عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - أمير يوسف

صفحات: [1]
1
المنبر الحر / أراد أن يرى ابنته
« في: 22:26 25/04/2020  »
أراد أن يرى ابنته
(قصة حقيقية بأسماء مستعارة).   
خلف القضبان تصطبغ السماء بالألوان بكل هدوء وأمان. كل لون يحمل أمنية، والأولى في هذه الأمنيات كانت حلمه الوحيد: رؤية ابنته التي لم تكن قد ولدت بعد، إذ كانت زوجته حامل ببسمة وهي لما تكمل سن الثلاثين. هل ستكون ذات خد أسيل ووصف كامل؟ وهل سيبهر لون عينيها النفس ويشرح القلب؟ وقد كان يتمنى في نفسه وهو في السجن: ليته يستطيع أن ينظر إلى وجه بسمة ولو للحظة واحدة ويضع يديه على خديها لتشعر بحنان الأبوة، ويقول لها: أحبك كثيراً يا نجمتي الصغيرة. لكن هل سيرى بسمة؟ ذلك كان حلمه الوحيد وأمنيته الكبرى. وهل سيسمع صوتها وهي تطلق الأصوات الأولى عند البكاء بعد الولادة؟ تلك هي أعذب الأصوات في هذا العالم!
يا للروعة! أي حلم هذا؟ أية أمنية عظيمة؟ عندما يتفاعل الأب مع ذاته ويكشف عما في فكره من حلم مشروع له وهو من حقه الطبيعي، لكن أين حقك أيها الأب؟ أين تلك الأيام التي ستجلب لك الطمأنينة ولو للحظات قصيرة حين تشم خدّي بسمة؟ ترى هل تتحقق الأمنية عندما يبتغيها الأب لمجرد أنها أمنية تأسر نفسه وفكره وتنقله من حالة التمني إلى بلوغ السعادة القصوى؟
ولد بطل هذه القصة عام 1935 في إحدى القرى الصغيرة في زاخو واسمه أوراهم. عمل برتبة صغيرة في الجيش في موقع الموصل. في عام 1959 اشتدت عليه الخطورة بعد أحداث الشواف، واهتزت أم الربيعين واختلط الحابل بالنابل وارتبكت الأمور وانتشر الخوف بين الناس، وقال له أصدقاؤه المقربون: "ابتعد عن عدوك واختف"، فقال لهم: "ليس لدي ما يدعو لذلك".
ألقت السلطات القبض عليه وأودعته السجن، ووجهت له تهمة قتل ضابط كبير كان يعمل بأمرته، وفي عام 1963 رموه بالرصاص حتى الموت. لم يرَ بسمة، إلا أن بسمة رأته من خلال كلمات أمها.
 كان أوراهم عفيف النفس، ذكي الفؤاد، سلس الطباع، رابط الجأش، شديد القلب وجريء على الليل؛ وكان يرتقي بتفكيره إلى معالي الأمور فيستقر باله وتسر نفسه. أحبّ اللون الأزرق الفاتح لأنه لون السماء، وأحب عيون المياه وأشجار الصفصاف.
تميز ببعد نظر فريد للغاية، فكان يريد أن تمتلئ الأرض بالأمن وبالألوان بكل هدوء وأمان، فلا يخاف أحد من الناس.
وكان في العيش من الذين يرضون بالكفاف، سباقاً إلى عمل الخير عندما يرى أن الحالة تناديه إلى ذلك، ولم يكن يضجر إذا حال حائل دون ما يجب أن يقدمه للناس، فقد كان كبير الثقة بنفسه وبكل أحد وموضع ثقة عند الآخرين. أجل، كان كريماً إلى أبعد الحدود بحيث أن الفرحة كانت تغمره عندما كان يساعد الآخرين. وكان يدعو الذين يعرفهم إلى المبيت في منزله بدل المبيت في الفندق رغبة منه في المساعدة وليس مخافة أو لغرض معين؛ كانت السعادة تغمره حينما كان يرى الآخرين فرحين. ما أروع الحالة عندما يكون الإنسان سعيداً! نعم، ليس في الحياة ما يفوق سعادة الإنسان على الأرض!

د. أمير يوسف
نيسان / 2020


2
حكمت كيكا: أجمل ابتسامة في شمال الوطن
ورقة من الذاكرة
ما بين لحظة دخول دجلة العراق واستنهاره عند فيشخابور ليجري متجهاً إلى البصرة، وما بين أصوات مناجل الفلاحين في الموصل وبساتين الشمام في القوش الجميلة وابتهاج البصرة بالمياه وأشجار النخيل، فرحت القوش وولدت حكمت كيكا في نهاية سنة 1953.
ها قد استبان الطريق،
حان وقت المسيرة،
أنا منكم وأنتم فيّ،
جئت لأسعدكم،
انتبهوا إلى سكوتي.

يا صديقي! يا صاحب أجمل ابتسامة في شمال الوطن!  أنت تبتسم لكي تلتصق بالناس وهم بك، ابتسامتك تلازمك مثلما تلازم الرائحة العطرة شمام القوش. كان نهارك يبدأ بابتسامة وينتهي بها، بابتسامتك كنت تجلب الأمان لنفسك والراحة والاطمئنان للذين كنت تتحدث معهم. تعتبر الابتسامة عندك بمثابة حاجة، وذلك لأن العالم لن يكون على هذه الشاكلة إن لم تكن الابتسامة مرسومة على وجه الإنسان، وهذا أدى إلى خلق العديد من عُمُد بناء شخصيتك المتزنة وعلى نحو مميز؛ ففي فكرك ونفسك كل ما يدل على الشهامة والنفاد والجد، صاحب ضمير يقظ، عاقد العزم، لين العريكة، شجاع واثق بشجاعته، أنت الحاذق والمبسام، بهي الطلعة جميل المحيا، والثابت الذي لا يتزعزع، تمشي بشموخ كريح لينة الهبوب.
أتذكّر جيداً أيام منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عندما كنا نتجاذب أطراف الحديث ومعنا المرحوم باسل الصفار في غرفتي الصغيرة في الموصل عن الوطن وما فيه وحاجته إلى التطور في مختلف ميادين الحياة، وعن أحوال المهمشين وأولئك الذين بحاجة إلى لقمة العيش وما يحميهم من قر الشتاء، وعن تلك الظروف الاستثنائية المقيتة التي فرضتها الدولة؛ وتوصلنا إلى أنه رغم كل الذي حولنا من شقاء وألم، علينا أن نبتسم ونعمل بكل ما فينا من طاقة وقوة، وهذا يذكِّرني، رغم اختلاف الزمان والمكان والشعب، بما قاله الجنرال الفيتنامي جي آب في سنوات العدوان الأمريكي على فيتنام: "إلى جانب القتال يجب أن نتعلم كيف نغني"؛ إن ذلك يفضي إلى الحقيقة التي تفيد: لا يمكن أن يموت الأمل طالما أن هناك من يلتصق بالوطن ويركب الأخطار ولا يأبه بالعراقيل والمسافات.
وذكرتَ في أحد اللقاءات أن لديك حلماً وستعمل بكل جهدك من أجل تحقيقه. ما أروع الحال عندما يكون لدى الإنسان حلم يأخذه معه أينما حلّ! أجل، كان حلمك دراسة فيزياء البلازما (أو الهيولي) في الخارج، لأنك كنت مولعاً بهذا الحقل من علم الفيزياء، وكان يشغل حيزاً كبيراً من تفكيرك. عرِفتَ أن طعم الحياة لا يطيب إلا عندما يكون لدى الإنسان حلم يؤنسه، ويعقد العزم على تحقيقه.
الحلم أمل في خط مستقيم،
لا هو مثلث ولا هو دائرة،
الأمل حجر عظيم،
الآن وفي العراق القديم،
أيها الق...ون لا تضربوا الحلم في الصميم.

حينما كانت القوش هادئة منزوية ما بين المرج الذي أمامها والدير الذي يطل عليها، تمايلت الريح يميناً وشمالاً، وسَمِعت فراشة بيضاء الوئيد من جهة الموصل في عام 1984، فأصابها الذعر وطارت صوب بيوت القوش ورفرفت بجناحيها أمام أبوابها ومن ثم أمام باب الدير.
آه من أنين القوش!
لقد بطشوا بحكمت كيكا!!
يضطرب السديم في الكرة السماوية،
تضطرب مياه القوش،
وتتألم الورود ما بين المرج والدير،
تطير الفراشات فزعاً في اتجاهات مختلفة،
ترى هل هي بداية حرب درور؟
أيها الجلادون!
تباً لكم،
لا تسرقوا دفء الأرض ونورها،
أجل، ما بين الدير والمرج،
لم تخف القوش أبداً،
ولن تخاف حتى إذا سمعت صوتاً مزعجاً في النهاية.   
 
يا حكمت! كنت سميراً من الطراز الرائع لأنك كنت مستمعاً جيداً، وحريصاً على أن تفهم كل ما يقوله من يشاركك الحديث، وكنت ترد بما يكفي لكل حالة. كنا نتفق دائماً على أن هذه الحياة لابد وأن تتغير لا محالة، وعند تغيير الأمور الحياتية يتطور الإنسان، وفي تطور الإنسان تتقدم الحياة إلى أمام بانسيابية منتظمة.

 كنت تؤمن وبعمق بكل ما يتعلق بعناصر الصداقة وما تتطلبه من التزام متبادل عند الأطراف المتآخية، وإذا كان من الحِمام ما يؤلم ويترك في نفس الصديق أثراً عميقاً لا يزول وخزه، فإن أواصر الصداقة الحقة تبعث على الأمل، وتبقى خالدة وتعطي الحياة طعمها الطبيعي. 
  يا حكمت! أنت في فكري منذ أن افترقنا، ورغم أنك معي دائماً، فأنا صديان إلى حديثك كل يوم. بحكمتك تركت فيّ وفي أفكار الذين عرفوك وأحبوك حكمة تقول: الناس الأعزاء هم أولئك المتميزون الذين يشغلون حيزاً في عقولنا. أنت حي في عقول الناس ونفوسها لأن ابتسامتك لن تنطفئ أبداً.


 سلام لك وعليك،
حبنا وابتساماتنا لك،                                                                                                 
أختشع لذكراك،
تحضرني ابتسامتك.

د. أمير يوسف
كانون الثاني/ 2020

3
أبي، أنت معنا دائماً
أأبي أنت همسة في الفكر، وطيبة تعلمني، وبساطة تنير لي الطريق. أنت أبسط إنسان شاهدته في حياتي.
عشرون عاماً مرت مذ تركتنا وأنت لاتزال في قلوب كل الذين عرفوك. نعم، أفتقدك كثيراً وأكتب لك من عقلي ونفسي، فقد قلت لك في السبعينيات من القرن العشرين: “لن أخيب ظنك يا أبي، وأنا أعني ما أقول". قلتُ ذلك لأنك علمتني على حب الناس ومعرفة كنه الحياة.

أبي، كنتَ رحب الصدر، طيب القلب، كريم الذات، ومؤمناً بالله إلى أبعد حدود الايمان. وكنت تحب جميع الذين عشت معهم وعرفتهم، وكانوا يكنون لك أقصى درجات الود والاحترام، كنت معلماً كبيراً رغم أنك لم تتعلم في المدارس. تعلمتَ في مدرسة الحياة وعرفت أن ما نراه هو نصف الحقيقة وهو أعمق وأكبر وأعلى مما يبدو. كنت تقول لي بكلماتك البسيطة: "إن هذه الأمور الحياتية والعلة والمعلول هي أساس الحياة". كنت تتمنى الخير لجميع الذين عرفوك بما فيهم الغرباء. كنتَ ذلك الإنسان الذي ظل متعلقاً بالماضي الذي كان يملأ كل يوم من أيام حياتك إلى أن تركتنا إلى عالم آخر واحتضنتك أرض باريس الجميلة عام 1999.

 أنت لم تُخفِ ما كان يتخالج في صدرك، بل كانت تصدر كركرة من أعماقك لأنك تمرست بالأسى ورحت تشتكي صروف الأيام والسنوات الطوال. أجل، فقد كانت يد النوى الظالمة، التي حرمتك من حنان أمك حين قتلوها وأنت لما تزل طفلاً في العاشرة، وبعد حين قتلوا أباك، تلازمك وتؤلمك طوال حياتك وأنت تتذكر اخوتك وأخواتك وعشيرتك.
تبت أيديهم، حرموك من حنان الأم وعطفها وأنت الطفل الصغير الذي أحب الجبال ورؤية الفراشات وهي تطير، وكان ذلك من الأمور العجيبة والقريبة إلى قلبك. وفي سني عمرك كنت تقول لأمك: "أنتِ الضوء في عتمة الليل والدفء في أيام البرد، أنت عالمي الجميل. أنا لم أستهن بقابلياتك ولم أعرف الحب والحنان إلا في أحضانك، تمنحيني الطمأنينة لأنك جنتي الآن وكل أوان. أنت فكري وروحي ودمي وأنفاسي، أنت الكون كله".

