحرب. وهذا معناه ان الحكومة تصادر أموال الناس من غير مقابل لأن الناس لم يكونوا يثقون بالحكومة وأوراقها وكانوا على يقين بأن ما تأخذه الحكومة لن يعود"!!، إنتهى كلام د. علي الوردي.
 ومما يُذكر في هذا الصدد بأنهم كانوا يصادرون حتى الملابس النسائية من أصحاب محلات بيعها بحجة حاجتهم اليها للجيش !!، هذا ما جاء في الصفحة التالية لنفس المصدر.
وبالمقابل كثرت في العراق الصرائف (الصريفة:الكوخ الذي يصنع من قضيب النخيل اليابس) والزرائب (الزريبة:حضيرة الماشية التي تصنع من القصب أو الطين، وفي كثير من الأحيان تبنى من بِراز الأبقار بعد تجفيفه على شكل أقراص ويسمى بالمطّال ومفردها مطّالة وهي كلمة عامية وتختلف بالمعنى عن مثيلتها في العربية الفصحى وتعني صانع الحديد) التي لا تصلح حتى لسكن الماشية، وأمتلئت بغداد بها بعد أن كانت قبلة المسلمين لا بل قبلة العالم ومنارته.
ولنقف عند إصلاحات مدحت باشا طيب الله ثراه وبشكل مختصر لبيان الحقائق.
فقد بدأ الوالي إصلاحاته بعد تعيينه على ولاية بغداد في شباط عام 1869م بتكوين دائرة للطابو (العقاري) ودائرة للنفوس وأخرى للأشغال العامة ودوائر للبلدية ومجلس للمعارف ودائرة للإدارة النهرية، وأسس سكة حديد لعربات نقل تجرّها الخيول بين بغداد المركز والكاظمية التي كان يُطلق عليها (الترام)، ومصنع للنسيج لخدمة الجيش العثماني، وجلب مطبعة وأصدر مجلّة الزوراء العراقية وهي أول صحيفة عراقية، هذا ما جاء في مقالة كتبها الكاتب فلاح يازار اوغلو في 30-07-2015م على موقع "توركمن شانى"، كذلك أكمل مدحت باشا بناية القشلة التي بدأ ببنائها الوالي نامق باشا وهي المبنى الخاص للحكومة والجيش العثماني.
ونلاحظ من تلك الإصلاحات مدى تأخر الإستعمار العثماني في مواكبة الثورة الصناعية في اوربا ونشرها في مستعمراته على الرغم مما كان يجنيه منها من موارد مالية ضخمة من خلال الضرائب المفروضة على كاهل المواطن المحلّي، كما إنّ الكثير من تلك الأعمال الإصلاحية كانت لتسهيل مهمة الحكومة والجيش العثماني وليس لخدمة رعايا الدولة الإسلامية، كما اطلق عليها البعض.
فأول قاطرة بخارية تم تسييرها على قضبان حديدية في العالم تمت سنة 1814م في بريطانيا والتي تمخضت عنها إفتتاح أول سكة حديد عام 1825م بواسطة الإنكليزي جورج ستيفنسون، في حين بقي العراق خالياً من تلك الوسائط المهمة حتى الربع الأول من القرن العشرين، أي بفارق زمني مقداره المئة عام فيما لو إستبعدنا سكة الحديد المحدودة المسافة بين مركز بغداد والكاظمية والتي سميت بالترام، التي كانت تجر عرباتها الخيول، والتي ينطبق عليها المثل "تمخض الجبل فولد فأراً".
  وأما سكة الحديد الحديثة بالقاطرات البخارية فلم يكتمل بنائها في زمن الإستعمار العثماني، والتي تبرع بإنشائها الألمان في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بعد أن غلب (حمارهم) في إقناع السلاطين العثمانيين بأهميتها، حتى جاء المستعمر البريطاني فأكمل الشبكة بالطرق الحديثة ولمصلحته أيضاً، لكنها عادت بالفائدة على العراق.
وقد ذكر الكاتب محمد إبراهيم محمد في مقالته المعنونة "من تاريخ السكك الحديد في العراق" التي نُشرت على موقع ملاحق جريدة المدى في يوم الأحد 01-02-2015م، وكما نُشرت سابقاً في جريدة التآخي في يوم الأربعاء المصادف 06-06-2012 ما يلي: " ومما تجدر اليه الاشارة ان الاستاذ محمد فهمي درويش والدكتورين مصطفى جواد واحمد سوسة قد ذكروا في دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960 ان معظم السكك الحديدية في العراق قد تم انشاؤها على يد الجيش البريطاني عند احتلاله للعراق خلال الحرب العالمية الاولى فقد اتضح للجيش المذكور ان تأسيس سكة حديد لضمان مواصلاتهم امر حيوي وضروري وهو مايسهل مهمتهم في الغلبة على الجيش العثماني واحتلال العراق فجلب الجيش البريطاني المذكور جميع المواد اللازمة والقاطرات والعربات والشاحنات من الهند وشرعوا في مد الخط الحديدي" - - إنتهى الإقتباس.
وللذي يرغب من القرّاء الكرام في قراءة المقالة كاملة، فهي موجودة على الرابط أدناه:
 http://www.almadasupplements.net/news.php?action=view&id=11940#sthash.SjcK3XOx.dpbs
كذلك فإنّ الطباعة والمطابع بدأت بالإنتشار السريع في أوربا ودول العالم الأخرى مع إختراع الألماني يوحنا غوتنبرغ للطباعة سنة 1436م، لكننا وبسبب الإستعمار العثماني لم نحصل عليها إلا بعد سنة 1869م بزمن الوالي مدحت باشا، أي بفارق زمني لأكثر من (433) سنة في حسابات التطور الصناعي الإنساني!!!!.
ولم تكن أعمال مدحت باشا كلها إصلاحية لوجه الله تعالى وإكراماً للعراقيين، فلا ننسى قيام الإنتفاضة الشعبية بعد وقت قليل من حكم الوالي مدحت باشا ضده إعتراضاً على فرضه لقانون التجنيد الإجباري لتغذية حروب الإمبراطورية لمحاولة بسط نفوذها وتوسعها بجميع الإتجاهات وليكون سكان مستعمراتها وقوداً لتلك الحروب.
كما لا ننسى قيام الوالي مدحت باشا بخطأ كبير حين هدم ما تبقى من سور بغداد لإنشاء متنزه يتم الدخول اليه مقابل مبلغ معين من المال، والذي أُهمل وإختفى بعد فترة قصيرة، حيثُ خسرت بغداد أهم معلم من معالمها العربية والإسلامية.
يقول الدكتور علي الوردي في كتابه الآنف الذكر وفي الجزء الثاني/الطبعة الثانية/الصفحة (276) ما يلي: "كانت بغداد عند مجيء مدحت باشا اليها محاطة بسور قديم يرجع تاريخه إلى العصر العباسي، فارتأى مدحت باشا أن يهدم هذا السور ويجعل مكانه حدائق ومتنزهات عامة. والظاهر انه لم ينجح في انشاء تلك المنتزهات اذ صار موضع السور مجموعة من الخرائب" ـ ـ إنتهى كلام الدكتور الوردي.
ويكمل د.علي الوردي بقوله من ان الوالي مدحت باشا بنى بطابوق السور عدد من الأبنية وحيثُ جمع الأموال اللازمة لبنائها من تبرعات الأهالي (وكما ذكرنا سابقاً من ان تلك التبرعات كانت في اغلبها قسرية وليس طوعية).
 وإني إذ أتسائل مرة أخرى كيف لنا ان نسمي هذا الوالي بالمصلح وقد هدم أهم معلم من معالم بغداد المدوّرة !!، ليبني بطابوقه أبنية أخرى؟!!، الم يكن يستطيع تسخير العمالة التي هدمت السور في تصنيع الطابوق من الطين الذي كان يغطي بغداد جرّاء الفيضانات المستمرة لإستخدامه في بناء تلك الأبنية؟!!، خاصة وإن الأموال المخصصة لهذا الغرض قد تم جمعها من الأهالي!!، واين هي حصة العراق المدفوعة من الضرائب في خزينة الدولة العثمانية؟!!، الم يخصص الوالي جزءاً يسيراً منها لإنفاقه على العراق؟، أم ان الأموال التي كانت تذهب الى الإستانة لا يعود منها حتى "مجيدي" واحد لفائدة دافعي تلك الضرائب !!.
ونفس الشيء حصل لسور الموصل حين أهمله الولاة العثمانيين، وحيثُ لم يبقى منه غير أطلال بسيطة، في حين ان دول العالم أجمع تحاول إستغلال صخرة أثرية لتسويقها سياحياً للإستفادة منها في جلب المردودات المالية وإستقطاب السوّاح !!.
ويبدو من ان الإستعمار العثماني الجديد بدأ يلعب بنفس الأوراق القديمة بإستغلال الدين كوسيلة لعودته، وقد لعب بعواطف بعض الباحثين والمؤرخين ممن نكن لهم التقدير والثقة بكتاباتهم التي إنحرفت عن الحيادية في توثيق الحقائق، فخرج علينا أحدهم تارة للدفاع عن الإستعمار العثماني بنعته له بالخلافة الإسلامية، وتارة اخرى حاول التشكيك بحقيقة الإغتصاب الذي تعرض له ووثقه الجاسوس البريطاني "لورنس" من قبل والي درعا العثماني هاشم محي الدين بك، فكيف لشخص مثل لورنس أن يتهم نفسه هذا الإتهام لغرض بسيط وهو الطعن بسلوكية الوالي العثماني الذي كان أساساً معروفاً بشبقه الجنسي والمصاب بالسيلان، مقارنة بالجرم والتهمة التي إرتضاها على نفسه لورنس؟!!،.
 وقد حاول المؤرخ التشكيك بتعرّف الوالي على "لورنس" من خلال شهادة إبن الوالي!!.
 وللتعقيب على ذلك أتسائل: أيعقل أن يؤيد الإبن شذوذ والده ويؤكد التهمة عليه!!، ثمّ أنّ لورنس وكما هو معروف عنه كان يتخفى دائماً باللباس العربي التقليدي أي الغترة والعقال والصاية أو الزبون، وأن الوالي العثماني عندما أرسل جنوده لإصطياد أحد الضحايا من الشارع للإعتداء عليه كان قصده جلب أي عربي (حسن الأوصاف) ليكون ضحيته!!، فوجد الجنود ضالتهم بلورنس ولسوء حظه لذلك اليوم، خاصة وإن لورنس كان يجيد اللغة العربية المحلية وبطلاقة، لذا أقول للبعض من المؤرخين ممن يكتبون بعاطفتهم وليس بعلمهم وعقلهم "حدّثوا العاقل بما يُعقل" ولا تهينوا قرّائكم بإستغبائهم، فهم من العلم والمعرفة إن لم تكن بأقل منكم بقليل فلربما بمثلكم.
ولأذكّر كل الأقلام التي تحاول الإلتفاف على الحقيقة "لغاية في نفس يعقوب"، فلعل تنفع الذكرى، بأن العثمانيون لم يحتلوا العراق لهدف سامٍ في ارجاع الخلافة الإسلامية، وإنما كان إحتلالاً مع سبق الإصرار والترصد لقيام الخلافة العثمانية، فالفرق واضح بين الخلافة الإسلامية والخلافة العثمانية!!.
وبالعودة إلى كتاب الدكتور علي الوردي "لمحات تاريخية/الجزء الأول/الطبعة الثانية/الصفحة (14)" فسنجد الحقيقة الساطعة للإحتلال العثماني للعراق، حيثُ يذكر موثقاً: "كانت الدولة العثمانية قد ظهرت في تركيا منذ القرن السابع الهجري، غير أنها اتجهت في توسعها أولاً نحو الغرب باتجاه أوربا، وهي لم تتجه نحو الشرق أي باتجاه العراق وغيره من البلاد العربية إلاّ بعد ظهور الدولة الصفوية في ايران. ومنذ ذلك الحين صار العراق موضع نزاع عنيف بين الدولتين الايرانية والعثمانية واستمر كذلك ما يزيد على الثلاثة قرون، ومن هنا نشأ المثل المشهور في العراق: (بين العجم والروم بلوى ابتلينا)"، ـ ـ إنتهى كلام د. علي الوردي الذي يوضح في حاشية نفس الصفحة ان العرب كانوا يطلقون على الأتراك اسم "الروم" !!.
وهنا يجب التدقيق فيما ذهب اليه الدكتور علي الوردي في طرحه لهذا المثل، ولإعطاء كلّ ذي حقٍ حقه، فلو كان المثل قديماً جداً، فبالتاكيد لم يكن المقصود "بالروم" في المثل الذي أورده على أنهم الأتراك كما ذكر هو، وإنما يُقصد به الروم أنفسهم، حيثُ كانت هنالك حروب كثيرة بين الفرس والروم البزنطينيين، وكان العراق وسوريا، اي عرب المناذرة والغساسنة بين نارين للوقوف مع هذا الطرف أو ذاك، اما اذا اطلق المثل خلال الصراع الصفوي– العثماني، فهذا شأن آخر.
ثمّ يضيف الدكتور الوردي مؤرِخاً في الصفحة التالية ما يلي : "والواقع أن الدولتين العثمانية والايرانية كانتا متماثلتين من حيث بعدهما عمّا كان يدعو اليه أصحاب النبي وأهل بيته معاً، إذ كانت كلتاهما من الدول الاستبدادية القديمة التي لم يكن لها أي شبه كثير أو قليل بالدولة الاسلامية التي شهدناها في عهد النبي وخلفائه الراشدين"، - - إنتهى الإقتباس.
ولنبقى في هذا المضمار لنبين للقارئ الكريم الحقائق المدعومة بالأمثلة التي لا تقبل الجدل في إدحاض من يقول عن الإحتلال العثماني للعراق على أنه كان خلافة إسلامية!!، ونذكر بعضاً مما أصاب العراقيون من مجاعات وأوبئة فتّاكة (الطاعون، الكوليرا وغيرهما) حصدت مئات الآلاف في أيام وأشهر معدودة دون أن تهتز شعرة من لحى السلاطين والولاة العثمانيين، وعلى مدار جميع فترات ومراحل الحكم العثماني وإلى نهاية عهدهم أبان الحرب العالمية الأولى.
يذكر الدكتور الوردي بصدد الأوبئة في كتابه ذات الأجزاء الستة، وفي جزئه الثاني/الطبعة الثانية/ الصفحة (156) ما يلي: "لم يكد ينقضي على هذا الوباء الذي ذكرناه (في سنة 1846م) سوى أشهر معدودة حتى ظهرت بوادر وباء جديد من الكوليرا، وكانت بداية ظهوره في البصرة وأخذ يسري نحو الشمال تدريجياً. وحين بلغ الحلّة أخذ يفتك بمعدل يتراوح بين ثمانية وعشرة يومياً. ثمّ وصل إلى بغداد فكان معدل اصاباته اليومية ثلاثين يموت نصفهم تقريباً. وكان للحكومة (يقصد العثمانية) طبيب فرنسي يدعى الدكتور دروز، وقد حذر هذا الطبيب الحكومة من الوباء قبل مجيئه، وطلب مبالغ من المال لاعداد بعض الأدوية اللازمة له، غير أن الحكومة لم تهتم بطلبه ولم تتخذ أي اجراء للوقاية من الوباء"!!، - - إنتهى الإقتباس.
 ولا أرغب ككاتب لهذه المقالة في عرض ما جاء في كل هذه المصادر التي أستشهد بها أو غيرها من المصادر عن المجاعات وصورها المقززة وعلى لسان الشهود حينها، والتي أرغمت الناس على أكل جثث الكلاب والحيوانات الأخرى الميتة.
فلو كان الولاة العثمانيين يؤمنون حقاً بأنهم كانوا يحكمون تحت وصاية "الخلافة الإسلامية" لآمنوا بجوهر تلك الخلافة المبني على أساس "التكافل الإجتماعي" و "العدل المجتمعي" بين أبناء جميع الولايات دون تمييز، ولأسعفوا أهل الموصل وبغداد والبصرة وغيرها من الولايات التي كانت تُضرب بين الآونة والأخرى أما بالمجاعات أو الأوبئة، ولأرسلوا اليهم المعونات من الإستانة (إسطنبول) لإنقاذهم، أو على الأقل لرد جزء يسير من الغلال والأموال التي كانوا يحصلون عليها من جبي الضرائب سنوياً ويرسلونها إلى سلاطينهم في الإستانة.
وبدل من ان يحاول الولاة مخاطبة الإستانة لمد يد المساعدة، كانوا يطلقون النار على المتظاهرين الجائعين، وهذا ما ذكره الدكتور علي الوردي في كتابه الآنف الذكر/الصفحة (178) من الجزء الأول عندما حدثت المجاعة سنة 1786م في بغداد.
وللأسف نرى اليوم بعض المؤرخين الذين كنّا نعتقد بحياديتهم في التوثيق ووطنيتهم العراقية يسوّقون نتاجاتهم المنحرفة عن الحقيقة والفاقدة للصلاحية للتهيئة لإستعمارٍ عثماني جديد خاصة في الموصل، والذي نحن في غنى عنه لإرجاعنا الف سنة أخرى إلى الوراء.
 فيكفي العراق والبلدان العربية ما هم به من تخلف وتمسك هرطقي بما يعتقدون من أنّ الدين قد أتى به، والدين وتعاليمه منه براء، وحيثُ جاء به المستعمرون العثمانيين للسيطرة على شعوب المنطقة وتخديرها.
 وإن كان هنالك القناعة من البعض على عودة الخلافة الإسلامية فيجب ويجب أن تكون عربية وعاصمتها بغداد الرشيد، وأن تكون مناراً للمعرفة والرقي والفكر النيّر، لا أن تكون كهفاً للضلالة والتخلف الفكري، وعلى من يؤمن بالدين وكتابه السماوي عليه أن لا يسوّق لعودة الخلافة الإسلامية الأجنبية، فقد "أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"، هذا ما قاله الله في كتابه ولم يقل أنزلناه قرآناً عثمانياً أو فارسياً، اليس كذلك ؟!!.
يقول المؤرخ البغدادي الأصيل أمين المميز في الصفحة (39)/الطبعة الأولى لكتابه "بغداد كما عرفتها/شذرات من ذكريات" والحائز (أي المؤلف) على الجائزة الأولى للمجمع العلمي العراقي لعام 1952م مايلي(3): "إن ذكرياتي عن بغداد في تلك الأيام هي ذكريات مرّة، أشد مرارة من الحنظل والعلقم، بعضها باهتة جداً لا أتذكرها بوضوح وبعضها صارخة بقيت آثارها في نفسي حتى اليوم، وبعضها سمعت عنها فانطبعت بذاكرتي. ومن هذه الذكريات كانت الأيام التي تلت المشروطية (اعلان الدستور العثماني سنة 1908 وخلع السلطان عبدالحميد الثاني) عندما وصل من اسطنبول شعار (حريت عدالت مساوات اخوت) فاستبشرت بغداد واستبشر العراقيون خيراً، ولكن بين عشية وضحاها، وبعد تحكم حزب الاتحاد والترقي في رقاب رعايا الامبراطورية العثمانية من كافة القوميات والشعوب، أدرك البغداديون والعراقيون بأنهم لا يملكون حرية ولا عدالة ولا مساواة ولا اخوّة، فأصيبوا بخيبة أمل مريرة"، ثمّ يستأنف المؤلف سرده ذاكراً: "أتذكر بغداد في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى يوم كانت في أوج ظلامها الحالك، وأتذكرها جيداً يوم كان كل شيء فيها بدائياً ومتأخراً وسيئاً، وكأنها تعيش في القرون الخوالي". ويسترسل المؤلف ذكرياته المؤلمة في زمن الإحتلال العثماني موثقاً: "أتذكرها (يقصد بغداد) يوم كان فيها جسر واحد فقط من (الدُوَب الخشبية العائمة)، وإذا ما انقطع هذا الجسر وهربت الدُوَبْ الى (گرارة)، أو نزلت (حدّار) الى البصرة، انقطع الاتصال بين صوبي الكرخ والرصافة الى ان تعود (الدُوَبْ) من حيث هربت مصحوبة بالمزيقة" ـ ـ إنتهى الإقتباس.
وقد أكد الدكتور الوردي في كتابه المذكور/الجزء الثالث/الطبعة الثانية/الصفحة (68)، ما ذكره المؤرخ المميز حول الجسر الوحيد في بغداد وإنحداره إلى البصرة أثناء الفيضانات، فيعودوا به بالموسيقى الشعبية مضيفاً من ان نامق باشا قد أوعز لصنع جسر جديد بدلاً عن القديم، وقت تمّ بالفعل بنائه وافتتح في (31) آب من عام 1902م، لكن الأتراك أشعلوا النار بالجسر ليلة إنسحابهم سنة 1917م، وبقيت النار مشتعلة فيه طيلة النهار والليلة التالية.
 يا للهول ـ ـ يا للهول ـ ـ ويا للهول، بعد أكثر من أربعمئة سنة من الإحتلال العثماني لا نستفيد من الضرائب بملايين الروبيّات التي سرقوها من العراقيين على مدار الأربعة قرون أو ما يزيد إلا بجسرٍ عائم يطفو نزولاً إلى البصرة (فيُلقى القبض عليه) ليعودوا به إلى بغداد بالمزيقة (الموسيقى الشعبية)!!، ونحن نلعن الإستعمار الإنكليزي و(ننعل سلفا سلفاه) لأنه إحتلّنا لبضع سنوات وبنى لنا جيشه الغازي "جسر مود" الحديدي سنة 1918م، وإنْ بناه لمصلحته الخاصة، لكنه عاد الينا بالنفع، أي بعد أقل من سنة لإحتلاله لبغداد!!، والذي تم تطويره سنة 1941م وسميّ بجسر "فيصل الأول" ثمّ أطلق عليه "جسر الأحرار" الذي لا يزال قائماً لحد الآن !!.
كما وأؤكد مرّة أخرى على لُئم العثمانيون وخبثهم وعدم تحلّيهم وإيمانهم بجوهر الخلافة الإسلامية، إذ أحرقوا ودمروا الشيء اليسير من إصلاحاتهم قبيل إنسحابهم لحرمان (إخوانهم) في الدين العراقيين من الإستفادة منها.
فكل الذي حصل عليه العراق من شفط أمواله على مدار الإحتلال العثماني هو بعض المشافي البائسة (خستة خانة كما كان يسمونها الأتراك) والتي لم تتعدى بأحسن الأحوال عدد أصابع اليد الواحدة، وأعظمها مستشفى "المجيدية" الذي بُني سنة 1895م لخدمة الجيش العثماني وليس للعراقيين، ثمّ طورهُ الإنكليز بعد إحتلالهم لبغداد وبقي تحت إشرافهم حتى سنة 1923م، ثمّ أنيطت إدارته بوزارة الصحة العراقية وأطلق عليه "المستشفى الملكي العراقي"، ثم تغير إسمه إلى "المستشفى الجمهوري".
كذلك كان هنالك مشفى بائس آخر بناه العثمانيون للمدنيين أطلقوا عليه "مستشفى الغرباء العثماني"!!، ولا أعلم لماذا اطلقوا عليه هذا الأسم ؟ هل يعتبرون غير الأتراك غرباء عنهم؟!!، وإذا كان كذلك، فأين هي روح الدولة والخلافة الإسلامية التي كانوا يحكمون بواسطتها الشعوب والبلدان الإسلامية، وبماذا يبرره من يزمّر للإستعمار العثماني على أنه كان خلافة إسلامية، فلو إفترضنا جدلاً إيمان المحتلين العثمانيين بالخلافة الإسلامية التي تساوي بين كل رعايا "الدولة الإسلامية"، لَما أعتبروا المدنيين من أهل البلد العراقيين "غرباء" وأطلقوا على المستشفى أو المشفى أو الخستة خانة بالغرباء، فمن المفروض أن يكون المسلمين إخوة وليس غرباء عن بعضهم حسب مفهوم الخلافة الإسلامية ومثلما كان يتصرف على أساسه "الخلفاء الراشدين" حين عدلوا بين الجميع، اليس كذلك؟؟؟!!.
 وللمزيد من المعلومات عن المشافي البائسة والأمراض الفتاكة التي حصدت العراقيين في زمن الإحتلال العثماني يستطيع القارئ الكريم الإطلاع على مقالة الدكتور سعد الفتال في 2015-09-20 المنشورة على موقع جريدة المدى من خلال الرابط أدناه:
http://www.almadasupplements.com/news.php?action=view&id=13788#sthash.QJYOA1Jh.dpbs
وتبيّن المقالة المعنونة "من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914" على الرابط أدناه للباحث أحمد ناجي المنشورة على موقع "الحوار المتمدن"- العدد:866 في 16/6/2004م مراحل مهمة من الإستعمارين العثماني والإنكليزي، إعتمد فيها أيضاً على الجزء الرابع من كتاب عالم الإجتماع الدكتور علي الوردي "لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث":
  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=19441
ولبيان إستمرار الأتراك في إعتداءاتهم على العراق والمسيحيين منهم على وجه الخصوص، أقتطف سطوراً مما ورد في كلمة الترحيب التي القاها متصرف لواء الموصل حينها عبدالعزيز القصاب خلال زيارة الملك فيصل الأول للموصل في 13 كانون الأول 1924م، وكما وردت في مذكراته : "أما ما كان من الاضطرابات الأخيرة التي حدثت في الحدود الشمالية فقد زالت وله الحمد بهمة القوات الوطنية والمساعدة البريطانية، وإن كان قد لحق بسكان القرى في الحدود من جراء ذلك بعض الأضرار من قبل الاتراك، لا سيما المللة النسطورية التي اضطرت إلى الالتجاء الى داخل البلاد" ـ ـ إنتهى الإقتباس.
 ويقصد بالمللة "النسطورية" المسيحيين الذين كانت قراهم محاذية للحدود مع تركيا.
الرابط أدناه يبين إضطهاد المكون المسيحي من قبل العثمانيين:
 http://www.syriacwritersunion.com/?p=3934
الخلاصة:
لقد عانت البلدان الإسلامية ذات الأكثرية العربية وبجميع مكوناتها من الإستعمار العثماني البغيض.
ولقد دعمتُ مقالتي هذه بالمصادر الموثوقة لخيرة المؤرخين العراقيين المعروفين بنزاهتهم وحياديتهم في نقل المعلومة وتوثيقها، وكنت حريصاً على نقل الحقائق من مصدرها متجرداً من أي إنتماء، عدا إنتمائي الوطني الذي لا أتخلى عنه، والذي دفعني لكتابة هذه المقالة، وقد جهدتُ في تنويع المصادر حتى ممن كانوا يقفون مع العثمانيين في إحتلالهم للعراق، أملنا أن يعي العراقيون بكل أطيافهم ومكوناتهم خطورة الموقف وأن يسقطوا مراهنات وخطط أعداء وحدة العراق، ولنا فيهم أملاً لتحقيق ذلك. 
 إنتباهة:
(1)- عبدالعزيز القصاب : سياسي عراقي ولد في بغداد سنة 1882م ومن عائلة عراقية عريقة إنحدرت من راوة، تبوء عبدالعزيز القصّاب مراكز إدارية وسياسية مهمة أهمها متصرفاً للواء الموصل سنة 1924م ولمدة سنتين ونصف والتي جرى خلالها الإستفتاء الأممي من قبل عصبة الأمم لتقرير وضع الموصل وعائديتها إلى العراق، كما شغل منصب وزير الداخلية في وزارة السعدون الثانية والثالثة ووزارة توفيق السويدي ووزارة جميل المدفعي الثالثة، كما أسندت اليه وزارة الريّ والزراعة في الوزارة السعدونية الرابعة، ووزارة العدل في وزارة ناجي السويدي، كذلك شغل منصب رئيس التفتيش الإداري خلفاً لـ (كورنواليس)، وقد أنتخب خمس مرّات لعضوية مجلس النوّاب ورئيساً له في أربع دورات نيابية ورئيساً لهيئة الوصايا على العرش عام 1947م، توفي سنة 1965م بعد أن خدم العراق بإخلاص في أهم فترات تكوين الدولة العراقية الحديثة، هذا ما جاء في مذكراته التي أعدها وحققها نجله الدكتور خالد عبدالعزيز القصّاب.
(2)- الدكتور علي الوردي: هو علي حسين محسن عبد الجليل الورد (1913-13تموز 1995م)، وهو عالم اجتماع عراقي، أستاذ ومؤرخ وعرف باعتداله وموضوعيته وهو من رواد العلمانية في العراق. لقب عائلته الوردي نسبة إلى أن جده الأكبر كان يعمل في صناعة تقطير ماء الورد. هذا ماجاء من خلال تعريفه في ويكيبيديا.
(3)- أمين المميز: هو محمد أمين بن عبدالجبار حلمي بك إبراهيم حلمي أفندي المميز بن محمد بك (أخ محمد صالح بك الكبير، وهما ابنا إسماعيل بك الكبير بن الوزير عبدالرحمن باشا والي كركوك)، هذا ما جاء في تعريفه لنسبه، ويقول: "أنا بغدادي أصيل (جرّ كراع ودگك الگاع)، ولدتُ سنة المشروطية (إعلان الدستور العثماني سنة 1908) في محلة كانت تُعرف في غابر الأزمان بالدنگچية، وكانت من كبريات محلات جانب الرصافة، سكنّاها أباً عن جد، وخبنّاها كابراً عن كابر لمئات السنين" ، هذا ما ذكرهُ المؤلف في معرض تعريفه لنفسه في كتابه.
 وقد شغل المؤلف عدة وظائف مهمة منها: ملحقاً في المفوضية العراقية في لندن سنة 1936م، وقنصلاً في نيويورك وممثلاً للعراق في هيئة الأمم المتحدة سنة 1949م، ووزيراً مفوضاً في المملكة العربية السعودية سنة 1954م.

61
مسيحيو الموصل وموقفهم المشرّف من هويتها العراقية
بقلم: سالم ايليا
لقد كتبتُ مقالات كثيرة وقفتُ فيها مع جميع مكونات الشعب العراقي التي تعرضت إلى التهميش والإقصاء، دفعني إلى ذلك إنتمائي الوطني المجرد من بقية إنتماءاتي الأخرى إيماناً مني بأولوية الإنتماء الوطني على الإنتماءات الأخرى، وها أنا أعرض أمام القارئ الكريم موقف مسيحيي الموصل من الإستفتاء الشعبي الذي حصل برعاية أممية لخيار ضمّ الموصل إلى العراق أو إلى تركيا، والذي لعب فيه المكوّن المسيحي الدور المهم في رجحان كفة إنضمام الموصل إلى العراق، وسأعرضه ليس إنحيازاً إلى ملّتي التي أنتمي اليها وإن كنتُ فخوراً بموقفها الوطني المشرّف، لكنني أعرضه لتذكير المسيحيين بشكلٍ خاص بما فعله آبائهم وأجدادهم من مآثر وطنية، ولتفويت الفرص على من يستغل ظروفهم الصعبة الآن لترغيبهم تارة وتهديدهم تارة أخرى لتغيير مواقفهم الوطنية التي كتبها لهم التاريخ بأحرفٍ من نورٍ، ولمحاولة البعض من هذا الطرف أو ذاك لجر المكوّن المسيحي للتخلي عن مواقفه الوطنية لا سامح الله بحجة الحماية أو الإصطياد في المياه العكرة وخلط الأوراق وبيان أن ما حصل لهم كان بسبب غدر عرب الموصل المسلمين لهم، بنكثهم لعهدهم معهم وتشريدهم بعد أن سلبوا ممتلكاتهم، وعليه يجب توضيح بعض النقاط قبل الولوج في صلب موضوع المقالة.
أولى هذه النقاط من أن المصدر الذي سأعتمد عليه في بيان موقف المسيحيين من إنضمام الموصل إلى العراق قد كتبه علم موثوق من أعلام العراق، ألا وهو السياسي العراقي عبدالعزيز القصّاب: وهو عربي مسلم منحدر من عائلة دينية تقية، أنصف إخوانه المسيحيين في مذكراته التي أعدها وحققها في طبعتها الثانية نجله الدكتور خالد عبدالعزيز القصّاب، وحيثُ أخذ (الكتاب/المصدر) حيزاً على رفوف مكتبتي المتواضعة هدية أعتز بها من أحد أقربائي (المهندس نائل عزيز) مشكوراً، كما سأنشر مع هذه المقالة صورة تذكارية فريدة لجلالة الملك فيصل الأول مع مجموعة من رجال الدين المسيحيين يتقدمهم البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني توما في دير "مار أوراها"، أرسلها لي مشكوراً أخي وصديقي الأستاذ المهندس غانم كني.
 وحيثُ لا يمكن لأي كان أن يشكك بمصداقية المؤرخ عبدالعزيز القصاب كونه كان متصرفاً (محافظاً) للواء الموصل حينها، ومعاصراً للأحداث ومواكباً لعمل اللجنة الأممية بحكم وظيفته وموثقاً للأحداث بتفاصيلها الدقيقة يوماً بيوم، وإذ لا مجال للتشكيك بتحريف الحقائق التي أوردها في مذكراته لعدم وجود ناقل ثانٍ للخبر عن لسانه كشاهد مباشر، ولا مجال على من يدعي ما يدعي بعدم صحتها، والمعروف عن المؤرخ الجليل أيضاً نزاهته وحياديته(1).
 وثاني هذه النقاط وقوف الأكثرية من عرب الموصل المسلمين بأحاسيسهم ووجدانهم مع إخوانهم المكونات الأخرى حين هاجمتهم وحوش داعش، مع ظهور بعض العوائل المغرر بها من هنا وهناك شوّهت الصورة الحقيقية للنسيج الإجتماعي في الموصل.
 فمن الموصليين المسلمين من حاول التمويه على بيوت إخوانهم المسيحيين المهجّرين وبقية المكونات وإخفائها عن داعش، لكن جهودهم في أكثر الأحيان ذهبت سُدى نتيجة لوجود شخص واحد في الحي أو مجموعة أشخاص ممن غُرِرَ بِهم أخبروا داعش عن ممتلكات المسيحيين الهاربين، وهذه حقيقة سمعتها من المقربين، ومنهم من ساعد الفتيات اليزيديات على الهروب من قبضة داعش معرضاً نفسه وعائلته للإبادة، وهذا ما أخبرتنا به الناجية نادية مراد التي توجتها الأمم المتحدة كسفيرة للنوايا الحسنة عن قصة هروبها.
 كما أن هنالك من صرّح علناً من الموصليين العرب المسلمين معلناً إحتجاجه على إكراه غير المسلمين على تغيير دينهم وحيثُ أن "لا إكراه في الدين"، ففقد حياته ثمناً لقوله كلمة الحق أو عوقِبَ بعقوبات قاسية، فليس جميع العرب المسلمين في الموصل/المركز متعاطفين مع داعش، بل هُم أسرى لديهم لا حول ولا قوة لهم أمام العقوبات الوحشية التي يمارسها الضلاليين ضدهم.
 لقد وردني بأن العديد من المخلصين والميسورين مادياً من أهل الموصل النجباء قرروا الإشتراك بصندوق إعانة في إنتظار عودة إخوانهم المهجّرين من المسيحيين وبقية المكونات الأخرى بعد طرد داعش من الموصل، والعمل على إعادة ممتلكاتهم بقدر المستطاع وتعويضهم جزءاً مما فقدوه، وهو ليس بغريب عن مسمعي، حيثُ فعلها أبناء الموصل النجباء من قبل. 
ولبيان موقف المسيحيين الموصليين وتوابعها من الإستفتاء الأممي (عصبة الأمم) على عراقية الموصل أقتطف بعضاً مما جاء في مذكرات متصرف لواء الموصل (الذي شغل موقعه للفترة من 27 كانون الثاني 1924 لغاية 18 حزيران 1926م) حينها عبدالعزيز القصّاب موثقاً في الطبعة الثانية/صفحة (216) ما يلي: "ومما يجب الإشارة إليه أن أمين بك الجليلي، وأحمد الفخري، وناظم العمري، وعلي الإمام، وأرشد العمري، وهبة الله المفتي، والبطريك يوسف عمانوئيل توما(2)، والمطران كريكور، وضياء آل شريف بك، من المستقلين. وآصف قاسم آغا، وسعيد ثابت، وإبراهيم عطار باشي، ومحمد صدقي المحامي، وشريف قاسم الصابونجي، والدكتور جميل دلالي، وعبدالله رفعت العمري، وصلاح الدين الخطيب، من حزب الاستقلال. وفتح الله سرسم، ورؤوف اللوس، والدكتور عبد الأحد عبد النور، الذين كانوا جميعهم من المتحمسين لعروبة الموصل ممن سيسجل لهم تاريخ العراق صفحة ناصعة البياض" ـ ـ إنتهى الإقتباس.
 يتبين مما ورد في ذكر الوجهاء أعلاه من أن أكثر من ربع العدد كانوا من المسيحيين يتقدمهم رؤساء الطوائف المسيحية، الذين لعبوا دوراً أساسياً في تعبئة الرأي العام لتأييد ضمّ الموصل إلى العراق، وكما بين المرحوم عبدالعزيز القصّاب في توثيقه عندما ذكر في مذكراته من أن لجنة الدفاع عن عروبة الموصل المكونة من خمسة عشر شخصاً التي تشكلت في 25 كانون الثاني 1925م كانت تضم فتح الله سرسم والدكتور عبد الأحد عبد النور، وهما مسيحيان إضافة إلى ممثليهما في الأقضية والنواحي في زاخو ودهوك والعمادية وعقرة وتلكيف والقوش وبرطلة وقره قوش وغيرها من القصبات المسيحية.
ثمّ يسترسل متصرف (محافظ) لواء الموصل في مذكراته موثقاً عن اللجنة الأممية التي قابلت وجهاء الموصل ما يلي(3): "كما ألقى (المونسينور) البطريك يوسف عمانوئيل توما، خطبة بليغة بالفرنسية أشاد فيها بعروبة الموصل، وتعرض بها إلى مشكلة الحدود الشمالية"(4)، ثمّ يضيف قائلاً "زارت اللجنة (يقصد الأممية) ذلك اليوم (الأول من شباط) بطريك الكلدان، يوسف عمانوئيل توما، والقاصد الرسولي والآباء الدومنيكان وبعض المحامين والأطباء. استمرت هذه الزيارات ثلاث ساعات وكانت نتيجتها جيدة جداً" ـ ـ إنتهى الإقتباس.
 أي كانت نتيجتها إيجابية لصالح العراق، كما ذكر المؤرخ في مذكراته زيارة اللجنة في الثاني من شباط لأنطوان زبوني (أعتقد يقصد المؤرخ زيارة الخوري أنطوان زبوني)، كما زار رئيس اللجنة الأممية في السابع من شباط 1925م عمة مار شمعون سرما خانم (يتبين من هذه الزيارة من أنّ سرما خانم أو سورما خانم دبيث مار شمعون كان لها مكانة إجتماعية مرموقة بين أبناء طائفتها والتي توفيت سنة 1975م على ما أظن).
ثمّ يكمل المؤرخ في سرد ذكرياته قائلاً: "زارت اللجنة (يقصد اللجنة الأممية) في يوم 11 آذار بعشيقة وقضاء الشيخان ونواحي برطلة وكرمليس وقرة قوش وتل أسقف وتل كيف وصوّت الجميع للعراق"، ويسترسل المؤرخ في ذكرياته موثقاً ما يلي: "وفي 18 آذار، زارت اللجنة قضاء زاخو وقابلت الشيوخ والوجهاء ورؤساء الطائفة المسيحية، وذهبت الى الكويات والقرى المجاورة. وتجول جواد باشا (المفتش العام للجيش التركي في منطقة الجزيرة) مع سكرتيره يوسف كمال ووزع مبالغ من المال، لكن أكثر الأصوات كانت للعراق"  ـ ـ إنتهى الإقتباس.
 ويذكر المؤرخ موثقاً بأن دهوك والعمادية وعقرة ساروا على خطى زاخو في التصويت لصالح ضمّ الموصل للعراق.
يتبين بوضوح مما ذكره المتصرف الجليل عبدالعزيز القصّاب التأثير الواضح لمسيحيي الموصل في القرار الأممي لضم الموصل إلى العراق، لذا ومن واجبنا نحن أحفاد ذلك الجيل الوطني الغيور أن نستمر في الحذو حذوهم على الرغم من المآسي التي المّت بنا مع كل أبناء الشعب العراقي، ولا بد أن يأتي اليوم الذي ستنجلي فيه الغيوم السوداء، فهي ليست المرة الأولى التي يُمتحن فيها الأصلاء، وإن كانت أشدها قسوة وإيلاماً، وحيثُ لا يزال المستعمر العثماني يحاول العودة، أما بشراء الذمم وكما حاول أن يفعل سابقاً، وحيثُ يبدو أنه إستطاع أن يقنع بمن لديه من أفواه تخرج منها رائحة الخيانة النتنة والأقلام المأجورة لمن كنّا نعتقد من أنهم عراقيين أصلاء لكنهم تجردوا من عراقيتهم ولبسوا ثوب الطائفية المقيت فباعوا إنتمائهم الوطني لإنتمائهم الطائفي، ولهؤلاء أقول أنها لعبة سياسية يلعبها الكبار فليس لها علاقة لا بطائفة ولا دين معين وإن لَعِبَ المتبارون على أوتارهما لمعرفتهم جميعاً بسايكولوجية الإنسان العراقي العاطفية، وأُذَكّر هؤلاء من أن هنالك أدلة دولية لا لبس فيها بإشتراك الحكومة التركية لتسهيل مهمة داعش عرضتها صور الأقمار الصناعية لواحدة من أكبر المخابرات تطوراً، وهي المخابرات الروسية والتي أيدتها فيما بعد حتى الجهات المعادية لروسيا.
 فالإستعمار العثماني العنصري الذي كان ولا يزال ينظر لبقية الأثنيات ومنهم العرب على أنهم أقل منه لا تزال تراوده الأحلام بضم الموصل وتوابعها إلى تركيا، ولعنصريته المكشوفة والتي لا يخجل من المجاهرة بها وقف في الحربين العالميتين مع المانيا العنصرية لتطابق الرُؤى والتطلعات، وهذا الدليل لا يستطيع إنكاره من يحاول تجميل وجههم العنصري، ولنا في هذا الخصوص عودة لفضح المتعاونين مع الإستعمار العثماني الجديد.
 حفظ الباري وحدة العراق من شماله حتى جنوبه ومن شرقه حتى غربه.
إنتباهة :
(1)- عبدالعزيز القصاب: سياسي عراقي ولد في بغداد سنة 1882م ومن عائلة عراقية عريقة إنحدرت من راوة، تبوّء عبدالعزيز القصّاب مراكز إدارية وسياسية مهمة أهمها متصرفاً للواء الموصل سنة 1924م ولمدة سنتين ونصف والتي جرى خلالها الإستفتاء الأممي من قبل عصبة الأمم لتقرير وضع الموصل وعائديتها إلى العراق، كما شغل منصب وزير الداخلية في وزارة السعدون الثانية والثالثة ووزارة توفيق السويدي ووزارة جميل المدفعي الثالثة، كما أسندت اليه وزارة الريّ والزراعة في الوزارة السعدونية الرابعة، ووزارة العدل في وزارة ناجي السويدي، كذلك شغل منصب رئيس التفتيش الإداري خلفاً لـ (كورنواليس)، وقد أنتخب خمس مرّات لعضوية مجلس النوّاب ورئيساً له في أربع دورات نيابية ورئيساً لهيئة الوصايا على العرش عام 1947م، توفي سنة 1965م بعد أن خدم العراق بإخلاص في أهم فترات تكوين الدولة العراقية الحديثة، هذا ما جاء في مذكراته التي أعدها وحققها نجله الدكتور خالد عبدالعزيز القصّاب.
 (2)- البطريرك يوسف عمانوئيل توما: ولد البطريرك مار يوسف عمانوئيل (الثاني) توما في القوش في 30 تموز 1852م، نصب في 24 تموز 1900م بطريركاً، وثبت في 17 ايلول من السنة ذاتها، ونال الفرمان السلطاني في 26/12/1901، بعد مداولات عسيرة تدخلت فيها جهات عديدة، إمتاز بسخائه ومساعدته للمحتاجين من أبناء العراق دون تمييز خلال فترة الحرب العالمية الأولى وبعدها، يُشهد له بمواقفه الوطنية التي زادت من مكانته وإحترام العراقيين بسياسييهم ورجال الحكم والعامة له، خاصة في قضية الإستفتاء على عائدية الموصل للعراق ومسألة ترسيم الحدود بشكلها النهائي، ولمواقفه تلك عينته الحكومة العراقية عضواً في مجلس الأعيان، توفي في الموصل في 21 تموز 1947م عن عمر ناهز الخامسة والتسعين، وقد تلاه البطريرك يوسف السابع غنيمة الطيب الذكر.
(3)- تشكلت لجنة عصبة الأمم في 30 أيلول 1924م بعد أن أصبحت مشكلة الموصل ذو أهمية عالمية، وقد أنتخب (أي.أف.فرسن) سفير السويد في بوخارست رئيساً لها، وأعضائها هم :(الكونت بول تلكي) الهنغاري الذي شغل منصب رئيس الوزراء في بلده، ورئيس وزراء المجر، و(الكولونيل أي.بولص) من بلجيكا، كذلك تكونت اللجنة من أربعة سكرتاريين هم: (كونت دي بورتاليس) من سويسرا، و(السنيور رودولو) الوزير المفوض من إيطاليا الذي كان ممثلاً لبلده في عصبة الأمم، و(المسيو كادير) من فرنسا، و(المسيو ريد) من سويسرا، وقد وصلت اللجنة إلى بغداد في 16 كانون الثاني 1925م لتباشر مهامها ـ نفس المصدر السابق.

(4)- تعرضت القرى العراقية وخاصة المسيحية منها المتاخمة للحدود الشمالية إلى إعتداءات متكررة من الجيش التركي حتى بتواجد اللجنة الأممية في المنطقة، مما أسفر عن تهجيرهم إلى عمق الأراضي العراقية – نفس المصدر السابق.

62
الإنقلابات العسكرية في العراق وأضرارها على تكوينة المجتمع العراقي
بقلم : سالم ايليا

أستهل مقالتي بتحليل لعالم الإجتماع الدكتور على الوردي في كتابه (لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث/الجزء الأول) لتكون المدخل الى صلب هذه المقالة والغاية منها ، حيثُ يقول: "فكثيراً ما تخلق الأحداث الماضية في المجتمع عقدة كالعقدة النفسية حيث نرى الناس يندفعون ببعض العادات والأفكار الموروثة اندفاعاً لا شعورياً ، قد يؤدي ذلك بهم الى المهالك بينما هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً" ، إنتهى تحليل الدكتور على الوردي ، وسؤالي هل ينطبق هذا التحليل على شخصية من قاموا بالإنقلابات العسكرية في العراق أو من بقي من جيلهم أو الأجيال التي تلتهم الذين ورثوا تلك الأفكار وبدأوا يتغنون بها ويسوقونها دون تحليلها وتمحيصها لإستكشاف صالحها من طالحها ؟!! .
ومما لا شك فيه من أن العسكر أو الجيش هم شريحة مهمة من شرائح المجتمع في أي دولة من دول العالم يتفاعلون معه في أحداثه ، لا بل إنهم الشريحة الأعلى تأثراً بقضاياه وحيث نذروا أرواحهم دفاعاً عن الوطن ومواطنية ضد أي تهديد خارجي ، لكنهم في ذات الوقت قد أقسموا عند تخرجهم في كلياتهم العسكرية للمحافظة على شرف الجندية ومهنيتها في عدم التدخل بالأحداث الداخلية وترك هذا الأمر لقوى الأمن الداخلي بأجهزته المتنوعة وإخلاصهم وولائهم لنظام الحكم (ملكي دستوري وراثي أو جمهوري رئاسي)، وحيثُ هنالك خيط رفيع جداً يربط العسكري المهني المخلص لقسمه وجنديته من جهة وشعوره الوطني وتفاعله مع معاناة وأحداث بلده الداخلية من جهة أخرى ، وهنا تكمن الخطورة في الموازنة الدقيقة بين التفاعل مع الشارع ومواطنيه والواجب المهني للعسكري المحترف لجنديته !!.
ومن المثير للسخرية من أنّ معظم الإنقلابيين مؤمنين بالله وكتبه السماوية لكنهم في ذات الوقت نكثوا القسم على كتاب الله الذي أقسموا فيه حين تخرجهم في كلياتهم العسكرية أو عند تكليفهم بوظائفهم الرسمية إخلاصهم للوطن وأولي الأمر، لكنهم نكثوا وتنصلوا من قسمهم أمام أطماعهم الشخصية للسيطرة على السلطة مبررين فعلهم بإنقاذ الوطن والمواطن متناسين من أن نكث جزء من القسم يعتبر نكثاً للقسم بكامله أمام رب العباد وهو من كبائر الأفعال المشينة ولا يوجد أي مبرر مهما كانت دوافعه نبيلة يؤدي الى نكث القسم .
ولوعرفّنا الثورة والإنقلاب فسنرى بأننا أرتكبنا خطأ كبيراً متناقضاً حتى مع أدبيات جميع الأحزاب التي أيدت تلك الإنقلابات العسكرية وصفقت لها بإطلاق أسم الثورة عليها في العراق .
 فالمفهوم أو المعنى السياسي للثورة : هي حركة شعبية تشترك فيها جميع أو أغلب شرائح المجتمع لتغيير واقع متردي جذرياً الى واقع أفضل منهُ ، أما الإنقلاب فهو حركة غالباً ما تكون عسكرية للسيطرة على السلطة وتغيير شكلي للحكومة وغالباً ما تؤدي أو تقود الى تكوين دكتاتوريات فردية أو أنظمة شمولية وهذا بالطبع ما حدث في جميع الإنقلابات العسكرية التي حدثت في العراق ، فلم يشترك فيها مدني واحد إلا بعد نجاحها في السيطرة على الحكم بقوة السلاح فتسعى الى تجميل صورتها بدعوة الشخصيات المدنية للمشاركة الإسمية من دون أن يكون لديها حرية التعبير أو إتخاذ القرار ، أو تتكئ في أحسن الأحوال على أحد الأحزاب الأيديولوجية أو جميعها لتعطيها الصبغة الثورية(1) .
ومن أهم أهداف الثورات الحقيقية هو تعزيز الديموقراطية وتثبيت دعائم الدستور ، أما الإنقلابات العسكرية فهي تجمد العمل بالدستور وتعلن الأحكام العرفية وهذا ما حصل في معظم الإنقلابات في العراق سواء بشكل رسمي أو غير رسمي .
ولقد كانت الإنقلابات من تموز 1958م لغاية 2003م هي عبارة عن صراعات على السلطة وكما سأبين من خلال الشخصيات التي عاصَرَتْها .
ـ إنقلاب الفريق الركن بكر صدقي سنة 1936م : يعتبره المؤرخين أول إنقلاب عسكري على السلطة الشرعية في منطقة الشرق الأوسط (ربما تأثر بكر صدقي بالإنقلاب الذي حدث في الدولة العثمانية في 23 يناير 1913م الذي عاصره وكان عمره حينذاك 27 سنة أي في قمة فورانه الشبابي وتأثره بمحيطه ، وحيثُ تشابهت نتائج الإنقلابين بقتل وزير الحربية في الدولة العثمانية ووزير الدفاع في المملكة العراقية) ، ومن المفيد إعطاء نبذة مختصرة عن قائد الإنقلاب كما جاء في موقع ويكيبيديا ومقالة للكاتب "زهير المعروف" المنشورة في جريدة "التآخي" الأربعاء 06-11-2013م بعنوان "الفريق بكر صدقي قائد أول إنقلاب عسكري في الشرق الأوسط": فبكر صدقي من مواليد 1886م (بعض المصادر ترجح أنه من مواليد 1890م) من أبويين كرديين ، درس في إسطنبول وتخرج في كليتها الحربية ، إشتهر بالصرامة والقسوة وهو المسؤول المباشر ميدانياً عن مجزرة "سمّيل" ضد المكوّن الآشوري التي إستمرت بشكلٍ مركزٍ من 8-11 من شهر آب لسنة 1933م والتي ذهب ضحيتها حسب المصادر البريطانية (600) من المدنيين خاصة النساء والأطفال (حاول التقرير البريطاني التخفيف من هول المجزرة حفاظاً على المصالح البريطانية) لكن مصادر أخرى أكثر دقة ترجح بأن العدد تجاوز الثلاثة الآف ضحية (مقالة للكاتب علي عجيل منهل/الحوار المتمدن-العدد:3452-2011/8/10) ، وقيل نقلاً عن بعض الناجيين من أن المذبحة مورست خلالها أبشع الجرائم (إغتصاب النساء ، رمي الشباب والنساء من الجبال والتلول ـ ـ الخ) .
 قام بكر صدقي بإنقلابه لتغيير وزارة ياسين الهاشمي بوزارة حكمت سليمان ، وحيث إستغل أحد التمارين التعبوية الفصلية الروتينية (مناورات عسكرية) لفرقته الثانية التي كانت بإمرته مع الفرقة الأولى التي كانت تحت أمرة حليفه في الإنقلاب الفريق عبداللطيف نوري وبمساندة قائد القوة الجوية حينها العقيد محمد علي جواد (الذي كان في نفس الوقت الطيار الخاص للملك والذي قُتِلَ فيما بعد مع الفريق بكر صدقي في الموصل وهو إبن عمة الزعيم الركن عبدالكريم قاسم مخطط إنقلاب الرابع عشر من تموز 1958م) ، وقد بدأ إنقلاب بكر صدقي بداية دموية بغدره لوزير الدفاع حينذاك الفريق الأول جعفر العسكري (مؤسس أول فوج للجيش العراقي / فوج الإمام موسى الكاظم) حين طلب منه الأخير مقابلته حاملاً رسالة من الملك غازي رحمه الله وذلك للتفاوض وتهدئة الوضع ، فما كان من الإنقلابيين إلا أن جردوه من سلاحه ووجهوا اليه وابلاً من الرصاص فأردوه قتيلاً !!! . وقد إنتهى مصير بكر صدقي الى نفس النهاية المأساوية التي أنهى بها خصومه (ومن مفارقات القدر انه أغتيل في الذكرى الرابعة لمذبحة سمّيل) ، حيثُ أغتيل في حديقة مطار الموصل ومعه العقيد محمد علي جواد في التاسع من آب سنة 1937م وهو في طريقه الى تركيا لحضور المناورات العسكرية للجيش التركي وكنتيجة حتمية لطغيانه وسيطرته على مقدرات البلد إذ إعتبر نفسه الحاكم الفعلي للبلاد .
ـ حركة رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة (شباط - مايس 1941م) : قام رئيس ديوان الملك غازي رشيد عالي الكيلاني بعد وفاة الملك بسنتين بحركته لإختلافه مع الوصي عبدالإله ومعاداته للإنكليز وتأييده المطلق لألمانيا النازية بقيادة هتلر وحليفتها تركيا ، وقد إستعان بالعقداء صلاح الدين الصباغ وكامل شبيب ومحمود سليمان وفهمي سعيد لتنفيذ حركته التي لاقت تأييداً شعبياً نكاية بالأنكليز وأعوانهم ، ومن المؤرخين من إعتبرها ثورة وطنية تحررية ومنهم من إعتبرها حركة أو إنقلاب تحمل بين طياتها النزعة القومية ، وقد إنتهت بزحف القوات البريطانية من البصرة الى بغداد وإخمادها للحركة وهروب رشيد عالي الكيلاني وإعدام العقداء الأربعة إضافة الى العقيد محمد يونس السبعاوي .
ـ إنقلاب 14 تموز/1958م(2): لا أريد الدخول في تفاصيل هذا الإنقلاب المثير للجدل فهو معلوم لدى المهتمين بالشأن العراقي بمعظم تفاصيله ولي عودة اليه في موضوع منفصل مستقبلاً ، وحيثُ أعتبره المؤرخون نقطة البداية لتغيير مسار الدولة العراقية الحديثة ومستقبلها ، إذ لا تزال تداعياته تلقي بظلالها على الشارع العراقي بمآسيه ، غير اني سأعرض بعض الأدلة من مصادرها المباشرة عن هدف الإنقلاب والغاية منه .
 يقول المؤرخ العميد المتقاعد خليل ابراهيم حسين المعروف بميله المطلق للمشروع الوحدوي في كتابه (ثورة الشواف في الموصل 1959/الجزء الأول/الطبعة الأولى ، وحيثُ كان من أوائل الضباط الأحرار وشغل منصب معاون مدير الإستخبارات العسكرية بعد الإنقلاب) ما يلي : "دخل العقيد الشواف على عبدالكريم قاسم كاظماً غيضه وتعانقا وهنأ احدهما الآخر ولم تطل حالة التجمل الا ثوان ثم انفجر الشواف قائلاً : لقد آن الاوان يا زعيم كريم للبت في تشكيل مجلس قيادة الثورة وتشخيص أعضائه واعلان مولده في الحال وقبل فوات الاوان . فكشر عبدالكريم عن ضحكة باهتة واومأ برأسه وفأفأ قائلا : ابحث الموضوع مع عبدالسلام"!! - -  ثمّ يُكمل المؤلف في كتابه موثقاً ما يلي : " ووصل عبدالسلام وزارة الدفاع في الساعة 1130 ولاقى الشواف ، وتبادلا التهنئة وتصافحا ببرود وقال الشواف لعبدالسلام : تقاسمتموها بينكما ، الثوار يريدون مجلس قيادة . فابتسم عبدالسلام وقال:اطمئن سيتشكل وسأبحث الموضوع مع عبدالكريم"!! - - ويقول المؤلف "حاول عبدالكريم إرضاء الشوّاف بتعيينه حاكماً عسكرياً فرفض عبدالسلام" - - ثم يضيف قائلاً : "ولربما كانت مسرحية من اخراج الاثنين وحسب اتفاقهما" !! - - ثمّ يسترسل المؤرخ خليل ابراهيم حسين في صفحات الكتاب ( 59،58،57،56،55) وما تلاها ويكشف صراع الضباط على المناصب من مختلف الرتب الصغيرة والعالية وبالأسماء والثورة لم يمضي عليها يوم أو يومين وهي مهددة في اي لحظة بالسقوط نتيجة تحرك الأسطولين الأمريكي والإنكليزي إضافة الى تحرك الجيش التركي على الحدود لإجهاضها !!! .
ولكي ننصف البعض ممن إشتركوا بهذا التغيير الدراماتيكي لمستقبل العراق والعراقيين علينا أن نعترف بأنه كان للكثير منهم أحلامهم الوردية أما بالوحدة العربية أو تغيير نظام الحكم الملكي الدستوري الوراثي الى جمهوري رئاسي إنتخابي متأثرين بالشعارات التي أطلقتها  مختلف الفصائل أو الأحزاب المتأثرة بهذا المعسكر السياسي أو ذاك ، ولقد كادت تلك الأحلام أو بمعنى أصح التطلعات المشروعة أن تتحقق بالفعل فيما لو أستبعد الإنقلابيون المصالح والمكاسب الشخصية الآنية وحكّموا عقولهم بدلاً من عواطفهم في الإنجرار وراء شعارات كانوا فقط مرددين لها لا يفقهون أي شيء عن الطرق المنطقية للوصول اليها وحيثُ أعطت نتائجها العكسية مكلفة الشعب العراقي الكثير الكثير .
وقد جاء في مقدمة كتاب (الكبار الثلاثة/ثورة 14 تموز في 14 ساعة) لمؤلفه عبدالجبار العمر ما يلي : "لقد ردد العقيد عبدالسلام عارف اكثر من مرة في اثناء محاكمته في عهد عبدالكريم قاسم ، ان للثورة اسرارها التي لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم وامتنع عن الاجابة على عدد من الاسئلة التي وجهتها اليه المحكمة لانه اعتبر الاجابة عليها فضحاً لبعض اسرار الثورة" إنتهى النص الأول المنقول - - ثم يكمل المؤلف في نفس المقدمة قائلاً : "وقد ادى ذلك الى ان يحاول كل واحد منهما (يقصد عبدالكريم وعبدالسلام) احتياز كل الثورة لحسابه في ايام سلطانه. وقد تركت المحاولتان ، محاولة قاسم اولا وعارف من بعده أثاراً سلبية عميقة في تدوين التاريخ الحقيقي للثورة مما يجعل الواقع الذي يمكن ان يقال عنها الآن غريباً على ما استقر في اذهان الناس عنها" إنتهى النص الثاني - - وفي الصفحة (183) من نفس الكتاب يعرض المؤلف رأي الضباط لأحرار بعضهم بالبعض الآخر قائلاً : "روى لي (المقدم) العميد فاضل محمد علي قال: جئتُ ومعي النقيب بهجة سعيد من جلولاء الى بغداد يوم 10 تموز لنخبر العقيد عبدالوهاب الشواف (بساعة الصفر) ولم نكن نعرف مكان بيته فصحبنا اليه صبحي مدحة السعود في الكرادة ، استقبلنا الشواف في داره ، وعندما اخبرته ان الثورة ستنفذ ليلة 13/14 تموز وإن القائمين بها هما عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف وقد جئنا اليك لندعوك الى التعاون معنا . رد الشواف : انني لا اتعاون مع طفل ومجنون ، يريد بالطفل عبدالسلام عارف والمجنون عبدالكريم قاسم" !! - - انتهت النصوص الثلاثة المنقولة من كتاب المؤرخ عبدالجبار العمر .
وسؤالي للقارئ الكريم : من خلال كل ما ورد من المصادر الموثوقة التي ذكرتها أعلاه : اين هي روح التضحية والإيثار من أجل الوطن بين الضباط الأحرار الذين قادوا الإنقلاب ؟!! ، وهل لثورة كما زعموا يُكتب لها النجاح والقائمون عليها يأكلون بعضهم البعض قبل تنفيذها ؟!! ، ولماذا وضعوا البلد على "كف عفريت" وأوصلوه الى ما هو عليه الآن ؟!! ، فالأمر واضح وجلي من ان سبب القيام بالإنقلاب هو للسيطرة على الحكم ولمطامع شخصية واضحة مستغلين ضعف القوانين والعقوبات والإجراءات الرادعة فيما لو انكشفت غاياتهم ، كذلك عدم اتخاذ الإجراءات الصارمة لرجال الحكم الملكي ضدهم بدءً بالملك والوصي وحتى نوري السعيد عندما وصلتهم بعض الوشايات من ان هنالك انقلاب وشيك سيحدث من قبل نفس الإنقلابيين ، وعندها اكتفى رجال الحكم الملكي بالإستفسار من المتهمين عن صحة تلك الوشايات فأنكروها جميعاً واقسموا على بطلانها ووفائهم للمملكة وملكها !! ، كذلك استغل الإنقلابيون سخط الشارع العراقي على الحكومة بسبب مواقفها تجاه القضايا العربية المصيرية والإقليمية وتحالفاتها المشبوهة في نظر البعض ، إضافة الى ذلك ضمن الإنقلابييون وقوف الأحزاب الثورية مع حركتهم لإنجاحها وهي المحرك الفعلي للشارع العراقي على الرغم من خروج جماهيره بشكل عفوي حال سماع البيان الأول (للثورة) ودون الإنتظار لأخذ الضوء الأخضر من تلك الأحزاب لما يُعرف عن عاطفية العراقيين وتسرعهم بالتفاعل مع الحدث .
ولو كان الزعيم عبدالكريم قاسم والعقيد عبدالسلام محمد عارف واعوانهما ممن قاموا بالإنقلاب وطنيين بحق وإنهم وضعوا حياتهم في الخطر من أجل الوطن لسلّموا السلطة بعد الإنقلاب الى المدنيين حينها وعادوا الى ثكناتهم كعسكريين مهنيين وحققوا الغاية الوطنية واثبتوا للشعب زهدهم بالسلطة وانهم قاموا بحركتهم من أجل الوطن مقدمين مبرراً أخلاقياً ووطنياً لتغيير الحكم بواسطة الجيش معللين الأمر على انّ المدنيين حينها لم يكونوا بالقدرة الكبيرة على تغيير النظام على الرغم من سيطرتهم على الشارع العراقي بأحزابهم المختلفة وتأثيرهم في زعزعة الحكومات المتعاقبة والتي أدت الى الغاء الكثير من القرارات والمعاهدات نتيجة التظاهرات وضغوط الشارع العراقي بحركاته السياسية .
لقد ذكر المرحوم رفعت الجادرجي نقلاً عن والده السياسي الوطني كامل الجادرجي عند إستضافته في برنامج "بين زمنين" الذي كانت تعرضه "قناة ابوظبي الفضائية" في سنة 2001م (معد ومقدم البرنامج هو الأستاذ احمد المهنا) ما يلي : "أرسل عبدالكريم قاسم في طلب الوالد (كامل الجادرجي) وجلس يتحادث معه في امور الدولة ويتناقش معه على الدستور الجديد للبلاد وبعد مرور وقت طويل إستأذن الوالد (كامل الجادرجي) الزعيم للإنصراف لأن موعد نومه قد أزف !! ، فأستغرب الزعيم وقال : لكننا نتناقش على الدستور ، فرد عليه الوالد قائلاً : لو شعرتُ بانك صادق في سعيك لإصدار دستور جديد لبقيت معك حتى الصباح" !! إنتهى كلام رفعت الجادرجي .
ولقد أجمع المتحدثون في برنامج "بين زمنين" من أمثال الدكتور فالح عبدالجبار (باحث في الفكر السياسي) والسيد حسين الصدر (عميد المعهد الإسلامي في لندن) والدكتور فاضل الجلبي (خبير في شؤون النفط) وعبدالكريم الأزري (وزير مالية في العهد الملكي) ونجدة فتحي صفوة (مؤرخ ومساعد وكيل وزارة الخارجية 1958-1959م) ومير بصري (باحث ورئيس الطائفة الموسوية /العراق) على ان السياسيين المدنيين إرتضوا بحكم العسكر على أمل ان تكون فترة إنتقالية بسيطة ، لا بل ان العديد منهم دعموا قيادة العسكريين مبررين دعمهم هذا بقدرة العسكريين على الوقوف بوجه التحديات الخارجية والداخلية للجمهورية الفتية . وقد أكد قسم آخر من أمثال عبدالرزاق الصافي (قيادي شيوعي) وعبدالستار الدوري (قيادي بعثي وسفير سابق) ومحمود عثمان (سياسي كردي) من ان جبهة الإتحاد الوطني حينذاك لم يكن لديها برنامج عمل ما بعد التغيير !!!، مما أثر بشكل مباشر على الأحداث وتداعياتها التي تلت (الثورة) وأدت بالنهاية الى الفوضوية في الحكم وتصارع الأحزاب فيما بينها للحصول على مكاسب حزبية ضيقة والتي قادت المجتمع الى الإنقسام على نفسه لتأييد أحد قطبي الصراع عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف .
ويتبين لنا من خلال ما تحدث به الجميع في البرنامج أعلاه وعلى إختلاف إختصاصاتهم وإنتماءاتهم الفكرية حقيقتين مهمتين مرتبطتين مع بعضهما : أولهما ربط الدفاع عن البلد من قِبل العسكريين بتصدرهم للمشهد السياسي وإستئثارهم بالسلطة وهذا ما ينافي العقيدة العسكرية المبنية على إستقلالية المؤسسة العسكرية ونقائها من التيارات السياسية وكما هو معمول به في كل دول العالم ، والحقيقة الثانية هي عدم جاهزية الأحزاب الأيديولوجية الثورية للتغيير وتقصيرهم على الرغم من تواجدهم المستمر في الشارع العراقي وتواصلهم المستمر مع قادة الإنقلاب وضباطه ومعرفتهم المسبقة بقرب حدوث التغيير والذي يدلل على تقاعس تلك الأحزاب وعدم قرائتها الصحيحة للمستقبل السياسي للعراق والكوارث والتبعات المحتملة لدمار البلد في حال بقاء العسكريين في السلطة وهذا ما حدث ، فقد إرتضت تلك الأحزاب على تغيير (المريض النفسي) الملكي الممكن علاجه (بالمجنون) الجمهوري المستعصي علاجه !! .     
لقد حمل إنقلاب 14 تموز/1958م مع بداياته مؤشرات العنف الدموي والسادية (قتل العائلة المالكة إبتداءاً بالملك الشاب وإنتهاءاً بنساء العائلة المالكة وسحل الوصي على العرش ونوري السعيد وولده صباح وغيرهم في الشوارع والتمثيل بجثثهم) والذي أوهم فيه الإنقلابيون الشعب من أنهم قد قاموا بالإنقلاب من أجله الذي خرج بملايينه لمؤازرتهم (العودة الى بيان الثورة كما أطلقوا عليها الذي أذاعه العقيد عبدالسلام عارف) وساندتهم الأحزاب السياسية الأيديولوجية المرتبطة أما بالأجندات القومية أوالأقليمية أوالأممية وحيثُ لعبت من حيثُ تدري أو لاتدري الدور الرئيسي في تدمير العراق وتحييد وطنية أبنائه وإستبدالها بأفكار أثبت الزمن بطلانها أو على الأقل بعدها عن واقع المجتمع العراقي وتكوينه الفريد ، ومما يبعث على الأسى إستمرار تلك الأحزاب ومَنْ معهم مِنَ المغرر بهم من الشعب بالإحتفال السنوي بذكرى الإنقلاب أو الإنقلابات ونعتها بالثورات بدل الجلوس ومراجعة النفس والإعتراف بشجاعة بالخطأ الذي قامت به تفادياً للوقوع في أخطاء أخرى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، لكن تعنتهم وتطرفهم الفكري العاطفي بما يؤمنون به من معتقدات يطغي دائماً على منطق العقل والوطنية الحقّة ولهذا نجد مَن أنّ البعض منهم الذي إنتمى الى تلك الأحزاب بدافع حبه للوطن بدأ بالتجرد من إنتماءاته الحزبية والعودة الى مساندة المشروع الوطني المجرد من الشعارات الفكرية الخارجية أياً كان مصدرها ، وعجبي على من لا يزال يعتبر تلك الإنقلابات ثورات ويصفها بصفات هي أبعد ما تكون عنها لأنها وكما بينّا من أن قادتها لم يكونوا يفكروا إلا بمصالحهم الشخصية الضيقة وتبوء المناصب السياسية ، والأنكى من ذلك كما ذكرت ان البعض لا يزال يحتفل بذكراها - - - فعلى ماذا يحتفلون ؟ هل يحتفلون على خسارة المجتمع للعوائل العريقة التي هاجرت وسكنت المنافي بين لندن وباريس والتي كان معظم أفرادها من المتعلمين وحيثُ نعتناها بالأرستقراطية والبرجوازية ـ ـ ـ أم يحتفلون على خسارتنا للآلآف من المثقفين وحملة الشهادات الجامعية في مختلف التخصصات من أبناء الطبقة الوسطى الذين قتلوا أو هاجروا  نتيجة الملاحقات السياسية لتورطهم بأفكار متباينة قومية أو أممية كانوا يعتقدون بأنها ستخدم الوطن والمواطن لكنهم صدموا بنتائجها ـ ـ ـ أم يحتفلون على عودة حياتنا الى عصر ما قبل النهضة الصناعية ، فلا ماء صالح للشرب ولا كهرباء ولا حتى تعليم بحدّه الأدنى ، فالأمراض السارية عادت الى موطنها تفتك بالمواطنين والجهل سيطر بلا منازع طارداً كل فكرٍ نيرٍ .
 ـ إنقلاب الثامن من شباط/1963م : ويسميه المؤيدون له بثورة الرابع عشر من رمضان والمحايدون يطلقون عليه بحركة الثامن من شباط ، وقد جاء نتيجة الصراع على السلطة بين العسكريين وتداعياته وقيام عبدالكريم قاسم بإعدام نخبة من الضباط الأحرار في موقع (منطقة) أم الطبول في بغداد وتصاعد الخلاف السياسي بين الأحزاب القومية من جهة والأممية من جهة أخرى ، وكنتيجة لهذا الإنقلاب أعدم عبدالكريم قاسم في دار الإذاعة والتلفزيون رمياً بالرصاص دون محاكمة فعلية ، كما تبعته في الثامن عشر من تشرين الثاني لنفس السنة (بعد مرور تسعة أشهر) حركة قالوا عنها (تصحيحية) حيّدت حزب البعث المشارك الرئيسي في حركة الثامن من شباط .
ـ انقلاب السابع عشر من تموز/1968م : أهم ما يميّز هذا الإنقلاب هو تنفيذه بواسطة الضباط المنتمين لحزب سياسي أيديولوجي خلافاً للإنقلابات السابقة ، والذي تمخض عن تسييس المؤسسة العسكرية وخلق مصطلح "الجيش العقائدي" ببادرة خطيرة غيرت كل المفاهيم والأسس المعمول بها في تكوين جيوشها الوطنية خاصة في منطقتنا الشرق أوسطية ، لأننا وكما نعلم من ان الأحزاب الأيديولوجية سواء أكانت في السلطة أم خارجها تعمل على تشكيل ميليشيات عسكرية تابعة لها من نفس عناصرها المدنية لأغراض معلومة ، لكنها لا تتجرأ وهي في السلطة على تسييس المؤسسة العسكرية بكاملها . كذلك طرح شعار الإشتراكية بمفهومها الحزبي أخاف ما تبقى من أصحاب رؤوس الأموال المخضرمين فغادروا البلد ، بالإضافة الى الهجرات المتتالية لشرائح مجتمعية متنوعة نتيجة الملاحقات السياسية أو هرباً من الحروب وويلاتها .
ـ الإحتلال العسكري الأمريكي/2003م : وكما نعلم تفاصيله التي عشناها ونعيشها ومسبباته العلنية والخفية وتداعياته المحلية والإقليمية والدولية ومبرراته السياسية والإقتصادية وما نتج عنه من هجرة قسرية وطوعية لما تبقى من النُخب المجتمعية لا بل طال حتى بسطاء الناس بمختلف إنتماءاتهم .
ـ الخاتمة :
لقد أدت الإنقلابات العسكرية الى نزوح عائلات عراقية حضرية وريفية عريقة بكاملها أو بمعظمها ومن مختلف شرائح المجتمع بقومياته وأديانه خارج العراق (سكنوا معظمهم الدول الأوربية خاصة إنكلترا وفرنسا لقناعتهم بفقدان الأمن والأمان وحيثُ كانوا يشكلون العمود الفقري للإقتصاد العراقي وواجهته الحضارية بأعيانه )، وهذا الأمر قد أدى الى إختلال التوازن الطبقي والمجتمعي للشارع العراقي وتغيير ديموغرافيته ، حيثُ صعدت طبقة طفيلية مليئة بالعقد وحب "الأنا" الى مواقع السلطة نتيجة الإنقلابات العسكرية أو من خلال إنتمائها للأحزاب الثورية الراديكالية وحيثُ أطلقنا عليها شتى المسميات (الطبقة الكادحة ، الطبقة المناضلة ، البروليتاريا ـ ـ الخ) وهذه الطبقات من المفروض أنها وكما جاء في أدبيات أحزابها أن تعمل دون أن تملك شيئاً عدا ما تستحصله من جهدها العضلي أو المهني ، لكنها ملكت الأرض والعباد حال تبوئها للسلطة مُحاوِلة إشباع رغبتها في السيطرة وحب التملك المادي أو المعنوي أو الأثنين معاً دون حدود لأطماعها ، وقد تناست هذه الطبقة الطفيلية واقع مواطنيها الذي إنحدرت منه وحيثُ إستغلت معاناتهم وبؤسهم لتبرير أهدافها للقيام بالإنقلابات ، لا بل زادت من تهميشهم ومعاناتهم وفقرهم بتلك الإنقلابات.
وتقدّر الإحصائيات غير الرسمية أعداد المهاجرين العراقيين منذ بدأ تلك الإنقلابات ما بين 5-7 مليون نسمة وعدد الضحايا ما بين 2-3 مليون ضحية معظمهم من الشرائح النوعية للمجتمع العراقي خاصة بعد حركة رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة في مايس/1941م وما رافقها بما سمّي بـ "أحداث الفرهود" على اليهود العراقيين مما أدى الى هجرة معظمهم أواخر الأربعينات من القرن المنصرم ثم تلاها هجرة معظم العوائل العريقة وما أطلق عليهم بالطبقة الأرستقراطية أو البرجوازية أو طبقة ملاّك الأرض بعد سقوط الملكية في تموز/1958م ثم هجرة الطبقة المثقفة للبرجوازية الصغيرة والطبقة الوسطى نتيجة الصراعات السياسية والفكرية بعد إنقلاب الرابع عشر من تموز وما بعده من إنقلابات متتالية وصولاً الى إنقلاب السابع عشر من تموز /1968م وما رافقه من ملاحقات سياسية وتهجير أثني (التبعية الإيرانية كمثل) وحروب دموية أدت الى هجرة المزيد وإزدياد الضحايا من الشرائح الإجتماعية النوعية وإنتهاءاً بالإحتلال العسكري الأمريكي في 2003م والصراع الطائفي/السياسي الذي تبعه وحيثُ أتى على ما تبقى من النخبة المجتمعية فقُتِلَ مَن قُتِل وهاجرَ مَن هاجر بحثاً عن الأمن والأمان .     
ومما عرضته أعلاه يتبين لنا الأعداد المخيفة للضحايا والمهاجرين نتيجة تلك الإنقلابات وتداعياتها وفقدان خيرة أبناء الشعب ومن مختلف طبقاته وإنتماءاته ، لا بل هنالك عوائل كاملة عريقة كانت تمثل عماد النهضة والحضارة الفكرية في العراق قد تبعثرت في أرض الشتات وأصبحت في طي النسيان وإندمج أبنائها في مَهاجِرُهم مع مجتمعاتهم الجديدة وأصبحوا أعلام وشخصيات مهمة في منافيهم فخسر العراق النخبة المهمة من مواطنيه الذين كانوا يمثلون الخميرة الفعالة لبناء الدولة الفتية الحديثة .
وأختتم مقالتي بحديثين لقامتين عراقيتين دفاعاً وتوضيحاً لتوثيقاتهما ودعمهما للحقيقة فقط لا غيرها ، أولهما شاعرنا الكبير معروف الرصافي الذي إستشهد المؤرخ الكبير خليل ابراهيم حسين بمقدمته المؤرخة في 5 تموز 1933م وجعلها مقدمة لكتابه "ثورة الشواف في الموصل 1959م" ، حيث جاء في حديث الرصافي : "اما سخط الناس من اجل انني خالفتهم لوفاقها وصارحتهم في بيانها جريا على خلاف ما جروا عليه من عادات سقيمة وتقاليد واهية فلست مباليا به ولا مكترثا له ما دمت لا اطلب بما اكتبه الا رضى الحقيقة" إنتهى كلام الشاعر معروف الرصافي  .
وثاني القامتين أ.د. سيّار الجميل الذي ختم مقالته النقدية البحثية "عبدالكريم قاسم بين زمنين" والمنشورة على موقعه وفي جريدة الزمان اللندنية/ملحق الف ياء ، العدد 1137، الأثنين 11 فبراير/شباط 2002م والتي جاء فيها ما يلي : "ليس لي غير الحيادية والاستقلالية المجردة عن كل الاحتقانات السياسية المزمنة في العراق ـ ـ وأتمنى أن يغدو اسلوب كل من الحيادية والاستقلالية : منهج حياة وعمل وممارسة لكل العراقيين والعراقيات في دراسة تاريخهم والحُكم على رجالهم في توضيح ما لهم وما عليهم بعيداً عن المزايدات السياسية واللعب بعواطف الناس واعصابهم وتشويه قيم الجيل الجديد وتفكيره ـ ـ خصوصاً ونحن نعرف بأن العراقيين من أقوى خلق الله عاطفة وتشبث وسخونة وشاعرية وانفعالات" !! ، إنتهى كلام المؤرخ الكبير أ. د. سيّار الجميل .
أما كاتب هذه المقالة فيقول : ليس هنالك أعلى وأغلى من العراق ، والعراق اليوم يحتضر بوحدته ووحدة أبنائه نتيجة تلك الإنقلابات المجنونة وأطماع القائمين بها كما أثبتتها الحقائق على لسان من كانوا معاصرين لها وقريبين من أصحابها ، لذا فالواجب الوطني والأخلاقي يحتم علينا كشفها ووضعها في قفص الإتهام لِما آلت اليه أوضاع الوطن والمواطن على حدٍ سواءٍ ، والمعذرة للذين يختلفون معي على بياني للحقيقة كما رأيتها وسمعتها وقرأتها من مصادرها الأصلية .
 
إنتباهة :
(1)            – فقط نستثني رشيد عالي الكيلاني الذي تخرج في كلية الحقوق ، لكنه إعتمد أيضاً على العسكر في تنفيذ حركته .
(2)            – أعطيتُ لإنقلاب الرابع عشر من تموز/1958م مساحة اكثر من بقية الإنقلابات كونه يُعتبر نقطة التغيير الرئيسية لصيرورة الدولة العراقية الحديثة بتغييره لنظامها الملكي الدستوري الى جمهوري رئاسي ، ويعتبر هذا الإنقلاب خط البداية  للصراع على السلطة بين العسكريين والذي قاد الى الإنقلابات الدموية الأخرى التي تلته ، ويعتبر الإنقلاب كذلك المنصة التي انطلقت منها الصراعات السياسية بين الأفكار القومية والأممية .


63
أيّ ربّ تعبدون يا مَنْ قتلتم الأبرياء في الفلوجة والكرّادة ؟
بقلم : سالم ايليا
أتى العيد وما هو بآتٍ كعادته بالفرحة والتسامح والمصالحة وحيثُ إفتقدناه بهويته المسالمة منذ زمن مضى ، فلقد إستقبلناه بملابس الحداد السوداء بدل الألوان الزاهية التي كانت تزهو على أجساد الأطفال حيثُ مزقتها شظايا الحقد الأسود من حيثُ لا نعلم أصابعه الخفية !! ، نعم ـ ـ جاء العيد الذي إستبدلنا فيه التهاني والأبتسامات بالتعازي والدموع والبكاء ـ ـ ومسلسل الحقد الأعمى مستمر دون توقف ـ ـ فنار الطائفية المستعرة تجد من يزيد سعيرها وجنونها ـ ـ فلا يوجد عاقل واحد بيننا ليقول كفى لنجلس ونتباحث ونضع مصلحة أبنائنا فوق كل خلاف ـ ـ فالنار لا تعرف (العدو) من (الصديق) ـ ـ تحرق الجميع دون إستثناء ـ ـ  فلقد عجزنا نحن الكتّاب وكل أبناء الوطن الشرفاء عن المناشدة بوقف العنف من أجل العراق ـ ـ فالعراق لم يعد له وجود في ضمائر وقلوب تجّار السياسة والسائرون في دهاليزها .
بالأمس وفي قلب الشهر الفضيل الذي حرّمت فيه الشرائع القتل ـ ـ قتلنا وشردّنا الأبرياء في الفلوجة وأطعمناهم رصاص الغدر والكراهية بدل موائد الرحمن الرمضانية ـ ـ لم نفرّق بين داعشي مجرم وأسير لديه يتمنى هو وعائلته أن ينجو من قبضته ـ ـ كل جانب يتهم الجانب الآخر بالمجزرة ـ ـ فتحديد هوية القاتل ليس هو الهدف ـ ـ بل الهدف قد تحقق بالإبادة والتشريد الجماعي !! .
واليوم ننهي الشهر الكريم شهر الرحمة والغفران !! بوليمة كبرى قد أعدّت من لحومٍ آدمية طازجة فرشناها على طول شارع الكرّادة وقت السحورـ ـ ولأننا كُرماء فلم نبخل بإشعال النار التي زادت وطغت على نار حاتم الطائي حتى وصلت الى عنان السماء فغطت الأبنية على جانبي الشارع وتغلغلت الى مخادع وأسِرّة الأطفال النائمين ولبّت كلّ متطلبات المدعوّيين ـ ـ فهذا من يريده شواءاً نضراً وذاك من يرغبه قاسياً متفحماً ـ ـ السنا نحن أهل الكرم والجود ؟!! .
وللذي لم يقرأ ولم يسمع فأمريكا التي تحكم العالم اليوم بقدراتها الهائلة لم تكن كذلك قبل أكثر من قرن ونصف من الزمن وحيثُ كانت الحرب الأهلية قد بدأت بين الشمال والجنوب (1865-1861) والتي أتت على الأخضر واليابس وخلّفت ورائها ما يزيد على (600) الف قتيل من الجيش النظامي للطرفين وأضعاف هذا العدد من المدنيين ، وعندما أدرك قادة الطرفين من عدم جدوى تلك الحرب المجنونة بين أبناء البلد الواحد وخاصة بعد معركة "محكمة أبوماتوكس" جلسا القائدين "روبرت لي" ممثلاً للجنوبيين و "يوليسيس جرانت" ممثلاً للشماليين على الطاولة المستديرة وأنهوا تلك الحرب المجنونة وإنصاع الشعب من الطرفين الذي كان وقود تلك الحرب لقرار وقف الحرب وأتجه لبناء البلد من تحت الصفر بنيّات صادقة ـ ـ وها هي أمريكا بعد مئة وواحد وخمسون عاماً على نهاية الحرب الأهلية تقود العالم ليس بقدراتها العسكرية فقط وإنما بتطورها الصناعي والإجتماعي .
إنّ ما أردتُ قوله من طرح المثل الأمريكي هو إدراك القادة لعدم جدوى الحرب فأنهى أثنان منهم فقط مأساة الملايين من مواطنيهم عندما أدركا بنيّات وطنية صادقة بعدم وجود رابح في الحرب ، فالشعب مسيّر وليس مخيّر يسير وراء قادته ، فالى متى يبقى القادة السياسيين راكبين رؤوسهم والى أي نفق مظلم ونهاية مأساوية نحن سائرون .   
 

64
الكاتب محمد غازي الأخرس وأصل الحجاب!!
بقلم:سالم ايليا
كنتُ قد نشرتُ مقالة بحثية في شهر كانون الأول من عام 2009م عن الحجاب وأصله تحت عنوان " هل ان أصل الحجاب آشوري"، بينتُ فيها عائدية لبس الحجاب مستنداً على الأدلة التاريخية التي عُثر عليها في بلاد آشور الواقعة في شمال العراق، ومستشهداً بمصدر تاريخي مهم احتفظ بنسخته الأصلية في مكتبتي وهو "العصور القديمة" الذي طُبِعَ سنة 1926م للدكتور جايمس هنري براستد/أستاذ تاريخ الشرق ورئيس دائرة اللغات والعلوم الشرقية في جامعة شيكاغو وعضو اكاديمية العلوم في برلين، والذي اعتمدتُ عليه في التأكيد الى ما ذهب اليه الدكتور محمود سلام الزناتي/ أستاذ تاريخ وفلسفة القانون في جامعة أسيوط بمصر من خلال كتابه "قصة السفور والنقاب واختلاط وانفصال الجنسين عند العرب" .
ان ما ذكرتهُ في مقالتي نقلاً عما نُشرَ في صحيفة عرب 2000 الصادرة في كندا بعددها (91) لسنة 2003م واستناداً الى ما ورد في كتاب الدكتور زناتي كان كما يلي :
"تبينَ للباحث بعد دراسته وبحثه لتاريخ النقاب على مرِ العصورِ الى إنهُ ليسَ نظاماً عربياً أو إسلامياً وإنما هو نظاماً ظهر لأول مرّة في بلاد آشور شمالي بلاد ما بين النهرين"، انتهى النص الذي أوردته صحيفة عرب 2000 .
ومن خلال بحث آخر كنتُ قد أجريتهُ، توصلتُ فيه الى النص الحرفي  في كتاب الدكتور الزناتي الذي جاء فيه :
"لا زوجات الرجال ولا الأرامل ولا النساء الآشوريات اللاتي يخرجن إلى الطريق يمكنهن ترك رؤوسهن مكشوفة. بنات الرجل سواء أرتدين شالاً أم جلباباً أم عباءة، لا ينبغي لهن ترك رؤوسهن مكشوفة. المومس يجب ألا تحجب نفسها، ويجب أن يكون رأسها مكشوفاً"، انتهى النص لكتاب الزناتي .
وكما ذكر في كتابه فقد اعتمد الدكتور محمود الزناتي على النص المأخوذ من اللوحات الطينية التي عَثرَ عليها المنقبون في إحدى مدن آشور القديمة والتي تخص الأحكام الخاصة بحجاب النساء .
أما ما ذكرته (أنا) في مقالتي الآنفة الذكر في معرض التأكيد على أصل الحجاب كان كما يلي :
ذكرَ الدكتور جايمس براستد من خلال عرضه لشرائع آشور على أنّ: " كانت الشريعة تحتم على نساء الأشراف والأكابر أن يتخمرّن ولا يبرزن في الأسواق وبين الجماهير سوافر بلا نـُقـُب . هنا نشأت عادة التحجّب بين النساء وصار لها أهمية عظيمة في بلاد الشرق منذ ُ القديم وحتى الآن ". وحسب قول المؤلف بان شرائع آشور الآصلية كانت (ولا تزال) محفوظة في خزانات أقبية المتحف البريطاني منذ ذلك الحين .
وقد نقلتُ النص الحرفي لما ذكره الدكتور جايمس هنري براستد وَوضَعتهُ بين علامتي التنصيص (") للدلالة على الإقتباس او نقل النص الحرفي من مصدره بشكلٍ مباشرٍ، وأشرتُ الى المصدر في الهوامش أسفل المقالة .
لكنني فوجئتُ من خلال تصفحي للأنترنيت من ان السيد محمد غازي الأخرس قد حاول الولوج في موضوع أصل الحجاب بمقالته المنشورة في صحيفة الصباح العراقية في يوم 30/8/2014 وقد إستشهد بمقالتي بطريقة مشوهة أفقدت مقالته المصداقية في نقل المعلومة من مصدرها .
 حيثُ ذكر السيد محمد الأخرس ما نصه: " نوهت أول من أمس إلى أن أصل الحجاب عراقيٌ وها أنا أتوقف عند هذا الأصل الذي لم أفاجأ به شخصيا رغم أنني كنت أجهله حتى أيام. ملخص ما جرى معي أنني، بينما كنت أراجع تشريعات آشورية تخص النساء في كتاب عنوانه "الحياة اليومية في العراق القديم"، إذا بي أمام مادة عن حجاب النساء لا يمكن إلا اعتبارها أصلا لا غبار عليه للفكرة. وبالفعل، ما أن تعمقت في الموضوع حتى عرفت أن باحثين عديدين أشاروا لهذه الأبوة الآشورية منهم المصري محمود زناتي، صاحب كتاب "قصّة السفور والنُقاب وإختلاط وإنفصال الجنسين عند العرب"، الذي اعتمد وفق ما يقول الكاتب سالم آيليا، على كتاب "العصور القديمة" لجيمس هنري براستد، والأخير عرض بدوره لشرائع آشور وبين أنها "تحتم على نساء الأشراف والأكابر أن يتخمرّنَ ولا يبرزنَ في الأسواق وبين الجماهير سوافر بلا نـُقـُب". هذا ماينقله سالم ايليا ولم أتأكد منه شخصيا.حسب هذا الأصل، يبدو الحجاب الآشوري ذا طابع طبقي وليس أخلاقيا، بمعنى أنه كان إشارة تمييز للمرأة الحرة عن الجارية، من جهة، والبغي المقدسة، من جهة أخرى، وهي الفكرة عينها التي تقوم عليها أيات الحجاب في القرآن الكريم حيث فرض الخمار لتمييز حرائر المسلمين عن جواريهم، يقول الله سبحانه : "يا أيها النبي قـُلِ لأزواجك وبنَاتك ونساء المؤمنين يُدنينَ عَليهِن مِن جلابيبهن ذلكَ أدنى أن يُعرَفنَ فلا يُؤذَينَ وكانَ اللهُ غفوراً رّحيما"، وهو نفس محتوى أية أخرى تقول: "يا أيها النبي قل لأزواجكَ وبناتكَ ونساء المؤمنين لا يتشبهنّ بالإماء في لباسهنّ إذا خرجنّ من بيوتهنّ لحاجتهنّ فكشفنّ شعورهنّ ووجوههنّ ولكن ليدنين عليهنّ من جلابيبهنّ لئلا يعرض لهنّ فاسق إذا علمَ أنهنّ حرائر بأذى من قول".إنتهى النص المنقول عن مقال السيد الأخرس ، ومن الممكن قراءة النص الكامل للمقال على الرابط أدناه :
http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=76806
فقد خلطَ الكاتب محمد الأخرس بين ما ذهبتُ اليه في استدلالي وما ذكره الباحث الدكتور الزناتي، وقوّلهُ ما لم يقولُهُ في كتاب "قصة السفور ـ ـ الخ"، وبهذا يكون قد أغبنَ حق الطرفين ( حقي وحق الدكتور الزناتي)، اذ أغبنَ حقي بالبحثِ والإنفرادِ بنشرِ المعلومةِ من كتابِ "العصور القديمة"، وأغبنَ حق الدكتور الزناتي فيما لو كانت المعلومة خاطئة فتؤثر على مصداقيةِ ما جاء في كتابهِ الذي تصدر الكتب الأكثر مبيعاً في معرضِ القاهرة الدولي لسنة 2003م !! .
فأنا لم أقل في مقالتي بان الدكتور محمود الزناتي قد اعتمد في بحثه على كتابِ "العصور القديمة" وانما قلت وبالنص الحرفي : " ومن خلال بحثي (أنا) ومتابعتي لبعض المصادر التاريخية ومنها كتاب "العصور القديمة" للدكتور جايمس هنري براستد أستاذ تاريخ الشرق ورئيس دائرة اللغات والعلوم الشرقية في جامعة شيكاغو في الربع الأول من القرن الماضي (1926م) وهو أيضاً تاريخ طبع هذا المصدر المهم والذي كانَ مقرراً للدراسة في المدارس الثانوية في العراق وفلسطين في ذلك الحين" .
كذلك أكمل الكاتب الأخرس ما أستنتجتهُ وبرهنتهُ من خلال ذلك البحث وأوعزه لنفسه !!، بقوله: "يبدو الحجاب الآشوري ذا طابع طبقي وليس أخلاقيا، بمعنى أنه كان إشارة تمييز للمرأة الحرة عن الجارية "، وهذا بالضبط ما أثبته في مقالتي التي إعتمد عليها الأخرس، لكنني لم أقل بأن تمييز المرأة الحرّة عن الجارية كان في العهد الآشوري وإنما وضِعَ هذا التمييز في العهد الإسلامي وكما هو واضح من تفسير الآية 59 من سورة الأحزاب بواسطة المفسرين الإسلاميين، لكن الآشوريين أوجدوا الحجاب لتمييز نساء الأكابر عن نساء العامة، وهنالك فرق واضح بين نساء العامة والجواري .
لذا ابرزتُ الجُمل موضع التساؤل في نقل المعلومة ومصداقية مصدرها باللون الأحمر (هاي لايت) لتكون واضحة للسيد محمد الأخرس وللقرّاء والمعنيين الكرام على حدٍ سواء ( يمكن لجميع المعنيين الأفاضل العودة الى نص مقالتي في المواقع الألكترونية التي نُشِرت فيها)(1). وسيجد القارئ الكريم من أنني أغنيتُ المقالة المذكورة بالآية القرآنية ذات العلاقة (الآية 59 من سورة الأحزاب، وهي نفس الآية التي إستشهد بها السيد الأخرس في مقطع مقالته أعلاه)، ووضعتُ تفاسيرها من قبل المفسّرين الإسلاميين كالطبري ومجاهد وقتادة وابن كثير، كما اعطيتُ في تساؤلاتي المنطقية المساحة الكافية للقارئ النجيب للتأمل والبيان عن السبب في لبس الحجاب كما وردت في التفاسير .   
ولحد علمي فقد انفردتُ في كتابة مقالة خاصة عن هذا المرجع التاريخي المهم وتحت عنوان " كتاب العصور القديمة مرجع مهم للمؤرخين"، حيثُ نُشِرت المقالة في المواقع الألكترونية في 20/02/2010م، وقد بينتُ من انه لربما لا تتوفر نسخ كثيرة من هذا المرجع بطبعته الأصلية (يمكن للقارئ الكريم قراءة المقالة في الشبكة العنكبوتية)(1)، وقد أرتأيتُ ان ارفق مع هذه المقالة صورة من النسخة الأصلية لصفحة الكتاب الذي استشهدتُ به ليتأكد السيد محمد الأخرس شخصياً من مصدر المعلومة ولأزيل الغشاوة والشكوك من ظنونه، علماً بأنه لو اجهد نفسه قليلاً بالبحث والتدقيق لوجد في الهامش رقم (1) في نفس مقالتي الأولى من أنني ذكرتُ الإنتباهة التالية : " سأتطرق في مقالة لاحقة الى هذا المصدر الذي أحتفظ بنسخة منه طُبعَت سنة 1926م" .
 لكن يبدو ان الكاتب محمد الأخرس من الكتّاب والمؤلفين الذين يبحثون عن عدد الأعمال التي ينشرونها بمواضيعها المثيرة للجدل لغرض الشهرة الإعلامية وليس الى نوعيتها ومصداقيتها وبيان الحقائق وتوثيقها، وهذا هو داء العصر لبعض الإعلاميين وأصحاب القلم في مجتمعاتنا !!، أو انه يستخف بالكتّاب والباحثين العراقيين ويستكثر عليهم مجاراتهم لإخوانهم العرب في البحث والتقصي !!، فلو كان الكاتب المذكور في البلدان التي لها قوانين الحفاظ على حقوق البحث والنشر لكان أكثر دقة وأمانة في نقل المعلومة .
ولكي اكون اكثر تعمقاً في هذا الموضوع الواسع للجدل، فان عادة لبس الحجاب او النقاب انتقلت بشكلٍ واسعٍ بين الأمم القريبة والبعيدة عن موطن الأشوريين، إذ اخذها الفرس بعد احتلالهم نينوى، وكانت قد انتقلت قبلهم الى ذرية النبي ابراهيم، وهنالك نص واضح في كتاب العهد القديم (التوراة) وتحديداً في سفر التكوين يقر بوجوب لبس المرأة المنحدرة من سلالة الأشراف للنقاب عند ملاقاتها للغرباء، وهذا النص يقول : " 62 وكانَ إسحَقُ راجعاً مِنْ طَرِيقِ بِئْرِ الحْيِ الرّاءِيّ إذْ كَانَ مُقِيماً بأرْضِ الْجُنوبِ، 63 وَقَدْ خَرَجَ إسحقُ إلَى الصّحْرَاءِ لِلتّأمُّلِ عِنْدَ إقْبَالِ الْمَساءِ.فَرَفَعَ طَرْفَهُ وَنَظَرَفإذَا جِمَالٌ مُقْبِلَةٌ. 64 وَرَفعَتْ رفقَةُ طَرْفَهَا فَرَأتْ إسْحقَ فَنَزَلتْ عنِ الْجَمَل. 65 وَقَالَت لِلْعَبْدِ مَنْ هذَا الّرجُلُ الْمَاشِي في الصّحْرَاءِ لِلِقائَنا. فَقَالَ الْعَبْدُ هُوَ مَوْلاَيَ.فَأخَذَتِ الّنِقَابَ واسْتَتَرتْ بِهِ. " ( سفر التكوين : الفصلُ الرّابِعُ والْعِشروُنَ : 62-64 ) (2).
 اي ان "رفقة" التي التقت "إسحق" لأول مرة وقبل ان تصبح زوجة له استترت بالنقاب لتبعث برسالة له على انها من نساء الأكابر وليست من عامة الشعب، كذلك انتقل الحجاب او النقاب الى البيزنطينيين وغيرهم من الأمم .
وقد أعطت الكاتبة "نهى الهاشمي" معنى آخراً للحجاب في مقالةٍ نشرتها على موقع "إيلاف" في العدد 5157 المصادف الأحد في الخامس من يوليو /2015م وتحت عنوان " الحجاب الجدل الأبدي 1 "، حيثُ إختتمت مقالها بالمقطع الأخير قائلة : " علماً أن كلمة حجاب في القرآن لها معنى مغاير لما تستعمل فيه اليوم، فالحجاب في اللغة هو : ما يمنع من اللقاء، فحجاب المرأة هو أن تجعل بينها وبين غيرها جداراً أو حاجزاً يفصلها عنه. ويسمى كل ما يغطي الرأس (خماراً)، أما ما يغطي الرأس والوجه معاً فيسمى (غشاءً) كما قال أ.د. احمد الكبيسي في برنامج (الكلمة واخواتها) وبرنامج (لسانا عربيا) في شرح : الآية 53 الأحزاب. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا) "، إنتهى الإقتباس من مقالة الكاتبة نهى الهاشمي .
ومن خلال ما عرضتهُ الكاتبة نهى الهاشمي في طرحها السابق يتبين لنا الفرق بين معنى "الحجاب" في الآية (53) من سورة الأحزاب وبين معنى "الجلباب" في الآية (59) من نفس السورة، ولحد علمي .

الخاتمة :
كان على السيد محمد الأخرس التدقيق والتمحيص في مثل هذا الموضوع المهم والمثير للجدل وان يكون أميناً في الطرح لإغناء مقالته وليس العكس، ولا أعلم ما علاقة الحجاب بالفوطة والغترة كما ورد من خلال سرده !!، كذلك ما علاقة موضوع الحجاب بالبغي المقدس كما طرحه السيد الأخرس، ومن قال له ان "البغي المقدس" تخص الجواري والإماء فقط !!، فماذا عن الآلهة انانا/عشتار وماذا عن "اكهاتوسليا ووبيليستيكهية" اللتين حكمتا مصر!!، وموضوع "البغي المقدس" متشعب وكبير عبر العصور لا مجال لطرحه الآن بكلمتين كما فعل الكاتب المذكور في مقالته .
ان الغاية من التطرق الى موضوع الحجاب ليس لإثارة الجدل واللغظ حول معتقدات نحترمها ونقدر مَنْ يؤمن بها، ولكن لتثبيت وتوثيق حقائق تاريخية مستندة على الأدلة، ولهذا تابعتُ جميع المواقع والقنوات الإعلامية التي نشرت مقالتي حينها ومنها مواقع ذات توجه ديني، حيثُ أثنت جميعها على حيادية ومصداقية البحث وعدم محاولته الطعن أو التجريح بمعتقد أو قناعة معينة، بل على العكس تماماً أكدت اقلام أخرى ما حاولتُ ايصاله بالبراهين والحُجج، وهذا ما نبغيه جميعنا والله من وراء القصد .

  إنتباهة:
(1)   لم ارغب في تحديد موقع الكتروني معين بوضع رابطه للمقالتين " هل ان أصل الحجاب أشوري وكتاب العصور القديمة مرجع مهم للمؤرخين"، وذلك لنشرهما في اكثر من موقع الكتروني فلجميع المواقع اعتزازي وتقديري، لِذا تركتُ حرية الأختيار للقارئ الكريم .
(2)   في صفحتي كتابي "العصور القديمة" و"التوراة" المصورتين المرفقتين مع هذه المقالة، وضعتُ النصّين اللذين إستشهدتُ بهما داخل مربع مؤطّر باللون الأحمر للدلالة وتسهيل الأمر على القارئ الكريم . 


65
حوار هادئ/هل من العدل الترحّم على النظام السيء لأننا نعيش الأسوأ ؟ الجزء الثاني (الأخير)
بقلم : سالم ايليا
لقد كان الرئيس الأسبق  صدام حسين أول رئيس عراقي قفز على القوانين بإنفراده بصياغتها وإرتجالها في بعض الأحيان على شاشة التلفاز حين كان يوعز لمرافقه الأقدم بكتابة القانون خلال زياراته الميدانية ومن ثمّ نشره في الجريدة الرسمية في اليوم التالي أو الأيام التي تليه دون أشباعه بالدراسة من قبل المختصّين أو أخذ رأي الوزير المختص أو في أحسن الأحوال كان يتصل مكتبه شكلياً بأعضاء مجلس قيادة الثورة والوزراء (لإبلاغهم) بالقرار أو الإنتظار لعرضه في الإجتماع الإسبوعي لمجلس الوزراء والتوقيع عليه حيثُ لا يتجرأ أياً منهم لمعارضته ،  وكمثال لا يزال ماثلاً للأذهان صياغته وأقراره لقانون سمح بموجبه للفلاحين والبدو بحفر الآبار الإرتوازية في مناطقهم لإستخدامها في الري وإرواء الأغنام وللإستخدام الشخصي دون الرجوع الى أصحاب الإختصاص لدراسة القانون وما يصاحبه من ضرر على خزين المياه الجوفية ، مما أثار حفيظة المختصّين وبعد مراسلات عديدة لوزارة الري ، خرج صدام حسين في زيارة أخرى ليعلن الغاء القانون الذي  تسبب في عشوائية حفر الآبار وإهدار المياه الجوفية التي تعتبر الخزين الإستراتيجي للمياه السطحية (الأنهار والبحيرات) ، ومثال آخر خلال زيارته للأهوار سمح لصيادي الأسماك بإستخدام المفرقعات والسموم لصيدها مما أتت هذه الطريقة على جميع أحجام الأسماك والقضاء على الثروة السمكية وايضاً تم الغاء القانون بعد حصول الكارثة ، وهنالك أمثلة لا حصرة لها .
كذلك فهو أول رئيس سمح لأبنائه بالتدخل في إدارة الدولة ولا أريد الخوض في التفاصيل المملة لهذا الأمر ، فكل العراقيين بل العالم أجمع على معرفة كاملة بهذا الأمر .
كذلك أعاد المجتمع الى العصبية القبلية بدعوته للعشائر الى مبايعته أثناء إستقباله لرؤسائهم في القصر الجمهوري أو في زياراته لهم وتشجيعه للعودة الى قوانين العشيرة خلال أحاديثه المتلفزة ، وأعطى أولوية التعيين لأبناء عشيرته وبلدته كأفراد حماية له وتعيينهم أيضاً في المناصب المهمة متجاوزاً الكفاءة والتحصيل الدراسي (صهره حسين كامل المجيد كمثل ، وهذا ما أكده طارق عزيز خلال اللقاء الذي أجراه معه في السجن الناطق الرسمي للحكومة السابق علي الدباغ) .
وهو أول رئيس تألّفَ موكبه من عشرات العجلات ومئات الحمايات وكانت الطرق تقطع لساعات عديدة في إنتظار مروره ربما لثوانٍ فقط في الشوارع أو تقاطعاتها ، في حين لم يتجرأ ملوك العراق ورؤسائه حتى إنتهاء فترة الرئيس الراحل أحمد حسن البكر على إستخدام أكثر من سيارتين واحدة للرئيس أو المسؤول والأخرى لمرافقيه وفي أكثر الأحيان سيارة واحدة فقط ولم يكن هنالك أي حماية عدا حالات المواكب الرسمية في إستقبال رؤساء الدول ، وأتذكر جيداً حين زار الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر الجامعة التكنولوجية وكنتُ طالباً فيها سنة 1976م بسيارة مرسيدس واحدة كانت تقلّه مع مرافقه وسائقه ولم يكن معه أي فرد من الحماية ، حتى إنّ إبنه محمد الذي قتل مع زوجته في حادث مروري كان يأتي في بعض الأحيان لأخذ زوجته الطالبة حينذاك في قسم السيطرة والنظم بسيارة من نوع (داتسون) وينتظر خارج الجامعة حتى خروجها اليه لأنه كان يحظر على غير الطلاّب الدخول الى الجامعة وفي كثير من الأحيان كان يوصلها سائق خاص بسيارة مرسيدس قديمة موديل 1966 ، ومن الممكن التأكد مما ذهبت اليه بشأن أحمد حسن البكر من خلال الرابط أدناه :
http://www.sotaliraq.com/mobile-news.php?id=123915#axzz47FEhxAuS
وبهذا فقد كان صدام حسين أول رئيس سخّر إمكانيات الدولة بكل طاقاتها لخدمته وخدمة عائلته وحيثُ فتح الباب على مصراعيه للحكام والسياسيين الجدد بعد 2003م ليحذوا حذوه !!! .
ويؤكد الصحفي محسن حسين نائب المدير العام لوكالة الأنباء العراقية حينها وهو أحد الصحفيين المرافقين لصدام حسين في جولاته الخارجية مذ كان نائباً لمجلس قيادة الثورة من أن صدام حسين بدأ يسافر بطائرة مستقلة لوحده عندما أصبح رئيساً للجمهورية ويسافر الوفد المرافق له من المسؤولين والوفد الصحفي بطائرة أخرى !! ويوضّح من خلال حديثه على الرابط أدناه مدى إحتراز صدّام حسين من عدم ظهور إسماً غير إسمه في الإعلام حتى لو كان المعني أقرب الناس اليه :
http://www.karemlash4u.com/vb/showthread.php?t=285019

كذلك كان أول رئيس أمر بتغيير الواقع الديموغرافي للمناطق العراقية من خلال تسفيره عنوة لشرائح معينة من الشعب من والى مناطق أخرى مما أربك الحياة الإجتماعية للعراقيين وكما حدث للكرد ، إضافة الى تغييره للواقع البيئي لمناطق أخرى كتجفيف الأهوار الذي أدى الى كارثة بيئية بشرية وحيوانية بفقدان العراق لأنواع مهمة من الطيور المهاجرة وتقليص الثروة السمكية الى أدنى مستوياتها وقراره خلال الحرب مع إيران بقطع النخيل على ضفاف شط العرب والمناطق الحدودية المتاخمة لإيران فتراجع العراق عن رياديته كأول بلد للنخيل في العالم ، وقراره الأسوأ بالعقاب الجماعي لشريحة عراقية كبيرة كان معظم أفرادها مواطنين خدموا البلد فرماهم على الحدود بعد إسقاط الجنسية عنهم وجرّدهم من كل أموالهم وممتلكاتهم تحت ذريعة التبعية الإيرانية تاركاً في جيوبهم خمسة دنانير فقط !!، فماذا نتوقع من شخص يعود هو وأفراد عائلته الى العراق بعد غياب في المخيمات والمنافي لأكثر من (23) عاماً وبعد أن طردته حكومة بلده بأبشع الطُرق اللاإنسانية بتهمة الإنتماء العرقي الذي لا ذنب له فيه ؟ ـ ـ هل نتوقع منه ومن أبنائه إخلاصهم للبلد ؟ ـ ـ هل لو كنّا نحن محلّهم سنتصرف بطريقة أفضل ؟ ـ ـ وهذا بالتأكيد سينطبق على المهجّرين من اليهود في نهاية الأربعينات من القرن الماضي وعلى المسيحيين والصابئة المندائيين والأيزيديين وجميع من هجّر عنوة من منطقته في الوقت الحاضر.
أما في مجال إهدار المال العام وسرقته فلا يختلف إثنان من أن ميزانية الدولة كانت مباحة للرئيس الأسبق صدام حسين ولا يوجد أي شخص يستطيع سؤاله عن الصرفيات أو المُنح التي كان يمنحها لرؤساء دول دون مسائلة وهم أنفسهم الذين وقفوا ضده بعد دخوله للكويت ، فالكثير من الدول الأفريقية والدول العربية كانت تسترزق من الخزينة العراقية وشعب العراق جائع وحيثُ كان يعيش هذا الشعب على مكارم السيد الرئيس (حفظه الله) بمنح العائلة العراقية دجاجة واحدة لشهرٍ معين وتبقى وسائل الإعلام تطبل لتلك المكرمة . وقد قالها الرئيس الأسبق صدام حسين خلال أحد لقاءاته مع عضوات إتحاد نساء العراق من إن زوجته السيدة ساجدة خيرالله ذهبت الى مدرستها مشيئاً على الأقدام في منتصف الستينات من القرن المنصرم لأنه لم يكن لديها درهم واحد لركوب وسائط النقل !! ، إذن من أين أصبح لديها الملايين ؟ ، والشيء ذاته ينطبق على جميع أفراد عائلته وأقاربه ويكفي الرجوع الى أحد لقاءات الأستاذ صلاح عمر العلي على الرابط التالي للتأكد من صحة ما طرحته في هذه المقالة :
 https://www.youtube.com/watch?v=_iyUNkxl8-U
وفي سياق التصرف بالمال العام دون الإستناد على القوانين النافذة ، ذكر لي أحد الأطباء الأخصائيين الذي كان يقييم في المملكة المتحدة في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم (الذي عاد الى العراق نتيجة الجولة التي قادها وزير التعليم العالي حينها لتشجيع عودة الكفاءات الى الوطن لحاجة العراق لهم) من أنّ الظروف وضعته بعد عودته في أن يقابل صدّام حسين بشكل مباشر لإكمال معاملة تعينه وكما وعده وزير التعليم العالي حين طلب منه العودة والإيفاء بما وعد به !! ، وبعد المقابلة التي حققت الغاية منها تفاجئ من ان الرئيس أمر له أيضاً بإستلام سيارة برازيلي من الشركة العامة للسيارات ومبلغ ثلاثة آلاف دينار ، لكنه حاول رفض هذه المنحة قائلاً للسكرتير بأنه لا يستطيع أخذ هذه المنحة لأنه ولله الحمد غني وهذه أموال الشعب (الدكتور كان قد غادر العراق في الفترة التي لم يكن فيها أي رئيس جمهورية أو وزير يستطيع التصرف بأموال الشعب إلا من خلال القانون الذي يشمل الجميع ، كذلك معيشته لمدة طويلة في المملكة المتحدة رسّخت لديه هذه القناعة) فردّ عليه السكرتير قائلاً "هاي هدية السيد الرئيس أخذها وأطلع ولا تدخل نفسك في مشاكل أنت في غنى عنها" ، فأخذها الطبيب مرغماً وغادر ، فقد كان الرئيس يهب ما لا يملك !!.   
  كذلك فقد إنتشرت الرَشَاوى والفساد بين مؤسسات الدولة خلال فترة حكم صدام حسين مع إطالة الحرب مع إيران وإنتعشت السوق السوداء والوساطات للحصول على السلع الضرورية المفقودة حتى شملت المؤسسة العسكرية بمراتبها المختلفة ، فكان الجندي ضحية للحرب والإبتزاز المادي للحفاظ على  حياته ، وقد وصلت ذروتها في نهاية الثمانينات مروراً بالحرب ضد التحالف الدولي بدخول الكويت وتحريرها وما صاحبها من سرقات وفوضى طالت المؤسسات الكويتية وشعبها وحيثُ إشترك فيها الوافدون والعاملون الأجانب في الكويت ، لكنها سُوّقَت إعلامياً بإتهام العراقيين بتنفيذها فقط ، وهذه الظاهرة شجّعت ضعاف النفوس فيما بعد على إجتياز الحاجز الأخلاقي للممارستها علناً وأمام عدسات كاميرات  الفضائيات أثناء الغزو الأمريكي للعراق في 2003م وسرقة وتخريب مؤسسات الدولة العراقية وبتشجيع من جنود الإحتلال وعناصر المخابرات الكويتية والأجنبية المرافقة للإحتلال وما بعده .
إذن ما يفعله الآن السياسيون من تجاوزات على القوانين وسرقة وإهدار للمال العام كان قد فتح الباب اليه الرئيس الأسبق صدام حسين وحيثُ أعطاه الشرعية السلطوية وليس الشرعية القانونية الدستورية لممارسته للذي جاء من بعده .
أما ما بدأ البعض بترويجه من أن قصور صدّام حسين كانت قصوراً للشعب كونها لم تكن مسجلة بإسمه أو إسم أحد أفراد عائلته وإنما كانت من ممتلكات الدولة فهذا هو التزييف بعينه ، حيثُ لم يكن يستطيع أي فرد من أفراد الشعب رؤيتها ولو من بعيد لكونها محاطة بمساحة واسعة من الأراضي المحصنة والبعيدة عن الأنظار والمجهزة بأجهزة المراقبة الحديثة .
وللذي يتهمني بظلم الرئيس الأسبق صدام حسين فعليه الإطلاع على المقالة المعونة "لماذا أُعدِمَ اللواء الركن قوات خاصة عصمت صابر عمر؟؟؟" بقلم الدكتور صبحي ناظم توفيق وكان شاهد عيان على واحدة من بربرية الحكم في فترة الرئيس الأسبق صدام حسين ، وطريقة مقتل وزير الصحّة رياض حسين على الروابط أدناه :
http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/fereboaliraq/23285-2016-04-21-19-39-19.html

الرئيس الأسبق صدام حسين يقر بقتل وزير الصحة الدكتور رياض حسين في حكومته على الرابط أدناه :
https://www.youtube.com/watch?v=6eumgszYOKI
 إبنة وزير الصحة المغدور ريّا رياض الحاج حسين المقيمة في الشارقة تحدثت عن إحتمالات إعدام والدها لموقع جريدة "الشرق الأوسط" على الرابط أدناه :
http://archive.aawsat.com/details.asp?issueno=9165&article=235261#.Vx0FMDE3uIU

ومما يجب الوقوف عنده تصفية الرئيس الأسبق صدام حسين لخيرة أعضاء الحزب الذي إنتمى اليه وجمّد آليته ونظامه الداخلي وجعله مجرّد منظمة أمنية تنفذ أوامره دون مناقشة (ملاحقة المعارضين له والقبض على أبناء الشعب لتجنيدهم بما سمّي بالجيش الشعبي لإرسالهم للحرب) أو حتى دون إبداء الرأي لأعضائه بأبسط القرارات التي أتخذها هو وإفرغه من شموليته القومية حتى أنّ أعضاء قيادته القومية لم يتجرأوا على إنتخاب أمين عام جديد للحزب خلفاً لمؤسسه وذلك لوجود رأي بإعطاء المنصب الى شبلي العيسمي الذي كان أحق من صدام حسين فبقي المنصب خالياً .
 ومن الممكن الإطلاع على الرابط أدناه ليتأكد القاريء الكريم من بعض المآسي التي شملت حتى عوائل من كانوا مسؤولين في حزبه وفي الدولة .
قصة إعتقال زوجة محمد عايش القيادي في حزب البعث بعد أن أعدمه صدام حسين على الرابط أدناه :
http://www.al-mashriq.net/inp/view.asp?ID=87827

(رواية) مقتل وزير الدفاع الأسبق عدنان خيرالله الطلفاح وأسبابها في الرابط أدناه :
http://www.karemlash4u.com/vb/showthread.php?p=916420#post916420
ولي تحفظ على هذه (الرواية) وخاصة عند ذكر حالة الجو ، حيثُ يدعي مزهر الدليمي موثقاً ما يلي : " وحسب تسجيل إدارة الأنواء الجوية، كان الطقس جيداً جداً وكذلك الرؤية بينما الرياح خفيفة فمتوسطة السرعة" إنتهى كلام مزهر الدليمي ، وهذا التوثيق للأمانة غير دقيق لأنني كنتُ في موقع عسكري قريب جداً من الحادث أثناء أداء خدمة الإحتياط ، ولقد كانت هنالك بالفعل عاصفة ترابية شديدة جداً أثناء الحادث وأحدثت دماراً بمباني الوحدات العسكرية المرابطة هنالك وهذا مطابقاً لما جاء في البيان الحكومي .
وحيثُ يعتقد البعض بأن الرئيس الأسبق صدام حسين كان رجل دولة وذلك بحكمه المتسلط الفردي والدكتاتوري الذي أمسك بزمامه بقبضة حديدية لشعب لا يستطيع حتى التعبير عن آلامه علناً ، وتجاهل هذا البعض المعنى الحقيقي لرجل الدولة القادر على تحويل بلده المتخلف الذي يُعد من دول العالم الثالث الى بلد متقدم ومتطور تنتشر فيه اليات الحكم اللامركزي بطريقة ديناميكية ونظام ديمقراطي حر ، فصدام حسين لم يكن يوماً رجل دولة وإنما بقيَ محتفظاً بصفته كرجل ثوري يؤمن بالقوّة لتغيير ما حوله وحيثُ كان يفتخر بمناسبات عديدة بصفته الثورية التي لم يستطع يوماً نزع جلبابها وإن تظاهر في بعض المواقف عكس ذلك لكن نزعته الثورية غالباً ما كانت تظهر بتصرفاته وقراراته الداخلية والخارجية .     
أما في مجال إعلانه الحروب على جيرانه ، فقد كان من الممكن جداً تفاديها والخروج بنتائج سياسية مرضية جداً للعراق دون إراقة قطر دم واحدة على الرغم من الأوضاع المتوترة التي كانت سائدة على الحدود حينذاك وخاصة الحدود الشرقية مع إيران بعد مجيء الخميني للسلطة بثورة شعبية في شهر شباط 1979م ، وسأورد هنا بعض الملاحظات التي تدلل على سعي الرئيس الأسبق صدام حسين للدخول في تلك الحروب ومنها تصريح ممثل العراق في الأمم المتحدة حينذاك صلاح عمر العلي من أنه كان يستطيع إيقاف الحرب في يومها الأول لكن القيادة العراقية رفضت ذلك وكما مبين في الرابط أدناه :
لقاء صلاح عمر العلي أحد أقدم قياديي حزب البعث مع قناة الجزيرة الفضائية والذي يكشف فيه جوانب مهمة من الأحداث ومنها إصرار الرئيس الأسبق صدام حسين على دخول الحرب مع إيران على الرابط أدناه :
https://www.youtube.com/watch?v=_iyUNkxl8-U

 كذلك هنالك عدّة أفلام وثائقية تؤكد تخطيط صدام حسين لدخول الحرب ضد إيران الخمينية وإستفزازه لوزير الخارجية الإيراني في المؤتمر السادس لدول عدم الإنحياز الذي إنعقد في هافانا (كوبا) من 3-9 سبتمبر/أيلول سنة 1979م ، حيثُ أبقاه واقفاً بجانبه وهو جالس وبيده السيكار دون دعوته للجلوس حين زاره الوزير في مقر إقامته للتفاهم على نزع فتيل التوتر في العلاقات وحل آليّة تطبيق إتفاقية 1975م الخاصة بالحدود بين البلدين ، وبذلك تجاوز كل السياقات البرتوكولية الدولية في التعامل مع الضيوف ، وتجاوز الأعراف العربية والعشائرية التي ترحّب بالعدو إذا طرق بابهم ، إضافة الى قيامه بجولات تفقدية ميدانية للحدود وحثه للجيش على إنتظار ساعة الصفر وهذا ما حدث عند زيارته بأيام قلائل قبل الحرب لزرباطية وبدرة وجصان وإعتلائه لإحدى الدبابات المرابطة على الحدود والقائه لكلمته على الجنود مثيراً فيهم الحماس للإستعداد لغوض المعركة ، ثم زيارته لضابط المرقب الحدودي قائلاً له بالحرف الواحد : "من ننطيكم الأوامر بالتحرك تدخلون بسرعة منّا" مؤشراً على الطريق الترابي الداخل الى إيران ، ثمّ تبعها بالإعلان الرسمي لإلغاء إتفاقية الحدود لسنة 1975م وإعلان الحرب. 
  وللأسف الشديد كان هنالك الكثير من المتسلقين والمنتفعين الطفيليين الذي كانوا يصفقون ويبررون التصرفات والقرارات الخاطئة للرئيس الأسبق ، فقد حوّلوا هزائمنا في عهد صدام حسين الى إنتصارات باهرة ، فالحرب مع إيران وإن خسرنا فيها حوالي المليون مواطن عراقي بين شهيدٍ وجريحٍ ومعوّق والآلاف من الأسرى والأرامل واليتامى مع آلاف القصص الحزينة والمؤلمة لنساء تزوجنَ بعد أن يأسنَ من عودة أزواجهن ثمّ يتفاجئنَ بعودة أزواجهنَ بعد عشر سنوات من الأسر وهنَ على ذمم رجال آخرين ربما من ذوي القربى للزوج الأول ، كذلك خسارة العراق لمليارات الدولارات بعد أن كان الخزين المالي للعراق عند تبؤء صدام حسين الموقع الأول (180) مليار دولار بإعتراف "القائد الضرورة" في أحد لقاءاته لنخرج بعد الحرب بمديونية بلغت ستين مليار دولار ثمّ زادت الى (270) مليار دولار بعد حرب الكويت ، فكل هذه الكوارث والمآسي حولناها الى نصرٍ مبينٍ بعودة الحال الى ما هو عليه قبل الحرب مع إيران على الحدود التي بقيت دون زيادة أو نقصان لشبرٍ واحدٍ على الأرض !!! ـ ـ ـ لا بل تغاضى "القائد الضرورة" عن حقوقنا التي كانت موضع تفاوض بعد وقف إطلاق النار ليتفرغ للحرب الأخرى بدخوله الى الكويت فجأة ودون علم حتى لرئيس أركان جيشه !! المسؤول الأول عن العمليات العسكرية ، وليعتبر عدو الأمس النظام الإيراني "الفارسي" كما كان يطلق عليه صديق اليوم والذي أسماه النظام الإيراني الجار المسلم ويودع طائراتنا التجارية والحربية عنده عملاً بالمثل العراقي "سلّم البزونة شحمة" !!! متناسياً ما حصل بين البلدين بين ليلةٍ وضحاها لحربٍ إستمرت ثمانية سنوات أكلنا فيها بعضنا البعض وأصبح فيها "الدم الى الرُكَب" مثلما يقول المثل العراقي .
وفي حرب الكويت التي ناطح (كما يقول الشاعر عباس جيجان) فيها أعتى وأشرس دولة في العالم مع ثلاثين دولة أخرى مجتمعة دون الأخذ بنظر الإعتبار أبسط البديهيات في الدراسات العسكرية التي تقول إن الجيش الذي يدخل في حرب لمدة سنة يحتاج بعدها لخمسة سنوات على أقل تقدير لإعادة تنظيمه ، وبهذا كان الجيش العراقي بحاجة الى أربعين سنة لإعادة تنظيمه بعد حرب الثمانية سنوات مع إيران للدخول في حربٍ أخرى ، غير أن القائد العام للقوات المسلحة صدّام حسين الذي حصل على رتبته بقرار أقرّه هو أدخلنا بعد أقل من سنتين من حرب إيران بحرب عالمية ضد أقوى جيوش العالم عدّة وعدداً مقابل جيش منهك وغير مهيأ لها عسكرياً ونفسياً وبطريقة فاجئت حتى أقرب المقربين ، وحيثُ كانت المؤسسة العسكرية قد نخرها التسيب والفساد الإداري والمالي كنتيجة طبيعية لحرب ضروس دامت ثمانية سنوات بعد أن كانت هذه المؤسسة النموذج الأعلى في النزاهة قبل سيطرة صدام حسين على الموقع الأول في الدولة والحزب .
وربما الكثير منّا لا يعلم بأنّ صدّام حسين كان قد خطط منذُ زمن بعيد للدخول الى الكويت وضمّها الى العراق !! ، وقد إتخد من إتهامه للكويت بأنها كانت وراء إنخفاض أسعار البترول كذريعة لتنفيذ خطته وكمبرر مثلما فعل حينما أعلن الحرب على إيران ، ومن الممكن الرجوع الى بيانه التحذيري للبعض من دول الخليج (وكما أعلن بعدها من أنه قصد الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة) وعبارته الشهيرة "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق" وذلك في الذكرى السنوية لإنقلاب السابع عشر من تموز/1990م وإتهامه لهما بأنهما كانتا السبب في إنخفاض أسعار البترول وحيثُ كانت الإمارات تضخ كميات أكبر بكثير من حصتها المقررة وأكثر من الكويت لكنه هاجم الكويت فقط ولم يتأخذ أي فعل ضد الإمارات !! ، كذلك من الممكن العودة الى لقائه مع رؤساء تحرير الصحف الكويتية/1989م الذين زاروا العراق في الذكرى السنوية للحرب العراقية ـ الإيرانية للتهنئة (بإنتصار) العراق وحيثُ كان معظم الشعب الكويتي مع العراق قلباً وقالباً ، وخلال طرح الأسئلة سأل أحد رؤساء التحرير صدام حسين عن سبب إمتناع العراق عن توقيع إتفاقية الحدود بينه وبين الكويت علماً بأن العراق قد وقّع الإتفاقيات الحدودية مع السعودية (التي منحها نصف منطقة الحياد العراقية الغنية بالبترول) ومع الإردن (التي وهبها جزء من الأرض العراقية الغنية بالفوسفات) ومع سوريا (التي وقف رئيسها حافظ الأسد حينذاك مع إيران ضد العراق) ومع تركيا (التي كانت تتوغل دائماً في الأراضي العراقية لمطاردة حزب العمّال الكردستاني) وبقيت فقط دولتين جارتين لم يوقع صدّام حسين إتفاقية الحدود بينهما هما إيران بسبب المفاوضات بعد الحرب والكويت (التي وقفت مع العراق في حربه ضد إيران)؟؟؟ ، كان جواب صدام حسين للصحفي الكويتي وهو ينظر نظرات لها معانٍ كثيرة الى وزير إعلامه حينها السيد لطيف نصيّف جاسم الذي كان حاضراً ذلك اللقاء كالآتي : " إحنا والكويت بلد واحد وماكو فرق بيننا ، وإحنا مرتبين ترتيب إنشاء الله راح يرضي إخواننا في الكويت !!" ولم يكن يعلم الشعبان العراقي والكويتي من أنّ هذا الترتيب سيكون بالدخول الى الكويت وحصول الكارثة على الشعبين ، وربما الأسباب التي جعلت صدام حسين يفكر بإحياء مطالبة ضم الكويت الى العراق هي تداعيات ما أفرزته الحرب العراقية ـ الإيرانية من أهمية الكويت لضمان الأمن القومي العراقي وخاصة جزيرتي وربة وبوبيان وحاجة العراق الى منفذ مباشر على البحر للإستيراد والتصدير وخاصة النفط وقيام الحكّام الكويتيين بالحفر المائل (لشفط) النفط العراقي مستغلين إنشغاله بالحرب إضافة الى الحقوق التاريخية التي يطالب بها العراق منذ العهد الملكي مروراً بالعهد الجمهوري بعد الجلاء البريطاني منها وإعلان إستقلالها في حزيران من العام 1961م ونقض أمير الكويت للإتفاق الغير معلن بين العراق والسعودية والكويت لإحتواء (الثورة الإيرانية) ونظام الملالي فيها والذي وعدتا فيه الكويت والسعودية بمساعدة العراق مالياً في حالة التصدي للنظام الإيراني الجديد لكن الكويت طالبت بتلك المُنح على إعتبارها ديون ، كذلك شعور صدام حسين بالزهو بقوته العسكرية التي منحته الثقة المفرطة بقدرته على مقارعة الدول العظمى عسكرياً ، لكن صدّام حسين كان قد أسقط وكعادته من تفكيره إختلاف الزمن وتوقيتاته في مثل هذه القرارات المهمة والتغيرات الدولية بإنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بسيطرتها على السياسات الدولية بعد تفكك الإتحاد السوفيتي وحلف وارشو وعدم قدرة العراق على ديمومة التسليح الذاتي للأسلحة الغير تقليدية والتي لم يكن يملكها أصلاً ووقوعه في هالة التصنيع العسكري العراقي الذي لم يصل في جميع الأحوال الى الواحد من الألف لتصنيع الدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية لتلك الأسلحة والبون الشاسع بين حربنا مع إيران كدولة إقليمية مستوردة للتكنلوجيا العسكرية مثلنا ومواجهة دولة عظمى مثل أمريكا مصنّعة للآسلحة المتطورة والمسيطرة بلا منازع على الأجواء البرية والبحرية والجوية بأسلحتها المسيطر عليها بالأقمار الصناعية والتي حسمت المعركة وبسرعة لصالحها ، وحيثُ كان واضحاً تماماً كيف ستكون نتيجة المنازلة للمعنيين والبسطاء في العالم أجمع إلاّ صدام حسين الذي أوهم الجميع بأن لديه "سلاح خارق" سيفاجئ به الجميع لمقارعة أمريكا !!!، لكن الأحداث أثبتت بطلان هذا الوهم وبساطة قراءة التوقعات ورؤية الأحداث في تفكير صدّام حسين .
وبعد خسارتنا لمئات الآلاف من الجنود والأليات العسكرية وتحطيم ما تبقى لنا من قدرات عسكرية في أيام معدودة وتدمير كافة البنى التحتية الخدمية وتدمير جميع مرتكزات الإقتصاد العراقي من معامل مدنية إنتاجية الى معامل التصنيع العسكري وتنازلنا مرغمين عن أجزاء مهمة من أرصفتنا المطلّة على الخليج وميناء أم قصر ودفع فواتير الحرب وثمن السلاح الذي ذبحنا به التحالف الدولي مع تعويض الكويتيين أضعاف الخسائر التي لحقت بهم جرّاء هذا العمل اللامسؤول ـ ـ ـ والأهم من كلّ ذلك إذلال الجيش المنسحب بطريقة عشوائية ونقل مفردات الصور المهينة للبعض من الجنود المتهالكة وإن كانت محدودة من تقبيل أحذية وتوسلات وضيعة بجنود العدو للإبقاء على حياتهم والتي إستغلها الإعلام المعادي المتمرس وسوقتها فضائياته بأسرع من البرق .
 بعدها خرج علينا "القائد الضرورة" وإعلامه ليزفوا بشرى النصر للعراقيين معللين هذا النصر بعنادنا للمجتمع الدولي وركوبنا لرؤوسنا بقولنا كلمة "لا" لن نخرج من الكويت (بالمروّة) ، فخرجنا منها (بالكوّة) ورؤوسنا مطأطئة وبدأنا في السنوات التي تلتها نحتفل بذكرى خسارتنا المشينة على أنها إنتصار كبير بقولنا أكبر "لا" في التاريخ قالها رئيس غير مدرك لحجم الكارثة التي الحقتها بنا أكبر قوة عسكرية في العالم .
كما بدأنا نتغنى بأكبر حصار دولي جائر علينا ونفرز تداعياته ومآسيه ونصفه بصفات دلّت على جهل قيادة البلد لما وصل اليه من دمار ـ ـ ـ فالبطاقة التموينية التي لا يزال الشعب العراقي يعمل بها منذ ما يزيد على (25) سنة والتي أصبحت جزء من هويته وحيثُ سوّقها الإعلام الحكومي وأعوان الرئيس الأسبق على إنها (المعجزة) التي نظمت معيشة العراقيين وكسرت الحصار !!! ، فأي منطق سخيف هذا التفسير ، وحيثُ من المفروض أن تكون البطاقة التموينية حالة مؤقتة فأصبحت حالة دائمية لبلد كان سيكون من أغنى بلدان العالم لولا حماقة قائده !! .
فالبطاقة التموينية التي إعتبرها البعض معجزة من معجزات وزارة التجارة ما هي إلا بيانات بسيطة لتنظيم إستلام الحصص التموينية لشعب بقي جائعاً لحد الآن يستلم من خلالها كميات قليلة من الشاي والسكر والدهن والطحين المخلوط بالحصو الناعم ونوى التمر المطحون والرمل وما خفيَ كان أعظم حيثُ ذكر لي أحد مسؤولي توفير البطاقة التموينية حينها من أن الطحين كان يحتوي حتى على الفئران الميتة اليابسة (التي طحنت مع الحنطة) في السايلوات وهو أساساً لم يكن صالحاً للإستهلاك الآدمي !! ـ ـ ومثلما تعودنا فقد حولنا هذا الجوع القسري والحصار المدمر الى إنتصار مذهل إعلامياً وطبل له المطبلون ووصفنا بطاقته التموينية بالمعجزة وأثنينا على مبتكريها وجعلناهم أذكى من علماء العالم ومبتكري حضارته الألكترونية ونسينا بأن أبواب دورنا كانت تُدَق كل يوم تقريباً من قِبَل النسوة اللاتي تبدو عليهنَ ملامح العِزّة مطأطئات رؤوسهنَ خجلاً للسؤال عن قدحٍ من السكر أو القليل من الطحين لإطعام أطفالهنَ ـ ـ فالمشكلة تكمن من أن هنالك من لا يخجل لحد الآن للمجاهرة بتلك الهزائم والمآسي بإعتبارها إنتصارات للقائد الذي وصفه البعض على (أنه العراق والعراق هو) !!! .       
وآخر قراراته المدمرة للّحمة الوطنية المتجانسة كانت إطلاقه لما أطلق عليه "الحملة الإيمانية" التي بذرت بذور التطرف الديني والمذهبي الذي نرى نتائجه الآن ، فالشعب العراقي لم يكن ملحداً أو بعيداً عن الدين والإيمان لتقود الدولة ورئيسها الذي يدلل تاريخه السياسي على علمانيته حملة إيمانية لإرجاع شعبه الى إيمانهم الديني ، وإذا كان لا بد من هذه الحملة فهي تصلح فقط له وللبعض الملتفين من حوله .
إنّ ما زرعه الرئيس الأسبق صدّام حسين كان معروف سلفاً من أن حصاده مر .
فالى متى سيبقى البعض يمجّدون القادة ويبررون أخطائهم على حساب المصلحة الوطنية ؟؟ .
إن الغاية من التطرق الى تحديد مسؤولية ما حصل للعراق ليس للإساءة لشخص أو حزب معين ، وإنما لغرض تنبيه البعض من عدم الإنجرار بعواطفهم وإنتماءاتهم الطائفية في تبرير الأخطاء القاتلة والمدمرة لشعبٍ بأكمله وتوثيق المسؤولية التاريخية لأخطاء فردية أو جماعية أوصلت البلد الى ما هو عليه الآن من تدهور ستقرأها الأجيال القادمة لتأخذ منها الدروس والعِبَر لتفاديها مستقبلاً حرصاً على العراق ووحدته .



66

حوار هادئ/هل من العدل الترحّم على النظام السيء لأننا نعيش الأسوأ ؟ الجزء الأول
بقلم : سالم ايليا
قال الأمريكي الدّاعِيَةُ لحقوق الإنسان الراحل مارتن لوثر كينج "لا يستطيع أحدٌ ركوب ظهرك إلا إذا كنتَ منحنياً" .
كثُرَ الحديث بعد التغيير الذي حصل في سنة 2003م عن المقارنة بين نظام ذهب لكنه أبقى لنا كلّ سلبياته وأخذ معه البعض القليل من حسناته التي يضعها البعض في إطار المقارنة ما بين السيء الذي كان والأسوأ الذي نعيشه الآن ، وبهذه المقارنة الغير عادلة نكون قد ظلمنا ولا زلنا نظلم الوطن والمواطن على حدٍ سواءٍ ونشجّع السيء للإستمرار في ممارسة سلوكياته أو تشجيع الآخرين على الحذو حذوه.
ولغرضِ توضيح الحقائق كما هي بعيداً عن التحزبات والإنتماءات السياسية والطائفية الدينية أوالقومية علينا أولاً الإشارة الى من كان المسؤول المباشر عن ما وصل اليه العراق من مآسي ؟ ، كذلك علينا الفصل بين فترتين مختلفتين لنظامٍ كان يقوده حزب قومي أيديولوجي يؤمن معظم أعضائه بأهداف ضحى البعض منهم بحياته من أجلها .
فالفترة التي إنحصرت ما بين مجيء هذا الحزب الى السلطة بإنقلاب عسكري سنة 1968 ولغاية سنة 1979م تختلف كثيراً عن الفترة التي تبعتها ولغاية سقوط بغداد بدخول المحتل وإزاحة الرئيس الأسبق صدّام حسين عن الحُكم ومن ثمّ محاكمته هو وأعضاء حكومته محاكمة سياسية وليست جنائية لم يتحقق فيها مبدأ العدالة المجرّدة من الثأر والحقد وترسابته بنوعية العقوبة وطريقة تنفيذها ويوم التنفيذ ، فنوعية الجناية التي أدانته لم تكن (مُحْكَمة وكافية) للحكم عليه وعلى بقية المتهمين بالموت !!! ، وحيثُ أن التعرض المسلّح لرئيس أية دولة شرق أوسطية ومحاولة إغتياله بالتأكيد سيكون مصير الجناة فيه الإعدام ، وهذا ما حدث سنة 1982م فيما أطلق عليه بـ "حادثة الدجيل" ولو أنّ العقوبة الجماعية قد طالت الكثير من أهل الدجيل الأبرياء وممتلكاتهم إلا أنها كانت متوقعة في ظل النظام الشمولي ، وحيثُ تعرض فيها الرئيس الأسبق صدام حسين الى محاولة إغتيال خلال مرور موكبه في الشارع العام المحاذي لمنطقة الدجيل وكانوا المنفذين محسوبين على حزبٍ وطائفةٍ معينةٍ .
 ولقد بيّن من إستلم الحكم من بعده سذاجتهم بالسياسة أو خبثهم وتعمدهم على إثارة الفتنة والتفرقة وترسيخ الطائفية بين أبناء الشعب بتلك المحاكمة المثيرة للجدل ـ ـ الم يكن الأجدر ببول برايمر الحاكم المدني حينذاك ومن جاء معه أن يبقوا على بعض القوانين التي أدان فيها الرئيس الأسبق صدام حسين الآلاف من أبناء الشعب وحكم عليهم بالموت ومنها الهروب من أرض المعركة ـ ـ أقول : الم يكن الأجدر أن يُحاكم الرئيس الأسبق بموقعه كقائداً عاماً للقوات المسلحة وأعوانه بنفس القانون الذي شرّعه في فتره حكمه ونفذ على أساسه حكم الإعدام بالمئات من الجنود والقادة العسكريين !! ، وحيثُ هرب هو ومن معه من أرض المعركة بعد دخول المحتل الى بغداد تاركين الجيش والبلد تحت رحمة من لا رحم لهم لتدميره !! ، وعندها سوف لم ينبس ببنت شفة حتى من تبقى من أعوانه للدفاع عنه أو التشكيك بعدالة الحكم عليه بالموت لأن القانون الذي وضعه هو واضح والجُرم أوضح !! ، وعليه كان يجب محاكمته بنفس قانونه وتجريمه بنفس الجرم الذي أدان فيه الكثيرين وعندها سيكون من أتى من بعده من المعارضين لنظامه قد حققوا غايتهم في الإنتقام منه والصاق تهمة التخاذل به مدى الدهر وعلى مدار التاريخ !! .
وكاتب هذه المقالة لم يكن من المتضررين الغير تقليديين من النظام السابق ، وأقصد بالضرر الغير تقليدي من وقع عليهم الأذى من سجن وتعذيب أو أبعد من ذلك ، لكن الضرر التقليدي كان قد شمل كلّ العراقيين بإستثناء النخبة المقربة من النظام وذلك نتيجة السياسات الخاطئة له والمتمثلة بقرارات رئيسه في الدخول في حروب لا "ناقة لنا فيها ولا جمل" وما نتج عنها من مآسي وويلات ، وحيثُ كنتُ أحد المواطنين الذين يقفون مع ما تحقق من تقدم وإزدهار لغاية سنة 1979م ومن خلال مناقشاتي (المنفتحة) مع من كان ينتمي الى الأحزاب الأيديولوجية الأخرى والتي أخذت جانب المعارضة للحزب الحاكم حينذاك ، وحيثُ كنتُ أقول لهم إذا كنتم بحق تريدون الخير للبلد فدعوا الحكومة تكمل ما بدأت به من تطور وإزدهار ، وإذا كنتم تدعون بأنكم وطنيون قبل أن تكونوا حزبيون فدعوا الطرف الآخر ينفذ برنامجه التنموي وإن إختلفتم معه أيديولوجياً ، فالوطني لا ينظر للأمور من منظار من يَحكم من الأحزاب لكن من يحقق الإزدهار والتطور للبلد .
وقد نجح الى حدٍ ما البعض المستفيد من المرحلة التي سبقت الإحتلال في تبرير وتجميل  صورة النظام السابق مستغلين الفرقة الطائفية وما وصل اليه سوء الحال بإضعاف مضاعفة عمّا كان عليه سابقاً ، وللأسف يحاول البعض من طائفة معينة جاهلاً تسويق البضاعة الفاسدة لمن يعتقدون أنه ينتمي اليهم ، وحيثُ يتبنى البعض من تلك الطائفة لسياسي أو رئيس لم يَثبت جدارته في قيادة الدولة ليصل بالشعب والوطن الى بر الأمان ، ويلتزم هذا البعض بالدفاع عن أخطائه وتبريرها بطريقة المقارنة الساذجة والغير منطقية بين سوءه الذي كان بالأسوأ الذي نعيشه الآن متجاهلين مِن أنّ مَن اتى بالأسوأ في الحكم الحالي هو السيء ذاته ، وأننا نحصد الآن الحصاد المر الذي زرعه ذلك السيء ، ومتجاهلين أيضاً من أن الدفاع عن السيء وتبرير أخطائه يشوّه تاريخ طائفتهم الناصع بقبولهم وتسويقهم لرئيس لم يفعل شيء لطائفته ولوطنه لا بل أوصلهما الى أسوأ حال ، وبهذا يلحقون الضرر الفادح بسمعة وتاريخ طائفتهم من حيثُ لا يعلمون ومن أجل شخص لم يراعي كل مقومات المسؤولية الوطنية في تجنيب العراق الكثير من المآسي التي كان هو سببها ولم يراعي سمعة طائفته وتاريخها السياسي الكبير، ولو كان لابد من التغني أو المفاخرة برمز معين لتلك الطائفة فمن الأجدر إختيار رؤساء أو قادة سياسيون خدموا العراق بالفعل وهم ينتمون الى نفس الطائفة وربما الى نفس الرقعة الجغرافية لصدام حسين ، وللأسف لقد وقع البعض من المنتمين الى تلك الطائفة وجلّهم من الأكاديميين في شرك النفس الطائفي فبدءوا بتسويق المبررات للرئيس الأسبق وكذلك التعاطف مع المجاميع المسلحة المتطرفة المنظوية تحت أسماء ويافطات عديدة والتي أثبتت الجرائم التي يقومون بها وحشيتها وتقاطعها مع المبادئ والقيم الإنسانية وبهذا ظلموا طائفتهم وأضروا بها إنسانياً وعالمياً حتى بات الأجنبي الساكن في أبعد بقعة على الأرض يعلم من أنّ هؤلاء الشرذمة المجرمة تلقي الدعم من البعض وليس الكل من ذلك الطيف وهذا ما أسعد الطائفيون من الطيف الآخر إذ سوّقوا تهمة الإرهاب والصقوها بالطائفة الأولى محاولين تشويه تاريخها الكبير.
ودعونا أولاً ننصف فترتين مختلفتين لنظامٍ كان يقوده حزب واحد منذ سنة 1968م ولغاية سنة 2003م وحيثُ إنتهت الفترة الأولى في تموز سنة 1979م بتنازل الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر (قسرياً) عن الحكم والذي لم يؤشر عليه أي مؤشر في التصرف بالمال العام بعيداً عن القوانين النافذة وحيثُ كان يستلم راتبه الشهري المقرر والبالغ سبعمئة دينار عراقي إضافة الى مخصصات رئيس الجمهورية المقررة قانونا .
إنتهت فترة الرئيس الراحل أحمد حسن البكر في السابع عشر من تموز سنة 1979م وتبوّء نائبه صدام حسين الحكم من بعده .
ففي الفترة الأولى التي بدأها الإنقلابيون الحزبيون سنة 1968م سوّقوا للشعب صورة تختلف برؤيتها عن القناعة التي كانت راسخة في ذهنه عنهم والمتمثلة بإنقلاب 8 شباط 1963م وتداعياته ، والذي جاء أيضاً نتيجة تداعيات إنقلاب العسكر على الحكم الملكي سنة 1958م وصراعهم على السلطة وحركة الشوّاف وتداعياتها وما نتج عنها من مآسي لا تزال قائمة بين أبناء الشعب الواحد والأخطاء التي وقعت فيها جميع الأحزاب الأيديولوجية المتصارعة والمنقسمة بين قطبي قيادة الإنقلاب العسكري (عبدالكريم قاسم وعبدالسلام محمد عارف) .
فقد أعلن الإنقلابيون سنة 1968م بعد الإطاحة بالرئيس الراحل عبدالرحمن عارف (التي كانت فترة حكمه تتسّم بالهدوء السياسي النسبي) البدأ بفتح صفحة جديدة بين الأحزاب وأبناء الشعب ، فأعادوا المفصولين السياسيين الى وظائفهم وبدأوا بالإتصال بقادة الحركة الكردية للتفاوض معهم ، كذلك فتحوا القنوات السياسية مع الأحزاب الأيديولوجية الأخرى لبلورة صيغة الجبهة الوطنية والمشاركة الرمزية في الحكم .
وقد تمخضت كل تلك التحركات والمبادرات عن بيان الحادي عشر من آذار/1970م في منح الحكم الذاتي للكرد في مناطقهم الجغرافية وتوقيع ميثاق الجبهة الوطنية في السابع عشر من تموز/1973م بين الحزبين الأيديولوجيين الرئيسيين (حزب البعث والحزب الشيوعي) والبعض الآخر من التنظيمات القومية الأخرى ، وأستبشر الشعب خيراً بكل تلك المبادرات التي رسخت الإستقرار السياسي المرحلي (الشكلي) وحيثُ كان الشعب بحاجة ماسة اليه ليلتقط أنفاسه بعد سلسلة الإنقلابات الدموية والصراعات السياسية للأحزاب الأيديولوجية والقادة العسكر في الصراع على السلطة بعد سقوط النظام الملكي . 
وقد أدى تأميم شركة نفط العراق في الأول من حزيران/1972م الى تقارب وجهات النظر بين الأحزاب الأيديولوجية المعادية في أدبياتها للإستعمار والدول الرأسمالية (الغربية) وإتحادها في خندقٍ واحد تلقائياً ، لكنها بقيت متوجسة فيما بينها وضد بعضها البعض لفقدانها الثقة الحقيقية للعمل المشترك من أجل مصلحة العراق .
سارت سفينة المبادرات والإتفاقيات الحزبية الإيجابية الآنفة الذكر بين الأحزاب المتحالفة في بحرٍ لم يخلو من الأمواج الهادرة والعواصف البحرية المدمرة تارة وبين هدوءٍ يشوبه التوتر والقلق تارةٍ أخرى ، لكن وجود عناصر حقيقية الإنتماء وذو نزعة وطنية في تلك الأحزاب ساعد على نزع فتيل المواجهة والعودة الى الصراع الدموي بينها حتى تبوّء صدام حسين الموقع الأول سنة 1979م فالغى الجبهة الوطنية عملياً بملاحقته لأعضاء الأحزاب الأخرى وتنفيذ أحكام الإعدام ضدهم وأرسل تهديده الشهير لهم عبر التلفاز بإرغامهم للعودة الى السراديبب في نضالهم السلبي !! .
كذلك ساعد إرتفاع أسعار البترول في أواسط السبعينات من القرن المنصرم وبرامج الخطط التنموية الصحيحة المتمثلة بالخطط الخمسية ووجود كادر أكاديمي وزاري مهني تكنوقراطي الى حصول قفزات مهمة في معيشة الشعب العراقي وزيادة دخله السنوي وتطور البلد نسبياً ، مما أربك السوق المحلي الذي نجحت فيه الحكومة حينذاك والى حدٍ ما للحد من إرتفاع أسعار السلع الأساسية  في دعمها لها في محاولة لإستقرار أسعارها.
أما في المجال الصحي فقد تضاعف بناء المستشفيات والمراكز الصحية حتى وصلت الى القرى والنواحي البعيدة وأزداد الكادر الطبي من أطباء ومهنيين وتوفرت الأدوية بجميع أنواعها في المستشفيات والصيدليات الخاصة .
من ناحية أخرى نجحت الحكومة في توفير الرعاية الصحيّة شبه المجانية والتي توّجتها بإعلان منظمة الصحة العالمية في نهاية السبعينات من القرن المنصرم بخلو العراق من الأمراض المستوطنة (الكوليرا والجدري ـ ـ الخ) وتبعها أعلان اليونسكو خلو العراق من الأمية بعد الحملة الوطنية الشاملة لمحو الأمية وحيث أعتُبرَ العراق أحد النماذج المهمة في هذا المجال .
ولقد أعتبر المعنيون والباحثون المحليون والدوليون فترة السبعينات من القرن المنصرم هي الفترة الذهبية للعراق من حيث المستوى التعليمي وعدد خريجي الكليات والمعاهد وتنوع الجامعات والكليات التخصصية وإعتراف أغلب الجامعات العالمية العُليا بالشهادات العلمية العراقية ومعادلتها بشهادات جامعاتها ، إضافة الى تطوّر النشاطات والفعاليات اللاصفية (الفرق الكشفية والسفرات المدرسية وغيرها) .
 لكن المستوى التعليمي بدأ بالتدهور في منتصف الثمانينات حتى وصل الى أسوأ مراحله مع بداية السنة الدراسية (1990 – 1991م) مما حدا بمجلس الوزراء على عقد إجتماعات متواصلة تحت عنوان "مناقشة ورقة عمل إنخفاض المستوى التعليمي" كان يحضر بعض جلساتها صدّام حسين شخصياً حتى وصلت ذروة النقاشات (التي كان التلفزيون العراقي ينقل فقرات منها) الى إصرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي حينذاك الأستاذ الدكتور منذر إبراهيم الشاوي على الأخذ بمقترحه الداعي الى دمج وزارتي التربية والتعليم العالي لكي يكون الوزير مسؤول مسؤولية مباشرة على التعليم من مرحلته الأولى الى مرحلته الأخيرة متهماً وزارة التربية بضخ الطلاّب الى الجامعات بمستوى علمي متدني ، وأتذكر جيداً جملته التي قالها لصدّام حسين في آخر جلسة وحيثُ كان ينظر اليه صدام بنظرات عدم الإرتياح من إسلوبه ، فقد قال وزير التعليم العالي ما نصّهُ : "سيدي الرئيس إحنا لازم ـ ـ لازم ندمج الوزارتين هسّة وقبل ما نطلع من هذا الإجتماع" ، لكن صدّام حسين كان غير مسرور لطريقة كلامه ولم يأخذ بمقترحه وأعفاه بعد مدّة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي  .
أما في المجال الزراعي فقد كان الدعم الحكومي للمزارعين واضح قبل سنة 1979م والمتمثل بتوفير البذور والأسمدة والمواد الكيمياوية لمكافحة الآفات الزراعية وبأسعار رمزية وتشجيع الفلاح على إستخدام المكننة الزراعية وتطوير أنظمة الري ، ومُنِحَ الفلاحون سيارات الحمل (البيك آب) بأسعار رمزية لنقل محاصيلهم الزراعية .
كما شمل التطور في نفس تلك المرحلة (أي سبعينات القرن المنصرم) المجال الصناعي بتركيزه على إدخال المنتوج الوطني في السوق المحلّي ، لا بل أن المنتوج العراقي غَزا بعض بلدان العالم الثالث !! ، وتم بناء مصانع عديدة منها ما مَثّلَ صناعة حقيقية من المواد الخام (الأولية) وصولاً الى المُنتَج (وإن كان مُنتَج بسيط) ومنها ما أعتبر تجميع للأجزاء للوصول الى المُنتَج مما نتج عنه القضاء على البطالة لا بل أوجد الحاجة للعمالة الأجنبية ( العمالة المصرية والأسيوية كمثل) ، حتى أنّ بعض الأعمال التي كانت تحط من كرامة الإنسان العراقي كمهنة "صبّاغ الأحذية" أصبحت حصراً على الوافدين ، إذ منعت الحكومة العراقيين من مزاولتها في الفترة ما قبل تسلّم صدام حسين لرئاسة الجمهورية وحوّلتها للعمالة العربية الوافدة لتوفر الأعمال الأخرى للعراقيين ، غير أنّ هذه المهنة عادت وبقوة في منتصف الثمانينات بأيدي العراقيين لا بل أصبح العراقيون (خاصة الأطفال) يزاحمون الوافدين عليها بعد حرب 1991م !! .
 كذلك سعت الحكومة للإسراع في بناء المرافق الخدمية وتبليط الشوارع وتغطية المناطق السكنية بشبكة الصرف الصحي ولو أنّ هذه الخدمات إقتصرت على العاصمة بغداد بشكل رئيسي إلا أنها كانت ستشمل بقية المحافظات في السنوات اللاحقة ، لكنها توقفت بسبب قرار الحرب على إيران وما تبعتها من حروب أخرى بعد تبؤء الرئيس الأسبق صدام حسين السلطة.
وقد إبتدأت جهود وزارة الثقافة والإعلام في فترة السبعينات من القرن الماضي في بلورة الخطط لتنشيط الواقع الإعلامي والسياحي وتوفير المطبوعات السياحية وإفتتاح المراكز الثقافية مع دول العالم .
أما في مجال البناء المُجتمعي فقد حاولت الحكومة حينها والمكونة أساساً من أعضاء ينتمون الى حزبٍ علماني كما يعترفون هم الى إعادة تكوين المجتمع على أساسٍ حضاري يستبعد العصبية القبلية لتحل محلها الهوية الوطنية ، فشرّعت الحكومة قانون الغاء الألقاب العشائرية وعدم ترويجها في المعاملات الرسمية ، كذلك أعطت فسحة متساوية تقريباً لحريات ممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان مع مراقبة عدم وصولها الى حالات التطرف الديني على الرغم من تعديلها للمادة (21/3 ) من قانون الاحوال المدنية رقم (65) لسنة 1972 والجدل القائم حولها في الغُبن الحاصل على القاصرين من غير الدين الإسلامي ، كذلك إعطت الحرّيات المحدودة نسبياً للعلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع ومواكبة التطور الحضاري في معاصرة الأزياء الحديثة وإفتتاح النوادي الإجتماعية والرياضية .
وفي مجال الدعم الحكومي لموظفي الدولة كانت هنالك جمعيات إستهلاكية تعاونية للمعلمين والمهندسين وجميع المهن الأخرى ومن ضمنها العسكريين وغيرهم يستطيع الموظف من خلالها الشراء بالآجل وتقسيط المبلغ على دفعات مريحة مع تحميله فوائد بسيطة ، كذلك كانت هنالك جمعيات لتوزيع الأراضي على موظفي الدولة حسب وزاراتهم أو نقاباتهم المهنية وبأسعار جيدة مدعومة تعطي للموظف الأمل لبناء دار سكنية له مع منحه قرض ميسّر من البنك العقاري .
وكل ذلك الإنتعاش في المجالات كافة وظّف الطاقات الشبابية الأكاديمية من مختلف الإختصاصات والأيدي العاملة المحلّية مما جعل الدولة تشرّع قانون التعيين المركزي لأحقيتها في توظيف الخريجين المشمولين بمجانية التعليم وحيثُ تمّ القضاء كلياً على البطالة ، حتى جاء صدّام حسين على رأس السلطة فأوعز بتسريح الآلاف من العمل تحت قانون "الفائضين عن العمل" الذي أضرّ فيه بشريحة واسعة من الموظفين وبدون أي تعويضات أو مستحقات قانونية وحيثُ تلاعب به المسؤولين عن تنفيذه بطرد النزهاء والنزيهات في الكثير من الأحيان والإبقاء على المتسلقين والمتملقين وخاصة بالنسبة للنساء !! ، وقد أشيع وقتها إتهام المرحوم طارق حمد العبدالله وزير الصناعة حينذاك على أنه المسؤول عن إقتراح هذا القانون على القيادة السياسية مما سرّع في إنتحاره في مكتبه (أعلن البيان الحكومي رسمياً إنتحار طارق حمد العبدالله في مكتبه بسبب إصابته بمرض الكآبة) !! ، كما أوقف بنك الرافدين سلفة العقاري للمدنيين سنة 1982م بحجة عدم وجود السيولة النقدية بسبب إستمرار الحرب مع إيران .
كذلك وهذا هو الأهم كان هنالك قيادة جماعية للبلد قبل مجيء صدام حسين على رأس السلطة والمتمثلة بما كان يطلق عليه مجلس قيادة الثورة وحيثُ كان هنالك تباين في الآراء بين أعضاءه على الرغم من أن الحُكم كان بأيدي حزب أيديولوجي واحد عملياً ، وأن الوزارات والدوائر كانت تترأسها بشكلٍ عام نخبة من الأكاديميين التكنوقراط في أغلب الأحيان وإن كانوا حزبيين .
وكانت القرارات تُتخد في فترة السبعينات من القرن المنصرم بالتصويت الحر في الجلسات والإجتماعات الوزارية الأسبوعية ، وكان لرئيس الجمهورية صلاحياته المحددة التي لا يستطيع تجاوزها والقفز عليها هو ووزراء حكومته ، ولي في هذا المجال قصة سمعتها على لسان أحد أبناء صاحب الشأن وهو كردي من مدينة السليمانية حيثُ نقلها لي حين التقيته في الجيش ومختصرها : أن والده كان مفوّض في شرطة السليمانية وكان لديه سيّارة قديمة يقضي بها حاجته وقد أحرقها الثوّار الكرد إنتقاماً لإنتماءه للشرطة وحينها نصحه البعض في تقديم عريضة الى وزير الداخلية حينذاك (كان وزير الداخلية عزّت الدوري) مطالباً بالتعويض كون حالته المادية صعبة ، بالفعل إستدعاه وزير الداخلية الى مكتبه في بغداد وشكره على وطنيته وأوعز الى منحه خمسمئة دينار عراقي كتعويض وحسب الحد الأقصى لصلاحياته القانونية كوزير ، وعندما قرأ الوزير في وجه المفوّض عدم رضاه لعدم كفاية المبلغ لتغطية ثمن السيارة المحروقة رفع سمّاعة الهاتف وإتصل بمدير مكتب رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر والذي أوصله مباشرة برئيس الجمهورية الذي بدوره أثنى على المواطن الكردي ومنحه أيضاً الحد الأقصى لصلاحياته البالغة سبعمئة دينار والتي أيضاً لم ترضي المتضرر مما حدا بوزير الداخلية الإتصال بالنائب الأول صدام حسين الذي أوعز الى منح المتضرر مبلغ إضافي قدره الف دينار (أي تجاوز صلاحياته) وأمر بأن يستلم سيارة من الشركة العامة للسيارات بدون بدل (أي مجاناً) ومنح المتضرر إجازة خاصة لإستيراد سيارة أخرى من السعودية معفاة من الرسوم الضريبية ، علماً بأن السيارة التي إستوردها المتضرر كانت سيارة حمل أمريكية (GMC) ممنوع دخولها للعراق حسب قرارات المقاطعة للبضائع الأمريكية التي كانت نافذة لوقوف أمريكا مع إسرائيل في حرب الخامس من حزيران 1967م ، أي أن صدّام حسين كان قد تجاوز على كل القوانين النافذة حينذاك على الرغم مما قد يبدو للقارئ بأنه عمل عملاً صالحاً في إنصافه للمتضرر !! ، لكن العدالة والإنصاف لا يتحققان من خلال المبادرات الفردية وإنما من خلال سن القوانين لتشمل الجميع بشكلٍ متساوٍ .     
وبإختصار كان هنالك بوادر نهضة شاملة وتطور حضاري وإجتماعي حتى نهاية السبعينات من القرن المنصرم إعترفت به حتى أحزاب المعارضة الى ذلك النظام فيما بعد بنشراتها وصحفها الحزبية حيثُ أننا نتذكر جيداً ما وصل اليه العراق من تقدم وإزدهار وبشهادة معارضي الحُكم (وقعت بين يدي صحيفة لأحد أحزاب المعارضة العراقية وانا في المهجر سنة 1999م وقرأت فيها تقريراً بيّنَ بان الدخل السنوي للفرد العراقي في سنة 1979م وقبل الحرب العراقية ـ الإيرانية كان من أعلى النسب في العالم) .
وهنالك خطأ كبير يردده البعض من أنّ فترة الرئيس الأسبق صدام حسين إمتازت بإفتتاح العديد من المشاريع الخدمية والصناعية ، لكن للحقيقة أن تلك المشاريع كان قد خُطِطَ لها ووضع لها حجر الأساس وبوشر ببنائها في فترة حكم الرئيس الراحل أحمد حسن البكر ووزرائه الذين أعدم البعض منهم صدام حسين وعزل المتبقي منهم وحيثُ لم يتسنى لهم رؤية ثمرة أتعابهم فأنقلب عليهم صدام حسين وسُجلت جهودهم بإسمه .
كلّ ما ذكرته أعلاه كان قد حدث لغاية تموز من سنة 1979م وقبل صعود صدام حسين للمركز الأول في الدولة والحزب وبفترة زمنية قصيرة جداً لا تتجاوز الخمس سنوات إذا ما إستثنينا منها الفترة المربكة الواقعة بين سنة السيطرة على الحكم في تموز 1968م ولغاية سنة 1975م وهي سنة فك حصار الشركات النفطية العالمية عن العراق نتيجة تأميم النفط  .   
كذلك من المفيد التطرق الى بعض الجزئيات المهمة في طريقة بناء الدولة العصرية قبل وصول صدام حسين على رأس السلطة في تموز/1979م والتي قد يعتبرها البعض ليست ذات أهمية لذكرها ، إلا أنني أعتبرها الجزء المهم من أسس بناء المجتمع العصري وإنسانه المعاصر : ففي الفترة التي سبقت سيطرة صدام حسين على السلطة بالكامل كانت هنالك قرارات إقترنت بالعمل الدؤوب لتنفيذها منها الحزام الأخضر لبغداد وحملة تشجير الطرق الخارجية بين المدن والتي زُرِعت على جانبيها الأشجار المقاومة للتصحر وكانت السيارات الحوضية لأمانة بغداد ومديرية بلديات المحافظات تتابع ديمومتها ونموها حسب حدودها الإدارية وقرار الزام مالكي الدور السكنية بزراعة نخلة وزيتونة في حدائقهم ونصب الهواتف العمومية في الشوارع والساحات العامة وتزويد الحدائق بأماكن الجلوس والمصاطب الخشبية وحملة مكافحة الكلاب والقطط السائبة والتي خلت منها شوارع العاصمة تقريباً منتصف سنة 1979م لكن أصوات نباحها عادت من جديد بعد أن أهمل القرار حتى بات الجندي الذي يغادر داره مع الفجر للإلتحاق بوحدته أثناء الحرب ـ الإيرانية أن يحسب الف حساب لوصوله سالماً لوحدته !! ، كذلك كانت الحكومة حريصة على توفير المناشئ المختلفة لمعروضاتها من الألبسة حتى بلغت ذروتها نهاية السبعينات من القرن المنصرم ، فكان (أورزدي باك) يبيع البدلات الرجالية الإيطالية الفاخرة والقمصان الإنكليزية (ماركة توتل) مع أربطتها الغالية الثمن حينها جنباً الى جنب مع الألبسة والبدلات الرخيصة الثمن من مناشئ الدول الإشتراكية (بلغاريا ، هنغاريا ـ ـ الخ) وجميعها كانت جميلة وذو نوعية جيدة ، أي كانت المعروضات تفي بحاجة اصحاب المدخولات العالية والواطئة ، وهنا لا بد لي من التوقف لسرد حادثة مهمة كنتُ أنا شاهد عيان عليها لبيان طريقة تفكير صدّام حسين : قبل أسابيع فقط من عزل الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر ذهبتُ أنا وأخي الى "أورزدي پاك" فرع الرشيد للتسوق (أطلق عليه الأسواق المركزية) وقبل نزولنا من السيارة نبهني أخي بوجود السيد النائب في "أورزدي پاك" (كانت هنالك سبعة مارسيدسات سوداء تقف على الرصيف المحاذي مع البعض من أفراد الحماية وهو الوحيد من المسؤولين الذين كان لديهم هذا الموكب !!) ، تمعنتُ قليلاً قبل قرارنا بالدخول فوجدتُ بأن حركة الناس من والى داخل أورزدي طبيعية ، لذا قررنا الدخول ، وعند الباب الرئيسي تفاجئت بالمرافق الأقدم للسيد النائب يرفع يده آمراً الجميع بإفساح المجال وإذا بصدام حسين خلفه يؤشر للتحية على من كان واقفاً في الشارع العام ، المهم دخلنا السوق وأول قسم وقفنا عنده للتبضع هو قسم المشروبات الروحية والسيكاير كونه يقع الأول على جهة اليسار حال الدخول من الباب الرئيسي ، كان القسم يبيع السيكار الكوبي الذي يدخنه صدّام حسين من نوع "كوهيبا" بمبلغ خمسة دنانير للسيكارة الواحدة على ما أذكر (أكثر من خمسة عشر دولاراً أمريكياً) وهذا المبلغ لم يكن بسيطاً في ذلك الوقت وقد طلبتُ من البائعة شراءه غير إنها قالت لي وبعصبية واضحة وإرتباك أوضح "عيني بطلّنا بعد ما نبيعه" ، أزعجتني طريقة كلامها وأجبتها بنفس لهجتها فتدخلت زميلتها لتوضح لي الأمر قائلة : " أخويه السيد النائب گال شنو هذا الچروت اللي يدخنه صدام حسين دتبيعو بخمسة دنانير ـ ـ والله رخيص ـ ـ شيلوه وبعد لا تبيعوه" !! ، ثمّ أردفت قائلة : " إحنا إتصلنا برئيس القسم وبعد ما إچانه الجواب روح أخذ فرّة بالسوك وإرجع فد نص ساعة" ، وبالفعل بعد عودتي بساعة كان السيكار من هذا النوع قد تمّ رفعه من العرض ولم تشاهده عيني إلا بعد خروجي من العراق سنة 1994م !!! .
وسأورد في الجزء التالي البراهين على لسان المختصّين لمسؤولية الرئيس الأسبق صدام حسين عن ما وصل اليه العراق من مآسي :       
   يقول الباحث عباس النصراوي في أحد بحوثه (التنمية والنفط بين 1958-1968) ما يلي : "عند اندلاع الحرب مع إيران في 1980 تسارع الإنفاق التنموي في البداية لكن مع إخضاعه لأهداف الحرب. برغم ذلك تراجع الإنفاق على التنمية في1982  لدرجة كبيرة مع خسارة العراق لمقدار كبير من صادراته وعائداته النفطية. فاضطرت الحكومة إلى فرض قيود تقشفية على الاقتصاد بكامله. ومع هذا التحول في الأحداث لم يعد للإنفاق على التنمية أولوية لدى السلطة. وتأكد عدم اهتمام البعث بالتخطيط للتنمية بصورة إضافية عندما قرر النظام إلغاء مجلس التخطيط عام 1987 واستبداله بوحدة تدعى هيئة التخطيط تابعة لوزارة التخطيط" . إنتهى كلام الباحث عباس النصراوي
وحيثُ أنّ مجلس التخطيط كان بديلاً لمجلس الإعمار أبان الحكم الملكي والذي إستبدله الجمهوريون بمجلس التخطيط ، أي أن الرئيس الأسبق صدام حسين كان قد الغى خلال السنوات الثمانية الأولى لحكمه أهم مجلس للتخطيط والإعمار والتي كانت الخطط الخمسية تنفذ إعتماداً على خططه وبرامجه وحيثُ كان مقرراً أن يتحول العراق فيه للخطة الخمسية 1979-1984 من دولة من دول العالم الثالث الى مصاف الدول التي في طريقها الى التطور وذلك لوضع خطة لدخول العراق في مجال التعدين وصناعة القوالب ، لكن قرار الحرب مع إيران أوقف هذه الطفرة المهمة والتي جاءت فيما بعد متأخرة وكان الغرض منها صناعة الأسلحة .

إنتباهة : في هذا الجزء تكرر ذكر كلمة "الإنقلاب" عوضاً عمّا كان يُطلق عليه بـ "الثورة" ، وهذا هو الأصح لغوياً إستناداً الى معنى الإنقلاب والثورة حسب معجم المصطلحات السياسية ، وحيثُ أنّ جميع الحركات التي إبتدأت بتغيير النظام الملكي الدستوري في تموز/1958م لغاية سنة 2003م داخل لم تكن إلاّ إنقلابات عسكرية بإمتياز قام بها العسكر ، عدا التغيير الأخير الذي جاء بإنقلاب (إحتلال) عسكري خارجي قادته الولايات المتحدة الأمريكية ونصبّت فيه أعوانها .
 
إنتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني/الأخير


67
مهرجان "جفجير المحلّة" في عاصمة  إقليم البرتا الكندي
تقرير وتصوير : سالم ايليا
أقامت الجمعية العراقية – الكندية في مدينة أدمنتن عاصمة إقليم البرتا في كندا مهرجان "جفجير المحلّة" في يوم السبت المصادف السابع من أيار الجاري/2016م ، وذلك ضمن سلسلة فعالياتها السنوية لتعريف المجتمع الكندي على تراث العراق وشعبه ولجمع شمل العراقيين في المهجر وتشجيعهم على التأقلم مع المجتمع الجديد وعكس الصورة المشرقة للشعب العراقي خارج العراق .
وسأورد فقرات مما تضمنه المهرجان من نشاطات وفعاليات عكست وحدة الشعب العراقي من خلال تراثه وطريقة معيشته :
-   بدأ المهرجان الساعة الحادية عشرة صباحاً وإنتهى الساعة السادسة مساءاً بالتوقيت المحلي للمدينة ، كانت الأغاني والموسيقى العراقية والدبكات والرقصات الفلكلورية حاضرة على مدار الساعة .   
-   عُرِضَت في المهرجان الخدمات التي تقدمها بعض الشركات المملوكة للبعض من أبناء الجالية ، كذلك النشاطات الفنّية للموهوبين والفنانين العراقيين من لوحات فنية والرسم على الزجاج واوراق البردي والخط العربي وصناعة السجّاد والملابس والنقش بالحنّة على اليد .
-   وحيثُ يتواجد العراقيون تتواجد أكلاتهم المفضلة بمطبخهم العراقي المميز من برياني ودولمة وخبز عروك والكبّة والباگلة واللبلبي وملك المقبّلات الطرشي العراقي المميز مع الحلويات من الكعك والكليجة والدهين والزردة والبقلاوة ولقمة القاضي المرافقة لأستكان الشاي أبو الهيل ، وحالما تذوقها الضيوف الكنديين أبدوا إعجابهم بها .   
-   في الساعة الثالثة والنصف من بعد الظهر زار المهرجان عمدة (محافظ) مدينة أدمنتن السيد دون آيفسون يرافقه عضو البرلمان للمنطقة المقام عليها المهرجان مع البعض من وزراء المقاطعة وأعضاء برلمانها تلبية للدعوة التي وجهتها اليهم الجمعية ، وحيثُ تجوّل المحافظ ومرافقيه في أروقة المهرجان وأبدوا إعجابهم بالمعروضات والمأكولات العراقية وشاركوا العراقيين دبكاتهم ورقصاتهم الفلكلورية .
-   مبادرة والتفاتة إنسانية رائعة من القائمين على المهرجان بوضع صندوق تبرعات للمهجّرين من مدينة "فورت ماكماري" الواقعة في الشمال الشرقي للمقاطعة والبالغ عددهم أكثر من ثمانية وثمانين الف مهجّر ، والتي إجتاحتها حرائق الغابات وأتت على مناطق سكنية وبرّية تقدّر مساحتها الى حد كتابة هذا التقرير بمئتي الف هكتار وبخسارة تقديرية تزيد على تسعة مليار دولار كندي ، وحيثُ لا يزال رجال الإطفاء من أرجاء كندا يحاولون جهدهم للسيطرة عليها وإخمادها ، إذ عكست هذه المبادرة الروح الإنسانية للمواطن العراقي أينما حل . 
أترك القرّاء الأعزاء مع بعض الصور من المهرجان للإستمتاع  والمشاهدة .

68
هيبة الدولة من هيبة القنفة
بقلم : سالم ايليا
تعالت أصوات سياسيي الصدفة وإعلامهم الأصفر الممول من مال الشعب لتشويه حدث الثورة الشعبية(*) بإقتحام "المنطقة الجرداء" سيئة الصيت الخالية من أي عنصر وطني عراقي والتي إحتمى داخل مربعها المحصّن الطائفيون والفاسدون وسرّاق المال العام .
 وتوالت الزيارات الميدانية للمسؤولين السياسسين ورؤساء الرئاسات لقنفة ملطخة بالدماء أصبحت فيما بعد مصدر تندر وفكاهة على مواقع التواصل الإجتماعي للشعب المغيّب في عقول أولي أمره ، وحيثُ لم يتبين لحد الأن مصدر هذه الدماء ـ ـ هل هي دماء (آدمية) تعود لنائب أو نائبة في البرلمان ؟ ، أم إنّ تلك الدماء تعود لمواطن قتله أحد النوّاب أو أفراد حمايته لجلوسه للحظة على القنفة ليشعر بترف ممثليه في البرلمان ثمّ أخفيت جثته في مكانٍ ما ؟!! ، وهذا الإحتمال وارد جداً لعدم وجود أي تصريح من الجهات الأمنية يفسّر وجود تلك البقع الحمراء على "القنفة" والممرات المجاورة وحيثُ وثّقَ المقتحمون الحادثة بإستدعاء الضبّاط الأمنيين لمعاينة القنفة ومساعدتهم لهم للكشف عن مصدر الدماء وتتبع آثاره الى المكان الذي رفض فيه الأمنيون إكمال البحث عند وصولهم الى باب مغلق أدعوا بأنهم غير مخوّلين لفتحه وإكمال البحث !! ، لكن المقتحمون أصرّوا على إكمال البحث في خطوة ذكية لتثبيت برائتهم من أي أعمال عنف قد يدّعيها لاحقاً سياسيو "المنطقة الجرداء" لإلصاقها بهم لتشويه أهدافهم وغاياتهم .
وبعد الإنسحاب الإختياري للشعب الثائر من داخل "المنطقة الجرداء" وبعدما أرسل رسالته التحذيرية الى من يهمه الأمر على عدم وجود أي منطقة آمنة لسرّاق البلد وحماياتهم وكل تحصيناتهم وحيثُ تتلاشى جموعهم بثوانٍ أمام غضب الجماهير المنتفضة على الظلم وأدواته ، خرج علينا من خرج من رؤساء الكتل بمعمميهم الذين فقدوا هيبتهم الدينية وهالتهم الروحانية بتورطهم بالسياسة ودهاليزها و(أفنديتهم) المنضوين تحت مسمّيات الأحزاب التي ظاهرها ديني وباطنها شيطاني متباكين على هيبة الدولة وديمقراطيتها التي سفحتها الجماهير الغاضبة بإقتحامها (لحصونهم) .
فأي هيبة للدولة ولعرّابيها هذه التي تتباكون على سفحها أيها السادة ـ ـ هل هي نفس الهيبة التي هُدِرَت بتسليم ثلث العراق بمدنه وشعبه النجيب للدواعش ـ ـ أم الهيبة التي فُقِدت مع فقدان الآلاف من المهاجرين والمهجّرين لأرواحهم ودورهم وممتلكاتهم وإفتراش العراء دون أن تلتفت اليهم حكومتهم لتقديم أبسط المساعدات الإنسانية ـ ـ وهل هي نفس الهيبة التي رحلت مع رحيل سرّاق المال العام بعد أن ملئوا حقائبهم بالمليارات من الدولارات دون ملاحقة أو مسائلة قانونية ـ ـ أم هيَ ذاتها التي خرق أمنها الإرهابيين بالقتل اليومي للمواطنين والإختطافات التي تجري تحت أنظار الأجهزة الأمنية ـ ـ وهل أنّ سيطرة الميليشيات المسلحة على الشارع العراقي لا يُعتبر إنتهاك لهيبة الدولة وأجهزتها الأمنية ؟!! ـ ـ أم هي نفس الهيبة التي تتباكون عليها والمُغيّبة من القضاء المسيّس الحامي للفاسدين والمجرمين ـ ـ وهل هي غير الهيبة التي ضاعت مع ضياع الطفولة لآلاف الأحداث الواقفين في تقاطعات الطرق يستجدون المارة بطريقة مذلّة لطفولتهم ـ ـ أم إنها تختلف عن الهيبة التي أُنتُهِكت بإنتهاك حقوق الموقوفين القابعين في السجون والمعتقلات دون توجيه أي تهمة لهم ـ ـ اليست هي نفس الهيبة التي تدار بأوامر خارجية من دول معلومة وأخرى مجهولة !! ـ ـ أم لها وجه آخر عن الهيبة التي إنتهكها رئيس البرلمان المُقال بكلابه البوليسية وميليشياته لفك الإعتصام القانوني لنصف أعضاء برلمانه ـ ـ ألا تخجلون من التباكي على "هيبة" كنتم أنتم أول من إنتهكها مع سبق الإصرار والترصد ، وأعلموا جيداً من أن هيبة الدولة وهيبة مواطنيها ستعود شامخة بعد إزاحتكم عن بكرة أبيكم من المشهد السياسي العراقي . 

إنتباهة  :

(*) أسميتها ثورة شعبية لأنها لم تكن مجيّرة لجهة واحدة فقط وإن بدا ذلك للمحللين والمتابعين للشأن العراقي ، فقد إشتركت فيها شرائح متعددة من مختلف أطياف الشعب وميوله .           

69
رَحلت زها (الحديدية) التي خلّدت إسمها بأعمالها الحضارية
(بمناسبة أربعينية الراحلة المبدعة زها حديد)
بقلم : سالم ايليا
رحلت زها محمد حديد وبقيت تصاميمها منتصبة تناطح السحاب تحكي قصة امرأة عراقية غرّبتها الأقدار عن بلدها لتبدع في منفاها الإختياري .
رحلت المرأة التي خلّدت إسمها بتصاميمها الهندسية التي (زرعتها) في حدائق الصروح المعمارية للمدن العظيمة في أرجاء المعمورة .
مبدعة أخرى غيّبها الموت وهي بعيدة عن بلدها وحيثُ أضيف إسمها على لائحة المبدعين المغتربين الذين رحلوا وعيونهم ترنو الى بلدهم العراق فغادروا هذا العالم الفاني دون أن يرموا بعصا الترحال على ضفاف الرافدين وليستقروا فيه والى الأبد ، فقد لحقت بركب المبدعين والعباقرة المهاجرين أو المهجّرين في الجهات الأربع للبسيطة .
زها حديد التي قرر البنك المركزي العراقي إقامة نصب لها في موقعه الجديد (إذا صحّ الخبر) والتي صممته بأحاسيسها وشوقها لبلدها ، وحيثُ أرجو أن لا يكون فرصة أخرى للنهب والفساد لذوي الأحزاب المافيوية فيتلوث إسمها الناصع بصرحٍ أرادت منه أن تخلّد إسمها به في بلدها فيخذلها سرّاق الوطن المُباح والمشاع في مماتها مثلما خذلوها في حياتها .
زها حديد عاشت وأبدعت منفيّة وغادرت منسيّة من أصحاب القرار في بلدها ، وحيثُ كرّمها العالم بأجمعه إلاّ وطنها الذي أدار لها ظهره منشغلاً بصراعاته ومحاصصاته الطائفية .
زها حديد التي تركت بصماتها المعمارية في كل أرجاء المعمورة إلا وطنها الذي لم يفكر (أولي الأمر) فيه بدعوتها لتصميم على الأقل (حائط مبكى) نقف عنده لنبكي جهلنا وتخلفنا بصراعات لا ناقة لنا فيها ولا جمل غير أننا ولدنا على أرضٍ وضع الله فيها كل خيراته وبركته ، لكننا كفرنا بنعمته .       
زها حديد التي وقفت تمثل المرأة العراقية الحقيقية على منابر الحضارة الإنسانية بمحافلها العالمية التي كرّمتها لإبداعها وفكرها النيّر المؤطر بشخصيتها المميزة وكارزمتها النادرة .
زها حديد كان موتها فاجعة أضيفت الى الفواجع الكثيرة على أبناء وطنها .
زها حديد شهابٌ هوت كتلته لكن نوره سيبقى مشع على مدار مساره الكوني .
نامي قريرة العين مع كوكبة الخالدين العراقيين الذين غادروا من قبلك وهم بعيدين عن وطنهم ومع من رحلوا داخل وطنهم وهم أغراب عنه .
 

70
الغيرة العراقية القاسم المشترك بين البغدادية وشعبنا في الداخل والخارج
بقلم : سالم ايليا
منذُ أن وعدت قناة البغدادية الفضائية وعلى لسان المواطن أنور الحمداني المرأة العراقية في منطقة أبو غريب التي نادت بأن يكون بث برنامجه الشعبي اليومي "ستوديو التاسعة" من بغداد ومن قلب الحدث ـ ـ والشعب يترقب الساعة التي يستجيب فيها مالك القناة الدكتور المهندس عون حسين الخشلوك وكادره الحر لنداء العراقية الحرّة ، وحيثُ أجابها أحرار البغدادية بقولهم : "إبشري فسنكون معكم قريباً" ، وها هم قد أوفوا وفاء الحر المقتدر ولبّوا النداء ويومها كنتُ في زيارة خاصة لمدينة سان دييغو الأمريكية إستغرقت خمسة أيام ، وحيثُ زفّ لي أهلي والعراقيين في سان دييغو وبلدان المهجر الأخرى عبر المكالمات الهاتفية خبر بث "ستوديو التاسعة" من بغداد الحبيبة ـ ـ حينما ظهر الحر "أنور الحمداني" والإبتسامة تعلو محيّاه ميّزت ظهوره ذلك اليوم عن أيامه السابقة في السابع عشر من نيسان الجاري معلناً بث برنامجه الشعبي من بغداد ومبتداً عهداً جديداً مع إخوانه الذين كانوا يبثون برامجهم من قلب الحدث قبل قرار الحكومة المجحف بغلق مكاتب البغدادية في بغداد ، لكن الغيرة العراقية لمالكها وكادرها أبطلت هذا القرار وكأنه لم يكن وأستمر البث وأستمرت معه ملايين الشعب ملتفة حول الشاشة الصغيرة تتابع تطورات المخاض الذي تعسّر لثلاثة عشر عاماً مستبشراً بولادة الوليد الذي ينتظره الجميع لعراقٍ موحدٍ خالٍ من المحاصصة الطائفية .
وفي اليوم الذي كان فيه كادر البغدادية يتهيأ لبث برنامجه "ستوديو التاسعة" من بغداد كان في الطرف الآخر من العالم ومن إحدى أهم المدن الأمريكية فريق رياضي لمجموعة شباب مغترب جمعهم حبهم لوطنهم الموحد في المهجر يتهيأ لخوض المباراة النهائية مع احد الفرق المكسيكية لرفع إسم العراق وإرسال رسالة الى كل العالم يقولون فيها : إننا لا زلنا موحدين يجمعنا قاسماً مشتركاً واحداً وهو غيرتنا العراقية وحبنا لوطننا مهما تغربنا وبعدنا عنه ، غادره أهلنا مكرهين وكنّا حينها أطفال لا نعي من الدنيا شيء إلا غيرتنا العراقية التي رضعناها من صدور أمهاتنا .
كنتُ حريصاً على حضور المباراة لتشجيعهم ، وتفاجئت بعدد العراقيين الحاضرين شيباً وشباباً ـ ـ نساءاً وصبايا ، كلّهم جاءوا لنصرة فريقهم العراقي ، لم أستطع تمييزهم وتصنيفهم (طائفياً) أو جغرافياً . سألتُ "يزن" إبن العشرين ربيعاً وهو كابتن الفريق وأحد لاعبيه المميزين بمهاراتهم والذي تفاجأ بدعوة أكاديمية فريق برشلونة له قبل فترة لإختباره غير أنّ إرتباطه الدراسي حال دون تلبية دعوتهم ـ ـ سألته متعمداً الى أية طائفة ينتمي فريقكم ـ ـ نظر اليّ مستغرباً وقال بفخرٍ : "إنّ فريقنا عراقي لاعبوه من جميع مدن العراق تربطنا علاقات أخوية ويتبادل أهلنا الزيارات فيما بينهم ونحتفل جميعنا بالمناسبات الدينية للعراقيين كافة وعندما سمعنا بالتفجير الإرهابي الذي حصل في أحد ملاعب الإسكندرية قرر فريقنا أسود الرافدين في سان دييغو المشاركة في البطولة إكراماً لضحايا التفجير ولإرسال رسالة للعالم بأننا موّحدون ، وقد أوصينا لعمل فانيلات خاصة طُبعَت عليها خارطة العراق الموحد وكُتِبَ عليها "صلّوا للعراق" ودفعنا ثمنها من مالنا الخاص على الرغم من أنّ معظمنا طلاّب لا وارد مادي لدينا ولم نتصل بالسفارة لتقديم الدعم وتحمل تكاليف المشاركة في هذه البطولة والتي نلعب فيها اليوم المباراة النهائية لأننا نعلم الجواب مسبقاً" ، حينها شعرتُ بالترياق يسري في أوردتي ليقيني من سموم الطائفية وشكرتُ الله لأن أبناء العراق حيثما كانوا تميّزهم غيرتهم ، قلتُ ليزن هل تتابع أنت وزملائك أي قناة فضائية عراقية ـ ـ أجابني : "بالتأكيد نتابع قناة البغدادية" ـ ـ عندها زالت عني الدهشة فالغيرة العراقية واحدة لا تتجزأ .
وبعد هذا ليتهمني من يتهمني بأنني أحابي البغدادية ، فأنا بغدادي الهوى وموصلّي الإنتماء وبصراوي الطيبة وذي قاريي التاريخ وأنباري النخوة وكردستاني الوفاء ، والحمد لله ليس لمن يكتبُ كلمة حق في "البغدادية" أية غاية أو منفعة غير إشتراكه معها بقاسمٍ مشتركٍ واحدٍ وهو "الغيرة العراقية" وحب العراق .

