عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - صبري يوسف

صفحات: [1]
1
قصّ جانح نحوَ وميضِ الشِّعر

1 ـ هداهدُ الرُّوح

تبلَّلَت قميصُ اللَّيل من سَهَرِ اللَّيالي، وقفَ القمرُ منتظراً عبورَ عاشقة من لونِ الشَّفق، تمايلت خاصرة الشَّمس الممتدَّة على مدى البصر، خطوط مخضوضرة بحنين الغابات تناثرَت فوق صدر غزالة برّية، تسابقُ نسيم الصَّباح، تبحثُ عن مولودٍ تقاذفته ألسنة نيران الحروب، أنينٌ مفتوح يداهمني، يدمي ظلالَ القلبِ، فواجعٌ تتكاثرُ مثل الأرانبِ، تتسلَّلُ إلى مغائرِ غربتي، حروبٌ في نهاياتِ القرنِ، في بداياتِ القرنِ، حروبٌ على مساحاتِ القلمِ، على مساحات فسحة الحلمِ، ضجيجٌ  يشنفرُ الآذان، ينزُّ في مفازاتِ أوتارِ النَّغمِ؟! 
آهٍ، ماتَتْ هداهدُ الرُّوح قبلَ أن ترى هشاشةَ الصَّنمِ!

2 ـ حلمٌ مشروخ

بكَتْ نجمةُ الصَّباح عندما لاحَ لها من فوق خواصرِ الجبال، اشتعال بسمة الأطفال وهم يَحْبُون نحو أمهاتهم اللواتي يصعدن نحوَ قممِ الجبالِ، هرباً من طواغيتٍ مقمّصة باسودادٍ مشرشرٍ من أجنحةِ الوطاويط.

3 ـ متعةُ العبور

عبرَتْ سفينة محمَّلة بالأحلامِ، تمخرُ أسرارَ البحرِ، تهفو إلى الوصول إلى ضفافِ شاطئٍ مركون فوق أكتافِ مروجٍ مستنبتة من نداوةِ اللَّيل، ضحكَ البحّار ضحكةً مجلجلة عندما اصطاد صيداً ثميناً، سحب صنَّارته، ما هذا؟! قصائدُ شاعرٍ من لونِ حفاوةِ الموجِ، قصائدٌ معفرّة بملوحةِ البحرِ، قرأ القصائد بمتعةٍ لذيذة، شعرَ وكأنَّها مندلقة من شهقةِ مرجانِ البحرِ!

4 ـ لوحة طافحة بالوئام

نهضَ من أعماقِ الذَّاكرة، مشهداً مكتنزاً بالعشب، طفلة تدحرجُ نفسها فوقَ منحدراتِ طراوةِ المروجِ، تطيرُ على مقربةٍ منها عصافيرٌ في غايةِ الجمالِ، كأنها عصافيرُ الجنّةِ، بيضاء منقّطة بازرقاق خفيف، ومخطَّطة باخضرار فاتح فوق صدورها الغضّة وفرواتِ رؤوسها الصَّغيرة، طارت حمامة يانعة من عشِّها بصعوبةٍ واضحةٍ، تريدُ التدرّبَ على الطيرانِ، تعبَتْ وحطّتْ بهدوءٍ فوق كتفِ الطفلة الأيمن، أدارت الطفلة وجهها نحو الحمامة، ابتسمت لها، كأنها صديقة مدلَّلة، وضعَتِ الحمامة رأسها على خدِّ الطفلة، تبدو وكأنَّها تهمسُ لها سرَّاً من أسرارِها، كانتِ العصافيرُ تحومُ فوقها بغيرةٍ كبيرةٍ، مذهولة بهذا الانسجام المفاجئ!

ستوكهولم: 5 ـ 11 ـ 2007

5 ـ نكهةُ النّعناع

لملمَ حاجاته الضرورية، وضعها في حقيبةِ سفر، كان اللَّيلُ غائصاً في ألغازِ الرَّحيل، رحيلُ الإنسان في صباحٍ نديٍّ نحوَ جبالٍ مكلَّلة بأقاصيص القممِ والطموحِ، حائراً في رحلةِ عبورِ الإنسان إلى ما وراءِ البحارِ، بحثاً عن وسادةٍ مريحة لقفصِ الرأسِ، غالباً ما تكون رحلات مهتاجة على أجنحةِ الضَّباب!
حالما عبرَ ساحة الدار، تراءَت أمامه ذكريات الطفولة، مشاكساته مع أخته، حبّه الأول، لقاءاته مع الأحبة الأصدقاء، دراساته، سارَ شاردَ الذّهنِ، تاركاً خلفه أوراقاً تداعب محطَّات عمره، كتاباته، أشعاره، دمعةٌ خرّتْ فوقَ خدّهِ، وأخرى انسابت نحوَ ظلالِ الرُّوحِ، تذكّرَ مناجاته لنجمةِِ الصَّباح خلال ليالي الصَّيف، حالماً في أوجِ المناجاةِ، أن يرتمي بينَ أحضانِ عاشقة تفوحُ من نهديها نكهةُ النّعناع!

6 ـ فوقَ ضفافِ القلب

فجأةً قفزَتْ إلى ذهنه مشاهدُ تدريبٍ على دبكةِ "باكيِّة وآهي لا يوني"، من قبلِ مدرّبةِ رقصٍ طافحة بالحنان، تاركةً صدرها الحنون يندلقُ على مرافئ قلبهِ كلَّما يستديرُ ليتقدَّم خطوتين نحوَ الأمام، كم كان يتمنّى في حينها أن يمتدّ التدريب إلى مدى العمرِ، طالما كان يرافقُ ايقاعَ التَّدريبِ ارتعاشة لذيذة فوقَ ضفافِ القلبِ!

ستوكهولم: 6 ـ 1 ـ 2007

7 ـ مَطَرْ مَطَرْ قيقيْ

هطلَ المطرُ قبلَ انبلاجِ خيوطِ الدُّفءِ، نهضَ بتكاسلٍ نحو نافذةٍ تكسوها غربةً باذخةً، أزاحَ السِّتارة بهدوء، صمتٌ هجين بدأ يغلّفُ أجواءَ المكان، تراقصَتْ حبّاتُ المطرِ على أوجاعِ نافذتِهِ، تذكَّرَ بيتَه العتيق، كيفَ كانَ المطرُ يهطلُ بغزارةٍ هائجة، ينظرُ إلى "بَقْبَقْوكاتِ الرَّبيع"، إلى فقاعاتِ الدَّوائرِ المتشكِّلة من تدفُّقاتِ زخَّاتِ المطرِ، وتذكَّرَ مقطعاً عذباً، من أنشودةٍ طفوليّة كانوا يردِّدونها أثناءَ هطولِ هكذا زخّاتٍ مطريَّة، " مطرْ مطرْ قيقي  رشّْ عَلْ دنيبيقيْ ..."، (: أيُّها المطر، أهطلْ على ضفائري، ...)، وفيما كانَ يردِّدُ هذه الأنشودة، تربَّصتْ دمعتان في محجريه، شهقَ شهيقاً عميقاً، متمتماً بصوتٍ ايقاعيٍّ خافت، "مطرْ مطرْ قيقيْ، رشّْ عَلْ دنيبيقيْ، ..."، أسدلَ السِّتارة، عائداً إلى نومِهِ، طافحاً في عبورِ خمائلِ الحلمِ، لعلّه يغفو على اِيقاعات حبّاتِ المطرِ التي تراءَتْ له من بعيد، مسربلةً بذاكرةٍ لا تمحى!

ستوكهولم: 7 ـ 11 ـ 2007
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
www.sabriyousef.com











2

إهداء: إلى الشَّاعر العزيز نينوس آحو،
بمناسبة وفاة والدته الفاضلة


وجعٌ في مرافئِ الحنينِ ينمو
وجعٌ من لونِ الرَّحيلِ
رحيلُ أمَّهاتٍ مشبّعاتٍ ببياضِ الثَّلجِ
رحيلُ تاريخِ الدَّمعةِ الأولى
رحيلُ أمٍّ مكتنزة بخيراتِ الحصادِ

أمٌّ معفّرة بباقاتِ السَّنابل
أمٌّ من نضارةِ الحنطة
أمٌّ معرَّشة في خميرةِ الأرضِ
منبعثة من بلادٍ متجذِّرة
     في كنوزِ الحضارةِ
حضارةٌ شامخة بحفاوةِ الماءِ

وقف البنونُ عندَ بوَّاباتِ الغربةِ
ينتظرونَ عبورَ الضَّريحِ
ضريحُ أمٍّ عطشى إلى بيادرِ الشَّرقِ
شرقٌ ترعرعَ بينَ أحضانِهِ
     أولى الأبجدياتِ

ترحلُ الأمُّ
تاركةً خلفها هموماً
ترهقُ كاهلَ البحارِ
ترحلُ وهي ترنو إلى مآقي البنينِ
وجعٌ في صدورِ البنينِ ينمو
تخرُّ دمعتان من عينيّ نينوس آحو
دمعتان ساخنتان
     على أمٍّ من نورِ برارةِ النَّهارِ

تسطع القامشلي بكلِّ شموخها
جنازةٌ تسيرٌ في فيافي الغربةِ
وجوهٌ لا تفارق عينيّ نينوس
تصرخ الأزقة البعيدة
بحارٌ من الصَّمتِ
غربةٌ على مدى البحرِ
     على رحابةِ المسافاتِ
رحيلٌ في أعماقِ الانشطارِ
انشطارُنا في تلافيفِ المتاهاتِ

وقفَ الحزنُ فوقَ شبابيكِ الرُّوحِ
ينثرُ دموعَ الفراقِ
فراقُ الأمِّ عن دفءِ العناقِ
عناقُ البنينِ
     من أبهى ثمارِ العناقِ

أين المفرُّ يا قلبي
     من مرارةِ المذاقِ
مذاقُ كأسِ الفراقِ

نينوس يا صديقَ الصَّمتِ
يا صديقَ النُّورِ
يا صديقَ الشِّعرِ
يا صديقَ البكاءِ

أيّها المضرّج بمحبَّةِ الأصدقاءِ
      بأزاهيرِ الحنينِ
أيّها الملظّى في متاهاتِ الانقسامِ
     في ترياقِ السِّنينِ
أيها المندَّى بضياءِ الشَّرقِ
     بنقاوةِ دموعِ البنينِ!

يا صديقاً ينضحُ ماءً
يسقي أبهى ما في الخميلِ
يا وردةً نائحة
     فوقَ أوجاعِ الرَّحيلِ
دمعةٌ تنسابُ فوقَ أخرى
    على أنغامِ الهديلِ
هديلُ الحمامِ
هديلُ الأمِّ
يناغي خريرَ السلسبيلِ!

وجعٌ في بؤرةِ الحلقِ ينمو

حسرةٌ في فيافي الغربةِ تنمو

أنينٌ لا يفارقُ تخومَ الحلمِ

ثمَّة تساؤلات تتراقصُ
     فوقَ ظلالِ القلبِ
ثمّة شوق عميق
     إلى ربوعِ الشَّرقِ
حنينٌ لا يفارقُ ليلي
وجعٌ من لظى الانكسار

آهٍ .. انكسرَتْ ظهورنا
     من تفاقمِ الفقاقيعِ
تهنا في ربوعِ الدُّنيا
     من ضمورِ الينابيعِ
ينابيعنا جفَّتْ قبلَ اخضرارِ البذارِ

أين المفرُّ منَ بوحِ الدُّموعِ
     من لظى الغربةِ
     من أنينِ الآهاتِ
أينَ المفرُّ من جراحِ القلبِ
     من تعاظمِ الأوجاعِ
     من رحيلِ الأمّهاتِ؟!

وجعٌ في ظلالِ الرُّوحِ ينمو
دمعةٌ تنضحُ فوقَ دمعة
وجعٌ لا يفارقُ أعشابَ الحلمِ
نولدُ مقمَّطينَ
     بينَ مهاميزِ الغربةِ
ننمو فوقَ معابرِ الانشراخِ
نتوهُ انشراخاً
     في دنيا الشَّرق والغربِ
نعبرُ أعماقَ المتاهاتِ
فلا نجدَ بلسماً
يشفي انشراخنا
     إلا برارةَ الحبرِ
     إلا وداعةَ الكلماتِ!