كانت بساطتك منقطعة النظير، فهي الفضيلة الكبرى التي لم تفارقك طوال حياتك، فقد كنت جميلاً بالبساطة التي ظلت معياراً ثابتاً لجميع الصفات الأخرى التي كنت تتحلى بها. وكان التواضع والبساطة في معيشتك وحياتك اليومية أغلى ما ملكت من الفضائل التي ساعدتك في تمتين الأسس اللازمة لحياتك التي استمرت لخمس وثمانين سنة، وهي التي جعلت من شخصيتك جداراً منيعاً تجاه الإغراءات المادية في هذه الدنيا الغرور. لا أعرف يا أبي من أين أتتك القابلية لتعيش بسيطاً ومتواضعاً. يا ترى هل كانت مزروعة فيك أم كانت انجازاً حققته نتيجة جهود جمة لم تخبرنا بها؟ أم كنت تستدعيها وظلت تلازمك طوال حياتك؟ وبقدر ما كانت نفسك بسيطة كانت أسفارك صعبة: العراق، الهند، الأردن، ليبيا، تركيا، المانيا، وأخيراً فرنسا التي احتوتك وفرحت بك.
نعم، أنت لم تزعم البساطة ولم تنسبها إليك، وإنما كانت نفسك تسوقك إلى الدعة التي لازمتك كل سني عمرك، وكانت البساطة الصفة المتغلبة في جميع الحالات التي كانت مليئة بصروف الدهر التي واجهتك.

سلام عليك وعلى بساطتك وعلى روحك،
أنت معنا دائماً.

أمير يوسف، التاسع من حزيران/2019.

4
نهلة عبدوكا – نجمة تسطع في سماء عينكاوة وجميع قرانا

من بين بيوت عينكاوة الجميلة وعبر مدة الانتظار في تركيا، ومن قلب طبيعة مدينة ملبورن/استراليا، جاءت ابنة عينكاوة التي خبرت حوادث الدهر وأوجاعه، وأصبحت ذاتاً كائنة في الكون وفرضت وجودها، وقالت: ها أنذا! إنها نهلة عبدوكا، وهي الابنة، الأخت، الزوجة، الأم، الصديقة والزميلة. إنها تلك المرأة التي نجحت في تحقيق التوازن بين الحاجة والضرورة لذاتها أولاً ومن ثم لأبناء جلدتها، وكانت موفقة في ذلك.

نعم، قدمتِ العون للذين بحاجة إليه، ولم تبخلي بالوقت لأجل تلبية احتياجات الآخرين، ولم تميلي إلى إيثار حب القريب فقط، بل وكذلك حب الغرباء الذين كان لهم حصتهم الكبيرة في تفكيرك؛ وقد تحقق هذا في الواقع، لأنك قلت في نفسك: في ذمتي لأساعدن كل محتاج. ومن هنا تبين للقاصي والداني بأنك مثال الإنسان المحسن، الذي ينطبق عليه المثل: "إنما المرء بأصغريه: قلبِه ولسانِه".

يا نهلة! لم تجد الأحزان والآلام مكاناً في تفكيرك ونفسك، ولكنك وقفت دائماً إلى جانب أولئك الذين لديهم ما يكفيهم من الأحزان والآلام وقدمت لهم العون اللازم. وكان همك الأكبر في الحياة هو ما يجري بحق أبناء شعبنا، الذين تفرقت بهم الطرق ووصلوا إلى ما هم عليه الآن؛ وطفقت تحزنين لأحزانهم وتتألمين لآلامهم، وكنت دائماً تقولين: "أنا ابنة هذا الشعب"، وعملت جاهدة لتقديم شتى الخدمات للناس ومن غير تقصير.

أبناؤك: عشتار، إيلونا وجوناثان يقولون أنك، بعد حين، ستقرأين شهادات تخرجهم وتدخل البهجة إلى قلبك، وستقرأين بطاقات زواجهم فتختلج كثرة من الأمور في تفكيرك، لماذا يا نهلة؟ لقد وجد كاميران وجداً
ومثله أهلك وكل أولئك الذين عرفوك وأحبوك. وها هي مدينة ملبورن الفرِحة دائماً تطلق صيحةً حزينةً تقول: لماذا تعجلت في الأمر يا نهلة؟

ما بين الغسق والسُّدفة أبت الحياة أن تستمر، وتوقف ذلك القلب الرؤوف عن الخفقان، الذي ما هو سوى شكل من أشكال تهدئة الإنسان والمكان، ومنعطفاً من منعطفات الزمان.

السلام معك؛ أنت معنا دائماً، أنت في ضمائرنا أبداً.

أمير يوسف، في 30/05/2019.



 

 

5
الأب عمانوئيل خوشابا: ذلك الإنسان الذي بلغ ما كان يطمح إليه

رجل في متوسط عمره يجلس لوحده في الحديقة الأمامية لأحد البيوت في منطقة الكرادة ببغداد عام 1974 في وقت العشِيّ، قدمني له الأخ بهجت وقال: "هذا أخي، الأب عمانوئيل"... جذلت نفسي في تلك الأمسية.
واليوم، الرابع والعشرون من كانون الثاني / 2019 ، عندما كانت الظهيرة في ربعها الأخير وكان الرَّواح على وشك أن يبدأ، قررتَ، أبونا، أن تباشر المشوار الثاني. فرحت لك لأنك ذلك السائر الذي سيقطع المسافة الجديدة بثقة كبيرة مثلما قطع المسافة الأولى.
نعم، أنت الأب عمانوئيل – الرجل الذي يحمل صليبه على وجهه؛ ذلك الإنسان الذي حقق ما كان يحلم به منذ الطفولة، ألا وهو شبه المستحيل. إذا كان الكثيرون قد حملوا صليبهم على مناكبهم وابتدأوا المسيرة الصعبة، فإن الحياة بكل نورها وظلامها جعلت منك ذلك الرجل الذي يحمل صليبه على وجهه أيضاً. أجل، صليب من نور ونور من صليب عرفته منذ الصغر وقدمت كل حبك له. وهكذا ستظل أنت وروحك على الدوام في نور لا نهاية له، لأنك لم تكن مسيَّراً في حياتك، بل اخترت طريقاً مليئاً بالمحطات الحياتية الغنية بالكفاح الطويل والصعب، والخدمة التي أمضيت عمرك فيها لأجل بلوغ الهدف الأسمى – سعادة الإنسان.
وهل قال لك صليبك كل ذلك؟ كلا! لأنك عرفت الدرس منذ نعومة أظفارك وأدركت الحقيقة البسيطة - وهي أنْ لا صليب يُحمل إلا لأجل الإنسان؛ وأدركتَ أن المعادلة ليست بحاجة إلى فلسفة عميقة، بل هي سهلة لأنها تستبق إلى غايتها العظمى – إسعاد الإنسان. أجل، قدّمت نفسك في مدرجة الحياة لكي يشعر الآخرون بالبهجة والفرحة، حيث كنت تخفف آلامهم وتقوّي آمالهم؛ لأنك عرفت جيداً أن إسعاد الإنسان هو الأمر الذي يأتي في مقدمة أهدافك. وفي هذا أشرتَ ذات مرة إلى "أن حمل الصليب مسؤولية عظمى لأنها تصب في إعطاء الإنسان قيمته الحقيقية وتحقيق مبتغاه الأسمى".
نعم، إن جلب السعادة إلى نفس الإنسان هو الهدف السامي الذي يريد أن يبلغه كل من يحمل صليبه ويتحمّل. وكنت نِعم الرجل الذي نكر ذاته وشمّر عن ساعديه ليقوم بواجبه تجاه أولئك الذين ينقصهم ما هم بحاجة إليه، وعملت كالمسهوف كثير الشرب للماء، الذي لا يكاد يَروى؛ وبذا كنت التقدمة للناس وهذا من جوهر شخصك وعملك، وصار لك عند بني قومك يدٌ ومعروف وصنيعة. 
أنت مصقول المواهب، رفيع الثقافة، ولذلك لم تصادف طريقا غير نافذ؛ فكنت تمشي إلى حيث تريد بثبات وثقة عاليين، وفي ذلك كنت تجد متعة لا توصف. نعم، سيرك بثبات قي أي أمر تريد أن تنجزه هو الحافز الأكثر تأثيراً عند الذين عرفوك وأحبوك. لم يكن لليأس أي مكان في نفسك ولا في عقلك، لأنك امتلكت جميع عناصر الأمل في النجاح؛ وهذا جعلك ذلك القائد الذي يعمل أكثر مما يتكلم، مما أدى بالمحيطين بك إلى أن ينظروا إلى المثال الصادر منك كالألق من الشمس عندما تستيقظ ما بين الصباح والشروق.
أبونا عمانوئيل! مبروك لك، لقد تحقق النصف الأول من أحلامك.



أمير يوسف
24/01/2019



6
بشرى برتو – إئتلاق فوق سماء الوطن
المرأة البطلة التي أحبت أرض الرافدين

أمير يوسف


ورقة من ذاكرة خابور النصير إلى "مرام" مع السلام والاحترام لها ولأهلها وذويها وكل الذين مشوا معها في الجبال الشاهقة. 

حين التقوه مؤخرا في بودابست، قال خابور: "كانت الشمس قد مالت نحو المغرب وتصاحبها ريح رائدة تصطدم بالصخور الجلامد وتداعب اوراق اشجار البلوط عندما مر بي ثلاثة انصار وانا جالس عند عين ماء، وقالوا: ما خطبك؟ قلت: انا صادٍ .. رغم ان عين الماء صددي. فقالوا: هات ما هو اكثر"!

فطفقتُ اتفكّر وانظر الى عنان السماء ثم الى عيونهم فعين الماء، وقلت:"لا يمكن ان يزول الحُباب عند النصيرات والانصار طالما هناك امرأة بطلة رأت ما تقدحه حوافر الخيل قرب قرية فيشخابور الهادئة، المنقبعة في صدر دجلة وهو يدخل أرض العراق مثلما ينقبع الحمام في وكره؛ وسارت بجوار أشجار الجوز في أربيل وبين صفوف النخيل في البصرة، ورسمت بذلك نورا فوق الحركة الوطنية وقوس قزح فوق بيوت الذين ليس لديهم ما يكفيهم، والجياع والمهمشين في طول الوطن وعرضه؛ ولا يمكن ان يموت حب الوطن لأن هناك من يحمله ويدافع عنه ويبين للناس طعمه؛ ولا يمكن ان تموت الذكريات طالما التصقت هذه المرأة بسهول العراق وجباله فكرا وروحا، وركبت الأخطار ولم تأبه بالأنظمة المتتالية وجلاديها، ولا بالمسافات والأسوار. كيف لا! وقلوب النصيرات والانصار تحتويها"!

"إنها بشرى برتو "مرام" – المرأة التي رامت حرية العراق المثخن بالجراح ونكرت ذاتها لأكثر من ستة عقود من الزمن، وانتهجت سبيلا صعبا وكانت على رِئاس من امرها.. ولا غرو من ذلك. لقد بذلت كل ما في وسعها من اجل جلب السعادة الى نفوس كل العراقيين الذين كانوا في القرن الماضي ولا يزالون في الوقت الحاضر بأمسّ الحاجة الى وطن ينعم بالحرية. واذكر انها قالت ذات مرة بحضور الدكتور رحيم عجينة ما معناه: اذا كانت الانانية عند القائمين على اعناق الشعب تقود الى كره الآخر وازالته من وجه الارض، فان الانسانية تساهم في بناء المحبة التي تجعل الآخر يعرف انه حر وله الحق المطلق في الحياة الكريمة".

"نعم، ان "مرام" امرأة من الطراز الرفيع، وكثيرة النوافل، ومجربة للأمور، وهي الصَنْوة التي عبرت جبالا رائعا منظرها، واحبّت بغداد بشكل منقطع النظير؛ ستظل دوما ليس فقط في عقول النصيرات والانصار، بل وفي نفوس كل الذين عرفوها واحبوها".

"بشرى برتو – إئتلاق فوق سماء الوطن ونور المرأة العراقية .. لك السلام الدائم".

كانون الاول، 2017


ْ
 

7
سيفو: ذلك هو صدى الرزيئة

وما المسافة بين الأمس واليوم غير هنيهة يسمع فيها الإنسان لثغة طفل فطمته أمه بالأمس، وما الفرق بين ذلك وهذا غير فراغ لم تنسه الأيام ولا القلوب تريد أن تبتعد عن نور الأمل المقدس...