71
أدب / نصوص قابلة للشطب
« في: 20:59 07/04/2016  »


نصوص قابلة للشطب

سالم إيليا
1
دموع مهاجر
سألته زوجته مستغربة : لم أرى الدموع في مقلتيك مِن قبل ؟
أجابها : هذا لأنني لم أكن مهاجراً قبل الآن !!.
2
عتاب
زارهُ طيف والده المتوفي  في المَنَام معاتباً : لماذا يا ولدي تركت بلدك ؟
أجابه : لأنه لم يعد بإسطاعتي زيارة قبرك !!.
3
هَجر
إستقلَ الحافلة المتوجهة الى البلد المجاور قاصداً الهجرة الى المجهول ، وحال إجتيازه الحدود نظر الى الخلف مودعاً !!، فسمع صدى صوت الوطن يُنشد له : "الهَجر مو عادة غريبة لا ـ ـ ولا منكم عجيبه ـ ـ غير هذا شردكلكم ـ ـ كلمن يسوگة حليبه ـ ـ كلمن يرده حليبه" !!.
4
إقرباء لَكِنهم غُرَباء
التقى أبناء العُمُومَة بعد فراقٍ طويلٍ في بلدان المهجر ـ ـ حيّاهم أولهم قائلاً : هاي !!، أجابه الثاني : بونجور، ردّ ثالثهم : هَيْ ، وأبتسم الرابع بخجل قائلاً : (سْيْوُسْ) ، نظر الإخوة الى بعضهم البعض والدموع في مقائيهم (وقد أدركوا) بأن أبنائهم أصبحوا غرباء عن بعضهم البعض !!! (*).
5
واغربتاه
بعد مرور عقدين من الزمن على هجرته ، جلس في غرفة مكتبه المطلّة على البحيرة المجاورة لبيته متأملاً البط المهاجر العائم على سطحِ مياهها ـ ـ كبس على زر السيطرة البعيدة لتشغيل التلفاز، سمع صوت كاظم الساهر منشداً " واغربتاه ـ ـ مضاعٌ هاجرت مُدني عني وما أبحرت منها شراعاتي ـ ـ نفيتُ وأستوطن الأغراب في بلدي ودمروا كلّ أشيائي الحبيباتي"!!.

إنتباهة (*) :
"هاي"، كلمة ترحيبية تأتي بمعنى (مرحباً) باللهجة المحلية المتداولة في أمريكا وكندا  والبلدان الناطقة باللغة الإنكليزية ، يقابلها كلمة "بونجور" في فرنسا والبلدان الناطقة بالفرنسية ، وفي السويد والدول الإسكندنافية يقولون "هَيْ" ، أما في المانيا فتكون التحية في مقاطعة بافاريا بكلمة (سْيوُسْ) .



72
رؤية موضوعية في الإعتصامات والتظاهرات الحالية
بقلم : سالم ايليا
لا يخفى على المتتبع والباحث في الشأن العراقي الأسباب التي أوصلت العراق الى ما هو عليه الآن منذ سقوط النظام الملكي على يد العسكر والتداعيات التي رافقت جميع الحكومات المتعاقبة.
فالثورة كما يحلو للبعض أن يطلق عليها التي أطاحت بالنظام الملكي (الدستوري الشكلي كما يريد البعض أن يصفه) في الرابع عشر من تموز سنة 1958م لم تكن قد هيأت البديل الوطني من الكابينة الوزارية لتأخذ زمام المبادرة وبشكل جدّي وحس وطني خالي من (الأنا) التي وقع في شركها الإنقلابيون بعد نجاح التغيير .
فمجلس السيادة الذي شكله الإنقلابيون قبل يومين من الإنقلاب وتشكيلة الكابينة الوزارية لم تكن إلا ذراً للرماد في عيون الشعب لكسب تأييده ومناصرته للإنقلاب وهذا ما حدث ، لكن حقيقة الأمر تكمن في إتفاق قطبي الإنقلاب المتمثلة بالزعيم عبدالكريم قاسم والعقيد عبدالسلام عارف على تقاسم النفوذ وإهمال المجالس واللجان التي أعلنوها على الشعب في الأيام القليلة التي تلت الإنقلاب . 
ومن هذا المنطلق يجب على الشعب وفئاته الوطنية أستيعاب الدرس البليغ من التغيير الدراماتيكي الذي حصل في تموز عام 1958م وعدم تكراره ، وحيثُ أن العراق بشعبه لا يحتمل المزيد من المآسي التي جرّعته السم الزعاف خلال أكثر من نصف قرن من الإنقلابات العسكرية والحروب التدميرية والدكتاتوريات الغبية .
ولو فكرنا قليلاً بما سيحصل فيما لو إقتحم المعتصمون المنطقة التي أطلق عليها جزافاً (الخضراء) ، وهذا إحتمال قائم وسألنا أنفسنا السؤال التالي : هل أن التنسيقيات المدنية ومن معها من التيار الصدري وبقية الأحزاب المشتركة بعناصرها المنضوية تحت يافطة التيار المدني قد أعدوا البديل الوطني المهني النقي والخالي من التحزبات لإستلام زمام المبادرة ، أم إنهم سيقعون في نفس الفخ الذي وقع فيه الإنقلابيون في تموز 1958م والذي دفعوا فيه حياتهم ثمناً لأنانيتهم وحبهم للسلطة ، والأكثر من هذا دفعوا بالعراق وشعبه الى أتون الحرب الأهلية والتفرق والتشرذم المجتمعي وترسيخ ثقافة التحزّب والتكتل الفئوي المبني على أساس الأيديولوجيات المستوردة أو التكتلات الطائفية أو في أحسن الأحوال العشائرية بسلبياتها المعروفة .
إنّ من يسعى الى التغيير يجب أن يكون قد هيأ البديل الأفضل وأن لا يضع الأمور على كفة عفريت ويقول سأغيّر الآن وسأفكر بالبديل غداً !!! .
لو نظرنا الى ما طرحه التيار الصدري وما طرحته الحكومة من قوائم للتغيير الوزاري (المرتقب) فسنجد بأنّ هنالك قصور في الرؤيا من الجانبين ، فالمسألة ليست بهذه السهولة التي تستدعي تغيير الوجوه بوجوه بديلة حتى وإن كانت في أعلى سلّم المهنية والتحصيل الأكاديمي ، فالنظام السياسي برمته قد أخفق في (ترميم) مخلفات التدمير الذي القي على عاتقه لبلد عانى من الحروب المدمرة والذي إنعكس على تدمير النظام الإقتصادي وحتى المجتمعي إضافة الى فقدان الحكومات المتعاقبة لثقة الشعب بهم نتيجة الإخفاقات المتكررة في إصلاح البلد ، وقد زاد من جاء بعد الإحتلال في 2003م الأمر سوءاً ، لا بل قضى على كل أملٍ مرتجى للنهوض بالبلد من كبوته حتى جعل الشعب يترحم على السيء بعد ان جرّب الأسوأ.
إنّ العراق وشعبه بحاجة ماسة الى التيارات الوطنية المتجردة من أي إنتماء فئوي سياسي أو ديني مسيّس أو قومي تعصبي تعمل على إعادة ثقة المواطن العراقي بنفسه أولاً وبقادته السياسيين ثانياً وبمجمل التكوين المجتمعي المبني على أساس المواطنة الحقّة الخالية من التشوهات الفكرية الدخيلة والعمل على بناء المواطن على أساس الإنتماء الوطني المجرد من أي تبعيات أخرى .           

73
من ثورة العشرين الى ثورة الكرامة والعزّة ـ ـ طلاّب السماوة يستنهضون مآثر الأجداد
بقلم : سالم ايليا
 " ثورة الكرامة والعزّة " أو " ثورة القميص الأبيض " ـ ـ ـ هكذا أطلقوا على إحتجاجاتهم وإعتصاماتهم داخل الحرم الجامعي في جامعة المثنى ـ ـ إنها ثورة بيضاء نقيّة كنقاء مطاليبهم وقلوبهم ـ ـ صدورهم تحمل بين أضلعها حُلم جميل سيتحقق بعزمهم وثباتهم ـ ـ طلاّب وطالبات بعمر الزهور قرروا إعلان ثورتهم ضد الفساد وأدواته من الوزراء وأصحاب السلطة الغاشمة وسرّاق للمال العام ـ ـ أعادونا هؤلاء الشباب الى سنوات الصحوة الجماهيرية التي كانت دائماً تنطلق شرارتها الأولى من إحدى الكليات أو المعاهد العراقية معلنة عن رفضها للظلم ومستنفرة الهِمم لجموع شرائح المجتمع للسير كسيلٍ جارفٍ قاصدين معاقل الطغاة المتمثلة الآن بالمنطقة (الغبراء) سيئة الصيت لدكّها بهدير وقع أقدامهم الثابتة ثبات إيمانهم بوطنهم والزاحفين على رؤوس الفساد وأدواته لكنسها الى مزابل التاريخ وصفحاته السوداء .
 وكما كان متوقعاً من أصحاب الغيرة الشبابية من الطلبة إذ سرعان ما لبّت نداءاتهم بقية الجامعات في المحافظات العراقية الأخرى مرسلة عبر الأثير صدى أصوات المنتفضين في ساحاتها مرددة موطني ـ ـ موطني ، وما أعذب أصواتهم وهي تنشد ملبية نداء الوطن .
 لقد توحد الطلاب بمراحلهم المختلفة تحت راية حب الوطن ، حتى شملت المدارس الثانوية التي لبّت ندائهم الوطني وحيثُ سجلت سابقة فريدة ومفرحة في هذا الزمن بمشاركة الطالبات للمدارس الثانوية في الديوانية حفيدات الثائرات العراقيات في الإنتفاضات الجماهيرية لأواسط القرن الماضي .
لم تكن ثورة الطلبة هذه نابعة من بَطرٍ أو فراغ وقت ـ ـ ولا لإثبات الوجود كشريحة مهمة في المجتمع يعقد الوطن والمواطن عليها الآمال في بناء المستقبل ، ولا حيثُ أراد فيها المتظاهرون تبديد ساعات دراستهم الثمينة بفعالياتهم اللاصفيّة الثورية !! ، وإنما جاءت نتيجة تراكمات عديدة بدءاً بالمستوى التعليمي الرديء الذي يعيشه طلاّب العلم بدقائقه ـ ـ فمستوى معظم الكادر التدريسي بجميع مراحله في تدني خطير وحيثُ صُنِّفَ المستوى العلمي للجامعات والمعاهد العراقية في خانة التصنيفات للمؤسسات التربوية الدولية قبل الأخيرة في التسلسل العالمي ، إضافة الى التسيب المنتشر بين الطلبة والأساتذة على حدٍ سواءٍ والذي أصبح خارج نطاق السيطرة ، كما وأنّ التهديدات الميليشوية أصبحت مصدر رعب لمن داخل المدرسة أو الكلية ، إذ أصبح الحرم الجامعي وساحات المدارس المنبر الحر لفعاليات الأحزاب المتصارعة على الكعكة التي لم يعد لها وجود !! ، إضافة الى النقص في الأبنية الدراسية التي فاقت طاقاتها الإستيعابية حدود الحد الأدنى لِما هو متعارف عليه تربوياً والذي أجبر الطلبة على إفتراش الأرض في مدارس طينية تفتقر الى أبسط مقومات الدراسة في بلدان العالم الثالث وليس البلدان المتقدمة ، ومشكلة النقص الشديد في الكتب والمستلزمات الدراسية أصبحت حالة مألوفة ، وأخيراً جاءت الرسوم التي فرضتها الحكومة على التعليم وهي بلا أدنى شك سترهق ميزانية العائلة أكثر بعد أن هزتّها الإستقطاعات الغير منطقية للدخل الشهري لربّ الأسرة ، يضاف اليها الرسوم المفروضة على الصحة وجميع الخدمات الأساسية الأخرى والتي من المستحيل الإيفاء بها لقلّة واردات العائلة في ظل البطالة المنتشرة وحجب الرواتب لأشهرٍ عديدة للفئات والوظائف الخدمية البسيطة .
 لقد كانت ثورة العشرين في القرن المنصرم الشرارة التي أشعلت نيران الثورة الشاملة للعراقيين من شماله حتى جنوبه ومن شرقه حتى غربه مبتدئة بالرميثة وممتدة كالأخطبوط الى مدن العراق كافة مجبرة المحتل الظالم على تغيير سياسته وإنهاء إنتدابه السيء للعراق ، فسجّل التاريخ تلك الإنتفاضة بأحرفٍ من نور للرميثة والشعب العراقي عامة .
وجاءت ثورة "القميص الأبيض" للسنة الحالية 2016م لتعيد أمجاد ثورة العشرين منتفضة ضد نفس الظلم وأدواته لكن بوجوهه الجديدة القاتمة كسواد الليل الذي حتماً سينجلي بهمّة الطلبة وإنتفاضتهم .   
صرخت حرّة مستنجدة بالمعتصم "وامعتصماه" ، فلبّى ندائها ـ ـ وصرخ العراق مستنجداً طلبته بشبابهم وشاباتهم "وامنقذاه" فهل سيسجّل التاريخ تلبيتهم لنداءه بأحرفٍ من نور ؟.         

74
إجتماع فؤاد بابا مع الأربعين حرامي
بقلم : سالم ايليا
لا أعتقد من انّ هنالك مواطن عراقي واحد تفاجأ بدعوة رئيس الجمهورية لرؤساء الكتل المافيوية للإجتماع في الثاني من شهر آذار الجاري للتباحث على كيفية الخروج من الأزمة الإقتصادية المؤثرة في الشارع العراقي المقرونة بالأزمة السياسية وتداعياتها المتمثلة بالتفجيرات الأخيرة في بغداد وديالى والتي ذهب ضحيتها الأبرياء من الكسبة الذين كانوا يصاروعون الجوع هُم وعوائلهم ، فحصدتهم مناجل الطائفية التي حركتها نفس الأحزاب المجتمعة تحت مظلّة عرّابها .
لقد باتت مناوراتهم واضحة كلّما إشتد وطيس التظاهرات الجماهيرية وأوارها ، خاصة بعد دعوة السيد مقتدى الصدر لأنصارهِ بالخروج في تظاهرات (مليونية) في ساحة التحرير ببغداد وساحات الإعتصام في المحافظات العراقية الأخرى والتي زامنتها إنطلاقة الشرارة الأولى لثورة الدماء الشابة من طلبة جامعة المثنى في مركز مدينة السماوة رائدة ثورة العشرين التي لا يزال العراقيون يتغنون بأمجادها ومگوارها الذي هزّم الطوب الإنكليزي وأجبر المحتل على الجلاء من العراق وإعلان الدولة العراقية الحديثة .
لقد قالتها الفضائيات الوطنية الحرّة وعلى لسان شرفائها من خطباء المنابر الوطنية ومن خلال برامجها التوعوية من ان هذا الإجتماع ما هو إلا ذراً للرماد في العيون ، ومحاولة فاشلة لخلط الأوراق ، ومورفين فقد صلاحيته لتخدير الشعب .
فكل من حضر هذا الإجتماع باطل ـ ـ وكل ما تمخض عنه هذا الإجتماع باطل ـ ـ وكل ما أتخذ فيه من قرارات فهي باطلة ، وسوف لن ترى النور لأنها بالتأكيد سوف لن تتضمن اي قرار لمصلحة الشعب الثائر، وإنما ستتضمن إعادة توزيع الأدوار من جديد وتبادل المواقع السلطوية للإستمرار في نهب الثروة الوطنية ، والضغط أكثر على صدور العراقيين لخنق أنفاسهم التي لا تكاد تستنشق الهواء المؤبوء برائحة جثث أبنائهم التي حصدتها مفخخات المطابخ الحزبية السلطوية للأعضاء المجتمعين .
وليعلم المجتمعين من ان حل المشكلة في غاية البساطة ولا تحتاج لحضورهم الى خيمة المئة وواحد !!، وسيرهم على السجّاد الأحمر وإجتيازهم لدهاليز الغرف المظلمة للقصر السلطوي الذي فقد إسمه الجمهوري منذ عقودٍ خلت !! ، والتي كانت في يومٍ من الأيام تشع بأنوارها وقراراتها لخدمة الشعب ـ ـ نعم فالحل البسيط يكمن في إرجاع كل الأموال المنهوبة الى خزينة الدولة العراقية ـ ـ خزينة الشعب ، والحل يكمن أيضاً يا أيها المجتمعون بتجفيف منابع إرهابكم وقتلكم للمواطن العراقي وهو ذاهب الى عمله أو جالس على صفيحة معدنية في سوقٍ بائسٍ كبؤسه يبيع الحاجيات البسيطة على أمل العودة مع غروب الشمس الى بيته محملاً بأرغفةِ الخبز المجبولة بعرقه لإطعام أفواه أطفاله المفتوحة الجائعة ، لكنه يعود اليهم أشلاءً ممزقةً ليزيد من غزارة دموعهم وأنينهم .       
نقول لهؤلاء السرّاق : أنّ الداء مُشخّص والدواء معلوم وهو إنسحابكم من المشهد السياسي ورفع أيديكم عن العراق وإسترجاع ما سلبتموه من المال العام والعقارات والمراقد وتسليم دفة إدارة الحكم بيد الوطنيين الحقيقيين ـ ـ وإن لم تفعلوا فسيكون يوم حسابكم ليس ببعيد وعندها سوف لن يكون لديكم متسع من الوقت للحيلولة دون وقوع ما قد حصل للذين طغوا من قبلكم من عتاة السلطة ومغرياتها .     

75
ما بين الإنتماء الوطني والإنتماء الحزبي
بقلم: سالم ايليا
المقدمة :
إنّ المغرضين غالباً ما يضعون الخطوط الحمراء تحت أسماء الكتّاب والمفكرين الذين يحاولون طرح آرائهم بالنقد الهادف الوطني البنّاء الخالي من المؤثرات السياسية المؤدلجة حول بعض ما ذهب اليه قسم من الشعب في إنتماءاتهم العقائدية الحزبية على حساب إنتمائهم الوطني والتي أدت بلا أدنى شك الى ضياع العراق أو لنَقُل في طريقه الى الضياع ، وأرجو ان لا يخرج أحد جهابذتهم في مقالة (يَسمُو) فيها بالمصطلحات السياسية والشعارات الرنّانة ويقول لي بأن العراق لا يزال بخير وسندحر الإمبريالية العالمية وعملائها وكل المؤامرات التي تحاك والى آخره من الخطب السياسية التي باتت مصدر تندّر وإستهجان الوطنيين وغالبية الشعب بصورة عامة .
يقول الدكتور علي الوردي في الجزء الأول من كتابه الموسوم "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث" في تحليله لإزدواج الشخصية في المجتمع العراقي وخاصة السياسيون منهم : "وقد يستفحل هذا الازدواج عند بعض الذين يعملون في السياسة ويتزعمون الجماهير، فهم يخطبون ويهتفون بمبادئ العدالة والمساواة والديمقراطية التي لا تفرق بين المواطنين ويدعون الى اعطاء كل ذي حق حقه ، ولكنهم لا يكادون يتولون مناصب الحكم حتى ينسوا ما هتفوا به وخطبوا"، إنتهى كلام د. علي الوردي .
وللدخول في جوهر التباين بين الإنتمائين الوطني والحزبي علينا أولاً تعريفهما إستناداً الى معاجم اللغة والمصطلحات السياسية لقطع دابر الإجتهاد الفردي للكاتب والقارئ على حدٍ سواءٍ.
وحسب ما جاء في معجم اللغة العربية من أنّ تعريف الفعل "وَطَنَ" : أي أقامَ فيه ، وأمّا كلمة "الوَطنْ" فتعني : منزل إقامة الإنسان وُلِدَ فيه او لم يُوْلَد .
والأسم "اِنتِماء" مصدر "اِنْتَمَى" : عُرِفَ بانْتِمائِهِ إلى قَبيلَةٍ كَذَا : اي بانْتِسابِهِ إِلَيْهَا .
أما معنى كلمة "سياسة" : فهي عبارة عن مبادئ معتمدة تُتّخذ الإجراءات بناءً عليها ، ويطلق عليها مصطلح "فن الممكن" .
ومعنى "الحِزْب" : فهو الجماعة من الناسِ ، وكل قوم تشاكلت قلوبهم واعمالهم فهم احزاب وإن لم يلقَ بعضهم بعضاً .
 أما الحزبي : فهو المنتمي الى الحزبِ اي المجموعة المتجانسة الأفكار والعقائد .
ومفهوم او معنى "الانتماء" يشير إلى الانتسابِ لكيانٍ ما يكونُ الفرد متوحداً معه مندمجاً فيه ، باعتباره عضواً مقبولاً وله شرف الانتساب إليه ، ويشعر بالأمانِ فيه ، وقد يكون هذا الكيان جماعة ، طبقة ، وطن ، وهذا يعني تداخل الولاء مع الانتماءِ والذي يعبّر الفرد من خلاله عن مشاعره تجاه الكيان الذي ينتمي إليه .
ومن جملة المعاني أعلاه لمفردات الوطن ، السياسة ، الإنتماء والحزب نستطيع ان نعرّف الإنتماءات الوطنية والحزبية على النحو التالي :
الإنتماء الوطني : هو الإنتساب لبقعة الأرض المقيم عليها الفرد وحيثُ يكون متوحداً ومندمجاً فيها ، وله شرف الإنتماء لها ولقيمها وثقافتها ، وشعوره بالأمان للعيش ضمن حدودها ، والولاء المطلق لها والتضحية والإيثار من أجلها ، والتفاعل الإيجابي والإندماج مع افرادها والشعور بالإنصهار الكلّي في عاداتها وتراثها ، والإنتماء الوطني صفة مكتسبة في حالة الولادة على تلك البقعة لا يمكن التخلي عنها بسهولة أو إستبدالها بإنتماء آخر .
أما الإنتماء الحزبي (السياسي) : فهو الإنتساب الى جماعة أو كيان أو تجمّع متجانس في الأفكار والمعتقدات السياسية وإن لم يلقَ بعضهم بعضاً أو يشتركوا معاً بالإقامة على وطنٍ واحدٍ .
ومن مجموع التعاريف اعلاه حصلنا على تعريفي "الإنتماء الوطني" و"الإنتماء الحزبي ومفهوميهما بشكلٍ عام وسيكونان المدخل لصلبِ المقالة .
سألني أحدهم يوماً : لماذا انت ضد الأحزاب الأيديولوجية ؟، أجبتهُ : أنا لستُ ضدّهم ، لكنني ضد نتائج أفعالهم !!، ولأنني أيضاً لا أرغب في ان أكون ضد الوطن من حيثُ لا أدري !!. وربما جوابي هذا سيعتبره البعض فيه شيء من التجني على أحزاب نضالية أعطت الكثير من أعضائها ومؤيديها فداءاً للوطن !!، لكنني أعتبر شهدائها مع جلّ إحترامي وتقديري لتضحياتهم الكبيرة و"والجودُ بالنَّفْسِ أَقْصَى غايةِ الجُودِ" انهم ضحّوا في سبيل مبادئهم وقناعاتهم الأيديولوجية وليس في سبيل الوطن !!، فهنالك فرق شاسع ما بين الحالتين ـ ـ اليس كذلك ؟ ـ ـ اوليس هنالك أيضاً التجني من تلك الأحزاب على الوطن والمواطن العراقي مما أدى الى ضياعهما !!، وهما (اي الوطن والمواطن) أثمن وأعلى مرتبة من كل الأحزاب وأيديولوجياتها ، فهما الغاية والوسيلة وكما تصرّح بذلك أدبيات تلك الأحزاب !! ـ ـ فماذا قدمت تلك الأحزاب للوطن والمواطن على مدار سنوات نضالها التي تجاوزت الخمسة وسبعين عاماً او ما يزيد أو ينقص غير (إهداء) الأجيال الحالية والقادمة لبقايا وطن مهدّم ـ ـ متخلف ـ ـ فقير ـ ـ مُعدَم ـ ـ هو عبارة عن مقبرة كبيرة للأحياء قبل الأموات ـ ـ تتقاذفه الصراعات والتنافرات بين أصحاب تلك النظريات والأيديولوجيات ، وحيثُ وصلت صراعاتها الى أصغر وحدة إجتماعية في المجتمع ألا وهي العائلة ، فبات الأخ يحاول قتل أخيه لإختلافه معه في الإنتماء الحزبي ، ومواطنون يعيشون دقائقهم فقط ولا يعلمون ماذا سيحدث بعدها ـ ـ يتملّكهم اليأس والقنوط كلّما نظروا الى النفق المظلم السائرون اليه.
الملاحظ من ان هنالك تداخل وضبابية في المعنى لدى الكثير من المنتمين للأحزاب في تفسيرهم لجوهر الإنتماء الوطني ودمجه بالولاء الحزبي لعقائد وأيديولوجيات سياسية .
لذا نجد تخلّي البعض من اعضاء تلك الأحزاب (الذين غُرِرَ بهم أو كانت لديهم ضبابية التمييز ما بين الإنتماء الوطني والإنتماء الحزبي) عن أحزابهم بعد إكتشاف تقاطعها ولو مرحلياً أو تكتيكياً مع الإنتماء الوطني النقي من خلال تأييدها وتحالفها مع الطامعين الذين هددوا التراب الوطني وإحتلّوا ودمّروا الوطن متجاوزين بذلك ثوابتهم الحزبية المعلنة ـ ـ ضاربين بعرض الحائط ما يدّعون في تقاطع مبادئهم واهدافهم وادبيات احزابهم وايديولوجياتها مع المحتلين ، لكنهم في ذات الوقت يعللون الأمر بتحالفاتهم مع المحتل من ان "عدو عدوّي صديقي" !!!، في تجاهلٍ واضحٍ لكفتيّ الميزان المتأرجحة بين الوطنية واللاوطنية وبين الشعب والوطن من جهة والمُحتل الطامع والخونة من جهة أخرى ، وليس كما يفكرون من ان كفتي الميزان تتأرجح بين الأحزاب من جهة والحاكم او الدكتاتور من جهة اخرى متجاهلين الوطن وثوابته .
كما ان تلك الأحزاب بمختلف مسمياتها أثبتت ضعفها وفشلها في إزاحة الحاكم (بنضالها) وجهودها الفردية معللة الأمر بدموية الدكتاتور وبربرية أجهزته القمعية !!! ـ ـ وسؤالنا لهم ماذا كنتم تتوقعون من رد فعل الطاغية حين ترفعون السلاح ضده ؟ ـ ـ او ماذا كنتم تتوقعون عند معارضتكم له ورفع شعار التغيير الجذري لحكمه ونظامه غير تصديه لكم بوسائله المعروفة ؟ هل كنتم تتوقعون بانكم ستكونوا في نزهة معه ويدعوكم الى جلسة غذاء (ديمقراطية) في فندق الخمس نجوم !! ، ولماذا اساساً انخرطتم في احزاب تؤمن بالتغيير الجذري للحاكم وسلطته اذا كنتم غير قادرين على ازاحته عن طريق تأليب الشعب وتهيأته ضده ليهب هبّة رجل واحد فيزيحه مع جلاوزته وادواته القمعية فأستعنتم (بأعدائكم) كما تصرحون بأدبياتكم وتحالفتم معهم تحت مبررات "الغاية تبرر الوسيلة" ، فأعطيتم الوطن بمن فيه كقربان للمحتل ومخططاته ثمناً لجلوسكم على كراسي السلطة والحُكمْ .
 وعملاً بمقولة "خذوا الحكمة من افواه المجانين" ، كنّا نتندر على مقولة الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي  "ان من تحزّب خانَ" !!، والتي أثبتت الوقائع والأحداث صحتها الى حدٍ بعيدٍ !!.     
تقول د. حسناء القنيعير في مقالة نشرتها على النسخة الألكترونية من صحيفة "الرياض" العدد 13425 بتاريخ 27-03-2005م ما نصهُ : " يمكن القول أنه وعلى مدى العقود الخمسة الماضية لم تتجاوز مختلف التيارات العربية في عملها الطرح الأيديولوجي، وظل العمل السياسي والحزبي محكوماً بمصالح التنظيم وعلاقاته بالخارج الذي لم يخل في أحيان كثيرة من تصادم مع الداخل، حتى أصبح الولاء للتيار السياسي وزعيمه يفوق الولاء للوطن". إنتهى كلام د. حسناء القنيعير.
وهناك من يعرّف الإنتماء السياسي بشكلٍ عامٍ على أنه " الدرجة التي تحدد وطنية الفرد في المجتمع عن طريق حبه وولائه للوطن ، والتضحية من أجله ، واعتناقه لأيديولوجياته ، وتمثله لثقافته ، وقيمه" . هذا ما كتبه أ. محمد ابو فودة في مقالته المنشورة في موقع "دنيا الوطن" بتاريخ 24-5-2007م ، ومن خلال تعريفه يحاول ان يبين الكاتب من أنّ الإنتماء السياسي هو حالة مطلقة للإنتماء الوطني ، اي ان يكون الإنتماء السياسي مرتبط ارتباطاً مطلقاً بحب الوطن والتضحية من أجله واعتناق ايديولوجياته السياسية ، وهذا بالطبع تحليل وتفسير ضبابي غير دقيق للإنتماء السياسي ، وحيث يصح الشطر الأول من تعريفه اعلاه كتعريفٍ "للإنتماء الوطني" وليس "للإنتماء السياسي" بقوله : " الدرجة التي تحدد وطنية الفرد في المجتمع عن طريق حبه وولائه للوطن" ثمّ يكمل : " وتمثله لثقافته، وقيمه"، ولهذا فليس من الضرورة ان يكون الإنتماء السياسي مرتبطاً جدلياً بالإنتماء الوطني وكما بيّنا سابقاً ، لابل ربما على العكس تماماً ، فماذا لو انّ الإنتماء السياسي العقائدي كان متقاطعاً مع الإنتماء الوطني ؟!! وكما أسلفنا .   
أمّا الإنتماء الديني بمذاهبه فهو إنتماء مكتسب من الممكن تغييره أو التخلي عنه حسب القناعة الشخصية ، وأكبر دليل على ذلك هو تبني وايمان المجموعات البشرية على مر التاريخ بمعتقدات دينية مختلفة تحت مسميات عديدة ثم التخلي عنها وإعتناق معتقدات دينية أخرى . وهنا اتقاطع كلياً مع طروحات وفلسفات شرقية وضعت أولوية الإنتماء كحالة مسلّم بها للإنتماء الديني المكتسب ، واعطته الأسبقية على الإنتماء الوطني ، وهذا بحد ذاته ناشئ من إزدواجية شخصية الأفراد في المجتمعات الشرقية والتناشز الإجتماعي بين التعايش الحضاري المفروض منطقياً على المجتمعات الشرقية لمواكبتها التطور الحضاري وبين تمسكها بالعادات والتقاليد القبلية الموروثة مما جعلها متخبطة لفقدانها طرفي النقيضين (الحضاري والقبلي) ، وسأورد مثلاً بسيطاً يؤكد صدق ما ذهبتُ اليه : فكم من عضو حزبي للأحزاب الأيديولوجية بمختلف مسمّياتها (الأممية، القومية والدينية) صمد حتى الموت تحت التعذيب دون التصريح أو الإعتراف بأي حرف عن رفاقه أو خلايا حزبه ، لكنه إنهارَ تحت تهديد الإعتداء على شرف زوجته او ابنته او اخته وسجّل إعترافه من الألف الى الياء لا بل جنّدته السلطة القمعية ليكون جاسوساً على حزبه ورفاقه الذين ساقهم إعترافه الى التهلكة ويتّم أطفالهم ورمّلَ زوجاتهم !!، في حين نرى بان سكرتير أحد الأحزاب اليسارية في أحدى البلدان الأوربية صمد وهو يرى تناوب المحققون في الإعتداء على زوجته !!، وربما سيقول قائل هذا طبيعي لأننا كشرقيين نتمسك بالشرف وهو أغلى ما نملك في حين ان الغرب لا يعير له اهمية !!، وهذه المحاججة خاطئة تماماً ، إذ ان الإنسان الغربي استطاع التخلص من العصبية القبلية وعبر أجياله المتعددة ، لكن الإنسان الشرقي يحاول المسك باللّجامين (القبلي والحضاري) بيدٍ واحدةٍ وهذا محال لتضادد إتجاهيهما !!، ومن هنا ترسخت لديه الإزدواجية في الشخصية وبرز التناشر الإجتماعي في سلوكه . وقد ذكر الدكتور على الوردي في كتابه " لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث/ج1" من انه أحصى ذات مرة عدد التناشزات الإجتماعية في المجتمع العراقي فوجدها تزيد على الأربعة عشر تناشزاً !!، وسؤالي الذي يفرض نفسه : ما دمنا كمجتمع وكأفراد لا نستطيع التخلي عن احد عنصري (الحضارة والقبيلة) لحساب الآخر، فلماذا ننخرط في احزاب تتبنى ايديولوجيات تنهار امامنا عند أول تهديد لنا بإنتهاك رمز من رموز التقييم الأخلاقي القبلي والذي بدون أدنى شك لا نستطيع تجاهله أو الإستغناء عنه كشرقيين ألا وهو الشرف ؟، ولماذا اساساً نكوّن تلك الأحزاب مع علمنا بأننا لا نستطيع الإخلاص لها تحت التهديد والتي من خلال التمسك بشعاراتها دمرنا مجتمعنا ونسيجه الإجتماعي ووهبنا مئات الآلآف من خيرة أبنائنا ومبدعينا كقرابين على مذبح التضحيات بالإخلاص لأيديولوجياتها ؟، في حين نتخلى عنها تاركين الوطن بمجتمعه كأنقاض مع أول اختبار يمس صفة او رمز من رموز العصبية القبلية ألا وهو الشرف !!.
ومن الممكن محاججة الذين يعطون الأسبقية للإنتماء الديني على الإنتماء الوطني إستناداً الى "نظرية الخلق" التي تتبناها جميع الأديان السماوية وغير السماوية دون إستثناء ، لا بل تتبناها النظريات العلمية الخاصة بتكوين الأرض (الوطن) ، والتي مفادها أن الله (بالنسبة للمؤمنين بالله وخلقه) قد خلق الأرض (الوطن) أولاً وما عليها ثمّ خلق الإنسان ، اي خلق الوطن أولاً إكراماً للإنسان الذي سيعيش ويحيا على هذا الوطن ، ومن ثمّ خلق الإنسان ومجتمعاته (قومياته) وعقائده وأوجد أديانه ومذاهبه ، وهذا ايضاً ما تؤيده النظريات العلمية من انّ الأرض تكوّنت قبل الإنسان ، اوليس واجب علينا ان نحترم فلسفة الخالق في خلقه ونعطي اولوية الإنتماء للوطن (الأرض) قبل اياً من الإنتماءات القومية أو الدينية او اي إنتماء آخر وكما فعل هو ؟!!، فالعقيدة الحزبية بمختلف تشعباتها من الممكن نكرانها أو تغييرها ، لكن هل من الممكن تغيير او نكران الإنتماء الوطني حتى لو غادر الإنسان وطنه لعشرات السنين ، ولدينا الأدلة الكافية من أنّ المهاجرين في بلدان المهجر حتى الذين ولدوا فيها وانصهروا في مجتمعاتها يقولون أصلنا من البلد الفلاني ويعودون بأجيالهم الى جذورهم لإثبات إنتماءاتهم الوطنية للأصل ، وإن لم يفعلوا فسماتهم على مدار الأجيال تبقى ظاهرة معلنة أصولهم وإنتماءاتهم ، فالإنسان الأسود الساكن منذ قرون عديدة في أمريكا الشمالية لا يستطيع إنكار أصوله الأفريقية الواضحة في سماته ، كذلك الحال ينطبق على الأسيوي والشرق أوسطي ـ ـ الخ .
الخاتمة :
خلاصة القول ومن خلال ما طرحناه وناقشناه أعلاه يتبين لنا بشكلٍ واضحٍ وجلي الحقائق التالية :
-   الإنتماء الوطني مغيّب بين كماشة الإنتماء الحزبي بكل مسمياته والإنتماء الديني بكل اديانه ومذاهبه.
-   الإنتماء الوطني حالة مكتسبة ليس من السهل تغييرها وذلك لعلاقتها بطبائع الإنسان وطرق معيشته وصفاته التي تراكمت لتكوين شخصيته المرتبطة بالأرض منذ دهور سحيقة (الأنثروبولوجيا) وعلاقتها بالأجناس البشرية (الأثنولوجيا) التي تحيا على بقعة الأرض ، فتصبح كالروح في الجسد التي بدونها يعتبر الجسد ميتاً.
-   الإنتماء القومي حالة نسبية تعتمد على هوية الوالدين (إذا كانت موحدة أو هجينة) ، وبالنسبة لنا كعراقيين من الصعوبة إثبات العنصر القومي النقي بسبب الغزوات والحروب التي شُنّت على العراق منذُ فجر التاريخ ولحد الآن والنزوحات المستمرة للأقوام من والى العراق ، والتي أدت الى اختلاط الدماء التي تجري في عروقنا .
-   الإنتماء الحزبي العقائدي (اممي، قومي او ديني) هو إنتماء مرحلي قابل للتغيير وفق مراحل التطور الفكري أو إنتكاسه.
-   الإنتماء الديني حالة مكتسبة قابلة للتغيير كما أسلفنا .
إن الشعب يتطلّع من الصميم الى ان تعيد تلك الأحزاب بأعضائها تقييم مراحل وفترات (نضالها) وتعلن بكل شفافية اخفاقها في الوصول الى أهدافها المعلنة والمصرّح بها في كتبها ونشراتها الحزبية ، وتغيّر بقايا معتقداتها الدخيلة لتتمسك بمعتقد الإيمان المطلق بالوطن الواحد الموحد ، وحيثُ يكون معيار الإنتماء اليه من خلال الهوية الوطنية وليس من خلال الهويات الأخرى (الأممية ، القومية والدينية المذهبية) والعمل على ترسيخها فهي الكفيلة بتحقيق انتماءاتها الأخرى عبر ولادة جديدة لمجتمع متجانس فكرياً ووطنياً يكون همّه الوحيد كيفية بناء الوطن والنهوض به من كبوته ، ومصارحة تلك الأحزاب لشعبها البائس بالحقائق وعدم التشبث بأيديولوجيات أثبتت الوقائع عجزها عن تحقيق الرفاهية والسعادة أو حتى أدنى مقوّمات الحياة العصرية لمواطنيها .


76
المنبر الحر / ثمن النضال
« في: 22:51 08/02/2016  »
ثمن النضال
بقلم: سالم ايليا
لقد إبتلى العراق منذُ نشوء الدولة العراقية الحديثة وخاصة بعد ظهور الأحزاب الأيديولوجية بمختلف مسمياتها على الساحة السياسية بقادة سياسيين تميزوا بالآنا وحبهم للسيطرة والإستعباد السلطوي تحت غطاء الشعارات (الوطنية) البرّاقة التي كانت تسوّقها أحزابهم في أدبياتها والتي ما من شك قد آمن بها المبدئيون ممن إنخرطوا في تلك الأحزاب عن إيمانٍ وقناعةٍ ودفعوا حياتهم ثمناً لها، لكن الإنتهازيون من تلك الأحزاب كانت لهم الغلبة دائماً بإعتلاء المناصب وإحتلال المراكز الأولى في السلطة وهم في غالبيتهم قد إنحدروا من الطبقات الشعبية المسحوقة حاملين معهم عُقد الفاقة والحرمان التي ورثوها من بيئتهم.
غير أن الحال قد يختلف مع البعض الآخر الذين نشأوا تحت نفس الظروف لكنهم لم يتمكنوا من بلوغ المناصب لزهدهم في السلطة ومغرياتها ولقناعتهم من أن هدفهم هو تحقيق حلمهم في بناء دولة يسودها العدل وتنحصر تحت لوائها الفوارق الطبقية، مما أتاح (لرفاقهم) المتطلعين الى السيطرة وحب الذات سرقة جهود نضالهم ومن ثمّ إزاحتهم من المشهد السياسي لينفردوا بالحكم ويبدأوا بتسخير الإستحقاقات السلطوية المكتسبة من مواقعهم لمصلحتهم الخاصة، لا بل تعدّت إستحقاقاتهم الى تجاوز القوانين النافذة أو حتى تغييرها لتتلائم مع تطلعاتهم الغير مشروعة.
إنّ القادة الثوريون الذين تدعي أحزابهم بأنها إنبثقت من الشعب والى الشعب تعود، سرعان ما يتأثرون بسلوك الطبقات التي يطلقون عليها (البرجوازية) ممن نبذوهم خلال فترة حياتهم النضالية وبطريقة مشوهة لا تمت للواقع بشيء، إذ أن معظم تلك العوائل (البرجوازية) العريقة قد غرست في سلوك أبنائها الصفات النبيلة لتكون وسيلة ردع أخلاقية لهم إذ ما تجرؤا لعمل غير حميد يسيء الى عراقة عوائلهم وسمعتها (ولنا في ذلك مئات الأمثلة على بساطة معيشتهم ونبل سلوكهم).
فلقد طبّق الثوريّون مقولة الكاتب البريطاني ويليام غودوين: " الثورة تحدث نتيجة الإستبداد والطغيان، ولكنها نفسها حُبلى بالطغيان".
 لقد حاولتُ في هذه المقالة ان أكون مُنصفاً فبحثتُ عن رئيس واحد جاء عن طريق الأحزاب الثورية/الأيديولوجية التي أطلق البعض عليها ظُلماً (أحزاب الشعب) لإعطيه كمثلٍ على شواذ القاعدة التي أوردتها في مقالتي هذه عن دكتاتورية الحكام الثوريين وفسادهم وترفعهم على الشعب فلم أجد !!.
ولا أعلم لماذا يطالب (المناضلون) الشعب بدفع ثمن نضالهم بمليارات الدولارات حين يتبؤون المناصب الحكومية فيعوضوا سنوات (نضالهم) المعدودات على أصابع اليد بالعيش الرغيد والحمايات التي يفوق تعدادها جيوش بعض الدول في العالم، وتباح ميزانية الدولة بملياراتها لهم حتى الى يوم مماتهم، ثمّ يورثوها لأبنائهم وهكذا دواليك، وحيثُ يمسك كل (مناضل) بمصباحه السحري ليفركه ساعة ما يشاء هو وافراد عائلته ليخرج المارد ويقول له "شبيك لبيك" إنّ العراق بين يديك.
 فمن الذي سيدفع للشعب العراقي ثمن نضاله لأكثر من خمسين عاماً قضاها بالإنقلابات العسكرية والتناحر الأيديولوجي بين الأحزاب، والحروب التي أخذت منه مئات الآلآف من أبناءه، وحصار جائر تجرع فيه الويلات والمآسي، وإيثار قلّ نظيره قدم فيه تضحياته على مذبح القرابين الذي بات في كل شارعٍ وزقاق لا بل حتى داخل كل بيت عراقي، وحيثُ تنتظر كل عائلة عراقية دورها في الهلاك أما بسقوط قذيفة على سطح الدار أو بإنهيار سقف الدار على من فيه نتيجة الأمطار والفيضانات أو إنهيار سد لم تولي الحكومات المتعاقبة الإهتمام اللازم لصيانته، أو تدمير الشارع بمن فيه بسيارة مفخخة، ومن سيدفع للملايين من الأرامل واليتامى والمعوقين والمهجّرين ثمن نضالهم ؟!!. 
مسكينان هما المهاتما غاندي ونيلسون مانديللا، حيثُ لم يطالبا شعبيهما بثمنٍ لنضالهما اللذين أفنيا سنوات عمريهما لخدمة القضية التي آمنا بها .
لقد فقد الشعب الثقة بالأحزاب الأيديولوجية وبمن أطلقوا على أنفسهم (المناضلين) الثوريين الحاملين للشعارات الديمقراطية وحكم الشعب مع أول حادثة قتل وترهيب طائفي أرتكبت بإسم الثورة في نظامها الجديد، ومع أول حادثة فساد كان أبطالها قياديي تلك الأحزاب، ومع أول وعد نقضه منظّريهم الذين ملؤوا الدنيا ضجيجاً بوعودهم بشمس الحرية والرخاء والعدل التي ستشرق على الشعب حالما يستلمون السلطة، لكن غيوم الفساد والقتل السوداء التي نشرتها أحزابهم المافيوية قد حجبت الشمس الموعودة عن سماء العراق منذ زمنٍ بعيدٍ. 
وأختتم مقالتي بقول الكاتب الفرنسي جان جينيه: "الهدف الرئيسي للثورة هو تحرير الإنسان، وليس تفسير أو تطبيق بعض الأيديولوجيات المتطرفة".

 


77
أدب / قصص قصيرة جداً
« في: 21:20 21/01/2016  »

قصص قصيرة جداً


سالم ايليا
[/color]


1 في إنتظاركِ لأرحل
إستقبلت إبنتها المميزة العائدة من المهجرِ ـ ـ إحتضنتها وأشبعتها بالقبلِ ـ ـ نامت ولم تصْحُ ثانية!!.

2أمل
كان يتابع من المهجر تظاهرات شعبه كل يوم للمطالبة بالإصلاح ـ ـ ـ وعلى الرغم من قلّة اعدادهم، إلا أنه كان يرى في إصرارهم الأمل في التغيير.

3خبز تنور
ذهب للسوبر ماركت في مهجره ليتسوّق، مرّ من أمام قسم المعجنات، إنسابت الى أنفه رائحة خبز التنور، التقط أحد أكياس الخبز من على الرف المجاور دون معرفة نوعه!!.

4عودة مهاجر
دق باب وطنه بعد غياب دام لأكثر من عشرين عاماً ـ ـ ـ فتح له شخص غريب لم يراه من قبل ـ ـ ـ سأله أين وطني؟ ـ ـ ـ أجابه الغريب: لقد هاجر باحثاً عن هويته!!.

5زهايمر
عادَ الى بلدهِ بعد دهر من الزمن ـ ـ تفرّس في "الشواخصِ" التي أمامه، سأل سائق سيارة الأجرة ـ ـ في أي بلدٍ نَحنُ !!.

6جذوع
في طريقِ عودته من المهجرِ ـ ـ ـ تخيل الحديقة التي تركها يوم مغادرته ـ ـ عند الزاوية شجرة التين، وعلى الجهة المحاذية للشارع أشجار الحمضيات، و(قمرية) العنب التي تغطي مدخل الباب الحديدي، وحال وصوله لم يجد غير جذوع أشجار!!.


78
سفيرة الألم والسلام العراقي المواطنة نادية مراد تتحدث للعالم
بقلم: سالم ايليا
أطلّت علينا المواطنة العراقية نادية مراد في السابع والعشرين من شهر كانون الأول/2015م ومن خلال فضائية البغدادية "صوت حكومة الظل" كما أطلق عليها المواطن العراقي أنور الحمداني معد ومقدم برنامج "ستوديو التاسعة"، وحيثُ وضعت أمامنا نحن شعبها المُستكين والمُستسلم (وإذ يؤسفني ويؤلمني قول ذلك) حقائق الجرائم التي إرتكبتها عصابات التكفير من الدواعش بحقها وحق الآلاف من الفتيات والصُبية من المكوّنات الدينية والأثنية المتواجدة على أرضها التاريخية التي إحتلتها أيادي السوء لتعبث بأرض السلام فساداً وخصوصاً مكوّنها الآيزيدي الذي تعرض مع المكوّنات المسيحية والشبكية الى أبشع عملية إبادة عرفها التاريخ الحديث.
بدأ المواطن أنور الحمداني بتقديمها قائلاً: "أهلاً وسهلاً بإبنة بلدنا التي هي الآن نموذجاً للفداء والتضحية العراقية في كل العالم"، ثمّ ترك لها الحرية المطلقة في سرد تفاصيل طريق الآلام الذي سلكتهُ ومعها أبناء وبنات جلدتها المسبيّون من وحوش داعش، حيثُ تكلمت بحس عراقي نقي خالي من الطائفية وبلغة عربية فصحى في أغلب الأحيان، وحيثُ تجلّت مفرداتها اللغوية بأروع كلمات الألم والبؤس التي وصلت الى أفئدة كل أبناء شعبها العراقي والشعوب العربية والإسلامية بل والعالمية.
إبتدأت "نادية" حديثها النابع من القلب والدموع تتلألأ في مقائيها قائلة: " آني اليوم كلش فرحانة لأنني شفت أبناء بلدي"، وقد حاول المواطن أنور الحمداني تهدئتها وإزالة مسحة الحزن والألم النابعة من فؤادها قبل محيّاها حين بدأت ذاكرتها بإجترار فضائع مرتكبيها من أعضاء عصابات داعش وزمرها.
ثمّ أردفت من خلال حديثها توضيح الكثير من العادات الأصيلة والأخلاقية لمكوّنها الذي تنتمي اليه حين ذكرت: " أيضاً علموننا آبائنا وأمهاتنا أن نحافظ على شرفنا وكيف نتعامل مع من يحاول الإساءة الينا "، ومما يُذكر من أن العديد من الفتيات الأيزيديات فضلنَ الإنتحار على التسليم بأجسادهنَ للوحوش الآدمية.
كما ذكرت كيف أن تعاليمهم الدينية تفرض عليهم إيمانهم بالله الواحد الأحد، وأنهم جميعاً يؤمنون بالله ولهم في طقوسهم خاصيتهم للتواصل معه. ومن تابع حديثها وترديدها لكلمة "الله" تلقائياً كلما أرادت أن تُقسِم لتؤكد صدق ما تقول، لأيقن الجميع من أن الخالق ليس حصراً على دين أو مذهب معين، وإنما هنالك بعض الإجتهادات الدينية الوضعية في طريقة التواصل معه.
لقد بثّت لنا وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة أخبار بعض المغرر بهنَ للإلتحاق بما أطلق عليه "جهاد النكاح" ورأي أغلبية رجال الدين ببطلانه وعدم شرعيته، لا بل ذهب الكثير منهم الى إعتباره فجوراً علنياً ومحرماً، حتى أن الشيخ محمد العريفي كذّب فتوى "جهاد النكاح" التي أسندت اليه بالصورةِ والصوتِ من خلال الفيديو على الرابط أدناه:
https://www.youtube.com/watch?v=0VQWhXWgnf0
إلا أن هنالك من الفتيات من أمثال "عائشة" التونسية من وجدنها فرصة لممارسة الجنس مع مجموعة من الرجال المقاتلين في المناطق الساخنة وبمبرر وغطاء (شرعي) يؤكد أغلب رجال الدين على بطلانه وعدم صحته، وكما ظهر من كلامها على الرابط أدناه:
https://www.youtube.com/watch?v=QKaWGr2sHYg

وكما ذكر التقرير نصاً بالقول:" بغض النظر عن كون الفتوى صحيحة أم مزورة، فإنها على ما يبدو لاقت إستجابة من قبل ما لا يقل عن ثلاث عشرة تونسية الى حد الآن، وتناقلت صحف تونسية قبل أيام خبراً مفاده أن شاباً تونسياً أقدم على تطليق زوجته بعدما تحوّلا الى سورية بعد ما يقارب الشهر ليسمح لها بالإنخراط في جهاد المناكحة مع المجاهدين هنالك"، إنتهى الخبر المنقول!!.
ومما يُذكر بأن "نادية" بدأت برحلة حول العالم إبتدأتها بالقاءها كلمة أمام المندوبين الدائميين لمجلس الأمن، ثمً التقت برؤساء الدول ورجال الدين وخرجت على القنوات الفضائية لبيان ما أصاب الشعب العراقي بشكلٍ عام، وما أصاب مكوّنها الأيزيدي بشكلٍ خاص ومُطالِبة المجتمع الدولي بإحلال السلام في العالم ومكافحة الإتجار بالنساء والأطفال تحت ذريعة المعتقدات والتفسيرات الخاطئة للدين.
وكانت وزارة الهجرة والمهجرين في العراق قد رشحت "الأميرة نادية" لجائزة نوبل للسلام مدعومة بالحملة الوطنية المنطلقة من مواقع التواصل الإجتماعي لدعم هذا الترشيح الذي يستحقه العراق بشخص إبنته البارة نادية مراد.   
 
وأختم مقالتي بسؤالي المنطقي، أيهنَ أقرب الى الخالق وتعاليمه: "نادية" الطاهرة التي هَربت من مغتصبيها، أم "عائشة" الفاجرة التي ذهبت طواعية الى مضاجعيها ؟.


       

79
هل سيكون هنالك سلام في المنطقة فيمَ لو قُسِّم العراق ؟
بقلم: سالم ايليا
تسعى الكثير من الدول الإقليمية وخاصة المحيطة بالعراق (الكويت، إيران، تركيا والسعودية) الى تقسيم العراق لمصالحها المتباينة، وحيثُ تلتقي على هدفٍ واحد وهو تجنب عودة العراق القوي الواحد الموحد.
كذلك أصبح لدى البعض من الدول الكبرى القناعة التامة لإعادة تقسيم دول المنطقة، ومنها العراق، وإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط ولأسباب عديدة لا تخفى على أحد، ومن أهمها الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
فلو قسّم العراق لا قدر الله الى ثلاث أقاليم، فسيكون هنالك إحتمالين لا ثالث لهما، احلاهما مر.
الإحتمال الأول: هو إستمرار الحروب الى ما لا نهاية بين الأقاليم على أراضي متنازع عليها وإن كانت صغيرة، حيثُ من المستحيل تحديد حدود للأقاليم سترضي جميع الأطراف وذلك للتداخل الديموغرافي بين طوائف المجتمع العراقي، وكمثال بسيط فأن الموصل قبل مائة عام كانت بأكثرية كردية والآن بأكثرية عربية ولا يزال الكرد يدّعون أحقيتهم بالموصل، وستبقى عيونهم متجهة الى الموصل في حالة شمولها بالإقليم السني، وستكون بؤرة توتر دائمي بين السنة والكرد، وهنالك عشرات القصبات الأخرى بين الإقليم الكردستاني والإقليمين الشيعي والسني ستكون كقنابل موقوتة لإثارة الحروب بين الأقاليم، كذلك بغداد كانت قبل عشرات السنين بأكثرية سنية والآن بأكثرية شيعية، فهل ستصبح بغداد بطرفيها الكرخ والرصافة كبرلين الشرقية وبرلين الغربية اللتان كانتا تتأثران بالحرب الباردة بين قطبي الصراع الدولي الشرقي والغربي مع إختلاف جذري لهذا الأمر في تقسيم بغداد، إذ ستشجع الدول الكبرى الصراع بين طرفي بغداد لمصلحتها وليس كحالة برلين التي لم تدخل الحرب الفعلية بين طرفيها، وإنما كانت هنالك فترات حرجة تبعاً لتأثيرات الحرب الباردة،  أما في الحالة العراقية فان الحرب بين الأقاليم ستكون هي الحالة الطبيعية وسيكون السلام هو الحالة الإستثنائية، وسيعتمد على قوة الإقليم وترسانته العسكرية والظروف السياسية الدولية، وسنرى حروباً مستمرة تتخللها سنوات سلام لا تلبث أن تنهار ويتجدد القتال، خاصة وان حاضنة هذه الحروب ستكون متواجدة دائمة بسبب الإختلاف المذهبي بين الأقاليم (شيعة وسنة) أو الإختلاف القومي (كرد وعرب)، إضافة الى ان تغذية هذا الصراع سيتم تحت رعاية الدول الإقليمية المحيطة بالأقاليم (تركيا،أيران) لمصلحتهما في إقناع الأقاليم للإنضمام اليهما كلاً حسب مذهبه، وكذلك  الكويت التي تبدو ظاهرياً بعيدة عن المشهد العراقي، لكن في حقيقة الأمر لديها حصة الأسد في دعم تقسيم العراق وإبقاءه في حالة الفوضى وعدم الإستقرار ومحاولتها بدفع سياسيي الدول الكبرى (امريكا وبعض الدول الأوربية ذات التأثير السياسي الدولي) والمدفوعي الثمن على دفع العراق الى الهاوية أو تقسيمه وجعل الأقاليم تتصارع فيما بينها لإبقائها في حالة ضعف لتفادي شرورها!!، وحيثُ سيعود هذا الأمر بالفائدة الى الدول المصنعة للأسلحة التي ستجد سوقاً دائمياً رائجاً لها لبيع السلاح للأقاليم المتصارعة خاصة وأن الأقاليم الثلاثة ستكون غنية بالثروات النفطية والمعادن الأخرى وستبقى الأقاليم في حالة إنهيار إقتصادي ونزيف بشري مستمر!!.
وأما الإحتمال الثاني فهو: إنضمام الأقليم السني الى تركيا والإقليم الشيعي الى إيران وبأسرع وقت بعد إعلانهما الإنفصال، وسيكونان مجرد تابعين ذليلين لإمبراطوريتين عنصريتين هما  الفارسية والعثمانية وسيعاني سكان الإقليمين مدى الدهر من التمييز العنصري، ولنا في هذا المجال تجارب عديدة ماثلة، منها أقليم عربستان في إيران ومناطق تواجد الأكراد في جنوب شرق تركيا.
 فسياسيو هاتين الدولتين (ايران وتركيا) لديهما تطلعات توسعية بإعادة أمجاد الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية ولا يهمهما كثيراً الإنتماء الديني أو المذهبي، وإن يظهروا الآن تعاطفهم  وحرصهم وتباكيهم على شيعة وسنة العراق ولأسباب سياسية توسعية واضحة للبصير قبل المبصر.
 وللعراقيين تجارب مريرة تحت الحُكمين الفارسي والعثماني، أما أقليم كردستان فسيكون من بين أسوأ الأقاليم الثلاثة لأنه سيكون بين كماشتي الأمبراطوريتين اللتين سوف لن تتركانه ينمو ويقوى بتطلعاته الوحدوية لقيام دولة كردية تضم المناطق الكردية في إيران وتركيا، وسيكون لعائلة البرزاني المتمثلة برئيس إقليم كردستان/العراق مسعود البرزاني المسؤولية التاريخية الكبرى في إبادة الشعب الكردي وتعرضه للتنكيل من قبل الفرس والأتراك بدلاً من بقائها (أي العائلة) الآن في نظر الكرد في المنطقة كرمز لتحقيق الكثير من المكاسب لكرد العراق، وربما لم يدرك مسعود البرزاني قواعد اللعبة السياسية الدولية بعد، فصديق اليوم في السياسية من السهولة أن يصبح عدو الغد وينقلب عليه حلفائه بلمح البصر لمصلحة بلدانهم، أو لتغير الإتفاقيات بين الأقطاب الرئيسية في السياسة الدولية، عندها ربما ستعطي هذه الأقطاب الضوء الأخضر لإيران وتركيا لضرب الكرد ولجم جماحهم، وسوف لن تفيدهم حتى إسرائيل لأنها ستبحث عن مصلحتها أيضاً.
 وبإعتقاد المحللين السياسيين فأن تردد مسعود البرزاني في إعلان الإنفصال عن العراق هو تخوفه من المجهول القادم مع المستقبل لمصير الكرد في المنطقة والذي ستحدده السياسات الدولية وليس إرادة الشعب الكردي فقط، لذا نراه يستخدم كارت الإنفصال للإبتزاز السياسي في ظروف الفوضى السياسية الذي يعيشها الطرف الآخر من حكومة المركز.
ومن المؤكد من أن السنوات القادمة ستكون حبلى بالأحداث المثيرة التي ستحدد المستقبل السياسي والإجتماعي لدول المنطقة ومكوناتها، وأملنا كبير بالوطنيين لتفادي الإنجرار وراء اللعبة الدولية التي ستطيح بشعوب المنطقة وتجرها الى الويلات والمآسي أكثر بكثير مما هي عليه الآن.


80
كارثة العراق بقادتهِ
بقلم:سالم ايليا
ذكر الإعلامي جلال جرمگا في مقالته التي نشرها على موقعه " مجلة الگاردينيا" في الثامن عشر من ايلول 2015 حول رحلته الأخيرة الى مصر وزيارته لمكتبة الأسكندرية ان الرئيس الأسبق للعراق صدام حسين كان قد تبرع سنة 1989م بمبلغ واحد وعشرين مليون دولار لإعادة بناء المكتبة، حيثُ ابدى حينها الرئيس المصري حسني مبارك وقرينته سوزان اللذان كانا في زيارة للعراق دهشتهما لحجم المبلغ الذي يعتبر اعلى تبرع بين الرؤساء والملوك العرب في وقت كانت ظروف العراق فيه صعبة جداً بعد خروجه من حرب دامت ثمانية سنوات.
وخلال اعادة بناء مكتبة الأسكندرية انقطعت العلاقات بين مصر والعراق بعد الثاني من آب سنة 1990م بسبب دخول العراق الى الكويت وتبني مصر/ حسني مبارك قيادة الدول العربية الرافضة لقرار الرئيس العراقي الأسبق.
 وفي حفل الأفتتاح الضخم سنة 2002م الذي حضرته الوفود من جميع انحاء العالم لم يتم دعوة العراق اضافة الى عدم ذكر اسمه على لوحة الشرف للدول المتبرعة والتي تصدرت واجهة المكتبة
. هذا ما ذكرهُ الأستاذ جلال جرمگا في مقالته.
لقد حكم العراق منذُ سقوط الملكية ولحد الآن سبعة رؤساء، كانوا معظمهم من القادة العسكريين من المفترض ان يكونوا داخل ثكناتهم العسكرية كجنود محترفين للدفاع عن الوطن فقط، لكنهم تسنّموا مناصبهم من خلال الإنقلابات العسكرية التي أطاحت بالدستور أو في أحسن الأحوال أهملتهُ، ولم يمنع هذا الأمر من أن يعتبرهم البعض رموزاً وطنية وهذا رأيهم الذي نحترمه،  كما وان البقية الباقية من رؤساء العراق المدنيين تبؤوا الموقع الأول في الدولة أما عن طريق تلك الإنقلابات أو عن طريق المحتل الأجنبي.
 ان تصرف الحكّام من خلال الإنفراد بالحكم وصناعة القرار كلّف العراق ثمناً باهضاً قد يصل (لا قدّر الله) الى اختفاء العراق الموحد من على خارطة العالم!! ما لم تتدارك القوى الوطنية الخالصة والنقية من الأيديولوجيات الحزبية الأمر وبدعم مطلق من جماهير الشعب لإعادة هيبة الدولة بمؤسساتها الثلاثة وتفعيل الدستور.
 لقد كشفت الأنباء خلال فترة تظاهرات الشعب المصري عن ثروة حسني مبارك ومنها تحويله صك الى حسابه بمبلغ خمسين مليون دولاراً كان قد تبرع به العراق لإعادة بناء دار الأوبرا المصرية التي احترقت بالكامل سنة 1971م وتم اعادة بناءها سنة 1988م (في الوقت الذي تكفلت فيه اليابان بمصاريف اعادة بناء الأوبرا المصرية)!! أي ان تبرع العراق لم يتم صرفه لإعادة بناء دار الأوبرا المصرية، وفي ذات الوقت كان فيه الشعب العراقي احوج الى مبلغ التبرع لإطعام اطفاله تماشياً مع المثل العراقي القائل: " ما يحتاجه الدار يُحرَم على الجامع"، حيثُ أثار تبرعه في نفسي الشجون والألم متذكراً حادثة اخرى سأسردها ليس لغرض الطعن بالرئيس الأسبق، فهو الآن امام رب كريم وهو أعلم العالمين بنوايا الجميع، لكنني أطرحها لتكون درس لكل من يتبوء منصب وكيف يجب ان يكون اميناً على رعاياه وأموالهم.
 كذلك فان الغاية من طرح الموضوع لا تعني بيان مساوئ فترة من فترات الحُكم في العراق، حيثُ أننا نتذكر جيداً ما وصل اليه العراق من تقدم وإزدهار في السبعينيات من القرن المنصرم وبشهادة معارضي الحُكم (وقعت بين يدي صحيفة لأحد أحزاب المعارضة العراقية وانا في المهجر سنة 1999م وقرأت فيها تقريراً بيّنَ بان الدخل السنوي للفرد العراقي في سنة 1979م وقبل الحرب العراقيةـ الإيرانية كان من أعلى النسب في العالم)!!، حتى وقت استلام الرئيس الأسبق صدام حسين الموقع الأول في الدولة وتصفيته لخيرة اعضاء حزبه ودخوله الحرب مع ايران، عندها بدأ العد التنازلي لإنهيار الإقتصاد العراقي وتدهور المستوى المعاشي وإنخفاض المستويات العالية التي وصل اليها العراق في جميع مجالات الحياة كنتيجة حتمية للحرب.
طرحتُ المقدمة أعلاه لبيان أسباب كتابتي عن هذا الموضوع والغاية منه، وبخطابٍ وطني خالي من التشهير والطعن يضع مصلحة الوطن فوق كل إعتبار شخصي أو حزبي، لذا يلاحظ القارئ الكريم محاولتي للإبقاء على إستخدام المفردات البروتوكولية (الألقاب) أمام أسماء الأشخاص الوارد ذكرهم كعبارات (الرئيس الأسبق، الوزير والأستاذ ـ ـ الخ) لدعم وإرساء لغة التخاطب الإعلامي المهني، والتي ربما لا يروق للبعض من القرّاء إطلاقها على من ذُكروا في هذه المقالة.   
 في نفس تلك الفترة التي تبرع بها الرئيس الأسبق صدام حسين لإعادة بناء دار الأوبرا المصرية تم تأجيل بناء مشروع دار الأوبرا العراقية من قبل وزير الثقافة والأعلام حينذاك لطيف نصيف جاسم بأمرٍ من الرئيس العراقي الأسبق والذي تبلغ كلفته خمسة وخمسين مليون دولار لعدم توفر المال اللازم لبنائه (حسب ما قاله الوزير اثناء اجتماعه معنا في وقتها) اي بفارق خمسة ملايين دولار فقط عن ما تبرع به العراق لمصر (لم يتم بناء دار الأوبرا العراقية وأوجل المشروع الى أجلٍ غير مسمى، بعد أن جهزت كافة الخرائط من قبل شركات هندسية عالمية وتم دفع تكاليف التصاميم لها بالكامل)!!(1)، وتبرع أيضاً الرئيس الأسبق وبفترة متقاربة بمبلغ ثلاثين مليون دولار لليمن بمناسبة الوحدة اليمنية، وكنّا كشعب عراقي نعاني ما نعانيه من نقصٍ في جميع الخدمات ومنها المواد الإحتياطية للسيارات والأجهزة المنزلية ومواد البناء وكل ما يتعلق بوزارة التجارة وكان على المواطن العراقي التسجيل والإنتظار لسنوات للحصول عليها أو ربما لا يحصل عليها مطلقاً.
 المهم كان لي أحد الأقارب بحاجة ماسة الى تبديل اطارات العجلات لسيارته الفولكس واكن البرازيلي وطلب مني المساعدة فاتصلت باحد الأشخاص الذين أعرفهم وكان رئيسا لإحدى المؤسسات!!، وطلبت منه المساعدة فارسلني بتوصية الى رئيس المؤسسة المسؤولة عن تجهيز الإطارات.
 عند لقائي برئيس المؤسسة رحّب بي بحرارة وأعتذر لي قائلاً: " والله لا اعلم ماذا اجيبك وانا خجلان من الأستاذ وبلغه تحياتي فلا استطيع اعطاءك اكثر من اطارين فقط لإننا لا نملك في المخازن الكثير منها، وانت تعلم في بعض الأحيان تردنا كتب رسمية من دوائر مهمة في الدولة علينا تجهيزهم بالعدد الذي يطلبوه وإلا ستكون هنالك مشكلة"، فقلتُ له كيف تسير السيارة بإطارين فقط!!، فرد علي وقال: حاول تدبير الإطاريين الأخريين من السوق السوداء (تصوروا رئيس مؤسسة حكومية يشجعني على شراء مادة معينة من السوق السوداء)!!، فأجبته بان الإطارات في السوق السوداء (يابسة) نتيجة رداءة التخزين وغير صالحة، لكنهُ أردف مكملاً كلامه وقال بالحرف الواحد والخوف واضح على وجهه مما سيقوله "لو أنّ السيد الرئيس الله يحفظه انطانه الثمانين مليون دولار اللي تبرع بيها لمصر واليمن چان وزارة التجارة غرّكت السوك بكل ما يحتاجة العراقيين من مواد منزلية وادوات احتياطية ومچان هسة حضرتك گاعد يمّي وآني خجلان ما أكدر البي طلبك"!!، فنظرتُ اليه مستغرباً ومتعجباً من كلامه وقلت له " معقولة ثمانين مليون دولار تحل ازمة العراقيين" فقال لي بتشنج واضح " أخي انت تعرف شگد چبيرة الثمانين مليون دولار بالخارج ـ ـ ليش هو مبلغ هيّن"، المهم خرجت من مكتبه وانا مصدوم تماماً، وكنت طول الطريق وفي يدي ورقة التجهيز لإطارين فقط أفكر بكلامه وانا لست مصدقاً ما سمعته حتى وصلتُ الى بلد المهجر سنة 1996م وتيقنتُ من حجم الكارثة التي كنّا (ولا زلنا) نعيشُ فيها!!.
فبحسابات بسيطة استطعتُ أن استنتج صحة كلام رئيس المؤسسة الذي زرته لإسعاف طلبي. فقد كانت المؤسسة تبيع المجمدة ماركة "فيليبس" بمئة وسبعين ديناراً عراقياً أي ما يعادل اكثر بقليل من خمسمائة دولار أمريكي في بداية السبعينيات من القرن المنصرم، في حين كان سعر المنشأ (اي الشراء) لم يكن يتجاوز المئة دولار أمريكي (الدولة كانت تستورد منها عشرات الآلاف وبسعر الجملة)، وهذا يعني من أنها تستطيع استيراد ثمانمائة الف من المواد المنزلية المختلفة سنوياً وبمعدل مئة دولار للمادة الواحدة (قسم من المواد لا يتجاوز سعرها عدة دولارات وقسم منها يزيد على المئة دولار، لذا افترضتُ المعدل مئة دولار للمادة الواحدة في حساباتي).
فالمليارات والملايين التي كانت ولا زالت تهدر اصبحت تتردد على مسامعنا بسهولة وعدم مبالاة كالمثل القائل: " العيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء على ظهورها محمول".
فمن حق العراق مناشدة الحكومة المصرية ومن خلال القنوات الدبلوماسية لوضع أسم العراق على لائحة المتبرعين في مكتبة الأسكندرية ودار الأوبرا المصرية دون ذكر اسم الرئيس الأسبق (فالأموال المُتبَرّع بها هي أموال الشعب العراقي وإن كان المُتبرِع بها رئيس الجمهورية) لضمان حق العراق أمام الأجيال القادمة وهي مسألة مهمة وخطيرة تاريخياً فكم من معلومة نفتقدها الآن ونحاول فك لغزها عند بحثنا في التاريخ القديم تشابه هذه الحالة، فلربما ستأتي الأجيال بعد دهرٍ من الزمن وتبدأ بالبحث والتقصي سائلة نفسها لماذا وضعت أسماء معظم الدول على لوحة الشرف ما عدا العراق!!؟، وسيكون موقف غير مشرّف وسيصبح لغز يصعب حلّه حينذاك، في حين من الممكن حلّه الآن وبسهولة.
 
إنتباهة:
(1): إستضاف برنامج ستوديو التاسعة الذي يُعرض على قناة البغدادية الفضائية في يوم السادس عشر من تشرين الثاني/2015م النائبة في لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية السيدة "سروة عبدالواحد" للتحدث عن قضية الفساد في مشروع دار الأوبرا العراقية والذي أحيل الى شركة "روتام" التركية وهي شركة وهميّة حسب ما ذكرت النائبة وغير مسجلة لا في تركيا ولا في العراق، وبقيمة إجمالية للمشروع تقدّر بحدود (170) مليار دينار عراقي ( اي بواقع ثلاث أضعاف قيمته لفترة الثمانينات من القرن المنصرم والبالغة 55 مليون دولار أمريكي)، والذي تم على أساسه دفع 10% من قيمة المشروع للشركة التركية (اي بحدود ستة عشر مليون دولار أمريكي) دون وجود اي تنفيذ على الأرض للمشروع، ولربما أستخدم الفاسدون المخططات القديمة للمشروع والمحفوظة في الوزارة/دائرة المشاريع الهندسية على إعتبارها مخططات جديدة عائدة للشركة الوهمية وقبضوا 10% من قيمة المشروع كثمن للتصاميم والمخططات!!. 





81
الدكتور عون حسين الخشلوك رئيساً لحكومة الظل الشعبية
بقلم: سالم ايليا
ربما سيتفاجأ البعض من عنوان مقالتي هذه التي وصفتُ فيها رجل الأعمال العراقي الدكتور عون حسين الخشلوك رئيساً لحكومة الظل التي أطلقتها على نفسها قناته "البغدادية" الممولة من ماله الخاص وعلى لسان أحد أبرز العاملين فيها ألا وهو المواطن العراقي أنور الحمداني مُعد ومقدم أحد أهم البرامج الشعبية ليس في العراق فحسب وإنما على المستويين العربي والإقليمي وهو "ستوديو التاسعة".
وحكومة الظل بمفهومها العام: هي حكومة المعارضة في الأنظمة الديمقراطية التي يترأسها حزب الأغلبية المعارض بكابينة وزارية كاملة تكون مستعدة لأخذ زمام إدارة الدولة في حال فشل الحكومة الرسمية في تأدية مهامها، وفي حالتنا هذه أخذت الفضائية العراقية "البغدادية" موقع حزب الأغلبية المعارض بتيارها الشعبي وبصوتها الحر الذي جذب اليه الملايين من المواطنين العراقيين الأنقياء المتجردين من أي إنتماءٍ حزبي أيديولوجي أممي أو قومي أو ديني أو أي تيارٍ آخر عدا الإنتماء الوطني الحر الذي ينتمي اليه غالبية الشعب العراقي بتكنوقراطه ومثقفيه وقاعدته الشعبية من بسطاء الحال المتشبعين بالغيرة الوطنية العراقية، لذا لم أجد أعمق وأدل من صفة "المواطن" لإطلاقها على الإعلامي أنور الحمداني وكل كادر "البغدادية" وبقية كوادر القنوات الوطنية الأخرى.
 وحكومة الظل هي حكومة غير رسمية، لكن في حالة "حكومة الظل" التي أعلن عنها المواطن أنور الحمداني فأنها بدأت بالفعل في أخذ صفتها الرسمية بأسرع مما توقع المحللون السياسيون نتيجة ضعف الحكومة التنفيذية الحالية وتخبطها وعدم إستطاعة رئيس حكومتها الحالي الدكتور حيدر العبادي من إحراز أي تقدم يُذكر على الأرض في تصديه للفساد الذي نخر الدولة العراقية بمؤسساتها، وعدم إستطاعته الوقوف أمام الميليشيات والتكتلات المسلحة التي تُعتبر الجناح العسكري للأحزاب والكتل السياسية الحاكمة، إضافة الى عدم وجود أي برنامج واضح لمعالجة التحديات الكبيرة التي تواجه الأمة العراقية المهددة بالإنقسام، علاوة على شلل الدبلوماسية العراقية في العلاقات الدولية والتي نتج عنها تهميش الدول الأجنبية للحكومة العراقية، حيثُ باتت تتعامل وتستقبل زمر أو أفراد الكيانات الحزبية إستقبالاً رسمياً أعلى بكثير من إستقبالها لأي مسؤول عراقي بصفته الرسمية.
كما وأن قيام الدكتور عون حسين الخشلوك وقناته "البغدادية" برصد وفضح الفساد وأدواته ومتابعة كل صغيرة وكبيرة في الشأن العراقي، ونشاطه الفردي بطرح الهمّ العراقي وقضية بلده أمام رؤساء الدول والشخصيات العالمية المؤثرة، والتي تمخضت بلقاءه مع بابا الفاتيكان وولي عهد المملكة البريطانية الأمير تشارلس وآخرها زيارته للرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس وإستقباله له في مكتبه وبصحبته المواطنة العراقية نادية مراد الهاربة من أسرها لعرض معاناتها ومعانات شعبها العراقي أمام الإتحاد الأوربي بعد يوم واحد فقط من إستقبال الدكتور عون لها في بيته، كل هذه الأسباب أهلته لرئاسة حكومة الظل، فهل يستطيع أي مسؤول عراقي من رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه أو رئيس دبلوماسيته أن يفعلها بهذه السرعة وببروتوكول رسمي؟!!، وهل فعل أعضاء الحكومة الحالية ما فعله رئيس "حكومة الظل" تجاه المكوّنات الأصيلة التي تعرضت للإبادة والتهجير الجماعي؟.
لقد حزّ في أنفسنا كعراقيين تعاطف المجتمع الدولي برمته مع الناجية من أسر داعش (الأميرة) العراقية نادية مراد وتجاهل من هُم أولياء أمورنا لأمرها وأمر الآلاف من بناتنا وفتياننا الذين لا يزالون في الأسر يعانون المآسي والظلم في كل دقيقة في معسكرات داعش.
إنّ على الوطنيين من أمثال الدكتور عون الخشلوك واجب التفكير الجدّي بتأسيس حزب وطني معارض خالي من الأفكار الشوفينية والتبعيات الإقليمية والدولية يأخذ على عاتقه إعلان "حكومة ظل" بشكل رسمي ويستعد للدخول في الإنتخابات القادمة بثقل جماهيري وشعبي، وحيث يكون منهاجه وبرنامج عمله منصب تماماً لخدمة الوطن والمواطن العراقي الذي إفتقد لمثل هذا التجمع، ولينظوي تحت لواءه ملايين العراقيين من مختلف مشاربهم، بعد أن فقدوا الأمل بتكوين حزب وطني منذُ تحجيم وإنهاء "الحزب الوطني الديمقراطي" في النصف الأول من ستينات القرن المنصرم، وحيثُ كان لتجميد نشاطه الذي تآمرت عليه الأحزاب الأيديولوجية أحد أهم الأسباب في إنفرادها بالساحة السياسية العراقية التي أوصلتنا الى ما نحن عليه الآن.
كما وأن العراق بحاجة ماسة الآن الى رجال أعمال بمستوى الدكتور عون الخشلوك لينهضوا بالعراق من كبوته الإقتصادية والعمرانية وليستخدموا مهاراتهم التجارية في إستقطاب المستثمرين ورؤس أموالهم من خارج العراق، فهل سنرى صدى لنداءاتنا الموجهة الى أبناء العراق الغيارى المتجردين من الفئوية الضيقة والذين يقفون على مسافة واحدة من أبنائه دون النظر الى قوميتهم أو دينهم أو مذهبهم.

82
إتقي الله يا أثيل النجيفي بهوية الموصل العراقية
بقلم: سالم ايليا
ذكر خبر نشره موقع "عينكاوة دوت كوم" ليوم الرابع عشر من كانون الأول الجاري (2015م) عن لقاء على فضائية "دجلة" لمحافظ الموصل المُقال أثيل النجيفي والذي حاورهُ فيه الإعلامي منهل الطائي مرفقاً بالرابط أدناه للقاء.
http://www.ankawa.org/vshare/view/8683/nojaifi/
 والذي جاء فيه:
"العراق بلد ضائع و المالكي هو من تسبب في النفور بين المكونات وساهم بسقوط نينوى ونسعى الى استفتاء اهالي المحافظة عن تشكيل "اقليم الموصل" بعد تحريرها من "داعش" والصراع او المنافسة ستكون بيننا وبين الكرد عن اقناع الاقليات (المسيحيين وغيرهم) عن اختيار اقليم الموصل او اقليم كردستان.....!!"، إنتهى الخبر المنقول عن لسان السيد أثيل النجيفي .
ولنقف برهة من الزمن عند هذا التصريح الذي إعتبر فيه النجيفي أن العراق (ضائع) كأمر مسلّم به لإضفاء روح اليأس في قلوب العراقيين جميعاً، وليقول من أنه لا مناص من التقسيم أو القبول كخطوة أولى بإنشاء الأقاليم التي يسعى هو وغيره من سياسيي المذاهب بترويجها ليقفزوا بعدها على خطوة الإنفصال والتقسيم.
وللسيد النجيفي نقول: لماذا العراق (ضائع)؟ لا قدر الله، اليس بسبب مهاتراتكم الطائفية انت ومن سار بركابها من السياسيين من المذاهب الأخرى التي جاءت مع الإحتلال!!، ومن هو المتهم الثاني في تقرير لجنة الدفاع البرلمانية في سقوط الموصل وضياعها بعد المالكي، الست أنت؟، ومن ساعد داعش في دخول الموصل؟ وأين هم رؤساء العشائر الذين التقيتهم عندما كنتَ محافظاً للموصل وأقسمتم جميعاً على حماية المسيحيين وحللتم دماء كلّ من يعتدي عليهم، ثمّ نفاجأ بغدر الغادرين من بعض أبناء تلك العشائر بإنتمائهم الى "داعش" وقيادتهم للصولة الأولى لإحتلال الموصل، وفي زمن أي محافظ نُحرت رقاب شهداء الإيمان المطران بولس فرج رحّو والأب رغيد ورفاقه الشمامسة وعشرات الضحايا من المكوّن المسيحي، اليس في زمنك حينما كنتَ (حامي حمى) الموصل؟.   
أقول لأثيل النجيفي: هل تستطيع الإعلان أمام الشعب العراقي وبوضوح تام من إنك لا تسعى من خلال اعلان أقليم للموصل كخطوة أولى لفصله عن العراق ثمّ دمجه مع تركيا لاحقاً التي خطوت خطوتك الأولى مع رئيسها أردوغان بالتصاهر العائلي معه، والآن تريد ان تصاهر الموصل مع تركيا!!.
 فالمسيحيون يا أيها السيد النجيفي لم تجف دمائهم بعد التي أراقها حلفائك العثمانيون، وما زالت مذابحُ الأرمنَ والآشوريين والكلدان والسريان ماثلة أمام أذهانهم، ولم ينسى المسيحيون وجميع المكونات الأثنية الأخرى التعامل اللاإنساني العثماني معهم، لا بل فإن مخلفات هذا التعامل التي غرسه العثمانيون في عقول بعض البسطاء الموصليون بإسم الدين لا تزال قائمة ليومنا هذا، وجميل أن أسمع منك بأنك ما زلت تؤمن (بالأقليات) وليس (المكوّنات) لأنك وبداخلك تؤمن تماماً بأن المكوّنات الأخرى هم ليسوا إلا أرقام عددية تحتاجهم متى ما شئت وتلفظهم متى ما شئت اليس كذلك؟، هل تريد أن تعود بالموصل الى الحكم العثماني البغيض الذي كان ولاته الشاذيين جنسياً في الأقاليم الغير تركية يأمرون جنودهم للخروج صباح كلّ يوم ومع الفجر لإقتناص مجموعة من المارّة من الذين يخرجون مبكراً للحصول على قوتهم فيختار الحاكم العثماني واحداً منهم للإعتداء عليه جنسياً وهذا موثق رسمياً بمذكرات الجاسوس البريطاني (لورنس العرب) عندما وقع ضحية هذا الفعل بسبب لبسه للزي العربي (العقال والغترة) الذي كان يموّه به شخصيته البريطانية فحسبه الحاكم العثماني عربياً فأعتدى عليه!!، هكذا أيها السيد أثيل كان يعامل العثمانيون العرب المسلمين فكيف بالمكوّنات الأخرى الغير عربية والغير مسلمة!! ـ ـ ألا تذكر بان العثمانيون لا يزالون يكرهون العرب ويعتبرونهم مجرد (عربچه) لا قيمة لهم وأنهم السادة وبقية المكوّنات ومن ضمنهم العرب خدم لهم.
أن سبب تخلّف دول المنطقة وعدم مواكبتها للثورة الصناعية التي إنطلقت من أوربا (في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) كان بسبب الإحتلال العثماني لتلك الدول لأكثر من خمسمئة سنة، وأتحداك إذا أعطيتني مشروع واحد في الدول التي كانت تحت الحكم العثماني البغيض بناها المحتل لخدمة الشعوب التي إحتلّها بأسم الدين، لابل لم يكن هنالك أي مشروع إنمائي مطلقاً، فكل الذي حصلت عليه الشعوب المنكوبة بالإحتلال العثماني هو فقدانها لأبناءها الذين ساقهم العثمانيون للقتال نيابة عنهم مع سرقة خيراتهم وجمع الضرائب التي أفقرت حتى الطبقات الميسورة منهم.     
فالمسيحيون وغيرهم من المكونات الأخرى عراقيون أصيلون يعطون الأولوية لإنتمائهم الوطني وهم ليس من حصة أحد لا الأتراك ولا الأكراد، أرضهم وقبلتهم تبدأ من زاخو شمالاً وتنتهي بالفاو جنوباً، يتعفرون وضوءاً بتراب الموصل والبصرة ودهوك والرمادي، وكل ذرة من ذرات هذه المدن عزيزة عليهم كعزّة أبنائهم، كما وأن لهم ديموغرافيتهم التاريخية في المناطق التي يتواجدون عليها في سهل نينوى لن تكون في أي حالٍ من الأحوال تابعة لأحد غير سلطة المركز للدولة العراقية الموحدة بعاصمتها بغداد، وقسماً لو سمعنا مرّة أخرى مثل هذه الأقوال من أفواه الإنفصاليين أمثالكم لشحذنا أقلامنا وكل أدواتنا الممكنة للوقوف ضد مخططاتكم، وحيثُ يُعاب عليك وعلى عائلتك ان تقتنص الفرص وتلعب على أوتار الطائفية التي لم يوجدها غير أمثالكم من الطائفيين السياسيين من مختلف المذاهب والأديان ولمنفعة شخصية باتت معروفة لكل أبناء الشعب العراقي المتحد بأطيافه وأديانه ومذاهبه.
أملنا كبير بأهل الموصل النجباء عرباً وكرداً ومسيحيون وأيزيديون وشبك وغيرهم لوأد هذا الإستفتاء في مهده، وكما هو أملنا في أهلنا في البصرة والرمادي وكردستان وكل المدن العراقية لرفض الإنفصال أو تشجيع تشكيل الأقاليم، فالعراق واحد موحد لا يقبل التجزئة على أثنين. 


83
الشكوى في غير ساحة التحرير مذلّة
بقلم: سالم ايليا
قال الداعية لحقوق الإنسان الأمريكي مارتن لوثر كينغ: "تبدأ نهاية حياتنا في اليوم الذي نصمت فيه عن الأشياء ذات الأهمية".
وحيثُ تتوالى شكاوى المواطنين يومياً بالمئات لا بل بالآلاف عبر القنوات الإعلامية المختلفة ومنها الفضائيات متضمنة عدم وجود أبسط الخدمات وتفشي البطالة وعدم صرف الرواتب أو تقليصها وعدم وجود قضاء نزيه وتمادي سرّاق المال العام بسرقاتهم حتى وصلت الى مليارات الدولارات بشكلٍ فاضحٍ ومستهتر مستخفين بالشعب وقوّته الكامنة التي لو قدّر لها بالتحرر لأكتسحت المنطقة الخضراء بساكنيها وأحالتها الى ركام أسود تنبعث من بين أنقاضها روائح جثث الفاسدين ونتانتهم.
لقد أفردت بعض القنوات الفضائية صاحبة الصوت الحر برامجاً كاملةً لشكاوى المواطنين إيماناً منها لإسماع صوت الشعب ونقل تظلمه لظالميه وإيصالها الى مَنْ في أيديهم القرار واضعة أمامهم بؤسه وشظف عيشه، وحيثُ رصد مالكو هذه الفضائيات مئات الآلاف من الدورات شهرياً من جيوبهم الخاصة قناعة منهم لنصرة الشعب وحثّه على التحرك من أجل التغيير، لكنهم في ذات الوقت لا يستطيعون أن يكونوا البديل الفاعل بصورةٍ مطلقةٍ ما لم يتحرك المتضررون من أبناء الشعب وهم الغالبية الغالبة لنصرة أنفسهم من خلال الخروج بملايينهم الى ساحات التظاهر والإحتجاج على عدم تلبية مطاليبهم، خاصة وأن الشعب بكل فئاته عرف الداء لمعاناته وأمامه الدواء لشفائه.
فعندما يعطي المسؤول الآذان الصُم للنداءات المتكررة لغالبية الشعب المتضرر وعبر وسائل الإعلام المختلفة، عندها يكون حتمياً على من وقع عليهم الضرر أن يعاضدوا وسائل الإعلام بالحراك الشعبي الفاعل لإجبار الزمر الحاكمة على التفكير بجدّية مطاليبهم، فيهزّوا عروشهم ويقضّوا مضاجعهم بإحتجاجاتهم الميدانية، عندها ستتغير المعادلة وسيذعن المستكبرون على الشعب لتلك المطالب، ولنا في هذا المضمار تجربة لم يمضي عليها غير أشهر معدودات حين بدأت إنتفاضة الشعب من ساحة التحرير وساحات التظاهر في المدن العراقية الأخرى، وكيف فقد أصحاب السلطة رشدهم فباتوا يتقاذفون التُهم والشتائم فيما بينهم متسابقين في إطلاق الوعود الكاذبة التي سرعان ما تبخرت مع فتور التظاهرات وتناقص عدد المتظاهرين.
فالإعلام بمنابره وقنواته الفضائية كلها أدوات إضافية ومهمة لبلورة الإحتجاجات، لكنها ليست البديل عن الشعب للمطالبة بالإصلاح.
فبدل أن أن يطارد المتضررون مراسلي القنوات الفضائية بالشكاوى المستمرة والتي أدار المسؤولون ظهورهم لها بعد عرضها لمئات المرّات على شاشات الفضائيات والصحف اليومية، وبعد أن إستنفذ الشعب وسائله السلمية أصبح واجباً عليه نقلها الى ساحات الإعتصام دون الرجوع حتى تنفيذها وإقرار القرارات الواضحة وبفترة زمنية محددة لا تقبل المماطلة والتأجيل.
فالشعب الذي خرجَ زرافات زرافات بملايينه الهادرة مشياً على الأقدام من أقصى المدن العراقية متوجهاً الى مدينة كربلاء المقدسة لإحياء ذكرى الشهيد الحسين (ع) الذي ضحى بحياته للدفاع عن مبادئه ضد الظلم طالباً الإصلاح لأمته صارخاً (هيهات منّا الذلّة)، بالتأكيد يستطيع هذا الشعب أن يفعلها ثانية إكراماً لنفسه التي كرّمها الحسين بإستشهاده !!.
 فجدير بنا أن نحذو حذوه في التصدي للفاسدين وإكرامه بالإلتزام بمنهجه، فهو لم يخرج لنصرة ذاته، وإنما خرج من أجل أمة جده، فكيف بنا ونحن المعنيون بالأمر، أفلا ينبغي على شعب الحسين أن يخرج بملايينه لنصرة نفسه ضد الظلم والفساد، فالحسين لا يحتاج الى دموعنا وتعذيب ذاتنا بالشعائر المادية، وإنما يحتاج الى شعائرنا الروحية والمنهجية التي رسخها كقيم إنسانية عُليا فينا نتناقلها من جيلٍ الى آخرٍ، ولله تَبنّي نهجه والسير على خطاه سيكون  أروع تكريم له ولآل بيته.
وليس هنالك غير خيارين للشعب لا ثالث لهما، أما الخروج الى ساحات التظاهر بملايينهم أو القبول ببؤسهم وإنتظار المعجزة في زمنٍ ولّت فيه المعجزات.

84
إتقي الله يا أثيل النجيفي بهوية الموصل العراقية
بقلم: سالم ايليا
ذكر خبر نشره موقع "عينكاوة دوت كوم" ليوم الرابع عشر من كانون الأول الجاري (2015م) عن لقاء على فضائية "دجلة" لمحافظ الموصل المُقال أثير النجيفي والذي حاورهُ فيه الإعلامي منهل الطائي مرفقاً بالرابط أدناه للقاء.
http://www.ankawa.org/vshare/view/8683/nojaifi/
 والذي جاء فيه:
"العراق بلد ضائع و المالكي هو من تسبب في النفور بين المكونات وساهم بسقوط نينوى ونسعى الى استفتاء اهالي المحافظة عن تشكيل "اقليم الموصل" بعد تحريرها من "داعش" والصراع او المنافسة ستكون بيننا وبين الكرد عن اقناع الاقليات (المسيحيين وغيرهم) عن اختيار اقليم الموصل او اقليم كردستان.....!!"، إنتهى الخبر المنقول عن لسان السيد أثيل النجيفي .
ولنقف برهة من الزمن عند هذا التصريح الذي إعتبر فيه النجيفي أن العراق (ضائع) كأمر مسلّم به لإضفاء روح اليأس في قلوب العراقيين جميعاً، وليقول من أنه لا مناص من التقسيم أو القبول كخطوة أولى بإنشاء الأقاليم التي يسعى هو وغيره من سياسيي المذاهب بترويجها ليقفزوا بعدها على خطوة الإنفصال والتقسيم.
وللسيد النجيفي نقول: لماذا العراق (ضائع)؟ لا قدر الله، اليس بسبب مهاتراتكم الطائفية انت ومن سار بركابها من السياسيين من المذاهب الأخرى التي جاءت مع الإحتلال!!، ومن هو المتهم الثاني في تقرير لجنة الدفاع البرلمانية في سقوط الموصل وضياعها بعد المالكي، الست أنت؟، ومن ساعد داعش في دخول الموصل؟ وأين هم رؤساء العشائر الذين التقيتهم عندما كنتَ محافظاً للموصل وأقسمتم جميعاً على حماية المسيحيين وحللتم دماء كلّ من يعتدي عليهم، ثمّ نفاجئ بغدر الغادرين من بعض أبناء تلك العشائر بإنتمائهم الى "داعش" وقيادتهم للصولة الأولى لإحتلال الموصل، وفي زمن أي محافظ نُحرت رقاب شهداء الإيمان المطران بولس فرج رحّو والأب رغيد ورفاقه الشمامسة وعشرات الضحايا من المكوّن المسيحي، اليس في زمنك حينما كنتَ (حامي حمى) الموصل؟.   
أقول لأثير النجيفي: هل تستطيع الإعلان أمام الشعب العراقي وبوضوح تام من إنك لا تسعى من خلال اعلان أقليم للموصل كخطوة أولى لفصله عن العراق ثمّ دمجه مع تركيا لاحقاً التي خطوت خطوتك الأولى مع رئيسها أردوغان بالتصاهر العائلي معه، والآن تريد ان تصاهر الموصل مع تركيا!!.
 فالمسيحيون يا أيها السيد النجيفي لم تجف دمائهم بعد التي أراقها حلفائك العثمانيون، وما زالت مذابحُ الأرمنَ والآشوريين والكلدان والسريان ماثلة أمام أذهانهم، ولم ينسى المسيحيون وجميع المكونات الأثنية الأخرى التعامل اللاإنساني العثماني معهم، لا بل فإن مخلفات هذا التعامل التي غرسه العثمانيون في عقول بعض البسطاء الموصليون بإسم الدين لا تزال قائمة ليومنا هذا، وجميل أن أسمع منك بأنك لا زلت تؤمن (بالأقليات) وليس (المكوّنات) لأنك وبداخلك تؤمن تماماً بأن المكوّنات الأخرى هم ليسوا إلا أرقام عددية تحتاجهم متى ما شئت وتلفظهم متى ما شئت اليس كذلك؟، هل تريد أن تعود بالموصل الى الحكم العثماني البغيض الذي كان ولاته الشاذيين جنسياً في الأقاليم الغير تركية يأمرون جنودهم للخروج صباح كلّ يوم ومع الفجر لإقتناص مجموعة من المارّة من الذين يخرجون مبكراً للحصول على قوتهم فيختار الحاكم العثماني واحداً منهم للإعتداء عليه جنسياً وهذا موثق رسمياً بمذكرات الجاسوس البريطاني (لورنس العرب) عندما وقع ضحية هذا الفعل بسبب لبسه للزي العربي (العقال والغترة) الذي كان يموّه به شخصيته البريطانية فحسبه الحاكم العثماني عربياً فأعتدى عليه!!، هكذا أيها السيد أثير كان يعامل العثمانيون العرب المسلمين فكيف بالمكوّنات الأخرى الغير عربية والغير مسلمة!! ـ ـ ألا تذكر بان العثمانيون لا يزالون يكرهون العرب ويعتبرونهم مجرد (عربچه) لا قيمة لهم وأنهم السادة وبقية المكوّنات ومن ضمنهم العرب خدم لهم.
أن سبب تخلّف دول المنطقة وعدم مواكبتها للثورة الصناعية التي إنطلقت من أوربا (في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) كان بسبب الإحتلال العثماني لتلك الدول لأكثر من خمسمئة سنة، وأتحداك إذا أعطيتني مشروع واحد في الدول التي كانت تحت الحكم العثماني البغيض بناها المحتل لخدمة الشعوب التي إحتلّها بأسم الدين، لابل لم يكن هنالك أي مشروع إنمائي مطلقاً، فكل الذي حصلت عليه الشعوب المنكوبة بالإحتلال العثماني هو فقدانها لأبناءها الذين ساقهم العثمانيون للقتال نيابة عنهم مع سرقة خيراتهم وجمع الضرائب التي أفقرت حتى الطبقات الميسورة منهم.     
فالمسيحيون وغيرهم من المكونات الأخرى عراقيون أصيلون يعطون الأولوية لإنتمائهم الوطني وهم ليس من حصة أحد لا الأتراك ولا الأكراد، أرضهم وقبلتهم تبدأ من زاخو شمالاً وتنتهي بالفاو جنوباً، يتعفرون وضوءاً بتراب الموصل والبصرة ودهوك والرمادي، وكل ذرة من ذرات هذه المدن عزيزة عليهم كعزّة أبنائهم، كما وأن لهم ديموغرافيتهم التاريخية في المناطق التي يتواجدون عليها في سهل نينوى لن تكون في أي حالٍ من الأحوال تابعة لأحد غير سلطة المركز للدولة العراقية الموحدة بعاصمتها بغداد، وقسماً لو سمعنا مرّة أخرى مثل هذه الأقوال من أفواه الإنفصاليين أمثالكم لشحذنا أقلامنا وكل أدواتنا الممكنة للوقوف ضد مخططاتكم، وحيثُ يُعاب عليك وعلى عائلتك ان تقتنص الفرص وتلعب على أوتار الطائفية التي لم يوجدها غير أمثالكم من الطائفيين السياسيين من مختلف المذاهب والأديان ولمنفعة شخصية باتت معروفة لكل أبناء الشعب العراقي المتحد بأطيافه وأديانه ومذاهبه.
أملنا كبير بأهل الموصل النجباء عرباً وكرداً ومسيحيون وأيزيديون وشبك وغيرهم لوأد هذا الإستفتاء في مهده، وكما هو أملنا في أهلنا في البصرة والرمادي وكردستان وكل المدن العراقية لرفض الإنفصال أو تشجيع تشكيل الأقاليم، فالعراق واحد موحد لا يقبل التجزئة على أثنين. 


85
كُنّا نُسقى ونُغنّى ـ ـ صِرنا نسقي ونغني
بقلم: سالم ايليا
قال الإمام الشافعي: "والله لو علمت أن شرب الماء يلثم مروءتي ما شربته طول حياتي ".
تتداول وسائل الإعلام بمختلف قنواتها خبر وجود تجمع سياسي من أعضاء الكتل السياسية الذين إغتنوا من المال العام يحاولون الأتفاق فيما بينهم على البدأ بمشروع أطلقوا عليه "مشروع مارشال العراقي" لإعمار مدن المنطقة الغربية والموصل بعد تحريرها من داعش، وعلى غرار "مشروع مارشال" الأوربي الذي أطلقه رئيس الأركان الأمريكي ووزير الخارجية لاحقاً "جورج مارشال" بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها لإعمار أوربا وبالأخص المانيا التي دمرتها الحرب.
كذلك تناقلت وسائل الإعلام خبر لقاء رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في يوم الأحد المصادف في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/2015م برئيس بعثة الأمم المتحدة "يان كوبيش" ومناشدته لمساعدة النازحين والمهجرين الذين يفتشرون العراء في فصل الشتاء، وحيثُ اعلنت الحكومة العراقية مراراً عن عجزها في توفير أبسط مقومات العيش الكريم لمن ترك الديار هرباً من الحرب وويلاتها.
ولا يكاد يمر يوم دون سماعنا لأصواتِ السياسيين وهم يستجدون الدول الأوربية والخليجية لمد يد العون لمساعدة العراق بالمال لإنقاذ شعبه من خطر الموت والهلاك!!.
لقد كان يزورنا في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم رؤساء دول لم نسمع بها من أفريقيا وأسيا وحتى جزر الواق واق ومن (إخواننا) رؤساء بعض الدول العربية ليطلبوا المساعدة المالية حاملين (طاساتهم) الفارغة لنملأها بالدولارات من خيرات العراق وليعودوا بعدها الى بلدانهم مكرّمين معززين، فبتنا اليوم نستجدي المعونة في ظل فسادٍ مستشرٍ وحروب خارجية وداخلية أنهكت الشعب وأقتصاده، وحكومة تستورد بملايين الدولارات لأعضائها "الحامض حلو"، والشعب مشرّد في العراء بين نازحٍ ومهجرٍ وهاربٍ خلف الحدود، ومن تبقى منهم أصبح مشروع إستشهاد في اية لحظة ينتظر دوره على قائمة الضحايا أما بسيارة مفخخة أو بعبوة ناسفة أو بطلقة تنطلق من فوهة مسدس كاتم للصوت جاء هدية لنا بطائرات التحالف التي أفرغت حمولاتها في مطاراتنا الدولية.
 وبعدما كان العراقي في تلك الفترة وخاصة في السبعينات من القرن المنصرم يذهب للإصطياف كسائح مرغوب به محمّل بالدولارات الى تركيا واليونان ودول أوربا الشرقية والغربية والى مصر ولبنان فيأخذون له الف تعظيم سلام، بات اليوم يذهب الى تلك الدول كلاجئ عبر طرق شرعية وغير شرعية تنقله قوارب الموت أو شاحناته ليُطارد كالمنبوذ براً وبحراً وجواً، وحيثُ لم يترك مدّعو الإيمان شيئاً له غير رحمة الله بعد أن سرقوا منه حتى أحلامه. 
فنحن لسنا بحاجة الى "مشروع مارشال العراقي"، وإنما بكل تأكيد بحاجة ماسة الى "مشروع ما شالَ السياسي" أي ما حملَ وأخذ السياسي من أموال الشعب وبطرق غير قانونية، وهذا المشروع كفيل بإعادة إعمار العراق من الفاو حتى زاخو ومن خانقين حتى طريبيل في حالة إسترداد تلك الأموال المنهوبة.
أفلم يكن من الأفضل أيها الساسة أن تجتمعوا للتباحث عن كيفية إرجاع الأموال التي سرقتموها من خزينة الدولة العراقية لتكفيكم شرّ الحرج الذي ستقعون فيه وأنتم تتوسلون الدول الغربية وشيوخ الخليج وأمراءه وتتسولون الأموال منهم، في الوقت الذي تجاوزت فيه حساباتكم في المصارف الخارجية الأصفار التسعة بحسابات الأرقام العددية، وحيثُ أن مَنْ تستجدونهم على علمٍ بأن جيوبكم قد إمتلئت من مال الشعب ومن مشاريعكم المارشالية السابقة التي حصلتم فيها على المساعدات من هذه الدول، لكنها لم تذهب الى الطرف المستفيد بل وجدت الطريق الأقصر الى حساباتكم المصرفية!!.
فمِثلكم ينطبق عليهم المثل العراقي القائل: "مْجَدّي وعليچته قَديفه"(1).
 
إنتباهة:
(1)القديفة: أو القطيفة نوع من أنواع الأقمشة الحريرية أو القطنية المخملية والتي كانت محصورة على الميسورين فقط من أبناء الشعب.


86
المنبر الحر / حكومة الحامض حلو
« في: 23:44 08/12/2015  »
حكومة الحامض حلو
بقلم: سالم ايليا
 يمتاز العراقيون جميعاً بولعهم للحامض حلو، كبارهم قبل صغارهم ويكاد ان يكون ماركة مسجلة بإسمهم كالعنبة والمسكوف وغيرها من مفردات الهوية العراقية التي تدخل من باب أصناف التذوق الخاص بالأطعمة والمنتجات الغذائية بأنواعها.
وعندما كنّا صغاراً حيثُ نأخذ مصروفنا اليومي (الخرجية) من آبائنا، كان لا بد لنا ان نضع جانباً منها كجزء رئيسي لشراء الحامض حلو فنركض الى صاحب البقالة ونطلب منه ان يبيعنا هذا المنتوج الشعبي بمقدار الخمسة فلوس لنحصل على خمسة قطعٍ منه بالوانٍ وأشكالٍ مختلفةٍ، كل لون وشكل يعطي طعماً زاكياً مختلفاً عن الآخر، فنسارع الى دس قطعاً منه في أفواهنا لتتلاعب السنتنا بها من جانب الى آخر متبارين كأطفال فيما بيننا للتلذذ بطعمها. ومع التقدم الذي حصل في صناعة تلك الأنواع من الحلويات وزيادة القدرة الشرائية للفرد العراقي، وقبل أن يأتي (الجراد) ليكتسح الأخضر واليابس!!، تطور ذوقنا الى ما هو أغلى وأطعم من الحامض حلو، فعرفنا النستلة أم "العبد" والكيت كات والماكنتوش.
ويبدو ان أعضاء الحكومة (الموقرة) قد قرروا العودة الى أيام طفولتهم أو إعادة إحياء هذا التراث فيما بينهم، أو لربما لم يتذوقوه في طفولتهم لشظف العيش لعوائلهم، فقرروا أن يستوردوا هذا المُنتَجْ (علماً بأنه مصنوع محلّياً وبجودة عالية)، فأبرموا عقداً بثمانية وعشرين مليون دولار لشراء الحامض حلو!!، وكما صرّح بذلك النائب هيثم الجبوري في أحد لقاءاته على احدى الفضائيات. 
والحقيقة اننا لا نستغرب هذا الصرف على استيراد "الحامض حلو"، وحيثُ يجب ان يُتخذ كعلامة أو ماركة مسجلة للحكومة، فنقول: الحكومة الرشيدة علامة "الحامض حلو"، لأن الحكومة يجب ان تكون إسماً على مسمى بدون ادنى شك بتنوع أشكال والوان أعضائها، غير ان أعضائها يفتقدون الى الطعم المميز لهم، فهم عديمي الطعم، وروائحهم أزكمت الأنوف بالفساد المستشري بينهم، لكن أشكالهم والوانهم المختلفة تدلل على تنوعهم الجكليتي!! الذي لا يختلف كثيراً عن الحامض حلو وهو من فصيلته أيضاً وبلا شك، فمنهم المعمم والملتحي ومنهم "الأفندي" بشارب أو بدونه أو بلحية أو بدونها أو بربطة عنق أو بدونها أو جميعها مجتمعة معاً لتأكيد الإنتماء "الجكليتي" الذي تتطلبه المرحلة الحالية. 
والموقف الأخير للحكومة تجاه الغزو العسكري البري التركي للأراضي العراقية ووصول قطعاته بلمح البصر الى أبواب الموصل المحتلّة من داعش أصلاً وبالتحديد تمركزهم في حدود ناحية "بعشيقة"، يؤكد بما لا يقبل الشك على أنها حكومة حامض حلو.
 فالحامض من وجهة نظر الجانب التركي هو رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي طلب من تركيا سحب قطعاتها فوراً، والحلو هما أثير النجيفي محافظ الموصل السابق ووزير المالية هوشيار زيباري اللذان صرحا للإعلام بان تواجد القوات التركية كان بمعرفة الحكومة المركزية وبإتفاقات مبرمة منذُ زمنٍ طويلٍ.
أما من وجهة نظر الجانب العراقي فان الحامض هو اصرار الجانب التركي على البقاء بناءاً على طلب من بعض الأطراف في العملية السياسية داخل العراق وتصريحاتهم المؤيدة للتواجد التركي، وأما الحلو فهي التصريحات النارية والتهديدات "العبادية" بإعطاء مهلة لا تتجاوز (48) ساعة للأتراك بالإنسحاب أو اللجوء الى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحل المشكلة، وحيثُ إنتهى الإنذار الحكومي دون تنفيذ التهديد، لكنه بدون أدنى شك أعطى طعماً حلواً لرئيس الوزراء وحاشيته على أنهم نفشوا ريشهم لتخويف حكومة أردوغان!!.
والسؤال الذي طعمه بطعم "الحامض حلو" المطروح الآن: هل الأفواج التركية جاءت لتدريب أبناء الحشد الشعبي؟ أم لحماية معسكرهم؟ أم للمشاركة في قتال داعش؟ أم لإخلاء قياديي داعش وقت الضرورة الى داخل تركيا قبل ان يقعوا في قبضة القوّات العراقية عند تحرير الموصل وبهذا سينكشف المستور ويتبين من كان يساعدهم ويمدهم بالأسلحة والأموال؟.

87
المكوّن الأيزيدي ما بين التعاطف معه والوقوف ضد إنتقامه؟

بقلم: سالم ايليا
المقدمة:
مع بدأ كتابتي لهذه المقالة والتي عنونتها في بادئ الأمر (كيف نعوّض الشعب الأيزيدي جزءاً من تضحياته؟)، وحيث كانت الفرحة تعلو وجوه العراقيين جميعاً إلا أنها سرعان ما تلاشت بسبب الأخبار المؤسفة التي تلت التحرير والتي تم توثيقها وللأسف بعمليات الإنتقام والحرق والنهب التي طالت الجميع دون إستثناء وكان المتهم الأول فيها البعض من مقاتلي الجحفل الأيزيدي وبسكوت مطبق من السياسيين والقادة العسكريين المشرفين بشكلٍ مباشرٍ على عمليات تحرير سنجار!!، وحيثُ أعطت مردوداً سلبياً للتعاطف الكبير مع هذا المكوّن في محنته، وبكل تأكيد ان من قام بهذا العمل ربما يجد العذر لنفسه بفقدانه لعائلته أو جزءاً منها ولممتلكاته، إلا أن الإنتقام غالباً ما يكون أعمى البصيرة لا يفرّق بين أخاً مجرم ساعد الدواعش وآخر بكى وتألم لفعل أخيه ضد جيرانه، فأخلاق قابيل غير أخلاق هابيل، وبناءاً عليه تقع المسؤولية الأخلاقية والإنسانية على عاتق المثقفين وأصحاب العقل الراجح من المكوّن الأيزيدي على لجم جماح المتسرعين في الإنتقام الشامل من المواطنين الذين لا ذنب لهم إلا كونهم أقارب المجرم الذي إنتهك الأعراض وسلب وقتل الأبرياء من الأيزيديين، فإذا يجزي الضحية الذنب بمثله من أشخاص لا ذنب لهم إلا كونهم أقارب المعتدي فما الفرق بين الطرفين!!، وهنا يكمن الفرق بين الفارس النبيل المدافع عن أرضه وعرضه والسافل المرتزق  المتجرّد من إنسانيته، وكيف سيأتمن أهل الموصل والقرى المجاورة الشرفاء الأبرياء الذين يحسبون الأيام والساعات للخلاص من داعش من الذين سيحررونهم!!، وحيثُ سيتوجّس أغلبهم من أنهم سيقعون أيضاً ضحية رد الفعل (للمحررين) الذين سوف لن يفرقوا بينهم كأسرى عند داعش وبين سجانيهم الداعشيين؟، فأنا شخصياً فقدتُ أقارب من الدرجة الثانية كشهداء في الموصل وأكثر من أربعة عوائل من الدرجة الثانية هُجّروا وخَسروا ممتلكاتهم وخرجوا بملابسهم فقط ومن بينهم المريض والكبير بالسن، كذلك أكتوى الكثيرون من الأقارب والأصدقاء بنار داعش المستعرة، فهل يُعقل أن أدعو للإنتقام من جميع الموصليين!! الذين لا تزال تربطني وإياهم روابط الأخوة والمودة والوطن الواحد، وحيثُ أعلم بأن الكثيرين منهم وقفوا معرضين أنفسهم للهلاك وصارخين بوجه الدواعش ومرددين " لا إكراه في الدين"، أقول هذا مع ما أشعر به من ألم على ضحايا العنف من أي مكوّن كان وليهدئ الله النفوس ويلجم الحقد ويحكّم لغة العقل على لغة الإنتقام.   
فالمكوّن الأيزيدي مكوّن مسالم موغل في أعماق أرض العراق منذُ آلاف السنين وهو من أقدم المكونات الأصيلة للشعب العراقي، ويبلغ تعداده حسب الإحصائيات الأخيرة الغير رسمية بحدود نصف مليون نسمة يتوزع ما بين سنجار(شنگال) وشيخان والعديد من الجبال والمناطق المجاورة، وقد تعرض الى حملات إبادة كغيره من المكونات وعلى فترات مختلفة من تاريخ العراق بسبب الفهم الخاطئ لطبيعة معتقداتهم من قبَل البعض المتشدد من المتنفذين أو أصحاب القرار. 
ومع بدأ عملية تحرير قضاء سنجار(شنگال) بدماء أبناءه وبمساعدة رئيسية من قوات البيشمركة المتجحفلة مع جحفل الأيزيديين المهجّرين وطيران التحالف الدولي، وبعيداً عن المزايدات السياسية ومخططاتها النفعية، فقد أزفت ساعة الثأر من ذئاب الصحارى وثعابينها ومع الساعات الأولى من فجر يوم الخميس المصادف الثاني عشر من تشرين الثاني/2015، حيثُ إبتدأت عملية تنظيف القضاء من حثالات المرتزقة للدواعش الذين لم يصمدوا غير يومين لا أكثر ثمّ إنهاروا تحت وابل نيران جهنم التي صُبّتْ عليهم من كل الجهات ومن سماءِ القضاء لتحيلهم الى ركامِ وجيَفٍ عَزفت حتى كواسر الجبال عن التهامهم.
لقدْ زُفّت تباشير النصر الى كل أبناء الشعب العراقي من زاخو الى الفاو مستبشرة بقرب تحرير الرمادي ومهيأة الظروف اللوجستية لحرقِ من تبقى من الدواعش في نينوى العظيمة وتوابعها.
إن إحتلال "داعش" لموطن الأيزيديين والجرائم التي إرتكبتها عصاباته بحق أبناء هذه الطائفة والطوائف الأخرى من المسيحيين والشبك وغيرهم سلطت الأضواء محلياً وإقليمياً ودولياً على الكثير من الإعتقادات الخاطئة التي كان يستند عليها البعض في الحكم على المكونات المغيّبة من واقع المواطنة الكاملة والغير منقوصة وكأي مواطن آخر له حق الحصول على كافة الحقوق التي كفلها الدستور العراقي.
ومما يُذكر بان سنجار(شنگال) سقطت بعد أسابيع من سقوط الموصل (في بداية شهر آب  2014م) بيد المتشددين المرتزقة الذين دفعت بهم دول إقليمية وهيأت كافة التسهيلات لهم لإحتلال جزءاً من العراق ولأغراض سياسية بحتة.
إن على الحكومتين الفدرالية والإقليمية في كردستان/العراق واجب تقديم المساعدة الفورية والعمل الفوري مع الدول المانحة والمنظمات الإنسانية الأخرى لإعادة تأهيل قضاء سنجار وأزالة كل آثار الدمار والعبوات الناسفة وبناء الوحدات السكنية وتمليكها للعوائل الأيزيدية وبشكل مباشر، ولبقية المكوّنات الأخرى من العرب والأكراد الذين كانوا يسكنون القضاء أيضاً، ومحاولة إصدار قرار برلماني واضح تسعى للحصول عليه البرلمانية "فيان دخيل" ممثلتهم في البرلمان وبمساعدة بقية النوّاب، وهو الوسيلة الأنجع للحفاظ على ما تبقى من هذا المكوّن، وتشجيع اللاجئين منهم للعودة الى مناطق سكنهم وذلك برفع الغبن عنهم وتعويضهم عن فقدانهم لأحبائهم وممتلكاتهم وحيثُ لا تزال المئات من فتياتهم محتجزات عند تنظيم "داعش" الإرهابي، والغاء القانون المجحف بحقهم الذي يمنع المواطن الأيزيدي من حق تملك العقار حتى على أرضه وأرض أجداده التي تواجدوا عليها منذ آلاف السنين، وهذا ما صرّحت به حينها ممثلتهم في البرلمان "فيان دخيل" للقنوات الفضائية، حيثُ ان هذا القرار الغريب لا يستند الى أي غطاء قانوني وشرعي إلا لكونهم أيزيديين!!، وهذا هو الظُلم والإجحاف بعينه المبارك من الدولة وقوانينها!!.
وهنالك نقطة نظام على السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان الذي كان يتحدث من داخل سنجار المحررة بخطاب وطني ربط فيه تحرير سنجار كخطوة أولى لتحرير باقي الأراضي والمدن العراقية التي إحتلتها داعش وهذا موقف يحسب اليه، لكن الم يكن من باب الوطنية العراقية ان ترفع قوات البيشمركة العلم العراقي جنباً الى جنب مع علم الإقليم؟!!، وحيثُ أدت تداعيات هذا الفعل الى تبادل المساس بالأعلام كرموز وطنية والإساءة اليها من كلا الطرفين.
وهنالك نقطة نظام أخرى على عمليات الحرق والنهب التي رافقت دخول المدينة، والتي أتُهِموا فيها (البعض) من المقاتلين الأيزيديين وبتغاضي واضح من القادة الميدانيين من قوّات البيشمركة وحزب العمال الكردستاني وحتى القادة السياسيين الذين كان لهم تصوّر واضح لِما قد يجري من أعمال غير مشروعة، أضرّت بفرحة التحرير وإنعكست سلباً وللأسف على كل أبناء الشعب الأيزيدي الذي لقيَ التعاطف الكبير من لدن الشعب العراقي بكل أطيافه وكذلك عموم شعوب العالم في محنته، فعلى من يهمه الأمر فتح التحقيق عن هذه الأعمال الغير مسؤولة ومحاسبة مسببيها.     
وأختتم مقالتي بنقطة نظام أخرى على نائب المكوّن الأيزيدي في البرلمان "فيان دخيل" حين خاطبت رئيس الجمهورية فؤاد معصوم لحثه على عدم الموافقة على المادة (26) الخاصة بقانون البطاقة الوطنية، حيثُ أطلقت كلمة "أقليات" على مكونات الشعب العراقي الغير عربية ومنها المكوّن الأيزيدي وهذا ما أوردته الأخبار والعهدة عليها، وهذه الكلمة (الصفة) إن صحّ الخبر تعبّر عن فهمٍ خاطئ لمعنى الشعب الواحد وترسخ ثقافة التفرقة الإثنية والدينية والمذهبية التي أوصلت العراق الى ما هو عليه الآن، وهذه الملاحظة ليست لفيان دخيل فقط وإنما لجميع نوّاب مكونات شرائح المجتمع العراقي، فهنالك من يرغب في ترسيخ ثقافة التمييز بين ابناء الشعب وبطرق مختلفة وهذه إحداها.


88
من سميراميس الى (فتاة الجسر)/ المرأة العراقية تقتحم سُوْح التظاهر
بقلم: سالم ايليا
لقد عَرف المجتمع العراقي ومنذُ بداية السلالات الأولى لحضارته الإنسانية المكانة الإجتماعية والروحية للمرأة، فقدّس الآلهتين إنانا وعشتار عبر ميثولوجيا الأديان والحضارات العراقية.
 ثمّ ما لبثت المرأة العراقية ان أخذت موقعها القيادي متقدمة على مثيلاتها في الأمم الأخرى ومتبوّءة قيادة أعظم الإمبراطوريات التي حكمت جهات العالم الأربعة، حيثُ تربعت سميراميس على عرش الإمبراطورية الآشورية لفترةٍ تربو على الإثنين وأربعين عاماً مابين مُشارِكة لزوجها الملك نينوس بالحكم وانفرادها به بعد وفاته.
أما في العصر الحديث، فقد دَأبَت المرأة العراقية على إثبات وجودها منذ تأسيس الدولة العراقية على الرغم من التركة الثقيلة التي ورثتها من خلال التقاليد البالية وتداعيات الإحتلال العثماني لمدة تزيد على الأربعةِ قرون، إذ كانت كافية لتحجيم دور المرأة فيها.
ومع نهاية الحُكم العثماني بدأت المرأة العراقية نشاطاتها من جديد لأخذ مكانها الطبيعي والمؤثر في المجتمع، فأسست أول نادي نسوي نهضوي سنة 1923م، وتوالت مشاركاتها في مختلف جوانب الحياة لإثبات وجودها الفاعل والطبيعي حتى تكللت مشاركتها بأهم تظاهرة شعبية رافضة لمعاهدة بورتسموث سنة 1948م، وحيثُ أثبتت فيها مكانتها ليس بالمشاركة الجماعية مع أخيها الرجل فحسب، وإنما بقيادة التظاهرة التي كادت ان تتراجع نتيجة إستخدام السلطة لأقسى أنواع البطش والتنكيل المتمثل بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين فوق الجسر القديم الذي إستشهد فيه المتظاهر "جعفر" شقيق شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري.
 ومع تراجع الجموع الغفيرة للتظاهرة، إخترقت حرّة العراق إبنة التاسعة عشر ربيعاً "عدوية الفلكي" جموع المتظاهرين المتراجعين حاملة علم العراق وملوّحة بعباءتها كبيرقٍ للنصر وليس كعباءات البرلمانيات الجدد!!، ومقتحمة بمفردها الجسر القديم (جسر الشهداء) تحت وابل من الرصاص فأعطت الهمّة والنخوة الكافيتين لإخوانها المتظاهرين للتقدم فوق الجسر، حينها إندفعت جموعهم غير آبهة بالموت وهي ترى أمامها مهرة عراقية أصيلة جامحة لا يوقفها أزيز الرصاص ورهبته، فأعطت مثلاً للإستبسال سُجّلَ للمرأة العراقية بأحرفٍ من نور على صفحات سفرها الخالد.
فالمرأة ليست نصف المجتمع كما يحلو للمنظّرين وصفها، وإنما في حالاتٍ كثيرةٍ هي المجتمع بأسرهِ، فهي قلب المجتمع النابض، فإن توقف توقفت معه كل نشاطات المجتمع، وحيثُ ان المرأة العراقية عانت كثيراً من الأحداث ومآسيها وحملت هموم وأوجاع فقدان الزوج والأب والأبن والأخ والحبيب في حروبٍ مجنونةٍ لم تجني منها غير الخراب والدمار، وتعاملت مع الحالة الإقتصادية البائسة بإرادة صلبة وصبرٍ جَلْد، لكنها في ذات الوقت لم تستكين، إذ حافظت على موقعها النضالي والفاعل في المجتمع متجاوزة القرارات التعسفية التي فرضتها عليها العقول المتحجرة للسياسيين الجدد، أصحاب الميليشيات الدينية المسيسة.
 وها هي تظاهرات اليوم تُفرز حفيدات لـ "عدوية الفلكي" بنظارة عمرها ـ ـ لابل أقل عمرا منها يقتحمْنَ ساحات التظاهر منشدات الأشعار الحماسية قائلات للسياسين الفاشلين "إرحلوا ـ ـ ـ إرحلوا" ومتآزرات جنبا الى جنب مع حفيدات أخريات قد تجاوزْنَ العقد السابع من أعمارهْنَ يتقدمْنَ ماراثون التظاهرات بهمة الشابات اليافعات منشدْنَ نشيد الوطن الحر الذي أراد له البعض أن يتقيد بقيود التخلف والذل للمرأة العراقية.                 
لقد قلناها كإعلاميين في مقالات ومناسبات عديدة من ان المرأة العراقية جُبلت بطين جرف النهرين وولدت من رحم تاريخٍ كانت هي نبراسه، سوف لن ترضخ للسلطة المطلقة المتخلفة لعتاة الأحزاب المافيوية، ولن ترضخ للقوانين الجائرة التي ارادت لها أن تركن في زاوية صغيرة من زوايا الدار منتظرة دورها في سوق النخاسة بعقد زواجٍ يُحدد فيه أرباح البائع والمشتري لسلعة هي أبعد ما تكون عنها. 
وحتماً سيأتي اليوم الذي ستجلس فيه المرأة العراقية في البرلمان لتملأ مكانها الحقيقي وتشغله بحقٍ مدافعة عن وجودها وإنسانيتها، وليس كما يفعلْنَ بعضهْنَ ممن تمّ تعيينهْنَ من قبل الأحزاب الدينية كعضوات في البرلمان يرفعْنَ اياديهْنَ تأييداً لقراراتٍ جائرةٍ بحق المرأة كقرار ضربها (لتأديبها)، وقرار القتلِ غسلاً للعار (ولا أعلم هل العار يقع على مَنْ يَقتِل أم على مَنْ يُقتَل)، وقرار تحديد التعليم للمرأة، وغيرها الكثير من القرارات الجائرة ضدها، وعندما سيأتي زمن جلوس المرأة العراقية في البرلمان جلوساً حقيقياً وحضارياً عندها سيكون وجودها فيه كوجود الروح في الجسد. 


89
أيها المتظاهرون إنقِضوا قرار العفو عن سرّاق المال العام
بقلم: سالم ايليا
لم يمضي أكثر من ثلاثة أسابيع على مقالتي المعنونة ( أيها العراقيون تظاهروا أفضل من ان تهاجروا) والتي عرضتها مشكورة قناة التيار الشعبي "البغدادية" في اليوم الأول من تشرين الثاني الجاري ضمن فقرة "كتبوا في الصحافة" التي تذاع بعد نشرات الأخبار الرئيسية مباشرةً، وحيثُ ذكرتُ في مقالتي ما نصّهُ : " من ناحية أخرى يجب متابعة إسترداد الأموال المسروقة وعدم شمول هؤلاء المجرمين بأي قانون عفو يصدر لاحقاً لتفويت الفرصة على من يأمل في ترتيب صفقة خلف الكواليس بين المدانين من جهة والحكومة من جهةٍ أخرى لتسليمهم الى العدالة دون إسترجاع الأموال التي سرقوها، ثُمّ قضاء أشْهُر معدودة في السجن ذات الخمس نجوم ويُطلق سراحهم بعدها بعفو حكومي عام!!".
لقد أطلّت علينا النائبة البرلمانية "ميسون الدملوجي" رئيسة لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النوّاب من خلال البرنامج الشعبي "ستوديو التاسعة" الذي يعرض يومياً على قناة البغدادية في السابع عشر من تشرين الثاني الجاري، وحيثُ نبّهت الشعب العراقي وحراكه المتمثل بالمتظاهرين من أن هنالك مداولات تجري بين أروقة مجلس النوّاب وكتله السياسية لتمرير قانون العفو العام وتحت يافطة "المصالحة الوطنية" والذي سيتضمن فقرة عدم شمول الأشخاص المتهمين بغسيل الأموال الذين إستخدموها لدعم الإرهاب فقط !!، دون إستثناء بقية المجرمين والسرّاق الذين نهبوا أو غسلوا المليارات من الدولارات من أموال العراقيين لمنافعهم الخاصة، أي بمعنى آخر شمولهم بالعفو دون إسترداد ما سرقوه ودون محاسبتهم، وهذا القرار لو أُقرّ سيعطي الغطاء القانوني للسارق للإحتفاظ بالمبالغ المسروقة والتمتع بها وهو طليقاً!!.
إن مثل هذا القرار لو تمّ تمريره بالأكثرية سوف يكون سبباً لزيادة التناحر المذهبي وترسيخهُ وليس ردم الفجوات للتهيأة للمصالحة الوطنية!!، فالقرار بحد ذاته سيحمي معظم السرّاق من طائفة معينة من الذين سرقوا المليارات من الدولارات للمنفعة الشخصية ويستثني معظم السرّاق من الطائفة الأخرى الذين سيتهموا بصرف تلك الأموال المسروقة لدعم الإرهاب.
فأي قرار شيطاني وخبيث هذا الذي سيحاول البعض من سياسي الصدفة سنّهُ وإعطاءه الشرعية، فالذي يفكر بهذه الطريقة لا يُعتبر ساذجاً وبسيطاً كما يحاول سياسيو السلطة ومنهم رئيس الوزراء حيدر العبادي إضفاء هذه الصفة عليهم وإعتبار ما فعلوه جنحة بسيطة تدخل في باب إهدار المال العام نتيجة سوء الإدارة الناتجة من قلّة خبرتهم في إدارة الدولة وليس جريمة كبرى أوصلت إقتصاد البلد الى الهاوية!!، وقد أوردتُ لك (يا رئيس الوزراء) في مقالتي آنفة الذكر الأمثلة الموثقة على ان الفساد كان بسبب السرقات وليس بسبب سوء الإدارة وعدم أهلية المسؤولين في إشغال مناصبهم.
لقد ترعرع السياسيون الفاسدون ايام "نضالهم السلبي" في أحياء وأزقة العواصم العربية والأوربية الأكثر فساداً ودونية واكتسبوا الخبرات اللازمة للتحايل وإتقان أساليب عمل المافيات الدولية الناشطة في الأحياء التي عاشوا فيها في الخارج بما فيها غسيل الأموال عبر وسطاء دوليون، إضافة الى تخرجهم من دورات مخابراتية للدول التي كانت داعمة لهم كمعارضة ضد النظام السابق ودربتهم على كيفية التمويل ونقل الأموال من والى العراق وعبر البنوك الدولية وبطرق مختلفة.
لقد خَبِرَ الشعب العراقي دسائسكم ومكائدكم وأصبح من السهولة إكتشافها وفضحها، فلا بارك الله في مسعاكم لإصدار هذا القرار الذي ظاهره وطني ونبيل وباطنه تفيح منه الرائحة النتنة للفتنة، وسيفضح الشعب بإعلامه النزيه كلّ نائب يرفع يده لتأييد هذا القرار وسيعتبره مشاركاً فعلياً في السرقات التي طالت أموال الشعب.
وهنالك قول مأثور يوجز خلق الله في خلقه: " أول ما تأخذه من الدنيا شهقة هواء ـ ـ وأول ما تتركه من الدنيا زفير هواء! هذا هو العدل: أنك تعيد ما أخذت"!!، فاعيدوا ما أخذتم يا سرّاق المال العام قبل أن يرسل عزرائيل بدعوته اليكم.



90
الفن والأدب والإعلام في دعم التظاهرات
بقلم : سالم ايليا
قال الفيلسوف الهولندي/ البرتغالي الأصل (1632-1677م) باروخ سبينوزا:
"إن القوانين التي تلجم الأفواه وتحطم الأقلام تهدم نفسها بنفسها" .
لا يخلتف إثنان على القول من ان اصحاب الفنون والأدب والإعلام قد واكبوا تظاهرات الشعب منذ انطلاقها في السابع من آب الماضي ولحد الآن، فالجميع في سباق لرفد الثورة المدنية بالكلمة والأغنية والأهزوجة والشعر، إذ زادت فعالياتهم من حماس الجماهير المنتفضة على الفساد وادواته مؤكدة رفضها لديماغوجية ودوغماتية (دوغمائية) السياسيين المنتميين للأحزاب الدينية، وحيثُ ان جميع هذه الفعاليات تعبّر عن اعلى درجات الإحساس الإنساني والتفاعل الوجداني مع المحيط الوطني وبأجمل صوره، نرى في الجانب الآخر ركود السياسيين وتخبطهم بمحاولة التملص من مسؤولياتهم تارة أو الإعتراف الصريح بفشلهم تارة أخرى.
فما ان اندلعت الشرارة الأولى للغضب العراقي حتى تسابق المطربون والمنشدون الى تسجيل أغانيهم وأناشيدهم الحماسية وعلى نفقتهم الخاصة وارسلوها الى القنوات الفضائية او نشروها في حساباتهم وعلى مواقعهم في الشبكة العنكبوتية لبث روح التحدي وتعزيز الحراك الشعبي وادامة زخمه.
كذلك فعل الشئ ذاته الشعراء واصحاب الأدب والقلم من الأدباء والكتّاب والصحفيين فراحوا يضخون المواقع الألكترونية والقنوات الفضائية بسيلٍ من المقالات والأشعار التي أججت مشاعر المتظاهرين واعطتهم الزخم والدعم اللوجستي للمطاولة والصمود.
وقد تجلى هذا التلاحم بمشاركة الشريان الرئيسي لتلك الفعاليات من دور نشر وقنوات فضائية ومواقع أعلامية الكترونية حتى من كان منها محسوباً على الحكومة واتباعها، حيثُ ارغمتها قوة الإنتفاضة بعفويتها على الإعتراف بتأثيرها على الرغم من المحاولات اللئيمة لبعض تلك القنوات في التقليل من اهمية الإنتفاضة محاولة بذلك احباط المشاعر الثورية مما حدا ببعض منتسبي تلك القنوات الى الإستقالة وترك العمل والإنضمام الى المتظاهرين (ومنها قناة العراقية الفضائية التابعة لشبكة الأعلام العراقي الشبه رسمية) فأعطوا نموذجاً رائعاً للتلاحم الشعبي بكل شرائحه وطبقاته.
لقد أثبتت السلطة الرابعة سيطرتها على الموقف وتأثيرها على السلطات الثلاثة (التشريعية، التنفيذية والقضائية) واضعة اياهم في قفص الإتهام لمحاكمتهم من قبل الشعب على الأخطاء التي ارتكبوها ضد العراق وشعبه والتي تسببت على مدار العشر سنوات الماضية في إهدار المال العام  وادخال العراق في دوّامة الإقتتال الطائفي فأوصلت البلد الى حافة الإنهيار الكامل بكل مؤسساته التي تقاسمتها الأحزاب الدينية ضاربة عرض الحائط الثوابت الوطنية في ادارة تلك المؤسسات.
في ذات الوقت شاركت جموع منتسبي القنوات الإعلامية والأدبية والفنية (المتواجدين في الداخل) الشعب الثائر في ساحات التظاهر متمثلة بالمراسلين والمحررين والفنانين والشعراء والأدباء، اضافة لقرار البعض منهم للعودة الى الوطن للتواجد الميداني في قلب الإنتفاضة ومؤازرة المتظاهرين ومشاركتهم الفاعلة في تأجيج وادامة الإحتجاجات .
بقي ان أذكر بان العراق يُعتبر اخطر بلد في العالم على المراسلين الصحفيين ومن له علاقة بالإعلام بسبب مافيات الأحزاب الحاكمة، ويأتي من بعده في التسلسل العالمي المكسيك بسبب مافيات المخدرات.
تحية إجلال وتقدير لكل الفعاليات الأدبية والفنية والإعلامية التي رفدت ساحات التظاهر بالفعاليات واعطت للجماهير جرعة اضافية للمطاولة لتحقيق الأهداف التي من اجلها خرج المتظاهرون الى ساحات التظاهر والإعتصام، وتحية لشهداء الكلمة الحرّة، وهنيئاً للشعب الثائر بمناصريه من السلطة الرابعة سلطة الشعب.   

91

وقفات تأملية في طريقة إدارة الدولة
بقلم: سالم ايليا
أبدأ وقفات تأملي بمقولة للكاتب والفيلسوف جورج برنارد شو: " السلطة لا تفسد الرجال، إنما الأغبياء إن وضعوا في السلطة فإنهم يفسدونها".
فلو تمعنّا في مقولة الكاتب الساخر "برنارد شو" لأستطعنا أن نحدد الخلل الحاصل في معظم مراحل إدارة السلطة في العراق، لذا إرتأيتُ أن أعطي نماذج حياتية واقعية وقعت وحدثت معي خلال فترة إغترابي في البلد الذي قبلني مواطناً (كاملاً) فيه!!، بعد أن عزّ علي مغادرة وطني الأم الذي ما أزال أحمل بين طيّات أضلعي هوىً مكبوتاً اليه وفراقاً لم تندملُ جراحه ما حييت، وحيثُ أتمنى أن أراه وأكتب عنه بمشاعر الفخر والزهو بالمكانة التي تليق به.
الوقفة الأولى
ثروة الشعب للشعب:
في سنة 2003م وتحديداً في الشهر الرابع إستلم كل مواطن كان يعيش في ولاية البرتا االواقعة في الغرب الكندي والغنية بالبترول رسالة من الحكومة المحلية تعلمهم فيها عن وجود فائض مالي من ميزانية الإقليم للعام المنصرم (2002م)، وطلبت الحكومة من مواطنيها التأشير في المربع المناسب للمقترحات المدونة في الرسالة أو أي مقترح آخر يراه المواطنون مناسباً لصرف تلك الأموال والبالغة ملياري دولار كندي (على ما أتذكر) وإعادة الرسالة بالبريد للجهة المعنونة على الظرف، وحسب ما ذكرت وسائل الإعلام المحلية المرئية والمقروءة والمسموعة فقد تنوعت مقترحات الشعب بين صرف جزء من الأموال على الصحة وعلى التعليم والجزء الآخر يتم توزيعه على المواطنين في الإقليم بشكل نقدي (كاش)!! ، وبالفعل أرسلت الحكومة المحلية بعد عدّة أشهر لكل مواطن في الإقليم حتى الرضيع صك بمبلغ (400) دولار كندي، وصرفت الباقي على الخدمات التي  طلبها الشعب.
الوقفة الثانية    
خدمات:
في أحد ايام الشتاء القاسية (كانون الثاني) من سنة 2005 في الغرب الكندي وتحديداً في عاصمة إقليم البرتا، كانت هنالك عاصفة ثلجية مع إنخفاض لدرجات الحرارة الى أقل من (35) درجة مئوية تحت الصفر ومع تأثير سرعة الريح كانت درجات الحرارة قد وصلت الى أقل من (45) درجة مئوية تحت الصفر أو أدنى!!، إستيقظتُ من النوم بحدود الساعة الثالثة صباحاً على صوت الريح لأتفاجأ بإنقطاع التيار الكهربائي، فإتصلتُ بشركة الكهرباء وقبل ان اتفوه بكلمة واحدة أجابتني الفتاة الخافرة مستفسرة عن منطقة سكني، وقبل ان اجيبها بشكل مفصّل أكملت هي عنوان الحي السكني والشارع ـ ـ الخ من المعلومات، فأجبتها مؤيداً كلامها، عندها أعتذرت لي على إحتراق محولة الحي نتيجة العاصفة الثلجية والتي تغذي أكثر من ثلاثمئة وحدة سكنية وقالت بان هنالك فريق عمل يعمل على إستبدالها، نظرتُ من خلال النافذة فوجدتُ بان هطول الثلوج الغزيرة مع الريح العالية جعلت درجة الرؤية تكاد تكون صفر، وعلى الرغم من انني عملتُ في الحقول النفطية تحت نفس الظروف، إلا انني كنتُ أشكك في إمكانية فريق العمل لإكمال مهمته الليلية هذه، فبدأتُ بإتخاذ الإجراءات اللازمة لإبقاء البيت دافئاً لأطول فترة ممكنة لعلمي بان جهاز التدفئة المركزي قد توقف كلياً عن العمل، وبعد حوالي الساعتين من الزمن اتصلتُ بالفتاة مرة أخرى، فاخبرتني بان فريق العمل على وشك الإنتهاء من نصب المحولة الجديدة، صراحة لم أصدق ما ذكرتهُ!!، وفي الساعة السادسة وعشرة دقائق صباحاً عاد التيار الكهربائي (أي بعد ثلاث ساعات وعشر دقائق من أول اتصال لي بشركة الكهرباء)، عندها عدّت الى سريري لأكمال نومي!! - - - رن جرس الهاتف الساعة العاشرة والنصف صباحاً، وحيثُ كنتُ ما ازال في فراشي تفاجئت بالمتكلم الذي لم يكن إلا احد افراد خدمة الزبائن لشركة الكهرباء (customers service)، فقدم لي اعتذاره لما حصل وسألني إن كان لديّ دقائق من الوقت ليسألني بضعة أسئلة كانت جميعها تدور في مجال الخدمة المقدمة من شركتهم، وهل انني راضٍ عن فترة إصلاح العطل؟، وهل لديّ اي مقترحات لتطوير خدمتهم؟، وغيرها من الأسئلة ثمّ ختم أسئلته بسؤالي إن كان قد حصل اي ضرر مادي في بيتي نتيجة العطل ليتم تعويضي؟!!، أو حتى لو كان هنالك اي تلف للمواد الغذائية في الثلاجة فسيتم تعويضي؟!!، سرحت قليلاً قبل ان أجيبه بكلمة "كلا شكراً" حيثُ كنتُ افكر بالمواد الغذائية المجمدة التي كانت والدتي رعاها الله تصرف الكثير من الوقت والجهد والمال لاعدادها والتي كانت ترميها في سلّة القمامة لتلفها نتيجة التوقفات المتكررة والطويلة للتيار الكهربائي في العراق، وقبل أن ينهي المكالمة سألته عن سبب اتصالهم بي فقط؟، فاجاب قائلاً: "سيدي - - - أنا وزملائي بدأنا بالإتصال بالمشتركين الذين اتصلوا بنا أولاً والذين يزيد عددهم على المئة مشترك ومن ثمّ بكل المشتركين الذين شملهم انقطاع التيار الكهربائي للتأكد من عدم حصول أي ضرر على ممتلكاتهم"، وأعْتذرَ مرة أخرى على الإزعاج!!، ثم انهى المكالمة بتقديم التحية المعتادة!!.
الوقفة الثالثة
عدالة الحُكم:
إستلمتُ عبر صندوق البريد رسالة من مكتب إدارة المحلفين في الأقليم في السابع من آب لسنة 2013م يبلغوني فيها بانه قد تمّ إختياري كأحد المحلفين في إحدى القضايا المطروحة أمام المحاكم وحددوا لي خمسة أيام كحد أقصى لإرسال موافقتي أو إعتذاري مع بيان الأسباب في حالة إعتذاري، وحيثُ أنني كنتُ أعمل في أقصى شمال الولاية وبعيداً عن منطقة سكني التي تتواجد فيها المحكمة، لذا قررت الإعتذار وكان لزاماً عليّ الإتصال بهم ومن ثمّ الذهاب الى مكتبهم عند عودتي للمدينة للتوقيع على طلب الإعتذار رسمياً مع بيان السبب المقنع الذي ربما يتم رفضه، وفي هذه الحالة يكون لزاماً عليّ قبول دعوتهم!!.
لقد حدد القانون الكندي حضور ستة محلفين للقضايا المدنية، وإثنا عشر محلّف للقضايا الجنائية، يتم إختيارهم من عامة الشعب للأشخاص الذين تزيد أعمارهم على الثامنة عشر  ووفقاً لسيرة حياتهم وسلوكهم، وذلك للمشاركة في جلسات القضايا وللإستماع الى تفاصيلها ومن ثمّ المشاركة في إصدار الأحكام القضائية فيها وذلك لضمان العدالة في المحاكم الكندية!!.
الوقفة الرابعة
  ديمقراطية:
في الثاني عشر من شهر تشرين الأول من السنة الحالية (2015) والمصادف الأثنين وهو أول أيام الأسبوع وفي تمام الساعة السادسة وخمس دقائق مساءاً رن جرس الهاتف في المنزل، وبما أنني كنتُ مشغولاً في كتابة احدى المقالات قررتُ عدم الإجابة على المتصل بعد أن تأكدتُ من ان الرقم لم يكن لأحد المعارف أو الأصدقاء، حيثُ غالباً ما يتصل البعض من شركات الإعلانات بعد إنتهاء الدوام الرسمي للترويج لبضائعهم (اتصال شركات الإعلانات بعد انتهاء الدوام الرسمي لضمان وجود احد افراد العائلة للتكلم معه)، المهم تحول الهاتف بعد رنّات عديدة الى جهاز الرد الآلي (Answering machine)، فتفاجئت بصوت يدعي إنه وزير المالية للإقليم "جو سيسي" بشحمه ولحمه!!، يدعوني للمشاركة معه في مناقشة عبر الهاتف للوصول الى أفضل الطرق في كيفية صرف ميزانية العام المقبل!!، وهل هنالك في تصوري أي مقترحات بهذا الشأن، تاركاً لي رقم هاتف مكتبه المباشر، قائلاً انه متواجد في المكتب لغاية الساعة الثامنة والنصف مساءاً!!، كما ترك عنوان بريده الألكتروني وكل التفاصيل الأخرى!!، ثمّ انهى مكالمته بالتحية المعتادة "طاب مساؤك"، الحقيقة لم أستوعب هذا الأمر!!، وبدأت الأسئلة تراودني لربما هنالك خطأ ما، حيثُ لم يكن لي معرفة مسبقة حتى بإسم وزير المالية للإقليم لعدم حاجتي اليه وبُعده عن مجال تخصصي المهني، فبحثتُ في الكمبيوتر (كوكول) عن كل ما جاء في رسالته المسجلة للتأكد من إسمه ورقم هاتف مكتبه وكل المعلومات التي تركها، فوجدتها متطابقة تماماً لما سجله جهاز الرد الآلي حتى صوته الذي تعرفت عليه من خلال لقاءه بالصحفيين لعرض خطته للسنة المقبلة ومن خلال اليوتوب!!، بقيتُ لفترةٍ قصيرةٍ في ذهول تام وحيرة، هل اتصل به أم لا؟ وما علاقتي انا "عبد الله الفقير" والمواطن البسيط المهاجر بطريقة صرف ميزانية واحد من أغنى الأقاليم في كندا؟!!، لكنني أدركت بعدها من إنني أعيش في بلد ديمقراطي حقيقي يتشاور فيه الوزير مع مواطنيه للوصول الى أفضل الصيغ لإدارة الدولة.


92
يا رجال الدين كونوا بشجاعة المطران أثناسيوس توما دَاوُد
بقلم: سالم ايليا
بمناسبة الذكرى الخامسة على مجزرة كنيسة "سيدة النجاة"، أطلّ علينا في اليوم الأول لشهر تشرين الثاني الجاري نيافة المطران أثناسيوس توما دَاوُد رئيس أساقفة أبرشيات السريان الأرثوذكس في المملكة المتحدة ضيفاً خفيفاً من خلال قناة البغدادية الفضائية وبرنامجها الجريء "ستوديو التاسعة" لمقدمه "الثائر" أنور الحمداني(1).
لقد كانت لإطلالة المطران الجليل وقعها الخاص على عوائل الضحايا الأبرياء وجميع أبناء الشعب العراقي بكل قومياته وأديانه ومذاهبه، حيثُ التقت الكلمة الحرّة الصادقة التي تتبناها القناة مع الجرأة والشجاعة السماوية التي وهبها الله لأنبياءه ولرُسله للمناداة بالإصلاح وعلى لسان أحد خدّامهم ألا وهو المطران مار أثناسيوس توما دَاوُد(2).
لقد أعطى "الثائر" أنور الحمداني الحريّة الكاملة وكعادته لِضيفه نيافة المطران ليعبّر عن آلام مواطنيه وبلسانه الذي لم يخلوا من المرارة والهموم التي المت برعيته ومواطنيه الذين أعطوا للعراق الكثير من جهودهم وإخلاصهم ومعرفتهم وعلمهم، مشاركين إخوانهم في الوطن في السرّاء والضرّاء وناكرين ذاتهم بإيثارٍ قلّ نظيره لأولويتهم كشعبٍ أصيلٍ.
وعلى الرغم من ذلك فقد طالتهم يد الغدر التي لا دين لها ولا هوية، مستغلين وداعة وسماحة هذا المكوّن الأصيل، وحيثُ نكّل الإرهابيون بهم في اللحظة التي كانوا يتضرعون فيها الى الباري ان يحفظ العراق ويوقف الإقتتال بين الأخوة في الدين والوطن ويلم شملهم من جديد، فلم يفرق هؤلاء القتلة بين رجل الدين أو الطفل الرضيع أو الشيخ أوالعجوز، فذبحوا من ذبحوا على مذبح الإيمان وأمام أعين الفادي المصلوب رسول السلام ـ ـ المسيح عيسى ابن مريم، وحيثُ تركت هذه الحادثة الف سؤال وسؤال عن المسبب لها!!.
وفي جرأةٍ غير معهودة للكثير من رجالِ الدين وأخص منهم المسيحيين، تكلم المطران مار أثناسيوس بكل صراحةٍ ووضوحٍ لا لبس فيه عن المسؤول الأول والمباشر لمأساة المسيحيين، واضعاً إيمانه الحقيقي في صدره ومتهماً رئيس الوزراء السابق نوري كامل المالكي وأعضاء حكومته والحكومة الحالية بتهجير المسيحيين عن عمد مع سبق الإصرار، وواعداً ومتوعداً بملاحقتهم قضائياً أمام المحاكم الدولية والمنظمات الإنسانية الدولية، إذ ذكر بالنص ما قوله: " نحن من خلال معايشتنا لهذه المأساة نحمل الحكومة العراقية في كل أوقاتها وبصورةٍ خاصةٍ نوري المالكي الذي كان هو رئيس الوزراء، لا بل المتهم الأول في تفجير كنيسة سيدة النجاة عندما رُفِعت الحواجز الكونكريتية وأيضاً سُحِبت عناصر الجيش والحماية ودخلوا هؤلاء الإرهابيين وقتلوا المسيحيين كأنه كان يبعث برسالةٍ لنا على ان نهاجر ونترك العراق"، ثم يكمل نيافة المطران قائلاً: "الموصل بيعت وفي ليلةٍ سوداءٍ بدون قمر خرجَ أهلنا ـ ـ ـ خرجوا مهانين لأنهم مسيحيين مضطهدين على أسمهم المسيحي ـ ـ ـ خرجوا مسلوبين ـ ـ ـ سُلِبوا ـ ـ ـ خرجوا مقهورين ـ ـ ـ خرجوا متألمين ـ ـ ـ والموصل بيعت بالآلاف من الدولارات ووضعت في جيب المالكي وأتباعه، ثمّ لنفرض الموصل هجّر فيها المسيحيين ـ ـ فماذا عن سهل نينوى والقرى المسيحية الأخرى؟، لماذا لم يحميها المالكي والحكومة العراقية؟ ـ ـ ـ لماذا في ليلةٍ غير مقمرة هرب أهلنا وهجّروا قسراً وسُلِبوا وأغتُصِبت وترملت النساء؟، وأيضاً الشيوخ منهم من مات في الطريق، والأطفال أيضاً ماتوا بسبب الصيف الحار الذي هاجر به أهلنا"، ثمّ أردف متوعداً: "لكن نحن لن نسكت ـ ـ ـ سكتنا كثيراً ـ ـ ـ اليوم نحن الكنيسة المسيحيّة وكُلنا في الغرب أقمنا ورفعنا الدعاوى القضائية ضد الحكومة العراقية وضد المالكي بصورة خاصة، نطالب بحقوقنا وأن يعيدوا كرامتنا وممتلكاتنا وأن يقدموا المالكي والحكومة للقضاء الدولي ـ ـ وأن يعيدوا كل فلسٍ سرقوه من الخزينة العراقية ومن الشعب المقهور، هذا الشعب بمختلف أطيافه ومكوناته"، إنتهى كلام نيافة المطران مار أثناسيوس توما دَاوُد.
ان ما جعلني أنحني إجلالاً لحديث المطران الجليل هو عرضه لمأساة كل أبناء الشعب العراقي بكل طوائفهم دون تمييز على الرغم من الألم الواضح لما وصلت اليه رعيته نتيجة المؤامرات السياسية التي تقودها الأحزاب الحاكمة في العراق وبكل مسمياتها واتجاهاتها، حيثُ أبدى تفاعله وتعاطفه مع المآسي التي يتجرعها أبناء العراق بمختلف اديانهم ومشاربهم.
ولا يفوتني أن أذكر شجاعة نيافة المطران نيقوديموس دَاوُد شرف رئيس أبرشيات الموصل وسهل نينوى وكردستان/العراق للسُريان الأرثوذكس وأثني على جرأته في كشف المسؤولين عن بيع الموصل وتوابعها أيضاً. 
قال العالم سيكموند فرويد مؤسس علم التحليل النفسي (1856-1939م): "ليس بمؤمن من لا يعيش وفقاً لإيمانه"، وحيثُ من المفترض أن يكونوا رجال الدين قدوة الرعية الأولى في الإيمان بما جاء في الرسالات السماوية وعلى السنة رسلها وأنبيائها لقول كلمة الحق بشجاعة وبدون خوف ولو كره الفاسدون، وحيثُ نأمل من جميع رجال الدين وبمختلف اديانهم ومذاهبهم أن يعلو صوتهم من فوق منابرهم لتحديد الأخطاء والمسؤولين عنها. 

إنتباهة:
(1)   المطران: رتبة دينية تعني رئيس الأساقفة وتمتد صلاحياته على عدّة أبرشيات (الأبرشية كلمة يونانية يراد بها ولاية المطران). جورج البنّاء/سلسلة بطاركة الكلدان.
أما كلمة (نيافة): فتأتي بمعنى "رفعة" وهو لقب كنسي.
(2)   مار: كلمة آرامية معناها السيد وتطلق على الأساقفة والبطاركة والقديسيين. جورج البنّاء/تاريخ الكلدان.


93
الفساد يطوف فوق مياه الأمطار المتساقطة
بقلم: سالم ايليا
تناقلت وكالات الأنباء أخبار الأمطار الغزيرة التي شهدتها العاصمة بغداد والمحافظات العراقية الأخرى خلال اليومين قبل الأخيرين من نهاية شهر تشرين الأول (28ـ29 تشرين الأول)، والتي كشفت بلا أدنى شك ما وصل اليه الفساد من إهمالٍ للبنى التحتية وأولها الصرف الصحي الذي كان للعراقيين الأوائل منذ زمن البابليين شرف التصميم والإنشاء لأول نظام للصرف الصحي في العالم، حيثُ أثبتت التنقيبات على انه لا يزال بحالة جيدة يمتد الى مسافات واسعة في منطقة بابل الأثرية.
لقد غرقت أحياء كاملة في بغداد والمدن العراقية الأخرى بمياه المجاري الطافحة ومياه الأمطار التي جرفت معها كل انواع الميكروبات والأمراض المُعدية، خاصة وان العديد من المستشفيات التي تعالج حالات الأصابة بالأمراض الوبائية مثل الكوليرا قد غرقت طوابقها الأرضية مما يعطي إحتمال إنتشار تلك الأوبئة بسرعة وعبر المياه الى مناطق واسعة من العاصمة والمدن العراقية الأخرى وعندها لا قدر الله سيحدث ما لا يُحمد عقباه ويخرج الأمر من دائرة السيطرة على الموقف في تقويض إنتشار تلك الأمراض الفتاكة.
إنّ ما يحدث من فساد في مجال صيانة وتحديث البنى التحتية يدخل في مجال الإتهام المباشر لرؤوس الفساد بالإبادة الجماعية للشعب العراقي، فعدم وجود الكهرباء والماء الصالح للشرب وعدم وجود شبكة حديثة للصرف الصحي وعدم تجهيز المستشفيات بالمستلزمات الطبية الضرورية يضاف اليها عدم إستقرار الوضع الأمني داخل المدن، جميعها تدخل في مجال الإبادة الجماعية للشعب العراقي.
يقول الكاتب الساخر والفيلسوف الإيرلندي المولد/البريطاني الجنسية جورج برنارد شو: "مأساة العالم الذي نعيشُ فيه تكمن في أنّ السلطة كثيراً ما تقع في أيدي العاجزين"، وفي بلادنا السلطة دائماً بيد العاجزين.
لقد أظهر سقوط الأمطار بالكميات المعلنة (65 سنتيميتر) وبفترة قصيرة نسبياً كما اعلنت عنها الأرصاد الجوية عجز وتقصير الجهات المعنية من أمانة بغداد ومجالس البلديات في المحافظات عن أداء مهامها وعدم مهنيتهم، حيثُ كان من المفترض ان تقوم تلك المديريات بعمل الصيانة الدورية قبل بدأ فصل الشتاء لتنظيف شبكات الصرف الصحي وتصليح التخسفات في خط الأنابيب وصيانة المضخات التابعة له، لا ان تنتظر الى ان تدخل المياه الى دور المواطنين ثمّ يَهمُ الغيارى من أبناء الشعب من أمثال رجال المرور للدخول في المنهولات بلباسهم الرسمي لفتح وتنظيف شبكات المجاري في مناطق تواجدهم لتنظيم المرور!!، أو يتبرع مقاول لإستنفار معداته وعماله لإنقاذ مناطق بغداد من الغرق!!، فأين هم منتسبوا أمانة العاصمة وهل وضعت (الدكتـــــــــــــــــورة) ذكرى علوش اي برنامج عمل لفصل الشتاء، وهل إستنفرت منذ زمن منتسبيها وآلياتهم  وهي العالمة بما قد يحدث أو لربما لا تعلم ما سيحدث وهذه الطامة الكبرى، فهي "خير خلف لخيرِ سلف"، فقد أصمّ المديح الذي كاله لها خلفها عبعوب (حين سلّمها الراية) آذانها وأعمى بصيرتها في التفكير بمهنية المهندسة المدنية التي يقع في صلب إختصاصها نظام الصرف الصحي ومشاكله، فهل من المعقول أن يقوم رجال المرور بعملها وعمل منتسبيها، وهل من المعقول ان (تشرف بنفسها) على تصليح التخسفات في خط الصرف الصحي والتي لا تتجاوز المئتي متر في منطقتي الوزيرية والشيخ عمر بعد أن وقع الفاس بالرأس؟!!، وبعد أن خسر المواطنون ممتلكاتهم وحاجياتهم التي أتلفتها مياه الأمطار؟، خاصة وإنهم بالكاد إستطاعوا تأمينها لمعيشتهم عبر العمل الشاق لسنوات طويلة، فهل ستكون د. ذكرى علوش مسؤولة عن أية تعويضات بشرية او مادية للعوائل المتضررة بسبب إهمالها وفساد منظومتها؟، وحيثُ كان من المفروض أن يكون سقوط الأمطار نعمة على الشعب العراقي وليس نقمة، فهل ستشعر بالذنب عند رؤيتها للعراقيين وهم يغوصون في مياه الأمطار للتنقل بين أحياء العاصمة؟، واذا لا يهمها غضبهم فأين ستذهب من غضب الله!!.
لقد كنتُ أشاهد لحظات استلامها مهامها كأمينة للعاصمة من سلفها المهندس نعيم عبعوب وخلال القائه لكلمته التوديعية وتقديمه باقة الورد لها (كجنتل مان)، كنتُ أشعر حينها ومن خلال نظراته وكلامه بأن لسان حاله كان يقول لها " بالعافية عليچ أمانة بغداد بزينها وشينها ولو ما بقيتلچ بيها اي شي زين، يللا اتورطي خلي نضحك شوية"، وهي كذلك كانت تنظر اليه وكأن لسان حالها يقول "راح أتشوف اشراح أسوي وراح أخلي الناس اتظل اتسبّك"!!. 
فلو كانت د. ذكرى علوش في بلد متقدم لأستقالت هي ورؤساء المجالس البلدية للمحافظات في الساعة الأولى من هذه الكارثة، ولسارعت الحكومة بكل اجهزتها الى العمل ليل نهار للتقليل من الخسائر، لكن واقع الحال وحسب ما وصلني بشكلٍ مباشرٍ من العاصمة بغداد بأن يوم الجمعة اي الثلاثين من تشرين الأول كان اكثر ضرراً ومأساوية من اليومين اللذين سبقاهُ.
فمن يناشد شعب العراق المنكوب، والى من يشتكي ويلجأ، فلا أعضاء الحكومات المتعاقبة يسمعون، ولا رجال الدين قادرون بخطبهم على أن يغيروا الواقع الفاسد والمزري، وليس هنالك أي أمل يرتجى من إيقاف الفساد وتداعياته الذي أتى على الأخضر واليابس، حتى بات يهدد بإبادة جماعية حقيقية للشعب بأكمله غير التظاهر من شمال العراق حتى جنوبه ومن شرقه حتى غربه.
كانت هنالك مقولة يتداولها العراقيون لإبعاد التهم عنهم على إعتبارها من الكبائر فيقول أحدهم "شمسوي آني قابل بايك ـ ـ ناهب" وحيثُ كانت السرقة تعتبر من الجرائم الكبرى، حتى ان ابناء الموظف المرتشي يشعرون بالخجل من زملائهم وربما يتركون الدراسة بسبب ذلك، وليس كما يحصل الآن من زهو اولاد السارق والمرتشي بالأموال التي سرقها والدهم من المال العام، فأي حال قد وصلنا اليه وأي وضع مأساوي هذا الذي يعيش فيه شعب كان قبلة شعوب المنطقة والعالم ومثلهم الأعلى في الأمانة والغيرة والكرم والنزاهة، والى متى تبقى يا شعبنا صابر على المِحَنْ.
وأختمُ مقالتي بأبوذية أقول فيها:
أسئلتْ صاحبي أشافْ بعراگي ورايه
إنطاني بكل صراحة فكرته ورايه
گللي بعراگك رفعو الصبر رايه
نبي أيوب ماخذلهم تحية!!!.



94

أيها العراقيون تظاهروا أفضل من أن تُهاجروا

بقلم : سالم ايليا

أبدأ مقالي بالمقولة للمهندس والسياسي الفرنسي فرانسوا كليمان سوفاج (1814ـ 1872م): "ليس للحياة قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئاً نناضل من أجله".
وحيثُ أن الجزء الفاعل من شعبنا الذي يتظاهر كل يوم تقريباً (وليس فقط أيام الجُمع) يعرف هدفه في الحياة وهو مكافحة الفساد وأدواته وإسترجاع أموال العراق المنهوبة مع المطالبة بالإصلاح الجذري للسلطات الثلاث والمجتمع برمّته، لذا فمن الأفضل على مَنْ يحاول ثنيه وتثبيط عزيمته من الذين تعودوا على اليأس وتعبوا من النضال بعد أن كانوا (مناضلين) في صفوف أحزابهم، أو من الناس المستكينين الذين لا فرق لديهم بين "حياة تسر الصديق أو ممات يغيض العِدا" أن يهاجروا الى أي مكان في العالم فيركبوا قوارب الموت أو شاحناته لتقذف بهم على الجانب الآخر من اليابسة.
فلربما نستطيع ايجاد الأعذار للكثير من أبناء الشعب العراقي ممن لديهم أسبابهم المعقولة لعدم مشاركتهم بالتظاهرات والتي قد تعطي الإنطباع الخاطئ لبعض المستفيدين من أعضاء الحكومة كالسيد باقر جبر صولاغ وزير النقل للتفسير الخاطئ حين ذكر بحديثه لأحدى القنوات الفضائية من ان عدد المتظاهرين القليل لا يوحي بان الشعب البالغ تعداده الخمسة والثلاثين مليون نسمة غير راضٍ على الحكومة!!، هكذا فهمها وزير النقل أو هكذا اراد تسويق بضاعته الفاسدة الى الشعب، مستهيناً ومستخفّاً بعقول المشاهدين وكأن الشعب ساذج وبسيط الى هذا الحد ليصدقهُ.
فهل تعودنا فقط ان نخرج (عنوة) بالملايين عندما تطلُبُ منّا السلطات الحكومية على مر الأزمنة لتأييد قادتها الضرورة الذين ذبحونا ولا زالوا يذبحوننا من الوريد الى الوريد، لكننا في ذات الوقت ننزوي في بيوتنا منتظرين (المعجزة) لطرد الفاسدين ومحاسبتهم عندما يعود الأمر لمصلحتنا كشعب، وحيثُ نبرر عجزنا في الدفاع عن مالنا وحياتنا الكريمة كباقي الشعوب بالقول "ماكو فائدة من التظاهرات".
أم ننتظر أحد القادة العسكريين ليقود وحدته ويذهب الى المنطقة (الصفراء) ليحيلها الى الحمراء وتعود سلسلة الأنقلابات العسكرية التي أوصلتنا الى ما نحن عليه الآن منذُ ثورة/إنقلاب الرابع عشر من تموز 1958م وما تلاه من إنقلابات عسكرية أوصلت البلد الى ما هو عليه الآن؟؟؟.
او نستعين بالآلة العسكرية للمستعمر ونخرج الى الشارع لحظتها فرحين ومدمرين ما تبقى من (أنقاض) البنى التحتية للإحتفال لا أكثر، ولنثبت للعالم مدى جهلنا بطرق احتفالنا (بالثورات/الإنقلابات) الوطنية، ثمّ نعود لنشتكي من المحتل وافعاله داخل بيوتنا فقط ؟!!.
أقول للبعض المتردد في دعم التظاهرات: هل نسأل المصريين ليتظاهروا بدلاً عنّا حيثُ أثبتوا للعالم أجمع بَأسَهُم وشجاعتهم وحبهم لبلدهم مصر أكثر من حبنا لبلدنا؟، فقد تعودنا أن نرسل في طلبهم وقت الحاجة، فمرة ليَسُدّوا النقص بالأيدي العاملة لتوجه شبابنا الى حربٍ انتصرنا فيها اعلامياً ولم نحقق فيها اي إنتصارات على الأرض التي اعلنّا الحرب من أجل إستردادها، فبقي الحال على ما هو عليه قبل بدء الحرب، فقط أُضيفَ الى واقع الحال خسارتنا لأكثر من نصف مليون شهيد عراقي من خيرة شبابنا وأضعاف هذا العدد من المعاقين والأرامل والمرضى نفسياً. ومرة أخرى جاءونا إخواننا المصريين مع من جاء من التحالف الدولي لضرب العراق أبان حرب الخليج الأولى، وقبلها كنّا نستقبل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك مرّة كل ستة أشهر تقريباً (قبل أن ينقلب علينا في أسواق السياسة) لطلب التبرعات يوم كان " ظرف العراقيين مملي دبس".
وهل نبقى مستكينين نتشوى في الصيف شواءً بطيئاً للأشهر اللهابة من حزيران وحتى نهاية ايلول من كل سنة، ونئن تحت وطأة الشواء دون ان نصرخ لنُسْمِع أصواتنا حتى لجيراننا؟، ثمّ ننتظر الشتاء لتغرق بيوتنا بمياه المجاري الطافحة وزمهرير البرد القارس دون وجود الوقود الكافي الذي نبيعه لدولٍ أخرى ليتنعموا بدفئه، ام ننتظر الى ان "يقضيا الله أمراً كان مقضيا"؟.
لقد دأب المستكينون على خلق الأعذار لعدم مشاركتهم في التظاهرات وبالتحجج لعدم جدواها لقلّة المتظاهرين والخوف من إنتقام الميليشات التابعة للفاسدين (وتناسوا من أن قلّة المتظاهرين ناتجة عن عدم مساندتهم إخوانهم وأخواتهم في الخروج معهم)، لكنهم تناسوا ايضاً من أن إصرار هؤلاء الشجعان على التظاهر هو الذي أرعب السلطات الثلاث وأجبرهم على تغيير اساليبهم ومحاولتهم إرضاء المتظاهرين باصدارهم للأحكام القانونية ضد الفاسدين، ولو إن أغلب المدانين خارج العراق ومحميين بجنسياتهم المزدوجة، لكن بالتأكيد تستطيع الجهات التنفيذية جلبهم عن طريق الإنتربول أو بالتوقيع على الإتفاقيات الثنائية بين وزراء العدل (كما حصل قبل أيام عندما وقع وزير العدل العراقي إتفاقية تبادل المجرمين مع وزير العدل البريطاني).
 من ناحية أخرى يجب متابعة إسترداد الأموال المسروقة وعدم شمول هؤلاء المجرمين بأي قانون عفو يصدر لاحقاً لتفويت الفرصة على من يأمل في ترتيب صفقة خلف الكواليس بين المدانين من جهة والحكومة من جهةٍ أخرى لتسليمهم الى العدالة دون إسترجاع الأموال التي سرقوها، ثُمّ قضاء أشْهُر معدودة في السجن ذات الخمس نجوم ويُطلق سراحهم بعدها بعفو حكومي عام!!.
قيلَ سُئِلَ المهاتما غاندي لماذا لا يحب الشطرنج؟ أجاب: "لا أريد أن يضحي الجنود بحياتهم، فقط من أجل أن يحيا الملك"، والشعب العراقي بات منذ نهاية السبعينات من القرن المنصرم ولحد الآن يضحي بنفسه لحماية من هم على رأس السلطة.
فتحية لكل حنجرة تصدح للمطالبة بالإصلاح والقضاء على الفساد، وتحية للمرأة العراقية المساندة لإخوانها بساحات التظاهر وحثّهم على الخروج للتظاهر من أجل حياة حرّة كريمة، والأسف كل الأسف على (شيوخ) بعض العشائر الذين يدفعون بعشائرهم للخروج لإنتخاب مسؤول فاسد ويحجمون عن دفع عشائرهم للدفاع عن مالهم الذي يُسرق في وضح النهار وأمام أعينهم من لصوص المافيات، فالشيخ ليس بالعقال والغترة والعباءة المطرّزات بخيوط من الذهب!!، وإنما بصفاته وشجاعته ونُبله كفارس يقود عشيرته الى بر الأمان والحياة الحرّة الكريمة وبوطنيته وغيرته في إرساء العدالة وقول كلمة الحق.

95
حوار هادئ في موضوع ساخن/ الأحزاب الثورية ومستقبل العراق
بقلم: سالم ايليا
أثار المقال الذي كنتُ قد نشرتهُ تحت عنوان (ظُلم النظام الملكي ولا عَدل النظام الجمهوري) ردود أفعال متباينة بين مؤيد ورافض وهذا ما كان متوقعاً لإتصاله بشكلٍ مباشرٍ بمعتقداتٍ وقناعاتٍ ليس من السهولةِ مراجعتها أو حتى مبدأ التفكير بتغييرها.
فقد استلمتُ عبر بريدي الألكتروني آراء مختلفة موجزة، كذلك اطلعتُ على تداخلات القرّاء الكرام في المواقع الألكترونية عبرت جميعها عن فهمٍ متباينٍ لكل ما يتعلق بالسياسة والوطنية والنظرة الشمولية للمراحل التي مرّت بها الدولة العراقية الحديثة والصراعات الدولية وتأثيرها على العراق والمنطقة بشكلٍ عامٍ.
فمن القرّاء من أعتبر الإنقلاب العسكري/الثورة في الرابع عشر من تموز/1958م هو بداية الإنتكاسة للدولة العراقية الحديثة الفتية والإنقلاب على الشرعية الدستورية، كونه إنقلاباً عسكرياً للسيطرة على الحُكم، وحيثُ أفرز فيما بعد ديماغوجية قادته وصراعهم على السلطة دون النظر الى المصلحة العُليا للبلد. ومنهم من أعتبر الأيديولوجيات الحزبية هي السبب في الكوارث التي المّت بالعراق، متهمين فيها الأحزاب بنشر معتقداتهم على حساب الوطنية والتضحية بالوطن والمواطن العراقي في سبيل فرض آرائهم وقناعاتهم الحزبية على المجتمع العراقي دون الأخذ بنظر الإعتبار خصوصيته الفريدة بتركيبته المتعددة القوميات والأديان والمذاهب. ومن القرّاء مَن اتهم الأمبريالية العالمية واذنابها في التخطيط للمؤمرات وسعيها لعدم استقرار العراق للسيطرة على خيراته ولحماية مصالحها في المنطقة. ومنهم من له قناعة من ان المجتمع العراقي يتكون من فوبيات قومية ودينية (معنى كلمة فوبيا: هو الخوف لطائفة معينة من أمرٍ ما، وقد استخدمها احد القرّاء للدلالة على الخوف وعدم الثقة بين شرائح المجتمع العراقي من بعضها البعض بسبب التنوع الأثني أو الديني) وذلك بسبب تركيبته المُعقدة ولهذا يحاول البعض الغاء بقية المكونات والإنفراد بتركيبة واحدة للمجتمع وهذا محال. ومن القرّاء ايضاً من دافع عن النظام الجمهوري الإنتخابي ونبذ النظام الملكي الوراثي أو العكس. ولغرض الإجابة على تلك التساؤلات، فقد أرتايتُ تنسيقها ومحاولة الإجابة عنها بعيداً عن التشنجات العقائدية والمشاعر اللاإرادية والعفوية في الوقوف مع هذا الرأي أو نقيضه وبصوت وطني صريح بعيداً عن المعتقدات الحزبية اياً كان مصدرها.
1-   من خلال قراءة التاريخ والبحث عن كل شاردة وواردة في طريقة تنفيذ ثورة/إنقلاب الرابع عشر من تموز 1958م، تبينت لنا الحقائق التي ادت الى صراع السلطة بين قادة الإنقلاب، فالجميع متفق على ذكاء ودهاء عبدالكريم قاسم واستغلاله  تهوّر عبدالسلام محمد عارف واندفاعه وتحمسه لتنفيذ الإنقلاب، فاللواء العشرين هو المنفذ الحقيقي للثورة/الإنقلاب (الذي كان بأمرة الزعيم الركن احمد حقي محمد) وفيه العقيد عبدالسلام عارف المنفذ الفعلي للإنقلاب الذي إستغل كتاب مديرية الحركات العسكرية بالحركة من جلولاء الى الإردن مروراً بالعاصمة بغداد، في حين ان اللواء التاسع عشر الذي كان بأمرة المخطط للثورة الزعيم الركن عبدالكريم قاسم هو لواء الأسناد للثورة الذي تحرك من معسكر المنصورية للسيطرة على بعض المرافق المهمة في بعقوبة ومن ثمّ دخوله بغداد وتمركزه صبيحة يوم الرابع عشر من تموز في منطقة بغداد الجديدة ووصول عبدالكريم قاسم الى وزارة الدفاع قبيل الظهيرة بهيئة القائد للإنقلاب/ الثورة.
2-   التأييد الفوري للأحزاب الأيديولوجية بمختلف مسمياتها (ما عدا الأحزاب الدينية لأنه لم يكن لها وجود في تلك الفترة) للإنقلاب/الثورة ومناشدة جماهيرها للخروج الى الشارع لدعم هذا التغيير جاء كنتيجة حتمية لتاريخ صراعها ضد الملكية وبإندفاع عفوي وعاطفي دون النظر الى نتائج هذا الحدث وما قد يترتب عليه من تشبث القادة العسكريين بالسلطة والتصارع عليها (وهذا ما حدث فعلاً)، ولم يكن هنالك اي تحضيرات تنظيمية وميدانية لتلك الأحزاب لأخذ زمام المبادرة من العسكريين حال نجاح هذا التغيير وذلك من خلال تفعيل الدستور والشروع مباشرةً بالإنتخابات (أو لنقل كان هنالك تباين في وجهات النظر لقياديي تلك الأحزاب في موضوع ما بعد التغيير)، علماً بان بعض تلك الأحزاب كانت لديها معلومات مسبقة لخطط "الضباط الأحرار" وساعة الصفر من خلال عناصرها في الجيش المشاركة في الإنقلاب لإسقاط النظام الملكي الدستوري لإحلال نظام عسكري علّق الدستور، حيثُ من المفترض تعارض هذا الأمر مع ايديولوجياتها واهدافها.
 كذلك إنقسام تلك الأحزاب بين قطبي الصراع على السلطة (عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف) وحيثُ أصبحت جزءاً مهماً من ذلك الصراع، لا بل أججته أكثر بفعالياتها الشعبية الثورية مما لم يترك المجال لإصلاح ذات البين بين القائدين العسكريين ولإعطاء المجال للبعض من الأصوات الوطنية للتخفيف من حدّة النزاع السلطوي بين العسكريين.   
لذا فمن المنطق ان تتحمل تلك الأحزاب المسؤولية الوطنية التاريخية والأخلاقية لكل الدمار الذي اصاب العراق منذ ذلك الحين ولحد الآن بإعتبارها المحرك الفعلي للشارع العراقي بقواعدها الشعبية.
3-   عدم تحمل الأحزاب الأيديولوجية لمسؤوليتها الوطنية العليا، بل تصرفت بانانية مطلقة بعد نجاح الإنقلاب/الثورة وباهداف ضيقة اثبتت الأحداث انعكاسها السلبي عليها وعلى أعضائها قبل غيرهم من ابناء الشعب من خلال تمسك كل حزب بشعاراته ومحاولة فرضها على الشارع العراقي دون التوصل الى الحد الأدنى للتوافق من أجل المصلحة العليا للوطن، بل على العكس بدأت تلك الأحزاب بنشر الشائعات ضد بعضها البعض لتأليب الشعب على بعضه وبطرق مبتذلة في محاولة لكسب الجماهير الى صفوفها مع الإستخفاف الواضح لمشاعر وتركيبة المجتمع العراقي النادرة (والتاريخ يعيد نفسه الآن بين الأحزاب الدينية بطوائفها المسيطرة على البلد).
4-   إنخراط الإنتهازيون في تلك الأحزاب وسرعة تسلقهم الى المراكز القيادية فيها أدى الى تحييد أهدافها النبيلة وإستحالة تنفيذها.
5-   عدم امتلاك الأحزاب الأيديولوجية لقرارها السياسي وإستقلاليته، وإنما كانت مسيّرة تماماً بالقرارات الصادرة من الدول (المصدّرة) لتلك الأفكار والمعتقدات، والمحكومة بمصالحها وأطماعها (وكما يحدث الآن بالنسبة للأحزاب الدينية الحاكمة في العراق بشقيها)، ومحاولة تلك الأحزاب إثبات الولاء المطلق والأعمى لمنظّريهم من خارج العراق.
 ولهذا أفتقدت الأحزاب لإستقلالية القرار وحَجَبَ عنها الرؤية الواضحة والصائبة، مما إنعكس على تدهور الأمور السياسية للعراق بسرعة، حتى بات العراق كبش الفداء بمواطنيه للأفكار المتطرفة اياً كان مصدرها، وحيثُ دُمّرَ العراق على يد أبناءه إكراماً لمعتقدات كان من المفروض ان تخدمه وليس العكس.       
6-   تأثر الأحزاب الأيديولوجية العراقية ومجموعة من افراد الجيش العراقي بمراتبه المختلفة وفئات اخرى من الشعب بالإنقلابات/الثورات الأقليمية والدولية وشعاراتها التي سوقتها، بدءاً بالثورة البلشفية في روسيا (في اكتوبر 1917م) وإنتهاءاً بالثورة المصرية (الإنقلاب العسكري في 23 يوليو 1952م) بقيادة اللواء محمد نجيب والمقدم (البكباشي) جمال عبدالناصر، حيثُ كان واضحاً هذا التأثير على طريقة اعداد الإنقلاب/الثورة في العراق من خلال تنظيم أو حركة الضباط الأحرار (نفس التسمية التي اطلقها على أنفسهم ضباط الثورة المصرية، لكن المرحوم العميد المتقاعد خليل ابراهيم حسين يذكر في الجزء الأول من كتابه "ثورة الشوّاف" من ان رفعت الحاج سري هو أول من أسس حركة الضباط الأحرار عندما كان الجيش العراقي في فلسطين 1948. وهي نفس السنة التي يُعتقد فيها قيام بعض الضباط المصريين بتأسيس تنظيم الضباط الأحرار في مصر).
 كذلك تأثر العسكريين الآني (أو المخطط له) بطريقة التعامل مع العائلة المالكة وذلك بتصفيتهم جسدياً، جاء نتيجة تأثرهم بالثورة البلشفية وما فعلته بآخر القياصرة الروس وعائلته.
 إذ ساعدت بعض الأخطاء والممارسات للنظام الملكي على بلورة تلك القناعات الثورية (لشريحة لا يستهان بها من الشعب)، اضافة الى ترسبات عدم تقبّل الشعب العراقي للملك ولعائلته المفروضين عليهم من قِبل المحتل البريطاني والقادمين من خارج مجتمعه ودخولهم في أحْلافٍ مشبوهةٍ (حلف بغداد) ضد حركات التحرر لشعوب المنطقة والعالم التي كانت في اعلى درجاتها.
 كل تلك العوامل قادت الى تأييد نسبة غير قليلة من الشعب للإنقلاب العسكري، لكن في ذات الوقت ارتفعت أصوات اخرى مؤثرة للتنديد بتصفية العائلة المالكة وما رافقها من اعمال بربرية سُجلَت كوصمة عار ونقطة سوداء في تاريخ العراق الحديث مما حدا بقادة الإنقلاب والأحزاب الأيديولوجية التي ساندتهم فيما بعد الى التنصل منها ومحاولة القاء اللوم على الشخص المنفذ لتلك المجزرة (النقيب عبدالستار سبع العبوسي ومجموعته).
7-   الرغبة (العفوية) للشعوب بتغيير انظمتها الملكية الى الجمهورية، ظنّاً منها بان عملية تحويل النظام الملكي الوراثي الى نظام جمهوري إنتخابي!! سيحقق العدالة الإجتماعية، وحيثُ أثبتت التجارب القاسية التي مرّت بها تلك الشعوب عكس ما تتصوره تماماً في منطقتنا الشرق أوسطية خاصة ودول امريكا اللاتينية واسيا بشكلٍ عامٍ وذلك لإختلاف الثقافات المجتمعية لطريقة فهمها للديمقراطية (في البلدان الأوربية مثل فرنسا والمانيا تمتاز الأنظمة الجمهورية الإنتخابية فيهما بديمقراطية حقيقية، كذلك تمتاز الأنظمة الملكية الدستورية بديمقراطية حقيقية، كما في اسبانيا)، إذ اقترنت الأنظمة الجمهورية في المنطقة الشرق أوسطية والأسيوية بالأنظمة الشمولية المتمثلة بحكم فردي دكتاتوري متوارث (الجميع يعلم تولي الرئيس الكوري الشمالي الحُكم بعد أبيه، وتولي بشار الأسد الحكم بعد أبيه أيضاً في سوريا ومحاولة صدام حسين في العراق وحسني مبارك في مصر وعلي عبدالله الصالح في اليمن والقذافي في ليبيا وغيرهم الى نقل السلطة الى ابنائهم من بعدهم)، ومن المفارقات انه لم يتم اعتراض تلك الأحزاب بشكل علني على هذا الإجراء (توارث الحكم)، بل باركته الأحزاب المحسوبة على قادتها الشموليين!! في الضد من ايديولوجياتها المعلنة، لابل شرعنته بطريقة أو بأخرى!! وكنتيجة للخوف من الأساليب القمعية التي يمارسها القائد الدكتاتوري حتى على اعضاء حزبه، وبهذا التصرف اعترفت تلك الأحزاب ضمنياً بديمقراطية الأنظمة الملكية التي كانت تسمح لها ولو بشكل جزئي بالإحتجاجات والتظاهرات المنددة بإجراء أو قانون شرّعته الحكومة الملكية المتمثلة برئيس وزرائها وأعضاء وزارته.
8-   كره الشعب للدول الأمبريالية وفي المقدمة منها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وقناعته التامة بان كل سياسي يضع يده بيد تلك الدول هو عميل لها يسعى الى تنفيذ مؤامراتها ومخططاتها والحفاظ على مصالحها على حساب الشعب والمصلحة الوطنية، دون النظر الى الظروف الموضوعية التي جعلت هذا السياسي أو المسؤول القيام بواجبه الأول في محاولة تجنب شر تلك الدول، وسأعطي أمثلة قائمة على طريقة التعامل مع الدول (الأمبريالية) وايهما عاد بالفائدة الى بلده.
فمنذُ مئات السنين وشعب وادي الرافدين يناضل ضد الإستعمار (بدءاًً بالكوتييين القادمين من بلاد زاجروس في همدان ومروراً بالحيثيين والكاشيين والعيلاميين والأخمينيين ثم السلوقيين فالفرثيين الساسانيين ثم المغول الايلخانيين فالجلائريين ثم التركمان دولتا الخروف الاسود والخروف الأبيض  ثم الصفويين القادمين من بلاد فارس وأعقبهم العثمانيين القادمين من تركيا ثم الإنكليز حتى إنتهى بنا مطاف الإحتلال بالغزاة الأمريكان) وبطرق مختلفة منها تبني فئات من الشعب (في العصر الحديث) للأيديولوجيات المستوردة من خارج البلد ظناً منهم بأنها الطريقة المُثلى للوقوف بوجه المُستَعمرِ، فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن : هل إنّ مؤيدي تلك الأفكار قد طردوا المحتل بنضالهم؟، أم أدخلوه الى العراق من أوسع أبوابه وبأكثر الطرقِ همجية وبربرية؟، وحيثُ كانت النتيجة دماراً في دمارٍ ومن سيءٍ الى أسوأ !!.
لقد حاول البعض من السياسيين العراقيين في العصر الحديث (من أمثال نوري السعيد وغيره) تفادي التصادم مع قوى الشر (الأمبريالية العالمية) لقناعتهم وحنكتهم السياسية بعدم جدواها لعدم تساوي كفتي الميزان في هذا الصراع حيثُ لخصّ نوري السعيد سياسته بقوله المأثور: "المعارضون أشد وطنية مني إلا انني أعتقد بأن سياستي هي الأوفر حظاً والأحسن للوصول الى الغاية التي ننشدها جميعاً، فليس بيد أحد أن يعدّل المعوج أكثر من ذلك"(1)، وكان لهؤلاء السياسيين رؤى مختلفة في طريقة (ترويض) اطماع تلك الدول لجعلها مصالح متبادلة بين الطرفين، فماذا كانت النتيجة؟ لقد اتهمتهم الأحزاب الثورية/الأيديولوجية بالعمالة والخيانة وحشّدت الشعب ضدهم وسحلتهم في الشوارع ومثلت بجثثهم لقناعتهم بان ما فعله هؤلاء السياسيون كان من الكبائر، وماذا حصل بعد ازاحة (العملاء) من الحكم بحركة الضباط الأحرار، هل وصلت تلك الأحزاب الى اهدافها (النبيلة) في اسعاد الشعب وطرد الدول الأمبريالية، واذا لم تصل الى اهدافها فمتى ستصل وكم مئة سنة اخرى تحتاج اليها للوصول الى هذا الهدف؟، هذا فيما اذا بقي الوطن موحد!! وبقي بلد أسمه العراق.
من جانبٍ آخرٍ كانت تلك الأحزاب ومن يقف خلفها تحاول وبشتى الطرق (الثورية) المجاهرة بعدائها لما تسميه الدول الأمبريالية وتحاول إثارة تلك الدول دون الأخذ بنظر الإعتبار عدم تكافئ القوى بين الطرفين (الإمبريالي والثوري) معتمدة على المتغيرات الدولية والأقليمية وتحالفاتها، وعلى قوة جماهيرها الشعبية التي رمت بهم في اتون ساحات (النضال) دون الأخذ بنظر الإعتبار على انهم قيمة نادرة وثمينة للمجتمع، فخسر العراق خيرة ابناءه من كافة شرائحه بين قتيل ومهجّر في أرجاء المعمورة كنتيجة لصراع تلك الأحزاب فيما بينها غالباً، وليس كما تدعي نتيجة (تآمر) الدول الإمبريالية عليها، وبدل ان تجد تلك الأحزاب الوسيلة الصحيحة للتعامل مع هذه الدول ذات التطور العلمي والتكنولوجي العالي والذي حسم في كثير من الأحيان المعارك الميدانية بشتى تسمياتها العسكرية والإقتصادية والسياسية لصالحها، راحت الأحزاب تستثير تلك الدول بمناسبة او بدونها متبجحة بعدائها المصيري للأمبريالية!!.
لقد اطلقت الأحزاب الثورية مختلف انواع الصفات الغير وطنية على شخصيات سياسية ودولٍ بكاملها ممن حاولوا تجنب شرور الدول الأمبريالية وآلتهم العسكرية والتعامل معهم بحنكة سياسية لتجنيب بلدانهم الويلات والدمار، فنعتتهم بالعمالة والخيانة للأجنبي كدول الخليج العربي مثلاً، فمن هو الأصح في تفكيره الوطني؟ هل هو الشخص أو الحزب الذي كان يحمل سيفاً من الخشب لمواجهة ترسانة عسكرية متطورة وعقول فكرية خبيثة في نسج (المؤامرات) أدت الى دمار بلده بالكامل، أم دول الخليج التي تعاملت مع الدول الأمبريالية بحيلة سياسية أو لنقل بتحفظ لتجنب شرورهم فوصلت ببلدانها الى بر الأمان وعرفت كيف تدار السياسة وكيفية اللعب مع (الكبار)!!، اضافة الى الحفاظ على كرامة شعوبها بعدم الزج بها في صراعات لا طاقة لهم عليها فحافظوا على كرامتهم وجنبتهم (تقبيل ايادي واحذية جنود المعتدي)، فهل يصح اطلاق صفة العمالة والخيانة على الدول أو السياسيين الذين حافظوا على دولهم وكرامة جيوشهم وشعوبهم وشرف حرائرهم أم العكس؟!!.
لقد كان تأميم النفط واحداً من القرارات الذي اعتبرته الأحزاب الثورية بمختلف مسمياتها ضربة قاصمة للدول الإمبريالية وشركاتها الرأسمالية!! لنهب الثروة الوطنية، كما اعتبرته تلك الأحزاب المؤشر الرئيسي لوطنية الحُكم من عدمه، فهل تحقق فعلاً هذا الهدف؟، أعتقد من ان الجميع يعرف الجواب ولا داعي للخوض بتفاصيله ولكن هنالك سؤال يتردد على السنة كل العراقيين، أين هي عائدات النفط العراقي منذُ قرار التأميم ولحد الآن حيثُ من المفترض ان تكون مردوداتها مئة بالمئة للعراق؟ وماذا طوّرت في العراق؟، هل طوّرت الحقول النفطية وزادت انتاج العراق الى عشرة ملايين برميل يومياً كما حدث في السعودية التي تسيطر على انتاجها الشركات العالمية (الإستعمارية)؟!!.
 فالمدن العراقية من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها بقيت على حالها مع اختلاف يكاد لا يذكر بتطور بسيط للبنية التحتية، واين هي المصانع العملاقة التي كنّا نتفاخر بها عدا مصانع التصنيع العسكري التي كانت تكلف الميزانية العراقية أضعاف المبالغ فيما لو تمّ استيراد السلاح من منشأهِ؟ وهل كانت تلك المصانع ذو جدوى اقتصادية؟ وهل كانت عراقية التصميم أم مجرد كنّا مشغلين لتلك المصانع؟، ولي في جعبتي عشرات الأمثلة للهدر الإقتصادي في المصانع الحكومية، وهل اصبحت المدن العراقية كإمارة "دُبي" مثلاً من ناحية التطور المعماري والمستوى المعيشي التي أذهلت العالم بعمرانها؟.
 والسؤال الذي يفرض نفسه: اذا كانت الشركات النفطية العالمية (تنهب) ثروات البلدان النفطية، فكيف اصبحت دول الخليج العربي كافة من أغنى الدول في العالم ومن اين لها هذا المال لإنفاقه على الإعمار؟؟؟، وكيف أصبحت كندا (هذا البلد الرأسمالي) من أكثر البلدان تطوراً في العالم دون تأميم شبر واحد من منشآتها النفطية، إنما تمتلكه شركات عالمية مثل شل وسنكرود وسنكور وتوتل الفرنسية وغيرها، علماً من ان دخل كندا القومي لا يزال تتحكم به اسعار النفط العالمية، وانا شخصياً عملتُ في معظم تلك الشركات لما يزيد على خمس عشرة سنة في كندا ولم يكن هنالك اي شركة وطنية عدا شركة "بترو كندا" ثمّ باعت أجزاء كبيرة من حصصها للشركات العالمية، وهل ان كندا بمهندسيها وشعبها عاجزة عن ادارة منشآتها النفطية فيما لو أممتها؟!!، فهل من المعقول ان نطلق على كندا بلد مُستعمَرْ من قبل الشركات النفطية؟!!.
مشكلة الأحزاب الثورية هو استخدامها لمصطلحات سياسية كبيرة تتهم بها كل من لا يتماشى مع شعاراتها، والمشكلة الأكبر بانها تجد من يردد شعاراتها كالببغاوات دون تمحيص وتدقيق من بعض البسطاء من ابناء الشعب أو من المثقفين المغرر بهم ومن خرج عن سربهم يتهموه بالخيانة والعمالة.
ومن المفارقات الكبيرة ايضاً: ان معظم اعضاء تلك الأحزاب الأيديولوجية (بضمنها الأحزاب الدينية) عندما يقررون الهجرة القسرية من العراق لا يلجأون الى البلدان ذات الأنظمة التي يؤمنون بها و(ناضلوا) من اجلها والتي يريدون للعراق ان يصبح مثلها، وحيثُ اوصلتنا الى نتائج عكسية دمرت الأرض والعباد، بل يهاجرون الى نقيضاتها.
 فالأممي غالباً ما يهاجر ليستقر ويتنعم بظل الأنظمة الرأسمالية المؤمنة بالدين ( الذي أطلق عليه الأمميون أفيون الشعوب)، والقومي غالباً ما يهاجر الى دول الخليج العربي والأردن (البعض من القنوات الإعلامية تعتبر الأردن المركز الإقليمي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية) التي كان ينعت حكامها بالعمالة والخيانة، أو يهاجر الى الدول الأمبريالية التي اتهمها بمحاربة وحدته القومية، والسلفي الديني بشقيه يذهب الى بلدان الكفر والظلالة ليؤدي فرائضه بمنتجعاتها الساحلية بين الوان واشكال البكيني!!، مخالفين بذلك نظرية " شبيه الشيء منجذب اليه"، حيثُ جعلوها متطابقة مع فيزيائية الأقطاب المغناطيسية "نقيض الشيء منجذب اليه"، ومادحين تلك البلدان وما آلت اليه من تطور وايمان حقيقي برب العباد!!.
 ولا اعلم لماذا فقط الأحزاب الثورية العراقية تتبنى ايديولوجياتها على حساب المصلحة الوطنية وتسعى لتكون رأس حربة عوضاً عن بقية احزابها الشقيقة في الدول الأخرى دون الأخذ بنظر الإعتبار مصلحة العراق العليا، ودون التفكير المنطقي من ان تقوية الأسس الوطنية ينعكس ايجابياً لتحقيق اهدافها الإنسانية وليس العكس، فهل هذا مؤشر على نقص وطنيتنا وإنتماءنا لبلد تتمناه الشعوب الأخرى لما وهبه الله له من خيرات، لكننا لم ندرك قيمته بعد!!.
 ولا اعلم ايضاً لماذا تتبنى الأحزاب العراقية العقائد المستوردة من الخارج ثمّ تعتبر نفسها مركز الإلهام لها ولمئات الملايين من البشر وتبقى ملتزمة بتلك العقائد حتى وإن جفت منابعها الأصلية مع الإصرار أما على تدمير العراق أو تمرير افكارها ونظرياتها، فالعراق الآن وبسبب محاولة تلك الأحزاب تطبيق ايديولوجياتها اصبح مصدر قلق للسلم القومي والأقليمي والأممي، اي بمعنى آخر اعطى مردوداً عكسياً لأهدافها.   
فلو توقفت تلك الأحزاب هنيهة من الزمن وراجعت مراحل نضالها وكم خسرت من مناضليها ممن كانوا بدرجات عالية من التحصيل العلمي والثقافي والإبداعي اضافة الى بقية كوادرها، لوصلت الى نتيجة حتمية بان (نضالها) قد أضرّ بالعراق وبالمواطن العراقي وأعطى مردوداً عكسياً لأهدافها النبيلة، وليس هنالك من بديل سوى العودة الى الإنتماء الوطني الخالص وتأسيس أحزاب وطنية خالصة تأخذ على عاتقها بناء العراق من جديد المتفاعل انسانياً قومياً واقليمياً وأممياً. 
الخاتمة:
ربما اكون قد اعطيتُ الحق لنفسي كمواطن انتمي الى بلدي العراق حتى وان عشتُ خارجه تلك المدة الطويلة بإنتقاد احزاب لها تاريخها النضالي الطويل الذي نحترمه جميعاً، لكن في ذات الوقت ارى من الضروري ان نضع النقاط على الحروف وندق ناقوس الخطر الذي بات يهدد وحدة الوطن وضياعه، فالوطن فوق الجميع، فما فائدة احتفاظنا بتاريخ نضالي وكفاحي طويل دون وجود وطن تُكتبُ في صفحات سفره تلك الأحداث، فللجميع محبتي وإعتذاري ان كنتُ قد قسوت في حكمي على طريقة محبتهم للعراق. 


