75
وزارة التربية وهزالة الشخصية الكوردية 3
فتاح خطاب
كان الجزء الثاني قد إنتهى بلقاء الغرباء مع الرفيق القافز..
حيث قلت له:
جئت أطلب حقي، دون أن أبيع نفسي او أن أكون رقماً تافهاً في سجلاتكم..
فخرج الرفيق القافز، هائجاً، مائجاً من قاعته الفخمة، دون أن يجلس،
ملوّحاً بإصبع الإتهام والتهديد قائلاً: أنت الرقم..
فأجبته على الفور: أنا لم ولن أبيع نفسى وتاريخي، لكي أتحول إلى رقم..
إثر خروجنا، عاتبني الأصدقاء على تصرفي بذلك الشكل المستفز والصادم،
مشيرين إلى أنني قد فتحت باب الجحيم على نفسي
وأضعت فرصة ذهبية، كانت من شأنها تقليب الموازين..
حتى أتعين وإستقر وأن أحصل على إمتيازات..
لحظتها شعرت بسعادة عارمة لأنني قلت ما يجب أن يقال،
على أقل تقدير، لم أرض على تعييني عن طريق هؤلاء السماسرة السياسيين،
والعتب كل العتب على الحزب الحاكم الذي يقلد ويطبق بإمتياز سياسة
الإستقطاب والإستحواذ على طريقة الفاشيين الجدد. والتي أكد عليها
صدام بقوله ( أن من يريد العيش في العراق، عليه أن يركب سفينة البعث)
(لاحظوا التطابق والتماثل!) وذلك بإستخدام الأموال العامة وإيرادات النفط ،
على حساب الفقراء والمساكين وخريجي الكليات العاطلين عن العمل
والأطفال المشردين والأرامل والعجزة والمسنين وتلاميذ القرى والمناطق النائية المحرومين من التعليم والرعاية الصحية والإجتماعية.. لأجل أن يعيش هؤلاء الأرقام والطفيليين الخراتيت، عيشة الأمراء المدللين
ممن كانوا أصلاً بعثيين، مأجورين، مخبرين وجحوشاًً فكريين ومسلحين بإمتياز
لذا لم أتعيّن ورجعت إلى السويد، معززاً مكرماً..
/ وأعجب ما في الأمر هو أن بعض مسؤولي (آخر زمان)
يتحدثون ليل نهار، عن الطريقة السويدية في التعليم والتربية
وهم لا يفقهون ولا يفهمون عن كنه وكيفية وأهمية وخلفيات
تلك التعاليم الحديثة، ولا يلتفتون إلى قانون الضمان الإجتماعي
وسياسة الكومونات وصندوق العاطلين عن العمل واللجان الشعبية..
وأقول: ووووووو.. لأنهم مازالوا يبحثون، يتناقشون ويجربون،
يتصلون ويتواصلون، ليس مع الجحوش والبائعين المخلصين او الإرهابيين المتعصبين والعرابين السياسيين،
وإنما مع ذوي الإختصاصات وعلماء نفسانيين وإجتماعيين وكتاب ومثقفين كبار../
وبعد مضي أكثر من عام كنت جالساً أمام التلفاز وإذا بأحد الممثلين الذين شاركوا معي في الأعمال المسرحية التي كنت أخرجها مجاناً..
يطل علينا من خلال مقابلة تلفزيونية، متحدثاً عن هموم المسرح والمسرحيين،
فتسائل عن الفنانين المتغيبين والمغتربين وبغتة نطق بإسمي قائلاً: يا عزيزي فتاح خطاب إرجع! المسرح ينتظركم. تعالوا لنخدم المسرح كما كنا سابقاً!
المسرح الذي ضحينا من أجله بالكثير..
حينها كانت زوجتي جالسة بجانبي، فبكيت بصمت.
فأتفقنا على العودة من جديد. رغم أنني كنت دائماً اؤكد لها
بأنني أُحس أن مدينتي ومسرحي ونقابتي ومعهدي محتلين
من قبل البعثيين والفاسدين والعبثيين وأشباه الفنانين والإنتهازيين
المحميين من الحزب الحاكم الذي يحاول السيطرة على المؤسسات الإعلامية والثقافية عموماً ترهيباً او ترغيباً وبفلوس نفطنا نحن..