يريد الإنسان أن يدرك هذه الحكمة:
يفترض ألّا تكون حزيناً حينما يقتلك الآخرون
وليس لك الحق في أن تكره أو تكون حقوداً، بل
عليك أن لا تحيد عن الطريق حتّى وإن كسَّروا الريح وأهانوا الحضارة 

نعم...
في مثل هذا اليوم جاء الشرّ وقد نشر سَبَلَتَه
تبعثرت أجساد الضَّحايا
وتبعثر الأطفال
 وراحوا يبحثون عن صخور ليحتموا بها غير أنَّ السيف كان طويلاً

أنتم في الضمائر والقلوب
تبَّت أيديهم
تبَّت أيديهم
وتباً للجريمة التي تجعل القلب يئن

*******

يا من يروِّع الذين تقطَّعت بهم السبل
يا من يروِّع الجميع الى التبعيَّة
وأنت الذي في الجانب الأسود
أنت إن كسَّرت مسيرة الإنسان وطبيعة الزمان
فذلك محقرةٌ لك .. كلُّها ذلّ وهوان
والبون شاسع مابين الأنذال والأبدال

يا ابناء سيفو، عفواً!
هل أنتم أبناء سيفو؟ أم أنَّ سيفو ابنكم؟
لا ضير في الحالتين
فأنتم ونحن غرباء
في أرض لا تحمل اسماً بسبب موت الضمير
لأنّها في طيِّ النسيان
سابقاً والآن
لأنَّ المسافر سافر ويسافر الآن صوب محطَّته
محطَّة النسيان التي هدَّت كيان الإنسان
وفضحت اعوجاج الزمن الأكدر
لأنَّ العصافير كانت تموت من البرد
والآن تموت في أعشاشها بفعل الإنسان

*******

يا أبناء سيفو، والهفتاه!!
يا علوّ الحسب ورقيّ النسب
يا من تأنفون من الدَّنايا
أنتم تِبرة فوق كلِّ صخرة
 وجنب كلِّ شجرة بلُّوط
وفي كلِّ زقاق
أنتم ورود فوق كلِّ قبر
وسنابل أمام وجوهنا
أنتم في الضمائر

*******

يكبر الحلم وينمو في ما اقتلعوه سابقاً
وتفرح النفس فرحاً كبيراً
والعيون تعتذر لأنَّها لا تعرف كيف تؤلِّف بين الطبيعيّ واللاطبيعي
إذا استحالت المروج الخضراء إلى عشب أصفر، فإنَّ ذلك إلى حين
وإذا لم تكبرالأحلام التى قتلوها، فإنَّ أحلام الحاضر تستظلُّ بشجرة
وإذا كان الأمل صورة بريئة أزيل إطارها بعد أن تكسَّر، فالأمل الآن عظيم ولا توقفه عثرة
لأن الإنسان منكم وبكم ولكم طالما في القلب نبضة
و يريد أن يعرف هذه الحكمة:
يفترض أن تكون جذلاً حين يحبُّك الآخرون
ولك الحقُّ في أن تحبَّ وأن تكون محبوباً
وعليك أن لا تحيد عن الطريق حتّى وإن كسَّروا التاريخ وأهانوا الحضارة

يا أبناء سيفو!
يا علوّ الحسب ورقيّ النسب
أنتم في ضمائرنا نحن المرزّؤون


أمير يوسف
نيسان 2017


8
يونان هوزايا
وسام على صدر الوطن

أصافح بحرارة جميع أفراد عائلتك وأهلك وذويك وجميع الذين يعرفوك ويحبّوك، وليقبلوني
معهم في كل ما يحصل لهم.


حبّذا إنساناً يونان، حبّذا أديباً يونان
سيظلُّ هذا القلب ينبض في كلِّ زمان

كرزيز الرعد في السماء تجلجل الأجراس في كل مكان، ما بين الزُّلفة والسَحَر وتحت ضوء القمر تنتشر موجات أثيريَّة عبر أشجار الفواكه في زاخو والنخيل في البصرة فيضطرب الزمان ويجتذل المكان.
أنت السماء المدرار، تعمُّ الأرض بالجَود وتغيثها. أنت النوفل والهمهام، رجل بعيد الشأو، طيِّب الطبيعة والخُلُق، جيِّد الكلام فصيحه. أنت من ذوي الألباب ومن أهل الرفعة والمروءة والشرف في قومك، أنت الرجل الذي لم يرض إلّا أن يمشي في مدرج الحقِّ، فاقتحم العقبة وعلا في الأرض وتوقَّل في الجبل.
ما بين الصبح والمساء وما بين أحلام الفراشات على الأرض و النجوم الوسنة في العلياء تترتَّب الحروف تباعاً بانسيابيَّة لغوية معبِّرة لتتخمَّر ما بين الألف والياء. وتبدأ صناعة الكلمات لبثِّ الأمل في نفس الإنسان. بلِّط، أيهاالحبيب، بألواح كلماتك، وعبِّد درب التبّانة حين تكون السماء في رقص وغناء لتضيف نوراً إلى نور. واجعل في المقدمة قواميس وكتب وأشعار وفي الفكر كلمات حبٍّ لبني قومك، ثم رتِّب حروف اسمك وساماً على صدر الوطن وسلاماً داخلياً للفقراء، ورَ الناس كيف يكون فنُّ الكلام والبناء.

أخي يونان!
أنت تبغي التوازن الكامل: توازن بين جميع عناصر ما ترغب فيه لأنًّك حقّاً تريده وتحبُّه، وكذلك جميع عناصر ما ترغب عنه لأنَّك تعرض عنه وتتركه، وأيضاً ما ترغب به عن غيره لأنَّك  تفضِّله على غيره. هذا التوازن هو التفكُّر والتدبُّر، فتعمُّقك في التفكُّر يجعلك قادرا وبكفاءة على التدبُّر في الأمور على نحو مميَّز، وذلك هو ما تمليه عليك حياتك. إنَّها حياة مطمئنَّة، سمحة، راضية ومتفائلة، إنَّها سرُّ محبَّة الناس لك.
يظلُّ جزعك على أبناء شعبك أكبر من آلام الحاضر وأعلى من آمال المستقبل وأعمق من تقاسيم الجغرافيا وتقسيماتها. وتبدأ لتحقِّق ما في النفس على أرض الواقع، فتتَّخذ مبدأ الغيريَّة نهجا أساسيَّا في حياتك وأنت تعرف جوهر الحقيقة البسيطة، وهو أنَّك ستنعم بالسعادة القصوى حينما تقدِّم جهدك ونفسك لأجل بلوغ عناصر الهدف الأسمى: الإنسان، الحب، الجمال والأرض. أنت تعشق العمل لخير الناس كي تخلِّصهم من فقرهم الكبير – الجهل، لأنَّك تعرف جيِّداً أنّ لا غنى أعزُّ من غنى العقل.
 يأخذك الحنين و ينأى بك، في كلِّ لحظة، إلى الأرض  الواقعة ما بين العقل والقلب وما بين أمنيات الأرامل وأحلام الأطفال اليتامى. أنت لست تفتأ تتذكَّر أحزانك بسبب ما يعلق بذاتك من أمور غير يسيرة تخص شعبك. نعم، تصدر كركرة من صدرك وأنت ترى بني قومك وقد تفرَّقوا، فتنهض من غير أن تفكِّر في صفاء وجهك في هذا الزمن الأكدر وتعمل لتأتي بما لا يكون إلا جامعا، موحِّدا، يبني الأمَّة ويجعلها تقف على قدميها. تعمل وأنت متيقِّن من أنَّ الأحزان لن تنقضي ما لم تتنفَّس الأرض بحريَّة وتدخل السعادة إلى نفس الإنسان، وبكلِّ ذلك تصير نفسك موضعاً تُحرَز فيه آلام الإنسان وآماله وأحلامه. ما أحرزه من موضع!


أخي يونان!
أنت رجل حسن الصحبة، معطاء، فيَّاض. تحترف صناعة الكلمة فتستحيل الى رجل تكلام، كلامك يفرح ولا يشجي ويتملَّك قلب السامع ولا ينفر، لأن كلَّ ما تكتبه رقيق الحواشي.
ما برحت زاخو تفرح بالتماثل في مطارحتك العصافير الكلام والشعر أمام تلالها وتفرح بالتباين الطبيعيّ ما بين جسر دلي ودلالي والصخور المنتشرة حواليه.
في وسن النجوم في العلياء وما بين السحر والصبح ينتقل الدفء الإنسانيُّ الهادئ بسرعة الى حيث يقوده الزمن.

يا مملكة الكَلِم
يا رمز العطاء
أنت وسام على صدر الوطن
أنت في سلام سرمديّ
أنت رجل خليق بالإكرام

د. أمير يوسف
شباط /2016

9
15 تموز/2015
مائة عام على مذبحة فيشخابور – الزهرة العراقية الجريحة


في 15 تموز عام 1915 وبدم بارد قتل "الميرانيون" العشرات من أهالي فيشخابور الأبرياء. تبّت أيديهم وشُلّت، ولا حبذا ما صنعوا. هذا الخبر لم يهزالمنطقة  والعالم، لكنه هزّ ما هو أقوى من كل العالم .. هزّ ضمائر أبناء جميع القرى المسيحية القريبة من فيشخابور والمحيطة بها والبعيدة عنها.

صدّقوا "الميرانيين"!
صدّقوهم! يا للهول!
وعبروا دجلة هرباً من العثمانيين
اهتزت أجسادهم ألماً
اختلطت الألوان واصطبغت مياه دجلة بدمائهم
وتوقّفت عجلة الزمان
وارتعش قلب المكان
تبعثرت حروف فيشخابور
واخضلّت عيون بناتها
وتكسرت أشجار المشمش خلف أسيجة بساتينها،
واختل توازن النجوم في درب التبانة
والشهداء ما هم إلا كلمات صارخة أرجعتنا ولا تزال ترجعنا الى معانيها.

أريد أن أسمع ذاتي
أريد أن أقول لشهدائي: مائة عام وأنتم أحياء في كياني وضميري ووجداني
أريد أن أغوص في عيون فيشخابور،
حيث حرارة النفس لا تتأثر بدرجة حرارة البيئة المحيطة
أريد أن أشهد أني ولدت من نفسي الأكديّة البعيدة-الحاضرة
لكي أورث ما يمكن أن يفتخر به الأحفاد

كانت جدّتي ضعيفة البصر قويّة البصيرة
وكانت قد عرفت رزايا "الفرمان" وعاشتها
وكانت، بالفطرة، تعرف العلاقة الأبديّة بين الزمان والمكان،
وقالت ذات مرة: "لا خير في امرئ لا يريد أن يعرف أمسه ويعيش حاضره ويحب ضبابية غده".

آه من الأسى!
لو لم تكن جدّتي في فيشخابور
لاستطعت أن أستسهل أمر هدم السياجات
واكتفيت بما حصل من الألم منذ مائة عام

يا جدّتي!
لا تعيدي صورة الماضي
ولا تجعليني غريباً واقفاً أمام دجلة وهو يجري
فأنا أريد أن أحيا بين بساتين فيشخابور القديمة
وأريد أن أشمّ رائحة "خوبّارتا"
وأشم هواء بيوتها القديمة
وأن أتذكر كلّ ما لا يمكنني أن أتذكره
أريد أن أسجد أمام جميع شهدائها

 مليون شمعة يشعلها أبناء فيشخابور للشهداء البررة!
المجد والخلود لجميع شهداء فيشخابور الذين رفعوا لواء السلام والمحبة والإيمان والبراءة والنفس الطاهرة والقلب النقي على أرضها وعلى مياه دجلة الخالد.




"الميرانيّون": أبناء إحدى العشائر الكردية.
"الفرمان": قرار أو حكم صادر من السلطان العثماني.
"خوبّارتا": مساحة غير كبيرة من الأرض مجاورة للبيادر، كانت تقع في الجانب الأيسر من فيشخابور.

د. أمير يوسف
15 تموز 2015



10
المنبر الحر / ماهر حربي
« في: 21:16 25/05/2015  »
ماهر حربي




ماهر حربي.. ألق فني دائم فوق سماء العراق، وركن من أركان الحركة الفنية في نينوى، وأحد عمد الفن والتراث العراقيين، منهمك في ترتيب فرشاته وألوانه ولوحاته في حقيبة ليسافر باتجاه الجانب الآخر ليسهم بقسطه في رحلة الفن الإنساني وليبذر بذرة أخرى في تربة الفن والتراث العراقيين وكذلك في تربة التراث والفن العالميين.

أخي ماهر!
ننظر إليك وأنت واقف خلف هذا الحضور الجميل، في هذا المكان، ونرى جميع لوحاتك وفيها ابتسامتك الهادئة الدافئة، ونقول لك:
نحن هنا لنحييك ونضمك إلى صدورنا، نحن هنا لنلمس فرشاتك وألوانك ونتلمس لوحاتك ونعانق معانيها، نحن هنا لنقف جميعاً أمامك وأمام أعمالك الخالدة.