إنتباهة:

(1):هذه المقولة تم نقلها على لسان الدكتورة عصمت السعيد زوجة المرحوم صباح نوري السعيد والتي ذكرتها في كتابها "نوري السعيد رجل الدولة والإنسان" الذي يحتوي على 378 صفحة وبقياس 24×17 الصادر في سنة 2003م عن دار الساقي للنشر.


96
السليمانية وعينكاوة والقوش تضمُ أصواتها الى صوت الثائرين

بقلم : سالم ايليا

لم نتفاجأ بخروج المئات ومن ثمّ الآلاف بالتظاهرات من أبناء شعبنا العراقي من السليمانية وتوابعها وأربيل وتوابعها المتمثلة بشعبنا في عينكاوة، وكذلك أبناء شعبنا في القوش الشجعان الذين إنظمّوا الى إخوانهم العراقيين في ساحة التحرير.
فمن تعمّذ بماء دجلة والفرات وشرب من مياههما، فقد تبارك جسده ببركة العراق وحمل إسمه بإنتماءه اليه وفاضت وأمتلئت روحه بحب العراق والغيرة الوطنية عليه المشبعة بالإحساس العالي لرفض الظلم والقهر وسياسة التجويع أياً كان مصدرها، لا يَهُم الى أية جهةٍ ينتمي العراقي، شرقه أم غربه ـ ـ شماله أم جنوبه، المهم له غيرة العراقي المنتفض  ضد  الجور وأدواته، فهكذا خُلِق انسان وادي الرافدين.
لقد زفّت الينا وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أخبار خروج  المئات من أبناء عينكاوة في محافظة أربيل بتظاهرة سلمية عصر يوم الجمعة المصادف التاسع من آب الحالي مطالبة السلطات المحلية في إقليم كردستان بمحاسبة الفاسدين في منطقتهم، والحفاظ على إرثها التاريخي وسمعتها البيضاء ممن يحاول تدنيسها، وقد سبقهم إخوانهم المهجرين الساكنيين في عينكاوة أيضاً المطالبين بتحرير أراضيهم من "داعش" وبأسرع وقت ممكن للعودة اليها.
أما شباب القوش الشجعان فقد إنظموا في نفس الجمعة الى إخوانهم المتظاهرين السلميين في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد ليبعثوا برسالتهم الى من هم في موقع المسؤولية وليقولوا لهم من انهم جزء لا يتجزأ من شعب العراق، وليؤكدوا إنتمائهم الموحد للعراق وعاصمته بغداد الحبيبة، وعسى أن يفهم الساعون الى تجزئة العراق هذه الرسالة العظيمة، حيثُ رفع المتظاهرون الألقوشيون نفس شعارات إخوانهم في ساحة التحرير منددين بالفساد وأذنابهِ ومطالبين بالإصلاحات على طول الوطن وعرضه.
أما في السليمانية/قلعة دزة فقد إستمرت التظاهرات الغاضبة ليوم الجمعة حتى فجر  يوم السبت لما رافقها من أحداث مؤسفة راح ضحيتها ثلاثة من المتظاهرين الأبرياء وأضعافهم من الجرحى، إذ تطورت الأحداث لتصل الى حلبجة ومركز مدينة السليمانية ولتصدّع الإئتلاف الكردستاني وتفتح صفحة جديدة من العلاقة بين الأحزاب السياسية في إقليم كردستان، وحيثُ يأمل جميع العراقيون أن لا تتطور الأمور الى أبعد ما هي عليه الآن، فالعراق والعراقيون ليسوا بحاجة الى فتح جبهة أخرى للإقتتال الداخلي لا سامح الله، لكن في نفس الوقت على من هم على رأس الهرم في الإقليم دراسة مطالب المتظاهرين المشروعة وصرف رواتبهم التي هي مصدر رزقهم الوحيد.
ان تلك التظاهرات مجتمعة أرسلت رسالة واضحة لمن يهمه الأمر من ان مصير العراقيين واحد من زاخو الى الفاو، فعسى أن تصل هذه الرسالة الى مسامع من بهم صمَمُ !!.   


97
نطالب بتطبيق قوانين العدالة الإسرائيلية في بلداننا العربية
بقلم : سالم ايليا
ربما سيستغرب القارئ الكريم من عنوان مقالي هذا والذي سيستفز مشاعر البعض من حيثُ المطالبة بتطبيق القوانين الإسرائيلية في بلداننا العربية، لِذا أتقدم بإعتذاري وأسفي الشديدين سلفاً لِمن سأتقاطع معه في الرأي بمطلبي هذا، خاصة وإننا قد نشأنا منذُ نعومة أظافرنا على كره الإسرائليين وإعتبارهم العدو الأول لنا لإغتصابهم أرض فلسطين وتشريدهم لمئات الآلاف من أبناءها !!.
 ان  الغاية من المقال ليست لتجميل صورة (عدوّنا) وإظهار إنسانيته على حساب نشر غسيلنا الوسخ على الملأ وإظهار وحشيتنا وكره بعضنا البعض، لكننا في ذات الوقت لا يجوز أن نفعل كالنعامة فندفن رؤوسنا في الرمال ونغض النظر عن الجرائم اليومية التي ترتكب بحق مواطنينا الأبرياء.
 فكل يوم تقريباً تتناقل وكالات الأنباء المحلية والعالمية اخبار الإنفجارات والقتل المجاني وعلى مدار السنة للأبرياء من ابناء شعبنا وجلّهم من الأطفال والنساء والكسبة في الأسواق الشعبية ومناطقها الفقيرة، إذ بلغت تلك الأعداد المخيفة من الضحايا أضعاف أي رقمٍ في اي حربٍ خارجية خاضها العراق ضد اي دولة أجنبية.
كذلك كل يوم تقريباً تخرج علينا وسائل الإعلام بتصريح لهذا المسؤول أو ذاك بفضيحة فساد يكون بطلها مجهول الهوية وكأن الفاسد ليس (منّا وبينا) وإنما قد جاء من بلاد الواق واق سرق ونهب ثمّ إختفى.
نعم لقد شرّد الإسرائيليون الكثير من الفلسطينين لأنهم ليسوا من أبناء جلدتهم، فما بالنا وطوائفنا تشرّد بعضها البعض وتقتل بعضها البعض بطرق بربرية، حيثُ إمتلئت مساحات واسعة من البراري بخيم المهجّرين الذين يفتقدون الى أبسط الخدمات الإنسانية، كما (غصّت) دول المعمورة باللاجئين من جميع الطوائف نتيجة الحروب الطائفية المذهبية/القومية.
وما بالنا حين سمعنا بموت أحد الفلسطينيين تحت التعذيب في أول إسبوع إستلمت فيه السلطة الفلسطينية مقاليد إدارة الضفة الغربية بعد الإتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي !!، فليس غريباً أو خافياً على أحد موت العشرات لا بل المئات تحت التعذيب في كل بلداننا العربية سنوياً، إذ إننا لربما (نتفهم) موت السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية أو العكس، لكننا لم نسمع أبداً بموت إسرائيلي واحد نتيجة التعذيب في إسرائيل.
وفي تقديري هذا ما دفع بمجموعة من الفلسطينين للدفاع عن إسرائيل (وهم من عرب 1948 كما يطلق عليهم) !!، حين سمحت لي الظروف لحضور لقاءٍ في الأردن سنة 1995م بين أفراد عائلتين لأخوين التقيا بعد غياب إستمر منذ النكبة (في الخامس من حزيران سنة 1967م) حتى عام 1995م، وكان لقاءاً عاصفاً إمتزجت فيه الدموع  بالضحكات، حيث كان جدال ابناء العمومة مع أحد أبناء عمهم (المقيم في الأردن) حين سألهم عن معاناتهم تحت ظل حكومة الإحتلال؟ ـ ـ فكانت إجابتهم : "نحن أفضل منكم بكثير أنتم الذين جئتم لاجئين الى الأردن، فلنا حرية الكلام ولدينا ممثلين في الكنيست الإسرائيلي يستطيعون تقديم رئيس الحكومة الى المسائلة أو حتى المحاكمة إذا كان لديهم أي دليل ضده ـ ـ فهل تستطيعون أنتم في الأردن فعل ذلك) !!، في حينها إتهمهم بعض الحضور بالمتواطئين مع العدو أو المتهودين، وحيثُ أن الإتهامات جاهزة في جعبنا !!.
كذلك خرجت علينا وسائل الإعلام قبل أكثر من سنة (تحديداً في يوم الأثنين المصادف الحادي والثلاثين من شهر آذار من عام 2014م) بخبرين منفصلين لكنهما يشتركان في فحواههما المتمثل بالفساد المالي، وأولهما : بيان هيئة النزاهة (الحمدلله لا زلنا نذكر أسم النزاهة فقد تصورت يوماً ما بأنه الغي من قاموس العراقيين) بشأن الأموال العراقية المهربة للخارج والبالغة تريليوناً واربعة عشر مليون دولار فقط لا غيرها (التريليون يساوي الف مليار دولار)!!!، حيثُ أوضح حينها مدير عام إسترداد الأموال المهربة في الهيئة المذكورة محمد علي في حديث خاص لإحدى القنوات الفضائية من "وجود بعض المعوقات في موضوع تسلم المتهمين واسترداد الأموال لاختلاف النظم الداخلية، إضافة إلى ازدواج الجنسية وإحكام قضائية يختلف عليها بين الدول"!!، انتهى كلام السيد محمد على، وهذا يعني بالعربي الفصيح ان الأموال وسارقيها عليهم الحصانة (الدولية) ذات الخمس نجوم !!، و" راحت فلوسك يا صابر"، إذ أن منظمة الشفافية العالمية صنّفت العراق كثالث أكثر دولة فساداً في العالم بعد الصومال والسودان في تقريرها للسنة الماضية، وافرحوا يا عرب، الدول الثلاثة الأولى المتصدرة للفساد في الترتيب العالمي هي دول عربية !!.
أما الخبر الثاني الذي  ذكرته وسائل الإعلام تضمن قيام احدى المحاكم الإسرائيلية بالحكم بعقوبة السجن الفعلي لمدة ست سنوات على رئيس الوزراء الأسبق لإسرائيل "إيهود أولمرت" وبغرامة مالية مقدارها مليون شيكل (حوالي 289 الف دولار أمريكي) ومصادرة بعضاً من أملاكه بعد إدانته بقبول رشوى بقيمة (560) الف شيكل في مشروع "هولي لاند" العقاري عندما كان رئيساً لبلدية القدس للفترة (1993-2003م)، حيثُ قدم أولمرت إستقالته في عام 2009م اي بعد ثلاث سنوات من توليه منصب رئاسة الوزراء وقبل توجيه تهمة الفساد اليه، وليس كما يفعل سياسيو الصدفة الآن في التشبث بالمنصب حتى بعد ثبوت جرائم الرشوة والفساد عليهم مع سبق الإصرار والترصد.
وفي السياق ذاته سبق لمحكمة إسرائيلية أخرى ان قضت بعقوبة السجن على الرئيس الإسرائيلي السابق "موشيه كتساف" في قضية بعيدة عن الفساد المالي لكنها مرتبطة بالفساد الأخلاقي المتمثل بالتحرش الجنسي، فشكرنا الله لعدم وجود اي فساد اخلاقي في منظومة الساسة العراقيين عدا بعض الأفلام المسربة بواسطة التلفونات المحمولة لجلسات السمر وحفلات (الكاولية) وارتياد الملاهي الليلية في لبنان والدول الأوربية وما خفي كان أعظم.   
وبعد هذا الذي ذكرته فليتهمني أحدهم بالوقوف مع (العدو) الصهيوني والدفاع عنه وتبرير جرائمه تجاه شعبنا العربي والتي لم تصل في أي حالٍ من الأحوال الى نقطةٍ في بحرٍ من الجرائم التي نرتكبها ضد أنفسنا. 


98
هل من مصلحة الحكومة العراقية الحالية القضاء على داعش ؟
بقلم: سالم ايليا
تشير المعطيات المتوفرة من خلال البحوث والتقارير الواردة من صنّاع القرار في العراق على ان الحرب على داعش لا تأخذ الأولية في ترتيب اهتماماتهم وذلك من خلال عدم إهتمامهم بتقوية القوات المسلحة ودعمها بالعناصر الوطنية الخالية من الإرتباطات الحزبية والفئوية إضافة الى عدم مراعاة الضوابط والأنظمة العسكرية لمنح الرتب العالية، وهذا ما أكده اللواء غازي خضر الياس عزيزة/ المدير العام السابق للمركز الوطني للعمليات المشتركة في لقاءٍ معه على احدى القنوات الفضائية العربية، حيثُ تحدث عن اعطاء رتبة نقيب في الجيش الى (الجايجي) الخاص لمكتب وزير الدفاع السابق وهو شخص أمّي لا يقرأ ولا يكتب!!.
اضافة الى تنفيذ اجندات خاصة للدول الإقليمية من قبل اعضاء الحكومة المرتبطين بعلاقات (حميمية) مع تلك الدول لأضعاف الجيش العراقي لهذا السبب أو ذاك، كذلك تأجيل مجلس النوّاب لجلسته في التصويت على قانون الحرس الوطني اعطى انطباعاً لا يقبل الشك بأن السلطتين التشريعية والتنفيذية لا ترغبان بقيام جيش عراقي وطني مهني قوي يأخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن الوطن ودحر التنظيمات الإرهابية (داعش) وتحجيم دور المليشيات تمهيداً لإلغائها او تحييدها بوضع امرتها تحت سيطرة الدولة بشكلٍ من الأشكال.
فمن الملاحظ بان معظم اعضاء الحكومة السابقة والحالية يجدون في تنظيم داعش المنقذ الوحيد لهم للتغطية على اخفاقاتهم في ادارة الدولة ويتخذون منه سبباً للضغط على المجتمع الدولي لإسنادهم بالمال والسلاح تحت عناوين مختلفة واهمها محاربة (داعش)، كذلك تتخذ مافيات الفساد وسماسرة السحت الحرام من تواجد (داعش) سبباً لتحرير العقود الوهمية لشراء الأسلحة والمعدات او في احسن الأحوال شراء أسلحة باسعار مضاعفة لسعرها الحقيقي وبوسطاء ينتمون الى الأحزاب والقوى المتنفذة في السلطة، حيثُ اصبح الطرفان الحكومي والداعشي كالعَلَق والإنسان المصاب بتخثر الدم في شعيراته الدموية، فيستعين بالعلق لضمان انسيابية الدماء في اوردته وحيثُ يستفاد احدهما من الأخر وبصورة متبادلة.
كذلك تحاول الحكومة ابقاء الجيش بعيداً عن العاصمة ومراكز المدن وذلك باستمرار اشغاله بطريقة التعادل الميداني مع داعش (لا غالب ولا مغلوب)، وبهذا تضمن تحييد خطورته على ميليشياتها التي تسيطر على كل صغيرة وكبيرة في بغداد ومدن العراق كافة، هذا بالإضافة الى الإبقاء على المناطق الغربية والشمالية في حالة انشغال وعدم استقرار دائميين لضمان تحييدهما سياسياً.
فلو تتبعنا حصيلة العمليات الحربية التي تخوضها قوات الجيش والشرطة والمجاميع المتجحفلة معها اضافة الى الأسناد الجوي الدولي ليوم واحد فقط ومن خلال خلية الإعلام الحربي التي تزوّد الفضائية العراقية الشبه رسمية بالأخبار، فسنستنتج بان (داعش) قاب قوسين او ادنى من الهزيمة، وان عناصرها قد ابيدوا ولم يبقى منهم إلا العدد القليل، ثمّ نفاجأ في اليوم التالي بهجوم مباغت لداعش تحتل فيه اجزاء اخرى من الوطن الجريح !!.
وللمتتبع لنشأة (داعش) واعتمادها بشكلٍ رئيسي على المتطوعين الأجانب القادمين من كل فجٍ عميقٍ من ارجاء المعمورة وغالبيتهم لم يحملوا السلاح قبل انضمامهم الى هذا التنظيم، وسرعة انخراطهم وتأقلمهم مع جغرافية ارض المعركة الصعبة لأستنتج بان تنظيم داعش يعمل بإستراتيجية علمية لبناء وحداته وتدريب مقاتليه افضل بكثير من تدريبات قوات الجيش العراقي. 
ان النصر لا يأتي بالتصريحات المبالغ فيها ولا بالوعود الكاذبة التي تتردد كل يوم تقريباً عن قرب تحرير المدن والمناطق المحتلة من داعش، وانما يأتي من خلال اعادة بناء جيش مهني محترف ومتطور ومجهز بكافة المستلزمات السوقية والتعبوية، اضافة الى اعادة تنظيمه الهرمي الصحيح من خلال طرد كل منتسب انتمى اليه بتزكية الأحزاب وحَمَلَ المراتب المزيفة التي باتت مثار إستهجان وتندر لعامة الشعب والمجتمع الدولي بصورة عامة.

99
عالية نصيّف المحامية والبرلمانية ذات الوجه المقنّع!!
بقلم: سالم ايليا
تناقلت الأنباء في القنوات الفضائية ومواقع التواصل الإجتماعي عن مصادر مطلعة يوم الثلاثاء المصادف الثاني والعشرين من ايلول/ 2015 خبراً عن القاء القبض على نجل وشقيق وافراد حماية (المحامية والبرلمانية) عالية نصيّف من كتلة (دولة القانون) التي يرأسها رئيس الوزراء السابق نوري كامل المالكي متلبسين بجريمة إختطاف صاحب محل في الكرّادة في وسط العاصمة بغداد وفي وضح النهار.
وكشفت المصادر ان "المخطوف نجح في الاتصال من داخل صندوق السيارة بشقيقه الذي يعمل باستخبارات الداخلية، وهو في الطريق الى فيلا النائبة المذكورة، وارسل له رقم السيارة التي اختطفته والتابعة للنائبة نصيف، مشيرا الى ان قوة امنية تمكنت من اعتقال الخاطفين في احدى السيطرات بعد تعميم مواصفات السيارة، وتحرير المختطف"، واكدت المصادر ان "رئيس الوزراء حيدر العبادي امر بفتح تحقيق في الحادث، ومحاسبة المقصرين!!.
يذكر أن النائبة عالية نصيف تتولى منصب عضو في اللجنة القانونية في مجلس النوّاب العراقي، فيما تولت منصب عضو في لجنة النزاهة في الدورة السابقة"، انتهى الإقتباس.
الله أكبر ـ ـ الله أكبر ـ ـ الله أكبر، لقد جمعت عالية نصيّف كل المميزات المطلوبة للمثل القائل "حامينا حرامينا" وعن جدارة وإستحقاق عاليي المستوى.
فهي محامية أولاً: أي لا يضاهيها أي متهم او مجرم أو اي مواطن عادي في معرفة القانون وتبعاته في حالات الإختطاف، وثانياً: برلمانية عضو في أعلى مؤسسة تشريعية للقوانين النافذة وناشطة الى الحد الذي تسلّقت فيها مناصب إضافية اخرى كعضو في اللجنة القانونية وعضو في لجنة (النزاهة)، ولا أعلم لماذا بدأنا نشم الروائح النتنة من بعض اعضاء لجان النزاهة حتى جعلونا نشمئز عند سماعنا لهذه الكلمة الراقية المعاني في معجم اللغة العربية، وحيثُ جعلوها سياسيي الصدفة كلمة منبوذة من الشعب ومصدر للفكاهة والتندر.   
 فمن المفروض ان عالية نصيّف قد أدت القَسَم الجامعي بعد تخرجها من كلية الحقوق لتكون عضوة نزيهة في المجتمع، كذلك من المفترض أن تكون قد أدت القَسَم الخاص بإنتمائها الى نقابة المحامين للحفاظ على نزاهة مهنتها والإخلاص لميثاقها، والقَسَم الثالث هو القَسَم الأعلى كعضو في مجلس النوّاب العراقي للتعهد باحترام الدستور وبالحفاظ على العراق وشعبه، فهل نكثت (المتهمة) عالية نصيّف كل تلك العهود والأقْسام بسهولة وطلّقتهم بالثلاثة؟!!، ولو فعلت هذا الأمر كإمرأة شرقية وفي مجتمع شرقي محافظ، فسيكون سلوكها مثار جدل كبير بين أوساط الشعب!!.
كنتُ ومنذُ زمنٍ بعيدٍ اشاهد واسمع عن نشاطات هذه المرأة ذات الوجه (الملائكي)!!، فمرة اجابت وبصلافة احدى المواطنات من سهل نينوى وفي لقاء مفتوح بين المسؤول والمواطن بعد الإنتخابات الأولى حين اشتكت المواطنة من عدم حصول الكتلة المسيحية على مقعد في مجلس النوّاب، فكان جواب عالية نصيّف وبقوة: "اي شنسويلكم اذا انتو ما انتخبتوا"، فاجابت المواطنة وبكل هدوء " نحن لم ننتخب لأن صناديق الإنتخابات سُرِقَت قبل ان تصلنا" فأسكتت المواطنة بإجابتها هذه عالية وأرغمتها على هز رأسها مؤيدة لها!!، كذلك تصريحها الذي نَوَهْتُ عنه في احد مقالاتي بشأن قبول الدول الأوربية للاجئين، حيثُ ذكرت البرلمانية عالية بان " أجندات خاصة لدول العالم، تقف وراء الهجرة المنظمة"!!، لكنها لم تذكر اجنداتها هي وعائلتها في عمليات الخطف التي يمارسها نجلها وشقيقها وافراد حمايتها، إضافة الى استخدامهم الغير قانوني للمال العام المتمثل بسيارات وبيوت الدولة المستخدمة لعملية الإختطاف وغيرها من الإنتهاكات التي جعلت الشعب يفكر بالهجرة.
 كذلك امتازت هذه النائبة بالكثير من المواقف الغير مألوفة في مجتمعنا العراقي للمرأة العراقية المحترمة، كضربها بالحذاء للنائب سلمان الجميلي بإحدى جلسات مجلس النوّاب وبالتصريحات (النارية) لتكون دائماً تحت الأضواء، وربما وبسبب بعدها قليلاً عن الأضواء الآن نتيجة خروج ولي نعمتها وحافظ اسرارها ورئيس الكتلة التي تنتمي اليها من رئاسة الوزراء، قررت البرلمانية عالية نصيّف القيام بانتاج افلام أكشن هوليودية للبقاء تحت دائرة الضوء فأوعزت الى نجلها بإختطاف صاحب المحل !!.
وفي تطورٍ لاحق ادعت (المحامية والنائبة) عالية نصيّف وحسب ما أوردته الأنباء نقلاً عن مكتبها الإعلامي: ان إبنها " لم يخطف تاجر الموبايلات وإنما دافع عن أخته بعد نشر صورها فيسبوكياً" وأضافت قائلة: "أصغر أبنائي توجه غاضباً الى أحد أصحاب محال تصليح وبرمجة الهواتف النقالة بعد أن علم بأن هذا الشخص عديم الغيرة والشرف قام بسرقة صور ابنتي الشخصية من هاتفها ثم نشرها في موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك الذي بات نقمة على العراقيين، وحصلت بينهما مشادة تطورت الى عراك بالأيدي"، هكذا ارادت النائبة تبرير جُرم ولدها بإدعاء أخلاقي يمس عرضها لتداعب به ضمائر العراقيين لأنها تعلم بمجتمعهم المحافظ .
وبدل ان تحاول عالية نصيّف تبرير فعل ابنها بإدعاء اخلاقي يمس عرضها!!، كان واجب عليها تقديم استقالتها فوراً وترك التحقيق يأخذ مجراه حسب القانون الذي من المفترض قد شرعته وصادقت عليه السلطة البرلمانية التي تستظل تحت قبتها!! حيثُ كان عذر المحامية والنائبة عالية نصيّف أقبح من الفعل ذاته لتبريرها هذه الجريمة الكاملة الأدلة بمساندتها للأعمال الثأرية خارج نطاق القانون ودولة القانون التي تنتمي اليها.
وبكل وقاحة حاولت النائبة خلط الأوراق بطريقة رخيصة، الم يكن من الأفضل احترامها هي وافراد عائلتها للقانون وإخبار السلطات عن فعل صاحب المحل لإعتقاله وتقديمه للعدالة لينال جزاءه العادل فيما اذا فعل حقاً ما تدعيه عالية نصيّف؟، أم انها خافت ان تتطور التحقيقات وتكشف ما خفي وكيفية حصول المخطوف على صور إبنتها!!، حيثُ لم تذكر عالية نصيّف كيف سرق المجني عليه صور ابنتها من تلفونها، ثمّ ماذا سيفعل ابنها بالمخطوف أكثر مما سيفعله القضاء؟ هل كان سيقتله ويرمي بجثته في نهر دجلة مثلاً لتقيّد الجريمة وكالعادة ضد مجهول؟ فالصور قد نُشِرَت على الفيس بوك والناس شاهدتها وانتهى الأمر، فلا فائدة تُذكَر من إختطافه غير تصفيته، فهل تخلّت عالية عن كتلتها "دولة القانون" وإنتمت الى كتلة "كلمن ايدو الو"!!، ثمّ انها اوقعت ابنها في مأزق كبير امام القضاء لتثبيت نواياه السيئة باختطاف المواطن حين ذكرت "بان المشادة الكلامية بين ابنها وصاحب المحل تطورت الى عراك بالأيدي"!!، الم يكن كافياً (تأديب) هذا الشخص بضربه، خاصة وان إبنها كان برفقته شقيقها وافراد حمايتها مما لا يدع مجالاً للشك في التخطيط لإختطافه ، والسؤال لماذا خطفه اذاً؟.   
ان القضاء العراقي سيكون على المحك في هذه القضية لإثبات نزاهته حقاً وكما يدعي وهذه فرصته لإثبات استقلاله لتوفر عناصر الجريمة الكاملة من تخطيط مسبق للجريمة وتنفيذ كامل بأدلة لا تقبل الشك والتأويل والقبض على مرتكبي الجريمة متلبسين بالجرم المشهود، اي لا يوجد هنالك أي تأويلات خارج نطاق الأدلة المتاحة، وليثبت التحقيق شفافيته ونزاهته وليعلن على الملأ نتائجه، ولربما سيقود التحقيق إلا جرائم أخرى أرتكبت من قبل هذه العصابة المدعومة بصلاحيات نائبة في البرلمان منحها الشعب ثقته لكنها خيّبت آماله كمعظم النوّاب، وليتأخذ أعضاء البرلمان قرارهم بإيقاف هذه النائبة عن العمل لمنعها من استخدام نفوذها للتأثير على سير التحقيقات ومن ثمّ حجب الثقة عنها تمهيداً لتقديم استقالتها لإستخدام نجلها لسيارات البرلمان في عملية الخطف.
واختتم مقالي بالتاكيد على انني تطرقتُ الى قضية النائبة البرلمانية عالية نصيّف ليس لأهمية هذه النائبة، ولا لغرض أو عداء شخصي لأنني لا أعرفها إلا من خلال الشاشة الصغيرة والقنوات الإعلامية الأخرى، لكنها تمثل مرحلة مهمة بمساوئها وتداعياتها التي اوصلت البلد الى ما هو عليه.





100
أجمل ما قيل من شعارات في تظاهرات الشعب
بقلم : سالم ايليا
قال مصطفى كامل:" قولوا للشعوب إنها ما خلقت لتعيش عيشة الأغنام بل تحيا وتعمل وتستثمر الأرض ".(1)
أوردت القول اعلاه لإعطاء المبرر الأخلاقي والسياسي لثورة الشعب الداعي الى الإصلاحات وتحرير الأرض، وقد كنا جميعاً نراقب الشعارات التي رفعها المتظاهرون وكان لغالبيتها عمق في  الطرح والدلالة على الوعي للمتظاهر العراقي وخلفيته الثقافية، علماً بان التظاهرات الحالية هي الوحيدة في تاريخ العراق المعاصر الغير مسيسة وإن تحاول الحكومة وأذنابها الصاق تهمة التسييس عليها، والدليل على عدم تسييها هو تشعب المطالب وضبابيتها وعدم وضوحها وتوحدها خاصة في اليوم الأول للتظاهرة وذلك لعدم وجود قادة حقيقين لتلك التظاهرات التي دللت على عفويتها وصدقها في التعبير عن مشاعر الملايين من العراقيين.
 فمن المتظاهرين من خرج للمطالبة براتبه الذي لم يستلمه لأكثر من ستة أشهر، ومنهم من خرج للمطالبة بتثبيته على الملاك الوظيفي، ومنهم من طالب بتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء أو توفير فرصة العمل له، ومنهم من خرج للمطالبة بتحسين الخدمات الصحية أو تحسين التعليم وبناء المدارس، فلم يخرج المتظاهر للمطالبة بإسقاط التجربة (الديمقراطية) ونظامها السياسي أو إسقاط الدستور كما يحاول الترويج له بعض المندسين، لكن الثائرين طالبوا بتصحيح بعض فقرات الدستور التي تعطي المبرر القانوني للمحاصصة المقيتة، كما وطالب المتظاهرون بتقديم حيتان الفساد من المسؤولين الى القضاء وإستعادة الأموال التي سرقوها، وجميع هذه المطالب مشروعة لا غبار عليها.
وعلى الرغم من عفوية التظاهرة الأولى ومحاولات البعض لتسييسها وتجيير نتائجها لحسابهم فيما بعد، إلا ان المتظاهرين افرزوهم ولفظوهم وعملوا على بلورة مطاليبهم واحتجاجاتهم في التظاهرات اللاحقة وذلك من خلال التواصل الميداني مع بعضهم البعض واشتراك شرائح اخرى من المجتمع لها ثقلها المعرفي، فعمدوا الى رفع الشعارات المنددة بالفساد والمُطالبة في ذات الوقت بملاحقة الفاسدين وتحديد هوياتهم والتي كان لها صداها الواسع في الشارع العراقي، حيثُ اعطت تلك الشعارات والأهازيج التي كانوا يرددونها زخماً اضافياً لشحذ وادامة الثورة، فمنها ما كان يندد بدعاة الدين الذين تسلقوا المناصب المهمة لسرقة اموال الشعب، فخاطبتهم جموع المتظاهرين الغاضبة من خلال الأهازيج والبوسترات والرسوم الكاريكاتورية قائلة: باسم الدين باكونة الحرامية ـ ـ ـ مانريد واحد ملتحي، نريد واحد يستحي ـ ـ ـ عذراً وطني الجريح لقد انتخبتُ اللصوص نصرة للمذهب ـ ـ ـ صار حامينا حرامينا ـ ـ ـ ردناكم عون، طلعتو فرعون ـ ـ ـ نادمون على انتخابكم ـ ـ ـ انتم تسرقون ونحن ندفع الثمن ـ ـ ـ ما نريد حزبية، ولا دولة حرامية ـ ـ ـ لبيك اللهم لبيك، بكنه البلد وجئنا اليك ( الشعب يتندر على المئة والستين برلماني ومسؤول ذهبوا الى الحج).
كما هتف الشعب مخاطباً رئيس الوزراء السابق ورئيس وزراءه الحالي قائلاً: المالكي يا زبـ ـ ـ يا قائد النشالة ـ ـ ـ اغلقوا عيادة الدكتور حيدر العبادي للتخدير ـ ـ ـ مخدر الأصلاحات انتهى مفعوله ـ ـ ـ اتوكل لو تتكتر هاي الساحة تريد اسباع ـ ـ ـ يا لعبادي الظالم طلعه ـ ـ ـ أما ان تكون حزبي أو تكون عراقي ـ ـ ـ نريد افعال لا اقوال ـ ـ ـ يا رئيس الوزراء انت معنا أم ضدنا؟ ـ ـ ـ صح النوم يضرب ثريد ولا يضرب من حديد.
 وعندما طالب حيدر العبادي تفويض الشعب له للتحرك لضرب المفسدين، رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها : من اجل مستقبلي ومستقبل أقراني فوضتك، وعندما لم يستجب حيدر العبادي لمطاليبهم رفع الشعب لافتات اخرى كتب عليها :  من أجل مستقبلي ومستقبل أقراني أسحب تفويضي منك وأفوّض أمري الى الله .
ورفع المتظاهرون شعاراتهم ايضاً ضد أعضاء البرلمان واعضاء الحكومة واحزابها قائلين لهم: الوطن بحاجة الى مخلص وليس الى مخ لص ـ ـ ـ أنا العراق مَن أنتم؟ ـ ـ ـ الشعب أقوى من الطغاة ـ ـ ـ سنبقى نتظاهر حتى يتم الأصلاح ـ ـ ـ حكومة فارغة كالفلين ـ ـ ـ وجودكم يزعجنا ورحيلكم يسعدنا ـ ـ ـ انقذوا العراق من الغدة السرطانية ـ ـ ـ اطلعو بالمروّة احسن ما نطلعكو بالكوّة ـ ـ ـ حرامية حرامية والله شلعتو كلوبنا حرامية ، وقال الشعب عن القضاء الفاسد: اذا صلح القضاء، صلح كل شئ .
أمّا في أربيل فقد كانت شعارات المتظاهرين المسيحيين المهجرين من الموصل وضواحيها ومن سهل نينوى عموماً من نوعٍ آخرٍ تعبّر عن مآسيهم وما يجيشُ في نفوسهم من المٍ وحسرةٍ ومخاطبين المسؤولين والشعب العراقي ومن لهم ضمائر في العالم أجمع لإيجاد حل لمشكلتهم، حيثُ رفعوا شعاراتهم بالقول: تذكر قبل ان تغفوا على اي وسادة، أينام الليل من ذبحوا بلاده ـ ـ ـ ماذا نقول لهم !! لقد أصبحنا أمَة (اي مستعبدين) ـ ـ ـ متى؟؟ تقفون مع الحق، والباطل يسرح طليق دون ردع أو محاسب ـ ـ ـ المجهول ينتظر مستقبل اطفالنا، فماذا ننتظر أكثر ـ ـ ـ عهد أنتحر فيه الإلتزام وانتشرت اوهام حريات جامحة، زائفة، مزرية، مقيدة بقيود الكذب والزيف ـ ـ ـ لا للهجرة، نعم للتحرير والعودة ـ ـ ـ كفى ضحكاً على الذقون نريد التحرير ـ ـ ـ عائدون، عائدون، سهل نينوى ـ ـ ـ تذكر: لا تستقيم الحياة إلا بصوتك الحر ـ ـ ـ كرامتنا سُلبت وإغتصبت أرضنا وممتلكاتنا، ماذا ننتظر لنعلنها أمام الملأ " نكون أو لا نكون" ـ ـ ـ جفّت ضمائركم، وما جفّت دموع الأبرياء.
لقد أثبتت الشعارات المرفوعة في التظاهرات على وعي كامل من قبل الشعب لِما يفعله السياسيون وهذا بحد ذاته مؤشر مهم لإقتراب ساعة الحساب للمافيات المسيطرة على مقاليد الحكم وإنها لآتية قريباً لا محالة.

إنتباهة :
(1)مصطفى كامل(1874ـ1908م): شخصية سياسية وطنية مصرية ومؤسس للحزب الوطني المصري.
           

101
هل للإصلاح طريق واحد فقط يمر عبر جسر الجمهورية؟
بقلم : سالم ايليا
قالَ مارتن لوثر كينغ الزعيم الأمريكي الأسود: "المصيبة ليست في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار".
وقال المفكر السياسي الإيرلندي أدموند بيرك الذي اوجد مفهوم السلطة الرابعة (سلطة الشعب): " اذا اتحد الأشرار فعلى الأخيار أن يتحدوا وإلا سقطوا ضحية لهم ".
وهنالك مثل يقول: " ثمن الكرامة والحرية فادح، ولكن ثمن السكوت عن الذل والأستعباد أفدح ".
لو تمعنّا بالأقوال المأثورة اعلاه والتي أُستُنبِطت من كفاح الشعوب ونضالها لأستطعنا وببساطة تحديد العلاج لما يعانيه العراقيون من بؤسٍ وشقاءٍ في ظل طواغيت الحكم ومافياته المسيطرة على البلد برمته من مؤسسات ووزارات ومشاريع وحتى الشوارع والمتنزهات التي لم تسلم من سيطرتهم، لا بل تمّ تقاسم الأحياء السكنية والمدن العراقية فيما بينهم وحسب نظام المحاصصة المقيت والتي كانت يوماً ما عائدة للدولة العراقية الموحدة والشعب العراقي برمته.
لقد حاول الشعب منذ انطلاق تظاهرته الأولى في السابع من شهر آب المنصرم الضغط بالطرق السلمية على اصحاب القرار لتنفيذ الأصلاحات ومن خلال التجمعات الألفية في ساحة التحرير والساحات الرئيسية في أكثر من احدى عشرة محافظة عراقية، حيثُ اقيمت المهرجانات والفعاليات الفنية ومنابر الخطابة والشعر، لكن الطرف الآخر أعطى الأذان الصُمّ ولم يستجب للمطالب المشروعة والبسيطة للمتظاهرين مستخفاً بتظاهرهم ومتبجحاً بقدراته التنظيمية للميليشيات التابعة له التي بدأت بعمليات الترهيب المتمثلة بعمليات القتل الفردية لبعض الناشطين والخطف وإقتحام دورهم السكنية والعقوبات الجماعية كحجب المياه الصالحة للشرب عن الأقضية والنواحي المنتفضة ضد الظلم والفساد.
لقد بدأ بعض الناشطون انطلاقاً من محافظة ذي قار بمسيرة سلمية راجلة بإتجاه بغداد تحت شعار "كي لا نهاجر" لمحاولة الدخول الى ما يسمى بـ "المنطقة الخضراء" التي يتواجد فيها السياسيون وذلك لكسر اليأس والجمود الذي بدأ يسري بين أوساط الثائرين مستلهمين قرارهم هذا من ايمانهم المطلق بإستهتار السياسيين بمطالبهم ومعتمدين على تجارب الشعوب التي سبقتهم في التعامل مع حكّامها وسياسييها، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل سيسمح لهم افراد الحمايات المنتشرة هناك لبلوغ مأرَبهم؟ خاصة وإن اعداد افراد الحمايات تتجاوز الثلاث فرق(وكما صرّح رئيس الوزراء حيدر العبادي) والذي يقدر عددهم بخمسة وعشرين الى الثلاثين الف مسلح على أقل تقدير (عدد حماية البرلمانيون فقط يصل الى ثلاثين فرداً للبرلماني الواحد والبالغ عددهم 328 برلمانياً حسب ما صرّح به أحد أعضاء البرلمان، عدا افراد حماية رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وبقية الدوائر الأخرى في المنطقة الخضراء)، في حين لا يتجاوز عدد الناشطين الذين قرروا الدخول الى المنطقة الخضراء عدّة مئات ما لم تنظم اليهم بقية الحشود التي تتظاهر في ساحة التحرير وساحات بقية المحافظات العراقية؟ وما لم يتوحد الملايين من الأخيار للتصدي لحفنة الأشرار المتحكمة بمقدراتهم؟.
لقد تعلمنا من تجارب الشعوب بأن الحقوق تُنتزع من الغاصب بقوة الإرادة والتصميم وليس بالضرورة بقوة السلاح، وما زال المثل قائم أمامنا لتظاهرات الشعب المصري السلمية التي اطاحت بطاغوت مصر حسني مبارك وزمرته، حيثُ ان تضحيات الشعب ارغمت المجتمع الدولي (ومنهم الدول العظمى المساندة للنظام) للوقوف بجانبه ومطالبة رئيس النظام بالإستقالة.
أما في المشهد العراقي، فهل من الممكن تدويل معانات العراقيين بالزحف الى ما يطلق عليه "المنطقة الخضراء" وتهديد عروش القابعين تحت حمايتها؟ فالحال الذي وصلت اليه التظاهرات وتعنت أصحاب القرار يحتّم على المتظاهرين الإنتقال للمرحلة الأكثر تحدياً وبإحتمالين لا ثالث لهما: فالإحتمال الأول  يتضمن عبور جسر الجمهورية وإزاحة العوائق (أسلاك شائكة ، متاريس ـ ـ الخ) حيثُ لا يخلوا من المخاطر على الصفوف الأولى من المتظاهرين (صفوف الأقتحام) الذين أعلنوا عن انفسهم كمشروع للأستشهاد على الرغم من تمنيات كل أبناء الشعب العراقي ان لا تصل الأمور الى حد المواجهة الحقيقية والتي قد تؤدي الى إستشهاد بعض المتظاهرين (كل يوم يستشهد العشرات بالإنفجارات الناتجة عن الصراعات بين مافيات الحكم وسيبقى الحال على ما هو عليه إذا لم يتم إزاحة هذه الطغمة بإنتفاضة شعبية ربما سيدفع ثمنها بعض الثائرين، إلا انها ستوقف نزيف الدم الحالي والى الأبد)، والإحتمال الثاني السماح  للمتظاهرين تحت ضغط الأعداد المليونية (فيما اذا إنظمّ المتظاهرين في المحافظات الى إخوانهم في بغداد) بدخول المنطقة الخضراء ( وهذا أمر مستبعد لتبعاته المباشرة في إسقاط السلطات الثلاثة)، وفي كلتا الحالتين ستأخذ قضية العراق مركز الصدارة على قائمة الإهتمامات الدولية وسيتدخل المجتمع الدولي لإنهائها.
في نفس الوقت على المتظاهرين فيما اذا قرروا الإقتحام ان يكونوا مهيئين للسيطرة على الموقف من خلال لجان خاصة يحددونها قبل العبور، وذلك لعدم السماح بالإنفلات الأمني الذي قد يقود الى اعمال عنف واعمال انتقامية غير مبررة والتي سبق وان توعّد البعض من المندسين أو المتضررين على تنفيذها في حالة الوصول الى بعض اعضاء البرلمان أو الحكومة، ناهيكم عن احتمالية تورط الميليشيات في التصدي للمتظاهرين.
من ناحية اخرى على الناشطين المنتخبين من الجموع الثائرة تهيأة قائمة وجدول زمني للمطالب في حالة دعوة الحكومة لهم للتفاوض وتهيأة البدائل من التكنوقراط الوطنيين (الغير منتمين الى أي حزب لكي لا يجيير كفاحهم لحساب حزب معين) لإدارة السلطات الثلاثة في حالة تطور الأمور ووصولها الى مرحلة الثورة الشعبية لمنع احداث فراغ اداري وسياسي في المؤسسات والسلطات الثلاث، وبهذا يكون الشعب قد نظّف "المنطقة الخضراء" من الأدغال التي نمت وترعرت فيها لمدة ما يقارب الثلاث عشرة سنة. 
 

102
ظُلم النظام الملكي ولا عَدل النظام الجمهوري
بقلم : سالم ايليا
ربما عنوان المقال سيثير بعض القرّاء الكرام ولكي اقطع الطريق على من يعتقد بانني أحاول التمهيد لعودة النظام الملكي (وربما يؤيده الكثيرون الآن) إلا انني وبحكم الأمانة في طرح الموضوع او ابداء الرأي أرى من واجبي تفسير دواعي الكتابة عنه.
فقد اتصل بي صديق قديم لم اراه او اسمع عنه منذ مدة طويلة ويسكن الآن في احدى الدول الأوربية، وكان صديقي ذو ميول ثورية يسارية وبعد تبادل كلمات الترحيب والإشتياق دخل في موضوع الساعة وهو التظاهرات الشعبية العفوية السلمية للمطالبة بتحسين الخدمات والى ما يتصل بها من فساد وغير ذلك، وفجأة كال المديح للمقال الذي كنتُ قد نشرته والمعنون " ثورة الشعب ام شعب الثورة "، لكنه ابدى ملاحظاته على ما جاء في المقال اللاحق والمعنون " ما هكذا يا رئيس الوزراء تورد الإبل " حيثُ كانت له وجهة نظر مخالفة كقارئ لطريقة صياغة المقال الذي رغبتُ فيه حث رئيس الوزراء الى الوقوف مع الشعب حالي حال بقية العراقيين، لكن صديقي اعتبر اسلوب مخاطبتي لرئيس الوزراء اسلوب (حيادي) أو (محابي)!! وغير (ثوري) وقال ان الذي يشفع للدكتور حيدر العبادي هو اسم والده وولادته في اهم وأعرق أحياء بغداد الذي ارفد الكثير من جهابذة ووطنيي العراق، لكن لا تنسى (موجهاً كلامه لي) بان حيدر العبادي سار في طريق الأحزاب الدينية منذ نشأته فلا أمل يرتجى منه!!، تركت صديقي يسترسل في كلامه وكنت مستمعاً جيداً له!! حيث أكمل قائلاً : " لا تجامل السياسيين لأن معظمهم الآن هم عار على حديقة الحيوانات "!!(انني وبأمانة وكما وعدته سأنقل إحتجاجه هذا بحذافيره) ثمّ اردف مكملاً كلامه " انت تعلم يا سالم بانني كنتُ يسارياً وكنتُ قاب قوسين او ادنى للإنضمام الى حركة الأنصار في شمال الوطن لكنني وجدتُ بعد رحلة النضال الطويلة من اننا كنّا مخطئين في تصدينا للنظام الملكي، فظلم الملكية أهون علينا من عدل الجمهورية!! ".
لقد تفاجئتُ تماماً برأيه في مجمل ما قالَ، إذ انني كنتُ متوقعاً ان يعترض على المقال الأول كونه يلغي ما اطلقنا عليه سابقاً بالثورات والذي بينتُ فيه بانها كانت انقلابات عسكرية، والشئ الآخر الذي أدهشني تأييده المطلق لعودة الملكية!!، والرأي الأخير كنتُ قد قرأته وسمعته عن الكثيرين ممن ناضلوا وتبؤوا مراكزاً لا يستهان بها في احزابهم الأممية والقومية وحتى الدينية حيثُ اعترفوا وبشكلٍ صريح فشل النظام الجمهوري في إسعاد الشعب وتحقيق أمانيه في الرفاهية والأزدهار واعلنوا وبصراحة ندمهم في التصدي للنظام الملكي وبدأوا بكيل المديح لديمقراطية الملك وعفة وطهارة ايادي وزارئه وحرصهم على المال العام بدءاً بنوري السعيد وانتهاءاً بوزير الداخلية سعيد قزاز الذي اعدم بحكمٍ من محكمة المهداوي وصاحب المقولة الشهيرة " سأصعد الى المشنقة وتحت قدمي أناساً لا يستحقون الحياة ".
فالنظام الجمهوري لم يبدأ بثورة حقيقية للشعب كالتي نعيشها الآن وإنما جاء عن طريق إنقلاب عسكري دموي قاده من كان يطلق عليهم " الضباط الأحرار "، وبكل أمانة ومن خلال قرائتي ومتابعتي لكل ما يُكتبُ عن تاريخ العراق ولكي ننصف الجميع فأن هدف معظم من قاموا بالإنقلاب العسكري في الرابع عشر من تموز/1958 ومن آزرهم من احزابٍ ثورية لم يكن بالسوء الذي نحن عليه الآن، ولربما لو عاد الزمن الى الوراء لتخلى معظم مؤيدي ومنفذي  ذلك الإنقلاب عن تأييدهم للجمهورية وحكمها.
ولربما سيقول قائل كل ما جرى ويجري من أحداث عصفت وتعصف بالعراق وأوصلته الى أسوأ حال في تاريخه المعاصر أو حتى في تاريخه الشامل هي مؤامرات الدول الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة، هذه الشمّاعة التي ما برحت الأحزاب الثورية تستعملها للتبرير عن عجزها في قيادة العراق، فجوابي هو لماذا نصبح ادواتهم التنفيذية لإنجاح مؤامراتهم علينا لو لم يكن هنالك خطأ في نظامنا الإجتماعي وفي ايديولوجية احزابنا الثورية؟ حيثُ اننا نفتقد لحزبٍ وطني واحد يسعى الى بلورة مكونات المجتمع العراقي لتتفاعل مع بعضها على اساس المصلحة الوطنية وحيثُ سعت الأحزاب الأيديولوجية سواء أكانت أممية أو قومية أو دينية الى محاربة واقصاء أي حزب وطني يقوم على اساس المصلحة الوطنية العراقية، ولا يزال المثل قائم امامنا كيف حُجّم الحزب الوطني الديمقراطي لكامل الجادرجي ورفاقه ومن هي الأحزاب التي حجمته، وكما يحدث الآن من اقصاءٍ لكل صوتٍ وطني يلتزم بالخطاب الوطني الخالص وللأسف يُستخدَم الشعب كأداة لتحجيم الوطنيين أما بطريقة الهجوم المباشر والتزام الأشاعات التي تطلقها الأحزاب المتقاطعة مع الأهداف الوطنية أو بطريقة شراء الذمم كما حدث في الإنتخابات الأخيرة!!.
فالكوارث التي المّت بالعراق سابقاً كانت نتيجة اطماع خارجية دخل فيها المحتل وقتل وسرق ودمر ولا زلنا نذكر ما فعله هولاكو وغيره، لكن ما يحدث الآن من سرقات وقتل وتدمير تقوم به ميليشيات واحزاب ومافيات سياسية من ابناء البلد الواحد وهذا ما لم يحدث سابقاً ولم يؤرخ سابقاً في تاريخ العراق، ولست بحاجة الى تذكير القارئ الكريم بان كل ما رفعته الأحزاب الثورية من اهداف وشعارات لم تتحقق وقد اصبحت في مهب الريح، فلا وطنٌ حر ولا شعبٌ سعيد، فالوطن محتل من الأمريكيين تارة وتارة أخرى محتل من مافيات الأحزاب السياسية والشعب أضحى نصفه في السويد. ولا امة عربية واحدة، فالعرب مجزئين الآن اضعاف أضعاف ما كانوا عليه ويتقاتلون ليس بين قطرٍ وآخرٍ فقط لا بل بين ابناء القطر الواحد أو الدولة الواحدة فإنقسموا الى طوائف ومذاهب وملل وعاد النظام العشائري بصيغته المتخلفة وليس بصيغته المتحضّرة ليحكم ويحل محل القانون المدني ومؤسسات الدولة. ولا حتى العودة الى عصر الدعوة التي تطالب به الأحزاب الأسلامية والتي تجاهر بسرقاتها وجرائمها بإسم الدين.
 ولو تسنى لمن ضحوا بأنفسهم من الأحزاب الثورية دفاعاً عن معتقد سامي وهدف نبيل وشاهدوا الى اين وصل العراق لعضّوا أصابعهم ندماً على تضحياتهم، فلقد اكد السياسيون الجمهوريون مقولة " الحُكم هو أثمٌ في العراق منذ سقوط الملكية ولحد الآن ".

103
نريد مسؤول يشرب البيرة ـ ـ وما نريد مسؤول ما عنده غيرة
بقلم : سالم ايليا
اقدم إعتذاري المسبق لمن سأستفز معتقداتهم ومشاعرهم بعنوان مقالي واسلوب طرحي للموضوع، إذ لم أجد أفضل من هذه الصياغة للرد على من اتهموا المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بسرقة الطاقات الشبابية ونشروا صورها وهي تحتسي البيرة.
 لذا سأحاول الرد والمحاججة لنصرة (شاربي البيرة) من العلمانيين الذي يتبؤون المراكز في بلدانهم لخدمة شعوبهم وخدمة الضحايا من الشعوب الأخرى واستقبالهم للاجئين الذين ركبوا المخاطر هروباً من ظلم حكامهم ومسؤوليهم مدعي الإيمان!!.
فقد خرج علينا السيد وزير الخارجية د.إبراهيم الجعفري بتصريح شاهده الملايين قبل سحبه من الفضائيات متهماً انجيلا ميركل بسرقة الطاقات الشبابية من العراق والدول المحيطة به ونسي من انه ومعظم اعضاء حكومته كانوا لاجئين يعتاشون على المساعدات في تلك الدول (لقد صحح الجعفري في تصريح لاحق ما افسده في تصريحه السابق وكالعادة).
كما ونسيَ الجعفري ان يوجه أصبع الإتهام الى رئيس وزراء فلندا الذي تبرع ببيت عائلته الفائض عن حاجته في شمال فلندا لإيواء اللاجئين ولتشجيع شعبه على ان يحذوا حذوه.
كذلك على الجعفري اتهام رئيس وزراء السويد لدعوة شعبه لمساعدة اللاجئين الهاربين من ظلم المتطرفين السلفيين وقادة بلدانهم المنتمين للأحزاب الدينية بعد ان استلم رسالة عبر بريده الألكتروني من شابة سويدية تسأله فيها عن كيفية مساعدة اللاجئين فأجاب شعبه من خلال رسالتها على ضرورة التقشف لإدخار المال لمساعدة اللاجئين وختم حديثه بالقول " أنا فخور بكوني رئيس وزراء لبلد أنتِ مواطنة فيه " .
وعلى الجعفري الهجوم ايضاً على رئيس وزراء النرويج الذي يعمل سائق سيارة أجرة كل يوم جمعة بعد خروجه من اجتماع مجلس الوزراء للإطلاع بشكلٍ مباشرٍ على مشاكل مواطنيه وما يتحدثون به في الشارع من هموم، كذلك على الجعفري تقديم الإحتجاج الى رئيس وزراء هولندا الذي يستخدم الدراجة الهوائية للذهاب الى مقر عمله كل يوم، فهما بذلك يحرّضان شعبنا على التمرد ضد قادته المتأسلمين الذين لا يقبلون بأقل من ثلاثين سيارة مصفحة رباعية الدفع في مواكبهم ومواكب افراد عوائلهم.
فقد عودنا وزير الخارجية على شططه في احاديثه حيثُ يعتبر نفسه من جهابذة العراق الكونفنشيوسيين (الكونفوشيين) فلا ينتبه الى ما يخرج من لسانه ولا يعير اي انتباه لزمان ومكان تصريحاته ولا الى الحضور، إذ يطلق العنان للسانه يصول ويجول وكأنه لا يزال يتصور نفسه جالساً ايام (نضاله) السلبي في احد سراديب احياء لندن يحتسي القهوة مع بعض النسوة ويحكي لهن حكايات ابو زيد الهلالي، فمرة غير جيومورفولجية الأرض وصرح من ان دجلة والفرات ينبعان من ايران، وبتصريحٍ آخرٍ أعلن إستعداده للجلوس والتفاوض مع داعش من خلال مؤتمره الصحفي مع وزير خارجية ايران مما حدا بضيفه الى التحديق به تعجباً لهذا التصريح، وبلقاءه التلفزيوني خرج عن هدوءه حين أُستَفزْ من قبل محاوره المصري وائل الأبراشي وبدأ بالتبجح بخلفيته الثقافية، ومرة أخرى أتحفنا بمقولته الكونفوشية في اطلاق لقب (الملائكية) على حكومته (الشيطانية)، وآخر شططه اتهامه للمستشارة الألمانية بسرقة الطاقات الشبابية ـ ـ اتقي الله يا ابراهيم الجعفري في اقوالك، فقد تجاوزت حدود المعقول في اللغو والهذيان .
كذلك خرجت علينا نائبة البرلمان عالية نصيف بتصريح ادلت به لإحدى القنوات الفضائية و بتحليل غاية في الذكاء والأكتشاف الذي لم يتوصل اليه حتى "شارلوك هولمز" المحقق الأسطوري في روايات الكاتب آرثر دويل، حيثُ ترى عالية نصيف أن " أجندات خاصة لدول العالم، تقف وراء الهجرة المنظمة"!!.
فإذا كنتم يا دعاة الإيمان بالدين تكفّرون (انجيلا) وبقية قادة الغرب لشربهم الخمر والتآمر عليكم لكنهم في ذات الوقت يستقبلون ضحاياكم بالأحضان، فالأولى بكم ان تحتسوا رشفة أو رشفتين من (عصير) البيرة يومياً وقبل كل وجبة طعام دسمة تلتهمونها وشعبكم جائع، فعسى ان تفعل فعلها الساحر وتنشط دورتكم الدموية ويصبح عندكم قطرة دم لتخجلوا من افعالكم التي فاقت كل الجرائم التي ارتكبها هولاكو وجنكيزخان وغيرهما من المحتلين، فهل لأحدكم الشجاعة الكافية لفعلها (علانية) وأثمَهُ وَوِزرَ فعله هذا سأتحمله أنا امام رب العباد.
ألا تهتز ضمائركم من الشعارات التي رفعتها الجموع الغاضبة في ساحات التظاهر والإعتصام لتأييد شاربي البيرة من قادة الغرب ونبذ اصحاب اللحى من أمثالكم، فلربما لم تقرأوها أو تسمعوا بها وهذه نماذج لها : ميركل أشرف من أشرفكم ـ ـ ـ قبلّوا نعال عمتي ميركل فهي تاج رؤوسكم ـ ـ ـ رأيتُ الأسلام فيها ولم أجده في برلمانيينا ـ ـ ـ مانريد واحد ملتحي ، نريد واحد يستحي ـ ـ الى آخره من الشعارات الأخرى، فوالله شعرتُ بالخجل وأنا اكتب وانقل لكم ما كتبه المتظاهرون، فماذا عنكم وأنتم المعنيون بالأمر!!، ألا تهتز لكم شعرة من لُحاكُم أيها المتأسلمون .
فميركل وغيرها من قادة الغرب الذين ذكرتهم في هذا المقال من المؤكد انهم يتوسدون وسائدهم في نهاية كل يوم متعب بعد ان يرتشفوا قدح أو قدحين من البيرة وهم مرتاحو الضمير لأنهم اسعدوا مواطنيهم ومواطني الشعوب المضطهدة الذين التجأوا اليهم ولسان حال من اسعدوهم يقول : بالعافية شربكم للبيرة ـ ـ ووين ما تسري تمري!!.
افلا تستطيعون ادخار الجزء اليسيير من اموال السحت الحرام التي نهبتموها من اموال الشعب أو حتى اموال بعضكم الحلال وكما تدعون من امثال رئيس الوقف السني الذي تفاخر بإظهارها مرغماً في احد البرامج (وانا ممن أكن له كل تقدير وإحترام لتاريخه وعلو مرتبته وإنفتاحه على كل مكونات الشعب العراقي)، اقول ألا تستطيعون التقشف انتم وعوائلكم مثلما سأل رئيس وزراء السويد شعبه لإدخار المال لمساعدة اللاجئين ـ ـ اليس هذا من صلب واجبكم الديني، فالجائع والمهجر لا يحتاج الى وعودكم ودموعكم، والمرأة الأنبارية أو البصراوية أو الموصلية المهجرة لا تنتظر مواساتكم لها فلربما هي قاب قوسين او ادنى لبيع عفافها لإطعام أطفالها، افلا يهزّ هذا الفعل إيمانكم!!.
يقول الإمام علي بن أبي طالب : " رحم الله إمرءٍ أحي حقاً وأمات باطلاً ودحض الجور وأقام العدل " وهذا ما يفعله شاربو البيرة من قادة الغرب وما لم تفعلوه انتم يا ساسة الدين.
وقال ابن تيمية : " ان الله يقيّم الدولة العادلة وان كانت كافرة، ولا يقيّم الدولة الظالمة وان كانت مؤمنة "، وانتم يا دعاة الدين وصل ظلمكم حتى الى اطفالنا الرضّع.
وخاتمة مقالي أوجهها الى جموع المتظاهرين راجياً ومخاطباً، أرفعوا الجمعة القادمة شعار : الما يشرب البيرة ـ ـ ما تصعد عنده الغيرة!!.     
 

104
لا يزال العراق بخير
بقلم : سالم ايليا
لا أخفي سراً اذا قلت ان الحال الذي وصل اليه العراق قبل إنتفاضة الشباب الأخيرة ادخل اليأس والقنوط في قلوب الملايين من أبناء الشعب العراقي واوصلهم الى حالة اللاوعي لما يجري حولهم من خراب ودمار للدولة ومؤسساتها وللمجتمع بأسره، وخطورة هذا الشعور تكمن في انتشاره كالسرطان في جسد النُخبة من المثقفين والأكاديميين والمهتمين بالشأن العراقي قبل غيرهم من ابناء الشعب، فأنزوى معظمهم على امتداد ثنايا المعمورة بين مراقب يائس ومكافح يبحث عن لقمة العيش لإنقاذ عائلته من شظف العيش وبؤسه، حتى انفجر بركان الغضب لفئة شبابية تواصلت عبر مواقع التواصل الإجتماعي فاعلنت ثورتها في السابع من آب الماضي في البصرة الفيحاء وسرعان ما امتد غضبها ليشمل الشعب بأسره فأعادت الأمل الينا جميعاً واعطت بصيص نور وبريق أمل في نهاية النفق المظلم الذي نعيش فيه واعادت الآمال من ان العراق لا يزال بخير.
ـ فعندما ثار الشباب على الفساد والفاسدين مطالبين بتحسين الخدمات وضمان مستقبلهم واعلنوا عن انهم مشروع إستشهاد حتى تتحقق مطاليبهم، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما تظاهر الشعب دعماً للمهجّرين والمهاجرين الذين ركبوا اليم مع اطفالهم هروباً من المآسي التي واجهوها ومطالبين الحكومة للإهتمام بهم، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما تضامنت نساء المحافظات العراقية مع أخواتهن الأيزيديات المختطفات مطالبن الحكومة والمجتمع الدولي بالتدخل لفك أسرهن، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما خرج المهاجرون في بلدان المهجر مؤيديين وداعمين للمتظاهرين والمعتصمين في ساحات الشرف، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما خرجت المرأة العراقية الى ساحات التظاهرات وضمّت صوتها الى صوت اخيها الرجل على الرغم من حساسية الظروف وصعوبتها، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما تلاحم الشعب وانصهر في بوتقة واحدة رافضاً تقسيمه الى قوميات وأديان وطوائف ومذاهب وملل ومطالباً بإعادة هويته الوطنية العراقية الموحدة، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما وصلت احتجاجات وتظاهرات الشعب الى هذا المستوى العالي من الإنضباط والشعور بالمسؤولية والإيثار الذي قلّ نظيره، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما انظمّ المقاتل في جبهات القتال بصوته لنصرة اخوانه في الداخل، مطالباً بدفع رواتبه المتأخرة لأشهرٍ عديدة وهو الذي لم يبخس بحياته فداءاً للوطن المهدد من داعش، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما وقف الجيش وقوى الأمن مع المتظاهرين لحمايتهم من العناصر المندسّة والمؤجورة التي حاولت التشويش والتأثير على مطالب المتظاهرين، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما سخّر الأدباء والكتّاب والشعراء اقلامهم بكلماتهم وقصائدهم الحماسية لدعم المتظاهرين، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما تسابق المطربون بدءاً بالقيصر كاظم الساهر وسعدون جابر وقاسم السلطان وحاتم العراقي وابنه قصي وحسام رسام واسماعيل الفروجي واحمد المصلاوي وعلي العيساوي وقارئة المقام فريدة وزوجها العازف والمنشد محمد گمر وفرقتهما الموسيقية وغيرهم لدعم المتظاهرين بالأناشيد والأغاني والهوسات الحماسية والوطنية، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما (سلّ) الموسيقار العراقي وقائد الفرقة السمفونية الوطنية كريم وصفي سلاحه (الجلو) من غمده وذهب لعزف لحن الخلود العراقي في احد مواقع الإنفجارات، فان العراق لا يزال بخير.
ـ  وعندما سخر الممثلون طاقاتهم لدعم التظاهرات باعمالهم المسرحية، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما دعم الرسّامون بلوحاتهم ورسومهم الكاريكاتورية مطالب الجماهير المنتفضة، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما خرج الطفل ابن الأعوام العشرة امام شاشات التلفزة ليعلن للعالم أجمع عجز الحكومة في ضمان طفولته وعليه العمل لإعالة عائلته المكوّنة من سبعة افراد بين أم وأخت بعد فقدان والده بانفجار لئيم، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما انطلق لسان الأحداث الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الرشد بفصاحة اديب وعقل حكيم للمطالبة بحقوقهم، فان العراق لا يزال بخير.
فسلام عليك وعلى شعبك يا سيدي العراق فلا زلت عراق القيم لكل الأمم.
 
 

105
المنبر الحر / طار الراتب طار
« في: 12:38 08/09/2015  »
طار الراتب طار
بقلم : سالم ايليا
رحمَ الله المنلوجست العراقي فاضل رشيد الذي أمتعنا بمنلوجاته التي كانت تعالج قضايا المجتمع وظواهره السلبية بطريقة ساخرة ومنها منلوج ( الراتب طار ) ومطلعه :
ما تگولون شبيك أصار ـ ـ ـ مشغول وفكرك محتار
راتب هذا اليوم إنطونة ـ ـ ـ سلمتَ بيد الخاتونة
بس يومين ويوم الثالث ـ ـ ـ خلالة جناحات وطار
طار ـ ـ طار
ويبدو ان الحكومة العراقية (الرشيدة) قد تأثرت كثيراً بهذا المنلوج وأخذت زمام المبادرة من أيادي الزوجات لتوفر عليهْنَ ملامة أزواجهْنَ للإسراف في صرف الراتب فصرفت رواتب موظفيها على احتياجاتها الخاصة درءاً للمخاطر التي قد تتسبب بين الرجل والمرأة في حالة صرف الرواتب لمستحقيها وبهذا وفرت على ملايين العوائل المشاكل التي قد تحدث بين رب الأسرة وزوجته على آلية الإنفاق الأسري !! .
فعلى موظفي الدولة العراقية العمل مجاناً وعلى مقاتلي الجيش والقوات المتطوعة معهم واجب الدفاع عن الوطن دون مقابل، فالوطن مهدد من تنظيم داعش وعلى الجميع القتال لدحر العدو واثبات وطنيتهم ولتذهب عوائل الموظفين والمقاتلين الى الجحيم ـ ـ ـ فلا احد يفكر فيهم ولا احد يفكر كيف يقضون يومهم بدون طعام او شراب او كسوة، ولا من اين يدبرون قوت حياتهم اليومي ـ ـ ـ هذه مشكلتهم ، المهم رواتب رئيس الجمهورية وحاشيته ورئيس الوزراء وحاشيته ورئيس البرلمان ونوّابه مدفوعة حتى قبل بداية الشهر وفوقها الف تعظيم سلام !!، فهم الذين يعملون أناء الليل وأطراف النهار لإسعاد الشعب ورفاهيته وتوفير كل مستلزمات الخدمات الأساسية في العيش الرغيد ـ ـ فالماء متوفر والحمدلله وهواعذب من ماء زمزم ـ ـ والكهرباء فائض عن الحاجة وبدأ العراق في تصديره ـ ـ والبطاقة التموينية تصل بداية كل شهر الى باب كل عائلة عراقية كاملة بكل مفرداتها، لا بل اكثر مما ورد في تفاصيلها ـ ـ والمستشفيات وخدماتها كفنادق سبعة نجوم وليس خمسة نجوم ـ ـ والمدارس والجامعات جميعها مؤثثة ومجهزة بكل المستلزمات الدراسية ووسائل الإيضاح ـ ـ ـ علاوة على ان المتقاعد والعاجز وكبار السن مضمونة حياتهم من خلال قوانين التقاعد والرعاية الإجتماعية وجميع هذه الخدمات تقدم مجاناً لا تأخذ الحكومة قرشاً واحداً ثمناً لها ـ ـ فماذا يريد أكثر هذا الشعب (البطران) ؟ ولماذا يتظاهر للمطالبة بدفع الرواتب المتأخرة لأكثر من ستة أشهر؟ ولماذا تطالب عوائل الشهداء بدفع رواتب أبناءهم الذين ضحوا بانفسهم و بأقصى غايات الجود، أوعلى أقل تقدير صرف المنحة المقررة لتكاليف مجلس العزاء ؟ اكيد هنالك مؤامرة لتقويض العملية الديمقراطية !! فالكارت الأصفر لتخويف الشعب بعودة الدكتاتورية وفلول النظام السابق جاهز بوجه المتظاهرين .
هل تعلم الحكومة بمؤسساتها الثلاث (التشريعية ، التنفيذية والقضائية) بانها تخالف الدستور الذي وضعه مؤيديها في المادة 37 (ثالثاً) والتي تنص على ان (يحرم العمل القسري / السخرة) وحيث ان العمل في دوائر الدولة دون دفع الرواتب للعاملين ولمدة طويلة هو نوع من انواع السخرة وهذه الفقرة وضعها المشرّع منعاً لما حدث في عهد النظام السابق من تسخير الشعب للعمل المجاني وتحت يافطات عديدة ( العمل الشعبي ، المجهود الحربي ـ ـ الخ )، لكن يبدو من ان الأحزاب والأفراد الذين كانوا يكرهون النظام السابق والذين جاهدوا وتحالفوا مع المحتل لإسقاطه قد طبقوا المثل القائل : (السبب الوحيد الذي يجعل شخص معين أن يكرهك ، هو فقط لانه يريد أن يكون مثلك تماماً) .
واختتم مقالي هذا بلسان حال المواطن العراقي منشداً منلوجه ومردداً :
راتب هذا اليوم ما انطونة ـ ـ ـ كالو باكتة  البزونة
والدينار گلي شلون لونة ـ ـ ـ الراح بجيوب الحكمونة
الراتب طار ـ ـ طار ، خلالة جناحات وطار




106
رؤوس الفساد في شوطها الأخير ـ ـ دفاع مستميت
بقلم : سالم ايليا
نشرت بعض القنوات الفضائية والمواقع الألكترونية خبر زيارة هادي العامري رئيس منظمة بدر التابعة للمجلس الأعلى الذي يترأسه عمار الحكيم وابو مهدي المهندس رئيس كتائب حزب الله ( العراق ) يوم الثلاثاء المصادف الأول من أيلول الجاري  لمدحت المحمود رئيس السلطة القضائية . وحسب بيان السلطة القضائية فان العامري والمهندس أعربا عن " دعمهما الكامل للقضاء العراقي وعدم السماح لأية جهة التدخل في استقلاله واستنكرا ما يثيره البعض ضد القضاء " معبرين " دعمهما للقضاء ورموزه " .
كما ذكرت وسائل الإعلام والعهدة عليها خبر زيارة هادي العامري لمدينة النجف المقدسة يوم الأحد المصادف الحادي والثلاثون من آب المنصرم حيثُ التقى بمراجع الدين هنالك لحثهم في عدم إسناد التظاهرات الشعبية لأنها وحسب ما ذكِر عن لسانه " تؤخرنا عن القيام بفتوى الجهاد الكفائي ، ونخشى ان يكون لها تأثير سلبي على المعارك ضد الإرهاب "
واذا كان الخبران صحيحين فان العامري والمهندس قد تجاوزا حدود عمليهما كمقاتلين هدفهما الأول الدفاع عن الوطن ضد تهديدات داعش ليرسلا رسالة قوية للشعب على انهما سيتحولان من الدفاع ضد داعش الى الدفاع عن مدحت المحمود ضد الشعب الثائر والذي اطلقا عليه كلمة  " البعض "  والمنتفض ضد الفساد المحمي من رئيس القضاء الأعلى والبعض من كابينته القضائية وحيثُ نرجو من صميم قلوبنا ان يكون الخبران ليس كما اشيع عنهما .
فالعامري والمهندس يعلمان علم اليقين من ان سيطرة داعش على اجزاء واسعة من الوطن كان نتيجة الفساد في المؤسسة العسكرية ولهذا السبب يتواجدان في جبهات القتال التي استشهد فيها المئات من ابناء القوات المسلحة والحشد الشعبي لطرد داعش وتحرير الأرض .
هنالك مقولة عسكرية تقول " المقاتل يزحف على بطنه ِ " أي اذا توفرت للمقاتل كل المستلزمات السوقية ( اللوجستية ) من طعام وتجهيزات وراتب يضمن الحياة الكريمة لعائلته فان النتائج حتماً ستكون مرضية للمسك بالأرض وتحريرها ، كما سيساعد على رفد جبهات القتال بالمتطوعين الجدد ، فالإيمان بالقضية وحده لا يكفي للإنتصار على العدو والروح الجهادية وحدها لا تكفي لهزيمة العدو ما لم تكن مدعومة بالروح المعنوية المستنبطة من العوامل المساعدة التعبوية والسوقية ، فعناصر الجيش والحشد الشعبي لم يستلموا رواتبهم لأشهرٍ عديدةٍ لضمان الحياة الكريمة بادنى مستوياتها لعوائلهم وكما صرّح العديد منهم على شاشات الفضائيات ، ناهيك عن المقارنة الحتمية لانفسهم بالعدو الذي لا دخل مادي لديه لكنه في الوقت ذاته ينعم افراده بظروف افضل بكثير من ظروف الجيش والحشد والمفترض من ان الحكومة قد سخرت امكانياتها الضخمة لدعمهم ، لكن الواقع غير ذلك نتيجة الفساد .
ومن المعروف عند قراءة التاريخ انتفاض قادة الجيش والفصائل المتجحفلة معه ضد الفساد في حالات الحروب وذلك لإنعكاس سلبيات الفساد على جبهات القتال بشكلٍ مباشرٍ قبل انعكاسها على الداخل وإصطفافهم مع الشعب ليتعزز التلاحم الداخلي والجبهوي ، وعلى العكس مما كنّا ننتظره من السيدين العامري والمهندس في الإنضمام الى معظم افراد الحشد الشعبي والشعب برمته لمحاربة الفساد والفاسدين ، تفاجأ الشعب بدعمهما لرؤوس الفساد خلافاً لتوجيهات المرجعية الدينية وبمبرر مغالط للحقيقة التي تقول بان الفساد هو الذي يقود الى الهزيمة وليس حمايته والتستر عليه  و كما ورد في تصريحهما من انه سيكون ذو " تأثير سلبي على المعارك ضد الإرهاب " .
 فالفساد المستشري في المؤسسة العسكري كالسرطان وكما صرح وزير الدفاع هو العائق لتحقيق تقدم ملموس على جبهات القتال فالجيش والحشد الشعبي بحاجة الى الأسلحة كماً ونوعاً واذا افترضنا قيام الدولة بشراء مئة همر بخمسين مليون دولار دون وسيط وبدون وجود اية رائحة للفساد فان نفس المبلغ سوف لن يكون كافياً لشراء أكثر من عشرين همر بالوسطاء والعقود التي تفوح منها روائح الفساد ولدى القضاء العراقي عشرات القضايا من هذا القبيل والتي لم يتخذ فيها اي اجراء قانوني للحد منها ـ ـ أيرغبان السيدان العامري والمهندس بالحصول على مئة همر أم عشرين للتصدي لداعش ؟ ، فالحكومة لديها مبلغ محدد من الميزانية السنوية لشراء الأسلحة وبالنتيجة فان قلّتها تهدد ارواح المقاتلين وتعرضهم للخطر واولهما العامري والمهندس ناهيكم عن تعريض البلد برمته الى الخطر ، كما وصرّح المحامي فراس الخزعلي لأحدى القنوات الفضائية وبالأدلة بان رموز القضاء انفسهم كانوا يصدرون الأحكام بحق مقاتلي الحشد الشعبي لمقاوتهم المحتل فما رأي السيدين العامري والمهندس بهذا التصريح !! ، في حين اعلنت منظمة بدر في تصريح آخر الى احدى القنوات الفضائية ايضاً من ان سبب زيارة هادي العامري الى مجلس القضاء الأعلى كان لمناقشة رواتب المقاتلين !! ، ولا اعلم ما علاقة رئيس القضاء مدحت المحمود برواتب المقاتلين فهي من اختصاص وزيري الدفاع والمالية .
 نرجو من صميم قلوبنا كعراقيين ان ينظم العامري والمهندس ومن يحذو حذوهما الى صوت الشعب كما انظمّ غيرهم من ابناء الحشد الشعبي ومنهم قيس الخزاعي امين حركة عصائب الحق والذي طالب في كلمته التي القاها يوم الأحد المصادف الحادي والثلاثون من آب المنصرم خلال مؤتمر التحديات الأمنية والسياسية الذي نظمته الحركة رئيس المجلس الأعلى مدحت المحمود بالإستقالة وكما ذكرت وسائل الإعلام ، وأختتمُ مقالي بقول الأمام علي بن أبي طالب " اذا رايت مظلوماً فأعنه على الظالم " والشعب العراقي مظلوم بأسره وظالمه الفاسدون الذين طغوا بفسادهم حتى ازكموا الأنوف بروائح افعالهم .   

107
ما هكذا يا رئيس الوزراء تورد الإبل ؟
بقلم : سالم ايليا
إشترط دولة رئيس الوزراء د. المهندس حيدر العبادي على الشعب العراقي حصوله على موافقة ( مليونية ) بإستفتاء شعبي لكي يتمكن ( قانوناً ) من إعادة صياغة الدستور وحل البرلمان ولربما إعلان حكومة طوارئ أو حكومة إنقاذ وطني أو ما شابه ذلك ، جاء ذلك خلال لقاءه بعدد من الصحفيين ورجال الإعلام في السابع والعشرين من آب الحالي . ولكي لا نضع العصا في دولاب الإصلاحات التي إتخذها السيد رئيس الوزراء والتي لا تزال حبر على ورق ولكي لا يفهم البعض من ان الشعب غير مستوعباً للمسئوليات الجسام الملقاة على عاتق رئيس الوزراء المُحاط أصلاً بالمافيات والعصابات المنضوية تحت خيمة الأحزاب والكتل البرلمانية نقول : لقد تعشّم الشعب فيك خيراً حين أعلنتَ مراراً بأنك مشروع إستشهاد وستمضي قدماً لمكافحة الفساد والمفسدين حتى لو كان الثمن حياتك !! . وقد أنتظر الشعب لأكثر من سنة منذ إنتخابك لرئاسة الوزراء دون أن يلمس أي إجراء تنفيذي لمحاربة الفساد والبدأ بالإصلاحات التي وعدتَ الشعب بها ـ ـ ـ الم تكن كافية ربع مدة ولايتك تقريباً لترتيب كابينة وزارتك وإبعاد الوزراء الفاسدون تمهيداً لتقديم من سرق أو أهدر المال العام منهم الى القضاء لينال جزاءه . لقد ذكرتَ في كلمتك أمام الصحفيين من ان مليارات الدولارات التي إختفت منذ سنة 2003م ولحد الآن كان معظمها هدراً للمال العام وليس سرقته !! ـ ـ أيعقل تبريرك هذا يا رئيس الوزراء ـ ـ أيعقل أن تفسر " الماء بعد الجهد بالماءِ " ، وهل تعتبر تهريب النفط العراقي وبمعدل ( 100 -500 ) الف برميل يومياً خلال السنوات التي أعقبت الأحتلال وقبل أن يتم وضع المقاييس وحسب ما صرّح به حينذاك القاضي موسى فرج نائب رئيس هيئة النزاهة هدراً أم سرقة ؟!! ، وماذا تطلق على الغاء عقد شراء طائرات السوخوي / 25  من روسيا البيضاء والذي نوه عنه وزير الدفاع د. خالد العبيدي في لقاءه مع قناة البغدادية في التاسع عشر من آذار المنصرم حين قال وبالحرف الواحد " الفساد المستشري كمرض السرطان في جسد المؤسسة العسكرية " ولم يقل إنّ تلك الصفقات المشبوهة كانت نتيجة الهدر في المال العام ولكنه حدده بالضبط على انه كان فساداً مستشرياً كمرض السرطان ثم أردف مكملاً كلامه وقال : ( وحاولوا الكثير من مافيات الفساد التأثير علينا بهذا الإتجاه أي عدم الغاء العقد ولكنهم فشلوا في ذلك ) !! . تصور يا رئيس الوزراء تحاول مافيات الفساد وبكل صلافة الأتصال بوزير الدفاع لحثه للإبقاء على هذا العقد وغيره من العقود التي الغيت وهي طليقة لا تخاف لعدم وجود قضاء نزيه يحاسبها فهل تضع تلك العقود الملغاة في خانة هدر المال العام أم سرقته ؟!! وما نحن بصدده ليس بضع سنتات وإنما مليارات الدولارات التي تمّ نهبها من المال العام وفي وضح النهار !! . ولأكن متناغماً مع ما ذهبتَ اليه في تبريرك ، أفلا تعتبر الهدر في المال العام جريمة يحاسب عليها القانون !! ، فالهدر يحصل أمّا نتيجة جهل المسئول بمسئوليته أو تقاعسه في أداء مهامه وهو أكبر جرماً من السرقة عملاً ببيت الشعر للإمام إبن القيم " إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظمُ " خاصة وان الشعب بحاجة ماسة لتلك الأموال ( المهدورة ) لتحسين الخدمات الأساسية المفقودة أصلاً والتي جعلت ملايين الشعب تصرخ بصوتٍ واحدٍ " بأسم الدين باكونة الحرامية "  . وإذا كان الوزير باقر جبر صولاغ قد هدد الشعب بنزول مليوني مؤيد لكتلته ولكتلة الصدر الى الشارع للوقوف ضد المتظاهرين السلميين والشعب يدرك تماماً بعدم إمكانيته فعل ذلك حيث إن كتلة الصدريون قالت كلمتها مع الشعب وما تبقى من مؤيديه عضّوا أصابعهم ندماً لإنتخابهم دولة القانون ـ ـ أقول أن الشعب كله مع الإصلاح إلا القليل المستفيد من الإنفلات الأمني والفساد وهم في غالبيتهم من الإنتهازيين وقادة الأحزاب المتنفذة والمجرمين وقد ذهب زمن ( الكارت ابو العشرة ) الذي منحتموه لبعض البسطاء لإنتخابكم ، ناهيك عن ان الشعب سارع في الرد على شرط رئيس الوزراء بالموافقة ( المليونية ) فاندفع في الجمعة التي تلت حديث رئيس الوزراء بالنزول بملايينهم هاتفين له " فوضناك ـ ـ فوضناك " ، فماذا بعد يا دولة رئيس الوزراء ؟!! ماذا تنتظر ؟ هل لا زلت تصر على إصلاحاتك الإدارية الترشيقية بالغاء مناصب لا وجود لها أصلاً إلا لتثبيت المحاصصة و( إهدار ) المال العام بصرف رواتب نوّاب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء الضخمة وصرفيات حمايتهم الأضخم !! . كن مع الشعب فأنت منه وأحفظ أسم عائلتك الكبير وموقعك الأكاديمي الذي جاهدت للحصول عليه وسَيُكتبُ أسمك في سفر العراق الخالد بأحرفٍ من نورٍ ولا تكن مع نفساً شبعت بعد جوع ، فإن الخير فيها دخيل وكن مع نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل وشعبك العراقي جاع بعد شبع وهو أصيل !! ، لكن أنتبه من الإنجرار وراء الغاء أو تجميد الدستور أو أي إجراء إستثنائي آخر دون وضع سقف زمني لعودة الديمقراطية بدستورها وبرلمانها الجديدين درءاً لمخاطر عودة الدكتاتورية الفردية التي كان يخطط لها رئيس الوزراء السابق نوري كامل المالكي .
وخاتمة مقالي هذا مثل الماني يقول : " إنتظر ـ ـ هي أصعب كلمة تقولها لجائع " فلا تقل يا دولة الرئيس لشعبك إنتظر ، فقد إنتظر بما فيه الكفاية .
نعم يا سيادة الرئيس ، انت الرجاء الأخير لبقاء العراق قوياً موحداً وسيحفظ التاريخ لك هذا الإنجاز وأعطي للشعب قبلة الحياة بدلاً من أن تعطيه قبلة الوداع .

108
ثورة الشعب أم شعب الثورة
بقلم : سالم إيليا
قبل الدخول في صلب المقالة يجب علينا القول بان ما يجري الآن من تظاهرعفوي سلمي حضاري في معظم المدن العراقية ما هو إلا ثورة اصلاحية حقيقية كما وردت معانيها في المعاجم السياسية ، ودعونا نعترف بأنها أولى الثورات التي حدثت في العراق منذ إنبثاق الدولة العراقية الحديثة في آذار 1921م ولحد كتابة هذه السطور دون التقليل من اهمية ما سبقتها من انتفاضات للشعب العراقي ، ولنا أسبابنا في ان نعدها الثورة الأولى للشعب العراقي حيثُ ان " الثورة " بمفهومها المصطلحي تعني وبشكلٍ مبسّطٍ قيام الشعب بكل فئاته بمحاولة التغيير الجذري لواقعٍ مزرٍ يعيشه من خلال الإنتفاض عليه وحيثُ تبدأ الثورة من القاعدة الشعبية وليس من هرمها . فنرى الآن ومن خلال متابعتنا لشاشات التلفزة وحدة المَطالب من مختلف شرائح المجتمع وبفئاته العمرية المتباينة ، فالعامل والفلاح والطالب وربة البيت والطبيب والمهندس والمحامي والطفل والشاب والشيخ والعجوز والفنان والمقاتل الذي يقاتل الإرهاب جميعهم يطالبون بتوفير الخدمات الأساسية والقضاء على الفساد المستشري منذ الإحتلال الأمريكي في العام 2003م ولحد الآن وبفصاحةِ لسانٍ لا نستطيع التمييز من خلاله من ان المُطالب هوعراقي اكاديمي ام انسان بسيط انطلق لسانه بمفردات اللغة الجميلة للمطالبة بحقه في العيش الكريم ، إذ خرج الشعب بتظاهراتٍ عفويةٍ غير مسيسة ساعدته وسائل الإتصالات ومواقع التواصل الإجتماعي المتطورة على بلورة مطاليبه واعلان ساعة الصفر التي بدأت شرارتها الأولى من مدينة الفيحاء البصرة الخالدة وسرعان ما إنتشرت نيرانها حتى وصلت الى قرى وقصبات عراقية لم نسمع بها ولم تؤشر مواقعها على خارطة العراق الجغرافية من قبل فأثبتت وجودها بثورتها وأجبرت وسائل الأعلام على تسجيل إنتفاضتها وإيصال صوتها الى أبعد نقطة من بقاع العالم .
ان ما يطالب به الشعب اليوم ليس بالمطلب التعجيزي والمستحيل ، حيثُ ان مطلبه لا يتعدى الخدمات الأساسية في اي مجتمعٍ يعيش في القرن الواحد والعشرين ومن الممكن تحقيقه لو ان هنالك أنظمة وقوانين  وإدارة للدولة ونظام سياسي مبني على اسس وطنية صحيحة ودستور وطني خالي من المطّبات المذهبية والفئوية التي حشرها البعض كقنابل موقوتة تنفجر بوجه من يحاول العبور عليها لمصلحة الشعب برمتهِ .
ولو راجعنا تاريخ العراق الحديث منذ نشوء الدولة العراقية  لوجدنا ان ما اطلق عليه " الثورات " لم تكن إلاّ " انقلابات عسكرية " قام العسكريون بها وطالبوا الشعب باسنادهم من خلال الخروج الى الشارع بتظاهرات غالباً ما دعمتها الأحزاب الأيديولوجية التي كانت تتسيد الحراك الشعبي والوطني حينذاك وبأجندات حزبية موجهة غير خافية على أحد ، فالانقلاب العسكري لبكر صدقي في 29 تشرين الأول 1936م وحركة رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة في الأول من نيسان 1941م وثورة ( إنقلاب ) الرابع عشر من تموز 1958م التي خطط لها العميد الركن عبدالكريم قاسم ونفذها العقيد الركن عبدالسلام عارف وثورة ( انقلاب ) الثامن من شباط 1963م ضد الزعيم عبدالكريم قاسم والحركة التصحيحية التي قادها عبدالسلام عارف ضد البعثيين في 18 تشرين الثاني 1963م مروراً بثورة ( انقلاب ) السابع عشر من تموز 1968م وحركتها التصحيحية في الثلاثين من الشهر ذاته ضد رئيس الجمهورية العراقية حينذاك عبدالرحمن عارف والإنتفاضة التي أطلق عليها فيما بعد بالإنتفاضة الشعبانية بعد حرب الخليج الأولى في العام 1991م والتي انطلقت شرارتها من البصرة أيضاً حيثُ كانت مجيّرة لجهة معينة وكان لها اسبابها السياسية إذ رافقتها بعض الأعمال الفوضوية بحكم الظرف اللحظي حينذاك والتغيير الذي حصل بعد الإحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003م وسيطرة سياسيي الصدفة على مقاليد الحكم تحت خيمة الأحزاب الدينية المسيسة كل تلك التغيرات لم تأتي من واقع الشعب وقاعدته وإنما جاءت من اعلى الهرم ومن مواقع النفوذ العسكري أو الخارجي المدعوم بتأييد قادة بعض الأحزاب ولمنافع سلطوية بحتة ، لذا لا يمكننا اعتبارها ثورات لشعب وجد نفسه مجبراً أخلاقياً على تأييدها لظروفها اللحظية حيثُ ارادت له الأحزاب الأيديولوجية والعسكر ان يكون ( شعب الثورة ) المسيّر متى ما ارادو له ذلك وعلى العكس مما نشاهده الآن فان ( ثورة الشعب ) قد ولدت من رحم المعاناة لأكثر من ثلاثة عشر سنة من الحرمان والجوع والقتل المجاني وإنطلقت بجماهيرها الغفيرة التي انظوت تحت مظلتها طبقة رجال الدين من مختلف الأديان مدعومة بتأييد المرجعيات الدينية الناطقة بالحق والعدل الذي بشر به الأنبياء والرُسل ، وكلمة أخيرة للمتظاهرين لأخذ الحيطة والحذر من المندسين الذين سيحاولون إجهاض ثورتهم وتسييسها ، وهنيئاً للعراق بثورته وثوّاره وسيكون النصر حليفهم حتماً.       


109
معذرة أيتها الحضارة ـ ـ معذرة أيها التاريخ
بقلم : سالم ايليا
بالأمسِ القريب أضفنا الى مساوئنا وذنوبنا ذنباً آخراً عظيماً سوف لن تغفرهُ ( بقايا ) الأجيال القادمة إذا تسنى لها العيش ضمن حدودٍ موحدةٍ لبلدٍ كان أسمه العراق !! .
بالأمسِ سمحنا لشرذمةٍ جاهلةٍ أن تتجاسر وتدمر كل ما بناه السلف الصالح ولم يكن يعلم هذا السلف بأنه ترك تاريخه وأمجاده لخلفٍ طالحٍ .
فالمعذرة لكم يا ملوك وأباطرة الحضارة العراقية السالفة التي أمتدت على إمتداد مشارق الأرض ومغاربها حتى كادت لا تغيب عنها الشمس .
والمعذرة لك أيها التاريخ الذي لم يبقى لنا سواك لنتغنى به كلما أحسسنا بعجزنا وضُعفنا لكتابة سطرٍ واحدٍ فقط في سفرك الخالد .
فنحن مشغولون الآن في قتل بعضنا البعض ـ ـ ـ ونحن مشغولون الآن في سرقة ما تطاله أيدينا من أموال وممتلكات السحت الحرام ـ ـ ـ ونحن مشغولون الآن في تكفيرِ بعضنا البعض وعرض وحشيتنا ونكران آدميتنا للعالم أجمع .
وشكراً للدول التي ( سرقت ) أثارنا وحافظت عليها من عبث أيدينا حيثُ أقامت لها المتاحف العظيمة لتعرضها لِمن له عقل وفكر ـ ـ لتقول له هكذا كانوا أجداد هؤلاء الغوغاء (1) ، حيثُ خلّفت تلك النار العظيمة هذا الرماد المتطاير مع الريح الصفراء التي تجتاح بلدانهم ، وسأقف منذ اليوم ضد أي مطالبة لعودة تلك الآثار الينا ، فهي الآن في مأمن تنتصب شامخة على أراضي الحضارات الراقية للقرن الواحد والعشرين لتحكي للعالم أجمع قصة أولى الحضارات التي اضمحلّت وانتهت بفعلِ غوغائية وجهل من جاءوا خلفاً لأجدادهم الأوائل الذين إجتهدوا في صنع تلك الحضارات .
وسأرفق مع هذا المقال صورة لي التقطتها عدسة كاميرتي حين كنتُ في زيارة الى متحف اللوفر/ فرنسا قبل سنوات مضت حيثُ وقفتُ في طابورٍ طوله عدّة مئات من الأمتار ولساعات طوال تحت حرارة الشمس  ليتسنى لي الدخول الى المتحف لمشاهدة آثارنا التي أتهمْنا فيها فرنسا وإنكلترا وغيرهما ( ظلماً ) بنهبها ونقلها الى بلدانهم ، والحقيقة بانهم فعلوا الفعل الحسن حين أنقذوها من براثن ومخالب وحشيتنا وجهلنا بقيمتها الحقيقية . وحال وقوفي ( شامخاً ) أمام أول دستور " شريعة " يُسَن في العالم ( مسلّة حمورابي ) لأخذ صورة تذكارية مددتُ يدي لأتبارك " بحجرها الأسود " فنبهتني زوجتي الى وجود لوحة قريبة من المسلّة كُتِبَ عليها " الرجاء عدم اللمس " ـ ـ فقلتُ لها لقد قرأتها وأنا أعلم بوجودها ، لكن هذه اللوحة قد كُتِبَتْ لغيري وليس لي كعراقي من حقي أن أتلمسها لأعود بذاكرتي وأعيش في تواصل مع من سَنّ ونحت وصنع هذا العمل العظيم فلربما كان أحد أجدادي هو الذي نحتهُ !!! ، لقد سرت رعشة عظيمة في جسدي لا زلتُ أشعر بها وأنا أمرر أصابع يدي على أجزاء تلك " المسلّة " ، فقد تراءى لي الملك العظيم " حمورابي " وهو يتفحصها قبل أن تأخذ مكانها في ركن من أركان قصره وعادت بي عجلة التاريخ الى سنة 1790 ق.م وهي سنة إعلان هذا الدستور كما ذكر المؤرخون ، كذلك فعلت الشئ ذاته مع الثورين المجنحين اللذين دمرا نسختيهما الغوغاء قبل أيام قليلة في البناية التي كان يطلق عليها متحف الموصل !! ، لكن الذي أغاضني وأغضبني في زيارتي الى متحف اللوفر هو شمول الأثار العراقية بالجناح الفارسي !!! فلا يوجد أي ذكر للعراق في أثاره حيثُ أغمض السياسيون أعينهم منذُ زمنٍ بعيدٍ عن الإجحاف الذي لحق بالعراق وتراثه وسمعته في المحافل الدولية وباتوا يتصارعون على منصبٍ زائلٍ وحروبٍ أوصلتنا الى أسفل الدرك في تسلسل الدول الجاهلة .

إنتباهة :
( 1 ) الغوغاء : هُم السفلة من الناس والمتسرعين الى الشر وليس كما يفهمها البعض خطأ من أنهم جياع القوم .
 

110
صوتوا للعراقي عمّار الكوفي
بقلم : سالم ايليا
" عراقي من كردستان العراق " هكذا يعرّف نفسه ، وما أحلى تعريفه لنفسه ـ ـ فهو لا يمس مشاعر أي عراقي ـ ـ لا بل على العكس يعتز بإنتمائه القومي وهذا حق من حقوقه ، لكنه في ذات الوقت لا يحاول إخراج إنتمائه هذا من دائرة وطنيته العراقيةـ ـ إجتمعت فيه صفات المواطن العراقي الأمثل في هذا الزمن العجاف ـ ـ مؤدب وخلوق ـ ـ هادئ وذو سحنة عراقية جبلية أصيلة و شخصية مميزة على الرغم من صغر سنه ـ ـ مكافح منذ صغره وبإيثار أصبح موضع إحترام من عائلته ـ ـ يتوّج صفاته هذه بصوتٍ رخيمٍ عذب قادر على المنافسة وسط زحمة الأصوات الجيدة المشاركة ،  إنه الشاب والفنان النجم الصاعد عمّار الكوفي المشارك في برنامج " عرب آيدل " على فضائية الـ " إم بي سي " .
عمّار الكوفي يمثل العراق بتاريخه وتنوعه الأثني الجميل الذي تحاول قوى الشر الغاءه في بلد الثقافات العريقة المتنوعة ، والأهم من ذلك كله أنه يجاهد من أجل أن يعرّف الجمهور في العالم العربي على الوجه الموحّد للعراقيين بثقافاتهم وتنوعهم وهذا ما حدا بأعضاء اللجنة الى التأكيد عليه في أكثر من مناسبة .
وربما سيلومني البعض لتركي للمواضيع الساخنة للكتابة عنها والإهتمام بعرب آيدل وأخبار الفن والفنانين ، لكنني أجد هذا الحدث لا يقل أهمية عن الأحداث أو المآسي التي نواجهها اليوم ، فهو الرد الأمثل على صور الرعب والدماء الزكية التي تسيل كل يوم في شوارع وأزقة معظم مدن الأقطار العربية ـ ـ فالظلام لا ينجلي إلا بنورٍ حقيقي يأتي من خلال الفعاليات الإنسانية الراقية ومنها الغناء، إذ " طابت النفوس غنّت " .
" يتذكر الضيم والتعب الذي لاقاه في حياته نتيجة وضع عائلته المادي وتأثرها بالأحداث مما إضطره الى ترك الدراسة والعمل لإيصال أخواته لما وصلن اليه ( إحداهن طبيبة ) وهذا ما جعله منعزل ومغلق على نفسه " ، هذا ما قاله عمّار الكوفي خلف الكواليس في تقرير خاص عن حياته ، فلم يعش طفولته ولا حتى مراهقته كما أظن فخرج الى عالمٍ جديدٍ أبهره هو عالم " عرب آيدل " الذي سخرت له فضائيةالـ " إم بي سي " المبالغ الضخمة لتحصل على مردودات أضخم من خلال التصويت !! ، فالمعاناة العراقية أصبحت سفيرة مع أصحابها حيثما رحلوا وحلوا ، تحكي للعالم قصة الأجيال التي ولدت في " مذود " الحروب وأعداد كبيرة منها غادرت العالم دون أن تعيش ولو للحظات حياة حقيقية وطبيعية كأي جيل من أجيال البلدان الأخرى في زمننا المعاصر .
وللأسباب التي ذكرتها في مقالتي هذه أتمنى أن يستمر الدعم لهذا العراقي من خلال التصويت له فهو يستحقه .

 


111
شيخ يتكلم ... ويدافع عن المسيحية ... وينتقد الفتاوى ضد المسيحيين ...

الى كل إخواني أبناء العراق والأمة العربية الأماجد
تحية المحبة المشتركة للوطن
تمر علينا في هذه الأيام العصيبة أيام أخرى مباركة بحلول الشهر الكريم شهر رمضان المبارك ، وقد وقفت عند أحد الإيملات الرائعة لشيخ تكلم بلسان الجميع وبدا لي بأن الثوب الذي يعتمره والعمامة التي يرتديها لا تخص فئة مذهبية أو دين معين وإنما مثلّت كل الطوائف والأديان ، وواجبنا كشريحة مثقفة أن ندعم الأصوات المعتدلة والمنادية بحقن دماء أبناء الوطن الواحد ودرء الفتن التي خطط ويخطط لها أعداءنا ولتفويت الفرصة على من يريد شراً بوطننا وأهلنا ، وليكن كلام هذا الشيخ الجليل فاتحة أحاديث وأصوات أخرى تعلو لإيقاف الإقتتال في منطقتنا ولمنع التجزئة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد ، فاليوم تكلم هذا الشيخ المؤمن بحق بدينه وغداً يتكلم كاهن أو رجل دين آخر من مذهبٍ آخرأو دين آخر بنفس الروحية الإيمانية باله الواحد الأحد الذي نؤمن جميعنا به ، رجائي الى إخواني وأخواتي المشرفين والمشرفات على المواقع الألكترونية والصحف والمجلات والإعلام بشكلٍ عام أن ينشروا ويشجعوا كل صوت شريف كصوت هذا الشيخ بغض النظر عن من يدافع أو يتكلم ، فالحقيقة هو لم يدافع عن المقابل وإنما دافع عن دينه ورسالته السمحاء  ولنشارك جميعنا في درء الفتن وإيقاف التشرذم بين الأخوة في الوطن والإيمان وستعود الفائدة على الجميع ، رجائي نشر حديث هذا الشيخ الجليل في الرابط أدناه ، وللجميع شكري وتقديري وكل رمضان والعالم بسلام

أخوكم
سالم ايليا





 
https://www.facebook.com/photo.php?v=260318747471040




112
أدب / بلادي ليست ككل البلدان
« في: 14:09 28/06/2014  »
بلادي ليست ككل البلدان
بقلم :سالم ايليا
في بلادي يعيش المرء حياة السلاطين ـ ـ
حيثُ يُخلقُ الإنسان من الطين ـ ـ
ويعشقُ البشرُ فيها شمّ الرياحين ـ ـ
وتُزفّ العروسُ بهودجٍ من الياسمين ـ ـ
وفي بلادي تذبحُ المرأة بالسكين ـ ـ
وتتزايد فيها أعداد الأرامل واليتامى بالملايين ـ ـ
فبلادي ليست ككل البلدان ، يسكنُ أزقتها الأنسُ والجان ـ ـ
وقد حباها الله بكنوز اللؤلؤ والمرجان ـ ـ
وفي بلادي لا يوجد للصفحِ مكان ـ ـ
فالإنتقام سيد كل الأزمان ـ ـ
فلا ينعمُ البشرُ فيها بنعمة النسيان ـ ـ
- - - - -
في بلادي يصبحُ الجاهل في الشعرِ شاعراً ـ ـ
ويصبحُ المؤمنُ التقي فاجراً ـ ـ
وفي بلادي يُخطفُ المرء من بيتهِ في وضح النهار ـ ـ
ويكسرُ سكون الليل بصوتِ الإنفجار ـ ـ
فتُضاءُ عتمة الدُجى بلهيبٍ من النار ـ ـ
ويمتلأ جوف الفضاء بسحابةٍ من الغبار ـ ـ
وفي بلادي يصنعُ الخبزُ من جسد الأحرار ـ ـ
ويُصنعُ الخمرُ من دم الأخيار ـ ـ
- - - - -
ففي بلادي كلّ شئ مجاز ، وكل شئ مباح - -
فلا يشنقُ المدانُ بحبل المشنقة - -
وإنما يُسحلُ حتى تغدو جثّته ممزقة - -
ـ ـ ـ ـ ـ

وفي بلادي يخرجُ الطفلُ من رحمِ أمهِ حاملاً للبندقية - -
ولم يعد يكتبُ في شهادةِ ميلادهِ حاملاً للجنسية العراقية - -
بل يكتبُ فيها هويته الطائفية - -
وفي بلادي كان الناس يسهرون على سطوح منازلها في الليالي القمرية - -
ويلتقي الخلاّن فيها في المتنزهاتِ الشعبية - -
ويتبارى الشعراءُ في أمسياتها الشعرية - -
وبلادي وقفت بوجه الجيوش الهمجية - -
حين دنّستها أقدام الغزاة البربرية - -
ورقص المدافعون عنها على أكتاف المنيّة - -
وفيها غابت القوانين الآلهية - -
وتبعت الجموع أوامر المرجعية - -
وقدّسَ الرُعاع دعوات المذهبية - -
وبلادي أسست أولى الحضارات الإنسانية - -
وعلّمت البشرية حروف الأبجدية - -
وأُنزِلت فيها أولى الشرائع السماوية - -
وسُنّت أولى القوانين البشرية - -
حيثُ لا يوجد فيها فارق كبير بين المذنب والشاهد على القضية - -
فالحُكم صادر بحقهما قبل الجلسة الأولية - -
وقد كثُرت الوفيات فيها بالسكتات القلبية - -
وإزدهرت صناعة التوابيت الخشبية - -
ـ ـ ـ ـ ـ
وفي بلادي تغنى جرفُ دجلة بنديم الشعراء - -
وتحول الفرح فيها في لحظاتٍ الى عويلٍ وبكاء - -
ولم يعد فيها معنى للألوان ، فقد إصطبغت كل الوانها بالصبغة الحمراء - -

فبلادي التي أعشقها وأنبذها ليست ككل البلدان ، يسكنُ أزقتها الأنس والجان


113

كيف أصبح الطفل ملحداً ؟

بقلم:سالم إيليا
كثيراً ما نطلق أحكامنا على الغير وندينهم على سلوكٍ أو فعلٍ إرتكبوه دون الرجوع الى خلفياتِ من دفعهم الى ذلك السلوك ، لذا نرى المشرّع في الدول المتقدمة يأخذ بنظر الإعتبار الدوافع والحالة النفسية للمتهم أو المدان لحظة إرتكابه للفعل الذي أدانه .
وغالباً ما يكون المجتمع بشرائحه وبأنظمته هو المسؤول الأول عن الإنحراف السلوكي للفرد الذي سيُدان فيما بعد من قبل نفس المجتمع وأفراده الذين تسببوا في إنحرافه ، فما بالكم إذا كانت تلك الشريحة في المجتمع والتي تسبَبَ أحد أفرادها بإنحراف فرد أو مجموعة أفراد عن الأعراف والتقاليد السائدة هي المسؤولة عن تقويم المجتمع وتوجيهه روحياً وأخلاقياً للإيمان بالخالق وشرائعه السماوية .
وقد حدثنا التاريخ عن تغيّر مجتمعات بأسرها من حالة الإيمان الى حالة الإلحاد كرد فعل على المؤسسات الدينية التي طغت وتجبرت على الخلق فمسخت نفسها عن هدفها النبيل الذي تأسست من أجله ، ولهذا السلوك الجماعي للمؤسسة دوافعه العديدة منها إنحدار معظم أفرادها من الطبقات المسحوقة المتعطشة الى حب التملك والسيطرة والحاملين أصلاً للعقد النفسية أثناء طفولتهم على الرغم من تبني المؤسسة عملية توجيههم وتهيأتهم لقيادة المجتمع روحياً ومحاولة غرس الصفات الإنسانية النبيلة والوصايا الآلهية التي أتت بها الكتب المقدسة ، لكن معظمهم لا يستطيعون التخلص كلياً من رواسب حالتهم الإجتماعية قبل إنخراطهم في تلك المؤسسات لتنعكس بعدها سلبياً على سلوكهم أثناء قيادتهم لمجتمعاتهم تماماً كما يحصل للسياسيين الثوريين عند إستلامهم للسلطة فكلا الطرفين يقعان في فخ السلطة وهالتها وصدمة التحول من اللاشئ الى كل شئ على الرغم من إدعاءهما بأهدافهما النبيلة التي آمنوا بها  ونذروا أنفسهم لخدمتها !! .
إنّ هذه الظاهرة ليست محصورة في دينٍ أو عقيدةٍ معينة دون سواها حيثُ نجدها عند الجميع ، فالإنسان وسلوكيته تأتي نتيجة لنشأته وظروفه ولا تختلف كثيراً من مجتمع الى آخر أو من إنتماء ديني الى آخر ، لذا نجد علماء النفس يضعون النظريات والدراسات وفقاً للصفات الإنسانية العامة مع الأخذ بنظر الإعتبار البيئة التي يحيا عليها الفرد .
فقد ذكر البابا فرنسيس الأول يوم الأثنين المصادف الخامس من آيار 2014م في موعظته التي القاها أثناء القداس الآلهي في كابيلا دار القديسة مارتا بالفاتيكان أنّ "هنالك أشخاص في الكنيسة يتبعون يسوع للتبجّح أو بحثاً عن السلطة والمال ، أما نحن فلنرفع صلاتنا الى الرب ليمنحنا نعمة اتباعه محبة به فقط " ـ ـ إنتهى كلام الحبر الأعظم ، ومن يرغب في الأطلاع على كامل الموعظة فليذهب الى الموقع الرسمي لحاضرة الفاتيكان .     
سألت مرّة  أحد  الأشخاص وكان ملحداً بإمتياز : لماذا يا فلان أصبحت ملحداً الى هذا الحد ؟ فذكر لي حادثة حصلت له وهو صغير ولاتزال عالقة في ذهنه حيثُ كان بيتهم مجاوراً للكنيسة وحالتهم المادية صعبة جداً وعائلته مكوّنة من تسعة أفراد، وكانت والدتهم تعمل ليل نهار لتوفير رغيف الخبز ، يتذوقوا اللحم ربما مرة أو مرتين في السنة من صدقات الأقرباء ، وبالمختصر كانوا في حالة صيام دائمي على مدار السنة ، وعندما يأتي صوم الخمسين كانت والدتهم تسألهم بشد الحزام على البطون أكثر بحجة الصوم لتوفير بعض المال لِما بعد الصوم ، وفي إحد أيام صوم الخمسين ذهب الصبي الى فناء البيعة أو الكنيسة ليلعب الكرة فتسللت الى أنفه رائحة غريبة زكية لم يألفها من قبل فتبعها لا إرادياً لينتهي الى بهو المطعم لرجال الدين فوجدهم ملتفين حول مائدة تتوسطها سمكة مسكوف كبيرة وحولها ما لذّ وطاب من المقبلات فظلّ الصبي باهتاً على باب البهو طالبا ًإشباع معدتهِ من الرائحة فقط !! حينها شعر بوجوده أحد الكهنة  فصرخ به محتجاً على إقتحامه لخلوتهم وطرده مهدداً له بالعقاب إذ ما رآه في الكنيسة في غير اوقات القداس !! ، عاد الصبي باكياً وشاكياً والدته لماذا تطلب منهم الصوم ورجال الدين في الكنيسة لم يصوموا !! حيث شاهد أمامهم السمكة فعلقت والدته بتبريرها على إن السمك مسموح بتناوله أيام الصيام !! فسألها لماذا إذاً لا نأكله نحن ؟ فأجابته : لأننا لا نملك ثمنه ، فأجابها معقباً لماذا لا توفري ثمنه من الصدقات التي تعطيها للكنيسة أيام الآحاد لتشتري لنا السمك ؟ فقالت له علينا واجب دعم الكنيسة كمؤمنين !! ، لم ترضي هذه الإجابة الصبي الخاوي المعدة وهو يرى رجال الدين يملئون بطونهم من صدقات والدته التي تقطعها من أفواههم الجائعة لترضي الخالق الذي لم ينظر الى حالتهم البائسة !!!.
ظلّت هذه الحادثة عالقة في ذهن الصبي حتى بعد بلوغه سن الشباب وإكماله لدراسته وتبؤءه لوظيفة محترمة في بلده ، نظرتُ اليه شارداً ومفكراً من أنّ حادثة واحدة غيرت سلوك الشخص الواقف أمامي بإتجاه معاكس لِما قد يكون عليه فيما لو تصرف رجل الدين بطريقة مخالفة كإن يقتطع ذيل السمكة أو حتى رأسها الذي سيرمى في سلّة القمامة ويعطيه للطفل الجائع وهو موقف من صلب واجبهُ الديني !! . حنيتُ رأسي الى الأسفل خجلاً من فعل رجل الدين وأعتذرت للشخص من سؤالي له عن الحاده !!! .     


114
الوجه الفني للعراق في برنامج أحلى صوت ووجه السياسي على أرض الواقع
بقلم : سالم ايليا
لقد إنتهى الموسم الثاني لبرنامج أحلى صوت ( The Voice ) قبل أسابيع وبنسخته العربية المستنسخة من نسخته الأصلية الهولندية والتي أستنسخت منها ايضاً نسخهِ الأمريكية والأسترالية والإنكليزية ـ ـ الخ من النسخ ، حيثُ تبنت البرنامج قناة ال mbc اللبنانية وبالمشاركة مع mbc مصر .
والبرنامج المقتبس يعتمد في مبدأه على هدفين أساسين ، أولهما : الربح المادي من خلال واردات التصويت وبالإتفاق مع شركة الإتصالات ، أما المبدأ الثاني فهو البحث عن أجمل صوت في العالم العربي والشرق أوسطي وتبنيه فنياً لفترة محددة لمساعدته للوصول الى النجومية الإقليمية أو حتى العالمية ! ! .
البرنامج إستقطب ملايين المشاهدين في الشرق الأوسط والعالم وذلك لطريقة إعداده التقني والفني العاليي المستوى وإشراك نُخبة من النجوم كمحكمين ومدربين مثل الساحر "كاظم الساهر" قيصر الإغنية العربية كما أطلق َ عليه ، كذلك للإغراءات المادية الضخمة التي لم تكن متوفرة للموهبة قبل سنوات قليلة والفرص الإعلامية والتسويقية الهائلة التي ستتيح للمتسابقين الشهرة السريعة والواسعة وهذا ما حدا بالفنان العراقي ذو الصوت المتمكن "عامر توفيق" زميل المطرب كاظم الساهر للمشاركة في البرنامج على الرغم من بلوغهِ الخامسة والستين من عمرهِ !!! .
لقد تابع البرنامج المهاجرين من مختلف الأجناس والأعمار إضافة الى الملايين في داخل الوطن العربي وسأقف هنا عند شريحتين من المشاهدين دفعاني الى كتابة هذه المقالة ، أولهما : ليديا الصبية ذات الإثني عشر عاماً والمقيمة في السويد مع ذويها منذُ أكثر من سبعِ سنوات والمصابة بمرض السرطان  حيثُ تعاني منه منذُ ما يقرب العام وهي في طريقها الى قهر المرض بإرادتها الصلبة إنشاء الله ـ ـ ليديا هذه الفتاة الرائعة الجمال رسّامة وفنانة للإعمال اليدوية مرهفة الأحاسيس تحب الحياة وتتفاعل مع مرضها وعلاجها الكيموثربي بكلِ شجاعةٍ وبأس قلّ نظيريهما !! ـ ـ خرجت من المستشفى بعد معاناة شديدة وصراع مع الألم لتذهب الى البيت وتجلس أمام الشاشة الصغيرة لتشاهد الحلقة الأخيرة من البرنامج لتشجيع العراقيين الوحيدين اللذين وصلا الى النهائيات !! وحال فوز احدهما إتصلت باختها في الرضاعة وبنت خالتها مريان المقيمة في كندا لتزف لها خبر فوز أحد العراقيين بـ " أحلى صوت " وفوز العراقية سوسن مجيد بأكثر الإتصالات في البرنامج ـ ـ ليديا أرغمتني بوطنيتها وحبها للحياة على كسر عزوفي عن الكتابة ولأكثر من سنة .
أمّا الشريحة الثانية من المشاهدين فهو أحد السياسيين المهاجرين منذ ما يقارب العشرون عاماً وذو الفكر الأيديولوجي وقد تجاوز منتصف العقد السابع من عمره ، إذ فاجئني في حديثه معي بمتابعته للبرنامج  وإنتقاده للقيصر لكلامه عن لسان النجمة " شيرين " من إنها طلبت هدية " Baby " وقال : " إنني أحترم الفنان كاظم الساهر ، لكن كلامه هذا لا أوافقه عليه " ، فقلتُ معقباً بانّ للساهر حساباته الخاصة وهو ذكي ولربما أراد ان يوصل بطريقته الواضحة ما حدث بينه وبين النجمة شيرين من دعابة بريئة خلف الكواليس سمعها غيرهما من المتواجدين قبل أن تخرج الى الجمهور كإشاعة تأخذ مداها في التأويلات على السنة المتصيدين في الماء العكر خاصة وان للقيصر الكثير من المتربصين والحاقدين ، كذلك أراد أن يحمي زميلته في التحكيم من السنة السوء لعفويتها الزائدة ، فوافقني محدثي على إستنتاجي هذا .
لقد رغبتُ من خلال عرض تلك الشريحتين أن أبين للقارئ الكريم بان البرنامج قد أمتدت عروقه الى كل شارع وزقاق بل الى كل بيت من بيوت المشاهد الشرق أوسطي أينما كان ولهذا حاولتُ كمتابع لما يجري من أحداث في منطقتنا الشرق أوسطية أن أتابع هذا البرنامج الفني على الرغم من إبتعادي القسري ، فكنتُ أتابع الحلقات المسجلة خلال إجازتي الدورية !! .
غير أن هذا البرنامج بدأ في موسمه الثاني بالإنحراف عن أهدافه المعلنة ليتخذ طابعاً قطرياً وسياسياً من خلال حضور بعض السفراء والمسئولين السياسين لبعض الأقطار المشاركة لتسويق أجندتهم السياسية وإبراز " وطنيتهم " إعلامياً والتي لم يعد المواطن العربي أو المحلي يشعر بها ، وكنتيجة حتمية لهذا التسييس وإستغلال المشاعر الوطنية للمواطنين إزدادت بوادر الفرقة والتناحر لمواطني الأقطار المشاركة من خلال الدعم " الوطني " العاطفي للمشارك أو المشاركة دون الإعتماد على مبدأ " أحلى صوت " من خلال التصويت المكثّف ولمرات عديدة قد تصل الى مئات الرسائل الهاتفية للشخص الواحد وبهذا يتحقق الهدف الغير معلن للقناة وهو الربح المادي مستغلة وبأبشع الطرق حاجة المواطن العربي أو الشرق أوسطي الى الترفيه ، حيث عززت القناة هذا التوجه بتخصيص سيارة كهدية ورحلات مجانية مع النجوم لأعلى رقم من التصويت .
لقد جاء توقيت قناة الـ mbc مناسباً مع حاجة المواطن العربي والشرق أوسطي الى متنفس يعيد اليه البسمة في خضم الأحداث المتلاحقة لمنطقته ونفوره مما يجري من حروب ودمار وإقتتال ليس له فيه يد والمآسي المترتبة لربيعٍ عربي لم يرى منه غير اللون الأحمر القاني لورد الجوري الذي إصطبغت به أجساد الضحايا ورقابهم المنحورة من الوريد الى الوريد والمترادفة مع صيحات الله أكبر التي باتت ترعب المواطن !! .
لقد كان البرنامج لهذا الموسم (2014م) عراقياً بإمتياز لإختيار أحد عشر صوتاً عراقياً من الأصوات الإثنين والخمسين المتنافسة للحصول على اللقب والذي توّج بحصول المتسابق ستار سعد عليه كـ " أحلى صوت " على الرغم من قلّة العنصر النسوي العراقي المشارك . كذلك فازت المواطنة العراقية سوسن مجيد عبدالرزاق بالسيارة لأعلى رقم من المتصلين ، والحق يقال فإن الحاصل على اللقب إستحقه بإقتدار من خلال المنافسة الشديدة بينه وبين مواطنه العراقي " سيمور جلال " الذي لم يكن موفقاً في الحلقة الأخيرة في إختيار أغانيه ، كذلك ثقته الزائدة لحد الغرور على أنه الفائز حتماً حتى قبل إعلان النتائج والتي ربما أفقدته توازنه فخسر الدعم على عكس الفائز " ستار سعد " الذي بقي محتفظاً بهدوءه .
وفي إعتقادي فأن مدرب سيمور جلال النجم صابر الرباعي يتحمل الجزء الأكبر لفشله في الوصول الى المرتبة الأولى لإختياره موال المطرب ناظم الغزالي " عيرتني بالشيب وهو وقار" وتحويل لحنه البغدادي الأصيل الى اللون الجنوبي والذي أفقد الموال جمالية لحنه المتميز، على عكس النجم كاظم الساهر الذي إستخدم خبرته في كبح جماح الإنفعالات الغير محسوبة عند ستار سعد ومن ثمّ إختياره لأغنية أبرزت طبقات صوته الشجي ، وأنا شخصياً كنتُ مرشحاً المتسابق سيمور جلال باللقب لغاية الحلقة الأخيرة وذلك لإمكانيات صوته ومساحته إضافة الى الكارزما العالية في شخصيته عند وقوفه على المسرح ، كما وإن المتسابقة السورية " هالة القصير " كانت متمكنة جداً ولربما كانت المتنافسة الوحيدة لستار سعد في حلقة البرنامج الأخيرة ، وبالطبع لم يكن للإشاعات التي تلت الحلقة الأخيرة أي صحة في دعم النجم كاظم الساهر أو أحد أقرباءه لستار سعد ، فهو أذكى وأرفع من المجازفة بتاريخه وشهرته للحظة فوز لتلميذه الصاعد الذي إستحقه عن جدارة .
لقد تعرض وما زال يتعرض الفنان كاظم الساهر هذا الرمز العراقي الى الإنتقادات من بعض الفاشلين في الوسط الفني لأنهم يشعرون بفشلهم كلما إزداد كاظم تألقاً ، فالموسم الماضي تعرضوا له لإنطوائيته وحذره كنجم تحسب عليه كل كلمة وكل هفوة وهذا الموسم إنتقدوه لإنفتاحه وتفاعله مع زملائه ، وجميع هذه المحاولات سوف لن تؤثر على نجم وصل الى ما وصل اليه كاظم الساهر ، وأستذكر هنا حديث لمؤلف مسرحية " شاهد ما شافش حاجة " لعادل إمام حين أراد المحاور مع المؤلف إستغلال الخلاف السابق بينه وبين عادل إمام حول أحقية ذكر أسمه في الإعلانات ، حيث قال المؤلف للمحاور : " ما ينفعش أتكلم الآن على عادل إمام ، لأنه وببساطة أصبح سوبر ستار وسوف لن يؤثر على مكانته أي كلام يقال ، فلماذا أصغر نفسي بالهجوم عليه " !! إنتهى كلام المؤلف ، لكن وللأسف بعض المستكينيين في الوسطين الفني والإعلامي يحاولون التجريح برمز من رموز الفن العراقي بل واجهة حضارية نحن بأمس الحاجة لها الأن للتغطية على فشل السياسيين في إبراز وجه العراق الحقيقي ، فنرى البعض يكيل الإتهامات ويلوم الساهر لعدم ذهابه الى العراق لإحياء الحفلات ـ ـ فالى أين يذهب وأين يغني ـ ـ أيغني لأهلنا في أربيل ويترك أهلنا في الموصل والبصرة والناصرية لأحزانهم ، أم يغني في بغداد الجريحة والثكلى بأبناءها ، وهل هنالك ضمانات أمنية كافية من عدم تحوّل الحفل الى مآسات حقيقية بإنفجار عبوة ناسفة بين الجمهور الحاضر ـ ـ ولربما الكثير من العراقيين لا يعلمون بان الساهر إنتظر سنوات طويلة لعرض أوبريته " كلكامش " على أحد مسارح بابل التاريخية وعندما أرهقه الإنتظار قرر تحويله الى فلم سينمائي ولحد علمي .
لقد حاولت بعض الأقلام الصفراء المس بسمعة المطرب كاظم الساهر حين إشترك زميله السابق في المسرح العسكري الفنان المقتدر عامر توفيق في البرنامج والذي حاز على إعجاب الجميع لإمكانياته الصوتية والفنية العالية ، وأخذت هذه الأقلام تكيل التُهم جزافاً على عدم وفاء الساهر لزميله ، في حين إن الساهر كان أول الملتفتين الى صاحب الصوت العذب عامر توفيق متعرفاً عليه من خلال صوته ، وقد خذل الفنان عامر توفيق هؤلاء النفر بتصريحه في إحدى المقابلات حين سأل عن الذي تعاطف معه أكثر من غيره من المدربين ؟ فأجاب قائلاً " كاظم الساهر تعاطف معي وشعرتُ به وحين قرر عاصي الحلاني إخراجي من المسابقة شعر كاظم الساهر بالحزن ونزلت الدمعة من عينيه ولم يستطع أن يتكلم لأنه ضمن اللجنة " إنتهى كلام الفنان عامر توفيق .
لقد أبلى الفنانون والرياضيون بلاءاً حسناً لإظهار العراق بمظهره الذي يليق به في المحافل التي إشتركوا فيها للتغطية على إخفاقات وجرائم السياسيين ـ ـ قتل وتفجيرات من جميع الأطراف والضحية المواطن البرئ ـ ـ إغتصابات وعهر لم نسمع بهما حتى على أيام هولاكو ـ ـ قرارات لمجلس المحاصصة البرلماني تحط من قيمة الإنسان العراقي وبالأخص المرأة ـ ـ شراء ذمم وتدمير كامل لسلوكية الإنسان العراقي ، وسؤالي هو : أيصلح الأخيار من الرياضيين والفنانين ما دمره الأشرار من السياسيين ؟ ولربما من الأفضل أن يصوّت الشعب في الإنتخابات على قائمة الأحد عشر مشاركاً في برنامج " أحلى صوت " فهم من يستحقوا الإنتخاب . (1)

الهوامش :
(1)   المشاركون الأحد عشر هم : آشور تامروس ، سامر السعيد ، كرار صلاح ، ستار سعد ، سيمور جلال ، علي حسن ، عدنان بريسم ، ريتا موسسيان ، مهفان صالح ، عامر توفيق ومحمد الفارس .

115
زاوية الشعر الشعبي / مو عراقي
« في: 21:23 23/04/2014  »
مو عراقي
بقلم : سالم ايليا
مو عراقي اللي يبيع صوته بچم فلس ـ ـ
مو عراقي اللي يفجّر نفسه بزفّة عرس ـ ـ
مو عراقي اللي يخلّي النهار أظلم ما تطلع بي شمس ـ ـ
مو عراقي اللي ما ياخذ من الماضي عبرة ودرس ـ ـ
مو عراقي اللي يغمّس خبزته بدم الضحايا حسباله دبس !! ـ ـ
مو عراقي اللي يسكت عل الظلم وبس يلحس لحس ـ ـ
مو عراقي اللي ما تهمه غير نفسه ويترس جيوبه ترس ـ ـ
وانت يا النشمي العراقي لا تصوتلهم واكنسهم كنس ـ ـ


116
قصة قصيرة / تظاهرة حماسية !!*
سالم إيليا
كان يقود سيارته في وسط البلد في إحدى المدن الغربية التي إضطرته ظروف بلده للهجرة اليها ـ ـ ـ
نظر " ثائر " الى الرصيف على يمينهِ فشاهد مجموعة من الأشخاص من كلا الجنسين وقد تدلّت من رقابهم لوحات كارتونية بيضاء كتبوا عليها مطاليبهم ـ ـ ـ نطالب برفع الأجور ـ ـ ـ نطالب بتحسين ظروف العمل ـ ـ ـ لا لزيادة ساعات العمل ؟؟ .
تمعّن في وجوههم ولباسهم الرسمي الذي كانوا يرتدونه فإستطاعَ من خلاله تحديد هويتهم على أنهم موظفي دائرة البريد في مدينته ـ ـ ـ تذكر التنبيه المتكرر لوسائل الإعلام المحلية بإنواعها المرئية والمسموعة والمقروءة بإحتمال بطئ إنسيابية الخدمات البريدية للمواطنين خلال الأيام القادمة .
كانَ المتظاهرون في حركةٍ دائبةٍ ذهاباً وإياباً على جانب السياج الحديدي الذي يفصلهم عن حافة الطريق العام لسير العجلات ـ ـ ـ كان بعضهم يحتسي قهوته الصباحية والبعض الآخر مشغول في التحدث الى زميلٍ أو زميلةٍ له .
عاد " ثائر " بذاكرتهِ الى عام 1968م عندما كان لا يزال في المرحلة الأخيرة من دراستهِ الإبتدائية حيثُ لم يكن عمره يزيد على الأثني عشر عاماً ، يومها كان لا يزال الشعور الثوري على أشدهِ بين أبناء بلدهِ وخاصة الطلبة منهم ـ ـ ـ كانت التظاهرات الطلابية شبه يومية في العاصمة بغداد ـ ـ ـ وكانوا زملائه الطلبة الجالسين بجانب النوافذ المطلّة على الشارع العام يترقبون طلائع طلبة المدارس الثانوية القريبة من مدرستهم ليأتوا لإخراجهم للإنضمام اليهم على الرغم من إنزعاج أساتذتهم لعدم إستطاعتهم إكمال مناهجهم التدريسية المقررة حيث تباطئ العمل بالجدول المقرر .
كانت اللجان الطلابية للمدارس الثانوية قد أعدت مسبقاً برنامجها للخروج في التظاهرة ربما لتأييد قرار أتخذته الحكومة أو لإستنكار قرار مفاجئ للدول " الإمبريالية " المعادية أو نتيجة لحدث معين في المنطقة التي كانت تتوالى فيها الأحداث بتسارعٍ كبيرٍ .
لم يكن يهتم " ثائر " وزملائه كثيراً بماهية الحدث للخروج في التظاهرةِ لصغرِ سنهم ـ ـ ـ كل الذي كان في تفكيرهم هو هروبهم من سجنهم اليومي ومحاسبة المعلمين لهم لعدم إكمالهم لواجباتهم البيتية .
إنطلقت التظاهرة المشتركة للجنسين في وسط أحد الشوارع الرئيسية للعاصمة ، حيثُ إنتظمْنَ الطالبات بكراديس أحتلّت الجانب الأيمن من الشارع الرئيسي ، فيما إحتلّت كراديس الطلاّب جانبه الأيسر يفصل بينهما الجزرة الوسطية المزروعة بشجيرات " الدفلة " والمشغولة بعدد من أعضاء اللجان الطلابية للمحافظة على حرمة التقاليد في عدم إختلاط الجنسين في مثل تلك الفعاليات .
كانت التظاهرة متجهة الى مركز التجمع في إحدى الساحات الكبيرة لأحد الأحياء المهمة في بغداد والذي لا يبعد أكثر من أربعة كيلومترات عن محل سكنهم ـ ـ .
كانت حناجر المتظاهرين تصدح بقوةٍ بهتافٍ واحدٍ لا يتغير ـ ـ ـ " أمريكا ضد العرب شيلوا سفارتها " !! .
تفرّسَ " ثائر " في وجوه زملائهِ المُتظاهرين القريبة منهُ والأخرى على الجانب الأيمن من التظاهرة ، فشاهدها وقد زادها الحماس الثوري وأشعة الشمس الملتهبة إحمراراً على الرغم من سحنة بشرتهم السمراء ـ ـ ـ فزاده هذا المنظر نشاطاً وهتافاً أكثر حتى كادت حنجرته أن تقفز خارجةً مع هتافهِ " أمريكا ضد العرب شيلوا سفارتها " !! ـ ـ ـ نظر الى الجماهير المُتفرجة والمحتشدة على جانبي الطريق التي علت وجوهها الإبتسامات العريضة والتي كادت أن تتحول الى ضحكات مسموعة حيثُ فسّرها بحدسه الطفولي البرئ على أنها رسائل تأييد قوية لهتافهم !! ، مما زاده إفتراضه هذا حماسة الى رفع صوته أكثر ليكون مميزاً بين زملائه الذين فعلوا الشئ نفسه !!.
أحتلّت جموع الطلبة الغاضبة الساحة الكبيرة ومحيطها حيثُ وضِعَ في وسطها مقصورة خشبية صغيرة تتسع لوقوف بضعة أشخاص عليها وطاولة صغيرة وضِعَت فوقها مكبرة صوت يدوية .
كان المتظاهرون يهتفون بأعلى أصواتهم حين إعتلى المنصة عدد محدود من قياديي اللجان الطلابية التي تقود التظاهرة يتقدمهم طالب كان يبدو من أنه في مرحلته الأخيرة لدراسته الجامعية حيثُ قدمه عريف الحفل على أنه رئيس اللجان الطلاّبية للقاطع الطلاّبي الجنوبي للعاصمة بغداد .
ناول عريف الحفل مكبرة الصوت للمسؤول الطلابي الذي إستهلّ كلمته الحماسية بتحية جموع الطلبة ، ثمّ تلا كلمته التي الهبت المشاعر الثورية لكل من كان في الساحة ـ ـ ـ فتعالت الهتافات بالموت للإمبريالية والصهيونية !! ، ثمّ تبعها الهتاف الذي أطرب جموع الطلبة منذ إنطلاقة التظاهرة التي أوشكت على النهاية !! : " أمريكا ضد العرب شيلوا سفارتها " !! .
هَمسَ المسؤول الطلابي في إذن زميله عريف الحفل الذي إختطف مكبرة الصوت بسرعة من يدهِ وخاطب جموع الطلبة قائلاً :
" زملاء غيروا الهتاف ـ ـ لأن أمريكا أنغلقت سفارتها في العراق منذ حرب الخامس من حزيران سنة 1967 "  !!!! . 

*إنتباهة : القصّة ذو مدلولات أدبية بحتة ولا تعبر عن أي مدلول أو مغزى سياسي على الرغم من عنوانها الذي أبدلته من "تظاهرة ثورية" الى "تظاهرة حماسية" ، إضافة الى فترة الحدث الذي قد يوحي عكس ذلك ، لذا أتمنى على القرّاء الأكارم أن يتجنبوا التداخلات ذو الطابع السياسي ، فللجميع إحترامي وتقديري لما يحملوه من أفكار ، وقد إستخدمتُ الحدث كرمز في التنويه لظاهرة إجتماعية منتشرة في كل مفاصل الحياة ليس فقط في مجتمعنا فحسب وإنما في مجتمعات العالم الثالث عموماً ، إضافة لمدلول الشعور المشروع بالكراهية للمعتدي والمُستعمر حتى وإن لم يكن المعني بالحدث المباشر .   
 

117
لِمنْ المحبة المشتركة بيني وبين فدعة الشاعرة ؟
بقلم : سالم إيليا
المقدمة :

ليس لدينا الكثير من المعلومات عن " فدعة الشاعرة " التي أطلٍق عليها " الشاعرة الأسطورة " غير كرّاس صغير للسيد عبدالمولى الطريحي صدرت طبعته الرابعة عام 1973م ويحمل عنوان " فدعة الشاعرة " يقع في إثنين وثلاثين صفحة من القطع الصغير ـ ـ هذا ما ورد في مقالة كان قد كتبها أو أعدها الكاتب والباحث عبدالجبّار العبودي .
كذلك هنالك مقالة للإستاذ عبدالوهاب المطلبي في الحوار المتمدن العدد 2208 في 2/3/2008 م بعنوان " إسطورة الشاعرة الشعبية فدعة الزيرجاوي " .
وفي مقالة أخرى للإستاذ الدكتور عبدالإله الصائغ في موسوعة إعلام الصائغ الثقافية/الشاعرة فدعة الزيرجاوية ، يسلّط الدكتور الصائغ الضوء على ما توفر من معلومات عن حياة هذه الشاعرة الفطرية ، حيثُ يأتي في العرض الذي قدمه من أنّ:
" فدعة بنت على الصويح آل زريج الخزاعية قد عاشت في القرن الثامن عشر الميلادي ومنطقة نشأتها بين الرميثة والحمزة ، وكانت قد أبصرت النور في بيت من القصب وجذوع النخل بمدينة الرميثة " ـ ـ إنتهى الإقتباس
وقد إشتركت " فدعة الشاعرة " مع الخنساء في حبهما لأخويهما على الرغم من تباعد الفترة الزمنية بينهما ( الخنساء عاشت في القرن السابع الميلادي وفدعة الشاعرة قد عاشت في القرن الثامن عشر الميلادي ) ، ففدعة كانت تنظم الأشعار عن أخيها حسين والخنساء عن أخيها صخر ، وهنالك شكوك من أنّ " فدعة الشاعرة " قد تأثرت بالخنساء غير أنّ هذه الشكوك تبقى ضعيفة ما دامت غير مستندة على أدلّة خاصة وأنّ " فدعة الشاعرة " قد عاشت في بيئة معزولة وبعيدة عن مصادر المعرفة حيثُ كان والدها يعمل على تربية الجاموس ويتنقل بإستمرار طلباً للماء الوفير الذي يحتاج اليه الجاموس في معيشته ، وقد كُتِبَ عن هذه الشخصية مسلسل درامي في السبعينات من القرن المنصرم قامت بأداء دور " فدعة الشاعرة " فيه الفنانة والشاعرة الشعبية سعدية الزيدي على ما أظن . 
وقد هزتني الأبيات الشعرية الشعبية التالية التي كتبتها فدعة عن أخيها حسين ، وحيثُ أنني لم أعثر لها على ما يزيد من أبيات وعلى نفس القافية الشعرية ، لذا أعطيتُ لنفسي الحق بالتجرأ في الرد عليها بأبيات شعرية أهديها الى أخي الوحيد " سعد " والذي حجبتني عنه الغربة وبُعد المسافات لسنواتٍ طوال ، كما أهديها الى جميع الأخوات والأخوة الذين يشعرون بالحنين الى إخوانهم الذين فارقوهم في هذا الزمن الصعب . وعذراً لفدعة الشاعرة لأنني لم أصل الى بلاغتها في وصف أخيها .
قالت فدعة مفتخرة بأخيها :
شدله على الشختار هاته ـ ـ
او عدل بردته اعلى كطاته ـ ـ
اوروس الحراثي موافجاته ـ ـ
اخويه الثلاثة مرافجاته ـ ـ
الكرم والمراجل والسماته ـ ـ
اخوي جاراته خواته ـ ـ
اخوي العبد والضيف اغاته ـ ـ

فقلتُ ردّاً عليها :
أخويه أوجاع الناس آهاته ـ ـ
العدو قبل الصديچ يمدح صفاته ـ ـ
أخويه عگال أبو وهيباته ـ ـ
أخويه شيلة أمه وخواته ـ ـ
أخويه رفعة راس يا محلا شوفاته ـ ـ
أخويه ماي دجلة وفراته ـ ـ
أخوية شمّة هوا للغريچ بلحظة نجاته ـ ـ
أخويه ـ ـ أخويه ـ ـ أخويه
أخويه رشفة ماي للعطشان التروي لهاته ـ ـ
أخوية لحظة فرح للماشاف فرحة بحياته ـ ـ
أخوية الوطن للغريب التايه برحلاته ـ ـ
أخويه الخبز للجوعان اليملي معداته ـ ـ
أخويه النخوة للي إستجار بحماته ـ ـ
أخوي السما للنجم اليتباهى بعلاته ـ ـ
بمضيفه "الموگد" الما فرغت أبد دلاّته ـ ـ
أخوي إن صاح " آخ " أصيرلنه عطّاب وأداوي جراحاته ـ ـ




 
         



118
قصة  قصيرة / الأمير الذي فقدَ إمارته *
سالم إيليا :
جلس الدكتور " معتز " على أحد المقاعد في صالة الإنتظار لإحدى مؤسسات الرعاية الإجتماعية في أحد بلدان المهجر في إنتظار موعده الدوري مع مسؤولة الرعاية  الإجتماعية  !! .
التقط إحدى المجلاّت الموضوعة على الطاولة التي أمامه وأخذ يتصفحها بمللٍ ظاهرٍ دون أن يتمكن من قراءةِ سطرٍ واحدٍ منها لجهله بلغة البلد فرماها جانباً وسرح كعادته بما آلت اليه أوضاعه . 
عادَ بذكرياته الى عيادتهِ  في بلده التي فقدها وفقد معها زوجته وبيته وكل ما كان  لديه من  حقيقة وحلُم !! .
تذكر يوم تخرجه في كلية الطب وكفاحه الطويل للحصول على تلك الشهادة ومن بعدها إكمال تخصصه في الجراحة العامة ـ ـ
تذكر يوم زواجه بمن خفقَ لها قلبه منذ الوهلة الأولى للقاءهما في سنتهما الجامعية الأولى وحياتهما السعيدة قبل أن يخطفها الموت بإنفجار عبوةٍ ناسفةٍ زرعها "مجهولون" في أحد الشوارع الرئيسية الذي تعودت أن تسلكه بسيارتها عند عودتها من عملها كل يوم ـ ـ
تذكر الحاحها عليه بالهجرةِ بعد أن محت أقدام الغزاة وزرّاع الموت والدمار آثار أقدامهما من على الطرقات والمتنزهات التي كانا يقصدانها بعد خروجهما من الكلية كل يوم ليعيشا لحظات حبهما الطاهر النقي وليخططا لمستقبلٍ مشرقٍ بدأ شعاعه بالسطوع وهما في سنتهما الدراسية الأخيرة !!
دَمعت عينيه وشعر بلهيبٍ يلتهم أحشاءهِ حين تذكر عناده ومقاومته المستمرة لرغبتها بالهروب من بلدهما ـ ـ ـ كان دائماً يقول لها : كيف تطلبين مني مغادرة الكلية التي تركنا في أروقتها وزواياها ذكرياتنا الجميلة ، فكل يوم أذهب اليها للتدريس أتذكر موقف أو لحظة عشناهما معاً ـ ـ ـ أتدركين بأنك تطلبين مني التوقف عن حبك ؟!! أتريدين مني أن أهدم كل ما بنيناه معاً !!! .
كان دائماً يُذكّرها بأن الأمير الذي يغادر إمارته يفقد هيبته ويصبح من عامة الشعب !!
كانت تقول له : أنا مثلك بل ربما أكثر منك حُباً وهياماً بأماكنِ ذكرياتنا ، لكن خوفي عليك أكثر من خوفي على نفسي هو الذي شجعني على طرح الفكرة !! ، فالبلد أصبح بلا قانون ، وتجّار الموت وعصاباتهم المسلّحة يسرحون ويمرحون في كل شارعٍ وزقاق ، وأنتَ معروف وربما مستهدف ، فكل دقيقة تتأخر فيها بالعودةِ الى الدارِ تمر عليّ كدهرٍ من الزمنِ ، ولولا خوفي من ضجرك وملامتك لأبقيت الهاتف الخلوي مفتوحاً بيننا حتى عودتك سالماً !!
عادَ بذكرياتهِ الأليمة حين إستلم نبأ "إستشهاد" زوجته وقراره المفاجئ بالهجرة ـ ـ فلم تعد لديه ذكريات جميلة فيه !!! ، بل كل ما تبقى له فيه من ذكريات هو خليط من مرارةٍ وحسرةٍ وندمٍ ـ ـ ـ هكذا أقنع نفسه بتنفيذ رغبتها إكراماً لها ولكن بعد فوات الآوان !! .
تذكر الدكتور "معتز" يوم خروجه من دائرة الشهر العقاري بعد بيع بيته ومطاردة اللصوص له وسرقة المبلغ الذي حصل عليه تحت تهديد السلاح !!
ثُمّ سرح بذكرياته التي أوصلتهُ الى اليوم الذي غادر فيه بلده عبر الطريق البري الى البلد المجاور وإتفاقه مع المهربين لنقله الى بلدٍ أوربي ـ ـ ـ خجلَ من نفسه حين تذكر كيف حشروهُ مع تسعةِ أشخاصٍ آخرين لساعاتٍ طويلةٍ في مكانٍ خفي أعدهُ المهربون في شاحنةٍ كانت متوجهة الى أحد البلدان الأوربية وحصوله بعدها على جوازِ سفرٍ مزورٍ ليحلّق في الجو على متنِ إحدى الطائرات الى البلد الذي منحهُ حق اللجوء الإنساني !!
قطعت مسؤولة الرعاية الإجتماعية سلسلة ذكرياته المؤلمة حين دعتهُ للدخول الى غرفتها ـ ـ ـ كانت الفتاة طافحة بالحيوية والنشاط والجمال ، وقد أضاف اليها مركزها قليلاً من الكبرياء ـ ـ ـ وبحكمِ نشأتها في بلدٍ لم تعرف فيه معنى للعنف أو الفقر أو الألم ، فقد كانت تنظر الى مراجعيها من اللاجئين على أنهم أناس "مساكين" يجب مساعدتهم ومعاملتهم بلطفٍ !! ، لكنه في ذات الوقت كانت تحاول عدم التجاوز على القوانين المشددة بعدم السماحِ لهم بالبقاءِ عاطلين عن العملِ ، كما إنها لم تكن تفرّق بين طبيب وعامل أو عالم وجاهل ـ ـ فالكل في نظرها أشخاص "بؤساء" هربوا من بلدانهم المُتخلفة والفقيرة وجاءوا الى بلدها طالبين المُساعدة المادية للعيش بأمانٍ وإستقرارٍ !!ـ ـ كانت كبقية أبناء شعبها تعتقد بأنهُ ليس من العدل والإنصاف أن تعمل هي وغيرها من مواطني بلدها طوال النهار ليدفعوا في النهاية نسب عالية من الضرائبِ ليعيلوا هؤلاء اللاجئين حيثُ وجد البعض منهم تلك القوانين الإنسانية فرصة يجب إستغلالها للإسترخاء والراحة بعد سنواتٍ من القهر والألم عاشوها في بلدانهم الأصلية !! .   
إبتدأت مسؤولة الرعاية الإجتماعية حديثها مع الدكتور "معتز" بزفِ بشرى كانت تعتقد من إنه سيقفز فرحاً عند سماعها !! ـ ـ قالت : لقد وجد مكتب العمل عملاً لك في أحد المطاعم حيثُ ستعمل على غسل الصحون !! ـ ـ ـ
نظر اليها بأسى وبدأت أنفاسه بالتسارع !! ـ ـ
لم تلاحظ الفتاة الإنفعالات التي ظهرت على ملامحه !! ـ ـ فإستمرت في حديثها موضحة له الإتفاق الذي تمّ بين مكتب العمل وصاحب المطعم ، حيثُ سيستمر مكتب العمل على دفع ستين في المئة من الراتب لتشجيع مالك المطعم على توظيفه بشكلٍ دائمي !!! ـ ـ
أراد الدكتور "معتز" أن يصرخ في وجهها ـ ـ ـ أيتها الغبية أتعلمين من أنا ؟!! ـ ـ لكنهُ تمالك نفسه معللاً ذلك بأنها تقوم بواجبها !!
نهض الدكتور "معتز" من مقعده قاصداً باب الغرفة وسط دهشة وإستغراب الفتاة !! ـ ـ صاحت عليه ـ ـ مستر معتز ـ ـ مستر معتز ـ ـ الى أين أنت ذاهب ؟ !! .
نظر الدكتور معتز الى جموع المارة المسرعة في جميع الإتجاهات حال خروجه من المبنى ـ ـ تذكر قوله لزوجته " من أن الأمير الذي يغادر إمارته يفقد هيبته ويصبح من عامة الشعب !!" ـ ـ حشر نفسه بينهم كما حشره المهربون في الشاحنة ، فإبتلعته أمواجهم وغاب عن الأنظار . 

الهامش :
*قصة الدكتور "معتز" ليست قصة من وحي الخيال وإنما مجموعة حقائق لقصصٍ عديدة شاهدتها وسمعتها حدثت وتحدث ليس لشعب العراق فحسب وإنما لشعوبٍ عديدةٍ حاولتُ قدر الإمكان التخفيف من مأساتها ، وهي ليست محصورة بين طائفة أو مذهب أو دين معين فالجميع قد إنكوى بنارها ، وقد إستخدمتُ إسماً رمزياً مستعاراً ليس له علاقة بأي شخص حقيقي لا من قريب ولا من بعيد وإنما إخترته ليتماشى مع روح القصة وأهدافها التي سعيتُ لإيصالها للقارئ الكريم .

   

 
   




119
حكاية تراثية موصلّية تحولت الى منلوج موصلّي
بقلم : سالم إيليا
أبدأ مقدمتي بسؤال يتداوله العامة في جلساتهم الخاصة و قبل الولوج في صلب الحكاية ألا وهو : مَنْ الأقرب الى قلب الأم ، إبنها أم زوج إبنتها ؟!.
فهنالك حكاية تراثية يتداولها أبناء الموصل وخاصة المسيحيون منهم أطلقوا عليها إسم " ربّي خليلي كوركيس ـ ـ ـ ربّي موتلي كوركيس" ، فمن هما الـ " كوركيسين" !! ؟ ـ ـ فكوركيس الأول هو زوج إبنة المرأة العجوز (بطلة الحكاية) ، وأما كوركيس الثاني فهو إبنها !! . ولربما سيتعجب القارئ الكريم كيف تطلب الأم من خالقها وأئمته الأطهار أن يحفظ زوج إبنتها كوركيس و(يأخذ) إبنها كوركيس !؟ .
هنالك مثل موصلّي أو عراقي بصورة عامة يقول : (البنت حبابة أهلها) ، أي أنّ الفتاة دائماً تحاول أن تبقي العلاقة الطيبة بينها وبين أهلها وتبقي محبتها بداخلهم خاصة والدتها حتى وإن تركت دار أهلها وغادرت الى بيت زوجها ، كما تحاول عكس تلك المحبة على زوجها من خلال حثـّهِ على التودد والإهتمام بأهلها . بالمقابل تعتقد معظم الأمهات وخاصة أيام زمان (لبساطة تفكيرهنّ على أغلب الظن) من أنّ الأبناء سيهملونهنّ حال زواجهم ويوجهوا جلّ إهتمامهم الى زوجاتهم (وربما يصح ذلك الإعتقاد في بعض الأحيان) ، لكن بشكلٍ عامٍ هنالك سوء فهم من قبل الأم لطبيعة العلاقة بينها وبين إبنها من جهة وبين إبنها وزوجته من جهةٍ أخرى ـ ـ لكن كما ذكرتُ من أنّ محدودية ثقافة الأم وبساطتها (وربما بساطة تفكير جميع الأطراف خاصة أيام زمان) أدت الى عدم إدراك الفهم الصحيح  في معنى تلك العطايا الإلهية للبشر ومن ثمّ نشوب الخلافات منذ اليوم الأول لزواج الإبن أو ربما قبله !!. وأغلب الظن من أنّ المشاكل يشترك في خلقها جميع الأطراف وبنسبٍ متفاوتةٍ من حيث يعلمون أو لا يعلمون ، حيثُ تعتقد الأم بأن زوجة إبنها (كنّتها) قد جاءت لتحل محلها في قلبهِ على شاكلة المثل (جاءت العصر وبنت القصر) !! ، والزوجة تعتقد أن من حقها التربع على عرش إهتمامات زوجها وهكذا ـ ـ ، ولا أريد التطرق في هذه المقالة الى التعقيدات والأمثلة التي لا حصر لها والعوامل النفسية التي تؤثر في تلك العلاقات ، لكنني سأقص تلك الحكاية بشكلٍ مختصر ثمّ أنتقل بعدها الى الشعر الشعبي أو المنلوج الذي نُظِم عليها :
فالحكاية تبدأ : من أنّ إحدى الأمهات وبسبب إعتقادها بأنّ ولدها (كوركيس) قد أهملها بعد توجيه إهتمامه لزوجته عكس زوج إبنتها (كوركيس) الذي ما برح يدللها وينفذ طلباتها وإحتياجاتها ، لذا ومن شدّة حبّها لإبنها وفي ذات الوقت غضبها عليه ذهبت الى أحد الأضرحة المقدسة طالبة منه أن يأخذ (يميت) إبنها كوركيس أفضل من أن يكون من حصّة كنّتها !! ، وأن يحفظ زوج إبنتها (ختنها) كوركيس لأنه يلبّي كل طلباتها وإحتياجاتها !! .
حيثُ كانت الأم تذهب يومياً الى الضريح لمناشدته في تنفيذ طلبها إذ إشتعلت نار الغيرة في داخلها وهي تراقب إبنها وقد أصبح مُلكاً لزوجته !! ، فإنتبه الإبن لخروج والدته اليومي فتبعها الى الضريح وسمع دُعاءها الذي أغضبهُ ، فقرر (الإنتقام) منها على طريقته الخاصة وذلك بطلبه منها وهو مختفي خلف الضريح (على أساس أن المتكلم هو الولي الصالح) أن تأتي له كل يوم بدجاجة مشوية وتضعها أمام ضريحه وتغادر !! ، ففعلت ما طلبه منها (الولي الصالح) حتى جاء على آخر دجاجة تمتلكها !! ، حينها إشتكت له من عدم تلبيته لطلبها على الرغم من تنفيذها لكل طلباته ، لا بل على العكس لقد لاحظت بأنّ ولدها تحسنت صحته هو وزوجته أكثر وإزداد سمنة !! ، عندها خرج إبنها من مخبأه خلف الضريح ولام والدته على ما تطلبه من الرجل الصالح وإنكشف المخفي عند الطرفين(1) .
حفّزت هذه الحكاية التراثية موهبة الإبداع الأدبي في ذاكرة المرحوم الأديب والشاعر الشعبي الموصلّي يقين إيليا الأسود فنظم شعره (منلوجه) باللهجة الموصلّية والذي أطلق عليه إسم "كوركيس" وذلك في قرية كرمليس/الموصل في سنة 1952م حيث كان معلماً في مدرستها ، إذ قال :
ربّي خليلي كوركيس ـ ـ ـ ربّي موتلي كوركيس
خلينو بعد رينة ـ ـ ـ ـ ديكون خوقة بيدينا(2)
غصب العنّو يغبينا ـ ـ ـ ربّي خليلي كوركيس
خلينو هل المدلل ـ ـ ـ ـ بليّانو نتبهدل
جينا منك نتوسل ـ ـ ـ ـ بس إحفظلنا كوركيس
ما تلوق الغيغو الصاية ـ ـ ـ والقعدي عالجرباية(3)
هو اللنا صرماية ـ ـ ـ ـ ربي نجّيلنا كوركيس
أشقد حلو يصيح يا يوم ـ ـ ـ أشتغيدولكم اليوم(4)
كوي الليلي ليلة صوم ـ ـ ـ ـ أش متديّن وقديس
أشقد حلوي قامتو ـ ـ ـ ـ يطبختغ بمشوتو
ماكو مثل شغوتو ـ ـ ـ ـ بالسوق لمّا يحل الكيس
موتلي إبني كوركيس ـ ـ ـ ـ خليلي ختيني كوركيس
بيديي يفرغ الكيس ـ ـ ـ ـ بجاهك يا مار كوركيس(5)
أشقد حلوي طلّتو ـ ـ ـ ـ لما يلبس بدلتو
ويشيل بيدو جنطتو ـ ـ ـ ـ أغوح فدوى الكوركيس
الحمي تعبد الختن ـ ـ ـ ـ لو يشد بحلقة غسن
وياخذا معانو اللندن ـ ـ ـ ـ ويبيعة للإنكليز
أمّا الولد يا ستّار ـ ـ ـ ـ تتوسل تشعلوا بناغ
ويصيبو وجع الحاغ ـ ـ ـ ـ وياخذو عندو أبليس
هذا الحال يا إخوان ـ ـ ـ ـ عند قسم من النسوان
أرجو يكثغ الحنان ـ ـ ـ ـ ولا تغشّم فلوس الكيس

لقد طرح الشاعر في شعره (منلوجه) الساخر أعلاه إحدى المشاكل الموجودة فعلاً في مجتمعاتنا ولحد هذا اليوم والذي إختتمه بمناشدة بعض النساء بعدم الأخذ بالمظاهر الكذّابة في تحديد العلاقة مع أعزائهم .
وكما عودّت قرّائي الأعزاء وخاصة من غير الموصليين على توضيح بعض الكلمات الواردة باللهجة الموصلّية ليتسنى لهم الإستمتاع بهذا التراث الخلاّق عند قرائته ولتلافي صعوبة فهمها .

الهوامش : 
(1)    شاهدتُ على أحد المواقع الألكترونية العراقية مقطعاً من فيديو لأحد البرامج الموصلّية والتي تبثها إحدى القنوات الفضائية الموصلّية وفيه تحدث مقدم البرنامج مشكوراً (الذي حاولتُ معرفة إسمه وإسم برنامجه ولكنني للأسف لم أفلح) عن هذا المثل (ربّي خليلي كوركيس ـ ـ ربّي موتلي كوركيس) وقصّته التراثية لكنه لم يتطرق الى المنلوج لأنها المرة الأولى التي يُنشر فيها  ، فتحية له على تذكيرنا بالحكاية .
(2)    رينة : أسم إبنة المرأة العجوز (زوجة كوركيس) في المنلوج وهو أسم إفتراضي أوجده الشاعر.
خوقة : هي قطعة القماش وتدعى باللهجتين الوسطى والجنوبية بالـ (خركة) .
(3)    تلوق الغيغو : باللهجتين الوسطى والجنوبية يقولون (تلوك الغيْرة) .
(4)    يا يوم : أي (يا أمي) .
(5)   بيديي يفرغ الكيس : أي بيديها يفرغ كيس النقود .
مار كوركيس : هو أحد الأئمة الأطهار (قديس) يؤمن المسيحيون والكثير من أهل الموصل من جميع الديانات بشفاعته ، وله دير على إسمه يقع على جبل مقلوب على إرتفاع 3400 قدم وبمسافة حوالي 30كم شرق الموصل .
       


120
كفاكم ضحكاً على ذقون الشعب
بقلم : سالم إيليا
خرجت علينا وسائل الإعلام من فضائيات وأرضيات !! ـ ـ  المرئية منها والمسموعة قبل أيام بخبرٍ أو تصريحٍ (أعرج) كاد أن يكون وقعه كوقع قنبلتي أمريكا الذريتين على هيروشيما وناكازاكي في سنة 1945م لولا إنتهاء صلاحيته !!.
فقد صرّح قاسم الأعرجي عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عن التحالف الوطني لوسائل الإعلام بأنه (إستطاع) تحديد عميلين للـ (سي آي أي) من ضباط الجيش العراقي الحالي وإنه يحتفظ بإسميهما وكل ما يتعلق بنشاطهما (التجسسي) لدولة أجنبية (أمريكا) والمخالف للقوانين العراقية !! .
لقد ذكر السيد الأعرجي بأنّ أمريكا عندما خرجت من العراق (وسؤالي : هل هي قد خرجت بالفعل ؟) قد تركت وراءها شبكة واسعة من الجواسيس والعملاء (وهل هذه البديهية تحتاج الى عضو لجنة أمن ودفاع لإكتشافها وخطف السبق الصحفي لإعلانها !!) .
فلو كان ما نُسِبَ الى عضو لجنة الأمن والدفاع صحيحاً وغير مفبركاً ، فإنه بالتأكيد يجهل أو يتجاهل أبسط قواعد اللعبة في العراق ـ ـ لا بل يجهل الف باء السياسة وما يرتبط بها من دهاليز مظلمة لا يتمكن هو وحلفائه من أعضاء الرئاسات الثلاثة من إنارتها حتى لو تبرعوا بكامل حصصهم من آلاف (الأمبيرات) وحرمان دورهم السكنية منها !! .
فهل تحتاج أمريكا لدفع رواتب للجواسيس بعد إحتلالها للعراق منذ سنة 2003م ـ ـ وهل سيزودها هؤلاء (العملاء) بأكثر مما أخذته من تفاصيل وصور وعن قُرب بواسطة أحدث الأجهزة الألكترونية ومن الأرض بدلاً من إستخدام أقمارها الصناعية كما كانت تفعل قبل الإحتلال !! ـ ـ وهل تركت أمريكا أية جزئية في العراق دون تدوينها حتى وصلت الى نوعية وماركات الملابس الداخلية لأصحاب الشأن ومنهم صاحب التصريح !! .
وثُمّ على ماذا تتجسس ـ ـ هل تتجسس على نوعية وعدد الأسلحة الأمريكية التي باعتها لنا ـ ـ أم تتجسس على وضع الخطط التي أصلاً وضعها خبرائها كخارطة طريق لجميع الوزارات ومنها وزارة الدفاع ـ ـ أم تتجسس على أفكار وتصورات بعض المسؤولين الذين تدربوا في معاهدها المختلفة وحصلوا على شهاداتهم المختومة بختم الـ (سي آي أي) في ولاءهم المطلق الى أولياء نِعمتهِم الذين جاءوا بهم من مقاهي لندن وباريس وكازينوهات لاس فيغاس وأصبحوا في ليلةٍ وضحاها سادة القوم ومنظّريهم !! .
فلو سلّمنا بأمر تسمية هذين الضابطين بالجاسوسين كما يسميهم عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية ، فماذا نسمي مَنْ تعاضد مع المحتل ووافقه على غزو العراق ومن ثمّ أخذ مكافئته من الغازي بتوظيفه في هذه الوظيفة الرفيعة أو تلك ـ ـ وماذا نسمي أعضاء بعض الأحزاب الذين دخلوا ممتطين دبابات الإحتلال التي لم يسلم من تدميرها حتى حجارة أرصفة الطرقات ، ثمّ اليس من الأجدر أن يفضح العضو البرلماني الذي إنتخبه الشعب ووضع ثقته به ما تبقى من عدد هائل يصل الى (15) الف فرد كأعضاء لسفارة دولة أجنبية كانت (وما زالت) تسيطر على البلد من شماله حتى جنوبه ومن شرقه حتى غربه ، وهل يعلم عضو البرلمان بأنّ هذا العدد من العناصر ماهم إلا رجال مخابرات ذات كفاءة عالية وتحت يافطات وأسماء هلامية من مدربين ومستشارين ودبلوماسيين وغيرها من الأغطية ذات الوجهين ظاهرها برّاق وباطنها مظلم ، فهل هُم بحاجة الى إضافة عدد آخر لطابورهم الخامس من أفراد الجيش العراقي ـ ـ وربما إذا أجهد هذا العضو البرلماني والأمني نفسه قليلاً في البحث والتقصي فسوف يكتشف بأن عمل الضابطين ما هو إلا عمل تنسيقي ورقابي على تنفيذ ما تمّ الإتفاق عليه في دهاليز الغرف المظلمة بين المحتل من جهة ومن هم في أعلى رأس هرم الدولة من جهةٍ أخرى وبمباركة ومعرفة الجهتين وبراتب إضافي لهذين ( الجاسوسين ) يدفع من خزينة الدولة العراقية !!! . 

121
أدب / قصة قصيرة / لقاء مع الشمس
« في: 19:05 29/01/2012  »



قصة قصيرة / لقاء مع الشمس
سالم إيليا
نظر اليه المدير الإداري وخاطبه قائلاً ـ ـ ـ
ماذا قلتَ لي تحصيلك الأكاديمي ـ ـ ـ ؟
أجابهُ طالب التعيين ـ ـ ـ أنا حاصل على الدكتوراه في الإخراج الإذاعي والتلفزيوني ـ ـ ـ
ومن أينَ حصلتَ عليها ، سأله المدير ؟
أجابهُ : من فرنسا ـ ـ ـ
تمتمَ المدير بعباراتٍ قصيرةٍ وصلَ البعض منها الى مسامع طالب التعيين الذي أجابَ :
نعم ـ ـ نعم ، أنا أؤيدكَ يا سيادة المدير ، فليسَ لشهادتي الأكاديمية مكاناً عندكم ـ ـ ـ لكنني على إستعدادٍ للعملِ حتى كمساعدِ مخرجٍ !! ، فالفنان لا يعيرُ للمواقعِ الوظيفيةِ أية أهمية إلا بقدرِ ما يتعلقُ الأمر بتطوير موهبتهِ الفنية وعرضها على جمهورهِ !! ـ ـ
لم يُعجب هذا الرد المدير الإداري فعمد الى إشغالِ نفسهِ بالنظرِ الى بعض الوريقات التي كانت على مكتبه وكأنه لم يسمع أي حرف مما قاله طالب التعيين !! ـ ـ ـ ثمّ رفعَ رأسه مخاطباً المخرج وسائلاً سؤالاً من صلب عمله الفني : " لو أعطيناك سيناريو لعملٍ فني تلفزيوني وقرأته جيداً ، فبالتأكيد ستقسّم الأدوار على العاملين الذين لديكَ معرفة مسبقة بإمكانياتهم الفنّية من ممثلين ومصورين وعمال ديكور والى أصغر عامل في هذا العمل ـ ـ ـ اليس كذلك " ؟
أجابهُ المخرج ـ ـ ـ بالضبط ـ ـ ـ بالضبط ، فهذا ما سأفعلهُ !
أبتسمَ المديرُ إبتسامةً خفيفة لا تخلو من مكرٍ وخبثٍ ثُمّ أكملَ ما بدأه قائلاً ـ ـ ـ عظيم ، يبدو بأنّ أفكارنا متقاربة ، وأردف قائلاً : طيب ، ماذا لو أنّ أحد الممثلين الذين لا تعرف إمكانياتهم إتصل بك طالباً إسناد أحد الأدوار اليه حتى وإن كان ثانوياً ، فماذا سيكون ردّك ؟
نظرَ المخرج اليه وقد ساورته الشكوك وقال بحذرٍ ـ ـ ـ سأقول له إنتظر ربما ستحصل على فرصتك في عملٍ آخرٍ !
إستغلّ المدير هذه الإجابة فإزدادت إبتسامته التي أظهرت إنيابه وكأنها أنياباً لحيوانٍ مفترسٍ قائلاً : هذا هو حالنا في التلفزيون يا صديقي ، فجميع الأدوار موزعة بالضبطِ كأدوار أي عمل فني آخر فلا مكان للمبتدئين بيننا ـ ـ ـ
القى المُخرج تحية المغادرة على المدير بكلِ أدبٍ وغادرَ غرفته دون أن يَعلم في أي إتجاه قادتهُ قدماهُ ـ ـ ـ أبْطأ قليلاً حين شاهد الممثلون وهُم يرتدون ثياباً تاريخية ويتنقلون من هذه الغرفة الى تلك ـ ـ ـ أدرك حينها بأنه قد سلك الإتجاه المعاكس لبابِ الخروجِ من بناية التلفزيون ، حيثُ أوصلته قدماه الى مجمع الإستوديوهات الرئيسي !! ـ ـ ـ نظر الى تلك الوجوه التي لم يترك عامل المكياج فيها أي ملامح لوجوههم الحقيقية !! ـ ـ ـ أراد أن يفعل مثلهم في إخفاء وجهه الحقيقي ! ـ ـ ـ شعر بأنه لا يقوى على التنفس ـ ـ ـ سارع بالخروج باحثاً في الممراتِ الضيقةِ عن الباب الذي سيوصله الى الخارج ـ ـ ـ تحسس جيوبه باحثاً عن علبة السيكاير التي لا يتذكر بإنها قد فارقت أحد جيوبه يوماً ما ـ ـ ـ أشعل سيكارة وإستنشق دخانها بعمق ـ ـ ـ أحس بأنه قد أتى عليها بنفسٍ واحدٍ فقط !! ـ ـ ـ أشعل ثانية وثالثة ـ ـ ـ إستمر في تفكيره وهو يقود سيارته عائداً الى دارهِ ـ ـ ـ تـُرى لماذا أصغى الى أحاسيسه وموهبته ـ ـ ـ لماذا لم يختار كليّة الهندسة خاصة وإنّ مجموع درجاته كان يؤهله لنيلها !! ـ ـ ـ توقف فجأة ـ ـ ـ نظر يميناً ويساراً ـ ـ ـ لقد ظلّ الطريق الى دارهِ !!! ـ ـ ـ نظر من خلال الزجاجة الأمامية الى عنانِ السماءِ حيثُ كانت الشمس ترسل بأشعتها المُلتهبة الى سطح الأرض ـ ـ ـ فكّرَ قليلاً ثم أدار محرك السيارة مرة أخرى متجهاً غرباً ـ ـ ـ لابد أنه سيلتقي الشمس لو إستمر في السير ( قال مع نفسه ) !!! ـ ـ ـ وجد نفسه بعد مُدّة من الزمن وقد إجتاز حدود مدينته !! ـ ـ ـ إستمر في السير وعينيه لا تفارقان قرصها ـ ـ ـ لا يعلم كم من الوقت مضى ـ ـ ـ ربما ثلاث أو أربع ساعات أو أكثر ـ ـ ـ لا يعلم فقد توقف الزمن عنده !!! ـ ـ ـ توقفت سيارته لنفاذ وقودها ـ ـ ـ ترجّل ونظر الى الشمسِ حيثُ إقتربت منه أكثر !! ـ ـ ـ أسرع الخطى اليها ـ ـ ـ عَلت وجهه إبتسامة عريضة حين شاهدها تنخفض بمسارها نحوه !! ـ ـ ـ غمرتهُ سعادة كبيرة ـ ـ ـ أسرع في خطواته أكثر مجتازاً بعض المروج المتصلة بحقولٍ أخرى مهجورة قد غطتها الأعشاب البريّة ـ ـ ـ نظرَ الى الأفق حيثُ لم يبقى إلاّ مسافة قصيرة ليلتقيها !! ـ ـ ـ حاول الإمساك بأشعتها الذهبية ـ ـ ـ بدأ بترديد ما قاله الشاعر : مَن رامَ وصل الشمس حاك خيوطها سبباً الى آماله وتعلقا !! ـ ـ ـ توارى جسده في خط الإفق بين السماء والأرض غارقاً في الظلمة التي بدأت بالإنتشار بين جزيئات الفضاء .
نظرت زوجته الى ساعتها اليدوية وقد بدا عليها القلق ـ ـ ـ هبط الظلام وهي لا تزال واقفة على عتبةِ باب الدار تنتظر رجوعه ـ ـ ـ مرّت الأيامُ والأشْهُر والسنون وهي لا تزال تنتظره عند الغروب على عتبةِ الباب متأملة عودته !!.


122
زكريا يوسف موسيقار موصلّي (منسي) دقّ ناقوس ذكراه
الباحث الموسيقي مهيمن الجزراوي

المقدمة :
من خلال المراسلات الألكترونية المتبادلة مع البعض من الأساتذة والكتّاب الأجلاّء والتي نتبادل من خلالها ما هو جديد ومتميز في رصد ومتابعة تاريخ وتراث بلدنا العزيز ومبدعيه وخاصة ممن لم تشملهم الدولة والإعلام برعايتهما (المباركة) والذين أثروا المكتبات العراقية بمؤلفاتهم وبحوثهم النادرة والتي غالباً ما بقيت كمخطوطات منسية موضوعة على الرفوف العتيقة أو قد أتلفتها الرطوبة وعوامل الزمن في إحدى (القبور) التي نطلق عليها جزافاً إسم المخازن أو الآرشيفات !!! . هذه المخطوطات التي لو نُشرت لأغنت الجامعات والكليات والمعاهد ذات الإختصاص بما تحتاجه من مصادر ثرية بمادتها العلمية والأدبية والنابعة من معين المجتمع العراقي بمميزاته الفريدة .
وفي هذا الصدد إستلمتُ قبل برهة من الزمن إيميلاً من إستاذنا الجليل الباحث الموسيقي باسم حنّا بطرس مرفقاً معه البحث الذي قدمهُ الباحث الموسيقي الأستاذ مهيمن الجزراوي عن الموسيقار (المنسي) زكريا يوسف، حيثُ كان من المفروض أن يُعتمد هذا البحث من قبل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الموسيقى العربية الثامن عشر(الذي نظمته دار الأوبرا المصرية في القاهرة للفترة من 1-10 تشرين الثاني 2009م ) ضمن منبره العلمي في محوره " توثيق أعمال الشخصيات من القرن العشرين وما قد حققوه من أعمال خاصة بالمخطوطات " لولا رفضه وعدم قبوله بحجة انه قد تم استلامه متأخراً عن موعده بالرغم من ان الباحث مهيمن الجزراوي قد ارسله قبل الموعد المحدد بحوالي الشهرين !! ، حيثُ كان الباحث أحد المشاركين في هذا المؤتمر بدعوة من اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى كما جاء في نص المقدمة التي وضعها .
 ولأهمية البحث والجهد الكبير الذي بذله الباحث مهيمن الجزراوي ولندرة المعلومات المؤثقة عن الموسيقار الكبير زكريا يوسف ، قام الباحث بنشره ولأول مرّة عبر الشبكة العنكبوتية وعلى منتدى" سماعي" المختص بالبحوث الموسيقية .
وحال قراءتي للبحث الذي شدّتني اليه وفرة المعلومات التي حاول فيها الباحث عدم إغفال أية جزئية حصل عليها من خلال بحثه عن هذا الموسيقار العراقي (المجهول) ، أرسلتُ إيميل للإستاذ الباحث الموسيقي باسم حنّا بطرس طالباً منه نقل رغبتي للباحث الموسيقي مهيمن الجزراوي في السماح لي لنشره على المواقع الألكترونية العراقية الرصينة الأخرى ليطلّع عليه أكبر عدد من القرّاء الكرام ومناشداً في الوقت ذاته المعنيين بتوثيق التراث العراقي والموصلّي ومبدعيه الى إعتماده كبحث نادر ومرجع يحتوي على معلومات قيّمة عن الموسيقار زكريا يوسف لم أعثر على معلومات غيرها في أي مكان آخر .
ختاماً أقدم شكري وإمتناني للإستاذ باسم حنّا بطرس لإسعاف طلبي وللباحث الموسيقي الأستاذ مهيمن الجزراوي لإيميله الذي أعطاني فيه الضوء الأخضر لنشر بحثه أدناه .
وكلمة أخيرة أقولها : الى متى تذهب جهود المبدعين وبحوثهم الذين أفنوا أعمارهم في تدوينها سُدى دون أن يكون هنالك دائرة خاصة تابعة للبحث العلمي تتبنى نشرها وتوثيقها ؟

سالم إيليا
 
 


          

 الباحث الموسيقي زكريا يوسف ودوره في تحقيق وشرح مخطوطات الموسيقى العربية
________________________________________
الباحث الموسيقي زكريا يوسف ودوره في تحقيق وشرح
مخطوطات الموسيقى العربية

بقلم الباحث الموسيقي مهيمن ابراهيم الجزراوي

يعد الباحث الموسيقي (زكريا يوسف) احد الباحثين المرموقين ، ومن الرواد الاوائل في مجال البحث الموسيقي الاكاديمي في العراق المعاصر ، الذي ترك بصماته على مسيرة الحركة العلمية ، ورفد المكتبة الموسيقية بعدد زاخر من المؤلفات القيمة ، ومن المؤسف حقاً تشتت اعماله التي طواها النسيان ، وعلى وجه الخصوص مؤلفاته المخطوطة التي لم يتم طبعها ونشرها حتى الآن ، من خلال دراسة سيرته الذاتية والفنية وتوثيق مسيرتها المتزامنة مع مسيرة تطور البحث العلمي الموسيقي في العراق لفترة ترنوا إلى نصف قرن من الزمن ، وتسليط الضوء على هذا الباحث المغمور الذي فنى حياته بجمع مخطوطات الموسيقى العربية المتناثرة في مختلف مكتبات دول العالم وعمل على تحقيقها وشرحها ونشرها.
ولادته وتعليمه:
ولد الباحث زكريا يوسف في محافظة نينوى - مدينة الموصل - عام 1911م. واسمه الكامل هو (زكريا يوسف توماشي) غير انه كان معروفا بـ (زكريا يوسف) في الاوساط الثقافية والموسيقية. وكان هاويا للموسيقى شغوفا بها منذ نشأته ، فتتلمذ على حب الموسيقى وسماعها. وفي السادسة من عمره (اي في العام 1917م) دخل مدرسة شمعون الصفا الابتدائية في الموصل (وكانت تابعة للكنيسة الكلدانية وتديرها مجموعة من الراهبات) ، وفي احد الايام طلب الاستاذ جميل نوري (وهو معلم الموسيقى والأناشيد في المدرسة) من تلاميذه تشكيل فرقة طلابية موسيقية ، فكان زكريا أول من لبّى النداء بدوافع حبه للموسيقى يشاركه في ذلك زميله الموسيقي المعروف الاستاذ سعيد شابو (الموصل 1910م – بغداد 1995). وكان ذلك قبل أن ينهي دراسته الابتدائية ، أي بعمر عشر سنوات تقريبا. وتعلم في تلك الفرقة الموسيقية الصغيرة العزف على الآلات الموسيقية الهوائية ، ومن ثم اصبح هذا التلميذ الصغير عازفا على آلتي الترومبيت والترمبون النحاسية الهوائية في فرقة المدرسة النحاسية ، وكانت المشاركة مع تلك الفرقة هي نقطة البداية مع الموسيقى.
السفر من مدينة الموصل الى بغداد:
في عام 1926م تخرج من مدرسة شمعون الصفا وحصل على الشهادة الابتدائية. عندها سعى معلم الموسيقى والأناشيد الاستاذ جميل نوري ومدير المدرسة لانتقاله الى بغداد. فترك زكريا يوسف الموصل من اجل تكملة دراسته في العاصمة بغداد ، ودخل دار المعلمين الابتدائية ، لاربع سنوات وهي سنوات الدراسة في الدار ، ودرس النشيد على يد الاستاذ نوري ثابت (مدرس الرياضة والنشيد في الدار وهو صاحب جريدة حبزبوز المشهورة). وأثناء دراسته في الدار شكل فرقة موسيقية غنائية اطلق عليها (فرقة دار المعلمين الابتدائية) ، التي تتألف من (سعيد شابو على آلة الترومبيت ، لويس فرنسيس على آلة الآلتو ، وزكريا يوسف على آلة الترمبون ، ويعقوب عبد المسيح على آلة الكونترباص ، وخليل حنا على آلة الباريتون).
في العام 1929م حصل على شهادة دار المعلمين الابتدائية ، وبعد تخرجه جاء وقت العمل ، وهموم الحياة الاخرى ، لكن هذا وان ابعد الهاوي الموسيقي الشاب عن دراسة الموسيقى اكاديميا الا ان الهواية اتخذت مسارا اخر ، وهي الدراسة النظرية ، وبدأت الكتب والمصادر الموسيقية تأخذ كل وقته. في نفس الوقت كان زكريا قد تعلم العزف على آلة الكمان في بغداد بصورة شخصية على يد الملحن والموسيقار العراقي البارع صالح الكويتي(الكويت 1903م – فلسطين 1986م) ، مما شجعه واعطاه دافعاً مضافاً للدخول في معهد الفنون الجميلة – قسم الموسيقى ، لدراسة آلة الكمان بصورة علمية ومنهجية.
في عام 1936م افتتح اول معهد للموسيقى في بغداد والذي اصبح فيما بعد – معهد الفنون الجميلة – وكانت هذه فرصته في الدراسة الموسيقية المنتظمة ، الا ان الطريق من الموصل الى بغداد ومن بغداد الى الموصل ، ابتلع من العمر ثمان سنوات ، فقد استمرت رحلة المساعي لقبوله في المعهد حتى عام 1944م ، حينها تحقق حلمه اخيرا وانتظم طالبا في معهد الفنون الجميلة – قسم الموسيقى – الدراسة المسائية - القسم الغربي لدراسة آلة الكمان ، وتتلمذ على يد الاستاذ الروماني الشهير (ساندو آلبو) ، وفي نفس الوقت كان يقوم بتدريس مادتي مبادئ الموسيقى النظرية وتاريخ الموسيقى العربية في القسم الشرقي للمعهد. لكنه لم يهتم بالعزف قدر اهتمامه بكيفية البحث في الموسيقى العربية.
ويخبرنا الاستاذ باسم حنا بطرس عن الباحث زكريا يوسف بقوله (عرفته في عام 1945م معلما في مدرسة الطاهرة الابتدائية في بغداد حيث كنت تلميذا في الصف الخامس الابتدائي آنذاك ، وهو يحمل آلة الكمان معه ليقود إنشادنا للاناشيد المدرسية ، مفتتحا فترة اصطفاف التلاميذ مع تحية العلم ، بلحن السلام الملكي العراقي).
في عام 1951م تخرج من معهد الفنون الجميلة – قسم الموسيقى - القسم الغربي بدرجة امتياز ليصبح معيدا في نفس المعهد ، ومدرسا ومعاونا لرئيس القسم الشرقي آنذاك الموسيقي المعروف الشيخ علي الدرويش (حلب 1884م – حلب 1952م) ، وبحكم تقدم الشيخ في السن فقد ترك لمعاونه الشاب ، بعض مسؤولياته. وفي نفس العام شارك زكريا يوسف كباحث موسيقي والقى محاضرة موسيقية في المعهد الثقافي البريطاني ببغداد مساء يوم الاثنين المصادف 16/4/1951م.
 