ويا ريتني ما رجعت! والسبب هو أن رفيقاً آخر
طقمص دور جوبلز الهتلري فأصبح لايطيق رؤية رفاق مثقفين أحرار،
مازالوا مرفوعي الرؤوس، رافضين الإستسلام والخنوع
والعيش في كنف امراء النفط ، عبيداً أو رقماً تافهاً في سجلات بائعي النفط ،
لشراء الذمم والأقلام وخطف الكوادر من الأحزاب المحاصرة أصلاً
والمحرومة من الإستحقاقات النضالية..
بالتآمر والتواطؤ مع الأحزاب الذيول والتابعين والمدجنين على طول الخط ،
ليصنعوا بسكوتهم عن الإعتداء والتجاوزات والتحويش، ديكتاتوراً آخر
وذلك بإسم الديمقراطية والإختيارالحر والحفاظ على المكتسبات والمنجزات
و وحدة الصف الوطني والوقوف معاً أمام تحديات الوضع الراهن..!!!
لم يفكروا بأن الحرية هي أن يتمتع جميع الكتل السياسية والتنظيمات الإجتماعية والجمعيات المستقلة، الثقافية منها او الفنية..
بالحقوق المدنية والإقتصادية والفكرية، مستفيدة من خيرات وثروات
البلد على قدم المساواة
وأن الديمقراطية هي الحفاظ على الكيانات السياسية والشعبية وفتح قنوات الإتصال والتواصل، تحقيقاً لمبدأ الشراكة الفعلية في الحكم والتحكم وحرية الإختيار، دون المساس او التدخل في شؤونها الداخلية والتنظيمية وإشاعة روح التضامن والتسامح وقبول الرأي الآخر في القضايا المشتركة، تسودها الشفافية والوضوح في التعاملات
السياسية والإقتصادية والتجارية وفي إتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية،
بعيداً عن الإنفراد والتسيّد والتهميش والإقصاء..
/ وهذا ما يذكرني بالرفيق المدير العام لكونه، ليس من المبدعين
او الفنانين المعروفين، وإنما من المستفلسين القافزين من على قطار الألف ميل
ولجؤه إلى الحزب المسيطر على مقدرات الشعب ،
ليتمتع بهبات الرئيس القائد والإمتيازات المقطوعة أصلاً من رواتب المطرودين والمحرومين والمستبعدين من رفاقهم القدامى..
والقصة بدأت أو بالأحرى المسرحية الفاشلة والمفضوحة سلفاً،
حيث أن الوزير يتظاهر بأنه قد وافق على التعيين ويجيز نصاً مسرحياً، بغية الحصول على ميزانية العمل، على الرحب والسعة.
وهذا ما جعلني أندم على سوء ظني بهم وحكمي المسبق عليهم
بأنهم شلة من المستفيدين والبيروقراطيين والإنتهازيين..
يحاولون جاهدين محاربة المبدعين الشرفاء الذين لهم تاريخ مشرف
في مقاومة البعث والكفاح المسلح
وفي النزاهة والعطاءات الفكرية والفنية والأدبية..
كان الطريق بين قصري الوزير والمدير العام القافز لم يكن سوى بضع خطوات،
إلآ أنه قد طال من شدة الندم وكثرة اللوم وتوجيه النقد الذاتي.. لا يا فتاح الفوضى!
إن بعض الظن إثم..! لا,لا.. أنت فاهم غلط..!
وماذا إذا ما قفزوا؟! ليس كل من سقط خان..
وأن الوزير قد وافق ووقّع وماذا تريد أكثر مما كان؟!
فطرقت الباب ودخلت وأنا في حالة يرثى لها من شدة الخجل وسواد الوجه..
وإذا بالمدير العام القافز يفاجئني بطلعته البهية
وهندامه الملوكي وعنجهيته من وراء مكتبه الصدامي،
موجهاً لي أوامره الخشبية: كيف تجرؤ فتدخل مكتب الوزير دون أن تراجعني أنا؟!
أنا هنا المدير العام وأنت مازلت تبحث عن العمل.
ومن قال لك بأنني سوف اوافق على طلباتك يا من لا صفة له بعد
فأقتربت منه ممزقا أوراقي وناثراً عليه قصاصاتها وأنا أقول له: لكنك حامل صفة لاتزول، هي أنك بعت تاريخك ونفسك وقلمك لأجل محاربة المثقفين والفنانين الشرفاء من أمثالي أنا الذي لم ولن يبيع نفسه وفنه وقلمه.. مثلك أنت الجاهل والرخيص.. وخرجت غالقاً عليه باب الفكر والفن والثقافة إلى أبد الآبدين. والظاهر في تصرفاته الحالية والآنية، إن القلم قد تبرأ منه أيضاً
لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
للموضوع صلة
[/b]