ستوكهولم: 11 ـ 4 ـ 2008
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

3
كأننا في عصر الظلمات


ردّاً على مقالة الدكتور فيصل القاسم، بعنوان: احتضار المعارضات العربية

بقلم صبري يوسف
أعزائي القرّاء والقارئات
أستعرض فيما يلي مقالة الدكتور فيصل القاسم، (مدير برنامج الاتجاه المعاكس)، التي حملت عنوان: احتضار المعارضات العربيّة، نقلاً عن موقع دروب، ثم أقدم لكم بعض وجهات نظري وردّي المفصّل حول مقالة القاسم.
************************************
احتضار المعارضات العربيّة
د. فيصل القاسم
31 ديسمبر 2006
لم يأت عنوان هذا المقال بأي حال من الأحوال شماتة بالمعارضات العربية، بل حزناً على حالها البائس وآمالها المُجهضة ورهاناتها الطفولية، كي لا نقول على احتضارها السريع أمام الانبعاث القوي للأنظمة الحاكمة بعد أن ظن الكثيرون أنها كانت على وشك الانهيار. لقد كان المعارضون العرب وكل الحالمين بالتغيير والإصلاح كلهم أمل قبل بضع سنوات بأن الجاثمين على صدور البلاد والعباد قد بدأوا يتهاوون شيئاً فشيئاً، ويخوضون معركة خاسرة أمام قوى التغيير والمعارضة.
لقد وجد الكثير من الأنظمة العربية قبل فترة نفسه في حالة “حيص بيص”، فارتعدت أوصال بعض الطبقات الحاكمة تحت وقع الهجمة الأمريكية على المنطقة وما صاحبها من أصوات داخلية مطالبة بالإصلاح والتجديد. لا بل إن بعض الأنظمة أصبح على حين غرة متخبطاً مغلوباً على أمره رغم جبروته، لا يعرف كيف يخرج من أزمته وورطته المتفاقمة، بينما كانت حركات المعارضة العربية تملأ الدنيا ضجيجاً وتتوعد الحاكمين بالويل والثبور وعظائم الأمور على شبكة الانترنت والفضائيات، ظناً منها أن زيت الأنظمة قد نفد، ولم يبق أمامها سوى حمل عصاها والرحيل، تاركة المجال للمعارضين الأشاوس كي يجتاحوا قصورها ويرفعوا رايات النصر المؤزر.
لكن بعد فترة قصيرة للغاية يبدو أن كل الأنظمة التي كانت على كف عفريت بدأت تستعيد زمام المبادرة بقدرة عجيبة، لا بل انتقلت فجأة من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، بينما خفــّت أصوات المطالبين بالإصلاح والتغيير، إن لم نقل صمتت، وكأنها تعلن خسارة جولة فادحة أخرى من معاركها الدونكيشوتية مع الممسكين بزمام الأمور في بلادنا العربية. بإمكان المعارضين أن يقولوا في الأنظمة العربية أكثر مما قاله مالك في الخمر، لكنهم لا يستطيعون أن ينكروا أنها بارعة جداً في الحفاظ على نفسها والخروج من أزماتها كطائر الفينيق الذي ينبثق من تحت الرماد.
لا أقول هذا الكلام تشفياً بحركات المعارضة العربية، بل إظهاراً لحقيقة مؤلمة ظهرت تجلياتها من الجزائر حتى لبنان. فبالرغم من كل الدماء التي سالت في الجزائر والتضحيات الجسام التي بذلها المعارضون للتغيير والتجديد، إلا أنها كلها باءت بالفشل. وهاهي المؤسسة العسكرية الحاكمة ترّسخ مواقعها، لا بل تتحدى كل من تسول له نفسه تحديها. وقد جاءت قوانين المصالحة لتقول للجزائرين: “عفا الله عما مضى”، وكأن شيئاً لم يحدث! كل عاد إلى موقعه السابق في مربع الصفر، وكأنك يا بو زيد ماغزيت!
أما في المغرب فقد خرجت المعارضة من اللعبة بعد أن تم احتواؤها في السلطة وبعد تدجينها بالانضواء تحت جناح القصر (المخزن)، مع الاعتراف بأنها أنجزت شيئاً ما، ولو هزيلاً، بالمقارنة مع المعارضة الليبية التي خرجت من المولد بلا حمص.
لقد استطاع النظام الليبي أن يعود إلى الواجهة بقوة بعد سنوات من العزلة والحصار، فيما أصبحت العزلة من نصيب المعارضة الليبية التي غدت معارضة الكترونية بامتياز، كمعظم المعارضات العربية الانترنتية! وبالمناسبة ليس هناك معارضات الكترونية إلا في وطننا العربي، فلا مكان للمعارضات إلا تحت قبة البرلمان حسب كل نواميس الديمقراطية. ولا أقول هذا الكلام اعتراضاً على المعارضة العنكبوتية المغلوبة على أمرها، بل حزناً عليها، خاصة وأن عدد العرب الذين يستطيعون الدخول إلى الانترنت لا يتجاوزون الستة وعشرين مليوناً من المحيط الى الخليج من أصل حوالي ثلاثمائة مليون عربي، بينما هناك في فرنسا وحدها حوالي ثلاثين مليونا يستخدمون الإنترنت من أصل خمسين مليوناً.
صحيح أن مناضلي المعارضة التونسية مازالوا يقاومون بشراسة في الداخل والخارج على حد سواء، لكن العبرة في النتائج، فهم ليسوا أفضل حالاً من المعارضين الليبيين، وهم يخوضون معركة خاسرة أمام النظام الحاكم الذي يزداد بأساً وتغولاً. ولا أمل في الأفق لأي اختراق.
ولا يختلف الوضع المصري كثيراً، فقد كسب النظام الجولة مرة أخرى، ويبدو أن حركة “كفاية” التي علق عليها الكثيرون آمالاً عريضة قد قارب بخارها على النفاد، رغم كل الهيصة الإعلامية التي رافقت ظهورها. ولا أعتقد أن الإصلاحات الدستورية التي تشهدها مصر في الآونة الأخيرة أكثر من زوبعة في فنجان طالما أن المؤسستين الأمنية والعسكرية تمسكان بزمام الأمور من ألفها إلى يائها.
أما أكبر المنتصرين في معركته مع المعارضة والتهديدات الخارجية فهو النظام السوري، فقد خرج من أزمته كما تخرج الشعرة من العجين، وانتقل أيضاً من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، فيما أصبحت المعارضة في الداخل والخارج في محل مجرور، هذا إذا كان لها محل من الإعراب أصلاً. فقد تلاشت المعارضة الداخلية، بينما تكتفي معارضة الخارج بالبيانات الانترنتية المثيرة للشفقة والضحك في آن معاً، بعدما راحت تتقاطر الوفود الأوروبية والأمريكية على دمشق استجداءً للمساعدة والتشاور، تماماً كما كان يحدث أيام الزعيم الراحل حافظ الأسد الذي كانت تنهال عليه الضغوط والمؤامرات، ثم يخرج منها ببراعة مدهشة بشروطه، وليس بشروط الذين فرضوها عليه.
وحتى في لبنان، فقد انقلب السحر على الساحر، فالمعارضة اللبنانية التي تحاصر حكومة السنيورة في ساحات بيروت تــُحسب لصالح النظام السوري، بينما أصبح معارضوه اللبنانيون في “خانة الياك”. ولا أقول هذا الكلام انتصاراً لفريق على آخر، فكل المؤشرات تدل على أن النصر سيكون من نصيب القوى المتحالفة مع سوريا، بالرغم من كل الدعم العربي والدولي لحكومة السنيورة. هل ينفع الدعم الخارجي عندما يبدأ العصيان المدني وشل حركة البلاد الاقتصادية بعد موسم الأعياد؟
وبالرغم من أن المعارضة السعودية في الداخل والخارج أعطت الانطباع بأنها على وشك الإجهاز على النظام من خلال حملتها الإعلامية الهادرة قبل أشهر، إلا أن آمالها تبخرت أيضاً، وحسبها الآن أن تؤمّن لنفسها حق اللجوء السياسي في الغرب.
أما في السودان الخارج من حرب إلى أخرى، والمنهك بالمؤامرت الغربية على وحدته الترابية والقومية، فالنظام يمسك بزمام الأمور، وحلم المعارضة في تحديه كحلم إبليس في الجنة. قد يحسب البعض الاتفاق الذي تم بين النظام وحركة الجيش الشعبي لتحرير السودان نصراً للمعارضة. وهذا قد يكون صحيحاً، لكن النظام عزز من خلاله قبضته على الحكم، ويا جبل ما يهزك ريح رغم أزمة دارفور.
وبالرغم من كل مآسيه وضعفه، إلا أن النظام في الصومال تمكـّن من استعادة زمام المبادرة، فها هو في طريقه للقضاء على حركة “المحاكم الإسلامية” بمساعدة لا تخفى على أحد من أمريكا وأزلامها في أفريقيا.
ومن سخرية القدر أن الأمريكيين هم المسؤولون عن تثبيت الأنظمة العربية الحاكمة وسحق معارضيها في السنوات الماضية، بالرغم من كل الهراء الأمريكي حول ضرورة التغيير والإصلاح ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولا أدري إلى متى يتعلق المعارضون العرب بأهداب العم سام، فيما يرونه يبذل الغالي والرخيص لتكريس الأنظمة القديمة.
وأرجو أن لا يقول لي أحد إن المعارضة الموريتانية انتصرت على ولد الطايع، فكلنا يعلم أن الذين أسقط الرئيس المخلوع هم من نفس نظامه العسكري، أي “أهلييي بمحلييي” على طريقة تغيير الحكام في مسرحية “ضيعة تشرين” حيث يدخل الحاكم الجديد (حسني البورازان) إلى خشبة المسرح بعد أن يكون قد غير الحوذة العسكرية على رأسه بطنجرة مشابهة تماماً!!
المعارضة العراقية قد تكون الوحيدة التي بإمكانها أن تفاخر على طريقة دونكيشوت أيضاً بأنها انتصرت على النظام، لكن،كما نعلم جميعاً، فإن الذي أسقط النظام ليس عضلات أحمد الجلبي ولا إياد علاوي أوعبد العزيز الحكيم، بل مصالح أمريكا وأسلحتها الفتاكة، مع التذكير بأن تلك المعارضة التي ما لبثت تتشدق بانتصارها، تعيش حبيسة المنطقة الخضراء كالمساجين خوفاً من بطش النظام السابق المتمثل الآن بالمقاومة العراقية. وبذلك نلاحظ أن النظام العربي الحاكم قادر على خوض المعركة بقوة رهيبة حتى بعد سقوطه. ولعل أكثر ما يضحك أن المعارضة العراقية “المنتصرة” صدّعت رؤوسنا بالحديث عن النظام البائد، بينما تعزو إليه كل العمليات التي تسميها إرهابية في البلاد. ولا أدري كيف يكون النظام السابق بائداً بينما يتهمونه في الآن ذاته بترويع العراق وحبس معارضيه في منطقة مسورة بجدران خرسانية هائلة وأسلاك شائكة لا يمكن للعصافير اختراقها!
في الختام لا بد من الإشارة إلى أنه من الخطأ تسمية الحركات التي تعارض الأنظمة العربية من الخارج بـ”المعارضة”، فهي أقرب إلى حركات التمرد والانقلاب والاسترزاق، والمعارضة بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف. فـ”المعارضون” في الخارج لا يبتغون سوى الانقلاب على الأنظمة الحاكمة بنفس الطريقة التي ربما استخدمتها الأنظمة الحاكمة للوصول إلى السلطة. وبالتالي هذه ليست معارضات، فالمعارضة حسب تعريفها الديمقراطي، ليست حركة انقلابية كيدية انتقامية، بل هي جزء لا يتجزأ من النظام الديمقراطي. لهذا فهم يسمونها في بلد الديمقراطية الأول بريطانيا بـ”معارضة جلالة الملكة”، لأنها في النهاية خاضعة لنظام معين، وليست حركة شاذة تسعى بشتى الطرق لاغتصاب السلطة، كما يفعل الكثير من المعارضات العربية المزعومة.
وإلى أن يصبح لدينا معارضات تعارض الحكومات من تحت قبة البرلمانات والمجالس الوطنية المنتخبة، أريد فقط أن أترحم بقلب مؤمن بقضاء أمريكا وقدرها وملئ بالحزن والأسى الشديد على انتقال الكثير من المعارضات العربية في الآونة الأخيرة إلى رحمة الله، بينما يحتضر بعضها الآخر في انتظار لقاء ربه. وإنا لله وإنا إليه لراجعون.
*****************************************
  ردّ على “احتضار المعارضات العربية”
صبري يوسف:

1 يناير 2007 في الساعة 8:21 م   

كأننا في عصر الظلمات

ردّاً على مقالة الدكتور فيصل القاسم، بعنوان: احتضار المعارضات العربية

الدكتور فيصل القاسم

تحيّة

لا يوجد في طول العالم العربي وعرضه وارتفاعه وانخفاضه معارضة بكلّ معنى الكلمة، فالمعارضة هي من تحمل أسساً جديدة ورؤية جديدة متقدِّمة على الأنظمة الحاكمة وهذا ما لا نراه في سائر البلاد العربية، لأنَّ الأنظمة العربية لا تفرز أصلاً  أرضية سوية للمعارضة، بقدر ما تفرز حالات انتقامية وردود فعل عنفية أشبه ما تكون بحركات تمرُّد وعصيان وتحدّي لمجرد التحدّي لأنها غير راضية على النظام، بينما في العمق هي لو تسلّمت زمام الأمور ربما تكون أكثر قمعية وديكتاتورية من الأنظمة التي عارضتها، لأن القطبين: المعارضة والنظام ليسا مرتكزين على أسس موضوعية كما هو الحال في البلاد المتقدمة، فأنا لا أؤمن بالمعارضات على امتدادِ البلاد العربية ولا أعلِّق آمالاً على الأنظمة العربية نفسها كلاهما في فترة ما كان معارضاً للأنظمة وقد وُجِدَت هذه الأنظمة والحكومات خلال قرون من الزمان ولم نجد ديقراطية بل ازدادت الأوضاع سوءاً على سوء وأصبحت المعارضات أكثر سوءاً مما كانت عليه قبل قرون أو عقود من الزمان!

القضية متشابكة للغاية لأن الغرب لا يترك الأنظمة العربية أن تزرع بذور الديقمراطية والحرية والاشتراكية والعدالة والمساواة، الغرب تراه تارةً مع الأنظمة وتارةً أخرى مع المعارضات، ودائماً ينشد بأنه مع الإنسان وحقوق الانسان لكنه في العمق هو أي الغرب مع حقوقه وتطلُّعاته وغزوه للبلاد التي لا حول لها ولا قوَّة! والعرب من المحيط إلى الخليج كما يبدو، ومن خلال قرون من الزمان وجدناهم غير قادرين على قيادة أنفسهم لهذا يتدخل الغرب بطريقة أو بأخرى، وتدخل الغرب ليس من أجل تطوير البلاد بل من أجل مصالحهم الخاصة فأحياناً تتقاطع مصالح الغرب مع الأنظمة وأحياناً تتعارض وهكذا يقف الغرب مع هذا أو ذاك بحسب مصالحه هو ونحن كشعب نبقى بين فكّي الكماشة، فسواء كنّا مع الأنظمة أو ضدّها، فنحن ضحايا الأنظمة تارة وضحايا المعارضة تارة أخرى، لهذا أرى أن الواقع العربي من رابع مليون المستحيلات أن يتحسّن أو يتصلح أو يخطو متراً واحداً إلى الأمام ما لم ينطلق من ذاته، من محلّيته، من ايديولوجيته المنسجمة مع واقعه، لا أن يضع فلان من المعارضين برنامجاً ورؤية لا تمت للواقع بصلة على الإطلاق، فهناك الكثير من الأمور يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ولا أحد ينتبه إليها فمثلاً كيف سيتم تحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة إذا كان الحاكم أو المعارض غير مترعرعيَن في أجواء ديمقراطية وحرية وعدالة ومساواة؟ ان فاقد الشيء لا يعطيه، تفضَّل، أعطني حاكماً واحداً ومعارضاً واحداً متشرِّباً بقيم العدالة والديمقراطية والحرية والمساواة، كلاهما يلتقيان بالقمع والسلطوية والحرب والدم وإلغاء الآخر، فحالما يمسك أي معارض زمام الأمور يزداد بطشاً أكثر من الحاكم نفسه، وكأن استلامه للسلطة كان من أجل تصفية الأخضر واليابس، لهذا فأنا لا أرى فرقاً كبيراً بين المعارضين والحكام إلا بكيفية تطوير القمع والاستبداد والديكتاتورية، ببساطة وبدون أي تعقيد، هل هناك فرداً واحداً من أية دولة عربية من الأسرة الحاكمة، إلا ويملك ملايين بل مليارات العملة الصعبة والمحلية والعقارات والممتلكات إلى درجة أنه وصل بعضهم إلى مرتبةٍ، أصبحوا أكثر غنى من الدولة نفسها، أليس عاراً أن نجد أكثر أغنياء الكون من العالم العربي، وأغلب هؤلاء الأغنياء هم من السلطة الحاكمة، في الوقت الذي يتضور أغلبية العالم العربي من الجوع ويرزح تحت جنون الحروب الطائفية والمذهبية والدينية والقومية والعشائرية، لماذا لا ينطلق الحالكم العربي من منظور انساني ويخطط لمواطنه وكأنه ابنه ويحقق له ولو جزء بسيط من الكرامة والحرية والعدالة والمساواة، لماذا لدى الاسرة الحاكمة في بلادنا العربية ما لدى أولاد أباطرة الكون ومعشر المواطنين يفكرون بشراء خاتم خطبة لخطيباتهم أو بشراء فرش أقل من متواضع لبيت الزوجية هذا إذا لم يكن عازفاً عن الزواج أصلاً من شدة الفقر والضغوط المادية والنفسية والحياتية؟! لماذا عندما يستلم معارضاً ما سدَّة الحكم وبعد عقود من الزمن يصبح من أغنى رجال العالم، أين هي ديمقراطيته وعدالته وحريته ومساواته التي كان يشنفر بها آذاننا قبل استلامه سدَّة الحكم؟!
 
لست راضياً على الأنظمة العربية ولست راضياً على أغلب المعارضات العربية ومن لفَّ لفَّها في كنف العالم العربي، لأن المعارض الحقيقي الذي يحمل رؤية متفتحة وموضوعية وجادة وحقيقية غالباً ما ترفضه المعارضات نفسها قبل أن ترفضه الحكومات وقبل أن تقطع الطريق عنه الدول الغربية، وهنا بيت القصيد، فكل ما هو تقدمي وايجابي لا يمكن أن يأخذ موقعاً متقدِّماً في العالم العربي لأنه يجد نفسه أمام معارضة الدولة له وأمام معارضة المعارضات له وأمام معارضة الغرب له، وبهذه الحالة أرى ـ وهي رؤية تشاؤمية ـ مع انني كإنسان متفائل جداً، لكن من حيث هذا المنظور غارق في التشاؤمية لأنني لا أرى غير الظلمة الداكنة تغلف كافة أجنحة العالم العربي، واندهش كيف لا يفهم العرب سواء كانوا من السلطة الحاكمة أو من المعارضين أنهم هم عليهم أن يطوِّروا البلاد لا أن يعتمدوا على الغرب فالغرب يريد أن يتقدم الشرق على طريقة مناسبة للغرب وليس على طريقة وسنَّة التطور الكوني، فما هو تطوري تطوراً سريعاً وبديعاً لا يناسب الغرب في دنيا الشرق لأن رؤية الغرب للشرق هي أن هناك في الشرق بقرة حلوب ولا يوجد شرقي يعرف كيف يحلب هذه البقرة مع انها بقرته لهذا يرى الغرب أنه هو أولى من صاحبها بحلبها حتى ولو أخذ نصف حليبها، فالقضية وما فيها مرتبطة بالحليب والبقرة، وإلا ما هذا الجنون المفتوح أن يكون لدى العرب مالاً يكفي لقارة آسيا وأفريقيا والأمية والفقر والحروب طاغية في طول البلاد وعرضهاً، أليس جنوناً أن تكون بلادنا غائصة في حروب لها أول وليس لها آخر، تكلِّفنا هذه الحروب قصّ رقاب القوم والعباد وحكامنا تكبر صورهم في حياتهم وفي مماتهم ونحن نصفق للحاكم أحياناً وللمعارض أحياناً أخرى وكلاهما لم يقدِّما لنا سوى البلاء تلو البلاء؟!