         

رحلة العلم والمعرفة خارج العراق:
ولم تقف طموحاته عند هذا الحد ، فسعى من اجل اقناع (وزارة المعارف آنذاك) لتخصيص وارسال بعثات دراسية لدراسة الموسيقى خارج القطر ، لخريجي معهد الفنون الجميلة ، من اجل اعداد كوادر عراقية لتدريس الموسيقى بصورة علمية حديثة في المعهد ، ولسد فراغ كان الاساتذة العرب والاجانب يحتلونه ، فقد بقى بعض المدرسين العرب والاجانب حوالي ربع قرن دون ان تحل كفاءة عراقية محلهم.
في عام 1952م شارك ايضا كباحث موسيقي وقام بالقاء محاضرة في المهرجان الالفي لذكرى مولد الشيخ الرئيس (ابن سينا) المنعقد في بغداد للفترة من 20-28/3/1952م. وفي العام ذاته خصصت وزارة المعارف اربع بعثات ، تم ترشيح زكريا يوسف لاحداها ، وقد اختار الدراسة في انكلترا ، واصل خلالها بحثه وتحصيله العلمي العالي ، توفيرا للسنة التحضيرية في دراسة اللغة ، بينما ذهب زملاؤه الآخرون الى باريس.
وقد درس الباحث زكريا يوسف الموسيقى ايضا على يد استاذه المستشرق الانكليزي المعروف هنري جورج فارمر عند دراسته في انكلترة.
في عام 1955م عاد زكريا يوسف الى الوطن بعد ثلاث سنوات من الدراسة والبحث ، يحمل معه شهادته العليا ، وكان اول موسيقي عراقي يحصل على شهادة موسيقية اكاديمية عليا في العلوم الموسيقية ، وهي دبلوم من كلية لندن للموسيقى (A.L.C.M.) ، فضلا عن افكار وخبرات جديدة ، كان يظن انه يستطيع تطبيقها عند عودته لقسم الموسيقى في معهد الفنون الجميلة ، ويقول بهذا الصدد: (انهم لم يهضموني ، واصطدمت بعقول لا تريد التغيير مهما كان شكله).
في عام 1956م وبعد عام قضاه في التدريس ورئاسة القسم الشرقي في قسم الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة قام بنقل خدماته الى جامعة بغداد – كلية البنات (والتي كان يطلق عليها آنذاك كلية الملكة عالية ، اما الآن فتسمى بكلية التربية للبنات) – فرع الفن ، ليتم تعينه استاذا لمادة النظريات الموسيقية ولمدة خمس سنوات متواصلة قضاها في التدريس الجامعي ، ليقدم بعدها طلب الاحالة على التقاعد ، ليتفرغ للبحث العلمي الموسيقي والكتابة والتأليف وتحقيق المخطوطات الموسيقية ، وتمت احالته على التقاعد بناءاً على طلبه في عام 1961م.
في عام 1962م بعد عام من احالته على التقاعد ، شارك الباحث زكريا يوسف كباحث موسيقي في مهرجان الكندي المقام في بغداد ، وكانت حصيلة تلك المساهمة الفعالة تحقيقه لرسائل مخطوطة ونادرة للكندي ، تم طبعها واصدارها في بغداد بهذه المناسبة.
منذ عودته عام 1955م من البعثة الدراسية وحصوله على الشهادة العليا بدأ المرض يدب في جسده وينتشر ببطئ ولم يفارقه حتى وفاته ، اذ نراه في مقدمة كتابه (مؤلفات الكندي الموسيقية) والمطبوع في عام 1962م ، يقول: هذه مجموعة رسائل اقدمها اليوم للقراء ايفاء لوعد قطعته لهم قبل سبع سنوات. لقد كان في نيتي تحقيقها ونشرها منذ ذلك الحين ، لولا ظروفا قاسية اثرت في صحتي ، فمنعتني من انجازها ، وانجاز غيرها من مثل هذه الاثار النفيسة ، التي صرفت جهدا ليس بالقليل في التنقيب عنها والحصول عليها.
ورغم آلآم المرض لم يتخلف (رحمه الله) عن المشاركة بالبحوث والدراسات العلمية في المحافل الثقافية من مؤتمرات وندوات ومهرجانات ، فضلا عن القاء العديد من المحاضرات الموسيقية في مجال التراث الموسيقي العربي وتاريخه وما يتعلق بتحقيق المخطوطات الموسيقية. ولم يثني المرض من عزيمته في البحث والتقصي عن هدفه في الجمع والتنقيب عن مخطوطات الموسيقى العربية المتناثرة في مكتبات دول العالم ، والعمل على تحقيقها ونشرها لآخر يوم في حياته.
للفترة من 18/11 – 25/12/1964م انعقد المؤتمر الدولي للموسيقى العربية في بغداد ، وتم انتخاب الباحث زكريا يوسف ليكون رئيسا للوفد العراقي المشارك ، وامينا عاما للمؤتمر.
ان فكرة تأسيس أول مجمع عربي للموسيقى تعود الى عام 1932م وكان ذلك خلال انعقاد المؤتمر الاول للموسيقى العربية في القاهرة ، غير ان المشروع طوي لسنوات. اما التاريخ الاخر ، لتأسيس المجمع ، فهو يحمل واقعا عمليا. ففي بحثه الموسوم (التخطيط الموسيقي للبلاد العربية) المقدم الى المؤتمر الدولي للموسيقى العربية المنعقد في بغداد عام 1964م ، اقترح الباحث زكريا يوسف انشاء مجمع عربي للموسيقى ، كما اقترح له نظاماُ خاصاً.
رحلة البحث وراء المخطوطات الموسيقية:
انصرف الباحث زكريا يوسف الى البحث والتنقيب عن المخطوطات الموسيقية في العراق والمكتبات العالمية في اقطار أوربا وافريقيا واسيا ، فيقوم بتصويرها ، ويحققها عند عودته الى بغداد ، وفي هذا الاتجاه حقق الكثير من المخطوطات ليضعها في متناول يد الباحثين الموسيقيين.
فكان يسارع للبحث عن مخطوطات الموسيقى العربية في سائر مكتبات العالم شرقا وغربا ، ويتقصى المصادر المطبوعة المتصلة بذلك فاجتمعت لديه مكتبة غنية حافلة بأمهات المصادر والمراجع المتعلقة بالموسيقى العربية ومنها المطبوع والمخطوط .
ولم تقف همته عند استجماع تلك المكتبة الموسيقية الفريدة من نوعها في العراق ، بل اخذ يبحث ويتدارس ما صوره من مخطوطات قديمة ، ويحقق منها ما يرى انها اهل بالتحقيق فعنى بنشرها وقد صدر بعضها مطبوعا في بغداد وبعضها الاخر طبع في القاهرة.
ان رحلة البحث والتقصي وراء مخطوطات الموسيقى العربية ، قادته الى مكتبات مثل ؛ مكتبة المتحف البريطاني ، وجامعة اوكسفورد ولايدن ، والمكتبة الهندية في لندن ، والمكتبة الوطنية في باريس ، ومكتبة جامعة جنيف ، وجامعة كوبنهاكن التي تظم وحدها 300 مخطوطة عربية ، والمكتبة الوطنية في مدريد ، ومكتبة دير الاسكوريال قرب مدريد ، ومكتبة طوب قابي سراي باسطنبول التي تقتني اكثر من 7500 مخطوط في مختلف العلوم والفنون من المخطوطات العربية النادرة والفريدة ، ومكتبة الجامع الازهر ودار الكتب في القاهرة ، ومكتبات الشام وحلب ، ومكتبات دول المغرب العربي في كل من تونس والمغرب.
اما في ايران وحدها فهناك (71) مكتبة عامة تحتوي على مخطوطات يبلغ مجموعها (63573) مخطوط وهي موزعة في (31) بلدة ، هذا بالاضافة الى (114) مكتبة خاصة من الصعب معرفة عدد مخطوطاتها بالتحديد.
في عام 1964م تم ترشيح الباحث زكريا يوسف من قبل وزارة الثقافة والارشاد آنذاك – وهو متقاعد – للاستفادة من منحه (زماله) دراسية قدمتها منظمة اليونسكو ، وتركت أمر اختيار الموضوع للدارس ، فاختار موضوع دراسة مخطوطات الموسيقى العربية الموجودة في الاقطار العربية في شمال افريقيا وفي مكتبات ايران وافغانستان وباكستان والهند بسبب من ان هذه المخطوطات غير مفهرسة عكس المخطوطات الموجودة في المكتبات الاوربية ، ولأن المعلومات المتوفرة عما تحويه هذه المكتبات من آثار علمية قليلة. وتعتبر هذه الدراسة مكملة لبحوث فارمر في الموسيقى العربية ففي مكتبة جامع القيروان في تونس ، مخطوطات عديدة كانت مجهولة تماما ، وكذلك مخطوطات جديدة وجدها في ثلاثين مكتبة موزعة على المدن الايرانية وحدها ، ونتائج هذه الرحلة طبعها على حسابه الخاص عام 1965م في كتيبات منفصلة عن نتائج البحث في كل بلد على حدة. فقام برحلات الى الهند وباكستان وايران وافغانستان واقطار المغرب العربي. كان من ثمار هذه الجولة العلمية كتاب يقع في ثلاثة اجزاء نشرت في بغداد كفهرست حافل بالكثير عن مخطوطات الموسيقى العربية المتناثرة في تلك الدول.
حرص الباحث زكريا يوسف على متابعته لعلاقات الصداقة الواسعة التي بناها من خلال شخصيته البسيطة والمتواضعة ، وتواصله الدائم عن طريق المراسلات البريدية التي استمرت حتى وفاته مع العلماء والاساتذة والباحثين الموسيقيين من مختلف انحاء العالم ، فضلا عن امناء المكتبات الحكومية في مختلف خزائن الكتب والمكتبات الجامعية واصحاب المكتبات الخاصة وغيرهم ليبقى على تواصل مستمر معهم لتبادل الآراء والاطلاع على كل ما يستجد من معلومات جديدة حول مخطوطات الموسيقى العربية أول بأول.
للمدة من 10-20/5/1966م شارك الباحث زكريا يوسف في حلقة دراسية بعنوان  (Ankara Musiki Kollekumu)  والمنعقدة في (انقرا – تركيا) مندوبا عن الجمهورية العراقية.
في عام 1975م وجهت له دعوة للمشاركة في مؤتمر بغداد الدولي الاول للموسيقى المنعقد في بغداد ، من قبل اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى بوزارة الثقافة والاعلام آنذاك ، التي خططت واشرفت على تنظيمه وانعقاده ، وتكليفه بإعداد وتقديم بحث ودراسة عن مخطوطات الموسيقى العربية .
 




         

وفاته :
كان الباحث زكريا يوسف يعاني من مرض خبيث ، وكان بحاجة لاجراء عملية جراحية خطيرة لكنه كان متقاعدا وراتبه قليل لا يسمح له بسد نفقات هذه العملية ، مما اضطره لعرض مكتبته الشخصية النادرة والضخمة للبيع الى دائرة الفنون الموسيقية ، وهي اعز ما كان يملكه الباحث ، ولسوء الحظ فانه بعد بيع مكتبته وقبضه للمبلغ ، قام باجراء العملية الجراحية ، ولم تكن ناجحة فتوفي الى رحمة الله. وكان سبب الوفاة هو توقف عمل الكليتين ، التي اضطر بسببها الى بيع مكتبته لتغطية نفقات الغسل والمعالجة.
توفي الباحث زكريا يوسف صباح يوم الجمعة المصادف 24 حزيران عام 1977م في بغداد مخلفا ورائه اعمالا وبحوثا كثيرة قسم منها منجزة ومخطوطة أي غير مطبوعة أو منشورة ، والقسم الآخر لم يستطع اكمالها ، وهكذا رفد الحركة الموسيقية العلمية في القطر بدراساته ومؤلفاته الى اخر يوم من ايام حياته ، حيث توفي الى رحمة الله بعد ان ألم به مرض عضال.
تأسيس أول وأضخم مكتبة موسيقية في العراق :
منذ عام 1951م ، وبعد تخرج الباحث زكريا يوسف من معهد الفنون الجميلة وتعينه في نفس المعهد ، ولايمانه بأهمية الجانب العلمي في الموسيقى فقد سعى اول ما سعى الى انشاء اول مكتبة موسيقية في المعهد لتكون مرجعا علميا للطلبة ، ومن مخزن وزارة المعارف آنذاك ومكتبة المجمع العلمي العراقي ، وبعض الاهداءات ، ومخصصات مالية تقدر بـ (50 دينار سنويا انذاك) استطاع الحصول على بعض الكتب والمصادر التي بلغ عددها عند افتتاح المكتبة (2000) كتاب.
فضلا عن ذلك يعد الباحث زكريا يوسف مؤسس اول واكبر مكتبة موسيقية في العراق قام بجمعها وعلى نفقته الخاصة طيلة حياته ، على مدار نصف قرن من الزمان ، كان يصرف الكثير من وقته ومن ماله بين مكتبات القطر والاقطار العربية والعالم ، بحثا عن المصادر والمؤلفات والمخطوطات الموسيقية. وقبل ان يشارف على رحلة النهاية ، تقدم بثمرة عمره ، مكتبة موسيقية متخصصة ، ونادرة ، الى وزارة الاعلام آنذاك ، التي ما لبثت ان احالتها الى دائرة المستشار الفني.
وكانت هذه المكتبة الموسيقية النادرة موجودة في بيته ، كما كانت محط انظار الباحثين في العالم العربي ، لما احتوته من شتى المؤلفات المتعلقة بالموسيقى العربية ، هذا مما حدا بدائرة الفنون الموسيقية ان تعمل على اقتناء هذه المكتبة النادرة وضمها الى مكتبتها لتكون احدى المراجع الرئيسية في البحث العلمي الموسيقي واحتوت على مختلف العلوم الموسيقية وتعتبر بحق اكبر مجموعة ارشيفية من الكتب والوثائق والمخطوطات والمطبوعات التي تؤرشف لنا الموسيقى العراقية والعربية مع كتب ومؤلفات بأربع لغات ، الانكليزية ، العربية ، الفارسية ، الهندية ، مخطوطات عربية في الموسيقى لم يحققها أحد حتى الان ، فضلا عن مجموعة من الاسطوانات والاشرطة والات موسيقية، ويبلغ عدد ما يوجد فيها من كتب حوالي (8200) مجلدا ، وقد صنفت هذه المجموعة على الاساس الموضوعي ، اولا بالاعتماد على ما تحتويه من موضوعات كالبيبلوغرافيات والتراجم وكتب التراث الموسيقي وكتب النظريات الموسيقية وكتب الالات الموسيقية ثم الدوريات والمخطوطات ، وقد اعدت المكتبة فهارس تفصيلية لمحتوياتها وفق احدث نظم الفهارس لاغناء هذه المكتبة بالمراجع والكتب الاساسية هذا الى جانب ما تحويه المكتبة من مخطوطات موسيقية نادرة (يبلغ تعدادها 65 مخطوطة)، وهي مخطوطات متفاوتة القيمة ، نشر بعضها وحقق ، ولم يزل بعضها الاخر لم يحقق او ينشر بعد ، على ان من بينها المهم والنادر ، لانها صورت وجمعت من مختلف المكتبات والاقطار ، ثم اضيف اليها ما كان في حوزة اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى من كتب جيدة وما قدمه الاستاذ منير بشير من بعض ما يمتلكه من كتبه الخاصة وما تجمع من كتب في دائرة المستشار الفني- وزارة الاعلام (دائرة الفنون الموسيقية حاليا) وما قدمه بعض الاشخاص كهدايا لاغناء المكتبة.
يذكر الدكتور حسام يعقوب : في عام 1977م ، عندما كنت مديراً للمركز الدولي لدرسات الموسيقى التقليدية ، تم شراء مكتبة الباحث زكريا يوسف بعد التفاوض معه شخصياً ، بتدخل مدير عام دائرة الفنون الموسيقية آنذاك الاستاذ منير بشير لمساعدة هذا الباحث الجليل في مصيبته لاجراء عمليته الجراحية ، وقد شكلت وقتها لجنة لفحص وتقييم المكتبة ، وكنت احد اعضاءها ، اذ تم شراء الجزء الاكبر من المكتبة كوجبة اولى ، والباقي تم شراءه بعد وفاته من ورثته ؛ زوجته وابنته طبيبة الاسنان الدكتورة نجاة التي هاجرت الى سويسرا.
مؤلفاته المطبوعة:
للاستاذ زكريا يوسف العديد من المؤلفات المنشورة والمطبوعة في كتب ، كان يتحمل على عاتقه نشرها وطبعها على نفقته الخاصة ، ومن مؤلفاته التي طبعت وتعد من المراجع الثمينة في البحث العلمي الموسيقي نذكر ما يأتي ، بحسب تسلسلها الزمني:
1- كتاب (الموسيقى العربية) ، ط1 ، في (48) صفحة ، مطبعة الرابطة ، بغداد ، 1951م. وهو في الاصل (محاضرة القيت في المعهد الثقافي البريطاني ببغداد) ثم قام بطبعها طبعة اولى ككتاب ، وطبعت طبعة ثانية بعد نفاذ الطبعة الاولى ، ط2 ، في (47) صفحة ، مطبعة التفيض الاهلية ، بغداد ، 1952م.
2- كتاب (موسيقى ابن سينا) ، ط2 ، في (16) صفحة ، مطبعة التفيض الاهلية ، بغداد ، 1952م. وهو في الاصل محاضرة القيت في المهرجان الالفي لذكرى مولد الشيخ الرئيس (ابن سينا) المنعقد في بغداد للفترة (20-28/3/1952م) ، كما تم نشره كبحث منشور في الكتاب الذهبي للمهرجان الألفي لذكرى ابن سينا ، مطبعة مصر ، القاهرة ، 1952م ، (ص123-135).
3- كتاب (جوامع علم الموسيقى من كتاب الشفاء لابن سينا) ، (الشفاء: الرياضيات (3) ؛ جوامع علم الموسيقى) ، تحقيق زكريا يوسف (محقق عن عشر نسخ خطية) ، في (173) صفحة ، ط1 ، تصدير ومراجعة الدكتور احمد فؤاد الإهواني والدكتور محمود احمد الحفني ، نشر وزارة التربية والتعليم ، الادارة العامة للثقافة ، صدر بمناسبة الذكرى الألفية لمولد الشيخ الرئيس ، المطبعة الاميرية ، القاهرة ، 1956م.
4- كتاب (مبادئ الموسيقى النظرية) ، (الجـزء الاول - القواعد العامة للموسيقى) ، زكريا يوسف ، في (108) صفحة ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1957م.
5- كتاب (مؤلفات الكندي الموسيقية) ، حققها واخرجها مع مقدمة وشرح وتعليق زكريا يوسف في (خمس رسائل خطية محققة) ، في (142) صفحة ، وطبع بمساعدة مالية من المجمع العلمي العراقي ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1962م.
6- كتاب (موسيقى الكندي) ملحق لكتاب (مؤلفات الكندي الموسيقية) ، دراسة مقارنة لآراء الكندي في الموسيقى ، تحقيق زكريا يوسف ، في (32) صفحة ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1962م.
7- كتاب (رسالة الكندي في عمل الساعات) ، تحقيق زكريا يوسف ، (مطبوع بالزنكوغراف) ، بغداد ، 1962م.
8-(اقدم وثيقة موسيقية للحن مدون عند العرب من القرن الثالث للهجرة : تمرين للضرب على العود ، تأليف الكندي) ، تحقيق زكريا يوسف ، النص المخطوط مع التجسيد بالعلامات الموسيقية الحديثة ، في صفحتين ، د.ن ، بغداد ، 1962م.
9- كتاب (رسالة نصير الدين الطوسي في علم الموسيقى) ، (بمناسبة انعقاد المؤتمر الثاني للموسيقى العربية) ، تحقيق زكريا يوسف ، في (14) صفحة ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، توزيع دار القلم ، القاهرة ، 1964م.
10- كتاب (رسالة يحيى ابن المنجم في الموسيقى) ، تحقيق زكريا يوسف ، صدر بمناسبة انعقاد المؤتمر الثاني للموسيقى العربية في بغداد ، في (31) صفحة ، توزيع دار القلم ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، 1964م.
11- كتاب (الكافي في الموسيقى) ، تأليف ابي منصور الحسين بن زيلة المتوفي سنة 440هـ ، تحقيق زكريا يوسف ، في (78) صفحة ، توزيع دار القلم ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، 1964م.
12- كتاب (التخطيط الموسيقي للبلاد العربية) ، في (19) صفحة ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1965م. وهو في الاصل (بحث مقدم الى المؤتمر الدولي للموسيقى العربية المنعقد ببغداد للفترة من 18/11 – 25/12/1964م) ، كما تضمن في (ص3-5) منه على مقررات وتوصيات هذا المؤتمر.
13- كتاب (رسالة الكندي في اللحون والنغم) ، تحقيق زكريا يوسف ، في (31) صفحة ، ملحق ثان لكتاب (مؤلفات الكندي الموسيقية) ، (نشرت هذه الرسالة باذن حكومة الجمهورية التركية) ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1965م.
14- كتاب (مخطوطات الموسيقى العربية في العالم) ، جـ 1 ،(مخطوطات ايران) ، زكريا يوسف ، في (23) صفحة ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1966م.
15- كتاب (مخطوطات الموسيقى العربية في العالم) ، جـ 2 ، (مخطوطات اقطار المغرب العربي) ، زكريا يوسف ، في (19) صفحة ، مطبعة شفيق ، بغداد ، فبراير ، 1967م.

16- كتاب (مخطوطات الموسيقى العربية في العالم) ، جـ 3 ، (مخطوطات الهند ، باكستان ، أفغانستان)، زكريا يوسف ، في (19) صفحة ، مطبعة شفيق ، بغداد ، مارس ، 1967م.
17- كتاب (كمال ادب الغناء) ، (تأليف الحسن بن احمد بن علي الكاتب) ، تحقيق زكريا يوسف ، مجلة المورد ، المجلد الثاني ، العدد الثاني ، ص101-154 ، وزارة الثقافة والاعلام ، في (53) صفحة ، مطبعة الحكومة ، بغداد ، 1973م.
18- كتاب (حاوي الفنون وسلوة المحزون) ، (الحسني ، ابن الطحان أبو الحسن محمد) (القرن الخامس للهجرة). ، تحقيق زكريا يوسف ، المجمع العربي للموسيقى بالتعاون مع المركز الدولي لدراسات الموسيقى التقليدية ، وزارة الثقافة والاعلام ، دائرة الفنون الموسيقية ، في (118) صفحة ، مطبوع على الالة الكاتبة ، بغداد ، 1976م.
19- كتاب (الفن الثاني عشر من الرياضيات من كتاب الشفاء للشيخ الرئيس إبن سينا) ، جوامع علم الموسيقى ، في (134) صفحة ، تحقيق زكريا يوسف ، المجمع العربي للموسيقى بالتعاون مع المركز الدولي لدراسات الموسيقى التقليدية ، دائرة الفنون الموسيقية ، وزارة الثقافة والاعلام ، بغداد ، 1984م.
نجد انه تم نشره وطباعته بعد نحو (8) سنوات على وفاة الباحث زكريا يوسف تخليدا لذكراه ، وتقديراً ووفاءاً لأهمية الجهد العلمي الذي بذله رحمه الله.

مؤلفاته المخطوطة:
فيما عدا مؤلفاته المطبوعة فالباحث زكريا يوسف له العديد من المؤلفات المنجزة والتي لا تزال مخطوطة حتى وقتنا الحاضر وبانتظار من يقوم بنشرها واخراجها للنور ، ونذكر منها على سبيل المثال ما يأتي :
1- كتاب (موجز التاريخ العام للموسيقى).
2- كتاب (قصة تاريخ الموسيقى العربية) ، وهو تصحيحات وتعليقات على مقال بعنوان (تاريخ الموسيقى العربية) لجرجيس فتح الله المحامي المنشور في مجلة المجمع العلمي العراقي ، ص704-726 ، المجلد الرابع ، الجزء الثاني ، بغداد ، 1956م.
3- ترجمة كتاب (مصادر الموسيقى العربية) للمستشرق هنري جورج فارمر ، (وقام بترجمته الى اللغة العربية عن الانكليزية مع شرح وتنقيح واضافة) ، وحازت ترجمته الجائزة الثانية للادارة الثقافية بجامعة الدول العربية ، كما ترجمه الى اللغة العربية الدكتور حسين نصار ، فوقع على ترجمته اختيار الادارة الثقافية بجامعة الدول العربية وانفقت على ترجمته ، فطبع في دار مصر للطباعة والناشر مكتبة مصر ، القاهرة ، 1957م.
4- قام بالاشترك مع ابنته طبيبة الاسنان الدكتورة نجاة زكريا يوسف بتحقيق مخطوط لرسالة علمية قديمة بعنوان (رسالة حفظ الاسنان واستصلاحها) من تأليف حنين بن اسحق المتوفي عام 260هـ.
5- كتاب (تفسير وشرح للرموز والمصطلحات الموسيقية بكتاب الاغاني للاصفهاني).
 












وهذا ما كتبه عنه أحد الكتّاب في موقع الإتحاد
 
     زكريا يوسف.. الفنان والباحث والمحقق
    
    عبداللطيف المعاضيدي
زكريا يوسف توماشي/ مواليد الموصل 1911.. دخل احدى المدارس التابعة للكنيسة الكلدانية التي كانت تديرها مجموعة من الراهبات عام 1917 وهي مدرسة شمعون الصفا وتخرج منها عام 1926..

رحل الى بغداد مع زميله الموسيقار سعيد شابو للدخول الى دار المعلمين الابتدائية وكان من مدرسي هذه الدار الصحفي والفنان نوري ثابت (حبز بوز) مدرسا للرياضة والنشيد والمعروف عن نوري ثابت انه كان عازفا للعود وملحنا لعدد من الاناشيد المدرسية وسبق للموما اليه ان تتلمذ في مدرسة شمعون الصفا على يد الاستاذ والفنان الموسيقي جميل نوري.
تخرج عام 1929 معلما في مدرسة الطاهرة الابتدائي في بغداد وفي عام 1936 افتتح معهد الفنون الجميلة ولظروف خاصة تأخر عن الدخول للمعهد حتى عام 1944 اختار آلة الكمان وتتلمذ علي يد الاستاذ (ساندو البو) وتخرج عام 1951 بامتياز ليصبح معيدا في المعهد..
عام 1952 اوفد الى انكلترا للدراسة الموسيقية.. عام 1955 الى بغداد نسب للعمل عان 1956 في كلية الملكة عالية قسم الفنون (حاليا كلية التربية للبنات) احيل عام 1961 للتقاعد بناء على طلبة ليتفرغ للبحث فقام بتحقيق عدد كبير من المخطوطات والقاء عدد كبير من المحاضرات والبحوث واهمها مهرجان الكندي وابن سينا وسافر الى جميع بلدان العالم التي تتوافر فيها مخطوطات عربية موسيقية واهمها تركيا ايران افغانستان واقطار المغرب العربي واقطار اوربية اهمها اسبانيا ايطاليا بريطانيا / فرنسا.
ولكن لازمه مرض خبيث هد جسمه ولكن لم يهد آماله واضطر عام 1977 لبيع مكتبته الى المركز الدولي للدراسات الموسيقية لاجراء عملية جراحية له ولكن للاقدار مشيئة فقد توفي رحمه الله اثناء اجراء العملية.. وبعدها اضطرت   زوجته وابنته الدكتورة نجاة زكريا للسفر وتم نقل ما تبقى من المكتبة الى المركز الدولي للدراسات الموسيقى التقليدية والتي بدورها احترقت بما فيها من كتب ووثائق مهمة وكنت احد شهود العيان لذلك رغم طلبي المتكرر لنقل المركز الى مكان آمن بحكم عملي كباحث في المركز..
يعتبر الراحل زكريا يوسف مرجعا علميا موثوقا لما يمتلكه من صدق وامانة علمية.
 مجموعة الكتب التي حققها والفها 19 كتابا وخمس مخطوطات وترجم عدد كبيرا من البحوث والمقالات.. اهمها كتاب مصادر الموسيقى العربية لهنري فارمو مع اضافة تصحيحات وتنقيحات..
آخر كتاب حققه مع ابنته الدكتور نجاة مخطوطة (رسالة حفظ الاسنان واست صلاحها) لحنين امين أسحق المتوفي عام 260 هـ رحم الله زكريا يوسف.   

123
العراقي داني بطرس والمراحل الأخيرة لنجم الخليج
بقلم : سالم إيليا
سأبتعد في هذه المقالة عن السياسة ودهاليزها وهمومها ، وعن الأدب وفروعه والتراث وديمومته والتاريخ وعظمته ، وعن المآسي ودموعها !! ، وسأقف عند داني بطرس العراقي المُجرّد من كل هوية وإنتماء عدا هويته العراقية الأصيلة .
هذا المتسابق والمتحدي لإحراز لقب نجم الإغنية الخليجية لسنة 2011م الذي وضع العراق وسمعته في أحداق عيونه وذهب الى المسابقة التي تنظمها قناة دبي الفضائية حاملاً معه آمال وتطلعات الملايين من أبناء شعبه الذين ينتظرون منه رسم الفرحة على وجوههم والبسمة على شفاههم فهم بأمس الحاجة لكل ومضة ضوء وأمل يأتي من أبناءهم البررة ـ ـ ـ نعم لقد فعلها أسود الرافدين قبل أيام حينَ زفـّوا خبر تأهلهم لنهائيات كأس العالم الكروية التي ستقام في البرازيل سنة 2014م ، فجسدوا وأكدوا بفوزهم وحدة بلدهم المهددة من قِبل الأشرار !! .
فنحن اليوم نتطلع الى جهد كل عراقي شريف وفي أي مجال ليُظهِر وحدة أرض العراق وشعبه ويرفع رايته وإسمه ويعيد مجده وتاريخه .
لقد دفعتني غيرتي العراقية وواجبي ومسؤوليتي الأخلاقية لا غيرها !! كحامل للقلم على أن أدلوا بدلوي وأناشد بل وأشجع كل عراقي وعراقية على مساندة كل أبناء البلد الذين يحاولون من خلال مواهبهم وإجتهادهم على إرسال رسالة لكل العالم من أنّ العراق لا يزال بخير وإنّه ولاّد وان شعبه حي ولا يزال يرفد البشرية والإنسانية بألإبداعات والمبدعين في شتى الميادين العلمية والأدبية والفنية والرياضية وغيرها .
داني أثير بطرس وهذا هو أسمه الكامل والذي يبلغ من العمر العشرين عاماً والمولود في الموصل سنة 1991م وحسب ما جاء في هويته الشخصية والقادم من بلدة " برطلّة " التابعة لمحافظة نينوى ( أم الربيعين ) ، والذي يمتلك صوتاً دافئاً معبراً عن شجن الأغنية العراقية وخصوصيتها بحسب ما وصفه بها أعضاء لجنة التحكيم المُتخصصة والمتكونة من المُطرب الكويتي " عبدالله الرويشد " الذي لم يتردد أبداً في كلّ حلقة على الإشادة بهذا النجم الصاعد حتى تكلل إعجابه في " البرايم العاشر " على إحتضان داني معلناً عن إعجابه الشديد بصوته وإمكانياته من خلال إجادته التامة لأغنية كاظم الساهر ( علامك يا بعد عمري علامك ) ، وتشاطره رأيه عضو لجنة التحكيم المطربة " يارا " من لبنان والتي لم تتوقف عن إبداء إعجابها بداني وإمكانياته في جميع الحلقات العشرة الماضية حتى منحته الكارت الأخضر قبل أن تنتهي المُسابقة معلنة من أنه سيكون ذو شأن في الإغنية العراقية والعربية بشكلٍ عامٍ ، وأمّا بقية أعضاء لجنة التحكيم ومنهم الملحن " فايز السعيد " و " أماني الحجي " فلم يختلف رأيهم بداني عن زملائهما في الثناء والتقييم .
وحيثُ أنني لستُ ممن يتابعون بشغفٍ كبيرٍ تلك المسابقات ، إلاّ أنني وجدتُ نفسي أبحثُ وأتقصى وأراجع حلقات هذا البرنامج بعد تكرار إسم هذا النجم أمامي في بعض المواقع الألكترونية العراقية والعربية التي كنتُ أتابع فيها ما يشغلني ويهمني من المواضيع التي أكتب فيها دائماً ، فبدأتُ من حينها أراقب مراحل صعود هذا المتسابق الذي لم تكن مهمته بالسهولة التي قد يتصورها البعض ، لِما لهذه المسابقة من حضور كبير في الأوساط الفنية العربية والدعم المادي الواضح من خلال اللوحات الفنية الراقصة والديكورات الضخمة للمسرح والتدريب الشاق لجميع المشتركين ، حيث خرجت أعمالهم بمستوى فني راقي وعالي جداً ، ومما زاد في شعبية هذه المسابقة هو إستضافتها لعمالقة الغناء العربي من أمثال الفنان كاظم الساهر الذي قابل النجم الصاعد داني بطرس وشجعه على أن يكون خليفته !! كما حضر الفنان ماجد المهندس في حلقات أخرى وغيرهما ، إذ أعطت هذه المبادرة أهمية إضافية ومتابعة مستمرة للمختصين والمشاهدين على حدٍ سواء .
ومثلما كتبتُ قبل سنوات عن المطرب كاظم الساهر مقالة كان عنوانها " الى العراقي كاظم الساهر "  أثنيتُ فيها على ما وصل اليه هذا الفنان المُجتهد ، فإنني اليوم أكتب عن نجم آخر بدأ بالتألق في سماء النجومية للإغنية العربية بشكلٍ عام والإغنية العراقية بشكلٍ خاص ، حيثُ شعّ ببريقه وحضوره المتميز ففرض إحترام وإعجاب لجنة التحكيم والمشاهدين له ، فهو والحقيقة تقال يمثل الجيل الشبابي الجديد الذي نريده ونفتخر به ، إذ أطّر موهبته الغنائية وصوته الشجي الدافئ بإطار المعرفة وسرعة البديهية والمواهب الأخرى ، فهو رسّام لا يستهان به وحسب ما عرضه من لوحات فنية جميلة ، كما أنه عازف للعديد من الآلات الموسيقية ولاعب لكرة السلة ، إضافة الى أخلاقه العالية وخجله الذي كان يسبب له نوع من الإرباك ، والملفت للنظر في داني " سلطته الكرازماتيكية " على الرغم من خجله حيثُ يملأ المسرح بحضوره وتأثيره على لجنة التحكيم والمشاهدين على حدٍ سواء .  
فداني بطرس ليس إبن الموصل فحسب ، بل أنه إبن البصرة وذي قار والأنبار وأربيل وكل المحافظات العراقية ، فهو لم يتردد أبداً بالإعلان عن إنتماءه العراقي الصميمي وبيان مآسي شعبه وهمومه ومحبتهم على الرغم من ذلك للحياة وتفاعلهم الإيجابي معها ، إذ يحاول من خلال جهده الفردي في المسابقة عكس الوجه الحقيقي لبلده وشعبه بطريقة ذكية ومدروسة لتنعكس في حشد التعاطف مع وطنه وأبناءه ، فهي رسالة الفنان الأولى .
بقي أن أذكر من أنّ هذه المسابقة تُعرض كل يوم جمعة على فضائية دبي الأولى في الساعة التاسعة مساءاً بتوقيت العراق والسادسة مساءاً بتوقيت غرينتش ، ولم يتبقى لتحديد الفائز الأول بلقب نجم الخليج إلا جمعتين ( الخامس والعشرين من تشرين الثاني والثاني من كانون الأول ) ، حيثُ يجري التصويت لداني الذي يحمل الرقم ( 14 ) بإرسال رسالة على الرقم ( 1151 ) كما هو مبين في الإعلانات .
وقولي الأخير من أنّ المديح أو الكلمة الطيبة قد تكون نفاقاً إذا كانت موجهة لشخص لا يستحقها ، ولكنني ومن خلال قراءتي الدقيقة لمسيرة هذا الموهوب وآراء المختصين به ولحد الآن تعطيني الحق وعن قناعة لمؤازرته ودعمه .
وفق الله كل عراقي يعمل على إعادة بناء ما هدمه الأشرار ، وعتبي على بعض الفضائيات العراقية ووسائل الإعلام التي ما إنفكت تظهر الجانب ( المظلم ) من الصورة ولا تحاول إعطاء الجانب ( المشرق ) حقه .  
  
 
ملاحظة:
وردني بأن قنوات الإتصال للتصويت هي كالأتي :ـ
رقم المشترك داني 14 للتصويت من داخل العراق ارسل رقم 14 فقط برساله نصيه على الارقام
من اسياسيل ارسل 14 الى 1151
من زين عراق ارسل 14 الى 3483
من كورك ارسل 14 الى 9505
من اتصالنا ارسل 14 الى 3724
وللتصويت من امريكا واوربا وجميع دول
العالم اتصل بهذا الرقم 0088216900767
مع شكري وتقديري على هذه المعلومة

124
أدب / قصة قصيرة / الغروب
« في: 16:36 18/11/2011  »



الغروب


 قصة قصيرة
نبات السلجم ( الكانولا ) والغروب


سالم إيليا




حينما كانَ يقضي خدمته العسكرية الإلزامية في معسكرِ الحبانيةِ بعدَ تخرجه من الجامعةِ ، كان يشدّهُ غروب الشمس عندما تبدأ رحلتها بالعودةِ الى مخبئها خلف الأفق !! ـ ـ ـ
كان يحاول عدم الإرتباط بأي واجب أو عمل أثناء غروب الشمس ليتسلل بعيداً عن أنظار رفاقه خارجاً من البابِ الحديدي لوحدتهِ المُطلّة على إنعطافةٍ حادةٍ لنهر الفراتِ ـ ـ ـ
فيسير مع حافةِ النهرِ الى مسافةٍ ليست بالبعيدة مختفياً عن أنظارِ المتطفلين من رفاقهِ حتى يصلَ المُنحدر الموصل الى قريةِ " أبو فليس " المُحاذيةِ لوحدتهِ ـ ـ ـ
يجلس على صخرةٍ تتوسط السدّة التي تفصل هذه القرية عن حافةِ النهرِ ـ ـ ـ
يداعب بنظراتهِ قرصِ الشمسِ عندما كان يختفي خلف فروع أشجار اليوكالبتوس الشاهقة تارة ثمّ يفاجئه بالظهورِ بين جذوعها تارة أخرى ـ ـ ـ
يراقب سقوط أشعة الشمس الذهبية على الأكواخِ الطينيةِ للقرية ويرى إنعكاساتها بين ثنايا تموجات المياه المتلاشية عند الصخور المنتشرة على حافتي النهر ـ ـ ـ
يشعرُ حينها بالسعادةِ والإرتخاءِ بعيداً عن الأوامرِ العسكريةِ ورجالاتها ـ ـ ـ
يعودُ بعدها الى ثكنتهِ ليقضي ما تبقى من يومهِ مستذكراً الغروب قبل أن يأوي الى فراشه ليتهيأ في اليوم التالي لإستقبالِ غروبٍ آخرٍ !! ـ ـ ـ
عادَ بذكرياتهِ تلكَ وهو يقودُ سيارته عائداً الى دارهِ في إحدى المدنِ الصغيرةِ في مقاطعة من مقاطعاتِ الغربِ الكندي بعد عودتهِ وزوجته من عملهما في المدينة الكبيرة التي لا تبعدُ عن مدينته التي يعيشُ فيها سوى نصف ساعةٍ من الزمن ـ ـ ـ
سَرَحَ بعيداً بذكرياتهِ الماضية حينما شاهدَ قرص الشمس ذو اللون البرتقالي القاني وهو يلثمُ بحافتهِ السفلى الأفق البعيد أمامه ـ ـ ـ
كانت عجلات سيارته تلتهم الطريق الخارجي حين تنقـّلَ ببصرهِ على طرفيهِ ، حيثُ أمتدت مزارع نبات السلجم ( الكانولا ) * بأزهارها الصفراء التي زادتها أشعة الشمس الساقطة عليها لمعاناً وإصفراراً ـ ـ ـ
عادَ ببصرهِ الى الأمام فوجد قرص الشمس وقد إزدادَ بريقاً وتوهجاً وبدا له وكأنّهُ ينشرُ السنة لهبه الواهِر على طول خط الأفقِ !! ـ ـ ـ
نظرَ الى جانب السماءِ فرأى الغيوم التي بدأت بالتجمعِ وقد أصطبغَ نصفها الأسفل بلونِ قرصِ الشمسِ فيما إحتفظَ  نصفها الأعلى باللون الأزرقِ الداكنِ ـ ـ ـ
عاد من سرحانِه على صوتِ زوجتهِ وهي تنبههُ بقربِ الوصول الى الإستدارةِ الموصلةِ الى دارهِم .  
 



الهامش :

نبات السلجم ( الكانولا ) : هو نبات كندي الأصل نتج من تهجين محصولين من المحاصيل الزراعية وإنتجَ بشكلٍ واسعٍ في بداية السبعينات من القرن الماضي ، ويعتبر الآن من أهم المحاصيل الزيتية في العالم وذلك لإحتوائه على نسبة قليلة جداً من الأحماض الدهنية المُشبعة مثل حامض الأيريسيك المُضر للصحة . وقد جاءت تسمية كانولا ( CANOLA ) من جمع بعض الأحرف من الكلمات الأنكليزية ) CANadian Oil Low Acid ) .



125
المنبر الحر / الناس والسياسة
« في: 18:03 04/11/2011  »
الناس والسياسة
بقلم : سالم إيليا
السياسة هذه الكلمة التي أخافت لا بل أرعبت ولا زالت ترعب الملايين من البشر من مشارق الأرض الى مغاربها هي في الحقيقة الماء والهواء والطعام والكسوة لكل من يعيش على وجه البسيطة .
فالسياسة التي فسّرها القاموس السياسي كمصطلح على أنها " فن الممكن " ، جعلها البعض (الكثير) من السياسيين وخاصة في منطقتنا الشرق أوسطية بـ " فن اللاممكن و المستحيل " أو " فن الخوف والرعب " وذلك من خلالِ طريقة تعاملهم مع بعضهم البعض ومع شعوبهم ، فليس هنالك حلول لأي إختلاف في الرأي بينهم إلا بإنصياع طرفاً منهم للآخر بالترغيب أو بالتهديد وإستخدام القوة ، ولا يوجد في قواميسهم السياسية مبدأ " هات وخذ " ولا حتى أية ديناميكية فكرية متحررة تجعلهم يفكرون أولاً بمصالحِ شعوبهم على حساب مصالحهم الشخصية أو معتقداتهم وأيديولوجياتهم الفكرية والحزبية والتي من المفروض إنهم آمنوا وأنتموا اليها إيماناً منهم بأنها وِجـِدَتْ أصلاً لخدمة أوطانهم .
لقد ذكرتُ في مقالةٍ سابقةٍ من أنه ليس بالضرورة من يتعاملُ بالسياسة يجب أن يكونُ حزبياً ، فمطالبة المواطن البسيط لحكومته بتوفير الماء والكهرباء والفرص الوظيفية وكل الخدمات الأساسية للعيش كباقي أبناء البشر هي بالتأكيد مطالب تدخل في صُلب البرامج السياسية ، ومطالبة الطالب لحكومته بتوفير المدارس ومستلزماتها الدراسية هي أيضاً تدخل في دائرة السياسة ومعوقات تنفيذ خططها وأهدافها ، ومطالبة المرأة بإنصافها ورفع القوانين الجائرة بحقها هي مطالب تتحدد بالنهج السياسي العقائدي الديني ، لأن مَن وضعها هم السياسيون السلفيون ، لا بل مطالبة السياسيون للمواطن بالذهاب الى صناديق الإقتراع لإنتخاب ممثليه في الحكومة والبرلمان هي علامة واضحة على تسييس المجتمع بأفراده شاءوا أم أبوا ، وهذا ما لا يدركه المواطن العادي حتى في البلدان المتطورة ، فبمجرد ذهابه الى صناديق الإقتراع هو إعتراف ضمني منه على أنهُ سياسي وشارك في تحديد الإتجاه السياسي لبلدهِ !!.
و" فن الممكن " هذا قد لا يُفسر فقط على أنه جلوس الفرقاء حول المائدة المستديرة للتباحث في الوصول الى حلولٍ ترضي الجميع ، وإنما قد يتعداه ليفسر على أنه أيضاً " فن المراوغة والتسويف " و " فن الوعود الكاذبة " سواء على شعوبهم أو على خصومهم أو على الدول الأخرى ، وكلما كان السياسي حاذقاً وماهراً في طريقة التلاعب بالكلمات واللعب بـ " البيضة والحجر " ، كلّما أطلقوا عليه إسم السياسي الناجح !!! ، ولهذا يصاب المواطن بالذهول حينما يسمع بأنّ قسم من رجال الدين يصرّون على الدخول في اللعبةِ السياسيةِ التي لا تخلو مِما ذكرناه من مراوغةٍ وكذبٍ و ـ ـ و ـ ـ والخ ، إضافة الى تعامل رجالاتها بالماديات أي مايتوفر بين أيديهم من معطيات . في حين أنّ الدين يعتمد على الصدق وكل الصفات الحسنة الأخرى ، إضافة الى تعامل رجالاته مع الروحانيات والغيبيات ! ، حيثُ يتسائل المواطن كيف يجتمع النقيضان في شخصٍ واحدٍ ؟.
وربما نستطيع تقسيم أفراد المجتمع بالنسبة الى علاقتهم ومدى تقبلهم للسياسة الى ثلاثة أنواع رئيسية :
فمنهم مَن لا يحب السياسة أوالتدخل فيها أو يخافها ويبقى يتجنب ويلاتها لهذا السبب أو ذاك . ومنهم مَن يؤمن بفكرٍ معينٍ ضمنَ أيديولوجية معينة وركب بحر السياسة لإيمانه المُطلق بضرورة ترجمة حبه لوطنه وشعبه من خلال تلك الأفكار أو لرغبته في أخذ موقعه الذي يعتقد بأنه يستحقه في المجتمع فيما لو نجح حزبه في قيادة العملية السياسية أو للسببين معاً  ، وهذا النوع معرض أكثر من غيره الى التضحيات التي قد تصل الى حد التضحية بحياته ثمناً لها وخاصة في مجتمعاتنا . والنوع الثالث مَن يرغب في إبداء رأيه بكل ما يحيط به في مجتمعه والمشاركة الفعّالة في العملية السياسية كفرد من أفراد المُجتمع دون الإنخراط أو تبني أياً من الأيديولوجيات والغوص في بحار لا يعلم ما في داخلها من مخاطر ، والنوع الأخير ربما يحظى بفرصة أكبر من البقية في الحصول على صداقة وثقة أكثرية الأطراف .
لكن هنالك أنواع أخرى لم أذكرها مع الأنواع الثلاثة الرئيسية ، لكونها ضبابية الملامح والتوجهات ، فنرى مَن يُطبل ويزمّر لفكرٍ أو عقيدةٍ معينةٍ دون الإنتماء اليها بشكلٍ فعلي ، وهذا ما ينطبق عليه المثل الشعبي القائل : " يتحنى بدم المِجاتيل " أو المثل " على صوت الطبل خفّن يا رجليّة " ، وهذا النوع قد تَطلقُ عليه بعض الأحزاب مصطلح " الصديق " أو " المؤيد " ، وقد يدفعُ أصحاب هذا النوع حياتهم ثمناً لمواقفهم دون مقابل معنوي أو إعتباري أو رمزي ومثلما يقول المثل الشعبي " يروح بوـ ـ ـ بشط " والذي غالباً ما ينضمُ اليه بسطاء القوم أو بعض المثقفين المتحمسين سطحياً الى أيديولوجية معينة دون الإيمان الفكري العقائدي العميق لها . والنوع الآخر هو من ينتهز الفرص فنشاهدهُ مرّة سياسي مستقل ومرّة آخرى أقصى اليسار وثالثة أقصى اليمين بمعاني المصطلحات السياسية المتداولة ، وهذا ما يُطلقُ عليه بـ " الإنتهازي " ، وهذا النوع أقل الأنواع تضحية وأكثرها جنياً للأرباح بكافة أنواعها المعنوية والمادية خاصة إذا أمتلك ( المواهب ) المتعددة في طريقة تغيير لون جلده !! .
وفي البلدان الغربية لا يُحب معظم الناس التحدث بالسياسة على الرغمِ من مساحة الحرية الواسعة التي منحها لهم دستور بلدانهم في التعبير وإبداء الرأي . فكل الذي يهم المواطن الغربي هو خفض الضرائب من عدمها ، وفي أحسن الأحوال القيام بتظاهرات شعبية غالباً ما تكون سلمية لمنع قادتهم من التورط بإرسال جيوشهم الى حروبٍ لا ناقة لهم فيها ولا بعير في نظرهم ، والسبب بالدرجة الأولى خوفهم على أبناء شعبهم من الهلاك وخوفهم من زيادة الضرائب لتغطية تكاليف الحروب .
وقد حضرني موقف حدث معي في السنة الأولى لقدومي الى كندا ، حيثُ كنتُ قد إستأجرتُ شقة في إحدى العمارات السكنية وجاء لزيارتي أحد المعارف مع زوجته اللذين كانا يسكنان في مدينة صغيرة قريبة جداً لمدينتنا ، وبعد إنتهاءنا من تناول طعام الغذاء وخلال مشاهدته للتلفزيون داهمت القيلولة صاحبي الذي كان قد تجاوز الخامسة والستين من عمره ، فتمدد قليلاً على نفس الأريكة الجالس عليها ـ ـ ـ بعد برهة من الزمن سمعتُ صوت الباب وإذا بمالك العمارة يسأل عن الإيجارات ، وعند دخولي لجلب النقود له لاحظ صاحبي وهو نائم ـ ـ فسألني عن الزائرين ، فقلتُ له إنهما قادمين جديدين الى كندا ويعيشان في المدينة القريبة ـ ـ ـ وقد إستغرب مالك العمارة لهجرة هذا الرجل الكبير من العراق ، لأنه كان يعتقد بأنّ الهجرة لصغار السن فقط للبحث عن العمل والحياة الجديدة !! ـ ـ فقلتُ له بأنّ صديقي هاجر بسبب الحصار الإقتصادي المفروض على العراق ، فبادرني بعد أن أنهيتُ عبارتي بقوله " أنا لا أحب السياسة أو التكلم بها " !!! ثمّ القى التحية وغادر ، فإبتسمتُ لصاحبي الذي كان قد نهض عند سماعه لحديثي مع المالك ، فعرف ما دار بيننا من حديث ، إبتسم صاحبي هو الآخر وقال : " لعد لو يجي ويشوف بالعراق ـ ـ ـ الجاهل من بطن أمه يحجي بالسياسة " !! .     
   

126
أدب / قصّة قصيرة / غرامة مرورية
« في: 17:54 24/10/2011  »
قصّة قصيرة / غرامة مرورية

سالم إيليا
في طريقهِ لإيصال زوجته الى عملها شاهدَ سيارة الشرطة على الجانبِ الآخر من الطريقِ وقد ترجّل منها رجل الشرطة لنصب جهاز الرادار لمراقبة سائقي العربات الذين يتجاوزون على السرعةِ المُحددةِ ـ ـ ـ
 تذكرَ بأنهُ سيعود من نفسِ الطريقِ ـ ـ ـ
قال معَ نفسهِ " يجب أن أكون حذراً " ـ ـ ـ
إستدار عائداً بعد أن أوصل زوجته ـ ـ ـ
عند إقترابه من التقاطعِ القريبِ من سيارةِ الشرطةِ نظرَ الى مقياسِ السرعةِ في سيارته ، فوجدَ المؤشر وقد إستقرّ على السرعةِ المُقررةِ قانوناً ـ ـ ـ
نظرَ الى المرآةِ أمامه ، فشاهد سيارة خلفه تقودها حسناء شابة كانت متضايقة من بطئ سرعته ـ ـ ـ
إعتقدَ بأنّ الفتاة ستكتشف لاحقاً سبب بطئ سرعته حينَ وصولهما الى نقطةِ المراقبةِ ، لكنهُ تفاجأ بنفاذ صبرها عندما تجاوزتهُ بلمح البصرِ ـ ـ ـ
رفعَ يده مؤشراً بـ "سبابته " الى الأمامِ محاولاً إفهامها بأنّ الشرطة في إنتظارها ـ ـ ـ
تصورت بأنه أرسلَ اليها إشارة " غير لائقة " متعارف عليها في بلاد الغرب التي يعيشُ فيها !! ـ ـ ـ
أجابتهُ غاضبة بعمل الأشارة بشكلها الصحيح !! ـ ـ ـ
بعد أقل من نصفِ دقيقة ، وعند وصوله الى نقطة المراقبة المرورية ـ ـ ـ شاهد الشرطي وقد أوقف سيارة الفتاة الحسناء وبدأ بتحرير غرامة مرورية لها لتجاوزها السرعة المقررة ـ ـ ـ
نظرَ أحدهما الى الآخر ـ ـ ـ أعاد عمل الإشارة التي أرسلها لها سابقاً ـ ـ ـ فهمت ما قصدهُ ولكن بعدَ فوات الآوان !!! .

127
في الذكرى الحادية عشر على وفاته ـ ـ ـ صور نادرة للأب الدكتور يوسف حبيّ




بقلم : سالم إيليا
تمر هذه الأيام ذكرى وفاة جهبذ من جهابذة العراق وفلاسفته ألا وهو الأب الدكتور يوسف حبّي فيلسوف كنيسة المشرق الذي رحل عنّا في الخامس عشر من تشرين الأول سنة 2000م في حادث مروري على الطريق البري بين بغداد وعمّان داخل الحدود الأردنية تاركاً خلفه فراغاً معرفياً كبيراً ليس من السهل إشغاله .
لقد كتبَ الباحثون والمهتمون بتاريخ وادي الرافدين الكثير عن فيلسوف كنيسة المشرق الأب الدكتور يوسف حبّي وعن مؤلفاته البحثية الفريدة التي تطرق في معظمها الى الدور الريادي لأبناء شعبنا الرافديني في إغناء الحضارة الإنسانية بالعلم والمعرفة، وسأورد في هذه المقالة مقتطفات مما قيلَ عنهُ من قِبل البعض من أعلام العراق :
حيث قال عنهُ الدكتور الفاضل سيّار الجميل في مقالته المعنونة بـ " حقيبة ذكريات 8 :::: رجال عشقوا أم الربيعين . . . وكتبوا التاريخ " التي نشرها على موقع "ملتقى أبناء الموصل " في الحادي عشر من أيلول سنة 2011م ما يلي : " كان الرجل ( يقصد الأب د. يوسف حبّي ) نشيطاً ودؤوباً جداً ولهُ معرفة واسعة في تواريخ المسيحيين والمجتمعات الشرقية والأديرة والكنائس . . . وكُنتُ قد تعرفتُ من خلاله على العديد من الأصدقاء ، منهم الأب الدكتور لويس ساكو " إنتهى .
ويقول عنه شيخ المؤرخين العراقيين وإستاذ مادة التاريخ في جامعة الموصل الدكتور الفاضل إبراهيم خليل العلاّف في مقالته المعنونة " يوسف حبّي وإسهاماته في خدمة الفكر والتراث العراقيين " والتي نشرها في موقع " ملتقى أبناء الموصل " في السابع من نيسان سنة 2010م ، إنّ الأب الدكتور يوسف حبّي : " إستطاع إستقطاب عدد كبير من الباحثين وأساتذة الجامعات العراقية للكتابة في المجلّة ( يقصد بها مجلّة بين النهرين ) ويرجع السبب في نجاحه في هذا الإتجاه الى أخلاقه وطيبته وثقافته العالية وأريحيته الكبيرة وإبتسامته الودودة " إنتهى . ثمّ يكمل الدكتور العلاّف في مقطع آخر من مقالته قائلاً : " وقد وجدتهُ مهتماً بالقرآن الكريم ويقتني معظم تفاسيره، ويحاول بإستمرار من خلال أحاديثه وكتاباته أن يستشهد بآياته، ويجري مقارنة مع ما وجده في الكتاب المقدس " إنتهى . ثم يستطرد الدكتور الفاضل إبراهيم بتعداد عدد كبير من مؤلفاته ودراساته وبحوثه وتحقيقاته التي تجاوزت المئات بعضها نُشر في مجلات عراقية وعربية وعالمية والبعض الآخر لم يُنشر . ومن الجدير بالملاحظة بأن بحوثه وأعماله التي لم تنشر مع كامل مكتبته العامرة قد وَضَعَت الكنيسة الكلدانية يدها عليها ولا نعلم بأي ركن من أركان مخازنها قد الحقت ، والذي نتمناه أن يتم الحفاظ عليها لأنها أرث تاريخي وثقافي قومي ووطني وليس فقط أرث كنسي ، وأن لا يكون مصيرها كمصير الآف المخطوطات والمؤلفات التي دُفِنت في أقبية الأديرة حيثُ أتت عليها الرطوبة وتراكم السنون فلم تبقي منها غير صفحات سوداء تنبعثُ منها الروائح العفنة بعد أن كان ينبعث منها عبق التاريخ الذي أفنى الباحثون على مر الأجيال سنوات عمرهم لجمعها وكتابتها .
أعود لأستشهد بما كتبه البعض الآخر من أعلامنا بحق خالد الذكر الأب الدكتور يوسف حبّي ، حيثُ قال عنهُ الكاتب القدير حبيب تومي في مقالته التي نشرها في موقع " الحوار المتمدن " العدد 1713 وتحت عنوان " الأب يوسف حبّي وعظمة بابل " ما يلي : " عن عظمة بابل كتب يوسف حبّي مقالة في مجلة نادي بابل الكلداني في شهر أيار سنة 2000 يقول : كنتُ أتشكك ومعي كلّ العراقيين ، حين أرى اللعنات والويلات مرسومة في العهد القديم ، تسود من المع وأبهى الأوجه الحضارية لبلادنا ، فأتساءل : أحقاً هكذا كانت بابل العظيمة ؟ إنّ تلك الأسفار تعترف بعظمتها وتقر بتمييزها عن سائر البلدان والأمم . فلماذا الطعن بها إذن ؟ ويجيب نفسه عن التساؤل عندما يقول إنّ المدن الكبرى والمترفهة تكثر فيها المُنجزات وتعج فيها الوقائع الغريبة بل الجرائم والفظائع أحياناً ، لقد كانت بابل كغيرها من محطات عظيمة هدفاً كبيراً إستهدفها فسلطت الأضواء السلبيات وحدها " إنتهى .
أمّا الفنان الموسيقار والناقد الموسيقي الكبير باسم حنّا بطرس فقد ذكر في مقالة خصّ بها طيب الذكر الأب يوسف حبّي في الذكرى العاشرة لوفاته والتي عنونها بـ " رحيل الأب يوسف حبّي وإنتقاله الى الأخدار السماوية " والتي نشرها على موقع " بخديدا " ، حيثُ جاء فيها : " وها هي ذي عشرة أعوام إنقضت على الحادث ، ولما تزال الأقلام تتناول الرجل الألمعي بالكتابات والمتابعة لأنه سعى الى الخلود " إنتهى . حيثُ قصد الفنان باسم حنّا بطرس خلود أسم الدكتور حبّي من خلال أعماله الذي تركها لنا .
لقد كُتِبَ الكثير وسيُكتَب الأكثر عن الراحل يوسف حبّي لِما قدّمه لنا من بحوث ودراسات عن تاريخ العراق القديم وخاصة تاريخ كنيسة المشرق ولٍما له علاقة بواجبه الديني الذي نذر نفسه لترجمته على أرض الواقع وذلك من خلالِ نشره للمحبة أينما حلّ ـ ـ ـ وللتاريخ أقول لم أجد في مسيرة حياتي كلّها إنساناً جمع حوله هذا الكم الهائل من البشرِ وبمستوياتهم المختلفة وشرائحهم الإجتماعية المتنوعة إلا الأب الدكتور يوسف حبّي ـ ـ ـ كنتُ دائماً أسئل نفسي من أين له كلّ هذا الوقت لينشر محبته ويمد أواصر صداقته مع البشر وهو المشغول دائماً ببحوثه ومسؤولياته الدينية والدنيوية !! وما هو السر الذي جعل الأستاذ الجامعي والمهندس والطبيب ورجل الدين من الأديان والملل المختلفة والطالب والإنسان البسيط ـ ـ ـ الرجال والنساء والأطفال من أبناء شعبه العراقي بمختلف أديانهم وقومياتهم ، لا بل الكثير من البشر من البلدان العربية والأجنبية أن يلتفوا حوله أينما ذهب ـ ـ فلم أجد جواباً إلا المحبة التي منحها لهم ، ولستُ مبالغاً إن قلت : لقد حضر العراق بل العالم كلّه في تشييعه الى عليين ، والذي شاهد مراسيم التشييع سيتفق معي الى ما ذهبتُ اليه .
لقد أحزنني جداً خلال متابعتي للإحتفال السنوي الذي أقامته كلية بابل اللاهوتية بمناسبة تأسيسها تغاضي من هم في قمة هرمها الآن على ذكر مؤسسها الأب يوسف حبّي الذي جاهد ليجعلها كلية معترف بها من قِبل الفاتيكان وهذا ما حصل ، حيثُ أحتفظُ برسالته التي أرسلها لي بخط يده في الثامن من حزيران عام 1998م يزفّ لي فيها خبر إعتراف الفاتيكان بكليته التي أسسها وكان عميدها أيضاً .
وفي ختام مقالتي هذه سأترك القارئ الكريم مع بعضٍ من الصور النادرة التي كان قد أرسلها الأب يوسف حبّي  مع التعليق عليها بخط يده الى خاله الأستاذ يقين إيليا الأسود عندما كان طالباً في روما ، حيثُ كان يعتبر خاله مثله الأعلى ، كذلك سأعرض قسم من كتبه التي الّفها رحم الله الأب الدكتور يوسف حبّي وأسكنه فردوسه .    
 
إنتباهة : إحدى الصور المعروضة هي للمطران الراحل طيب الذكر إسطيفان بابكا الذي كان أخاً وصديقاً حميماً للأب يوسف حبّي والذي رثاه في كلمة إرتجلها حين إبتدأها مخاطباً جمهور الحاضرين بقوله " مجبراً أخاكم لا بطل " ، أي مجبراً للوقوف لتأبين صديقه العزيز الذي فقده .

 

128
ألا يوجد من يقول لبيك يا أبا أحمد ؟
بقلم : سالم إيليا
منذُ فترة وأنا متوقف عن كتابةِ المقالات المصنّفة في خانة المقالات السياسية على الرغمِ من أنني أؤمن تماماً بأنّ سكان الكرة الأرضية شاؤوا أم أبوا جميعهم سياسيون ! ! .
فالسياسة تتحكم الآن في أدقِ أمورنا الحياتية من توفير لقمة العيش الى الملبس الى حتى علاقة الزوج بزوجتهِ !! ، لكنني بالتأكيد لا أؤمن بالفرضية القائلة : مَن يتكلم بالسياسة ( أي مُجمل القضايا الحياتية ) يجب أن يكون منتمياً الى حزبٍ أو عقيدةٍ معينةٍ ـ ـ ـ فالإنتماء الوطني يحتم على كلِ فردٍ أن يبدي رأيه بقضية وطنية أو مشكلة مجتمعية معينة ولكن ليس بالضرورة أن ينسحب الإنتماء الوطني الى تبني عقيدة حزبية معينة أو إنتماء حزبي معين .
وأنا شخصياً لا أؤمن بأي عقيدة حزبية ولا أرغب في تبني أي إتجاه عقائدي غير الإتجاه الوطني ( العقيدة الوطنية إن صح التعبير ) الخالي من الشوائبِ !! مع جُلّ إحترامي لبقية الآراءِ .، وحيثُ أنني وجدتُ بأنّ السياسة في العراق لم تعُد توضع في خانة " المُصطلح السياسي " المُتعارف عليهِ في المعاجم والقواميس السياسية وإنما أصبحت مهزلة المهازل الكبرى والتي بدأ يتندر عليها أبناء الدول التي لم يكن لديها وجود على الخارطة السياسية للعالم !! ، لذا إتجهتُ في الفترةِ الأخيرةِ الى كتابة المقالات التراثية والتي ربما تُصنّف في خانةِ المقالات الأدبية أو الإجتماعية ضمن التصنيف الأدبي لأنواعِ المقالاتِ ، كما إتجهتُ الى كتابةِ القصّةِ القصيرةِ والتي ربما سيستمتع القارئ الكريم بقراءتها أكثر من المقالات السياسية !! .
لكن الذي إستوقفني وهزّ كياني وضميري الإنساني قبل أن يهزّ عراقيتي ووطنيتي مثلما أنا متأكد من أنه هزّ ضمير ووطنية كل من شاهده وسمعه هو إستجارة وصرخة رجل عراقي شريف طاعن في السن في أحد البرامج المقدمة من إحدى القنوات الفضائية العراقية الرصينة ، هذه الإستجارة والصرخة لـ " أبو أحمد " والمشفوعة بدموع الكبرياء العراقي الغزيرة التي إنهمرت من أحداق عيونه على العراق أولاً ومن ثمّ على حالهِ وظروفه التي وضعته في موضع المُعيل لثلاث أرامل مع أطفالهنّ بعد إستشهاد أزواجهنّ !!! .
لم يتصل " أبو أحمد " ليشكي حاله بالمعنى الذي قد يتصورهُ البعض كنوع من الإستجداء لا سامح الله ، وإنما إتصل ليشتكي ويناجي الله بالإنتقام ممن إستباحوا العراق والمال العام وقد عددهم بالأسماء من رأسِ الهرمِ حتى قاعدته ( تقبل الله دعائه ) .
كان " أبو أحمد " العراقي الشريف قد هَالَهُ ما شاهد من صورٍ بائسة لأبناء بلده والتي عرضها البرنامج حيثُ لم تخرج من دائرة معاناته الشخصية وأفزعهُ سماع التقرير الذي نشرته " المجموعة الدولية للأزمات " حول الفساد المستشري بسبب ضعف المؤسسات وغياب سلطة القانون !! .
كانت دموع " أبو أحمد " تناجي ضمائر كل العراقيين من زاخو الى الفاو ومن الأنبار الى خانقين وتحثـّهم على الوقوف بوجه الظلم والفساد وهو يسمع بأنّ مدير صحة إحدى المحافظات العراقية الجنوبية قد أتّهمَ بـ ( 92 ) قضيةِ فسادٍ من قِبل لجنة النزاهة مؤيدة من المفش العام في وزارة الصحة والتي أُرسِلَ كتاب بشأنها الى ديوان رئاسة الوزراء منذ شهر تموز الماضي ولم يُتخذ فيها أي إجراء لحد الآن !! .
وحيثُ أنّ شرّ البلية ما يُضحك أقول ـ ـ ربما لديوان رئاسة الوزراء ( الموقر ) قانون خاص بإتخاذ الإجراءات ضد المسؤول الذي تتجاوز قضايا الفساد المتهم بها الى المئة قضية كحد أدنى ، لِذا لم تُتخذ الإجراءات ضد المُتهم مدير الصحة أعلاه لعدم وصول قضايا الفساد عنده  الى الحد الأدنى !!! .
وربما وأنا أشاهد البرنامج المذكور شعرتُ بالشفقة على ضحيتين من ضحايا الفساد التي سمعتُ عنهما في الآونة الأخيرة ـ ـ أقول ضحيتان لأنّ مُرتكبيها لم تتجاوز تهمهما " شروى نُقير " مقارنة بما أتهمَ به مدير الصحة الموما اليه في البرنامج ، أولهما كانت عمدة ( حاكم ) مدينة إستكهولم السويدية ( وهي عضو في البرلمان ورئيس حزب ) ، حيثُ أقدمت على ملء خزان وقود سيارتها الخاصة وإستقطعت ثمنه من دفتر البطاقات الحكومية ـ ـ يا للهول على فعلتها الشنيعة !! ، فقدّمت إستقالتها بعد إنكشاف أمرها ورُفِعَت عِضويتها من البرلمان وجُمِدَت جميع مناصبها .
وثانيهما إستقالة وزير الدفاع الألماني كارل ثيودور تسو غوتنبورغ وذلك لسرقتهِ بعض المعلومات من الإنترنيت ووضعها في رسالة الدكتوراه التي قدمها دون الإشارة الى أن تلك المعلومات لمؤلفين وكتّاب آخرين ، ولم تشفع له عراقة عائلته ومكانتها الإجتماعية ، ففقد شهادته ووظيفته .
في المثلين أعلاه لم أكن أرغب في الدعاية الى الغرب أو التقليل من الجُرم المُرتكب من المسؤولَين السابقين وإنما أردتُ أن أبيّن الفارق بين ما هو صحيح من الإجراءات ( في السويد والمانيا ) وما هو خطأ في العراق حين يرتكب المسؤول الأخطاء .
إستجارَ " أبو أحمد " بالعراقيين للخروج الى " ساحة التحرير " ليقولوا كلمتهم وليعلنوا إحتجاجاتهم وبالطرق السلمية " الديمقراطية " بعد أن يأس من فعل المسؤولين في وقف التدهور الحاصل ، فهل سيلبي الشعب نداءه ويقولوا له " لبيك يا عراق ـ ـ لبيك يا أبن العراق " كما فعلوها سابقاً وقالوا " لبيكم " للمسؤولين الذين وضعوا ثقتهم بهم وإنتخبوهم مقابل وعود كاذبة وهم ليسوا آهلاً للثقة !! .


 
   
   

129
الدولمة : الأكلة الشعبية العراقية الحاضرة في الشعر الشعبي الموصلّي






بقلم : سالم إيليا

منذُ القدِم إشتهر العراق متمثلاً بحوض وادي الرافدين بالأكلاتِ الشعبيةِ الغنيةِ بقيمتها الغذائيةِ ومذاقها اللذيذ لِما تحتويه من لحومٍ ومحتوياتٍ نباتيةٍ حرص العراقيون على الإكثارِ منها في طعامهم . وتعتبر الدولمة أو " اليَبْرَغ " كما يسمّيها الموصلّيون من الأكلات الشعبية الموصلّية والعراقية بصورةٍ عامةٍ والتي يمكن إعتبارها القاسم المشترك بين الكثير من الأكلات الشعبية التي تحرص العائلة العراقية على وضعها على موائد الولائم والدعوات الخاصة .
والدولمة يمكن إعتبارها أكلة عالمية مع الأخذ بنظر الإعتبار الإختلاف في طريقة تحضيرها من دولةٍ الى أخرى ، وخاصة تنوع وإختلاف أوراق النباتات التي تستخدم في " لف " محتوياتها .
ومِن خلال حضوري لمهرجانات تراثية عالمية عديدة عُرِضَت فيها الأكلات الشعبية للكثير من الشعوبِ والإثنيات ، إستطعتُ أن أقفَ على حقيقة إنتشار هذه الأكلة الشعبية وطرق تحضيرها من قِبل بعض الشعوب أو الدول ، فمثلاً نجدها في الصين والفليبين ودول أخرى من جنوب شرق أسيا تُحضّر من الرز المخلوط مع قليل من الروبيان ( القرديس ) والملفوف بورق الموز ، كما يتم تحضيرها في أوكرانيا من الرز الملفوف بورق اللهانة ، أما في تركيا ( التي جاءت منها تسمية الدولمة أو اليبرغ ) وإيران والدول العربية مثل سوريا والأردن ولبنان وفلسطين فهي تحضّر من الرز المخلوط بقليل من اللحم المثروم أو بدونه والملفوف بورق العنب .
والعراق رُبما البلد الوحيد من بين تلك الدول الذي إنفرد بخصوصية شعبه في إضافة النكهة والذوق العراقي في تحضير " الدولمة " بطريقة تختلف عن تلك الطرق الآنفة الذكر والتي إستمدها من عمقِ حضارته وإنفراده ببعض الأكلات والتي يرجع تاريخها الى آلاف السنين مثل " كبة الموصل " ، حيثُ تفننَ العراقيون في طريقة تحضير " الدولمة " وذلك بتنويعها الخضري .
 فبالإضافة الى ورق العنب الذي قد يُستبدل بـ " اللهانة " أو " السلق " هنالك البصل والشِجر " القرع " والباذنجان والذي يُكنى بـ " الأسود " والطماطة والفلفل الأخضر الحلو والبطاطا وإغناء حشوة الرز باللحم المثروم والبصل والثوم والطماطة والمتبلات مما يعطيها شكلاً وطعماً مميزاً ، إضافة الى طقوس تناولها بشكلٍ جماعي يحاول أن يجتمع على مائدتها كل أفراد العائلة وربما الأقارب والأصدقاء في وقتٍ واحدٍ جعل منها أكلتهم المفضلة أيام العطل والأعياد .

وعلى الرغم مما ذكرناه أعلاه من محبة العراقيين بصورٍ عامةٍ الى تلك الأكلة الشعبية إلا أننا نجد من إنّ النساء أكثر إقبالاً وتذوقاً نسبياً لهذه الأكلة من الرجال الذين يميلون الى الأطعمة الشعبية الأكثر دسومة مثل التشريب والباجة وغيرهما ، لذا فقد حفـّزت شعبية هذه الآكلة ذاكرة  الشاعر والأديب يقين إيليا الأسود الأدبية والشعرية في نظم الشعر باللهجة الموصلّية عنها وذلك بعد قبوله الدعوة الموجهة له من قِبل أحد وجهاء الموصل على أكلة الدولمة سنة 1953م في الموصل فقال فيها :
الدولمة ما تعجبني ـ ـ ـ ـ ـ كثيغ أكرها وتكرهني
لكن لمّا ذقتوها ـ ـ ـ ـ ـ ببيت ويحد كنعزمني
نمتُ عليها نومي ـ ـ ـ ـ ـ وتليتو منّا بطني
من دهنا وكثغ لحما ـ ـ ـ ـ ـ عملتلي ببطني فتني
قغعتا زند الخاتون ـ ـ ـ ـ ـ وعغيشا كنبهرني
وخادما كان الأسود ـ ـ ـ ـ ـ وحماغا كثيغ حيّغني
كنتُ بساع الوهقا ـ ـ ـ ـ ـ ولو كان قد تحغقني
عاشت إيد اللفتا ـ ـ ـ ـ ـ وعاش ولدا متهني
وعلى غاسو أبونو ـ ـ ـ ـ ـ والله يجازيكم عنّي 
ومن الملاحظ في هذا الشعر الموصلّي إستخدام المؤلف للأسماء الرمزية الشعبية لبعض الخضراوات مثل أطلاق أسم "الأسود" على الباذنجان ، وسأورد أدناه بعض المفردات اللغوية التي وردت باللهجة الموصلّية وما يقابلها باللغة الفصحى ، كذلك تفسير المعنى العام لبعض المقاطع أو الأبيات لتسهيل الأمر على غير الموصليين من أبناء العراق الأماجد .
المفردات اللغوية :
كثيغ : كثير
ويحد : أحد الأشخاص
تليتو منّا بطني : أي ملئ منها بطنه حد الشبع
قغعتا : أي ما يسمى عند البعض بالكوسة أو الشِجر أو القرع
عغيشا : أي ورق العنب
حماغا كثيغ حيغني : أي كان في حيرة وإندهاش من جودة الطماطة وإحمرارها
كنتُ بساع الوهقا : التهمها التهاماً للذتها
تحغقني : الحرقة في الفم لوجود الفلفل الحار فيها


130
لنرفع الدعاء الى الباري من أجل الشفاء للموسيقار القدير غانم حداد

بقلم : سالم إيليا
إستلمتُ قبل أيام إيميلاً من الأستاذ القدير الفنان باسم حنّا بطرس يُنبأني فيه " بأنّ العازف القدير غانم حداد قد أصيبَ بكسرٍ في الحوض نتيجة لسقوطه على الأرض وإن الأطباء أمتنعوا عن إجراء العملية له لضعفٍ في قلبه " .
والفنان عازف الكمان المبدع غانم حداد غني عن التعريف ، فهو أحد عازفي الخماسي الوتري للفنون الجميلة والذي أمتعَ  جماهير الشعب بعزفهِ وإطلالتهِ على الشاشة الصغيرة مع زملائه وذلك من خلالِ عزفهم لمقطوعاتٍ للأغاني التراثية العراقية .
ومن خلال أطلاعي على ما كتبه فناننا وناقدنا الموسيقي باسم حنّا بطرس بحق العازف الموسيقار غانم حدّاد في مقالته المنشورة على موقع " بخديدا " والمبينة على الرابط الذي أرسله لي والتي أضاف اليها اللقاء الذي أجرته " شيماء زبير " مقدمة البرامج في قناة الشرقية سابقاً ( تعمل الأن في قناة البغدادية وهي معدّة ومقدمة برنامج الكرسي ) وكذلك ما كتبه عنه إبنه الفنان أنس غانم حداد في موقعه على الإنترنيت ، لِذا إرتأيت أن أكتفي بعرض وتقديم هذه  " الشهادات التقديرية " التي جاءت من موسيقار وناقد متخصص في الحقل الفني ، إذ لم أجد ما أضيفُ اليها نظراً لتغطية المقالات الثلاث المنشورة للكثير من الجوانب الفنية والحياتية في حياة الموسيقار المبدع غانم حداد .
دعاءنا الى البارئ عزّ جلاله أن يمنّ على فناننا القدير غانم حداد ببركتهِ وأن يأخذ بيده ليجتاز هذه المحنة ، وأملي أن يبادر المسؤولون الى تقديم الرعاية لمبدعينا وهم في خريف أعمارهم ، أطال الله في عمر كل مبدعينا الذين أعطوا الكثير لبلدهم وشعبهم .
أدناه النص الكامل لمقالة الفنان والناقد الموسيقي الأستاذ الفاضل باسم حنّا بطرس أطال الله في عمره والتي أرسلها لي مشكوراً والمنشورة على موقع بخديدا .
 

عَوْدة ثانية إلى غانم حدّاد وحديث معه عبر القناة الشرقية

قبل بضعة شهور، تحدَّثتُ تلفونياً مع فناننا غانم، وشعرتُ أثناء حديثي معه بحرارة الدموع التي سالت من مقلتيه وهو يستمع إليَّ كمَّن يشغل وقته ليكسر وحشته القاسية. تجاذبنا أطراف الحديث العام، لأستقي منه بعضاً جديداً لكتابة مقالة عنه.
وهكذا كان، أنْ نشرتُ مقالتي على موقع بخديدا، وأبلغتُه بذلك ليستمتع بقراءته. واليوم وجدتُ في هذه المقابلة التي أجرتها معه القناة الشرقية، جدوى في إعادة نشرها أمام عناية القارئ، لعلّي بذلك أدعو الآخرين تناقل الموضوع على قنوات النشر الإلكترونية والصحفية الأخرى.
إنه غانم إيليا حداد
باسم.
 
غانم حداد: والدي كان يمتلك صوتاً جميلاً
مقدمة البرنامج : شيماء الزبير
 
•        المقدمة:اثناء الحديث معك قبل اللقاء والتسجيل ذكرت لي قصة مقهى،وهي قصة مقهى المحلة؟

•   حداد:انا كنت اصغي الى راديو هذا المقهى بعد الساعة يهدأ الشارع وتهدأ الحركة،حيث يعلي الرجل الراديو ،نحن في البيت ليس لدينا راديو في ذلك الوقت بداية الثلاثينات،فكنت اسمع الاغاني العراقية المقام العراقي،الفواصل الموسقية،كنت احبها دون ان يوجهني احد او يؤشرلي شيء فيها،كنت احب قهوة الطرب كما يسمونها في مناسبات رمضانية،وفي رمضان كانوا يحضرون بعض البرامج،الموشحات،المقامات مع الاغاني العراقية،كانت توجد برامج مكثفة تقريبا،فكانت مقهى فعلا منعشة اضافة الى صوت الراديو.
     المقدمة:كم كان يبعد المقهى عن بيتك؟
    حداد :مئتان متر ليس اكثر او اقل.
•   المقدمة:في الليل كان الطفل غانم يستمع للاغاني والالحان بطريقة من الممكن لان لا ينتبه لها اي طفل اخر؟اريد ان اتعرف اكثر على مناخ البيت في ذلك الوقت؟وحسب ما عرفت ان الوالد كان يمتهن الحدادة،طيب الحدادة مهنة شاقة واصواتها ليس لها اي علاقة بأي نغمة موسيقية بالاضافة الى هذا كان عدد الاخوة والاخوات كبير اربع اخوة وثلاثة خوات.هذه الجو ما علاقته بالموسيقى؟
•   حداد:بالنسبة الى حياتنا لم تكن هناك علاقة بمعمل الوالد،هي علاقة بسيطة،والدي كان يمتلك صوت جميل،عندما يلتقي باصدقائه في معظم المناسبات كنت اسمع غناء ينفرد صديق من اصدقائه،والدي ايضا كان يحفظ المقام العراقي.
•        المقدمة:كان يحفظه دراسة ؟ام سماعا؟
•   حداد:كان يحفظه على السمع،كانت المناسبات كأجتماع عائلي،والدي كان من المحبين للغناء والموسيقى،لديه وجهات نظر،لذلك اشترى لنا صندوق واسطوانات.
•        المقدمة:كان لديه بذرة في حب الموسيقى؟
•        حداد:بالنسبة للوالدة ايضا،كانت تستأنس عند غناء والدي او اي احد منا.
•        المقدمة:ألم يفكر ان يوجهكم باتجاه العمل في الحدادة؟
•   حداد:نعم،فكر كنا نقضي العطل الصيفية في المعمل معه،اخي الاصغر كان عنده هواية ومن ثم قام بفتح معمل للخراطة واستمر بالمهنة وكان يعزف الناي.
•   المقدمة:اذا السيد حداد رحمه الله والد حضرتك،كان يمتهن الحدادة ولديه اذن موسيقية عالية وصوت رخيم.طيب في هذه الفترة وانت في هذا العمر المبكر هل كان لكولورات الكنيسة دور في هذا الموضوع؟هل طورت جانب معين لديك؟ام لا؟
•   حداد:لم نتعامل بهذا الموضوع،يعني فرق انشاد الكنيسة لم تكن تلك الفرق التي لديها امكانيات لتعليم الكورال الكنائسي،لم ندخل بهذا الموضوع.
 
  المقدمة:فيما بعد استمريت بالدراسة واذا بك تكون عضو في فرقة موسيقى الفتوح ودخل عليك الصف حنا بطرس رحمه الله؟
•   حداد:الصدف ايضا تخلق ناس وظروف،الموضوع بدأ عندما جاء حنا بطرس،فالملك غازي في وقتها اسس اذاعة محلية على حدود لواء بغداد.
•        المقدمة:يعني في قصر الزهور؟
•   حداد:نعم كلفوا الاستاذ حنا بطرس ان يهيئ فرقة نشيد بالاسبوع مرة واحدة تنشد في هذه الاذاعة،كان هناك وقبل تأسيس هذه الفرقة معهد واحد،معهد يعمل على تدريب فرقة موسيقية من الالات النحاسية التي يسموها اليوم الموسيقى العسكرية،هذه على اساس انها ستساهم في استعراضات المدارس للفتوة ،فكان يوجد في هذا المعهد مدرس من الهند يدرس في الجوق العسكري ومدرس اخر لا اذكر اسمه عراقي والاستاذ حنا بطرس.
•        المقدمة:هذا الكلام كان في سنة الف وتسعمئة وسبعة وثلاثين؟
•        حداد:كان قبل ذلك،في سنة الف وتسعمئة وخمسة وثلاثين.
•        المقدمة:حتى هذه اللحظة،غانم حداد دخل هذه الفرقة كمنشد؟
•   حداد:انا لم ادخل لهذه الفرقة،هو عندما جاء واختار من هذه المدرسة بعض العناصر،كان يدخل للصف ويقوم هذا الطالب ينشد،وهذا ينشد فهو كان يؤشر على الافضل،من الرصافة اخذ اقل من عشرة طلاب،ومن المدارس الاخرى،كون فرقة نشيد انشدت لاول مرة في صباح يوم عيد الاضحى،ولا اذكر اية سنة بالتحديد،التدريبات كانت في نفس المعهد الموسيقي فاقترح الاستاذ حنا وقال انتم لماذا قادمين للمعهد لماذا لا تستفيدون من الالات الموسيقية؟
•        المقدمة:كان يحب توظيفكم بطريقة اخرى؟
•        حداد:بعد سنة ،اصبح لها امكانية بان تعزف في استعراضات بعض الالوية،في بغداد الى اخره.
•   المقدمة:ما حكاية الخمسين اغنية التي لولا غانم حداد وفرقة الانشاد العراقية وتلك الانتقاعات التي حدثت في ذلك الزمن،لضاع الجزء الكبير من التراث العراقي؟
•   حداد:الفترة من الخمسين الى وسط الخمسينات تقريبا كان يوجد موجة من الفنانين المعروفين مثلا المرحوم رضا علي،المرحوم يحيى حمدي،محمد كريم،عناصر كثيرة غنوا الاغاني العراقية الخفيفة،الاغاني العراقية الاصيلة،التي غنتها مثلا سليمة مراد اصوات نظيفة كانت،فانا فتحت هذا الموضوع مع رئيس المذيعين وقلت له: الاغاني العراقية لم تظل لنا،فقط بقى على الساحة الله يرحمهم زهور حسين ولميعة توفيق،فقال لي فكرة جيدة  وقلت له لنفاتح مدير الموضوع لان بامكانه تهيئة مستلزمات القضية كي نسجل قسم من الاغاني،فأختاريت من الموسيقيين قبل كل شيء المرحوم حسين عبدالله وهو عاصر هولاء المطربين القدامى وبعض المغنيين،كونت فرقة انشاد بسيطة من بعض الموسيقيين وسجلت ما يقارب الخمسين اغنية في ذلك الوقت وبعدها اخذ الجقمقجي بها موافقة ونقلها على اسطوانات حيث انتشرت انتشار كبير بالوقت الذي لم يكن للاغنية اي اثر .
•   المقدمة:كيف تنظر للتراث العراقي الان في ظل العولمة وفي ظل صيحة الطرب الحديث؟وكيف تنظر الى الملحن العراقي الجديد؟
•   حداد: الانحراف موجود والاغنية العراقية الاصيلة لا يوجد لها ملحنين اندفعوا او اخذوا تلك السلوكية بالنسبة للموسيقى او الالحان،او اي شيء مقارب،حيث اندفعوا الى الاشياء الحديثة.
•   المقدمة:اذا هل تعتقد انه هناك في ظل الهجمة لاغاني البوب والالحان التركية والهندية ومختلف انواع الالحان الجديدة التي وردت على اللحن العربي.يعني هل النغم العربي اصبح في خطر؟
•   حداد:بلا شك،العراق لا زال محتفظ،المطربين العراقيين حقيقة لا زالوا محتفظين تقريبا بالنكهة العراقية ولكن عندما تخرجين من الوطن العربي،كلا وخاصة بالنسبة للبنان والاردن.
•   المقدمة:عطيل وشهلاء وسولاف وانس اولادك الاربعة لربما كل شخص بارع في مجال اختصاصه يحسدك عليهم ،لانه دائما الاشخاص يفتقدون ان ابنائهم يمتهنون مهن والديهم اولادك الاربعة بين عازفي بيانو وكمان واورك.اي واحد فيهم تجده اكثر موهبة وتفرد واكثر قربا الى غانم حداد على مستوى الموهبة الموسيقية؟
•   حداد:بلا شك هم تربيتهم الفنية لم تأتي عن طريق البيت اي انا،بالصدف تأسست مدرسة الموسيقى والباليه التي احتفظت بالنسبة لثقافة الطالب من الناحية التربوية ومن الناحية الموسيقية،وهذا كان عمل بالنسبة لوزارة الثقافة عملا كبيرا.
•        المقدمة:وتأسست قاعدة جديدة على مستوى اللحن والموسيقى والاحساس؟
•   حداد:جدا حتى ان اذكر في احدى السفرات الطلابية لمدرسة الموسيقى والباليه، سافر وفد من المدرسة الى المانيا عندما عزفوا وهم بهذه الاعمار،وزير الاعلام الالماني في كلامه وقف وقال ان كنت اتصور انا في العراق،هذه شهادة كبيرة ومن ضمن هذه المجاميع اولادي كانوا،عطيل الكبير يعزف بيانو،وشهلاء بالكمان وسولاف على البيانو.اكملوا الدراسة الثانوية والموسيقى في وقت واحد،طبعا عطيل عندما اكمل الثانوية،تم قبوله في احدى الكليات وبعدها ذهب في بعثة الى الاتحاد السوفيتي وكان موفق. شهلة اكملت ثانوية في ذات المدرسة واكملت معهد ادارة وسولاف ايضا اكملت الثانوية واكاديمي التربية الفنية،اما انس فلم يكمل المنهج الموسيقي في مدرسة الموسيقى والبالية،لانه لم يكن مندفع فاخرجته،لكن بعدها فاجأني باندفاعه نحو الموسيقى،فهو يعزف اورك بأقتدار.
•        المقدمة:نقول انه السيدة لوريس ميشيل رحمها الله رحلت عنك منذ عامين،انت اتيت من بغداد الى عمان؟
•        حداد: لكي استقبلها واذهب الى بغداد.
•        المقدمة: يعني اتيت الى عمان لكي تبقى ثلاثة ايام وتعود والثلاثة ايام اصبحت اربع سنين؟
•   حداد:الفترة التي قدمت بها كانت قريبة الى ان العراق اصبح على هذا الحال،هي كانت تحتاج الى علاج،الوضع في بغداد تأزم موضوع المستشفيات موضوع الحالة لذلك فضلنا اكمال العلاج في عمان،وهذه الفترة تأزمت الامور بالنسبة للعراق وبالنسبة الى حالتها والله اخذ امانته.
•   المقدمة:انت الان وحيد مع انس تعيش في الغربة،لربما قدرات الدنيا جعلتك تعيش بعيد عن بغداد التي عشقتها عشق قيس لليلى؟
•   حداد:بالضبط،اصدقائي ومعارفي هم اكيد سيقدرون ظروفي عندما يسمعونني،اتمنى من الله ان يعطيني الصحة،كي اكمل رسالتي في الحياة،وانشاء الله تعم الموفقية لبلدنا العزيز وشكرا.
•        المقدمة:لك طوال العمر والصحة.
 
أنس غانم حداد يكتب عن أبيه
من موقع (http://www.anashaddad.com)
غانم حداد

ولد في بغداد الرصافة سنة 1925 أكمل تعليمه الدراسي الأبتدائية والرصافة المتوسطة والأعدادية المركزية، في بغداد.
دخل الى (المعهد الموسيقي) آنذاك لدراسة الموسيقى فرع الكمان وهو في المتوسطة، وبعد ثلاث سنوات من الدراسة في المعهد، حدث له عارض في حفل رياضي مدرسي سبب له كسر في ساعده الأيسر، وبعد فترة العلاج اقترح عميد المعهد (الشريف محي الدين) أن ينتقل بنتقل من دراسة آلة الكمان الى دراسة آلة العود.
وكانت الفكرة آنذاك هو الأحتفاظ بالعناصر من المتفوقين داخل المعهد.
اكمل دراسته في المعهد وحصل على دبلوم في الموسيقى بتفوق.
ولكن لم يترك الأستاذ غانم آلته الكمان التي احبها وعشقها منذ بداية حياته الفنية ولم يترك كمانه مهجور في الزاوية ، لا بل عاد يمارس العزف على آلته الكمان وبدأ بتطبيق ماتعلمه وعمله على آلة العود بعزفه على آلة الكمان، حتى استطاع أن ينال المرتبة المرموقة بالموسيقى بصفته (فنان مبدع) في آلة الكمان والعود. وبدأ نجمه يسطع منذ تلك الفترة في اوائل الخمسينات.
عمل في إذاعة بغداد وتولى مسؤولية الفرقة الموسيقية لدار الأذاعة العراقية وقدم العديد من مؤلفاته الموسيقية. ثم تولى تشكيل مجموعة من عناصر من عازفين ومنشدين من داخل المؤسسة للأذاعة، وقام بتدريبهم عملياً بقصد الحفاظ على تراثنا الأصيل. حيث سجل مايقارب الخمسون اغنية عراقية لفرقة الأنشاد ولأشهر المطربين والمطربات العراقيين القدامى.
عين مدرساً للموسيقى في معهد الفنون الجميلة سنة 1956 الآلة العود والكمان الشرقي ومشرف على العزف الجماعي للطلبة المتقدمين. وفي سنة 1960 تم ترشيحه للسفر إلى براغ التحق بالزمالة التدريسية في جيكوسلفاكيا والتي دامت 14 شهراً وحصل على دبلوم فني(في إدارة وتنظيم الأقسام الموسيقية الأذاعية والاخراج الموسيقي والاذاعي) مارس العمل الفني والأداري خلال الخمسون عاماً وفي العديد من الأجواء والمناسبات منها مدرساً ورئيس القسم الموسيقي والأنشاد في معهد الفنون الجميلة. وعضو المجلس الأعلى لنقابة الفنانين العراقيين ورئيس القسم الموسيقي للأذاعة العراقية ونقيباً للموسيقين العراقيينوعضو اللجنة الوطنية للموسيقى، وعضو لجنة التراث للفنون الموسيقية العراقية ومحاضر في معهد الدراسات النغمية ، وكلية التربية (القسم الفني) ومن آخر أعمال الأستاذ غانم حداد ، هو تشكيل مجموعة (خماسي الفنون الجميلة) والمؤلف من ابرز أساتذة الموسيقى العربية في العراق.
حيث قدم هذا الخماسي العديد من البرامج الموسيقية والتي عشقها الناس جميعاً من مستمعين ومشاهدين وحتى ماقدمه هذا الخماسي في العديد من دول العالم وكان ناجحاً ومميزاً نظراً لما يمتلكه أعضاء هذا الخماسي من قدرات وامكانيات عالية في الاداء العزفي.
وكان الاستاذ غانم حداد قد ساهم بفعاليات فنية موسيقية في العديد من المؤتمرات الموسيقية والمهرجانات العالمية، ومنها بصحبة بعض الفنانين المتميزين والذين نالوا استحسان الجماهير في خارج القطر العراقي.
ومكن الدول التي ساهم الاستاذ غانم بتقديم الواناً من موسيقانا وتراثنا الجميل، هي دول الوطن العربي- ودول الخليج- ودول شمال افريقيا واليمن وتركيا والباكستان – ودول اوربا الوسطى الشرقية والغربية والأتحاد السوفيتي وانكلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
كما ألف الاستاذ غانم حداد العديد من المقطوعات الموسيقية، والمسجلة في المكتبة الموسيقية لأذاعة بغداد، والمدونة معضمها في الكتب الموسيقية التي تدرس في جميع المعاهد الموسيقية في العراق.
ومن هذه المؤلفات:

1- سماعي رست
2- سماعي لامي
3- مقطوعة موسيقية / ذكرى من مقام النهاوند
4- مقطوعة موسيقية / صدفة من مقام الرست
5- مقطوعة موسيقية / مع الصباح من مقام الصبا
6- مقطوعة موسيقية / ميادة من مقام النهاوند
7- مقطوعة موسيقية / رقصة الغجرية من مقام النكريز
8- مقدمة موسيقية / من مقام فرح فزه
9- لونكا / بلبل من مقام النكريز
10- سولاف / موسيقى من شمالنا الجميل من مقام المحير بيات
11- مقطوعة موسيقية / مزاهر من مقام الهزام
12- مقطوعة موسيقية / فراشة من مقام عجم(دو)

والأستاذ غانم حداد ولدان وبنتان ونستطيع ان نقول بأنهم نماذج متميزة من الشباب الذي يمتلكون المواهب الفنية .
اولها عطيل، خريج مدرسة الموسيقة والباليه التحق بالبعثة الفنية الى الاتحاد السوفيتي سنة 1979 وهو عازف (بيانو) اكمل دراسته في العزف والتاليف الموسيقي بعد 7 سنوات وحصل على شهادة الماجستير ثم التحق بعدها الى معهد الملكة اليزابيث في بروكسل وبعد دراسته سنتين حصل على شهادة الماجستير العليا من المعهد وهو الان مدرس موسيقى في كندا.

والثانية، هي شهلاء غانم حداد خريجة مدرسة الموسيقى والباليه فرع الكمان وترشحت الى البعثة الدراسية لألمانيا، إلا انها الغيت بسبب ضروف العراق آنذاك وعملت مدرسة لآلة الكمان في نفس مدرستها وعازفة كمان متقدمة في الفرقة السنفونية الوطنية العراقية.

والثالثة، سلافة غانم حداد خريجة مدرسة الموسيقى والباليه فرع بيانو حصلت على شهادة البكلوريوس في التربية الفنية وكانت من اوائل الطلبة في دراستها الموسيقية ساهمت في تقديم العديد من مشاركاتها في العزف الأنفرادي وقدمت برنامجاً خاصاً بمصاحبة الفرقة السنفونية الوطنية والتحقت بمعهد الملكة اليزابيث في بروكسل وحصلت على شهادة الماجستير بتفوق.
ساهمت في مهرجان الشباب لعازفي البيانو العالي وحازت على المرتبة الثالثة من بين (60) عازف وعازفة عالميين.

رابعاً، أنس غانم حداد، درس في مدرسة الموسيقى والباليه 6 سنوات فقط اي الفصل الأبتدائي وكمل دراسته الأعدادية في مدرسة تربوية الفرع العلمي له موهبة كبيرة وحبه للموسيقى، احب آلة الأورك وتعلق بها حتى بدأ يمارسها بأكثر أوقات فراغه وبكل اندفاع ، وتابع اسلوب العزف على هذه الألة بكل اتقان، حتى اصبخ اليوم من العازفين الامعين والمعروفين في الوسط الفني العربي.
وكلما نبتت من هذه البراعم واثمرت، ولكن يعود أصلها إلى الجذور الأصلية التي سقت تلك الشجرة المثمرة.
واصل الاستاذ غانم حداد على التقاعد بناءً على طلبه في سنة 1988 بعد ايفاده الى الولايات المتحدة مع مجموعته (الخماسي) بمهمة موسيقية فنية.
ولا يزال الاستاذ غانم حداد هو يبقى لنا مرجع لتأريخنا الفني مع الأعتزاز والتقدير

تعليق
لكل فنان من فنانينا الكبار، أمثال غانم حداد موضوع بحثنا اليوم، سِفر كبير يتطلب لملمَة تفرعاته الصغيرة في سبيل التوصل إلى إطار من الصيغة التكاملية للبحث.
وعليه، فإني إذ أعرض هذه الصفحة وأضيفها إلى سابقتها، فمن أجل إستمرار البحث والتدقيق والإضافة النوعية.
أشكر أنس على ورقته هذه، ونأمل الحصول على المزيد.
باسم حنا بطرس
أوكلند في 2 شباط/فبراير 2005.

 
إستهلال
باسم حنا بطرس: أوكلند 12 كانون ثاني 2005
 
 .. وأنا أشاهد وأستمع إلى خماسي الفنون الجميلة من على شاشة (كردسات) الفضائية، بتشكيلته التي ضمّت كلاً من غانم حداد (للكمان)، سالم حسين (للقانون)، روحي الخماش (للعود) حسين قدوري (للجلو) وإبراهم الخليل (للإيقاع)، سرحتُ بذاكرتي نحو كل فرد من هؤلاء، وكأني جالس معهم أترنَّم بترانيم التراث الموسيقي العراقي التي يؤدّون، وأتحسس الأنغام الصادرة عن آلاتهم بحلاوتها ووجدانيتها، فوجدتُها خير فرصة للشروع بالكتابة عن (أبي عطيل) غانم حداد.
 
إسترسال تمهيدي
لن أتردد في الكتابة عن شخصية لامعة في ميادين الحياة كما في ميدان الموسيقى في العراق؛ ولن أتخوف من ذلك، لسبب بسيط
إنَّ مَن أكتب فيه هو غانم حداد.
غانم حداد
إسمه الكامل غانم إيليا حداد، من عائلة بسيطة عشقت الموسيقى من حيث لا تدري، سوى أنها وجدت نفسها في بئرٍعميقةٍ مكتنزة بالصوت العذب والنغم الجميل. كلُّ " صوتٍ بابتهاج "  ينتشر في جنبات الدار البغدادية البسيطة التي كانت تسكنها هذه العائلة بكامل أفرادها، وينتشر في أجوائها ملحة العيش الهادئ الحالم.
لكن غانماً، كان الأكثر بين أشقائه بريقاً في لمَعانٍ هادئ. بريقه تمثَّل في أناقة الهندام، وسامة الوجه، رشاقة القَوام، ملاحة المعشر، عفوية البساطة والتواضع. إنه الإبتسامة الدائمة.
ترجم كل هذه الملامح عبر النغمات الشفافة الواضحة التي تترنم بها أوتار كمانه، ودفق عوده، ووقع إيقاعه على الطبول.
عرفتُه شخصياً من بين عددٍ من طلبة الموسيقى في المعهد الموسيقي المؤسَّس في بغداد عام 1936 (معهد الفنون الجميلة فيما بعد)، ، تلامذة درسوا الموسيقى على يد الوالد حنا بطرس.
فقد إلتحق غانم كعازف طبلٍ في جوق موسيقى الفتوَّة للآلات الهوائية الذي كانت تشكيلته أول وجبة للدراسة في المعهد منذ 1937. حتى كان العام 1939 عند مجيء الأساتذة الأجانب والتحاقهم بالعمل في المعهد. لينتسب غانم لدراسة العود في المعهد على يد (الشريف محي الدين حيدر – الذي كان موسيقاراً بارعاً لآلتي العود والجلو، تركي الجنسية من أصل حجازي، ينتسب إلى العائلة المالكة الهاشمية) .
وكذلك درس آلة الكمان الغربي على يد (أنيس جميل سعيد – فرنسي الجنسية من أصل تركي، الذي كان عازفاً مجيداً وقائد أوركسترا سمفونية). وهكذا نمت عند غانم تداخلات مازجة بين التكنيك الغربي في العزف، والنغم الشرقي الذي برع فيه أيّما براعة.
 حتى كان تخرّجه في فرع العود بمعهد الفنون الجميلة بامتياز سنة 1946.في ذات العام إلتحق بقسم الموسيقى بـ (محطة إذاعة بغداد اللاسلكية – هكذا كان إسمها) عازفاً للكمان إلى جانب جميل ومنير بشير وجمال سرّي وحسين عبدالله وغيرهم من الموسيقيين.  حصل بعدها على زمالة دراسية في براغ (جيكوسلوفاكيا) لدراسة إدارة وتنظيم الأقسام الموسيقية الإذاعية ونال الدبلوم فيها.
عاد في العام 1955 لتدريس العود والكمان (الشرقي) في معهد الفنون الجميلة. كما أنه إستمر كعازف إيقاعات في الفرقة السمفونية العراقية في بدايات عهدها منذ الأربعينات.
سافر كثيراً متجولاً في أنحاء العالم لتقديم حفلاته الفنية منفرداً أو بمصاحبة فنانين آخرين. ومن بين أبرز تلك الجولات المبكرة، سفرته المشترَكة أواسط الخمسينات، مع منير بشير إلى تركيا ومنها أوربا. هناك كان لقاؤه الأول مع محطة الإذاعة البريطانية (BBC) في مقابلة وعزف حي على الهواء لكل منهما.
علاقاته المجتمعية

وكما أسلفتُ سابقاً، فإن شفافية غانم جعلت منه شخصية أحبّها الجميع. فبالإضافة إلى الوسط الفني تشكلت له حلقات عاشقة للموسيقى، ضمت نخبة من المثقفين ومن مختلف الإختصاصات، بينهم الطبيب والمهندس والمحامي  والصحفي وغيرهم. فصارت له من هذه التشكيلات ملتقيات مجتمعية شبه منتظمة لتذوِّق الموسيقى.
تزوج من عقيلته لوريس ميشيل، التي كانت إلى جانب أشقائها (موريس وشوقي ومانو، وشقيقتها باسمة) من ممارسي الموسيقى بمستوى الهواية.
أثمر الزواج عن إنجاب بنتين وولدين، وهم عطيل وشهلاء (عازفا كمان متخرجان في مدرسة الموسيقى والبالية ببغداد)، وسُلافه (عازفة بيانو متخرجة من المدرسة المذكورة) من عازفي الفرقة السمفونية العراقية، وأنَس، الإبن الأصغر.
قالوا في غانم حداد
لعلّي هنا أورد أفضل ما قيل عن غانم (حسب تقديري) الذي ورد في كتاب (سيرة وذكريات) لمؤلفه المهندس والفنان والموسيقي فؤاد ميشو، حيث أفرد له فصلاً خاصاً بعنوان (مع غانم حداد – الصفحة 278 من الكتاب)، جاء فيه:
(أعتقد أنني تعرفت بـ "غانم إيليا حداد" عام 1936 عندما دخل المعهد الموسيقي الذي كان عميده بالوكالة في ذلك العام المرحوم حنا بطرس. كنتُ في تلك السنة أتعلَّم العزف على آلة الكلارينيت في حين كان غانم حداد يدرس العزف على الطبل الصغير. ظهرت صورة غانم مع فرقة موسيقى الفتوّة التي كانت عائدة للمعهد الموسيقي. (التي تجدها مع هذا المقال).
ثم يسترسل القول:
كان غانم من الطلاب اللامعين في صف العود وذا موهبة فذّة في العزف. وكم كنتُ أتمنى أن يستغل غانم موهبته بصورة فعالة لأني أعتقد أنه لو تم ذلك – حسب إعتقادي – لكان غانم من الموسيقيين العالميين المرموقين.
كانت قدرته فائقة في حفظ المقطوعة الموسيقية لدى سماعه إياها لأول مرة. إن قابلية غانم في الحفظ أخَّرته كثيراً في تعلّم قراءة النوتة الموسيقية بصورة جيدة، ذلك لأنه لم يكن يحتاج لقراءة النوتة طالما أنه يتمكن من عزف القطعة بعد سماعها إياها لأول مرة.
 
غانم اليوم
خريف الحـياة

إنها صروف الزمن وإرهاصات اليوم؛ ما شاء غانم ترك بغداد التي فاق عشقُه لها عشق "قيس لليلى"، إذ بقي فيها يعيش وحدانية راهبٍ؛ فأبناؤه في الخارج متوزعون بين الأردن وإنكلترا وبلجيكا وغيرها. وزوجته رافقت أبناءها في الخارج لتعود إليها حاملة مرضاً خبيثاً.
لم يبق له في بغداد من الخلاّن مَن يسامره سوى بعض نادر منهم، أمثال سالم حسين، الذي هو الآخر يعيش بعض عزلة ذاتية.
إني لأتصوَّر غانماً يعيش ذكرياته الثمانينية التي تسجِّل سِفراً ضخماً، فيها العديد من نشاطاته وخلاّنه ومعارفه الكثيرين من كل حدب وصوب الذين أحبهم وأحبّوه، وفيها سِفر مؤلفاته الفنية الموسيقية، وإرشيف جولاته في مختلف أرجاء العالم، وآلاته الموسيقية التي هي اليوم تحَف فنية نادرة.
إنه يعيش همسات مناجاتِه لعوده وكمانه وموسيقاه، فتدغدغ أوتارها أنامل أصابعه وينتقل دفقها عاكساً ضربات قلبه. وهي تنساب فوقتها لتحيل صمتها إلى عنفوان النغم.
 خاتمة

بقي أمامي أن أقول، كان هنالك ثلاثة عازفين أكاديميين للكمان الشرقي في بغداد فقط فترة النصف الأول من القرن العشرين المنصرم، وثلاثتهم مِمن درس الموسيقى بلونيها الشرقي والغربي في معهد الفنون الجميلة وتخرجوا فيه، ولكل منهم أسلوبه ولونه الخاص.
فلقد كان جميل بشير طالباً في الكمان الغربي درس على يد كلٍّ من ساندو آلبو (أستاذ وعازف كمان بارع من رومانيا)، وأنيس جميل سعيد (أستاذ وعازف وقائد أوركسترا من فرنسا، تركي الأصل). إلى جانب دراسته للعود على الشريف محي الدين حيدر.
ويأتي غانم حداد من بعده في هذا المجال، وكما أشرنا إلى ذلك آنفاً.  وثالثهم هو فؤاد ميشو، الذي درس وتخرج في فروع الكلارينيت، والعود، والكمان الغربي.
ومن هذا الواقع نشأت ظاهرة عزف الكمان بالأسلوب الشرقي ومن ثم صار تدريسها بشكل متخصص في معاهدنا ومدارسنا الموسيقية في العراق في ما بعد.
 إنه غانم حداد
 
باسم حنا بطرس
 
تنويه
المعلومات مستقاة من وثيقة القسم الموسيقي لمعهد الفنون الجميلة الصادرة في نيسان 1979، من إعداد الموسيقار فريد الله ويردي. إضافة إلى الإرشيف الخاص بالكاتب.





131
كان ياما كان ـ ـ ـ حكايات تراثية لها عِبَرْ في وقتنا الحاضر
بقلم : سالم إيليا
كان آباءنا رحمهم الله يقصّون علينا القصص التراثية القديمة لأخذ العِبَرِ منها ، فقد سمعتُ من بين ما سمعتُ من تلك القصص أنه :
 كان يا ما كان في قديم الزمان رجل فقير يعمل حطّاباً في الغابةِ .وكان يعيش مع هذا الحطّاب ولده الكسول والذي حاول هذا الرجل المسكين جاهداً إصلاحه وتوجيهه ولكنه لم يفلح ، حيثُ بقيّ هذا الإبن العاق مصدر حزن وقلق لوالدهِ الذي دائماً كان يقول له : " إنت ما راح تصير آدمي " أي سوف لن ينصلح حالك الى الأبد وسوف لن تكون يوماً بمستوى الشعور الإنساني بالمسؤوليةِ . وكان هذا النقد أو الحرص من جانبِ الوالدِ يزعج كثيراً هذا الولد العاق .
وفي يومٍ من الأيامِ لم يحتمل هذا الإبن تعنيفات وتوبيخات والده لتصرفاته الغير مسؤولة ، فقرر هجر كوخهم والذهاب الى حيثُ لا يجد من يعنّفه ويونّبه على كسلهِ وتصرفاتهِ ، فتزود  بزوّادة مما توفر لديهما من طعامٍ وغادر الكوخ وسار على غير هدى في أحراش ومسالك الغابة حتى قادتهُ قدماه الى البلدةِ ، وفيما هو جالس في ركنٍ من أركان أحد أزقتها ليرتاح قليلاً ويتناول بعضاً من الطعامِ الذي جلبه معه من دار والده سمعَ المنادي ينادي بأعلى صوته قائلاً : " يا أيها الناس ، الحاضر يعلم الغائب لقد أمر مولانا السلطان بجائزةٍ كبيرةٍ الى كل من يستطيع شفاء إبنته الوحيدة من مرضٍ قد أصابها والذي عجز خيرة أطباء السلطنة عن معالجته " . إهتمّ إبن الحطّاب لهذا الأمر لكونه يعلم من أنه وعلى الرغم من كسله وعقوقه ، إلا أنه وبحكمِ معيشته ونشأته في الغابة ومراقبته لوالده في جمعه للأعشاب البرية المختلفة فإنّ له خبرة لا يستهان بها في معالجة الكثير من الأمراض بتلك الأعشاب ، لذا سارعَ الى قصر السلطان طالباً رؤية المريضة ، فسمحوا له بذلك وبعد إنتهاءه من معاينتها قال لِمَن حوله من حاشية السلطان بأنه يستطيع معالجتها وطلبه الوحيد في حالة شفائها هو زواجه منها !! ، وعندما سمع السلطان بطلب هذا الصعلوك جنّ جنونه وأراد قطع عنقهُ على تجاسره وتجاوزه على ولي نعمته بهذا المطلب الغريب ، لكن حاشية السلطان أقنعوه بالتريث وقالوا له لو إستطاع هذا الحطّاب معالجة إبنتك من هذا المرض المميت فسيكون بالتأكيد أذكى من جميع أطباء السلطنة وأكثرهم خبرة ودراية ، وبهذا تستطيع تعيينه بوظيفة كبير أطباء البلاط بعد تزويجه إبنتك  أفضل من موتها وخسارتها للأبد .
فكّر السلطان بنصيحة حاشيته فوجدها منطقية ولا مفرّ له من قبولها فخضع للأمر الواقع .
ذهبت أيام وجاءت أخرى وقد أصبح إبن الحطّاب زوج إبنة السلطان ينعم بنعيم الجاه والترف .
وبعد مرور سنوات عديدة توفي السلطان ونُصّبَ إبن الحطاب سلطاناً على السلطنة ، فإذا به منذ اليوم الأول لإستلامه المسؤولية يتذكر والده وتعنيفهُ له وتكراره في قوله " بأنه سوف لا ينصلح حاله ويصبح آدمياً !! " ، فنادى على الحرّاس واصفاً لهم المكان الذي يقع فيه كوخ والده وأمرهم بجلب الرجل مربوطاً بذيل الحمار مهاناً مذلولاً أمامه .
فعل الحرّاس ما أمرهم به سلطانهم الجديد وإذا بالحطّاب المسكين يقف بعد بضعة أيام خائر القوى منهوكاً من التعب بين يدي السلطان ، فنظر كلاً منهما الى الآخر ولكن نظراتهما كانت مختلفة عن بعضهما البعض في معانيها ، فبينما نظر الإبن العاق متشفياً بمنظر والده الذي صَعُبَ حتى على من كان موجوداً من حاشيته ، إلا أنّ نظرات والده اليه كانت مملوءة بالشفقة والحزن على ما وصل اليه إبنه من عقوق !! ،  وبعد أن تبادل الطرفان تلك النظرات قطع صوت الإبن تلك السكينة قائلاً لوالده : " ها يابة صرت سلطان لو مصرت ، جنت دائماً تكول الي ما راح يصير براسي خير وأصير آدمي !! " ، فردّ عليه والده بعيونٍ دامعةٍ قائلاً : " إبني آني ما كلتلك ما راح تصير سلطان ، بس آني كلتلك ما راح تصير آدمي ـ ـ ـ هو لو إنتَ آدمي جان تجيب أبوك هل جيبة !! " .
إنتهت هذه القصّة من قصص وحكايات " كان ياما كان "
و" ربّاط " هذه القصة وعِبرها مع ما يحدث لبلدنا وشعبه الآن شبيه بما حدث بين الحطّاب وإبنه العاق !! . فالشعب يقول لِمن أصبحوا " سلاطين " في غفلةٍ من الزمن : " يابة إحنا ما كلنالكم ما راح تصيرون سلاطين بالحُكم ـ ـ ـ بس إحنا كلنالكم ما راح تصيرون أوادم ـ ـ ـ هو لو إنتو أوادم وتحسون بمعاناة الشعب جان خليتونا بدون كهرباء بهذا الصيف الحار مثل جهنّم ونهبتو مليارات الدولارات بعقود وهمية للكهرباء ".




132
"هلوسات" شعرية محفورة على جدرانِ القلب
بقلم : سالم إيليا
في بلادي نسيّ الشعبُ الأماسيَ الشعرية ـ ـ ـ
وقصص الف ليلة وليلة وحكايات علاء الدين ومصباحه ـ ـ والمارد الحاضر دوماً لتلبيةِ أوامر سيدهِ بالعصا السحرية ـ ـ
ولا أزال أبحثُ في كتب التاريخ عن أصل القضية ـ ـ ـ
فالذي ترعرعتُ عليهِ إنّه كان لي أخاً إسمه "عمر" وآخر إسمه "علي" وثالث إسمه "حمه" ورابعهما "حاييم" إبن اليهودية ـ ـ ـ
وفجأةً قالوا لي : بأنّ "عمر" عدوّك ، و"علي" أمّه هندية !! ، وكاكة "حمه" يبغي الإنفصال ، و "حاييم" قد إغتصب الأرض الفلسطينية ـ ـ ـ
قلتُ لهم : تعالوا نجلس القرفصاء كما كنّا ونتجاذب أطراف الحديث برؤية أخوية ـ ـ ـ
تعالوا نجتمع على سُفرةٍ واحدةٍ ونأكل "الثريد" بأيدي هنية ـ ـ ـ
قالوا : أراك قد شدّك الحنين الى ما كان عليه العراق قبل بداية الحرب الكونية ـ ـ ـ
قلتُ : أيعجبكم حالنا الآن وما نحن عليهِ من أعمالٍ بربرية ـ ـ فأنا لا أتذكر من "عمر" غيرَ إنّهُ جاء يوماً الى دارنا داعياً لي مشاركته على مائدةِ إفطارهِ الرمضانية ـ ـ وكَمْ ذكرني في صلاته ودعاءه عند قبر الرسول الكريم في زيارته المكّية ـ ـ ـ
ولا أنسى يومَ أتاني "علي" طالباً مني السهر معهم لعمل "الهريسة" ووليمة الحسين الأربعينية ـ ـ وقد أوصاني أن أعتني بحديقة دارهِ حين غادرهُ في زيارتهِ الشعبانية ـ ـ ـ
ولا زال لساني يحتفظ بطعمِ الشهدِ حينَ زارني كاكة "حمة" حاملاً لي قوارير العسل البرّية ـ ـ ـ
ولم يَكُنْ يوماً "حاييم" قد أساء اليّ ـ ـ إلاّ فيما تعلّق بتسديدِ ديني لهُ وبالعملة الذهبية !! ـ ـ ـ
قالوا : هذهِ أوامر عُليا جاءت من رؤسائنا الجالسين في أبراجهم العاجية !! ـ ـ ـ
قلتُ : ما لي أرى قادتنا يتقاتلون على الكراسي الرئاسية ـ ـ وعامة الشعب تعاني الحرمان والجوع والتمتع بأبسط الخدمات الإنسانية ـ ـ ـ
وأكملت كلامي قائلاً لهم : إنّ كل الذي أبغيه توضيح مشاعري الإنسانية ـ ـ فقد هالني ما رأيتُ في بلادِ الفرنجة من إهتمامٍ لمحمياتهم الطبيعية ـ ـ وفي بلدي بلد الحضارات يُقتلُ إخواني على الهوية !! ـ ـ وإذا كانت هنالك مشكلة فدعونا نحلّها بالطرقِ السلمية ـ ـ ونضع أمام أعيننا مصلحتنا الوطنية ـ ـ فما لنا وما للفرنجة والفرسِ في صراعاتهم الإقليمية ـ ـ ـ
فأسكتوني بصرخةٍ وقالوا لي لقد تجاوزتَ الخطوط الحمراء في العلاقاتِ الدولية ـ ـ ـ
فقلتُ وقد أعيتني الحُجّة : إذا كنتُ قد قسوتُ في كلامي هذا ، فالمعذرة لكم لأنني كنتُ أحاول أن أعبّر عن مخاوفي بتلك "الهلوسات" الشعرية .
 
 

133
لا لتغييب الصحفيين ـ ـ لا لإسكات الكلمة الحرّة ـ ـ لا لمصادرة حرية الرأي ـ ـ وليكن الدستور هو الحكم ؟

بقلم : سالم إيليا
خير ما أبدأ به مقالتي هذه هو قول إبن الهند البار المهاتما غاندي " الطريقة المثلى لتجد نفسك ، هي أن تضيع في خدمة الآخرين " .
هذا القول ينطبق على الكثيرِ من المهنِ وأولها مهنة الصحافة ، فهي مهنة رقابية شعبية خدمية  تدخل في جزئيات المجتمع ومشاكله وتحاول تسليط الضوء على سلبياته وسلبيات قادته السياسيين وتنتقد برامجهم وتُذكرهم بوعودهم لشعبهم حين رفعوا شعاراتهم البرّاقة متوسلين شعبهم على إنتخابهم ووضع ثقته بهم .
والصحافة اليوم هي ليست فقط " السلطة الرابعة "كما أًطلِقَ عليها ، لكنها أخطر السلطات قاطبة ، حيثُ إستطاع الصحفيون والإعلاميون بشكلٍ عامٍ من الدخولِ الى كل بيت بل الى عقل كل فرد من أفراد المجتمع بشرائحه المتعددة والمتنوعة وذلك بفضلِ التكنلوجيا المتقدمة ووسائل الخدمات الإجتماعية الألكترونية ، وبفضل تلك الوسائل إستطاعت الصحافة والإعلام بشكلٍ عامٍ من قنوات تلفزيونية فضائية وشبكات التواصل الإجتماعي عبر الإنترنيت ( الفيس بوك وتويتر) وغير ذلك  في تحريك الشارع بساعاتٍ فقط !! وكما شاهدنا ونشاهد الآن من تغيرات جيوسياسية على خارطة العالم وبالتحديد البلدان العربية والذي أطلق عليه بـ " الربيع العربي " !!! .
لقد مرّت قبل أيام معدودات الذكرى الثانية والأربعين بعد المئة لعيد الصحافة العراقية والتي يحتفلُ بها الإعلاميون والصحفيون العراقيون في الخامس عشر من حزيران من كلِ عام ، إذ يمثل هذا التاريخ ذكرى صدور أول صحيفة عراقية هي " الزوراء " البغدادية في سنة 1869م .
لقد عانى الصحفي العراقي ومن عمل بالإعلام داخل العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولحد كتابة هذه السطور من الويلات والمآسي والملاحقة أو التنكيل والزج في غياهب السجون ما لم يعانيه غيره من الصحفيين في أي مكان في العالم ، حيث ضرب الصحفيون العراقيون الرقم القياسي في العالم من حيث عدد الشهداء والذي لم يثني من عزيمتهم للإستمرار في التصدي لأدوات وممارسات الأنظمة المُتلاحقة إلاّ ما ندر من الأيام والتي تنفس الصحفي فيها الصعداء بوجود بعض الفسح لنشر رأيه وعكس رأي المجتمع ومطاليب الشعب .
والصحفي هو فرد من أفرادِ المجتمعِ يتأثر ببيئته ويتغير بتغيره سلباً أم إيجاباً ، لذا من الطبيعي أن نجد بعض الصحفيين الذين إتخذوا من مهنتهم هذه وسيلة فقط لكسب المال وسخروا أقلامهم لِمن يدفع لهم أكثر أو لتمجيد القادة السياسين لكسب رضاهم ، لكن الغالبية العظمى منهم قد سلكوا مسلكاً آخراً وهو التصدي لإنحرافات الأنظمة المتعاقبة وكشف سلبياتها أما بشكلٍ مباشرٍ أو التنويه عنها خوفاً من الملاحقات والتصفيات الجسدية لهم . وكلنا نتذكر عندما كنّا نقرأ ما توفر من الصحف الرسمية التابعة للأنظمة والحكومات والشبه الرسمية الأخرى ، كنّا نشعر بأنّ كاتب الموضوع يريد إيصال بعض الرسائل ما بين السطور والتي تختلف في مدلولاتها ومعانيها عن ظاهر الموضوع الذي كتبَ عنهُ .
وقد إستلمت إيميل من أحد المواقع العراقية قبل أيام يشعرني الموقع فيه من أنّ نقابة الصحفيين العراقيين قد قررت وبالتنسيق مع أحد الصحفيين العراقيين على إقامة حفل كبير لإستذكار زملائهم المُغيبين !!! وبقية زملائهم الشهداء .
وكأصحاب قلم وعلى الرغمِ من عدم إنتماء البعض منّا الى هذه المهنة بشكلٍ رسمي ، إلا إننا مطالبين جميعاً بالوقوف مع هذه الشريحة المُثقفة والمواجهة لفوهة بندقية الأنظمة في كل ثانية والتي بيديها أيضاً خيوط تحريك الشارع للوقوف بوجه الفساد والدكتاتورية والطائفية وغير ذلك ، وذلك بمطالبة الحكومة العراقية وقادتها وأجهزتها البوليسية عن التوقف في ملاحقةِ وإختطافِ الصحفيين وتغييبهم والعودة الى الدستور والقوانين النافذة في إحقاق الحق إذا كان هنالك أي تجاوز لأي صحفي على حقوق من هم في مواقع المسؤولية ، وليس إختطافه أو قتله في وضح النهار بواسطة عناصر الأمن والتي غالباً ما تسجل ضد مجهول .
من المهم أيضاً التفكير بشكلٍ علمي وأكاديمي عن كيفية دعم وتهيئة الكادر الصحفي وتثبيت مسؤولياته وواجباته وحقوقه دستورياً ، لا أن توضع كلمة الصحافة في دستور الدولة لتكملة ( كليشة ) ما إطلق عليه بـ " حرية الرأي والصحافة " وما الى ذلك من رتوش ٍ وجُملٍ لتجميل واجهة الدساتير الغير قابلة للتطبيق .


134
أشقد طيبي الباقلي ـ ـ منلوج موصلّي عن أكلة شعبية محببة عند العراقيين !




بقلم : سالم إيليا

تُعتبر الباقلاء من الأكلات الشعبية المُحببة في عمومِ العراقِ ولا يكاد يخلو شارع أو زقاق من بائعٍ أو بائعةٍ لبيعِ تشريبِ الباقلاءِ ( الباقلاء المسلوقة ) (1) ، حيثُ يطوفُ البائعُ بعربتهِ الحي السكني ليغطي معظمَ شوارعه المخصصة لهُ .
لقد تفننَ العراقيون بصورةٍ عامةٍ في طريقةِ تقديمِ هذه الأكلة الغنية بالبروتيناتِ ذات القيمة الغذائية العالية والتي أعتمد عليها الكثير من ذوي الدخلِ المحدودِ كبروتينٍ بديلٍ عن اللحومِ ولهذا سُمّيت باللحوم " الخضراء " والتي تساعد كثيراً في بناءِ العظامِ وزيادة نسبة الهيموغلوبين بالدمِ .
فقد قال عنها أبو بكر الرازي في كتابهِ المُصنّف " دفع مضار الأغذية " ما يلي(2) :
" الباقلاّء بالجملةِ يبرد البدن ، واليابس منها يخضّب ، وماء الباقلاّء ينقـّي الصدر "
وهنالك من يقول مِن إنّ الباقلاء تزيد من نسبةِ الكولسترولِ الجيّد في الدمِ !! ، كذلك تُعتبر غنية بالأليافِ ( الفايبر ) التي تقلل الإصابة بالنوباتِ القلبيةِ ( السكتات القلبية ) .
والباقلاء كما وردت في بعضِ البحوثِ الزراعيةِ العراقيةِ هي نبات حولي عشبي تتبع عائلة البقوليات ذو ثمرة قرنية وهي من المحاصيل الشتوية ، إذ يتم جنيها بمراحلٍ وحسب سرعة نضجها ويُعتبر منتصف شهر شباط هو بداية جني المحصول في المناطق الوسطى والجنوبية من العراق ، أمّا المناطق الشمالية فيتم جني المحصول في شهر أيّار . والباقلاء مفيدة للتربةِ عند زراعتها لأنّ جذورها تحتوي على عُقدٍ بكتيريةٍ تعملُ على تثبيتِ الآزوتِ الجوي في التربةِ فتخصبها.
ويُعتبر تشريب الباقلاء بالدهنِ مِن أشهر الأكلاتِ الشعبيةِ العراقيةِ ، وغالباً ما يتناوله العراقيون صباحاً ، حيثُ يوضع خبز التنور( البلدي ) في إناءٍ عميقٍ ويُسكبُ عليه ماء الباقلاء الحار ومن ثمّ الباقلاء المسلوقة( بقشرها أو بعد تقشيرها ) ثمّ يُرش على المكوناتِ السمن البلدي( الحيواني ) الحار( أو السمن النباتي ) وغالباً ما يوضع فوقه البيض المقلي ، وتقدم هذه الأكلة وحسب طقوسها مع المقبلات كالطرشي والفجل والبصل الأخضر واللبن( الشنينة ) والليمون الحامض وغير ذلك مِما يتوفر من تلك المُقبلات . كما أنّ هنالك أكلات أخرى من الباقلاء كمرق الباقلاء الخضراء التي تُثرم عرانيصها وتُطبخ مع اللحم ومعجون الطماطة أو يتم سلق عرانيص الباقلاء الخضراء بالماء فقط وتقدم مسلوقة بهذه الطريقة أو توضع حبات الباقلاء الخضراء المسلوقة فوق الرز المطبوخ مع الشبنت . وتُعتبر الباقلاء اليابسة المسلوقة القاسم المُشترك مع الحُمص المسلوق ( اللبلبي ) كمقبلات في جلساتِ السمرِ العراقيةِ .

 

وقد شجعت شعبية الباقلاء في الموصل والعراق بشكلٍ عامٍ الأستاذ يقين إيليا الأسود رحمه الله المؤلف للمنلوجات والشعر الشعبي الموصلي الى نُظِم منلوج كوميدي وساخر عن الباقلاء والمشاكل التي واجهها بدأً بزراعتها وحتى الإنتهاء من تناوله لوجبةٍ كبيرةٍ منها(3) ، وذلك خلال المسامرة الثالثة (المباريات الشعرية) في الدورةِ الصيفيةِ والحفلة النهائية في 20/7/1944م في الموصل فقال مبتدأً منلوجه :
منلوج الباقلي

                 جبتولي حقتين منّا ـ ـ ـ هذيكَ لِتقولْ عنّا ـ ـ ـ كِلـّشْ خِشني مِنْ سِمنا(4)
دَطبخْ منّا مايهلّي
أشقدْ طيبي الباقلي
                إشتغيتو وصلة فلحانْ ـ ـ ـ مِنْ جَلعوط إبن دهمان ـ ـ ـ مَصفوفي سِكتين فدّانْ(5)
إيحلفني ويقلي
إزغعْ بيها باقلي
زَغعتوها صفوف صفوف ـ ـ ـ عيوَنّي حَنكو المنتوفْ ـ ـ ـ قلّي هلْ سَني دِتعوفْ
وديتغبّالكْ عِلـّي
خلـّي تولّي الباقلي
نَبتتْ بعشغينْ شباط ـ ـ ـ عند مَغتي إشتغل العياط ـ ـ ـ وعدسنا بالدست شاط
وعِغفوا أهل المحلّي
مِنْ قفا عمل الباقلي
مَغتي هلْ بنت المشعول ـ ـ ـ كلْ مرّة تصيح لي محلولْ ـ ـ ـ ليش بمنامك أتبولْ
ما تطلع بغـّا تولي
تنطغنا الباقلي
تشوف الباقلي بشتلة ـ ـ ـ ما تغشع أبد مثلا ـ ـ ـ قامت تِهدِل مِنْ حملا
أركع الـ ( الله ) وصلّي
ديحفظ الباقلي
قلتلـّي بخَمسي أيّاغ ـ ـ ـ حَضغلي نفسك يا (حماغ) ـ ـ ـ وقت الحصادْ هسّعْ صاغ
وغدا أمسكنّا فعلي
دِنحصدْ الباقلي
طبخنا منّا طبخة ـ ـ ـ صاغتلك مثل اللبخة ـ ـ ـ ولدت بزوني وفرخة
وعملت أبطني فلـّي
هلْ ملعوني الباقلي
بنصْ الليل تخَربَطتو ـ ـ ـ وبأبوي تعَربَطتو ـ ـ ـ للدكتور خذني قلتو(6)
دِيطيبْ لي هل علـّي
خلّي تولي الباقلي
لَمّا مَددني الدكتور ـ ـ ـ قمتُ أنعغْ مثل (الثوغ) ـ ـ ـ طلعْ بطني عَصفوغ
يزقزقْ ويتغقصْ لي
ومكيّف بالباقلي
قلتُ دخيلك ستا ـ ـ ـ خلصني مِنْ هلْ بستة ـ ـ ـ إكتب لي فغدْ لِستة
إبماكولات لتصيغلي
ولا تحط بيها الباقلي
دقدق بطني المنفوخة ـ ـ ـ دخلّصْ مِنْ هلْ لوخة ـ ـ ـ وصف لي دوا الدوخة
وخلاّني أنصي وأعلي
من أكلة الباقلي
أشلون دكتور مخربط ـ ـ ـ خلاني ساعة أتلخبط ـ ـ ـ أش أقلّوا يتنخـّط
ويقلّي إسكت ولّي
مِن قلـّك كل باقلي؟
وصف لي دوا الدوخة ـ ـ ـ كم بعغايي وباطوخة ـ ـ ـ وقلْ لي إتبخّغ بالبوخة
وصاغ الدكتور هبلـّي
من فعلكِ باقلي
قال لبوي جيب فلوس ـ ـ ـ حق ما طيبتُ المحروس ـ ـ ـ أشْ أتقلو هلْ مَنحوسْ
وهلْ دلـّي أبن الدلـّي
عويذة منكِ باقلي
الحمد لله أصطغحتُ ـ ـ ـ ومن الدكتور خلصّتُ ـ ـ ـ والف يمين حلفتُ
وما غيد أحد يذكر لي
أبد إسم الباقلي
أنصحكم يا إخواني ـ ـ ـ نصيحة بالمجاني ـ ـ ـ عفتو سكتي وفدّاني
وبيتي وأهلْ لِمحلـّي
من طبخة الباقلي


 

وقد وضع الأستاذ يقين إيليا الأسود المُتعدد المواهب اللحن لهذا المنلوج مِما ساعد على إنتشاره وشهرته ، إذ بدأ قسم من الموصليين وسكان الأقضية والقرى التابعة للموصل بترديده في أفراحهم ومناسباتهم السعيدة خاصة وإنّ ( الباقلي ) دائمة الحضور كمقبلات في تلك الجلسات .
ومن الجدير بالمُلاحظة إنّ هذا المنلوج يحتوي على الكثير من المُفردات اللغوية الموصلّية المستخدمة بين عامة أهالي الموصل وإحتوائه أيضاً على أسلوب المُخاطبة المُميز الذي كان دارجاً في ذلك الزمان بين العامة ، كذلك أضاف كاتب المنلوج الأسلوب الساخر والفكاهي الى منلوجه ليخرج بحصيله العمل الإبداعي المُميز كما في الأبيات (المقاطع) الخامس والسابع والعاشر والرابع عشر .



الهوامش :
(1)    من الملاحظ في المناطق الشعبية في وسط وجنوب العراق إشتراك النسوة أيضاً ببيع الباقلاء واللبلبي ، حيثُ يجلسنَ على مقعد صغير أو يفترشن الأرض وأمامهنّ قدر الباقلاء في الأزقة القريبة من محل سكناهنّ للحصول على مردود مادي إضافي يساعد العائلة في معيشتها .
(2)    هو العالم والطبيب أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي ، ولد في مدينة الري في خراسان نحو سنة ( 250هـ = 864م ) وقضى حياته في بغداد وتوفي سنة ( 320هـ = 934م ) ، وله مؤلفات عديدة مهمة منها كتاب " الحاوي " .
(3)    زراعة الباقلاء وتناولها بوجبة كبيرة من قِبل مُنظم المنلوج الأستاذ يقين رحمه الله هي حالة إفتراضية وليست حقيقية لنَظم منلوجهِ ، وقد نظّم منلوجه إستناداً الى هذه الفرضية التي إبتدعتها مخيلته ، وقد أوردتها في معرض شرحي للدخول في صلب موضوع المقالة وهو منلوج " الباقلي " .
(4)    الحقـّة : هي وحدة وزن تساوي أربعة كيلوغرامات كانت تستخدم في العراق وهي تختلف بوحدتها الوزنية عن الحقّة العثمانية ولحد علمي .
(5)    وردت في التسجيل الصوتي للأستاذ يقين الأسود والذي أحتفظ به جملة " مضغوبي سكتين فدّان " ، ولكن بعد العودة الى مخطوطة المنلوج وجدتُ بأنه كتبها " مصفوفي سكتين فدّان " فإرتأيتُ إبقائها " مصفوفي " لسهولة فهمها . كما وردت في كثير من أبيات هذا المنلوج الكلمات التي تُستخدم في اللهجةِ الموصلّيةِ ، وسأورد بعضها وما تعنيه باللغة الفصحى لتسهيل الأمر على بعض القرّاء الكرام من غير الموصلّيين خاصة وإنني لاحظتُ حُب الشعب العراقي بكل مدنه لقراءة ومتابعة التراث الموصلّي وذلك من خلال نشرهم مشكورين معظم ما كُتبَ في هذا المجال في المواقع الألكترونية المُختلفة  :
فلحان : الأرض الزراعية
إزغع : أزرع
عيونّي : عاونني
سَني : سنة
عغفوا : عرفوا
بغّا : خارج
تنطغنـّا : تحرسنـّا
تغشع : ترى ، تشاهد ، تنظر
بعشغين : بعشرين
الدست : القِدِرْ
أياغ : شهر أيار
حماغ : في هذا البيت إستخدم المؤلف كلمة ( الحمار ) ككنية الى العمل الشاق الذي ينتظره لجني المحصول وهو وصف ساخر كما أوردتُ سابقاً .
هسع صاغ : تعني هنا (الأن إبتدأ )
فعلي : تأتي من الفاعل ، والفاعل بلهجة أهل الموصل هو العامل ( أي الذي يقوم بالفعل أي العمل ) .
فلـّي : يأتي معناها ( مصيبة) أو( مشكلة ) وهنا جاء معناها ( مغص )
علـّي : علـّة ( المرض )
أنعغ مثل الثوغ : أي أنعر ( أصيح ) مثل الثور ، وهو وصف وتشبيه للحالة المزرية والهيجان من الألم الذي أصابه وأيضاً هذا الوصف يدخل في مجال الوصف الساخر في المنلوج .
ستا : مختصر لكلمة ( أستاذ )
دوا : مختصر لكلمة ( دواء )
إصطغحتُ : شفيتُ
يتنخـّط : يتضجّر
(6)    فقط في هذا البيت والبيت الثاني من المنلوج تصرفتُ بتغيير كتابةِ الكلمات إملائياً  ( إشتغيتُ ، تخربطتُ ، تعربطتُ ، قلتُ ) وكما وردت في المخطوطة وهي الأصح إملائياً إذا كانت الكتابة باللغةِ الفصحى ، وكتبتها على التوالي ( إشتغيتو ، تخربطو ، تعربطو ، قلتو ) وذلك بعد عرضها على بعض الأصدقاء الذين يتكلمون بلهجاتٍ عراقيةٍ مختلفةٍ فوجدت صعوبة لفظهم لها عند تداخلها ببقية مفردات الجملة إذا كُتِبتْ كما وردت في المخطوطةِ ، ولمعرفتي من إنّ الكتابة باللهجاتِ العاميةِ ( المحليةِ ) لا تخضع للقواعد اللغوية والإملائية في أغلبِ الأحيانِ ، لذا سمحتُ لنفسي بالتصرفِ لتسهيل الأمر على القرّاءِ .  أمّا في البيت قبل الأخير فأرتأيتُ إبقاء الكلمات ( إصطغحتُ ، خلصتُ ، حلفتُ ) كما وردت تماماً في مخطوطةِ المنلوجِ وهي الأصح إملائياً .







  

135
رحلة ُيوسف حَبِّيْ الى اُوُتونَبِشْتْم في شعر أمجد محمد سعيد

كنتُ قد قرأت هذه القصيدة الرائعة للشاعر  العراقي الموصلّي الكبير أمجد محمد سعيد عن الأب الفاضل الدكتور الراحل فيلسوف كنيسة المشرق يوسف حبّي والتي نشرها في الرابع من حزيران الجاري ( 2011م ) والتي وظـّف فيها قدراته الأدبية والإبداعية في الربط بينَ الرمزية للشخوص والصروح التاريخية العراقية القديمة إضافة الى إستخدامه الرموز الوطنية الأخرى والرموز الروحانية وربطها بالشخصية الفلسفية والدينية للدكتور يوسف حبّي رحمه الله ، وقد إستأذنتُ شاعرنا المبدع أمجد محمد سعيد وموقع " ملتقى أبناء الموصل " التي نشر فيه القصيدة لإعادة نشرها في المواقع ووسائل الإعلام الأخرى ، لِما لها من قوة وإبداع أدبي وإكراماً للراحل الخالد الأب الدكتور يوسف حبّي وليطلّع عليها أكبر عدد من القرّاء الكرام .
سالم إيليا

 
الاستاذ يوسف حبي في
الوسط ومن اليمين
الشيخ جلال الحنفي
ومن اليسار الاستاذ
الدكتور رياض الدباغ
رئيس الجامعة المستنصرية
الاسبق
رحلة ُيوسف حَبِّيْ الى اُوُتونَبِشْتْم


شعر : امجد محمد سعيد
القاهرة

كأسانِ ..
في رَأْدِ الضُحىَ .
كأسانِ منْ خمْرِ الكنيسةِ
بيننا
وكتابُ عنْ دمعِ الخلودِ
على يديْكَ
وأنتَ توغلُ في الرُؤىَ .
بين الفراتِ ونينـوىَ .
تمشي على أسوار بابلَ
أو تُنَقِّبُ عنْ شظايا مركبِ الطوفانِ
بين الطَمْيِ
والخشب الدفينِ
تُعايِنُ الطبقاتِ
واحدة ً
فواحدةً
لينكشفَ الثَرىَ .
عنْ جوهرٍ مكنونِ
أو ألََمٍ قديمٍ
أو رقيمٍ
أو مراشِفَ من رميمٍِ
......
أنت تعرفُ يا أبانا
ما الخلودُ
وما الفناءُ
وما الحياةُ
وما المماتُ
وأنتَ تفهمُ ما يقال ُ
وتعرفُ المسكوتَ عنهُ
وما الذي تخفيهِ عينُ الشمس ِ
في حُجُبِ الذُرىَ .

كأسانِ من حجرٍ
وخمرٌ منْ عصيرِ الروحِ
.....
تأخذُ رشفةً
.....
وشُجيْرَةُ الرمُّانِ
تفرشُ ظلَّها المنقوشَ
بالأضواءِ
فوق حديقةِ الآيْوان ِ

كان المرمرُ الأخّاذُ
أنظفَ منْ جبينِ البدرِ
في ليلِ السُرىَ .

الصمتُ ينصتُ :
كان أنكيدو الضرورةَ ..
هكذا لغةُ الأساطيرِ القديمةِ .
أِنّ أنكيدو يموتُ ضحيةً
منْ أجلِ انْ تعلو الى الآفاقِ أورُ
كأَنَّ أنكيدو
يباعُ
ويُشترىَ .
إنْ كانَ أنكيدو
رفيقَ الوحشِ
والأعشابِ
تلميذَ البراءةِ في الرقيم ِ
فانَّه القُربانُ
في أُمثولةِ الخَلْقِ المريرةِ
كانَ أنكيدو البسيط ُ
لطيبُ
المظلوم ُ
مِرآة َالمحبةِ
لا يناكدُ ما جرىَ.
كلكامشٌ فوقَ الحريرِ
يقطِّعُ الأعناقَ
يغتصبُ النساءَ
كَأَنَهُ قَدَر على أوروكَ
معقودَ العُرىَ .
فيُطِلُّ أنكيدو المخَلِّصُ
منْ ضميرِ الناسِ
من خوف ِالمنازل ِ
والشوارعِ
والقُرَى .

هذا هو الميزانُ
يهبط من يَدَيْ آنو
لتنبثقَ الرُؤى من حكمةِ النهرينِ
ثم تطيرُ في الآفاقِ
من وادٍ الى وادٍ
ومن بحرٍ الى بحرٍ
ومن بلدٍ الى بلدٍ
....
مضى كلكامشٌ في الحزنِ
يوسفُ جنبَهُ بسلاحهِ الفِضِّيِّ
خمبابا يسُدُّ الأفقَ بالنيران ِ
والإعصارِ
خمبابا يموت
(وألفُ خمبابا يغورُ مع الظلام )
وأنتَ تسرعُ صوبَ بابِ البحرِ
تعبرُ غابةَ الأَرْزِ
التي تمتَدُّ ساعاتٍ
وساعاتٍ مضاعفةً
وتصحو في العُبابِ
وقد تموتُ
- فتعذرَا - .
تلك المشيئةُ قَدََّرَتْ .
وهو الذي قرأَ الذي يأتي
هو منْ يَرىَ.
أوتونبشتمُ
خلفَ نافذةِ الرياحِ
وخلف قانونِ البكاء ِ
ويوسفُ الحيرانُ
أَنصتَ
ثم أيقنَ
ثم عادَ
وكنتُ أخشى أنْ يضيعَ
أو آنَّهُ يكبو على المضمارِ
أو يُلقى وحيداً في ظلامِ الجُبِّ
......
يوسفُ بيننا

كأسانِ …
منْ خمرِ الكنيسةِ

ثُمَّ غِبنا
ها أنا وحدي
وكأسِيَ فارغٌ
لكنَّ كأسكَ ما تزالُ مليئةٌ
ويظلُّ مِشعلُكَ المنيرُ
ُيِرىَ .
ما بين دجلةَ والفراتِ
ينير ساعاتٍ
وساعاتٍ مضاعفةً
وأوروكُ المجيدةُ تصطفي أبناءَها
ويعيدُ وادي الرافدينِ نشيدَهُ الأزليَّ
ترتيبَ المَشاهدِ ،
مرةً أخرى
وعاماً أثرَ عامٍ
تصطلي بالحربِ
أو بالنارِ
تغرق في المياه ِ
أو المجاعة ِ..

يوسفٌ يدري ..

أَقِمْ
زقورةً
ومِسَلَّةً
وآدخلْ
الى القصر الشمالي
آستجبْ لنداءِ ماربهنام َ
فوق حقوله العرباتُ
والفرسان ُ
والحجاجُ
والعشاقُ
يندفعُ الذين تعلقوا بالروحِ
فوق بيادر البيبونِ
والشقّيِقِ
يعزف يوسفُ اللحنَ الالهيَّ المجيدَ
بقدرة اللهِ الأحدْ .

كأسان من خمر الكنيسةِ

كأسيَ الآن البكاءُ
وكأسُك الآنَ
الأبدْ .
منْ سومرٍ حتى أَكَدْ .
ستهِلُّ فوقَ ثراكَ
سحابتانِ
ونجمةٌ
ونُهَيْرُ يهرُبُ من نهارٍ
نخلتانِ من الفرات
وهدهدٌ
ووجوهُ حيرى ,
لمْ تَكَدْ ..
في شارع الفاروقِ
قرب كنيسةِ النسيانِ
تنتظر المُعَّلِمَ أنْ يجيءَ…

ولا أحدْ !.


الموصل


* اشارة : الراحل الاب الدكتور يوسف حبِّي الباحث التراثي والكاتب والاستاذ الجامعي الموصلي


136
شعوبٌ تبكي على رؤسائها ـ ـ وشعوبنا تبكي مِن رؤسائها !!

بقلم : سالم إيليا
عندما سَمِعتُ بنبأ سقوطِ طائرةِ الرئيس البولوني ليخ كاتشينسكي في العاشرِ من نيسانِ ( أبريل ) سنةِ 2010م وذلك أثناء محاولة هبوطها في إحدى المطاراتِ بالقربِ من مدينةِ سمولينسك الروسية والتي راحَ ضحيتها أكثر من (96) شخصيةٍ بولونيةٍ ( بعض المصادر تؤكد بأنّ عدد الضحايا قد وصلَ الى 130 ضحيةٍ ) تفاعلتُ مع الخبرِ من منطلقٍ وشعورٍ إنساني طبيعي وغير مبالغ فيه تجاه فقدان هذا العدد من الضحايا ، فقد ( تعودّنا ) والأسى ينهشُ قلوبنا على سماعِ سقوطِ ضحايا بالعشراتِ في حوادثِ العنفِ والتفجيرات التي تطال يومياً الأبرياء من أبناءِ شعبنا .
لكن إهتمامي بالحدثِ تغيّر بشكلٍ تصاعدي عندما جاءتني مكالمة هاتفية بعد ثلاثة أيام من الحادثِ من أحدِ الأصدقاءِ البولونيين الذين كانوا يعملون معي في أحدِ المصافي في البلدِ الذي أقيمُ فيه حالياً ، والذي بدأ مكالمته لي بالعِتابِ على عدمِ إتصالي به لمواساتهِ على هذا الحادث والذي أودى بحياةِ رئيس بلده السابق وفريق عملهِ !! .
ومِما زادني حيرة وتعجب بكاء صاحبي الشديد والمستمر وكأنّ الحدث قد حدثَ للتوِ ولأحد أقاربهِ !! ، فبدأتُ بتهدأتهِ وسؤاله عن ( الرئيس الراحل ) ، وهل كانت لديه إنجازات عظيمة تُذكر و ـ ـ و ـ ـ وكل هذا لرغبتي في تبريرِ شعورهِ المأساوي هذا ، حيثُ بدأ محدثي في سردِ مدى حزن الملايين من الشعبِ البولوني على رئيسهم ورفاقه ، وكيف إستقبلوا النبأ ، حيث ُبدأوا بتحضيراتهم خارج وداخل بولونيا لإقامةِ الصلواتِ ومجالس العزاء وغير ذلك من الأمور، وبعد إعتذاري له عن تقصيري لإعتقادي بأنّ هذا الحدث لا يهمهُ كثيراً خاصة وإنه قد ترك بولونيا قبل ثمانٍ وعشرين عاماً أنهيتُ مكالمتي معه والحيرة قد سيطرت على كياني  من ردّة فعل صديقي تجاه الحدث !! وبررتُ ذلك كوني أعرفهُ جيداً وأعرف صفاته ومنها عاطفتهُ الكبيرة تجاه الأحداث والتي قد تصل الى حد المُبالغةِ فيها .
لِذا قررتُ الإتصال بصديقٍ آخرٍ بولوني كان لا يزال يعمل معي كمهندسٍ في أحدِ أقسامِ الشركةِ التي كنتُ أعمل فيها ، والذي يمتاز بهدوءهِ وبمشاعرهِ المستقرةِ ونظرته الى الأمورِ بشكلٍ موضوعي ، والذي لايزال يرتبط بوطنهِ الأم كونه لم يمضي على قدومه الى كندا إلاّ بضعة سنيين وبعقد عملٍ مع الشركةِ ، وحال سماعي لصوته عبر الهاتف تأكد لي من أنّ الحُزن قد خيّم على الشعب البولوني بأسرهِ داخل وخارج بولونيا ، فوجدتها فرصة لسؤالهِ عن هذا الحزن المبالغ فيه !! ؟ وهل كان الرئيس الراحل ذو شعبية كبيرة الى هذا الحد ؟ وما هي الأعمال التي قام بها ليحصل على حُب شعبه بهذه الطريقة ؟ حيثُ أجابني من أنّ الرئيس الراحل قد عرفه الشعب بشكلٍ مباشرٍ من خلال خدمته كعمدةٍ لمدينةِ وارشو لثلاثةِ سنواتٍ قبل تسنمه لمنصب رئيس الجمهورية في الإنتخابات التي جرت في سنة 2005م ، وقد كان يعمل من خلال حزبه وفريق عمله على تأسيسِ " الجمهورية الرابعة " في بولونيا والقائمة على أساس القوة والعدل الإجتماعي !! وإنّ أمل الشعب البولوني به كان كبيراً لقيادة التغيير !! . عندها أدركتُ بأنّ هذا الشعب لم يكن يبكي على شخصِ الرئيسِ فقط وإنما كان يبكي على الأملِ الذي ضاع !! فأعطيتهم العذر لِما شاهدته من حزن للملايين على شاشة التلفاز داخل وخارج بولونيا .
عُدّتُ بعدها بذاكرتي الى الخلفِ وبدأتُ أسترسل أحداث بلدي العراق والبلدان الشرق أوسطية الأخرى وأقف عند موت كل رئيس أو زعيم بلد من بلداننا وردة فعل الشعب تجاه الحدث ، فوجدتُ مثلاً من إنّ الشعب العراقي برمتهِ كان حزيناً لفقدان الملك غازي الأول بحادث السيارة المعروف في يوم 3/4/1939م ، حيثُ خرجت جماهير الطلبة من الكليات والمعاهد ودور المعلمين والمدارس الثانوية وبقية أبناء الشعب العراقي في مسيرات عفوية ضاربين بأكفهم صدورهم العارية مُرددين هتاف " الله وأكبر يا عرب ـ ـ ـ غازي نفكد من دارة ـ ـ ـ وإهتزت أركان السما ـ ـ ـ من دعمتا السيارة " !!! ولم تجدي محاولات الشرطة الخيّالة لِتفريقهم !! .
وفجأة إنتقل المَشهَد في مخيلتي الى ما نراهُ اليومَ في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا وبُلدان شرق أوسطية أخرى من مَشاهِدٍ محزنةٍ لِشعبٍ يتظاهر ويعطي الشهداء ويبكي ويتوسل رئيسهُ لِترك منصبه الذي قرر أن يجلس على كرسي رئاسته الى أن " يقضيا الله أمراً كان مقضيا " ومن ثُمّ يورثهُ لإبنهِ من بعده وهكذا دواليك ( أي مداولة بعد مداولة ) ، فرثيتُ لحال هؤلاء الرؤساء قبل رثائي لشعوبهم ، لِما لاحظتهُ عليهم من خسارتهم لكرامتهم وهيبتهم بعد خسارتهم لمواقعهم وشعبيتهم .
فمتى يأتي اليوم لتبكي تلك الشعوب على خسارة رؤسائها سواء تركوا مناصبهم بشكلٍ إختياري أو بحادثٍ عرضي !! .   


137
الزواج ومشاكله في الشعر الشعبي والتراث الموصلّي !!



الزوج المسكين بين نارين

بقلم: سالم إيليا
منذُ بدأ الخليقة إبتدأت المشاكل في أولِ وأجملِ علاقة ربطت الرجل بالمرأةِ ، وعلى الرغمِ من أنّ هذهِ العلاقة قد تمّ تتويجها برابطة الزواج المحكوم والمُبارك بالقوانينِ الإلهية وكذلك القوانين الوضعية  والأعراف الإجتماعية التي نظمت هذا الأمر ، إلا أنّ تلكَ الأعراف وثقلها على كاهلِ المُجتمعِ بمواطنيهِ خلقت في بعضِ الأحيانِ نوعاً آخراً من المشاكلِ التي قد تصاحب هذا الإرتباط المُقدّس وقد تصل الى الحد الذي تنتهي فيه تلك العلاقة بمآسٍ كثيرةٍ .
وفي مجتمعٍ كمُجتمعِ الموصلِ المحكوم بالتقاليدِ والأعرافِ الإجتماعيةِ الدقيقةِ يحتاجُ قرار الزواج فيه الى تحضيراتٍ كثيرةٍ بدءاً باللحظاتِ الأولى لهذا القرار وإنتهاءاً بالأسابيعِ القليلةِ التي تليه ، كما وإنّ الإرتباط الأسَري المَتين الذي يربط أفراد العائلة الموصلّية مع بعضهم البعض وخاصة بين الأم وأبناءها خلقَ نوعاً آخراً من المشاكلِ التي قد تظهر بعد الزواج نتيجة إختلاف الآراء والمعيشة الأسَرية بين مُثلث الفرقاء الأزلي ( والدة الزوج - الزوجة - والدة الزوجة ) !!! وهذا الإختلاف ربّما لا تختص بهِ مدينة عن سواها أو بلدٍ عن آخرٍ ، لكن قد يظهر بشكلٍ واضحٍ وجلي في بعضِ المُجتمعاتِ أكثر من غيرها ، ولهذا نرى  المبدعون من الشعراء والكتّاب والأدباء والفنانين في الموصلِ يحاولون دائماً التطرق الى هذه الظاهرة لمعالجتها وإنتقاد مساوئها وتأثيرها على ترابط العائلة وسعادتها ‘ حيثُ أصبحت بعض الأغاني الموصلّية ذات العلاقة جزءاً لا يتجزأ من الفلكلورِ الشعبي الموصلّي وتقليد لا يُمكن تجاهلهُ في مناسبات الزواج ، إذ يسبق المحتفلون هذه المشاكل بترديدهم لتلك الأغاني الشعبية والتي تتطرق الى المشاكل أو العلاقة بين ( الحمي ) و ( الكنّي ) بشكلٍ مباشرٍ أم غير مباشر ومنها على سبيلِ المثالِ أغنية ( عفاك ـ ـ عفاك على فند العملتينو ـ ـ ـ الخ ).
وبالطبع فقد أنعشت هذه الظاهرة ذاكرة ومخيلة االمُبدع المرحوم الأستاذ يقين إيليا الأسود ليسطّر لنا منلوجاً أو شعراً شعبياً ناقداً وساخراً لتلك المشاكل وداعياً الفرقاء الى تحكيمِ العقل والمنطق لتجاوزها ، حيثُ الّفَ أبياتاً من شعرهِ التالي عن " الزواج " في 24-9-1946م في كرمليس مخاطباً الجميع :
ما خوش عادي يا عيوني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أرجوكم أسمعوني
طلعت هَسّع مودة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ علكنّي وزوجا سودة
أنشد هذي الأنشودة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أحلّفكم طيعوني
كوي من ليلة الحنّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تصيغ هوسة عد الكنّي
الختنْ ما يكون متهنّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وإذا كذبتُ عاتبوني
أم العغوص تدردمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وأم الختنْ تهردمْ
وإختو علصحبي تشمشم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ هلْ حيّالي اللعيني
أبونو ما يطيق يحكي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وأبوها بس يتكّي
والختنْ كنّو دَكي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ والمسكين كنّو بزّوني
أم العغوص تتحاسب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ على كمْ مثقال ذهبْ
أمو هَمّي تِتعاتب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تقول دادا لا تواخذوني
لَكَن وين خِلْعِتْ إختو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وخِلْعِتْ عمتو وستو(1)
طلعْ مسخمنْ بَختو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عِميتْ عَلينو عيوني
لِمَيّي تعَيّط وتصيح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وتندبْ سيدنا المسيحْ
وتصرّح هذا التصريح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وتقول كنخدعوني
بنتي زغيغي وهو كبيغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وإحنا شطـّاغ وأهلو حميغ
تهوّس وبيدا الكفكيغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وتقول قوموا خلصوني
أم الختنْ تهوّس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تسبْ وتعنفصْ وتدفـّس
ومن قهغو الختنْ يحمسْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ويقول ليش زوجتوني
الحَمي وبنتا ينهزمونْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وحالاً علبيتْ يرجَعونْ
والختنْ بيدو الجاكونْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ويقول لَهْلو سيبوني
إتقوم لك الدعاوي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وتظهر كل المساوي
وعلى الطرفين بلاوي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ قوموا دغشع كذبوني
دايم هل شي يتكرر ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وبهلْ زمانْ قام يكثغْ
وعيشة العائلة تتكدغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ مبور الذهبْ والزيني
أنصحْ شباب الحاضغين ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لا يدوغون علزنكينين
بسْ يكونون متفقينْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ مع زوجاتم يا عيوني

من الملاحظِ في بعض الأبيات الشعرية الشعبية أعلاه تحررها من القيود النمطية ( الرسمية ) في طريقة التخاطب وهذا هو الحال في الشعر الشعبي ، إذ يتمّ التخاطب فيه باللغة المتداولة في الشارع من العامة والتي تتميز بطابعها العفوي الجميل ، رحم الله المُبدع الموصلّي يقين إيليا الأسود ، إذ تصادف ذكرى رحيله الى دار الحق في التاسع من أيار من كل سنة ، حيثُ ترك لنا أرثاً تجاوزَ الأربعون قصيدة ( شعر شعبي ) والتي يعالج فيها بأسلوبه النقدي والساخر بعض الظواهر الإجتماعية ، كما وترك أكثر من خمسة مسرحيات ( روايات )(2) والعديد من المقالات التراثية والأعمال الأدبية الأخرى والتي نُشرَ قِسمٌ منها في بعضِ الصحفِ والمجلاّتِ التراثيةِ ، أمّا القسم الأعظم منها فلم يرى النور بعد .
 وأنتهز الذكرى الثامنة لوفاته لأبعث من خلال هذه المقالة وبالنيابةِ عن جميع أفراد أسرته بصفتي إبنه الكبير بكلماتِ الشكرِ والتقديرِ لجميعِ الأساتذةِ الأفاضلِ من المعنيين بالتراثِ والأدبِ والى كافةِ القارئاتِ والقرّاءِ الكرامِ على تداخلاتهم ورسائلهم التي أرسلوها لي على المواقع أو من خلال بريدي الألكتروني وعبروا فيها بكلمات الود والإعجاب لأعمال الوالد رحمه الله عن وفائهم لبلدتهم وبلدهم من خلال إستذكار المبدعين الذين غادرونا آمنين ، وبهذه المناسبة أيضاً أحب التنويه الى الإيميل الذي وردني من الدكتور ضياء بطرس يوسف ( إبن أخت الإستاذ يقين بصلة النسب ) والذي يُذكّرني فيه مشكوراً بمواهبٍ أخرى للوالد رحمه الله كالخط والتحنيط ( كنتُ قد ذكرتهما من ضمن هواياته في سيرة حياته ) حيثُ كان قد قرأ مقالتي عن سيرة حياة المرحوم خاله يقين الأسود ، وسأحاول مستقبلاً نشر المزيد من أعمالهِ نزولاً عند رغبة محبي التراث وموثقيه ، كما سأحاول نشر نتاجات قسم آخر من مبدعينا إستكمالاً لِما نشرته سابقاً عنهم ومنهم المؤرخ الجليل جورج البنّاء أطال الله في عمره والذي أطلقت عليه الصحافة العراقية لقب ( إبن بطوطة العراق ) لكثرة أسفاره ومؤلف كتابي ( تاريخ الكلدان ) و( سلسلة بطاركة الكلدان )  !! وكذلك نعوم فتح الله السحّار رحمه الله مؤلف ( رواية لطيف وخوشابا ) وهي أول مسرحية ( تُطبع وتُنشر ) في العراق سنة 1893م وغيرهم من روادنا الأجلاّء الذين أثروا بإبداعاتهم تراث بلدتهم الموصل وبلدهم العراق(3) ، وحيثُ إنني في تواصل مع نُخبة طيبة من الجيل الثاني من الروّاد ممن هم على قيد الحياة أطال الله في أعمارهم راغباً في توثيق المزيد من أعمالهم وإبداعاتهم .              

الهوامش :
(1)    وردت في بعضِ أبياتِ هذا الشعر بعض الكلمات التي تُستخدم في اللهجةِ الموصلّيةِ ومنها الهجينة أوالمُكتسبة من لغاتٍ ربما تركيةٍ أو فارسيةٍ ولأسبابٍ معروفةٍ لا مجال لِذكرها في هذه المقالة والبعض الآخر منها مُستعملة ومشتقة من اللغة العربية الفصحى ولكن حُوِّرت مع مرور الزمن لسهولةِ التخاطبِ بها باللهجةِ العاميّةِ ، وسأورد بعضها لتسهيل الأمر على بعض القرّاء الكرام من غير الموصلّيين :
خوش : بمعنى ( جيد )
هسّع : بمعنى ( الآن )
كوي : تأتي هنا بمعنى ( من لحظة )
عد : بمعنى ( عند )
علصحبي : أي على ( المشكلة أو القضية )
خلعت ( خلعة ) : هي الهدية التي تُقَدَم من أهل العروس الى قريبات وأقارب العريس من الدرجة الأولى والثانية وحسب التقاليد الموصلّية ، وسُمّيت حسب ما أظن بـ ( الخلعة ) لأنها تكون قطعة قِماش أو شئ يُلبس و( يُخلع ) .
ستو : بمعنى جدتّه ( أم والده أو والدته )
مبور : بمعنى ( من أجل )

(2)    كان روّادنا الأوائل يطلقون إسم ( الرواية ) على المسرحية ، وقد رغبتُ في نقل الصورة عن الأصل فأبقيت على تسميتهم للمسرحية بـ ( الرواية ) ، علماً بأنّ هنالك فرق كبير بين عناصر المسرحية والرواية لا مجال لذكرها الآن .

(3)    سبقا الشمّاس ( الكاهن فيما بعد ) حنّا حبش والخوري هرمز نرسو الكلداني المعلّم المرحوم نعوم فتح الله السحّار في مجال التأليف المسرحي ، وقد عَثرَ الأستاذ أحمد فيّاض المفرجي وزملائه في عام 1966م على مخطوطة تضم بعض النصوص المسرحية للشماس حنّا حبش ، ويؤكد د. عمر الطالب إنّ مخطوطة هذه المسرحيات هي الأن محفوظة في المؤسسة العامة للسينما والمسرح العراقية وإنهُ عُثِرَ على النص المطبوع لهذه المسرحيات في مكتبة الأب توما عزيز وقد طُبع في لبنان من قِبل الكنيسة الكلدانية ، وقد فُقِد هذا النص المطبوع وكذلك النص المطبوع لمسرحية الخوري هرمز نرسو الكلداني ( أي لا يمكن الإرتكاز عليهما كدليل على ريادية الطباعة والنشر للمسرحيات في العراق ) !! وذلك حسب ما جاء في تعقيب للدكتور الفاضل سعدي المالح في معرض ردّهِ على مقالة كُنتُ قد كتبتها في بعض المواقع الألكترونية حول ريادية طبع ونشر " رواية لطيف وخوشابا " ، وحيثُ أنّ د. سعدي لم يُبين بالدليل سنة طبع المخطوطة التي عَثرَ عليها د. أحمد المفرجي  ( ربما تم طباعة المخطوطة حديثاً ) ، كذلك تعقيب الأخ الأستاذ الفاضل وليم يلدا حنّا البلوايا/كاليفورنيا والذي يصب في نفس الإتجاه وقد رددتُ على التعقيبين حينها بمقالة موضوعية وأكاديمية مطوّلة ، لِذا تبقى " رواية لطيف وخوشابا " هي الرائدة في مجال ( طبع ونشر ) المسرحيات العراقية وهذا ما أكّده الكاتب يوسف نمر ذياب في مقالته " لطيف وخوشابا " والمنشورة في جريدة العراق في الخامس من أيّار لسنة 1993م / العدد 5234/ص8 ، حيثُ ذكر بالنص " أمّا أول نص مسرحي نشر في العراق فهو ( لطيف وخوشابا ) " وعليه وجبَ التنويه .  


  

138
تحية للقائمين على بناء متحف التراث السرياني

بقلم: سالم إيليا
غمرتني الفرحة كما وغمرت غيري من أبناءِ شعبنا ونحن نشاهد إفتتاح صرحاً من صروحِ شعبنا وبلدنا وهو يرتفع ببناءه الجميل شاقاً عنان السماء ليُعلن للعالم أجمع وضع أول لـُبنة في توثيقِ الحضارةِ السريانيةِ في مهدها في بلادِ ما بين النهرين.
 وحيثُ إنني أعيش في بلدٍ يُعتبر من البلدانِ المُتقدمة في مجال التوثيق والعرض التاريخي وكذلك من خلالِ زياراتي العديدة للبعضِ من المتاحف العالمية للبلدان التي زرتها، فقد زادني فرحاً وسروراً أن أرى أبناء شعبي في الداخلِ وهم يواكبون البلدان المتطورة في هذا المضمارِ في طريقةِ عرضهم وتوثيقهم لتراثهم الثر.
ومن خلال قرائتي لكلمة الأستاذ الفاضل د. سعدي المالح مدير عام الثقافة السريانية الذي عرض فيها بشرحه المُسهب بدايات تكوين هذا المتحف والذي تمّ إفتتاحه صباح يوم الأحد العاشر من نيسان سنة 2011م ، وكذلك إطلاعي على بقية الشروح المُدعمة بالصورِ التي التقطتها عدسات المصوّرين من داخل صالاته إستطعتُ أن أكوّن فكرة جميلة عمّا قدّمه المسؤولون والمشرفون على بناءِ ومتابعة متحفنا التراثي هذا مِن جُهدٍ كبيرٍ وعملٍ شاقٍ لمدة تزيد على السنتين كما ذكر د. المالح لجمعِ ما يزيد على ثلاثةِ الآف قطعة تراثية يعود تاريخها ما بين 50-250 سنة مضت وخاصة في هذه الظروف الصعبة والتي فقدنا فيها الكثير من مقتنياتنا التراثية الخاصة والعامة نتيجة تركها بأيدي العابثين بعد هجرتنا الى أرض الشتات.
إنّ هذا الصرح والذي يُعتبر الأول من نوعهِ في العالم لعرضِ التراثِ السرياني سيكون بالتأكيد قبلة الزوّار والسوّاح وسيكون مَعْلَم جديد من معالمِ عينكاوة وأربيل وقطعاً فإنّ القائمون عليهِ قد خططوا لتطويره وهذا أيضاً ما جاء في كلمةِ د. سعدي المالح حيثُ قال : " إنّ هذا المتحف ما هو إلاّ اللبنة الأولى في مدماك هذا الصرح الحضاري ليكون الأساس لمتحف متكامل " ، إذاً هنالك رؤية واضحة لمستقبل هذا المتحف وهنالك خطط وطموحات من لدنِ القائمين عليه وهنا أحب أن أبدي رغبتي المخلصة في التذكيرِ ليس إلاّ على ضرورةِ طبعِ نشرةٍ أو كُتَيّبٍ صغيرٍ ( Brochure ) يكون في متناولِ الزوّارِ والسوّاحِ وخاصة باللغاتِ الأجنبيةِ كالأنكليزيةِ مثلاً مُدعم بالصورِ يُعطي نُبذةً مختصرةً عن حضارتنا السريانية مع شرحٍ مُبسّطٍ لأقسامِ المتحفِ ومعروضاته ووفقاً للإمكانياتِ الماديةِ المتاحةِ، كذلك من الضروري دعم هذا المتحف بأجهزة العرض الألكترونية ( كجهاز عرض السلايدات ) وتخصيص ركن صغير في إحدى صالاته لهذا الغرض*، كذلك من الضروري تسجيل أسم المتحف في الدوائر ذات العلاقة داخل وخارج العراق ووضع موقعه الجغرافي وإسمه على خرائط المواقع السياحية في العراق سواء عبر الشبكة العنكبوتية ( الإنترنيت ، الفيس بوك ، تويتر ـ ـ الخ ) أو المطبوعات السياحية ، كما من الممكن إستقطاع رسوم زهيدة من الزائرين والسوّاح لتغطية بعض النفقات أو الطموحات المستقبلية وأنا واثق من أنّ د. الفاضل سعدي المالح وزملائه قد وضعوا نصب أعينهم هذه الملاحظات وربما قسم منها موجود فعلاً أو في طريقه الى التنفيذ.
فمِن خلال خبرتي البسيطة كسائحٍ وجدتُ من أنّ أكثر من سبعين في المئةِ من المواقعِ السياحيةِ لم تكن لِتُعرف على الرغمِ من أهميتها لولا فعالية الإعلام في تعريفها للجمهور وكمثال على ذلك جهل معظم السوّاح الأجانب لمواقعنا السياحية والأثرية على الرغمِ من أهميتها التاريخية مقارنة ً بالمواقع السياحية المصرية !! ولي ثقة كبيرة من أنّ د. المالح وجميع الأخوة المُهتمين بتراثنا لهم نظرة واسعة من أنّ الإعلام الآن بات الوسيلة الأنجع لتعريف العالم بتراثنا وحضارتنا وفولكلورنا وذلك من خلال التركيز على الوسائل الإعلامية والتي أصبحت في متناول الجميع بفضل الأنترنيت والأهم من ذلك هو إرسال رسالة من خلال تلك الصروح من أننا شعب لا يزال يحيا ولسنا شعب منقرض ومندثر كان له تاريخ قبل الآف السنين !! فهذا ما يعتقده العالم أجمع !!.
فتحية الى مدير عام الثقافة السريانية الدكتور سعدي المالح وزملائه والى كل مَنْ شارك بجهده الكبير في بناء هذا الصرح الشامخ، وتحية الى كلّ مَنْ تبرعَ بما لديه من نفائسِ تراثيةٍ أغنت هذا المتحف بموجوداته وأعطتهُ هويته الحقيقية، إذ عكست تلك المعروضات الجانب الحياتي والإنساني والإجتماعي الثري لشعبنا السرياني الموحّد بكل تسمياتهِ .

* في الحقيقة لم أستطع التحقق من الصورِ والتصريحاتِ التي نشرتها وسائل الإعلام عن عدد صالات العرض ومساحاتها، ولكن يبدو لي من بعض الصور من إنّ المتحف يتكون من طابقين، لِذا أتمنى من القائمين على إدارة المتحف توضيح هذا الأمر لأهميته.

139
ليلة موصلّية في ضيافة ليالي بغداد


بقلم : سالم إيليا

الموصلّيون لهم خصوصيتهم التي تميزهم عن غيرهم من المواطنين العراقيين، وعلى الرغمِ من وضوحِ إنتماءهم الوطني ورقيّه حيثُ يسمو بهم الى أعلى درجاتِ التضحية والإيثار في سبيلِ بلدهم وشعبهم، إلاّ إنهم ينفردونَ عنهم بلهجتهم المحلية وبطريقةِ معيشتهم وخصوصيتها الناشئة من تراكمات الحقب الزمنية المتوالية على بلدتهم الموصل وبيئتها، إذ تركت بصماتها الواضحة على تقاليدهم وتراثهم فأضحت ميّزة من ميّزاتهم التي يُعرّفونَ بها، ولهذا السبب نجدهم يفتقدون بيئتهم التي عاشوا فيها حين يُغادرونها ويحننون اليها على الرغمِ من إستمرارية تمسكهم وإحتفاظهم لأغلب عاداتهم وتقاليدهم في المجتمعِ الجديد الذي رحلوا اليهِ، بل ومحاولين نشرها بين أفرادهِ.
وحيثُ أنّ خصوصيتهم هذه تشمل جميع مفاصل الحياة الإجتماعية التي يحيونها إبتداءاً من أصنافِ الطعامِ الذي ينفردون بهِ وإنتهاءاً بمراسيم ( تقاليد ) الزواج وما يرافقه من أغاني ورقصات فولكلورية ، لِذا قررت نُخبة طيبة من الموصليين القاطنين في بغداد إحياء ليلة موصلية في رحاب ليالي بغداد يستذكرون فيها تراثهم وتقاليدهم وعارضين فنونهم على أهالي بغداد التوّاقين الى إستذكار ليالي زرياب وإسحق الموصلّي ومقامات والحان المُلا عثمان الموصلي والمتشوقين لمشاهدة من سار على خُطاهم في تكملة وتطوير تلك الفنون، حيثُ بدأ المعنيون من الموصليين بالتحضير لِما خططوا للقيام به وذلك قبل عدّة أشهر من الموعد الذي حُددَ لإقامة تلك الليلة  وبما عُرفَ عنهم من مثابرة وجد وتنظيم .
وكان من ضمنِ منهاج عملهم البحث عن الأشخاصِ المناسبين لتكملة فقرات تلك الليلة، إذ تمّ الإتصال ببعض المعنيين بالفعاليات الفنية من موسيقيين وفنانين وقارئي المقام والذين أثروا الساحة الموصلّية والساحة العراقية الفنية بنتاجاتهم الكبيرة (1) .
فبدأت الإجتماعات تتوالى في كيفية الخروج بهذا الحدث في أجمل وأزهى صُورِه، إذ لم يترك المُجتمعون أية جزئية للصدف وذلك بشمول تلك الليلة لجميع أنواع الفنون الفولكلورية ومنها الشعر الشعبي الموصلّي، حيثُ كُلِّفَ الأستاذ المرحوم عبدالرحمن الأغواني والذي كان أحد المشرفين والقائمين على إقامة تلك الليلة للإتصال بالإستاذ يقين إيليا الأسود ودعوته لتأليف شعر شعبي يتماشى مع الحدث ويعكس جانباً من تراث وفولكلور الموصل. وبعد حضور الأستاذ يقين للإجتماعات التحضيرية تبلورت الفكرة لديه بمحصلتها النهائية في عرض الأكلات الموصلّية من خلال شعره الشعبي الذي قدّمه في تلك الليلة والتي إحتضنها نادي المنصور الإجتماعي في بغداد في اليوم الثالث من شباط عام 1972م، حيثُ إبتدأ شعره مخاطباً المدعويين :
آنساتي سيداتي سادتي ـ ـ ـ ـ ـ أوصف لحضرتكم أكلتي
كبّي وبرمة وسمبوسك ـ ـ ـ ـ ـ وعغوق تنّوغ بذوقك
وخبز لغقاق محلانو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ علسفغا ما ننسانو
دغيد أوصف الكبّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ بلذ ّتة تصيغلك عجبي
محشيي بأفخر قيمة ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ نطلب من الله يديما
أمّا البرمة يا أخوان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تحمي المعدي والمصغان
ماكو أطيب من أكلا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ خصوصاً بهذي الحفلة
والسمبوسك يا حاضغين ـ ـ ـ ـ لذيذ وكلّش دهين
أرجوكم تذوقونو ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وتعطونا رايكم بينو
غيحة العغوق دوم تفيح ـ ـ ـ طيبي كلّش وأكلا يريح
دهيني وكثيغ هشّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ مع اللبن والطرشي
ذوق طرشي طه المَلَكْ (2) ـ ـ لا تستعجل تصلك
يشهّيك بهار البيها ـ ـ ـ ـ ـ ـ ولأعز صديق إهديها
أقدم خبز لغقاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ذوقونو بالله يا رفاق
مع كل أكلي يتقدم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ولياكلو ما يندم
لذيذ وكلّش غقيق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ويستيهلو كل صديق
إنتم غلاّي علينا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أبأكلاتنا شاركونا
وإذا لاحظتم تقصير ـ ـ ـ ـ ـ ـ نرجوكم لاتواخذونا

وقد تمّ تسجيل هذه الحفلة للتلفزيون العراقي حينذاك وقدمت المذيعة المعروفة السيدة شميم رسّام حلقة خاصة عرضت فيها بعض الفقرات من الحفلةِ .

(1)   كان من بين الفنانين الذين تمّت دعوتهم الأستاذ جميل جرجيس وقارئ المقام المرحوم إسماعيل الفحّام ومن الموسيقيين عازف القانون عبدالأحد وولده عازف الإيقاع المعروف سامي عبدالأحد .
(2)   تعتبر طرشي طه المَلَكْ من أجود أنواع الطرشي ليس في الموصل فحسب وهي (ماركة مسجلة) يفتخر الموصليون بها، حيثُ لا يزال أولاد المرحوم طه الملك يديرون محلّهم وفي نفس الموقع حسب ما قرأتُ وسمعتُ وهذا التوضيح لغير الموصليين .

140
المصلحة الوطنية هي المقياس بين أحزاب اليمين واليسار في دول العالم المُتحضّر

بقلم : سالم إيليا

من خلال إنتمائي الطوعي/ القسري ولمدة تقارب الخمسة عشر عاماً !! الى المجتمع الجديد الذي أعيشُ فيه في المهجرِ وإندماجي البديهي ومتابعتي لفعالياتهِ وإيقاع الحياة فيه ومواكبة برامج أحزابه السياسية المتنافسة على تسيّدِ مقاليدِ الحكمِ لتنفيذِ أجندتها التي تؤمن و ( تناضل ) من أجلِها، وجدتُ بأنّ الفرق بين كل تلك الأحزاب كالفرقِ بين الشخص وظلـّه !!! وخاصة في مجالِ السياسةِ الخارجيةِ ونظرتها الى مقدارِ ما قد تعود عليهِ تلك السياسة من مصلحةٍ إستراتجيةٍ وإقتصاديةٍ بالدرجةِ الأولى على بلدانِها، أما في مجالِ السياسةِ الداخليةِ فيكون الفرق هو مقدار ما تقدمهُ تلك الأحزاب في المجالاتِ الإقتصاديةِ لشعوبها، فالفرق بين حزب أقصى اليمين والذي غالباً ما يسمى بحزب " المحافظين " عن حزب أقصى اليسار هو طريقة إدارة دفـّة الحُكم إقتصادياً في مجالِ زيادةِ أو نقصانِ ضريبة الدخل ومُجمل الضرائب الأخرى وإبقاء التأمين الصحي من عدمهِ وزيادة الوسائل والمرافق الخدمية الأخرى كماً ونوعاً أو تقليصها وتوفير فرص العمل من عدمها وبنسب مئوية متباينة، وبالنتيجة فإنّ تلك الأجندات تصبّ بالدرجةِ الأساسِ في مصلحةِ شعوبها وبلدانها.
لقد وجدتُ نفسي وبشكلٍ لا إرادي في موضعِ المقارنةِ بين ما آلت اليهِ بلدان العالم الثالث وخاصة في منطقة الشرقِ الأوسطِ من تدهورٍ وضياعٍ نتيجة تبني الأحزاب وقياداتها الحاكمة التي سيطرت على مقاليد الحكم وفرضت شرعيتها الثورية وذلك بتبنيها لشعارات وأهداف لا تمت بصلة لمجتمعاتها و ( ناضلت ) وكافحت بل وقدمت طوابير من الضحايا من خيرة أبناءِ وطنِها للدفاعِ عن تلك الشعارات حتى وصلَ الأمر الى تبني أجنداتٍ كانت تملا عليها من الخارجِ فوجدت نفسها وقد غلبت عليها المصلحة الشخصية الضيقة للإستمرار في إرضاء مَنْ تسيّدها على مصالحِ شعوبِها المستكينة تحت وطأة القهر والظُلم والقوانين التعسفية فإستبدّت بحُكمها لمواطنيها أكثر في قناعةٍ منها بأنّها الطريقة المُثلى لكبحِ جماحِ غضبِهم وسخطِهم ومستخفـّة ومستهزئة بِما قد تؤول اليه الأحداث وضاربة بعرضِ الحائطِ قانون الطبيعة الذي لا يرحم من أنّ " كلّ شئ يزيد عن حدّه ينقلب ضدّه " ، وفي ليلةٍ وضُحاها تغيّر كلّ شئ، فأصبح القائد المُستبد الظالم يستجير ويتوسل وأصبح الشعب المظلوم هو السيد المُطلق والمُطاع الذي يَفرض الشروط ويُستجاب لهُ، عندها أيقنتْ تلك القيادات المُستبدة وأحزابها والتي إكتسبت شرعيتها من ثوريتها من أنّ من كانت تأتمر بأمرهم من خارجِ الوطنِ إنقلبوا ضدّها تماشياً مع مصالح بلدانهم، فحاولت تلك القيادات العودة كالإبن الضال الى أحضان شعوبها ولكن بعد فوات الآوان .    


