ما الدروس التي على الكلدان وبطريركهم تعملها من الأسقف السويدي الذي شيد كنيسة ومركزا لهم
توطئة
لي ملامة على اشقائي الكلدان لا سيما الذين يمتدحون تقريبا كل شيء خاص بهم رغم سلبياته الظاهرة. وفي هذا المقال الذي أعالج تدشين الكنيسة السويدية الكاثوليكية لمركز بنته تقريبا بعرق جبينها لصالح الكلدان، أريد القول:
1) إن أي مؤسسة تريد النهضة بشعبها وأي شعب يريد النهضة لنفسه عليه تحدي ما لديه (أي نقده) قبل ان يوجه نقده لغيره.
2) أن يتعامل هذا الشعب ومؤسساته مع النقد بإيجابية ومن أي اتى وبأي أسلوب إن كان يستند النقد الى وقائع.
3) ان تعرف هذه المؤسسة وهذا الشعب أن النهضة ومقاومة التهميش والزوال لن تتحقق الا من خلال احياء اللغة والتراث والإرث وأن الحداثة والأصالة لن تأتي الا من خلال تطوير ما لدينا بلغته وثقافته وليس تأوينه أي تعريبه من خلال اقحام الغريب والأجنبي والدخيل.
4) وهذه النقطة هي الأهم، أن يكف هذا الشعب ومؤسساته عن إثارة مواقف وتموضع أساسه الهوية الطائفية او المذهبية والظن أن أي معارض لهم هو معارض للمذهب الذي هم عليه ولرجال دينه.
تدشين الكنيسة
ولأن حديث تدشين الكنيسة التي بناها المطران (الكاردينال) السويدي الكاثوليكي تقريبا بجهوده وأمواله (تبرعات وغيرها) هو حديث الساعة، أعود من خلالها الى الوضع الكلداني ومؤسسته الكنسية والدور الذي يضطلع به البطريرك الكلداني لويس ساكو.
وأتخذ من حدث تدشين هذه الكنيسة كي أخاطبهم، وأخاطب نفسي لأنني واحد منهم وأفتخر بالانتماء إليهم واعتز بهويتهم وتسميتهم.
الدروس
وأظن هناك دروسا مهمة علينا تعلمها مما قام به الأسقف السويدي. أسرد هذه الدروس ادناه وباختصار شديد.
أولا، هذه الكنيسة ليست كلدانية ومن المعيب ان نمتدح أنفسنا بتشييدها. مساهمة الكلدان ماليا فيها مساهمة هزيلة لا تتجاوز 15% إن لم يكن أقل، من مبلغ يقدر بحوالي 54 مليون كرون سويدي من كلفتها الإجمالية. وإن طرحنا الإكرامية التي قدمها البطريرك ساكو والبالغة حوالي نصف مليون كرون سويدي، يكون المبلغ الذي جمعه الكلدان وخوراناتهم وكنائسهم حوالي سبعة ملايين كرون. عشرات الالاف من الكلدان وخورانات عديدة صار لبعضها أكثر من عشرين سنة لم تستطيع جمع مبلغ لتشييد كنيسة واحدة. وإن قسمنا المبلغ على عشرين سنة ولا نقل ثلاثين لأن التواجد الكلداني صار له أكثر من ثلاثة عقود في السويد، يكون كل ما استطاع الكلدان في السويد جمعه هو حوالي 350 ألف كرون سويدي في السنة (أي حوالي 40 ألف دولار في السنة).