في منطقة رأس الكوغ، وفي يوم هادئ من أيام عام 1945، ومع تتالي موجات دجلة الخالد ولدت سريالية صغيرة وتراثيات كبيرة حول النهرين وفيهما، وتجريد لا يمكن نسيانه، ولدت مع طفل - لا يحمل ريشةً – إنه الفنان الدائم، ماهر حربي.
سجايا هادئة ودافئة، خصال في منتهى الروعة، لم تعرف التعب ولا الإضطراب يوماً، إبتسامة دائمة وفي جميع الأحوال، معرفة واسعة وعميقة، محبة أزلية لروح الإنسان، وللألوان والجدران، ولأزقة نينوى الضيقة، وعشق الورود في الجنان. آمال كبيرة، نظرة ثاقبة، مسيرة غير قصيرة في مدرجة الفن، وفرشاة تمشي بهدوء على أديم اللوحة.
 إنها قصص وحكايات، إنها التأريخ الذي يمتد بعيداً في آلام الماضي وعمق الحاضر وآمال المستقبل، إنها تأريخ حب الفن والعيش في عقله وضميره وحياته.
إنها وجودك، أخي ماهر، الذي كان ولا يزال يناجي تفكير الإنسان وتفكّره ووجدانه ووجوده، إنها تأريخ الفن المكرس للأرض وللمسافات ما بين سومر وأكد ونينوى، إنها عناصر الحب التي انتشرت كالفرفحين على جانبي نينوى. وهكذا كانت تنتشر شعيرات فرشاتك على اللوحات التي طالما انتظرت لمساتك الأخيرة لكي يكتمل منطق الثنائية الخالدة:  الفنان أولها! فوقفة قصيرة..ونظرة تأملية في الحياة والغرض من الوجود،  ثم وقفة صغيرة أخرى.. والإنسان ثانيها! إنها ثنائية فريدة لا يمكن الإستعاضة عنها. تعيش وتعرف وتتيقن من أن للعالم وجه واحد حتى وإن نظرت إليه من جهاته المختلفة، ويعيش ويعرف ويتيقن أهلك وذووك وكل الذين يعرفوك ويحبوك أن ثنائيتك خاصة: جانبها الأول يتمثل بالإنسان والأرض والحب والجمال، وجانبها الثاني هو أنت والفرشاة واللوحة والألوان.


حين يسجو الليل ويهدأ البحر وتتألق أمواجه،
تأتي الألوان تتالياً
وتشرق شمس يوم جديد، وتقول:
دقي يا ساعة نينوى
وانهض يا "باب الجديد"
وأنت يا "سرجخانة"
إفرحي يا أزقة أم الربيعين
إجتذلي يا جدران نينوى
بفرشاة ماهر وألوانه ولوحاته 
فهي للناس مأوى،
فرشاة تتنقل بين الزوايا
لترتّب الألوان حسب أغراضها
فهي للربيع والجمال نجوى
وللفراشات والإنسان سلوى

نعم، أخي ماهر!  ما فرشاتك إلا أداة لتقديس الثالوث الخالد – الإنسان، الحب، الجمال.
أراك منهمكاً في ترتيب شعيرات فرشاتك لأداء المهمة الإنسانية السامية – تبيان جمال الإنسان وروعة أعماله.
فرشاتك تعرف الأمر جيداً، وهو أنك كلما بللتها لتنتقي لوناً ما، فإن خطوط أمل جميل وغد جديد ترتسم على أديم اللوحة.
وتعرف فرشاتك بأنك تفكر في الألوان ومعها، وتتكلم اليها ومعها فتترتب هذه الألوان على اللوحة بإنسيابية فنية جذلة مثلما يريد تفكيرك وتشاء نفسك، حتى تبني، في آخر الأمر، محطة جمالية تمتع الأنظار وتخلب الألباب، وتمجد عمل الإنسان الرائع وحبه للأرض والجمال.
وتعرف فرشاتك أيضاً بأنك كثيراً ما تمزج الألوان في لوحاتك في خطوط متوازية وفي منتهى الدقة تارة، ومتقاطعة بحركات متموجة تارة أخرى، لتمنح الصورة مسحة جمالية وحيوية راقية. بهذه الصور الفنية أنت تقول للعالم بأن التآخي بين الناس ينبغي أن يكون أساس وجودهم، وأن المحبة بينهم هي الإنعكاس الهادئ والحقيقي لجوهر الجمال على الأرض.
وما التآخي والمحبة إلا فضيلتين تؤكدان أمرين في منتهى الأهمية: طبيعة الإنسان الجميلة، والجدارية الدافئة التي تمجد روعة تفكير الإنسان.

أخي ماهر!
أنت الذي عرفت دائما وتعرف الآن بأن مهمتك مستمرة، لأنها لا تنتهي هنا، وأنت متيقن دائما من أن عليك أن تنتقل الى الجانب الآخر لكي تبعث الدفء في المناطق الباردة هناك.
أرجوك ألّا تطفئ الضوء لأن عالم نينوى مظلم وأنت في الجانب الآخر. أضئ الزوايا هناك لأن الفراشات، بمختلف ألوانها، تريد أن تطير صوب لوحاتك، حيث أنت.


د. أمير يوسف
أيار / 2015.


11
زريفة حنا مراد... شمعة تنير الجانب الآخر

اتقدم الى الخالة كلي خمرو، والدة المرحومة زريفة حنا مراد، والى جميع اخوة واخوات الفقيدة التي وافاها الأجل في التاسع عشر من تشرين الثاني 2012 بالتعازي الأخوية واشاركهم في مشاعرهم بهذا الحدث الجلل.

زريفة !! انتِ التي بذلت ما استطعت وضحيت من اجل الذين عرفوك وأحبوك وقضيت جل سنوات شبابك في تقديم الغالي والنفيس للقريب والبعيد واسديت العون والدعم الروحي لهم لأنك كنت دائماً تتقربين الى ربك وتطلبين رحمته وتحمديه من اجل ان تخدمي ذويك و محبيك. وكانت نفسك في مرتبة خاصة في مدرجة الايمان الذي لازمك طيلة حياتك. كنت رخية البال، عظيمة الطيبة، رائعة المعشر، كنت زرعاً حسن النوع والطلعة. لقد كان للحق نصيبه هو الآخر من تفكيرك الانساني، نعم، كنت مع الحق ولا تقبلين بالباطل وكنت دائماً تؤمنين بالمبدأ القائل "أرخ له الحبل" وعملت به طيلة حياتك، وبذا اظهرت خير ما يمكن ان يتعلمه الانسان في مسامحة القريب والبعيد في كل ما يخطر على البال من تصرفات غير مقبولة وسلوك غير حميد.

كانت الأفعال والآمال والنجاح والفشل في الحياة تشغل حيزا واسعاً من تفكيرك. ومن هنا كان انشغالك مستمراً  لأنك كنت تبحثين عن العلاقة العضوية الأبدية ما بين الفعل والأمل على اساس انهما عنصران جوهريان ضروريان لوجودك الانساني ونشاطك العملى من جهة، وما بين النجاح والفشل باعتبارهما خلاصة ما كنت تريديه وتنتظريه دائماً كمحصلة منطقية لما قدّمت للناس ولذويك على السواء بنزاهة وضمير حي وخلق رفيع ومسؤولية عظيمة من جهة ثانية. لم تنهزم آمالك من اصوات الحياة المزعجة، فكانت قمة في المثال لبني جيلك وما تلى ذلك من اجيال، وهكذا عرفت ودرست براءة الاطفال وعمق احاسيسهم البسيطة التي كانت دائما توجه السؤال الرئيسي: لماذا؟ وتضيفه الى الاسئلة الاخرى الكثيرة. كنت المستمعة الجيدة لمحبيك واهلك وذويك وتنتظرين بصبر لمعرفة إلامَ سينتهي حديث الطرف المقابل او رأيه، لأنك كنت تقدرين عالياً كل ما كانوا يقولون او يرغبون بمعرفته وتقدمين لهم دعمك وعونك من دون ان تبخلي، وكيف لا وانت الكريمة العزيزة المحبة للجميع. اجل، لقد كانت مكانة الانسان عالية في نظرك فكان بالنسبة لك بمقام المفخرة بحيث انك كنت تغوصين في الاعماق تفكيراً وتفكّراً، ولسان حالك يقول نائحاً:
 
حمامتي يا مهجتي     انت وقود شعلتي
بلقياك سعادتي         بجفاك كآبتي
انت عنوان فرحتي    وشراع سفينتي
تتركين رفيقك          والذنب ليس ذنبك
انا الذي رعيتك         ومن قلبي اطعمتك
من حناني وهبتك      ومن دمعي سقيتك

وكان طموحك أعلى وابعد من كل ذلك وكنت تعرفين ان النظرة لا تُشبع وان النوحة لا تكفي وان الزمن في مسيرته لا ينظر الى الوراء بل يسير هادءاً متكبراً الى حيث يقوده تفكير الإنسان. وكنت دوماً تفتشين عن الذي يشفي الغليل -  العمل ثم العمل مرة اخرى. نعم، لقد كان للعمل حصته هو الآخر من نزاهتك وخلقك الرفيع وكانت له قدسيته في قلبك. ان هذه المحبة نمت فيك لأن مثالك في الحياة كان المرحوم الخال حنا مراد الذي تعلمت منه الفباء الحياة واحببتيه من اعماقك وعرفت سر الثنائية الخالدة – الأمل والألم والعلاقة التي تربطهما.  فما بين ديربون وبغداد وثم كندا، التي في الجانب الآخر، آمال وآلام تقابلت وتصارعت كأضداد لا تقبل الوقوف في صف واحد، فكانت الغلبة دائماً للأولى لأنك لم تعرفي معنى الألم لا في اصعب ما مر بك من  معاناة وتجارب وتحديات وصراع مستمر من اجل الوجود ولا حتى في اللحظات الأخيرة قبل الفراق. ان الانسان لايمكن ان يمر بذلك إلا وينهار، ولكن ليس انت!! لأنك كنت تعرفين جيداً قوة الآصرة العضوية  التي تتحكم بهذه العلاقة الأزلية التي ربطت وستظل تربط هذا الانسان بهذه الحياة. وكنت تعرفين جيداً ان العزيمة والارادة القوية التي في الانسان لهما الغلبة على الدوام على مختلف انواع الصعاب التي تقف في طريقه.
اخذت النور معك الى هناك ومشيت وانت تقولين: ان النظرة لا تُشبع وان النوحة لا تكفي!

سلام على روحك الطاهرة
انت معنا في آمالنا وآلامنا
انت باقية في ضمائرنا

المخلص لكم  امير يوسف || تشرين الثاني - 2012

12
نداء الى جميع كنائسنا واحزابنا

الآباء البطاركة و الاساقفة والكهنة الأعزاء في كنائسنا
الأخوة الأعزاء قادة احزابنا السياسية

تحية واحترام

ادعو الآباء البطاركة و الأساقفة  وجميع الآباء الكهنة في الكنائس المختلفة الى الشروع في العمل ،كمرحلة اولى، على وضع الاسس العامة الكفيلة بتقريب الكنائس الى بعضها البعض . هذه الاسس العامة ستكون القاعدة المتينة والصحيحة للعمل ، كمرحلة ثانية وهذه قد تكون طويلة الأمد، على توحيد الكنائس في واحدة تجمع الكل بهدف لم الشمل والاستمرار في البقاء. كما ادعو الأخوة قادة الأحزاب السياسية الى اتخاذ الخطوات الاولى للعمل اولاً على تقريب وجهات النظر في مختلف القضايا والعمل على تعميق ذلك على المدى القريب، والعمل ثانياً على تجاوز جميع الخلافات الثانوية مهما كانت درجة شدتها وذلك بانتهاج مبدأ عدم تغليب التناقضات الثانوية، أياً كانت، على الخطر الرئيسي القائم ، الذي هو تهديد الوجود. إن السير بهذه المدرجة يضمن، على المدى البعيد، بشكل حقيقي عملية توحيد جميع التنظيمات وجعلها تنظيماً واحداً. 

ان اقامة الروابط المتينة فيما بين الكنائس من جهة، وما بين الأحزاب من جهة ثانية،  سيفتح آفاق العمل المنهجي المشترك بهدف تجاوز ما لم يكن تجاوزه ممكناً لحد اليوم، وكذلك الشروع ببناء كل ما له صلة وثيقة بتقريب وجهات النظر في مختلف الأمور، بما في ذلك اكثر القضايا الجوهرية ذات الأهمية البعيدة المدى. ان هذا التقارب سيعمل على تقوية وتعزيز العلاقات الأخوية ودفعها الى امام نحو تحقيق المزيد من بناء الذات وتطويرها وبالتالي خلق وترسيخ اعلى مستويات الثقة والطمأنينة في نفوس ابناء شعبنا.   

ان الحقيقة التي تستجذب الانتباه هي ان جميع كنائسنا وجميع القوى السياسية لشعبنا يجب ان تكون يقظة تجاه ترك العاطفة والانانية تكشف نقاط الخلاف والاختلاف وتعمقها، وتحجب نقاط التقارب و الالتقاء وتقلل من شأنها عندما تكون المسألة عظيمة الأهمية لدرجة تكفي لتبرير النظرة العقلانية والفحص الدقيق لأي دليل تستخدمه كبرهان على امر من الامور. ومن التأريخ درس وهو ان تغليب التناقضات الثانوية على التناقض الرئيس يعمل دائماً على إضعاف الكل كواحد متكامل وعلى إضعاف الجزء كقسم صغير من الكل الكبير.

