عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - عبدالخالق حسين

صفحات: [1]
1
في الذكرى الخامسة والستين لثورة 14 تموز العراقية

د.عبدالخالق حسين

تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة والستين لثورة 14 تموز/يوليو 1958 العراقية المغدورة. وفي مثل هذه المناسبة من كل عام يدخل العراقيون في جدال عنيف فيما بينهم. فالمؤيدون لها يرونها حتمية تاريخية ويسمونها ثورة، وأنها أبنة ثورة العشرين، ومكملة لها في استكمال السيادة الوطنية للدولة العراقية. أما خصومها، وحتى البعض الذين كانوا من المؤيدين لها في عهدها، وساهموا فيها، غيروا مواقفهم منها وتنكروا لها فيما بعد، فسموها إنقلاب عسكري وضع العراق على سكة الانقلابات العسكرية، وفتح شهية العسكر للحكم، و بالتالي جاء بحكم البعث الصدامي الذي أهلك الحرث والنسل. لذلك يحاول هؤلاء تحميل ثورة 14 تموز وقائدها الزعيم عبدالكريم قاسم كل ما حصل من كوارث منذ مؤامرة 8 شباط 1963 الدموي الأسود وإلى اليوم.

وكما قال الكاتب د. عامر صالح في مقاله القيم بمناسبة الذكرى 65 للثورة: (ولكن ماهو مضحك مبكي اليوم ومفهوم لكل ذو بصيرة سياسية هو بكاء أيتام بقايا البعث وذيوله وقنواتهم الفضائية على الحقبة الملكية وهم جزء من مسلسل الأنقلابات الدموية في العراق وتاريخه الأسود ما بعد ثورة تموز" شي ما يشبه شي" .)

لم يكن بودي كتابة هذه المداخلة لولا التمادي والمبالغة في هذه الاتهامات الباطالة المتكررة التي يشنها هذا البعض على هذه الثورة الوطنية الأصيلة، و قائدها في مواقع الانترنت، والتواصل الاجتماعي، وأغلبها يدل على الجهل بتاريخ العراق، وطبيعة المجتمع العراقي، إذ كما يقول المثل الإنكليزي:
(After the event every body is clever)، أي (بعد الحدث كل واحد يدعي الذكاء).
لذا رأيت من الضروري جداً أن أخرج من صمتي، وأرد على هذه الاتهامات لحماية تاريخنا من التشويه والتضليل. والجدير بالذكر أن معظم الأفكار الواردة في هذا المقال مكررة ذكرتها في مقالات سابقة، ولكن ما العمل إذا كان خصوم الثورة يعيدون نفس الاعتراضات، لذلك أرى أن هذا التكرار لا يخلو من فائدة، كما في الآية الكريمة (فذكر إن نفعت الذكرى.)

نعم، لقد بدأ الحدث في صبيحة يوم 14 تموز/يوليو 1958 كإنقلاب عسكري، ولكن بعد إذاعة البيان الأول مباشرة، خرجت جموع الشعب من أقصى العراق إلى أقصاه في تظاهرات مليونية، تأييداً للحدث الذي حولوه من إنقلاب عسكري إلى ثورة شعبية عارمة. وهذا التأييد الشعبي الواسع كان عبارة عن تصويت على شرعية الثورة، و خاصة إذا ما أخذنا بنظرالاعتبار التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في المجتمع العراقي، التي حصلت بعد ذلك اليوم. ويشهد بذلك أكاديوميون أجانب من أمثال الباحث الأمريكي من أصل فلسطيني حنا بطاطو. والمستشرق الفرنسي ماكسيم رودنسن الذي قال: "إن ثورة 14 تموز العراقية هي الثورة الوحيدة في البلاد العربية."

قبل أيام نشر الكاتب العراقي الدكتور قاسم حسين صالح على عدد من مواقع الانترنت مقالاً قيماً له بعنوان: (هل سيتم الأحتفاء بذكرى ثورة 14 تموز؟)(1). و قد أنصف الكاتب بحق الزعيم، حيث بدأ بالقول: "كنت تابعت حكومات ما بعد التغيير (2003) فلم اجد رئيس حكومة او رئيس حزب او كتلة يذكر عبد الكريم قاسم بخير، بل أن جميع رؤساء تلك الحكومات لم يحيوا ذكرى استشهاد عبد الكريم قاسم في انقلاب شباط 1963 الدموي، وكأن ذلك اليوم كان عاديا لم يقتل فيه آلاف العراقيين، ولم يحشر فيه المناضلون بقطار الموت، ولم يسجن فيه مئات الآلاف. والمفارقة أن الطائفيين يحيون ذكرى مناسبات تستمر (180) يوما ولا يحيون ذكرى يوم واحد استشهد فيه قائد من اجل شعبه.. فلماذا؟!"
ويستطرد: "ثمة حقيقة سياسية، هي: ان الضدّ في الحكم يظهر قبحه الضدّ، والضدان هنا هما رؤساء وزراء حكومات ما بعد 2003 ، وعبد الكريم قاسم.. رئيس وزراء حكومة 1958".
ويضيف قائلاً: "ولو انك سألت اي عراقي غير طائفي سيجيبك بسطر يغني عن مقال: (لأن سمو اخلاق عبد الكريم قاسم ونزاهته وخدمته لشعبه.. تفضح فسادهم وانحطاط اخلاقهم وما سببوه للناس من بؤس وفواجع.")
ويواصل الكاتب ذكر إيجابيات الزعيم، فيضيف: ((ولك ايضا أن تتغاضى عن انصافه الفقراء واطلاقه سراح المسجونين.. ولكن حتى أبغض اعدائه لا يمكنهم أن يتهموا الرجل بالفساد والمحاصصة والطائفية والمحسوبية والمنسوبية.. وتردي الأخلاق، مع أن قادة النظام الحالي رجال دين، وأن عليهم ان يقتدوا بمن خصه الله سبحانه بقوله (وانك لعلى خلق عظيم).. فيما عبد الكريم قاسم ليس له اهتمامات بالدين،  فالرجل لم يطل لحية وما لبس عمامة.)) انتهى

كل ذلك صحيح، ورغم ما في المقال من مبالغات في السلبيات التي وصف بها الزعيم ، فقد قمت  بتعميمه على مجموعات النقاش، وإعادة نشره على صحيفتي في الفيسبوك.
 ولكن الأخ الكاتب، وللأسف الشديد قد بالغ في السلبيات التي وصف بها الزعيم حيث جاء في قوله:
"قد نختلف بخصوص عبد الكريم قاسم كونه عقلية عسكرية يعوزه النضج السياسي، ولك ان تدين شنّه الحرب على الكرد عام (61) واستئثاره بالسلطة، ومعاداته لقوى عروبية وتقدمية وما حدث من مجازر في الموصل، واصطناعه حزبا شيوعيا بديلا للحزب الشيوعي العراقي الذي عاداه رغم انه ناصره حتى في يوم الانقلاب عليه (8 شباط 1963). ولك ان تحمّله ايضا مأساة ما حصل لأفراد العائلة المالكة، وتصف حركته بأنها كانت انقلابا وضعت العراق على سكة الأنقلابات."

أقول، أن ثورة عظيمة مثل ثورة تموز لا بد وأن تحصل فيها أخطاء، بل وحتى كوارث، إذ كما قال لينين: "الثورة هي مهرجان المظطهدين، وهناك مجال للمجرمين أيضاً." وعن تصرفات الجماهير في الثورات، قال أنجلز: "لا تتوقع من شعب مضطهد أن يتصرف بلياقة." وهناك كتب تبحث في هذا الشأن، مثل كتاب (سايكولوجية الجماهير) لعالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون، جدير بالقراءة.

نعم، لقد بالغ الكاتب في هذه السلبيات، إلى حد أن أحد القراء علق قائلا ما معناه أنه "لو قارنا بين السلبيات الزعيم وإنجازاته لفاقت السلبيات على الإنجازات!!
فهل حقاً إخفاقات أو سلبيات عبدالكريم قاسم فاقت إنجازاته؟
لذلك أود هنا توضيح بعض ما ذكره الكاتب وما يردده خصوم الثورة عن السلبيات المذكورة أعلاه وخاصة القول أن الزعيم قاسم شن حرباً على الكرد.. الخ.

أولاً، هل كانت هناك ضرورة للثورة على النظام الملكي؟
الجواب وفق قوانين حركة التاريخ: نعم، فالنظام الملكي قد تجمد ولم يتغير، بينما حصلت تغييرات كبيرة في المجتمع العراقي اقتضى التغيير. خاصة وأن العهد الملكي لم يكن مستقراً إطلاقاً طوال تاريخه منذ تأسيسه عام 1921 إلى سقوطه في تموز عام 1958.
وأفضل وصف لظاهرة الثورات جاء في كتاب (عصر القطيعة مع الماضي)، للمفكر الأمريكي بيتر ف دركر قائلاً: "أن الثورة لا تقع ولا تصاغ ولكنها (تحدث) عندما تطرأ تغييرات جذرية في الأسس الاجتماعية تستدعي (إحداث) تغييرات في البنية الاجتماعية الفوقية تتماشى مع (التغييرات) التي حدثت في أسس البنية المجتمعية، فإن لم يُستَبقْ إلى هذه الأحداث تنخلق حالة من التناقض بين القواعد التي تتغير وبين البنية الفوقية [السلطات] التي جمدت على حالة اللاتغيير. هذا التناقض هو الذي يؤدي إلى الفوضى الاجتماعية التي تقود بدورها إلى حدوث الثورة التي لا ضمانة على أنها ستكون عملاً عقلانياً ستثمر أوضاعاً إنسانية إيجابية." انتهى
يعني أنه يجب الحكم على الثورة بأسبابها وليس بنتائجها، رغم أن الثورة حققت نتائج باهرة خلال عمرها القصير.

و يؤكد ضرورة وحتمية ثورة 14 تموز العراقية المؤرخ الدكتور كمال مظهر أحمد فيقول: "وفي الواقع إن أكبر خطأ قاتل ارتكبه النظام [الملكي] في العراق يكمن في موقفه من الديمقراطية، فعلى العكس من منطق الأشياء، سار الخط البياني لتطور الديمقراطية في العهد الملكي من الأعلى إلى الأسفل، لا من الأسفل إلى الأعلى، ويتحمل الجميع وزر ذلك، ولكن بدراجات متفاوتة".

ثانياً، تهمة أن الزعيم قاسم وضع العراق على الإنقلابات العسكرية
هذه التهمة هي الأخرى لم تصمد أمام أية محاكمة منصفة. لقد نسي هؤلاء أو تناسوا عمداً، أن قبل ثورة تموز حدثت نحو 8 إنقلابات عسكرية، بين ناجحة وفاشلة، وأول هذه الانقلابات هو الانقلاب الذي قاده الفريق بكر صدقي عام 1936، والذي كان أول إنقلاب ليس في العراق فحسب، بل وفي البلاد العربية كلها.

ثالثاً، حول اتهام الزعيم عبداكريم قاسم بشن الحرب على الكرد، والاتهامات الأخرى
حاول الكاتب قاسم حسين صالح أن يلقي اللوم على الزعيم حيث قال أن من أخطائه أنه شن حرباً على الكرد، وسلبيات أخرى حصلت خلال حكم الزعيم. وهذا خطأ، إذ هناك بحوث أكاديمية تؤكد أن الأغوات الإقطاعيين الكرد مثل حسين المنكوري وغيره، هم الذين بدأوا بشن الحرب على الثورة، و بتحريض ودعم من شاه إيران الذي كان خائفاً من وصول عدوى الثورة والإصلاح الزراعي إلى الشعب الإيراني. وكذلك دور بريطانيا حيث الصراع مع الشركات النفطية وقانون رقم 80.

وأفضل رد على هذه الاتهامات جاء من الأستاذ مسعود بارزاني في خصوص من خان من؟ ومن شن حرباً على من؟ وبقية الصراعات الحزبية التي آلت إلى اغتيال الثورة، وإدخال العراق في نفق مظلم لم يخرج منه إلى الآن، فقال:
«كنت في قرارة ضميري أتمنى أن لا تنشب ثورة أيلول في عهد عبد الكريم قاسم، وأنه إذا قُدر لها أن تنشب فلتكن قبل عهده أو بعده، وربَّما عَذرني القارئ عن خيالي هذا حين يدرك أنه نابع عن الإحساس بالفضل العظيم الذي نُدين به لهذه الشخصية التاريخية، وأنا أقصد الشعب الكُردي عموماً، والعشيرة البارزانية بنوع خاص...
«إني أسمح لنفسي أن أبدي ملاحظاتي وأستميح كل مناضلي الحزب الديمقراطي الكردستاني والشعب الكردي الذين مارسوا أدوارهم في تلك الفترة عذراً لأن أقول وبصراحة بأنه كان خطأً كبيراً السماح للسلبيات بالتغلب على الإيجابيات في العلاقة مع عبدالكريم قاسم، مما ساعد على تمرير مؤامرة حلف السنتو وعملائه في الداخل والشوفينيين وإحداث الفجوة الهائلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبدالكريم قاسم. فمهما يقال عن هذا الرجل فإنه كان قائداً فذاً له فضل كبير يجب أن لا ننساه نحن الكرد أبداً. لا شك أنه كان منحازاً إلى طبقة الفقراء والكادحين وكان يكن كل الحب والتقدير للشعب الكردي وكان وطنياً يحب العراق والعراقيين وكان التعامل معه ممكناً لو أحسن التقدير. يُتَهَمّ عبدالكريم قاسم بالإنحراف والديكتاتورية، أتساءل هل من الإنصاف تجاوز الحق والحقيقة؟ لقد قاد الرجل ثورة عملاقة غيَّرت موازين القوى في الشرق الأوسط ، وألهبت الجماهير التواقة للحرية والإستقلال وشكل أول وزارة في العهد الجمهوري من قادة وممثلي جبهة الإتحاد الوطني المعارضين للنظام الملكي ومارست الأحزاب نشاطاتها بكل حرية. ولكن لنكن منصفين ونسأل أيضاً من انقلب على من؟ إن بعض الأحزاب سرعان ما عملت من أجل المصالح الحزبية الضيقة على حساب الآخرين وبدلاً من أن تحافظ أحزاب الجبهة على تماسكها الذي كان كفيلاً بمنع عبدالكريم قاسم من كل إنحراف، راحت تتصارع فيما بينها وبعضها تحاول السيطرة على الحكم وتنحية عبدالكريم قاسم ناسية أولويات مهامها الوطنية الكبرى إني أعتبر أن الأحزاب تتحمل مسئولية أكبر من مسئولية عبدالكريم قاسم في ما حصل من انحراف على مسيرة ثورة 14 تموز (يوليو) لأن الأحزاب لو حافظت على تماسكها وكرست جهودها من أجل العراق، كل العراق ووحدته الوطنية الصادقة، لما كان بإمكان عبدالكريم قاسم أو غيره الإنحراف عن مبادئ الثورة. إن عبدالكريم قاسم قد انتقل إلى العالم الآخر، ويكفيه شرفاً أن أعداءه الذين قتلوه بتلك الصفة الغادرة فشلوا في العثور على مستمسك واحد يدينه بالعمالة أو الفساد أو الخيانة. واضطروا إلى أن يشهدوا له بالنزاهة والوطنية رحمه الله. لم أكره عبدالكريم قاسم أبداً حتى عندما كان يرسل أسراب طائراته لتقصفنا، إذ كنت امتلك قناعة بأنه قدم كثيراً لنا، كشعب وكأسرة لا يتحمل لوحده مسئولية ما آلت إليه الأمور. ولا زلت أعتقد أنه أفضل من حكم العراق حتى الآن. »
مسعود البارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، فصل عن ثورة 14 تموز 1958، من كتاب: البارزاني والحركة التحررية الكردية.)) انتهى.

ولمن يرغب في معرفة المزيد عن هذه الثورة وقائدها الزعيم عبداكريم قاسم، أدرج في الهامش مجموعة من روابط مقالات كنت قد نشرتها في السنوات السابقة، كلها موثقة بمصادر لا يشك في حياديتها.
abdulkhliq.hussein@btinternet.comm
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالموضوع
1- قاسم حسين صالح: هل سيتم الأحتفاء بذكرى ثورة 14 تموز؟
https://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=970099&catid=325

2- د.عبدالخالق حسين: أسباب ثورة 14 تموز 1958، (الوضع قبل الثورة)*
https://www.ahewar.org/debat/s.asp?aid=684592

3- د. عبد الخالق حسين:هل ما حدث يوم 14 تموز ثورة أَم انقلاب؟
https://akhbaar.org/home/2012/07/132954.html

4- كتاب د.عبد الخالق حسين: (ثورة وزعيم) عن الزعيم عبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز 1958
https://www.akhbaar.org/home/2019/7/260100.html

5- عبد الخالق حسين: منجزات ثورة 14 تموز 1958*
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=605277

6- منجزات الزعيم عبدالكريم قاسم خلال فترة حكمه
http://www.akhbaar.org/home/2018/7/246337.html

رابط صحيفة الكاتب على الفيسبوك
https://www.facebook.com/abdulkhaliq.hussein.1?fref=photo

2
المحنة الأوكرانية تسير حسب المخطط الأمريكي

د.عبدالخالق حسين

من يتابع الحرب الروسية الظالمة على أوكرانيا الجريحة، وما يعانيه الشعب الأوكراني المسالم من القتل، والتشريد، وتدمير مدنه الجميلة، لا بد وأن يصاب بالإحباط، والحزن العميق. ولكن السؤال هنا: من المسؤول عن هذه الحرب المدمرة التي تهدد بحرب نووية ماحقة تقضي على الحضارة، وتعيد من تبقى من البشر إلى العصور الحجرية؟
نجد الجواب على هذا السؤال في عنوان مقال للكاتب والصحفي الأمريكي المخضرم توماس فريدمان نشره في صحيفة نيويورك تايمس حديثاً: "هذه هي حرب بوتين، لكن أمريكا وحلف الناتو ليستا بريئتين".(1 و2)

أعرف مسبقاً أن هذه المقالة ستعرضني إلى تهمة الإيمان بنظرية المؤامرة، ولكن في جميع الأحوال، ولكوني كاتب لبرالي مستقل، وحريص على قول الحقيقة حسب ما يمليه عليًّ وعيي وضميري، لذلك لا بد من قول الحقيقة ومهما كانت مرة، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.

إذ لا يمكن أن ندافع عن أمريكا ونلقي كل اللوم على بوتين، ونشارك في حملة شيطنته، في الوقت الذي حتى أشد الناس حرصاً في المؤسسة السياسية الأمريكية على مصلحة أمريكا مثل وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنغر، والكاتب والصحفي توماس فريديمان اللذين حذرا أمريكا من مغبة التحرش بروسيا، والموقف من أوكرانيا. فكيسنغر أعيد نشر مقال قديم له بعنوان: (تسوية الأزمة الأوكرانية، تبدأ من النهاية)، كان قد نشره عام 2014، عندما قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفصل شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا وألحقها بروسيا بالقوة، جاء فيه: "يتم طرح القضية الأوكرانية في كثير من الأحيان على أنها مواجهة: ما إذا كانت أوكرانيا تنضم إلى الشرق أو الغرب. ولكن إذا ما أريد لأوكرانيا البقاء والازدهار، فلا يجب أن تكون في أي جانب ضد الآخر، بل يجب أن تعمل كجسر بينهما."(3) 

ونفس النصيحة جاءت من توماس فريدمان في مقاله المشار إليه أعلاه عن الحرب الروسية على أوكرانيا، وكيف نفهم هذه الحرب فيقول: "المكان الوحيد لفهم هذه الحرب هو رأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يعد أقوى زعيم روسي منذ ستالين، وتوقيت هذه الحرب هو نتاج طموحاته واستراتيجياته ومظالمه. ولكن، مع كل ذلك فأمريكا ليست بريئة تماما من تأجيج حرائقه".(1 و2)

كما إنني كتبتُ قبل 8 سنوات مقالاً بعنوان: (لماذا يحتاج الغرب إلى عدو دائم)(4)، ذكرتُ فيه أن الشعوب الأوربية كانت في حالة حروب مستمرة فيما بينها طوال التاريخ، ومنها حربين عالميتين. لذلك اتخذوا بعد الحرب العالمية الثانية من الاتحاد السوفيتي الذي كان حليفهم في الحرب على المانيا النازية الهتلرية، اتخذوا منه عدواً دائماً يخيفون به شعوبهم ليل نهار، إلى أن تخلصوا منه عام 1991. ومن ثم اتخذوا من تنظيمات الإرهاب الإسلامي والإسلاموفوبيا عدواً مشتركاً لهم ليحافظوا على وحدتهم ومنع اندلاع حروب جديدة فيما بينهم. والآن اتخذوا من روسيا والصين العدو المشترك، وكأن البشرية لا تستطيع العيش بسلام دائم ما لم يكن لها عدو مشترك.

وحتى وقت قريب كان أكثر المحللين السياسيين يعتقدون أن حروب البلقان في التسعينات من القرن الماضي كانت آخر الحروب الأوربية، وأن حلف الناتو انتهى مفعوله، ولا داعي لوجوده. ولكن فجأة راحت دول الناتو، وعلى رأسها أمريكا، تلح وتصر على انضمام أوكرانيا إلى الناتو. لماذا؟ أليس الغرض منه استفزاز روسيا؟

فأمريكا وحلفائها في الغرب، لها إستراتيجية ثابتة وخاطئة في نفس الوقت، مفادها إعادة النظام العالمي الجديد بقطبية واحدة، وأن تكون هي (أي أمريكا) الدولة العظمى الوحيدة في العالم، لا ينافسها أي منافس. هذا الحلم تافه وقد أثبت فشله، وكلف أمريكا والعالم الكثير. لقد سعت أمريكا خلال أكثر من أربعين سنة بعد الحرب العالمية الثانية إلى تدمير الإتحاد السوفيتي، القطب الآخر الذي كان يقف في وجهها، ويساعد حركات التحرر الوطني في العالم الثالث. لذا اتبعت أمريكا مختلف الأساليب لتدمير الإتحاد السوفيتي، مثل سباق التسلح، و حروب أفغانستان لاستنزاف الطاقات السوفيتية، والتي أدت بالتالي إلى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى عدة جمهوريات مستقلة، ومنها متعادية فيما بينها، وانهيار منظومة الدول الاشتراكية في أوربا الشرقية، وتبنيها النظام الرأسمالي الديمقراطي، وانضمام أغلبها إلى الوحدة الأوربية وحلف الناتو.

فرغم تحول روسيا (الوريث الشرعي للإتحاد السوفيتي)، إلى نظام رأسمالي وديمقراطي، إلا إن طلب بوتين للانضمام إلى الوحدة الأوربية وناتو رُفِض لأن روسيا دولة كبيرة يصعب ابتلاعها!(5). فكل هذا التحول نحو الديمقراطية والرأسمالية من جانب روسيا لم يشفع لها كونها أكبر دولة مساحة، وذات طاقات اقتصادية ضخمة وعسكرية أضخم، إذ تمتلك روسيا ترسانة نووية تضم نحو 6 آلاف من الرؤوس النووية. لذا فسياسة الغرب بقيادة أمريكا تؤكد على عدم السماح لأية دولة كبرى مثل الصين وروسيا أن تتقدم وتشكل قطباً آخر ينافسها على زعامة العالم.

وبمثل ما خلقت أمريكا من أفغانستان طعماً لاستنزاف طاقات الإتحاد السوفيتي وانهياره وتفكيكه إلى جمهوريات صغيرة لا خطر منها في المنافسة، كذلك تعمل الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن ومن ورائها دول حلف الناتو على جعل أوكرانيا طعماً لجر الرئيس الروسي بوتين إلى حرب استنزاف، وذلك عن طريق إسقاط أية حكومة أوكرانية موالية لروسيا، ودعم أية حكومة يمينية معادية لروسيا، وحثها على الانضمام إلى الوحدة الأوربية والناتو. وهذا يُعتبر استفزازاً للرئيس الروسي بوتين، الذي عبر عن مبدئه مرة أنه (إذا كانت الضربة القادمة لا بد منها فكن دائماً البادئ.) لذا اعتبر بوتين محاولات ضم أوكرانيا للوحدة الأوربية والناتو تهديداً وجودياً لروسيا لا يمكن السكوت عنه، وهو يشبه أزمة نصب الصواريخ السوفيتية في كوبا عام 1962، في عهد الزعيم السوفيتي نكيتا خروشوف، الذي استفز الرئيس الأمريكي جون أف كندي آن ذاك، واعتبره عملاً عدوانيناً على أمريكا، وهدد بضرب كوبا رغم أن الأخيرة تبعد عن الحدود الأمريكية بنحو 2445 كم. فكيف يراد من بوتين السكوت عن انضمام أوكرانيا للناتو النووية وهي دولة لها حدود مشتركة مع روسيا بطول 1974 كم براً، و321 بحراً.

وللمزيد من الاستفزاز، وبدعم من أمريكا، تم إجراء تعديلات على دستور أوكرانيا عام 2019، كرست فكرة عدم التراجع عن حق البلاد في عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، بغض النظر عما ستجلبه هذه المحاولة من عواقب وخيمة من بينها احتمال قيام روسيا بشن الحرب على أوكرانيا، والتي حذر منها كيسنغر في مقاله المشار إليه أعلاه أنه "إذا ما أريد لأوكرانيا البقاء والازدهار، فلا يجب أن تكون في أي جانب ضد الآخر، بل يجب أن تعمل كجسر بينهما".

والسؤال هنا ما هي غاية أمريكا وحلفائها من التضحية بأوكرانيا، وتقديمها كطعم لجر روسيا إلى شن حرب عليها، والتخلي عنها بعد أن ورطوها في هذه الحرب غير المتكافئة؟
الجواب هو إعادة تجربة أفغانستان التي أدت إلى تفكيك الاتحاد السوفيتي، ولكن هذه المرة في أوكرانيا من أجل استنزاف الطاقات العسكرية والاقتصادية لروسيا وبالتالي إنهيارها وتفكيكها إلى جمهوريات مستقلة ومعادية فيما بينها. هل هذه نظرية المؤامرة؟ كلا، بل هي مؤامرة حقيقية بكل معنى الكلمة،لأن كل ما يجري على أرض الوقع يشير إلى هذا الهدف. وكل ما تستطيع أمريكا والدول الغربية تقديمه لأوكرانيا هو الاحتفال الإعلامي الضخم على مدار الساعة، وشيطنة الرئيس الروسي بوتين، وسكب دموع التماسيح على معاناة الشعب الأوكراني، والاكتفاء بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا. وفي نفس الوقت رفضت أمريكا طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمساعدة بلاده عسكرياً حتى بحدها الأدنى مثل حظر الطيران فوق أوكرانيا، حيث امتنعت دول الناتو عن تلبية هذا الطلب بحجة أن "إنشاء منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، قد يؤدي إلى دخول الناتو في صراع مفتوح مع روسيا".
أما الحصار الاقتصادي فأغلب الخبراء الاقتصاديين في العالم يؤكدون انه لا يؤذي روسيا فحسب، بل وسيؤذي جميع دول العالم، وبالأخص الدول الغربية، حيث تصاعد الأسعار وتضخم العملات واستفحال أزمة الطاقة وغيرها من الكوارث الاقتصادية على الجميع بلا استثناء.

يبدو أن أمريكا لم تستفد من دروس التاريخ القريب والبعيد، فقد تدخلت في بلدان عديدة حاولت التحرر من أنظمتها الدكتاتورية المستبدة، وكانت النتائج فيما بعد كارثية على هذه الشعوب وعلى أمريكا نفسها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر بعضا من هذه التدخلات الأمريكية عن طريق مخابراتها المركزية (CIA):
1- التدخل في إيران عام 1953 ضد حكومة الدكتور محمد مصدق الذي انتخب مرتين سنة 1951 و1953. وهو ديمقراطي علماني خريج جامعة السوربون الفرنسية، إلا أن المخابرات الأمريكية السي آي ايه والبريطانية MI6 خلعتاه في عملية مشتركة بإنقلاب عسكري قاده عميلهم الجنرال زاهدي. فلولا هذا الانقلاب لما حصلت الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني عام 1979، التي كلفت إيران وأميركا وشعوب المنطقة الكثير من المآسي لحد هذه الساعة.

2- التدخل الأمريكي ضد حكومة ثور 14 تموز 1958، بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم في العراق والإطاحة بها بإنقلاب عسكري دموي يوم 8 شباط 1963 والذي جاء بحزب البعث للسلطة، وما رافق ذلك من مجازر رهيبة يندى لها جبين الإنسانية. ومن عواقب هذا التدخل وصول المجرم صدام حسين للسلطة فيما بعد واستخدامه في شن حرب عبثية على إيران الإسلامية، ومن ثم غزوه للكويت، وما كلف ذلك من حروب مدمرة لإخراجه من الكويت عام 1991، ومن ثم إسقاطه بحرب تحرير العراق عام 2003 من حكمه الجائر وما دفعه الشعب العراقي من تضحيات بشرية ومادية لا تقدر، وبالتالي دفعت أمريكا نفسها أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 40 ألف جريح من قواتها، وأكثر من تريليون دولار تكاليف إسقاط حكم البعث الصدامي في العراق.

3- دور أمريكا فيما جرى في أفغانستان منذ الإنقلاب العسكري الذي قاده الجنرال محمد داوود خان بعد عودته من دورة عسكرية في أمريكا عام 1973 وما تلته من انقلابات انتهت بوصول الحزب الشيوعي الأفغاني إلى الحكم، حيث قامت أمريكا بدعم التنظيمات الإسلامية بما فيها "القاعدة" و"طالبان" الإرهابيتين، والتي انتهت بتورط الاتحاد السوفيتي في حرب استنزاف لعشر سنوات أدت إلى تفككه، ومجيء حكم طالبان إلى السلطة. ثم انقلب السحر على الساحر، حيث تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر/أيلول 2001 إلى أبشع هجمات إرهابية نفذها تنظيم "القاعدة" المدعوم من حكومة طالبان، والتي استهدفت برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك ومبنى البنتاغون بالعاصمة واشنطن، واضطرت أمريكا لشن أطول حرب في تاريخها لعشرين سنة انتهت بانسحابها من أفغانستان وتسليم الحكم إلى طالبان، وبخسائر بشرية ومادية بلغت أرقاماً فلكية.
وهذا غيض من فيض من السياسة الأمريكية، الغرض منها التخلص من منافسيها في العالم.

ولذلك أعتقد جازماً أن ما يجري في أوكرانيا هو بالضبط ما خططت له أمريكا، بالتضحية بأوكرانيا في هذه الحرب الجائرة، الغاية منها استنزاف طاقات روسيا وإنهاكها في حرب عصابات طويلة الأمد. وهذه الحرب كسابقاتها لا بد وأن تنتهي بكوارث على الجميع بما فيها أمريكا نفسها.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
 ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- - توماس فريدمان: هذه هي حرب بوتين، لكن أمريكا وحلف الناتو ليستا بريئتين
This is Putin’s war, But America and NATO aren’t Innocent Bystanders
https://www.nytimes.com/2022/02/21/opinion/putin-ukraine-nato.html

2- لقاء تلفزيوني مع توماس فريدمان يحذر من إذلال بوتين في أوكرانيا | #مع_جيزال
https://www.youtube.com/watch?v=iTO_E9M3ue0

3- هنري كيسنغر: تسوية الأزمة الأوكرانية، تبدأ من النهاية
Henry Kissinger: To settle the Ukraine crisis, start at the end
https://www.washingtonpost.com/opinions/henry-kissinger-to-settle-the-ukraine-crisis-start-at-the-end/2014/03/05/46dad868-a496-11e3-8466-d34c451760b9_story.html
4- عبدالخالق حسين: لماذا يحتاج الغرب إلى عدو دائم؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=472184

5- فوراين بوليسي: عندما أحبّ فلاديمير بوتين حلف الناتو
https://www.aljarida.com/articles/1643902693643682400



3
حول الاحتجاجات على تكريم توني بلير بوسام الفروسية

د.عبدالخالق حسين

مقدمة
قبل 15عاماً، وتحديداً يوم 19/5/2007، نشرت مقالاً بعنوان: (توني بلير سيخلده التاريخ بمداد من ذهب). ورأيت من المفيد أن أعيد نشره اليوم بعد إضافات قليلة لتحديثه بمناسبة تكريم السيد بلير من قبل الملكة إليزابيث الثانية بوسام الفروسية، وما أثار هذا التكريم من احتجاجات ظالمة ضده من قبل بعض المتياسرين والمتباكين على سقوط نظام البعث الدموي.

والجدير بالذكر أن في بريطانيا تقليد متعارف عليه أن تقوم الملكة إليزابيث الثانية بتكريم المتميزين والمبدعين بوسام الفروسية (Knighthood) وغيرها مرتين في السنة، الأولى عند حلول العام الجديد، والثانية في عيد ميلادها يوم 12 حزيران. ولكن من دون غيره، ولأول مرة، تقوم ضجة مفتعلة من قبل تحالف غير مقدس يضم مجموعات سياسية متطرفة منبوذة وغير متجانسة أصلاً، لم يجمعها أي جامع سوى العداء والحقد على توني بلير لسبب واحد، ألا وهو مساهمته الفعالة مع الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش (الابن)، في إسقاط أبشع نظام دكتاتوري فاشي حكم العراق. ويقال أن عدد الموقعين على عريضة الاحتجاج بلغ نحو مليون توقيع. فمن هم هؤلاء المحتجون؟ ولماذا الاحتججاج؟

هؤلاء هم اليسار البريطاني المتطرف المندس في حزب العمال، والذي لعب دوراً كبيراً في فشل الحزب في العديد من الانتخابات البرلمانية العامة، وذلك بسبب تبنيها شعارات ومطالبات تعجيزية ترفضها الغالبية العظمى من الناخبين البريطانيين الرافضين للتطرف و من أي كان، يميني أو يساري، مثل نزع السلاح النووي من طرف واحد، وتأميم المؤسسات الاقتصادية وغيرها، وبالتالي فنتيجة أعمال هذا اليسار كانت في خدمة اليمين المتطرف. إذ كما قال لينين: "اليسار المتطرف واليمين المتطرف يلتقيان ولكن عند حوافر الفرس". وكذلك يضم هذا التحالف ضد بلير بعض الاعلاميين البريطانيين والعرب الذين اشتراهم صدام حسين بكوبونات النفط المعروفة، إضافة إلى نسبة من المهاجرين العرب والمسلمين المقيمين في بريطانيا الذين كانوا من المستفيدين من بقاء حكم البعث.

ولحسن الحظ، انبرى عدد من الكتاب العراقيين الأخيار في الدفاع عن السيد بلير، وفضح المتباكين على ما حل بالشعب العراقي من تداعيات سقوط الفاشية من أعمال إرهابية، من بينهم مقال الدكتور حميد الكفائي، بعنوان: (المحتجون على "فروسية" توني بلير)(1)، ومقال السيد رعد الحافظ: (وسام الفروسية لتوني بلير صفعة لأدعياء الوطنية الأنذال!)(2)
 نسي هؤلاء أو تناسوا، ما حل بالشعب العراقي وشعوب المنطقة على يد النظام البعث الصدامي من ظلم وجور، وتبديد الثروات على عسكرة المجتمع، وشن الحروب العبثية، ومن ثم الحصار الاقتصادي بعد جريمة غزو الكويت، حيث تسبب النظام بقتل الملايين في حروبه العبثية، الداخلية والخارجية، إضافة إلى تدمير الاقتصاد العراقي، والقضاء شبه التام على الطبقة الوسطى، وإفقار الشعب، مما دفع إلى هجرة نحو 5 ملايين مواطن عراقي من اجل الأمن والعيش بكرامة في دول الشتات.

أما الذين عارضوا إسقاط النظام فهم بالإضافة إلى من ذكرناهم أعلاه، كانوا من المستفيدين في العراق من النظام، وهم فلول البعث الساقط، وكذلك غالبية دول الجوار التي استفادت من بقاء النظام الصدامي في الحكم وذلك ليواصل اضطهاده للشعب العراقي، وإبقاء الحصار عليه، لأن هذه الحكومات كانت مستفيدة من إيقاف تصدير النفط العراقي، وتعويض السوق بمنتجاتهم النفطية، وما در عليهم هذا الحصار من إيرادات النفط الإضافية التي بلغت قيمتها مئات المليارات الدولارات التي حرِّم منها الشعب العراقي لثلاث عشرة سنة.
وراح هؤلاء المحتجون ومن يدعمهم، يرددون كذبة كبرى مفادها أن غرض بوش وبلير من إسقاط حكم صدام هو نهب ثروات العراق، وإفقار شعبه، وتدميره لمصلحة إسرائيل!!! بينما الواقع يؤكد أن الذين دمروا العراق هم أيتام حزب البعث الذين خسروا حكم البلاد، وبالتالي خسروا مصالحهم المادية وجميع امتيازاتهم، وكذلك دول الجوار التي أصيبت بالهلع خوفاً من نجاح الديمقراطية في العراق، ووصول عدواها إلى شعوبهم. لذلك أثاروا الفتن الطائفية في العراق، وراحوا يحشدون التنظيمات الإسلامية الإرهابية المتطرفة، وإرسال القتلة لقتل العراقيين وتدمير ممتلكاتهم، ليقولوا لشعوبهم، أنظروا ما فعلت الديمقراطية الغربية بالعراق.
وهذا يعني أن المحتجين على منح بلير وسام الفروسية يفضلون بقاء حكم صدام والحصار الاقتصادي على العراق إلى أجل غير معلوم، وتحت مختلف المعاذير الباطلة. يجب أن يعرف هؤلاء أن سبب الاضطرابات ما بعد سقوط النظام هو ليس بوش وبلير، بل العراقيون أنفسهم الذين استقووا  بدول الجوار ضد بعضهم البعض في صراعات طائفية واثنية، وبدوافع الأنانية والمصالح الفردية والفئوية. أما بوش وبلير فقد نجحا في إسقاط دولة المنظمة السرية وجمهورية الرعب، وأقاما نظاماً ديمقراطياً لم يعرفه العراق من قبل، وإذا حصلت الأخطاء ما بعد السقوط فالمسؤول عنه هم العراقيون الذين أساؤوا  التصرف نتيجة فسادهم وعدم خبرتهم في الحكم، وكذلك الحكومات الخارجية التي تدخلت في الشأن العراقي وساهمت في إفشال العملية السياسية، لأسباب أشرنا إليها أعلاه.

والآن أترك المجال للقراء الكرام لقراءة المقال الذي نشرته بتاريخ 19/5/2007، ويحكموا ضمائرهم فيما إذا كان توني بلير يستحق وسام الفروسية أم لا؟
****
توني بلير سيخلده التاريخ بمداد من ذهب

د.عبدالخالق حسين
19/5/2007
من المفارقات الكبرى المعروفة في كل زمان ومكان أن الأبطال العظام في التاريخ دائماً يكونون مثيرين للجدل والخلاف، فينشق حولهم الناس إلى فريقين، موال ومحب بشدة، ومعادي ومبغض بشدة. وكلما كان البطل التاريخي واضحاً وملتزماً بمواقفه المبدئية كان الخلاف والجدل حوله أشد و أعنف. فهكذا كان الإمام علي بن أبي طالب الذي وصفه الدكتور علي الوردي بأنه أكثر من شق المسلمين، لأنه لم يساوم على مبدأ العدالة الاجتماعية، وتشدد في تطبيق مبادئ الإسلام كدين يطلب العدل والمساواة بين الناس، بينما رؤساء القبائل وبعض الصحابة أرادوا منه أن يميِّز بينهم وبين أبناء قبائلهم، وعبيدهم في توزيع الغنائم. لذا فكان الإمام علي شريراً وكافراً في نظر خصومه وبالأخص الخوارج، وقديساً عند أتباعه وخاصة الشيعة.

وهذا ما يجري الآن للسيد توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي أعلن في الأسبوع الماضي أنه سيستقيل يوم 27 حزيران/يونيو القادم عن رئاسة الحكومة بعد عشر سنوات في قيادة السلطة و 13 عاماً في قيادة حزب العمال الحاكم. والرجل كغيره من المصلحين، اختلف الناس حوله، فمن يراه شريراً ومن يراه بطلاً تاريخياً يستحق كل التقدير.
لا أفشي سراً إذا قلت أني من المعجبين جداً بهذا القائد السياسي اللامع الذي ساهم مع الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في إسقاط أبشع نظام دكتاتوري عرفه التاريخ ألا وهو النظام البعثي الدموي الصدامي في العراق.

لقد تبوأ السيد توني بلير قيادة حزب العمال عام 1994 على أثر وفاة الراحل جون سميث زعيم الحزب المفاجئ بسكتة قلبية. وكان الحزب يتعافى آنذاك من مشاكل مزمنة كالانشقاقات في صفوفه والصراعات الفئوية بين جناحيه اليسار واليمين حول سياسات معينة جعلته في حكومة الظل لمدة 18 عاماً ، حيث رفضت غالبية الشعب البريطاني حزب العمال طيلة تلك الفترة عقاباً له على هيمنة اليسار الطفولي على سياساته، والإضرابات المتوالية التي شنتها نقابات العمال، والتي شلت الحياة في بريطانيا وخاصة في شتاء عام 1979 الجليدي القارص، والذي أطلق عليه البريطانيون (Winter of discontent)، أي شتاء التذمر في عهد رئيس الوزراء العمالي الراحل جيمس كالاهان. إضافة إلى تمسك هذا اليسار بسياسات ومبادئ قديمة ومتطرفة في نظر معظم الناخبين البريطانيين، ولا تلائم تطورات العصر مثل سياسة نزع السلاح النووي من طرف واحد، وهيمنة اتحاد النقابات على قرارات الحزب، والتمسك بالمادة الرابعة من دستور الحزب، التي كانت تقضي بتأميم المؤسسات الاقتصادية وفق الاشتراكية الماركسية، حيث صارت المؤسسات التي أممها الحزب بعد الحرب العالمية الثانية عبئاً اقتصادياً ثقيلاً على خزانة الدولة لما كانت تسببه من خسائر مادية بدلاً من الأرباح والنمو الاقتصادي...الخ.

وبعد فشل الحزب في الانتخابات البرلمانية عام 1979، وفوز حزب المحافظين بقيادة السيدة مارغريت تاتشر، تنحى جيمس كالاهان زعيم الحزب آنذاك عن قيادة الحزب وتم انتخاب الزعيم اليساري المعروف (مايكل فوت) زعيماً للحزب رغم تقدمه في السن، والذي واصل تأييده لليساريين.
فكانت النتيجة كارثة ماحقة على الحزب، حيث أصيب بهزيمة تاريخية مذلة في الانتخابات البرلمانية العامة سنة 1983، مما اضطر مايكل فوت إلى الاستقالة مدحوراً مهموماً، ليفسح المجال للجيل الجديد من قادة الحزب حيث تم انتخاب السيد نيل كينوك زعيماً للحزب. وقد تميَّز نيل كنوك بالشجاعة والكفاءة والحيوية والحكمة وفن الخطابة والتواصل المؤثر مع الجماهير، ورغبته في تغيير سياسة الحزب وتحويل اتجاهه، من حزب مرفوض من قبل غالبية الناخبين إلى حزب قابل لنيل ثقتهم والحكم. إلا إن مشاكل الحزب كانت كثيرة وعميقة ومزمنة لا يمكن معالجتها في فترة قصيرة وذلك نظراً لثقل اليسار المعارض للإصلاح داخل الحزب. فرغم نجاح السيد كينوك في إجراء بعض التغييرات ولكن هذه التغييرات لم تكن كافية ولم يكن بمقدوره الذهاب إلى أبعد مما ذهب في غضون ثمان سنوات من زعامته للحزب، لذا فشل في انتخابين متتاليين آخرين إثناء زعامته للحزب، مما اضطر هو الآخر إلى الاستقالة، وجاء بعده الراحل جون سميث، وهو سكوتلندي وسياسي بارز، وخطيب برلماني مفوه ومؤثر، واصل عملية الإصلاح التي بدأها كينوك، ولكنه توفي فجأة بسكتة قلبية عام 1994، أي بعد عامين من توليه زعامة الحزب مما فسح المجال للشاب اللامع والمحامي القدير توني بلير لزعامة الحزب والذي حصد ثمار الإصلاح الذي تم على أيدي كينوك وسميث اللذين مهدا له طريق الفوز.

يتميز توني بلير بالكارزمائية والشجاعة الفائقة والذكاء الحاد، وحيوية الشباب النشط وجاذبية نجوم السينما اللامعين، وهو نفسه كان عازف كيتار ومغنياً طويل الشعر مثل الهبيز عندما كان طالباً جامعياً، وكان يحلم أن يكون نجماً في إحدى فرق الروك أند رول. لقد جمع بلير بين الحظ والكفاءة فحصد ثمار جهود كينوك وسميث في تحويل حزب العمال إلى حزب قابل لنيل ثقة الأغلبية لاستلام السلطة. كان محظوظاً لأن كينوك وسميث قد قطعا شوطاً بعيداً في إصلاح الحزب وتخليصه من هيمنة اليسار المتشدد، والمبادئ التي أكل الدهر عليها وشرب ومهدا له الطريق لقطف الثمار.

كذلك قامت السيدة مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء وزعيمة حزب المحافظين، بتقليم أظافر اتحاد نقابات العمال (TUC) خلال حكمها، فقلصت من نفوذهم وواجهت إضراباتهم بالشدة غير المعهودة، كما ونفذت سياسة خصخصة المؤسسات الاقتصادية الكبرى مثل شركة النفط البريطانية (BP)، وشركة التلفونات (BT)، وشركة الطيران البريطانية (BA) والمؤسسات الكهربائية وشبكات توزيعها وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الخدمية والانتاجية، وحققت نجاحاً باهراً في هذا المجال. ونتيجة لهذه النجاحات أصاب حزب المحافظين نوع من الغرور بعد نحو عشر سنوات في الحكم عندما أصدرت السيدة تاتشر قانوناً مجحفاً بحق الأغلبية مثل قانون ضريبة السكن الذي كان حسب حجم الدار وثمنه، فجعلته السيدة تاتشر حسب عدد الأفراد الساكنين في الدار (pole tax)، الذي خفَّف الضريبة على الأغنياء، وضاعفها على الفقراء. وكان هذا القانون هو الذي أدى إلى سقوط السيدة تاتشر وتذمر الشعب البريطاني من حزب المحافظين، فأرغم المتنفذون في قيادة الحزب السيدة الحديدية على الاستقالة عام 1992، وجاء بعدها السيد جون ميجر الذي استمر في الحكم لست سنوات أخرى. وعندها مل الشعب البريطاني من حكم المحافظين، فتولدت لديه الرغبة في التغيير بعد 18 عاماً من الحكم بيد حزب واحد، خاصة وإن جون ميجر اتصف بالضعف، حيث وصفه الصحفي الإنكليزي المعروف أندرو مار (Andrew Marr) في صحيفة الإندبندنت آنذاك، أن جون ميجر لم يترك أي أثر في التاريخ السياسي البريطاني، وكان كل دوره محصوراً في منع حدوث الأشياء، وإذا أراد التاريخ أن يذكره بشيء فسيقول عنه أن "جون ميجر هو رئيس الوزراء البريطاني الذي جاء بعد تاتشر وقبل بلير".

لذلك لعبت كل هذه الظروف في صالح توني بلير، إلا إن الرجل كان مؤهلاً بالفطرة والكفاءة لاستثمار هذه الظروف، ويجعل منها فرصة ذهبية لتحقيق المزيد من التغيير والإصلاحات في حزب العمال فنجح في إلغاء المادة الرابعة المشار إليها أعلاه من دستور الحزب، كذلك ألغى سياسة نزع السلاح النووي من طرف واحد، وغيرها كثير من الإصلاحات التي بدأها نيل كينوك في الثمانينات. وبذلك فقد نجح بلير في تجديد الحزب وجعله بحق يستحق اسم (حزب العمال الجديد New Labour).

لقد حقق توني بلير بزعامته فوز الحزب بالسلطة لثلاث دورات برلمانية لحد إعلان استقالته، وهذا نجاح غير مسبوق لحزب العمال منذ تأسيسه عام 1900. كما حقق الكثير من الإنجازات للشعب البريطاني، فبنى أقوى اقتصاد لأطول مدة لحد الآن، مع أقل نسبة تضخم العملة، كما وأجرى تحسينات كبيرة غير مسبوقة في الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية، وضاعف عدد طلبة الجامعات، و وفى بجميع التزاماته وتعهداته التي قطعها على نفسه للشعب البريطاني.

ولكن أعظم منجز حققه توني بلير، والذي سيذكره له التاريخ، هو نجاحه في حل مشكلة آيرلندا الشمالية التي بقيت مستعصية على الحل لعشرات السنين وأودت بحياة الألوف من الأبرياء. لقد حقق توني بلير السلام لهذه البقعة، ونجح في جمع الأعداء للمشاركة في حكومة واحدة، تمخضت مساعيه عن توقيع اتفاقية الجمعة الحزينة (The Big Friday) عام 1998، التي حققت السلام في هذه المقاطعة بعد عشرات السنين من الحرب الأهلية بين الكاثوليك الجمهوريين الموالين لجمهورية إيرلاندا، وبين البروتستانت  الموالين لبريطانيا. وهذا المنجز يعتبر عظيماً وفق جميع المقاييس.

وفي السياسة الخارجية، دافع بلير عن الشعوب المضطهدة وخاصة تلك التي واجهت إبادة الجنس، مثل شعوب البلقان، فأقنع الرئيس الأمريكي بيل كلنتون لإنقاذ هذه الشعوب من الإبادة على يد الفاشية الصربية رغم معارضة الأمم المتحدة والوحدة الأوربية لشن حرب على نظام ميلوسوفيج، وبذلك أنقذ بلير هذه الشعوب. كذلك في تيمور الشرقية حيث أنقذ بلير مع بيل كلنتون هذا الشعب من الإبادة على يد حكومة إندونيسيا في عهد سوهارتو. كما وبذل بلير قصارى جهوده مع بيل كلنتون وخليفته بوش في سبيل حل الصراع العربي-الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية ولكن دون جدوى. كما ونجح بلير في إقناع الدول الصناعية الكبرى في إسقاط الديون عن الدول الأفريقية الفقيرة، والتي كانت تقدر بخمسين مليار دولار... وهكذا ترك بلير بصماته على مجالات كثيرة سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية.

مشكلة بلير بدأت بعد الحرب العراقية وإسقاط نظام المقابر الجماعية في العراق. فمن الناحية الإخلاقية، لقد أصر بلير على التزامه بإنقاذ الشعب العراقي من الفاشية البعثية كما أنقذ شعوب البلقان وتيمور الشرقية من قبل. ولم يكذب بلير حول ملف أسلحة الدمار الشامل كما يدعي البعض. بل هذه هي المعلومات التي وفرتها له الاستخبارات البريطانية والأمريكية. كذلك يجب أن لا ننسى أن صدام حسين نفسه كان يتباهى بقرب امتلاكه للسلاح النووي، وكان يسعى لتحقيق ذلك. وكان صدام يمتلك سلاح الدمار الشامل من نوع آخر مثل الكيمياوي الذي استخدمه ضد الشعب الكردي في حلبجة، وكذلك في الحرب مع إيران. وغني عن القول، أن سلاح الدمار الشامل لا يعني النووي فقط، بل ويشمل الكيمياوي والجرثومي أيضاً.
والكل يعلم أنه خلال الأشهر الأولى من سقوط الفاشية كانت غالبية الرأي العام البريطاني والأمريكي والعراقي مع الحرب على صدام، ولكن بعد أن تكالبت قوى الشر على الشعب العراقي، والمعادية للديمقراطية في العراق خوفاً على عروشها، ولكي لا تصل رياح التغيير إلى بلدانهم فتكتسح أنظمتهم الجائرة، لذا راحوا يجندون الإرهابيين ويرسلونهم زرافات إلى العراق لقتل العراقيين و وأد الديمقراطية الفتية فيه. وعندما تصاعد عدد ضحايا القتل الإرهابي في العراق، راحوا يبشرون بفشل الحرب ويلقون اللوم على بلير وبوش مدعين أنهما ارتكبا خطأً كبيراً في إسقاط صدام حسين وأن الحرب كانت غير شرعية...الخ.
والمشكلة أنه لم يسأل أي من هؤلاء نفسه السؤال التالي: ماذا لم يتم إسقاط حكم صدام؟
وجواباً على هذا السؤال يرجى مراجعة مقالنا بهذا العنوان (الرابط رقم 3 في الهامش).

لم ينتقد أحد بلير وكلينتون على إسقاط نظام ميلوسوفيج رغم عدم حصول قرار موافقة الأمم المتحدة، لأن العملية نجحت، ولأن ميلوسوفيج لم يمتلك المليارات من الدولارات لشراء الذمم والمنظمات اليسارية واليمينية للدفاع عنه، وعن نظامه كما فعل صدام حسين وحزب البعث اللذان نهبا ثروات الشعب العراقي والتي تقدر منهوباتهما بنحو 60 مليار دولار (مالية الحزب)، والتي مازالت تعمل في إدارة الإرهاب في العراق. فكما قال بلير عن الحرب العراقية خلال زيارته الأخيرة لواشنطن يوم 19/5/2007 "اتخذنا قرارا صعبا للغاية، واعتقدنا حينئذ ومازلتُ أعتقد أنه كان القرار الصائب".
اعتقد جازماً أن قرار توني بلير وبوش كان صائباً وسوف يقيِّمه التاريخ لصالحهما. لقد دخل بلير التاريخ من أوسع أبوابه، وسيذكره أنه الزعيم السياسي الشجاع الذي عمل وفق ما كان يمليه عليه ضميره الحي، وإخلاقيته الراقية، فأسقط الطغاة من أمثال صدام حسين، وميلوسوفيج، وناصر الشعوب المغلوبة على أمرها، الزعيم الذي قاد حملة واسعة لمساعدة الشعوب الفقيرة بإسقاط ديونها، ومحاربة الفقر في العالم. أما التحسينات التي أجراها على حياة الشعب البريطاني فلا تقدر.

وفي الختام، من الجدير بالذكر التطرق إلى علاقة بريطانيا بأمريكا. إن العلاقة بين البلدين هي علاقة إستراتيجية وجودية ومصيرية غير قابلة للمساومة بغض النظر عن أي حزب أو أي شخص يقود السلطة في كلا البلدين. إنه في منتهى السذاجة من يعتقد أن توني بلير كان خاضعاً لجورج دبليو بوش. فهذا التحالف البريطاني- الأمريكي له جذوره في عمق التاريخ منذ استقلال أمريكا في أواخر القرن الثامن عشر وإلى الآن، وهكذا كانت العلاقة المصيرية في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي عهد تشرتشل، وعهد تاتشر وعهد توني بلير، وستستمر هذه العلاقة بهذا التلاحم والتحالف الاستراتيجي إلى أجل غير معلوم. وهذه السياسة ليست في صالح الشعبين الأمريكي والبريطاني فحسب، بل هي في صالح البشرية جمعاء أيضاً. وهذا ليس تطرفا أو مبالغة مني كما يتصور البعض، بل أذكرهم بما كان سيحل بالبشرية لولا هذا التحالف الإستراتيجي بين أمريكا وبريطانيا، لكان العالم اليوم غابة يحكمها الطغاة من أمثال هتلر، وموسوليني، والعسكرتارية الفاشية اليابانية، ومعمر القذافي، وصدام حسين وأبنائه.
لقد تقاعد توني بلير مرفوع الرأس مكرماً ومعززاً وهو في أوج نشاطه وعنفوان عطائه الفكري والسياسي، يمتلك طاقة فكرية هائلة وحيوية فائقة، وهكذا شخص لامع ونشط لا بد وأن ينتظره مستقبل رائع وسيخلده التاريخ بمداد من ذهب.
19/5/2007
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. حميد الكفائي: المحتجون على "فروسية" توني بلير
https://akhbaar.org/home/2022/1/290739.html

2- رعد الحافظ: وسام الفروسية لتوني بلير صفعة لأدعياء الوطنية الأنذال!
https://akhbaar.org/home/2022/1/290646.html

3- د.عبدالخالق حسين: ماذا لو لم يتم إسقاط حكم صدام؟
http://www.akhbaar.org/home/2016/7/214312.html

4
العراق ومستقبله المظلم!

د. عبدالخالق حسين

بمناسبة مئوية تأسيس الدولة العراقية، أجرت فضائية (العراقية) شبه الرسمية، مقابلة مع السيد وزير المالية الدكتور علي عبدالأمير علاوي، دامت ساعة و 21 دقيقة، استعرض فيها المراحل المهمة التي مر بها العراق منذ التأسيس عام 1921 و إلى يومنا هذا.(رابط الشريط رقم 1 في الهامش).

ونظراً لأهميتها، نالت تصريحات السيد الوزير اهتمام الإعلاميين والمعلقين السياسيين. فقد أشار إلى المشاكل الكبرى التي تهدد وجود العراق ومستقبله كدولة وسماها بحق (المشاكل الوجودية)، مثل اعتماد العراق شبه الكلي على النفط لنحو 90% من موارده المالية، وخطر الاستغناء عن النفط بعد حوالي عشر سنوات من الآن، حيث هناك توجه عالمي لحماية البيئة من انبعاث ثاني أوكسيد الكاربون، والاحتباس الحراري ومخاطره على البشرية، و الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة البديلة مثل الطاقة الشمسية والرياح والشلالات والأمواج البحرية وغيرها. ولذلك فمصير النفط كمصير سلفه الفحم، سيتحول إلى بضاعة بائرة في باطن الأرض، وبالتأكيد سينهار سعر البرميل إلى أدنى ما يمكن، وهذا يعني إفلاس العراق مالياً. 

وجواباً على سؤال مقدم البرنامج، الاعلامي السيد كريم حمادي، حول أفضل مرحلة في تاريخ الدولة العراقية حصل فيها بناء المشاريع الاقتصادية والخدمية، ركز الضيف على السنوات الأخيرة من العهد الملكي، وأشاد بدور مجلس الإعمار، الذي تم حله في عهد ثورة 14 تموز 1958 دون أن يوضح مبررات هذا الحل. كذلك قال أن أغلب المشاريع التي انجزها عبدالكريم قاسم، كانت مخططة من قبل مجلس الإعمار إبان العهد الملكي مثل مدينة الثورة (الصدر حالياً) وغيرها، وأن قاسم أخذ الفخر الـ(credit) له أي نسب الفضل لنفسه في تنفيذ هذه المشاريع !

لا أريد أن أناقش كل ما صرح به السيد الوزير، فأغلبها صحيحة، وخاصة مخاطر الاعتماد الكلي على النفط في الموارد المالية، لأن هذا يعني انهيار الدولة العراقية في المستقبل القريب. ولكني أود في هذا المقال أن أوضح بعض الأمور التي مر عليها السيد الوزير دون أن يفيها حقها، وكذلك المخاطر الأخرى التي تهدد وجود العراق كدولة ولم يشر إليها. فهناك الكثير من المخاطر إن لم يتخذ المسؤولون إجراءات وقائية ضدها فمستقبل العراق في مهب الريح، ويكون مظلماً ومرعباً وربما سيكون غير قابل للبقاء كدولة. وقد يرى البعض أن هذه نظرة تشاؤمية، ونقد مبالغ به...الخ، فالجواب أن من واجب المثقف تشخيص مواطن الخطأ، ودق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان، وتجنب سياسة النعامة في دفن رأسها بالرمال.

أولاً، مرحلة الإزدهار الاقتصادي:
يشهد التاريخ أن أهم مرحلة تحقق فيها ازدهار اقتصادي هي مرحلة ثورة 14 تموز(1958-1963) بلا أي شك، وذلك لإعتماد قائد الثورة ورئيس الحكومة الزعيم عبد الكريم قاسم على خيرة الكفاءات الوطنية المخلصة، والمتحمسة لخدمة الوطن عملاً بمبدأ: (الشخص المناسب في المكان المناسب)، بدون أي تمييز. ويشهد بذلك باحثون أجانب مثل حنا بطاطو الذي قال: "ومما له مغزى أن أصحاب المصانع لم يعرفوا ازدهاراً كالذي عرفوه في عهد عبد الكريم قاسم (1958-1963)، الذي كانت سياساته الاقتصادية والمالية موحى بها - إلى درجة غير قليلة- من الوطنيين الديمقراطيين [يقصد الحزب الوطني الديمقراطي]، وبدقة أكبر، من محمد حديد الذي كان له في تلك السنوات نفوذه في الحكومة حتى عندما كان خارجها" (حنا بطاطو، تاريخ العراق، ج1، ص346). وللمزيد للإطلاع على منجزات ثورة 14 تموز 1958، في التنمية الاقتصادية، - الإنتاجية والخدمية-، والتنمية البشرية في عمرها القصير، يرجى فتح الرابطين 2 و3 في الهامش.

ثانياً، مَنْ خطط لهذه المشاريع ولمن الفضل في تنفيذها:
بعد أكثر من نصف قرن على الثورة، وللانتقاص من دور حكومتها، وزعيمها في تحقيق أكبر ما يمكن من منجزات للشعب العراقي من مشاريع وقوانين تقدمية مثل (قانون الأحوال الشخصية رقم 181 لعام 1959) الذي أنصف المرأة، وقانون الإصلاح الزراعي، وقانون إلغاء حكم العشائر، و(قانون رقم 80  لسنة 1961) الذي استرجع بموجبه 99.5% من مساحة العراق من الشركات النفطية، وغيرها كثير... قالوا أن جميع هذه المشاريع والقوانين كان قد خطط لها في العهد الملكي، مثل بناء ميناء أم قصر، ومد الخط العريض بين بغداد والبصرة، وبناء مدينة الثورة، ومدينة الطب، ومعمل الأدوية في سامراء، والزجاج في الرمادي، وتعليب الفواكه في كربلاء، ومضاعفة عدد المدارس والطلبة والمعلمين والمئات غيرها، أقول ولو افترضنا جدلاً أن جميع هذه المشاريع والقوانين قد خطط لها في العهد الملكي، فما قيمة هذه المخططات التي كانت حبراً على ورق وحبيسة الأدراج لسنين طويلة في العهد الملكي، إلى أن جاء عبدالكريم قاسم وحولها إلى مشاريع حقيقية قائمة على أرض الواقع، وبتلك الإمكانيات المالية المحدودة في ذلك الوقت العصيب حيث المؤامرات الداخلية والخارجية لوأد الثورة؟ هذه المشاريع ستبقى نصباً تاريخية شامخة على مر السنين تذكر بوطنية وإخلاص الزعيم عبدالكريم قاسم وثورة 14 تموز.
فالعبرة ليست بالتخطيط ومن الذي خطط فحسب، بل بالتنفيذ ومن نفذ. فبعد 2003 هناك المئات من المشاريع التي خُطط لها، وحتى دُفِع الكثير من تكاليفها بالعملة الصعبة لجهات أغلبها وهمية، ولكن لم يتم تنفيذها بل سُرقت تلك الأموال الهائلة وبقيت المشاريع بلا تنفيذ. كذلك هناك الألوف من المعامل المعطلة مثل معمل الورق في البصرة وغيره ترفض حكومات ما بعد 2003 إعادة تأهيلها بضغوط من أتباع دول الجوار مثل إيران وتركيا، لإنعاش اقتصاديات هاتين الدولتين، إضافة إلى ما يحصل عليه التجار من أرباح فاحشة، وإبقاء العراق بلداً مستهلكاً يستورد حتى الغاز من إيران ويترك غازه الطبيعي يُحرق في الجو ويدمر البيئة العراقية.

ثالثاً، حل مجلس الإعمار:
هذا المجلس تأسس بناءً على اقتراح المرحوم عبدالكريم الأزري، الوزير المخضرم في العهد الملكي، كما أشار الدكتور علي علاوي، وكما جاء في مذكرات الأزري. وفعلاً قام المجلس ببناء السدود مثل سد سامراء لحماية بغداد من الغرق ولأغراض زراعية أيضاً. وبالمناسبة، هذه السدود وغيرها من المشاريع الإروائية الكبيرة لم تكن من تخطيط مجلس الإعمار، بل كانت من تخطيط الخبير البريطاني المعروف ويليم ويلكوس في أواخر العهد العثماني كما درَّوسنا في مرحلة تعليمنا الابتدائي عن المشاريع المنجزة وغير المنجزة.
أما لماذا تم حل مجلس الإعمار بعد ثورة 14 تموز في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم، علينا أن نرجع إلى الشخصية الوطنية الفذة، والخبير الاقتصادي الراحل محمد حديد الذي تبوأ منصب وزارة المالية في حكومة الثورة. وهو بالمناسبة، أول عراقي خريج جامعة لندن للاقتصاد (London School of Economics)، والذي شهد بحقه الباحث حنا بطاطو كما أشرنا أعلاه.

يقول محمد حديد في مذكراته عن أسباب حل مجلس الاعمار ما يلي:
(( حول تخصيص 70% من واردات النفط لوزارة الإعمار و 30% فقط للشؤون الأخرى، المشاريع الاجتماعية والخدمات مثل الصحة والتعليم ...الخ: أن حكومة الثورة غيرت المعادلة فجعلتها 50% للإعمار، و50% للميزانية الاعتيادية لسببين:  أولاً، إن هذه المشاريع الاجتماعية لا تقل شأناً ومركزاً في الأسبقية عن المشاريع الاقتصادية العمرانية، ذلك أن التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية المعنية بالإنسان، ربما تكون أكثر تحقيقاً لمصلحته من المشاريع العمرانية الاقتصادية، أي أن الاستثمار في الإنسان لا يقل أهمية عن الاستثمار المادي في المشروعات الاقتصادية مع الاعتراف بأهميتها بالنسبة للتنمية الاقتصادية. والسبب الثاني هو أن الـ 70 في المائة من واردات النفط، التي كانت تخصص للخطة الاقتصادية كانت لا تنفق جميعها بسبب عجز الجهاز الفني والإداري عن تنفيذ الخطة الاقتصادية، وتبقى مبالغ كبيرة منها مجمدة في الميزانية، وتنعكس في أرصدة نقدية إما في حسابات البنك المركزي، وإما الأرصدة الإسترلينية المودعة في بريطانيا وغيرها من الأقطار الأوربية. ولذلك كان من غير المعقول لأن يبقى المجتمع محروماً من الخدمات التي يحتاج إليها، في الوقت الذي تبقى واردات الدولة معطلة في حسابات مجمدة.)) (محمد حديد، مذكراتي، الساقي، ط1، 2006، ص339).

وكما ذكرنا آنفاً أن حكومة الثورة قد حققت منجزات في مختلف المجالات من مشاريع اقتصادية وتنمية بشرية في اربع سنوات ونصف السنة وبدون مجلس الإعمار، حققت ضعف ما حققه العهد الملكي خلال 38 سنة. فإعمار البلاد لا يعتمد على وجود أو عدم وجود مجلس الإعمار، بل بتوافر النزاهة و الاخلاص الوطني، والضمير والشرف لدى القيادات السياسية المتنفذة في الحكومة.
 
رابعاً، قانون الإصلاح الزراعي وهجرة الفلاحين إلى المدن
وعن هجرة الناس من الريف إلى المدن وخاصة بغداد، (سكان خلف السدة والشاكرية...الخ)، حاول السيد الوزير أن يلقي اللوم على قانون الإصلاح الزراعي، ولكن بعد قليل تراجع واعترف أن الهجرات بدأت في أوائل الخمسينات، أي في العهد الملكي وقبل الثورة بسنوات. وهنا أود أن أشير إلى أن سبب الهجرة ليس قانون الإصلاح الزراعي، بل ظلم الاقطاعيين، وقانون حكم العشائر الذي سنه الإنكليز بعد احتلالهم للعراق، حيث وزعوا عليهم الأراضي الزراعية الأميرية كرشوة لكسب شيوخ العشائر، وتحويلهم من شيوخ ووجهاء لرعاية أبناء عشائرهم إلى إقطاعيين ظالمين لهم، وحولوا أبناء عشائرهم إلى أقنان وعبيد يباعون مع الأرض، يعانون من الجوع والجهل والمرض. وهذا كان سبب الهجرة، وليس قانون الإصلاح الزراعي. وهذه الظاهرة لم ينفرد بها العراق، بل كانت ومازالت متفشية في معظم بلدان العالم الثالث، خاصة في مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952.

المخاطر التي تهدد مستقبل العراق
1- الاعتماد الكلي على النفط المعرض للزوال بعد عقد أو عقدين من الزمن، وعدم الاعتماد عليه في إنتاج الطاقة والموارد المالية.
2- شح المياه: جميع منابع مياه الرافدين وشط العرب هي في تركيا وإيران، وهاتان الدولتان مستمرتان في بناء السدود وحجز المياه عن العراق وهلاكه عطشاً، ولذلك فبعد عقد أو عقدين ستجف الأنهر العراقية. أما شط العرب، وأنهر البصرة فقد تحولت بعد 2003 إلى مستودعات لمياه الصرف الصحي، التي تسبب في تفشي الأمراض.
3- اتساع التصحر، وهو نتيجة لشح المياه،
4-الانفجار السكاني، كان تعداد نفوس العراق عام 1920 نحو 1.4 مليون نسمة، وبعد مائة سنة قفز العدد إلى 40 مليون، أي حوالي 28 ضعفاً. إذ تفيد الدراسات أن هناك زيادة في السكان بنحو مليون نسمة في السنة في مستواه الحالي. وهذا يعني أن العراق يواجه مشكلة الزيادة في السكان، ونقص في موارد المعيشة وغيرها من الموارد الضرورية لإدامة الحياة.
5- الصراع الطائفي والأثني بين مكونات الشعب العراقي، وتغلب نزعة الولاء للانتماءات الثانوية (الدينية، الطائفية، الأثنية، والمناطقية)، على الولاء الوطني العراقي، بل وضعف الشعور بالانتماء لهذا الوطن، وعدم حرص المواطن على ممتلكات الدولة، بل ويسعى إلى تخريبها عمداً. وهناك معلومات كثيرة في هذا الشأن لا مجال لذكرها.
6- تفتت النسيج الاجتماعي، وعودة البداوة، والقبلية والعشائرية وما يرتبط بها من تخلف، وصراعات وحروب داخلية فيما بين العشائر، كلها بدأت في عهد حكم البعث الصدامي الساقط،
7- تفشي وباء الإسلام السياسي ومليشياتهم المنفلتة، وعدم اعتماد السياسيين الإسلامويين على العلوم والتكنولوجيا وفن الممكن في حل المشاكل، بل الاعتماد على الغيبيات والدعاء بالنصر من عنده تعالى، وشيطنة المعارضين لهم لتصفيتهم بشتى الوسائل،
8- انهيار التعليم في جميع مراحله، وتفشي البطالة، والفقر، والاعتماد الكلي على الدولة في التعيينات،
9- تفشي الفساد الإداري والرشوة في جميع مفاصل الدولة، فالمواطن العراقي الذي يراجع دوائر الدولة لأي سبب، لا تُحل مشكلته ما لم يدفع رشوة للموظف،
10- عدم التزام المواطنين بالقوانين وواجباتهم إزاء الدولة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وكما ذكر السيد الوزير، لم يدفع أغلب المواطنين فواتير الكهرباء، و أن هناك 13 تريلون دينار بذمة المواطنين لوزارة الكهرباء، أي ما يعادل 10 مليار دولار. وهذا يعتبر سرقة للمال العام لم يحصل في أي بلد في العالم غير العراق.
11- محاولات دول الجوار، وخاصة إيران وتركيا لإضعاف العراق وإنهاكه وتدميره. إذ تحاول تركيا احتلال نحو 100 ألف كم مربع من شمال العراق بحجة أن هذه كانت أراضي عثمانية، والآن لتركيا قوات عسكرية في بعشيقة بدعوى محاربة حزب العمال الكردي (PKK).(شاهد فيديو في الهامش رقم 4). ولهذه الدول مثل إيران أنصار على شكل أحزاب سياسية متنفذة، ومليشيات مسلحة في العراق، تأتمر بأمر الولي الفقيه الإيراني على حساب وطنهم وشعبهم، لأن الإسلام السياسي لا يعترف بالوطن ولا بالوطنية.
ولا شك أن هناك مشاكل كثيرة أخرى، ولكن نكتفي بهذا القدر.

لذلك، وإزاء هذه المشاكل المتراكمة وتصاعدها نحو الأسوأ، ولا شك أن كل منها يكفي لقصم ظهر البعير كما يقول الأعراب، فهل يمكن لهذا العراق أن يعيش كدولة عصرية متحضرة بحدوده الجغرافية الحالية، تتكيف مع ما يتطلبه العصر الحديث؟
أنا أشك في ذلك، وأعتقد أن هذا شبه مستحيل، ولذلك فمستقبل العراق مظلم ومرعب، ومعرض للإنهيار ما لم يعي المسؤولون في الدولة حجم المشكلة ويتخذوا التدابير اللازمة لدرأ الكارثة، وهذا ممكن فقط لو توافرت النوايا الصادقة، والنزاهة و الشرف والاخلاص للوطن، يعني شخصيات وطنية مثل الزعيم عبدالكريم قاسم وأعضاء حكومته النجباء (حكومة ثورة 14 تموز)، وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر.

ما العمل؟ مقترحات لتحويل العراق إلى دولة صناعية، وزراعية وسياحية
السؤال هنا: هل يمكن منع كارثة انهيار الدولة العراقية عند الاستغناء عن النفط وغيره من المشاكل؟
الجواب: نعم ممكن إذا حاول المخلصون تلافي الكارثة بصدق ونزاهة، وهناك اقتراحات وحلول كثيرة طرحها العديد من الزملاء الأفاضل في مقالاتهم، ومناقشاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن كما يقول المثل الإنكليزي: (القول اسهل من الفعل Easier said than done).

فحكومات الدول المصدرة للنفط كانت تعلم بنضوب النفط والغاز يوماً، ولكن اليوم ظهر سبب آخر، وهو ترك النفط والغاز كمصدر من مصادر الطاقة وذلك للحفاظ على سلامة البيئة من التقلبات المناخية، وظهور البدائل النظيفة المتجددة للطاقة.

وقد اهتمت حكومات الدول الخليجية منذ بداية نهضتها الاقتصادية في منتصف القرن الماضي، بإيجاد البدائل عن النفط والغاز كمصدر للموارد المالية، والحفاظ على حصة الأجيال القادمة من هذه الثروة الناضبة، وذلك بتخصيص نسبة معينة من الموارد النفطية في الاستثمار في مختلف المجالات الاقتصادية وفي مختلف دول العالم. وقد نجحت الدول الخليجية أيما نجاح في هذا المضمار، بحيث صارت الموارد المالية من هذه الاستثمارات تعادل الموارد النفطية وربما تفوقها في المستقبل. لذلك فعندما يصبح النفط ثروة بائرة، يكون لدى هذه الدول البديل الدائم، ويتحملون الصدمة، وكأن شيئاً لم يكن.

أما في حالتنا العراقية، فأفضل فرصة ذهبية توفرت للاستثمار في المشاريع غير النفطية، ودعم القطاعات الاقتصادية الإنتاجية في الصناعة والزراعة والثروة الحيوانية والقطاعات الخدمية، والسياحية، توفرت في عهد حكم البعث، حيث بلغت الواردات النفطية أرقاماً فلكية للدولة، ففي عام 1979 كان رصيد الدولة نحو أربعين مليار دولار. وهذا مبلغ ضخم في ذلك الوقت، كان بإمكان حكومة البعث أن تحذو حذو الدول الخليجية في الصناعة والزراعة والتنمية البشرية وغيرها، ولكن بدلاً من ذلك، راحت الحكومة، وخاصة في فترة رئاسة صدام حسين، بتبديد هذه الثروة واستدان عليها نحو 120 مليار دولار، وصرفها على عسكرة المجتمع، وشراء ذمم الاعلاميين في العالم لتجميل وجه الدكتاتور، وحكاية كوبونات النفط باتت معروفة للجميع، وتم تبديد هذه الثروات على شن الحروب العبثية على إيران ومن ثم احتلال الكويت...و(حرب تلد حرباً أخرى) إلى آخره من قائمة كوارث الدمار الشامل. وكما أشار الوزير علاوي، أن الحروب الصدامية العبثية كلفت العراق نحو 400 مليار دولار.

ثم جاءت مرحلة ما بعد 2003، وخلال الـ 18 سنة الماضية فشلت الحكومات المتعاقبة في التخلص من تركة البعث، بل زادوا عليها بالفساد، والأنانية، وسرقة أموال الشعب، وفقدان الشعور بالوطنية والمسؤولية، إلى أن وصلنا إلى هذا الوضع المأساوي المزري، وضع اللادولة، والدولة الرديفة، والدولة الفاشلة وغيرها من المسميات..

لست خبيراً بالاقتصاد، ولكن اعتماداً على الحس العام (commonsense)، فمن واجب الدولة القيام بتشكيل لجان من الخبراء الوطنيين النظيفين في مختلف المجالات، وبالأخص الاقتصاديين والصناعيين والماليين، والمفكرين وغيرهم، وما أكثرهم، والحمد لله، لدراسة الأزمة، وإيجاد الحلول الواقعية لها، ولكن حسب تقديراتي كمواطن متابع للقضية العراقية ومهتم بها، أطرح النقاط أدناه قابلة للتعديل والإضافات. فلو توفرت النوايا الصادقة والنزاهة والاخلاص للشعب والوطن، لأمكن إخراج العراق من مأزقه وأزمته المالية وغيرها وذلك كالتالي:
1- من الممكن الإسراع في الاستثمار الاقتصادي بمختلف مجالاته بما هو متوفر من الواردات النفطية، وحذو الدول النفطية وغير النفطية في هذا المجال.
2- التخلص من المحاصصة الطائفية في مؤسسات الدولة، واعتماد مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب،
3- مواجهة الانقسامات المجتمعية بحملة تثقيفية مكثفة، ومستدامة، ومنع أي تمييز: ديني، أو طائفي، أو أثني..الخ 
4- منع ذكر الانتماء الديني والطائفي والأثني في بطاقة الهوية الوطنية العراقية،
5- حل المليشيات المسلحة السائبة وحصر السلاح بيد الدولة فقط،
6- حملة تأهيل جميع المعامل المتوقفة عن العمل، إذ هناك آلاف المعامل الصغيرة المتوقفة عن العمل، يجب الاسراع في تأهيلها، لتوفير العمل لملايين العاطلين، فهناك عشرات الجامعات والمعاهد، وألوف المدارس الاعدادية وغيرها تخرج سنوياً مئات الألوف من الخريجين الشباب يبحثون عن عمل، 
7- تشجيع القطاع الخاص، إذ لا يمكن للدولة وحدها أن تكون هي المصدر الوحيد لإيجاد العمل للعاطلين، أما التعيينات بدون عمل فهي بطالة مقنعة تؤدي إلى تضخم جهاز الدولة، وترهله، والكسل والخمول في أداء الواجب،
8- تشجيع الأفراد على المبادرات الشخصية، في خلق أعمال حرة لهم مع مساعدة الدولة لهم مادياً في أول الأمر.
9- تشجيع الاستثمارات الخارجية في جميع المجالات في العراق،
10- الاستثمار في إنتاج الطاقة من المصادر البديلة المتجددة مثل الطاقة الشمسية حيث تتوفر أشعة الشمس في العراق في جميع فصول السنة. وفي هذا الخصوص يجب إقامة علاقات اقتصادية مع الصين الشعبية المعروفة بقدرتها في صناعة الألواح الشمسية ونصبها، وذلك بفتح معامل لصنع الألواح الشمسية في العراق، وتشجيع شركات أهليه عراقية، وتدريب العراقيين في هذه الصناعة، وحث الناس على استخدام هذه الطاقة النظيفة والمجانية عدا تكاليف نصب الألواح على سطوح بيوتهم، كذلك قيام الحكومة بتجهيز جميع أبنيتها بالطاقة الشمسية. فهناك دول تخطط للاستفادة من صحاريها لإنتاج الطاقة الكهربائية الشمسية وتصديرها إلى دول أخرى.
11- في قطاع السياحة: العراق بحكم موقعه الجغرافي، وتاريخه العميق والعريق، وكونه مهد الحضارة البشرية، وغزارة الآثار التاريخية، والمواقع الدينية، مؤهل ليكون أفضل دولة سياحية لمختلف أنواع السياحة، الترفهية، والثقافية، والدينية لأتباع مختلف الديانات والمذاهب. إضافة إلى إمكانية تحويل منطقة الأهوار، وشط العرب إلى مشتى والرياضة المائية.
12- الاهتمام بالصناعات البتروكيماوية، وتطويرها بحيث توفر مواداً تستخدم في الصناعات المختلفة،
فطالما عندنا النفط كمادة أولية يمكن التقدم في هذا المجال، وكذلك صناعة الأسمدة الكيمياوية،
13- تقليص العطل بشكل عام، فهناك من يستغل المناسبات الدينية، وأغلبها ليست عطل رسمية، ولكن هؤلاء البعض يستغلونها للتهرب من العمل. وإذا ما أضفنا إليها يومين في كل أسبوع، إضافة إلى العطل الرسمية، فالوقت المهدور بالعطل يساوي ما يقارب نصف سنة تكون دوائر الدولة والمؤسسات الاقتصادية والتعليمية وغيرها معطلة. وهذا لا يوجد إلا في العراق.
14- الاهتمام بالثروة الزراعية والحيوانية، وبالأخص زراعة النخيل، إذ كما جاء في الحديث: "أكرموا عمتكم النخلة". فقبل الحروب الصدامية العبثية كان العراق أكبر بلد مصدِّر للتمور، حيث كان فيه نحو 40 مليون نخلة، وعند سقوط الصنم الصدامي كان في العراق نحو 8 ملايين نخلة فقط. كذلك يجب تشجيع إنشاء أحواض لتربية الأسماك، والاهتمام بتكاثرها في الأنهر والبحيرات، وسن قوانين تمنع استخدام السموم والمتفجرات لصيد الأسماك بالطريقة الهمجية التي تؤدي إلى نفوق أعداد كبيرة من الأحياء المائية، وهذه جريمة لا تغتفر،
15- الإهتمام بقطاع النقل: يتميز العراق بموقعه الجغرافي فهو الطريق الرابط بين آسيا وأوربا، وعليه يجب التركيز على شبكة النقل بمختلف أنواعه، الجوي والبري والبحري، وهذا يحتم الاهتمام بالنقطة الأخيرة وهي:
16- الإسراع في بناء مشروع ميناء الفاو الكبير، وبذلك يمكن تحويل الفاو إلى أكبر مصدر يدر على العراق في الموارد المالية، كما هونكونغ ودبي وغيرهما من الموانئ. ولذلك تحاول دول الجوار قتل هذا المشروع لكي لا ينافس موانئها.

لا شك أن هناك وسائل أخرى كثيرة يمكن أن تساهم كبديل عن النفط في تمويل الموازنة العراقية وحل الأزمة المالية ودرأ خطر انهيار الدولة العراقية بعد النفط.

وكل عام وأنتم وعراقنا الحبيب والعالم بألف خير
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- تغطية خاصة مع كريم حمادي | الضيف : علي علاوي .. وزير المالية | العراق والدولة.. مئة عام من التقلبات
https://www.youtube.com/watch?v=McTBsH8HfY4

2- عبدالخالق حسين: منجزات ثورة 14 تموز 1958
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=389

3- منجزات الزعيم عبدالكريم قاسم خلال فترة حكمه
http://www.akhbaar.org/home/2018/7/246337.html

4- فيديو قصير:متحدث عراقي يؤكد أن تركيا تتأهب للسيطرة على أراض عراقية غالية وضمها لها وتبلغ مساحتها 100 ألف كم بحجة أنها كانت يوما تابعة لها
https://www.facebook.com/abdulkhaliq.hussein.1

5- د. حميد الكفائي: استعادة الدولة أولى من الاحتفال بذكراها المئوية
https://akhbaar.org/home/2021/12/289956.html

5- أ. د. عادل شريف: العراق في مئويته الأولى، سياسات مستوردة وانقسام مجتمعي
https://almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=220434

5
من المسؤول عن الإسلاموفوبيا؟

 
عبدالخالق حسين

تعريف الإسلاموفوبيا كما جاء في موسوعة الويكيبيديا كالتالي:
((إسلاموفوبيا، أو رهاب الإسلام (بالإنجليزية: Islamophobia)،‏ هو التحامل والكراهية والخوف من الإسلام، أو من المسلمين. وبالأخص عندما يُنظَر للإسلام كقوة جيوسياسية، أو كمصدر للإرهاب. دخل المصطلح إلى الاستخدام في اللغة الإنجليزية عام 1997عندما قامت خلية تفكير بريطانية يسارية التوجه تدعى رنيميد ترست، باستخدامه لإدانة مشاعر الكراهية والخوف والحكم المسبق الموجهة ضد الإسلام أو المسلمين. برغم استخدام المصطلح على نطاق واسع حالياً، إلا أن المصطلح والمفهوم الأساسي له تعرض لانتقادات شديدة. عرف بعض الباحثين الإسلاموفوبيا بأنها شكل من أشكال العنصرية. آخرون اعتبروها ظاهرة مصاحبة لتزايد عدد المهاجرين المسلمين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وربطها البعض الآخر بأحداث 11 سبتمبر.))

بالتأكيد نحن ضد أي تمييز بين البشر على أساس عنصري، أو ديني، أوطائفي أو اللون، أو اللغة أو أي شكل آخر. ولكن موضوعنا هذا هو الإجابة على السؤال: من المسؤول عن الإسلاموفوبيا؟ الجواب وبدون أدنى شك هو: الإسلام السياسي ومنظماته الإرهابية المنتشرة في العالم، والتي رفعت الشعار الزائف: (الحل في الإسلام).

فهناك جماعات من السياسيين المسلمين قاموا بتسييس الدين الإسلامي لاستلام السلطة السياسية والتحكم برقاب الشعوب لأغراض سياسة نفعية شخصية وحزبية. وهذا يتطلب توظيف الدين لإثارة مشاعر الخوف لدى المسلمين من غير المسلمين. بل وحتى من المسلمين الذين يرفضون تسييس الدين. إذ بات معروفاً لدى القاصي والداني أنه من الخطأ، بل والجريمة والخطر زج الدين بالسياسة، أو السياسة بالدين. لأن الدين يفسد السياسة والسياسة تفسد الدين. وأفضل مثال هو ما حصل في العراق وإيران، وأفغانستان. ولذلك ففي الدول الديمقراطية العريقة التي تحترم نفسها يُمنع تسييس الدين أو تديين السياسة. فالإسلام السياسي ليس الحل كما يدعون، بل زجه في السياسة هو المشكلة الكبرى للشعوب المسلمة، وعقبة كأداء أمام تقدمهم الحضاري.

فتسييس الدين يبيح للمتحزب للإسلام السياسي بأن يقتل المعارض قربى إلى الله. وفي هذا الخصوص صرَّح أحد دهاقنة الإسلام السياسي وهو الشيخ حسن الترابي في تبرير الإرهاب الديني قائلاً: (وهل هناك أكثر قربى إلى الله من إرهاب أعدائه). وما الإرهاب الإسلامي الذي يجري في العالم اليوم على أيدي التنظيمات الإرهابية مثل "القاعدة" و"داعش"، و"طالبان"، و"بكو حرام" وغيرها كثير، وكذلك القوى السياسية في العراق ومليشياتها السائبة الموالية للنظام الإسلامي الإيراني، إلا دليل على صحة ما نقول. ففي العراق هناك مليشيات مسلحة سائبة تابعة لقوى سياسية موالية لهذه الدولة أو تلك تقتل الأبرياء من الذين يقومون بتظاهرات سلمية مطالبين بحقهم في حياة كريمة في هذه الدنيا.

فالإسلام كدين يقول: (لا إكراه في الدين)، ويعطي الإنسان حرية الاختيار ليضعه أمام مسؤولياته، وإذا كان هذا الإنسان على خطأ في اختياره، فالله وحده يعاقبة في الآخرة، وليس من حق أي إنسان آخر أن يفرض معتقده الديني أو الطائفي أو السياسي على الآخرين بالقوة الغاشمة.

ولكن دعاة الإسلام السياسي لا يعترفون بمبدأ (لا إكراه في الدين) رغم أنه جاء في أية قرآنية، إذ يعتبرون هذه الآية من الآيات المنسوخة، وهم على خطأ، لأنهم إنتقائيون، أي ينتقون من الكتاب والسنة ما يلائم أيديولوجيتهم الشمولية، ويرفضون ما يعارضهم من الكتاب والسنة ويعتبرونها منسوخة. فقد قام شيوخ الإسلام السياسي بعمليات غسيل أدمغة الشباب المسلم، المحروم من الثقافة، وإشباع احتياجاته الفسلجية، وأبسط متطلبات الحياة الكريمة، قاموا بشحنه بالحقد والعداء والكراهية لغير المسلمين، بل وحتى للمسلمين الذين يختلفون معهم في رؤاهم العدوانية ضد البشر والحضارة البشرية، وحولوه إلى قنبلة بشرية موقوتة لقتل نفسه والأبرياء الآخرين.

لذلك شاهدنا عمليات إرهابية في الغرب ومناطق أخرى من العالم، ضد الناس الأبرياء وبدوافع دينية. وهذا هو السبب الرئيسي الذي دفع مواطني البلدان الغربية تتخوف من الإسلام والمسلمين. بل وهناك مسلمون صاروا مواطنين في الغرب بعد أن هربوا من حكوماتهم عبر البحار بالقوارب المطاطية الصغيرة متحملين مخاطر الغرق ليكونوا طعاماً للأسماك، في سبيل العيش الكريم في البلدان الغربية العلمانية الديمقراطية. ولكن هناك البعض منهم، وبعد ان يستقر بهم المقام في الغرب يحاولون فرض أيديولوجيتهم الدينية وثقافاتهم الموروثة التي هاجروا أوطانهم بسببها، يحاولون فرضها بالإرهاب على الشعوب التي استضافتهم، وحققت لهم العيش الكريم.

ومن هذه التصرفات الفجة، على سبيل المثال لا الحصر، قيام البعض من المسلمين المسيَّسين في البلدان الغربية بقيام صلاة الجماعة في شوارع المدن الغربية الكبرى، الغرض منها ليس التقرب إلى الله كما يدعون، بل مجرد إبراز العضلات والعنتريات الغبية لإرهاب الشعوب المضيفة. ففي مقطع فيديو بعنوان: (من يشوه صورة الإسلام؟)، نشاهد هذا النوع من السلوك الأهوج في أحد شوارع لندن، حيث يسدون الشارع، مما يؤدي إلى قطع المرور لا لشيء إلا لإزعاج الناس وإثارة تذمرهم وسخطهم ضد المهاجرين المسلمين.(1)

كما وصلتني من صديق صورة لجماعة من المسلمين يؤدون صلاة الجماعة في شارع في إحدى المدن الغربية، بعنوان: (قليل الأدب والاحترام)، مع تعليق في منتهى الصدق والبلاغة، كالتالي:
((الصلاة في شوارع أمريكا وأوربا وإغلاقها لا يعني أنك "مسلم ملتزم وشجاع" بل إنسان "قليل الأدب والإحترام" لا تحترم النظام، لا تحترم القوانين، لا تحترم الناس، بالإضافة إلى أنك تفرض عقيدتك بالقوة في مكان ليس مكانك ولا هو مخصص أصلاً للعبادة.
"عنجهية وغطرسة فارغة، يحاولون من خلالها إيصال رسالة مفادها: شاهدونا كيف نصلي معاً بالآلاف، شاهدونا نحن أكثر البشر تديناً على الكوكب!
"المثير للسخرية أن أغلبهم هربوا بقوارب صغيرة عبر البحار من إرهاب وحروب بلدانهم الدينية صوب حرية وأمان البلدان العلمانية!))(يرجى فتح الرابط رقم 2 في الهامش لمشاهدة الصورة) انتهى

وبالعودة إلى السؤال المتضمن في عنوان هذا المقال: من المسؤول عن الإسلاموفوبيا؟
نُجيب: المسؤول الأول والأخير عن الإسلاموفوبيا هم دعاة الإسلام السياسي الذين قاموا بتوظيف الدين الإسلامي لا لبث المحبة والانسجام والتعايش السلمي بين البشر كما هو المفترض من الحديث الشريف "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده"، وقول الإمام علي: "الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق)، بل لبث الحقد والكراهية والعداوة بينهم. فدعاة الإسلام السياسي هم أول من يخالفون مبادئ دينهم، لذلك فالإسلام السياسي ليس الحل كما يدعون، بل هو مشكلة كبيرة، و ردة حضارية، لأنه يقف في الجانب الخطأ من التاريخ. فمسار التاريخ هو نحو التقارب والأخوة بين البشر، وتداخل مصالحهم وسعادتهم، بسبب ما حصل من تطور مذهل في تقنية وسائل نقل المعلومات (Information Technology=IT)، و وسائل النقل السريع، التي سهلت السفر والاختلاط بين الشعوب والاندماج بينهم في عملية العولمة التي جعلت كوكبنا عبارة عن قرية كونية صغيرة. وفي هذه الحالة لا مكان في هذا الكوكب لدعاة العزلة، واحتكار الحقيقة، بذريعة أنهم مخولون من الله! فلا مكان لمثل هذه الدعوات الباطلة. فكما فشلت الأيديولوجيات الفاشية و النازية واليسارية الشمولية، كذلك مصير أيديولوجيات الإسلام السياسي مصيرها في مزبلة التاريخ.
وبناءً على كل ما سبق، أعتقد أن من حق الشعوب الغربية أن تتخوف من الإسلام والمسلمين بعد هذا الكم من الإرهاب الذي حصل لهم من قبل بعض المسلمين اللاجئين من ناكري الجميل لكرم الضيافة في الغرب، من أمثال أبو حمزة المصري وغيره الذين يستغلون مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في الغرب لأغراضهم السيئة.

فكما ذكرتُ في مداخلتي في مؤتمر (إصلاح الإسلام) في روما عام 2012 بعنوان: (غفلة الغرب عن مخاطر الإسلام السياسي) محذراً المسلمين بما يلي:
"إذا تُرك الوضع على هذه الحالة ولم نتخذ نحن المسلمين، إجراءات لوقف هذا الجنون، فصبر الغرب محدود، وربما سيؤدي في المستقبل إلى انفجار الوضع، وظهور أحزاب نازية وفاشية تستلم السلطة مثلما حصل في النصف الأول من القرن العشرين، ويحصل لنا تماماً كما حصل ليهود أوربا آنذاك، ولكن في هذه المرة سيكون العرب والمسلمون المقيمون في الغرب هم حطباً لمحارق الهولوكوست القادمة.(3)
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مقطع فيديو بعنوان: من يشوه صورة الإسلام؟
https://twitter.com/tanweer_20/status/1321347916498427904?s=24

2- رابط الصورة ونص التعليق بعنوان: قليل الأدب والاحترام
https://www.facebook.com/photo/?fbid=4672712172822807&set=a.813544632072933

3- عبدالخالق حسين: غفلة الغرب عن مخاطر الإسلام السياسي
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=336912
 

6
الإجراءات الوقائية ضد كورونا أخطر من المرض نفسه

د.عبدالخالق حسين

يقول الفيلسوف الأمريكي من أصل ألماني، إريش فروم (Erich Fromm): "إن الإرهابي لا يعتمد على الأضرار المباشرة من أفعاله فحسب، بل والأهم، يعتمد على نتائج ردود الأفعال". فردود الأفعال التي تتخذها الحكومات والناس هي الأخطر، إذ تشبه سلسلة التفاعلات النووية (Chain reactions)، وهذا القول ينطبق على وباء  فيروس كورونا أيضاً.

نعم، أغلب الإجراءات الوقائية والاحترازية التي فرضتها الحكومات، بعد استشارة العلماء والأطباء، كانت ضرورية لتخفيف الأضرار من هذا الوباء الخطير الذي كشف عجز البشرية رغم تقدمها الحضاري في جميع المجالات. ولكن المبالغة في تطبيق هذه الإجراءات أدت إلى نتائج معكوسة. ومن هذه الإجراءات إيقاف العمل في معظم المؤسسات الاقتصادية، الإنتاجية والخدمية، وبمختلف أنواعها، وتوقف وسائل النقل، البرية والبحرية والجوية، وذلك للحد من نقل فيروس كورونا من مكان إلى آخر.

والأخطر، أن معظم المستشفيات والمراكز الصحية توقفت عن معالجة الحالات غير المسعجلة، بما فيها الحالات السرطانية، والتي تحتاج إلى عمليات جراحية، بل وحتى العيادات الخارجية توقفت عن استقبال المرضى، و ألغت المواعيد أو أجلتها، وذلك لفسح المجال أمام شغيلة الصحة لمعالجة المصابين بفيروس كورونا.

ولكي لا يساء فهم القصد، أقول أن الخطر ليس في هذه الإجراءات، بل في المبالغة في تطبيقها، وخاصة في إيقاف المؤسسات الخدمية مثل النقل، والتعليم، والتشدد في التباعد الاجتماعي...الخ. إذ تفيد الحكمة ( كل شيء زاد عن حده انقلب ضده). فمع قناعتنا بضرورة هذه الاجراءات، إلا إنه يجب تطبيقها بمرونة وعقلانية، وحسب متطلبات الظروف المحلية، و مبدأ الربح والخسارة.

فهناك أدلة تؤكد صعود أرقام الوفيات وخاصة في دور العجزة لأسباب لا تعود إلى مرض كورونا. كذلك توقف كثيرون من المرضى عن مراجعة الأطباء، أو المؤسسات الصحية في حالة تعرضهم إلى مشاكل صحية تستوجب الاستشارات الطبية في الظروف الاعتيادية ، إما لصعوبة الاتصال بهذه الجهات، أو لخوف المرضى من عدم الاستجابة لهم، أو لرغبتهم في فسح المجال لشغيلة الخدمات الصحية للتفرغ لمعالجة مرضى الكورونا. إذ تفيد الأنباء في بريطانيا مثلاً، أنه حتى المراجعات لقسم الطوارئ (Accident and Emergency) قد انخفضت بنسبة 50%. وحتى لو أخذنا انخفاض حوادث الطرق بالحسبان بسبب انخفاض استخدام السيارات وغيرها من وسائل النقل، إلا إن هناك انخفاض في المراجعة لحالات أخرى مثل الذبحة الصدرية وأمراض أخرى، إلا بعد تفاقم المرض. إذ أفادت الأخبار من بي بي سي مؤخراً، أن دخول المستشفيات بسبب الأزمات القلبية (Heart attacks) قد انخفض بنسبة 70%، وتحويل حالات الأمراض السرطانية من قبل الأطباء العموميين (GP) إلى الأخصائيين في المستشفيات قد انخفض بنسبة 75%. وهذا لا يعني أن هذه الأمراض قد توقفت بل لصعوبة المراجعات بسبب حظر التجول. إضافة إلى إلغاء العمليات الجراحية للحالات غير المستعجلة.

كذلك أفادت الشرطة البريطانية أنه منذ بدء الحظر، وفرض الإقامة الإجبارية في المنازل، تصاعدت حوادث العنف الأسري بنحو 25%. أما في العراق فقد أفادت الأنباء أنه (منذ بداية الحجر المنزلي، ازدادت نسبة العنف الأسري بنسبة 30 في المائة، وحتى 50 في المائة في بعض الأماكن، بحسب ما يؤكد لوكالة فرانس برس مدير الشرطة المجتمعية العميد غالب عطية.)(1)

أما الأضرار الاقتصادية فحدث ولا حرج، وأهم قطاع تضرر من هذه الاجراءات الوقائية، هو قطاع النفط، حيث انهارت أسعار النفط الخام إلى النصف أو أقل منه، أما في أمريكا فقط هبط سعر البرميل من النفط الخام إلى ما دون تكاليف إنتاجه، إضافة إلى معاناة شركات النقل، وبالأخص شركات الخطوط الجوية، والسياحة، والفنادق، والمطاعم وغيرها كثير. ولا شك إن الكثير من هذه المؤسسات الاقتصادية معرضة للإفلاس، وبالتالي تسريح الملايين من العاملين فيها ورميهم في أحضان البطالة، وحتى عجزها عن دفع رواتب المتقاعدين. لذلك هناك تحذيرات وتنبؤات من قبل الخبراء الاقتصاديين أن الانهيار الاقتصادي والكساد في العالم ما بعد كورونا، بسبب هذه الإجراءات، سيكون الأسوأ في التاريخ، أي أسوأ من الكساد الذي حصل في عام 1928 نتيجة للحرب العالمية الأولى.

ورغم أن الدول الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا و الاتحاد الأوربي، واليابان وروسيا والصين الشعبية، وغيرها قد خصصت مبالغ بأرقام فلكية تقدر بترليونات الدولار، لمساعدة المتضررين من الشركات والأفراد العاملين، إلا إن هذه الاجراءات لن تحمي من الكساد، وانخفاض القوة الشرائية (Inflation) لجميع العملات بما فيها الدولار، والاسترليني، واليورو، والين الياباني، وغيرها. أما الدول الفقيرة في العالم الثالث فهي معرضة للنتائج الاقتصادية الوخيمة أكثر من غيرها أضعافاً مضاعفة. وبالتأكيد تكون أكثر الدول تضرراً هي الدول التي تعتمد في موازناتها على النفط مثل دول الأوبيك، وروسيا، والنرويج وغيرها.

ولو قارنا الدول التي لم تتشدد في العزل الاجتماعي مثل السويد وغيرها من الدول الاسكندنافية، لو جدنا عدد الإصابات والوفيات بسبب فيروس كورونا فيها أقل من تلك التي تشددت في هذه الاجراءات مثل أمريكا وبريطانيا وإيطاليا وأسبانيا وغيرها، لو أخذنا في الاعتبار نسبة الوفيات والإصابات لكل مليون نسمة من السكان(2). كذلك الصين الشعبية التي انطلق منها الوباء اكتفت بعزل مدينة ووهان فقط التي كانت مصدر الوباء، ولم تتشدد في هذه الاجراءات في بقية مناطق الدولة الواسعة، والآن عادت الحياة فيها بصورة طبيعية مع أقل الأضرار البشرية والاقتصادية، حيث حصل انخفاض في سوق الأسهم في الصين حوالي 10% فقط ، بينما انخفضت الأسهم في البلدان الغربية التي تشددت في إجراءاتها الوقائية إلى نحو 50%.(3)

كما تفيد الإحصائيات أن الوفيات بسبب كورونا في العالم أقل بكثير من الوفيات بسبب الإصابة بالانفلونزا، والتي تتكرر سنويا ودون أخذ أي إجراء وقائي كما اتخذ في حالة كورونا.(4)

لذلك أعتقد أن المبالغة والتشدد في هذه الاجراءات مثل فرض العزل، والإقامة الاجبارية لنحو ثلث البشرية في العالم، يؤدي إلى نتائج وخيمة ومعكوسة، من بينها زيادة الوفيات بسبب إهمال معالجة المصابين بالأمراض الأخرى غير الكورونا، إضافة إلى إيقاف التعليم، و شل الحياة، والدمار الاقتصادي الشامل ما بعد كورونا، وتفشي البطالة، وما يرافقها من تصاعد الجريمة، وغيرها من الأمراض الاجتماعية، أي كارثة تلد كوارث أخرى أشبه بالقنابل العنقودية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- جائحة العنف المنزلي تجتاح العراق خلال الحظر أيضاً
https://www.swissinfo.ch/ara/%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B2%D9%84%D9%8A-%D8%AA%D8%AC%D8%AA%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B8%D8%B1-%D8%A3%D9%8A%D8%B6%D8%A7-/45717180

2- WHO Coronavirus update
https://www.worldometers.info/coronavirus/

3- Spotted Corsham and Chippenham
https://www.facebook.com/Spottedcorshamandchippenham/posts/something-is-fishywuhan-to-shanghai-839kmwuhan-to-beijing-1152kmwuhan-to-milan-1/2584502175125204/

4- How does the new coronavirus compare to influenza?
https://fullfact.org/health/coronavirus-compare-influenza/

7
كورونا ثورة الطبيعة التصحيحية وتعزيز للعولمة

د.عبدالخالق حسين

لأول مرة في التاريخ الحديث تعيش البشرية في حالة هلع عام في جميع أنحاء المعمورة من وباء  عالمي (جائحة= pandemic) لفيروس جديد من فصيلة السارس (Sars virus)، لم يعهدها من قبل. لقد كُتِبَ وقيل الكثير عن هذا الفيروس، ومخاطره ونتائجه، وتأثيراته المدمرة على الحياة والاقتصاد والمجتمعات، وتهديده للحضارة البشرية، وطرق الوقاية منه...الخ، بحيث لم يبق شيء لم يُذكر، حتى صرنا كل ما نقرأه هو مكرر ولا جديد تحت الشمس، كما يقولون.

لذلك أحاول في هذا المقال التركيز على أمرين إيجابيين لهذا الوباء، وفق مقولة (رب ضارة نافعة). فلكل شيء جانب مشرق ومظلم، ويبدو أن وباء كورونا له جوانب إيجابية أيضاً، فالخير لا يعرف إلا بالشر، والخير والشر ساقا التقدم. إن جائحة كورونا يمكن اعتبارها ثورة الطبيعة التصحيحية لما سببه الإنسان من أضرار كبيرة بحق البيئة، وبدوافع المنافع الشخصية والأنانية وقصر النظر. وكذلك عززت العولمة، وأكدت حاجة البشرية لها، ونبذ العصبيات والتخندقات العنصرية والدينية والطائفية والمناطقية، بل وساهمت في تأكيد حتمية العولمة.

كورونا كثورة الطبيعة التصحيحية
الملاحظ أنه كلما تحل كارثة طبيعية مثل الزلازل والأعاصير، أو من صنع البشر مثل الحروب، ينبرى بعض المؤمنين بالأديان ليدَّعوا أنها عقاب من الله على البشر بسبب ابتعادهم عن الدين، وانغماسهم بالملذات ... الخ. ووباء كورونا هو الآخر استغله البعض واعتبروه عقابأً من الله بسبب معاصينا الكثيرة وابتعادنا عن الدين.

فلو كانت العقوبات هذه موجهة ضد المجرمين والمسيئين فقط دون غيرهم، لهان الأمر، وكان بالإمكان تصديقهم، ولكن أغلب ضحايا هذه الكوارث هم من الأبرياء، بل وحتى من المتدينين انفسهم، لذلك فهؤلاء يسيئون إلى الله والأديان، إذ يصورون الله بصفات بشرية في الغضب والانتقام، وإظهاره كدكتاتور ذي مزاجية متطيرة ومتقلبة، سريع الغضب، ينتقم من مخالفيه وغير مخالفيه دون تمييز، بينما الحقيقة ليست كذلك، فالله لا يمكن تشبيهه بالبشر، إذ ليس كمثله شيء، لأنه كما يوصف في الكتب المقدسة، أنه غير مادي، وكلي الوجود، والقدرة، والعلم، والعدالة وغيرها من الصفات الهية الشمولية المطلقة.

ولكن يمكن أن نقول أن وباء كورونا هو رد فعل الطبيعة على نشاطات البشر ضد البيئة. فهناك مقولة يونانية قديمة تفيد أن (الطبيعة لا تعمل شيئاً عبثاً) (Nature does nothing in vain). يعني أن كل ما تعمله الطبيعة فيه صالح على المدى البعيد، وهو عبارة عن تصحيح الأخطاء المتراكمة في الطبيعة.

فطوال عشرات السنين حذر العلماء حكومات العالم من مغبة التمادي والإمعان في تدمير البيئة بسبب ضخ كميات هائلة من المحروقات وعوادم المَركبات، وحرق الغابات، وتسميم مياه البحار...الخ، مما أدى إلى ارتفاع نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو، والذي بدوره أدى إلى ارتفاع درجة الحرارة وتغيير المناخ وتقلباته على وتيرة سريعة لم تعرف من قبل، وبالتالي ذوبان الثلوج التدريجي في القطبين، وارتفاع منسوب البحار بحيث عما قريب ستختفي الكثير من الجزر، والمدن الساحلية، إضافة إلى تلوث الهواء والمياه بالسموم الضارة بصحة الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات وتسبب الكثير من الأمراض لها.
وقد أكد العلماء في مؤتمراتهم حول البيئة، على الحكومات بوضع ضوابط على المحروقات، وتبني الوسائل الحديثة في الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة ، مثل الرياح، والطاقة الشمسية، والأمواج البحرية، والشلالات والأنهر وغيرها، بدلاً من الاعتماد على حرق الوقود الصلبة والسائلة والغازية، ولكن بلا جدوى. والجدير بالذكر أن أمريكا التي نسبة سكانها نحو 5% من سكان العالم، تساهم بنسبة 30% في تلويث البيئة. ويصر الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، وبدوافع اقتصادية وشعبوية ديماغوجية، أن ارتفاع الـ CO2 والحرارة، وتغيير المناخ ليس من نتاج النشاط البشري، بل من نتاج الطبيعة، وأنه اتجاه طبيعي (natural trend). ولذلك خرج من اتفاقية باريس الخاصة بحماية البيئة. وهذا إجرام بحق البشرية والطبيعة.

كذلك أود التوكيد، وكما صرح به العديد من العلماء، يجب أن نتحرر من نظرية المؤامرة التي تقول أن فيروس كورونا الجديد (Covid-19)، هو من صنع البشر في مختبرات إحدى الدول الكبرى لشن حروب اقتصادية... أمريكا ضد الصين أو الصين ضد أمريكا. إذ نادراً ما نجد عالماً يحترم سمعته يقول أن هذا الفيروس من صنع البشر كسلاح بيولوجي، لإلحاق الأذى بالخصم. إن هذا الفيروس هو نتيجة طفرة وراثية من نفس فيروس السارس في الطبيعة، لأن هكذا سلاح خطير لا يقدم على إنتاجه إي عالم عاقل، لأنه يعرف أن هكذا سلاح سيخرج من السيطرة، وينقلب السحر على الساحر، وبالتالي يكون وبالاً على كل البشرية بمن فيهم صانعو الفيروس.

فهذا الفايروس لا يميز بين الصديق والعدو، ولا الفقير والغني، ولا دول فقيرة أو غنية، ولا بين الحاكم والمحكوم، فهذا هو رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون قد أدخل مساء يوم الإثنين المصادف (6 نيسان/أبريل الجاري)، في قسم العناية المركزة في إحدى مستشفيات لندن بسبب تدهور صحته نتيجة إصابته بمرض كورونا.

ونتيجة لخطورة هذا الوباء سارعت منظمة الصحة الدولية، وأغلب الحكومات في العالم، منذ الأيام الأولى من إعلانه في الصين، باتخاذ إجراءات صارمة مثل منع التجول، والعزل الاختياري والإجباري، والتباعد الاجتماعي، وغسل اليدين بانتظام، وتجنب المصافحة و غيره كثير من الاجراءات الوقائية الصحية لاحتواء هذا الفيروس، وتشجيع الناس بالقيام بوظائفهم من بيوتهم، بل وحتى أعضاء حكومات قاموا بإدارة شؤون دولهم عبر تكنولوجيا التواصل. هذه الاجراءات نجحت فعلاً وأدت إلى احتواء الفيروس والحد من انتشاره، بدليل أن الصين التي بدأ منها الوباء نجحت في إيقافه والتخلص منه، ومن الممكن أن يتم الخلاص منه بهذه الاجراءات في العالم قريباً كما تم القضاء على وباء الجدري قبل عشرات السنين.

والجدير بالذكر، أن هناك نتائج غير مقصودة ظهرت من هذه الاجراءات الوقائية ضد كورونا، أهمها نظافة الهواء من التلوث وهبوط كبير في نسبة الـ CO2 في الجو، إذ أفادت الأنباء إلى أن نسبة الكربون في مدينة نيويورك قد هبطت إلى نصف ما كانت عليه قبل تفشي وباء كورونا وذلك بسبب توقف أغلب وسائط النقل. وهذا يؤكد دور النشاط البشري في تلوث البيئة وأضراره على الصحة. لا شك أن الكثير من هذه الاجراءات ستستمر حتى بعد التخلص من وباء كورنا، مثل ممارسة العمل في المساكن، ومواصلة عادة غسل اليدين بانتظام، والاهتمام بالصحة، والتقليل من التنقل، واستخدام وسائل النقل ما يؤدي إلى تخفيض حرق الوقود..الخ. وهذه النتائج الإيجابية هي من العواقب غير المقصودة التي هي في صالح البشرية.

وباء كورونا تعزيز للعولمة
من نافلة القول أن عالمنا اليوم، وبفضل التقدم المذهل في تكنولوجيا الاتصال والتواصل، صار قرية كونية صغيرة، حيث صارت مصالح الشعوب متداخلة ومترابطة لا فكاك بينها، فالمشكلة الوطنية مثل الإرهاب والأوبئة والكوارث الطبيعية، صارت مشاكل دولية وليس بإمكان أية دولة مواجهتها لوحدها، وهذه جائحة كورونا تؤكد أممية المشاكل وعولمتها، وعجز حتى الدول الكبرى في مواجهتها بدون تضافر الجهود مع الدول الأخرى، قويها وضعيفها، صغيرها وكبيرها بدون استثناء، وبقيادة الأمم المتحدة. وهذا مما يعزز دور الأمم المتحدة والعولمة، لا إضعافها كما يدَّعي البعض.  والجدير بالذكر أني كتبت مقالاً مطولا في حلقتين في عام 2007، بعنوان (العولمة حتمية تاريخية)، أكدتُ فيه حتمية العولمة وفائدتها للبشرية على المدى المتوسط والبعيد، وقد جاء وباء كورونا ليؤكد هذا الاتجاه بأجلى ما يمكن.(1 و2)

خلاصة القول، أن فيروس كورونا ليس من صنع البشر في المختبرات كسلاح بيايولوجي في الحروب الاقتصادية كما يزعم البعض من المهووسين بنظرية المؤامرة، بل هو تحول بيولوجي طبيعي من التغيير في سلالة فيروس السارس الموجودة سابقاً، ويمكن التخلص منه عن طريق الاجراءات التي اقترحها الخبراء، و فرضتها الحكومات، مثل العزل، والتباعد الاجتماعي، وغسل اليدين، وتقوية المناعة بممارسة الرياضة، وتناول الغذاء المتنوع والمتوازن...الخ، ولا بد أن العلماء سينجحون في إيجاد لقاح له قريباً.
كذلك سيترك هذا الوباء جوانب إيجابية في حياة البشر ستبقى إلى أمد بعيد، وخاصة العمل في المنزل، وهذا مما يقلل من استخدام وسائط النقل و تلويث البيئة، وارتفاع سخونة المناح، وعواقبه الضارة بصحة الإنسان والحيوان والطبيعة. لذلك يمكن القول أن جائحة كورونا هي ثورة الطبيعة التصحيحية. راجع مقال: (كيف ستتغير عاداتنا بسبب العزلة التي فرضها فيروس كورونا؟ )(3). وكذلك يعزز جور العولمة والتقارب والتعاون بين الشعوب في مواجهة الأزمات.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبد الخالق حسين: العولمة حتمية تاريخية (1-2) 
http://www.akhbaar.org/home/2007/11/38957.html

2- د. عبد الخالق حسين: العولمة حتمية تاريخية (2-2)  http://www.akhbaar.org/home/2007/11/39014.html

3- كيف ستتغير عاداتنا بسبب العزلة التي فرضها فيروس كورونا؟
https://www.bbc.com/arabic/magazine-52064143

4- يوفال نوح هراري: العالم ما بعد كورونا
Yuval Noah Harari: the world after coronavirus
https://www.ft.com/content/19d90308-6858-11ea-a3c9-1fe6fedcca75

5- خمسة أسباب تجعلك أكثر تفاؤلا رغم تفشي وباء كورونا
https://www.bbc.com/arabic/magazine-52079350


8
في وداع  الشخصية الوطنية العراقية عزيز الحاج
د.عبدالخالق حسين

 

رحل عنا يوم الأحد 12/1/2020 في باريس، السياسي العراقي، والشخصية الوطنية المعروفة، والمثيرة للجدل والخلاف والاختلاف، الدكتور عزيز الحاج، عن عمر ناهز 94 عاماً، حيث كان الفقيد يعيش نحو خمسة عقود في العاصمة الفرنسية. وهو من الرعيل الأول لقيادات الحزب الشيوعي العراقي، قبل ان ينشق عنه، ومن ثم يعتزل العمل السياسي، ليتفرغ للنشاط الفكري، حيث ألف أكثر من ثلاثين كتاباً، في مختلف المجالات، مدونا مذكراته عن تاريخ الحزب، والحياة السياسية العراقية، أشهرها كتابه الموسوم (شهادة للتاريخ: أوراق في السيرة الذاتية السياسية) عام 2001، والذي قدمنا له مراجعة في حينه(1)، إضافة إلى مئات المقالات في الشأن العراقي وغيره، نشرها على موقع الحوار المتمدن(2)، وإيلاف (3)، وعشرات المواقع والصحف العراقية والعربية الأخرى.

والمعروف أنه ليس هناك سياسي عراقي لم يكن مثيراً للجدل والخلاف والاختلاف، ولكن الحاج فاقهم جميعاً في هذا المضمار، خاصة في دوره في شق الحزب الشيوعي العراقي عام  1967 عندما انقسم الحزب إلى جماعة اللجنة المركزية (الحزب الشيوعي العراقي الحالي)، وجناح آخر باسم جماعة (القيادة المركزية) بقيادة عزيز الحاج، الجناح الذي تبنى الكفاح المسلح في منطقة الأهوار، كاستنساخ للثورة الكوبية والتأثر بالجيفارية، التجربة التي اثبتت فشلها لأن لكل بلد ظروفه الخاصة.

نبذة مختصرة عن سيرته الذاتية (من أرشيفه على الحوار المتمدن)(2)
((ولد عزيز الحاج على حيدر في الكاظمية [عام 1926] من أبوين عراقيين كرديين [ فيلييّن].
- أكمل دراسته العليا في كلية دار المعلمين العالية عام 1947 [ صارت كلية الآداب].
- انضم للحزب الشيوعي العراقي عام 1946 وصار من كوادره وكتابه. وسجن في نوفمبر 1948 بحكم السجن المؤبد. ومر بسجون مختلفة حتى ثورة 14 تموز 1958 .
- بعد الثورة أوكلت له مهمات تنظيمية وصار من الكتاب البارزين في الحزب الشيوعي. ورُقي لمركز مرشح اللجنة المركزية في ربيع 1959،
- أرسله الحزب لموسكو للدراسة، ثم لبراغ ، لتمثيل الحزب في المجلة الشيوعية الدولية.
- عاد للعراق سرا عام 1966 وانتخب عضوا في المكتب السياسي.
- في أيلول 67 انفصل عن اللجنة المركزية ومعه كوادر وقواعد شيوعية وراحوا يعملون باسم الحزب الشيوعي ـ القيادة المركزية حتى اعتقاله في شباط 1969،
- ترك العمل الحزبي بعد إطلاق سراحه في صيف 1969،
- في 1971 عين مندوبا للعراق في منظمة اليونسكو الدولية التربوية.
 - بعد خروجه من الوظيفة انفصل كليا عن النظام وانصرف للكتابة والتأليف، وأصبح من الكتاب العراقيين الذين يدينون سلطة البعث، وكتب في ذلك عشرات المقالات الصحفية.
 - ألف ونشر أكثر من ثلاثين كتابا، وآخر كتبه هو [ شهادة للتاريخ..] الصادر عام 2001 والذي يلخص فيه، ويقيّم سيرته السياسية بروح النقد الذاتي الصارم، ويعيد النظر في الكثير من مسلماته العقائدية السابقة من موقع ديمقراطي لبرالي.
 - واصل الكتابة في الصحف العراقية والمواقع الألكترونية.))
*****
أول ما سمعت بعزيز الحاج، كان في السنوات الأولى من ثورة 14 تموز 1958 المجيدة، وكنت حينها تلميذاً في المتوسط، نتابع الأحداث والأخبار بحماس، وكان الصراع على أشده بين القوميين الناصريين والبعثيين من جهة، والوطنيين العراقيين (الشيوعيين والديمقراطيين) من جهة أخرى. فالقوميون رفعوا شعار الوحدة الاندماجية الفورية، بينما الوطنيون رفعوا شعار الاتحاد الفيدرالي. وكان الحاج أحد أنشط المساهمين في تلك السجالات، دفاعاً عن الجمهورية العراقية الفتية، حيث نُشرتْ مقالاته فيما بعد بكتابين (ثورتنا)، وكتاب آخر حول الوحدة العربية نسيت عنوانه.
والجدير بالذكر أنه لما استحوذ دعاة الوحدة الفورية في إنقلابهم الدموي الأسود في 8 شباط 1963، وما تبعه من إنقلابات عسكرية بعضهم على بعض، تنكروا للوحدة العربية، وحاربوها،  بل ودمروا حتى التضامن العربي في أبسط مستوياته.

ولم يخطر ببالي حينها أني سألتقي يوماً بعزيز الحاح ونصبح أصدقاء. كما كنت أسمع عنه أواخر الستينات كقائد شيوعي ثوري، واتهم بخيانته لرفاقه، وهي تهمة فيها نظر سآتي إليه لاحقاً. ففي ربيع عام 1969 كنت بالخدمة العسكرية الإلزامية برتبة ملازم طبيب احتياط في مستشفى معسكر جلولاء، ولم أنس تلك المقابلة التلفزيونية التي أجريت معه، وأدارها محمد سعيد الصحاف، المدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون آنذاك، وقد شاهدنا المقابلة في النادي العسكري في جلولاء.

وبعد سنوات طويلة، وهجرتي إلى بريطانيا، وانغماسي بالنشاط السياسي المعارض للنظام البعثي الدكتاتوري، قرأت الكثير من مقالات الحاج التي كان ينشرها في أول الأمر على موقع إيلاف، ومن ثم على المواقع الأخرى ومنها الحوار المتمدن. وكنا نتواصل عن طريق المكالمات الهاتفية، و الرسائل الإلكترونية، ثم التقينا مرتين في بيت الصديق الدكتور نجم الدين غلام، في لندن، ومن ثم شاركنا في ندوة في لندن أيضاً، عام 2001 عن انقلاب 8 شباط 1963، ودور الأحزاب الوطنية في إفشال ثورة 14 تموز الوطنية الرائدة. كما زرته في باريس عام 2004.

الكتابة عن شخصية وطنية مثيرة للجدل مثل شخصية عزيز الحاج، يعني الكتابة عن جزء من تاريخ العراق السياسي الحديث. ولعل كتابه ((شهادة للتاريخ: أوراق في السيرة الذاتية السياسية))، يعتبر من أهم مؤلفاته، حيث ذكر فيه الكثير من النقد الذاتي. لذا أستطيع القول، وبقناعة كافية، أني فوجئت بتلك المذكرات، فلأول مرة أقرأ لكاتب سياسي ساهم في صنع الأحداث، وخاصة في عقدي الخمسينات والستينات وما رافقها من هزات عنيفة، يمارس نقداً ذاتياً لاذعاً وصارماً، ويحاسب نفسه عليها حساباً عسيراً، كاشفاً عن الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها، ودفع ثمنها هو وغيره. وقد ذهب الحاج في نقد الذات إلى أبعد من اللازم، بل إلى حد التقريع وجلد الذات.

يبدأ كتابه هذا بمقدمة يسميها (كلمة لا بد منها)، يشرح فيها الأسباب التي دعته لكتابة مذكراته، وهو في السبعينات من عمره، ومتى بدأ بكتابتها. ويقول أنه نشر بعضاً من مذكراته في الماضي ولكن في العقدين الماضيين حصلت عنده قناعات أدت إلى تغيير الكثير من تحليلاته ووجهات نظره. يعترف الحاج أنه لم يدَّعِ يوماً أنه كان ملاكاً، أو بطلاً خارقاً، أو صانع معجزات، بل أشار مراراً إلى أخطائه الكبيرة ومساوئ مواقف له، وتوقف لديها بروح النقد الذاتي بمنتهى الصرامة، من النادر أن يمارسه أي سياسي عراقي آخر.
وفي شهادته هذه يشرح الحاج التطورات الفكرية التي حصلت عنده والتي أدت إلى تغيير قناعاته من شيوعي متمسك بصرامة بأيديولوجية الماركسية-اللينينية، ناذراً حياته في النصف الأول منها لتحقيق أهدافه الآيديولوجية، وقضى منها عشر سنوات في سجون نقرة السلمان في عز شبابه، إلى الإيمان بالديمقراطية الليبرالية، والتعددية، والقبول بفن الممكن. ولتبرير هذا التغيير في المواقف، يستشهد الحاج بمقولة حكيمة للروائي الفرنسي الخالد فكتور هيجو: " إنه لثناء باطل أن يقال عن رجل إن إعتقاده السياسي لم يتغيَّر منذ أربعين سنة… فهذا يعني أن حياته كانت خالية من التجارب اليومية والتفكير، والتعمق الفكري في الأحداث… إنه كمثل الثناء على الماء لركوده وعلى الشجرة لموتها…".

وبمثل ما ينتقد الحاج ماضيه نقداً صارماً، يتمنى على الآخرين لو فعلوا مثله. ويقول إن التقييم المنصف والنزيه والعلمي للظواهر والأحداث والمواقف السياسية، هو الذي يعالج كل الجوانب ويزن الإيجابي والسلبي. وينطبق ذلك على تقييم دور الأحزاب والتيارات السياسية العراقية ورموزها من الشخصيات. وكما أن هناك من لا يرون من عزيز الحاج غير أخطائه، وعلاقاته السابقة بالنظام البعثي، فإن هناك في الوقت نفسه، من لا يرون في تاريخ الحركة الشيوعية العراقية غير أخطائها وتخبطاتها وانقساماتها. فهم ينظرون إلى النصف الفارغ من الكأس فقط، وأن الحركات والأحزاب الأخرى أيضاً ارتكبت أخطاء قاتلة دون أن يجرؤا على تقديم أي نقد ذاتي، لا بل ما زالوا يتشبثون بتلك المواقف الخاطئة ويدافعون عنها بحماس ويعتبرونها في أدبياتهم ومذكراتهم من الأعمال البطولية الخارقة في الوطنية والقومية مثل محاولتهم إغتيال الزعيم الوطني عبدالكريم قاسم، وإنقلاب 8 شباط 1963 وغيرهما من الأعمال الإجرامية التي أوصلت العراق إلى ما عليه الآن. وبذلك يؤكد الحاج أن تبعة المآسي العراقية الراهنة تمتد جذورها إلى أخطائنا جميعاً منذ ثورة 14 تموز 1958.
ويختتم المؤلف في تعريف كتابه بقوله: "إن دراسة أخطاء أمس هي، لخدمة التوثيق التاريخي، ولغرض الإستعبار، وتوظيف دروس الإخفاقات والكبوات لصالح الحركة الوطنية العراقية. وإن شهادتي الحالية شهادة للتاريخ ومن منا لا يقف أمام التاريخ؟!".

لذلك، فإن شهادة الحاج ليست سيرة ذاتية عن تاريخ حياته الخاصة والعامة فحسب، وإنما هي عبارة عن رحلة عبر تاريخ العراق السياسي الحديث بشكل عام، مبيناً دوره في أحداثها، مسلطاً الضوء على أهم منعطفاتها. وبذلك فهي مراجعة سريعة واعية، وقراءة نقدية لهذا التاريخ والأحداث الكبرى التي غيرت مجرى تاريخ العراق.

هل حقاً خان الحاج رفاقه؟
يقول الحاج في كتابه الآنف الذكر: ((يقولون بإلحاح "أكتب سيرتك"!.. ولكني كتبت الكثير منها في ثلاثة أجزاء وبقي مما سأوفيه حقه هنا. إن الطيبين يلحون من منطلق أن التجربة ملك التاريخ لا ملكي الشخصي، ويخاف البعض أن أموت قبل أن أكشف أسراراً "خطيرة" لم أكشفها كما يتصورون وللإلحاح مقاصد ومآرب..
((كيف أكتب " تلك المشكلة!… إن المتعسفين يريدون إعلاني "لخيانتي" المزعومة. ولكن "خيانة" من! فالولاء للشعب هو المعيار والمحك، والتضحية من أجل الشعب هي الميزان. فكم من هؤلاء المغرضين من ضحى أكثر مما ضحيت أنا وعائلتي؟ ولو كانت الحقيقة والإنصاف لما بنى البعض أحكامهم على إشاعات وحكايات مفبركة حتى كأن الحاج مسؤول عن كوارث العراق وشيطان الشياطين!.. وكل يوم أسمع حكايات جديدة!!!

ويضيف قائلاً: ((هل كنت "خائناً"؟ .... كلا إذ بقيت مخلصاً لشعبي رغم العثرات، وإن الانتماء إلى الشعب هو الانتماء الأكبر الذي يعلو على الحزبيات وكافة الأيديولوجيات. هل بعتُ رفاقي؟. كلا، بل دافعت عنهم في المعتقل بكل  ما استطيع. هل الندوة التلفزيونية كانت سقطة سياسية كبيرة" أقول نعم، ولكن لها ظروفها وأكبر خاسر فيها كنت أنا بالذات أولاً، بينما أوقف التعذيب بسببها إذ تم إطلاق سراح العشرات من المناضلين المهددين بالموت العاجل أو الآجل. إن موقفي كان بالمعنى الحزبي "انهيار"، ولكن ليس جبن وإنما عن حساب وتأمل في العام والخاص والشخصي معاً، وضمير مرتاح تماماً لأن النتيجة كانت صون حياة عشرات المناضلين وأنا منهم. ولأنني لم أتسبب لأمي وأهلي بفواجع جديدة رغم الضغوط الدعائية عليهم بعد الندوة. إن ضميري مرتاح إذ وباستثناء حالة ملتبسة واحدة سوف أتطرق إليها فإنني لم أدلِ عند اعتقالي باعترافات على رفاقي والتنظيمات، بل ولم أُسأل عن ذالك لأن جميع أسرارنا كانت معروفة ومكشوفة بعد أن أعتقل العشرات ومنهم الأكثرية الساحقة من الرفاق القياديين، وكنت ضمن أواخر المعتقلين القياديين وذلك يوم 22 فبراير/شباط 1969. ثم إني كنت منذ الأول لا أعرف إلا أسماء عدد قليل من الرفاق وهم من سبق لي التعرف عليهم في السجون، أو الدول الاشتراكية. وأكثر من ذلك فقد عرفتُ الأسماء الحقيقية لعدد من رفاق القيادة بعد اعتقالي بمدة ومن أحد ضباط التحقيق. وقد اضطررتُ مرتبكاً إلى إيراد عدد منها في الندوة، وكانت لمعتقلين معي. )) انتهى.   

يقول المثل العربي: "إذا وقع الجمل كثرت سكاكينه". فمهما كان موقفنا من الراحل عزيز الحاج، فكل ما فعله كان بدوافع وطنية، وحتى اعترافاته تحت التعذيب كان بعد أن عرضوا عليه اعترافات رفاقه، وأرادوا منه مجرد موقفه منها، ومن أجل أن ينقذ حياتهم وحياته من الموت تحت التعذيب. وكما قال السيد المسيح: (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر).

وحسب معرفتي بالصديق الراحل أنه كان في منتهى الوطنية، و الإنسانية والطيبة والاخلاق الرفيعة، وفي هذا الخصوص يقول الروائي الروسي العظيم، ليو توليستوي: "إذا أردت أن تعرف قلب إنسان، فأنظر كيف يعامل كلبه". لم يكن لعزيز الحاج كلب، بل كان له قط اسمه (ريمي). وقد عامل ريمي كمعاملة الأب الحنون لطفله. ولما مات ريمي، دفنه في مقبرة الكلاب والقطط في باريس، ونعاه في كتيب، وكان يزور قبره بانتظام. وقد ركزت الكاتبة العراقية القديرة إنعام كجه جي في نعيها للحاج على علاقته بريمي(4).

عزاؤنا الحار لذويه وأصدقائه وقرائه ولأنفسنا... ولفقيدنا الغالي الذكر الطيب.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين:  ملاحظات حول كتاب عزيز الحاج: شهادة للتاريخ
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=1629&r=0

2- أرشيف مقالات عزيز الحاج على صحيفة (الحوار المتمدن) الإلكترونية
http://www.ahewar.org/m.asp?i=71

3- أرشيف مقالات عزيز الحاج على صحيفة (إيلاف) الإلكترونية
https://elaph.com/search/?q=+%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AC
4- إنعام كجه جي: عزيز الحاج في المقبرة | الشرق الأوسط
https://m.aawsat.com/home/article/2088921/%D8%A5%D9%86%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%83%D8%AC%D9%87-%D8%AC%D9%8A/%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AC-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A8%D8%B1%D8%A9

5- فيديو (28 دقيقة) شهادة الشيوعي العراقي عزيز الحاج وماذا قال عن الشهيد فهد وسلام عادل
https://www.youtube.com/watch?v=4DHH1JEtFh8

9
العواقب الوخيمة لقرار إخراج القوات الأجنبية من العراق

د.عبدالخالق حسين

ليس هناك مواطن عاقل، ومخلص لوطنه، يقبل بوجود قوات عسكرية أجنبية في بلاده، ما لم تكن هناك ضرورة ملحة تستوجب ذلك، وفق مقولة (الضرورات تبيح المحظورات). وضرورة وجود القوات الأجنبية في العراق بقيادة الولايات المتحد الأمريكية هي احتلال (داعش= ISIS) للمحافظات الغربية عام 2014. حيث جاءت تلك القوات بقيادة أمريكا، بطلب من الحكومة العراقية لمساعد القوات المسلحة العراقية (الجيش والحشد الشعبي والبيشمركة)، لطرد عصابات التوحش. وتحقق النصر عام 2017، بثمن باهظ في الأرواح والممتلكات. و كان من مصلحة العراق إبقاء هذه القوات لتدريب القوات العراقية ومساعدتها عند الحاجة، حيث مازال الوضع الأمني العراقي هشاً، إذ هناك معلومات استخباراتية أكيدة تفيد عن وجود الألوف من الخلايا الداعشية النائمة تنتظر الفرصة الملائمة لارتكاب جرائمها بحق الشعب والوطن.

ولكن بسبب تعقيدات الوضع العراقي، والصراع المحتدم بين أمريكا وإيران (كلتاهما صديقتان للعراق وساعدتا في دحر الإرهاب)، قامت أمريكا، وبأمر من رئيسها دونالد ترامب، بارتكاب جريمة  قتل الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وقتل نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي "أبو مهدي المهندس"، وستة آخرين من رفاقهما، وذلك في قصف صاروخي استهدف سيارة كان يستقلها سليماني والمهندس على طريق مطار بغداد الدولي في يوم الجمعة (03/1/2020).

هذه العملية تعتبر جريمة شنيعة حسب جميع المعايير، ومخالفة للقوانين الدولية، وتجاوز على سيادة الدولة العراقية المفترض أنها ترتبط مع أمريكا بعلاقة صداقة على وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي للتعاون بين العراق والولايات المتحدة الامريكية (SOFA) لعام 2011. هذه الجريمة تعتبر قرصنة، وتطبيق لشريعة الغاب، وقد أدانتها أغلب دول العالم، وأحزاب سياسية، بما فيها قيادة الحزب الديمقراطي الأمريكي المعارض، ومختلف وسائل الإعلام، والشخصيات الدينية والثقافية في مختلف أنحاء العالم، واعتبروها جريمة تهدد السلام العالمي، وأنها استفزاز غير مبرر لإشعال حروب مدمرة في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة أصلاً.

أما في العراق فكانت ردود الأفعال متباينة، إذ الملاحظ أن الجريمة هذه أثارت غضب قسم من الشعب وخاصة المكون الشيعي، بينما هناك جماعات تظاهروا ابتهاجاً بالجريمة مما يعكس عمق الإنقسام في هذا الشعب.
والجدير بالذكر فيما يخص الحشد الشعبي، أن كتب لي صديق إعلامي مطلع، وهو بالمناسبة، شيعي علماني مقيم في بغداد، أثق به  وبمواقفه الوطنية، قائلاً: (أن هناك انقسام حتى في داخل المكون الشيعي حول الحشد الشعبي، لأنه تمت مصادرته بالكامل لمصلحة إيران التي ستجعل منه الدولة التي تتحكم بدولة العراق كما هو حال الحرس الثوري في إيران، وقبيلة الحوثيين التي حولتها ايران من قبيلة تسكن الجبال الى قوة سيطرت على عموم اليمن، وكما حولت حزب الله اللبناني من حزب محدود ومتصارع بشكل دائم مع منظمة شيعة لبنان "أمل"، الى قوة تتحكم بمجمل لبنان ولمصلحة إيران. ان قيادات الحشد الآن من اتباع إيران بشكل مطلق، وسيكون واجب الحشد هو الدفاع عن ايران والتحكم بالعراق لمصلحة ايران دون مصلحة العراق... لننتظر ونرى. ان ما يحصل في العراق الآن من احتجاجات وتظاهرات هو للتخلص من ايران وأتباعها في العراق). انتهى

وإزاء هذا الغضب الشعبي كما لوحظ من ضخامة حجم مواكب تشييع الشهداء في بغداد، قدم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، السيد عادل عبدالمهدي رسالة إلى أعضاء البرلمان العراقي، مطالباً بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في العراق(1). واستجاب البرلمان بتصويته بإجماع الحاضرين على قرار يطالب بإلغاء طلب العراق المساعدة الأمنية من التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية "بسبب انتهاء العمليات العسكرية في العراق وتحقيق النصر".(2)

وتأكيداً للإنقسام العراقي، كما شوهد إثناء جلسة البرلمان لمناقشة الأزمة والتصويت، فقد تغيبت الكتل السنية والكردية النيابية على أمل إفشال الجلسة بعدم إكتمال النصاب. ولكن النصاب قد اكتمل بحضور نواب الكتل الشيعية والأقليات الأخرى (192 نائباً)، لذلك فأغلب المصوتين على القرار هم من الكتل الشيعية. وهذا يؤكد عمق وخطورة الانقسام في الشعب العراقي وقياداته السياسية. والجدير بالذكر أن قرار البرلمان هذا غير ملزم على الحكومة بتنفيذه، إلا إن رئيس حكومة تصريف الأعمال هو الذي قدم الطلب، ولكن تنفيذه يعتمد على الحكومة القادمة، لذا فمن الممكن أن يكون الغرض من هذا القرار هو لامتصاص الغضب الشعبي.

أعتقد أن قراراً خطيراً كإخراج القوات الأجنبية التي ساعدت القوات العراقية على دحر الإرهاب، يجب أن لا يؤخذ بدوافع عاطفية مشبوبة، وتحت ظروف انفعالات اللحظة، بل في ظروف التهدئة والتأني، والتفكير العقلاني، وبعد مناقشات عميقة وهادئة، لأن هكذا قرار يترتب عليه مصير الشعب، وله عواقب وخيمة جداً إذا ما جاء كردود أفعال انعكاسية (reflex actions)، وليس نتيجة التفكير المنطقي العقلاني العميق.
ومن جهة أخرى أنه لمحزن حقاً أن تتصارع دولتان، (إيران وأمريكا) فيما بينهما، وكلتاهما تحاربان نفس الإرهاب. فالمستفيد في هذه الحالة هو تنظيم داعش. إذ كما قال باتريك كوكبيرن في صحيفة الإنديبندنت اللندنية: (أن إيران وأمريكا رغم عدائهما المعلن، إلا إنهما قد تعاونتا معاً خلال الثلاثين سنة الماضية في مجال محاربة الإرهاب... لكن التاريخ الحقيقي للعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران منذ غزو صدام حسين للكويت عام 1990 كان في الواقع مزيجًا غريبًا من التنافس والتعاون. وهذا ليس واضحًا لأن التعاون كان خفيًا إلى حد كبير، بينما التنافس واضحاً. فقد اعتاد العراقيون الذين كان قادتهم يتأرجحون ويتوازنون بعصبية بين واشنطن وطهران، أن يقولوا لهم: "إنهم يلوِّحون بقبضاتهم على الطاولة ويتصافحون تحتها".) ويضيف: (فالقتال بين إيران والولايات المتحدة على الأراضي العراقية قد يؤدي إلى إطلاق الفوضى العارمة في البلاد، والمستفيد هو داعش.)(3)

عواقب إخراج القوات الأمريكية من العراق
العواقب وخيمة وكارثية وكثيرة، خاصة خلال فترة إدارة الرئيس دونالد ترامب، والمتوقع أن يفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة هذا العام، ومن هذه العواقب ما يلي:
أولاً، أثبتت الأحداث، وخاصة الأخيرة التي سميت بـ(وثبة تشرين)، أن للاستخبارات الأمريكية وحلفائها في المنطقة (السعودية والإمارات وإسرائيل)، نفوذ كبير في العراق، وتأثير عميق على قطاع واسع من الجماهير من كل المكونات بلا استثناء.
ثانياً، ففي عام 2011 عندما أصر رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على إخراج القوات الأمريكية، استجابت إدارة أوباما بدون معارضة، ولكن النتيجة أن احتلت (داعش) المناطق السنية بدون مقاومة تذكر عام 2014، مما أضطر بديل المالكي، الدكتور حيدر العبادي، أن يطلب من أمريكا إعادة قواتها لدعم القوات العراقية في حربها على داعش.
ثالثاً،  ونتيجة لأولاً، وثانياً، فالمستفيد الأول والأكبر من إخراج القوات الأمريكية من العراق هو داعش، وبالدرجة الثانية إيران، والخاسر الوحيد هو الشعب العراقي، وبالأخص الشيعة، لأن في هذه الحالة يتحول الصراع من حرب بين أمريكا وداعش إلى حرب بين أمريكا والشيعة، وبإمكان أمريكا بما تملك من إعلام مهيمن على الرأي العام العالمي، إلصاق صفة الإرهاب بالشيعة كما ألصقتها بإيران وشيطنتها.

رابعاً، وكنتيجة لما سبق، فمن الممكن هذه المرة أن تقوم داعش بنفس العملية، وتحتل المناطق السنية وتحت أي اسم آخر، خاصة وأن المناطق الشيعية هي الأخرى منقسمة على نفسها في الولاء بين أمريكا وإيران. كذلك يمكن أن تعطي أمريكا الضوء الأخضر لحكومة كردستان بالاستقلال وتساعدها على ضم جميع المناطق المتنازع عليها. ومنها تبدأ حروب استنزاف الطاقات البشرية والمادية إلى ما لا نهاية.

خامساً، قال ترامب أنه لن يسحب قواته من العراق ما لم يدفع العراق تكاليف القاعدة الجوية التي بنتها أمريكا، والتي كلفت مليارات الدولارات.,.. ولو هذا الشرط قابل للمناقشة، إذ هناك مادة ضمن الاتفاقية بين العراق وأمريكا أن ملكية القاعدة الجوية تعود إلى العراق.

سادساً، هدد ترامب العراق بفرض عقوبات اقتصادية صارمة أشد مما فُرِض على إيران فيما إذا أصرت الحكومة العراقية على إخراج القوات الأمريكية. قد يجادل البعض أن العراق لم يشن حرباً على أحد، ولم يقم بمخالفة القوانين الدولية، لذلك فترامب لا يستطيع فرض عقوبات اقتصادية على العراق كما حصل في عهد صدام حسين بعد غزوه للكويت. الجواب على هذا الاعتراض، أن الإدارة الأمريكية لا تحتاج إلى موافقة الأمم المتحدة، أو المجلس الأمن الدولي، بل يمكن أن تتخذه من جانبها الأحادي فقط كما حصل مع إيران، وكوبا وفنزويلا، وغيرها وهي في أسوأ حال إقتصادياً.

وبناءً على كل ما تقدم، يجب أن نسأل أنفسنا، خاصة والعراق يعاني من تمزق وتشرذم في وحدته الوطنية، وضعف حكومته، وهشاشة وضعه الأمني، حيث يواجه التهديد الإرهابي الداعشي البعثي، وتكالب دول الجوار عليه، هل من مصلحة العراق طرد القوات الأجنبية وتحويل دولة عظمى من صديقة إلى عدوة؟
ألجواب كلا، وألف كلا، لأن العراق وبوضعه الحالي المزري إلى حد الكارثة، هو الأكثر حاجة إلى وجود القوات الأمريكية والأجنبية الأخرى من حاجة أمريكا لهذا التواجد. وعليه يجب على العقلاء من السياسيين العراقيين أن يفكروا جيداً، و أن لا ينفذوا قرار البرلمان لأنه صدر من نواب كتل مكون واحد وهو المكون الشيعي فقط، وبعجالة، وتحت ضغوط إنفعالات اللحظة. كذلك فالقرار غير ملزم. لذلك فالعراق بأمس الحاجة إلى دعم أمريكا وليس معاداتها. فإخراج القوات الأجنبية، وبالأخص الأمريكية، سيكون وبالاً على الشعب العراقي، لا يقل سوءً عما حصل بعد غزو صدام للكويت.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- نص رسالة عبدالمهدي الموجهة إلى أعضاء مجلس النواب بإنهاء الوجود العسكري الأحنبي في العراق
http://www.dijlah.tv/index.php?page=article&id=246570

2- البرلمان العراقي يطالب بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في العراق
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-50999178

3- مقال باتريك كوكبيرن فعلة ترامب بالعراق:
Patrick Cockburn: Trump’s actions in Iraq could plunge the country into crisis once again, with Iran as strong as ever
https://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/trump-iraq-iran-soleimani-troops-isis-middle-east-a9272726.html


10
مقتل سليماني والمهندس تصعيد إلى حرب كارثية

د.عبدالخالق حسين

قامت القوات الأمريكية فجر يوم الجمعة (03/1/2020)، بقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، مع نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، ومقتل ستة آخرين، بضربة جوية قرب مطار بغداد الدولي. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن العملية تمت بـ "توجيهات" من الرئيس دونالد ترامب نفسه.(1)

جاءت هذه العملية رداً على الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد قبل أيام، والذي اتصف بالعنف بما فيه إشعال الحرائق، واتهمت الإدارة الأمريكية إيران بأنها وراء هذه الأعمال المعادية لها. راجع مقالنا الموسوم (الهجوم على السفارة الأمريكية يضر بالعراق)(2). لم يفاجأ العالم بالرد الأمريكي القاسي، ولكن المفاجأة بسبب سرعة التنفيذ ودقته في معرفة تحركات الجنرال سليماني ومرافقيه. والجدير بالذكر أن الجنرال سليماني يعتبر الشخص الثاني من حيث الأهمية بعد المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، والعقل المدبر للنفوذ الإيراني في دول المنطقة وخاصة في العراق. لذلك فاغتياله بهذه الدقة والقسوة، يعتبر ضربة شديدة ومؤلمة لإيران، وإساءة لسيادة الدولة العراقية. ورغم شدة المأساة لأتباع إيران، إلا إنهم نجحوا في جر العراق إلى الصراع بين إيران وأمريكا في معركة غير متكافئة، نتائجها الكارثية معروفة مسبقاً.

كذلك يعتبر مقتل سليماني والمهندس نقلة نوعية في تصعيد التوتر والصراع في المنطقة، إذ كما قال نائب الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، إن الرئيس دونالد ترامب "قد ألقى الديناميت في برميل بارود". فمنطقة الشرق الأوسط ملتهبة، وبأمس الحاجة إلى محاولات تهدئة وليس صب المزيد من الزيت على النيران المشتعلة أصلاً.

ولا شك أن العراق لا يمكن أن يسلم من هذه الحرائق، وربما يكون الأكثر تضرراً من أية دولة أخرى في المنطقة. إذ هناك مساع محمومة من قبل السياسيين العراقيين الموالين لكل من إيران و أمريكا في جر العراق إلى أحد المحورين المتصارعين دون أن يدركوا تبعات وعواقب هذا التخندق. فالعراق بحاجة إلى علاقة متكافئة مع إيران و أمريكا دون الانضمام إلى أي من المحورين في صراعهما.

وقد بدأ التصعيد بقيام كتائب حزب الله العراقي يوم الجمعة (27/12/2019) بهجوم صاروخي على موقع أمريكي في العراق، قُتل على أثره متعاقد أمريكي، وإصابة أربعة من أفراد الخدمة الأمريكية. ورداً على هذا الهجوم قصفت طائرة أمريكية حربية ليلة الأحد 29/12/2019) عدداً من مواقع كتائب حزب الله أدى إلى مقتل 25 مقاتلاً، وإصابة العشرات. لاحظ الفرق في نسبة الخسائر بين الطرفين (1 إلى 25 لصالح أمريكا). مما حدا بقيام تظاهرة هجومية اتصفت بالعنف على السفارة الأمريكية. ورداً على هذه التظاهرة قامت أمريكا بعملية بمنتهى الدقة بالضربة الجوية التي أودت بحياة سليماني والمهندس وستة آخرين، كما أشرنا آنفاً(2).

والغريب أن المتظاهرين العراقيين المؤيدين لأمريكا أعربوا عن ابتهاجهم بالضربة الأمريكية. أما الحكومة والمرجعية فقد أدانتها لكونها قتلت قادة ساهموا في محاربة داعش، واعتبرتها انتهاكاً للسيادة الوطنية، ومخالفة لوجود القوات الأمريكية في العراق، التي الغرض منها محاربة داعش وليس محاربة أعداء داعش. لكن المشكلة أن أعداء داعش (إيران وأمريكا) في حالة عداء مستفحل بينهما لا يقل ضراوة عن عداء كل منهما ضد داعش.
إن سلسلة العمليات التصعيدية بين إيران وأمريكا لا بد وأن تؤدي إلى حرب ضروس تحرق المنطقة بكاملها. فإيران هددت على لسان المرشد السيد علي خامنئي:"الانتقام الساحق بانتظار منفذي الجريمة".
أما الضربة الأمريكية القادمة فتعتمد على نوعية الضربة الإيرانية القادمة ومكان وزمان حصولها.

وهذا يعني أن المنطقة مهددة بحرب واسعة لا تبقي ولا تذر في حالة قيام إيران برد فعل انتقامي ثأري ضد أمريكا، وبالتأكيد أمريكا سترد بالمثل، وربما بالصاع صاعين أو أكثر كما في حالة الضربة الأمريكية الأخيرة. وهذا بالضبط ما كانت تسعى إليه إسرائيل والسعودية إلى جر أمريكا لشن حرب مدمرة على إيران وأية دولة أو جماعة تقف معها، ويمكن أن يكون العراق ساحة لهذه الحرب.

فلماذا هذا التصعيد غير المبرر نحو الكارثة؟
يؤكد التاريخ أن الاعتداء على السفارات والقنصليات الأجنبية خطر كبير ومخالف للأعراف والقوانين الدولية، يجب تجنبه في جميع الأحوال. وعلى سبيل المثال، بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 قامت مجموعة من الطلبة المتشددين في طهران بالهجوم على السفارة الأمريكية، واختطفوا طاقمها وأسروهم لمدة 444 يوماً. لم تقم أمريكا بشن حرب على إيران، بل ورطوا الشقيً صدام حسين ليقوم لهم بالمهمة القذرة، فأدخلوا في روعه أن الحرب ستكون خاطفة، لأن الجيش الإيراني الشاهنشاهي مفكك وضعيف وضد ثورة الخميني، لذلك لن تستغرق الحرب أكثر من عشرة أيام، وتنتهي بانتصاره، و يخرج بطلاً منتصراً تدين له الشعوب العربية بالولاء، و سيكون هو خليفة عبدالناصر، وبسمارك العرب. والنتيجة أن الحرب دامت 8 سنوات أهلكت الحرث والنسل في البلدين، لتليه حرب أخرى، حيث قام صدام بجريمة غزو الكويت، إلى آخر المأساة لينتهي بأحقر نهاية يستحقها.