ربما يسألني أحدهم ، إذا لم يعجبك الحاكم  العربي ولا المعارض العربي فمن يعجبكَ؟
الجواب بسيط ولا يحتاج لأية حنكة سياسية ولأية دوخة رأس؟ يعجبني شخص عادي لا يفهم بالسياسة ولا يفهم بتفنيد أسباب التطور ولا يفهم بأي شيء، فقط أن يفهم بأن الحروب جنون، بأن السرقة جنون، بأن القتل جنون، بأن الحروب الطائفية جنون، بأن الديكتاتورية جنون، بأن اللجوء إلى الغرب في حل مشاكلنا جنون، بأن قتل الأخ لأخيه الإنسان جنون، بأن قتل المواطن للمواطن جنون، بان القوميات والأديان مجموعات بشريّة متآخية لها الحق أن تعيش بعيداً عن لغة الحروب السقيمة، وبأن قيادة الدولة لا تحتاج إلى عبقرية بقدر ما تحتاج إلى انسان بسيط وعادي ويؤمن أن قليلاً من الزاد يكفي لأن يسد رمقه فلماذا يحاول كل حاكم أن يكون لديه مالاً يفوق أحياناً ميزانية الدولة نفسها، في الوقت الذي عندما طرح نفسه قائداً للبلاد ما كان في جيبه وميزانته سوى القليل أو الكثير المنهوب على دور من سبقوه؟! أبحث عن منقذ للبلاد والعباد من الحالة المزرية التي أراها في العالم العربي، انّه لمن المخجل فعلاً أن أرى في بداية كل عام جديد الويلات تجتاح العالم العربي، في الأعياد الكبيرة والصغيرة، في رأس السنة، في عقب السنة، في خاصرة السنة، وكأننا نتسابق على مزيدٍ من الويلات! عجيب ألم يتعلَّم النظام العربي من المماحكات والحروب وسخافات آخر زمن؟! هل فكّر الحاكم العربي بالطفل ولو لدقيقة واحدة، ثانية واحدة، هل فكر أن الأطفال الذين يلدون يحتاجوا أن يعيشوا بكرامة وكبشر؟ ما هذا الخلل المميت الذي أراه طاحشاً في العالم العربي، ولماذا يسمحون للغرب أن يتدخَّل في كلِّ شاردة وواردة، لماذا يفتحون لهم الأبواب على مصراعيها؟! لأن وجودهم أصلاً كان من خلال الغرب نفسه لهذا فهناك حالة دورانية حلزونية سقيمة يدور فيها الشرق العربي الدافئ المتربع فوق القمح والنفط والدفء والفقر والحروب اللانهائية!
 
لا يمكن أن يتخلّص الشرق من هذه العقد وهذه التداخلات العقيمة إلا إذا نهض جيلاً متفتحاً لقيم الخير والعدالة والديمقراطية والتحرر والمساواة وهذا الجيل لا يمكن أن ينمو في هكذا بلدان مرتكزة ومرهونة على معايير الحروب الطائفية، والحروب العشائرية والقومية، أنظروا حولكم، البشر في الغرب تفكر بغزو الفضاء الخارجي ونحن ما نزال نفكر هل قيادة السيارة من قبل المرأة حلال أو حرام؟! بينما المرأة في الغرب تقود طائرة وقطار وباخرة وتقود الدولة نفسها؟! أرى أن هناك آلاف القيم التي تشرَّبها الشرق وأصبحت هذه القيم قيمة معيارية له، أرى أنّ أكثرها معايير بدون أية قيمة حياتية وهي سدٌّ منيع في طريق التقدُّم والتحضُّر، فلماذا لا نعتق المرأة من جبروت الرجل الشرقي المتحجر والرجل نفسه يحتاج إلى التحرر لأنه متحجر الفكر لهذا فلا أرى حلاً لهذا المعضلة الغريبة والعجيبة، كيف سيحرر الرجل المرأة إذا كان هو نفسه غير حر وغير ديمقراطي وغير عادل وغير متفتح الرؤية، ولو أحصينا عدد الرجال الذين يفدون إلى أوروبا عبر زيارة عابرة أو عبر الهجرة أو عبر رحلة سياحية، أو دخوله كوفد لعالم الغرب نجد أن أول ما يفكر به هذه الرجل هو الجنس، نعم الجنس، يبدأ بالبحث عن أنثى غربية شقراء تحقق له رغباته المكبوتة وتحقق له ما يحلم به، نادراً ما أجد رجلاً شرقياً عبر عالم الغرب إلا وثلاث أرباع محاور ذهنه مرتكزة على الجنس والبحث بشراهة عن هذا الفضاء الذي تجاوزه الغرب ولا يأخذ من تفكيره إلا القليل وهذا القليل يتماوج أمامه بشكل طبيعي ..

 .. السؤال المطروح هو أن الرجل الشرقي مقموع ومكبوت من كافة مناحي الحياة فكيف سيكون حال المرأة؟ لهذا أراني أمام مجتمع مخلخل الأجنحة ولا حول ولا قوة له، من هذا المنظور أرى من الضروري أن نعيد صياغة قيمنا ورؤانا وآفاقنا ضمن مقتضيات العصر وتطورات العصر لا أن نظل نناقش في برلماناتنا هل قيادة المرأة للسيارة حلال أم حرام؟!

الموضوع الذي أنا بصدده متشعب وطويل ومفتوح ويترك أسئلة كبيرة وغزيرة على بساط البحث، لكن ولكي لا نتوه في معمعانات الأوضاع السقيمة، لا بدَّ أن نتوقَّف عند جوهر الموضوع وهو الأنظمة والمعارضة، لماذا لا تحاول الأنظمة أن ترتقي بنفسها ولو سم واحد كل يوم، ألا تنظر حولها وإلى العالم، ولماذا لا تفتح المعارضة والأنظمة برامج تتقاطع مع بعضها للخروج بنتائج أقل ضرراً مما لو ظلا على طرفي نقيض، أنا ضد الأنظمة والمعارضات معاً، لأن المعارضات عندما تستلم زمام الأمور نجد معارضين لها أكثر مما كان للنظام السابق لها، لهذا أريد أن أخلخل هذه الصراعات العقيمة وهذه السجون التافهة التي يزجون الرعيّة بها، غريب! كيف لحاكم قلب أن يسجن مواطناً عنده لمجرد انه اختلف معه في وجهة نظر ما، ألا يفكر الحاكم لثانية واحدة لماذا هذا المعارض معارض له، ألا يفكر ولو لدقيقة أن هذا المعارض يفكر من أجل مصلحة البلد بلده، لأن البلد أو الوطن ليس ملكاً للحاكم فقط هو ملك للجميع والجميع يساهمون في تطويره، الفرق ما بين الشرق والغرب هو أن الوطن ملك للحاكم وكأنه إله زمانه على الأرض، منزّه عن الخطإ، بينما في الغرب يطرح الحاكم نفسه كإنسان ويعارضه من معه في نفس الحزب ومن هم تحت قبّة البرلمان، وأحياناً يعارضه ممن هم في أحزاب أخرى، وبالنتيجة لا نجد سجون ولا نجد سوى باقات ورد يقدمها الحاكم الخاسر للحاكم الفائز بالانتخاب؟

أتساءل ما هذه الانتخابات التي تتم في عالمنا العربي والحاكم يحصل على نسبة 98% و99% وإلخ من النكات السمجة، هل من المعقول أن يحصل الحزب الفلاني أو الحاكم الفلاني على كل هذه النسب وهو معارض من قبل ابنه وأخيه وأبيه ومن قبل جاره وخاله وعمه؟؟؟؟؟؟؟؟ ثم أن ما هذه الانتخابات عندما تتم للتصويت على مرشح واحد فقط أغلب الأحيان؟ طيب إذا كان هناك مرشحاً واحداً لرئاسة جمهورية ما، والمواطن لا يجد أمامه سوى هذا المرشح فقط، فمن سينتخب لو لم ينتخب المرشح، هل سيرشح المواطن ذاته ويربح صوتاً واحداً وبعد ألف قرن ربما يفوز؟؟؟؟

الآن نحن أمام مفترق طرق، البشرية في تطور مذهل وسريع ونحن ما نزال نفكر بالعشائرية والقبلية والمذهبية والطائفية وقضايا أخرى كالقومية والدينية وحبذا لو نفكر بكل هذه الأمور بموضوعية ضمن إطار قانوني وحقوقي وعادل قائم على أسس المواطنة بعيداً عن مبدإ كل يجرُّ اللحاف صوبه إلى أن انقطع اللحاف وانكشف المواطن ومات من البرد والجوع ومن هول المعارك الحمقاء وصل إلى درجة انه يكره نفسه لمجرد انه ينتمي لهذا الوطن أو ذاك! وإلا لماذا يدفع المواطن في هكذا بلدان دم قلبه كي يخرج ويلوذ بجلده من وطنه رامياً خلف ظهر بيته وأهله ووطنه كأنه هرب من الجحيم إلى النعيم، ما هذا الجنون أن يصلَ مواطننا إلى تصوِّرِ وطنه كابوساً وجحيما فوق رأسه؟ مَن المسؤول، أليس الحاكم والمعارض معاً؟!

يراودني أحياناً أنَّ المواطن العادي، غير المسيّس في الشرق يفهم بالسياسة أكثر من المواطن المسيّس، لأن غير المسيّس لا يهمّه سوى استقرار حاله وأحواله، بينما السياسي الحاكم والسياسي المعارض لا يفكران سوى بمصالحهما الشخصية وكل واحد منهما يَعِدُ المواطن بانه سيحقق له كل طموحاته ونرى في عهدِ كلٍّ منهما تقومُ الحروب ركباً، فبهذه الصورة الجحيمية لو قاد مواطناً ما، لا يفهم بالسياسة شيئاً بحيث أن يحقق الاستقرار لبلده أفضل من حاكم يطرح نفسه عبقرياً ومعارضاً يطرح نفسه ما فوق العبقري ويقودان البلاد إلى أسوار الجحيم، أليس العراق مثالاً دامغاً للعيان؟!

أخيراً هناك تساؤل مهم للغاية، لماذا أرى في العالم العربي كل المفكرين والمبدعين والفنانين والمحللين السياسيين وجهابذة القوم، غالباً ما يكونوا خارج إطار سدّة الحكم وخارج كتلة المعارضة، ونادراً ما نجد أعضاء من هذه النخب في تيار السلطة أو المعارضة، غالباً ما يكونوا خارج هذه الكتلة أو تلك، لأنهم على ما يبدو غسلوا أياديهم من السلطة والمعارضة معاً، لهذا أعود مؤكّداً إلى ضرورة التركيز على مبدعينا ومفكرينا وفنانينا ومحللينا السياسيين وذوي الرؤية الحكيمة والعميقة كي نسخّر طاقاتهم الخلاقة في تطوير البلاد بحيث أن يدخلوا على الخط ويضعوا حلاً لهذه الكوارث التي تتم ويضعوا حلولاً وتسويات بين الحكومات والمعارضين ويخرجوا بنتيجة مفادها الاستفادة من إيجابيات الأنظمة وإيجابات المعارضات للخروج بالأوطان من فكّي كمَّاشة الحروب وللنهوض بالأوطان إلى برِّ الأمان والوئام، لا أن يتركوا هذه الصراعات إلى أمدٍ مفتوح وكأننا في عصر الظلمات!

ستوكهولم: 1/1/2007
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
www.sabriyousef.com





4
إعادة صياغة رؤى الإنسان

إنَّ التطور والتقدم الفكري والحضاري هو تطور نحو الأفضل! ولا يمكن أن يكون نافعاً من جهة وصافعاً من جهة أخرى، لكن ربما هناك من يمارس عكس الرؤية الفكرية التطورية والحضارية لهذا لا يجنح نحو كل ما هو تقدمي وحضاري لأنه متحجِّر فكرياً وحضارياً وغير تقدُّّمي أصلاً في رؤاه، لهذا أؤكد على أنَّ التطوُّر الفكري والحضاري ليس له نزوعاً غير النزوع نحو الأفضل وتقديم كل ما هو أجدى وأنفع للمجتمع البشري، وإن وجدنا توجهاً من هنا أو هناك ينحو عكس هذا التوجه فإن توجه هؤلاء غير حضاري وغير تقدمي وبالتالي يصب في خانة التقهقر وهذا هو حال أغلب مؤسساتنا المتقهقرة نحو الخلف وحال الكثير من مؤسسات الدول المتخلفة بل المتحجِّرة فكرياً وحضارياً وتنموياً، ولهذا  لا بدَّ للمرء، للمجتمع، للدولة، للإنسان من أن يعيد النظر في رؤاه وتطلعاته كي يقدِّم أفضل ما لديه بعيداً عن رغباته ونزواته وشهواته المتخبطة في بؤرة الأنانية والجشاعة والانحراف عن منحى التحضر والتقدم الموضوعي والمنطقي والقانوني، لأن انحراف الإنسان عن قيم الخير والحق والعدالة ليس ناجماً عن التقدم الفكري والحضاري بل ناجم عن حالات فردية أنانية وأحياناً غرائزية عدوانية لا تصب بقيم الرؤية التقدمية والحضارية والإنسانية التي أهدف إليها ويهدف إليها المجتمع الحضاري التقدمي السويّ!

ومن البديهي أن يتخلَّل داخل كل مجتمع مَنْ يحمل قيماً تختلف عن قيم المجتمع الراقي، وأصلاً أنا بصدد معالجة هذا الذي خرج عن منحى مواكبة حضارة العصر، وإلا كيف سيتوه عن هدفه الأسمى!

كنتُ وما أزال أدعو إلى تطويق التأزمات والصراعات والخلافات ومعالجتها بالحكمة والحوار مع الآخر بحيث أن يتم معالجة الأمر ضمن القوانين الضامنة لحقوق كل الأطراف، مؤكدا لكل متابع لهذا الأمر أن أي توجّه لتأزيم الموقف أي موقف ليس لصالح أي طرف من الأطراف والتأزيم بحدِّ ذاته توهان عن الهدف (هدف كل الأطراف)، لأنه من الضروري والمنطقي لألف سبب وسبب أن يتم تطويق التازم ولملمة الأمر ومعالجته بحكمة لأن كل ما حصل ويحصل وسيحصل لا يعدو عن كونه اختلاف في وجهات النظر واختلاف في كيفية الوصول إلى الهدف ولا يجوز تصعيد أي خلاف إلى درجة الصراع والصدام والعودة إلى مربع المواجهة وربط الحاضر بالماضي المرير، وإذا كان هناك جهات معينة تستغل هكذا خلافات وتحوِّلها إلى أوراق سياسية لأهداف بعيدة فإن معالجة الأمر على أية حال لا يمكن أن يكون معالجة صحية عبر الصدام والصراع وكل من يدعو إلى التأزيم والتهجم الناري هو ذات رؤية قاصرة، لأن واقع الحال يقتضي التعايش المشترك والتآخي والحوار وانتهاج منهج الحكمة وليس العنف والقمع والقوة، أنا مع قوة الحق وقوّة القانون وليس مع قوة اللاقانون وقوة العضلات المفتقرة للعقل والحق والعدالة، صحيح أن رؤاي حلمية إنسانية رومانسية أفلاطونية في بعض الوجوه، لكني أولاً وأخيراً أدعو إلى تنقية الإنسان من الشوائب المريرة التي تغلي في داخله عبر تراكمات متنافرة ومتناقضة ترعرعت في كيانه منذ أن فتح عينيه على وجه الدنيا إلى أن يرحل من الحياة، ويبدو واضحاً أنَّ الخلافات المذهبية والطائفية والسياسية والقومية والعقائدية قد خلخلت كيان الإنسان في الشرق وقد سبق وخلخلته في دنيا الغرب أيضاً فترة طويلة لكن تصدَّى بعض مفكري وفلاسفة الغرب وهم قلة قليلة واستطاعوا عبر مرحلة قصيرة أن يتجاوزوا كل هذه الخلافات ووضعوا حدّاً لديكتاتورية الكنيسة وبيع صكوك الغفران وقادوا الإنسان إلى سواء السبيل، بعيداً عن الخلافات المذهبية والطائفية والدينية والعرقية، مركزين على الإنسان كهدف أسمى في الحياة، مع أن هناك من له رؤى مخالفة لكل هذا التوجه حتى في عالم الغرب، لكن بشكل عام استطاع الغرب أن يحقق معادلة التطور والتقدم وتجاوز كل ما كان يعيق تقدم المجتمع وما كان سينهض هذه المجتمع الغربي لولا تجميد سلطة الكنيسة ومعالجة الخلافات المذهبية ووضع حد لها بقوة القانون الذي سنّوه لصالح الإنسان! وأما نحن معشر البشر في عالم الشرق، ما نزال نرزح تحت سلطة الكنيسة والتسميات التي قادتنا إلى التوهان عن الهدف، ومازال المجتمع الشرقي قابع تحت رؤية مذهبية دينية قومية خانقة حيث تبين أنه لم يستفد من تحربة حضارة العصر حيث نرى العراق يطحن بعضه بعضاً، في الوقت الذي كان قد سنّ شرائع أول قانون على وجه الدنيا، فلم يتطور قيد انملة بل تراجع قرونا للوراء وتراجعت المنطقة برمتها بسبب تراجعه فتخلخلت شريعة وقوانين حمورابي وقادت الرؤى المتزمتة إلى تدمير الطين المنقوش عليه شريعة حمورابي، وهكذا ترعرع فكر جديد هو فكر اللافكر الذي يصب بعيداً عن الأديان وعن الهدف الأسمى الذي وُلِدَ الإنسان من أجله.