ثانيا، تعامل ويتعامل الأسقف السويدي مع تشييد هذه الكنيسة والمال بصورة عامة بشفافية قل نظيرها. كل فلس له سند ومستمسك وبإمكان أي واحد ان يراجع السجلات التي وضع أغلبها على الشبكة العنكبوتية وبإمكان أي واحد ان يكتب للأبرشية ويحصل مثلا على كلفة الناقوس او كلفة المقعد الواحد فيها. وشخصيا حصلت على أغلب المعلومات من خلال الموقع الأبرشي والمراسلة مع المعنيين. وقد وضع الأسقف السويدي رابطا خاصا بتشييد الكنيسة من اول لبنة فيها الى يوم إكمال بنائها وفيه تفاصيل مذهلة:
http://www.katolskakyrkan.se/katolska-kyrkan-i-sverige/stockholms-katolska-stift/kald%C3%A9iskt-kulturcentrum-jungfru-maria-kyrka/nyhetsbrev-om-byggnationen-av-jungfru-maria-kyrka
ثالثا، أين نحن من هذه الشفافية. فمثلا، هل يمكن للبطريرك الكلداني ان يقول لنا من أين وكيف ومن سمح له ان يقدم مكافأة كبيرة مثل هذه للكنيسة السويدية وهي غنية جدا ومن أين له هذا المبلغ وكيف حصل عليه؟ وهل يمكن للبطريركية ان تجدول الملايين من الدولارات التي حصلت وتحصل عليها وتضعها بشكل شفاف امام اتباعها كما يفعل الأسقف السويدي؟
رابعا، لم ألحظ في كل الصور والأفلام التي كنت اتابعها عن تشييد هذه الكنيسة ما يشير الى الكلدان ثقافة وريازة وعمرانا ولغة او أي شيء أخر يمت إليهم وتاريخهم وإرثهم، أي يبدو ان الكنيسة والمركز مبنيان على الطراز والريازة اللاتينية وليس الكلدانية. والوضع في السويد وأوروبا بمجملها وأماكن كثيرة أخرى في الشتات وفي العراق لا سيما المناطق التي هي مباشرة تحت الإشراف البطريركي مؤسف حقا. اللغة والثقافة والريازة والطقس مهمش ومتروك وتحل محله العربية من خلال حملة التأوين التي كادت ان تنهي الكلدان لغة وثقافة وهوية ووجودا.
خامسا، قارن الوضع مع كنيسة الاسقف السويدي الكاثوليكية. عدد الكاثوليك في السويد لا يتجاوز 100 ألف شخص من مجموع سكان حوالي تسعة ملايين. من بين هؤلاء لا يتجاوز عدد السويديين الكاثوليك أكثر من 10 الاف شخص والباقي من أمم مهاجرة مختلفة وأظن أن الكلدان أكثر عددا كفئة كاثوليكية مهاجرة من أي فئة كاثوليكية أخرى. كل الكهنة في الكنيسة السويدية تقريبا أجانب، أي معارون من دول كاثوليكية أخرى، إلا أن الكنيسة السويدية والأسقف السويدي لا يسمح لأي منهم العمل إن لم يتقن السويدية كتابة ونطقا ويتقن الطقس اللاتيني السويدي. والقداديس والصلوات والأناشيد والمراسيم في الكنيسة السويدية كلها بالسويدية. ورغم ان الكثير من الكنائس السويدية قد يشكل عدد الكلدان فيها الأغلبية، الا ان الطقس السويدي هو السائد واللغة السويدية هي السائدة وليس هناك لغة أخرى وليس هناك كل يستخدم اللغة التي يريدها والنشيد المناسب وغيره، كما هو شعار حملة التأوين حيث يتم مثلا إرسال كهنة الى أوروبا وهم لا يعرفون أي شيء عن لغة وطقس الكلدان ويطبقون التأوين التعريب الذي تم تدريسهم وتدريبهم عليه مع نصوصه الإنشائية.
سادسا، الكنيسة السويدية لها طقس واحد ولغة واحدة رغم ان أكثر الذين يرتادون كنائسها من غير السويديين ولكن طقسها واحد ولغتها وأناشيدها مكتوبة بلغة سويدية كلاسيكية بعضها يصعب على أمثالي استيعابها، الا ان على كل من يرتاد هذه الكنيسة ان يتشبث بطقسها كما هو والذي يبلغ عمر بعض نصوصه حوالي 1000 سنة منذ دخول المسيحية الى السويد. وعلى كل من يرتاد هذه الكنيسة ان يحترم ثقافتها وازيائها وريازتها وأناشيدها ولغتها. وأنا صار لي أكثر من عقدين في السويد، وأرتاد الكنيسة السويدية كثير من الأحيان والحظ العدد الكبير من اشقائي الكلدان فيها، الا انني لم الحظ ان الكاهن او الأسقف في الكنيسة السويدية أوّن الطقس (عرّبه مثلا) من أجل عيون الكلدان. وهذا الحال ينطبق على أوروبا برمتها.
سابعا، الوضع في السويد وأوروبا ومناطق كثيرة أخرى مقلق لأنه يشبه وضع كل من حقه ان يفعل ما يراه موائما من لغة وصلوات. البطريركية تؤلف ما تقول انه صلوات ولكنها ليست الا انشاء عادي وبعربية ركيكة جدا يقرأه القسس والشمامسة في الكنائس بدلا من نصوصنا الكلدانية الربانية والنبوية الأصيلة. العربية هي الطاغية ولغتنا غير محبذة وطقسنا يُزدرى ويُهمش والسبب معروف ونحن ساكتون.