ان ادراك الأشياء والظواهر عند ظهورها وتطورها، سواء اكان ذلك في الكنيسة او في الأحزاب ، ومعرفة كيفية نشوئها وتطورها لحين بلوغها المرحلة الحالية يسمى بمبدأ " التناول التأريخي " . ان العمل وفق هذا المبدأ ، من وجهة النظر العملية التحليلية الدقيقة، يعتبر احدى الطرق المنهجية والحاجة الأساسية الملحة جداً لمعالجة حالتنا المزمنة التي نعاني منها منذ قرون وهي امرنا الديني الذي يكمن في كنائسنا المتعددة، وكذلك امرنا القومي - السياسي ، الحديث العهد نسبياً، الكامن في تعدد احزاب شعبنا السياسية.

الدين واحد، إذاً لتكن كنيستنا واحدة، والشعب واحد، إذاً ليكن حزبنا واحداً !

تعتبر التعددية ظاهرة حضارية تسهم، عمقاً واتساعاً، في اي نشاط اجتماعي، ديني، قومي، وسياسي. فاذا كانت الأهداف الدينية و الروحية التي تسعى اليها كنائسنا متباينة من حيث الجوهر، والأهداف السياسية والقومية التي تعمل احزاب شعبنا على تحقيقها متباينة هي الاخرى، فان التعددية، سواء اكانت كنسية او حزبية، تصبح امراً ضرورياً ملحاً من الناحية المنطقية. غير ان واقع الحال هو غير ذلك، فجميع كنائسنا لها نفس الاهداف الدينية والروحية والانسانية، وكذلك تجمع  جميع احزابنا نفس الأهداف السياسية والقومية والاجتماعية. من هذا المنطلق تصبح مسألة توحيد صفوف كنائسنا واحزابنا ضرورة تأريخية حتمية للعمل سوية بنكران ذات ومسؤولية كبيرة. ان انتهاج اي نهج غير التوحيد يعني الاصرار على التشبث بالرأي الذي قد يعود الى الاسهام  ليس فقط في اضعاف ذاتنا، وانما ايضاً يفتح المجال لضرب كل واحد منا على حدة، وهذا امر في غاية الخطورة.

ان الخطر المحيط بالجميع يختلف كماً ونوعاً عن جميع الأخطار السابقة التي ظهرت منذ عهد سومر، وان وطننا يمر بواحدة من اصعب المراحل التأريخية واكثرها تعقيداً، وان مستقبل الدين والكنيسة  في خطر جسيم وشعبنا مهدد بالانقراض. ان منع ذلك هو امانة عظمى في اعناقنا جميعاً وعلى وجه التحديد الكنيسة والأحزاب.

د. امير يوسف   /شباط 2012




13
ورقة من الذاكرة ( مع صاحبي في الوادي)
القسم الثاني (الأخير)

لم انس حين امسكت يداك بكتفيّ وانت تركز بنظراتك الى وجهي وانا انظرالى وجهك الصادق لتقول من اعماقك العميقة:
بحفظ الله يا هاوري!
قلتها بصوت منخفض وكأنك متحير من شيء ما، او ربما كنت على عجلة من امرك، او ربما كنت خائفا من شيء اخافك. رحت اشك في إمكانية ذلك، واجتمع فيّ الضدان وهما يغليان، حيث صرت لا افكر إلا في استحالة هذا الأمر من ناحية، وفي كونه ممكنا في نفس الوقت، لكن بدرجة اقل بكثير، من ناحية اخرى، فنحن يا صاحبي ما عرفنا الخوف يوما.
قلتها بعينين، فيهما ألق فوسفوريّ، ترسمان تفاؤلا يستشأم به، ظاهرا على وجهك البرئ، ضاما في اطره صلابة مستترة. إنّها الذات الأصيلة الحرة، إنّها السياسة الذاتية التي ليس فيها ما يسوغ لأحد نقدها، إذ ان كل ما فيها هو طبيعي كطبيعتها البسيطة وصادق كصدقها اللامتناهي وحقيقي كحقيقتها الانسانية الرائعة.

تركتني من دون ان اراك مرّة اخرى. ذهبت طواعية الى الجانب الآخر لأنك ما استغريت بالمغريات ولا استغوتك هي بالوانها المختلفة. ذهبت طواعية الى الجانب الذي اجهله من هذه الحياة في هذا العالم، جانب  اختارته لك عزيمتك وبقيت انا في عالمي الصغير مع تفكيري البسيط ، لا يؤنسني فيه غير صورة حبيبتي واحلامي الصغيرة التي كنت احتضنها بتؤدة عندما انام، وآلامي من جرحي، وتفكيري الذي رفض، وسيظل يرفض، ان يكون الموت على موعد معه.
عالم صغير رأيته وعشت فيه وعرفت من طاقات موجاته بأنني آمنت به عميقا وكأنني كنت اؤمن به منذ صباي. وآمنت ايضا بأن القطرة الأخيرة من النبيذ في قدحي لها نفس طعم الجرعات الأولى منه، وقل هذا، إن شئت وانت الحر العزيز، شأن من شؤون الطبيعة. هذه الطبيعة ارادت ان تعرف إن كان ذلك لحفظ ما كان يستوجب الحفظ لأنه الضرورة القصوى حسب وصية الكبار، ام ترى انه جزء صغير لا يتجزأ من تفكير أحداثي خبر الحياة من طرفها الصحيح؟ أم انه عناصر أولية في غاية البساطة التركيبية المكونة لجوهر مكوناتك المعهودة؟

اردت في تلك اللحظة ان اخترق تلك العبرة التي خنقتك، عبرة التنبؤ بعدم اللقاء بعد هذا الفراق كاستطارة العزيز عن عزيزه. وددت لو أني عرفت قوة تلك الهزة العنيفة المشؤومة في الخامس من حزيران في زيوة 1987، التي جعلت صدرك الصغير- الكبير يهتزّ للكركرة التي تولد فيه كل لحظة، وجعلت دماغي يرتجّ لكل رمشة عين تحرق عيني كل رجل رفع يده لا للإستسلام وإنما  ليحجب نور الشمس المؤلم عن عينيه لغرض التمكن من  السير بحرّية بهدف تكملة المسيرة. ترى هل أنه ذلك المكروه: الوري الذي وقع – وهل لا يزال يقع – في قصب الرئتين؟ أم أنّه انعكاس طبيعي - وهذا حق مشروع- لآلام افرزتها الحقيقة المرّة لتلك البرهة اللعينة من الدهر التي استطالت اكثر مما يجب بسبب خطأ في التفكير وسوء في التقدير ووضعت الشجعان ما بين النهر والسند، ما بين "الأزرق" وما ارتفع من الصخور العظام وهي تطل على الصفوان الذي يحيط بالماء من جهتيه.
شرعت الروح الرجالية الرائعة تسمو عظيمة فوق القمم لتتعانق مع السديم الأبيض لتكوّن سديما فلكيا يرصّع الكرة السماوية بجمالية جوهرية تخلب القلب ابدا. إن هي إلا تجريد الوهم من عناصره وإعادة الجزيئات الى مركّبها الحقيقي ووضع الواقع في مكانه المحدّد. ها هي الروح تتألّق وساما غلى صدر المسافة التي شرع بها الأوائل من الشجعان في الوادي العميق الذي ران فيه سكون عميق عمق محبة عيني الحبيبة في قلب خابور المضطرب.
ها هي صرخة الزمان تزحم ضميرك وصرت تشعر أن لا صاحب لك لا يريد ان يعرف ما بنفسه وما بك من اخبار الامور. وها اني اراك تشعر انك عدت من فورك الى الأيام الاولى للقاء، وأرى انك وصاحبك مثل زحلولان ابتعدا وقت الغدوة في بيضة الحرّ عن الزحمة الأخوية ليطلا على بوح عريض من سند الجبل الذي اتياه طورا بعد طور. انه الجبل الذي ترصّعه بضعة فساطيط سوداء منتشرة بعفوية قروية تشفّ مما في قلب الحياة من هدوء دافئ، وتمثل الطبيعة التي تحته تماثيل رائعة لا تسامى، تراها العين وتسمعها الأذن ويحسّها العقل وتتذوقها النفس.
ها هي صرخة الزمان تقول انه لا يمكن ان يكون الانسان الصق بالطبيعة اكثر مما يكون رجال وهبوا شبابهم للعمل والمسيرة في الجبل، هم حياته وهو حياتهم.
ها هي الصرخة تفيد بانك وصاحبك احببتما الجبال لا لشئ إلا لأن نزولها ليس صعبا وصعودها ليس سهلا.
وبحفظ الله يا هاوري اينما كنت.

د. امير يوسف
كانون الثاني 2011

14
ورقة من الذاكرة   
القسم الأول ( مع صاحبي في الوادي )
بحفظ الله يا هاوري !

حرفا حرفا قسّمتها في حينها، يا نجاد، وجسمي على ذلك الفراش البارد في بيت ام احمد التميمية. قسمتها بقوة تلك الإرادة التي عرفتها فيك كهوية تلقي عليك التحية في نقطة عميقة من ملتوى واد عميق قبالة قمة "الأخوين". وحين نظرت مركّزا الى عينيك نأى بي بؤبؤك الى معادلة تشبه فرضية دقّت باب تفكيري حين رأيتك لأول مرة وهذا نصّها: إن كانت الروحانية مذهبا أزليا لمن يقول بان النفس غير مادية، فأنا، ودعني اخبرك بما يجول بخاطري وأقول: أي نفس جميلة ولدت في مدينة الآلهة الأربعة وتركت امّها لتقابل نفس خابور بعيدا عن الخابور. أي نفس ودّعت تلك الطرقات الضيقة في الحارات البسيطة وكانت متيقنة من أن الشرف هو العامل الوحيد الذي يجعلها تتوجّه الى الوديان، وأنّ الشرف هو الذي جعلك تفكّر مع نفسك وتكتشف حقيقة كون المسيرة، التي ستكون انت احد عناصرها، هي السعادة لك لأنك ستخدمها وتهبها اغلى ما عندك، وبأن الأرض، التي ستحتضن الثلج في الشتاء، هي التي ستعوضك عن نظرات الحبيبة. وهكذا قالت لك نفسك: إذهب! ..إذهب!  ترى هل هي ذات النفس التي قصت الثلج في ظروف قاسية جدا لتظهر في الألق الصادر عن مياه الروبار الجارية بحريتها من غير ان تكترث للصخور أو للأشجار، للوادي أو لمن فيه، بأقصى ما اتيح لها من سرعة لتكسر السكون الذي يسود الوادي؟ فإن كانت نفسك كذلك، فهي، عند خابور، تختلف كثيرا عن تلك التي يعتقد بها الروحانيون.
قسّمتها كلمة كلمة وانت مملوء من امل احمر على بساط اخضر. وسمعت فيك صوتين: الأول ذاتيّ يوحي بنوتة موسيقية توصي صاحبك ان يعي، قلبا وفكرا، خطورة ما قد لا يكون بعيدا وفق قياسات السليقة، وان يعمل جهده لايجاد ما هو ضده. ان الخطر هنا ليس اكثر من الارتماء في حضن نجاة وهمية بهدف امان وهمي. إنس ذلك ولا عليك، فصاحبك يعرف المسافة  بين الثرى وبنات نعش وله قوته النفسية التي يستنبط بها ما صعب عليه من المعاني. وكيف لا، فهو يدرك الصفة المميزة للأمان الحقيقي، وهو هناك وهنا وما بينهما، وفي حينها والآن وما بينهما، يمثل جميع النقاط الفاصلة بين طعم الحرية في الجانب الآخر،  حيث لا رقيب ولا تقارير، لا ظلم ولا قيود، لا جلاّد ولا مجلود، وبين مرارة هذا الجانب المملوء بالعذاب والتعذيب والدناءة والذلالة وكل خسائس الامور، وهذا اقل ما يمكن ان يوصف به. والصوت الثاني لا يبتعد كثيرا عن الفكرة التي تقول بان ليس من المعيب ان يكون الشعور بالاطمئنان نهج ينقل صاحبه الى دنيا العمل والانسانية ويجعله يطل على شتى مروج الحرية حيث لا سكوت ولا ساكتون. وخابور، وهو في حالته الخاصة، اطاع الصوت الثاني وطفق يعمل به، وصار ينعم، لسنوات تلت ذلك الفراق الأليم، بطعم الذكرى.