إن ما يدمي القلب والروح روحنا، نحنُ أحفاد جلجامش وحمورابي، أصحاب أقدم حضارة على وجه الدنيا، أصبحنا أصحاب صراع مرير فيما بيننا، لأننا تشرّبنا على ما يبدو بحيثيات الكثير من الصراعات القائمة في المنطقة، ولا نختلف عن الصراعات الدموية السائدة في العراق وما يجاوره على كلِّ الجبهات، وإلا فما هذه الطروحات السقيمة والخلافات التي تقود إلى الضياع، وما هذه المشكلة الكبيرة لو كان لدينا تسميات مختلفة لشعب واحد، ولماذا لا يلتقي هذا الشعب تحت مظلة التعاضد والتعاون والعقل مستمداً من حضارته معايير حضارية جديدة تواكب حضارة العصر، لماذا نشدِّد على خلافاتنا المذهبية وعلى تسمياتنا، وماذا قدَّمت لنا هذه التسميات والرؤية الخلافية غير التفرقة والتقهقر والعزلة والهجرة والضياع والتوهان عن الذات التي أصبحت ذاتا منشطرة وتصبُّ في أعماقِ الضباب؟!

نحن معشر (السريان الآشوريين الكلدان)، شعب له تاريخ وحضارة، وللأسف الشديد نعيش الآن على هامش الحضارة، شعب مشرذم، مشتت، ضعيف، متناقض ومتنافر في طروحاته ورؤاه وتطلعاته، شعب يفتقر إلى الحكمة والعقل والبرنامج السياسي والإيديولوجي، ويفتقر إلى قراءة الماضي والحاضر والمستقبل، شعب غريب في عقر داره، وشعب لا حلم له ولا تخطيط له، ولا أرى أية تباشير أمل لأن يقوم لهذا الشعب قائمة إلا إذا سخَّر طاقات مفكريه ومبدعيه وفنانيه وسياسيه واقتصاده لصالح التطوير والتحديث وخلق علاقات سوية وخلاقة مع الآخر المحيط به والمتعايش معه، كما أدعو الآخر الذي يجاوره أيضاً إلى أن يرفع شعار التواصل على أسس إنسانية قانونية حضارية تقدمية ديمقراطية، بعيداً عن القمع والاضطهاد وبعيداً عن موضوع الأقلية والأكثرية والتعصب القومي والمذهبي والديني والعقائدي، يجب أن يفكر الإنسان في دنيا الشرق أن هناك الكثير من معادلات الشرق التي يحملها بين أجنحته ومؤسساته وتطلعاته هي معادلات فاقعة ومتحجرة ومتخلفة وبائتة ولا تقود إلا إلى المزيد من التوهان عن الهدف الأسمى الذي جاء من أجله الإنسان، فهل سيفهم شعبنا السرياني الآشوري الكلداني الآرامي البابلي السومري الاكادي الجلجامشي، هل سيفهم أنه وأن الشعب الشرقي برمته يحتاج إلى إعادة صياغة برامجه ورؤاه وتفكيره واهدافه لأن كل الأهداف التي رسمها عبر المراحل الأخيرة أهداف عتيقة ولا بدَّ من تبديل وتطوير كل ما هو عتيق لمواكبة حضارة العصر، لا أن نبيح قتل فلان وعلان وتهجير الشعب الفلاني تحت أية ذريعة أو حجة غالباً ما تكون واهية، ولا يجوز تفريخ فتاوى بتكفير فلان لمجرد أنه يختلف معه في الرؤية المذهبية أو الدينية أو العقائدية أو القومية، ويبدو لي من بعض الوجوه أن المجتمع الكوني يقترب إلى عوالم الكفر طالما لا يعالج هذه القضايا الإنسانية الشائكة ويضع حدّاً لها بحيث أن يأخذ كلُّ ذي حقٍّ حقَّه!

وهنا أودُّ أن أخرج من دائرة الشرق كي أتوقَّف عند الغرب الناهض، خاصةً لأن الغرب خطا خطوات كبيرة في سلِّم التحضُّر والتقدُّم وتحقيق الرفاهية لشعبه لكن مع هذا ما يزال بعض متفرعات سياساته تحمل بين أجنحتها غبار مدبّق بالجشاعة والاستغلال، لأن هناك تآمر واضح من قبل سياسات الغرب على الشرق من أجل الاقتصاد ـ المال، الذهب الأسود وهذا يقودني إلى القول بأن الغرب ديمقراطي في قوانينه لشعبه إلى حدٍّ كبير، لكنه غير ديمقراطي عندما يتعامل مع الشرق أو الدول الفقيرة والنامية حيث يفصِّل عندها ديمقراطيته بحسب رفع ميزانه التجاري على حساب جماجم فقراء هذا العالم، لهذا أرى أن الغرب نفسه ينهج منهج غير اخلاقي وغير ديمقراطي عندما يتعلق الأمر بمصلحته، فهو من جهة يطوِّر نفسه لكن تطويره يتم في مثل هذه الحالات على حساب مصالح الآخرين في دنيا الشرق، وهذا الشرق للأسف الشديد يفتح له الطريق لأنه أي الشرق غير قادر على قيادة نفسه لهذا يرى الغرب أنه جدير بقيادة الشرق حتى ولو نهب نصف ممتلكات الشرق، ومن هذا المنظور أرى أن هناك خلخلة في معايير الخير والحق والعدالة والمساواة والديمقراطية، ويبدو أن الإنسان يظل بوهيمياً في العمق، فمهما تحضَّر وتقدَّم ووصل إلى أقصى أقاصي السماء لكنه في العمق يخبيء بين أجنحته تكلُّسات لا تخطر على بال، ويبدو أنه لم يستوعب دروس التاريخ وحضارة الحياة ويبدو أنه أيضاً لم يستوعب أخلاقيات الأديان وسمو الإنسان نفسه، لهذا أراه ينزلق نحو هاويات عميقة، كأنه في عصر الظلمات، والسبب يعود إلى أن الإنسان كقائد سياسي أو قائد ديني غير قادر على قيادة ذاته، لأنه لم يتشرَّب من قيم الخير والمحبة والعدالة الدينية ويصبغها بتقدم علوم الحياة كي تصبح قيادته مشبّعة بالحكمة والخير والديمقراطية أينما وطأت أقدامه، ولهذا أراه بعيداً عن إنسانيته كإنسان لأن ذاته ما تزال عالقة بغبار هذه الحياة، لهذا أدعو إلى ضرورة تنقية الإنسان من الداخل، من أعماق الضمير، وزرع قيم الخير والعدالة في كينونته منذ أن يرى النور، كي يستطيع أن يضيء بشكل خيّر وعادل على المسارات التي يقودها في مستقبل الأيام!

من هذا المنطلق أرى أن الإنسان كائنا مَن كان، في الشرق أو الغرب غير قادر على قيادة المجتمع البشري بما يليق به كإنسان، نظراً لافتقاره إلى قيم الخير والعدالة والحكمة والمساواة، لأنه يركز على جانب على حساب آخر، لهذا فمن الضروري أن يتواءم تطور المجتمع البشري مع الحفاظ على معايير الخير بالمفهوم الأخلاقي والقيمي، لأن تقدم الإنسان يتم غالباً على حساب التخلي عن الكثير من القيم والأخلاق، فلماذا لا يتقدم الإنسان على كافة مناحي الحياة بصورة متكاملة بحيث أن يحافظ على قيم الخير والمحبة والعدالة ويسعى إلى تحقيق الديمقراطية والمساواة والحرية من منظور أشمل بحيث يصبح قائداً ديمقراطياً خيّراً عندما يتواصل مع مجتمعات أخرى، لا أن يُعَلمِن كل مسارات حياته، ويهمل القيم الأخلاقية، ويصبح مجرد فكر وعلم وغزو أجواء الفضاء على حساب خلخلة أسمى المعايير الأخلاقية الخيّرة في الحياة، وهكذا كلَّما توازن وتشرَّب الإنسان بقيم الخير والحق والعدالة والمساواة، خطا خطوات كبيرة في رحاب الهدف الأسمى من وجوده على الأرض، لأن الإنسان أسمى المخلوقات على وجه الدنيا فلماذا لا يترجم هذا السموُّ وهذه الإنسانية التي ينتمي إليها جنباً إلى جنب مع أخيه الإنسان في هذا الكون البديع؟!

صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
www.sabriyousef.com


5
المنبر الحر / التَّوهان عن الهدف
« في: 17:48 23/04/2008  »
التَّوهان عن الهدف




الاغراق في الانغلاق في ذاتٍ أحادية الجانب، أصبح ديدن أغلب معالم مؤسَّساتنا وأنديتنا بكل تفرُّعاتها ومسمَّياتها، لا همَّ لها سوى الانغلاق والمزيد من التقوقع الفكري، ذاتٌ يجاورها ذوات أخرى، بعيدون كلَّ البعيد عن منطق الحوار وحيوية التحديث والتطوير، جلَّ تخطيطهم وتفكيرهم هو أن يروا أنفسهم متربِّعين على منصّة المسرح، أو على الشَّاشة الصغيرة، هذه الشاشة الأخّاذة التي تبهر عيون المشاهدين والمتابعين، عندما يتم تقديم موادها بشكل انسيابي بديع، لكنها تصبح شاشة مريرة فاقعة باهتة جوفاء عندما ينبعث منها فقاعات هشّة، ويرتطم القائمون على قيادتها ببعضهم بعضاً ولا يرون بضعة أمتار بعيداً عن أنوفهم!

إنني أشفق فعلاً عليهم وعلى الحال الذي نحن فيه، ويحزنني جدّاً واقعهم المرير ووضعهم القاسي ولكن حزني عليهم شيء وما أراه من استخفاف بالمشاهد شيء آخر، بالنتيجة المشاهد هو بصدد مشاهدة أفضل ما يمكن مشاهدته وليس إزاء تبريرات لأسباب هَلْهَلة ما يتم تقديمه عبر الشاشة المحشوّة بالتقهقر يوماً بعد يوم!
عندما أمسك الريموند كونترول وأتجوَّل في فضائيات القرن الحادي والعشرين، يذهلني حضور المذيع/المذيعة، الديكور، كيفية الحوار، الماكياج، الاكسسوار، كيفية التصوير وإعداد وتصميم وإخراخ الحلقة أو أي برنامج من البرامج الفنّية والثقافية والفنّية والتاريخية والعلمية والاخبارية، والقائمة طويلة في البرامج المتهاطلة بشكل راقٍ في فضائيات هذا اليوم!

يراودني وأنا أشاهد فضائياتنا، تساؤلات تجرح روحي تارةً وتعكّر صفوَ يومي تارةً أخرى، تخلخل أحلام الجيل القادم، تساؤلات عديدة لها علاقة وثيقة في حضارتنا وتاريخنا وتراثنا الحافل بالثقافة والعطاء والحضارة التي ما بعدها حضارة من حيث قدمها وانتشارها أيام زمان، والآن وبعد أن توفّر كل شيء لعالم اليوم من تقنيات وتكنولوجيا واقتصاد وعلوم وإبداع في كيفية تقديم أبهى أنواع الفن والأدب والثقافة، أجدني أمام فضائياتنا المهلهلة والتي لا تنمُّ على أنَّ العاملين في هكذا فضائيات هم أحفاد حضارة كتبَتْ أوَّل ملمحة أدبية على وجه الدُّنيا، والطريف بالأمر أن أغلب المؤسسات والتيارات لم يعد لديها ما تقدِّمه سوى التحدّث عن حضارتنا وعن أمجادنا الموغلة في الماضي وعن تاريخنا وتراثنا وتجترُّ الماضي وكأنّها ستغزو الكون بهذا الاجترار، وحبذا لو تعلم كيف تقدِّم هذا التاريخ وهذه الحضارة وهذا الماضي بما يليق به وبنا، ولكن غالباً ما يكون ما تقدِّمه مجرد كلام في الهشيم.

الآن! التساؤل القائم هو، لماذا أرانا غائصين في سباتٍ عميق ولا نضع حدَّاً لهذا الخلل وهذه الخلخلات الغريبة والعجيبة التي تحيق بنا من كلِّ جانب. توجّهات مهلهلة، تيّارات وتجمعات مهلهلة، أندية مثل قلّتها، كنائس ترتفع قببها نحو وجنة السماء، أندية واتحادات، يُقال أنها على مستوى أوروبا لكنّها مع إحدى مجالس ملّاتها لا تستطيع أن تقدمَ باقة ورد لكاتب أو شاعر على خشبة المسرح بعد أن ترفع صوتها عالياً وتدعوه لاستلام باقة ورد على خشبة المسرح، يصعدُ عالياً بثقة، ثم يُصعقُ مبهوتاً على جمودِ وتردُّدِ المؤسَّسات، يمسك أحد معدِّي الحفل باقة الورد مشدِّداً على عنقها، فيخيَّل للشاعر أنها بعد لحظات ستلامس أنامله المخضّبة بالشعر، وإذ بهم يرتعدون من تقديمها للشاعر، يغضب من وجوده في الاحتفال ومن مشاركته في هكذا معرض، كأنه إزاء نكتة سمجة! ثم يعود أدارجه من فوق خشبة المهازل أمام فضائيتين، مذهولاً مما تراه عيناه، متمتماً لمن حوله، لقد هَزُلَتْ فعلاً.
 
أين نحن من حضارة هذا الزمان، ألا يوجد في طول عوالم شعبنا وعِرضه من يستطيع أن يقود فضائية، حفلاً، برنامجاً، منبراً ثقافياً أدبياً فنّياً موسيقياً، لا مدرسة ولا أكاديمية ولا أي منبر إبداعي يبيّض الوجه، لماذا أغلب فعالياتنا تسير بدون تخطيط أو يتم التخطيط لها بشكل اعتباطي، هل نحن أمّة تضم شعباً اعتباطياً، أم أنَّ هناك آلاف المؤلفة من ذوي الخبرة والفن والإبداع والثقافة والأدب لكنهم في الظلّ وفي الصفوف الخلفية، ولماذا أصلاً هم في الظلّ ولماذا يسمحون لأنفسهم أن يبقوا في الظلّ ولا يتقدموا إلى الميدان لإعادة خيوط مسيرة النجاح إلى مسارها الصحيح، كما كانت أيام زمان، في أوج عصورنا الذهبية، أم أن المسألة أعمق مما نتصوّر بكثير، ولا مفرَّ من الخروج من دائرة التوهان عن مدارات هبوبِ الغبار؟!

من هذا المنظور أقترح أن ينهض كلّ من لديه قدرة على العطاء على أي صعيد من أصعدة الثقافة والآداب والفنون الإبداعية، أن يتعاون ويتضامن مع ذوي الشأن، هذا إذا كان لذوي الشأن شأناً من حيث النبوغ والعطاء! لأنني أشك بشأنهم لأن برنامج شأنهم وشؤونهم غالباً ما يصبُّ في خطِّ من ليس معنا فهو ضدّنا، وهنا تكمن الكارثة الحقيقية لما نحن فيه وعليه! .. وهنا بالذات بيت القصيد، لأن عليهم وعلى غيرهم وعلينا جميعاً أن نعلم ونعي ونفهم أن الحياة ليست رؤية أحادية الجانب فهناك آلاف الرؤى السليمة والصحيحة والناجحة والحياة ليست منظوراً واحداً فقط، يراه فلان أو علان من قيادات هذه التجمعات أو تلك من الأندية والتيارات الخاصّة بشعبنا بكل تلاوينه وأطيافه وتطلعاته، وكلّما كانت الرؤى غزيرة وكثيرة ومنوَّعة، كانت أكثر نضجاً وعمقاً وانفتاحاً وتصبُّ بالتالي في واحات النَّجاح والتطوُّر والتغير نحو الأفضل، لكن وبكل أسف أرى أغلب هذه الأطياف والتيارات والأندية والفضائيات تصبُّ في رؤية أحادية غارقة في التقوقع والانغلاق!