141
السفير العراقي يزور راعي خورنة مريم العذراء العراقية في ولاية البرتا الكندية

بقلم : سالم إيليا
خصّني الأب الفاضل نويل فرمان السناطي راعي الكنيسة الكلدانية في مقاطعة البرتا الكندية مشكوراً بدعوته لي لتغطية زيارة سعادة سفير الجمهورية العراقية الدكتور عبدالرحمن حامد الحسيني لمقاطعة البرتا / كالغري وذلك من خلال الإيميل الذي أرسله لي والمُتضمّن تفاصيل الزيارة مع بعض الصور .
حيثُ وصل سعادة السفير الى مقاطعة البرتا / كالغري صباح يوم الأربعاء المصادف الثالث والعشرون من شباط في زيارة إستغرقت أربعة أيام تفقد فيها أبناء الجالية العراقية هنالك ووقف على إحتياجاتهم، إذ يتواجد ما يزيد على العشرة الآف مغترب من مختلف الطيف العراقي في هذه المدينة. وكان في إستقباله حال وصوله الى المطار لجنة تنسيق منتخبة من أبناء الطيف العراقي ومنهم السيد عيسى موسى المدير في قسم القادمين الجدد ،  وبعد ساعات من وصوله الى مقر إقامته في فندق كوست بلازا زارهُ الأب الجليل نويل فرمان حيثُ إنظمّ بعدها الى مجموعة مختارة من ممثلي الجالية العراقية لزيارة جمعية الغدير الإسلامية ضمن المنهاج الذي أعدّ للسفير .
وقد إستغلّ سعادة سفير العراق فترة وجوده بين أبناء الجالية لزيارة بعض الجمعيات والمؤسسات والشركات المملوكة لبعضٍ من أبناءِ الجاليةِ، كما زار إحدى العوائل المسيحية من القادمين الجدد الى المدينةِ وأبدى لها حسن الرعاية، كما زار عيادة أحد الأطباء العراقيين المغتربين للإطمئنانِ على صحة إحدى المغتربات التي كانت قد إصيبت في حادثٍ مروري. 
وقد خصّ السفير العراقي أبناء شعبنا بزيارته الى خورنةِ مريمِ العذراءِ في ظهيرةِ يومِ السبتِ وكان في مقدمةِ المستقبلين راعي الخورنة الأب نويل السناطي وعدد من أعضاءِ الخورنةِ وجمع من المؤمنين ، حيثُ عبّر السيد السفير عن سعادته في لقاء المحبة الذي جمعهُ مع أبناءِ الخورنةِ وأشاد بكفاءاتهم في مختلفِ التخصصاتِ، كما عبّر عن أملهِ في أن ينعم المسيحيون بالسلامِ والأمانِ في وطنهم العراق مستذكراً دورهم في بناء عراق الحضارات.
كما عقد الدكتور عبدالرحمن الحسيني في الساعة السابعة والنصف مساءاً من نفس اليوم ( السبت ) إجتماعاً موسعاً لأبناء الجالية في القاعة الكُبرى لفندق كوست بلازا، ودارت في الإجتماع مناقشات مستفيضة حول أوضاع الجالية العراقية في مدينة كالغري والسُبل الكفيلة لدعمها وتذليل الصعوبات التي تواجهها في المهجر، كما إستمع سعادته الى شكاوى ومقترحاتِ المواطنين لتسهيل مهمة السفارة في تقديمِ الخدماتِ لهم.
وقد القى الأب نويل فرمان السناطي كلمة الرعية خلال هذا الإجتماع جاء فيها :
" أملي أن تسود الجماعة العراقية في كالغاري خِصال المحبة والإنتماء الى قيمِ المُواطنة وإحترام الإختلاف " ، كما جاء في فقرةٍ أخرى " إنّ العراقيون من ضمنِ ما يمتلكونهُ من مفاخرٍ أنهم أبناء بلاد ما بين النهرين، التي ظهرت فيها اللغة الآرامية التي يتكلمها معظم مسيحيي العراق، والتي عند أوج إنتشارها الواسع في بلدان المنطقة، كانت اللغة التي تباركت بأن تحدث بها سيدنا يسوع المسيح ".
وبعدَ أن فضّ الإجتماع دُعيّ سعادة السفير يرافقه الأب نويل فرمان وعدد من وجهاء الجالية الى مأدبة العشاء التي أقامها أحد المواطنين تكريماً لضيفهم الجليل.
وقد غادر سعادة سفير الجمهورية العراقية مدينة كالغري بنفس الحفاوة التي إستقبل فيها في صباح يوم الأحد المصادف السابع والعشرون من شباط، حيثُ كان في توديعه أعضاء اللجنة المُشرفة على الزيارة متمنين له سلامة العودة.

 


142
لقاء مع سيادة المطران مار عمانوئيل يوسف مطران أبريشية كندا لكنيسة المشرق الآشورية/ ا




أجرى الحوار : سالم إيليا
في بداية لقائي هذا أرحب بسيادة المطران الجليل مار عمانوئيل يوسف مطران أبريشية كندا لكنيسة المشرق الآشورية في أدمنتن عاصمة إقليم البرتا الكندي، فأهلاً وسهلاً بسيادة المطران بين أبناء رعيتهِ .
ردّ سيادتهُ كلمة الترحيب قائلاً :
شكراً جزيلاً وإنني أرحب بلقاءكم والحديث اليكم ومن خلالكم لجميع القرّاء من أبناء شعبنا أينما وجدوا داخل الوطن أم خارجه .
ـ إذناً سؤالي الأول سيدي الجليل : هل هذه الزيارة هي الأولى لمدينة أدمنتن أم كانت هنالك زيارات سابقة وما هي الأقاليم التي شملت زيارتك الحالية ؟ فأجاب سيادته
ـ بالطبع كانت لنا زيارات سابقة لإقليم البرتا وكانت أول زيارة لنا حسب ما أتذكر في سنة 1991م وشملت مدينتي أدمنتن وكالكري .
أما بالنسبة لزيارتنا الحالية والتي تأتي متزامنة مع عيدي الميلاد ورأس السنة المجيدين حيثُ توجهنا من مدينة تورنتو بعد الإنتهاء من إقامة قداسي الميلاد بصحبة الشماسين خالد وسامي مباشرةً الى مدينة فانكوفر في أقليم بريتش كولومبيا في أقصى الغرب الكندي وأقمنا هنالك قداس العيد أيضاً لأبناء الرعية وقمنا بخدمات أخرى بمناسبة تواجدنا هنالك حيثُ أقمنا مراسيم العماذ لأحد أطفال الطائفة ثم توجهنا بعد ذلك الى أقليم البرتا وأقمنا قداس في مدينة أدمنتن لأبناء الرعية حيثُ إنظمّ الينا الشماس يوخنا ريحانة لخدمة القداس في أدمنتن الذي أقيمِ في اليومِ الأولِ من السنةِ الجديدةِ 2011م .
ـ شكراً سيادة المطران وسؤالي الثاني هل نستطيع القول إنّ الكنيسة تعتبر العمود الفقري للجسد المسيحي بمختلف قومياته وخاصة في الشرق وتحديداً في العراق وفي هذا الظرف بالذات ؟ ردّ مار عمانويل قائلاً :
ـ بالطبع بالنسبة لنا كمسيحيين عراقيين ومع إختلاف تسمياتنا لكن المسيحية توحدنا وجميعنا نفتخر بإنتماءنا المسيحي ولنا جذور تاريخية عميقة تؤكد أصالتنا في بلدنا العراق والمسيحية دخلت الى العراق في القرن الأول الميلادي وإعتنقها السكان الأصليون الذين نحن إمتداداً لهم وجميعنا بكل تسمياتنا ننتمي الى كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية وبمعموذية واحدة ونؤمن بأسرارها ، وهذا الإنتماء مشترك بين جميع المسيحيين على الرغمِ من إنّ هنالك بعض الخلافات القليلة والبسيطة والتي لا تؤثر على جوهر الإنتماء المسيحي لنا والأهم من ذلك إننا متحدون جميعاً بجسد المسيح الذي هو رأس الكنيسة .
ـ أنتقل الى سؤال آخر سيدي المطران : ما هو رأي الكنيسة فيما يحدث الأن من تهجير وتنكيل لشعبها المسيحي في العراق ، وهل تفاجأ رجال الدين بهذا المصاب أم كان لديهم تصوّر مسبق لِما يحدث الآن نتيجة التغيير السياسي الذي حصل ؟ أجابني مشكوراً
ـ ما يحدث الآن في العراق شيء مؤسف كثيراً ، فالكنيسة بالطبع كان لديها تصوّر من تجارب سابقة عبر التاريخ ، حيثُ مورس على مؤمنيها إضطهادات في أزمنة مختلفة ولكننا كنّا نتمنى أن لايحدث ما حدث خاصة لنا كمسيحيين عراقيين إذ أنّ المشاعر والأحاسيس الإنسانية قد تطورت وتعمقت أكثر بين سكان الكرة الأرضية في القرن العشرين وبداية القرن الحالي ، وحيثُ أثبتنا إنتماءنا وإخلاصنا لوطننا العراق وشاركنا على مر العصور ببناءه وتقدمه في كل الميادين ، كما وإننا كمسيحيين لم نتوقف أبداً عن عكس رسالتنا الإنسانية في بث روح المحبة والتسامح لكل الذين يشاركوننا العيش في بلدنا والتي نادت بها كل الأديان السماوية وكان قاسمها المشترك هو السلام والمحبة والتسامح بين البشر أجمعين ، لِذا ترانا ننبذ العُنف والإرهاب بكل أشكالهِ وصورهِ ومن أيةِ جهةٍ كان .


ـ  سؤالي التالي يدور حول كنيسة المشرق الأشورية والتي تُعتبر من أقدم الكنائس الرسولية المشرقية إن لم تكن أقدمهم على الأطلاق ومنها إنبثقت الكثير من الكنائسِ الشقيقة الأخرى ، فهل يشعر سيادة المطران بأنه لا يزال هنالك ترابط قوي بين كل هذه الكنائس مع كنيسة المشرق الآشورية وخاصة الإشتراك في الأفخارستيا وسر تقبل القربان المقدس ؟ وكان جواب سيادة المطران
ـ كنيسة المشرق الآشورية هي من أقدم الكنائس الرسولية المشرقية والتي نُعِتت بهذا الإسم لوقوعها شرق الإمبراطورية الرومانية وداخل حدود الإمبراطورية الفارسية .
ولكنيسة المشرق الآشورية تاريخ طويل وكبير ، فقد حدثت بعض الإنقسامات الكنسية وفي أزمنة مختلفة وهي إنقسامات مؤسفة لأنّ المسيح أسس كنيسة واحدة إنجيلية رسولية أي إنها كنيسة جامعة عالمية ، لِذا فإنّ نظرة كنيسة المشرق الآشورية الى شقيقاتها الكنائس الأخرى هي نظرة إرتباط جوهري وإن الإنقسامات التي حدثت هي إختلاف وجهات نظر ولإسباب سياسية وليست إختلافات جوهرية لاهوتية .
ـ أنتقل سيدي المطران الى السؤال عن وضع المؤمنين في المهجر ، فكما تعلم ليس من السهولة إقامة أو بناء كنيسة لكلِ طائفةٍ في كل مدينةٍ من مدنِ المهجر خاصة وإنّ عدد المؤمنون قليل مقارنةً بداخل العراق ، لذا جرى الإتفاق بين جميع الكنائس للطوائف المسيحية المشرقية على السماح لمؤمنيها بحضور القداديس للمذاهب الأخرى وتناول القربان المقدس إذا تعذّر وجود كنيسة لهم في تلك المدينة ، فما هو تعقيبك على ذلك ؟ فأجاب مشكوراً
ـ رأيي هذا ليس رأياً شخصياً وإنما هذا التوجه يأتي من صلب الإيمان المسيحي ، فالمسيحية الحقيقية هي الإيمان التام بمبدأ الشراكة والإتحاد التام معاً وتحت مظلّة الإيمان بالرب يسوع المسيح ومن هذا المنطلق تكلل الحوار بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الكاثوليكية في سنة 1994م على أن تقوم أياً من هاتين الكنيستين بالخدمات الكنسية واللاهوتية لأبناء رعيتهما في أي مكان في المهجر أو أي مكان آ خر إذا تعذّر وجود كنيسة خاصة بأحدهما في ذلك المكان .
والحقيقة نرى هذا التوجه مطبقاً الآن وبشكل مفرح في أدمنتن وفانكوفر وفي أماكن كثيرة في العالم ، وقد شجعنا ونشجع الآن أبناء الطائفة للذهاب الى الكنائس الشقيقة وخاصة الكنائس الكلدانية والكنائس الرسولية الآخرى في حالة تعذّر إقامة القداديس بفترات قريبة ودورية من قِبلنا وأعتقد بأنّ هذا التوجه قائم من قبل الكنائس الشقيقة الأخرى بتشجيع أبناء طوائفها لذات الشئ .


 

ـ لأخرج قليلاً سيدي المطران من نطاق العلاقة بين الرعية وكنيستهم وأنتقل الى موضوع التجاذبات بين بعض العلمانيين من مختلف القوميات والإنتماءات الأصيلة للشعب المسيحي في العراق والتي ولـّدت بعض المماحكات والحساسيات وردود الأفعال فيما بينهم ووسعت الفجوة بين آرائهم مما سهل لبعض الأطراف المستفيدة والمتربصة على الإنقضاض على الشعب المسيحي في العراق وتنفيذ مخططاتهم لإفراغه من مكوّنه الأصلي ، فما قول الكنيسة في هذا الشأن ؟ فكان رد سيادته
ـ بالطبع للعلمانيين أفكارهم الخاصة بهم ولكننا كشعب مسيحي أصيل في العراق نعيش وقتاً صعباً وحساساً ، لِذا فمن المفترض أن نكون أكثر إتحاداً وقـُرباً من بعضنا البعض ويجب أن نضع المحبة التي أوصى بها سيدنا يسوع المسيح نصب أعيننا ولتكن هذه المحبة فيما بيننا رسالة الى الطرف الآخر وعليه فمن المفترض التوقف عن أياً من المقالات الجارحة أو تلك التي تثير المشاعر للبعض من هذا الطرف أو ذاك ، بل على العكس تماماً يجب على المثقفين والمهتمين بالإنتماء القومي من جميع الأطراف التركيز في مقالاتهم وأدبياتهم على المحبة ووحدة المصير وإثارة النخوة لرص الصفوف لمواجهة التحديات في هذا الزمن الصعب وكما يقال فإننا جميعاً نبحر في قاربٍ واحدٍ ، إذا تعرض للخطر لا قدّرالله فإنّ الجميع سيواجهون نفس المصير .
ـ فقلتُ معقباً : إذاً سيادة المطران هذه رسالة واضحة ودعوة الى جميع الفرقاء لتوحيد الكلمة وكذلك هي رسالة لجميع الناشطين القوميين على أن يعوا هذه المسألة الخطيرة .
إنتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني من المقابلة


143
المربي الفاضل يقين إيليا الأسود ودوره في إغناء التراث الموصلـّي




بقلم: سالم إيليا
لا يختلف إثنان من المهتمين بشؤونِ التراثِ العراقي على القولِِ من أنّ للموصلِ وتوابعها بصمات واضحة وجليّة في إغناءِ التراثِ العراقي وتأطيره بالزخارفِ الفنيةِ الجميلةِ التي أبرزت خصائصه النادرة وعمق تقاليده وأصالتها التي تمتد لآلآف السنين في بطونِ التاريخِ الذي يحكي قصة أولى الحضارات الإنسانية التي عرفتها البشرية .
وقد لا يمر يوم في الموصلِ وتوابعها دون ولادة جديدة لمبدعٍ يترك في ما بعد بصمات واضحة على تراثها ويضيف شيئاً لأمجادها .
وقد يتفق المعنيّون بدراسة المجتمع العراقي وتراثه من أنّ للقرن الماضي ( القرن العشرين ) ومنذُ بدايته نكهتة الخاصة ومكانه الخاص في تاريخ العراق الحديث عموما وتاريخ الموصل بشكلٍ خاصٍ ، إذ ساعد في تكوينه وإبرازه العوامل الدولية والإقليمية والمحلية إضافة لأهمية الموصل وشعبها في تحديد هوية العراق القومية ودوره الإنساني وإصرار أهالي الموصل على الأخذ بدورهم الريادي في كتابة تاريخ بلدهم .
من هذا المنطلق ظهر الكثير من المبدعين والروّاد الأوائل في مختلفِ مجالاتِ العلمِ والمعرفةِ في الموصلِِ ، حيثُ برز العديد منهم من خلالِ تسليط الضوء على أعمالهم ومنهم مَنْ لم يأخذ حقـّه لأسبابٍ ربّما كانت شخصيّة أو بيئية أو وظيفية كالأستاذ يقين إيليا الأسود رحمه الله ، إذ كانت لظروفهِ الوظيفية كمعلّم للأجيال وكثرة تنقلاته وعدم إستقراره في بلدته الموصل السبب الرئيسي في قلـّة إطلاع أبناء الموصل النجباء على أعماله الكثيرة ، لِذا أرتأيتُ أن أتطرق في مقالي هذا الى نبذة مختصرة عن سيرته وأعماله كمبدعٍ من مبدعي الموصل المعطاءة دوماً .
ولادته ونشأته :
ولد يقين إيليا أبلحد الأسود في 1-1-1914م في الموصل وكان تسلسله الثاني في سُلّم الأبناء الأربعة وهو الولد الوحيد لوالديه ، أكمل دراسته الإبتدائية والثانوية في الموصل ، عُيّنَ في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي ( القرن العشرين ) ككاتب لسجل الأشغال العسكرية في بغداد وأعتُبِرَ ثاني كاتب سجل للأشغال العسكرية تم تعيينه في العراق ، حيثُ ترك الأشغال العسكرية بعد خدمة دامت لأكثر من سنة ليلتحق بعدها بدارِ المعلمين الإبتدائية وليتخرج منها في نهاية سنة 1938م ليبدأ مشواره المهني التربوي . تمّ تعينه في قرية الخضر والدراجي في السماوة سنة 1939م ثُمّ نُقِلَ الى الوجيهية في لواء بعقوبة وشارك في إسناد ثورة مايس التحررية الوطنية سنة 1941م (1) ، حيثُ القى خطبة حماسية في جامع الوجيهية الهبت مشاعر الثوّار وعلى أثرها تمّ فصله من الوظيفة لمدة ستة أشهر بعد إجهاض الثورة . أعيد الى الخدمة في بداية سنة 1942م وبدأت رحلة تنقلاته بين العمادية وقرية الخضر والبساطلية / قرةقوش وقرية السيد حمد التابعة أيضاً لقضاء الحمدانية حتى أستقر به المطاف في 10-9-1945م في مدرسة كرمليس فرمى بعصا الترحال الوظيفي ليستقر هنالك لفترة تربو على التسعِ سنوات حيثُ أعطتهُ الفرصة لزيادة نشاطه الفني والأدبي (2) .
عاد بعدها ليستقر في بلدته الموصل في 8-9-1954م وليبدأ بنشرِ جزء من كتاباته في بعض الصحفِ مثل " فتى العراق " التي كان يملكها ويديرها رائد الصحافة العراقية الأستاذ إبراهيم الجلبي واولاده . نُقِلَ الأستاذ يقين إيليا الى أربيل في بداية سنة 1960م وبقيّ هنالك حتى أستقر مرة أخرى في العاصمة بغداد سنة 1964م وخدم في مدرسة بغداد الإبتدائية في الكرادة لحين تقديمه طلب الإحالة على التقاعد سنة 1970م . توفي الأستاذ يقين إيليا في 9-5-2003م بعد إصابته بنزلة برد على أثر مغادرته مع عائلته بغداد أثناء القصف المعادي ثُمّ عودته ليشاهد الدمار الذي حلّ بالعمران وخاصة المتحف العراقي الذي أحبهُ فحزن كثيراً على بلده لِما أصابه والذي ساعد كثيراً على تدهور حالتهِ الصحيّة ، إذ عاصر وبفرح جلاء المستعمر البريطاني من العراق لكنه حزن حزناً شديداً لرؤيته قوات الإحتلال الأمريكي وهي تجوب شوارع بغداد .
ومِما يُذكر بأنّ جد يقين إيليا الأسود ( أبو والدته ) هو بولص قاقو الذي توفيَ عن عمرٍ ناهز 114 عاماً والذي تروى عنهُ بعض الحكايات والمغامرات التي تتطلب الجرأة والشجاعة ومنها ما كان يختزنه البعض من وجهاء الموصل مثل د. زهير الجليلي وغيره من السادة الأفاضل ، حيثُ قيل عن لسان البعض من أن بولص قاقو كان قد نقل بريداً مهماً أوكل اليه من السيد أيوب بك الجليلي لإيصاله الى حكومة بغداد في أوائل القرن الماضي عبر نهر دجلة ، وربما سأتطرق الى هذه الحكاية المثيرة في مقالات لاحقة .



هواياته وأعماله :
كان للأستاذ يقين هوايات متعددة أبدع في معظمها وحاز على رضى المهتمين وذوي الإختصاص وحصد بعض الجوائز من اللجان الرسمية المشرفة على بعض الفعاليات المدرسية ، ومن أهم هواياته تأليف ونظم المنلوجات والأشعار والأناشيد والأهازيج ( الهوسات ) الوطنية باللهجات المحلية العراقية وخاصة لهجته الموصلّية إضافة الى اللغة العربية الفصحى ، كما أجاد في تأليف المسرحيات ( أو الروايات كما كان يسميها الأولين ) حيثُ تنوعت هذه الأعمال بين دينية مثل " رواية القديسة بربارة " التي الـّفها وأخرجها وصمم ديكورها ووضع المكياج للطلاب الذين تقمصوا الأدوار لأدائها في نهاية سنة 1950م في كرمليس ، حيثُ إعتُبرت أول مسرحية تمثل في كرمليس وقد حضر إفتتاحها مدير معارف الموصل حينذاك الأستاذ الجليل إبراهيم حسيب المفتي رحمه الله ، كذلك الّفَ الأستاذ يقين الأسود المسرحيات الوطنية مثل " الحق يعلو " والكوميدية مثل " الحلاق الثرثار " و " القاضي و البخيل " ـ ـ الخ .
كما كان لهُ هوايات أخرى لها علاقة بهواياته السابقة ومنها الرسم والتمثيل وتصميم وتنفيذ الفعاليات المدرسية في المهرجانات السنوية وعمل المكياج للممثلين وكان ضليعاً بالمقامات العراقية وأطوارها وقارئ جيد ومتمكن لها يساعده في ذلك ما وهبه الله له من صوت جميل حيثُ تم التنويه اليه كقارئ مقام في موقع " زمان الوصل " للموسيقى الشرقية الكلاسيكية ، كما ذكره الأستاذ الفاضل باسم حنـّا بطرس في أحدى مقالاته ، كذلك كان له هوايتي التحنيط والصيد ، إضافة الى ذلك فقد كان الأستاذ يقين مُحباً للغة العربية وقواعدها ولغوياً لا يستهان بمعرفته لها إضافة لسعة معرفته وحبه للتاريخ وخاصة تاريخ وادي الرافدين وعاشقاً للتراث وبالأخص تراث بلدته الموصل ، إذ نشر بعض المقالات التراثية مثل " الطب الشعبي في مدينة الموصل " الذي نُشِر في " مجلة التراث الشعبي " العراقية في العدد 12 لسنة 1974م والذي نوّه اليهِ مشكوراً المؤرخ الفاضل أزهر العبيدي في توثيقه لتراث الموصل .
وسأرفق مع هذا المقال بعضاً من الصور لفعالياته ولوحاته الفنية التي تدعم ما ذهبتُ اليه من إمتلاكه لهذه المواهب ، كما سأحاول عرض بعضاً من مؤلفاته من المنلوجات والأناشيد والأهازيج ( الهوسات ) الوطنية . والجدير بالذكر أن الأستاذ يقين كان قد طبع ونشر في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي في بلدته الموصل " كرّاس المنلوجات الموصلية " والذي كان من تأليفه ولكن للأسف الشديد فان النسخة الوحيدة التي كانت بحوزة عائلته قد فُقِدت ، لِذا أهيب بإخواني محبي التراث وخاصة أبناء الموصل النُجباء ممن لديهم نسخة من هذا الكرّاس أو أي معلومة إضافية أو تصحيح لبعض المعلومات الواردة في هذا المقال أن لا يترددوا بإرسالها بشكل مباشر لي ( كاتب المقال ) أو لذوي الإختصاص من مؤرخي التراث الموصلّي . كما أحب أن أشير هنا الى أنّ الكثير من أعماله وخاصة منلوجاته إتـّسمت بطابعها النقدي والساخر لبعض العادات والظواهر الإجتماعية التي كانت مدانة في ذلك الوقت .
المنلوجات : (3)
-   الستات : نظمهُ باللهجة البغدادية سنة 1938م عندما كان طالباً في دار المعلمين الإبتدائية في بغداد وفيه ينتقد بعض الممارسات أو العادات التحررية لبعض النساء والتي لم تكن مقبولة في ذلك الزمان ، ومطلع المنلوج يقول  
ذي مو مدنية يا ست ـ ـ ـ ولا حرّية يا ست ـ ـ ـ المدنية معلومات ـ ـ ـ خياطات وتطريزات ـ ـ ـ آه من درد الستات ـ ـ ـ تعلمنّ أردى العادات .
-   الفاكهة بقلاوة : نظمهُ باللهجة الجنوبية سنة 1939م عندما كان معلماً في قرية الخضر والدراجي ومطلعه يقول :
لا تمري بينا يا أم حجل ـ ـ ـ عشا اليوم خبز وفجل ـ ـ ـ والله لضربج فد عجل ـ ـ ـ وطيرج الشقلاوة ـ ـ ـ والفاكهة بقلاوة .
-   الحظ : نظمهُ في العمادية سنة 1942م وفيه يندب حظـّه ومطلعه يقول :
أنا يقين المسكين ـ ـ ـ متعذب طول السنين ـ ـ ـ ما عندي أحد معين ـ ـ ـ حتى ولا أخ حنين .
-   المَيْ : نظمهُ باللهجة البغدادية سنة 1943م في قرية الخضر والبساطلية وفيه ينتقد تأخر مشروع الري ومطلعه :
المَيْ المَيْ ـ ـ ـ أنطوني مَيْ ـ ـ ـ وينك يا مشروع الري ـ ـ ـ يا مشروع منقذ الحي .
-   الرياضة البدنية : نظمهُ في المسامرة للدورة الصيفية في 22-7-1943م ومطلعهُ
الصحّة أصل الحياة ـ ـ ـ وبعدين تجي المعلومات ـ ـ ـ تفيد الشبّان والشابات ـ ـ ـ والفقير وإبن الذوات .
-   الباقلـّي : نظمهُ في المسامرة الثالثة للدورة الصيفية والحفلة النهائية في 20-7-1944م ، وقد إشتهر هذا المنلوج وبدأ البعض يرددهُ في الأعراس وذلك للهجته الموصلّية المحببة عند أهل الموصل وتوابعها ، وقد تم التنويه عنهُ في موقع " زمان الوصل " للموسيقى الشرقية الكلاسيكية ومطلعه :
جبتولي حقتين منـّا ـ ـ ـ هذيك لتقول عنـّا ـ ـ ـ كلـّش خشني من سمنا ـ ـ ـ دطبخ منـّا ما يهلـّي ـ ـ ـ أشقد طيبي الباقلي .
-   القِمار : نظمهُ باللهجة الموصلّية في سنة 1944م وفيه ينتقد هذه العادة أو الآفة التي فتكت بالعوائل ومطلعه :
أنا عجوقي المجنون ـ ـ ـ من مغتي كلش ممنون ـ ـ ـ وأسم أخويي حسون ـ ـ ـ غبّالي المفجوع علّي ـ ـ ـ كلما أفوت ببيتو ـ ـ ـ تتزايغ لي حميتو .
-   الشباب : نظمهُ باللهجة الموصلّية في قرية السيد حمد/الحمدانية في 6-4-1945م وفيه يحث الشباب على السير على خطى الآباء وتحمل المسؤولية والواجب الوطني ومطلعه يقول :
نزغع حنطة تصيغ زيوان ـ ـ ـ آخ من هذا الزمان ـ ـ ـ فسّد أكثغ الشبّان ـ ـ ـ نسّاهم واجب الأوطان ـ ـ ـ أكو من عدنا شباب ـ ـ ـ يشبهون طيغ القلاّب ـ ـ ـ لا تزعلون يا أصحاب ـ ـ ـ ما بيها زيادة ونقصان .

 

-   الزواج : نظمهُ باللهجة الموصلّية في كرمليس في 24-9-1946م وفيه ينتقد بشكلٍ ساخرٍ وكوميدي المشاكل التي تحدث بعد الزواج ومطلعه يقول :
ما خوش عادي يا عيوني ـ ـ ـ أرجوكم أسمعوني ـ ـ ـ طلعت هسّع مودة ـ ـ ـ عل الكنّي وزوجا سودة ـ ـ ـ أنشد هذي الأنشودة ـ ـ ـ أحلـّفكم طيعوني ـ ـ ـ كوي من ليلة الحنّي ـ ـ ـ تصيغ هوسة عند الكنّي .
-   الزمان : نظمهُ باللهجة الموصلّية في كرمليس سنة 1951م ومطلعه يقول :
الزمان واويلا من هل زمان ـ ـ ـ خلاّني بأمري محتار وقلبي كل وقت تعبان ـ ـ ـ صعب تلقيلك صديق ـ ـ ـ ينقذك بيوم الضيق .
-   لا تصدّق : نظمهُ باللهجة الموصلّية في كرمليس في 1-5-1951م ومطلعه يقول :
لا تصدّق لا تصدّق ـ ـ ـ أبد كوي لا تصدّق ـ ـ ـ كذب وبلوف لا تصدّق ـ ـ ـ وأحسن كل شئ لا تصدّق .
-   لا تتداخل : نظمهُ باللهجة الموصلّية في كرمليس في 9-5-1951م ومطلعه يقول :
مودة الجديدي هسّعْ ـ ـ ـ أحكيها وأنت إسمع ْ ـ ـ ـ وبشرحا غاح أتوسّعْ ـ ـ ـ قدّامك يا هل مجمعْ ـ ـ ـ هذي هي هل كلمي ـ ـ ـ أرجوك لا تتداخل .
-   كوركيس : نظمهُ باللهجة الموصلّية في كرمليس سنة 1952م وهو منلوج ساخر وينتقد بعض الأمهات لحُبهنّ لأزواج بناتهنّ ( إختانهنّ ) أكثر من حُبهنّ لأولادهنّ ومطلعه يقول :
ربي خليلي كوركيس ـ ـ ـ ربي موتلي كوركيس ـ ـ ـ خلينو بعد رينة ـ ـ ـ ديكون خوقة بيدينا ـ ـ ـ غصب العنـّو يغبّينا ـ ـ ـ ربي خليلي كوركيس .
-   الدولمة : نظمهُ باللهجة الموصليّة في الموصل سنة 1953م بمناسبة دعوته للغذاء على ( أكلة الدولمة ) من قِبل أحد الأصدقاء ومطلعه يقول :
الدولمة ما تعجبني ـ ـ ـ كثيغ أكرها وتكرهني ـ ـ ـ لكن لِمّا ذقتوها ـ ـ ـ بيت ويحد كنعزمني ـ ـ ـ نمتو عليها نومي ـ ـ ـ وتليتو منـّا بطني .
-   البايسكل : نظمهُ باللهجة الموصلّية في كرمليس سنة 1953م وقدمهُ الى مدير معارف الموصل حينذاك المرحوم إبراهيم حسيب المفتي كعريضة لإلغاء أمر نقله وقد تمّ له ما أراد !! . ومطلعه يقول :
حغتو وحيغني زماني ـ ـ ـ أنقل لو أبقى بمكاني ـ ـ ـ يومياً أنزل كيلوين ـ ـ ـ من كثغ مشوي عل غجلين ـ ـ ـ ما عغف أشني النتيجة ـ ـ ـ أبقى لو الله يفرجا .
-   لا تتكبّر الله أكبر : نظمهُ باللهجة الموصلّية في كرمليس في 7-12-1953م وفيه ينتقد البعض لترفعهم وتكبّرهم على من حولهم ومطلعه يقول :
تغشعني كثيغ متعجّب ـ ـ ـ وبعيشتي متعذب ـ ـ ـ على عاداتنا الجركي ـ ـ ـ قلبي دايم يتحسغ ـ ـ ـ لا تكبر الله أكبر ـ ـ ـ يمشي ويعلّي بصدغو ـ ـ ـ ويحسب متأبد عمغو ـ ـ ـ ولمّا تغيد تحيكينو ـ ـ ـ تغشعو كثيغ يتطفـّر ـ ـ ـ لا تكبر الله أكبر .
-   الشره : قصيدة نظمها في المشهدِ الخامسِ من روايةِ " القاضي والبخيل " في 21-12-1953م والمأخوذة عن قصيدة لعنترة العبسي " إذا كشف الزمان " وجعلها هزلية ساخرة وكانت خليط من الفصحى واللهجة البغدادية ومطلعها يقول :
إذا كشفت الجدرية لك القناعا ـ ـ ـ ومدت اليك بوصلةٍ من لحم باعَ ـ ـ ـ فلا تخشى العظم فيها وإنهشها نهشة ـ ـ ـ وأمسك العظم بيدك وكت الدفاعَ .
-   النسوان : نظمهُ باللهجة الموصلّية في كرمليس في 1-1-1954م وفيه ينتقد بعضاً من سلوك بعض النساء ومطلعه يقول :
أغيد أحكي عل النسوان ـ ـ ـ أخلاقم أشكال والوان ـ ـ ـ منم تهتم بأشغالا ـ ـ ـ واللخ تنصبلا ديوان .
-   أهزوجة ( هوسة ) لتمجيد الجيش العراقي نظمها باللهجة البغدادية في كرمليس سنة 1954م ومطلعها يقول :
جيشك يا عراكي لك قوة ـ ـ ـ يولّد عندك همّة ونخوة ـ ـ ـ يحميك دايم من كل بلوة ـ ـ ـ وروحة جدّامك يفديها .
-   تربية الأولاد : نظمهُ باللهجة الموصلّية في الموصل سنة 1955م ومطلعه يقول :
أرجو سترك يا ربي ـ ـ ـ النفخ عذّب قلبي ـ ـ ـ حغتو بأمري يا حاضغين من عالمنا هل المسكين .
-   المودة : نظمهُ باللهجة الموصلّية في الموصل سنة 1955م وفيه ينتقد تمادي بعض النساء في مواكبة الأزياء التي لا تليق بمجتمع الموصل المحافظ ومطلعه .
إستهتارنا قيعذبني ـ ـ ـ وبنيرانو قيتشعلني ـ ـ ـ لبس المودة يا إخوان ـ ـ ـ عند الشابات والنسوان ـ ـ ـ صاغ كثيغ بهل زمان ـ ـ ـ وشكلو الخزي جنني .
-   يوم المرور : نظمهُ باللهجة الموصلّية في الموصل ونُشِرَ في جريدة " فتى العراق " في العدد (1931) في 16-2-1956م ومطلعه يقول :
قانون مرورنا بهل عام ـ ـ ـ حمل أغصان السلام ـ ـ ـ لأهل وطنا الكرام ـ ـ ـ ما أسعدنا يا حاضرين .
-   جولة في سيارة : نظمهُ باللهجة الموصلّية في الموصل ونُشِرَ في جريدة " فتى العراق " في العدد 16-3-1956م ومطلعه يقول :
سيارة ما أقواها ـ ـ ـ بنص الجادة إغشعناها ـ ـ ـ لونا كلّش حلاّها ـ ـ ـ بس ساعتين أجرناها ـ ـ ـ نعمل جولة ببلدتنا ـ ـ ـ هذي الحدبا ولايتنا ـ ـ ـ دنبني نواقصنا ـ ـ ـ ونغشع أسباب راحتنا .
-   التبولي : نظمهُ باللهجة الموصلّية في بغداد سنة 1965م ومطلعه يقول :
التبولي شرفتنا ـ ـ ـ واليوم صاغت ضيفتنا ـ ـ ـ إذاعت مغتي بغبشيي ـ ـ ـ أوامرها اليوميي ـ ـ ـ اليوم دوّغ البغيي ـ ـ ـ وصديقتنا التبولي .



-   الليلة الموصلّية : وصف بعض الأكلات الموصلّية وقد نظمها الأستاذ يقين ونشدها في "ليلية موصلّية" تم إحيائها في نادي المنصور في بغداد في 3-2-1972م والتي حضرها نُخبة كبيرة من أهل الموصل ووجهائها ومنهم المرحوم شاذل طاقة ومطلعها :
آنساتي سيداتي سادتي ـ ـ ـ أوصف لحضرتكم أكلتي ـ ـ ـ كبّي وبرمة وسمبوسك ـ ـ ـ وعغوق تنوغ بذوقك ـ ـ ـ خبز لغقاق محلانو ـ ـ ـ عل السفغا ما ننسانو .
-   غصاصة ( رصاصة ) الشيخ متـّي : نظمهُ باللهجة الموصلّية في بغداد سنة 1973م وفيه يُسلّط الضوء على مغالاة البعض بالإعتقاد المطلق ببعض المعتقدات في علاج الأمراض ومطلعه :
أنا الليلي ما مليح ـ ـ ـ من وجعي قمتو أصيح ـ ـ ـ معغف فساد معدي لولا ريح ـ ـ ـ مغص بطني موتني
-   إسمعوني : نظمهُ باللهجة الموصلّية في بغداد سنة 1973م ومطلعه :
أقص عليكم قصتي ـ ـ ـ وعن أحوالي بعيشتي ـ ـ ـ أشرحلكم حالتي ـ ـ ـ بالله إنتبهوا يا حاضغين .


في نهاية مقالي هذا لا يسعني إلاّ أن أقدم جزيل شكري للمؤرخ الفاضل أزهر العبيدي والأستاذ الموسيقار باسم حنـّا بطرس وكل من سلّط الضوء على أعمال والدي الأستاذ يقين إيليا الأسود ، كما أقدم جزيل شكري للإستاذين غانم كنّي وقصي المصلوب في إسعاف طلبي لبعض المعلومات التي تخص فترة خدمته في كرمليس .
رحم الله مبدعينا الذين غادرونا وقد تركوا لنا تراثاً غنياً نفتخر به ، وأطال الله في عمر من هم على قيد الحياة ولا زالوا يرفدوننا بنتاجاتهم المبدعة .


(1)   هنالك فارق بين تاريخ خدمته سنة 1939م في مدرسة قرية الخضر والدراجي /السماوة والذي أعتمدتُ فيه على مدوّناته في نظمِ المنلوجاتِ وبين التاريخ الحقيقي لتعيينه في سلك التعليم في 21-2-1941م والمثبت في أرشيف مدرسة كرمليس ، والحقيقة وجدتُ من أن المعلومتان صحيحتين إذ تمثل الأولى تاريخ بداية التعيين المؤقت والثانية تاريخ التثبيت على ملاك التربية بشكل دائمي .
(2)   الحقيقة لم أستطع العثور على التواريخِ الدقيقةِ لخدمتهِ في العمادية وقرية الخضر والبساطلية وقرية السيد حمد ، لكنني حددتها بصورة تقريبية من تواريخِ نظمه لمنلوجاته الموثّقة في مخطوطاتهِ .
(3)   بسبب ضيق المساحة ومحاولتي إختصار المقال قدر الإمكان ليتناسب مع إمكانيات النشر إستخدمت الخطوط المتقطعة للفصل بين المقاطع والأبيات ولم أعتمد الطريقة الأدبية والفنيّة الصحيحة وكما كتبها المؤلف ، والحقيقة فأن للأستاذ يقين إيليا نتاجات أخرى كثيرة تحتاج لجهد كبير ووقت أكبر لجمعها وترتيبها ، وسأعمل في المقالات اللاحقة على نشر منلوجاته التي أوردتُ مقاطع منها كلاً على إنفراد لتكون بين أيدي القرّاء الكرام ومحبي التراث .

  
    

    



 
  

144
الأخوان المسلمون وسياسة اللعب على الحبلين

بقلم : سالم إيليا
لقد حققت الإنتفاضة العفوية للشباب المصري منذُ إنطلاقها في الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي وخلال أيامها الأولى من أهدافٍ ما عجزت عن تحقيقه أحزاب المعارضة المصرية مُجتمِعة خلال عقود من الزمنِ ، حيثُ أرغمت الرئيس محمد حسني مبارك وحكومته على تقديمِ التنازلاتِ التي طالما حلمت المعارضة بتحقيقِ جزءٍ يسيرٍ منها منذُ تأسيسها ولحد هذهِ اللحظة .
وقد تفاعلت أحزاب المعارضة السياسية مع إنتفاضة الشباب ولأسبابٍ عديدةٍ أهمها محاولة تبني مطالب الشباب الثائـر وإختطاف النصر الذي حققوه مستغلين عدم وجود قيادة شبابية للتفاوض لتحقيق مطالبهم ، ومن الأسباب الأخرى حجم الإنتفاضة وتفاعل الشارع المصري بمدنهِ وتعاطفه الكامل مع الشبابِ ، إضافة الى صلابةِ موقفهم حد الإستشهاد من خلال التصدي وهُم عزّل لقوات الأمن وإجبارهم على الإنسحاب ، والذي ولّدَ شعوراً لدى المراقبون الدوليون بحجمِ الظلمِ الذي يعاني منهُ الشعب المصري ، إذ سُلّطت الأضواء على ما كان مخفي أو متستر من أخطاءٍ للنظامِ المصري بكلِ مؤسساته الحزبية والحكومية ، مما حدا بالدولِ الكبرى والراعية للسياساتِ الدولية والتوازن السياسي الدولي الى الإعلانِ عن مواقفها المتذبذبة وطرح رُبّما أجندتها وحثّ الحكومة المصرية على الإسراعِ بتنفيذها في المنطقةِ .
لقد حاولت أحزاب المعارضة التقليدية في بدايةِ الأمرِ اللعب على المكشوفِ في الأخذِ بزمامِ المبادرةِ من الشبابِ ، إلا أنّ إرتفاع إصوات الشباب ومن وراءهم غالبية الشعب المصري من انّ الثورة هي ثورة شبابية عفوية غير مسيسة وليس لأحزابِ المعارضةِ أي فضل في إندلاعها مما حدا بتلك الأحزاب على التراجعِ والإنخراطِ كأفراد في تلك الإنتفاضة لكنها بدأت في ذات الوقت في ترتيبِ أمورها للإلتفاف بطريقةٍ أخرى لسرقة هذا الإنجاز .
وقد ظهرت ومنذُ الأيام الأولى لهذهِ الثورة أسماء لأحزابِ معارضةٍ مصريةٍ لها تاريخ طويل وأخرى تشكلت قبل سنوات قليلة وكان من بينها جماعة الإخوان المسلمون التي تأسست كحركة سنة 1928م من قِبل الداعية الإسلامي حسن البنّا في الإسماعيلية ثُمّ ما لبثت أن تحولت الى حزب سياسي سنة 1937م ، وتمّ حظر نشاط الحزب في سنة 1954م لإتهامهِ في محاولة إغتيال جمال عبدالناصر وأستمر الحظر لحد الآن .
والمراقبون لإنتفاضةِ الشباب ودور أحزاب المعارضة فيها يراقبون عن كثبٍ طريقة تعامل جماعة الإخوان المسلمون مع الحدث ، حيثُ رفضوا في بادئ الأمر الإشتراك في الثورة * لكنهم عدلوا عن رأيهم بالنزول الى الشارع ومناصرة الشباب في مطالبهم ، وفي الوقتِ نفسهِ بدأوا بالإعلانِ عن أجندتهم كحزبٍ سياسي يتطلع الى تبؤء السلطة أو على الأقل المشاركة الفاعلة فيها والذي لقيَ الرفض والإستهجان من قِبلِ الشارع المصري مما حدا بجماعة الإخوان التراجع عن أجندتهم وذلك من خلال تصريحاتهم فيما بعد من " أنّ الإخوان ليس لديهم أية نيّة في السيطرةِ على السلطةِ " .
وبعد المقابلة التي أجراها التلفزيون المصري في نهاية الأسبوع الأول للإنتفاضة مع نائب رئيس الجمهورية المُعيّن عمر سليمان وحديثه من أنّ " هنالك بعض من أحزاب المعارضة بدأت فعلاً بالحوار ومنها حزب الوفد وأنّ جماعة الإخوان المسلمون لا يزالوا مترددين في الحوار " وحَثّهِم على المشاركةِ قبل فوات الأوان مِما شجّعَ تلك الجماعة بالضغطِ على الحكومةِ المُتخبطةِ و ( التي لم تصحوا بعد من قوة الصدمة التي أصابتها من جرّاءِ ما حدث ) وذلك بقيام جماعة الإخوان  بإستعراضِ عضلاتهم من خلالِ إنسحاب معظم مؤيديهم من ميدان التحرير لأيامٍ قليلةٍ تحت ذريعة " ليس لدينا أية أهداف في السيطرة على الحكُم " ثُمّ نزول مؤيديهم مرة أخرى بقوة للمشاركة بالمظاهرة المليونية في ما أسموه الشباب بـ " جمعة الرحيل " فأستغلوا الإخوان هذه الدعوة لتمويه السلطة ووسائل الإعلام من أنّ المصلّين جميعهم ينتمون الى الإخوان !! وفي ذات اليوم كانوا يراقبون ما سيحدث من تغيير مع الإستمرار في إتصالاتهم الغير معلنة مع الحكومة للضغط عليها لإنتزاع مكاسب أكثر وأكبر ، حيثُ تُوّجَت تلك الإتصالات ببيان لهم في اليوم الحادي عشر من أيام الثورة الشعبية بالموافقةِ على بدأ الحوار مع الحكومة وبعد أن يئسوا من تحقيق " جمعة الرحيل " لأهدافها بسقوط النظام ورحيل رئيس الجمهورية .
إستهلّ بيان الجماعة بالموافقة على الحوار بالتبريرات المُنَمّقة عن سبب تراجعها عن المطلب الرئيسي للشباب بتغيير النظام ورحيل رئيسه ، إذ جاء فيه :
" إنّ الإخوان المسلمون إنطلاقاً من حرصهم على تحقيق مصالح الشعب كاملة ، وحرصهم على وحدة القوى الوطنية كلها ، وإعترافاً منهم بالدور العظيم الذي قام به شباب الأمة وتضحياته الجليلة في تفجير وإستمرار الثورة المباركة ، ورغبة منهم في الحفاظ على مصالح الأمة ومؤسساتها ومرافقها ، ومن حرصهم على إستقلال وطننا ورفضهم أي تدخل دولي أو إقليمي في شئونه الداخلية ، فقد قررنا الدخول في جولة حوار ـ ـ " !!!
من الملاحظ من إنّ التبريرات الواردة في مقدمة البيان ربما كانت مقنِعة لو أن قرار الدخول في الحِوارِ قد جاء في الأيام الأولى للثورةِ ، أي قبل إستشهاد ما يزيد على 300 متظاهر وإصابة أكثر من 5000 آخرين برصاص قوات الأمن و " بلطجية " النظام ، وكذلك قبل أن يحدث ما حدث من سرقة وتخريب وإحراق للبنى التحتية ومنشأتها الحيوية وآخرها تفجير أنبوب الغاز في العريش وخسارة الإقتصاد المصري المُنهار أصلاً لأكثر من 15 مليار دولار أمريكي .
وفي لقاء لإحدى القنوات الفضائية مع د. محمد مرسي أحد الأعضاء البارزين في جماعة الإخوان ، حاول مرسي المراوغة والتبرير لقرارهم في الحِوار مع الحكومةِ وذلك بقولهِ " نحن ما زلنا مع الإرادة الشعبية " وعندما قاطعه مقدم البرنامج بسؤالهِ من أن الإرادة الشعبية واضحة في مطلبها الرئيسي وهو " لا حوار قبل رحيل رئيس الجمهورية " والذي لم يتحقق بعد ، أجاب د. محمد مرسي بجواب ساذج وغير مُقنِع  من أن الإخوان " لهذا السبب ذهبوا للتحاور مع الحكومة " !! أي إنهم ذهبوا ليطلبوا من عمر سليمان أن يتنحى الرئيس عن منصبه والمرفوض أساساً هذا المطلب من المفاوض الحكومي ، كما وإنهم نكثوا بوحدة القوى الوطنية التي إتخذوها كذريعة لتبرير قرارهم بالتحاور مع الحكومة من خلال تخليهم عن دعمهم للشباب الثائر وعن بعض قوى المعارضة والتي لا تزال تطالب بإسقاط النظام ورحيل رئيسه .
وحيثُ أن الإنتفاضة الشبابية والشعبية في مصر لا تزال مستمرّة وصامدة بنقاءها الوطني ، فإننا ربما سنرى في الأيام القليلة القادمة مساومات وإتفاقيات بين بعض من أحزاب المعارضة الرئيسية والحكومة على حساب ممن قاموا بهذه الإنتفاضة ومِن وراءهم الشعب المصري ، وعندها سينكشف أمر تلك الأحزاب التي ما بَرِحَت تستخدم الشعارات المزيفة لإثارة الشارع المصري ولكن في حقيقتها ما هي إلاّ هياكل كارتونية لم تصمد أمام إغراءات الحكومة ووعودها لأكثر من إسبوع واحد فقط منذُ إنخراطها سياسياً في دعم الثورة الشبابية وهذا ما تسعى اليه الحكومة ونائب رئيس جمهوريتها المخضرم في أجهزة المخابرات والإستخبارات العسكرية للإيقاع بتلك الأحزاب سواء أكانت ليبرالية علمانية أم راديكالية دينية وكشف زيف شعاراتها وإدعاءاتها أمام الشعب المصري ، حيثُ سيستخدم النظام وبما عُرف عن رموزه من دراية وحنكة سياسية ورقة التوت التي إنتزعها الشباب الثائر عن أحزاب المعارضة لصالحهِ .       

*ذكر د. صبري حافظ الكاتب المصري ورئيس تحرير مجلة " الكلمة " في لقاءٍ معهُ على إحدى القنوات الفضائية :
" إنّ الإخوان المسلمون معروفون بإنتهازيتهم ، حيثُ رفضوا المشاركة في بداية الأمر في هذهِ الإنتفاضة ثُمّ عدلوا عن رأيهم بعد شعورهم بأن القطار سيفوتهم ، ثُمّ تكتيكاتهم يومَ (جمعة الرحيل ) ودعوتهم لصلاة الجُمعة لبيان قوتهم ، مما حدا بشباب الإنتفاضة تحديهم للإخوان المسلمين بإرسال رسالة عملية من ميدانِ التحرير لهم بقولهم إنّ صلاة الجمعة لا تعني إنتماء كافة المصلّين لجماعة الإخوان ، ولهذا أقام الشباب قداس وصلاة الأحد في ميدان التحرير ، حيثُ شاركت فيه جموع الشباب من المسيحيين والمسلمين والمُقدّرة بمئاتِ الآلآفِ من المتظاهرين " .

   

145
لقاء مع سيادة المطران مار عمانوئيل يوسف مطران أبريشية كندا لكنيسة المشرق الآشورية/ 2


أجرى الحوار : سالم إيليا

كُنتُ قد نشرت قبلَ أيام معدودات الجزء الأول من اللقاء الذي كُنتُ قد أجريتهُ مع سيادة المطران الجليل مار عمانوئيل يوسف راعي إبريشية كندا لكنيسة المشرق الآشورية وأكمل اليوم نشر الجزء الثاني والأخير .
ثم إنتقلتُ لسؤاله عمّا إذا كان هنالك أية فعالية أو خطة للكنيسة لدعم المهاجرين وخاصة القادمين الجدد الذين تركوا وطنهم بشكلٍ مفاجئ تاركين وراءهم ممتلكاتهم ووظائفهم وجامعاتهم وهُم بأمسِ الحاجةِ لكنيستهم وهل هنالك تنسيق مع الرعية لعمل لجان خاصة بهذا الشأن ؟ فتحدث سيادته قائلاً
ـ هذا السؤال ربما الأصعب من بين الأسئلة ، فالكنيسة بالطبع لا تعارض الهجرة لِمنْ تتعرض حياتهم للخطر ، حيثُ أصبح واضحاً للعالم أجمع من أننا نواجه في العراق عمليات تهجير وإبادة جماعية وإنّ حياة مئات الآلاف من أبناء شعبنا معرضة للخطر . كذلك من جهة أخرى فإنّ الكنيسة لا تشجّع على الهجرة وإفراغ العراق والشرق من سكانه الأصليين ، لِذا فقد تركت الكنيسة هذا القرار لأصحاب الشأن ولكل فرد من أبناء شعبنا قراره ورأيه الخاص فهو الأعرف بما يحيطه .
كما وإنّ الدعوة الى الهجرة من عدمها تعتمد على الكثير من الحقائق ومنها مصدرها أكان من داخل الوطن أم خارجه .
ـ وقد تداخلت مع سيادة المطران لتوضيح هذه النقطة قائلاً : هل تقصد بأنّ طلب البقاء والصمود داخل العراق من الأفضل أن يأتي على لسان من هُم في الداخل من أبناء شعبنا لأنهم الأعرف بمجريات الأمور وهم في الحقيقة أصحاب المعاناة بالدرجة الأساس ، إذ ليس من الإنصاف أن نطالب نحنُ المغتربون والذين نعيش في بلدان المهجر بشكلٍ طبيعي من هُم في الداخل على البقاء وإنتظار المجهول مما قد يصيبهم ـ ـ ـ طيب ماذا عن الذين يقررون الهجرة فهل ندعهم يواجهون المصاعب بمفردهم خاصة وإنّ معظمهم لديهم عوائل كبيرة معظم أفرادها من الأطفال والمسنين ـ ـ ـ اليس من الواجب مساعدة هؤلاء في دول الجوار التي يلجأوا اليها كخطوة أولى مثل سوريا والأردن ولبنان وتركيا ؟ فأجاب قائلاً
ـ  المفروض على الكنيسة مساعدة مَنْ قرر الهجرة وذهب الى دول الجوار في إنتظارِ تكملة الطريق الى الدول المضيفة أي دول اللجوء ، ولكن هنالك مشكلة أخرى تواجه الكنيسة وحسب خبرتها السابقة في هذا المجال ، إذ أنّ مساعدة مئة عائلة على سبيل المثال موجودين في دول الجوار على المطاولة لحين حل مشكلتهم والتوجه الى بلدان اللجوء سيعطي الضوء الأخضر وسيشجع مئات العوائل من داخل العراق على الهجرة أيضاً وبالنتيجة سنواجه حالة لا تستطيع الكنيسة بإمكانياتها المُتاحة مد يد المساعدة لهم ، علاوة على ذلك ستكون هذه المساعدة بمثابة دعوة عملية من الكنيسة على تشجيع الهجرة وإفراغ العراق من مسيحييه .
ـ فتداخلتُ معهُ مرة ثانية موضحاً : أفهم من حديثك سيدي الجليل من أنّ الكنيسة أمام معادلة صعبة للغاية ،إذ أنّ قرارها بمساعدة من قرر الهجرة سيفتح الباب وسيشجع مَنْ تبقى من أبناء شعبنا في الداخل على إتخاذ قرار الهجرة أيضاً وهذا يتقاطع مع توجهات وهدف الكنيسة في محاولةِ عدم إفراغ العراق من مسيحييه ، كذلك الكنيسة الآن ( وأنا أويدك على ذلك ) في موقف حرج لأنها عاجزة عن حماية أبناءها والتخفيف من معاناتهم ولكن في المقابل هل هنالك خطة للكنيسة على الضغط بطريقةٍ ما دولياً وإقليمياً ومحلياً لإيقاف العنف ضد مؤمنيها داخل الوطن ؟ أجاب سيادتهُ
ـ بالطبع فإنّ رسالة الكنيسة واضحة في لقاءاتها مع السياسيين العراقيين وهنالك لوم وضغط مستمرين موجَهَين الى رؤساء الحكومة ومسؤوليها ومطالبتهم بفعلٍ على الأرض وليس فقط إطلاق الوعود والتصريحات السياسية والتنديد بالأعمال الإجرامية التي تطال أبناء شعبنا .


ـ أعود سيدي المطران الى سؤالي عن مدى تنسيق الكنيسة مع رعيتها لتأليف لجان خاصة لمساعدة القادمين الجدد وتسهيل عملية إندماجهم وتأقلمهم مع المجتمع الجديد في المهجر مع مراعاة إستمرارهم في التواصل مع تقاليدهم وتراثهم ؟ أجابني مشكوراً
ـ ربما طبيعة السؤال تفرض الإجابة عليهِ بصورة محددة دون الأخذ بالعموميات ، لِذا سأحاول التطرق في معرض إجابتي بشكلٍ محددٍ عن كنيسة المشرق الآشورية وإبريشيتها ومقرّها في أستراليا ، حيثُ كان لها دوراً كبيراً في تسهيل هجرة الكثير من المسيحيين الى إستراليا وبالتنسيق مع وزير الهجرة في إستراليا ، أما في كندا فقد دأبت الجمعية الخيرية الآشورية ( والتي كانت الكنيسة أحد المؤسسين لها في السابق قبل أن تصبح جمعية مستقلة ) على مساعدة القادمين الجدد .
ومما تجدر الإشارة اليه من إنّ معظم الذين وفدوا كمهاجرين الى كندا في الثمانينات وحتى منتصف التسعينات من القرن الماضي من كلدان وآشوريين كان عن طريق هذه الجمعية ، لِذا فإنّ الكنيسة الآن لا تحاول التدخل في عمل هذه الجمعية والتي تقوم بواجباتها ومهامها بغض النظر عن الإنتماء القومي للمهاجر ، كما أنّ للكنيسة وكما أسلفتُ موقف معارض من إفراغ العراق من مسيحييه .          

ـ إذاً سؤالي التالي هو : هل تؤيد يا سيدي الجليل ما يقوم به أبناء شعبنا وخاصة المتواجدين منهم في المهجر من فعالياتٍ مختلفةٍ من إحتجاجاتٍ حضاريةٍ ومسيراتٍ سلميةٍ وإرسال رسائل الى برلماناتِ العالم ورؤساء حكوماتها للضغط على من يعنيهم الأمر لإيقاف العنف ضد المسيحيين العراقيين بشكلٍ خاصٍ ومسيحي الشرق بشكل عام ؟ أجاب مار عمانوئيل يوسف قائلاً
ـ نعم نحنُ نؤيد هذه الفعاليات لإرسال رسائل سلام وشرح ما يواجهونه إخوانهم في الداخل ولكن هنالك مشكلة وهي لِمن تحتج !!! خاصة وإنّ التواجد الأمريكي والبريطاني في العراق لا يدع مجال للشك من أنّ العالم بأجمعه يعلم بما يحدث لنا إذ أنّ هاتين الدولتين تمتلكان أكبر شبكة إعلامية في العالم وإنهما على إطلاع تفصيلي ودقيق بما يجري في العراق إذ أنّ أي خبر حتى ولو كان صغيراً ينتقل في غضونِ دقائقٍ معدودةٍ الى أبعد مستمع في العالم .



ـ وتداخلتُ في كلامي معقباً على هذا الجواب قائلاً : سيدي الجليل ما عرفناه نحنُ المغتربون الذين نعيش في هذه البلدان من أنّ أية قضية سواء أكانت داخلية أم خارجية لا يعيرونها المسؤولون الحكوميون أي إهتمام ما لم تتحول الى قضية رأي عام ، لِذا فهل تتفق معي من أنّ هذه الإحتجاجات تفتح الباب على مصراعيه لزيادة الإهتمام والضغط الدوليين بشأن ما يحدث لنا داخل العراق لِذا فمن الضروري الإستمرار وتوسيع هذه الفعاليات السلمية وبهذه المناسبة علينا جميعاً أن نشكر كل من يتعاطف معنا من مسيحي الشرق والمنظمات الإنسانية الدولية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في كل بلدان العالم وأخص بالذكر المنظمات الإسلامية وجميع الشعوب الإسلامية وبصراحة أكثر فإنه من الملاحظِ بعد الهجمة الأخيرة على كنيسة سيدة النجاة وإزهاق أرواح الأبرياء بتلك الطريقة الوحشية وقف العالم بكل قومياته وأديانه ضد هذا العمل البربري وقد شاهدنا وسمعنا بعشرات الفعاليات التي قام بها كتـّاب وشعراء وفنانين ورجال دين مسلمين للضغط وتقويض هذا الظلم والإجرام .
وسؤالي الأخير سيدنا الجليل هل تؤيدني في القول من أنّ الحال لو إستمر لِما هو عليه الآن من تهجير وإقصاء فإننا سنفقد هويتنا القومية وحتى إنتماءاتنا المذهبية الدينية بعد قرن أو قرنين من الزمن بأبعد إحتمال ؟
فأجاب
ـ من الصعب التنبأ بما سيحدث وكما يُقال " الله أعلم " ولكن هنالك ثوابت ومؤشرات من الممكن الإستناد عليها وتخمين النتائج ، فالجميع مُتفق على أنّ الهجرة هي نزيف دائم وإذا إستمر الحال على هذا المنوال فسيفرغ العراق من مسيحييه وشعبه الأصيل . كما أنّ الجميع يتفق معي على ما أظن من أنّ البيئة التي كنـّا نعيش فيها في وطننا ساعدت كثيراً على إستمرار التواصل وتعزيز أواصر الرابط القومي والديني . وطبيعة الحياة ووتيرتها وإيقاعاتها هنالك تختلف عمّا هو قائم في بلدانِ المهجرِ .
كذلك لبلدان المهجرِ قوانينها الخاصة والتي تحتم على المُهاجر الإندماج والإنصهار في بوتقة المجتمع الجديد ، ولكن يبقى شئ واحد مهم هو إرادة ورغبة المهاجرين في التمسك بتراثهم وخصائصهم ومحاولة فرض التوازن بين الإندماج في المجتمعِ الجديدِ مع الإحتفاظِ بالخصوصياتِ الإثنية والدينية التي إنحدروا أو جاءوا منها .


 

ـ شكراً جزيلاً سيادة المطران مار عمانوئيل يوسف مطران أبريشية كندا لكنيسة المشرق الآشورية ونتمنى لكم طيب الإقامة في أدمنتن وسلامة العودة ، كما نتمنى إستمرار هذه الزيارات الرعوية وإني أتطلع الى توجيه كلمة أخيرة الى القرّاء ؟
ـ أشكركم كثيراً أخي سالم على هذا الحوار وأتمنى أن أكون قد وفقـّتُ في إيصال ما أريد إيصاله لجميع أبناء شعبنا من خلال هذه الأسئلة النوعية ، كما وأتمنى لجميع أبناء شعبنا المسيحي أينما وِجد وخاصة داخل العراق السلام والأمان وأن نكون متحدين مع بعضنا البعض وهي رسالة الى جميع العراقيين .
وكمسيحيين فإنّ المسيحية بطبيعتها هي رسالة محبة وسلام لكل أبناء البشر وهي بالدرجة الأساس موجهة الى محبة الطرف الآخر إذا كان مسلماً أو أياً من الديانات الأخرى .  




146
لقاء مع سيادة المطران مار عمانوئيل يوسف مطران أبريشية كندا لكنيسة المشرق الآشورية/ ا


أجرى الحوار : سالم إيليا
في بداية لقائي هذا أرحب بسيادة المطران الجليل مار عمانوئيل يوسف مطران أبريشية كندا لكنيسة المشرق الآشورية في أدمنتن عاصمة إقليم البرتا الكندي، فأهلاً وسهلاً بسيادة المطران بين أبناء رعيتهِ .
ردّ سيادتهُ كلمة الترحيب قائلاً :
شكراً جزيلاً وإنني أرحب بلقاءكم والحديث اليكم ومن خلالكم لجميع القرّاء من أبناء شعبنا أينما وجدوا داخل الوطن أم خارجه .
ـ إذناً سؤالي الأول سيدي الجليل : هل هذه الزيارة هي الأولى لمدينة أدمنتن أم كانت هنالك زيارات سابقة وما هي الأقاليم التي شملت زيارتك الحالية ؟ فأجاب سيادته
ـ بالطبع كانت لنا زيارات سابقة لإقليم البرتا وكانت أول زيارة لنا حسب ما أتذكر في سنة 1991م وشملت مدينتي أدمنتن وكالكري .
أما بالنسبة لزيارتنا الحالية والتي تأتي متزامنة مع عيدي الميلاد ورأس السنة المجيدين حيثُ توجهنا من مدينة تورنتو بعد الإنتهاء من إقامة قداسي الميلاد بصحبة الشماسين خالد وسامي مباشرةً الى مدينة فانكوفر في أقليم بريتش كولومبيا في أقصى الغرب الكندي وأقمنا هنالك قداس العيد أيضاً لأبناء الرعية وقمنا بخدمات أخرى بمناسبة تواجدنا هنالك حيثُ أقمنا مراسيم العماذ لأحد أطفال الطائفة ثم توجهنا بعد ذلك الى أقليم البرتا وأقمنا قداس في مدينة أدمنتن لأبناء الرعية حيثُ إنظمّ الينا الشماس يوخنا ريحانة لخدمة القداس في أدمنتن الذي أقيمِ في اليومِ الأولِ من السنةِ الجديدةِ 2011م .
ـ شكراً سيادة المطران وسؤالي الثاني هل نستطيع القول إنّ الكنيسة تعتبر العمود الفقري للجسد المسيحي بمختلف قومياته وخاصة في الشرق وتحديداً في العراق وفي هذا الظرف بالذات ؟ ردّ مار عمانويل قائلاً :
ـ بالطبع بالنسبة لنا كمسيحيين عراقيين ومع إختلاف تسمياتنا لكن المسيحية توحدنا وجميعنا نفتخر بإنتماءنا المسيحي ولنا جذور تاريخية عميقة تؤكد أصالتنا في بلدنا العراق والمسيحية دخلت الى العراق في القرن الأول الميلادي وإعتنقها السكان الأصليون الذين نحن إمتداداً لهم وجميعنا بكل تسمياتنا ننتمي الى كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية وبمعموذية واحدة ونؤمن بأسرارها ، وهذا الإنتماء مشترك بين جميع المسيحيين على الرغمِ من إنّ هنالك بعض الخلافات القليلة والبسيطة والتي لا تؤثر على جوهر الإنتماء المسيحي لنا والأهم من ذلك إننا متحدون جميعاً بجسد المسيح الذي هو رأس الكنيسة .
ـ أنتقل الى سؤال آخر سيدي المطران : ما هو رأي الكنيسة فيما يحدث الأن من تهجير وتنكيل لشعبها المسيحي في العراق ، وهل تفاجأ رجال الدين بهذا المصاب أم كان لديهم تصوّر مسبق لِما يحدث الآن نتيجة التغيير السياسي الذي حصل ؟ أجابني مشكوراً


ـ ما يحدث الآن في العراق شيء مؤسف كثيراً ، فالكنيسة بالطبع كان لديها تصوّر من تجارب سابقة عبر التاريخ ، حيثُ مورس على مؤمنيها إضطهادات في أزمنة مختلفة ولكننا كنّا نتمنى أن لايحدث ما حدث خاصة لنا كمسيحيين عراقيين إذ أنّ المشاعر والأحاسيس الإنسانية قد تطورت وتعمقت أكثر بين سكان الكرة الأرضية في القرن العشرين وبداية القرن الحالي ، وحيثُ أثبتنا إنتماءنا وإخلاصنا لوطننا العراق وشاركنا على مر العصور ببناءه وتقدمه في كل الميادين ، كما وإننا كمسيحيين لم نتوقف أبداً عن عكس رسالتنا الإنسانية في بث روح المحبة والتسامح لكل الذين يشاركوننا العيش في بلدنا والتي نادت بها كل الأديان السماوية وكان قاسمها المشترك هو السلام والمحبة والتسامح بين البشر أجمعين ، لِذا ترانا ننبذ العُنف والإرهاب بكل أشكالهِ وصورهِ ومن أيةِ جهةٍ كان .
ـ  سؤالي التالي يدور حول كنيسة المشرق الأشورية والتي تُعتبر من أقدم الكنائس الرسولية المشرقية إن لم تكن أقدمهم على الأطلاق ومنها إنبثقت الكثير من الكنائسِ الشقيقة الأخرى ، فهل يشعر سيادة المطران بأنه لا يزال هنالك ترابط قوي بين كل هذه الكنائس مع كنيسة المشرق الآشورية وخاصة الإشتراك في الأفخارستيا وسر تقبل القربان المقدس ؟ وكان جواب سيادة المطران
ـ كنيسة المشرق الآشورية هي من أقدم الكنائس الرسولية المشرقية والتي نُعِتت بهذا الإسم لوقوعها شرق الإمبراطورية الرومانية وداخل حدود الإمبراطورية الفارسية .
ولكنيسة المشرق الآشورية تاريخ طويل وكبير ، فقد حدثت بعض الإنقسامات الكنسية وفي أزمنة مختلفة وهي إنقسامات مؤسفة لأنّ المسيح أسس كنيسة واحدة إنجيلية رسولية أي إنها كنيسة جامعة عالمية ، لِذا فإنّ نظرة كنيسة المشرق الآشورية الى شقيقاتها الكنائس الأخرى هي نظرة إرتباط جوهري وإن الإنقسامات التي حدثت هي إختلاف وجهات نظر ولإسباب سياسية وليست إختلافات جوهرية لاهوتية .
ـ أنتقل سيدي المطران الى السؤال عن وضع المؤمنين في المهجر ، فكما تعلم ليس من السهولة إقامة أو بناء كنيسة لكلِ طائفةٍ في كل مدينةٍ من مدنِ المهجر خاصة وإنّ عدد المؤمنون قليل مقارنةً بداخل العراق ، لذا جرى الإتفاق بين جميع الكنائس للطوائف المسيحية المشرقية على السماح لمؤمنيها بحضور القداديس للمذاهب الأخرى وتناول القربان المقدس إذا تعذّر وجود كنيسة لهم في تلك المدينة ، فما هو تعقيبك على ذلك ؟ فأجاب مشكوراً
ـ رأيي هذا ليس رأياً شخصياً وإنما هذا التوجه يأتي من صلب الإيمان المسيحي ، فالمسيحية الحقيقية هي الإيمان التام بمبدأ الشراكة والإتحاد التام معاً وتحت مظلّة الإيمان بالرب يسوع المسيح ومن هذا المنطلق تكلل الحوار بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الكاثوليكية في سنة 1994م على أن تقوم أياً من هاتين الكنيستين بالخدمات الكنسية واللاهوتية لأبناء رعيتهما في أي مكان في المهجر أو أي مكان آ خر إذا تعذّر وجود كنيسة خاصة بأحدهما في ذلك المكان .
والحقيقة نرى هذا التوجه مطبقاً الآن وبشكل مفرح في أدمنتن وفانكوفر وفي أماكن كثيرة في العالم ، وقد شجعنا ونشجع الآن أبناء الطائفة للذهاب الى الكنائس الشقيقة وخاصة الكنائس الكلدانية والكنائس الرسولية الآخرى في حالة تعذّر إقامة القداديس بفترات قريبة ودورية من قِبلنا وأعتقد بأنّ هذا التوجه قائم من قبل الكنائس الشقيقة الأخرى بتشجيع أبناء طوائفها لذات الشئ .
ـ لأخرج قليلاً سيدي المطران من نطاق العلاقة بين الرعية وكنيستهم وأنتقل الى موضوع التجاذبات بين بعض العلمانيين من مختلف القوميات والإنتماءات الأصيلة للشعب المسيحي في العراق والتي ولـّدت بعض المماحكات والحساسيات وردود الأفعال فيما بينهم ووسعت الفجوة بين آرائهم مما سهل لبعض الأطراف المستفيدة والمتربصة على الإنقضاض على الشعب المسيحي في العراق وتنفيذ مخططاتهم لإفراغه من مكوّنه الأصلي ، فما قول الكنيسة في هذا الشأن ؟ فكان رد سيادته


ـ بالطبع للعلمانيين أفكارهم الخاصة بهم ولكننا كشعب مسيحي أصيل في العراق نعيش وقتاً صعباً وحساساً ، لِذا فمن المفترض أن نكون أكثر إتحاداً وقـُرباً من بعضنا البعض ويجب أن نضع المحبة التي أوصى بها سيدنا يسوع المسيح نصب أعيننا ولتكن هذه المحبة فيما بيننا رسالة الى الطرف الآخر وعليه فمن المفترض التوقف عن أياً من المقالات الجارحة أو تلك التي تثير المشاعر للبعض من هذا الطرف أو ذاك ، بل على العكس تماماً يجب على المثقفين والمهتمين بالإنتماء القومي من جميع الأطراف التركيز في مقالاتهم وأدبياتهم على المحبة ووحدة المصير وإثارة النخوة لرص الصفوف لمواجهة التحديات في هذا الزمن الصعب وكما يقال فإننا جميعاً نبحر في قاربٍ واحدٍ ، إذا تعرض للخطر لا قدّرالله فإنّ الجميع سيواجهون نفس المصير .
ـ فقلتُ معقباً : إذاً سيادة المطران هذه رسالة واضحة ودعوة الى جميع الفرقاء لتوحيد الكلمة وكذلك هي رسالة لجميع الناشطين القوميين على أن يعوا هذه المسألة الخطيرة .
إنتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني من المقابلة


147
بطاقة تهنئة متأخرة لشهداء كنيسة سيدة النجاة


بقلم : سالم إيليا
لم أكن أرغب في كتابةِ أي مقال أو أية كلمة بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة المجيدين وعدم رغبتي هذه نابعة من التخبطِ في أفكاري وعدم إستطاعتي لملمة وتجميع مفردات كلماتي لصياغتها بمقالٍ يوازي حدث ولادة المُخلّص ومبعوث السلام الأول في العالم ـ ـ ـ فالعالم من حولي يغلي والتكتلات القطبية وروائح الحروب الساخنة والباردة قد أزكمت الأنوف ، وحتى على مستوى الإحساس الإنساني للفرد في المجتمعات التي يحتضنها هذا العالم باتت ميّتة لا حياة فيها حتى لِمنْ يَمُسّهم الحدث من قريبٍ ، فالكل يسعون لإنقاذ حياتهِم بالطريقةِ التي يعتقدونها هي الأصلح لأنفسهم ـ ـ ـ فماذا يعني إستشهاد خمسون أو أكثر من النفوسِ البريئةِ من مختلفِ الأعمار والأجناس داخل صومعة السلام والهداية والصلاة الى الرب وبطريقة لا يُمكن مقارنتها حتى بأكثر الطرق البربرية والوحشية منذُ بدأ الخليقة ومنذُ قتل قابيل أخاه هابيل ـ ـ ـ عادي جداً ـ ـ ـ دعونا نحتفل ولِتصدح الأغاني وتُقرع كؤوس الخمر مع بعضها البعض ولِتتمايل الأجساد طرباً ولِنتبادل القُبل والتهاني ـ ـ ـ فقد ولِدَ المُخلّص ـ ـ ـ ولِدَ إبن الإنسان لنشر السلام الذي يُذبح الآن على مذبحِهِ ـ ـ ـ عادي جداً ـ ـ ـ لا تُعقـّدوا الأمور ـ ـ ـ فالآتي ربما سيكون الأكثر وحشيةً وبربريةً ـ ـ ـ دعونا نعيش يومنا هذا ولا تقلقوا بالنا ـ ـ ـ هكذا أصبحنا وهكذا قد أصبح العالم الذي بات يُبحر على ظهر مركب تتقاذفهُ أمواج اليَم ـ ـ ـ والشاطر فينا من يستطيع إنقاذ نفسه !!! ولننسى الطفل آدم ذو السنوات الثلاث الذي صرخَ ولأكثر من ساعتين بوجوه قتلة السلام ـ ـ ـ كافي ـ ـ ـ كافي ـ ـ ـ ولِننسى الطفلة ساندرو إبنة الأربعة أشهر التي ما برحت تُعبّر عن إحتجاجها بالبكاء لأنها لم تكن لتستطيع النطق بما نطق بهِ آدم لطراوة عضلات لسانها التي لم تكتمل بعد ـ ـ ـ  عادي جداً ـ ـ ـ لنقيم الصلوات ولكن ليس عن أرواح الضحايا ـ ـ ـ بل نقيمها لكي يكتمل إحتفالنا بمجئ المخلص ـ ـ ـ فطقوس أعياد الميلاد مقدسة ولا يُمكن تجاهلها أو الغاء البعض منها ـ ـ ـ فالمُخلّص فوق الجميع ـ ـ ـ فوق آدم وساندرو وكل الضحايا ـ ـ ـ هذه هي حُججنا وهذه هي ورقة التوت التي نستر بها عوراتنا وما أكثرها ، فقد لا تكفينا أوراق أشجار التوت في كل المعمورة لسترها وحجبها عن أنظار المتطفلين والمتربصين .
فعذراً أيها الملك آدم ـ ـ ـ وعذراً أيتها الملكة ساندرو فقد كنتما أشجع منـّا جميعاً ـ ـ ـ حيثُ وقفتما بوجه قتلة المسيح رسول السلام ونطقتما بما كان يجب علينا أن ننطق به جميعاً ـ ـ ـ كافي قتل ـ ـ ـ كافي الم ـ ـ ـ كافي ظلم ـ ـ ـ كافي دمار وخراب ، ولقد إحتفلتما وأقمتما طقوس عيد الميلاد على طريقة سيدكما الذي سبقكما وجلس عن يمين الآب السماوي وها أنتما تلحقان به مع طابور الشهداء بعد أن أسكتت أفواهكما رصاصة الشر والحقد المنطلقة ببارود التكبير لله تعالى .     

148
مبادرة طيبة لجمعية مار يوسف العراقية في أدمنتن/ كندا

بقلم:سالم إيليا

يبدو بأنّ المقال الذي كُنتُ قد كتبتهُ حولَ مأساة كنيسة سيدة النجاة قد بدأ يعطي ثمارهُ الطيبة بينَ أوساط أبناء شعبنا والذي كُنتُ قد طرحتُ فيهِ بعض الظواهر السلبية للبعض القليل من أبناء شعبنا أو تجمعاتهم حول إستمرارهم في إقامة حفلات أعياد الميلاد ورأس السنة المجيدين .
وحيثُ إنني لم أكن أعني أي تجمع أو شريحة معينة بذاتها حين طرحي لهذه الظاهرة وإنما تكلمتُ عنها بشكلٍ عامٍ لتشمل من هم داخلِ الوطنِ أو خارجهِ وهذا هو هدفنا عندما نمسك بأقلامنا لحثِ البعض على الإرتقاءِ الى مستوى المسؤولية والحدث الذي نمُرّ بهِ .
فالكتابة مسؤولية خطيرة ومهمة وعلى مَنْ يقرر الدخول فيها أن يكون أميناً وصادقاً في عكسِ آراء الشارع ونبضات قلوب عامة الشعب ومعاناتهِ بالصيغة التي تؤشر الخطأ من دون تجريح أو محاولة النيل من بعضِ التجمعات أو الأفراد فهم في التالي أهلنا وناسُنا وما يؤشر عليهم سلباً أو إيجاباً ينعكس علينا جميعاً ، لِذا فمن واجبي أن أعكس الفعل الإيجابي عندما يشعر هذا الطرف أو ذاك بتقصيره في مجالٍ معينٍ ويعيد حساباته على أساس مصلحة الجميع وفائدتهم وبنفس القوة والمستوى الذي عكستُ فيه الفعل السلبي وهذه هي الأمانة والأخلاقية التي يجب أن يتسم بها الكاتب عندما يُمسك بقلمهِ .
لقد إستلمتُ من خلال بريدي الألكتروني رسالة من جمعية مار يوسف العراقية في أدمنتن/ إقليم البرتا في كندا يشعرني كاتبها على أنّ إدارة الجمعية قررت إرسال أرباح حفلتها التي أقيمت بمناسبة الأعياد الى إحدى الجمعيات الخيرية الكندية والتي تعنى بشؤون اللاجئين المسيحيين العراقيين في كلٍ من لبنان وسوريا والأردن .
ولكون معظم الجمعيات العراقية المسيحية حول العالم كانت قد تفاجئت بما حدث في كنيسة سيدة النجاة وبعد تعاقدها مع صالات وفنادق كبيرة لإقامة حفلاتها السنوية ودفعت المقدمة (العربون) وطبعت بطاقات الدعوة وتعاقدت مع الفرق الغنائية لإحياء حفلاتها فقد وَجَدَتْ نفسها في موقفٍ يُصعبُ فيه الغاء حفلاتها أو رُبما تأجيلها ، لِذا قررت جمعية مار يوسف في أدمنتن إرسال أرباح حفلتها السنوية الى إحدى الجمعيات الخيرية الكندية لإثبات حُسن النيّة وهذا موقف يؤشر لها بالإيجاب وأملي أن تحذو حذوها بقية الجمعيات والتجمعات المسيحية العراقية في أرجاء المعمورة لمساندة إخوانهم وأهلهم مِمن تركوا وراءهم ديارهم وممتلكاتهم وفرّوا الى المجهول ، كما أتمنى على جميع الجمعيات التي تقرر هذا الفعل النبيل أن تعلن وأمام الملأ عن مقدار المبالغ التي تبرعت بها مع الوصولات وذلك لقطع الطريق أمام التأويلات والأقاويل التي قد تشكك بهذا الواجب الأخوي والإنساني ، كما دعت الجمعية أعضائها وبقية أبناء الجالية على التبرعاتِ الفرديةِ سواء كان ذلك من خلالها أو بشكلٍ مباشرٍ الى تلك المنظمة الإنسانية(CNEWA CANADA) ، علماً بأنني على علمٍ من أنّ قسماً لا يستهان به من أفراد الجالية من ميسوري الحال لديهم القدرة المالية على التبرع السخي دونما يؤثر ذلك على نِمط المعيشة والحياة التي يعيشونها وليبارك الرب بنِعَمِه عليهم إذ أقدموا على ذلك فـ " بالكَيْلِ الذي بهِ تكيلونَ يُكالُ لكُم وتزادونَ " مرقس ف4 :24 .
فالشعور بوحدة المصير هو أسمى وأرفع معاني التعايش الإنساني والأخوي بين أبناء الطائفة الواحدة أو الدين الواحد أو الوطن الواحد ، لا أن يأتينا أحدهم ليقول " يعني شنسوي حادث وصار " ويقصد على ما حدث في كنيسة سيدة النجاة ـ ـ ـ أقول لهذا الأخ في الدين وفي الإنسانية ، إنّ ما حدث في كنيسة سيدة النجاة رَقـّتْ لهُ القلوب المُتحجّرة في العالمِ أجمع ووقف العالم على قدمٍ واحدةٍ لهولِ المأساةِ ولو كانَ أحد أفراد عائلتكَ لا سامح الله أو كل أفراد عائلتك من الضحايا لكنتَ ستقول لنا نفس الكلام أم كنتَ ستصرخ بنا جميعاً للوقوف معك ومساندتك في مصيبتك !!! .
وما دُمنا في مجال الصالح والطالح ، فقد هزّني موقف كُنتُ أحب أن لا أتطرق اليهِ ولكن حرصي على عدمِ تكرارهِ في أي بقعة من العالمِ يتواجد عليها أبناء شعبنا جعلني أقرر التنويه عنهُ دون ذكر الأسماء مِمن يُعنيهم الأمر ؟ فقد دعاني قسم من أبناء شعبنا مشكورينَ لِمشاركتهم في مقابلةِ سعادة سفير الجمهورية العراقية حينَ زارَ مدينتنا لطرحِ قضاياهم ، وقد طلبَ المشرفون على هذهِ الزيارة خمسة أشخاص من أبناء شعبنا المسيحي لمقابلة سعادة السفير لِمدة نصف ساعة فقط حالهم حال بقية مكونات الشعب العراقي في مقر إقامتهِ في الفندقِ ، فطلبتُ من بعض ممثلينا الإتصال بأحد التجمعات الصغيرة لأختيار من يُمثلهم في هذا اللقاء وقررنا نحنُ الخمسة الإجتماع ولمدةٍ قصيرةٍ قبل يوم واحد من موعدِ اللقاءِ للتباحثِ في توحيدِ الأسئلةِ التي تهم الجميع وفوجئنا بتغيبِ ممثلِ هذا التجمع عن هذا اللقاء القصير ودون إنذارٍ مسبقٍ وتفاجئنا أكثر في اليوم التالي حينَ جاء هذا الممثل للقاءِ السفيرِ وبصحبتهِ أحد أقاربهِ وهو يَحمل بيده ملف للترويجِ للـ "بزنس"الخاص بهِ لِمحاولةِ الحصولِ على عملٍ في العراقِ ، فقلنا لهُ يا سيدي الكريم لقد طلبوا مِنّا المُنظمين لهذهِ الزيارة خمسة أشخاص ومنحونا نصف ساعة فقط لضيق وقت السفير وأنتَ ترغب للترويج في الحصول على مكاسب شخصية تستطيع القيام بها والترويج لها عبر البريد الألكتروني أو غير ذلك من الطرقِ وإنّ التعليمات لدينا تنص على طرحِ المشاكل العامة للمسيحيين أمام سعادة السفير وإنّ ما تسعى اليهِ ليس من إختصاص السفير والمفروض بأنك ممثل لتجمعٍ معينٍ لدى أعضاءه مشاكل كثيرة لطرحها فكان جوابه لنا " بأن تجمعنا ليس لديه أي أسئلة وسأدع قريبي للدخول بدلاً عني لمقابلة السفير لطرح منتوجهِ" !! فقلنا لهُ جميعاً سوف لن نسمح لك بالتطرق الى أي منفعة شخصية وسرقة هذا الوقت الثمين من المجموع ـ ـ ـ نعم لقد سمحنا لإحدى أخواتنا الآشوريات بالتطرق الى ما يهم أبناء شعبنا الآشوري والتي تهمنا جميعاً أيضاً ولكن الأمر يختلف معك ، لكنهُ أصرّ على رأيهِ ولولا كرم سعادة السفير والسماح للجميع بالدخولِ لَكُنـّا في حرجٍ كبيرٍ لِتجاوزِ العددِ المقررِ لنا وعدم إحترامنا لِما طُلِبَ مِنـّا بتحديدِ العددِ !!! .
نحنُ نفرح ونُسعَدْ تماماً لأي من أبناء شعبنا للحصول على مكاسبٍ شخصيةٍ ونساعدهم على ذلك ولكن دونَ المساس بالمصلحةِ العامةِ ، فعلينا الإرتقاء بالمستوى الذي يليق بنا في هذا الظرف الصعب وعدم التصرف بأنانية مطلقة والإلتصاق بحبِ الذاتِ الى الحد الذي تكون فيه ظاهرة مقززة تشمئز لها الأبدان ، فنحنُ جميعاً في قاربٍ واحدٍ إذا غرق فسيغرق الجميع معهُ وأملنا أن يعيد البعض القليل حساباتهم على أساس المصلحة العامة والله الموفق .     
 


149
جولة سريعة لسعادة سفير الجمهورية العراقية الى الغرب الكندي



أجرى التحقيق : سالم إيليا
وصلَ سعادة سفير الجمهورية العراقية الدكتور عبدالرحمن حامد الحسيني الى أدمنتن عاصمة أقليم البرتا في الساعة الحادية عشر صباحاً من يوم الجمعة المصادف 29-10-2010 حيثُ كانَ في إستقباله عدداً من أبناء الجالية العراقية في المدينة ، وحال دخوله باحة قاعة المطار قدّما له طفل وطفلة من أطفال الجالية باقتين من الزهور ، بعدها توجه سعادته مع مجموعة من المستقبلين الى أحد المطاعم لتناول طعام الغذاء .
وقد كان من ضمن منهاج زيارته لقاءاته المنفردة مع بعض الوان الطيف العراقي كلاً على حدا للإستماع الى مشاكلهم وملاحظاتهم والتي تمّ التنسيق لها مع السفارة العراقية في أوتاوا ، إذ كان لي شرف اللقاء بهِ في جناحه الخاص في محل إقامتهِ في أحد الفنادق مع مجموعة من أبناء شعبنا ، حيثُ وجهّتُ اليه بعض الأسئلة والتي تهم الجميع وأجابني عليها مشكوراً وسأنشر لاحقاً لقائي القصير هذا معهُ مع مقتطفات من لقاءه الموسّع مع أبناء الجالية مساء اليوم نفسه في حفل الإستقبال الذي أقيمَ على شرفهِ في إحدى القاعات .
غادرَ سعادته في صباحِ اليومِ التالي ( السبت ) مدينة أدمنتن متوجهاً الى فانكوفر وهي إحدى مدن إقليم بريتش كولومبيا في الغربِ الكندي حيثُ مكثَ هنالك حتى يوم الأثنين المصادف 1-11-2010 ، بعدها عاد السفير الى مقر عملهِ في أوتاوا متمنين لهُ سلامة العودة . وكان من المفروض أن أغطي هذه الزيارة بعد مغادرته مباشرةً ولكن ما حدث من تطورات في إستهداف المسيحيين من جديد وإنشغال الجميع بهذا الحدث المروّع أجّلَ تاريخ نشرها .
ملاحظات وآرَاء مضيئة عن الزيارة:
1-   هذه هي المرّة الأولى التي نحظى بزيارةٍ لسفيرٍ عراقي الى الأقاليمِ الكنديةِ بعد إنقطاع دامَ لأكثر من خمس وعشرين عاماً .
2-   للسفير شخصية فريدة في هذا الزمن الصعب من حياةِ العراقيين ، حيثُ وجدناهُ متواضعاً يملأ بحضوره المكان الذي يتواجد فيهِ ، صبره وكرم أخلاقه أسعد الجميع ، مستمع جيد لأي سؤال أو ملاحظة صغيرة وجهت لهُ مع حرصه على الإجابةِ الوافيةِ على كلِ الأسئلةِ ، صريح وحريص على الدقـّة في كلامه وعدم إعطاءه الوعود جزافاً دون ما الأخذ بنظرِ الإعتبارِ الأمكانيات المُتاحة للسفارة وحدود مسؤولياتها والتي نتمنى من وزارة الخارجية العراقية دعم التوجهات الجديدة للسفارة العراقية في كندا خدمة للعراق ولأبناء الجالية ، والحق يقال وبدون أي رتوش شعرنا جميعاً بأنهُ يُمثل العراق بكل الوان طيفهِ ، إذ أعطى تصرفه إنطباعاً يتمناه كل عراقي لأي مسؤول يمثل الدولة .
3-   أصرّ سعادة السفير على زيارةِ مواطنٍ معاق من جرّاءِ أعمالِ العنف في العراق من أبناءِ الجاليةِ على الرغمِ من ضيقِ الوقتِ ، حيثُ ذهبَ الى بيته في الصباح الباكر من يومِ السبتِ وقدّم له المساعدة اللازمة وبعض الهدايا لعائلته ، بعدها توجه مباشرةً الى المطار مغادراً أدمنتن برعاية الله وحفظهِ .
4-    المحاولة الجادة من لَدنِ سعادة السفير الى إعادة الثقة ومد الجسور وأواصر الترابط بين الوطن الأم ( العراق ) متمثلة بشخصهِ ممثلاً عن الحكومة العراقية وبين أبناء الجالية من جديد بعد أن يأس أبناء الجالية المقيمين في كندا من التواصل مع سفارة بلدهم في السابق ، وهذا مؤشر جيد علينا أن نثني عليه جميعنا .
5-   قدّم سعادة السفير هدية هي عبارة عن شهادة تقديرية الى رئيس جمعية الهدى الأسلامية الدكتور عبدالحميد الخضير لجهوده في التنظيم لهذه الزيارة .
وأخيراً نتمنى أن تتطور هذه العلاقة لتعود ثقة أبناء الجالية بسفارتهم من جديد . وسأترك القارئ الكريم مع هذه الصور من الزيارة للمشاهدة والإستمتاع .
    
 





























150
الأبيض والأسود في مأساة كنيسة سيدة النجاة
بقلم : سالم إيليا
كنّا هنا في مدينة أدمنتن/البرتا الكندية منهمكين كعراقيين للتحضير لزيارة سعادة سفير الجمهورية العراقية الدكتور عبدالرحمن حامد الحسيني في الأسبوع الذي سبقَ الفعل الإجرامي الإرهابي في كنيسة سيدة النجاة في بغداد ، حيثُ أتصل بي أحد أبناء شعبنا يوم الأحد المصادف الرابع والعشرين من شهر تشرين الأول ليخبرني بأن سعادة السفير سيكون في زيارة الى المدينةِ في يومِ الجمعةِ المصادفِ التاسع والعشرين من الشهرِ نفسه .
وقد شرّفني أبناء شعبنا بإختيارهم لي كأحد الأشخاص الخمسة لتمثيلهم في المدينةِ لطرحِ مطالبهم ، ثمّ أعقبه إتصالاً آخراً من أحدِ المشرفين على تنظيمِ هذه الزيارة ، فبدأنا العمل خاصة وإنّ فترة التحضير والإتصال بأبناء الجالية كانت قصيرةً جداً .
وحضرَ سعادة السفير وشرّفنا بلقائهِ وكان من المفروضِ أن أغطي زيارته في عطلةِ نهايةِ هذا الأسبوع بتقريرٍ إخباري ولكن ما حدثَ بعد يومين من الزيارةِ في كنيسةِ سيدةِ النجاةِ جعلني أؤجل اللقاء الذي أجريتهُ مع السفير وتقرير الزيارة التي كانت ناجحة بكل معنى الكلمة لأكتب عن الحدث الذي روّعَ العراقيين جميعهم والعالم أجمع ببشاعته وطريقة تنفيذه وبدأتُ كمُهتم بشأننا العراقي المقارنة بين ما كنّا عليه نحن أبناء الجالية العراقية قبل يومين من مأساة الكنيسة وفي باحة قاعة الأستقبال حيثُ كانت تظاهرة عراقية صميمية تمنى الجميع أن تتكرر إذ جَمَعَت الوان الطيف العراقي وبين ما حدث يوم الأحد الدامي الذي أعقبَ هذهِ الجلسة .
وتوالت المكالمات الهاتفية الواحدة تلو الأخرى من أبناء العراق الطيّبين من مسلمين ومسيحيين وفي مقدمتهم رئيس جمعية الهدى الإسلامية وقال لي مواسياً " أخي سالم هؤلاء ليسوا بمسلمين والدين منهم براء ، فالدين محبة وسلام وليس قتلاً وإرهاباً " . ثم أعقبتها بعض الإيميلات من المسيحيين والمسلمين لتبين بشاعة الصور التي التقطتها عدسات وكالات الأنباء من داخل الكنيسة وجثث الضحايا الأبرياء وكان أبرزها ما كتبهُ أصحابها بقلوبٍ مؤمنةٍ وصبرٍ جليدٍ حاولوا فيها رسم الوجه الجميل لله عزّ وجل وكان أحداها مرسل من أخي سعد يقين إيليا حيثُ إبتدأ كلمته قائلاً :
" قال الرب يسوع المسيح الحقّ الحقّ أقول لكم ...... وها أنا الآن سعد أقول الحق الحق لقد ربحنا ولم نخسر ، فبدماء شُهدائنا رسمنا للعالم أجمع أجمل أيقونة رُسِمت في هذا العالم ..... الرحمة لكل شهدائنا من المسيحيين الذين طرّزوا بدمائهم الزكية ورسموا أجمل أيقونة نعتز بها ، فقد فقدنا خمسين أو ما يزيد من الشهداء ولكننا ربحنا العالم كلّه ، لأنّ الجميع من مسيحيين ومسلمين وصابئة ويهود ويزيديين ووثنيين صاروا يرددون ما آتى بهِ الرب يسوع المسيح من كلامٍ ..... الجميع صاروا يقولون نعم للسلام ..... نعم للمحبة ..... نعم لعبادة الرب ونعم للحق ، وهذا ما آتى به يسوع ، إذاً نحنُ ربحنا ولم نخسر وبدماء شهدائنا إستطعنا أن نبشّر بكلام يسوع المسيح ، فتصوروا كم خسِر الإرهابيون بفعلتهم هذهِ ..... الربُ معكم يا شهداء المسيحية أينما كُنتم ومتى ضحيّتم ..... وما هذا الوقعُ إلاّ أيقونة المحبة والسلام والتضحية والحق "
وأنا أقول لأخي سعد والى كل من يقرأ هذه السطور ، الرحمة على كلِ شهدائنا الذين سقطوا في العراق ومن جميع المللِ والأديان وكل الوان الطيف العراقي ، فقد عانينا ولا زلنا نعاني من الويلاتِ نتيجة الجهل المُطبق والعقول الفارغة للبعض الذي لا يأخذ من الدينِ جوهره الذي نادى بالمحبة والسلام بين البشر وإنما يفهمون الدين من خلالِ تكفيرهم لكل مَن خالفهم معتقدهم ورأيهم وطريقة عبادتهم لله الواحد الأحد .
فمن هو الكافر فينا ؟ هل الكافر من يقفَ في كنيسته ومحل عبادته ليتضرّع الى الله أن يهدي البشر الى طريق المحبة والسلام ، أم الكافر الذي يقرر قتل النفس ساعة ما يشاء والتي حرّم الله قتلها وهو الذي خلقها ويتدخل قسراً في شأن الله وتحديد ساعة موتها وصعودها الى الباري !!
يقولون لنا عودوا الى وطنكم ودياركم فأنتم أهلها ، فكيف بنا وطريق العودة طريقاً الى الجلجلةِ..... طريقاً للآلآم والبكاء والنحيب ..... طريقاً نخسر فيه أفذاذ أكبادنا ، وتذكرتُ ما قاله سعادة السفير عند لِقاءه بنا قال " عندما هاجر قسم من العراقيين فليس بسببِ المالِ وإنّما طلاّب حياة " ، نعم يا سيدي الكريم كنّا وما زلنا طلاّب حياة وحرية نمارس فيها شعائرنا ونتعبد الى الله بالطريقة التي نؤمن بها ونحترم بقية الأديان في طرقِ تعبدهم الى الله سبحانه وتعالى ..... نعم نحن طلاّب الحياة التي وهبها لنا الباري عزّ وجلّ والتي ليس لها قيمة عند البعض .
ويُكمل أخي سعد في إيميل آخر قائلاً :
" إنها الخراف الضالّة مرة أخرى ترتكب جريمة بشعة بحق أبناءك ومحبيك ، فنحن لا نقول لك يا رب أرسل اليهم طيوراً أبابيل ترميهم بحجارةٍ من سجيلٍ ، ولكن نطلبُ منكَ يا رب أن ترسل اليهم ملائكتك وجبريلك ليهديهم الى طريق الصواب ، كما أرسلت لنا إبنك عندما كنّا خرافاً ضالةً لا نعرف الحب والسلام ..... الرحمة لمحبيك من الذين إستشهدوا من أجلك ومن أجل إبنك يسوع "
وأنا أقول مرّة أخرى لأخي سعد والى الجميع إنهم ليسوا خرافاً ضالةً ، بل هم ذئاباً بشريةً متوحشةً قد غابت عنهم عقولهم التي وهبها الله للبشر لتمييزهم عن سائر المخلوقات الأخرى .
وأنا في طريقي الى إنهاء مقالي هذا وردني إتصالاً هاتفياً من أحدِ الأصدقاء والذي يقيم في البلدة التي أسكن فيها ودعاني الى إيصال إحتجاجهِ على البعضِ الذي لا يزال يروّج لبيع تذاكر حفلات أعياد الميلاد ورأس السنة المجيدين !!!وقال لي أيصح ما يفعلوهُ إذ أنّ حفلاتهم هذه ستصادف في أربعينيةِ شهداءِ كنيسةِ سيدة النجاة والجرائم التي تلتها في الوقتِ الذي رفضوا فيه القيام بأي فعالية لدعم إخوانهم في الدينِِ وحتى أضعف الإيمان بإقامة قدّاس جماعي على أرواحِ الشهداءِ !!! .
فقلتُ لهُ يا صديقي ليس لنا عليهم أيّ سلطة فدعهم يقيمون حفلاتهم ويرقصون على جثث ضحايانا وضحاياهم ، فهذه هي طبيعة النفس البشرية للبعض والذين لا يُهمهم من هذا العالم سوى أنفسهم وهذا هو الأسود بعينهِ ، ومثلهم كالمثل الشعبي القائل :
" الما يسوكة مرضعة ـ ـ ـ الخ " وأترك للقارئ الكريم تكملة بقية المثل والحُكم على هؤلاء النفر والمحسوبين على أبناء شعبنا .
وتحية قلبية لأبناء طائفتنا الصابئية المندائية وشيوخهم  لألغائهم إحتفالاتهم الدينية بمناسبة عيد الإزدهار وهو العيد الصغير تضامناً مع إخوانهم المسيحيين وهذا هو الأبيض بعينهِ .
وتحية الى كل المنظمات الدينية والإجتماعية الإسلامية والصابئية المندائية واليزيدية واليهودية وكل من خرج في مظاهرات التنديد والإحتجاج على هذا العمل الوحشي واللاإنساني .
وتحية الى كل قلمٍ شريفٍ كتب وندد بهذا العمل الجبان .
فالأحتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة المجيدين ضرورة لكي لا يعتقد المجرمون بأنهم تمكنوا منّا ولكن لِتكن مُقتصرة على الجلسات العائلية وحضور القداديس الإحتفالية بهذه المناسبات الجليلة أو على الأقل تأجيلها لفترة مناسبة إحتراماً لمشاعر إخوانهم في الدين وهذا هو رجائي الأخير .
   
     

151
لقاء مع أحد المشرفين على إقامةِ الخيمةِ العراقيةِ التراثيةِ في ولايةِ البرتا الكندية


أجرى اللقاء: سالم إيليا
تعتبر كندا واحدة من البلدان القليلة المتحضّرة في العالم والتي لها خصوصيتها الأثنيّة النادرة ، حيثُ تنوّع الأجناس والثقافات الإنسانية وما ينعكس عليه من تنوّع في العادات وطرق المعيشة لشرائح المجتمع الكندي برِمّتهِ ، إضافةً الى تواجد سكان كندا الأصليين . إذ تُعتبر كندا عالم مصغّر قائم بِذاتهِ وكثاني أكبر بلد في العالم من حيثِ المساحةِ يجتمع على أرضه إناس قدموا من أكثرِ من مئةِ بلدٍ كمهاجرين طلباً وسعياً وراء الحرية وأملاً في بناءِ حياةٍ ومستقبلٍ جديد لهم ولأبنائهم من بعدهم ، وقد شجّعهم على ذلك نظام كندا ودستورها الحضاري الذي يحمي الجميع بغضّ النظر عن إنتماءاتهم القومية والدينية . وعليهِ فقد دأبت الحكومة الكندية ومنظمات مجتمعها المدني منذُ زمنٍ بعيدٍ على تنظيمِ الفعالياتِ والنشاطاتِ المختلفة لتعريفِ أطيافِ المجتمع على بعضهم البعض .
ومن هذِ الفعاليات " مهرجان التراث السنوي " والذي يقام سنوياً في العديدِ من الأقاليمِ والمدنِ الكنديةِ ومنها مدينة أدمنتن عاصمة إقليم البرتا الذي يقع في الغرب الكندي . وتأتي مشاركة العراق بخيمة منفردة وللمرّة الأولى هذه السنة ضمن محاولات أبناء الجالية العراقية في تعريفِ المجتمع الكندي على تاريخِ العراقِ وتراثه ، حيثُ حصل العراق على جائزةِ أحسن عرض فني تاريخي لحضارته على الرغمِ من الصعوباتِ الفنّيةِ والتقنيةِ التي واجهت القائمين على هذهِ المبادرةِ وسأستعرض بعضاً منها من خلال لقائي التالي مع أحد المشرفين على إقامة الخيمة ، فأهلاً وسهلاً بالأخ عبدالحسين الصيمري .
-   شكراً جزيلاً على إتاحةِ هذهِ الفرصة لنا لتعريف القارئ العراقي الكريم أينما وجد وخاصة على أرضِ وطننا العراق على بعضِ النشاطاتِ التي نحاول نحن المغتربين العراقيين القيام بها لعكس الصورة الحقيقية للعراق وللإنسان العراقي وتعريف الجمهور الكندي بتاريخ العراق العريق .

-   إذن أخ عبدالحسين هذه هي المرّة الأولى لمشاركة العراق ، فهل تستطيع أن تبين لنا كيف تولّدت فكرة المشاركة ، ولماذا الآن بالذات ؟
-   أجاب : الحقيقة إنّ الفكرة تولّدت من الحاجة ولوجود فراغ في تمثيل العراق في هذا المهرجان ولكون المجتمع العراقي له خصوصيته من بين الدول العربية وذلك لتعدد الوان طيفه وتميّزهُ عنهم بفسيفساءه ، لذا إرتأينا تمثيله  بخيمة مستقلة تُمثل كل هذه الألوان وأملنا أن يكون هنالك في السنةِ القادمةِ وضوحاً أكثر في إشتراكِ كل الوان الطيف العراقي لأنّ الهدف من المشاركةِ هو تسليط الضوء وتعريف العالم بتكوينات مجتمعنا الذي بنى أولى الحضارات الإنسانية على وجه البسيطة .


-   شكراً جزيلاً وسؤالي الآخر هل واجهتكم صعوبات في إقناع المسؤولين على إقامةِ هذا المهرجان للإنفراد بخيمة عراقية ؟
-   قال : كانت هنالك بعض المعوّقات وذلك لوجود خيمة عربية مشتركة من المفترضِ إنها تمثل جميع البلدان العربية ، ولكن كما ذكرتُ إنفراد العراق بخاصّية تعدد الوان طيفه الجميل حظينا بالتفهم المطلوب من جانبِ المسؤولين على إقامةِ المهرجان للإنفراد بخيمة عراقية تمثل حضارته وتاريخه .

-   أنتقل الى سؤال آخر عن الفعالياتِ المقدمةِ هذه السنة تحت مظلّة الخيمة العراقية وتحديداً عن الفعالياتِ الفنّية من رقصاتٍ ودبكاتٍ فولولكلوريةٍ والتي يتميز بها الطيف العراقي ، وإن لم تكن موجودة فهل في النيّةِ إقامتها في السنوات القادمة إن شاءءالله ؟
-   عقـّب الأخ عبدالحسين موضّحاً : الحقيقة نتمنى أن نكون على إستعدادٍ أكثرٍ في السنواتِ القادمةِ ، حيثُ أن مثل هذه الفعاليات تحتاج الى وقتٍ وكادرٍ شبابي مستعد من كِلا الجنسين للتدريب عليها منذُ الشهر الأول ( كانون الثاني ) لكل سنة لتظهر بالمظهرِ الذي يليق بتاريخِ وتراث بلاد الرافدين ، إذ أنّ هنالك ثلاث فعاليات يجب أن تقدمها كل خيمة لتكون مؤهلة للمشاركة في هذا المهرجان ، وقد إرتأينا هذه السنة تقديم الفعاليات الثقافية والتراثية وكذلك الأكلات العراقية ، أمّا الفعاليات الفنيّة من موسيقى ورقصات ودبكات فولولكلورية فلم نكن مهيئين لها لضيق الوقت ولأسباب أخرى .

-   أجبتُ : نتمنى لكم كلّ الموفقية في هذا المجال في السنوات القادمة وسألته قائلاً : " أبو علي " كما يحلو لك أن أناديك سؤالي الآخر كونها المرّة الأولى التي تشاركون فيها بإسم العراق ، هل واجهتكم صعوبات تقنية وفنّية لتهيأة الكادر المشرف على إقامةِ الخيمةِ وتحضير مواد العرض التاريخي وما الى ذلك ، وهل فاتحتم الجهات الرسمية والإعلامية العراقية لمساعدتكم ، كالسفارة العراقية في كندا مثلاً وماذا كان ردّهم ؟
-    أجابني مشكوراً : الحقيقة كونها المرّة الأولى فقد لاقينا الكثير من المصاعبِ وحيثُ إننا قررنا إقامة هذه الخيمة والتي مثّلت حضور العراق في هذا المجال ، فقد حاولنا تذليل كافة المعوّقات ، أمّا الجهات الرسمية والإعلامية العراقية فللأسف الشديد لم تبدي أي مساعدة إطلاقاً ، حيثُ أنّ السفارة العراقية كانت على علمٍ مسبقٍ لإقامة هذه الخيمة منذُ فترة الإنتخابات !!! .


-   فقاطعتهُ مستفسرا : هل تمت مفاتحة السفارة بشكلٍ رسمي عن النيّةِ في إقامةِ هذهِ الخيمة ولم تبدي أي رد فعل للمساعدة ؟
-   أجابني " أبو علي " قائلاً : بشكلٍ رسمي كتقديم كتاب رسمي ، فالحقيقة لا يوجد ولكن كانت هنالك زيارة لأحد الأخوة من أبناء الجالية العراقية الى السفارة العراقية في أوتاوا قُبيل فترة الإنتخابات وقدّم طلباً تحريرياً لهذا الغرض وطلب مساعدة السفارة .

-   وقاطعتهُ مرّة ثانية معقـّباً : إذن كان هنالك طلباً رسمياً مقدّم للسفارة العراقية في كندا ولكن لم يكن هنالك أيّ تجاوب ـ ـ ـ فهل هذا صحيح ؟
-   أجاب السيد عبدالحسين الصيمري : نعم ، كما ذكرتُ تقدّم أحد الأخوة من المشرفين على هذهِ الخيمة بطلب مكتوب الى السفارة العراقية لتقديم المساعدة الفنيّة وتجهيزنا ببعض المعروضات التراثية والتي من الصعبِ الحصولِ عليها بجهدٍ فردي ، ولكن لم يكن هنالك أيّ تجاوب ، كما قُمنا بالإتصال ببعضِ ممثلي القنوات التلفزيونية العراقية الفضائية والمتواجدين في الشمال الأمريكي ( الولايات المتحدة وكندا ) ولكنهم إعتذروا عن التغطيةِ الإعلاميةِ لبعدِ المسافةِ عن الغرب الكندي حيثُ يقع إقليم البرتا !!! ، كما وقُمنا بإرسال إيميل خاص الى القناة العراقية الفضائية الشبه رسميّة ولحد هذا اليوم ( ثاني أيام المهرجان ) لم نستلم أيّ رد منهم !!! .



-   سؤالي الأخير " أبو علي " : كيف كان الإقبال على الخيمة العراقية وكيف كان تجاوب الجمهور الكندي والإعلام الكندي لهذا الحدث ؟

-    أجابني السيد عبدالحسين الصيمري قائلاً : الحقيقة إنّ الإقبال الشديد على الخيمةِ كان مفاجئة لنا وأكثر مما توقعنا على الرغمِ من أنّ الإستعدادات كما أسلفتُ لم تكن بالمستوى الذي نطمحُ اليهِ ولأسبابٍ عديدةٍ منها عدم معرفة معظم مكوّنات المغتربين العراقيين في المدينة على النيّةِ لإقامة هذه الخيمة ، كما إنّ ضيق الوقت حال دونَ إشتراك مكوّنات أخرى كانت على علمٍ مسبقٍ وأملنا كبير بمشاركة الجميع في السنة القادمة .

وقد ختمتُ لقائي هذا مع الأخ عبدالحسين الصيمري بتقديمِ الشكرِ لإتاحتهِ الفرصة لي لإجراء هذا اللقاء ولتعريف العراقيين أينما وجدوا بهذا الحدث ، كما وشكرتُ ومن خلالهِ جميع الأخوة والأخوات المشاركين والمشرفين على الخيمة التراثية والذين أصرّوا على إقامتها رغم ضعف الإمكانيات وأملنا بأن يستجيب عدد أكبر من أبناء الجالية في السنةِ القادمةِ للمشاركةِ ضمن الخيمة العراقية في هذا المهرجان وذلك لعكس الصورة الحقيقية لمكوناتهم التي ينتمون اليها تحت خيمة العراق الموحّد ولتعريف الشعب الكندي بتراثهم وتاريخهم العريق . إذ إنني على ثقةٍ كبيرةٍ من إنها ستكون مظاهرة تراثية غنيّة ستبقى في أذهان الشعب الكندي لزمنٍ طويلٍ جداً .
 

152
لأول مرّة في تاريخ البرتا الكندية تُدق أوتاد الخيمة العراقية التراثية


تحقيق وتصوير: سالم إيليا
مهرجان التراث السنوي هو عبارة عن تظاهرة تراثية للكنديين الذين ينحدرون من إصولٍ وبلدانٍ مختلفةٍ يعرضون فيهِ تراث وتقاليد شعوبهم التي إنحدروا منها ، إضافة الى تعريفهم للجمهور الكندي تاريخ بلدانهم الأصلية بشكلٍ عامٍ وما يحتويه من طرقٍِ للمعيشة ، إضافة الى عرضهم للأزياء الشعبية والتراثية والرقصات والدبكات الفلكلورية والأكلات الشعبية ، حيثُ يتذوق زوّار المهرجان ولمدة ثلاثة أيام متتالية مختلف أنواع الأكلات الشعبية للبلدان المشاركة فيهِ .
ولمهرجان التراث الذي إنعقد للفترة من 31 تموز – 2 آب لسنة 2010م في مدينة أدمنتن عاصمة إقليم البرتا في كندا نكهته الخاصة عند العراقيين ، إذ دُقـّت أوتاد الخيمة العراقية ولأول مرّة بسواعد الأوفياء نساءاً ورجالاً من أبناء العراق لتنتصب الخيمة شامخة شموخ نخيل البصرة الفيحاء بين أكثر من 63 خيمة مثـّلت 63 دولة لتحكي قصة الحضارة العراقية والتي أبدع النشامى من المشرفين من أبناء العراق في طريقة عرضها على الجمهور الكندي ، فإختطفوا بجهدهم ومثابرتهم جائزة أحسن عرض تاريخي فنّي للمهرجان من بين مجموع الدول المشاركة ، علماً بأنّ مشاركتهم الأولى هذهِ واجهت صعوبات جمّة تقنية وفنية لا تتسع مساحة هذا التحقيق للتطرق اليها . هذا وقد رصدّتُ بعض الملاحظات من داخل المهرجان أوجزها بما يلي :
-   حملت الخيمة العراقية الرقم (13) من بين أرقام الخيام المشاركة في المهرجان ، وعلى الرغم مما هو معروف عالمياً من أنّ هذا الرقم يجلب الشؤوم لأصحابه ، إلاّ انّ العراقيون بجهودهم غيّروا هذا الإعتقاد وفازوا بجائزة العرض التاريخي التراثي الفني للمهرجان .
-   كان الإقبال شديداً على الأكلاتِ الشعبيةِ العراقيةِ ، حيثُ نفذت بسرعة وكان من بينها البرياني ، الدولمة ، التكّة ( والتي تسمى خطاً في الغرب بالشيش كباب ) ، الكص ، خبز العروك وخبز التنور العراقي . ومن الحلويات : الداطلي والبقلاوة ومن المشروبات : العصير والمشروبات الغازية الأخرى. وقد كانت القهوة العربية بضيافتها المعهودة حاضرة عند باب الخيمة لإستقبال الضيوف .
-   صُممَ مدخل الخيمة العراقية على شكل باب عشتار ، إذ جذبت هذه الفكرة الذكية أنظار الحضور في المهرجان وكانت دعوة تلقائية موجهة لزيارة الخيمة العراقية .
-   طريقة عرض مراحل الحضارة العراقية من خلال البوسترات المعروضة والعروض المرئية الأخرى عى شاشات التلفزة أغنى الجميع عن الشرح والتوضيح ، حيثُ قال أحد الزوّار الكنديين حين سألهُ أحد المشرفين إن كان لديه سؤال للإجابة عليه " طريقة عرضكم لمراحل حضارتكم وتاريخكم واضحة ولا تحتاج الى الشرح " وحيثُ تكللت هذهِ الجهود بالحصول على جائزة أحسن عرض تاريخي وتراثي بوسائل الأيضاح بين الدول المشاركة كما أسلفت ُ .
وأترك القارئ الكريم مع هذه الصور من داخل الخيمة العراقية للإستمتاع والمشاهدة .



جائزة أيام التراث

153
من هو المؤرخ جورج البنّاء ـ ـ الغني عن التعريف ؟!!/الجزء الثاني


بقلم : سالم إيليا
المقدمة :
تطرقتُ في الجزء الأول من سيرة حياة المؤرخ النجيب جورج البنّاء الى التعريف بكنيتهِ وجزء من حياتهِ الأدبية والثقافية ، حيثُ أكمل في الجزءِ الثاني ما بدأتهُ في الجزءِ الأولِ .
كان يُعقد في دارهِ كل يوم جمعة من أيامِ الأسبوعِ في الثمانينيات من القرنِ الماضي وحتى مغادرته بلده العراق مجلساً أدبياً أسماه " مجلس الجمعة " وعلى غرار " مجلس الجمعة " الذي أوجدهُ طيب الذكر العلاّمة اللغوي والأدبي الأب أنستاس ماري الكرملي (1) وسار على خُطاهُ في عدم السماح في هذا المجلس بالتطرق الى السياسة أو الدين وقد إختلف مجلس المؤرخ جورج البنّاء عن مجلس الأب أنستاس ماري الكرملي بالنقاشات وتبادل الآراء التاريخية وليس اللغوية والأدبية وكان من بين حضوره علماء في التراث والتاريخ من كل أرجاء العراق فكان من بينهم من حضر من النجف الأشرف ومن كربلاء ومنطقة الكاظمية في بغداد وقد دأب الأب الدكتور يوسف حبّي الخالد الذكر على الحضور الى المجلس ، كما حضر بعض جلساته الفهرستي الجليل كوركيس عوّاد رحمه الله ، إذ كان لمقولة مؤرخنا جورج البنّاء الشهيرة " بيتي : بيت كلّ العراقيين " صداها الطيّب في جمع هذا الشمل من جَهَابـِذة (2) العلم والمعرفة في العراق .
ومن مؤلفات جورج البنّاء " سلسلة الموسوعة الكلدانية " والتي إشتملت على ستّة كُتب بحثيّة ، إعتمد في تأليفها على 391 مصدراً عربياً و83 مصدراً إنكليزياً و64 مصدراً فرنسياً وهي وبالتسلسل : كتاب " تاريخ الكلدان " الذي نُشِرَ في سان دييكو/ كاليفورنيا في 2002م وكتاب " سلسلة بطاركة الكلدان " المنشور في سان دييكو/ كاليفورنيا في 2007م والكُتب الماثلة للطبع هي " إنتشار الكلدان في العالم " و " الرهبانيات الكلدانية " و " علماء الكلدان " و " الأديرة الكلدانية القائمة والمُندثرة في التاريخ " وقد أضاف اليها " الأطلس الكلداني " وهو أول أطلس مُفصّل يُبين بالخرائطِ والمسارات التاريخ الكلداني وإنتشار المسيحية في المشرقِ . كذلك لديه تحت الطبع رحلاته حول العالم وقد صنّفَ كُتبِها على النحو التالي : " عجائب العالم " ، " أشهر متاحف العالم " ، " أشهر كنائس العالم " ، " خلاصة رحلاتي العالمية " ، " الرحلة الأولى حول العالم سنة 1980م " وأخيراً " الرحلة الثانية حول العالم سنة 1982م " . والجدير بالذكر إنّ المؤرخ جورج البنّاء له صلة القرابة بالخالد الذكر الكاتب نعوم فتح الله السحّار مؤلف رواية " لطيف وخوشابا " وهي أول مسرحية تُطبع وتنشر في العراق سنة 1892م (3) ، حيث أن الكاتب نعوم فتح الله هو زوج خالتهِ . كما عُرِف عن المؤرخ جورج البنّاء بأنه كان من رجال الأعمال الناجحين .
كما للمؤرخ جورج البنّاء عدّة مخطوطات لم يدفعها الى الطبعِ بعد وهي عبارة عن سردٍ قصصي لِرحلاتهِ الى لبنان ، فلسطين ، سوريا ، مصر ، الكويت ، الإمارات العربية المتحدة ، اليونان ، إيطاليا ، النمسا ، المانيا ، هولندا ، بلجيكا ، لوكسمبرج ، فرنسا . كذلك إنكلترا ، الدانمارك ، السويد ، النرويج ثمّ بولونيا ، جيكوسلوفاكيا ( قبل تقسيمها ) ، الإتحاد السوفيتي السابق ، الولايات المتحدة الأمريكية . ورحلاته الى كندا ، المكسيك ، نيوزلندة ، إستراليا ، تركيا ، إيران ، الهند ، الباكستان ، اليابان ، هونك كونك ، الصين الوطنية والصين الشعبية ، ثمّ الفلبين ، ماليزيا ، سنغافورة ، سيرلانكا ، تايلند ، جزر المحيط الهادي ، هاواي ، تاهيتي ، جزر كوك ، برتاروكا ، فيجي . وختمها برحلاته الى البرازيل والأرجنتين والأورغواي وبروغواي وشيلي وبيرو وأخيراً الأكوادور .
وبعد أن رست سفينة رحلاتهِ على شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية / كاليفورنيا وبالتحديد مدينة سان دييكو في رحلتها الأخيرة ليستقر هنالك ، مُنِحَ عدّة شهادات تقديرية من عُمدة المدينة وأعتُبِرَ رجل عام 2006م في حقل الإمتياز المهني لتأليفه " الموسوعة الكلدانية " ، كما قلّدهُ المطران الجليل مار سرهد يوسب جمّو السامي الإحترام الوسام الذهبي لإعماله الجليلة في خدمة الطائفة وبلده العراق .
أطال الله في عمر شيخ المؤرخين العراقيين ورحّالتها الأول جورج البنّاء ليكمل ما بدأه من أعمالٍ أدبيةٍ لتبقى مرجعاً مهماً محايداً لذوي الإختصاص والمعرفة ولتخلّد هذه الأعمال أسم جورج البنّاء على مر الأجيال .

الهوامش :
(1)   الأب أنستاس ماري الكرملي : هو بطرس يوسف عوّاد المولود في الخامس من آب 1866م في بغداد من أب لبناني الأصل وأم عراقية والمتوفي في اليوم السابع من كانون الثاني لسنة 1947م ، وكان من الشخصيّات الأدبية والفكرية واللغوية المعروفة في العراق وكانت له مجلّته الشهرية " لغة العرب " و " جريدة العرب " اليومية ، وكان له أيضاً مجلس يُعقد في كل يوم جُمعة من كل أسبوع في دير الكرمليين وأطلق عليه إسم " مجلس الجُمعة " ، وقد كان من بين حضور هذا المجلس العلاّمة مصطفى جَواد صاحب مقولة " قـُل ولا تقل " التي يُقال إنهُ إستوحاها من الأب أنستاس ، كذلك كان من بين الحضور الأدباء روفائيل بطّي والملا عبود الكرخي والبطريرك يوسف غنيمة رحمهم الله . وقد رثاهُ أحد تلامذته وهو أحمد حامد الصرّاف بالبيتين التاليين :
وعشنا وعاشت في الدهورِ بلادنا ـ ـ ـ ـ جوامعنا في جنبهنّ الكنائسُ
وسوف يعيش الشعب في وحدة له ـ ـ ـ ـ عمائمنا في جنبهنّ القلانسُ
(2)   جَهَابـِذة ومفردها : الجـِهْبذِ أي الناقِد والعارف بتمييز الجيّد من الردئ وهي كلمة فارسية الأصل .
(3)   كُنتُ قد نشرتُ مقالاً بعنوان " رواية لطيف وخوشابا ـ ـ أول نص مسرحي نُشر في العراق " و( الرواية ) كانت من تأليف نعوم فتح الله السحّار رحمه الله وتُعتبر أوّل نص مسرحي يُطبع ويُنشر  في العراق ، وقد سَبـِقاه في التأليف المسرحي القس حنّا حبش والخوري هرمز نرسو الكلداني الماردينلي رحمهما الله .
  إنتهى الجزء الثاني والأخير



154
من هو المؤرخ جورج البنّاء ـ ـ الغني عن التعريف؟!!/الجزء الأول



بقلم : سالم إيليا
التقيتُ المؤرخ الجليل جورج البناء مرّتين خلال الخمسة أعوام الماضية ، كانت المرّة الأولى في عيد الميلاد االمجيد سنة 2005م وبطريق الصدفة والمرّة الثانية مقصودة في ثالث يوم عيد الفصح المجيد والذي صادف في السادس من نيسان الماضي 2010م ، إذ سافرتُ من كندا للقاءه في دارهِ في المهجر في مدينة سان دييكو / كاليفورنيا ،حيثُ إستقرّ بسندباد القرن العشرين بساط الريح !!.
وقد كان أحد أسباب زيارتي لهُ إجراء مقابلة معه لم تنشر بعد ، إذ إنني بصدد نشرها لاحقاً على المواقع الألكترونية والوسائل الإعلامية الأخرى والتي إستغرقت معهُ بحدود الأربعة ساعات من الزمن مرّت وكأنها دقائق معدودة.
ومن خلال تنضيدي لهذه المقابلة ونقلها من جهاز التسجيل الى الورقِ وقفتُ على حقيقة كونها تحتاج الى كتابة مقال مُطوّل ذو أجزاء عدّة ولا أغالي إن قلت تحتاج الى الإنفراد بتأليف كتاب كامل لتغطية ما جاء فيها من حديثٍ شيقٍ ولتغطية الصور التي التقطتها عدسة كاميرتي للأوسمةِ والشهادات التي حصل عليها شيخ المؤرخين العراقيين إن صحّ التعبير(1).
ومن خلال متابعتي للمواقع الألكترونية التي يكتب فيها كتّابنا والتعليقات الصادرة من بعض القرّاء الكرام من أبناء شعبنا شعرتُ بعدم معرفة البعض منهم بهذا المؤرخ الجليل خاصة عندما إستشهدّتُ ببعضٍ مما جاءَ في مقالاتي بالمصادر والكتب التي الّفها جورج البنّاء ، وعليهِ أرتأيتُ تجزأة نشري لهذه المقابلة بالتعريف بالمؤرخ جورج البنّاء وهو الغني عن التعريف بين من هم على علمه وثقافته وعلى وسائل الإعلام العراقية منذُ عشرات السنين وكما سنرى من خلال هذا العرض الموجز لسيرةِ حياته التي إستقيتها من خلال مقابلتي لهُ ومن عرض لسيرة حياته في مؤلفاته :


فمَنْ هو المؤرخ جورج البنّاء ؟
هو جورج نعوم يوسف فرنسيس سليمان البنّاء ، ولد في مدينة الموصل/العراق في محلّة المياسة(مسكنتة) في السادس من كانون الثاني 1920م وأكمل دراسته الثانوية ثم دراسته في المعهد العالي للعلوم المالية والتجارية ـ كلية الحقوق .
عضو جمعية الكتّاب والمؤلفين العراقيين .
يتقن اللغات العربية والإنكليزية ويتحدث الفرنسية وله المام بالألمانية .
من هواياتهِ المطالعةِ وإقتناء الكتب التاريخية والمخطوطات النادرة والتي لا تنحصر فقط في تاريخ بلده العراق وقوميته الكلدانية فقط  وإنّما تتعداها لتشمل معظم بلدان العالم وتراث شعوبها وكان له مكتبة شخصية في دارهِ بمدينة بغداد تحوي على أكثر من أربعة عشر الف كتاب بمختلف العلوم والآداب والفنون وله مكتبة شخصية إخرى في محل إقامتهِ الحالي في سان دييكو إذ تحتوي على خمسة الآف كتاب .
يعتبر المؤرخ جورج البناء ذو المواهب المتعددة من الفنانين الموهوبين في الرسم وله لوحات رائعة أهّـلتهُ للإشتراك في معارض عديدة داخل العراق وأعطتهُ هذه الموهبة سِمة الدخول في تدريس مادة الرسم في دار المعلمين بجانب الدروس العلمية الأخرى ، كما له موهبة النحت وخاصة على المرمر .
لقد أطلقت الصحافة العراقية على المؤرخِ جورج البناء القاب عديدة منها إبن بطوطة العراقي (2) والرحّالة الأول وكذلك شيخ الرحالين  لكثرة أسفارهِ ، حيثُ سافر الى أغلب أقطار العالم ويُعتَبرْ بحق من أشهر رحّالي العراق ، إذ زارَ خمسة وخمسين دولة وتجوّل في خمسمئة وأربعة وعشرين مدينة ودار حول الكرة الأرضية في رحلتين كانت الأولى شمال خط الإستواء سنة 1980م وزار فيها خمسة وأربعين مدينة وإستمرّت ستة أشهر ، وأما الرحلة الثانية فكانت جنوب خط الإستواء سنة 1982م وزارَ فيها خمسة وسبعين مدينة وإستمرّت أربعة أشهر . وقد كان حريصاً خلال رحلاتهِ والتي إمتدت لأكثر من خمسة واربعين عاماً على تدوين تفاصيل حياة تلك الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم بالإضافة لإقتناءه التحفيات والتذكارات والرموز لتلك الدول وشعوبها . وقد منحهُ حُبّه للترحال موهبة أخرى ، إذ أجادَ في فن التصوير حيثُ صوّرَ خلال رحلاته أكثر من ستة آلاف صورة غطـّت الأماكن الآثرية والحضارية والتماثيل والنُصب والصُرُوح المهمة ، إضافة الى المناظر الطبيعية والفلكلور الشعبي في كافة المدن والأقطار التي زارها حول العالم والتي حفظها في سبعين البوم .
إستضافة التلفزيون العراقي المؤرخ والرحّالة جورج البنّاء مرّات عديدة وكان آخرها في الحلقة السابعة من برنامج " قطار العمر" في الرابع من آذار سنة 1994م ، وكجزءٍ من هذه المقابلة تمّ إستضافة الأب الدكتور يوسف حبّي فيلسوف كنيسة المشرق للحديث عن علاقته بالمؤرخ القدير جورج البنّاء وقُبيل المقابلة ذهبت كاميرات التلفزيون العراقي الى دارهِ لعمل تحقيقاً تلفزيونياً لعرضهِ على الشاشة الصغيرة ، فأستمر العمل منذُ الساعة التاسعة صباحاً وحتى التاسعة ليلاً من نفس اليوم !! حيثُ بقيّ الكادر التلفزيوني ضيفاً خفيفاً على مؤرخنا الكريم .
تم إختيار المؤرخ جورج البنّاء عضواً إستشارياً في اللجنة الإستشارية للتاريخ والتي تشكّلت بأمر من ديوان رئاسة الجمهورية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي والمتكوّنة من سبعة أعضاء من بينهم العالم الآثاري د. بهنام أبو الصوف ومقرها بناية القصر الأبيض في شارع النضال ببغداد ، لكن مؤرخنا الجليل لم يستمر في تلك اللجنة لأسباب خاصة به .   
 
الهوامش :
(1)   أطلقتُ لقب شيخ المؤرخين العراقيين على مؤرخنا الجليل جورج البنّاء ليس فقط لسعة معرفته التاريخية ولكن لإستمراره ولحد كتابة هذه السطور بالتأليف وقد بلغ التسعين عاماً أو ما يزيد قليلاً من العمر أطال الله في عمرهِ .
(2)   إبن بطوطة : هو شمس الدين أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد الطنجي والملقـّب بإبن بطوطة وهو رحّالة ومؤرخ وقاضي وفقيه ولد سنة 1304م في طنجة بالمغرب ، وقد قامَ بثلاث رحلات إستغرقت في مجموعها نحو ثلاثون عاماً .

إنتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني والأخير

155
الى السيد كوركيس مردو ـ ـ ـ مع التحية؟
بقلم: سالم إيليا
في بداية رديّ (الأبسط) على ما جاء في التعقيب (البسيط) للسيد كوركيس مردو على مقالي المنشور على المواقع الألكترونية " قـُل ولا تقـُل ـ ـ ـ الخ" ، إهنئـك من صميم قلبي على منحك شهادة الدكتوراه الفخرية في الأداب وتاريخ الأثنيات وسيكون رديّ هذا مُتسّماً بطابعه الحضاري أيضاٌ، لأننا نعيش في القرن الواحد والعشرين ويجب أن يكون التخاطب والتكاتب بيننا بطريقة حضارية علمية، حيثُ إنّ معنى الحضارة قد جاء من الإقامة في الحَضَر(1) أي التمدّن . والحَضَري خلاف البدوي والهمجي كما جاء في معاجم اللغة، ولهذا ننعت الفاتيكان بـ" حاضرة الفاتيكان" أي المدينة الكبيرة والمُتَحَضِرة للفاتيكان، ولا أرغب في رديّ هذا تعكير صفوة مزاجك وفرحك بحصولك على شهادة الدكتوراه الفخرية ، فهي فخر لنا جميعاً.
كما وإنني وبكل محبة ومودّة لا أرغب في التقاطعِ معك أو مع أي من إخواني ممن يأزرونك في رأيك وهذا من حقّهم ، حيثُ جميعنا ننشُد الى وحدة الكلمة والموقف فإنّ لي مع بعضهم علاقات وأحاسيس طيبة وأسعى الى شمول الآخرين منهم بتلك العلاقات وأحترم رأيهم وبهذه المناسبة أكرر شكري للأخ نزار ملاخا سكرتير الإتحاد الذي كان من بين المهنئين لي بمناسبة عيد الفصح المجيد، وقد أرسلتُ لهُ والى السادة الكِرام والذين شرفوني بالتهنئة رسالة إعتذار عبر البريد الألكتروني عن تأخري بالرد على تهانيهم الرقيقة لسفري الى الولايات المتحدة الأمريكية في حينها، كما أحترم مرتبتك الدينية كشماس من المفترض أن يؤمن بمبدأ التسامح والمغفرة والصدر الرحب المنفتح للنقاش وتقبّل الرأي الآخر كما كان لسيده المسيح هذه الصفات التي صُلِبَ من أجل إرسائها بين البشر.
عزيزي السيد كوركيس في البدأ لا أعلم من أينَ إستقيتَ المعلومات الخاصة بي لتنعتني بالغيرة ـ ـ فالغيرة مِمن ولِما ؟ !! ، حيثُ إبتدأتَ تعقبيك بإسلوب يصعب عليّ أن أسميه بمسمّيات لا تليق بالشهادة الأكاديمية التي تحملها في الآداب  وربما لك عُذرك !! فمن يغار أمّا أن يكون فاشل في مجال من المجالات التي يكون الطرف المقابل فيها والذي يغار منهُ هذا الفاشل متفوّق عليهِ، والحقيقة إنّ لا إختصاصي المهني ولا حتى الأدبي  يتقاطع مع الطرف الذي تنعتني بالغيرة منه، فجميعنا من المفترض أن نعمل في المجال الأدبي لصد الهجمة المُنظّمة علينا كمسيحيين لإعتقادي بأنّ من يستهدفنا ليس لكوننا كلدان أو أشوريون أو سريان أو أرمن ـ ـ الخ، ولكن بسبب إنتمائنا الديني، فأطمئن ياأخي من انّ الغيرة لم تدفعني الى كتابة مقالي والحمدلله لَستُ من الفاشلين وحتى الفاشلون ربّما لديهم أعذارهم بذلك فلا يحقّ لنا نعتهم بالغيرة.
كذلك فقد جانبت الحقيقة بإتهامك لي بنعتي إخواني أعضاء إتحادكم الموقر بإنتمائهم الى منابع وأصول مختلفة ، فلربما قرأتَ مقالي بطريقة إنفعالية وكُنتَ مهيأ نفسياً للرد العنيف قبل قرائتهِ وربما لك عذرك أيضاً إذ جاء مقالي متزامناً مع بعض المقالات المختلفة معكم في الرأي، لِذا أوكد لك من انّ ما عنيتهُ في مقالي على العكس تماماً مِما ذهبت اليه حيثُ قلتُ كونني أعلم إنكم من منبع واحد فرجائي مراجعة تسمية إتحادكم ليتوافق مع جوهركم وهذا هو مُلخّص المقال وأنهيتُ مقالي بالقول من انّ الأمر عائد لكم، فرجائي إعادة قراءة المقال جيداً بعيداً عن الإفتراضات الواردة في تعقيبك حيثُ انّ ما ذهبتَ اليه في تفسيراتك مغاير للحقيقة. وبهذهِ المناسبة وكمؤرخ أرجو أن تتحلى بالشفافية وتتسم بالصدق في نقل الحقيقة كي لا تفقد مصداقيتك حتى وإن كانت هذه الحقيقة مغايرة لِما تؤمن بهِ ـ ـ أقول هذا لأنني أرى في ردّك أيضاً تجاهلك تكملة بعض الفقرات من مقالي وإقتطعتَ أجزاءً منها لتكون مناسبة لردّك وكمثال على ذلك بأنك قُلتَ "أما لفظة العام فهي محدودة لا تفي بالغرض المقصود" ولكنك لم تضع التسمية الكاملة التي أعطيتها كمثال وليس كمقترح تعتقد أنت من إنني أفرضه عليكم ، حيثُ قلتُ في مقالي "الإتحاد العام للكتّاب والأدباء الكلدان في العالم " سؤالي هو : الم تفي الكلمتين الأخيرتين "في العالم" بالغرض ؟ ولِماذا كمؤرخ وباحث إقتطعت كلمة"العام" فقط لتحاججني بها؟!! علماً بأنّ كلمة "العالمي" أو"العالم" هي موضوع النقاش!! وقد فعلتَ كما قالَ أحدهم "لا اله" فأجابه الآخر لقد كفرت ، فقال له الأول دعني أكمل فأكمل "لا اله إلاّ الله" فأصبح المعنى مختلف تماماً.
وأما إتهامي بأنّ لي غايات خاصة لا تريد الكشف عنها وربما كُنتُ سأكون شاكراً لك لو تكرمتَ وكشفتَ لي عنها لأصحح نفسي وأعود كالإبن الضال الى والديه وبهذا تحقق هدف سامي من أهداف الإتحاد، وإتهامي بعملي مع المتواطئين و"الفارغين من المعرفة والذين لا يميزون بين القومية والمذهب الكنسي ولا الدين عن المذهب" ، أقول لك وبكل إحترام ومودة وليشهد عليّ من يقرأ هذا الرد فليسَ لي أيّ إرتباط بأية جهة كانت ولا أريد أن أكون طرفاً في معادلة طرفاها لهما كل الحق بما يؤمنان بهِ وليس لي الحق في فرض رأيي وبما أؤمن بهِ على غيري أو إجبار مَنْ تخلى عن هذا الطرف ليصبح مع الطرف الآخر بالعدول عن قراره وبمبدأ "إنْ لم تكن معي فأنتَ ضدّي" ولكن هنالك طرق حضارية أيضاً في محاولة الإقناع والتحاجج بالبراهين التاريخية والعلمية لمحاولة عدول ممن لا يؤمنون بما نؤمن به لمشاطرتنا رأينا ومعتقداتنا ، الم ينتشرْ الدين المسيحي الذي ننتمي اليهِ بكلِ فخرٍ وإعتزاز بهذهِ الطريقة ، فلم يستخدم سيدنا المسيح السيف لإجبار البشر للإيمان بما جاء بهِ وقوله المآثور لأحد تلامذتهِ الذي إستلّ سيفه وضربَ عبد رئيس الكهنة فقطع إذنه فقال لهُ يسوع  "أرْدُدْ سَيفك إلى غُمدِهِ لأنّ كُلّ مَنْ يأخُذُ بالسيّفِ بالسّيفِ يَهْلِكُ"(2) اليس هذا خير دليل على انّ القوة أو فرض الأراء والمعتقدات بطريقة قسرية لا تؤدي إلاّ الى الهلاك.
كما وأؤكد لك ولكل من يقرأ هذا الرد من أن قلمي لَم ولَن يكون مأجوراً لأحد فلستُ أسعى الى كسبٍ مادي أو منصب وظيفي أو أية فائدة أخرى ولا أريد أن أطيل وأعطي أمثلة كثيرة في حياتي لمواقفي ومواقف عائلتي بتمسكنا بقوميتنا الكلدانية والحمدلله إنني فخور من إنني سعيتُ لإقامة أول قداس كلداني في الإقليم الذي أعيش فيه في كندا وعاونني فيه إخواني من جميع الملل والطوائف والقوميات فكان مظاهرة مشتركة بحق جلس فيه الكلداني بجانب الآشوري (أحد الشمامسة كان آشورياً) وكذلك السريان ومن المذاهب تواجد الأرثوذكسي بجانب الكاثوليكي أي من قوميات ومذاهب متعددة ـ ـ أوليست هذه هي رسالة سيدنا يسوع المسيح !!
كما وإنني وقفتُ كحد السيف ضد تجاهل إحدى الأخوات ذكر قوميتنا الكلدانية في كلمتها في الإذاعة العربية المحلّية لمدينتنا في إحدى مناسباتنا ، وكما لي الفخر من إنني تعلمتُ الكثير من والدي رحمه الله الذي كان حريصاً على إنتمائه القومي وكان شماساً أيضاً ، كذلك أفتخر بصلة القرابة بالأب الطيب الذكر الدكتور يوسف حبّي الغني عن التعريف إذ إنني إبن خاله بصلة النسب ـ ـ لا أريد التفاخر والمزايدة على هذا يا سيدي الكريم ولكنني رغبتُ بإعطاءك بعض المعلومات التي ربما كنت تجهلها حينما رميتَ بالحجارة في الظلام فلم تصيب الهدف أو التخمين الذي تنشدهُ ، كما وانّ محاججتي بجهلي بالمذاهب فأقول لك من انّ لك الحق أنت والسيد مرقس إسكندر الذي إتهمني مشكوراً بالوثنية بهذا الإعتقاد لأنني لم أكن واضحاً بشكلٍ كافٍ بما قصدّتهُ .
يقول المؤرخ الجليل جورج البناء في كتابهِ الأول من الموسوعة الكلدانية "تاريخ الكلدان" والذي إعتمد فيه على مئات المراجع العربية والأجنبية(3):
( أوفد البابا أوجينيوس الرابع ـ بابا روما ـ المطران قولاسايس الى قبرص لإقناع نساطرة قبرص للأتحاد مع كنيسة روما، فأفلح هذا المطران بإقناع طيماثاوس مطران قبرص ، فأعلن صورة إيمانه الذي يعلن فيها إتحاده مع كنيسة روما. والتي تبدأ " أنا طيماثاوس الطرسوسي مطران الكلدان الذين في قبرص ـ ـ ـ " وقررها أمام المجمع اللاتراني . فأصدر أوجنيوس براءتهُ المشهورة في 7 آب 1445م ، التي تنص على تسمية النساطرة المتحدين مع كنيسة روما أو المتكثلكين بالكلدان وجرت هذه التسمية منذُ ذلك الحين ) إنتهى الإقتباس .
أترك للقارئ اللبيب تفسير هذه الفقرة ، فأنا لستُ لبيباً !!
ولكنني أقول لك كان من الخطأ الموافقة على إقحام إسم قوميتنا بإطلاقه على النساطرة المتحدين مع كنيسة روما وعلينا السعي الى توضيح هذا اللبس في المعنى .
في نهاية رديّ هذا ، أشكرك جدّاً يا سيدي الكريم على نعتي بالموضوعية والحضارية والرقي في المستوى كتابياً وثقافياً وتأدباً وإنتماءاً الى النُخب المثقفة الواعية من أبناء شعبنا تارةً.
ونعتي تارةً أخرى بالتواطئ والفراغ المعرفي والأدبي ـ ـ الخ ، ومعذرتي لك والى كل إخواني ( وأقولها بصدقٍ ) الكتّاب والأدباء المنظوين تحت راية الإتحاد أو الذين خارجه ممن أثارهم هذا المقال ومسّ مشاعرهم القومية التي أؤمن بها كما أنتم وسيكون ردّي هذا الأول والأخير حتى وإن إستمريت في شتمي "فالإناء ينضحُ بما فيهِ" فلستُ راغب في الدخول في مماحكاتٍ ومجادلاتٍ أفلاطونيةٍ وإنني أحترم آراء الجميع وأؤكد مرة ثانية وعلى رؤوس الأشهاد بأنّ ليس لي أي إرتباط لا من قريب ولا من بعيد بأية جهة ضد إتحادكم الموقّر أو ممن يعملون ضد أهدافكم ، حيثُ أن لي تواصل مع نُخبة قليلة  من ذوي المعرفة ولها مكانتها الأكاديمية والمعرفية في العراق قبل مغادرتهِ وفي المهجر بعد هجرتهم اليه وهذه النُخبة بعيدة كل البُعد أيضاً عن هذا الصراع. ورجائي الأخير أن لا ترفع قلمك سيفاً بوجه من هو منكم قبل التأكد من انّ الذي يكتب كان يكتب بدافع النيل من إتحادكم الموقّر أو الذي يكتب لغاية نبيلة وإنني إذ أكنّ ُ لإتحادكم ولإعضاءه والمنتمين اليه والمساندين له جُلّ الإحترام والتقدير كما للإتحادات والتجمعات الأخرى ، فليس بالضرورة من لم يكن معكم في الإتحاد فهو ضدّكم ، فعلى العكس أنتم في طور بناء الإتحاد والكثير من المثقفين والكتّاب في حالة من الترقب لأعمالكم ويقفون في منتصف الطريق ليقرروا ما إذا كان من الأصلح الإنضمام اليكم وتوحيد صفوفهم معكم أم البقاء خارج الآتحاد وهو حق مشروع للجميع فالإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضيّة، وكم تمنيتُ أن يكون تعقيبك(البسيط )هذا ذو مسحة سياسية ودبلوماسية وذو كياسة تليق بخيرة أبناء شعبنا الكلداني من إخواني الكتّاب والمنظوين تحت راية الإتحاد خاصة وإنك كما ذكرتَ وعرّفتَ نفسك في نهاية التعقيب من إنك عضو الهيئة التنفيذية للإتحاد وربما ستكون يوماً موفداً ومرشحاً من الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان لمفاوضة ومحاججة من يختلف معنا بالرأي ، حيثُ ستمثل حينها ليس الإتحاد فقط ولكن كل الأدباء الكلدان بما يحملوه من خصائص أدبية رفيعة وستمثل أيضاً شعبنا الكلداني بتاريخه المجيد وكذلك ستعكس قيمة الشهادة الأكاديمية الرفيعة في الآداب التي تحملها . أقدم التهاني القلبية الصادقة ومن خلال هذا الرد الى كل الكتّاب والأدباء الأعضاء في إتحادكم بحلول الذكرى السنوية على إنبثاقه وحسب علمي ستصادف في الثالث عشر من تموز الحالي . 
وقد حرصتُ أن يكون ردّي هذا محصوراً بموقع عينكاوة جواباً على تعقيبك في الموقع نفسه .

الهوامش :

(1)   الحَضَر: تشمل المُدن والقرى والقصبات التي إستقرّ فيها الإنسان منذُ القِدم وترك الترحال .
(2)   راجع إنجيل متى فص 52:26 وتقول بعض المصادر إنّ التلميذ كان بطرس غير أنّ إنجيل متى لم يذكر بصريح العبارة في هذا الفصل ذلك .
(3)   راجع الكتاب الأول من الموسوعة الكلدانية للمؤرخ الجليل جورج البناء ، حيثُ أعتمد في موسوعته على 391 مصدراً عربياً و83 مصدراً إنكليزياً و64 مصدراً فرنسياً .     

     

156
قـُل ولا تَقـُل في تسمية الإتحاد العالمي للكتّاب والأدباء الكلدان ؟

بقلم : سالم إيليا

بعد أن تكرر إسم الإتحاد العالمي للكتّاب والأدباء الكلدان وحضوره المستمر في المواقع الألكترونية والنوادي الثقافية والإعلامية ، أرتأيتُ أن أجلب إنتباه إخواني الكتّاب والأدباء المنظوينَ تحتَ راية الإتحاد الى ضرورة مراجعة تغيير إسم الإتحاد ليتطابق مع ما يؤمنون بهِ من أنّ الكلدان كقومية والمنتشرين حول العالم ينحدرون من أصلٍ واحدٍ عاشوا ولا يزال القسم الكبير منهم يعيش في بلادِ ما بينَ النهرين ( بلاد وادي الرافدين ) على الرغم من هجرةِ البعضِ منهم منذ الربع الأول من القرن الماضي وحتى يومنا هذا الى بلدانٍ عديدةٍ في العالمِ(1) وهذا ما يتقاطع مع التسمية الحالية لإتحادهم الموقّر .

فعندما نقول الإتحاد العالمي للكتّاب والأدباء الكلدان فإنّ المعنى اللغوي الذي يخطر على بال القارئ الكريم من أنّ الكتّاب والأدباء الكلدان والمنتمينَ الى هذا الإتحاد هُم من منابعٍ وأصولٍ مختلفةٍ وذات تراث وثقافات يختلف بعضها عن البعض الآخر وقد جمعهم الأتحاد تحت تسميتهِ فأصبحَ ( عالمياً ) ومثلهُ كمثل تسمية الإتحاد العالمي لمنظمات المجتمع المدني والإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة والذي يجمع تحت خيمته الصحفيين من أتباعِ المذهبِ الكاثوليكي المسيحي والمنتمين الى بلدانٍ وثقافاتٍ مختلفةٍ حتى وإن توحدوا في إنتماءهم المذهبي وكذلك الإتحاد العالمي لنقابات العمال والذي يجمع العمال من دولٍ وقومياتٍ مختلفةٍ والإتحاد العالمي للمهندسين ـ ـ ـ الخ . 
إذاً فالتسمية الحالية ربما تصُحّ إذا ما قصدنا الكتّاب والأدباء من المذهب الديني الكلداني والذينَ ينتمون الى قومياتٍ ودولٍ عديدةٍ ، فهنالكَ أتباع للمذهب الكلداني الكنسي في العراق وسوريا والأردن وتركيا وإيران والصين والهند وسابقاً في قبرص وهضبة التبيت ـ ـ ـ الخ (2) ، وهذا ما لا يقصدونهُ أعضاء الإتحاد العالمي للكتّاب والأدباء الكلدان حين أطلقوا أسم إتحادهم وحسب َما أظنُ .
لِذا فمِن الأصح والأصلح لغوياً أن نقول مثلاً الإتحاد العام للكتّاب والأدباء الكلدان في العالمِ أو إتحاد الكتّاب والأدباء الكلدان حول العالم ، وبهذا يُعطي الإسم تفسيراً لغوياً أكثر وضوحاً مِن أنّ أعضاءه المتواجدين على بقاع مختلفة من أرجاء المعمورة ينتمون الى أصلٍ واحدٍ وقوميةٍ واحدةٍ وينحدرون من بلدٍ واحدٍ والمنتشرين في العالمِ بعد هجرتهم من بلدهم الأصلي إضافة الى إستمرار تواجد قسم منهم في بلدهم الأصلي الذي هو جزء من هذا العالم ، وهذا ما يؤمن بهِ أعضاء الإتحاد ولِحَد علميَ ، وكذلك تبقي هذهِ التسميات الأتحاد محتفظاً بـ ( عالميته )،  أي يكون باب الإنتماء اليه مفتوحاً لجميعِ الكتّاب والأدباء الكلدان المتواجدين على أية بقعةٍ من العالم ومثله كمثل إتحاد نساء العراق في العالم أو إتحاد المصريين في أوربا ـ ـ ـ الخ، ففي المثلين السابقين هنالك وضوح لغوي في التسمية .

كما أطلقت بعضاً من التجمعاتِ ذاتِ الأنشطةِ الثقافيةِ أو العلميةِ أو الأدبيةِ على نفسها كلمة المَجْمَع : وجمعه مَجَامِع أي موضع الجَمْع أو الإجتماع ومنهُ جاءت تسمية المَجْمَع العلمي ، حيثُ أنّ الإسم "علمي" يطلق على الجماعات الأدبية والعلمية والفنية .
وفي النهاية فإنّ الأمر أولاً وأخيراً يعود الى أعضاء الإتحاد في تقرير ما يصلح لتسمية إتحادهم .

وفّقَ الله كلّ التجمعات التي تسعى لغاياتٍ نبيلةٍ ، وللإخوة أعضاء الإتحاد العالمي للكتّاب والأدباء الكلدان تقديري وإحترامي ووفقهم الله في أهدافهم .

الهوامش:
(1)   راجع كتاب "العصور القديمة" للدكتور جايمس هنري براستد في الفصل الخامس "الآشوريون والكلدانيون" / الإمبراطورية الكلدانية : الإمبراطورية السامية الأخيرة.
(2)   راجع الكتاب الأول "تاريخ الكلدان" /الصفحات 89-92 ، والكتاب الثاني "سلسلة بطاركة الكلدان" /الصفحات 82-92 من " الموسوعة الكلدانية" للمؤرخ القدير جورج البنّاء.







 

157
الى الإعلامي الفاضل ماجد إيليا ـ ـ ـ مع التقدير
بقلم سالم إيليا:

قرأتُ مقالك المعنون " الطول×العرض = دهليز مسدود أمام أبناء شعبنا " وحيثُ إنني أحييّ فيك بكل محبة وإخلاص هذهِ الجرأة المحسوبة بدقّةٍ لوضع النقاط على الحروف والتي أتمنى أن يحذو حذوها جميع كتّابنا وأصحاب القلم مِنَ المثقفين لإيقاف التراشق بمختلف    أنواع ( الأسلحة ) المحرّمة منها والغير محرّمة ، والتي غالباً ما يكون الهدف من هذا التراشق المصلحة الشخصية للفرقاء ولكنَ تبعاته تعود بالويلات على ديمومة تواجد شعبنا على أرضهِ وأرضِ أجدادهِ ، لا بل يُعطي الفرصةَ على طبقٍ من ذهبٍ لِمن وضعَ أجِندته لتهجير شعبنا للإستفادة القصوى مِن هذا الصِراع الغير مُبرر والذي لا يستند على أيّ مِن الحقائق التاريخية التي فرّقت ثمّ جمعت أبناء الشعب الأصيل الذي تواجد منذُ آلاف السنين على أرض العراق وما حوله .

لقد تطرقتُ في مقالي المعنون " أنا العراقي مَن سأنتخب " والذي دفعتهُ للنشر عبر مواقعنا الألكترونية قـُبيلَ الإنتخابات العراقية التي جرت في السابع من آذار الجاري الى أننا كمكوّن أصيل من مكونات الشعب العراقي تقع علينا مسؤولية كبيرة في تعزيز مبدأ الإنتخابات وذلك بعدم إعطاء أصواتنا إلاّ للمرشحين الذين يتمتعون بتلك المؤهلات الأساسية لأيّ مرشّحٍ في العالم المتحضّر والتي أعتبرها البعض ضرباً من الخيال !!! وفي هذا الزمن بالذات وتحديداً في عراق اليوم ، حيثُ إنقلب الموازين وأصبح الطبيعي من الصفات الواجب توفرها في أيّ مرشّح هو الخيال بذاته !!! .
وقد فهِمَ البعض القليل مِمنْ ذكرتهم أنتَ يا سيدي الكريم في مقالك آنف الذكر من إنني أشجع الناخبين على عدم الإنتخاب !! لا بل ذهبَ البعض منهم الى الإعتقاد بأنّ مقالي السابق يدعو الى مقاطعة الإنتخابات !! حينَ عددتُ الصفات الأساسية الواجب توفرها عند أي مرشّح بغض النظر عن قوميته أودينه أومذهبه أو طائفته لنيل ثقة الناخب الذي يتحمل بدوره المسؤولية الأخلاقية لإعطاء صوته للمرشّح المؤهل لقيادة قارب النجاة الى بر الأمان . إذ كان الهدف من المقال الذي نشرتهُ دعوة المرشّح للإرتقاء والسمو الى مستوى تلك الصفات والواجب توافرها كحد مقبول للترشيح ، ولم يكن الهدف من المقال ( تحريض ) الناخب علىعدم الإنتخاب أو مقاطعته .
فالإنتخابات ظاهرة حضارية تقع علينا جميعاً مسؤولية ديمومتها ولكن بمبدأ النزاهة في ترشيح من هو المؤهل فعلاً لتمثيل الشعب ولدعم الغاية التي سُنّ من أجلها قانون الإنتخاب في البلدان المتحضّرة التي سبقتنا اليه والذي يحاول بلدنا العراق أن يتبعها بعد قرون طويلة من القهر والتخلف وبالتحديد بعد إندثار حضاراته القديمة على أيادي المحتلّين .
 
بوركت وسلِمت جهودك وجهود كلّ الأقلام الشريفة التي تسعى الى لَمْ شمل جميع الفرقاء وتشجيعهم على نبذ التعصب والجلوس حول مائدة مستديرة لأختيار المرشّح المؤهل لتمثيل الجميع ولتكن أقلام كتّابنا ومثقفينا أوتاد الحبال للخيمة المشتركة التي ستضم الجميع وعندها سنجد أبناء شعبنا سيسارعون من تلقاء أنفسهم الى صناديق الإقتراع دون الحاجة الى ترغيبهم بالأكاذيب الملفّقة والوعود المزيّفة لغدٍ مشرقٍ ربما سوف لا تشرق الشمس فيهِ أبداً .
 
     

158
يا أهل الإرهاب ـ ـ ـ يا أهل الفِسْق والخراب

بقلم سالم إيليا :

المقدمة :

لقد طفحَ الكيل وبلغَ السيلُ الزبى ـ ـ ـ فقد نفذ صبر العالم ومحبي السلام على أفعالِ هؤلاءِ الأوغادِ حتى بات الصبر أضعف الإيمان على الأعمالِ المنكرةِ التي يقوم بها نفر ضال إرتضوا لأنفسهم أن يكونوا الأداة الرخيصة بيد المتآمرين على الدين ومبادئه الإنسانية السمحاء ، وزادهم غيّهم وإجرامهم زهواً بما يفعلون نتيجة الموقف السلبي والصمت المطبق لذوي الشأن والمسؤولية .
وأنتم يا أهل الموصل الحدباء وأخص بالذكر منكم الغالبية الساحقة من المسلمين الشرفاء ذوي التاريخ المجيد والصفحات المشرّقة في سفر العراق وتاريخه الخالد ـ ـ ـ الى متى تبقون مكتوفي الأيدي وأنتم تشاهدون في كلّ يوم تشويه تاريخكم وسمعتكم ودينكم وتحجيم نخوتكم وشهامتكم على أيدي هؤلاء الأنذال .
فبعدما كانت أسماء الموصل الحدباء ونينوى وأم الربيعين سمفونية العالم وأغنيته التي كان يرددها ويتغنى بتاريخها وماضيها وحضارتها كل البشر ، أصبحت أسمائها اليوم مثار إشمئزاز وتقزز يُذكرُ في كل المحافل الدولية للتنديد بما يحدثُ فيها من قتلٍ وإغتصابٍ وتهجيرٍ .
حيثُ إننا جميعاً على ثقةٍ أكيدةٍ من أنّ واقعة الإغتصاب و إنتهاك أعراض الضحايا قد تمّت على أيدي الأرهابيين ، ولكن جرى التعتيم عليها لِما لها من حساسيةٍ في مجتمعِ الموصلِ المحافظ ِ . والواقع يقول من إن الذي يحدث يومياً من عملياتِ إغتصابٍ وقتلٍ وتهجيرٍ والتي تطال المسيحيين المسالمين في الموصل ما هي إلاّ وصمة عار على جبين حُماة البلدة ووجهائها وأصحاب القرار والمسئوولية فيها .
وها أنتمُ يا أهل الموصل تسمعونَ وتشاهدونَ كيفَ تنتهك الأعراض بإسم الدين ويُقتل الأبرياء نساءاً وشيوخاً ـ ـ أطفالاً وشباباً ـ ـ الم تُحرّك هذهِ الجرائم فيكم نخوتكم بعد !!! ـ ـ الم تتصاعد بعد دماء الغيرة العربية التي تتباهون بالإنتماء اليها !!! ـ ـ الم يُخجلكم ما يفعلهُ الرعاعُ واللصوصُ وقطاعي الطرق المحسوبين عليكم والذين يتستر عليهم البعض القليل منكم ويهيئون لهم الرعاية والحماية .

الله أكبر على الإرهاب ـ ـ ـ الله أكبر على كلِ شيطانٍ أخرسٍ يرى المُنكر من الأعمال ولا يقف بوجههِ وهو القادر على ذلك ـ ـ ـ الله أكبر على كلِ من يكون الحاضنة والملجأ لهؤلاء الإرهابيين .

- فيا أهل الإرهاب ـ ـ ـ يا أهل الكفر والفسق والخراب :

- يا مَنْ تتحايلون على الدين وأفعالكم أفعال شياطين .
- إمامَكُم ـ ـ خنزيركم ـ ـ مُلهِمكم أسامة ـ ـ أرضعتهُ قطامة(1) ـ ـ أفكارهُ هَدّامة ـ ـ إجرامهُ علامة ـ ـ نهايتهُ الندامة ـ ـ وسيرمى في القِمامة .
- ظاهركم إنسان ـ ـ باطنكم حيوان ـ ـ وفعلكم جبان .
- طعامكم أشلاء الأبرياء ـ ـ شرابكم دم الشهداء ـ ـ همّكم مضاجعة النساء ـ ـ تستحقون الهِجاء ـ ـ والنبى الكريم منكم براء .
- شعاراتكم زائفة ـ ـ حُججكم باطلة ـ ـ وعقيدتكم زائلة .
- دُستوركُم أبكم ـ ـ مَسمعكُم أصّم ـ ـ وطريقكُم أظلم .
- أصيلكم خليط ـ ـ شريفكم لقيط ـ ـ وتاريخكم سقيط .
-  لِباسكم جلباب ـ ـ مبدأكم هباب ـ ـ هدفكم سراب ـ ـ وغايتكم الخراب .
- صغيركم سافر ـ ـ كبيركم فاجر ـ ـ وكهلكم عاهر .
- إمهاتكم ساقطات ـ ـ زوجاتكم فاسقات ـ ـ وبناتكم شبقات (2) .
- تنامون في الكهوف ـ ـ تعتاشون كالخروف ـ ـ وبدركم في خسوف .
- تمارسون الفجور ـ ـ تسكنون القبور ـ ـ وتكرهون النور .
- قادتكم بهائم ـ ـ يلبسون العمائم ـ ـ يكرهون الكرائم ـ ـ وقد تجاوزوا كلّ الحرائم .
- تكرهون الحياة ـ ـ لأنكم أموات .

الهوامش :

(1)   قطامة : هي قطامة بنت الأخضر التيمية التي إشترطت على إبن مُلجم بثلاثة الآف درهم ووصيفاً وخادماً وقتل الإمام علي بن أبي طالب مهراً للزواج منها .
(2)   شبقات : ومفردها المذكّر شَبـِق : أي إشتدّت شهوته الفاسدة .

159
أنا العراقي مَنْ سأنتخب ؟

بقلم سالم إيليا :

إنّ المتتبع لنشأة وتطورِ الحضارةِ على مرّ العصور لابدّ أن يقف عند الحضارة العراقية ومساهماتها في ترسيخِ القيمِ الحضاريةِ والإنسانيةِ من خلالِ سنّ القوانين والدساتير ، فقد كان الإنسان العراقي السبّاق في سن أول دستور عرفتهُ البشرية والمتمثل بمسلةِ حمورابي الشهيرة ، وحيثُ إننا جميعاً ندّعي بإنتماءنا الى الإنسان العراقي الأول والذي كانَ لهُ الفضل في نشر وترسيخ تلك المفاهيم والقِيم ، لِذا فمنَ الأجدرِ بنا تطبيق ما فَعَلهُ مَنْ نتفاخر ونتسابق بالإنتماء اليهم على أرضِ الواقعِ والمتمثل بأعلى درجاتِ الممارساتِ الحضاريةِ وهي الإنتخابات .

وعليهِ فأنا العراقي أنتخبُ :

-   كلّ مرشّح يسعى لجلاء الإحتلال وعودة السيادة والقرار الوطني .
-   كلّ مرشّح لا يأتمر بأمر ( الغرباء ) وإنما يأتمر بأمر العراق والعراقيين .
-   كلّ مرشّح يؤمن بوحدة العراق أرضاً وشعباً .
-   كلّ مرشّح يرفع شعار العراق أولاً وأخيراً .
-   كلّ مرشّح يمثل العراقيين بكل أطيافهم والوانهم ويكون قاسماً مشتركاً بين كل أبناء الوطن الواحد وليس ممثلاً عن هذهِ الطائفة أو تلك .
-   كلّ مرشّح يؤمن بالتعددية وإحترام الرأي الآخر .
-   كلّ مرشّح لم تتلطخ يديهِ بدماء الأبرياء من أبناء شعبنا .
-   كلّ مرشّح يسعى لبناء العراق وأخذ موقعه بين الدول الحضارية والمتقدمة .
-    كلّ مرشّح يؤمن بالديمقراطية وحكم القانون .
-   كلّ مرشّح يسعى لتغيير الدستور الطائفي ليحلّ محلّهِ دستور حضاري ووطني لكل العراقيين .
-   كلّ مرشّح يؤمن بالحرية المكفولة بالدستور .
-   كلّ مرشّح يؤمن بالتطور العلمي والحضاري والإنساني ويسعى لأخذ العراق لموقعهِ الطبيعي بين الأمم .
-   كلّ مرشّح يؤمن بمبدأ فصل السياسة عن الدين ويتبنى شعار " الدين لله والوطن للجميع " .
-   كلّ مرشّح يتجرد من الأحقاد ويؤمن بالتسامح والغفران لِمنْ أخطأ بحقِ الآخرين من أبناء العراق ويرفع شعار " عفى الله عمّا سلف " للبدأ بحقبة جديدة من تاريخ العراق .
-   كلّ مرشّح لا يؤمن بالإنتقام وذلك لإيقاف عجلة الثأر التي تدور رحاها لتطحن المزيد من العراقيين .
-   كلّ مرشح يحارب الفساد بكلِّ أنواعهِ وأشكالهِ
-   كلّ مرشّح لم يدخل في جيبهِ أيّ مالٍ حرامٍ .
-   كلّ مرشّح لا يستغل مركزه الوظيفي فيما بعد للإثراء السريع وسرقة مال الشعب .
-   كلّ مرشّح يؤمن بمبدأ " الشخص المناسب في المكان المناسب " .
-   كلّ مرشّح يحترم حقوق المرأة ويحارب القوانين الجائرة التي تعتبر المرأة مصنعاً ( للتفريخ ) وحوضاً للـ ( التفريغ ) .
-   كلّ مرشّح يسعى لرفاهية الشعب العراقي الذي عانى ولسنواتٍ طويلةٍ من البؤسِ والحرمانِ والعذابِ .
-   كلّ مرشّح لا يطرح الشعارات المزيّفة والبرّاقة .
-   وأخيراً كلّ مرشّح لا يؤمن بالقوانين الوضعية والأعراف الإجتماعية البالية والمتخلِفة ، ويؤمن بأنّ العشيرة هي الوحدة الإجتماعية الأهم والركيزة الأساسية لدعم قانون الدولة وليس التجاوز عليهِ .

فهل من مرشّح مِن بين المرشحين مؤهل للفوز بصوت العراقيين ـ ـ ـ إنني أشكّ في ذلك !!!

160
كتاب" العصور القديمة " مَرجع مهم للمؤرخين




بقلم : سالم إيليا

كُنتُ قد ذكرتُ في المقال السابق " هل إنّ أصل الحجاب آشوري " بأنني سأتطرق الى أحد المراجع الرئيسية التي إستقيتُ منها بعض الحقائق التاريخية عن أصل الحجاب وهو كتاب " العصور القديمة " للدكتور جايمس هنري براستد أستاذ تاريخ الشرق ورئيس دائرة اللغات والعلوم الشرقية في جامعة شيكاغو وعضو أكاديمية العلوم في برلين سنة 1926 م وهي سنة تعريب هذا المَرجع .

ومن خلال تصفحي وقراءتي لبعض الأقسام والفصول التي يحتويها الكتاب شعرتُ بالقيمة التاريخية والجهد الكبير الذي بذلهُ المؤلف والذي كان عالماً في الآثار والتاريخ الشرقي ، إذ يُعتبر في ذلك الزمان أعظم مؤرخ أمريكي كَتَبَ عن تاريخ الشرق .
وحيثُ أنّ هذا الكتاب بنسختهِ الإنكليزية كانَ قد الّفهُ الدكتور جايمس للإستفادةِ منهُ كمرجعٍ في تاريخ العصور القديمة للطلبة الدارسين في الولايات المتحدة الأمريكية معتمداً على المعطيات والبراهين العلمية والدلائل الآثارية التي تمّ العثور عليها والتي لا تقبل التأويل أو الشك ، لِذا أرتأت دائرة المعارف العراقية وشقيقتها في فلسطين تكليف الأستاذ هَرُلْد( هارولد ) نِلسن أحد أساتذة التاريخ في جامعة بيروت الأمريكية بتنقيح وتحرير هذا المرجع ليلائم الطلبة الدارسين في المدارس الثانوية في كلا البلدين ، حيثُ أوعزَ الأستاذ نِلسن بعد الإنتهاء من تنقيحه الى الأستاذ داود قربان والذي كان أحد أساتذة جامعة بيروت الأمريكية الى ترجمتهِ الى اللغة العربية ، إذ إنتهى من ترجمتهِ في الخامس عشر من شهر آب سنة 1926 م وتمّ طبعه في نفس السنة ليكون في متناول أيدي الطلبة الدارسين في المدارس الثانوية في العراق وفلسطين .

يتألف الكتاب في نسخته الأصلية (الطبعة الأولى) من(487) صفحة تحتوي على ثمانية وعشرين فصلاً موزعة على خمسةِ أقسامٍ ، يُبين القسم الأول منها تاريخ الأوربيون الأقدمون والقسم الثاني يتكلم عن تاريخ بلاد الشرق ( تاريخ الفراعنة وبلاد آشور والكلدان ) ، أمّا القسم الثالث فيتكلم عن الحضارة اليونانية والقسم الرابع يتطرق الى تاريخ بلدان البحر المتوسط في العصر الهليني والإسكندر وجمهورية رومية وأمّا القسم الخامس والأخير فيغطي تاريخ الإمبراطورية الرومانية .

الكتاب بمحتواه يُعتبر وثيقة تاريخية ومرجع تاريخي مهم للأسباب التي سأوردها والتي جعلتني أعتمد على هذا المصدر في بحثيّ عن بعض المعلومات التاريخية المهمة والتي تخص منطقتنا الشرق أوسطية وآسيا الغربية بشكلٍ عام وبلاد ما بين النهرين بشكلٍ خاص ، حيثُ أنّ :

المؤلف الدكتور جايمس هنري براستد كانَ من أنزه وأعظم علماء التاريخ والآثار والمؤرخين الذين كتبوا في تاريخ العصور القديمة وتاريخ الشرق وآسيا الغربية والشرق الأدنى حصراً وكانت لهُ مكانتهِ العلمية المرموقة في جامعات الولايات المتحدة وفي العالم ، وقد كان من علماء التاريخ القلائل الذين وقفوا بشدّة ضدّ َ تزوير التاريخ ونهب آثار الشرق والإتجار بها ، كما كان لهُ الفضل الكبير في تعريف الغرب على حضارة الشرق وتاريخهم القديم .

كما وإنّ تأليف الكتاب جاء في وقتٍ لم تكنْ فيهِ الصراعات الإثنية القومية والدينية والدولية السياسية قد أخذت الحيّز الكبير من إهتمام العالم ، لذا فمن المُستبعد أن يكون المؤلف قد تأثرَ بأي إتجاه أو ضغط من هذا الجانب أو ذاك ، وكما ذكرتُ فلقد إعتمدَ المؤلف في تأليفهِ لهذا المرجع على الإكتشافات التاريخية من آثارٍ عمرانيةٍ ومخطوطاتٍ وأدوات قديمةٍ كان قد إستخدمها الإنسان في ذلك الوقت كأدلّة مادية لإثبات بعض النظريات التي ذهبَ اليها علماء التاريخ في تفسيرهم لنشأة وتطور أولى الحضارات في العالم والتي تركزت معظمها في المنطقة الواقعة في الهلال المخضّب أو الخصيب وخصوصاً حضارة أجدادنا في بلاد ما بينَ النهرين ( سهل شِنعار الذي بات يُعرّف بسهل بابل ، وسهل نينوى ) وشمال أفريقيا (حضارة الفراعنة) .

إضافة الى ذلك إحتواء المصدر على الخرائط والمخططات التوضيحية المهمة وكذلك الصور والرسوم والأشكال للأثار التاريخية التي وجدها الآثاريون أثناء بحثهم وتنقيبهم عن الآثار .

كذلك جلب إنتباهي حيادية الكتاب في طرحه للحقائق التاريخية المدعومة بالبراهين وذلك لإعتماد مؤلفه المهنية العالية في البحث والتقصي لبيان أصل الأقوام التي أنشأت أولى الحضارات في العالم ودورها الحضاري وإنعكاسه على الحضارات الحديثة .

وأخيراً إعتماد الكثير من المؤسسات العربية الأدبية المهمة وكتّابها على المعلومات التي وردت في "كتاب العصور القديمة" كمرجع مهم لبحوثهم ومقالاتهم ، حيثُ إعتمد الدكتور نجاح محمد في أحدى مقالاته والمعنونة بـ " صيرورة التزوير والتصحيح " والمنشورة في العدد الثالث السنة الأولى صيف 1998م في مجلّة الفكر السياسي الفصليّة التي تصدر عن إتحاد الكتّاب العرب بدمشق على كتاب الدكتور جايمس هنري براستد(1) . كذلك إعتمدت الكاتبة سامية عبد المطلب في مقالها " العلمانية الغربية الى أين؟ " الجزء الثاني والمنشور في مجلة أقلام مصرية في العدد 17 أغسطس/آب لسنة 2007م على نفس المصدر للإستدلال الى ما ذهبت اليهِ في مقالها.(2)

 إنّ الكتاب المترجم الى العربية بطبعتهِ الأولى والذي صدر في شهر آب سنة 1926م يُعتبر من المطبوعات والمراجع الفريدة وهو أول كتاب تاريخي معتمد أصدرته دائرة المعارف العراقية بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1921م يتكلم عن تاريخ العصور القديمة المُعتمِد على الإسلوب العلمي في سَرده للتاريخ والحضارات القديمة والذي أحتفظ بنسختهِ الأصلية التي ورثتها مع الإرث الأدبي الذي تركهُ لي والدي رحمه الله ، وإنني أجهل تماماً كم من النسخ الأصلية لا تزال موجودة وأماكن وجودها والتي أشك حتى وإن وجِدَتْ فهي ربما لا تتجاوز عدد أصابع اليد ، كما وإنني أشُكّ تماماً بإحتفاظ وزارة التربية العراقية في آرشيفها بنسخة أصلية من الكتاب.
كما وإن من المؤكد من أنّ الكتاب بطبعته الإنكليزية يحتوي على معلومات تفصيلية أكثر من طبعتهِ العربية ، إذ  نُقِـّحَت طبعتهِ الأنكليزية لتلائم الطلبة الدارسين في المدارس العراقية والفلسطينية.(3)   



الهوامش:

(1)   إعتمد د. نجاح محمد على الطبعة الحديثة لكتاب "العصور القديمة" والصادرة عن مؤسسة عزالدين  في
بيروت سنة 1983م ولنفس المترجم داود قربان غيرَ أنّ عدد صفحات النسخة الحديثة قد تجاوزت الـ (668) صفحة ، ولا أعلم هل أنّ زيادة صفحات النسخة الحديثة قد جاءت نتيجة تحديث الطباعة أو سعة الصفحة وحجم الكتاب بصورةٍ عامةٍ أم أضافة معلومات نُسِبت الى المؤلف؟
 
(2)   إستدلالي ببحوث بعض المؤسسات ومقالات بعض الكتّاب لا يعني بالضرورة تبنّي مواقفهم وآرائهم وإنما رغبتُ في بيان أهمية إعتماد هذا المصدر من قِبَلْ الباحثين والمهتمين.     

(3)   يذكر المحرّر الأستاذ هَرُلْد نلسن في مقدمتهِ " ولمّا كان المؤلف قد توخى في الطبعة الإنكليزية لهذا الكتاب فائدة الطلبة الأمريكان بنوع أخص إضطرّ المحرّر الى تنقيح الأصل الإنكليزي بالزيادة والحذف مُتوخياً في ذلك فائدة الطلبة من أبناء اللغة العربية ".


161
هل أصل الحجاب آشوري ...!!!

بقلم: سالم إيليا

كُنتُ قد قرأتُ خبراً نَشرتهُ صحيفة عرب 2000 التي تصدر في كندا في العدد (91) لسنة 2003 مفادهُ بأنّ فدوى البستاني المسؤولة بإحدى دور النشر المصرية كانت قد صَرّحت بأنّ كتاب: " قصّة السفور والنُقاب وإختلاط وإنفصال الجنسين عند العرب" للكاتب والباحث الدكتور محمود زناتي أستاذ التاريخ وفلسفة القانون في جامعة أسيوط بمصر قد تصدّر الكتب الأكثر مبيعاً في معرض القاهرة الدولي للكتاب في حينها ، حيثُ تبينَ للباحث بعد دراسته وبحثه لتاريخ النقاب على مرِ العصورِ الى إنهُ ليسَ نظاماً عربياً أو إسلامياً وإنما هو نظاماً ظهر لأول مرّة في بلاد آشور شمالي بلاد ما بين النهرين.

لقد أصبح إرتداء الحجاب مثار جدل وإهتمام للباحثين والكتّاب والساسة والعامة من المسلمين وغيرهم على حدٍ سواء خاصة في السنوات الأخيرة بعدَ أن أقدمت الحكومة العلمانية في فرنسا وبرلمانها على (تحريم) كافة أشكال المظاهر الدينية في المدارس الفرنسية ، فمنعت إرتداء الصلبان الكبيرة الظاهرة للمسيحيين وغطاء الرأس لليهود وإرتداء الحجاب للطالبات المسلمات، مما أثار ردود أفعال كبيرة خاصة عند المسلمين تمثلت بالإحتجاجات والمظاهرات التي نُظِـّمت لإفشال هذا القرار.

وحيثُ أنّ البحث المقدم من الدكتور محمود زناتي كان قد إعتمد على المصادر والمراجع التاريخية في بيان أصل الحجاب والذي إكتشف من خلالهِ انّ النقاب على المرأة دخيل على الإسلام حسب قول الصحيفة التي نقلت الخبر.

ومن خلال بحثي ومتابعتي لبعض المصادر التاريخية ومنها كتاب "العصور القديمة" للدكتور جايمس (جيمس) هنري براستد أستاذ تاريخ الشرق ورئيس دائرة اللغات والعلوم الشرقية في جامعة شيكاغو في الربع الأول من القرن الماضي (1926م) وهو أيضاً تاريخ طبع هذا المصدر المهم(1) والذي كانَ مقرراً للدراسة في المدارس الثانوية في العراق وفلسطين في ذلك الحين .
ذكرَ الدكتور براستد من خلال عرضه لشرائع آشور على أنّ: " كانت الشريعة تحتم على نساء الأشراف والأكابر أن يتخمرّنَ ولا يبرزنَ في الأسواق وبين الجماهير سوافر بلا نـُقـُب . هنا نشأت عادة التحجّب بين النساء وصار لها أهمية عظيمة في بلاد الشرق منذ ُ القديم وحتى الآن " . وحسب قول المؤلف بان شرائع آشور الآصلية كانت (وما تزال) محفوظة في خزانات أقبية المتحف البريطاني منذ ذلك الحين.
ومن خلال هذا الطرح الذي أورده الدكتور جيمس براستد وإعتماداً على الشرائع الآشورية التي عثرَ عليها المنقبون الآثاريون يتبين لنا بان الآشوريين هم:
1- أول من فرض الحجاب على نسائهم.
2ـ أول من أعتبر الحجاب فريضة ملزمة على نساء الأشراف والأكابر دون غيرهنّ من النساء وأدخلوه في شرائعهم.
3- إنّ الغاية من لبس المرأة النبيلة للحجاب لتمييزها على نساء العامة.

بعدها إنتقل هذا التقليد من الآشوريين الى الفرس بعد سقوط نينوى سنة (612) ق.م (2) على أيدي الماديين والفرس من جهة والكلدانيين من جهة أخرى ثم إنتقل هذا النظام الى العرب المسلمين .

وقد طبّق الدين الإسلامي هذه الشريعة بعد أكثر من 2200 سنة من تطبيقها في بلاد آشور (لأن العمل بشرائع آشور كان سارياً منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد وعلى الأرجح داوموا على هذه الشرائع حتى عصر الإمبراطورية الآشورية).
 وقد نصّت الآية الكريمة (59) من سورة الأحزاب في القرآن الكريم:
"يأيّها النّبيّ قـُلِ لأزواجِكَ وبنَاتِكَ ونِساءِ المُؤمِنينَ يُدنينَ عَليهِنّ مِن جَلَبيبِهنّ ذلكَ أدنى أن يُعرَفنَ فلا يُؤذَينَ وكانَ اللهُ غفوراً رّحيماً "
ومن نص الآية يظهر لنا بان الغرض من لبس الحجاب هو للتعرّف على نساء النبي والصحابة والمؤمنين وتمييزهنّ عن الإماء(3) وذلك لكي لا يؤذينَ من قِبل بعض الفـُجّار .
أي تمييز الحرائر من النساء عن الإماء وهو مشابهاً لما ورد في الشرائع الآشورية من تمييز نساء الأشراف عن العامة منهنّ .
ومن الملاحظ من الآية الكريمة بأنها لم تتطرق الى إخفاء الشعر حصراً أو الوجه للمرأة ولكن المفسّرين الإسلاميين بعد ذلك شددوا على أهمية إخفاء الشعر تماماً وذهب البعض منهم الى القول: على كل مسلمة أن تغطي سائر جسدها عدا الوجه والكفـّين وتشدّد البعض الآخر من المفسرين وأعتبروا حتى الوجه والكفـّين "عورة" يُفـَضّل تغطيتهم.
 ويؤكد ذلك الطبري حيثُ يقول في تفسيرهِ للآية (59) من سورة الأحزاب : "يقول تعالى ذكره لنبيهِ محمد صلى اللهُ عليهِ وسلّم يا أيها النبي قل لأزواجكَ وبناتكَ ونساء المؤمنين لا يتشبهنّ بالإماء في لباسهنّ إذا خرجنّ من بيوتهنّ لحاجتهنّ فكشفنّ شعورهنّ ووجوههنّ ولكن ليدنين عليهنّ من جلابيبهنّ لئلا يعرض لهنّ فاسق إذا علمَ أنهنّ حرائر بأذى من قول"(4).
أمّا قتادة فيقول: " كانت المملوكة إذا مَرّت تناولوها بالإيذاء ، فنهى الله الحرائر أن يتشبهنّ بالإماء"(5).
كذلك يضيف مجاهد: " يتجلببنّ فيُعلم أنهنّ حرائر فلا يعرض لهنّ فاسق بأذى من قولٍ ولا ريبةٍ "(6) .
أمّا إبن كثير فيخبرنا في تفسيرهِ: " كان فسّاق أهل المدينة يخرجونَ بالليل .... فإذا رأوا المرأة عليها جلباباً قالوا: هذهِ حرّة فكفـّوا عنها ، وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباباً قالوا: هذهِ أمة !! فوثبوا عليها !!! "(7).

وقد كانت الأعراف الإجتماعية وحتى الدينية السائدة في بلاد الشرق ومنها العراق تنهي المرأة عن قصّ شعرها وتعتبرهُ من المحرّمات أكثر من إظهار الشعرِ من عدمهِ ، حيثُ تصل عقوبة المرأة التي تقص شعرها الى القتل غسلاً للعار !! كما حدث لآول إمرأة قصّت شعرها في الموصل وبغداد في حوالي الربع الأول من القرن الماضي كما وردنا من أحاديث . ولا تزال في الذاكرة الأغنية البغدادية التراثية : " يا بنيّة بنت البيت كصّت شعرها .... الخ "، في حين نجد الآن من انّ الكثير من المحجّبات يذهبنّ الى الصالونات للتبرج وقصّ شعورهنّ ولهنّ في ذلك أعذارهنّ  مِن إنـّهنّ يفعلن ذلك لأزواجهنّ ، وهذا ليس بعيب على ما أظنُ .
وهنالك الكثيرات من النسوة يتحجّبنّ نتيجة لضغوطٍ إجتماعيةٍ تمارس عليهنّ من أزواجهنّ أو أحد أفراد العائلة من الذكور ولتلافي العقوبات القاسية التي تمارس عليهنّ إذا لم يخضعنّ لهذا الأمر !! .
وفي بعض البلدان الإسلامية  يخضع هذا النظام الى قانون رسمي وعرف إجتماعي قاسٍ ربما لا يمت بصلةٍ للغاية التي سُنّ من أجلها هذا التشريع .
وفي معرض حديثي عن الحجاب ومن ترتديه إستذكرتُ مقالاً كنت قد نشرتهُ في المنتديات الألكترونية كان عنوانه : " ذات الحجاب " عرضتُ فيهِ الموقف النبيل لشابة عراقية محجبة التقيتها في الأردن حال وصولي اليه لأوّل مرة عرضت عليّ المساعدة ريثما أتدبر أمري كغريب .

وفي عصرنا هذا عصر التكنلوجيا المتقدمة والعدالة الإجتماعية والقانون الذي يحمي المرأة من الفجّار إذا هم تعرضوا لها وعصر الغاء الرق والعبودية وجميع أشكال التمييز بين النساء الحرائر والإماء والذي سبقنا اليه الدين الإسلامي حين الغى العبودية والفوارق الطبقية ونظام الجواري والإماء ونهى عنهم كما درسنا في المدارس .... أيحق لنا القول بأنّ الغاية من لبس الحجاب قد إستنفذت ؟.... أم إنه لا يزال هنالك ضرورة لتمييز الحرائر عن الجواري والإماء وإذا كانت الغاية منهُ الآن لتمييز المرأة المسلمة عن غيرها من بقية الأديان ، فهل للحجاب ضرورة في بلد نسائهِ كلهنّ مسلمات ؟ .... وهل إذا أراد فاسق أن يتعرّض لأي إمرأة سيمنعهُ حجابها من فعل ذلك كما كان في السابق وهل سيكون الحجاب أقوى من القانون لردع الفـُجّار أم العكس ؟ ..... إذ انّ الصحف المحلّية في البلدان التي يُكثر فيها لبس النقاب تخرج علينا كل يوم تقريباً بقصة في إنتحال أحد الشباب شخصية منقّـّبة للدخول الى حرمات البيوت مستغلاً تحاشي رجال الدار في التدقيق والنظر للتأكد من شخصية الطارق وإفساح الطريق بالسرعة الممكنة للـ (منقـّبة) للتواري عنهم لينفرد منتحل الصفة بعد ذلك بحبيبته في مخدعها وفي عقر دارها على أساس إنها إحدى الصديقات جاءت لتزورها !! وغير ذلك من الجرائم التي يُستغل فيها النقاب لإخفاء الشخصية .

فتحية الى كل مَن ترتدي الحجاب والنقاب إيماناً وقناعة ً وعفـّة ً.
 وتحية مضاعفة  الى كلّ حرة تقاوم تعسف الرجال وتسلطهم بفرضهم الحجاب أو غيره عليها ، فلقد كانت الغاية من إرتداءه لتمييز الحرائر عن الإماء وليس لسلب الحرائر حريتهم في إختيار ما يناسبهنّ من أزياء .

