نظرة قلق ومحبة الى مسيحيي العراق! انتجت كاردينالا!
بقلم عادل دنو
البابا بنديكتس السادس عشر:"نؤكد مجددا تضامن الكنيسة جمعاء مع مسيحيي تلك الأرض الحبيبة، سائلا الله المصالحة والسلام".
ترأس البابا بندكتس السادس عشر صباح السبت 24\11\2007 في كنيسة البازيليك الفاتيكانية الكونسيستور العادي العام، وسط مراسيم مهيبة وحاشدة سلم خلاله القبعة الكردينالية لـ 23 كردينالا جديدا في الكنيسة الجامعة، من بينهم بطريرك بابل على الكلدان غبطة عمانوئيل الثالث دلي، وينحدر الباقون مثله من دول مختلفة ومن كل بقاع المعمورة. وقد نقلت المراسيم متلفزة، وبحضور وفود تمثل دول العالم، ومن ضمنها العراق الذي تكوًن من وزيرة حقوق الانسان وجدان ميخائيل، ومعها وفد يمثل نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، ووفد آخر يمثل حكومة اقليم كردستان، وآخر يمثل برلمان العراق من ضمنهم ممثل الكلدوآشوريين يونادم كنا. وقد لوح الوفد المشارك بالعلم العراقي مع تصفيق حاد كلما ورد اسم العراق واسم كارديناله. لقد كان اشبه بعرس كبير جمع القلوب وآلف بين المختلفين ولم الفرحة تحت راية واحدة.
حظوة العراق في عيني قداسة البابا وقلقه ومحبته اعطت مكانة مميزة للعراق واهله في حاضرة الفاتيكان وفي روح رأس الكنيسة، ادت الى تنصيب عراقي كاردينالا، ليكون ثاني عراقي ينال هذا التقدير من الكرسي الرسولي وليكون ايضا رابع شرق اوسطي بعد نصر الله صفيرمن لبنان بطريرك الموارنة (26/11/1994) موسى الاول داود من لبنان بطريرك انطاكية للسريان الكاثوليك واصله من برطلة العراق مولود في سوريا، واسطيفانوس غطاس من مصر (21/02/2001) بطريرك الاقباط الكاثوليك.
فما هو الكاردينال؟
ان الكاردينال هو أحد كبار الإكليروس، عادة ما يكون بدرجة أسقف، في الكنيسةِ الكاثوليكية الرومانيةِ. ومعروفون بشكل جماعي بمجمع الكرادلة، الذي من بين مهماته الكبيرة انتخاب البابا الجديد. وتتضمن واجباتهم حضور اجتماعات مجمع الكرادلة وتقديم الاستشارة الى البابا عند الطلب بشكل منفرد أَو بشكل جماعي. معظم الكرادلة يحملون القابا اخرى حسب واجباتهم الأصلية، مثل بطريركية، اسقف أبرشية، رئاسة اسقفية أَوإدارة قسم من اقسام الدئرة الكنسية في روما.
أثناء شغورالكرسي، فان الفترة بين موت البابا وإنتخابِ وريثه، يقوم مجمع الكرادلة بتصريف شؤون الكنيسة كلية. والكاردينال له الحق في الدخول الى الإجتماع السري مع الكرادلة الاخرين لانتخاب البابا اما الان فقد تم تحديد عمر الكرادلة الذين يحق لهم الانتخاب بثمانين سنة وتحسب من يوم وفاة البابا.
ان تعبير الكاردينال تشير الى أي كاهن عين بشكل دائم أَو جعل مسؤولا عن كنيسة، أَو بشكل مُحدد إلى الكاهنِ الأقدم لكنيسة مهمة، مأخوذة من اللفظة cardo اللاتينية (اساسي)، بمعنى "مدير" أَو "رئيس". استعمل هذا التعبير بهذا المعنى بحدود القرن التاسع لكهنة(خورنات) أبرشية روما. في القرن الثاني عشر، بدأت ممارسة تَعيين قسس من خارج روما ككاردينالات ، حيث يخصص لكل منهم كنيسة في روما ككنيسة فخرية، أَو يربط بإحدى أبرشيات suburbicarian، بينما ما يزال معينا في أبرشيته عدا روما.
