لكي لا ننسى ما قلناه في 19 / تموز / 2014 م .... بخصوص سقوط الموصل بيد الأرهاب الداعشي في 10 / حزيران / 2014 م عن اسباب هذا المأزق وكيفية الخروج منه ، وها اليوم 10 / تموز / 2017 م أي بعد ثلاثة سنوات وأربعين يوما بالتمام والكمال تحررت الموصل من قبضة الأرهاب الداعشي بدماء الآلاف من أبناء الوطن ممن رووا هذه الأرض بدمائهم الزكية الطاهرة من أجل تحرير الانسان والأرض ليبعثوا فيها الحياة من جديد لتزهر زهورها وتستمر الحياة .... وبالنظر لأهمية ما ذكرناه في مقالنا أدناه نعيد نشره ليطلع على ما ورد فيه من استنتاجات وتوقعات وما قد يحصل بعد داعش من صراعات قومية ومذهبية محتملة وكم كانت توقعاتنا واستنتاجاتنا سليمة لقرأة الواقع ... يرجى التركيز.... تحياتنا
مأزق العراق وكيف الخروج منه ... ؟؟
خوشابا سولاقا
ما هي أسباب المأزق ... ؟؟
إن الأحداث الدراماتيكية التي حصلت في العراق في العاشر من حزيران الماضي وما بعده أحداث تكاد لا تصدق من عاقل ومدرك وكانت أحداث بمثابة زلزال هز أركان الدولة العراقية الهشة أصلاً وهدد وجودها في الصميم بعواقب وخيمة أقلها التهديد بالتقسيم الى أقاليم وربما دويلات طائفية وأثنية كل بحسب مقاسه وخصوصيته متناسين إنتمائهم الوطني العراقي ، وكانت كالبركان الثائر فجر قلب العراق النابض بالحياة والذي أدماه أقزام السياسة الذين لا يجيدون من فن السياسية غير المشاكسة البليدة الغير المنتجة للخير ، وصار حال العراق كذلك الشهيد اليتيم المجهول الذي لا يوجد من يرثيه ويبكيه ويواري جثمانه الثرى ، كل ذلك حصل في ظل عجز المتمسكين بسلطة الدولة لردع العابثين بأمنها وبأمن المواطن لأن ذلك ليس ضمن برامجهم التي يستقتلون من أجلها ليلاً ونهاراً . بالتأكيد إن هذا الوضع المستجد في العراق سوف يلقي بظلاله المعتمة والمحزنة على حالة الوضع العراقي وتركيبته الأجتماعية بجبال من الأحقاد والكراهية ورفض قبول الآخر بين مكوناته المذهبية والقومية والدينية والتعايش السلمي بأمان ، ويعمق من حدة النزعات التناحرية ، وتعلوا الأصوات المنادية بالدعوة الى الأنفصال وتشكيل كيانات قومية وطائفية ، والتي بدأت بوادرها تلوح في الأفق بدعوة الأخوة الكورد الى إنفصال الأقليم وإعلان إستقلال كوردستان عن جسم العراق وقيام الدولة الكوردية ، وربما يلحق ذلك مستقبلاً إذا تطورت الأحداث على وتيرة ما هي عليه الآن الى قيام دولة سنية لعرب السنة ، وأخرى شيعية لعرب الشيعة ، ورابعة دولة قومية للأخوة التركمان ، وربما دولة خامسة لما تبقى في العراق من المسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين باعتبارهم سكان العراق الأصليين ويكون ذلك حقاً مشروعاً في ظل هذا الواقع ، وربما يطالب الأخوة الأيزديين أيضاً بحق تقرير المصير بشكل ما ويكون ذلك من حقهم الطبيعي حالهم حال غيرهم من المكونات في ظل غياب دولة وطنية قوية قادرة على حماية مواطنيها من العدوان سواءً كان ذلك العدوان من داعش أو من غيرها من التنظيمات المتشددة كما هو الحال في العراق اليوم . وبعد هذه الأوضاع الغريبة والعجيبة سوف تعم العراق الفوضى