كيف نتجاوز هذا الوضع المخلخل؟!
ليس من السهل أن نتجاوز تراكمات عيوب وأخطاء عشرات بل مئات السنين بجرّة قلم، لكم ممكن أن ندرج بعض النقاط التي من خلالها ممكن أن نخفف من درجة الخلافات والانشقاقات التي حلّت بنا وبالتالي نخطط رويداً رويداً لرأب الصدع الذي أحلًَّ بنا وبالتالي نضع صيغ عمل جديدة ومتقدمة لما كنا عليه حتى الآن، بحيث أن نضع في الاعتبار أن يكونَ الكادر المتمكن من شعبنا في موقع الصدارة جنباً إلى جنب مع كل تكتل أو تجمع أو تيار، آخذين في الحسبان أنه من الممكن أن نختلف في وجهات نظر عديدة عبر كل هذه التلاوين والتيارات السائدة، لكن علينا أن نستوعب الخلاف ونضع حلاً له بما يناسب الجميع، وعلينا أن نستدرك وننطلق من منطلق أنه من دون خلاف في وجهات النظر لا يمكن أن تتقدم أية أمة أو أي شعب على وجه الدنيا، فالاختلاف في الرؤى هو الطريق للنهوض نحو رؤى أشمل وأوسع وأرحب وذلك من خلال بلورة الرؤى المتناثرة والمتعدِّدة وصياغة أنجع ما يفيد لكلِّ الأطراف، لا أن يطرح كل طرف أو تيار أو تجمّع نفسه وكأنه عبقري زمانه وكلّ ما عداه لا يفهم البتّة!
وفي هذا المنحى أريد أن أؤكّد على أنَّ لكلِّ تيار أو تجمُّع أو مؤسسة الحقّ في أن تطرح رؤاها وتطلعاتها وبرامجها بما يتلائم معها لكن شريطة أن لا تكون تطلعاتها وتوجهاتها ضد أطراف أخرى في تجمعات أخرى، وبحيث أن لا تؤدّي إلى نوع من الاختلاف والصدام مما لا يفسح المجال لأي تعاون بينها وبين غيرها من التجمعات أو التيارات، ولا أجد أجمل وأنفع من أندية متعددة وتيارات ومؤسَّسات متعددة ولها آفاق مختلفة لكنها تتعاون ضمن ما هو مفيد للجميع وكأنها فسيفساء لتزيين الطريق المؤدّي إلى الهدف الأكبر وهو مصلحة الجميع! لأن أي تصارع أو اختلاف من قبل أية مؤسسة أو نادٍ أو تيار مع نادٍ آخر أو تجمع آخر هو لغير صالح الطرفين، لهذا فمن المنطقي والبديهي أن نعي الآن ولا وقت للتأجيل أننا في مفترق طرق، وهذه الطرق المفترقة تقودنا إلى المزيد من التفرقة والنكوص والتخلف والتحجر والضعف والركاكة وبالتالي نرى أجيالنا تهرب منّا ولا تقتنع بنا وتشعر بنوع من الغثيان من تسمياتنا وتشنُّجاتنا النقاشية مع بعضنا بعضاً وخلافاتنا اللانهائية وبالتالي ابتلى جيل هذا الزمان بانقساماتنا وهزائمنا خاصة ممن يعيشون في دنيا الغرب تحت كنف الحرية والديمقراطية والبحبوحة الحياتية والاقتصادية.


لهذا يجب أن نستدرك الأمر الآن قبل أن يستفحل أكثر وأكثر، ونعالج أخطاءنا المميتة وخاصة ما يتعلق بالتسميات، ويبدو لي واضحاً، عاماً بعد عام أن من أكثر أسباب انقساماتنا وانشقاقاتنا هي التسميات، فهذا يطرح نفسه آشوري، وذاك يطرح نفسه كلداني وسرياني وبابلي وآرامي وآثوري وسومري وأكّادي، وأنا لست ضد أية تسمية من هذه التسميات وتسميات عديدة أخرى، لكني ضد كل هذه التسميات جملة وتفصيلاً عندما تصبح سبباً لانقساماتنا وهزائمنا وتناحرنا وصراعنا، وأؤكِّد للجميع أنني لستُ منتمياً لأي تنظيم أو حزب سياسي، لا داخل هذه التسميات ولا غيرها من التسميات، لكنّي وبكل بساطة أقول أنني احترم كل هذه الأطياف والتلاوين خاصة عندما تنحو نحواً متفتِّحاً وتتعاون مع بعضها بعضاً بعيداً عن لغة المنغِّصات والخلافات اللانهائية السقيمة! ويهمّني كثيراً أن نشكل هيئات عديدة من داخل كوادر المؤسسات بكل تلاوينها ومن داخل الغيورين الجادين الحياديين أيضاً والذين يحملون روى انفتاحية خلاقة وهم خارج دائرة الضوء والالتزام بهذه الجهة أو تلك، أي هم جهات حيادية تحمل فكراً مستنيراً ومتفتحاً وغيورة على مصلحة أبناء هذا الشعب الذي تخلخلت أجنحته وأدمت عيونه من خلال تراكمات الرماد والغبار المتناثر فوق صباحه ومسائه وليله المشحون بالشاشات المقعرة بهشاشاتٍ لا تخطر على بال!
 
لهذا أطرح وجهات نظر عديدة لربما تساعدنا على تجاوز خلافاتنا وانشقاقاتنا أو على الأقل تخفِّف ولو رويداً رويداً من حدّةِ الخلافات لعلها مع الزمن تتجاوز هذه الخلافات وتبني علاقات طيبة ومفيدة مع بعضها بعضاً من أجل المصلحة والفائدة المشتركة لكافة الأطراف، وإلا لو ظللنا على هذا الحال والأحوال من الصراع والخلاف والانشقاق، لتهنا وتاه معنا الجيل الحالي ولا مفرّ أمام الجّيل القادم سوى الفرار من منغِّصات ما يراه فلا يجد أجدى من أن يشقَّ طريقه ضمن ما يناسبه في المجتمع الجديد وهذا ما يجعل أجيالنا تلجأ إلى تجمُّعات ومؤسسات أخرى بديلة في المجتمع الجديد لتمارس نشاطاتها، بعيداً عن خزعبلات خلافات مؤسساتنا التي غدت ترهق كاهل الجيل المترعرع في كنف حضارات ومؤسسات راسخة بالديمقراطية والحرية، فيهرب الجيل الحالي والقادم من مؤسساتنا المبعثرة، لأن الجيل الوافد الجديد لا يتقبل هكذا انشطارات وهكذا خلافات، ويرى ويحلِّل حضارة العصر وحرية وديمقراطية العصر بانفتاح وموضوعية، لهذا فأنا أرى أننا لو لم تتصدَّ مؤسَّساتنا وأنديتنا والتيارات السائدة لاستيعاب هذا الأمر ستصبُّ في مفترق طرق، وستتوه في عالمٍ من ضباب! فإلى متى ستزرع مؤسَّساتنا وأنديتنا وتياراتنا بكل أطيافها مستقبلاً لأجيالنا غالباً ما يكونُ مكتنفاً بالضّباب؟!
هل وصلَ المرسال؟!

صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
www.sabriyousef.com


6
أمٌّ معفّرة بباقاتِ السَّنابل

إهداء: إلى الشَّاعر العزيز نينوس آحو،
بمناسبة وفاة والدته الفاضلة


وجعٌ في مرافئِ الحنينِ ينمو
وجعٌ من لونِ الرَّحيلِ
رحيلُ أمَّهاتٍ مشبّعاتٍ ببياضِ الثَّلجِ
رحيلُ تاريخِ الدَّمعةِ الأولى
رحيلُ أمٍّ مكتنزة بخيراتِ الحصادِ

أمٌّ معفّرة بباقاتِ السَّنابل
أمٌّ من نضارةِ الحنطة
أمٌّ معرَّشة في خميرةِ الأرضِ
منبعثة من بلادٍ متجذِّرة
     في كنوزِ الحضارةِ
حضارةٌ شامخة بحفاوةِ الماءِ

وقف البنونُ عندَ بوَّاباتِ الغربةِ
ينتظرونَ عبورَ الضَّريحِ
ضريحُ أمٍّ عطشى إلى بيادرِ الشَّرقِ
شرقٌ ترعرعَ بينَ أحضانِهِ
     أولى الأبجدياتِ

ترحلُ الأمُّ
تاركةً خلفها هموماً
ترهقُ كاهلَ البحارِ
ترحلُ وهي ترنو إلى مآقي البنينِ
وجعٌ في صدورِ البنينِ ينمو
تخرُّ دمعتان من عينيّ نينوس آحو
دمعتان ساخنتان
     على أمٍّ من نورِ برارةِ النَّهارِ

تسطع القامشلي بكلِّ شموخها
جنازةٌ تسيرٌ في فيافي الغربةِ
وجوهٌ لا تفارق عينيّ نينوس
تصرخ الأزقة البعيدة
بحارٌ من الصَّمتِ
غربةٌ على مدى البحرِ
     على رحابةِ المسافاتِ
رحيلٌ في أعماقِ الانشطارِ
انشطارُنا في تلافيفِ المتاهاتِ

وقفَ الحزنُ فوقَ شبابيكِ الرُّوحِ
ينثرُ دموعَ الفراقِ
فراقُ الأمِّ عن دفءِ العناقِ
عناقُ البنينِ
     من أبهى ثمارِ العناقِ

أين المفرُّ يا قلبي
     من مرارةِ المذاقِ
مذاقُ كأسِ الفراقِ

نينوس يا صديقَ الصَّمتِ
يا صديقَ النُّورِ
يا صديقَ الشِّعرِ
يا صديقَ البكاءِ

أيّها المضرّج بمحبَّةِ الأصدقاءِ
      بأزاهيرِ الحنينِ
أيّها الملظّى في متاهاتِ الانقسامِ
     في ترياقِ السِّنينِ
أيها المندَّى بضياءِ الشَّرقِ
     بنقاوةِ دموعِ البنينِ!

يا صديقاً ينضحُ ماءً
يسقي أبهى ما في الخميلِ
يا وردةً نائحة
     فوقَ أوجاعِ الرَّحيلِ
دمعةٌ تنسابُ فوقَ أخرى
    على أنغامِ الهديلِ
هديلُ الحمامِ
هديلُ الأمِّ
يناغي خريرَ السلسبيلِ!

وجعٌ في بؤرةِ الحلقِ ينمو

حسرةٌ في فيافي الغربةِ تنمو

أنينٌ لا يفارقُ تخومَ الحلمِ

ثمَّة تساؤلات تتراقصُ
     فوقَ ظلالِ القلبِ
ثمّة شوق عميق
     إلى ربوعِ الشَّرقِ
حنينٌ لا يفارقُ ليلي
وجعٌ من لظى الانكسار

آهٍ .. انكسرَتْ ظهورنا
     من تفاقمِ الفقاقيعِ
تهنا في ربوعِ الدُّنيا
     من ضمورِ الينابيعِ
ينابيعنا جفَّتْ قبلَ اخضرارِ البذارِ

أين المفرُّ منَ بوحِ الدُّموعِ
     من لظى الغربةِ
     من أنينِ الآهاتِ
أينَ المفرُّ من جراحِ القلبِ
     من تعاظمِ الأوجاعِ
     من رحيلِ الأمّهاتِ؟!

وجعٌ في ظلالِ الرُّوحِ ينمو
دمعةٌ تنضحُ فوقَ دمعة
وجعٌ لا يفارقُ أعشابَ الحلمِ
نولدُ مقمَّطينَ
     بينَ مهاميزِ الغربةِ
ننمو فوقَ معابرِ الانشراخِ
نتوهُ انشراخاً
     في دنيا الشَّرق والغربِ
نعبرُ أعماقَ المتاهاتِ
فلا نجدَ بلسماً
يشفي انشراخنا
     إلا برارةَ الحبرِ
     إلا وداعةَ الكلماتِ!

ستوكهولم: 11 ـ 4 ـ 2008
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

7
دور العلمانية في قيادة الدولة والمجتمع


 إن بناء وقيادة دولة مثل العراق ليس سهلاً، لأن العراق بلد الحضارات، يتوزَّع فوق جغرافيته خليط وموازييك متشابك، وفيه رؤى مذهبية وقومية ودينية متنافرة، فالذي يريد بناء العراق وقيادة العراق عليه أن يفهم هذا التضادّ بين تفاسير الرُّؤى، لهذا السََّبب نجد أنفسنا أمام واقع يصعب أن نصيغ منه رؤية موحَّدة يتفق عليها الجميع بحسب تطلُّعات كلّ طيف من هذه الأطياف، لهذا لا بدَّ أن يضع بعين الاعتبار كل من يتصدَّى لمعالجة هذا النُّفور وهذا التضادّ من وضع حلٍّ لهذا الواقع المتناحر على أن يكون مُرضياً ومناسباً لكل الأطراف، وإلا سيمرُّ العراق في حالات غليانية إلى أجلٍ مفتوح، ولم أجد أجدى من أن يتَّفق العراقيون على أن أطيافهم تحمل رؤى تتصارع مع بعضها بعضاً، لأنها قائمة على عقائد ومبادئ وتوجهات مذهبية ودينية وقومية غير متجانسة مع توليفة هذا الخليط العراقي، وأنا أرى لكي يتجاوز العراقي محنة هذا الصراع المرير عليه أن يجد مخارج صحّية وعملية وعلمية وحضارية وإنسانية بحيث أن تقود هذه الرؤى إلى إنقاذ العراق من حمَّامات الدم الذي مرّ ويمر وسيمر بها طالما كل طرف يسحب اللحاف صوبه، فقد انكشف العراق وتمزَّق اللحاف ولم يعد بالإمكان جرَّ اللحاف أكثر لأنه أصبح العراق ـ اللحاف في مهبِّ الصِّراع، صراع تنافر الرُّؤى!

من هذا المنظور يتجلَّي لي بكلِّ وضوح أن أرجح خطوة لبناء عراق جديد هو النظر إلى حضارة العراق، قبل مجيء الأديان، فقد كان العراق في أوج حضارته، وحالما هبطت وحلَّت الأديان في عالم الشَّرق، جرّت معها الحروب والويلات على العراق وعلى المنطقة بأسرها، لأن الإنسان حتى هذا اليوم لم يفهم الأديان إلا من زاوية ضيّقة، والغريب بالأمر أن أرى كل هذا الصِّراع في الدِّين الواحد، فكيف سيكون حال الصِّراع بين الأديان، فإذا كان الدِّين الواحد يتصارع عبر مذاهبه فكيف سيتفق مع طوائف ومذاهب أديان أخرى، لهذا ما على الإنسان المعاصر في العراق والعالم العربي والغربي والكوني سوى أن يفتح عينيه جيداً، ويقرأ الأديان جملةً وتفصيلاً، ويتمعَّن بكلِّ كلمة وكلّ جملة ويقرأ الدِّين الواحد ويركِّز على مذاهبه ومواطن صراعاته وخلافاته مع مذهب آخر، ويحتكم للعقل ويجد حلاً لهذا الخلاف المذهبي أولاً، لأن القائد الرُّوحي والديني عليه أن يفهم ويعي جيداً أنَّ أيَّة رؤية مذهبية تقود إلى خلاف وصراع دموي هي رؤية لاتمتُّ للدين والأديان بصلة، لأن الدين أي دين على وجه الدنيا، عليه ان لا يتضمَّن أية صراعات وخلافات مذهبية دموية بين طوائفه ومذاهبه، وعلى الأئمة والشيوخ وعلماء الدِّين ورجالات الدِّين الذين تخصَّصوا بفقه الدِّين والمذاهب أن يجدوا عوامل لقاء وحوار واتفاق مع المذاهب الأخرى، لا أن يعمّقوا عوامل الخلاف والاختلاف والصراع، لأن الحوار العقلاني هو الطَّريق الذي سيقود هؤلاء إلى برِّ الأمان وبالتالي سيقودهم إلى تجاوز مسبِّبات الصِّراع، ويجب أن تضع المراجع الدينية المذهبية في الاعتبار أن الخلافات على أفكار ورؤى خلفاء ورجالات دين ممكن مناقشتها ومحاججتها، للوصول إلى نقاط ورؤى مشتركة بين المذاهب المتناحرة وليس كلّ ما قيل من قبل رجالات دين من حيث الرُّؤية المذهبيّة هو القول الفصل لكل زمان ومكان، لأن متغيرات الزمان والمكان تجعل من بعض الرؤى التي كانت مناسبة منذ عهود سابقة غير مناسبة الآن.

إنّي أرى أنَّ أيّ دين يتخلَّله اختلافات في المذاهب عليه أن يعيد النَّظر في أسباب الخلافات ويجد حلولا لها بالحوار وليس بالصراع فكلّ مشاكل الكون ممكن معالجتها بالعقل والحوار والنقاش والنقد البنّاء، ولا يوجد فكر ثابت غير قابل للتغير والتطوُّر على وجه الدُّنيا، ومن جهة أخرى على كلِّ دين من الأديان أن يعالج خلافاته المذهبية والطائفية ثم يجد طريقاً للحوار مع الأديان الأخرى، وأنا أرى أن أكثر خلافات وصراعات الشَّرق قائمة من منظور خلافات مذهبية في الدِّين الواحد وبالتالي تختلف مع الأديان والمذاهب الأخرى، وأتساءل بكل بساطة إذا كان أيّ دين يقود إلى صراع وتناحر وحرب وتصفيات فيما بين مذاهبه، كيف سيتَّفق مع دين آخر ومذاهب ومعتقدات أخرى؟!