ومثال آخر حول الاعتداء على البعثات الدبلوماسية: قام متشددون إيرانيون أيضاً، قبل عامين بحرق القنصلية السعودية في طهران، والنتيجة أن السعودية كسبت الرأي العام العالمي، ولم تقم بحرق القنصلية الإيرانية في بلادها، بل ورطت عراقيين في تظاهراتهم الأخيرة حيث أحرقوا ثلاث أو أربع قنصليات إيرانية في العراق نيابة عن السعودية.

مشكلة العراقيين أنهم لم يتعلموا أي درس من التاريخ، لا القريب ولا البعيد. لذلك حذرنا مع غيرنا، من مغبة الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد وعواقبها الكارثية. فالسيد هادي العامري قائد الحشد الشعبي والمرحوم نائبه أبو مهدي المهندس، وغيرهما الذين قادوا الهجوم على السفارة الأمريكية، لم يكونوا تلامذة جامعة تنقصهم الخبرة، بل هم شخصيات سياسية، وقادة كتل برلمانية وفصائل الحشد الشعبي، إضافة إلى تجاربهم في النضال و الجهاد لعشرات السنين، فالمفروض بهم أن يكونوا قد استخلصوا دروساً وعبراً من التجربة الإيرانية، إضافة إلى خبراتهم الجهادية الشخصية بتجنب التحرش بالسفارة الأمريكية وغيرها، وأية عملية تصعيدية تهدد أمن وسلامة العراق وكل دول المنطقة. إن الكارثة آتية لا ريب فيها... ولكن لا حياة لمن تنادي.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط المصادر
1- (البنتاغون) إن العملية تمت بـ "توجيهات" من الرئيس دونالد ترامب نفسه
https://www.bbc.com/arabic/live/50981473

2- د. عبد الخالق حسين: الهجوم على السفارة الأمريكية يضر بالعراق
https://www.akhbaar.org/home/2020/1/266511.html

11
لماذا هذا الدفاع المحموم عن السعودية ومندسيها؟

د.عبدالخالق حسين

لقد باتت الصورة واضحة اليوم أكثر من أي وقت مضى كوضوح الشمس في رابعة النهار فيما يخص دور السعودية والإمارات وإسرائيل، وأمريكا، في تنظيم ودعم وتمويل التظاهرات التي يسميها البعض بـ(الوثبة التشرينية) التي بدأت سلمية وعفوية وحتى بلا قيادة، كما أدعوا، ولكن سرعان ما تم استخدام المتظاهرين الحقيقيين كمجرد شرارة لتفجير الشارع العراقي المحتقن دائماً بالغضب على الحكومة الفاسدة، وإذا بالمطالب المشروعة العادلة ما هي إلا ذريعة وأقوال حق يراد بها باطل. إذ كما تبين فيما بعد أن الغرض ليس تحقيق مطالب مشروعة وإصلاح حكومة فاسدة، بل لإسقاط النظام الديميقراطي، والعملية السياسية برمتها، وكل ما تحقق من مكتسبات منذ 2003، وإغراق العراق في فوضى هدامة عارمة تهيئ الأجواء لقيام إنقلاب عسكري، وربما لتسليم السلطة إلى البعث الفاشي تدريجياً كما حصل من قبل.

ولقد حذرنا في كل مقالاتنا حول هذه الانتفاضة ومخاطرها، بدور الحكومات الأجنبية وخاصة السعودية وغيرها لما يخططون لتدمير العراق، بسبب عداء السعودية التاريخي للعراق في جميع مراحل تاريخه الحديث، وخاصة في مقالي الأخير الموسوم: (متى كانت السعودية نصيرة لثورات الشعوب؟)(1)، والذي يبدو أنه قد آلم الكثيرين من الذين تورطوا في دعم هذه التظاهرات وإصرارهم على إنكار أي دعم أو توجيه خارجي، أو دور لأيتام البعث والدواعش المندسين فيها لاختطافها وحرفها عن أهدافها المشروعة لأغراض تدميرية تخدم أسيادهم من وراء الحدود. ولما وضحت لهم الصورة، أخذهم العناد، و العزة بالإثم، فما لهم إلا المزيد من الإصرار على موقفهم الخاطئ.

نعم، يبدو أن مقالي الأخير هذا قد ضربهم وأجعهم في الصميم، إذ كما يقول المثل الإنكليزي: (what doesn’t hurt, doesn’t work)، يعني: (ما لا يوجع لا يعمل). لذلك جن جنون هؤلاء المتورطين من الكتاب والمعلقين على صفحات التواصل الاجتماعي في ردودهم وتعليقاتهم، انحدر البعض منها إلى مستويات واطئة جداً، وبذيئة من الشتائم والاتهامات الجاهزة في التخوين والتزوير، بينما هذه الاتهامات تنطبق عليهم.

وأنا نادراً ما أرد عليهم، ولكن حفاظاً على عقول القراء من التضليل رأيت من المفيد أن أرد على إحدى هذه المقالات وهي مقالة السيد مهدي قاسم في صوت العراق، بعنوان: (الأسلوب الغوبلزي في مقالة عبد الخالق حسين الأخيرة). ومن العنوان التسقيطي هذا يعرف القارئ الكريم عن المستوى الفكري والأخلاقي لهؤلاء. فأكثر الذين تبنوا (الأسلوب الغوبلزي)، هم البعثيون ومن يدافع عنهم في هذا الزمن الردئ، زمن الخديعة والتضليل. والسيد مهدي في اتهامه لي بالأسلوب الغوبلزي يطبق المثل مصري القائل: (ضربني وبكى، سبقني واشتكى). فالإناء ينضح بما فيه.

والغريب أني لاحظت من سياق مقاله هذا، الإصرار في دفاعه المحموم عن السعودية ومرتزقتها من البعثيين والدواعش، وتبرئتهم من أي دور تخريبي في هذه التظاهرات. وراح يتهمني وباسلوب استفزازي وابتزازي رخيص بـ((الوقوف النهائي إلى جانب سلطة الفساد و العمالة للنظام الإيراني في المنطقة الخضراء و بضد من إرادة مئات آلاف المتظاهرين من أجل الخبز والعمل و تحسين الخدمات، و الذين ليسوا في نظره سوى ” مندسين مخربين" الذين يريدون تدمير العراق بناء على توجيهات صادرة لهم من الولايات المتحدة الأمريكية و السعودية و الإمارات !!))

فمن هذا الاقتباس نعرف أن الكاتب ينفي نفياً قاطعاً وجود مندسين مخربين، وتوجيهات أجنبية. وهذا يعني أن حرق البيوت والمؤسسات الحكومية، و حرق إطارات، ومحاولات تدمير المؤسسات النفطية باعتراف تقرير نشرته قناة الحرة الأمريكية على صفحتها الأكترونية، وغيرها كثير، كلها من قبل المتظاهرين السلميين. فهل حقاً المتظاهرون السلميون هم الذين يقومون بهذه الأعمال الإجرامية؟ أليس هذا دفاعاً مسعوراً ومدفوع الثمن مسبقاً عن المخربين الحقيقيين الذين يتلقون الدعم المادي والمعنوي والإعلامي من دول المنطقة وأمريكا وبريطانيا؟ فيا ترى، من الذي يشوه صورة التظاهرات السلمية، أنا الذي أدافع عن المتظاهرين السلميين، ومطالبهم المشروعة، أم أنتم الذين تنفون وجود المندسين وتبرؤونهم من كل هذا التخريب؟ أي بعبارة أخرى أنه يقصد بأن المتظاهرين الحقيقيين السلميين هم الذين يقومون بهذا التخريب. فمن هو الذي يسيء إلى صورة المتظاهرين السلميين، أنا أم أنتم؟

لقد بلغ الحماس بالكاتب في دفاعه عن السعودية وتبرئتها من أي تدخل،  إلى حد أنه راح يتهم إيران والمليشيات العراقية بأعمال الشغب وقتل الأبرياء و التخريب، يعني إيران قامت بحرق قنصلياتها في العراق لتشويه صورة التظاهرات السلمية!!! فهل هناك منطق مفلوج أكثر من هذا الكلام اللامعقول السخيف؟ طبعاً ردنا هذا يضعنا في خانة عملاء إيران والمدافعين عنها.
أيها السادة، أنا لا أدافع عن إيران، وأنا أول من أدان تدخلها الفض في الشأن العراقي، كما أدين تدخل الدول الإقليمية الأخرى في هذا التدخل. ولكن ومنذ بدء الانتفاضة، لم نسمع منكم أي نقد وإدانة للسعودية وغيرها من الدول التي تريد بالعراق شراً. راجع مقالنا الموسوم: (العراق بين سندان أمريكا ومطرقة إيران)(2).

وليته اكتفى بهذا القدر من الاتهامات، بل راح مهدي قاسم يتهمني بأني أحرض ضد سكان محافظة ذي قار، ويتزلف إليهم ويدعي بأني اتهمهم بكل ما يجري من تخريب في محافظتهم. وهذا الكلام هو الآخر افتراء وتبرئة للمخربين الدواعش والقناصة الذين يقتلون الأبرياء. لا ننسى أن تقريراً من وكالة المخابرات الأمريكية (CIA)، أفادت قبل أشهر بأن في العراق نحو 20 إلى 30 ألف داعشي منظمين في خلايا نائمة ينتظرون الوقت المناسب لزعزعة الوضع في العراق. بالتأكيد هذه فرصتهم، ولا شك أن كل الأعمال التخريبية منهم، سواءً في بغداد أو المحافظات الأخرى.

وليعرف هؤلاء أني لست وحدي الذي يقوم بفضح دور السعودية والإمارات وإسرائيل، وأمريكا في تخطيط ودعم هذه "الانتفاضة المعجزة"، بل هناك عشرات الكتاب الشرفاء الوطنيين الواعين، وهم مثلي ينتقدون الحكومات الفاسدة منذ 2003 وإلى الآن، ويحذرون من الفساد والتلكؤ في الخدمات، وتفشي البطالة، ولكنهم في نفس الوقت، انتبهوا إلى اللعبة القذرة التي يراد بها تدمير العراق باسم الشيعة، وباسم المطالب المشروعة. وعلى سبيل المثل لا الحصر، أحيل السيد مهدي قاسم وأمثاله الذي ينكرون دور الحكومات في هذا التآمر إلى مقال الكاتب وداد عبد الزهرة فاخر، الموسوم: (الوطن لا يقاد من خلف الحدود ولا بمخربين يقودهم الجوكر الأمريكي)(3)، والذي جاء فيه: " ما يجري الآن وفق الخطة الصهيوامريكية هو خلط جميع الأوراق، لكي يكون المجال واسعا أمام الجوكر الأمريكي لزيادة حدة التوتر، بين أبناء وسط وجنوب العراق، وبموجب خطط إعلامية ودعائية تقلب الكثير من الحقائق، وتثير حمية البعض، وتحرض أبناء الشعب العراقي بعضهم على بعض، مع خطط القتل والحرق والتخريب. وبالأخير يذهب وطن اسمه عراق للمجهول وفق نظرية الفوضى الخلاقة ليقفز بعدها مغامرون اعدوا بكل جدارة لتسلم السلطة والعودة للدكتاتورية المقيتة ". المقال جدير بالقراءة نضع رابطه في الهامش.

ليفهم الجميع، من أصحاب النوايا الحسنة والسيئة، أن المخطط رهيب يراد به استدراج الوضع إلى فوضى عارمة كتمهيد لإنقلاب عسكري، يمهد لعودة البعث الفاشي. فآخر الأنباء التي تؤكد هذه النوايا الشريرة هو (قصة قتل وسحل وتعليق الشاب في الصدرية هذا اليوم -12 كانون الأول الجاري)، والذي صرح به "المتحدث بإسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء الركن عبد الكريم خلف عن تفاصيل ملابسات حادث مقتل وسحل وتعليق شاب بالمقلوب وهو شبه عاري قرب ساحة الوثبة وسط بغداد من قبل بعض المجاميع، نافيا ان يكون ذلك الشخص قناصاً وفقاً لما تداولته بعض الشائعات.)، يرجى قراءة الخبر، نضع رابطه في الهامش(4). كذلك فيديو جدير بالمشاهدة(5). فهل هذه الجريمة من أعمال المتظاهرين السلميين؟ ولماذا لا يتم فرز المخربين عن السلميين؟ ولماذا هذا الحماس بنفي وإنكار وجود مندسين ومخربين، وإلقاء جرائم التخريب على القوى الأمنية بذريعة تشويه صورة التظاهرات؟

نعم نحذر الجميع من فدائيي صدام وغيرهم المنظمين في التيار الصدري، والدواعش، أنهم على استعداد للتحالف حتى مع الشيطان لتدمير العراق من أجل خلق أجواء الفوضى الهدامة وجعل العراق غير قابل للحكم، تبرر لإلغاء الديمقراطية والعملية السياسية برمتها، تمهيداً لانقلاب عسكري يتسلل من خلاله حزب البحث للسلطة. وهذا ما نحذر منه، ولا تخيفنا ابتزازات المخدوعين، أو من باعوا أنفسهم للشيطان.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: متى كانت السعودية نصيرة لثورات الشعوب؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=658106

2- د. عبد الخالق حسين: العراق بين سندان أمريكا ومطرقة إيران
https://www.akhbaar.org/home/2019/10/263710.html

3- وداد عبد الزهرة فاخر: الوطن لا يقاد من خلف الحدود ولا بمخربين يقودهم الجوكر الأمريكي
https://www.akhbaar.org/home/2019/12/265429.html

4- اللواء عبدالكريم خلف: الشاب الذي قتل قرب الوثبة لم يكن قناصاً ومجاميع قامت بسحله وتعليقه
https://ninanews.com/Website/News/Details?Key=801957

5- قصة قتل وتعليق الشاب في الصدريه  (فيديو 5 دقائق)
https://youtu.be/Q1ZmW0bsEfA


12
متى كانت السعودية نصيرة لثورات الشعوب؟

د. عبدالخالق حسين

حقاً، نحن نعيش اليوم في عالم مقلوب واقف على رأسه، أو سميه عالم اللامعقول (Surrealism)، عالم فجأة تحولت فيه المملكة العربية السعودية الوهابية من دولة تصدر الإرهاب الوهابي لقتل الشعوب، وبالأخص إلى شعبنا العراقي، إلى دولة نصيرة لثورات الشعوب، وبالأخص لشعبنا العراقي أيضاً، والأكثر غرابة أنها تناصر ثورة تقوم بها شيعة العراق. فسبحان مغيِّر الأحوال من حال إلى حال!!!. عجبي، متى كان الشيطان نبياً؟

وأخيراً طلعت شمس الحقيقة على ما يجري في العراق منذ الأول من تشرين الأول 2019، من حراك جماهيري، أطلقوا عليه شتى التوصيفات والأسماء الثورية الرومانسية بغية جلب الشباب إليها. وكلنا نعرف، ونعترف أن العراق ومنذ تحريره من حكم البعث الفاشي، تعاقبت فيه حكومات فاسدة، أساءت التصرف، وسرقت الأموال، وتساهلت مع اللصوص، وهناك تقصير فاضح في الخدمات، و تصاعد نسبة البطالة، في بلد يُعد الرابع في الثروة النفطية في العالم، وكل هذه الأسباب تبرر ثورة شعب مظلوم ومحروم من التمتع بثرواته. ولكن هل يعقل أن الظلم الذي شمل كل الشعب العراقي وبكل مكوناته دون استثناء، من شماله إلى جنوبه، تقتصر الثورة على مكوَّن واحد وهم الشيعة فقط؟ ومنطقة جغرافية واحدة فقط، وهي بغداد ومحافظات الوسط والجنوب ذات الغالبية الشيعية؟

فمنذ البدء، قالوا لنا أن هذه التظاهرات سلمية وعفوية، لأن بلغ السيل الزبي، ضد حكومة تمادت في الفساد، وفعلاً شاهدنا فيديو لتظاهرة نسائية سلمية في البصرة، لذلك أيدناها بكل قوة وحماس، و ثبتنا موقفنا هذا في مقال لنا بعنوان: (لتكن تظاهرة البصرة السلمية نموذجاً يحتذى به)(1).

ولكن سرعان ما انكشفت الحقيقة، وتبين لكل ذي عقل سليم، وحس وطني صادق، وضمير حي، أن أصحاب المقاصد السيئة من حكومات خارجية مثل أمريكا وحلفائها في المنطقة (السعودية، والإمارت، وإسرائيل)، قد استغلوا معاناة الشعب العراقي من فساد حكومته، فتم تجيير الغضب الشعبي، وبمنتهى الدهاء، لأغراض لا علاقة لها إطلاقاً بمعالجة الفساد، وتحسين الخدمات، وإيجاد العمل للعاطلين، تلك الشعارات التي رُفِعت في الأيام الأولى من هذه التظاهرات، وسرعان ما تم استبدالها بشعارات ثأرية انتقامية تسقيطية للمسؤولين الشيعة فقط، والتركيز على شعار واحد وهو (إيران برة برة)... الخ، علما بأن الفساد يشمل جميع المشاركين في السلطة من شيعة وسنة، وكرد وغيرهم، وكذلك هناك تدخل في الشأن العراقي من قبل أمريكا، وحلفائها في المنطقة مثل السعودية والإمارات، والأردن، وتركيا  وغيرها، فلماذا التركيز على شريحة الشيعة فقط، وعلى إيران فقط؟ فلو عرفنا السبب لبطل العجب.

إذ بات واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة أن هذه "الانتفاضة المعجزة" كما يسميها البعض من المبهورين بها، مدعومة من أمريكا وحلفائها في المنطقة مثل السعودية والإمارات وإسرائيل، وما يجري من تخريب وفرض الإضرابات بالقوة على المؤسسات الخدمية، والاقتصادية الحيوية مثل الموانئ والنفط، تشير إلى دور السعودية للإنتقام من العراق، كرد فعل على ما حصل من ضرب المنشآت النفطية السعودية في أبقيق في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، بطائرات مسيرة (درونات) أحدثت أضراراً بليغة بالاقتصاد السعودي، ونقص في تصدير النفط إلى العالم، قُّدر بخمسة ملايين برميل يومياً، ولفترة قد تطول لعدة أشهر. وادعى الحوثيون في اليمن بأنهم هم وراء تلك الضربة الماحقة، إلا إن السعودية لم تصدقهم لأنهم يفتقرون إلى خبرة في هكذا تقنية متطورة، والدقة في ضرب الأهداف، واعتبرت هذه الصواريخ أو الدرونات جاءت من الشمال، أي من العراق، وبالذات بواسطة المليشيات العراقية الموالية لإيران.(2)
لذلك يركز المندسون المخربون في هذه التظاهرات على تعطيل عمل المؤسسات الاقتصادية، وخاصة عمل الموانئ وتخريب المؤسسات النفطية في جنوب العراق وفق أوامر تأتيهم من وراء الحدود. وما هذه الأعمال إلا عمليات ثأرية من السعودية ضد العراق.
وما يؤكد ذلك هو آخر تقرير في هذا الخصوص نشرته قناة (الحرة) الأمريكية بعنوان: (هل يستهدف متظاهرو العراق قطاع النفط؟ تقرير يحذر العالم من العواقب)(3)، جاء فيه:
((قال تقرير نشره موقع متخصص في مجال الطاقة إن الأحداث في العراق يمكن أن تؤثر بشكل كبير على إمدادات النفط العالمية، فيما لو أقدم المحتجون الغاضبون على استهداف المنشآت النفطية جنوب البلاد، إن لم يتم الاستجابة لمطالبهم. وذكر التقرير الذي نشر في موقع "أويل برايس" أن العراق يشكل التهديد الأكبر لأسواق النفط العالمية باعتبار أن استمرار الاحتجاجات وتصاعد حدتها يمكن أن يؤثر على نحو خمسة ملايين برميل من النفط هي حجم ما ينتجه العراق يوميا من حقوله النفطية. وقال كاتب التقرير إن السؤال الأبرز الذي يطرح حاليا هو هل يجرؤ المحتجون على التحرك باتجاه النفط العراقي؟ ويضيف أن كل الدلائل تشير إلى أنهم سيفعلون، بل هم أقدموا على ذلك بالفعل عندما أغلقوا الطرق المؤدية إلى خمسة حقول نفطية في البصرة في وقت سابق من الشهر الماضي. ويتابع أن المحتجين كانوا جريئين بما يكفي لإحراق قنصلية إيرانية ومهاجمة مبنى أمني موالي لإيران، وهم يعرفون جيدا أن رد الفعل سيكون عنيفا للغاية)). انتهى الاقتباس.
وهذا يدل بدون أدنى شك أن السعودية وراء هذه "الثورة" لتدمير العراق. لاحظ نغمة التحريض في التقرير، حين يسأل: "وهل يجرؤ المحتجون على التحرك باتجاه النفط العراقي؟". فيجي: "أن كل الدلائل تشير إلى أنهم سيفعلون، بل هم أقدموا على ذلك بالفعل عندما أغلقوا الطرق المؤدية إلى خمسة حقول نفطية في البصرة في وقت سابق من الشهر الماضي".

كذلك هناك محاولات للهجوم على سجن الحوت في محافظة ذي قار، وما أدراك ما سجن الحوت؟ إنه سجن فيه نحو ستة آلاف إرهابي، أغلبهم من السعودية، محكوم عليهم بالاعدام. لذلك يركز أعوان السعودية من المندسين المخربين، وبتخطيط من قياداتهم من خارج الحدود، على محافظة ذي قار وإشعال الحرائق في دوائر الدولة، وبيوت المسؤولين فيها، وحرق الإطارات في الشوارع، والقيام بعدة أعمال تخريبية في عدة أماكن في آن واحد لتشتيت جهود القوى الأمنية، وتضليلهم، وبالتالي تسهيل الهجوم على سجن الحوت لإطلاق سراح آلاف الدواعش السعوديين وغير السعوديين. وعندها يمكن تسليح هؤلاء السجناء لمواصلة "الثورة"، وإكمالها لتحويل المدن ذات الأغلبية الشيعية إلى خرائب وأنقاض كما عملوا في المدن السنية من قبل. وهذا هو الثأر البدوي الذي تريد تحقيقه السعودية ومرتزقتها فلول البعث، والصخريون والخراسانيون، والشيرازيون، وغيرهم من تنظيمات ذات أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، من فئات منحرفة بأسماء وذرائع دينية باطلة، وهي في الحقيقة من فلول وأيتام البعث السائبة التي تعرض خدماتها لكل من يدفع لها، ويدغدغ آمالها الفنطازية بالعودة للسلطة.

وإذا كانت كل هذه الأدلة لا تكفي لإقناع ذوي النوايا الحسنة، أن قوى خارجية وخاصة السعودية هي التي تقرر الأجندات وتدير هذه التظاهرات، و مازالوا ينفون التدخل الخارجي، والمخربين المندسين فيها، نقدم شهادة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، السيدة هنيس بلاسخارت في تقريرها الذي ألقته في مجلس الأمن الدولي قبل أيام، حذرت فيه ممن وصفتهم بالقوى الديناميكية التي تسعى إلى اختطاف المظاهرات السلمية. وقالت إن "أفعال العنف المدفوعة بأسباب سياسية أو انتماءات خارجية تضع العراق على مسار خطير وتخطيط الفوضى والاضطراب. وأضافت أن "هذا يقوّض المطالب المشروعة للشعب العراقي ويعقّد عمل قوات الأمن ويمنح مبررات لاستخدام العنف لقمع المظاهرات السلمية."(4)
فيا ترى، من هي القوى الديناميكية التي تسعى إلى اختطاف المظاهرات السلمية غير السعودية وحليفاتها في المنطقة ومرتزقتها في الداخل؟

أيها العراقيون، يا من تدَّعون أنكم تقرؤون الممحي وما بين الأسطر، أفيقوا من نومكم وغفلتكم، فـ(الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة). لقد بات دور السعودية والإمارات وإسرائيل وأمريكا واضحاً في هذه "الانتفاضة المعجزة". إذ كما يعرف الجميع، أنه لا يمكن تفجير الثورات في أي بلد من قبل حكومات معروفة بعدائها حتى لشعوبها مثل السعودية. والسؤال هنا: كيف ومتى، والحالة هذه، صارت السعودية الوهابية التكفيرية نصيرة لثورات الشعوب المضطهدة حتى تقف اليوم نصيرة لانتفاضة الشيعة؟ إنها مهزلة والله.
تصوروا لو هذا الحراك الجماهيري قد حصل في السعودية، أو في العراق في عهد حكم البعث الصدامي، فماذا كان مصير الجماهير؟  لا شك إبادة جماعية.
نعم هناك فساد، وشعب مظلوم ومحروم من ثرواته، إلا إن الذين يحركون هذه "الثورة" من وراء الحدود ليست غايتهم حل مشاكل هذا الشعب الثائر، بل تدمير العراق والانتقام من شعبه، واجتثات النفوذ الإيراني المنافس لأمريكا وحلفائها، إذ كما قال الكاتب خضير العواد في مقاله القيم: (كيف نصلح الفساد بأفسد منه؟)(5).

العراق مهدد بكارثة حقيقية ماحقة، والسبب هو موقف الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2005، التي يهيمن عليها الشيعة، أنهم وبدوافع أيديولوجية، ربطوا مصير العراق بإيران. وكما ذكرنا وحذرنا مراراً أن العراق ليس بإمكانه الدخول في حرب مع أمريكا أو حلفائها في المنطقة، لذلك على العراق الحفاظ على علاقة ودية مع أمريكا ودون العداء لإيران. لأن بإمكان أمريكا والسعودية تدمير العراق وبواسطة العراقيين أنفسهم، وتحت مختلف المبررات المشروعة، وبما يسمى بـ(الحرب الناعمة). فما يجري الآن في العراق هو ليس لمحاربة الفساد، بل لإسقاط الحكومة المنتخبة، والعملية السياسية برمتها، والمجيئ بنظام دكتاتوري يتسلل من خلاله حزب البعث الفاشي إلى قمة السلطة كما عمل من قبل حين هيمن على السلطة بتسلقه على أكتاف الآخرين.
فهل من يسمع؟
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــ
روابط مقالات ذات صلة
1- د. عبد الخالق حسين: لتكن تظاهرة البصرة السلمية نموذجاً يحتذى به
https://www.akhbaar.org/home/2019/10/263402.html

2- Coordinated drone attack cuts Saudi oil production in half
https://www.worldoil.com/news/2019/9/14/coordinated-drone-attack-cuts-saudi-oil-production-in-half

3- هل يستهدف متظاهرو العراق قطاع النفط؟ تقرير يحذر العالم من العواقب؟
https://www.alhurra.com/a/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%81-%D9%85%D8%AA%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D9%8A%D8%AD%D8%B0%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%A8-/523874.html
4- هينيس-بلاسخارت في مجلس الأمن: العراق يقف على مفترق طرق... والمندوب العراقي يتهم مندسين بتعطيل المظاهرات السلمية
https://news.un.org/ar/story/2019/12/1044721
5- خضير العواد: كيف نصلح الفساد بأفسد منه
https://www.akhbaar.org/home/2019/10/263988.html

13
هل تظاهرات تشرين ثورة، أم ثورة مضادة؟

د.عبدالخالق حسين

مقدمة
كتب الأخ الدكتور لبيب سلطان مقالة على شكل رسالة موجهة لي بعنوان: ((رد على مقالة الدكتور عبد الخالق حسين، حول عنف المتظاهرين لتخريب النظام الديمقراطي في العراق))، يؤكد فيها أن جميع الأعمال العنفية التي رافقت التظاهرات هي ليست من قبل المتظاهرين، بل من قبل الأجهزة الأمنية ومليشيات الأحزاب الإسلامية، وينفي بشكل مطلق دور قوى خارجية فيه، ويرى أن (العنف اللاانساني  الهمجي الذي مارسه ضباط كبار في الداخلية وعصابات من السلطة بملابس مختلفة...الخ). كذلك، يؤاخذ عليَّ أني خارج العراق، لا أعرف ما يجري هناك، بينما هو فيه يراقب عن قرب.(1)

وأنا إذ أشكر الأخ د. لبيب على أدبه الجم في هذا الحوار، عكس البعض الذين يلجؤون إلى البذاءات في التعامل مع المختلف، وتخوين وتكفير الآخر، واتهامه بالعمالة تارة لإيران، وتارة لأمريكا وإسرائيل، مما يدل على خوائهم الفكري، وإفلاسهم الأخلاقي.
   
لا أريد في هذا المقال الرد على كل ما قاله الأخ لبيب، بل أطرح مبررات رؤيتي لما يجري في العراق، آملاً من الأخوة المؤيدين لهذا الخراب أن يعيدوا النظر في مواقفهم على ضوء ما أطرحه، وما كشفته الأيام الماضية من دور تآمري للجهات الخارجية. وفيما يتعلق بكوني خارج العراق وأني لا أعرف ما يجري فيه، أقول أننا في عصر الإنترنت، والعولمة، حيث أصبح العالم قرية كونية صغيرة، يمكن لأي إنسان متابعة ما يجري في أي بلد بسهولة، إذ كما قال حكيم: "إن الذي يرى الغابة من فوق جبل، يرى أكثر مِن الذي في داخلها".
**********
هناك نزعة لدى عدد من الكتاب والمعلقين لتضخيم الأحداث، وإعطائها صفة أكبر مما هي. فمثلاً اندلعت مظاهرات في 1 تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم ومازالت مستمرة، بدأت بمطالب مشروعة مثل (مكافحة الفساد، وتحسين الخدمات، وإيجاد العمل للعاطلين). وأعلن عنها أنها عفوية وسلمية من قبل شباب ينتمون إلى جيل جديد لم يتلوث بأيديولوجية البعث أو غيره . لذا رحبنا بها في أول الأمر، وتمنينا لها لو تبقى سلمية إلى أن تحقق أهدافها النبيلة. ولكن سرعان ما تبين أن وراء الأكمة ما وراءها، وما تظاهرات الشباب العاطلين الذين تم تحفيزهم للتظاهر، إلا تمارين إحماء، ولأغراض لا علاقة لها بتلك المطالب المشروعة، بل لإشعال فتيل حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. لذا سرعان ما تحولت التظاهرة السلمية إلى أعمال عنف، ومعها تصعيد في تسمية ما يجري، فالتظاهرة صارت انتفاضة، والانتفاضة إلى "ثورة"، والثورة إلى "ثورة أكتوبر" تيمناً بثورة أكتوبر البلشفية الروسية، لمنحها رومانسية ثورية، وجلب المزيد من الشباب لها، وإغراء اليساريين وغيرهم بركوب الموجة،علما بأن الشهر العاشر بالعراق يسمى (تشرين الأول) وليس أوكتوبر، ولكن كما قال ابن خلدون "المغلوب مطبوع على طبيعة الغالب".(راجع مقالنا: "ثورة أكتوبر" وثياب الإمبراطور الجديدة!)(2) 

إن وصف التظاهرات بالثورة يؤدي إلى فوضى في المصطلحات، وبالتالي التقليل من أهمية الثورة. فالتظاهرة السلمية هي عمل مشروع يكفله الدستور للمطالبة بحقوق مشروعة. أما الثورة، فهي عمل، عادة مصحوب بالعنف المسلح لإزاحة نظام حكم متخلف عن المرحلة، يرفض الاصلاح، أو تبادل السلطة بالوسائل السلمية، وفسح المجال لقوى تقدمية أخرى لاستلام السلطة، تستجيب لمتطلبات المرحلة المستجدة وإحداث تغييرات تقدمية جذرية.

فهل مواصفات الثورة تنطبق على ما يحدث في العراق منذ الفاتح من تشرين الأول وإلى الآن؟
الجواب: كلا. فكما بينا آنفاً، وفي مقالات سابقة، أن التظاهرات بدأت سلمية وبمطالب مشروعة، ولكن ما ان استجابت لهم السلطة المنتخبة، حتى وتغيرت الأهداف إلى إسقاط السلطة نفسها، وبجميع مؤسساتها التنفيذية والتشريعية، والقضائية، أي تغيير كل ما حصل بعد 2003، وتحولت التظاهرة إلى أعمال عنف راحت ضحيتها مئات القتلى، وآلاف الجرحى، وفرض الإضرابات بالقوة المسلحة، وظهرت نزعة الانتقام من جميع الذين جاؤوا إلى السلطة بعد 2003، وعدم السماح لهم في المشاركة في الحكومات القادمة. وهذه المطالب هي بالضبط ما تطالب به فلول البعث الساقط. وفي هذا الخصوص قال الأستاذ مالوم أبو رغيف بحق، في ختام مقاله القيم (نريد وطن) في الحوار المتمدن:
((أتمنى ان لا يكون من خلف هذه الانتفاضة الباسلة من الذي يسيل لعابه او من الذي يُمني نفسه بالعظمة. اقول هذا وأنا أرى ان النغمة اصبحت سياسية اكثر منها مطلبية، أي أن حل الحكومة والبرلمان لا يقترن بسن قوانين جديدة تكون بديلا عن قوانين الامتيازات والمخصصات والحمايات والمحسوبية والمنسوبية، بل لم نعد نسمع ايضا بمحاسبة الفاسدين وسوقهم الى المحاكمة.. لقد بدأت نغمة السياسة تعلو على نغمة الحقوق، وهذا مؤشر خطر قادم، اذ لا نود ان ننتهي بالمثل القائل "ريتك يا ابو زيت ما غزيت."))(3)

ما هي الثورة المضادة؟
الثورة المضادة (contra-revolution)، هي حركة رجعية مسلحة عكس الثورة التقدمية الحقيقية تماماً، تحصل في بلدان العالم الثالث، مدعومة في معظم الأحيان من قبل أمريكا، ودول غربية معروفة بتاريخها الإستعماري، كما حصلت في دول أمريكا اللاتينية، وآسيا وأفريقيا، الغرض منها إعادة السلطة الرجعية الساقطة، وإلغاء كل ما تحقق في الثورة الحقيقية. وأفضل مثال هو إنقلاب 8 شباط 1963، الذي كان مدعوماً من قبل المخابرات الأمريكية والبريطانية، و الدول الخليجية، والقوى الرجعية الداخلية المتضررة، ضد القيادة الوطنية لحكومة ثورة 14 تموز المجيدة، وإلغاء كل ما حققته الثورة من منجزات تقدمية. كذلك سبقت ذلك الانقلاب تظاهرات مهدت له، وفرض إضرابات بالقوة، تماما كما يجري الآن.

فما الذي يجري الآن في العراق؟
مظاهرات سلمية لحقوق مشروعة؟
ثورة وطنية؟
أم ثورة مضادة؟
نعم، هناك مطالب مشروعة للإصلاح، مثل فساد، وتلكؤ في الخدمات، وتفشي البطالة. كذلك من الإنصاف القول أن هيمنة الأحزاب الإسلامية، وخاصة الشيعية على السلطة، هي خارج الزمن، ولا تناسب المرحلة. فزج الدين بالسياسة، والسياسة بالدين يضر بكليهما. والمطلوب نظام ديمقراطي علماني يستجيب لمتطلبات المرحلة المستجدة في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، ليلبي احتياجات كل الشعب وكل فئاته العمرية، وبالأخص الشباب، وليس نظاماً يفرض قوانين العصور الغابرة. وفي هذا الخصوص يقول الإمام علي: (لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم مولودون لزمان غير زمانكم). فأسلمة الدولة و المجتمع وفرض قوانين العصور الغابرة تضر بالجميع.

ولكن يصح القول أيضاً، أن هذه الأحزاب الدينية هي نتاج ظروف موضوعية قاهرة لا مجال لشرحها في هذه العجالة، وجاءت إلى السلطة عن طريق الانتخابات. لذلك إذا ما تطلب الأمر إزاحتها عن السلطة، فيجب أن تكون الإزاحة بالانتخابات أيضاً، وليس بالعنف، لأن النظام الديمقراطي يمتلك آليات تصحيح أخطائه ومعالجة أمراضه، ويكفل تبادل السلطة بالوسائل السلمية. ولا ننسى، أن أحد أهم أسباب فوز الأحزاب الإسلامية، هو عزوف غالبية الناخبين، وخاصة الشباب،عن المشاركة في الانتخابات، و ضعف وتشتت الأحزاب العلمانية الديمقراطية.
لذلك، نحن لسنا مع إسقاط النظام بالقوة، وسفك الدماء، بل العمل على الإصلاح أولاً، وإذا كان لا بد من تغيير النظام، فيجب أن يكون بالوسائل السلمية، أي عن طريق صناديق الاقتراع (Ballot instead of bullet)، ودون إراقة دماء.

بالمناسبة، صحيح أن جيل الشباب لم يتلوث بأيديولوجية البعث، ولكن في نفس الوقت لم يعرف أي شيء عن مظالم هذا الحزب، وأساليبه الشيطانية الخبيثة في تخريب الأوطان، وهذا ناتج عن قصور الاعلام الرسمي العراقي في توعية الشعب بجرائم النظام الساقط. فمن واجب الإعلام أن يعمل كما عمل إعلام الحكومات الغربية بتنبيه شعوبها عن جرائم النازية والفاشية وكوارث الحرب العالمية الثانية، لكي لا تتكرر.

نستنتج من كل ما تقدم، أن ما يجري الآن من أعمال تخريب، وفرض الإضرابات بالقوة، وشل عمل الحكومة، وإيقاف الانتاج، هو ليس من عمل الشباب الذين خرجوا بتظاهرات سلمية مطلبية مشروعة في أول الأمر، وإنما من صنع أعدائهم في الداخل والخارج. وإذا كان لا بد من تسميتها بثورة، فهي ثورة مضادة، وراءها حكومات قوية وغنية بالمال والإعلام، وأجهزة إستخباراتية أخطبوطية واسعة جداً مثل أمريكا وحليفتها السعودية والإمارات وإسرائيل، تستخدم عراقيين، وبالأخص فلول البعث الساقط لما عُرفوا به من توحش في القتل والتخريب، كأدوات لتحقيق مآربها الإجرامية، وإغراق العراق بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، لتبرر إنقلاب عسكري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإقامة حكومة موالية لأمريكا ومعادية لإيران. وهذا يؤكد ما قلناه مراراً، أن ما يجري في العراق هو حرب بالنيابة بين أمريكا وحليفاتها في المنطقة من جهة، وإيران والقوى السياسية العراقية ومليشياتها الموالية لها من جهة أخرى، من أجل النفوذ، والغرض النهائي هو تمرير ما يسمى بـ(صفقة القرن)، أي سياسة التطبيع مع إسرائيل على حساب حق الشعب الفلسطيني.

فكيف تصدقون بحركة تدعمها أمريكا والسعودية والإمارات وحتى إسرائيل، التي طوال تاريخها كانت دائماً وأبداً وراء الثورات المضادة للحركات الوطنية التحررية في العالم؟ ودليل آخر على تأييد ودعم هذه الحكومات لهذا الحراك هو تصريحات مسؤولين كبار في هذه الحكومات، ومطالبتهم لحكومة عبدالمهدي بالتنحي، والتركيز على إيران، وإدانة الجهات الأمنية العراقية لحفظ الأمن من المخربين الذين يهددون السلم الاجتماعي.

والأخوة المؤيدون لهذه الأعمال التخريبية ينكرون بهوس شديد دور الحكومات الخارجية، والبعث الساقط في هذا الحراك، رغم أن هناك أدلة كثيرة، ويتهمون من يخالفهم، بالإيمان بـ(نظرية المؤامرة)، وكأن المؤامرات لا وجود لها في التاريخ. نسي هؤلاء الأخوة سامحهم الله، أن هناك فرق كبير بين المؤامرة و(نظرية المؤامرة)، فالأخيرة وُضِعت لإخفاء دور المتآمرين. فالسياسة كلها عبارة عن عمليات تآمر مستمر. أنظروا إلى ما يجري حتى في أمريكا نفسها من صراع بين الحزبين الديمقراطي، والجمهوري، لتسقيط أحدهما الآخر في الانتخابات السابقة واللاحقة.

وختاماً، أؤكد للمرة المائة، أني لست ضد علاقة حميمة مع أمريكا، وإيران، فالذين نظموا ودعموا ما جرى في عام 2011 وما بعده من اعتصمات في المناطق الغربية بذريعة التهميش، والتي انتهت باحتلال داعش، هم نفس الجهات التي تنظم وتدعم ما يجري اليوم من أعمال تخريب في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، باسم المطالب المشروعة، ستنتهي بما يشبه احتلال داعشي للعراق ومن نوع آخر، ولكن بنفس النتائج الكارثية. وهذا في الحالتين، ناتج عن فشل الحكومات التي يهيمن عليها الشيعة في التعامل العقلاني مع أمريكا وإيران. فما يجري الآن هو ليس تظاهرات سلمية من أجل حقوق مشروعة، بل ما يسمى بـ(الحرب الناعمة) بالوكالة بين أمريكا وحلفائها (السعودية والإمارات) من جهة، وبين إيران والقوى العراقية الحليفة لها من جهة أخرى، وبدماء العراقيين وتدمير العراق، وربما ستتحول قريباً إلى حرب ساخنة كما الحال في اليمن.(4)
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــ
روابط مقالات ذات صلة
1- د. لبيب سلطان : رد على مقالة الدكتور عبد الخالق حسين حول عنف المتظاهرين لتخريب النظام الديمقراطي في العراق
https://www.akhbaar.org/home/2019/11/264950.html

2- د. عبد الخالق حسين: "ثورة أكتوبر" وثياب الإمبراطور الجديدة!
https://www.akhbaar.org/home/2019/11/264907.html

3- مالوم أبو رغيف:(نريد وطن)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=656173

4- حرب بالوكالة بين إيران والسعودية
The Great Saudi-Iranian Proxy Game
https://www.meforum.org/59294/the-great-saudi-iranian-proxy-game

5- الطابور الخامس في قتل المتظاهرين و القاء الجريمة على القوات الأمنية
https://www.facebook.com/abialkasem.arkwazi/videos/2426105047610801/

14
"ثورة أكتوبر" وثياب الإمبراطور الجديدة!

د.عبدالخالق حسين

حكاية الإمبراطور وثيابه الجديدة للكاتب الدنيماركي هانس كريستيان أندرسون (1805- 1875م) باتت معروفة عالمياً، ودخلت ثقافات جميع الشعوب، وتدل على خبرة الكاتب العميقة، وعبقريته الفذة في فهمه لسايكولوجية البشر، ومدى سهولة خدعهم من قبل النصابين، وقيادتهم إلى الهاوية. ملخص الحكاية: أن إمبراطورا غبيا كان ينفق الكثير من ماله على شراء الملابس الغالية... طرق باب قصره ذات يوم محتالان ادعيا أنهما من أمهر الخياطين، وأن بمقدورهما حياكة ملابس جميلة ورائعة جداً، وذات خاصية سحرية كونها لا تبدو لأحد في الإمبراطورية بأسرها، ممن ليس مخولا برؤيتها كالحمقى والأغبياء. أُعجب الإمبراطور بالفكرة، وخولهما بالبدء في حياكة الثياب ... نفذ المحتالان خدعتهما، وأبدى الجميع إعجابهم الشديد بتلك الملابس السحرية المدهشة، وإن لم يروها خوفاً من اتهامهم بالغباء. وفي الموعد المحدد، و وسط صيحات الإعجاب المفتعل من المحتالين وبقية الحاضرين، ارتدى الإمبراطور ملابسه الجديدة وخرج إلى الجموع المحتشدة أمام القصر احتفالاً بالمناسبة، خرج عاريا تماما كما ولدته أمه وسط إعجاب مفتعل من الجميع وهم يصيحون: "يا لها من ملابس رائعة يا جلالة الإمبراطور!!!"  واستمر هذا النفاق يلعب بعقول الناس .. والوهم يلعب بعقل الإمبراطور، إلى أن صاح أحد الصبية قائلا: "ولكنه بلا ملابس". ولم يمض وقت طويل حتى صاح أحد الكبار: نعم إنه بلا ملابس .. ثم تبعهما آخر .. وآخر .. إلى أن خرجت الرعية بأسرها عن صمتها فصاحت وبصوت واحد: (ولكنه بلا ملابس !!!). وعند ذاك فقط أدرك الإمبراطور أنهم على صواب.. ولكنه بغبائه المعروف وعناده المعتاد .. كان قد تابع موكبه الكبير دونما اكتراث ... وذلك في محاولة منه للمحافظة على هيبته رغم تغير الظروف.
******
في الحقيقة، هذه الحكاية الحكيمة ذات المغزى العظيم، تتكرر في كل مكان وزمان، ولكن بصيغ وظروف وأشكال ومضامين مختلفة، وأحسن مثال هو المحنة المعقدة التي يمر بها عراقنا اليوم. فما يجري في العراق منذ الأول من تشرين الثاني الماضي من  حراك جماهيري بدأ أول الأمر على شكل تظاهرات بدت وكأنها عفوية وسلمية للتخلص من مشاكل متراكمة مثل (الفساد، وتردي الخدمات، وتفشي البطالة)، ولكن سرعان ما تحولت إلى تظاهرات مصحوبة بالعنف، وفرض الإضرابات على المؤسسات الحكومية بالقوة، واستخدام العنف المسلح، و وقوع قتلى بالمئات، وجرحى بالألوف. بعبارة أخرى، خرجت الانتفاضة من أيدي المتظاهرين الشرعيين، وتحولت إلى ما يشبه الحرب الأهلية. فقد تغيرت الأهداف من المطالب المشروعة التي نادوا بها أول الأمر، إلى مطالب جديدة أخرى تتغير مع الأيام منها: التخلص من هيمنة الأحزاب الدينية الفاسدة، واستفحال النفوذ الإيراني، وتغيير الدستور، وإسقاط الحكومة، وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، ومنع كل سياسي شارك بالعملية السياسة منذ 2003 من الترشح، أو المشاركة في السلطة القادمة، وإلغاء المجالس المحلية... وغيرها كثير وبدون أن تُعرف لهذا الحراك أية قيادة مرئية. إضافة إلى الإهتمام البالغ للإعلام الغربي وبالأخص الأمريكي، وكذلك العربي الخليجي، مع انحياز واضح ضد حكومة السيد عاد عبدالمهدي، والتركيز على النفوذ الإيراني في العراق، وشيطنة الأحزاب الشيعية فقط، وصمت مطبق من قبل قادة الأحزاب السنية والكردية.

فالانتفاضة الشعبية العارمة، أو "ثورة أكتوبر الكبرى"، كما يسميها البعض، أو ثورة الشعب، كما يسميها آخرون، المفروض بها أن تكون ثورة تشارك بها جماهير من كل أطياف الشعب العراقي دون استثناء، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وليست ثورة مكون واحد فقط، وهو المكون الشيعي. ففي هذه الحالة تكون الثورة عرجاء، و عوراء، ولا بد أن هناك شيء غير طبيعي.
 
لذلك، وفي هذه الحالة، من المنطق الاعتقاد بأن هذه الانتفاضة تريد تغيير نظام الحكم في العراق بالقوة، وتحت مختلف المبررات، وما المطالب المشروعة المعلنة في أول الأمر إلا وسيلة لإشعال فتيل "الثورة" لأغراض غير معلنة، وراحوا يسبغون عليها بشكل غير معهود صفات ثورة عظمى، ووطنية خالصة، وأنها داخلية مائة بالمائة، ولا علاقة لأية يد خارجية بها، والذي يعتقد خلاف ذلك فهو مصاب بمرض "نظرية المؤامرة". لذلك فكثير من الناس ركبوا الموجة، منهم وفق مقولة (على حس الطبل خفن يرجلية)، ومنهم بحسن نية أنها فرصة للتخلص من حكم الإسلاميين الفاسدين، ومنهم خوفاً من اتهامهم باللاوطنية، و تهمة دعمهم للأحزاب الإسلامية الفاسدة...الخ.

 ونحن إذ باركنا في أول الأمر هذا الحراك الجماهيري السلمي، وطالبنا المسؤولين بالاستجابة للمطالب المشروعة، ولكننا لا حظنا فيما بعد أن هذه المطالب المشروعة كانت مجرد طعماً لجر المحرومين من حقوقهم المشروعة إلى التظاهر، تم استغلالهما من قبل جهات خارجية، وداخلية معادية تريد جعل العراق ساحة للحروب بالنيابة بين أمريكا وإيران، وهذه الحقيقة أصبحت واضحة وجلية للعيان الآن أكثر من أي وقت مضى، حيث نجد تركيز الصحافة الغربية وبالأخص الأمريكية، والعربية، على موضوع واحد وهو إسقاط الحكومة والتخلص من النفوذ الإيراني في العراق. (راجع مقالنا: تظاهرات سلمية أم حرب بالنيابة بين إيران وأمريكا؟)(1).

نعم، المشكلة معقدة، تتلخص في معاناة شعب عانى الكثير من الظلم والجور لقرون طويلة وبالأخص خلال 35 سنة من الحكم البعثي الصدامي الجائر، حيث مُنع المواطنون من استخدام عقولهم، لأن الدكتاتور وحده كان المخول أن يفكر نيابة عنهم جميعاً، لذلك فقدوا القدرة على التفكير السليم، والتعبير الحر عن آرائهم، إلى أن جاءت أمريكا فحررتهم من هذا البلاء، وأقامت لهم نظاماً ديمقراطياً، يفسح لأبناء الشعب المجال لاختيار حكامهم بانتخابات حرة ونزيهة.

ولكن بسبب سياسة (فرق تسد) التي اتبعها النظام الساقط الذي فرق الشعب إلى مكونات طائفية وعرقية وأثنية متصارعة فيما بينها، فجاءت الديمقراطية بدون المرور بمرحلة تمهيدية انتقالية لتهيئة المجتمع لها. ففازت أحزاب وفق انتمائها الديني والطائفي والأثني، وأغلب المسؤولين بلا خبرة سابقة في الحكم، فاستغلوا مكانتهم في السلطة، وبدلاً من حل المشاكل الاقتصادية والثقافية والصحية والنفسية، وتراكمات قرون من المظالم، راحوا ينهبون أموال الدولة، ومارسوا المحسوبية والمنسوبية والحزبية في احتلال الوظائف وكسب المنافع. وباختصار شديد، وُلد الثالوث القاتل: (الفساد، وتردي الخدمات، والبطالة). إضافة إلى تكالب دول الجوار والمتضررين من الديمقراطية على النظام الجديد. وأكبر غلطة ارتكبتها السلطة المحسوبة على المكون الشيعي، أنها تنكرت لفضل أمريكا التي حررت العراق، وتحالفت مع ألد عدو لها، ألا وهي إيران.

العلاقة مع أمريكا
لقد حذرنا السلطة مراراً وتكراراً، أن لا تخرب علاقتها مع أمريكا، لأنها دولة عظمى، ولها إمكانيات هائلة في جميع المجالات يمكن الاستفادة منها، ولأن بإمكانها تفجير أي لغم في العراق، فالشعب العراقي مملوء بألغام الفتن الطائفية والعرقية النائمة، يمكن إيقاظها وتفجيرها في أي وقت ولكل من يريد. فاتهمنا أعداء أمريكا بالعمالة لها، وبأجور دسمة!!. بينما الحقيقة كان قصدنا وما يزال، حماية العراق الجديد فيما لو تنكر العراقيون لمن أسدى لهم الفضل. فأهل العراق، معروفون في الضرب على اليد التي تمتد لمساعدتهم، حيث عانى الإنكليز الأمرين حين تورطوا في تحرير العراق من الاستعمار التركي العثماني في الحرب العالمية الأولى، وبالأخص المكون الشيعي الذي كان مضطهداً من السلطة العثمانية، فشنوا حرب الجهاد على الجيش البريطاني، ومن ثم ثورة العشرين، وبالتالي رفضهم المشاركة في الدولة العراقية الوليدة، مما حدى بونستون تشرتشل أن يقول قولته المشهورة: (العراق، يا له من بركان ناكر للجميل). فرفض الشيعة التعاون مع الانكليز، والمساركة بالدولة الوليدة، أدى بهم إلى حرمانهم من حقوق المواطنة لثمانين سنة.
واليوم يعيدون نفس الغلطة الكبرى التي ارتكبها آباؤهم وأجدادهم، فتنكروا لأمريكا التي حررتهم من جور النظام البعثي الصدامي الفاشي الذي رفع شعار: (لا شيعة بعد اليوم)، ووصفهم بالشراكوة، وأن محمد القاسم جلبهم من الهند مع الجواميس..الخ، ومقالات صحيفة الثورة البعثية سيئة الصيت: (لماذا حصل ما حصل) التسقيطية لجميع الشيعة. لذلك أقول لا يمكن للعراق أن يستقر ما لم تكن علاقته قوية بأمريكا. وهذا لا يعني قبول المذلة، كما يعتقد بعض الأصدقاء مستشهدين بقول الإمام الحسين (هيهات منا المذلة). فالحسين أطلق قولته تلك في مكانها المناسب. أما استخدامها في العلاقة مع أمريكا فغير مناسب، بل المصالح تقتضي العمل بفن الممكن. فأمريكا لا تريد سرقة ثروات العراق، ولا استعباد شعبه كما يدعي البعض، بل تريد العراق أن يكون خارج النفوذ الإيراني فقط، وهذا ليس في مصلحة أمريكا فحسب، بل وفي مصلحة العراق أيضاً.

العلاقة مع إيران
كذلك ليس من مصلحة العراق تخريب علاقته مع الجارة إيران، لأن تربطنا معها علاقات دينية وتاريخية وجغرافية عميقة. لذا لا نريد معاداتها كما يريد البعض بدوافع عنصرية وطائفية. ولكن يجب أن لا نضحي بمصلحة الشعب العراقي في سبيل إيران. فالحكومة الإيرانية هي التي اختارت معاداة أمريكا، وراحت تبدد أموال شعبها على طموحاتها التوسعية، والتدخل في شؤون دول المنطقة، ومنها العراق بذريعة العداء لإسرائيل.(راجع تقرير نيويورك تايمس حول النفوذ الإيراني في العراق)(2). فنحن مع الشعب الفلسطيني في صراعه مع إسرائيل، ولكن من غير الصحيح أن نزايد عليه ونكون ملكيين أكثر من الملك. وعليه فعلى الحكومة العراقية أن لا تورط العراق بمغامرات الحكومة الإيرانية في سياساتها الخارجية. فالتدخل الإيراني الواضح في الشأن العراقي أدى إلى تذمر شرائح واسعة من أبناء الشعب، مما أمكن أمريكا من توظيف هذا التذمر لتفجير غضب الشعب. إذ نشاهد التركيز على هذه المسألة، واهتمام الإعلام الأمريكي بها مما يعطي دلالة واضحة على الدور الأمريكي في هذه الانفجار الشعبي.

ومن جهة أخرى لا يمكن لشيعة العراق أن يقطعوا علاقتهم بإيران، لأن في هذه القطيعة يفقدون عمقهم الإستراتيجي خاصة بعد أن تعرضوا لعمليات الإبادة من قبل إرهابيين (القاعدة وداعش)، الذين أرسلتهم الدول العربية. فهناك سوء الظن، وعدم الاطمئنان بين مكونات الشعب العراقي، كجزء من تركة النظام الساقط. فالسنة العرب في العراق يعتمدون في حمايتهم على 22 دولة عربية سنية، والكرد يعتمدون على أمريكا وفرنسا والوحدة الأوربية، والتركمان على تركيا. لذلك يخاف الشيعة من قطع علاقتهم مع إيران فيخسرون عمقهم الإستراتيجي ويتعرضون للإبادة. إذ كما قال الإعلامي عبدالباري عطوان في لقاء تلفزيوني، إن سبب توسع النفوذ الإيراني في دول المنطقة، هو موقف الدول العربية وبالأخص السعودية المعادي لتلك الدول التي فيها مكونات شيعية مثل العراق، وسوريا، ولبنان واليمن، مما فسح المجال لإيران أن تملأ الفراغ. يرجى مشاهدة الفيديو في الهامش.(3)

دور البعثيين في الاضطرابات الراهنة
يتهمني البعض بأني مصاب بهوس الخوف من البعث، وأن البعث قد قُبر ولا وجود له، وهيهات أن يعود إلى السلطة فإنه مكروه ومحتقر حتى من قبل السنة العرب. وأنا إذ أتفق معهم بأنه هيهات عودة البعث للسلطة، إلا إني أرى بأنه من السذاجة الاعتقاد بأن البعث قد انتهى خطره وإلى الأبد. فالبعث اليوم هو بندقية للإيجار لكل من يريد زعزعة الوضع في العراق، إذ بإمكانهم استغلال أي ضعف في السلطة، وأي احتقان وغضب جماهيري لصالحهم، فعندهم الخبرة، والقدرة المالية والتكتيكية والعسكرية. فبالأمس ظهروا على شكل اعتصامات في ساحات المدن السنية بغطاء "داعش" وبذريعة تهميش أهل السنة، انتهى باحتلال داعش لجميع المحافظات الغربية. واليوم يستغلون ثورة الشباب في المناطق الشيعية بذريعة الدفاع عن حقوقهم المهضومة من "الحكومة العميلة لإيران" على حقد قولهم.
وفي هذا الخصوص أرسل لي صديق، رابط  فيديو عن دور البعثيين في هذا الحراك الجماهيري الحالي قائلاً: (عندما  تنادي الاصوات الشريفةً الوطنية باتخاذ الحيطة والحذر من محاولات البعثيين الصداميين من استغلال نقمة الشعب العراقي على الطغمة الفاسدة، وفساد الاحزاب الاسلامية الدينية، ومسؤوليتها في تدمير العراق  فهي محقة جداً.(يرجى مشاهدة الفيديو في الهامش)(4).

رؤية الواقع من خلال اللغة
يقول فلاسفة منهج التفكيكية، أن الإنسان يرى الواقع من خلال اللغة. فبإمكان كاتب متمكن من اللغة أن يجعل القبيح جميلاً، والجميل قبيحاً، والتلاعب بعقول الناس عن طريق التلاعب بالمفردات اللغوية. وهذا الذي يجري اليوم على الساحة العراقية، يشبه تماما حكاية الامبراطور وثيابه الجديدة، التي بدأنا بها هذا المقال. فهناك أعمال تخريبية ضد المصلحة العامة، يصفونها بأنها أعمال وطنية وأخلاقية مبررة. فكيف تم لهم ذلك؟ نحن لسنا ضد التظاهرات والإضرابات السلمية التي كفلها الدستور، ولكننا ضد العنف بجميع أشكاله ومصادره، ومنها فرض الإضرابات على مؤسسات الدولة بالقوة كما يحصل اليوم بتعطيل عمل الموانئ، والمؤسسات النفطية، والمصارف، والمدارس والجامعات وغيرها لشل الحكومة. ولكن الملاحظ أن راح مؤيدو هذه الأعمال التخريبية من العديد من الكتاب، يسبغون صفات وطنية وأخلاقية عليها، وإبرازها كأعمال وطنية وأخلاقية راقية، وأنها من النشاطات الوطنية والديمقراطية والدستورية.
طيب، نحن نعرف مثلاً أنه عندما يضرب العمال عن العمل فذلك دفاعاً عن مصالحهم، مطالبين بتحسين ظروف العمل وزيادة رواتهبم. ولكن ما فائدة إضراب طلبة المدارس والجامعات؟؟ لا شك أن هذا الإضراب يضر بمصلحة المضربين أنفسهم، لأنه ضد التعلم، أي في صالح الجهل. ولكن على طريقة حكاية ثياب الإمبرطور، ينبري كتاب نتوسم فيهم الوطنية، فيضفون صفات الوطنية والأخلاقية على هذه الأعمال المضرة بمصلحتهم. يعني كما يقول المثل العراقي: (شيِّم البدوي وخذ عباته).

فإذا كان فرض الإضراب على المدارس والجامعات بالقوة عمل مبرر لأنه وطني وأخلاقي على حد زعمهم، فيمكن استخدام نفس هذا المنطق لتبرير الاضرابات الإجرامية التي فرضها البعثيون بالقوة عام 1963، على طلبة المدارس والجامعات وأساتذتهم، وقاموا بإشعال الحرائق في باصات المصلحة، ومحطات البنزين، تمهيداً لإنقلابهم يوم 8 شباط 1963 الدموي الأسود، ونعتبرها أنها كانت وطنية أخلاقية، ولكن الحقيقة كانت تلك الأعمال في منتهى الإجرام.
والمصيبة أنه عندما قارنتُ إضرابات اليوم بإضرابات عام 1963، في مقال سابق، علق أحدهم: "كيف تقارن حكم الزعيم عبدالكريم قاسم الوطني بحكم الأحزاب الإسلامية الفاسدة؟" فجوابي هو أن المقارنة ليست بين الحكومتين، فشتان بينهما، بل بين الإضرابين المتشابهين في التكتيك والأهداف، فكلا الإضرابين يشتركان بنفس النتائج الكارثية وفيها بصمات نفس السلالة البعثية.

إن دعم إضرابات الطلبة يذكرني بطريفة ذات مغزى ذكرها عميد الأدب العربي طه حسين، في سيرته الذاتية (الأيام)، مفادها أنه عندما كان طالباً في جامعة القاهرة، قام الطلبة مرة بالإضراب عن الدوام لسبب ما. ولما جاء أستاذ اللغة اللاتينية، وهو إيطالي، ليلقي المحاضرة، وجد الطلبة خارج القاعة، وطلب منهم الدخول ليلقي الدرس، فرفض الطلبة وأخبروه بأنهم مضربون. وهنا قال لهم الأستاذ: ولكن أنتم الذين ستخسرون، فقالوا ليكن!! وهنا ضحك الأستاذ وقال: أنتم تتصرفون مثل ذلك الإيطالي الذي تشاجر مع زوجته وأراد أن يعاقبها، فأخصى نفسه!!! ويعلق طه حسين أنه منذ تلك اللحظة كره الإضرابات ولم يشارك فيها.

ومن الشعارات لتجميل وتبرير عمل ضار على سبيل المثال لا الحصر، الشعار التحريضي: (ماكو وطن ماكو دوام)، أرجو قراءة مقال الدكتور غسان ماهر السامرائي، الموسوم (من أخطر الشعارات: "ماكو وطن")(5). فالقصد من هذا الشعار المضلل تحريض العمال والموظفين والطلبة على الإضراب. كما تصلني رسائل من أخوة في الجنوب أن موظفين في البنوك يعيشون في حالة قلق وخوف لأنهم يستلمون تهديدات بأن سيقع الهجوم على المصارف لنهب الأموال، مما حدى بهم إلى خزنها في أماكن حصينة تحسباً لأعمال الفرهود، وهم مرتعبون من الهجوم عليهم. فبدلاً من إدانة هذا الوضع، نرى البعض يفتخر به مدعياً أن الانتفاضة أرعبت الحكام الفاسدين!! لا أيها السادة، إنها أرعبت الموظفين الصغار الذين لا حول لهم ولا قوة. أما المسؤولون الكبار في السلطة فلهم قواتهم المسلحة التي تحميهم.

ما العمل؟
1- طالما بقيت الحكومة العراقية ومهما كانت أيديولوجيتها، معادية لأمريكا ومتحالفة مع إيران، فالعراق في طريقه إلى الخراب الشامل كما حصل في سوريا واليمن وليبيا. لذلك يجب العودة إلى كسب أمريكا لصالح العراق، لأن معاداة أمريكا انتحار جماعي. وهذا ليس معناه الخنوع والخضوع، بل من متطلبات فن الممكن، ومصلحة الشعب الذي انهكته الحروب وعدم الاستقرار.
2- تشكيل حكومة انتقالية من الشخصيات الوطنية المعروفة بالكفاءة والنزاهة والوطنية، تستجيب للحقوق المشروعة للمتظاهرين، ومحاسبة الفاسدين،
3- التمسك الكلي بالدولة المدنية، العلمانية الديمقراطية، أي دولة المواطنة، وفصل الدين عن السياسة وعدم أدلجة الشعب، والعمل بمبدأ (الدين لله والوطن للجميع).

وأخيراً، أرجو من بعض أصدقائي المثقفين، والأكاديميين الذين يرون في مقالي هذا ما يخالف آراءهم، التحلي بروح الديمقراطية، وقبول الرأي الآخر المختلف (فالاختلاف بالرأي لا يفسد في الودي قضية).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- د. عبد الخالق حسين: تظاهرات سلمية أم حرب بالنيابة بين إيران وأمريكا؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=654002

2- النسخة العربية من تقرير نيويورك تايمس حول التدخل الإيراني في العراق
"تجسس ورحلات صيد وحفلات".. وثائق مسربة من استخبارات إيران تكشف دور طهران الخفي في العراق
الوثائق جزء من أرشيف الاستخبارات الإيرانية السرية، حصل عليها موقع The Intercept الذي تشارك في نشرها مع صحيفة نيويورك تايمز في وقت واحد.
https://www.alhurra.com/a/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%AA%D8%AC%D8%B3%D8%B3-%D9%88%D9%86%D9%81%D9%88%D8%B0-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82/521729.html

3- عبدالباري عطوان - المال الخليجي عدو العرب (عن النفوذ الإيراني في دول المنطقة)
https://www.youtube.com/watch?v=gj5H-y8Vs_A

4- فيديو قصير عن دور البعثيين في الحراك الجماهيري الحالي وما يخططون له
https://video.fzrh2-1.fna.fbcdn.net/v/t42.3356-2/77910683_474978893362989_2528427838197989376_n.mp4/video-1573956656.mp4?_nc_cat=102&_nc_oc=AQmpZx3iiWXyZugDXdDjk4BCMPOlGzM9XNwnsBgxth2Z62R2YMOd-KaP6Qgg8Fzaqo4&vabr=333857&_nc_ht=video.fzrh2-1.fna&oh=c10af3d9af7589916e1b836af2715726&oe=5DD3205E&dl=1

5- د. غسان ماهر السامرائي:  من أخطر الشعارات: "ماكووطن"
https://www.facebook.com/ghassanmahiralsamarrai/posts/2559722580923610

6- حميد الموسوي: مابالكم؟!. مادواؤكم؟!. ماطبّكم ؟!
https://www.akhbaar.org/home/2019/11/264826.html

15
من المخدوع؟ اعرف الحق تعرف أهله
د.عبدالخالق حسين

أعرف مسبقاً أن هذا المقال سيضعني في خانة المهووسين بـ(نظرية المؤامرة) من قبل المدافعين عن المؤامرات الحقيقية. فنظرية المؤامرة وُضِعت أساساً لإخفاء دور المتآمرين في الدسائس، والفتن، والصراعات السياسية وخراب الأوطان.

يواجه العراق اليوم أخطر مؤامرة قذرة في تاريخه، دُبرت بليل من قبل آلهة الشر، لا تقل خطورة عن المؤامرة التي اسقطت جمهورية  ثورة 14 تموز المجيدة في انقلاب 8 شباط 1963 الدموي الأسود، المؤامرة التي شاركت فيها نحو 40 جهة داخلية وخارجية متناقضة فيما بينها، لا يجمعها أي جامع سوى التخلص من الحكومة الوطنية العراقية بقيادة الوطني النزيه الزعيم عبدالكريم قاسم. تلك المؤامرة التي ضمت من سيد محسن الحكيم إلى كميل شمعون، ومن المخابرات الأمريكية إلى السفاك الإيرانية الشاهنشاهية، وحكومات إقليمية وعشرات المنظمات والشخصيات المتنفذة المعروفة بعدائها للعراق.

فهذا التآمر الخبيث الذي يواجهه العراق اليوم خُطِطَ له بمنتهى الخبث والذكاء والدهاء والعبقرية، بدليل أن في المؤامرات السابقة، كان هناك خط واضح يفصل بين الأشرار المؤيدين لها، والأخيار المناهضين لها، خط واضح بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الأخيار والأشرار. أما مؤامرة اليوم، فقد التبس فيها الأمر على أغلب الناس، حيث استخدموا ضحايا من فقراء الشيعة، وفي المحافظات  الشيعية فقط ، إلى جانب بغداد العاصمة التي هي الأخرى معظم سكانها شيعة، كأدوات تنفيذ لتدمير أنفسهم، وتدمير العراق باسمهم. كما استخدموا مشاكل مزمنة، ونقاط ضعف واضحة تعاني منها الحكومة مثل (الفساد، وتردي الخدمات، والبطالة)، لتبرير إثارة الاضطرابات وإسقاط الدولة بدلاً من إصلاحها. فباسم هذه المطالب المشروعة أثاروا الشارع العراقي الشيعي فقط، وادعوا أن غايتهم التخلص من حكم الإسلاميين الفاسدين، والمحاصصة والطائفية، وإقامة نظام علماني ديمقراطي رشيد يستجيب لاحتياجات الشعب. لذلك نجح المتآمرون في جذب العديد من التقدميين العلمانيين وغيرهم من الذين لا يشك بوطنيتهم، بينما الحقيقة يريدون إعادة العراق إلى حكم ما قبل 2003، فهم يسيرون نحو الهاوية وهم نيام.

فالإنتفاضة الحقيقية يجب أن يشارك فيها كل مكونات الشعب، سنة وشيعة وكرد وغيرهم، وليس مكون واحد منه فقط، والتركيز على السياسيين الشيعة، وإيران وحدها برة برة... إضافة إلى تغيير الأهداف، وهلاميتها، وبقاء القيادات في الخفاء. (يرجى قراءة تعليق السيد محمد صالح أبو جلود في ملحق هذا المقال)*.

لقد نجحوا بشق الشعب من القمة إلى القاعدة وحتى داخل العائلة الواحدة، أناس لا يشك بوطنيتهم فيهم أكاديميون من الوزن الثقيل، كنا معهم حتى وقت قريب في خندق واحد، وإذا بهم يقفون اليوم وبكل حماس، في خندق السعودية، ودولة الإمارات، وإسرائيل، وفلول البعث الساقط، وكل من يريد بالعراق شراً، باسم التخلص من النفوذ الإيراني وحكم الإسلاميين الفاسدين. طبعاً المقصود بالإسلاميين الشيعة فقط. وهذا يعني أن الثقافة والوطنية والتقدمية واليسارية لم تمنح الإنسان المناعة ضد الخديعة والوقوع في الفخ. والسؤال هنا: أي منا مخدوع؟ نحن أم هم؟ فمن جانبنا نعتقد أنهم هم المخدوعون، ولنا أدلتنا التي نشير إليها في سياق هذا المقال.

نعم، هناك خطة محبوكة بمنتهى الدقة، ترافقها حملة إعلامية واسعة وخبيثة لنشر الالتباس والبلبلة الفكرية وتشويش العقول، وتضليل الناس. فقد استخدموا في أول الأمر مطالب مشروعة، وبعدما نجحوا في تثوير الشارع العراقي الشيعي، نعم الشيعي فقط، وليس الكردي ولا السني، وكأن هذه المناطق لا يوجد فيها فساد ولا بطالة، ولا تردي الخدمات. ولما استجابت لهم الحكومة ووعدت بتحقيق كل هذه المطالب المشروعة وأكثر، رفضوا وقف التظاهرات وما رافقها من أعمال عنف وفرض الإضرابات بالقوة، وطرحوا مطالب تعجيزية الغرض منها إرباك السلطة، و خلق فوضى هدامة عارمة لإشعال حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، المستفيد منها الدول الاقليمية الحاقدة على العراق مثل السعودية والإمارات وغيرهما. وهذا دليل واضح على أن الغرض من هذه التظاهرات والإضرابات ليست المطالب المعلنة عنها في أول الأمر، بل خلق الفوضى العارمة لإسقاط الحكومة، وإلغاء الديمقراطية والدستور، وكل ما تحقق من مكاسب بعد 2003، بإنقلاب عسكري على طريقة ما حصل في مصر، ومن ثم إعلان الدكتاتورية، وبث روح العداء ضد إيران، وجر العراق إلى المحور المضاد لها، وفرض الحصار الاقتصادي عليها، تلبية لمطالب أمريكا وإسرائيل والسعودية ودولة الإمارات.

والجدير بالذكر، أني استلمت قبل أيام عبر بريدي الإلكتروني خاطرة للفنان السوري اللامع دريد لحام قال فيها: ((أمريكا سابقاً نكحت السعودية فأنجبت طفل لقيط اسمه (القاعدة)، والآن نكحت أمريكا السعودية ثانية فأنجبت لقيطاً آخر اسمه (داعش). فمتى العاهرة السعودية تتوب وتأخذ حبوب منع الحمل حتى لا تنجب لقطاء جدد يخربون الأوطان؟)).
فرد صديق مؤيد لهذه التظاهرات، أعتبر ما قاله دريد بذاءات! وأنه يشك بأن الفنان السوري هو قائلها، فأجبته: سُئِلَ مظفر النواب مرة لماذا يستخدم كلمات بذيئة في وصف الحكومات العربية، فأجاب بحق، أن وضع هذه الحكومات أكثر بذاءةً، لذلك لا يمكن وصفها بغير هذه العبارات. لذا أعتقد أن ما قاله دريد لحام ينطبق تماماً على واقع السعودية.
فالسعودية وحليفاتها الخليجيات مثل البحرين، يذرفون اليوم دموع التماسيح على مظلومية شيعة العراق، بينما يعاملون الشيعة من شعوبهم كمواطنين من الدرجة العاشرة. فقبل سنوات عندما انفجرت تظاهرات الشيعة في البحرين أرسلت السعودية قواتها فسحقتهم بمنتهى الوحشية.

وبدورنا، ففي الوقت الذي ندعو فيه إيران وأمريكا والسعودية وغيرها من الدول، لاحترام السيادة الوطنية العراقية، وعدم التدخل في الشأن العراقي الداخلي، فنحن لا ندعو إلى معاداة أي من هذه الدول، لأن معاداتها تعني المزيد من الحروب وعدم الإستقرار، والمآسي للشعب العراقي وشعوب المنطقة. لذلك ندين بقوة كل من يؤجج المشاعر العدائية ضد الجارة إيران بدوافع طائفية وعنصرية قذرة، فعلاقتنا مع إيران ضاربة جذورها في العمق دينياً، وتاريخياً وجغرافياً لا يمكن الفكاك منها. وفي هذا الخصوص يرجى مراجعة المقال القيم للباحث الإسلامي الدكتور غسان ماهر السامرائي الموسوم (عقدة إيران في العراق- في هامش هذا المقال)

علم النفس في خدمة التضليل
ظاهرة أخرى جديرة بالذكر، وهي أن المحرضين على هذه الاضطرابات يستخدمون علم النفس لتشويه صورة كل مسؤول عراقي ومهما كان نزيهاً، وعلى سبيل المثال، كان الفريق عبدالكريم خلف يتمتع بسمعة جيدة لدى الجميع بسبب مواقفه الوطنية في تصريحاته العقلانية، ولكن ما أن تم تعيينه كناطق رسمي عن القائد العام للقوات المسلحة، حتى وراحوا في محاولة يائسة لتشويه صورته وتجريده من مصداقيته، وذلك بوضع صورته إلى جانب صورة الدجال البعثي محمد سعيد الصحاف، الناطق الرسمي عن حكومة البعث الصدامي أيام الحرب التي أطاحت بالنظام، والذي لُقِّب في الغرب بـ(Comical Ali)، لما أثاره من سخرية في تصريحاته السخيفة المضحكة. هذه العملية البافلوفية (نسبة إلى العالم الروسي بافلوف)، تسمى في علم النفس بالترويج (أو التسقيط ) عن طريق الربط (Advertisement by association). تذكروا مقولة غوبلز: (اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، وحتى أنت تصدق كذبتك).

من هم المخدوعون؟
نعم، ونحن نسأل: منهم المخدوعون؟ هل المحرضون على تدمير العراق، أم نحن الذين نطالب بتحقيق المطالب المشروعة والإصلاحات المطلوبة التي وعدت الحكومة بتنفيذها؟ ففي محاولة منهم لتجميل صورة التخريب الذي يواجهه العراق اليوم، أسبغ مؤيدو هذه المؤامرة عليها أسماءً ثورية رومانسية جذابة تدغدغ مشاعر اليساريين وغيرهم، مثل: "مظاهرات الفاتح من أكتوبر"، والتي تحولت إلى "انتفاضة أكتوبر"، ثم إلى "ثورة أكتوبر" تيمنا بثورة أكتوبر الروسية البلفشية؟! وفي هذه الحالة، من هو لينين الثورة، ومن هم فلاسفتها وكتابها؟ هل هو مقتدى الصدر؟ وإذا كان الصدر، فهنيئاً لكم! فالصدر هو أيضاً إسلامي وشيعي، وكانت له حصة الأسد في جميع حكومات ما بعد 2003، لذا لا بد أن يكون لتياره دور في الفساد، وهو الذي راح يتنقل بولائه تارة لإيران وأخرى للسعودية، وتغيرت هتافاته من (كلا كلا إمريكا) إلى (إيران برة برة).

لذلك، فنحن نمر في مرحلة تُستخدم فيها شعارات الخير لمحاربة الخير، و رفع شعارات ومطالب وطنية مشروعة لتدمير الوطن والوطنية. وفي هذا الخصوص يذكر المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي في كتابه (دين ضد الدين)، كيف نجح بنو أمية بقيادة معاوية وعمرو بن العاص، باستخدام الإسلام وقرآن الإسلام في محاربة الإسلام الحقيقي الذي كان يمثله الإمام علي، حيث رفعوا المصاحف على أسنة الحراب صارخين (لا حكم إلا للقرآن) وهو مطلب إسلامي حقيقي، ولكنه قول حق يراد به باطل كما قال الإمام علي. فالتبس الأمر على أغلب صحابة النبي، إلى أي معسكر ينضمون. وعن هذا الالتباس ينقل لنا طه حسين أن صحابياً جاء إلى الإمام علي ذات يوم سائلاً: ((أيمكن أن يجتمع الزبير وطلحة وعائشة على باطل؟ فأجابه الإمام قائلاً: "إنك ملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يُعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله."))(طه حسين، الفتنة الكبرى، ج2، ص 40).

وما أشبه اليوم بالبارحة؟
لقد التبس الأمر حتى على المثقفين العراقيين وأكاديميين تقدميين، ومنهم يساريون، بمن فيهم الحزب الشيوعي العراقي، نراهم اليوم يشاركون البعثيين، والسعودية وغيرها من الدول الخليجية في دعمهم و تأييدهم الحار لهذا التآمر، بل ويطالبون بتدويل هذه التظاهرات، وتحريضهم لصب المزيد من الزيت على النيران المشتعلة. فمتى كانت السعودية الوهابية حريصة على مصلحة الشعب العراقي، ناهيك عن مصلحة شيعة العراق المحرومين من الخدمات والوظائف بسبب فساد حكومتهم "الشيعية"؟ نعم الفساد متفشي في جميع مفاصل الدولة، ويحتاج إلى علاج جذري بالعملية الجراحية الدقيقة لإنقاذ المريض، وليس بالعملية القصابية التي تقتل المريض كما يريد المتآمرون.
لقد التبس الأمر على العقل الجمعي العراقي، فنحن لا نعتقد أن السعودية الوهابية تنتصر يوماً لحقوق الشعب العراقي ناهيك عن الشيعة المحرومين. فبالنسبة لنا، صار الموقف واضحاً، إذ كما قال إمام المتقين: "إعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله." وقال أيضاً: "حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنهم على حق."
ألا هل بلغت؟ اللهم إشهد.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحق

وصلني التعليق القيم أدناه من الأستاذ محمد صالح أبو جلود في الفيسبوك، على مقالي الأخير.
ونظراً لأهميته، لذلك رأيت من المفيد نشره كملحق لمقالي وذلك لتعميم الفائدة.

تعليق على الفيسبوك من السيد محمد صالح أبو جلود على مقال من المخدوع؟
Mohammed Salih Abu Joloud shared ‎عبدالخالق حسين‎'s post‎: "‎‫
من اليوم الاول كان الانحراف بالتصويب واضح ومشخص، وبمرور الوقت يزداد الفارق اتساعا ليصبح من المستحيل انكاره . الدليل ظهور عبارات المطالبه بالسحل و نصب مشانق رمزية، والقيام بشكل متعمد للاصطدام بقوة حماية المقر الحكومي والمطار الدولي على أمل احداث صدمة مشابهة لما حصل بالموصل ينتج عنها انهيار الوضع القائم .
الدليل هذا التشنج باعلان مواقف وشعارات وأهداف محددة مسبقا، كل من لا يتفق معها يواجه بسيل من البذاءة والتخوين والشيطنة واللعن الذي صار لوغو (Logo) منشورات المتظاهرين ذات الطابع السطحي الانفعالي الذي يليق بجمهور كرة قدم غاضب مستعد لتمزيق كل من يرتدي شعار الفريق الخصم باعتباره يمثل اهانة متعمدة !
الدليل هو الوزن الثقيل لأسماء كتبت مقالات تشكك وتحذر من انحراف اهداف التظاهرات ودخولها بنفق نهايته مظلمة مثل صائب خليل، وعبد الخالق حسين، واسعد البصري و آخرين، بينما يخرج كاتب مثل صالح الحمداني بسطر واحد يتمضحك بعبارة نابية على كل من يعتقد ان للتظاهرات علاقة بزيارة عبد المهدي للصين !(اللي بعدهم يعتقدون التظاهرات سببها زيارة عبد المهدي للصين، شنو يوجعهم ؟)
اسلوب السخرية القذر يليق بمن يدير بيت كحاب درجة ثالثة يحاول الضغط على الزبون كي يقبل ببضاعته الرديئة كي لا يناله من السباب نصيب . طبعا للاتفاق مع الصين علاقه باشعال الشارع وهناك من طرح الموضوع باستفاضة ولكي تفنده عليك ان تتصدى للأمر بما هو اكثر من سطر وتلميح معيب.
 الدليل هو تحول التظاهرات لما يشبه كرنفال وودستوك الذي أقيم بالستينات في ولاية امريكية استقطب الملايين من الشباب والمراهقين الناقمين على تبعات الفشل الحكومي في فيتنام حين اصبح لعن وشيطنة الحكومة عامل يوحد الملايين من الشباب المصاب بالاحباط وسط جو شبابي لا وجود فيه لأي من مظاهر السلطة، فنون ورقص وغناء وشعر وهذا يختلف عن الشكل المعهود للتظاهرات كما حصل في قرنسا وحركة السترات الصفر، او هونك كونك، او ما يجري في الجزائر.
الدليل هو اقتصار التظاهرات على مكون عراقي دون الآخرين ما يجعل كل الكلام عن ثورة وبزوغ افق عراقي جديد نوع من الهراء الشاعري والرومانسية الثورية، فالجدر لا يكعد الا على ثلاث، وثورة تقتصر على مكون وطني دون غيره هي عرجاء بامتياز .
الدليل هذا الخلط الخبيث والمتعمد بين مفهومي التظاهر المطالب بالإصلاح، ومفهوم الثورة القائم على الهدم وإعادة البناء. ان كنت بعد مرور 6 اسابيع تقفز من مفهوم لآخر فتوقع ان المقابل سيلعب نفس لعبتك ويخرج في النهاية منتصراً عليك.
والدليل ظهور اتفاقات وإعلان قرارات من الواضح انها ابرمت نتيجة قناعة ببقاء الوضع القائم كما هو. الدليل تغير الشعارات من مطلبية اصلاحية لمواضيع البطالة والفساد لتتحول الى ما يشبه خطاب الشيطنة والتحريض الذي سبق اعلان اطول حروب القرن الماضي! الكلام عن ايران باعتبارهم فرس مجوس سبب لكل الشرور من خروج آدم من الجنة، الى رفض الفيفا اقامة المباريات على التراب العراقي، هو استحضار لخطاب طلفاح الفاشي بان الله اخطأ حين خلق الفرس والذباب. ولا داعي لتذكير المتظاهر بان هناك خطاب شيطنه ظهر لاحقا يوم صار أمير الكويت قارون الكويت وأيضا استباح الرعاع اموال وممتلكات الآمنين وسط قبول وزهو شعبي مماثل للحاصل اليوم، وبالحالتين طاح حظ العراق وخرج محطماً من حروب ليسقط في هاوية الحصار والاحتلال دون ان يعترف المجرم بجرمه، ودون ان يتعظ العوام من حقيقة ما يخفيه خطاب التحريض من سوء مقصد وهول تبعات.
الدليل أيام مرت على تقديم قانون الانتخابات الجديد فلا تسمع اي تحليل، او رد فعل بالرفض، او القبول! عليك ان تتظاهر وتعلن عن نفسك ومطالبك ثم تستمع. للان المتظاهر منفعل يتعمد الاحتكاك بقوات تحمي مواقع حيوية، وبالتالي تسفك دماء ليصبح الموضوع دماء الشهداء وبطش الاجهزة الأمنيه بدل ان يكون موقف من مشروع قانون الانتخابات الاخير، لولا مقاطع د اثير ادريس ما توضحت الأمور وكيف ان القانون يحمل تلاعب واضح، الغرض منه ابقاء الامتيازات لحامليها.
الدليل هذا التطاول على رموز مجتمعية يتبعها الملايين فيتم بكل خبث وضع المرجعية وداعش في كفة واحدة واعتبار ان الاصلاح يبدأ بالغاء وجود كل منهما فان اعترضت سيقال لك انك تويد بقاء داعش، وان قبلت فهذا يعني رفع الغطاء عن الحشد ويعود العراق عرضة للاستباحة من جديد.
طالما أصر المتظاهرون على ضبابية المطالب والقفز من اهداف اصلاحية الى تحديد مسارات سياسية بشعارات مفروضة من الداعم والمحرض والمتربص اذن يصبح التصعيد هو الهدف، وأي مطلب واضح ممكن التحقق مرفوض لأنه يعني حوار ينتج عنه تهدئة والانطلاق من مشتركات وهذا لا يخدم اجندة القيادة الفعلية والخفية للمتظاهرين، وبالتالي سيزداد الاشتعال وينهار أي بناء للثقة.
طالما تم الاصرار على عقليه المقامر في التعامل مع الواقع من باب المراهنة على(كل شئ او لاشئ)، اذن ستكون نهاية مشابهة لما حصل بدول مجاورة ومحافظات عراقية حينها تم رفض كل شئ فانتهوا الى لاشئ.
سنوات من شيطنه البعث السوري وبشار العلوي ثم عادت سوريا لمقعدها بالجامعة العربية، وعاد الكرد للتعامل مع دمشق وطز بـ 11 مليون مهجر، ودماء نصف مليون من الضحايا.
على المتظاهرين التصرف وفق ما يدعون انهم أهل له، وهو اتخاذ القرار من موقع المسؤولية التفكير والكلام واتخاذ القرار كقاصر سيجعل من السهل تعيين وصي عليك غالبا سينجح بخداعك بأن مصلحتك تكمن بإتباع ما يمليه عليك. لكن تخيل جمهور يردد اناشيد الحرب مع إيران، ويهلل لشعارات قادت جيل كامل ليصبح وقود محرقة حرب ممولة خليجيا نتج عنها حصار عربي واحتلال أمريكي فإذا به يخرج بنتيجة ان الحل يكمن في شعار( ايران بره بره ! ) مثل مجموعة مجاهدين قرروا الاخذ بثأر بن لادن السعودي الذي قتل في ارض باكستانية على يد الامريكان فأعلنوا عن القيام ب 100 غزوة في العراق! "ببغاء سوك غزل لا تصير، من خيبة الأمل لاتخاف.‬‎"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط مقالات ذات صلة
د. عبد الخالق حسين: لتكن تظاهرة البصرة السلمية نموذجاً يحتذى به
https://www.akhbaar.org/home/2019/10/263402.html

د. عبد الخالق حسين: العراق يحترق
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=654596

د. عبد الخالق حسين: تظاهرات سلمية أم حرب بالنيابة بين إيران وأمريكا؟
https://www.akhbaar.org/home/2019/10/264126.html

د. عبد الخالق حسين: العراق.. أين الخلل؟
https://www.akhbaar.org/home/2019/11/264512.html

د.عبدالخالق حسين: يحرقون العراق بسم المطالب المشروعة!
https://www.akhbaar.org/home/2019/10/263304.html

د. عبد الخالق حسين: العراق بين سندان أمريكا ومطرقة إيران
https://www.akhbaar.org/home/2019/10/263710.html

د.عبدالخالق حسين: تظاهرات سلمية، أم مناورات إنقلابية بعثية؟
https://www.akhbaar.org/home/2019/10/263198.html

الكثير  يقف في مفترق طرق ينتظر إلهام ..!!! ويتحدث مع نفسه هل اقف مع المتظاهرين وانصرهم على الفاسدين ام  ابتعد عن الفتنة واترك الفاسدين يعيثون في الوطن وامرهم  لرب العالمين…؟؟؟؟؟ !!!  الجواب الشافي تجده هنا، المقطع  نصيحة لكل متظاهر شريف يريد حب الوطن (فيديو 20 دقيقة)، جدير بالمشاهدة.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=153323166066680&id=107346190664378

عقدة إيران في العراق
د.غسان نعمان ماهر السامرائي: عقدة إيران في العراق 1-5
http://www.akhbaar.org/home/2014/11/180815.html

د. غسان نعمان ماهر السامرائي :عقدة إيران في العراق(2-5)
http://www.akhbaar.org/home/2014/11/180953.html

د. غسان نعمان ماهر الكنعاني: عقدة إيران في العراق 3-5 –
https://akhbaar.org/home/2014/12/181099.html

د. غسان نعمان ماهر السامرائي: عقدة إيران في العراق 3-5   http://www.akhbaar.org/home/2014/12/181099.html

د. غسان نعمان ماهر السامرائي: عقدة إيران في العراق 4-5
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/181272.html

د. غسان نعمان ماهر السامرائي: عقدة إيران في العراق 5-5
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/181399.html



16
المنبر الحر / العراق.. أين الخلل؟
« في: 20:15 11/11/2019  »
العراق.. أين الخلل؟
د.عبدالخالق حسين

(قول الصدق في زمن الخديعة ثورة - جورج أرويل).

في زمن الانترنت ومشتقاته، مثل الصحف الإلكترونية، ومواقع التواصل الإجتماعي، واليوتيوب وغيرها، صار بإمكان أي فرد لديه بعض الإلمام في استخدام التقنية المعلوماتية (IT)، أن يفتح له قناة تلفزيونية، وإذاعة، وصحافة إلكترونية وغيرها، يبث من خلالها ما يشاء من حقائق وتزييف الحقائق، وأراجيف وفبركات، بل وحتى العمل على إسقاط حكومات وأحزاب، وإفلاس شريكات، وتسقيط شخصيات، وتحريك وتضليل ما يشاء من جماهير في تظاهرات سلمية أو عنيفة...الخ. فهذه التقنية سلاح ذو حدين، يمكن استخدامه للخير والشر.

ولذلك فهناك خطر كبير على الديمقراطية، وعلى استقرار الدول والشعوب، وحتى على الحضارة البشرية نفسها. وفي هذا الخصوص نشر أ.د. كاظم جواد شبّر، الأستاذ في جامعة ويست منستر/لندن، بحثاً أكاديمياً قيماً بعنوان: (في عالم سريع التغير: خطر "الحرب الناعمة"  صار يداهم حكومات الأرض كافة)، جاء في مقدمته ما يلي:
"أصبح لزاما علينا أن نفهم ما يكمن وراء التطورات الجيوسياسية و النفسية و التقنية، التي باتت تتحكم في مجريات الأمور العامة على وجه هذا الكوكب. فهذه التطورات صارت تفعل فعلها و تفرض وقعها في بَلورة تغييرات تريدها جهات ذات مصالح سياسية أو إقتصادية أو مالية، إذ قد تكون هذه الجهات حكومات أو منظمات أو مؤسسات أعمال، أو حتى أشخاص ممن يقال بأن لديهم "دفتر شيكات سمين"!. فما أصبح يدعى بـ" الحرب الناعمة" هو حقيقة واقعة يجب على الفئات الحاكمة )وغير الحاكمة كذلك) في كل بلد أن تفهمه جيداً و على نحو عميق، لاسيما وأن الأمر بات يتشابك على نحو معقد مع التغييرات التقنية و النفسية و الإقتصادية، التي لم يَعد بالإمكان تحاشيها أو تحييدها أو تجاهلها.)(1)

والعراق أحد البلدان التي حرمت من الاستقرار، "في عالم سريع التغيّر"، إذ يواجه الآن أخطر أزمة في تاريخه، وهو الانفجار الشعبي بتظاهرات ضد الحكومة، بدأت سلمية بمطالب مشروعة لمعالجة (الفساد، وتردي الخدمات والبطالة). ولكن بعد أن تم تثوير الشارع، تجاوزت الأسباب المعلنة، وصار التركيز على أغراض لم تدر بخلد المتظاهرين الحقيقيين من فقراء الشعب، بل تجاوزت إلى إسقاط الحكومة، وحل البرلمان، وإلغاء الديمقراطية، والدستور أو تعديله بشكل جذري... وأخيراً تم التركيز على قضية واحدة، وهي التخلص من النفوذ الإيراني!!ّ (إيران برة برة..!)

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أين الخلل في عراق ما بعد 2003؟ وما هي الأسباب الحقيقية لهذا الاحتقان والأزمات المستمرة؟
هناك سيل هائل من المقالات والاقتراحات تريد أن تبين أسباب الخلل، و وضع العلاج الناجع لها، نوجزها بما يلي:
- الحكومة فاسدة لأنها من صنع أمريكا وإيران،
- الديمقراطية كذبة لأنها مستوردة من أمريكا،
- البرلمان مزيف لأنه جاء عن طريق انتخابات مزيفة، 
- الخلل في قانون الانتخابات، ومفوضية الانتخابات المستقلة، والنظام الانتخابي، لذا يجب تبديل كل هذه الأنظمة والقوانين.
- الدستور مزيف لأن الذي وضعه هو الحاكم المدني الأمريكي بول بريمير، ويقترحون كتابة دستور جديد...
-الخلل في نظام المحاصصة...
- وهناك من يقترح النظام الرئاسي، أي رئيس تنفيذي للجمهورية منتخب مباشرة من الشعب بدلاً من النظام البرلماني... الخ.

فهل حقاً كل هذه القوانين والأنظمة والمؤسسات الدستورية هي من صنع أمريكا؟ وهي سبب معاناة الشعب العراقي من هذا الثالوث المدنس: (الفساد، وتردي الخدمات، وتفشي البطالة؟).

كيف بدأت المظاهرات وإلى أين وصلت؟
في الظاهر بدأت المظاهرات بعفوية وسلمية تطالب بمعالجة المشاكل آنفة الذكر، ورحبنا بها، وحذرنا في نفس الوقت من اندساس أعدائهم واختطافها، فواجهنا سيلاً من الاتهامات والبذاءات من بعض الكتاب والجيوش الإلكترونية، بأننا ضد التظاهرات السلمية المشروعة، ولا يوجد مندسين، ولا أيادي خفية، وأننا ندافع عن الأحزاب الإسلامية الفاسدة، والحكومة الجائرة، ومصابين بمرض نظرية المؤامرة! وأن حزب البعث قد انتهى!!
فهل حقاً انتهى البعث؟ يجيب على هذا السؤال الدكتور سلام الزوبعي في مقابلة تلفزيونية قال ما مؤاده، أن حزب البعث لم يفقد الأمل إطلاقاً في استعادة السلطة، ومستعد في سبيل ذلك أن يتحالف مع الشيطان، ويضحي بالشعب، وهو موجود الآن في السلطة، وفي الأحزاب الحاكمة، والمؤسسات الأمنية والقوات المسلحة، وعلى جميع المستويات.

لذلك فعلى من يعتقد أن حزب البعث قد أنتهى، أن يعيد النظر في حساباته. نعم أنتهى من حيث عدم تمكنه لاستعادة السلطة، ولكنه مازال متمكناً من إلحاق الأضرار البالغة بالشعب.

لذلك سرعان ما حصل كل ما حذرنا منه، فها هي المظاهرات تحولت بسرعة إلى حرب الشوارع، رافقها إشعال الحرائق، وتدمير أبنية حكومية، وقتلى بالمئات، وجرحى بالألوف، وفرض الإضرابات وتعطيل الخدمات بالقوة؟ وكل هذه الجرائم تحمل بصمات حزب البعث الذي نعرف تاريخه جيداً.(2)

كذلك تم التركيز على هدف واحد وهو "تحرير العراق" من "الاحتلال الإيراني الصفوي"، وترديد هتافات (إيران برة برة ...). وجاء التأييد لهذا الهدف الأخير من الدول الغربية وخاصة أمريكا، ووسائل إعلامها، وآخر تأكيد بهذا الخصوص جاء من وزير خارجية أمريكا مايك بوبييو، يطالب حكومتي العراق ولبنان بالتخلص من النفوذ الإيراني. 

وكذلك أفادت الأنباء، (لم تتأكد بعد)، أنه (في حركة غريبة تأتي بالتزامن مع التظاهرات في العراق دعت السعودية إلى عقد مؤتمر دولي بإشراف الأمم المتحدة وأمريكا، بعنوان: (العراق آفاق مستقبلية).دعت إليه كل أطراف النظام السابق ورموزه البعثية والاجرامية وعلى رأسهم رغد صدام حسين... السعودية التي فتحت كل ابوابها للإطاحة بوالدها صدام حسين. ومن هذا يتضح أن السعودية التي فشلت في اسقاط الحكم في العراق عن طريق ضخ عشرات الألوف من الانتحاريين والمتآمرين تعمد اليوم إلى استخدام الحرب الناعمة لإسقاط الحكم في العراق وبذلك يكون الخطر قد بات فعلا على الابواب ويقف متربصا خلف الشبابيك.)(3)
فهل كل هذه التدخلات هي من أجل الشباب الشيعة المحرومين من الخدمات والوظائف؟

الدور الأمريكي في العراق
نعم، سقط النظام البعثي الصدامي الجائر على يد قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا، لأسباب كثيرة، منها عدم تمكن الشعب العراقي من إسقاطه رغم محاولاته العديدة التي انتهت بمئات المقابر الجماعية، إضافة إلى محاولة النظام امتلاك سلاح الدمار الشامل، واحتلاله الكويت، وتهديده لأمن وسلامة الدول الحليفة لأمريكا في المنطقة... الخ. وهذه تشكل خطوطاً حمراء لدى أمريكا. ولا ننسى أن حزب البعث اغتصب السلطة مرتين: في عام 1963 وعام 1968 بدعم أمريكي. لذلك بات واضحاً أنه ما كان ممكناً التخلص من هكذا نظام إجرامي إلا بالدعم الأمريكي أيضاً.

نعم، كانت الحكومة العراقية التي تمثلت بمجلس الحكم عام 2003، وحكومة أيادي علاوي عام 2004، بتعيين أمريكي. ولكن جميع الحكومات التي تلت حكومة أياد علاوي عام 2005 لم تكن من صنع أمريكا، بل جاءت عبر صناديق الاقتراع، أي كانت منتخبة من الشعب العراقي، وليست نتاج اتفاق أمريكي - إيراني كما يدعي اعداء الديمقراطية والعراق الجديد. وهذا ينطبق على البرلمان أيضاً، وبغض النظر عن الصراعات بين الكتل البرلمانية، فهذه ليست من مسؤولية أمريكا، بل العيب في السياسيين العراقيين أنفسهم الذين فشلوا في توحيد صفوفهم، و العمل بنظام ديمقراطي سليم، والتمسك بالوحدة الوطنية العراقية.

أما الدستور، فلم تكتبه أمريكا، إذ كانت هناك محاولات لكتابة الدستور عن طريق خبراء تختارهم أمريكا، ومن يتعاطف معها، إلا إن الاحتجاجات الشعبية أفشلت المحاولة، فأفتى المرجع الديني السيد علي السيستاني بكتابة الدستور من قبل عراقيين منتخبين من الشعب، فكان البرلمان التأسيسي، حيث تم اختيار 70 عضواً برلمانياً من مختلف الكيانات السياسية والدينية والأثنية، واستغرقت كتابة مسودة الدستور نحو ثلاثة أشهر، وتمت مناقشتها في وسائل الإعلام، والبرلمان الذي صوت عليها، وبالتالي طرحت المسودة النهائية للإستفتاء الشعبي، وصوتت عليه غالبية الشعب. لذا فالدستور عراقي 100%، لأنه كُتِبَ من قبل عراقيين منتخبين، واكتسب الشرعية من تصويت الشعب عليه. وعليه، وكما يرى البعض من المنصفين، أن العيب ليس في الدستور، بل في عدم تطبيقه. لذا من الهراء وصف الدستور بأنه غير شرعي، أو أنه صناعة أمريكية كتبه بول بريميىر.

ولكن بالتأكيد، الدستور العراقي، وكأي دستور آخر في العالم، لم يخل من ثغرات ونقاط ضعف، ولكنه كان القاسم المشترك الذي أمكن إصداره تحت ضغوط تلك الظروف القاسية من الإرهاب المحلي والدولي. فمن المستحيل في هذه الحالة كتابة دستور يُرضي الجميع، وبدون تذمر من أية جهة. لذلك نؤكد أن الدستور العراقي يحتاج إلى تعديل من قبل خبراء، وليمر بمراحل إنضاجه بنشر التعديلات على الرأي العام العراقي ومناقشتها، ومن ثمَّ طرحها على الشعب للإستفتاء عليها. ولكن في جميع الأحوال، لا يمكن إلغاء الدستور أو تعديله بعجالة تحت ضغوط مظاهرات مصحوبة بالعنف.

حكومة انتخابات أو حكومة مظاهرات؟
هناك حملة شرسة خطرة ضد الديمقراطية في العراق، ومحاولة شيطنتها، وإسقاطها نهائيا.
والسؤال هنا، أية حكومة نريد، حكومة تفرزها صناديق الاقتراع بانتخابات حرة ونزيهة، أم حكومة تفرضها تظاهرات شريحة من الشعب مصحوبة بالعنف، سيطر عليها مندسون من حزب البعث المدعوم من حكومات واستخبارات أجنبية؟ فالملاحظ هذه الأيام، أن راح كل من يريد ركوب موجة التظاهرات أدعى أنه مخوّل من الشعب. وعلى سبيل المثال، مدير مدرسة يعطِّل الدراسة، ويقفل بوابة المدرسة ويضع قطعة عليها، (تقفل المدرسة بسم الشعب). من الذي فوض هؤلاء أن يفرضوا قراراتهم الشخصية بسم الشعب؟ لا شك أن هذه فوضى ( Anarchy)، وليست تظاهرة سلمية، ولا يراد منها حل المشاكل الأساسية التي انطلقت التظاهرات من أجلها في أول الأمر، وإنما محاولة إجرامية لإسقاط الدولة العراقية.
فجميع دول العالم المتحضر، وكذلك مختلف شرائح المثقفين العراقيين يؤكدون على أن النظام الديمقراطي هو أفضل ما أنتجته الحضارة البشرية لحكم الشعوب المتحضرة. وشعبنا عانى الكثير من مظالم الأنظمة الدكتاتورية الجائرة، لذلك من حقه أن يتمتع بالنظام الديمقراطي، ويجب أن لا يتنازل عنه إطلاقاً، وتحت أي نوع من الضغوط والتهديد والبلطجة. فالحكم الديمقراطي هو حكم الشعب ومن الشعب وإلى الشعب، ومن يريد عكس ذلك فهو عدو الشعب.

المشكلة ليست في الديمقراطية، بل في عدم ممارستها من قبل البعض في العراق، أي عدم مشاركة الشباب في الانتخابات. ففي الانتخابات الأخيرة عام 2018، امتنع نحو 55% من الذين يحق لهم التصويت عن المشاركة في اختيار ممثليهم في البرلمان (مجلس الشعب)، بذريعة أن الانتخابات لا جدوى منها لأنها ستأتي بنفس الأحزاب والأشخاص "الفاسدة". طيب، كان هناك أكثر من 7000 مرشح يتنافسون على 329 مقعداً، أي بمعدل 21 مرشح لكل مقعد. فهل كان كل هؤلاء المرشحين فاسدين؟ وهل حقاً صار هذا الشعب لا ينجب إلا فاسدين؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن المجتمع العراقي كله فاسد وغير قابل لإنتاج مرشحين وطنيين نزيهين، وهذا غير معقول، ويعتبر إهانة لشعب عُرِف بأنه شعب الحضارات.
والجدير بالذكر أن النظام الديمقراطي هو وحده الذي يحقق التبادل السلمي للسلطة، وبدون إراقة دماء، أي تغيير الحكومة بقصاصة ورقة انتخابية بدلاً من الرصاص(Ballot Instead of bullet). والمطلوب من  المتنافسين و الجماهير تعويد أنفسهن على تقبل النتائج.
لقد اعترض بعض القياديين السياسيين الذين جاءت النتائج دون توقعاتهم في الانتخابات الأخيرة (عام 2018)، وطالبوا بإعادة فرز الأصوات باليد،. فاستجابت لهم المفوضية، وكانت النتائج مطابقة للفرز الإلكتروني 100%.
نستنتج من كل ما سبق، أنه لا يمكن معرفة رأي الأغلبية الحقيقي إلا من خلال صناديق الاقتراع، وليس من خلال التظاهرات الصاخبة، ومهما بدى لنا حجمها، خاصة تلك المصحوبة بالعنف. فليس من حق الأقلية فرض إرادتها على الأغلبية بالقوة. وفي هذا الخصوص يقول العلامة علي الوردي: "لو كنت من أرباب العمائم لأفتيتُ باعتبار التصويت واجباً دينياً ولجعلتُ التقاعس عنه ذنباً لا يغتفر... أنا أعرض هذا الرأي على رجال الدين، وأتحداهم أن يقبلوه أو يتحققوه." (علي الوردي، وعاظ السلاطين، ص 108).
لذلك كان على الشباب الذين يتظاهرون اليوم، المشاركة الفعالة في الانتخابات ومنح أصواتهم لمرشحي القوى العلمانية الديمقراطية، الذين يثقون بهم. أما المطالبة بإلغاء هذه المؤسسات الديمقراطية فتجلب عليهم و على الشعب أعظم البلاء.

أيهما أفضل، النظام الرئاسي أم البرلماني؟
هناك من يطالب بنظام رئاسي على غرار النظام الأمريكي والفرنسي. نعتقد أن هذا النظام يجعل من رئيس الجمهورية دكتاتوراً منتخباً، لأنه يتمتع بصلاحيات أوسع من صلاحيات البرلمان. وهذا يشكل خطراً على الديمقراطية الوليدة في العراق، لأن هناك نزعة لدى المسؤول العراقي أن يتحول إلى مستبد. وفي هذا الخصوص ندعو القارئ الكريم إلى قراءة مقال الدكتور حميد الكفائي الموسوم: (النظام الرئاسي لن يحل مشكلة العراق)(4)

أي نظام انتخابي يصلح للعراق؟
كذلك يطالب العض بنظام تقسيم العراق إلى 329 دائرة انتخابية، وتبني نظام (الفائز الأول First past the poll). كتبتُ مقالاً في هذا الخصوص عام 2004، وتوصلت إلى أن النظام الانتخابي الأنسب والأفضل للعراق هو التمثيل النسبي(PR) لعموم العراق. لأن هذا النظام سيرغم العديد من الأحزاب الصغيرة المتقاربة في برامجها إلى الاندماج في حزب واحد، وتدريجياً سوف تختفي الأحزاب الصغيرة الموسمية الكثيرة و ستظهر أحزاب كبيرة وقوية. أما نظام (الفائز الأول First past the poll)، المتبع في انتخابات نواب المجلس العموم البريطاني، فغير منصف، لأنه دائماً يكون الحزب الفائز بأغلبية المقاعد نسبة المصوتين له لا يزيد على 40% في أحسن الاحوال، يعني 60% من الشعب ضد الحكومة.(5)
إذن، أين الخلل؟
1- لا شك أن الخلل في تفشي الفساد بين المسؤولين من قادة الأحزاب المشاركة في السلطة والعملية السياسية، ومن جميع الانتماءات الدينية والطائفية والأثنية،
2- الكل مشاركون في التقصير، بمن فيهم المتظاهرون، لأن غالبيتهم استهانوا بالانتخابات، ورفضوا ممارسة حقهم الديمقراطي كمواطنين، في الإدلاء بأصواتهم للمرشحين الجيدين، مما شجع فوز الأحزاب الفاسدة،
3- الصراع العنيف بين الكتل السياسية البرلمانية المشاركة في السلطة، واهتمامها بمصالحها الفئوية والشخصية على حساب مصلحة الشعب،
4- هذا الانفجار جاء مباشرة بعد إبرام عقد إعمار العراق مع الصين الشعبية، ورفض العراق الاستجابة لفرض الحصار الاقتصادي على إيران، وحل الحشد الشعبي، وكذلك رفضه لما سمي بـ(صفقة القرن) في حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. لكن الخلل الأكبر الذي أغاض أمريكا هو النفوذ الإيراني في العراق. وهذا يعني أن هناك أيادي أجنبية وراء هذه المظاهرات التي تحولت إلى حرب الشوارع. وطالما رفض رئيس الوزراء الحالي أو الذي يليه التخلص من النفوذ الإيراني، فهذه الحالة البائسة ستستمر، ويبقى الشعب العراقي محروماً من الاستقرار، وبلاده ساحة للحروب بالوكالة بين إيران وأمريكا، وبدماء العراقيين.

وأخيراً نقول: ربَّ ضارة نافعة، فما يجري الآن ربما هو المخاض العسير لولادة عراق ديمقراطي مستقر ومزدهر. إذ كما قال هيغل: "إن ولادة الأشياء العظيمة دائماً مصحوبة بألم."
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط المصادر
1- أ. د. كاظم جواد شبر : خطر "الحرب الناعمة" صار يداهم حكومات الأرض كافة
https://www.akhbaar.org/home/2019/11/264297.html

2- حزب #البعث يقود #الاحتجاجات في #العراق
https://www.burathanews.com/arabic/articles/358092

3- الخطر على الأبواب .. السعودية تعقد مؤتمراً حول مستقبل العراق، وتدعو لحضوره رغد وأزلام صدام ومرتزقة البعث !
http://iraqtoday.com/news/33793/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%A8--%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-

4- د. حميد الكفائي: النظام الرئاسي لن يحل مشكلة العراق
https://www.skynewsarabia.com/blog/1295251

5- عبدالخالق حسين: أي نظام انتخابي يلائم العراق؟ - إيلاف
http://elaph.com/Web/Archive/1085946757002423500.htm


17
المنبر الحر / العراق يحترق
« في: 19:18 05/11/2019  »
العراق يحترق
د.عبدالخالق حسين

استلمت إيميل مختصر مفيد من صديق عزيز مستفسراً: ((احد اصدقاءنا سألني سؤال أريدك أن تجاوب عليه: "ما هي قصة عبد الخالق حسين؟ لماذا يساند أحزاب الإسلام السياسي ضد المتظاهرين؟"))
فأجبته على استعجال وباختصار شديد، ولكن سؤاله أوحى لي بهذا المقال مشكوراً فيه الجواب مفصلاً. فالصديق مؤمن إيماناً عميقاً بأن هذه التظاهرات فعلاً عفوية، ومن انتاج جيل جديد لم يتلوّث بأيديولوجية البعث، ولا للبعث، أو أية جهة خارجية يد فيها. وبدوري، أؤكد للصديق أنه لو كانت هذه المظاهرات حقاً كما وصفها، لما ترددتُ لحظة واحدة في دعمها بكل ما أوتيت من قوة.

كما أود أن أوضح موقفي مرة أخرى، أني لست ضد المظاهرات السلمية، فهي حق مشروع كفله الدستور، ومصدر اعتزاز بالديمقراطية، ولكني ضد أعمال العنف، والملثمين، والقناصة، وإشعال الحرائق، وتدمير مباني الحكومات المحلية، وتعطيل الخدمات وغيرها كثير، ومن أية جهة صدرت هذه الأعمال التخريبية. وقد وضحتُ رأيي ودعمي للتظاهرات السلمية في مقالي الموسوم: (لتكن تظاهرة البصرة السلمية نموذجاً يحتذى به)(1).

ولكن في اعتقادي أنه تم اختطاف هذه المظاهرات المشروعة من قبل أعتى الأشرار الذين يتربصون بالعراق سوءً وشراً، ولا يريدون له أن يتعافى وينهض إطلاقاُ. وعلى سبيل المثال لا الحصر من الأعمال التخريبية، نشرت صحيفة البي بي سي الإلكترونية تقريراً بعنوان: (مظاهرات العراق: مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن وإغلاق الطرق المؤدية لميناء "أم قصر")(2)
وتأكيداً لتقرير بي بي سي، وصلني تعليق من أحد الأخوة القراء بما يلي: ((قامت مجموعة من عمال ميناء أم قصر بإغلاق البوابات أمام حركة مرور الناقلات، فأثير نقاش على احد المواقع الإلكترونية عن هذا العمل: هل هو مسؤول ام لا؟ كون هذا الميناء يشكل عصب وشريان الحياة للعراق. طبعا الأغلبية الساحقة أيدت العمل معتبرةً إياه عملًا "ثوريًا"!)). ويضيف الأخ القارئ: (انا كتبت هذه الأسطر التي ربما تعكس رأيي بما يجري هذه الأيام: ((نستالجيا ماسوخية لأيام حصار التسعينات ومعاناتها الحقيقية!! الظاهر أن الشعب نسي تلك الأيام، وهاهو يريد ان يكررها. جلد الذات عادة رافيدينية قديمة!)) انتهى.

أتفق مع تعليق الصديق، فهذه الأعمال على الضد من التظاهرات السلمية، يراد بها حرق العراق لا التخلص من الفساد. كذلك قرأنا أن قامت عصابات بتخريب الكاميرات الأمنية المنصوبة في المناطق التجارية في بغداد، تحسباً لإسقاط الحكومة، وخلق فراغ أمني للقيام بالفرهود كما حصل بعد سقوط الصنم البعثي عام 2003.

فهناك حملة مكثفة من قبل بعض الكتاب، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وأغلبهم لم نسمع بهم من قبل (أي بأسماء مستعارة)، يركزون بضراوة على تبرئة البعث، والسعودية، وإسرائيل، وأمريكا من هذه المظاهرات، وأن هذه الاتهامات مثيرة للسخرية (كذا)، ويتهموننا بأننا مصابون بهوس (نظرية المؤامرة). في الحقيقة هم مصابون بهوس (عدم وجود المؤامرة)، لتبرئة التآمر والتغطية على المتآمرين. ودليلنا على وجود التآمر الخارجي هو الحملة الإعلامية من هذه الدول تطالب بإقالة رئيس الوزراء وحكومته، وآخر هذه المناشدات جاءت من وزير خارجية أمريكا، مايك بوبيو. فهل هذا الدعم للتظاهرات من هذه الدول لوجه الله؟
وعن دور البعث في تخريب التظاهرات، علق صديق وهو أديب وشاعر مرموق قائلاً: "من يتصور بأن النار التي تشب في بغداد هي  ثورة وطنية يقودها المخلصون فقط لبناء العراق، فهو إما خبيث او بسيط. من المستحيل أن يكون هذا الهرج كله من شباب ثوري يدافع عن وطنه. ومن الغباء من يتصور بأن البعثييين مجرد متفرجين او قابعين لا ناقة لهم ولا بعير بكل ما يحصل في بغداد. لا مراء بأن البعث كان وسيبقى ذئباً شرساً ينتظر أية فرصة للهجوم والإفتراس. فهل من المعقول أن يكون البعثيون متفرجين وهم يتربصون لكل فرصة تسنح لهم للعودة الى الحكم بمنتهى الشراسة؟" انتهى
وفي هذا الخصوص، ندعو القراء الكرام قراءة تقرير صحيفة الأخبار اللبنانية بعنوان (الرواية الأمنية الكاملة لتظاهرات العراق: مخطّط انتقامي ترعاه واشنطن وأبو ظبي وتموّله الرياض!)(3)

كما جاء رد فاحم في مقال بعنوان: (حزب البعث يقود الاحتجاجات في العراق)(4) وبغض النظر عن مصدره، فهذا المقال يكشف بالحقائق الدامغة تاريخ البعث وحيله وأحابيله في اغتصاب السلطة عن طريق تسخير الآخرين، والصعود على أكتافهم، ومن ثم تصفيتهم.

موضوعة الديمقراطية
لا شك أن الديمقراطية هي المستهدفة، ويجب التخلص منها بأي ثمن، والعودة إلى حكم الاستبداد الفاشي. فما يجري في العراق منذ بدأ التظاهرات "العفوية" في الفاتح من أكتوبر الجاري، وما رافقها من أعمال عنف، غيَّرَ قناعات الكثيرين من المهتمين بالشأن العراقي، وبالأخص موضوعة الديمقراطية الوليدة. وأهم قناعة تعرضت لهذا الزلزال هي: هل حقاً الشعب العراقي مؤهل للديمقراطية؟ أم لا يصلح له إلا الحكم الدكتاتوري الفاشي، وبالقبضة الحديدية على غرار حكم البعث الصدامي؟ وفي هذه الحالة، إما فاشية دينية فاسدة منتخبة، أو فاشية قومية عروبية تغتصب السلطة بالانقلاب العسكري، كالفاشية البعثية التي ابتلى بها العراق منذ مجزرة 8 شباط 1963 إلى 2003؟

وكانت ولا زالت قناعتي الشخصية أن الشعب العراقي، كأي شعب آخر، لا يصلح له إلا النظام الديمقراطي. (راجع مقالنا: هل حقاً الشعب العراقي غير مؤهل للديمقراطية؟)(5). ولكن المظاهرات الأخيرة التي رافقتها أعمال عنف دفعتنا لإعادة النظر في هذا الموضوع.

فالشعب العراقي لم يجرب النظام الديمقراطي الحقيقي، ولم يعتاد عليها طوال تاريخه قبل 2003. وحتى النظام الملكي الذي يعتبره أنصاره أنه كان حكماً ديمقراطياً وليبرالياً، إلا إن تاريخ ذلك العهد يؤكد العكس، إذ كان ديمقراطياً بالاسم والمظهر، ودكتاتورياً إقطاعياً بالجوهر، وعلى سبيل المثال، كان كلما يُعيين رئيس وزراء جديد، يقوم بحل البرلمان وإعادة انتخابات شكلية جديدة، ورئيس الوزراء هو الذي يقرر الفائزين. فالشعب العراقي قفز من دكتاتورية صدام حسين إلى ديمقراطية سائبة بلا ضوابط بين عشية وضحاها، وبدون المرور بمرحلة انتقالية تمهيدية تهيئ الشعب للديمقراطية بانتقال سلس.

ولعل أشرف وأنزه حكم فردي (المستبد العادل) عرفه العراق هو حكم الزعيم عبدالكريم قاسم، (في الحقيقة لم يكن مستبداً بل أحاط نفسه بفريق من الوزراء أختارهم من أكفأ وأخلص وأنزه مسؤولين عراقيين)، الذي حقق إنجازات كبيرة خلال 4 سنوات ونصف من حكمه، ضعف ما حققه العهد الملكي خلال 38 سنة. وكان قد مهد لإقامة نظام ديمقراطي برلماني رئاسي، إلا إن القوميين العروبيين، من ناصريين وبعثيين، المعادين للديمقراطية ولقاسم، وبدعم من حكومات أجنبية لم يريدوا للعراق خيراً، لم يمهلوه، لعلمهم أنهم لم يفوزوا بالانتخابات، وأن الديمقراطية ليست في صالحهم. لذلك بسبب التدخلات الخارجية، ولتعددية مكونات الشعب العراقي، و تعقيدات تركيبته وثقافته الاجتماعية الموروثة، فشل الزعيم قاسم، وقُتِل مع رفاقه شر قتلة بحيث لم يحصل حتى على قبر يضم جسده الممزق برصاص الغدر من رفاق الأمس.

وخلال 35 سنة، قام حزب البعث الصدامي بحكم الشعب بالنار والحديد، وأعاد تشكيله وثقافته الاجتماعية بحيث لا يصلح له أي حكم إلا حكم البعث المستبد الجائر. أما النظام الديمقراطي فيصبح من المستحيلات، لذلك قال صدام وبثقة عالية (أن الذي يحكم العراق من بعده يستلمه أرضاً بلا بشر). 

فمن أول يوم من ولادة الديمقراطية بعد 2003، أطلقوا عليها أسماءً تسقيطية وتحقيرية مثل الديمقراطية العرجاء، والعوراء، والمستوردة، ونظام المحاصصة...الخ.  فهكذا شعب وبعد عقود من حكم الحزب الواحد، حصل فيه انفجار في تعددية الأحزاب، فاق عددها 700 حزب، أما تنظيمات المجتمع المدني، فقد فاقت رقم 7000، إضافة إلى حرية شتم المسؤولين وعلى مختلف المستويات.

عجز الحكومة نتاج العداء بين الكتل السياسية
ونتيجة للخراب البشري صار أجهل تيار سياسي، والأشد خطراً على العراق و وحدته، هو الأكثر شعبية وفوزاً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو التيار الصدري الذي جاء بالمرتبة الأولى في المكون الشيعي، وحزب مسعود بارزاني في المكون الكردي، وكلاهما من ألد أعداء الوحدة الوطنية واستقرار العراق. وأكاد أجزم أن التيار الصدري الذي أغلب أعضائه من البعثيين الشيعة، يلعب دوراً كبيراً في تخريب المظاهرات الأخيرة بأعمال عنف، وحرق الإطارات في الشوارع، وتدمير مباني الحكومات المحلية، ومقرات الأحزاب السياسية باستثناء مقراته، وغيرها من أعمال عنف أدت إلى مقتل المئات، وإصابة الألوف من المتظاهرين، والمندسين، ورجال الأمن المسؤولين عن حماية أرواح الناس وممتلكاتهم. والسؤال هنا، إذا كانت هذه المظاهرات سلمية، فليت شعري كيف ستكون التظاهرات العنفية؟
ونتيجة للمنافسة الشرسة إلى حد العداء بين الكيانات المشاركة في العملية السياسية، على حساب المصلحة العامة، راحت الكتل البرلمانية تعارض أي مشروع عمراني تقترحه الحكومة، بذريعة أن التصويت على هذه المشاريع يستفيد منه رئيس الحكومة لأغراض انتخابية. وهكذا تم شل عمل الحكومات المتعاقبة، وتعطيل أغلب المشاريع الضرورية للشعب مما أدى إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية وتلكؤ الخدمات، وتفشي البطالة إلى حد الانفجار.

لماذا حصل الانفجار ضد حكومة عبدالمهدي؟
قد يبدو أنه من سوء حظ رئيس مجلس الوزراء الحالي السيد عادل عبدالمهدي أن تحصل المظاهرات في عهد حكومته، فالمشاكل التي باسمها حصلت التظاهرات لم تكن وليدة اللحظة، بل هي تراكمات ناتجة عن قصور الحكومات الخمسة السابقة خلال 16 سنة. ونحن لا نريد الدفاع عن السيد عبدالمهدي، ولكن بالتأكيد هناك من يبحث عن كبش فدى.
السب الحقيقي لهذه المظاهرات، وكما يعتقد العديد من المحللين والكتاب السياسيين أنها ليست عفوية، ولا بالصدفة، بل خطط لها من قبل جهات دولية كبيرة، للتخلص من عبدالمهدي بسبب اتخاذه قرارات ليست في صالح أمريكا وإسرائيل والسعودية، مثل: عقد صفقات تقدر قيمتها بـ 500 مليار دولار مع الصين الشعبية لإعمار العراق على مدى عشر سنوات، تُدفع تكاليفها بالنفط وليس بالدولار، كذلك رفض عبدالمهدي ما يسمى بصفقة القرن لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ورفضه تطبيق الحصار الاقتصادي على إيران عدوة إسرائيل وأمريكا، إضافة إلى تزامن هذه المظاهرات مع نقل الفريق عبدالوهاب الساعدي، ذي العلاقة الحميمة مع أمريكا من منصبه كقائد لقوات مكافحة الإرهاب إلى وزارة الدفاع في الأسبوع الذي سبق التظاهرات. (تقرير بي بي سي: من هو عبد الوهاب الساعدي الذي أثار جدلا في العراق؟)(6)

فشل الديمقراطية
وفيما يخص فشل النظام الديمقراطي الذي أوصل العراق إلى طريق مسدود، راح بعض القياديين المشاركين البارزين في السلطة، يصرحون علناً بعدم جدوى الديمقراطية والبرلمان. وفي هذا الخصوص وعلى سبيل المثال لا الحصر، صرح زعيم ائتلاف "الفتح" في العراق، ثاني كتلة برلمانية، السيد هادي العامري قائلاً: "أن النظام البرلماني فشل بالبلاد، مشيرا إلى ضرورة إعادة صياغة العملية السياسية لنزع فتيل أزمة الاحتجاجات. وقال إن حل أزمة الاحتجاجات الحالية يكمن في "ضرورة إعادة صياغة العملية السياسية من جديد، تحت سقف الدستور، ومن خلال إجراء تعديلات دستورية جوهرية إلى نظام آخر يناسب وضعنا" وأضاف العامري: أن "الحكومات المحلية (مجالس المحافظات والمحافظين) هي الأخرى ثبت فشلها أيضا، ولابد من إلغاء مجالس المحافظات وأن يكون انتخاب المحافظ مباشرة من قبل الشعب".(7)

وماذا ما بعد الديمقراطية؟
والجدير بالذكر أن مطالبات المتظاهرين لم تتوقف عند الأهداف المشروعة المعلنة في بداية المظاهرات وهي: (محاربة الفساد، وتوفير الخدمات، والعمل للعاطلين)، بل تجاوزت إلى إسقاط الحكومة، وإلغاء البرلمان، والدستور، وكلما تحقق بعد 2003. وبعبارة أخرى، جميع ما طالب به حزب البعث الساقط.
والسؤال هنا: من هو المخول لتشكيل الحكومة الجديدة في حالة إلغاء الدستور والبرلمان؟ وما هي شرعية تلك الجهة؟
في الحقيقة، هذه المطالب تعجيزية غير قابلة للتحقيق، وإذا ما تحققت، يعني العراق في خبر كان، عراق بلا حكومة، بلا برلمان وبلا دستور، وعندها تعم الفوضى العارمة، يعني سيادة شريعة الغاب، أي(الحق للأقوى)، واندلاع حروب أهلية طاحنة بين القوى الإسلامية من جهة، وبين البعث الداعشي، ومن ورائه من القوى الخارجية من جهة أخرى، ويدفع الشعب ألوف الضحايا، وملايين اللاجئين، وتدمير شامل للعراق، وبروز قوة منتصرة، وإعلان حكومة دكتاتورية، إما فاشية دينية، أو فاشية بعثية بصيغتها الجديدة، أي الداعشية الوهابية.

ولكن هناك سيناريو آخر، وهو طالما أن الغرض الرئيسي من كل هذه الاحتجاجات، وإغراق العراق في هذه الفوضى، هو ليس المطالب الثلاث المعلن عنها، بل إسقاط عبدالمهدي وحكومته، والمجيء برئيس وزراء جديد ترضى به أمريكا والسعودية، يقوم بإلغاء جميع العقود والاتفاقيات التي أبرمتها حكومة عبدالمهدي مع الصين وألمانيا وغيرهما، وتنفيذ السياسات الأمريكية في المنطقة بما فيها دعم ما يسمى بصفقة القرن لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وحتى التطبيع مع إسرائيل ومعاداة إيران وسوريا وروسيا والصين.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط المصادر
1- د. عبد الخالق حسين: لتكن تظاهرة البصرة السلمية نموذجاً يحتذى به
https://www.akhbaar.org/home/2019/10/263402.html

2- تقرير BBC، مظاهرات العراق: مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن وإغلاق الطرق المؤدية لميناء "أم قصر")(2)
https://www.bbc.com/arabic/50275573

3- الرواية الأمنية الكاملة لتظاهرات العراق: مخطّط انتقامي ترعاه واشنطن وأبو ظبي وتموّله الرياض!
 https://al-akhbar.com/Iraq/278376?fbclid=IwAR1zAckEQ1jcXYZT5rg8sRZX0v9n9pigp1neEAk4Yrhk1zPrbgQc7X6gaHI
4- حزب البعث يقود الاحتجاجات في العراق
https://www.burathanews.com/arabic/articles/358092

5- د. عبد الخالق حسين: هل حقاً الشعب العراقي غير مؤهل للديمقراطية؟
https://www.akhbaar.org/home/2019/5/258257.html

6- تقرير BBC: من هو عبد الوهاب الساعدي الذي أثار جدلا في العراق؟
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-49921809

7- العامري: النظام البرلماني فشل بالعراق ولا بد من بديل مناسب
http://sharqgharb.co.uk/?p=93530

روابط أخرى ذات صلة بالمقال
مادونا عسكر:  الثّورة لا تصنعها العواطف الجيّاشة والحماس العنيد
http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=940929&catid=325&Itemid=1236

أ. د. كاظم جواد شبر: خطر "الحرب الناعمة" صار يداهم حكومات الأرض كافة
https://www.akhbaar.org/home/2019/11/264297.html

18
تظاهرات سلمية أم حرب بالنيابة بين إيران وأمريكا؟

د. عبدالخالق حسين

يوماً بعد يوم بدأت الأمور تتكشف أكثر فأكثر. فما سمِّي بانتفاضة الفاتح من أكتوبر 2019، هو ليس تظاهرة عفوية وسلمية وبلا قيادة، بل نقلة نوعية في الأزمة العراقية المزمنة. إذ يمر العراق اليوم بأخطر منعطف في تاريخه الحديث، لا يقل خطورة عن إنقلاب 8 شباط 1963 الدموي الأسود الذي أدخل  البلاد في نفق مظلم لم يخرج منه حتى الآن. يعيش العراق اليوم مرحلة تاريخية عاصفة، أختلط فيها الحابل بالنابل، والحق بالباطل، والصواب بالخطأ، فهناك حملة إعلامية عربية، وعالمية واسعة لتضليل وتشويش عقول العراقيين، وإرباك المسؤولين. ونتيجة لهذا التشويش والإرباك انقسم العراقيون، وصار الكل يختلف مع الكل إن لم نقل ضد الكل.

فالأسباب المعلنة للتظاهرات هي الفساد، وتردي الخدمات، وتفشي البطالة بين الشباب، وخاصة الخريجين منهم. نعم هذه المشاكل موجودة وبشكل حاد، تحتاج إلى علاج جذري وسريع، ولكن ما يجري على الساحة هو ليس لحل هذه المشاكل، بل لتفاقمها، ولإسقاط النظام الديمقراطي، والانتقام من الحشد الشعبي، والتخلص من النفوذ الإيراني، و تصفية كل من له ميول لإيران، وإغراق العراق في فوضى عارمة يستفيد منها أعداء الديمقراطية الوليدة، من دول الجوار، وليعود البعثيون للسلطة وتحت اسم آخر، بمثل ما جاؤوا عام 2014 إلى المحافظات السنية باسم داعش، وبحجة العزل الطائفي. واليوم أعلنوها حرباً طاحنة بين الشيعة أنفسهم، وبالتأكيد للتيار الصدري الدور الأكبر في هذا التخريب، والكل يعرف أن جماهير هذا التيار هم بعثيون شيعة وجدوا في التيار الصدري ملاذاً آمناً لهم لمواصلة تخريبهم، وإلا لماذا يحرقون مقرات كل الأحزاب السياسية في محافظات الوسط والجنوب ما عدى مقرات التيار الصدري؟

فما يجري اليوم في العراق من أعمال فوضى تحمل بصمات البعثيين، ويذكرنا بما قام به البعثيون قبيل إنقلاب 8 شباط 1963 الدموي الأسود من مظاهرات، وفرض الإضرابات على الطلبة وأساتذة المدارس والجامعات بالقوة. وكذلك تنظيمهم لمسيرات في بغداد قبيل إنقلابهم "الأبيض" على حكومة عبدالحمن محمد عارف عام 1968 بذريعة الذكرى الأولى من نكسة حزيران. كما تفيد الأنبياء اليوم ان سجن (الحوت) في الناصرية الذي يأوي إرهابيي داعش من المحكومين بالإعدام، وينتظرون التنفيذ إستنجد ببغداد لإرسال تعزيزات مسلحة لأنهم ردوا أعداد كبيرة من الملثمين خارج السجن، وهذا دليل آخر على تحرك حزب البعث بتنسيق مع الدواعش.

لقد بات واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة أن السبب الرئيسي لهذه الفوضى ليس الأهداف المعلنة، بل الصراع بين إيران وأمريكا على النفوذ في العراق، حيث هيمن اللوبي الإيراني على السلطة في العراق، وغلطة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بإنكار فضل أمريكا في تحرير العراق من الاستبداد البعثي الصدامي الجائر، والتوجه إلى إيران عدوة أمريكا. نفس الغلطة التي ارتكبها نوري المالكي عندما رفض بقاء عدد قليل من القوات الأمريكية في العراق عام 2011، وبضغوط من إيران وأعوانها في الحكومة. فعاقبته أمريكا بالإيعاز للقيادات السنية بفصل محافظاتهم عن الحكومة المركزية لتحكمها عصابات داعش، تلك الغلطة التي كلفت العراق عشرات الألوف من الشهداء، ومئات المليارات من الدولارات لتحرير تلك المناطق، بدلاً من استثمارها لإعمار البلاد.

واليوم يعيد عادل عبد المهدي نفس الغلطة بتنكره لأمريكا، وتوجهه لإيران، فعوقب بنموذج آخر من العقوبات، ألا وهو توظيف معاناة الشباب الشيعة ضد الحكومة التي تقوده الشيعة، لتستغلها حثالات البعث، والحكومات الخليجية وإعلامها. وليس مستبعداً أن تنفجر حرباً شيعية- شيعية، إلى أن تسقط الحكومة وتأتي حكومة موالية لأمريكا كما حصل بعد إسقاط حكومة المالكي، حيث تشكلت حكومة برئاسة الدكتور حيدر العبادي المتحرر من الهيمنة الإيرانية.

لقد نجح رئيس الوزراء السابق الدكتور العبادي بإتباعه سياسة فن الممكن في كسب الدعم الأمريكي لصالح العراق، ودون معاداة إيران، لذلك حرر المناطق المحتلة من الدنس البعثي الداعشي، بتضحيات الجيش العراقي والحشد الشعبي، وبالدعم الدولي بقيادة أمريكا. كما نجح العبادي في استعادة المناطق المتنازع عليها، والمداخل الحدودية في كردستان من هيمنة حكومة الإقليم إلى الحكومة المركزية كما أقره الدستور وبدون سفك دماء. فلولا الدعم الأمريكي له، لما نجح العبادي في تحقيق هذه الانتصارات الكبيرة.
والمفارقة أنه رغم ما حقق العبادي من انتصارات، كافئه الناخبون في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2018، بالمرتبة الثالثة، بينما الذي جاء بالمرتبة الأولى هو التيار الصدري المعروف بدوره التخريبي للنظام الديمقراطي. وهذه النتائج المجحفة تعطينا فكرة واضحة عن الذهنية التدميرية السائدة على المجتمع العراقي، ومدى الخراب البشري الذي تركه حكم البعث الفاشي.

كثير من المعلقين وكتاب المقالات أنكروا في أول الأمر دور المندسين البعثيين، وأشباههم في هذه التظاهرات، وراحوا يكررون باستمرار الكليشة القائلة: أن أغلب الشباب المشاركين في المظاهرات تربوا ونشأوا بعد البعث، ولم يتأثروا بفكره، لذا فهذه الانتفاضة عفوية كفلها الدستور، من أجل حقوق مشروعة. ونحن بالتأكيد أيدنا هذه التظاهرات وشجعناها بشرط أن تكون سلمية، وحذرنا من المندسين وأعمال العنف والشغب، وأن البعثيين لم ينتهوا، فهم خبراء في توظيف معاناة الشباب وغيرها من الأزمات، وتحريف التظاهرات عن أهدافها المشروعة لصالحهم وأغراضهم الدنيئة. وهذا بالضبط ما حصل، وانكشف مع الأيام، إذ توالت الأعمال التخريبية في بغداد، ومحافظات الوسط والجنوب، وتحولت المظاهرات العفوية السلمية إلى ساحات حرب بين القوى الأمنية والمتظاهرين، حيث تم إحراق مباني الحكومات المحلية، وسقوط ضحايا بمئات القتلى وألوف الجرحى.

نؤكد مرة أخرى أنه تم اختطاف تظاهرات أصحاب الحقوق المشروعة، وتوظيفها لأغراض لم يعرف بها المتظاهرون من الشباب المحرومين من الحياة الكريمة، و تحويلها إلى حرب بالنيابة بين أنصار أمريكا وأنصار إيران، وبدماء العراقيين. هذه الحرب ستستمر إلى أن يتخلص العراق من النفوذ الإيراني، أو يتحول إلى خرائب وأنقاض كما حصل في سوريا وليبيا واليمن، أو تعاد علاقة حميمة مع أمريكا.

وفي هذا الخصوص وصلني تعليق من صديق على مقالي الأخير الموسوم (من المسؤول عن الفساد في العراق؟)(1)، قائلاً :
((أتفق مع ما جئت به عن شراسة واجرام البعثيين، وضعف وفساد القائمين على السلطة في العراق الحالي. فخلال الأيام القليلة من تواجدي في لندن التقيت بالصدفة بخلية بعثية تسهر طول الليل حتى الصباح في قيادة المظاهرات وتوجه أشخاص في التأجيج، والاستمرار، وترسل لهم الشعارات، وتنتج وترسل مقاطع الفيديو، وما تبثه قناة الشرقية من أخبار، تنسيقهم على مستوى عالي، يستخدمون أسماء مثل (أبو فلان والدكتور فلان) من مختلف الدول الاوربية. وهناك من يتابعهم بشكل يومي للإدلاء بتقاريرهم عن مجريات الأمور من عملائهم في مختلف المحافظات. أما احزاب السلطة الحالية فلم يعوا خطورة السرطان البعثي، والخبرات الإجرامية التي يمتلكونها، والدعم المادي الكبير والاستخباراتي من مختلف المصادر والدول لتدمير العراق، وفي رأيي في حالة تحرك البعثيين وعملائهم ستجري أنهار من الدماء على طول العراق.)) انتهى.

كذلك وصلتني معلومات من صديق ذو صلة مع صناع القرار في الداخل والخارج، قال ما يلي:
((... أنا متفق معك، وقراءتك للأحداث صحيحة، ولو أنت لم تكن بداخلها، ودليلي أنني كنت في بغداد حين تجديد معاهدة الإطار للتعاون المشترك بين أمريكا والعراق، [عام 2011]، ورأيت تأثير إيران على الحكومة العراقية.... العراق كان ولا يزال تحت مطرقة لوبيين إثنين أقوياء جدا وهما: إيراني في بغداد، وإسرائيلي في واشنطن. اللوبي الإيراني يقوده الولي الفقيه بسلطة مطلقة، واللوبي الإسرائيلي تقوده إسرائيل بشبكة مصالح مؤثرة جدا من ضمنها أولا، إدارة مباشرة  للإقليم بحزبيه الأربيلي [نسبة إلى أربيل] والسليماني [نسبة إلى السليمانية] داخل العراق، وثقله داخل البرلمان ومن يشترونهم من باقي النواب والسياسيين العرب من الطائفتين الذين يحصلون على أموال العقود، ونسبة مما يدفع لكردستان وعقارات في كردستان، وهؤلاء هم الذين يبيعون العراق، بالإضافة الى مصالح خارجية دولية هائلة.)) انتهى.

أدلة أخرى على الحروب بالنيابة
بالإضافة إلى ما سبق، فما يؤكد الاعتقاد بأن ما يجري في العراق باسم التظاهرات المشروعة، هو حرب بالنيابة بين إيران وأمريكا وبدماء العراقيين، الأدلة التالية:
1- انحياز حلفاء أمريكا وإسرائيل من الحكومات الخليجية وجميع وسائل إعلامها لهذه التظاهرات في المحافظات الشيعية، تماماً كما كان موقفها أيام الاعتصامات في المحافظات السنية، والتي مهدت للإحتلال الداعشي لتلك المحافظات عام 2014،
2- إنحياز جميع وسائل الإعلام الغربية وخاصة الأمريكية، لدعم هذه التظاهرات، بشكل غير معهود، وبالأخص قناة الحرة (عراق)،
3- الإعلام البعثي، فجأة راح يذرف دموع التماسيح على مظلومية الشباب الشيعة، وهناك تقارير تفيد أن شباب الأعظمية قاموا بتوفير الطعام والماء للمتظاهرين في ساحة التحرير. وهذا يذكرنا بما حصل أيام ثورة 14 تموز من الانتشار الواسع لصور المرجع الشيعي السيد محسن الحكيم وفتواه سيئة الصيت (الشيوعية كفر وإلحاد) في الأعظمية والمحافظات السنية إلى أن تكللت جهودهم بإغتيال الثورة وقيادتها الوطنية النزيهة، في إنقلاب 8 شباط 1963، ومن ثم انتقموا من أسرة الحكيم، وكل المراجع الشيعية بعد أن حققوا أغراضهم منهم.
4- وقوف الحكومة الإيرانية وإعلامها ضد المظاهرات، بل واتهامها بالمشاركة في قمعها،
5- وقوف القادة السياسيين العراقيين الموالين لإيران ضد المظاهرات،
6- وقوف زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، المعروف بولائه للسعودية والدول الخليجية الأخرى مع التظاهرات،
7- دور التيار الصدري ومشاركتهم الفعالة في التظاهرات، وفي أعمال التخريب وحرق مقرات الأحزاب السياسية في محافظات الوسط والجنوب ما عدى مقرات التيار الصدري،
8- تصاعد هتافات: (إيران برا برا..بغداد تبقى حرة). وعدم صدور أي هتاف ضد السعودية المعروفة بدورها الإرهابي التخريبي ضد العراق الجديد، أما الهتافات الخجولة ضد إسرائيل فلذر الرماد في العيون ولا قيمة لها،

خلاصة القول:
لا يستقر العراق إلا بعودة العلاقة مع أمريكا، ودون معاداة إيران، يعني حكومة على شاكلة حكومة الدكتور حيدر العبادي، الرجل الذي نجح في تحرير المناطق المحتلة، واستعاد المناطق المتنازع عليها والمداخل الحدودية في الإقليم الكردستاني، إلى سيطرة الحكومة الفيدرالية. فبدون هكذا حكومة رشيدة تعمل بفن الممكن، سيتمزق العراق. وموقفي هذا ليس حباً بأمريكا، وإنما لأن العراق أنهكته الحروب وبأمس الحاجة إلى دعم الدولة العظمى، وبدون هذا الدعم ستعمل أمريكا على تمزيق العراق وتدميره على أيدي أبنائه، وبدون إرسال قوات عسكرية، تماماً كما حصل في إنقلاب 8 شباط 1963، و1968، وما يجري الآن هو تحضير لما حصل في الماضي.
اللهم احفظ العراق وشعبه من كل شر.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذو صلة
د. عبد الخالق حسين: من المسؤول عن الفساد في العراق؟
https://www.akhbaar.org/home/2019/10/263902.html

 أحمد عبد السادة : رأس الحشد الشعبي هو المطلوب!!
(عن المسلحــين الملثمين والمخطط الخارجي في التظاهرات)
http://alahadnews.net/index.php/permalink/185782.html
__________
ملحق
وصلني المنشور أدناه بدون ذكر اسم الكاتب، بعنوان (أيها البعثي)، يخاطب فيه البعثيين المتباكين على حقوق الشباب الشيعة، جدير بالقراءة، جاء فيه ما يلي:

ايها البعثي:
📍لا تحدثني عن الفقر والجوع، ففي زمنكم مات اكثر من مليون وثلاثمائة الف من اهلنا جوعا في وقت الحصار فقط.
📍لا تحدثني عن حقوق المتظاهر، ففي حكمكم كان يعدم  العراقي بمجرد التفكير بالتظاهر.
📍لا تحدثني عن حقوق الشهداء من المتظاهرين، ففي حكمكم كان من يعدم تأخذون ثمن الرصاصة التي قتلتم بها العراقي من اهله.
📍لا تحدثني عن حقوق عوائل الشهداء، ففي حكمكم كنتم تمنعون اهل الشهيد من اقامة مجلس عزاء على ابنهم، بل تمنعونهم من البكاء عليه.
📍لا تحدثني عن عدد شهداء التظاهرات، ففي حكمكم  في انتفاضة شعبان وخلال اسبوعين فقط قتلتم 350 الف عراقي.
📍لا تحدثني عن حرية التعبير، ففي حكمكم تقطعون لسان كل من ينتقدكم بكلمة.
📍لا تحدثني عن فساد السلطان، ففي حكمكم قصور الطاغية وصلت عدد اسماء الله الحسنى.
📍لا تحدثني عن عز وكرامة العراقيين، ففي حكمكم اذللتم العراق من الحروب الخاسرة الى اخراج رئيس الدولة العراقية من  حفرته في مشهد لم تشهده البشرية منذ ان خلق الله ادم ( ع (
📍لا تحدثني عن اعمار وبناء، ففي حكمكم لم تبنوا منشأة حيوية واحدة، بل هدمتم ما بني في زمن الملكية وعبدالكريم قاسم.
📍لا تحدثني عن  شئ له علاقة في العراق، لاني لو اردت ان اكتب عن اجرامكم وطغيانكم وفسادكم  سأحتاج الى مجلدات يشم نتانتها كل من في الارض، فأنتم لا يحق لكم الحديث، لاننا خبرنا افعالكم، واتركونا كشعب يحب بعضنا بعضا ويحرص بعضنا على بعض وينتقد بعضنا بعض ويصحح بعضنا لبعض.... نحن في العراق جسد واحد وان اختلفنا او تقاطعنا، فلا شأن لكم بنا.



19
من المسؤول عن الفساد في العراق؟
د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الأخير الموسوم (العراق بين سندان أمريكا ومطرقة إيران)(1)، استلمت العديد من التعليقات القيمة، من بينها تعليقاً من صديق جاء فيه أنه قرأ كتابًا  بعنوان (العرب من وجهة نظر  يابانية)(2)، لكاتب ياباني متنور اسمه نوبو اكي  نوتو هارا، قضى اربعين عاما يتجول في مصر،  والتقى الأدباء والكتاب العرب، وميز بين كتّاب السلطة (الباقون) وكتّاب الشعب (الزائلون)، والقابعون خلف القضبان، أو المقيمون في المنافي. في معرض تحليله لأسباب عدم نهوض العرب، وفي اجابة له على السؤال الذي طرح عليه من قبل أصدقائه من الكتاب والأدباء العرب، كيف استطاعت اليابان ان تنهض بعدما دمرت بالكامل من قبل أمريكا، وهي تحتفظ بأفضل العلاقات مع امريكا  فأجاب:
- عملنا مراجعة شاملة لتشخيص الأخطاء،
- عملنا على تصحيح الأخطاء ووضعنا الخطط الكفيلة لعدم تكرارها،
- لم ننقاد الى عواطفنا في التعامل مع أمريكا، بل بحثنا عن مصالحنا اولا في التعامل معها، ووضعنا عواطفنا جانبا.
وهنا أشار الى العرب قائلاً: مشكلتكم  وأحد اهم الاسباب لعدم تطوركم هو: عدم التعلم من أخطائكم".
ويضيف الصديق: "تدكرت هذه الملاحظة وأنا اقرأ لكً أن (عادل عبدالمهدي لم يتعلم من خطاً المالكي وراح ينصاع لضغوط  ايران و مليشياتها...الخ). ويضيف الصديق: "نعم انها مشكلتنا الأزلية.. لا مراحعة لمسيرة السلف الخاطئ.... ولا تشخيص للخطأ... ولا التعلم منه والتخطيط لعدم تكراره ...مع خالص الود)) انتهت رسالة الصديق مشكوراً.
***
و في حوار ملتزم ضمن مجموعة نقاش من المثقفين العراقيين، بعثتُ تعليقاً تضمن هذه المقارنة بين اليابان والعراق، وأننا نسجن أنفسنا في الماضي ونمجده، بينما المطلوب منا استخلاص الدروس والعبر، والتعلم من أخطائه لمنع تكرارها. وكنت قد ألقيت اللوم على العراقيين فيما حصل من فساد وأعمال فوضى وخراب بعد 2003، إلا إن أغلب المساهمين في النقاش ألقوا اللوم على أمريكا، وخاصة ممثلها الحاكم المدني بول بريمير، وأعادوا نفس اللازمة التي مفادها، أن أمريكا احتلت العراق لا لسواد عيون العراقيين، ولا لتحريره من حكم البعث الصدامي الجائر، بل لتدمير الدولة العراقية العظيمة خدمة لإسرائيل...الخ. وكأن صدام كان فعلاً يشكل خطراً على إسرائيل...!!

مع اعتراف أحد الأخوة المعلقين بأن ((الفساد قد بدأ في عهد صدام والذي كان على شاكلتين: الأولى بيد صدام حصراً، والذي كان يوزع الأموال والمكارم والبيوت والسيارات ..الخ، بإرادته الشخصية حصراً، وعلى هواه، والويل لمن يعمل خارج هذا النظام. والثانية: ما تفشى في سنوات الحصار بين الكثير من الموظفين، ولكن بمبالغ بسيطة (مثل عشرة آلاف دينار لتمشية معاملة متلكئة)، وأصبح هكذا فساد عرف و'عادي' وحسب إمكانية المراجع. وكانت الأجهزة الأمنية تغض النظر عن ذلك الفساد بسبب ظروف الحصار القاتلة، والتي انبسطت على عموم  العراق حينئذٍ....أما الفساد ما بعد صدام فقد حصلت نقلة نوعية بالمستوى المالي عمودياً وبمدى انتشاره افقياً...فكان بريمر كمن سكب الوقود على الجمرات فالتهبت وانتشرت النار وانتقلت الى كل مرافق الحياة. فحتى المعلمة لم تعد تدرِّس بالمدرسة وعندئذٍ يضطر أهل الطفل لدفع الرسوم لتلك المعلمة لغرض الدروس البيتية... وهكذا تطور خطير يتحمل وزره الأمريكان.)) انتهى.

وأود أن أضيف معلومة أخرى عن الفساد في عهد البعث وهو: أن صدّام خاطب القضاة يوماً ونصحهم أن يكتفوا بذاتهم، بمعنى أن يقبلوا الرشوة ليتمكنوا من تدبير حالهم. إضافة إلى الحملة الإيمانية المزيفة، وإحيائه العشائرية، حيث ترك الحكم لشيوخ العشائر في حسم القضايا الجنائية والحوادث وغيرها.
وأنا إذ أتفق مع الصديق في أغلب مما تفضل به، إلا إن نقطة الخلاف معه ومع الأخوة الذين أيدوه في كون كل هذا الفساد أسسه الحاكم المدني الأمريكي بول بريمير.

أعتقد إلقاء اللوم على الأمريكان في الفساد غير صحيح، لأنه في رأيي تقع مسؤولية الفساد على عاتق العراقيين أنفسهم، وبالأخص حكم البعث الساقط، وهذا ليس دفاعاً عن أمريكا معاذ الله، فهذه تهمة شنيعة في هذا الزمن الأغبر، بل أرى من الواجب إعمال عقولنا في قراءة الواقع، وكي نتوصل إلى تشخيص صحيح للعلة، وبالتالي إيجاد الدواء الناجع لأمراضنا المزمنة.