 
الهوامش :

(1)   سأتطرق في مقال لاحق الى هذا المصدر الذي أحتفظ بنسخة منه طُبعَت سنة 1926م.
(2)   يعتقد بعض الباحثين والمؤرخين بانّ سقوط نينوى كان سنة (606) ق.م وهذا غير صحيح ، حيث وجِدَ لوح عن التاريخ البابلي محفوظ في المتحف البريطاني الآن يبين جلياً الفترة التاريخية المحصورة بين (616) ق.م – (609) ق.م .
(3)   الإماء: ومفردها الأمة أي الخادمة والمملوكة .
(4)   راجع تفسير الطبري 45/22 .
(5)   ، (6) راجع تفسير الطبري للآية (59) من سورة الأحزاب .
(7)   راجع إبن كثير : 855/3 . 


162
تفجير الكنائس ـ ـ ـ إطلاق رصاصة الرحمة على السلام والمحبة في العراق/3

بقلم: سالم إيليا

تطرقتُ في الجزئين الأول والثاني من هذا المقال الى أهمية الموقفين الأعلامي القومي والديني في الضغط والتغيير بإلإتجاه الذي يحجّم العمليات الإرهابية ضد أبناء شعبنا المسالم ، أما في الجزء الثالث والأخير فسأتناول الموقف الحكومي والرسمي والذي لم أعوّل عليه كثيراً على الرغم من أهميتهِ في القدرةِ على إيقافِ الهجماتِ الإرهابيةِ ضدَ المسيحيينَ ولكن عدم جدّيته في ذلك وتغيّر موقفه المُعلن حسب مستوى الضغط الدولي والشعبي يجعله عديم الفائدة .

الموقف الحكومي والرسمي :
وأما الموقف الحكومي والرسمي فهو لا يحتاج الى جهدٍ كبيرٍ لإستبيانه.
فالحكومة تسيطر عليها الأحزاب الدينية الرايكالية من هذا الطرف أو ذاك والمعروف رأيها سلفاً ببقية الأديان ، ونظرتهم الى مواطني تلك الأديان نظرة دونية وسلفية عنصرية ، لا بل نجد في أدبياتهم وخُطب مراجعهم العدائية الواضحة وإحلال دم (أهل الذمة) وإمتلاك نسائهم كجواري .

كذلك الصراع العلني والخفي في أحيانٍ أخرى بين تلك الأحزاب جعل إستخدام ورقة إضطهاد وتهجير وقتل المسيحيين هي الورقة الأولى والأكثر تأثيراً على الساحة الدولية من أية ورقةٍ أخرى ، لذا نجد بان الحكومة وعلى رأسها رئيس وزرائها على علمٍ واسعٍ وواضحٍ ببعض الخيوط المُدبّرة لتلك الهجمات ولكنه لا يرغب بإشهار البطاقة الحمراء في وجوههم لأسبابٍ سياسيةٍ لم تعد خافية على أحدٍ ويفضّل التضحية بمكوّن من مكونات الشعب العراقي والذي أساساً كما ذكرتُ بتوازي هذا الهدف مع أهداف حزبه الذي يقوده. أما الموقف أو المواقف العلنية التي يعلنها هو أو بعض من أصحاب القرار في حكومتهِ من إستنكارٍ لهذهِ الهجماتِ على المسيحيين فهي فقط  للإستهلاك السياسي الدولي وللتخفيف من شدّةِ ضغطهِ عليهم .
وللأسف الشديد فإنّ موقفه الريائي هذا وجدَ الصدى عند البعض من أبناء شعبنا ورؤساءهِ !!
فبدل الوقوف بحزمٍ ضدّه ومطالبة رئيس الوزراء بفعلٍ على الأرضِ لمنعِ تلك الهجماتِ ، نجد تصريحات البعض من أبناء شعبنا ورؤسائه متطابقة لموقف وتصريحات الحكومة !!!

فمن الملاحظ من إنّ معظم الهجمات الأخيرة بشراستها ومواقع حدوثها في العاصمة بغداد يعطي أكثر من مؤشر على تأكيد الإتهامات على بعضِ الجهاتِ التي (أتِهمّت) بتنظيمِ هذهِ الهجمات في مدنٍ أخرى وخاصة في مدينة الموصل ، فلربما أرادوا من وجّهتِ اليهم أصابع الإتهام في قتل وتهجير المسيحيين في الموصل أن يبعدوا الشبهة عنهم وذلك بالإيعاز الى مجموعاتهم العاملة في بغداد لتنفيذها وبهذا تكون حُججهم كافية لإيهام المراقبين من أنّ بغداد ليست تحت سيطرتهم ومع هذا حدثت فيها التفجيرات.

وكنتيجة لدخول ورقة تهجير وقتل المسيحيين دائرة اللعبة والصراع السياسي في العراق كورقةٍ رابحةٍ ، فإنّ إحتمال جذب أطراف أخرى اليها والإشتراك بهذه اللعبة القذرة وارد أيضاً ، فالمافيا المحلّية بدأت بالنمو السريع ودخلت كالأخطبوط في كل مفاصل الحياة ، فبيع المسيحيون لممتلكاتهم وحاجياتهم بأبخس الأسعار أسال لُعاب هذه المافيا والتي غالباً ما يكونوا قادتها أعضاء  في الأحزاب والتيارات السياسية المتناحرة ، لذا فإنّ القيام بهذهِ التفجيراتِ من قِبل المافيا المحلّية لإرغام من تبقى من المسيحيين على المغادرةِ وبيع ممتلكاتهم وارد أيضا .

فليس هنالك من عائلة مسيحية إلاّ وتضررت من هذه الأفعال الإجرامية والخسيسة فكاتب هذه السطور له شهيدين قضيا بإنفجار سيارة مفخخة في أماكن تواجد الأكثرية المسيحية في الموصل ومن تبقى من أفراد عائلتي وأقاربي هاجروا الى المجهول بعد تلقيهم تهديدات تحريرية بان عليهم المغادرة وإلاّ القتل سيكون مصيرهم فباعوا ما لديهم بأبخس الأسعار وتركوا وطنهم وموطن أجدادهم بعيونٍ دامعةٍ وقلوب داميةٍ ولسان حالهم يقول:
 
بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ ـ ـ ـ ـ وأهلي وإن جاروا عليّ كرامُ

وحال المسيحيين الآن كحال اليهود العراقيون في منتصف القرن الماضي ، فماذا فعل اليهود ومن بعدهم المسيحيين والصابئة المندائيين واليزيديين ليقتلوا ويهجّروا ، فقد كانوا ولا يزالوا من أخلص المواطنين لبلدهم العراق وأكثرهم حُباً وشغفاً وتعلّقاً بأرضهم وتراثهم وتاريخهم وإنّ جميع الأعمال والأحداث الدموية وعملية تدمير العراق والثورات البائسة كانت من صُنع وتدبير وتنفيذ الأحزاب القومية والدينية الراديكالية ولا يزال العراق يعيش في بحرٍ من الدماء نتيجة أفعالهم وشعاراتهم التي لا تتوافق ومنطق العصر الذي نعيشهُ ، فلولاهم لكان العراق الآن من أغنى الدول في العالم ولكان شعبه الآن من أسعد الشعوب على وجه البسيطة وأكثرها رفاهيةً وإزدهاراً ، ولكن هذه الأحزاب والحركات التي تتسم بالسلفية والشوفينية لا تثبت وجودها إلاّ عن طريق إستخدام القوة والقتل والتدمير ومحاولة توسيع دائرة العنف بالتعرّضِ  للمسالمين من أبناء القوميات والديانات الأخرى حيثُ انّ هذه الأفعال الجبانة تدلل على جوهر أيديولوجيتها وأفكارها ، حيثُ نراها في بعض المراحل تحاول لبس قناع الإنفتاح على الآخر والتلويح بورقة الديمقراطية ولكن الأمر لن يطول كثيراً حتى تعود الى ما هي عليه بالضبط

كتاجر الغيد لا يحلوا لهُ الأدبُ
 



إنتهى الجزء الثالث والأخير                    


163
تفجير الكنائس ـ ـ ـ إطلاق رصاصة الرحمة على السلام والمحبة في العراق/2


بقلم: سالم إيليا

في الجزء الأول من هذا المقال ذكرتُ بإنني أرتأيتُ تصنيف ردود الأفعال حيال ما يجري للمسيحيين على أساس مسؤولية وفاعلية الأطراف المؤثرة ، وقد أبتدأتُ بالموقف الإعلامي ، وفي هذا الجزء أسلّط الضوء على الموقف الديني والذي تقع على عاتقه المسؤولية الكبرى في تغيير المعادلة والتأثير على الأطراف المتورطة أو المتساهلة مع هذا الفعل الإجرامي لإيقافه وهي معروفة وواضحة المعالم .

الموقف الديني:
متمثلاً ببعض التصريحات التي أدلى بها البعض (إكرر البعض) من رؤساء ورجال ديننا الأفاضل والتي كانت كسابقاتها ضبابية ومخالفة للواقع والحقيقة وقد أصابتنا بالإحباط وأكدت لنا بأنّ ما كنّا نخشاه من تأثير تبريرات الحكومة العراقية بأنّ الشعب العراقي جميعه مستهدف قد أخذت بطريقها الى عقول البعض من رجال ديننا وحتى البعض من مثقفيهِ* ، فما معنى أن يتم التصريح وخلط الأوراق من أنّ جميع الشعب العراقي مستهدف !! لا بل قدّمت بعض تصريحاتهم إستهداف الجوامع على إستهداف الكنائس كأنّ المتكلم لا يعود بأي صلة بعلاقته الى شعبه المسيحي ومذهبه الديني وكإنهُ شخص حيادي من خارج الطائفة أو الملّة وقد تناسى البعض من رجال ديننا الأفاضل بأنّ إستهداف الجوامع والحسينيات هو تحصيل حاصل للصراع المذهبي القائم بين طائفتين من دينٍ واحدٍ وهو بديهي لا غبار عليهِ مع إستنكارنا الشديد والمُنا الأشد للضحايا أهلنا وإخواننا العراقيين من أي دينٍ أو مذهبٍ كان ، أما نحن شعبهم المسيحي فماذا فعلنا لتستهدف كنائسنا وليهجّر شعبنا ويُقتل أبناءه وتباع ممتلكاتهم بأبخس الأسعار ، وياريت لم يصرّحوا بأي تصريح سلباً أم إيجاباً ففي بعض الأحيان يكون السكوت من ذهب !! وانا ومع كامل إحترامي الشديد لكلِ رجالٍ ديننا الأجلاء إلا أنّ وضع النقاط على الحروف لا يعني توجيه الإساءة لبعض رجال ديننا ومراكزهم الدينية ولكن النقد والتنبيه وتأشير نقاط الضعف في هذهِ المرحلةِ الحساسةِ مطلوب ، فهم أولاً وأخيراً أناس مثلهم كمثلنا والإنسان خطـّاء وغير معصوم من الخطأ مهما بلغت درجته الدينية والكهنوتية ، إذ إننا هنا نتكلم عن حملة تهجير وترهيب جماعي لشعبٍ أصيلٍ عريقٍ بأكمله فلا مجال للمحاباه الفارغة وتقديم ولاء الطاعة الجوفاء على أساس التخوّف من إعتبار البعض لهذهِ الكلمات تطاول على بعض رجال ديننا ومراكزهم الدينية ، والى متى نبقى نتذكر البعض من رجال ديننا الذين رحلوا وتركوا فراغاً كبيراً خاصة في هذا الظرف ، فنترحّم على سيدنا البطريرك مار بولس الثاني شيخو وعصاه حين رفعها بوجه أزلام النظام السابق لحمايتنا ونترحم على الأب الفاضل الدكتور يوسف حبّي لمواقفهِ الكثيرةِ ـ ـ ـ أفلا خلت كنائسنا من هؤلاء ؟
الجواب كلاّ فلا يزال لدينا من هُم بمستوى مَنْ نترحّم عليهم ونفتقدهم الآن ولكنهم وللأسف الشديد محجّمون يحاولون إرسال بعض التصريحات والمقالات من هنا وهناك ومعظمهم من خريجي مدرسة الأب يوسف حبّي ولديهم طاقة شبابية هائلة نحن بأمس الحاجة اليها الآن في داخل الوطن وفي أرض الشتات.
وبالآمس القريب كان الشهيد البطل المطران بولس فرج رحّو أحدهم ، ففي هذه الفترة العصيبة ونقولها بملئ أفواهنا نحن بحاجة الى من يحمل صليبه ويتبع سيده من رجال ديننا الأجلاّء .
وأعتقد بأن المتابعين والمثقفين من أبناء شعبنا لاحظوا مدى تشرذم وتخبط بعض القرارات الصادرة من بعض القيادات الدينية وعدم مواكبتها لِما يجري بروح المسؤولية الملقاة على عاتقهم .

وقد صدِمتُ لبساطة الرد لأحد رجال ديننا وهو على درجة دينية كبيرة ويرأس طائفته في أحدى بلدان المهجر حين إتصلتُ به بتكليف من أحد مؤرخينا النجباء والذي إتصل بي طالباً المساعدة بمحاولة (حثّ) رجل الدين الفاضل على إسعاف طلبه بتزويده بمعلومة لا تتجاوز السطر بعدد أفراد طائفته في ذلك البلد لتوثيقها في كتابه المعطّل عن الطبع لفقدان هذه المعلومة!!! ـ ـ ـ فما كان من رجل الدين الفاضل إلاّ ما أبداه لي من (نصح ٍ) في عدم الكتابة في غير أمور الدين وبدلاً من تلبية طلبي وطلب المؤرخ القدير إقترحَ عليّ أن أقوم أنا بهذه المهمة !!! ، أي تقدير عدد أفراد طائفته وإرسالها للمؤرخ النجيب !!! فصدمتُ لجوابه البسيط وقلتُ له بالحرف الواحد " سيدنا أنا لستُ في موقع يؤهلني للإطلاع على سجلاّت الولادات والوفيات والزواج للطائفة فهي بين أيديكم الكريمتين وإن مؤرخنا الجليل معروف بمؤلفاته التاريخية ولا يتدخل بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد لتكون حذراً من تزويده بهذه المعلومة ، حيثُ أنّ كتابه سيكون وثيقة تاريخية تبين في جزءٍ منها أعداد الطائفة حول العالم بعد الذي أصابنا من تهجيرٍ وتدميرٍ " وتمنيتُ في تلك اللحظات أن تنتهي المكالمة معهُ سريعاً وبقيتُ لدقائقَ بعد غلق سماعة الهاتف في حالة من الذهول كإنني كنتُ أتكلم مع رجل دين من دينٍ آخر غير الدين المسيحي المعروف بديناميكيتهِ الفكرية المرنة والمُتحررة** ووجدتُ نفسي وقد وضعته في موقع المقارنة مع رجلِ دينٍ من طائفةٍ أخرى يحمل نفس الرتبة الدينية والذي كُنتُ قد أجريتُ معهُ لقاءاً صحفياً نشرته قبل مدة ليست بالقصيرة على صفحات منتدياتنا الألكترونية والذي أبدى فيهِ المرونة الكبيرة للإجابةِ عن أسئلتي التي كانت حساسة ومهمة حسب رأي بعض أصحاب الإختصاص ، علماً بأنه طلب مني قبل اللقاء عدم التطرق الى السياسة وقد إحترمتُ رغبته هذه.

إنّ الغرض من سرد هذه الوقائع كما أسلفتُ ليس للنيل من بعضِ رجالِ ديننا الأجلاّء ولكن لإشعال الضوء الأحمر لِما وصلنا اليهِ ، فنحنُ الآن شعب بلا وطن مشتتين على بقاعِ الأرضِ ومن بقيّ منّا في الداخلِ مهيأ نفسياً وفعلياً للمغادرة إذ ما إستمرّت تلك الهجمات ، وإذا لم تتم معالجة هذهِ المآسي داخل وخارج الوطن فسنصبح شعب بلا وطن وبلا هوية وسنفقد هويتنا وإنتمائنا بعد سنواتٍ ليست بالبعيدة وخاصة خارج الوطن لنندمج في المجتمعاتِ الجديدةِ والتي قبلتنا كلاجئين فيها!!! .

وسؤالي لبعض رجال ورؤساء ديننا الأفاضل : إذا خسرتم الرعية فعلى من ستكونوا رعاة ؟!!
فناقوس الخطر قد دقّ منذُ زمنٍ بعيدٍ جداً وإنّ بعضنا لا يزال يرفع الجزرة بدلاً من العصا بوجه الطغاة .

* أرجو من البعض من مثقفينا ورجال ديننا أن لا ينجرّوا وراء الدعاية المخابراتية الحكومية بخلط الأوراق على أساس أنّ الشعب العراقي كلّهُ مستهدف فهذا المبرر يؤكد فشلنا وضعفنا في التصدي للمخطط الواضح ويضعف الضغط الدولي لحمايتنا والوقوف معنا ويلغي كل المكاسب التي حققناها بجلب إنتباه المجتمع الدولي ووقوف الكثير من أبناء شعبنا العراقي وخاصة مثقفيه بجانبنا بمقالاتهم الرائعة وأذكر منهم الدكتور الفاضل سيّار الجميل وغيره من الشرفاء.

** قصدّتُ بديناميكيتهِ الفكريةِ المتحررةِ أي بتفاعله وتكيفه مع العصر دون المساس بالثوابت الدينية والإيمانية .


إنتهى الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث والأخير

    

  

164
تفجير الكنائس ـ ـ إطلاق رصاصة الرحمة على السلام والمحبة في العراق/1

بقلم: سالم ايليا

لقد إبتعدتُ عن الكتابةِ في منتدياتنا الألكترونيةِ برهة من الزمنِ لأسبابٍ شخصيةٍ قاهرةٍ وعلى الرغمِ من عدمِ زوال تلك الأسباب ، لابل تصاعدت أكثر بوفاة شقيقة زوجتي رحمةالله بشكلٍ سريعٍ ومفاجئ إلا إنني وجدتُ نفسي مرغماً للعودةِ اليها بعد الذي حصل من إستمرارِ إستهدافِ أبناء شعبنا ودور عبادتهم .
وقد كثُرت الإيميلات والإتصالات المرسلة اليّ من بعض الأصدقاء والجهات التي تربطني وإياهم صلة التواصل الفكري والأدبي ( لحثـّي) على المشاركةِ مع بقية أبناء شعبنا في الإحتجاج والإستنكارِ لِما حدث !!!
وحيثُ إنني لم أتوقف عن متابعةِ نشاطات إخواني وزملائي أصحاب القلم والمهتمين في شوؤننا إلا إنني شعرتُ بان مرسلي الإيميلات يشعرون بإنني أعيشُ في عالمٍ آخرٍ خاصة المطلعين منهم على أسباب إبتعادي عن الكتابة !!! .

وبنظرةٍ سريعةٍ لِمجرياتِ الأمور والتطورات الأخيرة في العراق خاصة بعد (الإنسحاب) العسكري للقوات الأمريكية الغازية من المدنِ والقصباتِ وتمركزها في مناطقٍ وقواعدٍ محددةٍ والتطبيل الذي رافقها من قِبل الحكومة العراقية وأصحاب القرار السياسي فيها على عودة (السيادة) الى العراق ، يضاف اليها بقاء الحال كما هو عليهِ بين الجهاتِ المتصارعةِ على المشاركةِ في السلطةِ يعطينا المؤشر الواضح بأنّ إستهداف المسيحيين سيبقى كورقة ضغط بين هذا الطرفِ المتصارعِ أو ذاك وإنّ الضحية دائماً سيكون شعبنا المسالم المخلص والمحب للسلام ولبلده العراق وشعبه العريق والذي يُعتبر بنسبته المئوية السكانية مع بقية المكونات المحدودة الأخرى صمام الأمان والبارومتر الدولي لمدى تطور العراق واحلال السلام فيهِ ، علاوة على أنّ إستهدافنا دخل في مخططات وتعقيدات كثيرة سياسية محلية وإقليمية ودينية سلفية متطرفة وقومية عنصرية ، يضاف اليها عملية نزوح المسيحيين وبيع ممتلكاتهم أصبحت بحدِ ذاتها تجارة مربحة للمافيا المحلية والتي غالباً ما يشرفُ عليها ويديرها رؤساء وأعضاء معظم الأطراف السياسية المؤثرة في الساحة العراقية ومن داخل الحكومة والمتمثلة بالأحزاب الدينية الراديكالية وبدون إستثناء.

وكمحاولة لتسليط الضوء على بعض ردود الأفعال والتي جاءت بعد الهجمة الأخيرة أرتأيتُ أن أصنّفها على أساس مسؤولية وفاعلية الأطراف المؤثرة في هذه المعادلة وأبدأها أولاً بنا نحن أصحاب القلم والمهتمين في الكتابة ومتابعة شؤون شعبنا ، وأرجو ان تجد كلماتي مكاناً في صدور الجميع والله من وراء القصد .

الموقف الأعلامي :
إنّ ردود أفعالنا نحن المهتمين بالكتابة وردود أفعال وسائل إعلامنا لم تكن بحجم الحدث وهو الأكبر والأشرس منذُ بدأ المخطط بتهجير وقتل المسيحيين وكإننا أنهكتنا المآسي والمصائب ورضينا بالأمر الواقع من أنّ علينا المغادرة الى حيثُ لا نعلم كشعبٍ مشردٍ ضعيفٍ أوالبقاء تحت رحمة من لا يرحم لنلاقي مصيرنا المحتوم ، فمنّا من عزف عن المشاركةِ والإحتجاجِ لأسبابٍ شخصيةٍ ككاتبِ هذا المقالِ ومنّا من أستمرّ في جهده المحموم لمقارعةِ الطرف الآخر من أبناءِ جلدتهِ لبيان من هم الأولى (بقيادة والغاء) الطرف المقابل ومن هم ( الأصل ) والآخرين (توابع)  وتناسى الأهم وهو الدفاع عن المجموع !! ومنّا من إستمر في صبّ جام غضبه وزعله على كاتبٍ آخرٍ لهُ معهُ مواقف كتابية متعاكسة أو ربما أسباب شخصية أو حتى عائلية لا علاقة لها بالنشرِ على صفحاتِ المنتدياتِ الألكترونيةِ ، ومنّا من فضّل الإستمرار في الكتابةِ عن الإنتخابات والقوائم القومية المتنافسة وأملى أن يأتي موعد الإنتخابات القادم ولا يزال هنالك شعب مسيحي قومي في العراق لينتخب هذه القائمة القومية أو تلك !!! ، كما وإنّ هنالك من شهر قلمه وكتب بإخلاص وإيثار قويين ليحثنا نحن الذين عزفنا على المشاركة السريعة كسابقاتها ولفضح الحكومة وتخاذلها في حماية المسيحيين العراقيين من هذه الهجمات المخطط لها ولجلب إنتباه العالم أجمع ووسائله الإعلامية لِما يجري للمسيحيين في العراق وكما فعلنا عند تعرض شعبنا المسالم للهجمات السابقة .       


إنتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني

165
حيرة يقين الأسود بين كرمليس وبغديدا والموصل والمنلوج الموصلّي الذي يُنشر لأول مرّة

بقلم : سالم ايليا

الشعور بالمواطنة والحنين الى بقعة الأرض التي ندعوها الوطن لها أسبابها . فالوطن ليس بالضرورة معناه الرقعة الجغرافية التي تحددها الحدود الدولية بين بلدٍ وآخر ، إذ أن الشعور بالمواطنة والإنتماء الى الأرض وما عليها يأتي من خلال مشاعر إنسانية عديدة تبدأ مِن حيثُ البقاء على بقعة جغرافية معينة حتى وإن كانت صغيرة نسبياً ولفترة زمنية طويلة نسبياً ومن ثُمّ التواصل مع كل ما يحيطُ البشر من مفردات حياتية على هذه البقعة ، إضافة الى العلاقة المصيرية بين المقيمين على تلك الأرض يولّد الشعور بالمواطنة. كما وإنّ الشعور بالمواطنة يأتي أيضاً من خلال العلاقة الحميمية بين مجموعة من البشر ربما تربطهم علاقات الصداقة القوية ، كذلك الشعور بالمواطنة يأتي من خلال الترابط الوثيق والشعور العفوي بين المواطن ومسقط رأسه حتى وإن لم يحيا فيه لفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ ، كل هذه المشاعر تولّدت عند المُعلّم الفاضل الأديب يقين إيليا الأسود حين إستلم أمر نقلهِ من كرمليس الى قرةقوش (بغديدا) سنة 1953م.

فبعدما كان قد تآلف وإستوطن في كرمليس لفترة طويلة إمتدت الى أكثر من عشرة سنوات حين ذهبَ اليها منقولاً بأمرٍ إداري من الخضر والبساطلية في لواء السماوة وذلك للعمل فيها كمعلم لأبناءها النُجباء منذُ بداية الأربعينيات من القرن الماضي وبعدما شعر بشعور المواطنة اللذيذ والممتع بين أهلها الذين أحبهم وأحبوهُ تفاجأ بنقلهِ الى قرةقوش التي يكُنّ لها الحب المماثل كحُبّه لكرمليس حيثُ تربطهُ بأهلها الكرام علاقات صداقة وأخوّة متينة ومنهم أحد أعلامها وأبناءها البررة المعلّم الفاضل المرحوم عبدالمسيح بهنام مؤلف كتاب قرةقوش في كفّة التاريخ ، إذ كان ينعت أحدهما الآخربلقب إبن الخالة . وبين سرور الأستاذ يقين إيليا الأسود بنقلهِ الى قرةقوش حيثُ الأصدقاء وتقريب الخُطى لنقلهِ الى مركز الموصل مسقط رأسه وخوفه من تكرار إرتباطه الوجداني وتعلقه أكثر بقرةقوش وأهلها مثلما حصل له في كرمليس البلدة التي شعر بالإنتماء اليها والى أهلها ، إذ إنه كان يعلم بان نهاية المطاف سيكون إستقراره في مركز الموصل تبعاً لقوانين مديرية المعارف ، لِذا قررَ الجمع بين كل الأماكن التي أحبها وذلك بالبقاء مقيماً في كرمليس والذهاب يومياً على الدراجة الهوائية ( البايسكل ) الى قرةقوش للتعليم فيها وزيارة الأهل ومسقط رأسه أيام العطل في مركز الموصل وبهذا يرضي خلجات نفسه التي تراودهُ في الإحتفاظ بحبه وتواصله مع الجميع. لكن الأقدار لم تمهلهُ الوقت الكافي للتمتع بما كان عليه حيثُ "سارت الرياح بما لا تشتهيه السفن" إذ أصيبَ بحادثٍ وهو في طريقه للذهاب الى قرةقوش وذلك بفقدانه السيطرة في أحد منحدرات التلول وتدحرج الدراجة الهوائية من على سفح التل فأصيب برضوض كثيرة وخاصة ذراعه الأيسر.
لِذا قرر أن يكتب (عريضة) الى مدير معارف الموصل ليضع حدّاً لترحالهِ . وحيثُ انّ العلاقة التي كانت تربطهُ مع مدير معارف الموصل حينذاك المرحوم إبراهيم حسيب المُفتي هي علاقة الأب بإبنه وعلاقة الطالب بأستاذه*، لِذا قرر المربي يقين إيليا الأسود ان تكون عريضته مختلفة عن مثيلاتها المقدّمة من زملائهِ المعلمين لطرح معاناته وذلك بإرسالها على شكلِ منلوج أو شعر شعبي باللهجة الموصلّية الدارجة حتى بين أبناء الأقضية والنواحي والقصبات إضافة لمركز الموصل كلهجة عربية رئيسية فأبتدأ المنلوج والذي أسماه ( البايسكل ) والذي يُنشر لأول مرّة قائلاً :

   

حِغتُ وحَيّغني زمانــــي ـ ـ ـ ـ أنّقـل لو أبقـــــى بمكانـــــي
يوميـاً أنـزل كيلويــــــنْ ـ ـ ـ ـ مِنْ كِثِغْ مشيي عل الغِجلين
ما أعغِفْ أشني النتيجة ـ ـ ـ ـ أبقــــــى لـو الله يفرِجــــــــا
كل يـوم أكـدّي مـِن بيتْ ـ ـ ـ ـ اليغشَعنــي يقلـّـي جَنّيــــــت
تِغشعني غَيّــح جَـيّــــي ـ ـ ـ ـ تـَـيــّـه بـِهَـــــلْ بـَغِيـــــــــــي
وقلبي كلْ وقـتْ تعبــانْ ـ ـ ـ ـ كِـنْ كَصّــت عنـدي لِســــنانْ
مِنْ كِثِـــغْ بَغـْد الصِــبِحْ ـ ـ ـ ـ دوم أتعَثـّـــــغْ وأنكِبــــــــــحْ
غِدتـّو أتعلـّم بايســـــكلْ ـ ـ ـ ـ حتى دَغبـي يصيــغْ سَـــهـلْ
إنشـطحتولك يا ســيدي ـ ـ ـ ـ وإتهَشـــــــَمتلك إيـــــــــدي
قامــت تِصْطِغْ عَلــــيي ـ ـ ـ ـ عَبـالكْ لــَــــــدْغِتْ حَـــــــيّي
أشلونْ بلوي ومصيبي ـ ـ ـ ـ على هَــــذي الضَغـــــــــيـبي
خَلصوني مِنْ هلْ عذابْ ـ ـ ـ ـ لا سوّف كوي العِتـــــــــابْ




وبعد قراءة مدير المعارف لهذه الـ (عريضة) أسرع في طلب الأستاذ الشاعر يقين إيليا الأسود فسأله مبتسماً ومستفسراً منه إن كان قد نشرها في الصحف المحلية ووعدهُ ممازحاً بتلبية طلبه خلال إسبوع واحد في حالة عدم نشرها وأما إذا حدث العكس فسيكون مصيره النقل الى أبعد نقطة ضمن الحدود الإدارية لمديرية معارف الموصل!! وقد نفـّذ الوعد مدير المعارف وتم تسوية الأمر.

في نهاية مقالي هذا أوجه ندائي لمؤرخي وموثّقي التراث الموصلّي وسهل نينوى لتوثيق هذا المنلوج مع جميع الأعمال الأدبية التي أبدع فيها الأديب يقين إيليا الأسود ومنها رواية القديسة بربارة وهي أول مسرحية يتم تمثيلها في كرمليس سنة 1950م. وسأقوم مستقبلاً بنشر منلوجات أخرى للأستاذ الفاضل يقين إيليا ولشعراء ومبدعين آخرين من الموصل وجميعها تنشر لأول مرّة.


* كان إبراهيم حسيب المفتي أستاذاً في دار المعلمين عندما كان المعلّم يقين إيليا الأسود طالباً فيها.

166
الصراع على رئاسة الجامعة المستنصرية المثال النموذجي على فوضوية نظام المحاصصة الطائفية


بقلم: سالم ايليا

الجامعة المستنصرية إحدى الجامعات العراقية العريقة التي رفدت المؤسسات الأكاديمية والعلمية والبحثية ومؤسسات الدولة بنُخبٍ تخصصيةٍ أسهمت ولعقودٍ طويلةٍ في تقدم العراق في جميع النواحي ، وهي واحدة من الجامعات التي نفتخر كعراقيين بإنها إمتداد لحضارة تمتد عميقاً في جذور التاريخ ، حيثُ أن ولادتها جاءت مكملةً للمدرسة المستنصرية التي أسسها العباسيين في بغداد عام 1233م في زمن الخليفة المستنصربالله على جانب الرصافة وقد تم تأسيس الجامعة المستنصرية سنة 1963م وهي مكوّنة الآن من إثني عشرَ كلّية.
وقد شهدت هذه الجامعة المعطاء فترات ذهبية في القرن الماضي حيثُ كانت مركزاً للمنتديات الثقافية والكثير من الندوات العالمية والعربية والعراقية التي كانت تُعقد في قاعاتها ، كما شهدت أروقتها نشاطات طُلاّبية كثيرة ، وقد تناوب على رئاستها أساتذة أكفاء من مختلف التخصصات العلمية الذين حافظوا على مستواها العلمي والأكاديمي المُتميز بين جامعات المنطقة والعالم.
وبعد الإحتلال شهِدت هذهِ الجامعة حالها كحال بقية المرافق العلمية والأكاديمية وجميع البُنى التحتية للعراق عمليات نهبٍ وحرقٍ وتدميرٍ لمكتباتها ومختبراتها وحتى أبنيتها فلم يبقى منها غير ذكرى مؤلمة وحزينة لِطلاّبِ علمٍ وقفوا على أطلالها محاولين مدّ يد العون لصرحهم العلمي الذي إحتضنهم وحمل معهم أحلامهم وتطلعاتهم نحو مستقبل زاهر مشرق !!!. كما وتعرضت هذه الجامعة لسلسلة من الهجمات الإرهابية التي راح ضحيتها أبناء بررة للعراق عمرهم بعمر الزهور فتناثرت أشلاء أجسادهم على أرضها وعلى جدران أبنيتها وخضّبت دماءهم صفحات كتبهم التي كانوا يحملونها لترسم منظراً آخراً من لوحة الحزن العراقي ولتضيف لتاريخ هذه الجامعة صفحة منبوذة مظلمة لم تتقبلها صفحات تاريخها المشرق ولتكون مرجعاً نستند عليه لإدانة من إرتضى على نفسه موقع الخيانة وإلإجرام بحق العراق والعراقيين.
كذلك خضعت هذه الجامعة كبقية المؤسسات الحكومية لمبدأ المساومة الطائفية البغيض أو كما يسميه عرّاب التوافق السيد رئيس الجمهورية بمبدأ التوافق فتبوّء رئاستها أشخاصاً لا نعرف عنهم وعن القابهم المُبهمة أي شئ وكذلك درجات شهاداتهم العُليا التي إقترنت بأسماءهم من دون ان نعلم من أيّ بلدٍ حصلوا عليها!!.

وبالأمس القريب تسربت الأخبار عن وجود أزمة (رئاسية) لهذه الجامعة العريقة ، إذ دخلَ اليها ربّان آخر إسمهُ (الدكتور) عماد حسين مرزا الحسني أو الحُسيني حاملاً أمراً وزارياً من وزير التعليم العالي والبحث العلمي وبمباركة رئيس الوزراء بتعينه رئيساً للجامعة وطالباً من ربّانها القديم (الدكتور) تقي علي الموسوي بمغادرة (السفينة) فما كان من رئيسها المخلوع إلاّ رفضه الإعتراف بالأمر الوزاري مُدعياً بانه مرتبط بجهاتٍ (عُليا) يأخذُ منها القرار*!!! وإنه لا يعترف بأمرٍ صادرٍ من وزير التعليم العالي والذي يُفترض بانه يعمل تحت إمرتهِ !!! كما تسربت أيضاً بعضاً من أسبابِ إتخاذ الوزير لهذا القرار وخلعِ (السيّد) تقي الموسوي من منصبهِ وهي إتهامات بتفشي الفساد الإداري في الجامعة وتمرير شهادات مزوّرة لمسؤولي الأحزاب المُتنفذّة والتشكيك بصحة شهادة الدكتوراه الذي يحملها (السيّد) الموسوي.
وقد بثّت الفضائية العراقية الشبه رسمية في نشرتها الإخبارية ليوم التاسع والعشرين من نيسان الماضي تقريراً مفصّلاً عن الأزمة حيثُ تحولت ساحة العلم الى ساحة قتال يستعد فيها أفراد حماية كلا (الرئيسين) المخلوع والجديد الى إبراز(عضلاتهم) وإستعداداتهم القتالية داخل الحرم الجامعي وبكامل عدّتهم القتالية !! كذلك التقى مندوب الفضائية ببعض الطلبة ومسؤولي الأقسام لإستطلاع آرائهم حول ما يجري حيثُ أبدى مسؤول الأقسام الداخلية قلقه وحيرته وسؤاله مع مَنْ يتعامل لتوقيع بعض الكتب الرسمية والتي يحتاج البتّ فيها لتمشية أمور الطلبة فهل يتعامل مع الرئيس المخلوع أم الجديد فكلٍ منهما يدعي رئاسته للجامعة وكليهما يحضران الندوات والفعاليات التي تقيمها الجامعة مما يضع الأساتذة والحضور في موقف الحيرة والخجل مما يحدث.
 
أمّا (رئيسي) الجامعة المفترضين فقد خلعا عنهما ثوبَ الإباء والعفّة والغيرة العراقية بطريقة تصرفهما هذه ، وهنا يحضرني موقف لا زلتُ أتذكرهُ جيداً يبين الفرق الشاسع بين إباء العراقي الأصيل و (العراقي ) المستورد من دول الجوار ، ففي عام 1979م وبعد ان تبوّء أحد الوزراء منصبه في الوزارة أرسل في طلب منتسبي المديرية التي كنتُ أعمل فيها لإجتماع موسع وقد طلب الوزير في ذلك الإجتماع من أحد رؤساء المهندسين الذي كان يعمل تحت إمرتهِ قبل سنوات عندما كان هذا الوزير رئيساً للمؤسسة ان (يمدّ يد العون) للمدير العام للمديرية والذي كان من حملة شهادة الماجستير في الهندسة المعمارية ، فما كان من المدير العام الشهم إلاّ تقديمه لطلب إعفاءه من منصبه في نفس اللحظة وأمام جميع الحاضرين ولم ينتظر موافقة الوزير على طلبه بل غادر قاعة الإجتماع ولم يقف الخوف أمامه لِما قد يصيبه من أذى من غضب الوزير لتصرفه فقد دفعته غيرته العراقية وإباءه وعزّة نفسه وعنفوانه الى رد الصاعَ صاعين للوزير وذلك بإرساله رسالة واضحة وصريحة فهمها الجميع على إنه لا يشرّفه ان يعمل تحت أمرت وزير يفتقد الى أبسط  قواعد اللياقة الأدبية وليس كما يفعل هذا السيد الـ (تقي) المتشبث بالمنصب على حساب كرامته وكذلك خصمه السيد عماد الحسني حيثُ ذُكر لاحقاً بان الأمر تطور بين المتنازعَين على المنصب تطوراً خطيراً حين طلب الرئيس المخلوع دعم الميليشيات الحزبية الطلابية  المتواجدة داخل الجامعة ووعدها بتسهيل عملها وسيطرتها الحزبية على الجامعة غير آبه بما قد ينتج عن ذلك التدخل من مضاعفاتٍ خطيرةٍ لا يمكن التكهن بنتائجها ولربما ينتج عنها مزيداً من إراقة الدماء للطلبة الدارسين في الجامعة وكادرها التدريسي والذي يفترض برئيس الجامعة ان يفي بالقسم عند توليه منصبه وذلك بالحفاظ  على أرواحهم.

 وقد مرّ على الأزمة أسابيع عديدة دون تدخل السيد رئيس الوزراء للبت بالأمر حيثُ ترك الحبل على الغارب للطرفين وبدأت تداعيات الأزمة بالإنعكاس الجدّي على مستقبل الآف الطلبة ومئات الأساتذة والجميع يراقبون ماذا سيحدث بعدها وكأنهم يشاهدون جولة من الصراع في سوق الغزل لديكين من ديوك الـ (الهراتي) إذ سيخرج في النهاية من حلبة الصراع الديك المهزوم مخضّب بدمائه وربما فاقداً لمنقاره الذي كان يهدد بهِ دائماً !!

وسؤالي للسيدين وزيري المالية والتعليم العالي والبحث العلمي عن كيفية صرف الراتب الإستحقاقي لمنصب رئيس الجامعة ولِمن يتم صرفه الآن ـ ـ فهل يتم صرفه للرئيس المخلوع أم الرئيس الجديد أم للأثنين معاً ، فالمبلغ الذي يتقاضاه رئيس الجامعة وحسب ما تنشره وسائل الإعلام ليس بالقليل وقد يصل الى عدّة الآف من الدولارات الأمريكية شهرياً وربما هذا السبب كان كافياً للسيدين تقي وعماد للنزول بشكل علني الى حلبة الصراع ، وحيثُ ان هذا الأمر يُعتبر مخالفة صريحة للقوانين والمتمثلة بإهدار المال العام في حالة صرف الراتب لكلا الرئيسين فان كلاً من رئيس الوزراء والوزيرين المختصين سيكونون عرضة للمسائلة القانونية وربما عرضة للوقوف في قفص الإتهام هذا إذا كان هنالك دولة قانون كما يدّعون أو هنالك هيئة حقيقية للنزاهة تتابع الأمر.

ولا أعلم لماذا وانا أكتب هذه السطور حيثُ تتكرر أسماء المتخاصمين والقابهما أمامي أشعر وكإنني أكتب مقالاً عن شخصين لا يمت اياً منهما للعراقيين بصلة !!!!! .


* تجدر الإشارة الى ان كلا (الرئيسين) ينتميان لمذهبٍ واحدٍ وحسب المحاصصة الطائفية ولكن ربما من فصيلين مختلفين داخل المذهب الواحد. كذلك تشير التكهنات الى أنّ الجهات العُليا التي يُهدد بها الرئيس المخلوع تقي الموسوي هو مستشار الأمن القومي السيد موفق الربيعي حيث زار الأخير الجامعة قبل أيام ونقل رسالة خطّية من الرئيس المخلوع الى السيد رئيس الوزراء يسأله فيها بإبطال قرار الوزير المختص.

               

167
الى العراقي كاظم الساهر

بقلم سالم ايليا


المقدمة:
لقد تعلّمتُ من الغربة والسفر الكثير من الدروسِ ومنها ان لا يضع المثقف والكاتب نفسه في (شرنقة) أحادية الخلية فيلتزم بالعمل باتجاهٍ وتخصصٍ واحدٍ كأن يكون إتجاهاً أدبياً أو تاريخياً أو سياسياً وما الى ذلك ويهمل بقية مجالات الإبداع الإنساني على إعتبار انه كاتب متخصص في هذا المجال أو ذاك ، فالحياة في تطور مستمر ويجب على من يعمل بالكتابة ان يكون (شمولي) ويتفاعل برؤية متطورة مع كل نشاطات الحياة.
فقد قرأتُ قبـل مدة ليست بالقصيرة مقال لاحدى ( الكاتبات العراقيات ) على الإنترنيت بمناسبة فوز العراقية المتألقة شذى حسون بلقب ستار أكاديمي ، وقد خـَتمتْ مقالها بالمديح للفنان الهام المدفعي لوقوفه وتشجيعه شذى حسون و ( بالملامة ) لكاظم الساهر ( لانه لم يقف ويساند شذى حسون ) نجمة ستار أكاديمي لسنة 2007 .

 لذا وجدت ُ نفسي وقد أخذتني الحميّة لكي أبعث ُبصوتي وصوت الكثيرين من العراقيين صافيا ً شجيا ً يعلو مع ملايين الأصوات على بعض الاصوات النشاز من هنا وهناك وقسم منها محسوب بعراقيته ِعلينا وللأسف الشديد لكي ينالوا من كاظم الساهر الفنان المبدع ونقطة الضوء المضيئة بين كثير من نقاط الضوء العراقية في ظلمة الليل الحالك لعراق اليوم .

إنّ أشد َ ما يحزننا أن نسمع عراقي ينتقد عراقي آخر ولغاية تبدو رخيصة وبغير وجه حق وخاصة على صفحات الإعلام ، فكيف بهم وهم ينتقدون أمل من آمال العـراق في زحمة القـنوط والإنكسار لبعـض جوانب الحياة في العـراق .

وياحبذا يكون النقد نابع من قاعدة مبنيّة على أسس موضوعية فنية علمية أو رأي شخصي ذوقي سمعي يعتمد على ما تُطرب له مسامع المستمع فهكذا رأي يُحترم ولا غبار عليه .

 إذ تعودّنا أن نسمع بعض الاصوات النشاز من (البعـض) من إخواننا العرب لكل إبداع عراقي والسبب واضح وهو الغيرة الشديدة واللؤم الأشد ، علما ً بان التاريخ القديم والحديث يشهد ُ لنا بمواقفنا وتشجيعنا لكل مبدع عربي وإنساني . كما وان إتهام الساهر من البعض بان الذي ساعده على شهرته هو تأديته لأشعار نزار قباني هو إتهام باطل لا أساس له من الصحة حيث ان الساهر قد أضاف لشعر القباني بُعداً جمالياٌ غنائياً وأدبياً آخراً ونُطقاً لُغوياً سليماً ونقياً لم يصل اليه حتى الشاعر نزار قباني عندما كان يلقي  قصائده وهذا ما أيدّه بشدّة شاعر الغزل الآول الراحل نزار قباني ، كما وأعطاهُ انتشاراً جماهيرياً خارج نطاق أصحاب الشعر والأدب ،أذ التقى النص الجميل مع اللحن الأجمل والأداء الطربي النقي فخرجت أغانيه متكاملة لعناصر نجاحها ومواكبة لروح العصر. كما وان الكثير من أجمل أغاني الساهر نصاً وشعراً كانت من نصيب شعراء عراقيون  كرائعته أنا وليلى والمستبدّة وغيرهما.  

إنّ من يحاولوا الإساءة لكاظم الساهر وغيره من شعاعات النور العراقية بسبب غيرتهم لا يدركون ببصيرتهم العمياء إنما هم يقفون في صف ألاعداء لكل العراق ومحاولات أبنائه الخيريين البررة من فنانين مبدعين وأدباء وشعراء وأكاديميين وعلماء أن يضمّدوا جزءا ً من جراحاته ِ الكثيرة والتي تسببت في نزيف دائم في الجسد العراقي العملاق .
فمن منـّا لا يدرك ما يفعله (الساهر) على سمعة العراق وتاريخه وامجاده .

إنّ هؤلاء النفر الضال ذو الفكر الأناني الضيّق والغيرة الشخصية المقيتة يشعرون من خلال نجاحات الساهر وغيره من مبدعي العراق بضعفهم وأستسلامهم للقدر والإستكانة الشديدة نتيجة الظروف الحالية للعراق .
إنّ نجاحات الفنانين ومن واكبهم من المبدعين في شتى المجالات يشعـر الضعفاء والمهمشّين بعجزهم عن تقديم أي شئ لبلدهم الذي هو أحوج ما يكون للجميع الآن ، فكل منـّا من موقعه ِ وعمله ِ سيبعـث العراق من جديد كـطائر الفينيقيين ـ ـ ـ
أنا متأكـد لا بـل واثق من ان للساهر حساباته الخاصة والموضوعية في كيفية توقيت دعم المتألقة شذى حسون من عدمه ، لأنّ ما بناه ُ بجهد ٍ فردي لا يريد أن يخسره ُ أو يخسر جزءاً منه في لحظة نشوى عاطفية لمعـظم العراقيين لحظة فوز أبنتنا البارة شذى حسون وهـذا من حقه ، علما ً باننا سمعنا أيضا ً بان كاظم الساهر لم يبخـل بالدعم المعـنوي على هذه العراقية الصاعدة ولكن بعيدا ً عن التطبيل والإثارة ، كما وانه قدّم دويتو مع المتألقة شذى حسون في إحد البرامج إذ صرّحت هي بذلك.  
وحيث انني كنت أعمل في موقع ليس ببعيد عن الإعلام ومؤسساته وكُنتُ أتواجد كثيرا ً في أماكن تواجد المطربين والممثلين ، لكنني وبسبب إنشغالاتي لم أكن ْ متابعا ً جيدا ً لنشاطاتهم ، لكن الحالة تغيرّت عندي عندما غادرت ُ العراق الحبيب قبل أكثر من عقدٍ ونصف من الزمنِ لأجد نفسي ( مرغما ً بعراقيتي ) على دعم كل عراقي مبدع يحاول إعطاء الصورة الحقيقية للعراق وتاريخه الانساني العميق .

فشكرا ً للساهر لأنه سيحيي ملحمة كلكامش ويبعـثها من جديد في أوبريت خاص وانا واثق من انهُ يترقب تحسن الوضع الأمني لعرضهِ على أرضِ العراقِ وأرض كلكامش وسيدعو اليه شخصيات متنوعة ومختصّين وسيكون واحداً من الملاحمِ الفنيةِ الخالدةِ وشكرا ً له لسعيهِ في ربط  الماضي بالحاضر والمستقبل من خلالِ تقديمه في بعضِ المهرجاناتِ الخليجيةِ بعـضا ً من عمالقةِ العـراقِ في الطربِ من أمثالِ ياس خضر وأمل خضير وغيرهما وتقديمه في ذاتِ الحفـلِ طفلا ً عراقيا ً موهوبا ً وشكراً  له لمشاركاتهِ العالميةِ الكثيرةِ باسمِ العـراقِ وآخرها جائزة الاوسكار ، فكثير منـّا لا يدرك جوهـر ما يفعـل الساهر ، فهذا الذكاء المتوهّج لطريقة عرضه لافكاره وأمانيه وأحلامه تجعلنا جميعا ً نشعر بالفخر ، وحسبيّ انها أماني وأحلام معظم  العراقيين . كما وان ما يميّز الساهر عن غيره من المطربين العراقيين المبدعين انه لم يتقوقع داخل لون واحد من الوان الغـناء العراقي الأصيل فقد أدى معظم الأطوار الجنوبية وكذلك اللون المتميز للبادية الغربية والمنلوج و المربع البغدادي الأصيل واللحن الموصلّي والأهم من ذلك كلّه انه اعاد اللحن البغدادي النقي للاغاني ذات اللهجة البغدادية بعد ان كاد هذا اللحن يندثر نتيجة سيطرة اللون الجنوبي على كافة الأغاني العراقية مما أعطى إنطباعاً خاطئاً وخاصة للمستمع العربي بان هذا اللون هو اللون العراقي الوحيد !! والعجيب في الحان أغاني الساهر تنوعها من حيث الإستمتاع الطربي والإصغاء السمعي  فلا نجدها تكرر ذاتها  في أغانيه وهذا يدلل على مقدرة الساهر كملحن .      

لقد ذهبت ُ الى العراق سنة 2004م بعـد غيبة طالت عشر سنوات أمضيتها في أكثر من بلد وكنت مهيئ نفسي أن أذهب الى أطلال ـ ـ ـ  صدّقوني ومع هذا فقد كنـتُ وزوجتي سعيدين برؤية بغـداد وشوارعها وكنـّا مفتونين من رأسينا حتي أغمص قدمينا بالحبيبة بغـداد !!! فكيف لا والساهر غنّى للحبيبة بغـداد والشعراء تغنـّوا بها وغازلوها وأرتشفوا الخمر بين أحضانها حتى أسكرتهم بدفئها وجمالها وعبق رائحتها وليس بخمرها!!! .

كنت ُ أسئـل كل سائق تاكسي ( أغلبهم كانوا حملة شهادات جامعية !! ) عندما أستقـل سيارة التاكسي في بغـداد هـل لديه شئ من الأغاني العراقية في سيارته لنسمعها فينتفـض كطفل صغير ويجيبني نعـم عندي كاظم الساهر هل تريد أن تسمع فأقول له نعـم فخير ما نسمع في العراق بعـد غياب طويـل هـي أغنية لكاظم الساهر فيبدأ بالكلام العـفـوي ذو الطيبة العراقية المميزة عن كاظم الساهر وما يفعله لسمعة العـراق وقد لاحظت تنوّع الآراء والمديح إذ يأتي من كل طبقات المجتمع لأحد أبناءه البررة .

ختاما ً أقول للساهر لا يحزنك سماع بعـض الاصوات المبحوحة والأنفاس المغلولة بالغيرة العمياء والجاهلة بالفن وبحوره  وتأكد من أن ّ شعبك العراقي فخور بما تصنعه وحفظ الله العـراق وكـل المبدعين العراقيين وحفظ الله الساهر ومن أنتصر له ومن أختلف مع رأيي ولكن بدافع الذوق الفني الخالي من الغيرة والتجرد من المواطنة وأقول لجميع المبدعين العراقيين واصلوا إبداعاتكم والى نجاحات وتألقات أخرى إنشاء الله وبعونه ِ ، واقول للساهر يكفيك فخرا ً إنك أبـن العراق وان كثيرين من عمالقة الطـرب العراقي أمثال الدكتور فاضل عوّاد والفنان ياس خضر يكيلون المديح لك لانك آهلا ً له .

 وكـل عام وأنتَ حبيب الملايين من أبناء شعبك ـ ـ  وعزائنا الشديد لفقدانك والدتك الحنون.

وهذه الابوذية  هي مسك الختام كتبتها في لحظة نشوى بحب العـراق حيث اقول :


اريد أبعـث من القـُبل ْ ماية
                                   لـ ( هَلي ) والفرات ودجلته وماية
عايش أبلد ما أدري شنو ماية
                                     يا ديار الغـُر ُب ْ حنّي عليّة


168
المنبر الحر / ذات الحجاب
« في: 18:07 27/03/2009  »
ذات الحجاب

بقلم سالم ايليا

غادرتُ الوطن متوجهاً الى حيثُ لا أدري في أوائل التسعينيات من القرن الماضي فقد ضاقَ بيّ وطني !!
 
وقبلَ رحيلي بأيامٍ معدودةٍ حيثُ كنتُ مصمم على الرحيل التقيتُ بالصدفة بأحد ( الأصدقاء ) القدامى وهو فنّان والذي لم يكن يفترق عني لحظة واحدة أيام الدراسة الجامعية ولنا علاقة تمتد لأكثر من عشرين عاماً ولكننا أفترقنا بسبب ظروف عمل كلٍ منّا  والحروب وويلاتها ودار الحديث بيننا فصارحتهُ بما عزمتُ عليه في الهجرة الى خارج العراق وقال لي بانه الآن يعمل رساماً في الأردن .
وبما انني سأكون غريباً في هذا البلد طلبتُ منهُ المساعدة في إيجاد سكن ملائم لي في المنطقة التي يسكن فيها ريثما أنظّم حياتي في بلاد الغربة فأعطاني عنوانه وقال لي إسئل صاحب محل البقالة الموجود في ركن الشارع في المنطقة الفلانية عن إسمي وعملي وانه سيرشدك على بيتي مباشرةً وبالفعل وصلتُ بعد أيام معدودة الى العاصمة الأردنية عمان وأستأجرتُ سيارة أجرة للذهاب الى بيت صاحبي على أمل انه قد هيأ  لي مسكن وسألتُ صاحب محل البقالة عن أسم صديقي وعمله فأجابني بالايجاب نعم هو يسكن في الركن التحتاني هنالك عند النصية ؟ فشكرتهُ وإنفرجت أسارير وجهي لعثوري على عنوان صاحبي بهذه السرعة وتوجهت الى المكان الذي وصفه لي الدليل وطرقتُ الباب ففوجئتُ بعد ان فتِحَ الباب بوجهِ إمرأةٍ في ربيع عمرها ترتدي الحُجاب ذات سحنة عراقية أصيلة ووجه عراقي بشير جلّ خالقه فدار هذا الحديث بيننا :

الطارق ( الذي هو أنا ) : العفو أختي يمكن آني غلطان بالعنوان .
 
فردّت ذات الحجاب : عفية إنت عراقي ( وظهرت على ملامح وجهها علامات الفرح كإنها التقت بأهلها جميعهم !! )

أجبتها : نعم آني عراقي

قالت: مبين عليك هسّة وصلت من العراق ( حيثُ كنتُ أحمل حقيبة السفر بيدي ) .

قلتُ : اي والله هسّة وصلت .
 
ثم أردفت ُ مكملاٌ كلامي : لكن يبدو آني غلطت بالعنوان لاني أدوّر ( أبحثُ ) على صديق أسمة ؟ ؟ ؟ ؟ .
 
ردّت قائلة : اي نعم زوجي أسمة ؟ ؟ ؟ ؟ !!

فأجبتها : لكن صديقي يشتغل رسّام .

فأجابتني : اي نعم زوجي رسّام ( ربما الصُدف هي التي جعلت تشابه الأسماء والمهنة ) !!!!!! .

فرددتُ عليها  وقد أحرجني الموقف : بس ( لكن ) صديقي مسيحي !!

فأسرعَت باجابتي : ماكو فرق أخوية كُلنا عراقيين ( الله على الروح العراقية الأصيلة ) .

فتداركتُ سوء الفهم قائلاً : العفو أختي آني كلت مسيحي حتى أبين ان الشخص المقصود مو زوجك .

فقاطعني قائلةً : عفية أخاف تحتاج فلوس وانتَ هسة وصلت .
 ثم أكملت كلامها : زوجي هسة ما موجود بالبيت ، أرجع فد ساعة يكون هو رجع من الشغل وإنشاءالله أي شئ تحتاجة أحنا بالخدمة .

فأخجلتني بكرمها وموقفها فأردفتُ قائلاً : لا والله أختي الفلوس جثيرة والحمدلله وأشكرج جداً جداً .

قالت : إذا تحب أخوية خلّي الجنطة ( الحقيبة ) عدنا وصدكني راح تكون بأمان والى ان يرجع زوجي تعال وأخذها وإذا ما عندك مكان تبات بي ( تقضي الليل فيه ) تعال أتفضل عدنا ( عندنا ) ، أحنا عدنا غرفتين علما تلكي ( ريثما تجد ) سكن انت هَمْ أخونة عراقي .

فقلتُ وقد أخجلني كرم هذه المرأة العراقية الأصيلة للمرّة الثانية حيثُ ترائ لي تاريخ العراق ومجده وكرمه متمثلاً بها : الف شكر أختي والله الخير جثير وبس آني ردت أجي ( رغبت ان آتي ) أسُلّم على صديقي قبل ما اروح للفندق ولكن يبدو آني غلطت بالعنوان .

ذات الحجاب ترمي بالقسم عليّ قائلةً : عليك الله أي شي تحتاجة أحنا هَْمْ أخوتك .

فأجبتها : والله ما تقصرون انتو وكل أهلنا العراقيين فوك راسي وتحياتي لزوجك .

قالت منهية حديثها معي : أهلاً وسهلاً أخوية .

وعدتُ الى شعوري بالغربة حين تذكرتُ بانني فقدتُ الأمل بالعثور على صديقي !!!! فتسلقتُ درجات السلّم الموصل بين المنحدر الى الشارع الرئيسي وانا ألتفت يميناً ويساراً عليّ أجد من يدلّني على ضالتي وإستقليتُ سيارة أجرة كانَ سائقها قد أبطئ عندما لمحني أحمل حقيبة السفر الكبيرة وسألني عن وجهتي فترددت قليلاٌ وسألتهُ إن كانَ يعلم بوجود فندق مناسب للسكن فيه ، حيثُ أخذني الى وسط البلد وأنزلني في أحد الفنادق المقبولة شكلاً ومضموناً وبسعر كان يبدو في ذلك الوقت بانني من نزلاء فندق ذات خمسة نجوم ! !

وعندما أنتهيت من إجراءات حجز الغرفة ولمدة شهر مبدئياً تذكرتُ بانني لستُ غريباً في هذا البلد إذ ان لي أختاً أسميتها ذات الحجاب .

فتحية لذات الحجاب العراقية الأصيلة ورجائي وأملي أن يقتدينَ بها بعضهنّ ( الذي ارجو ان يكون هذا البعض قليل ) من بنات جلدتنا في حثِ أزواجهنّ على عمل الخير وليس العكس وعذرهنّ في ذلك هو" إحنا منو ساعدنا !! "  فجمال المرأة وزينتها يكمن في عطفها وحنانها ورقتها وطيبة قلبها وليس العكس .


ومن هنا بدأت لي أول حكاية مع رحلة الغُربة ـ ـ حيثُ ان للغربةِ قصصٍ وحكاياتٍ كثيرةٍ! ! ! 
 




 

169
تواصلاً مع ما طرحه الكاتب يوحنا بيداويد أقول  أتقوا الله في رموزنا الدينية


بقلم سالم ايليا

تواصلاً مع ما طرحه الكاتب يوحنا بيداويد جزيل الإحترام حول توخي الدقة في إطلاق التسميات على تجمعاتنا في مقالهِ تحت عنوان " التسميات القروية هل هي عائق أمام تطور مجتمعنا ؟ ! " والمنشور على المنتديات الآلكترونية في التاسع عشر من آذار للسنة الجارية ، أرتأيتُ ان أضمّ صوتي الى صوته في هذا المقال والذي أسميته ( إتقوا الله في رموزنا الدينية ) وذلك في التطرق الى ظاهرة سلبية أخرى عسى ان نستطيع إصلاح ما أفسده الدهر؟!!  إذ أرفع رجائي وندائي الى جميع كتّابنا ورجال ديننا الأفاضل ومن يهمهم أمرنا على البدأ بحملة شاملة لتوعية شعبنا الطيّب بمخاطر السلوكيات العشائرية والطائفية والتي ستعود علينا بالضرر الفادح كمكوّن أساسي .

المقدمة :
بادئ ذي بدأ إنّ الغاية من طرح هذا الموضوع للنقاش ليس الغرض منهُ النيل من مجموعة أو شريحة معينة إنضوى تحت لواء تسميتها لتجمعاتها الإجتماعية قلّة من أبناء شعبنا الذين نعتز بهم ونكن لهم الحب والإحترام وغالباً ما يكونوا قد إتفقوا على إطلاق أسماء مؤسساتهم الإجتماعية على أسماء رموزنا الدينية تيمناً وتباركاً بتلك الرموز ولكن جهل البعض منهم بما قد يلحق الأذى بسمعة ومشاعر وأحاسيس الطائفة أو الطوائف الدينية التي ينتمون اليها قد جعلهم يتمادون بتشويه وإهانة الرمز الديني الذي تنظوي تحت تسميته مؤسساتهم أو تجمعاتهم من حيثُ يعلمون أو لا يعلمون وبهذا ينطبق عليهم القول :

إن كنتَ تدري فتلكَ مصيبة        وإن كنتَ لا تدري فالمصيبة ُ أعظم

وتقع على عاتقنا نحن أصحاب القلم مسؤولية تصحيح ما آلت اليهِ الأمور من تراجع مخيف ومأساوي للبنية الإجتماعية إبتداءاً بأصغر وحدة فيها وهي العائلة بأفرادها .
فليس سهلاً ما جرى للعراقيين ككل من مسخ وتشويه لعاداتهم وتقاليدهم وسمعتهم التي كان يتغنى بها البعيد قبل القريب .

ولكنني في هذا المقال لا أريد الخوض في أسباب هذا التراجع ، فقد أصبح معلوماً للقاصي قبل الداني الحروب ومآسيها التي عصفت بالعراقيين .
المهم ما أردتُ قوله بان علينا نحن أصحاب القلم ان نضع جانباً خلافاتنا الجانبية والشخصية أو الطائفية أو القومية ونتوقف عن التقاذف بالكلمات فيما بيننا وننظر الى ما وصلت اليهِ الأمور في طوائفنا ونهتم بإصلاح ما أفسدته الحروب في التأثير على طريقة تفكير أبناء شعبنا والبدأ بتوجيه أصغر وحدة إجتماعية وهي العائلة عن طريق كتابة المقالات والبحوث وعقد الندوات وإشراك رجال ديننا الأفاضل والمختصّين لإعادة اللُحمة والتماسك والتفكير السليم بين أفراد العائلة الواحدة ومن ثمّ الطائفة الواحدة وصولاً الى المجتمع بأكملهِ وهي مهمة ليست سهلة ولكنها مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق كتّابنا الأفاضل فهي دعوة صادقة من غير رتوش للمشاركة في أصلاح البنية الإجتماعية بشكل شامل داخل وخارج الوطن .

بدأتُ بهذهِ المقدمة الطويلة للدخول في موضوع في غاية الأهمية دينياً وأخلاقياً وهو موضوع تسميات بعض مؤسساتنا وتجمعاتنا الإجتماعية على أسماء رموزنا الدينية وهي ما جرت عليها العادة قديماً و( حديثاً ) ولكن مع إختلاف وفارق كبيرين بين الزمنيين .

فقديماً وبسبب إختلاف العصور والأزمان من حيث التقدم الحضاري لم تكن هنالك ( مشكلة ) في إطلاق أسم رمز ديني على مؤسساتنا الإجتماعية التي نؤسسها تباركاً وتيمناً باسم الشفيع أو الشفيعة ، حيثُ ان فعاليات تلك المؤسسات كانت مقتصرة ومحصورة على الأعمال الخيرية والكنسية والمساعدة في دعم النشاطات الدينية والتعليم المسيحي أضافةً الى النشاطات الإجتماعية كزيارة المرضى وتقديم المساعدات للمحتاجين وإقامة بعض النشاطات الإجتماعية البريئة والتي تتخللها بعض الدبكات الفلكلورية الجميلة وغيرها من الفعاليات التي لها صلة مباشرة بتراث وأعراف المجتمع التقليدية والتي تعتبر واحدة من أهم عوامل تقوية وتعزيز النسيج الإجتماعي في قرانا وقصباتنا ومددنا .

لكن الأمر قد أختلف الآن بالتقدم الحضاري الذي طال أبعد المناطق النائية ودخول عالم الكمبيوتر والستالايت الى كل بيت فيها ، وكذلك تنوع وتطور وسائل الترفيه والتسلية .
إلا أن البعض وربما بسبب تمسكهم بروحية الإيمان المسيحي كما هم يدّعون !! أو بسبب جهلهم ؟ لا يزالوا يصرّون على تسمية بعض مؤسساتهم أو تجمعاتهم على أسماء القديسيين كما جرت العادة حتى وان لم تكن لمؤسساتهم هذه أية فعالية أو نشاط إنساني أو ديني !!!
حيثُ ان فعاليات وجوهر مؤسساتهم لا توحي ولو من بعيد على ما قام به هذا القديس أو تلك القديسة من خدمة جليلة ومباركة لبني البشر .
إذ ان مؤسساتهم وتجمعاتهم تقتصر فقط على إقامة الحفلات الفنية الراقصة والتي تتخللها فقرات الرقص الشرقي ووضع النقود للراقصة في أماكن معينة من جسدها والأغاني العاطفية وليس التراثية والتعليقات من قبل الحاضرين والمطربين التي قد تصل الى مستوى غير لائق إجتماعياً وما الى ذلك من مفردات تتخلل معظم الحفلات كل هذا يجرى تحت أسم القديسة  !!!

ولا أعلم لماذا يصر البعض على هذه التسميات المقدسة وهم الأعلم بأن مؤسساتهم تم تأسسيها فقط لإقامة الحفلات وجمع المال وليس لغرض إنساني أو إيماني ؟ فلا بأس ان تسمى هذه المؤسسات على أسماء رموزنا الدينية إذا كانت هنالك فعاليات أخرى تقوم بها هذه المؤسسة والتي تصب في خانة خدمة الطائفة أو الجالية إذا كانت داخل العراق أم خارجه كأن تكون هنالك دورات للشبيبة لتعلم اللغة الآرامية لغة الآباء والأجداد أو إطلاعهم على تاريخ بلدهم الأصلي أو القيام بدورات لتعليم الكمبيوتر أو لغة البلد المضيّف للمهاجرين الجدد أو القيام بسفرات جماعية الى الأماكن الدينية أو فتح الدورات أو إقامة الندوات التعريفية بقوانين البلد المضيّف للمهاجرين الجدد وكيفية الإنخراط في المجتمع الجديد كأعضاء نافعين وكذلك مساعدة مكاتب الهجرة في البلدان المضيّفة في حمل جزء من أعباء المهاجرين وتقديم المساعدات المادية والعينية والدعم الإعلامي لأبناء طوائفهم في داخل العراق الذين يتعرضون لأبشع أنواع القهر العنصري والديني كالقيام بمسيرات سلمية ومقابلة المسؤولين في البلدان التي يتواجدون فيها لشرح أبعاد ما يتعرض له أبناء دينهم وطوائفهم من عمليات القتل والتهجير وزيارة المرضى من المهاجرين خاصة كبار السن وبشكل دوري لتفقد أحوالهم وتقديم المساعدة لهم .

وحيثُ ان إصرار البعض على الحاق الأذى النفسي والأخلاقي والديني بمللهم وطوائفهم وخاصة أمام بقية طوائف وشرائح المجتمع من الأديان الأخرى مستغلين بذلك الحرية الواسعة المكتسبة من الدول المتقدمة التي يعيشون فيها جعل الكثير من أبناء طوائفهم يحجمون عن الذهاب الى تلك الحفلات لانهم يكنون لرموزهم الدينية جُلّ الإحترام والتقدير .

فتصوروا من يدفع ثمن تذكرة للذهاب الى حفلة معينة يكون الإعلان عنها في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى كألآتي :
 تقيم مؤسسة القديسة ؟ ؟ ؟ حفلاً فنياً راقصاً يقيمه المطرب ؟ ؟ ؟ مع الراقصة الشرقية ؟ ؟ ؟ بمناسبة عيد ؟ ؟ ؟ ـ ـ ـ الخ وتصوروا شراء البعض لتلك التذاكر وهم لا يعلمون اي شئ عن حجم الإهانة التي يوجهونها لرموزهم الدينية فيذهبوا ليأكلوا ويشربوا ويرقصوا والقديسة تنظر اليهم من السماء بحزن وتصلي لأجل خلاصهم ولسان حالها يقول " لماذا تهينونني بهذه الطريقة وانا التي نذرتُ نفسي لخلاصكم وسعادتكم ـ ـ ـ الم تكن هنالك تسمية أخرى تطلقونها على مؤسساتكم وتجمعاتكم ما دمتم تعلمون بانكم سوف لن تفعلوا بعضاً مما فعلتهُ أنا لأجلكم ـ ـ ـ ألا تخافون من يوم تقفون أمام الرب لمسائلتكم وانتم الذين تدّعون بايمانكم وذهابكم كل يوم آحاد الى الكنيسة للصلاة وطلب المغفرة وتكفّرون الذين لا يُجارونكم في التباهي بالذهاب الى الكنائس كل أسبوع !! وبهذا ينطبق عليكم قول الرب ليس كل من قال يارب يارب يدخل ملكوت السماوات ـ ـ ـ ولماذا تحمّلون بقية الحضور وغالباً ما يكونوا غير منتبهين لهذه الإهانة وزر ذنوبكم وإهانتكم لي " .

نعم إن كنّا نؤمن حقاً بهؤلاء القديسين فسيقولوا هذا الكلام حتماً لنا .
كذلك ما هو موقفكم الأخلاقي وأنتم تهينون قديسيينا أمام بقية شرائح المجتمع وأمام بقية الأديان بهذه الطريقة والذي يعطي المُبرر لمن يترصد ديننا السبب الكافي للتشهير بنا وإطلاق العنان للأفكار المريضة لبعض المُتطرفين والمُتشددين من الأديان الأخرى للنيل منّا وتبرير جرائمهم ضدّنا .
الم تكن هنالك أسماء أخرى تطلقونها على مؤسساتكم الإجتماعية كأن تسمونها المحبة أو غيرها من الأسماء التي تعبّر عن المحبة والتآلف بيننا !! وإذا كان مبرر البعض منكم بعدم رغبتهم في الأسماء التي قد تفسّر على انها سياسية مثلما يزعمون فان إطلاق أسم بلاد ما بين النهرين أو وادي الرافدين ـ ـ ـ الخ على التجمعات الإجتماعية لا يعني أي خط سياسي والذي يدعي ذلك فهو قطعاً جاهلاً  ولا يفهم بالف باء السياسة والتاريخ ، حيثُ ان هذه التسميات قد أطلقها المستشرقين والمنقبين في القرون الوسطى ما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر على حوض وادي الرافدين وصولاً الى أعالي الجزء الشمالي الشرقي من بلاد آشور وأستخدمت كثيراً هذه التسميات في القرون التي تلتهما ، والمستشرقين لم يكونوا سياسيين من هذا الطرف أو ذاك ، فقد جاءوا من خلف البحار . كما ان أسماء كعشتار الهة الحب والخصب والجمال وغيرها من الأسماء الأخرى الكثيرة التي لا علاقة لها بهذا الطرف أو تلك الطائفة أو ذلك الحزب القومي جديرة بحمل أسماء مؤسساتكم ومنتدياتكم .

 كما اننا نناشد غبطة الكاردينال عمانوئيل الثالث دلّي وجميع رؤساء طوائفنا المسيحية لوضع ضوابط معينة لإطلاق هذه التسميات المقدسة على المؤسسات الإجتماعية والإطلاع على فعالياتها والإيعاز الى كنائسنا في الداخل والمهجر الى القيام بحملات توعية شاملة وبمحبة صادقة لبيان مدى خطورة هذه الظاهرة المستهجنة من قِبل أبناء الطوائف المسيحية داخل وخارج العراق فقد أصبحت مادة للتندر والفكاهة وبطريقة دفعت الكثير من أبناء الطوائف والجاليات بالإحجام والإمتناع من شراء التذاكر والذهاب الى تلك الحفلات خوفاً من يوم الحساب يوم لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنون حتى وان لم يكونوا ذات توجهات دينية صرفة . كما اننا نرجو من إعلامنا عدم الترويج للإعلانات أو النشاطات من هذا القبيل .

في ختام مقالي هذا أتمنى برغبة صادقة ومحبة كبيرة بعيداّ عمّا يظنهُ أصحاب السوء والمُتصيدين في الماء العكر الدعوة الى التفكير الجدّي بإشراك تلك المؤسسات أو التجمعات التي تحمل أسماء رموزنا الدينية * بنشاطات إجتماعية وخدمية لطوائفهم التي أنشأت من أجلها وذلك لإعطاء المُبرر الأخلاقي والديني لأسماء مؤسساتهم أو على الأقل تغيير أسماء مؤسساتهم الى أسماء أخرى غير دينية إحتراماً لمشاعر أبناء طوائفهم ومذاهبهم الدينية والله من وراء القصد .


* هذا المقال غير موجه ضد أي مؤسسة أو تجمع بذاته وإنما يطرح موضوع عام يمس الجميع ، فتحياتنا وتقديرنا لكل جهد جماعي أو فردي مهما كان صغيراً ومحدوداً لخدمة الجميع .



إنتهى المقال وللموضوع بقية   
 

     



170
السؤال الصعبْ ـ ـ ـ الهِجرة أم البقاء ؟



بقلم سالم ايليا

تعرض المسيحيون الشرقيون وبقية أبناء الديانات الأخرى الى حملات الإضطهاد والتهجير والضغط عليهم لتغيير معتقداتهم منذ القرن الثامن الميلادي ولحد هذه اللحظات .
وقد كانت شدّة هذه الحملات تتغير وفقاً لبارومتر الوضع السياسي المحلي والإقليمي والدولي وقوة الحاكم أو الأمير وقناعته ومقدار تطرفه أو تعصبه .

وعلى الرغم من ان المسيحيين الشرقيين بشكلٍ خاص قد أثروا مجتمعاتهم وبلدانهم الشرقية بالعلم والمعرفة والخدمة الجليلة والدفاع المخلص عن بلدانهم ، إلا ان البعض من الطرف الآخر غالباً ما تتغلب عليهم النزعة الدينية المتطرفة فينقلبون على المسيحيين مستغلين ثقافتهم المسالِمة وتفكيرهم الإنساني ويبدأؤن بإضطهادهم والتضييق عليهم بشتى الوسائل .
وحيثُ ان وسائل السفر والهجرة في القرون الأولى للإضطهاد كانت بدائية بحيث لم تؤثر كثيراً على تناقص أعداد المضطهدين المسيحيين الشرقيين ، إذ غالباً ما كانوا يتوجهون الى الجبال القريبة أو حتى البلدان المجاورة لحين إنتهاء فترات الإضطهاد فيعودوا الى أماكن سكناهم أو يقرر قسم منهم البقاء ولكن ليس بعيداً عن مواطنهم الأصلية .

لكن الأمر إختلفَ مع التقدم الحضاري وإختراع وسائل النقل السريعة والعابرة للقارات وتوفر وسائل الإعلام المرئية و المسموعة والمقروءة التي تبين التطور الذي حدث لبعض البلدان والتي تشجع المضطهدين على التفكير بالذهاب اليها مما جعلت شعبنا المُضطهد يضع نصب أعينه الهجرة الى تلك البلدان أملاً في البدأ بحياة جديدة بعيداً عن قمع الحريّات والإضطهاد الديني والقتل .
 لكن هذه الهجرة لم تنهي مأساة الكثيرين ممن هاجروا ، لا بل على العكس فقد بدأت معها المعاناة ومن نوعٍ آخر تماماً ، أولها  الحنين الى الوطن وثانيها الحنين الى الأهل والأقرباء والأحباب وثالثها المصاعب التي يلاقيها المُهاجر أو اللاجئ بدءاً بتوفير لقمة العيش والبدء من الصفر أكاديمياً وإجتماعياً ومادياً الى مصاعب اللغة والتأقلم على العادات والى غير ذلك .

 ويتطرق الكثيرين من أبناء شعبنا المُضطهد بين الحين والآخر كُتّاباً وقرّاءاً ومختصّين وناشطين قوميين ورجال دين الى موضوع الهجرة والسؤال الصعب البقاء أم المغادرة فتتباين الآراء وتختلف وجهات النظر وتتقاطع الأفكار تارة وتتلاقى تارة أخرى .
فمنهم من يدعو الى البقاء أوعلى الأقل تشجيع من تبقى من المسيحيين في العراق على الصمود لابل ويذهب البعض الى حد دعوة المغتربين  للعودة الى مسقط رؤوسهم ؟ !! ولهم في ذلك أسبابهم ، حيثُ يعتقدون بانه من الصعب ترك تراثنا وحضارتنا وأرضنا ودور عبادتنا وما صنع أجدادنا الى الغير !!
ومنهم من يرغبوا بالبقاء لقناعتهم بان الحياة والموت هما حق ويسلّمون أمرهم الى الله ومنهم من يرفضوا المغادرة إكراماً للشهداء والدماء التي سالت من إخوانهم المسيحيين ، كما وإنهم يعتقدون بان الهجرة مسخت ومسحت الكثير من العادات والتقاليد وهي عملية إنصهار كامل في المجتمعات الجديدة وبخط بياني متسارع نحو الأسفل يمحي الخصائص الأصلية للمهاجرين والبعض الآخر يذهبوا الى أبعد من ذلك حيثُ يعتبرون الهجرة  عبارة عن إطلاق رصاصة الرحمة على شعب بأكملهِ ، وثُمّ من يطلبوا من الذين هاجروا وسكنوا الغربة ان يشجعوا مَنْ هم في داخل الوطن وان لا يثبّطوا من معنوياتهم وان لا يتخذوا من الدين سبباً لتبرير الهجرة والإغتراب والإستسلام !! ومجموعة أخرى تفضل البقاء والتشبث بالوطن فالذكريات ومسقط الرأس والنشأة وعدم ترك دور العبادة لتدنيسها من قِبلْ الآخرين ـ ـ ـ كل هذهِ الأسباب تجعلهم يقررون البقاء ، فالمسألة في نظرهم ليست مادية بحتة لقرار ترك الوطن !!
 وراى البعض عدم الخوض في تلك المواضيع وترك الأمور تسير بشكل إختياري وحر ، حيثُ تؤكد هذه الشريحة بتفائل كبير على ان الهجرة حتى وان إغصبت عليها ، فعليها العمل الجاد والمثابر في بلاد المهجر لترتيب الوضع من جديد وتقوية التأثير الدولي للمطالبة بالعودة ثانية كما فعل ويفعل اليهود !!
وقد تطرق البعض الى ان الهجرة من العراق هي قضية شاملة أكتوى بنارها الجميع ولم تكن حصراً على دين أو قومية أو مذهب معين .
وهناك من يرى في الهجرة الخلاص له ولأطفاله لينعموا بحياة حرّة وآمنة بعيدة عن المآسي والحروب وويلاتها . 

ولو إفترضنا جدلاً باننا نُقِلنا كشعب مسيحي قومي من العراق الى وطنٍ واحدٍ آخر خارجه لربما تصح ( بنسبة معينة ) فرضية المطالبة بهجرة جميع المسيحيين من العراق الى بلد آخر يجمعهم حيثُ يبدأون بمعاودة تأسيس ( كيان ) جديد مع الإحتفاظ بروحية وتراث وعادات الشعب القديم !!
لكن الواقع غير ذلك ، إذ ان التشرذم والعيش على بقاع مختلفة من العالم يؤدي الى عملية الغاء الخصائص القومية والدينية النادرة للشعب المسيحي القومي في العراق وليس المحافظة عليه بهجرتهِ الى شتى بقاع العالم .
وكم منّا يقرأ هذه السطور وهو يفكر بعائلته كأصغر وحدة إجتماعية تجمعه مع زوجته وأبناءه ووالديه وأخواته وإخوانه والمحظوظ فينا من هاجر مع عائلته كوحدة متماسكة ولم يفترق عنهم حتى في بلدان المهجر !! وهذا الشئ يسري على درجات القربى الأخرى من أبناء عم وخال وغيرهم الى ان نصل الى الشعب المسيحي القومي ككل ، فهل يعقل بان أكون أنا وإبني من بعدي كنديي الجنسية والإنتماء الحضاري والثقافي والإجتماعي ويكون أخي وأبناءه من جنسية وإنتماءات لبلد آخر !!!! فماذا يبقى لدينا مشترك عند لقاءنا بعد سنوات من الغربة أو ربما لا نلتقي أبداً !!! وماذا يعني وصل الرحم بيني وبين آخي ما لم يكن معززاً بوصل المجتمع الواحد !! إذن شئنا أم أبينا فان الوطن الواحد والجنسية الواحدة هما قواسمنا المشتركة مع الأبوين لإعطاءنا شعور الإنتماء لعائلة واحدة .

ومثال آخر بسيط يصب باتجاه تظافر الجهود وتأثيراتها فنحن الذين نكتب وندعو ونحلل وندعم ونشحذ الهمم فان كل منّا يقدم عطاءه من مكان معين ومن بلد معين ، فالذي يكتب من داخل الوطن والآخر من المانيا وثُمّ من يكتب من كندا أو فرنسا أو السويد ـ ـ ـ الخ ولا يجمعنا غير صندوق ذكي صغير أسمه الكمبيوتر ( جزاه الله الف خير لمخترعه ) حتى ليس لدينا نادي ( ظرفي ) مشترك يجمعنا ولاسباب عديدة أهمها تشرذمنا بسبب الظروف وفقداننا لوطنٍ ( بديلٍ ) يحتضننا جميعاً على أرضٍ واحدةٍ مع أسبابٍ أخرى منها تباين المعتقدات والآراء وغيرها ولكننا جميعنا ننشد لهدفٍ واحدٍ هو المطالبة بوطننا الذي لا بديل لنا عنهُ .

ومن خلال إستقرائي للكثير من الآراء التي طُرِحتْ على بساط البحث أرى بان ما يجري تنفيذهُ الآن من مخطط لإفراغ العراق من مسيحييه قابلهُ رد فعل غير منظـّم وغير مدروس ويفتقد الى العمل الجماعي المؤثر إلا فيما ندر وفي أحيانٍ كثيرةٍ فردي أو على أبعد إحتمال عائلي لقرار الهجرة وذلك بسبب فقداننا لمؤسسة قومية موحدة نرجع اليها ونستظل تحت مظلتها بعد زوال النظام وتداعيات الأحداث من بعده لإتخاذ المشورة والقرار الموحد .

وفي رأيي كان من الممكن ان تكون الكنيسة كمؤسسة دينية هي البديل لهذه المؤسسة القومية لأسبابٍ عديدةٍ أولها بُعْدها عن اي شبهة تنظيمية سياسية فيما لو تم إستبدالها بمؤسسة قومية أخرى تأخذ على عاتقها ما أشرت اليه أعلاه وثانيها من المفروض ان القيادات الكنسية تكون أعرف من الجميع بمكونات رعاياها وردود أفعال مؤمنيها فيما لو حصل ما حصل وثالثها هو إيمان وثقة الشعب بكنيستهم ولكنها وللأسف ولأسباب كثيرة منها خارجة عن إرادتها ومنها أسباب تنظيمية وقيادية خاصة بها لم تكن مواكبة كوحدة متماسكة للأحداث المتسارعة ؟
 
إذن من هاجر قد هاجر ومن يرغب في الهجرة فليهاجر ولكن علينا ان نعمل ونعمل خاصة خارجياً سياسياً وإعلامياً لدعم من يرغب في البقاء وهذا ما يجب ان يحصل الآن فله تأثير كبيرعلى إعادة التوازن .
صحيح إننا خسرنا ولا زلنا نخسر المئات من خيرة أبناءِ شعبنا بالعمليات الجبانة التي تستهدفهم ، ولكن شعبنا ولاّد أيضاً ليعيد التوازن ولكن الذي أثّر بشكلٍ تراجيدي على تناقص أعدادنا داخل الوطن هي عمليات الهجرة الجماعية السريعة والى المجهول ؟

أما فيما يخص عودة المهجّرين فهذا مرهون بالسنوات القادمة .
إذ ان هنالك الكثيرين ممن يرغبون بالعودة وهم يعملون بنجاح في بلدان المهجّر ولكن الحنين الى الوطن يدفعهم للعودة اليه ، فالتواصل الجدلي لا يمكن فصله بين الشعور بالمواطنة والحنين ربما الى ذكرى صغيرة داخل الوطن خاصة إذا جاء قرار الهجرة قسرياً وليس طوعياً .

فعلى الرغم من إمتنان المهاجرين لبلدانهم الثانية لِما قدمته لهم من فرص العيش الكريم والآمن والذي ربما للكثيرين منّهم لم يجدونه في بلدهم العراق وعلى الرغم من ان بلدان المهجر قد فتحت ذراعيها لهم ولعوائلهم في لحظات وظروف قاسية كانوا يعيشونها وعلى الرغم من تأقلم البعض منهم في أوطانهم الجديدة وفي شعورهم بالإنتماء الوطني النقي وبالتفاعل مع البيئة الجديدة كمواطنين صالحين ، إلا ان حنين البعض الى الوطن الأم يبقى يراودهم حتى يصل الى ذروته حين يفكرون بساعة الخلاص الأبدي عندها سيبحث الجسد الموارى في الثرى عن سريرٍ آمنٍ يرقد عليه وللأبد وسيبحث عن تراب الثرى الذي لا بديل عنه في كلِ أرجاء المعمورة ليغطيهِ ولسان حال من يشتاق للعودة يقول :

كل الدُنى لحدٌ ما دُمتُ أغترِبُ

وقد أرفقتُ مع هذا المقال رسم تخطيطي عبّر عنه أحد الفنانين المقربين اليّ حين ( أقتُلِعَ ) من جذوره وأرضه ليغادر العراق قبل ثلاثة عشر سنة والى الأبد والذي رسمه وهو في طريقه من بغداد الحبيبة الى عمان وقدمهُ هدية عزاء لي حين التقينا كمغتربين في عمان وأعتقد بان الرسم لايحتاج الى تفسير ويُلخص كل ما أردتُ إيصاله للقارئ الكريم في هذا المقال .

أنتهى المقال
 


         


171
حي الأثوريين في الدورة خالي من أصحابه ِ ؟

الدورة واحدة من المناطق التي سكنها المسيحيون في بغداد والتي كانت مع مناطق أخرى تمثل قمة التعايش الأخوي بين مكونات الشعب العراقي مثلها كمثل البتاويين وشارع 72 ( شارع الصناعة ) والنعيرية والكيّارة ومنطقة الغدير وزيونة وشارع 52 وحي الأرمن وغيرها من المناطق التي كان متواجد فيها شعبنا المسيحي ، حتى ان قسماً من مناطق الدورة سميّت على أسماء القوميات المسيحية التي كانت متواجدة فيها كحي الآثوريين لكثرتهم المطلقة في ذلك الحي .
ولكن تسارع الأحداث وتداعياتها بعد التغيير الذي حدث في 2003 م ودخول المحتل وغياب السلطة والقانون والذي أعطى الفرصة للبعض السيئ من الرُعاع والمجرمين والمتطرفين الى ممارسة عمليات القتل والتهجير والإختطاف أرغمت الكثيرين من أبناء شعبنا المسالم على ترك دورهم وممتلكاتهم والهجرة الى المجهول حتى خلت هذه المناطق تقريباً من ساكنيها المسيحيين فأضحت أطلالٌ مهجورة ً تحتضن بين أزقتها كلاباً سائبة مسعورة !! وشهادات لجرائم أرتكبت بحق المسيحيين يندى لها جبين الإنسانية ودمعة حزينة أطلقتها أم على أبنها الذي قتل غدراً أو إبنتاً أ ُختطفت ووجدت بعد أيام جثتها مخضبة بدمائها الزكيّة مرمية على قارعة الطريق أو زوجاً خطفه الأشرار ولم تسمع عنه من حينها أي خبر ، فتحولت هذه المناطق التي كانت آمنة وتزهو بساكنيها المسيحيين الى مناطق رعب وخوف تخلو من كلِ شئ ٍ جميلٍ .     

وحيثُ كنتُ قبل بضعة أسابيع أصغي الى نشرة الأخبار الرئيسية على القناة العراقية الفضائية جلب إنتباهي خبر إعادة إفتتاح فرع مصرف الرافدين في حي الأثوريين ( الآشوريين ) في الدورة وقد تمَعنتُ جيداً بجميع الوجوه المحتفلة بهذه المناسبة وكان عددهم كبيراً من الرجال والنساء فلم أجد بينهم أي وجه يوحي لي بسكنة هذا الحي من الآشوريين أو المسيحيين بشكل عام ومن كلا الجنسين .
لا بل على العكس تأكد لي ما ظننته سابقاً من ان المسيحيين في الدورة تم تهجيرهم بخطة ( مخابراتية ) أستخدمت فيها  أيادي طرف محسوب على مذهب معين لإحلال عوائل من المذهب الآخر محلّهم والمدعومة من مراكز القوى لايجاد توازن جديد بين المذهبين في هذه المنطقة .
وهذا ما يفسّر وقوف الأجهزة الأمنية موقف المتفرج مما كان يحدث للمسيحيين على الرغم من نداءات الإستغاثة المحلية والدولية للمنظمات الإنسانية والمؤسسات الدينية ولعدة أشهر للتصدي للمجرمين ومن ثمّ قيام ( فرسان ) هذه الأجهزة الأمنية بصولتهم لكبح جِماح المتطرفين في الدورة ولكن بعد أن أ ُفرغتْ من مسيحييها ومن ثُمّ دعوة الحكومة للعوائل المهجّرة بـ ( العودةِ ) اليها .

لكن السؤال هو مَنْ الذي عادَ ؟
هل هم المسيحيين سكانها الأصليين ؟
أم العوائل المهجّرة الذين كانوا يسكنون في مدن ومناطق أخرى ومحسوبين على مذهب معين فحلـّوا محل المسيحيين ؟ !! أنه مجرد سؤال ؟

وبهذا تم ضرب عصفورين بحجرٍ واحدٍ  كما يقول المثل الشائع ـ ـ ـ أولهما الإمعان أكثر في تشويه سمعة مذهب الصقت به تهمة ما يجري من أعمال عنف وثانيهما تهجير المسيحيين وإستفادة أصحاب المذهب المقابل من النتيجة ، ومن ثُمّ قيام الحكومة بنشر خبر تعويض العوائل المهجّرة ومنحها مكافئة العودة الى الدورة !! وكأنّ المقصود به تعويض المسيحيين !!
وعند سؤال أي مسيحي مهجّر من هذه المنطقة عن خبر التعويضات والمُنحْ يستغرب بشكل كلّي وينفي حصولهِ على أي منحة !!
إذن إذا كانت هنالك تعويضات حقاً فهي تمنح لغير المتضررين الأصليين وإنما تمنح لمن يحلّون محلّهم أو تصرف من ميزانية الدولة وتختفي بين ثنايا جيوب ( المستكبرين ) الجُدد !!

إذن لننتظر ونراقب ونرى ما الذي سيجري بعد أن رُفعَ شعار القضاء على الفساد الإدارى وإستتباب الأمن أكثر وسيطرة الدولة بشكل كامل على منطقة الدورة وغيرها من المناطق ولنترقب ما سيفعله السيد  نوري كامل المالكي في دورتهِ الجديدة كرئيساً  للوزراء ؟

وهل سيتم محاسبة مَنْ قتلَ وهَجّرَ وإعتدى على المسيحيين وأختطفهم وهل سيتم إعادة الأملاك والأموال التي دفعها المسيحيين لتحرير فلذات أكبادهم المخطوفين خاصة وإن هنالك مؤشرات قوية من كلام المخطوفين بعد تحريرهم من ان لهجة معظم الخاطفين توحي من إنهم  ينتمون الى مذهب معين ومن إعترافات رجال الأمن بان أجهزتهم مخترقة من عناصر هذا الحزب أو تلك المنظمة وآخرها القاء القبض قبل أيام معدودة على خمسة عشر عنصراً مهماً من عناصر وزارة الداخلية أتهموا بعمليات قتل من ضمنها قتل شقيقة نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي ، وقد أثبتت الوقائع من ان الأموال التي حصلت عليها بعض هذه الأحزاب والمنظمات من المخطوفين المسيحيين أستخدم قسم منها  لتمويل عملياتها ضد الدولة .
   
وهل سيكون لشعار دولة القانون الذي رفعته قائمة السيد رئيس الوزراء في إنتخابات مجالس المحافظات والتي حصلت بموجبهِ على تأييد أكثرية الشارع العراقي أي وجود لنصرة مكوّن مهم من مكونات المجتمع العراقي ألا وهم المسيحيين ؟

أم أنّ دولة القانون لا تشمل( المستضعفين ) المسيحيين  !!



 
                                   
                                                                                                         سالم ايليا       

172


لقاء مع راعي الطائفة المارونية في إقليم البرتا / كندا

أجرى اللقاء سالم ايليا

لقد كان لقائي الأول مع راعي كنيسة أم المعونة للطائفة المارونية الكاثوليكية في إقليم البرتا / أدمنتن الأب الفاضل أسبر أنطون حينما قررتُ وبمبادرة فردية للتحضير لإقامة أول قداس بالطقس الكلداني في إقليم البرتا ومن بعده وضع اللبنات الأولى لتأسيس جمعية مسيحية عراقية أردتها أن تكون فعالّة تضم كافة الطوائف المسيحية ولكن ـ ـ ـ ؟!! حيث كانت من ضمن الإستعدادات والتحضيرات لهذا القداس إيجاد كنيسة لإقامة قداسنا الكلداني فيها .

وقد نصحني بعضاً من أبناء الجالية بالإتصال بالأب أسبر أنطون لترتيب الأمر معه وأخذ موافقته لإقامة القداس في بيعته المباركة وبالفعل تم ترتيب لقاء مع الأب الفاضل ، والحقيقة كل الحقيقة أقولها بأنني عندما أطلعته على نيّتي بالتهيأة لإقامة قداس كلداني عرض عليّ كل إمكانيات الكنيسة المارونية للمساعدة على إنجاح هذهِ المبادرة ، حيثُ أعلنَ ولِمراتٍ عديدةٍ في القداديس التي سبقت إقامة القداس الكلداني عن موعد إقامتهِ وحثّ جميع المؤمنين من أبناء الجالية المسيحية الشرقية على حضوره . إذ إنعقد القداس الكلداني في الثاني والعشرين من تشرين الأول ( أكتوبر ) سنة 2005 م في كنيسة أم المعونة المارونية في أدمنتن / البرتا وحضرهُ عدد مبارك من أبناء الجالية من جميع الطوائف .
وحيثُ إنني إقيم في نفس الأقليم فقد تكررت لقاءاتي مع الأب الفاضل أسبر أنطون من خلال حضوري وعائلتي لسماع القداس وخاصة في الأعياد .

وبسبب الحالة الإستثنائية التي يمر بها الشعب المسيحي في العراق ، فقد حثّ راعي الكنيسة المارونية أبناء الجالية المسيحية الشرقية بشكلٍ عام والعراقيين منهم بشكلٍ خاص على دعم إخوانهم المسيحيين في العراق وذلك من خلال طرحه لمبادرات عديدة ولكن وللأسف لم يجد مَنْ يسعى لسعيهِ ، لا بلْ ان البعض ممن يسمون أنفسهم بالمسيحيين العراقيين قد أخذوا موقفاً عكسياً من هذهِ المبادرات ولكل مبادرة يحاول البعض من الغيارة من أبناء شعبنا المسيحي القيام بها ولأغراض شخصية أنانية وللأسف الشديد .

بدأتُ لقائي مع الأب أسبر أنطون بالترحيب به في هذا اللقاء الصريح ورجوت منه سعة الصدر للأسئلة التي سأطرحها والتي تتردد على لسان الكثيرين من أبناء الجالية وسألتهُ :
•   عن رأيهِ بما يعاني منهُ مسيحيي الشرق بصورة عامة ومسيحيي العراق بصورة خاصة من عمليات القتل والتهجير وخاصة في الموصل ، حيثُ أظهرت الأحداث الأخيرة مواقف رائعة يؤشر لها بالبنان لمسيحيي لبنان وسوريا وشعوبها بصورة عامة ووقوفها ضد هذهِ الإنتهاكات الإنسانية الخطيرة ؟
فأجاب فضيلته :

في الواقع ليس غريباً علينا أن نُضطهد كمسيحين شرقيين فمثلما تعلم من ان الشرق بكاملهِ كان مسيحيا وتم تغيير عقيدته الدينية بالقوة من خلال الحروب والفتوحات والضغوطات التي إستمرت منذ القرن الثامن الميلادي الى يومنا هذا ، فليس غريباً علينا الإضطهاد ، حيثُ قال لنا السيد المسيح " بأنكم ستضطهدون من أجل أسمي ولكن طوبى لكم فأفرحوا وصلّوا " ، لِذا علينا ان نفرح ونصلّي لأن دماء شُهدائنا هي دماء القديسيين التي تروي زرع الكنيسة ، إذ لا تكبر الكنيسة إلا على دماء الشهداء وهذا ما حصل في بداية الدعوة للمسيحيّة ، ولهذا سُمّيت كنائسنا على أسماء القديسيين وعلى الرغم من ان الموقف الكنسي العام تجاه ما يحدث مهماً وكبيراً ، إلا أنهُ في رأيي لا يزال ناقصاً لإعتمادنا على كنائسنا الشرقية وحدها وعلى مؤمنيها الموجودين في الشرق لمواجهة هذا التحدي لمفردهم وجميعنا نعلم من ان الظروف الإقتصادية والسياسية والضغوطات التي تواجهها كنائسنا الشرقية وشعبها في مختلف بلدان الشرق لديها نفس هاجس التهجير والقتل والقلق المتواصل ، لِذا أعتقد باننا بحاجة الى تدويل كنسي لقضيتنا وخاصة الدعم اللوجستي من المغتربين الشرقيين كأن يكون مثلاً تأسيس إتحاد عالمي لمسيحيي الشرق في المهجر تستظل تحت مظلّتهِ كافة المذاهب والقوميات المسيحية الشرقية في بلدان المهجر ويكون أحد أهداف هذا الإتحاد دعم مسيحيي الشرق ومسيحيي العراق بصورة خاصة بكل الوسائل السلمية المتاحة المادية منها والمعنوية والإعلامية وتوحيد الجهود في هذا المجال ، لأن ما يحصل لمسيحيي العراق هو المؤشر الأول لِما قد يحدث لجميع مسيحيي الشرق والذي بدأت تداعياته بالظهور في بلدان مشرقية أخرى حيثُ سيطال كل الطوائف المسيحية .
ففي رأيي ( والكلام لا يزال للأب الفاضل ) اننا يجب الإستعداد اليوم لكل الإحتمالات التي قد تحدث في المستقبل ، لِذا يجبُ علينا التفكير بتكوين هكذا إتحاد أو جمعية تصبح لها قوة تأثير دولية عبر قنوات سياسية غربية يتم الإتصال بها والتنسيق معها لتكوين خلية عمل مهيأة ومستعدة لطرح قضايا الإضطهاد والتحجيم التي يتعرض لها مسيحييوا الشرق وإيصال صوتهم الى أعلى المنابر الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة والسعي لإستصدار قرار من المنظمة الدولية يحمي مسيحيي الشرق ويحمّل قادة تلك الدول مسؤولية تمتع هذا المكوّن المُهم من مجتمعاتها بكافة حقوق المواطنة والحماية .

•   ما تفضلتهم بهِ يقودني الى سؤال حتمي في الإستفسار عن مدى تفاعلكم والمؤمنين من وراءكم في هذا الإقليم لترجمة ما ذكرتموه على أرض الواقع من فعاليات لدعم مسيحيي الشرق والعراق بصورة خاصة ؟

فأجاب سيادته :
في الحقيقة جرى تقديم الصلوات وتم الإتصال بالصحف المحلية وعلى الإنترنيت لشرح أبعاد ما يتعرض له مسيحيي العراق وقد أتصلتُ بالجمعية العراقية المتواجدة في المدينة وأخبرتهم عن جاهزية الكنيسة المارونية لأي عمل تنوي الجمعية القيام به لنصرة مسيحيي العراق وانا بإنتظار مبادرتهم للمساعدة سواء المادية منها أو التضامنية ولكن لحد هذهِ اللحظة لم يصلني منهم أي جواب للقيام بأية فعالية بهذا الإتجاه ولم يتصل بي أي عضو أو مسؤول منهم ولم يعلمونا بأي شئ ، فمن المفروض ان تكون هنالك مبادرة من الجمعية العراقية المسيحية في المدينة للقيام بمظاهرة سلمية أو لقاء في البرلمان أو لقاء مع رئيس الحكومة الإقليمية أو جمع التبرعات أو أية فعالية لدعم مسيحيي العراق وأكرر لحد هذه اللحظة لم يصلني منهم أي خبر لأي نشاط أو فعالية ولكنني وبمبادرة فردية لازلتُ أعمل مع بعض السياسيين المحليين في مقاطعة البرتا وأعتقد باننا سنتوصل الى عقد لقاء مع رئيس حكومة الأقليم لدعوته والتباحث معه حول ما يتعرض له مسيحيي العراق والشرق .

•   من خلال حديثك هذا سيدي الفاضل أستذكرتُ فعالية لجمعية كندية وهي جمعية الرعاية الإجتماعية الكاثوليكية للشرق الأدنى ، حيثُ وزعت مطبوعاً على الدور السكنية في المدينة تحثهم فيها على التبرع لمساندة مسيحيي العراق مع نبذة مختصرة لِما يتعرضوا له من قتل وتهديد ، فهل تم الإتصال بشخصكم لهذا الغرض ؟
فكانت إجابة الأب أسبر أنطون :
بصورة مباشرة لم يتم الإتصال بي بشكل شخصي ولكنني إستلمتُ نفس المطبوع من خلال المجلة الكاثوليكية الغربية التي تصدر هنا ولكن هذه الفعالية ستكون حبراً على ورق إن لم يتم متابعتها من قبل أشخاص محددين وتكوين جمعية يكون أعضاءها مستعدين لدفع المعونة الشهرية لمسيحيي العراق .
وهنا تداخلتُ مع الأب الفاضل أسبر أنطون لسؤاله عن إمكانية بداية هكذا جمعية بأعضاء من الجالية المسيحية الشرقية وحصراً العراقيين منهم كخطوة أولى في هذا الإقليم لإنجاح مثل تلك المبادرات ؟
فأجابني قائلاً : نعم إنني أعتقد بانه من المهم جداً المبادرة في تكوين هذه الجمعية لكي يهتم بنا الغرب وخاصة المسؤولين السياسيين الذين لهم تأثير مباشر على المؤسسات الحكومية والتي لديها أموال طائلة مخصصة أساساً لأغراض المساعدات الإنسانية الخارجية حيثُ أنهم بإنتظار مبادرتنا لنضع صوتنا مع صوتهم والذهاب بمطالبنا الى البرلمان لتشريع قانون يجيز دفع مبالغ معينة من هذه الأموال لمساعدة مسيحيي العراق ، ولكن كما ذكرتُ نحن بحاجة الى توحيد جهودنا كمسيحيين شرقيين في هذا الإقليم والجلوس في إجتماع عام موسّع تنبثق منه لجنة لمتابعة هذا الموضوع بجديّة .
وتداخلتُ مرة ثانية مع الأب أسبر قائلاً : هل أفهم من كلامكم مشاركة جمعيات أو منظمات شرقية في هذه الفعالية ؟
أجاب : بالطبع يجب مشاركة جمعيات عراقية ومسيحية أخرى مع الكنائس ومن رجال الدين ، فجميعنا مقصرين كثيراً في هذا المجال ، لأننا لم نعطي هذا الموضوع حقه ووقته !! صحيح اننا مهتمّين بأمور كثيرة حيثُ نكتفي بالصلوات أو بعبارات الأسف أو في نشر بعض المقالات في الصحف أو المشاركة بفعاليات فردية لإدانة ما يجري فهذا غير كافي !!
فقاطعت الأب الجليل بقولي : هل تقصد باننا نفتقر هنا في ولاية البرتا الى القيام بجهد أو عمل جماعي ؟
فأجاب : نعم لا يوجد جهد جماعي يعطي تأثيراً قوياً ومؤثراً على المسؤولين في كندا والأمم المتحدة لنسمعهم صوتنا مع بقية الأصوات الجماعية التي تعمل في هذا الإتجاه . ثم أضاف قائلاً :
هنالك مثال لهذا الجهد الجماعي والذي تمخضت عنه المساعدة التي قدمها رئيس حكومة إقليم البرتا في ذلك الوقت رالف كلاين خلال الحرب الأخيرة في لبنان والتي تبرع فيها بمبلغ ربع مليون دولار من صندوق الحكومة والمخصص للأغراض الإنسانية ، إضافة للتبرعات التي تم الحصول عليها من الجمعيات والأشخاص بشكل منفرد في هذا الإقليم ، حيثُ تم إرسالها الى لبنان لمساعدة النازحين والمتضررين ، فهذا التبرع جاء نتيجة جهد جماعي لكل اللبنانيين في هذا الأقليم ولكن كان هنالك مرجعية تقود هذه الفعالية متمثلة بالجمعية الثقافية اللبنانية في العالم ، حيثُ دعت هذه الجمعية الكثير من الجمعيات الكندية والمسؤولين في الإقليم الى حفل أقيم لهذا الغرض . إذ تم عرض ما تعرض له اللبنانيين في الحرب الأخيرة ومن خلال الصور والأفلام الموثقة والإنترنيت والصحف وعرضوا ما تعرض له المدنيين ثم طلبوا من هذه الجمعيات والمسؤولين الكنديين القيام بمبادرة لمساعدة اللبنانيين في محنتهم وكان لهم ما أرادوا ، حيثُ بادرت الحكومة الإقليمية مشكورة بمد يد المساعدة المادية والطبية والفنية لنزع الألغام . لذا أنا ( والكلام لا يزال للأب أسبر أنطون ) ومن خلال هذا اللقاء أضم صوتي الى صوتك وأناشد كل جمعياتنا ومؤسساتنا لكل مسيحيي الشرق في الإقليم وأحثهم على القيام بإجتماع مؤسع في أي مكان وتحت أي شعار يُتفق عليهِ ونلتقي للتباحث عن كيفية مساعدة أهلنا في العراق فالمهم أن نلتقي لنتدارس هذا الموضوع بجدية ونخرج بخلاصة تشكيل لجنة تتابع مقررات ما يتمخض عنه الإجتماع لنصل الى نتيجة .

•   انتقلتُ بعدها بنوعية الأسئلة الى مجال آخر حيثُ سألتُ الأب الجليل أسبر أنطون عن رأيه في سعي البعض الى توحيد التسميات القومية لأبناء الطوائف المسيحية الشرقية لمواجهة التحديات خاصة وأنهم يلتقون ويشتركون في الكثير من مقوّمات القومية الواحدة من لغة وتاريخ مشترك ودين واحد ـ ـ  الخ ؟
فقال فضيلته :

من الضروري والمهم ان يصار الى توحيد التسمية القومية خاصة وانها سوف  لن تلغي الخصوصيات الدينية ولكنها ستكون أشبه بمشروع تنظيمي إجتماعي يوحد القوى العلمانية بخط إجتماعي قومي سياسي من أجل بناء المجتمع المسيحي بدول الشرق الأوسط وفي نفس الوقت يعمل على تقريبهم من بعضهم البعض ففي التضامن قوة وتوحيد القوى يبرز ويوجه المواهب من كل الطوائف ويوحدها وسيوفر الطاقات بجميع الإتجاهات ليبرزها كطاقة واحدة تمثل الجميع وستمثل ثقل سياسي للمطالبة بالحقوق القانونية من خلال برلمانات وحكومات دول الشرق الأوسط . لِذا فأنا ( والكلام لراعي الكنيسة الجليل ) مع أصحاب الفكر الجديد في وحدة الطوائف المسيحية في الشرق بإتجاه علماني تكون غايته عمل إجتماعي وسياسي وثقافي وتبقى الامور التي تتعلق بالعقائد الدينية والإيمانية فيها إستقلالية خاصة بشؤون رجال الدين التي يمكن معالجتها من خلالهم . كما وان توحيد الجهد القومي يكون له أثره الكبير للخطوات المستقبلية حيثُ ان توحيد الفكر القومي سينعكس على مجمل النواحي الفكرية والثقافية والإجتماعية وحتى الإيمانية منها وهي خطوة الى الأمام لوحدة الكنيسة ككل وذلك لأن الإنقسام خطيئة ، كما وان التوحيد سيكون خطوة مهمة للمحافظة على الهوية القومية الشرقية المشتركة ، فأنا أشجع كثيراً موضوع الوحدة سواء أكانت قومية أم كنسية .

   وحيثُ ان إجابته السابقة قادتني الى سؤالهِ عن رأيه في فصل السياسة عن الدين في إدارة الدولة في بلداننا الشرق أوسطية لتحقيق العدالة الإجتماعية بين مكوّنات الشعب الواحد ؟
فأجاب قائلاً :
انه لمن المهم جداً فصل السياسة عن الدين وانا أقول أكثر من هذا فنحن لا نحتاج فقط الى نظام علماني سياسي لإدارة الدولة بل نحتاج الى نظام عائلي علماني بمعنى يتم إحترام حقوق المرأة في العائلة المصغّرة ، لأن المرأة في المجتمع الشرقي تعاني من إهدار في حقوقها والتي يُحملها المجتمع تبعات الأخطاء الإجتماعية من حيث تكاثر عدد السكان الغير منطقي والغير مدروس ، لِذا فان فرض نظام علماني متكامل يبدأ بالغاء الطائفية السياسية ويركز على بناء أصغر وحدة في المجتمع وهي العائلة وإحترام كل فرد في هذه العائلة كإنسان مخلوق على صورة الله ومثالهُ وبغض النظر عن جنسه أكان رجلاً أم أمرأة .
ثم سألته سؤالي الأخير قائلاً له :
   لقد صدرت في روما سنة 2001 م مجموعة توجيهات مشتركة بين الكنيسة الكاثوليكية متمثلة بالفاتيكان والكنيسة الشرقية الآشورية وقبلها سنة 1984 م بين الفاتيكان من جهة والكنيسة السريانية الأرثوذكسية من جهة أخرى للإشتراك في الإفخارستيا وضمن ظروف محددة ، فما رأيكم في تعميم هذا التوجيه ؟
أجاب الراعي الجليل :
هذا صحيح جداً ، حيثُ ان هذه التوجيهات صدرت في فترة تسنّم البابا يوحنا بولس الثاني واليوم يشدّد عليها البابا بنديكتس السادس عشر ومن الضروري جداً ان نبدأ بمشروع وحدة الأعياد أولاً والمشاركة في الأفخارستيا ( تناول القربان المقدس ) ثانياً ووضعهما بصيغ قانونية فحيثُ تتواجد الأكثرية الكلدانية مثلاً تندمج الطوائف الأخرى وتحيا معها بكامل طقوسها وأعيادها وليتورجيتها وكإنها كنيستهم ومحل ما يوجد أكثرية مارونية تلتحق معها جميع الطوائف الأخرى وتحتفل معها في الأعياد ومنها عيد القيامة وتجاوز إختلاف الزمن كما دعى اليه في سوريا واليوم بدأ بتطبيقه في الأردن حيثُ ان الطوائف الكاثوليكية بدأت تحتفل بالأعياد حسب الطقس الشرقي مع الكنائس الأرثوذكسية وبموافقة ومباركة الفاتيكان ، لِذا نتمنى ان يعمم هذا التوجيه في الدول الشرقية الأخرى بشكلٍ خاص وفي العالم بشكلٍ عام حيثُ تبرز حقيقة موضوع الطقوس والإختلاف في الزمن في إحتفالات عيد الفصح المجيد بحيث أصبحت مشكلة كبيرة نواجهها من بقية الأديان ومصدر شك إيماني .
فالأنفتاح على بعضنا البعض مطلوب منّا ، إذ ان المسيح يطالبنا بالإنفتاح على البشر لذلك يخاطبنا بقوله " أحبوا بعضكم بعضاً كما انا أحببتكم " و " من لايجمع معي فهو يفرّق" ومن يفرّق يعمل عمل الشيطان .
لِذا فان هدف الكنائس والطوائف هو السعي للوحدة المسيحية المشتركة بكل المجالات الممكن تحقيقها مع الإحتفاظ وإحترام خصوصية كل طائفة وليتورجيتها وطقسها ، إذ ان في التعددية غنى ولِذا لا نرغب في الإستغناء عن أية طائفة حيث إنها بطقوسها وخصوصيتها تعتبر ثروة لا يمكن صهرها .

وفي ختام لقائي شكرتُ الأب الجليل أسبر أنطون على صراحته ووضوحه في الإجابة على أسئلتي وعلى ما تفضل به من مقترحات وآراء جريئة وقيّمة وعسى أن تجد الآذان الصاغية ممن يعنيهم أمرنا .
بعدها جمعت أدواتي وغادرتُ مكتبه ولسان حالي يقول للبعض الذي يسعى لمصالحه الشخصية :
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً ولكن ـ ـ ـ .

إنتهى اللقاء   

173
حيتان الموائد وصَيادي المناسبات / 2
( الجزء الثاني )
المقدمة :
ذكرتُ في الجزء الأول من هذا المقال بعضاً من نوادر الأشعبيين وتصرفاتهم الغريبة ، حيثُ أكمل في الجزء الثاني هذه التصرفات .

هنالك نوادر كثيرة عن اللكَامة تدور في أذهان الكثيرين وعن طـُرق إصطيادهم للمناسبات والولائم والبعض من تلك القصص يتداولها بعض الناس في جلساتهم وأوقات ( النميمة ) بينهم وفيها ما هو غير صالح للنشر بتفاصيله ، حيث ان بعض الأشعبيين ( اللكَامة ) يتناولون مواد مُسّهلة لتنظيف أمعائهم وإفراغها قبل الذهاب الى الوليمة !!! .
واللكَامة تراهم متواجدين في كل بلد وزمان ومكان ، لا يختص بهم بلد أو عصر معين .
فقد زُرتُ الكثير من بلدان العالم فشاهدتهم في كل بلد يسلكون سلوكاً مُتقارباً في الدعوات والولائم وهم على أنواعٍ متعددةٍ وبطرقٍ مختلفةٍ .
كما وإنني أعيش ُ في بلدٍ نموذجي في تواجد المُهاجرين من كل بلدان العالم ويُعتبر عالم مصغـّر بتنوع الثقافات والأجناس والعادات والتقاليد وطرق المعيشة الموروثة من الوطن الأم .

كما ان هنالك بعض الأشخاص يستغلون بعض الدعوات وخاصة في المطاعم ( لإدخار ) الطعام في بطونهم للأيام القادمة !! وربما ( إجتراره ) فيما بعد كما تفعل المُجترّات !! .

فقد قصّ عليّ أحد الأصدقاء أنهُ دُعيّ مرة الى أحد المطاعم مع مجموعة من المدعوين ، وقد كان تقديم الطعام في ذلك اليوم في المطعم على طريقة البوفيه المفتوح ، ومن المُتعارف عليه ضمن سياق ( البرستيج أو الأتكيت ) مدعوماً بالطريقة الصحيّة المُثلى في تناول الطعام هو أن يبدأ الشخص بوجبة خفيفة كأن تكون مثلاً طبق صغير من الشوربة ثم تليها المُقبلات والزلاطات ثم يتم البدأ بالطبق الرئيسي والإنتهاء بالحلويات والآيس كريم أو الشاي .
وقد جلبَ إنتباه صديقي أحد المدعوين والذي كان لديهِ عدّة مشاكل صحيّة منها إرتفاع الكولسترول والسكري و ـ ـ ـ و ـ ـ ـ ووقانا الله ووقاكم شرّ كل الأمراض ، وان هذا الضيف يتبع نظاماً قاسياً  للحميّة ( الريجيم ) في بيته فقط !!! أما في المطعم وبطريقة البوفيه المفتوح والمجّاني فأول ما أبتدأ به هذا الضيف كان الطبق الرئيسي مباشرةً ووضع قطعتين من لحم البقر ( الأستيك ) ثم أردفه بطبقٍ ثانٍ ، أما الطبق الثالث فكان يحوي على قطعة واحدة من صدر الدجاج ( يا حرام ـ ـ ـ مقصّر ) وبعدما إنتهى من الأطباق الرئيسية عرج على المُقبلات والزلاطات لتصريف الوجبات الرئيسية ليس إلا ، ثم ختمها بالحلويات والآيس كريم .
فأستغرب صديقي للأمر وشكك في نفسهِ من إنه ربما يتّبع سياق قديم ( أولد فاشن ) في طريقة تناوله للطعام وان الضيف الآخر كونه مُخضرم في بلاد الغرب يتبع الطريقة الحديثة والصحيّة في تناول الطعام ، ولكنهُ إكتشف فيما بعد بان الضيف المصاب بعدة أمراض لا يريد البدأ بالمُقبلات خوفاً من إمتلاء مَعِدته بها وعندها سوف لا يستطيع التهام ( الوجبات الرئيسية ) فبدأها بالمعكوس !! .

وفي نهاية السبعينيات من القرن الماضي عندما كُنتُ أعمل داخل الوطن وكانت أيامها الشركات الأجنبية تتسابق للحصول على عقد عمل أو بناء مشروع في العراق ، فقد كنتُ أحضر بعضاً من إفتتاحيات المشاريع التي  كانت تنفذها تلك الشركات والتابعة للوزارة التي كُنت أعمل فيها وغالباً ما كانت تقيم الشركة بعد الافتتاحية مأدبة غذاء على شرف الحاضرين وفي إحدى هذه الإفتتاحيات كنتُ حاضراً مع بقية كادر دائرة المهندس المقيم للمشروع وكان يعمل ضمن فريق عمل دائرة المهندس المقيم كاتب على الآلة الطابعة كبير في السن حجّ الى بيت الله الحرام حيثُ بدأنا بمناداته ( الحجّي ) ، وقد كان هذا الرجل هادئاً ويحترمهُ الجميع .
وفي يوم الافتتاح حضر الوزير لافتتاح المشروع ، وبعد ان تمت مراسيم الافتتاح الروتينية ذهبنا الى مأدبة الغذاء وقد وضِع عليها جميع أصناف المقبلات والمشروبات الروحية واللحوم الحمراء والبيضاء ـ ـ ـ الحلال منها والحرام !!
فنظرتُ الى كاتب الطابعة فوجدتهُ منزوياً في ركنٍ من الاركان يتطلع الى المائدة دون التقرب اليها فدعوته للمشاركة فتردد برهة ثم شجعتهُ على التقرب فأتخذ لهُ موقعاً قريباً من أحد أركان المائدة وتركتهُ لحالهِ وبعد فترة وجيزة نظرتُ اليهِ للتأكد من انه لا يزال باقٍ في مكانه فوجدته وقد ( تأقلم ) سريعاً مع الوضع العام وبدأ بالتهام ما تصل اليه يده من لحوم بيضاء وحمراء الحلال منها والحرام فأبتسمتُ إبتسامة صغيرة وقلتُ في نفسي ربما هذه المرة الاولى التي يحضر فيها مثل هذهِ الدعوة فليتمتع الحجي وسوف لن أنبهه على ان بعض اللحوم ربما تكون ( حراماً ) عليه وسيغفر له الله حتماً !! .
وبعد ان أتخم الحضور بطونهم إنفضّ معظمهم عن مائدة الطعام وقد كنّا أنا والمهندس المقيم واقفين في الجهة القريبة لركن المائدة المتواجد حولها الحجي نتبادل الحديث حول بعض المُتعلقات التي لم تكتمل بعد فجلب أنتباهي الحجي حيث كان لايزال مستمراً في تناول الطعام وقد إنتفخ أحد جانبي سرواله بشكلٍ مثير للإنتباه فنظرتُ بتمعن أكثر لأرى هل ان الطعام وما يحتويه من اللحوم الحرام قد فعل فِعلهِ السريع بحيث بَدَت علامات السُمنة ظاهرة على الحجي ولكن من جهة واحدة فقط ؟ !!
فوقعت عيني على غطاء قنينة الويسكي الظاهرة من جيب سروال الحجي ، حيثُ انهُ كان قد هيأ نفسه بتحوير احد جيوب سرواله ليتسع لقنينة الويسكي بعد ان حصل على بعض المعلومات ( المُفيدة ) في هذا المجال من بعض السوّاق والعاملين الذين لهم خبرة في إفتتاحيات المشاريع !!!! ، وقد جَلَبتُ إنتباه المهندس المُقيم بإبتسامتي العريضة ، إذ التفت خلفه فشاهد المنظر والذي لم يكن بحاجة الى تفسير ، فهمّ َ بالذهاب الى الحجي لممازحتهِ فأوقفتهُ وقلتُ له دعهُ يستمتع بتناول طعامه وسنمازحه لاحقاً ، وبعد ان إنفضّ َ الحجي من مهمته خطى اليهِ المهندس المقيم ولف ذراعيه من الخلف حوله بحيث لامست يده قنينة الويسكي وهمس في أذنهِ قائلاً : كيف كانت الامور وهل كل شئ على ما يُرام ؟ فأنتفضَ الحجي كعصفور بللتهُ قطرات المطر والتفت ليرى من هو المُتطفل الذي أفسد عليه خطتهُ فصعق عند مشاهدته المهندس المقيم ، وبدأنا نضحك جميعنا لكنهُ كان خجلاً وقال لنا :  " كَلت آخذ البطل للبيت وهناك أشربة براحتي " !! .
فأجابهُ المهندس المقيم براحتك حجي واردف مُكملاً حديثهُ لهُ : لكن المرة القادمة حاول ان تحوّر جيوب السروال من الجهتين لتضع قنينتي ويسكي وليس قنينة واحدة للتمويه أكثر وعدم جلب الإنتباه ، فضحكنا جميعنا وتركناه يستمتع بيومه ولاحقاً بليلته مع قنينة الويسكي .

ان بعض الناس لا ينظرون الى الدعوة الموجهة اليهم على انها تقدير وإحترام ولكنهم يقيسونها على نوعية ومقدار الطعام الموضوع على المائدة والبعض الآخر على العكس تماماً .
وهناك ظاهرة لاحظتها في بلدان المهجر ، ألا وهي قيام البعض بإملاء حاويات أعدوها مُسبقاً بما تبقى من الطعام بعدما أتخموا معداتهم في المناسبات والدعوات ، وربما أحد أسباب هذه الظاهرة هو الايقاع السريع للحياة في بلدان المهجر والكُل يعمل ولا يوجد متسع من الوقت لطهي الطعام ( فيستغل ) البعض المناسبات لتوفير الوقت والمال لعدم الطهي ليوم أو أكثر !! وهي ظاهرة لاغبار عليها إذا طلب صاحب الدعوة من المدعوين أخذ ما تبقى من الطعام ، خاصة إذا بقيّ الكثير منه تفادياً لتلفهِ في حالة خزنه لأكثر من أيام معدودة، وهي وسيلة جيدة لإستكمال كرم الضيافة .
لكن هذه الظاهرة تعتبر في العرف العشائري إهانة كبيرة لصاحب الدعوة إذا حاول أحدهم أخذ ما تبقى من الطعام دون إذن صاحب الدعوة ، إذ انها تُفسَر على بُخل صاحب الدعوى وإستغلال المدعوين لهذه الدعوة للإستفادة بأقصى ما يُمكن من دعوة هذا البخيل !! وهذا ما يُفسر طلب الفلاح من زائريه في بعض المناطق عندما يرغب بإكرامهم ان يتصرفوا بحرية في مزرعتهِ أو بستانهِ ويأكلوا ما يشاؤون مما حبى الله به مزرعته أو بستانه ولكن عليهم ان لا يقطعوا اية ثمرة ويرموها أرضاً أو يأخذوا أي شئ من المحصول خارج البستان أو المزرعة ، إلا اللهّم إذا أراد هو ان يزيد في إكرامهم فيقوم بنفسهِ بقطع الثمار وإعطاءهم إياها .

والمضيّف الكريم تغمره الفرحة عندما يرى المدعوين مفتوحي الشهية ولا يشعرون بالحرج خلال فترة الطعام بل على العكس تعتبر شهادة من المدعوين على جودة الطعام ولذتهِ وحسن الضيافة .

وقد أشتهر العراق والعراقيين بين الدول المُجاورة ومنذُ الآف السنين بسخائهم وكرمهم حتى وصل صيتهم الى أبعد بِقاء الارض ، وقد فاجئني أحد الكنديين بسؤالي عن مدى صحة ما يُقال عن كرم الضيافة في العراق وكان متشوقاً جداً لسماع بعض من الاحاديث التي تبين ذلك وكان لهُ ما أرادَ .


إنتهى الجزء الثاني والأخير

                                                                                                      سالم ايليا 


174
حيتان الموائد وصَيادي المناسبات / 1
( الجزء الأول )

تختلف عادات وتقاليد الشعوب بأختلاف الزمان والمكان ، وغالباً ما نسمع عن بعض الممارسات لبعض الشعوب أو الأفراد التي قد تبدو لنا غريبة أو بعيدة عن الأعراف الإجتماعية السائدة و( الأتكيتات ) المتبعة في تلك البلدان أو داخل مجتمعاتها أو حتى داخل الطوائف الكبيرة أو الصغيرة في البلد الواحد أو في البلدان المُختلفة ، كما وتختلف باختلاف شرائح المجتمع الواحد أو الطائفة الواحدة بأختلاف مستوياتها الإجتماعية والثقافية والعلمية ، لكنها في النهاية تصب في مجرى واحد ألا وهو الموروث الشعبي أو التراث الشعبي للبلد وتكون جزءاً منهُ .

وقد روى لي أحد ألاساتذة الأجلاء الذي غادر العراق الى فرنسا للحصول على شهادة الدكتوراه منذ ُ زمن ٍ بعيد ٍ بعض الطرائف عن نموذج غريب من بعض ٍ من هؤلاءِ القومِ والذين يُطلق عليهم أسم الأشعبيون وباللهجة العامية بـ ( اللّكَامة ) .
واللّكَامة مفردة باللهجة العامية العراقية مُشتقـّة من كلمة باللغة العربية الفـُصحى هي اللقمة : أي مقدار ما يُوضعْ من الطعام في الفم في المرّة الواحدة وتطلق على الأشخاص الذين يعطون أولوية لطـَعامهم وإملاء بُطونهم  على أي شئ آخر !! وغالباً ما تكون هذه ( الهواية ) نابعة من تراكمات نفسية وبيئية عديدة لا أريد الخوض فيها في هذا المقال والتي ليس لها بالضرورة علاقة بالحالة الإجتماعية أو المادية للشخص نفسه .
فاللّكَامة يمكن مشاهدتهم في المجتمعات الغنية أوالفقيرة مع إختلاف التبريرات لسلوكياتهم في كِلا المجتمعين  .

أما مفردة الأشعبي فقد جاءت كصفة من مفردة أخرى بالعربية الفصحى وهي كلمة أشعب ومعناها اللغوي عريض الكتفين ، فمن هو أشعب ؟؟ هو إسم لشخص مشهور بالطمع وهو أشعب بن جُبير المدني ويعرف بـ ( ابن أم حميدة ) وتقول بعض المصادر ان كنيتهُ ابو العلاء وقيلَ ان أمه جعدة مولاة أسماء بنت ابي بكر الصديق وتقول بعض المصادر الأخرى إنه قدِمَ بغداد أيام أبي جعفر المنصور وتوفي أيام المهدي وقد عاش عمراً طويلاً وقيلَ انه عمّرَ مائة وعشرين سنة وجاءت شُهرتِه من طمعهِ ولهُ نوادر وحكايات كثيرة في الأدب العربي وتذكر بعض المصادر بان خاله كان الأصمعي الشاعر الذائع الصيت .
ومن نوادر أشعب انه قد مرّ َ بشخصٍ كان يصنع قفـّة ( سلـّة ) فقال لهُ أشعب أوسعها بربك ـ ـ فقال لهُ صانع القفـّة ولِما يا أشعب ـ ـ فأجابهُ لعلَ يهدي لي أحدهم فيها شيئاً !! .

وحيثُ ان صاحبي كان يسكنُ في حي الأعظمية في بغداد وقريباً من منطقة المحيط في الكاظمية ،فقد كان محل سكنه نموذجاً فريداً لإلتقاء منطقتين عريقتين وكبيرتين هما الأعظمية والكاظمية ، حيثُ تقام فيهما سنوياً الولائم الكبيرة في المناسبات الدينية والإجتماعية بحيث تُعتبر مثاليتين لتطفل اللكَامة عليهما !! .

إستهلّ محدثي حديثهُ معي بسؤالي عن مدى معرفتي بمعنى كلمة اللكَامة  ؟ فأجبتهُ بالايجاب ثم أردف قائلاً هل سبق لك ان سمعتُ حكايات وطرائف عنهم ؟ فكان جوابي الشئ القليل ـ ـ ـ فقال لي إسمع هذه الطرائف ـ ـ ـ فقلتُ لهُ هاتِ ما عندكَ ، فبدأ كلامه أولاً بالحديث عن تعاون الأشعبيين ( اللكَامة ) مع بعضهم البعض بمجموعات صغيرة غالباً ما تكون معروفة في الحي الواحد أو المنطقة الواحدة وذلك لنقل الاخبار فيما بينهم عن مكان تواجد الولائم في الوقت واليوم المُحددين !!
حيث يتم تقسيم الواجبات فيما بينهم وبالتتابع ، فتقع على أحدهم كل يوم مسؤولية شراء الصحف المحلّية للبحث فيها عن الولائم القريبة سواء ولائم الافراح أو المآتم !! ، أما ولائم المناسبات الدينية فتكون معروفة التواريخ مسبقاً !!! .
وتقع مسؤولية الذهاب مُبكراً الى الدور المعنية بالولائم على شخصٍ آخر في حالة وجود أكثر من وليمة في وقتٍ واحد ٍ في الحي أو المنطقة أو المناطق القريبة لـ ( إستكشافها ) ، حيث ُ ( يمتطي ) دراجته الهوائية ويضع الصحف في جُعبتهِ ليستدل بها على العناوين و ( يتوكل على الله ) وحين يصل ( المُستكشف ) الى الدار المعنية يتوجه الى حاويات القِمامة لتفحصها ، فإن إحتوت على أمعاء الخروف وصوفهِ أو على ريش الدجاج وارجلهم فهذا يعني بان وليمة هذا الدار ستكون دَسِمة ، أما إذا إحتوت على زعانف وجلد الاسماك فهذا يعني بان الوليمة ستكون مُتعبة وغير مُجدية وذلك لأنها ستأخذ من ( الأشعبي ) الوقت الكثير وتُجبرهُ على التباطؤ في الطعام خوفاً من إبتلاع عِظام الأسماك !! فيعود الى جماعتهِ لإعلامهم بنتيجة ( التحري ) الذي قام بهِ وعندها يتم أتخاذ القرار الجماعي الى أية وليمة سيتوجهون !! .

ثم إستطرد مُحدثي قائلاً :
في أحد الأيام إشتكى أحد هؤلاء الأشعبيون لجماعتهِ عن عدم تمكنهُ من اللحاق بالمحتفلين أو المدعويين عندما يبدأون بتناول الطعام وعدم حصوله على الطبق الدسم والغني بالبروتين ( اللحوم ) ، وذلك لكونه ضرير فتبرع أحد أفراد جماعته بإعلامه في المرة القادمة عن لحظة بدأ المدعويين بتناول الطعام وذلك بإعطاءه إشارة أو إيعاز بواسطة مفصل ذراعه ( عكسه ) إيذاناً بالبدء وفي حالة إسراع الحضور بتناول الطعام فسيعطيهِ إيعازاً آخراً بنفس الطريقة وهكذا ، كما وانه وقبل البدء بالطعام سيعمل على تقريب أحد الأطباق الدسمة ويضعهُ أمام صاحبه الضرير ليتسنى له الوصول اليهِ حال البدء بتناول الطعام ، وبالفعل فقد كانوا جميع الحضور ملتفين حول المائدة الطويلة  من معزّين وأشعبيين والصمت يخيم على المكان حيث ُ بدأوا بتلاوة سورة الفاتحة ترحماً على روح الفقيد ، وشاءت الصدف ولسوء الحظ أن أستلم الضرير الايعاز وبشكل عفوي وغير مقصود من الجهة المعاكسة لوقوف صديقه حيث إحتكّ به شخص آخر واقف بجانبه من الطرف الآخر ، فظن الضرير بانها إشارة البدء فمد يده على الطبق وسمى باسم الله فنظر اليه الجميع مما أحرج صاحبه ومرشده وحاول هذا جلب إنتباه الضرير بـ ( لكزهِ ) بمفصل الذراع للتوقف عن تناول الطعام إلا أن الضرير إعتقد بأنها الإشارة الثانية للإسراع فإرتبك المرشد مرة ثانية وأعطاه إيعازاً آخراً وبقوة للتوقف عن تناول الطعام ، فما كان من الضرير إلا ان صرخ بأعلى صوته قائلاً :
" على كيفكم يا جماعة ـ ـ ـ هسة بدينا بالأكل وهذا الماعون ( الطبق ) كُلّة اليّ لا أحد يمد إيدة ( يده ) علي ( عليه ) " و ( مؤشراً الى الطبق الدسم الذي أمامه ) !!! فتحول المآتم الى مكان للتندر والضحك على ما حصل َ .

هنالك أكلة عراقية أو ربما سورية تُسمى كبّة حلب ( ربما سُميت بهذا الأسم كنية الى مصدر صناعتها من حلب في سوريا ) .
وقد تفنن العراقيين بصناعتها ، حيثُ تُحشى عجينة الرز باللحم المثروم مع الكرفس أو المعدنوس والكشمش واللوز أو الصنوبر وهي بحجم وشكل البيضة تقريباً لذيذة وسهلة المضغ !! وقد وجدها الأشعبيين ( اللكَامة ) من الوجبات المثالية لهم ، إذ إنها سريعة الالتهام وسهلة الهضم وغنية بمحتواها !! وقد تفننوا كثيراً بكيفية الإحتفاظ بها لأنفسهم في الولائم ، خاصة إذا كانت قليلة العدد ، حيثُ يقول محدثي ان أحدهم كان يمد يده ليلتقط واحدة من كبّة الحلب ثم يلتهم نصفها ويعيد النصف الآخر الى الطبق ثم يمد يده مرة أخرى ويلتقط واحدة أخرى صحيحة ويعيدها الى الطبق بعد أن يأتي على نصفها أيضاً وهكذا يضمن بان أحداً لم يتجرأ على التقاط أنصاف الكبّة ، وبعد فترة وجيزة يكون محتوى الطبق عبارة عن أنصاف من الكبّة فيعود ويأتي عليه حتى آخر نصف فيه !! .

وقد روى لي أحدهم عن أمرأة سمعت بِدعوة قريبتها لحفلة معينة فحاولت وبكل الوسائل التقرب من أصحاب الدعوة وذلك بالاتصال بهم والإستفسار عن صحتهم !! وهي بالكاد قد رأتهم مرة أو مرتين وبطريق الصدفة ،وبالطبع لم يكن أصحاب الدعوة بغافلين عن سبب إتصالها فجاملوها بالهاتف ولكن بدون دعوتها الى حفلتهم .
فما كان منها إلا أن إتصلت بقريبتها وطلبت منها ( التوسط ) لدى أصحاب الدعوى لدعوتها ، وأيضاً كان الجواب واضح بان عدد المدعويين محدود وآسفين .
لكنها لم ( تيأس ) فقررت في يوم الدعوة مرافقة قريبتها ووضع أصحاب الدعوة أمام الأمر الواقع ، وهذا ما حصل فعلاً !!! .
ولهذا السلوك الغريب أسبابه العديدة منها الغيرة أو التباهي أو لاسباب ( أشعبية ) أي لتناول وجبة دسمة أو جميعها معاً .

كما ان هنالك رواية أخرى عن إمرأة إتصلت بالهاتف بإمرأة أخرى ليس لديها معرفة سابقة بها ولكنها سمعت عنها وطلبت زيارتها في اليوم التالي  إذ كانت عطلة نهاية الأسبوع ، فقالت لها الإمرأة على الجانب الآخر من الهاتف آسفة جداً لأنني مريضة ولا أستطيع إستقبالك ، فما كان من هذه ( اللزكة ) إلا أن كررت طلبها ولكن لعطلة نهاية الأسبوع الذي يليه ، فكان جواب المرأة الثانية آسفة جداً لأنني ( سأكون مريضة ) الأسبوع القادم أيضاً وأغلقت سماعة الهاتف في وجهها !!! وقد أخذت هذه ( الأشعبية ) الأمر بروح رياضية !!! وقالت لم أخسر شئ فقد حاولتُ !!! أي ان خسارة كرامتها لا تعني لها بشئ مطلقاً !!! .

وهنالك من يذهب لتقديم التعازي لعائلة ( المرحوم ) وهو لم يرى المرحوم ولا أهله ولم يتعرف عليهم في حياته ولكن ( على صوت الطبل خفـّن يا رجلية ) والغيرة من الآخرين ومحاولة الحصول على وجبة دسمة وتحت عنوان ( ما فيش حد أحسن من حد !! ) تدفع البعض لهذا الفعل .
صحيح ان التعرف على أناس جُدد والتواصل وخاصة في بلاد الغـُربة مهم ولكن يجب أن يكون هنالك توقيت وسبب معقول أو على الأقل سبب لا يؤول من قِبل الآخرين على إنهُ تزلّف وتملق بسبب أو بدونه ، كما وان جهل البعض بالأصول وأعرافه والكرامة ورِفعتها يدفعهم الى فعلِ ذلك .



يتبع في الجزء الثاني

                                                                                                                    سالم ايليا   


175


لقاء مع سيادة المطران الجليل إيليا باهي مطران السريان الأرثوذكس لعموم كندا

أجرى اللقاء سالم إيليا - أدمنتن

إتصل بي أحد الأصدقاء ودعاني وعائلتي لحضور القداس الآلهي الذي رعاه سيادة المطران إيليا باهي مطران السريان الأرثوذكس لعموم كندا في مدينة أدمنتن في إقليم البرتا .
 وبما إنني أؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية وبمعموذية واحدة ، فقد رحبّتُ بدعوة صديقي ووجدتها فرصة مناسبة لعمل لقاء مع سيادة المطران ايليا باهي خاصة وإنها زيارته الأولى للإقليم بعد تسنّمه منصبه ، حيثُ طلبتُ من صديقي الإتصال بسيادة المطران لأخذ موافقته على ذلك ، فجائني الرد بترحيب سيادته بهذا اللقاء . وقبل زيارته بيوم واحد بدأت بوضع الأسئلة وقد إنتابني شعور معين خلال التحضير للأسئلة التي ربما ستكون معظمها مباشرة وصريحة وذو مساس مباشر بالوضع العام لمسيحيي الشرق ومسيحيي العراق على وجه الخصوص ، وتداخل أو تقاطع هذه الأسئلة مع الوضع السياسي القائم ، ولعلمي بأن رجال ديننا الأفاضل يحاولون الإبتعاد عن التصريحات التي قد تُفسر على إنها سياسية ، لذا أرتأيتُ أن أحمل ما في جُعبتي من أسئلة لأطلع سيادة المطران الجليل على نوعيتها بعد الإنتهاء من القداس ، إذ خيرّتُ سيادته في الإجابة على جميعها أو تجاوز بعضاً منها .
والحقيقة أقولها أمام الجميع من إنه أعطاني الضوء الأخضر بسعة صدرهِ ربما لإضافة أسئلة لم تكن موجودة أساساً على الورق !! ومع هذا فقد كنتُ حريصاً جداً على الإبتعاد عن الأسئلة ذو الطابع السياسي البحت إحتراماً لرأي رجال ديننا وكذلك تماشياً مع ما أؤمن به بوجوب فصل السياسة عن الدين .
وبما ان القداس ومراسيم العماذ لأحد الاطفال ودعوة العشاء المقامة على شرف سيادته بعد القداس قد أخذت الوقت الطويل في ذلك اليوم ، لذا أؤجل اللقاء الى اليوم التالي ، حيثُ وجهت الدعوة لسيادة المطران ومرافقيه ولي من قبل السيد أديب جورج الدباغ لتناول الفطور في بيته الكريم ، فوجدتها فرصة مناسبة للتعرف على سيادة المطران ايليا باهي بعيداً عن البروتوكولات الكنسية وطقوسها مما قد يُساعدني بالإنفتاح وأخذ حريتي بشكل أكبر لطرح الأسئلة .
وخلال جلوسنا حول مائدة الفطور كنتُ أصغي الى الحديث الذي كان يدور بين الجميع ومع ان قسم من جُلسائـِنا كانوا ذو توجه علماني وبأيديولوجية معينة ربما تتقاطع مع الايديولوجية الدينية الروحية ، إلا إنني وجدتُ في سيادة المطران الجليل تفهمه وتفاعله مع بعض الأسئلة التي طرحها البعض وإعطاء رأيه الصريح والمعتمد على رؤية السيد المسيح ورؤية الكنيسة وعدم إنزعاجه من طرح هذه الأسئلة بل على العكس فقد كانت له سعة الصدر وروحية الملاطفة والدعابة ورأيتُ فيه بساطة الراعي بين رعيتهِ ، وبعد الإنتهاء من تناول الفطور إنفردتُ مع سيادته في ركن من أركان الدار وبدأت لقائي معه بالترحيب أولاً به في ولاية البرتا وتمنيتُ له طيب الإقامة وزيارة رعوية مباركة مع أبناء الجالية ثم بداتُ بطرح أسئلتي .

ـ سيادة المطران زيارتك الرعوية الأولى لغرب كندا هل هي ضمن برنامج عمل ثابت ودوري وبتوقيتات محددة أم تعتمد على الفرص المتاحة ؟

أجاب سيادته :أكيد من أولى مهام الراعي أن يتفقد الرعية ، فالرعية أينما وجدت يُفترض على الراعي ان يذهب ويبحث عنها وهذا هو الشئ الذي تعلمناه من الرب يسوع ، ان يبحث دائماً عن الخروف الضال ـ ـ طبعاً نحن لا نقول بأن المؤمنين ضالين وإنما نأخذ الجزء الأول من الكلام من ان مهام الراعي البحث عن العدد القليل من الرعية المبتعدين عنهُ جغرافياً ، فمن مهامه ان يقوم بالبحث عنهم لتفقد أحوالهم والقيام بالواجبات الدينية تجاههم وهذا ما حصل في زيارتنا الرعوية لغرب كندا ، حيثُ أصبح للكنيسة واجبات تتعدى الواجبات الروحية بسبب الظروف المحيطة بنا كشعب مسيحي شرقي . فعندما نسمع بان هنالك مجموعة من المؤمنين في مكانٍ ما وأصبح بإمكانهم ان يُشكلوا نواة لكنيسة أو رعية صغيرة فاننا نحاول ان نتواجد لديمومة هذه النواة ونموّها لتزهر وتعطي ثمارها ونحاول ان ننظمها روحياً لنحصنّها ضد التيارات العلمانية الصرفة القوية في هذه المناطق .

- هل توجد خطوات أو إجراءات إتخذتها الكنيسة في المهجر لإستقبال القادمين الجُدد والمُهجّرين قسرياً من بلدان الشرق لمساعدتهم في التأقلم وترتيب أوضاعهم في المجتمع الجديد وكذلك مساعدتهم على الإستمرار بالتواصل مع كنائسهم ؟

فكانت الإجابة : كندا لم تفتح الباب للقادمين الجُدد مثلما فتحته دول أوربا ، حتى الذين إستطاعوا الوصول الى كندا هم ليسوا من السريان الأرثوذكس بشكل كبير ، ربما كانوا من الطوائف الشقيقة الأخرى وطبعاً كل طائفة تهتم بالوافدين الجُدد الذين ينتمون اليها ، فعند سماعنا بمجئ اي عائلة تنتمي الى طائفتنا نقوم بزيارتها ونحاول تقديم اي مساعدة إجتماعية ممكنة لها حيثُ يشارك أبناء الطائفة من المهاجرين القدامى بتقديم المساعدة والمعلومات المفيدة للقادمين الجُدد .

- إذاً سؤالي التالي والذي يفرض نفسه ، هل ان المساعدة تقدم فقط لأبناء الطائفة من السريان الأرثوذكس أم تشمل القادمين من الطوائف المسيحية الأخرى ؟

حيث قال : مَنْ يقصدنا للمساعدة لا نصدّهُ ولكن في هذه البلدان ليس كما في الشرق ، إذ لا يستطيع أحد أن يلتقي بشخص صدفة وفي هذه البلدان كل شئ بمواعيد كأن يتم مثلاً بإتصال هاتفي ، حيثُ إنه قلّما يلتقي شخص بآخر من باب الصدف إذ لا تلتقي إلا من يقصدك ولذا فقد نجد من بحث عن الكنيسة السريانية ليصلي فيها واحياناً يكون الباحث من السريان أو من غيرهم ، فبالنسبة لنا كل من يأتي جديداً ويطلب المساعدة نحاول بقدر الإمكان وبشتى الوسائل المتاحة مساعدته .

- هل سيصار الى التنسيق بين الكنائس المسيحية الشرقية * المتواجدة في كندا لمساعدةالقادمين الجدد ، خاصة وإن أعداد القادمين بتزايد مستمر نتيجة الظروف الصعبة التي يواجهونها في بلدانهم ؟

أجاب سيادته : مثلما قلت لحد الآن لم أجد اعداد كبيرة تقصد كندا وحتى الذين قدموا طلبات اللجوء أو الهجرة الى كندا لم تستجب طلباتهم لحد الآن من قِبل الحكومة الكندية ونجد بان المهاجرين الجُدد يُقبلون في أمريكا وأوربا أكثر من كندا لستُ أعلم لِما التأخير من قِبل الحكومة الكندية وهذا ما شعرتُ بهِ خاصة وانني قادم جديد الى هذا البلد ولم يتسنى لي التعرف على كافة الأطراف من الكنائس الشرقية الأخرى ومن خلال لقاءاتنا كرؤساء للطوائف المسيحية الشرقية هنا نتبادل المعلومات عن كل ما هو جديد في هذا الشأن ولكن لحد الآن لم نرى الأعداد الكبيرة التي تتحدث عنها .
وهنا تداخلتُ بالجواب مع سيادة المطران وحدثتهُ عن ان الجالية في كندا ربما لم تكن فعّالة ومؤثرة بشكل كبير لدفع الحكومة الكندية لتشريع قانون خاص لتشجيع هجرة المضطهدين من المسيحيين الشرقيين اليها ومن خلال متابعتي وعملي في الإعلام لاحظتُ بان إخواننا المسيحيين الشرقيين في أوربا وأمريكا وأستراليا أكثر تأثير وقوة وعمل من جاليتنا الموجودة في كندا ، أي ان المشكلة لا تكمن في الحكومة الكندية وانما المشكلة ربما تكمن فينا ولي تجربتي الخاصة في هذا المجال .

- ما هو تعليقكم على عمليات التهجير والإبادة والتهميش التي يمر بها مسيحيو الشرق بصورة عامة ومسيحيو العراق بصورة خاصة وحصراً  في مدينة الموصل والعداء غير المبرر من قبل المتطرفين للسكان الأصليين للشرق ؟
 
أجاب سيادته : طبعاً أي تطرّف في أي مذهب وفي أي دين أو فلسفة فكريّة يؤدي الى التعصب ، والتعصب هو شئ بغيض لا يأتي بنتائج حميدة في أي مجال من المجالات وعلى كل الأصعدة ، ففيما يخص الشعوب والملل الموجودة في الشرق كُنّا دوماً نعيش بسلام جنباً الى جنب مع الآخرين دون أن يعتدي أحد على خصوصية الآخر ولكل منّا دينه وعبادته وطقسه واحترام متبادل وأعتقد بان معظم الأديان تنادي بهذا الشئ ولكن الجهل بتفاصيل الدين يؤدي بالإنسان الى شئ من الفهم الخاطئ والى التطرف وخاصة عندما تكون معرفته ناقصة ، ونحن نقول بان نصف المعرفة هي أخطر من الجهل فتؤدي الى ما لا تحمد عقباه، وفي هذا السياق نحن لا نستطيع ان ننكر بان هنالك جهات خارجية تسعى الى الإصطياد في الماء العكر واستغلال نصف هذه المعرفة الموجودة عند بعض العقول التي تظن بانها تقدم خدمة الى الله عندما تتطرّف بهذا الشكل. لقد كنّا دائماً نعيش بأمان مع بعضنا البعض ولمئات السنين ولكن هذا التدخل الخارجي أوجد هذا الصراع غير المبرر وجوده في المنطقة.
نحن كمسيحيين نحترم كافة الأديان ومسيحيتنا هي مسيحية مَثـَل السامري الصالح المعروف عند المسيحيين وغيرهم، ذلك الذي شاهد جريحاً على الطريق ولكنه لم ينظر الى دينه أو لونه أو جنسه ولكنه نظر اليه كإنسان من خليقة الله ويحتاج الى المساعدة فقدمها لهُ ، هذه هي المسيحية بجوهرها. وكما يقول جيراننا لا إكراه في الدين فلا يجوز أن يُجبر أحد على إقتبال دين معين دون غيره ، أساساً ربّنا لا يقبل أي شخص يعلن إيمانه به مجبراً أو مكرهاً، وعليه فمن يريد الإيمان بالله فليكن ذلك عن رضى وقناعته ، لذا فليقبلني الطرف الآخر كما أنا ولأقبلهُ أنا كما هو ولنحترم بعضنا البعض .



- كثرت في الأونة الأخيرة مؤتمرات الحوار بين الأديان وخاصة بين الدين المسيحي والدين الإسلامي ، هل تعتقد سيادتكم بأن هذه المؤتمرات التي تُعقد ويحضرها رجال دين وعلمانيين من مختلف الأديان تساعد على تقريب وجهات النظر وكبح جماح ظاهرة التطرف الديني ؟

فأجاب سيادة المطران : هذه المجموعات المُتطرفة إن كانت تقيم وزناً لقياداتها الروحية فهذا أمر حسن ومنه ننطلق ، فإن كانت هذه الحوارات تضم الرئاسات الروحية للأديان فهذا الأمر جيد جداً لانه يخلق نقاط تواصل وتقارب ما بين الأفكار المذهبية وعندما نصل الى هذه النقاط وهي موجودة وكثيرة فمن خلالها يعم فكر السلام والأمن، وعندما يعم هذا الفكر لابد لهذه المجموعات المُتطرفة ان تصغي الى قياداتها الروحية. ولكن ماذا لو كانت هذه المجموعات المتطرفة لا تقيم وزناً للقياداتها الروحية فهنا تكمن المشكلة ولا يكون هنالك فائدة من هذه الحوارات ، لا بل على العكس ربما قد يأخذ المتطرفون الموقف السلبي من هذه الحوارات فيتعصبون أكثر لان القيادات الروحية تلتقي في نظرهم أناساً لايجوز ان يجلسوا معهم .
وهنا تداخلتُ في الكلام وأضفتُ بانه ربما هذه المجموعات المتطرفة تكون مُسيسة ولديها أهداف غير الأهداف ( الدينية ) المُعلنة . إذ ايّد سيادة المطران ما ذهبتُ اليه من انه ربما تكون هذه المجموعات ذات أهداف سياسية .
 
- كمسيحيين شرقيين هل سيادتكم مع أو ضد توحيد تسميتنا ، طبعاً هنالك فرق بين التسمية الدينية والاتحاد الكنسي للمذاهب المسيحية في الشرق وبين التسمية القومية خاصة وان هنالك محاولات من البعض لتسييس التسمية القومية أو الإنتماء القومي ان صح التعبير ؟

كان الجواب : الشرق كما هو معروف عنه بانه مستودع كبير لمجموعة غنية بالحضارات والتراث، فلا نستطيع ان ندعو الى إسم واحد من قِبل طرف واحد، ولو حدث ذلك فيجب ان يحدث بإتفاق جميع الأطراف ، حيث ان كل طرف يعتز بتاريخهِ وبحضارتهِ وبتراثهِ وبخصوصيتهِ وبثقافتهِ. وعلى الرغم من ان هنالك شيئاً مشتركاً بين الجميع إلا أن هنالك غنى في تنوع الحضارات والشعوب. ثمّ ما الفائدة من إطلاق تسمية واحدة على الجميع ـ ـ هل ستحل مشكلة معينة؟ فان كانت كذلك فيجب ان يكون توحيد التسمية مُتفق عليه من الجميع بعد الجلوس والتباحث بالمنطق والعقلانية والإقناع على ان التسمية الموحدة ستحل مشاكلنا، فان إقتنعت كافة الأطراف فلا بأس بذلك .

- هل تعني سيادتكم بخصوصية كل طرف هي خصوصية الطقوس اللاهوتية أم هنالك خصوصيات أخرى ؟

حيث قال : الكنيسة الشرقية هي ليست كنيسة مبشّرة بالدين المسيحي فقط وإنما هي كنيسة ذات رسالة بشقين ، فالشق الأول إنها تُبشّر بالرب يسوع وتحمل هذا الإيمان لأبناءها وأما الشق الثاني فهي حاملة للتراث ومن واجبها المحافظة عليه وتوريثه للأجيال القادمة . إذاً الكنيسة ذات رسالة بشقـّين الشق الإيماني والشق التراثي .

- من المعروف بان هنالك أعداد كبيرة من مسيحيي العراق عالقين في دول الجوار ينتظرون حل لمشكلتهم الإنسانية وبالرغم من عدم تشجيع الكنيسة للهجرة وإفراغ الشرق من مسيحييه إلا ان الحالات الإنسانية الإستثنائية تفرض على الكنيسة التدخل لإنقاذهم وهي القادرة على ذلك ، فما هو تعليقكم ؟

كان تعليق سيادته : الكنيسة في البلدان المجاورة للعراق تُشارك من خلال المساعدات المادية وإيجاد فرص العمل إن أمكن ومن خلال المساعدة في إيجاد السكن وهنالك منظمات أوربية خيرية عديدة تقصد الكنائس وتقدم لها المعونات لتوزيعها بشكل خاص على المهاجرين العراقيين ، وهذا ما نقوم به إذ نحاول دائماً المساعدة ـ ـ ـ جاءت فترة عندما هدأت الأوضاع عاد خلالها قسم من العوائل المسيحية العراقية الى العراق ولكن القسم الأكبر بقيّ في سوريا وانا هنا أتحدث عن سوريا ، فمنهم من إستقر في سوريا وبدأ بحياة جديدة فيها ومنهم من إستطاع الهجرة ومنهم من ينتظر اكتمال معاملة الهجرة ومنهم من ينتظر مساعدة المنظمات الإنسانية .

- سيادة المطران لديّ سؤال حول الإختلاف في بعض الصيغ اللاهوتية بين المذاهب المسيحية ، هل هو إختلاف في التعابير أم في صُلب الإيمان أو قانون الإيمان المسيحي ؟

أجاب سيادته : القداس الآلهي ذو هيكلية واحدة لجميع الكنائس والطوائف ولكن لكل كنيسة تراثها وليتورجيتها. أما الإختلاف الذي حدث بين الكنائس فهو قديم وقد نوقش كثيراً في الأيام الأولى وأدى الى الإنشقاقات والى البُعد ونحن نعلم بأن البُعد يخلق الجفاء والتصلب في الرأي، وهكذا كانت الأحوال بين الكنائس الى أن وصلنا الى القرن العشرين فبدأت الحوارات غير الرسمية بين الكنائس  فتطرقنا الى جميع الخلافات العقائدية واللاهوتية فتوصلت جميع الكنائس الى نتيجة واحدة من إنها جميعها وخاصة الكنائس الرسولية التي تسلمت الإيمان من الرب يسوع عن طريق الرُسل مباشرة تؤمن بنفس الإيمان ولكن تعبيرها الإنساني والبشري يختلف ، حيثُ ان التعبير الإنساني عن الفكرة اللاهوتية يختلف ربما من شخص لآخر ومن كنيسة لآخرى ولكن عندما يشرح كل منّا جوهر هذا التعبير وحسب ما نفهمه نجد أنفسنا بأننا متطابقين في جوهر الإيمان ولكننا نعبّر عنه بعبارات مختلفة، وهذا قادنا بالنتيجة إلى انه ليس هنالك أي خلاف بيننا وإننا جميعاً نؤمن بان يسوع المسيح هو الإله المُتجسد أو الإله المُتأنس، فهو إله تام وإنسان تام وهو الذي قدم لنا الخلاص بإهراق دمه الثمين على الصليب وبموته وقيامته. فهذا هو الإيمان الموحد الذي يؤمن به الجميع وقد فهمنا الآن بان التعابير البشرية المختلفة لا تُفرقنا إن كنا نشرحها بهذا الشكل، وهذا ما وصل اليه ابن العبري العلاّمة السرياني الكبير الذي ولد في سنة 1226 م وتوفيّ سنة 1286 م ، إذ توجّه بالقول إلى رهبان ونساك كل الكنائس المسيحية بما معناه أنه بعد الدراسة المستفيضة لكل المُجادلات والمقاييس المنطقية المُتعلقة باللاهوت وجد انه لا خلاف جوهرياً بين الكنائس لذا فهو يحثّهم على تجاوز الخلافات اللاهوتية وما عليهم إلا تلاوة قانون الإيمان النقاوي والتعبّد الى الله بنسك وزهد وترك هذه الخلافات اللاهوتية جانباً. ونحن اليوم وبعد سبعمائة عام نصل الى نفس النتيجة التى وصل اليها ان العبري .

- هل هذه النتيجة اللاخلافية ساعدت على تحقيق الاتفاق بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية من جهة والأرثوذكسية والآشورية من جهة أخرى للإشتراك في الأفخارستيا والتي سُمح بموجبه لأعضاء هذه الكنائس بتقبل القربان المقدس من بعضها البعض في حالة عدم وجود كنيسة للعضو في محل إقامته وهل يمكن إعتبارها البذرة الأولى للاتحاد الكنسي ؟

حيث قال سيادته : موضوع التناول فيما بين الكنائس الرسولية هو قمة الشِركة الحقيقية وحيث ان هذه الشِركة لم تتم بعد، فقد سُمح للمؤمنين فقط دون الاكليروس بالتناول في كنائس الطوائف الشقيقة التي تم توقيع اتفاق معها . هذا الاتفاق لم يكن موجوداً في السابق وقد بدأه قداسة البطريرك يعقوب الثالث في الستينيات من القرن الماضي وكان ثورة مسكونية وسار على خطاه قداسة البطريرك زكّا الأول عيواص سنة 1984 م إذ وقـّع بياناً مشتركاً مع قداسة البابا يوحنا بولس الثاني سُمحَ بموجبهِ لأبناء الكنيستين الكاثوليكية والسريانية الأرثوذكسية بتناول الأسرار المقدسة من بعضهما البعض في المكان الذي لا تتواجد فيه الكنائس الخاصة بطائفة إحدهما مع إحتفاظهما بالإنتماء المذهبي لكل منهما ، وقد وقع قداسة البطريرك زكّا الأول عيواص بياناً مشتركاً مماثلاً مع غبطة البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم بطريرك الروم الأرثوذكس، فكانا هذان البيانان مصدر بشارة وفرحة للمؤمنين.

- سؤالي الأخير سيادة المطران ما هو رأيك في فصل السياسة عن الدين في إدارة الدولة أو بمعنى آخر قيام نظام سياسي علماني يأخذ بمبدأ الدين لله والوطن للجميع لتحقيق العدالة الإجتماعية بين مختلف مكوّنات الشعب الواحد ؟

فكان جوابه : من الطبيعي أن يكون هنالك فصل بين الدين والدولة ولكن في مفهومي عندما يُفصل الدين عن الدولة يجب ألا تقوم الدولة من خلال قراراتها بفرض إرادتها على رجال الدين والقيادات الدينية والتدخل في الشؤون الادارية الكنسية والأمور الروحية واللاهوتية ، فرجال الدين هم الأعلم في وضع المسارات الصحيحة لديمومة التواصل الروحي مع المؤمنين ، كذلك على رجال الدين ترك الدولة ورجالاتها لوضع الخطط والمسارات لقيادة الدولة ، فاليوم نعيش في عالم الإختصاصات إذ لم يعُد بالإمكان على جهة واحدة تحمل مسؤولية قيادة الدولة والدين كما حدث في غابر الأزمان . حتى في مجال المهنة الواحدة أو الجهة الواحدة حيثُ قـُسّمت الإختصاصات لإعطاء مساحة أوسع لإبراز الحرفية وإبداعاتها . إذن نحن مع فصل الدولة عن الدين ولكن أيضاً مع عدم تدخل الدولة كجهة تنفيذية في الشؤون الادارية والدينية والطقسية وإلى ما هنالك .

في نهاية لقاءنا هذا لا يسعني إلا ان أشكركم سيادة المطران على رحابة صدركم ونتمنى لكم طيب الإقامة بين الرعية في هذا الإقليم .


* قصدتُ هنا بالكنائس الشرقية اي المتواجدة في الشرق بجميع طوائفها وليس الكنائس ذات الطقس اللاهوتي الشرقي كما هو معلوم .     
   
 

176
سلسلة بطاركة ساليق و قطيسفون أو بطاركة بابل / 2

المقدمة :
ذكرتُ في الجزء الأول من هذا المقال بطاركة بابل الذين جلسوا على الكرسي البطريركي في ساليق وقطيسفون ( ما تعرف بالمدائن أو سلمان باك أو سلوقية وتقع على بعد بضعة كيلومترات الى الجنوب الشرقي من بغداد ) ، حيثُ إكمل في الجزء الثاني البطاركة الذين جلسوا على الكرسي البطريركي في بغداد وبقية أنحاء بلاد ما بين النهرين ( العراق ) .

كما وان من الملاحظ من قراءة الجزء الأول ومن ثم الجزء الثاني هذا لسلسلة بطاركة بابل ما يلي :

1 – بالرغم من الإضطهاد الفارسي للمسيحيين منذ القرون الميلادية الأولى وإعتناق شعب ما بين النهرين الديانة المسيحية ولغاية الحقبة الإسلامية التي إبتدأت بدخول الإسلام الى العراق نُلاحظ بقاء الكرسي البطريركي في ساليق وقطيسفون ، إذ شهدت تلك الحِقبة الزمنية الممتدة عبر الحُكم الفارسي إزدياد الإضطهاد ضدّ المسيحيين في بلاد ما بين النهرين الى أعلى درجاته تارة ( الإضطهاد الاربعيني الذي إبتدأ مع إعتناق الإمبراطورية البيزنطينية للمسيحية في عهد الإمبراطور قسطنطين ) وإنخفاضه وغض النظر عن نشاط المسيحيين تارة اخرى ، حيث كان آخر البطاركة الذين خدموا في ساليق وقطيسفون هو حنانيشوع الثاني من سنة 773 م – 780 م .

2 – ثبات واستقرار الكرسي البطريركي في بغداد ( بعد تشييدها من قِبل الخليفة ابو جعفر المنصور ) في فترة الخلافة العباسية وتحديداً مُنذ السنوات الأولى لخلافة هارون الرشيد ( فترة حُكم هارون الرشيد تمتد ما بين 786 م – 809 م ) وعلى الرغم من ان المسيحيين في عهد الخلافة العباسية لم يكونوا بأحسن حال من فترة تعايشهم مع الفرس ، إلا ان حاجة الخلفاء العباسيون للخدمات الجليلة التي كان يقدمها المسيحيون الشرقيون بصورة عامة ( من عرب وسريان ) في مجالات الطب والعلوم والترجمة والفلسفة والهندسة المعمارية والتي كانت من أهم الأسس لتدعيم ركائز الدولة العباسية والدولة الإسلامية بصورة عامة والذي حدا بمعظم الخلفاء العباسيين المتعاقبين على الخلافة الى إعطاء بعض ( الحرية ) للمسيحيين في ممارسة شعائرهم الدينية وقد انتهت فترة تواجد الكرسي البطريركي في بغداد مع نهاية خدمة البطريرك دنحا الأول سنة 1281 م .

3 – من الجدير بالملاحظة ايضاً إنتقال الكرسي البطريركي من مدينة الى أخرى في بلاد ما بين النهرين وعدم إستقراره في مكان واحد خلال فترة الإحتلال المغولي للعراق ( إمتد ما بين 1258 م – 1508 م ) وهذا يدل على ما أصاب المسيحيين بشكل خاص و ( بشكل اكثر من المعتاد ) والعراقيين بشكل عام من جور وإضطهاد خلال تلك الفترة حتى إستقر مقر الكرسي البطريركي في دير ربان هرمزد مع إستلام البطريرك شمعون السادس المسؤولية سنة 1504 م ثم تلتها فترات الفرس الصفويين بقيادة الشاه إسماعيل الصفوي ( 1508 م – 1534 م ) ثم فترة الاحتلال العثماني الذي إنتهى بنهاية الحرب العالمية الأولى 1918 م .

4 – إنتقال الكرسي البطريركي الى الموصل مرة ثانية مع إستلام البطريرك يوحنا الثامن هرمز مسؤولية الرعية سنة 1830 م وبقيّ مقر الكرسي في الموصل الى منتصف فترة خدمة مار يوسف السابع غنيمة حيث انتقل مقر الكرسي الى بغداد ( أعتقد بسبب تكريم مار يوسف السابع غنيمة كعضو في مجلس الأعيان كان عليه التواجد في العاصمة بغداد وكان هذا سنة 1951 م ) بعدها تم تثبيت مقر الكرسي في بغداد رسمياً من قبل البطريرك مار بولس الثاني شيخو ولحد كتابة هذه السطور .

5 – تجدر الملاحظة أيضاً الى ان هذا البحث يُبين بان أطول فترة لخدمة البطاركة كانت من نصيب البطريرك ايليا الثاني عشر دنحا ، إذ إمتدت الى ما يقارب الخمسة وخمسين عاماً ونصف ثم يليه البطريرك مار يوسف عمانوئيل الثاني توما والتي إمتدت فترة خدمته الى ما يقارب سبعة وأربعين عاماً .
أما أقل البطاركة خدمة فكانت محصورة ما بين البطريرك إسرائيل الكشكري الذي أختير فقط وأغتيل سنة 877 م والبطريرك قيوما حيث نصّب وإستقال سنة 399 م .

6 – من الملاحظ كذلك بان سلسلة البطاركة في بحث القس ( المطران ) سليمان الصائغ توقفت عند فترة خدمة البطريرك مار يوسف عمانوئيل الثاني توما والذي وضع لها المؤلف الفترة من 1900 م – الجالس سعيداً ، حيث ان فترة خدمة مار يوسف عمانوئيل الثاني توما إمتدت الى سنة 1947 م ، إذ ان المؤلف قد الّفَ كتابه خلال فترة خدمة البطريرك ما يوسف والذي كان لا يزال جالساً على الكرسي البطريركي. لذا أرتيتُ ان أكمل السلسلة ومواقع الكرسي البطريركي والمعروفة لدى المهتمين والباحثين :

مار وسف عمانوئيل الثاني توما                1900 م – 1947 م    ( الموصل )
مار يوسف السابع غنيمة                        1947 م – 1958 م     ( الموصل ثم بغداد )
مار بولس الثاني شيخو                          1958 م – 1989 م     ( بغداد )
مار روفائيل الأول بيداويد                       1989 م – 2003 م      ( بغداد )
غبطة الكاردينال مارعمانوئيل                  2003 م – أطال الله في عمره   ( بغداد )
 الثالث دلّي

7 – تجدر الإشارة الى ان الكثير من الباحثين والمهتمين قد تطرقوا الى سلسلة بطاركة بابل ومنهم الباحث الاب البير أبونا والباحث جورج البنّا وغيرهم وهنالك تقارب في معظم البحوث من حيث دقة التواريخ والأسماء . ولكن كتاب القس ( المطران ) سليمان الصائغ قد غطى معظم البطاركة وفترات خدمتهم وقد استدل ببعض الشواهد على ذلك ( النصب الجنائزية ) المُثبتة على أضرحة قسم من البطاركة .

8 – لقد غطى كتاب القس سليمان الصائغ كذلك بطاركة السلسلة الثانية على كرسي ديار بكر والتي أرتأيت عدم نشرها مع قائمة بطاركة السلسلة الأولى لعدم إرباك القارئ الكريم والتي تتداخل فيها التواريخ . وسبب نشأة السلسلة الثانية هو قيام الإتحاد الأول لكلدان ما بين النهرين 1551 م – 1662 م ، حيثُ كانت الجثلقة النسطورية وخلافاً للرسوم وللقوانين الكنسية جمعاء قد آلت الى التراث بان يتوارثها الأقارب منذ سنة 1450 م وفقاً لمرسوم أصدرهُ الجاثاليق شمعون الرابع ، إلا ان العصيان من قسم كبير من الشعب النسطوري على هذا المرسوم حدث بعد وفاة شمعون السابع المعروف بابن ماما ( بر ماما ) حيث تم إختيار رئيس دير ربان هرمزد سولاقا بن دانيال كبطريرك أول للسلسلة الثانية وحصل بعد ذلك على مباركة الفاتيكان حيث أصبح إسمه يوحنا شمعون الثامن .       
         
الكرسي في بغداد :
طيمثاوس الأول                                                                    الأول من ايار 780 م – 789 م – كانون الثاني 823 م
يشوع برنون                                                                  السادس من تموز 823 م – 1 نيسان 828 م
كيوركيس الثاني                                                                                     828 م – 830 م أو 831 م
سبريشوع الثاني                                                             السادس من آب    831 م – 10 تشرين الثاني 835 م
ابراهام الثاني المرجي                                                      23 تموز             837 م – 16 أيلول 850 م
تاودوسيوس الأول ( سليمان البصري : اثناسيوس )                                        853 م – تشرين الثاني 858 م
سركيس الأول                                                                21 آب               860 م – 23 أيلول 872 م
( اسرائيل الكشكري أختيرَ فقط وأغتيلَ سنة 877 م )
انوش الأول                                                                                           877 م – أيار 884 م
يوحنا الثاني  بر  نرسي                                                    11 أيلول             884 م – 891 م
يوحنا الثالث                                                                   15 تموز            893 م – 899 م
يوحنا الرابع  بر  ابجر                                                       الثامن من أيلول   900 م – 16 أيار 905 م
ابراهام الثالث ( باجرمي )                                                                         905 م – 936 م
عمانوئيل الأول                                                                16 شباط           937 م – 14 نيسان 960 م
اسرائيل الأول                                                                                        29 أيار – أيلول 961 م
عبديشوع الأول                                                               22 نيسان           963 م – 2 حزيران 986 م
ماري  بر  طوبيا                                                              17 أيار              987 م – 16 كانون الأول 999 م
يوحنا الخامس بن عيسى                                                    26 تشرين الثاني  1000 م – 2 كانون الأول 1011 م
يوحنا الخامس نازوك                                                        19 كانون الثاني  1012 م – 23 تموز 1016 م
يشوعياب  بر  حزقيال                                                       11 كانون الأول   1020 م – 14 أيار 1025 م
ايليا الأول                                                                      16 حزيران         1028 م – 6 أيار 1049 م
يوحنا السابع بن الطرغال                                                                          1049 م – 1057 م
سبريشوع الثالث زنبور                                                     25 آب               1064 م – 3 أيار 1072 م
عبديشوع الثاني بن العريض                                               23 تشرين الثاني  1075 م – 2 كانون الثاني 1090 م
مكيخا الأول                                                                    18 نيسان           1092 م – 1110 م
ايليا الثاني بن المقلي                                                         16 نيسان           1111 م – 17 تشرين الثاني 1132 م
برصوما الأول                                                                  5 آب                1134 م – 11 كانون الثاني 1136 م
عبديشوع الثالث بن المقلي                                                  13 تشرين الثاني 1139 م – 25 تشرين الثاني 1148 م
يشوعياب الخامس البلدي                                                                           1149 م – 25 أيار 1175 م
ايليا الثالث ابو حليم                                                           25 كانون الثاني   1176 م – 12 أيار 1190 م
يابالاها الثاني                                                                   3 حزيران          1190 م – 31 كانون الثاني 1222 م
سبريشوع الرابع  بر  قيوما                                                 31  تموز         1222 م – 15 حزيران 1224 م
سبريشوع الخامس بن المسيحي                                           26 نيسان          1226 م – 20 أيار 1256 م
مكيخا الثاني                                                                    4 نيسان            1257 م – 18 نيسان 1265 م
دنحا الأول                                                                       15 تشرين الثاني 1265 م – 24 شباط 1281 م

الكرسي في مراغا :
يابالاها الثالث                                                                                         1283 م – 13 تشرين الثاني 1318 م

الكرسي في أربيل :
طيمثاوس الثاني                                                                                       1318 م – 1332 م

الكرسي في كرمليس:
دنحا الثاني                                                                                        بعد 1332 م – 1364 م

الكرسي في الموصل
شمعون الثاني  و شمعون الثالث*
ايليا الرابع                                                                                              1437 م
شمعون الرابع الباصيدي                                                 حزيران              1437 م – 20 شباط 1467 م ( ن.ج ) *

الكرسي في الجزيرة ( جزيرة ابن عمر ) :
شمعون الخامس                                                                                   1497 م – 1501 م
ايليا الخامس                                                                                       1502 م – 1503 م ( وردت في رسالة 
                                                                                                   مطارنة الهند عند السمعاني 3 ، أ ، 592 )
الكرسي في دير ربان هرمزد :
شمعون السادس                                                                                 1504 م – 5 آب 1538 م ( ن.ج )
شمعون السابع  بر  ماما                                                                       1538 م – 1551 م
شمعون الثامن دنحا                                                                            1551 م – تشرين الثاني 1558 م ( ن.ج )
ايليا السادس                                                                                     1558 م – 1576 م
ايليا السابع                                                                                       1576 م – 26 أيار 1591 م ( ن.ج )
ايليا الثامن                                                                                       1591 م – 26 أيار 1617 م ( ن.ج )
ايليا التاسع شمعون                                                                            1617 م – 8 حزيران 1660 م ( ن.ج )
ايليا العاشر يوحنا مروجين                                                                  1660 م – 17 أيار 1700 م ( ن.ج )
ايليا الحادي عشر مروجين                                                                1700 م – 14 كانون الأول 1722 م ( ن. ج )
ايليا الثاني عشر دنحا                                      25 كانون الأول               1722 م – 12 نيسان  1778 م
ايليا الثالث عشر يشوعياب                                                                   1778 م – 1804 م ( ن.ج )

الكرسي في الموصل :
يوحنا الثامن هرمز                                        المُثبت في الخامس من تموز 1830 م – 16 آب 1838 م
نيقولاوس الأول شعيا ( زيا )                           المُثبت 27 نيسان        1840 م – المُستقيل 1847 م والمتوفي 1855 م
يوسف السادس أودو                                     المُثبت 11 أيلول                 1848 م – 14  آذار 1878 م
ايليا الرابع عشر عبو اليونان                           المُثبت 28 شباط                 1879 م – 17 حزيران 1894 م
عبديشوع الخامس خياط                                 المُثبت 28 آذار                   1895 م – 6 تشرين الثاني 1899 م
يوسف عمانوئيل الثاني توما                            المُثبت 17 كانون الأول         1900 م – الجالس سعيداً

ارجو ان اكون قد وفقت في إعطاء بعض من التوضيحات التي ساعدت على الاجابة على بعض علامات الإستفهام عند قراءة الجزئين الأول والثاني ( الأخير ) من هذا المقال . 



*         هنالك فترة 73 سنة ممتدة ما بين 1364 م – 1437 م توزعت الخدمة فيها بين البطاركة شمعون الثاني وشمعون  الثالث وايليا الرابع من غير ذكر المدة بشكل منفرد لكل بطريرك منهم .

*          لقد ذكرتُ بان القس ( المطران ) سليمان الصائغ كان قد إعتمد في بحثهِ على بعض التواريخ المُثبتة على شواهد القبور والاضرحة لبعض البطاركة ( النُصب الجنائزية ) الموجودة  في دير ربان هرمزد والتي اعطاها الرمز ( ن.ج ) . 

إنتهى الجزء الثاني والأخير

                                                                                                                 سالم ايليا
 


   

 



177


سلسلة بطاركة ساليق وقطيسفون أو بطاركة بابل / 1

ترددتُ قليلاً في البحثِ في كتابِ المطران الجليل سليمان الصائغ رحمه الله ( من تاريخ الكنيسة الكلدانية ) وذلك لقِدَمهِ والذي عرّبهُ عن الفرنسية عندما كان لا يزال كاهناً وأعتقد بأن زمن تعريبه أو طبعه يقع ما بين 1939م – 1943م ، وذلك لزوال الغلاف وعدم إستطاعتي حصر تاريخ طبعه بشكل دقيق .
والكتاب من تأليف نيافة أمير الكنيسة الجليل الكردينال أوجين تيسران أمين سر المجمع المقدس للكنيسة الشرقية في الفاتيكان ، كما جاء في الخلاصة الثمينة للمعرّب الموجودة بعد مقدمة الكتاب .

والكتاب هو خُلاصة ثمينة لبحث نيافة الكاردينال أوجين تيسران حول تاريخ الكنيسة الكلدانية والذي يؤكد وجود الكلدان كقومية ( طائفة ) * قائمة بذاتها وممتدة عبر القرون الاولى لنشأة وظهور المسيحية وإنتشارها .
وقد جلب إنتباهي بأن المُعرّب القس سليمان الصائغ والمعروف ببحوثه القيّمة والمعتمدة على المصادر الموثوقة قد  وحّدَ إذا جاز التعبير اللغة الكلدانية والآشورية ، حيث ذكر في معرض تعريفه بنيافة الكاردينال أوجين تيسران ( مؤلف الكتاب ) بانه راسخ القدم في الدروس الشرقية ويحمل الشهادات العالية في ست من لُغات الشرق هي العربية والكلدانية ( الآشورية )* واليونانية والعبريّة والقبطية والمصرية القديمة !! 
كذلك جلب إنتباهي فصله اللغة العربية عن الكلدانية ( الآشورية ) وهذا طبيعي من وجهة نظري ( لان اللغة العربية مندحرة من القسم الجنوبي للغات السامية ، أما اللغة الكلدانية الآشورية فمنحدرة من القسم الشرقي للغات السامية ) وبهذا يدحظ بما لا يقبل الشك والتأويل الإعتقاد من بعض الأخوة الكُتّاب والباحثين من ان أصل الكلدان هُم من طائفة العرب !! إذ ان من أهم مقومات القومية هي اللغة ، واللغة الكلدانية ( الآشورية ) كما أطلق عليها المطران سليمان الصائغ تختلف كتابة وقراءة عن اللغة العربية إلا في بعض المفردات اللغوية  إضافة الى إختلاف المقومات الأخرى بين القوميتين العربية والكلدانية .

كما حدثني أحد تلامذة الأب العلامة الدكتور يوسف حبّي عن موقف حدث عندما كان يَدرُسُ في كلية بابل الحبريّة للفلسفة واللاهوت حيث ان الأب يوسف حبّي كان غاضباً جداً على أحد الآثاريين المعروفين حين صرّح في أحد لقاءاته من ان الكلدان أصلهم من العرب ، إذ طلبَ الأب يوسف من هذا الشخص مغادرة الكلية وقال لهُ والعهدة على الراوي ( لماذا تأتي الى هذه الكليّة ما دمت قد غيرت أصلك ) والمعروف عن الأب حبّي بانه منفتح على الجميع ولكنه لم يكن ليرضى بتشويه الحقائق والتاريخ .

أن البحث المُقدم في الكتاب يحتوي على اثني عشر  فصلاً هي :
( 1 ) نظرة إجمالية  ( 2 ) إنتشار البشارة الإنجيلية في عهد الدولة الفرثية  ( 3 ) الكنيسة الفارسية في الدولة الساسانية  ( 4 ) الكنيسة النسطورية في حكم الدول العربية  ( 5 ) البعثات الدينية الى الهند  ( 6 ) التوسع الى آسيا المركزية والى الصين  ( 7 ) الأحبار الأعاظم والكنيسة النسطورية في الأجيال المتوسطة  ( 8 ) الكنيسة الكدانية الكاثوليكية  ( 9 ) قائمة البطاركة النساطرة والكلدان ( موضوع مقالي هذا )  ( 10 ) الآداب الآرامية في الكنيسة الكلدانية  ( 11 ) الحق القانوني في الكنيسة الشرقية  ( 12 ) الليتورجية في الكنيسة الكلدانية وما قبلها .

يقول المُعرِّب القس ( المطران فيما بعد ) سليمان الصائغ في فصل بطاركة ساليق وقطيسفون أو بطاركة بابل ما يلي :

جمعَ السمعاني * سلسلة البطاركة بعد مراجعته النسخ القديمة في المكتبة الفاتيكانية . ومن أهم المراجع هو كتاب النحلة لسليمان مطران البصرة . وقد أضاف اليهِ النساخ فبلغوا بسلسلتهِ الى شمعون الثالث . ورجع أكثر المؤرخين في هذا الباب الى ماري بن سليمان وعمر بن متى وصليبا بن يوحنان في كتاب المجدل ، والى ابن العبري في تاريخه الكنسي . وعنيَ السمعاني خاصة في ضبط هذه السلسلة وإقتبس منه المشتغلون في تاريخ الكنيسة الكلدانية من المتأخرين .
ولم نأل جُهداً بدورنا ان نرجع الى الذين سبقونا في هذا العمل وأضفنا اليهم ما إستفدناهُ من الأنصاب الجنائزية للبطاركة المدفونين في دير ربّان هرمزد إستناداً الى الخلاصات التي جمعها الأب فوستي الدومنيكي .
ان المؤرخين الشرقيين دوّنوا في مقدمة هذه السلسلة ، مار توما الرسول وادي ، وأجي ، وماري الأول ، وابريس ، وابراهام الأول ، ويعقوب الأول ، واحادابوي ، وشحلوفا .

مدينة الكرسي في ساليق وقطيسفون ما عدا القليلين :

فافا في الربع الاخير من القرن الثالث وبداية القرن الرابع .
مار شمعون الأول بر صباعي  17  نيسان  341 م
مار شهدوست                                     342 م
بربعشمين                                           348 م
فراغ ـ ـ ـ ـ                                            348 م – 388 م
تومرصا                                                -
قيوما    ( إستقال )                                399 م
إسحق الأول                                         399 م – 410 م
أحي                                                  411 م – 414 م
يابالاها الأول                                         415 م – 420 م
معنا                                                   420 م
فرابوخت                                              420 م
داديشوع الأول                                      421 م – 456 م
بابوي                                                 457 م – 484 م
اقاق                                                  485 م – 496 م
باباي                                                 497 م – 503 م
شيلا                                                 505 م – 522 م
نرسي واليشاع                                    52 م – 537 م أو 539 م
بولس الأول        أحد السعانين                 537 م  والأصح  539 م
آبا الأول             كانون الثاني                   540 م – 29 شباط 552 م
يوسف               ايار                             551 م – 566 م
حزقيال               كانون الثاني                  567 م – 581 م
يشوعياب الأول الارزوني                           582 م – 595 م
سبريشوع الأول                                     596 م – 604 م
غريغوريوس الأول        نيسان                    605 م – 609 م
فراغ ـ ـ ـ ـ                                            609 م – 628 م
يشوعيات الثاني الجدلي تكريسه بين 11 أيار و 30 آب 628 م – 646 م
ما رامه                                                647 م – 650 م أو 644 م – 647 م
يشوعياب الثالث الحديابي                         647 م أو 650 م – 658 م
كيوركيس الأول                                      661 م – 681 م
يوحنا الأول  بر مرتا                                  681 م – 683 م
حنا نيشوع الأول الأعرج                             685 م – 700 م
يوحنا الابرص    مختلس المنصب     بين        691 م – 692 م أو 693 م
فراغ ـ ـ ـ ـ                                             700 م – 714 م
صليبا زخا                                              714 م – 728 م
فراغ ـ ـ ـ ـ                                             728 م – 731 م
فثيون                                                  731 م – 740 م
آبا الثاني                                              741 م – 751 م
سورين          12  ايار – 26  ايار                 754 م
يعقوب الثاني                                        754 م – 773 م
حنا نيشوع الثاني                                   773 م – 780 م




* الطائفة : تدل على ان معنى الكلمة هي مجموعة أو جماعة من الناس تحيا في مكانٍ ما ويجمعُ معظمها خصائص وصفات مشتركة وليس من الضروري ان يكون لهم نفس المستويات الثقافية أو الإنتماءات العشائرية أو يكون لديهم نفس العادات والمعتقدات ، كما وان كلمة ( الطائفة ) يمكن إطلاقها على السَلف بغض النظر من اي مكان إنحدر ذلك السَلف .
والطائفة من الطوف أي الجماعة وتأتي مفردة مؤنثة بإعتباراللفظ وجمع مؤنث بإعتبار المعنى . وقد إستخدم العرب أسم المِلَلْ لاطلاقهِ على الطوائف الدينية . وفي حديث للاديب الياس الخوري ( في معنى الطوائف ) حيث قال:أما اليوم نستخدم كلمة طائفة لا للدلالة على مجموعة من الناس قد تنتسب الى حرفة أو مكان جغرافي بل للدلالة على ملـّة دينية ، وقد تحولت الى ما يشبه الإنتماء السياسي شبه القومي ( يمكن الرجوع الى مقالى البحثي المعنون مهلاً يا شعبنا ـ ـ فان إطلاق تسمية طائفة علينا لا يُعيبنا بشئ ) .         

 
   *   تقول المصادر التاريخية ان الفرع الشرقي من اللغات السامية لايضُم إلا اللغة الأكادية وهي لغة شعب بلاد الرافدين وهي أقدم لغة سامية تم تأكيد وجودها استناداً على معطيات وبراهين ملموسة واولها النصوص المسمارية ، حيث كانت اللغة الأكادية مستعملة في بلاد ما بين النهرين منذ حوالي الألف الثالث قبل الميلاد وحتى نهاية القرن الثاني أو الثالث الميلادي ، وقد تطوّر منها لهجتان هما البابلية في جنوب العراق والآشورية في شمال العراق .ومن المصادر ما تقول ان اللغات السامية الشرقية انقسمت في لهجاتها الى البابلية والآشورية والكلدانية .
 
           

    * هوالسيد يوسف السمعاني مؤلف كتاب ( المكتبة الشرقية ) .



يتبع في الجزء الثاني
 


                                                                                        سالم ايليا





 


   

178
اللهمّ إشهد بإننا ( نصارى )

-   اللهمّ إشهد بإننا نصارى أتباع يسوع الناصري رسول السلام والمحبة والتسامح .