لهذا على كل رجالات الدِّين، في كلِّ الأديان أن يضعوا بعين الاعتبار أن هذا الزَّمن هو زمن الحوار وتقبُّل الآخر، هو زمن العقل، هو زمن محاججة الصَّواب نفسه للوصول إلى قمّة الصواب والحكمة والمنطق والرقي والتطور، ولا يجوز لأي دين تكفير دين آخر، ولا يجوز لأي دين الغاء الدين الآخر، بل يجب على كلِّ رجالات وعلماء الدين الواحد التواصل مع بعضهم ومع أديان أخرى لمعالجة نقاط الخلاف فيما بينهم، وكل توجّه ديني في دين ما يجب ألا يقود إلى تكفير الآخر ولا إلى الصِّراع مع الآخر ولا إلى الغاء الآخر وعدم قبول الآخر، لهذا نحن علينا إيجاد نقاط وعوامل وحوافز مشتركة بين الأديان، لأننا عندما نصل إلى هذه المرحلة من التوازن والتواصل فيما بين الأديان بشكلٍ راقي وحضاري وإنساني، عندها سينتفي الصِّراع والاحتراب وسيتم التركيز على تنمية وتطوير وتخليص البلاد من المآزق التي تمزقها، وبالتالي التركيز على إنسان جدير بأن يقود هذا الكوكب إلى مرافئ السَّلام.

قبل أن أدخل في تفاصيل وضع العراق، أودُّ الإشارة إلى أنني إنسان يحب ويعشق السَّلام والوئام بين البشر، ويؤلمني أن أرى كل هذا الجَّحيم الذي يتفاقم بين بني البشر وأسكت عليه، لهذا أودُّ أن أقول كلمتي، متضامناً ومادّاً يدي إلى كل إنسان على وجه  الدُّنيا يهدف إلى تحقيق السَّلام العادل بين البشر، لأنني أرى من الغباء البشري أن يستشري كلّ هذا الصراع بين البشر في الوقت الذي نحن مجرد ضيوف على وجه الدنيا، فلماذا لا نحكِّم عقلنا ونحلُّ مشاكلنا كبشر، فهل من المعقول أن يهبط علينا كائنات من كواكب أخرى وتحل مشاكلنا؟! وأندهش كيف لا يسخِّر الإنسان عقله المستنير كي يفتح طريق الخلاص لكلِّ البشر لتحقيق العدالة والسَّلام بين البشر، لأنَّ خيرات الأرض تكفي لكلِّ البشر، فلماذا كلّ هذه الحروب والويلات والخلافات والصِّراعات التي لا طائل منها، وأرى في الكثير من الأحيان وكأنَّ بعض البشر هم أخطر من الحيوانات الضارية وحشيةً وافتراساً، فلماذا لا نركِّز على إنسانية الإنسان ونستأصل من قلبه كلّ ما هو ضارّ وشرّير، وكل ما يعيق تطورُّه وتحضُّره، كي يعيش في حالة تليق به كإنسان في هذا الكون الوسيع!     
 
أودُّ التوقُّف عند ما يحصل في العراق، هذه الرقعة الجغرافية التي كانت يوماً ما مهد الحضارات، وما قدَّمته بلاد ما بين النَّهرين للبشرية من حضارة لا يمكن لأيّ عاقل أن ينكرها، فلماذا لا يعود إلى سابق عهده ويتشرَّب قيم الحضارة والخير والسَّلام، جنباً إلى جنب مع بقية حضارات الشَّرق والعالم؟!

انَّني كنتُ وما أزال ضدّ الأنظمة العربية في قضية قيادة الدَّولة والمجتمع، وبالتالي ضدّ النَّظام العراقي البائت، وضدّ الحكومة الحالية منذ سقوط الصَّنم حتى الآن، وضدَّ النظام الغربي ـ الأميريكي في مسالة تعاطيه وتدخله في الشأن العراقي والشرقي، لأن القضية متداخلة بشكل غير عادل وغير منطقي وغير إنساني، فلو لم يتواطأ نظام القائد الضرورة، ضرورة التواطؤ مع الغرب، لما حصل ما حصل في العراق من حروب مع إيران ولما تمَّ غزو الكويت، لأن نظام الغرب وتحديداً أميريكا قادَ صدام حسين إلى ما وصل إليه، لهذا فكلاهما يتحملان الجزء الأكبر لما حصل من ويلات، فيأتي المواطن ضحية مؤامرة الأنظمة المتعاقبة، وأودُّ التركيز على نقطة واضحة للجميع وهي أن وضع العراق بالرغم من ديكتاتورية صدام حسين فإنه كان يضبط الأمن وعلى علات ديكتاتوريته التي ما كنتُ يوماً أوافق عليها، بل كنتُ ومنذ البداية ضدّ حربه مع أيران وضدّ تدخله وغزوه للكويت، فكل هذه النتائج جاءت من جراء تواطئه مع الغرب، لهذا قدّم صدّام حسين العراق، بلاد ما بين النهرين، بلد الحضارات على طبق من ذهب للغرب وقاد الغرب ـ بقيادة أميريكا ـ العراق إلى براكين الدم مستغلاً نقاط ضعف المواطن العراقي الذي ما يزال لا يرى أكثر من بضعةِ سنتيمترات بعيداً عن أنفه، وإلا فما هذا التوجّه العقيم في طريقة بناء الدولة، أيعقل في الألفية الثالثة أن يفكر أي عاقل في بناء الدولة، أية دولة، على أساس مذهبي وديني وطائفي وعشائري، ولو دققنا فيما يذهب إليه واقع الحال في العراق، لوجدنا أنّه على مشارف التقسيم، تقسيم العراق إلى فيدراليات هشَّة، وهذا هو طموح التوجه الجورج بوشّي، لأن العراق الموحَّد يشكل قوة وتعاضداً ومواطنة، وعندما يتم تقسيمه يسهل أكله وتدميره ويتفشَّى صراعه، لماذا؟ لأنه سيمرُّ في حالة غليانية مفتوحة بين المذاهب والقوميات والأديان، وكلّ هذا ليس لصالح أي طرف من الأطراف، حيث سيزداد الصِّراع الدموي بين السنّي والشيعي وبين العروبي والكردي والكلدوي آشوري السِّرياني، لأن تقسيم العراق سيؤدِّي إلى قتل العراق والعراقيين معاً! لأنه لو تمَّ تقسيمه سيكون مسرحاً لصراعات طويلة الأمد، صراعات لها أول وليس لها آخر، ولو لم يتوحّد العراق ويتجاوز الصِّراع المذهبي والديني والطائفي والقومي، سيمرُّ في حروب طائفية ومذهبية ودينية مجنونة مثلما حلَّ في لبنان وأكثر، ولهذا لا خيار أمام العراق سوى اللُّحمة الوطنية وتحقيق حقوق المواطن بكل أطيافه وأديانه ومذاهبه، وما لم يتجاوز السّياسي العراقي هذا الخلل سيصاب بعقم مسموم إلى أجلٍ مفتوح.

لهذا أؤكِّد على أن المَخرج الحقيقي للعراق ولكلِّ الشَّرق هو بناء دولة قوامها العلم وإحترام الأديان والقوميات، ويبدو لي أن الشَّرق العربي من محيطه إلى خليجه يحتاج إلى قرن أو قرنين كي يفهم هذه المعادلة التي تبدو لي واضحة قراءتها، فأنا أرى أنَّ أوروبا ما كانت ستنهض لولا أنها قرأت واقع الحال حالها وفصلت الدِّين عن السياسة، ولو وجدنا أنَّ هناك أحزاب بتسميات دينية مسيحية إلا أنها مجرد تسميات وغير قائمة على صراعات بل على أسس ديمقراطية انتخابية، ومهما يكن من أمر فإن أغلب الأحزاب التي تسيطر في الغرب غالباً هي أحزاب علمانية، وحتى الأحزاب التي تحمل تسميات مسسيحية في الغرب تحمل في برامجها توجهات علمية وكأنها علمانية ومسيحية بمجرد التسمية، وأنا لست ضد التوجه والتسمية الدينية سواء كانت في الغرب أو الشرق لكني ضد التعصب الديني الأعمي وضد الغاء الآخر.
لهذا من الضروري أن ينتبه الشرق إلى معادلات الحياة والتحولات التي تطرأ في العالم، فعمر الأديان هو ألفين عام أو أكثر بقليل، وهناك حياة على الأرض قبل الأديان الثلاثة، يقدَّر عمرها  بملايين السنين وأكثر، لأننا لو عدنا للعلم لوجدنا أنه يقدر عمر الإنسان على الأرض بملايين السنين! لهذا فأنا أرى أن الدين، جاء متأخراً جداً وهو حديث العهد مقارنة بعمر الإنسان على الأرض، ولو دققنا بتقدم البشرية فإننا نجد أنها بنَت وغزت الفضاء الكوني من خلال العلم، والأديان هي رائعة للأخلاق والضمير الحي، لكنها غير قادرة على بناء الدول بشكل حضاري وتقدمي، لكنها تساهم في بنائها، ولكن يستحيل أن يتم قيام الدولة على أساس ديني بالمطلق، لأن النزوع الديني هو روحاني أخلاقي خالص، بينما بناء الدولة أو بناء جسر في الدولة لا يقوم إلا بموجب معادلات رياضية علمية خالصة، ومن هذا المنظور أرى أن بناء الدولة في الشرق لا هو علماني ولا هو ديني، هو تابع للغرب الناهض، لأن هذا الغرب يرى أن الشرق غير جدير بقيادة نفسه لهذا يطرح نفسه قائداً بديلاً له، سواء عندما كان يستعمر الشرق أو الآن عندما يخلخل كياناته بأفكار وصراعات وحروب ومتاهات لا تقود إلا إلى المزيد من الضعف، والنظام العربي وما يجاوره في الشرق لا يفرز فكر تنويري لأن ليس لديه توجهات وموسسات لبناء مواطن حرّ ومستقل وديمقراطي، لهذا تصبٌّ الأنظمة والمعارضات في خانة واحدة هي الصِّراع المفتوح على جبهة الحروب، وليس على التكامل والتضامن والتعاون، بينما في الغرب تخلَّصت الحكومات والمعارضات من الصِّراع الدموي، بل صراعها كأحزاب هو صراع تنافسي ديمقراطي قائم على الفكر العلمي الحرّ، فتجد السياسي الذي يخسر في المعركة الانتخابية يبتسم لخصمه ويقدم له باقة ورد ويتعشى معه، بينما في العالم العربي يخطِّط لقتله، ويتحول المعارض إلى عدو للنظام المهزوم وبالتالي يصبح أكثر ديكتاتورية من النظام الذي أطاح به، لأن علاقة النظام بالمعارضة بالأساس قائمة على الكراهية والعداء والخوف من كلا الجانبين.

لهذا فلا مخرج ولا حل طالما قيام الدولة في الشرق يتوقَّف على هكذا معادلة مخرومة، معادلات محكومة ومنتهية بالصِّراع الدَّموي والقتل والسجون المفخَّخة بالزنازين المعتمة، وهكذا فمستقبل العالم العربي سيبقى حروباً مفتوحة فيما بين الأنظمة والمعارضات لأنها أنظمة غير منظَّمة، وهي غير علمية وغير دينية بالمفهوم الروحاني الأخلاقي للأديان، لهذا لا بدَّ من الساسة والأنظمة الشرقية العربية وغير العربية من الاستفادة من تجاربها، ولو قارن السياسي الشرقي ذاته بالغرب الناهض سيجدُ بحسب واقع الحال أنه يحبو على بطنه وليس له علاقة بالسياسة بقدر ماله علاقة بسدَّة الحكم حتى ولو ذهب الوطن الذي يقوده إلى بوَّابات الجحيم، وهذا ما حصل مع قائد البوابة الشرقية ومع الكثير من بوابات الشرق العتيد بالتخلف والتحجُّر الفكري المفتوح على زيادة ميزانية الزعيم، إلى درجة أنه أصبح أكثر غنى من الدولة نفسها! بينما في دنيا الغرب فمهما يصبح القائد السياسي غنياً فإنه لا يصبح أكثر غنى من بعض رجالات الأعمال العاديين!
 
أنا لست ضد الديمقراطية في أميريكا، ولا أعتبر أميريكا الشماعة لتبرير تخلف الشرق، لا، أبداً، العالم العربي متخلف حتى النخاع، لهذا تنظر إليه أميريكا كبقرة حلوب لا يعرف صاحبها كيف يحلبها، فتقول لماذا لا أحلبها له وأعطيه كوبا وآخذ كوباً أو كوبين من الحليب! وأنا أرى أن الغرب كاستعمار، لو يحكم العالم العربي، سيكون حكمه أقل استغلالاً مما يحكمه الزعماء العرب، لأنه سيستغل خيرات البلاد والأوطان وبنفس الوقت سيطوِّر البلاد في الكثير من مناحي الحياة، لأن الغرب ينظر إلى الشَّرق كمشروع تجاري اقتصادي، فمن مصلحته عندما يستعمر الشرق أو أية بقعة في العالم أن يطورها كي يستطيع أن يقنع المواطن الذي يستعمره بأنه جدير بالبقاء والاستمرارية، ولكن الأنظمة العربية لا تفكر بالمواطن، لأنها سحقت رأيه وسحقت تطلعاته لهذا عندما يخالفها في الرأي تزجّه في السّجن، ولهذا أرى ان الاستعمار الغربي لو يحكم العالم العربي سيكون أكثر رحمة من استغلال الأنظمة العربية وأكثر قدرة على تلبية متطلبات المواطن، فهل من المعقول أنَّ أكبر دولة في العالم العربي، مصر (أم الدنيا) لا تستطيع أن تؤمِّن لمواطنها رغيف خبز وقد شاهدتُ مؤخراً برنامجاً بثته قناة الجزيرة بالصوت والصورة، يبيِّن البرنامج للمشاهد أن هناك الكثير من المواطنين قُتلوا على أبواب الفرن سعياً للحصول على رغيف الخبز، أين أنتِ يا أم الدنيا، وقد رآكِ مواطنكِِ إحدى خرائب الدنيا؟!
 
لو نظرنا إلى واقع الحال للمواطن العربي، وسألناه أيُّهما أفضل أن يقدِّم لكَ العدو، الاستعمار، الغرب، أي ظالم على وجه الدنيا لقمة الخبز ويحافظ على كرامتك وتكون حراً فيما تريد قوله، أم حاكمك الذي لا يستطيع تقديم رغيف الخبز والكهرباء والماء لكَ ولا يستطيع الحفاظ على كرامتك؟ فإنه على الأرجح ستكون أكثر الأصوات لصالح مَن يحقق للمواطن العيش الكريم والحرية حتى ولو كان الاستعمار، وهكذا لقد ولّى زمن الشعارات والكلام الفارغ، وعلى الأنظمة العربية أن تهتم بمواطنها على أساس أنه ابنها ومن لحمها ودمها، لا أن تتركه يجوع ويلهث خلف لقمة الخبز، ومهدد بالسجن عندما يفشّ قهره بكلمة ما ورأي ما ويقول كلاماً من حرقة قلبه! تخيّل أيها المتابع العزيز، كان لملك السويد الحالي اجتماع في الدانمرك منذ سنين، فاستقل سيارته وبدأ يقودها بسرعة أكثر مما يسمح له قانون السير، فأوقفه شرطي مرور، وطلب منه رخصة القيادة، فقال له العفو أنا الملك ولدي إجتماع في الدانمرك ومستعجل، فقال له شرطي المرور، أعرف أنكَ الملك لكنك خالفت قوانين السير، فأخذ شرطي المرور من الملك شهادة السواقة وخالفه مثله مثل أي مواطن، وقرأت بأم عيني كيف قال الملك في الصفحة الأولى من الصحف السويدية في اليوم التالي بعد عودته من الدانمارك، لقد كان غباءً مني أن أقود السيارة بسرعة أكثر من المسموح به، مع نشر صورة الملك في صدر الصفحة وهو في سيارته موقوف على قارعة الطريق.
تخيَّل أيُّها المواطن الشَّرقي، إلى أيَّة درجة يتم محاسبة المخالف حتى ولو كان ملكاً، وفي المقابل نجد في بلاد الشَّرق، الملك والزَّعيم يقطع السير ويمنع منعاً باتاً أن يقطع أي إنسان الشارع الذي مرَّ فيه ويرافقه عشرات السيارات إلى أن يصبح استنفار تام لمرور قائد البوابة الشرقية، وهنا أودُّ أن أشير إلى أنه عندما يصل الملك والزعيم والمسؤول العربي إلى مرحلة محاسبته من قبل شرطي لو قاد سيارته وخالف السير، عندها ممكن أن يصل  العالم العربي إلى المرّيخ!

إن النظام العربي هو نظام اقصائي وبعض المعارضات أكثر ديكتاتورية من الأنظمة التي تطرح نفسها بديلة عنه لأنها ترعرعت في جو ديكتاتوري لهذا لا يوجد أي حل لبناء العالم العربي ومن يتاخمه إلا ببناء طفل جديد يترعرع في بيئة وجو ديمقراطي وضمن برامج علمانية أخلاقية ديمقراطية إنسانية تنويرية بعيداً عن لغة التكفير والاقصاء والقمع، وهذا يتطلب معجزة، وقد ولَّى زمن المعجزات، هذا الزمن هو زمن العلم والحرية والعدالة والمساواة، وعندما يُمنح المواطن هذه المبادئ الأساسية سيحقق الديمقراطية، وسيصبح في مستقبل الأيّام قائداً ديمقراطياً كتحصيل حاصل، فمتى سيتحقَّق هذا الأمر وهذا الطموح؟!