والسؤال هو، كيف استطاع ممثل أمريكا في العراق، (بول بريمير)، أن يحيل أغلب العراقيين إلى فاسدين ومرتشين بعصا سحرية، وبمجرد أن قال لهم: (افسدوا ففسدوا) على غرار القدرة الإلهية: (كن فيكون)، بحيث حتى المعلمة في المدرسة الإبتدائية صارت لا تهتم بطالباتها "إلا بعد أن يضطر أهل الطفل لدفع الرسوم لتلك المعلمة لغرض الدروس البيتية ؟" ولماذا لم تنشر أمريكا الفساد في الدول الأخرى مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، ومعظم الدول الأوربية التي ساعدتها في تحريرها من النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية، ولها معها علاقات عسكرية واقتصادية وسياسية؟ لماذا العراق وحده تريد أمركا تدميره بعد أن ضحت بالكثير، بشرياً ومادياً، لخلاصه من أبشع حكم جائر عرفه التاريخ، ومهما كانت أغراض أمريكا من تحرير العراق، نهب ثرواته، استعباد شعبه... وغيره من هذا الكلام؟

في الحقيقة كان بريمر ضد الفساد، حيث ورد في مذكراته نقداً شديداً بخصوص قرار أعضاء مجلس الحكم الإنتقالي في تحديد رواتبهم. واحتلال الأحزاب و" القادة " السياسيين قصور صدام، ورجالات النظام السابق والسكن فيه منذ عام 2003 ولحد الآن. وغيرها كثير من مفاسد حكام العهد الجديد.

فالأخبار التي تصلنا تؤكد أن غالبية موظفي الدولة (نحو 5 ملايين) مرتشون، و فاسدون. فكيف استطاع شخص واحد أمريكي يدعى بول بريمر، والذي فترة بقائه في العراق لم تزد عن سنة واحدة، أن يسحر كل هذه الملايين ويحولهم إلى فاسدين؟

ليس أسهل على العراقيين خاصة، والعرب عامة، من تعليق غسيلهم على شماعة الآخرين وبالأخص أمريكا، في كوارثهم، وتخلفهم، وإعفاء أنفسهم من أية مسؤولية. طيب بريمير قال للعراقين: كونوا فاسدين! فلماذا أطاعوه، وتخلوا عن أصالتهم، وعراقتهم، وأخلاقيتهم الدينية، وثقافتهم الاجتماعية الموروثة التي يعتزون بها ويتباهون، وصاروا فاسدين بلمح البصر؟ هذا يسمونه: (حب واحكي وإكره وإحكي!!!)

إذنْ ما هي أسباب الفساد في العراق؟
لقد حاول حكم البعث خلال 35 سنة من حكمه الجائر تدمير النسيج الاجتماعي، والاخلاقي، والفكري والحضاري، وهيمن على كل وسائل الإعلام، ومنع العراقيين من التفكير الحر، لأن الدكتاتور وحده كان يفكر نيابة عنهم. وفي حالة منع الانسان من استعمال عقله كما يشاء لمدة طويلة، لا بد وأن يصاب عقله بالعطل وفق المقولة الطبية:(Use it or lose it)، أي (إما أن تستخدمه أو تفقده)، والضمور لعدم الاستعمال (Disuse atrophy). وهذا المبدأ ينطبق على الصحة الجسمية والعقلية، وحتى الماكنة الصماء إذا لم تستخدم تصدأ. فالشعب العراقي مُنِعَ من إعمال عقله والتفكير الحر لأاربعين سنة، أي منذ إنقلاب 8 شباط 1963 إلى 2003.

كذلك فرض حكم البعث على الشعب اخلاقيته التدميرية الشاذة بكل قسوة وصرامة، وهي الطاعة العمياء المطلقة للدكتاتور بدون أي نقاش، وعلى المواطن أن يتأقلم، ويتكيف كما يريده النظام وفق شعاره الذي ذكره حنا بطاطو في بحثه الأكاديمي عن تاريخ العراق: (إلما يمشي على سكتنا خلي يكعد ويه مرته). إضافة إلى الحصار الاقتصادي الدولي الذي أذل العراقيين، والحروب العبثية التدميرية، وغيرها من وسائل الخراب المادي والمعنوي والأخلاقي، فجردوا الناس من قيمهم وأعرافهم السابقة، وحتى الشعور بالمسؤولية والمواطنة والوطنية والإنتماء الوطني، فصاروا يائسين من الحياة، لا أباليين. وفي هذا الخصوص يقول الفيلسوف الإيرلندي (Edmond Burk): "لكي تحب وطنك، يجب أن يكون فيه ما يجعلك تحبه". لذلك فقد المواطنون كل شعور يربطهم بهذا الوطن، ولسان حالهم يقول:(طز بالوطن، طز بالآخرين)، و (وكلمن يقول يا روحي). بل فرضوا على الشعب التقشف المجحف، وشحة في البضائع بما فيها المواد الغذائية الضرورية منذ السبعينات، أي قبل الحرب العراقية الإيرانية والحروب اللاحقة. وكنا نسمع أن صدام كان قد تبنى مقولة لأحد خلفاء بني العباس: (جوِّع كلبك حتى يركض وراك). وأخذ صدام بهذه المقولة المهينة لكرامة الإنسان، وطبقها على العراقيين، ولقي التشجيع من مرتزقته حين كانوا يستقبلونه أين ما يذهب بهتافاتهم الرخيصة الصاخبة (بالروح بالدم نفديك يا صدام)، و(صدام اسمك هز أمريكا).

لذلك فهذا الفساد المتفشي اليوم من أعلى قمة السلطة إلى أصغر موظف هو التركة الثقيلة التي ورثها العراق الجديد من البعث الساقط، وسوف يبقى إلى أجل غير معلوم. وإلا كيف يقبل مهندس أن يقوم بتفجير أنبوب نفط مقابل 600 دولار؟ نعم. هذا ما قرأته بعد التحرير في إحدى الصحف اللندنية.
قد يعترض البعض قائلاً: لكن البعث سقط إلى غير رجعة، فلماذا تلقون اللوم عليه الآن وبعد 16 عاماً؟
نعم، البعث سقط ولكن تركته الأخلاقية الكارثية ستبقى إلى أكثر من جيل. وحتى المسؤولون الفاسدون والعاجزون عن الإصلاح هم نتاج مرحلة البعث.

خلاصة القول: الفساد والفوضى وغيرهما من الكوارث، هي صناعة محلية عراقية بامتياز، وليس من صنع أمريكا، وإذا كانت صناعة أمريكية فلماذا تمسك بها العراقيون؟ أليس عيباً عليهم قبول بضاعة فاسدة؟
على العراقيين أن يعيدوا النظر بمواقفهم من هذه الأمور، إذ لا يمكن الإصلاح إلا إذا بدأنا بإصلاح أنفسنا، وإعمال عقولنا بالتحليل الصائب، وتبديل المناهج الدراسية لرفع معنوية الإنسان العراقي، وحب الوطن، وحب الحياة، والتركيز على الولاء للوحدة الوطنية بدون عزل أو تهميش، وتشجيع التفكير النقدي، والنقد الذاتي، فـ"النقد أساس التقدم"، والتعلم من أخطاء الماضي، وليس تعليق غسيلنا على شماعة الآخرين. فكما قال حكيم: "الذين ينسون أخطاء الماضي محكوم عليهم بتكرارها".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روايط ذات صلة
1- د. عبد الخالق حسين: العراق بين سندان أمريكا ومطرقة إيران
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=652763   

2- نوبو اكي  نوتو هارا: العرب من وجهة نظر  يابانية (كتاب) جدير بالقراءة
file:///C:/Users/ali/Downloads/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%20%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A9%20%D9%86%D8%B8%D8%B1%20%D9%8A%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9.pdf

 

20
العراق بين سندان أمريكا ومطرقة إيران

د. عبد الخالق حسين


يبدو أنه كُتِبَ على العراق أن يكون مأزوماً في جميع مراحل تاريخه، في الماضي، والحاضر، وحتى في المستقبل المنظور، ولا ضوء في نهاية هذا النفق المظلم. وهذه الأزمات الدائمة لم تولد من فراغ، بل هي نتيجة مظالم الحكومات الجائرة عبر التاريخ، وبالأخص في العهد التركي العثماني الذي أوصل  الشعب إلى حافة الانقراض. فالشعب العراقي الذي كان تعداد نفوسه نحو 30 مليون نسمة في العصر العباسي، كما أخبرونا في تعليمنا الابتدائي، قد تضاءل إلى ما دون المليون ونصف المليون نسمة، حسب إحصاء أجراه الاحتلال البريطاني عام 1920، الذي حرر العراق من الاستعمار التركي في الحرب العالمية الأولى. و كان الشعب آنذاك عبارة عن كتل بشرية عشائرية في حروب دائمة فيما بينها لم تعرف النزعة الوطنية بعد.

لذلك عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وصف الملك فيصل الأول أهل العراق في مذكرة له عممها على الحلقات المقربة للحكم في عام 1933 قبل وفاته بثلاثة أشهر عن خطورة الوضع العراقي قائلاً: (... فالموقف خطير، وفي هذا الصدد أقول وقلبي ملآن أسى، انه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية ، خالية من أية فكرة وطنية ، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية ، لا تجمع بينهم جامعة ، سماعون للسوء ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتقاض على اية حكومة كانت ، فنحن نرى ، والحالة هذه ، ان نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه، وندربه، ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف ، يجب ان  يعلم عظيم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل. هذا هو الشعب الذي اخذت مهمة تكوينه على عاتقي، وهذا نظري فيه،...) (عبدالرزاق الحسني تاريخ العراق السياسي، ج1).
واليوم تتأكد صحة مقولة الملك الراحل عن تمزق الشعب العراقي إلى كتلات بشرية متصارعة، وتعدد ولاءاتها، أكثر من أي وقت مضى.   

لذلك، فالشعب العراقي دائماً يعاني من أزمات بسبب ظلم السلطات الحاكمة في مختلف العصور، وتدخل الدول الخارجية في شؤونه الداخلية. ففي العهد العثماني الذي دام أربعة قرون، كان التنافس بين الدولة الفارسية والامبراطورية العثمانية. وكانت تركيا اليوم، أي بلاد الأناضول، تسمى ببلاد الروم حتى في العهد العثماني المفترض به حكم الخلافة الإسلامية. ومن شدة معاناة العراقيين من الحروب بين الدولتين الفارسية والعثمانية على الأرض العراقية، راحوا يرددون الأهزوجة (بين العجم والروم بلوى بتلينا). وبلاد العجم اليوم هي جمهورية إيران الإسلامية، وبلاد الروم هي أمريكا.

فالشعب العراقي مظلوم في كل العهود، ولذلك مشحون بالغضب على السلطات الجائرة. واليوم وبعد 16 عاماً من سقوط حكم الفاشية البعثية، لم تتحقق له الآمال التي كان يحلم بها في حياة أفضل، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 بتحقيق تلك الآمال. لذلك تراكم هذا الغضب حتى صار أشبه ببرميل بارود مكشوف، كل ما مطلوب لتفجيره هو مجرد شرارة عابرة. وهذه الشرارة يمكن قدحها في أي وقت ومن أية جهة.
فالتظاهرات الاحتجاجية الأخيرة التي بدأت يوم 1 تشرين الأول/أكتوبر 2019، ليست جديدة، إلا إنها الأوسع والأكثر دموية حيث قوبلت من قبل السلطات الأمنية بعنف لم يعهده العراق الجديد من قبل. فقد بدأت التظاهرات منذ عام 2006، مع الاختلاف في المطاليب. ففي صيف العام الماضي مثلاً كانت أزمة الكهرباء والماء. واليوم الفساد، ونقص الخدمات، وتفشي البطالة، وخاصة بين الشباب المتعلم العاطل عن العمل، يعانون من الفقر والجوع بسبب تفشي الفساد في جميع مفاصل الدولة التي خذلتهم وأهملتهم، وسرقت أكثر من 450 مليار دولار منذ 2003، كما تفيد بعض التقارير(1). ولما وعدت الحكومة بتحقيق هذه الأهداف، تصاعدت وتيرة المطالب إلى تغيير جذري للحكومة، والدستور.

لكن هناك من يستغل التظاهرات السلمية المشروعة لأغراض سياسية لم تخطر على بال المتظاهرين أصحاب الحقوق، فيقومون بالتخريب بلباس المتظاهرين. فقد كتب لي صديق أكاديمي ثقة، يقيم في إحدى المحافظات الجنوبية، يصف ما جري في المنطقة قائلاً: ((التظاهرات موضوع شائك ولكن لنا ملاحظاتنا التالية: "التنظيم والتحشيد والدعم اللوجستي للمتظاهرين، والدعم الإعلامي في الداخل، وفي الإقليم العروبي وخاصة الإعلام السعودي والخليجي، لم يكن عفويا، ولا من صنع المتظاهرين العاديين، وهم شباب معظمهم متضرر على مختلف الأصعدة بسبب تعقيدات الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
"الناصرية، أو محافظة ذي قار كانت في اشد مظاهر الاحتجاج والعنف، و رأينا  ما جرى من حرق ودمار وخاصة لمقرات الأحزاب جميعا، عدا مقرات التيار الصدري، وكأنه هناك رسالة مقصودة بضمان تأييد مقتدى الصدر للانتفاضة (كما سميت التظاهرات). أو على اقل تقدير قد تكون جعلها فتنة يسمح بظهور هواجس على تورط التيار بحرق المقرات ! كان بعض المتظاهرين يحملون اسلحة وقد قتل شرطي مركز الفضلية في طريق سوق الشيوخ بعد رفضه تسليم المركز للمحتجين المسلحين!")) انتهى.

والسؤال هنا لماذا تم حرق وتدمير مقرات جميع الأحزاب عدا مقرات التيار الصدري في تظاهرة المفترض بها سلمية؟ ولماذا أجاز السيد مقتدى لأتباعه بالمشاركة في التظاهرة التي يُحضَّر لها يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر الجاري؟ أما كان الأجدر إبعاد الأحزاب السياسية المشاركة في السلطة، لكي تحافظ هذه التظاهرات على استقلاليتها، ونقاوتها من السياسيين الفاسدين الذين هم تسببوا في محنة هؤلاء الشباب؟

العراق بين إيران وأمريكا
كثير من الكتاب والمحللين السياسيين يربطون بين هذه الأحداث والتطورات الأخيرة وبين علاقة العراق بإيران وأمريكا، خاصة وقد تزامنت هذه التظاهرات مع عودة الوفد العراقي برئاسة رئيس مجلس الوزراء السيد عادل عبدالمهدي من زيارته للصين، وإبرام اتفاقية مع الأخيرة على بناء البنى التحية تقدر كلفتها بنحو 500 مليار دولار على مدى عشر سنوات، تدفع بالنفط وليس بالدولار... ويعتبر هذا تحدياً لأمريكا التي ضحت بالكثير في سبيل تحرير العراق من حكم البعث الجائر، خاصة وقد جاءت هذه الصفقة في وقت تصاعد الصراع بين أمريكا والصين في تنافسهما التجاري. كما تزامنت هذه التظاهرات مع إبعاد الفريق عبدالوهاب الساعدي، قائد (جهاز مكافحة الإرهاب) الذي يتمتع بشعبية واسعة لدوره في إلحاق الهزيمة بداعش، من منصبه من قبل رئيس الوزراء، بأنه يزور السفارة الأمريكية دون علم رئيس الحكومة !!، القرار الذي اعتبره الفريق الساعدي "إهانة له ولتاريخه العسكري". كذلك لوحظ انحياز السيد عبدالمهدي لإيران، وخاصة في موقف العراق الرافض لما يسمى بـ(صفقة القرن) لحل المشكلة الفلسطينية. لهذه الأسباب وغيرها، يرى هذا البعض أن أمريكا وراء الانتفاضة ودون علم المتظاهرين، بغية الإطاحة بحكومة السيد عادل عبدالمهدي، حسب ما جاء في مقال نشرته صحيفة (Information Clearing House) الإلكترونية، نضع رابطه في الهامش.(2)

ومن جهة أخرى فإن إيران ليست بريئة، إذ بلغ تدخلها في الشأن العراقي حدا لا يطاق. إيران تستغل ضعف الحكومة العراقية بسبب الصراعات الطائفية والأثنية والعشائرية، و نجحت في تكوين لوبي لها من عدد من قادة الكيانات السياسية ومليشياتها الموالية لها، مثل السيد هادي العامري، الذي يتولى قيادة (منظمة بدر)، و(الحشد الشعبي)، والشيخ قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة (عصائب أهل الحق)، وغيرهما، لجر العراق إلى محور إيران ضد أمريكا وحلفائها في المنطقة. وهؤلاء يعملون على تحويل الحشد الشعبي إلى ما يشبه الحرس الثوري الإيراني، كرديف للجيش النظامي، ولاءه للمرشد الأعلى السيد علي خامنئي، وبالتالي تحويل نظام الحكم الديمقراطي في العراق إلى حكم ديني (Theocracy)، تحت حكم ولاية الفقيه. وهذا يعني دخول العراق في نفق المقاومة. فقد نشر الكاتب اللبناني السيد حازم الأمين مقالاً بعنوان (الحرس الثوري العراقي) جاء فيه: "دخل العراق في نفق "المقاومة"، وهو نفق لن يخرج منه سالما. فقد انتقل النقاش بمستقبل "الحشد الشعبي" في بغداد إلى مستواه اللبناني. الحشد يمكن أن يكون جزءً من المنظومة الدفاعية الرسمية، أما "فصائل المقاومة"، فيجب أن يبقى لها هامش تحرك مستقل. ويترافق النقاش مع مزاج تخويني يستهدف كل من يتحفظ على هذه المعادلة. والمزاج التخويني هذا، استمد عباراته من نظيره اللبناني."إنهم متخاذلون وعملاء لإسرائيل وأميركا"، وهم "مخبرون لدى السفارة الأميركية".(3)
طبعاً لا يمكن لأمريكا أن تسكت، خاصة بعد أن دفعت ثمناً باهظاً لتحرير العراق من حكم البعث الجائر لتجعله لقمة سائغة لإيران. لذلك فالعراق اليوم في مهب الريح، والصراع داخل العراق هو بين معسكرين: معسكر ولاءه لإيران، وآخر لأمريكا. وأنا أعتقد إذا ما سيطر المعسكر الإيراني بقيادة قيس الخزعلي وهادي العامري وأبو مهدي المهندس، فسيتحول العراق إلى خرائب وأنقاض، كما حصل في سوريا، واليمن وليبيا. لذلك أرى من الأفضل أن يعيد العراق علاقته مع أمريكا التي ضحت بالكثير في خلاص الشعب العراقي من حكم البعث. أقول هذا لا حباً بأمريكا، بل لأن ليس للعراق خيار آخر. فالعراق اليوم أشبه بالرجل المريض الذي مازال في غرفة الإنعاش بعد إجراء عملية جراحية كبرى لاستئصال السرطان البعثي. وإيران تدفع بهذا المريض ليدخل في محورها الانتحاري ضمن ما يسمى بـ(محور المقاومة). فالعراق منهك ومتشرذم، وشعبه منقسم على نفسه إلى شيع وأحزاب متناحرة، وكل حزب بما لديهم فرحون. ولكن يبدو أن الموالين لإيران ومنهم السيد عادل عبدالمهدي، لهم اليد العليا، في قيادة البلاد إلى الهاوية لا سمح الله.

وفي نفس الوقت، أنا لا أدعو إلى معاداة إيران، إذ تربطنا بها روابط تاريخية وجغرافية ودينية ضاربة في العمق لا يمكن الفكاك منها. كما لا أنكر جميل إيران في مساعدتها العراق إبان حربه على داعش. فالعراق بحاجة إلى علاقة حميمة مع إيران، وأمريكا، والسعودية وكل دول العالم. وهذا ممكن لو توفرت الدبلوماسية الحكيمة، والنوايا الصادقة. ولكن على إيران أن تحترم  سيادة العراق، وتتوقف عن التدخل في شؤونه الداخلية، وعلى الحكومة العراقية أن لا تتساهل في ذلك.

مشكلة الحكومة الإيرانية الإسلامية أنها في حالة انفصام  تام مع الواقع، تعمل وفق أيديولوجية دينية ميتافيزيقية مفادها أن الله معها، لذلك فلا بد أن تنتصر على الدولة العظمى وربيبتها إسرائيل!! هذي الأيديولوجية ليس لها أي نصيب من الواقع، والتاريخ حافل بالدروس والعبر. وأفضل مثال هو ما جرى بين الإمام علي ومعاوية في حرب صفين. فلا بد وأن الله كان مع الإمام علي وليس مع معاوية في تلك الحرب، ولكن في النهاية استشهد الإمام علي، ونجح معاوية في تأسيس الدولة الأموية، وراح يضطهد أتباع الإمام علي. كما أنتصر يزيد على الإمام الحسين في واقعة كربلاء الأليمة. فلماذا لم ينصر الله الإمام علي و ابنه الحسين اللذين كانا على حق ومع الإسلام الحقيقي؟
والغريب أنه عندما تنتصر إسرائيل في حروبها مع العرب، يخرج علينا رجال الدين يقولون أننا انهزمنا لأننا ابتعدنا عن الإسلام، فأراد الله أن يعاقبنا على هذا الإثم. عجبي، وهل كانت إسرائيل أكثر قرباً إلى الله والإسلام من العرب المسلمين حتى نصرها الله؟ وهل كان معاوية وابنه يزيد أقرب إلى الله والإسلام من علي وابنه الحسين؟

كارثة الحكومة الإيرانية أنها تصر على زوال إسرائيل من الخارطة، وهي بالتأكيد تعرف أن هذا الهدف فنطازي وهمي للإستهلاك المحلي، غير قابل للتحقيق، ولذلك جلبت الكوارث على شعبها وعلى شعوب المنطقة. كما أخبرني صديق رجع قبل أيام من زيارة له إلى العراق، وقد زار بغداد والعديد من مدن الوسط والجنوب ولاحظ أن أغلب الناس وخاصة الشباب، صاروا يكرهون إيران ويشتمونها علناً بسبب تدخلاتها الفضة في الشأن العراقي.

والجدير بالذكر أن في عصر الطائرات المسيَّرة (الدرون)، والانترنت، وحروب الجيل الرابع، لا تحتاج أمريكا وإسرائيل إرسال جيوشهما لتدمير العراق، بل تستطيعان تدميره عن طريق العراقيين أنفسهم، وهذا الذي يجري الآن.

أعرف أن هذا الكلام قد لا يعجب الذين يربطون مصير العراق بإيران لأسباب دينية، وبعضهم عن حسن نية، وأنهم واثقون من النصر من عنده تعالى! كما أعرف أن العديد من الأخوة ضد هذا الموقف الواقعي، ولكن هذا ما اعتقده وأكون ممتناً لمن يقنعني بعكس ذلك، على شرط اتباع المنطق والعقلانية وبالتي هي أحسن ، وليس بالشتائم والاتهامات الجاهزة الرخيصة التي تدل على الفراغ الفكري والخواء الأخلاقي على صفحات التواصل الاجتماعي.

لذلك أنا لا ألوم أي كاتب سياسي يحذر من خطر الانسياق وراء إيران، وإلا لماذا هذا الهيجان والتحريض ضد عادل عبدالمهدي؟ السبب لأنه تنكر لأمريكا وتوجه نحو إيران بتأثير اللوبي الإيراني في العراق. فالسيد عبدالمهدي لم يتعظ من غلطة سلفه السيد نوري المالكي الذي رفض إبقاء عدد من القوات الأمريكية في العراق عام 2011، لمساعدة القوات العراقية عند الضرورة، وبضغوط من الحكومة الإيرانية، وأنصارها من الساسة العراقيين، بحجة أن وجود قوات أمريكية يعد إساءة للسيادة الوطنية والكرامة، فكانت النتيجة تسليم المحافظات الشمالية الغربية إلى "داعش" التي انتهكت السيادة والكرامة معاً، وكلف تحريرها عشرات الألوف من الشهداء، ومئات المليارات الدولارات من الدمار المادي.
شئنا أم أبينا، فالعراق الآن في مهب الريح، ويمر في أخطر مراحل تاريخه الدموي المعروف، ما لم ينتبه قادته السياسيون، ويتبنوا سياسة حكيمة تضع مصلحة الشعب العراقي فوق كل شيء، وفق شعار: العراق أولاً.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مقال باتريك كوكبيرن في الإنديبندنت عن التظاهرات في العراق
Patrick Cockburn: The Iraqi people are in revolt – pushing the post-Saddam Hussein settlement to the brink of collapse
https://www.independent.co.uk/voices/iraq-protests-baghdad-adil-abdul-mahdi-revolution-a9142826.html
2- تقرير حول محاولة إنقلابية في العراق بمباركة أمريكية
U.S. Led Coup Attempt In Iraq May Further Weaken That Country
http://www.informationclearinghouse.info/52345.htm   

3- حازم الأمين: الحرس الثوري العراقي"
https://www.alhurra.com/amp/510271.html

4- د.عبدالخالق حسين: محنة العراق بين أمريكا و إيران في مواجهة الإرهاب
https://www.akhbaar.org/home/2015/10/200323.html

5- د.عبدالخالق حسين:أمريكا وإيران.. تقاسم نفوذ، أم ادارة للصراع بالنيابة؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=626341

21
لتكن تظاهرة البصرة السلمية نموذجاً يحتذى به

د.عبدالخالق حسين

بعد أن نشرتُ مقالين عن التظاهرات الاحتجاجية التي اجتاحت العراق منذ 1/10/2019، ومعارضتي لاستخدام العنف فيها بسبب اختراقها من قبل المندسين المخربين من مختلف الجهات المعادية التي لا تريد الاستقرار للعراق، اتهمني البعض بأني ضد التظاهرات، سواءً كانت سلمية، أو غير سلمية، وأني أدافع عن الحكومة الفاسدة، وأن كل المتظاهرين هم بعثيون أو مخربون، وبذلك فإني أعطي البعثيين قيمة وشعبية لا يستحقونها!!

أود أن أؤكد مرة أخرى أني لست ضد المظاهرات السلمية، فهي حق مشروع كفله الدستور العراقي، ودليل على حيوية أبناء الشعب، خاصة جيل الشباب الجديد الذي لم يتلوث بالأيديولوجيات الفاشية، بعثية كانت أم طائفية، وإدراكهم لحقوقهم وشجاعتهم، وتحديهم للسلطات الفاسدة التي ظلمتهم. ولكني ضد استخدام العنف بمختلف اشكاله، كاستخدام السلاح، وحرق ممتلكات الدولة، ومن أي طرف كان. وأنا واثق أن المتظاهرين الحقيقيين الذين ثاروا على الظلم هم حريصون كل الحرص على ممتلكات الدولة، والتي هي ممتلكات الشعب، لذلك لا يمكن أن يصدر منهم أي تخريب. وبما إن التخريب قد حصل في بعض الحالات والمناطق، فهذا يعني ان هناك اختراقات قامت بإشعال الحرائق، وبالتالي تشويه سمعة المتظاهرين الحقيقيين الذين هم أبرياء من هذه الأفعال التخريبية. فالمعروف أن الظلم وحده لا يكفي لتثوير الإنسان، بل الوعي بالظلم هو الذي يجعله ينفجر على الظالم. وقد أثبت الشباب أنهم واعون بالظلم ويدركون حقوقهم، ولن يتنازلوا عنها، وهذه علامة جيدة تبشر بالخير، وتجعلنا متفائلين بالمستقبل.

وما حفزني على كتابة هذا المقال هو مشاهدتي لفيديو يعرض تظاهرات جماهيرية في مدينة البصرة الحبيبة، جدير بالمشاهدة واستخلاص الدروس والعبر، والتعلم منها. "تظاهرات نسوية  لدعم الرجال في التظاهرات السلمية، والمطالبة بحقوق أهل البصرة التي سرقها السياسيون، والحكومة المركزية والمحلية لم تنفذ أي من مطالبهم". (رابط الفيديو في الهامش)(1)

نشاهد في هذا الفيديو (17 دقيقة)، تظاهرة نسوية تشارك فيها ألوف النساء ومعهن رجال من مختلف الأعمار وخاصة الشباب، وهن يرددن هتافات مشروعة، والكل يحرص على الالتزام بحفظ النظام. ومن الهتافات: (كلا كلا للأحزاب)، (كلا كلا للفاسد)، (البصرة أجمل بدون أحزابكم)، (البصرة حرة حرة)، (نفط البصرة للبصرة)...الخ. وليعذرني المتظاهرون البصريون، (وأنا ابن البصرة الفيحاء)، أني لا أتفق مع الهتاف الأخير (نفط البصرة للبصرة)، فالبصرة جزء من العراق العظيم وثغره الباسم، والأفضل أن نردد (نفط العراق للعراق)، وفي نفس الوقت التأكيد على حاجة المحافظة إلى دعم مالي إضافي في الميزانية، وذلك لما نالها من إهمال متعمد في جميع العهود، و دمار شامل خلال الحروب البعثية العبثية، أكثر من أي منطقة أخرى في العراق.

كذلك  نشاهد في الفيديو، سيدات وشباب يتحدثون للإعلام فيقدمون مبررات خروجهم بهذه التظاهرة، ويطرحون مطالبهم بمنتهى الشجاعة والطلاقة والبلاغة والوضوح، وبإنسيابية وعفوية مثيرة للإعجاب والتقدير.

نشاهد أيضاً شباباً يشاركون في هذه المسيرة الجميلة التي تستحق كل الفخر والاعتزاز بها لتنظيمها الدقيق، وتجنبها للعنف، أو أية كلمة نابية مثيرة للاستفزاز. هؤلاء الشباب أغلبهم في العشرينات من أعمارهم يرددون أهزيجهم، وينبري من بينهم شاب يقدم أغنية حزينة عن معاناة الشعب يفجر الدموع من مآقي الحضور المشاركين في هذه المسيرة السلمية بحق.

نحن مع هذا النوع من التظاهرات السلمية الحضارية التي تكسب عطف واحترام ودعم الجميع لتحقيق مطالبها المشروعة، ودون إلحاق الأذى بالمشاركين فيها، أو برجال الأمن الذين من واجبهم حماية أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم، بما فيها ممتلكات الدولة التي هي ممتلكات المتظاهرين أنفسهم. لذلك فهذه المسيرة البصراوية السلمية تقدم نموذجاً رائعاً يجب أن يحتذى به للتظاهرات الاحتجاجية السلمية الحضارية في جميع أنحاء العراق، والتي لم تتلوث بوساخة البعثيين الذين إذا ما اندسوا فيها أفسدوها وجعلوا المشاركين فيها عرضة للقتل والإصابة.

بالتأكيد لا يمكن اتهام هؤلاء الشباب بالانتماء البعثي، أو كونهم مدفوعين من قبل جهات أجنبية تريد الشر بهم، فهذا تزكية لقوة وشعبية تلك الجهات الفاقدين لها، فالشباب المتظاهرون هم جيل جديد لم يتربى على يد النظام البعثي، بل نشأ في ظروف الحرية والديمقراطية والعولمة والإنترنت والهاتف النقال، والثورة المعلوماتية والفضائيات وغيرها من وسائل الاتصالات التي جعلت عالمنا قرية كونية صغيرة. لذلك يمتاز كل فرد من هذا الجيل بشعوره بقيمته المطلقة، واستقلاليته واحترامه لذاته، وحقوقه الإنسانية وانتمائه الإنساني الكوني أكثر من انتمائه القومي أو الديني أو الطائفي المحلي. ولكن هذا لا يمنع اندساس البعثيين أو غيرهم لإشعال الحرائق واستفزاز رجال الأمن، وبالتالي حصول صدامات دموية ومآسي، كما حصل في الأيام القليلة الماضية. فهؤلاء المندسون يعملون على تشويه صورة هذه التظاهرات السلمية واختطافها، وتسخيرها لأغراضهم لذلك من حقنا، بل ومن واجبنا أن نحذر شبابنا من مخاطرهم.

أقول هذا، لأني من جيل 14 تموز أعرف ماذا يعني البعث، ولأن الاستهانة بقدراته تقود إلى التهلكة. فكما ذكرت في مقالي السابق، البعث عبارة عن بندقية للإيجار لما عُرِف عنه من العنف بمنتهى التوحش ضد معارضيه، لذلك اعتمدتْ عليه المخابرات الأجنبية لتدمير بلدهم في مختلف العهود والمناسبات كلما بدت فيها بشائر الاستقرار منذ ثورة 14 تموز المجيدة، وإلى اليوم، لأنهم لا يريدون عراقاً مستقراً معافى. وما يؤكد مخاوفنا وعدم انتهاء البعث كأداة للتخريب، هو بيانهم السيئ الصيت الذي أذاعه أحد الدايناصورات البعثية المدعو أحمد الحلو، رجل الأمن البعثي في عهد صدام، وبيان آخر نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية.

كذلك تأييد رغد صدام حسين التي دعمت التظاهرات في تصريح لها لصحيفة القدس العربي، قائلة: "معكم كل العراق أيها الأبطال الصناديد، رحم الله شهدائنا، ها أنتم تسطرون ملاحم البطولة كما عهدناكم”، مضيفة: “أنتم نسل أبطال القادسية أهل العراق شيعة وسنة وأكراد في الناصرية، الكوت، العمارة، البصرة، وديالى، وبغداد وكل ضواحيها، وكل العراق بإذن الله”.(2). فهل حقاً رغد صدام حسين تريد مصلحة المتظاهرين؟ وماذا كان والدها سيفعل بأية تظاهرة احتجاجية في زمانه؟

كذلك، يجب أن لا ننسى أن الدول المتصارعة على النفوذ في المنطقة، مثل أمريكا وإيران، والسعودية وغيرها من الدول الخليجية، تريد نقل صراعها في العراق وتبقيه ضعيفاً ممزقاً، فتحاول الاستفادة من هذه التظاهرات واختراقها، وتوجيهها لمصلحتها والمتظاهرون لا يعرفون. وفي هذا الخصوص كشف الخبير الامني والمدير الأسبق للاستخبارات العراقية الفريق اول وفيق السامرائي عما وصفه بـ(مؤامرة أخطر كثيرا من داعش) لا يعلم بها المتظاهرون الشباب الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم التي هدرها الفاسدون، مؤكدا علم السلطات الحكومية المسبق بها ونجاحها في احباطها.... كانت في الخطوط مؤامرة أخطر كثيرا من حرب داعش لأنها تستهدف اقامة حرب شيعية شيعية، ثم تتحول إلى حرب شاملة لإعادة العراق للمربع الاول وتقسيمه، مبينا ان أطراف معينة بالخارج حاولوا الاتصال بشخصيات قيادية لمحاولة كسبها لكنهم فشلوا، لأن أجهزة الأمن كانت لديهم تصورات جيدة عن الوضع، وكانت التحركات مرصودة.) انتهى.

ومن جهة أخرى، نسمع أن الذين يطلقون النار على المتظاهرين هم "من طرف ثالث"، من جهات غير معروفة و غامضة، وبدون أوامر من وزارة الداخلية، قناصة يرمون الرصاص الحي على المتظاهرين وعلى الشرطة على حد سواء وبقسوة في الرأس والصدر. وهناك من يوجه اصبع الاتهام إلى مليشيا باسم (سرايا الخراساني)، الموالية لإيران، تعمل على إقامة نظام حكم ولاية الفقيه في العراق على غرار النظام الإسلامي في إيران. لذلك من واجب الأجهزة الأمنية إلقاء القبض على هؤلاء القناصة لحماية المتظاهرين، سواء من المندسين المخربين من أيتام البعث، أو من سرايا الخراساني، وتقديمهم للمحاكم لينالوا جزاءهم العادل. فالدم العراقي خط أحمر، وكفى دماءً ودموعاً وقتلاً وتشريداً.

نعم، السلطات الحالية مليئة بالعناصر الفاسدة الذين أهملوا واجبهم، وسرقوا أموال الشعب، وحرموا الشباب، وغير الشباب، من حقوقهم، وتحولوا من مظلومين في عهد حكم البعث الجائر، إلى ظالمين وفاسدين في العراق الجديد، لذلك يتحملون مسؤولية تردي الأوضاع، فـ(الشعب يمهل ولا يهمل).
لقد أكد الحكام الفاسدون ما قاله المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفة فلعلة لا يظلمُ
وحكمة أخرى تفيد: "إذا تريد أن تكشف حقيقة الإنسان امنحه سلطة أو مال". وهذا بالضبط ما نراه في العراق الجديد، حيث بلغ السيل الزبي، وطفح الكيل، وجاء وقت الحساب والقصاص، ومن حق جيل الشباب من الجنسين عدم الخنوع للذل والظلم والحرمان، بل الثورة على الفاسدين والمفسدين. إذ كما قال أبو ذر الغفاري: (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه).

المجد والخلود لشهداء الوطن، والشفاء العاجل للمصابين، والخزي والعار للفاسدين.

وختاماً أترككم لمشاهدة الفيديو
1- تظاهرات نسوية لم تشهدها البصرة من قبل، وغيرت وقلبت المعادلة.(فيديو 17 دقيقة) جدير بالمشاهدة
https://youtu.be/v-VW41crmPk

2- رغد صدام حسين تنشر فيديو “مؤثرا” لاستهداف متظاهرين و”تعتذر” لقساوة المنظر- (شاهد)
https://www.alquds.co.uk/رغد-صدام-حسين-تنشر-فيديو-مؤثر-لاستهدا/



22
تظاهرات سلمية، أم مناورات إنقلابية بعثية؟
د. عبدالخالق حسين

تشهد العاصمة بغداد منذ يوم الثلاثاء الأول من اكتوبر/ تشرين الأول 2019، خروج مئات المتظاهرين احتجاجا على الفساد، وضعف الخدمات العامة، ونقص الوظائف. وأطلقت خلالها الشرطة الأعيرة النارية في الهواء، بينما حاول مئات المحتجين الوصول إلى المنطقة الخضراء التي توجد بها مؤسسات حكومية وسفارات أجنبية. وجاء في بيان صادر عن وزارتي الداخلية والصحة أن "أعمال عنف صدرت من مجموعة من مثيري الشغب لإسقاط المحتوى الحقيقي لتلك المطالب وتجريدها من السلمية التي خرجت لأجلها".(1)

ثم استمرت هذه التظاهرات في الأيام التالية وشملت أغلب المحافظات التي غالبية سكانها من الشيعة.
لا شك أن التظاهرات السلمية حق مشروع لأبناء الشعب، يكفله الدستور. فمن حق الجماهير في النظام الديمقراطي أن تمارس هذا النشاط كوسيلة ديمقراطية للضغط على السلطة لنيل حقوقها المشروعة. ومن جهة أخرى يفرض القانون أيضاً أنه من واجب القوى الأمنية الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين وأملاكهم من أي تجاوز. وهنا أود التركيز على تعبير (التظاهرات السلمية). فهل كانت التظاهرات التي حصلت في بغداد وذي قار والنجف وغيرهما من الأماكن في العراق كانت سلمية حيث تم حرق مبنى المحافظة بالكامل في ذي قار والنجف كما أفادت الأنباء؟

فالمتابع لهذه التظاهرات منذ سقوط النظام البعثي الفاشي عام 2003، وإلى الآن يرى أن أغلبها تبدأ سلمية و بدوافع مشروعة لا بد وأن نتعاطف معها، ولكن في أغلب الأحيان ينجح المندسون من القوى المعادية للعراق الجديد لاختطاف هذه التظاهرات السلمية و تحويلها إلى ساحات حرب مع القوى الأمنية تزهق فيها أرواح الأبرياء.

وفيما يخص التظاهرات الأخيرة في بغداد، تفيد الأنباء من راديو مونتكارلو و البي بي سي وغيرهما، ملخصها ما يلي:
1- المتظاهرون من الاحياء الشيعية فقط .
2- لسوء التنظيم اخترقت التظاهرات من قبل مخربين اطلقوا النار من وسط التظاهرات على قوات الأمن، ورموهم بقنابل يدوية، وأصيب من قوات الأمن العشرات.
3- اضطر رجال الأمن الى اطلاق قنابل الدخان والماء، وعيارات مطاطية في الهواء.
4 - تدافع المتظاهرون للدخول في نفق للسيارات ونفق للمشاة اسفل ساحة التحرير فحصل اختناق للبعض وجرح للبعض الآخر وتوفي شاب نتيجة التدافع .
 5- قبض على بعض مطلقي النار وتبين انهم من مناطق حزام بغداد، وخاصة منطقة الطارمية وهي اخطر حاضنة للإرهاب والدواعش حالها حال جرف الصخر واللطيفية والاسكندرية. والوضع في ذي قار مشابه.

والجدير بالذكر أن مطالب المتظاهرين  متشعبة، وهتافات بعضها تافهة، وبائسة  لدرجة مثل: (يامالكي يزبالة !!!)، كما و رفع البعض لافتة تقول: (نحن بحاجة إلى ربيع عراقي لطرد المرجعية الأربعة إلى أوطانهم...الخ)، نضع صورة اللافتة في هامش المقال. والسؤال هنا: ما علاقة هذا الشعار بالفساد ونقص الخدمات وإيجاد الوظائف للعاطلين؟

والجدير بالذكر إن ما يجري في العراق هذه الأيام يذكر بأساليب وتكتيكات البعثيين قبيل إنقلابهم الدموي الأسود يوم 8 شباط 1963، الذي تسبب في إدخال العراق في نفق مظلم لم يخرج منه لحد الآن، حيث نظموا مظاهرات صاخبة احتجاجاً على رفع سعر البنزين خمسة فلوس للغالون (يعني فلس واحد للتر)، وقاموا بإحراق محطات الوقود وباصات المصلحة، وفرض الإضرابات بالقوة على الطلبة وأساتذة الجامعات والمدارس.
تكررت المسرحية عام 1968 بمظاهرات احتجاجية على هزيمة 5 حزيران 1967، لتنتهي بانقلاب 17-30 تموز 1968، الذي سموه بالانقلاب "الأبيض" لتسيل بعده أنهار من الدماء، والحروب العبثية الداخلية والخارجية.

ففي 17 تموز 1968 استدرجوا عدداً من ضباط عسكريين قوميين من أمثال عبدالرزاق النايف وإبراهيم الداوود، للقيام بإنقلابهم، ثم شكلوا حكومة من لملوم غير متجانس، وبعد 13 يوماً قاموا بطرد من جاء بهم إلى السلطة. واليوم تزامنا مع التظاهرات شاهدنا فيديو بعنوان: (بيان للحراك الثوري العراقي لتشكيل حكومة انقاذ وطني)، بثته القنوات البعثية مثل الشرقية وأخواتها. قارئ البيان هو المدعو أحمد الحلو، نجفي، ومعروف أنه كان من رجال الأمن في عهد صدام حسين. نشاهد فيه نفس التكتيكات البعثية المعروفة في التهيئة لإنقلاباتهم المعهودة، حيث يقومون ببروفا (تمرين) لانقلاب عسكري مماثل للسابق، يقوده هذه المرة كما ادعى بيانهم العتيد، الفريق عبدالوهاب الساعدي (ليقوم بدور عبدالرزاق النايف وإبراهيم الداود)، وتشكيل الحكومة المقترحة من خليط غير متجانس من شخصيات وطنية معروفة بنزاهتها مثل الدكتور سنان الشبيبي وزيراً للمالية، والدكتور علاء العلوان وزيراً للصحة، مع آخرين بعثيين معروفين بجرائمهم، أحدهم مازال في السجن، وآخرون خارج العراق. وإذا ما نجحوا في هذه المؤامرة ليقوموا بعد أسبوعين بطرد الشخصيات النظيفة، والمجيء بحكومة بعثية بالكامل وبنسختها الداعشية الوهابية، وهكذا يعمل البعثيون ليعيد التاريخ نفسه على شكل مأساة أو ملهاة.

و بدوري أقوم بنشر هذا الفيديو، المضحك المبكي، مع هذا المقال، لا لخدمة البعثيين، بل ليطلع الجمهور العراقي الكريم على خبث أساليب البعثيين في تسخير احتياجات الناس، واختراق التظاهرات السلمية المشروعة وتوجيهها لأغراضهم الخبيثة الشريرة. يرجى فتح الرابط لمشاهدة الفيديو ثم إكمال قراءة هذا المقال.
عاجل بيان للحراك الثوري العراقي لتشكيل حكومة انقاذ وطني
https://www.youtube.com/watch?v=R3Uk1fMqpck

يستفيد البعثيون اليوم من ثورة التقنية المعلوماتية (IT)، وخاصة صفحات التواصل الاجتماعي، والفضائيات، لبث سمومهم بكل خبث ودهاء في تضليل الجماهير ودفعها إلى الهاوية. ففي هذه المرة يقوم البعثيون باستخدام واجهات شيعية، وأسماء شخصيات شيعية مرموقة، ودون علمهم، في تحقيق مآربهم المدمرة. وحتى الادعاء بأن المرجعية الشيعية في النجف الأشرف باركت خطوتهم لمحاربة الفساد، وهذا يذكرنا بفتوى المرجع الشيعي السيد محسن الحكيم حين خدعوه، فأصدر فتواه المشهورة (الشيوعية كفر وإلحاد)، التي لعبت دوراً كبيراً في إسقاط أنزه حكم وطني عرفه تاريخ العراق. ومن ثم جازاه البعثيون بقتل أكثر من 60 شخص من أسرة الحكيم بمن فيهم نجله السيد مهدي الحكيم الذي اغتالوه في السودان.

كذلك شاهدنا فيديو فيه إعلامي يجري مقابلة مع مواطن وسط جمهور غفير، ويبدو المتحدث أنه قد تدرب جيداً لتقديم أقواله أشبه بممثل حفظ دوره على المسرح، وبطلاقة وحماسة وحركات مسرحية مفتعلة، يصب كل شرور الدنيا على الحكومات العراقية المتعاقبة التي جاءت ما بعد 2003، يصفهم بأنهم عملاء إيران، وأن الحاكم الحقيقي هو علي خامنئي، وأن إيران قطعت عنهم الماء، وأنهم يعانون من الجوع والظلم والجور، وأنهم كانوا يعيشون عيشة الملوك في عهد صدام الذي وصفه بأنه أشرف من كل الذين حكموا العراق. وقالها صراحة أنهم ملَّوا من الشيعة، والحكومات الشيعية... الخ.
أقول، ماذا كان مصير أي مواطن لو تجرأ بتوجيه أبسط نقد للوضع في عهد صدام؟ بينما هذا الحاقد الذي يتظاهر بالبطولة في هجومه على حكومات بعد صدام يتلقى القبل من الإعلامي، ويذهب إلى بيته سالماً غانماً!!

فهل حقاً كانت التظاهرات سلمية؟
للإجابة على هذا السؤال نقرأ في نشرات الأخبار العناوين التالية:
- متظاهرون يحرقون اطارات في مناطق ببغداد،
- اصابة ضابط ومنتسبين اثنين من قوات "فض الشغب" في تظاهرات الديوانية،
- اصابة 15 شخصاً في تظاهرات وسط بغداد،
- متظاهرون يحاولون اقتحام مبنى محافظة الديوانية،
- انباء عن حرق مبنى محافظة ذي قار بالكامل،
- اندلاع النيران بمقر نقابة المهندسين في ذي قار،
- اكثر من عشرة مصابين بتفريق احتجاج بالقوة في النجف،
- اندلاع مواجهات بين المتظاهرين والقوات الأمنية في بابل،
- مقتل شرطي وإصابة 20 متظاهراً في ذي قار،
- انسحاب المتظاهرين من ساحة الطيران بعد استمرار اطلاق النار والقنابل،
- متظاهرون يعبرون جسر الجمهورية باتجاه الخضراء ومواجهات كبيرة بينهم وبين القوات الامنية،
- صحة ذي قار يكشف حصيلة ضحايا تظاهرات المحافظة (مقتل 4 متظاهرين ومنتسب في الشرطة، وإصابة 50 آخرين حصيلة تظاهرات المحافظة)،
- متظاهرون في النجف يقتحمون مبنى المحافظة ويضرمون النيران به.

وهذا غيض من فيض، فهل حقاً هذه التظاهرات سلمية؟؟؟؟
فما علاقة المطالب المشروعة بإشعال الحرائق في مؤسسات الدولة؟ وإطلاق النار على القوى الأمنية التي من واجبها حماية أرواح الناس والممتلكات؟
فكل التقارير تفيد أن رجال الأمن لم يبدءوا إطلاق النار على المتظاهرين، بل المتسللون لهذه التظاهرات هم الذين بدءوا بإطلاق النار على رجال الأمن.

ويسأل أحد الأصدقاء عبر الإيمل: لماذا انفجرت هذه التظاهرات في هذه الأيام بالذات وعلى حين غرة بعد توقيع عقود اقتصادية ضخمة مع الصين الشعبية وليس مع أمريكا؟ وهل من علاقة بين موقف العراق الرافض للتطبيع مع إسرائيل وما يسمى بصفقة القرن، وهذه التظاهرات اللا سلمية التي يلعب البعثيون فيها الدور المهيمن فيها وتوجيهها ضد مصلحة العراق؟

نعم، كل هذه التساؤلات مشروعة، فنحن نعيش اليوم في زمن ما يسمى بـ(الحروب من الجيل الرابع) (3)، ومفاده أنه بدل من أن ترسل إسرائيل أو أمريكا مثلاً، قواتها لشن الحرب على دولة ضدها، تقوم بتجنيد أبناء ذلك البلد بمحاربة أنفسهم وتدمير بلدهم. وهل هذا يجعلنا في خانة المؤمنين بنظرية المؤامرة؟ بالتأكيد نعم، ولكن ألا نلمس تطبيق هذا النوع من الحروب في بلداننا الجريحة ووقودها ابناء هذه الشعوب؟ 
مرة أخرى نؤكد أننا لسنا ضد التظاهرات السلمية التي حق أكده الدستور، ولكننا ضد اختراق البعثيين لها، وتحويلها إلى صدامات دموية. فالبعثيون إذا اخترقوا أية تظاهرة أفسدوها وجردوها من سلميتها و قادوها إلى أغراض ضد مضامينها المشروعة. وما يجري الآن من تظاهرات، المفترض أنها  ضد الفساد، ونقص الخدمات، والبطالة، فقد اختطفها فلول البعث وحولوها إلى عكس أهدافها وجعلوها تمارين شبيهة بما حصل قبل الإطاحة بحكومة الزعيم عبدالكريم قاسم بإنقلابهم الدموي الأسود في شباط عام 1963، والإطاحة بحكومة الرئيس عبدالرحمن عارف في تموز عام 1968.

لذلك نهيب بالأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والكتاب السياسيين، وجماهير شعبنا، أن ينتبهوا إلى ألاعيب البعثيين الذين يخترقون هذه التظاهرات السلمية المشروعة ويحيلونها إلى صدامات مسلحة كتمهيد لانقلاب آخر يحلمون به، ويهيئون له. وعلى العراقيين أن لا يُلدغوا من جحر البعثيين عشرات المرات، فالبعث بندقية للإيجار لتدمير شعوب المنطقة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- تقرير بي بي سي: مظاهرات العراق: قوات الأمن تطلق الرصاص الحي لتفريق مظاهرة جديدة في بغداد   https://www.bbc.com/arabic/middleeast-49846129

2- عاجل بيان للحراك الثوري العراقي لتشكيل حكومة انقاذ وطني
https://www.youtube.com/watch?v=R3Uk1fMqpck

3- الجيل الرابع من الحروب هل تم تطبيقه في مصر فعليا؟
https://democraticac.de/?p=16881

4- كلمة رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي حول المظاهرات
https://www.akhbaar.org/home/2019/10/263164.html


لافتة تطالب بطرد المراجع الأربعة إلى أوطانهم
 



23
هل ترامب وجونسن في طريقهما للعزل؟

د.عبدالخالق حسين

تجري في هذه الأيام دراما سياسية صاخبة على جانبي الأطلسي. ففي واشنطن طالبت رئيسة مجلس النواب الأمريكي (نانسي بيلوسي)، بمساءلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في محاكمة برلمانية (Impeachment)، في مزاعم مفادها أن ترامب سعى في مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني  فلاديمير زيلينسكي، للحصول على دعم سياسي منه بفتح تحقيق حول جو بايدن، وابنه هانتر الذي كان عضواً في مجلس إدارة شركة يمتلكها احد أباطرة المال في اوكرانيا. يقول معارضو ترامب بأنه استخدم صلاحيات الرئاسة في الضغط على الرئيس الأوكراني بهدف الحصول على معلومات تضر خصمه السياسي الديمقراطي، ومنافسه في الانتخابات الرئاسية القادمة جو بايدن. وبدوره نفى ترامب القيام بأي تصرف غير لائق – لكن هذا التحقيق يجري على قدم وساق، وقد يفضي إلى عزل الرئيس.(1)

كما وهناك اعتقاد أن دونالد ترامب يعاني من كذب مرضي (Pathological liar)، وحتى وُصِف من قبل بعض المختصين في علم النفس والأمراض العقلية الأمريكان بأنه غير سوي، ولديه مشكلة مع الحقيقة. وفي هذا الخصوص قدمت إذاعة البي بي سي عدة برامج عن هذه الحقيقة من بينها برنامج تحقيق (The Enquiry) بعنوان: لماذا دونالد ترامب عنده مشكلة مع الحقيقة؟(2)
   Why does Donald Trump seem to have problem with the truth?

وعلى الطرف الآخر من الأطلسي تجري دراما أخرى في لندن، وهي أكثر صخباً من الأولى، حول تجاوزات رئيس الحكومة البريطانية، بورس جونسن في مساعيه المحمومة (do or die إفعل أو مُت) على حد تعبيره لإخراج بريطانيا من الوحدة الأوربية يوم 31 اكتوبر/تشرين الأول 2019، سواءً باتفاق أو بدونه، رغم أن البرلمان البريطاني صوت أكثر من مرة بمنع الخروج بدون اتفاق. لذلك أصدر جونسن قراراً بتعطيل البرلمان (prorogation) لخمسة أسابيع، وأقنع الملكة للمصادقة على هذا القرار الذي تم إصداره مما أثار غضب المعارضين له، والذين يفضلون البقاء في الوحدة الأوربية من بينهم رئيس الوزراء الأسبق السير جون ميجر، ونحو 21 نائباً من حزبه الذين صوتوا ضد زعيمهم، ففُصلوا من الحزب، إضافة إلى الأحزاب المعارضة الأخرى مثل حزب العمال، وحزب الديمقراطيين الأحرار، والحزب الاسكوتلاندي القومي (SNP)، ونواب مستقلون آخرون مجموعهم أكثر من نواب الحكومة.

وقام رئيس الوزراء الأسبق جون ميجر، وعدد من النواب بتقديم شكوى إلى المحكمة العليا لعموم بريطانيا ضد قرار رئيس الحكومة بتعطيل البرلمان. وأصدرت المحكمة حكمها بالإجماع يوم الثلاثاء 24/9/2019، على بطلان قرار رئيس الحكومة، ووصفته بـ(غير قانوني)، وأنه ضلل الملكة من أجل أن يحقق أغراضه السياسية بإخراج بريطانيا من الوحدة الأوربية في الموعد المذكور بتغييب البرلمان وإسكاته. وقرار المحكمة بالطبع أفرح المعارضة التي طالبت رئيس الوزراء جونسن بالاعتذار والاستقالة "لأنه غير لائق لقيادة البلاد". وكان رد بورس جونسن على قرار المحكمة أنه "خطأ"، ولكنه يحترم حكم القانون، إلا إنه مازال مصراً على موقفه في الخروج من الوحدة الأوربية يوم 31/10/2019 باتفاق أو بدونه.

يعتقد الكثير من السياسيين والإعلاميين، أن رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسن غير صالح لقيادة البلاد لأنه ضلل الجماهير، وعمل على تقسيم الشعب، وشق حزبه، بل وصل الانقسام حتى إلى عائلته حيث اضطر شقيقه (جو جونسون) الذي كان وزيراً في الحكومة، فاستقال لأنه من مؤيدي البقاء، قائلاً: أنه كان في صراع مع نفسه بين الولاء للعائلة أو للشعب، فاختار الولاء للشعب. لذلك استقال من منصبه وحتى اعتزل السياسة كنائب برلماني.

الدروس المستقاة
في الحقيقة إن ما يجري في أمريكا وبريطانيا يثبت لنا مرة أخرى بما لا يقبل الشك أن للديمقراطية الناضجة أسنان من حديد لو أُحسن استخدامها، وأنها أفضل أنواع الأنظمة في الحكم. فمن أهم شروط النظام الديمقراطي هو الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. كذلك استقلال القضاء، وتطبيق القانون على المواطنين بغض النظر عن مناصبهم، ومكانتهم الاحتماعية، والاقتصادية وغيرها من الامتيازات.

فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وشك أن يواجه محاكمة دستورية، وربما عزله من الرئاسة للسبب المذكور أعلاه. ولكن يمكن أن يسلم من العزل، لأن قرار عزله يحتاج إلى تأييد ثلثي أعضاء البرلمان، وهذا يعني أصوات جميع نواب خصومه الديمقراطيين، ونحو عشرين من النواب الجمهوريين، وهو أمر شبه مستحيل، لأن جميع النواب الجمهوريين يدافعون عن ترامب. كذلك يعتقد البعض أن هذه المساءلة ممكن أن يكون لها تأثير معكوس، أي في صالح شعبية ترامب في الانتخابات القادمة.

كذلك رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون يجاهد الآن من أجل حياته السياسية، وعلى الأغلب سيواجه سحب ثقة البرلمان منه، ويُرغم على الاستقالة، وبذلك يكون قد انتهى سياسياً وحتى اجتماعياً لأنه كذب على الجميع، والكذب في هذه الحالات يعتبر جريمة مخلة بالشرف، وبذلك تكون رئاسته للحكومة أقصر رئاسة في تاريخ بريطانيا. والسيناريو الآخر هو حتى لو سلم جونسون من سحب الثقة، فعلى الأغلب سيكون هناك استفتاء آخر، والمتوقع أن كفة البقاء ستفوز هذه المرة. وفي جميع الأحوال لا بد من إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وحزب المحافظين منقسم على نفسه بسبب رعونة زعيمه جونسون، ونزوعه إلى الدكتاتورية والكذب.

وهذه العقوبات ضد رئيس الحكومة تكشف عظمة الديمقراطية، ووجود نواب، وقضاة شجعان يلتزمون بحكم القانون، ولا يخافون في الحق لومة لائم. وقد لاحظنا قبل أسابيع كيف وجه رئيس البرلمان توبيخاً شديداً لرئيس الوزراء لأنه تجاوز العرف البرلماني في رده على وزيرة الظل، إميلي ثورنبري. وكذلك تكرر سوء تصرف جونسون في الجلسة البرلمانية المنعقدة مساء الأربعاء المصادف 24/9 الجاري، حيث استخدم كلمات حادة من شأنها تصعيد التوتر، وتأجيج الصراع والعنف بشتى أشكاله، ليس في داخل البرلمان فحسب، بل وحتى خارجه بين الجماهير. لذلك تلقى رئيس الحكومة انتقادات شديدة حتى من وزراء سابقين في حكومته مثل السيدة أمبر رد (Amber Rudd ) وزيرة الداخلية السابقة، إضافة إلى تحذير رئيس البرلمان، والعديد من النواب له، وخاصة من العنصر النسائي، وكذلك الكتاب السياسيين والإعلاميين الذين حذروه من مغبة استخدام هذه اللغة العنيفة بين السياسيين في البرلمان والتي من شأنها تأجيج الشارع البريطاني، وتصعيد العنف مما له تأثير خطير على السلام المجتمعي.

أعتقد إن ما جرى في الأسابيع الأخيرة وإلى الآن على جانبي الأطلسي درس بليغ في الديمقراطية يجب الاستفادة منه و خاصة للشعب العراقي، الحديث في ممارسة هذا النوع من الحكم بعد قرون من الأنظمة الاستبدادية الجائرة.

نعم الديمقراطية لا تخلو من نقاط ضعف، إذ قد تأتي الانتخابات بأناس للسلطة وهم غير مؤهلين لها، كذلك يمكن أن يحصل فساد وتضليل الناخبين، فالفائز في الانتخابات الديمقراطية ليس بالضرورة أن يكون الأفضل من بين المرشحين، بل الأكثر قدرة في التأثير على الجماهير. وفي هذه الحالة قد يحصل التضليل كما حصل في انتخاب رجل الأعمال الملياردير دونالد ترامب عام 2016 في موجة صعود اليمين في أمريكا و الدول الغربية الأخرى. وكذلك في فوز دعاة خروج بريطانيا من الوحدة الأوربية في الاستفتاء الذي جرى عام 2016، حيث نجحوا في تضليل الجماهير، وفازوا في الاستفتاء ولو بنسبة قليلة (4%)، دون أن يوضحوا للجماهير تكاليف الخروج، ومضاره، وفوائد البقاء، وهل يتم الخروج باتفاق أو بدونه. والآن انكشفت الحقيقة بكل وضوح، حيث تأكد للأغلبية أن أضرار وتكاليف الخروج أكثر من البقاء. ولذلك يطالب أنصار البقاء في الوحدة الأوربية بإعادة الاستفتاء بعد ثلاث سنوات عجاف من الصراع العنيف الذي شق المجتمع البريطاني من القمة إلى القاعدة. (راجع مقالانا الموسوم: المأزق البريطاني في الخروج من الوحدة الأوربية!)(3).

خلاصة القول:
ما يهمنا في كل ما تقدم هو دور الديمقراطية وأهميتها في هذا الصراع، وآلياتها في حسم المنازعات بين الفئات السياسية بالتي هي أحسن وأسلم. وقد دارت مناظرات في مجموعات النقاش بين العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يلوم الديمقراطية في اختيار أناس مثل ترامب وجونسون من المتجاوزين عليها، وأنه دليل فشل الديمقراطية طنظام للحكم، وبين من يقول أن الديمقراطية هي الأفضل رغم ما تحصل فيها من تجاوزات. إذ كما قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستن تشرتشل:(إن الحكومة الديمقراطية هي ليست مثالية، ولكن لحد الآن لا توجد حكومة أفضل من الحكومة الديمقراطية). إذ لا بد أن تحصل أخطاء وتجاوزات في الحكومات الديمقراطية، ولكن في نفس الوقت تمتلك الديمقراطية آليات تصحيح أخطائها (autocorrection)، والناس يتعلمون من أخطائهم، بينما تفتقر الأنظمة المستبدة إلى آليات تصحيح الأخطاء ولا تتحمل أي نقد، لذلك تلجأ إلى العنف في قمع المعارضة التي مصيرها الفناء كما حصل في العراق أيام حكم البعث الساقط.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- قصة "المكالمة الهاتفية" التي قد تنهي رئاسة ترامب
https://www.bbc.com/arabic/world-49808406

2- لماذا دونالد ترامب عنده مشكلة مع الحقيقة؟
  Video Podcast: Why does Donald Trump seem to have problem with the truth
https://www.bbc.co.uk/programmes/w3csytgg
 
3 - د. عبد الخالق حسين: المأزق البريطاني في الخروج من الوحدة الأوربية!
http://www.akhbaar.org/home/2019/1/253608.html


24
المنبر الحر / النفط مقابل الدم!!
« في: 20:09 24/09/2019  »
النفط مقابل الدم!!
د.عبدالخالق حسين

كتب لي صديق قائلاً: "منذ أربع سنوات و اليمن يُقصف بكل وحشية، لم توفر مدرسة، أو مستشفي، أو حفلة عرس، أو جلسة عزاء. و يحاصر حيث لا دواء و لا طعام...الأطفال يموتون جوعاً، يموتون فعلا و ليس مجازاً. و العالم منعدم الضمير صامت صمت الأموات، و أمريكا تزود الحكومات الإرهابية بكل ما تحتاجه لتدمير اليمن. و لكنها انبرت فوراً لإدانة "الإرهاب" اليمني العراقي الايراني لأن ضخ النفط قد تقلص بعد ضرب الحوثيين اليمنيين لأكبر مجمع نفطي في السعودية."

حقاً ما قاله الشاعر ديب إسحاق قبل أكثر من مائة سنة:
قتلُ امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتَفر
وقتل شعبٍ آمنٍ مسأَلةٌ فيها نظر

سمعنا بتعبير (نفط مقابل الغذاء)، وهو برنامج الأمم المتحدة، الصادر بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 986، لعام 1995؛ الذي سمح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة. كذلك سمعنا بتعبير (نفط مقابل الماء) من الرئيس التركي الأسبق سليمان دميريل، يبتز العراق في السبعينات من القرن الماضي. واليوم نسمع تعبير (نفط مقابل الدم) في الحرب السعودية الظالمة على اليمن بعد أن قامت جماعة أنصار الله اليمنية بتوجيه ضربات ماحقة على مجمّع "ارامكو" في بقيق وخريص، يوم 14 أيلول/سبتمبر الجاري، مما أدى إلى هبوط الصادرات النفطية السعودية نحو 6 مليون برميل يومياً، وإحداث دمار يستغرق إصلاحه أشهراً إن لم نقل سنيناً عديدة.

والحقيقة إن النفط كان دائماً مرتبطاً بسفك الدماء في دول الشرق الأوسط البائسة، حيث جلب على شعوبها الدمار بدلاً من الإعمار والإزدهار الاقتصادي المفترض. فعندما قامت الحكومة الوطنية الإيرانية برئاسة الدكتور محمد مصدق، المنتخبة ديمقراطياً، بتأميم النفط في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، جن جنون أمريكا وبريطانيا اللتين قامتا بتدبير مؤامرة قذرة انتهت بالانقلاب العسكري الدموي على حكومة مصدق. ويومها قال رئيس الحكومة البريطانية، ونستن تشرتشل: "ألحمد لله أن دماء كثيرة قد سالت و لم تسل قطرة نفط واحدة"! ونفس الجريمة تكررت من قبل أمريكا وبريطانيا بحق الشعب العراقي بعد أن أصدر الزعيم عبدالكريم قاسم قانون رقم 80 لعام 1961م ، الذي استرجع بموجبه 99% من الأراضي العراقية من هيمنة الشركات النفطية، فقابلوه بانقلاب 8 شباط 1963 الدموي الأسود.

ونحن نقول اليوم: الحمد لله، أن مقولة الرئيس البريطاني لم تعد فاعلة في عصر الطائرات المسيَّرة (درون)، بل وصارت معكوسة، فسفك دماء الأبرياء اليمنيين يقابله توقف النفط السعودي الذي يعتبر حيوياً للاقتصاد العالمي وخاصة الغربي. ففي  الحرب العدوانية الجائرة التي تشنها السعودية وحلفائها على اليمن، ظهر لنا مصطلح (النفط مقابل الدم). وهذا يعني أن السعودية التي قامت بتدمير اليمن، وقتل عشرات الألوف من الشعب اليماني أغلبهم من المدنيين ومن مختلف الأعمار، وبشكل عشوائي كما هو معروف، فقد حان الوقت أن تدفع السعودية النفط مقابل ما تسيله من دماء عشرات الألوف من أبرياء اليمن.
وليس غريباً أن تسارع أمريكا ودميتها الحكومة السعودية بتوجيه إصبع الاتهام لإيران بشن هذه الضربة القاصمة. ودليلهم أنه ليس بإمكان الحوثيين توجيه هذه الضربة، لأن هذه الطائرات المسيرة هي مصنوعة في إيران. ولكن في رأي أغلب المحللين السياسيين هذا لا يعتبر دليلاً على أن إيران هي التي شنت الهجوم كون الدرونات صناعة إيرانية، فلو صح ذلك فتعتبر أمريكا هي التي تشن الحرب على اليمن لأن أغلب الأسلحة التي تستخدمها السعودية في حربها على اليمن هي أمريكية. لذلك فحتى لو صدقنا أن سلاح الحوثيين هو من إيران، فالحوثيون في حالة حرب دفاعية عن شعبهم وبلادهم، ومن حقهم استيراد الأسلحة من أية جهة كانت كما يحق للسعودية استيراد الأسلحة من أمريكا وغيرها كما تشاء.

والجدير بالذكر أن صرح مسؤول في (أنصار الله) أن هذه الطائرات هي صناعة يمنية. وهذا ممكن إذ بإمكان إيران أوغيرها تدريب يمانيين لصناعة هذا النوع من السلاح المؤثر في بلادهم. وبذلك فلا تحتاج إيران أن تطلق هذه الدرونات من أراضيها أو أراضي غيرها كما ادعت السعودية وأمريكا.

المهم أن السعودية وأمريكا الآن في حيرة من أمرهما. فالسعودية في حربها على اليمن ارتكبت نفس الخطأ القاتل الذي ارتكبه المقبور صدام حسين حين شن حرباً عبثية على إيران في الثمانينات من القرن المنصرم وبتحريض من أمريكا والسعودية، ظناً منهما أن الحرب ستكون خاطفة  تنتهي بانتصارهما ، بينما استمرت الحرب العراقية- الإيرانية لثمان سنوات انتهت بهزيمة صدام، ومضاعفات هذه الهزيمة انهت النظام البعثي الصدامي فيما بعد. وكذلك السعودية التي كانت تعتقد أنها ستسقط الحوثيين خلال أيام، وهاهي الحرب تدخل عامها الخامس وليس هناك أية علامة تشير لتوقفها إلا بهزيمة السعودية، وربما حتى سقوط الأسرة الحاكمة، تماماً كما حصل للمقبور صدام حسين ونظامه الساقط في مزبلة التاريخ.

فمئات المليارات الدولارات التي دفعتها السعودية لشراء مختلف الأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية المتطورة لم تنقذها من درونات الحوثيين، و هي الآن مهددة بالمزيد من هذه الضربات الماحقة، وليس بعيداً أن نسمع عن توجيه ضربات قادمة إلى قصور ومقرات العائلة الحاكمة في الرياض. فقد أكد زعيم "أنصار الله" اليمنية، عبد الملك الحوثي، أن قوات الجماعة ستتخلى عن استهداف السعودية حال وقفها "العدوان" على اليمن، لكنها ستكثف عملياتها إذا استمرت هجمات التحالف العربي.*
وهذا يعني أن مستضعفي الأمس من أمثال أنصار الله، وحزب الله اللبناني، وحماس وغيرهم صار بإمكانهم توجيه ضربات مدمرة للسعودية وحتى لإسرائيل فيما إذا حصلت الحرب على إيران كما تتمنى السعودية.

فهذه الطائرات المسيَّرة بيد الحوثيين، وتمكن إيران من إسقاط طائرة أمريكية مسيَّرة من آخر طراز، مجهزة بأحدث الأجهزة التجسسية، بلغت كلفتها نحو 150 مليون دولار، استطاعت إيران إسقاطها في الشهر الماضي، وهي بارتفاع 25 كم كما أفادت الأنباء، فهذه وغيرها أجبرت أمريكا أن تفهم الدرس القاسي مفاده بأن لدى إيران تكنولوجيا حربية متطورة جداً، وأذرع فاعلة خارج حدودها في المنطقة تعرف استخدام هذه التقنية بمنتهى الدقة والمهارة. لذلك نقول أن كل هذه التطورات أرغمت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يفكر كثيراً قبل أن يقوم بحماقة شن الحرب على إيران، بل قام بالتخلص من مستشاره للأمن القومي جون بولتن، اليميني المتطرف، والمتعطش لشن حرب على إيران إرضاءً لإسرائيل. 

صفوة القول، إن التكنولوجية المتطورة لم تعد في خدمة الأغنياء مثل أمريكا والسعودية فحسب، بل و صارت في خدمة المستضعفين أيضاً، ومن شأنها أن تغيِّر نتائج الحروب العبثية التي تقوم بها دول جائرة مثل السعودية وحليفاتها في المنطقة، والمدعومة من أمريكا. لقد بددت السعودية خلال الثلاثين عاماً الماضية ترليونات الدولارات من ثروات شعبها في سباق التسلح، ولكن رغم كل هذا الكم الهائل في ترسانتها من الأسلحة المتطورة، وشراء حكومات المرتزقة للمساهمة في تدمير أفقر بلد على وجه الأرض وهو اليمن، نقول ومع كل تلك الإمكانيات المالية والعسكرية والإعلامية التي تتمتع بها السعودية، نجد الأخيرة  الآن في مأزق شديد تبحث عن مخرج منه مع حفظ ماء الوجه.
نعم من حق جماعة أنصار الله أن يقولوا للسعودية (النفط مقابل الدم). وعلى الضمير العالمي أن يستيقظ، ويدرك أن النفط لم يعد أغلا من دماء الأبرياء اليمنيين.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو علاقة بالمقال
* الحوثي: حال استمرار العدوان، سنشن ضربات أكثر إيلاما وأشد فتكا في عمق السعودية دون خطوط حمراء
https://www.akhbaar.org/home/2019/9/262700.html

 

25
الفرق بين العشائرية والانتماء العشائري
د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الأخير الموسوم (العشائر والدولة)(1)، استلمتُ العديد من التعليقات الإيجابية المؤيدة للمضمون، من بينها رسالة من صديق إعلامي  قال فيها: ((أحسنت في مناقشة هذا الموضوع الآن رغم إعتقادي أن العراقيين بصورة عامة يفتخرون بانتماءاتهم العشائرية. أنظر حولك واستعرض أسماء من الأصدقاء والمعارف تجدهم يعرّفون أنفسهم باللقب العشائري من باب (أن عشيرتي معروفة!). والتبجح  أن ابن عمه وابن خالته المعروفين بنفس اللقب يشغلون المنصب  الفلاني هنا وهناك.)) انتهى

أتفق مع الصديق العزيز في تعليقه القيِّم، وكان بودي الإشارة إلى هذه المسألة في مقالي الأخير المشار إليه أعلاه، حيث نلاحظ موجة تصاعد أعداد غفيرة من العراقيين يستخدمون القابهم العشائرية بشكل غير مسبوق. ولكني تجنبت ذلك لتفادي الإطالة، إضافة إلى أن الموضوع كان يخص العشائرية التي هي منظومة حكم في مرحلة تاريخية معينة ما قبل نشوء الدولة والشعب، و يتم إحياءها فيما بعد في مراحل ضعف الدولة و عجزها عن حماية مواطنيها من العدوان. وأشكر الصديق على إثارة هذا الجانب لكي أخصص له مقالاً قصيراً لإلقاء الضوء عليه للتوضيح.

بدءً أود التوكيد أنه ليس معيباً أن يعتز الإنسان بانتمائه العشائري، كما يعتز بانتمائه العائلي أو الديني أو المذهبي أو الوطني، ولسنا ضد العشيرة كعلاقة اجتماعية أساسها رابطة الدم والرحم، على أساس أنهم من جد واحد، ولكننا ضد العشائرية والطائفية والشوفينية والفاشية والعنصرية. فالعشائرية نظام حكم خارج نطاق الدولة، تريد منافسة الدولة، وفرض أعرافها القديمة البالية في حل المنازعات بدلاً من القوانين المدنية الحكومية. إضافة إلى ما يحصل من صدامات بين العشائر أنفسها تؤدي إلى زهق الأرواح، وتفتيت النسيج الاجتماعي، وتؤدي إلى أهوال يندى لها الجبين كما نقرأ في الأخبار من معارك عشائرية في محافظة البصرة في السنوات الأخيرة.

هناك قول مأثور منسوب للإمام جعفر الصادق، جاء فيه: "ليس من العصبية ان تحب قومك، ولكن من العصبية ان تجعل اشرار قومك خيرا من أخيار غيرهم." والقوم في ذلك الوقت كان يطلق على الأقارب وأبناء العشيرة والقبيلة، وليس بمعنى القومية (Nationalism) بمعناها الحاضر.
هذا الكلام ينطبق على من يعتز بدينه، ومذهبه ووطنه وقوميته وحتى عشيرته، على أن لا يفضل أشرار قومه على أخيار الآخرين. وإلا تتحول هذه الانتماءات والغلو في التفاخر بها نوعاً من الطائفية والعشائرية والعنصرية والتي تعني فاشية.

على إنه هناك سبب آخر لاستخدام اسم العشيرة لقباً عند العراقيين ما بعد 2003، وهو كإجراء احترازي لحماية أنسفهم من العدوان، ليعرف المعتدي المحتمل أن هذا الشخص (ظهره قوي)، يعني وراءه عشيرة "قوية" تحميه، وترد له الصاع صاعين!!، لأن الحكومة ضعيفة لا تستطيع حماية مواطنيها من المجرمين.
وهكذا نجد في العراق، معظم الناس الذين كنا نعرفهم بأسمائهم الثنائية أو الثلاثية (الاسم الأول واسم الأب والجد)، راحوا يستخدمون القابهم العشائرية. وهذه ردة حضارية ناتجة عن ضعف الدولة، وعلى الأغلب ستنتهي في المستقبل عندما تسترجع الدول هيبتها، ويشعر الناس بأمان دون الاستقواء بالعشيرة.

على أية حال، هناك كثير من العراقيين الأعلام، وشخصيات تاريخية مرموقة اشتهروا بألقابهم العشائرية أو المدينة التي ينتسبون لها، مثل المؤرخ عباس العزاوي، والممثل الراحل يوسف العاني، والخبير في التغذية الدكتور حقي التميمي، والطبيب الجراح المعروف كمال السامرائي، والسياسي المعروف حامد الجبوري، ورئيس مجلس السيادة في عهد ثورة 14 تموز الفريق نجيب الربيعي، والألوف غيرهم كانوا ومازالوا يستخدمون العشيرة لقباً لهم وبنوايا حسنة، وهم ضد العشائرية، قبل صعود موجة العشائرية التي شجعها صدام حسين بعد فشله في عدوانه على الكويت.
فالعشائرية تؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي، أما اللقب العشائري فلا نرى منه ضيراً.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبد الخالق حسين: العشائر والدولة

https://www.akhbaar.org/home/2019/8/260982.html

2- د. عبد الخالق حسين: دعوة لمواجهة الإرهاب العشائري في العراق
http://www.akhbaar.org/home/2019/3/255450.html

3- عبدالخالق حسين: قانون العشائر يعيق تطور الدولة المدنية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=542747



26
الديمقراطية لا تولد كاملة ولن تكتمل*
د. عبدالخالق حسين

* نُشرت هذه المقالة في جريدة بغداد اللندنية يوم 1/4/2003، ومن ثم على مواقع الإنترنت في اليوم التالي، أي قبل 16 عاماً، وقبل سقوط الصنم البعثي في ساحة الفردوس يوم 9 نيسان/أبريل 2003 الأغر بثمانية أيام. ونظراً لما يدور من سجال في هذه الأيام حول فشل أو تعثر أو نجاح الديمقراطية ومعوقاتها، رأيت من المفيد إعادة نشره، فـ(في الإعادة إفادة) كما يقول المثل العربي.
****
يختلف العراقيون في موقفهم من الديمقراطية ونظرتهم المستقبلية إلى الحكم ما بعد صدام. فمنهم المتحمس إلى الديمقراطية إلى حد أنه يريدها أن تبدأ بعد سقوط النظام مباشرة دون المرور بالفترة الإنتقالية، وإلا فانه يعتبر الحكم القادم بيد الأمريكان وما حصل هو تبديل ديكتاتورية بديكتاتورية أخرى، أو حكم أجنبي. وعلى الطرف الآخر من المعادلة، هناك موقف يعادي الديمقراطية إلى حد أنه يعتقد أن مجرد ذكرها خطأ لأنها من الأفكار الأوربية المستوردة، غريبة على ديننا وعاداتنا وثقافتنا وتقاليدنا العربية الإسلامية الأصيلة!! ولو أردنا أن نكون موضوعيين ومنصفين ونأخذ ظروف بلادنا في نظر الاعتبار، فإن الحقيقة تقع في مكان ما بين هذين الموقفين المتباعدين.

مناقشتي هذه تتوجه إلى الجماعة الأولى لأنه من الصعوبة بمكان إقناع الجماعة الثانية المعادية للديمقراطية. فهؤلاء يعيشون خارج الزمن ولا توجد بيننا لغة مشتركة نتفاهم بها معهم للوصول إلى قناعة.
بداية، أود القول أن هناك مشكلة تواجه البشر عموماً ولعلها سبب سخطهم الدائم في الحياة وهي أنهم دائماً يتوقعون تحقيق أكثر من الممكنhigh-expectation  . وهذه النزعة مفرطة عندنا نحن العراقيين، وخاصة في القضايا السياسية، وبالأخص في المسألة الديمقراطية لدى أنصارها. أقول ذلك لأني أقرأ هذه الأيام ما يكتبه بعض الكتاب الأفاضل، أو من خلال مناقشاتي مع بعض الأصدقاء حول الحكم بعد سقوط النظام الفاشي في العراق. فهناك من يريد تشكيل حكومة ديمقراطية منتخبة من الشعب بعد سقوط النظام مباشرة. ويريدها تماماً على غرار ديمقراطية الدول الغربية في السويد وبريطانيا مثلاً من اليوم الأول دون المرور بمرحلة انتقالية أو أي تحضير لها ودون أن يسأل نفسه: هل الظروف العراقية بعد صدام مباشرة تشبه ظروف الدول الأوربية المستقرة؟

إن القفز على المراحل يؤدي إلى السقوط ، والإستعجال يؤدي إلى إجهاض المشروع الديمقراطي. فالشعب العراقي لم تتوفر له الفرصة لممارسة الديمقراطية في جميع مراحل تاريخه، إضافة إلى حجم الخراب الإقتصادي والبشري وتفشي الجريمة والفقر وتفتيت النسيج الإجتماعي، الإرث الثقيل الذي سيتركه النظام الفاشي البائد. فالعراق يعيش الآن حالة من الإنحطاط حضاري الذي يصاحبه عادة انهيار فكري وأخلاقي، وما قامت به السلطة كذباً بما يسمى ب"الحملة الإيمانية" في نشر الأفكار الغيبية، والخرافات، وتشريد المثقفين ومحاربة الفكر التنويري، مما خلق وضعاً فكرياً متردياً، وانتشار الخرافة والغيبيات بين العامة.
هذه المشكلة تحتاج إلى معالجة، وحملة توعية مكثفة من قبل المثقفين المتنورين الذين بدورهم يحتاجون إلى حرية التعبير والتفكير والنشر والشفافية واستقلال وحرية الصحافة، وتوظيف كافة وسائل الإعلام لنشر الفكر التنويري، والقضاء على الفكر السلفي والخرافي المتخلف.

نعم كان هناك ما يشبه نظام ديمقراطي في العراق الملكي (دستور وانتخابات وبرلمان)، ولكن السلطات كانت تزيف الديمقراطية ومؤسساتها مما أعطتها سمعة سيئة ووفرت الأجواء للأحزاب السياسية باللجوء إلى العنف لإجراء التغيير. وقد بلغ الظلم في عهد صدام حسين مبلغاً لا يقبل المقارنة مع أي عهد آخر. إن شعباً عانى كل هذه المظالم، وتدمير بنيته الإقتصادية والإجتماعية خلال ما يقارب أربعة عقود، ليس من السهل عليه الإنتقال إلى الديمقراطية مباشرة بعد التحرير دون المرور بفترة إنتقالية. إن الفترة الإنتقالية ضرورية جداً لمعالجة التركة الثقيلة التي ترثها السلطة القادمة، والتي تحتاج إلى معالجة مركزة ومكثفة.

ومن جهة أخرى، هناك البعض في الإدارة الأمريكية وبعض الكتاب االغربيين، وأغلب الإعلاميين العرب، وحتى بعض العراقيين من ذوي الميول الإستبدادية، يعتمدون على خلو تاريخ العراق من الديمقراطية وتعاقب الحكومات المستبدة، إضافة إلى تعدد مكونات الشعب الأثنية والدينية، فيتخذونها ذريعة لتبرير حرمان شعبنا من إقامة نظامه الديمقراطي، والإدعاء بأن الديمقراطية غير ممكنة في العراق. لذلك يقولون أن العراق كان دائماً يحتاج إلى رجل قوي يحكمه بالقبضة الحديدية ليحافظ على وحدته الوطنية بالقوة. إن هذه النظرة لئيمة، وخبيثة، وظالمة بحق شعبنا، وغير صحيحة ومرفوضة جملة وتفصيلاً.
فبالنسبة لكون الشعب لم يجرب الديمقراطية من قبل، لا يعني أنه لا يستحقها ويجب أن لا يحاول ممارستها، فالعراقيون لم ينفردوا بهذه الحالة، إذ بدأت الشعوب الغربية العريقة في الديمقراطية من الصفر وواجهوا الصعاب، والمقاومة أول الأمر في تطبيقها إلى أن صارت جزءاً من تراثهم وتربيتهم وتقاليدهم وثقافتهم الاجتماعية (culture).
أما كون الشعب العراقي متعدد القوميات والأديان، فهذا السبب هو بحد ذاته يدعو إلى الديمقراطية وليس العكس. لأن النظام الديمقراطي هو الكفيل بحل المشاكل والخلافات وتحقيق الحقوق وتحديد الواجبات لجميع مكونات الشعب دون أي تمييز، وبذلك تتحقق الوحدة الوطنية على أسس قوية صلبة وليست على أرضية رملية هشة. فالحكومات المتعاقبة التي صادرت الحريات وفرضت "الوحدة الوطنية" بالقوة مزقت هذه الوحدة وأدخلت العراق في نفق مظلم من الحروب الداخلية.

الفترة الإنتقالية
الفترة الإنتقالية (عام أو عامين)، هي الفترة الممتدة من سقوط النظام الفاشي إلى الانتخابات البرلمانية، وتشكيل الحكومة الديمقراطية المنبثقة عن البرلمان. تحتاج السلطة المؤقتة في الفترة الإنتقالية أن تكون في حالة سباق مع الزمن وتركز جهودها لمعالجة الأمراض الإجتماعية والإقتصادية، والبدأ بالأولويات التي لها علاقة بحياة الناس مباشرة مثل تأمين الخدمات الصحية والغذائية، والكهرباء والماء، والتعليم والتثقيف والأمن والإستقرار والتأهيل، وبناء مؤسسات السلطة والإدارة وتوفير الخدمات الإجتماعية.

ويمكن في الفترة الإنتقالية، المباشرة بممارسة الديمقراطية على مستوى المجتمع المدني بإعادة بناء المنظمات المهنية والاتحادات والنقابات والبدء باختيار قياداتها عن طريق انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف جهات قضائية. كذلك يمكن إجراء انتخابات بلدية وإدارات محلية خلال هذه الفترة. وبذلك يمكن تحضير الناس تدريجياً لخوض الانتخابات البرلمانية واحترام نتائجها.

وخلال هذه الفترة تقوم الأحزاب والمنظمات السياسية بإعادة تنظيم تشكيلاتها والإعلان عن نفسها وبرامجها. فنتوقع أن تحصل إعادة اصطفاف القوى، والتحام العديد من التنظيمات الصغيرة المتشابهة في الرؤى والأفكار والأهداف لتتحد فيما بينها مكونة أحزاباً لها ثقلها. وفي نفس الوقت تقوم هذه الأحزاب بتحضير الرأي العام العراقي وتقديم برامجها السياسية و تعريف نفسها وقياداتها إلى الشعب لتتعرف الجماهير على الأحزاب، ويكون هناك تصور واضح لدى الناس عن هذه الأحزاب وقياداتها وبرامجها السياسية وأنظمتها الداخلية. وبذلك يمكن حث الخطى نحو إجراء انتخابات برلمانية عامة وتشكيل الحكومة الشرعية الديمقراطية المنتخبة في الوقت المناسب، وتحت إشراف جهات دولية لتحصل الحكومة القادمة على مصداقية الشعب والعالم.

هل تكتمل الديمقراطية؟
الديمقراطية باختصار معناها تحقيق حقوق الشعب في حكم نفسه بنفسه، وتوسيع صلاحياته في الحكم. ويؤكد أحد الفلاسفة أنه يجب التعامل مع الديمقراطية كتعاملنا مع الدواء. لا تعطي جرعة عالية فوق الجرعة العلاجية وإلا تقتل المريض! فهكذا بدأت الديمقراطية بحقوق بسيطة، ونمت مع نضال الجماهير، وتنامي وعيها إلى أن بلغت مرحلة متطورة في الدول الغربية في الوقت الحاضر. وما بلغته الديمقراطية اليوم في هذه البلدان، ليست نهاية المطاف، بل ستتوسع هذه الحقوق بلا نهاية. بمعنى آخر، لم تلد الديمقراطية كاملة في هذه البلدان في مرحلة واحدة، بل وُلِدت ناقصة، وأخذت تنمو مع الزمن. فالديمقراطية صيرورة مستمرة دون انقطاع في نيل الأفراد والمجتمع لحقوقهم. فهذه بريطانيا التي تعتبر قلعة الديمقراطية لم تنل المرأة فيها حقها في التصويت والترشيح للبرلمان إلا في العشرينات من القرن الماضي. والجدير بالذكر أن القانون الأساسي (الدستور) العراقي أقر حقوق المرأة السياسية منذ صدوره عام 1925 دون أي معارضة تذكر. لذلك لا نتوقع أي معارضة في العراق الديمقراطي ضد دخول المرأة البرلمان كتلك التي واجهتها الحركات الديمقراطية في بعض البلدان. 

متطلبات الديمقراطية
ومن شروط نجاح الديمقراطية في مجتمع ما هو توفر روح التسامح والقبول بالتعايش السلمي مع من نختلف معهم، أي إقرار حق الإختلاف في جميع المجالات، في الدين والسياسة والأثنية وغيرها. ولكن هذا التسامح لا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها. بل يحتاج إلى درجة عالية من الوعي والتطور الاجتماعي ليبلغ الناس مستوىً عالياً في قبول الآخر المختلف. وهذا يحتاج إلى وقت وحملة توعية مكثفة ومستمرة بهذا الاتجاه مع ممارسة نوع من الديمقراطية في نفس الوقت. فالديمقراطية هي من الأمور التي يتعلمها الشعب بالممارسة والتثقيف في آن واحد وليس بالتثقيف وحده. فهناك حقوق إنسانية تقرها المجتمعات المتطورة، ولكن هذه الحقوق ذاتها تعتبر غير مشروعة في مجتمعات أخرى بحيث مجرد الحديث عنها يعتبر تجاوزاً على المقدسات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قبل سنوات طالبت النائبة الإيرانية فائزة رفسنجاني (إبنة الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني) ببعض الحقوق للمرأة في بلادها. فخرجت مظاهرات نسائية صاخبة ضدها يطالبن بطردها من البرلمان!!
وقد أصدر الزعيم عبدالكريم قاسم قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، الذي ساوى بموجبه بين المرأة والرجل في حقوق الإرث والشهادة في المحاكم.. فثار عليه رجال الدين. وقد ساهم هذا القانون بدرجة وأخرى في إسقاط حكومة 14 تموز الوطنية وأجهضت المسيرة. في الوقت الذي نرى فيه المجتمعات الغربية بلغت مرحلة متطورة من روح التسامح إلى حد أنها تتعايش حتى مع مختلف أنواع الشذوذ طالما لا يشكل ذلك تجاوزاً على حقوق الآخرين. ولم تتحقق هذه الحقوق في هذه البلدان المتطورة إلا في وقت متأخر وذلك نتيجة لنضال الكتاب التنويريين في بث الوعي في الجماهير لنيل حقوقها الديمقراطية، وعندها يتقدم أحد النواب بطرح مشروع قانون على البرلمان وتتم مناقشته من قبل الرأي العام في وسائل الإعلام، وأخيراً في البرلمان، ويتم التصويت عليه، إما برفضه أو التصويت لصالحه، فيصبح المشروع قانوناً دون أن تتعرض الحكومة أو أي حزب أو مسؤول إلى تهمة الزندقة أو الخروج على الأعراف والتقاليد.

ما هي علاقة كل ما تقدم بمرحلة بعد صدام؟
يكون العراق في الأشهر الأولى بلداً محتلاً من قبل القوات الأمريكية والبريطانية. وهذا واقع مفروض علينا يجب التعاطي معه بروح واقعية وتجييره لصالح شعبنا. والنظام الصدامي هو وحده المسؤول الأول والأخير عن هذا الاحتلال وليس الشعب العراقي، أو معارضته الوطنية، أو الحكومة التي تلي سقوط النظام. وقد أكد الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير مراراً وتكراراً، انهم يسعون لقيام نظام ديمقراطي في عراق موحد ذي سيادة كاملة، يحكمه أبناؤه والثروات النفطية هي ملك العراقيين أنفسهم، وسوف تُستثمر وارداتها لبناء العراق. وليس هناك أي مبرر لعدم تصديق هذه التصريحات والتأكيدات إلا من قبل أولئك المصابين بذهنية المؤامرة والكراهية المتأصلة ضد الغرب، تلك الكراهية والعقلية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن.
وعليه أرى من الضروري تقدير ظروف المرحلة الصعبة التي تمر بها بلادنا والتي تحتاج إلى توحيد الصفوف والتعاون مع الدول التي ساهمت في تحرير العراق من النظام الفاشي، بروح المسؤولية العالية. وأن نترك خلافاتنا السياسية والحزبية والأيديولوجية جانباً، ونبدي حرصنا أمام العالم على مصلحة شعبنا لبناء عراق ديمقراطي موحد. وهذا يحتاج إلى وقت لمعالجة ما أوجده النظام خلال أربعة عقود من الظلم والدمار.
كذلك من المفيد التحذير من إطلاق تصريحات غير مسؤولة من قبل بعض السياسيين بأنهم سيقفون ضد الإحتلال الأمريكي و"سيحررون" العراق بطريقتهم الخاصة وقواهم الذاتية!!. إنهم بذلك يعملون على إطالة محنة شعبنا وخلق نوع جديد من الصراع الضار بيننا وبين من يريد مساعدتنا. فنحن محظوظون أن تكون الدولة العظمى تقف إلى جانبنا لحماية بلادنا من الطامعين في ثرواتنا وسيادتنا، مستغلين الظروف الصعبة التي نمر بها. نأمل من قادتنا أن يدركوا متطلبات المرحلة، ويقدروا الظروف الحالية الصعبة، ويعملوا وفق فن الممكن لصالح العراق وشعبه، واستخلاص الدروس والعبر من الماضي. فلغة المكابرة والعنجهية لا تخدم قضيتنا، بل تدخلنا مرة أخرى في نفق مظلم آخر، ونال شعبنا بما فيه الكفاية من المظالم. وقد آن له أن ينال حقوقه، ويبدأ حياة جديدة في طريق التقدم والرفاه والإستقرار والديمقراطية بخطى متزنة ودون القفز على المراحل.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com



27
هل في العراق الجديد من إيجابيات؟
د.عبدالخالق حسين

في إحدى مجموعات النقاش التي لي شرف المساهمة فيها، كتب منسق المجموعة، صديقنا العزيز د.محمد حسين علي خبراً مفاده (... في اُمسية 21/8/2019  في قاعة السلام في لندن، القت الشاعرة العراقية سجال الركابي، شيئا من أشعارها.. والشاعرة سجال الركابي قادمة من بغداد وفي ردودها عن الحالة الثقافية في العراق ذكرت ان الحياة الأدبية والثقافية والفنية في انتعاش وتصاعد..).

هذا الخبر المفرح أخرجني من صمتي وتوقفي عن الكتابة لأكثر من شهر، رغم عتاب الأصدقاء مشكورين. فبدوري شكرت الصديق على إعلامنا عن وقائع الندوة الثقافية في لندن، والأخبار الجيدة المفرحة التي نقلتها المحتفى بها العالمة البايولوجية، والشاعرة المبدعة الدكتورة سجال الركابي عن انتعاش الحركة الثقافية والفنية في العراق.

ولكن المشكلة أن بعض العراقيين، وخاصة عراقيو المهجر، ينزعجون من ذكر أية إيجابية عن عراق ما بعد صدام، بسبب مشاكل تداعيات سقوطه، فلا يرون في العراق الجديد إلا الفساد والإرهاب. بل ويستكثرون علينا حتى وصف النظام الجديد بالديمقراطي، بينما لو أردنا الإنصاف فنظام الحكم في العراق هو الأكثر ديمقراطية من أي نظام آخر في البلاد العربية، ومنطقة الشرق الأوسط. ولعل من عيوبه هو ليس عدم وجود الديمقراطية، بل هناك جرعة ضخمة من الديمقراطية أكثر مما يتحمله المجتمع العراقي الذي حُرِّم من ممارسة الديمقراطية في جميع مراحل تاريخه ما قبل 2003، مما فسح المجال لأعداء الحرية بالإساءة إلى الحرية والديمقراطية من أمثال مشعان الجبوري، وفايق دعبول وبقايا فلول البعث وغيرهم، إلى حد أنه وكما ذكر صديق آخر في تعليقه على نفس الخبر أعلاه، أنه حتى المخلصين للعراق الجديد صاروا يترددون من ذكر أية إيجابية يعرفونها، وذلك خوفاً من اتهامهم بالعمالة للحكومة الجديدة!! وهذه تهمة شنيعة والعياذ بالله!!

أقول أن في العراق ديمقراطية أكثر مما يجب لأنه أسيء استخدامها، ففي عراق اليوم أكثر من 700 تنظيم سياسي، وأكثر من 7000 تنظيم من منظمات المجتمع المدني. وهذا بالطبع تبديد للجهود والطاقات البشرية، بدلاً من وحدتها في أحزاب قليلة موحدة ذات أهداف مشتركة كما في البلدان الديمقراطية العريقة. في رأيي أن سبب هذا العدد الهائل من الأحزاب والكتل السياسية، هو رد فعل لنظام الحزب الواحد لنحو 40 سنة من حكم البعث والتيار القومي العروبي. كما وهناك المئات من الصحف، والإذاعات والتلفزيونات الفضائية والمحلية، ومعظمها تابعة للقطاع الخاص، ناهيك عن آلاف المواقع على الانترنت، وملايين الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وغيرهما)، وأغلبها ناقدة بل و تتهجم على الحكومة، بحق وبدونه، بمنتهى الحرية ودون أية رقابة أو ممانعة.

نعم، إذا آمنا بأن نظام الحكم في العراق ديمقراطي، وهو كذلك، فمن طبيعة النظام الديمقراطي أن تنتعش فيه النشاطات العلمية والثقافية والفنية وغيرها. لأن الديمقراطية توفر الحرية للعالِم والباحث الأكاديمي، والمثقف والأديب والفنان والصحفي، وغيرهم، وتفسح لهم المجال لإطلاق طاقاتهم الخلاقة ليقدموا ما عندهم من نشاط فكري وفني بدون أي ضغط على حرية التفكير والتعبير والإبداع. وهذا هو الجاري في العراق على جميع الأصعدة. وإذا كانت هناك تجاوزات على حرية التعبير التي تحصل بين حين وآخر، فهذه التجاوزات تحصل بين الجهات المتنافسة فيما بينها وليست من الحكومة. ولكن، وأقولها بألم، أن الأخبار المفرحة عن نجاح الديمقراطية تعتبر من الأخبار السيئة أو المزيفة لدى البعض، بل يفضلون عليها الأخبار السوداء والمشوهة لصورة العراق الجديد، وهناك من يختلق الكثير منها.

إن الموقف السلبي للبعض من النجاحات هو نتيجة للمشاكل الكثيرة والكبيرة، وعلى رأسها الفساد والإرهاب، التي رافقت الإطاحة بالنظام البعثي الصدامي البغيض، وإقامة النظام الديمقراطي البديل، لذلك نسوا معاناتهم أيام حكم الطاغيىة صدام، واستاءوا من مشاكل الوضع الجديد إلى حد أن راح العديد من العرقيين ينكرون أية إيجابية لعراق ما بعد صدام، وحتى صار عند البعض منهم مجرد ذكر إيجابية يعتبر استفزازاً لمشاعرهم. حصل هذا لي في الندوة التي نظمها نادي الكلمة في أواخر شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام (2019)، حيث دُعيت للمشاركة بمداخلة والتي كانت بعنوان: (أمريكا وإيران.. تقاسم نفوذ، أم ادارة للصراع بالنيابة؟)(1)، إلى جانب مداخلات أخرى من قبل زميلين آخرين.

وبعد الانتهاء من إلقاء المداخلات، فتح مدير الندوة الأستاذ أبو فراس الحمداني المجال للجمهور للتعليقات والأسئلة. وكانت غالبيتها مناقشات ممتعة ومفيدة في صلب برنامج الندوة. ومن هذه الأسئلة سؤال من أحد الأخوة عما إذا كانت هناك إيجابيات للعراق الجديد. والأخ الحمداني طلب مني الإجابة على هذا السؤال. يجب التوكيد هنا أن السؤال كان عن الإيجابيات وليس عن السلبيات التي هي لا تُعد ولا تحصى! إذ لا بد وأن تكون هناك إيجابيات، وقد كتبتُ عنها مقالاً في حلقتين بعنوان (إسقاط حكم البعث في الميزان)(2،3)، وهي كثيرة، وعلى رأسها الإطاحة بالنظام الدكتاتوري، وإصدار دستور دائم، وإقامة نظام ديمقراطي بديل، والزيادة الكبيرة في إنتاج وتصدير النفط بأرقام قياسية ...الخ، وبينما كنت أذكر قائمة الإيجابيات قاطعني أحد الأخوة في الحضور بانفعال شديد ينكر ما ذكرته عن الإيجبيات، بينما في الحقيقة هذه الإيجابيات موجودة وموثقة، لم استطع ذكرها كلها في الندوة  المذكورة، ولكني أنقل في الهامش رابط المقال.
على أية حال، الوضع العراقي الحالي ليس مثالياً، ولكن ليس كله فساد وإرهاب كما يدعي البعض، وخاصة البعثيون وأشباههم الذين خسروا امتيازاتهم. فالقيام بعمل كبير مثل إسقاط حكم البعث الصدامي الجائر، لا بد وأن يرافقه الكثير من المشاكل والسلبيات. ولكن هذا لا يعني أن الوضع ما بعد صدام كله شر بلا أية إيجابية. في الحقيقة الإيجابيات كثيرة ولكن الإعلام العراقي فشل في إيصال الأخبار الإيجابية للشعب.
ففي مقال للكاتب والصحفي المعروف سيد حميد الموسوي يوم 3/5/2017، بعنوان: ( الحسد تحول من رذيلة فردية إلى رذيلة سياسية مؤّسساتية)(4) جاء فيه: ((لو سألت ابسط مواطن عن انجازات الحكومة سيقول لك بلهجة عراقية غاضبة: لا بلطوا شارع .. ولا بنوا طابوقة !. وحتى في حوارات النواب والمسؤولين حين يستفزهم مقدم البرنامج او المتصل: ما الذي انجزتموه خلال 14عام؟ يظل المسؤول يلف  ويدور ولا يذكر منجزا واحدا ! . حتى صار الامر من المسلمات.)).
ويعدد السيد الكاتب الكثير من هذه المنجزات منها بناء المدينة الرياضية في البصرة، ومئات المدارس الجديدة في المحافظات الأخرى، وبلغ إنتاج الكهرباء رقماً قياسياً...الخ

المعروف عنا كعراقيين أننا لا نقدر ما حصلنا عليه إلا بعد فقدانه. ولتوضيح الأمر، لنتصور أن الجيش العراقي قام اليوم بانقلاب عسكري كما كان يحصل في العهود السابقة، وسمعنا البيان الأول، ونشيد ألله أكبر ...الخ. وبيان بمنع التظاهر والتجوال، وتعطيل البرلمان، وإلغاء الدستور، ومنع الصحف، وإلغاء كلما تحقق للشعب العراقي من مكتسبات وعلى رأسها حرية التعبير والتفكير ومنع الفضائيات، والهاتف النقال وغيرها، وبدأ نشيد يمجد بصدام حسين وحزب البعث... فما هو موقف العراقيين من هذا السيناريو؟
بالتأكيد ستخرج الجماهير العزل لتحمي هذه المكتسبات بصدورها العارية كما حصل يوم 8 شباط 1963. وعندها سيشعر العراقيون أنهم فرطوا بفرصة ذهبية كما فرطوا بفرص في الماضي. وهكذا سيعيد التاريخ كل ما حصل منذ 8 شباط 1963 وإلى اليوم لا سامح الله.

شهادة من شيوعي مخضرم عن الوضع الراهن
التقيت في بيت صديق في لندن مع ثلاثة أصدقاء، وكنا نحن الأربعة من خلفية يسارية، وأكبرنا عمراً قد جاوز التسعين عاماً وهو مازال شيوعياً ويعتز بشيوعيته، ويتمتع بصحة بدنية وعقلية نادرة في مثل سنه، وذاكرة قوية كما لو كان في الثلاثينات من عمره.

ونظراً لعمره المديد، ورغبته في الحديث الشيق، طلبنا من صديقنا الأكبر عمراً أن يحدثنا عن ذكرياته النضالية، فأجاد أيما إجادة، وخاصة عن معاناته إبان الإنقلاب البعثي الدموي الأسود في 8 شباط 1963، وفراره من العراق، وتنقله من بلد إلى بلد إلى أن وصل الاتحاد السوفيتي. ونظراً لخبرته النضالية والسياسية، ومتابعته المتواصلة للقضية العراقية، فقد سألناه عن رأيه عن الوضع العراقي الراهن، أي ما بعد 2003. فأجاب بعد صمت قصير قائلاً:
تريدون الصدق وبصراحة؟ فأجبناه: طبعاً نريد الصدق ورأيك الصريح.
فقال، وأنا ألخص من الذاكرة مضمون ما تفضل به الصديق، قائلاً أن الوضع ما بعد 2003 وإلى الآن هو أفضل وضع سياسي عرفه العراق في جميع مراحل تاريخه بما فيه مرحلة حكم الزعيم عبدالكريم قاسم.
وهنا شعرنا بنوع من الإحراج، خاصة ونحن الثلاثة الآخرون نعتبر فترة ثورة 14 تموز هي أفضل فترة مر بها العراق، وما حققته الثورة المجيدة من إنجازات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية...الخ خلال أربع سنوات ونصف من عمرها القصير ضعف ما حققه الحكم الملكي خلال 38 سنة، فكيف يقول ذلك؟

فقال أنه يحكم من خلال موقف الحكومة من الحزب الشيوعي العراقي. فإثناء ثورة تموز، صحيح أن الحزب الشيوعي مارس حريته في العام الأول من الثورة، وسيطر على الشارع العراقي، وعلى العديد من المنظمات والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني، وكسب جماهيرية واسعة، إلا إنه لم يكن مجازاً، ولا مشاركاً في السلطة إلا لفترة وجيزة بمشاركة القيادية الشيوعية الدكتورة نزيهة الدليمي. ولكن طوال حكم الزعيم لم يكن الحزب مجازاً، ولما حان وقت إجازة الأحزاب منع الحزب الشيوعي من العمل العلني، ومنح الإجازة لحزب شيوعي مزيف وهو حزب داوود الصائغ، وكان العديد من نشطاء الحزب في السجون... الخ
بينما العراق ما بعد إسقاط حكم البعث ومنذ 2003 وإلى الآن نرى الحزب الشيوعي العراقي مجاز رسمياً، ومكاتبه ومقراته مفتوحة في جميع أنحاء العراق، وصحافته حرة وعلنية، وهو مشارك في السلطة، وله دور فعال في العملية السياسية. واختتم الصديق قوله: "لذلك أقول أن وضع العراق الراهن هو أفضل من أي وضع سابق".

هذا هو رأي الشيوعي المخضرم. وبالطبع موقف الناس يختلف عن أي وضع وحسب مصالحه ومزاجيته، أي رأي ذاتي (subjective)، لذلك فرضاء الناس غاية لا تدرك. ولكن في جميع الأحوال، هناك نظام ديمقراطي في العراق، ولا بد أن يدوم وينجح، ومن المستحيل إعادة التاريخ إلى الوراء. ففي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح، كما انتهى المجرم صدام وحزبه البعثي الفاشي في مزبلة التاريخ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: أمريكا وإيران.. تقاسم نفوذ، أم ادارة للصراع بالنيابة؟
http://www.akhbaar.org/home/2019/1/254036.html
2- عبدالخالق حسين: إسقاط حكم البعث في الميزان 1-2
https://akhbaar.org/home/2014/4/166436.html
3- عبدالخالق حسين: إسقاط حكم البعث في الميزان 2-2
https://akhbaar.org/home/2014/4/166554.html
4- حميد الموسوي: الحسد تحول من رذيلة فردية إلى رذيلة سياسية مؤّسساتية
http://www.akhbaar.org/home/2017/5/227674.html

28
المنبر الحر / العشائر والدولة*
« في: 18:27 09/08/2019  »
العشائر والدولة*
د. عبدالخالق حسين

مقدمة
استلمت قبل أيام بالبريد الإلكتروني نداءً صادراً من (مركز البحوث والدراسات العراقية) موقَّعاً من رئيس المركز، السيد عدنان عبدالمنعم الجنابي، بعنوان (العشائر والدولة)، يناشد فيه المستلمين قائلاً: [أرسل لكم الملاحظات التي توصلنا إليها في مركزالبحوث والدراسات العراقية حول موضوع "العشائر والدولة"، وخاصة على ضوء النقاش الدائر بخصوص "مجالس الإسناد" و"مجالس الصحوة" نأمل أن تكون هذه الملاحظات مفيدة، ونرحب بأي تعديل أو تعليق ترونه مناسباً. – مع التقدير].

ثم يطرح السيد الجنابي قضية العشائر ودورها في المجتمعات العربية، فيقول: "يجب النظر إلى العشائر باعتبارها شكل متطور ومستديم في المجتمع المدني، قابل للتعايش مع التقدم الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات الحديثة المتقدمة، وعنصر إيجابي داعم للسلم الأهلي والتقدم الاجتماعي، كما حدث مؤخراً في العراق، ويحدث في الأردن ومصر وسوريا والسعودية." ويضيف: [ من المفيد للمجتمع العراقي تجاوز الخوف من العشائر، وتجاوز الفكرة الدوغماتية باعتبار الولاء للعشيرة مناقض "للوطنية" و"القومية" والدين والطائفة والمذهب. إن العشائر نسيج اجتماعي يتعايش مع كل هذه العناوين ويتأثر بها ويؤثر فيها.] ثم يصل إلى بيت القصيد فيقول:" للقيام بهذا العمل البناء يجب أن نهدف إلى إعادة بناء المجتمعات العشائرية وفسح المجال أمامها للمشاركة في بناء الدولة ومؤسساتها، والاستفادة منها... الخ" ]

وفي الصفحة الثالثة من النداء، نقرأ (الحلول العملية والمقترحات) أجتزئ منها ما يلي :
1- تشجيع قيام مجالس عشائرية في كل محافظة برعاية الدولة (بدون تدخل مباشر) بقيادة القبائل الكبرى في المحافظة (10- 20 رئيس قبيلة).
2- ضم القيادات العشائرية للقبائل الكبرى في مجلس وطني للعشائر برعاية رئيس الجمهورية، ويتكون هذا المجلس من عدد لا يتجاوز (200) من رؤساء القبائل الكبرى في العراق،
3- إعطاء دور استشاري للمجلس الوطني للعشائر ورعايته ودعمه مادياً وأدبيا باشراف مكتب تابع لرئاسة الجمهورية (على غرار النمط الأردني).
4- الإعداد لضمان تمثيل العشائر في المجلس الاتحادي المقر في الدستور، والذي يهدف لتمثيل الأقاليم والمحافظات والأقليات والمجتمع المدني، والمقترح هنا هو أن تحدد نسبة لتمثيل العشائر في المجلس الاتحادي (20% مثلاً) ويتم انتخاب هؤلاء بواقع إثنين من كل محافظة من بين أعضاء المجلس الوطني للعشائر...الخ). انتهى.

واستجابة لطلب السيد رئيس المركز بإبداء الملاحظات وترحيبه  بأي تعديل أو تعليق، نناقش أدناه هذه المقترحات، ونبين فيما إذا كانت العشائر فعلاً "تشكل عنصر إيجابي داعم للسلم الأهلي والتقدم الاجتماعي" أم ضدهما، آملين منه ومن غيره من دعاة بعث الحياة في العشائرية في العراق، أن تسع صدورهم لهذه المساهمة.

العشائرية في التطور الاجتماعي
العشائرية هي مرحلة من مراحل تطور المجتمع البشري في التاريخ، تمتد جذورها إلى آلاف السنين، وهي مرحلة انتقالية من مجتمع الصيد والمشاعة البدائية في العصور الحجرية، إلى مرحلة تكوين الشعوب والدول. ولذلك فهي بلا شك، تعد مرحلة متقدمة على ما قبلها، ولكنها متخلفة بالنسبة لما بعدها.
يقول كارل ماركس، أن تطور المجتمعات البشرية يحصل خارج وعي الانسان، وأن قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج واصطراعهما هي القوى المحركة للتاريخ والتحولات الاجتماعية.

وعليه، فإن بقاء العشائرية مرتبط بالضرورة بوسائل وعلاقات الانتاج، أي بمرحلة الإقطاع. فأوربا مثلاً كانت مقسمة إلى دويلات المدن، يقودها رؤساء القبائل وأصحاب الاقطاعيات الزراعية الكبيرة. وقد انتهى الاقطاع في أوربا بولادة الرأسمالية والثورة الصناعية. ونتيجة لظلم الاقطاع فقد هاجر الفلاحون (أبناء العشائر) من قراهم إلى المدن، وتركوا الزراعة وانخرطوا بورشات العمل وغيرها في المدن، مما أدى إلى نمو الرأسملية ومعها الطبقتين، العاملة والبرجوازية، متزامناً مع إنهيار الاقطاع وزوال دولة القبيلة ودويلات المدن، وفسح المجال لتكوين الشعوب والدول القومية على أنقاضها.

ومن كل ما تقدم نستنتج أن هذه التحولات لا علاقة لها بنوعية القومية، عربية كانت، أم فارسية أو أوربية، بل لها علاقة بقوى الإنتاج، وعلاقات الإنتاج واصطراعمها، أي القوى المحركة للتاريخ والتحولات الاجتماعية.

والعرب قبل الإسلام كانوا قبائل معظمها متنقلة وفي حروب دائمة فيما بينها على موارد الصحراء الشحيحة. والإسلام هو الذي وحَّدَ هذه القبائل وصهرها في شعب وأسس لهم دولة، فأحال طاقات القبائل القتالية فيما بينها إلى حروب وفتوحات خارجية بدافع الفوز بالدارين، الغنائم في الدنيا والجنة في الآخرة. ولا يعني هذا أن العشائرية والقبلية قد انتهت في عهد الدولة الإسلامية، لأن عملية التخلي عن هذه المكونات الاجتماعية يستغرق وقتاً طويلاً، ولأن وسائل وعلاقات الانتاج في الدولة الإسلامية لم تتغير كثيراً عما كانت عليه قبل الإسلام.

وللعشيرة وظيفة سياسية واجتماعية واقتصادية مهمة أملتها ظروف موضوعية، وهي حماية أمن وسلامة أبنائها ومصالحهم المادية من العدوان الخارجي. لذلك يدرك ابن العشيرة بالفطرة أن سلامته مرتبطة بسلامة العشيرة، وعليه أن يتفانى في الدفاع عن مصلحة عشيرته إلى آخر رمق لكي تدافع العشيرة عنه. لذلك فالعلاقة بين الفرد والعشيرة تقوى وتضعف حسب قوة الدولة ودورها في ضمان أمن ومعيشة أبناء الشعب. ففي عهد الدولة العثمانية مثلاً، لم تكن الحكومة مهتمة بأمن البلاد وشؤون الناس، بل كان كل دور الحكام  منصباً على جمع الضرائب وإرسالها إلى العاصمة إسطنبول. ولهذا السبب لم يكن أمام العراقيين غير اللجوء إلى عشائرهم والتماسك فيما بينهم لضمان أمنهم وسلامتهم بقيادة شيخ العشيرة. وكانت هذه العشائر في حرب دائمة فيما بينها، ومع الحكومة العثمانية أيضا،ً والتي كانت تشجع أحياناً
الحروب بين القبائل من أجل إضعافها، وتنحاز إلى هذه القبيلة أو تلك حسب المصالح وتبدل الأحوال.

واستمرت الحالة هذه إلى تأسيس الدولة العراقية الحديثة والتي كانت نتجية لثورة العشرين التي قام بها أبناء العشائر يقيادة رؤسائهم وفتاواى رجال الدين الشيعة. لذك لم يكن سهلاً على مؤسسي الدولة العراقية وقوات الاحتلال البريطاني استمالة القبائل لها بين عشية وضحاها، بل شابت العلاقة توترات حصلت خلالها صراعات دموية، بدأت بحرب الجهاد ضد الاحتلال، لتليها ثورة العشرين. واستمرت العلاقة متوترة بين الدولة والعشائر خلال النصف الأول من العهد الملكي، حيث كانت بعض النخب التي تتناوب على السلطة، ما أن تصير في المعارضة حتى وتلجأ إلى تحريض العشائر ضد الحكومة. وكان موقف الحكومة حرجاً في البداية إذ كانت تعاني من ضعف. و نستنتج مما سبق، أن هناك علاقة عكسية بين الدولة والعشيرة، أي كلما ضعفت الدولة استقوت العشيرة، والعكس بالعكس.

تحويل الشيوخ إلى اقطاعيين
لم يكن شيوخ العشائر إقطاعيين أو مالكي الأراضي الزراعية قبل تأسيس الدولة العراقية، بل كانوا عبارة عن وجهاء وأمراء على أبناء عشائرهم التي تجمعهم وحدة الدم والقرابة. ولكن كمحاولة من الإنكليز والحكومة العراقية في استمالة الشيوخ، وزعوا عليهم الأراضي الأميرية وحولوهم من شيوخ عشائر يحمون أبناء عشائرهم إلى إقطاعيين وجلادين لأبناء عشائرهم. كما وسن الإنكليز قانون حكم العشائر الذي خوَّل الشيوخ حكم ابناء عشائرهم والنظر في دعاواهم وحل منازعاتهم وفق هذا القانون، أي العرف العشائري. وإذا ما عرفنا أن نحو 70% من أبناء الشعب كانوا يسكنون الريف آنذاك، فهذا يعني أن نحو 70% من الشعب العراقي في العهد الملكي لم يكونوا خاضعين للقوانين المدنية. ويعلق الباحث حنا بطاطو على ذلك، أن هذه التفرقة في الحكم بين سكان المدن والأرياف كان من أهم معوقات التقدم الحضاري في العراق.

كما وكان هذا التمييز أحد أهم الأسباب التي أدت إلى بروز الصراع على الحكم في العهد الملكي بين طبقة الإقطاع، المحكوم عليها تاريخياً بالزوال، والبرجوازية الصاعدة. فخلال العهد الملكي حصل تطور إجتماعي حيث نشأت البرجوازية الوطنية التي واجهت مقاومة عنيفة من طبقة الإقطاعيين في المشاركة في الحكم، إذ كان النظام الملكي قائماً على الإقطاع ومعتمداً عليه، حيث كان شيوخ الإقطاع مهيمنين على الإقتصاد من خلال امتلاكهم للأراضي الزراعية، وعلى صنع القرار السياسي من خلال هيمنتهم على البرلمان ونفوذهم في الحكومة. و في هذا الخصوص يذكر الدكتور منذر الشاوي في مقدمة لكتابه الموسوم (نظام برلماني ممسوخ قاد إلى ديكتاتورية ملكية)، قائلاً: "إن البرجوازية العراقية بدأت تنمو بشكل محسوس، إلا إن هذا النمو البرجوازي صادف وجود طبقة إقطاعية قوية، فلم تستطع الطبقة البرجوازية في ظل النظام الملكي من تنحيتها ولم تحدث بينهما المصالحة التي تمت في العديد من دول أوربا الغربية بين طبقة ملاك الأراضي والطبقة البرجوازية."

وقد بلغ ظلم الإقطاع للفلاحين حداً لا يطاق، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول الدكتور عزيز الحاج بهذا الصدد: " فيما كان الفلاح العراقي يتضور جوعاً، وينسحق ديوناً،…أهدى أحد كبار الإقطاع في العمارة سيفاً ذهبياً لعسكري بريطاني، وفي نفس الوقت كان زملاؤه في محافظة الكوت (واسط) يجوِّعون كلابهم الضخمة بإنتظار الإنقضاض في اليوم التالي على الفلاحين الذين عجزوا عن تسديد ديونهم أو جازفوا بالهروب من جحيم الأسياد. وكان دخل الفلاح الممتاز لا يتجاوز في السنة 5 دنانير قبل الحرب العالمية الثانية، وثلاثين ديناراً إثناءها، في حين كان إيراد بعض الشيوخ من غلة واحدة قد يتجاوز المائة ألف دينار. وكان الإقطاعي يفرض على الفلاح عشرات الأشكال من الضرائب والرسوم، ويستهتر بعائلته، فضلاً عن ظلم التجار ونهبها بالربا الفاحش." (د. عزيز الحاج، مع الأعوام، ص117).

فالجماهير المسحوقة وخاصة سكان الأرياف الذين كانوا يشكلون غالبية الشعب، كانوا يعيشون حياة بائسة ضحية الفقر والجهل والمرض، بسبب ظلم واضطهاد مشايخ الإقطاع لهم، مما أرغم الملايين منهم على ترك الفلاحة، والهجرة إلى بغداد والمدن العراقية الأخرى، مكونين أوراماً سكانية خطيرة على أطراف المدن، تنذر بعواقب اجتماعية وسياسية وخيمة. وهذا هو النتاج المباشر لاستفحال العشائرية.

ولذلك عندما حصلت ثورة 14 تموز 1958، كان من أهم مهماتها وأهدافها ضرب الاقطاع في الصميم، حيث أصدرت الثورة قرار إلغاء حكم العشائر، وبذلك جردت شيوخ العشائر من سلطتهم القانونية، وحررت 70% من أبناء الشعب من طغيانهم. والضربة الثانية جاءت لهم من خلال قانون الإصلاح الزراعي بضرب مصالحهم الاقتصادية. وبذلك حققت الثورة إنقلاباً إجتماعياً جذرياً في المجتمع العراقي، وهذه القوانين هي وحدها كافية لإعطاء سمة الثورة لما حصل يوم 14 تموز 1958، وما تلاه من عمر الثورة المغدورة. ومنذ ذلك اليوم بدأت النزعة الوطنية في نمو مطرد على حساب الانتماءات والولاءات الأخرى، مثل العشائرية والطائفية وغيرهما.

ولكن كما بينا في مناسبات عديدة، أن التطور الاجتماعي لن يكون على شكل خط بياني مستقيم إلى الأمام وإلى الأعلى، بل تحصل أحياناً انتكاسات وتراجعات. وقد حصل النكوص الأول بإنقلاب 8 شباط 1963، عندما هيمن التيار القومي العروبي على الحكم بإغتيال ثورة تموز وقيادتها الوطنية. وكان المفروض من هذا التيار توحيد الشعوب العربية في شعب واحد (أمة عربية واحدة)، من المحيط إلى الخليج، كما هو المعلن في شعاراته، إلا إن الذي حصل عملياً، وخاصة في عهد حكم البعث، هو تفتيت الشعب الواحد وإعادته إلى ما قبل تكوين الدولة والشعب.

وقد ساهم حكم حزب البعث، بفعالية في إحياء الطائفية والعنصرية والقبلية في العراق. ومن الإجراءات التي اتخذها حكام البعث في إحياء القبلية ونشر قيم البداوة، أن قام كل قيادي بعثي بنصب خيمة بدوية (بيت الشعر) أمام قصره المنيف، فيها موقد ودلال القهوة، رابطاً أمامها وإلى جنب سيارته المرسيدس، جملاً، والظهور في الأماكن العامة بالزي البدوي والريفي. وهكذا كان عهد حكم البعث هو عهد بعث الحياة في العشائرية وترويج قيمها البدوية وهيمنة الريف على المدينة وتفتيت الشعب وتجاهل القوانين المدنية ودور الدول في حكم الشعب.

وفي التسعينات من القرن الماضي، وبسبب الحصار وانتشار الفقر، تفشت الجريمة بشكل واسع بحيث لم تستطع محاكم الدولة التعامل مع الأعداد الهائلة من القضايا الجنائية للنظر فيها، لذلك اتخذ صدام حسين خطوة أخرى في صالح العشائرية لكسب ولائها، فمنح شيوخها المزيد من النفوذ والامتيازات المادية، وصلاحيات واسعة في حل المنازعات بين الناس وفق العرف العشائري وبالطرق البدائية الرخيصة، بدلاً من المحاكم المدنية وقوانين الدولة، أي حصلت ردة حضارية بكل معنى الكلمة.

مخاطر وأضرار إحياء العشائرية
أود هنا التوضيح أني لا أدعو إلى إعلان الحرب على العشائر في الظروف الحالية القاهرة التي يمر بها العراق، ولا في أي وقت في المستقبل، فالعشائر واقع مفروض على الشعب وموروث من الماضي القريب والبعيد، ويمكن التعايش معها مؤقتاً، والإستفادة منها لتحقيق الأمن وإلحاق الهزيمة بالإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة في الظروف الحالية، حيث الحكومة ضعيفة ومؤسساتها المدنية وقواتها المسلحة مازالت في طور البناء ولم تكتمل بعد. فهناك الحاجة إلى دعم العشائر ورجال الدين وتوظيف كل ما في العراق من موروث اجتماعي لخدمة الشعب، والاستفادة منه في الظروف الحالية الطارئة. ولكن في نفس الوقت أرى من الواجب عدم سن قوانين من شأنها تكريس العشائرية والقبلية ونشر قيمها ونفوذها ومنحها دوراً في الدولة، لأنها على المدى المتوسط والبعيد هي على النقيض من بناء الدولة المدنية، والتقدم الاحتماعي والسلم الأهلي. وبعبارة أخرى، يجب عدم السماح للظروف القاهرة المؤقتة أن تكرس آثارها السلبية الضارة بالمجتمع على المدى الطويل.

لذلك أرى أن سن قانون إحياء العشائرية وتكريسها في العراق الجديد يحمل معه المخاطر والأضرار التالية:
1- إن إحياء العشائرية وتوسيع نفوذها هو جزء أساسي من أيديولوجة حزب البعث الساقط، واستمرار لسياسة صدام حسين تحديداً.
2- إن الدعوة لمشاركة شيوخ العشائر في مجالس المحافظات وفي المجلس الاتحادي عملية لا ديمقراطية، وتعني خلق شرائح إضافية من البيروقراطية في الدولة العراقية دون مبرر، ليشكلوا عبئاً ثقيلاً على كاهل ميزانية الدولة من رواتب وتخصيص أبنية لمقراتهم وتوفير حماية وخدم وسكن لهم...الخ، ودون أي نفع، أو أي دور إيجابي لهم في إدارة مؤسسات الدولة عدا كون هذه المناصب والرواتب عبارة عن رشوات لهؤلاء الشيوخ من أجل تجنب شرورهم باسم (الحفاظ على السلم الأهلي) بينما هم في الحقيقة يشكلون البلاء على السلم الأهلي.
3- كذلك تؤدي العشائرية إلى حكم الشعب بأكثر من قانون، ففي هذه الحالة يكون المواطن العراقي تحكمه القوانين المدنية، وقوانين العرف العشائري، وربما يظهر له حكم الشريعة..الخ. وهناك تجارب مريرة كثيرة مر بها سكان المدن الذين لم يألفوا العرف العشائري، فإذا ما تورط أحدهم بمشكلة مع أحد أبناء العشائر، يفاجأ بطلبات من العشيرة بدفع كذا مبلغ كفصل (دية)، إضافة إلى العقوبة التي يتلقاها من قرار المحكمة المدنية، وفي حالة رفضه دفع الفصل العشائري، تكون أفراد عائلته وكل أقربائه مهددين بالثأر والانتقام. هذا ما حصل للألوف من أبناء الشعب في عهد صدام حسين ولحد الآن بفضل إحياء العشائرية. ولدي عشرات القصص المؤلمة في هذا الخصوص.
4- يقول السيد الجنابي: "يجب النظر إلى العشائر باعتبارها شكل متطور ومستديم في المجتمع المدني، قابل للتعايش مع التقدم الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات الحديثة المتقدمة، وعنصر إيجابي داعم للسلم الأهلي والتقدم الاجتماعي،...الخ"، نقول وكما بينا أعلاه، أن علم الاجتماع أثبت أن  العشائرية عقبة كأداء أمام التقدم الاجتماعي، وبناء الدولة المدنية القابلة للبقاء، لأن العشائرية والدولة على طرفي نقيض، فقوة العشيرة من ضعف الدولة، وهي ضد التقدم الاجتماعي.
5- الشعب العراقي يعاني بما فيه الكفاية من إنقسامات عرقية ودينية وطائفية، لذا فإحياء العشائرية وتكريسها يضيف رقماً آخر إلى قائمة تمزيق الشعب الواحد إلى كيانات متصارعة.
6- وكمثال حي لعواقب استفحال العشائرية وتهديدها للسلم الأهلي، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، معاناة أطباء كربلاء، حسب تقرير نقلته وكالات الأنباء قبل أيام، بعنوان (200 طبيب عراقي في كربلاء يغلقون عياداتهم خشية القتل) والذي جاء فيه: "أغلق نحو مئتي طبيب عياداتهم أمس الاثنين في كربلاء احتجاجا على تهديدات توجهها عشائر تطالب بـ «الفصل»، أو بتعويض مالي، إثر وفاة مرضى أثناء معالجتهم أو خلال عمليات جراحية.
"قال علي أبوطحين نقيب الأطباء في كربلاء (110 كلم جنوب بغداد) خلال اعتصام في مستشفى الحسين العام إن «أكثر من مئتي طبيب أغلقوا عياداتهم وتوقفوا عن العمل بعد تعرض العديد من الجراحين والأطباء المختصين بالعمليات الجراحية إلى تهديدات ومضايقات يومية». وتابع أن «أهل المرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية لا تنجح يوجهون هذه التهديدات إلى الأطباء وفقا للعرف العشائري، ويطالبون بالفصل (تعويض مالي) متجاهلين القوانين والسلطات الحكومية».
ونحن بدوورنا ندين أي تهديد للأطباء وغير الأطباء من قبل العشائر، كما ونؤكد أن ما حصل لأطباء كربلاء هو ليس حالة فريدة خاصة بكربلاء، بل هي حالة عامة وشائعة في جميع أنحاء العراق، ولو بدرجات مختلفة، يواجهها العراقيون بصمت، وهي غيض من فيض من أضرار طغيان العشائرية، نقدمها لدعاة إحياء القبلية لاسنخلاص الدروس والعبر. أدناه رابط التقرير. فهل هذا هو السلم الأهلي والتقدم الاجتماعي اللذين تساهم فيهما العشائر؟

7- الغريب في الأمر، أنه في الوقت الذي تحث فيه شعوب العالم خطوات متسارعة نحو التقارب والإندماح وتكوين إتحادات بين الدول وتختفي بينها الحدود، نجد البعض من أبناء العراق يريدون إعادة العراق إلى الوراء وتمزيق الشعب الواحد إلى كينانات وعشائر متصارعة. وهذا العمل هو ردة حضارية بامتياز.

خلاصة القول، العشائرية مرحلة من مراحل تطور المجتمع البشري في التاريخ تسبق تكوين الشعب والأمة والدولة، تُبعث فيها الحياة وتنشط في فترات ضعف الدولة والانحطاط الحضاري والانهيار الفكري، لذلك فقوتها تتناسب عكسياً مع قوة الدولة. وكادت العشائرية أن تختفي من المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة من العهد الملكي وخلال ثورة 14 تموز، لولا حكم البعث الذي عمل على إعادة المجتمع إلى الوراء أي إلى مرحلة القبلية. لذا فإحياء العشائرية عملية معوقة للتقدم الحضاري، وبناء المجتمع المدني، وتهدد السلم الأهلي، ودورها مناقض للدولة العصرية، وتؤدي إلى ظهور شريحة طفيلية من الحكام تشكل عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدولة دون مقابل. والعشائرية لا توجد في الدول المتقدمة بل في المجتمعات المتخلفة فقط، فهي مظهر من مظاهر التخلف الحضاري.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذا المقال نشرته عام 2008، ونظراً لأهميته حيت تجددت في الفترة الأخيرة المطالبات من قبل قوى الردة، لبعث الحياة في العشائرية التي يراد بها إضافة أخرى لتفتيت الشعب العراقي بعد أن فتته الصراعات الطائفية والأثنية والمناطقية وغيرها.
روابط ذات صلة
200 طبيب عراقي في كربلاء يغلقون عياداتهم خشية القتل
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=59162&issueNo=295&secId=15

عبدالخالق حسين: قانون العشائر يعيق تطور الدولة المدنية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=542747




29
هل ما حدث يوم 14 تموز 1958 ثورة أَم انقلاب؟

د.عبدالخالق حسين

مقدمة
تمر علينا هذه الأيام الذكرى الحادية والستون لثورة 14 تموز المجيدة. وفي هذه المناسبة تتوفر الفرصة لأنصار الثورة وخصومها للمساهمة في الكتابة عنها، خاصة بعد أن تحرر شعبنا من نظام البعث ومعاناته الطويلة. والملاحظ أن خصوم الثورة، التقليديون والجدد، راحوا ينتقصون منها ويحملونها تبعات جرائم البعثيين الصداميين، علماً بأن الثورة كانت الضحية الأولى لهؤلاء الفاشيست.

هناك فريقان يحاولان الطعن بثورة 14 تموز 1958، الفريق الأول، ويضم الخصوم التقليديين وهم أنصار الملكية من الذين استفادوا من ذلك العهد، وتضرروا من الثورة، من اقطاعيين وملاك العقارات، وذوي المناصب والطبقة الحاكمة. وحجة هؤلاء أن النظام الملكي كان ديمقراطياً واعداً بالخير، فقام العسكر بوأده وجلبوا علينا الكوارث وفتحوا باب الانقلابات وحكم العسكر، وكأن العراق لم يعرف الانقلابات العسكرية قبل هذا الحدث.
أما الفريق الثاني، فهم من الذين رحبوا بالثورة وصفقوا وطبلوا لها في البداية، ولكن بعد أن تم ذبح الثورة يوم 8 شباط 1963، وإدخال البلاد في نفق مظلم من الكوارث، تنكروا لها، وراحوا يلقون اللوم عليها في كل ما أصاب العراق بعد ذلك اليوم الشباطي الأسود. وهذا الفريق هم الأخطر، إذ يحاولون الظهور بمظهر الموضوعية والعلمية والحيادية، واليسارية...الخ، ولكن في حقيقة الأمر هم قصيرو النظر، يطلقون أحكامهم بتأثير العاطفة ليس غير.

يخطأ من يعتقد أن ما حدث يوم 14 تموز كان نتاج مؤامرة قام بها نفر من الضباط العسكريين الطامعين بالسلطة، بل كان حتمية بسبب الأوضاع الشاذة في العهد الملكي، (راجع مقالنا: أسباب ثورة 14 تموز، الرابط 1 في الهامش). وقد تنبأ بالثورة وحرض لها كثير من المثقفين من مختلف الاتجاهات، وعلى رأسهم شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، والشاعر معروف الرصافي وغيرهما.

هناك بديهية مفادها أن كل مرحلة تاريخية هي وليدة المرحلة السابقة، وإذا ما استنفدت المرحلة شروط وجودها تنتهي لتفسح المجال لمرحلة جديدة. لذا، فمن نافلة القول أن بذور ثورة 14 تموز نمت في رحم العهد الملكي نفسه. والبديهية الأخرى هي أن الثورات لا يمكن تفجيرها "حسب الطلب" أو بفرمان من أحد، وإنما هي نتاج شروط موضوعية من تراكمات ومظالم ومتطلبات سياسية واجتماعية واقتصادية تلح بالتغيير، وعندما تنتفي الوسائل السلمية الديمقراطية لتحقيق التحولات المطلوبة، وتتوفر لها الظروف الموضوعية والعوامل الذاتية، عندئذِ يحصل التغيير بالعنف الدموي وما يصاحب ذلك من هزات عنيفة، واضطرابات خطيرة في المجتمع، بغض النظر عن النتائج والعواقب، وهل هذه الثورة تواصل مسيرتها أم تفشل.

 وفي هذا الصدد يقول المفكر الأمريكي بيتر دروكر في في كتابه الموسوم: (عصر القطيعة مع الماضي): "أن الثورة لا تقع ولا تصاغ ولكنها (تحدث) عندما تطرأ تغييرات جذرية في الأسس الاجتماعية  تستدعي (إحداث)  تغييرات في البنية الاجتماعية الفوقية تتماشى مع (التغييرات) التي حدثت في أسس البنية المجتمعية، فإن لم يُستَبقْ إلى هذه الأحداث، تنخلق حالة من التناقض بين القواعد التي تتغير وبين البنية الفوقية التي جمدت على حالة اللاتغيير. هذا التناقض هو الذي يؤدي إلى الفوضى الاجتماعية التي تقود بدورها إلى حدوث الثورة التي لا ضمانة على أنها ستكون عملاً عقلانياً ستثمر أوضاعاً إنسانية إيجابية." (من كتاب: إعادة البناء التربوي للعراق، دكتور محمد جواد رضا).

مفهو الثورة والانقلاب
لقد تطرقتُ أكثر من مرة إلى هذا الموضوع نظراً لأهميته، ولكن مع ذلك يطلع علينا بين حين وآخر، نفر من الكتاب يرددون نفس الأطروحة، واصفين ما حدث يوم 14 تموز بالانقلاب العسكري ويلقون عليها باللائمة على كل ما حصل للعراق في عهد البعث الصدامي. لذا أرى من الضروري العودة لهذا الموضوع لتوضيح هذين المصطلحين (الانقلاب والثورة)، ولو بإيجاز شديد، من أجل إزالة الالتباس والتشويش في فهم ما حصل يوم 14 تموز 1958 وتحديد موقفنا منه. فماذا حصل بالضبط في ذلك اليوم التاريخي الفاصل بين مرحلتين مختلفتين كل الاختلاف في تاريخ العراق الحديث: هل كان انقلاباً كما يرى الخصوم؟ أم ثورة كما يرى الأنصار؟

لقد أسيء استخدام هذين المصطلحين (الثورة والانقلاب) أيما إساءة وذلك بناءً على الموقف العاطفي لا الموضوعي، الذي يتخذه الشخص مما حدث في ذلك اليوم، فإن كان مؤيداً له استخدم كلمة ثورة، و إن كان معارضاً، قال أنه مجرد انقلاب عسكري جلب علينا الكوارث!. إن هذين المصطلحين، الإنقلاب والثورة، لهما مدلولاتهما العلمية والتاريخية، يجب عدم ترك استخداماتهما للعواطف التي هي عادةً نتيجة خيبة أمل.

الإنقلاب Coup، يعني تبديل رجال الحكم فقط، إما بالعنف المسلح، وغالباً بعملية عسكرية military coup، مثل الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق بكر صدقي عام 1936 في عهد الملك غازي. أو ما يسمى بانقلاب القصر coup d'état، يقوم رجال من نفس الطبقة الحاكمة بعملية تغيير الحكام نتيجة للصراعات فيما بينهم على السلطة، مثل ما قام به نوري السعيد على رئيس الوزراء أرشد العمري بعد انتخابات 1954 حيث فاز 11 نائباً من المعارضة من مجموع 131 نائباً، فلم يتحمل نوري السعيد هذا العدد القليل من المعارضين في البرلمان، فقام بانقلاب القصر بعد 24 ساعة من خطاب العرش. المهم أن في كلتا الحالتين، انقلاب القصر أو الانقلاب العسكري، تكون العملية غير مصحوبة بأي تغيير للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

أما الثورةRevolution ، فهي عملية تبديل الحكام وقد يتم بالعنف المسلح أو بدونه، ولكن بالضرورة تكون مصحوبة بتغيير النظام السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي. فالمهم هنا تغيير القاعدة الإقتصادية والإجتماعية وتطورها من مجتمع قبلي متشظي ذو سمات شبه إقطاعية في الريف وعلائق كومبرادورية في المدينة، إلى مجتمع قائم على تعددية الأنماط الاقتصادية نحو العصرنة والتحديث وبالتالي تغيير الفئات الحاكمة من حيث جذر الإنتماء الطبقي.

وعليه، ماذا حصل في يوم 14 تموز وما تلاه؟
إن "الحدث" الذي حصل في ذلك اليوم يجب أن ينظر إليه من منظورين أساسيين، الأول، موقف الجماهير الشعبية منها، هل كانت الجماهير ضد الحدث أو معه، متفرجة أو متفاعلة ومؤيدة له بحماس؟ الثاني، وماذا حصل من تغييرات بعد ذلك اليوم بسبب الحدث في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصداية.
فبالنسبة لموقف الجماهير، ما أن أذيع البيان الأول لـ"لحدث" حتى ونزلت الجماهير من أقصى العراق إلى أقصاه في الشوارع والساحات، مؤيدة بحماس منقطع النظير لما جاء في البيان. وفي هذه الحالة، وكما يقول حنا بطاطو: كانت العملية انقلاباً عسكرياً في لحظة وقوعها، ولكن حولتها الجماهير في لحظات إلى ثورة جماهيرية التحمت فيها الجماهير بالقوات العسكرية المسلحة، الأداة المنفذة للعملية. والجدير بالذكر أن القيادة العسكرية للثورة كانت على اتصال وتنسيق وتفاهم مع قيادة جبهة الاتحاد الوطني التي كانت تضم الأحزاب الوطنية المعارضة.

أما ما حصل من تغيير بسبب ذلك الحدث، فقد حصل ما يلي: اسقاط النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري، وتبنى سياسة عدم الإنحياز، وإلغاء جميع المعاهدات الاستعمارية الجائرة المخلة بالاستقلال الوطني، والخروج من الأحلاف العسكرية (حلف بغداد)، وتحقيق الإستقلال السياسي التام، والسيادة الوطنية الكاملة، وتحرير الاقتصاد والعملة العراقية من الكتلة الإسترلينية، وإلغاء حكم العشائر، والنظام الاقطاعي، وتحرير الملايين من الفلاحين الفقراء من سيطرة الإقطاعيين بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وتحرير 99.5% من الأراضي العراقية من سيطرة الشركات النفطية الاحتكارية بإصدار قانون رقم 80، وتحرير المرأة بإصدار قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وازدهار الصناعة، وبناء عشرات الأحياء السكنية للفقراء، والتفاف الجماهير حول قيادة الثورة وحماية منجزاتها…وغيرها والقائمة تطول… (راجع مقالنا: منجزات ثورة 14 تموز) (2).
وبعد كل هذه المنجزات والتغييرات التي حصلت في المجتمع العراقي بعمق، هل من الموضوعية بشيء تسمية ما حدث في ذلك اليوم بالانقلاب؟ لذلك نعتقد أنه لا يمكن لأي باحث منصف إلا وأن يعترف بأن ما حصل في يوم 14 تموز 1958، كان ثورة بكل معنى الكلمة.

ولعل أدق شهادة بهذا الخصوص جاء من المستشرق الفرنسي المعاصر البروفيسور مكسيم رودنسون الذي قال: بأن "ثورة 14 تموز العراقية هي الثورة الوحيدة في العالم العربي"، وأيد ذلك بقوة الموضوعية الباحث البروفيسور في العلوم السياسية حنا بطاطو عندما سأل: "هل ترقى أحداث 14 تموز (يوليو) إلى مستوى الثورة أم أنها مجرد انقلاب؟ ويجيب قائلاَ: "والواقع إن إلقاء نظرة سريعة على الآثار اللاحقة، يكفي لجعلنا نعرف أننا أمام ثورة أصيلة. ولم يكن لظاهرة سياسية سطحية أن تطلق كل تلك المشاعر بهذا العنف... والواقع إن 14 تموز أتى معه بأكثر من مجرد تغيًر في الحكم. فهو لم يدمر الملَكية أو يضعف كل الموقع الغربي في المشرق العربي بطريقة جذرية فحسب، بل أن مستقبل طبقات بأسرها ومصيرها تأثر بعمق. ولقد دمرت إلى حد كبير السلطة الاجتماعية لأكبر المشايخ، ملاكي الأراضي، ولكبار ملاكي المدن، وتعزز نوعياً موقع العمال المدنيين، والشرائح الوسطى والوسطى الدنيا في المجتمع. وتغير كذلك نمط حياة الفلاحين نتيجة لانتقال الملكية من ناحية، وإلغاء أنظمة النزاعات القبلية، وإدخال الريف في صلب القانون الوطني من ناحية أخرى [4]. لذا فإننا ننظر إلى إنجازات الثورة بالإرتباط إلى ما حققته من تحولات كبيرة في المجتمع العراقي، وبقيت تأثيراتها حتى اليوم رغم الثورات المضادة." فهذه هي شهادات الباحثين الموضوعيين المحايدين بحق ثورة 14 تموز المجيدة.

ومن كل ما تقدم، نستنج أن ما حصل في يوم 14 تموز 1958 كان ثورة حقيقة بكل معنى الكلمة. أما كون الثورة أغتيلت بانقلاب 8 شباط 1963، وما حصل بعد ذلك من كوارث فاللوم يقع على عاتق المجرمين الفاشيين الذين استفادوا من ظروف الحرب الباردة، فكانت الثورة ضحية لتلك المؤامرات القذرة. ولكن مع الأسف الشديد هناك حتى من المحسوبين على اليسار راحوا يلقون باللائمة على الضحية بدلاً من إلقائها على المجرمين الحقيقيين، ألا وهم متآمرو 8 شباط الأسود.

ومهما قيل عن هذه الثورة وقيادتها الوطنية، فإنها تعتبر الحدث الأهم في تاريخ العراق الحديث، ويبقى قائدها شهيد الوطنية العراقية، الزعيم عبدالكريم قاسم خالداً في ضمير الشعب، كرمز للوطنية والنزاهة والإخلاص للشعب والوطن.
المجد والخلود لثورة تموز وشهداء الحركة الوطنية الأبرار.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: أسباب ثورة 14 تموز 1958
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=%20267069

2- عبدالخالق حسين: منجزات ثورة 14 تموز 1958* 
https://akhbaar.org/home/2018/7/246392.html

3- حنا بطاطو، الطبقات الإجتماعية والحركات الثورية في العراق، ج3، ترجمة عفيف الرزاز، ط1، مؤسسة الأبحاث العربية- بيروت، ص 116.



30
لماذا ترامب لا يريد الحرب على إيران؟
د.عبدالخالق حسين

أغلب الكتاب والمحللين السياسيين يرون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيشن الحرب على إيران،  ومن بين هؤلاء الكتاب الصديق الأستاذ علاء الخطيب في مقاله الموسوم: (هل يريد ترامب الحرب على ايران؟)، جاء فيه: أن "ترامب يريد الحرب فهو على يقين بدونها لن يحصل على فترة رئاسية ثانية، ولن يحصل على تأييد اللوبي اليهودي في امريكا."(1).

أعتقد العكس هو الصحيح، إذ يخبرنا التاريخ القريب، أن الرؤساء الغربيين الذين شنوا حروباً و رغم ما حققوه من انتصارات في تلك الحروب، إلا إنهم خسروا في الانتخابات، مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ونستن تشرشل الذي أنتصر في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا الهتلرية، والرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، في حرب تحرير الكويت من الغزو الصدامي.

لذلك أعتقد أن دخول ترامب في الحرب على إيران سيقلل من نصيبه في الفوز بالانتخابات القادمة حتى ولو حقق نصراً خاطفاً في الحرب. فترامب أوفر حظاً للفوز في الانتخابات بدون حرب، وذلك لكونه يميني متطرف في وقت تشهد الدول الغربية، وخاصة أمريكا، تصاعد موجة اليمين المتطرف، وأغلب الظن أن ترامب سيفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة بسبب شعبويته، والعزف على وتر (أمريكا أولاً)، وما حققه من مكاسب اقتصادية آنية، وموقفه المتشدد من الهجرة، وإلغائه الاتفاق النووي مع إيران من طرف واحد. وإذا ما خسر في الانتخابات القادمة وجاء بديله خصمه من الحزب الديمقراطي، فسيقلب المعادلة رأساً على عقب في أغلب السياسات التي اتخذها ترامب، وخاصة إعادة العمل بالإتفاق النووي مع إيران. وهذا ضد مصلحة إسرائيل واللوبي الصهيوني في أمريكا. كذلك الشعب الأمريكي، وكبقية شعوب العالم، ليس مع الحرب، لا مع إيران ولا مع غيرها. وهذه الحقيقة يعرفها ترامب جيداً، لذلك يحاول قدر الإمكان تجنب الحرب، رغم تعرضه لضغوط من قبل لوبيات و مؤسسات عسكرية وشركات مصانع الأسلحة، تطالبه بشن حرب على إيران كما أعلن في تصريح سابق، رابط الفيدو في الهامش.(2)
إلا أن هناك مخاطر إنفجار الحرب بالخطأ دون إرادة ترامب أو إيران، كما حصل في حادث يوم الخميس 20 حزيران/ يونيو الجاري، عندما قامت القوات الإيرانية بإسقاط طائرة تجسسية أمريكية بدون طيار في أجوائها الإقليمية في مضيق هرمز، حيث أفادت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين رفيعين في البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب أقر تنفيذ ضربات عسكرية ضد أهداف إيرانية كرد على إسقاط الطائرة لكنه تراجع عن قراره فجر الجمعة لحظة تنفيذها.(3 و4)

وقد حاول ترامب إيجاد العذر عن تراجعه السريع لحظة التنفيذ، إذ قال أن إسقاط الطائرة المسيرة  ربما كان بقرار بعض الجنرالات الإيرانيين الميدانيين وليس بأوامر مباشرة من القيادة العليا للدولة الإيرانية! وأنه أي ترامب لا يريد أن يقتل 150 عسكري إيراني مقابل إسقاط إيران طائرة بدون طيار. أما الإعلام الرسمي الإيراني فقد صرح بأن الطائرة قد خرقت سيادة الدولة الإيرانية، وأن إيران مستعدة للدفاع عن أراضيها ومياهها وأجوائها بكل الوسائل المتاحة وبأي ثمن.
والجدير بالذكر في هذه المناسبة، أن أمريكا أسقطت طائرة نقل جوي مدني إيرانية تنقل 290 راكباً (طاقم الرحلة و مسافرين)، عام 1988، أيام الحرب العراقية-الإيرانية، حيث كانت أمريكا منحازة إلى صدام حسين في تلك الحرب العبثية، ما تسبب بمقتل جميع الركاب (290 شخصا)، وغرقت في مياه الخليج. فالحالة هذه نجد من السخف والتهور أن تشن أمريكا حرباً مدمرة على إيران بسبب إسقاط الأخيرة طائرة تجسسية مسيرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو لماذا أصدر ترامب قراره بضرب أهداف إيرانية، ثم أسرع بإلغائه لحظة تنفيذه؟
الجواب هو، أن ترامب ألغى القرار لأنه يعرف جيداً أن إيران ليست كالعراق في عهد صدام، فإيران منذ نهاية الحرب العراقية-الإيرانية، أعطت الأولوية إلى تقوية وسائلها الدفاعية والهجومية إلى أقصى حد ممكن بما فيه برنامجها النووي، وربما إيران الآن تمتلك السلاح النووي. كذلك أرسلت إيران بإسقاطها الطائرة الأمريكية المسيرة، رسالة إلى الأمريكان أنها تمتلك التكنولوجية الحربية المتطورة. كما و يعرف ترامب، ومعه الإدارة الأمريكية، أن الحرب مع إيران ستشمل المنطقة كلها بما فيها إسرائيل، وستلحق أشد الأضرار بمصالحها، ومصالح حلفائها في المنطقة، فلإيران أذرع قوية مثل حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، ومليشيات شيعية موالية لها في العراق. لذلك لا يريد ترامب إشعال حرب مدمرة للمنطقة تكون أمريكا وأصدقائها خاسرة أيضاً. وهناك من يصف ترامب بأنه (أوباما في ثوب ذئب)، في إشارة إلى أن أوباما كان ضد الحروب، وكذلك ترامب رغم مظهره بأنه يدعو إلى الحروب.
ولكن في نفس الوقت يرى ترامب نفسه في ورطة عندما ألغى الاتفاق النووي الدولي من جانب واحد مع إيران وبدون أي مبرر قانوني، فقط لإرضاء إسرائيل واللوبي اليهودي في واشنطن، لذلك يحاول الآن أن يضغط على القيادة الإيرانية للمجيء إلى مائدة المفاوضات ليتوصل معهم إلى حل مرض يحمي به ماء وجهه. ولهذا السبب أعتقد أنه ربما أوامر ترامب للقوات الأمريكية المتواجدة في الخليج بضرب أهداف إيرانية، ثم الإسراع بإلغاء القرار في فجر يوم الجمعة لحظة التنفيذ، ما هي إلا مسرحية يراد بها حرب الأعصاب، عسى ولعل إقناع إيران أن تقبل بالتفاوض. ولكن القيادة الإيرانية بحكم أيديولوجيتها الدينية ليست بمزاجية التفاوض.