الا انه فى وقت متأخر من العصور الوسطى كان عنوان الكاردينال بارزا نظرا لكهنه الكنائس الهامة ، على سبيل المثال، في القسطنطينيه ، ميلان ، رافينا ، نابولي ،وغيرها.
على أية حال ظهر تأثير الحُكَّامِ الدنيويينِ، بشكل خاص الملوك الفرنسيين، ظهر ثانيةً بشكل كبير عن طريق كاردينالات بعض الجنسيات أَو الحركات الهامة سياسياً؛ وتطورت التقاليد بقيام بعض الملوك الاوربيين - على سبيل المثال: - النمسا، إسبانيا، والبرتغال - بترشيح رعاياهم من رجال الدين الموثوق بهم لينالوا منصب كاردينال، وكان يدعى كاردينال التاج.
في أزمنة مبكرة، كان للكاردينالات أدوار مهمة في أغلب الأحيان في الشؤون العلمانية. في بعض الحالات، احتلوا مواقع قوية في الحكومات. مثال هذا وُجد في إنجلترا في عهد هنري الثّامن حيث كان رئيس وزرائه الكاردينال توماس كاردينال ولسي. مثال آخر بارز بدرجة أكبر كاردينال ريتشيليو الذي قوته في فرنسا كانت عظيمة جداً بحيث اعتبر من قبل الكثير كرئيس الوزراء الأول في العالم. في الحقيقة، ريتشيليو كان ناجحا جداً وكذلك خلفه واخرين.
مبدئيا، كان يمكن للبابا أَن يستبدل مجموعة الناخبين بمجمع الكرادلة. إقترح البعض بأن مجمع الاساقفة يجب أَن يؤدي هذه الوظيفة، لكن الإقتراح لم يُقبل، لأن، من بين أسباب أخرى، فان مجمع الاساقفة يُمكن فقط أَن يجتمع بدعوة من البابا.
مجمع الكرادلة
حدد البابا سيكستوس الخامس(1585-1590) عدد الكرادلة إلى 70، ويتكون من ستة كرادلة أساقفة، 50 كاردينالا من الكهنة، و14 كاردينال من الشمامسة. عام 1975، وَضعَ البابا بولس السادس تحديد لعمرالناخبين بثمانين سنةِ، على ان لا يزيدوا عن 120، لكن لم يضع تحديدا لعدد الكرادلة ككل. في احدى المناسبات، في 21 تشرين الأول 2003، رفع البابا يوحنا بولس الثاني عدد الكرادلة الذين يحق لهم الدخول الى الإجتماع السري إلى اكثرمن 120، ربما اعتقد بأن، وكان موته يقترب، العدد منخفض بما فيه الكفاية حتى يتم انتخاب خلف له. وفي الحقيقة، عندما توفي يوحنا بولس الثاني، فقط 117 من الكرادلة آنذاك من اصل الـ183 كانوا بعمر يخولهم لكي يكونوا ناخبين. اما البابا بولس السادس فقد اراد زيادة عددَ الكرادلة الاساقفة أيضاً، بإعْطاء حق نيل الرتبة إلى بطاركة الكنائس الكاثوليكية الشرقية.
لماذا كاردينال من العراق ؟
قال قداسة البابا بينديكتس السادس عشر في كلمته عند افتتاح المراسيم مشيدا بدور الكرادلة الجدد وخدمتهم المتفانية للكنيسة وذكر فيها بشكل خاص اهمية تنصيب البطريرك دلي كاردينالا، مشيرا الى صمود العراقيين بوجه المحن والصعاب في السنوات الاخيرة، ووجه أيضا شكره الخاص للوفود العراقية الرسمية والشعبية التي شاركت في مراسيم التنصيب..
وبسط في كلمته انه اراد ان يعطي دلالة على "التقارب الروحي" و"التعاطف" مع مسيحيي العراق من خلال تعيينه بطريرك الكلدان عمانوئيل الثالث دلي كردينالا. "كيف يمكننا في لحظات الفرح هذه الا ننظر بقلق ومحبة الى مسيحيي العراق؟".
واضاف ان "اخواننا واخواتنا يعيشون بايمانهم التداعيات المأساوية لنزاع مستمر ويعيشون الاوضاع السياسية المعقدة والهشة". ومضى يقول "اردت من خلال تعيين بطريرك كنيسة الكلدان الكاثوليكية العراقية كردينالا ان اعرب بشكل ملموس عن تعاطفي مع مسيحيي هذا البلد".