وغياب الأمن والآمان ، وتسود ثقافة القتل على الهوية والثأر والأنتقام المتبادل التي زرعت بذورها سياسات الحكومات القومية الشوفينية في السابق وعمقتها بشكل واسع ومقرف سياسات الحكومات القائمة على المحاصصة الطائفية والأثنية المقيتة التي توالت على حكم العراق بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 ، وتركت هذه السياسات على أرض الواقع العراقي أثاراً لا يمكن محوها لعشرات السنين من الزمان . كل هذا ما حصل واصبح واقعاً معاشاً ويعاني منه المواطن العراقي في كل لحظة من حياته اليومية . في الحقيقة ليس هذا هو المهم في الأمر ، بل إن ألأهم منه هو هل أن ما حصل كان بفعل عوامل داخلية وطنية بحتة ، أم كان بفعل عوامل أجندات خارجية لدول الأقليم والدول الكبرى المهيمنة على القرار السياسي الكوني ؟؟ ، أم بفعل العوامل الخارجية ودعم العوامل الداخلية الوطنية ؟ لأن يكون العراق وغيرة من البلدان التي لا تمتلك قرارها الوطني المستقل مثل سوريا ولبنان وليبيا وغيرها من بلدان الربيع العربي الضحية وكبش الفداء لمخططات تلك الأجندات الدخيلة والمشبوهة لأعادة رسم الخارطة السياسية الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط الجديد يؤدي الى تقسيم المقسم وتجزئة المجزء الى دويلات أثنية وطائفية تسودها سياسة الثأر والأنتقام والقتل على الهوية القومية والدينية والطائفية يكون الخاسر الأكبر فيها أبناء الأقليات القومية والدينية بالدرجة الأساس وشعوب المنطقة ، والرابح الأكبر فيها يكون الأجنبي القوي القابع وراء حدود الأقليم وشركائه الأقليميين والعملاء في حكومات تلك الدول . بالتأكيد هناك عوامل خارجية والمتمثلة بأجندات سياسية لدول الجوار العراقي والقوى الدولية المهيمنة على القرار الكوني التي تقتضي مصالحها الحيوية أن يحصل ما حصل في العراق وأن يستمر على هذا المنوال الى أبعد مدى ممكن ، إضافة الى وجود عوامل داخلية المتمثلة بتلك الأجندات السياسية الفئوية والشخصية التي إرتبطت مصالحها بمصالح القوي الأجنبية والأقليمية الطامعة بخيرات العراق الوفيرة وإرتضت لنفسها أن تكون أداة طيعة بيد الأجنبي والغرباء الطامعين وأن تكون خادمة لأجنداتها السياسية والأقتصادية وتشاركها في سرقة ونهب أموال العراق على حساب الأمعان في إفقار الشعب العراقي وإذلاله في لقمة عيشه وأن تزيد من بؤسه وشقائه ومعاناته يوم بعد آخر تعددت وتوسعت وشملت كل مناحي الحياة العراقية ، وقد تجلى ذلك بأوضح الصور في حجم الفساد المالي والأداري المستشري في كل مؤسسات الدولة والتطاول الفض من قبل كبار مسؤولي الدولة وزبانيتهم من القطط السمان على المال العام وتحويلة الى خارج الوطن بدلاً من أن يستثمر في الداخل في إعادة بناء البنى التحتية للأقتصاد الوطني كما هو حال سراق المال العام في أقليم كوردستان والتي هي نقطة إيجابية تسجل لصالح سراق المال العام في حكومة أقليم كوردستان ، لو كان الأمر كذلك لأصبحت حالة بغداد مثل حالة أربيل وليس لأن تكون مماثلة لحالة أية قرية عراقية في زمن مدحت باشا رحمه الله الوالي العثماني في بغداد . !!!!