وما يجدر ذكره أن حذر أعضاء بارزون في الحزب الديمقراطي الأمريكي الرئيس دونالد ترامب من مخاطر "الانجرار" إلى حرب مع إيران. وقال تشاك شومر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ إن "الرئيس ربما لا يعتزم الذهاب إلى الحرب، لكننا قلقون من أن ينجر هو والإدارة إلى حرب".

وبناءً على كل ما سبق، نعتقد أنه لا إيران ولا أمريكا تريد الحرب، والمطالبون بالحرب هم: إسرائيل، واللوبي اليهودي في أمريكا، والسعودية ودولة الإمارات. وهؤلاء سوف لن يكونوا بمنجى من أضرار هذه الحرب فيما لو اندلعت عن قصد من الإدارة الأمريكية أو بطريق الخطأ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1- علاء الخطيب: هل يريد ترامب الحرب على ايران؟
https://www.akhbaar.org/home/2019/6/259161.html

2- - فيديو تصريحات ترامب عن تعرضه لضغوط من قبل مؤسسات عسكرية لشن حرب على إيران
Trump Says the Military Industrial Complex is Pressuring him Into a War With Iran
https://therealnews.com/stories/trump-says-the-military-industrial-complex-is-pressuring-him-into-a-war-with-iran
3- ترامب "يتراجع في لحظة التنفيذ عن ضربات عسكرية وافق عليها ضد إيران"
 http://www.bbc.com/arabic/middleeast-48713719

4-  9  معلومات عن طائرة التجسس الأمريكية التي أسقطتها إيران (فيديو وصور)
https://www.akhbaar.org/home/2019/6/259152.html
 

31
من وراء تفجير الناقلات النفطية في الخليج؟

د.عبدالخالق حسين

يبدو أن ضرب الناقلات النفطية في الخليج صار هدفاً سهلاً  لاتخاذه ذريعة لإشعال الحروب في المنطقة. فقد تعرضت ناقلتان عملاقتان يوم الخميس 13 حزيران الجاري، إلى تفجيرات في مياه بحر عمان، إحداهما (ناقلة نرويجية) أوشكت على الغرق، وتم إنقاذ بحارتها من قبل البحرية الإيرانية، والأخرى يابانية. وقبل ذلك بأسابيع تعرضت أربع سفن راسية في ميناء الفجيرة الإماراتية إلى تفجيرات أيضاً دون إصابات في الأرواح. وقد سارعت أمريكا ومعها بريطانيا، وحلفائهما في المنطقة باتهام إيران. وقد نشرت الإدارة الأمريكية صور فيديو تقول إنها دليل على أن إيران نفذت الهجوم على هاتين الناقلتين في خليج عمان. إلا إن هذا الفيديو ليس فيه مصداقية، خاصة وأنه يذِّكر بفيديو كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في مجلس الأمن الدولي قبيل قيام أمريكا بإسقاط حكومة صدام حسين، عرض فيه لقطات "تبرهن" وجود سلاح الدمار الشامل، وتبين فيما بعد زيف هذه المزاعم. والجدير بالذكر أن شركة «كوكوكا سانجيو» اليابانية، مالكة الناقلة «كوكوكا كاريدغس» المتضررة، ذكرت أن جسمين طائرين ألحقا أضراراً بالناقلة، وليس لغماً كما أفاد الفيديو الأمريكي.(1)

والملاحظ أنه حتى بعض المعلقين في مواقع التواصل الاجتماعي يميلون إلى لوم إيران بقولهم أنه من مصلحة ايران ان تبين بأنها لن تسمح بأن تكون الخاسر الوحيد للعقوبات الأمريكية، خاصة وأنها، أي (إيران) قد حذرت مراراً بأن الآخرين أيضاً سوف يدفعون الثمن فيما اذا خسرت اسواقها النفطية، وأن الهجوم على الناقلات تبين بوضوح قدرة ايران على ايذاء امريكا وحلفائها اذا كانت هي الجهة المسؤولة عنها.
قد يبدو هذا الكلام وجيهاً، ولكن لو تتبعنا تاريخ الحكومة الإيرانية في تعاملها مع خصومها بمنتهى الحصافة في مثل هذه الحالات، وحرصها على عدم منحهم ذريعة ضدها، لذلك لا نميل إلى التفسير أعلاه.
فبمناقشة موضوعية لا نعتقد أن القيادة الإيرانية من الغباء إلى هذا الحد بحيث تقوم بهذه الحماقة والمجازفة لتتخذها أمريكا وحلفائها في المنطقة ذريعة لشن حرب ماحقة عليها. فإيران ستكون الخاسر الأكبر من الحرب إذ كما هدد الرئيس الأمريكي ترامب بما معناه أن الحرب على إيران ستحيلها إلى خرائب وأنقاض.
وسبب آخر يبعد الشبهة عن تورط إيران، وهو كما أشرنا أعلاه، أن إحدى الباخرتين اللتين تعرضتا للتفجيرات كانت يابانية، وجاء توقيت تفجيرهما مع زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران في وساطة دبلوماسية حكيمة منه لتخفيف التوتر بين إيران وأمريكا، وإنقاذ المنطقة من حرب مدمرة محتملة. لذلك فليس من الحكمة أن تقوم إيران بهذه الفعلة وهي تستضيف الرئيس الياباني الذي جاء لمهمة هي في صالحها. فمن مصلحة إيران تفادي الحرب بأي ثمن، وليس من مصلحتها تصعيد التوتر لمنح أمريكا ذريعة لشن الحرب ماحقة عليها.

إذن من هم وراء هذه التفجيرت؟
الجواب: ابحث عن المستفيدين من شن الحرب على إيران، وهم كثرُ.
المستفيد الأول هو إسرائيل بسبب مواقف إيران المتشددة ضد التطبيع، وخوفها من امتلاك إيران السلاح النووي، والثاني هو السعودية ودولة الإمارات، وما عرف عن تهور حاكميهما (محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، اللذين يرمز لهما في الإعلام الغربي بـ MBS  و MBZ على التوالي)، والثالث مصانع الأسلحة والمؤسسات العسكرية في أمريكا. فقد صرح الرئيس الأمريكي ترامب قبل أيام أنه يتعرض إلى ضغوط من قبل هذه الجهات لشن حرب على إيران، ولأسباب معروفة. يرجى فتح رابط الفيديو في الهامش(2).

لذلك ليس مستبعداً أن تقوم هذه الجهات بضرب الناقلات النفطية، وخاصة العملاقة منها لدفع ترامب لشن الحرب على إيران.
إلا إن هناك أصوات عقلانية من قيادات سياسية، ومعلقين سياسيين في الغرب تستبعد قيام إيران بهذه التفجيرات، ومن بين هؤلاء زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربين الذي قال أن على بريطانيا عدم الإنسياق وراء أمريكا في اتهام إيران بدون دليل. جاء ذلك في رده على وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، الذي قال إن العلاقات بين إيران الولايات المتحدة "في موقف خطير جدا"، بعدما نشرت واشنطن فيديو تقول إنه دليل على أن إيران نفذت الهجوم على ناقلتي نفط أمس في خليج عمان(3).
كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنه يجب العمل على إظهار الحقيقة بوضوح، ودعا إلى إجراء تحقيق مستقل في الحادث. و حذرت روسيا من التسرع في إصدار الأحكام والاستنتاجات.
كذلك دعا الاتحاد الأوربي إلى "أعلى درجات ضبط النفس" وسط التوتر السائد بشأن اتهام الولايات المتحدة لإيران بالهجوم على الناقلتين. وقال المتحدث باسم الاتحاد: "نحن بصدد جمع المعلومات من أجل تقييم الوضع. وسبق أن قلنا مرارا إن المنطقة ليست في حاجة إلى المزيد من التصعيد. ولا إلى المزيد من التوتر. ولذلك فإننا ندعو إلى أعلى درجات ضبط النفس".

وبناءً على كل ما سيق ، نعتقد أنه ليس من مصلحة إيران ضرب الناقلات النفطية لتقدم مبرراً على طبق من ذهب لأمريكا لشن حرب مدمرة عليها، لا تبقي ولا تذر، خاصة وقد نفى وزير خارجية إيران السيد محمد جواد ظريف نفياً قاطعا. وهناك مقالات عديدة لكتاب غربيين تؤكد عدم توافر الأدلة على قدرة إيران في ضرب الناقلات، نذكر روابط ثلاث مقالات من بينها نيويورك تايمس في الهامش على سبيل المثال لا الحصر.(4، 5، 6)

كما تعرف أمريكا جيداً، أنه إذا ما شنت حرباً على إيران، فإن هذه الحرب ستشعل المنطقة كلها، وستتضرر المصالح الأمريكية وحلفائها ضرراً بالغاً، إذ ليس لإيران في هذه الحالة إلا وأن تعمل بمبدأ (عليَّ وعلى أعدائي يا رب)، وقد حذرت بذلك مسبقاً.

موقف العراق من هذه المحرقة المحتملة
وبهذه المناسبة، من المفيد توجيه تحذير إلى الحكومة العراقية أنه ليس من مصلحة العراق أن ينجر إلى هذا الطرف أو ذاك في هذه اللعبة الخطيرة القذرة، فالعراق دفع ثمناً باهظاً طوال حكم البعث الفاشي وحروبه العبثية، الداخلية والخارجية، التي أهلكت الحرث والنسل، ومازال يئن من عواقبها الوخيمة، خاصة وهناك دعوات لا مسؤولة من قبل جهات عراقية فاعلة تميل إلى إيران، تدعو المليشيات الشيعية بضرب القوات الأمريكية المتواجدة في العراق. وإذا حصل ذلك لا سمح الله، فإنها كارثة على العراق وشعبه الجريح.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Japanese ship owner contradicts U.S. account of how tanker was attacked
https://wapo.st/2MN8OLf?tid=ss_mail&utm_term=.ad64b3dc129c

2-Trump Says the Military Industrial Complex is Pressuring him Into a War With Iran
https://therealnews.com/stories/trump-says-the-military-industrial-complex-is-pressuring-him-into-a-war-with-iran

3- Jeremy Corbyn challenges UK government's Iran accusations on oil tanker attacks
https://www.bbc.co.uk/news/uk-48645280

4- Iran Has Little to Gain From Oman Tanker Attacks
by Julian Lee
Regardless of whether Iran is responsible for damage to vessels in the Sea of Oman, it will still get the blame — and suffer the fallout.]
https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2019-06-13/iran-has-little-to-gain-from-oman-tanker-attacks

5-"7 Reasons To Be Highly Sceptical Of The Gulf Of Oman Incident"
Activist Post, June 14/19, By Caitlin Johnstone
 https://www.activistpost.com/2019/06/7-reasons-to-be-highly-skeptical-of-the-gulf-of-oman-incident.html?utm_source=Activist+Post+Subscribers&utm_medium=email&utm_campaign=f7b56e855e-RSS_EMAIL_CAMPAIGN&utm_term=0_b0c7fb76bd-f7b56e855e-388316749

6- Was Iran Behind the Oman Tanker Attacks? A Look at the Evidence
Internet databases confirm much about the incident, but the Trump administration hasn’t provided convincing evidence of Tehran’s culpability.
https://www.nytimes.com/2019/06/14/opinion/iran-tanker-attacks.html







32
هل حقاً الشعب العراقي غير مؤهل للديمقراطية؟

د.عبدالخالق حسين

ذكرنا مراراً مع غيرنا، أنه ليس من السهل حكم العراق لأسباب تاريخية وجغرافية وديموغرافية، وهناك مقولات كثيرة في التاريخ من إسكندر المقدوني وغيره عن صعوبة حكم العراق، وعلى سبيل المثال، ينقل عن معاوية أنه أوصى ابنه يزيد قائلاً: " إذا طلب منك أهل العراق والياً جديداً في كل يوم، فاستجب لهم، لأن تبديل الوالي أسهل عليك من أن يرفعوا بوجهك عشرة آلاف سيف". وقد ظهرت صعوبة حكم العراق بشكل جلي منذ إسقاط أسوأ نظام دكتاتوري عام 2003، وإقامة نظام ديمقراطي بديل. ومنذ ذلك الوقت واجهت الديمقراطية معارضة شرسة بمختلف الوسائل من فلول البعث الذين فقدوا الحكم والنفوذ، وبدعم من الدول الخليجية خوفاً من وصول عدوى الديمقراطية إلى شعوبهم، ومنعاً لنهضة العراق واستقراره وازدهاره. لذلك راح أعداء الديمقراطية الوليدة، في الداخل والخارج، يشنون حملة تلوى أخرى لتشويه صورتها، وبث روح اليأس في نفوس العراقيين لتحطيم معنوياتهم، وتضليلهم، ونشر البلبلة الفكرية بينهم، وإرباك السلطة، والادعاء بأن كل ما أصاب العراق بعد 2003 هو بسبب الديمقراطية التي "فرضتها أمريكا بالقوة"، وأن الشعب العراقي غير مؤهل للديمقراطية بعد.(1، 2، 3)

ينشط هؤلاء في مجموعات الحوار، ومواقع الانترنت، والتواصل الاجتماعي، وهم يجيدون تسفيط الكلام المنمق، والاستشهاد بمقولات ظاهرها حق، يراد بها باطل، لإثبات وجهات نظرهم الباطلة. ولم يتورع البعض منهم ليبدأ بشتم صدام والبعث، والادعاء بأنه وعائلته من ضحايا البعث ليكسب ثقة القارئ، ومن ثم ليصب سمومه على الديمقراطية والعراق الجديد. كذلك الملاحظ أنه إذا أراد أحدهم تشويه صورة أي سياسي من طائفة معينة يتبنى اسماً من نفس طائفة ذلك السياسي، وأحياناً حتى لقبه العشائري، ليعطي المصداقية إلى ما يفتري به على ذلك السياسي.

وفي حملة بث روح اليأس بين العراقيين ضد الديمقراطية، كتب أحدهم ما معناه أنه لا أمل في نجاح الديمقراطية في العراق، لأنه كي تنج الديمقراطية في أي بلد يتطلب أن تنبت جذورها من تربة ذلك البلد، إذ لا يمكن استيراد الديمقراطية من الخارج وفرضها بالقوة!! وهو يعني أن الشعب العراقي الذي هو شعب الحضارات ومهدها، لم يبلغ بعد مرحلة النضج ليقيم نظاماً ديمقراطياً. والجدير بالذكر أن صاحب هذه الدعوة نفسه يدعي أنه ضد البعث، ولكن في مقابلة تلفزيونية قبل عام لما سأله المذيع عن رأيه بالجيش العراقي الجديد مقارنة بالجيش القديم في عهد صدام، فقال أن لواءاً واحداً من الجيش القديم يعادل كل الجيش الجديد (كذا). بينما التاريخ القريب يؤكد لنا أن الجيش القديم لم يحقق أي نصر في الحروب الخارجية التي اشترك فيها، وأخزاها تلك اللقطة المخزية التي أنحنى فيها الجندي العراقي في صحراء السعودية في حرب تحرير الكويت من الاحتلال الصدامي الغاشم، على جزمة الجندي الأمريكي متوسلاً به:(خلصنا الله يخلصك). اللقطة التي راحت تلفزيونات إسرائيل تعيدها عشرات المرات يومياً آنذاك. فالجيش القديم لم ينتصر في أية حرب خارجية، بل انتصر فقط في حماية السلطة الدكتاتورية الغاشمة من انتفاضات الشعب، فقصص المقابر الجماعية، والأنفال وحلبجة وقتل مئات الألوف من العراقيين باتت معروفة، وهذه ليست انتصارات، بل مخازي وعار وشنار.

على أية حال، فلو كان قول الموما إليه عن الديمقراطية صحيحاً، واتبعته الشعوب، لبقيت الديمقراطية الحديثة حبيسة مسقط رأسها، بريطانيا، وجمدت الحياة، وبقيت شعوب العالم كقطعان الماشية يحكمها الطغاة إلى أبد الآبدين. إذ لا يمكن لأي شعب مضطهد ومغلوب على أمره تبني الديمقراطية ما لم تتسرب إليه أفكار الديمقراطية وجدواها من الخارج. فكلما كانت هذه الشعوب متخلفة ومضطهدة ومستضعفة، كلما ازدادت حاجتها إلى الدعم الخارجي لإخراجها من تخلفها، وخلاصها من أنظمتها الجائرة. وفي هذا الخصوص يقول السياسي الفرنسي جان بيار شوفينمان: "لن تغسل الشعوب العربية إذلالها إلا إذا تداركت تأخرها، ولن تتدارك تأخرها إلا إذا ساعدها الغرب بقوة على ذلك"

كذلك نقول، إذا كانت غالبية الأنظمة الدكتاتورية قد أقيمت في دولنا العربية بمساعدة الدول الغربية مثل نظام البعث الفاشي في العراق، فلماذا نرفض مساعدة تلك الدول إياها لإقامة الأنظمة الديمقراطية بعد أن تأكدت أن الأنظمة المستبدة البغيضة قد أنتهى مفعولها ودورها، وباتت تشكل خطراً ليس على شعوبها فحسب، بل وعلى شعوب العالم؟

كذلك هناك من يحاول إلقاء اللوم في عدم استقرار العراق على ثورة 14 تموز 1958، فيقول أحدهم: (.... العراقي لم يعش سنة واحدة منذ 1958 براحة نفسية وإطمئنان...الخ). وكأن العراق كان مستقراً ومزدهراً في العهد الملكي، إذ يتحدثون كثيراً عن "عبقرية" نوري السعيد، وديمقراطيته الليبرالية!!، وفي هذا الخصوص يكفي أن نذكِّرهم بحادثة واحدة على سبيل المثال لا الحصر، وهي في عام 1954 أجرت حكومة أرشد العمري انتخابات برلمانية، ورغم الضغوط الحكومية على الناخبين، ومحاولات تزييف النتائج، فازت أحزاب المعارضة الوطنية بـ 11 مقعد من مجموع 131 مقعداً، فلم يتحمل الديمقراطي جداً نوري السعيد هذا العدد القليل من نواب المعارضة، لذلك قام بعد يوم واحد فقط من افتتاح البرلمان الجديد، بانقلاب القصر على زميله أرشد العمري، وعطَّل البرلمان، وأعلن الأحكام العرفية، وشكل حكومة الطوارئ برئاسته. هكذا كانت "الدولة الواعدة بالديمقراطية" التي يدافع عنها أعداء الديمقراطية اليوم، نرجو من الأخوة هؤلاء مراجعة مقالنا الموسوم (هل حقاً كان العهد الملكي ديمقراطياً، واعداً ومستقراً؟)(4)

فالذين يشيعون اليأس في نفوس العراقيين ضد الديمقراطية، ويدعون أن العراق غير مؤهل لها، بدون أدنى شك يريدون عودة الدكتاتورية وعهد الانقلابات العسكرية. والكل يعلم ما عملت الأنظمة الدكتاتورية بالعراق وما جلبت له من كوارث من حروب داخلية وخارجية أهلكت الحرث والنسل، وأن جميع مشاكل اليوم هي نتاج تلك الأنظمة الدكتاتورية البغيضة. والغريب أن المروجين للدكتاتورية أغلبهم يقيمون في البلدان الغربية الديمقراطية، فهم يريدون مساعدة الغرب لهم والتمتع بأنظمتها المتحضرة، ولكن عندما تحاول هذه الدول مساعد الشعب العراقي في إقامة نظام ديمقراطي له، هنا تُسكب العبرات والدموع، فيرفعون عقيرتهم بالصراخ (وامعتصماه!!)، مدعين أن هذه المساعدات تسيء إلى السيادة والكرامة، وأن الشعب العراقي غير مؤهل للديمقراطية بعد.

يخبرنا التاريخ أن الأنظمة الديمقراطية في الغرب قد بدأت بمشاكل وأخطاء كبيرة لا تقل خطورة عما يواجهه العراق اليوم، و لكن مع مرور الزمن تعلمت الشعوب من أخطائها، وتعودت على الديمقراطية إلى أن صارت جزءً من تقاليدها، وأعرافها وثقافتها ولن تتخلى عنها ولو على أسنة الحراب. بل وحتى اليوم نلاحظ التشرذم والفوضى العارمة في البرلمان البريطاني حول اتفاقية الخروج من الوحدة الأوربية، حيث رفض البرلمان الاتفاقية التي عقدتها رئيسة الوزراء السيدة تريزة مي، ثلاث مرات، وطرحت الكتل السياسية البرلمانية نحو 14 لائحة بديلة، كلها فشلت في الحصول على موافقة الأغلبية. وقد حاولت السيدة مي طرح اتفاقيتها للمرة الرابعة على البرلمان بعد إجراء تعديلات طفيفة عليها، إلا إنها وُجهت بالرفض من غالبية برلمانيي حزبها، وأعضاء حكومتها، مما أدى بهم إلى تنحيتها، فأجبرت على الاستقالة، والاستعداد لاختيار رئيس جديد، وعلى الأغلب سيفشل هذا الجديد في تنسيق الخروج بشكل مرضي من الأغلبية البرلمانية،  لذا ربما سيزاح بعد فترة قصيرة من توليه رئاسة الحكومة بسحب الثقة منه خاصة إذا جاء بورس جونسن الذي يريد الخروج من الوحدة الأوربية حتى ولو بدون إتفاقية، وهذا ما تعارضه الأغلبية البرلمانية الساحقة. فهل والحالة هذه، نقول أن الشعب البريطاني غير مؤهل للديمقراطية؟ كلا وألف كلا. فالديمقراطية ليست بلا مشاكل، إذ كما قال ونيستون تشرتشل: "الحكومة الديمقراطية هي ليست مثالية، ولكن لحد الآن لم توجد حكومة أفضل من الحكومة الديمقراطية".

أما الديمقراطية الوليدة  في العراق، فرغم الصعوبات والمعوقات الكثيرة والكبيرة التي تواجهها، إلا إنها تسير بخطى واعدة وثابتة نحو النجاح، إذ لا بد وأن تبدأ الديمقراطية من نقطة ما، ورحلة الألف ميل قد بدأت بالخطوة الأولى، ولا رجعة عنها مهما تعالى صراخ المتشائمين والحاقدين على الديمقراطية. فالبديل عن الديمقراطية هو النظام الدكتاتوري البغيض وقد نال منه الشعب بما فيه الكفاية. لذلك فالشعب العراقي محكوم له وعليه بالنظام الديمقراطي الذي لا يمكن أن يتعلمه ويتعود عليه إلا بالممارسة، والتعلم من الأخطاء، ومهما واجه من صعوبات. فالعراق الذي هو مهد الحضارات، لا يمكن أن يكون شعبه ضد الديمقراطية التي هي من ما أروع ما أنتجته الحضارة.

مرة أخرى أذكر القراء الكرام بمقولة الاقتصادي الهندي، أمارتيا كمر سين، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 1998: "يجب أن لا نسأل أنفسنا هل هذا الشعب أو ذاك مؤهلاً للديمقراطية أم لا، وإنما نتصور أنه يجب أن يصبح مؤهلاً من خلال ممارسته للديمقراطية. لذلك، فالديمقراطية ليست الهدف البعيد فحسب، بل هي أيضاً الوسيلة لتحقيقها".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــ
1- د. عبد الخالق حسين: ما علاقة الديمقراطية بالتخلف وتفشي الخرافات؟
http://www.akhbaar.org/home/2019/5/257437.html

2- عبدالخالق حسين: إصرار العراقيين على تدمير أنفسهم
https://www.dw.com/ar/%D8%A5%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%AF%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D8%A3%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%87%D9%85/a-17180360

3- أ.د. عبدالحميد العباسي: تعليق على مقال الدكتور عبدالخالق حسين: إصرار العراقيين على تدمير أنفسهم*
https://www.lalishduhok.com/articles/post/%D8%A3-%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%82-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84-%D8%A7/

4- د.عبدالخالق حسين:  هل حقاً كان العهد الملكي ديمقراطياً، واعداً ومستقراً؟
http://www.akhbaar.org/home/2017/7/231226.html

5- عبدالخالق حسين : الديمقراطية لا تولد متكاملة ولن تكتمل
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=6436



33
أتباع حزب (الفضيلة) يؤكدون تخلفهم
د.عبدالخالق حسين

نُشر على مواقع التواصل الإجتماعي، فيديو (1)، نشاهد فيه متظاهرين من حزب "الفضيلة"، يهجمون بمنتهى الوحشية وفي حالة هستيريا، على مقر الحزب الشيوعي العراقي في مدينة الناصرية، وهم مجموعة من الشباب وبعضهم معممون، يصرخون (يا حسين يا حسين... لبيك ياحسن)، وينزلون صورة النائبة هيفاء الأمين من واجهة مقر الحزب، ويدوسونها بالأقدام ثم يحرقونها، احتجاجاً على تصريحات أدلت بها النائبة في ندوة في بيروت، دافعت فيها عن مناطق جنوب العراق التي تعاني من التخلف والحرمان من الخدمات، ولكن استغلت قيادة حزب "الفضيلة" هذه التصريحات وفسرتها عن قصد سيئ، أن النائبة أهانت أهل الجنوب ووصفتهم بالمتخلفين. ولا ندري ما علاقة الحسين بهذه التصريحات، فقد أرادت قيادة حزب الفضيلة تضليل الشباب وتحريضهم على الحزب الشيوعي لغاية سنأتي على ذكرها بعد قليل.

كما وأفادت التقارير أنهم اعتدوا على المسؤولين في داخل مقر الحزب الشيوعي، وعدوان آخر على مقر نفس الحزب في سوق الشيوخ.. ولنا أن نتصور ماذا كانوا سيعملون بالسيدة النائبة هيفاء الأمين لو كانت موجودة في المقر آنذاك ووقعت بأيديهم، خاصة وهم يطالبون بإعدامها، تالله لسحلوها ومزقوها إرباُ إربا. والسؤال هنا، إن لم تكن هذه غوغائية، فما هي الغوغائية؟ وربما سيتهمنا البعض بأننا نصف الجماهير بالغوغاء والرعاع، وقد كتبنا مقالاً قبل سنوات عن هذا الموضوع بعنوان: (الشعب والغوغاء من منظور الوردي)(2)

وكما جاء في بيان الحزب الشيوعي: (... كان اعتداء سافرا على مقري حزب مجاز بموجب الدستور والقانون، وانتهاكا فظا للدستور والقانون كليهما، وثلما لهيبة الدولة ومؤسساتها. وقد كشف في الوقت ذاته مدى ازدراء البعض لحرية التعبير ولتقاليد العمل السياسي، وضيقهم بالرأي الآخر، وخروجهم على الآليات الديمقراطية والسلمية المتوافقة مع روح الدستور، في معالجة القضايا السياسية المختلف حولها.)(3)
لقد وقع الهجوم الإجرامي على مقر حزب وطني معروف بتضحياته، ومساهم في العملية السياسية ومؤسسات الدولة، في وضح النهار، ودون أن تتحرك الأجهزة الأمنية لحماية المواطنين من هذه الهجمة الشرسة التي لا يماثلها في الوحشية إلا أعمال داعش.

إن السبب المعلن عن هذه الهجمة الهمجية على السيدة هيفاء الأمين، وعلى مقرات الحزب الشيوعي، هو ما أدلت به من تصريحات عن معاناة سكان الجنوب من التخلف، وهي بالتأكيد كانت تقصد التخلف في الخدمات، وغيرها، وغايتها دفع المسؤولين لمعالجة هذه الأوضاع البائسة، و رفع مستوى سكان هذه المناطق المهملة في كل العهود، وهي ابنة الناصرية التي أثير بها كل هذا الضجيج.

ولكن في حقيقة الأمر، أن السبب الرئيسي لهذه الهجمة الوحشية على النائبة، ليس لأنها أدانت التخلف فحسب، بل ولأنها كانت قد قدمت للبرلمان مشروع قانون حقوق المرأة لوقف التعسف، وإيقاف زواج الاطفال، وضمان حقوق الزوجة .. الخ. هذا المشروع هو ضد مصالح القوى الظلامية وعلى رأسها حزب " اللافضيلة" الذي أثبت أن حقيقته هي عكس إسمه، أي أنه حزب الرذيلة والتخلف... هيفاء بنت الناصرية الأبية ومن عائلة ضحت في سبيل مبادئ إنسانية، وتعرف جيدا معاناة النساء هناك حيث يعاملن كجواري وعبيد ويشرعها الرذلاء ولا يريدون التغيير. والأحزاب الإسلامية وفي مقدمتها حزب الرذيلة ضد هذا المشروع الإنساني الحضاري التقدمي.

وكنت قد نشرت مقالاً عن نفس الموضوع على مواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي بعنوان: (هيفاء الأمين...لا تعتذرِي عن قول الحقيقة)(4)، فكان أغلب تعليقات الأخوة القراء تتفق مع تصريحات النائبة هيفاء الأمين عن وصف المناطق الجنوبية بالتخلف، وحتى الناس متخلفين، نتيجة الإهمال المتعمد من قبل السلطات المتعاقبة في مختلف العهود، بل أكد بعضهم أن التخلف ليس في الجنوب فقط، بل ويشمل كل العراق، ولكنهم اعترضوا على نقطة واحدة وهي أن النائبة أدلت بهذه التصريحات "امام مجموعة من إعلاميين عرب و في بلد عربي [لبنان]، و ان الإعلام العربي و حتى العراقي التابع للأجندة الخليجية اسهم في احباط الناس، و نشر الحالة السوداء التي صوروها بعد سقوط صدام."

وجوابي على هذا الاعتراض أنه في عصر العولمة والفضائيات والإنترنت (حيث صار العالم قرية كونية صغيرة)، ليس هناك سر أو فضيحة يمكن سترهما. فما الفرق في إفشاء هذه المعلومات في بغداد أو بيروت، أو القاهرة، أو أي مكان آخر في العالم في عصر الإنترنت والفضائيات واليوتيوب؟ لا شك أن هذه التصريحات ستكون بعد دقائق بمتناول كل سكان المعمورة. لذلك أنا لا أعتقد أن مكان التصريحات كان خطأً وسبباً لكل هذه الضجة، وإنما السبب الحقيقي هو ما أشرت إليه أعلاه، وهو منع أي تغيير لصالح المرأة والطفولة، ومحاولة من الأحزاب الإسلامية وخاصة حزب "الفضيلة" لتصفية الحزب الشيوعي، نفس اللعبة القذرة التي لعبوها إبان ثورة 14 تموز 1958، عندما أصدروا فتواهم (الشيوعية كفر وإلحاد)، وكانت الثورة وإصلاحاتها الثورية الاجتماعية وقيادتها الوطنية، هي المستهدفة، حيث تكالبت عليها قوى الشر في الداخل والخارج وتكللت بإنقلابهم الأسود يوم 8 شباط 1963، الإنقلاب الذي دمر حتى أولئك الذين مهدوا له بفتاواهم سيئة الصيت. وهؤلاء يعيدون اليوم نفس اللعبة القذرة ولنفس الأغراض، ولكن إذا نجحوا (لا سامح الله)، فلابد وأنهم سيكونون من ضحايا لعبتهم إذ لا بد وأن ينقلب السحر على الساحر كما حصل في الماضي. والجدير بالذكر أن حزب الفضيلة متهم بأنه من أشد الأحزاب السياسية العراقية فساداً، (يرجى فتح رابط التقرير في الهامش- رقم5)

كذلك اعترض عدد من الأخوة بأن تصريحات السيدة الأمين شملت (ازدراءً للأديان، وهذا مخالف للدستور والقانون، وجارح لمشاعر الناس الدينية!!). في الحقيقة هذا الاعتراض هو الآخر لم يصمد أمام أية مناقشة منصفة، فالسيدة النائبة لم تزدرِ الأديان أبداً، وربما تعرضت إلى بعض الطقوس مثل التطبير والضرب الظهور بالزنجيل في المواكب الحسينية...الخ. وهذا ليس ازدراءً للأديان أبداً، بل مطالبة بنبذ هذه الطقوس الدخيلة الغريبة التي لا علاقة لها بالدين الإسلامي والمذهب الشيعي، بل إساءة لهما، لأن أغلب رجال الدين الشيعة الكبار (آيات الله المجتهدون) ومن بينهم السيد علي خامنئي مرشد الثورة الإسلامية في إيران، و ولي الفقيه، أصدروا فتاوى في مختلف المراحل التاريخية تقضي بمنعها، لأنها دخيلة ومسيئة إلى سمعة وصورة الشيعة. 

خلاصة القول، وكما أكد أغلب الذين كتبوا مقالات وتعليقات عن تصريحات النائبة هيفاء الأمين، أن التخلف موجود ليس في الجنوب فحسب، بل وضارباً أطنابه في جميع أنحاء العراق مع الاختلاف بالدرجة. لذلك من واجب المثقفين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فضحه لمعالجته. إذ هكذا يعمل المثقفون والسياسيون في الدول المتقدمة وخاصة الغربية، ويتجنبون سياسة النعامة في دفن رأسها في الرمال. ونؤكد ثانية، إن سبب هذه الهجمة المتوحشة على النائبة هيفاء الأمين، و مقرات حزبها الشيوعي، هو ليس لأنها أدانت التخلف وبعض الطقوس الدخيلة التي ليست من الدين والمذهب بشيء، بل لأنها قدمت للبرلمان مشروع قانون حقوق المرأة لوقف التعسف بحقها، وإيقاف معاملتها كدية في النزاعات العاشائرية، ومنع زواج الاطفال، وضمان حقوق الزوجة .. الخ. و القوى الظلامية وعلى رأسها حزب اللافضيلة ضد هكذا مشروع تقدمي. وحقاً ما رددته الجماهير: (بسم الدين باكونا الحرامية). وعليه نطالب جميع القوى الخيرة إدانة هذا العمل البربري، والمطلوب من الدولة أن تستعيد هيبتها، وذلك بمحاسبة الجناة، وحماية مقرات الأحزاب السياسية العاملة وفق الدستور والقانون، وحماية أمن جميع المواطنين من البلطجية، والقضاء على التخلف، وحماية من يشخص التخلف ويدينه.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- يرجى مشاهدة الفيديو لتعرفوا حجم التخلف والغوغائية.
https://www.youtube.com/watch?v=f_ZpmBnyfck

2- د.عبدالخالق حسين:  الشعب والغوغاء من منظور الوردي
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/6v114.htm

3- افتتاحية "طريق الشعب": اعتداء آثم وغايات مفضوحة
https://www.iraqicp.com/index.php/sections/party/19823-2019-05-08-18-51-50

4- د. عبد الخالق حسين: هيفاء الأمين...لا تعتذرِي عن قول الحقيقة
http://www.akhbaar.org/home/2019/5/257510.html

5- د. حميد الكفائي: التخلف التنموي الضارب في جهات العراق
http://www.alhayat.com/article/4630111/%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AE%D9%84%D9%81

6- تقرير عن فساد حزب الفضيلة
براء الشمري : خلافات تهدد بتفكك أحد أبرز الأحزاب السياسية العراقية
https://www.alaraby.co.uk/politics/2019/3/29/%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D9%87%D8%AF%D8%AF-%D8%A8%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%83-%D8%A3%D8%AD%D8%AF-%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9



34
هل بإمكان العراق المشاركة في الحروب المحتملة؟

د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي ما قبل الأخير الموسوم: (حول التقارب العراقي - السعودي)، وكالعادة، جاءت العليقات متباينة، بين مؤيد لعلاقة متوازنة ومتكافئة مع السعودية، ومعارضة تطالب بمواصلة التوتر معها، ولأسباب معروفة أهمها عداء السعودية للنظام الديمقراطي في العراق، وإرسالها الإرهابيين...الخ. و هناك مقالات وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي يطالبون الحكومة العراقية بشن الحروب على بعض دول الجوار، وحتى تحدي أمريكا، ومحاربتها، وكثيراً ما يستشهدون بفيتنام التي ألحقت الهزيمة بها !! أعتقد أن الذين يدقون طبول الحرب، وحتى مجابهة أمريكا وتحديها، يعيشون في خيالات وأحلام فنطازية، و الانفصام الكامل عن الواقع.

فعندما ندعم أي تحسن في علاقة العراق مع السعودية، أو إيران، أو أية دولة أخرى، لا حباً بهذه الدول أو أنها صارت تذوب في حب العراق!!، بل لأن العراق منهك وفي وضع مزري لا يسمح له أن يواصل سياسة صدام حسين في توتير العلاقات مع العالم، وشن الحروب الداخلية والخارجية،والتي أودت به إلى مزبلة التاريخ، وألحقت بالعراق الدمار الشامل.

يلقي البعض اللوم في ضعف العراق على الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003، ويتهمون رجال السلطة بالضعف والهوان والخذلان، بل وحتى بالخيانة الوطنية. يتناسى هؤلاء أن ضعف الحكومة ناتج عن تفتت الشعب إلى مكونات وفئات سياسية متناحرة. فالحكومة الديمقراطية وخاصة الإئتلافية، أو كما يسمونها (حكومة المحاصصة)، هي بالضرورة أضعف من الحكومة الدكتاتورية لأسباب كثيرة. وهذا الموضوع يحتاج إلى مقال مستقل.

ولكن يكفي أن نذكر في هذه العجالة أنه خلال 50 سنة الماضية مر العراق بكوارث لا تقدر بسبب الأنظمة الدكتاتورية، وغرور وعجرفة صدام حسين، وسياسة التجهيل المتعمد، والإنهيار الحضاري، والحصار الاقتصادي الذي أذل الشعب، فالشعب العراقي اليوم منهك وممزق إلى فئات متناحرة، يعاني من عشرات الأمراض الاجتماعية والسياسية، إضافة إلى الأمراض البدنية والنفسية المتفشية، وتدهور المؤسسات الصحية والخدمية الأخرى... فهكذا شعب ليس بإمكانه شن الحروب على دول الجوار، ناهيك عن مواجهة الدولة العظمى (أمريكا) التي حررته من أسوأ نظام دكتاتوري همجي في التاريخ. يجب أن نعترف أنه لولا أمريكا لكان صدام و أبناؤه، وعشيرته مازالوا يمارسون هوايتهم المفضلة في نشر المقابر الجماعية، وتشريد العراقيين بالملايين إلى الشتات.

و هناك من يحرض الحشد الشعبي للتحرش بالقوات الأمريكية التي ساعدت العراق في تحرير ثلث مساحته من الاحتلال الداعشي المتوحش. وهذا التحريض بالتحرش بالقوات الأمريكية لا كرهاً بأمريكا والتواجد الأمريكي في العراق، بل لإعطاء ذريعة للقوات الأمريكية لضرب الحشد الشعبي، وبالتالي أن تسجل أمريكا الحشد في قائمة الإرهاب الدولي كما عملت بحق الحرس الثوري الإيراني.

يتحجج دعاة معاداة أمريكا بتاريخ أمريكا الحافل بالحروب، وتدخلها الفض في شؤون دول العالم، وخاصة في العالم الثالث، من بينها العراق الذي لم يسلم من هذه التدخلات الإجرامية وعلى رأسها الإنقلاب البعثي الدموي الأسود في 8 شباط عام 1963. وإذا قلنا لهم أن ذلك كان في عهد الحرب الباردة، والصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، اتهموننا بأننا نوجد المبررات لجرائم أمريكا!.
كلا يا سادة، نحن لا نبرر لأمريكا جرائمها في الماضي، أو حتى الحاضر في عهد رئيسها دونالد ترامب. ولكن أمريكا التي ساعدت البعث على اغتصاب السلطة  مرتين، لماذا لا نرحب بها عندما تريد إسقاط هذا الحكم الجائر؟ ففي هذه الحالة هناك التقاء مصالح، وإذا التقت مصلحتنا مع مصلحة أمريكا في إسقاط أشرس نظام دكتاتوري مستبد، فلماذا نفرط بهذه الفرصة؟ إذ كما تفيد الحكمة: (ليس في السياسة عداوات دائمة، ولا صداقات دائمة، بل مصالح دائمة).

وكما علق صديق: فالعداوة الدائمة وطلب الثأر لا تجر الا لمزيد من االخراب والدمار... ولنا في دول اوربا وأميركا واليابان والصين امثلة نافعة ..اذ دخلت حروبا جانبية و حربين عالميتين واحتلت بعضها سنين ثم هي الآن في علاقات ودية ومصالح مشتركة.

كذلك نشير إلى العلاقة الحميمة بين فيتنام الشيوعية وأمريكا الرأسمالية. نعم، نفس فيتنام الشيوعية التي الحقت الهزيمة بأمريكا في حربها الطويلة في السبعينات من القرن الماضي، ولكن بعد سنوات من تلك الحروب تحسنت العلاقة إلى درجة عالية بحيث استضافت هانوي اجتماع الرئيس ترامب بنظيره الكوري الشمالي كيم يونج اون. ولك ان تتذكر الحرب الرهيبة بين أمريكا وكلتا الدولتين. كما أصبحت فيتنام مركزا لتصنيع الكثير من منتجات الشركات الامريكية، حتي الحذاء الشهير الغالي الثمن "نايكي" عليه العلامة التجارية صنع في فيتنام. والكثير الكثير حتى أصبحت هانوي العاصمة الفيتنامية مركزا صناعيا هاما في جنوب شرق آسيا، وتستضيف الرئيس الأمريكي.

هل كان يعقل ان يأتي اليوم الذي نري فيه علاقة صداقة بعد حرب مدمرة في فيتنام بمقتل مئات الآلاف من الطرفين ان نري صناعات أمريكية في فيتنام؟! بعد عداوة رهيبة ببن زعيم فيتنام هوشي منه، ورؤساء أمريكا جونسون ونيكسون؟ هل قامت فيتنام بعمليات إرهابية في قلب أمريكا مثلما فعل العرب لليد التي امتدت لهم. سواء بالقضاء علي ابشع ديكتاتور "صدام حسين" او تحرير الكويت والمساهمة في القضاء علي داعش.

إن الذين يطالبون العراق بإدامة سياسة العداء وشن الحروب على دول المنطقة وعلى أمريكا، وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وإزالة إسرائيل من الخارطة، أنهم يدعون إلى دمار العراق وإبادة شعبه.
فالشعب العراقي قد أنهكته الحروب الصدامية العبثية، والحصار الاقتصادي ومن ثم العمليات الإرهابية، لذلك ليس بإمكان هكذا شعب منهك أن يعادي أية دولة، بل يجب أن يخطب ود الجميع، لأن هذا الشعب وبعد كل الكوارث لا بد وأن ينعم بسلام، ويستعيد عافيته ليلتئم جراحه، ويلملم وحدته الوطنية المفتتة، فهو مازال في غرفة الإنعاش، وليس بإمكانه غير السياسة السلمية، وهو مجبر في مد يد المصالحة والسلام مع الآخرين وليس مخيراً.

لذلك على الحكومة العراقية أن تكون حذرة من الأصوات التي تحرض على مواصلة سياسة صدام حسين في شن الحروب على دول الجوار، والتحرش بأمريكا ومعاداتها، وطرد قواتها من العراق، فهذه الأصوات لا تريد الخير للعراق، وحتى لو صدرت من شخصيات وطنية وعن نوايا حسنة في الظاهر، إلا إن هؤلاء لا يقدرون حجم المخاطر الكارثية التي ستقود إلى الدمار الشامل، وقد نال العراق من الدمار بما فيه الكفاية وأكثر، إذ كما تفيد الحكمة: (الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
د. عبد الخالق حسين: حول التقارب العراقي- السعودي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=635937

د.حميد الكفائي: التقارب السعودي – العراقي: عودة الأمور إلى طبيعتها
http://www.alhayat.com/article/4628646/%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A8-

د. عبدالخالق حسين: أمريكا وإيران.. تقاسم نفوذ، أم ادارة للصراع بالنيابة؟
http://www.akhbaar.org/home/2019/1/254036.html

د. عبدالخالق حسين:  نحو علاقة عراقية-أمريكية متكافئة
http://www.akhbaar.org/home/2013/3/143169.html

د.عبدالخالق حسين: لماذا يحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=399499


35
هيفاء الأمين...لا تعتذرِي عن قول الحقيقة

د.عبدالخالق حسين

أثيرت ضجة مفتعلة، وسخيفة ضد النائبة البرلمانية العراقية من الحزب الشيوعي العراقي، و كتلة (سائرون)، السيدة هيفاء الأمين، إثر ما أدلت به في ندوة بيروت يوم 2 أيار/مايس 2019، قالت فيه أن هناك تخلف في العراق وخاصة في الجنوب...(وهي بالمناسبة من أهل الجنوب، وكذلك كاتب هذه السطور). واعتبر مثيرو الضجة أن هذه الأقوال إهانة لكرامة أهل الجنوب بوصف مناطقهم بـ(المتخلفة). وفي مقدمة مثيري الضجة هو السيد حسن العلوي، البعثي السابق، ومعارض للبعث سابقاً، ونائباً برلمانياً سابقاً في العهد الجديد.. وهو يعرف كيف يستفيد من جميع الظروف، أيام البعث وما بعده. كذلك كتبتْ صحيفة (المسلة) الإلكترونية مقالاً تثير العوام ضد السيدة الأمين وبدون وجه حق، ولغاية في نفس يعقوب.

أما حسن العلوي فهو آخر من يحق له نقد السيدة الأمين، واتهامها بإهانة أهل الجنوب أو الشعب العراقي. ففي رسالة بعثها لي صديق وهو كاتب وإعلامي بارز، ذكر أنه في قناة (المستقلة) وفي شهر حزيران أو تموز من عام 2003 ، وضمن برنامج حواري ضم ستة أشخاص، ثلاثة كويتيين وثلاثة عراقيين بينهم حسن العلوي، بادارة محمد الهاشمي الحامدي، أدعى احد العراقيين المشاركين في البرنامج (موفق السامرائي) بأن الكويتيين قد دخلوا العراق بعد الغزو وسرقوا ممتلكات عراقية. فرد عليه حسن العلوي: (لا يمكن. الكويتي لا يسرق. العراقي يسرق لأن السرقة في دمه، وان خالتي هلهلت وطشت ملبس عندما سرق ابنها! ). ويسأل الصديق: (لماذا يتهم حسن العلوي العراقيين بالسرقة في برنامج تلفزيوني في قناة عربية وأمام ملايين المشاهدين؟ أين وطنيته المفرطة التي يدعيها ويقدم النصائح لهيفاء الأمين التي تشرفه الف مرة؟). أنتهى

وقد شاهدت لقطة الفيديو لمداخلة السيدة الأمين، التي اعتبروها إهانة لأهل الجنوب، (الرابط رقم 1 في الهامش)، فلم أجد فيه أية إهانة، بل كل ما قالته هو حقيقة واضحة يعيشها كل أبناء الشعب، وبالأخص أهلنا في الجنوب. فكلمة تخلف لها مدلولات اقتصادية، واجتماعية وحضارية، وكلها موجودة ليس في مناطق جنوب العراق فحسب، بل وفي كل العراق مع الاختلاف بالدرجة. ولكن والحق يقال أن مناطق الجنوب أكثر تخلفاً كما قالت السيدة الأمين. ففي بلد عائم على بحر من النفط، هناك الفقر، والجهل، والمرض، ورمي القمامة في الأنهر، والطرقات، وعدم توافر مجاري الصرف الصحي، وشح الماء الصالح للشرب لأهالي محافظة البصرة، وحتى بعض أبنية المدارس طينية، وغيرها كثير من مظاهر التخلف التي لا نجدها إلا في أشد البلدان تخلفاً في العالم الثالث. كذلك ما يسمى بالدكات العشائرية، وحكم العشائر، ومعاملة المرأة كبضاعة رخيصة تتم مبادلتها كدية في النزاعات العشائرية، وغيرها كثير ذكرها الكاتب السيد أياد السماوي في مقالين قيمين أدرجهما في الهامش (2 و 3). فإذا كانت هذه المظاهر ليست دلائل على التخلف، فليت شعري ما هو التخلف؟

في الحقيقة هناك تخلف شديد في هذه المناطق، نتيجة الإهمال المتعمد من قبل الحكومات الدكتاتورية الطائفية المتعاقبة منذ العهد الملكي وإلى عام 2003. ففي عهد البعث الصدامي كانوا يطلقون على محافظة ذي قار (الناصرية) مثلاً: (محافظة المليون نائب عريف)، لأنه نادراً ما يسمح لأهالي هذه المناطق أن يُقبلوا في الكليات العسكرية لأسباب طائفية بحتة. والمؤلم أنه عندما تبوأ الشيعة رأس السلطة بعد 2003، واصلوا نفس النهج في إهمال المحافظات الجنوبية، واعتبروها البقرة الحلوب تدر عليهم ذهباً حيث نحو 80% من مالية الدولة هي من نفط الجنوب، ولكنها محرومة من أبسط الحقوق والخدمات، وينطبق عليها قول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ... والماء فوق ظهورها محمولُ

وقد تحالف على تخلف الجنوب كثيرون منذ تأسيس الدولة العراقية وإلى اليوم، فبالإضافة إلى الحكومات الطائفية المستبدة السالفة الذكر، ساهم رجال الدين الشيعة الذين ناهضوا الدولة العراقية منذ ولادتها عام 1921، والتي هي نتاج ثورة العشرين التي قام بها أهل الوسط والجنوب، ولكن رجال الدين فرضوا شروطاً تعجيزية على الدولة الوليدة للمشاركة فيها ودعمها. فأصدروا الفتاوى الغريبة والعجيبة حرمَّوا فيها على أبناء طائفتهم المشاركة في السلطة، والمناصب، والوظائف، والتجنيد، والانتخابات والترشيحات البرلمانية، بل وحتى إدخال أبنائهم وبناتهم في المدارس، لأن المدارس حسب زعمهم يعلمونهم أن المطر من البخار، وهذا كفر وإلحاد في نظرهم، بل وكما ذكر العلامة علي الوردي، نشر الشيخ محمد مهدي الخالصي كراساً في هذا الخصوص بعنوان: (السيف  البتار في وجوه الكفار، ولمن يقول المطر من البخار)!!.

وكما كتب لي صديق أكاديمي حول هذا الموضوع قائلاً: (... ومنهم من حرم العمل في الدولة، ومنهم من حرم دخول السياسة والجيش، ومنهم من وقف مع الإقطاع ومنهم من سرق ثرواته، ومنهم من وقف ضد الوطنيين من ابناء العراق، ومنهم من خدع ابناء الجنوب، واستغل عاطفتهم وحبهم لدينهم، ومنهم من جند أبنائهم لحروبه، ومنهم من مكن عملائه من سرقة أموالهم ومصادرة حقوقهم، ومنهم من تآمر عليهم.
وأمام هذا التحالف الشيطاني غير المتكافئ، تخلف الجنوب وصودرت حقوقه، وقُتل ابناؤه ، وسُرقت ثرواته. ولكن لن يمحوا هوية الجنوب، ولن يطفئوا نيران غضبه، ولن يخرسوا أصوات مثقفيه، وحناجر شعرائه، ولن يغيروا غيرة ابنائه وشهامة وكرم وشيم رجاله. .. ان بعد الظلام الصبح، وبعد العسر اليسر.) أنتهى

غني عن القول أنه لا يمكن إصلاح المجتمع أو الشعب، ومعالجة أمراضه الاجتماعية ما لم يتم الكشف عن هذه الأمراض ونقدها من أجل معالجتها. أما الانتهازيون المتزلفون فيلجؤون إلى الصراخ والعويل، والتهديد بالويل والثبور، وعظائم الأمور ضد كل من يتجرأ فيكشف هذه العيوب. وهذا ما لجأ إليه حسن العلوي وأمثاله في إثارة الغوغاء الذين وصفهم مقتدى الصدر  بـ(الجهلة جهلة جهلة)، فلم يتجرأ العلوي بنقد السيد الصدر، ولكنه سرعان ما شهر "قلمه البتار" في وجه السيدة هيفاء الأمين، لأنها إمرأة، وشيوعية، يعني (حايط نصيِّص) كما نقول بالعراقي عمن يسهل العدوان عليه، وليس لحزبها مليشيات مسلحة لتحميها. فليفهم هؤلاء أننا في عصر الإنترنت، وليس هناك أحد يمكن اعتباره حايط نصيص، أو هدفاً رخواً. ورحم الله من عرف حده ووقف عنده.
في الحقيقة هؤلاء الذين تهجموا على النائبة الأمين وأرادوا تصفيتها سياسياً واجتماعياً، رُدَّت سهامهم إلى نحرهم، فقد أساؤوا إلى أنفسهم وقدموا لها ولأهل الجنوب خدمة لا تقدر. فقد خدموها لأن الكثيرين لم يسمعوا بهذه السيدة من قبل، فأصبحت الآن أشهر من نار على علم، وأنها صاحبة قضية وطنية مخلصة، كما خدموا أهل الجنوب بإثارة قضيتهم العادلة وبذلك فقد ساهموا بتصعيد الضغط الشعبي ومطالبة السلطات بالكف عن إهمال المناطق الجنوبية، ويجب عليهم العمل المثابر للتخلص من التخلف.

لذلك وبناءاً على كل ما تقدم، نقول أن هذه الحملة المسعورة ضد النائبة الشجاعة السيدة هيفاء الأمين، هي بدوافع سياسية وانتهازية جبانة، ولأنها قالت الحقيقة، فيريدون خنق الأصوات الشجاعة التي تطالب بحقوق الشعب، و خدع أبناء الجنوب وإقناعهم بعدم المطالبة بحقوقهم، وإشغالهم في قضية وهمية بأن السيدة الأمين أهانتهم ووصفتهم بأنهم متخلفون !!، وبالتالي إلقاء اللوم في التخلف على الضحية وعلى من يريد مواجهته والتخلص منه، بدلاً من إلقائه على المسؤولين عنه من رجال السلطة قديماً وحديثاً.
لذلك على السيدة هيفاء الأمين أن لا تعتذر أبداً عما قالت، بل تصمد، لأن كل ما قالته هو الحقيقة، وقول الحقيقة لا يتطلب الاعتذار، فالساكت عن الحق شيطان أخرس. وكما قال الإمام علي: لو سكت أهل الحق عن الباطل، لاعتقد أهل الباطل أنهم على حق.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
_________
روابط ذات صلة
1- النائبة عن الحزب الشيوعي هيفاء الأمين من بيروت: جنوب العراق اكثر تخلفا
https://youtu.be/uBKODCF_xO4

2- هيفاء الأمين توضح: لأهل الجنوب الاحترام وهذا ما قصدته من ’’التخلف’’
http://www.akhbaar.org/home/2019/5/257353.html

3- أياد السماوي: هيفاء الأمين .. ظلموك ولم ينصفوك
http://www.akhbaar.org/home/2019/5/257348.html

4 أياد السماوي: عراقنا متخلّف وجنوبنا أكثر تخلّفا
http://www.akhbaar.org/home/2019/5/257392.html

**************
ملحق

في مجموعة حوارية على صفحات التواصل الاجتماعي، كتب الأكاديمي الدكتور محمد حسين علي تعليقاً قيماً حول الضجة التي افتعلها البعض ضد النائبة هيفاء الأمين. ونظراً لأهمية التعليق، وبعد موافقة صاحبه مشكوراً، رأيت من المفيد أعادة نشره كملحق لتعميم الفائدة. 

الاخ د عبدالخالق حسين
الأصدقاء الكرام
اعتقد ان قصة السيدة هيفاء الأمين تمثل جانبا من مأساة الفكر المتغطرس رغم الواقع الذي يعيش فيه. فالكثير من العراقيين درجوا على نوع من تعاطي تهنئة الذات على صفات لا يملكونها، وعلى التباهي والتفاخر بأمور تجاوزهم العالم فيها اي (self-congratulations and self-glorification). وكلتا الصفتين تم تضخيم حجمهما في عهد الزنيم صدام . والأتعس من ذلك ان الكثيرين من العراقيين لا يدركون المقدار الذي تخلف البلد فيه عن العالم، وهو بحسب ابسط الحسابات بين 30-40 سنة خلف العالم وما يجري فيه .. والأنكى من كل ذلك انهم يبدون وكأنهم لا يعرفون بأننا لا يمكن ان نحقق اي تقدم ما لم نعترف بالمشكلة التي تحيق بِنَا ونشخصها ونبدأ بعلاجها..
نعم العراق متخلف عن معظم امّم العالم وجنوب العراق اشد تخلفا من بقية أنحاء العراق.. وهذه الحقيقة يجب ان يتم فهمها عقلانيا حتى يدركوا انهم بحاجة الى القيام بالكثير حتى يلحقوا بالعالم، ان استطاعوا. وان التباهي الفارغ لايغني شيئا .. لاحظوا مثلا ان معظم دول العالم لا تسمح لنزول طائرات الخطوط الجوية العراقية إلا في مطارات ثانوية وتحت الحراسة المشددة، او ان تطلب  تفتيش الطائرات القادمة من العراق في بلد ثالث قبل وصولها الى وجهتها. ويذكر لي صديق راقب العراقيين في طريقهم الى بغداد يقومون من مقاعدهم والطائرة في طور الهبوط ولا يستقرون في اماكنهم رغم الرجاءات المتكررة من طاقم الطائرة بوجوب الالتزام بتعليمات السلامة، وذكر لي صديق آخر ان احد ضباط الأمن في مطار بغداد يتمشى الى مكان لافتة (ممنوع التدخين) حيث يخرج باكيت السكاير من جيبه ويبدأ بالتدخين وكأنه يود التباهي بأنه مختلف عن الآخرين، وانه رجل مهم لا ينطبق عليه القانون. ونلاحظ ان الكثير من العراقيين يزعلون اشد الزعل اذا رفض أي مسؤول وساطتهم حيث يعتبر ذلك مخالفة لقاعدة التوقير وتوفير المعاملة الخاصة لـ "خاصة الناس". وترى البعض من العراقيين يكتب وكأنه يهدد ان الحكومة ان لم تهتم بالنساء الدواعش فان المتعاطفين معهم سوف يقومون بأعمال ارهابية كالسابق. اما مخالفة نظام المرور فهذا امر جاري كل لحظة في العراق بينما هو يعتبر (مقياسا لأخلاق الامة) في كل بلدان العالم.. و اذا نظرنا الى حالة المراة في العراق فانها في حالة انتكاسة وتراجع كبير. ومع ذلك لو قال احد ان العراق في حالة تخلف وانه يحتاج الى العمل على رفع مستواه في كل المجالات فانه سوف يحصل على السباب القبيح مؤكدا النظرية !
مارأيكم ؟
مع التحية
محمد حسين علي


36
ما علاقة الديمقراطية بالتخلف وتفشي الخرافات؟

د.عبدالخالق حسين


منذ سقوط حكم البعث وإلى اليوم، هناك حملة مسعورة ومستمرة، ليس لتسقيط السياسيين العراقيين ما بعد 2003 فحسب، بل وحتى الإساءة للشعب العراقي، ونظامه الديمقراطي. وآخر هذه التلفيقات التسقيطية للشعب، وللديمقراطية، أكذوبة مفادها أن مؤسسة بحثية قامت باستطلاع كافة شعوب العالم لمعرفة قدرتها على التحدث باللغة الإنكليزية!، فاحتل الشعب العراقي مرتبة ما قبل الأخير. ومع الأسف، صدق كثيرون بهذه الفرية، وراحوا يعممونها على مواقع التواصل الإجتماعي، كما وأسرع البعثيون وأشباههم في إلقاء اللوم على الديمقراطية في كل ما يحصل في العراق من جرائم وفساد وإرهاب وخرافات، ونعتها بالديمقراطية "ألأمريكية"!! واستغلها أحد أيتامهم، فكتب تعليقاً سخيفاً قائلاً: هذه نتيجة الديمقراطية الأمريكية التي صدع عبدالخالق حسين رؤوسنا بها، فما جوابه على ذلك؟

جوابي هو أني بحثت في غوغل عن هذا "البحث" المفترض به أنه أكاديمي، فلم أجد له أثراً. لذلك فهو بلا شك كذبة أخرى من تأليف وتلحين وأداء أيتام البعث وغيرهم من أعداء العراق والديمقراطية. وحتى لو كان الاستطلاع حقيقة، وهو ليس كذلك، فما علاقة الديمقراطية بالتخلف والخرافة؟ فلو كانت الديمقراطية سبب التخلف ونشر الخرافة لكانت الدول الديمقراطية في الغرب والشرق من أشد دول العالم تخلفاً ومرتعاً للخرافة، بينما الحقيقة عكس ذلك. علماً بأن العراقيين معروف عنهم في رغبتهم الشديدة لتعلم اللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات الأجنبية، حيث يبدؤون بتعلمها من تعليم الابتدائي. وهناك كليات مثل كليات الطب، وطب الأسنان، والصيدلة، والهندسة وغيرها تدرِّس معظم مناهجها باللغة الإنكليزية. وقبل أشهر استمعتُ من راديو بي بي سي، إلى محادثة بين مراسلها في العراق، وطالبة في كلية طب بغداد، تجيب بطلاقة بإنكليزية سليمة. ولما سألها المراسل كيف تعلمتْ الإنكليزية بهذه الطلاقة، وفيما إذا كانت قد عاشت في بريطانيا، فأجابت بالنفي، وأكدت أنها تعلمت هذه اللغة في المدارس العراقية، وحسنتها بالاستماع إلى البي بي سي، ومشاهدة الأفلام الناطقة بالإنكليزية.

لم يكتفِ صاحبنا بإلقاء اللوم على الديمقراطية في هذه الأكذوبة، بل راح يذكر موجة تفشي الخرافات، وما يقوم به بعض الدجالين المعممين من أمثال المدعو عبدالحميد المهاجر (اسم مستعار)، شاهدتُ له عدداً من لقطات الفيديو، ينشر خرافات، وبعضها مقززة ومقرفة، في أوساط الفقراء. ولا أدري ما ذنب الديمقراطية في تصرفات هؤلاء الدجالين. فالديمقراطية توفر حرية التعبير والتفكير، والشفافية، وتسمح للناس بالتعبير عما يريدون وضمن القانون، وفي هذه الحالة حتى أعداء الديمقراطية يجدون لهم موطئ قدم لبث سمومهم، والدجالون لنشر خرافاتهم. ولكن صاحبنا هذا يلقي اللوم على الديمقراطية (للكشر)، على حد تعبيره، وعلى أمريكا بالذات، وكأن عبدالحميد المهاجر أحد خريجي جامعة هارفارد الأمريكية العريقة، وأرسلته أمريكا خصيصاً للعراق لنشر الخرافات!! عجيب أمر هؤلاء.

غني عن القول، أن الغرض من هذا التسقيط هو ليقولوا أن أحسن نظام عرفه العراق هو حكم البعث. والكل يعرف مدى الأضرار البليغة التي ألحقها حكم البعث بالتعليم ، حيث أعاد العراق إلى ما قبل الدولة وتكوين الشعوب. يجب أن يعرف هؤلاء أن التخلف والخرافة، وتفشي عدم الشعور بالمسؤولية والوطنية وغيرها هي من نتاج حكم البعث وليست وليدة ما بعد سقوطه.
أكاذيب لا نهاية لها، وكنت في الماضي أجمعها، وأتصدى لبعضها وأحذر القراء منها، إلى أن سأمتُ منها. ولكن أيتام البعث وأشباههم لا يملون ولا يكلون، بل يواصلون ديندهم في الكذب. فكيف يسأمون، وقد تعلموا من أستاذهم جوزيف غوبلز صاحب مقولة: (إكذب ثم إكذب حتى يصدقك الناس، وحتى أنت تصدق كذبتك). وهذا بالضبط ما يجري في العراق مع الأسف الشديد.

وبالمناسبة، هناك ضجة هذه الأيام حول ما تناقلته وكالات الأنباء عما قالته النائبة العراقية السيدة هيفاء الأمين في ندوة عقدت في بيروت قبل أيام، مفادها أن هناك تخلف في العراق وخاصة في الجنوب. وهذا هو واقع الحال بسبب الإهمال المتعمد من قبل الحكومات الدكتاتورية الطائفية السابقة لهذه المناطق. فقامت عليها ضجة مفتعلة من بينها صحيفة (المسلة) الإلكترونية، كيف تجرأ لتقول مثل هذا الكلام "المهين" بحق أهل الجنوب؟ بينما، وكما علق أحد الأخوة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي: لم نقرأ و لم نسمع من المسلة أية إدانة عندما قال فائق الشيخ على أن قندرة أحمد حسن البكر أشرف من هؤلاء (ويقصد بذلك المسؤولين وأعضاء البرلمان). أدرج أدناه رابط مقال السيد إياد السماوي حول هذه الضجة المفتعلة بلا مبرر(1). ولنا موقف من هذا الموضوع في مقالنا القادم.
 
فالديمقراطية أيها السادة هي سيف ذو حدين، يمكن استخدامه من قبل المثقفين التنويريين الأخيار لنشر الفكر التنويري، والتقدم الاجتماعي، ودعم العدالة، وفضح الفاسدين والمجرمين، وكذلك يمكن للدجالين نشر خرافاتهم، وللأشرار تضليل الشعوب، ولكن في نهاية المطاف، الديمقراطية نفعها أكثر من إثمها، بل ضرورة لا بد منها، إذ كما تفيد الآية الكريمة: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).
في الحقيقة، الديمقراطية هنا تلعب دوراً إيجابياً في فضح الخرافات والأكاذيب وغيرها من الأمراض الإجتماعية. فالديمقراطية تكشف أمراض المجتمع وتفضحها من أجل مواجهتها من قبل المثقفين التنوريين لمكافحتها، إذ يجب تجنب سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال كي لا يراها الصياد. وقد نشرتُ مقالاً قبل سنوات في هذا الخصوص بعنوان: (الديمقراطية تفضح المجتمع العراقي)(2).

وللإساءة لها، يردد أعداء الديمقراطية أن هذه الديمقراطية هي أمريكية مزيفة. نؤكد لهؤلاء أن الديمقراطية هي واحدة وليس هناك ديمقراطية أمريكية، أو هندية أو غيرها، وهي من إنتاج فلاسفة التنوير الأوربيين لمئات السنين، و من أروع ما أنتجته الحضارة البشرية، وهي السبب الرئيسي في تقدم الغرب في جميع المجالات. أما الحكومات المستبدة التي حكمت شعوبها بالنار والحديد فهي التي تحارب الديمقراطية، وسبب تخلف شعوبها، وتفشي الخرافات فيها، لأن الديدان والطفيليات المرضية لا تعيش إلا في المستنقعات الآسنة، كما في الدول العربية والإسلامية.

لا نريد الدفاع عن الحكومة، لأن من يدافع عن الحكومة يعتبر من عملائها والعياذ بالله، ولكن الحقيقة يجب أن تقال، أن نظام الحكم الحالي في العراق هو ديمقراطي بكل معنى الكلمة، لأنه ملتزم بجميع شروط الديمقراطية مثل تعددية الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، و الإلتزام بمواعيد الانتخابات الدورية ونزاهتها، وحرية الصحافة والإعلام، والتعبير والتفكير، وحرية العبادة وغيرها. وإذا كانت هناك مشاكل وتجاوزات، فأعداء الديمقراطية هم وراءها من أجل تشويه صورتها، وصورة النظام الديمقراطي.
يردد هؤلاء أن شعبنا ليس مهيئاً للديمقراطية، وهذا خطأ كبير، إذ كما قال الخبير الاقتصادي الهندي أمارتيا كمر سين، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 1998: "يجب ألا نسأل أنفسنا هل شعب ما مؤهلاً للديمقراطية أم لا، وإنما يجب أن نعرف أنه لا يصبح أي شعب مؤهلاً للديمقراطية إلا من خلال ممارسته لها. لذلك، فالديمقراطية هي ليست الهدف فقط، بل وهي أيضاً الوسيلة لتحقيقها".
وأضيف: إن الديمقراطية هي السلاح البتار لمحاربة التخلف والخرافة وليست سبباً لهما.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1-  أياد السماوي: هيفاء الأمين .. ظلموك ولم ينصفوك
http://www.akhbaar.org/home/2019/5/257348.html

2- عبدالخالق حسين: الديمقراطية فضحت المجتمع العراقي
http://www.akhbaar.org/home/2013/1/140261.html

37
حول التقارب العراقي - السعودي

د.عبدالخالق حسين

لم تكن العلاقة بين العراق والسعودية جيدة منذ تأسيس الدولتين في أوائل القرن العشرين. ولكن كانت هناك فترات تخف فيها شدة العداء. وحتى في الفترات التي كانت تبدو العلاقة حميمة في الظاهر، كما حصل خلال فترة حكم المستبد صدام حسين، كان القصد من وراء ذلك هو تدمير العراق وإيران معاً، حيث دفعت السعودية صدام حسين، وبأوامر من أمريكا، بشن حرب بالنيابة على إيران، وقالوا له (منا المال ومنك العيال، أي الرجال). وسرعان ما تحولت هذه العلاقة (الحميمة) إلى عداء شديد بعد أن قام المجرم صدام باحتلال الكويت.

و رغم عداء السعودية للبعث الصدامي فيما بعد، إلا إنها كانت تفضل إبقاء هذا النظام الجائر ليواصل اضطهاد الشعب العراقي، وجعله ضعيفاً وفقيراً، وتحت الحصار الاقتصادي إلى أجل غير معلوم، ولتستفيد السعودية والدول الخليجية في تصدير المزيد من النفط لتعويض السوق من حصة العراق بسبب الحصار. وإذا ما قدرنا أن حصة العراق من تصدير النفط آنذاك تقدر بحوالي 40 مليار دولار سنوياً، وهذا يعني أنه خلال 13 عاماً من مدة الحصار، تكون الدول الخليجية قد استفادت بنحو 520 مليار دولار على حساب العراق. لذلك فعندما قام المجتمع الدولي بقيادة أمريكا، بإسقاط الحكم الجائر، راحت السعودية تثير الفتنة الطائفية في العراق، وتبعث آلاف الإرهابيين لإفشال الديمقراطية والعملية السياسية. وقد عانى الشعب العراقي الكثير من الدمار في الأرواح والممتلكات. ولكن بعد 15 عاماً من سياساتها الخاطئة، وما تعانيه من مشاكل داخلية وخارجية، أدركت السعودية أن من يزرع الشر لا يحصد إلا الشر، لذلك حاولت تغيير سياستها مع العراق، وفي هذه الحالة، من مصلحة البلدين تبني سياسة سليمة.

إن سبب كتابتي هذا المقال، هو مقال نشر في صحيفة الحياة اللندنية، للكاتب والإعلامي العراقي المعروف، الدكتور حميد الكفائي، بعنوان: (التقارب السعودي– العراقي: عودة الأمور إلى طبيعتها)، والذي كان متوازناً يمثل صوت الاعتدال، بعيداً التهريج والتصعيد والإثارة، حيث رأى الكاتب أن هذا التقارب يصب في مصلحة البلدين، وأن العراق بوضعه الهش، بأمس الحاجة إلى علاقة طبيعية ليس مع السعودية فحسب، بل ومع جميع دول العالم. وهو كلام صحيح أيدناه بقوة.

ونظراً لأهميته، قمتُ بتعميم المقال على أصدقائي ومعارفي، وأعدت نشره على صحيفتي في الفيسبوك. وكالعادة جاءت التعليقات متباينة، بين مؤيد ومعارض، سواءً على مواقع التواصل الاجتماعي، أو مجموعات النقاش. وهذا متوقع، خاصة عودة العلاقة مع السعودية التي كانت حتى وقت قريب ترسل الإرهابيين للعراق. وعذر المعارضين للتقارب، أن النظام السعودي هو نظام رجعي وعميل لأمريكا، وفي حالة تحالف غير معلن مع إسرائيل، وأنه حديثاً قام بإعدام 37 مواطناً سعودياً بريئاً. كما ويرى آخرون أن السعودية وحتى أمريكا، على وشك الإنهيار، لذا لا داعي لهذا التقارب.

وعلى قدر ما أرى الأمور، أنا لا اعتقد أن السعودية على وشك الانهيار، أما عن إنهيار أمريكا والأنظمة الرأسمالية الغربية، فقد سمعنا به لعشرات السنين، ومع الزمن أمريكا والأنظمة الرأسمالية وكافة الدول السائرة في ركابها هي باقية وفي صعود و ثراء فاحش، والحكومات الثورجية الدكتاتورية البائسة هي التي تنهار من سيئ إلى الأسوأ.

فالعراق كان مبتلى بأبشع نظام دكتاتوري همجي، تسبب بهلاك أكثر من مليوني عراقي، و نحو مليون إيراني. ومئات المقابر الجماعية، والأنفال وحلبجة، والهجرات المليونية إلى الخارج، وجاءت أمريكا فحررت الشعب العراقي من أبشع نظام عرفه التاريخ، وأقامت فيه نظاماً ديمقراطياً. وإذا ما حصلت جرائم وإرهاب وفساد بعد 2003، فالخطأ ليس من أمريكا، أو النظام الديمقراطي كما يشيع أعداء الديمقراطية من أيتام البعث الساقط وأشباههم، بل ناتج عن صعوبة المرحلة وما رافقها من التركة الثقيلة لنصف قرن من النظام الجائر والحروب العبثية وآثار الحصار، و فشل العراقيين في حكم أنفسهم بنظام ديمقراطي. وإلا لماذا نجحت الديمقراطية في جميع الدول التي ساعدتها أمريكا مثل كوريا الجنوبية التي كان شعبها أكثر تخلفاً، وأشد فقراً من الشعوب العربية في الخمسينات من القرن الماضي، واليوم بفضل علاقتها الحميمة مع أمريكا ونظامها الديمقراطي، تعتبر رابع أو خامس دولة إقتصادياً وصناعياً. لذلك يجب عدم تعليق غسيلنا القذر على شماعة الآخرين فالعيب فينا.

أما السعودية فهي دولة وهابية إرهابية مجرمة و مصدر الإرهاب، وقد عانى العراق بعد سقوط الفاشية الكثير من جرائمها، ولكن الآن وبعد أن أدركت عدم جدوى سياساتها الخاطئة، جنحت للسلم مع العراق. فأيهما أفضل للعراق، مواصلة العداء مع السعودية، وبالتالي مواصلة الأخيرة في إرسال الإرهابيين ونشر الموت والدمار في ربوعه، أم كسبها وتحييدها، أو حتى تحويلها إلى دولة صديقة تدعم الأمن والإستقرار وإنعاش الاقتصاد العراقي؟

أما إذا كان التقارب العراقي- السعودي يثير غضب إيران، فالعراق دولة مستقلة ذات سيادة، يجب على الحكومة العراقية الاهتمام بمصلحة شعبهاً أولاً وأخيراً، وأن لا تنجر إلى سياسة المحاور، بل ومن فائدة جميع الأطراف أن تكون للعراق علاقة إيجابية مع الجميع.

فالعراق وبعد نصف قرن من الدمار الشامل، وقد أنهكته الحروب العبثية، وآثار الحصار والاستبداد،  مازال في قسم الإنعاش، وليس بإمكانه معاداة أية دولة، أو محاربة السعودية ومعاقبتها على سياساتها الخاطئة، أو تقديم الدروس في الأخلاق للدول المارقة، فالمطلوب من العراقيين معالجة مشاكلهم أولاً قبل معالجة مشاكل الآخرين. لذلك فالذين يحرضون العراق على معاداة السعودية وأمريكا، طبعاً ليس كرهاً للدولتين الأخيرتين، بل لإرباك السلطة العراقية، وتضليل الشعب، وإفشال الديمقراطية والعملية السياسية في العراق، وبالتالي نشر الفوضى العارمة، وتهيئة الأجواء لعودة البعث الفاشي أو أي نظام دكتاتوري آخر يواصل الدمار.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات صلة
د.حميد الكفائي: التقارب السعودي – العراقي: عودة الأمور إلى طبيعتها
http://www.alhayat.com/article/4628646/%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A8-

د. عبدالخالق حسين: أمريكا وإيران.. تقاسم نفوذ، أم ادارة للصراع بالنيابة؟
http://www.akhbaar.org/home/2019/1/254036.html

د. عبدالخالق حسين:  نحو علاقة عراقية-أمريكية متكافئة
http://www.akhbaar.org/home/2013/3/143169.html

د.عبدالخالق حسين: لماذا يحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=399499


38
في الذكرى السادسة عشرة لتحرير العراق من الفاشية

د.عبدالخالق حسين

توضيح لا بد منه

بمناسبة الذكرى العطرة في يوم 9 نيسان/أبريل الأغر لتحرير العراق من أبشع وأشنع احتلال عرفه تاريخ العراق، ألا وهو الاحتلال البعثي الصدامي الغاشم، أردت أن أحيي هذه الذكرى بمقال جديد يناسب المرحلة، ولكن بعد مراجعتي لمقال سابق لي نشرته قبل تسع سنوات، وجدته مازال مناسباً لظروف اليوم، لذلك أستميح القراء عذراً أن أعيد نشره لأن كل ما جاء فيه مازال قائماً، ويتفق مع ظروف اليوم ... خاصة وأن ذاكرة الكثيرين ضعيفة، فنسوا جرائم البعث الفاشي، والحروب الداخلية والخارجية، فركزوا على ما يواجهونه من صعوبات ما بعد التحرير، والتي هي في معظمها من تركة النظام الساقط.. لذلك من الضروري تذكير شعبنا، إذ كما تقول الآية الكريمة: فذكر إن نفعت الذكرى...

حكم التاريخ العادل
*************
تمر هذه الأيام الذكرى السادسة عشرة على تحرير الشعب العراقي من الفاشية البعثية، على أيدي قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، نفس القوات التي حررت أوربا في الحرب العالمية الثانية من النازية الألمانية، والفاشية الإيطالية، وحررت اليابان من العسكرتارية. ولكن المشكلة أن عملية تحرير العراق كانت وما زالت مثيرة للجدل، وحتى يستكثر علينا البعض استخدام كلمة (التحرير)، إذ يفضلون عليها كلمة "الاحتلال"، أو "الغزو" مع كلمات الإدانة مثل "الغاشم"...الخ. والمؤسف أن هذه الإدانة تأتي حتى من قبل بعض ضحايا النظام البعثي، ومن عناصر خيرة من بعض المثقفين في العالم، وبالأخص من اليساريين. وسبب هذا الاختلاف هو أن الناس ينسون بسرعة معاناتهم على يد النظام الساقط وينشغلون بهمومهم الحاضرة. وهذا الجدل مستمر لحد الآن.

وعذرهم في استخدام كلمة "احتلال"، أن أمريكا نفسها تستخدم هذا التعبير، ويتهموننا بأننا ملكيون أكثر من الملك!! نسي هؤلاء أن سبب استخدام أمريكا لكلمة (الاحتلال) هو لأسباب قانونية دولية كي تحصل على تخويل قانوني من الأمم المتحدة لحماية العراق خلال الفترة الانتقالية إلى أن يتم تسليم الحكم إلى أهله. وهذا ما حصل بعد عام ونصف العام من إسقاط حكم البعث. لذا فبالنسبة لي كعراقي، فالعراق كان محتلاً احتلالاً داخلياً من قبل عصابة البعث المافيوية لخمس وثلاثين سنة، وكان أبشع وأشنع احتلال أعاد العراق إلى عصر القبلية واللادولة. 

على كل حال، هناك أسباب كثيرة لاستمرار الجدل حول تقييم تحرير العراق من البعث الفاشي، وهي كالتالي:
1- تم التحرير عن بواسطة القوات الدولية بقيادة الدولة العظمى، أمريكا وبريطانيا، وهناك اسباب تاريخية لعداء مزمن من القوى السياسية المؤدلجة في العراق، اليسارية، والقومية، والإسلامية ضد أمريكا والغرب عموماً، فمن الشعارات التي رفعها الحزب الشيوعي العراقي قبل التحرير مثلاً، شعار: (لا للحرب ..لا للدكتاتورية). والكل يعرف أن الشعب العراقي حاول مراراً تحرير نفسه بقواه الذاتية، ولكن النتيجة كانت حرب الإبادة، ومئات الألوف من القتلى، ونحو 500 مقبرة جماعية تم اكتشافها لحد الآن.

2- أدَّعوا أن هدف أمريكا من احتلال العراق هو نهب ثرواته النفطية واستعباد شعبه وقتله، "وليس لسواد عيون العراقيين...!" ونحن نعرف أن أمريكا لم تنهب النفط، بل تشتريه بالعملة الصعبة، وارتفع سعر النفط إلى أضعاف سعره عما كان عليه قبل التحرير. كذلك دفعت أمريكا نحو 60 مليار دولار لإعمار العراق، إضافة إلى ما دفعته من تكاليف الحرب، البشرية والمالية. كذلك ساعدت أمريكا على إطفاء 90% من ديون العراق. فهل هذا احتلال استعماري كما يدعي أعداء العراق الجديد؟ 

3- شن أعداء تحرير العراق من فلول البعث وحلفائهم أتباع القاعدة، حرب الإرهاب وإثارة الفتنة  الطائفية، بدعم من الحكومات الخليجية، ومؤسساتها الإعلامية مثل قناة الجزيرة وغيرها، المعادية للديمقراطية في العراق الجديد لأسباب طائفية وسياسية واقتصادية، حاولت إفشالها بمختلف الوسائل.

4- بأوامر من حكوماتهم، أصدر رجال الدين السعوديون وغيرهم من أمثال القرضاوي، فتاوى لقتل العراقيين الشيعة ووصفوهم بـ"الروافض" و"الشيعة الصفوية، و"عملاء الفرس المجوس"، وقاموا بتدمير البنى الاقتصادية، والركائز التحية بذريعة محاربة الاحتلال، وباسم "المقاومة الوطنية الشريفة". بينما الحقيقة تؤكد أن أعمالهم تلك كانت ومازالت حرباً طائفية وعنصرية بدليل أنه حتى بعد رحيل القوات الدولية نهاية عام 2011، استمرت حرب الإبادة ضد الشيعة، وهذه المرة  بحجة مقاومة "الاحتلال الصفوي". وكذلك الشعارات والشتائم الطائفية البذيئة التي رفعها البعثيون والقاعدة في التظاهرات الأخيرة في المناطق الغربية. والمخزي والمخجل، أن هذه التظاهرات الطائفية وما رُفِع فيها من شعارات ومطالبات مخالفة للدستور، نالت مباركة اليساريين العراقيين الذين أدعوا أنها مطالب مشروعة، رغم أن من بينها مطالب مثل: إسقاط الدولة العراقية، وإلغاء الدستور، وإطلاق سراح جميع المتهمين بالإرهاب بدون تحقيق، وإلغاء قانون العدالة والمساءلة، بل وحتى المطالبة بمنع الشيعة من ممارسة طقوسهم المذهبية بحجة أنها شعائر طائفية ضد أهل السنة!!. فهل هذه المطالب مشروعة؟
 
5- مبالغة الإعلام العربي بحجم القتلى العراقيين إلى مليون ونصف المليون، والادعاء أن القتل حصل على أيدي القوات الأمريكية وحلفائهم "الصفويين"، وأن معظم الضحايا هم من العرب السنة حسب ادعائاتهم. بينما الحقيقة تؤكد أن حرب الإبادة حصلت ضد الشيعة، وعلى أيدي فلول البعث الطائفيين، وحلفائهم الإرهابيين من القاعدة، المدعومة من الحكومات الخليجية وخاصة السعودية وقطر، وكذلك تركيا منذ انسحاب القوات الأمريكية نهاية عام 2011.

6- لقد اثبتت الاحصائيات التي قامت بها جهات دولية محايدة مثل منظمة (Body count)، أن عدد القتلى بلغ حدود 100 ألف خلال العشر سنوات الأولى من سقوط حكم البعث. وبالتأكيد هذا الرقم يشكل فاجعة كبيرة على الشعب العراقي، فقتل كل نفس بريئة من بنات وأبناء شعبنا كارثة إنسانية رهيبة، ولكن أين هذا الرقم من مليون ونصف المليون ضحية؟ إن الغرض من تضخيم أرقام الضحايا ليس تألماً على شعبنا أو دفاعاً عنه، بل للتحريض ضده، واعتبار معظم الضحايا من السنة قتلوا على أيدي القوات الأمريكية والشيعة "الفرس المجوس"، للشحن الطائفي، وإثارة غضب العرب والمسلمين وتحريضهم لرفد الإرهاب في العراق... وحققوا النجاح في ذلك.

7- منذ سقوط البعث الفاشي، ادعوا أن الشيعة همشوا السنة في المشاركة في الحكم. والحقيقة أن السنة هم همشوا أنفسهم في أول الأمر، حيث قاطعوا العملية السياسية، ورفضوا المشاركة في السلطة والانتخابات على أمل إسقاط النظام الجديد وإعادة التاريخ إلى ما قبل 2003... وأخيراً انتبه العقلاء من أهل السنة، فشاركوا في العملية السياسية، ولكن اندس البعثيون في صفوفهم لغرض إسقاط العملية السياسية من الداخل باستخدام الورقة الطائفية. فرغم مشاركتهم في السلطة، و وفق ما افرزته صناديق الانتخابات، إلا إنهم شاركوا في الحكومة من أجل شلها وتفجيرها من الداخل كحصن طروادة، وفي نفس الوقت مارسوا الإرهاب. وجرائم طارق الهاشمي، ورافع العيساوي، ومحمد الدايني، وأسعد الهاشمي باتت معروفة للجميع... فمعظم العمليات الارهابية التي جرت وتجري في المناطق الشيعية تدار من قبل المشاركين في السلطة، وتنفذ من قبل حماياتهم وأتباعهم من الإرهابيين.

8- شن أعداء الديمقراطية من البعثيين وحلفائهم حملة ضارية لتشويه صورة الديمقراطية وإيعاز جميع الشرور والجرائم التي ارتكبوها مع القاعدة ضد الشعب إلى الديمقراطية، والمحاصصة، والحكومة أو بالأحرى إلى رئيسها، والإدعاء أن الإرهاب والفساد والنهب نتاج هذه الديمقراطية التي جلبتها "أمريكيا سيئة الصيت!".   
في الحقيقة كل فقرة أعلاه تستحق أن تكون مقالاً مستقلاً، وقد مررنا على الكثير منها في مقالات سابقة.

من جرائم البعث
لقد توفرت لحزب البعث، خلال 35 سنة من حكمه، أفضل الفرص والظروف السياسة والاقتصادية والدولية ليطور العراق ويخرجه من دولة متخلفة إلى مستوى الدول المتقدمة في العالم الأول، ولكن بدلاً من ذلك، بدد البعث الثروات الهائلة على عسكرة المجتمع، وسباق التسلح، والحروب العبثية والخراب الشامل، وارتكب قائمة طويلة من الجرائم التي لا تعد ولا تحصى بحق الشعب العراقي، وشعوب المنطقة، وخاصة الشعبين الإيراني والكويتي.
لقد جلب حكم البعث على العراق خلال 35 سنة من حكمه الجائر، وباختصار شديد الكوارث التالية:
أولاً، قبل اغتصاب البعث للسلطة عام 1968 كان الدينار العراقي يعادل 3.5 دولار أمريكي، بدأ سعر الدينار بالهبوط منذ استلام صدام رئاسة الدولة إلى أن بلغ في الأيام الأخيرة من حكمه مستوى الصفر حيث صار سعر الدولار يعادل 3500 دينار، أي صارت القوة الشرائية للدينار العراقي دون سعر الورق الذي يطبع عليه، أي إفلاس تام وانهيار كامل لاقتصاد بلد عائم على بحر من النفط. فهل هناك فساد وفشل أسوأ من ذلك؟
ثانياً، لقد بلغت واردات النفط أرقاماً عالية غير مسبوقة في عهد حكم البعث، فقبل أن يسيطر صدام على رئاسة الجمهورية عام 1979، بلغ رصيد العراق من احتياطي العملة الصعبة والذهب نحو 45 مليار دولار، وهذا مبلغ كبير في ذلك الوقت، ولكن نتيجة لسياساته الطائشة، عند سقوط حكمه بلغت الديون نحو 120 مليار دولار، إضافة إلى مئات المليارات من تعويضات الحروب، يعني دولة مفلسة.
ثالثاً، بلغ عدد قتلى العراقيين خلال حكم البعث نحو مليونين، إضافة إلى الهجرة القسرية والطوعية التي بلغت نحو 5 ملايين.
رابعاً،، حقق حكم البعث قفزة كبرى ولكن إلى الوراء، حيث أعاد المجتمع العراقي إلى عهد العشيرة والقبلية والطائفية، وتفتيت النسيج الاجتماعي، والتجهيل المتعمد، وما حصل من ردة حضارية، وانهيار فكري وأخلاقي، وتدمير روح المواطنة والولاء للعراق...الخ الذي يدفع الشعب ثمنه الآن.

خامساً، كل ما ألحق بالعراق من خراب ودمار وأضرار وجرائم، منذ 8 شباط 1963 وإلى الآن، يتحمل مسؤوليته البعث الفاشي.

لقد أثبت البعثيون خلال 35 سنة من حكمهم الجائر وهم في السلطة، و 16 سنة من إرهابهم وهم خارج السلطة، أن البعث ليس حزباً سياسياً، بل عصابة مافيا إجرامية مسلحة أدعت ببعض المبادئ السياسية، وتقمصت السياسة، وبغفلة من الزمن، وبمساعدة ظروف دولية شاذة، استطاعت أن تغتصب السلطة بانقلاب عسكري، وتحكم الشعب العراقي بالنار والحديد، وتنهب ثرواته وقتل شعبه وتشريد الملايين من أبنائه. لذلك فنحن لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن حكم البعث كان أبشع وأشنع إحتلال، وعليه، كان واجباً أخلاقياً على المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى أمريكا تحرير الشعب العراقي من أبشع احتلال فاشي جائر عرفه التاريخ.

بالله عليكم، إن حزباً هذا تاريخه البشع، ألحق بالشعب العراقي وشعوب المنطقة الخراب والدمار الشامل، هل يستحق العطف والدفاع عنه والمطالبة بعودته، أو حتى بمشاركته في السلطة لا لشيء إلا لأن الذي ساعد الشعب العراقي في إسقاط الفاشية هو أمريكا؟ فإذا كان بيتي يحترق، من السخف أن أسأل عن هوية فريق الإطفاء. غني عن القول إن من يدافع عن هكذا نظام جائر هو إما مازوخي (Masochistic) يستلذ بالتعذيب والعبودية والإهانة والإذلال، أو هو واحد من المافيا البعثية. وإذا كان أيتام البعث يشوهون صورة العراق الجديد فلهم عذرهم لأنهم فقدوا امتيازاتهم ويسعون لإعادة فردوسهم المفقود، ولكن ماذا عن ضحايا النظام الساقط الذين وقعوا في الفخ البعثي وراحوا يرددون أقوالهم؟ هؤلاء يسيرون نحو الهاوية وهم نيام.وفي جميع الأحوال نحن ضدهم، ولا بد من العمل لتوفير الظروف الطبيعية لشعبنا ليبدأ حياة طبيعية كريمة أسوة بالشعوب المتحضرة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 




39
دعوة لمواجهة الإرهاب العشائري في العراق

د.عبدالخالق حسين

منذ العدوان الصدامي على الكويت عام 1990، وفرض الحصار الاقتصادي الدولي على العراق، والذي أدى بدوره إلى تفاقم الفقر وصعوبة المعيشة، وبالتالي إلى تصاعد وتيرة الجريمة المنظمة، و عجز الحكومة وأجهزتها القضائية والأمنية في السيطرة عليها، لذلك أضطر الدكتاتور صدام حسين إلى إحياء العشائرية، لتلعب دورها في حل المنازعات بين المواطنين بعد أن تم إلغاءها في السنة الأولى من ثورة 14 تموز 1958. وقد أثبت الواقع أن بعث الحياة في العشائرية أشبه بخلق فرانكنشتاين من نوع جديد الذي أنقلب إلى غول رهيب يفترس  خالقه والمجتمع معاً. لقد أصبحت العشائرية خطر كبير وتجاهلها أخطر.
هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن مخاطر العشائرية في العراق، إذ سبق وأن كتبتُ مقالاً بعنوان (العشائر والدولة)(1) عام 2008، بمناسبة الاعتداءات العشائرية على الأطباء، ومقالة أخرى بعنوان: (قانون العشائر يعيق تطور الدولة المدنية)(2) عام 2012 عندما طُرح البعض مشروع قانون العشائر في البرلمان لتقنين وشرعنة العشائرية وتكريسها في المجتمع العراقي المبتلى أصلاً بمختلف الإنقسامات، الدينية والطائفية والأثنية.. وغيرها.

وأعود الآن ثالثة لهذا الموضوع الخطير بمناسبة ما ينشر في الصحف الوطنية والعالمية من تكرار التجاوزات العشائرية على الأطباء أيضاً. وآخرها تقرير صحيفة الديلي ميل اللندنية بعنوان: (يقول أطباء العراق أن حياتهم مهددة بالانتقامات الثأرية حتى وهم ينقذون حياة الآخرين Iraq doctors say vendetta threaten their lives even as they save others)( رابط التقرير في الهامش- رقم 3)

كذلك قرأت مقالاً قيماً قبل أيام للكتاب العراقي الأستاذ صادق الطائي بعنوان (إرهاب العشائر في العراق)(4)، يشرح فيه بشيء من التفصيل قوانين وأعراف العشائر القره قوزية المتخلفة في ممارسة أحكامها الجائرة لحل المنازعات بين أبناء الشعب بدلاً من السلطة القضائية، إضافة إلى ما يسمى بالدكات العشائرية وصداماتها فيما بينها. فالعشائرية أصبحت عبئاً ثقيلاً يهدد السلام المجتمعي، ابتلى به الشعب العراقي بعد سقوط الحكم البعثي الصدامي الذي كان يمارس إرهاب الدولة، وكأنه محكوم على هذا الشعب أن يعاني من مختلف أنواع الإرهاب وفي كل العهود.

ما هي العشائرية؟
العشيرة أو القبيلة، هي تجمع بشري تربط بينهم علاقة قربي والدم، أما العشائرية فهي العصبية التي تربط هؤلاء فيما بينهم، وفق مبدأ (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، ومبدأ (أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وأخي وابن عمي على الغريب). والغريب هنا ليس مواطني دولة أخرى، بل كل إنسان من عشيرة أخرى حتى ولو كان من نفس الوطن. والعشائرية مرحلة من مراحل تطور المجتمع البشري في التاريخ، تسبق تكوين الشعب والأمة والدولة. وفي عصرنا هذا تُبعث الحياة في العشائرية، وتنشط في فترات ضعف الدولة والانحطاط الحضاري، والانهيار الفكري، عندما تعجز الدولة عن حماية مواطنيها من العدوان. لذلك فقوة العشيرة تتناسب عكسياً مع قوة الدولة ودرجة التمدن. وكما أشرت أعلاه، كادت العشائرية أن تختفي من المجتمع العراقي منذ السنة الأولى من ثورة 14 تموز، لولا حكم البعث الذي عمل على إعادة المجتمع إلى الوراء، أي إلى مرحلة القبلية. لذا فإحياء العشائرية عملية معوقة للتقدم الحضاري، وبناء المجتمع المدني، وتهدد السلم الأهلي، والوحدة الوطنية، لأنها تؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي، كما الطائفية والعنصرية الفاشية. لذلك فالعشائرية تناقض الدولة العصرية والنظام الديمقراطي، و تؤدي إلى ظهور شريحة طفيلية من أصحاب النفوذ، تشكل عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدولة وأمن وسلامة المجتمع. لذلك لا توجد العشائرية في الدول المتقدمة، بل في المجتمعات المتخلفة فقط، فهي مظهر من مظاهر التخلف الحضاري.

وقد أدى الإرهاب العشائري إلى فرار الألوف من الأطباء وغيرهم من أصحاب الاختصاصات والكفاءات ليقدموا خدماتهم إلى الشعوب الأخرى مقابل كسب معيشتهم بأمان وكرامة. وفي هذا الخصوص قالت الدكتورة شيماء الكمالي، من بغداد، التي تعرضت حديثاً للإرهاب العشائري، ان مشاكلها بدأت عندما منعت والد إحدى المريضات من البقاء في المستشفى بعد ساعات الزيارة. فاقتحم أقاربها عيادتها احتجاجاً غاضبون وهم يحملون السلاح مما اضطرت إلى الفرار عبر مدخل الخدمة. ولم تجرأ في الذهاب إلى العمل لعشرة أيام، وأنها تفكر الآن لمغادرة العراق.
ويضيف التقرير: (يقول الأطباء والممرضون وغيرهم من العاملين الصحيين في جميع أنحاء العراق إنهم يتعرضون لخطر الاعتداء البدني والتهديد اللفظي، وحتى الاختطاف أثناء العمل)( نفس المصدر-3).

وإذا ما فشل الطبيب في شفاء المريض، أو أدت عملية جراحية إلى موت المريض، فإن عشيرة المريض تطالبه بدفع دية قد تقدر بخمسين ألف دولار. وقالت الدكتورة شيماء الكمالي: أن (من بين 348 طبيباً تخرجوا معها من كلية الطب عام 2009 ، غادر 285 البلاد بسبب هذه الاعتداءات).
وهذا يعني نزيف خطير في هجرة الأطباء وغيرهم من أصحاب الخبرة والاختصاصات المختلفة بسبب الإرهاب العشائري. 
إن مغادرة الأطباء الشباب البلاد بسبب الإرهاب العشائري هي كارثة حقيقية يستغلها أيتام البعث للترويج بأن عهد حكمهم كان أكثر أماناً من عراق ما بعد صدام. طبعاً هذا الإدعاء غير صحيح، لأن العهد الصدامي كان يمارس إرهاب الدولة، حيث دشن صدام عهده عندما أعلن نفسه رئيساً للجمهورية عام 1979، بطرد 49 أستاذاً من خيرة أساتذة كلية طب بغداد، والتي سمَّتها إحدى الصحف البريطانية بـ(مجزرة في مدينة الطب  Massacre in the Medical city). لا ننسى أن كل ما يجري الآن في العراق هو من تركة حكم البعث، ناهيك عن أن إحياء العشائرية وتمجيدها قد تم من قبل حكم البعث كما أسلفنا.

ما العمل؟
لا شك أن الدولة العراقية الآن وبعد مرور 16 عاماً على سقوط حكم البعث الجائر في موقع القوة، حيث نجحت الحكومة في بناء المؤسسة العسكرية، والأجهزة الأمنية، والقضائية، لذا فهي مطالبة بإلغاء العشائرية، وأحكامها الجائرة المتخلفة. فكما نجحت الحكومة بسحق الإرهاب الداعشي، لا بد وأنها قادرة على سحق الإرهاب العشائري أيضاً.
لقد نجحت ثورة 14 تموز عام 1958 بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم بإلغاء قانون حكم العشائر المجحف ودورها في حل المنازعات في الريف العراقي الذي كان يشمل نحو 70% من الشعب العراقي آنذاك. كما نجحت حكومة الثورة في تجريد شيوخ العشائر من قوتهم الاقتصادية وذلك بإصدار قانون الإصلاح الزراعي. ومنذ ذلك التاريخ استجاب الجميع لهذا القانون، وكادت العشائرية أن تختفي من العراق لولا حكم البعث الصدامي الذي أعاد إليها الحياة كما أسلفنا أعلاه.

كما نحذر الحكومة أن خطر العشائرية على الشعب العراقي لا يقل عن خطر الإرهاب الداعشي البعثي، والفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة، وهي، أي الحكومة، تمتلك الآن كل الإمكانيات لإصدار قانون تلغي بموجبه تجاوزات العشائر، و دورها في حل المنازعات بين أبناء الشعب لأي سبب كان. ونحن إذ نقول ذلك نعلم مسبقاً المعوقات أمام هكذا قرار، إذ نتفهم أن العشائرية لا يمكن إلغاءها بمجرد قرار حكومي فقط، بل يحتاج إلى حملة ثقافية وإعلامية وتربوية، تتضافر فيها جهود كل الخيريين من المثقفين والكتاب والمدرسين والإعلاميين، لتنبيه الشعب عن مخاطر العشائرية والعصبيىة القبلية على مستقبل الأمة العراقية، وأن زوالها ضروري للسلم الأهلي وكرمة المواطن وسلامة الدولة وتقدمها.

فالأحكام العشائرية وما يحصل من صدامات بين العشائر نفسها، وأساليبها الهمجية في حل المنازعات  وصمة عار في جبين المجتمع العراقي والحكومات العراقية المتعاقبة ما بعد 2003، وعلى سبيل المثال أن أحد هذه الحلول الإجرامية التي تلجأ إليها العشائر هو استخدام المرأة كدية.
وفي هذا الخصوص كتب الكاتب المصري الصديق، د.صلاح الدين محسن خاطرة بعنوان: (كلمة قصيرة - بمناسبة عيد المرأة 8 مارس)، أن ما يحدث للمرأة العراقية بان يتم التنازل عنها في قضايا (الثأر)، أي الفصل بين عشيرة وأخري، وصمة عار في جبين البشرية. وأبشع امتهان للمرأة .. المرأة ليست معزة ولا بقرة ، لكي تُدفع دية. لذلك يجب صدور قانون عراقي بالإعدام لزعيم العشيرة الذي يقدم نساء من عشيرته بتلك الطريقة، وكذلك إعدام شيخ العشيرة الذي يطلب او يقبل  أخذ نساء من عشيرة أخري كدية ثمنا للثأر ... النساء لسن ماعز او أبقار .. النساء امهات كل الرجال وسيداتهم وتيجان رؤوسهم.)(4)
إني أتفق كلياً مع ما قاله الصديق الكاتب القدير... فهل من يسمع؟ 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
مقالات أخرى للكاتب
https://www.sotaliraq.com/category/articles/%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%84%D9%82-%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86/
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:  روابط ذات صلة بالمقال
1- د.عبدالخالق حسين: العشائر والدولة
http://www.akhbaar.org/home/2008/10/55873.html

2- د.عبدالخالق حسين: قانون العشائر يعيق تطور الدولة المدنية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=875

3- تقرير عن تجاوزات ثأرية عشائرية على أطباء العراق
Iraq doctors say vendettas threaten their lives even as they save others
https://www.dailymail.co.uk/wires/afp/article-6754469/Iraq-doctors-say-vendettas-threaten-lives-save-others.html

4- د. صلاح الدين محسن: كلمة قصيرة - بمناسبة عيد المرأة 8 مارس
http://salah48freedom.blogspot.com/2019/03/8.html


40
الإدمان على عبودية البعث!
عبدالخالق حسين

جاء في تقرير مع (فيديو) بعنوان: (صدام حسين يتسبب بمشاكل جمة لشاعر عراقي!) بثته محطة (RT) ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي، مفاده أن شاعراً شعبياً في مدينة الناصرية مدح صدام حسين، وتهجم على السياسيين الحاليين في بلاده.

وقد سأل منسق إحدى مجموعات النقاش، كاتب هذه السطور مشارك فيها، وهو الصديق الدكتور محمد حسين علي، مشكوراً، عن رأينا في ((ما تؤول الحالة له لو اطلق العنان لأحباء (...) صدام أعداء الشعب في التمادي في الاستهانة بدماء الملايين من الشهداء ضحايا(...) صدام))، خاصة وقد جاء في التقرير: ( أنه لا يوجد أي سند في القانون العراقي يعاقب على مدح الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، رغم وجود قانون يحظر حزب البعث الذي كان يتزعمه.)

لا شك أن الوضع العراقي في غاية التعقيد، فالذين تسلموا السلطة ما بعد صدام لم يكونوا بمستوى المسؤولية، لأنهم لم يتدربوا على الحكم كما حال المعارضة في الدول الديمقراطية، فمعارضو الحكم البعثي الساقط كانوا في الشتات يعانون من شظف العيش، إضافة إلى التركة الثقيلة من الخراب البشري والمادي التي ورثوها من العهد الساقط، وخاصة فيما يخص تقديم الخدمات، وإعمار العراق، إضافة إلى تفشي الفساد في جميع مفاصل الدولة، مما فسح المجال لأيتام صدام استغلال الوضع البائس، والحرية المطلقة التي وفرها لهم النظام الديمقراطي، لبث سمومهم، وتشويه صورة العراق الجديد، والترويج لعبارات مثل قولهم (فساد المسؤولين بيّض وجه صدام...وبسم الدين باكونا الحرامية، الخ).

وفيما يتعلق بمقولة (أنه لا يوجد أي سند في القانون العراقي يعاقب على مدح الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين...الخ). اعتقد هذا خطأ. فقد جاء في الدستور العراقي الدائم لسنة 2005، في مادته السابعة (أولاً) ما يلي:
(يحظر كل كيانٍ او نهجٍ يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير أو التطهير الطائفي، او يحرض أو يمهد أو يمجد او يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.)
ومن هذه المادة نعرف أن الدستور العراقي يعاقب على مدح أو تمجيد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وحزبه الفاشي.

أعداء الحرية
إن ما يجري من محاولات لتشويه صورة العراق الجديد، وخاصة من قبل أيتام النظام البائد، ناتج عن سوء استخدام حرية التعبير التي كفلها الدستور. ولكن في نفس الوقت يجب أن نعرف أن الحرية والمسؤولية وجهان لعملة واحدة. فالحرية بلا مسؤولية يستغلها أعداء الحرية لإفشال العملية السياسية، ويمارسها الحيوان في الغابة.

وفيما يخص أعداء الحرية، علق الصديق الدكتور محمد حسين علي، وهو أخصائي في الأمراض النفسية،  قائلاً: « ولقد أجرى احد تلاميذ (سيغموند فرويد) وهو (أريك فروم) دراسة على بعض الناس واكتشف (ان بعض الناس لا يعرفون ماذَا يفعلون بالحرية اذا اكتسبوها)، فكأنه يوجد بين الناس من لا يعطي الحرية اي قيمة بينما اغلب الناس يعطون الحرية أعلى قيمة ترقى الى قيمة الحياة نفسها ،، وقد قال مفكر حر قولا أثيراً ومشهورا وهو (Give Me Liberty Or Give Me Death) ،، وقد قام (اريك فروم) بتأليف كتاب اسماه (الهروب من الحرية) او (Escape From Freedom). ويبدو ان نفس الحالة تحدث الآن في نفوس بعض العراقيين ،،  هناك البعض من يتمنى ان يعود عهد (...) صدام وعهد حزب البعث الرديء من ناقصي العقل والضمير ... وهو غير عابيء بمآل الملايين من الشهداء، ضحايا ذلك الغول الرهيب والعهد البغيض ،، وليس عبثا ان كل الدول التي عانت من نظم ديكتاتورية ظالمة، أو من حروب سببها اشرار البشر لا يفتؤون يذكِّرون شعوبهم بما حدث في العهود المظلمة ،، ويركزون على دراسة التاريخ! والاستفادة من دروسه». انتهى

نعم، في العراق مشكلة سايكولوجية يعاني منها المجتمع العراقي ما بعد البعث. فحكم البعث كان يرغم الناس على تمجيد صدام حسين وحزبه، ومن يخالف ذلك كان معرضاً للتصفية الجسدية، أو الفرار بجلده للخارج. وهذا ما دفع خمسة ملايين عراقي مغادرة البلاد طلباً للعيش بكرامة. لذلك سميت دولة البعث  بـ(دولة المنظمة السرية) حسب تعبير البعثي السابق حسن العلوي، و(جمهورية الخوف) بتعبير كنعان مكية. ولهذا لم يعبأ الشعب بسقوطها إذ لم يدافع عنها.

ومهما كان الوضع الحالي من سوء،  فهو لا يبرر تمجيد الجلاد صدام حسين، لأن هذا التمجيد إن دل على شيء فإنما يدل على مرض نفسي يعاني منه فلول البعث، وحتى البعض من ضحايا البعث الصدامي الجائر من الذين استمرؤوا الذل والهوان إلى حد الإدمان. فالإدمان مرض عضال يضر بصحة الإنسان، وكرامته، وعقله وممتلكاته، مثل الإدمان على القمار، والكحول، وغيرها من المخدرات المدمرة. وكذلك هناك الإدمان على الذل والعبودية. وما تمجيد أولئك لصدام و عهده المظلم الجائر إلا نوع من هذا الإدمان ومرض المازوخية، أي التلذذ بتعذيب الذات.
يقول فكتور هيجو: تبدأ الحرية حين ينتهي الجهل، لأن منح الحرية لجاهل كمنح السلام لمجنون.

لقد بات معروفاً أن صدام حسين هو أكثر من استهان بسيادة العراق، فقد تنازل عن الكثير من الأراضي لدول الجوار، وأعاد العراق إلى ما قبل تأسيس الدولة الوطنية والقومية، حيث أحيا العشائرية، وقانون حكم العشائر، وأشاع هوية المكونات على حساب الهوية الوطنية العراقية، وجعل العراق عبارة عن اتحاد عشائري، ناصباً نفسه شيخ المشايخ، وكان يجمع الشيوخ المخصيين وهم يرقصون له أمام شاشات التلفزة، رغماً عنهم، يرددون أهزوجة (صدام اسمك هز أمريكا) و (بالروح بالدم نفديك يا صدام) إلى آخره من وصمات العار، وأخيراً  شاهدوا نهاية صدام المخزية، أنه حقاً كان نمراً من ورق، وكيف أخرجه الأمريكان كالجرذ المرعوب من الحفرة الحقيرة.

يجب أن يعرف مداحو صدام، أن سيدهم أذل الشعب والجيش في العراق، واستهان بسيادته الوطنية، وكل مقدراته. وأولئك الذين يمتدحون الجيش العراقي في عهد صدام نذكرهم بالصورة المخزية لجندي عراقي وهو يقبل جزمة الجندي الأمريكي في صحراء السعودية في حرب تحرير الكويت، وهو يتوسل بالجندي الأمريكي:(خلصنا ألله يخلصك). هذي اللقطة المذلة راحت تلفزيونات إسرائيل تبثها عدة مرات يومياً ولفترة طويلة لتحطيم معنوية الجيش العراقي الذي كانوا يرددون أن إسرائيل لا تخاف إلا من هذا الجيش و أنهم يسمونه بالجيش الوحشي!! ولا أعرف إن كانت الوحشية تستحق الثناء! هذا هو تاريخ سيدكم صدام حسين، ولكن يبدو أن ذاكرة البعض أقصر من ذاكرة السمكة !.

واليوم يريد البعض من هؤلاء أن يجعل من نفسه بطلاً بالتجاوز على القوانين وتمجيد صدام. في الحقيقة إن أي نقد للحكومة الديمقراطية لا يجعل من الناقد بطلاً، بل يُنظر إلى نقده هل هو حق أو باطل، وما الغاية منه، هل هو لإصلاح الأخطاء، أم لتبييض وجه النظام الجائر الساقط. فإذا كان للإصلاح فهو ناقد وطني يُحمد عليه، أما إذا كان لتمجيد صدام فهو متوهم إذ لا يختلف عن السيئ الصيت دونكيشوت، ولا يمكن اعتباره بطلاً على أي حال، لأن النظام الديمقراطي يكفل حرية النقد والتعبير، ولكن ضمن القانون. وفي هذا الخصوص يقول الرئيس الأمريكي الأسبق، توماس جيفرسن: (إذا كان الشعب يخاف من الحكومة، فهذا استبداد، وإذا كانت الحكومة تخاف من الشعب فهذه ديمقراطية).
 
سايكولوجية الجماهير
يقول المفكر الفرنسي غوستاف لوبون في هذا الخصوص في كتابه «سيكولوجية الجماهير»: «إن الاستبداد والتعصب يشكلان بالنسبة للجماهير عواطف واضحة جدا، وهي تحتملها بنفس السهولة التي تمارسها. فهي تحترم القوة ولا تميل إلى احترام الطيبة التي تعتبرها شكلا من أشكال الضعف. وما كانت عواطفها متجهة قط نحو الزعماء الرحيمين والطيبي القلب، وإنما نحو المستبدين الذين سيطروا عليها بقوة وبأس. وهي لا تقيم النصب التذكارية العالية إلا لهم. وإذا كانت تدوس بأقدامها الديكتاتور المخلوع فذلك لأنه قد فقد قوته ودخل بالتالي في خانة الضعفاء المحتقرين وغير المهابين. إن نمط البطل العزيز على قلب الجماهير هو ذلك الذي يتخذ هيئة القيصر. فخيلاؤه تجذبها، وهيبته تفرض نفسها عليها، وسيفه يرهبها». انتهى

هذا الوصف ينطبق على المجتمع العراقي بعد سقوط حكم البعث، وإقامة النظام الديمقراطي. نقول مرة أخرى، ومهما كانت أخطاء حكومات ما بعد 2003، إلا إنها لا يمكن أن تقارن مع جرائم البعث الصدامي أو أي بعث آخر، بحق الشعب العراقي وشعوب المنطقة، وقائمة جرائمه طويلة يعرفها القاصي والداني، ويكفي أن نذكر على سبيل المثال، تدميره للاقتصاد العراقي، وتجويعه وإذلاله للشعب، حيث كان الدينار العراقي قبل تسلط صدام على السلطة، يعادل 3.5 دولار أمريكي، بينما تدهورت قيمته في عهد رئاسته، فصار الدولار يعادل 3500 دينار (أي نسبة التضخم مليون بالمائة)، و صار راتب الأستاذ الجامعي يعادل 3 دولارات شهرياً، مما اضطروا إلى القيام بأعمال سواق التاكسي في المساء، وكثير من العراقيين باعوا أثاث بيوتهم لتوفير لقمة العيش، ومن كان ينتقد السلطة الفاشية كان يعرض نفسه للموت. 

نعم، نحن مع النقد، فالنقد أساس التقدم، ولكن يجب أن يكون نقداً منصفاً ومسؤولاً، ومن أجل إصلاح الأخطاء، وخير الشعب، وليس نقداً لتمجيد البعث وتبييض وجهه القبيح، لإعادة سلطته الفاشية الداعشية التي أحرقت اليابس والأخضر، لأن أي تمجيد لعهد الفاشية دليل على إدمان البعض على العبودية وكرههم للحرية، والتجاوز عليها بسوء استخدامها، ولا يمكن أن نسكت عن هؤلاء ، فالساكت عن الحق شيطان أخرس.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
مقالات أخرى للكاتب:
http://www.alakhbaar.org/home/for-the-author/?auid=17
ـــــــــــــــــــــــ

ملحق
إلى المتباكين على عهد صدام
كما وصلني عبر بريدي الإلكتروني

أقترح إستحداث محافظه عراقيه جديدة، ويتم نقل جميع الذين يحنون للنظام البائد إليها، على أن يتم حكمها بنفس الأُسلوب البعثي الصدامي :
-- الساتلايت ممنوع
-- الموبايل ممنوع
-- الانترنت ممنوع
-- كتب دينية ممنوع
-- كتب ديمقراطية ممنوع
-- صحافة حرة ممنوع
-- إذاعات خاصة ممنوع
-- إنتخابات ماكو
-- كل جمعة إجتماع بالفرقة الحزبية
-- السفر ممنوع ( إلاّ تدفع بدل سفر ٤٠٠ الف )
-- الخدمة العسكرية إلزامية والراتب ١٨ الف دينار
-- إللي يسب الريس أو أحد أفراد عائلته إعدام
-- الإنتماء لأي حزب غير البعث إعدام
-- أي مظاهرات ضد النظام إعدام
-- زيارات مشي ممنوع
-- مجالس حسينية ممنوع
-- طبخ للحسين ممنوع
-- محاضرة للوائلي ممنوع
-- أغاني فؤاد سالم ممنوع
-- شعر مظفر النواب ممنوع
-- تربي لحية ممنوع
-- تلبس أسود ممنوع
و أوفر إلهم حصة تموينية كاملة متكاملة من الطحين و السكر و الشاي أنتهاءاً بشفرات الحلاقة و الشخـاط ) .. وأمنع أستيراد 90% من البضائع من خارج المحافظة .. و الـ10% من البضائع المسموح إستيرادها أخلّي سعرها ضعف الراتب ، وأخلّي تسعيرة كل حاجة حسب سعر عام 2003 يعني كيلو اللحم ب5000 دينار .. و قنينة الغاز بـ250 دينار .. و أنطي بيها راتب مقداره 12000 دينار .
وشكو واحد يتحسر على أيام صدام و يسميها أيام الخير أجبره يعيش بيها !


41
أضواء على وثيقة الأخوة الإنسانية بين الأزهر والفاتيكان

د.عبدالخالق حسين

تم في أبو ظبي، يوم 4 فبراير/شباط 2019، التوقيع على وثيقة تاريخية مهمة من قبل شيخ الأزهر الشريف الإمام الأكبر أحمد الطيب، وقداسة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكا. وسميت بحق (وثيقة الأخوة الإنسانية بين الأزهر والفاتيكان).

ومن يقرأ هذه الوثيقة يعلم أنها ليست نتاج لحظة اللقاء بين زعمين روحيين لأكبر ديانتين في العالم، وإنما نتاج مباحثات ولقاءات كثيرة ولأشهر إن لم نقل لسنوات، بعيدة عن الأضواء وضجيج الإعلام، حيث كُتبت الوثيقة بمنتهى البلاغة والرصانة، سواء بمضمونها المتكامل، وتماسك وتسلسل أفكارها، أو باختيار كلماتها بمنتهى الدقة من قبل خبراء في هذا المجال، وبما يناسب ظروف المرحلة الحرجة التي تمر بها البشرية في عصر العولمة، وما تعانيه من انحرافات شلة من المسلمين تبنوا التطرف والإرهاب ضد البشرية كوسيلة لتحقيق أغراض سياسية غير مشروعة.

وكما قيل، رضاء الناس غاية لا تُدرك، إذ الملاحظ أن هذه الوثيقة قد واجهت آراءً ووجهات نظر متباينة من قبل المعلقين، وبالخصوص على مواقع التواصل الاجتماعي. فهناك من يعترض على الدولة المضيفة (الإمارات)، لهذا اللقاء التاريخي بين قداسة بابا الفاتيكان، وهو زعيم الكنيسة الكاثوليكية التي تضم أكثر من مليار مسيحي كاثوليكي، وشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب الذي هو الأخر يتزعم الإسلام الذي يضم نحو مليار ونصف المليار مسلم في العالم. والاعتراض هنا أن غاية الحكومة الإماراتية هي الدعاية لنفسها، خاصة وهي مساهمة في تدمير اليمن، وقتل عشرات الألوف من المدنيين الأبرياء في هذا البلد غير السعيد... وآخرون يعترضون أنه ليس في هذه الوثيقة أي ذكر للقضية الفلسطينية، كمحاولة للتقليل من أهميتها ...الخ

رغم هذه الاعتراضات، إلا إني أعتقد أن هذه الوثيقة تاريخية، ومهمة جداً، خاصة في هذه المرحلة، حيث تم اختطاف الدين الإسلامي من قبل عصابات من المتطرفين الإرهابيين، وضعوا الإسلام والمسلمين في مجابهة غير متكافئة مع البشرية، حيث تبنوا المذهب الوهابي التكفيري المنحرف عن الإسلام الحنيف، وتمادوا في شن حرب إرهابية ذهبت ضحيتها عشرات الألوف من الأبرياء،  نحو 80% منهم من المسلمين.

يتمترس مشايخ الإرهاب بحديث منسوب للنبي محمد أنه قال: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)، وهو حديث أقل ما يقال عنه أنه ضعيف، خاصة وهناك عشرات الآيات القرآنية التي تبجل الأديان السماوية الأخرى وخاصة المسيحية واليهودية. ورغم هذا الحديث، فقد كشف لقاء البابا بشيخ الأزهر أن في دولة الإمارات وحدها يعيش اليوم نحو مليون مسيحي، علماً بأن دولة الإمارات جزء من جزيرة العرب. فإذن هذا اللقاء والوثيقة خروج على ما يتمترس به دعاة معاداة الأديان الأخرى من أحاديث، والسعي للعمل وفق ما تتطلبه المرحلة الحضارية التي تحث الخطى نحو التقارب بين البشر.

أما كون غاية دولة الإمارات هي كسب دعاية عالمية لنفسها وتحسين صورتها بين الأمم، فما يهمنا هو نتاح هذا اللقاء الذي كسر التابو..، وحتى لو كان هذا ضمن (الغايات غير المقصودة) من قبل الإمارات، لأن الغاية التي نريدها هي إدانة الإرهاب، ونشر روح التسامح للتعايش بين أتباع الأديان المختلفة بسلام، وسحب البساط من تحت أقدام مشايخ التطرف الديني. أما كون يد الإمارات ملوثة بدماء الأبرياء في اليمن، فهذه جريمة ندينها بقوة، ولكن ماذا نخسر لو قامت هذه الدولة بالمبادرة الطيبة التي تلكأت غيرها من الدول في استضافة هذا اللقاء؟ وحبذا لو تتسابق الحكومات الأخرى في هذا المجال لإدانة الإرهاب، والعمل على التقريب بين الأديان والمذاهب، حتى ولو كانت غاياتها لرفع مكانتها الدولية.

أما الاعتراض الآخر بعدم الإشارة إلى القضية الفلسطينية، فهذه القضية سياسية بحتة ومزمنة، وهناك مئات المشاكل الأخرى في العالم لا يمكن الإشارة إليها، أو حلها في لقاء واحد بين زعيمين دينيين. فالوثيقة تخص مواجهة التطرف الديني، والإرهاب الذي يُرتكب باسم الدين الإسلامي، والدعوة للتقارب بين المسيحية والإسلام. فكل مشكلة في العالم تحتاج إلى مؤتمرات خاصة بها. وهذا لا يقلل من أهمية هذه الوثيقة التاريخية.
والجدير بالذكر أن القضية الفلسطينية تم تجييرها حتى من قبل أعدائها، وضد الشعب الفلسطيني، وكأنهم يريدون أن يقولوا لنا أن الإرهاب وجد مسبب مظلومية الشعب الفلسطيني، وغايته تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي، بينما الحقيقة تثبت العكس. فالإرهاب الإسلامي لم يضرب إلا الدول الرافضة للتطبيع مع إسرائيل مثل العراق، وسوريا واليمن وليبيا. كما هناك تقارير موثقة تثبت أن إسرائيل تعالج جرحى الإرهابيين في سوريا، وكذلك بات معروفاً لدا القاصي والداني، أن القوات الجوية الإسرائيلية تضرب القوات السورية وحلفائها التي تحارب الإرهاب في سوريا. فإذنّ، تسخير القضية الفلسطينية ضد هذه الوثيقة قول حق يراد به باطل.

نستشهد هنا ببعض ما ورد في الوثيقة، وفي ختام هذا المقال نورد رابطها لمن يرغب في قراءة نصها الكامل(1)
تبدأ الوثيقة ((باسم "الأخوة الإنسانية" التي تجمع البشر جميعا، وتوحدهم وتسوي بينهم. وباسم تلك الأخوة التي أرهقتها سياسات التعصب والتفرقة، التي تعبث بمصائر الشعوب ومقدراتهم، وأنظمة التربح الأعمى، والتوجهات الأيدلوجية البغيضة.باسم الحرية التي وهبها الله لكل البشر وفطرهم عليها وميزهم بها.باسم العدل والرحمة، أساس الملك وجوهر الصلاح.باسم كل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة، في كل بقاع المسكونة.باسم الله وباسم كل ما سبق، يعلن الأزهر الشريف- ومن حوله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها - والكنيسة الكاثوليكية - ومن حولها الكاثوليك من الشرق والغرب - تبني ثقافة الحوار دربا، والتعاون المشترك سبيلا، والتعارف المتبادل نهجا وطريقا)).
 
كما تؤكد الوثيقة على:
((أن حماية دور العبادة، من معابد وكنائس ومساجد، واجب تكفله كل الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية، وكل محاولة للتعرض لدور العبادة، واستهدافها بالاعتداء أو التفجير أو التهديم، هي خروج صريح عن تعاليم الأديان، وانتهاك واضح للقوانين الدولية.
- أن الإرهاب البغيض الذي يهدد أمن الناس، سواء في الشرق أو الغرب، وفي الشمال والجنوب، ويلاحقهم بالفزع والرعب وترقب الأسوأ، ليس نتاجا للدين - حتى وإن رفع الإرهابيون لافتاته ولبسوا شاراته - بل هو نتيجة لتراكمات الفهوم الخاطئة لنصوص الأديان وسياسات الجوع والفقر والظلم والبطش والتعالي؛ لذا يجب وقف دعم الحركات الإرهابية بالمال أو بالسلاح أو التخطيط أو التبرير، أو بتوفير الغطاء الإعلامي لها، واعتبار ذلك من الجرائم الدولية التي تهدد الأمن والسلم العالميين، ويجب إدانة ذلك التطرف بكل أشكاله وصوره)).أنتهى الاقتباس

يجب أن لا نقلل من أهمية هذه العبارات التي تصدر باسم زعيمين لديانتين كبيرتين في العالم، كان لحد وقت قريب من الصعوبة حتى التخيل بحصولها.

أقول ما الخطأ في هذا الكلام وهو غيض من فيض مما جاء في الوثيقة. لذلك أتمنى على كل المثقفين التنويريين من دعاة التعايش السلمي بين البشر، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية والسياسية والأثنية، أن يدعموا هذه الوثيقة، وهي الخطوة التي كنا ننتظرها، ولا يهمنا مكان صدورها، أو الجهة التي استضافت اللقاء، أو كونها لم تشر إلى المشاكل الكثيرة الأخرى التي يعج بها العالم. فالوثيقة تخص مواجهة التطرف الديني الذي يهدد الحضارة البشرية، والدعوة لتعايش أتباع مختلف الأديان بسلام.
كما يجب التوكيد أن الأديان مهمة لغالبية البشر، ويجب التعامل معها بواقعية واحترام معتقادات الناس، وليس حسب الرغبات الطوباوية.
وبالتأكيد هذه الوثيقة تحتاج إلى ترجمتها إلى عمل متواصل لتنفيذ بنودها، وهذه من مسؤولية الجميع، رجال الدين، والحكومات، ووسائل الإعلام، والمؤسسات التربوية وغيرها. كما ويجب منع خطباء المساجد من التحريض ضد أتباع الأديان والطوائف الأخرى، واعتبار أي تحريض  من جرائم إثارة الفتن الطائفية ومحاسبتهم عليها.
فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية هي الخطوة الأولى في هذه الرحلة. ويجب أن تتبعها خطوات كثيرة لإتمام المسيرة في التقارب بين البشر والتعايش بسلام.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
مقالات أخرى للكاتب
http://www.alakhbaar.org/home/for-the-author/?auid=17
ـــــــــــــــــــــــــ
* شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان يوقعان وثيقة الأخوة الإنسانية - النص الكامل
https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1224504-%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A-%D8%A7%D9%94%D8%A8%D9%88%D8%B8%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84-%D9%84%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%94%D8%AE%D9%88%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%95%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9

42
أمريكا وإيران.. تقاسم نفوذ، أم ادارة للصراع بالنيابة؟

د.عبدالخالق حسين


توضيح
كتبتُ هذه المداخلة لتقديمها كمحاضرة في الندوة السياسة التي نظمها (نادي الكلمة) في لندن مساء يوم 27 كانون الثاني/يناير 2019. وقد أدار الندوة باقتدار الأستاذ أبو فراس الحمداني. ولكن نظراً لضيق الوقت (20 دقيقة لكل محاضر)، اكتفيتُ بتقديم مداخلتي ارتجالاً وباختصار شديد. لذلك أعيد نشرها هنا كمقال وبشيء من التفصيل، لتعميم الفائدة، مع الاعتذار عن إعادة بعض الأفكار من مقالاتي الثلاثة الأخيرة، وذلك لإكمال الصورة، و حسب ما تتطلبه المناسبة.

مقدمة
السيدات والسادة الحضور الكرام، في البدء أتقدم بالشكر جزيل للأخ مدير الندوة الأستاذ أبو فراس الحمداني على مقدمته الجميلة، ، وشكراً للأخوة في نادي الكلمة على تنظيم هذه الندوة المباركة، ودعوتهم الكريمة  لي ولزملائي الأفاضل، وكل الشكر للحضور الكرام. لا شك أن الغرض من هذا اللقاء هو تبادل الأفكار، ومناقشة هموم شعبنا بكل صراحة وشفافية، على أمل تقديم مساهمة، ومهما كانت متواضعة، لإنجاح العملية السياسية والديمقراطية، والخروج من هذا المأزق بسلام. فنحن هنا لنتحدث ونجادل بالسياسة، لأن السياسة هي السبب الرئيسي لتركنا الوطن العزيز، والعيش في الشتات، والسياسة، بالمناسبة، ليست كلمة بذيئة كما يتصور البعض، فهي تعني الاهتمام بالشأن العام. وإذا كان هناك سياسيون أشرار وفاسدون، فالسبب هو ابتعاد الأخيار عن السياسة. إذ كما قال سقراط: "إذا امتنع الأخيار عن السياسة، فسيعاقبون بتولي أشرارهم عليهم." لذلك فالحديث بالسياسة ومشاكلها دائماً مثير للجدل والاختلاف، ونأمل من الجميع أن يقابلوا هذا الاختلاف بروح التسامح، وبالتي هي أحسن، إذ كما قيل: (الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية).

عن أهمية التاريخ ومقولات الحكماء فيه
من نافلة القول، أن الحاضر هو نتاج الماضي، فالشعب العراقي منقسم على نفسه دينياً ومذهبياً وأثنياً وعشائرياً، ولغوياً ومناطقياً...إلخ، وهذه التعددية من نتاج التاريخ والجغرافية، وليس بإمكاننا تغييرها، بل يجب الاعتزاز بها كلوحة فسيفسائية جميلة لشعبنا، وهي ليست صفة خاصة بشعبنا وحده، إذ من النادر أن تجد شعباً بلا تعددية المكونات، وإنما المطلوب منا هو التعامل السليم مع هذه التعددية بروح المواطنة، والعمل الجاد على التعايش معاً بسلام، وهذا لا يتم إلا بإعطاء الأهمية للهوية الرئيسية، وهي الهوية الوطنية العراقية، مع حق جميع المكونات بممارسة هوياتها الثانوية بمنتهى الحرية. وبناءً على هذا المبدأ، نجد في الأنظمة الديمقراطية تكون تعددية المكونات مدعاة للوحدة حسب مقولة:(Unity in diversity). ولكن في النظام الدكتاتوري يحصل العكس، إذ يعتمد الطاغية، لدوام حكمه، على تطبيق مبدأ (فرق تسد)، واستعداء كل مكون على بقية المكونات، وشحنهم باحتقانات المظلومية. لذلك عندما سقط حكم الطغيان في العراق، انفجرت هذه الاحتقانات ضد بعضها البعض في صراعات مدمرة وكل مكون يعتبر نفسه مظلوماً أكثر من غيره، بغض النظر عن كون هذه المظلوميات حقيقية، أو وهمية، أو مبالغ بها. 

ينقل لنا ويل ديورانت، صاحب كتاب (قصة الحضارة)، أن أحد ملوك أوربا نصح ابنه أن يقرأ التاريخ، ولا يضيِّع وقته بقراءة كتب الفلسفة، فرغم أن الفلاسفة يطرحون أسئلة مهمة، ولكن إجاباتهم غامضة، وغير مفهومة. بينما التاريخ عبارة عن سجل يدوَّن فيه أخطاء البشر من الأجيال السابقة، ونتعلم منها. ونحن إذ نستذكر التاريخ وندعو لقراءته، لا لنسجن أنفسنا فيه، بل لنستخلص منه الدروس والعبر، ونحاول قدر الإمكان تجنب الأخطاء. فالعاقل من يتعلم من أخطائه، والأعقل يتعلم من أخطاء غيره.
ولكن الغريب أن يطالبنا البعض وخاصة من المتعاطفين مع فلول البعث، بنسيان الماضي بذريعة التركيز على المستقبل، و(أن الماضي راح وانتهى). هذا قول حق يراد به باطل، ففي هذا الخصوص يقول تشرتشل: "لا يمكن أن تخطط للمستقبل، ما لم تعرف الماضي"، فالحاضر هو نتاج الماضي كما أسلفنا، وكما قال الفلسوف الأمريكي، جورج سانتيانا: (الذين لا يتذكرون أخطاء الماضي محكوم عليهم بتكرارها). لذلك يركز الإعلام الغربي ليل نهار على تذكير شعوبهم بجرائم النازية والفاشية، وكوارث الحرب العالمية الثانية، ليس ترفاً ولا بطراً، بل لمنع تكرارها. وعليه يجب على الشعب العراقي أن لا ينسى جرائم البعث، و بدعاوى مشبوهة.

شيء عن فلسفة التاريخ:
هناك ما يسمى بمكر التاريخ على حد قول هيغل. وفي هذا الخصوص يقول كارل ماركس: "الناس يصنعون تاريخهم بوعي، ولكن غالباً ما تأتي النتائج على غير ما يرغبون." ولآدم سميث قول مشابه: (عواقب غير مقصودة لأفعال مقصودة، ولكن في نهاية المطاف تكون في صالح المجتمع البشري".
مقولتا ماركس وآدم سميث تنطبقان على قيام بريطانيا بتحرير العراق من هيمنة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، و قيام القوات الدولية بقيادة أمريكا بإسقاط الحكم البعثي الصدامي عام 2003م، فمهما كانت غاية بريطانيا وأمريكا، سواءً للسيطرة على النفط كما يردد كثيرون، أو لخلاص الشعب العراقي من حكم الطغيان، فالمستفيد الأكبر من هذا السقوط هو الشعب العراقي. وسأأتي على هذا الموضوع بشيء من التفصيل لاحقاً.
إذ يخبرنا التاريخ ، وكما علمونا منذ التعليم الابتدائي، أن كان تعداد سكان العراق في عهد الدولة العباسية في حدود ثلاثين مليون نسمة. ولكن منذ غزوة هولاكو عام 1258، وبعدها الاستعمار العثماني التركي الذي دام لأربعة قرون، حصل إنهيار حضاري وفكري، وهبط نفوس العراق بشكل مضطرد، إلى أن بلغ ما دون المليون والنصف عام 1920 بعد الحرب العالمية الأولى حسب إحصاء قام به البريطانيون المحتلون آنذاك. وهذا يعني أن هذا الشعب كان في طريقه إلى الإبادة، إضافة إلى القطيعة الحضارية التي دامت ثمانية قرون أي ما يعادل 32 جيلاً منقطعين عن الحضارة.

لذلك أنا أعتبر أن الاحتلال البريطاني للعراق في الحرب العالمية الأولى، ومهما كانت غاية بريطانيا من ذلك الاحتلال، كان في صالح العراق، حيث تم نقله من عصر الظلمات إلى نور الحداثة. والمعروف أن ظلم الحكم التركي طال جميع المكونات، ولكنه طال المكون الشيعي أضعافاً مضاعفة، لأسباب سياسية وبغطاء ديني طائفي. إذ كان الأتراك ينظرون إليهم كمشركين لأنهم كانوا يرفضون أن تكون الخلافة في غير العرب، و قريش تحديداً، ولذلك حُرِموا من جميع حقوق المواطنة.
 ولكن المفارقة أنه لما جاء الاحتلال البريطاني، والذي كان فيه خلاص الشيعة خاصة من الحكم التركي الظلامي المتخلف الجائر، كان الشيعة وبقيادة رجال الدين وشيوخ عشائرهم، هم الذين انتفضوا ضد الاحتلال البريطاني. فشنّوا حرب الجهاد ضد المحتل "الكافر"، دفاعاً عن الدولة العثمانية المسلمة، وبعدها ثورة العشرين، التي أرغمت البريطانيين على تأسيس الدولة العراقية الحديثة. ولكن المفارقة الثانية من قادة الشيعة، أنهم أصروا على عدم المشاركة في الدولة الوليدة إلا بشرط انسحاب آخر جندي بريطاني من العراق. وهذا لم يكن ممكناً رغم توسلات الملك فيصل الأول بأحد قادتهم وهو الشيخ مهدي الخالصي، أن يتساهلوا قليلاً، ويتصفوا بالمرونة كما تتطلبه المرحلة، وأن يشاركوا في الحكم. ولكن الشيخ أصر على موقفه، وبالنهاية تم تهجيره إلى إيران بتهمة التبعية الإيرانية، ومات الرجل هناك كمداً. وهكذا راح قادة الشيعة يعارضون الدولة الفتية بشدة في كل شيء، مما أدى إلى عزل وتهميش أبناء الطائفة لثمانين سنة، وتكلل حكم المكوَّن الواحد بظهور حكم البعث الصدامي الدموي الذي يُعتبر أسوأ حكم مستبد وجائر عانى منه الشعب العراقي، بل و أسوأ وأبشع وأشنع احتلال في تاريخ العراق، والذي رفع شعار (لا شيعة بعد اليوم). وجرائم النظام الصدامي باتت معروفة، وقد حاول الشعب العراقي بجميع مكوناته، التخلص منه في عدة انتفاضات، أكبرها انتفاضة 1991 بعد هزيمة النظام في الكويت، ولكن النتيجة كانت كارثية، حيث مقتل نحو 300 ألف من الثوار، و450 مقبرة جماعية في مناطق الوسط والجنوب، ومجازر الأنفال، وحلبجة في كردستان، وهجرة الملايين إلى دول الشتات، إضافة إلى الحروب العبثية على دول الجوار، والقائمة تطول. نقول، أن في عصر العولمة لم تعد هذه الجرائم مشاكل داخلية، بل هي مشاكل دولية. لذلك من واجب المجتمع الدولي التدخل لحماية الشعوب المستضعفة، والمهددة بجرائم إبادة الجنس من حكامها المستبدين.

الدعم الدولي لا مناص منه
ولكل ما تقدم، صار من المؤكد أن الشعب العراقي ما كان بوسعه التخلص من ذلك النظام الجائر إلا بمساعدة المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى أمريكا. وهذا ما حصل، فلولا أمريكا لكان صدام وأبناءه و عشيرته مازالوا يواصلون هوايتهم المفضلة في توسيع المقابر الجماعية، وتشريد الملايين من العراقيين إلى الشتات. لقد ساعدت القوات الدولية بقيادة أمريكا الشعب العراقي، ومعارضته الوطنية في إسقاط النظام الجائر عام 2003، وأقامت مكانه نظاماً ديمقراطياً يسمح لجميع مكونات الشعب بالمشاركة في حكم بلادهم. وكما ذكرت أعلاه، أنه مهما كانت غاية أمريكا من إسقاط النظام البعثي، فالمستفيد الأكبر من هذا السقوط هو الشعب العراقي. فلو قُدِر للشعب العراقي إسقاط حكم صدام بنفسه، لحصل من إرهاب وصراعات وانتقامات طائفية دموية مدمرة، بحيث ما حصل بعد السقوط على يد أمريكا، من إرهاب وصراعات كان أشبه بلعب أطفال. لذلك فمن حسن حظ الشعب العراقي أن تورطت أمريكا في إسقاط الحكم الجائر، وهذا هو المقصود من مقولة (مكر التاريخ). فوجود نحو 150 ألف عسكري أمريكي وقوات دولية أخرى، ساعدت على حماية العراقيين من أنفسهم، ومن الإرهابيين الوافدين من الدول الشقيقة، وإلا لتحققت نبوءة صدام السوداء أن (الذي يحكم العراق من بعده سيستلمه أرضاً بلا بشر). إذ هكذا كانوا يخططون. ومن حسن حظ الشعب العراقي أيضاً، وجود زعيم ديني روحي لشيعة العراق يتصف بالحكمة، وهو سماحة الإمام السيد علي السيستاني الذي قاوم كل الدعوات المشبوهة، بإصدار فتوى الجهاد ضد "الاحتلال الأمريكي"، ولم يستجب لهم، لأنه كان يعرف المقاصد السيئة والنتائج الكارثية لمثل هذه الدعوات والفتاوى. ولكن عندما تعرض العراق إلى تهديدات الإرهاب الداعشي البعثي، أصدر فتوى الجهاد الكفائي لمواجهة شراذم داعش، وتكللت الجهود بالانتصار الساحق على الإرهاب البعثي الداعشي.

لا للحروب بالنيابة في العراق 
هناك من يريد أن يجعل من العراق ساحة للحروب بالنيابة، بين أمريكا وإيران، أو بين السعودية وإيران كما حصل في سوريا واليمن. فالقوى السياسية العراقية، وخاصة الشيعية، منقسمة على نفسها إلى قسمين: قسم مؤيد لإيران، رافضاً لأي تواجد أمريكي في العراق بذريعة السيادة والكرامة. وقسم آخر يرى العكس، فيقول إلى متى نبقى حطباً لهذه المحارق بسبب الصراع الأمريكي – الإيراني، والصراع العربي- الإسرائيلي؟ ويرون في الدعم الأمريكي للعراق ضرورة وجودية، وحيوية لا بد منها، ودون معاداة إيران، وهذا ممكن.
واليوم يتكرر من بعض القوى السياسية الشيعية نفس السيناريو لعام 1921 ، تصر على إخراج آخر جندي أمريكي من العراق، وجعل هذا اليوم عيداً وطنياً يتكرر كل سنة. وقد تمترس هؤلاء بالكرامة والسيادة الوطنية، مدعين إن وجود قوات أمريكية في العراق ومهما كانت قليلة، يسيء إلى الكرامة والسيادة. والمفارقة، أن الذريعة نفسها يتمترس بها خصوم إيران في العراق، إذ يعتبرون أن العراق صار مستعمرة إيرانية، وهذا النفوذ الإيراني يسيء أيضاً إلى السيادة والكرامة. وهذا الوضع يذكرنا بنفس الأهزوجة التي كان يرددها أسلافنا في العهد العثماني: (بين العجم والروم بلوة بتلينة).

وفي عام 2011 حاول رئيس مجلس الوزراء آنذاك السيد نوري المالكي، إبقاء عدد قليل من القوات الأمريكية ضمن إطار الاتفاق الاستراتيجي بين العراق وأمريكا (SOFA)، ولكن بضغوط من إيران، ومؤيديها من القوى السياسية العراقية، وتهديدهم للمالكي بأنهم لا يدعمونه في ولايته الثالثة إذا ما سمح لبقاء بعض القوات الأمريكية، تخلى السيد المالكي عن الفكرة، وأصر على رحيل آخر جندي أمريكي من العراق بذريعة السيادة الوطنية.
أعتقد أن إذعان السيد المالكي للضغوط ورفضه للتواجد الأمريكي كان خطأً استراتيجياً أضر بالعراق، لأن البديل، وكما حصل لاحقاً، هو سقوط ثلث مساحة العراق بيد داعش، عام 2014، وتدنيس الأرض، وهتك العرض، وما تطلب ذلك من تضحيات جسام بالأرواح والأموال لتحريرها. وبذلك فقد خسر المالكي السيادة الوطنية، وخسر الولاية الثالثة، بل وراح خصومه، وحتى الذين فرضوا عليه رحيل القوات الأمريكية، يحمِّلونه مسؤولية جميع الكوارث التي حلت بالعراق على يد داعش من قتل ألوف الأبرياء، ودمار الممتلكات، ومجازر سجن بادوش، وسبايكر، وفرار الملايين من ديارهم، واغتصاب النساء، وبيعهن في أسواق النخاسة وغيرها كثير.

العراق أولاً
نعم، السياسة فن الممكن، لتحقيق أكبر قدر من المصالح للشعب، وتجنب الخسائر قدر الإمكان، وهذا المبدأ ليس مزحة كما يحاول البعض التهكم منه. ولعل الحسنة الوحيدة في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم مساوئه الكثيرة، أنه صريح بلا حدود، فقد رفع شعار (أمريكا أولاً)، وقال بحق، أن أية حكومة لا تجعل مصلحة بلادها أولاً، فهي حكومة خائنة لوطنها وشعبها. وإذا كان الأمر كذلك، والكل يسعى وراء مصلحة بلاده، فلماذا على العراقيين وحدهم أن يضحوا بأرواحهم، وبمصلحة وطنهم وشعبهم في سبيل إيران وغيرها، ويعرضوا العراق إلى الصدام مع الدولة العظمى؟ وإذا كانت أمريكا سيئة إلى هذا الحد، فهل من واجب العراق المنهك من تركة حكم البعث، وحروبه العبثية، والداعشية الإرهابية فيما بعد، هل بإمكانه أن يمرِّغ أنف أمريكا في الوحل، ليعطيها درساً في الأخلاق؟ إن الذين يدفعون العراق للصدام مع أمريكا، هم فريقان: فريق من أنصار إيران دون أن يعوا العواقب الكارثية، وفريق ثان، وهم من فلول البعث وأنصارهم يعملون على خلق فوضى عارمة وإفشال العملية السياسية على أمل كسب أمريكا إلى جانبهم وإعادتهم للسلطة كما أوضحوا نواياهم السيئة في مؤتمرهم الفاشل في مشيكان قبل أسابيع.

خلاصة القول:
إن العراق بوضعه الحالي الهش، وتشرذم وحدته الوطنية، وتفتت نسيجه الاجتماعي، والصراعات الشرسة بين قواه السياسية على السلطة والنفوذ والمال، وكونه مازال مهدداً بالإرهاب، فهو بأمس الحاجة إلى علاقة ودية مع أمريكا وإيران. وهذا ممكن وفي صالح جميع الأطراف. أما الادعاء بأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق هو لشن الحرب على إيران، فهذا غير صحيح، لأن بإمكان العراق منع أمريكا من استخدام قواتها في العراق ضد إيران في حالة نشوب الحرب بين أمريكا وإيران، والدليل على ذلك، هو لأمريكا قاعدة عسكرية في أنجرليك في جنوب تركيا، وعندما أرادت أمريكا دخول العراق من الشمال في عام 2003،  رفضت تركيا ذلك، وأذعنت أمريكا للموقف التركي، فدخلت العراق من الجنوب، أي من الحدود العراقية الكويتية. كذلك نستبعد قيام أمريكا بشن حرب على إيران، إذ تكتفي بالضغوط الاقتصادية والحرب النفسية عليها.
لذلك نؤكد مرة أخرى، أنه ليس بإمكان العراق، ولا من مصلحته معاداة أمريكا، وإلا سيعود مسلسل سيناريو احتلال داعش للمناطق الغربية، ومعه استمرار حرب الاستنزاف للطاقات البشرية والمادية. كذلك لا نرى في الوجود العسكري الأمريكي في العراق أية إساءة للكرامة أو السيادة الوطنية، وإلا لكانت دول كبرى مثل بريطانيا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، وعشرات غيرها من الدول التي لأمريكا فيها قواعد عسكرية، هي الآن بلا سيادة ولا كرامة، وهذا مخالف للمنطق.

إن الإنسان أعلى قيمة في الوجود، لأنه الكائن الوحيد الذي يمتلك العقل والوعي والذكاء والتفكير، وهو مصدر القيم، ومؤسس الحضارة البشرية، لذلك وُجدت الأديان والفلسفات والأيديولوجيات والقيم من أجل خدمة الإنسان وليس العكس. لقد دفع هذا الشعب بما فيه الكفاية من تضحيات إلى حد الإنهاك، فمقابر النجف التصقت بمقابر كربلاء، وإلى متى يستمر هذا النزيف، وهذا الدمار بسبب أيديولوجيات ومفاهيم خاطئة؟ نحن بحاجة إلى إعادة النظر في الكثير من المفاهيم، وما يسمى بالمسلمات، وفق ما تتطلبه المرحلة الحضارية الراهنة واللحاق بالركب الحضاري المعاصر.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com


43
المأزق البريطاني في الخروج من الوحدة الأوربية!

د.عبدالخالق حسين


مقدمة
هناك مثل مصري يقول: "دخول الحمام مش زي خروجه". وكما رواه لنا العم غوغل، يعود هذا المثل للعصر العثماني، عندما قرر أحد الأشخاص فتح حمام تركي جديد، و وضع لافتة كُتب عليها "دخول الحمام مجاناً"، وهذا ما جذب الناس لتجربته. وعندما دخل الزبائن إلى الحمام، كان صاحبه يحتجز ملابسهم، وحين قرر الزبائن الخروج من الحمام، رفض تسليم الملابس لهم، إلا بعد دفع ثمن استخدام الحمام.هنا فوجئ الزبائن بـ"تغيير الكلام"، و واجهوه بما كتب في اللافتة المعلقة على الباب، فأجاب "دخول الحمام مش زي خروجه". أصبح رد صاحب الحمام مثلاً يقال عندما يتورط شخص في مشكلة، بالرغم من أن بدايتها كانت لا تُشعره بأي ريبة.

هذا المثل ينطبق تماماً على دخول بريطانيا الوحدة الأوربية، أو (السوق الأوربية المشتركة) كما كانت تسمى عند البدء في تأسيسها عام 1957. فالمطلوب حين دخلتها بريطانيا عام 1973، كان بدون استفتاء شعبي. إلا أن هذا الدخول، أو الزواج، كان مجرد زواج مصلحة اقتصادية، ولم يكن بدون معارضين له لأسباب تتعلق بالسيادة الوطنية، خاصة ومع تطور هذه المعاهدة، من السوق الأوربية المشتركة إلى الوحدة الأوربية، وتخلي نحو 24 دولة منها عن عملتها التي هي رمز استقلالها وسيادتها الوطنية. وربما تتحول هذه الوحدة في يوم ما إلى الدولة الأوربية باسم (الولايات المتحدة الأوربية) على غرار الولايات المتحدة الأمريكية.