اوضح البابا "نود ان نؤكد معا على تضامن الكنيسة كاملة مع مسيحيي العراق وان نطلب من الله ان يمنح كل الشعوب المعنية بهذا النزاع السلام وامكانية التوصل الى مصالحة".
القلق كبير، نعم، والتداعيات المأساوية رهيبة، والاوضاع في ازمة، أجل الأزمة ازمة كبيرة لا جدال في ذلك، اختلطت فيها مهاترات دول وجماعات وصار العراق ميدانا لتصفية الحسابات وتضارب المصالح، وصار يماً تتدافع فيه العواصف، والامواج اغرقت عبارات السلام والعيش المشترك، وسفن الامان والسواحل الهادئة، سلسلة الشرور التي ابتليت بها ارض بابل وآشور، شراسة جاهلية ومخالب مغولية تنهش بمعول الحقد وتقتلع كل براعم الخير.
القلق كبير والتضامن مع شعب مسالم مطلوب، اشعال شمعة سلام في ظلمة الانانية والسياسة المتردية. المأساة كبيرة والمؤاساة ضرورية والتعاطف مهم في نزاع التشرذم. اذن ترنيمة هادئة واغنية طائرة ومصافحة روحانية، كان ينتظرها العراق بفارغ صبر، ينتظرها من كل اصقاع المعمورة، من انسان يحس باحساس من له جذور تاريخية حضارية معلمة.!
العراق وابنائه ابناء الرافدين وبابل واشور اذن افتخروا بهذا الانجاز الكبير الذي عده بعض المتفتحين الذين يثلجون الصدور بفكرهم تكريما من قبل الحبر الاعظم الى شعب جريح ووطن مدمى يمر بظروف صعبة. ويرى البعض كما لمح قداسة البابا الى انه يمكن ان يكون هذا الحدث خيرا وسلاما لبداية انهاء الاضطراب وانهاء معاناة العراقيين عموما والمسيحيين بشكل خاص اذ وقعوا بين المطرقة والسندان وهم الذين كانوا كغصن الزيتون في جميع الدهور المظلمة التي مرت على العراق، كون الاشوريين الكلدان السريان هم اول من اعتنقوا المسيحية ويفخرون بقدم كنيستهم الرسولية. وهم اصحاب اعرق حضارة عرفها الانسان وعلى ارض العراق الواحد، لذا فهو يستحق ان يكون احد ابنائه البررة غصن زيتون جديد يزرع في غابة علها تنعش الوطن والكنيسة، انه استحقاق المرحلة عن تاريخ طويل مضمخ بدم شهداء حملوا صليبهم وافتخروا بالشهادة وكل سنوات العراق الخضراء منذ شابور والى اليوم نمت وتنمو بذلك الدم المسفوك على ارضه.
انها لمفخرة للعراقيين جميعا ان يكون هناك من يستحق لقب كاردينال التي تعني ان هذا الرجل هو علامة سلام ومدشن طريق للقداسة وفاعل بهدوئه ومتفاعل بتواضعه وعامل عيش مشترك في بلد متعدد الثقافات، ومكرس ذاته لتحمل كل المشقات لفتح اخر السبل للحوار، وتنصيبه هذا هو انتصار للعراق المضطهد واعتراف بالبلد الذي كان له موقعه المتميز في حضارة الانسانية، حضارة المحبة والسلام والاخاء، منجب رجالات عظام وعلماء وفلاسفة وشعراء ورجال دين سخروا علمهم لخدمة الانسان اولا في هذا البلد الذي ينخره الاعداء.
انها رسالة في جبينه الى العالم ان ابن حضارات اشور وبابل يحمل صبر العراق ومعاناة اهله، على المعاول التي تحاول النيل من وحدته، انه يحمل تفاني العراقيين في حب وطنهم، وهو عنوان رفض لكل ما يناقض العيش المشترك، وهو صاحب دستور العراقي اولا ثم الالوان المختلفة، واذا وافق الجميع فلا الوان مُفرًِِقة، ولا زهور شريرة في حديقة الوحدة، فالكل للعراق، والعراق للكل.