-   اللهمّ إشهد بإننا أوينا وأطعمنا الرسول محمد وأتباعه في يثرب بعد هِجرتِهم اليها .

-   اللهمّ إشهد بإننا أتباع دين النجاشي الذي لولا رعايته وحمايته للمسلمين الأوائل لما أستمر الدين الجديد .

-   اللهمّ إشهد بإننا من قال فيهم الرسول محمد : إني لَمُعاقب من يجحف بحق نصراني ذمي أو يفرض عليه واجبات مرهِقة .

-   اللهمّ إشهد بإننا من أوصى بهم أبوبكرالصديق المسلمين قائلاً : لا تقتلوا أحداً من النصارى الذميين ، فإن فعلتم حاسبكم الله والقاكم على وجوهكم في نار جهنّم .

-   اللهمّ إشهد نحنُ من آمنّا بمن وضع الرسول يديه على صورهم ( عيسى بن مريم وإمه ) التي زيّنت دعائم الكعبة وأمر بطمس ومسح كل الصور إلا ما تحت يديه .

-   اللهمّ إشهد إننا أتباع عيسى وإمه مريم اللذين قال فيهما القرآن :
•   وإتينا عيسى أبنَ مَريمَ البيناتِ وأيدّناهُ بروحِ القدُسِ ( سورة البقرة : الآية 86 )
•   وإذ قالت الملائكةُ يا مريمُ إنّ الله إصطفاكِ وطهركِ وإصطفاكِ على نساءِ العالمينَ ( سورة آل عمران : الآية 41 )
•   إذ قالتِ الملائكةُ يا مريمُ إنّ الله يُبشركِ بكلمةٍ منهُ أسمُهُ المسيحُ عيسى أبنُ مريمَ وجيهاً في الدُنيا والآخرة ومِنَ المُقربينَ ويُكلِـّمُ الناسَ في المَهدِ وكهلاً ومِنَ الصالحينَ ( سورة آل عمران : الآيتين 44 ، 45 ) .
•   إذ قال الله يا عيسى إنّي مُتوفيكَ ورافِعُكَ اليّ ومُطهِّرُكَ مِنَ الّذينَ كفروا وَجاعلُ الّذينَ إتبعوكَ فوقَ الّذينَ كفروا الى يومِ القيامةِ ثمّ الى مَرجعُكم فأحكمُ بينكم فيما كُنتم فيهِ تختلفونَ ( سورة آل عمران : الآية 54 )
•   إنّ الّذينَ آمنوا والّذينَ هادُوا والنصارى والصابئين مَن آمنَ باللهِ واليوم الآخر وعملَ صالِحاً فـَلَهم أجرُهُم عندَ رَبِّهِم ولا خوفٌ عليهِم ولا هُم يحزنونَ ( سورة البقرة : الآية 61 )
            وآيات كثيرة أخرى .
 
-   اللهمّ إشهد إننا على دينِ خيرة أشراف قبائل العرب من المناذرة وطيّ وبنو تغـلب الّذينَ لولاهم لما إنتصر     المسلمون في معركة القادسية التي انكسرت فيها شوكة الفرس وإنفتحت بعدها ابواب العالم للدين الجديد .

-   اللهمّ إشهد نحنُ أحفاد الّذينَ إرتضوا بالمسلمين في العراق إخوتاً لهم وقاسموهم ديارهم والآن يريدون تهجير أهلهم وإقصائهم .

-   اللهمّ إشهد بإننا أحفاد الّذينَ بنوا الحضارة الإسلامية منذ زمن الرسول ومروراً بالعهدين الأموي والعباسي ورفعوها الى مصاف التطور الحضاري بكل أشكاله ِ .

-    اللهمّ إشهد بإننا أعطينا طوابير الشُهداء قـُرباناً لإيماننا بك في طيسفون ( المدائن ) والكوفة وسُمّيل والموصل والبصرة وبغداد .

-   اللهمّ إشهد على جرائمهم ضدّنا وحاسبهم عند وقوفهم أمام جلالتك مذعورين خائفين أذلاّء .

-   اللهمّ أرسل على من يُعادينا ويُجحف حقنا طيراً أبابيل ترميهم بحجارةٍ من سجّيلٍ وتجعلهم كعَصفٍ مّأكولٍ .

-   اللهمّ إشهد بانّ غدرهم وجرائمهم علينا لن تُزيدنا إلا إصراراً للمطالبة ونيل حقوقنا .

-   اللهمّ إشهد بإننا نصارى نؤمن بما أوصانا بهِ ربنا يسوع المسيح برسالته السماوية السمحاء .

اللهمّ إستجب دُعائنا ، وانك لخير المستجيبين



                                                                                                  سالم ايليا 

179
عندما تكون الطائفية القاسم المُشترك بين الحكومة ومجلس نوّاب الأحزاب ـ ـ ـ أقرأ على العدل السلام ؟

عندما تمَ الغاء المادة ( 50 ) من الدستور والتي تخص إنتخابات مجالس المحافظات لـ ( الأقليات ) وبعد ردود الأفعال المحلّية المُتمثلة بإحتجاجات شعبنا وردود الأفعال الدولية على المستويين الشعبي والرسمي ، تنصلَ جميع من هُم في سدة الحُكم والمسؤولين عن إتخاذ القرارات من مسؤولية الغاءها .
فبدأت التصريحات والمزايدات والإتهامات فيما بينهم وكأنهم في سوق هرج ( والحقيقة أنني أظلم سوق هرج ومن يتواجد فيه بهذه المقارنة ولكن ليس في جعبتي الآن إلا هذا التشبيه ) .
ثُم بدأت الوعود تتوالى وكالعادة بدأوا بالعزف على أوتار رجال ديننا الأفاضل أولاً وذلك لأنهم يعتقدون بأن رجال الدين المسيحي من الممكن إقناعهم بسهولة لـ ( جهلهم ) بالسياسة و ( توجيههم ) للضغط على الشارع المسيحي وتهدئته حتى يتسنى لهم القيام بالخطوة التالية .
بعدها عُقدت المؤتمرات الصحفية واللقاءات الثنائية والثلاثية والرُباعية لأعضاء مجلس نوّاب الأحزاب وأعضاء الحكومة الطائفية من جهة وبين رجال دين وسياسيين مسيحيين عراقيين وشخصيات رسمية ودينية دولية من جهة أخرى ، حتى صدّق البعض من أبناء شعبنا بانه ربما هنالك ( غلطة ) غير مقصودة حدثت أثناء التصويت وتم الغاء المادة ( 50 ) .

وجاءت ساعة الحسم ووضِعَ الجميع على المَحك مرة أخرى فالماء تُكذ ّب الغطـّاس مثلما يقول المثل .
وعقد مجلس نوّاب الأحزاب جلسة خاصة لمناقشة و( إيجاد صيغة ) لـ ( إنصاف الأقليات ) وكأنّ المسألة معقدة الى هذا الحد ؟ !! وبعد جُهدٍ جهيد وتأجيل المناقشات لعدة جلسات تمخضَ جَبلهُم فولدَ فأراً ، والفأر الذي ولد كان شكله كألآتي :

قانون تعديل قانون إنتخاب مجالس المُحافظات والأقضية والنواحي المُرقم ( 36 ) لسنة 2008 .
المادة ( 1 ) تضاف مادة برقم ( 52 ) الى قانون إنتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي المُرقم ( 36 ) لسنة 2008 وتقرأ كالآتي :
أولاً : تمنح المكوّنات التالية العدد التالي من المقاعد المُخصصة في مجالس المحافظات
1-   بغداد : مقعد واحد للمسيحيين ومقعد واحد للصابئة .
2-   نينوى : مقعد واحد للمسيحيين ومقعد واحد للأيزيديين ومقعد واحد للشبك .
3-   البصرة : مقعد واحد للمسيحيين .
ثُم تأتي بعد ذلك بقية الفقرات لهذا المولود المسخ !! .

ولتوضيح الأمر بشكل أكثر أقول بأنّ الكُتل البرلمانية التي صوتت ضد إقتراح المجموعة الدولية المُتمثلة في إقتراح ممثل الأمم المُتحدة دي مستورا وحسب ما جاء في تصريحات أعضاء المجلس المسيحيين هي :
1-   جبهة التوافق العراقية ( بكل مكوناتها ) .
2-   القائمة العراقية الوطنية .
3-   قائمة الحوار الوطني .
4-   الأئتلاف العراقي الشيعي ( المجلس الأعلى الإسلامي ومنظمة بدر ، المستقلين ، حزب الفضيلة ) .

كما وان الكُتل التي صوتت مع المقترح هي :
1-   التحالف الكردستاني .
2-   الكتلة الصدرية .
3-   الحزب الشيوعي العراقي .
وقد صوت ضد المقترح 106 من مجموع 150 صوتاً .

والمقترح كان قد طـُرِحَ من خلف الكواليس في غمرة الإضطهاد العرقي والديني لشعبنا المسيحي في الموصل والمتضمن سبعة مقاعد في المجلس للمسيحيين ( ثلاثة منها في الموصل وثلاثة أخرى في بغداد ومقعد واحد في البصرة ) والذي يُمثل الحد الأدنى حسب النسبة المئوية لعدد السكان ، حيثُ وافقت عليه معظم الكتل التي رفضته لاحقاً !! .

وبنظرة متفحصة ومراجعة بسيطة نرى بان الكُتل التي صوتت ضد المقترح هي نفسها التي تنصّلت من جريمة الغاء المادة ( 50 ) أمام عدسات المصورين والصحفيين والتي التقى معظم رؤساءها برجال الدين المسيحيين ووعدوهم خيراً في تصحيح ( الخطأ ) الذي حصل عند الغاء المادة ( 50 ) .

أما الكُتل التي صوتت مع المقترح فأنني أرى ( وأرجو ان أكون مخطأ ً ) بأنّ تصويتها لم يأتي من قناعتها بإحقاق الحق والعدل وإنصافه للـ ( أقليات ) وإنما جاء من حسابات سياسية وتكتيكية مرحلية خاصة بأحزابها وهي في جميع الأحوال سجلت موقفاً مُشرّفاً تشكر عليهِ وسيُسجل لها تاريخياً هذا الموقف .
بعدها توالت التصريحات مرة ثانية ، إذ خرج علينا أحد أعضاء مجلس نوّاب الأحزاب بمفهوم جديد للديمقراطية وكان يتكلم عن لسان كافة الكُتل التي صوتت ضد إقتراح ممثل الأمم المتحدة وأيدت الإقتراح الثاني المُتضمن في المادة ( 52 ) حيثُ يقول هذا الفهيم ؟
( إنّ الديمقراطية كما يفهمها أعضاء مجلس النوّاب هي حُكم الأكثرية !! ) ، وطبعاً شوّه هذا المعتوه المفهوم الجميل للديمقراطية من أنها حُكم الأكثرية أي حُكم الشعب عندما يكون مُتحداً وليس مُقسماً قسراً وعلى أيدي عملاء وسارقي ثروة شعوبهم ، كما وان حُكم الأكثرية معناه أن يكون الشعب قد تجاوز التأثير السلبي لعنصري الدين والقومية وبمفهوميهما الطائفي والشوفيني .

وقد ختم السيد رئيس الجمهورية هذه التصريحات بتصريح غاية في الأهمية وهو رفضه التوقيع والتصديق على المادة ( 52 ) وسوف يجتمع مع نائبيه للتباحث . حيثُ انه من المعروف عن مام جلال بانه سياسي من الطراز الأول وأرجو ان لا يستخدم ذكاءه السياسي للالتفاف على مُقترح ممثل الأمم المتحدة ويخرج علينا بمقترح وسطي بتحديد خمسة مقاعد للمسيحيين بدلاً من سبعة مقاعد !! وعندها سيبدو وكأنه المنقذ للإشكال والجدال الحاصلين حول أحقية ( الأقليات ) في التمثيل في مجلس النوّاب ، حيثُ ان مقترح ممثل الأمم المتحدة كان الحد الأدنى أي ليس هنالك أي مجال لتقليل عدد المقاعد فيه .

كما ان من تداعيات المادة ( 52 ) هي تصريحات أعضاء المجلس من المسيحيين بمقاطعة الإنتخابات والإنسحاب من المجلس كإحتجاج على ما تم التصويت عليه ، وانا أقول لهم بان عليهم الحذر بكيفية ( اللعب ) بهذه الورقة ، إذ أنها سيف ذو حدّين ولدينا مثال لا يزال قائماً على ذلك عندما قاطعوا العرب السُنّة ( عُذراً لإستخدام هذه المفردات البغيضة ) الإنتخابات السابقة وماذا جرى لهم وكيف إنعكس قرارهم سلبياً عليهم ، مع الأخذ في الإعتبار كوننا مُكوّن أقل عدداً .

وبرأيي ولتحقيق أوسع وأقوى تأثير فيما لو قرر أصحاب القرار السياسي المسيحي تنفيذ تهديدهم بالمقاطعة هو القيام بالخطوات التالية :
1-   الإعلان عن توحيد كل الفصائل المسيحية وتحت مُسمى واحد وتوحيد قرارها السياسي وبمباركة رجال الدين الافاضل ولو بشكل مرحلي لمواجهة هذه القرارات الجائرة .
2-   مقاطعة كل أشكال الفعاليات السياسية للحكومة ومجالسها الثلاثة .
3-   تعليق كافة اللقاءات بكبار رجال الدولة وخاصة من قِبل رؤساء طوائفنا المسيحية ، فمن غير المعقول ان ينسحب القادة السياسيين المسيحيين ويبقى رؤساء الطوائف على إرتباطات ولقاءات مع الساسة الحكوميين والذي قد يؤدي الى شرخ كبير في العائلة المسيحية الكبيرة .
4-   القيام بفعاليات جماهيرية داخل العراق وخارجه من إحتجاجات ومظاهرات سلمية وفضح الممارسات الشوفينية للحكومة ومجلس نوّابها .
5-   البدأ بأكبر حملة إتصالات سياسية ودينية من قِبل الساسة ورجال الدين المسيحيين وممثليهم خارج العراق وعلى المستوى الدولي لتوضيح خطورة الممارسات الشوفينية لمعظم الكُتل السياسية في العراق ومطالبة الأمم المتحدة والبرلمان الأوربي والفاتيكان ورؤساء الدول الأوربية وشمال أمريكا ومنظمات المجتمع المدني فيها للوقوف معنا ومع بقية المكوّنات التي أصابها هذا الغُبن .
6-    الإتصال والتنسيق مع باقي مكوّنات الشعب العراقي المُستهدفة طائفياً أو دينياً ( الصابئة المندائيين ، اليزيديين ، الشبك ، التركمان ـ ـ الخ ) وحثهم على ضم أصواتهم معنا والتحرك والمشاركة بنفس الإتجاه .
7-   محاولة إشراك القاعدة الجماهيرية العراقية وبالتنسيق مع الكُتل التي صوتت لصالحنا مثل الحزب الشيوعي والكتلة الصدرية والتحالف الكردستاني وكل العراقيين الشرفاء ( وما أكثرهم ) وذلك بالمشاركة معنا في الإحتجاجات والمظاهرات السلمية ، حيثُ ان هذه الطريقة ستبين مدى جدية الكتل التي وقفت معنا من عدمها .
8-   الإتصال بكافة وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية وخاصة المؤثرة منها والمتواجدة على الساحة العراقية لنقل المظاهرات والإحتجاجات وباقي الفعاليات الأخرى .
9-   التحضير لخطوة بديلة قبل بدء الإنتخابات في حالة عدم ظهور أية نتائج إيجابية للتأثير على صُنّاع القرار السياسي في العراق .

عندها سيكون لقرار الإنسحاب تأثيره الواسع والشامل لإجبار الطائفيين على الرضوخ لصوت الحق والعدل .



                                                                                                                                 
                                                                                                         سالم ايليا

 
   

180
الى لبنان المُوّحد ـ ـ ـ كانت قضيتنا فصارت قضيتكم وكان هَمّنا فصارَ هَمّكُم


من يقرأ تاريخ كنيسة المشرق يرى التداخل الواضح الذي لا يمكن فصلهِ بين مؤمنيها ، فطقوس كنيسة المشرق الدينية بمذاهبها وإن إختلفت قليلاً بطريقة عرضها وتأديتها إلا أنّ جوهرها وروحانية ممارستها متطابقة تماماً . كما وان مسيحيي المشرق يمتازون كونهم منحدرين من سكان المشرق الاصليين ، كما وانهم من الأقوام الأولى التي إعتنقت الديانة المسيحية ونشرتها في أرجاء المعمورة منذ القرن الثاني والثالث الميلادي . *

وقد تجسد هذا التطابق والتلاحم في كثير من المواقف ومنها الموقف الأخير الذي وقفهُ وبكل وضوح مسيحيي لبنان مع إخوانهم وإمتدادهم مسيحيي العراق بشكلٍ عام ومع مسيحيي الموصل في الأحداث الأخيرة بشكلٍ خاص .
فقد توحد لبنان بكل أطيافه ومكوناته من مختلف الأديان والإتجاهات بالوقوف ذات الوقفة المُشرّفة ، حيثُ سارعت الرابطات والاحزاب اللبنانية وبدعوة مشكورة من رئيس الرابطة السريانية الاستاذ حبيب أفرام الى عقد لقاء مُوسع يوم السبت المصادف الثامن عشر من تشرين الأول / 2008 وأعلنت عن بيانها التضامني مع مسيحيي الموصل وطالبت الحكومة العراقية والامم المتحدة وكل دول العالم بالتدخل لوقف الإبادة الجماعية والتهجير القسري لشعبنا المسيحي في الموصل ، كما أتصل رئيس الرابطة السريانية بلجان التبرعات وحسب ما نُشر في الإعلام للوقوف على طريقة دعم مسيحيي الموصل مادياً .

وفي ذات اليوم تحوّل الحفل التأبيني لذكرى إستشهاد رفيق الحريري الى مظاهرة لدعم مسيحيي الموصل والعراق ، حيثُ ناشد النائب سعد الحريري رئيس تيار المستقبل بوقف حمامات الدم ضد مسيحيي الموصل والعراق ، وقبلهما أنتخى رئيس حزب الكتائب اللبناني الشيخ أمين الجميل للمسيحيين في العراق والموصل ووضع القوات اللبنانية على أهبة الإستعداد لمد يد العون لإخوانهم مسيحيي العراق ليس للقتال وتدمير العراق كما يفعل الدخلاء من الدول المجاورة وإنما للمساعدة في وقف أعمال العنف والقتل والتهجير ضد المسيحيين في الموصل وقد كان وحسب ما ذكرت الأنباء على إتصال مباشر بشرائح من أبناء شعبنا المسيحي . كذلك سخـّر وسائل إعلام القوات اللبنانية ومواقعها على الانترنيت لنصرة إخوانهم مسيحيي الموصل والعراق .

كذلك موقف رئيس مجلس النوّاب اللبناني نبيه بري وإتصاله بعمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية ومطالبته له بعقد إجتماع عاجل على مستوى وزراء الأوقاف لبحث جريمة قتل وتهجير المسيحيين من الموصل .

لقد أصبحت قضية المسيحيين في العراق قضية لبنان كله بالرغم مما يُعانيه إخواننا في لبنان من ذات المشكلة !! وعمليات التهميش والإقصاء التي يُحاول البعض تمريرها .
وإنني كمسيحي عراقي تملّكني الفرح والسرور في خِضّم المآسي والأحزان التي كانت وما زالت تعصفُ بنا من جراء ما حدث لأهلنا في الموصل لهذا الموقف المشرف الذي أعطى زخماً كبيراً للصبر والمطاولة والوقوف بصلابةٍ وإيمانٍ قويين ضد الهجمة التكفيرية والطائفية الشرسة ضد شعبنا المسالم .
وحيثُ إننا نُحب أن نطمئن الشيخ أمين الجميل بان إخوانكم المسيحيين في العراق لديهم من الحُلم والحِكمة والصلابة والإيمان ما يجعلكم تفتخرون بهم ، كما لديهم من القوة ما يعجز عن ملاقاتهم رعاع القوم وخفافيش الليل وفئران الجحور .
حيث إننا نأمل ان لا يدفعنا غيّ الاشرار لحمل السلاح بروحية الفرسان للدفاع عن أنفسنا ، إذ لا نرغب في إعطاءهم الفرصة والمُبرر لشن هجمات غادرة على المدنيين والنساء والشيوخ والاطفال كعادتهم دائماً .
ولنا في وسائلنا السلمية وتضامنكم معنا أملاً كبيراً في إجبار الحكومة الطائفية على تحقيق مطالبنا المشروعة في أرضنا وأرض أجدادنا ، كما ان وقوف العالم معنا سيجبرهم على حماية شعبنا من ( حُلفاءهم ) ومن التكفيريين الإرهابيين .

لقد كان لبنان في القلب وأصبح في القلب والعقل والوجدان .
رحم الله شهداء لبنان بشير الجميل و رفيق الحريري وبيار أمين الجميل وكل من أستشهد في لبنان دفاعاً عن لبنان الحر المستقل ، فقد طالتهم نفس الايادي الارهابية التكفيرية والطائفية التي تطال الآن أبناء شعبنا في الموصل .

ودعائنا أن يعود لبنان سليم معافى يزهو ويفتخر بتحضّرهِ وإنفتاحهِ ويكون قبلة للسوّاح والزائرين وملجأ لطالبي الحرية والإنفتاح كما كان عهده دائماً . وشكراً لابناء لبنان الأوفياء الموحدين الذين أوصلوا أصواتهم الى أبعد بقاع الأرض لنصرة الحق .



*  لم أرغب في هذا المقال الدخول في بيان الفرق بين كنيسة المشرق والكنيسة الشرقية وما يتبعهما وارباك القارئ الكريم ، إذ إنني أميل الي توحيد التسميات أوعلى أقل تقدير مقاربتها وإعطاءها الشمولية في تمثيل الجميع ، حيثُ انها ليست موضوع البحث في المقال ولكنها كانت مقدمة للدخول في موضوع المقال .


                                                                                                                      سالم ايليا
 






181
ما بينَ إتهامنا بالجُبن وإعترافات الحكومة بكذبها وتقصيرها
الجزء الثاني

المقدمة :
ذكرتُ في نهاية الجزء الأول من مقالي هذا بان جريمة قتل تسعة من المسيحيين بأقل من أسبوع واحد وفي محافظة واحدة يُعادل على أقل تقدير حسب عملية النسبة والتناسب قتل( 270 ) مواطن من المجموع الكلّي لسكان العراق لا سامح الله ، كما وانّ عدد المُهجّرين بالنسبة المئوية ذاتها يصل الى ما يُقارب نصف مليون مُهجّر بالنسبة لمجموع سكان العراق !!!
أفليس هذا العدد من الضحايا والمُهجّرين جدير بإهتمام االحكومة !!

الا يُعادل هذا العدد مقتل النائب العكيلي مثلاً الذي إنشغلت الحكومة ودوائر الأمن ومجلس النوّاب بمقتلهِ حتى القوا القبض على قاتليهِ في غضون أيام في بغداد الكبيرة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من سبعة ملايين نسمة!! ـ ـ أم أنّ

قتلُ إمرءٍ في غابةٍ جريمة ٌ لا تُغتفر            وقتلُ شعبٍ آمن ٍ مسألة ٌ فيها نظر

وسوف أعطي مثال على بلاد ( الكفـّار ) مثلما يطلق البعض على الدول الاوربية المتحضّرة والمُتقدمة :
فصعود قِطـّة على عمود الكهرباء وعدم إستطاعتها النزول يستنفر أجهزة الإنقاذ والمطافئ والشرطة لإنقاذها من الصعق الكهربائي ويُنقل الحدث عبر جميع وسائل الإعلام . وهذا هو الفرق بين بلاد المؤمنين وبلاد الكافرين !! .

وأعلم يا من عيّنك الاحتلال ناطقاً رسمياً لوزارة الدفاع الطائفية بأننا لسنا جُبناء ولكننا حُكماء وحُلماء ونشعرُ بإنسانيتنا وأعلم بان لدينا رجال إذا حمِلوا السلاح فلن تستطيعوا أنتم ورُعاعَكم الوقوف أمامهم ولكن ضدّ مَن نحملُ السلاح ـ ـ ـ ضدّ الذين شاركونا أرضنا وزادنا لأكثرَ من 1400 سنة وأصبحوا أهلاً لنا ؟!! فقد ارضعتنا أمهاتنا الوفاء والإخلاص .
وأسئلوا حُلفائكم الكُرد عندما أرادوا الغاء هويتنا في أوائل السبعينيات من القرن الماضي وبدأوا بضرب بعض من مُدننا وقـُرانا في الشمال ماذا حدثَ وكيفَ أستبسلنّ نِسائنا حتى التحقوا بهنّ الرجال والشباب الذين كانوا يعملون ويدرسون في الموصل والحقوا بهم الهزيمة وأسئل عن توما توماس ( بغض النظر عن إنتماءه الحزبي وانا لستُ حزبياً ) ورفاقه المسيحيون كيف اقلقوا النظام السابق .
فلو حملنا السلاح فسنحملهُ بِنُبـِلِ الفرسان وليس كقطاعي الطُرق وسُرّاق ليل وقاطعي ثدايا أمهاتهم والذي نتمناه نحنُ المسيحيين أن لا يَحدثُ هذا وان لا يضطرّنا أحد لحملهِ . حيثُ لا نريد ان نُعطي المُبرر للمجرمين بإرتكاب المجازر ضد نسائنا وأطفالنا كما حدث في سمّيل .
فنحن شعب لنا عُمقنا الحضاري والتاريخي وأجدادنا العِظام هم الذين أوجدوا الفروسية والقِتال .
ولدينا وسائلنا السلميّة لأخذ حقوقنا وسنأخذها شئتمُ أم أبيتمُ فالزمن لا يعود الى الخلف أبداً إذ كُنتم حقاً تؤمنون بالله وبخلقهِ وخليقتهِ .

كما وانّ جزء من اللوم يقع على عاتق رؤساء طوائفنا الدينية الذين ما إنفكوا يُطالبوننا بالتهدئة ويُصدّقون الوعود التي يقطعها لهم المسؤولين ثمَ نُفاجأ بإجراءات العَن وأقسى في تهميشنا وإقصائنا ، فواللهِ ( وبكسر الهاء ) لن تتوقف أقلام كُتّابنا الأوفياء لِشعبهِم عن الجود بالكلمة وشحذ الهِمم وفضح سياسات التهميش والالغاء والتنكيل ومن يقف وراءها حتى يتم تحقيق مطالب شعبنا الأصيل في أرضهِ ووطنهِ وارض أجدادهِ في بلاد ما بين النهرين .
كما لن تتوقف إحتجاجات ومظاهرات شعبنا في كل بِقاع العالم وداخل العراق إلا وترى العدل والمساواة كقاسم مشترك يتحقق بين أبناء شعبنا العراقي بكل أطيافهِ ومُكوّناتهِ ولِتعود اللِحمة اليِهِ .

ونقول لِمقدّم برنامج ( العراقية والحدث ) المدعو عزيز والذي لا يبدو لي فيه أي شئ من العزّة ، انّ سؤالك لمحمد العسكري من انّ ( بعض العراقيين ) يتسائلون لماذا هذه الضجّة الكبيرة وزيارة عدد كبير من الوزراء الى الموصل والإستنكار العالمي لمقتل عدد من المسيحيين في حين ان مناطق أخرى هُجّر أضعاف هذا العدد ولم تحدث هذهِ الضجّة ثمَ أوعزتَ هذا كله الى كون المسيحيين تابعين للغرب وانّ الغرب دعمهم لكونهم مسيحيين وعمل هذهِ الضجّة .
وبادئ ذي بدء أحبُ أن أ ُذكرك وأذكر كل الرعاع والمُتخلفين الذين سألوا هذا السؤال بان المسيحيين في العراق ليسوا تابعين للغرب وإنما تبعيتهم لوطنهم ووطن أجدادهم العراق ، وما قدموهُ للعراق منذ ُ نشأتهم كقومية أصيلة وما بعدها حيثُ إعتنقوا المسيحيية ولحد هذه اللحظة وبأعدادهم المحدودة ( بعد ان غزا الإسلام ديارهم فقتل من قتل وأجبر معظم من تبقى على دخول الدين الاسلامي مكرهين ) لم تُقدمهُ أيةِ شريحة أخرى فلهم الفضل في تواجد الفلسفة والعلم عند العرب المسلمين ولولا ترجمة ومؤلفات عباقرة السريان والعرب من المسيحيين أبان الحُكمين الأموي والعباسي لما ظهر كتاب واحد عن الفلسفة والعلم في هذهِ المنطقة ولما أصبحت بغداد مناراً للعلم والمعرفة في مجالات الطب والفلسفة والعِمارة والموسيقى وغيرها * .
فإذا قـُطِعَتْ الورود من أغصانها فماذا يتبقى في نبتتها !! وبالضبط هذا هو حال العراق ، فإذا ذهب المسيحيين لا قدّر الله من العراق فماذا يبقى في العراق ؟ ( مع جُلّ إحترامي وتقديري لكل أبناء شعبنا العراقي ومكوناته الأخرى ، ولكن لم يترك لنا التكفيريون والطائفيون أي مجال للسكوت ولم نُشاهد أي فعلٍ على الأرض من المعتدلين للوقوف بوجه هذهِ الهجمة ) .
وأرجع انت ومن سأل هذا السؤال الغبي الى علم الرياضيات والنسبة والتناسب الذي نوّهتُ اليه في الجزء الأول من هذا المقال فستجد انّ عدد الضحايا والمُهجرين بالنسبة لعدد نفوس المسيحيين في العراق كان كبيراً جداً .
لِذا إحتجّ العالم بأجمعهِ لهذهِ الإبادة الجماعية ناهيك عن إننا كشعب كلداني سرياني أشوري أهل البلد الأصليين ولم نشترك في أي عمل أجرامي ضد الشعب العراقي ولم نرفع راية الطائفية والمحاصصة لتبؤء المناصب التي يتواجد في مُعظمها الآن مَن هُم ليسوا أهلاً لها .

كما وانّ الغرب ليس كما تعتقدون يقف مع المسيحيين فمتى تتفتح عقولكم فسترون عندها الحقائق ومتى يُلغى الإنتماء الديني من هويّات وشهادات الجنسيّة عندكم ، عندها ستنظرون الى الإنسان من خلال إنسانيتهِ وليس من خلال دينه ومذهبه .
وأذكرك لعل الذكرى تنفع ، فانّ الدول الاوربية والغربية بشكلٍ عام والتي نعتـّها بالمسيحية ( الحقيقة ان كل حكوماتها علمانية تفصل السياسة عن الدين ) وقفت وساندت عسكرياً سكان كوسوفو المسلمين وان قبولها للاجئين المسلمين أضعاف أضعاف قبولها للاجئين المسيحيين فقل لي بربك أي دولة أسلامية قبلت أي لاجئ مسلم من يوغسلافيا السابقة أو من الشيشان أو من الصومال أو أية دولة أسلامية أخرى فجميع طالبي اللجوء أتجهوا الى دول الغرب فوجدوا الرعاية والإهتمام الذي أفتقدوهُ في بلدانهم الأسلامية !! . إذ انّ قوانين الدول الغربية ( الذي ينعتها المؤمنين بالكافرة ) تنظر الى الإنسان من خلال ما تحقق لهُ في بلده من كرامة لإنسانيته ومقدار إضطهاده في بلده لتقف معه وهذا ما حدا بالعالم لوقوفه أجمع مع المسيحيين العراقيين .
ناهيك عن وقوف المسلمين المُعتدلين من العراق وخارجه والذين يؤمنون بدينهم وبجوهرهِ السماوي المتسامح مع المسيحيين العراقيين ولأنهم على قناعة كبيرة بالظلم الحاصل على المسيحيين من الدولة بأحزابها الطائفية ومن التكفيريين الإرهابيين ، فلا تحاول خلط الاوراق وبعثرتها ولعلمك فانّ الكنائس هنا في أمريكا الشمالية وفي أوربا تكفـّلت باللاجئين المسلمين وبأعداد كبيرة أكبر بكثير من تكفلها للاجئين المسيحيين من الشرق والذي يقرأ هذهِ السطور من المسلمين والمسيحيين خارج العراق والساكنين في هذهِ البلدان سيتفق معي ، وأسأل الأسرى من مُعتقل رفحة في السعودية ومعظمهم من الشيعة العراقيين اين هم الآن هل في السعودية أم في أيران وكيف كانوا يُعاملون في السعودية عندما كانوا أسرى فجميعهم تم قبولهم كلاجئين تكفلت بهم الكنائس هنا ودول ( الكُفـّار ) أما دول المؤمنين فرفضتهم وهناك أمثلة كثيرة وإثباتات لا مجال لطرحها الآن .

وقبل ان أنهي مقالي أقول ولستُ بخائفٍ من القولِ ـ ـ ـ إن أردتم للعراق أن يعود مناراً لمن حوله فأبعدوا الدخلاء علينا ، فقد عشنا معكم ومع بقية مُكونات الشعب العراقي كشعبٍ واحدٍ وعائلة كبيرة واحدة .
والعراقيين بطبعهم ليسوا بطائفيين أو عنصريين ولكن الدخلاء والحاقديين على العراق هم الذين أشعلوا نار الفتنة الطائفية وأنتمُ أعلمُ مَن هم . 



* أول مستشفى لدراسة الطب في الدولة الإسلامية هو مستشفى بختيشوع الذي أسسهُ في بغداد الأطباء المسيحيون في القرن الثامن ، كما وان أول عملية تشريح تم إجراءها في الدولة الإسلامية كانت على يد طبيب المُعتصم السرياني يوحنا بن ماسويه في سنة 836 م . كما وإشتهرت الحيرة والتي إتخذها المناذرة العرب ( الذين إعتنقوا المسيحية في القرن الثاني الميلادي ) عاصمةً لهم في القرن الثاني قبل الميلاد ، وبعد سيطرة الفرس عليها وبمساعدة المنذر الأول بدأوا ملوك الفرس بالدراسة فيها من أمثال يزدجر الأول وبهرام الخامس الذي تعلم الفروسية والأدب والفن في قصر المنذر الأول وتقع الحيرة الى الجنوب من مدينة الكوفة وكانت تحوي وما حولها على أحدَ عشر قصراً وخمسة عشر ديراً . ويؤكد المستشرقون ان الكتابة العربية شاعت أولاً بين المسيحيين وخاصة رُهبان الحيرة والأنبار ( محافظة الرمادي ) كما ويؤكد المؤرخ جواد على في كتابه ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ) هذا الإتجاه .

إنتهى الجزء الثاني والأخير

                                                                                                           


                                                                                                                        سالم ايليا
       

 
   
     





182
بينَ إتهامنا بالجُبن ِ وإعترافات الحكومة بـِكذبها وتقصيرها ؟
الجزء الأول

عَرَضت القناة الفضائية العراقية الرسميّة يوم السبت المصادف الثامن عشر من تشرين الأول / 2008 برنامج ( العراقية والحدث ) والذي إستضاف فيه مقدم البرنامج واسمهُ ( عزيز ) ، كل من النائب في مجلس النوّاب العراقي عن التحالف الكردستاني سعد البرزنجي ونائب آخر من القائمة العراقية والناطق الرسمي بإسم وزارة الدفاع محمد العسكري ، حيثُ كان موضوع البحث قتل وتهجير المسيحيين في الموصل .
ومن خلال متابعتي لبعضٍ مما دار َ من حِوار ومحاولة ( إتهام ) مقدم البرنامج الكُرد لِما حَدث من تهجير للمسيحيين في الموصل والدفاع عن الكُرد من قِبل النائب سعد البرزنجي وطرحِه للسؤال من المستفيد من قتل وتهجير المسيحيين ؟ فإننا بِدورِنا كمسيحيين نسأل السؤال نفسه من المستفيد من قتلنا وتهجيرنا ؟ !!
وحيثُ أنّ هنالك تقصير حدث ويحدث من جميع الأطراف مع إعتماد خطـّة منَظـّمة مُتّفق عليها في دهاليز رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النوّاب بتهميش والغاء كافة مُكوّنات الشعب العراقي ذات النسب السكانية المحدودة وهذا واضح ولا لبسَ فيهِ ، فالجميع مُستفيدين من هذهِ العملية .

إنّ ما تحدثَ بهِ الناطق الرسمي لوزارة الدفاع محمد العسكري يختلف تماماً عمّا تحدث بهِ سابقاً ، فقد أعترف بأن عدد العوائل المسيحية المهجّرة بلغ الآلآف وليس كما صرّح في السابق بـ ( 143 ) عائلة فقط ، ولكنهُ رمى باللائمة في تهجيرهم على ( الإشاعة ) ، لذا فقد إستبدل الكذبة بكذبة أخرى ، أي يريد محمد العسكري أن يقول بانهُ لم يكن هنالك جرائم أو قتل حقيقي للمسيحيين في الموصل ولكنها كانت ( إشاعة ) وقد مرر بطريقة خبيثة وبحركة تقاسيم وتعابير وجه كذ ّاب رسالة للمتلقي وللمشاهد بأن سريان هذه ( الإشاعة ) كان سريعاً وأسرع من تحرك قوات الأمن والحكومة لإستبيان هذه ( الإشاعة ) والسيطرة عليها من خلال الإيحاء للمشاهد بأن العوائل المسيحية ونتيجة ( لِجُبنها ) فقد هربت وتركت ديارها باسرع مما تصورت الحكومة الله أكبر ـ ـ ـ الله أكبر ـ ـ ـ الله أكبر ، فماذا تقول يا كذ ّاب عن أهلنا الشيعة الذين إستشهدوا على جسر الإئمة نتيجة إشاعة حقيقية وبدقائق معدودات هل كانوا جُبناء ؟ !! حيث لم ينتظروا من قوات الأمن التي كانت تحيطهم وبالآلآف من كل جهة لإستبيان الإشاعة !! وليس كالعوائل المسيحية البطلة التي اعطت تسعة شُهداء وانتظرت قوات الامن لعشرة أيام ولا من مُجيب وانا أقول لمحمد العسكري وكل الكذ ّابين من متسلقي السلطة إن لم تستحوا فأفعلوا ما تشاؤون .
وقبل أن أخوض في بعض ٍ مما يجول في خاطري من حديث أحبُ أن أذكر لمحمد العسكري ولغيره من أبواق السلطة المأجورين بعض الحقائق التي مهما حاول كذبهم تغييرها فإنها ساطعة سطوع شمس تموز في سماء العراق حيثُ إنكشفت في خِضَم تخبط السلطة وأزلامها ووزرائها ، إذ إعترفوا وبالسنتهم بالتهديد والقتل والتقصير الحاصل ضد المسيحيين واليكم بعض من تصريحاتهم وهي جميعها موثـّقة إذ إننا من كلامهم نُدينهم :
قال وزير الدفاع عبدالقادر العبيدي يوم الخميس المصادف السادس عشر من تشرين الأول / 2008 و لـ ( أصوات العراق ) :
( إن ما جرى للمسيحيين في الموصل هو تهديد مُنظّم مُبيناً ان هنالك جرائم أ ُرتُكِبت بحقهم مما أدى الى هجرتهم لمناطقهم في المحافظة ) .
كذلك بعد إجتماع اللجنة الوزارية في برطلة ولقاءها بالعوائل المُهجّرة والمؤلفة من وزراء الدفاع والهجرة والمهجّرين والصناعة والتخطيط إضافة الى المستشار السياسي لرئيس الوزراء وثلاثة أعضاء من مجلس النوّاب ، صرّح وزير الدفاع قائلاً بأن :
( هنالك تقصير من الأجهزة الأمنية في المحافظة في التحرك بالسرعة الممكنة ) .
كذلك تصريح وزير الهجرة والمهجّرين وفي نفس الإجتماع وبعد مواجهتهِ بالأدلة الدامغة على عدم قول الحقيقة في إعلان الأرقام الصحيحة للعوائل المُهجّرة ، حيثُ بررَ ذلك بما يلي :
( إنّ الحكومة تعمّدت في إخفاء الأرقام الصحيحة خشية من هجرة مَن تبقى من العوائل المسيحية في مدينة الموصل ) .
ولاحظوا طريقة تبديل كذبة بكذبة أخرى . حيثُ أ ُعتبر هذا التصريح أول إعتراف رسمي بتقصير الحكومة وإخفاء الحقائق .

كذلك تقديم هذا العسكري ( الذي لا يمت لشرف العسكرية بأية صلة ) إعتذاره بخصوص الأرقام الواردة في تصريحاته والتي نوّهتُ عنها في مقالاتي السابقة ومبرراً ذلك بـ :
( إنه يتعامل رسمياً مع قيادة عمليات نينوى والتي زودتهُ بتلك المعلومات والإحصائيات الرسمية ) ، حيثُ إعتمدها في تصريحاته ، أي بالعربي الفصيح إعترف بكذبهِ وكذب قياة عمليات نينوى .
كذلك إعترافه في برنامج ( العراقية والحدث ) من انه ربما الغاء المادة ( 50 ) من الدستور وقيام المسيحيين بمظاهرات سلمية أظهرت قوتهم الديموغرافية في المنطقة التي يسكنون فيها مما أغاضَ بعض العناصر المتطرفة والتنظيمات المُسلحة فعمدوا الى عمليات قتلهم وتهجيرهم ، وهذا أيضاً ما ذكرتهُ في إحدى مقالاتي السابقة .

طيب يا حفيد مسيلمة الكذ ّاب ـ ـ ـ وزير دفاعك الذي أنت تأتمر بأمرهِ صرّح وبشكل واضح ومُرتبك بأنّ هنالك تقصير من أجهزة الأمن وان هنالك تهديد حقيقي وقتل للمسيحيين ،كذلك إعتراف وزير الهجرة والمُهجّرين بأنّ الحكومة تعمدت الكذب وإخفاء الحقائق بشأن الارقام الحقيقية للضحايا والعوائل المُهجّرة ، كذلك إعترافك أنتَ بكذبك وكذب قيادة عمليات نينوى .
أي بإختصار مسؤولي الدولة من أعلى رأس فيهم الى أصغرهِ وبالتسلسل الوظيفي المسؤولين عن متابعة هذه الجريمة لم يقولوا الحقيقة أي إنهم كذ ّابين .
إذ ان إتهامك الصريح من خلال قولك بانه ربما ما حدث كان نتيجة الغاء المادة ( 50 ) من الدستور هو إتهام لا لبسَ فيهِ لمجالس الرئاسة الثلاثة التي الغت هذه المادة ، أي انه هنالك دافع للجريمة أوجدتهُ الرئاسات الثلاثة لتهديد المسيحيين وقتلهم .  

ولتسليط الضوء أكثر على عمليات القتل التي حدثت والتي تُشكّل واحدة من أعلى النسب لعمليات القتل والتهجير لمُكوّن من مكونات الشعب العراقي وفي فترة زمنية محدودة وقصيرة  وبالرجوع الى علم الرياضيات في النسبة والتناسب وبشكل مُبسط والذي أشك بأنّ محمد العسكري وغيره من المسؤولين العراقيين لديهم اية فكرة عنهُ !!!  ـ ـ ـ أقول بان عدد المسيحيين في العراق الآن يتراوح من 2 – 3 % من أبناء الشعب العراقي وعملية قتل تسعة منهم بأقل من أسبوع يُعادل على أقل تقدير ( 270 ) مواطن من مجموع السكان لا سامح الله ، كما وان عدد المُهجّرين بالنسبة المئوية والتناسب المشار اليه يصل الى ما يُقارب نصف مليون مهجّر .



يتبع في الجزء الثاني



                                                                                                                  سالم ايليا         

183
مجالس الرئاسة الثلاث هي المتهمة الأولى في قتل وتهجير المسيحيين في الموصل / 2

لقد برزت عدّة مؤشرات إيجابية وسلبية في الأحداث الاخيرة من عمليات التنكيل والقتل والتهجير القسري الجماعي  للعوائل المسيحيّة في الموصل جديرة بالملاحظة وكان أبرزها :

1 – تأكد بما لا يقبل الشك تغاضي وحتى المشاركة ( كما صرّح بعض المُهجّرين ) لقوات الأمن من أعلى المستويات في عمليات الإبادة الجماعية للمسيحيين وخاصة في مدينة الموصل .

2 – تغاضي المسؤولين السياسيين ومن أعلى المستويات ومن مختلف الأحزاب والطوائف المشاركة بالحُكم عن الجرائم التي تحدث للمسيحيين مما يؤكد بان هنالك مخطط مُتفق عليهِ لافراغ العراق من هذا المكوّن الأصيل أو على أقل تقدير تهجيرهم الى مناطق معينة في العراق وحصرهم هنالك لاغراض سياسية وطائفية باتت معروفة للجميع .

3 – مما لا يدعو للشك بان وقوف بعض من رجال الدين الأفاضل موقفاً بطولياً وقيامهم وبمبادرة فردية بالتصرف بكنائسهم وأديرتهم وفتحها أمام المُهجّرين كان لهُ الأثر الطيب في نفوس المسيحيين .
كما وان بيان الكاردينال عمانوئيل دلّي الثالث جاء متأخراً وخجولاً وليس بالمستوى المطلوب ، حيثُ انهُ لم يُخاطب المسؤولين ومنهم رئيس الوزراء على تحمل مسؤولياتهم ولربما قام غبطة الكاردينال دليّ بفعل كبير من خلف الكواليس ولكن العوائل المُهجّرة رغبت في سماع صوتهِ عالياً صريحاً عكس بيان المطران شليمون وردوني المعاون البطريريكي للكلدان والذي حدد فيه كثير من الامور المهمة منها مطالبة المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الوزراء بتحمل مسؤولياتهم .

4 – التعاون والإلتفاف الرائع لشعبنا المسيحي في العراق بشكلٍ عام وخاصة في المناطق التي إستقبلت جموع المهجّرين ، حيثُ فتحوا أبواب بيوتهم للعوائل النازحة وقدّموا لهم شتى أنواع المساعدات .

5 – نقطة إيجابية أخرى تُسجّل لقنوات شعبنا الكلداني السرياني الاشوري الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية وقد كان عملهم تحدٍ كبير لوسائل الاعلام الرسمية العراقية ( قناة العراقية وغيرها ) بمحاولتهم التستر والتغطية أو التجاهل لما يحدث من إبادة جماعية لشعبنا المسيحي في مدينة الموصل ، حتى أجبروا هذهِ القنوات الرسمية على الرضوخ وإعلان ما يحدث في الموصل ضد المسيحيين ، كما انهم فضحوا أكاذيب المسؤولين من انهم لا يتدخلون في عمل الإعلام ولا يسيطرون عليه ِ .
إذ لا يزال إعلامنا الرسمي أسير بيد السلطة كما كان في السابق .

6 – موقف الأحزاب والمنظمات الجماهيرية لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري كان جيداً من خلال إيجاد غرف عمليات تدير عمليات الإغاثة وتتابع أخبار شعبنا وما يستجد وقيامهم بمقابلة المسؤولين في الدولة لشرح أبعاد ما يتعرض لهُ الشعب المسيحي .

7 – التضامن الجدير بالإهتمام لبعض منظمات المجتمع المدني في العراق وبعض الشخصيّات المستقلة ونداءاتهم المتكررة للحكومة لإتخاذ التدابير لحماية إخوانهم المسيحيين .

8 – موقف أهالي الموصل الشرفاء من المسلمين المجاورين في السكن لإخوانهم المسيحيين ، حيثُ انني كُنتُ على إتصالٍ مباشرٍ مع بعض العوائل المسيحية والتي أكدت وقوف الكثير من أبناء مناطقهم معهم ومحاولتهم قدر المستطاع مساعدتهم وحمايتهم .

9 – لم ( ينسى ) أبناء شعبنا المسيحي بشكلٍ عامٍ المطالبة بعودة المادة ( 50 ) الى الدستور وهذا بحدِ ذاتهِ تحدٍ لمحاولات إشغال شعبنا بإختلاق ظرف آخر لاشغالهم عن هدفهم الاساسي في المطالبة بعودة حقوقهم المغتصبة ومنها المطالبة بعودة المادة ( 50 ) الى الدستور .

10 – المطالبة بلجنة دولية أو على أقل تقدير محايدة لتقصي الحقائق كما حصل في أقليم دارفور في السودان والتحقيق بجميع الجرائم التي طالت المسيحيين وبقية مكوّنات الشعب العراقي ذات الكثافة السكانية المحدودة ( الصابئة المندائيين واليزيديين وغيرهم ) ، والكشف عن مرتكبيها وتقديمهم للعدالة وفضح أية تواطؤ حصل في هذا المجال .

11 – ثبت بالدليل القاطع بان المسؤولين في الدولة بدءاً برئيسي الجمهورية و الوزراء لا يتحملون مسؤولياتهم تجاه مواطنيهم بشكلٍ عادلٍ إلا إذا كان هنالك ضغط شعبي ودولي ، وهذا واضح من خلال تغاضي المسؤولين السياسيين عن الجرائم التي حدثت في الأسبوع الأول والثاني للمسيحيين ومن ثم تفاعلهم مع الأحداث من خلال الضغط الشعبي والدولي والذي أجبرهم على التدخل ولكن بعد فوات الأوان ، وانني إذ أسئل السيد رئيس الوزراء اين هو وعد الشرف الذي قطعته أمام قداسة البابا عند زيارتك له قبل عدّة أسابيع بحماية المسيحيين .

12 – كأنّ اليوم أشبه بالبارحة ، فالإعلام الرسمي يبقى كما هو فيحاول ان يكون أداة للدولة من خلال نشرهِ الأكاذيب والتضليل وعدم قول الحقيقة . فقد ظهر علينا الناطق الرسمي لوزارة الدفاع المدعو محمد العسكري وبعد أكثر من عشرة أيام من بدأ عمليات القتل والتهجير بخبر لا يصدقهُ حتى المختل عقلياً وهو ان عدد العوائل المسيحية المُهجّرة هو فقط ( 143 ) عائلة ؟!! وقد نسيّ هذا ( العسكري ) بان قنوات شعبنا الكلداني السرياني الأشوري الاعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة كلها تنشر الاحصائيات الدقيقة وبالارقام لعدد العوائل المسيحية المُهجّرة ساعة بساعة في كل مدينة وقرية وقصبة أتجهوا اليها ، وهنالك قوائم لدى لجان الإغاثة بأسماء وأعداد تلك العوائل والذي بلغ أكثر من ( 2351 ) عائلة . فنقول لهذا ( العسكري ) الغير ملتزم بشرف الجنديّة وغيره من أبواق السلطة ـ ـ أتقـّوا الله وكونوا منصفين فالكذب حبلهُ قصير .

13 – على جميع أبناء شعبنا وقنواتنا الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة مواصلة الطرق على الحديد وهو ساخن ، أي مواصلة المطالبة بإعادة المادة ( 50 ) الى الدستور والحصول على الحكم الذاتي ولا تُصدّقوا بان ( القرار ) الذي إتخذه مجلس النواب بالغاء المادة ( 50 )  قد أتخذ الدرجة القطعية بعد مصادقة مجلس الرئاسة عليهِ وكمثال على عدم وجود قرارات حقيقية تخضع للدستور هو عدم إستطاعة الحكومة تنفيذ حكم الإعدام بالوجبة الثانية من أعوان النظام السابق ، حيثُ ان الحُكم صدر من جهة قضائية ويجب تنفيذهُ خلال ثلاثين يوماً من صدوره ولكنهُ لم يُنفذ أرضاءاً للمحتل ؟ !! فأيهما أولى بالإرضاء مكوّن من مكوّنات الشعب العراقي تُسميهِ الحكومة ( أقلّية ) ويبلغ تعدادهُ بعد التهجير أكثر من مليون نسمة داخل العراق أم المُحتل الذي عاث في الارض الفساد ، كما وان رئيس مجلس النوّاب محمود المشهداني تم طرده من المجلس وبالتصويت بالأكثرية من قِبل أعضاء المجلس ولكن لم يُنفذ قرار الطرد وتم تسوية قرار الطرد خلف الكواليس .
فيجب الاستمرار في الحملات الإعلامية والإحتجاجات والنشاطات الاخرى للمطالبة بحقوقنا وعدم تصديق الوعود ، فكما ذكرتُ سابقاً بان رئيس الوزراء العراقي وعد قداسة البابا ذو المرتبه الدينية والدولية الرفيعة بحماية المسيحيين ولم ينفذ وعده !! .

14 – التضامن الدولي وبالاخص لمسيحيي الشرق من لبنان وسوريا من رجال دين مسيحيين وشخصيّات إجتماعية ورؤساء أحزاب مسيحيية والذي تمخض من خلال التحرك الشعبي والإعلامي والحزبي والديني لشعبنا المسيحي في العراق حيثُ كان لهُ الأثر الكبير في فزع السلطة ومحاولتها ( لملمة ) القضية بالوعود التي رُبما ستكون ( كاذبة ) في أغلبها ما لم يتم تنفيذها باسرع وقت ممكن واولها عودة المادة ( 50 ) الى الدستور وكشف التنظيمات وليس الافراد المسؤولة عن الجرائم ضد المسيحيين وعودة العوائل المسيحية المُهجّرة الى مناطق سُكناهم في كل العراق من شمالهِ حتى جنوبهِ ودفع التعويضات الكاملة لهم وخاصة ذوي الشهداء ونزع كافة الاسلحة في الموصل والدورة في بغداد وبقية مناطق تواجد شعبنا المسيحي والاعتراف الكامل بحقوق شعبنا الكلداني السرياني الاشوري من خلال إضافة مادة الى الدستور تعترف بكونه الشعب الاصلي للعراق ومنحهِ حكمه الذاتي .

تحياتنا لاهلنا الصابرين المؤمنين في العراق وفي الموصل بشكل خاص وهم يواجهون الحقد الديني الاعمى من أناس لا يفقهون أي شئ عن دينهم ، حيثُ جاء في القرآن في سورة البقرة الآية ( 61 ) :
إنّ الّذينَ آمنوا والّذينَ هادوا والنصارى والصابئين مَن آمنَ بالله واليوم الآخر وعملَ صالحاً فلهم أ َجرُهُم عندَ رَبّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون .



إنتهى الجزء الثاني والأخير




                                                                                                                         سالم ايليا



184
مجالس الرئاسة الثلاث هي المُتهمة الاولى في قتل وتهجير المسيحيين في الموصل / 1

مجالس الرئاسة (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النوّاب ) المتهمين بشكل مباشر عما آلت اليه الامور في محافظة نينوى وأعمال القتل والتهجير القسري للعوائل المسيحية المسالمة وذلك من خلال تمريرهم وموافقتهم عل الغاء المادة ( 50 ) من الدستور والتي لم يكن لإلغاءها أي مبرر قانوني أو سياسي ، حيثُ ان المشكلة لم تكن بين ( الأقليات ) و ( الأكثرية ) في مسألة كركوك وإنما المشكلة كانت بين العرب الشيعة والسنّة من جهة وبين الكُرد من جهةٍ أخرى فأدى الغاءها الى تداعيات قادت المُتطرفين الإسلاميين الى العودة الى أعمال القتل والتهجير للمسيحيين بعد ان قام شعبنا المسالم الطيب وبطرق سلمية قلّ مثيلها بالإحتجاج على الغاء هذ المادة وهو حق مشروع ، ولربما هذا العدد المُبارك من المُتظاهرين أغاض المتطرفين الإسلاميين وأحزابهم مما دفعهم الى معاودة ( هوايتهم ) المحببة في قتل المسيحيين وتهجيرهم حيثُ إنهم عبيد للأجنبي ـ ـ ـ أسود على أبناء جِلدتهم ؟!!
كما وان تجاهل الجهات الأمنية المحلية في الموصل والمركزية في بغداد بما فيها ردود أفعال المسؤولين كان مخزياً ومشجعاً لأعمال القتل حتى وصلت الى ما وصلت اليه بعد إسبوع أو أكثر من أول جريمة أرتكبت بحق المسيحيين .
وعجبي على رئيس الوزراء حين أرسل لجنة ( لتقصي الحقائق ) الى العوائل المسيحية المُهجّرة في سهل نينوى بعد أكثر من عشرة أيام من عمليات الإبادة والتهجير الجماعي ضدّهم لسؤالهم عن أسباب النزوح !!! ، حيث ان أسباب النزوح واضحة ولا لبسَ فيها وهي القتل على الهوية وتغاضي وتقاعس قوات الأمن في حماية الضحايا .
فقد عرف القاصي والداني وتداولت جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ـ ـ ـ المحلّية منها والدولية ما تعرض لهُ الميسحيين من قتل وإضطهاد وخاصة في محافظة نينوى ، إلا اللهم يعتبر رئيس الوزراء قتل أكثر من تسعة مسيحيين على الهوية ( هنالك بعض الاخبار تقول بان العدد أكثر من ذلك ) وتفجير أكثر من ثلاثة دور للعوائل المسيحية ووضع العبوات الناسفة أمام الكنائس في محافظة واحدة وخلال فترة أسبوع واحد والتهديد العلني السافر وبمكبرات الصوت من بعض الجوامع وبواسطة السيارات التي تجوب مناطق تواجد المسيحيين ليس بالسبب الكافي لهجرة أكثر من 2351 عائلة مسيحية .
حيثُ ان ثقافة العُنف التي نشأ عليها مُعظم من يتواجدون الآن في سدّة الحُكم تجعلهم يستهينون بأعداد الضحايا ، فلربما ما حدث من جرائم ضد المسيحيين في أقل من أسبوع واحد لم يكن سبباً كافياً من وجهة نظر البعض لنزوح العوائل المسيحية ، فهم معتادين على رؤية مئات الضحايا ليعترفوا عندها بوجود تهديد حقيقي لتواجد مكوّن من مكوّنات الشعب العراقي ، وهذا مُلاحظ دائماً من خلال أحاديث البعض عن المسيحيين وقد تطرقتُ في مقالات سابقة عن هذا الموضوع .
فلا قيمة للإنسان في وجهة نظر الكثير من المسؤولين العراقيين ، حيثُ ان معظمهم ينتمون الى أحزاب راديكالية متطرفة تؤمن بالتغيير عن طريق إستخدام القوة والسلاح ، كما وان لمعظمهم ثقافات دينية وعرقية مُتطرفة تجعلهم ينظرون الى الإنسان كوسيلة وليس غاية الغايات .
إذ انهم ومن خلال تاريخ أحزابهم كانوا يدفعون بأفواج الناس البسطاء بعد غسل أدمغتهم الى منصّات الاعدام آبان فترة النظام السابق ، وأما هم فقد كانوامحميين بلجوءهم الى خارج العراق وتحريك المغرر بهم عن بُعد .

ولتأكيد سبب النزوح للسيد رئيس الوزراء وغيره من المسؤولين فإن ما تناقلتهُ وكالات الأنباء من ان جهة ( مجهولة ) تُدعى جبهة الدفاع عن حقوق المسلمين ( بالطبع هذا الاسم للتغطية على الفاعل الحقيقي ) أعلنت مسؤوليتها بإستهداف العوائل المسيحية في مدينة الموصل وقامت وبكل حرّية بتوزيع المنشورات بهذا الخصوص في أحياء الموصل ( أحياء سومر ودوميز وفلسطين ) ، أي ان هنالك تهديد حقيقي قائم ضد المسيحيين .
ومما جاء في مبررات الهجمات الاجرامية التي تشنّها الجماعات المتخفّية تحت إسم هذه المجموعة الارهابية هو دفاعهم عن حقوق المسلمين وكأن المسيحيين هُم الذين إغتصبوا حقوق المسلمين وليس العكس فـ ( الذئب أصبح حمل والحمل أصبح ذئباً ) ،كما وانها تتهم ( العوائل النصرانية ) بمساندة الامريكان وقوات البشمركة الكردية ، فبالله عليكم هل يوجد أكثر سذاجة من هذا المُبرر فهم أنفسهم يُكذّبون ما يدعون حين خلطوا بين قوات عسكرية رسمية ( القوات الامريكية والبشمركة ) مع عوائل مسالمة معروف عنها عبر تاريخ العراق الطويل وخاصة في مدينة الموصل بحبها للسلام ونبذ العُنف ووقوف هذه العوائل جنب الى جنب مع بقية العوائل المسلمة في الدفاع عن الموصل ضد غزوات طهماسب وغيره من الطامعين .
كذلك لم نرى اية عملية لهؤلاد ( الاسود ) المدافعين عن حقوق المسلمين ضد القوات الامريكية المُحتلّة وقوات البشمركة !!!

ان إختلاق هذا الاسم للمجموعة الارهابية هو للتغطية على الفاعل الحقيقي والذي لا يزال يسرح ويمرح في تنفيذ الجرائم ضد المسيحيين الآمنين ولتُسجل بعدها الجرائم التي حدثت ضد مجهول كسابقاتها من الجرائم التي نُفـّذت في بغداد والموصل والبصرة وكركوك ضد المسيحيين ، وانني أتحدى كل المسؤولين والجهات الأمنية ان يعرضوا علينا تنظيم وليس فرد كما حدث في قضية مقتل مثلث الرحمات المطران بولس فرج رحّو وهم القادرين على ذلك حيث ان هنالك كثير من الامثلة على مقدرتهم على كشف الجناة ، فعند مقتل الكادر الصحفي لقناة الشرقية في الموصل تم القاء القبض على الفاعلين في غضون يومين فقط !!

ولكي أكون واقعياً في طرحي للموضوع ، فان ( محاولة ) الكُرد لإستمالة بعض الافراد المسيحيين في الساحل الأيسر من الموصل لا يُعطي المُبرر للقيام بأعمال قتل وتهجير ضد العوائل المسيحية وهم السكان الأصليين لهذا البلد وقد تعايشوا بأمن وسلام ومحبة مع المسلمين لأكثر من 1400 سنة .

كما ن المُلاحَظ فان التهديدات لم تشمل البالغين فقط وإنما شملت الاطفال المسيحيين في مدارسهم ومن قِبل ( زملائهم ) المسلمين ـ ـ ـ فأية ثقافة عُنف هذهِ التي يتربى عليها الجيل الجديد من ذويهم ـ ـ ـ أيعلمون هؤلاء الآباء بانهم يُرسخون الاعتقاد الدولي السائد الآن بالارهاب المُلصق بالدين الإسلامي !! ـ ـ ـ وهل فكّر يوماً هؤلاء الآباء بانهم بهذه الطريقة يعطون المُبرر للمتربصين للدين الإسلامي ويُشاركون فعلياً في محاولة النيل من الاسلام ـ ـ ـ أبهذهِ الطريقة يريدون ارسال رسالة للعالم بان الدين الإسلامي جاء ( رحمة للعالمين ) .
وفي إعتقادي بان كل مسلم حقيقي يجب ان يعكس رسالة السلام والمحبة وابرازها أمام أنظار العالم وخاصة في هذهِ المرحلة وليس العكس .



يتبع في الجزء الثاني


                                                                                                           سالم ايليا       






   
 



185
في ذكرى رحيل العلامّة الأب الدكتور يوسف حبّي
" لن أ ُرثيك "

الى الذي غادرنا جسده على حينِ غفلة :
من أين أبدأ والى أين أنتهي ـ ـ ـ فقد لا تتسع كُتب ومجلـّدات حين أكتب عن ذلك الجسد النحيل الصغير بحجمهِ ـ ـ العظيم بمحتواه ـ ـ ـ الهادئ في تواجدهِ ـ ـ ـ صاحب الصدر الواسع الرحب والملقى الطيب ـ ـ ـ سوف لن أتكلم عن ورعك وتقواك ولن أبدأ وأتكلم منذُ كُنتَ صغيراً ، فانا لا أتذكر من ذلك غير ما تذكرهُ لي الوالدة ( أم سالم ) حينَ كُنتَ تأتي وتنزوي في ركنٍ من أركان بيت خالك ـ ـ ـ لا تتكلم إلا إذا سألوك ولا ترفض طلباً لأحد إذا طُلِبَ منك المساعدة أو قضاء حاجةٍ ما ، لكنني سأتكلم عن بعضِ مما يتسعُ لهُ هذا المقال .
لقد لَبستَ ثوب الرهبنة وأنت صغير وحملت َ صليبك وتبعتَ ملككَ الذي تربعَ على عرشِ الفردوس وها أنتَ تستشهد من أجلهِ ولإداء واجب كنيستك التي آمنتَ بها وجهدتَ طوال حياتك لترفع من شأنها مع بقية المُبشّرين ـ ـ ـ وها أنت تستشهد من أجلِ جماعتك الذين جاهدتَ حياتك كلها لتجمع شتائت أسلافهم ولتقدمها لنا كتباً قيمةً ومراجع عظيمة ننتهل منها ما فعلهُ أسلافنا الكلدانيين والأشوريين والسريان والعراقيين بصورةٍ عامةٍ من خلال أربعة حضارات عظيمة قديمة ـ ـ ـ  فقد أحببتَ كُتبكَ وقد أحبتـّكَ كُتبكَ .
كيف لي أن أصف شعوري حينما كنتُ أتصفحُ أي مرجع أو كتاب يتكلم عن الحضارات القديمة وأرى أسمك يتكرر بين سطور المراجع التي إستند اليها المؤلف في كتابهِ ، فكان إسمك يتكرر في الكتاب الواحد أكثر من مرّة !! ، حتى وأنا في بلاد الغربة كنتُ واثقاً من إنني سأجد أسمك أمامي حينما كنتُ أطالع كتاب أستعيرهُ من المكتبة ، وكان يحدثُ هذا دائماً .
فقد كنتَ جالساً في غرفتك الصغيرة ـ ـ ـ الكبيرة بمحتواها الأدبي في ذلك الدير النائي في أحد أطراف بغداد الجميلة ولكن كُتبك وأسمك كانا يجوبان العالم ـ ـ ـ الم أقل لك بأنك الهادئ دوما ً !!!
وكيف أصفك حينَ قصدتك في بغداد لامرٍ ما وطلبتُ منك الرأي والمشورة ، فأستقبلتني كعهدكَ دائماً مع الجميع فَرِحاً مسروراً بإبتسامتك المعهودة وذراعيك اللتين لا أشكُ بأنهما إحتضنتا كل البشر في وقتٍ ما ودعوتني الى الجلوس بجانبك حيثُ أبتدأتُ الكلام حتى خُيـّلَ اليّ بأنني كنتُ أتكلم مع ذاتي وحيداً بين جدران غرفتك الاربعة أو صومعتك التي ما كنتَ تبرحها إلا قليلاً ، فقد كُنتَ هادئاً كعادتك وكانت أصابعك تداعب بعضاً من شُعيرات رأسك وكُنتُ أعلمُ بانك كنتَ تفعلُ هذا عندما تريد التأمل بعمق في أمرٍ ما !! حتى إنتهيتُ مما كنتُ أنا فيهِ فخرجَ صوتك هادئاً رخيماً عذِباً بكلمات قصيرة وعميقة وقُلتَ لي ليباركك الرب فيما نويتَ ، فخرجتُ من عندك وكأنني قد ملكتُ جناحين كبيرين لأطير بهما!!!

وعندما كنتَ تزورنا في الاردن كان لقاءنا بك كلقاءنا بكل العراق فكانت زيارتك لنا أو زيارتنا لك تمحي عنّا كل الهموم وأولها هموم الغربة وتعطينا زخماً كبيراً للصبر والمطاولة ـ ـ ـ كنّا نتحدث بعدها أياماً وأياماً عن السويعات القليلة التي قابلناك فيها فتطول بنا حتى تصبح تلك السويعات أياماً وأشهراً .
وحين دعوتنا الى محاضرتك القيمة التي حاضرت فيها في قاعة عبدالحميد شومان وكان موضوعها الخلود فقد كُنّا نُصغي اليك مع جميع الحضور وبإهتمامٍ شديد ، حيث تكلمتَ عن الخلود وحسبيّ كنتَ تعلم بأنك ستكون من الخالدين !!
نعم لقد رحلَ الجسد ووارى الثرى ولكن روحك عانقت الثرية وستبقى خالدة تطوف بيننا ما حيينا من الزمن ـ ـ ـ كما وان مؤلفاتك ومآثرك ستبقى خالدة وستتناقلها الاجيال ـ ـ ـ نعم لقد نُلتَ الخلود عن جدارة ودخلتَ اليه من أوسع أبوابهِ .

كانت صِلاتك عميقة مع الجميع فلم أرى في حياتي إنساناً يعرفهُ الجميع مثلك ، فقد كانوا معارفك ومحبيك من جميع الاديان والمذاهب والقوميات بل من جميع بلدان العالم وكثيراً ما كنتُ أشك وانا واقفاً معك بين تلك الجموع بانهم الأقرب اليك مني انا ابنُ خالك ، فهنيئاً لك بمحبتهم التي سوف لن يُمحيها غياب جسدك !!

نعم لن أرثيك وأنت الباقي معنا دائماً وستبقى روحك الطاهرة تطوف بيننا ، ولن أرثيك لاني لا أزال وسأبقى أعتبرك حياً بيننا .

أما في محيط أهلك وعشيرتك فقد كُنتَ الطاولة التي يجتمع حولها الفرقاء وقد كنتَ توصينا بالمحبة وكان شعارك هو شعار سيدك وسيدنا المسيح : مَن أحبني أحب الناس أجمعين ـ ـ ـ ونحن ( قليلي الايمان ) لم نكن نعلم ماكنتَ تقصد ، فقد كنت تعطي بدون ان تأخذ وعسى ان يكون رحيل جسدك هو الناقوس الذي يُذكّرنا دائماً بتلك الكلمات ونفعل ما كنت تُنادي به إكراماً لك .
وها هم أقربائك ومحبيك جميعهم وإن إختلفوا إلا إنهم بكوّا بمرارة لفقدانك ـ ـ ـ الم أقل لك أنت مائدتنا التي كنّا نجتمع حولها جميعنا !!
هكذا كنتَ وهكذا ستبقى الى الأبد فلا يزال صدى صوتك يتردد في أذني لآخر أتصال هاتفي كان بيننا عندما كنتَ في ايطاليا للعلاج ، حيثُ سألتك عن الوطن والناس والحصار وقلتَ لي وأنت المُتكتم الهادئ دوماً بانك تحاول فعل شئ وانشاءالرب خير !!!! ولم تُكمل ما في داخلك من كم ٍ هائل ٍ من المعلومات !!!! وأحترمتُ رغبتكَ وكعادتي لم أسئلك عن المزيد من التفاصيل ولا أعلم هل انه سوء حظ العراقيين أم ان أحداً لايريد الخير لهذا البلد حيثُ تسارعت الاحداث وإختطفتك يد المنون على حين غفلة ؟ !! حتى ان لقاءك في قناة الجزيرة القطرية لم يُبث إلا بعد وفاتك وكإنهم كانوا على موعد لسماع نبأ رحيلك ولا أعلم هل هي الصدف أم شئ آخر !!!




                                                                                                   ابن خالك
                                                                                 
                                                                             كُتبت في كندا في الثامن عشر من تشرين الأول / 2000
                                                                                         والقيت في اربعينية الفقيد

186
الفرق بين إحتجاجهم في البصرة وإحتجاجنا في دهوك وعينكاوة ؟



المشهد الأول :

عندما قررت الحكومة العراقية بسط سيطرتها ولو الجزئيّة على محافظة البصرة في جنوب العراق وتنظيفها من مظاهر الميليشيات المُسلّحة الغير قانونية ( وما أكثرها ) والقضاء على عناصر الجريمة وعصابات الاختطاف والسرقة والتهريب .
فوجئت عناصر الجيش والشرطة بقيادة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلّحة بـ ( أحتجاج ) ورد فعل هجومي وبمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة !! من قِبَل ( المُحتجّين ) على الرغم من ان أحداً لم يَسلبُ حقوقهم ، وإنما هم الذين سلبوا حقوق الآخرين وسيطروا على ممتلكات الدولة ، فبدلاً من أن يلتزموا بالقانون ويحترموهُ خرجوا بأسلحتهم وحوّلوا ثغر العراق الباسم الى ثغر العراق البائس .
حيثُ قُتل مئات المدنيين الأبرياء وتحولت البصرة لاسابيع عديدة الى ساحة قتال حقيقية فعكست ( ثقافة ) وخلفية المُحتجّين وإنتماءاتهم وصورة الأسود في عراقنا الحبيب والتي لم تعكس حقيقة شعبنا العراقي البصراوي الطيب الأصيل ذو التاريخ المشرّف .

المشهد الثاني :

عندما ( قرر ) مجلس النوّاب وبدون سابق إنذار وبدون أي سبب الغاء المادة ( 50 ) من الدستور وسلب حقوق (الأقليات ) المسالمة الذين يتجاوز تعداد نفوسهم المليون والنصف المليون نسمة والذين رفدوا العراق بخيرة أبناءه المخلصين ، فقد قرر من شَمِلهم هذا التعسف البرلماني الذي جرى بطريقة ( ديمقراطية ) أن يحتجّوا على هذا ( الاتفاق الديمقراطي ) الشيطاني الغير مبارك وبطرق سلمية متعددة ومنها الخروج الى الشارع للإعلان عن إحتجاجهم بالتظاهرات السلميّة ورفع اللافتات ، فنظمت هيئات ومنظمات مدنية وحزبية ـ ـ قومية ودينية هذه التظاهرات الرائعة حيثُ تقدمتها فرق الكشافة والفرق الموسيقية التابعة لها تعزف المارشات وتدق الطبول لتعكس العمق الحضاري والأخلاقي لهذه ( الإقليات ) المغبون حقـّها من قِبل مجلس النوّ ـ ـ  والذي معظم أعضاءهِ ينتمون الى من رفعوا السلاح بوجه القانون والدولة في البصرة وغيرها من المدن العراقية وحوّلوا العراق الى أنهار ٍ من دمٍ وعنفٍ ومآسي .

فتحية الى أبناء شعبنا المُحتج في دهوك وعينكاوة وكل المُدن والقرى والمناطق التي يتواجدون فيها ، وتحية لشعبنا المغترب في بقاع العالم نتيجة الإضطهاد الديني والقومي مع مر العصور وتحية لأهالي الموصل من المسيحيين الذين يواجهون بقلوب مؤمنة وصدور عامرة بالايمان والشجاعة زنادقة القرن الحادي والعشرين ، وتحية الى القائمين على هذهِ التظاهرات الحضارية والتي عكست صورة الابيض في عراقنا الحبيب . فالإناءُ ينضحُ بما فيهِ .


                                                                                                                         سالم ايليا / كندا       


187
الى أبناء شعبنا النُجَباء ـ ـ ـ لا تقبلوا بأقل من الدستور لضمان حقوقنا

عَجِبتُ لتصريحات الساسة العراقيين لـ ( إستغرابهم ) لإسقاط المادة ( 50 ) من الدستور العراقي بعد التصويت من قِبل مجلس النوّ ـ ـ ـ على قانون أنتخاب مجالس المحافظات والاقضية والنواحي والتي كانت هذه المادة جزءاً منه ُ .
وكأنّ ما حدث مُتّفق عليه فيتم إسقاطها بواسطة مجلس النوّاب ومن ثمّ يدلوا الساسة الرسميين بدلوهم ويعبرون عن قلقهم لإمتصاص ردود الأفعال المحليّة والدولية ويعرضون في الوقت نفسه ( دراسة ) حلاً بديلاً بقانون خاص !!

فقد أبتدأ السيد رئيس الوزراء نوري كامل المالكي بهذه التصريحات وأعرب عن ( قلقهِ ) وهو رئيس حزب الدعوة الذي يمثل أعضاءه الأكثرية المُطلقة للإئتلاف الشيعي في مجلس النوّاب ، ثُمّ أعقبتهُ تصريحات الساسة الكُرد وأعربوا عن قلقهم أيضاً ونوّابهم يقاسمون الشيعة في الأكثرية المُطلقة في مجلس النوّاب ، ثُمّ أعقبهم نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في التاسع والعشرين من أيلول في أربيل لدى إستقباله لرئيس الجمهورية عند عودتهِ سالماً من رحلة العلاج ، حيثُ قال الهاشمي بأنهُ يُشاطر الكلدوأشوريين قلقهم لإسقاط المادة ( 50 ) من الدستور بالتصويت السلبي عليها في ( آخر لحظة ) ولا يعلم كيف حدث ذلك ؟!! ويختتم ( الدكتور ) محمود المشهداني في تصريح لقناة عشتار الفضائية ( قلقهِ ) ويرمي الكرة في ملعب رئاسة الجمهورية ، حيثُ يتّهم ( الشيعي ) عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية بإسقاطه للمادة ( 50 ) ويبرئ ساحة ( السنّي ) طارق الهاشمي لغيابه عند إسقاط المادة ، وكأنهُ يريد القول بان الشيعة هم الذين فعلوها وليس السنّة !! وجميع من ذكرتُ يسيطرون بشكلٍ كاملٍ بواسطة أعضائهم على مجلس النوّاب .
إذن مَن الذي صوّت لاسقاط المادة ( 50 ) !!! وما دخل المادة ( 50 ) لحماية وتمثيل الأقليات في مجلس النوّاب من الخلاف الذي كان دائراً حول عائدية كركوك ؟!! .
ومن الجدير بالملاحظة بأنّ جميع من أسلفت وبصوتٍ واحدٍ يؤكدون على محاولتهم للعمل على أصدار قانون خاص لمعالجة الموقف !! فهل صوّت أعضاء مجلس النوّاب لاسقاط هذه المادة من الدستور من دون علم رؤسائهم السياسيين ؟!! وهل أصبح مجلس النوّاب كـ ( حارة كلمن إيدو الو ) ؟!! .

لقد دأب السياسيين العراقيين ومن هُم في سدّة الحُكم وأصحاب القرار على فصل الأقليات الدينية والقومية عن المكوّن العام للشعب العراقي وذلك بخَصّهم بقرارات وأحكام خاصة بهم وحُجّتهم في ذلك لإعطاء هذهِ الأقليات مساحة أوسع لتحقيق العدالة وضمان تمتعهم بالحرّيات الإجتماعية والدينية الخاصة بهم على إعتبار ان معظم الاحكام والقرارات التي تُشرّع حسب الدستور تكون خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية ، مما يفقد هذه الأقليات ( حقّها ) في العدالة الواجب التمتع بها ، وقد بدأوا بقانون الاحوال الشخصية للأقليات الذي صفـّق له الكثير من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري والآن يُمهدون لقوانين أخرى منها الغاء المادة ( 50 ) وإحلال محلّها صيغة لقانون خارج الدستور يمنح الأقليات حق التمثيل في مجلس النوّاب ، ومع إني ضد اي قانون يكون خارج نطاق الدستور بدءاً بقانون الاحوال الشخصية ومروراً بالقوانين الأخرى ، إلا إنني أجد ان بعض مُثقفينا وسياسيينا وأصحاب الشأن في طوائفنا القومية والدينية لا يعون تماماً ان هذه الطريقة هي تنفيذ عملي لـ ( سلخ ) طوائفنا عن المُجتمع العراقي ككل والرجوع بنا الى فترات العهد الإسلامي وما بعدها بإعتبار المسيحيين وغيرهم من أصحاب الذمّة أو إعتبارهم كجالية لهم قوانينهم الخاصة والتي قد يتم الغاءها في أي وقت بـ ( جرّة ) قلم أو بتصريح واحد ـ ـ ـ فلو كان هنالك عدالة إجتماعية وحُكم ديمقراطي فان قانون واحد مُستند الى الدستور كافياً ليحكم جميع مكوّنات الشعب العراقي ـ ـ تماماً كما يحصل في دول العالم المُتقدم ، فهنا في كندا مثلاً البلد الذي أعيش فيه لا يوجد قانون أحوال شخصية للمسيحي وغيره للمسلم أو لبقية الأديان الأخرى ـ ـ لماذا ؟ لأنهم إذا فعلوا ذلك يكونوا قد أقرّوا بالتفرقة الدينية والعنصرية بين أبناء الشعب الواحد ، علماً بان المجتمع الكندي خليط من أجناس وأديان مختلفة ولم يمضي على تواجدهم وإنصهارهم مع بعضهم البعض إلا عشرات السنيين !! ، أي ليس كمكونّات الشعب العراقي الذين تعايشوا فيه منذُ الآف السنيين ولحد هذه اللحظة بإنسجام ديموغرافي قلّة نظيرهُ ، فيأتي نفر متخلف ضال تبوء الحُكم بالدبابات الامريكية ليفصل بقراراته شعب عريق وتاريخ مجيد كتبهُ أبناء الشعب الواحد ويعودوا بنا الى عصر التخلّف والكهوف المُظلمة .
فأما ان يكون هنالك قانون يحكم الجميع منبثق من الدستور يعدل بين الجميع واما فلا ، ولنعرّي إدعاءاتهم بالعدالة والديمقراطية التي يُطبّلون لها أينما ذهبوا ويدّعون بان حُكم الدكتاتور قد ولى والآن هم بصدد بناء العراق الديمقراطي الفدرالي الموحّد لكل العراقيين بلا إستثناء .

ورحم الله شاعرنا العراقي الكبير معروف الرصافي المولود من أب كردي وأم تركمانية ( لاحظوا الاختلاط الرائع ) حين قال :
علمٌ ودستور ومجلس أمةٍ            كلٌ عن المعنى الصحيح محرّف
فلا العلم يُمثل العراقيين ولا الدستور يحتوي على قوانين تشمل كل العراقيين ولا مجلس النوّاب يوجد فيه من يُمثل الأقليات ، فماذا بقيّ لنا نحن ( الأقلّيات )من شعور لاحساسنا باننا عراقيين ننتمي الى هذا الوطن ؟ ، وكيف لرئيس الوزراء ان يدّعي بأنه يعمل من أجل إعادة المُهجّرين والمُهاجرين المسيحيين ومن الأقليات الأخرى وهو يرسل رسالة واضحة لهم بانهم ليسوا مواطنيين عراقيين وإنما في أحسن الأحوال هم جاليات تسكنُ في العراق ولهم قوانينهم الخاصة والمُستثنات من الدستور والقوانين المُنبثقة منهُ !!! .
وهنا تحضرني قصّة قصيرة حدثت هنا في كندا ، حيثُ إنني أعمل في أحد المشاريع وسُمِحَ للمشرفين على هذا المشروع بوضع مركباتهم في مرآب قريب من موقع العمل وهو قرار حصري للمشرفين في الشركات العاملة في المشروع ولي أحد الموظفين يراجعني كل يوم ولحد هذه اللحظة لطلب شموله وبقية العاملين بهذا القرار على إعتبار ان تحديد وظيفة من يحق لهُ التمتع بهذا الامتياز يُعتبر نوع من أنواع التفرقة ( الوظيفية ) ، علماً بأنه وبقية العاملين يضعون مركباتهم في مرآب آخر كبير لا يبعد كثيراً عن المشروع وتقلّهم يومياً باصات خاصة من موقع العمل واليه ، والمشروع قارب على نهايته وهذا الموظف لا يزال يراجعني ويعتبرهُ حقاً له ان يعلم لماذا هذه ( التفرقة ) وذلك لاحساسهِ بفقدان ( العدالة ) في هذا القرار .
فكيف بنا في العراق كطوائف يقولون عنّا باننا ( أقلية ) واعدادنا تصل الى الملايين وتأثيرنا الحضاري على مجمل تطور العراق منذ ان خُلق العراق و لحد هذه اللحظة واضح لا لبس فيه فالاكثرية لا تعني بالمفهوم الحضاري كثرة الرُعاع وإنما كثرة المتعلّمين والعقول النيّرة .

وقبل ان أختم مقالي هذا ، أ ُحب ان أ ُنوّه باننا جميعاً إشتركنا بـ ( تشجيع ) الغاء المادة ( 50 ) ، فالكاتب الذي ينسى في كتاباته قضيته المركزية ويُسخّر قلمه للرد على زميله والدخول في مماحكات وإبراز العضلات من هو الأفضل في ( شرشحة ) الآخر ، ورجل الدين الذي يُصرّح ويُكابر بانه ليس هنالك تفرقة وان المسؤولين ( وعدوهُ ) خيراً بالنظر في حقوق ( الأقليات ) ، وعودة شعورنا ككل بالإنتماء العشائري والقبلي ـ ـ فهذه المجموعة تُساند زيد من الناس لانه من عشيرتهم أو مذهبهم أو قريتهم . وإن لم نصلح بابنا الداخلي لنحمي ونقوّي أسوارنا الخارجية نكون قد إرتكبنا خطأ ً فادحاً سيسجلهُ لنا التاريخ كفترة مظلمة من فترات تاريخنا المُشرّف .
وأعود لأقول بان لدينا فرصة لاتتكرر كثيراً لنيل المطالب والحقوق ، فأنظار العالم والمهتمين بالسياسة الدولية جميعهم يراقبون ما يجري في العراق ولدينا الآلية التي لا يُستهان بها للضغط لنيل حقوقنا .
وما حصل عند توحدّنا جميعاً في بعض المواقف التي أرادوا لنا بها الإستكانة والتهميش خير دليل على ذلك ، فقد تحركت أقلامنا مترادفة مع حركة أبناء شعبنا باحتجاجاته في مختلف دول العالم لبيان الظُلم والحيف الذي أصابنا ، مما وضعنا في موضع الإحترام والتقدير أمام برلمانات وحكومات ومنظمات المُجتمع المدني  للعالم أجمع ، حيثُ تداولوا قضيتنا ووقفوا معنا ، فإجتمعت برلمانات لها ثقلها الدولي لنصرتنا حتى تراجع من هُم في سدّة الحُكم عن غيّهم وإجحافهم لحقوقنا .
والآن يعاودون العمل نفسهِ ، لذا يجب علينا أن نتحد كـ ( أقليات ) مع بقية الأقليات الأخرى من الصابئة المندائيين واليزيديين وغيرهم أو على أقل تقدير يتم تنسيق المواقف للمطالبة بحقوقنا ككل .

وعذراً لقرّائي وكتّابنا الاعزاء على صراحتي التي قد لا يُرحّب بها البعض ولكن الواقع الذي نعيشه يُحتّم علينا ان نتصارح ونضع أيدينا على الخلل ، فنحن أحفاد من شهدت لهم الدنيا والذين كتبوا التاريخ بحضارتهم وفعلهم وآخر قولي :
اللّهم أشهد اني بلّغت .





                                                                                                                    سالم ايليا / كندا       

 
     

 

188
مثال الآلوسي ـ ـ ـ المثال الأمثل لوطنية عضو مجلس النوّاب / 2
( الجزء الثاني والاخير )

ثامناً : لنناقش ( الجريمة ) التي أرتكبها مثال الآلوسي بقراره بتلبية الدعوة الموجهة اليه لحضور المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب ، وأرجو أن لا يفهمني البعض باني أريد ترويج أو تبرير ( جريمته ) .
فالفلسطينيون أصحاب الشأن يجلسون كل يوم على طاولة مستديرة مع ( إخوانهم ) الإسرائيليون ليتباحثوا عن مستقبل العلاقة وتوطيدها أكثر ، حتى أن بناء الجدار العازل الذي يتفاعل معه الشارع ( العروبي ) ويعتبرهُ جريمة بحق الفلسطينيين يتم بناءه بنسبة سبعين في المئة بأيدي عاملة عربية ، كما وان أغلب مواد بناء هذا الجدار تُجهّز بواسطة مقاولين عرب حيثُ يُطبق بعض من ( إخواننا ) العرب مقولة يد تبني ويد تحمل السلاح بشكل عملي !!
كما وان الحملة الإنتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي الاسبق أرييل شارون والذي يعتبرهُ الفلسطينيين العدو اللدود لهم أشترك فيها الفلسطينيون بشكل مباشر حيثُ تم تكليف إحدى الشركات الفلسطينية من قِبل حزب شارون بطباعة صور آرييل شارون على القمصان وتم توزيعها على الناخبين ؟!! وتحت عنوان بزنس إز بزنس !! ناهيك عن مشاركة الفلسطينيين حتى كنوّاب في الكنيست الاسرائيلي ، كذلك مشاركة كثير منهم في بعض الاحزاب الاسرائيلية .

كما ان الشقيقة الكُبرى مصر سبقت الجميع بثمانية وعشرين عاماً على إعادة العلاقات مع إسرائيل والذي يعتبرها العروبيون قلعة الامة العربية وملاذهم عند الشدائد !! وعندما كُنت في الاردن قبل اربعة عشر عاماً وبعد إتفاقية وادي عربة بين الاردن وإسرائيل ، حيثُ انعقد المؤتمر الدولي للعولمة وحضرهُ عمرو موسى الذي كان حينذاك وزير خارجية مصر إذ القى كلمة الافتتاح على إعتبار ان مصر كانت الدولة الاخيرة التي إستضافت هذا المؤتمر ومن خلال كلمتهِ التي أتصفت بالعنجهية وفقدانها للدبلوماسية أرسل رسالة الى الاردن وقال بالنص الحرفي ( على الدول التي عقدت الاتفاقيات الاخيرة مع إسرائيل ان لا تهرول لنيل المكاسب ـ ـ الخ ) مما أثار الملك الحسين بن طلال حينذاك فرد على عمرو موسى بكلمته قائلاً ( إن شقيقتنا الكُبرى مصر هرولت قبلنا باكثر من عشرة سنين ) ، فغادر عمرو موسى قاعة المؤتمر هو ووفده متوجهاً الى الفندق ومنه الى المطار .
والاردن الذي وقع أتفاقية السلام مع إسرائيل وبضمنها تأجير نهر الاردن لمدة 99 سنة لاسرائيل وهو يعاني من شحّة المياه ( ايّ تضحية هذه فالاخ لا يفعلها لاخيه ) ، وسورية العربية التي تتفاوض الآن مع إسرائيل والسعودية العربية حاملة لواء الوهابية كثير من أمرائها وشيوخها وضعوا اليد باليد مع الاسرائيليين وفيما بينهم اتصالات قائمة وقطر والامارات والمغرب الذي يحوي أكبر طائفة يهودية في العالم العربي الآن وتونس والجزائر وليبيا أغلبهم لديهم علاقات علنية وسريّة مع إسرائيل .
ثم نأتي الى إيران الإسلامية التي تُطبل وتُزمر بوقوفها ضد إسرائيل حيثُ عقد فيها قبل فترة وجيزة مؤتمر للحوار بين رجال الدين اليهود والايرانيين وقد أستقبل أحمد نجادي رجال الدين اليهود برحابة صدر !! وتركيا البلد الاسلامي راعية المباحثات الآن بين سوريا وإسرائيل وماليزيا وباكستان و ـ ـ ـ و ـ ـ ـ و، فإصحوا يا عراقيين ، فقط عندما يأتي الأمر الى العراق ومصلحته الوطنية تُثار الزوبعة ودائماً ممن تثار ؟ من العروبيين والاسلاميين فمنذُ سقوط الملكية في العراق ولحد الآن ضاعت مئات الفرص لتقدم العراق بسبب هاتين الشريحتين أو بالأحرى الشريحة الواحدة فإحداهما تكمل الأخرى واني أتمنى عليهم ان يذكروا موقف واحد وقفته هذه الشريحة كان لمصلحة العراق ، دائماً هم على إستعداد لتدمير العراق من أجل الغير ويا ريت هؤلاء الغير يقفون معهم ، فالدول العربية دائماً تستخدم العروبيين الاسلاميين في العراق كورقة تلعبها لمصالحها وعندما تأتي الساعة يقايضون عليهم ويبيعونهم بارخص الاسعار وعجبي على ولاءهم المطلق لابناء عمومتهم وتفضيلهم على أخوانهم العراقيين .

تاسعاً : إذا كان لابدّ من حجب الثقة عن أحد أعضاء المجلس فالاولى تنفيذ حجب الثقة عن رئيس المجلس والتي أتُخِذت بشكل قانوني ومداخلة لا لبس فيها حين أعتدى على أحد أعضاءه بالضرب فتم طرد رئيس المجلس من المجلس بألاكثرية الساحقة ولكن لم يستطيعوا تنفيذها لان لهُ وللاحزاب التي تقف وراءه قوة ( تدميرية ) هائلة في الشارع العراقي .
وآخر عنتريات رئيس المجلس هو أستخدامه لحقه ( الدستوري ) بالتعبير الديموقراطي ( القندري ) وذلك بإستخدام لغة ( القنادر ) للرد على النوّاب حميد مجيد موسى ومهدي الحافظ وفؤاد معصوم والنائبتين ميسون الدملوجي وصفية السهيل وقوله لهم " إن أي قانون لا يتوافق مع الإسلام أضربهُ بالقندرة " فتصوروا المستوى الاخلاقي العالي لـ ( الطبيب ) محمود المشهداني . فأيهما يا مجلس النوّ ـ ـ يجب حجب الثقة عنه ؟ رئيسه الذي يهدد بالضرب بالقندرة لإختلاف الرأي معه أم إنسان خلوق مثل مثال الآلوسي ؟ وسؤالي لرئيس المجلس : لم نعرف هل ستضرب القوانين الغير أسلامية ( بالقندرة القبغلي ) أم ( بالقندرة أمّ القيطان ) فنحن العراقيين لدينا خبرة بفوائد وتأثير تلك القنادر من النظام السابق ، حيث ان ( القندرة القبغلي ) لا تحل ولا تربط مثل ـ ـ ـ !! ونصيحة أخيرة لرئيس مجلس النوّاب أن يسرع ويشتري ما تطاله يديه من ( قنادر ) وبأسعار مخفضّة معلنة عند شركة باتا وما حولها من باعة الأرصفة ( واكيد هنالك تخفيض أضافي آخر لأعضاء المجلس ) لادخارها لانه سيحتاج لها كثيراً لضرب قوانين العالم المُتحضّر والمتقدم كله إلا عدد قليل من البلدان ( التعبانة ) والتي تستخدم القوانين الدينية لتسيير حياة شعوبها اليومية ، وأملي ان لايأتي رئيس مجلس النوّاب الى المجلس يوماً وهو حافي القدمين ، حيثُ يكون قد أستعمل آخر ( قندرة ) لديهِ لضرب قانون من القوانين المُتحضّرة وعندها سيضطرّنا لنسمعه أغنية الساحر كاظم الساهر ( حافية القدمين ) مع الإعتذار الشديد جداً لمطربنا المُتألق وسفير أغنيتنا العراقية كاظم الساهر ، ومعذرة للقراء الأعزاء لاستخدام لغة ( القنادر ) في مقالي حيثُ لم يترك لنا ( الدكتور ) المشهداني أي خيار لاستخدام لغة الحضارة والثقافة بما يوازي الشهادة التي حصل عليها من سوق مريدي في مدينة الثورة وبالعملة الصعبة .
كذلك فان حجب الثقة عن النائب مثال الآلوسي لم يكن قانونياً حسب تعبير أحد النوّاب لافتقاده الى المذكرة القضائية التي تستدعي حجب الثقة عنه ُ .

وأختم مقالي هذا بالقول إن في كل دين وطائفة ومذهب وشعب هنالك الصالح وهنالك الطالح ، وربما للاسرائيلين عذرهم القانوني بأستخدام البطش والتنكيل ضد العرب فهم أعدائهم والعكس صحيح مع أنني أدين كل عمل أو جريمة ضد المدنيين وضد أستلاب الحقوق من أي طرف كان ، ولكن هل سمعتم يوماً بالدولة الإسرائيلية قد عذّبت أحد مواطنيها حتى الموت لاي سبب كان وهذا ما نسمعهُ كل يوم في الدول العربية والإسلامية سواء من قِبل الحاكم ضد المحكوم أو بين أفراد الدين الواحد ولكن بأختلاف مذاهبهم أو بين أفراد الشعب الواحد وبأختلاف أديانهم أو معتقداتهم السياسية أو العرقية .


                                     


                                                                                                      سالم ايليا / كندا           

189
مثال الآلوسي ـ ـ ـ المثال الأمثل لوطنية عضو مجلس النوّاب / 1 
  ( الجزء الأول )
لم أكن أرغب في الدخول الآن في مماحكة مع ما يسمى بمجلس النوّاب العراقي وانا أسميه مجلس النوّاب للدول المجاورة أو مجلس النوّاب للاحزاب بأحسن الأحوال ، لكن قرار ما يسمى بمجلس النوّاب وحسب ما تناقلته وكالات الأنباء برفع الحصانة البرلمانية وبالإجماع ( وهذه هي الطامة الكبرى ) عن إحدى نقاط النور في ظلام مجلس النوّاب الدامس ( وهم ليسوا نوّابنا وإنما أحزابهم هي التي إختارتهم ) ، كما وان هذه الاحزاب وبالتأكيد لا تمثل إلا جزء من الشعب الذي لم يصوّت وفق المعايير والشروط الصحيحة ، إضافة لتوقيت التصويت وظروفه الآنية والدلائل الحالية للتصويت القادم تؤكد ذلك .

ولكي أ ُبحِر في بحر ظلمات المجلس وتركيبته الحزبية والطائفية ، يجب ان أذكر بعض الحقائق التي تناقلتها وسائل الإعلام وعن لسان أعضاء المجلس أنفسهم ( ومن لسانكم نُدينكم ) وهي :

أولا ً : مُعظم ( واقول مُعظم ) أعضاء المجلس تقاذفوا الإتهامات والسب والشتم مع بعضهم البعض ومعظم هذه الاتهامات هي إتهامات جزائية جُرميّة حقيقية راح ضحيتها الآف العراقيين الأبرياء وهذه الاتهامات موجودة على صفحات المنتديات على الانترنيت وبالدلائل القاطعة ، اي تمّ إثباتها ولم يتخذ القضاء العراقي اي إجراء ضدّها لعدم وجود شكوى رسمية أو تمّ تقديم الشكوى ثم تمّ سحبها باتفاقيات سياسية وسُجِلت هذه الجرائم ضد مجهول أو وضِعت تحت خانة الإرهاب ، عدا أعضاء قليلين لم يتم أتهامهم بتلك الجرائم ومنهم ابو الشهيدين مثال الآلوسي .

ثانياً : إتهام الكثير من أعضاء المجلس بالاختلاس وسرقة المال العام أو في أحسن الاحوال التبذير من المال العام وأيضاً هذه الاتهامات جاءت على لسان أعضاء المجلس باتهام بعضهم البعض الآخر ومع الادلة القاطعة ولم يُتخذ أي إجراء قانوني ضدّهم بسبب الاتفاقيات السياسية ؟!! عدا أعضاء قليلين لم توجه اي تهمة من هذا القبيل لهم ومنهم النائب مثال الآلوسي .

ثالثاً : قيام بعض من أعضاء المجلس ومنهم رئيس المجلس بمشاجرات بالايدي وحتى برفع الاسلحة من قِبل حماياتهم بوجه بعضهم البعض وهذه لوحدها جريمة قانونية وأخلاقية يعاقب عليها القانون حسب الدستور ، وأيضاً تم تسويتها بين أحزابهم ـ ـ ـ وقليل منهم تصرف ويتصرف بمهنية عالية وبطريقة حضارية وديموقراطية لما يجب ان يكون عليه عضو المجلس وواحد من هؤلاء القلّة هو النائب مثال الآلوسي .

رابعاً : لو كان لمثال الآلوسي وحزبه ميليشيا مسلحة وله تأثير ( تدميري ) في الشارع العراقي لما فعلوا ما فعلوا أصحاب النخوة الذين هم الآن تحت قبّة البرلمان بجهد وتخطيط ( أسرائيلي ) واضحين وفعل امريكي أوضح حين أزاحوا صدّام من السلطة . فالمفترض أن يشكر نوّاب الأحزاب أسرائيل لانها هي التي خططت وضغطت على الحكومة الامريكية لازاحة صدّام ، أي ان وجودهم في المجلس جاء بقرار أسرائيلي وتنفيذ أمريكي ، فلماذا هذا الحقد على من ساعدهم في الوصول الى السلطة ومن ثم الى قبة البرلمان . لقد فعلوا تماماً مثلما فعل يزيد بن معاوية بالحسين ورفاقه حين أستفرد به لانه ومن معه كانوا قلّة قليلة .

خامساً : لو ذهب مثال الآلوسي الى أسرائيل للدفاع عن ( الجارة ) أيران مثلاً ضد أي هجوم محتمل عليها ، ولو ذهب مثال الآلوسي الى أسرائيل لمعاتبتهم على ( إضطهادهم ) للفلسطينيين لصفـّق لهُ من وقف ضده الآن . ولانهُ ذهب للدفاع عن العراق وبيان وجهة نظر شريحة من العراقيين لما يدور الآن ولتمثيل العراق في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي يعاني منه العراق  فقد قامت الدنيا ولم تقعد من المأجورين لهذا البلد أو ذاك ، أو حتى لمصالحهم الشخصية ، فمتى نُفكر بالعراق أولاً وهوأولى بوضع مصالحه واولياته فوق كل مصلحة أخرى ضيقة خاصة وان نزيفه لا يزال مستمر من كلّ شرايينه وذبحه مستمر من قبل ( أخوانه ) العرب والاسلاميين .

سادساً : لم أستغرب وقوف النوّاب الكُرد مع قوى الضلالة ضدّ مثال الآلوسي لعدة أسباب منها ان الكُرد لديهم قضيتهم ( المركزية ) وخاصة مسألة كركوك لم تكن محلولة بعد فرغبوا بإعطاء بعض ( التنازلات ) أو التأييدات التي ليس لها علاقة بقضيتهم مقابل كسب ود أعضاء البرلمان فكان مثال الآلوسي خير كبش فداء لذلك . كذلك لا يريدون جلب الانظار أكثر لعلاقتهم ( المتينة ) مع أسرائيل وذلك في الظهور بمظهر ( الممثل لها ) في البرلمان العراقي ، حيث لهم طرقهم البعيدة عن الانظار لعلاقتهم مع أسرائيل ومنذ زمنٍ بعيدٍ . وظهر لاحقاً مكافئة الكرد لموقفهم ضد مثال الآلوسي بالغاء المادة 50 من الدستور والحاق كركوك بأقليم كردستان . وأنا أقول لأعضاء البرلمان الذين صوّتوا ضد مثال الآلوسي لماذا لم تقيموا الدنيا لعلاقة الكُرد مع أسرائيل ؟ أنا أجيب على سؤالي ـ ـ لان الكُرد رافعين العصا الغليظة عليهم وهم عرب دبوس وليس عرب ناموس !! وهنالك مسألة مهمة جداً إذ انه لو أصبح للعراق ككل علاقة مع أسرائيل فان الكُرد سيفقدون الاولوية العراقية بعلاقتهم مع أسرائيل ، لان أسرائيل ستتعامل عندها مع العراق كدولة موحّدة وبهذا سيفقدون الكثير من العلاقات وستتغير كثير من خططهم .

سابعاً : أفتقاد مجلس نواب الاحزاب لاي ثقل جماهيري إذ تم تعيينهم من قِبل أحزابهم وهذه واحدة من الفقرات التي يجب ان تتغير في الدستور وهي طريقة التصويت ، حيثُ ان التصويت بهذه الطريقة للاحزاب ومن ثم قيام الاحزاب بتعيين ( نوّابها ) في البرلمان تعطي مجال كبير للوصوليين والمنتفعين والمرابين للدخول الى البرلمان بصفة عضو حيثُ يسرح ويمرح ـ ـ يقتل ويسرق ويعتدي بحصانة برلمانية مختومة بدعم حزبي والضحية يكون المواطن العراقي واني أتحدى مجلس النواب أو أية جهة رسمية أو منظمة مجتمع مدني أن تقوم بإستفتاء لأعضاء البرلمان بشكل فردي لاختيارهم من قبل الشعب وسنرى النتيجة المخالفة حتماً للواقع والنتائج الاولية للانتخابات القادمة ستظهر ذلك ، إلا اللهم يخرج علينا آية من آيات الله بفتوى ليجبر بسطاء الناس بالانتخاب ( القسري ) لهذه الجهة أو تلك .     


يتبع في الجزء الثاني



                                                                                                                سالم ايليا / كندا


   

 

 


 

190
الصليب وعيده ونشيده الذي نظـّمه الأستاذ يقين الأسود ؟

من المعروف في كل أرجاء المعمورة بأن للصليب قدسيتهِ عند المسيحيين قاطبة ً بعد ان صُلبَ عليهِ مُخلّص البشرية يسوع أبن مريم ، وهو رمز الإنتماء المسيحي حيث ُ يُعرّف المسيحيين أنفسهم برسم علامة الصليب على جباههم أو صدورهم .

وقد كان الصليب قبل أن يُصلب عليه أبن الانسان يسوع الناصري رمزاً للاداة التي يصلب عليها المُجرمين حتى جاء المسيح وأخذ موقعه على الصليب فتغيّر الحال ، إذ إتخذهُ مبشري الدين الجديد علامة ً ورمزاً لهم لإعتبارات كثيرة منها التضحية التي ضحّاها يسوع الفادي حينَ صُلبَ على الصليب بعد أن إجتاز طريق الألآم مُبشّراً بعهدٍ جديد وحياة جديدة لجميع البشر وناشراً بينهم السلام والمحبة .

وتجدر الاشارة هنا الى ان هنالك إختلافاً بسيطاً في طريقة رسم علامة الصليب بين بعض المذاهب المسيحية وهي لا تُغير شيئاً من جوهر المعنى بأعتبار الصليب رمزاً للمسيحيين قاطبة ، إذ ان الجميع يُقدّسونهُ ويرسمون علامة بأسم الاب والإبن والروح القدس على صدورهم أو جباههم .
حيثُ ان الاب هو اله قائم بذاتهِ ـ ـ والإبن هو كلمة الله ـ ـ والروح القدس هي روح الله ، وهذه الاقانيم الثلاثة اي الصفات الجوهرية الثلاثة مُتفقة عليها كل الاديان السماوية .

ويعود سبب تعيين يوم خاص للاحتفال بالصليب الى مطلع القرن الرابع الميلادي عندما زارت هيلانة والدة الامبراطور الروماني قسطنطين بيت المقدس ، وقد كانت إمرأة تقيّة ومؤمنة حيثُ ذهبت للتبرك في الاماكن التي تردد عليها المسيح أثناء حياته ، كذلك للبحث عن الصليب . فأمرت جنود الامبراطورية المتواجدين في القدس بالبحث عن صليب المسيح ثم عادت الى القسطنطينية بإنتظار سماع الخبر .
وبعد البحث وجدوا الجنود ثلاثة صلبان ( على الارجح أحدهما يعود للمسيح والاخران للمدانيين اللذين صُلبا مع المسيح ) ، فأحتاروا في أيهما يكون صليب المسيح ، إذ جاءوا بالصلبان الثلاثة ووضعوها على فتاة عليلة بالتتابع وعندما لمس أحد الصلبان جسد المريضة بُرئت في الحال كما تؤكد المصادر ، فتأكدوا من انهُ الصليب الذي صُلب عليه المسيح .

عندها أرادوا القائمين بالبحث عن الصليب إرسال هذا الخبرالسار الى والدة الامبراطور والى جميع أرجاء الامبراطورية بأسرع ما يُمكن حيثُ لم يكن متوفراً في ذلك الوقت وسائل الاتصالات السريعة ، فعمدوا الى فكرة إشعال النار على المرتفعات ، كذلك وضعوا سفن الامبراطورية على مسافات مُتباعدة في البحر الى القدر الذي تستطيع كل واحدة منها أشعال النار لإشعار الاخرى بالخبر فربطوا بهذه الطريقة بين ساحلي البحر !! ووصل الخبر الى القسطنطينية بسرعة ، حيثُ عمّت الافراح وأقيمت الإحتفالات وبدءوا الناس بإخبار بعضهم البعض بإشعال النار . ولا يزال هذا التقليد متبع ليومنا هذا ، ولنفس السبب أُخِذت فكرة الالعاب النارية في السماء في عيد الصليب .

وقد تم إرسال جزء من الصليب الى البابا في روما والجزء الثاني بقيّ في القدس ، أما الجزء الثالث فأحتفظت به هيلانة في القسطنطينية .

وفي لقاء مُسجّل بين الاب الفاضل المرحوم فيليب هيلاي والاستاذ المرحوم المؤلف يقين الأسود في يوم الاثنين 23 / 9 / 1991 ، تطرق الاستاذ يقين الأسود الى نشيد نظـّمهُ عن الصليب ، حيث طلب منه المرحوم المطران جرجس قندلا عندما كان كاهناً على أبراشيّة مار توما للسريان الكاثوليك في الموصل في الخمسينيات من القرن الماضي وكان رئيساً لأخوية الصليب أن يُنظـّم له نشيداً عن الصليب فكان هذا النشيد :

عودُ الصليبِ الأوحـــــــــــد                رمـزُ المســـــيح ِ الأمجـــــــد
هلـّما بنا أيها الإخـــــــــوانْ                صلّـّوا وعظـّموه في كل آوانْ
عُلـّق عليه أبــــنُ الإنســـانْ                وهو المسيح أبنُ الرحمـــــنْ
                                ما أحلى الصليبْ

خشبـة ٌ هي رمـــز الشــــــرْ               أ ُعدّت ليســـــوع البـــــــــارْ
يا شعبَ المسيح اليهِ إنصتوا               وأنفسكم لهُ أ ُوقفــــــــــــــوا
بتجلّةٍ بـهِ إهتفـــــــــــــــــــوا               وهو بكـــــم دوماً يرأفـّـــــوا
                               الأبــــنُ الحـبـيـبْ

أيـــها الصليب زدْ إيماننــــا                أضـــرم نارَ حُبـــــكَ بـِنـــــــا
وفق الشباب كي يُجــــاهدوا               لنشـــر ِ إسمك ويتحـــــــــدوا
وقـُسـُسُـكَ الاماجــــــــــــدوا               ليتفقــــــــــوا ويعضـــــــــدوا
                              أيهـــــــا الصليـــب

وقد لحنّهُ مؤلفهِ الاستاذ الفاضل المرحوم يقين أيليا الأسود على لحن مارش فرنسي قديم .
فتحية للصليب الذي أصبح رمزاً للسلام والمحبة بعد ان كان رمزاً للشر والجريمة وتحية لعيده ، وتحية لمؤلف نشيد الصليب الاستاذ يقين الأسود ، حيثُ أحتفظ لهُ بالتسجيل الكامل للمقابلة بينهُ وبين الاب المرحوم فيليب هيلاي .



                                                                                                         سالم أيليا / كندا



191
المالكي بين الطموح الشخصي لعودة الاجئين وواقع الحال / 3
( الجزء الثالث )

المقدمة :
أكمل في الجزء الثالث والاخير النقاط التي أعتقد بأنها سبباً في عدم جدّية الحكومة وعلى رأسها رئيس الوزراء بمسألة أعادة المهجّرين المسيحيين الى مناطق سكناهم ، حيث أنها لم تبذل أي جهد ملموس وواقعي لإعادتهم بل تطلبُ منهم العودة تحت وابل التهديدات وعمليات الخطف التي لا تزال قائمة يضاف اليها دفع الرشاوي من قِبل المُهجّرين لأصحاب الشأن لتسهيل معاملات أعتبارهم مهجّرين !!

9- إننا إذ نشكر السيد رئيس الوزراء على ( زلّة لِسانهِ ) حين أعترف بان نسبة المُتعلمين عند المسيحيين العراقيين كبيرة ولهذا يريد عودتهم الى العراق ( أي ليس لسبب آخر كأن يقول أعتزازه بهم كمواطنين عراقيين ومخلصين لبلدهم وشعبهم وهم مع بقية الأقليات الوحيديين الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء إخوانهم العراقيين !! ) .
فالاجدر بهِ أن يعلم بأنهم كمتعلمين لا يستطيعون العودة والسكن بين أخواناً لهم يذبحون بعضهم البعض وبأبشع الطرق الهمجيّة بسبب التناحر الطائفي ، كذلك لا يستطيعون السكن في الخيام والصرائف التي يسكن فيها الآن معظم المُهجّرين ، فهل يستطيع السيد رئيس الوزراء تأمين الأمن والسكن للعائدين بشكل يليق بأبسط ضوابط السكن الإنساني المقبول ؟ أم إنهُ يريد عودتهم ليعود مرة ثانية التخطيط المُبرمج من قِبل الاحزاب الراديكالية لتصفيتهم تماماً .

وقد قرأتُ وأستمعتُ لتصريحات أدلى بها رئيس الوزراء خلال زيارتهِ للسويد والمانيا وايطاليا ولقاءهِ الجالية المسيحية العراقية فيها والتي حثـّهم فيها للعودة والتسلح ( بالشجاعة ) على مواجهة الإرهاب وعدم الشعور بالخوف ( يقصد الجُبن لان ثقافتهم تقول بان المسيحيين جُبناء وليس مسالمين !!) وترك المال والارض والهروب من أمام الإرهاب الى المجهول الآخر ؟
وأنا بدوري أسئل السيد رئيس الوزراء وحكومته ـ ـ ـ ماذا فعلتم من إجراءات لدعم هذا الكلام وتشجيع المواطن على الصمود بوجه الإرهاب حين داهمهم الارهابيين وهم جالسين في بيوتهم ، وهنا لا أريد العودة مرة ثانية لِما ذكرته سابقاً حول وقوف أجهزة الأمن موقف المُتفرج لما حدث في منطقة الدورة كمثال بسيط ، فلكي أصبح شجاعاً بمفهوم بعض المسؤولين العراقيين  حيثُ غاب الأمن في ذلك الوقت عليّ أن أحمل السلاح وأدافع عن نفسي وأقتل أخي العراقي وربما تُصيب رصاصتي الطائشة برئ أو بريئة ـ ـ طفل أو طفلة ـ ـ شيخ أو مُسنّة لا يهم عليّ الصمود وإثبات ( شجاعتي ) أو إعطاء معنى آخر للشجاعة حسب مفهوم بعض المسؤولين وهو الإستسلام للقدر وتقديم رقبتي لِنحرها من قِبل الإرهابيين والقضاء على ذريتي .

فلماذا لم يتحلى السيد رئيس الوزراء وكثير من هُم في سَدة الحُكم الآن بنفس تلك الشجاعة حين هربوا من العراق أمام بطش النظام السابق ؟!!
علماً أنهم إختاروا طريق السياسة وتغيير نظام الحُكم حتى بقوة السلاح ، أي إنهم أساساً حاملي عقيدة دينية وأيديولوجية مركبة سياسية ودينية وطلاّبي حُكم ، والمفروض إنهم كانوا مهيئين أنفسهم لجميع الإحتمالات .
فهل يَصُح مطالبة مواطنين مسالمين وآمنين جالسين في دورِهِم ليس لهم دخل بالسياسة وتعقيداتها بـ ( الشجاعة ) وبالوقوف أمام إرهابي يأتي اليهم بكامل عُدتّهِ التدميرية وبرفقتهِ عشرات الارهابين المُدججين بالسلاح ويطلبُ منهم تغير دينهم ومعتقداتهم أو دفع الجزية أو مغادرة منازلهم أو الموت بأبشع الطرق ـ ـ ـ أهذا يُعقل ؟!! .

10- كما انّ إتهام السيد رئيس الوزراء للأجئين بإختلاق القصص الغير صحيحة لدفع البُلدان المُستضيفة لقبولِهم كلأجئين كان لهُ أثرهُ السلبي والغير مقبول والساذج في بعض الاحيان ، حيثُ ان القاصي والداني يعلم ماذا يحدُث في العراق من مآسي ، وتقارير المُنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية والتي لها أدواتها الخاصة للكشف عن تلك الممارسات تؤكدُ القصص التي ذهب اليها طالبي اللجؤء ، بل لقد كان البعض منها أغرب من الخيال وانا شخصياً سمعتُ من القصص من شهود عيان وضحايا ما يهتز لهُ الضمير الإنساني ،  إلا اللهمَ يعتبر بعض المسؤولين العراقيين حالات الإختطاف والإغتصاب والضرب من الحالات العادية على أعتبار أنهم ( متعوّدين ) على ثقافة العُنف !! .

ولكي أكون مُنصفاً أقول للسيد رئيس الوزراء ـ ـ ـ نعم ربّما أختلق البعض القليل من القصص أو حوّروا الحقيقية منها للحصول على اللجوء ولكن هذا لا ينفي تعرضهم للتهديد والمُضايقات وقطع الارزاق ، حيثُ ان بعض القصص التي حوّروها جاءت لتطابق قوانين وشروط البلد المضيّف لهم كلاجئين ،أي أنهم لم يكونوا ينعموا بالسلام والأمن في العراق وذهبوا وإختلقوا القصص لتشويه سمعة بلدهم وصدقني وانا واحداً من مئات الالاف من العراقيين بل الملايين الذين غادروا نحاول وبقدر المُستطاع عدم نشر ( الغسيل الوسخ ) لِما يجري الآن في العراق وخاصة أمام غير العراقيين ، حتى الذين لم يتعرّضوا لتهديد مباشر كانوا ينتظرون دَورِهِم فالهجمة و( أنت الأعلم ) بتفاصيلها موجهة ضد المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى .

وأعود وأقول الم يستخدم الشيعة حصراً أيام النظام السابق قصص وهمية إختلقوها وضخـّموا قسماً منها لغرض الحصول على اللجوء الإنساني من الدول الاوربية والتي يعتبرها البعض المتطرف بلد ( الكفّر والرذيلة ) وغالبيتهم كانوا من أعضاء حزبك .

11- انّ أحد الاسباب الرئيسية الذي ربّما ( واقول ربّما ) دفع المالكي وحكومته للتحرك السريع على اللاجئين وخاصة المسيحيين منهم هو مطالبة الدول المُضيّفة لهم بحصة من واردات النفط العراقي لتغطية نفقات اللاجئين لديها وخاصة الدول العربية ولأنها مثلما يقول المثل باللهجة المصرية ( زي المنشار صاعد واكل نازل واكل ) أي إنها تبحث عن سبب لمحاصصة العراقيين بثرواتهم فمرّة باسم العروبة وأخرى باسم الاسلام وثالثة باسم دول ( الصمود ) بوجه ( الصهاينة ) وهكذا ، إذ لا يكفيهم ما يأخذهُ المُهاجرين أو اللاجئين من أموال معهم عند مغادرة العراق نتيجة بيع ممتلكاتهم وصرفها في تلك البلدان وأنعاش أقتصادها وتحريك السوق لديها حيثُ يُستَغـَل اللاجئين بأبشع الطُرق من ( إخوانهم ) العرب .
ومنذ بداية الحرب العراقية الايرانية ولحد هذه اللحظة فانّ بلداناً عربية قد أنتعش إقتصادها وعمّرت مدنها من خلال الميزانية الاضافية الضخمة التي تأتيها سنوياً أما من خلال اللاجئين العراقيين لديها أو من خلال حكومة النظام العراقي السابق أو النظام الحالي مع تخفيضات هائلة باسعار النفط ( المباع ) اليها تصل لحد ( المكرمة ) التي أعتادت الحكومات العراقية المتعاقبة منحها للدول ( الشقيقة ) ،كل هذه المكارم لغرض الضغط السياسي سواء على اللاجئين بشكل عام أو على المُعارضة ، ولهذا نرى هذه الدول تستضيف السياسيين العراقيين المعارضين لهذا النظام أو ذاك بشكل دائم ليس حباً ودعماً لهم وإنما لإستخدامهم كورقة للابتزاز . فالسياسي المعارض ليوم أمس والذي تستضيفه الدول ( الشقيقة ) وتستخدمه كورقة للابتزاز يصبح اليوم في سدّة الحُكم ليكون هو الضحية وبالتناوب لدفع ( الاتاوى ) للدول المعنية ، انها خطة ذكية لابتزاز الاموال العراقية فالذي لم يحصلوا عليه من خلال ( الوحدة أو الاتحاد ) العربي يحصلون عليه من هذا الباب مع الاستمرار في الشكوى والتباكي من تدفق اللاجئين اليهم ، حتى وصل الأمر الى التنسيق مع بعض الدول الاوربية التي تستضيف اللاجئين العراقيين بشكل دائم على حث الامم المتحدة لاصدار قانون ثابت لاستقطاع جزء من واردات النفط لتغطية ( نفقات ) اللاجئين العراقيين ويا ريت يصل للاجئ العراقي درهماً واحداً منها . وهذا أحد الاسباب الذي جعل المالكي يركب طائرته ( الخاصة ) ويذهب بجولته لاقناع اللاجئين للعودة وهو أصلاً غير مهيأ لاستقبالهم .

12- إن معظم المسيحيين الذين تم إختطافهم في بغداد والذين أجبرت عوائلهم لدفع الفدية لتحريرهم يؤكدون بان خاطفيهم كانوا يتكلمون باللهجة الجنوبية !!!  وان خاطفيهم كانوا على أتصال دائم بواسطة الموبايل بـ ( السيد ) ؟ .

13- وحيث أنّ الجزء الثالث والاخير في طريقه للنشر قرأتُ نبأ إختطاف أحد الاطباء المسيحيين في الموصل وقتله بعد ان تم دفع الفدية لتحريره من قِبل عائلته ، كذلك تم قتل أنسان مسيحي برئ آخر بعد إختطافه في الموصل أي ان الحادثين لم يكونا بسبب الحصول على الفدية فقط  وإنما لها أسباب دينية وهذا يؤكد بان قتلة المطران بولس فرج رحّو وبقية أبناء شعبنا المغدورين لا يزالون طليقي الايدي يخطفون ويقتلون وأكثر الظن بان الجهات ( الامنية ) تعرفهم جيداً ولا تحاول أعتقالهم لانهم ينتمون الى عوائل مؤثرة في المجتمع الموصلّي ، وأنا أؤكد وخاصة في الموصل من ان بعض المسؤولين في السلطة لديهم يد فيما يحدث ، حيثُ ان بعضهم ينحدرون من عوائل لها تاريخ حافل بالعداء للمسيحيين والاقليات الاخرى . كما وان الحكومة المركزية على أغلب الظن على علم ٍ بكامل التفاصيل للجرائم التي حدثت للمسيحيين في الموصل ولكنها لا ترغب باتخاذ الإجراءات القانونية بحق القتلة لانها لا تريد خسارة دعم هذهِ العوائل المتنفذة .
وما حدث لعضوة مجلس محافظة نينوى السيدة باسمة عيسى وافراد حمايتها من إعتداء من قبل الشرطة ( الوطنية ) وليس ( العشائرية ) لكونها مسيحية يؤكد ما ذهبتُ اليهِ في مقالي .
كما  وأرجو من قرّائي الأعزاء قراءة تعليقات أخواتنا وإخواننا على ما كتبتهُ حيثُ يؤكدون ما جاء في مقالي ، فتعليق الأخت نوال وهي واحدة من الآف المُهجّرات والمتضررات يؤكد مما لا يقبل الشك بان الحكومة متعمدة بعدم الاهتمام بالمهجّرين المسيحيين وليسمع رؤساء كنائسنا وطوائفنا صرخة هذهِ الانسانة التي لا حول ولا قوة لها . وليسمع وزير الهجرة والمهجّرين عبد الصمد سلطان ولكن:   لقد أسمعت لو ناديت حياً   ولكن لا حياة لمن تنادي  ، فبدل ان يمد السيد الوزير يديه هو وازلام وزارتهِ ليساعدوا المُهجّرين الذين تهجّروا من بيوتهم التي كانت آمنة وأصبحت مهجورة وخالية بسبب تحاصصهم وإستئثارهم بالسلطة مما خلق هذا الجو الطائفي المُقيت ، نرى ازلام وزارته وموظفيها يطالبون المُهجّرين بدفع الرشاوى لهم لتزويدهم بورقة حقيرة لا قيمة لها تعترف بهم كمهجّرين ثم يتم الغائها بسبب التزوير ، وطبعاً التزوير يتم من خلال مكاتب المهجّرين بإستخدام أختامها الاصلية وكل شئ بثمنهِ . إذاً كيف سيتم أقفال ملف المُهجّرين والوزارة المعنية والحكومة تطبّلان وتزمّران بان المهجّرين عادوا الى بيوتهم ولا يزال أربعة ملايين عراقي خارج وداخل العراق مهجّر ؟ .



                                                                                                                سالم ايليا / كندا       





       





192
المالكي بين الطموح الشخصي لعودة اللاجئين وواقع الحال / 2
( الجزء الثاني )

المقدمة :
ذكرتُ في الجزء الأول من هذا المقال ثلاث نقاط مهمة من وجهة نظري كانت سبباً من أسباب هجرة العراقيين بصورة عامة والمسيحيين منهم بشكلٍ خاص ، كما انها سبباً لعدم عودتهم الى العراق ، حيث أكمل بقية النقاط في هذا الجزء ( الجزء الثاني ) وكذلك الجزء الاخير الذي يليه .

4- إستخدام الحكومة وعلى رأسها السيد المالكي ورقة المسيحيين لتصفية الحسابات السياسية وادخالها في إطار الصفقات السياسية والضغط السياسي بغض النظر عن الضرر الذي أصاب ويصيب ما يقارب مليون مسيحي مُهجّر داخل العراق وخارجهُ ، وهذا ما كان واضحاً وجلياً في الفعل الاجرامي لمقتل مثلث الرحمات المطران بولس فرج رحّو والقبض على قاتلهِ ( الوحيد والسوبر ) الذي قاد سبعة سيارات في آنٍ واحدٍ وقتل ثلاثة من حراس ومرافقي المطران ثم خطفهُ ووضعه في إحدى تلك السيارات السبع وقاد الاخريات بالرموت كونترول الى الجهة التي هيئها لتكون مأوى لهُ وهو بالأصل ليسَ من أهالي مدينة الموصل!! وإنما من منطقة حديثة حيثُ أعدمَ هنالك ثم قتله المطران وحملهِ الى مقبرة بعيدة والقيام بدفنهِ ، أفلم يتلقى أي دعم لوجستي ومعلوماتي دقيق عن الموصل وموعد خروج المطران أم إنهُ أنزِلَ عليهِ الوحي ليرفدهُ بتلك المعلومات ، خاصة وإنه كان يقوم بعمل ( جهادي شريف ) !! وكأننا نشاهد احد أفلام رامبو .

والحمدلله الذي أظهر قاتل واحد لشخصية دينية مسيحية ـ ـ ـ وعجبي على الحكومة التي تُطبل وتُزمّر على انها القت القبض على 99,99 % من الارهابيين والذين اعترفوا بجميع جرائمهم عدا الجرائم التي حدثت ضدّ المسيحيين والأقليات الأخرى!! بحيث يضع تساؤل مشروع أمام الحكومة ، فأما هؤلاء المجرمين لا يزالوا طليقي الايدي ولهم ( حصانة ) من طرف مؤثر في المعادلة العراقية أو أنها خطة مُدبّرة من جهات مسؤولة لافراغ العراق من بعض أطيافهِ وأيضاً تلقي الدعم والمباركة من جهات أخرى ؟ فكيف لي يا سيدي رئيس الوزراء أن أعود وقاتلي لا يزال طليقاً ؟ .

5- لو كان السيد رئيس الوزراء وحكومته جادّين بعودة اللاجئين المسيحين الى بلدهم العراق لأصدر القرارات الواضحة والصريحة لتعويضهم إسوةً ببقية المُتضررين ، وملاحقة مرتكبي الجرائم ضدّهم وتقديمهم للعدالة ليأمّن للمسيحيين عودة حقيقية ، عندها سيجد سيادته ان المسيحيين سيعودون من تلقاء أنفسهم دون الحاجة الى تعنّي سيادته مشاق السفر الى السويد ومن ثُمّ المانيا وايطاليا لمطالبة حكوماتها بالتضييق على من لا حَولَ ولا قوة لهم وهم معظمهم من الاطفال والنساء والشيوخ .

6- لو كان هنالك قانون وعدالة حقيقين في العراق الآن ( والتي نتمنى باخلاص ومحبة كبيرين للعراق ان تكون ) لواجه المالكي وحكومته الآلآف الدعاوى من أهالي الضحايا المسيحيين والمهجّرين يطالبونه وحكومته بتعويضهم وبالقانون عن كل صغيرة وكبيرة أصابتهم وذلك لعدم قيام الحكومة بواجباتها لحمايةمواطنيها المسالمين .

7- متى ما تمّ َبسط دولة القانون والدستور العادل الذي يحتمي تحت مظللتهِ كل العراقيين فسيجد السيد رئيس الوزراء مئات الآلآف من العراقيين المهاجرين والمهجّرين وقد قرروا العودة بدون مغريات أو تخصيص طائرته الخاصة لنقلهم ومحاولات التأثير على الحكومات التي تستضيفهم . فضمان حرية الدين والمعتقد وحرية السكن كما يشاء المواطن داخل حدود بلده العراق هي نصوص كُتِبت في الدستور ولكنها لم تُطبق على أرض الواقع ، فلا يستطيع إبن البصرة التفكير ولو حتى بزيارة شمال بلده والعكس صحيح .

8- الغاء سياسة الاقصاء والتهميش المُبرمج والعفوي ضد المسيحيين والاقليات الأخرى ، فمن الملاحظ على معظم المسؤولين العراقيين ( عدا الكرد منهم ) من أعلى المناصب الى أدناها تجنبهم ذكر المسيحيين كمكوّن أساسي لنسيج المجتمع العراقي حتى في التصريحات لوسائل الإعلام الاجنبية فنراهم يذكرون أسم المذاهب والقوميات ( سني ، شيعي ، عربي ، كردي ، تركماني ) ويقفون عند هذا الحد حيثُ تُعقد السنتهم و( تخونهم ذاكرتهم ) لذكر المُهجّرين من الديانات الأخرى ( المسيحيين والصابئة المندائيين ) سكان العراق الاصليين ، وهذا طبيعي ما دامت ثقافة ( نحن خير أمة أخرجت للناس ) باقية في ذهن الكثيرين منهم حتى البعض ( الكثير ) من حملة الشهادات العليا والمثقفين !! ، وهذا واضح من خلال ترسبات ثقافات أقصاء الآخر والتي اكتوى بنارها أيام النظام السابق من هم في سدة الحُكم الآن والتي بدأوا يمارسونها بنفس الأسلوب الذي مارسه ضدّهم النظام السابق ضد بقية الاديان . فبأحسن الأحوال نسمع ونشاهد مسؤولين لهم وزنهم السياسي لا يستطيعون لفظ كلمة المسيحيين وإنما يقولون ( هذولة المسيح ) أو ( إخواننا المسيح ) .
وواضح أيضاً من خلال هدية السيد رئيس الوزراء الى قداسة البابا ومع إعتزازنا بأحد رموز العراق نخلتنا الجميلة إلا ان أختيار السيد رئيس الوزراء للهدية لم يكن موفقاً لتقديمها للبابا الذي ذهب اليه لمناقشة عودة المسيحيين المهجرين وأعطاء الضمانات لوضع المسيحيين في العراق ، فكان الأجدر به وهو السياسي الأول في البلد ان يرسل رسالة سياسية الى البابا من خلال هديته ، حيث أنه يعلم بان المسيحيين العراقيين ومن خلال قوميتهم  هم أصحاب أعظم وأقدم حضارة في العالم وإن أثار حضارتهم لا تزال باقية لحد الآن ، افلم يكن الاصح إهداء قداسة البابا مسلّة حمورابي على أعتبار ان العراق أول من سنّ القوانين وانه سيعود معافى لتطبيق القوانين وحماية كل أطياف ومكونات الشعب أو أهداءه زقورة أور حيث ولد أبو الانبياء أبراهيم عليه السلام أو الثور المجنح أو أسد بابل وذلك اعتزازاً منه بالسكان الاصليين ( المسيحيين ) الذين بنوا وصنعوا أجدادهم العظام هذه الاثار.
إذاً لو كان هنالك دستور لكل العراقيين لما سمح بهذه السياسة المُبرمجة لتهميش أحدى شرائح المجتمع العراقي ولشجع ثقافة تقبل الآخر بغض النظر عن دينه وقوميته ولكان معيار المواطنة هو القاسم المشترك بين الجميع .

وقد أستمعتُ قبل أسابيع لندوة كان أحد ضيوفها وزير الهجرة والمُهجرين السيد عبدالصمد سلطان وقد تطرق الى كل صغيرة وكبيرة عن المُهجّرين ومناطقهم عدا المسيحيين منهم فقد ذكر مناطق السنّة والشيعة وقضية كركوك وأطيافها عدا المسيحيين منهم وبتعمد واضح وتفرقة شوفينية واضحة وهو الذي أدى القسم عند تسنمه هذا المنصب وعاهد الله فيه بأن يكون مخلصاً لمنصبه و للدستور !! وكنت أراقب حديثه ولسان حالي يقول ( إذا كان ربّ البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص والطرب ) .

يتبع في الجزء الثالث والاخير

                                                                                     سالم ايليا / كندا


193
المالكي بين الطموح الشخصي لعودة اللأجئين وواقع الحال
( الجزء الأول )

زيارة السيد رئيس الوزراء العراقي نوري كامل المالكي الى المانيا وايطاليا ولقاءه في حاضرة الفاتيكان البابا بينيدكت السادس عشر كان فيها من الغموض في الأهداف ما فتح الباب أمام تأويلات كثيرة تداولتها جهات عديدة منها وسائل الإعلام ، لكن أكثر التأويلات والإحتمالات تداولاً كانت مُنطلِقة من أفواه مَن يَهُمهم الأمر بشكل مباشر ألا وهم اللاجئين العالقين بين كماشّة الوطن الممنوع عنهم عملياً العودة اليهِ وكماشّة البلد المضيف الذي يُغيّر طريقة تنفيذ قوانينهُ تجاه اللاجئين بتغير الوضع السياسي والمصالح الإقتصادية .

وحيثُ انني أشُدُ على يد السيد رئيس الوزراء لشجاعتهِ ومحاولتهِ ترتيب الوضع الداخلي للعراق بالشكل الذي يلائم الجميع ، إلا انني أرى في محاولاتهِ هذه ليست أكثرَ من عمليات تجميل خارجية تؤثر بشكل ايجابي طفيف على إعطاء الأمل لعودة العراق موحداً ومتجانساً باطيافهِ جميعها .

وبالرغم من الخطَوات الجريئة والشجاعة التي إتخذها السيد المالكي في ميادين مختلفة ومنها محاولاتهِ ضرب الميليشيات المسلحة وبسط لغة القانون ، إلا أنها لم تعطي ثِمارها بشكل سريع وفعال وذلك لسبب بسيط وهو عدم إستنادها على قوة القانون والدستور الحقيقي الذي يجب أن يكونَ عليهِ دستور العراق . فالدستور العراقي عجيب غريب لا يوجد شبيهاً لهُ في كل أرجاء المعمورة ، فاي متتبع حتى وان لم يكن سياسياً عندما يتصفح الدستور العراقي يستطيع من خلاله ان يستنبط اية فئة أو فئات كتبتهُ والقوى الفاعلة الرئيسية التي صاغتهُ ومَن الذي يدير ويتحكم بوضع العراق الآن ، فرائحة الطائفية مُنبعثة منهُ ويمكن تسميتهِ بدستور التراضي والتحاصص بين طرفين رئيسيين وليس دستور العدالة والحق الذي يحتمي تحت خيمتهِ كل عراقي .

فالكرد ارادوا ضمان حقهم ( الدستوري ) بوضع مواد كاملة تحميهم ، قابلهم الشيعة بوضع مواد أخرى تضمن ( حقوقهم ) أيضاً ، حتى وصلَ الأمرُ الى وضع تفاصيل لا يجدر بها ان توضع في دستور المفترض انه يُمثل كل أطياف الشعب العراقي كالتطرق الى الشعائر الدينية الحُسينية ، ومع جُلَّ إحترامي لقسم من هذه الشعائر إلا انها سابقة خطيرة ان يوضع في دستور بلد مادة تُشجع وتبارك تعذيب الذات ( الضرب بالسلاسل الحديدية والقامات هي جزء من هذه الشعائر ) . فلو كان الدستور العراقي دستوراً عاماً للجميع بدون ذكر أطياف معينة فيهِ لاختصر الكثير من التفاصيل والمواد التي حُشرت فيه بطريقة أفقدتهُ حياديته وعدالته وهذا موضوع آخر ربما سأتطرق اليه في مقالات لاحقة .
أعود الى زيارة السيد المالكي الى المانيا وايطاليا وقبلهما السويد وأهدافها المُعلنة ومنها حث الدول المضيفة للاجئين العراقيين وخاصة المسيحيين منهم الى عدم تسهيل عملية لجوئهم ومحاولة الضغط عليهم للعودة الى بلدهم العراق .
حيثُ اوجزها بالنقاط التالية :

1-   ان سبب هجرة المسيحيين بشكل خاص والعراقيين بشكل عام جاءت نتيجة برنامج المحاصصة الطائفية الذي كان المشارك الأكبر فيه الحزب الذي يقوده رئيس الوزراء .
2-   كان الأجدر برئيس الوزراء ان يذهب الى تلك البلدان وبين يديهِ براهين ملموسة على الحجج القائمة لدعوة اللاجئين العراقيين وبشكل خاص المسيحيين منهم للعودة الى العراق .
فانا كمسيحي أطالب بحقي كمواطن تنطبق عليهِ كل صفات المواطنة من واجبات وحقوق واولهما علمانية الدولة أي فصل السياسة عن الدين ليحق لي الترشيح لأي منصب في الدولة ، فهل يستطيع المالكي توفير هذا الحق المشروع لي قبل مطالبتي بالعودة الى العراق ؟ !! فهذا وحده كافي لمنحي حق اللجوء من الدول التي تهتم بالحالات الانسانية والتي يسميها البعض من ( المؤمنين ) بلاد الكفّار. فاذا كانت حُجة من يرفض هذا الحق على ان العراق بلد ذو أكثرية إسلامية ، فلماذا يباركوا هؤلاء القوم أنفسهم علمانية الدولة في بلدان المهجر حيثُ إنهم أقلية قليلة وذهبوا اليها كلاجئين وهم الآن في سدّة الحكم .
      3- وباي وجه ذهب رئيس الوزراء لمطالبة الدول التي فتحت أبوابها للجوء المُضطهدين المسيحيين
لحث هؤلاء المضطهدين للعودة الى بلدهم العراق وهو الذي لم يبرهن حتى بدليل واحد على اقتصاصه ممن قتلوا وهتكوا أعراض المسيحيين ونهبوا ممتلكاتهم ، فاين هم المجرمين الذين أباحوا هذا الفعل على المسيحيين ـ ـ ـ إنهم لا يزالوا طليقي الايدي تدعمهم بعض الاحزاب المشاركة في الحكم ، والدلائل كثيرة على ذلك . فما حدث في البصرة وجامعاتها ضد المسيحيين لم تفعلهُ ( جماعة السنّة ) أو الارهابيين المحسوبيين عليها ، وما حصل في مناطق بغداد ذات الأكثرية الشيعية من إختطاف لنساء مسيحيات وجرائم أخرى على المسيحيين ( ولي أمثلة كثيرة وشهود عيان على ذلك ) لم يفعله الارهابي المحسوب على الطرف الآخر .
حتى الذي حصل في منطقة الدورة في بغداد ذات الأكثرية المسيحية وضع علامات إستفهام كثيرة للتوقيت الذي تدخل فيه الجيش والشرطة الوطنية بعد ان خلت من ساكنيها المسيحيين ، فالذي تابع التحقيق الإخباري على قناة العراقية في يوم الاربعاء 21 / 5 / 2008 عند إفتتاح فرع مصرف الرافدين في ( حي ألآثوريين ) والذي بدا خالي من أي أثوري ومسيحي بشكل عام في الحي المسمى على إسمهم كونهم كانوا يسكنون فيه بأكثرية مطلقة يعطي للمتتبع للحالة العراقية إنطباعاً لعدة سيناريوهات محتملة لما حدث ، وإحدى هذه السيناريوهات هي ما تم فعله من تهجير وقتل ونهب لممتلكات المسيحيين من قبل جماعات إرهابية محسوبة على فئة دينية معينة وتباطؤ الشرطة والجيش بالتدخل لحماية المسيحيين المسالمين والذين كانوا أغلبهم من كبار السن والنساء والأطفال ولفترة إمتدت لأشهر عديدة تخللتها نداءات إستغاثة من شعبنا الأعزل ووسائل اعلامه ، حيثُ قاوموا وببسالة محاولات إجبارهم على تغيير دينهم دين السلام والمحبة والتآخي بين البشر وحيث قاوموا وعلى قدر المستطاع محاولة ترك منازلهم ( وليس كما يظن رئيس الوزراء بان المسيحيين غادروا وتركوا الارض والممتلكات في أول هجمة بربرية عليهم ) حتى خلت البيوت من ساكنيها ، حينها تدخل ( الفرسان ) لطرد الارهابيين فاصبحت المنطقة ( آمنة ) ولكن بدون ساكنيها الأصليين !! ثم جاءوا بعدها ( المهجّرين ) من مناطق أخرى والمحسوبيين على طرف آخر من أطراف النزاع المذهبي ( لاشغال ) البيوت المهجورة وليسكنوا فيها ولو بشكل ( مؤقت ) ، عندها تحقق التوازن الديموغرافي في منطقة الدورة بين السنة والشيعة ـ ـ ـ إنها خطة ذكية مخابراتية مدروسة لضرب طرف أعزل مسالم وتهجيره على أيدي جماعة محسوبة على ( السنة ) وإستغلالها إعلامياً محلياً ودولياً على ان هذا الطرف يكن العداء للمسيحيين ويظهر الطرف الاخر بمظهر المُنقذ والمدافع عن هذه الشريحة المسالمة !!! .

 يتبع في الجزء الثاني
                                                                           سالم ايليا / كندا         
                                             

194
الحس الإنساني في سلوكية الزعيم عبدالكريم قاسم


كُتِبَ الكثير عن الزعيم الراحل و ( الأوحد ) عبدالكريم قاسم منذ طفولتهِ ومروراً بنشأتهِ وإنخراطهِ في سلك الجندية كضابط في الجيش العراقي وتخطيطهُ لثورة الرابع عشر من تموز الخالدة بمشاركة الضباط الاحرار وإنتهاءاً بتكتل الوحدويين القوميين العرب مع الاسلاميين الذين أطاحوا بهِ ، وطريقة مسائلتهِ السريعة في دار الاذاعة والتلفزيون ومن ثمَ تنفيذ حكم الإعدام بهِ بالطريقة التي سيبقى الشعب العراقي يتذكرها بالالم والإستهجان .
وقد تطرق الكثير من الكُتّاب والسياسيين الى جوانب مهمة ورئيسية عن حياة الزعيم الراحل ولكن القليل ( بالمعنى النسبي ) تطرق الى الإحساس الإنساني العالي في سلوك الزعيم ، فهو صاحب المقولة الشهيرة عفاالله عمّا سلف والتي أدّت بهِ الى النهاية المأساوية ومن ثمَ تداعيات هذهِ النهاية على مُجمل مستقبل العراق ولحد كتابة هذهِ السطور .
لقد قرأتُ وشاهدتُ وأستمعتُ الى العديد من الكُتب والمقالات واللقاءات لشخصيات وطنية وسياسية عراقية ذات ميول وإنتماءات متضاددة ومتقاطعة ، لكنهم جميعاً يُجمعون على نزاهة و وطنية وأدب وحسن سلوك عبدالكريم قاسم ولعلّ ما كُتِبَ عنهُ في إضبارتهِ الشخصية في العهد الملكي خير دليل على صدق وحيادية ما قيلَ عنه ، حيثُ جاءَ فيها بالنص :
( إنهُ محبوب من أقرانهِ وأثبتَ جدارة وكفاءة في كافة المناصب التي شغلها ومُنِحَ نوط الخدمة الفعلية عام 1935 ونوط الشجاعة عام 1945 ووسام الرافدين من الدرجة الرابعة ومن النوع العسكري عام 1953 ونوط الشرطة الممتاز عام 1957 ) .
كذلك موقفهُ من مقتل العائلة المالكة وخاصة مقتل الملك فيصل الثاني وما شيع عنها من أنهُ كان مُخطَطاً لها من قِبَل ضباط الثورة ، إذ تضاربت الآراء حول ذلك ، حيثُ جاء في شهادة المؤرخ حسن العلوي في برنامج بين زمنيين من ان ( عبدالكريم قاسم جاء بعد يومين من الثورة الى بيتِ اخيهِ حامد مع وصفي طاهر مرافقه الخاص ، فسألتهُ زوجة أخيهِ لماذا قتلتم هذا الولد الصغير ـ ـ ما ذنبه ؟ !! فلم يرد عليها الزعيم وإنما أكتفى بالسكوت ) . كذلك شهادة محسن الرفيعي مدير الاستخبارات العسكرية في إحدى الفترات في عهد عبدالكريم قاسم ، حيثُ يضع اللوم على تسرع النقيب عبدالستار العبوسي في إطلاق النار على العائلة المالكة وهذا ما أيـّدهُ التقرير الذي رفعهُ النقيب عبدالستار العبوسي لعبدالكريم قاسم والذي يعترف فيهِ بأنهُ بدأ بإطلاق النار على العائلة المالكة بإندفاع شخصي منهُ ، كذلك شهادة إبن أخيهِ طالب حامد قاسم حيثُ قال :
( جاء عبدالكريم قاسم حوالي الساعة الخامسة عصراً من يوم السادس عشر من تموز 1958 الى بيت العائلة في العباسية فقالت لهُ والدتي لماذا قتلتم هذا الولد الصغير فدمعت عينيهِ وقال لها أنا تأثرتُ جداً لمقتلهِ ) .

وقد قُدّرَ لي أن التقي يوماً في بيت أحد الأصدقاء مع أحد ( أصدقاء ) الزعيم ، وكان صديق الزعيم هذا في وقتها طفلاً صغيراً من ذوي الاحتياجات الخاصة ، حيثُ انه مصاباً بمرض متلازمة داون ( كان يسمى سابقاً بالمنغولي قبل أن يكتشف الأطباء لاحقاً ان لا علاقةَ لهُ بالعرق الأصفر، وانهُ مرض ناتج عن خطأ كروموسومي يحدثُ خللاً في المخ والجهاز العصبي بشكل جزئي ومتباين ) .
وكان وليد وهذا هو إسمه يتأثر كثيراً عند ذكر اسم عبدالكريم قاسم أمامه ، فيذهب الى صورة للعذراء مريم معلّقة على الحائط ويبدأ بالصلاة على روح الزعيم والدموع تنهمر من عينيهِ !!! ، فتأثرتُ وتعجبتُ كثيراً لتأثُرهِ الشديد بمقتل الزعيم ما لبثَ ان زال هذا التعجب حين عَلِمتُ بان أهل وليد كانوا يسكنون في بيت مقابل ( لقصر ) رئيس الوزراء عبدالكريم قاسم في منطقة ( شعبية ) وهي البتاويين والذي كان قد إستأجرهُ من الدولة !! ، حيثُ كان الزعيم يرسلُ الشرطي ( الوحيد ) الى بيت وليد ليدعوهُ الى مشاركتهِ في قطف ثِمار شجرة السدر ( النبق أو النبك ) المجاورة أو الداخلة الى محيط الباحة الامامية للدار ، ثُمّ يقومان بجمع الثِمار سويةً ويضعانها في ( الطاسة ) ، حيثُ يقوم الزعيم بغسلها من صنبور المياه ( الحنفية ) ويقول لصديقهِ وليد ـ ـ ـ نحنُ الأثنين إشتركنا في قطف وجمع ثِمار النبق فلنتقاسمها قسمة الاصدقاء وعندها يذهب وليد فرحاً راكضاً الى والدتهِ والطاسة بيديهِ .

كذلك شاءت الصدف أن أعمل مع أحد أبناء الذين أعدموا في أم الطبول ليصبح صديقاً لي فيما بعد وخلال فترة صداقتي وعملي معهُ والتي دامت لسنوات عديدة لم أسمع منهُ حتى كلمة واحدة تُسئ لعبدالكريم قاسم ( على أعتبار ان عبدالكريم قاسم هو الذي وقّع أمر إعدام والده ) ، حتى اننا كنّا في احدى المرّات في زيارة للمكتبة ووقع بيدي كتاب ( شهداء أم الطبول ووصاياهم ) ، فتصفحتُ الكتاب لتقع عينيّ على الوصية التي تركها والده لوالدتهِ ، فالتفتُ اليهِ وبتردد باغتهُ بالقول ـ ـ ـ هل سبقَ لك وقرأت وصية والدك ؟ فاجابني باندهاش بالنفي ـ ـ فناولتهُ الكتاب وكنتُ خلالها أراقب رد فعله فقرأ الوصية بهدوء واعاد الكتاب لي دون أن يصدر منهُ أي تعليق في زمن كان يعتبر سب وشتم عبدالكريم قاسم من الفضائل !! وسألتهُ ألا يرغب في الاحتفاظ بالكتاب ، فأجابني بنفس الهدوء بالنفي !! .
وهذهِ شهادة أخرى من أحد أقطاب الوطنيين العراقيين وهو مسعود البارزاني ، حيثُ يقول في كتاب البارزاني والحركة التحررية الكردية :
(لم أكرهُ عبدالكريم قاسم أبداً حتى عندما أرسلَ أسراب طائراتهِ لتقصفنا ، إذ كُنتُ أمتلك قناعة بانه قدمَ كثيراً لنا كشعب وكأُسرة ، لايتحمل لوحدهِ مسؤولية ما آلت اليهِ الأُمور ـ ـ ولا زُلتُ أعتقد انه أفضل من حَكَمَ العراق حتى الآن ) .

كذلك لم يُسجَّلْ عليهِ بتاتاً أية حادثة تُشيرُ الى ميلهِ الى طائفة أو دين حتى دينه على حساب بقية أطياف الشعب العراقي ، خاصة وإن العائلة العراقية الكبيرة حينها كانت بحق تُسمى موزائيك الشعب العراقي ففيها العربي والكردي والكلدوالاشوري السرياني والتركماني والصابئي واليزيدي والارمني والشبكي والمسلم والمسيحي واليهودي ، حيث كان ينظر اليهم جميعاً بعينٍ واحدةٍ ومعظمهم كانوا يبادلونهُ المحبة وبدون تحفظ حتى الذين تضرروا بطريقة أو بأخرى أيام فترة حُكمهِ .
 وما سُجِّلَ عليهِ على إنهُ كان دكتاتوراً فلي في هذا رأيي الشخصي حيثُ إنني أتحفظ على هذهِ الكلمة ، إذ أن أهم ميّزة من مميزات الدكتاتور هي محاولتهِ الدفاع عن كرسيه حتى وإن كلفه ذلك حياة الآف المواطنين وهذا ما لم يفعلهُ عبدالكريم قاسم بل على العكس ، فلو سمحَ لمحبيهِ بالدفاعِ عنهُ لتغيرت كثير من نتائج تلك المحاولة التي أطاحت بهِ . غيرَ إنهُ ربما إنفرد باتخاذ بعض القرارات وذلك لحُبهِ لوطنهِ وعدم ثقتهِ بمن حوله حيثُ لم يكُن محسوباً على اي حزب أو مجموعة ، إضافة لثقتهِ بذكاءه وبنفسهِ وإدراكهِ بان لهُ تصور صحيح وحُلم جميل يريد تحقيقهُ لشعبهِ ووطنهِ .
والحق يُقال فقد وضع الأُسس الصحيحة لصناعة عراقية مُتقدمة جداً في فترة حُكم مُضطرِبة وقصيرة ، كما ان فترة حُكمهِ أمتازت بتشريع أهم وأجرأ القوانين ( قانون رقم 80 لتأميم النفط ، قانون الأحوال الشخصية ، قانون الإصلاح الزراعي والقضاء على الإقطاع ، مُحاولتهِ سَن دستور علماني وهذا ما نفتقد اليه الآن ـ ـ الخ ) .

رحمَ الله الزعيم الأوحد بحق وكل الذين قتلوا من أجل حُبهم لوطنهم العراق ، حيثُ أننا الآن نفتقد الى زُعماء ( كُثر ) وليس زعيم أوحد بصفاتِ عبدالكريم قاسم من نزاهة و وطنية وإخلاص لشعبهم و وطنهم ، فهل من مُتقدمْ .


                                                                                سالم ايليا / كندا



195
الزهاوي قالَ أسفري ـ ـ ورئيس جامعة بغداد يقول تحَجبّي !!

كُنتُ ومجموعة من الأصدقاء جالسين نتصفح صفحات المنتديات على الإنترنيت وإذا بنا أمام خبر مفادهُ قرار صادر من رئيس جامعة بغداد وليس ( جامع بغداد ) يفرض ُ فيه ( اللبس المُحتشم ) على جميع طالبات جامعة بغداد ، فهتفت أحدى الحاضرات مُستنكرة !! جميل صدقي الزهاوي قال قبل قرن من الزمن :
أسفري فالحُجابُ يا ابنة فهرٍ    هو داءٌ في الاجتماع ِ وخيمُ
كل شئ الى التجددِ ماض ٍ        فلماذا يُقرّ هذا القــــــــــديمُ
ورئيس جامعة بغداد يقول تحجبّي يا أبنة فهر ٍ!! فقفزت الى ذهني فكرة ان أجعل صرختها وإحتجاجها هذا كأمراة عراقية عنواناً لمقالي !! عسى أن يسمعهُ رئيس جامعة بغداد ( السيد ) موسى جواد عزيز الموسوي .
وهذا نص القرار ( الاداري ) :
الى الكليّات والمعاهد والمراكز التابعة لجامعتنا كافة :
تحية طيبة : بناء على توجيهات ( السيد ) رئيس الجامعة وما تقتضيه المصلحة العامة ، يرجى تنفيذ ما يلي :

1-   عدم السماح للطالبات بارتداء اللبس غير المحتشم والفاضح واحترام حشمة الحرم الجامعي .
2-   الالتزام بالضوابط  والتعليمات والقوانين الجامعية كافة وتجنب كل ما يخدش الحياء العام .
3-   عدم السماح بدخول الطالبات اللواتي يُخالفن التعليمات والاوامر أعلاه .
4-   نُهيب بعمادات الكليات والمعاهد والمراكز التابعة لجامعتنا تنفيذ ما ورد أعلاه واتخاذ الاجراءات الاصولية للحد من التجاوزات أعلاه . انتهى القرار

وقد أستغربتْ أوساط كثيرة ومختلفة من داخل العراق وخارجه هذا القرار المُبهم والغير واضح والذي يضع المستقبل العلمي للطالبات الجامعيات بين أيادي الحرس الجامعي ، حيثُ ان كلمة ( اللبس غير المُحتشم والفاضح ) فيها من المطاطية ما يجعل الاجتهاد في تفسيرها يختلف من شخص الى آخر ومن مُراقب لتنفيذ القرار الى آخر ، فمنهم من يفهمها على ان الطالبة يجب أن تتحجب ومنهم من يذهب أبعد من ذلك ويصل لحد النِقاب !! ـ ـ فالقرار بحد ذاتهِ غير مهني ومختصر وهو أساساً ليس من إختصاص رئيس جامعة يُفترضْ أن يكون إختصاصهُ أكاديمي فني وليس تربوي أداري تنظيمي ، فهذا القرار هو ربما من اختصاص مدير الادارة بعد أن يُغنيهِ بتفاصيل كاملة عن معنى ( اللبس المُحتشم ) وضوابطه فيكون واضحاً عند الطالبات لارتداءهِ وواضحاً عند الجهة التنفيذية لعدم الوقوع في خطأ حرمان الطالبة من دخول الجامعة لإنتهال العلم والمعرفة وخاصة حرمانها من أداء الامتحانات وفقدانها لفرصتها في المجتمع .
واذكرُ جيداً عندما كنّا طلبة في الجامعة وتم تطبيق الزي الجامعي الموحد على الطلبة ، كيف انه أستغِل ّ من قِبَل الحرس الجامعي ( لإبتزاز ) بعض الطالبات ، وكيف ان رئيس الجامعة التكنلوجية في ذلك الوقت الدكتور طه تايه ذياب النعيمي أصبح مراقب يتجول في أروقة وساحات الجامعة ليقتنص المخالفين ففقد إختصاصه الهندسي ليتفرغ للعمل كمراقب لتنفيذ قرار أداري !! كما أتذكر جيداً كم كان رد فعل أساتذة الجامعة مُستهجن لوضعهم في موضع الرقيب لتنفيذ القرار ، كذلك كان هو نفسه يرتدي الزي الجامعي الموحد ( لتشجيع ) الطلبة على إرتداءه ، فهل سيفعل رئيس جامعة بغداد الحالي الشئ نفسه مستبدلا ً البدلة باللباس الداخلي الطويل والدشداشة القصيرة التي كان اسلافه أيام الدعوة الاسلامية يرتدونها ، إذ انه ليس من المعقول ان يطالب رئيس جامعة بغداد الطالبات بالعودة عشرات المئات من السنين الى الوراء بازيائهنّ بدعوة الاحتشام ويبقى هو يمارس حقه الطبيعي في معاصرة الازياء الحديثة و( الغربية ) ، إذ ان البنطلون يعتبر دينيا ً بالنسبة للرجل من الملابس ( الفاضحة ) لانه يُجسّد في بعض الاحيان بعض مناطق الجسد بشكلٍ فاضحٍ وغير محتشم ، وهل سيطالب الطلاب بفعل الشئ نفسه حتى تصبح الجامعة كالكُتـّاب ( الكتاتيب ) أيام زمان ؟ !!!

واذا قصد رئيس جامعة بغداد بقرارهِ هذا إجبار الطالبات على التحجُب أو لبس النِقاب فانه يكون قد تجاوز حدود مسؤوليته ، حيث ُ يُعتبر هذا الإجراء إعتداء صارخ على الحُرّيات الشخصية المكفولة ضمن فقرات الدستور ( المادة 35 ثانياً ) وبشكلٍ خاصٍ للطالبات الغير مسلمات ويدخلُ هذا القرار في مجال تغيير المعتقدات الدينية للطالبات ، كما وانه سيسمح للانتحاريات بالتخفي بزي النِقاب للدخول الى الكليّات وتفجير أنفسهنّ .
إذ ليس بعيداً عنـّا ما حدث في دولة أسلامية مجاورة وهي تركيا حيث أتخذ قرار منع لبس الحُجاب في الجامعات التركية بقرار من المحكمة العليا وليس من قِبل رئيس الجامعة . اي ان لبس الحجاب من عدمهِ ليس من اختصاص رئيس الجامعة .

وهل أن رئيس جامعة بغداد قد حلّ كل المشاكل الرئيسية التي تعاني منها جامعته من تفشي الطائفية والتحزّب والاقتتال بين الطلبة داخل الجامعة وتدني المستوى العلمي للتدريسيين والطلبة على حدٍ سواء بحيث ان اية دولة في العالم وبضمنها الدول المتأخرة علمياً لا توافق على معادلة شهادات خريجي جامعته عكس ما كانت عليه في الماضي ولم يبقى إلا مشكلة ( إحتشام لبس الطالبات ) لمعالجتها . كذلك لا أستطيع ان أصدق بان بعض الطالبات الجامعيات يلبسنّ الآن أزياء فاضحة وغير محتشمة كما ذكر رئيس الجامعة في قرارهِ وذلك للظروف التي يمر بها البلد ، وإذا كان هذا صحيحاً فهو من مسؤولية الاهل أولاً للحفاظ على حياة وسمعة بناتهم في هذا الظرف الدقيق ، حيث ان رئيس جامعة بغداد يرأس جامعة وليس جامع أو حُسينية ، كما وانهُ ليس مدير مدرسة ثانوية تعد الطالبات أخلاقياً وادبياً وتربوياً وعلمياً ـ ـ ـ فواجب الجامعة يا ( سيدنا و شيخنا ) أولاً وأخيراً ينصب في أستقبال الطلبة ( الذين تجاوزوا مرحلة المراهقة وبدأت ملامح البلوغ المتكامل بالظهور عليهم ) وذلك لبلورة المعرفة العلمية وزيادتها وتوجيهها عندهم كمرحلة نهائية لزجّهم في المجتمع كمنتجين وكأعضاء فاعلين لبناء البلد . ولهذا ولمعلوماتك فان كل الفعاليات بدءاً بحفلات التعارف في السنة الاولى وإنتهاءاً بحفلات التخرج وكذلك قوانين الجامعة وطرق التدريس والتعامل من قبل الاساتذة تختلف كلياً عن مثيلاتها في المراحل السابقة . وأذكر جيداً باننا كطلبة وجدنا هذا الاختلاف منذ اليوم الأول لدخولنا الجامعة .

وقولي الاخير لرئيس ( جامع بغداد ) وغيره ممن تبؤوا هذه المناصب الحساسة بالتقسيم الطائفي المقيت وهم ليس آهلاً لها ـ ـ ـ أتقوا الله في المرأة العراقية الصابرة فهي نصف المجتمع بحق إن لم تكن المجتمع كله ـ ـ ـ أفلا يكفي الضغط النفسي الرهيب على المرأة في البيت من قِبل الاب والاخوة ومن ثم الاقرباء من أبناء عمومة وغيرهم ثم الخوف والرهبة في الشارع من الارهابيين والمتشددين المتحجرة عقولهم ثم تأتي الى الجامعة لترى أمامها ضغط آخر يحرمها من حقها في التعليم لسبب تافه لا يمُت للحضارة أو العلم بأي صلة .

فتباً لشهادة علمية أو أدبية عالية يحملها كائن من كان لا تكن مؤطرة باطار الحضارة والزمن الذي يعيشُ فيه ، فهي عندي نقمة وليست نعمة تضع صاحبها في موضع السُخرية والإستهجان للإزدواجية التي يعيشُ فيها ، وسيأتي اليوم وهو ليس ببعيد في خروج طالبات جامعة بغداد وغيرها من الجامعات العراقية بتظاهرات احتجاجية لنصرة المرأة العراقية ، وللمطالبة بانصافهن والغاء فقرات من الدستور التي تحط من مكانتهنّ وتحدد عملهنّ كجاريات في سوق زواج المتعة فهنّ حفيدات الرائدة عدوية الفلكي أبنة التاسعة عشر التي تقدمت أكبر مظاهرة في تاريخ العراق في وثبة كانون ، وهنّ حفيدات أسماء الزهاوي ( اخت الشاعر جميل صدقي الزهاوي ) ونعيمة السعيد وماري عبد المسيح ورفيعة الخطيب وفخرية العسكري ( زوجة جعفر العسكري ) وأمينة الرحّال وغيرهنّ كثيرات اللاتي وقفن بوجه التخلف الذي يعيد نفسه الآن . كما سياتي اليوم الذي تجلس فيه المرأة العراقية في البرلمان لتاخذ مكانها وتشغله بحق لتدافع عن أنسانيتها ووجودها وليس كما يفعلنّ بعض ممن تم تعيينهنّ من قبل الاحزاب الدينية كعضوات في البرلمان يرفعنّ اياديهنّ تاييدا لقرارات جائرة بحق النساء كالقتل غسلاً للعار ( ولا أعلم هل العار على من يَقتل أم العار على من يُقتل ؟ ) وقرار ضرب المرأة ( لتأديبها ) وقرار تعدد النساء وقرار تحديد التعليم لغاية الابتدائية فقط و ـ ـ ـ و ـ ـ ـ و . وعندها سيكون وجود المرأة في البرلمان العراقي كوجود الروح في الجسد .   
     




                                                                                                               سالم ايليا / كندا

 

 

 

196
ما هي حكاية ( ظهور ) القديسة بربارة في كرمليس أوائل الخمسينيات
من القرن الماضي ؟

القديسة بربارة هي شفيعة كرمليس حيث ُ فيها كنيسة وتل باسم القديسة بربارة ويتم الإحتفال بذكراها في الجمعة الاولى من شهر كانون الاول من كل عام في كرمليس وذلك لضمان مشاركة جميع أهالي كرمليس والمناطق المحيطة بها لما للقديسة بربارة من مكانة متميزة في نفوسهم كما في نفوس المسيحيين قاطبة ً. غير انّ تذكار القديسة بربارة العالمي هو اليوم الرابع من شهر كانون الاول من كلِ عام .

وهذا أحد الاسباب الذي جعل الاستاذ المرحوم يقين ( يوياقيم ) أبلحد الأسود ( وهو أحد المعلمين الذين كانوا قد خدموا في كرمليس لفترة طويلة ) قد فكرّ ( بتجسيد ) القديسة بربارة في عمل مسرحي كرّمَ بهِ أهالي كرمليس وقرقوش والمناطق المحيطة بهما والذين احبهم واحب بلدتهم كما هم أحبوه .
فعندما يكون العمل المسرحي مُتقن من نواحيهِ الفنيّة وبالامكانيات البسيطة المتوفرة في ذلك الوقت بدءاً بالتأليف ومروراً بالاخراج والديكور والماكياج وإنتهاءاً بالتمثيل فانهُ يعطي للمشاهدين إنطباعاً حقيقياً عن الموضوع الذي يبغي المؤلف إيصالهُ للمشاهدين ، حيثُ يعيشون أحداث العمل الادبي والفني بعفوية تشُدّهم اليه خاصة إذا كان هذا العمل عن شخصية دينية آمنوا بها وإتخذوها شفيعة ً لبلدتهم .

عند تصفحي لـ ( مخطوطة ) رواية * القديسة بربارة وجدتُ صعوبة في قراءتها وذلك لما تركهُ الزمن على حبر الكتابة من تأثير .
فقد ذكر المؤلف على غلاف الرواية ( المسرحية ) ، انه تم الانتهاء من تأليفها في التاسع من كانون الثاني سنة 1950 م ، وقد إعتمدَ في تأليفها على مصدرين : أولهما سيرة القديسين والثاني مرج الاخبار .

وحياة القديسة بربارة معروفة لدى المعنيين بتفاصيلها ولكن الكثير من عامة الشعب لا يعرفون عن القديسة بربارة غير انها اسشهدت دفاعا عن إنتماءها للمسيح وإيمانها به ِ .

لقد أفتتح مؤلف  الرواية (  التي تتكون من تسعة وثلاثين مشهداً موزعة على أربعةِ فصول ٍ ) المشهد الاول في مناجاة بربارة ( الابنة الوحيدة لرجل ثري يدعى ديوسكورس ) للخالق الذي أحسّت به في داخلها من خلال إحساسها لجمال الطبيعة وعظمة الكون والذي لا يمكن ان يكون من صنع أصنام آمنوا بها قومها واتخذوها آلهة ًلهم يقدمون لها الطاعة والولاء .

لقد تراءى لبربارة ( النور ) في نهاية النفق الفكري المظلم الذي كانت تعيشُ فيهِ ، فأسرعت مندفعة اليه غير مكترثة بما قد يصيبها من آذى على أيدي والدها وحاكم بلدتها المسماة نيقوميديا  والذي لقيّ في زمنه ِ الآف المؤمنين المسيحيين أشد وأقسى أنواع العذاب والقتل ، فأسرعت بطلب المعونة من الفيلسوف أوريجانوس ( معلم بربارة ومرشدها فيما بعد ) ليرشدها ويدلـّها على طريق الخلاص من هذا الصراع الفكري بين ما تعلمتهُ على ايدي كبار الاساتذة والحكماء الذين أستدعاهم والدها لتعليمها وتثقيفها وبين ما تراهُ من حولها في ذلك القصر الفسيح حيثُ أمتلئ بالاصنام والتماثيل التي آمن بها والدها وقدم لها الهدايا والطاعة .

بعد أن أمتلئ قلب القديسة بربارة بالايمان جاهرت بهِ أمام والدها القاسي والمتجبّر وأمام حاكم المدينة ولم تثنيها عن ذلك الترغيبات والتهديدات التي عرضها عليها كلاً منهما ، وبعد ان اصابهما اليأس من رجوعها عمّا عزمت عليهِ ، قرر والدها ترك حرية التصرف للحاكم مرقيانوس لمعالجة أمر إبنتهُ الوحيدة فادخلها السجن وأمر بتعذيبها بتمشيط جسدها الرقيق بالامشاط الحديدية وجلـْدَها وتعريتها والطوف بها في المدينة ليراها عامة الشعب ، وقد كتب المؤلف في ( روايتهِ ) أنشودة تنشدها القديسة بربارة في السجن تختصر فيها مأساتها وصلابتها تجاه من آمنت بهِ حيثُ تُنشِد قائلة :

بتٌ ُ في السجنِ وحيدة           ليس لي غير يســـــوع
انا بربارة الشــــــهيدة           فأحم ِ لي قلبي الهــلوع
وإقترب مني آلهـــــــي          أنتَ لي نِعمَ الينبـــــــوع
انتَ لي خير مســــــــل ٍ         انتَ لي درع منــــــــوع

جلدوني الف جلـــــــدة           مثلَ باقي المجرمــــين
بالســـــواد ميــــزونـي          عن جموع المشـــركين
بالسلاسل قيّدونــــــــي          يا لهم من ظالميـــــــــن
جوّعونــي عذ ّبونــــي           هؤلاء الكافـــــــــــرين

ما الـٌذ الموتُ حـبــــــا ً           بالمسـيـح ِ بن الرحمن
ما أحلى التعذيب يـــومَ           يبتغي المرءُ الغفــــران
فلِنـُسبّح نحنُ دومــــــاً           لك يا ســـرّ القربــــــان
نبتغي منك الســـــعادة            في عداد الصالحـيــــن

وبعدَ ان نال القديسة بربارة ما نالها من تعذيب أمر حاكم المدينة بقطع رأسها ، وقد أستسمحهُ والدها القاسي بتنفيذ الأمر بيديه ، فاخذها خارج المدينة ونفذ حكمهُ بالقديسة بربارة وفي طريق عودته ِ ضربتهُ صاعقة فأتت عليه ِ .

والقديسة بربارة كما تذكر بعض المراجع هي الابنة الوحيدة لرجل ثري إسمه ديوسقورس من مدينة نيقوميدية في أسيا الصغرى وكان وثنيا ً متعصبا ً لديانته ومشجعا ً لحاكم المدينة على إضطهاد وقتل اتباع الدين الجديد الذي آمن به الكثيرين واتـٌبعوا الشاب المصلوب يسوع . وتقول بعض المصادر بان القديسة بربارة ولدت في أوائل القرن الثالث للميلاد وقد ماتت والدتها وهي صغيرة ، فاقام لها والدها قصرا ً كبيرا وعزلها عن محيطها الخارجي ووضع في خدمتها طابوراً من الخدم والحرس ، كما جلب لها خيرة الاساتذة في مختلف انواع العلوم والثقافة ليقفوا على تربيتها ونشأتها ، وقد ذكرت بعض المصادر بان القديسة بربارة نالت الشهادة عام 235 م أبان الاضطهاد السابع الذي أثاره الامبراطور مكسيمانس الغوثي ضد المسيحية .

لم يكـُن سهلاً على مؤلف ومخرج ( الرواية ) الاستاذ يقين الأسود أن يجسّد شخصية دينية مهمة لها مكانتها المقدسة عند المسيحيين قاطبة ً خاصة وان الامكانيات كانت بسيطة في تلك الفترة وغير متوفرة ، فكان عليه ايجاد صيغة للتوافق بين زمن القصة وازيائها وبين الديكور والشخوص الذين لم يكـُن سهلا ً عمل الماكياج لهم لتغيير جنسهم واعمارهم ، خاصة وان العنصر النسائي لم يكن متوفرا ً ، فكان عليه إعطاء دور بربارة وزميلتها وخادمتها لشباب وتلاميذ في مدرسة كرمليس مع بذل جهد إضافي في عمل الماكياج لإخفاء ملامح الرجولة عند بعض الممثلين والذي زاده صعوبة هو اعطاء أكثر من دور لبعض الممثلين وهم يقفون على خشبة ( المسرح ) لأول مرة وذلك لقلة الممثلين . وحسب ما سمعتهُ من بعض الذين حضروا المسرحية فقد اجاد مؤلف ومخرج وعامل الماكياج ومصمم الديكور والمسرح بشكل عام الاستاذ يقين أبلحد الأسود في خروج هذا العمل بالصيغة التي أذهلت وأفرحت كل من شاهدها كما اجادوا الممثلين بأداء ادوارهم . حيثُ انه وفقٌ أيضا ً في إختيار مكان عرض مسرحيته ِ وهو بيت الراهبات في كرمليس ، فاعطى هذا الاختيار شعورا ً روحانيا ً إضافيا ً للحضور وقرّبهم أكثر باحاسيسهم ليعيشوا أجواء ( تجسيد ) هذه الشخصية الدينية المقدسة ، كما وانه وفقّ باستخدام بعض المؤثرات الصوتية والمرئية وذلك باستخدامه ِالخـُدع البسيطة المتوفرة حينذاك لاكمال العمل المسرحي ، فعلى سبيل المثال استخدم الالعاب النارية ( الصاعود ) ليكون بديلا ً للصاعقة التي ضربت والد بربارة بعد ان قطع رأس إبنته ، حيث ُ وجّهَ الصاعود الى سقف المسرح ليرتطم وينزل على خشبة المسرح محدثا ً ( رعدا ً وبريقا ً !! ) ففاجأ الحضور بهذه ِ الحركة بعد ان أطفأت القناديل ( اللوكسات ) التي كانت تُستخدم في ذلك الوقت لعدم توفر الكهرباء قبل ان ينطلق الصاعود الى سقف المسرح !! وقد ساعدته ُ مواهبه ُ المتعددة على تجاوز كثير من العقبات ِ منها الماكياج . فالاستاذ يقين الأسود إضافة لكونه ِ معلـّم فان ّ له مواهب الخط والرسم والتأليف المسرحي وكتابة  الشعر والمنلوجات ومنها منلوج ( الباقلي ) الذي يردده ُ بعض من أهالي الموصل في أعراسهم وأفراحهم وقيل انه تـُرجـِمَ الى اللغة الكلدانية ( الاشورية ) ، كذلك له موهبة التحنيط وكتابة الاناشيد الدينية والفعاليات والاستعراضات المدرسيّة ولا تزال عائلته تحتفظ ببعض ٍ من لوحاته الزيتية ، كما وانه ضليع باللغة العربية حيثُ ان ( روايته ) كانت بالعربية الفصحى ويجيد ايضا ً لغته الكلدانية قراءة ً وكتابة ً إضافة لكونه ِ شماسا ً غير مرسوما ً وعلى طريقة الطقس الكلداني القديم يساعده ُ في ذلك قوة صوته وشجنه . كما انّ له موهبة التمثيل حيث مثـّل دور الدرويش في مسرحية المثري النبيل لموليير التي مُثلت في دار المعلمين سنة 1937 م .

وقد حاولتُ جمع بعض المعلومات من معارفهِ وأقربائهِ لتقديمها للقرّاء وذلك لشحتها بسبب عدم نشره أيا ً من نتاجاتهِ ونشاطاتهِ ولهُ في ذلك أسبابه الخاصة .

إنٌ تاريخ تمثيل المسرحية يعود الى سنة 1952 م حسب المعلومات التي حصلتُ عليها ، وحيثُ ان تاريخ الانتهاء من تاليف ( الرواية ) المثبت على غلاف ( المخطوطة ) يشير الى التاسع من كانون الثاني من عام 1950 م ، فمن المُرجّح ان التحضير لهذا العمل المسرحي إستغرق أكثر من سنة ليخرج الى النور وذلك بعد أخذ الموافقات اللازمة ، إذ  انني وجدتُ في الصفحة الاخيرة ( للمخطوطة ) اشارة الى أمر متصرفية لواء الموصل المرقم 16652 في 23 / 7 / 1950 وبموجب كتاب وزارة الشوؤن الاجتماعية المرقم 8724 في 13 / 7 / 1950 .
واذا أفترضنا بأن مؤلف ومخرج المسرحية أبتدأ العمل حال حصوله على الموافقات فلربما أنجز العمل للعرض في عيد القديسة بربارة من السنة نفسها او السنة التي تليها بابعد الاحتمالات وليس سنة 1952 م وبهذه المناسبة أوجه ندائي الى أهالي كرمليس وقرقوش الاجلاء ومن حولهما أو أي شخص ٍ كريم ٍ لديهِ اية معلومة عن هذه المسرحية لاضافتها وتوثيقها .

كما وانني سارفق مع هذا المقال صورة الغلاف ( للمخطوطة ) والصفحة الثالثة حيث يبدأ المشهد الاول وسارفق الاسماء الاولى للممثلين المدوٌنة في الصفحة الاولى للرواية . وتجدرالاشارة الى ان ريع بيع تذاكر المسرحية ذهب القسم الاعظم منه الى دعم بيت الراهبات وما تبقى تم التبرع به لكنيسة كرمليس ، وحسب ما ذكره لي بعض الذين حضروا المسرحية فقد أستمر عرضها لثلاثة أيام متتالية وحضرها جمع ٌ غفير من أهالي كرمليس وقرقوش ( باخديدا ) وبعشيقة وبرطلة وقسم كبير من أهالي الموصل يتقدمهم مدير معارف الموصل ، كما حضرها المعلّم الفاضل والمؤلف المرحوم بهنام عبدالمسيح مؤلف كتاب قرقوش في ذمة التاريخ حيث كانت تربطه صداقة عميقة بالمعلّم يقين الأسود ، إذ كان ينعت أحدهما الآخر بابن الخالة ، كذلك حضرها القس ( المطران مثلث الرحمات ) المرحوم إسطيفان بابكا حيث هو الآخر له صلة قوية بالمؤلف والذي كان ينعت أحدهما الآخر بكلمة ( الاخ ) وكذلك كان من بين الحاضرين المرحوم الدكتور الاب يوسف حبّي وقد كان صبيا ً بعمر ثلاثة عشر عاما ً أو ما يزيد فالمؤلف المرحوم يقين الأسود هو خال الاب الدكتور يوسف حبّي ، وايضا ً حضر المسرحية شخصيات كثيرة ووجهاء كرمليس وقرقوش وبقية المدن والقصبات المسيحية الاخرى ، كما ان المطران سليمان الصائغ كان قد حث ّ المؤلف لتحويل المسرحية الى ( رواية ) لتمثيلها كفلم روائي طويل ولكن تسارع الاحداث السياسية في العراق حينذاك حال دون تحقيق ذلك . كما ان للمؤلف مسرحيات أخرى منها  يزداندوخت والحلاق الثرثار والحق يعلو وغيرها وجميعها لم تُطبع أو تُنشر .

أما اسماء الممثلين وادوارهم كما جاءت في المخطوطة فهي الآتي :
قام بدور والد بربارة التلميذ حنـّا ، ومثل دور القديسة بربارة سليمان ، ودور خادمتها أنيط  بالتلميذ بطرس ، كما مثل دور هيلين رفيقة بربارة يوسف كما وأخذ دور معلـّم بربارة أيضا ّ ، أما دور المعمار ( المقاول ) فمثلهُ ججو كما أخذ دورا ً آخرا ً وهو المسيح عند ظهوره على بربارة في السجن ، ودور حاكم المدينة تقمصهُ عيسى وأخيرا دوري الحارسين كانا من نصيب نوح ويوسف .
يظهر في أعلاه تكرار بعض أسماء الممثلين لأخذ أكثر من دور في المسرحية وربما هو تشابه أسماء أو ان الاستاذ يقين الأسود واجه صعوبة في إيجاد العدد الكافي للقيام بالادوار فأوكل أكثر من دور لبعض الممثلين مما تطلب جهدا ً إضافيا ً في تهيأتهم لاخذ أدوارهم اللاحقة ، كما تطلب جهدا ً كبيرا ً من الممثلين لتقمص أكثر من دور خاصة وانهم هواة تمثيل وليس محترفين .

تحية إجلال وتقدير الى المرحوم الاستاذ يقين الأسود وللممثلين على هذا العمل ، وتحية الى كلِ من شارك في أعدادها وتحية لاهالي كرمليس الاجلا ّء الذين دعموا هذا العمل ، حيثُ تبرع قسم ٌ منهم ( بتسليف ) قناديل الانارة ( اللوكسات ) لانارة المسرح الذي صنعتهُ أياديهم مشتركة في بيت الراهبات .
وتحية الى أهالي باخديدا ( قرقوش ) وبعشيقة وبرطلة والموصل وكل من حضر ، وساحاول في مقالات لاحقة تسليط الضوء على منلوجات الاستاذ يقين الأسود وعلى بقية أعمالهِ وأعمال بقية ( جنودنا المجهولين ) والذين أعطوا من جهدهم ومثابرتهم الكثير لشعبنا المسيحي بشكل خاص والعراقي بشكل عام .



* أرتأيت أن أنقل الصورة عن الاصل بالابقاء على تسميتها ( رواية ) كما هو ظاهر على صورة الغلاف ، ولكنني أستخدمتُ في بعض المقاطع اسم المسرحية وهو الأصح من الناحية الفنية واللغوية ويبدو بانه كان دارجا ً في ذلك الوقت إطلاق اسم الرواية على العمل المسرحي لعدة أسباب لا مجال لذكرها الآن .       


                           
                                                                                                                سالم ايليا / كندا



   
 

197
كوكتيل مغترب عراقي في عطلة نهاية الاسبوع

الرشفة الاولى :
الى السيد رئيس الوزراء نوري كامل المالكي : كان جزء من حديثك في محافظة البصرة قبل أسابيع مع المسؤولين والوجهاء هنالك بانك ستضع خطة في الانتخابات المُقبـِلة حيث سيكون لكل ِ محافظة يوم خاص بالانتخابات وستأخذ قوات الشرطة والجيش الى تلك المحافظة لضمان نزاهة الانتخابات وسؤالي هو : هل يشمل كلامك منطقة الحُكم الذاتي ومحافظاتها ، بحيث تضمن للمسيحيين ( وهم أمانة في أعناقكم إستناداً الى الدستور ) وصول صناديق الاقتراع الى مُدِنهم وقصباتهم و( عدم ضياعها !!! كما حدث في الانتخابات السابقة ) وكذلك عدم الضغط عليهم من قـِبلْ بعض الاطراف لتغيير قناعاتهم ـ ـ ـ ـ إنني أشكّ ُ في ذلك ، وإن حدث فانني سارفع قـُبعتي تحية ً لك .

الرشفة الثانية :
الى سيادة الكاردينال مار عمانوئيل الثالث دلّي : تصريحك الأخير لبعض وسائل الاعلام بان الشعب العراقي بجميع أطيافهِ مُستهدف ولا صحة لـِما يُشاع حول أستهداف المسيحيين العراقيين كطائفة فيهِ أكثر من وقفة ـ ـ ـ ـ فالوقفة الاولى هي : لا يختلف إثنان على ان الشعب العراقي كلهُ مُستهدف ـ ـ ـ ـ أما الوقفة الثانية فهي : فخرنا وإجلالنا لكَ كمسيحيين لوطنيتك التي ارجو ان يفهمها الجانب الآخر والتي سيسجلها لك التاريخ كما سجلها من قـَبلٍ لكثير من رؤساء الطوائف المسيحية ، أما الوقفة الثالثة فهو سؤالي بماذا تُسمّي أختطاف وقتل مُثلث الرحمات بولس فرج رحو وثلاثة من شمامستهِ وقد كان على رأس كنيستك في الموصل وتوابعها ، وماذا تُسمّي تفجير الكنائس أثناء خروج المؤمنين منها ، وماذا تُسمّي ما حصل في الدورة من قتل وتهجير واجبار المسيحيين على تغيير دينهم أو دفع الجزية !! وماذا تُسمّي قتل الاب يوسف عادل عبودي أمام داره وامام زوجته وأطفاله ، وماذا تُسمّي إجبار المسيحيات على أرتداء الحُجاب و ـ ـ ـ ـ و ـ ـ ـ الخ الم ترى بان تصريحاتك هذه يا سيدي تتعارض مع تصريح الحبر الاعظم لدى أستقباله أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الكرسي الرسولي في السابع من كانون الثاني الماضي والذي قال فيه وبالحرف الواحد ( ما يقلقنا كثيراً هي المحاولات الارهابية الحالية والتهديدات والعُنف المستمر وبشكل خاص ضد الجماعة المسيحية ) انتهى تصريح البابا ، علماً إننا كمسيحيين لم نشترك في أي عمل قد يثير الحقد والبغضاء ولم نرفع السلاح وانت أعلم العالمين بذلك ، كما وانني يا سيدي الجليل أتوجس القلق من أن تصريحك هذا سيقطع ( الحبل ) بالكثير من المسيحيين العالقين في دول الجوار وغيرها فلا هُم يستطيعون العودة فقد خسروا كل شئ وامكانيات الكنيسة ضعيفة وغير قادرة على مساعدتهم وربما سيفقدون الفرصة في مساعدة الدول الاوربية لهم .

الرشفة الثالثة :
الى رئيس أساقفة الكلدان في كركوك سيادة المطران الجليل لويس ساكو : كلمتك خلال مشاركتك في مؤتمر خاص عن المسيحيين العراقيين في جامعة فريبورغ في سويسرا أثلجت صدورنا ، إذ إنك وضعت النقاط على الحروف وبيّنت جزء من المأساة التي يعاني منها شعبك ورعيتك ، وهذا جزء من واجبك الديني والانساني ، فبحق إنك حملت صليبك وتبعت سيدك . حرستك العذراء وإبنها من كيد الكائدين وشرور الحاقدين .

الرشفة الرابعة : 
الى زوعا والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري : ربما نحن العراقيين لدينا اكبر وأغنى تجربة في المنطقة من جرّاء تحزبنا واعطاء ولاءنا للحزب الذي ننتمي اليه أكثر من ولاءنا للوطن ولقضاياه المصيرية وعلينا أن نأخذ العِبر من الماضي القريب وأنا كمواطن عراقي ومع جُلّ أحترامي للاحزاب ومنتسبيها ارى بان معظم ما وصل اليه العراق من مآسي كان سببه الاحزاب وخاصة الاحزاب القومية والدينية ، وارجو ان لا تصل المماحكة بين زوعا والمجلس الشعبي الكلداني الى ضياع الآماني !!