نبذة تاريخية
كانت الوحدة الأوربية فكرة تراود مخيلة الحكام والفلاسفة الأوربيين منذ مئات السنين، وذلك لوضع حد للحروب الطاحنة التي كانت تدور رحاها بين هذه الدول باستمرار. وعلى سبيل المثال، فقد أكد الفيلسوف الألماني، عمانوئيل كانط (E. Kant)، في رسالة له إلى حكام أوربا في القرن الثامن عشر، أنه لا يمكن تحقيق سلام دائم في أوربا إلا بتأسيس فيدرالية تضم جميع الدول الأوربية. ومن الوسائل المتبعة آنذاك للحد من تلك الحروب هي المصاهرة بين أسر الملوك الحاكمة. فتجد ملوك عدة دول من أسرة واحدة مثل آل هابسبرك، وآل بوربون وغيرهما. وقد حاول نابليون بونابرت تحقيق نوع من الفيدرالية الأوربية عن طريق الحروب التي سميت بالحروب النابليونية، لتصدير مبادئ الثورة الفرنسية، وتوحيد أوربا تحت سيطرة فرنسا، ففشل وانتهى أسيراً في جزيرة سانت هلينا. ثم حاول هتلر بتوحيد أوربا بالقوة، فشن الحرب العالمية الثانية لإخضاعها تحت حكم ألمانيا وفشل أيضاً، وانتهى بكارثة على العالم وعلى أوربا، وعلى بلاده وانتحاره.

المفارقة أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرتشل، كان واحداً من أوائل الداعين إلى إنشاء "الولايات المتحدة الأوروبية" بعد الحرب العالمية الثانية، إذ كان مقتنعا أن أوروبا الموحدة فقط هي التي يمكنها أن تضمن السلام الدائم. كان هدفه القضاء على الأمراض الأوروبية للقومية، ومنع الحرب إلى الأبد.
ولتحقيق هذا الحلم الأوربي، أجتمع زعماء ست دول أوربية في روما عام 1957، وهي إيطاليا وفرنسا وألمانيا الغربية، وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، وتم توقيع (اتفاقية روما) التي شكلت نواة التكتل الإقتصادي الأوروبي، لإيجاد نوع من الإتحاد ديمقراطياً بين هذه الدول، مبنياً على المصالح الاقتصادية ، فانبثقت (السوق الأوربية المشتركة) للوجود عام 1967 من الأعضاء المؤسسين الستة. و في عام 1973 انضمت بريطانيا إلى هذه المنظمة عندما كان إدوارد هيث، زعيم حزب المحافظين، رئيساً للوزراء، وبدون استفتاء شعبي. وكما بينا أعلاه، كان هناك معارضون من الشعب البريطاني، وبعض قادته السياسيين لهذه العضوية، لذلك تم إجراء أول استفتاء شعبي عام 1975 في عهد رئاسة هارولد ويلسون، زعيم حزب العمال، حيث صوت 66% لصالح البقاء في تلك السوق. ولكن رغم ذلك، استمرت المعارضة من جميع الانتماءات الحزبية.

ومع الزمن ازدادت عضوية هذه المنظمة، وصلاحياتها، ونفوذها إلى أن بلغ عدد أعضائها اليوم 28 دولة، وهي في ازدياد، ومع نموها كثرت مشاكلها وتدخلاتها في الشؤون السياسية للدول الأعضاء، وصار اسمها (الوحدة الأوربية)، أو (الإتحاد الأوربي European Union)، ولها عملتها الموحدة (اليورو)، ووضع لها دستور يمهد للمزيد من الاندماج، وصولاً إلى دولة اتحادية عظمى، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، مما أثار مخاوف وغضب شرائح واسعة من شعوب دول الأعضاء، وفي مقدمتها الشعب البريطاني بدافع المشاعر القومية، التي اعتبرت تنامي صلاحيات الاتحاد تهديداً لسيادتها الوطنية، وإلغاءً لدور برلماناتها الوطنية في حكم شعوبها.

وبعد 42 سنة من انضمام بريطانيا لهذه الوحدة، وتنامي المعارضة لها، وخاصة في صفوف الحزبين الكبيرين، المحافظين والعمال، قرر السيد ديفيد كامرون، رئيس مجلس الوزراء البريطاني في برنامجه الانتخابي لعام 2015 بإجراء استفتاء شعبي حول البقاء في هذه الوحدة أو الخروج منها، وذلك من أجل إسكات معارضيه من داخل حزبه، لأنه كان واثقاً أن غالبية الشعب ستصوت للبقاء. وكان فعلاً غالبية البرلمانيين من جميع الأحزاب، والإعلاميين، والانتليجنسيا البريطانية، والأكاديميين، والصناعيين والمصرفيين مع البقاء.
وقد أُجريَ الاستفتاء يوم 23 حزيران 2016. والمفاجأة، أن صوتت غالبية الشعب البريطاني (52%) للخروج من الإتحاد الأوربي، مقابل 48% للبقاء، أي بفارق (4%) فقط، إلا إن هذه الأغلبية الضئيلة تُحترم في الأنظمة الديمقراطية الناضجة. ومنذ ذلك اليوم وإلى الآن والساحة البريطانية تشهد جدلاً عنيفاً ومستمراً بلا توقف، بل وحتى تم اغتيال برلمانية (جو كوكس) العمالية من قبل متطرف يميني إنكليزي لأنها كانت تدعو للبقاء.
 
أسباب المعارضة للوحدة الأوربية
هناك أسباب كثيرة دعت المواطنين البريطانيين للتصويت للخروج من الاتحاد، حسب ما أعلنه دعاة الخروج في حملتهم الدعائية، كما يلي:
1- اتساع صلاحيات الاتحاد، على حساب صلاحيات السلطات الوطنية لدول الأعضاء.
2- التكاليف الاقتصادية الباهظة التي تدفعها بريطانيا والبالغة نحو 350 مليون جنيه استرليني أسبوعياً، أي أكثر من 18 مليار جنيه سنوياً.
3- تنامي الهجرة بمئات الألوف من دول الأعضاء، أكثر من ربع مليون مهاجر سنوياً، يقدمون عمالة رخيصة ينافسون بها المواطنين، ويشكلون عبئاً ثقيلاً على الخدمات الصحية والمدارس، والضمان الاجتماعي..الخ، دون أن تستطيع الحكومة البريطانية الحد من عدد المهاجرين من دول الأعضاء.
4- إزالة الحدود الدولية بين دول الأعضاء سهَلت انتقال المهاجرين من دول غير الأعضاء وخاصة من الدول الإسلامية، ومعها مخاطر الإرهاب الإسلامي.
5- معاناة السكان الأصليين من محاولات الجاليات الإسلامية في فرض ثقافتهم وتقاليدهم عليهم، وفي بعض المناطق في لندن مثلاً، فرضوا حكم الشريعة بالقوة (Sharia zone)، وما حصل من أعمال إرهابية القوا اللوم فيها على الوحدة الأوربية.
6- مطالبة تركيا بدخول عضوية الإتحاد أثارت ذعر الشعب البريطاني، الأمر الذي جعلها دعاة الخروج ضمن دعايتهم، مدعين أن قبول تركيا سيسمح لدخول 90 مليون مسلم إلى الدول الأوربية بدون فيزا، وهذا يعني أسلمة أوربا وتسهيل دخول الإرهابيين.
7- ولهذه الأسباب مجتمعة، تم في بريطانيا تشكيل حزب يميني، باسم حزب استقلال المملكة المتحدة، اختصاراً (UKIP)، بزعامة نايجل فاراج، هدفه الرئيسي والوحيد هو إخراج بريطانيا من الاتحاد. وكذلك أدى إلى نمو الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوربا.

وأمام اتساع المعارضة لعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوربي، وحتى من داخل حزب المحافظين الحاكم، وللتخفيف من غلوها، قام السيد ديفيد كامرون، رئيس الحكومة، بإجراء مفاوضات مع الوحدة الأوربية لإعفاء بريطانيا من بعض الالتزامات منها عدم شمول المهاجرين بالمنافع المالية، إلا بعد مرور أربع سنوات من دخولهم بريطانيا.. الخ، والسيطرة على الحدود..، وحصل على ما أراد، ولكن هذه المكاسب لم تُسكت المعارضين، لذلك اتخذ كامرون قراراً لا يخلو من مجازفة، في العام 2015 يقضي بإجراء استفتاء شعبي في عام 2016 لفسح المجال أمام الشعب البريطاني ليقرر بنفسه.

ورغم أن معظم قيادات الأحزاب السياسية وخبراء الاقتصاد، والصناعيين، والمصرفيين، والعلماء والأكادميين وأغلب الإعلاميين، ورؤساء الحكومات الصديقة، بمن فيهم الرئيس الأمريكي، باراك أوباما الذي قام بزيارة رسمية خاصة إلى لندن لهذا الغرض، حثوا الشعب البريطاني على البقاء، مؤكدين أن الفوائد الاقتصادية والأمنية والعسكرية أكثر في حالة بقاء بريطانيا مع الوحدة الأوربية، إلا إن غالبية الناخبين لم تتأثر بآراء أصحاب الخبرة والأصدقاء، واعتبروا مخاطر الخروج الاقتصادية التي حذر منها دعاة البقاء، أنها للتخويف (scaremongering)، ونجحوا في اقناع العاطلين عن العمل أن الهجرة من دول الوحدة الأوربية هي السبب الرئيسي للبطالة، لذلك فالحل الوحيد لجميع هذه المشاكل في رأيهم هو الخروج من هذا الإتحاد... ومن ثم التفاوض للدخول فيها ثانية وبشروط أفضل دون المساس بمصالحنا وسيادتنا الوطنية!! وقد رد عليهم كامرون متهكماً بأن هؤلاء أشبه بمن يطلق زوجته على أمل أن يعيدها فيما بعد بعقد أفضل !!

عواقب ودلالات نتائج الاستفتاء
جاءت نتائج الاستفتاء مفاجأة للجميع، وزلزالاً ليس على دول الوحدة الأوربية فحسب، بل وعلى العالم كله، وذلك لما لبريطانيا، كدولة كبرى، من ثقل اقتصادي، وسياسي، وعسكري. فما أن تم الاعلان عن نتائج الاستفتاء حتى وخسر الجنيه الاسترليني نحو 10% من قيمته بالنسبة للدولار، وغيره من العملات الصعبة الأخرى، إضافة إلى الفوضى التي اجتاحت أسواق البورصة في جميع أنحاء العالم، حيث سجلت المؤشرات هبوطاً بلغ 9% ، أي ما يعادل 2 ترليون دولار خسارة في أسعار الأسهم. وهذه إحدى تداعيات الخروج الاقتصادية التي حذر منها دعاة البقاء.
كذلك حفزت هذه النتائج الأحزاب اليمينية في دول الاتحاد الأخرى للمطالبة باستفتاءات مشابهة.
كما كشفت النتائج هذه عن مدى انشقاق الشعب البريطاني على نفسه، وهشاشة وحدة المملكة، فغالبية الشعب في إنكلترا و ويلز صوتت للخروج، بينما غالبية الشعب الاسكتلندي وايرلندا الشمالية صوتت للبقاء.
وهذا الاختلاف أثار مشكلة خطيرة تهدد بقاء بريطانيا كمملكة متحدة. إذ قالت السيدة نيكولا ستارجين، رئيسة حكومة اسكتلاندا أن الشعب السكتلاندي صوت للبقاء في الوحدة الأوربية، بينما فرض عليه الشعب الإنكليزي الخروج منها ضد إرادته. لذلك فمن حقنا أن نطالب باستفتاء ثان للشعب السكتلاندي للاستقلال والبقاء في الإتحاد الأوربي. ونفس هذا المطلب طرحه الراحل مارتن ماغنس، قيادي في حكومة أيرلندة الشمالية مطالباً بإجراء استفتاء للشعب الإيرلندي الشمالي للانفصال من المملكة المتحدة، والاتحاد مع جمهورية أيرلندة التي هي عضو في الوحدة الأوربية. وهذا يضع نهاية للمملكة المتحدة.

كذلك لاحظ الباحث، مارك إيستون من البي بي سي، أن مكان سكن المصوتين لعب دوراً في طريقة التصويت، فالغالبية العظمى من سكان المدن الإنكليزية الكوسموبوليتانية الكبرى مثل لندن، ومانتشستر وليفربول وغيرها، صوتوا للبقاء، بينما الغالبية العظمى من سكان الأرياف والمدن الصغيرة والحواضر صوتوا للخروج. ويفسر الباحث ذلك إلى أن سكان المدن الكبيرة متكيفين مع العولمة، وأكثر انفتاحاً على الشعوب الأخرى، وليست لديهم مشكلة مع تعدد الثقافات،...الخ، بينما سكان الأرياف والمدن الصغيرة لديهم مثل هذه المخاوف من المهاجرين وعضوية بلادهم في الوحدة الأوربية.

ولاحظ الباحث أيضاً أن 64% من المصوتين من الفئات العمرية الشابة (18-24) قد صوتوا للبقاء، بينما صوَّت  58% من كبار السن ( 65+) للخروج. وهذا له دلالته، فالشباب يتطلعون إلى المستقبل، يرون مستقبلهم مرتبطاً بالعولمة، والتقارب بين الشعوب، بينما كبار السن مازالوا يعيشون عقلية الماضي والتفوق الإنكليزي الاستعماري، مع ذكريات وآلام الحرب العالمية الثانية، ونظرتهم الاستعلائية والشوفينية للشعوب الأخرى.

ومن تداعيات نتائج الاستفتاء أن استقال السيد كامرون من رئاسة الحكومة، وحتى من عضوية البرلمان، وحلت محله السيدة تيريزا ماي وزيرة الداخلية حينئذ، وهي من أنصار البقاء، لتقوم بمفاوضات الخروج مع المسؤولين في الوحدة الأوربية. وتم تعيين وزير خاص للخروج باسم (وزير البريكست Brexit secretary)، عادة يتم اختياره من أنصار الخروج. ومنذ الاستفتاء، أي خلال العامين والنصف أجريت مفاوضات ماراثونية صعبة بين الحكومة البريطانية والوحدة الأوربية، تم اتفاق الخروج (Brexit deal)، والذي طبع في كتاب يضم بين دفتيه نحو 600 صفحة، يحدد فيه العلاقة بين بريطانيا والوحدة الأوربية بعد الخروج. وكما وصفته السيدة ماي، أنه ليس مثالياً، ولكن هذا ما توصل إليه الجانبان المتفاوضان، وهو أفضل من الخروج بدون انتفاق. و من بنوده أن تدفع بريطانيا 39 مليار دولار تكاليف الخروج (الطلاق)، إضافة إلى إبقاء الحدود بين أيرلندة الشمالية وجمهورية أيرلندة (الجنوبية)، بدون تغيير، أي مفتوح يسمح لتنقل البشر والبضائع بدون تفتيش. علماً بأن الأخيرة هي عضو في الوحدة الأوربية، وهذا يعني أن الحدود بين بريطانيا والوحدة الأوربية لم تتغير، أي بدون سيطرة الحكومة البريطانية، ولذلك فمن الممكن دخول المهاجرين غير الشرعيين منها، وهذا البند شكل عقبة كأداء عارضها بشدة أنصار الخروج. والنتيجة أن توحد الجانبان، أنصار ومعارضو الخروج ضد الاتفاق. وانشغل البرلمان لخمسة أيام بمناقشة الاتفاق، وأخيراً تم التصويت عليه مساء الثلاثاء، 15 يناير/كانون الثاني 2019، برفض الاتفاق بغالبية عظمى 432 ضده، مقابل 202 معه بفارق 230 صوتاً ضد الاتفاق. وهذا يعتبر هزيمة تاريخية كبرى للسيدة ماي، الأمر الذي دفع زعيم حزب العمال المعارض السيد جرمي كوربين، إلى طرح مشروع سحب الثقة بحكومة السيدة ماي على البرلمان، كتمهيد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة لتشكيل حكومة جديدة تقوم بالتفاوض مع الوحدة الأوربية من جديد. وفي اليوم التالي تم التصويت حيث فازت الحكومة هذه المرة بثقة الأغلبية بفارق 19 صوت لصالحها.

ردود أفعال رؤساء حكومات الوحدة الأوربية
لقد فوجئ جميع رؤساء دول الوحدة الأوربية بنتائج الاستفتاء، فعبَّروا عن أسفهم لخروج دولة كبرى مثل بريطانيا من هذه المنظمة، ولكنهم في نفس الوقت، أعربوا عن رغبتهم الشديدة في إجراء مفاوضات الخروج بسرعة وخلال اسبوع. ولكن المفاوضات كانت صعبة ومعقدة استغرقت نحو عامين ونصف كما ذكرنا أعلاه.
لا شك أن دعاة الخروج كانوا على خطأ كبير، وربما سيندمون في المستقبل القريب فيما لو خرجت بريطانيا من الوحدة الأوربية، وهو أمر مشكوك به. فبحسابات الخبراء الاقتصاديين والصناعيين والمصرفيين، أن منافع بريطانيا اقتصادياً تقدر بأضعاف ما تدفعه كبدل اشتراك لعضويتها. فهناك نحو مليونين من البريطانيين يعيشون ويعملون في دول الإتحاد، و 3 ملاين عامل بريطاني داخل بريطانيا ترتبط مؤسساتهم مباشرة بالوحدة الأوربية. كذلك يقوم الاتحاد سنوياً بمشاريع عمرانية، ويقدم مساعدات للجامعات، والمؤسسات العلمية في بريطانيا تقدر بمليارات الجنيهات. أما حجم التبادل التجاري مع دول الوحدة الأوربية فتقدر بـ 240 مليار جنيه (أي ما يعادل 300 مليار دولار) سنوياً، ولا أمل لعودة من يخرج من هذه الوحدة في المستقبل المنظور.

لقد ركز دعاة الخروج على هجرة العمالة، وعلقوا عليها جميع مشاكلهم لتضليل الناخبين. في الحقيقة إن هذه الهجرة ليست سبب البطالة، فالمهاجرون أغلبهم فقراء من دول أوربا الشرقية، يقومون بأعمال يرفضها البريطانيون، مثل العمل في المزارع، أو رعاية المسنين في دور العجزة، أو أعمال تنظيف الشوارع، وعمال في المطاعم، وغيرها من الأعمال اليدوية الرخيصة التي يأنف منها غالبية العاطلين البريطانيين. ولم يشكلوا عبئاً على المدارس والمؤسسات الصحية كما ادعى دعاة الخروج، ولكن استغل اليمين المتطرف هذه المشاكل وبدوافع قومية وشوفينية لتحقيق مآربهم، وسيدفعون الثمن.

ماذا بعد رفض البرلمان لاتفاق الخروج؟
لقد حددت الحكومة يوم 29 يناير/كانون الثاني الجاري، موعداً للبرلمان ليقرر البديل عن اتفاق الخروج الذي رفضه، وهناك عدة اقتراحات من قبل السياسيين المتنفذين على الساحة، منها:
1- المطالبة بتأجيل الخروج المقرر يوم 29 مارس من هذا العام، وتمديد تفعيل المادة 50 من دستور الاتحاد الأوربي ثانية، لإعادة المفاوضات الماراثونية من جديد على أمل تحقيق اتفاق أفضل، بينما المفاوضون الأوربيون ليسوا في مزاجية تقبل هذه الفكرة إطلاقاً.
2- والاقتراح الآخر الذي يطرحه أنصار الخروج هو الخروج بدون اتفاق (Leave without deal). هذا الاقتراح لو قُدِر له التحقيق، سيكون كارثة ماحقة على الاقتصاد البريطاني.
3- إعادة الاستفتاء من جديد، لأن الشعب البريطاني الآن أكثر معرفة على مضار الخروج ومنافع البقاء.
إن هذا الاقتراح هو الأفضل، والذي أعتقد أنه سيتحقق، لأنه الوحيد القابل للتحقيق. ففي الاستفتاء القادم يُستفتى الشعب البريطاني على أن يختار واحد من ثلاثة خيارات:
الأول، قبول اتفاقية الخروج التي رفضها البرلمان بالغالبية العظمى،
الثاني، الخروج من الوحدة الأوربية بدون إتفاقية،
الثالث والأخير، البقاء في الوحدة الأوربية كما كانت بريطانيا قبل استفتاء 2016.

في رأيي أن الحل الوحيد لإخراج بريطانيا من هذا المأزق، هو العودة إلى الشعب ثانية، واستفتائه مرة أخرى حول هذه الخيارات الثلاثة، وأعتقد أن الشعب البريطاني سيصوت هذه المرة لصالح البقاء.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com

الموقع الشخصي للكاتب على موقع الأخبار
http://www.alakhbaar.org/home/for-the-author/?auid=17

44
هل حقاً العلاقة مع إيران وأمريكا تسيء للسيادة والكرامة؟

د.عبدالخالق حسين

أرى من المفيد مواصلة النقاش حول علاقة العراق المعقدة مع الدولتين المتخاصمتين، إيران وأمريكا. وما يزيد في التعقيد، أن الشعب العراقي منقسم على نفسه إلى مكونات دينية وأثنية ولغوية وعشائرية، وغيرها، وهذا الانقسام لم يكن جديداً، بل هو نتاج التاريخ والجغرافية، ولكن عبَّر عن نفسه بشكل غير معهود، وبكل وضوح وشراسة في النظام الديمقراطي بعد 2003، لأن الديمقراطية تسمح للناس أن يعبِّروا عن آرائهم ومشاعرهم، الإيجابية و السلبية، بمنتهى الحرية إلى حد الإساءة للحرية والمصالح الوطنية، بينما الأنظمة الدكتاتورية تقطع لسان كل من يتحدث عن أي نوع من الانقسام، لذلك يدَّعي أعداء العراق الجديد، أن العراقيين كانوا موحدين في عهد صدام، وكل العهود التي سبقته، وأن هذه الانقسامات والصراعات جلبتها لنا الديمقراطية الأمريكية التي شكلت الحكومة على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية. وعلى وفق هذه الانقسامات حصل استقطاب القوى المتصارعة لهذه الدولة وتلك، للإستقواء بالخارج. وراحوا يتفننون في توظيف التراث والمفردات اللغوية مثل الكرامة والسيادة، لتعميق الصراعات وإلقاء اللوم على أمريكا، وتعليق غسيلهم على شماعة الآخرين.   

وقد لاحظنا ذلك عام 2011، عندما رفض رئيس الوزراء الأسبق السيد نوري المالكي، وبضغوط من إيران وأنصارها من القوى السياسية العراقية المشاركة في السلطة، رفض إبقاء عدد قليل من القوات الأمريكية في العراق ضمن إطار الإتفاقية الاستراتيجية العراقية – الأمريكية (SOFA)، لمساعدة القوات الأمنية العراقية في محاربتها للإرهاب. وهذا القرار الخاطئ هو الذي سهّل تسليم المناطق العربية السنية إلى داعش. ولم يكتف أنصار إيران بهذه الكارثة، بل رفضوا حتى الدعم الأمريكي للعراق في محاربة داعش، بحجة أن هذا الدعم يسيء إلى الكرامة والسيادة الوطنية، علما بأن الإرهاب وكما هو معروف في عصر العولمة، هو مشكلة دولية، وليس مشكلة محلية فحسب، لذلك تتطلب محاربته جهوداً ومشاركة دولية. والمستفيد من رفض الدعم الأمريكي هو تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية. لذلك كتبنا في وقته، مقالاً بعنوان (الكرامة والسيادة في خدمة "داعش")(1). ولكن أخيراً، انتصرت الحكمة في قبول دعم التحالف الدولي الذي ضم قوات نحو خمسين دولة بقيادة أمريكا لدعم القوات العراقية في حربها على الإرهاب الداعشي في العراق إلى أن تم النصر المؤزر، ولو بتكاليف باهظة في الأرواح والممتلكات والأموال.

وما جعلني أن أعود إلى موضوع الكرامة والسيادة وعلاقتهما بالتحالفات، هو الضجة التي افتعلها و أثارها أنصار إيران وفلول البعث، بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للجنود الأمريكان في (قاعدة عين الأسد) غربي مدينة الرمادي بمناسبة أعياد الميلاد (كريسمس). وهذا تقليد متبع في العالم أن رئيس أي دولة يزور جنوده في مثل هذه المناسبات. ولكن في العراق، وكالعادة أثيرت ضجة واسعة، وقامت قيامة المعارضين، أن زيارة ترامب هذه، وعدم لقائه بالمسؤولين العراقيين في بغداد، تُعتبر إهانة كبيرة للكرامة والسيادة. بل وراح البعض منهم يوجه إهانات لرئيس الوزراء، وينعته بكلمات نابية لا تليق بذكرها في هذا المقال. علماً بأن ترامب وبعد زيارته للجنود الأمريكيين في قاعدة عين الأسد، توجه إلى ألمانيا وزار القطعات العسكرية الأمريكية المرابطة هناك منذ الحرب العالمية الثانية، ودون أن يلتقي بأي مسؤول ألماني، ولم تثار أية ضجة حول الكرامة والسيادة كما أثيرت في العراق.

والمفاراقة، أنه لأول مرة يلتقي أيتام البعث مع أنصار إيران في ذرف دموع التماسيح على الكرامة والسيادة الوطنية، ولكل غرضه الخاص من هذه الضجة، وكل يبكي على ليلاه! فغرض إيران وأنصارها هو فرض الضغوط على حكومة عادل عبدالمهدي، كما ضغطوا على نوري المالكي من قبل، ليرفض أي تقارب مع أمريكا، وبالأخص الوجود العسكري لها، ويعتبر هؤلاء أن العراق أصبح مستعمرة أمريكية، ونفطه ملكاً لأمريكا!! وأن أمريكا أسقطت حكم البعث الصدامي لا لسواد عيون العراقيين، بل للهيمنة عليهم ونهب نفطهم!!.
وكما ذكرنا في مقالنا السابق الموسوم (هل المطلوب منا التضحية بالعراق في سبيل إيران؟)(2)، أن فلول البعث وأتباعهم، استخدموا نفس الحجة وراحوا يحرضون الحشد الشعبي، والمليشيات المدعومة من إيران، للتحرش بالجنود الأمريكان في عين الأسد، لإعطاء مبرر لأمريكا لضربهم وسحقهم نيابة عن البعثيين ودواعشهم (وخليها تعلك بيناتهم!)، على حد قولهم.

والجدير بالذكر أن كلمات مثل الكرامة والسيادة، هي معنوية مجردة (abstract)، غير مادية، يمكن استخدامها لأغراض مشروعة، وغير مشروعة، يسهل معها خدع الجماهير، وحتى استخدامها من قبل أطراف متخاصمة ضد بعضها البعض، وهي أشبه بما حصل في استخدام اسم (الله) في الحرب العراقية-الإيرانية. فالإمام الخميني كان واثقاً من النصر لأنه كان يعتقد أن الله معه. ولما سأل صحفيون صدام حسين فيما إذا كان هو الآخر واثقاً من النصر، فأجاب بنعم، لأن الله معه!
وهكذا قضية الكرامة والسيادة اليوم. فأنصار إيران يعتبرون أن أي تقارب مع أمريكا وخاصة وجود قوات عسكرية أمريكية في العراق، إساءة للسيادة الوطنية. وفي هذا الخصوص طالب السيد هادي العامري المقرب من إيران، وزعيم كتلة الفتح، بطرد الأمريكان، وأن يكون يوم خروجهم في 31 كانون الثاني من كل عام عطلة رسمية(3).
 
وكذلك البعثيون وأنصارهم، وما يتمتعون من قدرات تكتيكية في اللعب على عدة حبال، وتوظيف كل ظرف لصالحهم، رفعوا عقيرة الكرامة والسيادة، ولكن في الاتجاه الآخر، إذ يرون أي تقارب مع إيران هو إساءة للسيادة الوطنية، وأن العراق بعد 2003، صار مستعمرة إيرانية، ويدَّعون أن ممثلي الشيعة في الحكومة العراقية إيرانيين، أو من التبعية الإيرانية، والشيعة الصفوية!!!!. والمفارقة أنه في الوقت الذي يحرضون الحشد الشعبي لضرب الجنود الأمريكان، يقوم ممثلو البعثيين في أمريكا بعقد لقاءات ومؤتمرات في مشيغان، يتوسلون بالمسؤولين الأمريكيين لدعمهم وتحرير العراق من "الهيمنة الإيرانية"، وأعادتهم للسلطة. وهذا واضح من بيانهم الختامي لمؤتمرهم المشبوه في مشيغان. والجدير بالذكر أن أحد ناشطي المؤتمر هو أيهم السامرائي، الهارب من السجن بعد إدانته من قبل القضاء العراقي بجريمة سرقة 300 مليون دولار عندما كان وزيراً للكهرباء في حكومة أياد علاوي الانتقالية.

اعتراض آخر على العلاقة مع أمريكا، أنها منحازة إلى إسرائيل، وأنها تضغط على الدول العربية والمنطقة من أجل فرض سياسة التطبيع مع إسرائيل. وفي هذا الخصوص نقول، شئنا أم أبينا، فإن التطبيع قادم لا ريب فيه، والذين يعارضون التطبيع فهم يؤجلونه فقط إلى أمد غير معلوم وبدوافع عاطفية، وبذلك يزيدون من عذابات شعوبهم، ويقودون دولهم إلى المزيد من الدمار. فإستراتيجية أمريكا في المنقطة باتت معروفة وثابتة، وهي حماية إسرائيل، وأصدقائها الخليجيين، وضمان تدفق النفط إلى الغرب. راجع مقالنا بعنوان (حول إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط)(4)

فالتاريخ القريب أثبت صحة سياسة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، حينما قال عام 1978، أنه استرجع جميع أراضيه المحتلة من إسرائيل بدون سفك دماء، وعلى الذين يعارضونه، فليسترجعوا أراضيهم بالطريقة التي يفضلونها. وبعد أربعة عقود، لم يفشل هؤلاء في استرجاع أراضيهم فحسب، بل وكلفوا شعوبهم المزيد من الدمار، والبؤس، والتخلف، وهلاك الملايين، وتشريد الملايين الآخرين. والعديد من الدول العربية الآن لها علاقات دبلوماسية متبادلة مع إسرائيل، وأخرى لها علاقات تجارية، وحتى تحالفات عسكرية واستخباراتية غير معلنة مع إسرائيل، وفي مقدمتها مملكة خادم الحرمين السعودية. ولهذا لا تحتاج أمريكا وإسرائيل أن تشنا الحروب على الدول العربية المناهضة للتطبيع، إذ تقوم السعودية وحليفاتها الخليجيات بشن الحروب نيابة عنهما، سواء بشكل مباشر كما هو جار في تدمير اليمن، أو عن طريق المنظمات الإرهابية كما حصل في العراق وسوريا وليبيا.

والجدير بالذكر أنه في عام 1964 قدم الرئيس التونسي لحبيب بورقيبة مبادرة إلى الرئيس المصري عبدالناصر، بحل الصراع العربي- الإسرائيلي سلمياً، لتوفير الطاقات البشرية والمادية العربية للتنمية، بدلا من تبديدها وهدرها في هذا الصراع اللامجدي. فأيده الأخير في أول الأمر، ولكن ما أن أعلنها بورقيبة، وثارت عليه الجماهير العربية، تنصل عبدالناصر من وعده للرئيس التونسي، وكان ما كان من الدمار الشامل المتواصل ابتداءً من نكبة 5 حزيران 1967 وإلى الآن. فإلى متى يستمر هذا الدمار بسبب رفض التطبيع مع إسرائيل؟ يرجى مراجعة مقالنا: (سياسة " كل شيء أو لاشيء".. إلى أين؟)(5)

وقبل أيام اثيرت ضجة جديدة في العراق على تصريحات وزير الخارجية العراقي السيد محمد الحكيم، اشار فيها الى ان العراق يؤيد حل الدولتين، اسرائيل وفلسطين. فقامت قيامة الثوريين المستفزين من محور مؤيدي ايران، طبعا بدفع من نفس الجهات المحرضة على ضرب القواعد الاميركية، وطالبوا باستدعاء وزير الخارجية ومحاكمته في البرلمان، مع ان الرجل وضح المسألة وطبيعة تصريحاته.علماً بأن مشروع الدولتين أقرته الأمم المتحدة، والجامعة العربية، والحكومة الفلسطينية منذ عهد الراحل ياسر عرفات وإلى الرئيس الفلسطيني الحالي السيد محمود عباس. ولكن إيران وحماس ضد هذا المشروع، فما زالوا يحلمون بتحرير الأرض من النهر إلى البحر وإلقاء اليهود في البحر لتأكلهم الأسماك!!! لذلك يريدون من العراق أن يحذو حذوهم، ويكون ملكياً أكثر من الملك، وفلسطينياً أكثر من الشعب الفلسطيني وقيادته.

ملاحظة أخرى جديرة بالذكر وهي، منذ سقوط حكم البعث الجائر، يتردد في أوساط العراقيين وغير العراقيين، وخاصة من أعداء الديمقراطية، أن أمريكا جاءت بهؤلاء الفاسدين والفاشلين للحكم. لا شك أن هذا القول غير دقيق، لأن أمريكا اسقطت أبشع نظام دكتاتوري فاشي مستبد في العراق، وحررت الشعب العراقي من جوره وطغيانه، وأقامت مكانه نظاماً ديمقراطياً بكل معنى الكلمة، وفسحت المجال للشعب العراقي ليختار حكامه بالانتخابات الحرة والنزيهة، وتحت مراقبة دولية. وإذا ظهر هؤلاء الحكام غير كفوئين، أو فاسدين وفاشلين، فاللوم على الحكام انفسهم، لأنهم لم يكونوا بمستوى المسؤولية، وخانوا ثقة الشعب بهم، وليس ذنب أمريكا. فلماذا ننتقد أمريكا على فشل العراقيين الذين أنتخبهم الشعب؟

اعتراض آخر على العلاقة مع أمريكا من صديق في إحدى مجموعات النقاش، مفاده أن ترامب شخص متقلب لا يؤتمن جانبه، وذكر أمثلة عديدة منها تنصله من الاتفاق النووي مع إيران. وأنا إذ أتفق مع الصديق، ولكن يجب أن نعرف أن ترامب رجل غريب الأطوار، وغير طبيعي، ويتصرف بشكل غير لائق مع الجميع، وحتى مع حلفائه في دول الناتو، والوحدة الأوربية، بل ويدعو إلى عزل أمريكا عن العالم وفق شعاره (أمريكا أولاً). و ترامب ليس أمريكا، فهو مكروه ليس من قبل العالم فقط، بل وحتى من قبل غالبية الشعب الأمريكي، فأغلب الناخبين الأمريكان صوتوا لصالح منافسته هيلاري كلنتون التي تفوقت عليه بثلاثة ملايين صوت، ولكن النظام الانتخابي الأمريكي الغريب هو الذي جاء بترامب. لذلك فهو رجل طارئ، وله مشاكل مع الجميع، بما فيه الإعلام الأمريكي وغير الأمريكي، ولا يجب أن نحكم على أمريكا من خلال ترامب، فهو زائل، وأمريكا كدولة مؤسسات باقية، لذلك نجد صحفيين بل وحتى مسؤولين في إدارته وفي حزبه وقفوا في وجهه بمنتهى الشجاعة وتحدوه، بل وحتى اتهمه بعض علماء النفس الأمريكان بالجنون. ولمعرفة المزيد عن ترامب يرجى قراءة مقال الكاتب والإعلامي العراقي الدكتور حميد الكفائي، الموسوم: (حروب ترامب والإنكفاء الأميركي)(6)

خلاصة القول، أن العراق بوضعه الهش، وتفتت وحدته الوطنية، والصراعات الشرسة بين قواه السياسية، مازال مهدداً بالإرهاب، لذلك فهو بأمس الحاجة إلى مساعدة أمريكا العسكرية،  مع إبقاء علاقة ودية مع الجارة إيران. ويمكن للعراق أن يمنع استخدام الوجود العسكري الأمريكي ضد إيران في حالة نشوب الحرب بين أمريكا وإيرن، وهو مستبعد، إذ تكتفي أمريكا بالضغوط الاقتصادية على إيران، و نعرف أن لأمريكا قاعدة عسكرية في أنجرليك جنوب تركيا، وفي عام 2003، رفضت تركيا السماح لأمريكا باستخدام هذه القاعدة ضد صدام حسين، وأذعنت أمريكا للموقف التركي. لذلك نؤكد، أنه ليس بإمكان العراق ولا من مصلحته معاداة أمريكا، وإلا سيعود مسلسل السيناريو احتلال داعش للمناطق الغربية، ولا نرى في الوجود العسكري الأمريكي في العراق أي إساءة للكرامة أو السيادة الوطنية، وذكرنا أمثلة كثيرة من الدول الكبرى التي لأمريكا قواعد عسكرية فيها، ودون أن تمس كرامتها، أو سيادتها الوطنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- الكرامة والسيادة في خدمة "داعش"
http://www.akhbaar.org/home/2014/9/177006.html

2- د. عبد الخالق حسين: هل المطلوب منا التضحية بالعراق في سبيل إيران؟
http://www.akhbaar.org/home/2019/1/253218.html

3- العامري يدعو إلى أن يكون يوم خروج المحتل في 31 كانون الأول من كل عام عطلة رسمية
http://www.akhbaar.org/home/2019/1/253160.html

4- د. عبدالخالق حسين: حول إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط
http://www.aafaq.org/masahas.aspx?id_mas=859

5- عبدالخالق حسين:  سياسة " كل شيء أو لاشيء".. إلى أين؟
http://www.aafaq.org/masahas.aspx?id_mas=2062
6- د. حميد الكفائي: حروب ترامب والإنكفاء الأميركي
http://www.alhayat.com/article/4617892/%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A/%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D9%83%D9%81%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A
 




45
هل المطلوب منا التضحية بالعراق في سبيل إيران؟

د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الأخير الموسوم: (مخاطر عدم الوجود العسكري الأمريكي في العراق)(1)، وصلتني تعليقات كثيرة من الأخوة القراء، أغلبها مؤيدة، ما عدا واحد رأى أني أناقض نفسي بنفسي، فمن جهة أتهم أمريكا بأنها ساهمت في تأسيس تنظيم داعش، وغيره من التنظيمات الإسلامية الإرهابية، وأن أمريكا غضت الطرف، أو حتى أوعزت باحتلال داعش للمناطق العربية السنية، نكاية برئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لرفضه بقاء أي عسكري أمريكي في العراق، وفي هذه الحالة، كيف تصح لي مطالبة الحكومة العراقية بعدم معاداة أمريكا ومحاربتها؟

لقد كتبتُ العديد من المقالات حول تعقيدات العلاقة بين العراق والدولتين المتخاصمتين، أمريكا وإيران. فأمريكا دولة عظمى، لها الفضل في تحرير العراق من أسوأ نظام دكتاتوري فاشي عرفه العالم على مر التاريخ، إذ لم يكن بإمكان الشعب العراقي تحرير نفسه بنفسه من ذلك النظام الجائر دون تدخل المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى. ومعظم دول العالم تسعى اليوم لإقامة علاقة ودية مع أمريكا للاستفادة من إمكانياتها الاقتصادية وغيرها. وفي نفس الوقت، دعوتُ إلى علاقة حميدة بين العراق وإيران لأن هناك روابط تاريخية ودينية وجغرافية بين البلدين لا فكاك منها. وعلاقة العراق الودية مع هاتين الدولتين (أمريكا وإيران) ممكنة، لو اتبع المسؤولون العراقيون فن الدبلوماسية الحكيمة، لأن نتائج هذه العلاقة الحميدة في صالح الجميع.

أما الذين مازالوا سجناء عهد الحرب الباردة بين المعسكرين، الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربي الرأسمالي بقيادة أمريكا، ولا يرون في أمريكا إلا الشر المطلق، فذلك العهد قد انتهى بعد أن دفع العالم الثالث ثمناً باهظاً، و بالأخص شعبنا العراقي. لذلك فقد تغير العالم، وعلينا أن نتغير أيضاً، فنحن نعيش اليوم في عصر العولمة، حيث المشكلة المحلية هي مشكلة دولية، مثل انتهاك حقوق الإنسان، وحروب الإبادة من قبل حكومات جائرة، والمجاعات، والكوارث الطبيعية، التي لا يمكن حلها إلا بجهود دولية مشتركة، وفي هذه الحالات لا مجال لإتباع سياسة البلطجة البعثية. فالعراق لم يستطع تحرير أراضيه المحتلة من قبل داعش، لولا مساعدة التحالف الدولي بقيادة أمريكا، ومن ينكر هذه الحقيقة فهو مكابر ومعاند.

والجدير بالذكر أن هناك جهات داخلية وخارجية تعمل على دفع العراق إلى الصِدام المسلح مع أمريكا، والادعاء بأن أمريكا عدوة الشعوب، وبالأخص الشعوب العربية، لذلك يجب معاداتها ومحاربتها. فيقوم هؤلاء بتحريض الشعب العراقي والقوى السياسية، ومليشياتها، لمحاربة أمريكا وفق مقولة (شيِّم البدوي وخذ عباته). وفي هذا الخصوص بعث لي أحد الأخوة في العراق، وهو صحفي متميز، تعليقاً، وبعد ترحيبه بمضمون المقال، قال:
((...انا كتبت العديد من المنشورات بنفس المعنى وخاصة بعد الضجة التي اثارها الصداميون، ومن ورائهم من العربان والاردنيين بسبب زيارة ترامب بحجة انتهاك السيادة ليخدعوا الحشد الشعبي، وبعض الفصائل المؤيدة لإيران، ودفعهم لمهاجمة القوات الاميركية، وعند ذاك تجد اميركا مبرراً جاهزاً فتسحق الحشد ومن يقف معه. ظهر ابراهيم الصميدعي وطرح نفس افكاركم، ولكن المحاور الآخر وهو إسلامي رده بعنف، فقال الصميدعي واقسم بان سياسيين سنة ممن تملق للشيعة ولسليماني وحصلوا على مناصب مهمة، لاموني وقالوا حاول أن تدفع وتشجع قادة الحشد على ضرب قاعدة عين الاسد (وخليها تعلك بيناتهم). طبعا بعض الشيعة ابتلعوا الطعم وراحوا يرددون معزوفة السيادة. فاستعملتُ اسلوب المنشورات الملونة وذكرتهم بخيمة صفوان وكيف سلم صدام العراق الى اميركا من دون قيد وشرط)) انتهى.
نعم، هذا هو الواقع المؤلم من وراء تحريض العراقيين على الصدام مع أمريكا، وذرفهم دموع التماسيح على السيادة الوطنية "المنتهكة" من قبل أمريكا.

أعيد ثانية ما قلته في مقالي السابق، وذلك لأهميته، أن إصرار السيد المالكي عام 2011 ، وبضغوط من إيران، وأنصارها من القوى السياسية العراقية، على رحيل آخر جندي أمريكي من العراق، لا يدعو للثناء، لأن البديل كان سقوط ثلث مساحة العراق بيد داعش، وتدنيس الأرض، وهتك العرض، وما تطلب ذلك من تضحيات جسيمة بالأرواح والأموال لتحريرها. وبذلك فقد خسر المالكي السيادة الوطنية، وخسر المنصب، بل وراح خصومه، وحتى الذين فرضوا عليه رحيل القوات الأمريكية، يحمِّلونه مسؤولية جميع الكوارث التي حلت بالعراق على يد داعش من مجازر ودمار الممتلكات.

نعم، السياسة فن الممكن، لتحقيق أكبر قدر من المصالح للشعب، وتجنب الخسائر، وهذا المبدأ ليس مزحة كما يحاول بعض صبيان السياسة التهكم منه في كتاباتهم البكائية والتحريضية الرخيصة. ولعل الحسنة الوحيدة في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم مساوئه الكثيرة، أنه صريح بلا مواربة، فقد رفع شعار (أمريكا أولاً)، وقال بحق، أن رئيس أي دولة لا يتخذ مصلحة بلاده أولاً، فهو خائن لوطنه وشعبه. وإذا كان الأمر كذلك، والكل يسعى وراء مصلحة بلاده، فلماذا على العراقيين وحدهم أن يضحوا بمصلحة وطنهم وعبهم  في سبيل إيران، ويعرضوا العراق إلى الصدام مع الدولة العظمى؟ وإذا كانت أمريكا سيئة إلى هذا الحد، فهل من واجب العراق المنهك من تركة حكم البعث، ولم يتعافى بعد من الحروب الصدامية العبثية، والداعشية الإرهابية، أن يمرغ أنف أمريكا في الوحل ويعطيها درساً في الأخلاق؟ إن الذين يدفعون العراق للصدام مع أمريكا، يريدون تحقيق نبوءة سيدهم صدام حسين حين قال: (إن الذي يحكم العراق من بعده يستلمه أرضاً بلا بشر).

ولذلك، فعندما ندعو إلى علاقة ودية مع أمريكا، وعدم استفزازها، ليس حباً بها، وإنما لتجنب الصدام معها، والاستفادة من إمكانياتها. وهذه ليست انتهازية، أو ماكيافيلية ، أو انبطاح كما يردد البعض من البعثيين وأشباههم.(راجع مقالنا: مناقشة حول العلاقة مع أمريكا، الرابط في الهامش-2).
وفي هذا الخصوص لنا دروس من التاريخ. إذ نعرف أن النبي محمد عندما انتصر في فتح مكة، قال: "من دخل بيت أبي سفيان فقد آمن". وهذا القول يعتبر وساماً منحه الرسول إلى أبي سفيان. والسؤال هنا، أما كان الرسول يعرف من هو أبو سفيان الذي كان يتآمر عليه لقتله، وإفشال رسالته؟ نعم كان يعرف ذلك جيداً، ولكن الرسول كان سياسياً محنكاً أيضاً، إذ منح أبي سفيان هذه المكافئة، وشمل المؤلفة قلبوهم في غنائم الفتوحات، ليتقي شرورهم ويكسبهم إلى جانبه. ولنفس السبب، نقول يجب كسب أمريكا إلى جانب العراق لتوقي شرورها والاستفادة من إمكانياتها. وأوضح دليل على ما نقول، قارنوا بين كوريا الجنوبية ذات العلاقة الحميمة مع أمريكا، وكوريا الشمالية التي بددت كل ثرواتها على التسلح النووي لأنها في حالة عداء مع أمريكا، وبالنهاية لا بد وأن يحصل لها كما حصل لألمانيا الشرقية.

وما يُفرح أن هناك شريحة واسعة من الشعب العراقي، وخاصة شريحة المثقفين، بدأوا يدركون هذه الحقائق، وما يخبئه المحرضون للشعب من نوايا خبيثة لدفعه إلى الصدام مع أمريكا. فهم مع مضمون مقالي المشار إليه أعلاه، إذ كتب لي صديق أكاديمي مرموق قائلاً: "في حواري مع  گروب من خريجي هندسة البصرة، اكثرهم لا زالوا في العراق، كتبتُ لهم في حوار يتعلق بموضوع مقالك، وكنتُ مندهشاً على اتفاق الاّراء عدا قلة قليلة منهم....لذلك فالعراق لايزال بخير! ). ثم ذكر لي تفاصيل الحوار الجميل الذي لا مجال لإعادته هنا لتلافي الإطالة.

نعم، ليس من مصلحة الشعب ترك المجال لدعاة الباطل، بتضليل الشعب بلباس الوطنية، ونشر أباطيلهم بثياب الحق، إذ كما ذكَّرني صديق بقول رائع للإمام علي: (لو سكت أهل الحق عن الباطل، لأعتقد أهل الباطل أنهم على حق)...
لا يا صديقي العزيز، سوف لن نسكت عن أباطيلهم، ومحاولاتهم الخبيثة لتضليل الشعب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة بالموضوع
1- د. عبد الخالق حسين : مخاطر عدم الوجود العسكري الأمريكي في العراق
http://www.akhbaar.org/home/2019/1/253139.html

2- د. عبدالخالق حسين: مناقشة حول العلاقة مع أمريكا
http://www.akhbaar.org/home/2014/9/176030.html


46
مخاطر عدم الوجود العسكري الأمريكي في العراق

د.عبدالخالق حسين


في البدء، أتقدم بالشكر الجزيل للأصدقاء الأعزاء الذين راسلوني وهم يتساءلون عن انقطاعي عن الكتابة خلال ما يقارب الثلاثة أشهر الأخيرة. إن السبب وكما بينته لهم، أني بين حين وآخر أصاب بالنفور من الكتابة، الحالة التي يسميها البعض بـ(الإنغلاق الكتابي)، إذ إني سأمتُ من الذهنية السائدة على المستويين السياسي والإعلامي: فالسياسيون يحكمون العراق وقد تفشى بينهم الفساد واللا أبالية، و بعض الكتاب ينظِّرون ويحللون، ويضللون المجتمع. فالكتّاب في رأيي ينقسمون إلى ثلاثة أقسام. القليل منهم يكتبون بما تمليه عليهم مصلحة البلاد وفق الظروف الصعبة، وما تتطلبه اللعبة السياسية من مناورات، والعمل بمبدأ (فن الممكن)، وتجنب الخسائر إلى أقصى حد. وقسم آخر يرددون ما ينشره أيتام البعث الفاشي من أن العراق قد انتهى من بعدهم، وأن حكمهم كان أنزه وأشرف حكم عرفه العراق، بينما في الحقيقة لم يأت نظام أضر بالعراق مثل حكم البعث الغاشم. وقسم ثالث، ديدنهم كتابة اللطميات والبكائيات والشتائم، والتسقيط، وتضخيم السلبيات ونفي الإيجابيات، القصد منها تدمير معنويات العراقيين ودفعهم لليأس القاتل، وهم بذلك، شاؤوا أم أبوا، بقصد أو بدونه، يخدمون فلول البعث.
وبين هؤلاء وأولئك، شعرتُ بأني أنفخ في قربة مثقوبة، أو أغني خارج السرب، وأننا نكتب لأنفسنا دون أن يكون لنا أي تأثير على الساحة. لذلك سأمتُ من هذا الوضع المزري، وشعرتُ بالنفور من الكتابة.
وما دفعني للخروج من صمتي وكتابة هذا المقال هو الصديق أياد السماوي مشكوراً، بمقاله الموسوم: (مخاطر الوجود العسكري الأمريكي في العراق)(1). وإني لا أشك أبداً بحسن نوايا الأخ السماوي، والعديد ممن يتخذون نهجه وبنوايا حسنة فيما يكتبون، ولكني أختلف عنهم في العديد من المواقف والآراء، وكما قيل: (الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية).

فهؤلاء الأخوة سامحهم الله، يطالبون الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 وإلى الآن باتخاذ موقف معادي من أمريكا، وعدم السماح بوجود قطعات عسكرية أمريكية في العراق، بدعوى أن هذا الوجود يسئ إلى السيادة الوطنية. وكمحاولة إبتزازية، راح البعض منهم يتهمون كل من يخالفهم في هذا الرأي، بالانبطاح لأمريكا، والعمالة لها ولإسرائيل، إلى آخر الاسطوانة المشروخة من الاتهامات السخفية. نقول لهم، أن عملاء أمريكا وإسرائيل الحقيقيين هم الذين يشتمون أمريكا وإسرائيل علناً، ويخدمونهما بالسر.

أما الذين ينهجون هذا النهج وعن حسن نية، فإنهم لا يدركون مدى الدمار الذي سيلحقونه بالعراق لو اذعنت الحكومة العراقية لمطالبهم. ودليلنا على ذلك هو تجربة عام 2011، يوم أصر رئيس الوزراء الأسبق، السيد نوري المالكي، وبضغوط من إيران، والقوى السياسية العراقية التي تأتمر بأوامرها، على عدم السماح لأمريكا بإبقاء أي قطعات عسكرية لها في العراق. وقد حذرنا آنذاك من مخاطر هذا الموقف، وطالبنا السيد المالكي بعدم الإذعان لضغوط إيران وأنصارها في العراق، ولكن بلا جدوى. وكانت النتيجة احتلال ثلث مساحة العراق من قبل فلول البعث باسم داعش. (راجع مقالنا: (الكرامة والسيادة في خدمة داعش)(2)

فهل حقاً وجود عدد قليل من القوات الأمريكية في العراق لدعم قواته المسلحة، والمساهمة في حمايته من الإرهاب والعدوان، يسئ إلى السيادة الوطنية، والعراق بأمس الحاجة إلى دعم الدولة العظمى في مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها؟ فلو كان الأمر كذلك لكانت دول كبرى مثل بريطانيا وألمانيا واليابان، وكوريا الجنوبية، وعشرات الدول الأخرى ناقصة السيادة.

إن إصرار السيد المالكي عام 2011 على رحيل آخر جندي أمريكي من العراق لا يدعو للثناء، لأن البديل كان سقوط ثلث مساحة العراق بيد داعش، وما تطلب ذلك من تضحيات جسيمة بالأرواح والأموال لتحريرها. وبذلك فقد خسر السيادة وخسر المنصب، بل وراح خصومه يحملونه مسؤولية جميع الكوارث التي حلت بالعراق على يد الداعش.

فعندما نطالب الحكومة العراقية بعدم معاداة أمريكا، وكسبها إلى جانب العراق، لا لخدمة أمريكا، بل لخدمة الشعب العراقي، ونحن نعلم أن أمريكا ليست مؤسسة خيرية، خاصة في عهد اليميني المتطرف ترامب. ولكننا نعرف أيضاً، أن أية مواجهة عسكرية أو حتى مجرد خصومة مع أمريكا، معناها انتحار جماعي. فإذا امتنعت الحكومة العراقية عن السماح لبقاء قوات عسكرية أمريكية في العراق، فالنتيجة هي إعادة احتلال داعش للمناطق السنية، و تحت أي اسم آخر، بل وحتى تشجيع حكومة إقليم كردستان للتمرد على بغداد، وهذا ما حصل عام 20014 يوم تم تسليم المناطق الغربية إلى داعش، واحتلا كركوك من قبل حكومة الاقليم، وما تطلب ذالك من تضحيات هائلة في الأرواح والأموال، وتعطيل التنميىة البشرية والمادية.

ليفهم هؤلاء أن الشعب العراقي الذي انهكته الحروب الصدامية العبثية، والعمليات الإرهابية بعد 2003، وبوضعه الحالي الهش والمتشرذم، و الصراعات الطائفية الغبية، واستعداد كل فئة من فئاته التعاون حتى مع الشيطان في سبيل إلحاق الهزيمة بالفئات المنافسة، ليس بإمكان هذا الشعب المواجهة مع الدولة العظمى في حروب محسومة النتائج. فبإمكان أمريكا وبمجرد إشارة خفيفة إلى أي من الفئات العراقية المتناحرة، بإعلان التمرد على حكومة بغداد. وهذا ما حصل يوم سلَّمت القوى السياسية السنية محافظاتها إلى داعش بدون إطلاق رصاصة واحدة في 10 حزيران 2014. فامتنعت أمريكا مساعدة العراق في محنته، حيث قال الرئيس الأمريكي أوباما آنذاك، أنه لن يتعاون مع العراق في محاربة داعش طالما بقي المالكي رئيساً للوزراء، مما اضطر الأخير للتنحي، ومجيء الدكتور حيد العباد لرئاسة الحكومة، والذي بكسبه أمريكا، نجح في تطهير جميع الأراضي العراقية من دنس داعش، ولكن بثمن باهظ في الأرواح والأموال. كما استطاع الدكتور العبادي استرجاع جميع المناطق المتنازع عليها بما فيها محافظة كركوك من هيمنة حكومة الإقليم اللادستورية، إلى آخره من المكتسبات وبدون حرب. والحقيقة يجب أن تقال، وهي، ما كان بإمكان السيد العبادي تحقيق كل هذه الانتصارات لولا الدعم الأمريكي له.

وعندما نقول أنه ليس من مصلحة العراق معاداة أمريكا، لا يعني ذلك أننا ندعو إلى معاداة إيران، إذ من مصلحة أمريكا وإيران أن تكون للعراق علاقة جيدة معهما. فإذا كانت أمريكا وإيران والسعودية وسورية وكل دول العالم وراء مصالحها، وترفع شعار بلادها أولاً، فلماذا على العراقيين وحدهم أن يضحوا بمصلحة بلادهم في سبيل مصالح غيرهم؟
يجب على دعاة وضع العراق في مواجهة غير متكافئة ومحسومة النتائج، مع أمريكا، أن يعرفوا أن أمريكا هي التي جاءت بحكم البعث للعراق في الستينات، وهي التي أزاحته عندما اقتضت مصالحها لذلك، وأمريكا هي التي سمحت بإحتلال داعش للمناطق السنية، وربما بالإيعاز منها، و هي التي ساعدت على دحره فيما بعد، لذلك وفي حالة أي عداء جديد لأمريكا، فهي مستعدة لإعادة كل السيناريوهات السابقة، وهكذا يبقى الشعب العراقي محروماً من أي استقرار والتمتع بثرواته الوفيرة، ويواصل الحروب والتضحيات البشرية والمادية الإستنزافية إلى حد الإنهاك التام، كل ذلك من أجل أن يُشبع البعض غرورهم، وهم يتنعمون بنعيم الغرب، بتحد أمريكا، والدول الغربية "الكافرة" والرأسمالية "المتوحشة" على حد تعبيرهم. فهؤلاء يريدون نعيم الغرب لأنفسهم، ولكنهم يحرضون الشعب العراقي ضد هذا الغرب باسم السيادة الوطنية. إنه قول حق يراد به باطل.

فمقابل تحرير المناطق المحتلة من داعش، دفع الحشد الشعبي نحو 50 ألف شهيد، ونفس العدد من القوات العسكرية النظامية، إضافة إلى صرف عشرات المليارات الدولارات، ودمار شامل للمناطق المحتلة، وفرار الملايين من السكان، وعشرات الألوف من اللقطاء. فأيهما أفضل، السماح لإبقاء عدد قليل من القطعات العسكرية الأمريكية لمساعدة الجيش العراقي في حماية حدوده، وأمنه الداخلي من الإرهاب الغاشم، أم رفض ذلك باسم السيادة الوطنية، والنتيجة تسليم ثلث مساحة العراق إلى الدواعش؟ وأية سيادة هذه في ظل الاحتلال الداعشي المتوحش؟ هذا السيناريو الرهيب ينتظر العراق فيما لو أذعن السيد عادل عبدالمهدي لضغوط إيران وأنصارها واتبع سياسة السيد نوري المالكي عام 2011.
اللهم إني بلغت، فهل من يسمع؟
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
أياد السماوي: مخاطر الوجود العسكري الأمريكي في العراق
http://www.akhbaar.org/home/2019/1/252997.html

د.عبدالخالق حسين: الكرامة والسيادة في خدمة "داعش"
http://www.akhbaar.org/home/2014/9/177006.html








47
كلا، لم يحن الوقت بعد لذبح البقرة السعودية!

د.عبدالخالق حسين

لا شك أن مقتل الصحفي السعودي المعارض، جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا على أيدي رجال الأمن السعوديين يوم 2 أكتوبر الجاري، يعتبر جريمة بشعة لا مثيل لها في الوحشية، يندى لها الجبين، لذلك أثارت غضب واشمئزاز واستنكار العالم كله، خاصة وقد أكدت الحكومة التركية أن لديها أدلة بالصوت والصورة، عن وقائع الجريمة، وليس بإمكان الحكومة السعودية إنكارها. كذلك اهتمام الاعلام العالمي والمنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة بهذه الجريمة، مما أضطر حتى الرئيس الأمريكي دولاند ترامب، الصديق اللدود المقرب للعائلة السعودية الحاكمة، إلى استنكار الجريمة وإدانتها، وتهديده بمعاقبة السعودية عقاباً شديداً إذا ما ثبت ضلوعها بالجريمة! و"لكن بدون إلغاء صفقات السلاح"!!(1)

ورغم أن مقتل صحفي ليس بالأمر الجديد، إذ هناك عشرات الصحفيين يُقتلون سنوياً في مناطق مختلفة من العالم، بل وحتى هناك شعوب تتعرض للإبادة كما الحرب السعودية على الشعب اليمني الآن، ولم يثر هذا الاستنكار والإدانة العالمية، إلا إن الطريقة الوحشية الهمجية البشعة التي مارسها المسؤولون السعوديون في قتل الخاشقجي، هي التي أثارت كل هذا الاستنكار والاشمئزاز، حيث تم قتله إثناء التحقيق معه تحت التعذيب الوحشي في القنصلية السعودية في اسطنبول، ومن ثم تقطيع جسده بمنشار عظام جلبه فريق الأمن السعودي معهم، جاؤوا خصيصاً لتنفيذ هذه الجريمة حسب تقرير مراسل بي بي سي (BBC Radio4  صباح يوم 16/10/2018)، ليسهل عليهم التخلص من جثة القتيل وإخفاء معالم الجريمة.

وإزاء تهديدات ترامب ضد السعودية، استبشر الأخيار في العالم خيراً أن نهاية مملكة الشر قد دنت، خاصة وأن أمريكا لم تعد بحاجة إلى النفط السعودي، وذلك لوجود مصادر الطاقة المتجددة، وغيرها، وأنه (ترامب) قال مراراً خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2016، وبعدها، أن السعودية هي البقرة الحلوب، وإذا ما جف ضرعها فإنها ستذبح. وقد حان الوقت، وهاهي أمريكا تتهيأ لذبح البقرة السعودية بعد جفاف ضرعها، وتصاعد وتيرة جرائمها ضد الإنسانية، وتدهور سمعتها إلى الحضيض.

في الحقيقة البقرة السعودية لم يجف ضرعها بعد، إذ مازالت وحسب تصريحات ترامب نفسه، أنها تملك أموالاً هائلة تقدر بالتريليونات الدولارات، وعليها أن تدفع لأمريكا تكاليف حمايتها، وأنه لولا الحماية الأمريكية لما صمدت السعودية يوماً واحداً...الخ. كذلك تشكل السعودية مع إسرائيل الذراع الضاربة لأمريكا في المنطقة، فالسعودية ليست تملك أموالاً هائلة فحسب، بل ومازالت أمريكا والغرب بحاجة إلى النفط السعودي، إضافة إلى العقيدة الدينية الوهابية التكفيرية التي بواسطتها تمت برمجة وتسميم عقول مئات الألوف من الشباب المسلمين، وتحويلهم إلى قنابل بشرية، وتشكيل منظمات إرهابية مثل القاعدة وطالبان وداعش وغيرها كثير، تشكل ما يسمى بـ(الجيل الرابع) في شن الحروب، واستخدامها هراوة تضرب بها أية حكومة تهدد أمن إسرائيل، ومصالح أمريكا في العالم.

لذلك، فأمريكا مازلت بحاجة إلى النظام السعودي، وما تهديدات ترامب للسعودية إلا مسرحية لذر الرماد في العيون، والإستهلاك المحلي، فقد أشغلت الإدارة الأمريكية نفسها في الأيام القليلة الماضية في عملية إيجاد طريقة للخروج من المأزق، وتمهيد الطريق لتبرئة القيادة السعودية العليا من الجريمة، وبالتالي تبرير عدم معاقبتها، واستمرار العلاقة الودية وخاصة التجارية معها و(Business as usual).
فقد قال ترامب للصحفيين بعد مكالمة هاتفية أجراها مع الملك سلمان بن عبد العزيز، إن العاهل السعودي نفى تماما علمه بما حدث لخاشقجي. و إنه بعث وزير خارجيته، مايك بومبيو، إلى السعودية لإجراء محادثات عاجلة مع الملك سلمان.(نفس المصدر-1)

وماذا نتوقع من هذه التهديدات والاتصالات؟
لا بد أنه تم الاتفاق بين أمريكا والسعودية وحتى تركيا، إذ تحدثت صحف عربية عن إمكانية التوصل إلى "صفقة" ثُلاثيّة، أمريكيّة تركيّة سعوديّة، لإغلاقِ ملف اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وتتم الصفقة بإيجاد ذريعة لتبرئة القيادة السعودية كالتالي: أن تعترف السعودية بأن الصحفي جمال الخاشقجي فعلاً تم قتله في القنصلية السعودية في تركيا إثناء التحقيق معه على أيدي بعض الموظفين في القنصلية، ولكن بدون علم القيادة السعودية العليا (أي الملك سلمان وابنه الأمير محمد ولي العهد). وأن قتل الصحفي المعارض حصل خطئاً كحدث طارئ (by accident)، إثناء التحقيق معه بواسطة موظفين مارقين (Rogue officials). وأن "قتلة خارجون عن السيطرة ربما كانوا وراء اختفاء خاشقجي". وربما سيتم معاقبة عدد منهم واتخاذهم اكباش فدى، وتبرئة الملك سلمان، وابنه المهيمن على كل شيء في السعودية. فهل يُعقل أن تحصل هكذا جريمة كبرى في سفارة دولة بوليسية مثل السعودية، بدون أوامر أو حتى علم من الملك وابنه؟ هذا مستحيل.

هذا مجرد تبرير واهي لإعادة العلاقة بين أمريكا والسعودية إلى حالتها الطبيعية الودية. وقد قالها ترامب صراحة عندما سأله الصحفيون عن نوعية العقوبة التي يهدد بها السعودية، وهل ستشمل تصدير السلاح؟ أجاب: كلا، لأننا في هذه الحالة سنعاقب أنفسنا ونخسر عشرات المليارات الدولارات سنوياً.
وهكذا نستنتج أن السعودية تحتاج أمريكا لحمايتها من شعبها، وأمريكا تحتاج السعودية لحلب ضرعها الذي مازال يدر لها المئات من مليارات الدولارات.

فالسعودية لن تسقط على يد أمريكا، بل إذا شاء لها السقوط فإنها ستسقط على يد شعبها، وبالأخص بسبب الصراع الدائر بين أمراء العائلة الحاكمة أنفسهم، وتذمرهم من تصرفات الطاغية ولي العهد محمد بن سلمان الذي أثبت أنه نسخة من صدام حسين في تهوره، واستبداده، وتعامله بمنتهى القسوة مع كل من يعارضه في الرأي.
وفي هذا الخصوص تفيد الأنباء أن أحد الأمراء، واسمه خالد بن فرحان آل سعود (41 سنة)، اللاجئ حالياً في ألمانيا، كشف أن السلطات السعودية قد وعدت بإعطائه مبالغ كبيرة من الدولارات مقابل ذهابه إلى القنصلية السعودية في القاهرة، والتحدث إلى السلطات، إلا إنه رفض خوفاً من أن يلقى مصير الخاشقجي. وقال إن خمسة من أفراد الأسرة الملكية حاولوا رفع صوتهم ضد اختفاء خاشقجي، وقد تم احتجازهم على الفور، واضاف أن هناك العديد من الأمراء في السجن الآن في المملكة العربية السعودية. وأنه قبل خمسة أيام حاولت مجموعة من الأمراء زيارة الملك سلمان، للإعراب عن خوفها على مستقبل عائلة آل سعود، وذكروا قضية السيد خاشقجي، فتم وضعهم جميعاً في السجن ولا يُعرف مصيرهم، وأن الجميع خائفون.(2)

ومن كل ما سبق، نعرف أن غضب ترامب على السعودية، وتهديداته بالعقوبة الشديدة ما هي إلا مسرحية من نوع الكوميديا السوداء، وأن البقرة السعودية لم يجف ضرعها، لذلك لم يحن الأوان بعد لذبحها، بل الأمل هو في انهيارها من الداخل، وذلك بسبب ما يرتكبه ولي العهد المتهور، محمد بن سلمان من جرائم بشعة ضد الشعب السعودي، وبحق الإنسانية جمعاء، ومصيره ونظام حكمه سيكون كمصير أي طاغية في التاريخ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر
1- تقرير بي بي سي: ترامب: قتلة خارجون عن السيطرة ربما كانوا وراء اختفاء خاشقجي
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-45864878

2- خمسة أمراء من العائلة المالكة مفقودون في السعودية
5 members of Royal family missing in Saudi Arabia: Royal prince
https://www.siasat.com/news/5-members-royal-family-missing-saudi-arabia-royal-prince-1420427/

رابط ذو صلة:
صحيفة أمريكية تزعم ارتباط 5 مشبوهين في اختفاء خاشقجي بولي العهد السعودي
http://www.akhbaar.org/home/2018/10/250092.html

د.اسامة فوزي: ذبحوه ومحمد بن سلمان شخصيا حقق معه عبر دائرة تلفزيونية مغلقة (فيديو)
https://www.youtube.com/watch?v=7gYp8mTZV1Y

 



48
المطلوب من عادل عبد المهدي تلبية مطاليب الشعب لا الأحزاب

د.عبدالخالق حسين

لا شك أن تكليف السيد عادل عبدالمهدي بتشكيل الحكومة الجديدة قد وضعه في موقف لا يحسد عليه، فمهمته صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، خاصة وقد استجدت ظروف نتيجة فشل الأحزاب السياسية المتنفذة. فهذه الظروف تساعده على فرض شروطه في اختيار وزرائه من أصحاب الكفاءات التكنوقراط المستقلين. لذلك، و كمواطن عراقي في المهجر، متابع ومهتم بالشأن العراقي، أود تقديم بعض الأفكار والاقتراحات قد تساعده على جعل مهمته ممكنة.

ولكن قبل تقديم الاقتراحات، أود أن أشير إلى الحقائق التالية:
أولاً، إن الشعب العراقي منقسم على نفسه إلى طوائف وأثنيات، وكل منها متفتت إلى أحزاب سياسية متناحرة. إضافة إلى ما تعرض هذا الشعب لأكثر من نصف قرن إلى كوارث الدكتاتورية، من الحروب العبثية وغيرها كثير، لذلك من المستحيل إرضاء الجميع، خاصة وهناك قوى مستعدة للتعاون مع الشيطان، وحتى مع عصابات داعش وأخواتها، من أجل تسقيط المنافسين في الحكم والنفوذ. لذلك يجب أن يعتبر الأمر مسألة عادية إذا ما تعرض الرئيس المكلف للهجوم وحملات التسقيط.

ثانياً، لقد اتخذ خصوم السيد عادل عبدالمهدي من انتماءاته السابقة في أوقات مختلفة، لثلاثة أحزاب متناقضة في الأيديولوجية (البعثي، والشيوعي، والإسلامي)، نقاط ضعف ضده، بينما هي في الحقيقة نقاط قوة لصالحه، لأنه انتمى لهذه الأحزاب حينما لم تكن (هذه الأحزاب) في السلطة، ومنها كانت مضطهدة أشد الاضطهاد مثل الحزب الشيوعي، والمجلس الإسلامي الأعلى، وأخيراً ليبرالي مستقل. لذلك فانتماءاته لتلك القوى لم تكن بدوافع انتهازية كما يصورها خصومه، بل بدوافع القناعة والبحث عن الحقيقة خلال تطوره الفكري. وعليه، فإنتماءاته السابقة، والمناصب السيادية التي تبوأها بعد 2003، أكسبته خبرة واسعة تساعده على مواجهة المهمات الصعبة. 

ثالثاً، إن فشل الأحزاب السياسية المتنفذة طوال 15 سنة الماضية في تلبية احتياجات الشعب منحه فرصة ذهبية لتنفيذ برنامجه الإصلاحي، ومعه الشارع العراقي الساخط على الأحزاب الفاشلة.

رابعاً، التظاهرات الجماهيرية الاحتجاجية التي اندلعت في محافظة البصرة، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وانتشرت في المناطق الأخرى من العراق، كانت مشروعة لأنها كانت تطالب بتوفير أهم الخدمات الأساسية لحياة المواطنين في بلد يتمتع بثروات طبيعية هائلة، وهي: توفير الخدمات، ومحاربة الفساد، و إيجاد العمل للعاطلين.

المقترحات
1- هناك البعض يحاول إيعاز الأزمات العراقية، وخاصة الاقتصادية منها، إلى سيطرة الدولة على المؤسسات النفطية، لذلك يحاولون الترويج إلى الخصخصة، أي بيع مؤسسات الدولة إلى القطاع الخاص. العلة ليست في تأميم المؤسسات النفطية وسيطرة الدولة عليها، بل في سوء استخدام وارداتها. فبدلاً من توظيفها لإعمار العراق، استخدمها حكم البعث الصدامي في عسكرة المجتمع، وشن الحروب العبثية الداخلية والخارجية. كذلك هناك من يروِّج إلى منح المواطنين أسهماً في النفط بذريعة النفط ملك الشعب. نعم، كل الثروات الطبيعية هي ملك الشعب، ولكن هذا لا يعني توزيعها على الأفراد وبيعها في سوق الخردة، بل يجب إدارتها من قبل الحكومة نيابة عن الشعب، واستثمار وارداتها للإعمار وتوفير الخدمات...الخ. لذلك نحذر من بيع المؤسسات الاقتصادية، النفطية وغيرها إلى القطاع الخاص.

2- هناك نحو 180 منشأة ومؤسسة حكومية معطلة، من بينها معمل الورق في محافظة البصرة، وخطوط الهاتف الأرضي على سبيل المثال. يجب بذل كل الجهود لتجديد هذه المنشآت وبعث الحياة فيها.

3- دعم القطاع الخاص، في الوقت الذي نبدي فيه حرصنا على القطاع العام وعدم المساس به، نرى من مصلحة الشعب دعم القطاع الخاص أيضاً، لأنه ضروري لتحريك الاقتصاد وإيجاد العمل للعاطلين. فالعراق يواجه مشكلات كبيرة وعديدة منها على سبيل المثال، الانفجار السكاني، وشح المياه، والتصحر وتلويث البيئة. وهنك نحو 25 جامعة وعشرات المعاهد، ومئات المدارس الثانوية في العراق، إضافة إلى انتشار الكليات الأهلية، والتي بمجموعها تخرِّج سنوياً أكثر من مليون متخرج، يبحثون عن عمل. وليس بإمكان الحكومة توفير العمل لهذا الجيش الكبير من الخريجين العاطلين. لذلك يجب تشجيع القطاع الخاص، والاستثمارات الوطنية والأجنبية، وتوفير التسهيلات لها بإصدار قوانين تشجع الرأسماليين في الداخل والخارج على الاستثمار في العراق.

4- في محاربة الفساد: إن أهم سبب لفشل السيدين نوري المالكي وحيدر العبادي في محاربة الفساد، هو إعلانهما بين حين وآخر أنهما يمتلكان ملفات الفساد ضد حيتان كبيرة، ولكن دون أي إجراء عملي ضد الفاسدين. لذلك فالمطلوب من السيد عبدالمهدي، أن لا يوعد ولا يهدد ما لم يكن مستعداً وقادراً على التنفيذ. إذ يجب الكشف عن ملفات الفساد بكل شجاعة وصراحة، وسيتلقى الدعم من المرجعية الدينية، والشارع العراقي، والجماهير الواسعة الساخطة على الأحزاب السياسية الفاشلة، بل وحتى من الأحزاب السياسية التي ترى أنها مهددة بالاختفاء إذا ما وقفت ضد هذه الاجراءات. وإذا ما فشل في هذا الأمر، فعندها من حقه أن يلوِّح ويهدد بورقة الاستقالة كإجراء أخير، بعد أن يقدم شرحاً مفصلاً في مؤتمر صحفي أمام الشعب، يفصح فيه عن المعوقات التي تقف ضد مكافحة الفساد بما فيها الأحزاب والشخصيات المتنفذة.

5- في السياسة الخارجية، يطالبه أنصار إيران بمعاداة أمريكا والسعودية، ويطالبه أنصار أمريكا والسعودية بمعاداة إيران. وهذه سياسة انتحارية، لأن العراق يحتاج إلى صداقة الجميع. لذلك فالمطلوب من الرئيس المكلف أن لا يسمح لتلك الحكومات بنقل صراعاتها وحروبها بالوكالة على الساحة العراقية. وأن من مصلحتهم ومصلحة العراق أن تكون للعراق علاقات ودية مع الجميع.
 
6- العراق الجديد يواجه عدواً شرساً من فلول البعث، وحلفائهم من عصابات داعش، يمتلكون إمكانيات مادية وإعلامية واسعة، وخاصة في عصر الانترنت والتواصل الاجتماعي، في التضليل، وتلفيق الأخبار الكاذبة لتشويه صورة الديمقراطية والعملية السياسية، لذلك أقترح تشكيل لجنة من الاعلاميين، مرتبطة برئاسة مجلس الوزراء، لمتابعة هذه التلفيقات، والرد عليها أولاً بأول، وتفنيدها وهي في المهد.

خلاصة القول، اعتقد بأن السيد عادل عبدالمهدي هو الآن أقوى من الأحزاب السياسية، لأن الشعب يتوقع منه حكومة مستقلة وكفوءة قادرة على انتشال العراق من وضعه المزري خلال فترة قصيرة جدا، والتجربة علمتنا بأن الأحزاب غير قادرة على الاتيان بمثل هذه الحكومة.
وما يساعده لمكافحة الفساد هو أن يحيط نفسه بكوكبة من ذوي الكفاءات الشرفاء، إذ كما قال جان جاك روسو: إعطني قليلاً من الشرفاء، وأنا أحطم لك جيشاً من اللصوص والفاسدين والعملاء.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com


49
ماهي مبررات ترشيح الاستاذ الدكتور محمد الربيعي لوزارة التعليم العالي؟

د.عبدالخالق حسين

هناك الكثير من المؤشرات تدعو للتفاؤل بحكومة السيد عادل عبدالمهدي المرتقبة لأنها ستكون حكومة التكنوقراط المستقلين من أصحاب الكفاءات العالية، ومن ذوي الماضي الوطني المجيد. فالسيد عبد المهدي نفسه هو تكنوقراط ومستقل، إذ يحمل شهادة الماجستير في الاقتصاد من إحدى الجامعات الفرنسية، ومؤلف لعدد من الكتب، وعدة بحوث في هذا المجال، إضافة إلى خبراته السياسية من انتماءاته الحزبية الماضية، و المناصب السيادية التي تبوأها في عراق ما بعد 2003، وهو الآن مستقل. وقد تم تكليفه من قبل السيد رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح (التكنوقراط)، لتشكيل الحكومة القادمة على أساس الكفاءة والنزاهة والاستقلالية.

وعليه، وبدوافع حرصي على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، باختيار ذوي الكفاءات العالية لإدارة السلطة التنفيذية التي عانت الكثير من القصور في الحكومات المتعاقبة، ونظراً لمعرفتي للدكتور محمد الربيعي عن قرب لأكثر من ربع قرن، وإطلاعي المستمر على انجازاته العلمية والتربوية، وعلى مواقفه السياسية، أود أن أرشحه لمنصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وذلك للأسباب التالية:

أولاً، بطاقة التعريف
1- بروفسور محمد علي الربيعي، هو مستشار فخري لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق وفي فترات مختلفة منذ عام 2003، وإلى الآن، وهو أستاذ متمرس (Emeritus professor)، للهندسة البيوكيميائية، ورئيس شبكة العلماء العراقيين في الخارج (نيسا).
2- حصل على شهادة البكلوريوس من كلية العلوم /جامعة بغداد بدرجة جيد جدا عام 1969، وعمل معيدا في كلية العلوم/جامعة بغداد من سنة 1969 الى 1974، حيث سافر إلى إنكلترا للتخصص في علم الوراثة، فنال الدكتوراه في علم الوراثة الاشعاعية من جامعة لندن عام 1979.
3- عمل مدرسا في جامعة برمنغهام الإنكليزية العريقة، وتدرج في المناصب الاكاديمية ليصبح بروفسور للبيوتكنولوجي في نفس الجامعة.   
4- انتقل الى الكلية الجامعة دبلن  (UCD)ليتبوأ كرسي الهندسة البيوكيميائية، ولينشئ ويدير في الجامعة مركز بحوث زراعة الخلايا.   
5- عمل مستشارا علميا لعدد من شركات الانتاج الطبي في امريكا وايرلندة وعضوا في المجلس الاستشاري لشركة Sigma-Aldrich وشركة Vivalis الفرنسية،
6-عمل محرراً لدورية Cell Engineering  ولمجلة(Tissue Culture Methods)  Cytotechnology وعضوا في هيئات التحرير لعدد من المجلات العلمية،
7- عمل كعضو في اللجان المشرفة على انتقاء البحوث في مجلس بحوث العلوم البايولوجية البريطاني (BBSRC) ومؤسسة العلوم الايرلندية  (SFI)، ومؤسسة العلوم والتكنولوجيا البرتغالية (FCT)
8- منحته جامعة برمنغهام لقب بروفسور بعد ان تركها في عام 2005  وكذلك بروفسور زائر، وممتحن خارجي في الجامعة الوطنية الماليزية، وبروفسور (Adjunct Professor) في جامعة كوينزلاند (Queensland) الاسترالية،  واستاذ زائر في جامعة جون هوبكنز(الأمريكية)، ومنحته عدد من الجامعات العراقية لقب أستاذ زائر،
9- عمل مشرفا على وزارة التعليم العالي ضمن فريق مجلس اعادة اعمار وتطوير العراق لإدارة الوزارات العراقية في عام 2003
10- اصبح مستشارا خارجياً لوزارة التعليم العالي في عام 2003-2004، ومستشار فخري لرئيس الجمهورية العراقية منذ بداية عام 2006 والى 2014
11- عمل كخبير لمنظمة اليونسكو- العراق في شؤون التعليم العالي (2008-2014)
12- الآن مستشار فخري لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي – العراق منذ 2017 وإلى الآن،

ثانياً، انتاجه العلمي:
1- اول من اكتشف الموت الخلوي المبرمج في الخلايا المزروعة ،
2- استطاع من اطالة عمر الخلايا المنتجة للمواد الطبية ،
3- تمكن من انتاج اجسام مضادة وأدوية من خلايا حيوانية خارج الجسم،
4- من الأوائل الذين تمكنوا من انتاج كريات الدم الحمراء بصورة اصطناعية خارج الجسم،
5- من الاوائل الذين تمكنوا من زراعة وهندسة غضروف الركبة خارج الجسم وكذلك من تكوين كبد اصطناعي.

ثالثاً، المنح والجوائز:
1- تقدير الاتحاد الأوربي (EU Framework 4, 1994-1998) لأحسن مشروع بحث تعاوني اوربي في البيوتكنولوجي،
2- حصلت بحوثه في تقييم البحوث البريطاني على اعلى المعدلات في دوراته الثلاث الأخيرة 1996 و 2001 و 2008. 
3- تقدير مؤسسة العلوم الايرلندية  (SFI)عام 2005 ومنحه منحة مالية ولقب  SFI Professor
4- وسام دولاند (Donald Medal)  العالمي لعام 2008 لمساهماته المتميزة في حقل زراعة الانسجة والهندسة البيولوجية ،
5- جائزة افضل بحث في مؤتمر هندسة زراعة الخلايا 1994،
6- جائزة افضل بحث في مؤتمر الجمعية الاوربية لتكنولوجيا الخلايا الحيوانية 1979
7- جائزة مؤسسة استيلاس اليابانية Astellas و منحة مالية 2007
8- رئيس المؤتمر الاوربي للخلايا الحيوانية في دوراته المنعقدة في 1997 و 2001 ورئيس مؤتمر هندسة الانسجة والخلايا المنعقد في 2002
9- زميل الجمعية البيولوجية البريطانية (FRSB)
10- زميل معهد كونوي للعلوم الطبية (Conway Institute)(2003-2015)   
11- حاصل على منح مالية بحثية من مانحين دوليين تقدر باكثر من 20 مليون يورو
12- حصل مركزه (Centre for Formulation Engineering) في جامعة برمنغهام عام 2011 على جائزة الملكة،
13- مؤشر اتش للنشر العلمي له يبلغ 49

رابعاً، مؤلفاته ومساهماته العلمية
1- سلسلة من الكتب بعنوان هندسة الخلية (Cell Engineering)،
2- عدداً من الكتب في مواضيع زراعة الخلايا وهندسة الانسجة (Cell Culture, Stem Cells, 3- كتاب (الوراثة والانسان – سلسلة عالم المعرفة الكويتية- 1986)،
4- كتاب (اطار ضمان الجودة وتحسين الجودة للبرامج في الجامعات العراقية، من إصدارات اليونسكو – العراق، 2017)
5- كتاب (نظام المقررات، من إصدارات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، العراق، 2017)
6- نشر ما يزيد عن 500 بحث اصيل وفصل كتاب واستعراض ومنشور علمي وبراءة اختراع
7- اشرف على عدد كبير من أُطروحات الدكتوراه ، والماجستير في جامعتي برمنغهام ودبلن،

خامساً، مقالاته التربوية
وقد نشر الأستاذ الربيعي أكثر من مائة مقالة ودراسة حول تطوير التربية والتعليم في جميع المراحل، وخاصة حول التعليم العالي في العراق، تجدها في الصحف العراقية، الورقية والإلكترونية، أدناه رابط أرشيف هذه المقالات على موقع الأخبار:
    www.akhbaar.org/home/for-the-author/?auid=52
 
سادساً، نشاطاته الإنسانية والاجتماعية
1- أسس منظمة رعاية اطفال العراق بعد حرب الخليج 1991 التي قامت بأعمال انسانية عديدة لإغاثة الاطفال والعراقيين بصورة عامة.
2- ساهم في تأسيس جمعية الأمل الانسانية ،(www.iraq-alamal)  والمنتدى العراقي في بريطانيا (www.iraqiassociation.org)، ورابطة الاكاديميين العراقيين، وشبكة العلماء العراقيين في الخارج  (www.nisairaq.com)
3- شغل مناصب في الهيئات الإدارية لعدد من المنظمات الإنسانية والمهنية  والآن هو رئيس شبكة العلماء العراقيين في الخارج (نيسا)

سابعاً، وأخيراً : كان من اوائل المعارضين النشطين ضد الدكتاتورية طيلة العقود التي سبقت سقوطها، وناضل من اجل حقوق الانسان في العراق.

وبناءً على كل ما تقدم، ولمصلحة العراق وليس لأي سبب آخر، فإني لن أتردد إطلاقاً في ترشيح العالِمْ العراقي الفذ، الأستاذ الدكتور محمد الربيعي لمنصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، خاصة وأن هذه الوزارة ليست جديدة عليه، إذ كان في تماس مباشر معها منذ سقوط حكم البعث عام 2003، وقد بذل قصارى جهوده لرفع مستوى التعليم في العراق. لذلك فتسنمه وزارة التعليم العالي سيفسح له المجال لتوظيف إمكانياته العلمية والتربوية والإدارية، فهو عالم، ومربي، وتربوي، خدم العراق وخاصة بعد سقوط الدكتاتورية، وكان مؤثراً جداً في توجيه السياسات العلمية والتربوية، وفي نشر ثقافة التعليم والتربية الحديثة، وتعميق المعرفة الاكاديمية في الجامعات العراقية، بما يتعلق بالأنظمة التربوية العالمية الحديثة في الدول المتطورة. لذلك فهو في رأيي من افضل من يمكن ترشيحه لقيادة التعليم العالي والتربية في الوقت الراهن، وفق مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب.
فهل من يسمع؟
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com





50
مرحى لسروة عبدالواحد رئيسة لجمهورية العراق

د.عبدالخالق حسين

أفادت الأنباء أن النائبة السابقة عن حركة التغيير، سروة عبد الواحد، أعلنت يوم الأحد، المصادف 23/9/2018، ترشيحها لمنصب رئيس الجمهورية "كعراقية كردية مستقلة"، دون دعم حزب سياسي معين، ودون توافقات سياسية. وقالت في بيان لها إنه "بعد التوكل على الله وإيماناً مني بحتمية الوقوف جميعا كي ننقذ وطننا العزيز من الأزمات التي يعاني منها، فإني أعلن ترشيحي لمنصب رئيس الجمهورية العراقية وفق الدستور العراقي"، مضيفةً أن "ايماننا بالدستور يبدأ من تطبيقه بمساواة وعدالة للعراقيين كافة دون استثناء، وأن منصب رئيس الجمهورية يمنح العراقيين حصانة لحماية الدستور وترسيخ الوحدة الوطنية وتأكيد عراقية الدولة".(1)

وأنا كاتب هذه السطور، كمواطن عراقي أؤمن بدولة المواطنة، والديمقراطية والعلمانية والحرية والمساواة والعدالة، والإخاء، والانتماء العراقي يأخذ عندي الأولوية فوق جميع الانتماءات الأخرى، الأثنية والقومية، والدينية، والطائفية، والمناطقية، والجندرية (الجنسية)، فإني أعلن دعمي وتأييدي لترشيح هذه السيدة العراقية الأصيلة لمنصب رئاسة جمهورية العراق، وأهيب بجميع العراقيين الشرفاء دعمها بكل ما أوتوا من قوة.

فمن خلال مواقفها السياسية، ومقابلاتها التلفزيونية، وتصريحاتها الناضجة المنحازة إلى الوطنية العراقية، وأسلوب تعاملها الذكي الهادئ مع الإعلام، أثبتت السيدة سروة عبدالواحد أنها إمرأة عراقية سياسية شجاعة، ناضجة، وحكيمة ذات قدرات ثقافية واسعة، وخطابية ممتازة، تؤهلها لهذا المنصب السيادي. وبذلك ستعطي للعالم أجمع، الصورة الجميلة والذكية والحكيمة واللامعة عن العراق وشعبه، وتزيح تلك الصورة الكئيبة المشوهة التي اعتادها العالم عن العراق، أنه الأول في الفساد، والأسوأ للعيش فيه، وعاصمته الأقذر في العالم، وبرلمانه الأكثر تكلفة، والأقل عملاً، وغيرها من المواصفات البذيئة المقرفة.

إن إقدام السيدة سروة عبدالواحد على ترشحها لرئاسة الجمهورية أثبتت أنها بطلة وذكية وشجاعة وواعدة إلى أقصى حد، خاصة وأنها كإمرأة في مجتمع ذكوري عشائري، يمر بمرحلة تاريخية عاصفة يسعى للخروج من تخلفه، وتقاليده الضارة، وأعرافه البالية، و لتحقيق نقلة ثورية إلى مجتمع ديمقراطي متعدد القوميات والأديان والطوائف، الكل يعيش فيه بسلام و تكافؤ الفرص، وجعل الهوية العراقية أولاً، وجميع الهويات والانتماءات الأخرى ثانياً، وبذلك نجعل من الماضي الأسود خلفنا، ونساهم جميعاً لبناء مستقبل مشرق أفضل. كذلك وكما قالت السيدة عبدالواحد في بيانها: لكسر احتكار التقليد السيئ الصيت الذي تبناه الحزبان الكرديان (الاتحاد الوطني الكردستاني- يكتي، والديمقراطي الكردستاني- حدك) أن يكون رئيس جمهورية العراق منهما. وهذه خطوة عملية رائعة للتخلص من المحاصصة.

لذلك أهيب بجميع نواب الشعب أن يصوتوا بالإجماع لصالح السيدة سروة عبدالواحد لهذا المنصب الرفيع، وبذلك يدفعوا بالعملية السياسية والديمقراطية العراقية قفزات واسعة إلى الأمام، و نحو النضج بعد 15 عاماً من عملية المخاض العسير، وهي الخطوة الأولي والضرورية ليحسِّنوا سمعة البرلمان العراقي، ويقدموا الدليل العملي أن هذه الدورة ليست كالدورات السابقة التي كان أعضاؤها لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية، مثل زيادة رواتبهم، وامتيازاتهم أكثر من اهتمامهم بمصلحة الشعب. ليكون تركيز هذه الدورة على الوحدة الوطنية العراقية قبل أي شيء آخر. ولتكن سروة عبدالواحد جاندارك العراق تعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية، ويثبت العراقيون للعالم أنهم فوق الطائفية والعنصرية والجندرية، وغيرها من عوامل التفرقة البغيضة، ولأول مرة ليثبت العراقيون أن إمرأة كردية علمانية تقدمية تتبوأ أعلى منصب في الدولة العراقية، وتكون رمزاً للوحدة بين العرب والكرد وبقية الأثنيات.

ما أحوج العراق إلى سيدة ذكية وناشطة ومثقفة مثل سروة عبدالواحد التي قالت في بيانها: "أترشح اليوم كعراقية كردية مستقلة عن أي حزب سياسي ولكني منتمية لأهلي وشعبي من زاخو إلى الفاو، واعتز بعراقيتي ومفتخرة بكرديتي، اني اترشح من دون دعم حزب سياسي معين ومن دون توافقات سياسية وإنما اترشح وأنا امثل كل القوى الوطنية العراقية الصادقة، والتي تسعى لبناء وطن كريم لشعب عزيز يعاني منذ عقود، كما أمثل المرأة العراقية التي يحاول بعض الجهات السياسية تهميشها رغم انها شريكة في البناء، اعاهدكم بأني سأكون عراقية اولا، وكردية وعربية وتركمانية ومسلمة ومسيحية وصابئية وايزيدية وسنية وشيعية ثانيا"(1).
والجدير بالذكر أن السيدة سروة عبدالواحد دعت نظرائها المرشحين لرئاسة الجمهورية الى مناظرة تلفزيونية(2)، تماماً كما يحصل في الغرب. ولا شك فإن هذه المناظرات ستقدم دروساً بليغة لتعلم قواعد الديمقراطية في العراقي الديمقراطي. 

مرة أخرى، أيها السادة نواب الشعب، أهيب بكم وألح عليكم أن ترتقوا إلى مستوى المسؤولية، وتصوتوا لهذه السيدة العراقية البطلة، وبذلك ستثبتون للعالم أن الشعب العراقي حقاً مؤهل للديمقراطية التي هي من أروع وأعظم ما انتجته الحضارة البشرية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو علاقة بالموضوع
1- سروة عبد الواحد: رشحت نفسي لرئاسة الجمهورية كعراقية كردية مستقلة عن أي حزب
http://www.akhbaar.org/home/2018/9/249097.html

2- سروة عبد الواحد تدعو نظرائها المرشحين لرئاسة الجمهورية الى مناظرة تلفزيونية
http://www.akhbaar.org/home/2018/9/249129.html

51
حول لصوص الكلمة مرة أخرى
د.عبدالخالق حسين

اخترتُ العنوان أعلاه لأني كنت قد نشرتُ قبل 12 عاماً مقالاً بعنوان (حول لصوص الكلمة)، حيث تعرضتْ إحدى مقالاتي للسطو من قبل أحد اللصوص، وقد نبهتني يومها جماعة متفرغة للكشف عن هذا النوع من اللصوصية والسرقات الأدبية، فبعثوا لي رابط مقالي الأصلي مع رابط مقال السارق، وتبيَّن لي صدق قولهم، مع تغيير طفيف في بعض الجمل هنا وهناك، وعندها كتبتُ المقال المذكور الذي نشرته في إيلاف ومواقع أخرى، حول الموضوع، واعتذرت الصحافة الورقية والإلكترونية التي نشرت المقال باسم السارق عن ذلك، وقررتْ عدم نشر أي مقال آخر له مستقبلاً. والغريب أني وجدت العديد من الكتاب والشعراء قد تعرضت نتاجاتهم لهذه القرصنة، ومنهم على سبيل المثال، الشاعر العراقي المبدع الأستاذ يحيى السماوي، الذي نشر مقالاً في هذا الخصوص بعنوان:" أيها اللصوص أعيدوا إليَّ قصيدتي".
واليوم أعود لنفس الموضوع مُكرهاً، وبنفس العنوان مع إضافة (مرة أخرى)، لأني اكتشفتُ بالصدفة عندما كنتُ أبحث من خلال غوغل، عن رابط مقال قديم لي بعنوان (مقترحات لمواجهة الهستيريا الطائفية!)، لإضيفه في هامش مقالي الأخير الموسوم (لأهل البيت رب يحميهم)، ولكن، ويا للهول والمفاجأة الصادمة، اكتشفتُ أن أحد هؤلاء اللصوص قد سطى على المقال ونشره باسمه (حسين الركابي) في صحيفة (الصباح الجديد) البغدادية، قبل عامين أي عام 2016، وبنفس العنوان، ونفس النص حرفياً دون أي تغيير(copy and paste).

المقال المسروق وكما أشرت أعلاه، هو، (مقترحات لمواجهة الهستيريا الطائفية!)، كنت قد نشرته في البداية على موقع الحوار المتمدن يوم 29 أيار/مايس 2016، وبعد يومين، وحسب الاتفاق، أعدتُ نشره على أكثر من خمسين موقع آخر. وأخيراً قد اكتشفتُ أن المدعو حسين الركابي قد أعاد نشر نفس المقال في صحيفة (الصباح الجديد) بعد أسبوع من نشره على موقع الحوار المتمدن، وتحديداً يوم 6 يونيو/ حزيران 2016. وفي هذه الحالة لا يستطيع أن يتهمني بأني أنا سارق "مقاله"، لأنه منطقياً وعملياً لا يمكن سرقة مقال قبل نشره، خاصة وليس بيننا أي تواصل أو حتى معرفة سابقة.
وأنا إذ أعيد رابط مقالي (مقترحات لمواجهة الهستيريا الطائفية!)، المنشور على الحوار المتمدن باسمي،
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=518754

ورابط نفس المقال وبنفس العنوان المنشور في صحيفة (الصباح الجديد) بتوقيع حسين الركابي:
http://newsabah.com/newspaper/86268

راجياً من القراء الأفاضل الانتباه إلى تاريخ النشر في الصحيفتين، والمقارنة بين التاريخين، ليصدروا حكمهم العادل، ويعرفوا من هم لصوص الكلمة.
والجدير بالذكر، أني أرسلتُ شكوى قبل خمسة أيام إلى رئيس تحرير صحيفة (الصباح الجديد)، الأستاذ إسماعيل الزاير، على عنوانه الإلكتروني في نفس الصحيفة، إلا إنه وللأسف الشديد، لم يتكلف بالرد، وهذا لا يخدم الثقافة، ولا يحمي حقوق المثقفين من القراصنة. فالسرقات الأدبية مسألة خطيرة جداً، وتُعد جريمة مخلة بالشرف، يعاقب عليها بالقانون في البلدان المتحضرة. لذلك فالمطلوب من رؤساء التحرير الدقة في نشر ما يصلهم من مقالات وتقارير، وحماية حقوق الكتاب من القرصنة، ومعاقبة اللصوص بعدم نشر ما يصلهم من أصحاب السوابق، والعمل على تعرية وفضح كل من تسول له نفسه التعدي على جهود الآخرين وسرقة أفكارهم، وانتهاك حقوقهم الفكـريـة.

52
لأهل البيت ربٌ يحميهم
د.عبدالخالق حسين

منذ سقوط حكم البعث الفاشي الجائر، وتبني النظام الديمقراطي، يتعرض الشعب العراقي إلى مختلف المخططات الشيطانية الخبيثة لتمزيق صفوفه. ومن نافلة القول أن أخطر أعداء العراق الجديد هم فلول البعث الذين فقدوا سلطتهم، وكشفوا في السنوات الأخيرة عن حقيقتهم البائسة فتحولوا إلى دواعش، و راحوا يمارسون أقذر الوسائل لإثارة الفتن الطائفية بغية إشغال هذا الشعب في صراعات دموية تهلك الحرث والنسل، وليكون المنتصر في النهاية حزبهم الفاشي وعودته للحكم بنسخته الداعشية الوهابية المتوحشة.
مناسبة هذه المقدمة أني استلمت قبل أيام فيديو من صديق، نشاهد فيه شاب معمم ذو لحية كثة، يشتم فيه أهل البصرة وينفي عليهم حقهم في تظاهراتهم الاحتجاجية ضد شح الماء والكهرباء وارتفاع البطالة والفقر، وغيرها من المشاكل، مدعياً أنه يدافع عن (أهل البيت)، ويبث سمومه على شكل حوار عبر الهاتف بينه وبين سائل مفترض أنه من المحتجين في البصرة. وقد علق الصديق في تعميمه الفيديو بالتالي:
(استمعوا الى هذا الفقيه المعمم ... بصراحة انني سعيد جدا لنشر وتوزيع مثل هذا الفيديو ليطلع أكبر عدد من الناس على زيف إدعاءات أفراد من المؤسسة الدينية لتنكشف الأمور، وتظهر على حقيقتها دون حرج.  انها مرحلة الصراع داخل الدين الإسلامي حين ينكشف دعاة الدين والظلام، وتظهر تناقضات الدين من أساسها) انتهى.

نشاهد في الفيدو الذي هو من نوع (MP4)، وليس رابط، لذا يصعب إرفاقه مع المقال، حيث يوجه البصري سؤالاً للمعمم لماذا لم يدعم رجال الدين اهل البصرة في مطالباتهم بحقوقهم، وتحسين الخدمات ... الخ، فيرد المعمم بتهكم لإحراج السائل بقوله: (لعد إحنة نطالب بحقوق الدولة البيزنطية؟.. أيهما أولى، حقوقكم أم حقوق أهل البيت؟)، فيجيب السائل مُحرجاً وبصوت خجول: (حقوق أهل البيت).
الشيخ: وهل خرجتم يوماً بمظاهرة احتجاجاً على أبي جعفر المنصور الدوانيقي الذي قتل الإمام الصادق في بغداد؟ وهل خرجتم يوماً احتجاجاً على المناهج الدراسية الموجود فيها ذكر عمر وأبي بكر اللذين قتلا فاطمة الزهراء؟ ثم يفتعل المعمم صراخه في مخاطبة أهل البصرة: والله لن تنتصروا طالما لم تخرجوا بمظاهرة احتجاجاً على عمر وأبي بكر..الخ).

ثم يتمادى المعمم أكثر فأكثر في توجيه الإهانة لأهل البصرة، وضد الرموز الإسلامية بكلمات نابية، القصد منها استفزاز مشاعر أهل السنة ضد الشيعة، وإبراز فقهاء الشيعة أنهم ضد الصحابة، وضد أهل السنة. في الحقيقة هذا المعمم ليس من فقهاء الدين، بل هو دجال مرتزق وجاهل في كل شيء، إذ لا يعرف أن الإمام الشيعي السادس وهو الإمام جعفر الصادق قد وُلِدَ في المدينة المنورة وتوفي فيها، ولم يقتله المنصور في بغداد. لذلك فكل ما قاله هو باطل يراد به باطل، لتحريض طائفة على أخرى. 

وعلى شاكلة هذا المعمم الدجال هناك دجال آخر(كويتي)، يدعى ياسر الحبيب، الذي كان يشتم الرموز الدينية التاريخية الإسلامية مثل أبي بكر وعمر وعثمان والسيدة عائشة لأغراض استفزازية معروفة. ولكن بدلاً من محاكمته ووضعه وراء القضبان، طردته الحكومة الكويتية وأسقطت عنه الجنسية، ورحل إلى لندن، ليفتح له أسياده قناة تلفزيونية يمارس فيها دوره الحقير لإثارة الفتن الطائفية بمنتهى الحرية، مقابل دجال آخر نسيت اسمه، معمم سني بلوشي إيراني يشتم رموز الشيعة والحكومة الإيرانية. وقد كتبت إحدى الصحف البريطانية مرة أن كليهما يمولهما مصدر واحد.

والجدير بالذكر أن أحد قادة داعش لما وقع أسيراً قبل سنوات، و سُئِل إثناء التحقيق من قبل الأمن العراقي، كيف يجندون الشباب فقال:( نأتي بالمجند  ونجلسه بغرفة ونفتح له قناة فدك فقط، ونجعله يسمع ويرى ماذا يقول مشايخكم عن الصحابة وعن عائشة فانه يصبح جاهزاً خلال اسبوع لكي يفجر نفسه حتى ولو لقتل طفل شيعي)، وقال داعشي آخر: (نعرض عليهم فيديو من خطابات ياسر الحبيب، فيمتلئون غضباً على الشيعة، وينضمون إلينا).

لا شك عندي أن كاتب السيناريو للسائل والمعمم الدجال المدعو (علي الصالحي) في الفيديو المشار إليه أعلاه، هو مصدر واحد، وله علاقة بداعش، أو أية جهة تريد حرق المنطقة بحروب طائفية. فالشيعة ليسوا أغبياء إلى هذا الحد بحيث يسكتوا عن مشاكلهم الحياتية الراهنة، ويشربوا الماء الخابط، ويتحملوا نقص الخدمات، وتفشي البطالة في بلد عائم على بحر من النفط، ويصدر يومياً نحو 4 ملايين برميل من النفط، ليستجيبوا إلى دجال يحرضهم على التظاهر احجاجاً على أحداث وهمية على أنها حصلت قبل 1400 سنة، ويسكتوا عن معاناتهم اليوم بحجة الدفاع عن أهل البيت.

كما ونشاهد في فيديو آخر مجموعة من الشباب يدعون أنهم من تظاهرات البصرة، وهم في حالة هيستيريا مفتعلة أشبه بالتمثيلية، يصرخ أحدهم بافتعال واضح: (عمي بطلنا من الماء، بطلنا من الكهرباء، ما نريد وظايف ...بس نريد الوطن، ردوا لنا الوطن... الوطن..يا عالم الله أكبر!!.). هذا المطلب في الحقيقة قول حق يراد به باطل، ويؤثر في الناس البسطاء، وتمهيد للطعن بالدولة ومواصلة الاحتجاجات حتى ولو استجابت السلطة لجميع المطالب المشروعة، فيمكن لهؤلاء مواصلة الصراخ (إنريد الوطن!!)، وهذا يعني أنه لا وطن إلا بعودة البعث للسلطة، ولكن هيهات.

في الحقيقة، البعثيون وغيرهم من أعداء الديمقراطية يستغلون هذه التظاهرات المشروعة ليندسوا فيها ويحرفوها عن مسارها الصحيح، وهي فرصة ذهبية لهم للقيام بالتخريب وضرب مؤسسات الدولة وتشويه سمعة المتظاهرين. ندرج في هامش المقال تقريراً بعنوان:  (بالاسماء..المباني التي تعرضت للحرق والتخريب في البصرة). كذلك ندرج أدناه روابط تؤكد دور المندسين في التخريب وإشعال الحرائق في مؤسسات الدولة، مما حدا بانسحاب تنسيقية البصرة من التظاهرات، كذلك ما طرحه محافظ البصرة (السيد أسعد العيداني) في البرلمان العراقي والملاسنة التي حصلت بينه وبين رئيس الوزراء الدكتور حيد العبادي.(الروابط في الهامش).

وبالعودة إلى دفاع الدجال عن أهل البيت نقول أن أهل البيت ليسوا ضد أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة، كما ادعى المعمم المنتحل بأنه فقيه شيعي. فلو كان الأمر كذلك، لما أطلق الإمام علي أسماء الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه على ثلاثة من أبنائه، وهم أبو بكر وعمر وعثمان، وكلهم استشهدوا مع أخيهم الحسين في واقعة الطف بكربلاء (راجع كتاب: الفتنة الكبرى لطه حسين، ج2). ومكانة أبو بكر معروفة عند الشيعة، حيث قال عنه الإمام الشيعي السادس جعفر الصادق: (لقد ولدني أبو بكر مرتين)، في إشارة إلى أن إحدى جداته، ووالدته من حفيدات أبي بكر. فكيف والحالة هذه يجب على الشيعة أن يتركوا مشاكلهم الراهنة، ويخرجوا بتظاهرات احتجاجاً على أبي بكر وعمر وعثمان لأحداث مفتعلة لا وجود لها في كتب التاريخ؟ وأنا واثق أن هذا الدجال ليس مقيماً بالبصرة أو العراق، بل على الأغلب هو مرتزق مقيم في الخارج مدفوع الأجر هو والسائل، لإشعال الفتنة الطائفية وتتفيه عقول الشيعة، وتبرير قتلهم من قبل الدواعش. والملاحظ أن هناك توزيع الأدوار في التحريض والتخريب وارتكاب الجرائم، وتضليل الرأي العام وإرباك السلطة. وعلى السنة والشيعة أن ينتبهوا إلى ما يحاك ضدهم من مخططات جهنمية لتمزيق وحدتهم الوطنيه، وتدمير البلاد والعباد.
يقول علي الوردي: "لو كان الجدل حول أفضلية علي وأبي بكر يدور في نطاق البحث عن المبادئ التي تمس مشاكلنا الراهنة لكان جدلاً نافعاً له أهميته الاجتماعية. ولكن الجدل يدور حول منزلة الرجلين في الدين. وهذا يدخل في نطاق السرائر والضمائر التي لا نعرف عنها شيئاً على وجه اليقين. والله وحده هو الذي يستطيع أن يحكم فيها حكماً قاطعاً".

قصة أبرهة مع عبد المطلب:
تفيد الرواية التاريخية أن (خرج أبرهة بجيش عظيم ومعه فيلة كبيرة تتقدم الجيش لتدمير الكعبة. وعندما اقترب من مكة المكرمة، وجد قطيعاً من النوق لعبد المطلب سيد قريش فأخذها غصبًا. وعندما ذهب عبد المطلب ليسترد نوقه سأله أبرهة لماذا لا يدافعون عن الكعبة فقال: "أما النوق فأنا ربها، وأما الكعبة فلها رب يحميها". وتقول الرواية، أنه عندما رفض أبرهة طلب عبد المطلب أبت الفيلة التقدم نحو مكة، وعندها أرسل الله سبحانه وتعالى طيوراً أبابيل تحمل معها حجارة من سجيل قتلتهم وشتتت أشلائهم.)

ونحن إذ نرد على هذا الدجال الذي يريد إثارة الفتنة الطائفية باسم أهل البيت، وأهل البيت منه براء، نقول له ولغيره من المشعوذين أن ما يهم أهل البصرة هو تلبية احتياجاتهم الضرورية للحياة البشرية اللائقة اليوم، أما أهل البيت، فلهم رب يحميهم. وأنت ليس قصدك الدفاع عن أهل البيت، بل أنت دجال تريد إشعال الفتن الطائفية لخدمة أسيادك البعيثين الدواعش، أو أية جهة أخرى حاقدة على العراق. لقد باتت لعبة العزف على الأوتار الطائفية مكشوفة عرفها السنة والشيعة، وهي نشاز فقدت مفعولها. لذلك عليكم اختراع لعبة أخرى يا عبيد الدواعش.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
د.عبدالخالق حسين:  مقترحات لمواجهة الهستيريا الطائفية!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=518754

بالفيديو: مشادة العبادي - العيداني داخل قبة البرلمان
http://www.akhbaar.org/home/2018/9/248579.html

مجلس البصرة يكشف عن الجهات التي حرقت مكاتب الأحزاب ومقرات الحشد
http://www.akhbaar.org/home/2018/9/248578.html

تنسيقية البصرة- تعلن انسحابها
https://baghdadtoday.news/ar/news/57665/%D8%AA%D9%86%D8%B3%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B5%D8%B1%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AD%D8%A7%D8%A8%D9%87%D8%A7
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحق
أدناه تقرير يكشف بكل وضوح حجم التخريب الإجرامي بممتلكات الدولة والناس، ومع ذلك يصر البعض أن تظاهرات البصرة لم يكن فيها مندسون بعثيون ودواعش وأشباههم، يستغلون معاناة الجماهير، ويحرفون مسارات تظاهراتهم المشروعة لأغراضهم الدنيئة. والملاحظ  أن هذا التخريب لم يصب أي مقر من مقرات التيار الصدري المعروف بأنه صار الملاذ الآمن للبعثيين.

بالاسماء..المباني التي تعرضت للحرق والتخريب في البصرة
http://glgamesh.com/archives/8268
كلكامش برس:
كشف مصدر محلي في البصرة عن المباني والمؤسسات التي تعرضت للتخريب والحرق خلال التظاهرات الاخيرة وما رافقها، والمباني التي احرقت وخربت هي:
1- مبنى محافظة البصرة / حرق ثلات مرات
2- مبنى مجلس محافظة البصرة/ حرق
3- مديرية بلديات البصرة/ حرق
4- هيئة الحشد الشعبي / تخريب
5- بلدية ابو الخصيب/ حرق
6- قائمقامية ابو الخصيب / حرق
7- مديرية جنسية ابو الخصيب / حرق
8- دائرة التنفيذ في ابو الخصيب/ حرق
9- بلدية الزبير /حرق
10- مقر منظمة بدر / حرق
11- مقر حزب الفضيلة / حرق
12- مقر حزب الدعوة / حرق
13- مقر المجلس الأعلى / حرق
14- مقر تيار الحكمة / حرق
15- مقر عصائب أهل الحق / حرق
16-مقر الدعوة تنظيم الداخل/ حرق مرتين
17- القنصليه الايرانية في البصره / حرق
18- مكتب وزير الاتصالات / تخريب
19- بيت وزير النقل / تخريب
20- بيت النائب السبق عواطف نعمة – الزبير / تخريب
21- بيت احمد السليطي عضو مجلس محافظة البصرة – الزبير / حرق
22- مكتب فالح الخزعلي – عضو برلمان/ حرق
23- مكتب الحكمة- المدينة / تخريب
24- بيت قائمقام شط العرب / حرق
25- الإعدادية المركزية – البصره/ تخريب
26- مكتب الحكمة – الزبير / حرق
27- مكتب قيس الخزعلي – بريهه / تخريب
28- بيت أمين وهب عضو مجلس محافظة – ابو الخصيب/ تعرض
29- مكتب الحكمة – الهوير / تخريب
30- قناة العراقية – البصره/ حرق
31 -قناة الفرات – البصره / حرق
32- دار ضيافة المحافظ/ حرق
33- بيت زهرة البجاري – عضو برلمان/ تعرض
34- مستشفى الحشد الشعبي/ تخريب
35- مكتب الدعوة – المعقل/ حرق
36- سيطرة مدخل حقل القرنه ٢/ حرق
37- كرفانات متفرقة لبلديه عدده ٦/ حرق
38- مدرسة السراج / حي الحسين / تخريب
39- المجلس المحلي في ابو الخصيب/ حرق
40- حوزة الامين – الطويسه/ حرق مع سرقة القاصه
41- مكتب الشيخ اليعقوبي/ تعرض
42- مقر فرقة العباس القتالية/ تعرض
43- كرفان مول التايم سكوير/ تخريب كرفان
44- محولة كيوسك كبيرة – بريهه/ حرق
45- بيت وليد كيطان /رئيس المجلس وكالة تعرض
46- بيت النائب السابق حيدر صبخة الجوراني حرق مع تعرض
47- مقر منظمة بدر / الزبير حرق
46- مستشفى التعليمي / تعرض
49-مستشفى ابو الخصيب/ تعرض
50- آليات عسكريه وشرطة (4) تخريب تام
51- سيارة اسعاف مستشفى الحشد / تخريب تام
52- عدد القتلى المعلن 18
53-عدد الجرحى المعلن 7
54- مقدار الخسائر الماديه لكل القطاعات حوالي (132) مليار دينار عراقي
55- حسب التخمينات الاقتصاديه الخسائر للبصرة جراء الأوضاع الاخيرة حوالي (186) مليار دينار عراقي


53
الأزمة الأخلاقية هي أم الأزمات في العراق
د. عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الأخير الموسوم (البصرة المنكوبة بالعطش والقتل بالرصاص)(1)، استلمت تعليقات مفيدة على مواقع التواصل الاجتماعي. وكنت قد ذكرتُ فيه أنه كان من واجب المسؤولين أخذ إجراءات احترازية لمنع كارثة شح المياه الصالحة للاستخدامات البشرية، في البصرة، من بينها إنشاء محطات تحلية المياه ...الخ. ومن هذه التعليقات تعليق من صديق جاء فيه:
((إن موضوع التحلية لم يُهمل تماماً، وهناك مشروع ضخم في البصرة تحت الإنجاز وبمساعدة اليابان، ويقال ان نسبة إنجازه وصلت لـ 85%، ومشاريع كهذه تُعتبر مشاريع " ستندر"، ولا تحتاج الى خبرات خارقة. إذن لماذا لم يُنجز كاملاً ؟)). ويجيب: ((أعتقد أن السبب الرئيس هو المال الفاسد. فموظفو الموانئ لا يفرجون عن أيةِ مواد يحتاجها حتى بخراب البصرة، إلّا بحصةٍ ! ولمديريهم حصة، ولأحزابهم حصة. المشكله الحقيقية هي أن كل المسؤولين يصرخون بأن الفساد المالي هو ما يجب أن يُحارب، إلا إن حقيقة الأمر واضحة، وهي أن حيتان الفساد أنفسهم هم الأعلى صراخاً! لقد قلناها في أكثر من مداخلة.. إذا أردنا لمشاريعنا المخطط لها او المتوقفة أن تُنجز بكفاءةٍ يجب كأولوية أن نقضي على حيتان الفساد بأيةِ طريقة.)) أنتهى.
وقد أرفق الصديق مشكوراً فيديو يؤكد صحة ما تفضل به حول مشروع تحلية الماء في البصرة، يرجى فتح الرابط:
مشروع تحلية ماء البصرة... تعطيل متعمد، فيديو جدير بالمشاهدة(2)
http://www.akhbaar.org/home/2018/9/248580.html

كذلك قرأتُ مقالاً قيماً بعنوان: (أزمة المياه في العراق .. هل لها حلول؟) للأكاديمي الدكتور مهند محمد البياتي، جاء فيه: ((والغريب في الأمر ان محافظة البصرة لديها 43 محطة تحلية طاقتها التصميمية بحدود 51 ألف متر مكعب في اليوم، ولكنها لا تنتج سوى 2104 متر مكعب من الماء العذب في اليوم، أي تعمل بكفاءة 4 بالمائة فقط، ولو كانت هذه المحطات تعمل بكامل طاقتها التصميمية في البصرة، وتم توزيع مياهها مباشرة على مواطني البصرة والبالغ عددهم بحدود 3 ملايين شخص، لكانت حصة الفرد الواحد 17 لتر من الماء العذب يوميا، وهي اضعاف ما يحتاجه الفرد من المياه لأغراض الشرب والطبخ اليومي فقط، اضافة لذلك فان هنالك 25 محطة صغيرة منصوبة في البصرة وتعمل بالطاقة الشمسية، طاقتها التصميمية هي بحدود 1608 متر مكعب في اليوم، ولكن انتاجها من المياه هو صفر، علما ان باقي المحافظات في العراق لديها محطات تحلية طاقتها التصميمية 43 الف متر مكعب في اليوم، وتنتج بحدود 18 الف متر مكعب من الماء العذب يوميا، اي ان كفائتها التشغيلية هي 42 بالمائة، اي عشرة اضعاف كفاءة محطات البصرة.))(3). انتهي الاقتباس.
يرجى من القارئ الكريم التركيز على عبارة (أن محطات التحلية في البصرة تعمل بكفاءة 4% فقط من طاقتها التصميمية؟) لماذا؟

كما وصلني من صديق أثق به، وهو كاتب وصحفي مطلع على مجريات الأمور، وخوفاً على حياته، لأنه مقيم في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، بعث لي المعلومة التالية، أنقلها كاملة: ((المرجعية قبل 4 سنوات خاطبت الحكومة وألحت على حل مشكلة الماء في البصرة . ولما يئستْ خاطبتْ المسؤولين في البصرة عن كمية المحطات التي يحتاجونها وأسعارها فأجاب مسؤولو البصرة الفاسدون: "نحتاج 13 محطة سعر الواحدة 150 مليون دولار، لكن الكوادر الهندسية التي تشرف على مشاريع العتبات في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء لم تقتنع بالإجابة، فخاطبوا الشركات المنتجة للمحطات فأجابوا بان سعر المحطة 10 ملايين دولار فقط !!!". شايف حجم الفساد والخيانة؟ فوافقتْ المرجعية على شرائها على ان تصل بأسرع وقت. فأجابت الشركات المنتجة بان لديها فرع في تركيا وممكن ان يوصلها خلال يوم واحد. وفعلا وصلت المحطات وبإشراف ممثل المرجعية سيد احمد الصافي، وكوادر العتبات الهندسية وبجهود استثنائية ليل نهار، تم تشغيل المحطات خلال 10 ايام وبالضبط يوم الخميس الماضي. فقامت الاحزاب الفاشلة بالتشويش على هذا الإنجاز، ودعت الى عقد جلسة برلمانية طارئة يوم أمس السبت (8/9 الجاري،) لتغطي فشلها، ثم امرت جهلتها بالهجوم على مقرات الحشد والحركات المناوئة للسعودية، وعلى مستشفى الحشد، وعلى القنصلية الايرانية، بينما وفروا الحماية للقنصلية السعودية والأميركية، مع ان المرجعية تعمل بصمت. ولا تريد دعاية او تعاطفا من الاحزاب. اتصلنا بمعارفنا في البصرة، فقالوا الماء بدأ يغطي ثلثي البصرة حين اندفع الرعاع لحرق المقرات، والمستشفى، والقنصلية الايرانية )). أنتهى.

والسؤال الأول هنا، لماذا لم يسمح موظفو الكمارك والموانئ بوصول مواد الشركة اليابانية لمكان المشروع لإكماله بعد أن تم إنجاز نحو 85% منه، وأهمل، ليعاني المواطنون من أزمة شح المياه؟
والسؤال الثاني: لماذا لا تعمل الـ 43 محطة تحلية المنجزة في البصرة إلا 4% من طاقتها التصميمية؟
فما هو تعليلنا لهذا التقصير ومن المسؤول عنه؟ الجواب الوحيد هو خيانة المسؤولين لواجباتهم، ولأسباب أخلاقية. ومن هنا نعرف أن أهم أزمة يعاني منها العراق هي الأزمة الأخلاقية التي هي أم الأزمات.

فقبل أسابيع بعث لي صديق آخر، تعليقاً على مقال لي بعنوان: (الذكاء العراقي المدمر) مؤيداً لمضمونه، وكان قد عاد تواً من زيارة له إلى العراق بعد أن بقي فيه ثلاثة أشهر، فكتب ملاحظاته عن العراقيين كما يلي:
((* الهوس الديني غير العقلاني، وكأن الدين أصبح غاية وليس وسيلة،
* الهوس بالانتماء العشائري واللجوء الى المثل العشائرية القديمة كالفصل حتى في المدن ،
* الانهيار الأخلاقي المتمثل بإجازة السرقة والرشوة والكذب والنصب والتعدي على الآخرين وانعدام الشعور بالمسؤولية بين قطاعات واسعة من الناس، واعتبار ذلك شيء اعتيادي ومقبول،
*هبوط الشعور الوطني الى درجة خطيرة ،
* السوداوية وانعدام الأمل بشكل عام بين العديد من العراقيين.)) انتهى

ومن كل ما تقدم، نستنتج أن ألد أعداء العراق هم العراقيون أنفسهم، إذ يبدو أن معظم العراقيين المسؤولين في مرافق الدولة (نعم أقول معظم العراقيين وليس بعضهم)، قد تخلوا عن الوطنية والأخلاق وروح المسؤولية، وصار همهم الرئيسي هو النهب والرشوة والفساد والثراء السريع.

إن سبب روتين الكَمارك في تعطيل وصول الأجهزة المطلوبة لإتمام المشروع المائي في البصرة هو ليس القوانين كما يدعون، بل رغبة هؤلاء الموظفين الصغار والكبار للحصول على الرشوات، كما يحصل في جميع دوائر الدولة، فبدون رشوة لا يؤدون واجبهم في خدمة المواطنين.

كذلك نعرف أن هناك جهات قصدها تخريب وتدمير العراق من بعثيين وأعوانهم الدواعش، تستغل غضب الجماهير المحرومة من الخدمات، وشح الماء والكهرباء، وتفشي الفساد والبطالة، فتندس في صفوف المتظاهرين المحرومين، وتحرف مسيرتهم، وتقودها إلى أغراض تخريبية غير أغراضها المشروعة. إذ أفادت الأنباء عن قيام المندسين في صفوف المتظاهرين في البصرة بحرق القنصلية الإيرانية، ومقر عصائب أهل الحق، وكتائب سيد الشهداء، وأخيراً الهجوم على مقر الجيش الشعبي وحرق سيارة لهم، وغيرها كثير من الأعمال التخريبية.
كما أفادت الأخبار عن سقوط صواريخ ثقيلة (120 ملم)، قبل أيام على المنطقه الخضراء في بغداد بالقرب من السفارة الأمريكية، ولم يُعرف مصدرها(4).

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من المستفيد من حرق المقرات المذكورة في البصرة؟ الجواب: لا بد وأن تكون الجهات التي تخدم المصالح السعودية والأمريكية والإسرائيلية المعادية لإيران. فالسعودية لا تريد أن تحرق السفارة الإيرانية في الرياض للثأر من حرق سفارتها في طهران، بل تعمل على حرق القنصلية الإيرانية في البصرة وعلى أيدي العراقيين.
والسؤال الآخر هو من المستفيد من ضرب المنطقة الخضراء بالصواريخ وسقوط معظمها قرب السفارة الأمريكية؟
الجواب لابد أن تكون المليشيات التي تخدم المصالح الإيرانية.
وهكذا نعرف أن هذه الحكومات تريد أن تتخذ من العراق ساحة لها للحروب بالوكالة. ولكن لم ترسل جيوشها لتتحارب فيما بينها، بل تستخدم العراقيين وعلى أرض العراق ليكونوا مطايا لهم، لتدمير وطنهم ومواطنيهم لقاء المال والسحت الحرام.

والسؤال الأخير هو: لماذا فشل البرلمانيون في تشكيل الكتلة الكبرى رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الانتخابات الأخيرة؟ إنها أزمة أخلاق، وتغليب المصالح الشخصية والحزبية، على المصالح الوطنية.

كذلك أود التوكيد أن الأزمة هي ليست لأن الأحزاب الإسلاميه لها اليد العليا في إدارة الدولة فحسب، إذ لا شك في ذلك، فالأحزاب جزء من المشكلة، و تستخدم الدين للوصول إلى السلطة، ولكن حتى العلمانيين في العراق فشلوا في توحيد صفوفهم، والتخلص من الفساد، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر حازم الشعلان وزير الدفاع الأسبق سرق 800 مليون دولار، وأيهم السامرائي وزير الكهرباء الأسبق سرق 300 مليون دولار، و كلاهما هربا إلى الخارج، وكلاهما علمانيان، وكلاهما كانا في حكومة أياد علاوي (العلماني حتى النخاع) .
 
ومن كل ما سبق نستنتج أن العراقيين لم يبلغوا بعد مرحلة النضج السياسي، وهم ألد أعداء أنفسهم ، يسيرون نحو الهاوية وهم نيام، وأن جميع الأزمات العراقية هي نتاج الأزمة الأخلاقية التي هي أم كل الأزمات، والتي هي بدورها من نتاج أربعين سنة من حكم التيار القومي العروبي الدكتاتوري، وخاصة فترة البعث الفاشي المتوحش.

فما الحل؟ هل نتخلى عن الديمقراطية، ونقول أن الشعب العراقي لم يكن مؤهلاً بعد للنظام الديمقراطي؟
الجواب كلا وألف كلا؟ لأن البديل هو النظام الدكتاتوري، والنظام الدكتاتوري هو الذي أوصل بلادنا إلى هذا الحضيض المظلم. فالحل ليس بالتخلي عن الديمقراطية، لأن هذا هو بالضبط ما يريده أعداء العراق والديمقراطية من البعثيين والطائفيين والدواعش، وغيرهم في الداخل والخارج. إذ كما قال المفكر الهندي (أمارتيا كمر سن Amartya Kumar Sen)، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 1998: "يجب ألا نسأل أنفسنا هل شعب ما مؤهل للديمقراطية أم لا، وإنما يجب أن نعرف أنه لا يصبح أي شعب مؤهلاً للديمقراطية إلا من خلال ممارسته لها. لذلك فالديمقراطية هي ليست الغاية فحسب، بل والوسيلة لتحقيقها".
أي لا يمكن تحقيق الديمقراطية في بلد ما، إلا من خلال ممارسة الديمقراطية نفسها، وفي هذه الحالة لا بد من وقوع أخطاء، وحتى كوارث. فالشعوب تتعلم من أخطائها وكوارثها إلى أن تنضج وتصبح الديمقراطية جزءً من ثقافتها الاجتماعية والسياسية، وهذا ما حصل في الدول الديمقراطية العريقة، والعراق ليس استثناءً.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبد الخالق حسين: البصرة المنكوبة بالعطش والقتل بالرصاص
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=610767

2- مشروع تحلية ماء البصرة... تعطيل متعمد، فيديو جدير بالمشاهدة
http://www.akhbaar.org/home/2018/9/248580.html

3- د. مهند محمد البياتي : ازمة المياه في العراق .. هل لها حلول ؟
http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=930569&catid=288&Itemid=601

4- هجوم على المنطقة الخضراء ببغداد والقذائف تسقط قرب السفارة الأمريكية
https://kitabat.com/news/%d9%87%d8%ac%d9%88%d9%85-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b6%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a8%d8%a8%d8%ba%d8%af%d8%a7%d8%af-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b0/


54
البصرة المنكوبة بالعطش والقتل بالرصاص

د.عبدالخالق حسين

قالوا عن البصرة أنها ثغر العراق الباسم، وبلد النخيل والحناء، وتسقى بساتينهم بالمد والجزر وهم نيام، وهي حوض شط العرب، وفيها الموانيء، وإنتاج وتصدير النفط. المحافظة التي تمنح العراق 90% من ميزانيته. البصرة أم الخيرات هذه محرومة من خيراتها، وتعاني في العهد الديمقراطي من العطش، والماء المالح والخابط بالطين، ولعشرات السنين لم يتم تعيين أي من أبنائها وزيراً إلا مؤخرا و بوزير واحد للنقل. وتعبير (بعد خراب البصرة) مثل عراقي شائع حتى في البلاد العربية، عما حدث فيها من دمار شامل إثناء ثورة الزنج فيها، في القرن الثامن الميلادي، وراح مثلاً يضرب لوصول النجدة بعد فوات الأوان.

فالبصرة تعرضت للتخريب في جميع مراحل التاريخ، ناهيك عما أصابها من خراب شامل في عهد الطاغية صدام حسين، بسبب حروبه العبثية ضد إيران وغزوه للكويت، حيث كان أهل البصرة من أكثر فئات الشعب العراقي تعرضاً لكوارث الحروب، وعانت الكثير من الخراب، إذ كما وصفها سناتور أمريكي خلال زيارته للمحافظة بعد تحرير العراق مباشرة من الفاشية، بأن ثلثها فقط قابل للسكن، والبقية خراب تحتاج إلى صرف المليارات لإعمارها، وجعلها مكاناً لائقاً لمعيشة البشر في القرن الحادي والعشرين.
كان أهل البصرة يتوقعون من الحكومات المتعاقبة ما بعد صدام، أن تولي اهتماماً لمحافظتهم بعد تعرضها للخراب والإهمال المتعمد في عهد البعث الفاشي، ولكن الذي حصل هو العكس، أي الإهمال المتعمد من ذوي القربى أيضاً، ومعاملة المحافظة كالبقرة الحلوب لتدر الخيرات على العراق، ودون أن ينال أهلها أي تحسن في أحوالهم المعيشية، إلى أن بلغ السيل الزبى، حيث عانى أهل البصرة من قطع التيار الكهربائي في شهر آب اللهاب، وأزمة مياه الشرب والاستخدامات المنزلية والزراعية، إلى حد أن وصلت مياه الخليج المالحة إلى شمال شط العرب.

طبعاً هناك عوامل عديدة لأزمة المياه، منها أن معظم مياه العراق تأتي من تركيا وإيران (دول المنبع)، وهاتان الدولتان إضافة إلى سوريا، أنشأت السدود للاستفادة من المياه على حساب حصة العراق. وكذلك  كون جميع البنى التحتية لإسالة المياه في البصرة، كما في بقية المحافظات، هي قديمة جداً بعضها يرجع تاريخها إلى ما قبل 70 أو 80 سنة، مما يحمِّل الحكومات المتعاقبة مسؤولية كبرى في إهمالها المتعمد تحديث شبكات الإسالة والصرف الصحي، وإقامة مشاريع تصفية المياه، وتعقيمها وجعلها صالحة للإستخدامات البشرية. كذلك لا عذر لحكومات العراق الجديد في عدم اتخاذها الإجراءات الاحترازية اللازمة، إذ كانت هناك علامات واضحة تشير إلى انفجار الأزمة في أي وقت منذ السبعينات من القرن الماضي، فلماذا لم تتخذ الحكومات العراقية، وخاصة ما بعد 2003 الإجراءات اللازمة إلى أن انفجرت الأزمة في وجوههم وبعد فوات الأوان، وقال أهل البصرة (كفى إهمالاً)، وللصبر حدود؟

كان المفروض بالحكومتين، الاتحادية، والمحلية ما بعد 2003، أن تتوقع هذه الأزمة منذ سنوات، وتتحضر لها، وذلك ببناء مشاريع تحلية المياه، كما هو جار في الدول الخليجية، بل وحتى في الدول الأوربية مثل بريطانيا التي رغم ما تتمتع به هذه البلدان من أمطار غزيرة، ولكن الحكومات المتحضرة التي تحترم شعوبها وتحرص على أمنها وسلامتها، تتخذ الاجراءات اللازمة تحسباً للأزمات قبل حصولها. فالعراق لا تنقصه الأموال، ولا خبرات فنية أو علمية، فمن بين أبرز خبراء تحلية المياه في العالم، هو عراقي، ألا وهو البروفيسور عادل شريف، أستاذ تحلية المياه في جامعة سري (Surrey) البريطانية، والحائز على عدة جوائز عالمية ومنها جائزة ملكة بريطانيا لاكتشافاته العلمية، واختراعاته التقنية لتحلية مياه البحر عن طريق الضغط الأسيموزي ذو التكاليف الواطئة، وقد استفادت منه الدول الخليجية وغيرها. وعلى حد علمي وكما هو واضح في الفيديو في الهامش(1)، أن الدكتور عادل شريف طرح مشروعه على الحكومة العراقية منذ سقوط الحكم البعثي عام 2003، لإنقاذ أهل البصرة خاصة، والمحافظات الجنوبية الأخرى بصورة عامة، من كارثة الأزمة المائية المتوقعة، وأن يتهيئوا لها قبل وقوعها، إلا إن كلماته وقعت على أذن صماء، فلم يلق أي اهتمام من المسؤولين العراقيين، إما عن عمد أو عن جهل، أو كليهما.

نحن نعيش في عصر العولمة والديمقراطية، والانترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وأهل البصرة كغيرهم من شعوب العالم، لا يمكن لأية قوة أن تمنعهم من حقهم في التظاهرات الاحتجاجية السلمية، ونشر مشاكلهم ومطالبهم المشروعة على وسائل الإعلام، لذلك شاهدنا بالصوت والصورة المياه الملوثة والخابطة بالطين تصب من صنابير البيوت والتي لا تصلح حتى لتنظيف الشوارع، وحتى بعد تصفيتها فهي مالحة أو مج، وملوثة بمياه المجاري القذرة التي تصب في الأنهر وشط العرب، وملوثة بالجراثيم ونقلها للأمراض. فحسب تصريحات رئيس صحة البصرة، هناك أكثر من 18 ألف إصابة بالإسهال، وحتى عودة الكوليرا، مما حدى ببعض الدول الخليجية منع مواطنيها من السفر إلى البصرة، وهذا دليل على أن البصرة محافظة منكوبة ومهملة من الحكومة. وتجد معظم أنهار البصرة، وخاصة نهر العشار الجميل، أصبحت مكبات للقمامة تهدد البيئة كما هو واضح من الصورة في بيان حول الكارثة البيئية و الصحية في محافظه البصرة(2).

فكيف تعاملت الحكومة المحلية والقوى الأمنية مع غضب الجماهي؟ تفيد الأنباء أن التظاهرات السلمية وفي هذا العهد المفترض به عهد الديمقراطية، الذي يمنح فيه الدستور الناس حقهم في التظاهر السلمي، ولكن واجهت تظاهرات أهل البصرة بالرصاص الحي، وهذه كارثة، وصفحة سوداء في سجل العهد الديمقراطي، تلك المواجهات التي لم يعرفها العراقيون إلا في العهد الملكي، وعهد البعث الصدامي. إذ هناك تقارير تفيد بوقوع حوادث العنف بين المتظاهرين والقوات الأمنية أدت إلى: (مقتل وإصابة 25 متظاهراً وحرق ديوان المحافظة وفرض حظر للتجوال)(3). وفي تقرير آخر يفيد: (أعلن المتحدث باسم وزارة الصحة عن أنّ حصيلة أحداث الثلاثاء العنيفة في البصرة بلغت خمسة قتلى من المتظاهرين و68 جريحاً منهم 41 مدنياً و 27 من منتسبي القوات الأمنية)(4).
ما كان لهذه المواجهات الدموية أن تحصل لو تعاملت القوات الأمنية بضبط النفس، والتعامل بالحسنى مع الجماهير المنكوبة.

ما العمل؟
إذا أرادت الحكومة أن تستعيد بعضاً من سمعتها، وما تبقى من ماء وجهها، أن تأخذ الإجراءات الفورية التالية، وعلى جناح السرعة:
أولاً، إعلان محافظة البصرة كمحافظة منكوبة تحتاج الدعم السريع كما يتعرض أي شعب للكوارث الطبيعية، إلا إن كارثة البصرة هي من صنع البشر المسؤولين عن أمنها وسلامتها.
ثانياً، توفير المياه الصالحة للشرب والاستخدامات المنزلية فوراً،
ثالثاً، البدء الفوري بإقامة مشاريع تحلية المياه في مختلف الأقضية والنواحي والمدن في المحافظة، والاستفادة من الخبرات العراقية والأجنبية في الداخل والخارج.
رابعاً، الاتصال بالحكومات والشركات الأجنبية ذات الخبرة الواسعة والسمعة الطيبة في مجال المياه ، للاستفادة من خبراتها، وإمكاناتها للقيام بتجديد شبكات إسالة الماء والصرف الصحي، وإنشاء مشاريع تحلية المياه، وحفر الآبار الارتوازية للمياه الجوفية وغيرها،
خامساً، أن تستخدم الحكومة العراقية ورقة العلاقات الاقتصادية على إيران وتركيا بإطلاق حصة العراق من المياه، وفق القوانين الدولية، خاصة أن هاتين الدولتين مستفيدتان من الاقتصاد العراقي، لذلك يمكن للعراق أن يفرض العامل الاقتصادي لحمل إيران وتركيا على الاستجابة لحاجة العراق من المياه.
سادساً، على الحكومة الاتحادية توفير الخطط العلمية لإقامة مشاريع بعيدة المدى وتخصيص الأموال اللازمة لها، لتوفير المياه ليس فقط للاستخدامات البشرية فحسب، بل والزراعية أيضاً.
وبدون هذه الاجراءات وغيرها كثير، سيصبح العراق بلداً صحراوياً غير قابل للعيش.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- البروفيسور عادل شريف الحسيني والأزمة المائية في العراق
https://youtu.be/zmHfKe7s6Cg

2- بيان حول الكارثة البيئية و الصحية في محافظة البصرة، تلاحظ صورة نهر العشار الذي صار مكباً للنفايات وخطراً على الصحة
http://www.akhbaar.org/home/2018/9/248405.html

3- البصرة: مقتل وإصابة 25 متظاهراً وحرق ديوان المحافظة وفرض حظر للتجوال
http://www.akhbaar.org/home/2018/9/248412.html

4- عدنان حسين: العبادي إذ يُنكر
http://almadapaper.net/Details/213011/شناشيل-العبادي-إذ-يُنكر

5- د. حميد الكفائي: عطش البصرة والصراع على السلطة يخنقان العراق
http://www.alhayat.com/article/4601327/%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A/%D8%B9%D8%B7%D8%B4-

55
هل يمكن للحكومة العراقية التخلص من (تهمة) المحاصصة؟

د.عبدالخالق حسين


منذ سقوط حكم البعث الفاشي عام 2003، وتشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة من كل مكونات الشعب العراقي، وعلى وفق ما تفرزه الانتخابات البرلمانية، وُصِفت هذه الحكومات بالمحاصصة الطائفية والعنصرية، وألقي اللوم في كل الأخطاء، والمساوئ، والفساد المستشري في مفاصل الدولة، على هذه المحاصصة "البغيضة".

والملاحظ أن جميع الكيانات السياسية، وقياداتها الحكيمة، و(غير الحكيمة)، تشتم المحاصصة في تصريحاتها وخطاباتها دون استثناء، ولكن في نفس الوقت، كل هؤلاء يصرون على حصتهم في السلطة والنفوذ.

وقد كتبتُ مراراً عن مشكلة المحاصصة، وعلى سبيل المثال مقال بعنوان: (حول إشكالية حكومة المشاركة أو المحاصصة)(1). وما جعلني أن أعود إلى هذا الموضوع الخطير، هو ما يجري الحديث في هذه الأيام ، وبعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت يوم 12 مايس/أيار 2018، وإقرار صحة نتائجها من قبل المحكمة الاتحادية، حيث تجددت المطالبات من جميع الجهات بتشكيل الحكومة الجديدة على أساس الكفاءة وليس المحاصصة.

والجدير بالذكر، أن الانتخابات الأخيرة – التي شابها تهم التزوير والخروق- أفرزت عن اختيار {232} نائباً جديداً من أصل 329 نائباً يشكلون البرلمان الجديد، أي ان نسبة التغيير هي {70.5%} عن البرلمان السابق(2). وهذا يعكس رغبة الشعب في التغيير وصحة الانتخابات، كذلك حجم الفاشلين في الانتخابات من النواب السابقين وعددهم 280 نائباً من مجموع 329 وقدرتهم في التأثير على الرأي العام في التشكيك بنزاهة الانتخابات وتضليل الرأي العام.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل حقاً يمكن أن تتخلص الحكومة الجديدة القادمة، وغيرها من الحكومات اللاحقة في المستقبل، من تهمة ولعنة المحاصصة؟

أعتقد أن وصف الحكومات العراقية المتعاقبة ما بعد صدام بالمحاصصة الطائفية لن يزول، لا في الحكومة الجديدة القادمة، ولا في أية حكومة في المستقبل المنظور، إلا إذا عاد حزب البعث للسلطة لا سامح الله، وهذا لا يعني اختفاء المحاصصة مع عودة حكم البعث، بل لأن البعث سيواجه كل من يتهمه بالمحاصصة بالإعدام في أحواض الأسيد، كما كان يفعل مع معارضيه. فالبعث كان محتكراً للسلطة، وكان يضم في تشكيل حكومته بعضاً من المكونات الأخرى للديكور فقط.

والاحتمال الآخر للتخلص من لعنة المحاصصة هو أن يتبوأ رئيس مجلس الوزراء شخص عربي سني. ولكن في هذه الحالة سيصف الناقمون عليه وعلى الديمقراطية بأنه سني صفوي، كما وصفوا من قبل الكثير من عقلاء اهل السنة الذين قرروا المشاركة في العملية السياسية و السلطة، بأنهم من سنة المالكي (نسبة إلى نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق)، أو من أتباع إيران...إلى آخره من الاتهامات التسقيطية الباطلة، بل وحتى الجيش العرقي الجديد وصفوه بأنه الجيش الشيعي، والجيش الصفوي، وجيش المالكي..الخ.

فالشعب العراقي مكون من عدة مكونات دينية ومذهبية، سنة وشيعة ومسيحيين، وأيزيديين، وصابئة، كذلك من قوميات عديدة: عرب، وكرد وتركمان، آشوريين وكلدانيين...الخ، وكل من هذه الأثنيات والقوميات تنقسم إلى مختلف الأديان والمذاهب ، إضافة إلى انقسام كل مكون إلى كيانات سياسية بلغت نحو 400 تنظيم سياسي أو أكثر... وهكذا. لذلك فأية حكومة قادمة لا بد وأن يكون فيها سنة وشيعة وكرد وتركمان، ومن مختلف القوى السياسية، وحسب حجمها في البرلمان. ولا بد أن تكون هناك كيانات سياسية لم يحالفها الحظ في الفوز في الانتخابات، أو المشاركة في الحكومة، وهذه هي الديمقراطية. ولكن الجماعات التي فشلت في الانتخابات لا تريد أن تقر بفشلها كما هي الحال في الديمقراطيات الناضجة، بل تلجأ إلى اتهام الانتخابات بالتزييف، والحكومة بالمحاصصة، وفي هذه الحالة ليس بإمكان الحكومة منع الناس من وصفها بالمحاصصة كما يشاؤون.

كذلك يقر الدستور، أن تكون الحكومة تضم ممثلين عن جميع مكونات الشعب العراقي دون استثناء كنظام ديمقراطي ودولة المواطنة، لذلك لجأ أعداء الديمقراطية باختراع كلمة بذيئة مثل (المحاصصة) لتسقيط الديمقراطية وتشويه صورتها في نظر الشعب. وقد نجحت اللعبة، وراح الناس يشتمون الديمقراطية، و ينعتونها بأسوأ الكلمات البذيئة، وبأنها جلبت علينا المحاصصة، وهي في الحقيقة أشبه بحكاية (ملابس الإمبراطور الجديدة)، للكاتب الدنيماركي هانس كريستيان أندرسن.
 
فالكرد لن يتنازلوا عن منصب رئاسة الجمهورية، والسنة لن يتنازلوا عن رئاسة البرلمان، والشيعة لن يتنازلوا عن المادة الدستورية التي تخول زعيم الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة. وطالما الشيعة يشكلون نحو 60% من الشعب، فكتحصيل حاصل هم يشكلون الكتلة الأكبر في البرلمان، ولذلك يتمسكون بهذه المادة الدستورية.
كذلك يبدو أن البعض تشابه عليهم تعبير المحاصصة، فاعتقدوا أن الحكومة غير المحاصصاتية تعني حكومة من مكون واحد!! وعلى سبيل المثال، عندما شكل مقتدى الصدر في العام الماضي أو قبله، لجنة من الخبراء لاختيار أعضاء مستقلين لتشكيل حكومة التكنوقراط، ضمت اللجنة شخصيات من مختلف مكونات الشعب، فعلق أحد الأخوة في مواقع التواصل الاجتماعي، أنه (ما سوينا شي، أشو هذه اللجنة هم بيها محاصصة!!). وعليه أعتقد أن لعنة المحاصصة ستبقى لاصقة بأية حكومة عراقية ما بعد 2003 ، وإلى أجل غير مسمّى، طالما فيها من كل مكونات الشعب العراقي، بينما مشاركة الجميع في هذه الحالة يجب أن تتلقى الترحيب، و في صالح الديمقراطية ودولة المواطنة وليس العكس.

يجب أن نفهم أن الشعب العراقي يتكون من عدة مكونات، ولا بد للحكومة الديمقراطية أن يشارك فيها ممثلون من مختلف الانتماءات وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع، وعليه فتعبير (المحاصصة) لا يمكن أن تختفي. ولا بد من أن أستشهد مرة أخرى بمقولة عالم الاجتماع الراحل علي الوردي في هذا الخصوص قبل أكثر من خمسين عاماً:
"إن الشعب العراقي منشق على نفسه، وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر مما في أي شعب عربي آخر- باستثناء لبنان- وليس هناك من طريقة لعلاج هذا الانشقاق أجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه، حيث يتاح لكل فئة منه أن تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية. ينبغي لأهل العراق أن يعتبروا بتجاربهم الماضية، وهذا هو أوان الاعتبار! فهل من يسمع؟".

كما ويجب التوكيد هنا أن المقصود بالمشاركة كل حسب نسبتها العددية، المشاركة في المجلسين،  البرلمان و الوزراء فقط، وليس تحويل الوزارة إلى إقطاعية للوزير ليملأها بأقربائه، وأبناء عشيرته، ومنتسبي حزبه، وإجراء التطهير المذهبي و الأثني. فهذه جريمة لا تغتفر. كذلك يجب التوكيد أيضاً أن المنصب الوزاري هو منصب سياسي وليس منصب لصاحب اختصاص تكنوقراط، أو كما يعتقد البعض أن حكومة التكنوقراط هي حكومة الملائكة خالية من أية مشاكل. فهذه نظرة سطحية وطوباوية ساذجة. إذ نرى الحكومات الغربية الديمقراطية العريقة تتشكل ليس من أصحاب الاختصاص التكنوقراط حتى ولو كان هؤلاء من الحزب الحاكم، ففي العديد من هذه الدول تجد امرأة لم تخدم في الجيش يوماً واحداً، تتبوأ منصب وزارة الدفاع مثلاً، ونادراً ما تجد طبيباً يتبوأ منصب وزارة الصحة، لأن المنصب الوزاري هو منصب سياسي وإداري بحت، ويجب أن يكون الوزير من الكتلة البرلمانية الاكبر، حتى يتحمل حزب الوزير مسؤولية أخطائه وعدم كفاءته، فتشكيل الحكومة من تكنوقراط مستقلين مخالف لجوهر الديمقراطية، أي تفريغ الديمقراطية من مضمونها، ولكن في جميع الأحوال يكون الوزير محاطاً بعدد من الخبراء من أصحاب الاختصاص كمستشارين يستفيد من خبراتهم وكفاءاتهم في سير شؤون وزارته، وعلى وفق برنامج الحكومة في إدارة شؤون الدولة وخدمة الشعب,
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- حول إشكالية حكومة المشاركة أو المحاصصة
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/29muh.htm

2- أرقام مهمة في انتخابات برلمان 2018
http://www.akhbaar.org/home/2018/6/244860.html




56
لماذا العراق أولاً؟
د. عبدالخالق حسين

يبدو أن العراق محكوم عليه أن يتحمل تبعات كل ما يجري من صراعات بين دول المنطقة، وخاصة بين إيران، والسعودية وتركيا، وبالطبع وراء هذه الصراعات أمريكا وإسرائيل وحسب ما تقتضيه سلامة وأمن الأخيرة. فالمعروف أن كل القوى السياسية في كل دولة من دول العالم لا بد أن تدخل بصراعات داخلية فيما بينها حول مصالحها الفئوية، والمنافسة على السلطة والنفوذ، ولكن عندما تكون بلادهم مهددة بخطر خارجي، فسرعان ما ينسون خلافاتهم، ويتوحدون صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، دفاعاً عن مصلحة شعوبهم و أوطانهم.

ولكن مع الأسف الشديد يبدو أن هذا المبدأ غير قابل للتطبيق في العراق. فمنذ سقوط حكم البعث الفاشي، انقسمت القوى السياسية فيما بينها، كل منها لجأت إلى دولة من الدول الاقليمية تستجدي منها الدعم ضد القوى المنافسة لها، وحسب انتمائها الطائفي والأثني، مفضلة مصلحتها الفئوية على المصلحة الوطنية.

حصل هذا مؤخراً، وبكل وضوح عندما قامت إدارة ترامب بفرض عقوبات اقتصادية جائرة على الشعب الإيراني انتقاماً من  الجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب سياساتها المعادية لأمريكا وإسرائيل، وبرنامجها النووي، ودعمها للقضية الفلسطينية. إذ يذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في أوائل مايو الماضي، انسحاب واشنطن من الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي. وقرر لاحقا إعادة العمل بجميع العقوبات المفروضة على طهران، بما في ذلك العقوبات الثانوية، أي التي تطال بلدانا أخرى تقوم بالتعامل مع إيران. وقد هددت الخارجية الأمريكية الحكومة العراقية إذا ما رفضت الالتزام بالعقوبات الأمريكية ضد إيران، وقالت إن منتهكي نظام العقوبات يمكن أن يخضعوا هم أنفسهم للعقوبات.(1)

ونحن كعراقيين عانوا كثيراً من العقوبات الاقتصادية الجائرة لثلاثة عشر عاماً من الحصار الاقتصادي الدولي، بسبب سياسات النظام البعثي الساقط الإجرامية على اثر غزوه للكويت عام 1990، نعرف أن هذه العقوبات لا تضر بالنظام الحاكم، وإنما يتحمل وزرها الشعب، حيث الدمار الاجتماعي و الاخلاقي والحضاري والهجرة المليونية، بحثاً عن لقمة العيش بكرامة...الخ.