ثم انها دلالة وكما اشار الكاردينال بكلمته، على اصرار مواصلة الجهود من اجل توحيد صفوف ابناء بلاده بمختلف اديانهم وطوائفهم وأطيافهم، وخدمة بلاده المعذبة حتى اخر قطرة من دمه. هذه هي الرسالة المسيحية العراقية، انها خطاب عراقي مائة بالمائه، خطاب تنكر الذات. ان هذه المناسبة او الرسالة لا تقل أن تعمقنا في مدلولاتها، عن تمثيل العراق بأبنائه في المحافل الدولية، لا يقل ان اردنا عن فوز منتخب العراق في بطولة دولية، الحدث الذي ارانا عمق انتمائنا الى العراق بغض النظر عن كل الاشياء والاكسسوارات الاخرى.
كاردينالات عراقيون
ومن مراجعة بسيطة لحيوات الكرادلة العراقيين لوجدنا الدلالات المهمة لانتخابهم والرسالة التي تقدمها الكنيسة للعالم من خلالهم، و كان المرحوم أغناطيوس جبرائيل الأول تبوني عام 1935، اول كردينال من العراق والشرق الاوسط.
حياته
ولد عبد الاحد داود تبوني ، وعمّدَ باسم جبرائيل، في الموصل في 3 تشرين الثاني 1879 وتلقى دروسه الابتدائية في مدرسة الطاهرة للسريان الكاثوليك بالموصل دخل عام 1893 اكليركية مار يوحنا الحبيب للآباء الدومنيكيين في الموصل ايضا. سيم كاهناً في 3 تشرين الثاني 1902 بوضع يد المطران غريغوريوس بطرس هبرا متّخذاً اسم عبد الأحد. وقام عدة سنوات بالتعليم في نفس المعهد حتى 1908, وكان يعمل سكرتيرا للقاصد الرسولي في بلاد ما بين النهرينِ.
وفي 12 ايلول 1912 أنتخب اسقفاً على بطنان وسوج شرفا ونائباً عاماً على أبرشية ماردين البطريركية في 12أيلول 1912، وعُين أسقفا فخريا لابرشية دنابا ونائبا رسوليا كلدانيا لمنطقة ماردين. عُين تبوني ثانية أسقفا فخريا لابرشية سعرد في 19 كانون الثاني 1913، الذي كان نفس تأريخِ رسامته الكنسية على يد البطريرك إغناطيوس رحماني. في رسامته أَتخذ اسم تيوفيلس جبرائيل. أثناء الحرب العالمية الأولى، سُجِن مِن قِبل الأتراك العُثمانيينِ في حلب أثناء حملة عثمانية لذبح المسيحيين. وحاول العديد من الناسِ التدخل والتفاوض لإطلاقِ سراحه، بضمن ذلك الإمبراطورِ النمساوي فرانز جوزيف.
بعد إطلاق سراحه، عين رئيسا لأساقفة حلب من قبل البطريرك رحماني في 24 أيلول 1921. تم اختياره بالإجماع بالمجمع الكنسي السرياني خليفة لرحماني الراحل بطريركا لانطاكية، رئيسا للكنيسة الكاثوليكية السريانية. ثبت انتخابه البابا بيوس الحادي عشر في 15 تموز التالي، ونصبه كاردينالا في 16 كانون الأولِ 1936. وتبوني، الذي أَتخذَ لنفسه اسم إغناطيوس جبرائيل، كان اول أسقف من الشرقِ الذي يرقى إلى مجمع الكرادلة.
تبوني كان أحد الناخبين الأصليينِ من الكرادلة الذين شاركوا في مجمع 1939 السري البابويِ، الذي إختار البابا بيوس الثّاني عشر، وصوت ثانيةً في مجمع 1958 السري، الذي إختاروا البابا يوحنا الثّالث والعشرون. من 1962 إلى 1965، حضرالمجمع الفاتيكاني الثاني، وجلس على منصة الرئاسة. أثناء مناقشة المجلس موضوع معاداة السامية، وصف تبوني الوثيقة انها غير مناسبة، فاعتراف الفاتيكان بإسرائيل تغضب زعماء مسلمين في الشرق الأوسط. بعد مشاركته ككاردينال ناخب أصلي في مجمع 1963 السري، قدم تبوني استقالته عن الكاردينالية في 11 شباط 1965.
توفي في بيروت في 29 كانون الثاني 1968 عن عمر ناهز الـ 88، ودفن في كاتدرائية السريان الكاثوليك هناك.