بحفظ الله يا هاوري !
ها انك تعود الى الوادي طوعا ومن غير ان ترتكب خطيئة تجاه ما يحيط بالواقع من سياج، كل ما يقع خارجه غير خاضع لقوانين المخطيء بحقك. انت عائد ليس بهدف تحقيق التناغم الطبيعي بين الذات والموضوع وتحسس كل ما يقع بين هذين المستويين، ولا لأن المسيرة تطلبت ان تفتخر الأرض برجال يسكنوها ويدكّوها. كما انك عائد ليس من اجل إشعار المخطئ بما ارتكبه بحقك وبحق صاحبك، ولا لتقول له انه لا يدري ولا يدري انه لا يدري ما فعل بك، بل لتثبت ان حجم الخطيئة مربوط مباشرة بطول بقاء الخاطئ وتشبثه العنيد باحتكار الوطن قبل وخلال وبعد تكبير الله على العلم، وكذلك مربوط بالوجود الاحتكاري، مع سبق الاصرار، فوق الرقاب. ولتثبت كذلك ان الفرق بين ضدين لا يقع خارج حدود الواقع الزماني لهذا الضد او الآخر، ولا خارج حدود الواقع المكاني لأي منهما، ولا خارج الخط الكامل لعناصر التباين بين الزائل والدائم، وانت احد عناصر الأخير. انت تعود الى الأرض لأنك لست بحاجة الى نداء لتنفيذ ذلك، ولأن الآصرة الممتدّة بين الأبيضين على الأرض وبين ابهرك تأريخية التكوين، عضوية الطبيعة، متينة القوة، ابدية الغاية. انت تعود لأنك كريم النفس وحسن الطواعية ولأن ما ارادت منك نفسك هو ان تعمل في المسيرة لا ان تتعامل معها، إذ انها النفس الجميلة المليئة بالعفة والعدل والتي ركّزت على ما هو بحاجة اليها وليس على ما هي بحاجة اليه. هذا، إذن، هو جوهر حياتك الحقيقية التي ينبض بها قلبك في كل ثانية، حياتك التي تستأديك كثرة العمل وقلة الكلام، طيبة الذات، والنزاهة والاخلاص. ومن المؤكد انك تعود لأن في نفسك ان تفعل ذلك، وان الذي بداخلك هو الذي يناديك لتسهم بقسطك في اكمال الجدارية الرائعة ولتضع في اوراق التأريخ النقطة الحقيقية البيضاء التي لا يمكن لقلم ان يضعها. وكذلك لأن الذي يصنع التأريخ في ارضك مضروب، مقيد، مخنوق، وهذه هي المعضلة، لأن القوة الوحيدة القائدة صار بوسعها ان تدوس على المكان وتحرف الزمان وان تضع كل ما فعلته انت في الظل دائما وتبرز قواها امامك وامام غيرك في كل ثانية ولسان حالها يقول: هيا بنا.. انا الدبابة وانت الرجل.

د. امير يوسف
كانون الثاني 2011

15
مناجاة شهداء كنيسة سيدة النجاة
في بياض نهار تشريني يسرق الزمان ورودا من حديقة الضمير
تحت خشبتين متعامدتين تسقط عشرات القتلى
تقتل البذور الأصليةالنقية، جوهر الأرض ولباب كل الأشياء
إنها صورة احياء توحي ببراءة بدائية
تغمر اطرها جزءا" من كياني
إنه انتم الذين اسمهم انا
انتم الغائبون في الوطن،
انا الغائب في البيت
انتم الغائبون في كل شئ،
انا الحاضر في لا شئ
فلا انا انا، ولا انا انتم
ليتني كنت لكم، ليتني كنت انتم
...      ...        ...
ما كنتم تجلسون في الكنيسة لانقاذ الهوية من خطر السقوط والتلاشي،
ولا كنتم هناك لأجل التضادّ مع الأفكار الأخرى،
ولا كنتم تنظرون الى رقعة ارض صغيرة لتحكموا فيها،
ولا كنتم تفكرون في اسباب التهميش والالغاء،
بل كنتم تتأملون في كيفية تنظيف الذاكرة المشوشة،
وتتهيأون للعيش مع الطبيعي، إن وجد، في محيط غير طبيعي
وكنتم تصلون بهدوء وخشوع وبراءة للاتصال بالرب
وحولكم امالكم وامانيكم ونظراتكم وأحلامكم
وهذا يذكرني ثانية بأن الحب موجود
وبأن الجمال يرفض العبث
 ويعدني بوضوح اختلافه عن القبح والشر والظلام
ففي وقت التقرب الى الله
لا يشعر الانسان بأنه يتألم إذا مات مقتولا"
ترى، أيمكن أن يكون القتل نعمة وحيدة قبل إكمال الصلاة؟
وهل يمكن أن يكون نعمة للوصول الى الله من غير صلاة؟
هاهي الكارثة البشعة تزحم ضميري وذاكرتي
هاهي تضربني في حبة قلبي وذاتي
هاهو الموت ينتقل من واحد الى اخر
طلقة بعد طلقة مع سبق الاصرار
ومن مكان الى مكان،
لامجال لوقف التنفيذ...
بثوان قليلة تنتهي حياة البررة
وفي قلب كل واحد منهم ذكرى،
فهذه ذكرى طيبة، وهذه ذكرى اغنية حب،
وتلك ذكرى عن شجرة برتقال، وتلك ذكرى عن تسامح ومحبة
وبثوان قليلة
تقتل الذكريات وتكسّر اشجار البرتقال
وتقتل الأزقة والطرقات
وتقتل الكنائس كما تقتل ناسها
وتقتل احلام الأشياء وتأملات الأطفال ولعبهم ونظراتهم امام المذبح
ويتمزق شغاف القلب
وتتمزق الستائر والملابس والأقمشة والأشرعة
وتتمزق الأعلام الرسمية وغير الرسمية والمرشحة
وتتمزق التشريعات القديمة الأصيلة والحديثة المصطنعة
وتصريحات الأمم والسادة المسؤولين وغير المسؤولين والعبيد والمنحرفين والمنحطّين
وتتمزق قلوب الامهات
وتتمزق الغيوم التي لم تتمكن من سكب مياهها
وتسقط كل الأقنعة والصور العشائرية والقومية والوطنية والأجنبية الرسمية
وكل الرموز المعلقة على جدران الصمت المخجل
...     ...       ...
اريد أن أسركم بانهم يريدون الطريقة ذاتها والظلام ذاته
يخافون منكم لأنكم ما مشيتم على طريق جانبي
ولا خنتم الطريق، ولا خنتم الوطن
فان رأيتم الأوراق صفراء في الربيع
قالوا: هل هذه جهنم؟
وتساءلوا: أين الروح الوطنية في أوراقكم؟
اريد أن اقول لكم:
لا تكتبوا على الأرض ولا تضعوا تواقيعكم عليها لأنها ارضكم
ولا تكتبوا على سطح الماء
ولا تكتبوا باصابعكم على جزيئات الهواء
فان كتبتم، قالوا:
حرّفوا وجهة المسيرة
وهاهم يعيدون السماء لتحتضن الأرض ثانية
ويعود التأريخ الى أيامه الأولى
وقد تعود قوة الملوك والمجد التالد
وقديقتل قابيل هابيل ثانية"...
وتسقط التفاحة على رأسه ويعطيها لأمه، فتقول:
هذه ليست تفاحتي
هذه تفاحة نيوتن !
...    ...    ...
هناك،  خلف الصحراء، وما بعد الآمال وقبل محاق القمر
حيث لا امال بدون رجال
ولا رجال بدون رجال
ولا رجال بدون امال
هناك، حيث لا صدى للصدى،
حيث يتساوى السبب والنتيجة
ترتفعون خارج  ذواتكم في نور بلا مصدر
إن كان في غفوة، أو من صحوة
وتشاهدون أشياء كثيرة
أشياء لا تنتظر أي شئ
وانتم تحيوها وتشكروها
وتسألكم: اين كنتم ؟
تقولون:  في ارض ما اردتم ان تهجروها
لأن اخر صفات الآرض هي كالأولى فيها
ولكنها كانت، ولا تزال، ضيقة
لا تتسع للحمام والصياد في ان واحد
ارض لا تتسع لوصية "لا تقتل"
ولا مجال لأنثى السنونو فيها أن تفتش عن ذكر السنونو
ارض صفراء جدباء تناجي السماء
ارض يحفر فيها الدم وجه الصخر
ارض جرداء تمشي فيها كل الألوان من غير حذر
فيستوي فيها الصيف والربيع والخريف والشتاء
...    ...     ...
اريد ان اقول لكم بأن التأريخ لا تترتب اعداده
فهي تملؤه وهو فارغ
فيه انس، جن، وحيوان يترنح كالبندول
حصان قوته الف قبل الكر
يجيد الصنع بنا، ولا يلاطفنا
يفاجئنا حين ننسى انفسنا
ويجئ مصادفة او صدفة او على حين غرة
بشعا"، حديديا"، متعددا"، جلادا"
فان وحّدنا، قال: لا يكفي!
وإن امنّا، قال: هذه تعددية
ياتي ويصطادنا ونحن حول الرب ومع الرب وفيه
يصطادنا واحدا" واحدا" ...ما عدا الرب
اقول لكم
سوف لن ابدل لون دمائكم بكل الوان الطبيعة   
وهل يقودني الدم وانا احتويه
ام اقوده وهو فيكم وقد سكبتموه على المذبح
فقدمتم ذبيحة حقيقية في يوم حقيقي
قدمتم نورا" لا ظل له
واصبحتم نورا" لا غبار عليه
صعدتم نورا" من دون سلالم ومن دون جواز سفر
...    ...    ...
لمست حنجرتي
خلت أنها لا زالت في مكانها
استجمعت كل قواي لأبين فحولتي واصرخ عاليا"
فاحسست ان لا احد استدار بوجهه نحوي
والصرخة هي الصرخة
كسراب من غير السماء
وهذا مستحيل في قوانين الفيزياء
صرخة ليس لها صوت
لا اسمع صوتي في الساحة حتى وإن كانت مملوءة من الهباء
لا اسمع صوتي حتى وإن مشى المجرم فوق رقبتي ضاحكا"
وأنا ائن من الألم
لا اسمع صوت صرختي حتى وإن كان صليبي معي
لا اسمع صوتي حتى وإن كان قومي في خط الأمام
لا اسمع صوتي حتى وإن قال لي:
هذا أنا، صوتك، انا منك
لن اسمع صوتي إلا إذا تكسرت جدران الصمت
فخلفها تقبع كل اجهزة تكبير الصوت
فان كبّرت، خلت أنها تقول لي:
لا تغير فصيلة دمك
...    ...    ...
إن الطفل الصغير ليس بحاجة الى من يؤرخ له
فهو لن يدرك مسيرة الثنائية القلقة منذ اليوم الأول – القتل و المحبة
فهي الشئ وضده
 الممتدان من فيشخابورالمبللة بمياه دجلة
وحتى السيبة المضاءة بتمور النخيل
وكرمانا" لكم اريد أن اقول:
بانني منذ الآن سيتغير اسمي
منذ اليوم سأصير واحدا"
ولست بحاجة الى اختام رسمية أو غير رسمية
أنا بحاجة الى ختم اسطواني واحد لا أكثر

د. امير يوسف  --  تشرين الثاني 2010                                             



16
المنبر الحر / اخي نيسان
« في: 00:36 25/11/2009  »
اخي نيسان


همساتك لبني جدك افلاك تدور في درب الروح النيسانية الصاعدة الى العلياء، روح من خير، روح من ابتسامة بيضاء، روح من حرارة تدفيء حبة القلب.

 اريد ان اكلمك يا اخي عن القلب الذي سيبقى يضمك في ابهره الصغيرنوعاَ لانك جزء منه رغم انك كل كبير قائم بذاته. اريد ان اخبرك بانك ستظل فيه طالما بقت فيه عضلة واحدة قادرة على التقلص والانبساط ، وستظل فيه حتى وإن توقف عن الخفقان، فهو سيكون الحقيقة الحية لما ارادت نفسك - من غير ارادتك- ان تحققه. وهل يمكن ان تنسى نفسك معنى وعمق وجودك في الابهر؟   

اريد ان اكلمك عن السنين الخوالي، سنين كانت فيها امالك كالسنابل في سهول الحياة تستحيل الى رغيف يقتات  به الصعاليك والفقراء، سنين كانت فيها عيناك نجمتين خضراوين تمنحان المحبة للذين عرفوك. اريد ان اكلمك عن الايام القليلة الماضية حين انبجست كلماتك من قلبك ووجدت سبيلها في مدرج الحق الذي تمشي فيه بخطى واثقة. وعندها وجدت ذاتي ما يزين الربيع في كلماتك الرائعة التي طلبت فيها ان تطمئن نفسي ويهدأ فكري وتسكن انشغالات روحي ، ورأت ذاتي انك عنيت ان ينبت الاخضر حيث اليبيس اكثر وان يسكن الجوهر في النفوس التي تريد ان تترك الظاهر.

وها اني اراك تسير بطيئاَ، امد يدي اليك فتقابلها بقلبك الاروع ونظراتك الدافئة.. ما هذه الروعة؟ اطل عليك وارى مروجاَ ثرة واسعة تتكيء عليها لمسات الحياة الدنيا، وتطل علي فارى نوراَ عظيماَ واشعة يبحثون عن شيء ليس بوسعي ان اصفه.