وهنا وجدت حكومة الدكتور حيدر العبادي نفسها بين (حانة ومانة)، كما يقول المثل العراقي، بين إيران وأمريكا. فإيران هي جارة تربطنا بها علاقات جغرافية، حيث لنا معها 1400 كلم من الحدود، وتاريخية لعشرات القرون، ودينية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية...الخ، لا يمكن التفريط بها إطلاقاً. وفي نفس الوقت للعراق مصالح سياسية وأمنية واقتصادية مع أمريكا التي قامت بتحرير الشعب العراقي من أبشع نظام جائر في التاريخ، وخلصته من الحصار الاقتصادي الأممي، ومئات المليارات الدولارات من الديون، وتعويضات الحروب العبثية التي شنها النظام الساقط على دول الجوار. وفي هذه الحالة ليس بإمكان الحكومة العراقية أن تفرط بعلاقتها مع أمريكا لتأخذ موقفاً منحازاً إلى إيران.

لذلك فموقف الدكتور العبادي هو أشبه ببطل السرك الذي يمشي على حبل مشدود، لا بد وأن يحافظ على توازنه كي لا يسقط. وإنصافاً للرجل، أقول أن تصريحاته الأخيرة حول موقف العراق من العقوبات الأمريكية على إيران كانت جداً متوازنة، آخذاً بنظر الاعتبار مصلحة الشعب العراقي فوق مصلحة أي بلد آخر، تماما كما تفعل حكومتا إيران وأمريكا وغيرهما، و أية حكومة لا تعتبر مصلحة شعبها أولاً، هي حكومة خائنة لشعبها.

فماذا قال العبادي بالضبط في هذا الخصوص كي يثار ضده كل هذا الغضب من إيران، وأنصارها في العراق؟
قال العبادي وحسب ما نقلته وكالة رويتر للأنباء: ‭‭" من حيث المبدأ نحن ضد العقوبات في المنطقة. الحصار والعقوبات تدمر المجتمعات ولا تضعف الأنظمة“. وأضاف ”نعتبرها خطأ جوهريا واستراتيجيا وغير صحيحة، لكن سنلتزم بها لحماية مصالح شعبنا. لا نتفاعل معها ولا نتعاطف معها، لكن نلتزم بها“.(2)

والعبارة التي أثارت غضب إيران، وأنصارها في العراق هي "لكن نلتزم بها". وهل بإمكان أي رئيس حكومة، حريص على مصلحة شعبه أن يقول غير ذلك؟ هل بإمكان العبادي أن يقف بوجه جبروت أمريكا؟ وهل يتعظ العراقيون من تجاربهم المؤلمة و خيباتهم السابقة؟

لقد حاول السيد نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء سابقاً، وتحت ضغوط من إيران، وأنصارها في العراق، تحدي أمريكا، ورفض طلبها بإبقاء قطعات عسكرية أمريكية في العراق لتدريب القوات العراقية، ومساعدتها في حربها على الإهاب. فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة احتلال ثلث مساحة العراق من قبل شذاذ الآفاق من الإرهابيين البعثيين الدواعش لثلاثة أعوام عجاف، ولم يتم تحريرها إلا بمساعدة أمريكا والقوات الدولية، و إزاحة المالكي عن رئاسة الحكومة، وتدمير البنى التحتية بشكل كامل في المناطق المحتلة، واستشهاد عشرات الألوف من القوات المسلحة والحشد الشعبي وغيرهما، وقتل عشرات الألوف من المدنيين من قبل الارهابيين، إضافة إلى صرف عشرات المليارات من الدولارات على العمليات الحربية بدلاً من استثمارها في الاعمار والتنمية البشرية.

لقد طلع علينا بعض أنصار إيران من العراقيين بمقالات نارية غاضبة ضد حيدر العبادي بسبب قوله (لكن نلتزم بها)، أي بالعقوبات. وعلى سبيل المثال لا الحصر: كتب السيد محمد مجید الشیخ، وهو سفير عراقي سابق في طهران، مقالاً بعنوان (إيران خط أحمر) جاء فيه: " ان ایران وكما تحدثنا 'الروایات المتواترة' هی قاعدة الامام المهدی (ع)، الذی سیقود جیوشها للقضاء علي السفیانی الذی یدخل العراق ویعیث فسادا فی الارض، ثم یتجه الامام (ع) الي بیت المقدس محررا وفاتحا. وإذن فان إضعاف ایران فی العقل الاستراتیجی (الصهیو إنكلو امریكی) هو لعرقلة تحقق هذا الوعد الالهی .. ولكن خسئوا فان الله منجز وعده ولو كره الكافرون."(3)

ومع احترامنا لمعتقدات الناس الدينية والمذهبية، إلا إننا نرفض استغلال هذه المشاعر لأغراض سياسية تضر بمصلحة بلدهم، وهو يمر بأحلك الظروف تهدد وجوده، لمصلحة بلد آخر. فهل يمكن لأي عاقل مسؤول على رأس الحكومة أن يضحي بمصلحة شعبه بناءً على هذه السفسطات المتافيزيقية التحريضية  التي لا تسمن ولا تغني من جوع ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين؟ فالعراق يمر بمرحلة تاريخية وجودية خطيرة، ليس هناك أي مجال للتلاعب بمشاعر البسطاء من الناس، الدينية والمذهبية، بل يجب اتباع المنطق العلمي العقلاني السليم، وسياسة فن الممكن، والالتزام الكامل بمبدأ (العراق أولاً) ومصلحته فوق مصلحة أية دولة أخرى، والتخلي عن هذا المبدأ يعتبر خيانة وطنية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
مقالات أخرى للكاتب
http://www.alakhbaar.org/home/for-the-author/?auid=17
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- واشنطن تهدد العراق إذا لم يلتزم بعقوباتها ضد إيران
http://www.akhbaar.org/home/2018/8/247591.html

2- العبادي: العراق لا يتعاطف مع العقوبات على إيران لكن سيلتزم بها
https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1KS1QC
3- محمد مجید الشیخ:  إیران خط احمر
http://www.irna.ir/ar/News/82999077
4- د. حميد الكفائي: لماذا تُطالَب بغداد برعاية مصالح طهران؟
http://www.alhayat.com/article/4597910/رأي/سياسي/لماذا-تطالب-بغداد-برعاية-مصالح-طهران
5- عدنان حسين: لسنا محمية ايرانية
http://almadapaper.net/Details/212627/شناشيل-للتذكير-لسنا-محميّة-إيرانيّة

57
التظاهرات التخريبية دائماً تبدأ بمطالب مشروعة!
د.عبدالخالق حسين

تشهد هذه الأيام محافظات الوسط والجنوب العراقية ذات الأغلبية الشيعية، تظاهرات احتجاجية التي هي حق يكفله الدستور، بدأت بمطالب مشروعة، منها توفير الخدمات مثل الكهرباء، والماء، والعمل للعاطلين...الخ. وقد لقيت هذه التظاهرات تعاطفاً وتأييداً من الجميع، وحتى من السلطة التنفيذية، وعلى رأسها رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي الذي وعد بتلبية هذه المطالب. إلا إن هذه المشاكل هي مزمنة تحتاج إلى إقامة مشاريع كبيرة وعديدة لا يمكن تحقيقها بعصى سحرية، أو بين عشية وضحاها.

بدأت هذه التظاهرات في محافظة البصرة لأنها المحافظة التي عانت ودفعت الثمن الباهظ بالأرواح والممتلكات أكثر من أية محافظة أخرى بسبب الحروب العبثية التي شنها النظام البعثي على إيران، ومن ثم غزو الكويت، والحرب الدولية لتحرير الكويت، وأخرى لتحرير العراق من حكمه الجائر، ثم تبعات سقوطه...الخ. فهذه المحافظة التي تسهم بنحو 80% من واردات خزينة الدولة، ما زالت تعاني أكثر من أية محافظة في العراق من البطالة والحرمان من الخدمات بسبب الإهمال، والفساد المستشري في صفوف المسؤولين. لذلك بلغ ظلم ذوي القربى، أي ظلم سلطات ما بعد 2003 إلى حد الانفجار، فكانت حصيلته هذه التظاهرات الاحتجاجية التي انتشرت شرارتها في المحفظات العراقية الأخرى كالنار في الهشيم.

بالطبع نحن مع التظاهرات السلمية، ولكن المشكلة أن هناك دائماً مجالاً للمجرمين المخربين ليندسوا ويخترقوها ويحرِّفوها عن خطها السلمي، وأهدافها المشروعة، ويحولوها إلى فرصة ذهبية لهم للقيام بأعمال التخريب، والاعتداء على ممتلكات الدولة، وإشعال الحرائق فيها، والاعتداء على مقرات الأحزاب، وخاصة تلك التي تناهض البعث الساقط أمثر من غيرها، ورفع شعارات ومطالب مشبوهة لم تدر في خلد الناس الأبرياء الذين بدؤوا تلك التظاهرات، منها مثلاً: دعوة البعض بعدم الاكتفاء بتوفير الخدمات، بل الاستمرار حتى إسقاط الحكومة، وتحت مختلف الأساليب الخادعة.

وهؤلاء لهم جيوش على مواقع التواصل الاجتماعي يتمتعون بالخبرة في التضليل والتسقيط، لدعم التخريب واعتباره عملاً وطنياً لتحرير الوطن من احتلال الحكومة العميلة لإيران وأمريكا على حد قولهم، بل والاستهزاء من كلمة (المندسين)، وكأنه لا يوجد مندسون إطلاقاً. فقد قرأنا تقريراً مقلقاً من (مفوضية حقوق الانسان تعلن اجمالي عدد المتوفين والمصابين منذ انطلاق التظاهرات)(1) عن المصادمات بين المتظاهرين، والقوات الأمنية، راح ضحيتها 13 قتيلاً من المتظاهرين، و729 جريحاً، بينهم 460 من القوات الأمنية، و269 من المتظاهرين. والملاحظ أن عدد الجرحى في القوات الأمنية نحو ضعف عددهم في صفوف المتظاهرين. والسؤال هنا كيف جُرح هؤلاء من القوات الأمنية، إن لم يكن من بين المتظاهرين أناس مسلحون جاؤوا خصيصاً للمواجهة والتخريب.

كذلك قرأنا أخباراً مقلقة تفيد عن قيام مجرمين بقطع أسلاك الكهرباء من أجل إدامة الأزمة، وتبرير استمرارية التظاهرات وتصعيدها إلى اعتصامات تخريبية، أي إلى إسقاط الحكومة، لإشاعة الفوضى العارمة من أجل إظهار الشعب العراقي للعالم أنه غير مؤهل للديمقراطية، تمهيداً للانقضاض على العملية السياسية، وإلغاء الديمقراطية، وإعادة العراق إلى عهد الظلام البعثي ما قبل 2003.

وقد لاحظنا في مثل هذه الحالات أن تتفتق عبقرية العديد من الكتاب لتقديم اقتراحات، منها صادقة وبنوايا حميدة، وأخرى من نوع (قول حق يراد به باطل)، غرضها التشويش ونشر البلبلة الفكرية، وتضليل الجماهير، وإرباك السلطة.

يجب على الشعب العراقي أن يستفيد من تجاربه السابقة، وتجارب الآخرين، ويستخلص منها الدروس والعبر، وأن لا يُلدغ من جحر عشرات المرات. لذلك نطالب جماهير شعبنا باليقظة والحذر من المندسين، بأن لا ينساقوا وراء المخربين البعثيين الدواعش الذين يتربصون بهم شراً، وأن لا يكونوا من أمثال الذين وصفهم الإمام علي (ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح).

دروس من التاريخ القريب والوقت الراهن
فما أشبه اليوم بالبارحة، إن ما يجري في العراق اليوم يذكرنا بما قام به البعثيون في عهد حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم عندما رفع سعر غالون البنزين مبلغاً طفيفا، فقادوا التظاهرات الاحتجاجية في بغداد، وراحوا يحرقون باصات المصلحة، ومحطات البنزين، وغيرها من ممتلكات الدولة. كذلك التظاهرات الطلابية التي قادها البعثيون والقوميون أواخر عام 1962 التي مهدت لإنقلاب 8 شباط 1963 الأسود الذي أدخل العراق في نفق مظلم لم يخرج منه لحد الآن.

وهناك تجارب مماثلة في مناطق أخرى من العالم، ففي أيامنا هذه هناك تظاهرات احتجاجية في مناغوا عاصمة نيكاراغوا، ضد الرئيس الوطني الاشتراكي دانيال أورتيغا. بدأت هذه التظاهرات بمطلب مشروع، وهو عندما أقدمت الحكومة بتخفيض رواتب المتقاعدين. فانطلقت التظاهرات الاحتجاجية من قبل المتقاعدين، مما حدا بالحكومة إلغاء القرار، إلا إن المتصيدين بالماء العكر استغلوا الفرصة، واختطفوا تلك التظاهرات وطالبوا بالانتخابات المبكرة، وإزاحة الرئيس أورتيغا. ثم أحالوا هذه التظاهرات إلى أعمال تخريبية ضد ممتلكات الدولة، وبالتالي إلى مواجهات مسلحة مع القوات الأمنية، راح ضحيتها لحد الآن أكثر من 300 قتيل من الجانبين. وهي بالمناسبة تتلقى الدعم والتأييد من أمريكا وغيرها من الدول الغربية التي ساندت عصابات الكونترا في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغن في الثمانينات من القرن المنصرم.

كذلك التظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت في البلاد العربية أواخر عام 2011، والتي سميت بانتفاضات وثورات(الربيع العربي). فكانت هناك مبررات مشروعة لهذه الانتفاضات مثل مظالم الأنظمة الدكتاتورية الجائرة بحق الشعوب العربية، وتفشي الفقر والبطالة والحرمان من الخدمات، والتي دفعت الجماهير الشعبية للإنفجار، والمطالبة بتغيير الأنظمة المستبدة الجائرة. ولكن تم اختطاف هذه الانتفاضات من قبل قوى داخلية وخارجية، فبعد إسقاط حكوماتها، تركوا هذه الشعوب في حالة فوضى عارمة مثل ليبيا، واليمن. ونفس السيناريو تكرر في سوريا، حيث بدأت بمظاهرة طلابية في مدينة درعا الجنوبية بمطالب مشروعة عام 2011، فاختطفتها قوى الشر المدعومة من السعودية وقطر وتركيا، وأمريكا، وأحالوها إلى حرب العصابات الإرهابية ضد سوريا حكومة وشعباً، ولحد الآن.

ما العمل؟
وفي أوقات الأزمات، وكما أشرنا أعلاه ينبري البعض بتقديم اقتراحات لحل الأزمة، منها صادقة، ومنها للتشويش ونشر البلبلة الفكرية. لذلك أرى من واجبنا تقديم قائمة من الاقتراحات نأمل من أبناء شعبنا والحكومة الأخذ بها وهي كما يلي:
أولاً، نهيب بجماهير شعبنا عامة، و شريحة المثقفين بخاصة، أن ينتبهوا جيداً إلى ما يحاك ضدهم، ونبذ المخربين المندسين من البعثيين الدواعش وأشباههم في صفوفهم الذين غايتهم إفشال تظاهراتهم المشروعة، و اختطافها لتحقيق أغراضهم التدميرية. وأن يكونوا حذرين قبل إقدامهم على تأييد كل من هب ودب من الذين يقدمون اقتراحات وشعارات ظاهرها حق وباطنها باطل، يراد بها نشر التشويش وصب الزيت على النار المشتعلة. 
ثانياً، على الحكومة أن تعرف أن الشعب يمهل ولا يهمل، فخمسة عشر عاماً بعد سقوط الفاشية، ليست بفترة قصيرة، إذ مازال هناك تقصير فضيع في الخدمات، وكذلك تفشي الفساد المالي والإداري في جميع مرافق الدولة من القاعدة إلى القمة، ولم نسمع من السيد رئيس الوزراء الحالي، ولا الذي قبله إلا وعوداً بمحاربة الفساد والكشف عن الفاسدين ومحاكمتهم، لكن دون أخذ أي إجراء عملي مكشوف لتحقيق هذه الوعود. العراق بحاجة إلى قانون فضح الفاسدين (Name and shame)، والعمل الجاد لحل مشكلة نقص الخدمات وغيرها من المشاكل التي تمس حياة المواطن مباشرة.

ثالثاً، هناك اقتراح من خبراء مخلصين مفاده السعي الحثيث برفد مؤسسات الدولة وخاصة الكهرباء، بأصحاب الكفاءات والسمعة النظيفة لحل مشكلة الكهرباء وجعل الأسلاك الكهربائية تحت الارض، وكجزء من بنية تحتية متينة ومتماسكة وحتى يجد المخربون صعوبة في النيل من البنية التحتية، وكذلك الحال في توفير مياه الشرب، والخدمات الأخرى مثل الصحة والتعليم، والمواصلات وغيرها. وكذلك العمل على دعم وتشجيع القطاع الخاص باستخدام الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء للبيوت والمعامل والمؤسسات الحكومية، فهي طاقة متجددة ونظيفة.

رابعاً، هناك خبر عن تشريع مجلس النواب المنحل، لقانون جديد لامتيازات البرلمانيين قبل اشهر ولم يتم نشره في الجريدة الرسمية إلا في يوم 16 تموز 2018. وسمعنا أخيراً أن السيد رئيس الوزراء طالب المحكمة الاتحادية بإيقاف العمل بهذا القانون(2 و3). وفي حالة عدم استجابة المحكمة لهذا الطلب لأسباب قانونية، فعلى السلطة التشريعية القادمة إلغاءه. كذلك يجب تخفيض رواتب النواب، والوزراء والمسؤولين الكبار بما يتناسب مع إمكانية العراق في ظروفه الراهنة.
خامساً، العمل على بناء مشاريع تحلية المياه قبل فوات الأوان وخاصة في البصرة. لا شك أن هناك مقترحات أخرى كثيرة تخص الأزمة الحالية، من واجب الحكومة تبني بما يفيد منها وترجمتها إلى عمل مفيد.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب على موقع الأخبار
http://www.alakhbaar.org/home/for-the-author/?auid=17
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مفوضية حقوق الانسان تعلن اجمالي عدد المتوفين والمصابين منذ انطلاق التظاهرات
http://www.akhbaar.org/home/2018/7/246645.html
2 العبادي يطلب من المحكمة الاتحادية ايقاف العمل بقانون امتيازات النواب
http://www.akhbaar.org/home/2018/7/246627.html
3- الاتحادية: وقف تنفيذ احكام المواد المطعون بعدم دستوريتها بقانون مجلس النواب وتشكيلاته
http://www.akhbaar.org/home/2018/7/246664.html
 


58
ومتى كان العراق مستقراً؟
د.عبدالخالق حسين

بعد أن نشرتُ مقالي الأخير عن (منجزات ثورة 14 تموز 1958*)(1)، دار سجال في إحدى مجموعات النقاش التي لي شرف المشاركة فيها، بين مؤيدين ومعارضين له. وأرى أن هذا الجدل لا يخلو من فائدة، فمن خلاله نعرف ما يفكر به شريحة من المثقفين، وهو أشبه باستطلاع الرأي العام إلى حد ما. وأنا في الحقيقة أستفيد من الطرفين، وخاصة من المعارضين لأفكاري وكتاباتي، لأنهم يحفزونني للإجابة على اعتراضاتهم، إما كردود ضمن المجموعة، أو مقالات ليطلع عليها جمهور أوسع من القراء الكرام.
فمن المعترضين صديق يستغرب أني ما زلت أسمي ما حدث يوم 14 تموز 1958 ثورة، وهو يطلق عليه إنقلاب! ورغم أني أجبته بأسلوب علمي، مستشهداً بآراء مفكرين كبار أجانب مثل المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسن الذي قال: "أن الثورة العراقية هي الثورة الوحيدة في البلاد العربية"، وكذالك شهادة المؤرخ وعالم الاجتماع الأمريكي حنا بطاطو، الذي اعتمد على ما تلقت الثورة من دعم جماهيري واسع، وما حصل في العراق من تغييرات جذرية عميقة في بنية المجتمع العراقي، السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، التي ترافق الثورات وليس الانقلابات العسكرية، إلا إن كل هذه الأدلة والشهادات لم تزعزع موقف الأخوة قيد شعرة، وليس هذا بالأمر الغريب. ولا أريد هنا أن أقول المزيد في هذا الخصوص، إلا إني اتمنى عليهم قراءة مقال قديم لي حول هذا الموضوع بعنوان: (هل ما حدث يوم 14 تموز ثورة أَم انقلاب؟)(2)، أضع رابطه في الهامش، ففيه ما يكفي لكل من يرغب في البحث عن الحقيقة، وبعقل منفتح وليس بمواقف عاطفية منحازة.

ولكني أود الرد على اعتراض آخر قدمه أحد الأخوة، لأهميته، لأنه يتكرر بين حين وآخر من قبل آخرين على شكل مقالات في الصحافة الورقية والإلكترونية، مفاده أن العهد الملكي في العراق كان عهداً زاهراً ومستقراً، وواعداً بالخير والديمقراطية، وأن "المسلسل الدامي المؤلم ابتدأ منذ تموز 1958 في العراق ولَم يتوقف لحد الآن..". نسي هؤلاء الأخوة سامحهم الله، أن العهد الملكي لم يكن يوماً مستقراً إطلاقاً. وأشير عليهم بقراءة مقال سابق لي بعنوان: (هل حقاً كان العهد الملكي ديمقراطياً، واعداً ومستقراً؟)(3).

لذلك أرى من المفيد أن أعود إلى الموضوع، وفق مبدأ (في الإعادة إفادة!). فمن طبيعة البشر أنهم دائماً يحنون إلى الماضي، ورغم ما في هذا الماضي من آلام ومظالم، والسبب، أن متاعب ومشاكل العهد الجديد تنسيهم مآسي العهد السابق أو البائد، فيحنون إليه، ولكنه لو عاد لحاربوه، كما حاربوه في حينه. والمشكلة أنه عندما نذكرهم بمظالم العهد الملكي، يردون عليك بسرعة أنهم لم يقولوا أن رجال ذلك العهد كانوا ملائكة!! و بالطبع إننا عندما ننتقد أية حكومة لا نتوقع أن يكون رجالها ملائكة، ولكن التاريخ يؤكد أن حكام العهدي الملكي منعوا التطور التدريجي السلمي، وتمادوا في غيهم وأمعنوا في ظلمهم للجماهير المسحوقة وأحزابها الوطنية المعارضة رغم ادعاءهم بالديمقراطية. فالتطور السلمي هو صمام الأمان لمنع تراكم المشاعر بالظلم، والذي بدوره يصعِّد الضغط، وتيأس الجماهير وأحزابها الوطنية من الإصلاح السياسي بالوسائل السلمية، وبالتالي يؤدي إلى انفجار الجماهير والثورة المسلحة التي عادة تكون مصحوبة بالدماء والدموع والخسائر البشرية والمادية.
 
إن الذين يمجدون العهد الملكي، ويبررونه من الأخطاء القاتلة، بل وحتى من الجرائم، ناتج عن ضعف ذاكرتهم، و جهلهم بتاريخه، و بقوانين حركة التاريخ. فالثورات والانتفاضات المسلحة أشبه بالكوارث الطبيعية مثل الزلازل، والبراكين والأعاصير، لا تعرف المنطق، بل تحصل بدون فرمان من أحد، أو أنها ستؤدي إلى نتائج كارثية.

إذ لا يمكن مطالبة الشعب وأحزاب المعارضة بالسكوت على الظلم وعدم الثورة خوفاً من احتمال أن يكون البديل أسوأ، لأن الأمور مقرونة بأوقاتها، وليس من حق أبناء جيل اليوم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أن ينتقدوا جيل الخمسينات من القرن الماضي، فلكل جيل أفكاره وتطلعاته ، و طموحاته وفق ظروف المرحلة التاريخية. فاحتمال الفشل موجود دائماً في جميع الحركات الثورية والانتفاضات الشعبية في التاريخ.

إن مطالبة الناس بالخنوع للمظالم خوفاً من الفشل والعواقب الوخيمة، يفندها منطق التاريخ. هذا الموضوع ناقشه عالم الاجتماع الراحل علي الوردي في كتابه (منطق إبن خلدون). وإبن خلدون هذا كان ضد الثورات إلا الناجحة منها. ويحاجج الوردي موقف إبن خلدون من الثورات قائلاً: "لو اتبع الثوار هذا المبدأ الخلدوني منذ قديم الزمان لما ظهر في الدنيا أنبياء ولا زعماء ولا مصلحون، ولصار الناس كالأغنام يخضعون لكل من يسيطر عليهم بالقوة، حيث يمسي المجتمع بهم جامداً يسير على وتيرة واحدة جيلاً بعد جيل." (الدكتور علي الوردي، منطق إبن خلدون، دار كوفان، ط2، سنة 1994، ص216).

وهل حقاً كان العهد الملكي مستقراً؟
يخبرنا التاريخ بأن العراق لم يعرف الاستقرار في جميع مراحل تاريخه منذ كتابة التاريخ وإلى يومنا هذا، وبالأخص في العهد الملكي. فالشعب العراقي معروف بصعوبة حكمه، وهناك مقولات مشهورة كثيرة في هذا الخصوص، ذكرناها في مقالات سابقة. فالشعب في العهد الملكي كان في حالة غليان وانتفاضات شعبية، ووثبات وطنية، وانقلابات عسكرية، إذ حصل فيه نحو 8 انقلابات وانقلابات مضادة، أشهرها حركة مايس 1941 التي تُعرف خطأً بحركة رشيد عالي الكيلاني، وغيرها. وأغلب الانتفاضات الشعبية والمظاهرات الاحتجاجية السلمية كانت تقمع بمنتهى القسوة من قبل الجيش والشرطة، يذهب ضحيتها المئات، وأحياناً الألوف كما حصل في المجزرة التي ارتكبها الفريق بكر صدقي ضد الآثوريين، والتي راح ضحيتها نحو 30 ألف. كذلك تم قصف انتفاضات العشائر بالطائرات. وحتى الإضرابات العمالية مثل إضراب عمال الموانئ في البصرة، وعمال النفط في كركوك التي عُرفت بمجرة (كاور باغي)، لم تسلم من المجازر. أما الانتخابات البرلمانية فكانت تزيَّف جهاراً نهاراً، وبشهادة حتى رجال العهد الملكي. أما البرلمان، فدورة برلمانية واحدة فقط أكملت مدتها الدستورية أربع سنوات، إذ كلما كان يأتي رئيس وزراء جديد يقوم بتعطيل البرلمان ويعلن انتخابات جديدة، وكان 50% من عمر العهد الملكي تحت الحكم العرفي العسكري، كما تم تسقيط جنسيات سياسيين وطنيين لا لشيء إلا لأنهم معارضين للسطة، وتم تهجير مواطنين عراقيين إلى إيران بتهمة التبعية، وقائمة جرائم العهد الملكي طويلة. باختصار، إن جميع الجرائم التي ارتكبها حكم البعث الصدامي الفاشي كانت لها جذور وأسبقية في العهد الملكي.

وبناءً على كل ما سبق من جرائم العهد الملكي، من حقنا أن نسأل، في أي وقت كان العراق مستقراً ليقولوا أن "المسلسل الدامي المؤلم ابتدأ منذ تموز 1958 في العراق ولَم يتوقف لحد الآن.."

نعم، إن ثورة 14 تموز قد بدأت كإنقلاب عسكري، وهو واحد من تلك الإنقلابات التي كانت تحصل في العهد الملكي، ولكنه اختلف عن غيره من الانقلابات بفضل قيادته الوطنية المخلصة، وبرنامجه الإصلاحي الذي أعدته اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار، ولكنه بعد ساعة من إعلان البيان الأول من اذاعة بغداد، خرجت الجماهير المليونية من أقصى العراق إلى أقصاه، وبكل مكوناته، فحولت الإنقلاب إلى ثورة شعبية عارمة، وهذا التأييد الجماهري الواسع كان عبارة عن تصويت أضفى الشرعية على الثورة والعهد الجمهوري الجديد، وكذلك ما تحقق بعد ذلك اليوم من إنجازات كبيرة وكثيرة تؤكد ثورية الحدث(1).

لذلك نؤكد ثانية، أن ما يجري في العراق اليوم من عدم الاستقرار هو استمرار للحالة السائدة منذ العهد الملكي، وله علاقة وثيقة بطبيعة الشعب العراقي، وتركيبته الديموغرافية، وثقافته الاجتماعية الموروثة، وتراكم المظالم، والتي تحتاج إلى دراسات علمية رصينة، وليس إلى تدبيج البكائيات واللطميات والمناحات، و إطلاق الاتهامات الباطلة، والمقالات التضليلية.
وخير من درس المجتمع العراقي هو العلامة على الوردي. فقد كشف الرجل الكثير من العيوب و الأمراض الاجتماعية لهذا الشعب ونقائصه، لذلك تعرض إلى النقد الشديد من قصيري النظر، واتهموه بأنه يريد وهن هذا الشعب. فرد عليهم قائلاً:
((إن الشعب الذي لا يعرف نقائصه ولا يدرك مكامن الضعف في نفسه لا يسهل عليه أن يكون قوياً إزاء أعدائه. والعدو الكامن في داخل النفس ربما كان أشد خطراً من العدو المتربص لها في الخارج. إننا إذا ألقينا في روع الشعب بأنه شعب كامل ثم صدق الشعب بما نقول له، كان ذلك من أسباب الغرور فيه، ولعله سيندفع بغروره بما ينفع الأعداء ويفتح لهم في صفوفه ثغرة ينفذون منها إلى الاعتداء عليه مرة أخرى. لقد ذهب زمان الغرور الشعبي كما ذهب زمان الغرور القومي قبله. ويؤسفنا أن نرى الناس بالأمس يتهموننا بـ"الشعوبية" لأننا كنا لا نجاريهم في غرورهم القومي، واحسبهم اليوم يتهموننا بـ"الرجعية" لأننا لا نجاريهم في غرورهم الشعبي.)) (علي الوردي، الأحلام بين العلم والعقيدة، دار كوفان، لندن، ط2، 1994، ص 329-330).

ولعل أشد نقد للشعب العراقي وعن فهم عميق، جاء من الملك فيصل الأول في مذكرته عام 1932م التي عممها على عدد محدود من رجال الحكم المحيطين به، ذكر فيها الكثير من المشاكل من أجل أن يجدوا حلولاً ناجعة لها. وفيما يخص الشعب العراقي فقد قال الملك: "وفي هذا الصدد أقول وقلبي ملآن أسى: إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء، ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتقاض على أي حكومة كانت، فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه وندربه ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف، يجب أن يعلم أيضاً عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل. هذا هو الشعب الذي أخذت مهمة تكوينه على عاتقي… " (عبد الرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي، ج1، ص12).
ولكن لسوء حظ الشعب العراقي أن الملك فيصل الأول مات بعد ثلاثة أشهر من كتابة هذه المذكرة، فترك المجال للسياسيين من خريجي المدرسة العثمانية الذين طبقوا سياسة الحكم التركي العثماني في التمييز الطائفي واضطهاده، ليسوموا الشعب سوء العذاب، ويوقفوا التطور السلمي، فكان ما كان.

والسؤال هنا: ما الذي تغير منذ كتابة هذه المذكرة قبل 86 سنة وإلى الآن؟ بل أرى هذا الشعب مازال ممزقاً ومنقسماً على نفسه "إلى كتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية"، بتقسيمات دينية وطائفية وأثنية، وأحزاب سياسية متناحرة. هذا الوضع ليس بجديد، لكي يحمِّلوا ثورة تموز وزرها، إذ كان على أشدها في العهد الملكي، وكانت أية مظاهرة جماهيرية سلمية تقابل بالنار والحديد.

خلاصة القول، إن ما يجري اليوم من عدم الاستقرار هو نتاج تركيبة الشعب العراقي، وثقافته الاجتماعية الموروثة (culture)، والمظالم الشديدة التي تعرض لها عبر قرون على أيدي الحكام الطغاة في مختلف مراحل التاريخ. ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن فترة حكومة ثورة 14 تموز كانت من أعدل وأخلص الحكومات، وأوسعها شعبية، وأقربها إلى الشعب العراقي في تاريخ العراق القديم والحديث، وقدمت منجزات للشعب أكثر من أية حكومة في تاريخ العراق القديم والحديث. أما الزعيم عبدالكريم قاسم فباعتراف العديد من المفكرين، وحتى من أعدائه الذين تآمروا عليه، كان أعدل وأنزه وأخلص وأنظف حاكم عرفه العراق في تاريخه الحديث، بل وحتى في تاريخه القديم إذا ما استثنينا الإمام علي. بل وحتى المجرم صدام حسين اعترف أخيراً بوطنية وإخلاص عبدالكريم قاسم للعراق(4).
ولذلك تكالبت الدنيا على الثورة وقيادتها الوطنية المخلصة. والآن يسعون لتشويه صورتها أمام الجيل الجديد والأجيال القادمة، ولكن هيهات، إذ لا يمكن حجب الشمس بالغربال كما يقولون.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبدالخالق حسين: منجزات ثورة 14 تموز 1958*
http://www.akhbaar.org/home/2018/7/246392.html
د. عبدالخالق حسين: هل ما حدث يوم 14 تموز ثورة أَم انقلاب؟
http://www.akhbaar.org/home/2012/07/132954.html
2- د.عبدالخالق حسين:  هل حقاً كان العهد الملكي ديمقراطياً، واعداً ومستقراً؟
http://www.akhbaar.org/home/2017/7/231226.html
3- صدام حسين في تسجيل سري يوضح تفاصيل ألعملية التي قام بها لاغتيال ألزعيم عبدالكريم قاسم ويمدحه
https://youtu.be/GVDNiTLfebQ


59
منجزات ثورة 14 تموز 1958*
د.عبدالخالق حسين

مقدمة

تمر علينا هذه الأيام الذكرى الستون لثورة 14 تموز العراقية المجيدة، وهي بحق كانت ثورة الشعب والجيش، الثورة التي رحب بها كل الشعب، وحققت الكثير من المكتسبات والمنجزات في عمرها القصير، أربع سنوات ونصف، ضعف ما أنجزه العهد الملكي خلال 38 سنة. لذلك تكالبت عليها الدنيا من الداخل والخارج، ووظفوا لها حزب البعث الفاشي لضربها كرأس حربة لما اتصف به من شراسة وعدوانية إلى أن اغتالوها يوم 8 شباط 1963 الأسود، فأدخلوا العراق في نفق مظلم لم يخرج منه إلى الآن. وقد حاول حتى الذين رحبوا بها أول الأمر، بإلقاء اللوم على الثورة اليتيمة، أنها هي سبب فتح المجال للانقلابات العسكرية وحكم العسكر، والذي مهد لمجيء البعث الصدامي، وأنه كان من الممكن أن يتطور العراق بدون الحاجة إلى الثورة.

يدعي هؤلاء أن العهد الملكي كان عهد استقرار وأمان، وديمقراطية والحياة البرلمانية. في الحقيقة كان العهد الملكي عهد الانقلابات والانقلابات المضادة، والأحكام العرفية، والانتفاضات الشعبية، إلى أن تكللت بثورة 14 تموز المجيدة.

إن منطق الذين يحمِّلون ثورة تموز بما حصل من كوارث بسبب انقلاب 8 شباط  1963 وما تلاه من انقلابات ومصائب، لا تؤيدها قوانين حركة التاريخ. فالثورات لا تحدث بفرمان من أحد، بل تحدث إذا حصل تناقض بين البنية الفوقية (السلطة)، والبنية التحتية (الطبقات الاجتماعية)، عندئذ لا بد وأن يحصل الانفجار، وبغض النظر عن النتائج.

وفي هذه الخصوص يقول المفكر الأمريكي بيتر ف دركر (Peter F. Drucker) في كتابه القيم (القطيعة مع الماضي): "أن الثورة لا تقع ولا تصاغ ولكنها (تحدث) عندما تطرأ تغييرات جذرية في الأسس الاجتماعية تستدعي (إحداث) تغييرات في البنية الفوقية تتماشى مع (التغييرات) التي حدثت في أسس البنية المجتمعية، فإن لم يُستَبقْ إلى هذه الأحداث تنخلق حالة من التناقض بين القواعد التي تتغير، وبين البنية الفوقية التي جمدت على حالة اللاتغيير. هذا التناقض هو الذي يؤدي إلى الفوضى الاجتماعية التي تقود بدورها إلى حدوث الثورة التي لا ضمانة على أنها ستكون عملاً عقلانياً ستثمر أوضاعاً إنسانية إيجابية".
لقد لعب نوري السعيد الذي تبوأ رئاسة الحكومة 14 مرة، دوراً رئيسياً في العهد الملكي في خلق عقبة كأداء أمام تطور البنية الفوقية (السلطة)، إذ كان يحكم حتى في الفترات التي لم يكن فيها هو رئيساً للحكومة. وعلى سبيل المثال، في الانتخابات البرلمانية عام 1954، حصلت أحزاب المعارضة الوطنية على 11 مقعد فقط من مجموع 131 مقعداً، وكان رئيس الوزراء آنذاك أرشد العمري. فلم يتحمل نوري السعيد هذا العدد القليل من نواب المعارضة، فما كان منه إلا و أن قام بانقلاب القصر على زميله العمري، بعد 24 ساعة من افتتاح البرلمان بخطاب العرش، فعطل البرلمان، وأعلن الأحكام العرفية (حالة الطوارئ)، وألغى الأحزاب ومنظات المجتمع المدني، وأغلق الصحف إلا تلك المؤيدة للسلطة، وشكل الحكومة برئاسته. ولهذا السبب وعشرات الأسباب غيرها، يئِست المعارضة الوطنية من أي أمل في الإصلاح والتغيير بالوسائل السلمية. وعليه حصل الانفجار، والمسؤول عنها هم أولئك الذين رفضوا التغيير السلمي. ومن يرغب في الإطلاع على المزيد عن أسباب الثورة يرجى فتح الرابط  في الهامش(**). فالغرض من هذا المقال المعاد، هو تذكير القراء الكرام بما أنجزته الثورة خلال عمرها القصير.
****
منجزات الثورة
إننا ننظر إلى إنجازات الثورة بالإرتباط إلى ما حققته من تحولات كبيرة في المجتمع العراقي وبقيت تأثيراتها حتى اليوم رغم الثورات المضادة، نلخص أهمها كما يلي:

اولاً- المنجزات السياسيةً الداخلية:
1-إلغاء الملَكية وإقامة النظام الجمهوري.
2- تفجير الوعي السياسي لدى الجماهير الشعبية الواسعة التي كانت محرومة من المساهمة في النشاطات السياسية، وبذلك رفع مستوى الوعي لدى الجماهير بحقوقها وواجباتها الوطنية، وانغمرت في نشاطات الأحزاب السياسية. وإطلاق السجناء السياسيين، وحرية التعبير والتفكير والعمل النقابي والسياسي والثقافي وشكل واسع منقطع النظير..الخ
3- تعزيز الإستقلال السياسي، حققت الثورة الحفاظ على كيان العراق السياسي، واستقلاله الناجز وسيادته الوطنية الكاملة، وإلغاء جميع المعاهدات الإستعمارية الجائرة والمخلة بالسيادة الوطنية.
4- في مجال الوحدة الوطنية وحقوق القوميات: التأكيد على شراكة العرب والأكراد في الوطن العراقي. وهذا ما أكد عليه الدستور المؤقت (المادة الثالثة) ولأول مرة في تاريخ العراق، مع ضمان حقوق جميع القوميات الأخرى في المواطنة الكاملة.
5-ألغت الثورة سياسة الانحياز نحو الغرب والأحلاف العسكرية التي سار عليها النظام الملكي، والتي أدت إلى إضعاف العراق عسكرياً، لأن الدول الغربية لم تجهز العراق بالسلاح خلال تلك الفترة حيث كشفت ثورة 14 تموز بأن العراق لم يكن يملك حتى شبكة رادار بالرغم من كونه عضواً في حلف بغداد. أما سياسة الحياد التي سار عليها النظام الجمهوري فقد أدت إلى حصول العراق على الأسلحة من كلا المعسكرين الشرقي والغربي.
 6- صدور قانون الجمعيات عام 1961، والذي بموجبه أجيزت ما يقارب من 700 جمعية. وإجازة الأحزاب السياسية المؤمنة بالديمقراطية.
7-ألغت الأبعاد الطائفية والعرقية من ممارسات الدولة الرسمية، ووضعت الأسس لإلغاء التمييز الطائفي في العراق، تلك السياسية التي مورست خلال الحكم العثماني واستمر عليها العهد الملكي.
8- اعتماد وتعزيز مقومات الهوية الوطنية العراقية.

ثانياً- في السياسة العربية والمواقف القومية:
 1- توقيع معاهدات ثقافية واقتصادية وعسكرية مع الجمهورية العربية المتحدة. والعمل على تقوية التضامن العربي وتنشيط دور العراق ضمن مؤسسات الجامعة العربية.

2- دعم حركات التحرر الوطني العربية، منها، دعم الثورة الجزائرية وتخصيص مليوني دينار سنوياً من الميزانية لها، وكان هذا مبلغاً كبيراً في وقته إذ كان يشكل نسبة 2% من الميزانية العراقية. وكان العراق أول دولة تعترف بميلاد الجمهورية الجزائرية. كما أجزلت حكومة الثورة في دعم ثورة ظفار، ومساعدة الإمارات العربية في الخليج قبل تراكم الثروة النفطية عندهم. ودعم نضال الوطنيين اللبنانيين ضد حكومة كميل شمعون والتدخل الأمريكي.

3- تأسيس جيش التحرير الفلسطيني. فسح المجال أمام الشباب الفلسطيني للتدريب والعمل في الجيش العراقي ومعاهده. كما وأقترح قائد الثورة الزعيم عبدالكريم قاسم، تأسيس الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية التي كانت تحت حكم الأردن، وقطاع غزة الذي كان تحت حكم مصر آنذاك. فعارضه بشدة الحكام العرب وعلى رأسهم الرئيس جمال عبد الناصر. ولو تحقق هذا الإقتراح وتأسست الدولة الفلسطينية آنذاك، لكانت تحظى بالإعتراف والشرعية الدولية، ولما استطاعت إسرائيل إحتلالها عام 1967 وإلغاءها كدولة، ولما حصل ما حصل من كوارث فيما بعد.

ثالثاً: في السياسة الخارجية:
1-لقد حررت ثورة 14 تموز 1958 سياسة العراق الخارجية من كل سلطان وتوجيه خارجي، وأصبحت لا تستهدف إلا مصلحة العراق ومصلحة العرب والحرية والسلام في العالم.
 
2-الإنسحاب من الأحلاف العسكرية، وإقامة العلاقات المتوازنة مع التكتلات الإقليمية والدولية والأفرو-آسيوية. حيث تم الإنسحاب من حلف بغداد يوم 24 آذار 1959. وفي الحقيقة أعتبر الحلف ميتاً من أول يوم الثورة. أما تأخير الإعلان الرسمي فكان لأغراض سياسية وتكتيكية لصالح العراق، منها مثلاً، ضمان عدم تدخل دول الحلف ضد الثورة، وبالأخص بعد الإنزال الأمريكي في لبنان والبريطاني في الأردن بعد أيام من تفجير الثورة لوأدها والقضاء على الجمهورية الفتية. ولضمان اعتراف دول الحلف بحكومة الثورة وبالنظام الجمهوري في العراق. وعدم قطع العلاقة بدول الجوار. كذلك كتكتيك ذكي من الزعيم قاسم ورغبة حكومة الثورة في استمرار الحصول على الأسلحة من الدول الغربية. حيث ذكر الزعيم في 20 آب 1958: " إن المساعدات العسكرية الأمريكية ستصل في الأسبوع القادم، وإن مبدأنا أن نكون أصدقاء مع دول العالم لذلك لا يوجد سبب لرفضه" (أنظر صحيفة الجمهورية، العدد 31، التاريخ 21 آب 1958، بغداد).
كذلك إن تجميد نشاطات العراق في الحلف منذ اليوم الأول للثور أعتبر بمثابة الانسحاب منه، وعدم رغبة العراق في إثارة الحكومة البريطانية ضدها وخلق المشاكل السياسية والاقتصادية لها عن طريق شركات النفط والأرصدة العراقية هناك. (ليث الزبيدي، ثورة 14 تموز 1958، ص330-331.)
3- ساهم العراق بدور فعال في تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، والذي صار سلاحاً ماضياً لحماية حقوق الدول النفطية.
4-توقيع معاهدة صداقة مع الإتحاد السوفيتي والدول الإشتراكية.

رابعاً:- إجتماعياً:
1-إلغاء العلاقات الإقطاعية، وإلغاء قانون حكم العشائر الذي كان يخوِّل شيوخ الإقطاع بحسم القضايا الجزائية في مناطقهم، وهو قانون سنه الإنكليز لإرشاء شيوخ العشائر ومن أجل كسب ولائهم. كان سكان الأرياف يشكلون حوالي 70% من الشعب. وبذلك فكانت سلطة القضاء محصورة على المدن فقط دون سكان الأرياف الأمر الذي كان له مردود سلبي على تطوير الريف حضارياً.
2-إصدار قانون الإصلاح الزراعي وإلغاء الإقطاع. وهذا بحد ذاته ثورة اجتماعية لصالح الملايين من الفلاحين الفقراء.
3-قامت الثورة بتشريع قانون الأحوال الشخصية، الذي بموجبه أعاد الإعتبار للمرأة العراقية التي كانت مسحوقة في جميع الأزمنة ما قبل الثورة. وأقر القانون مساواتها بالرجل في الميراث، وشهادتها في المحاكم تعادل شهادة الرجل، كذلك مسألة تعدد الزوجات في صالح المرأة. وبذلك أعادت الثورة للمرأة اعتبارها كإنسانة لها كرامتها وشعورها بآدميتها، وفسح المجال أمامها لتلعب دورها الكامل في بناء الأسرة والمجتمع ومساواتها بأخيها الرجل في الحقوق والواجبات. 
4-نشر التعليم. لقد أزداد عدد المدارس والمعاهد العلمية وعدد الطلبة والمدرسين خلال أربع سنوات ونصف السنة من عمر الثورة إلى ضعف ما حققه النظام الملكي خلال 38 عاماً. إضافة إلى إرسال آلاف الطلبة إلى الخارج في بعثات دراسية في مختلف المجالات العلمية اللازمة لبناء الركائز الإقتصادية وإدارتها وإدامتها وخاصة المرافق النفطية.
5-تبنت الثورة سياسة العدالة الإجتماعية على المستوى الطبقي والجغرافي حيث عممت المشاريع  في كافة ميادين النشاط الإجتماعي والمدن العراقية.
6- قللت من الفوارق بين المدينة والريف وتعزيز الصلة بينهم.

خامساً: إقتصادياً:
1-تحرير النقد العراقي من الكتلة الإستريلينية. وتعتبر هذه الخطوة من أهم الخطوات في تحرير الإقتصاد العراقي من قيود التبعية البريطانية. فبدلاً من الإعتماد على الإسترليني ومشاكله في تذبذب قيمته في أسواق العملة كرصيد احتياطي للدينار العراقي، اعتمدت العملة العراقية في عهد الثورة على تنوع الأرصدة، من الذهب والدولار، وعملات صعبة أخرى مما قوى قيمة الدينار العراقي، خاصة في فترات تعويم الإسترليني الذي انخفض إلى نصف قيمة الدينار العراقي.

2-إلغاء الإمتيازات البترولية في الأراضي العراقية ما عدا المناطق المستغلة فعلاً. فأصدرت حكومة الثورة قانون رقم 80 لعام 1961 فحررت بموجبه 99.5% من الأراضي العراقية من سيطرة الشركات النفطية العالمية. وهذا بحد ذاته يعتبر ثورة حررت العراق من شكل آخر من الإستعمار. وبذلك وضعت الأسس القوية لتأميم الثروة النفطية في وقت لاحق. كما وسنت حكومة الثورة قانون تأسيس شركة النفط الوطنية، ويقال إن لائحة القانون هذا قد عجَّل في إغتيال الثورة، وكان مع الزعيم عبد الكريم قاسم إثناء إعدامه يوم 9 شباط 1963. كما وأرسلت الحكومة آلاف البعثات الدراسية إلى الخارج وخاصة في مجال هندسة النفط، الأمر الذي سهل تأميم النفط فيما بعد. فلم تهتم السلطة في العهد الملكي بتدريب كوادر عراقية في مجال النفط.

3- إبرام التعاون الإقتصادي مع الإتحاد السوفيتي وبموجبه أنشأ العراق الكثير من المؤسسات الإقتصادية، مثل مد الخط العريض بغداد- بصرة.، معمل الزجاج في الرمادي، معمل الأدوية في سامراء، معمل الجلود في الكوفة، معمل التعليب والألبان في كربلاء، معمل الورق في البصرة وغيره كثير.
4- بناء ميناء تجاري عميق في أم قصر، والميناء العميق لتصدير النفط في شمال الخليج، 25 ميلاً جنوب مصب شط العرب. وبذلك حقق توسعاً في مياهنا الإقليمية في الخليج ووسع من صادراتنا النفطية. ولم يسمِ قاسم أي من الميناءين بإسمه، ولما جاء البعثيون إلى السلطة عام 1968، سمّوا المناء العميق بميناء البكر، ومدينة الثورة في بغداد والتي بناها قاسم أيضاً بمدينة صدام.
وتحقق الكثير في الإزدهار الإقتصادي في عهد الثورة وذلك لإعتماد الزعيم عبد الكريم قاسم على خيرة الكفاءات الوطنية المخلصة والمتحمسة لخدمة الوطن وتطبيقاً لمبدأ: (الشخص المناسب في المكان المناسب) بدون أي تمييز. ويشهد يذلك باحثون أجانب مثل حنا بطاطو الذي يقول: "ومما له مغزى أن أصحاب المصانع لم يعرفوا إزدهاراً كالذي عرفوه في عهد عبد الكريم قاسم (1958-1963)، الذي كانت سياساته الإقتصادية والمالية موحى بها - إلى درجة غير قليلة- من الوطنيين الديمقراطيين، وبدقة أكبر، من محمد حديد الذي كان له في تلك السنوات نفوذه في الحكومة حتى عندما كان خارجها".( راجع بطاطو، المصدر السابق ج1، ص346.)
وبشهادة حسن العلوي في كتابه (عبدالكريم قاسم رؤية بعد العشرين)، أن الزعيم عبد الكريم قاسم قد نجح في تنفيذ 17 هدفاً من مجموع عشرين من أهداف الثورة التي اتفقت عليها اللجنة العليا للضباط الأحرار كما ذكرها اللواء الركن محسن حسين الحبيب، عضو اللجنة، وهو من مناوئي قاسم منذ الأيام الأولى للثورة، في كتابه (حقائق عن ثورة 14 تموز في العراق). وبأسلوب الإختبار المدرسي، يتوصل العلوي إلى أن الزعيم قاسم يستحق 85 درجة بالمائة في هذا الإمتحان. وهذه درجة إمتياز.

لقد فشل الزعيم عبد الكريم قاسم في تحقيق ثلاثة أهداف:
1- الوحدة العربية (ولم تكن الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة ضمن أهداف الثورة، إلا في حالة تعرض الجمهورية العراقية إلى خطر هجوم خارجي)(نفس المصدر).
2- فشل في تأسيس نظام  ديمقراطي. ولم يكن هذا ذنبه، وسنأتي على هذا الموضوع في فصل خاص من هذا الكتاب لاحقاً.
3- كذلك فشل في حل القضية الكردية، والذي خصصنا له فصلاً خاصاً أيضاً نظراً لأهميتيه.

وإنصافاً للرجل وللتاريخ، فالأهداف التي فشل في تحقيقها الزعيم عبدالكريم قاسم خلال 4 سنوات ونصف السنه من حكمه الحافل بالمؤامرات والغليان، فشلت جميع الحكومات القومية العروبية التي ساهمت بإغتياله، والتي حكمت العراق من بعده منذ إغتياله يوم 9 شباط 1963 ولحد عام 2003 عام سقوط الصنم البعثي، أي خلال ما يقارب الأربعين عاماً. ليس هذا فحسب، بل وصارت مفردات القومية والوحدة العربية والديمقراطية في عهد حكم العروبيين من الممنوعات في العراق الذي أعادوه إلى مرحلة ما قبل القومية، حيث أحيوا فيه روح القبلية والمناطقية وحكم العشيرة والأسرة. أما القضية الكردية فقد اعتمد هؤلاء الحكام في حلها على اسلوب إبادة الجنس مثل عمليات الأنفال والغازات السامة في حلبجة، والحروب الداخلية وغيرها، وتدمير أكثر من خمسة آلاف قرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
* هناك قائمة طويلة بالمنجزات نشرت على مواقع الانترنت بوم 13 تموز 2018، وهذا رابطها:
منجزات الزعيم عبدالكريم قاسم خلال فترة حكمه
http://www.akhbaar.org/home/2018/7/246337.html

** عبدالخالق حسين: أسباب ثورة 14 تموز 1958
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=%20267069


60
العراقيون ضحية مثالياتهم
د.عبدالخالق حسين

لا شك أن تعليقات الأصدقاء والقراء الكرام تشكل مصدراً مهماً لأفكار تحفز الكاتب على كتابة المزيد من المقالات. ومن التعليقات على مقالي الأخير الموسوم (ذكاء العراقيين المدمر)(1)، كتب لي صديق، لعب دوراً نضالياً مشرفاً في إسقاط نظام العهر والفاشية، قائلاً: (وتعقيبا على الأفكار التي كتبنا عنها حول طبيعة العراقيين وجدتُ هذه المقولة لفولتير بالإنكليزي:
"Don't allow the perfect to be the enemy of the good" أي (لا تسمح للمثالي أن يتحول إلى عدو للجيد). ويضيف الصديق: "ونحن كعراقيين كم مرة ذبحنا، أو أحيانا وأدنا العمل (في باكورة إنتاجه) أو الجهد الجيد من أجل فكرة مثالية".
في الحقيقة أنا كتبت في الأعوام الماضية عدة مقالات بهذا المعنى مثل مقالي الموسوم: (شاف القصر هدَّم كوخه) وغيره (2، 3، 4)

لقد لخص الصديق باقتدار، مأساة العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وإلى الآن.
فكلنا نعرف أن العراق قبل الحرب العالمية الأولى كان خرائب وأنقاض، وأغلب مدنه، رغم قلتها، كانت أقرب إلى قرى عشوائية واسعة منه إلى مدن. أما بغداد، وكما نشاهد من صورها التاريخية قبل وبعد سقوط الدولة العثمانية مباشرة، فهي الأخرى كانت عبارة عن قرية مترامية الأطراف ليس فيها أي شارع حديث إلا شارع واحد الذي بناه آخر ولاة العثمانيين، وهو خليل باشا، وسمّاه باسمه، والذي أُطلِقَ عليه فيما بعد بـ(شارع الرشيد.)

فلما دخل الإنكليز بغداد عام 1917 وطردوا الأتراك من العراق، واجهوا حرب الجهاد من العراقيين دفاعاً عن الاحتلال التركي العثماني "المسلم"، ضد الاحتلال الانكليزي "الكافر"، ثم ثورة العشرين الوطنية، التي على أثرها اضطر الانكليز إلى تأسيس الدولة العراقية و بحمايتهم، وجلبوا لها الأمير فيصل بن الحسين من الحجاز ونصبوه ملكاً، والذي صوت عليه معظم قادة ثورة العشرين.

لقد واجه جميع من في السلطة الجديدة من عراقيين، وإنكليز، حجم الخراب البشري، والمادي، الموروث المتراكم منذ عزو هولاكو عام 1258 وإلى عام 1921، عام التأسيس، فالشعب الذي قدروا تعداده نحو ثلاثين مليون نسمه في العهد العباسي، بقي منه نحو مليونين أو أقل عند طرد الأتراك. وهذا يعني أن الشعب العراقي كان على وشك الانقراض لولا تحريره من الاستعمار التركي المتخلف. وقد حاول المسؤولون آنذاك بناء دولة حديثة من هذا الخراب الشامل الذي استمر نحو ثمانية قرون.

بطبيعة الحال لم تكن الدولة الوليدة مثالية، ولا يمكن أن تكون كذلك وسط الخراب الشامل، ولكنها كانت بداية مقبولة، بل وحتى جيدة حسب ظروف المرحلة القاسية آنذاك. إلا أن أغلب العراقيين المتشبعين بثقافة "المثالية"، وخاصة تلك التي تلقوها من رجال الدين، و وعاظ السلاطين، لم يوافقوا على وجود الانكليز في العراق، أو أية علاقة ارتباط معهم، بل أصروا على الاستقلال التام، ورحيل آخر جندي بريطاني، في وقت لم تتوافر فيه للعراقيين إمكانية إدارة دولة، وحمايتها من أي عدوان خارجي، ولا حتى حماية أنفسهم من أنفسهم.

لذك راحت الانتلجنسيا العراقية، المدنية والدينية، تحرض العراقيين ضد ما تحقق لهم، وبالأخص ضد النظام الملكي الذي جعلوا منه رمزاً للشر المطلق، و يمكن اختصار هذا التحريض ببيت شعر من إحدى قصائد شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري الذي قال:
أنا حتفُهم ألج البيوت عليهمُ---- أّغري الوليدَ بشتمهم والحاجبا
وهكذا كانت جل قصائد الجواهري، وقصائد أغلب الشعراء الآخرين، وكتابات الكتاب، وخطابات الخطباء من هذا النوع التحريضي، يصب حمماً على جميع رجالات العهد الملكي. وكذلك موقف المعارضة الوطنية، والشخصيات الدينية، بالأخص الشيعية، فصار العراقيون، وبتأثير تلك الثقافة، ينظرون إلى العهد الملكي كنظام معادي للشعب، وعميل للاستعمار البريطاني والأمريكي، لذلك صارت عندهم إزالته من أقدس الواجبات الوطنية!

وبسبب هذه الثقافة المتشبعة بالمثالية المفرطة، حُرِّمَ العهد الملكي من أي استقرار، حيث واجه الانتفاضات الشعبية، والوثبات الوطنية، والانقلابات العسكرية، الناجحة والفاشلة، إلى أن تكللت نضالات الشعب بثورة 14 تموز عام 1958، التي بدأت كانقلاب عسكري، ولكن بعد أقل من ساعة خرجت جماهير الشعب من أقصى العراق إلى أقصاه في تظاهرات جماهيرية صاخبة مؤيدة بمنتهى الحماس، فأحالت الانقلاب العسكري إلى ثورة شعبية حقيقية، وهذه التظاهرات المليونية كانت عبارة عن تصويت على شرعية الثورة وقيادتها.

ولحسن حظ الشعب العراقي أن قائد الثورة، الزعيم عبدالكريم قاسم، كان في منتهى الوطنية والعقلانية والرحمة، وضد العنف، وشكل الحكومة من الأحزاب الوطنية، ولكن مع ذلك، لم يستمر شهر العسل بين تلك القوى وقيادة الثورة أكثر من سنة، حتى وبدت المثاليات والأحلام الطوباوية تلعب دورها المدمر في تمزيق القوى السياسية، ومناهضتها لحكومة الثورة، لأن الأخيرة لم تكن "مثالية" بما فيه الكفاية، وحسب مواصفاتهم الأيديولوجية. فرغم أن الثورة حققت للعراق مكاسب كبيرة لا تُقدَّر خلال أربع سنوات ونصف السنة من عمرها القصير بما يعادل ضعف ما حققه العهد الملكي خلال أربعة عقود، وكان الزعيم قد هيأ لكتابة الدستور الدائم، وإجراء انتخابات برلمانية، لافتتاح البرلمان في الذكرى الخامسة للثورة، كما وبذل الزعيم قصارى جهوده لمنع أعمال العنف الجماهيري، وحذرهم من مغبته وعواقبه، ودعى القوى السياسية إلى وحدة الصف، وحماية مكتسبات الثورة، إلا إن كلماته وقعت على أذن صماء، فنجحت جهود أعدائهم في اغتيال الثورة وقيادتها الوطنية المخلصة. وهكذا دمروا الجيد الممكن لأنه في رأيهم دون المثاليات التي لا يمكن تحقيقها إلا في خيالات الطوباويين الحالمين.

ولكن هل كانت مثاليات هؤلاء السياسيين العراقيين موحدة ومتجانسة؟ الجواب كلا، فلكل فئة مثاليتها الخاصة بها، ومتضاربة مع مثاليات الفئات الأخرى. فمثالية القوميين العروبيين والبعثيين كانت تعني إلغاء الجمهورية العراقية، و ضمها إلى الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)، وهم يرددون (وحدة ما يغلبها غلاب)، أما مثاليات الشيوعيين فكانت (حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي)، و مثاليات الإسلاميين، وعلى ضعفهم حينئذ: (حكم إسلامي)، وتطبيق نظام (الحاكمية لله) السنية، ولم تكن نظرية (ولاية الفقيه) الشيعية معروفة بعد، ولكن المرجعية الشيعية أصدرت فتوى (الشيوعية كفر وإلحاد)، التي استهدفوا بها حكومة الثورة لأنها أصدرت قانون الأحوال الشخصية التقدمي الذي أنصف المرأة. ونتيجة لهذه المثاليات، خسر العراقيون أشرف قيادة وطنية نزيهة، لأشرف ثورة تقدمية واعدة بالخير، وأدخلوا العراق في نفق مظلم منذ انقلابهم يوم 8 شباط 1963 ولم يخرج منه إلى الآن، و أسوأه هو عهد البعث الصدامي الذي دمر العراق وأذلَّ العراقيين.

والكارثة، أنه لما توافرت للعراقيين مرة أخرى، فرصة تاريخية نادرة عام 2003، على يد قوات المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى، لخلاص الشعب من حكم البعث الفاشي الجائر، وإقامة النظام الديمقراطي دون عزل أي مكون من مكونات الشعب، وكالعادة، انشق العراقيون على أنفسهم في  صراعات دموية من أجل المصالح الفئوية، وهم مصرون على تدمير كل ما تحقق لهم من نظام ديمقراطي، لأن البعض منهم يرى أن النظام الجديد هو دون مستوى ما في الدول الديمقراطية العريقة في الغرب، وآخرون يريدون العودة إلى الدكتاتورية المقبورة. نسي هؤلاء أن النظام الديمقراطي لم يولد في أي بلد متكاملاً، بل ينمو مع تطور الشعب(5). وهكذا، بدلاً من القبول بالممكن، والعمل على دعم الوليد الجديد ورعايته، وتطويره، وتكامله نحو الأفضل، نراهم يبذلون قصارى جهودهم لتدمير كل ما تحقق لهم، وجر العراق إلى المربع الأول، أي العودة إلى الدكتاتورية الطائفية والعنصرية، وإغراق البلاد والعباد في مزيد من الدماء والدموع، والمقابر الجماعية، وكم الأفواه، وتشريد المزيد من العراقيين. فمتى نتعلم من أخطائنا؟
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبد الخالق حسين: ذكاء العراقيين المدمر
 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=602070

2- د. عبد الخالق حسين: في مواجهة ثقافة التدمير
http://www.akhbaar.org/home/2010/12/101955.html

3- د. عبد الخالق حسين: الاتفاق على تدمير العراق
 http://www.akhbaar.org/home/2011/08/115746.html

4- د. عبد الخالق حسين: شاف القصر هدَّم كوخه
http://www.akhbaar.org/home/2016/3/208603.html

5- عبدالخالق حسين - الديمقراطية لا تولد متكاملة ولن تكتمل http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=6436

61
ذكاء العراقيين المدمر
د.عبدالخالق حسين

في إحدى مداخلاتي في سجال مع الزملاء في مجموعة النقاش حول تمرد العراقيين على حكوماتهم، وصعوبة حكمهم عبر التاريخ، القديم والحديث، ذكرتُ أن أغلب مقولات المفكرين والسياسيين في أهل العراق كانت سلبية، بما فيها مقولات للإمام علي بن أبي طالب الذي قال عنهم: (لقد ملأتم صدري قيحاً)، وهناك خطابات عديدة للإمام في ذمه أهل العراق. (ولمن يريد المزيد فليفتح الرابط رقم 1 في الهامش). وقلتُ أيضاً أن المفكر الوحيد الذي أثنى على العراقيين في تمردهم وخروجهم على الحكومات هو الجاحظ الذي قال عنهم: ((العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء، وطاعة أهل الشام، أن أهل العراق أهل نظر وذوو فطن ثاقبة. ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث. ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح، والترجيح بين الرجال، والتمييز بين الرؤساء، وإظهار عيوب الأمراء)).

فردَّ الصديق الباحث الإسلامي الدكتور غسان ماهر السامرائي، أنه لم يقرأ مقولة الجاحظ، ولكنه كان دائماً يقول أن أهل العراق ذو "ذكاء مدمر"، ويقصد تدمير أنفسهم وليس تدمير أعدائهم. وهذا في رأيي صحيح جداً. وما يهمني هنا هو تعبير (الذكاء المدمر) الذي أدخلته في عنوان مقالي هذا، أنه هو من إبداع الصديق السامرائي، يستحق عليه الثناء، إذ يصلح ليكون اصطلاحاً معبراً بكثافة عن سايكولوجية الإنسان العراقي المقموع والمقهور عبر التاريخ، ليضاف إلى القاموس السياسي العراقي الحديث.

ومن الأخطاء السائدة لدى أغلب الناس أنهم يرفضون إضفاء صفة الذكاء على أعدائهم حتى لو كانوا عباقرة، وعلى سبيل المثال، أعداء صدام حسين يصفونه بالغباء. ولكن كيف يكون صدام غبياً وقد حكم 30 مليون نسمة لخمسة وثلاثين سنة، رغم أنه أضطهدهم أشد الاضطهاد، وأهلك الحرث والنسل، وملأ العراق بنحو 450 مقبرة جماعية، وتسبب بقتل نحو مليونين نسمة، ودمر اقتصادهم، وشرد نحو 5 ملايين منهم إلى الشتات، ومع ذلك كان العراقيون يهتفون له (بالروح بالدم نفديك يا صدام)، وحتى بعد هلاكه المخزي راح أتباعه يدمرون العراق انتقاماً له؟ فهكذا الشخص لا يمكن أن يكون غبياً، بل يقدم أوضح نموذج للذكاء المدمر، أو حتى عبقرياً ولكنه عبقري في الإجرام (Criminal genius).

كذلك يخلط الناس بين الذكاء والحكمة والضمير. بينما هذه المفردات ذات معان مختلفة، إذ يمكن أن يكون الإنسان ذكياً جداً، وحتى عبقرياً، ولكنه عديم الحكمة والضمير والأخلاق، يستخدم ذكاءه للدمار مثل صدام حسين، وهتلر، وموسيليني، وغيرهم من المجرمين في التاريخ الذين تسببوا في هلاك الملايين من شعوبهم ودمار أوطانهم.

ومن دلائل ذكاء العراقيين في تدمير أنفسهم، لاحظوا حملة الافتراءات ضد الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط حكم البعث الفاشي الصدامي وإلى الآن، بذريعة محاربة الفساد، حيث لم يتركوا أي صفة ذميمة إلا وألصقوها بهم ودون استثناء، وكأن الشعب العراقي أصابه العقم، لا ينجب إلا الفاسدين واللصوص.
وراح هؤلاء ينبشون في بطون كتب التراث عسى أن يعثروا على أية حكاية أو حادثة تاريخية تفيدهم في هذا الخصوص، ليجيِّروها في تسقيط وتسفيه وتخوين وتحقير رجال حكومات ما بعد صدام. إضافة إلى ما تتفتق به قرائحهم من إبداعات في تأليف هذا النوع من الحكايات (fables) ذات مغزى مؤثر، لاستدرار عطف القارئ وثقته، وكسبه وتضليله بشكل غير مباشر. والمؤسف أنهم حققوا نجاحاً كبيراً في هذا المجال، ومهما كان القارئ مثقفاً وأكاديمياً المفترض به إعمال عقله ليميز بين المعقول واللامعقول. ولكن للأسف ما أن تصلهم إحدى هذه الحكايات ذات المضامين والأغراض الخبيثة كالسم بالعسل، حتى ويتسابقون في تعميمها، ونشرها على نطاق واسع دون أن يدركوا أنهم يقدمون خدمة كبيرة وبالمجان لأعدائهم البعثيين، وأشباههم من أعداء العراق وأعداء الديمقراطية الوليدة.

انتقدني أحد البعثيين قائلاً بأنني ألقي كل مشاكل العراق على البعثيين! نعم، أنا ألقي كل الدمار الذي لحق بالعراق بالبعثيين منذ إنقلابهم الدموي الأسود يوم 8 شباط 1963 وإلى الآن. فالبعث خلال حكمه الجائر لأربعة عقود تقريباً، بذل كل جهوده، وسخر كل موارد الدولة الهائلة، واستدان عليها مئات المليارات الدولارات، بددها في عسكرة المجتمع، والحروب العبثية، الداخلية والخارجية، وأرسل ألوف البعثات من مرتزقته الانتهازيين للخارج، للدراسة في مختلف العلوم الاجتماعية والنفسية والاعلامية، للسيطرة على الشعب وتشكيل شخصيته وفق أيديولوجيته العنصرية الطائفية، وتوجيهه الوجهة المنحرفة التي يريدها الحزب الحاكم الذي كان شعاره، وكما ذكر حنا بطاطو: (إلما يمشي على سكتنا خلي يكعد ويَّ مرته)، أي أن كل من لا يسير على نهجنا فلينعزل ويجلس مع زوجته في بيته. وبهذه الكفاءات المضلِّلة نجح حزب البعث في الهيمنة شبه الكاملة على الشعب العراقي، وإعادته إلى البداوة وتدمير الفكر والأخلاق، والوطنية، وملأَ العراق بالمقابر الجماعية لمعارضيه مما أدى إلى تشريد الملايين إلى مختلف القارات، وأغلبهم من اصحاب الكفاءات كان ممكن توظيفها لخدمة الشعب وتطويره، ولكن شاء البعث أن يحقق أغراضه المدمرة. ولا أدري بعد كل هذا الدمار بأي وجه يريد هؤلاء أن يدافعوا عن البعث الفاشي. حقاً ما قاله المثل العراقي: (الدجاجة تموت وعينها على المزبلة).

التراث العربي الإسلامي حافل بأحداث يمكن لأي مطلع عليه أن يغترف منها ما يشاء ويوظفها ضد خصومه. فعندما أقنع الأمريكان والسعوديون صدام حسين بشن حرب على الثورة الإيرانية الإسلامية، استخدم صدام (حرب القادسية) بين العرب والفرس قبل 1400 سنة، وسمّى حربه العبثية على إيران بحرب(القادسية الثانية) ضد "الفرس المجوس" واستخدموا الشحن الطائفي لتهييج الجماهير.

كذلك بين حين وآخر تصلنا عبر الإيميل، ومواقع التواصل الاجتماعي نماذج من استخدام التراث للتسقيط السياسي، وعلى سبيل المثال نقرأ هذه الأيام حكاية تراثية بعنوان: (دريد بن الصمة ادرك هذا الخلل قبل 1400 سنة .. ونحن لم ندرك الامر بعد)، بقلم المدعو (عدي الكفاري)، وهو بالتأكيد اسم مستعار. والغرض منها كما يذكر الكاتب في النهاية، تحريض العراقيين ضد رجال السلطة فيقول: (لا احد يقنعني ان فلان وفلان الذي تسكن اسرته لندن منذ سنوات وهو الآن يحكم العراق، أو يحتل منصبا مهما في العراق ..سيدافع عنكم... الخ). أي أن الذين يحكمون العراق هم عراقيو الخارج، ولولاهم لما عرف العراق الفساد والإرهاب، وخلاصكم أيها العراقيون هو التخلص من هؤلاء "الأجانب"، وأن وأشرف عهد ذهبي عرفه العراق هو عهد حكم البعث الصدامي!

والكل يعرف أنه لولا فرار هؤلاء العراقيين المعارضين لحكم البعث إلى الخارج لكان معظمهم هياكل عظمية في المقابر الجماعية. فعراقيو الخارج، وعلى الرغم من معاناتهم الشديدة في ظروف الغربة القاسية، هم الذين قاموا بتنظيم أكبر معارضة سياسية في العالم ضد أشرس سلطة ديكتاتورية همجية متوحشة. وبات من المؤكد أن هكذا سلطة (دولة المنظمة السرية)، و(جمهورية الخوف)، تعاملت مع شعبها بمنتهى القمع والقسوة، ما كان بالإمكان إسقاطها بجهود المعارضة الذاتية. لذلك كان دعم المجتمع الدولي بقيادة أمريكا ضرورياً ولا بد منه، ولولاه، ولولا عراقيو الخارج، لكان صدام وأبناؤه وعصاباته مازالوا ينشرون الدمار الشامل، والمقابر الجماعية، وتشريد ملايين آخرين من أبناء الشعب في الشتات. لذلك لا نغالي إذا قلنا أن الذين يحرضون ضد عراقيي الخارج هدفهم إفشال الديمقراطية، وهم من فلول البعث الساقط المتضررين من العهد الجديد.

مثال آخر على الذكاء المدمر، هو ما يكتبه الصحفي المخضرم عدنان حسين في صحيفة (المدى) من كتابات التحريض والتسقيط ضد عراق ما بعد صدام، وزرع اليأس في نفوس العراقيين. فعندما كان في لندن يكتب في صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية،  كتب مرة مقالاً بعنوان: (من يرفع الصوت ضد مقتدى الصدر؟)، استحسنته في البداية لأنه كان ينتقد مقتدى الصدر الذي زعزعت مليشياته(جيش المهدي) أمن العراقيين، ولكن خاب أملي في النصف الثاني من نفس المقال حيث طالب فيه السعودية والكويت وبقية الدول الدائنة للعراق في عهد صدام، بعدم التنازل عن ديونها، وذلك عقاباً للشعب العراقي كي لا ينجب دكتاتوراً آخر مثل صدام، وكأن صدام جاء للحكم وشن حروبه العبثية بإرادة الشعب العراقي. تظاهر السيد عدنان حسين بالشجاعة في نقده مقتدى الصدر عندما كان مقيماً في لندن بعيداً عن مليشيات الصدر، ولكنه ما أن جاء إلى العراق وبدأ العمل في صحيفة المدى لصاحبها فخري كريم، أول عمل قام به هو زيارته لمقتدى الصدر وإعلان التوبة وتقديم الولاء له، والتهجم على خصومه. وقد بلغ هذا الولاء حداً أنه قبل أيام عندما حصل انفجار في حسينية في مدينة الصدر (الثورة)، التي استخدمها أتباع الصدر كمخزن للأسلحة والذخيرة، فبدلاً من توجيه النقد لمقتدى الصدر وفضح المجرمين الحقيقيين، صبَّ عدنان حسين جام غضبه وهجومه على رئيس مجلس الوزراء السيد العبادي في مقال بعنوان: (ضحايا تفجير الحسينيّة برقبة العبادي)، بحجة أن رئيس الوزراء هو المسؤول دستورياً عن حماية الشعب، ودون أن يشير ولو تلميحاً إلى السيد مقتدى. نعم (من يرفع الصوت ضد مقتدى الصدر؟). كان عدنان حسين ناقداً لمقتدى عندما كان في لندن، وسكت عنه عندما جاء إلى العراق، وهذه ليست شجاعة يا سيد عدنان، ففي النظام الديمقراطي بإمكان أي إنسان نقد الحكومة، ولكن أتحداك لو توجه أبسط نقد إلى المسؤول الحقيقي عن هذا الانفجار الإجرامي الرهيب.
كذلك شبَّ يوم أمس (10/6) حريق التهم 3 مخازن تحوي صناديق مفوضية الانتخابات في الرصافة/ بغداد(2 و 3))، ولا شك أن هذا الحريق متعمد قام به الذين تسببوا في تزوير نتائج الانتخابات ليخفوا معالم جريمتهم، ولا شك أيضاً أنهم من أعضاء المفوضية "المستقلة". وفي هذه الحالة لا نستبعد أن يطلع علينا عدنان حسين بمقال آخر ليحمِّل الدكتور العبادي بهذه الجريمة. فعدنان حسين هذا هو الآخر يقدم نموذجاً واضحاً للذكاء العراقي المدمر.

كما و يتفنن هؤلاء الكتاب "الأذكياء" جداً في التلاعب بالألفاظ لجعل الجميل قبيحاً والقبيح جميلاً، وعلى سبيل المثال هناك كاتب يستخدم اسم ثلاثي شيعي ليؤكد انتماءه المذهبي، ويطرح نفسه كمدافع عنيد عن حقوق الشيعة، ولكنه في الحقيقة ينفث السم الزعاف ضد الشيعة، وهو غزير الانتاج، ينشر بمعدل مقالة أو مقالتين يومياً، يدعو فيها إلى استقلال الشيعة في دولة خاصة بهم، تمتد من بغداد إلى الفاو، ويتهجم بشدة على أهل السنة، وإيران وأعداء البعث. ومن أقواله أنه لا يجب اقتلاع البعث فقط، بل اقتلاع أعداء البعث أيضاً. والملاحظ أنه يدافع دفاعاً محموماً عن الوهابية ودولتها السعودية. وكان من غلاة دعاة عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية، وقال بهذا الخصوص (المقاطعون يمثلون ثورة فعلا (ثورة الاصابع البيضاء).. بعدم تلطيخ ايديهم بنكاسة الحبر البنفسجي..) (كذا). هذا هو الذكاء المدمر.

نموذج آخر من الذكاء المدمر، هو موقف السيد نوري المالكي في الانتخابات الأخيرة، حيث قام بشق كتلة دولة القانون لغايات شخصية وحباً للزعامة. كان على السيد المالكي أن لا يقف ضد العبادي إطلاقاً، وأن لا يشق حزب الدعوة وكتلة دولة القانون إلى قائمتين متنافستين، بل كان عليه أن يدعمه ويكون عوناً له، فلو كان قد فعل ذلك لكسب المالكي حب واحترام الجميع، ولكنه بإصراره على شق دولة القانون خسر الجميع. علماً أن العبادي هو رئيس المكتب السياسي لحزب الدعوة والمالكي أمينه العام.
ومن نتائج هذا الذكاء المدمر لم نجد أي شعب منقسم على نفسه كالشعب العراقي. فقد أفادت الأرقام التي أعلنتها مفوضية الانتخابات المستقلة أن 320 حزباً سياسياً وائتلافاً وقائمةً انتخابية شاركت في انتخابات 2018. لا شك أن هذا العدد يعكس مدى الانقسام الذي ساهم في تبديد الأصوات، وزعزعة ثقة المواطن العراقي بالديمقراطية، والعملية السياسية برمتها. يكاد العراق هو البلد الوحيد في العالم ينفرد بهذا العدد الكبير من الكيانات السياسية. والسبب هو أن كل سياسي يريد هو أن يكون رئيساً، وهذا ليس بالأمر الجديد، إذ كما قال عنهم الشيخ علي الشرقي في وصفه تهالك العراقيين على القيادة والزعامة منذ العهد الملكي: قومي رؤوس كلهم .....أرأيت مزرعة البصل.

أنا لا أريد هنا الدفاع عن السلطة، أو أدعو إلى عدم نقدها في حالة ارتكابها أخطاءً، أو خيانة بحق الشعب، ولكنني ضد حملات التسقيط والتحريض وتلفيق الأخبار الكاذبة ضد المسؤولين. فالعراقي لا يحتاج إلى تحريض، لأنه محرض ضد السلطة مع الرضاعة، ومعاداة السلطة جزءٌ من الموروث الاجتماعي العراقي، ولكن الإمعان في التحريض من أجل التسقيط يؤدي إلى حرق الأخضر بسعر اليابس، و إضعاف مؤسسات الدولة، و إسقاطها بدون بديل مناسب، وبالتالي إغراق البلاد والعباد في فوضى عارمة لا يستفيد منها إلا أعداء الشعب. ففي النظام الديمقراطي ليس هناك أسهل على الكتاب، وخاصة المقيمين منهم في الخارج، أن ينتقدوا الحكومة، ولكن المبالغة في حملة تسقيط المسؤولين، وتلفيق الأخبار الكاذبة، وركوب موجة التملق للجماهير، وتضليلها، هي شعبوية رخيصة ومقرفة، لها مردودات معكوسة وكارثية على الجميع. فالعراق يعاني من الانقسامات وتشتت قواه السياسية، بأمس الحاجة إلى تهدئة الوضع وإطفاء الحرائق، و وحدة الصف. فالوضع يتطلب سلطة مستقرة وقوية لتتمكن من فرض سلطة القانون. لأن بدون سلطة القانون يعني العودة إلى شريعة الغاب، وعندها نقرأ على العراق السلام.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- إبراهيم الحيدري  هل العراقيون أهل شقاق ونفاق؟!   
http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2009/11/501910.htm

2- حريق يلتهم 3 مخازن تحوي صناديق مفوضية الانتخابات في الرصافة
http://www.akhbaar.org/home/2018/6/245194.html

3- رئيس وزراء العراق يتحدث عن مؤامرة تهدد البلاد
http://www.akhbaar.org/home/2018/6/245227.html


62
حول تحالف الشيوعي العراقي مع التيار الصدري الإسلامي

د.عبدالخالق حسين

من التطورات غير الاعتيادية التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، هو التحالف غير المتوقع (سائرون)، بين الحزب الشيوعي العراقي، والتيار المدني، والتيار الصدري (الإسلامي)، بزعامة رجل الدين الشيعي الشاب السيد مقتدى الصدر، المعروف بتقلباته، وتغيير مواقفه السياسية خلال 15 سنة الماضية، والذي لمع نجمه مباشرة بعد سقوط حكم البعث الفاشي بواسطة القوات الدولية بقيادة أمريكا، حيث رفع السيد مقتدى الشعار الإيراني: (كلا كلا أمريكا)، واليوم يرفع شعار: (إيران برة برة... بغداد صارت حرة)، وله علاقات إيجابية مع السعودية، والدول الخليجية الأخرى الحليفة لأمريكا والمعادية لإيران.

وقد أثار تحالف (سائرون) جدلاً محتدماً في أوساط المهتمين بالشأن العراقي، في الداخل والخارج، بين معارض ومؤيد. فالمعارضون يرون هذا التحالف عبارة عن كوكتيل غير متجانس من أيديولوجيات متضادة (الشيوعية والليبرالية والإسلاموية)، لا بد وأن يكون مآله الفشل كما انتهى تحالف الشيوعيين مع البعث في السبعينات من القرن الماضي بكارثة. ويسأل هؤلاء ما هو ضمان النجاح؟
وكنتُ قد ساهمتُ في بعض هذه المناظرات في مجموعة النقاش، مؤيداً هذا التحالف، ومرحباً بالتطور الذي حصل في مواقف السيد الصدر، وأنه يجب أن نرحب بأي تقارب بين القوى الوطنية، وليس هناك أي ضمان للنجاح، بل الحكمة تفيد (أن تحاول وتفشل خير من أن لا تحاول أبداً)، فبدون محاولات وتقبل نسبة من مخاطر الفشل،لا يمكن أن نتقدم أبداً، و هذه هي سنة الحياة.

كذلك بعد نشر مقالي ما قبل الأخير الموسوم (المقاطعون انتصروا على أنفسهم)(1)، علَّق الصديق العزيز، المفكر المصري الدكتور محمد البدري مشكوراً: (احييك على هذا المقال وأتمني ان نقرأ لك اياب وتداعيات نتائج الانتخابات العراقية. فان يكون حزب مقتدي الصدر والحشد الشعبي والماركسيين أغلبية فهو مؤشر له دلالته في تغيير ثقافي وهوياتي يمثل قلقا مقصودا لمملكة الكراهية في الجنوب خاصة مع كراهية ضدها في سوريا واليمن جنوبا).

كما و استلمت رسالة تأييد من المفكر العراقي الأستاذ فياض موسى، مشكوراً، بعد قراءته مداخلاتي في مجموعة النقاش حول قائمة "سائرون"، ونظراً لأهميتها، رأيت من المفيد نقل بعض فقراتها التي قال فيها:
" ان تحليلك لنهج وسياسة التيار الصدري والشيوعيين والتطورات الأخيرة التي طرأت على موقفيهما، وكيفية التعامل معهما، كان في غاية الموضوعية، والعقلانية، ويدل على إدراك واعٍ للصراع القائم والمحتدم على الساحة العراقية، وكيفية الخروج منه بما يقوي ويعضد إرساء مفاهيم الوطنية والديمقراطية، والتكافل المجتمعي، وبناء دولة المؤسسات، ولزاماً على المثقفين الديمقراطيين العمل على دعم هذا التوجه للوقوف بوجه أعداء العملية السياسية والعاملين على إفشالها وإسقاطها، وكبح جماحهم، وهذا لا يتم من خلال سلبية الموقف والمماحكة وإستخدام لغة التسقيط، بل يتم عبرالنأي عنهما."
وأضاف الصديق: "لقد التقيت في بغداد - ولأكثر من لقاء- بعضوين في قيادة التيار الصدري و وجدت فيهما عقلاً تنويرياً منفتحاً، ونفساً وطنياً عالياً، وتفهماً للصراع الدائر على الساحة، والإثنان لهما تأثير على تطور مواقف مقتدى المتقدمة، وهما من أقنعاه على إنتقاء اللجنة المقترحة والمكلفة باختيار الوزراء التكنوقراط المستقلين، عندما شرع العبادي بتشكيل كابينة وزارته، وكان من أعضائها كل من الدكاترة: المرحوم فالح عبد الجبار، عامر فياض، وفارس نظمي، مما يدل على التطور والتحول الذي حصل على مفاهيم مقتدى. كذلك التعاون والتنسيق الذي كان قائماً بين "التيار المدني" والتيار الصدري في التظاهرات والإعتصامات التي حصلت لأكثر من سنتين، وتقارب الإنتماء الطبقي والمصالح المشتركة بين قاعدة هذين التيارين..علينا أن ننتظر التطورات القادمة حتى يَتضح صواب حكمنا عليه. تحياتي)) انتهى 

فعلى ماذا تشير هذه التحولات الحادة ليس في مواقف السيد مقتدى الصدر فحسب، بل وفي مواقف القوى السياسية العراقية الأخرى على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت يوم 12 مايس/أيار 2018؟ فوفق أرقام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في 19 آيار 2018، تفيد: ((... حصل تحالف سائرون 54 مقعداً وتحالف الفتح 47 مقعداً وإئتلاف النصر 42 مقعداً وإئتلاف دولة القانون 26 مقعداً والحزب الديمقراطي الكردستاني 25 مقعداً وإئتلاف الوطنية 21 مقعداً وتيار الحكمة الوطني 20 مقعداً، والاتحاد الوطني الكردستاني 18 مقعداً، وتحالف القرار العراقي 11 مقعداً.))(2)
وما يهمنا في هذه المداخلة هو قائمة "سائرون" التي برزت كأكبر قائمة انتخابية (54 مقعداً)، وليست الأغلبية المطلقة. وهذا يعني أنه ليس بإمكان أية قائمة تشكيل الحكومة لوحدها ما لم تتحالف مع قوائم أخرى لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، التي يجب أن يكون مجموع مقاعدها أكثر من 165 عضواً.
والمؤسف أن بعض المشاركين في هذه النقاشات لم يتردد في تحقير وتخوين وتسقيط الطرف الأخر، فمثلاً يتهم معارضو قائمة سائرون، مفوضية الانتخابات بأن تم شراءها من قبل أمريكا والسعودية وإسرائيل. وهناك ضجة واسعة حول احتمالات تزوير النتائج عن طريق التلاعب بالفرز الإلكتروني، لذلك أصدر البرلمان قراراً بإعادة الفرز اليدوي. والبعض يعتبر هذا القرار غير دستوري، ونحن بانتظار ما تتمخض به الأيام.

والسؤال هنا، لماذا يجب دعم التحالف الشيوعي- الإسلامي، أو أي تحالف وتقارب بين القوى السياسية الأخرى؟
لقد أفادت الأرقام التي أعلنتها المفوضية أن 320 حزباً سياسياً وائتلافاً وقائمةً انتخابية شاركت في انتخابات 2018. وهذا الرقم يعطينا فكرة عن مدى تشرذم وتفتت القوى السياسية. نعم نحن مع التعددية السياسية، ولكننا لسنا مع التفتيت والتشرذم، بل من واجبنا العمل على جمع هذه القوى في عدد مقبول للكيانات السياسية، فكلما كثرت هذه الأحزاب ضعفت الحكومة، واستشرى الفساد، وبالتالي انعدم الاستقرار السياسي.

لذلك أوجز أسباب تأييدي للتقارب الشيوعي –الصدري بما يلي:
أولاً، الوضع العراقي ليس مثالياً، ولا البشر مثاليين، ولا يمكن أن يكونوا كذلك، ولذلك يجب التعامل مع هكذا وضع سياسي معقد بمنتهى الحذر والموضوعية والمسؤولية الأخلاقية.
ثانياً، شئنا أم أبينا، وكما أثبتت الانتخابات الأخيرة، أن لرجال الدين، وخاصة مقتدى الصدر وعمار الحكيم، تأثير روحي كبير على قطاع واسع من الجماهير، بدليل فوز قائمة (سائرون) بأكبر عدد من المقاعد (54)، مقعدان فقط للشيوعيين، والبقية للتيار الصدري الديني. كذلك عمار الحكيم، الذي خرج من المجلس الإسلامي الأعلى، وشكل تياره (الحكمة)، فازبـ 20 مقعداً، بينما انتهى المجلس الإسلامي بلا شيء.
ثالثاً، السياسة فن الممكن، وخدمة الجماهير وخاصة الفقيرة، وأغلبها وضعت ثقتها بقائمة (سائرون). والديمقراطية تحتم علينا احترام رأي الناخبين ومعتقداتهم الدينية، ومواقفهم السياسية، بغض النظر فيما إذا اتفقت مع معتقداتنا الفكرية ومواقفنا السياسية أم لا.
رابعاً، لا أعتقد أن مقتدى الصدر سياسياً محنكاً، ولكنه رجل بسيط تنقصه الثقافة والخبرة، فعندما دعى إلى تشكيل حكومة (أبوية)، لا يعني ذلك بالمعنى الفلسفي المعروف في العلوم السياسية عن الحكومة الباترياركية في العصور الاقطاعية في أوربا، بل يقصد بحكومة ترعى مصالح الجماهير كما يرعى الأب الحنون الحريص على مصلحة عائلته. ولكنه في نفس الوقت يمتلك تأثير روحي كبير على الجماهير الشيعية الفقيرة، بسبب مكانة عائلته الدينية، و في نفس الوقت بدأ الرجل يتعلم من أخطائه، وحتى هناك تطور ثقافي في قيادات تياره.

خامساً، كذلك نعرف من التاريخ أن معظم الثورات والانتفاضات الجماهيرية في الماضي كانت تحصل بغطاء ديني. وهنا أود الاستشهاد بما ذكره الراحل حسين مروة، الزعيم الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني، في هذا الخصوص فيقول:
"يرشدنا المنهج العلمي الحقيقي إلى حقيقة مهمة في تاريخ تطور المجتمعات البشرية والحضارات، هي أن التراكمات الكمية ضمن مجرى هذا التاريخ يمكن ان تتخذ أشكالاً مختلفة في تحولها الكيفي. يمكن مثلاً، ان تتحول إلى كيفية سياسية، أو إجتماعية، أو فكرية نظرية، أو إلى نوع من العنف الثوري. لقد تابع إنغلز أشكال المعارضة الثورية لإقطاعية القرون الوسطى كلها، فوجد ان الظروف الزمنية، كانت تظهر هذه المعارضة حيناً في شكل تصوف، وحينا في شكل هرطقات سافرة، وحيناً شكل إنتفاضات مسلحة.(ماركس-إنغلز: المؤلفات، المجلد 8 ص 128-129). إن شكل التحول الكيفي في هذا المجتمع أو ذاك، وفي هذا الزمن أو ذاك، إنما تحدده طبيعة الظروف الملموسة في الواقع الملموس. وربما كانت الظروف هذه مؤهلة وناضجة أحياناً لحدوث تحولات كيفية مختلفة الأشكال في وقت واحد، أي قد تجتمع في ظروف معينة تحولات سياسية واجتماعية وفكرية معاً، قد ترفقها انتفاضات مسلحة، وقد يستغني بها التطور عن أشكال العنف الثوري."(حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية، ج1، ص 837.)
لذلك يجب أن لا نستغرب من تحالف الشوعيين مع الصدريين، فالغالبية العظمى من أتباع التيار الصدري هم أحفاد وأبناء اليساريين من شيوعيين ووطنيين قاسميين، ولكن الظروف القاسية في عهد حكم البعث الفاشي هي التي جعلت هؤلاء يلجؤون إلى الدين ويتخندقون في المذهب بعد أن يئِسوا من القوى المادية لخلاصهم من الظلم، وهم الذين قاموا بانتفاضة أيار 1991 بعد هزيمة صدام من الكويت.
لذلك يجب أن لا نستغرب من هذا التحالف، فأي تقارب بين الشيوعي والتيار الصدري الديني، وغيرهما يجب أن نرحب به ونشجعه، لأن الجماهير تعاني اليوم من فساد المسؤولين، وهذا التحالف يمثل قفزة نوعية في الوعي السياسي العراقي، ودليل على التطور الحاصل في ذهنية العراقيين في التعامل مع المختلف، و أن مشاكلنا المستجدة لا يمكن حلها بالوصفات الأيديولوجية الجاهزة التي وضعها مصلحون قبل قرون. فنحن نعيش في عصر السرعة بما فيها سرعة التحولات السياسية والاجتماعية، وما يتمخض عنها من مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية جديدة، لذلك هناك إعادة اصطفاف القوى وفق القواسم المشتركة حتى ولو كانت على حساب الأيديولوجيا، وإدراك القيادات السياسية أن هذه المشاكل الجديدة تحتاج إلى وصفات جديدة والتخلي عن الأيديولوجيات التي اثبت الزمن فشلها في حل مشاكل العصر، سواءً كانت دينية أم شيوعية.

سادساً، يؤاخذ البعض على مقتدى الصدر سكوته عن أمريكا، وتركه لشعار (كلا كلا أمريكا). وأنا أعتبر هذا التحول إيجابي يجب الترحيب به. فالمعروف عني أني أعتبر معاداة العراق لأمريكا انتحار جماعي، لذلك أطالب دائماً بكسب أمريكا إلى جانب العراق لا حباً بها، بل لتوقى شرورها، والاستفادة من إمكانياتها العلمية والعسكرية والاقتصادية الهائلة. فهذه كوريا الشمالية الشيوعية، العدو اللدود لأمريكا الرأسمالية، راحت تقترب من أمريكا، وأبدت استعدادها للتخلي عن برنامجها النووي، مقابل الاستفادة من اقتصاد أمريكا. ومن يدري، عما قريب ستكون كوريا الشمالية مثل فيتنام والصين في علاقة تجارية قوية مع أمريكا وأوربا، والتخلي عن الاقتصاد الشيوعي الماركسي كما حصل في الصين وفيتنام. كذلك ممكن أن تتكرر تجربة الوحدة الألمانية في كوريا. فإذا كان كل هذه التحولات ممكنة في العالم، فلماذا يعتبرون أي تقارب بين القوى العراقية كفر وإلحاد، وخيانة للأيديولوجية والوطنية؟ فالحقيقة الساطعة تؤكد أن المرحلة تتطلب تغليب الواقعية على الأيديولوجية.
سادساً، انتقدني بعض الأخوة في مجموعات النقاش أني كنت أعارض مقتدى الصدر في الماضي، ورحت أؤيده اليوم، ويعتبرون هذا تقلباً وتذبذباً في المواقف!!. في الحقيقة هذا ليس تذبذباً كما يتصورون، بل هو دليل على فهم الواقع العراقي المعقد، والذي يحتاج إلى مرونة وصراحة في مواجهة الخطأ. فإذا أخطأ القائد السياسي ننتقده، وإن أصاب، فمن واجبنا دعمه وتشجيعه. وهذا من صلب واجبات المثقف والكاتب السياسي.
والجدير بالذكر، إن تغيير المواقف من شخصيات مختلفة ليس بالأمر الجديد، بل نجده في مختلف مراحل التاريخ، وهذا هو التاريخ الإسلامي يؤكد لنا أنه عندما انتصر النبي محمد(ص)، في فتح مكة، كافأ خصومه مثل أبو سفيان بقوله: (من دخل بيت أبي سفيان فقد آمن)، وهذا يعتبر أعلى وسام يمنحه الرسول إلى شخص معروف بتآمره وعدائه له. وكذلك موقف النبي من المؤلفة قلوبهم بمنحهم حصة من الغنائم. فلماذا كافأ النبي هؤلاء؟ السبب هو ليتوقى شرورهم، وتحويلهم من قوة مدمرة إلى قوة داعمة لرسالته.

خلاصة القول، شئنا أم أبينا، مقتدى الصدر يمتلك شعبية واسعة في أوساط الجماهير الشيعية في العراق، وفي السنوات الأولى من تحرير العراق استخدم مقتدى قوته للدمار وزعزعة الأمن، فإذا أمكن توظيف هذه القوة للبناء والإعمار والاستقرار بدلاً من الدمار فما الخطأ في ذلك؟ كما يجب حماية الديمقراطية من أعدائها، ونرحب بأي تقارب بين القوى الوطنية. فالعراق اليوم بأمس الحاجة إلى الأمن والاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي. والواجب الوطني يحتم علينا تغليب الواقعية ومصلحة الشعب على الأيديولجيات التي عفى عليها الزمن. فالمبادئ والأيديولوجيات جاءت لخدمة الإنسان وليس العكس.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة:
1- عبدالخالق حسين: المقاطعون انتصروا على أنفسهم!!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=599976

2- أرقام مهمة في انتخابات برلمان 2018
http://www.akhbaar.org/home/2018/6/244860.html

3- مقال عن مقتدى الصدر في مجلة شؤون العالم
The Populist Revolt Reaches Iraq
by Michael J. Totten,   World Affairs Journal
https://www.meforum.org/articles/2018/the-populist-revolt-reaches-iraq

63
حول قرار البرلمان لمعالجة تهمة تزوير الانتخابات

د.عبدالخالق حسين

في العراق كل شيء صعب، وبالأخص العملية الديمقراطية التي وُلِدت بالعملية الجراحية القيصرية، وشرطها الأساس الانتخابات. فالمرشح العراقي الخاسر لم يتعود بعد ليواجه خسارته بروح رياضية ويقدم التهنئة لمنافسه الفائز، بل مازال ينظر إلى الخسارة كإهانة لشخصه ومكانته، لذلك يريد تبرير خسارته بتوجيه تهمة التزوير إلى المسؤولين عن سير الانتخابات. ولكن من الجانب الآخر، وفي الظروف العراقية الملتبسة ، من حق الخاسر أن يوجه مثل هذه التهمة، خاصة و أن العراق غارق بالفساد من القمة إلى القاعدة، وأن الإنسان ضعيف أمام الاغراءات المالية.

و ما جعل الناس يشكّون في النتائج هو البون الشاسع بين نتائج الانتخابات المعلنة من قبل المفوضية، ونتائج عمليات استطلاع الرأي التي سبقتها، والتي معظمها أكدت على أن قائمة النصر بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي، ستحقق نصراً ساحقاً، وذلك لما حققه رئيس الوزراء من إنجازات كبيرة وعلى رأسها تحرير المناطق الشمالية الغربية من الاحتلال الداعشي، وكذلك إعادة المناطق المتنازع عليها إلى سيطرة الحكومة المركزية الاتحادية وبدون سفك دماء، وغيرها من الانجازات في صالح العراق.

لذلك كثرت الشكاوى والاتهامات والشكوك ضد مفوضية الانتخابات المستقلة، خاصة وإنها لأول مرة تستخدم فرز التصويت إلكترونياً، وهي الطريقة التي يمكن بواسطتها تغيير النتائج بالتلاعب بالبرمجة وبسهولة. لذلك تصاعدت الأصوات ضد النتائج، وبالطبع من قبل الخاسرين، فمنهم من طالب بإلغاء النتائج كلياً، وإعادة الانتخابات، ومنهم من طالب بإجراء الفرز اليدوي ومقارنتها بنتائج الفرز الإلكتروني. وإذا كان الفارق كبيراً عندئذ يجب محاسبة المسؤولين عن التزوير.

وأمام هذه الاتهامات، استجاب البرلمان العراقي بعقد جلسة استثنائية يوم الاثنين 28/5/2018، برئاسة رئيسه سليم الجبوري، وحضور 165 نائبا، للنظر في هذه الاتهامات، وصوت على عدة قرارات منها: إلغاء الانتخابات البرلمانية في الخارج، والتصويت المشروط في مخيمات النازحين في الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى لما توفرت عليه الأدلة من تزوير إرادة الناخبين باستثناء اصوات الاقليات المشمولة بالكوتا. كما وأكد بيان البرلمان أن "القرار اشتمل على إعادة عملية العد والفرز اليدوي بما يقل عن 10 في المائة‎ من صناديق الاقتراع في المراكز الانتخابية، وفي حال ثبوت تباين بنسبة 25 في المائة مما تم فرزه، وعده يدوياً يتم اعادة العد والفرز يدوياً لجميع المحافظات وتزويد الكيانات السياسية فوراً بنسخة الكترونية وصور ضوئية لأوراق الاقتراع ونتائج الانتخابات".(*)

أعتقد هذا أفضل قرار اتخذه البرلمان العراقي في تاريخه، ويجب تأييده، ودعمه، والأخذ به وتطبيقه كلياً من أجل إنقاذ العملية الديمقراطية من أولئك المتربصين لوأدها. وإذا تأكد التزوير، يجب محاسبة المسؤولين عنه بأشد العقوبات القانونية.

اقتراحات
وبهذه المناسبة، ومن أجل أعادة ثقة الناخب بالانتخابات و نتائجها، والعملية الديمقراطية، أقترح ما يلي:
أولاً، اختيار اعضاء مفوضية الانتخابات المستقلة من شخصيات مستقلة فعلاً، وبدون ترشيحها أو تزكيتها من قبل الكيانات السياسية، و يجب على المرشحين للمفوضية تقديم أدلة ثبوتية تؤكد استقلاليتهم، ونزاهتهم، وكفاءتهم و وطنيتهم، ونظافة تاريخهم، وإيمانهم العميق بالنظام الديمقراطي، وتقديم شهادات تزكية لهم من قبل شخصيات يوثق بها، وإدخالهم دورات تثقيفية لتعميق شعورهم بالمسؤولية الأخلاقية، وحرصهم على المصلحة الوطنية. وفي حالة اخلال أي عضو بواجباته ونزاهته فيما بعد، يجب فضحه ومعاقبته، واعتبار جريمته مخلة بالشرف.

ثانياً، عدم إلغاء الفرز الأكتروني، ففي عصر التقنية الإلكترونية لا يمكن الاستغناء عن هذا الإنجاز العلمي الرائع، فالخطأ ليس بالتقنية بل بإساءة الاستخدام من قبل أشخاص مسيئين. والحل لمنع إساءة الاستخدام هو بعد كل انتخاب، يجب فرز الأصوات وعدها إلكترونياً ويدوياً، وبذلك يمكن معرفة سلامة الفرز الإلكتروني والتأكد من صحته بمقارنته مع الفرز اليديوي. ويجب الاستمرار على الفرز الثنائي (اليدوي والإلكتروني) لعدة دورات انتخابية قادمة إلى أن تعاد الثقة بالعد الإلكتروني، وكذلك تترسخ ثقافة الديمقراطية في المجتمع العراقي.
ثالثاً، وكما اقترحنا قبل أعوام، إلغاء الانتخابات في الخارج كلياً، إذ لا فائدة ترجى منها، إذ لا تغيِّر النتيجة النهائية، وإنما تكلف ميزانية الدولة مئات الملاين من الدولارات التي من الأفضل توفيرها لإعمار العراق. وها هو البرلمان ألغى نتائج انتخابات الخارج لهذا العام، وأعتقد أنه إجراء صحيح كبقية الإجراءات الأخرى اتي أشرنا إليها في أعلاه ونطالب بتنفيذها.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
بقية مقالات الكاتب: http://www.akhbaar.org/home/2011/03/106890.html
 ـــــــــــــــــــــــــــــ
* البرلمان العراقي يعقد جلسة استثنائية ويصوت على قرارات بشأن الانتخابات
https://arabic.cnn.com/middle-east/2018/05/28/iraqi-parliament-votes-decisions-elections
 


64
المقاطعون انتصروا على أنفسهم!!
د.عبدالخالق حسين

منذ اليوم الأول من سقوط نظام البعث الفاشي وأصنام صدام، دعى البعثيون وأنصارهم في الداخل والخارج، إلى محاربة العراق الجديد بكل ما في حوزتهم من إرهاب، وإعلام مضلل لمنع الجماهير من المشاركة في العملية السياسية، وبالتالي لإجهاض الديمقراطية الوليدة. وكانت نشاطاتهم تتصاعد خاصة في أيام الانتخابات التي هي الآلية الشرعية الحضارية السلمية الوحيدة لدى الشعب لاختيار حكوماته المحلية والمركزية.

لا نستغرب إذا طالب البعثيون وحلفاؤهم، وأشباههم بمقاطعة الانتخابات والتهديد بقتل الناخبين، لأنهم فقدوا فردوسهم، ومصالحهم، وامتيازاتهم التي أدمنوا عليها، ولكننا نستغرب من أولئك الذين يدَّعون الوطنية، وعانوا كثيراً من الدكتاتورية البعثية، أن يشاركوا أعداءهم في حملة المقاطعة. فالتفسير الوحيد لهذه الظاهرة المرَضية هو أنهم ضحية التضليل، فاستخدموا كل ما في إمكانياتهم الكتابية للمشاركة مع أعدائهم لتضليل الجماهير ودعوتها إلى مقاطعة الانتخابات، متعكزين على الفساد. شاء هؤلاء أم أبوا، فهم وقفوا مع أعداء العراق الجديد من البعثيين والدواعش في خندق واحد، ويسيرون معهم نحو الهاوية وهم نيام.

إذا كان عذركم الفساد، فالفساد أيها السادة لا يمكن محاربته بمقاطعة الانتخابات، بل بالمشاركة الفعالة والمكثفة فيها لاختيار المرشحين النزيهين الشرفاء والتخلص من الفاسدين. أما التحجج بان نفس الوجوه والشخصيات والكيانات السياسية السابقة ستفوز، فهذه الحجة باطلة، لأنه حتى ولو جاءت نفس الوجوه والكيانات، فهذه هي الديمقراطية التي تحتم علينا احترام نتائجها حتى ولو كانت ضد اختياراتنا. لذلك فإن رفضكم لنتائج الاقتراع دليل على رفضكم للديمقراطية، وعدم احترامكم للجماهير التي تدعون أنكم تتحدثون باسمها وهي منكم براء. (راجع مقالنا: لماذا يجب أن نقبل نتائج الانتخابات وإن بدت مخيبة لآمالنا-1).

لقد أفادت الأرقام التي أعلنتها مفوضية الانتخابات عن انتخابات 2018، أن تنافس فيها 320 حزباً سياسياً وائتلافاً وقائمةً انتخابية، موزعة على النحو التالي: 88 قائمة انتخابية و205 كيانات سياسية و27 تحالفاً انتخابياً، وذلك من خلال 7 آلاف و367 مرشحاً، وهذا العدد أقل من عدد مرشحي انتخابات العام 2014 الذين تجاوز عددهم 9 آلاف.... وأفادت المفوضية أيضاً، أن "عدد الذين يحق لهم التصويت بلغ 24 مليوناً و353 ناخباً"، و"المجموع الكلي للناخبين الذين صوتوا بلغ 10 ملايين و840 الفاً و989 ناخباً"، وبذلك تشكل نسبة المشاركين في الاقتراع الكلي 44.52 من عدد الناخبين".(2)

والسؤال هنا، أليس من بين 7367 مرشحاً أي نزيه وشريف يستحق أصواتنا؟
فإذا قلتم كلا، فهذه إهانة للشعب العراقي واتهامه بأنه لا ينجب إلا الفاسدين والإرهابيين، وبالتالي فالشعب كله فاسد.. وهذا تجاوز على الشعب و لا يقبله العقل السليم. فالدراسات الأكاديمية لاستطلاعات رأي الشعوب في الدول الديمقراطية العريقة المتحضرة، تأخذ عيِّنات من المجتمع نادراً ما تتجاوز الألف، وعلى ضوء هذه العينة يعرفون رأي الشعب وموقفه من قضية ما، وأي حزب سيفوز في الانتخابات، ويضعون احتمالات الخطأ في حدود (5%)، وهذا مقبول. وتفسيرهم لذلك أنك يمكن أن تعرف طعم برميل من الماء بتذوق قطرة منه، ولا تحتاج أن تشرب كل البرميل!!
فإذا كانت معاهد استطلاع الرأي في العالم، وهي تعتمد على أكاديميين بارزين في معرفة رأي الشعوب على عينة بحدود الألف شخص، فلماذا نرفض رأي (10 ملايين و840 الفاً و989 ناخباً من الشعب العراقي)؟
وما هو دليلكم على أن موقف المقاطعين كان يختلف عن موقف المشاركين؟ وهل المقاطعون جميعهم من حزب واحد وقائمة واحدة أو مكوَّن واحد؟ كلا وألف كلا، فكما اختلف المشاركون في مواقفهم من المرشحين، كذلك المقاطعون. وعليه فأنتم على خطأ كبير وقدمتم خدمة بالمجان لأعدائكم.

والأدهى والأنكى من ذلك، أن راح أنصار مقاطعة الانتخابات يتباهون بهبوط نسبة المشاركين في التصويت (45%)، ويشمتون، وفرحوا فرح الأطفال السذج، وادعوا الانتصار، ولكنه في الحقيقة هو انتصار على أنفسهم. وهذا يذكرني بطريفة ذات مغزى ذكرها عميد الأدب العربي طه حسين، في سيرته الذاتية (الأيام)، مفادها أنه عندما كان طالباً في جامعة القاهرة، قام الطلبة مرة بالإضراب عن الدوام لسبب ما. ولما جاء أستاذ اللغة اللاتينية، وهو إيطالي، ليلقي المحاضرة، فوجد الطلبة خارج القاعة، وطلب منهم الدخول ليلقي الدرس، فرفض الطلبة وأخبروه أنهم مضربون. وهنا قال لهم الأستاذ: ولكن أنتم الذين ستخسرون، فقالوا ليكن!! وهنا ضحك الأستاذ وقال: أنتم تتصرفون مثل ذلك الإيطالي الذي تشاجر مع زوجته وأراد أن يعاقبها، فأخصى نفسه!!! ويعلق طه حسين أنه منذ تلك الساعة كره الإضرابات ولم يشارك فيها.

أيها المقاطعون أنت انتصرتم، ولكن على أنفسكم باخصائكم لأنفسكم، وذلك بالتخلي عن حقكم في التصويت الذي وفره لكم النظام الديمقراطي. أما الانتخابات فقد سارت على قدم وساق، وبنجاح وسلام رغم مقاطعتكم لها، فالشرعية الدستورية للانتخابات مضمون حتى ولو شارك فيه أقل من 10% من الذين يحق لهم التصويت. إذ كما علقّ أحد الأصدقاء: (... ماذا يريد الذين يتحدثون بالنسبة المتدنية؟ إلغاء الانتخابات؟ طيب، ألغيت، ثم أعيدت، وشارك عدد أقل، فماذا نصنع؟ الانتخابات جرت وهي شرعية و نصر للديمقراطية، ويجب سد الطريق أمام أعداء العراق- بعد- 2003 وفي مقدمتهم البعث والسعودية، فهؤلاء كانوا ما بين انتخابات فاز فيها بطل التحرير القومي بنسبة 100% تماماً ولا صوت واحد ضده، وبين بلد ربما لا يعرف الكثيرون فيه معنى مصطلح انتخابات.)

إن الدعوة لإلغاء الانتخابات يعني منح الحجة لأعداء الديمقراطية بعدم شرعية الحكومة، والعمل على إغراق البلاد في فوضى عارمة، وإعطائهم الذريعة للعودة إلى عهد الانقلابات العسكرية، والبيان الأول، ونشيد (ألله أكبر فوق كيد المعتدي)، وإعادة الدكتاتورية البعثية بنسختها الوهابية الداعشية المتوحشة.
فبعد كل الكوارث التي جلبها الاستبداد البعثي وغير البعثي لن يسمح لكم الشعب بذلك. 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب على الحوار المتمدن:
http://www.ahewar.org/m.asp?i=26
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: لماذا يجب أن نقبل نتائج الانتخابات وإن بدت مخيبة لآمالنا؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=599180

2- بالأرقام .. المفوضية تعلن نسب المشاركين بالانتخابات
http://www.akhbaar.org/home/2018/5/244066.html


65
في وداع المناضل عادل مراد
د.عبدالخالق حسين

رحل عنا إلى عالم الخلود صباح يوم الجمعة،18 أيار 2018، في إحدى المستشفيات الألمانية في مدينة كولن، المناضل العراقي الكردي الفيلي، الصديق العزيز عادل مراد بعد صراع طويل مع مرض عضال، عن عمر ناهز 68 عاماً، فهو من مواليد 11 ديسمبر 1949. والفقيد بدأ النضال مبكراً منذ كان طالباً في مرحلة الثانوية في بغداد، وعانى كثيراً من الاضطهاد من قبل السلطات الفاشية البعثية، وهو أحد مؤسسي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مع رفيقه الفقيد الرئيس السابق لجمهورية العراق مام جلال طالباني.

وكنتُ قد تشرفت وأُسعدتُ بصداقته من خلال متابعتي لكتاباته المنشورة على مواقع الإنترنت، ولقائي به مرتين. الأولى، عندما شاركته مع آخرين، في ندوة سياسية في لندن لمناقشة نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2010، والثانية في بيت صديقنا المشترك الدكتور نجم الدين غلام في لندن أيضاً، في 10 حزيران 2014، أي في نفس يوم سقوط مدينة الموصل تحت هيمنة داعش، وكان الراحل على اتصال عبر هاتفه النقال مع رفاقه البيشمركة يتابع ما يجري هناك أولاً بأول.

ومن خلال لقاءاتي به عن قرب وعن بعد، عرفته ذلك الإنسان المناضل الكبير الذي ينظر بعيداً فوق أي تعصب قومي أو طائفي، إذ كان يناضل في جبهتين قد تبدوان متصارعتين، ولتحقيق هدفين قد يبدوان متناقضين لدى أصحاب العقول الصغيرة، الذين تقوقعوا في شرنقة القومية المتطرفة في الجانبين العربي والكردي. فهو من جهة كان حريصاً على الوحدة العراقية، إذ كان يرى أن العراق أقوى بكردستان. وفي نفس الوقت كان يناضل لتحقيق الحقوق القومية المشروعة لشعبه الكردستاني، ولكن ضمن الفيدرالية العراقية الديمقراطية لأن كردستان أقوى لو بقي مع العراق. وهذا الموقف يختلف عن موقف المتطرفين من الجانبين، العربي، والكردي بجناحه البرازاني. فهذان الطرفان لا يريان تحقيق الأهداف إلا من خلال تدمير الآخر. فالقومي العروبي بنموذجه البعثي الصدامي رأى أن لا حل للعراق إلا بإبادة الشعب الكردستاني، لذلك استخدم كل وسائل الإبادة من أنفال وضرب حلبجة بالغازات السامة، وحرب طويلة المدى على الكردستان. والأخر بقيادة مسعود بارزاني يرى أن الحل الوحيد لتحقيق حقوق الشعب الكردي هو الانفصال، والتحالف مع أعداء العراق لتدمير الدولة العراقية. وهو الذي عُرف بترديده عبارة (لم يبق شيء اسمه العراق)!!

بينما موقف الراحل عادل مراد كان على النقيض من المتطرفين، إذ رأى أنه من الممكن تحقيق الحقوق القومية للشعب الكردي ضمن الفيدرالية العراقية الديمقراطية. طبعاً هذا الموقف الوطني، والقومي الإنساني المعتدل، لم يرض الطرفين، لذلك عانى منهما الكثير. فبعد سقوط البعث الفاشي حاول التقريب في وجهات النظر بين بغداد وأربيل، وقال أن بغداد أقرب إلينا من أنقرة وطهران، إضافة إلى نقائه الثوري في محاربة الفساد الذي استشرى في كردستان أيضاً، وموقفه المدافع عن الشعب الكردي في تركيا وسوريا، مما أثار غضب إردوغان، الأمر الذي جعله في صراع حتى مع رفاقه، لذلك جرت محاولات من داخل حزبه الاتحاد الوطني الكردستاني لعزله، وإبعاده عن مركز صنع القرار، وتجريده من مسؤولياته كأمين عام للجنة المركزية للحزب. ولكن شعبية الراحل عادل كانت واسعة لدى قواعد الحزب، والمثقفين الكردستانيين، فنشروا العديد من مقالات دفاعاً عنه.

لا شك إن رحيل الشخصية الوطنية، المناضل عادل مراد خسارة كبيرة لنا جميعاً، يترك فراغاً يصعب ملأه في الجبهتين الوطنية العراقية، والقومية الكردية. وبهذه المناسبة الأليمة نقدم عزاءنا الحار لأسرته الكريمة، وأصدقائه ورفاقه في الحزب الوطني الكردستاني، ولفقيدنا الذكر الطيب.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com

66
لماذا يجب أن نقبل نتائج الانتخابات وإن بدت مخيبة لآمالنا؟

د. عبدالخالق حسين


تحذير
هذا المقال للذين يؤمنون بالديمقراطية ولكنهم أصيبوا بالإحباط لأن نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة التي جرت يوم 12/5/2018، جاءت مخيبة لآمالهم. أما الذين يعتبرون الديمقراطية كفر وإلحاد، أو يريدونها فقط إذا جاءت النتائج في صالحهم، وإلا فهي كذبة، فهذا المقال ليس لهم، وأرجوهم أن لا يضيِّعوا وقتهم بقراءته، لأني أعتقد جازماً وبكل تأكيد، أن كل الكوارث التي لحقت بالعراق كانت بسبب الأنظمة الدكتاتورية الفاشية، لذلك ليس هناك أي خلاص للعراق من أزماته إلا بالنظام الديمقراطي، ومهما كانت البدايات صعبة.

حقائق عن الديمقراطية
أولاً، لا ديمقراطية بدون انتخابات: كثيراً ما يردد البعض أن الديمقراطية ليست الانتخابات فقط، وهذا صحيح، ولكن يجب أن يعرف هؤلاء السادة أنه لا ديمقراطية بدون انتخابات أيضاً. فالانتخابات البرلمانية وغير البرلمانية، شرط رئيسي من شروط الديمقراطية، لأن الديمقراطية تعني حكم الأكثرية السياسية التي لا يمكن فرزها إلا بالانتخابات الحرة والعادلة، وبدون إهمال حق الأقلية المعارضة في مراقبة نشاطات الحكومة، ونقدها، وحقها في التعبير عن أفكارها بحرية لإقناع الناخبين بجدوى برامجها لخدمة الشعب، وأنها تلتزم بالوسائل السلمية لتبادل السلطة، وممارسة كافة الحقوق الديمقراطية الأخرى التي أقرها الدستور.

ثانياً، وكما قال ونستون تشرتشل: "أن الحكومة الديمقراطية هي ليست الحكومة المثالية، ولكن لحد الآن لا توجد حكومة أفضل منها".
الحقيقة الثالثة: في الأنظمة الديمقراطية هناك مبدأ (One member one vote)، أي صوت واحد لكل مواطن سوي بالغ سن الرشد (18 سنة)، بغض النظر عن مؤهلاته ومستواه الثقافي، فصوت أكبر عالم وفيلسوف ومفكر، يساوي صوت الجاهل الأمي. ومبررات هذا المبدأ الذي وضعه فلاسفة التنوير أن يكون أعضاء البرلمان يمثلون معدل العقل الجمعي للشعب. وهذا يحتاج إلى شرح!

لماذا يجب أن يكون البرلمانيون يمثلون معدل العقل الجمعي للشعب؟
قال أفلاطون أنه لا يمكن أن يعيش المجتمع بسعادة في مدينته الفاضلة، ما لم يصير الملوك (الحكام) فلاسفة، أو الفلاسفة حكاماً. ورغم مرور نحو ألفين و أربعمائة سنة على هذا المشروع الإفلاطوني، إلا أنه لا الحكام صاروا فلاسفة، ولا الفلاسفة صاروا حكاماً. فكما علّق علي الوردي على المقولة الأفلاطونية، أنه من حسن حظ الشعوب أن لم يحكمها فلاسفة، لأن الفلاسفة يذهبون بعيداً ويحمِّلون شعوبهم فوق طاقتها. وهناك تجربة وحيدة تحققت في هذا المجال عندما تسلم لينين (وهو فيلسوف بلا منازع)، ومن بعده ستالين (أدعى الفلسفة)، استلم السلطة أضطر إلى اضطهاد الشعب وقتل الملايين لفرض حكمه بالنار والحديد، وانهارت التجربة بعد سبعين سنة من دكتاتورية "حكم الفلاسفة".

يمكن تشبيه البرلمان بهيئة التحكيم (Jury) في المحاكم الجنائية في الغرب. ففي حالة محاكمة متهم بجريمة، تشكل المحكمة هيئة تحكيم مؤلفة من 12 عضواً، يتم اختيارهم من عامة الشعب بالقرعة (Lottery) عن طريق الكومبيوتر. ومن شروط العضوية أن لا يكون العضو خريج كلية القانون، أو مارس المحاماة، وليس له تاريخ عمل في القضاء أي كان، وأن لا يكون طبيباً...الخ. ويجلس أعضاء هيئة التحكيم في المحكمة إثناء المرافعة، يستمعون إلى حيثيات القضية التي يقدمها الخبراء في القانون وهم الادعاء العام، ومحامو الدفاع بإشراف القاضي. وفي النهاية تجتمع هيئة التحكيم في مكان ما، وتناقش القضية على ضوء ما جرى أمامهم من مناقشات إثناء المرافعة، ويتم التصويت فيما إذا كان المتهم مجرم أم بريء. ثم يحضرون أمام القاضي الذي يسألهم: هل المتهم مذنب أم بريء؟ فإن قالوا بريء يخرج المتهم حراً طليقاً، وإن قالوا أنه مذنب، فالقاضي هو الذي يقرر العقوبة. وينتهي دور هيئة التحكيم.
والسؤال هنا، لماذا أقرَّ المشرعون أن لا يكون أعضاء هيئة التحكيم خبراء في القانون أو الطب؟ الجواب هو لأن الخبراء يستطيعون التلاعب بالكلام والعقول، وجعل البريء مذنباً، وبالعكس، وبالتالي تخسر العدالة. لذلك أراد المشرعون أن يحققوا العدالة من خلال فهم عامة الشعب لها، فجاءوا بعينة من المواطنين العاديين يمثلون عامة الشعب لتتحقق العدالة من خلالهم.
وبالمثل، فمن تختاره غالبية الشعب في الانتخابات العامة هو المقبول حتى وإن بدى للبعض غير عادل، علماً بأن رضاء الناس غاية لا تُكسب.

وأعيد ما قلته في مناسبات سابقة، أن الانتخابات وما يرافقها من حملات انتخابية من قبل المتنافسين، عبارة عن دورات دراسية عملية للشعب لتعلم قواعد اللعبة الديمقراطية. والنظام الديمقراطي لا يخلو من أخطاء، ولكنه في نفس الوقت يمتلك آلية تصحيح أخطائه، فإذا اخطأ الشعب في اختيار نوابه فسيدفع الثمن، ويتعلم من أخطائه ويرفضهم في الانتخابات اللاحقة، فالإنسان ليس معصوماً من الخطأ، والناس يتعلمون من أخطائهم.
والشعب العراقي معروف عنه عبر التاريخ أنه يصعب حكمه، واشتهر بثوراته وانتفاضاته المتواصلة ضد الحكام، ويُعتقد أنه يتميّز عن غيره من الشعوب في ممارسته للعنف بإفراط، وأنه متطرف في كل شيء، في الحب والكراهية، في القسوة والرأفة، والمبالغة في الكرم، والثأر والانتقام، وسريع الغضب ..الخ، ويضربون أمثلة كثيرة على ذلك في التاريخ، ويذكرون أقولاً مأثورة عنه لرجال الفكر والسياسة لا مجال لذكرها في هذه العجالة.

لقد فوجئ كثيرون بنتائج الانتخابات، إذ كان معظم المراقبين والمحللين السياسيين يتوقعون فوزاً ساحقاً ًلقائمة النصر، التي يتزعمها رئيس الوزراء، الدكتور حيدر العبادي، لأنه حل الكثير من المشاكل الكبيرة التي ورثها من سلفه السيد نوري المالكي، وعلى رأسها تحرير المناطق من الاحتلال الداعشي المتوحش، واسترجاع مدينة كركوك، وجميع المناطق المتنازع عليها، والمداخل الحدودية، والمطارات التي كانت تحت سيطرة الإقليم، إلى سيطرة الحكومة الفيدرالية وبدون سفك دماء. كذلك حقق تقارباً مع السعودية والدول الخليجية الأخرى، مع بقاء علاقة ودية مع إيران، إضافة إلى كسبه الدعم الأمريكي و دعم الوحدة الأوربية وغيرها من دول العالم في حربه على الأرهاب.. وغيرها كثير من الإنجازات. ولكن مع ذلك جاءت قائمته ما بين المرتبة الثالثة والخامسة في محافظات الوسط والجنوب ذات الغالبية الشيعية، بينما فازت كتلة (سائرون) التي تضم التيار الصدري والحزب الشيوعي العراقي وقوى مدنية أخرى، بالمرتبة الأولى أو الثانية في أغلب هذه المحافظات.

إن أهم سبب لمجيء قائمة العبادي (النصر) ما بين المرتبة الثالثة والخامسة هو إصرار السيد نوري المالكي رئيس كتلة (دولة القانون)، على خوض كل منهما الانتخابات بقائمة مستقلة، ولكن الجانب الإيجابي أنهما (العبادي والمالكي)، اتفقا مسبقاً على تكوين كتلة برلمانية واحدة بعد الانتخابات لدعم العبادي. وفي هذه الحالة تكون كتلة العبادي هي الكتلة البرلمانية الأكبر. وهناك مداولات بين الكتل لدعم العبادي في ولاية ثانية.

وللأسباب آنفة الذكر، أعتقد أنه يجب أن نقبل بالنتائج، فهي حكم غالبية الناخبين، وهذه هي الديمقراطية. والجدير بالذكر أن تحالف (سائرون) خطوة نوعية جيدة نحو الأفضل لإنضاج العملية السياسية، فهو تحالف بين التيار الصدري الإسلامي، والشيوعي العلماني المعروف عنه أنه ضد أسلمة السياسة والمجتمع. لذلك ينبغي أن نرحب بهذا التقارب ونعتبره خطوة في الاتجاه الصحيح، ودليل على انتصار العقلانية و تفشي روح التسامح والتقارب بين القوى المختلفة أيديولوجياً في سبيل القضاء على الفساد، وحل المشاكل التي يعاني منها الشعب، وخاصة الطبقات الفقيرة.

كذلك أرى من الممكن والمفيد أن يستمر السيد حيدر العبادي برئاسة الحكومة لولاية ثانية، فهو الوجه المقبول من قبل الغالبية في الداخل والخارج. ولعل من أخطر ما يواجهه العراق هو محاولة الدول الاقليمية جره إلى أحد المحاور المتصارعة، ولحد الآن نجح الدكتور العبادي في عدم الانجرار ودون أن يخسر أي طرف.

كذلك أعتقد من المستبعد أن يطالب السيد مقتدى الصدر، أن يكون رئيس الحكومة من قائمته (سائرون)، لأن كسبه لهذه الشعبية جاء من خلال رفعه ورقة محاربة الفساد والتظاهرات التي قادها منذ عام 2015 ضد الفساد. لذلك وهو يعرف أنه ليس بالإمكان القضاء على الفساد بين عشية وضحاها و بعصا سحرية، وأنه سيخسر شعبيته ودوره الشعبوي فيما لو ترأس الحكومة شخص من كتلته.

ومن إيجابيات هذه الانتخابات هو التقارب المذهبي وخاصة في محافظة نينوى إذ تشير النتائج أن الموصل السنية المغلقة انتخبت قائمة النصر(1)

خلاصة القول، مهما كانت نتائج الانتخابات، يجب علينا قبولها، وأن نرحب بالتحالفات الجديدة التي أغلبها عابرة للطائفية والأثنية والأيديولوجية، وهذا دليل نضج، وخطوة مهمة نحو الأمام في إنضاج الديمقراطية، وإنجاح العملية السياسية. فالديمقراطية هي الحل.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب على الحوار المتمدنhttp://www.ahewar.org/m.asp?i=26   
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- الموصل قالت شكراً كبيرة للعراقيين بحجم العراق
http://www.akhbaar.org/home/2018/5/244153.html

2- معلومات مفيدة عن الانتخابات العراقية 2018
http://www.bbc.com/arabic/43781944

3- مشروع إعادة إنتاج البعث، هذه آلياته وهؤلاء القائمون على تنفيذه
http://www.akhbaar.org/home/2018/5/244033.html


67
نجاح الانتخابات انتصار للعراق الديمقراطي

د.عبدالخالق حسين

رغم كل حملات التخويف والتهديد بتفجير مراكز الاقتراع، التي أصدرتها خلايا البعثيين الدواعش النائمة، و النداءات والمقالات الهستيرية من أعداء الديمقراطية، والعراق الجديد، لإقناع الناخبين بعدم المشاركة في التصويت، إلا إن الانتخابات البرلمانية الرابعة التي جرت يوم السبت 12/5/2018، قد جرت في جميع أنحاء العراق وخارجه بهدوء وسلام ونجاح، ذلك بفضل القوى الأمنية، ونضج وعي المواطنين، واحترامهم للقوانين والإجراءات المطلوبة. ولعل الشيء الوحيد الذي يؤسف له أن نسبة المشاركة في التصويت 44.5% كانت أقل مما في عام 2014 التي بلغت نحو 60%. ولكن وفق الأعراف والمعايير الديمقراطية في العالم، فهذا الهبوط في نسبة المشاركين في الانتخابات لا يقلل من شرعية نتائجها. فالناخبون لهم الحق في المشاركة أو عدمها. والمعروف أن نسبة المشاركة في دولة ديمقراطية عريقة مثل سويسرا نادراً ما تتجاوز 30%. ولكن في حالة المقاطعة يكون المقاطعون هم جردوا أنفسهم بإرادتهم من حقهم في تغيير السلطة كما يشاؤون.

وهناك أسباب عديدة لانخفاض نسبة المشاركة، وعلى رأسها، وكما أشرنا أعلاه، الحملة الهستيرية من أعداء الديمقراطية، محاولين بشتى الوسائل إقناع الناخبين بمقاطعة الانتخابات، إضافة إلى تهديدات خلايا الدواعش النائمة، بالانتقام من المشاركين، وكذلك إلى تعقيدات الوضع العراقي ما بعد سقوط حكم البعث، والتركة الثقيلة من المشاكل التي ورثها العهد الجديد من الحكم الساقط الجائر، ومعاناة المواطنين من الفساد، ونقص الخدمات، وارتفاع نسبة البطالة، والفقر والأزمات الاقتصادية...الخ.

والجدير بالذكر أنه جرت حملة منسقة وبمنتهى الخبث والدهاء والمهنية في الشر، لتضخيم سلبيات العهد الجديد واختلاق الأكاذيب والافتراءات، ونشر روح اليأس والتشاؤم بين المواطنين، والإيحاء لهم أن العهد البعثي هو أفضل عهد عرفه الشعب العراقي. إذ كما جاء في تقرير نشرته (المسلة) بعنوان: (مشروع إعادة إنتاج البعث...)، جاء في مقدمته: (بعد أن رصدت " المسلّه " تدوينات و أفكار متفرقة في وسائل التواصل الإجتماعي، حول خطة عمليه بإدارة متخصصين وممولة بشكل جيد، لإعادة تأهيل البعث و تشويه العمليه السياسية بعد 2003 ، تأكدت " المسلّه" عبر مصادرها الخاصة من صحة المعلومات عن مشروع إعادة إنتاج حقبة صدام من جديد، والعمل على مسح جرائمه من الذاكرة العراقية، مقابل تضخيم حالات الإخفاق والفشل بعد 2003، والتعتيم على إنجازات الديمقراطية والحرية، وإرتفاع المستوى المعيشي، والقضاء على داعش، والإيحاء إلى المواطن العراقي بأن مستقبله "ميئوسٌ" منه وإن لا جدوى من كلِّ ذلك إلّا بإعادة إنتاج البعث.)(1)

ولذلك يجب أن لا نستغرب من انخفاض نسبة المشاركة في التصويت لهذه الدورة. ولكن يجب أن يعرف المواطن الواعي بواجباته وحقوقه، أن هذه المشاكل المتفاقمة لا يمكن حلها بمقاطعة الانتخابات، لإن المقاطعة تصب في مصلحة أعداء الديمقراطية. فالانتخابات هي الثورة السلمية الحضارية الراقية التي تمارس فيها الجماهير حقها عن طريق صناديق الاقتراع فتستخدم قصاصة ورقة لتغيير الحكومة إلى أخرى تلبي لهم طموحاتهم وتحقق آمالهم، بدلاً من الرصاص والدبابة، وبدون سفك قطرة من الدماء.

لذلك نهنئ شعبنا العراقي البطل، وخاصة أولئك الذين تحدوا تهديدات الدواعش، ولم يتأثروا بالحملات التضليلية، نهنئهم على هذا النصر، كما ونعزي أعداء الديمقراطية والعراق الجديد من البعثيين وأشباه البعثيين الذين حاولوا في البدء تأجيل الانتخابات، وإقامة حكومة صرف الأعمال من أجل شل عمل الحكومة ومنحهم مجالاً للتخريب. ولما فشلوا في التأجيل، لجأوا إلى طريقة أخرى فقد تصاعدت نداءات من قبل البعض منهم، وعلى رأسهم البعثي السابق أياد علاوي، زعيم إئتلاف الوطنية، بعد أن عرف فشله فطالب بإلغاء نتائج هذه الانتخابات، مع إبقاء الحكومة الحالية لتصريف الاعمال، لحين توفير الظروف الملائمة لإجراء انتخابات جديدة..." (2).

الملاحظ أن هذه المطالبة سبقتها محاولات بعض كتبة المقالات الذين بذلوا قصارى جهودهم لإفشال العملية السياسية، وعلى سبيل المثال لا الحصر نشر المدعو سيار الجميل نداءً عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان: (من أجل تشكيل جبهة الرفض الشعبية العراقية وتأسيس كتلة تاريخية)، جاء فيه: (يا ابناء العراق الغيارى، تحياتي الكبيرة  لكم، كتب لي قبل قليل الاخ الاستاذ المهندس مصطفى الامارة [اسم وهمي]، الرسالة التالية ونشرها على صفحتي قائلا : "بعد النتائج المنخفضة والمعلنة للمشاركين في الانتخابات و اعداد المقاطعين الذين يزيدون على ضعف المشاركين... ندعوكم الى المبادرة لتشكيل جبهة الرفض الشعبية ورص الصفوف تحت قيادة كتلة تأريخية سيفجرها الجمر الذي تحت الرماد وتسعى للتغيير خارج مؤسسات العملية السياسية هذه (الحكومة والبرلمان) وليعلم المحتلون والمتنفذون في أرض الرافدين أن الشعب قد سئم ألاعيبهم ومل سياساتهم الفاشلة ويعد بالثورة السلمية للحفاظ على الوطن والشعب والثروة. ". وبعد أن يطرح الرسالة الملفقة باسم وهمي، يضيف سيار الجميل متظاهراً بالتعقل، قائلاً: "انني اطرح هذا " المشروع" عليكم جميعا، سواء  كنتم من المقاطعين ام  من المشاركين، وبنهج ديمقراطي هادئ واضح، متمنيا معرفة ارائكم خدمة للعراق واهله الكرام،" ثم ينصح: "بعيدا عن التشهير وعن العواطف الساخنة من اجل  التغيير الجذري وبناء المستقبل...اخوكم سيار الجميل). انتهى

 وهكذا (من هل المال حمل جمال)كما يقول المثل العراقي. وإني أخاطب هؤلاء المخربين، أيها السادة، لقد جربكم شعبنا منذ إنقلابكم الإسود في 8 شباط 1963، الإنقلاب الذي أدخل العراق في نفق مظلم لم يخرج منه إلا بعد سقوط نظامكم البعثي الفاشي يوم 9 نيسان/أبريل 2003. ومنذ ذلك اليوم بذلتم كل مساعيكم، وتعاونتم مع الإرهاب والدول التي تموِّل وترعى الإرهاب، لإفشال العملية السياسية، ووأد الديمقراطية الوليدة، ولكن شعبنا تحمل كل كوارثكم بصبر أيوب، وأصر على إنجاح العملية السياسية والحفاظ على الديمقراطية. وها أنتم يا "فرسان البيان" لقد سخرتم كل إمكانياتكم الكتابية للتضليل، وبدوافع عنصرية وطائفية التي تغلبت على ثقافتكم التي تتباهون بها، ولكن ما ينقصكم هو الضمير والأخلاق والوطنية. فأنتم على استعداد للتعاون مع الشيطان في سبيل إعادة حكم البعث الفاشي، وتحت مختلف المسميات. لقد أثبتم أنكم لم تأخذوا من الحضارة إلا قشورها واخترتم الجانب الخطأ من التاريخ وضد الإنسانية، وحقاً ما قاله أفلاطون قبل ألفين وأربعمائة سنة: (الإنسان يحتاج إلى تعليم جيد وطبع جيد، لكي يصبح الأقدس والأكثر تمدناً من بين كل الحيوانات، ولكن إذا ما لم يتثقف، أو تثقف بثقافة خاطئة، سيكون الأكثر وحشية وهمجية من جميع الحيوانات.) لذلك نراكم تعاونتم مع الإرهاب المتوحش في سبيل إعادة حكم البعث المتوحش.

خلاصة القول، لقد نجحت الانتخابات رغم محاولاتكم التخريبية. إن هذه الانتخابات هي عبارة عن دورات دراسية عملية يتعلم فيها شعبنا قواعد الديمقراطية، إلى أن تصبح جزءً لا يتجزأ من ثقافته الاجتماعية الموروثة، ويتقبل المواطن نتائجها حتى لو كنت ضد حزبه أو مرشحه. فكما قال حكيم: (الديمقراطية هي ليست الغاية فحسب، بل وهي الوسيلة أيضاً لتحقيقها.) وها هو شعبنا بدأ يتعلم الديمقراطية، وأصر على إنجاحها، ولن يتخلى عنها مطلقاً. وموتوا بغيظكم يا أعداء العراق الديمقراطي، فالقافلة تسير ولا يضيرها نبح الكلاب.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مشروع إعادة إنتاج البعث، هذه آلياته وهؤلاء القائمون على تنفيذه
http://almasalah.com/ar/News/135911

2- ائتلاف الوطنية يطالب بإلغاء الانتخابات وتشكيل حكومة تصريف الاعمال
http://www.akhbaar.org/home/2018/5/244086.html




68
انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني..أسبابه وتداعياته

د. عبدالخالق حسين

أسباب إنسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني كثيرة، وعلى رأسها ما يسمى بـ(عقدة أوباما). فمنذ بدء حملته الانتخابية عام 2015 ركز ترامب هجومه على كل ما حقق سلفه الرئيس السابق باراك أوباما من إنجازات، مثل برنامج الرعاية الصحية التي سميت بـ (Obama Care)، وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران وغيرهما كثير، ووعد بإلغائهما. فمنذ تسلمه الرئاسة راح ترامب يعيد بمناسبة وبدونها، أن الجمهور الذي حضر حفل تدشين رئاسته كان ضعف ما حضره في حفل تدشين رئاسة أوباما، بينما حسب تقديرات الإعلاميين أن الحضور كان يقُدر بنصف الحضور لأوباما. وقد بلغ حقد ترامب على سلفه حداً، وكما نشرت صحيفة الغارديان اللندنية تقريراً جاء فيه "أن استعان مساعدون لدونالد ترامب، بوكالة استخبارات إسرائيلية خاصة بتنظيم حملة "قذرة" ضد أفراد رئيسيين في إدارة أوباما ساعدوا في التفاوض حول الصفقة النووية الإيرانية..."(1)

وأخيراً نفذ ترامب وعده بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران(2)، و الذي تم توقيعه بين إيران وست دول أخرى (خمس دول كبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي: أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا + ألمانيا) في يوم الأحد 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013. وحسب هذه الاتفاقية وافقت إيران على تخفيض تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية فقط، وتحت مراقبة دولية، مقابل رفع الحصار الاقتصادي عنها. وقد اعتبر القادة الغربيون هذا لاتفاق رغم أنه لم يكن مثالياً، إلا إنه أفضل ما يمكن تحقيقه بعد عشرة أعوام من المفاوضات المارثونية المضنية. ولم يستغرب أحد أن عارضته إسرائيل والسعودية إلى حد الجنون.
وقد أثار قرار ترامب بالانسحاب من هذا الاتفاق سخط قادة العالم، وبالأخص قادة الدول الخمس الأخرى التي استهجنت هذا السلوك المقرف، إضافة إلى الانتقاد اللاذع من معارضي ترامب في أمريكا وعلى رأسهم الرئيس السابق أوباما، ووزير خارجيته السابق جون كيري. وحسب ما جاء في الأنباء، فقد أصدر الرئيس الأمريكي السابق، أوباما، بيانا مطولا وصف فيه قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران بأنه "خطأ خطير"، ودافع عن الاتفاق الذي تفاوضت إدارته لتحقيقه. وقال "من دون خطة العمل الشاملة المشتركة لتحقيق الاتفاق، كانت الولايات المتحدة ستُترك في النهاية أمام خيار خاسر بين إيران مسلحة نوويا، أو حرب أخرى في الشرق الأوسط".(2)
أما جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، الذي أسهم في التفاوض للتوصل إلى صفقة الاتفاق النووي مع إيران، فقد أصدر بيانا انتقد فيه قرار ترامب الأخير، وقال إن "إعلان اليوم يضعف أمننا، وينقض كلمة أمريكا ويعزلنا عن حلفائنا الأوروبيين".(2)

فقد ورد بيان مشترك للقادة الأوروبيين الثلاثة (ماكرون وميركل وماي)، أن "حكوماتنا تبقى ملتزمة ضمان تنفيذ الاتفاق وستعمل مع جميع الأطراف الآخرين المعنيين بحيث يبقى الأمر على هذا النحو على أن يشمل ذلك ضمان استمرار الفوائد الاقتصادية المرتبطة بالاتفاق للشعب الإيراني". وكذلك أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني من روما أن الاتحاد "مصمم على الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني بعد قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب منه." بينما الرئيس الإيراني حسن روحاني أعلن إلتزام بلاده ببنود الاتفاقية مع خمس دول فقط بعد انسحاب أمريكا". كما ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران إلى الالتزام بتعهداتها بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق. وهذه المواقف الدولية الموحدة في دعم الاتفاقية يؤكد عزلة أمريكا عن العالم وخاصة عن حلفائها الأوربيين.
والجدير بالذكر أنه لم يؤيد ترامب في قراره الخطير هذا سوى إسرائيل والسعودية والإمارت العربية.(3)
باعتراف أغلب القادة السياسيين أن أمريكا بإدارة ترامب هي التي خسرت مصداقيتها أمام العالم، وظهرت بعدم التزامها بقراراتها، لذلك يمكن أن يضر باللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون حول إبرام اتفاق مماثل. لذلك فوجئ العالم بزيارة غير متوقعة للرئيس كيم جونغ أون إلى الصين للتباحث مع نضيره الصيني شي جين بينغ، وعلى الأغلب للتباحث حول قيمة وجدوى أي اتفاق يتم توقيعه مع ترامب.

والسؤال هنا، لماذا أقدم ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ومن المستفيد، وما هي دلالاته؟
السبب الأول وكما أشرنا في المقدمة هو (عقدة أوباما)، أي أن ترامب يريد أن يعارض سلفه على كل شيء، حتى أصبح اسم أوباما هوساً يطارده في يقظته ومنامه.
كذلك يدل هذا الانسحاب على أن إسرائيل هي التي تسيِّر ترامب وإدارته. فقد بقيت إيران تثير الرعب في الرئيس الإسرائيلي بنجامين نتنياهو رغم أنه يعرف جيداً أن إيران لا تريد شن حرب على إسرائيل، وإنما العكس هو الصحيح، أي أن إسرائيل هي التي تشن حرباً على القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، إضافة إلى ضربها للقوات السورية، أي أن إسرائيل تحارب من يحارب الإرهاب في سوريا وهذا يعني أن إسرائيل وأمريكا تدعمان الإرهاب ويستخدمانه لتدمير سوريا ودول المنطقة. وغني عن القول أن هذه السياسة هي جزء من الضغوط التي تفرضها أمريكا وإسرائيل وحلفائهما من الدول الخليجية على إيران وسوريا وكذلك العراق، إلى أن توافق هذه الدول على تبني سياسة التطبيع مع إسرائيل.
والمستفيد الآخر والأكثر من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، ودق طبول الحرب هو شركات الأسلحة الغربية وخاصة الأمريكية، وذلك بتخويف الدول الخليجية الغنية من البعبع النووي الإيراني، لشراء المزيد من الأسلحة وإجبار بقية دول المنطقة لتبديد ثرواتها على سباق التسلح بدلاً من استثمارها في التنمية البشرية والازدهار الاقتصادي، وبالتالي غاية أمريكا وإسرائيل إبقاء شعوب المنطقة متخلفة لتتباهى إسرائيل بأنها هي وحدها واحة الديمقراطية المزدهرة في وسط الصحارى الدكتاتوريات العربية المتخلفة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
للمزيد من مقالات الكاتب:
http://www.alakhbaar.org/home/for-the-author/?auid=17
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- تقرير صحيفة الغارديان اللندنية
Revealed: Trump team hired spy firm for ‘dirty ops’ on Iran arms deal
https://www.theguardian.com/uk-news/2018/may/05/trump-team-hired-spy-firm-dirty-ops-iran-nuclear-deal?CMP=share_btn_link
2- ترامب يعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران
http://www.bbc.com/arabic/live/44038996

3- أسف فرنسي وأوروبي وترحيب إسرائيلي بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني
http://www.akhbaar.org/home/2018/5/243936.html

4- ما هي أهم بنود الاتفاق النووي الإيراني؟
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-44056226


5- عبدالخالق حسين: الاتفاق النووي الإيراني انتصار للعقل والاعتدال
http://www.akhbaar.org/home/2013/11/158377.html

69
مرة أخرى، لماذا نؤيد أمريكا في العراق ونعارضها في سوريا؟

د.عبدالخالق حسين

توضيح لا بد منه
سبق وأن نشرت هذا المقال في العام الماضي إثر القصف الأمريكي لسوريا بتهمة استخدام القوات السورية النظامية السلاح الكيمياوي في خان شيخون، وقد شجبتُ القصف الأمريكي بمقال، فعارضني عليه بعض القراء، واعتبروه تناقضاً مني في تأييد أمريكا في العراق ومعارضتها في سوريا، لذلك نشرتُ المقال أدناه لتوضيح موقفي. ومع الأسف يبدو أن ذاكرة الناس ضعيفة، فبعد تكرار نفس السيناريو في دوما السورية قبل أيام، وتكرر معها القصف الثلاثي هذه المرة (الأمريكي-البريطاني-الفرنسي)، وعلى أثره نشرت مقالين، الأول فندت فيه التهمة، والثاني أدنتُ فيه هذا العدوان، وتكرر نفس الاعتراض ضدي من قبل البعض، وعليه رأيت من المفيد إعادة المقال، إذ كما قيل: في الإعادة إفادة !.
19/4/2018
*****

سألني عدد من القراء الأفاضل: لماذا تؤيد أمريكا في العراق، وتعارضها في سوريا؟ أليس في هذا الموقف تناقض و ازدواجية؟ فأمريكا هي أمريكا، وراء مصالحها، سواءً كانت في العراق أو سوريا، أو أي بلد آخر... وليس لسواد عيون الشعوب، و أن البعث هو بعث، سواءً كان في العراق أو في سوريا، وبشار الأسد لا يختلف عن صدام حسين...الخ. ولا ننسى أن بشار الأسد كان يجند الإرهابيين من شذاذ الآفاق، وبمساعدة السعودية والدول الخليجية الأخرى يوم كان على وئام معهم، ويرسلهم إلى العراق لقتل العراقيين الأبرياء وتدمير مؤسساتهم الاقتصادية، فلماذا هذا الدفاع عن النظام البعثي في سوريا؟
وفي سجال مع صديق، قال: (ان ما يريده نظام الأسد هو ان يصبح خيار العالم هو بينه وبين داعش، لذلك تعمد ان لا يحاربها في أول الأمر، وركز على محاربة القوى الأخرى لأنها تشكل خطراً اكبر على نظامه كونها تمثل معارضة شرعية لدكتاتوريته البعثية العائلية.) ويضيف: (لا اعتقد ان نظاماً أدى الى تهجير ثلث شعبه ومقتل مئات الآلاف من الممكن اعادة تأهيله، لأنه مرفوض من قبل غالبية شعبه. ومن الضروري ان نتذكر ان غالبية اللاجئين والدمار في المدن السورية هو بفعل قوات النظام وليس عمليات داعش على العكس من الوضع في العراق)). انتهى الاقتباس.

لا شك أن أغلب هذه الاعتراضات صحيحة ومشروعة، فقد عانى الشعب العراقي الكثير من الإرهابيين الذين أرسلهم بشار الأسد إلى العراق إلى أن أنقلب السحر على الساحر، ولكن كعراقيين، نحن نواجه اليوم أزمة كبيرة ومعقدة، اختلطت فيها الأوراق، وتداخلت فيها الخنادق كما يقولون. وعليه يجب أن نكون دقيقين وحذرين في التمييز بين الوضع في البلدين، ونحسب حسابات المستقبل، من الذي سيحكم سوريا بعد إسقاط النظام الحالي.

في البدء، أود أن أؤكد على مسألتين: الأولى، أن الوضع العراقي سواءً في عهد صدام، أو بعده، يختلف كلياً عن الوضع السوري، إذ ليس هناك تشابه بينهما إلا في اسم الحزبين (البعث). وهناك مبدأ طبي يقول: (Every case should be treated on its merits)، أي (كل حالة يجب أن تعالج وفق استحقاقها). وهذا المبدأ صحيح في جميع المجالات وبالأخص في السياسة. ولكن المشكلة أن هناك من لا يرى إلا اللونين الأسود والأبيض فقط، ولا يرى الألوان الأخرى، أو المساحة الرمادية التي يختلط فيها الأسود والأبيض.

والمسألة الثانية، أنه من حقنا التمسك بحرية التعبير عن موقفنا من أمريكا و إيران و سوريا، أو أية دولة أخرى، و حسب ما تتخذه حكومات هذه الدول من مواقف وإجراءات، نراها صائبة أو خاطئة وفق اجتهاداتنا. نؤيدها إن كانت صائبة، ونعارضها إن كانت خاطئة. وهذه الصراحة في التعبير عرضتنا إلى اتهامات بالعمالة لهذه الجهة أو تلك، أو بالتذبذب في المواقف. وعلى سبيل المثال هناك كاتب يتهم كل من يختلف معه في الرأي بالعمالة لأمريكا وإسرائيل!!. لذلك نقول لهؤلاء أن عملاء أمريكا وإسرائيل هم الذين يشتمونهما في العلن ويخدمونهما في السر. نحن نؤيد أمريكا في العراق لأنها حررت الشعب العراقي من أبشع نظام همجي في التاريخ، والآن تساعده في حربه الضروس على الإرهاب البعثي الداعشي المتوحش، ولسنا من ناكري الجميل. وننتقد أمريكا في سوريا لأنها قصفت مطاراتها بناءً على فبركة استخدام السلاح الكيمياوي وهي تهمة باطلة، بدليل أنها أي (أمريكا) لحد الآن تعارض التحقيق في مصدر السلاح الكيمياوي في خان شيخون.
 