أنا أقدِّر أن العالم العربي يحتاج ما بين قرن إلى قرنين وربَّما أكثر، كي يحقق هذا الطموح، سيأتي زمن ربما يكون بعيد عن زمننا، سينقلب الأبن على أبيه، وعلى جده وعلى كل ما هو عتيق ومتخلف ومتحجِّر، ويتوقف مجئ هذا الجيل على مدى توافر عوامل تنشئته وتشبّعه بقيم الحرية والعدالة والمساواة.
 
الموضوع عميق للغاية، قدَّمت بعض وجهات النظر، وهي قابلة للنقاش والحوار، ويبقى الحوار مفتوحاً، حيث انني أطرح وجهات نظر وأفكار، ممكن أن أصيب في بعضها ولا أصيب في بعضها الآخر وهي خاضعة للنقاش والتفنيد والتحليل، لأنني لا أرى فكراً ثابتاً ونظرياتٍ ثابتة، وأخلاقاً ثابتة، كل فكر ممكن أن يتغير نحو الأفضل، ولولا تطور الفكر لما وصلت البشرية إلى هذا التقدم المذهل، ولكن حتى النظرية البديلة أو المتوالدة عن سابقتها ما كانت ستتم لولا وجود أفكار مَن سبقها ولهذا الفكر البشري هو سلسلة تراكمية تطويرية مفتوحة، وكل مَن يبقى ثابتاً في مكانه من حيث صيغة الرؤية والتفكير، هو أسير التخلف، وإلا لماذا نجد كل جيل متقدماً عن سابقيه مع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات الفردية والحالات العبقرية التي ممكن أن يحققها فرد ما يتجاوز عصره بعقود أو قرون من  الزمان، وهؤلاء قلة قليلة! 

يسرني عندما أتلقى وجهات نظر جديدة سواء توافق أو تخالف وجهات نظري وتحرّضني على التفكير لأن هذه العملية التحريضية ممكن أن تعمق رؤاي أكثر فأكثر، ومن خلال تجربتي في الحياة وتخصصي في العلوم الاجتماعية والفلسفية، وصلت إلى قناعة أن الإنسان في تطور مذهل في كل يوم، فلماذا لا يفتح المرء ذهنه لهذا التطور، ولا يسعني إلا أن أشير إلى أنَّ قرابة مائة مفكر وفيلسوف أوروبي ساهموا في تغيير وتطوير وتحديث أوروبا برمتها، فلولا المفكر والمبدع والفيلسوف والفنان لما تقدم أي مجتمع من المجتمعات البشرية، لكن الكارثة أن المفكر والمبدع والفيلسوف في دنيا الشرق معرَّض للتفريق عن زوجته أو زجه في عتمة الزنازين أو طرده من وظيفته وموقعه، لأن الحاكم هو عبقري عصره في دنيا الشرق، وكلامه منزل  من السماء، حتى أنه أخذ مكانة أكثر من الأنبياء والقديسين والملائكة، فلا تجد مَن يحتج على حماقاته حتى ولو زج البلاد والعباد بحروب أزلية، أليس من الجريمة بمكان  أن يغرق لبنان بحروب طائفية سنينا عديدة والآن جاء دور العراق، ومَن يدري دور مَن سيكون بعد العراق، لهذا أعود إلى النقطة التي بدأت بها مقالي الأول، لأركز في هذا المقال على ضرورة أن ينشأ جيل يحمل بذور الحرية والعدالة والديمقراطية، ولا يخشى أن يقول كلمته، لأنني لا أجد المواطن في الشرق يفكر بشكل حر وبفردانية خلاقة، تفكيره يتماشى مع ما يماثل حالات القطيع، يعيش حالة قطيعية، ولا يميز فردٌ عن آخر لهذا  يهب كل المواطنين ويحرقون الدنيا لأبسط الأمور، لماذا لا يهب ويقف ضد الحروب، مع أن حروب العالم العربي أغلبها تطحن ذاتها، أنا من أنصار السلام والتآخي بين البشر، من أنصار العدالة والمساواة والحرية وتحقيق الديمقراطية بعيداً عن الاستغلال، وعلينا نحن البشر أن نفكر بطريقة لحل مشاكلنا كبشر، ولا يجوز حل مشاكلنا على حساب تفاقمِ مشاكل الآخرين.
 
بقي أن أشير إلى أن العلمانية مهمة جداً في قيادة الدولة والمجتمع، لكن على مَن ينهج منهج العلمانية أن لا يقلِّل من شأن الأديان كحالة أخلاقية روحانية تساهم في تنقية وتصفية قلوب البشر من الشوائب العالقة في الحياة، وعلى أصحاب الرؤى الدينية، أن يضعوا بالاعتبار أن الدين أي دين غير قادر على قيادة الدولة والمجتمع وغير قادر على بناء علاقات ومؤسسات وسن قوانين وشرائع تناسب المتغيرات المدنية والحياتية عبر سير الحياة، لأن الأديان ثابتة غير متغيرة بينما المجتمعات البشرية تتغير وتتطوَّر بشكل دائم، والثبات من المنظور العلمي يعني الجمود، لهذا فإن الرؤية العلمية تستوعب الأديان وتحللها كجانب اخلاقي وقيمي ضمن كل زمان ومكان، وبالتالي تضع الأحكام والقوانين بحسب ما يناسب متغيرات العصر في كل زمان ومكان، لهذا لايمكن لأي دين على وجه الدنيا أن يسنَّ قوانين وشرائع تصلح لكل زمان ومكان، وإلا لبقيت تلك القوانين ثابتة غير متغيرة وبالتالي ستكون غير قابلة للتطور لأنها ستكون مستندة إلى نصوص لا يمكن المساس بها، من هذا المنظور فإن العلم قادر على نقض ذاته وتطوير ذاته من خلال التقدم اليومي والإبداع اليومي والاختراع اليومي، ويبقى المجال مفتوحاً دائماً للتطوير وإلا سيبقى الإنسان أسير رؤية أحادية ثابتة لو اعتمد على الجانب الديني فقط، بينما لو اعتمد الجانب العقلي والعلمي، مشبّعاً بأخلاقيات الأديان، فانه أمام اكتشافات علمية تقوده إلى قمة التنوير والتطوير في كل حين وعلى مدى كلِّ العصور!
 
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

8
العراق بلد الحضارات، إلى أين؟!

يمرُّ العراق منذ عقودٍ من الزَّمن في بحرٍ من حمَّاماتِ الدم، خاضَ حروباً لا ناقةَ له فيها ولا جمل، لماذا حارب إيران سنيناً طويلة بقيادةِ القائد الضرورة؟ وما هذه الضرورة التي خاض من أجلها العراق حرباً مجنونة مع إيران على مدى ثماني سنوات، عائداً بعد كل هذه السنوات العجاف، بخفَّي حنين، وقدَّم آلاف بل ملايين الشهداء دون أيِّ مبرر؟!
ما هذه الضرورة التي احتكمَ إليها هذا القائد الفذّ في خلخلة أجنحة العراق واعادته إلى عصر ما قبل الظلمات؟!
ونظراً لأنَّ لهذا القائد الضرورة ضرورات كثيرة ملقاة على عاتقه، نظر حوله فغضبَ من شيء لا يروق له، فاستخدم إحدى الضرورات الاحتياطية، وإذ بهذه الضرورة غزوِ الكويت، فقلبَ بغمضةِ عين موازين القوى في الشرق رأساً على عقب، وأعطى لهذه الضرورة ضرورةً لتدخل أميريكا في المنطقة، فطغت الضرورة الثانية على الأولى لأن الأولى مفبركة ومصنَّعة على مقاسات الثانية وتمخَّضت سلسلة من الحصارات والمعارك نتيجة تدخُّل الضرورة الثانية، أدَّت في نهاية المطاف إلى كسر ظهر العراق وتقديمه هدية لأميريكا على زورق سريع، سائراً فوق نهر من دم العراقيين، فأين هي ضروراتكَ يا قائد البوَّابة الشرقية، يا مانح مفاتيح بغداد إلى شراهاتِ أكبر طغاة الكون؟!

نعم، كان صدام حسين القائد الضرورة لأميريكا، كان ضرورة لابدَّ منها، لهذا كان ما كان، واختفى بحسب الضرورة من أجواء المكان، آلاف الاستفهامات تراودني، تحاصرني، تضرب برامجي الشعرية والقصصية، تصدِّع شهيتي المفتوحة على رسمِ مباهجِ الألوان، أسئلة غزيرة تتهاطلُ عليّ، تهدِّد ليالي غربتي في الصميم، ما هذا الجنون أن يعود العراق بلد الحضارات مئات السنين إلى جوفِ الصحارى؟! أيعقل أن يكون هذا العراق خالياً من ابن انثى غير قادر على قيادة العراق، أين انتم يا أحفاد كلكامش وسومر وبابل وأكَّاد، أين أنتم يا بناة الحدائق المعلقة، أين أنتَ يا نبوخذ نصّر وأين شرائعك يا حمورابي، يا آشور بانيبال، يا عراق، يا حضارة الحضارات؟! أيعقل بعد كل هذه الحضارات أن يقتل الأخ أخيه، الجار جاره، أن ينشق الدين على ذاته، أن يقتل عليٌّ عمراً وأن يقتل عمرٌ عليَّاً، وأن يُهدَّد آشور وأفرام من قبل أفكار الظلام، عجباً أرى، كل هذا الضياء يشعشع في عالم الشرق ومع هذا يصرُّ أن يرزح تحت أنياب الظلام؟!
 
أيها الشرق، أيّها العراق، أيُّها الوطن المذبوح من الوريد إلى الوريد، أيها الوطن الغافي فوق جنون الرؤى، رؤى حامضة فاقعة تقود إلى أعماق الهوان، روى متماهية مع همهمات الصحارى، بعيدة عن عشبة الخلاص، لأن كلكامش قد مات! ألا يوجد كلكامش آخر يبحث عن منارة الخلاص، خلاص العراق من رؤى انزلاقيّة في عتمةِ الليل البهيم؟!
 
إن القائد الضرورة، كان ضرورةً من ضرورات أميريكا، هي صنَّعته وقادته إلى كلّ هذه المغبَّات، فلماذا تمَّ محاسبة الرجل أصلاً طالما كان يتحرَّك بناء على توجيهات الغول العالمي الجديد؟! أليس هو مَن قال: لقد خانوني! قاصداً بذلك الأميركان! ومَن قدَّم خدمات لأميريكا أكثر مما قدَّمه صدام حسين على مدى تاريخ الشرق الملظّى بحروب لها أوّل وليس لها آخر؟ ومع هذا أطاحت به لأنه آن أوان الرحيل، ودخلت على الخطّ بكلِّ عنجهياتها وجشعها المفتوح على آبار النفط والمياه والنخيل وجوف الجبال وأسرار رمالِ الصحارى، وخرَّبت الأخضر واليابس في العراق من خلال صناعة معارضة هزيلة، لا تفقه ما كان وما سيكون، ولا تعي متى وكيف تبدأ وتنتهي الضرورات، بعيدة كل البعد عن عالم السياسة، على تماس مباشر مع عوالم النهب، لكنها غير محترفة حتى في النهب، لأنها تنهب في وضح النهار، تاركة ساحات العراق مفتوحة لشلالات الدم وهي غائصة في لملمات الفتات، غير قادرة على اختراقِ واحاتِ طغاةِ الطغاة!

قبل أن يتم سقوط الصنم الديكتاتور المصنَّع من قبل أميريكا بحسب القياس المطلوب! كان العراق آمناً إلى حدٍّ كبير رغم أنف المعارضين، خاصةً لمَن لا يتدخل في قضايا السياسة، فمثلاً كان الرهبان والقساوسة والبشر العاديين الحياديين البعيدين عن سخافات السياسة في دنيا الشرق كانوا بمنأى عن القتل والاختطاف والخوف والموت! نعم كان في عهد الديكتاتور صدام حسين ينعم المواطن العادي غير المسيَّس بالأمان ويحظى بلقمة الخبز، وأما في عهد الديمقراطية العتيدة التي نراها الآن بعد سقوط الصنم، فلم نرَ ضرورات ما كان، بل وجدنا عبوراً في أقصى مدارات الرعب والخوف والظلام، رعبٌ من طغاة الديمقراطية الموعودة وظلام حالك من تحت دهاليز العراق، خوف على امتداد نخيل العراق، ما هذه الديمقراطية الخنفشارية التي قدَّمتها الحكومة العراقية الجديدة وما هذه الديمقراطية التي أهدتها إلينا واشنطن وهي ترنو بدم بارد إلى جثامين المطارين والقساوسة والشمامسة والأطفال والشيوخ والنساء والشعب البسيط يرتعد مما يراه، وكأن قتل هؤلاء من صلب مخطط الديمقراطية البربرية التي قدَّمتها وتقدِّمها أميريكا على صحن من خراب لمعارضة لا تفهم حتى ما فهمه القائد الضرورة؟!

لم أجد حماقة تضاهي حماقات أميريكا، كيف غاب عنها أن القائد الضرورة كان يمسك بزمام جموحِ أطياف العراق، حيث كان قد أضاف إلى ضرورات أميريكا ضرورات لا تخطر على بال، وإلا كيف استطاع أن يضبط تشظيات العراق، كيف استطاع أن يحلَّ الهدوء والسكينة من خلال أشباهه، فكيف لو ظهر هو بكل شحمه ولحمه؟!

ألا يراود الحكومة الحالية كيف كان صدام يضبط كل هذا الطوفان والغليان، وهي ومعها أميريكا لا تستطيعا أن تحمي جامعاً أو كنيسة، أو ديراً أو راهباً أو مطراناً رهينةً؟! أم أنّ أميريكا تخطِّط أن تقود العراق إلى قاع الظلام، والحكومة ضرورة كاراكوزية لا أكثر، وإلا لماذا لا تستطيعا سوية أن تحمي البلد من الارهاب والبطش وبراكين الدم؟ لماذا إذاً طرحا نفسيهما بديلاً عن حامي البوّابة الشرقية، لماذا لم يتركوا صدام حسين على حاله، لأنه بالرغم من ديكتاتوريته، كان على الأقل لا يسمح لمخلوق أن يقدم على قصِّ رقبة قسيس واختطاف وقتل مطران برئ، رجل دين ومحبة وسلام (كالمطران الشهيد بولص فرج رحّو)، وكان جل تركيزه على مواجهة وقتل معارضيه، وكل مَن كان بعيداً عن السياسة والمعارضة كان في أمان! أما الآن فإن يد البطش قد تغلغلَت إلى القساوسة والمطارين والشمامسة والكنائس والجوامع والشيوخ وكأن هؤلاء من أسقط النظام السابق، لماذا حكومة العراق الآن غير قادرة على حماية نفسها وحماية مواطنيها، وحماية اقتصاد العراق فتنهبه هي وغيرها وكأن الجميع في حالة هجوم مركز على خيرات العراق تاركين المواطن العادي والفقير يموت تحت عجلات ديكتاتورية فاشلة حتى في حيثيات الديكتاتورية، أنا أرى أن حالة مثل العراق كما أراها الآن لا تحتاج إلى ديمقراطية، لأن كلمة ديمقراطية تبدو لي إزاء ما أرى فارغة من مضامينها، لأن المواطن في العراق يحتاج إلى أمان ولقمة خبز، لأن المواطن العراقي لا يهمه الآن سوى الأمان ولقمة الخبز، لا يهمه الديمقراطية بقدر ما يهمه أن ينام دون أن يضع ألف متراس خلف الباب ويتصور أن بيته سينفجر وهو في نومه العميق، ولا أظن أنه نام نوما عميقاً منذ أن هبَّ هواء الديمقراطية الكاذبة التي بشر بها طغاة هذا الزمان، كجورج بوش ومن هم على سدة الحكم في العراق منذ سقوط الصَّنم حتى الآن!

ألا يستحي جورج بوش وكل إدارته ممَّا تفشّى في العراق؟ ماذا قدَّم لنا التغيير الجديد في العراق غير الويلات والدمار ونهب البلاد؟ ماذا قدَّمت المعارضة التي استلمت زمام الأمور، خلال فترة حكمها في العراق غير سفك الدماء والهلاك وخلخلة أجنحة البلاد؟ وإذا كانت واشنطن وحكومة بغداد الآن غير قادرَين على الامساك بزمام الأمور فلماذا ورّطا العراق والمواطن الآمن العادي بالآمال الكاذبة التي رسموها؟!