اريد ان اكلمك يا اخي واقول: لا تتركني ولا تقل الوداع، فانا اخشى الوقوف عند محطة الحياة حين تشد الرحال للالتحاق بمن تركنا في السابق. انا لا اريد ان تقبلني قبلة الوداع لانك فيّ ، وكيف يمكن
ان يتركني من هو فيّ ؟ لاتتركني، عد ادراجك، لا ترفع يديك ولا تقل انك مغادر بابتسامتك المعهودة، ترى هل يجوز ان يتركني من هو فيّ ؟ وهل يمكن ان يفيدني النحب ؟ وهل تذبل العشقة اذا قطعت ؟ وهل يجوز ان تسقط الاوراق في نيسان ؟

نسيت ان اقول لك بان سالف الايام ما كان قد امهل نفسي كي تزور نفسك وهي تتهيأ للذهاب، اذ جاءت اللحظة الحاسمة سريعة من دون تحذير او صوت، جاءت النازلة فجاءةَ وقوية فاضطربت روحي وتالمت خلاياي. اه ، اخي نيسان، هل من العدل ان تاتي الرزيئة على حين غرة ؟ ام ان هذا عمل من اعمال الدنيا الغرور؟

           
                                                                                               اخوك
                                                                                           امير يوسف

17
موناليزا حقيقية ..ورقة من الذاكرة

وما موناليزا إلا جمال عقل وقلب لا يموت .ا.ا

   قرابة ربع قرن....صوت سابح في سماء "دوبرا" وقعته أنسام بعينيها لتجعل لون الغسق مضيئا بأمل على سفح جبل. جغرافيتان تتمتعان بموضوع الثنائية الجميلة وذاتها وهي تربط ما بين النهر و"الروبار" ، والنخلة وشجرة الجوز الباسقة، والرمضاء في الشهر المقدس والثلوج في شباط ، والرمل الذي هنا والجبل الذي هناك .  وما الثنائية التي جعلت الذات تسمو ما بين عشق الاحساسات الفراتية قلبا  وبين صانعي الخبز عقلا إلا جمالية الحلم الطفولي الذي غدا حقيقة = ارتقاء القمم.

   أصعدت في الارض، ارادت كنس الذاكرة المشوشة للذين تنقصهم المروءة للتفرغ لتشييد اواصر الإلفة بين الانسان وارضه، الطيروعشه، والفراشات واحلامها التي لا تدركها الحواس البشرية.
 
    جاء الرجال، انهم يصعدون بمشقة كدججان قوم اضاعوا قمرهم عند الغسق، في عيونهم بريق حزين قريب الى الغرابة؛ قل عددهم، كانوا اكثر، موناليزا لم تعد معهم .ا.ا
       
    من أنت؟ باقية في ذاكرة الرجال .... هذا هو اسمك.ا وهل غادرت النخيل حينا للوصول الى المثلث الذي تخبره عيون الرجال وقيلولة نجاد وجرح خابور؟  وهل وصل خابور من "دشت" موسكو = كما كان الرجال يقولون= ليشهد مسيرة موناليزا من الجنوب لأجل ارتقاء القمم. وها هي تترك الرمال .... "لقد عبرت قنديل".ا.ا  هكذا قال الاعلامي، ذو اللحية في حينها، لخابور. غير أن الوطن لم يعبرها ولا امال الرجال تركتها ولا احلام الاطفال نستها؛ في  روحها امل اضطرب وجرى يسابق مسيرة الزمن على جناحي سنونوة، فهي في روح الزائل ابدا ودم الدائم ابدا، سرمدية لا تبليها الايام، خالدة في صخور "خواكورك" ونخيل الفرات.

    هدوء روحاني في قلب موناليزا، سكون دافئ في روحها... أي جنوب عراقي نحت فنا رمزيا لم تسمع به اوروبا ولا ألبها عرفته، أي رمال تلطخت ولم تهدأ، وأي صخور جلامد تيتمت في "خواكورك" برحيل موناليزا.  ما كانت لتريد أن تترك هؤلاء الرجال ولا لتترك هذه الاشجارالتي شغفت بها.  ولم ترغب بترك " الروبار"  ولا  الفرات كان يعرف بأنه سيبكي يوما.

ان موناليزا طعم الحدود الواضحة لامتداد سهل الجنوب وصولا الى " دوبرا " الواقع شمال 
 شرق قلوب الرجال... وكانت نقطة العودة منه الى اقرب موجة لازوردية في الفرات، الى أقرب أثر سومري أكدي بابلي، الى اجمل نخلة في الجنوب.  ان أنسام موناليزا الجنوب التي لم تعرفها اوروبا، هي موناليزا الوطن الذي كان ليرى نفسه في مياه الفرات المترقرقة، طموح الصبايا الحالمات بتحرير الضميرمن سيطرة الجلاد. ان موناليزا انسام رافدينية عشقت تاخي اقوام الوطن
 تحت راية جميلة اللون، كبيرة المعنى، عظيمة العمق.

    وما موناليزا إلا جمال عقل وقلب لا يموت.ا.ا

اب   2009

                                                                                         د. امير يوسف
       
         

18
الاب المحترم البير ابونا والآباء الاساقفة ..
هل الكنيسة في ازمة؟

ايها الاب الفاضل

في نهاية اب من هذه السنة تناولتم موضوعا مقتضبا مهما للغاية، اتقدم بردي المتواضع والمختصروذلك لأن الموضوع بحاجة الى دراسة عميقة جدا ومتعددة الجوانب لمعالجته.

أولاَ: من هي الكنيسة؟    

   إن دور السلطة الكنسية يكمن في أنه واسطة بشرية ( ابتداء من الكاهن ووصولا الى الحبرالأعظم)  تقوم بتعبيد الطريق للناس للاتصال روحيا بالله والوصول الى ما تهدف اليه وفقا للرسالة الروحية التي عليها أن تنشرها بين الناس. غير أن ذلك لا يعني بالضرورة، ولا حتى بأي شكل من الأشكال، ان ارادة هؤلاء الاباء الأفاضل تتطابق بشكل اّلي ومشيئة الله.  إن الكنيسة تحمل امانة عظيمة الشأن، فهي تسترشد بالوصايا والاسرار كما هي في الانجيل وتسعى الى تثبيتها في المسيرة الفكرية والروحية لأبناء الرعية.  كما تحتضن من ضمن ما تحتضن جل تفكير الناس الروحي وجل اختباراتها في الحياة وحتى نمط تفكيرها اليومي وعاداتها واعتقاداتها.  ولهذا لو حاولت الكنيسة ان تعي ذلك بلغة سعة الصدر والمحبة ونكران الذات لأصبح الأمريشبه دلك الذي يسير، في الواقع، بالطريق الروحي المرسوم له، او الذي يختاره بإرادته من غير أن يضع نصب عينيه العوائق والعقبات المادية أو الشخصية وال (ماذا لو؟، إذا لم... بصيغة الجمع)  في الكيفية والاليات التي على الكنيسة أن تنتهجها كمبدأ يومي. إن كل ذلك هو للارتباط روحيا بما هو اعلى واسمى ومعرفة الذات كما هي عليه وبشكل صحيح ، واخيراَ الارتباط روحياَ واجتماعياَ بالذات وبالشعب. إن هذا هو جزء بسيط  لا غير من جوهر التعاليم المسيحية التي يعرفها رجل الدين حق المعرفة. وما الحالة التي وصلت اليها الكنيسة والتي ذكرتها في مقالتك ، ايها الأب الفاضل ، سوى نتيجة منطقية حتمية وبرهان ثابت على الابتعاد ، بدرجة لها اعتبارها ، عن هذا الجوهر.

   ما الكنيسة إلا رعية ورعاة يرعوها . الرعية تخضع بحكم الانتماء الديني لما يرسمه الراعي. كلا الطرفين قابل للخطأ لأنه بشر. غير ان خطأ الراعي يؤخذ بنظر الاعتبار والاهمية اكثر بحكم العلاقات الاجتماعية التي تحكم مجتمعنا . وما يؤدي الى ما لا تحمد عقباه هو ان الكنيسة بدلا من ان تؤلف بين ابناء الرعية الميئوسين والمساندين لكاهن ما بسبب الارتياحات الشخصية والاخرين الذين في الكفة المقابلة الواقفين الى جانب الكاهن الآخر (تكوين تكتلات) ، تراها تساهم بقصد او غير قصد في استمرار التباعد بين الطرفين . وبطبيعة الحال فان هذه الحالة-الحقيقة ، رغم مرارتها ، سوية مع ضعف الوعي الاجتماعي والديني عند ابناء الرعية والرعاة على حد سواء تؤدي بالامور للوصول الى موقف متوتر ومتشنج بين الطرفين قد ينتهي الى ما لا صلة له بالاخلاق المسيحية . إن المحصلة النهائية لهذه المسألة هي نتاج طبيعي للاصرا ر و التشبث الاعميين بالرأي والاعتقاد بان هذا هو الصحيح ولا يجب ان يتغير.

ثانياَ: هل الكنيسة في ازمة؟

   إذا كانت الكنيسة ، كما يعرف الشعب و الآباء على حد سواء ، هي جسد المسيح، فان عليهم ان يكونوا بحكم الضرورة اضلاع هذا الجسد وقلبه على التوالي إذا جاز التشبيه. إلا أن هذه الاضلاع
لا يحب ان تكون متناحرة فيما بينها لأنها من نفس القفص الصدري اولاَ ، ولأنها في الجسد الذي لا يعرف غير المحبة ثانياَ ( هذا هو ما يتعلمه الناس يومياَ من خلال قراءاتهم للعهد الجديد ) ؛ ولا القلب تكون دماؤه تجري بغير نظام متناسق يتزامن مع كل انبساط وانقباض من اجل الوصول الى ابعد الخلايا ليغذيها بشكل طبيعي لأنه يجري في نفس الجسد .  

    ايها الأب الفاضل ،ايها الاساقفة الاعزاء ، اقول لكم  بكل روح متألمة ، ان الاضلاع في اكثر من جسد قد وصلت الى درجة التضاد المتوتر وان الدماء تجري من غير نظام متناسق ولا تصل الى جميع الانسجة ، إذا تجاوزنا عن ذكر الخلايا .  ان السبب في هذا هو ان الجسد سقيم . وفيما يظهر بالاستدلال المنطقي ان هذه الحالة ليست وليدة فترة زمنية قصيرة ، بل هي نتاج تراكم واستفحال الامور لفترة زمنية طويلة. إن عدم وضع الحلول المناسبة في الوقت المناسب يفسر وصول الحال برعاة هذا الجسد الى تباين في الآراء حول الامور الجوهرية والاساسية لصحة الجسد وبالتالي الى ضعف في السيطرة المركزية على وظائفه الحيوية . ولذا ، وهذا هو المؤلم جداَ ، ليس من الخطأ القول بأن الكنيسة حقاَ في ازمة .  ومن المعروف ان الازمات (في اي مؤسسة كانت) لا تمر دون ان تجرح الجسد.  ولذا عليكم بالجسد ايها الآباء والأساقفة الأفاضل ا. ا. لأن الأمور قد تصل ، وهذا ليس من جانب التشاؤم،  الى حالة يندم عليها ، ولات ساعة مندم.  

ثالثاَ:  كلمة الشعب

   إذا كان في نية الشعب ، ولاسيما من الناحية الأخلاقية ، أن يساهم في دعم كل ايجابي وصالح لأجل تجاوز المحنة التي تمر بها الكنيسة ، فان ذلك يرقى الى مقام الشعور بالمسؤولية الكبرى . غير ان واقع الحال هو شكل اَخر، إذ ان البنية الهرمية (الادارية – الروحية) للكنيسة لا تقر بفتح المجال امام الشعب ليقول كلمته في الشؤون الكنسية، وان واجب الشعب هو التنفيذ ليس إلا.  وحتى إذا طرح فرد ما، او حتى مجموعة افراد، من ابناء أي رعية كانت (داخل الوطن او خارجه) رأياَ صحيحاَ في مجال معين، فان رجال الدين سوف  لن يأخذوا به .  ان هذه الحالة تضع الانسان امام الحقيقة التالية: انا انسان وامامي جدار متين من ( اللاءات ، هذا لايجوز ، و علينا ان نعمل بهذا الشكل) ، هل يستحق الامر ان اطرح رأيي في المستقبل؟ قد يكون هذا السؤال مشروعاَ. إن الملفت للنظرهو حينما
يجري العمل بنفس الرأي وعلى جناح السرعة اذا صدر من رجل الدين.

   هذا الواقع ليس بجديد، بل هو موجود منذ عقود من الزمن، والشعب يعرف ذلك حق المعرفة وفي نيته ان يغير هذا الواقع ولكنه مقيد. من جانب اخر، فان رجل الدين ايضاَ يعرف ذلك، ولكن الفرق هو ان رجل الدين غير قادر على تغيير هذه الحقيقة حتى وإن فكر في الامر مع ذاته.  وهنا، بدون اي شك ، رجل الدين محق لأنه يعمل ضمن الأطرالقانونية والادارية وينفذ حسبما تنص عليه   "مجموعة قوانين الكنائس الشرقية " وليس حسبما هو موجود في الانجيل . من غير الممكن فهم كلام يسوع المسيح خارج اطر الانجيل ، واذا حصل ذلك فانه يدل على تدخل بشري في الامر .