لذلك لا أرى  في موقفي هذا أي ازدواجية أو تذبذب كما يرى البعض، بل أعمل وفق الاختلاف بين ظروف البلدين، و ما أتوقعه من نتائج لما يجري فيهما، وذلك كما يلي:
أولاً، أنا لا اعتقد أن (بشار تعمد ان لا يحارب داعش، وركز على محاربة القوى الاخرى "المعتدلة"). إذ هكذا تم تخطيط لما سمي بانتفاضة "الربيع العربي" عند اندلاعها عام 2011 في سوريا، بتظاهرة قام بها تلامذة مدرسة ابتدائية في درعة، وانتشرت في العديد من المدن الأخرى وبسرعة تحولت إلى "انتفاضة" مسلحة تقودها منظمات إسلامية متطرفة مثل جبهة النصرة والأخوان المسلمين، ومن ثم داعش، وعشرات التنظيمات الإسلامية المتوحشة الأخرى التي عملت كل ما في وسعها لتدمير الحضارة وآثارها التاريخية وحرق البشر والشجر وكل شيء جميل في سوريا. والكل يعرف أن هذه التنظيمات كانت وما زالت ممولة ومدعومة من قبل السعودية وقطر وتركيا.
وليس صحيحاً أن الجيش السوري لم يحارب داعش وأخواتها، فالجيش السوري قام وبدعم من حلفاء سوريا بتحرير محافظة حلب وتدمر ومناطق عديدة أخرى كانت محتلة من قبل داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية المتوحشة.

وربما المقصود بالقوى الأخرى، ما يطلق عليها في الغرب بـ(المعارضة المعتدلة)، التي تناضل من أجل الديمقراطية العلمانية. بينما الكل يعرف أن المعارضة الديمقراطية العلمانية الحقيقية لا تحمل السلاح إلا نادراً، وفي حالة الدفاع عن النفس فقط، لأنهم أناس مثقفون مسالمون يريدون الإصلاح السياسي بالوسائل السلمية وليس بحرق البشر وهم أحياء. أما المعارضة "المعتدلة" التي تحمل السلاح، وتدعمها أمريكا، فبشهادة صحيفة الإندبندت اللندنية، هي غير موجودة إلا في الإعلام الغربي. وعلى سبيل المثال قامت أمريكا بتدريب نحو 150 مقاتلاً سورياً "معتدلاً" في أمريكا، وجهزتهم بأحدث الأسلحة والتكنولوجية الحربية المتطورة، وصرفت عليهم وعلى تجهيزاتهم ما قدر بنصف مليار دولار. ولكن بعد إكمال تدريبهم، ما أن دخلوا سوريا عبر الحدود مع تركيا، حتى وانضموا إلى داعش بكامل تجهيزاتهم. و لا أعتقد أن الاستخبارات الأمريكية غبية ومغفلة إلى هذا الحد بحيث لم تكن تعرف حقيقة هؤلاء المعارضين "المعتدلين". ومن هنا نعتقد أن أمريكا تعمدت في التظاهر بالغفلة لتدريب الدواعش القتلة مموهين بثياب الاعتدال والديمقراطية.

ثانياً، إن إنتفاضة الشعب السوري ليست عفوية كما حصل في تونس وغيرها، بل تم التخطيط لها في الدوائر الغربية. ففي مقابلة تلفزيونية مع المحطة الفرنسية (LCP)، كشف الوزير الفرنسي للشؤون الخارجية السابق رولان دوما، أنه تم التخطيط للحرب ضد سوريا قبل عامين من "الربيع العربي"، إذ قال: (كنت في إنجلترا لأعمال الأخرى قبل عامين من بدء العنف في سوريا. التقيت مع كبار المسؤولين البريطانيين الذين اعترفوا لي أنهم كانوا يستعدون لشيء في سوريا... وكان ذلك في بريطانيا وليس في أمريكا. وكانت بريطانيا تقوم بتنظيم المتمردين لغزو سوريا. وطلبوا مني إذا كنت راغباً في المشاركة على الرغم من أنني لم أعد وزير الشؤون الخارجية آنذاك،... وبطبيعة الحال رفضتُ، وقلت أنا فرنسي لا مصلحة لي في هذا الشأن). التقرير الكامل في الهامش(1)، ولقطة فيديو قصيرة (دقيقة ونصف) مترجم إلى العربية (2) من المقابلة. كما ويرجى مشاهدة (خطاب السفير السوري د.بشار الجعفري في مجلس الأمن يوم 12-4-2017)(هامش رقم 3) 

ثالثاً، وعليه فقد تم تحريض وتجييش الشعب السوري، وتنظيم العصابات الإرهابية ضد حكم بشار الأسد بإثارة الطائفية، وبتمويل ودفع من السعودية وقطر وتركيا، وأمريكا وبريطانيا، لأسباب باتت معروفة وعلى رأسها تقارب الأسد مع إيران وروسيا، ورفضه المصالحة وتطبيع العلاقة مع إسرائيل.
بالمناسبة، أنا لست ضد المصالحة مع إسرائيل على شرط ضمان حقوق الشعب الفلسطيني بقيام دولته المستقلة. وبالتأكيد لم يكن قصد السعودية وقطر وتركيا إقامة نظام ديمقراطي في سوريا، فـ"فاقد الشيء لا يعطيه".

رابعاً، صحيح أن بشار الأسد هو بعثي ودكتاتور، إلا إنه لم يكن بشراسة وغطرسة صدام حسين. فجرائم البعث الصدامي ضد الشعب العراقي وشعوب المنطقة لا تعد ولا تحصى، يعرفها الجميع ولا أرى ضرورة لذكرها. ولا ننسى أن البعث السوري قد استضاف المعارضة العراقية في عهد صدام بجميع فصائلها وانتماءاتها الإسلامية والقومية، واليسارية والكردية والتركمانية وغيرها دون أي تمييز.

خامساً، إن التدخل الأمريكي في العراق كان ومازال في صالح العراق. فوضع العراق في عهد صدام لم يشبه وضع سوريا الآن، إذ لم يكن نصف مساحته محتلة من قبل داعش وجبهة النصرة كما الحال في سوريا الآن، عدا كردستان التي كانت شبه مستقلة ومحمية من قبل أمريكا وبريطانيا منذ عام 1991 بقرار من الأمم المتحدة، ومازالت كردستان شبه مستقلة. وقد حاول الشعب العراقي مراراً التخلص من البعث الصدامي من خلال انتفاضاته المسلحة التي باءت بالفشل، وانتهت بمئات المقابر الجماعية، والغازات السامة، والأنفال، وفرار خمسة ملايين في الشتات. لذلك لم يكن أمام المعارضة العراقية في الداخل والخارج سوى مطالبة المجتمع الدولي بقيادة أمريكا لتحريره من هذا النظام المتوحش. بينما أمريكا في سوريا تريد إسقاط حكم بشار الأسد على الطريقة التي اسقطت بها حكومة معمر القذافي في ليبيا بالقصف الجوي عن بعد وتخريب البلاد وقتل العباد، وترك الشعب في فوضى عارمة بلا حكومة، نعرف نتائجها الآن في ليبيا.

سادساً، في الحالة العراقية عملت أمريكا لتحرير العراق، ليس من النظام الجائر فحسب، بل وحتى من ديونه التي بلغت مئات المليارات الدولارات، وتخفيف تعويضات الحروب العبثية التي أشعلها صدام حسين في المنطقة، إضافة إلى ما ساهمت به أمريكا بعشرات المليارات الدولارات لإعمار العراق. أما التداعيات التي حصلت ما بعد تحرير العراق، فهي من نتاج فلول البعث بدعم وتحريض وتمويل دول الجوار مثل السعودية وقطر وتركيا، التي أشعلت الفتن الطائفية وأرسلت الإرهابيين لقتل العراقيين بغية إفشال العملية السياسية ووأد الديمقراطية. ولكن بفضل يقظة المخلصين من أبناء شعبنا، و وجود القوات الدولية بقيادة أمريكا، صمدت العملية السياسية ونجحت الديمقراطية رغم الظروف الصعبة وضجيج الإعلام المضاد لتشويه صورتها.

سابعاً، لو كان رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي مرناً بما فيه الكفاية، وعمل بفن الممكن في السماح لبقاء عدة آلاف من القوات الأمريكية في العراق، لما تمكنت داعش من احتلال ثلث مساحة العراق، وما كلف ذلك من دمار و دماء ودموع العراقيين لتحرير هذه المناطق الآن. لذلك نعتقد أن وجود القوات الأمريكية في العراق عند تحريره، وحالياً ومستقبلاً، ضرورة ملحة تفرضها ظروف العراق ومصلحته وأمنه وسلامته ورفاه شعبه، وسنأتي على هذا الموضوع بمقال لاحقاً.

ولكل ما سبق، ولأسباب أخرى كثيرة، نعتقد أن الوضع السوري يختلف كلياً عن الوضع العراقي، فعند إسقاط نظام البعث الصدامي، كان العراق تحت سيطرة القوات الدولية بقيادة أمريكا، التي حافظت  على أرواح الناس من أعمال انتقامية على قدر الإمكان، وساعدت في إقامة  نظام ديمقراطي ضم جميع مكونات الشعب العراقي، بينما إذا ما سقط نظام بشار الأسد الآن، فليس هناك أي بديل ديمقراطي يحل محله، ولا قوات أمنية قادرة، سورية أو أجنبية لحماية أرواح الناس وممتلكاتهم من الأعمال الإنتقامية، إذ كما صرح سفير أمريكي سابق لدى الحلف الأطلسي في مقابلة له مع البي بي سي، محذراً من مغبة إسقاط حكومة بشار الأسد، لأن إسقاط الأسد سيترك فراغاً أمنياً وسياسياً يملأه الإرهابيون المتعطشون للدماء، والانتقام من الأقليات الدينية وإبادتها. وبالتالي إقامة نظام التوحش والفوضى العارمة الهدامة، شبيهاً بنظام طالبان في أفغانستان، أو على الأقل شبيهاً بما حصل في ليبيا. أما في العراق فلو كان البديل عن صدام حسين هو الإرهاب الداعشي لاخترنا نظام صدام. ولكن لحسن الحظ كان البديل هو المعارضة الديمقراطية التي ملأت الفراغ، وأقامت نظاماً ديمقراطياً لم يشهده العراق في كل تاريخه، يضم ممثلين لجميع مكونات الشعب العراقي دون إستثناء، وحسب ما أفرزته صناديق الاقتراع، وبرعاية الأمم المتحدة ودعم القوات الدولية بقيادة أمريكا.

خلاصة القول، إذا كان المطلوب منك أن تختار بين الخير والشر، فلا تحتاج إلا إلى ذكاء الإنسان العادي لتختار الخير. ولكن أن تختار بين الشر والشر، فهنا تحتاج إلى أكثر من الذكاء العادي، إذ تحتاج إلى الحكمة التي تحتم عليك أن تختار الأقل شراً، أي أهون الشرين. و بما إن بشار الأسد أقل شراً من داعش وجبهة النصرة وبقية شلة التوحش، فمن الحكمة والأفضل دعمه في هذه المرحلة العصيبة، خاصة وأن الرجل أخذ درساً بعد كل هذه الكوارث، وهو على استعداد لإجراء التغيير بعد تطهير سوريا من دنس الوهابيين الدواعش، وترك الأمر للشعب السوري ليقرر مصيره، ودون إغراق سوريا في فوضى عارمة كما حصل في الصومال بعد محمد سياد بري، أو أفعانستان في عهد طالبان، أو ليبيا بعد القذافي، وهو خطر وبيل على جميع دول المنطقة.
ومن كل ما سبق من اختلاف بين البلدين، أرى من الحكمة تأييد الدور الأمريكي في العراق، ومعارضته في ضرب سوريا. أي معالجة كل حالة وفق استحقاقها.
14/4/2017
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
كافة مفالات الكاتب:
http://www.akhbaar.org/home/for-the-author/?auid=17
ــــــــــــــــــــــ
مصادر
1- شهادة لوران ديما وزير خارجية فرنسا السابق تتعلق بما يجري بسورية في 15/6/2013
  Former French Foreign Minister: The War against Syria was Planned Two years before “The Arab Spring”
http://www.globalresearch.ca/former-french-foreign-minister-the-war-against-syria-was-planned-two-years-before-the-arab-spring/5339112

2- لقطة فيديو (دقيقة ونصف) مترجمة إلى العربية من المقابلة التلفزيونية، قنبلة فرنسية فجرها لوران ديما وزير خارجية فرنسا السابق تتعلق بما يجري بسورية
https://www.youtube.com/watch?v=qe98iMZXUPs

3- خطاب السفير السوري د.بشار الجعفري في مجلس الأمن 12-4-2017 (فيديو 20 دقيقة)  https://www.youtube.com/watch?v=InGHVRUP3Ng&app=desktop   

4- Ex-UK Ambassador: Assad wasn't behind the chemical attack
https://www.youtube.com/watch?v=pS6Oa_aDS6E

روابط لمقالات أخرى للكاتب، ذات صلة بالموضوع
أغراض القصف الأمريكي لسوريا
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=896
الهجوم الأمريكي على سوريا إلى أين؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=895
ما الغاية من مجزرة الموصل؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=893
من المسؤول عن مجزرة الموصل؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=892

70
شيطنة العدو لتبرير إبادته
د.عبدالخالق حسين

الملاحظ من أدبيات وفتاوى شيوخ التنظيمات الإرهابية، القاعدة وداعش وغيرهما، أنهم يحاولون إبراز خصومهم بأسوأ ما يمكن، والحط من قدرهم إلى ما دون مستوى البشر، وشيطنتهم (Demonizing them)، ونعتهم بالشر المطلق، وأنهم أعداء الله والبشرية، وحتى دون مستوى الحيوان، ولذلك فهم لا يستحقون الحياة، وإبادتهم واجبة للتقرب إلى الله، وكسب مرضاته، وقال الشيخ حسن الترابي مرة في هذا الخصوص: "وهل هناك أكثر قربى إلى الله من إرهاب أعدائه".

هذا التكتيك الإعلامي لمسخ العدو، الذي اتبعه الإرهاب السلفي الوهابي، يمارسه الآن الإعلام الغربي ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وحلفائه، روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، لتبرير ضرباتهم الصاروخية وإسقاط الحكومة السورية.
فالإدارة الأمريكية فبركت تهمة استخدام السلاح الكيمياوي ضد حكومة بشار الأسد عندما تأكد لهم اقتراب ساعة النصر على الإرهاب، لكي يجهضوا النصر(1). فالمتتبع لتغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخطابه عند إعلانه الهجوم الصاروخي فجر يوم 14 نيسان/أبريل الجاري، يراه يصف الرئيس الرئيس السوري بشار الأسد بالغول، وبأنه حيوان وحشي همجي قاتل الأبرياء، وخاصة الأطفال والنساء، ويردد الإعلام الغربي هذه التغريدات إضافة إلى مشاهد بالصوت والصورة صب المياه على رؤوس الأطفال لإزالة الغازات السامة المزعومة منهم، في فبركة تم فيها استخدام آخر التقنية المعلوماتية المتطورة إلى أرقى مستوى ليحدثوا أكبر تأثير في نفوس المشاهدين، وليبرروا هجومهم الصاروخي على سوريا وتدمير ما تبقى منها. كما وجه ترامب خطابه إلى روسيا وإيران قائلاً لهم أي نظام همجي هذا الذي تدعمونه؟ و قال أيضاً: "حشدتْ بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية قواها الخيرة ضد البربرية والوحشية". فهو هنا يصف قواه بقوى الخير وقوى خصومه بقوى الشر والبربرية والوحشية. وهذا هو الأسلوب المتبع لتجريد العدو من أية صفة بشرية، وإبرازه بالهمجي ضد الحضارة والإنسانية لتبرير تصفيته وإبادته.

ولكن لو ألقينا نظرة حيادية على ما يجري في المنطقة، لرأينا أن أقرب حلفاء أمريكا وبريطانيا وفرنسا مثل السعودية والإمارات ودولة قطر، هم الذين يقومون، ولعامين متتاليين بأبشع هجمة همجية بربرية على الشعب اليمني المغلوب على أمره، وتسببوا في قتل عشرات الألوف من الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير شبه كامل لمؤسساته الأقتصادية والخدمية، وتخريب المدن والقرى وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها في قصف جوي مستمر وبالأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وبمباركة من حكومات هذه الدول. فإذا كان الرئيس الأمريكي وحلفاؤه يتألمون ويذرفون دموع التماسيح على أطفال دوما في سوريا، فلماذا يشاركون ويباركون في قتل أطفال اليمن؟ ولماذا، على الأقل، لا ينصحون حلفاءهم بوقف هذه المجازر ضد الشعب اليمني البائس؟ 
كذلك يسكتون عن جرائم نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية في ارتكابه المجازر ضد الشعب الفلسطيني الأعزل عندما يقوم هذا الشعب بمجرد تظاهرة سلمية ضد احتلال بلاده؟ ومن هنا نرى مدى النفاق والكذب ودموع التماسيح على أطفال دوما السورية. 

استنتاجات من الهجمة الصاروخية
كشف لنا العدوان الثلاثي (الأمريكي-البريطاني-الفرنسي) الأخير على سوريا حقائق عدة، و كما يلي:
أولاً، أن رؤساء الحكومات الغربية، وخاصة الكبرى منها، هم ليسوا من يحكمون ويتخذون القرارات، بل هناك ما يسمى بالتجمع السري(secret society)، هو الذي يحكم من وراء الكواليس. فقبل فبركة تهمة السلاح الكيمياوي ضد سوريا، صرح ترامب أنه يريد سحب القوات الأمريكية من سوريا، وأعطى إشارات أنه يخطط للانسحاب من منطقة الشرق الأوسط المضطربة ، لأنها كلفت أمريكا ترليونات الدولارات خلال العقود الماضية ودون أية فائدة لأمريكا. فهذا الموقف يرفضه صناع القرار في التجمع السري، وخاصة اللوبي الصهيوني المناصر لإسرائيل، لذلك ما كان منهم إلا وفبركوا تهمة السلاح الكيمياوي في دوما، وأبرزوا على شاشات التلفزة مناظر الأطفال "المصابين" بالغازات السامة المزعومة، وبذلك أرغموا ترامب على التراجع عن قراره في الانسحاب من سوريا واتخاذ قرار الهجوم الصاروخي عليها.

ثانياً، وقد سبقت هذه المسرحية زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى بريطانيا وأمريكا، والتي تم خلالها عقد عدة صفقات ضخمة لشراء الأسلحة تقدر قيمتها بمئات المليارات الدولارات(2)، وأكَّد لهم دفع تكاليف الصواريخ التي سيقصفون بها الشعب السوري وباسم حمايته من بشار "الحيوان الوحشي" على حد تعبير ترامب.

ثالثاً، والجدير بالذكر أن الوسائل الإعلامية الغربية رغم ما تتمتع به من حرية التعبير، والنقد والاستقلالية، إلا إنها في حالات معيَّنة مثل هذه، تلتزم بسياسة حكوماتها حتى ولو كانت باطلة، وعلى سبيل المثال، عندما قام صدام حسين باستعمال الغاز السام في حلبجة، تبنى الاعلام الغربي جانب العراق ووضع المسؤلية على ايران، لأن صدام في ذلك الوقت كان صديق الغرب الحميم، وينفذ سياساتهم ضد إيران الإسلامية. ولكن لما قام صدام بغزو الكويت، وصار عدواً للغرب،عندها قامت الحكومات الغربية ووسائل إعلامها بقول الحقيقة وتوجيه التهمة إلى صدام حسين في تسميم حلبجة في كردستان وأهوار الجنوب. ولم يكتف الإعلام الغربي بهذه الحقائق ضد صدام، بل وفبركوا ضده الأكاذيب أيضاً، مثلاً تهمة قيام الجنود العراقيين بسرقة حاضنات الأطفال الخدَّج من مستشفيات الكويت، وجاؤوا بفتاة أدعوا أنها كانت ممرضة كويتية في إحدى تلك المستشفيات، وهي تبكي على الأطفال، وتبين فيما بعد أنها كانت ابنة الشيخ سعد الصباح، وزير خارجية الكويت آنذاك، وكانت التهمة فبركة اعترف بها الاعلام الغربي، ولكن بعد أن نفذت التهمة غرضها.

رابعاً، كذلك نعرف العلاقة الحميمة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن لما حصلت عملية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في بريطانيا، بغاز الأعصاب، واتهام روسيا بها، وتصعيد الحرب الدبلوماسية ضد روسيا وبوتين لتشويه صورتهما في العالم، قامت أمريكا وبقرار من ترامب، بطرد نحو مائة دبلوماسي روسي من أمريكا. وعلى الأغلب أُرغم ترامب على أخذ هذا القرار ضد رغبته، مما يدل على أن أمريكا يحكمها ناس وراء الكواليس، وحسب ما تقتضيه مصلحة المؤسسات الحاكمة في الغرب. والجدير بالذكر أن كل هذه الاجراءات تصب في مصلحة إسرائيل.

خامساً، نلاحظ أن أمريكا التي سارعت في الهجوم الصاروخي ولم تنتظر إعلان نتائج إجراء تقصي حقيقة السلاح الكيمياوي، اقترحت بعد القصف على مجلس الأمن الدولي تشكيل لجنة من خبراء "مستقلين" لتقصي الحقائق في سوريا. وبالتأكيد، الغرض من تشكيل هذه اللجنة بعد القصف هو لمعرفة نتائج القصف الصاروخي الأخير، ومدى جدواه. والسؤال هنا، ماذا سيكون موقف أمريكا لو خرجت اللجنة بنتيجة تنفي فيها استخدام السلاح الكيمياوي من قبل القوات السورية؟ والملاحظ أيضاً أنهم من الآن راحوا يقولون أن القصف لم يدمر كل مخازن السلاح الكيمياوي، وذلك ليمهدوا للاتهامات القادمة كلما اقترب النظام السوري من النصر على الإرهاب، فهم لا يريدون هزيمة الإرهاب وخلاص الشعب السوري منه، بل ليستمر إلى أن يحقق الدمار الكامل لسوريا وإرغامها على المصالحة مع إسرائيل.

سادسا، رغم ما يثيره الإعلام الغربي، وخاصة الأمريكي من انتقادات لاذعة، وهجوم بالغ على الرئيس الأمريكي ترامب، وإبرازه بالمجنون والمختل عقلياً، والإباحي والمهووس جنسياً، وأنه فاز بالانتخابات الرئاسية بمساعدة بوتين...الخ، وآخر ما قيل في هذا الخصوص، تصريحات جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي(FBI) السابق، لمحطة (ABC) الأمريكية، (أن ترامب غير لائق اخلاقياً ليكون رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، ويعامل النساء كما لو كن "قطعا من اللحم.")(3)، إلا إن جميع وسائل الإعلامية الغربية هذه، وحكوماتها وقفت مع ترامب وقفة رجل واحد وبصوت واحد في هجومه الصاروخي على سوريا.
ربما سيسارع البعض باتهامنا بأننا نؤمن بنظرية المؤامرة، ولكن كل ما ذكرناه أعلاه هو الحقيقة الواضحة للعيان، وليس له أي تفسير آخر.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبد الخالق حسين: تهمة الكيمياوي السوري ذريعة لتدمير المنطقة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=595436

2- تقرير عن صفقات الأسلحة التي عقدها محمد بن سلمان مع أمريكا في زيارته الأخيرة لواشنطون
Rabat – President Trump offered what many are describing as “embarrassing” welcome to Saudi Prince Mohamed bin Salman in the White House on Tuesday.
https://www.moroccoworldnews.com/2018/03/242836/donald-trump-mohamed-bin-salman/

3- مدير أف بي آي السابق، جيمس كومي: ترامب "غير لائق أخلاقيا" لرئاسة الولايات المتحدة
http://www.bbc.com/arabic/world-43781761



71
تهمة الكيمياوي السوري ذريعة لتدمير المنطقة

د.عبدالخالق حسين

هناك عدة أسباب تجعلنا نعتقد بأن التهمة الموجهة للنظام السوري باستخدام السلاح الكيمياوي ضد المعارضة هي ملفقة من قبل إدارة دونالد الترامب، وحلفائها، والأسباب هي:
1- من غير المعقول أن يقوم النظام السوري باستخدام الكيمياوي ضد المعارضة وهو على وشك النصر النهائي، والحرب على وشك الانتهاء. وفعلاً تحقق هذا النصر حسب تقرير بي بي سي اليوم 12/4/2018 : (القوات السورية "تسيطر على الغوطة الشرقية بالكامل وترفع العلم في دوما"(1).

2- ولماذا تعطي الحكومة السورية ذريعة لأمريكا بالتدخل المباشر خاصة وهي تعرف من تجربتها السابقة أن أمريكا ستستغل هذه الحجة للتدخل المباشر وإجهاض النصر.
3- وكما قال المندوب السوري في مجلس الأمن الدولي، السيد بشار الجعفري: (الغريب ان المواد الكيميائية المزعومة لا تصيب المسلحين بل تستهدف الاطفال والنساء فقط!!)(2). والملاحظ أن ترامب يسكب دموع التماسيح على أطفال دوما في مسرحية هزيلة ومفضوحة، بينما لم يحرك ساكناً إزاء ألوف الأطفال الذين يموتون في اليمن عن طريق القوات السعودية وبالأسلحة والطائرات الأمريكية  وبمباركة أمريكا ورئيسها ترامب.
4- لماذا رفضت أمريكا تشكيل لجنة من الخبراء المستقلين للتحقيق في حقيقة استخدام الكيمايوي، وأصرت أن بلادها ستتدخل بغض النظر عن موقف مجلس الأمن الدولي؟
5- قبل عدة أسابيع هددت فرنسا بأنها ستتدخل إذا ما استخدم النظام السوري الكيمياوي ضد المعارضة، وهذا يعني أنهم كانوا يهيئون المناخ لهذا التدخل، والآن لفقوا هذه التهمة لتبرير تدخلهم.

ومن كل ما تقدم، نرى أن الغرض من هذه التهمة الملفقة هو إيجاد الذريعة لتدخل التحالف الثلاثي: (الأمريكي-البريطاني-الفرنسي) المباشر بعد أن فشلت محاولاتهم في إسقاط النظام السوري بواسطة التنظيمات الإرهابية لسبع سنوات ماضية، وبالتالي لإيجاد ذريعة بالتدخل المباشر بنفس الطريقة التي تم بها إسقاط حكومة معمر القذافي في ليبيا، خاصة وأن الحرب السورية على وشك الانتهاء بتحقيق النصر لصالح النظام السوري.

السؤال الآخر هو: لماذا يعمل التحالف الثلاثي لتدمير سوريا؟
في الحقيقة ليست سوريا وحدها المستهدفة من هذه المغامرة الخطيرة، وإنما حلفاء سوريا أيضاً، وهم: روسيا، وإيران، وحزب الله اللبناني.
وأما سبب العداء لروسيا فهو لأن الغرب لا يريد أية دولة تنهض بحيث تنافس نفوذ أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط خاصة، والعالم بصورة عامة. وهذا العداء كان في عهد الاتحاد السوفيتي بحجة الخطر الشيوعي المهدد للنظام الديمقراطي الرأسمالي الغربي حسب زعمهم. لذلك استمروا في الحرب الباردة، والحروب الساخنة بالوكالة، والحملات الإعلامية بتخويف شعوبهم من البعبع الشيوعي. ولما سقط النظام الشيوعي كانوا يأملون أن تبقى روسيا ضعيفة ومفككة لا تستطيع النهوض، وساعدهم في ذلك السكير بوريس يلتسن، الذي باع ممتلكات الدولة بسعر التراب على المقربين والانتهازيين الروس وخلق منهم مليارديرية بين عشية وضحاها، وجعل نحو ثلث الشعب الروسي يعيشون على الكفاف والقمامة.

ولما جاء فلاديمير بوتين إلى الرئاسة عام 2000، وأثبت القوة والنشاط والدهاء السياسي في إعادة بناء روسيا الاتحادية على أسس قوية بحيث صارت دولة قوية كبرى تنافس الغرب، وعلى رأسه أمريكا، أعاد الغرب العداء لروسيا، والعمل على تشويه صورتها، وبالأخص صورة الرئيس بوتين. فروسيا اليوم صارت تنافس أمريكا في احتلال مواقع النفوذ في الشرق الأوسط، وهذا لا يلائمها. و أخيراً بدأت الحملة الجديدة بحرب الجواسيس الروس في الغرب، وقضية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في بريطانيا، وتصعيد الحرب الدبلوماسية ضد روسيا وبوتين لتشويه صورتهما في العالم.
أما تهمة الكيمياوي السوري، فالمستهدف هو النظام السوري، وإيران، وحزب الله اللبناني، لأن هذا التحالف يهدد إسرائيل التي هي ولاية أمريكية في المنطقة، وأمنها من أمن أمريكا. لذلك طالما بقيت دول الرفض (سوريا وحلفائها) في حالة رفض التطبيع مع إسرائيل، فهذه الحروب ستستمر في المنطقة بمحتلف الأشكال، غير المباشرة بواسطة التنظيمات الإرهابية المدعومة من حلفاء أمريكا في المنطقة مثل إسرائيل والسعودية وقطر والإمارات، أو التدخل المباشر علن طريق القصف الجوي كما حصل لليبيا واليمن، وهذه الحروب من شأنها تأخير الاستقرار، والأمن والتنمية البشرية، والازدهار الاقتصادي في دول المنطقة الرافضة للتطبيع. كما ونجحت أمريكا في كسب الدول الخليجية الغنية مثل السعودية وغيرها، إلى جانبها وجانب إسرائيل.

وباختصار شديد، أن السبب الرئيسي لهذا الصراع هو ليس الدفاع عن الشعب السوري من دكتاتورية بشار الأسد كما يدعون، فأبشع دكتاتورية في العالم هو النظام السعودي العائلي الاستبدادي المطلق الحليف لأمريكا وإسرائيل. وكذلك لمحاربة النفوذ الروسي في المنطقة والعالم.

فالعالم اليوم على كف عفريت، والقصف الصاروخي الأمريكي وحلفائها المرتقب ضد سوريا قد يشعل الحرب العالمية الثالثة. فقد هدد السفير الروسي في لبنان أن أي هجوم صاروخي على سوريا ستواجهها روسيا بإسقاطها، وضرب مصادرها، أي البوارج الحربية الأمريكية في الأبيض المتوسط التي ستنطلق منها الصواريخ. لذلك، لا نبالغ إذا قلنا أن تهمة الكيمياوي الجديدة المفتعلة والتي راد منها إيجاد الذريعة لضرب سوريا من قبل أمريكا وحليفاتها، قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الدولتين الكبريين، روسيا وأمريكا، وبالتالي إلى إشعال فتيل حرب عالمية جديدة لا تبقي ولا تذر.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذو صلة
1- بي بي سي: القوات السورية "تسيطر على الغوطة الشرقية بالكامل وترفع العلم في دوما"
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-43737702

2- بشار الجعفري يوجه ضربة قاضية للمتآمرين في مجلس الأمن
http://www.alalam.ir/news/3484871








72
قانون شركة النفط الوطنية أكبر جريمة بحق الشعب العراقي
د. عبدالخالق حسين
عاتبني أصدقاء على "سكوتي" عما يجري من جريمة نصب واحتيال لسرقة الثروات النفطية العراقية، المصدر الرئيسي لمعيشة الشعب العراقي، وإعمار ما خربه العهد البعثي البائد، وذلك بتمرير قانون شركة النفط الوطنية العراقية من قبل البرلمان العراقي يوم 5/3/2018، ومصادقة السيد رئيس الجمهورية عليه دون تأخير(1).

في الحقيقة إن سبب عدم مشاركتي في الكتابة حول هذا الموضوع الخطير هو: أولاً، أن الموضوع من أصحاب الاختصاص من الخبراء في النفط، وما أكثرهم والحمد لله، وأغلبهم أبلوا بلاءً حسناً في تنبيه الشعب عن هذه المؤامرة القذرة، وثانياً، أني بين حين وآخر أمر بفترات النفور من الكتابة، ولكن هذا لا يعني أن ليس لنار رأي في هذا الخصوص، أو التوقف عن المتابعة، إذ كنت أقوم بتعميم ما تفضل به الزملاء من مقالات رائعة في هذا المضمار، وهذا يعني أني معهم في آراءهم وطروحاتهم قلباً وقالباً. على أية حال، غرضي من هذا المقال السريع هو استجابة لمن طالبني مشكورين، أن أدلو برأيي بهذا القانون، وأحث وأنبه مع غيري، الجماهير عن مخاطره، للإتنتفاض بإلغائه وهو في المهد.

ولعل أخطر ما جاء في هذا القانون التآمري، ومقالات مؤيديه، أنهم قاموا بالتلاعب بالألفاظ، وسوء تفسير مواد الدستور، فمثلاً  تقول المادة (111) من الدستور (النفط والغاز ملك للشعب العراقي)، وقد حاول الذين كتبوا القانون خدع الشعب، وليّ عنق الحقيقة بـ(أن النفط هو ملك الشعب وليس ملك الحكومة!!!)، وبذلك فهم يريدون شق خندق بين الشعب وحكومته المنتخبة، وتحريض الشعب لدعم هذا القانون باعتباره هو المالك الحقيقي للثروة وليست الحكومة. يعني (شيِّم البدوي وخذ عباته!). وهذا أكبر كذبة في التاريخ. فالشعب يتكون من عشرات الملايين من الأفراد، تحكمه حكومة ديمقراطية منتخبة من قبل نواب الشعب. وبالتالي فالحكومة هي وحدها المخولة للتصرف بواردات ثروات الشعب وإدارة شؤونه، وليس مجلس إدارة الشركة غير المنتخب.

لذك حاول هؤلاء إرشاء المواطن العراقي لشراء تأييده للقانون وسكوته عن الجريمة، فقد نصت المادة (13- ثالثا، ب من القانون)، على جعل نسبة من أرباح الشركة تقرر بموجب الموازنة السنوية توزع على أسهم متساوية القيمة لجميع المواطنين المقيمين في العراق (ولا يجوز بيع أو شراء أو توريث الأسهم، وتسقط عند الوفاة)(2)
في الحقيقة، وحسب تحليل الخبراء، هذه النسبة ضئيلة جداً لا تنقذ المواطن الفقير من فقره، وإنما تضر بميزانية الدولة، وتخلق بيروقراطية ضخمة وباهظة التكاليف لإدارة هذه النسبة وتوزيعها على المواطنين.

لا شك أن الغرض الرئيسي من هذا القانون هو التمهيد لخصخصة الثروات النفطية، وذلك باستنساخ التجربة الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث قامت حكومة السكير بوريس يلتسن ببيع المؤسسات النفطية الروسية على المقربين منه والنصابين والمحتالين بسعر التراب، وتبين فيما بعد أن قيمة هذه المؤسسات الحقيقية تعادل آلاف المرات سعر بيعها، فتحول هؤلاء النصابون بين عشية وضحاها، إلى مليارديرية ، ومنهم من فر إلى الغرب لينعم بثرواته الهائلة التي سرقها من الشعب الروسي، وجعلوا ثلث الشعب الروسي في فقر مدقع يعيش على القمامة.
أيها العراقيون يجب أن تستفيدوا من تجارب الشعب الروسي.

يجب عدم السماح لخصخصة مؤسسات الدولة إطلاقاً، وتحت أية ذريعة كانت.
لذلك نهيب بجماهير شعبنا، وأحزابه الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني، ونخبه المثقفة الواعية، القيام بكل الوسائل المشروعة لإلغاء هذا القانون الإجرامي، وجعله مادة انتخابية في الانتخابات القادمة، بأن يشترط الناخب على المرشح البرلماني بأن لا يمنح صوته إلا لمن يشمل إلغاء هذا القانون في حملته الانتخابية، و يتعهد له بذلك في حالة فوزه.
فالحكومة أمامها واجبات كبيرة ومسؤوليات خطيرة لإعمار العراق بعد عشرات السنين من الحروب العبثية، وتدمير مؤسساته الاقتصادية، وبناه التحتية، وهذا الإعمار ومؤسسات التعليم والصحة وغيرها من المؤسسات الخدمية يحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات، ولذلك لا يمكن إطلاقاً التخلي عن مؤسساته النفطية وبيعها في سوق الخردة على مجموعة من الفاسدين واللصوص والنصابين والمحتالين.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- المصادقة على قانون شركة النفط الوطنية.. انتقدته محافظات منتجة ورفضته أخرى
http://www.akhbaar.org/home/2018/3/242239.html

2- فؤاد قاسم الأمير: قانون شركة النفط الوطنية العراقية، هل هو قانون لشركة نفط وطنية أم لتهديد وتبديد العوائد النفطية؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=593754




73
علي الوردي وفالح عبد الجبار: هل فاق التلميذ أستاذه؟

د.عبدالخالق حسين

بعد الرحيل المبكر لعالم الاجتماع العراقي الدكتور فالح عبدالجبار وهو في أوج نضاله ونشاطه الفكري، لا يكل ولا يمل رغم قلبه المُتعب، كتب العديد من الكتاب الأفاضل مقالات تأبينية عنه، تقديراً لنضاله، وتثمينا لعطائه الفكري الغزير. ولعل أعمق مقال تأبيني قرأته عن الراحل، في رأيي، هو مقال الكاتب والإعلامي الدكتور حميد الكفائي الموسوم: (فالح عبد الجبار: عاش فاعلاً ومات واقفاً)(1)، المنشور في صحيفة الحياة اللندنية. وكان المقال بحق عميقاً ومكثفاً في تقييم الراحل، ودوره في النضال العسير، والطويل إلى آخر لحظة من حياته، حيث انتابته أزمة قلبية إثناء مقابلة تلفزيونية في بيروت مقر إقامته، أودت بحياته.

ومما قاله الكاتب معاتباً السلطة العراقية: " لم ينل فالح ما يستحقه من اهتمام عراقي رسمي، على رغم أن الجميع يعترف بفضله على المثقفين والصحافيين والباحثين، عراقيين ومهتمين بالعراق، عبر أبحاثه الرصينة وتعاونه معهم. لم يهتم قادة العراق الجدد بهذا العالم الكبير الذي فاق علي الوردي في قيمة الأبحاث التي قدمها والنشاطات التنويرية التي مارسها. ...الخ"

وقد لفت انتباهي، وأثار فضولي قول الكاتب أن الراحل فالح عبدالجبار (قد فاق علي الوردي في قيمة الأبحاث التي قدمها والنشاطات التنويرية التي مارسها. ...الخ.) فلحد علمي لم يتفوَّق كاتب أو عالم اجتماع عراقي على الراحل علي الوردي، الذي يعتبره البعض ابن خلدون عصرنا، وقد أكون مخطئاً ، ودون إنكار دور الراحل فالح في رصانة و دقة أبحاثه العلمية التي لا تقدر.

لذلك اتصلت بالصديق الكفائي حول هذا الموضوع، ودخلنا في نقاش ودي عبر البريد الإلكتروني جرنا إلى المقارنة بين العالمين الجليلين، ودون أن ينكر أي منا فضلهما في خدمة الشعب العراقي. ومما قاله الأخ الكفائي في هذا الخصوص أن فالح كان يقول عن علي الوردي (أنه استاذه ومعجباً به... ). ويعلق الصديق قائلاً: (... ولكن فالح أعمق وأكثر جدية منه وأكثر دقة. علي الوردي يتميز بأنه كان يكتب للناس العاديين وهذا سر نجاحه،  بينما فالح يكتب للمتخصصين...). ثم عدد الأخ الكفائي نقاط الاختلاف بين المفكرين العملاقين، مثلاً قوله أن (فالح اهتم بكيفية بناء الدولة العصرية ومسؤوليات هذه الدولة تجاه المجتمع وإمكانية تغييره نحو الأفضل عبر الدولة، بينما اهتم الوردي بشخصية الفرد وتفكير الأفراد، ودور رجال الدين فيه، وفي اسناد الحكام ونحى بذلك منحى تأريخيا فاصبح مؤرخا من حيث يدري أو لا يدري ....إلى آخره).

هذه المحاورة الممتعة أوحت لكل منا بكتابة مقال حول الموضوع. الأخ د.حميد أن يكتب مقارنة بين هذين العالمين الجليلين. وأنا أكتب عن ضرورة التزام المصلح الاجتماعي بالوضوح والبساطة في كتاباته لإيصال أفكاره إلى أكبر عدد ممكن من القراء بغض النظر عن مستوياتهم الثقافية، مع التوكيد أنه من الصعوبة إيفاء الموضوع حقه في مقال، لأنه واسع وممتع ومتشعب خصوصا وأن المقال يتناول شخصيتين عملاقتين هما الوردي وفالح.

لقد قرأت جميع مؤلفات الوردي أكثر من مرة، كذلك كنت أتابع مقالات فالح على الانترنت، واحتفظت بالكثير منها في حاسوبي، منذ عام 1999. كما وقرأت له عدة كتب عندما كان عضواً في الحزب الشيوعي. ولكن لم يخطر ببالي أنه فاق العلامة علي الوردي... فكل شيء ممكن، ولا شك أن الراحل كان معجباً بالوردي. والجدير بالذكر أني عارضته مرة في عام 1999 عندما نشر مقالاً في صحيفة السفير اللبنانية، بعنوان: (معارضة تاريخية.. معارضة ظرفية)، وكان ضد تحالف المعارضة مع أمريكا في ذلك الوقت، بينما أنا كنت مع الرأي القائل أن المعارضة لوحدها لا تستطيع إسقاط النظام بدون الدعم الأمريكي، لذلك كتبتُ رداً عليه بمقال: (معارضة عملية... معارضة شعاراتية)، ونشرته السفير أيضاً، ومازلتُ محتفظاً بالمقالين. كذلك شاركتُ معه مرة في ندوة في لندن بعد سقوط النظام، وكعادته، كان رائعاً. لا شك أنه مؤسف جداً أن نخسر هكذا قامة علمية وطنية باسقة، وهي في أوج عطائها الفكري والنضالي.
والجدير بالذكر، أن هناك اتجاهين لدى الإصلاحيين، الأول يرى أنه من الأفضل أن يبدأ الإصلاح الاجتماعي، أو السياسي، أو الديني، من فوق إلى القاعدة (Top down)، أي أن يكسب المصلح الطبقة السياسية الحاكمة، والنخب المثقفة من المتخصصين الإنتلجنسيا. ويبدو أن د.فالح عبدالجبار كان من هذا الاتجاه. لذلك كان يخاطب المتخصصين والنخب المثقفة. أما الاتجاه الثاني فيرى البدء في الاصلاح من الجماهير أي من القاعدة إلى الأعلى (Bottom up). وعلي الوردي من هذا الاتجاه، لذلك اتبع اسلوباً اتصف بالبساطة والوضوح لمخاطبة الجماهير وكسبهم، وقد نجح في ذلك.

لا شك أن هناك فوارق كثيرة بين على الوردي و فالح عبدالجبار، فالأول كان أستاذاً جامعياً وأكاديمياً في علم الاجتماع، ولم يكن سياسياً أو منحازاً لأي حزب سياسي، وجاء في عهد يختلف كلياً عن العهد الذي عاشه الثاني. ولكنه في نفس الوقت كان الوردي جريئاً في انتقاده الشديد للسلطات المتعاقبة، والجماهير، ورجال الدين المثاليين، وخاصة الذين كانوا يداهنون السلطة عبر التاريخ، فأطلق عليهم عبارة (وعاظ السلاطين) التي هي من ابداعاته، وكان على الدوام ومنذ العهد الملكي يطالب بتبني النظام الديمقراطي الليبرالي دون كلل أو ملل.

بينما الراحل فالح عبدالجبار انخرط في الأحزاب السياسية الثورية، ففي بداية نشاطه السياسي في شبابه انضم إلى حزب البعث، وحتى كان حرساً قومياً أثناء انقلاب 8 شباط 1963 الدموي. ولكن ما يُسجل له أنه أدان هذا الحزب الفاشي، وتبرأ منه، والحزب مازال في السلطة، وانضم إلى الحزب الشيوعي المعارض الذي كان مضطهداً من قبل سلطة البعث، ومعظم أعضائه إما مشردون، أو في السجون يواجهون الموت والتعذيب. وهذه صفة نادرة في التاريخ، ودليل على وعي وحيوية ضمير فالح. كذلك ومنذ التسعينات من القرن الماضي استقل الدكتور فالح وكما الوردي، تبنى الديمقراطية الليبرالية، وواصل نشاطه كباحث أكاديمي مستقل في الشأن العراقي.

فأي من المدرستين (Bottom up Vs Top down) على صواب؟
في رأيي أن المصلح الاجتماعي والسياسي يجب أن يكون واضحاً في لغته، وطرح أفكاره كي يفهمها الناس العاديون قبل المتخصصين، ليكون لكتاباته تأثير فعّال على أوسع الجماهير، وبالتالي يكسب الشارع إلى جانبه، وهذا ما اتبعه الوردي وحقق نجاحاً باهراً كما أشرنا أعلاه. فعلي الوردي لم يكن حكواتي أو قصخون، كما يتصور البعض من نقاده، بل كان مصلحاً اجتماعياً من واجبه إيصال أفكاره التنويرية إلى جماهير الشعب، بأسلوبه السهل الممتنع، يضفي عليها بعبقريته البساطة، ويجعلها سهلة الفهم من قبل الناس ومهما كان مستواهم التعليمي أو الثقافي.

أما إذا كتب المصلح للخاصة المتعلمين وبلغة غامضة ورطانة علمية لا يفهمها إلا المتخصصون، ترفعاً على العوام، فهو كما يقول المثل المصري: (يبيع المية في حارة السقايين). و مما يذكر أن هناك كتّاب وفلاسفة إما يتعمدون في جعل كتاباتهم غامضة على الفهم، وذلك باستخدام الحذلقة اللفظية، والتعبيرات المزوقة، واستخدام الرطانة العلمية (jargons)، أو ليست لديهم فكرة واضحة لينشروها بوضوح.

وفي هذا الخصوص يقول الفيلسوف الأمريكي دانيال دانيت، أستاذ الفلسفة في (MIT)، في كتابه القيم (Breaking the Spell)، أنهم دعوا مرة الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو، ليلقي محاضرة، وبعد أن انتهى من الإلقاء، سألته سيدة: يا سيد فوكو نحن افتهمنا محاضرتك، وكنتَ واضحاً في كلامك، فلماذا جميع كتاباتك غامضة يصعب علينا فهمها؟
فأجاب فوكو قائلاً، أن السبب هو أن في فرنسا عادة متأصلة، إذا كان الكاتب واضحاً في كتاباته لا يعترفون به كفيلسوف، لذلك، وليعترفوا به فيلسوفاً، ولا يتهمونه سطحياً، يجب عليه أن يجعل على الأقل 25% من كتاباته غامضة عصية على الفهم!!!
هذه العادة، مع الأسف، شائعة في مجتمعاتنا العربية أيضاً، إذ هناك رأي مفاده أنه كلما صعب علينا فهم كتاب أو مقال، كان دليلاً على عمق ثقافة الكاتب والكتاب، وأن القارئي لم يصل بعد إلى مستوى يجعله يفهم ما يقوله الكاتب!
 
لذلك أنا أميل إلى أسلوب الوردي الواضح، وبدون حذلقات لفظية، وتعبيرات غامضة. فالبساطة والوضوح في التعبير فن يطلق عليه (أسلوب السهل الممتنع). وفي هذا الخصوص يقول أينشتاين: "إذا لم تستطع شرح فكرتك لطفل عمره ستة أعوام، فأنت نفسك لم تفهمها بعد! فأي أحمق يستطيع أن يجعل الأمور تبدو أكبر وأكثر تعقيداً، لكنها تحتاج للمسة من عبقري لتبدو أبسط!"

على أية حال، وبالعودة إلى كتابات الراحل فالح عبدالجبار، فإنها لم تكن من الغموض والتعقيد بحيث لا يمكن المتعلم العادي أن يفهمها. ولا شك أن بحوثه كانت عميقة ودقيقة، وأنها كانت موجهة للمتخصصين لكي يكسبهم إلى الإصلاح. وكما استنتجنا (الأخ الكفائي وأنا)، أننا في الحقيقة بحاجة إلى الإثنين، الوردي وفالح، فكل منهما مكمل للآخر. ولهما الذكر الطيب.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة:
1- د. حميد الكفائي: فالح عبد الجبار: عاش فاعلاً ومات واقفاً
http://www.alhayat.com/Opinion/Hamid-Al-Kafaee/27772590/فالح-عبد-الجبار--عاش-فاعلاً-ومات-واقفاً
 
2- الموقع الفرعي لفالح عبدالجبار في الحوار المتمدن
http://www.ahewar.org/m.asp?i=787







74
ما البديل عن مؤتمر الكويت لاعمار العراق؟

د.عبدالخالق حسين

بدأت الحملة الضارية ضد مؤتمر الكويت (المنعقد في 13-14 فبراير/شباط 2018)، لاعمار العراق، وطبَّلوا وروَّجوا بفشله حتى قبل انعقاده. والمتتبع لهذه الحملة يرى وراءها  نفس الوجوه والجهات التي حاربت، وما تزال تحارب العراق الجديد منذ 2003 وإلى الآن. فهؤلاء يغيظهم أي نجاح، أو عمل جيد لصالح العراق، وهم خبراء في تشويه الحقائق، وتضليل الرأي العام، ونشر أقوال ظاهرها حق وغاياتها باطلة. وكالعادة تمسكوا بذريعة الفساد لإلحاق المزيد من الضرر بالعراق، وكأن الشعب العراقي لم ينجب إلا الفاسدين.

أعتقد أن مؤتمر الكويت كان ضرورياً ولم يكن منه  بد، وليس كما يروج البعض أن العراق راح يستجدي العالم لإعمار ما خربه الإرهاب والفساد. فالعراق تضرر أكثر من أي بلد آخر من الإرهاب البعثي الداعشي، ودفع عشرات الألوف من الشهداء من أبنائه في محاربة الإرهاب نيابة عن العالم، إضافة إلى الدمار الشامل لمدنه، وخاصة مدن المناطق الشمالية الغربية التي احتلتها عصابات داعش. لذلك فمن حق العراق أن يطالب العالم أن يتحمل قسطاً من مسؤولياته من تكاليف الإعمار، وهذا ليس استجداءً أو إهانة لكرامة الشعب كما يروِّج البعض. فالعراق لا يعاني من عقدة الكرامة.

والجدير بالذكر أن أمريكا قامت بإعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وفق (خطة مارشال)، ولم يقل أحد أن هذه المساعدات كانت استجداءً، أو إساءة لكرامة الشعوب الأوربية وسيادتها. كما وساعدت أمريكا في إعمار العراق بعد 2003 بما لا يقل عن 60 مليار دولار لغاية 2014. فنحن في عصر العولمة  حيث أصبحت المشكلة الوطنية مشكلة دولية. ومحاولة عزل العراق عن الدعم الدولي ليست جديدة، إذ سبق أن طالب هؤلاء حتى بعدم مشاركة أمريكا والقوات الدولية في دعم العراق في حربه على الإرهاب بعد 2014، بدعوى أن وجود هذه القوات في العراق إساءة للسيادة الوطنية، ولا يعتبرون احتلال داعش لثلث مساحة العراق إساءة للسيادة الوطنية. وبنفس الاسطوانة المشروخة أدعوا أن أمريكا هي عدوة للعراق وهي التي خلقت داعش والقاعدة... الخ، وأوجدت داعش لكي ترسل قواتها للعراق ثانية بحجة محاربة الإرهاب!! لا شك أن هذه الدعوات تصب في خدمة (داعش) وفلول أيتام البعث وأشباه البعث. 

فالعراق، وحسب تقديرات الحكومة العراقية يحتاج إلى 88 مليار دولار لاعمار مدنه المخربة، وكان يأمل من المؤتمر أن يتعهد الحلفاء بهذا المبلغ. وقد شارك في المؤتمر 77 دولة، كما و حضره الأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيريس، و وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موريغيني و حشد إعلامي عالمي كبير، فكان المؤتمر عبارة عن تظاهرة دولية لدعم العراق وإبراز ما تضرر من الإرهاب. ورغم ما تحقق من تعهدات المشاركين كان دون الطموح، إذ كما صرح وزير خارجية العراق الدكتور إبراهيم الجعفري: إن "المؤتمر تمكن من جمع 30 مليار دولار امريكي، ونحن نثمن الدول والمنظمات التي اعطتنا منح او قروض او استثمارات خلال المؤتمر". إلا إن هذا المبلغ بحد ذاته ليس قليلاً، ولا يعني أن عقد المؤتمر كان خطأً، أو إهانة للشعب العراقي كما يدعون. وماذا كانوا سيقولون لو لم تسع الحكومة العراقية لعقد مثل هذا المؤتمر؟ بالتأكيد لرفعوا عقيرتهم بالصراخ أن هذه الحكومة ليست مهتمة بما أصاب العراق من دمار.

والمضحك المبكي أن ادعى آخرون ضد المؤتمر أن في حالة نجاحه سيوفر الفرصة للفاسدين في الحكومة لسرقة المزيد من الأموال. فما الحل في هذه الحالة، هل إبقاء الخراب على حاله، وعدم محاولة الاعمار، وإلى متى؟ المؤتمر أيها السادة لم يفشل كما تمنى أعداء العراق، نعم كانت نتائجه أقل من الطموح، فالاتصالات لم تنه بعد، ولحد الآن وكما ذكرنا أعلاه، نجح المؤتمر في ما تعهدت به الدول الحليفة للعراق بنحو ثلاثين مليار دولار على شكل منح واستثمارات وديون، وهذا المبلغ يجب أن لا يُستهان به (1 و2). وفي جميع الأحوال، نجح المؤتمر أم فشل في تحقيق الطموح فهو إجراء لا بد منه، إذ كما قيل: أن تحاول وتفشل خير من أن لا تحاول.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مؤتمر الكويت لاعمار العراق يختتم اعماله بجمع 30 مليار دولار
http://www.akhbaar.org/home/2018/2/240717.html

2-
Allies promise Iraq $30 billion, falling short of Baghdad's appeal
https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-iraq-reconstruction-ku/allies-promise-iraq-30-billion-falling-short-of-baghdads-appeal-idUSKCN1FY0TX



75
ما البديل عن رحيل القوات الأمريكية؟
د.عبدالخالق حسين

نقرأ في وسائل الإعلام تصريحات من بعض المسؤولين العراقيين، في مزايدات وطنية رخيصة، يطالبون فيها برحيل القوات الأمريكية التي ساهمت مع القوات الدولية بدعم القوات العراقية في حربها على الإرهاب وتحرير ثلث مساحة العراق من الإحتلال الداعشي الإرهابي الغاشم. فلولا هذا الدعم لكان الخلاص من الإرهاب أكثر تكلفة للعراق في الأرواح والأموال. وآخر تصريح في هذا الخصوص هو لعضو برلماني أدعى أن (بقاء القوات الأمريكية في العراق مخطط لتقسيم البلد)(1). والكل يعرف أن رحيل القوات الأمريكية في نهاية عام 2011 هو الذي أدى إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات شبه مستقلة.

تفيد الحكمة أن (العاقل يتعلم من أخطائه، والأعقل يتعلم من أخطاء غيره، أما الغبي فلا يتعلم حتى من أخطائه)، ويبقى يعيد نفس الأخطاء إلى ما لا نهاية. نسي السيد النائب هذا أنه لولا إصرار السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، وبضغوط إيرانية ومن الموالين لها من المسؤولين العراقيين، على رحيل القوات الأمريكية لما سيطرت عصابات داعش على ثلث مساحة العراق وبدون إطلاق رصاصة واحدة، بينما كلَّف تحريرها عشرات المليارات الدولارات، وعشرات الألوف من أرواح العراقيين، ودمار شبه شامل لتلك المناطق التي ستكلف إعادة إعمارها أرقاماً فلكية ولعدة أجيال من الزمن.
والسؤال هنا، لماذا هذا الإصرار والعناد على تدمير البلاد والعباد؟ وهل يحتاج العراق إلى احتلال إرهابي آخر على غرار الاحتلال الداعشي  السابق، وتحت أسماء أخرى مثل عصابات (الرايات البيض) المدعومة من جناح مسعود بارزاني، لكي يتأكد هؤلاء السادة أن الإصرار على رحيل القوات الأمريكية ليس في صالح العراق بل لتدميره تماماً؟

الذين يطالبون برحيل القوات الأمريكية من العراق هم من ثلاث فئات: جماعة تتزايد بالمشاعر الوطنية لأغراض إنتخابية، وهم على خطأ في فهم مزاجية الشعب، وأخرى بأوامر إيرانية، وثالثة من أيتام البعث والطائفيين لتسهيل عودة الدواعش حيث لهم آلاف الخلايا النائمة تنتظر الأوامر للإنطلاق في اللحظة المناسبة. إنهم كعادتهم، مصرون على تدمير العراق، لذلك يجب أن لا نسكت عنهم.

ومهما كانت دوافع أمريكا في دعم العراق، سواءً عند تحريره من أبشع وأشنع احتلال فاشي ألا وهو الاحتلال البعثي الصدامي، أو في حربه على الإرهاب، فالإرهاب أيها السادة هو مشكلة دولية تهدد الحضارة البشرية كلها، وأية مشكلة دولية تحتاج لمواجهتها إلى دعم دولي بقيادة الدولة العظمى التي هي أمريكا. والعراق محظوظ في هذه الحالة أن تتوافق مصلحته مع مصلحة العالم وعلى رأسها الدولة العظمى، ومن حق أمريكا أن تهتم بالشأن العراقي، فأمريكا دفعت في تحرير الشعب العراقي من الاحتلال البعثي الصدامي، أكثر من أربعة آلاف قتيل، وأكثر من أربعين ألف جريح ومعاق من قواتها المسلحة، ونحو ترليون دولار من التكاليف.

واليوم نحن نعيش في عصر العولمة، لذلك وكما ذكرت آنفاً، إن المشكلة الوطنية وخاصة الإرهاب الإسلامي الوهابي البعثي الداعشي، هي مشكلة دولية تحتاج إلى جهود دولية مشتركة بقيادة أمريكا لمواجهتها. لذلك يجب على العراقيين أن يكونوا واقعيين، ويتخلصوا من نزعة العداء لأمريكا التي تفشت في عهد الحرب الباردة. فوجود عدة ألاف من القوات الأمريكية في العراق لتدريب قواته لا يسيء إلى السيادة الوطنية. فالقوات الأمريكية موجودة حتى في بريطانيا، وعشرات الدول الأخرى مثل ألمانيا، و اليابان وكوريا الجنوبية وغيرها. فعن أية سيادة وطنية يتحدثون عندما احتلت عصابات داعش ثلث مساحة العراق، ودنست الأرض وهتكت العرض، وكانت كردستان عبارة عن إمارة بارزانية مستقلة، ومسعود بارزاني يهدد الحكومة المركزية؟

كذلك يحتاج العراق إلى الدعم الإيراني ، وعلى الحكومة الإيرانية ومن يواليها من المسؤولين العراقيين أن يتفهموا الموقف العراقي في علاقته مع أمريكا وفق (الاتفاقية الأمنية الإستراتيجية SOFA)، كما على أمريكا أن تعي أهمية وظرورة العلاقة الودية بين العراق وإيران، إذ كما أكد السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي مراراً، أنه ليس من مصلحة العراق أن تصبح أراضيه ساحة لحروب الوكالة بين إيران من جهة، والسعودية وأمريكا وحلفائها من جهة أخرى. فالعراق بوضعه الهش، وشعبه الممزق، وعشرات المليشيات الحزبية المسلحة، ليس من مصلحته الدخول في الاستقطابات الدولية والإقليمية. فالعراق يحتاج دعم الجميع.

لذلك نهيب بالسيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، أن لا يذعن لضغوط هؤلاء المطالبين برحيل القوات الأمريكية، وإلا سيكون مصيره كمصير سلفه السيد نوري المالكي الذي أذعن للضغوط الإيرانية. أي عودة احتلال إرهابي جديد، وتكرار سيناريو كل ما حصل منذ 10 حزيران 2014 إلى اليوم، وهذا يعني المزيد من الدمار، وأنهار من الدماء.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
 




76
لماذا المشاركة في الانتخابات واجب وطني؟

د.عبدالخالق حسين

إن أعداء الديمقراطية والعملية السياسية في العراق كثيرون ولكل أسبابه وغاياته، بينهم المتضررون من الديمقراطية، الذين لجأوا حتى إلى الإرهاب البعثي الداعشي، وتأليب عدد من دول الجوار، من أمثال طارق الهاشمي والأخوين النجيفي ومن لف لفهم، ومنهم من يريد تدمير الدولة العراقية لتحقيق إمارة باسم عائلته مثل مسعود بارزاني. وهؤلاء وأولئك لهم جيوش من الإعلاميين وكتاب مواقع التواصل الاجتماعي، يحاولون تضليل المواطنين والتشويش عليهم وبلبلة افكارهم. هؤلاء جميعاً مارسوا كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق مآربهم الشريرة، ابتداءً بالإرهاب ، و حملات الاعتصامات في ساحات المدن والمناطق الغربية تمهيداً لتسليم مناطقهم إلى داعش.

وبعد أن فشلت كل محاولاتهم، بدءً بهزيمة داعش وتدمير مناطقهم، وتشريد أهاليهم، وافتضاح أمرهم بالتآمر على الوطن لمصالحهم الشخصية، حتى فقدوا جماهيريتهم في مناطقهم، فلجأوا إلى حملات إعلامية تضليلية مطالبين في البداية بتأجيل الانتخابات، متذرعين بذرائع واهية مثل الانتظار إلى عودة النازحين إلى مناطقهم. والكل يعرف أن هذا العذر غير ممكن وغير صحيح، لأن العودة الكاملة للنازحين قد تتأخر إلى أجل غير معلوم، كذلك تعهدت مفوضية الانتخابات بتوفير الشروط اللازمة لتمكين النازحين من الإدلاء بأصواتهم وهم في مناطق نزوحهم. ولكن بعد أن فشلت محاولاتهم هذه في التأجيل بإصدار المحكمة الاتحادية العليا قرارا يقضي بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر في 12 مايو/أيار المقبل وفق نصوص الدستور وعدم تأجيلها(1)، عندها شنوا حملة ضارية مضللة أخرى يحرضون فيها المواطنين بمقاطعة الانتخابات، بحجة أنها ستأتي بنفس الوجوه من الفاسدين، وكأن الشعب العراقي أصيب بالعقم لا ينجب إلا سياسيين فاسدين !!

ومن دعاة عرقلة الانتخابات صحيفة المدى لصاحبها فخري كريم، المعروف بولائه لولي نعمته مسعود بارزاني، ومن خلال أجيره عدنان حسين الذي كرس كل إمكانياته الصحفية لخدمة أولياء نعمته حتى ولو بإلحاق الضرر بمصلحة شعبه وبذريعة خدمة الشعب. فعندما كان يعمل في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية اللندنية، كتب عدنان حسين مقالاً يطالب فيها السعودية، والكويت، وكل الدول الدائنة للعراق في عهد صدام إلى عدم التنازل عن ديونها، ليكون ذلك درساً للشعب العراقي كي لا ينجب قائداً مجرماً مثل صدام حسين في المستقبل!! وكأن صدام حسين استلم السلطة من خلال صناديق الاقتراع، وشن حروبه على دول المنطقة بعد استفتاءات شعبية حرة وعادلة لكي يعاقب هذا الشعب والأجيال القادمة بجريرة صدام. فالرجل منذ تعيينه في صحيفة (المدى) راح يواصل مناهضته للعملية السياسية تحت مختلف الذرائع، تارة باسم مناهضة الإسلام السياسي، رغم أنه يداهن ويتقرب إلى مقتدى الصدر وتياره الإسلامي، وأخرى باسم محاربة الفساد. طبعاً لم نقرأ له يوماً أي مقال ينتقد فيه جرائم مسعود بارزاني وما ألحقه من أضرار بالدولة العراقية.
يعرف عدنان حسين كصحفي محترف، كيف يدس السم بالعسل، ويلبس الباطل بلباس الحق، إذ يقول في عموده يوم 28 كانون الثاني/يناير الجاري: "مقاطعة الانتخابات، أيّ انتخابات، حقّ لمن يرغب فيها وله غاية منها، يعادل تماماً الحقّ في الانتخاب، ففي الحالين يكون الفرد قد مارس حريته الشخصية المقدّسة، ولا حقّ لأحد في لومه أو إرغامه على تغيير موقفه...الخ". ومن قراءة بقية المقال نعرف أنه يميل على المقاطعة.
نعم للمواطن الحق في المشاركة أو عدمها، ولا يجوز إرغامه على التصويت، ولكن بمثل ما يحق للسيد عدنان حسين التحريض على عدم المشاركة، كذلك يحق لغيره لوم من يرفض المشاركة، وحثه على المشاركة، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ولأن المشاركة في الانتخابات عمل وطني في خدمة الديمقراطية، وعدم المشاركة يخدم أعداء الوطن والديمقراطية.

والجدير بالذكر أن مناهضة الانتخابات البرلمانية لم تتوقف على بعض الصحفيين، بل طلع علينا قبل
أيام رجل دين شيعي معمم أصدر فتوى حكم فيها بـ«وجوب مقاطعة هذه الانتخابات بل وحرمة الحضور في مراكزها ولو لشطب الاستمارة "(2). يذكَّرني هذا الشيخ بالحديث المنسوب للنبي محمد(ص) قوله: "أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون". هذا الحديث ينطبق على هذا الشيخ المعمم الضال و المضلل، وهو على الضد مما يدعو إليه عالم الاجتماع الراحل علي الوردي الذي قال أنه لو كان رجل دين لأفتى بجعل المشاركة في الانتخابات واجباً دينياً ملزماً. فالانتخابات هي ثورة سلمية تزحف فيها الجماهير بتغيير الحكومة بقصاصة ورقة بدلاً من الرصاص (ballet instead of bullet)، لذلك يضيف الوردي في مكان آخر: أن "الحكومة التي لا تدرب رعاياها على اتباع طريق الثورة السلمية الهادئة، أي الانتخابات، سوف تجابه من غير شك ثورة دموية عنيفة في يوم من الأيام".

والمفارقة هنا أن الحكومة العراقية الراهنة هي التي تدعو للانتخابات، بينما بعض السياسيين والإعلاميين، ووعاظ السلاطين، وأولياء نعمتهم الذين يدعون زيفاً حرصهم على الديمقراطية، يطالبون الشعب بعدم المشاركة فيها... حقاً أنها لمهزلة.

أما التعلق بذريعة الفساد والخوف من عودة نفس الوجوه ، فالفساد لا يمكن محاربته بمقاطعة الانتخابات التي هي أهم شرط من شروط الديمقراطية، بل بالمشاركة الفعالة فيها من قبل جميع الذين يحق لهم التصويت، وحث الناخبين بانتخاب المرشحين الوطنيين الشرفاء. أما المقاطعة فهي عملية شل الناخب وتحويل صوته إلى صفر، والمعروف أن مجموع آلاف الأصفار هو صفر على الشمال لا قيمة له. لذلك فالذين يحرضون على المقاطعة هو اعتراف ضمني قاطع منهم أنهم فقدوا شعبيتهم، ولا أمل لهم بالفوز، لذلك يضللون الجماهير بحثهم على المقاطعة ولسان حالهم يقول: "عليًّ وعلى أعدائي يا رب".

الانتخابات أيها السادة هي عبارة عن دورات دراسية عملية لتدريب جماهير الشعب على ممارسة الديمقراطية وتعلم قواعدها واحترام نتائجها ومهما كانت. فكما قال ونستن تشرتشل: "الحكومة الديمقراطية هي ليست الحكومة المثالية، ولكن لحد الآن لا توجد حكومة أفضل منها". فالحكومة الديمقراطية قد تأتي ببعض الفاسدين، ولكنها في نفس الوقت تمتلك أدوات تصحيح أخطائها. وإذا ما فاز الفاسدون، على المقاطعين أن لا يلوموا إلا أنفسهم، فالدعوة لمقاطعة الانتخابات عملية إخصاء الجماهير وتجريدها من إرادتها ودورها في التغيير نحو الأفضل.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- المحكمة العليا العراقية تؤكد موعد الانتخابات البرلمانية
http://www.aljazeera.net/news/arabic/2018/1/21/المحكمة-العليا-العراقية-تؤكد-موعد-الانتخابات-البرلمانية
2- دعوات لمقاطعة الانتخابات في العراق بعد رفض التأجيل
مرجع شيعي يفتي بحرمة المشاركة والبعض يعتبرها موقفاً شخصياً
https://aawsat.com/home/article/1154026/دعوات-لمقاطعة-الانتخابات-في-العراق-بعد-رفض-التأجيل
3- د.عبدالخالق حسين: حذاري من تأجيل الانتخابات!
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=939

77
لا للتجنيد الإجباري!
د.عبدالخالق حسين

بين حين وآخر، وخاصة عندما تمر ذكرى تأسيس الجيش العراقي في 6 كانون الثاني/يناير من كل عام، نقرأ بعض الدعوات تطالب بإعادة التجنيد الإجباري الذي انتهى بعد  سقوط النظام البعثي في 9 نيسان/أبريل 2003. لا شك أن أغلب هذه الدعوات تصدر من عراقيين لا يُشك بوطنيتهم، وحسن نواياهم. وحجتهم في ذلك أن الخدمة العسكرية الإلزامية هي مدرسة للوطنية، يتعلم فيها العراقيون على حب الوطن، وتغرس فيهم الاستعداد للتضحية دفاعاً عن بلادهم، وعن حدودها من الأعداء، وتنمي فيهم الشعور بالمسؤولية ازاء الشعب والوطن، كما و تعوِّدهم على الانضباط. أما التجنيد الطوعي وبراتب مغري كمصدر رزق للجندي المحترف يعتمد عليه في معيشته، ومعيشة عائلته، فهذا قريب من الارتزاق في رأيهم. ولتأكيد هذا الرأي، يستشهدون بما حصل في يوم 10 حزيران/يونيو عام 2014 عندما امتنع الجيش العراقي عن حماية الموصل والمحافظات الغربية الأخرى من الاحتلال الداعشي، رغم أن القوات الأمنية العراقية المسلحة (الجيش والشرطة) المرابطة هناك كانت تفوق الدواعش بمئات المرات في العدة والعدد. وعليه يستنتجون أن التجنيد الإجباري كما كان قبل عام 2003، هو الحل الصحيح لمنع تكرار ما حصل من احتلال داعشي.

ورداً على هذا الموقف أعلاه، كتب لي صديق قائلاً: "بمناسبة الذكرى البهيجة لتأسيس الجيش الذي ذاق على يده أبناء الشعب المر والهوان ،،،، طلع علينا تنظيم سياسي بالدعوة للعودة الى نظام التجنيد الإلزامي سيء الصيت والذكر ،،،،، متناسيا ان التجنيد الإلزامي هو استعباد حقيقي أذاق أبناء الشعب انواع الذل والقهر" وأضاف: "طبعا أبناء المسؤلين يعيشون في الخارج حفظهم الله، وهم غير مشمولين بالتجنيد الإلزامي الذي يدعو اليه ذلك التنظيم وفقه الله!!). انتهى

وأنا إذ أؤيد بقوة كل ما جاء في رسالة الصديق، وأضيف أن الحكومات السابقة، كانت تستخدم الخدمة العسكرية الإجبارية كذريعة لعدم توفير فرص عمل مأجور لآلاف من خريجي المدارس والجامعات لمدة سنتين على الأقل. و لم يكن الأمر فقط العمل بدون أجر، ولكن أيضا وسيلة للسيطرة على المعارضة السياسية التي كان الشباب يشكلون غالبيتها. 
وفي الظروف الحالية لن يلتحق الا افرادا في التجنيد الاجباري ففي ايام البعث كانت فرقا عسكرية وأخرى حزبية وأمنية ودوائر انضباط تطارد الفارين وغير الملتحقين، ونفذ حكم الاعدام ببعضهم وقطعت آذان البعض الآخر، ووشمت جباههم بالحديد والنار، ومع ذلك لم تتم السيطرة على الحال فكيف الآن والبلد غارق في الفساد والمشاكل؟

كذلك من نافلة القول أن التجنيد الطوعي ليس السبب في سقوط المحافظات الغربية بيد داعش، ولا التجنيد الإجباري يعطي الضمانة والحصانة ضد تكرار الاحتلال الداعشي، إذ لا يمكن إلقاء اللوم على الجنود فيما حصل، فالجنود مأمورون بتنفيذ أوامر الضباط، سواءً كان التجنيد طوعياً أو إجبارياً. وغني عن القول أن الضباط في جميع العهود من تاريخ العراق، هم متطوعون اختاروا الخدمة العسكرية كمهنة لهم بعد دخولهم وتخرجهم في الكليات و المعاهد العسكرية، وانضموا إلى الجيش كعسكريين محترفين بإرادتهم الحرة، سواء كان قبل عام 2003 أو بعده. وهم الذين يعطون الأوامر للجنود (المتطوعين أو الإجباريين)، ويتحملون النتائج. فالجندي ملزم على تنفيذ أوامر الضابط ، وبخلافه يعاقب وفق القوانين العسكرية الصارمة قد تصل العقوبة إلى الاعدام رمياً بالرصاص.

أما احتلال المحافظات الغربية من قبل الدواعش عام 2014، فقد تم بالتواطؤ بين بعض القيادات السياسية المشاركة في العملية السياسية، وبين الضباط من أبناء تلك المناطق بحجة الإقصاء والتهميش، ودون إطلاق رصاصة واحدة كما بات معروفاً لدى القاصي والداني، ولا علاقة له بكون الجنود كانوا متطوعين. و قد كتبنا عن ذلك عدة مقالات، وعلى سبيل المثال نشير إلى مقالنا الموسوم: (تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ)*، أكدنا فيه أن سقوط هذه المناطق بيد (داعش)، كان بسبب مؤامرة محلية و دولية، شارك فيها ضباط قياديون في الجيش بدوافع طائفية وعنصرية، كان ولاءهم لقياداتهم السياسية، وليس للقائد العام للقوات المسلحة الذي هو رئيس الوزراء في العراق الديمقراطي كما نصَّ الدستور. وهؤلاء الضباط هم الذين أمروا الجنود بالذهاب إلى بيوتهم في إجازة مفتوحة، أما هم (الضباط)، فإما ذهبوا إلى بيوتهم أو لجأوا إلى أربيل، أو انضموا إلى تنظيم "داعش" الذين سموهم بالثوار.

ليس هذا فحسب، بل ارتكب هؤلاء الطائفيون الدواعش مجزرة بشعة ضد طلبة الطيران في القاعدة الجوية في تكريت، عُرِفت بمجزرة سبايكر، راح ضحيتها نحو 1700 شهيد بدوافع طائفية انتقامية لا لشيء إلا لأنهم من الطائفة الشيعية. ولنفس السبب قتل الدواعش نحو 670 سجيناً في سجن بادوش في الموصل على خلفيات طائفية.

ومن جانب آخر، أبلت فصائل الحشد الشعبي، بلاءاً حسناً مضحين بأرواحهم، في سبيل تحرير الأرض والعرض من دنس داعش، وهم متطوعون استجابوا للفتوى الجهاد الكفائي، مع بقية القوات الأمنية المسلحة الباسلة التي تم تطهيرها من الضباط المتخاذلين، والمتواطئين.

كذلك نرى معظم الدول الديمقراطية العريقة في العالم تخلصت من التجنيد الإجباري، وأسست قواتها المسلحة من المتطوعين، وبذلك بنت قوات عسكرية قوية محترفة للفنون القتالية بجميع الصنوف و المراتب. وبهذه الجيوش المحترفة حققت هذه الدول انتصارات ساحقة في الحروب. أما في العراق، وفي جميع العهود ما قبل 2003، كان الجندي الإجباري أول ما يتم تجنيده ينذر الذبائح لتسريحه سالماً،! وكانت مناسبة تسريحه من الجيش أسعد أيام حياته، لا بل أسعد من تحريره من السجن!

ومن كل ما تقدم نستنتج أن سبب انتصار، أو هزائم الجيوش في الحروب ليس بسبب كون التجنيد فيها على أساس إجباري أو طوعي، بل على مدى إيمان الضباط برسالتهم الوطنية، وبالقضية التي يدافعون عنها، وإخلاصهم للشعب والوطن، وانضباطهم العسكري وما تلقوه من تدريب.

لذلك ، نهيب بالمسؤولين في الدولة العراقية، وعلى رأسها الرئاسات الثلاثة والبرلمان بعدم الاستجابة للدعوات المطالبة بعودة التجنيد الإلزامي، لأنه مضيعة للوقت والجهد، بينما الجيش المبني على التطوع يكون أكثر مهنياً وإنضباطاً، والتزاماً برسالته الوطنية، وهذا واضح مما حققته قواتنا الباسلة من انتصارات ساحقة على الإرهاب الداعشي بعد أن توفرت لها القيادات المخلصة.
8/1/2018
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
* رابط لمقال ذو صلة
* د. عبد الخالق حسين: تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=656




78
هل ما يجري في إيران هو استنساخ للسيناريو السوري؟

د.عبدالخالق حسين

لا شك أن ما يجري من تظاهرات احتجاجية ضد النظام الإسلامي في إيران له مبرراته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما حصل في جميع البلدان العربية فيما سمي بانتفاضات الربيع العربي. فالشعب الإيراني عريق بحضارته وتاريخه المجيد، وتطلعاته لحياة مرفهة راقية تواكب الحضارة الحديثة، فيما عملت الحكومة الإسلامية إلى إعادته إلى القرون الوسطى و السير به إلى الوراء ضد سنة الحياة و قوانين حركة التاريخ التقدمية.

كما إن إيران بلد غني بثرواته الطبيعية، إلا إن الحكومة الإسلامية خلقت لها أعداء كثيرين وعلى رأسها أمريكا، الدولة العظمى، وبددت وارداتها الهائلة على عسكرة المجتمع والتسلح، والبرنامج النووي، إضافة إلى تكاليف مشاركتها في حروب الوكالة في سوريا ولبنان واليمن، وتهديدها بإزالة إسرائيل من الخارطة، التهديد الذي كلفها كثيرا، وتحمل الشعب الإيراني الكثير من شظف العيش، وارتفاع الأسعار ، ونسبة البطالة بمعدل 12.5% في عموم البلاد، والتي بلغت في بعض المدن إلى 60% ،  حسب تصريحات مسؤول إيراني.

هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، إذ كما قيل: (الشعب يمهل ولا يهمل)، فإذا لم تتدارك الحكومة الموقف، وحل هذه الأزمات وأسبابها، فلا بد للشعب أن ينفجر. وهذا ما حصل في الأيام الأخيرة من تظاهرات تتحدى رصاص السلطة، في عشرات المدن الإيرانية بما فيها العاصمة طهران، بل وحتى مدينة قم التي تعتبر مركز القيادة الدينية المؤيدة للنظام، ولحد كتابة هذه السطور، بلغ عدد القتلى أكثر من 20 من الطرفين (المتظاهرين والقوات الأمنية)، إضافة إلى إشعال النيران في بعض مؤسسات الدولة.

هذا الوضع لا بد وأن يتم استغلاله من قبل الحكومات الأجنبية المعادية للنظام الإسلامي في إيران مثل أمريكا وإسرائيل والسعودية، خاصة وقد هدد ولي العهد السعودي قبل أشهر أنهم يسعون لنقل الحرب إلى إيران نفسها. و بعد ذلك التهديد حصل هجومان إرهابيان احدهما داخل البرلمان الايراني، والآخر في مرقد الامام الخميني في يوم 7 حزيران 2017. وأعلنت وزارة الأمن الايرانية أن اكثر من مجموعة مسلحة حاولت تنفيذ عمليات ارهابية في طهران صباح ذلك اليوم، وألقي القبض على احداها قبل تنفيذها أي عملية ارهابية. وأعلن مسؤول الطوارئ الايراني أن الهجومين اسفرا عن 12 قتيلاً و 42 جريحا.
لذلك ليس مستبعداً أن ما يجري هذه الأيام في إيران من انفجار جماهيري كرد فعل على معاناة الجماهير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تم اختطافها وتفجيرها من قبل الحكومات الرجعية المعادية للنظام الحاكم.
هذا الاحتمال وارد، حيث حذرت منه اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الإيراني (تودة)، في بيان له بعنوان: (نضال الشعب الإيراني- المُحبط من الاضطهاد والطغيان والغلاء والاستبداد- ضد الدكتاتورية حقيقي ويجب ألا يُسمح باختطافه)(1). كذلك نشرت صحيفة الغارديان اللندنية مقالاً تحليلياً قيماً حذرت فيه من نتائج هذه الانتفاضة الجماهيرية، بعنوان: (الأفضل لاعداء إيران أن لا يتمنوا تغيير النظام)، جاء فيه: أن "التوترات مع المملكة العربية السعودية مرتفعة، و أي إضعاف للحكومة الإيرانية يمكن أن يؤدي إلى تصعيد خطير في المنطقة"(2).

فرغم ما يشاع عن الأزمة الاقتصادية في السعودية، إلا إن هذه "الأزمة" هي ليست وفق معايير الدول النامية، بل وفق معايير السعودية نفسها التي لا تقل وارداتها نحو مليار دولار يومياً، ولا تمنع ولي العهد محمد بن سلمان الذي شن حملة ضد الفساد،  قد اشترى له قصراً فارهاً بملغ يزيد على ثلاثمائة مليون دولار في لوفيسين بفرنسا، و يختاً طوله 440 قدماً من تاجر روسي بما يقرُب من خمسمائة وخمسين مليون دولار، ولوحة لدافنشي بسعر 450 مليون دولار. فهكذا دولة يصرف ولي عهدها مئات الملايين على الترف، وعشرات المليارات الدولارات على تدمير العراق وسوريا وليبيا، واليمن، لا مانع لديها أن تصرف بضعة مليارات أخرى على تدمير إيران، وأن تعيد فيها السيناريو السوري في تدمير المدن الإيرانية وتحيلها إلى خرائب وأنقاض. إن هذا السيناريو ممكن، و تداعياته على دول المنطقة وخاصة العراق، أشد وأنكى مما حصل في سوريا واليمن وليبيا. فهكذا بدأت الانتفاضة السورية عام 2011 فيما سيمت بانتفاضات الربيع العربي، بدأت بتظاهرات طلابية سلمية في مدينة درعا الجنوبية، ثم انتشرت كالنار في الهشيم في جميع المدن السورية، والتي لم تنتهي إلى اليوم، وأحالت المدن السورية إلى خرائب وأنقاض.

لذلك، على الحكومة الإيرانية أن تستفيد من تجارب غيرها. فمهما قيل عن القبضة الحديدية التي تستخدمها القوات الأمنية الإيرانية ضد المتظاهرين، إلا إن إرادة الشعب أقوى ولا بد أن تنتصر. فالنظام الإسلامي في إيران ليس أقوى من النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي وبقية الدول الاشتراكية التي سقطت في أوائل التسعينات من القرن الماضي، لا بسبب التدخل الخارجي، بل بسبب انتفاضة الجماهير ضد الأنظمة الشمولية التي فشلت اقتصادياً وفكرياً وسياسياً وأخلاقياً، ولم يبق أي مبرر تاريخي لوجودها. فالنظام الإسلامي الشمولي في إيران أو غير إيران محكوم عليه بالفشل ومهما استخدموا سلاح القمع. وللتقليل من الأضرار، عليهم أن يقوموا بالتغيير بأنفسهم على غرار ما قام به آخر رئيس سوفيتي، ميخائل غورباتشوف الذي بدأ بالانفتاح (غلاسنوت)، وبرنامج إعادة البناء (برسترويكا)، والذي مهد للتحول الديمقراطي بأقل ما يمكن من أضرار. وبدون ذلك ستكون العواقب وخيمة ليس على إيران وحدها، بل وعلى جميع دول المنطقة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- بيان اللجنة المركزية لحزب توده الإيراني: نضال الشعب الإيراني- المُحبط من الاضطهاد والطغيان والغلاء والاستبداد- ضد الدكتاتورية حقيقي ويجب ألا يُسمح باختطافه
http://taqadomi.com/%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-

2- رابط مقال الغارديان، بعنوان: الأفضل لاعداء إيران أن لا يتمنوا تغيير النظام
Iran's enemies would be wise not to wish for regime change
Tensions with Saudi Arabia are high, and any weakening of the Iranian government could lead to a dangerous escalation.
https://www.theguardian.com/world/2018/jan/01/iran-enemies-wise-not-wish-regime-change

 












79
الحشد الشعبي ما بعد داعش
د.عبدالخالق حسين

يمكن تقسيم مواقف العراقيين من الحشد الشعبي إلى ثلاث، موقف مؤيد بمنتهى الحماس، ويؤل له كل الانتصارات على داعش مع تجاهل دور جيشنا الباسل، وآخر معادي له ويعتبره مجرد مليشيات مسلحة لفصائل سياسية تابعة لإيران، لا تختلف في خطورتها عن داعش. وفريق ثالث معتدل، يرى أن الحشد تأسس في وقت مناسب استجابة لفتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها الإمام السيستاني يوم كان العراق مهدداً باحتلال داعش من شماله إلى جنوبه. والجدير بالذكر أن الإمام السيستاني كان دائماً بمثابة صمام الأمان للشعب العراقي، دون أي انحياز لهذا المكون أو ذاك، وهو صاحب مقولة (أهل السنة هم أنفسنا).

ومن شدة حماسه، راح الفريق الأول يطالب بترشح الحشد في الانتخابات وتحويله إلى تجمع سياسي لمكافأته على تضحياته، الأمر الذي رأيتُ فيه خطراً على مستقبل العراق والعملية السياسية، لذلك نشرتُ مقالاً بعنوان: (لا لمشاركة الحشد الشعبي في الانتخابات)(1). وقد عاتبني البعض منهم على دعوتي هذه، بينهم كتاب معروفين بإخلاصهم للعراق، إذ سألني أحدهم: (ماهي المسوغات الشرعية و العرفية و الانسانية و القانونية لرفضكم مشاركة الحشد في الانتخابات؟).
فأجبته بما يلي:
المسوغات هي كون الحشد الشعبي تنظيم عسكري مسلح من تنظيمات الجيش العراقي، وبقية القوى الأمنية المسلحة. ووفق الدستور العراقي الدائم الذي صوت عليه الشعب عام 2005، لا يجوز للقوات المسلحة أن تمارس أي نشاط سياسي، ومنه الترشح للانتخابات المحلية والبرلمانية. وقد أثبتت التجارب العالمية أنه في حالة مشاركة القوات المسلحة بالسياسة، سيحلون خلافاتهم بالرصاص بدلاً من النقاش الهادئ، و التصويت والأخذ برأي الأغلبية. وذكَّرتُه بما حصل في اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1986 عندما حلَّ خلاف في صفوف قيادة الحزب الحاكم (الماركسي)، فانشق إلى جناحين انفجرت بينهما أزمة سياسية استخدموا فيها السلاح بدلاً من التصويت، فقُتل الآلاف من نفس التنظيم، من بينهم زعيم الحزب اليمني الاشتراكي، والمنظر الثوري المعروف عبدالفتاح اسماعيل، وعدد غير قليل من القياديين. لذلك فالسماح للقوات المسلحة، ومنها الحشد الشعبي بالترشح للانتخابات وممارسة السياسة ، يعني آخر مسمار في نعش الديمقراطية والاستقرار في العراق.

أما الفريق المتوجس خيفة من الحشد فيطالب بحله "الآن الآن وليس غداً"!!، وحجته أنه يجب حصر السلاح بيد الدولة فقط، وهو قول صحيح ونؤيده بقوة، ولكن الحشد ليس خارج الدولة، بل هو جزء من القوات المسلحة حسب قانون أصدره البرلماني العراقي، وهو تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة.
كذلك نرى أن وضع العراق هش، فرغم قضائه على الجناح العسكري من داعش، إلا إن هناك مئات الخلايا الإرهابية النائمة، واحتمال ظهور تنظيمات داعشية أخرى في أي وقت وبمختلف الأسماء. فهناك قيادات سياسية رغم مشاركتها في العملية السياسية، ولكنها مدمنة على خلق المزيد من المشاكل للعراق، ونحن نعرف دور مسعود بارزاني والأخوين النجيفي في جلب داعش إلى العراق بحجة التهميش والاقصاء، وبدعم حكومات أجنبية.

كذلك فما أن انتصرت الدولة على داعش، واسترجعت المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك من هيمنة الانفصاليين بقيادة البارزاني، حتى وبرزت لنا ظاهرة جديدة باسم (تنظيم الرايات البيضاء)، والتي يعتقد أن رئيس إقليم كردستان السابق مسعود بارزاني قام بتشكيله لـ"زعزعة امن واستقرار المدن الشمالية"، وأنهم من الدواعش الذين سلموا انفسهم للبيشمركة".(2)

وكما تفيد الحكمة: (لا يصح إلا الصحيح)، فها هي المرجعية الدينية العليا، وعلى لسان ممثلها الشيخ عبد المهدي الكربلائي، تدعو الى دمج قوات الحشد الشعبي بالمنظومة الأمنية" مشددة على "محاربة الفساد والفاسدين بكل حزم وقوة".(3)... وهذا يعني أن المرجعية هي الأخرى تؤيد عدم السماح للحشد بالترشح للانتخابات البرلمانية والمحلية، أو أي نشط سياسي. وقد أيد الدكتور العبادي رئيس الوزراء هذه الدعوة متعهداً للمرجعية بـ "محاربة الفساد المستشري والتصدي له بكل أشكاله"(4).

وبناءً على كل ما سبق، ما زلنا نعتقد أن أفضل حل للحشد الشعبي، ومكافئته على تضحياته في مساهماته البطولية مع جيشنا الباسل في دحر داعش، هو دمجه مع القوات الأمنية، وعدم  زجه في صراعات سياسية التي لا تسلم من تلويث السمعة بالفساد.
17/12/2017
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: لا لمشاركة الحشد الشعبي في الانتخابات
 http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=935

2- عضو في الامن النيابية يتهم بارزاني بتشكيل تنظيم أصحاب الرايات البيضاء.. هؤلاء عناصره
http://www.akhbaar.org/home/2017/12/238182.html

3- المرجعية العليا تدعو الى دمج الحشد بالمنظومة الامنية ومحاربة الفساد بكل حزم وقوة
http://www.akhbaar.org/home/2017/12/238123.html

4- العبادي يتعهد للمرجعية بـ "محاربة الفساد المستشري والتصدي له بكل أشكاله"
http://www.akhbaar.org/home/2017/12/238138.html


80
لا لمشاركة الحشد الشعبي في الانتخابات

د.عبدالخالق حسين

هناك سجال في الأوساط السياسية العراقية حول عزم بعض قادة الحشد الشعبي في المشاركة بالانتخابات المحلية والبرلمانية، وذلك بتشكيل قائمة انتخابية باسم (تحالف المجاهدين)، بدعوى أنها تضم الفصائل المشاركة في الحرب على داعش في العراق. ولحسن الحظ هناك أصوات عاقلة من قياديين آخرين في الحشد يحذرون من مغبة هذه المشاركة، ومنهم القيادي في منظمة بدر، السيد كريم النوري الذي عدد عشرة مخاطر من بينها: "استغلال الجهاد والتضحيات والانتصارات لأغراض استقطابية وانتخابية اساءة واضحة لعنوان الجهاد المقدس"، و "ليس بالضرورة ان من يفقه المقاومة والجهاد ويحسن اداءهما سينجح في الميدان السياسي ومتغيراته،...الخ)(1). ونحن إذ نؤيد بقوة السيد النوري في تحذيراته.

في الحقيقة، أن مشاركة الحشد في الانتخابات ليست إساءة للجهاد المقدس فحسب، بل ويشكل أكبر خطر على الديمقراطية، وربما تعني نهاية الديمقراطية في العراق بعد كل هذه التضحيات الجسام، ودعوة لحروب أهلية قادمة بحل الخلافات السياسية بالسلاح. وقد أدرك الذين كتبوا الدستور، هذه المخاطر، لذلك فرضوا مادة يمنع بموجبها مشاركة القوات المسلحة بالعمل السياسي والانتخابات المحلية والبرلمانية. وهذا لا يمنعهم من التصويت بل يمنعهم من الترشح.

وحسناً فعل السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي عندما أعلن رفضه الشديد لهذه المشاركة، إذ جاء في خطاب له: "لا يجوز أن تخلط السياسة بالجانب العسكري هذا أمر مهم لأننا مقبلون على انتخابات محلية وبرلمانية ولا ينبغي لفئات سياسية تحمل السلاح أن تشارك في الانتخابات ... توجد ضرورة لفصل السلاح عن العمل السياسي"... "بحسب الدستور العراقي لا وجود لأي جماعات مسلحة خارج إطار الدولة".. "من يحملون السلاح خارج إطار الدولة يعتبرون خارجين عن القانون وسنواجههم"... "قانون الحشد الشعبي يأتي بهؤلاء الذين قاتلوا بشجاعة وبسالة وضحوا بأنفسهم من أجل الدفاع عن العراقيين ليكونوا ضمن هذه المنظومة تحت القيادة العراقية".(2 و3)

كذلك هناك محاولات للتشويش على الرأي العام، وذلك بزج اسم الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني، أنه يحاول فرض مشاركة الحشد في الانتخابات. ونحن إذ نشك بذلك، وإن صدق فعلى المسؤولين العراقيين تحذير السيد سليماني من التدخل في الشأن العراقي. وربما الغرض من هذه الإشاعة هو لتضليل الرأي العام أن العراق واقع تحت النفوذ الإيراني، و ومحاولة لتشويه صورة الحشد الشعبي بأن ولاءه لإيران... إلى آخره من الإشاعات المسمومة.
و يذكر أن مجلس النواب العراقي صوت في الـ 26 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2016، على قانون هيئة الحشد الشعبي...، وعليه فالحشد هو جزء من القوات العسكرية التي هي بقيادة القائد العام للقوات المسلحة، وبذلك يُطبق عليه ما يُطبق على بقية القوات العسكرية والأمنية من المواد الدستورية، أي منع الحشد من المشاركة في الانتخابات وأي عمل سياسي. وإذا رغب أي شخص في هذه القوات المسلحة بالترشح في الانتخابات فعليه أن يستقيل من وظيفته العسكرية، لان الدستور يمنع الجمع بين السياسة والعمل المسلح.
وأهم خطر على الديمقراطية من زج حامل السلاح بالسياسة، فإذا حصل خلاف في الرأي أو أي موقف سياسي، هناك خطر اللجوء إلى السلاح في فرض الرأي بدلاً من التصويت والأخذ برأي الأغلبية كما هو معروف في الأنظمة الديمقراطية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- النوري يعلن موقفه من مشاركة الحشد في الانتخابات ويطرح عشرة مخاطر
http://www.akhbaar.org/home/2017/12/237520.html

2- العبادي يؤكد أن الحشد الشعبي لن يشارك في الانتخابات
https://arabic.rt.com/middle_east/869377-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%8A-

3- ماذا قال رئيس الوزراء حيدر العبادي عن الحشد الشعبي ومشاركتة في الانتخابات؟ (فيديو دقيقتين)
https://www.youtube.com/watch?v=DuFbwXCb7VE


81
المخفي من مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية

د.عبدالخالق حسين

انتقد بعض الأخوة الأفاضل من أصحاب النوايا الحميدة، في مداخلاتهم دفاعاً عن مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، سواءً على شكل مقالات، أو ضمن مجموعات النقاش، أو رسائل شخصية، مفادها أن أغلب الذين انتقدوا مشروع التعديل لم يطلعوا على التعديلات المقترحة التي أغلبها تقدمية، وفي صالح المرأة والطفولة، وقالوا أن مشروع التعديل لم يشر إلى فرض الزواج بالقاصرات، أو في التاسعة أو حتى مفاخذة الرضيعة، وأن كل هذه الضجة التي أثيرت لا مبرر لها، وأنها زوبعة في فنجان!!

وعلى سبيل المثال لا الحصر، جاء في رسالة صديق أن: "رفض  تعديل قانون الاحوال الشخصية حق، و مطلب ديمقراطي لا غبار عليه، ولكن تحميل هذه المطالب بادعاءات واكاذيب يضر بحق الاحتجاج".
وصديق آخر قال: "لا يوجد "قسر" في القانون مطلقاً - هناك فتح للباب أمام الزواج بسن أصغر من القانون الحالي، فلم يقل القانون "يجب" تزويج البنت عندما تبلغ التاسعة." وأضاف في تعليق آخر: ((كما قال أحدهم: عندما يتم التصويت على قانون المثلية الجنسية في دولة أوروبية فهي ديمقراطية، ولكن عندما يتم التصويت على قانون الأحوال الشخصية في العراق بما لا يعجبهم، فهو تخلف واعتداء على حقوق الإنسان وآخر القائمة... وهكذا فاقدو الهوية دائماً.))

أتفق مع الصديقين، أنه لم يأتِ في تعديل القانون على ذكر الإجبار، أو فرض تزويج القاصرات، ولكن تم دس مخاطره في المشروع بطريقة خبيثة وغير مباشرة، و ذلك بإخراج ملف الأحوال الشخصية من القضاء العراقي المدني، و تسليمه لحكم فقهاء الدين، سنة وشيعة، والذين بدورهم يجيزون الزواج بالقاصرات وحتى بالأطفال الرضع، وما تقره الشريعة الإسلامية حسب أتباع المذاهب المختلفة. ونحن نعرف أن الشريعة الإسلامية تبيح الزواج بالقاصرات، وإن لم تفرضه فرضاً. وهذا يعني أن التعديل يبيح الزواج بالقاصرات وحتى لو كانت في التاسعة.

فقد جاء في المادة الأولى من قانون التعديل: ((يضاف ما يلي إلى أخر المادة الثانية من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 ويكون البند (3) لها: 3-  أ- يجوز للمسلمين الخاضعين لأحكام هذا القانون تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية، لتطبيق الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية وفق المذهب الذي يتبعونه.  ب- تلتزم المحكمة المختصة بالنسبة للأشخاص الوارد ذكرهم في الفقرة (أ) من هذا البند عند إصدار قراراتها في جميع المسائل التي تناولتها نصوص قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل و غيرها من المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية، بإتباع ما يصدر عن المجلس العلمي من ديوان الوقف الشيعي ، و المجلس العلمي و الإفتائي في ديوان الوقف السني ، و تبعاً لمذهب الزوج، و يصح أن يكون سبباً للحكم.  ج- يلتزم المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي بإجابة المحكمة عن استيضاحاتها، وفقاً للمشهور من الفقه الشيعي و فتاوى الفقهاء الأعلام، وعند عدم الشهرة يؤخذ برأي (المرجع الديني الأعلى) الذي يرجع إليه في التقليد أكثر الشيعة في العراق من فقهاء النجف الأشرف.   د- يلتزم المجلس العلمي و الإفتائي في ديوان الوقف السني بإجابة المحكمة عن استيضاحاتها، وفقاً للمشهور من الفقه السني))( أدرج أدناه رابط مشروع التعديل القانون، يرجى الاطلاع عليه)(1)

وبما إن غالبية فقهاء الدين الإسلامي، سنة وشيعة يجيزون زواج القاصرات، وحتى في التاسعة أو دونها، فهذا يعني أن تعديل القانون قد أباح الزواج من القاصرات أيضاً. أما القول بأن التعديل أجاز الزواج من القاصرات، ولم يفرضه فرضاً فهو الآخر خطأ، لأن الزواج من القاصرات في المجتمعات المتحضرة جريمة يجب إدانتها، وليس الافتاء بجوازها. ففي بعض الحالات تضطر العائلات الفقيرة بتزويج بناتها القاصرات بدافع الفقر، والأب هو الذي يتحكم بأمر التزويج، وليست الطفلة القاصرة التي لا حول لها ولا قوة. فيمكن استغلال جواز القاصرة دينياً، وتزويجها بموافقة ولي الأمر بدافع الفقر والجهل، وهذا استغلال بشع من قبل الأثرياء للفقراء، تكون الطفلة البريئة هي الضحية، وبمباركة رجل الدين الذي صار يحكم في هذا الشأن.

أما تشبيه قانون زواج القاصرات في العراق بقانون جواز المثلية في الدول الأوربية ، فهذا غير صحيح. لأن أي ممارسة جنسية مع القاصرات وحتى تحت غطاء الزواج تعتبر جريمة في جميع المجتمعات البشرية المتحضرة. بينما المثلية (Homosexuality)، ليست من اختيار الشخص، بل مفروضة عليه من الطبيعة، و في علم النفس وعلم الاجتماع لا تعتبر المثلية مرضاً أو إنحرافاً، بل إختلاف في الخلق تلعب فيها الجينات الوراثية والبيولوجية دوراً كبيراً، أشبه بمن يستخدم يده اليمنى (Right handed)، أو اليسرى (Left handed)(2). فالمثلية ليست في الغرب فحسب، بل في كل مكان في العالم، ولكن الفرق أن مثلية الغرب على المكشوف ومقننة في بعض البلدان، بينما في الدول العربية والإسلامية تجري في الخفاء. لذلك فإصدار قوانين تبيح المثلية للبالغين، حق من حقوق الإنسان، ونوع من الشفافية والديمقراطية، واحترام حق الفرد في ممارسة حقوقه الشخصية، ودليل على التحضر ورقي المجتمعات الغربية، وما بلغته من روح التسامح مع المختلف. وهذا يختلف عن إصدار قوانين تبيح الزواج من القاصرات. أما إذا حصلت ممارسة الجنس مع القاصرات في الغرب، فهي حالات لم تقرها الدولة بإصدار قوانين ، بل تعتبرها جريمة يحاسب عليها الجاني بقوانين متشددة، خاصة إذا ما حصلت بين رجل بالغ مع فتاة قاصرة حتى ولو بالتراضي. وحصول هذه الحالات في الغرب يجب أن لا يبرر صدور قوانين في العراق تجيز الزواج من القاصرات(3).

ومن كل ما تقدم، نستنتج أن مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية قد أجاز الزواج بالقاصرات في  سن التاسعة حتى ولو لم يشر إليه، لأنه سلّم القانون إلى الجهة التي تجيز الزواج بالقاصرات وتحت مبرر ديني ، وهذا في رأينا خطأ يجب تصحيحه.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959
http://www.nrttv.com/Ar/Detail.aspx?Jimare=62698
2- مقال عن أسباب المثلية
Homosexuality may be caused by chemical modifications to DNA
By Michael Balter
http://www.sciencemag.org/news/2015/10/homosexuality-may-be-caused-chemical-modifications-dna
3- سلوى جراح: ممارسة الجنس مع الأطفال زواج أم مرض نفسي؟
http://www.akhbaar.org/home/2017/11/236392.html



82
عودة إلى مقال: الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ(2-2)

د.عبدالخالق حسين

توضيح لا بد منه
(نشرتُ هذا المقال قبل عشرة أعوام على حلقتين، وأثار في وقته جدلاً بين الكتاب الإسلاميين والعلمانيين. وبمناسبة عزم البرلمان العراقي تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، بتطبيق الشريعة الإسلامية التي تسمح للرجل بالزواج من أربع نساء، وحتى بالرضيعة بعمر السنتين، والاستمتاع بها مفاخذة، والولوج بها في التاسعة، وتسليم هذا القانون لرجال الدين ومنحهم الحرية الكاملة بالتصرف في قضايا الأحوال الشخصية، وحسب المذاهب التي يعتنقونها بعد ان كان بيد القضاء العراقي، الإجراء الذي من شأنه تكريس الطائفية، وتفتيت المجتمع المفتت أصلاً، وتجريد الدولة من مسؤولياتها في هذا الخصوص... لذلك رأيت من المفيد إعادة نشر المقال، وهذا هو القسم الثاني والأخير!).
****

مقدمة

بعد نشر الحلقة الأولى من هذه المقالة(1)، استلمت ردود أفعال متباينة وخاصة فيما يخص عملية التفخيذ، أو المفاخذة على حد تعبير الإسلاميين، وهي عملية جنسية يجريها رجل بالغ ومهما كان عمره مع الطفلة ومهما كان عمرها وحتى الرضيعة، باسم النكاح (الزواج)، لفظاً أو كتابة، بشكليه الدائم والمؤقت، حتى السن التاسعة، وبعدها يحق للزوج ممارسة الجنس معها ولوجاً. ونظراً لأهمية الموضوع وما نال من اهتمام بالغ من جمهرة واسعة من القراء الكرام، وعدد من الكتاب الأفاضل، أرى من المفيد مواصلة البحث والتوسع فيه وذلك خدمة للحقيقة والمصلحة العامة.
يمكن تصنيف ردود الأفعال على المقالة إلى ثلاثة أقسام. الأول يضم الأغلبية، حيث وصلتني رسائل إلكترونية ومحادثات هاتفية بالعشرات وما زالت، إضافة إلى العديد من المقالات نشرت في صحيفة (صوت العراق) الإلكترونية، معظمها تدعم مضمون المقال ما عدا واحدة. وقال البعض من أصحاب الرسائل الإلكترونية أنهم لأول مرة يسمعون بجواز هذه الطريقة من الممارسة الجنسية في الإسلام، وأنهم يدينونها بشدة لأنها لا إخلاقية وتتعارض مع القيم الإنسانية، ومع قوانين حقوق الإنسان في عصرنا الحاضر، وانتهاك صارخ لحقوق الطفولة وبراءتها.

المطالبة بعدم الخوض في المسائل الدينية
أما القسم الثاني من أصحاب الردود، فقد أدانوا العملية ولكنهم نصحوا بعدم إثارة هذا الموضوع لحساسيته، وأنه يجب توجيه طاقاتنا الكتابية في هذه المرحلة العصيبة إلى الجانب السياسي، والمحنة التي يمر بها العراق، وشعوب المنطقة بدلاً من الخوض في القضايا الدينية، لأن هكذا سجال يستفز الإسلاميين ويدفعهم إلى ردود أفعال عنيفة ومتشنجة نحن في غنى عنها، ونريد إرضائهم بدلاً من إثارتهم.

وهنا أود أن أذكِّر هؤلاء الأخوة من أصحاب النوايا الحميدة، بالحكمة القائلة: أن "الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة". ففي وقتنا الحاضر اختلط الديني بالسياسي، بحيث صار الإسلاميون سياسيين يوظفون النصوص الدينية لفرض سلطتهم السياسية على الشعوب، وبذلك تسببوا في جلب الكوارث على مجتمعاتنا العربية والإسلامية. فنحن نمر الآن بنفس مرحلة النهضة والتنوير الأوربية في صراع المثقفين مع الكنيسة، وسيطرتها على مصائر ورقاب الناس. وبسبب تلك السيطرة أعاقت الكنيسة تقدم أوربا في القرون الوسطى والتي سميت بحق بالعصور المظلمة. واستمر نضال المثقفين الليبراليين الإصلاحيين إلى أن انتصروا في فصل الكنيسة عن الدولة، ونجحوا في إقامة أنظمة علمانية ديمقراطية. ونتيجة لهذا الفصل بين الدين والسياسة، انطلقت أوربا في مسيرتها التاريخية، وحررت العقل من القيود وفجرت الطاقات الخلاقة لشعوبها في مختلف المجالات، وحققت هذا التقدم المذهل في العلوم والتكنولوجية والفنون والديمقراطية وحقوق الإنسان.
لذلك، فإني استميح الأخوة عذراً في هذا الخصوص، إذ أرى من واجبنا ككتاب لبراليين، أن لا نتردد في طرح هذه المسائل وإن بدت قضايا دينية، إلا إن لها علاقة مباشرة بالسياسة وبحقوق الإنسان، وفي هذه الحالة تعتبر (المفاخذة) اعتداء صارخ على حقوق الطفولة البريئة التي هي بحماية المجتمع، والساكت عن الحق شيطان أخرس، أو كما قال مارتن لوثر كنغ: "المصيبة ليس في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار". ويجب أن يعرف أصحاب النوايا الحسنة أنه كلما تنازلنا للإسلاميين في أمر ما، فإنهم يتمادون ويطلبون منا المزيد من التنازلات إلى أن يسيطروا على كل شيء وننتهي بلا شيء. مثلاً طلب منا البعض بعدم استخدام مفردة (العلمانية)، واقترحوا (النظام المدني) بدلاً منها، لأن كلمة العلمانية تستفز الإسلاميين الذين يعتبرونها كفراً، وبذلك سيتهموننا بالكفر أيضاً. وهذا النهج هو الآخر أثبت خطأه. فالمطلوب منا الإصرار على استخدام مصطلحاتنا مثل العلمانية، والليبرالية، والديمقراطية وحقوق الإنسان...الخ، وعدم التنازل عنها أبداً. أما سلاحهم البائس وهو توجيه تهمة الكفر، أو الإساءة للإسلام والمقدسات، فهو ديدنهم الدائم المعروف في كل زمان ومكان، وسلاحهم القديم يشهرونه في وجوه المفكرين الأحرار، وكل من يتجرأ ويوجه نقداً لهم. لذا يجب عدم الخضوع لابتزازهم، بل مواصلة السير قدماً وحتى النصر المؤزر، فمسار التاريخ في صالحنا.

كذلك نؤكد للمرة الألف أن النظام العلماني الديمقراطي الليبرالي ليس ضد الأديان، بل هو الضامن الوحيد للأديان وحرية ممارسة شعائرها وطقوسها. والإسلاميون يعرفون هذه الحقيقة الساطعة جيداً، ويستغلونها أبشع استغلال لأغراضهم كما نراهم في البلدان الغربية. إذ قارن بين حرية الأديان والطوائف في الدول ذات الأنظمة الإسلامية مثل إيران والسعودية والسودان، مع الدول الأوربية العلمانية الديمقراطية. فالأنظمة الإسلامية هي طائفية، تبيح حرية العبادة لطائفة الفئة الحاكمة فقط، وتمنعها على أتباع الأديان الأخرى، وحتى على الطوائف الإسلامية الأخرى في ممارسة شعائرها. ولذلك نرى معظم الإسلاميين الهاربين من جور أنظمة حكوماتهم الإسلامية يفضلون اللجوء إلى الدول الغربية التي يتهمونها بالكفر على العيش في الدول ذات الأنظمة الإسلامية التي يُطبق فيها حكم الشريعة.

جدال حول التفخيذ أول المفاخذة
أما القسم الثالث من الردود فكان ضد المقال، ولحسن الحظ ضم لحد الآن ولحد علمي، شخصاً واحداً فقط ، وهو السيد أسامة النجفي (وليس النجيفي)، الذي أيد عملية التفخيذ، وراح يدافع عنها بحرارة في مقال مطول له نشر في صحيفة (صوت العراق) الإلكترونية يوم 16/2/2007 ومواقع أخرى، بعنوان: (حول الزواج من الصغيرة: رد على عبد الخالق حسين )، وأعدت نشره على موقعي الشخصي(2). 

بادئ ذي بدء، أود أن أشكر جميع الأخوة والأخوات الذين بعثوا برسائل التأييد وشاركوا في النقاش وأغنوا الموضوع بآرائهم القيمة بما يحفز على التفكير ومواصلة السجال في هذا الموضوع الخطير. كما وأشكر الأخوة الذين عبروا عن آرائهم ومواقفهم من هذه القضية على شكل مقالات نشرت في صوت العراق، وأخص بالذكر منهم: الأستاذ حسن أسد في مقاله (اُسامة النجفي ... أراد يكحلها عماها )، والدكتور لبيب سلطان (التفخيخ والتفخيذ - النفاق واجتماع المذاهب عند اسامة النجفي )، والدكتور عزيز الحاج (الدعاة الإسلاميون وكرامة الأطفال.. )، وابن العراق (الاخ اسامة النجفي المحترم )، والسيد سعد الفحام (المفاخذه: سلاح دمار شامل بحق الطفولة)، وآخرون، سأضع روابط بعض مقالاتهم في نهاية هذه المداخلة لمن يرغب الإطلاع عليها.

كذلك أود أن أشكر السيد أسامة النجفي على رده المعارض لي، والذي لم يؤيد صحة ما أوردته عن فتوى السيد الخميني (رحمه الله) بإباحة المفاخذة مع الرضيعة في الإسلام فحسب، بل ودافع عنها وبررها ووفر لي وللباحثين الآخرين عناوين مصادر إسلامية عديدة، مؤكداً صحة الخبر الذي أوردته، وأن هذه العملية عليها إجماع من جميع الفرق والمذاهب الإسلامية. ولكنه تعامل مع الموضوع كما لو أني أتهم الإمام الخميني وحده بأنه أتى ببدعة غريبة عن الإسلام. ولذلك ركز جل رده على الإثبات بأن ما جاء في كتاب الخميني (تحرير الوسيلة) هو أمر مسموح به، وعليه إجماع من جميع الفقهاء المسلمين. لذا أود التأكيد بأني لست ضد الإمام الخميني، بل ضد عملية ممارسة الجنس مع الأطفال، وحتى لو كانت تحت ذريعة الزواج. أما إذا كان عليه إجماع فالمصيبة هنا أعظم. وقد أسهب الكاتب كثيراً وأطال في مقاله البالغ 2450 كلمة، فيها تكرار ممل، لا تخرج عن محتوى الفقرة الأولى من المقال والتي يقول فيها:
" مرة اخرى يخرج لنا عبد الخالق حسين في مقاله (الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ...!) المنشور في صوت العراق، محاولا الاساءة لاحكام الاسلام الفقهية. ولتوهيم القارئ يضيف ما يسميه هو الاسلام السياسي (ولاادري ماعلاقة الاسلام السياسي بزواج الصغيرة!). فهل هنالك اسلام سياسي وغير سياسي؟. فاحكام الاسلام غطت كل جوانب الحياة ابتداءا من ولادة الانسان وحتى موته وما السياسة وهي فن الحكم الا جزءا من الحالات التي عالجها الإسلام. والواقع فان هناك هجوم منظم وحملة قوية للوهابية وبعض الليبراليين او كما يسمون انفسهم كذلك من أجل تشويه وتسقيط مذهب أهل البيت(ع)، والاسلام، ويريدون من ذلك اظهار صورة للإسلام مشوهة عموما. تركز مقال عبد الخالق حسين حول مسالة نكاح البنت الصغيرة والاستهزاء بفقهاء المسلمين. ونحن ان شاء الله ندحض جميع حججه ونثبت له ان ما تقوله ليس له اثبات وان زواج البنت الصغيرة كعقد لفظي أو كتابي هي مسالة قانونية بحتة عليها إجماع المسلمين بكل طوائفهم. بل حتى احكام الدين اليهودي والمسيحي تجوز الامر من قبيل ولاية الاب على البنت الصغيرة." انتهى.

نلاحظ من هذا الرد المتشنج، ذات الطريقة التقليدية المعروفة عند الإسلاميين في ساجلاتهم مع الآخرين، إذ دائماً وأبداً يلجؤون إلى سلاحهم الوحيد وهو توجيه تهمة " الاساءة لاحكام الاسلام الفقهية". والسؤال هو: هل مناقشة أحكام فقهية والاختلاف معها يعني الإساءة لها والإستهزاء بالفقهاء؟ كذلك يتساءل الكاتب: " فهل هنالك اسلام سياسي وغير سياسي؟" وقد رد الأخ الدكتور لبيب سلطان على هذا السؤال مشكوراً في مقاله المشار إليه أعلاه قائلاً: (وكأن القاعدة وحركات الجهاد والشورى وجيوش الخلفاء والأئمة- هي جمعيات خيرية دينية- و أحزاب مثل التوافق والإسلامي والدعوة والمجلس – هي أندية فقهية لا علاقة لها بالحكم .)

وإضافة إلى ما ذكره الدكتور لبيب، أود أن أوضح للسيد أسامة النجفي ما يلي:
نعم هناك إسلامان، الإسلام الديني والإسلام السياسي. الأول، هو دين المسلمين البالغ عددهم مليار وأربعمائة مليون نسمة، والذي جاء في كتابه المقدس، القرآن الكريم، (لا إكراه في الدين قد تبن الرشد من الغي)، وأنه جاء رحمة للعالمين. والدين مسألة خاصة بين الإنسان والخالق ولا يحتاج إلى وسيط. أما الثاني، أي الإسلام السياسي، فهو نقمة على العالمين، ولم نر منه سوى الإرهاب المنظم المختص بالمفخخات والتفجيرات والقتل العشوائي للأبرياء بالجملة لنشر الرعب في أوساط المدنيين. وأرجو من السيد أسامة أن ينظر إلى شاشات التلفزة ليرى بعينيه ما فعله الإسلام السياسي بالعراق وأفغانستان ولبنان وغزة وبالي ومدرسة بسلان في جنوب روسيا، ومدريد ولندن وباريس ونيويورك وغيرها من المناطق في العالم، حيث حول هؤلاء الإسلام إلى آيديولوجية للإرهاب، وجعلوا من كل مسلم إرهابياً في نظر العالم إلى أن يثبت براءته، وهذا بفضل الإسلام السياسي الذي تدافع عنه.

يقول السيد النجفي موجهاً خطابه لي: "... ونحن ان شاء الله ندحض جميع حججه ونثبت له ان ما تقوله ليس له اثبات وان زواج البنت الصغيرة كعقد لفظي او كتابي هي مسالة قانونية بحتة عليها اجماع المسلمين بكل طوائفهم..." فكما رد عليه الأخ حسن أسد: "أراد أن يكحلها عماها".
ولا أدري ماذا أراد أن يدحض، فالكاتب أيد كل ما ذكرته، بل وزاد عليه قائلاً: " ان زواج البنت الصغيرة كعقد لفظي او كتابي هي مسالة قانونية بحتة عليها اجماع المسلمين بكل طوائفهم..". ويضيف في مكان آخر من رده: " وإني أتحدى أي فقيه سني او شيعي او اي مذهب اخر يقول أن هذه الفتوى خلاف الفقه بكل المذاهب .. فعلى صعيد المذاهب الأربعة (كما سنذكر ذلك)، يرون في زواج رسول الله (ص) من عائشة وعمرها ست سنين ودخوله بها وهي تسع سنين دليل على أن المسألة مسلمة فقد روى مسلم عنها في صحيحه المشهور أنها قالت ( تزوجني النبي (ص) وأنا بنت ست سنين وبنى بي وأنا بنت تسعة سنين " (صحيح مسلم ج2 ص1039)) . وفي مكان ثالث يقول: (فإذا كان الاعتراض على تزويج الرضيعة بالخصوص (وهو أمر نظري بحت) فهو من مسلمات المسلمين).

إذنْ "تزويج الرضيعة هو من مسلَّمات المسلمين". وهنا لا يسعني إلا وأن أتقدم بالشكر الجزيل للكاتب على هذا التأكيد. ولكن اختلافي معه هو أنه لماذا يتهمني بـ" الاستهزاء بفقهاء المسلمين." يا أخي، أنا لم استهزئ بأحد، بل غاضب وناقد وأرفض الاعتداء الجنسي على الصغيرة وحتى في حالة الزواج، ولأن الزواج من الرضيعة هو اغتصاب يندى له الجبين بكل معنى الكلمة. أما لكونه عليه إجماع من جميع المذاهب الإسلامية، فهذا لا يعني أن هذه العملية صحيحة ومن المسلَّمات، بل يثبت أن الجميع شركاء في الجريمة. وهذه دعوة إلى الشاذين جنسياً من الرجال الذين يميلون إلى الجنس مع الأطفال ويسمونهم في الغرب بـ pedophiles يُمنعون من العمل في الأماكن التي يتواجد فيها الصغار، مثل المدارس ورياض الأطفال. فلو يعلم هؤلاء الشاذون في الغرب أن ممارسة الجنس مع الصغيرة مباحة في الإسلام، ويمكن الزواج حتى مع الرضيعة لتحول أعداد كبيرة منهم إلى الإسلام، وهاجروا إلى بلاد المسلمين لإشباع شبقهم الجنسي وحبهم بممارسة الجنس مع الصغيرات هناك. وقصة المغني البريطاني (Gary Glitter) باتت معروفة في الغرب، حيث افتضح أمر شذوذه الجنسي مع الأطفال، وخسر مجده، فرحل إلى فيتنام حيث الفقر، على أمل أنه يمكن استغلال وضعهم الاقتصادي لإشباع نهمه، ولكن هناك أيضاً افتضح أمره بممارسة الجنس مع القاصرات، فألقي القبض عليه وحوكم وهو يقضي الآن ما تبقى من محكوميته بالسجن.

وقد وجه الدكتور لبيب سلطان، وابن العراق، وآخرون، سؤالاً فيما إذا يقبل الشيخ أسامة النجفي وغيره من الفقهاء المسلمين بتزويج بناتهم دون التاسعة والتمتع بهن تفخيذاً من قبل الرجال، أم أنهم يبيحونها فقط لبنات الخايبة الفقراء؟ وكعادته، أجاب بإسهاب ولكن بغموض شديد تهرباً دون أن يوضح لنا ما أراد قوله. ففي عالمنا المتحضر الراهن، للإنسان كرامة ومهما كان صغيراً، بمعنى ليس من حق الأب تزويج الصغيرة ويعاملها كبضاعة أو نعجة يحق له بيعها متى شاء. الطفلة الرضيعة إنسانة لها كرامتها وحق الحياة والعيش والرعاية والتربية والحماية من العدوان بشتى أنواعه إلى أن تصل سن البلوغ وهي 18 سنة. وعندها هي التي تختار شريك حياتها، وما دور ولي الأمر في هذه الحالة إلا مساعدتها، وتقديم النصح والإرشاد لها بما ينفعها، وليس بيعها وهي رضيعة كبضاعة جنسية (Sex toy)، وممارسة الجنس معها متى ما اشتهى الرجل.

الإسلاميون يمارسون الإرهاب الفكري
يتظاهر الإسلامويون بأنهم مسالمون يدعون إلى الحق بالحوار الهادئ وإقناع الخصم بالأدلة والمنطق، وطالما رددوا بعض النصوص مثل، "إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن." ولكن عملياً ما أن يعجزوا في مواجهة الآخر بالمنطق، حتى تراهم يلجؤون إلى أخس أساليب الابتزاز وتوجيه اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، وذلك باتهام الخصم بالتجاوز على الله والرسول والمقدسات. وفي زماننا هذا نعرف عواقب هذا التحريض، حيث صارت حياة الإنسان عندهم أقل قيمة من الحشرة. وهذا التهديد واضح فيما كتبه الشيخ أسامة النجفي في القسم الأخير من رده قائلاً: "نعم يُشم من استهزاء عبد الخالق حسين للفتوى رائحة اعداء الاسلام في شتمهم لرسول الله (ص) بتجويز الزواج من الصغيرة، ورد هذا الاعتداء ليس تكليفنا فقط و إنما هو تكليف كل مسلم يدافع عن إسلامه ونبيّه أمام هذه الهجمة الكافرة غير المنطقية ..".
فأي نقد إلى الخميني صار شتماً لرسول الله، معاذ الله. أليس هذا تهديد وإرهاب فكري؟ أليس في هذا الاتهام تحريض على القتل؟ ونحن نعرف أن الإسلاميين عندهم مقولة: "الذي يجادلنا بالقلم نرد عليه بالرصاص". فهل يتفق هذا الكلام مع (وجادلهم بالتي هي أحسن؟). إن هذا التهديد وحده يكفي لتقديم الشيخ النجفي إلى القضاء بتهمة التحريض على القتل، وإني أحتفظ بحقي في هذا الأمر.

الدين والعقل وحق النقد
يبدو أن حوارنا مع الإسلاميين أشبه بالحوار بين الطرشان. فنحن كعلمانيين ولبراليين نستخدم العقل والعقلانية، والمنطق في التحقيق من صحة الأشياء، ونضع دائماً الشك واحتمال الخطأ نصب أعيننا، وعلى استعداد تام أن نغير مواقفنا وآرائنا من أية مسألة حالما تتوفر أدلة جديدة تثبت صحة الجديد فنأخذ به ولا نرى عيباً في ذلك. أما الإسلاميون فلا يعترفون بالعقل، بل بالنقل وتصديق كل ما قاله السلف في غابر الأزمان، و الأخذ به دون تمحيص وإعمال العقل، وبذلك أعطوا عقولهم إجازة دائمة، أي بتعبير آخر أن الموتى هم وحدهم يحكمون. وهذا هو أحد أسباب تخلف العالم الإسلامي. وما جاء في رد الشيخ أسامة النجفي يؤكد موقف الإسلاميين من العقل. إذ يعتبر ما قاله السلف وأجمعوا عليه هو من "المسلَّمات" أي البديهيات التي لا يجوز لنا حتى مجرد مناقشتها، وإذا ما تجرأنا وناقشناها فنكون قد أسأنا إلى المقدسات، ويجب أن نعاقب عليها. نعم هناك قوانين في الإسلام تبيح زواج الصغيرة وحتى الرضيعة والاستمتاع بها مفاخذة، ولكن حتى لو كان عليها إجماع من قبل فقهاء المسلمين، فهذا الإجماع في عصرنا الراهن لا يجعل من هذه القوانين "مسلَّمات" لا يحق لنا مناقشتها ونقدها.
وإصرار الشيخ أسامة النجفي على الأخذ بما قاله السلف دون مناقشة هو تأكيد لما قاله الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو: "الدين عقل مجتمع لا عقل له". ففي رأيي ورأيي الملايين من أمثالي أن التمتع مفاخذة مع الرضيعة ليس خطأً، بل جريمة يندى لها الجبين، ويجب معاقبة من يمارسها وحتى لو كان بذريعة الزواج، لأنه لا يجوز الزواج من الصغيرة، وفق القوانين المدنية، ناهيك عن الرضيعة. فكيف يمكن اعتبار التمتع بالصغيرة من "المسلمات" التي لا تقبل النقاش والمساءلة؟ ألا يدل هذا على عدم عقلانية هذا الرأي؟ أقول ذلك وأنا واثق من صعوبة تغيير موقف الشيخ أسامة من هذه المسألة، إذ يقول ألبرت آينشتاين: "إن فلق الذرة أهون من اقتلاع قناعة مسبقة لدى أحدهم".
فككتاب ليبراليين، من واجبنا النقد، نقد كل شيء دون استثناء بما فيها المقدسات. إذ كما قال كارل ماركس أن "النقد أساس التقدم، ونقد الدين أساس كل نقد". فالغرب لم يحقق هذا التطور المدهش والمذهل في الحضارة وجميع المجالات إلا بعد أن تبنى حق النقد وبالأخص نقد الدين، وحق الاعتراض، وتحرير الإنسان من هيمنة الكنيسة، وفصل الدين عن السياسة، وتبني النظام العلماني الديمقراطي، وسن قوانين حقوق الإنسان والحيوان وحتى البيئة وحمايتها من عبث العابثين.

الثابت والمتغيِّر
نعم، نحن نعرف أن الدين ثابت والسياسة متغيرة مع الوقت كما الحياة نفسها. فالمتدين يؤمن بدون مناقشة أو دليل، والعالِم يشك ويبحث عن الدليل. ولهذا السبب نرى أنه من الواجب فصل الدين الثابت عن السياسة والعلوم المتغيَّرة. ففي العلم والفلسفة والسياسة كل شيء يخضع تحت مجهر النقد والتمحيص والمراجعة وقابل للتغير. ولذلك إذا كان المسلم يقول (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة)، فمقابل ذلك يقول الفيلسوف البريطاني برتدراند راسل: (لست مستعداً أن أموت في سبيل أفكاري، لأنها قد تكون خاطئة). فالدين مع اليقين من صحة موقفه إلى الأبد، بينما العلم يشك ويبحث ويغيّر المواقف من وقت لآخر، يعنى التجديد المستمر بدون توقف، وهذه هي سنة الحياة. ولهذا السبب لا يمكن للمجتمع أن يعيش بسلام إلا بفصل الدين الساكن الثابت عن السياسة المتغيّرة وإطلاق حرية العقل.

موقف الإسلاميين من الديمقراطية
هنا يجب التأكيد على حقيقة مفادها أن الإسلامويين لا يؤمنون بالديمقراطية وإن تظاهروا بقبولها. فالتجارب التاريخية الحديثة تؤكد صحة ما نقول. إذ قال قادة الإسلاميين الجزائريين إثناء الانتخابات البرلمانية عام 1992 عندما بدت لهم تباشير فوزهم، أن الديمقراطية "كفر وإلحاد"، وأنهم سيلغونها حين استيلائهم على السلطة، لأنها بضاعة غربية استعمارية مستوردة ضد الإسلام. كذلك نلاحظ ما عمل حسن الترابي زعيم الإسلاميين في السودان عندما تحالف مع الجنرال حسن البشير، وقاموا بانقلاب عسكري ضد حكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطياً. كذلك نشاهد ما عمله النظام الإسلامي في إيران. أما ما يعلنه قادة الأحزاب الإسلامية في العراق، سنة وشيعة، من تأييدهم للديمقراطية، فما هو إلا خدعة وبسبب وجود القوات الأمريكية وعلمهم الأكيد أن وجودهم في السلطة مرتبط بالحماية الأمريكية، وتأييدهم للديمقراطية، شأنهم شأن الأحزاب الشمولية، مثل حزب البعث، ما أن يضمنوا السلطة حتى يتنكروا للديمقراطية. وأصدق إسلامي شيعي عبَّر عن رأييه بهذا الصدد هو الشيخ محمد الطباطبائي، إمام مسجد الكاظمين عندما قال في إحدى خطبه: «الغرب ينادي بالحرية والتحرر، الإسلام لا ينادي بذلك. الإسلام يرفض هذه الحرية. الحرية الحقيقية إطاعة الله». أما من هو ممثل الله على الأرض لطاعته فهو الحاكم بأمر الله، مثل الملا عمر أيام حكم طالبان في أفغانستان، والسيد علي خامنئي، مرشد النظام الإسلامي في إيران في الوقت الحاضر، وهكذا.
لذلك نحن نختلف عن الإسلاميين في الأمور الدنيوية، وندعو إلى تحرير الدولة من الدين، وتحرير الدين من الدولة، فبدون فصل الدين عن الدولة هناك المزيد من الكوارث. إذ كما قال الرئيس الباكستاني الأسبق برفيز مشرف: "لقد دهورنا الإسلام إلى الحد الذي جعل شعوب العالم تعتبره مرابطاً للأمية والتخلف والتعصب».

خلاصة القول، الإسلام كدين سيكون بخير في ظل حكم العلمانيين الديمقراطيين، ومهدد بالخراب إذا زج به في السياسة، لأن في هذه الحالة سيتحول إلى الإسلام السياسي، وهو حركة فاشية دينية لا تختلف عن الفاشية القومية العنصرية، إذ كما قال رجل الدين الشيعي آية الله السيد حسين الخميني، حفيد الإمام الخميني: "الدين يفسد السياسة والسياسة تفسد الدين".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــ
مقالات ذات علاقة بالموضوع:
 1- د.عبدالخالق حسين: الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ (ثانية)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=578390
 
2- اسامة النجفي :حول الزواج من الصغيرة: رد على عبد الخالق حسين –
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=232
 
اُسامة النجفي . أراد يكحلها عماها - حسن أسد
http://www.sotaliraq.com/articles-iraq.php?id=46104
 
 التفخيخ والتفخيذ - النفاق واجتماع المذاهب عند اسامة النجفي - د. لبيب سلطان
http://www.sotaliraq.com/articles-iraq.php?id=46112
 
الدعاة الإسلاميون وكرامة الأطفال.. - د. عزيز الحاج
http://www.sotaliraq.com/articles-iraq.php?id=46129
 
المفاخذه: سلاح دمار شامل بحق الطفولة - سعيد الفحام
http://www.sotaliraq.com/articles-iraq.php?id=46144
 
المسلمون هم من يسيئون الى الاسلام - فائق الطالقاني
http://www.sotaliraq.com/articles-iraq.php?id=46210
 
 الاخ اسامة النجفي المحترم - أبن العــراق
http://www.sotaliraq.com/articles-iraq.php?id=46128
 
 


83
عودة إلى مقال: الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ(1-2)

د. عبدالخالق حسين

توضيح لا بد منه
(نشرتُ هذا المقال قبل عشرة أعوام على حلقتين، وأثار في وقته جدلاً بين الكتاب الإسلاميين والعلمانيين. وبمناسبة عزم البرلمان العراقي تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، بتطبيق الشريعة الإسلامية التي تسمح للرجل بالزواج من أربع نساء، وحتى بالرضيعة بعمر السنتين، والاستمتاع بها مفاخذة، والولوج بها في التاسعة، وتسليم هذا القانون لرجال الدين ومنحهم الحرية الكاملة بالتصرف في قضايا الأحوال الشخصية، وحسب المذاهب التي يعتنقونها بعد ان كان بيد القضاء العراقي، الإجراء الذي من شأنه تكريس الطائفية، وتفتيت المجتمع المفتت أصلاً، وتجريد الدولة من مسؤولياتها في هذا الخصوص ... لذلك رأيت من المفيد إعادة نشر المقال، وسيليه القسم الثاني، إذ كما تفيد الحكمة: في الإعادة إفادة !.)
********
قال النبي محمد (ص): "بدأ الإسلام غريباً وينتهي غريباً". كما وقال الإمام الشيعي الخامس، محمد الباقر(ع): "أخاف على أمتي من أئمة ضالين". أعتقد إن الإسلام يقترب الآن من هذه المرحلة، أي مرحلة الاغتراب والخطر. ولكن يا للمفارقة، فإن الإسلامويين يسمون هذه المرحلة بـ(الصحوة الإسلامية). وفي رأيي، إذا كانت هذه صحوة، فهي صحوة الموت وذلك بفضل الإسلامويين أنفسهم. فألد أعداء الإسلام اليوم ليس العمانيون و الليبراليون وغير المسلمين كما يدعي الإسلاميون، بل هم دعاة الإسلام السياسي أنفسهم الذين يعملون على هدم الإسلام كدين وتحويله إلى آيديولوجية لا إنسانية في مواجهة دموية غير متكافئة مع العالم المتحضر، تغذي الإرهاب، لا تختلف كثيراً عن آيديولوجية الفاشية والنازية إن لم تبزهما. فإذا كانت حركات الفاشية والعنصرية تميِّز بين البشر على أساس عنصري، فالإسلام السياسي أخطر من الحركات الفاشية العنصرية لأنه يميّز بين البشر على أساس ديني مع إضفاء القداسة على هذا التمييز، ويبشر أتباعه بالجنة إذا ما قاتلوا في سبيله. وهنا يكمن خطر الفاشية الدينية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول مهدي عاكف، مرشد حزب الأخوان المسلمين في مصر، إنه "يفضل ماليزي مسلم رئيساً لمصر على القبطي المسيحي المصري." كما وطالب زعيم الإخوان المسلمين السابق مصطفي مشهور بأنه: "يجب إخراج الأقباط من الجيش المصري وأن يدفعوا لنا الجزية وهم صاغرون"، علماً بأن الأقباط هم سكان مصر الأصليون وبناة حضارتها العريقة. والأدهى والأنكى من ذلك أن التمييز في الإسلام السياسي لا يتوقف ضد الأديان الأخرى فحسب، بل ويتعداها إلى التمييز بين المذاهب من داخل الإسلام نفسه وبذات القوة. ولتحقيق هذه السياسة الفاشية يعمل الإسلام السياسي على تحويل أتباعه إلى مفخخات وعبوات بشرية ناسفة لقتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء بسبب التمييز الديني والمذهبي، لخلق سايكولوجية الرعب. وقد نجحوا في ربط اسم الإسلام بالرعب والإرهاب، وهم يعتمدون في إرهابهم على النصوص الدينية مثل قوله تعالى: "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم."(الانفال60).
لا شك أن هذه المحنة التي يمر بها الإسلام هي من صنع رجال الدين المسلمين المسيَّسين أنفسهم عندما زجوا بدينهم في السياسة ودفعوا الشباب المحروم من الثقافة ومتع الحياة إلى أعمال انتحارية ضد الأبرياء. فكما هو معروف، هناك إرهاب إسلامي يفتك بالعالم مستخدماً تكنولوجية التدمير من المتفجرات الناسفة وتفخيخ السيارات والبشر وحتى الحيوانات بالعبوات الناسفة لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين الأبرياء باسم الله والإسلام. ويتلقى هذا العمل الإجرامي، المباركة من رجال الدين من أمثال القرضاوي وعشرات غيره الذين يصدرون فتاوى التحريض بدعوى الجهاد ضد الكفار، كأقصر طريق لدخول الجنة والتمتع بحور العين والولدان المخلدين.
والسؤال هو، كيف نجح دعاة الإسلام السياسي في تحويل أتباعهم إلى مفخخات؟ يجيب الدكتور رياض عبد، الأخصائي في الأمراض العقلية، في بحثه القيم (سايكولوجية الإرهاب) على هذا السؤال قائلاً: "هناك بدايات لبعض النظريات التي طرحها بعض علماء النفس الغربيين والتي تحاول تفسير عملية التغيير السايكولوجي التي يمر بها الفرد لكي يصبح إرهابياَ. وتبدأ عملية التغيير هذه بإختزال هوية الآخر إلى هوية أحادية مسطحة (خائن، عميل، كافر...الخ) تليها اختزال هوية الذات الى هوية أحادية بسيطة (مجاهد، مقاتل، شهيد...الخ) وبعد ذلك يتم انتزاع صفة الآدمية عن العدو ليصبح بعدها العدو في نظر الشخص كائناَ لا قيمة له لا يستحق الشفقة ولا يستحق الحياة. والمرحلة الأخيرة هي إضفاء صفة الشر المطلق على الضحية أو الضحايا (demonization) وإنكار أية صفات خيرة أو حميدة لها." وهذا ما يجري فعلاً في العراق ومناطق أخرى من العالم على أيدي المجاهدين الإسلاميين. هذا فيما يخص التفخيخ.
أما التفخيذ، فقد سمعت به لأول مرة عندما قرأت كتاب (تحرير الوسيلة) للمرحوم آية الله العظمى الإمام روح الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية في إيران في حق الرجل بممارسة الجنس مع الزوجة مهما كان فارق العمر بين الزوجين. فيحق للرجل الزواج من طفلة وحتى الرضيعة على أن يتجنب ممارسة الولوج بها قبل أن تبلغ "الزوجة" التاسعة من العمر. ولكن يحق له ممارسة التفخيذ معها أي مع الرضيعة!! والتفخيذ أو المفاخذة عملية جنسية يندى لها الجبين، يمارسها الشواذ البيدوفيليا (paedophiles)مع الأطفال القصر وحتى مع الرضيعة في عمر السنتين. والغريب هنا هو أن أفتى بجواز هذه العملية وأباح بها وناقشها في كتابه المشار إليه أعلاه إمام شيعي وزعيم الثورة الإسلامية في إيران ألا وهو الإمام الخميني.
إذ يقول الإمام الخميني في "- مسألة 12- لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى مع الرضيعة،..." (الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، ج2، ص216، دار المنتظر، بيروت- لبنان، ط2، 1405هـ-1985م). فالإمام يبيح الزواج من الطفلة في التاسعة من العمر، كما ويبيح سائر الاستمتاعات الجنسية الأخرى مثل الضم والتفخيذ حتى مع الرضيعة!
قد يعترض القارئ الكريم، فيقول أن هذه الممارسات الجنسية موجودة حتى في الغرب، فلماذا الإعتراض عليها عندما يصدر رجل دين مسلم حكماً بإباحتها؟ نعم تحصل هذه الممارسات ضد الأطفال في الغرب ومعظمها من قبل أولياء أمورهم أو أقاربهم، وهنا الكارثة. ولكن هذه الأعمال الفاحشة تُعامل في الغرب كجرائم أخلاقية فظيعة مخلة بالشرف، وتصبح عناوين بارزة في الصحف وغيرها من وسائل الإعلام، ويحال مرتكبوها إلى المحاكم التي تنزل بحقهم أشد العقوبات. وحتى عند انتهاء مدة عقوبتهم يعتبرون خطيرين ويوصمون بتسمية الشبق الجنسي بالأطفال، توضع أسماءهم في سجلات خاصة.

أجل، في الغرب وكافة الدول المتحضرة، تعتبر أية ممارسة جنسية مع الأطفال اغتصاب جنسي يعاقب المرتكب عليها بقانون، ولا أعرف أي قانون هذا يسمح بالزواج من طفلة رضيعة وممارسة الجنس معها تفخيذاً قبل التاسعة من عمرها ودخولاً بعد هذا العمر؟ فلو أباح أي إنسان هذا العمل في مقال أو كتاب، أو مارسه، وعرفت السلطات الحكومية عنه، يحال إلى لجنة من الأطباء الأخصائيين في الأمراض العقلية، ليتأكدوا من صحته العقلية، وهل هو سليم العقل أو مصاب بلوثة عقلية. فإذا كان مصاباً بلوثة عقلية يرسل إلى مصح عقلي للعلاج. أما إذا كان سليم العقل، فيحاكم ويدخل السجن. والغرض من كلتا الحالتين هو حماية المجتمع من شرور هذا الإنسان الشاذ في جميع الأحوال. ولكن ماذا نقول لو أباح رجل دين وزعيم أمة يقود ثورة دينية من وزن الإمام الخميني الزواج وممارسة هذا النوع من الجنس حتى مع الرضيعة؟

أرجو من القراء من أتباع الإمام الخميني أن ينظروا إلى الأمر بجدية، ومن منطلق إنساني وعقلاني وفكري، وليس من منطلق الولاء للانتماء الطائفي وفق مبدأ (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً). المطلوب من هؤلاء أن يتجنبوا الصراخ والعويل والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، فما ذكرته من فتوى السيد الخميني تبيح الزواج بالطفلة الرضيعة ممارسة الجنس معها تفخيذاً ليس افتراءً مني، معاذ الله، بل حقيقة ذكرها الراحل في كتابه (تحرير الوسيلة) المشار إليه أعلاه.
فما أباحه الإمام الخميني هو اغتصاب جنسي بعينه وجناية كبرى بحق الطفولة البريئة التي هي بحماية أبويها والمجتمع والسلطة، بشقيها الديني والسياسي. فإذا أصدر زعيم ديني-سياسي مثل الخميني حكماً بإباحة هكذا عمل فعندئذ نقرأ على الإسلام السلام. لذا أرى من واجبي ككاتب أن أثير هذه المسألة الخطيرة إلى الرأي العام وألفت إليها انتباه أعلى المراجع الدينية والسياسية ومنظمات حقوق الإنسان والطفولة بما فيها منظمة الأمم المتحدة.

الاغتصاب في الإسلام
وطالما نحن بصدد الاغتصاب في البلدان التي يطبق فيها حكم الشريعة مثل السعودية وإيران والسودان، أو المرشحة لهذا الحكم، مثل العراق ومصر وفلسطين وغيرها، أرى من الضروري أن أذكر أنه من الصعوبة بمكان، إثبات جريمة الاغتصاب الجنسي أو الزنا وفق الشريعة الإسلامية. فالمطلوب في إثبات هكذا جريمة وفق الشريعة وجود أربعة شهود عدول ذكور، على أن يكون كل منهم قد شاهد العملية الجنسية بالكامل أي الولوج penetrative sex أو ما يسمى باللغة الدينية (الميل بالمكحلة). فالملامسات الجسدية بقصد الشهوة الجنسية بالقوة لا تعتبر اغتصاباً في الإسلام ما لم يرافقها ولوج جنسي يشهده أربعة شهود (ذكور) عدول. وقصة المغيرة بن شعبة، والي الخليفة عمر بن الخطاب في البصرة معروفة مع المومس أم جميل، ومفادها أنه بينما الوالي كان يمارس معها الجنس في كوخ من قصب أو سعف النخيل (صريفة)، هبت عاصفة وطارت الصريفة فافتضح الوالي وهو في وضع مشين شوهد من قبل أربعة أشخاص بالغين كانوا مارين بالصدفة. فرفع هؤلاء الأمر إلى الخليفة عمر الذي دعاهم مع الوالي إلى المثول أمامه في المدينة المنورة. وجرت المحاكمة وقدم ثلاثة من الشهود وصفاً دقيقاً للعملية بما فيها (الميل بالمكحلة). أما الرابع فأيد معظم ما ذكره الشهود الثلاثة إلا إنه قال بأنه لم يشهد منظر الميل بالمكحلة. وهنا أمر الخليفة بجلد الشهود الثلاثة الأوائل وبرأ ساحة الوالي وأعاده إلى وظيفته في البصرة. وهذه الرواية مذكورة بأدق تفاصيلها في كتاب (تاريخ الطبري). ومن هنا نعرف أنه من المستحيل إثبات جريمة الاغتصاب أو الزنا في الإسلام. ويدَّعي رجال الدين أن الإسلام فرض هذه الشروط الصعبة على إثبات الزنا أو الاغتصاب من أجل الستر. ولكن ماذا عن الاغتصاب؟ وأين حقوق الضحية؟ قد يعترض أحد فيقول أن جاء في الإسلام أن النساء مصدقات على فروجهن. ولكن في هذه الحالة، لماذا لا يمكن إثبات جريمة الاغتصاب في الدول التي تطبق فيها الشريعة الإسلامية وسأذكر مثالين أدناه.
المثال الأول، أتذكر قصة مأساوية قرأتها في الصحف، حصلتْ في السعودية في التسعينات من القرن الماضي حيث وقع اعتداء جنسي على تلميذ في مدرسة متوسطة من قبل عدد من المعلمين (gang rape)، وكان المجني عليه ابن أستاذ جامعي من إحدى الدول العربية. ولما قدم والد الطفل شكوى إلى السلطات المسؤولة ولم يستطع تقديم أربعة شهود وفق متطلبات الشريعة الإسلامية، عوقب هو بالجلد بتهمة الكذب والافتراء.
المثال الثاني، مأساة النساء في باكستان. ففي مقابلة بثتها إذاعة بي بي سي قبل شهرين مع محامية في منظمة نسائية تدافع عن حقوق المرأة في باكستان. قالت أن جرائم الاغتصاب شائعة جداً في هذا البلد، ومعظمها على شكل اغتصاب جماعي من قبل شبان ما أن يروا فتاة تسير لوحدها في مكان خال حتى وانقضوا عليها كالذئاب على الفريسة واغتصبوها. وفي معظم الحالات تبرئ المحاكم ساحة الجناة وتحكم على الضحية بالسجن لعدم إمكانها جلب أربعة شهود ذكور. وقالت المحامية أنه خلال 25 سنة الماضية استطاعت المحاكم إدانة حالتين فقط بجريمة الاغتصاب. فهل يعقل في بلد مثل باكستان، البالغ شعبه 170 مليون نسمة أن تقع فيه خلال ربع قرن جريمتان فقط في الاغتصاب الجنسي؟ بينما هناك أعداد كبيرة من النساء حكمت عليهن المحاكم بالسجن في مثل هذه القضايا بدعوى الافتراء. وكما أفادت المحامية أن كثير من الضحايا ينتحرن لشعورهن بالخزي ونظرة المجتمع القاسية إلى الضحية.
وأخيراً، وتحت ضغوط دولية، نجح الرئيس برويز مشرف في تغيير القانون والاعتماد على نتائج الفحوصات الطبية والمختبرية عن طريق الـ (DNA)، لإثبات أو نفي الجريمة. وكالعادة في مثل هذه الحالات، ثارت ثائرة رجال الدين ضد القانون الجديد لأنهم يرفضون الاعتماد على العلم، وقالوا أن هذا القانون يدعو إلى الإباحية... فتصور!! فهل هناك مهزلة أكبر من هذه؟
ورحم الله الإمام الشيخ محمد عبده حين قال قبيل وفاته:
ولستُ أبالي أن يُقال محـمد    أبلّ أم اكتظت عليه المآثــم
ولكن ديناً قد أردتُ صلاحه    أحاذر أن تقضي عليه العمائم.

لا شك أن هذا الدين مهدد، ولكن من قبل الإسلاميين السياسيين وليس من قبل العمانيين كما يدعون.

يتبع
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات صلة
د.عبدالخالق حسين: السماح بالزواج من القاصرات جريمة ضد الطفولة ومخالَف للدستور
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=931

د.عبدالخالق حسين: حذارى من (التحرش) بقانون الأحوال الشخصية!
  http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=925

84
السماح بالزواج من القاصرات جريمة ضد الطفولة ومخالف للدستور

د.عبدالخالق حسين

سمحتْ هيئة رئاسة مجلس النواب خطأً في جلسة لم تكتمل النصاب يوم الخميس، 2/11/2017، بالتصويت "المبدئي" على مشروع تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، النافذ، رغم اعتراض 15 نائباً من مختلف الكتل على تلك الطريقة، وخروجهم من الجلسة لكي لا يكتمل النصاب. فكما اعربت القوى التقدمية، أن هذا التعديل يعتبر "نكسة للمرأة العراقية"، وإهانة لمكانتها، وحقوقها الانسانية والقانونية والدستورية، وله مخاطر مدمرة على نسيج المجتمع العراقي، إذ يراد منه العودة إلى الزمن الغابر الذي طبق فيه ما يسمى بـ"القانون الجعفري"، والذي يسمح للرجل بالزواج من الطفلة الرضيعة بعمر السنتين عن طريق تفخذيها، والولوج بها في عمر التاسعة، يعني تحويل الطفلة البريئة إلى لعابة جنسية (sex toy). فهل يقبل أصحاب مشروع التعديل والمصوتون عليه تحويل فلذات أكبادهم إلى بضاعة جنسية (Sex toy)؟؟ إن هذا خزي وعار على عراق ما بعد صدام، ويعطي الذخيرة الحية للبعثيين الصداميين لتشويه صورة العراق الجديد والديمقراطية.(1)

والجدير بالذكر أن أخطر ما جاء في التعديل هو تسليم هذا القانون لرجال الدين ومنحهم الحرية الكاملة بالتصرف في قضايا الأحوال الشخصية، وحسب المذاهب التي يعتنقونها بعد ان كانت هذه الأمور بيد القضاء العراقي.

لقد حذرنا في مقال سابق لنا بعنوان: (حذارى من (التحرش) بقانون الأحوال الشخصية!)(2)، من أي تعرض لقانون الأحوال الشخصية رقم 88 لعام 1959، الذي صدر في عهد حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم، و يُعد من أفضل القوانين التي أنصفت المرأة والطفولة والمجتمع في تاريخ العراق. ولكن المشكلة أن أكثر من عارض هذا القانون التقدمي الإنساني، هم رجال الدين الشيعة، حتى أنهم تحالفوا مع حزب البعث المجرم، والجهات الأجنبية المعادية للعراق في أوائل الستينات من القرن الماضي، وأطاحوا بأخلص وأنزه حكومة وطنية عرفها العراق في تاريخه الحديث، ودفعوا ثمناً باهظاً لفعلتهم الشنيعة تلك.