ثامنا، هذا الوضع المقلق جعل الكلدان يغادرون كنيستهم زرافات لا سيما الجيل الثاني من المهاجرين. هؤلاء لا يعرفون اللغة العربية. يتحدثون السورث ويفهمون ويتقنون الدارج من اللغة الطقسية ولكنهم لا يفهمون ولا يحبون العربية. ولهذا تغادر عوائل بأكملها مع أبنائها الى الكنيسة السويدية الكاثوليكية التي تستقبلهم بالأحضان ولكن لا تغيّر (أي تؤّن) حرفا من طقسها في سبيلهم، او يغادر البعض الكنيسة الكاثوليكية ويلتحق بكنائس أخرى. ومن ثم نتيجة الفوضى الطقسية العارمة التي لحقت بالكنيسة الكلدانية في السنين الأخيرة، اخذ الكثير من الكلدان يرفض قبول الأسرار مثل الزواج والعماد من كهنة كلدان ويلتجئ الى الكنيسة السويدية. عقائديا هذا لا غبار عليه ولكن ثقافيا يعد كارثة وهذه الكارثة سببها التأوين، وهذا ما نستشفه من لقاءاتنا وأحاديثنا مع الكثير من الكلدان الذين غادروا كنيستهم دون رجعة بسبب الفوضى الطقسية واللغوية هذه.
تاسعا، نحن الأن في فترة البشارة وكنيسة الأسقف السويدي لا بل السويد بأجمعها والغرب برمته مع شعوبه وثقافاته ولغاته منهمك بالتدريب على أناشيد الميلاد التي يؤدونها في الكنائس والبيوت والمدارس والشوارع والمسارح كل ضمن إطار لغته الوطنية وثقافته. اسأل أين صار التراث الإنشادي الكلداني بهذه المناسبة المجيدة؟ أي كنيسة كلدانية تتدرب عليه الأن مع جوقاتها؟ أي قس يدرب الناس على هذه الأناشيد كما يفعل القسس في الكنائس الغربية الكاثوليكية؟ وهل يعلم الكلدان أن روائع عيد الميلاد التي لديهم وفي طقسهم ربما لا مثيل لها في الدنيا؟ من هو المسؤول عن الحفاظ على هذا الإرث الذي لا يثمن؟ واي شعب يقبل ان يتم تأوينه (أي ازالته مع ثقافته وجلب الدخيل والهجين والهزيل محله)؟
عاشرا، أخشى ان الخورانات الكلدانية في السويد، وأماكن أخرى كثيرة، بدأت، ومع الأسف، تتحول تدريجيا الى مكاتب سياحة وسفر. اذهب الى أي موقع الفيس بوك لأي خورنة في السويد او أماكن أخرى وترى أخبارا وصورا للكهنة الكلدان مع مجموعة من الناس وهم إما في فلسطين او إيطاليا او بولندا او برتغال او فرنسا او اسبانيا او غيرها من البلدان. هناك خورانات وقسس خورانات من ينظم عدة سفرات في السنة الى أماكن مختلفة يتحمل مسؤولية نقل العشرات من الناس وجمع التكاليف والقيام بواجبات السفر من حجز الحافلات والطائرات والفنادق وغيره. بعض السفرات تكلف مبالغ طائلة وكل سفرة تحتاج الى جهد كبير ووقت طويل وتكاليف باهضه بعشرات الالاف من الدولارات والطامة الكبرى أنهم يروجون لهذه الرحلات السياحية ضمن القداديس التي يقيمونها. سؤالي هو: لماذا الخورانات الكلدانية وقسسها بإمكانهم تنظيم سفرات سياحية مكلفة مثل هذه وليس بإمكانهم تدريس لغتنا وطقسنا وثقافتنا وأناشيدنا في مناسبات مثل مناسبة عيد الميلاد المجيد مثلا؟ وما هو الدافع لتنظيم سفرات مكلفة مالا وجهدا ووقتا مثل هذه؟
ملاحظة:
أمل من قرائي ومتابعي الكرام إشباع النقاط الفكرية الأربع التي ذكرتها في بداية المقال حول عملية النقد والنهضة نقاشا ومحاورة، وكذلك التركيز على الدروس العشرة التي وردت فيه والبقاء ضمن سياق الموضوع وعدم إخراجه من إطاره قدر الإمكان.