   خذوا ،  ايها الآباء و الاساقفة الاعزاء ، باَراء ابناء رعياتكم ، فهناك المئات من القابليات والامكانيات الفكرية الرائعة التي لا تقل بمستواها باي شكل من الاشكال عن القابليات و الامكانيات المتوفرة عند الآباء الكهنة والاساقفة  . خذو بما يختلج في عقل وقلب ابناء رعياتكم. إن الاستماع الى اخوانكم واخواتكم في الدين لا يعد خروجاَ عن مباديء المسيحية ، بل هو جزء اساسي ومتمم في ذات الوقت للتفاعل العضوي الذي يفترض ان تتميز به العلاقة بين الراعي ورعيته .

رابعاَ:  ما العمل؟

   من النظر الى الحالة نظرة تقييمية ،  و خاصة الى ما قامت به الكنيسة والرعية فيما يخص التربية المسيحية، على الاقل في العقود الاربعة الاخيرة ، يتضح ان الناس لم يصبحوا اكثر تديناَ ولا اكثر مسيحية من العقود التي سبقتها ، على سبيل المثال لا غير،  وانما تحولت العبادة الى عادة . من ناحية ثانية يمكن ملاحظة الحقيقة التي تكمن في ان الانسان يعاني من تدهور في الصفات البشرية وعلى وجه التحديد الاجتماعية والاخلاقية . ان هذا خيردليل على ان العامل الاجتماعي-المادي هو المتغلب في مجال التأثير في نفسية الانسان وان العامل الديني هو المتنحي . ان هذه الظاهرة سابقة خطيرة ولذلك فان الامر يحتاج الى وقفة جدية ومسؤولة ليس فقط من جانب راع ورعيته ، ولكن على المستوى البابوي العالمي لجميع الكنائس .

   ان ذلك يدعو بان تقوم الكيسة في العراق بالتفكير في النقاط التالية:

أ- بناء الانسان الجديد :  وهذا لن يكون إلا من خلال البدء بتغيير الانسان الحالي وذلك بالاسترشاد بالتعاليم  الواردة في العهد الجديد بعد فهمها علمياَ ومنهجياَ . ان الآلية التي يمكن الانطلاق  منها    هي وضع برنامج شامل عمقاَ واتساعاَ تقوم بتكوينه وبناء نموذجه مجموعة كبيرة من المتخصصين في مختلف حقول المعرفة بالتعاون على قدم المساواة مع رعاة الكنيسة . إن هذا العمل ضخم جداَ ومتعدد الجوانب وبحاجة الى بذل جهود جبارة يومياَ ولعقود كثيرة قادمة .

ب- القيام بمراجعة علمية شاملة واعادة دراسة و تقييم الكادرالتعليمي وكذلك  المنهج التعليمي للسنوات الدراسية في المعاهد الدراسية الدينية التابعة للكنيسة واجراء التعديلات حيث تلزم. إن الآباء العاملين في هذه المعاهد هم المصدر الوحيد الذي يقوم بتكوين وتخريج وسيامة اباء يقومون بمهمة التربية الدينية لابناء الرعيات. وعلى هذه المعاهد وهؤلاء الآباء و (العلمانيين من ذوي الكفاءات إذا اقتنعت الكنيسة بالاستفادة من قابلياتهم) تقع المسؤولية الحساسة الكبيرة الاهمية – بناء الانسان الجديد.

ج- العمل وفق التعاليم الواردة في العهد الجديد وليس ترجمتها كما يحلو للانسان فيحلل حيث يشاء ويحرم حيث لا يشاء .

د- العمل بنكران الذات (بالمعنى الحقيقي لكلمة نكران) .  

كلمة اخيرة :

 إن الرعاة والرعية يصلون منذ عقود طويلة ويرددون في كل قداس : (وننقي نياتنا من الخلافات والخصومات، فتكون نفوسنا صافية من كل حقد وعداء) ؛ وكذلك (قدّس اجسادنا بجسدك المقدس، واغفر ذنوبنا بدمك الكريم ، وطهّر ضمائرنا بحنانك ايها المسيح ، رجاؤنا الى الابد) . وهنا اضع خطاَ احمرتحت : "منذ عقود طويلة  و تنقية الذات  و  صفاء النفوس  و  تطهير الضمائر" واهديها الى نفسي اولاَ ، ومن ثم الى الآباء الرعاة جميعاَ واخوتي جميعاَ اينما كانوا مع محبتي الاخوية للجميع.

ameeryounan2004@yahoo.com.au

هذا عنواني الالكتروني وانا على اتم الاستعداد لتقديم خدماتي.

                                                                                   د. امير يوسف

19
المنبر الحر / الى اخوتي
« في: 17:31 25/08/2009  »
الى اخوتي

 
إن ما يهم الفرد من شؤون تتعلق بذاته هو ملكه كانسان حر. وهو غير مقيد في حريته الشخصية في اجواء ترتبط بما يعود له من حاجات وافكار وتأملات. إن هذا يضعه في موقع تملؤه النظرة الذاتية له طالما انه ما يزال في بيئته الشخصية وقائم ضمن اطرها قدر تعلق الامر بالنظرة التي يكونها والفكرة التي يحملها والفلسفة التي ينتهجها في حياته من اجل اهداف يحددها لنفسه على المديين القريب والبعيد. انه غير مقيد على الاطلاق وبأي شكل فيما يتعلق بعناصر جمة كالمأكل والمشرب والملبس وما الى ذلك من اشياء كثيرة، فهو يعرف نفسه وأولى بها من سواه.
     
 غير ان هدا الفرد حين يشرع بكتابة اول كلمة من مادته السياسية او غيرها فأنه بذلك يشرّع الطريق للاخرين و يزينه من خلال ما يكتبه لهم. إن كل كلمة يكتبها الكاتب، إن كانت على سبيل المثال، في الانتخابات الاخيرة، التسمية القومية، او في أي حقل اخر باختلاف درجة حساسيته، ما هي  إلا ايقاعات موجهة الى القارئ. إنها خلاصة وجوهر تفكيرالكاتب وتأملاته الشخصية في هذا المنحى أو ذاك.  بانتهاء مادته المكتوبة يكون هذا الاخ قد قال للقارئ : "أخي الكريم، هذا هو فكري ولك أن تفحصه، وليس فيه غير ما ينبع من قلبي وهو لفائدتك. انا الشمعة التي احترقت لتنير لك الطريق. هاك احساساتي، تقبّلها فهي من اخ لك ".
     
 وإذ ذاك يسوغ للقارئ أن يستخدم موازينه ومعاييره، مقاييسه وثوابته الفكرية والانسانية. كما انه سيمنح لنفسه الحق الشخصي والشرعي، اذا جاز التعبير، لتكوين وصياغة واخيرا طرح ما يراه مناسبا على شكل مقالة تمثل ردا على ما قرأه. إن هذا من حق القارئ كما كان من حق الكاتب ان يكتب ويوضح ما يريد أن يقول.  الى هذه النقطة والامر ما يزال عند حدوده من المعقولية البسيطة.
     
 أما عندما يتحاوز الامر اطره التي، منطقيا، لا يجب ان يتعداها بسبب عدم وجود الضرورة الى ذلك، فان الحماس يقود الكاتبين الى ان ينتهي الامرالى ارتفاع في [الادرينالين] مما يفضي الى تبادل التهم والتكذيب واستخدام اساليب غير حميدة وكذلك التجريح. ولهذا السبب ليس من الخطأ القول : "ان الاخ الكاتب يظهر درجة عالية من الذكاء حينما يتجنب استخدام الكلمات البعيدة الصلة بالموضوع والتي تكمن بشكل خاص في مختلف اساليب النقد اللاذع والتجريح وصولا الى استفزاز الذين يقصدهم بشكل مباشر أو غير مباشر في كتابته" .
     
إن الكتابة علم وفن. فهي علم لانها تهتم بطرق وأسس إظهار وايضاح ووصف ونقد اي حقيقة كانت بشكل بناء. وهي فن من حيث انها مهارة دقيقة وخطيرة وحساسة جدا في معرفة طريقة العزف بنزاهة على اوتار احساسات المتلقي لها.
 
إن الكاتب حر في تسليط الضوء على الموضوع الذي يكتب عنه. وهو حر كذلك في تناول اي جانب من هذا الموضوع والدخول في تفصيلاته عمقا واتساعا بهدف اعطاء القارئ صورة كاملة الوضوح. غير أن شجاعة الكاتب ستكون غير كاملة اذا اهمل الجانب الذي لا يحلو له من هذا الموضوع. لقد تجلى هذا للعيان بشكل واضح بعد الانتخابات الاخيرة، حيث لوحظ اهمال بعض الحقائق ذات العلاقة العضوية المباشرة بسيرالانتخابات. اذ ظهرت عدة مقالات ركزت كثيرا على النتائج، إلا انها، من ناحية ثانية، لم تتطرق الى السبب الذي ادى الى هذه النتائج. وكتب كتابها عن هذه او تلك من القوى على انها ليست جماهيرية ولا تمثل طموحات الجماهير. لابد هنا من التوقف قليلا والتركيز اكثرلاظهاررؤية دقيقة وواضحة لاجل المعرفة لا غير. إن الرؤية الواضحة تكمن في ضرورة ان يكون الاخ الكاتب امينا في طرحه، دقيقا في اختيار المفردات اللازمة، غير متحيز لفئة ما حتى وإن كان عضوا ملتزما او يشغل موقعا قياديا فيها.  إن الايقاعات الموجهة التي يطرحها الكاتب ليس من اللازم ان تمس بمشاعر القارئ او الجهة او الحزب الذي يعنيه ولا سيما اذا كانت تخص جزءا بسيطا من العملية الديمقراطية كخسارة او فوز فئة او اكثر. اذا تمكن الاخ الكاتب من تحقيق هذا الامرفانه، والحق يقال، سيكون قد اصاب في قصده ومقصده وتعمق في حكمته وتمنطق في بعد نظره.
 
إن الحقيقة التي تستجذب الانتباه الى ذاتها هي ان الكاتب يجب ان يكون يقظا تجاه ترك العاطفة العمياء تحجب نقاط الخلاف عندما تكون المسألة عظيمة الاهمية لدرجة تكفي لتبريرالنظرة العقلانية والفحص الدقيق لأي دليل او ادلة متوفرة. كما ان يتصف بالفهم الحذرلمختلف استخدامات اللغة وتقدير اهمية الدليل في تقرير مسائل الحقيقة والكذب والبت بها. ومن جهته، فان القارئ سيقبل هذا الاستنتاج او ذاك اذا اقتنع بالبرهان الذي يستخدمه الكاتب.  ورغم ان القارئ لا يملك ورق عباد الشمس [الكاشف] إلا انه  (ليعرف الاخ الكاتب هذه الحقيقة جيدا) يملك الطريقة التي تجعله يقظا تجاه البراهين المضللة.
 
مما تقدم يصح بالضرورة معرفة جوهرالكتابة وتأكيداتها، فهي اولا تربوية لان المادة المكتوبة تهدف الى ايقاظ وانماء روح المقدرة عند الناس لجعلهم عناصرتعمل على ايجاد نقاط الالتقاء وليس تعميق الخلاف، ليصبحوا في نهاية المطاف رسل سلام ووحدة على الدوام.  وهي ايضا تثقيفية حيث تعمل بحزم على انتشال نمط تفكير الناس من مستنقع التشاؤم واعادة إحيائه وشحذه لازالة الصدأ عنه؛ وكذلك تنوره بشتى خفايا المعرفة.  وهي ايضا إعلامية وذلك لانها تخترق لب القارئ من اجل ان تمكنه من تذوق طعم معرفة الفرق بين صورة الظاهر الخادعة والمعنى الحقيقي للمفهوم (العمل السياسي، الحرية، الديمقراطية، واخيرا وليس اخرا حق تقرير المصير).
 
إن ما اريده من هذه المادة ليس سوى توجيه الانظار الى ما هو جيد ورائع ومغذي لذهن الاخ القارئ اي المادة المكتوبة التي تسهم بفاعلية في اضافة صخرة اخرى الى البنيان الشامخ لتوطيده وإعلاء شأنه؛ وكذلك اضافة فضيلة اخرى لزيادة ما في البنيان من قيم سامية. 
 
اخوتي ...لن اكون قويا بكفاية إن فكرت في إرضاء فريق و إغضاب اخر. لست ضعيفا  الى درجة بحيث انسى ان هناك ما يرضي الناس وما يغضبهم. انا لا احفل بالقوة او الضعف لأنني اخدم غاية اكبر من رضى اخوتي وسخطهم. ولهذا السبب لست من الذين يودون رؤية قومهم على انهم قوم تجاذلوا، بل انا مع من يؤمن بالنهي عن القول بما لا يصح.
 
دعني، اخي الكاتب، اضع امامك ما يجعلني اجتذل حينا واتألم حينا اخر، انها كتابتك. أعد النظر فيها مرة ثالثة قبل ان تودعها للنشر، لأنك امام مسؤولية عظيمة جدا.
 
اشد على ايديكم جميعا واضمكم الى صدري بحرارة.             
 د. امير يوسف
ameeryounan2004@yahoo.com

صفحات: [1]