مهمات الكرادلة الجدد
قال البابا بندكتس السادس عشر: "أفكرُ بعاطفة كبيرة بالجماعات الموكلة إلى عنايتكم، لا سيما تلك المعانية من الألم، ومن تحديات ومصاعب متعددة، ومن بينها الجماعات المسيحية في العراق. ومن خلال اختيار بطريرك الكنيسة الكلدانية ليكون عضوا في مجمع الكرادلة ـ قال الأب الأقدس ـ أردتُ التعبير بطريقة ملموسة عن عاطفتي وقربي الروحي من هؤلاء السكان.
وعن موقع الكرادلة الكنسي قال الحبر الأعظم أن الكرادلة هم أقرب مستشاري ومعاوني خليفة بطرس في قيادة الكنيسة، وقال إن الاحتفال بالكونسيستوار لهو على الدوام مناسبة ربانية لتقديمِ شهادةٍ لمدينة روما والعالم أجمع على الوحدة الفريدة التي تجمع الكردالة حول البابا، أسقف روما. كما وأشار إلى أن الأزمنة تبدلت والعائلة الكبيرة لتلاميذ المسيح منتشرة اليوم في كل قارة وحتى أقاصي الأرض، وتتكلم كل لغات العالم، وتنتمي إليها شعوب من كل ثقافة.
ولعل اهم الدروس المستقاة من تناغم كرادلة مختلفو الاعراق والثقافات، هي ما أضافه البابا بقوله إن تعددية أعضاء مجمع الكردالة، إن من ناحية انتمائهم الجغرافي أم الثقافي، تسلط الضوء على هذا النمو وتظهر في آن معا تبدل المتطلبات الراعوية. وأشار إلى أن كاثوليكية الكنيسة تظهر أيضا في تركيبة مجمع الكرادلة مؤكدا أن كل واحد من الكرادلة الجدد يمثل جزءا من جسد المسيح السري، أي الكنيسة المنتشرة في كل مكان.
وقال البابا: أدرك جيدا أن الإهتمام بالأنفس يتطلب اليوم تضحية كبيرة، ولكنني أدرك أيضا السخاء الذي يؤازر نشاطكم الرسولي اليومي، ولهذا، أعبرُ عن تقديري لخدمتكم الكنسية الأمينة التي تقدمونها منذ سنين طويلة، وهي خدمة ستتطلب مسؤولية أكبر مع مهمتكم الجديدة المدعويين إليها، عبر شركة وثيقة مع أسقف روما.
إن مرقس الإنجيلي يذكرنا بأن كل تلميذ حقيقي للمسيح يستطيع أن يتوق إلى شيء واحد وهو أن يشاركه ألمه بدون المطالبة بأية مكافأة. فالمسيحي مدعو ليكون "خادما" من خلال اتباع المسيح، أي مقدما حياته مجانا للآخرين، وقال البابا: إن العظمة المسيحية الحقيقية لا تكمن في السيطرة بل في الخدمة. ويكرر يسوع اليوم على مسامعنا "بأنه لم يأت ليُخدم بل ليَخدم"، داعيا الكرادلة الجدد لجعل كلمات يسوع هدف خدمتهم.
وتابع البابا يقول: إن الرب يدعوكم إلى خدمة المحبة: محبة الله وكنيسته ومحبة الأخوة بتفان. ودعاهم أيضا ليكونوا شهود الرجاء الإنجيلي وقال إن احتفال اليوم يسلط الضوء على المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقكم والتي تجد تأكيدا في كلمات بطرس في رسالته الأولى:"كرموا الرب يسوع في قلوبكم وكونوا أبدا مستعدين لأن تردوا على من يَطلب دليل ما أنتم عليه من الرجاء." وأشار البابا إلى أن هذه المسؤولية لا تخلو من المخاطر، مذكرا مرة جديدة بكلمات القديس بطرس:"فخيرٌ لكم أن تتألموا وأنتم تعملون الخير، من أن تتألموا وأنتم تعملون الشر."
وختم البابا بندكتس السادس عشر كلمته قائلا: غدا الأحد وفي هذه البازيليك الفاتيكانية أيضا، سأحتفل بالقداس الإلهي في عيد يسوع ملك الكون مع الكردالة الجدد وسأسلمهم خاتم الكردينالية. وستكون مناسبة هامة للتأكيد مجددا على وحدتنا في المسيح ولتجديد إرادتنا المشتركة في خدمته بسخاء.