أندهش كيف لا يخطر على بال أميريكا صناعة قائد ضرورة جديد على شاكلة الهلاك الجديد، فلا مفر من إعادة العراق إلى سابق عهده، إلا بإنتاج قائد جديد له ضرورات جديدة على مقاسات الصدِّ لطغيان الظلام، ولكن من الواضح أن أميريكا مرتاحة لهذه الظلامية المتفشِّية في العراق، فهي الضرورة التي تحتاجها الآن، لهذا أتساءل بقلبٍ مدمى، إلى متى سيبقى شعب العراق غارقاً في نزاعاته وصراعاته وحروبه وجنونه؟ ألا يفهم الشعب العراقي بكل طوائفه ومذاهبه وقومياته، أنه لو لم يتضامن مع بعضه بعضاً سيرزح تحت أنياب الغول الغربي وتحت قادة غير مفصّلة على مقاسات العراق؟

إن العراق أكبر من قياساتِ الضرورة لأنه الضرورة بعينها، ضرورة أن ينهض من تلقاء نفسه، وليس من خلال ضرورات الغرب أو ضرورات رؤى ظالمة وظلامية، العراق كان مهد الحضارات والآن هو بؤرة خصبة للفساد والهلاك، هلاك المواطن بكل تلاويينه، ألا يفهم ويعي العراق بكل مواطنيه، كيف يحلِّل الأديان والمذاهب والأقوام والسياسات والتاريخ والحضارة والواقع المدمَّر الآن، ويعطي لكل ذي حقٍّ حقّه؟! يتحتم على كل عراقي أن يتخلَّى عن رؤاه التي لا تخدم العراق، فكل رؤية تقود إلى صراع دموي مهما كان مستندها ومحتواها وجوهرها هي فكرة عتيقة خرافية شريرة عفا عنها الزمن، على الجميع أن يتجاوزوا برامجهم التي تصب في منحى الخنفشارية الظلامية القمعية الاقصائية المتشددة، وعليهم أن يتمسكوا بكل ما هو عادل وقانوني وإنساني، وأن يسنُّوا قوانين جديدة قوامها المواطن ـ الإنسان، بعيداً عن لغة الشيعي والسنّي والكردي والسرياني الآشوري الكلداني والتركماني والصابئي واليزيدي، على الجميع أن يحترم خصوصيات كل هذا الخليط والموزاييك، ويدعم كل طرف بقية الأطراف من منظور المواطنة، لأن لكل مواطن كيفما كان دينه وجنسه وقوميته ومذهبه، حق مثل أي مواطن آخر، وقيادة الدولة يجب أن تقوم على بناء مؤسسات يقودها مواطن جدير بقيادتها وليس بحسب الرؤى الدينية والقومية والمذهبية والعشائرية، يجب أن تكون المسؤولية ملقاة على عاتق قادة يفهمون لعبة انقاذ العراق من دمار محتم طالما ينظرون من منظور ديني طائفي مذهبي قومجي متعصب كل واحد لطرف ضد آخر، لأن بناء العراق أو أي بلد في دنيا الشرق والغرب والشمال والجنوب من بقاع الدنيا، يقوم على أكتاف مواطن يفهم ويحلل متطلبات بلده ضمن إطار العدالة والمساواة والحرية والحق بعيداً عن التعصب الديني والمذهبي والقومي والعشائري، وبهذا المنحى سيتم منح كل مواطن حقه في العيش والوئام المشترك مع الحفاظ وإحترام معتقدات كل مواطن، دينياً ومذهبياً وقومياً، بحيث أن لا يتعدَّى أي طرف على طرفٍ آخر، وبحيث أن يتم قيادة الوطن ضمن إطار العدالة والمساواة والحرية كمنظور إنساني شامل، على أن يحصل المواطن كل مواطن على حقه كاملاً، عندها لا يحتاج العراقي لأميريكا كي يسقط الصنم لأنه سيختفي الصَّنم ويصبح القائد ضرورة من ضرورات حاجة المواطن وليس القائد الضرورة، ضروة الغرب والبطش والدمار!

صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

9
دعوة لتأسيس إتّحاد الكتّاب والفنانين الآراميين (السريان، الآشوريين، الكلدان ..)


أيّها الأحبّة المبدعين والمبدعات في مجالات الأدب (الشِّعر، القصّة، الرواية، المسرح) والفن (الرسم، النحت، الغرافيك، التصوير ..) والموسيقى ( التلحين، الغناء، التوزيع الموسيقي، هندسة الصوت، الرقص الشعبي ..)، السينما والتلفزيون ( التمثيل، الإخراج، السيناريو، المونتاج، التصوير ..)، برمجة الكومبيوتر، تصميم المواقع، التاريخ، اللغات، التراث .. الخ!

 أحيطكم علماً أنّني بصدد إعداد مسح فنّي أدبي وثقافي في مملكة السويد خاصّ بالفنّانين والكتّاب والشعراء والموسيقيين والمبدعين من الأصول الآرامية (السريانية، الآشورية، الكلدانية)، وكلّ من يهتم ويكنّ الاحترام العميق لهذه الجذور الحضارية كي نعمّق ما لدى المبدع من إبداع وتقديمه بشكل يليق به لحضارة العصر على أرض مملكة السويد في المرحلة الأولى ثم سيمتدّ المسح الفني والأدبي خارج السويد أيضاً لتشكيل وتأسيس فروعٍ تابعة للإتحاد، فنرغب إليكم أعزائي المبدعين والمهتمِّين في المجالات الآنفة الذكر وإلى كلّ مَن يجد في نفسه الرغبة في الدخول في مجال هذا المسح الفني على مستوى ممكلة السويد أن يزوِّدنا بالجانب الفني أو الأدبي أو الثقافي الذي يبدع فيه، كمسح فنّي أولا وإلى كلّ من يرغب ويوافق على فكرة تأسيس اتحاد للمبدعين الآراميين، بإمكانه أن يزوِّدنا بالإسم الكامل ورقمه الشخصي والعنوان الكامل والهاتف مع البريد الالكتروني لو توفَّرَ لديه، لأننا سندعو إلى إجتماع موسّع للتحضير لتحديد موعد لعقد مؤتمر تأسيسي يناسب أوقات وظروف الأعضاء، بقصد تأسيس إتّحاد الكتّاب والفنانين الآراميين (السريان، الآشوريين، الكلدان)، وذلكَ بالتنسيق مع الجهات السويدية أولاً والأروبية ثانياً حيث سيتم تسجيل الإتحاد بشكل رسمي في السويد طبقاً للقوانين السائدة في البلاد، بحيث نتمكّن من إعداد هذا المسح الفنّي بدقّة كي نسخّر طاقات المبدع بطريقة تليق به كي يقدّم أبهى ما لديه من طاقات وإمكانيات بشكل منظّم  ومدروس وحضاري.

وقد راودتني هذه الفكرة أو ما يشبهها منذ فترة طويلة لكنّي كنتُ غائصاً في معمعانات غربتي ونصوصي، وما أزال غائصاً حتى العنق في عوالم الحرف والكتابة والفنِّ، لكني وجدتُ أنه من المناسب الآن أن أستعرض هذه الرؤى على بساط البحث بقصد تطبيق ما لدي من طموحات بالتنسيق مع بعض المبدعين والمهتمِّين بهذا الجانب الهام من الحياة.

أودُّ أن أشير إلى أنه ليس لهذه الرؤية التي أتوخّاها أية توجّهات سياسية أو دينية أو عرقية أو قومية، بقدر ما لها من أهداف إبداعية إنسانية حضارية، وبنفس الوقت لسنا ضد التوجّهات السياسية والدينية والقومية الهادفة، لأنَّ توجهاتنا بالأساس هي توجهات حيادية مستقلة، جلّ تركيزنا سيكون منصبّاً على الإبداع وعلى كيفيّة إبراز الطاقات الإبداعية بشكل يليق بالمبدع كي نتمكّن من تشكيل بوابة فسيحة لعالم الفن والأدب والثقافة الجادَّة المرتكزة على السلام والمحبة والتحضر الإنساني الخلاق الذي يليق بحضارة العصر بعيداً عن أي تعصُّبات، لأن توجّهنا سيكون مرتكزاً على التواصل والتعاون مع بقية المبدعين ممّن تصبُّ رؤاهم مع رؤانا وتطلُّعاتنا بحيث نشكِّل تياراً إنسانياً جنباً إلى جنب مع مبدعي هذا العالم، كي يتمكّن المبدع أن يطوّر إبداعه بطريقة حضارية منظمة وهادفة تصبُّ في رحاب الخير والوئام الإنساني المتبادل بين البشر.

إنَّني أرى أنَ من واجب المبدعين والمهتمِّين بالفن وقضايا الثقافة والإبداع أن يتواصلوا مع بعضهم بعضاً كي يستطيعوا أن يسخِّروا طاقاتهم الخلاقة لصالح المجتمع الذي هم فيه ولصالح البشرية التي هي أحوج ما تكون لهذه الطاقات خاصةً بعد أن انتشر على جغرافية الكون لغة الحروب والسياسات المخضّبة بالدم والحروب الهوجاء حيث غالباً ما يكون تركيز سياسات هذا الزمان على تعديل ميزانها التجاري حتى ولو كان على حساب رقاب القوم، وقمع الطفولة وكبح طموحات الشباب والغاء الآخر بطريقة أو بأخرى، وبعد أن أهملت السياسات والمؤسَّسات مبدعي هذا العالم وضيّقت الخناق على الكلمة الحرّة المبدعة التي تخدم الإنسان إينما كان، وبعد أن تاهت مؤسَّساتنا أيضاً وراء طموحات وتطلعات نادراً ما تخدم أهداف وطموحات مبدعينا، لأن المبدع في أية رقعة جغرافية من الكون يجد نفسه أرحب من فضاءات مؤسّسات سياسات هذا الزمان، خاصة إذا كانت المؤسسات والسياسات ضيّقة الرؤى غير رحبة، لهذا أجد نفسي مندفعاً لتأسيس فكرة إتحاد الفنانين والكتاب الآراميين (السريان، الآشوريين، الكلدان) جنباً إلى جنب مع بعض الأصدقاء، لعلَّنا نستطيع من خلال هذا التوجّه أن نعمّق كلّ ما هو هادف وخلاق، لعلّنا نتمكّن من تطوير مؤسَّساتنا (المفكَّكة تارةً والمتصارعة تارةً أخرى)،  لأنّنا لسنا ضد أية مؤسسة سياسية أو أيِّ تجمع يرى من الضروري النهوض نحو الأفضل والبحث عن أفضل السبل لإيجاد تعاون مع كلِّ مَن لديه رؤية خيّرة وهادفة وإنسانية وحضارية بحيث تخدم رؤى الفرد العادي والمبدع وتخدم الإنسان كائناً من كان هذا الإنسان!

يحقّ لأي مبدع أو مهتم في المجالات التي أشرت إليها أن ينتسب إلى الاتحاد ويكون عضواً فعالاً فيه حتى ولو كان عضواً في أية مؤسَّسة أخرى سواء كانت مؤسَّسة حزبية أو دينية أو تجمُّع اجتماعي ما، دون أي قيد أو شرط، إلا شروط الاتحاد، المرتكزة على الانفتاح والتحضُّر والإبداع، وسيتم صياغة برنامج للاتحاد ودستور خلال جلسات مؤتمرات التأسيس، حيث أنَّ كل مبدع له حرية الرأي في طرح ما يراه مناسباً ثم سيتم التصويت على الرؤى المطروحة وسيتم تثبيت الآراء بحسب الأكثرية، إلا أننا لا نهمل أي رأي يردنا، لأننا سنجري تطويرات على البرامج التي نرسمها وعلى الدستور الذي نصيغة بين الحين والآخر،  لأن هدفنا هو التطوير الدائم بحيث أن نقدِّمَ أفضل ما لدينا، ونتمكّن أن نقنع الآخرين الذين لا ينحون نحونا أننا على صواب، لربما هم أيضاً يحذون حذونا ونتعاون على أكثر من صعيد، بحثاً  نحو أفضل السبل للوصول إلى الأهداف التي نرسمها بما فيه خير المجتمع الذي نعيش فيه وخير مجتمعنا والشريحة التي ننتمي إليها، ولسنا كما أسفلت جبهة أو تياراً ضدّ مؤسَّساتنا بقدر ما نحن رؤية تطلُّعية تهدف إلى تطوير طاقاتنا نحو الأفضل.

هذا النداء، هو عبارة عن دعوة لتأسيس اتحاد الفنّانين والكتّاب الآراميين، فإلى كل من لديه طاقات إبداعية وإهتمامات تصبُّ في هذا الإطار، أن يزوِّدنا ببطاقة تعريف مختصرة مكثفة مع العنوان بالتفصيل ويبلّغ أصدقاءه المبدعين والمهتمين في هذا المجال، لأننا بصدد عقد مؤتمر تأسيسي للإتحاد، يتلوه مؤتمرات أخرى لصياغة برنامج الاتحاد والدستور وتوزيع المهام بحسب تخصُّصات وإمكانات كلٍّ من المبدعين والمهتمّين.

ولربما يتساءل أحدهم، ما هي النشاطات التي ممكن أن نقوم بها أو نخطِّط من أجل تحقيقها بعد تأسيس الاتحاد؟!
سنقوم على سبيل المثال لا الحصر، بإعداد أمسيات شعرية، معارض فنّية، تلحين أغاني وإقامة حفلات غنائة ساهرة، إعداد مسرحيات، إعداد وإخراج سيناريوهات لمسلسل تلفزيوني، إخراج أفلام سينمائية! تأسيس دار نشر، محاضرات حول التراث واللغات والأدب، دراسات تحليلية نقدية، بحوث إجتماعية فنية تاريخية، نشاطات خارج السويد، زيارات ونشاطات متبادلة، (وذلكَ بحسب توفُّر الكادر الإبداعي لدينا) .. الخ من النشاطات التي تصبُّ في عوالم الإبداع وكل مبدع سيعمل مع فريق العمل الذي يخصّ مجال إهتمامه وبالتالي سنشكّل في كل مجال هيئة مختصَّة بمجال تخصُّصها كي نتمكَّن من إبراز طاقات المبدعين بشكل منظَّم ومدروس، فمثلا على صعيد الأغنية سيكون هناك فريق عمل يتألَّف من ملحنِّين وفنانين وشعراء مختصِّين بكتابة الأغنية وموزّعين ومهندسي صوت .. الخ كي نتمكَّن من انتاج وإبداع أغنية تليق بحضارتنا التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ، سيكون لدى الاتحاد مهرجان ثقافي كل عام، أسبوع ثقافي، يقدِّم عبره الكثير من الفعاليات والنشاطات، كما سيكون على مدى العام الكثير من النشاطات والفعاليات أيضاً، حفلات تكريم المبدعين، إصدار مجلة الكترونية، إصدار دواوين شعرية وقصصية وروائية وسي ديهات وكاسيتات ..الخ  ويكفينا اجترار الحديث عن حضارتنا وماضينا وتراثنا وانشقاقاتنا، نعيش ونجتر الماضي وكأننا نعيش في الماضي! نحن أبناء اليوم وعلينا أن نقدِّم ونبرز ما لدينا من طاقات على المسرح الجديد، عالم اليوم، مستمدِّين من حضارتنا ومبدعينا الأحياء والأموات، أبهى وأبدع ما لديهم وتسخيرها بشكل منظم ومدروس كي نحقِّق حضوراً يليق بنا كما حقّقَت فرقنا الرياضية على أرض مملكة السويد حضوراً رائعاً ومتقدِّماً، فلماذا لا نرفد طاقاتنا الإبداعية الأخرى جنباً إلى جنب مع الطاقات الرياضية، فالمجتمع أي مجتمع مهدَّد بالزوال ما لم يهتم بمبدعيه وفنانيه ومفكريه وموسيقيه ومثقفيه!

سيتم عبر مرحلة التأسيس، تأسيس موقع للإتحاد على شبكة الانترنت ونشر موقعه الشخصي إذا كان للعضو موقعاً خاصّاً، وسيتضمَّن الموقع الخاص بالاتحاد أيضاً موقعاً لكلّ عضو على حدة، لتسهيل عملية التواصل مع بقية المبدعين داخل وخارج السويد!

هناك الكثير من الأفكار والرؤى .. لكن في البداية نودّ أن نقوم بالمسح الفني والأدبي والموسيقي والإبداعي ثم سندخل عبر تواصلنا ومؤتمراتنا رويداً رويداً في التفاصيل وعلى مراحل، بما فيه خير وفائدة الجميع! آملين منكم أن تزوِّدونا بمقترحاتكم ووجهات نظركم وعناوينكم على العنوان التالي، للتواصل معكم وتحديد موعد مناسب للمؤتمر التأسيسي الأول.

مع خالص المودّة والإحترام

ستوكهولم: 22. 10 . 2005
صبري يوسف

Sabri Yousef
Storbyplan 27 BV
163 71 Spanga – SWEDEN
sabriyousef1@hotmail.com

Tel. 00 46 - 8 – 621 18 48
Mobil: 070 - 456 11 80


..........................................

صفحات: [1]