كيف الخروج من المأزق ... ؟؟
لقد تراكمت سلبيات الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في العراق بعد عام 2003 بفعل سياسات الأقصاء والتهميش والتمييز القومي والديني والطائفي بشكل خاص والتطبيق الأنتقائي لقانون المساءلة والعدالة بحق البعض دون البعض الآخر ، وسعي الحكومات المتوالية الى تحميل البعض مسؤولية ما قامت بة الحكومة الديكتاتورية السابقة من ممارسات مقيتة بحق الشعب العراقي ، مما عمقت من ثقافة الثأر والأنتقام بين مكونات الشعب العراقي . هذه السياسات هيئة الأرضية المناسبة والظروف الموضوعية الملائمة وانضجت الظروف الذاتية لمن شملتهم هذه السياسات لأن تعلن تمردها على هذا الواقع أالمزري ودفعتها بحكم تلاقي الأهداف بمعاداة النظام لأن تتحالف مع قوى الشر والأرهاب المتمثلة بالقاعدة وداعش وغيرها لأن تعلن ثورتها على النظام . إن ممارسات الحكومة غير المتزنة وغير الحكيمة وغير الرصينة والمبنية على ردود أفعال غير محسوبة النتائج والتي لا تتسم بروح المشاركة الوطنية الحقيقية في صنع القرار الوطني ، وفقدان الثقة الراسخة بالشركاء في الوطن ، وعدم استجابتها للمطالب المشروعة لسكان المناطق التي لا تسيطر عليها اليوم الحكومة الأتحادية في أقليم كوردستان والمحافظات السنية وحتى بعض المحافظات الشيعية في الفرات الأوسط والجنوب هي التي كانت السبب التي أوصلت الأمور الى ما وصلت إليه اليوم الى هذه الدرجة من السوء والتي غدت تهدد مصير وحدة البلاد الجغرافية ، وهي التي جعلت الحكومة التي يرأسها السيد دولة رئيس الوزراء نوري المالكي في واد والآخرين في واد ِ آخر والجميع في حالة من الهيجان من المناكفات والمشاكسات وتبادل التهم في الفراغ تاركة داعش تلعب لوحدها في الساحة كما تشاء وكما يحلو لها وتمسك بزمام المبادرة كما تنقله لنا الأحداث على الأرض وليس كما تنقله وسائل إعلام الطرفين وأصبح شمال الخالص وسامراء وغرب بغداد لا يمكن للمواطن العراقي العادي عبورها نحو الشمال والغرب ، أين أصبحت السيادة الوطنية التي تقنع المواطن بوحدة العراق أرضاً وشعباً . ليس بمقدور القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات الأرهابية ان تجد لنفسها موطئ قدم وتؤسس لحضور مؤثر وفعال بأبسط أشكاله ، وليس بمقدور الكورد وغيرهم من المكونات ان تجد من الأسباب والمبررات لنفسها لأن تطالب بالأستقلال والأنفصال عن جسم العراق إذا كان هناك في بغداد العاصمة حكومة وطنية تؤمن بالشراكة الوطنية الحقيقية وعادلة مؤمنة بالوطن لا تميز بين مواطنيها على أساس العِرق والدين والمذهب ، وتستند على الدستور والقانون في منح الحقوق وتوزيع الواجبات بين أبناء الوطن الواحد ، وبناء توازن وطني في توزيع المهام بين مكوناته ورفض المحاصصة بكل أشكالها وإعتماد مبدأ الولاء الوطني والهوية الوطنية . عندها سوف تنتهي داعش وتتبخر من أرض العراق في لمحة بصر دون الحاجة الى إراقة دماء الأبرياء (( ولد الخايبة )) وحرق المليارات من الدولارات لشراء الأسلحة وذمم ضعاف النفوس ، داعش وبكل التداعيات التي لحقت بالعراق بعد العاشر من حزيران هي النتيجة الحتمية للسياسات غير المتزنة وغير المدروسة نتائجها وعواقبها الوخيمة التي أدخلت البلاد الى نفق الحرب الأهلية الطائفية التي لا نعرف مداها ، وعليه نرى أن معالجة هذه النتيجة وإستئصالها من أرض العراق يأتي حتماً من خلال معالجة واستئصال الأسباب المؤدية لها .
يا أيها السادة السياسيين الذين يستقتلون على الكراسي والمناصب الخاوية والخالية ممن يستحقونها من رجال يجيدون فن إدارة الدولة وحقن دماء أبناء الوطن وحماية أموالهم من النهب والسرقة والبذخ غير المجدي وغير المبرر كما هو عليه الحال اليوم . نقول للجميع محبة بالعراق وبعوائلكم التي من نتائج أفعالكم براء عودوا الى رشدكم وسلموا السفينة الى من تجدونه من بينكم كفوء ومخلص ونزيه يجيد قياتها ويتمكن من إيصالها الى بر الأمان بسلام ، فذلك يكون خير لكم وللعراق وللعراقيين الذين عانوا الكثير من المصائب والمهانة والتشرد في بلدان الغربة ومذلتها تاركين لكم نافذة ولو صغيرة تطل على مسرح التاريخ المشرف تذكرون بها بخير من الأجيال التي يورثون أرض العراق من بعدكم ، اتركوا لكم أثراً وذكراً طيباً بعد رحيلكم .
خوشــابا ســولاقا
19 / تموز /2014 – بغداد