الكاردينال الجديد
يبلغ الكاردينال عمانوئيل الثالث دلي الثمانين من العمر اذ ولد كريم دلي في شمال العراق في تلكيف عام 1927 دخل الى اكليريكية الرهبان الدومينيكان الفرنسيين في الموصل. ثم درس اللاهوت في روما وحاز على شهادة الدكتوراه في اللاهوت، وأصبح كاهنًا في كانون الاول سنة 1952، ثم سيم أسقفًا سنة 1962، وهو في الرابعة والثلاثين من العمر، وأصبح بطريركًا للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في الثالث من شهر ديسمبر/ كانون الأول سنة 2003 خلفًا للبطريرك مار روفائيل الأول بيداوييد. وهو اول مسيحي عراقي من الكنيسة الكلدانية يسميه الفاتيكان كاردينالاً.
كرس دلي حياته كلها لقضية كنيسته الكلدانية التي بقي الى جانبها عبر المراحل الدامية التي عصفت في العراق مع انهيار الانظمة وتشكيل انظمة جديدة، وصولا الى حروب الخليج.
وعرف الكاردينال دلي الثالث بعلاقاته داخل وخارج العراق وبقي داخل العراق لم يغادر كنيسته في حي المنصور ، على الرغم من الاخطار التي كانت تهدده وقد نجا دلي مرات عدة من عمليات القصف عندما كان نائبا لسلفه البطريرك رافائيل بيداويد، ويذكر انه اصيب بجروح خفيفة نتيجة تهشم زجاج اثر احد الانفجارات.
علما ان حي المنصور كان يعتبر من الاحياء الساخنة في كرخ بغداد. وكانت عدد من الكنائس في بغداد تعرضت لهجمات انتحارية خلال السنوات الثلاث الماضية راح ضحيتها عدد من المسيحيين. واضطر البطريريك دلي الثالث الى الطلب من مسيحيي بغداد العام الماضي للاحتفال بعيد الميلاد المجيد ببيوتهم بسبب ازدياط وطاة العنف وقتئذ.
بطريركيته في العراق جاءت في مرحلة صعبة جداً. قبل أَن يصبح بطريركا كان قد جرح جرحا خفيفا بالزجاج المحطم في هجوم. لِذلك هو كان بقوة قلق بشأن حالة الأمن هناك. بالرغم من أنه متفائل بشأن الإنتخابات العراقية أبدى نقداً حول الزيادات في العنف ضد المسيحيين. أَخذَ الجهود لتحسين روح السكان المعنوية، يَبقي العلاقات الصداقة مع الزعماء الإسلاميين، لتثبيت الأمان، والعمل على إطلاق الضحايا المختطفين.
مار عمانويل الثّالث دلي مشهورة فيه روحية الإحترامِ والتعاونِ التي يتعامل بها مع رؤساء الكنائسِ والمعتقدات الأخرى، وخاصة المسلمين، وغبطة البطريرك لَيس أبا فقط للكنيسة الكلدانية، لكن لكل المسيحيين في العراق، خصوصاً في هذه الأوقات الشاقة العصيبة.
وله في الفلسفة، دراسة مقدمة الى الجامعة الاوربانية بعنوان:" وجود الله طبقاً لابي نصر الفارابي "
وحاصل على دكتوراه في عِلْم اللآهوت المقدّس، من جامعة لاتيران. ثم شهادة دكتوراه ثانية من نفس الجامعة في القانون الكنسي.
واخيرا فانه يجيد اللغات السريانية، العربية، الإيطاليةَ، الفرنسيةَ، اللاتينية، والإنجليزية.
هناك طير معروف في الكثير من الولايات الجنوبية في اميركا اسمه كاردينال غني بريشه، رشيق في حركته، قوي في صوته، وهو طير اصيل أحمر اللونِ، هذا المطرب اللطِيف يستمتع بداخل الغابة، وقلب كابحات القصب الأعمق أَو المستنقعات المتقاعدة، وهو نادر وحيد. وسط هذه البيئة ينمو ويعيش ويصدح بصوته ويشنف الاذان. واليوم لنا في بيئة الفزع والخراب طير جديد يستمتع اللعب بالسلام والمحبة.
تهنئتنا القلبية له وليمنحه الرب له المجد الصحة والقوة ليبدأ مشوار السلام.