الرشفة الخامسة :
الى بعض من ( إخواننا العرب ) : هنالك مثل يقول ( الثور عندما يسقط تكثر سكاكينهُ ) وقد أُستُخدِم الثور في هذا المثل  ككنية للدلالة على القوة ، وسكاكين ( إخواننا العرب ) كثُـُرت حتى وصلت الى تراثنا وتاريخنا ( لمصادرتهِ ) فالعراق أصبح مُباح بارضهِ وشعبهِ لكل من هبّ ودبّ ، فمنهم من سمى بلده مهد الحضارات بعد أن غاب العراق فلعب ـ ـ ـ ؟ ومنهم من أستخدم  (علاقاتهِ ) لرفع اسم الجنائن المُعلقة من قائمة عجائب الدُنيا السبعة لوضع غيرها منسيّة وغير ذات أهمية ، حيثُ قد غاب العراق بتاريخه وتُراثه بحيث جعل القسم ممن كانوا جزءاً من ألامبراطورية الآشورية العظيمة يدّعون بأنهم الكل وليس جزء من تلك ألامبراطورية التي كانت عاصمتها نينوى والتي تقع ما بين النهرين وهي ارض العراق الحالي والحاضن للحضارات السومرية والاكدية والبابلية والآشورية فلا أعلم كيف يدعي البعض وبكل وقاحة عائدية حضارة وادي الرافدين ( حضارة ما بين النهرين ) وهم لا يمتلكون إلا نهرا واحداً والقسم الآخر لا يمتلكون حتى جدولاً صغيراً ، بل وصل إدعاء البعض لملكية بعض الاغاني العراقية الاصيلة وقد ( صادروا ) أخيراً أغنية حضيري ابو عزيز ( ياعنيّد يا يابة ) والتي قد لا يختلف إثنان على عراقيتها ، فكلماتها باللهجة العراقية المميزة والتي لا يجيدها  اي عربي لصعوبتها ، وقد ذكر لي منذ زمن ٍ بعيد أحد ضباط الشرطة المتقاعدين رحمهُ الله بان هذه الاغنية رددتها بنت ريفية لعشقها لمفوض شرطة في الناصرية اسمهُ عناد ( عنيّد ) فذاع صيتها وانتشرت ، وقسمٌ آخر يقول بان المطرب الراحل حضيري ابو عزيز وهو من الناصرية ومن قضاء الشطرة ( الناصرية مدينة الشعراء والمطربين الشعبيين في جنوب العراق بلا منازع ) قد وضع كلماتها بعد ان إستنبط الفكرة من قصة غرامية لفتاة ريفية . فرفقاً بنا يا ( إخواننا ) العرب فالدنيا دولاب !! وما يحصل لنا يُذكرني بقول رسول المحبة والسلام السيد المسيح : اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي اقترعوا ، والامام علي يقول : الدهرُ يومان يومٌ لك ويومٌ عليك ـ ـ ـ فان كان لك فلا تُبطر وان كان عليك فاصبر .

الرشفة السادسة :
الى مار باوي سورو الجزيل الاحترام : وحدتك مع الكنيسة الكلدانية في كاليفورنيا علامة مُضيئة وخطوة جريئة يُؤيدها كل مسيحي ولكن أرجو أن لا يكون سببها ( على عنادك ـ ـ ـ على عنادك لأصير وياهم وأحرك الفادك ! ! ) مع الاعتذار للاغنية .

الرشفة السابعة :
الى الشاعر حسن المرواني والمطرب كاظم الساهر وقصيدة أنا وليلى :
أنا وليلى واحدة من أروع القصائد المُغـناة كلماتا ً ولحنا ً وآداءا ً وفي كل ِ مرة أسمعها أكتشف في معانيها والحانها عمقا ً أدبيا ً وفنا ً أصيلا ً ، ويضيف الفنان المُبدع كاظم الساهر من صوتهِ الشجي بُعدا ً آخرا ً لجمال هذا العمل الفني ، ودائما ً يوقفني البيت القائل :
واغربتاه ـ ـ ـ مُضاع ٌ هاجرت سُفني ( مُدني ) عني          وما أبحـــــــــــــرت منها شـــــــــــراعاتي
ثُمَ يُردف قائلا ً :
نـُفيتُ وأستوطن الاغـــــــــــــرابُ في بلــــــــــــــدي          ومزقـّوا ( ودمرّوا ) كلّ أشيائي الحبيباتي

وأنا أقول : ودمروا كلّ ذكرياتي الحبيباتي
ويجُبرني هذين البيتين على إعادتهما مرات ومرات حتى وإن كُنتُ خلف مِقوَد السيارة ، وكأن حسن المرواني قد عَلِمَ ما سيحدثُ لوطنهِ العراق قبلَ أكثر من ثلاثين عاما ً( علما ً بان القصيدة غزلية كتبها في ظروف خاصة سنة 1970 عندما كان طالبا ً في كلية الآداب ببغداد ) . فكم منـّا يُصيحُ في الغـُربة ـ ـ ـ واغربتـــــــاه  ، وكم منـّا قد هاجرت سفنه عنه وتركتهُ في عرض البحر أو عبرت بحار الكون بحثا ً عن وطن وبحثا ً عن الآمان والحرية بعد أن عاثَ الأغراب القادمين من خلف المحيطات ومن دول ( الجوار ) بارض العراقِ فسادا ً ودمارا ً .
ومطلع القصيدة هو :
دَعْ عنكَ لَوْمــــــــي وَ أعزفْ عَنْ مَلاماتـــــــــــــي          إنيْ هَويتُ ســــــــريعا ً مِنْ مُعاناتــــــــــــي
فتحية للمُغترِبَين حسن المرواني وللساهر على سُمعة العراق .

أما الرشفة الثامنة والاخيرة فهي من نصيب السيد رئيس الوزراء نوري كامل المالكي أيضا ً ( أعانك الله على هذا المنصب وفي هذا الزمن ولكن ما في اليد حيلة ) :
حديثك في مدينة الموصل لدى إستقبالك وفد من أبناء طائفتنا المسيحية في مقر إقامتك في قيادة عمليات نينوى قد أدخل بعضا ً من الطمأنينة ( بواسطة الرِموت كونترول ) الى قلوبنا ، ولكن هل سنرى تطبيقا ً على الواقع لِما صرّحت بهِ بأن من يستهدف المسيحيين يكون قد أرتكب جريمة مضاعفة وستتصدى لهُ بقوة ، ودَعوَتك لنا الى التمسك بوطننا فهذا لا يحتاج الى شحذ لهِممنا ، فعلى الرغم ِ مما تعرضنا لهُ منذ سقوط الامبراطورية البابلية الثانية على يد كورش الاخميني الفارسي ومرورا ً بالغزو ( الحُجازي الأول ) للعراق أبان الانتشار الإسلامي وإنتهاءا ً بالغزو الحُجازي والفارسي الثاني الحالي ، فان معظم المسيحيين يحاولون التشبث بوطنهم وعندما يُغادروه مرغمين تبقى عيونهم ترنو الى وطنهم ، وأرجو أن لا تحاول أن تضع اللّوم علينا لترك وطننا والتشكيك بوطنيتنا ، فكلّ اللّوم يقع على عجز الحكومة التي تترأسها لعدم حماية مواطنيها ، ولو كان على سبيل المثال فصيل واحد من الشرطة العراقية في الدورة لحماية المسيحيين لما غادر حتى الطفل الرضيع دارهُ ولكن وآآآآآه من هذه الـ ـ ـ ـ لكن !!! .






                                                                                                          سالم ايليا / كندا     

198
هل المسيحيون العراقيون ( حجر عثرة ) أمام تقسيم العراق يجب إزالتهم ؟

لم أكتب حتى كلمة واحدة عن إستشهاد مثلث الرحمات المطران الجليل بولص فرج رحّو رئيس أساقفة الكلدان الكاثوليك في الموصل وتوابعها مع ثلاثة من مرافقيه من أبناء شعبنا ، ولربما لي أسبابي في ذلك ، فمنها الشخصية حيث كنتُ ساعة وقوع الجريمة خارج خطوط الطول والعرض على خارطة العالم ! ! ،  وقاب قوسين أو أدنى من حدود المنطقة الشبه قطبية للقطب الشمالي حيثُ تتواجد مصافي البترول وكنتُ أعمل مع فريق التأمين والسيطرة النوعية للاعمال الهندسية الكهربائية لمشروع أستخراج البترول من باطن الارض بعد فرزهِ عن الرمال بطرق فنية تُستخدمْ فيها أحدث الطرق التكنولوجية في العالم ، وكانت درجة الحرارة تنخفض في أغلب الاحيان الى اربعين درجة مئوية تحت الصفر مع إضافة برودة الهواء وسرعتهِ وبهذا تتجاوز في كثير من الاحيان الخمسين درجة مئوية تحت الصفر !! وكان علينا العمل في بعض الاحيان أكثر من أثني عشرة ساعة يومياً لاتمام المشروع تتخللها فترات استراحة للتدفئة وتناول الوجبات . وهذا ما يُفسّر إبتعادي عن النشر لبضعة أسابيع .

المهم وصلني خبر أختطاف مثلث الرحمات عبر الهاتف النقّال في ساعة متأخرة من الليل وبدأتُ أتابع الموضوع ، ولا أخفيكم سراً بان أملي كان ضعيفاً جداً برجوعهِ سالماً معافى وذلك لاني أعلم علم اليقين بان الذين إختطفوه‘ سوف لن يتركوهُ حياً لِعلمهم بشجاعة وذكاء الشهيد وانه سوف لن يسكت عن ( تحديد ) هوية خاطفيهِ وبهذا ينكشف جزء من المستور وتظهر كثير من الحقائق المجهولة لحد الآن .
كذلك من الاسباب التي جعلتني أحجمُ عن الكتابةِ في الموضوع حتى بعد عودتي باسابيع من ذلك المنفى الاختياري ( الشبه قطبي ) هي التغطية الاعلامية الواسعة والجديرة بالاهتمام والمقالات الشاملة التي نُشرت من قِبل أبناء شعبنا العراقي من مختلف القوميات والاديان والمسيحي منها بشكلٍ خاص .
وقد غطّت المقالات معظم الفرضيّات أوالجهات التي ( قد ) تكون متورطة باختطافه وقتلهِ وبدون أدلّة ملموسة تدين تلك الجماعة أو ذلك الطرف ، وقد أتصل بي حينها أحد المهتمين بشأننا العراقي وكان غاضباً على جهة معينة ( يعتقد ) إنها هي التي أختطفت المطران وقتلت الشمامسة الثلاثة ، وقلتُ لهُ حينها لا تتعجل الامور فالقضية العراقية أصبحت معقدّة جداً وجميع الاحتمالات واردة في قضية تهجير المسيحيين وإستهدافهم ، كذلك أصبحت الساحة العراقية المرتع الخصب لكثير من القوى الاقليمية والدولية التي لها أجندتها الخاصة في عدم أستقرار العراق ومحاولة تجزئته أضافة الى القوى المحلية ذات الاهداف الراديكالية الدينية المعروفة والتي لا تخفى على أحد .

والعراق في نظر الكثير من المعنيين بالشأن العراقي هو بؤرة لدوائر المخابرات الدولية والاقليمية المتضاددة مع بعضها البعض والتي تحاول ان تربح ( المعركة ) باي وسيلة قذرة على حساب الشعب العراقي بشكلٍ عام والقوميات المسالمة هي هدفها الاسهل لتحقيق ذلك !! .
ولهذا نرى بان الحكومة العراقية متمثلة باجهزتها الامنية لم تتجرأ لحد هذه اللحظة على المباشرة باجراء تحقيق جدي أو حتى المحاولة لكشف بعض الحقائق عن الجرائم التي تُرتكب بحق المسيحيين بشكلٍ خاص والطوائف الاخرى بشكل عام .

ولنأخذ مثلاً بسيطاً جداً على ذلك ، فعندما تم أختطاف الناطق الرسمي المدني لخطة فرض القانون تحسين الشيخلي من قِبلْ ( مجهولين ) وفي غمرة أحداث البصرة وتداعياتها ، عاد بعد أيام سالماً معافى الى أهلهِ وحمداً على سلامتهِ حيثُ تدخلت ( الحكومة ) بشكلٍ جديّ لإطلاق سراحهِ وربما تدخلت ( أطراف أخرى ) لمنع كسر قواعد اللعبة وتجاوز الخطوط الحمراء بين الاطراف المتصارعة ، فمن هو الأهم من الناحية السياسية والعسكرية لأطراف الصراع على الساحة العراقية ؟ هل هو رجل الدين المسالم والبعيد كلّ البُعد عن العنف والصراعات السياسية مثل الشهيدين المطران بولص فرج رحّو والاب يوسف عادل عبودي أم الناطق الرسمي المدني لخطة فرض القانون والمحسوب على جهة داخلة في الصراع ؟ !! .
ولماذا قُتل رجال الدين واطلق سراح الناطق الرسمي لخطة فرض القانون ؟
فالجواب هو قتل رجال الدين المسيحي له صدى أوسع دولياً ومحلياً لإسراع عملية تهجير المسيحيين .

إن المُلاحِظ والمُتتبع للقضية العراقية وتعقيداتها والمُتتبع لأهداف الاطراف السياسية والطائفية المتصارعة يلاحظ بان المسيحيين العراقيين هم القاسم المشترك الوحيد لوحدة العراق من شمالهِ حتى جنوبهِ وهم ( حجر عثرة ) أمام هذهِ القوى المتصارعة لتحقيق أهدافها الطائفية بتقسيم العراق والاستقلال على رقعتها الجغرافية المتمركزة أصلاً فيها . ان عملية ( إزالة ) هذا الحجر يفيد الجميع ويُسهّل المحاصصة الطائفية المذهبية والعرقية على الرُقع الجغرافية المُتفق عليها من قِبَل جميع الاطراف ، إضافة لكونه يحقق هدف كثير من الاطراف ذات النزعة الدينية السلفية المتشددة ، كما يحقق هدف ( تاريخي ) لمعاقبة أبناء بابل واشور وعلى أيدي من يُفترض على إنهم أعداء الطرف الآخر !! .

فلو نظرنا الى الخارطة الديموغرافية للعراق لوجدنا ان مراكز تجمع أطياف الشعب العراقي واضحة عدا المسيحيين منهم ، فهم منتشرين وبكثافة خاصة قبل عمليات التهجير والاضطهاد في جميع مناطق العراق ، كذلك كانوا اليهود العراقيين قبل تهجيرهم !!
فالشيعة مراكز تجمعهم في جنوب العراق كذلك الصابئة المندائيين ـ ـ والسنّة وسط وغرب العراق زائدا محافظة نينوى في الشمال ـ ـ والكُرد والتركمان شمال العراق كذلك اليزيديين ، إلا المسيحيين بشكلٍ عام فهم متواجدين في معظم مناطق العراق أبتداءً من مناطق تمركزهم في شمال العراق مروراً بالعاصمة بغداد وانتهاءاً بالبصرة وحتى في الحبانية والرمادي اي غرب العراق وقد كان تعدادهم قبل عمليات التهجير يتجاوز المليون والنصف ومنتشرين على كامل الرقعة الجغرافية للعراق ( اقصد بعمليات التهجير القسرية والطوعية والتي ابتدأت بعد دخول صدام الكويت ولاح في الأفق شبح الحرب ) ، وهذا التواجد يعتبر عائق كبير أمام من يريدون تقسيم العراق سواء من الاطراف المحلية أو الاقليمية أو الدولية ويبدو بان هنالك ( اتفاق دولي ) بهذا الشأن خاصة بعد تصويت الكونجرس الاميركي ( غير الملزم ) على تقسيم العراق ، فنرى تزامن هذا الاجراء مع إرتفاع الاصوات الدولية لفتح باب الهجرة للمسيحيين العراقيين وتقديم بعض التسهيلات والامتيازات من الدول الاوربية التي تستقبل اللاجئين وكذلك الحال في اميركا وكندا ( انا لا ابغي من طرحي هذا عدم تشجيع الدول التي تساعد أبناء شعبنا على الهجرة اليها ) فالحقيقة عندما يصل الأمر الى التصفية أو المغادرة ـ ـ فالمغادرة تصبح واجبة ولا لبس فيها لمن يرغب ذلك .

وما يحصل لنا الآن كمسيحيين هو كثير الشبه لِما حصل لليهود بشكلٍ عام ولليهود العراقيين بشكلٍ خاص ، حيثُ نُهـِبت أملاكهم أو على أقل تقدير بيعت باسعار رمزية ( للمستفيدين ) خاصة بعد صدور قرار مصادرة املاك من يهاجر منهم ، لكن الفرق الجوهري والمهم بيننا وبين اليهود هو انهم ( هُجرّوا ) من مناطق العالم كافة الى بلد واحد هو اسرائيل ، اي تم جمع شَملِهم واحياء تراثهم على الرغم من ان العديد منهم كانوا يرفضون مغادرة بلدانهم الاصلية كاليهود العراقيين مثلاً ، وايضاً فـُتِحت لهم بعد ذلك أبواب اللجوء الى اميركا وكندا وفرنسا وانكلترا للذين لا يرغبون الذهاب الى إسرائيل .

أما المسيحيين العراقيين والمُتمثلين بشكلٍ عام بشعبنا الكلداني السرياني الاشوري فقد أ ُرغِموا على الهجرة من بلدهم الاصلي الذي عاشوا فيه أجدادهم قبل الآف السنين ( المعروف بحضارته وتراثه ) الى شتى بقاع العالم ، اي تمَّ تشتيتهم أملاً في صَهرِهم في تلك المجتمعات وإزالة خصوصيتهم وتراثهم العريق ، وقلّما تجد عائلة مسيحيّة عراقية الآن مجتمعة كافراد من الأب والأم والاخوة والاخوات وحتى الاقارب في بلد اوربي واحد فالكل موزع على الامصار وربّما لا يلتقي افراد العائلة الواحدة مرة كل عشرة سنوات أو ربّما لا يلتقون أبداً !!! .
نعم إن ما حصل لم يشمل فقط المسيحيين ولكنه شمل الكثير من العراقيين وبخاصة الطوائف ذات الثقل السكاني المحدود ، لكن الضرر الاكبر كان على المسيحيين وذلك لوجود أجندة خاصة كما أسلفتُ للبعض لافراغ العراق منهم ، كما وان نسبتهم المئوية بالنسبة لعدد سكان العراق لم تكن بسيطة اذا اخذنا بنظر الاعتبار تاثيرهم الحضاري علمياً وثقافياً واجتماعياً وعلى مر العصور .
كذلك محاولة بعض الاطراف في المعادلة العراقية ( جر ) ما يتبقى من المسيحيين الى جانبهم أو محاولة ( ترغيبهم ) ليكونوا جزء ( هام ) من شعبهم لتسهل عملية التقسيم بعدها ، مستغلين ظروفهم القاسية وأيضاً في هذه الحالة هي عملية صهر شعب عريق وأصيل له تاريخ وأثار قائمة لحد الآن داخل شعب ليس لديه اي تأثير حضاري يُذكر غير أنه متفوق عددياً على شعبنا الكلداني السرياني الاشوري ( هذا ليس كلامي ولكنه كلام الباحثين والمؤرخين من نفس الشعب والموثق ) .

فالعراق باطيافه المتعددة متكون من عدة قوميات متآخية جميعها تنضوي تحت أسم العراق وشعبه ، فلا القومية العربية لها الحق ( بابتلاع ) باقي القوميات لأنها الأكثرية ولا القومية الكردية لها الحق في فعلِ ذلك لانها ( الأكثرية ) في شمال العراق .

وببساطة شديدة ان من المقومات الاساسية للقومية الواحدة هي اللغة والتاريخ الواحد والعادات والثراث والاصول الواحدة ويدعمها في كثير من الاحيان الدين الواحد ، وهذه المقومات غير متوفرة بين تلك القوميات لصهرها جميعها في بوتقة واحدة أو لصهر اية قوميتين مع بعضها البعض وتحت ( مُسمى واحد ) ، لكنها متعايشة منذ الاف السنين مع بعضها البعض تحت راية العراق الموحّد . وهذا حال كثير من الدول المُتعددة الاعراق والقوميات .
ان الذي ينقص القادة السياسيين لبعض القوميات العراقية والتي تعتبر نفسها أكثرية هي ثقافة تقبـّل الاخر والتعايش مع الجميع واحترام خصوصية كل قومية ولم ( يُعلّمهم ) الزمن و( النضال ) من أجل قومياتهم والتجارب التي مرّوا بها باستحالة الغاء وجود شريحة أو قومية حتى وإن كان عدد أفرادها عدة مئات لا أكثر والغريب في الامر ان ما لا يرتضوه لانفسهم يرتضوه لغيرهم !!. فعندما يكونوا ( مستضعفين ) يؤمنوا بالتعددية وتقبل الطرف الاخر وعندما يصبحوا ( مستكبرين ) يحاولوا الغاء  الطرف الاخر !! .

إنّ القادة الروحانيون والسياسيون من أبناء شعبنا المسيحي عامة امام امتحان حقيقي وتاريخي ومطالبون الآن أكثر من اي وقتٍ مضى ( حيثُ وضحت الصورة ولا لبس فيها ) بوضع حلول سريعة بمستوى الهجمة الشرسة على شعبنا المسالم والحضاري ووضع الآلية المناسبة وليس فقط اعتماد بيانات الشجب والاستنكار واقامة القداديس على ارواح الشُهداء ، كما وإننا جميعنا مطالبون بعدم التساهل مع اية شريحة مهما كانت متعايشة ومتداخلة معنا جغرافياً بمحاولة ضمّنا الى صفوفها وصهرنا داخل مجتمعها تمهيداً لالغاء هويتنا القومية .

                                                                                                                سالم ايليا / كندا



199
رواية لطيف وخوشابا والالتباس في المعنى بين المخطوط والمطبوع

لم أكن أرغبْ في الرد ( السريع ) على التداخل الشفاف والملاحظات القيّمة و ( المُحاججة )التي أبداها عدد قليل من القراء ومنهم الأخ الفاضل وليم يلدا حنّا البلوايا من كاليفورنيا – امريكا ود. القدير سعدي المالح من عينكاوة – أربيل على مقالي المنشور على صفحات المنتديات ومنها عينكاوة دوت كوم والمعنّون بعنوان لطيف وخوشابا ـ ـ أول نص مسرحي ( نُشِرَ ) في العراق .
وأنتظرتُ قليلاً لأسمعَ رد المزيد من القرّاء الاعزاء ولكن يبدو ان ( الالتباس ) اللغوي حصل لعدد قليل من القرّاء وهذا أمر طبيعي ( فلربما ) لم أُعطي للمقدمة التي وضعتُها للمقال حقـّها الكافي لانني ركزتُ فقط على موضوع البحث في المقال وهو ( المطبوع ) والذي تمّ نشره وليس ( المخطوط ) أو المخطوطات من المسرحيات والتي ( خطّها ) روّادنا الأوائل من أمثال المرحوم القس حنّا حبش والمرحوم الخوري هرمز نرسو الكلداني الماردينلي خالدي الذكر وهذا واضح من خلال ما ذكرتهُ في المقدمة ، حيثُ قلتُ بالنص الحرفي ( بان الشواهد كثيرة على ريادية شعبنا المسيحي في الإعلام العراقي وانني لا أريد الدخول في تفاصيلها في هذا المقال ) .

وقبل أن أسترسل في الرد الموضوعي و( الأكاديمي ) على التداخل وخاصة مقال د . الفاضل سعدي المالح ، أحببتُ أن أعرّف معنى ( المخطوطة ) ومعنى ( المطبوعة أو المطبوع ) ،لانهما سيكونان المدخل لحل بعض الالتباس الذي حصل .

كما واتمنى بدوري من بعض القراء الكرام توخي ( الدقـّة ) في الرد على بعض المقالات وقرائتها جيداً والتمعن بمفرداتها اللغوية ومعانيها قبل الرد عليها ، حرصاً على الهدف من الرد أولاً ، وعدم إرباك بعض القرّاء والمتتبعين لمنتدياتنا الاجتماعية والثقافية ثانياً .

المخطوطة : هو كل ما كُتِبَ بخط اليدْ وعادة لا تكون أكثر من نسخة واحدة محدودة التداول وغير قابلة للنشر بمعناه الواسع والحِرَفي وتاريخها يعود مع بداية تعلم الحروف الاولى عند الانسان .

المطبوعة أو المطبوع : تم تداول هذا المصطلح بشكلٍ واسع بعد إختراع الآلة الطابعة أو ( المطبعة ) من قِبل الالماني يوحنا غوتنبرغ سنة 1436 م في مدينة ( ماينز ) في المانيا ، وكان هذا الحدث بداية لعصرٍ جديد على الإنسانية بشكلٍ عام وانتشار العلم والمعرفة والثقافة وتبادلاتها بين الأمم بشكلٍ خاص ، وقد إقترنت ْ كلمة (المطبوع ) أو المطبوعات بالنشر وذلك من خلال كُثرة أعدادها التي يمكن ( نشرها ) وتوزيعها على الملئ لقرائتها .

وبناءاً على ما تقدم فانني في مقالي ( لطيف وخوشابا ـ ـ ـ أول نص مسرحي نُشرَ في العراق ) أي تمّ طباعتهُ ونشره وليس تأليفه أو كتابته فقط !! .
وهذا ما أكده لي الباحث والفهرستي الاستاذ كوركيس عوّاد شخصياً حينها ، كما أكده ُ الكاتب يوسف نمر ذياب في مقالهِ في جريدة العراق العدد 5234 لسنة 1993 والذي شكر فيه الفهرستي المعروف أحمد فياض المفرجي لإعارتهِ نسخته الأصلية من ( الرواية ) للاستدلالِ بها ، ولو كان الأمر غير كذلك لكان الفهرستي أحمد فياض المفرجي قد ( نبّه ) الكاتب يوسف نمر ذياب الى ان ( رواية ) لطيف وخوشابا ليست أول نص مسرحي ( يُنشرْ ) في العراق ، علماً بان د. سعدي المالح قد أعتمد في دراسته الاكاديمية هذه على باحثين معروفين في العراق ومنهم الفهرستي أحمد فياض المفرجي .

ربما تجدر الاشارة ايضاً في هذه المقدمة ( الطويلة ) الى التنويه بانني لم أستبدل كلمة ( رواية ) التي إستخدمها المؤلف نعوم فتح الله السحّار بكلمة مسرحية حرصاً مني على نقل الصورة عن الاصل ، خاصة وانني عرضتُ غلاف ( الرواية ) الذي يبين العنوان كاملاً ولم أكن أرغب في تشتيت القارئ والحديث عن أوجه الشبه بين المسرحية والرواية من حيث توفر عنصري الزمان والمكان في كلا الفنّيين واوجه الفرق بينهما من حيث ان كاتب المسرحية مُقيد بزمن محدد ، أما الروائي فهو غير مقيد بزمن معين وكاتب المسرحية مُقيد بالمكان وهو المسرح ومُقيد بحركة الممثلين مع ما يتلائم من ديكور ومشاهد المسرحية ، بينما الروائي لديهِ حُريّة الحركة وتبديل المكان ، كما وان الرواية حُرّة في عرض الاحداث بالطريقة التي يراها الكاتب ، أما المسرحية فهي مُقيدة بالحوار وبوحدة الموضوع ، بينما الرواية تُعالج عدّة مواضيع والى آخرهِ . وهذا أيضاً ليس موضوع البحث الآن وسابقى أسميها رواية كما أطلق عليها مؤلفها .

يقول د . سعدي المالح في مقاله الذي نشرهُ على منتدى عينكاوة والذي أسماه ( حول لطيف وخوشابا ودور السريان في نشأة المسرحية العراقية ) :

1-   تُعد مسرحيات الشماس وفيما بعد القس حنا حبش ( كوميديا آدم وحواء وكوميديا يوسف الحسن وكوميديا طوبيا ) من قبل جميع الباحثين العراقيين في المسرح من أولى المسرحيات العربية ( المكتوبة ) في العراق ويسترسل حيث يقول وكان بعض طلاب معهد الفنون الجميلة ببغداد أحمد فياض المفرجي وزملاؤه قد عثروا في عام 1966 على ( مخطوطة ) تضم هذه النصوص المسرحية وقد خُتِمتْ ( بختم ) يشير الى سنة 1880 م .

ردّي على اولاً أعلاه وقد وضعتُ بعض الكلمات التي هي مثار الجدل إن صحّ التعبير بين قوسين هو اني و كما ذكرتُ سابقاً وفي المُقدِمة بان هذهِ المسرحيات هي ( مكتوبة ) وعبارة عن مخطوطات في زمن كانت تتوفر فيه المطبعة وفي نفس الدير أو المدرسة وليست مطبوعة وتم نشرها لتُعتبر أو عمل مسرحي ( يُطبعْ ويُنشرْ ) في العراق .

2 -  ثم يكمل د. سعدي المالح في مقاله حيثُ يقول بان د. عمر الطالب يؤكد ان ( مخطوطة ) هذه المسرحيات أي مسرحيات القس حنا حبش هي الآن في حوزة المؤسسة العامة للسينما والمسرح العراقية وانهُ ( عُثر على النص المطبوع ) لهذه المسرحيات في مكتبة الاب توما عزيز وقد طبع في لبنان من قِبل الكنيسة الكلدانية .

وجوابي على ثانياً أعلاه هو : أين هو المطبوع الآن وفي أية سنة طـُبع ، ربما تم طباعة هذه ( المخطوطة ) بعد عشرين أو ثلاثين سنة من كتابتها ، وأين النسخة الأصلية لتكون دليلنا و البيّنة التي نعتمد عليها لإثبات صحة دراستنا وهو الأدرى بذلك ، أي يجب الإعتماد على النسخ الأصلية للمطبوع وتاريخ طباعتهِ للاستدلال ثم لتوثيقها وهو الاهم .وهذا ما أكده د. سعدي بنفسه حين قال إن مدارس البعثات التبشيرية التي ظهرت في القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر في بغداد والموصل كمدرسة الآباء الكرمليين عام 1721 م ومدرسة الكلدان عام 1843 م وغيرهما مارست نشاطاً مسرحياً متنوعاً على نطاق واسع في الموصل وبغداد ، إلا أنه ( لم يصلنا من ذلك النشاط غير أخبار متفرقة هنا وهناك ) أي انها غير موثقة ولا نستطيع الارتكاز عليها .

3 – ثم يُعرج فيقول : صحيح ان نصوص حنا حبش الثلاث ( ليست ذات قيمة عالية من الناحية الادبية والفنية ) إلا انها أكتسبت أهميتها من رياديتها ثم يشرح في معرض دراسته لماذا لم تكن مسرحيات المرحوم القس حنا حبش ذات قيمة عالية من الناحية الادبية ، ثم ينتقل د. سعدي بدراسته واستنادا ًالى الباحثين د. عمر الطالب ود. علي الزبيدي الى ان المرحوم الخوري هرمز نرسو الكلداني ( 1820 – 1892 ) كتب فيما بعد مسرحية تاريخية تحت عنوان نبوخذ نصر وقُدِمت ( أي مُثلت ) على مسرح مدرسة الآباء الدومنيكان في الموصل التي كان معلماً فيها ( لكنهما يختلفان حول تاريخ كتابة النصْ وتمثيله ولكنهما يتفقان على ان نصْ المسرحية المطبوع في لبنان قد فُقِدَ ) .

واجابتي واضحة مرة ثانية ، حيث انني لم أتكلم في مقالي عن ريادية التأليف والتمثيل وإنما عن ريادية الطبع والنشر وكيف نستطيع ان نستشهد بدليل ( مفقود ) وحتى المعنيين يختلفون فيما بينهم حول تاريخ كتابة النص وتمثيلهُ !!

4- ثم يكمل د. سعدي المالح مقاله فيقول : وإن كانت مسرحيات القس حنا حبش دينية وعظية و ( غير مُتقنة فنياً ) ومسرحية الخوري هرمز نرسو الكلداني تاريخية تعليمية ، فان مسرحية لطيف وخوشابا كما يقول د. على الزبيدي كانت ( حدثاً فنياً خطيراً في تاريخ المسرحية العربية في العراق ) ولا يقلل من أهمية هذا الحدث كونها مقتبسة عن أصل فرنسي ومعرّبة اذا اردتُ ( وهذا كلام د. علي ) الدقة في التعبير ، بينما يعدها د. عمر الطالب ( رائدة الفن المسرحي العراقي ) اذا إستثنينا المسرحيات الدينية التي ( الفها ) ابناء هذه الطائفة ( يقصد المسيحيين ) .

وجوابي للدكتور الفاضل سعدي : ان رابعاً اعلاه يؤكد بما لا يقبل التأويل أو الشك واستناداً الى آراء المعنيين الذي أعتمد هو على آرائهم في دراسته بان رواية لطيف وخوشابا هي رائدة الفن المسرحي بعد ان إستثنى المسرحيات الدينية التي تم ( تأليفها ) وليس ( طبعها ونشرها ) وهذا ما ذهبتُ اليه أنا في مقالي .

ثم بعدها تغطي دراسة د. سعدي المالح تاريخ المسرح الغنائي على يد أسكندر زغبي وكذلك النشاط المسرحي في بغداد في تلك الحقبة الزمنية .
ثم يقول في نهاية مقاله : اذا كانت آثار هؤلاء الكتاب الاولين غير جيدة فاننا يجب ان نتذكر انهم كانوا يكتبون في فن جديد على الادب العراقي . ومهما كان ضعف هذه المسرحيات الأولى فانها كانت خطوة مباركة تمخضت عن رائدين كبيرين ، هما ( نعوم فتح الله السحّار وحنا رسام ) ، وحنا رسام هو أحد تلامذة نعوم فتح الله السحّار والذي سار على نهج أستاذه بعد وفاته باحدى عشرة سنة .

وهنا اريد التداخل قليلاً في نهاية هذا الرد بان د. سعدي ذكر اسمي نعوم فتح الله السحار وحنا رسام كرائديين كبيرين ولم يذكر اسمي القس حنا حبش والخوري هرمز نرسو الكلداني واللذين هما نقطة ربما ( الخلاف ) في الآراء أو وجهات النظر بين مقالي ورده !!! ولا اعلم سبب أغفاله هذه النقطة ! !

ثم ينهي دراستهُ القيّمة أو مقالهُ الثري بعبارة :

ولم ينتقل هذا الفن الى العراقيين العرب إلا في العشرينيات أو الثلاثينيات من القرن العشرين بعد ان تأسس وشب على أيدي الكلدان الاشوريين السريان .

والحقيقة التي انهى بها الاستاذ الجليل د. سعدي المالح مقاله الشامل هي نفسها التي دفعتني لكتابة مقال عن رواية لطيف وخوشابا وهي كوننا نحن المسيحيين العراقيين الذين نتعرض الان للقتل والاختطاف والتهجير من وطننا الأصلي لم نعمل غير كل الخير لبلدنا العراق وهذا جزاءنا في هذا الزمن الصعب .


كما أود ان أنهي ردي هذا بانني لم اتطرق في مقالي الاول واتشعب في الموضوع وأقحم القارئ الكريم بالتواريخ والارقام لانه كان مقالاً يخاطب كل الفئات وكونه منشور على صفحات منتديات اجتماعية ثقافية وليست مجلات اكاديمية بحثية رغبت فيه ان يتعرف كل القراء بالوانهم ومستوياتهم المختلفة والمتعددة على جزء مهم من تاريخنا الانساني الحديث في بلدنا العراق ولم يكن يهمني كثيراً من الذي أبتدأه من أبناء شعبنا المسيحي .

أقدم شكري مع كامل اعتزازي للاخ الفاضل وليم يلدا حنا البلوايا من كاليفورنيا – امريكا والى الاستاذ الفاضل د. سعدي المالح من ارضنا الحبيبة عينكاوة – اربيل على هذه المداخلة الشفافة والمحاججة التي تنتظر ( الحُجة اي البرهان ) إن وجدت لتغيير الحقيقة ( الحالية ) والتي تقول بان رواية لطيف وخوشابا ـ ـ ـ هو اول نص مسرحي نشر في العراق ونحن بالانتظار .



     
     
سالم ايليا / كندا



200
رواية لطيف و خوشابا ـ ـ ـ أول نص مسرحي نُشر في العراق




كثيرة هي إبداعات ونشاطات أبناء شعبنا المسيحي بشكلٍ عام ، وقد أبوا ألا يكونوا دائماً السبّاقين في نشر ِ العلوم والمعرفة والأدب وترك بصماتهم واضحة جليّة على مُجمل الحياة العراقية وعلى مَر العصور ، ولم تثنيهم عن ذلك المضايقات ومحاولات التهميش وعمليات الإبادة والتهجير والضغط عليهم لتغيير دينهم ومعتقداتهم وفرض الجزية في السابق ومحاولات الإعلام الرسمي تحجيمهم منذ ان وجد الإعلام الرسمي ولحد كتابة هذه السطور ، علماً انهم أول من وضع اللّبنات الاساسية للإعلام العراقي الحديث والشواهد كثيرة على ذلك ولا اريد الدخول في تفاصيلها في هذا المقال .

ولقد كانت رواية لطيف و خوشابا أول نص مسرحي يُنشر في العراق والتي إستخرجها من الفرنسية خالد الذكر الكاتب نعوم فتح الله السحّار أحد المعلمين في مدرسة الآباء الدومنكيين في الموصل سنة 1893 ميلادية .
ولعلمي فان أول وأهم مطبعة حجرية تم جلبها الى العراق في نفس الدير كان حوالي سنة 1856 ميلادية .

وقد إستشهدتُ بالرواية في إحدى مقالاتي وعن مُعرّبها المرحوم نعوم فتح الله السحّار للدلالة فقط .
وحينها أرسلت ْ لي وعبر بريد منتدى عينكاوة إحدى حفيدات كاتب الرواية رسالة تشكرني فيها على ذكر أسم جدّها ( والحقيقة فاذا كان هنالك اي مدعاة للشكر فنحن الذين يجب ان نشكر الكاتب نعوم فتح الله السحّار لانه وضع الاساس للترجمة الادبية والتأليف والنشر في تاريخ العراق الحديث ) .
كما ونوّهتْ في رسالتها لهفوة بسيطة ذُكِرت ْ في المقال وهي ان جدّها لم يكن من الآباء الدومنكيين ، وقد أرسلت ُ لها الرد عبر بريد عينكاوة وذكرت ُ لها بانني إعتمدتُ في تلك المعلومة على مقال كُنتُ قد قرأتهُ في صحيفة العراق في بداية التسعينات من القرن الماضي للكاتب يوسف نمر ذياب وذلك لانني لا أرغب بتصفح نسختي الاصلية لقِدمها ومحافظتي عليها كوثيقة مهمة والتي حصلتُ عليها من الارث الادبي الذي تركه لي والدي رحمه الله ، وبعد إرسالها لتلك الرسالة أخرجتُ النسخة الأصلية من ( سُباتها ) لأقف على الحقيقة التي تقول ان المرحوم نعوم فتح الله السحّار كان أحد المعلمين في مدرسة الآباء الدومنكيين وليس أحد الآباء وحسبيّ ان الهفوة جاءت بلقب يتمناه كل مسيحي ، كما وانها ذكرت بان عائلتها أيضاً تحتفظ بنسخة أصلية للرواية ولعلمي فان المرحوم الباحث والفهرستي القدير الاستاذ كوركيس عوّاد كان يحتفظ بمكتبته القيّمة بنسخة أصلية أيضاً ، وهذا ما أخبرني به شخصياً عند زيارتي لهُ في دارهِ في الثمانينات من القرن الماضي ، كذلك يوجد نسخة أخرى من الرواية وحسب ما ذكر الكاتب يؤسف نمر ذياب حينها لدى الفهرستي أحمد فياض المفرجي وهذا يدُل على ان هنالك بعض النسخ الاصلية للرواية وربما بعدد أصابع اليد ! !
هذا وقد تمنّت حفيدة الكاتب في رسالتها ان تُنشر أو تُمثّل الرواية من جديد .
والحقيقة ان الرواية واحدة من كثير من الروايات والفعاليات التي نسعى جميعنا لبث الروح فيها من جديد ، فهنالك أيضاً رواية القديسة بربارة للاستاذ المرحوم يَقين الاسود والتي مُثـّلتْ في كرمليس في أواخر 1950 م أو أوائل 1951 م وقد الّفها في التاسع من كانون الثاني 1950 م وقد أعتمد في تأليفها على سيرة القديسيين ومرج الاخبار وساحاول تغطية مؤلفاته من منلوجات مصلاوية وروايات وأناشيد كنسية في المستقبل القريب .

نعود الى رواية لطيف وخوشابا ، فقد قُمت مؤخراً بحفظها على الكمبيوتر وذلك للعودة اليها كلما دعت الضرورة دون الرجوع للنسخة الأصلية .
ومشخّصوا الرواية حسب ما جاء فيها هم :
يوسف بك                    أحد متموّلي فرنسا
لطيف                        أبنـهُ
المعلم ميخائيل               مؤدب لطيف
بتّو                          بعـل مرضعة لطيف
خوشابا                      أبن بتّو
الخواجة منصور             وكيل بيت يوسف بك
بحّو                          بستاني عند يوسف بك
سمّوعي                      خادم يوسف بك

ومضمون هذه الرواية كما كتبها بالنص الحرفي المؤلف في المقدمة :
( هو أولاً : حَثْ الوالدين كي يحسنوا تربية أولادهم ولا يتركوهم ان يفعلوا بحسب هواهم وارادتهم مهما كانوا أعزّاء عليهم ومحبوبين منهم . بل يُجدر بهم ان يردعوهم عن الشرّ ويقاصصوهم عندما يصدر منهم نقيصة
وثانياً : يعلّمنا مضمون هذه الرواية الصفح عمّا الحقهُ بنا الغير من الضرّ والاساءة وخصوصاً ان نشفق عليهم عند مشاهدتنا ايّاهم حاصلين في حالة الحزن والشدّة .
وكانت هذه الرواية معنونة باصلها الفرنسي FANFAN  ET  COLAS  ( فانفان وكولا ) فدعوتها برواية لطيف وخوشابا مثلما بدّلتُ أسماء بقية المشخصّين . واجتهدتُ باستخراجها الى اللغة العربية البسيطة رجاء ان يفهمها الجميع ) .

ومختصر الرواية هو :
كان هنالك رجل ميسور الحال ومن الاثرياء ( يوسف بك ) ولهُ ولد وحيد أسمهُ ( لطيف ) ، وكان لطيف يسئ دائماً معاملة مؤدبهُ اي مربيه وأستاذه ( المعلم ميخائيل ) وكذلك يسئ معاملة ( الخواجة منصور ) وكيل بيت يوسف بك ( وبحّو ) البستاني ، وقد كان لطيف دائم التخريب في البستان والمحصول وكان يعتدي بالضرب على ( سمّوعي ) الخادم ، وكانوا الجميع مستائين من تصرفات هذا الولد المُدلل ، وعندما كانوا يواجهون يوسف بك بما يفعله أبنه من أفعال مشينة لم يكن يصدّق كلامهم عن ابنهُ لاعتقادهِ بان أبنه حسن السلوك ولكنه مُدلل قليلاً ويدعم أعتقاده هذا تبرير لطيف لسلوكياته عندما كان يوسف بك يواجههه بها وبطريقة ( شيطانية ) ، حتى جاء اليوم الذي يأتي فيه ( بتّو ) زوج مرضعة لطيف و معه أبنهُ ( خوشابا ) وهو أخو لطيف بالرضاعة الى المدينة لزيارة يوسف بك ولطيف قادمين من الريف ، وقد جلب خوشابا لاخيه في الرضاعة البقلاوة التي صنعتها بربارة أُم خوشابا خصيصاً لابنها بالرضاعة لطيف ، وقد كانت فرحة يوسف بك بهذه الزيارة كبيرة ولاعتقاده بان أبنه لطيف سيفرح أيضاً لهذه الزيارة فقد طلب منه أن يُحضّر الفطار بنفسه لاخيه خوشابا ، وقد فوجئ يوسف بك وبتّو وخوشابا بعد ذلك بسوء معاملة لطيف لاخيه في الرضاعة .
فاقترح المؤدب على يوسف بك إعطاء درس للطيف لن ينساه أبداً وذلك بأدعاء ان بتّو كان قد أستبدل أبنه بأبن يوسف بك عندما كانت بربارة زوجته ترعاه وترضعه وبهذا سيتم إستبدال الادوار بين لطيف وخوشابا ، أي يصبح خوشابا أبن يوسف بك ويصبح لطيف أبن بتّو ، وقد صدّق لطيف هذه الكذبة لانه كان قد قرأ سابقاً قصة مماثلة كان قد جلبها له المؤدب .
ولكن خوشابا الذي لم يكن يعلم بانها كذبة وصدّقها مثل أخيه في الرضاعة رفض البقاء في قصر يوسف بك وتَقبّـُلْ فكرة ان يوسف بك والدهُ واراد الرجوع مع بتّو الى الريف لشعورهِ الانساني بالانتماء الى عائلة بتّو وحياته البسيطة المُكافحة والغنية بالمشاعر الانسانية .
كذلك لم يكن لطيف مستعداً لترك هذا العِـزْ والذهاب الى المجهول والحياة القاسية بالنسبة لهُ .
وحيثُ ان الجميع لم يكونوا مسرورين لهذا الخبر المفاجئ حتى العاملين في القصر وشعورهم بالأسى على هذا الطفل المُدلل الذي تغيرت حياته في لحظةٍ من الزمن ، فأشفقوا عليهِ وهو يبكي ولا يريد الذهاب مع بتّو ، وسامحوهُ على أفعاله المشينة التي فعلها معهم حين زَفتْ ساعة الوداع . عندها وبعد أقتناع المؤدب بان لطيف أخذ درساً لن ينساه وتعلّم كيف يحترم الآخرين دون الإرتكاز على الثروة المادية التي يمتلكها والده صارحهُ بالحقيقة وعاد كل من طيف وخوشابا الى مواقعهم الاصلية فرحين .

لقد كُتِبَتْ هذه الرواية كما ذَكرَ مؤلفها بالعربية ( المفسودة ) اي بلهجات محلّية بسيطة ومختلفة وقد ترك ليوسف بك وابنهُ لطيف التكلم باللغة العربية القريبة من الفصحى .
وسارفق مع هذا المقال صورة الغلاف للنسخة الاصلية بوجهيهي الامامي والخلفي ، كذلك أخترتُ صفحتين من الرواية (54 ، 55 ) لإطلاع القارئ الكريم على طريقة الحوار ولإحتواءهما على معظم شخوص الرواية .

كما أود الإشارة الى ان الكثير من الباحثين والمهتمين بالادب قد نوّهوا بكتاباتهم عن هذهِ الرواية منهم روفائيل بطي والدكتور على الزبيدي والدكتور صالح جواد طعمة ويوسف نمر ذياب وغيرهم كثيرون .
آملي انني قد وفقتُ بتغطية شاملة لهذه الرواية الادبية والوثيقة التاريخية المهمة للعراق ولابناء شعبنا المسيحي .


                                                                                      سالم ايليا / كندا

      [/center]


201
أيهما أكثر عراقية : اليهودي المتمسك بعراقيتهِ ـ ـ ـ أم الذي يُفجّر دور العبادة ويقتل الأبرياء ؟

قرأتُ قبل فترة قصيرة وعلى صفحة منتدى عينكاوة دوت كوم رسالة المواطن اليهودي العراقي ناحوم شاؤول صيمح الذي ترك العراق وبلدته الموصل مرغماً سنة 1951 متوجهاً الى أسرائيل .

وقد لفتت إنتباهي المُقدمة التي وضعتها إدارة المُنتدى ( لِتهيئة ) القـُرّاء لقراءة رسالة هذا ( المُغترب ) ، وحسناً فعلتْ .

فالكثير مِنـّا وبعد تلك السنين من الحملات الإعلامية والحروب السياسية والعسكرية والدعايات الموجهة والمضادة لكلا الطرفين العربي والإسرائيلي والتي شيّدت جداراً عالياً من ردود الأفعال والكراهية من كل طرف ضدّ الطرف الآخر جعلت من الصعب سماع أو قراءة اي خبر أو موضوع يخص المُقابل والتي إنعكست على اليهود والمسلمين بشكل عام ، إضافة الى الإتهامات التي قد تـُثار من البعض ( المُشكِك والمُتشدد ) للغرض الذي نُشِرَتْ من أجلِهِ الرسالة .

فقد كانت المُقدمة قصيرة ـ ـ وافية ـ ـ صادقة ـ ـ مُعبرة تماماً ـ ـ مُلمّة وواضحة للهدف الذي من أجله نـُشرت رسالة هذا المُواطن العراقي .
وعند قراءتي للرسالة لاحظتُ ان المواطن العراقي ناحوم وعلى الرغم من انه غادر العراق قبل َ 57 سنة ، إلا انه لا يزال يحتفظ باسلوب جيد في الكتابة وبلغة عربية سليمة !! كما وانه لا يزال يحتفظ بذكرياتهِ الجميلة عن بلدهِ العراق ( عكس الكثيرين ممن غادروا العراق منذ فترة قصيرة !! ) ، كما لاحظت ُ مقدار أسفِهِ على الحالة التي وصلت اليها المزارات ودور العبادة والعراق بشكل ٍ عام .

كذلك جلب إنتباهي متابعته للكثير من المواقع العراقية الالكترونية !! وزيارته الى العراق في نيسان 2004 ، فانا لا أعلم  سبب الزيارة ، ولا طريقة دخوله الى العراق !! وهل أستخدم نفس أسمه أم أسم آخر للدخول ؟ !! ولكن كل الذي لاحظته من رسالتهِ هو انه لم ينسى زيارة بلدتهِ الموصل وأماكن عبادته وذكرياته ، وهذا كافياً لقراءة جزء إيجابي من مشاعرهِ تجاه بلده العراق .

وقبل أن أخوض في بعضِ التفاصيل والأمثلة التي أحملها في جُعبتي عن مقدار حُب معظم العراقيين الذين هُجـِّروا بالقوة بعيداً عن بلدهم ، سواء كانوا يهوداً أم مسيحيين أم صابئة مندائيين أم يزيديين أم مسلمين ، الشيعة منهم ( الذين هُجـِّر قسم منهم في عهد النظام السابق تحت غطاء التبعية ) ، أو قسم من السنّة المهجّرين حالياً في كثير من البلدان العربية أو الكُرد .

أحب أن أقول بان الغرض من هذا المقال ليس لتهيئة الاجواء و( رصف ) الطريق لعودة اليهود العراقيين الى بلدِهم ( علماً ان هذا الشئ من حقهم كأي مواطن آخر ) .

كما وان ليس الغاية منهُ التأثير على تفكير بعض القراء ومحاولة تغيير ما تراكم في عقول الكثيرين منهم من ردود أفعال وكراهية تجاه بعض الأديان والقوميات وعلى طريقة غسيل المخ ( والتي لَعِبت فيها المخططات والسياسات والاطماع الدولية والاقليمية والمحلية دوراً كبيراً في ترسيخها في عقول الكثيرين ) .

كما وأ ُحبّ ُ أن أسبق تفكير بعض المتشككين بنوايا هذا الطرح ، فانه ليس لي اية مصلحة لطرح هذا الموضوع لـِما قد يظن البعض كمحاولة للدفاع عن اليهود وتجميل صورتهم أمام القارئ الكريم .

فاليهود بشكلٍ عام لديهم الآن الامكانيات الضخمة في كل دول العالم من دور نشر عالمية وهيئات دولية وشخصيات كبيرة في مختلف المجالات للدفاع عنهم ، والوقوف معهم وهم ليسوا بحاجة الى قلمي ليضاف الى بقية الأقلام ( العملاقة ) للدفاع عنهم .
لكن الذي دفعني للكتابة هو تفكيري المتواصل في لواننا وقفنا بوجه الظـُلم الذي تعرض له اليهود حين غادروا العراق وبالذات بعد إصدار حكومة توفيق السويدي قانون إسقاط الجنسية عن اليهود سنة 1950 والذي سَمَحت بموجبهِ لليهود ( الراغبين ) بترك العراق بالتخلي عن جنسيتهم العراقية ( وقد ساعد هذا الإجراء على ترسيخ الإستيطان اليهودي في إسرائيل وقطعَ الطريق أمام كثير من اليهود الراغبين بالعودة ثانية الى العراق !! ) .
كذلك النهب الذي تعرضت له أملاكهم في زمن الفرهود . أقول لو وقفنا بوجه الظلم أي ظـُلم سواء الذي تعرض له اليهود أو المسيحيين أو الكُرد أو الشيعة أو أي شريحة من شرائح المجتمع العراقي في السابق ، لما وصل الينا الآن واكتوى بنارهِ كل عراقي ومن مختلف الاديان والقوميات .

إن هجرة يهود العراق الى أسرائيل لم تكن شبيهة بهجرة أي من الطوائف اليهودية الأخرى في العالم العربي الى أسرائيل ، وذلك لتجذ ّرهم في بلدهم العراق منذ ُ الآف السنين ، فقد كانت في مجملها هجرة قسرية وليست طوعية تماماً كما يحصل الآن للمسيحيين .

وقد سمعتُ عن لسان الكثير الكثير من العراقيين ومن مختلف الأديان والقوميات والذين كانوا ينظرون بعين العطف والحزن والأسى لما تعرض له اليهود ، سواء بشكل مباشر من خلال إصدار القرارات السياسية المُجحفة بحقهم أو من قِبل الناس البسطاء الذين حركتهم ( أيادي خفية ) دولية ومحلية واستغلت شعورهم الديني وإستيائهم القومي لاحتلال فلسطين لتوظيفهم ( مجاناً ) للقيام بأعمال الفرهود ، تماماً كما حصل في 2003 بعد دخول بغداد .

وعن مدى وعمق محبة كثير من اليهود العراقيين المهاجرين للعراق ، حدثني كثير من الاشخاص عن مواقف كثيرة حدثت معهم بهذا الشأن و( العُهدة على الراوي ) .

فقد قصّتْ لي إحدى صديقات العائلة عندما كُنـّا معاً في الأردن سنة 1994 ، انها قابلت سوّاح يهود عراقيين عند زيارتها الى منطقة البحر الميت ، حيث ُ تعرّفوا عليها من خلال لهجتها البغدادية ، فراحوا يسألونها بشغفٍ وقد تلألأت احداق عُيونهم بالدموع عن كل شارع وزقاق في بغداد وما هو حال شارع الرشيد بعد الحرب وهل لا يزال عكد النصارى موجود وشتموا بوش الأب لقصفهِ بغدادهم الحبيبة !!!
كما وإنني سَمِعتُ بعض الاغاني العراقية القديمة لفرقة عراقية يهودية مهاجرة في تورنتو بكندا ، والتي لا تزال ( تتشبث ) بعراقيتها وتُراثها وتنشر الأغاني العراقية بين بقية الجاليات !!

كذلك رَوت لي إحدى المقيمات العراقيات سابقاً في مدينتنا في كندا ، انها كانت تعمل في مكتب يمتلكه يهود عراقيين وعندما قررت الاستقالة للالتحاق بعائلتها الساكنة في تورنتو ، رفض أصحاب المكتب إعطائها الاستقالة لانها ستخسر كافة حقوقها كمستقيلة ، وإنما منحوها تسريح من العمل ، وذلك لضمان احتفاظها بحقها باخذ راتب العاطلين عن العمل ، كما وعدوها في حالة تغيير رأيها والعودة ثانية فان مكانها سيبقى موجود بينهم !!

وحسب ما نقرأ فان هنالك الكثير من اليهود العراقيين الذين لا يزالون يفتخرون بعراقيتهم ، وكثيراً منهم أصبحوا شعراء وروائيين وادباء مشهورين في الادب العربي ويكتبون قصصهم عن ذكرياتهم في العراق ، وقد إشتهر منهم سمير نقاش والذي بقيّ لآخر لحظة من حياته ينعت نفسه بالروائي العراقي إعتزازاً ببلده ، كذلك ساسون سوميخ وهو من أبرز نقاّد الادب العربي في إسرائيل وشمعون بلاص وهو ناقداً وكاتباً للقصة القصيرة وروني سوميك وهو من شعراء أسرائيل المشهورين ونعيم قطان الروائي والناقد .
وقد قرأت مرة أبيات للشاعر اليهودي العراقي أبراهيم عوبديا وقد كتبها وهو على فراش الموت ، يقولُ فيها :

يارب نجّ العراق اليوم من مِحنتِهِ وإجعله يزهو كما كان في زمنهِ
                                                                  يارب وانعم عليه بالسلام ، فقد آن الآوان لينجوّ اليوم من شجنهِ
دعْ الرخاء يعّم الشعب أجمعه والخير في ريفهِ يجري وفي مُدُنِهِ

كما وقرأتُ قصيدة كتبها د. شموئيل ( سامي ) موريه في 2006 اسمها ( كفاك ضياعاً يا عراق ! ) ، وقد أهداها الى زعماء العراق ، لعلّ وعسى ، يقول المقطع الاخير منها :

أصيحُ بالعراق ، يا عراقْ ،
 يا واهبَ الشبابِ اليُتـْمَ والرّدى ،
 عُد الى رُشدِك َ يا عراقْ
عُدْ الى الوفاقْ
وخلّي شباب العراقْ
مرّة أبعُمرَه يتـْهنـّا

كما وان التاريخ العراقي الحديث مليء بالاسماء اللامعة ليهود عراقيين من أمثال حسقيل ساسون ، وهو أول وزير مالية للدولة العراقية الحديثة ، عُيّن سنة 1921 وهو الذي وضع اللـّبنات الاساسية لوزارة المالية العراقية ، الذي نعته معروف الرصافي بعد وفاته بابيات شعر حيثُ قال:

ألا لا تقلْ قد مات ساسون بل فقـلْ
                                        تغور من أفقِ المكارم كوكب ـ ـ ـ الخ
كذلك في مجال الفن فلا يزال أسم سليمة مراد ( سليمة باشا ) يتردد على لسان النقـّاد والفنانين ، لِما تركتهُ من أثر واضح على الاغنية العراقية .

وسؤالى للقارئ الكريم : أيُهما أكثرُ عراقية ـ ـ ـ اليهودي المتمسك بعراقيتهِ وذكرياتهِ وحبهِ للعراق والذي يطلب من الرب أن يعّم الرخاء على الشعب العراقي بأجمعه بدون تفرقة وهو على فراش الموت ، كما فعل الشاعر أبراهيم عوبديا ـ ـ ـ أم الذي يُفجّر الجوامع والحسينيات والكنائس وجميع دور العبادة ويُفجّر السيارات المُفخخة وسط الابرياء ؟ ؟

فتحية الى كل عراقي من اي دينٍ أو مذهبٍ أو قومية يعتز بعراقيتهِ وينتمي اليها .



                                                                                                            سالم ايليا / كندا

 

202
اعلان غريب صادر مِنْ مكتب المفتش العام في وزارة الداخلية العراقية !!!

قرأت قبل فترة إعلان بَثَتـّهُ الفضائية العراقية الرسمية على شريط الاخبار الالكترونية المرئية وهذا نصّه بالكامل :
( مكتب المفتش العام في وزارة الداخلية يدعو حائزي شهادتي الدكتوراه والماجستير لجميع التخصصات الى التقديم الى مديرية العـشائر قرب وزارة النفط ) ، إنتهى الاعلان .

وقد جلبَ إنتباهي مسألتين في هذا الاعلان ، الاولى ان الاعلان صادر من ( مكتب المفتش العام في وزارة الداخلية !! ) ، والثانية هي ( التقديم في مديرية العـشائر !! ) .
وبفضول القارئ والمتتبع لاخبار بلده ، بدأت أحلـّل وأسئـل نفسي لماذا هـذا الاعلان ، وما هو وجه الترابط والصلة بين وزارة الداخلية ومديرية العـشائر وحائزي الشهادات العليا ولجميع التخصصات !!!
ومن خلال خبرتنا ( المريرة ) كعـراقيين ، السياسيين منـّا وغير السياسيين ، فان وزارة الداخلية لا تحتاج الى حائزي الشهادات العليا ( ولجميع التخصصات ) ، ولكنها تحتاج لحائزي الشهادات العليا و( لتخصص واحد فقط !! ) لا يُمنح هـذا التخصص من داخل المؤسسات الأكاديمية والجامعات !! وإنما يُمنح من داخل دهاليز الوزارة !!
فقررتُ الإتصال بأصدقائي ومعارفي من حائزي الشهادات العليا لعـليّ أجد عندهم جوابا ً شافيا ً لهذا اللغـز المُحَيّر ؟ ؟ ؟

فقد تلقيّتُ مكالمة هاتفية روتينية من أحد أصدقائي والقاطنين معي في بلد المهجر والمهتم جدا ً بشوؤن بلده العـراق بالرغم من ان اختصاصه الاكاديمي علمي بحت ( حاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية ) ، وبدأ الحديث حيث كان ( متفائلا ً جدا ً ) بالاخبار التي تردنا من داخل الوطن بوجود إنخفاض نسبي في احداث العنف ( فقط بحدود سيارتين الى ثلاثة سيارات مفخخة يوميا ً وانفجار عدة عبوّات ناسفة مع سقوط عدد من الشهداء والجرحى من أبناء شعبنا ـ ـ ـ ـ دقوّا على الخشب !! ) ، وحين جاء دوري في الكلام تطرقتُ له عن الاعلان وكان صاحبي هادئا ً جدا ً وكلـّهُ آذان صاغية لبداية الاعلان حتى وصلتُ الى فقرة التقديم في مديرية العشائر فكسرَ هدوءه ِ وصرخ من خلال سماعة الهاتف ( لا ـ ـ ـ لا ـ ـ أكيد أكو غلط بالاعلان ؟ ) أو إنك ( يقصدني ) لم تقرأ الاعلان بشكل جيد ، فأكدتُ له بان الاعلان صحيح ولو لم يكن صحيحا ً لما بقيّ مُعلن لمدة يوم كامل . كما وإنني قرأتُ الاعلان جيدا ً ولعدة مرّات وسجلته على شريط فيديو ، عندها أستشاط صاحبي غضبا ً وقال : ما علاقتنا نحن بمديرية العشائر ؟ ؟ الهذا الحد وصلت الإستهانة بحائزي الشهادات العليا في العراق !!!

فقاطعته مستفسرا ً ، وما الضير في أن يتم التقديم في مديرية العـشائر !! السنا جميعنا ننتمي الى العـشائر ؟ ـ ـ ـ الم يصنّـف العـراق من قِبل الباحثين والمؤرخين ( د. علي الوردي وغيره ) على إنه بلد عشائري أو تطغي عليه الصبغة العشائرية أو البدوية ـ ـ ـ الم يتم العودة بالعراق لعشرات السنين الى الوراء بتركيبته الاجتماعية ( مثلما وعد جيمس بيكر في لقاءه مع طارق عزيز آبان حرب الخليج الاولى ) ، حيث اننا الآن نسمع ونشاهد بان ( التحسن الامني ) يتم من خلال ( داء الصحوة ) الذي أبتلينا به والذي تقوده العشائر ـ ـ ـ الم تُتأخذ كل قرارات الحكومة العراقية ( التكنوقراطية ) من خلال الرجوع الى العشائر والمرجعيات !!! ـ ـ ـ الم يصبح العـراق الآن عبارة عن كانتونات عشائرية يتم من خلالها توجيه الحياة العامة بكل تفاصيلها من خلال الرجوع الى العشائر !!  فاردف قائلا ً وقد زالت نبرة التفائل من صوته ( والله يا صديقي لا أعلم الى أي منحدر متخلف ستأخذنا اليه هذه الحكومة !! ) .
ثم أتصلتُ باحد أصدقائي والحاصل على شهادة الدكتوراه من إحدى البلدان الاوربية والذي يعمل فيها كأستاذ جامعي ( دكتوراه في الهندسة المدنية ) وبدأنا الحديث وتطرقتُ الى الاعلان ، وايضا ً أصابته نوبة من الضحك الهستيري المصحوب بنبرة انزعاج وآلم وقال لى ( أكيد إنك تمزح أو إنك لم تقرأ الاعلان جيدا ً ) فطمئنته مثلما طمئنت صديقي الذي قبله من ان الاعلان صحيح ومسجـّل عندي .

بعدها قلت مخاطباً ذاتي ربما نحن المنفيين طوعيا ًأو قسريا ً خارج العراق لا نستوعب أو نفهم ما يحدث من ( تطوّر سريع ومذهل ) في الحياة العامة في العراق بحيث  أصبح من ( الضروري ) ان يكون لوزارة الداخلية ومديرية العشائر أخصائيين من حملة الشهادات العليا ولجميع التخصصات ؟ ؟ فأتصلت بأحد أصحاب الشهادات العليا والحائز على شهادة الدكتوراه في إختصاص قريب جدا ً من حاجة العشائر والمناطق الريفية والساكن داخل العراق لأسئله وأستفسر منه عن مدى حاجة تلك الجهتين لخدمات الشهادات العليا في العـراق ، فأبدى أيضا ً إستغـرابه من الاعلان وعدم معرفته بأية معـلومة تدعو وزارة الداخلية الى دعوة أصحاب الشهادات العليا لتسجيل أسمائهم في مديرية العشائر !!

المهم بقيّ هذا الاعلان في ذهـني وذهـن الكثيرين ممن قرأؤه أو سمعـوا عنه مُبهَمْ وغير واضح وربما إذا عُرف السبب من وزارة الداخلية بَطلَ العَجَبْ !!

بقيّ ان أذكر شئ واحد فقط ، فقد صَرّح لي أحد ( الخـُبثاء ) انه ربما دَعتْ وزارة الداخلية أصحاب الشهادات العليا ومن جميع التخصصات الى تسجيل أسمائهم ( للوقوف ) على العدد الحقيقى المتبقي منهم داخل العراق والذين لحد هذه اللحظة لم تطالهم يد الغدر ( تقول بعض الاخبار الغير محايدة من انه لحد الآن تم تصفية 350 عالما ً عراقيا ً و 200 أستاذا ً جامعيا ً على أيدي مجهولين !!! ) وذلك لتهيئة ( أماكن محصّنة ) خاصة لهم بعيدة عن ايادي الارهابيين ( للتحفظ عليهم ) في الوقت الحاضر ، تماما ً كما فعلت حين ( تحفظت ) على حاملي الشهادات العليا عندما أرسلت مجموعة من (مغاويرها لاستضافتهم ) من دائرة البعثات لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والله من وراء القصد !!


                                                                                                             سالم ايليا / كندا

203
برنامج تحت نصب الحرية ـ ـ ـ ـ ـ أم برنامج فوق نصب الطائفية

أكثر ما آلمني وأزعجني أن يُستخدم أسم رمز وصرح من صروح العراقيين والذي جمعهم لفترة طويلة منذ قيام الجمهورية العراقية ولحد هذه اللحظة كأسم لبرنامج يُعرض على فضائية رسمية تُمثلْ الدولة للتهجم والسَبْ والتحريض على العنف ضد كلّ العراقيين بدون إسثناء عدا الطائفيين منهم .

ففي إحدى حلقات برنامج ( تحت نصب الحرية ) ، بدأ مُعِدْ ومُقدم البرنامج وجيه عباس ( والذي لا يبدو لي فيه أي شئ مِنَ الوجاهة ) بـ ( سالوفة ) قصّها عليهِ  أحد ( الملالي )  . وهذه القصة تبدأ بشخص أسمه عباس ابو الدجاج ( اعتقد بان لقبه جاء من سرقة الدجاج ) ، يَسكنُ في مدينة الثورة ( مدينة الصدر حالياً ) وقد وفقهُ الله ربما في زمن ِ الحواسم والقفاصّة وغيرها من الأسماء التي وردت علينا في هذا الزمن ( الأغبر ) وأصبحَ غنيا ً وصاحب أملاك ، فقرر الإنتقال الى منطقة أكثر رُقيا ً وتـَحضّراً ، وبالطبع لم يجد أفضل من مجاورة المسيحيين ، فقرر شراء دار في منطقة الغدير ( ومنطقة الغدير في بغداد يَسكُنها أكثرية مسيحية ومُتعايشة مع بقية أطياف الشعب العراقي بسلام وآمان ومحبة وتآخي ) .

المهم فان صاحبنا عباس ابو الدجاج وبعد سَكنِهِ في تلك المنطقة ، قرر ان يقيم مأدبة عاشورا في شهر مُحرّم ، وأستدعى لذلك أحد الملالي من مدينة الثورة لإلقاء ( خطبة ) بين المدعوّين . وقد طلب عباس ابو الدجاج من ( المُلاّ ) أن لا يتعرض لبقية الأديان بكلام جارح وغير لائق ، وذلك لأن جارهُ من الجهة اليُمنى كان مسيحيا ً وجارهُ من الجهة اليُسرى كان صابئيا ً
مندائياً .

كذلك طلبَ من ( المُلاّ ) أن لا يتعرض الى بقية المذاهب ، لأنّ جاره الذي يُقابلهُ أسمه أبو سفيان ـ ـ ـ المهم عندما صعدَ ( مولانا ) الى منصّة الخطابة أحتج بشكل علني على طلبات عباس ابو الدجاج ( وطبعا ً هذا من حقه لانه عمليا ً فان عباس ابو الدجاج قطع لهُ لسانهُ قبل أن يتكلم ) ، فإذا لم يتكلم ويتهجّم على الأديان والطوائف الاسلامية الأخرى ، فماذا بقيّ لديه ليتكلم عنهُ ، فهو لا يعرف من الكلام غير القذف والسب و ( بلباقة ) على كل مَن لم يوافقهم على التعصب ، فهذهِ هي مهنته التي يرتزق منها !!
ويبدو ان عباس ابو الدجاج وبعد إختلاطه بالمسيحيين وبقية طوائف المجتمع العراقي وتأثره بالمجتمع المسالم الجديد أصلح حاله ونبذ الطائفية والطائفيين ، ولكنه بقيّ ملتزماً بشعائر مذهبه الدينية وهذا جيد .

ولكن مُقدم برنامج ( فوق نصب الطائفية ) لم يُعجبّهُ هذا التغيير الايجابي الذي حصل لعباس ابو الدجاج ، فراح يقذفه بالكلمات البذيئة لان حاله تغيّر وأصبح مواطن يسعى لعدم جرح شعور جيرانه والعيش معهم بسلام ونبذ الطائفية .

ثم إنتقل مُقدم البرنامج وبشكل مفاجئ الى موضوع آخر لا علاقة له بالموضوع الأول ، وتكلّمَ عن ما يُسمّى بالمقاومة ( حسب تعبيرهُ ) وكيف إنهم كفرة ملحدين يتبعون محمد خاص بهم وليس الرسول محمد الذي هو يتبعهُ ودخل في جدال ايهما الصحيح ، ولو أن احداً من النرويج أو الدنمارك تفوّه بما تفوّهَ بهِ مقدم البرنامج لوقفت الدنيا ولم تقعد ويُنعَتْ بشتى النعوت وتـُطالَبْ الحكومتين النرويجية والدنماركية بالإعتذار ، ويتم سحب السفراء وقيام المظاهرات في كل أرجاء بلاد المسلمين . ولكن مُقدِم البرنامج ( صالَ وجالَ ) ولم يَردَعهُ أحد ، فهو من أهل الدار ويَحُقّ لَهُ ما لايَحُقّ لغيرهِ .

ثمَ تطرق كيف ان الفقيد رياض السامرائي رئيس صحوة الأعظمية قـُتِلَ في مُجمّع الوقف السُنّي في الأعظمية ، وان قتلَتِهِ هم مِن نفس أبناء الصحوة ، لإنّ جميع ( الصحوات ) مُخترَقة مِن قِبَل القاعدة ويعملون وفق قاعدة مَن يدفع أكثر .

ثم فجأةً بدأ بمَدح ِ أبناء الصحوة وأعضاء الوقف السُنّي وشتم مرة ثانية المقاومة والإنتحاريين الذين عندما يُفجرون َ أنفُسِهم سيذهبون لإخذِ فطورهِم مع الرسول الكريم ، ويتسائل بان وقت الإنفجار لم يكن فطوراً وإنّما غذاءً !!

ثم نزلُ مُنقضّا ً بـِدول الجوار العراقي والدول العربية التي ما أنفكّت تـُشجّع وتـُرسل الإرهابيين ، ولم يستثني اية واحدة منها ، بل على العكس عددها جميعها بالأسماء ، وربما ولكي أنصفُ هذا الرَجُل في كلامي ، فإن جزء مِن كلامهِ كان فيهِ نوع من الصحة والحقيقة ولكنها ضاعت في زحمة الشتائم والمَسَبّات والإتهامات . كما وأن بعض من حلقات البرنامج جديرة بالاهتمام ولكن ـ ـ ـ ؟ !! .

بعدها لم ينسى أن يَعرِج على أعضاء مجلس النواب جميعهم ويصفهم بانهم مشغولين بعمل وصناعة السيارات المُفخخة ، وهيئة الرَجُل وطريقة كلامهِ وحركة جسدهِ الإنفعالية وتهجُمِهِ تدل على أنه ربما اصيب بمرض نفسي وكان ضحية من ضحايا النظام السابق ، وقد شاهدتُ لهُ عدّة حلقات لم أكملها بسبب طريقتهِ الهجومية في الكلام وبذاءة لِسانهِ ، حتى انه في إحدى الحلقات تهجم على رجل دين فاضل هو أياد جمال الدين بسبب تصريح أدلى به هذا الرجل الفاضل ونصح بإعادة بناء سلوكية الانسان العراقي ( وهو على حق ) ، وذلك بسبب تعرض الانسان العراقي لنكبات وويلات وحروب ولأكثر من نصف قرن ، خاصة بعد إعتلاء صدام حسين سدة الحكم وإقحام الشعب في حروبٍ كثيرةٍ  كان نتيجتها جيلين أو ثلاث أجيال كاملة  لا يعرفون من الحياة غير البندقية والعنف والمآسي والالآم .   
كذلك أرسل لي أحد الأصدقاء إيميل لإحدى حلقات هذا الرجل قبل أن أشاهده على الشاشة الصغيرة ، ويظهر في هذا الإيميل مُعد ومقدم هذا البرنامج الذي أسماه ظـُلماً ( تحت نصب الحرية ) وهو يبدأ بالتحية والسلام على المشاهدين ، فيقول صباح الخير على العراق وصباح الخير على المشاهدين ثم يَز ّل لِسانهُ ويلفظ كلمة بذيئة ويقول صباح الـ ـ ـ  ويحاول إصلاح ما وراءها ، وقلتُ في نفسي ربما هذا تجني عليه وهو جزء من فبركة إعلامية من أعدائه لتشويه سُمعتهِ وتبين لي فيما بعد ، وبعد أن شاهدتُ له بعض الحلقات إنها لم تكن ( زلـّة لسان ) فقط وإنما ( زلـّة أخلاق ) أيضاً .

وحسب علمي فإن هذا البرنامج قد جاءَ بديلاً هو ومُقدمه لبرنامج ( خلي نسولف ) لمقدمهِ فائق العقابي و متزامناً  مع إستبدال رؤساء الوزارات ، ففائق العقابي كان من بطانة الدكتور ابراهيم الجعفري وصاحبنا ( الوجيه ) من بطانة نوري كامل المالكي ، والحق يقال فان فائق العقابي ولحد علمي لم يكُنْ بهذه البذاءة من الكلام ، صحيح ان برنامجه في آخر أيامه أصبح برنامج ( تنفيسياً ) أكثر منه برنامج رقابيا ناقداً ولكنه لم يتعدى حدود اللياقة الادبية والاعلامية .

المهم فان مُقدم برنامج ( فوق نصب الطائفية ) لم يتوقف عن الكلام المُباح حتى ( صرخ ) في أذنيه وعبر سماعة الاذن مخرج البرنامج لينبهه بان وقت البرنامج قد انتهى منذ ُ زمنٍ ليس بالقصير !!!



         
                                                                                      سالم ايليا / كندا   

204
مهلاً يا شعبنا ـ ـ ـ فإنّ إطلاق تسميّة ( طائفة ) علينا لا يعيبنا بشئ

قرأتُ وسَمعتُ من بعض ٍ من أبناءِ شعبنا الكلداني السرياني الاشوري إعتراضهم وإحتجاجهم على كلمة ( الطائفة ) أو نـَعـتـنا  (بالطوائف المسيحية ) . وحُجـّتـهم في ذلك إنّ معنى مفردة ( الطائفة ) هي ما تطفو على سطح سائـل لخِفـّة وزنها وعدم وجود جذور لها ـ ـ ـ الخ . ومن خلال معرفتي وبحثي لمعنى هذه الكلمة ، لم أجد مطلقا ً ما يشير الى المعنى الذي التـَزَمَ به بعض من أهـلنا وراحوا يُروّجونَ لهُ ويَحتجّونَ عليه .

لقد وَرَدتْ كلمة ( طائفة ) كثيرا ً في القرآن الكريم والأحاديث النبويّة كلّها تـَدُل على معنى أو معاني لا علاقة َ لها بـِخفـّة الوزن وعدم وجود جذور !! وكما هو معروف ، فان القرآن الكريم يتكلم بلغة عربية سليمة جدا ً ، فما ذ ُكِرَ من آياتٍ كثيرةٍ وَرَدَتْ فيها كلمة ( طائفة ) تدل على ان معنى الكلمة هي مجموعة أو جماعة من الناس تحيا في مكانٍ ما ويجمعُ معظمها خصائص وصفات مشتركة وليس من الضروري أن يكون َ لَهم نفس المستويات الثقافية أو الإنتماءات العشائرية أو يكون لديهم نفس العادات والمعتقدات ، كما وإنّ كلمة ( الطائفة ) يُمكن إطلاقها على السَلـَفْ بغض النظر من أي مكانٍ إنحدرَ ذلك السَلـَفْ .

والطائفة من الطوف أي الجماعة ، وتأتي مفردة مؤنثة باعتبار اللفظ وجمع مؤنث باعتبار المعنى ، فقد وَرَدَ ذكرها في القرآن في آياتٍ كثيرةٍ ( وَإنَ طآئِفَتـَانِ مـِنَ المُؤمِنِينَ اقـْتـتـلُوا فَأصلِحُوا بَينَهُمَا ـ ـ ـ الخ سورة الحُجُراتِ : 9 ) و ( وَمَا كَانَ المُؤمِنُونَ لِينفِروُا كَآفـّة ً فَلَولا َنَفـَرَ مِن كُـلِّ فِرْقَةِ مِنهُمْ طـَآئِفة ٌ لِيتَفَقـَّهُوا في الدِّيـن ِ ـ ـ ـ الخ سورة التَوبَة : 122 ) و ( ولْيَشْهَدْ عَذَ َابَهُمَا طَآئِفَة ٌ مِنَ الْمُؤمِنِـِينَ . سورة النُور : 2 ) و ( لا تزَالُ طَآئِفة ٌمِن أ ُمَتِي ظَاهِرينَ على الحَقْ ، لا يَضِرّهُمْ مَن خآلَفَهُمْ ـ ـ ـ الخ حديثٌ نبوي ) .
 فليسَ من المعـقول أن يَنْعَتَ القرآن والنبي محمد المسلمين َ بـِنُعوتٍ تَحُط ّ ُمن شأنِهم وتقَلـِل مِن قـَد رهم !!

وفي حديث للأديب الياس خوري ( في معنى الطوائِفْ ) حيثُ قال :
 [ دخلت كلمة الطوائف في القاموس الثقافي والسياسي العربي مِن التجربة الاندلسية { ملوك الطوائف } ، وكانت مُرتبطة بالملوك والانحِلال وكان بـِداية سقوط الاندلس ، أما الكلمة التي إستخدمها العرب للطوائف الدينية فكانت المـِلـَلْ وصولاً الى نِظام المـِلـَلْ العثماني . أمَا اليوم فـَنحنُ نـَستَخدم كلمة طائفة لا للدلالة على مجموعة مِنَ الناس قد تَنتسب الى حرفة أو مكان جغرافي ، بل للدلالة على مِلـّة دينية ، وقد تحوّلت الى ما يشبه ُ الإنتماء السياسي شبه القومي ] .

وهذا يؤكد ما ذهبتُ اليه من تعريف ( الطائفة ) في المقطع السابق من أنها تـَعني مجموعة أو جماعة مِنَ الناس .

وكثيرا ً ما تُستـَخدَمْ هذهِ المُفرَدة للدلالة على مِلـّة دينية مُعينة أو قومية معينة ، فنقول الطائفة الشيعية أو الطائفة السُنـّية أو الطائفة الدرزيّة أو الطائفة اليزيدية أو الطائفة الهندوسية أو الطائفة الكلدانية السريانية الاشورية أو طائفة الصابئة أو الطوائف المسيحية أو الطوائف الإسلامية ـ ـ ـ الخ .
وقد سُمـّيَت مدينة في السعودية بإسم الطائف ، وهي أهم مصيف في المملكة العربية السعودية ، تقع على المنحدرات الشرقية لجبال السروات وعلى إرتفاع 1700 م فوقَ سطح البحر ، وقد سكنها المسيحيين العرب قبلَ الاسلام ، وقيـلَ ان ثـَقيفا ً شـَيدّتْ على الطائف سوراً يَطيفُ بها وحصونِها ( اي يحيطـُها ) فـَسُمّيت بالطائف .

والطائفة غير الطائفية : فالطائفية تعـني التَعَـصّب والإنغلاق والتـَحَزّب لِفئة معينة دونَ الأخرى ، وكـَفانا الله شَرّ الطائفية والطائفيين !!!

لِذا وَجَبَ الحَذ َر في إطلاق ( الاعتراضات والاحتجاجات ) مِن قِبـَل ِ بعضٍ من أبناءِ شعبنا الذين أخـَذتهُمُ ( الحَميّة ) وراحوا يعترضونَ على كل شئ ، فهذا ليس مِن مصلحة شعبنا ونيل حقوقه ، فقد ( يضيع الأخضر بسعر اليابس ) ، اي نعترض ونحتج على ما ليسَ صحيحاً ، وتـُكثـَر إعتراضاتنا وإحتجاجاتنا وتضيع حقوقنا ومطالبنا الاساسية في زحمة الإحتجاجات الكثيرة ، خاصة وان قسم من أبناء شعبنا وبروحِهم القومية المُتأججة قد يقعون في فـَخ ِ الطائفية والتعصب ، وهذا ليس من مصلحتنا جميعاً ، لِذا علينا أن ( نـُرَوّض ) أنفـُسنا على تـَقـَبُّل الآخر والتفاعل مع المحيط الذي نعيشه مع التمسك بكامل حقوقنا والإعتزاز بقوميتنا وديننا ، وتقع المَسؤولية الكبرى في توضيح الحقائق وعدم الخـَلط بين َ ما هو واجب الإعتراض عليهِ وبين ما هو صحيح علىعاتق أصحاب القلم في كتاباتِهم ورجال الدين الافاضل في كلِماتهم كلّ يوم أحد في الكنائس ، خاصة وإن قسم من أبناء شعبنا والذين يحضرون لِسماع القداس هم من عامة الشعب والناس البسطاء الطيبين ، أو حتى قسم من أبناء شعبنا من حاملي الشهادات الجامعية ليست لديهم ميول لُغـَوية أو تاريخية أو أدبية ، وهذا واقع نعيشه وهذه ليست خطيئة أو عِلـّة في شعبنا ، فكل شعوب العالم لديها نفس المُكوّنات ، لا بـل إن شعبنا الكلداني السرياني الاشوري يُعتبر من الشعوب المُثـَقفة في منطقته والعالم .
فإعتراضنا مثلاً على كلمة ( جالية ) عندما أ ُطلِقـَتْ علينا ( بقصد أو بدون قصد ) كانَ صحيحاً وفي موقعه ، لهذا إستجابَ الطرف الآخر لإعتراضنا وأعتذر في أكثر من مناسبة على تلك ( الغـلطة) .

وما دُمنا في مجال الاعتراضات والاحتجاجات ، فإن هنالك بعض المفاهيم والاعتقادات الخاطئة والتي سمعناها من البعض القليل مِن أبناء شعبنا ،فمثلا ً رَفـْضنا للعـَلـَمْ الحالي ليس بسبب وجود عِبارة ( الله أكبر ) عليه ، على الرغم مِن إننا لا نؤيد إقحام الدين في شعارنا الوطني كما في باقي رموزنا الوطنية الأخرى ، وان ( حشر ) عبارة الله أكبر في العـَلـَمْ العراقي جاءت لغاية سياسية وليست لغاية إيمانية !!

فالمسيحيون العرب أول من قال ( الله أكبر) ، وكانوا دائما ً يُرددونها في فعالياتهم ، فمن منـّا يقول ( الله أصغر !! )، فكلنا نقول (الله أكبر ) ،حتى ان عبارة (لا اله إلا الله ) هي مسيحية صرفة كانوا المسيحيين العرب يُرددنها دائما ً . ولا زُلتُ أحتفظ بكتاب للاعتراف طـُبعَ سنة 1901 م بترخيص من البابا ، يبدأ المُعْتـَر ِفْ بكلامِهِ للكاهن بقولِه ( لا اله إلا الله ) وهذه ِ هي ( شهادة ) المسيحيين  العرب قـَبلَ ظهور الإسلام .
وبعدما ظهر الإسلام أضافة لهذه ( الشهادة ) شهادة أخرى ، فاصبحت شهادتين ( أشهدُ ان لا اله إلا الله     وأشهدُ ان محمدا ً رسول الله ) ، ولهذا فان رجال الدين الاسلامي عندما يسألون شخصا ً ما لإعتناق الإسلام يقولون له أنطق بـ ( الشهادتين ) وليس بـ ( شهادة واحدة ) ، لأن النطق بالاولى فقط تـُعتـَبَر ناقصة من وجهة نظرهم !!! ، كما وان قانون الإيمان عندنا يبدأ بـ ( نؤمن بالهٍ واحد ـ ـ ـ الخ ) .

إذناً ليس مِن المعـقول أن يتجنب بعضنا قول ( لا اله إلا الله ) لأن المسلمين بدءوا يرددونها !! فان الله لجميع البشر وجميعنا نؤمن به فهو ( واحد ٌ وهو الأكبر ) .

كذلك سَمِعنا مِن البعض القليل جداً مِن أبناء شعبنا رفضهم للإنتماء لإسم العراق وعندما نسألهم هل تعرفون من أينَ جاءت تسمية العراق ، يكون جوابهم كلا ؟!!
 
فتسمية العراق وإن إختلفَ عليها المؤرخين جاءت أما مِن :

1- (اوروك ) أو ( أونوك ) في عهد السومريون وتعني المستوطن .                                        أو

2- ان تسميّة العـراق بمعـناه القديم ( أراكي ) أي بلاد الشمس .                                              أو                                             
                                                                                                        
3- معناها الشاطئ أو سفح الجبل في لغة العرب من أهل الحجاز  . وهذا الإحتمال مستبعد               أو 

4- ( ايراك ) وهي كلمة فارسية ومنها أتت تسميّة عراق وايران ، أي البلاد السفلى                      أو

5- يذهب طرف آخر الى ان كلمة عراق جاءت من البلاد الكثيرة الانهر والجداول ( المتعرّقة ) و ( المتشعبّة ) بين تضاريس الارض فسميّ العراق .

وكل هذه التسميّات جميلة نفتخر بالإنتماء اليها ، فليسَ مِنَ المعقول ان نرفض كل شئ جاء أو سميّ من قِبـَل مكوّن آخر من مكوّنات الشعب العراقي ، فلـَسْـنا طائفيين بإنتمائنا لقوميتنا ولـَسْـنا مُنغـَلقين على بعضنا البعض ولـَسْـنا عنصريين نرفض التعايش مع بقية الشعوب والقوميات ، وتاريخنا يُـدلـِلْ على إنفتاحنا وتفاعلنا مع الجميع .
وكلمة أخيرة أقولها بكل تواضع ومحبة لإبناء شعبنا الطيب والمسالم والنبيه ، لِنـَكُنْ حذرين فليسَ مِن صالحنا إطلاق الإحتجاجات والإعتراضات العشوائية دون وجود أي برهان أو حقيقة نستند عليها  خاصة في وسائل الإعلام ، ولِنـَترُك الأمر لذوي الإختصاص مِن أبناء شعبنا للإعتراض على ما يسئ الينا ولإخذ حقوقنا ، فالموقف حساس جدا ً وخاصة لشعبنا في داخل العراق ، وقولي الأخير ( إنّ كل شئ يُزيد عن حَدّهُ      ينقلب ضدّهُ ) .




                                                                                                           سالم ايليا / كندا
                           

205
شكراً على التوضيح المُرسل من قبل ممثل المجلس الشعبي في كندا


وردتني مكالمة هاتفية من ممثل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري في كندا السيد مظلوم ياقو مروكي ، أوضح لي فيها بأنه أتصل بي أكثر من مرة لغرض التباحث حول كيفية ضَم المقترحات التي وردت في بعضٍ من مقالاتي الى بقية الآراء والمقترحات لجميع الاخوة المهتمين بشوؤن شعبنا في كندا ، عملاً بالنهج الذي يَسلُكـُه المجلس الشعبي لاخذ جميع المقترحات والآراء التي طرحها أبناء شعبنا ، وبسبب عدم تواجدي المستمر في مكان عملي حال دون ذلك .

إنني وبكلِ محبةٍ وإخلاص ، أقدم شكري وإمتناني للسيد مظلوم ياقو مروكي ممثل مجلس شعبنا في كندا ، وفقه الله وجميع أعضاء المجلس لخدمة شعبنا الكلداني السرياني الاشوري لتحقيق هدفنا جميعاً من أجل الوصول الى الغاية المنشودة في إحقاق الحق لأهلهِ .



                                                                                                    سالم ايليا / كندا

206
التفجيرات الأخيرة للكنائس والأديرة ـ ـ ـ هل هي رسائل سياسية ـ ـ ـ أم هجمّات إرهابية ؟

مثلما يَعلم المسيحيين العراقيين وعدد ( قليل ) من باقي مكوّنات الشعب العراقي ، فقد كان يوم الأحد المصادف السادس من كانون الثاني 08 ، يوماً صعباً على أبناء الطوائف المسيحية جميعها ، فقد أستهدف الإرهاب الأعمى والحقد المقيت بيوت العبادة واماكن الصلاة لأكثر أطياف الشعب العراقي أصالة وحُباً للسلام .

فقد دوّت الإنفجارات وقذائف ال آر . بي . جي 7 وفي وقتٍ واحد تقريباً في سبعة ٍ من الكنائس والأديرة في بغداد والموصل والتي أسفرت عن سقوط عدد من الجرحى مع أضرار مادية كبيرة في دور العبادة ، ثم تبعها يوم الاربعاء المصادف التاسع من كانون الثاني 08 إنفجارين آخرين لكنيستين في مدينة كركوك .

وبنظرة مُتفحصّة وقراءة متأنـّية لما حدث ، يستطيع اي متتبع للاحداث العراقية أن يقرأ فحوى الرسائل التي أ ُرسِلت عبر تلك التفجيرات لإبناء الطوائف المسيحية ورؤسائهم والذين ما أنفكوا ينادون بالسلام والمحبة والتآخي بين جميع أطياف الشعب العراقي ولكن : لقد أسمعت لو ناديت حياً    ولكن لا حياة لِمنْ تنادي .

فلم يجد من فعـلوها غير أصحاب النخوة المسيحيين الشرقيين لكي يجازونهم على ما قدّموه للإسلام والمسلمين ، فقد وقفوا المسيحيين الشرقيين وبكل شهامة وإخلاص ومحبة منذ الأيام الأولى للدعوة الإسلامية مع المسلمين .
ولولا النجاشي ( أصحمة ) ملك الحبشة والذي إستجار بهِ المسلمين الأوائل ( وكان من بينهم جعفر بن ابي طالب ابن عم النبي محمد ) ورفضه تسليمهم لمبعوثي القريشيين ( عمرو بن العاص وعبدالله بن ابي ربيعة واللذين أصبحا فيما بعد من الصحابة !! ) بالرغم من الهدايا والعطايا التي حاولا بها استمالة ملك الحبشة للإستجابة لطلبهما لما أستمرت الدعوة الإسلامية .

كذلك وقوف المسيحيين وبخاصة مسيحيي الطائف مع المسلمين ، حيث أستقبلوا النبي محمد بعد أن قذفوه المشركين بالحجارة لدعوته لهم للإسلام ، فحماه مسيحيي الطائف وضمدّوا جراحه .

كذلك مساندة القبائل العربية المسيحية في العـراق للمسلمين في معركة القادسية ، حيث أرسل عمر بن الخطاب سنة 15 هـ ( 636 م ) القعقاع التميمي لنصرة سعد بن ابي وقاص قائد الجيش ( العربي ) ، وقد حثّ عمر بن الخطاب القعقاع لطلب المساعدة من القبائل  المسيحية في العراق وهو في طريقه الى أرض المعركة ، حيث قال له ( أطلب المساعدة من القبائل المسيحية فهم الأكثر شجاعةً والأشد بأساً ) ، وبالفعـل لمّا وصل القعقاع الى أرض المعركة ، كان معه جيشاً جراراً من القبائل المسيحية حتى ان رستم قائد الجيش الفارسي عندما شاهد نصف جيش ( العرب ) يترجّلون عن صهوات جيادهم ويبدأون بالصلاة سأل رئيس جنده ـ ـ ـ ماالذي يفعله هؤلاء ـ ـ ـ فقال له بانهم مسلمين وحان وقت صلاتهم ، فقال له رستم ولماذا لم يترجّل النصف الآخر ليصلي معهم ، فاجابه بأنهم من المسيحيين العرب وهم يحرسون المسلمين المصلّين خوفاً عليهم مِن غدرنا ؟!! فقال له رستم عجيبٌ أمر هؤلاء العرب !!
كذلك شجاعة الفتى التغلبي المسيحي الذي قتل قائد الجيش الفارسي .

ولِنـُذ َكِرْ عسى أن تنفع الذِكرى ، ففي حروب ما تسمى ( بالصليبية ) وقف المسيحيون الشرقيون مع إخوانهم المسلمون ضد ( الغزو الخارجي ) ، حتى ان احد مساعدي صلاح الدين الايوبي وأحد قوّاد جيشه كان مسيحياً واسمه عيسى ، كذلك وقفة المسيحيين العراقيين مع الحسين في واقعة الطـَف والقتال معه حتى الشهادة .

وليومنا هذا لا يزال المسيحيين يقدمون الإسناد والمساعدة لاخوانهم المسلمين .
ومِن المفارقات المؤلمة والمحزنة ، فانّ أحد ( الاهداف ) التي أستهدفتها التفجيرات ، هو دير الزعفرانية والذي قـَدّم المساعدات الكثيرة لأبناء الشعب العراقي والمسلمين منهم بشكل خاص أثناء الحصار الاقتصادي على العراق في تسعينيات القرن الماضي ، حيث كان يوزّع المساعدات الانسانية التي تصل اليه مِن الخارج على أبناء الزعفرانية والذين غالبيتهم من المسلمين ، فكان جزاءه ان يُرَد له هذا الجميل على شكل سيارة مفخـّخة !! كما رُدّ في السابق الجميل لملك الحبشة بإرغامه على دخول الإسلام !! وكما رُدّ الجميل للمسيحيين العرب بإرغامهم على إعتناق الإسلام أو دفع الجزية !!!

ولا أعلم على أي قول يستند هؤلاء ( الارهابيين ) لقتل المسيحيين أهل الكتاب وأتباع ( عيسى بن مريم ) الذي خـَصّهُ القرآن بآياتٍ كثيرةٍ وليست آية واحدة ، إذ ْ قال ( الله ) في القرآن الكريم ( يا عيسى إنـّي مُتـَوَفـّيكَ وَرَافِعُكَ إليّ َوَمُطـَهِّركَ مِن َ الـّذينَ كَفـَروُاوَجَاعِل الـّذينَ أتـّبَعوُكَ فـَوقَ الـّذينَ كَفـَروُا إلى يَو ْمَ القِيامةِ ـ ـ ـ الخ سورة آل عمران : 55 ) ، فمعنى جاعل الذين أتبعوك فوق الذين كفروا ( اي ليس هم بكافرين أو مشركين والى يوم القيامة  ) كما يتهمهم بعض من تجار الدين .

فلماذا نكران الجميل هذا ـ ـ ـ الم تأتونا دُخلاء ( في الحبشة ) فحميناكم ، وجائعين فأطعمناكم ومهاجرين فآويناكم (في المدينة والطائف ) وضعـفاء فقوّيناكم ( في معركة القادسية ) ومظلومين فنصرناكم ( في واقعة الطفّ ) ، فبنا أنتصر وإنتشر الإسلام ، فلم نفعل معكم إلا كل ّ الخير والمحبة ـ ـ ـ أتجازوننا على ما فعلناه معكم بقتلنا وتهجيرنا وإرغامنا على تغيير معتقداتنا والإعتداء على حُرماتنا وأماكن عبادتنا ـ ـ ـ أهكذا أوصاكم الله ورسوله ؟!! أهذه هي رسالتكم الى الإنسانية ، أن تستأسدوا على من حماكم في محنتكم وآواكم في تشرّدكم .
 
ولديّ بعض النقاط التي أود طرحها لبيان الهدف من تلك التفجيرات ومن الذي يقف وراءها ومن يشجعها أو على أقل تقدير يغض الطرف عنها أو يُسهّل مهمة المخططين والمنفذين لها ، وما هو موقف الحكومة والاجهزة الامنية والإعلام الرسمي ورؤساء طوائفنا المسيحية من كل ما يجري ، وأترك للقارئ الكريم حرية التفكير بها :

1ـ إنّ الطريقة التي تمّت بها التفجيرات هي طريقة معد لها بشكل مُتقـّن من جميع النواحي وتختلف عن سابقاتها بالتنفيذ والغاية منها ، حيث ان التفجيرات نـُفذت في وقتٍ واحدٍ تقريباً في بغداد والموصل حسب ما ذكرت الأنباء ، كما وانها شملت مختلف كنائس المذاهب المسيحية وحسب كثافتهم السكانية من كلدان وسريان وآشوريين وروم !! ، كذلك فانها حدثت في يوم عيد الدنح وعيد الميلاد لبعض المذاهب المسيحية ، أي ان الذي فعلها لديه معلومات إستخباراتية واسعة ودقيقة عن مكوّنات الشعب المسيحي وأعياده وكثافة اطيافه في العراق !! وهذا التوجه يختلف عن توجه المنظمات الارهابية وطريقة تفكيرهم واستراتيجية عملهم .

2ـ التنسيق الكبير و (بقيادة موحّدة ) لمنفذي الإعتداءات حيث جرت في بغداد والموصل وكركوك في أوقات متقاربة ، وإستخدام مختلف الاسلحة في التنفيذ ( من سيارات مفخـّخة وقنابل صوتية وقذائف آر . بي . جي 7 ) تـُدلل على ان منفذي الإعتداءات على أغلب الظن لديهم خط سياسي ويقودهم حزب عقائدي متطرف ومتشدد .

3ـ عدم تنفيذ الإعتداءات بواسطة إنتحاريين ( كما جرت العادة من قبل تنظيم القاعدة ) وإنما الإكتفاء بايقاف السيارات المفخـّخة بالقرب من الاهداف المطلوب تفجيرها  .

4 ـ ( تجنب !! ) أيقاع خسائر كبيرة في الارواح ( وهذا عكس أستراتيجية المنظمات الارهابية ) وإنما الإكتفاء ( مؤقتاً ) بإرسال رسائل جدّية لتنفيذ إعتداءات أخرى وإدخال الرُعب والخوف في صدور المسيحيين ، وقد كانت رسالة داخلية للمسيحيين أكثر منها للتسويق الإعلامي الدولي .

5ـ أستنكار ( خجول ) من قِبل رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ، وعدم أتخاذ إجراءات فورية وتشكيل لجان تحقيقية كما جرى في العمليات السابقة والتي إستهدفت المراقد والأضرحة وشخصيات حزبية وسياسية مشاركة في العملية السياسية ، مما شجع مرتكبيها الى تكرارها في كركوك .
وهذا يدّل على عدم جدّية الحكومة في الكشف عن المخططين والمنفـّذين وأكثر الظن بان للأجهزة الأمنية معلومات أقل ما يقال عنها كافية للمسك برأس الخيط ومعرفة منفذي الإعتداءات .

6 ـ تزامن هذه الإعتداءات مع أعلان شرطة النجدة من وضع خطة أمنية لحماية الكنائس ومع عودة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي من رحلة الفحوصات الروتينية ( والتي لابدو أنها كانت روتينية من طريقة الإستقبال ورسائل المسؤولين الأجانب للتهنئة ودفع الشعب للاحتفال مما يجعلنا  نعتقد بان هنالك في الأفق عملية خلق دكتاتور جديد !! ، على أية حال نتمنى للمالكي ولكل المرضى الشفاء العاجل )  .

 7ـ إهمال الإعلام الرسمي وبشكل متعمد وتحت ذريعة تغطية عودة المالكي من رحلته العلاجية لخبر الإعتداءات ، عدا خبر الانفجارين اللذين حدثا في كركوك وبضغط شعبي مسيحي ، بل على العكس فقد حاول الإعلام الرسمي التغطية بكل الطرق على أخبار الإنفجارات ، وذلك من خلال بث خبر عبرَ الفضائية الرسمية علىان كنيسة مارتوما في الدورة تحتفل بعيد الميلاد الشرقي وسط تحسن الوضع الأمني !!! ، وعليه يجب على أعلامنا الكلداني السرياني الاشوري وجميع فضائياتنا فتح القنوات مع وكالات الأنباء العالمية وبشكل مستقل وبمساعدة إعلام الفاتيكان على بث أخبار الإضطهاد والعنف الذي يتعرض له شعبنا المسيحي .       

8 ـ حصول الإعتداءات في بغداد في أماكن متقاربة نسبياً وربما في الموصل أيضاً ، وهذا يـُدلـّلُ على ان تنفيذ الانفجارات على اغلب الظن تم من قبل خلية واحدة في كل مدينة ، والمفروض ان يسهـّل هذا الشئ عمل الاجهزة الأمنية للقبض على المنفذين .

9 ـ عدم ملاحظتنا إشتراك الجهد الحكومي في رفع الانقاض وتحديد الخسائر والأضرار المادية ، وانما لاحظنا من خلال الصور المرسلة على الانترنيت قيام بعض الشباب المسيحي بهذه المهمة .

إننا في الوقت الذي نتمنى فيه الشفاء العاجل لجرحى التفجيرات ، نسأل الحكومة العراقية على العمل بجد ّية للقبض على منفذي الإعتداءات والكشف عن مَنْ يقف وراءهم ، واننا على ثقة من ان الحكومة العراقية واجهزتها الأمنية لديها المعلومات الكافية عن منفذي الإعتداءات ، أستناداً الى الأخبار التي يبثها  الإعلام الرسمي والذي يؤكد فيها القبض على أغلب القيادات الإرهابية وسيطرته على الموقف ، وهذه المعطيات كافية لمطالبتهم بترجمتها على أرض الواقع .




                                                                                                          سالم ايليا/ كندا

207
سهل نينوى بين رفض الروحانيون وتمسك العلمانيون

من المعـروف ان الشرق بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص لهما خصوصيتهما التي ينفردان بها عن باقي مناطق العالم وذلك لاحتوائهما على العـديد من الثقافات والقوميات والأديان المتباينة والعـريقة في تاريخها والمتعـايشة ( طوعيا ً أو قسريا ً ) مع بعضها البعـض داخل مجتمعات غالبا ً ما تكون متخلفة عن ركب التطور والحضارة ، ولهذا نجد بان هنالك مدن وقرى في بلدان هذه المناطق تكاد تكون ( مغـلقة ) بإنتماءاتها الدينية أو المذهبية أو القومية ومتمتعة باستقلالية اشبه ما تكون الى حكم ذاتي مطلق غير رسمي بالرغم من إنتماءها القانوني والرسمي الى حكومة البلد المنضوية ضمن حدوده بشكل ٍ مباشر ٍ .

ولدينا شواهد وامثلة كثيرة على ذلك ، سواء في العـراق أو تركيا أو ايران أو سوريا أو الهند ـ ـ ـ ـ الخ .
اي انه عمليا ً يوجد في هذه المناطق عشرات إن لم تكن مئات المدن والقصبات تتمتع بحكم ذاتي غير ( مُعـلن ) نتيجة تركيبتها الديموغرافية والتي لا تثير اي احتجاج أو حساسية من قِبَل ْحكومات تلك البلدان أو المعنيين في شؤونها طالما لا يوجد وثيقة رسمية أو إعتراف رسمي من حكومات تلك البلدان بشرعية حكمها الذاتي .

ومما دفعني لبدء مقالي بهذه المقدمة الطويلة نسبيا ً هو قراءتي لخبر الاجتماع الذي عقده رؤساء الكنائس المسيحية في بغـداد في يوم الثلاثاء 18-12-2007 بدعوة من الامانة العامة لمجلس رؤساء الكنائس المسيحية في العـراق والذي حضره أربعة عشر من رؤساء الطوائف المسيحية أو مَن ْ يمثلهم وبرئاسة نيافة الكردينال عمانوئيل الثالث دلي ّ بطريرك بابل على الكلدان في العـراق والعالم والذي أ ُتِخِذت ْ فيه قـرارات وتوصيات في غاية الاهمية لنا كشعب مسيحي قومي ، ربما في تقديري الخاص فان جلسة واحدة أو إجتماع واحد حتى وإن كان لعـدة ساعات لم يكن كافيا ً لاتخاذ القـرارات والبَتْ باحداث ومواضيع الساعة لاهميتها القصوى ، حيث ُ نعيش أحداثها المريرة ساعة بساعة وهي داخل كل بيت من بيوت أبناء شعبنا سواء داخل العراق أو خارجه .

ومع جُـلّ َ إحترامي وتقديري لرؤساء طوائفـنا وآرائهم التي قطعا ً تمثل وتعبّر عن رأي شريحة من المؤمنين ، إلا انه هنالك بعض الملاحظات التي أود طرحها وأملي ان اجد عند رؤسائنا سعة الصدر المملوء بالمحبة الخالصة التي أنعم بها علينا يسوع المسيح لتقبلّها والنظر فيها .

فأولى هذه الملاحظات هي ما ورد في التصريح الصادر بعد الاجتماع وعلى لسان سيادة المطـران شليمون وردوني والذي ذكر فيه ( بان المجتمعون ناقشوا قضية سهل نينوى من اوجهه المتعددة واتفق الجميع على ان هذا الامر ليس من صالح مسيحيي العـراق لانه من الطبيعي ان يسكن المسيحيون العراقيون في اي منطقة من بلدهم العـراق يرونها مناسبة لهم الى جانب اخوتهم من باقي أطياف العائلة العراقية ) .

وانني إذ أؤيد بقوة كعضو في العائلة المسيحية والقومية الشطر الثاني من هـذا الرأي والذي ينص على ( من الطبيعي ان يسكن المسيحيون العراقيون في اي منطقة ـ ـ ـ الخ ) إلا أنني وبرأيي كمتتبع لمطالب شعبنا فان احدا ً لم يطالب كفرد أو جماعة أو أحـزاب قومية مسيحية بالانفصال عن وطننا العـراق أو مطالبتنا بالحكم الذاتي ليكون الخطوة الاولى للانفصال عن وطننا العـراق بل على العكس تماما ً فالكل تطرقـّوا مرارا ً في مقالاتهم وادبياتهم الى أن شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في العـراق ينتمي تاريخيا ً ووجدانيا ً الى كل العـراق من أور مرورا ً ببابل وإنتهاءا ً بنينوى ، ولكن جاءت هذه المطالبة بان يكون لشعبنا منطقة حكم ذاتي ( منطقة آمنة ) لحمايته من خطر الإبادة الجماعية والتهجير القسري وإستخدام القوة لتغيير معتقداته الدينية خاصة وانه لم يكن طرفا ً في أي نزاع ٍ سابق أو قائم وإنما ضحية متقدمة وسهلة من قِبَل ْ جميع الاطراف المتنازعة ، وتاريخ المنطقة والعـراق ملئ بتلك الشواهد والاحداث التي ما زلنا نعيشها والتي وضعتنا أمام حقيقة عدم إرتقاء الجهد الكنسي المادي والمعنوي والفعـلي الى مستوى الهجمة الشرسة والتحديات والوقوف بوجهها وترك ( المؤمنين ) يلاقون قـَدَرهم المحتوم بقلوب ٍ مؤمنة وبشجاعة قـَل ّ نظيرها .
وكلـّنا نعلم مع إشتداد الهجمة كيف ان الكثير من أبناء شعبنا ومنهم الكثير من رجال الدين قرروا ولو بشكل مؤقت اللجوء الى المناطق الآمنة التي يسكنها باقي أبناء شعبنا ومنها عينكاوة وبغديدا وبقية المدن والقصبات المسيحية العراقية لدرء الخطر والتقليل من الخسائر وإعادة شحذ  الهـِمَمْ للعودة الى مناطق سكناهم الأصلية .

إذا ً المطالبة بمناطق آمنة للذهاب اليها في الاوقات الصعبة ليس لغرض التهيئة للإنفصال عن العراق والوقوع في فـَخْ محاولات بعض مكوّنات الشعب العـراقي في إضافة مساحات أخرى لرقعـتهم الجغـرافية للمطالبة بحكم ذاتي قد يصل فيما بعـد الى المطالبة بالإنفصال !!!

فشعبنا الكلداني السرياني الاشوري ( والمسيحي بشكل عام ) برمته ضد تقسيم العـراق وضد التقوقع والإنغلاق ، وعمليا ً فان لنا الآن مناطقنا كما للآخرين ولكننا كنـّا ولا زلنا نغـطي معظم مناطق العراق لايماننا بعراقيتنا ولكن رغبتنا في الحصول على حكم ذاتي بغـطاء قانوني للمناطق التي نتواجد فيها كاكثرية مهم جدا ً لترتيب وضعـنا القومي والديني والاجتماعي ومن غيره سنبقى نخسر كثافتنا السكانية ونسبتنا المئوية بشكل دراماتيكي كلما تعرضنا لهجمة شوفينية عنصرية ، فشعبنا لم تقـل نسبته المئوية مقارنة بباقي أطياف الشعب العراقي بسبب الكوارث الطبيعية أو الامراض الفتاكة التي ربما تهدد البشر ، ولكن عمليات الابادة الجماعية والتفـرقة والتمييز وقرارات الحكومات المتعاقبة والتي تستند الى ما تسميه الحكومات بالشريعة الإسلامية ومنها القـرار السئ الصيت والذي يعرفه رجال الدين الافاضل جيدا ً والذي كان قد شرّعه صدام حسين ( المحسوب على العلمانيين ) وبقـّيَ هذا القرار نافذ لعشرات السنين وذهب ضحيته أطفال مسيحيون دون سن الثامنة عشر وذلك بتغيير دينهم عنوة والذي وقفت منه الكنيسة موقف المتفرج لحين الغاءه طوعيا ً بعد التغيير في 2003 .
كل هذه الضغوط التي مورست وتمارس ضد شعبنا أدت به ِ الى الهجرة الجماعية خارج العراق .

فالاحداث التي نعيشها خير دليل على ذلك فقـد خسر المسيحيين نصف عددهم خلال فترة لا تتجاوز السنة نتيجة الهجرة الجماعية خارج العـراق ، فايهما أصلح ؟ أن يهاجر المسيحيون الى مناطق مسيحية داخل العراق تتمتع بحكم ذاتي ويقيمون فيها بشكل مؤقت ثم العودة منها الى مناطق سكناهم من جديد بعد زوال الخطر ، أم الهجرة الى خارج العراق وعندها سيكون من الصعب إرجاعهم الى بلدهم وبهذا سيخسر شعبنا المسيحي والكنيسة على حد ٍ سواء ثقلهم السكاني داخل العراق الى ان ينتهي تواجدهم داخل أراضيهم كليا ً ؟

لقد جاءت فيما بعـد بعض التصريحات والتوضيحات لرؤساء طوائف حضرت الاجتماع أو أرسلت مَن ْ يمثلها ( متقاطعة ) مع ما تم الاتفاق عليه في إجتماع رؤساء الكنائس .
كما وإننا لا نعلم هل ان رفضْ رؤساء الطوائف المسيحية الاجلاء لجهود السياسيين للمطالبة بحكم ذاتي في سهل نينوى جاء نتيجة ( وعود أو اتفاقات ) قطعها بعضهم عند مقابلتهم لبعض أقطاب الحكومة العراقية ؟ أم إنه جاء نتيجة قناعة ذاتية بان الكنيسة الآن أصبحت قوية بما فيه الكفاية للوقوف أمام أي هجمة شرسة على مؤمنيها والذود عنهم ؟ أم حصول الكنيسة على وعود من اقطاب الحكومة العراقية بالحفاظ على ممتلكات المسيحيين وإعادة ما سلب منهم ومعاقبة المجرمين اللذين قتلوا ونهبوا وهتكوا الاعراض !!! فالواقع لا يظهر أي شئ من هذا القبيل .

فلا تزال المادة الثانية اولا ً من الدستور العـراقي قائمة وهي ( الاسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر أساس للتشريع ) وأعضاء الحكومة الحالية هم الذين صاغوا مسودة الدستور ، ورجال ديننا الافاضل يعلمون قبل غيرهم انه لا احد يستطيع تغيير اية مادة من الدستور إلا عبر التصويت على تغييرها في مجلس النواب ( وما ادراك ما هو مجلس نوابّـنا !! ) .
كما وإن الواقع لا يظهر أي تغيير في إستعـداد الكنيسة لدرء الخطر عن ( مؤمنيها ) وليس هنالك اي خطة بائنة في الأفق وضعتها الكنيسة لحالات الطوارئ المشابهة لمايحدث الآن ، كما وإن رؤساء طوائفنا الأجِلاّء عندما رفضوا مطالبة العلمانيين من أبناء شعبنا بالحكم الذاتي لسهل نينوى لم يقد ّموا اي إقتراح أو حل بديل لحماية شعبنا بشكل عام .
فالمتعارف عليه عندما يتم رفض حل من الحلول من قبل طرف من الاطراف ، فعلى ذلك الطرف ان يهيئ البديل خاصة لقضية لا تحتمل المماطلة والتأجيل ، فلا يزال كثير من أبناء شعبنا يعيشون حالات مأساوية كمهاجرين ولاجئين داخل وخارج العراق ، إضافة الى ان سبب رفض رؤساء طوائفنا للحكم الذاتي لم يكن واضحا ً بل كان ضبابيا ً.

ان اجتماع رؤساء الطوائف المسيحية الطارئ جاء نتيجة دعوة الامانة العامة لمجلس رؤساء الكنائس المسيحية في العراق ، اي انه يجب ان يكون هنالك جدول اعمال (فعـلي ) يحتوي على قضايا الساعة والقضية الاساسية التي عقد من اجلها هذا الاجتماع الطارئ !! وكذلك يحتوي على المقترحات والحلول لمعالجتها ، ويتم مناقشتها بشكل مستفيض مع إستضافة بعـض ممثلي الجمعيات والاحـزاب التي تبنـّت بعض القضايا المطروحة للتباحث معهم حول الامور التي تهم الجميع لاننا جميعنا الآن في مركب واحد وعلينا تقع مسؤولية ابحاره الى شاطئ الأمان .

فالتصريح الذي تلى الاجتماع لم يعـطي أي حل لأية مشكلة بل على العكس أظهر خلـّلا ً كبيراً في إدارة الكنيسة ، فقضية الهجرة ومشاكلها جاءت مناقشتها متأخرة جدا ً جدا ً ، فقد تهجّر مَنْ تهجّر وضاع مَنْ ضاع ومات مَنْ مات ولم يعطي اي حل لها ، كما وان قضية ممتلكات الكنيسة والمسيحيين المهجرين لم يبين التصريح بانه تم حلّها بل اكتفى بالقول بانه تم ( دراستها ) ولا أعلم ماذا يعني بانه تم دراستها ، فاين هي الحلول فالدراسة يجب ان تتم قبل هذا الوقت بكثير فنحن الآن بحاجة الى حلول .
أما الدستور فان التصريح يقول بانه تمت ( دراسته ) ـ ـ ـ أيصح هذا يا رؤساء طوائفنا الاجلاء ، ان يتم دراسة الدستور بعد عدّة سنوات من التصويت عليه ، فقد انتهى كل شئ ولا يستطيع كائن من كان أن يغيّر اية مادة منه إلا عبر تصويت ثان ٍ أو من خلال مجلس النواب الذي تسيطر عليه اغلبية متطرفة !! فاين كنتم قبل التصويت وعند صياغة الدستور !! واين كان جهدكم لايقاف المظالم التي احتواها الدستور بدءا ً بمادته الثانية ومرورا ً بالمادة الرابعة والمادة التاسعة ، وماذا سيفعـل المسؤولين اللذين سترفعون اليهم مقترحاتكم ( بعـد دراستها حسب تعبير تصريحكم الختامي ) ، الم تكن لديكم تجربة سابقة مع نظام صدام حسين حين أقرّ بعض القرارات المجحفة بحق المسيحيين وعندما طالب رؤساء كنائسنا بالغاءها تحجج بعرضها على المجلس الوطني حينذاك على إعتبار إنه  ( صاحب القـرار ) بالغاء القوانين !!!
إننا إذ نقـد ّر حرصكم الشديد على الابحار بالسفينة الى شاطئ الأمان ومناشدتكم الاحزاب القومية المسيحية لرص الصفوف ونحن جميعـنا كمستقلين نضع صوتنا صافيا ً مع صوتكم لتوحيد الجهد والكلمة والكنيسة خدمة للجميع ، واننا نناشدكم مرة ثانية لإعادة النظر بقـراراتكم ونسألكم وضع الحلول لها بشكل سريع وعاجل ، فدموع الأمهات وأنين الأطفال المشرّدين والمهجّرين حتما ً تأتيكم عبر كنائسنا وفي كل صلاة وقداس تقيمونه .



                                                                                                     سالم ايليا / كندا

208
كُلّ َ مَنْ يَاخُذ ُ بالسّيف ِ بالسّيف ِ يَهْلِك ُ



لم يكن المسيح ( إنسانا ً ) عاديا ً جاء الى هذا العالم ليؤدي دوراً بسيطا ً ككل البشر ويرحل كما رحل َ ملايين َ البشر من قبله ِ ومن بعده ِ ، بل كان َ صاحب رسالة آلهية فوضّه ُ بها الخالق .

قد يتساءل البعض مَنْ هو يسوع المسيح ؟ ؟ ـ ـ ـ هل هو نبي ؟ ـ ـ ـ أم رسول ؟ ـ ـ ـ أم فيلسوف ؟ ـ ـ ـ أم آله ؟
مَن ْ هو ذلك ( الإنسان ) الذي جاء َ وتربع َ على عَرش الإنسانية بكل ِ جدارة وإستحقاق لا يعينه على هذا العرش إلا أعماله وأقواله المأثورة والتي دفع َ حياته ثمنا ً لها .

وما هو سر ارتباط البشر به ِ على مر ِ العصور والازمان ـ ـ ـ وما هي القوة العـظيمة التي إستخدمها ( ليجبر ) البشر على إتباعه .

فقد ترك العالم ولم يكن عدد مؤيديه يزيد على عدد أصابع اليد ، وما هي إلا عشرات السنيـن حتى تبعه ملايين البشر !! هـل إستخدم ( العصا السحرية ) لذلك !! أم كانت هنالك قوة أخرى دفعت البشر لاتباعه ِ ؟

أقول لكم إنها المحبة ، فقد أعطى من المحبة لكل البشر حتى لإعدائه ما لا طاقة للبشر على إستيعابها وفهمها ( احبوا أعدائكم كما أنا أحببتكم ) ، حتى تلاميذه ولآخر لحظة لم يستوعبوا عظمة ومقدار محبته لبني البشر ، فأستخدم أقربهم اليه وهو بطرس السيف للدفاع عن معلمه ِ ظنا ً منه بان وقت السيف قد حان وقد نسي ّ َ في لحظة الغضب والانفعال ما تعلمه من مُعلِمهِ طوال فترة بقاءه معه . ولنقف قليلا ً عند هذا الحدث ونتأمله جيدا ً ـ ـ ـ يا بطرس أرْدُدْ سَيفكَ الى غِمدِهِ لأن ّ كُلّ َ مَنْ يَأخُذُ بالسّيفِ بالسّيفِ يَهْلِكُ ( متى: الفصل السادس والعشرون : 52 ) . جميل جدا ً هذا الكلام ولنطبقه على إمبراطوريات ودول وأفراد .

فقد زالت إمبراطوريات كانت تعتقد إنها باقية للأبد ، وليس ببعيد ٍ عنّا تجارب هذا الزمن ، فالحربيين العظميين شهدت سيطرة دولا ً على دول ٍ اخرى ما لبثت أن انهارت وانهار معها كيانها وقوتها .

كذلك َ فان زمننا هذا زاخر بالأمثلة الفردية لحُكام تجبرّوا على شعوبهم وعلى العالم واستخدموا القوة المفرطة للحفاظ على مواقعهم واعتقدوا بانه ليس هنالك قوة في العالم ممكن ان تزيحهم من مواقعهم ، فظهر مَنْ هو أقوى منهم ليزيحهم بنفس الطريقة ( اي القوة ) .
فلم يَعُد خافيا ًعلى أحد بان العصر الذي نعيشهُ هو عصر السياسة والحوار بالرغم مما يتخللهُ من حروب ٍ كبيرة ٍ ومدمرة كان ولايزال لنا حصة ( الأسد ) منها !!

ولا أعلم لماذا يصرّ البعض ايضا ً على الدفاع عن الله ( جلـّت قدرته ) وعن الدين بالسيف !!!
هل إنّ الله عاجز عن الدفاع عن نفسه ِ !!! حتى يطلب ُ مِن ْ البشر الذي هو خلقهم ومصيرهم بين يديه أن يدافعوا عنه بالسيف !!!
هل ان الدين يفتقد الى الحجج والبـراهين والبيّـنات لاثبات صحته ؟؟؟ فَيُستَخدَمْ السيف لِفرضِهِ بالقوة أو حتى بقوانين يَسُنّها بعض (المتدينين) المسيسين مِمن يدّعون بانهم حماة الدين ( والدين منهم براء) واجبار الناس على تطبيقها على إنها شريعة الله .
ألا يستطيع الله أن يخلقنا بغير الصورة التي خلقنا بها ليوفر على عبده المؤمن كثير من الضغوط والعـذابات في تطبيق ( شريعته ) ؟
ألا يستطيع الله ان يخلق المرأة مثلا ً مُتشّحة بالسواد ولا يظهرُ منها إلا عينيها ليوفر عليها مشقة الاحكام ( الآلهية ) التي تعاقب عليها إذا هي لم تلتزم بما يطلبه منها بعضا ً مِمن يدعون إنهم حماة الدين !!!
ألا يوجد طريقة أسلم مِن إستخدام القوة لحل المشاكل والمعـضلات التي تواجه الدول والحكومات والافراد ؟
ولماذا غريزة الانسان باستخدام القوة تطغي على كل غرائزه الاخرى التي وهبها الخالق له ؟

فقد وهبَ الخالق الانسان صفات وغرائز الخير والشر ـ ـ ـ التسامح والحقد ـ ـ ـ  الطيبة واللؤم ـ ـ ـ الوفاء والغدر ـ ـ ـ الخ .
فلماذا يميل الانسان دائما ً لإستخدام الغـرائز والصفات السيئة التي وهـبها له الخالق جنبا ً الى جنب مع الصفات الحميدة ؟
هل ان الخالق عنيف ومحب للانتقام وشديد العقاب ، ام إنه غفور ٌ رحيم !!
أم ان البيئة ( متمثلة بالنظام الاجتماعي والديني ) التي يحيا فيها الانسان تؤثر على سلوكيته ، وهي التي تحدد فيما بعد شخصيته .
وهل ان إستخدام السيف على مدى العصور قد أثبت َ فعاليته وصحته أم العكس تماما ً ، إذ أضرّ بالغاية التي أستخدم مِن اجلها بحيث اننا لم نتعلم مِن تجارب مَنْ سبقونا قبل الآف ومئات وعشرات السنين مِمن استخدموا السيف لحل المشاكل وفرض الأراء والسيطرة  وما لحقهم مِن ويلات وأذى ودمار وموت نتيجة إستخدامهم السيف .

الم يحن زمن نبذ السيف والعنف والقوة واللجوء الى لغة الحوار والتفاهم وإقناع الطرف الآخر بالبـراهين والحجج على صحة ما نؤمن به ؟
وهل ان الدين ( أي دين كان ) يؤمن بالسيف أم بالحوار ( بشّر القاتـل بالقتـل ولو بعد حين ) خاصة وإننا ندّعي بان ادياننا كلها سماوية !!!
واين هو موقع التسامح الذي دعت اليه كل الاديان السماوية مِن هذا كله ؟

إذنا ً الخطأ ليس في تعاليم الاديان وإنما الخطأ فينا وفي ثقافتنا الاجتماعية والدينية وفي الطريقة الإنتـقائية لبعض مِما وَرَد َ مِن أقوال في بعض ِ الكُتب المُقدسة والتي كان لها ما يُبررها في حينهُ وأنتفـت الحاجة اليها الآن لإنتـفاء السبب الذي مِن أجله قيلتْ .
وهل فكرنا ولو للحظة واحدة في هذه الايام المباركة ( عيد الأضحى المبارك وأعياد الميلاد ورأس السنة المجيدين ) أن نسعى لإرساء السلام والمحبة بين البشر ؟
وما الضير في ان نردد جميعنا ( المجد لله في العلى وعلى الارض السلام والرجاء الصالح لبني البشر ) فمن منّا لا يؤمن بهذا الكلام ، فهو كلام الجميع ولا خلاف عليه بين الاديان .
وما الضير في ان نحتفـل جميعـنا باعياد الأضحى والميلاد وراس السنة ونهنئ بعضـنا البعض بقدومها ـ ـ ـ اليست هذه هي رسالة الاديان السماوية ـ ـ ـ اليست هذه هي غاية الأنبياء الذين أ ُرسِلوا مِن الله لهـداية البشر ولـّم شملهم وتقوية أواصر المحبة بينهم ؟
وأختم حديثي هـذا بقـول يسوع المسيح ( طوبى لفاعلي السلام فانهم بني الله يُدْعَونَ ) ، ومبارك لنا جميعا ً أعياد الأضحى  والميلاد وراس السنة المجيدة .
وأقولها بصدق ومحبة شكرا ً للامانة العامة لمجلس الوزراء باعتبار يوم الخامس والعشرين مِن كانون الاول عطلة رسمية للجميع ويا حبذا لو يُثَبَتْ هذااليوم كعطلة رسمية في جميع أنحاء العراق ، فقد ولِدَ المسيح رسول السلام والمحبة مِن أجل كـل البشر ، أفلا يستحق أن نحتـفل بمولده جميعنا .




               
                                                                                                                  سالم ايليا / كندا

209
الحكومة العراقية تعاقب المخلصين ! ! !   أقرأ المقال


لم اكن أرغب في ( تسخير )  قلمي بالحديث عن شخص محدد فرأيي دائما ً ان الحديث عن الجماعة هو الاصلح لِما فيه من شمولية في الطرح وتعميم للفائدة على الجميع .

 لكن شعوري الانساني والوطني والاخلاقي تجاه شخص قدم لبلده الكثير دفعني الى تغيير موقفي هذا عند قراءتي للنداء الموجه من قبل الاستاذ جلال جَرمَكاَ من سويسرا والمنشور على موقع عينكاوة دوت كم وتحت عمود  اخبار شعبنا  ليوم 09-11-2007 والذي يذكر فيه بان شيخ المدربين عموبابا ستجرى له عملية في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني ( المفروض قد تم اجرائها ) تتبعها عملية أخرى في مستشفى فرنسي متخصص والسبب لكون الاطباء إكتشفوا ثقبان في عينيه !  ولقناعتي التامة بان هذا النداء هو لربما الاول بعد الالف من العراقيين الاصلاء من كل ارجاء المعمورة ومن مختلف شرائح المجتمع العراقي  المغتربين منهم والغير مغتربين  للحكومة ( الغير طائفية )  ولوزارة الشباب ( الغير مذهبية )  وللجنة الاولمبية الوطنية والاتحاد المركزي لكرة القدم لتقديم الواجب الوطني (وليس يد المساعدة ) لمواطن قدّم للعراق كل حياته وكان ولا يزال مثلا ً اعلى في الوطنية وحب بلده العراق ـ ـ ـ فالى الذي لايدري كم عانى عموبابا من ظلم ( الاستاذ ) ونزقه وكم من مرة تبرع عموبابا لتحمل عقوبة لاعب يفرضها ( الاستاذ ) على ذلك اللاعب لقناعته بان هؤلاء اللاعبين هم أبناءه ( ليسمع لاعبنا الدولي السابق أحمد راضي أحد أعضاء مجلس النواب الآن عن جبهة التوافق والذي كان من المفروض أن يرد الجميل لمدربه بطرح معاناته في مجلس النواب ) وكم عانت عائلته وزوجته الكريمة ( أم سامي ) حين كان ( الاستاذ )  يأمر باحتجازها ووضعها تحت رحمة مرافقيه وعموبابا خارج العراق مع الفريق لرفع اسم العراق عاليا ً !!! ،  كل تلك المعاناة تحملها لحبه لوطنه وحبه لكرة القدم والحديث يطول أكثر و أكثر إذا تطرقتُ لما سمعناه وشاهدناه في مقابلات أجريت مع شيخ المدربين على الفضائيات  كم تحمل وتحمل من أجل رفع اسم الكرة العراقية واسم بلده عاليا ً ، فقد رفض عروض من الخارج يسيل لها لعاب أكثر السياسيين الذين يتبؤون الآن مناصب الدولة العليا والذين بيدهم مفاتيح تأدية الواجب لشيخ المدربين ولكنه رفضها لأنه كالسمكة إذا أخرِجَتْ من الماء تموت !! كما وانه ضحى بابتعاده عن عائلته عندما افترق عنهم حين قرروا جميعهم السفر خارج العراق بسبب الظروف وبقيّ هو داخل العراق لقناعته بان العراقيين جميعهم عائلته الكبيرة ولا يشعر بوجوده في العالم إلا معهم .

وكثيرا ً ما يُتهم الكُتاب والصحفيين بميلهم للنقد السلبي والهدّام وكثيرا ً ما يشتكي أصحاب السياسة على الشاشة الصغيرة وعبر الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام بظلم الاقلام وقسوتها عليهم ويصل بالبعض منهم بالمطالبة بتغيير بعض من مواد الدستور التي تعطي الحرية للتعبير عن الرأي بكل الوسائل ( اعتقد المادة 36 من الدستور ) وهي واحدة من المواد التي يجب أن تبقى ( للتفاخر والتباهي ) بها امام المجتمع الدولي لنعت دستورنا بالحضاري !!! ، فقبل أيام كُنت أشاهد قناة العراقية الفضائية وإذا بالاستاذ عادل عبدالمهدي نائب رئيس الجمهورية يشتكي لمُحَدثِه من ظلم الصحافة له حين تبرع مشكورا ً بما ليس له (يَهِبْ الملك ما لا يَملك ) وبمبلغ ربع مليون دولار للازهر الشريف أثناء زيارته لمصر و رَفضْ شيخ الازهر ( جزاه الله الف خير !! ) هذا التبرع حيث قال له بان العراقيين اليوم ( أحوج ) لهذا المبلغ ( للاحساس العالي !!! ) لشيخ الازهر وشعوره بان كثير من العراقيين المعرضّة حياتهم للخطر الآن ومنهم عموبابا أحوج لهذا المبلغ حتى انه دينيا ً مرفوض وهنالك قول يقول ( ما يحتاجه البيت يُحرمْ على الجامع ) .

 وأنا مع الاستاذ عادل عبدالمهدي بان بعض من كتابنا وصحفيينا ربما يقسونَ قليلا ً على بعض السياسيين فهم يعلمون بان للسياسيين مهام جسيمة الآن ولكن هذا لا يمنع من تشخيص الخلل والاخطاء الكبيرة والكتابة عنها خاصة إذا صدرت من لَدن مَنْ هُم في المناصب العليا ، وستجد يا استاذنا الكريم كثير من الكتاب والصحفيين يشهرون أقلامهم للمدح والثناء إذا تغير حالكم ونظرتم الى العراقيين بعين واحدة لا فرق بين هذا وذاك .

 فليسَ سهلا ً علينا جميعا ً حين نكتب أن نصف حكومتنا ( بالطائفية ) أو ننعت وزيرا ً أو أي رجل دولة ( بالمذهبية ) فوالله ان قلوبنا تنزف دما ً حين نكتب عن هذه السلبيات خاصة ونحن نعيش في المهجر حيث نقارن ما توفره حكومات البلدان التي نعيش فيها من رعاية صحية واجتماعية مكفولة للجميع بدون تمييز وبين ما نسمعه ونشاهده لمواطننا العراقي ، فليس للكتاب والصحفيين اي ضغينة أو حقد عليكم فانتم قادة البلد ولكن أفعالكم هي التي تدينكم .
 فلو عَلِمَ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات مثلا ً بحاجة عموبابا وتبرع لعلاجه ، عندها سنجد ( أصحاب النخوة ) قادتنا يتسابقون بالتصريحات للاعلام والتبرع لعلاج عموبابا وعندها تبدأ المزايدات السياسية والاعلامية تماما ً كما حدث عند فوز منتخبنا الوطني بكأس الامم الاسيوية !!!
 
يا سادتي افهمونا نحن شعب ندعي الى الله ليل نهار ليأتينا قادة سياسيين ككل الدول لديهم إحساس وشعور وطني ويلتزمون بالدستور والقانون ويمقتون الحكم الفردي والطائفية والانتقائية في التعامل وهذه هي مشكلة العراق الرئيسية فالفرد منّا عندما يكون خارج السلطة وفي صف المعارضة تـراهُ نسرا ً ( يُحلــــــّق ) في سماء الديموقراطية والتعددية واللامذهبية وحينما يصل الى السلطة تراهُ نسرا ً ( ينقــــــضّ ) على الديموقراطية والتعددية واللامذهبية وكفانا ازدواجية وكفانا ضحك على الذقون فالدهاء السياسي ليس بالتفنن بالضحك على هذا الشعب الذي أنهكته الحروب والويلات ـ ـ ـ هذا الشعب الذي لا يرجوا من حكومته غير توفير الامن والامان والحياة الكريمة حتى بأدنى درجاتها ـ ـ ـ هذا الشعب الذي يعيش فوق محيط من النفط ( وليس بحر من النفط ) وخيرة أبناءه من أمثال عموبابا والشاعر الكبير مظفر النواب بحاجة الى عدّة الاف من الدولارات ليس للاصطياف وإنما للعلاج .

لقد ترددتُ كثيرا ً قبل ان أضع هذا العنوان ( الاستفزازي ) لمقالتي ولكنني لم أجد المفر من وضعه حرصا ً مني على جلب إنتباه مَنْ يَهمهم الأمر لتقديم الواجب لعموبابا وغيره من أعلام العراق الذين هُم بحاجة الى إعتراف الدولة بجهودهم في بناء العراق ولكي أنصف من هُم في موقع المسؤولية وأقول ربما لم تجلب العناوين السابقة للنداءات المتكررة من اصحاب القلم ( انتباه ) المسؤولين لحالة عموبابا الصحية !!! ولأنه فعلا ً لو لم يقدموا ما يحتاجه من مال للعلاج فانه سيكون بمثابة عقوبة توجه اليه لاخلاصه ووطنيته ، ويا ريت يَسّن مجلس النواب الموقر قانون صندوق معالجة المتميزيين من أبناء الشعب لرد الجميل لهم ولتشجيع الخيرين من أبناء هذا البلد العظيم على إعطاء المزيد لوطنهم فنحن أحوج ما نكون اليهم الآن .

أطال الله في عمر عموبابا شيخ المدربين فمَدرسته الكروية لاتزال ترفد العراق باللاعبين المتميزين ودعائنا الى الباري أن يكلل العمليات الجراحية بالنجاح لِمنْ رَسَمَ الفرحة على وجوه الملايين وانزلهم الى الشارع للاحتفال بفوز الفرق الكروية العراقية وهذا ما لا يستطيع فعله أي سياسي الآن !!
ونداء اكرره وأضيفه للنداءات السابقة لِمنْ هُم في موقع القرار لتقديم الواجب لعموبابا ولقطع الطريق لتوسيع تداعيات إعتبار المسيحيين جالية ولإرضاء العابد والمعبود .

ملاحظة مهمة :  إذا لقيّ هذا النداء صدى عند المسؤولين . فارجو ان يتم التكفل بعلاج عمو بابا بطريقة تحفظ للمرء كرامته ، وليس كما حصل مع شاعر العراق الكبير مظفر النواب حين رفض (مكرمة ) السيد رئيس الوزراء لانها قـُدمت له بطريقة مهينة . 



                                                                                                    سالم ايليا / كندا             

 سالم ايليا / كندا             

210
ردا ً على رد الامانة العامة لمجلس
الوزراء على رسالة بعض الاحزاب والجمعيات المسيحية



مرة أخرى يتاكد لدينا بان بعض الذين يقبعـون داخل ابنية رئاسة مجلس الوزراء غير مؤهـلين لمناصبهم والتي من المفترض أن تكون في خدمة جميع أبناء العراق .

فقد قرأتُ ولِمرات ٍ عديدة الرسالة الموجهة من بعض الجمعيات والاحزاب والشخصيات لشعبنا المسيحي في المانيا الى السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الوزراء ووزير خارجيته .
كذلك قرأتُ رد الامانة العامة لمجلس الوزراء على تلك الرسالة ، وقد لمستُ كقارئ في رسالة الجمعيات والاحزاب مدى حرصها الشديد على أن تكون مهذبة وغير متشنّجة ( وربما تم إعادة صياغتها مرات عديدة حرصا ً على أن تكون لائقة بالاشخاص الموجهة اليهم ) بالرغم من المعاناة الكبيرة والمآسي الكثيرة التي يعانيها المسيحيين والتي ادت الى كتابتها .

وقد لمستُ ايضا ً كم كان رد الامانة متشنّجا ً وإنفعاليا ً وغير مهذ ّب لشريحة عراقية يبلغ الآن تعدادها داخل وخارج الوطن أكثر مِن مليوني نسمة .
فقد أبتدأ رد الامانة بـ ( رجاء ) منقوص خالي من ( ال ) التعريف وهذا يفقد الكلمة المهذبة معناها لانها جاءت في بداية الجملة . إضافة الى انه أصلا ً لم تكن هذه الـ ( رجاء ) موجهة الى مرسلي الرسالة وإنما موجهة الى مَنْ يهمهم الأمر في السفارة العراقية في المانيا لـ ( إبلاغ ) مرسلي الرسالة برد رئيس الوزراء .

ثم أعقبها بكلمة ( إبلاغ ) أي بصيغة الأمر ، وأعتقد بان كاتب الرد (معتاد ) على صيغة الأمر ولم تسعفه ذاكرته بان يستبدلها بكلمة أكثر تهذيبا ً خاصة وانه يخاطب شريحة كبيرة ومهمة وسكان بلد أصليين كأن يقول مثلا ً ( الرجاء إطلاع ) وليس ( رجاء إبلاغ ) كما ورد في نص الرد .

ناتي الآن على جوهر الرد فيقول بالنص الحرفي :
( إن ّ دولة السيد رئيس الوزراء يولي إهتمامه بكل شرائح المجتمع دون تفرقة وفي ضوء هذا الواقع يوصي بعدم ابراز قضية معاناة المسيحيين في العراق باعطائهم خصوصية معينة وذلك بهدف قطع الطريق امام تدخل الغير في شؤون العراق الداخلية ) ، انتهى الرد .

ولنناقش هذا الرد ، انه كلام جميل ولو كان حقيقيا ً لما اختلف عليه إثنان من أبناء الشعب العراقي .
فاين هو الاهتمام الذي أولاه السيد رئيس الوزراء حين فـُجرّت الكنائس وإنتُهكت الاعراض وهـُجرّت عوائل اغلبها من كبار السن والاطفال ، واين هو الدعم المادي لهم حين هـُجروا وأصبحوا لاجئين داخل وطنهم وخارجه ، وقد جاء الدعم العسكري لتطهير منطقة الدورة في بغداد مثلا ً من الارهابيين بعد إفراغها من المسيحيين وكأنه مقصود ومخطط له !!!

وهل يرغب كاتب الرد أن أذكّرهُ كم صرف من ملايين الدولارات للعوائل التي هـُجرت الى الجنوب وبقية مناطق بغداد ، وهل يرغب أن اذكّرهُ كم حصلت عوائل شهداء وجرحى جسر الأئمة ( وهذا حق مشروع لأهلنا شهداء الجسر وليس منـّة من الحكومة عليهم ) ، وهل يرغب كاتب الرد أن اذكّرهُ بالدعم المادي والمعنوي للشهداء والمهجرين الكرد عندما طالتهم يد الغدر في بعض من مناطق بغداد وايضاً هذا حق مشروع لهم .

لكن لا نرضى أن تكون هنالك إزدواجية في التعامل تـُفقد الحكومة أهليتها لتكون لكل العراقيين وتصبح طائفية قولا ً وفعلا ً .

فلو أخذنا بالنسبة المئوية مَنْ المتضرر الاكبر من عمليات التهجير ، لوجد نا  إن المسيحيين والصابئة المندائيين لديهم الحصة الاكبر في ذلك ، فقد كان عدد المسيحيين لغاية 2003 في العراق بحدود المليون مواطن او ما يزيد ، أما الآن فان الاحصائيات الغير رسمية تقول نصف مليون ، اي أن 50% من المسيحيين قد تم تهجيرهم .
ألا تستحق هذه النسبة أن يكون لها خصوصية للحفاظ عليها خاصة وان المسيحيين لم يشتركوا باي عمل عدائي ضد ايّ مكوّن من مكونات الشعب العراقي لانهم يحبّون كل العراقيين دون إستثناء وحريصين جدا ً على وحدة العراق أرضا ً وشعبا ً .

كما وانه ليس لديهم اية ميليشيا مسلحة لحمايتهم لانهم متحضريين ومسالمين ولا يحبون قتل أخيهم العراقي لاي سبب كان ، كذلك ليس لديهم ايّ من ( الصقور ) في الحكومة لتحويل جزء من واردات النفط لمساعدتهم والتي لا تدخل ضمن الميزانية المُعلنة !!! ـ ـ ـ فالى من يلجأون ويعرضون الحَيف والظلم الذي اصابهم ولا زال يصيبهم ـ ـ ـ  اليست الحكومة هي المسؤولة  (وعلى رأسها رئيسها ) عن ذلك باعتبارها حكومة كل العراقيين ؟ !!

ثم ما معنى ما جاء في رد الامانة من أن رئيس الوزراء ( يوصي ) أي يأمر بعدم إبراز قضية معاناة المسيحيين ـ ـ ـ هل هذا هو الضوء الأخضر لِمنْ يقتل المسيحيين بالاستمرار بقتلهم وتهجيرهم مع التغطية الإعلامية على تلك الجرائم ـ ـ ـ هل إن كاتب الرد يعلم مدى خطورة هذا الكلام ، حيث أن شريحة كبيرة من العراقيين تتعرض للقتل والتهجير والاعتداء وبدون مسوغ لذلك ويأتي رد الحكومة بالتغطية على هذه الجرائم .

وأعود مرة ثانية وأقول ، لماذا الفضائية الرسمية للدولة ( الفضائية العراقية ) والمفترض أن تكون لكل العراقيين تبرز دائما ً في خدمة الاخبار المرئية العاجلة معاناة وعمليات تهجير لشريحة معينة من الشعب العراقي دون سواهم . اليست هذه إزدواجية في التعامل ، فهل من المنصف أن يولي السيد رئيس الوزراء إهتمامه بمراكز القوى لتثبيت موقعه جيدا ً و ( يوصي ) بترك الآخرين لقدرهم المحتوم ، فاين العدل والإنصاف ( وإذا حكمتم فاحكموا بالعدل ) .

ثُم يُكمل الرد فيقول ( وذلك بهدف قطع الطريق امام تدخل الغير في شؤون العراق الداخلية ) .
وقد توقفتُ كثيرا ً عند هذه النقطة ( لأحلل وأخمن وأستنبط ) مَنْ هم ( الغير ) .
ولعلمي فان السعودية تتدخل وتشارك ( وحسب ما تتهمها بعض الاوساط في الحكومة العراقية ) بالسيارات المفخخة لدعم شريحة معينة من الشعب العراقي وأكيد ليس لدعم المسيحيين .
كما وإن ايران ( وايضا ً حسب إتهام بعض الاوساط في الحكومة العراقية ) تتدخل بنفس الطريقة وربما أسوأ لدعم شريحة أخرى من الشعب العراقي وأكيد أيضا ً ليس لدعم المسيحيين ، ولو أن هذا النوع من الدعم المخزي لا يفرّق بين هذه الشريحة وتلك بالقتل والدمار فالكل من أبناء شعبنا العراقي أصبح مشروعا ً للقتل والتهجير ولكن بنسب متفاوتة .
كما وان تركيا تتدخل بالطائرات الحربية والمدفعية ( لحماية نفسها ) وإرسال رسالة لحماية التركمان العراقيين .
أما المحتلين الامريكان فهم يتدخلون لحماية مصالحهم فقط  وليس لديهم اي دافع لحماية المسيحيين ، بل العكس لو كان ثمن بقاءهم وسيطرتهم على منابع النفط في العراق هو الشعب المسيحي العراقي لوافقوا على تهجيره بكل طيب خاطر .

إذا ًلم يبقى لنا غير الفاتيكان ـ ـ ـ فهل أن كاتب الرد يقصد بان دعم الفاتيكان بمنح البطريرك عمانوئيل الثالث دلي رتبة الكاردينالية هو تدخل ( للغير ) في شؤون العراق الداخلية ـ ـ ـ الم ترسل الحكومة العراقية وفود رسمية لحظور هذا الحدث أم إنه كان فقط لذر الرماد على العيون .
هذا التكريم هو تكريم لكل العراق وهنالك دول لها موقعها العالمي تتمنى أن تحظى بهذا التكريم .
وإذا كان هنالك شئ لا نعرفه نحن المسيحيين من أن هنالك أطراف دولية لها تأثير التدخل في شؤون العراق الداخلية لحمايتنا فيا ريت يُنعم علينا كاتب رد الامانة باسماء تلك الاطراف للجوء اليها وقت الحاجة ، فنحن أحوج ما نكون الى أن يقف أحد بجانبنا ، ووعدا ً منّا باننا سوف لم و لن نسمح لتلك الاطراف بحمايتنا عن طريق زرع العبوّات الناسفة والسيارات المفخخة لقتل أبناء وطننا العراق .

أخيرا ً نرجو ونتمنى من القائمين على إدارة الحكومة العراقية أن يكونوا منصفين ومخلصين لكل العراقيين على حد ٍ سواء ، ولم يدفعني لكتابة هذه الاسطر إنتمائي لطائفتي المسيحيية وتعصبي لها ، فان أغلبنا نحن المسيحيين لا نؤمن بالتعصب والانغلاق بل بالانفتاح على جميع مكوّنات الشعب العراقي ونتفاعل مع الجميع فنتألم لآلامهم ونفرح لإفراحهم .
لكن الذي دفعني للكتابة والرد هو ابراز الحق وعدم اللعب بالكلمات كما هو واضح من رد الامانة العامة لمجلس الوزراء ـ ـ ـ فالساكت عن الحق شيطان أخرس .



                         
                                                                                     سالم ايليا / كندا


 

211
شكرا ً للفاتيكان ـ ـ ـ  فقد كان احتفالا ً عراقيا ً

جرت يوم السبت المصادف 24 / تشرين الثاني 07  في الفاتيكان وعلى باحة كنيسة ( بازيليك ) القديس بطرس مراسيم تنصيب 23 من الكرادلة الجدد من مختلف دول العالم ، وقد حظيّ العراق بشكل عام ومسيحييه بشكل خاص على إهتمام الكرسي الرسولي متمثلة بالحبر الاعظم وذلك بترسيم غبطة البطريرك مار عمانوئيل دلي بطريرك بابل على الكلدان في العالم كاردينالا ً .

وهذه هي المرة الاولى التي ينصّب فيها بطريرك كلداني كاردينالا ً ، وهي المرة الثانية التي يحظى فيها عراقي بهذه الرتبة الرفيعة والتي تأتي مباشرة بعد رتبة البابوية ، وقد حظيّ بهذه الرتبة من قَبلْ مار أغناطيوس جبرائيل الأول تبوني عام 1935 م كأول كردينال عراقي وشرق أوسطي .

والملفت للنظر الاهتمام الكبير من لَدِن الفاتيكان بما يجري على الساحة العراقية وذلك من خلال الكلمات التي القيت من قِبل ممثل الكرادلة ومن ثم كلمة البابا بنديكتس السادس عشر والتي ترك حيز كبير فيها للكلام عن أهمية تنصيب البطريرك دلي كاردينالا ً وكذلك صبر وصمود العراقيين بوجه العنف والمصاعب وشُكرِه للوفود العراقية الشعبية والرسمية التي حضرت الاحتفال وقد كانت كلمته رسالة تشجيع وجرعة ( روحانية ) لمسيحيي العراق الذين هم الآن بأمس الحاجة لتلك الكلمات وهذا الاهتمام ، فمثلما ذكرتُ في مقالات سابقة من ان المسيحية في الشرق الأوسط مرهونة ببقاءنا في العراق !! ، كما وان تتويج هذه الرتبة لغبطة البطريرك دلي هي تتويج لكل المسيحيين في العراق ومن مختلف الطوائف فهو ليس تكريم شخصي وهم يستحقونه عن جدارة .
 كذلك فإن هذا التكريم هو رسالة لنا نحن العلمانيين وخاصة من هم في موقع المسئولية تجاه شعبنا الكلداني السرياني الاشوري بان الفاتيكان وجميع الأسقفيات الكنسية في العالم على إستعداد لمساعدتنا والوقوف معنا للمطالبة بحقوقنا والحيلولة دون إقصائنا وتهميشنا على أرضنا .
كذلك فإن هذا التكريم قد جاء لاحدى أقدم الكنائس في العالم وشعبها الذي عرف المسيحية منذ القرون الاولى لانتشارها .

فشكرا ً للفاتيكان ممثلا ً بقداسة البابا لهذا التكريم .
وشكرا ً للجموع التي حضرت هذه المراسيم والتي ما انفكت تصفق بحرارة كبيرة عند سماعها أسم العراق والكاردينال دلي ممثلا ً لمسيحيي العراق .
وشكرا ً لكل من القى كلمة في ذاك الاحتفال وذكر أسم العراق والعراقيين .
ومبروك لنا ولغبطة الكاردينال عمانوئيل الثالث دلي هذا التكريم .


 سالم ايليا / كندا

212
المنبر الحر / لِنوحّد إنتمائنا ؟
« في: 14:25 25/11/2007  »
لِنوحّد إنتمائنا ؟

مما لاشك فيه ان المرحلة التي نعيشها الآن هي من المراحل المهمة والحساسة لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري لِما فيها من تحديات كبيرة لإنهاء وجودنا على أرضنا أرض الاجداد.

فزمن اليوم غير زمن الأمس ولو راجعنا تاريخ العراق الحديث أو حتى تاريخ العراق منذ سقوط آخر الامبراطوريات العريقة لشعب وادي الرافدين ( سقوط الدولة البابلية الثانية سنة 539 ق.م على يد كورش الاخميني الفارسي ) لوجدنا بان تحجيم واضعاف دور السكان الأصليين لم يتم بطرق وأساليب مُبرمجة وتحت رعاية قوانين مكتوبة ( دساتير ) والمعترف بها أو على الاقل المباركة من قِبل أغلب دول العالم كما يحصل في وقتنا الحاضر !!!

فقبل الآف ومئات السنين لم يكن هنالك إنفتاح وتواصل كبيرين بين دول العالم كما هو الآن ولم يكن هنالك منظمات دولية تحت مُسميّات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية ذات العلاقة لتوثيق دساتير العالم و ( مباركتها ) بحيث تصبح ملزمة للسكان الذين ينضوّن تحت رعايتها ، فمن هنا يأتي أهمية دورنا للحيلولة دون إقصائنا وتهميشنا (قانونيا ً وبمباركة دولية ) وبالتالي القضاء على هويتنا القومية وإنهاء وجودنا على أرضنا خاصة وان نسبتنا كطيف من أطياف الشعب العراقي قد تقلّصت كثيراً ( تقول المراجع بان نسبة السكان المسيحيين في العهد العباسي كان أكثر من 8 % ، أما الآن فليس أكثر من 1- 1.5 % من مجمل السكان ) . ومن هنا أيضآ تأتي أهمية وحدتنا .

إن أهم عناصر ومكوّنات الوحدة هي الإنضواء تحت اسم واحد ، فكيف لنا أنْ نطالب بحقوقنا متحدين إذا كنّا أساسا ً نسميّ أنفسنا بثلاثة أسماء ( مع إعتزازي وفخري بتلك الاسماء فجميعها تُمثلني قلباً وقالباً ) !!ـ ـ ـ وكيف نقنع العالم بان الشعب الكلداني السرياني الاشوري هو شعب واحد ولكن بمسميّات ثلاث ـ ـ ـ ـ أيعقل هذا الشئ !!!
وكيف لنا أن نطلب من الاطراف الاخرى تلبية مطالبنا ونحن نرسل اليهم رسالة من خلال مسميّاتنا الثلاثة باننا شعب مجزأ ولا يقوى حتى على توحيد اسمه ؟!!
اذآ علينا توحيد أسمائنا أولاً وقبل البدء بالعمل الدؤوب الآخر لنيل مطالبنا المشروعة .

لقد أصطلح المنقّبون مطلع القرن الثامن عشر على الارض التي قامت عليها حضارة سومر واكد وبابل وأشور ببلاد ما بين النهرين أو شعب وادي الرافدين ، فما الضير ان نختار واحدة من تلك التسميات لننضوي تحتها .

فلو اطلقنا على أنفسنا شعب ما بين النهرين أو شعب وادي الرافدين فاننا سنسهل مهمة المطالبة بحقوقنا امام كل العالم ، فهذه التسميات أصبحت متداولة ومعروفة لدى المختصين بالتاريخ من كل العالم وتساعدنا كثيراً على ايصال مطالبنا وتأييدها من قِبل المجتمع الدولي ويكون لها صدى كبير في الاعلام وهذا ما نحتاجه ، كما وان هاتين التسميتين معروفتين حتى للناس متوسطي الثقافة في معظم دول العالم لانها تدرّس في بعض المناهج الدراسية .
كذلك فان اي من التسميتين لا تلغي اصولنا وإنتماءاتنا الى كل المسميّات القديمة إذ ان الجميع يعلمون بان من سكن بلاد ما بين النهرين قبل الآف السنين هم الكلدانيين والاشوريين بالضبط مثلما نسمي أنفسنا الآن عراقيين ولكن عندما نأتي الى مكوّنات الشعب العراقي نقول العرب والكرد والكلدان والاشوريين والسريان الخ ـ ـ ـ .
كما وإن هنالك الكثير من الشعوب تسمى على اسماء التضاريس الجغرافية التي يقطنون حولها ، فكيف بنا نحن وقد أنعمت علينا الدنيا بأثنين من أشهر وأكبر الانهار في العالم ـ ـ ـ وقد أرتوى من ماءها العذب أجدادنا الذين نتفاخر بالإنتماء اليهم !! الم تستحق ان ننتمي اليها ؟ الم نتغنى بها دائما ( بث نهرين ) وسميّنا بعض من احزابنا باسمها .
من جهة أخرى فإننا عندما نطلق على أنفسنا احدى هاتين التسميتين نكون قد أرسلنا رسالة للجميع باننا السكان الاصليين للبلاد الواقعة من أور جنوبآ مرورآ ببابل في الوسط وإنتهاءآ بنينوى في الشمال ، اي إننا السكان الاصليين لكل أرض العراق من شماله حتى جنوبه .
كما وإن الجدل الدائر الآن بين بعض المعنيين من أبناء شعبنا حول مَنْ يُنسبْ الى سومر واكد واصولهم وفروعهم سينتهي لاننا سنرضى لأنفسنا ان نمثلهم جميعهم وهذه هي غايتنا .

أما العنصر الثاني من عناصر وحدتنا فهو إعادة تثقيف أنفسنا كشعب كلداني سرياني اشوري بشكل واسع بثقافة الوحدة والشعب الواحد وهذه هي مهمة الإعلام والجمعيات والاحزاب والكنائس التي ننتمي اليها على حدٍ سواء .
فلا يخفى على احد بان أغلب الجدل والمهاترات بين البعض منّا قائم على اساس الرجوع للتاريخ المشترك السلبي ( إن صح ّ التعبير ) وليس التاريخ المشترك الايجابي ، إذ اننا ناخذ من اجدادنا العظام تاريخ حروبهم مع بعضهم البعض ولا ناخذ تاريخ إنتمائهم الى بعضهم البعض !!
إنّ الحروب التي كانت تحصل في الماضي بين الكلدانيين والاشوريين كان لها ما يبررها ( ولو اننا كنا نتمنى لو لم تحدث ) ، فقد كانت حروبا بين الملوك وحروباً من أجل سيطرة احدى الامبراطوريتين على الاخرى ، أي على نصف العالم !! أي إنها كانت حروب من أجل فرض السيطرة والهيمنة .
أما الآن فعلى ماذا نتجادل و(نتحارب ) ـ ـ ـ على الارض التي فقدناها منذ زمن ٍ بعيد نتيجة إنشغالنا في الحروب بيننا والتي أضعفتنا حيث أستطاع الاخمينيين إسقاط الدولة البابلية الثانية بكل سهولة ـ ـ ـ أم على المجد الذي لم يعد قائما ً .
المشكلة الكبرى الآن ان أغلب الذين يتجادلون و (يحرّضون ) أبناء جلدتهم على الطرف الآخر غير ملمين بتاريخهم وفي أحسن الاحوال أخذوا من التاريخ ما يثير النعرات والانشقاقات بين أبناء الشعب الواحد ـ ـ ـ أهذه هي رسالتنا التي حملناها من اجدادنا ـ ـ ـ وإذا ضعفنا أكثر نتيجة تلك المجادلات فمن هو المستفيد الأكبر؟!! ـ ـ ـ هل ان رسالتنا هي القضاء على ما تبقى لنا من نسبة مئوية تكاد لا تُذكر في داخل وطننا الاصلي والقضاء على هويتنا القومية ، وحتى نحن الساكنين في المنافي فإننا تدريجيا ً بدأنا ننصهر في المجتمعات التي نسكنها ولا يكفي للحفاظ على هويتنا ان نعلّم أبناءنا لغتنا الأم !!! لنقول اننا كلدان وسريان واشوريين فهذا أضعف الايمان .
إذا ً المطلوب منّا بث الروح القومية ( الوحدوية ) وترك ما يثير التجزئة والانشقاق ومع كامل تقديري لحرية الرأي والإعلام فهل من المعقول ان يكون لدينا عدّة فضائيات وعدّة منتديات وعدّة أحزاب وجمعيات ـ ـ ـ الخ وكل ٍ منها تغرّد بطريقة تختلف تماما ً عن الأخرى ، لا بل البعض منها يحارب الآخر بطريقة أقل ما يقال عنها بانها تساعد مَنْ يتربص الفرص لإلغاء هويتنا والغائنا كليا ً من على وجه الارض !!!
فاذا كان الهدف من الفضائيات والإعلام بشكل عام هو بث الروح القومية لشعبنا فمن الافضل ان نوحده أو على أقل تقدير يكون لنا برنامج عمل مشترك أو خطاب مشترك .
أما إذا كان الهدف منه هو المنفعة الشخصية أو الظهور الإعلامي فحسب فسنحاسب من قبل التاريخ على ما نفعل ـ ـ و سنخسر وجودنا وهويتنا وسنندم على ما نفعل ولات ساعة ندم ٍ .

العنصر الثالث لوحدتنا هو توحيد الهدف المشترك وخاصة في هذا الوقت ـ ـ ـ فما هو هدفنا كشعب كلداني سرياني أشوري وما هي برامجنا للوصول الى هذا الهدف .
هل هدفنا هو الحفاظ على هويتنا القومية وديننا والمطالبة بحقوقنا على أرضنا وتكوين مجتمع خاص بنا يتفاعل مع بقية أطياف الشعب العراقي وتكون لنا خصوصية نجعلها منارا ً في عتمة الليل البهيم يسعى للوصول اليها بقية أطياف الشعب العراقي .
أم سيكون لكل ٍ منّا هدف سحب الطرف الآخر للاعتراف بالتبعية له وعندها سنكون قد خسرنا كل شئ قبل الوصول الى هذا الهدف الصعب فالوقت الآن ثمين وكل طيف من أطياف المجتمع العراقي يسعى لحصوله على موقع على الخارطة العراقية !
الم يكن الاجدر بنا ان نكون نحن أول الذين لديهم أهداف ومطالب وبرنامج عمل موّحد نضعها كلها على طاولة المفاوضات مع بقية أطياف الشعب العراقي لنقول لهم هذه مطالبنا نحن السكان الاصليين أصحاب التاريخ العريق والحضارة العظيمة ونحن جزء مهم ورئيسي من هذا المجتمع وبهذا نكون قد ترجمنا لهم صدق إنتمائنا للماضي وعمق أصالتنا وتفاعلنا الحالي مع العالم المتحضّر.
انني إذ أضع هذه النقاط أمام كل من يقرأ هذه السطور مشفوعة باعتذاري الشديد للقارئ العزيز ولذوي الاختصاص بامور شعبنا وكل أبناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري على صراحتي هذه التي أرجو ان لا تكون للبعض سببا ً للنكوص أو الإستكانة وإنما تكون حافزا ً لمراجعة الذات والتفكير بإيثار ونكران ذات تجاه المجموع الذين ينتظرون منّا الكثير الكثير ، وإن ما دفعني لكتابة هذه السطور هو حديثي مع أحد الاشخاص المخلصين لانتمائهم القومي والذي ( اشتكى ) من عدم تمكنه من اقناع مَنْ مِن حوله من أبناء شعبنا من اننا شعب واحد ولنا مصير واحد .
ان العناصر الثلاثة الآنفة الذكر إذا توسعنا في تفاصيلها سنجد بان هنالك الكثير يجب علينا فعله لكي تستوفي غايتها .
أخيرا ً احب ان أقول اننا جميعا ً أشوريين وكلدانيين وسريانيين وكان ولا يزال وسيبقى لنا وطن واحد من أور حتى نينوى .
                                                                        



                                                                                                         سالم ايليا / كندا  

213
هل المتغيرات الجديدة على الساحة السياسية تعجل من المطالبة بالحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري؟


إن عالمنا المعاصر ومنطقتنا بالذات حبلى بالمفاجئات ، فما أن نستيقظ صباح كل يوم حتى نسمع أو نرى مشكلة سرعان ما تتضخم بسرعة كبيرة لتصبح مشكلة دولية تجبر المجتمع الدولي للتدخل لحلها ـ ـ ـ ـ ومشاكلنا الاقليمية كثيرة وكبيرة بدء ا بمشكلة الشرق الاوسط ومرورآ بالمشكلة العراقية بشكل عام والتي أصبحت معقدة بما فيه الكفاية حيث أن مفاتيح حلها لم تعد بيد دولة واحدة أو دولتين حتى وإن كانت تلك الدول هي دول عظمى فقد اختلط الحابل بالنابل ولم يعد أحد يستطيع القول بان مفاتيح حل المشكلة العراقية بيدي . أن الاحداث الاخيرة التي تسارعت وتيرة تداعياتها فتحت الباب لاسئلة كثيرة وأقصد بها مشكلة حزب العمال الكردستاني وتأثيره السلبي على مجمل التجربة الكردية في العراق وهنا لا اريد التدخل في خصوصيات كرد العراق والعلاقة بينهم وبين اخوانهم الكرد في الدول المجاورة فهذا شأن داخلي بينهم إذ أن أهل مكة ادرى بشعابها، ولكنني أتمنى على المعنيين بالحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري ان ينظروا بعيون ثاقبة هل حان الوقت للبدء بالمطالبة ( الغير خجولة ) بحدود إدارية لابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري لتكون نواة المطالبة بالحكم الذاتي لهم . ربما في تقديري ما لا يصلح للامس يصلح لليوم ونتيجة لما حدث وسرعة تفاقم المشكلة بين تركيا من جهة وحزب العمال الكردستاني وحكومة إقليم كردستان العراق من جهة أخرى فتحت الباب لنا كشعب مسيحي ينظوي تحت المسميات الثلاثة أن نحاول فتح الحوار بشكل جدي وغير خجول مع الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق للمطالبة بحقنا المشروع تاريخيا ودستوريا بحدود إدارية وحكم ذاتي لنا. ان التهيئة لهذا الحواريجب ان يسبقه نشاط سياسي ودبلوماسي ( إن صح التعبير ) واسع لممثلينا ( من خلال الاحزاب والجمعيات المسيحية على الساحة ) مع الداخل والخارج ، فلا يخفى على أحد مدى التأثير الدولي على القرارات الوطنية لاغلب الدول خاصة دول العالم الثالث والدول النامية وحتى الدول الكبرى فقراراتها الوطنية أصبحت رهن التأثيرات الدولية والضغط الدولي في ظل العولمة، كما وان توحيد كلمتنا وانهاء حالة الانقسام ( ومَنْ يتبع مَنْ ) يجب ان تنتهي بالجلوس في مؤتمر أو مؤتمرات عديدة لإنهاء هذا الجدل الذي إذا قورن بالتحديات التي تهدد بقاءنا ووجودنا ( كدين وقومية ) فانه لايساوي شيئآ امام تلك التحديات أي انني لايهمني كثيرآ الآن ان اناقش وادور في حلقةٍ مفرغة هل الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة وادخل في جدل بيزنطي ووجودي مهدد !!! المهم أن أحافظ على الأثنين معآ ، إذآ هنالك أولويات وأسس يجب أن نسعى لإرسائها قبل البدء بالقضية الكبرى ( الحكم الذاتي ) وهي وحدة الكلمة والعلاقات الدولية . فالاولى أمرها بايدينا اي وحدة الكلمة فاما أن نضيع او نوحد كلمتنا امام الاخرين ، أما العلاقات الدولية والجهد الدولي فلدينا كَم هائل من القدرات الذاتية والخارجية لمساعدتنا في ذلك فواجب الفاتيكان وبقية الاسقفيات الكنسية يملي عليهم إستخدام كل إمكانياتهم لمساعدتنا فبقاء المسيحية في الشرق مرهون ببقاءنا في العراق!!! فالبداية نحن ولانعلم مَنْ سيكون التالي من أبناء الشعب المسيحى في هذه المنطقة ، كما واننا بحكم اغترابنا القسري اصبح لدينا ممثلين لا يستهان بهم في بلدان المهجر منتشرين في مجلس الكونغرس الامريكي و البرلمانات الاوربية ولديهم القدرات على مساعدتنا بطرح مطالبنا المشروعة وشرحها للتأثير على حكومات بلدانهم للتأثير بدورها على الحكومة العراقية واصحاب القرار في العراق ، صحيح ان هذا ليس بالبسيط ويحتاج الى جهد كبير ومتابعة اكبر وهذا هو قدر كل مَنْ يريد تحقيق هدف كبير لشعبه فالمسألة ليست سهلة خاصة في هذه الظروف المعقدة والسياسات والمصالح الدولية المتشابكة ولكن لا يوجد شئ في السياسة اسمه المستحيل فالسياسة تتغير في ليلة وضحاها ولدينا امثلة عديدة على ان الكثير من القضايا التي كانت منذ وقت قريب مستحيلة اصبحت الآن واقع بحكم التغييرات السياسية وانني إذ أقدر التضحيات الجسيمة التي دفعها الشعب الكردي لنيل الحكم الذاتي لكن هذا الانجاز لم يأتي عبر البندقية فلربما كانت البندقية وسيلة ضغط في بعض مراحل نضال الشعب الكردي ولكنها ايضآ كانت في مراحل أخرى ذات تأثيرات سلبية كبيرة جعلت الشعب الكردي يدفع الآف الضحايا من المدنيين ثمنآ نتيجة مقاومته المسلحة ، لكن الذي غير المعادلة ونال الشعب الكردي حكمه الذاتي بالطريقة التي نعرفها وتسعدنا جميعآ هو التغيير الذي حصل في السياسات الدولية ( وهنا لا أريد أن اقلل أو الغي دور ونضال الشعب الكردي في تحقيق حكمه الذاتي ) فالنظام العراقي السابق الذي كانت امريكا حليفة له في عقد الثمانينات من القرن الماضي( خلال الحرب العراقية الايرانية ) أصبح عدوها في بداية التسعينات أي أن فرق الزمن في التحول من صديق وحليف الى عدو لدود لم يتجاوز السنتين !!! ، واننا نعلم جميعآ لولا تلك التغيرات السياسية الدولية (خاصة بعد دخول صدام الى الكويت ) لكان طريق الكرد لايزال طويلآ والتضحيات أكبر ، وقد ادرك الكرد الآن واكثر من اي وقت مضى بان عالم اليوم هو عالم السياسة اكثر منه عالم الكفاح المسلح وان المسميات إنقلبت فمن مصطلح الكفاح المسلح والنضال التحرري للشعوب في عقد الخمسينات والستينات والسبعينات للقرن الماضي الى مصطلح الارهاب الدولي في بداية القرن الواحد والعشرين وعليه أعتبر حزب العمال الكردستاني ( حزب أرهابي ) وانا إذ أطرح الامثلة عن الاخوة الكرد فهذا لانهم الاقرب الينا وهم جزء منا ونحن جزء منهم وتجمعنا ارض واحدة ـ ـ ـ فلو راجعنا المستجدات السياسية بعد تفاقم مشكلة حزب العمال الكردستاني لوجدنا بانه من الاصلح للكرد قبل غيرهم أن يكون لهم منفذ وصمام أمان لضمان نجاح تجربتهم في العراق ـ ـ ـ وكما هو معروف بان إقليم كردستان العراق محاط من جميع الجهات بدول قسم من مواطنيها كرد وباعداد مضاعفة لعدد الكرد في العراق وإنهم يتطلعون للانفصال أو على أقل تقدير حصولهم على نفس المكاسب التي حصلوا عليها إخوانهم في العراق وهذا لا يروق لحكومات تلك الدول خاصة وإن قسم منها لها تحالفات أستراتيجية مع الدول العظمى وخاصة الولايات المتحدة الامريكية ، كما وإن لتلك الدول ثقلها الاقليمي والدولي وببساطة ان أقل ما يمكن ان تفعله تلك الدول ضد اقليم كردستان العراق لاجهاض تجربته الفريدة في المنطقة هو الحصار الاقتصادي وهذا أول ما نوه عنه اردوغان قبل أيام ، وكما ذكر مام جلال ( السياسي المحنك ) ورئيس الجمهورية انه ببساطة لايمكن اقامة دولة كردية في الوقت الحاضر لانها ستجهض من قِبل الدول المحيطة بسد جميع المنافذ اليها حتى من قبل العراق وبهذا ستموت قبل ان تولد وهو على حق. إذنآ على الكرد ان يفكروا جيدآ بان يكون لهم (جيران) مقبولين من جميع الاطراف (الدول) لمساعدتهم في حال تنفيذ هذا الحصار ، وأعتقد بانهم سوف لن يجدوا( أخلص وآمن ) من المسيحيين العراقيين لهذا الغرض ( وذلك للعلاقات التاريخية المتميزة بينهم والثقافة المشتركة في كثير من حلقاتها وللتعايش السلمي بينهم عبر مر العصور إلا فيما ندر من حالات تكاد لا تذكر ) وهذا لم يتم إلا اذا كان للمسيحيين منطقة حكم ذاتي خاصة بهم منفصلة إداريآ عن اقليم كردستان العراق ومرتبطة مباشرة بالحكومة المركزية في بغداد اي على الكرد ان يفكروا جيدآ هل ( التنازل ) عن مطلب ضم سهل نينوى الى اقليم كردستان ودعم الكلدان السريان الاشوريين في البرلمان العراقي للحصول على حكم ذاتي منفصل أصلح ؟ أم تعرض التجربة الفريدة للحكم الذاتي لكل اقليم كردستان الى هزات عنيفة ربما تؤدي بالتجربة ككل الى الفشل في حالة تنفيذ الحصار الاقتصادي ، ورب قائل يقول ليس هنالك اي خوف علىتجربة الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق فقد اعطىالدستور الضمانات لها ، وانا اقول بان كثير من مواد وفقرات الدستور فيها من الضبابية في تفسير محتواها ما يجعله دائمآ يصلح ان يكون حقل الغام وقنابل موقوتة (ربما ساتطرق اليها في مقال آخر ) ويعتمد على ( نوعية ) الحكومة المركزية ففي الوقت الحاضر هنالك تحالف بين القائمة الكردستانية وقائمة الائتلاف العراقي الموحد ومع هذا كانت ( أيام الجعفري ) ولا زالت هنالك خلافات كبيرة في مفهوم وتطبيق بعض الفقرات المهمة للدستور او على الأقل التريث في تطبيقها ( المادة 140 ) فماذا لو تغير الوضع في الانتخابات القادمة ويفوز مَنْ يفوز غير قائمة الائتلاف، فالعراق لا يزال في مخاض وعدم وضوح لخارطته السياسية وسيبقى كذلك لسنوات طويلة ، من جهة أخرى فان تركيا وايران وسوريا سوف لن يقفوا مكتوفي الايدي بل ربما هنالك الآن تحالفات غير معلنة فيما بينهم للقضاء على التجربة الكردية في العراق ، كما وان المنفذ الوحيد لإقليم كردستان فيما لو تحالفت تلك الدول هي الحدود الادارية لللإقليم مع باقي أجزاء العراق وهذا ايضآ يعتمد كما ذكرت على نوع الحكومة المركزية ونوعية العلاقة المرحلية بينها وبين حكومة الاقليم فما دام هنالك نزعات انفصالية لبعض الكرد حتى وان كانت قليلة وما دام تجربة الحكم الذاتي بالصيغة الحالية تم اقرارها تحت ضغط التغيرات السياسية المحلية والدولية فان التوتر بين الطرفين سيبقى قائمآ. إذنآ على الكرد تأمين ( جيران ) ومنفذ لهم لا يخضع للحصار الاقتصادي فيما إذا طبق عليهم في اي وقت وسوف لن يجدوا أصلح من مساعدة المسيحيين للحصول على منطقة ( آمنة ) لهم مفصولة إداريآ عن إقليم كردستان  وتابعة للمركز فالمعروف عن المسيحيين العراقيين بانهم مسالمين وليس لديهم اي نزعات انفصالية ( إذ يعتبروا كل العراق من شماله الى جنوبه منطقتهم وكان يطلق عليه بلاد ما بين النهرين ) وجل غايتهم هو العيش بسلام في منطقة تضمن حريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية والدنيوية بحرية وامان وإنهم لم ولن يشكلوا في يوم من الايام أي خطر على أي طرف من الاطراف سواء الكرد او العرب او حتى الدول المجاورة ولو تسنى لهم الحصول على منطقة حكم ذاتي خاصة بهم ( وهذا حقهم الشرعي فهم اهل الارض ) فاكيد سيجعلوا منها بسنوات قليلة مركزآ تجاريآ وثقافيآ مهمآ في المنطقة وتلعب دورآ ايجابيآ في العلاقات بين الجميع وهنالااريد التشعب اكثر في هذا الموضوع لانه يحتاج الى دراسات عديدة ولكنني ببساطة أضع هذا المقترح امام انظار المهتمين بحصول شعبنا الكلداني السرياني الاشوري على منطقة حكم ذاتي في سهل نينوى وكذلك امام الاخوة الكرد. انه رأي شخصي لا أكثر أرجو أن ينال اهتمام الاطراف ذات العلاقة.                                                                                     




سالم ايليا / كندا

214
الى السيد رئيس الوزراء وامين عام مجلس وزرائه وكالة مع التحية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

 

لم نتفاجأ بما اطلقه علينا دعاة ( الديموقراطية ) من داخل رئاسة الوزراء فكنا نعلم ان هذه ( الهفوة ) المقصودة ستأتي عاجلا ام آجلا فالكتاب بائن من عنوانه، منذ بدأت الانتخابات وما رافقها من استيراد أصوات غير عراقية جاءت من دول الجوار واعطيت الجنسية العراقية لتكون الدعم الرئسي للمالكي ومن وضع يده بيد المالكي وسكتنا عنها لنعطي فرصة للديموقراطية ان تأخذ وقتها لتترسخ وتتعمق في جذور وبنيان المجتمع العراقي فنحن نفهم الديموقراطية والقوانين جيدآ فاجدادنا العظماء من الكلدان والسريان والاشوريين هم الذين سنوا أولى القوانين في العالم فنحن شعب متمدن ومتحضر لا نستخدم البندقية لفرض آرائنا وأخذ حقوقنا كما فعل ويفعل البعض والذين يكون اغلب ضحاياهم من أبناء العراق جميعآ دون إستثناء من أطفال وشيوخ ونساء وشباب، كما و اننا لا نستخدم البندقية لإخذ حقوقنا لكي لا نشارك بقية الاطراف في التعجيل في تقسيم العراق، هذا العراق الذي بناه أجدادنا العظماء لقرون طويلة ثم جاءوا من بعدهم من خارج العراق من هم ليسوا آهلآ للحفاظ عليه فبدأوا بصراعات دينية ومذهبية منذ زمن بعيد ولإهداف غالبآ ما تكون شخصية ضيقة لذلك الطرف أو تلك الجماعة . فالعراق في ضمائرنا ووجداننا سواء كنا داخله ام كنا في بقاع أخرى من الارض وفي المنافي الاختيارية والتي غالبآ ما ذهبنا اليها مرغمين بسبب هذه التسميات التي تطلق علينا منذ زمن بعيد من قبل الطرف الاخر مع القوانين الجائرة والمضايقات الكبيرة حتى في التعيينات في وزارات الدولة وكنا دائما نتهم بأن إنتمائنا لوطننا العراق ضعيف وان شعورنا تجاهه معدوم وان هنالك نقص في وطنيتنا العراقية ، والحقيقة هي عكس ذلك تماما ومن خلال خبرتنا في بلدان المهجر شاهدنا ونشاهد كيف أن ملايين العراقيين من غير المسيحيين سلكوا نفس سلوك المسيحيين ( أي الهجرة ) من العراق عندما تعرضوا للضغوط والمضايقة ولفترة تعتبر قصيرة جدآ مقارنة بما يتعرض له المسيحيين وأبناء الطوائف الاخرى منذ قرون بعيدة ولحد هذه اللحظة، إذآ تمسكنا بوطنيتنا العراقية وحبنا للعراق يدفعنا الى أن نفكر الف مرة قبل مغادرة العراق الحبيب مرغمين فماذا أكثر من ان ينعتنا أمين عام مجلس الوزراء وكالة والذي يفترض أن يعمل باخلاص لكل العراقيين بدون إستثناء وتمييز بـ( الجالية المسيحيية ) فمن منا يا علي محسن اسماعيل وأنت الذي تعتبر نفسك عربيآ خالصآ وتفهم في اللغة وبحورها أولى باطلاق هذه التسمية عليهم ؟ هل هم سكان البلد الاصليين أم الذين جاءوا بعدهم ودخلوا واحتلوا العراق بقوة السيف وفرضوا عاداتهم التي غالبآ ما أصبحت وبالأ على الجميع والحاضر يؤكد ذلك. إن المسيحيين (يا هذا ) هم زبدة العراق وقلبه النابض إذا ذهبوا لا قدر الله فان العراق والحضارة العراقية لا يكون لها قيمة وانا لست متحيزآ بكلامي هذا لهم كوني واحدآ منهم ولكن قد سبقني من كتب عن هذا الموضوع وذكر بإيجاز شديد بعض الحقائق التي تثبت ذلك ومنهم الاستاذ الكاتب والصحفي ماجد عزيزة والاستاذ ميخائيل سييي واضيف بعض الحقائق الاخرى والتي لم تكن بعيدة عنا ففي عصرنا الحديث يجب ان تعلم ( يا هذا )ان الذي أدخل المدنية الى العراق هم المسيحيين فاول مسرحية عراقية كانت لطيف وخوشابا وأستخرجها من الفرنسية المرحوم الاب نعوم فتح الله سحار وطبعت بالمطبعة الحجرية لللآباء الدومنكيين في الموصل سنة 1893 م ولعلمي هي أول مطبعة تم جلبها الى العراق  وانا لا زلت أحتفظ بنسخة أصلية من المسرحية من مقتنيات والدي رحمه الله ولولا تلك المطبعة ربما لم تكن الآن أنت تطبع كتابك على الكمبيوتر والذي تصف فيه المسيحيين بـ ( الجالية ) ، ناهيك عن الآف الاطباء والمهندسين والاساتذة من مختلف الاختصاصات وعباقرة لغتك العربية هم من المسيحيين مثل خالد الذكر الاب العلامة ماري انستاس الكرملي الذي تتلمذ على يده المرحوم العلامة مصطفى جواد ، كما وان كثير من الباحثين والعارفين في شؤون تاريخك العربي والعراقي هذا ( إن كنت عربيآ وعراقيآ ) هم من المسيحيين واذكر بعضا منهم المرحوم يوسف يعقوب مسكوني وكوركيس عواد وميخائيل عواد والاب الدكتور العلامة يوسف حبي والشاعر المرحوم سركون بولص وغيرهم فنحن على قلة عددنا نسبيآ إلا اننا لنا بصماتنا الواضحة على تطور العراق في العصر الحديث ولا يختلف اثنان على هذا الرأي ، أي لسنا كـ(فحل التوت في البستان ) و(هيبة وصدر ديوان ) كثير عددنا وقليل فعلنا بل العكس هو الصحيح ، ناهيك عن تاريخنا المجيد الذي ربما أنت تتشدق امام الغرباء بالانتماء اليه زورآ وبهتانآ ـ ـ ـ المهم علينا كمسيحيين عراقيين ان لا ندع لهذه ( الهفوات ) المقصودة أو الغير مقصودة ان تمر بهدوء فيجب ان نرفع أصواتنا عاليآ من الان لاي غبن أصابنا ويصيبنا ( فقد بلغ السيل الزبى ) والظاهر ان الطرف الاخر  اتخذ من تحضرنا ومطالبتنا الحضارية بحقوقنا نقطة ضعف فينا فتمادى في غيه وعليه فاني اقترح وبكل تواضع النقاط التالية لتكون امام من يهمهم الامر باوضاع شعبنا الكلداني السرياني الاشوري وجميع أبناء الطوائف المسيحية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

 ـــ تاليف نشيد جماهيري خاص بالطائفة أقرب ما يكون الى النشيد الوطني ( مع اعتزازي بالنشيد الوطني العراقي موطني موطني ) وبلحن مميز يذكر الاجيال الحالية والقادمة باننا الكلدان والسريان والاشوريين السكان الاصليين للعراق وتنظم حملة كبيرة في داخل العراق وخارجه لحث الجميع غلى انشاده في المناسبات الدينية وحتى المناسبات الخاصة وأوكد على المناسبات الخاصة مثل حفلات الزواج والعماذ واعياد الميلاد وغيرها  ويتم حث الفرق الموسيقية المسيحية بافتتاح اي حفلة بهذا النشيد كذلك بالنسبة لمطربينا الشئ نفسه وهذاالنشيد ليس للتباهي أو لاثارة النعرات ولكن لتلقين صغار السن لابناء الطائفة  خاصة بشكل عفوي وروتيني هذا النشيد الذي يذكرهم بإنتماءهم الوطني والقومي لبلاد وادي الرافدين ويا ريت  ان يتم تأليفه وتلحينه بشكل مشترك من الكلدانيين والسريان والاشوريين لكي يشعر الجميع بالإنتماء اليه، كما وأتمنى ان يتم تأليفه وتلحينه بطريقة بحيث من الممكن إنشاده باللغتين السريانية والعربية لعلمي بأن أغلب السريان يتكلمون فقط اللغة العربية في الوقت الحاضر وحتى بعض الكلدان ومنهم كاتب هذه السطور، المهم يصل الى قلوب وعقول الجميع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

 

ـــ تنظيم مظاهرات سلمية كبيرة خارج العراق وداخله ( في مدن الشمال التي تتمتع باستقرار نسبي ) للتنديد بهذه التسمية وليصل صوت المسيحيين العراقيين  أكثر لكل دول العالم خاصة في السويد ( حيث اثبتت الجالية المسيحية العراقية هناك فعاليتها ) كذلك في عموم الولايات المتحدة الامريكية وخاصة ولاية مشيكان وانكلترا واستراليا وكندا والمانيا وبقية الدول الاوربية الاخرى ولكي يفكر من يهمش أو يحاول تهميش المسيحيين العراقيين أو أقصائهم الف مرة قبل أن يفعلها، كذلك متابعة زيارات المالكي لاي من تلك الدول مستقبلا لتنظيم تظاهرات سلمية وقت الزيارة حيث تكون وسائل الاعلام العالمية كلها مهيأة لنقل اخبار زيارة المالكي وتداعياتها وبغض النظر عن وقت الزيارة سواء حدثت بعد سنة أو سنتين أو أكثر من اطلاق هذه التسمية على المسيحيين وبهذا يعطي انطباع لبقية السياسيين الذين سيأ تون بعد المالكي أو حتى المالكي نفسه بان هفوة كهذه لا تمر بسهولة مع أرسال برقيات ورسائل تنديد واحتجاج عبر الوسائل المتاحة لرئاسة الوزراء . ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

 

ـــ لعلمي ولحد الآن لم يتحرك ساكنآ من هم ذوي الاختصاص بهذا الشأن وأقصد بهم رجال الدين المسيحي الافاضل فقد منح البابا بنديكتوس السادس عشر رتبة دينية رفيعة ( كاردينال ) لغبطة البطريرك عما نوئيل الثالث دلي ليس لغرض شخصي وإنما لإعطاءه قوة دينية ودنيوية عالمية أكبر للوقوف أمام التحديات التي تواجه مسيحيي العراق. ورب ضارة نافعة، إذ جاءت هذه التسمية ( الجالية ) في هذا الوقت لتعطي غبطة الكاردينال دلي الفرصة للتحرك بحرية وبدعم ومباركة من أعلى المستويات الكنسية في العالم وهو البابا أفلا يفعل ذلك ونحن كعلمانيين نطالبه بتحمل المسئولية التاريخية هو وجميع رؤساء الطوائف المسيحيية الاخرى ـ ـ ـ ـ ـ

 

ـــ إذا أخذنا بمبدأ المثل القائل( إن كنت تعلم فتلك مصيبة وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم ) فعلى رئيس الوزراء نوري كامل المالكي ان يقصي من فعلها ليس عقابآ وإنما عملآ بما يصرح به دائمآ في الاعلام انه مجبر على اختيار الوزراء والحاشية وانه لو تسنى له الاختيار لاختار مهنيين كفؤيين فالاولى به ان يبدأ بمكتبه وحاشيته وليس هنالك في اعتقادي اي طرف ضغط عليه لاختيار المقربين اليه. فاذا كانت هفوة غير مقصودة فكيف يقبل المالكي بان يكون أمين عام مجلس وزرائه وكالة جاهل الى هذا الحد وإذا كانت مقصودة ومن غير علمه فاكيد بان أمين عام مجلس وزرائه يريد وضع المالكي أمام مشكلة كبيرة اي هنالك خلل في اخلاصه ـ ـ ـ

 

واخيرآ نقول لمن يريدون تهميش أو أقصاء أهل البلد الأصليين أتقوا الله إن كنتم تعبدوه واياكم والحليم إذا غضب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ  ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

 

                           

 

             سالم إيليا / كندا

 

صفحات: [1]