في الطب وفلسفة الأخلاق، وعلوم الاجتماع والنفس، تعتبر الطفولة من الولادة إلى سن السادسة عشر، كما أقرته جميع القوانين الوضعية بما فيها قوانين الأمم المتحدة، أن سن الرشد هو بلوغ  18 عاماً من العمر، حيث يسمح له بالتصويت في الانتخابات.

ففي الدول المتحضرة، أية علاقة جنسية مع أي إنسان وحتى في حالة الزواج دون سن البلوغ، يعتبر جريمة اغتصاب ولو بالتراضي، والمرتكب لهذه الجريمة يُعد من المنحرفين جنسياً، والمصابين بمرض الولع الجنسي بالأطفال (Paedophiles)، يوضعون تحت المراقبة من قبل الأجهزة الأمنية لحماية الأطفال من انحرافهم، وإذا ارتكبوا الجريمة يوضعون وراء القضبان حسب القانون.

لكن ماذا نقول لو قامت جهة مشرِّعة مثل برلمان دولة هي عضو في الأمم المتحدة، بتشريع قانون يبيح فيه الزواج من القاصرات، بممارسة التفخيذ معها من الرضيعة بعمر عامين، والولوج بها بعمر تسعة أعوام. فهذا القرار مخالف لجميع القوانين الدولية، وحقوق الإنسان، وحقوق الطفولة، وحقوق المرأة، وأنه يمثل خطوة أخرى تكميلية لما فعله النظام البعثي الساقط في الردة الحضارية، والعودة بالمجتمع إلى عصور الهمجية، والجاهلية الأولى. فهذا التعديل يعتبر المرأة بمختلف مراحل عمرها، من الولادة إلى الوفاة، عبارة عن بضاعة يتصرف بها الرجل كما يشاء أسوة بأية بضاعة جامدة أخرى، بعد تجريدها من آدميتها، وإمكانياتها العقلية، ومشاعرها وحقوقها الإنسانية.

فكما ذكرنا في مقالنا السابق، لقد تذرع النواب الإسلاميون المطالبون بتعديل القانون، بالمادة الثانية من الدستور أنه (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الاسلام). ولكن نفس المادة أقرت أيضاً (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الديمقراطية). ولا شك أن حقوق المرأة هي من ثوابت حقوق الإنسان والتي هي بدورها من ثوابت الديمقراطية، ولا يجوز إصدار أي قانون مخالف لهذه المادة الدستورية. وعليه فالتعديل المنافي للديمقراطية مخالف للدستور.

ما العمل؟
أولاً، يجب على جميع النواب التقدميين من مختلف الكتل السياسية، وخاصة النساء، معارضة هذا التعديل المجحف بشدة، وشن حملة جدال مع زملائهم في البرلمان من المؤيدين والمترددين لكسبهم ضد هذا التعديل المخالف للأخلاق والقيم الإنسانية، والمفتت للنسيج الاجتماعي.

ثانياً، عدم مغادرة الجلسة المخصصة لهذا التعديل بذريعة عدم إكمال النصاب لسد الطريق على مؤيديه. بل يجب حضور الجلسة والمشاركة الفعالة في المناقشة ما قبل التصويت، للتأثير الإيجابي على بقية النواب، والتصويت ضد التعديل. فمغادرة الجلسة يفسح المجال للنواب الإسلاميين وحدهم للتصويت وبدون معارضة فعالة.
ثالثاً، على جميع الكتاب التقدميين، والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والصحافة وكافة وسائل الإعلام شن حملة توعية واسعة للجماهير لحثهم على إجهاض محاولة الالتفاف على قانون الأحوال الشخصية، وذلك بتنظيم التظاهرات ونشر المقالات، والبيانات، والنداءات ضد هذا التعديل.

رابعاً، في حالة نجاح النواب الإسلامويين بتعديل القانون كما يريدون، يجب على النواب العلمانيين ومنظمات المجتمع المدني تقديم شكوى إلى المحكمة الإتحادية العليا، لإبطال التعديل لكونه مخالفاً للدستور، وضد الديمقراطية، ومناهضاً لحقوق الإنسان، ومسيئاً للشعب العراقي وسمعته في العالم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- نواب ينتقدون بشدة رئاسة البرلمان لسماحها بالتصويت عليه
http://www.akhbaar.org/home/2017/11/236048.html

2- - د.عبدالخالق حسين: حذارى من (التحرش) بقانون الأحوال الشخصية!
  http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=925



85
لماذا العراق غير قابل للقسمة؟
د.عبدالخالق حسين

لو نقرأ تاريخ العراق المعاصر، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 ولحد الآن، وما حصل من صراعات وأحقاد طائفية وعنصرية بين مكوناته، لا بد و أن نستنتج أن أفضل حل للمشكلة العراقية المزمنة المعوِّقة لتقدمه واستقراره، وازدهاره هو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، أو كانتونات، واحدة للشيعة، وثانية للسنة، وثالثة للكرد، وكفى الله المؤمنين شر الجدال والقتال. والجدير بالذكر، أن الدولة العراقية بحدودها وخارطتها الحالية، قد تم تأسيسها وفق اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916، التي "كانت اتفاقا وتفاهمًا سريًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى." ولكن المشكلة أن هذه الاتفاقية التي يشتمها أغلب المثقفين والسياسيين العرب، ويحملونها كل مشاكل المنطقة، نراهم في نفس الوقت يرفضون بشدة الخروج عليها.

وحسب هذه الاتفاقية وقع ظلم فاحش على الكرد بحرمانهم من تأسيس دولتهم القومية آنذاك أسوة ببقية القوميات الأخرى في المنطقة، وذلك بسبب تضارب مصالح الأقوياء، فتم تقسيم الشعب الكردستاني على أربع دول: إيران، وتركيا، والعراق وسوريا. ولكن، لو ألقينا نظرة تأملية فاحصة، ومنصفة، لتوصلنا إلى استنتاج مفاده أنه في تلك الظروف وحتى الآن، لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، أو أفضل مما حصل، وذلك لأسباب كثيرة، ولتضارب مصالح مختلف الأطراف.

وبالطبع لم يسكت الشعب الكردي على ما ناله من ظلم وحيف، إذ قامت حركات وثورات من قبل الكرد في إيران، والعراق وتركيا، وأخيراً في سوريا بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي عام 2011، ولكن كلها باءت بالفشل والكوارث على الشعب الكردي وشعوب المنطقة. ومن الانصاف القول أن كرد العراق حققوا لهم مكتسبات لم يحققها أشقاؤهم في البلدان الثلاث الأخرى، وخاصة بعد 2003، حيث لعب قادة الكرد دوراً فعالاً في تشكيل الحكومة، وكتابة الدستور، وفق ما كانوا يطمحون إليه بأن يكونوا شركاء حقيقيين في الدولة العراقية الديمقراطية الفيدرالية الجديدة.

كما أثبت التاريخ أن الدمج القسري لكردستان العراق بالدولة العراقية جلب الكثير من الكوارث على الشعبين العراقي والكردي منذ تأسيس الدولة العراقية وإلى الآن. لذلك قد يبدو على السطح أن الطلاق في هذه الحالة هو أفضل حل، ولكن كما حصل بعد الاستفتاء الذي أصر عليه السيد مسعود بارزاني، الرئيس غير الشرعي للإقليم، أنه غير دستوري، ورغم تصويت غالبية المشاركين لصالح الانفصال والاستقلال، إلا إنه بات واضحاً للجميع أن الانفصال غير ممكن لأسباب محلية وإقليمية ودولية، وجغرافية، رغم أن العراق سيكون المستفيد الأكبر والأكثر من انفصال كردستان عنه. فكردستان الآن دولة مستقلة مصرفها على العراق، إضافة إلى حصتها في حكم دولة أخرى اسمها جمهورية العراق. وهذه حالة عجيبة وغريبة لا مثيل لها في العالم يجب وبالضرورة أن تنتهي.

من يريد تقسيم العراق؟
يبدو أن غالبية الكرد يريدون الإنفصال (92% حسب الاستفتاء الأخير). أما الشيعة فهم ضد أي تقسيم، وهم أكثر من دفع من الضحايا في سبيل الوحدة الوطنية العراقية في جميع العهود. كذلك العرب السنة، فهم منذ تأسيس الدولة العراقية، كانوا مع الوحدة العراقية طالما هم أصحاب القرار السياسي دون غيرهم من مكونات الشعب العراقي، ولكن ما أن تغيَّر الوضع عام 2003 حتى وناهضوا العراق الجديد، لأنه فرض النظام الديمقراطي لأنه ساوى بينهم وبين المكونات الأخرى وكل حسب حجمه في الشعب العراقي، وما تفرزه صناديق الاقتراع، وتشكيل الحكومة حسب نسبة الكتل السياسية في البرلمان. لذلك رفضت الكيانات السياسية السنية الديمقراطية، ونعتتها بشتى النعوت التسقيطية مثل حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية..الخ، ولجأت إلى الإرهاب لفرض شروطهم في حكم العراق.

فالشعب العراقي كأغلب شعوب العالم، متعدد المكونات، وهي مشكلة من نتاج التاريخ والجغرافية. فالكرد يقطنون منطقة في شمال شرقي العراق، تسمى بكردستان، والعرب السنة في شمال غربي العراق، يفصلهما شريط ممتد من الحدود التركية شمالاً إلى محافظة ديالى جنوباً، والذي يسكنه التركمان، وأقليات أخرى، ثم محافظات الوسط وجنوب العراق، غالبية سكانها من العرب الشيعة، وأقليات من أتباع الأديان والطوائف الأخرى. إضافة إلى هذه الظروف الموضوعية، كان ظلم حكم البعث الصدامي على المكونات طائفياً وعنصرياً. ولهذه الأسباب مجتمعة، تشكلت الأحزاب السياسية العراقية وفق الانقسامات الطائفية والقومية والمناطقية لحماية أنفسها من الإبادة، ولفقدان الثقة بالمكونات الأخرى.

لذلك، فمشكلة المحاصصة فرضتها ظروف موضوعية من الصعوبة الخروج عليها في الوقت الحاضر، إلى أن تتشكل أحزاب عابرة لهذه الانقسامات على غرار الأحزاب البريطانية والدول الغربية الأخرى. والجدير بالذكر أن هذه المحاصصة كانت متبعة منذ تأسيس الدولة العراقية وبشكل مجحف للكرد والشيعة ، ولكن الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة منعت الاعتراض عليها، أو حتى الحديث عنها، وكانت هذه الحكومات تعين بعض الشيعة والكرد في المناصب الحكومية الثانوية كديكور ودون استحقاقهم بما يتناسب ونسبتهم السكانية في صنع القرار السياسي، ونصيبهم في الثروة وحقوق المواطنة.

وبعد 2003، حاول جميع الشركاء في هذا الوطن الاستقواء بالخارج من أجل تحقيق المزيد من المكاسب والنفوذ في السلطة على حساب المنافسين الآخرين، فالسنة العرب لجأوا حتى إلى الإرهاب ومنظماته المتوحشة مثل القاعدة وداعش لتحقيق أغراضهم، وكذلك الكرد وخاصة جناح بارزاني، راحوا يتحالفون مع أعداء العراق من أجل ابتزاز الحكومة المركزية وإضعافها، فنسبتهم السكانية وحسب قرارات الأمم المتحدة، لا تزيد عن 13%، ولذلك كانت الأمم المتحدة في عهد صدام تدفع لهم من واردات النفط 13% فقط، ولكن لأسباب سياسية نفعية وانتهازية رفعها أياد علاوي إثناء ترؤسه للحكومة المؤقتة عام 2005 إلى 17%، إلا إن القيادة الكردية بزعامة مسعود بارزاني تمادت وأمعنت في ابتزازها وإلحاحها على المزيد...مستغلة ضعف الحكومة المركزية وانشغالها بمحاربة الإرهاب بمختلف أشكاله وتنظيماته، إلى أن انقلب السحر على الساحر، وانقلب الإرهاب المدعوم من قبل حكومة الإقليم، وبقية الشركاء حيث جلب عليهم الكوارث، عندئذ أدرك الجميع أنه يجب حل المشكلة بأقل ما يمكن من خسائر. وهكذا تنطبق على القيادات السياسية العراقية مقولة (أن الإنسان لا يستخدم الطرق الصحيحة لحل المشاكل إلا بعد أن يستنفدوا جميع الطرق الخاطئة).

حول مبدأ حق تقرير المصير
إن مبدأ حق تقرير المصير قول حق، ولكن لا يجب تطبيقه بدون مبرر في كل زمان ومكان، و بدون إعمال العقل والحكمة. ففي العالم هناك أكثر من 12 ألف قومية وأثنية، فلو طبق هذا المبدأ كيفما اتفق، لكان الآن أكثر من 12 ألف دولة، أي نصل إلى حد أن كل أثنية يجب أن تكون لها دولة، وهذا غير ممكن لأنه غير عملي، ولأنه يعيد المجتمع البشري إلى المراحل البدائية، أي إلى ما قبل تكوين الشعوب والدول. ففي الهند وحدها أكثر من 150 أثنية ولغة، وآلاف الأديان، ولكن مع كل هذه التعددية الهائلة، نرى الأمة الهندية تعيش بسلام وأمان في دولة عظيمة مستقرة تعد أكبر دولة ديمقراطية في العالم.
فالتاريخ هو تقدمي، ونحن نعيش في عصر العولمة بفضل التطور المذهل في تكنولوجية الاتصال والمواصلات التي ساهمت في التقارب بين الشعوب، ومنح الأولوية للمصالح الاقتصادية على النعرات القومية والدينية والطائفية التي يمكن تجاوزها، لذلك نجد تشكيل اتحادات سياسية واقتصادية بين دول العالم على حساب تآكل سيادة الدولة القومية.
أما ما نلاحظه الآن من تصعيد النزعات القومية والانفصالية عن بعض الدول ذات التعددية القومية في بعض مناطق العالم، مثل بريطانيا وأسبانيا، فهو ردود أفعال على العولمة، والكوسموبوليتانية، وسرعة التطور، خوفاً على الهوية القومية والإنتماءات الثانوية مثل الدينية والطائفية والمناطقية، كما حصل ذلك في سكوتلاندا، وكاتالونيا وغيرهما. ولكن هذه النزعات هي مؤقتة إذ نجدها ضعيفة عند الشباب الذين تغلب عليهم النزعة الإنسانية والأممية، و قوية عند الشيوخ المسنين ذوي النزعة القومية الشوفينية كما أظهر ذلك تحليل المصوتين في استفتاء الشعب البريطاني للخروج من الوحدة الأوربية. فشعوب العالم تسير نحو التآخي والتقارب بين البشر وليس العكس.
كذلك فما يجري في العراق من تخندقات طائفية وعنصرية هي مؤقتة ونتاج مظالم الحكومات الدكتاتورية الجائرة السابقة، نقول مؤقتة لأنها ضد مسار التاريخ، خاصة وأنها قد جلبت الكوارث على جميع مكونات الشعب العراقي، وبالتالي لا بد وأن يستيقظ الشعب العراقي عاجلاً وليس آجلاً، ويدرك أن سياسة التخندقات الطائفية والعرقية مخجلة وتضر بهم وبمستقبل الأجيال القادمة، والحل الوحيد هو التخلص من هذه التخندقات، ومنح الأولوية إلى الانتماء الوطني العراقي وقيمة الإنسان بغض النظر عن انتماءاته الثانوية، الأثنية والدينية والمذهبية.

عواقب التقسيم
إن تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات غير ممكن للأسباب التالية:
اولاً، دولة للعرب السنة، لحسن الحظ وكما ذكرنا آنفاً، أن العرب السنة لا يريدون الانفصال لأنهم يعرفون أن دولتهم هذه لو تأسست، فهي غير قابلة للبقاء إقتصادياً، وفي هذه الحالة إما أن ينضموا إلى دولة أخرى مجاورة مثل المملكة الأردنية الفقيرة، أو السعودية الغنية، وفي الحالتين يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية، و كالأيتام على موائد اللئام. وهذا بحد ذاته جنون، إذ يجردهم من وطنهم العراق الذي حكموه لمئات السنين. كذلك ما أن يتخلصوا من عدوهم المشترك المتخيَّل (الشيعة والكرد)، حتى وستبدأ الصراعات العشائرية والمناطقية فيما بينهم.
ثانياً، دولة الكرد: لقد اثبت استفتاء الشعب الكردي يوم 25 أيلول/سبتمبر الماضي، أن الدولة الكردستانية الموعودة غير قابلة للبقاء بسبب الحصار الذي ستفرضه عليها الدول المحيطة بها. أما تمادي مسعود بارزاني في إهانة الدولة العراقية، فقد كان نتيجة ضعف الحكومة المركزية، خاصة في قواته المسلحة. وهذا الضعف لم يعد موجوداً الآن كما أثبتت الأحداث الأخيرة حيث الانتصارات الساحقة على داعش، واستعادة الجيش لكركوك وغيرها من المناطق بدون سفك دماء.
ثالثاً، الدولة الشيعية في الوسط والجنوب: هذه الدولة لو تحققت لا سامح الله، فهي الأخرى غير قابلة للصمود والبقاء في مواجهة الدول الخليجية السنية التي تعتبر هذه الدولة خطراً على أمنها ووحدتها الوطنية، وذلك بإنعاش آمال المكون الشيعي في تلك الدول وتحفيزها للثورة والانفصال عن دولها، والانضمام إلى الدولة الشيعية العراقية، وهذا انتحار لهذه الدول والدولة الشيعية العراقية على حد سواء، ومصدر حروب طاحنة بين الدول الخليجية وإيران، وجر دول أخرى مثل إسرائيل وأمريكا لهذه المحارق البشرية. لذلك فالحالمون بالدولة الشيعية (من سامراء إلى الفاو)، عليهم أن يستفيقوا من أوهامهم وأحلامهم الفنطازية الإنتحارية.

دلالات استعادة المناطق المعتدى عليها
أود التوكيد على أن استعادة كركوك، وبقية المناطق المعتدى عليها إلى حضن الوطن كان عملاً عظيماً، لم يتم حسب اتفاق مسبق مع قيادات البيشمركة الكردية بتوسط الجنرال الإيراني السيد قاسم سليماني، كما أشاع الإعلام المضاد، وحتى غير المضاد عن سذاجة وقلة الإدراك. فالغرض من هذه الإشاعات السامة هو التقليل من قوة ودور القوات العراقية المسلحة، وقوة الحكومة المركزية. فسبب انسحاب البيشمركة هو أن قيادتها أدركت قوة الجيش العراقي، إذ كما قالت النائبة آلا طالباني في مقابلة تلفزيونية، أن قرار قائد قوات البيشمركة في الانسحاب من كركوك بعدم المواجهة والصدام مع الجيش العراقي قد أنقذ عشرة آلاف مسلح كردي في البيشمركة من الموت المحقق. كذلك قال بافل طالباني (نجل الراحل جلال طالباني): "أن قوات البيشمركة قاتلت إلا أنها لم تتمكن من الصمود بوجه القوات العراقية المدججة بالأسلحة." وإذا ما سارع كاك مسعود باتهام قوات البيشمركة التابعة للإتحاد الوطني الكردستاني (PUK)، بالخيانة بسبب هذا الانسحاب، فلماذا انسحبت قوات البيشمركة التابعة لحزبه الديمقراطي الكردستاني (KDP)، من المناطق المتنازع عليها، ودون إطلاق رصاصة واحدة؟ السبب مرة أخرى هو إدراك بارزاني أن الجيش العراقي اليوم يقوده ضباط وطنيون مخلصون أكفاء، وليس كما كان عام 2014 الذي سلم الموصل وبقية المناطق ذات الغالبية السنية لداعش، وكركوك لبارزاني بالتواطؤ(1).
وبناءً على كل ما تقدم، نتوصل إلى حقيقة مفادها أن تقسيم العراق إلى دولتين، واحدة للكرد، وأخرى للعرب وبقية المكونات، أو إلى ثلاث دول، غير ممكن، لأنه عملية انتحارية وإبادة للجميع، ولأنها ستشغل هذه الدول الثلاث والدول الإقليمية وغيرها في حروب طاحنة على الحدود، وعلى مصادر الثروات الطبيعية، وبالتالي تبديد جميع طاقاتها البشرية، و ثرواتها المادية على الحروب، بدلاً من توظيف هذه الطاقات والثروات للتنمية والتقدم والازدهار الاقتصادي الذي سيجلب الخير العميم للجميع.

لذلك نستنتج أن العراق غير قابل للقسمة إطلاقاً، وأن الواقع أقوى من رغبات وتمنيات فنطازية لبعض القادة الطوباويين الحالمين، أوحملة مبادئ غير قابلة للتطبيق. فأيهما أفضل للشعب الكردي، دولة مستقلة يرأسها دكتاتور مثل مسعود بارزاني الذي هو عبارة عن صدام كردي صغير، وأبنائه وأقربائه، دولة محاصرة بالدول المعادية المحيطة بها (العراق وإيران وتركيا وسوريا)، ولا اتصال لها بالبحر، وربما معرضة للهجوم المسلح عليها وتصفيتها كما حصل لجمهورية مهاباد الكردية في إيران عام 1946، والتي لم تدم أكثر من 11 شهراً، أم حكم ذاتي وشريك حقيقي ضمن الدولة العراقية الديمقراطية الفيدرالية؟ الجواب واضح لكل ذي عقل سليم، إلا من أعماه التعصب القومي الشوفيني والطائفي.

ربَّ ضارة نافعة
يقول الفيلسوف السكوتلندي آدم سميث: (عواقب غير مقصودة لأفعال مقصودة، ولكن في نهاية المطاف تكون في صالح المجتمع البشري). وهذا بالضبط ينطبق على استفتاء مسعود بارزاني، الذي كان يأمل من استفتائه إحراج الحكومة المركزية، وإعلان دولته الكردية، ويدخل التاريخ كقائد مؤسس للدولة الكردستانية، فجاءت النتائج على غير ما أراد، بل نقمة عليه، وعلى حزبه، ونعمة للشعب العراقي بما فيه الشعب الكردستاني. فهذا الاستفتاء جاء كضربة قوية على يافوخه، أيقظته من أحلامه وأوهامه و هذياناته. فالنتائج غير المقصودة أدت إلى التقارب والوحدة بين مكونات الشعب العراقي، والتقارب الإيراني التركي في تدمير أحلام بارزاني، وأظهرته على حجمه الحقيقي بعد أن سكر بخمرة غروره وعنجهيته، وعنترياته، وبمادى في تجاوزاته على الدولة العراقية، وتحالفه مع إسرائيل، وصمَّ أذنيه ضد كل النصائح التي جاءته حتى من الدول المتعاطفة مع طموحات الشعب الكردي. لقد خسر مسعود كل هذه الجهات لأنه استمع إلى مجموعة من المستشارين الغربيين من أمثال برنارد كشنير، وبرنارد لفي، وزلماي خليل زاد، وعشرات غيرهم من المرتزقة الذين أغدق عليهم من أموال الشعب الكردستاني، والنفط العراقي المسروق.

لذلك، فاستفتاء بارزاني وفر الفرصة الذهبية التاريخية للحكومة المركزية، وعلى رأسها الدكتور حيدر العبادي، أن يفرض حكم الدستور والقانون، ويعيد للدولة العراقية هيبتها و وحدتها ومكانتها اللائقة في العالم، بعد أن استغل مسعود إنشغال الدولة العراقية بمحاربة الإرهاب، فحاول بكل الوسائل إهانة العراق وإظهاره بالرجل المريض المشرف على الموت، وأراد أن يجعل من حكومة الاٌقليم أقوى من الحكومة المركزية، والبيشمركة أقوى من الجيش الاتحادي، ولكن خاب أمله. لا شك أن مسعود قد أصابه الغرور، فأعلن نفسه هو من يعين رئيس الوزراء، وحاول حرمان الجيش العراقي من السلاح لمحاربة الإرهاب ، وذلك بالادعاء أن هذا الجيش يراد به إبادة الكرد...الخ. والآن راح يطالب كرد الخارج بالتظاهر والاعتداء على السفارات العراقية في المدن الغربية كما حصل قبل أيام من هجوم بربري على القنصلية العراقية في مانجستر، والهجوم على القنصلية الإيرانية في إربيل، وهو خزي على حكومة الإقليم.

ما المطلوب من العبادي في التعامل مع كردستان؟
1- أن تكون الحدود، ومنافذها، والمطارات ومداخيلها المالية تحت إدارة وإشراف الحكومة المركزية،
2- أن يُعامل مواطنو كردستان أسوة بمواطني العراق في المحافظات العراقية الأخرى، يعني حصة كل محافظة كردستانية من الموازنة المركزية حسب عدد سكانها كما هي الحال في حصة أية محافظة عراقية مثل السماوة والبصرة، أو الرمادي، و حصة كل محافظة تُسلّم إلى مجلس المحافظة وليس إلى رئيس الإقليم.
3- احترام سيادة الحكومة الاتحادية على المنافذ الحدودية والمطارات والثروات السيادية وقوات البيشمركة والاجهزة الامنية الكردية، وفرض القانون في المناطق المتنازع عليها، ومنع اي سلوك منافي للدستور من قبل الاقليم.
4- تغيير دستور الإقليم ليكون ولاء قوات البيشمركة وجميع القوات الأمنية في الإقليم، للقائد العام للقوات المسلحة العراقية، وليس لرئيس الإقليم،
5- السياسة الخارجية، ودوائر جوازات السفر، ومنح تأشيرات دخول الأجانب من مسؤولية الحكومة المركزية، وليس حكومة الإقليم.
6- لا يجوز لحكومة الإقليم عقد اتفاقيات مع الحكومات الأجنبية، فهذه من مهمة الحكومة المركزية فقط،

وبإختصار شديد، يعني لا حوار مع القيادة الكردستانية إلا إذا وافقت على تطبيق الدستور الدائم الذي ساهمت القيادة الكردية في كتابته، وصوَّت الشعب الكردستاني عليه، لا أقل ولا أكثر.
 
وفي حالة رفض القيادة الكردستانية لهذه الشروط، وهي دستورية، فعلى الحكومة المركزية اعلان كردستان دولة مستقلة بحدود عام 1991 الذي أقره مجلس الأمن الدولي، ووافقت عليه القيادة الكردستانية مع الحكومة العراقية آنذاك. وعلى حكومة الإقليم أن تدبر حالها في حالة تعرضها لمضايقات أو حصار أو حتى حروب مع إيران وتركيا، والعراق في حل من مسؤولية الدفاع عن كردستان.
هذه فرصة تاريخية ذهبية لن تتكرر، لبناء العراق الجديد الديمقراطي الفيدرالي المزدهر والمستقر على أسس حضارية وتقدمية وعلمية، يجب على الدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة، استثمارها وعدم التفريط بها قيد شعرة، وهي فرصة ذهبية له ليدخل التاريخ وتذكره الأجيال القادمة أنه أنقذ العراق من الفوضى والوهن والتمزق، كما أنقذ فلاديمير بوتين روسيا من الانهيار وأعاد هيبتها في العالم.
ألا هل بلغت، اللهم إشهد.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــ
روابط ذات صلة:
1- د. عبد الخالق حسين : تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=656

2- مقال الدكتور حيدر العبادي في صحيفة نيويورك تايمز
النسخة العربية:
http://www.alkawthartv.com/news/99488
 
3- النسخة الإنكليزية الأصلية
New York Times, Iraq Will Remain United
By HAIDER al-ABADI  ,  OCT. 18, 2017
https://www.nytimes.com/2017/10/18/opinion/iraq-will-remain-united.html


86
تحية لقواتنا الباسلة على تحريرها كركوك
د.عبدالخالق حسين

لا شك أن يوم الأحد 16/10/2017، يعتبر يوماً حاسماً في تاريخ العراق الحديث، حيث تم فيه تحرير مدينة كركوك ومناطق أخرى من هيمنة وطغيان مسعود بارزاني، وهذا التحرير لا يقل أهمية عن تحرير الموصل من دنس داعش، حيث أعادت الدولة هيبتها، كما وأعاد الجيش العراقي معنوياته التي حاول مسعود وأمثاله من أعداء العراق تدميرها يوم تآمروا مع داعش بتسليم المناطق الغربية مقابل تسليم كركوك لحكومة الاقليم.(1)

و تحية إلى رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي لقراراته الحكيمة والشجاعة، وقيادته للسفينة العراقية وهي تواجه أعنف وأخطر وأشد العواصف التاريخية عربدة، وقد تسلح بالحكمة وصبر أيوب في التعامل مع الطاغية الصغير مسعود بارزني الذي ركبه الغرور، فكلما تساهل معه العبادى، تمادى وأمعن أكثر في غروره وطلباته وتجاوزاته على الدستور، وراح يملأ الدنيا صراخاً وعويلاً أن "حكام بغداد" يتجاوزون على الدستور، وأنه لم يبق أي أمل للكرد للتعايش في عراق موحد. وراح يعزف على الوتر القومي والعنصري والطائفي لإثارة الكرد وكسبهم إلى جانبه لتحقيق أغراض شخصية وحزبية.

والجدير بالذكر، والأدهى والأمر، أن مسعود بارزاني الذي خلق كل هذه المشاكل لشعبه وللعراق، هو رئيس غير شرعي، وجميع قراراته تعتبره مخالفة ليس للدستور العراقي فحسب، بل وحتى لدستور الإقليم، إذ انتهت رئاسته عام 2013، فمدد له برلمان الإقليم رئاسته لمرة واحدة ولسنتين، أي لنهاية عام 2015 غير قابلة للتمديد، وعلى برلمان الاقليم اختيار رئيس جديد. إلا إن مسعود قام بتعطيل البرلمان، ومدد رئاسته إلى أجل غير مسمَى (يعني رئيس مدى الحياة). ولذلك فهو غير شرعي وبالتالي قراراته غير شرعية. ولهذا السبب راح يلعب على الوتر القومي والطائفي ليكسب الشعب الكردي إلى جانبه.
بارزاني ركبه الغرور، وتحدى النصائح من جميع الجهات، الكردية، والعراقية، والدولية التي طالبته بعدم إجراء الاستفتاء، لأن الوقت غير مناسب، ولكنه تحداهم جميعاً، على أمل أن يكسب الشعب الكردي إلى جانبه ويحرج منافسيه الكرد، ويعلن إمارته البارزانية، ويدخل التاريخ كمؤسس للدولة الكردية المستقلة.
وهو الذي تعاون مع داعش عام 2014 في تقسيم الغنائم، موصل والمناطق العربية السنية لداعش، مقابل كركوك لحكومة الإقليم. وهذا ما حصل يوم 10 حزيران 2014، مخالفاً بذلك الدستور الذي أقر تبعية كركوك وجميع "المناطق المتنازع عليها" للعراق، وخصصت المادة 140 من الدستور لحل هذه المشكلة سلمياً في عراق فيدرالي موحد. إلا إن مسعود ألغى من جانب واحد هذه المادة من الدستور وأعلن أن (كل ما تحقق بالدم لن يتنازل عنه إلا بالدم)، وأن مشكلة داعش هي صراع سني- شيعي لا علاقة للكرد فيه. والمعروف أن بارزاني هو الذي امر بسحب قوات البيشمركة من سنجار وتسليمها لداعش التي قامت بعملية إبادة الجنس وهتك الأعراض ضد الأيزيديين، ولم يتحرك بارزاني ضد داعش إلا بعد أن وصل الدواعش إلى تخوم إربيل، وعندها أدرك أن داعش هي ليست صراع سني- شيعي، بل مسألة حياة أو موت لكل العراق بما فيه الكرد.

لقد أثبت بارزاني جهله بالسياسة والثقافة والتعلم، وأنه مجرد بندقية للإيجار لتدمير العراق. فتعليمه المدرسي لم يتعدى الصف الأول متوسط، ويتباهى أنه ترك الدراسة وحمل الكلاشنكوف وهو في عمر 16 سنة. فماذا تتوقع من هكذا قائد سياسي شبه أمي، استلم القيادة بالوراثة لأنه ابن الملا مصطفى بارزاني ليس إلا. ولذلك جازف بالقضية الكردية العادلة وكرسها لأغراض عائلية وحزبية.
لقد نال الكرد من مكتسبات باهرة ضمن الفيدرالية العراقية الديمقراطية أكثر مما لو كانت كردستان دولة مستقلة. فحكومة الاقليم كانت ومازالت تحكم كردستان كدولة مستقلة إضافة إلى حصتها في حكم العراق ووارداته المالية. ولكن مسعود لم يتخلص من حقده الأسود على العراق وشعبه، إذ لم يترك مناسبة إلا وراح يصرح ضد العراق، وأخيراً تبنى نفس النغمة الطائفية النشاز بأن العراق قد أنتهى، ولا أمل في الشراكة مع حكومة بغداد "الطائفية"(2)، ويقصد طبعاً السياسيين الشيعة، وجعل من كردستان ملاذاً آمناً لفلول البعث وأيتامهم من الذين تآمروا على العراق الديمقراطي، بل شارك حتى في مؤتمر عمان الذي مهد لاحتلال داعش للموصل عام 2014.

وعلى الضد من بارزاني، فقد أثبت الدكتور حيدر العبادي، رئيس الوزراء، حنكة سياسية، متسلحاً بالحكمة والصبر في التعامل مع مسعود بارزاني وبشكل عجيب. وكلما قدم العبادي تنازلاً لمسعود، تمادى الأخير أكثر فأكثر في غيه وتجاوزاته على سيادة الدولة العراقية إلى حد أنه رفع علم الإقليم على جميع الدوائر في كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها، متجاهلاً  الدستور ونصائح العبادي في الكف عن هذه التجاوزات ولكن بلا جدوى، وراح أتباعه في الدول الغربية يذرفون دموع التماسيح والادعاء بأن الحكومة المركزية هي أسوأ من عهد صدام، وهي التي تتجاوز على حقوق الكرد، وتخالف الدستور. وقام مسعود بتجويع شعبه، حيث أوقف دفع رواتب العاملين في الإقليم من أجل تحريض الشعب الكردستاني، وكسب العطف العالمي ضد الحكومة المركزية، واتهامها بتجويع الكرد وعدم دفع رواتبهم، علماً بأن مسعود كان يصدر نحو 900 ألف برميل من النفط الخام، خلافاً للدستور، فأين ذهبت الواردات؟
لقد استغل مسعود انشغال القوات العراقية في معاركها ضد داعش، حيث انتصرت قواتنا المسلحة بجميع فصائلها على قوى الظلام والتوحش، واستعادت هذه القوات هيبتها التي حاول أعداء العراق من أمثال بارزاني تدمير معنوياتها، مدعياً أن الجيش العراقي أنهزم أمام داعش، بينما الكل يعرف كيف تم تسليم هذه المناطق بمؤامرة محلية ودولية لتحقيق غايات سياسية مؤقتة، وها هو الجيش نفسه يحرر الأرض والعرض من دنس الدواعش، كما حان الوقت يوم 16/10/2017 لاسترجاع كركوك ومناطق أخرى من هيمنة مسعود، وإلحاق الهزيمة به، وتركه يلعق جراحه، ولم يبق له من صديق سوى إسرائيل التي تعتبر صداقتها لمسعود خزي وعار عليه.

وأخيراً أثمرت حكمة العبادي وصبره، بينما مسعود بارزاني الآن لم يبق له سوى إلقاء اللوم على القيادات الكردية المعارضة له واتهامها بالخيانة. وهكذا ينطبق عليه قول الشاعر:
إذا كان الغراب دليل قوم.... فسيدلهم إلى أرض الخراب
وها هو مسعود فقد تسبب في عرض كل ما حققه الشعب الكردي من مكتسبات عبر عشرات السنين من النضال المرير، إلى الضياع. وقد أدرك بعض القادة الكرد هذه الحقيقة، فقد شن مسؤول جهاز مكافحة الإرهاب في كردستان لاهور شيخ جنكي طالباني، هجوما على رئيس كردستان المنتهية ولايته مسعود البارزاني، لافتا اننا "لن ندفع ابنائنا" للموت من أجل كرسيه(3). كذلك قال السياسي الكردي المعروف، د. محمود عثمان أن (العبادي ذبح البرزاني بسكين ناعم)(4). كتعبير عن انتصار حكمة وصبر العبادي على غرور وتهور مسعود.

لقد أصر بارزاني على إجراء استفتائه سيئ الصيت رغم معارضة حكومات مناصرة للقضية الكردية، مثل أمريكا على لسان وزير خارجيتها تلرسون، الذي أبدى استعداد بلاده دعم طموح الشعب الكردي بما فيه إقامة دولته المستقلة، فقط أن يؤجل الاستفتاء إلى وقت مناسب في المستقبل، لأن إجراءه الآن يشكل عقبة في الحرب على داعش(5). إلا إن بارزاني أصر واستكبر، لذلك خسر حتى أصدقاءه في الداخل والخارج، والآن يلعق جراحه، وراح مثقفو الكرد يطالبونه بالتنحي(6).

وكما تفيد الحكمة: (رب ضارة نافعة). فبإصراره على إجراء الاستفتاء، فقد أوقع مسعود نفسه في الفخ، وعلى العبادي الاستفادة من هذه الفرصة الذهبية، بأن يفرض حكم الدستور، وعدم التخلي عن أية فقرة منه. فكردستان تتمتع بالحكم الذاتي، وحصتها من الموازنة 17% لدفع رواتب جميع العاملين في الاقليم بمن فيهم قوات الشرطة والبيشمركة، خاصة وأن البيشمركة هي مليشيات حزبية ولاؤها ليس للحكومة المركزية، ولا حتى لرئيس الإقليم، بل للقيادات الحزبية السياسية. لذلك على الدكتور العبادي الثبات على موقفه الذي أعلنه في رده القاطع على دعوة الاقليم للحوار(7 و8) ودون أية تنازلات عن حق الشعب العراقي، ويجب معاملة جميع أبناء الشعب بالعدل والمساواة وفق ما أقره الدستور، لا أقل ولا أكثر.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبد الخالق حسين: تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=656

2- سالم مشكور: سلاح الطائفية.. كرديّاً!
http://www.akhbaar.org/home/2017/10/235183.html

3- طالباني: لن ندفع بأبنائنا للموت في سبيل كرسي مسعود
http://aletejahtv.org/permalink/186805.html

4- محمودعثمان : العبادي ذبح البرزاني بسكين ناعم
http://kitabat.info/subject.php?id=107099

5- نص الرسالة التي وجهها تيلرسون إلى البارزاني قبل يومين من إجراء الاستفتاء
http://www.iraqicp.com/index.php/sections/news/65011-2017-10-15-07-01-08

6- شيرزاد شيخاني: آن لبارزاني أن يريح ويستريح
http://www.akhbaar.org/home/2017/10/235218.html

7- رد قاطع من مكتب العبادي على دعوة الإقليم للحوار
http://www.akhbaar.org/home/2017/10/235012.html

8- العبادي يدعو البيشمركة في كركوك الى أداء واجبها تحت القيادة الاتحادية
http://www.akhbaar.org/home/2017/10/235202.html



87
لعبة إستخباراتية أجنبية لضرب الوحدة الوطنية

د.عبدالخالق حسين

نعم، هناك مخططات ومحاولات متواصلة أجنبية قذرة تحاك ضد العراق، ولكن يجب أن نعرف أنه لن يتمكن الأجانب من تنفيذ مؤامراتهم هذه إلا بالاعتماد على العراقيين أنفسهم. فما أن تحقق القوات المسلحة الباسلة بمختلف فصائلها، انتصاراً على الإرهاب الداعشي المتوحش، حتى وتخرج علينا جماعة بلعبة جديدة وباسم المقدسات الدينية والمذهبية لشق الصف الوطني وإرباك الحكومة.

تمر هذه الأيام ذكرى عاشوراء نسبة إلى اليوم العاشر من محرم الحرام،  حيث يستذكر فيها المسلمون الشيعة في العالم واقعة الطف التي حصلت فيها مأساة الإمام الحسين وأهل بيته قبل أكثر من 14 قرناً. وهي درس تاريخي بليغ في البطولة، والتضحية بالنفس من قبل أهل الحق في مواجهة وتحدي أهل الباطل. لم يستشهد الإمام الحسين وأصحابه الميامين من أجل توظيف مأساتهم لطقوس مقززة مثل التطبير، وضرب الصدور، وجلد الظهور بالسلاسل، والزحف على البطون، بل لمواجهة الظلم وتحقيق العدالة الاجتماعية. فالمفروض توظيف هذه المناسبة لتثقيف الجماهير بملحمة الحسين الشهيد، والأسباب التي استشهد هو وصحبه الأبطال من أجلها، و تثوير الجماهير ضد الظلم والباطل، ورفع وعيهم، وتقوية اللحمة الوطنية، واحترام أتباع الأديان الأخرى، واحترام الإنسان كقيمة مطلقة، عملاً بقول الإمام علي ابن أبي طالب في خطابه لمالك ابن الأشتر: "إن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، المقولة المأثورة التي قال عنها الأمين العام السابق للأمم المتحدة، السيد كوفي عنان: "يجب أن تعلَّق على كلّ المنظمات، و أن تنشدها البشرية)، و اقترح أن تكون هناك مداولة قانونية حول كتاب الإمام علي إلى مالك الأشتر.

ولكن الذي يحصل الآن في العراق، وباسم الحسين ابن علي ابن أبي طالب، هو العكس تماماً، إذ يحاول البعض وباسم الحسين وشيعته، المتاجرة بمأساته، بإثارة النعرات الطائفية لضرب الوحدة الوطنية. فقد جاء في الأنباء أن "مصادر المرصد الآشوري لحقوق الإنسان، علمت بانتشار رايات طائفية على أسطح الأديرة والكنائس في مدينة الموصل المحررة من تنظيم داعش... فقد شوهد ارتفاع راية (يا حسين) على سطح دير مار كوركيس التاريخي، والذي يبعد 9 كم شمال مركز مدينة الموصل، والتابع للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، والذي كان قد قام في وقت سابق عناصر تنظيم داعش الإرهابي بتفجير أجزاء منه ملحقين أضراراً كبيرة فيه والمقبرة المجاورة له".(1)

ونحن أيضاً نعتبره عملاً استفزازياً مدبراً من قبل أعداء العراق المندسين، يستغلون المناسبات الدينية لتحقيق مآربهم الشريرة. فهل هناك قلة أماكن في العراق لرفع مثل هذه الرايات الحسينية؟ ولماذا الأديرة المسيحية بالذات؟ هل لأن الأخوة المسحيين ناس مسالمين، ليعتبرونهم أضعف حلقة في الشعب، فيسهل على المتصيدين بالماء العكر استهدافهم، واستفزازهم ليعطوا صورة مشوهة عن عراق ما بعد صدام؟
لقد عاش المسيحيون وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى في العراق في عهد حكم الإمام علي بأمان وسلام ، ولم يتعرض لهم، أو يضايقهم في ديانتهم وطقوسهم ودور عباداتهم ، فلماذا الآن ونحن في القرن الحادي والعشرين، لا شغل لنا سوى استفزاز من يختلف عنا في الدين والمذهب؟
لقد اتهم البعض مرتزقة إسرائيل والسعودية وراء هذا العمل، وأني لا استبعد التهمة، لأن هاتين الدولتين هما المستفيدتان منه.

وقبل هذه الحادثة قرأنا في وسائل الإعلام تقريراً آخر بعنوان: (إفتتاح مدرسة "الامام الخميني" في برطلة/محافظة نينوى) جاء فيه: (شهدت ناحية برطلة بمحافظة نينوى، إفتتاح مدرسة "الامام الخميني  الابتدائية في الناحية من قبل منظمة الخلاني الايرانية، و بإشراف مباشر من القنصل الايراني. وأضاف المراسل، أن هناك مدرسة أخرى قيد التنفيذ في برطلة ايضا.)(2)

والسؤال هنا: لماذا في الموصل حيث أغلبية السكان من أهل السنة حيث مازالوا يعانون من جرائم داعش، أليس هذا لأجل إثارة الفتن الطائفية؟
لذلك نرى من واجب السلطة والقوات الأمنية أن تمنع مثل هذه الأعمال الاستفزازية، لأن الغاية منها شق الصف الوطني، وتمزيق الشعب بإثارة النعرات الطائفية في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة إلى الوحدة الوطنية، لمواجهة الإرهاب والفساد. وعلى وزارة الخارجية العراقية مطالبة الحكومة الإيرانية، إذا كانوا فعلاً  حريصين على وحدة العراق وسلامته، أن يحترموا حساسية الشعب العراقي، المتعدد الأعراق والأديان والمذاهب، بأن يوقفوا أي عمل من شأنه إثارة الفتن الطائفية، مثل نشر صور الرموز الدينية الإيرانية، وبناء مدارس بأسماء هذه الرموز في العراق... وإلا فهي تفتح أبواب الجحيم على نفسها وعلى العراق من قبل أعداء العراق وما أكثرهم.

حقاً ما قاله أبو العلاء المعري قبل ألف عام:
إن الشرائع ألقت بيننا إحنا   وعلمتنا أفانين العداواتِ

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مرصد آشوري يدين رفع راية حسينية فوق أحد أديرة الموصل ويعده "استفزازاً"
http://www.sahafahn.net/show1573880.html

2- إفتتاح مدرسة "الامام الخميني" في برطلة/محافظة نينوى
http://www.alkawthartv.com/news/93602



88
حذارى  من (التحرش) بقانون الأحوال الشخصية!

د.عبدالخالق حسين

جاء في الأنباء أن مجلس البرلمان العراقي قد (أتم القراءة الاولى لمقترح قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 والمقدم من اللجنتين القانونية والاوقاف والشؤون الدينية والذي جاء انسجاما مع ما أقرته المادة 2 من الدستور من أنه لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الاسلام وما أقرته المادة 41 من ضمان حرية الافراد في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب ديانتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وللحفاظ على المحاكم كجهة قضائية موحدة لتطبيق الاحكام الشرعية للأحوال الشرعية بعد الرجوع الى جهة ذات الاختصاص.(1)

والمقصود بهذا التعديل هو الالتفاف على حقوق المرأة في مساواتها مع الرجل في الميراث والشهادة في المحاكم...الخ. وهذه ليست المحاولة الأولى في الإطاحة بهذا القانون، بل سبقتها محاولات كثيرة خلال الخمسين سنة الماضية، وكلها انتهت بالفشل بفضل يقظة ونباهة المثقفين والسياسيين المتنورين.

شئنا أم أبينا، إن السلطة العراقية ما بعد 2003 محسوبة على الشيعة، لأنهم (الشيعة)، يشكلون نحو 60% من الشعب العراقي. وفي النظام الديمقراطي والتمثيل النسبي لا بد وأنهم يشكلون نفس النسبة في السلطة التشريعية والتنفيذية، حيث رئيس الحكومة هو شيعي، وكذلك غالبية نواب البرلمان من الكيانات السياسية الشيعية. والملاحظ أن القادة السياسيين الشيعة يحاولون تنفيذ سياساتهم وفق ما يرضي رجال الدين الشيعة لنيل مباركتهم من أجل التلاعب بعقول ناخبيهم. ولكن إذا ما استثنينا الدور المشرِّف للمرجع الديني الكبير، الإمام علي السيستاني، في الحفاظ على السلم المجتمعي، فإن دور رجال الدين الشيعة في إدارة الدولة اتسم على العموم بالسلبية وعلى الضد من اتجاه مسار التاريخ الذي يجب أن يكون تقدمياً وإلا يهدد بالإنقراض وفق قانون التطور. وهذه السلبية أساءت كثيراً لسمعة الشيعة في السلطة، وبالتالي كمكوَّن كبير من الشعب العراقي.

يبدو أن السياسيين الشيعة قد انتهوا من حل جميع مشاكل العراق، من إرهاب وفساد، وتفشي الخرافة، وتردي التعليم بجميع مستوياته، ومحاولات بارزاني لتفتيت الدولة إلى دويلات،... والقائمة تطول، لم يبق لديهم سوى التعرض لقانون الأحوال الشخصية، الذي أنصف المرأة. فنحن الآن نواجه كارثة حضارية رهيبة تهدد بإعادة الشعب العراقي 1400 سنة إلى الوراء، إلى عهد الرق و الحريم والجواري وما ملكت أيمانكم لإشباع شهوات الرجل الجنسية، وأطماعه الاقتصادية في المجتمع الذكوري الشوفيني على حساب المرأة. والملاحظ أن القاسم المشترك بين رجال الدين الشيعة ومشايخ الوهابية هو غلوُّهم في عدائهم للمرأة (Misogyny)، وانحيازهم للعشائرية والإقطاع.

فبدلاً من تصحيح ما أرتكبه حكم البعث الصدامي من جرائم بحق الشعب العراقي، مثل التجهيل المتعمد للمجتمع وتفتيته، وإحياء العشائرية، ونشر الفساد وتفشي الخرافة ضمن الحملة الإيمانية المزيفة...الخ، قامت السلطة الجديدة بتكريس هذا الخراب في المجتمع، وإضفاء القداسة الدينية عليها، والمتاجرة بالإسلام وتعاليم المذهب الشيعي. و صدق ما قاله الفيلسوف ابن رشد في هذا الخصوص: " التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المُجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردتَ التحكم في جاهل، عليك أن تُغلّف كلّ باطل بغلافٍ ديني". وقال ابن خلدون: "الفتن  التي تتخفى وراء قناع الدين تجارة رائجة في عصور التراجع الفكري للمجتمعات ". وهذا هو وضع العراق اليوم.
ففي عهد حكومة ثورة 14 تموز المجيدة بقيادة الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم، أصدرت الحكومة قوانين ثورية عديدة لصالح الشعب العراقي وفق ما أملته ظروف العصر، ومتطلباته لمواكبة التطور الحضاري. ومن بينها  ثلاثة قوانين اعتبرتها المرجعيات الدينية (الشيعية والسنية)، مخالفة للإسلام، وهي: قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وقانون إلغاء حكم العشائر، وقانون الإصلاح الزراعي. ولكنها أي(المرجعية) ركزت على قانون الأحوال الشخصية، لأنه أنصف المرأة العراقية، فساواها بالرجل في الميراث، وشهادتها في المحاكم، وحق حضانة الطفل إلى سن البلوغ ، كذلك منع تعدد الزوجات إلا في حالات استثنائية. والسبب هو أن المرجعية اعتبرت إقرار هذه الحقوق في قوانين ضد مصلحة الرجل الاقتصادية، وإشباع شهواته الجنسية كما يشاء بذريعة أنها مخالفة للشريعة الإسلامية.
لذلك شنت المرجعية الشيعية، وعلى رأسها السيد محسن الحكيم حملة ضد القانون وضد الزعيم عبدالكريم قاسم واعتبره "فاسقاً". ولكنه (السيد الحكيم)، اصدر الفتوى باسم محاربة الشيوعية (الشيوعية كفر وإلحاد)، والمستهدف هو حكومة الثورة، علماً بأن نحو 85% من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي كانوا من الشيعة. وهذا يعني دعوة صريحة لقتلهم باعتبارهم مرتدين عن الإسلام. وبهذه الحملة ساهمت المرجعية بدور كبير في انقلاب 8 شباط 1963 الدموي الأسود. و حاولت حكومة الإنقلاب الاستجابة لطلبات المرجعية، ولكن دون المطلوب. وقد دفع السيد محسن الحكيم ثمناً باهظاً لدوره في تسليط البعث على رقاب الشعب، حيث كان جزاءه أن قتل البعثيون بعد مجيئهم الثاني إلى السلطة، نحو ستين شخصاً من آل الحكيم، ولاحقوا ابنه السيد مهدي الحكيم إلى السودان واغتالوه هناك بدم بارد.
والسؤال هنا: ما هو سر هوس أسرة الحكيم خاصة، والمرجعية الشيعية عامة، بمناهضة قانون الأحوال الشخصية؟
فما أن أسقطت القوات الدولية  بقيادة أمريكا الحكم الصدامي الجائر، وجاء دور السيد عبدالعزيز الحكيم (نجل السيد محسن الحكيم) برئاسة مجلس الحكم بشكل دوري، أول عمل قام به هو إصدار قرار رقم 137 سيئ الصيت، القاضي بإلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959.  القرار الذي أثار ضجة واسعة ضده من قبل الكتاب والصحفيين والسياسيين والبرلمانيين التقدميين، مما اضطر بول بريمر، الحاكم المدني للقوات الدولية، التدخل، وإلغاء القرار.

لقد تذرع النواب الإسلاميون المطالبون بتعديل القانون، بالمادة 2 من الدستور من أنه (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الاسلام). ولكن نفس المادة أقرت أيضاً (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الديمقراطية). ولا شك أن حقوق المرأة هي من ثوابت حقوق الإنسان والتي هي بدورها من ثوابت الديمقراطية.

يقول الإسلاميون أن الإسلام كرَّم المرأة بأن منحها حقوقاً كانت محرومة منها في الجاهلية. وهذا صحيح. ولكن في نفس الوقت هذه الحقوق هي نسبية تتغير مع الزمن وحسب التطور الحضاري. ففي ذلك العصر، كانت المعيشة في المجتمع العربي البدوي تعتمد على الغزوات والحروب، وكل يكسب رزقه بحد سيفه ورمحه، حتى ينقل عن النبي محمد أنه قال:(بُعثتُ بالسيف، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي...)، وهو حديث ضعيف، ولكن يعكس طبيعة المرحلة الإجتماعية، حيث كان الرجل أقوى من المرأة عضلياً مما يؤهله للغزو، بينما المرأة كانت محرومة من كل شيء. وطبيعي  عدم السماح للمرأة بالاختلاط والتعلم تصبح بهيمة وهذا ينطبق على الرجل أيضاً فيما لو منِع من الخروج من البيت والمساهمة في النشاط الاجتماعي وكسب المعرفة، لذلك قيل عن النساء (ناقصات عقل ودين). فهل ينطبق هذا القول على المرأة اليوم، ونحن في عصر العلم والتكنولوجيا المتقدمة حيث يعتمد كسب الرزق على العقل والمعرفة، وليس على القوة العضلية والسيف والرمح؟ وقد أثبت العلم أنه لا فرق إطلاقاً بين الرجل والمرأة في القدرات العقلية والذكاء وكسب المعرفة. ففي ظل التعليم الاجباري للجنسين، راحت المرأة تنافس الرجل في جميع المجالات بل وتبزه أحياناً، فصارت طبيبة ومهندسة وعالمة وأديبة، وفنانة وفيلسوفة ومعلمة وأستاذة جامعية، وصحفية وسياسية برلمانية، و وزيرة و رئيسة لحكومات دول كبرى، وحتى صارت مقاتلة في الجيوش، وصعدت إلى المحطة الفضائية. فنحو 20% من منتسبي الجيش الأمريكي اليوم من النساء، بينهن مقاتلات في ساحات الحروب، و قائدات لطائرات حربية...الخ. فهل يصح القول في هذا العصر أن نعتبر النساء ناقصات عقل ودين ونحرمهن من حقوقهن؟ والآن نحو 25% من أعضاء البرلمان العراقي نساء. فكيف والحالة هذه يراد منح المرأة العراقية نصف حقوق الرجل؟ فهل يجوز مثلاً اعتبار شهادة أستاذتين جامعيتين تعادل شهادة رجل واحد جاهل وأمي؟ أي عاقل يقبل بهذا الحكم؟

والجدير بالذكر أن هناك قرارات دينية تعتبر من الجرائم بحق الإنسانية مثل ممارسة الجنس مع الأطفال بعقد زواج بما يسمى بالتفخيذ الذي سمعت به لأول مرة عندما قرأت كتاب (تحرير الوسيلة) للمرحوم آية الله الإمام روح الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية في إيران الذي أباح للرجل ممارسة الجنس مع الزوجة مهما كان فارق العمر بين الزوجين. فيحق للرجل الزواج من طفلة وحتى الرضيعة على أن يتجنب ممارسة الولوج بها قبل أن تبلغ "الزوجة" التاسعة من العمر. ولكن يحق له ممارسة التفخيذ معها أي مع الرضيعة!! والتفخيذ عملية جنسية يندى لها الجبين، يمارسها الشواذ مع الأطفال القصر وحتى مع الرضيعة في عمر السنتين. وهذا بالطبع شذوذ جنسي (paedophiles) يحاسب عليه بقانون في المجتمعات المتحضرة. فكيف إذا أفتى بصحته وأباحه بذريعة عقد زواج مع الرضيعة، إمام شيعي وزعيم الثورة الإسلامية في إيران ألا وهو الإمام الخميني؟
إذ يقول الإمام الخميني في "- مسألة 12- لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى مع الرضيعة،..." (الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، ج2، ص216، دار المنتظر، بيروت- لبنان، ط2، 1985م).

وينقل لنا الكاتب والشاعر صفاء خلف في بحثه القيم بهذا الخصوص: (فيما الفقه الشيعي يجعل سن التاسعة سقفاً للتزويج الفعلي، وما دون ذلك، سنٌ يصح فيه كتابة عقد لـ"المداعبة الجسدية" دون "دخول شرعي". وأثبت كبار الفقهاء الشيعة في فتاواهم هذا "التصور الاجتهادي" كالمراجع محمد كاظم اليزدي، وأبي الحسن الموسوي الأصفهاني، ومحسن الحكيم، والخميني، وأبي القاسم الخوئي، والسيستاني الذي رفع أحكام زواج الرضيعة من فتاواه، فيما رفضها آية الله محمد حسين فضل الله وآية الله محمد باقر الصدر.)(2)

أما التعلل ضد قانون الأحوال الشخصية بذريعة أنه لا يجوز الاجتهاد في النص القرآني، فقد اجتهد الخليفة الراشدي الثاني، عمر بن الخطاب في كثير من الآيات القرآنية، فمثلاً، أوقف العمل بآية قطع يد السارق في عام الرمادة، ونسخ آية المؤلفة قلوبهم بعد أن استقوت شوكة الإسلام. ويقال أن عمر أجرى نحو 40 تعديلاً في النصوص المقدسة بعد عشر سنوات من وفاة الرسول، فكم تعديل سيدخله عمر لو جاء اليوم بعد مرور أكثر من 1400 عام؟
في الحقيقة إن جميع الدول الإسلامية (ما عدا السعودية)، أوقفت العمل بآية جلد الزانية والزاني، وقطع يد السارق، وتنفيذ حكم الإعدام بقطع الرقاب بالسيف. وراحت تركيا التي يحكمها حزب إسلامي (حزب التنمية والعدالة) إلى أبعد من ذلك، إذ لا تعتبر ممارسة الجنس خارج الزواج بالتراضي جريمة. والسؤال هنا: إذا كان الاجتهاد ممكناً في كل هذه الأمور، فلماذا لا يجوز وقف العمل بآية (للذكر مثل حظ الأنثيين)، و مساواة المرأة مع الرجل في الميراث والشهادة في المحاكم وغيرها من الحقوق الإنسانية، ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين حيث تبوأت المرأة أعلى المناصب السياسية والأكاديمية بل وحتى العسكرية وأثبتت جدارتها؟

لذلك نهيب بكافة المثقفين، والسياسيين، والبرلمانيين المتنورين الأحرار، الوقوف صفاً واحداً بجرأة وشجاعة ضد كل المحاولات البائسة الرامية من قبل البعض لإلغاء أو تغيير أو تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وإذا ما كانت هناك حاجة لأي تعديل فيجب أن يكون نحو الأفضل وليس نحو الأسوأ، أي لزيادة حقوق المرأة، كما حصل في الجمهورية التونسية حيث طالب رئيس الجمهورية بإقرار حق المرأة المسلمة بالزواج من رجل غير مسلم، كما يجوز للرجل المسلم الزواج من غير المسلمة.

وأخيراً، وصلني قبل أيام نداء من صديق عزيز متألم من تفشي موجة الإلحاد في العراق، وقال أنه يريد أن يفعل شيئاً لمواجهة هذه الموجة، مخاطباً المؤمن بالله وغير المؤمن به على السواء راجياً ان يساهم في النقاش ويشارك بالحوار. فأجبتُ الصديق: أن السبب الرئيسي لتفشي الإلحاد وابتعاد الناس عن الدين هو زج الدين بالسياسة، إذ كما قال السيد حسين الخميني (حفيد الإمام الخميني، وهو مجتهد): (السياسة تفسد الدين، والدين يفسد السياسة.) لذلك إذا أردتم إعادة الاحترام والقدسية للدين ورجاله، يجب إبعاد الدين ورجاله عن السياسة. فالدين علاقة روحانية بين الإنسان وربه، ومهمة رجل الدين الإرشاد والنصيحة، (إنما الدين النصيحة)، (ولا إكراه في الدين)، (وما أنت عليهم بوكيل).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- البرلمان يقيل محافظ كركوك ويصوت على قانوني الري وتخليد تضحيات شهداء الحرب ضد داعش (فيه إشارة عن تغيير قانون الأحوال الشخصية)
http://www.akhbaar.org/home/2017/9/233464.html   

2- صفاء خلف: "الجعفري" يَسوق نساء العراق لعصر الجواري
http://arabi.assafir.com/Article/10330





89
"الجعفري" يَسوق نساء العراق لعصر الجواري

صفاء خلف
السفير اللبنانية، 12/9/2017

أحاط المتشددون من رجال الدين الشيعة، فكرة إخضاع "الأحوال الشخصية" إلى "الشريعة" بالعناية منذ أن صار لهم دور سياسي في العراق، وظلّت محاولاتهم حثيثة لفرض أحكام بدائية مقابل تهشيم قانون الأحوال الشخصية التقدمي الذي أُقرَّ في العام 1959، والعمل على إلغائه مستقبلاً بعد إفراغ محتواه وتشويه نصوصه بسلسلة تعديلات في مرحلة ما بعد 2003، سبقتها تعديلات "سياسية" قام بها نظام صدام حسين على مدى ثلاثة عقود.
تنطلق الدعوة الجديدة من كراهية قديمة نمت من القناعات ذاتها التي انطلق منها رجال الدين الشيعة قبل ستة عقود، ومحاولتهم "أسلمة" المجتمع وإخضاعه لسلطة بطريركية، وتوزيع المصائر الشخصية على غرف يجلس فيها رجال دين على الأرض ــ كدلالة على التواضع ــ فيما يمارسون دوراً هائلاً في تسيير المجتمع باعتبارهم حُراساً على الإيمان ــ كدلالة على الكبرياء ــ متحكمين وفق التفسيرات الغامضة التي يُخرجوها من بطون كتب عفا عليها الزمن والتطور الاجتماعي، كدلالة على التمسك بالشريعة وعلى الحاكمية.
 
سيرة مضطربة
تعود الجذور الأولى للموقف المتشدد من تشريع أي قانون أحوال شخصية يخضع لضرورات التطور المدني والمديني في العراق، وإخراج "الأسرة" و"الأفراد" من الأعراف واجتهاد رجال الدين والتأثيرات الاجتماعية الواقعة عليهم نظراً للبيئة الذكورية القابضة على مصائر النساء والمُسيّرة للمصالح اليومية طبقاً للصبغة العشائرية والقبلية، والتحرر من نسق "المحاكم الشرعية" العثمانية الذي ظل سائداً إلى ما بعد تفكيك هذه الدولة بنحو عقدين ونيّف. الرفض الشيعي لتحرير "المعاملات الشخصية" من الفقه هو نتيجة مخاوف فقدان السلطة الروحية على "الأتباع" واضمحلال المكانة الاجتماعية – السياسية عند السلطات. لذا كان هذا الرفض موجهاً على نحو دقيق إلى "الحاكمية" على الأحوال الشخصية، فيما الفئة الأكثر تضرراً ستكون بالضرورة النساء اللواتي يخضعن لهيمنة الأعراف والشروط الدينية القاسية التي تجعل خياراتهن الفردية محط "تحكم" اجتهادات حراس الشريعة، عبر السلطة المفوضة إليهم دينياً وغير المعترض عليها اجتماعياً نتيجة السيادة الذكورية التي تخشى تحطيم صورتها التقليدية في المجتمعات الشرقية عموماً.
بدأت معركة الإخضاع الاجتماعي، في العام 1876، حين استكملت السلطات العثمانية ما يمكن اعتباره لائحة قانونية رسمية حديثة لتنظيم التعاملات اليومية المتعلقة بالتجارة والعقود والعقوبات، عرفت بـ"مجلة الأحكام الشرعية" وكتبت على مدى ستة عقود واعتمدت فقه المذهب الحنفي، وسرت أحكامها في المدن العراقية، مع إغفال متعمد لتنظيم الأحوال الشخصية. لكن الإشارة "الثورية" للوثيقة كان باعترافها بضرورة قانون "مدني" ينظم العلاقة بين الأفراد: "... والحاصل أن الإنسان من حيث أنه مدني بالطبع لا يمكن أن يعيش على وجه الانفراد كسائر الحيوانات بل يحتاج إلى التعاون والتشارك ببسط بساط المدنية".
 
الفقه الشيعي يجعل سن التاسعة سقفاً للتزويج الفعلي، وما دون ذلك يصح كتابة عقد لـ"المداعبة الجسدية" دون "دخول شرعي". أثبت كبار الفقهاء الشيعة في فتاواهم هذا "التصور الاجتهادي" فيما رفضه آية الله محمد حسين فضل الله وآية الله محمد باقر الصدر.
 
ظلت الأحوال الشخصية أيضاً عائدة إلى "حاكمية" رجال الدين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. الصدام الأول وقع حين أقرّ قانون "العائلة العثماني" في العام 1917، الذي رفضه رجال الدين الشيعة، ما جعل عامة الشيعة يعرضون عن تقديم قضاياهم إلى القضاة الرسميين فيما يخص "الدعاوى الشخصية"، ونقل عن أحد قضاة كربلاء وقتذاك أنه "مكث في منصبه تسعة أعوام لم يرَّ فيها ولا دعوى واحدة".
فالحاكمية الشيعية اعتبرت تحييدها بما يخص "الأحوال الشخصية" كاعتداء مباشر على سلطتها، على الرغم من أن الموقف الشيعي كان مؤيداً لدستور الاتحاد والترقي 1908 الذي نص على التحرر من "الشريعة" في حكم الدولة، والذي رفضه رجال الدين السُنة. إلا أن قانون العائلة العثماني المنبثق من ذاك الدستور قوبل برفض شيعي وموافقة سُنية. ومن المفارقة أن قانون العائلة العثماني ما زال مطبقاً في المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948 و1967 والواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الآن، بضمنها كل التشريعات الخاصة بالمجالس الروحية اليهودية والمسيحية وغيرها من الطوائف والديانات دون أي تعديل. فيما يحتكم القانون اللبناني في بعض نصوصه إلى ذاك القانون.
 
محاكم لضمان الولاء
عقب تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1921، ولضرورات سياسية بحتة، ولتقريب العلاقة بين الطائفة الشيعية والبلاط الملكي السُني نتيجة المخاوف الوطنية من انقسام يهدد العرش العراقي غير المستقر، طرح أبرز كتبة الدستور العراقي الملكي، ناجي السويدي، بوصفه وزيراً للعدلية آنذاك، قانون المحاكم الشرعية المتأسس على القانون الوقتي للمرافعات الشرعية المُقر في العام 1921، والذي عززته المادة 77 من القانون الأساسي العراقي عام 1925 (الدستور الملكي). فجاءت تلك الخطوات إرضاءً للموقف الشيعي المتزمت من إدارة الأحوال الشخصية، والذي قُسّم بموجبه "الاحتكام الشرعي" على أساس محاكم شرعية "جعفرية" و"سُنية"، والأخيرة التزمت بقانون العائلة العثماني، وترأس المحاكم الجعفرية العالم الشيعي هبة الدين الشهرستاني. يُقرّ موظفين بريطانيين رفيعي المستوى، وهما إدجار بونهام كارتر (قاضي رفيع) ونيجل ديفيدسون السكرتير القانوني للمفوض السامي البريطاني بأن الحكومة البريطانية كانت وراء منح "الأحوال الشخصية" إلى رجال الدين الشيعة لـ"ضمان دعمهم للنظام ولنا"، على الرغم من اعتراض الانتلجينسيا الحضرية الممثلة بالنخبة العراقية المدنية والعسكرية التي خدمت في الدولة العثمانية، وصارت فيما بعد النخبة الحكومية من روؤساء وزارة ووزراء ونواب وقادة عسكريين، لاعتقادها بأن العراق يحتاج إلى "قانون مدني" وليس لاجتهادات شرعية يتحكم بها معمَّمون.
 
على مدار عقود، قاد آية الله محسن الحكيم التحريض المباشر ضد التحديث. اعتبر عبد الكريم قاسم "فاسقاً" وحكومته "مخالفة للشرع"، وكفّر الحزب الشيوعي واعتبر أعضاءه ــ وغالبيتهم من الشيعة ــ "كفاراً"، مبرراً مواقفه برفض الحكومة إلغاء قانونين: الأحوال الشخصية، والإصلاح الزراعي.
 
لكن الود الشيعي – الملكي لم يستمر طويلاً، واصطدم الطرفان في العامين 1933 و1945 نتيجة رغبة حكومات العرش بإيجاد قانون أحوال شخصية موحد، لينتهي الصدام بإلغاء التشريع بموجب قانون ذيل قانون أصول المرافعات المدنية والتجارية رقم 88 لسنة 1956، وذيل قانون رقم 40 لسنة 1963.
مثّل المجتهدون الشيعة الصخرة العنيدة إزاء طرح أي تعديل لقوانين الأحوال الشخصية، على الرغم من تحفظاتهم على قانون المحاكم الشرعية الذي منحهم حيزاً كبيراً لإدارة شؤون الطائفة اجتماعياً، إلا أن رغبتهم الدائمة كانت تتمثل بفصل كل ما يتعلق بـ"الفرد الشيعي" اجتماعياً ومالياً عن الدولة، وإخضاعه لسلطة رجال الدين وحدهم، تعزيزاً لمكانة الطائفة، وخشية من صهر "المجتمع الشيعي" بـ"مجتمع الدولة" التي تتعاطى سياسياً على أساس الولاء للمواطنة المتمثلة آنذاك بالعرش والمملكة، مع بروز التيارات القومية الجارفة والماركسية التي حظيت بترحيب بعض الأوساط.
طرحت الحكومة الأولى للقومي رشيد عالي الكيلاني في العام 1933، مسودة مشروع لتوحيد قوانين الأحوال الشخصية السارية في المملكة العراقية، بوصفها أبرز تمثلات "الانقسام الاجتماعي الوطني العراقي"، كأحد مشاريع حزب الإخاء الوطني لمؤسسه ياسين الهاشمي، وشكل الكيلاني لجنة تدوين قانوني لإعداد مسودة القانون، لكن المسعى تعثر نتيجة اخفاق الحكومة سياسياً وحلها في أواخر العام نفسه، فضلاً عن ضغوطات نجفية.. ليعاد إحياء الفكرة مجدداً في العام 1945من حكومة حمدي الباجه جي والتي استمرت عامين وسميت بـ"حكومة القوانين"، حين شكلت لجنة من أربعة قانونيين لوضع "لائحة قانون الأحوال الشخصية"، وأنجزت هذا المشروع. لكنه ظل حبيس أدراج تلك الحكومة نتيجة الاعتراض الشيعي القوي الذي أطلقه آية الله محسن الحكيم، بدعم من مرجع الطائفة الأعلى محمد حسين آل كاشف الغطاء. وكشف الحكيم عن موقفه الرافض لقانون 1945 في رسالة إلى حكومة انقلاب البعث في شباط 1963، مجدداً المطالبة بإلغاء قانون 1959 الذي أقرته حكومة عبد الكريم قاسم، بأنه – أي الحكيم – رأى أن القانونين "خالفا الشرع" وأنه في "العهد الملكي أرسل أحد أولاده إلى مجلس الأمة لحث النواب على عدم إقرار القانون، فانصاع النواب واضطرت الحكومة إلى إحالته على لجنة مختصة لدراسته وإعادة النظر فيه".
 
ظّل العمامة
شكّلَ آية الله محسن الحكيم جدار المعارضة الصلد لأية محاولة تحديث لواقع الأحوال الشخصية في العراق، وظل على مدار عقود يقود التحريض المباشر ضد المساعي الحكومية للتحديث، ووصل به الأمر إلى جعل عبد الكريم قاسم "فاسقاً" واعتبار حكومته "مخالفة للشرع"، ليختتم صراعه مع التقدمية العراقية بـ"تكفير" الحزب الشيوعي العراقي واعتبار أعضاءه الذين بغالبهم من الشيعة "كفاراً" في العام 1959، مبرراً مواقفه المتطرفة تلك لرفض الحكومة الجمهورية إلغاء قانونين ينصفان الأفراد العراقيين من الاستغلال، وهما قانون الأحوال الشخصية، وقانون الإصلاح الزراعي.

تحرير المرأة، كان سبب الصدام الأول بين قاسم والحكيم، ومعاداة الحكم الجمهوري لـ"الحجاب" بنى حاجزاً بين الرجلين، ما انسحب ليكون حاجزاً بين السلطتين. وبحسب أول متصرف جمهوري (محافظ) لكربلاء والنجف، فؤاد عارف، فإن حكومة الثورة رفضت منح ترخيص لطباعة كراس ديني نجفي بعنوان "العفاف بين السلب والإيجاب" بوصفه يحوي على "أفكارٍ رجعية"، فتفجرت الأزمة بين الرجلين، فضلاً عن ازدياد النشاط النسوي في التظاهرات المؤيدة للثورة ذات الصبغة اليسارية التي قادتها نساء سافرات في كربلاء والنجف، ما جعل رجال الدين الشيعة يجمعون أنصارهم على مرتين متتاليتين بإشراف الحكيم والخروج بتظاهرات مناوئة.
كان الاعتراض الشيعي المباشر على قانون الأحوال الشخصية الذي ينظم الزواج والطلاق والإرث، ويحدد تعدد الزوجات، ويشترط تزويج النساء بعمر يتراوح حده الادنى 16 – 18 عاماً منسجماً مع الفقه السني ولا سيما الحنفي منه، فيما الفقه الشيعي يجعل سن التاسعة سقفاً للتزويج الفعلي، وما دون ذلك، سنٌ يصح فيه كتابة عقد لـ"المداعبة الجسدية" دون "دخول شرعي". وأثبت كبار الفقهاء الشيعة في فتاواهم هذا "التصور الاجتهادي" كالمراجع محمد كاظم اليزدي، وأبي الحسن الموسوي الأصفهاني، ومحسن الحكيم، والخميني، وأبي القاسم الخوئي، والسيستاني الذي رفع أحكام زواج الرضيعة من فتاواه، فيما رفضها آية الله محمد حسين فضل الله وآية الله محمد باقر الصدر.
وتحقيقاً للثورية في القانون الجديد، بات الإرث يوزع مناصفة بين المرأة والرجل، لكن هذه المادة عُدلت عقب انقلاب شباط/فبراير 1963، لجعلها مطابقة لـ"الحكم الشرعي"، إلا أن تعديل القانون لم يلغ من معاداة الحكيم والنخبة النجفية له.
ويمكن أن نرجع هذا التزمت الفقهي لكبار الشيعة إزاء أي قانون منصف للمرأة ومدنية الأحوال الشخصية، إلى رؤية المرجع الشيعي الأعلى محمد حسين آل كاشف الغطاء، بشأن المجلة العثمانية التي قيدت القضاء بالقضاة المعينين من قبل السلطة بأن "القضاء والحاكمية عند الإمامية منصب إلهي لا دخل له بالسلطان، ولا بغيره، ينصبه العدل وجامعية الشرائط، ويعزله زوال بعض الصفات الركنية من العقل والعدالة والاجتهاد، فلا يتقيد بزمان ولا مكان".
 
العودة إلى الجذور
 حين قبض صدام حسين على السلطة وحتى قبل إعلانه رئيساً مطلقاً للعراق، قامت السلطة بسلسلة تعديلات على قانون الأحوال الشخصية الذي وضعته الجمهورية الأولى. وعلى مدى 30 عاماً، أدخلت أكثر من 10 تعديلات على القانون على الأقل، كانت تستهدف حرمان المعارضين من حقوقهم الزوجية والإرثية، فضلاً عن الظواهر التي أفرزتها الحرب الطويلة مع إيران، لاسيما مع زيادة عدد الأسرى والمفقودين، وبعضها منح النساء حركة أكبر داخل المجتمع. لكن تعديلات أخرى سرت في التسعينيات واتجهت نحو "الأسلمة" بعد أن أطلق رأس النظام "حملة إيمانية" لترقيع العلاقة المنهارة بين السلطة والمجتمع العراقي، ولاسيما الغالبية الشيعية، على الرغم من أن ذاك الترقيع الديني أخذ منحى متطرفاً، أفرز ظواهر عادت بالمجتمع إلى حقبة ما قبل الدولة الحديثة، مع الدعوة إلى تبني "الدين" كمنهج حياتي يومي، والترغيب بـ"الحجاب" وإطلاق حمى التنافس الشيعي– السُني على أهلية الشريعة لحكم المجتمع، في محاولة من السلطة للحفاظ على نفسها.
 
مخاطر العودة الى طرح "القانون الجعفري" قائمة بإعادة تقديمه مجدداً بـ"مسمّى" آخر قد يُغطِّي على الحساسية الطائفية للتسمية مع الابقاء على المحتوى.
 
لحظة سقوط نظام قابض وشمولي، كان ثمة فورة عنف مجتمعي آخذة بالتصاعد على نحو مقلق ومثير في عموم البلاد، وفي جنوبه (البصرة) تحديداً، مع بروز محاولات فرض "الأسلمة" بنمطها "الشيعي"، مستثمِرة قبول غالبية السُكان المتأثرين بالعاطفة الدينية كتعبير عن حالة "الكبت التاريخية" منذ أن برز تيار التدين بعد حرب الخليج الثانية (غزو الكويت)، وكأن الأمر نوع من التعويض القهري لمعاداة أفكار وممارسات النظام السابق.. لكنه كان نوعاً من التخبط الديني المريع الممزوج بالعاطفة السطحية لتبرير الدفاع عن الذات المقموعة، وطريقة للانتقام من "العلمانية" التي انتعشت منذ بداية تشكل العراق البريطاني الحديث في العام 1921.. كانت الحلقة الأضعف لفرض النمط الجديد من الأفكار هو التعدي على حرية النساء المكتسبة عبر نضال طويل، وعبر سياسات إيجابية منذ صدور قانون 1959. فكانت النكبة المؤلمة في محاولة الرئيس الدوري لمجلس الحكم عبد العزيز الحكيم (نجل المعارض المتشدد للقانون آية الله محسن الحكيم) إصدار القرار 137، الذي مَثّلَ ردة رجعية إلى ممارسات يتحكم بها رجال دين ويفرضون تفسيراتهم على المجتمع، ويعودون به إلى ما قبل التنظيم المديني للدولة الحديثة. وعلى الرغم من إلغاء هذا القرار فيما بعد بتصويت غالبية أعضاء مجلس الحكم، إلا أن فكرة إخضاع الأحوال الشخصية التي أحاطها المتشددون الشيعة بالعناية ظلت مطروحة، ونجحوا بفرضها (وإنْ بتقنين للاسلمة الاجبارية) بوضع مادة دستورية تجعل احتكام الأفراد في شؤونهم الشخصية وفقاً للمادة 41 من الدستور العراقي الدائم المُقرّ في 2005 بأن "العراقيين أحرارٌ في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون". وهذه الصياغة جاءت من طرف السفير الأميركي في بغداد حينها (2005) لإرضاء المتشددين الشيعة الساعين إلى إلغاء القانون ذاته.
واجه القرار موجة اعتراضات واسعة، ورأت عدد من النائبات العراقيات أن تلك المادة "تفتح الباب لفتاوى عشوائية في مقدرات ومصائر الأسر مما يؤدي إلى تفككها وتشرذمها، بالإضافة إلى ترسيخ الطائفية والتفكك الأسري في المجتمع العراقي". ومع وصم رجال الدين بوصمة المناهضين للمرأة، كان أيضاً ثمة جهد في المقابل، لوصم الناشطين في مجال حقوق المرأة بالمناهضين للإسلام وبكونهم لا يمثلون مجمل المجتمع العراقي. وكثيراً ما جرى تصوير الناشطين كمنفصلين عن الوقائع في العراق. وهو ما تُرجم لاحقاً في البصرة بهجمات مريعة ضد النساء بحجة مخالفتهن الشريعة والأعراف الاجتماعية، لاسيما بين عامي 2005 و2008.
وطبقاً لسجلات الشرطة وإحصاءات جمعتها على مدى ثلاثة أعوام (2005 – 2008)، فإن عدد النساء المقتولات في البصرة بحجة "مخالفة الشريعة"، بلغ 85 ضحية في العام 2005، وارتفع العدد في العام 2006 إلى 96 ضحية، فيما شهد العام 2007 أكبر حملة قتل منظمة، بلغ عدد ضحاياها 133 ضحية، لينخفض بعدها معدل القتل إلى أقل من 50 قتيلة في العام 2008 إثر حملة عسكرية شنتها الحكومة ضد الميليشيات المتطرفة.
وعلى الرغم من الإنكار الحكومي المحلي حينها، والادعاء بأن حالات القتل "فردية" ولا تمثل منهجاً منظماً ضد النساء، على الرغم من أن معظم النساء قتلن على الشبهة فقط وبدافع "جرائم غسل العار"، أو انتقاماً من فتيات رفضن إقامة علاقات مع رجال الميليشيات بسبب الفارق الطبقي والاجتماعي، إلا أن تشابه طرق القتل المروّعة وتطابقها أشّرت على أن جهات القتل واحدة، وهي تنوعت بين التعذيب الجسدي الوحشي بآلات حادة، وإطلاقات نارية في الجسم، وبقر البطن، وسمل الأعين، والتعذيب حتى الموت بالمثقاب الكهربائي.
 
القانون الجعفري
 بمنتصف تموز/ يوليو 2013، فاجأ وزير "العدل" حسن الشمري الأوساط بالإعلان عن مشروع قانونين مرتبطين معاً، وهما  "قانون القضاء الشرعي الجعفري العراقي" و"قانون الأحوال الشخصية الجعفرية"، وتقديمهما إلى الحكومة التي بدورها إحالتهما إلى مجلس النواب. لكن عاصفة اعتراضات من مراكز الثقل المدنية في المحافظات الجنوبية وبغداد، فضلاً عن الاعتراض النيابي السُني والنسوي، شكلت حائط صد لعرقلة تشريع القانونين، اللذان مثّلا سابقة خطيرة في ترسيخ الانقسام الطائفي في البلاد، لاسيما وأن وزارة العدل لم تقم بالوقت نفسه بوضع مسودات قوانين موازية للطائفة السُنية أو بقية الأديان الأخرى لتبرير تمييز الشيعة دون غيرهم بقانون، ما رسخ الاعتقاد بأن حركة الشمري يقف وراءها حزب الفصيلة الإسلامي وزعيمه الروحي آية الله محمد اليعقوبي، تمهيداً للفوز في الانتخابات التي أجريت في العام 2014، بعد أن خسر الحزب ثقله السياسي ومقاعده في مجالس المحافظات ومجلس النواب. فكانت مغامرة سياسية "طائفية" قد تودي بوحدة البلاد المهددة، لحيازة عدد من المقاعد والامتيازات السياسية.
معاداة قانون الأحوال الشخصية العراقي انتقلت من آل الحكيم إلى حزب اليعقوبي تحت الإطار نفسه: تحقيق الهيمنة السياسية والاجتماعية على الشيعة العراقيين، ونزع الصفة المدنية للدولة العراقية وإعادتها إلى حقبة الغرف الصغيرة في القرى التي يتحكم عبرها رجال الدين بالمصائر، دون مراعاة مخاطر الانقسام الاجتماعي في ظل فورة من دعوات التقسيم "الطوائفية" و"المناطقية". إلا أن مخاطر عودة طرح "القانون الجعفري" متاحة مع تلميحات نيابية بإعادة طرحه مجدداً بـ"مسمّى" آخر قد يغطي على الحساسية الطائفية للتسمية مع بقاء المحتوى بالخطورة ذاتها، ولاسيما مع وجود دعوة أثارت سخرية وانتقاد العراقيين للنائبة جميلة العبيدي التي طالبت بسن قانون يشجع على الزواج بأكثر من امرأة للقضاء على العنوسة.
* شاعر وكاتب من العراق

إقرأ أيضاً
 وأد من نوع آخر في ريف العراق
من دفاتر السفير العربي..

نساء يرتضين بدور "النسوان" في العراق
http://arabi.assafir.com/Article/10330

90
مخاطر محتملة لما بعد الاستفتاء
د.عبدالخالق حسين

يبدو أن رئيس إقليم كردستان السيد مسعود بارزاني، المنتهية ولايته، مصر على إجراء استفتاء شعب الإقليم للإنفصال والاستقلال، رافضاً الإصغاء لمطالبات من مختلف الجهات، كردية وعراقية ودولية بإلغائه أو تأجيله. وقد ذكرنا في مقالنا السابق الموسوم (إستفتاء كردستان العراق، حق تقرير المصير أم ابتزاز؟)(1)، أنه من حق الشعب الكردستاني ممارسة حقه في تقرير مصيره، فيما إذا يريد البقاء مع العراق الديمقراطي الفيدرالي، أو يريد تحقيق حلمه الأزلي بتأسيس دولته المستقلة. ولكن هناك جهات مهمة حريصة على مصلحة الشعب الكردستاني معارضة لهذا الاستفتاء والانفصال لأسباب يرونها مشروعة، تهدد بعواقب وخيمة على المنطقة.

فالشعب الكردستاني تحمَّل البقاء مع العراق في ضل الأنظمة الدكتاتورية التي كانت شراكته في هذا الوطن غير عادلة، تعرض خلالها لحروب إبادة الجنس، فلماذا يريد الآن الانفصال وهو مشارك فعال في عراق يتمتع بنظام ديمقراطي حقيقي، بدلاً من الانفصال ومخاطره؟ وهذا ليس موقف العرب في الشعب العراقي فحسب، بل وموقف الكثير من الكرد أنفسهم، سياسيين ومثقفين. وعلى سبيل المثال، فقد أدلى مسؤول كردي رفيع، وهو السيد لطيف رشيد، مساعد رئيس الجمهورية لشؤون الأكراد في حوار مع وكالة تسنيم الإيرانية قائلاً: " أمل من أكراد العراق أن يخطوا خطوة في اتّجاه حل مشاكلهم مع الحكومة المركزية، و فيما خص الاستفتاء فيجب طرح هذه القضية أولا مع الحكومة المركزية، والدول المجاورة، كما ينبغي أن يقدّم الطلب لإجراء الاستفتاء الى البرلمان لا أن يكون شعارا حزبيًّا أو شخصياً". وأضاف "لا أعتقد أن الأرضية متوفرة حتى الآن من أجل إجراء هذا الاستفتاء الّذي يجب أن يمر عبر نواب الشعب، ويجب على البرلمان أن يخصص الوقت الكافي لبحث وتحليل أبعاد هذا الموضوع؛ برأيي فإنه ليس فقط أرضية الاستفتاء لم تتوفر حتى الآن، بل حتى الهدف من إجراءه ليس واضحاً".(2).

فهناك انقسام في الشعب الكردستاني نفسه حول هذا الاستفتاء، حيث الحزبان الكبيران (حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة السيد جلال طالباني)، و(حزب التغيير)، معارضان للاستفتاء.
وفي هذا الخصوص قال السيد عادل مراد، السكرتير العام لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني: " ان كل شيء يؤخذ بالقوة لن يصمد أمام التهديدات، وان استغلال ضعف الدولة العراقية لإعلان الاستقلال امر غير لائق، لان الاستفتاء وحق تقرير المصير حق لشعب كردستان، وليس منة من أحد، لذا على الكرد، المطالبة به عبر اجراء حوار بنّاء مع بغداد وفقا للسياقات الدستورية، مشيرا الى أن اصرار الحزب الديمقراطي على اجراء الاستفتاء يضع القضية الكردية في موقف منزلق خطير قد ينتج عنه اتخاذ مواقف مضادة من الدول الصديقة."(3)
وأخطر ما حذّر منه السيد مراد هو وجود مخطط تركي للهيمنة على الاقليم، وتأسيس دولة كردية ضعيفة، وتحويلها الى قبرص جديدة، فتركيا لديها مخطط يهدف الى استنزاف موارد الاقليم من نفط وغاز تكون ظهيرا لتركيا، وحاجزا بينها وبين قوات حزب العمال الكردستاني المعارضة المتواجدة في جبال قنديل، وقطع طريق التواصل بين اكراد تركيا والكرد في سوريا.

ومن معرفتنا للسياسة التركية، وخاصة بزعامة رجب طيب أردوغان، ليس مستعبداً أن يتخذ الأخير من حماية التركمان، وهيمنة بارزاني على محافظة كركوك، ذريعة لاحتلال "جمهورية كردستان" الوليدة، أو قسماً كبيراً منها، تماماً كما فعلت تركيا باحتلال شمال قبرص عام 1974 بحجة حماية أتراك الجزيرة آنذاك، وبقيت المنطقة الشمالية من قبرص تحت الاحتلال التركي لحد الآن. هذا المصير يمكن أن يحدث بعد الاستفتاء فيما إذا صوتت غالبية الشعب الكردستاني للانفصال، وقرر مسعود بارزاني إعلان الاستقلال، فسيكون مصير كردستان كمصير شمال قبرص.

كذلك هناك نقطة مهمة تجعل بارزاني يتعجل الاستفتاء والانفصال و الحرب مع العراق، فبالإضافة الى موضوع انتهاء ولايته، هناك وثائق إدانة له عن تواطئه مع تركيا وداعش لاجتياح الموصل. كما ان مشكلة موارد النفط وعلاقاته المالية المشبوهة مع تركيا، والديون المتراكمة على كردستان، والتي تجاوزت 60 مليار دولار أو أكثر، (والبعض يعتقد أن هذه الديون بلغت نحو 93 مليار دولار حسب تصريحات أمريكية). كذلك كشف موقع ويكليكس عن رسائل إلكترونية بعثها وزير الموارد الطبيعية في إقليم كردستان العراق، اشتي هورامي، الى نظيره التركي يعرض فيها بيع عدد من الحقول النفطية في الاقليم مقابل مبلغ 5 مليار دولار، في صفقة سرية بعيدا عن انظار بغداد بين أربيل وانقرة لتسديد ديون إقليم كردستان.(4)
كل هذه الأمور ستجعل الحرب هي الخلاص لمسعود بارزاني من مأزقه كما يظن، ولكن هيهات.
والجدير بالذكر أن مسعود بارزاني لن يتردد في اللجوء إلى أسوأ الجهات، وحتى لو كانت من ألد أعداء الكرد، من أجل تحقيق أغراضه الشخصية والحزبية عندما يجد نفسه مهدداً بالسقوط. ففي عام 1996 عندما تسبب في حرب أهلية بين الأخوة-الأعداء مع حزب طالباني، وكانت أربيل على وشك السقوط،  طلب بارزاني النجدة من جزار الشعب الكردستاني صدام حسين الذي سارع بإرسال جيشه إلى أربيل، وارتكب المجازر ضد قوات غريمه، وقوات المعارضة العراقية هناك. وكانت صفحة سوداء في تاريخ بارزاني.
وعلى قدر ما يهم الشعب العراقي، وحسب ما ألمسه من أغلب ما يردني من آراء، فإن الشعب العراقي، سنة وشيعة، مع استقلال كردستان إن صوتت غالبية الكرد لصالح الاستقلال وفي ظروف ملائمة. لذلك أشير على المسؤولين العراقيين عدم معارضة الاستقلال، لأن بقاء كردستان ضمن الدولة العراقية بشكل قسري، كان أحد أهم اسباب الكوارث والحروب بين الحكومة المركزية و الحركة الكردستانية ما يقارب القرن، وعدم استقرار العراق، على  شرط أن يتم الاستفتاء والاستقلال بالطرق الدستورية والقانونية، وبدون قضم وضم أراض الغير، وأن يتم في ظروف محلية وإقليمية ودولية ملائمة. ولكن الآن كل المؤشرات تؤكد أن الاستفتاء الذي خطط له السيد بارزاني هو غير قانوني، وفي هذه الحالة، و كما أكد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي مراراً أن "استفتاء اقليم كردستان مرفوض ولا قيمة له وإجرائه غير دستوري وقانوني ويبعث المزيد من النزاعات" .
لذا، فإن استقلال كردستان في الظروف الحالية سيكون ليس بداية لحروب إقليمية مدمرة فحسب، بل ولحروب بين القوى السياسية الكردستانية وقواتها المسلحة أيضاً، لا تبقي ولا تذر.

وبناءً على كل ما سبق، نهيب بعقلاء الشعب الكردستاني من قادته السياسيين، وكذلك المسؤولين العراقيين العمل بروح من المسؤولية العالية، والتآخي والمودة، والالتزام بالدستور وشروط العدالة والأخوة الإنسانية لحل هذه المشكلة المعقدة بالعقل والحكمة، وإذا كان لا بد لاستفتاء شعب كردستان واستقلاله في دولته القومية، فليكن ذلك طبقاً للدستور والقانون وفي ظروف إقليمية ودولية ملائمة، وإلا فهي عملية تدميرية تعم شرورها الجميع.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
مصادر
1- د.عبدالخالق حسين: إستفتاء كردستان العراق، حق تقرير المصير أم ابتزاز؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=920

2- تصريحات صادمة لمسؤول كردي رفيع عن إستفتاء الإقليم
http://www.akhbaar.org/home/2017/8/232757.html

3- عادل مراد يدعو الى تأجيل الاستفتاء وفتح حوارٍ جاد بين أربيل وبغداد
توقّع أن يكون مخططاً لتركيا لإنشاء قبرص جديدة في المنطقة
http://www.akhbaar.org/home/2017/8/232495.html

 4- ويكليكس يكشف تفاصيل صفقة سرية بين اقليم كردستان وأنقرة.. اربيل تبيع آبار النفط لاطفاء ديونها
http://sumer.news/ar/news/15427/%D9%88%D9%8A%D9%83%D9%84%D9%8A%D9%83%D8%B3-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-


91
هل حقاً أمريكا قامت بحل الجيش العراقي؟

د. عبدالخالق حسين

توضيح
نشرت هذا المقال قبل ست سنوات، ولكن هناك من يعتمد على ضعف ذاكرة الناس، فيحاول التضليل باستخدام بعض نصف الحقيقة لتمرير الباطل. وعليه رأيت من المفيد إعادة نشره بعد تحديثه بما استجد من معلومات تؤكد صحة ما ذهبنا إليه.
 ****
سؤال يتكرر باستمرار من قبل الكثير من الناس وهو: لماذا قامت أمريكا بحل الجيش العراقي بعد إسقاط حكم البعث؟ ويوجهون أصبع الاتهام إلى أمريكا، وبالأخص إلى بول بريمر، الحاكم المدني لقوات التحالف في العراق في السنة الأولى من التحرير، ويدَّعون أنه لو لم يتم حل الجيش، لما حصلت أعمال الفوضى والإرهاب بعد إسقاط حكم البعث الصدامي، ولما حصل الإرهاب...الخ. وهذا الموضوع هو الآخر مثير للجدل حتى بين أشد المؤيدين للدور الأمريكي في تحرير العراق من حكم البعث الفاشي، بل وحتى من قبل بعض السياسيين في الغرب، وخاصة أمريكا وبريطانيا.
سأحاول في هذا المقال مناقشة وتوضيح التعقيدات والملابسات التي رافقت عملية سقوط حكم البعث، والتي دفعت البعض من أصحاب النوايا الحسنة إلى هذا الاعتقاد الخاطئ. لذا فكلامي هنا ليس موجهاً إلى الحاقدين على تحرير العراق، فهؤلاء يعرفون و يحرفون، يشوهون الحقائق لتضليل الناس مع سبق الإصرار، إما لأنهم من فلول البعث، أو كانوا مستفيدين من كوبونات النفط التي أغدق عليهم ولي نعمتهم صدام حسين، أو لأنهم ضد أمريكا لأسباب أيديولوجية. والفريق الأخير معظمهم من اليساريين، و رغم معارضتهم لحكم البعث، إلا إنهم كانوا يفضلون بقاء صدام يحكم العراق على أن يتم إسقاطه بواسطة أمريكا، وكان شعارهم (لا للحرب.. لا للدكتاتورية)، الشعار الإنتهازي البائس الذي لا يقدم ولا يؤخر، فلو طبق لبقي حكم البعث جاثماً على صدر الشعب إلى الآن، وإلى مستقبل غير منظور.

بدءً، أود التوكيد على أن الجيش لم يتم حله، بل تفكك واختفى عن الأنظار من يوم دخول القوات الأمريكية في أم قصر. فالقرار الذي أصدره بول بريمر حول الجيش جاء بعد ثلاثة أشهر من سقوط حكم البعث، وطيلة هذه الفترة لم يكن لهذا الجيش أي وجود، لا في الشارع، ولا في الثكنات العسكرية.

على أي حال، كانت هناك ثلاث إرادات التقت على تفكك و اختفاء هذا الجيش، والشروع في بناء جيش جديد على أسس علمية سليمة يلائم الوضع الجديد، وهذه الإرادات هي:

الإرادة الأولى، إرادة صدام حسين
لقد صرح أحد قادة البعثيين الفارين من وجه العدالة، في لقاء نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية اللندنية، أن "السيد القائد صدام حسين" هو الذي أعطى تعليمات إلى قيادة الحزب والدولة والقادة العسكريين، بأن في حالة وقوع الحرب، على الجيش أن يختفي عن الأنظار، ويتجنب المواجهة مع الجيش الأمريكي، لأن هذا الجيش ليس بإمكانه مواجهة قوات التحالف في حرب نظامية، وللحفاظ على قوته، يجب على الجيش الاستيلاء على جميع المعدات والذخائر العسكرية، ونهبها وخزنها في أماكن سرية كانت قد أنشئت منذ سنوات لهذا الغرض، والاختفاء عن الأنظار، ومن ثم شن حرب العصابات فيما بعد. وهذا ما حصل.
والدليل على ما تقدم، أن الجيش فعلاً اختفى عن الأنظار قبل سقوط النظام بأيام قليلة. ولذلك لم تواجه قوات التحالف الدولية أية صعوبة أو مواجهة، ما عدا بعض الصدامات الخفيفة مع فدائيي صدام في ميناء أم قصر، وبعض المناطق الجنوبية من العراق، وهؤلاء اتخذوا من النساء والأطفال دروعاً بشرية في مواجهة القوات الزاحفة نحو بغداد. وعند وصول القوات الأمريكية إلى العاصمة، شاهدنا على شاشات التلفزة المناظر المخزية لهروب الضباط العسكريين الصداميين بملابسهم الداخلية. أما المحافظات الشمالية الغربية، معاقل البعث، فلم تطلق منها رصاصة واحدة، حيث تم تسليم المنطقة بكاملها باتفاقات باتت معروفة، فدخلتها قوات التحالف بسلام آمنين!. ومعظم هؤلاء القادة الذين سلموا مفاتيح بغداد والمدن العراقية الأخرى إلى قيادة القوات أمريكية، كانوا من أقرب الناس إلى صدام حسين. ومن هنا نود أن نسأل العرب العاربة والمستعربة، من هم يا ترى، أحفاد ابن العلقمي، هل هم خصوم البعث من الشعب العراقي، أم العسكريون البعثيون؟
أما بيان الحاكم المدني الأمريكي، بول بريمر، حول "حل" الجيش، وكما ذكرنا آنفاً، فقد جاء بعد ثلاثة أشهر تقريباً من إسقاط النظام، وكان بمثابة توقيع شهادة وفاة لهذا الجيش.

الإرادة الثانية، وهي إرادة المعارضة العراقية وأمريكا
وهنا أود أن أبدأ في الرد على أولئك الذين يقولون أن أنظمة سياسية تم تغييرها مثل الإتحاد السوفيتي، و جنوب أفريقيا العنصري إلى ديمقراطي ليبرالي، والثورة الإسلامية في إيران، كل هذه الدول حافظت على جيوشها، فلماذا في العراق فقط تم حل الجيش والمؤسسات الأمنية؟
في الحقيقة لا يمكن مقارنة ما حصل في الدول الآنفة الذكر مع ما حصل في العراق. فالحزب الشيوعي السوفيتي بقيادة الرئيس ميخائيل غورباتشوف هو الذي مهد للتحولات التدريجية من النظام الشيوعي إلى النظام الديمقراطي، إذ بدأ الرئيس السوفيتي غورباتشوف من أول ما جاء إلى السلطة عام 1985 بالغلاسنوت (الإنفتاح)، وبريستريوكا (أي إعادة بناء)، وأنتهى بالتغيير الديمقراطي. وكل الذين حكموا روسيا وبقية الجمهوريات التي استقلت بعد التغيير، كانوا قياديين في الحزب الشيوعي السوفيتي. وكل جيوشهم وأجهزتهم الأمنية وقفت مع التغيير ولم يلحقو أي ضرر بمؤسسات الدولة كما عمل البعثيون في العراق ومن اليوم الأول من التحرير. ونفس الكلام ينطبق على النظام العنصري في بريتوريا، صحيح أن الشعب في جمهورية جنوب أفريقيا ناضل بقيادة الزعيم نيلسون مانديلا لعشرات السنين، إلا النظام أضطر أخيراً ليقوم بتغيير، أما الثورة الإيرانية الإسلامية في إيران، فقد انحاز الجيش وكل الأجهزة الأمنية أخيراً إلى ثورة الشعب، بينما في العراق لم يقم حزب البعث الصدامي الحاكم بالتغيير، بل حصل التغيير بالغزو الخارجي، والذي بدونه كان صدام مازال يمارس هوايته في توسيع المقابر الجماعية وتشريد الشعب. لذلك ما كان هناك أي أمل بتغيير النظام البعثي الصدامي إلا بالطريقة التي حصلت.
وفي هذه الحالة، من الطبيعي أن أية قوة عسكرية في حالة حرب مع قوة عسكرية لدولة أخرى أن تعمل على تدمير قوة العدو، وحل جيشه في حالة المواجهة الجدية، وهذا ما حصل في الحرب العالمية الثانية مع جيش ألمانيا النازية، والجيش الياباني. ولكن مع ذلك، لم يكن هناك قرار مسبق، أو لاحق، لحل الجيش العراقي، لأنه لم تحصل مواجهة فعلية وجدية بين الجيش العراقي وقوات التحالف، وما القرار بتشكيل الجيش الجديد إلا استجابة للأمر الواقع، وهو ليس قرار حل جيش سابق الذي اختفى بقرار صدام كما أشرنا أعلاه. أي على طريقة تحرير ألمانيا من النازية الهتلرية. وتشبيه الوضع العراقي بما حصل في الإتحاد السوفيتي أو أي دولة أخرى مغالطة كبيرة فيها الكثير من التضليل وتشويه للحقائق. فالوضع العراقي يمكن تشبيهه فقط بوضع ألمانيا الهتلرية إبان الحرب العالمية الثانية، حيث تم حل الجيش وكل الأجهزة ألأمنية والحزبية و الإعلامية وغيرها في الدولة النازية. كذلك قامت القوات المحرِرة والحكومة الديمقراطية بقيادة أديناور في ألمانيا بعملية اجتثاث النازية Denazification وكل مؤسساتها، التي يقابلها في العراق قانون إجتثاث البعث Debaathification.
 
ولإلقاء المزيد من الضوء على هذه الحقيقة، وضرورة وحتمية حل الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى في العراق، ننقل أدناه نصاً من مقابلة أجرتها صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية، في عددها الصادر يوم  10/5/2009، مع بول بريمر، مع الاعتذار عن طول الاقتباس، ولكنه مهم لكي يطلع القراء الكرام على الحقيقة كما هي، وأضع رابط المقابلة في الهامش لمن يرغب في المزيد من الإطلاع*.

س: نسمع الآن عدة قصص حول حل الجيش العراقي، بعض الناس يقولون إنه لم يكن قرارك. بعضهم يقولون إنه كان قرار وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، هل ما زلت متمسكا بروايتك التي رويتها في الكتاب، أم أن هناك شيئاً يمكن أن تقوله حول هذا الموضوع؟
ج ـ إليك هذه الحقائق، بعد تحرير بغداد في 9 أبريل 2003 تفكك الجيش العراقي. قائد القوات الأميركية قال في 17 أبريل من تلك السنة لم تكن هناك ولو وحدة عراقية واحدة قائمة، ومعظم الجنود والضباط عادوا إلى منازلهم. أغلب الجنود كانوا من الشيعة والضباط من السنة. السؤال الذي واجهَنا ليس حل الجيش، والكلمة الصحيحة ليس «حل الجيش العراقي» بل «إعادة استدعاء» الجيش العراقي. نحن لم نستعمل هذا التعبير (حل الجيش) وهو خطأ. كما كتبت في كتابي، كانت المشكلة تكمن في حجم الجيش العراقي ومدى إمكانية عودة الجميع إلى جيش كان نظامه قاس جدا. كان الجيش العراقي يضم حوالي 12 ألف جنرال في حين أن الجيش الأميركي فيه 307 جنرالات فقط، لذلك كان أمرا صعبا استدعاء هذا الجيش للخدمة. والصعوبة الأخرى أنه لم تكن توجد ثكنات عسكرية، حيث تم تدمير معظم هذه الثكنات، والقرار تمت مناقشته بعمق في البنتاغون، ولم يطرح أي اعتراض واحد على القرار.
س: لم يعترض أي أحد؟
ج:  لم يعترض أحد
س: حتى في البيت الأبيض لم يكن هناك اعتراض؟
ج: ولا اعتراض واحد. أنا شخصيا أقف حتى الآن مع ذلك القرار وما زلتُ أعتقد أنه كان قرارا صائبا.
س: لكن لماذا يقول كثيرون اليوم، حتى بعض الأميركيين، إنه كان قراراً خاطئا؟
ج: لا أجد أي سبب للقول بأنه كان قرارا خاطئاً، بل هو قرار صحيح والناس الذين يعتقدون أنه قرار خطأ عليهم واجب أن يبينوا لماذا كان قرارا خاطئا. هم يقولون ذلك وأنا لن أتجادل معهم.
س: بعض الناس يقولون إنه كان من الأفضل تطهير الجيش القديم وبناء جيش جديد اعتمادا على الجيش القديم بدلا من تصفيته لأنه لم يكن كل الضباط موالين لصدام حسين؟
ج: ما قمنا به هو عمليا بناء جيش جديد، وقلنا إن أي شخص من الجيش القديم يريد أن يتطوع في الجيش الجديد يمكنه ذلك.] انتهى.

ومن هذه الفقرات المقتبسة من المقابلة الصحفية نعرف أنه لم يتم حل الجيش العراقي كما يدعي كثيرون، بل تفكك الجيش واختفى، ومن ثم كان لا بد من تشكيل الجيش الجديد من الجيش القديم وبشكل انتقائي، وهو لا يختلف عن تطهير الجيش من الضباط الموالين لصدام.

الإرادة الثالثة، إرادة الاستحقاق التاريخي:
معروف تاريخياً أن الجيش العراقي تأسس قبل تأسيس الدولة العراقية، بل الجيش الوحيد في العالم الذي كان يمتلك دولة، وليست الدولة تمتلك جيشاً. فكان جميع ضباطه عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة من بقايا الجيش التركي من العراقيين، خريجو المدارس العسكرية في الدولة العثمانية، كانوا قد حاربوا إلى جانب الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ولم ينتموا إلى الثورة العربية بقيادة الشريف حسين وأولاده إلا بعد انهيار الدولة العثمانية ويأسهم منها، حيث أطلق عليهم بـ(الضباط الشريفيون)، وساهموا في تأسيس الدولة العراقية الحديثة فيما بعد، وحرصوا على إبقاء الموروث التركي العثماني في التمييز العرقي والطائفي. لذلك كان هذا الجيش مسيَّساً منذ ولادته، ولعب دوراً رئيسياً في عدم الاستقرار السياسي في العراق، وكان سبباً للقطيعة مع التطور السلمي التدريجي الذي بدأه الملك فيصل الأول حتى وفاته عام 1933. فراح العسكر يتدخلون في السياسة ويقومون بانقلابات عسكرية بين حين وآخر، الأمر الذي حرم الشعب العراقي من الاستقرار السياسي والنمو الطبيعي وتحقيق الديمقراطية.
ولما اغتصب البعثيون السلطة ثانية عن طريق انقلاب عسكري عام 1968، ارتكبوا جريمة أخرى بحق هذا الجيش، ألا وهي أدلجته، أي فرض الأيديولوجية القومية البعثية على جميع منتسبيه من الضباط وضباط الصف، وطرد أو سجن أو قتل كل من يُشك في ولائه لحزب البعث الحاكم وقيادته المتمثلة في شخص صدام حسين. ففتحوا دورات عسكرية للآلاف من الفاشلين دراسياً من الشباب البعثيين لمدة أربعة أشهر، ويتخرجون برتبة نائب ضابط تلميذ حربي (ن. ض. ت.ح). وهؤلاء سيطروا على الجيش بالكامل بعد أن فسحوا لهم المجال ليتدرجوا في الرتب العسكرية إلى جنرالات. فصار الجيش عبارة عن حزب سياسي عقائدي منظم وملتزم بالانضباط الحديدي القاسي، إضافة إلى مهمته العسكرية. كما عمل النظام البعثي على منح امتيازات كبيرة للضباط العسكريين بحيث صاروا ينظرون إلى المدنيين نظرة دونية، يخامرهم الشعور بالتعالي عليهم بأنهم أسمى من بقية أبناء الشعب.

ورغم أن شعار الجيش هو الدفاع عن حدود الوطن وفق نشيد (الجيش سور للوطن) الذي كنا نغنيه في المدارس، إلا إنه استخدم لحماية الحكومات الجائرة المتعاقبة من نقمة الشعب في جميع مراحل تاريخ الدولة العراقية الحديثة، سواء في العهد الملكي، حيث تم استخدام الجيش لضرب العشائر العربية في الجنوب، وارتكب مجزرة بشعة ضد الآشوريين في الشمال عام 1933، والتصدي للحركة الكردية في الشمال، وضرب المظاهرات الاحتجاجية السلمية، أو في العهد الجمهوري الصدامي بضرب الجماهير بالكيمياوي كما حصل ضد الأكراد في حلبجة، وحملات الأنفال، أو ضد عرب الأهوار في الجنوب، وقمع الانتفاضة الشعبية عام 1991، إضافة إلى دور الجيش في شن الحروب على دول الجوار في العهد الصدامي. وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك ضباط غير مسيّسين ومخلصين للشعب والوطن، ولكن كيف يمكن التمييز بين هؤلاء وغيرهم من العقائديين والموالين للبعث وبهذه العجالة وفي هذه الظروف العاصفة بعد التغيير؟
كذلك يزعم البعض أن تسريح نصف مليون جندي دون إيجاد عمل لهم قد ساهم في دفعهم إلى أحضان التنظيمات الإرهابية والجريمة المنظمة. هذا غير صحيح، إذ كان التجنيد قبل 2003 إجبارياً، وكان الجندي يقدم النذور والقرابين من أجل تسريحه، بل وحتى كان البعض منهم يقوم بتعويق نفسه في سبيل إخراجه من الجيش. فلماذا تحول التسريح بعد تحرير العراق إلى جريمة؟ كذلك ضم الجيش الجديد نحو نصف مليون من هؤلاء الجنود المسرَّحين وأعادهم كعسكريين متطوعين محترفين، وبإرادتهم الحرة، ورواتب سخية. كذلك تم رفد عدد كبير من خيرة ضباط الجيش السابق المستقلين، وخاصة من الذين أضطهدهم البعث. أما بقية الضباط الذين لم يستوعبهم الجيش الجديد، فقد مُنِحوا رواتب تقاعدية تعادل مائة مرة أوأكثر مما كانوا يتقاضونه إثناء الخدمة في الجيش في عهد صدام، وإلى جانب ذلك، فقد وجد عدد غير قليل  من المسرحين أعمالاً حرة، مثل التجارة والمقاولات وغيرها إضافة إلى ما يستلمون من رواتبهم التقاعدية السخية. أما الذين انخرطوا في الإرهاب فكان ذلك بدوافع أيديولجية، وموقفهم محسوم مسبقاً، ولم يكن بالإمكان تغييره مطلقاً، وبقاؤهم في الجيش كان يوفر لهم فرصة أوسع لتدمير العراق الجديد، كما يحصل الآن من بعض المندسين في القوات المسلحة.

ومن كل ما تقدم، نعرف أن الجيش العراقي القديم المسيَّس والمؤدلج بآيدولوجية البعث الفاشية، لا يمكن أن ينسجم مع حكومة ديمقراطية، ولا يمكن الوثوق به والاطمئنان إليه في الحفاظ على أمن واستقرار البلاد والعباد، وضمان عدم الانقضاض على الحكومة المدنية المنتخبة واحترام الديمقراطية. فبقاء الجيش القديم على وضعه يعني استمرار الانقلابات العسكرية، وعدم الاستقرار، وبقائه سيفاً معلقاً على رقبة الحكومة الديمقراطية كسيف ديموقليس، إذ لا يمكن الجمع بين جيش مسيَّس ومؤدلج بالعقيدة البعثية و حكومة ديمقراطية.
ولهذا فكان ومازال العراق الديمقراطي يحتاج إلى تغيير جذري لكل شيء، وخاصة في بناء قواته المسلحة التي يجب أن تكون متحررة من الأيديولوجيات السياسية، و فوق الميول والاتجاهات، وأن تكون في حالة قطيعة تامة مع العقلية الانقلابية والسياسية والأيديولوجية القديمة، يتعهد فيها الضابط على احترام قيم الديمقراطية، وحماية أمن المواطن وسلامته وكرامته، والدفاع عن حدود الوطن من العدوان الخارجي، وعدم التدخل بالسياسة مطلقاً. وهذا لا يتم إلا بتشكيل جيش حديث يتثقف أفراده بالقيم الحضارية الديمقراطية الجديدة. وهذا الذي حصل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقابلة صحفية
بريمر لـ «الشرق الأوسط»: لم نستعمل تعبير حل الجيش العراقي.. وهو خطأ.
طلحة جبريل، الشرق الأوسط، 10/5/2009، العدد: 11121
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11121&article=518522

مقال ذو صلة بالموضوع:
رعد الحافظ:  إعادة إستدعاء، أم حلّ الجيش العراقي؟ قراءة لمقال...
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=275771



92
العراقيون ولاؤهم لمن؟ ولماذا؟
عبدالخالق حسين

صديق أكاديمي، وهو عالم لامع، وأستاذ في إحدى الجامعات الإنكليزية العريقة، ومهتم بالشأن العراقي، ومتابع لحيثياته، أرسل لي تعقيباً على مقالي الموسوم: (هل حقاً كان العهد الملكي ديمقراطياً، واعداً ومستقراً؟)(1)، ونظراً لأهميته، أنقله كاملاً:
(عزيزي... ، مقال رائع وتحليل جداً ممتع. بودي ان أرى مقال منك يضاف الى مقالاتك وتحليلاتك الرائعة حول الظاهرة العراقية التالية:
 (العراقيون الملكيون ولاؤهم للملك الذي هو ليس عراقي. العراقيون الشيوعيون ولاؤهم للاتحاد السوفيتي، ورموزهم لينين وماركس وغيرهم الذين هم غير عراقيين. العراقيون القوميون ولاؤهم لجمال عبدالناصر والذي هو ليس عراقي. البعثيون ولاؤهم لميشيل عفلق الذي هو ليس عراقي. الاسلاميون العراقيون الشيعة ولاؤهم للخميني وإيران، الذي هو ليس عراقي. والإسلاميون السنة ولاؤهم للسعودية وتركيا ومصر و أردوغان، الذين هم ليسوا عراقيين. والكُرد جناح مسعود بارزاني يتحالفون مع أية حكومة أجنبية تعمل على تدمير العراق مثل السعودية وقطر، وتركية أردوغان. والمثقفون العراقيون من غير تلك الانتماءات، رموزهم أوروبية، أو غير عراقية على العموم. العراقيون  في معظمهم يصفقون للخونة والمجرمين كصدام وأمثاله، ويحاربون الوطنيين كعبدالكريم قاسم وأمثاله. يصدقون الكاذب، ويكذبون الصادق، ويفلسفون كل شي.)
ويسأل الصديق: (هل نحن امام مشكلة نفسية معقدة، أم طبيعة اجتماعية غريبة؟ ام ماذا؟ انتظر جوابك في مقال .....)
وختم تعليقه بنكتة تعكس نوعا ما بعضاً من جوانب الشخصية العراقية!
((اليابان صنعت مرآة ووضعتها في المطار، يقف أمامها المسافر فتقول له اسمه، ومتى تقلع طائرته !!!
جبار مسافر عراقي وقف أمام المرآة فقالت له :أنت جبار وطائرتك تقلع الواحدة ظهراً !! تعجب جبار وأراد ان يتحدى المرآة، فراح وغيَّر ملابسه، ولبس باروكة ونظارات و وقف أمام المرآة : فقالت له أنت جبار وطائرتك تقلع الواحدة ظهراً !! فزاد التحدي عند جبار وراح غير لونه بوضع اصباغ على وجهه، فتغير شكله ووقف امام المرآة فقالت له :كبر(قبر) لفَّك جبار طيارتك طارت... وأنت باقي تتمكيج هنا)).

ويستنتج في الختام :
((نحن العراقيين بحاجة للتغيير الفكري والاجتماعي قبل السياسي والاقتصادي. لا بد للجيل العراقي الشاب بالتحديد الفخر والاعتزاز والاقتداء بالرموز العراقية في كل المجالات العلمية والرياضية والفنية والثقافية والسياسية,,, الخ، وأن يسعوا ويسمحوا ان يكونوا رموزاً وطنية. كل شعوب العالم صنعت لنفسها رموزاً وطنية في كل المجالات، وأصبحت هذه الرموز مصدر إيحاء وافتخار وتحفيز لأجيالهم وتماسكهم. الإعلام اليهودي خلق من أينشتاين مخ وعقلية العصر، وهو لم يساهم عمليا بأي شيء سوى وضع نظرية النسبية التي ليس لها اثر عملي في حياة الناس. أنا لا اقلل من مساهماته العلمية، ولكن أثرها في حياتنا محدود، ومع ذلك جعل اليهود منه رمزاً وقمة علمية وتاريخية دون الوصول اليها!
((هكذا تعمل الشعوب، ونحن العراقيين نذبح صقورنا، ونخون رموزنا الوطنية. لا بد لهذه السلبية العراقية ان تتحول الى شعور إيجابي تجاه الرموز العراقية. وظيفة الكتّاب الوطنيين والمثقفين المتنورين هو إبراز الايجابيات بالحقائق، وليس بالتملق والتهويل. انا متأكد انت عندك  الكثير من الخبرة والأمثلة لكتابة مقالات في هذا الموضوع المهم. احد أسباب العقلية السلبية للشخصية العراقية هو كثرة الاحتلالات التي تعرض لها العراق على مر العصور، والتي أدت الى ذوبان الشعور الوطني، وظهور طبقة العملاء والخونة والانتهازيين والمتملقين... الخ.)) أنتهى 
*******
شكراً للصديق العالم الجليل، على حسه الوطني، وملاحظاته القيمة، أتفق معه في كل ما قال. فقبل عشر سنوات نشرت مقالاً مطولاً بأربع حلقات، ثم أعدتُ نشره بحلقتين، بعنوان: (الخراب البشري في العراق)(2 و3)، حول هذه الظاهرة الخطيرة. كما تطرق كثيرون من علماء الاجتماع إلى هذا المرض العراقي الوبيل، مثل أستاذنا الراحل علي الوردي الذي قال ما مؤداه (وأنقل من الذاكرة)، أن العراق كان مصدراً للأديان ومهبط الوحي للعديد من الأنبياء والأئمة والمصلحين، فظهرت فيه أغلب المذاهب الإسلامية مثل الشيعة، وأهل السنة الأشعرية، والحنبلية، و الحنفية، ومذاهب فكرية، كالمعتزلة، وأخوان الصفا، وغيرهما. ولكن بعد الدمار الذي أصاب العراق منذ غزو هولاكو عام 1258م، ومن ثم الاستعمار التركي العثماني لأربعة قرون، أصيب العراق بالعقم، والشلل الفكري في انتاج المفكرين والقادة السياسيين الكبار، فقام العراقيون في القرن العشرين باستيراد المذاهب والمدارس الفكرية من الخارج بدلاً من إنتاجها محلياً، وراحوا يعتنقونها، ويتعصبون لها، بل ويتقاتلون في سبيلها على حساب وطنهم، ويستعينون بالأجانب لقتال من يختلف عنهم من أبناء جلدتهم. وقد تجلّى ذلك خلال المائة سنة الماضية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وإلى الآن. وعلى سبيل المثال لا الحصر، اندلع  الصراع الدموي بين القوميين العروبيين، الناصريين والبعثيين من جهة، وبين الوطنيين واليساريين من جهة أخرى بعد ثورة 14 تموز 1958 مباشرة. العروبيون أرادوا إلغاء الجمهورية العراقية، فرفعوا شعار الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة (مصر)، بينما الشيوعيون رفعوا شعار (اتحاد فدرالي..صداقة سوفيتية). وراح الزعيم قاسم يتوسل بهم لوقف صراعاتهم، وحماية جمهوريتهم من المؤامرات التي تحاك ضد العراق، فوقعت توسلاته على أذنٍ صماء. (صم بكم عميٌ فهم لا يفقهون)، إلى أن حصلت الكارثة في 8 شباط 1963 الأسود.

ولعل الملك فيصل الأول هو أول من شخَّص هذا المرض العراقي العضال (عدم الولاء للعراق)، فالرجل رغم أنه هو الآخر كان مستورداً من الخارج (الحجاز)، إلا إنه أحب العراق، وأخلص له، وأراد أن يؤسس مملكة عصرية ديمقراطية متماسكة، فعمم مذكرة على النخبة الحاكمة المقربة منه عام 1932، جاء فيها:
(الموقف خطر في هذا الصدد وقلبي ملآن أسى، انه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية، خالية من أية فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة ، سماعون للسوء، ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتقاض على اية حكومة كانت..الخ)(3)
ووضع الملك برنامجاً لمعالجة هذه المشكلة، ولكن لسوء حظ الشعب العراقي أنه مات في ظروف غامضة في سويسرا بعد أشهر قليلة من كتابة تلك المذكرة. والذين حكموا العراق من بعده عملوا على تعميق هذه الانقسامات والولاءات للخارج. فما الذي تغيّر منذ كتابة تلك المذكرة قبل 85 عاماً وإلى الآن؟ لا شيء إن لم نقل نحو الأسوأ.. لماذا؟ الجواب واضح، وهو غياب الولاء للعراق، وتقزيم أبطالنا وتعظيم أقزامنا.
ومن نتائج هذه الولاءات لشخصيات ومذاهب أجنبية، أنه عندما ظهرت شخصيات عراقية بارزة في مختلف المجالات، تستحق أن تكون رموزاً وطنية يعتز بها، مثل جعفر أبو التمن، رائد الوطنية العراقية، وعبدالكريم قاسم مؤسس الجمهورية العراقية، واستشهد في سبيلها، وعلي الوردي، مؤسس علم الاجتماع في العراق، كرس حياته لدراسة المجتمع العراقي، ومعالجة أمراضه الاجتماعية، و محمد مهدي الجواهري، شاعر العرب الأكبر، ونزيهة الدليمي أول وزيرة في العالم العربي، وصبيحة الشيخ داود أول حقوقية، وأول قاضية في البلاد العربية، وعبدالجبار عبدالله عالم كبير، وأول رئيس لجامعة بغداد، وهو من أبناء الأقلية الصابئة المندائية، كدليل على عدم التفرقة بين أبناء الأمة في المناصب العليا، ونازك الملائكة صاحبة مدرسة في الشعر الحديث، والشيخ محمد رضا الشبيبي، من نوابغ الشعراء المتأخرىن، وزعيم وطني، ومصلح اجتماعي، ومحمد حديد أول عراقي تخرج من مدرسة لندن للاقتصاد (LSE) ورجل صناعي ناجح، وقائد سياسي، و وزير مالية في عهد حكومة عبدالكريم قاسم، وأنجح وزير مالية في تاريخ العراق، و الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، المعروف بمواقفه الوطنية إضافة إلى كونه زعيم ديني عراقي عربي معروف، والسيد محمد سعيد الحبوبي احد قادة ثورة العشرين، والشهيد السيد محمد باقر الصدر، المفكر الاسلامي المعروف، والدكتور الشيخ احمد الوائلي الباحث في التاريخ الاسلامي والخطيب الذي كان يحذر دائماً في خطاباته التنويرية من الطائفية وشرورها. وكذلك السياسي الدكتور أحمد عبدالهادي الجلبي الذي نجح بجهوده الشخصية بتكوين لوبي لنصرة العراق في واشنطن لإقناع أمريكا بتحرير الشعب العراقي من أبشع نظام دكتاتوري همجي في التاريخ. والعراق غني برموز في الطب كفرحان باقر، ومحمود الجليلي، وتحرير الكيلاني وآخرون، وفي الفن عندنا الرسام والنحات جواد سليم، والمعماري محمد مكية، والمعمارية العالمية الشهيرة زهى حديد التي طبقت شهرتها الآفاق. كذلك هناك رموز في الغناء مثل محمد القبنجي، وناظم الغزالي وفؤاد سالم، ورضا علي، وكاظم الساهر الذي أكسب الغناء العراقي شعبية واسعة في البلاد العربية. أما في الرياضة فعندنا علي كاظم، وفلاح حسن، وغيرهما، والقائمة تطول، ومعذرة لمن فاتتني أسماؤهم، فالعراق غني بأصحاب الكفاءات التي تستحق أن تكون رموزاً وطنية يفتخر بها الشعب العراقي، تعمل على تماسك وحدته الوطنية، وتعزيز الشعور بالانتماء الوطني للعراق. ولكن كل هؤلاء في طي النسيان لأنهم عراقيون، ولأن الولاءات الأيديولوجية ليست للعراق، ولعب التمييز الطائفي والعنصري دوراً رئيسياً في هذا الإهمال.

ولمن لم يسمع بجعفر أبو التمن من الجيل الجديد، فهو أحد مؤسسي الوطنية العراقية، وأحد قادة ثورة العشرين، ومؤسس الحزب الوطني العراقي في العهد الملكي، جمع حوله شخصيات وطنية بارزة مثل: كامل الجادرجي، ومحمد مهدي كبة، وعبدالحميد البستاني، وغيرهم كثيرون على أساس الولاء للعراق، وبناء دولة المواطنة بلا تمييز عرقي، ديني، مذهبي. فيشبِّه حنا بطاطو أبو التمن بجذع شجرة، وهذه الشخصيات فروعها، ومن بعده صار كل واحد منهم زعيماً وطنياً اتبع نهجاً سياسياً مختلفاً، فالسيد محمد مهدي كبة  صار زعيماً لحزب الاستقلال، وهو حزب قومي عروبي، وكامل الجادرجي أسس الحزب الوطني الديمقراطي، وهو ليبرالي، أما عبدالحميد البستاني فاتجه نحو اليسار (الشيوعي).
ويشبِّه الدكتور خالد التميمي في كتاب له (رسالة دكتوراه) عن الراحل أبو التمن، دوره في العراق بدور عبدالكريم الخطابي في المغرب، والأمير عبدالقادر الجزائري في الجزائر، وعمر المختار في ليبيا، وقد خلَّدت شعوب هذه البلدان في شمال أفريقيا رموزها، بينما أهمل العراقيون مؤسس الوطنية العراقية وبقية رموزهم.
أما الزعيم عبدالكريم قاسم، مؤسس الجمهورية العراقية، فمازال المسؤولون في الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 وإلى الآن يجادلون جدلاً بيزنطياً سخيفاً فيما إذا كان عبدالكريم قاسم يعتبر شهيداً أم لا؟؟!!! فهؤلاء وغيرهم من الرموز الوطنية العراقية لم ينل أي منهم أي تقدير، لأسباب طائفية، وسياسية حاقدة، ما عدا الجواهري الذي أقام الكُرد له تمثالاً في أربيل وآخر في السليمانية، لأنه ناصر الحركة الكردية.
نعم، الشعوب الحية تعظّم رموزها، وتجعل منها مفاخر وطنية (National prides)، من أجل تقوية اللحمة الوطنية و تماسك أبناء الشعب، واعتزازهم بوطنهم، ويكونوا مصدر إلهام للأجيال القادمة في خدمة الشعب والوطن. ففي بريطانيا، اطلقوا اسم المغني جون لنون (John Lennon) من فريق البيتلز على مطار ليفربول الدولي، وكذلك أطلقت حكومة أيرلندة الشمالية اسم جورج بَست الأيرلندي، النجم الرياضي في لعبة كرة القدم على مطارها الدولي. فرنسا أطلقت اسم الجنرال شارل ديغول على مطارها الدولي في بارس، والجزائر أطلقت اسم زعيمه هواري بو مدين على مطارها الدولي في العاصمة، وهناك مئات الأمثلة الأخرى حول تقييم الرموز الوطنية.
ولو قارنا هذا بذاك، هل هناك شارع، أو مطار أو أي نصب تذكاري في العراق باسم أي من الرموز العراقية المذكورة أسماؤهم أعلاه؟ نعم هناك تمثال للزعيم قاسم في رأس القرية بشارع الرشيد المهجور الآن، أقمته له الجماهير المحبة له بعد سقوط حكم البعث الصدامي. ولكن هل هذا كل ما يستحقه الرجل الذي قدم الكثير لهذا الشعب وضحى بالكثير بما فيه حياته. ألا يستحق أن يطلق اسمه على مطار بغداد مثلاً، وهو مؤسس الجمهورية العراقية، والذي بنى مدينة الثورة وعشرات المدن والأحياء السكنية الأخرى، وميناء أم قصر العميق وغيرها كثير، ولم يطلق اسمه على أي منها. فجاء مقتدى الصدر وأطلق اسم عائلته على مدينة الثورة، فأسماها (مدينة الصدر) دون وجه حق. ماذا قدم مقتدى الصدر للعراق حتى يستحق هذا التكريم على حساب من قدموا حياتهم للعراق مثل عبدالكريم قاسم الذي لم يتركوا له حتى قبراً ليضم جثته الممزقة برصاص الغدر والخيانة؟
مقتدى الصدر دشن نشاطه السياسي بقتل السيد عبدالمجيد الخوئي، وصحبه في صحن الإمام علي في النجف في اليوم الثاني من سقوط الفاشية، وبمنتهى الوحشية. مقتدى الصدر ألحق أشد الأضرار بالعراق منذ سقوط صنم الطاغية ونظامه الجائر إلى الآن. ومعروف بتقلباته و تغيير ولاءاته، فتارة يردد الشعار الإيراني : (كلا كلا أمريكا)، ثم انقلب على إيران ليردد أتباعه (إيران برة برة، بغداد صارت حرة)، وهي نفس الأهزوجة التي كان يرددها البعثيون الدواعش في ساحات الاعتصامات والتي مهدت لتسليم مناطقهم لداعش. وبعد أن قام مقتدى بزيارة السعودية، شاهدنا أتباعه في فيديو يرددون (كل العجم فدوى للسعودية). أما لهذه المهزلة أن تنتهي؟

نعم، أتفق مع صديقي الأكاديمي الجليل، أن الأزمة العراقية ناتجة من أزمة ولاءات قياداته السياسية للخارج على حساب الولاء للوطن العراقي. وطالما لم تتم معالجة هذا المرض الوبيل، فإن العراق مازال مهدداً بالمزيد من الكوارث.
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: هل حقاً كان العهد الملكي ديمقراطياً، واعداً ومستقراً؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=916

2- د.عبدالخالق حسين: الخراب البشري في العراق (القسم الأول) 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=441

3- الخراب البشري في العراق (القسم الثاني)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=78

4- مذكرة الملك فيصل الاول
http://i3aq.yoo7.com/montada-f4/topic-t14.htm


93
الصراع العربي-الإسرائيلي وتهمة معاداة السامية

د. عبدالخالق حسين

من نافلة القول أن الصراع العربي- الإسرائيلي هو السبب الرئيسي (من بين الأسباب الأخرى)، لتخلف دول منطقة الشرق الأوسط، وعدم استقرارها، وتبديد ثرواتها، وطاقاتها البشرية في الحروب، والتنظيمات الإرهابية وغيرها. وقد وصفه كاتب إسرائيلي معتدل (أنه صراع بين الحق والحق)، أي من حق الشعب الفلسطيني أن تكون له دولة قابلة للحياة، وكذلك من حق إسرائيل أن تعيش بسلام مع جيرانها في المنطقة. ولذلك فهذا الصراع هو معقد جداً، وملتبس على الكثير من الناس بحيث أدى إلى انقسام العالم واستقطابه إلى هذه الجهة أو تلك. وقد كتبتُ عدة مقالات في هذا الخصوص انتقدت فيها الحكومات العربية والقيادات الفلسطينية، على رفضها الحلول الواقعية الممكنة، وتبنيها شعارات وأهداف خيالية غير قابلة للتطبيق مثل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وإزالة إسرائيل من الخريطة...الخ، الشعار الذي جلب الكوارث والنكبات، ليس على الشعب الفلسطيني فحسب، بل وعلى جميع الشعوب العربية ودول المنطقة.(1)

فقد استغلت إسرائيل المظالم التي وقعت على اليهود خلال الألفي عام، و خاصة في أوربا، واتخذتها ذريعة لمظالمها ضد الشعب الفلسطيني، فما أن يوجه أي شخص أبسط انتقاد للحكومة الاسرائيلية، إلا ورفع اللوبي الإسرائيلي بوجهه سلاح معاداة السامية (Antisemitism)، ولم يسلم من هذه التهمة حتى اليساريون البريطانيون المعروفون بمواقفهم الإنسانية، ونضالهم من أجل العدالة الاجتماعية وضد العنصرية، مثل السيد كِن لفنكستون، عمدة لندن الأسبق، بل وحتى النائب العمالي اليهودي الراحل جيرالد كوفمان، المعروف بانتقاداته اللاذعة ضد الحكومة الإسرائيلية في تعاملها العنصري الفض مع الشعب الفلسطيني، فاتهمه اللوبي الإسرائيلي بمعاداة السامية. (راجع مقال صحيفة الغارديان اللندنية، الرابط في الهامش)(2)

مناسبة هذه المقدمة أنه بعد نشر مقالي الأخير حول زيارة الفتاة العراقية الأيزيدية، نادية مراد إلى إسرائيل(3)، وما أثارت من ضجة ضدها، تلقيتُ عدة تعليقات، بعضها على موقع الحوار المتمدن، وأغلبها بأسماء مستعارة، وهجومية لا تخلو من توجيه تهمة العنصرية ومعاداة السامية، مع استخدام عبارات نابية لا تليق بأدب الحوار، مما اضطررتُ منع نشر البعض منها.

في الحقيقة كان المقال دفاعاً عن الفتاة نادية مراد، المظلومة، وعن طائفتها المنكوبة التي تعرضت لحرب الإبادة (جينوسايد)، من قبل تنظيم داعش الإرهابي المتوحش، مع تقديم نصائح وإرشادات لها، إذ رأيتُ أن هذه الزيارة لم تكن في محلها، حيث استغلتها إسرائيل لتلميع وجهها، وتوظيف مظلومية الطائفة الأيزيدية لإبراز نفسها بأنها هي الأخرى ضحية الإرهاب في المنطقة، والمتضرر من هذه الزيارة هو: نادية مراد نفسها، وطائفتها الأيزيدية، والمستفيد منها هو إسرائيل وداعش.

وكنت على غير عادتي، قد فتحت باب التعليقات للقراء الكرام في صحيفة (الحوار المتمدن) الإلكترونية، للاستفادة من آرائهم عن هذه الزيارة المثيرة للجدل. ولكن شارك عدد قليل من القراء، ومعظم تعليقاتهم هجومية، ومن مضامينها بدت لي أن عدداً منهم من إسرائيل، وتحت أسماء عراقية أو أسماء غريبة مثل (سيلوس العراقي)، وآخر باسم (Nasha)، وربما ثلاثة منهم لشخص واحد، استخدمت عبارات بذيئة، ليس دفاعاً عن نادية وطائفتها المنكوبة، بل دفاعاً محموماً عن إسرائيل، وبالطبع توجيه تهمة العنصرية ومعاداة السامية.
فقد شارك المعلق باسم (Nasha) بعدة تعليقات جاء في أحدها قائلاً: (من الطبيعي ان المظلوم يلتجئ الى المظلومين مثله لان الظالم واحد وهو العنصرية.). وهذا دليل يؤكد أن زيارة نادية مراد، وإلقائها  كلمة في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، قد قدمت دعاية مجانية لإسرائيل، و عرضت طائفتها الأيزيدية للمزيد من الأذى والانتقام كما جاء في تعليق من قارئ أيزيدي، سأذكره أدناه بعد قليل.

كما وعلق القارئ عبدالحسين سلمان قائلاً: (أنت تعيش في بريطانيا، مركز الماسونية العالمية، وتحمل الجنسية البريطانية،... والجميع يعلم ان بريطانيا كان لها دور قذر في العراق. فهل نستطيع ان نوجه لحضرتكم التهم التي قذفتها بوجه هذه الشابة بسبب هذا؟؟ الامر غير معقول. هذا الخطاب القومي البعثي الذي يقول أن (إسرائيل تعتبر عدوة للعراق)، يجب يُلغى من خطابنا السياسي. أنا لا ادعو للحوار مع إسرائيل، ولكن دعوا المضطهد يبحث عن ساحل نجاة حتى لو كان الشيطان. مع احترامي و تقديري) أنتهى
جوابي على الأخ عبدالحسين سلمان هو كالآتي:
أولاً، لا يمكن معاملة بريطانيا كإسرائيل، وإلا لكان على جميع الدول العربية والإسلامية التي قاطعت إسرائيل، أن تقاطع بريطانيا أيضاً، وهذا مستحيل. فتشبيه وجودي في بريطانيا بزيارة نادية مراد لإسرائيل أمر غريب إن لم يكن مضحكاً، ففي بريطانا أكثر من ربع مليون عراقي، فكم عراقي يوجد في إسرائيل ما عدى اليهود العراقيين الذين رحلوا قسراً أو طوعاً. ثانياً، أنا لم أوجه تهمة قذرة بوجه (هذه الشابة)، بل تعاطفتُ معها واعتبرتها ضحية تستحق الحماية والدعم. ثالثاً، أنا أيضاً أتمنى أن ينتهي العداء مع إسرائيل، ولكن رسمياً العداء موجود منذ عام 1948 وإلى الآن، فالحكومات العراقية المتعاقبة وحتى ما بعد 2003 لم تتجرأ بحذف هذا القرار، لأن ظروف العراق الراهنة لن تسمح بذلك. لذا، شئنا أم أبينا، فإسرائيل مازالت رسمياً تعتبر عدوة. والكرة الآن في ملعب إسرائيل، فهي وحدها تستطيع تبديل هذه العلاقة من عدائية إلى طبيعية ودية، وذلك بأن تقبل بحل الدولتين. وعندئذ ليس من حق العراقيين أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الشعب الفلسطيني.

كذلك وصلتني تعليقات من أصدقاء كورد، أحدهم كاتب مرموق، مع مقالات، أكدوا فيها أن لبارزاني يد في هذه الزيارة، لتوريط هذه الفتاة وطائفتها وإيقاعها في الفخ الإسرائيلي، وبالتالي تأجيج المتطرفين على الأيزيدية. وهذا ليس بغريب في السياسة الاخطبوطية التي يتبعها حزب بارزاني.

كما وتلقيتُ رسائل من أصدقاء أكاديميين معروفين بمواقفهم الوطنية، والإنسانية، ودفاعهم عن حقوق الشعب الفلسطيني، انتقدوا موقفي الناقد للزيارة، واعتبروا إسرائيل دولة ديمقراطية يسود فيها حكم القانون، ومن حقها أن تستقبل هذه الفتاة الأيزيدية، ومن هذه الرسائل، أشير إلى واحدة منها، أجتزئ منها الفقرة الأولى:
(شكراً على هذا المقال المتعاطف مع النكبة والجينوسايد الذي تعرض له اليزيديون والذي أؤيدك فيه تماماً. لكن ما أختلف فيه معك هو تشبيه إسرائيل بداعش. فمع أن من المسلَّم به هو أن إسرائيل تمارس التفرقة العنصرية المفضوحة ضد الفلسطينيين، وتنتهك حقوقهم، الا أنها مع كل ذلك هي بلد تحكمها القوانين، وفيها نظام ديمقراطي تمثيلي، يشارك فيه الفلسطينيون حاملي الجنسية الإسرائيلية. وأعتقد أن مثل هذه المقارنة قد تصب دون قصد في تجميل صورة داعش، والتغاضي عن بربريتها ووحشيتها التي ليس لها مثيل في التاريخ الحديث.) انتهى
ورسائل أخرى تتقارب في المضمون مع الاقتباس أعلاه، لا أجد ضرورة نشرها لتلافي الإطالة. وجوابي على تعليقات الأصدقاء كالتالي:
شكراً على ملاحظاتكم القيمة، أتفق مع معظمها، أنا لم أشبِّه إسرائيل بداعش، بل قارنتها بداعش، فالاختلاف بينهما بالدرجة وطريقة التنفيذ. إسرائيل لا تحرق الفلسطينيين في أقفاص حديدية وهم أحياء كما تفعل داعش مع ضحاياها بطريقة وحشية لا مثيل لها، بل تحرقهم بطريقة "حضارية"، وقانونية معترف بها دولياً، أي في حالة حرب بذريعة الدفاع عن النفس! وذلك عن طريق القصف الجوي وهم أحياء ودون أي تمييز بين العسكريين والمدنيين. ففي كل مرة تطلق حماس وعن جهل ونتيجة اليأس والاستماتة ، نوعاً من الصواريخ البدائية (جينكو)، صناعة محلية من السكراب، أو كما يسمى بالإنكليزية (Homemade missiles)، التي غالباً تنحرف عن أهدافها، ولا تقتل حتى نعجة في المرعى، تقوم إسرائيل بقصف غزة بآخر طراز من الصواريخ المتطورة ذات القدرة التدميرية الهائلة. ففي كل حرب بين حماس وإسرائيل، إذا قتلت حماس ثلاثة إسرائيليين، تقوم إسرائيل بقتل ألفين أو أكثر من الفلسطينيين في غزة، و تدمير البنى التحتية... وغيرها كثير، إضافة إلى الحصار المفروض على غزة.

نعم إسرائيل دولة ديمقراطية تحكم شعبها بقوانين، ولكنها ظالمة بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبشهادة القس ديزموند توتو من جمهورية جنوب أفريقيا، والذي زار فلسطين قبل سنوات فقال: "أن العنف الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يولد إلا المزيد من الكراهية والعنف المتبادل..." وفي عام 2002 قال: "إن سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين لا تضاهيها إلا سياسة التمييز العنصري التي كانت تنتهجها حكومة بريتوريا ضد السود في جنوب أفريقيا".

لقد رفضت إسرائيل جميع الحلول التي قدمتها الأمم المتحدة، وهذا الظلم يخدم الإرهابيين الإسلاميين إذ يتخذونه ذريعة في خدع الشبان المسلمين الفارغين فكرياً، والمحرومين من الثقافة والتفكير النقدي العلمي، فيشحنونهم بالحقد الأعمى على الغرب المتعاطف مع إسرائيل، ويبثون بينهم نظرية المؤامرة وغيرها.
والتعليق الوحيد الذي جاء مؤيداً للمقال هو من القارئ الأيزيدي، السيد خالد علوكة، وموقفه الواقعي والمؤيد ناتج عن كونه أيزيدي يعرف الوضع جيداً، فأهل مكة أعرف بشعابها، جاء فيه: (شكرا على المقال الحريص على البراءة والضعفاء وتقديم الحلول لهذه الكبوة. فعلا انا شخصيا اتصلت بمقربين جدا لها، وقلت لها لا تذهبي لأنه فخ ولكن كبوة فارس، وقد اضرت بمستقبلها وزادت اعداء الايزيدية، علما لا يزال آلاف من الأيزيدية بيد داعش أسرى وسبايا، ونحتاج الى مساعدة اي انسان لغرض عودتهم ومعرفة مصيرهم، وليس جلب النقد لأهلها. ومن الله العلاج والاعتذار ودمت لوفاء الانسانية).

خلاصة القول
هناك سوء فهم من بعض القراء، وربما لأني لم أكن واضحاً بما فيه الكفاية، وعليه أود توضيح موقفي من إسرائيل. أنا لست عنصرياً، ولا معادياً للسامية أو اليهود. بل أسعى بكل إمكانياتي المتواضعة لإقناع الرأي العام العربي، و أهل الحل والعقد، أن من حق الدولة الإسرائيلية أن تعيش بسلام، وتتمتع بعلاقات طبيعية مع دول المنطقة، مقابل قبول إسرائيل بحل الدولتين، أي قيام الدولة الفلسطينية بحدود 4 حزيران 1967، والقدس الشرقية عاصمتها، الحل الذي تبنته الأمم المتحدة، والمحافل الدولية الأخرى مثل اتفاقية أوسلو، ووافقت عليها القيادة الفلسطينية برئاسة السيد محمود عباس.

ولكن المشكلة أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنجامين نتنياهو وقفت معارضة لهذا الحل بمختلف الحجج الواهية، ومع هذا الرفض والتعنت تعقد الصراع، و نتجت عنه مآس، وآلام، وكوارث، وحروب في دول المنطقة، وما التنظيمات الإرهابية الإسلامية إلا من نتاج هذا الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي يجب أن ينتهي عاجلاً، لتوجيه كل الطاقات للتنمية والإعمار بدلاً من الحروب والدمار.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: العراق وسياسة المحاور.. والصراع العربي-الإسرائيلي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=905

2- مقال صحيفة الغارديان عن معاداة السامية وانتقاد إسرائيل
Antisemitism and criticism of Israel
https://www.theguardian.com/world/2014/sep/10/antisemitism-and-criticism-of-israel

3- د.عبدالخالق حسين: نادية مراد بحاجة إلى من يحميها من الزلل
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=917


94
نادية مراد بحاجة إلى من يحميها من الزلل

د.عبدالخالق حسين

نادية مراد، الفتاة الإيزيدية العراقية الشجاعة، ضحية الدواعش، الوحوش الضارية الكاسرة، وخوارج العصر، مرة أخرى تتألق في سماء الإعلام العراقي والعالمي، ولكن هذه المرة لا كضحية الدواعش التكفيريين، بل كشخصية مثيرة للاختلاف والجدل نتيجة قرارها الخاطئ لزيارة إسرائيل وإلقاء كلمة في برلمانها (الكنيست).

نادية مراد كغيرها من مئات، وربما ألوف النساء الأيزيديات، وقعت ضحية الاغتصاب والعدوان على إنسانيتها وكرامتها من قبل الإرهاب الداعشي المتوحش، ولكنها من القلة إن لم تكن الوحيدة، التي اتخذت موقفاً شجاعاً وحكيماً، فرفعت قضيتها، وقضية بنات جنسها ومكونها الأيزيدي، إلى المحافل الدولية، حيث ألقت كلمة مؤثرة في مجلس الأمن الدولي بكل شجاعة وبلاغة وفصاحة، فاستطاعت بذلك أن تكسب عطف وقلوب وعقول ومشاعر العالم كله لقضيتها العادلة، وإدانة الجناة، أكثر مما استطاعت كل وسائل الإعلام العراقية والعربية. وبذلك أصبحت نادية، بكل استحقاق، أشهر من نار على علم، ونجمة لامعة، فتم تعيينها سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، وترشيحها لجائزة نوبل للسلام لعام 2016، وحازت على جائزة زخاروف لحرية الفكر، كما راح رؤساء الدول و برلماناتها، والقنوات الفضائية، يتسابقون على دعوتها ليحظوا بمقابلتها، وإبداء تعاطفهم معها، ودعم رسالتها في حماية المكون الأيزيدي والإنسانية من الأوباش، كما وألقت كلمة في البرلمان الأوربي وغيرها من البرلمانات.

وأخيراً، استغلت إسرائيل مكانة وقضية نادية وتعاطف العالم معها، فدعتها لزيارة تل أبيب، لغرض الدعاية (propaganda) لها، وليس للتعاطف مع محنتها، ولسوء حظ الجميع، استجابت نادية لهذه الدعوة الملغومة، وألقت كلمة في الكنيست الإسرائيلي، فانفجر اللغم في وجهها، فأثارت كل هذه الضجة الإعلامية ضدها، والتي ما كان لها أن تحصل لو أحسنت نادية في أخذ القرار السليم برفض الدعوة. فإسرائيل تدعم داعش في سوريا، وقامت مراراً بقصف القوات السورية التي تحارب داعش وجبهة النصرة، وغيرهما من التنظيمات الإرهابية التي هي امتداد لداعش في العراق. وهناك تقارير تؤكد أن إسرائيل تعالج جرحى الإرهابيين في مستشفياتها، لا بدوافع إنسانية، بل لدعم الإرهابيين وتدمير سوريا، إضافة إلى استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني لعشرات السنين، ورفضها للحلول الصحيحة التي اقترحتها الأمم المتحدة بحل الدولتين. لذلك أعتقد أن قرار نادية مراد بزيارة إسرائيل كان خطأً كبيراً أساءت لها ولقضيتها العادلة.

لا شك أن قرار نادية مراد هذا ناتج عن قلة خبرتها في التعامل مع الأمور السياسة المعقدة التي يستغلها بعض السياسيين الخبثاء لمصالحهم، فهي مازالت شابة لم يتجاوز عمرها 24 عاماً، قليلة التجربة والخبرة في خوض مثل هذه النشاطات، وإذا بها فجأة وجدت نفسها نجمة لامعة تحت أضواء الإعلام العالمي. وإنصافاً لها، فقد أجادت نادية في كل هذه الأمور خلال العامين الماضيين، ما عدى هذه الزيارة المشؤومة لإسرائيل.

وفي هذه الحالة، وطالما أصبحت نادية رمزاً لطائفتها الأيزيدية، وقراراتها تؤثر على قومها، لذلك فهي بحاجة ماسة إلى أن تحيط نفسها بعدد من أبناء قومها من ذوي الخبرة، تلجأ إليهم في أخذ المشورة منهم في مثل هذه الأمور، كي تحمي نفسها من الانزلاق، إذ لا شك أن هناك جهات تستغل مكانة نادية الرفيعة وسمعتها الدولية الجيدة، وما تمثله من رمزية، لأغراضها الدعائية غير الحميدة كما فعلت إسرائيل.

وخطأ يلد خطأً آخر، فكما أخطأت نادية في قرارها لزيارة إسرائيل، كذلك أخطأت في تبرير هذه الزيارة للرد على نقادها، وأغلب ردودها لم تكن مقنعة، فإسرائيل لا تقل ضراوة من داعش في معاملتها مع الشعب الفلسطيني كما أشرنا أعلاه إلا بالأسلوب وبدرجة القسوة. وعليه فقد أساءت نادية مراد إلى نفسها بالدرجة الأولى حيث وضعت نفسها في هذا الموقف المحرج، كما وأساءت إلى طائفتها المكون الأيزيدي الضحية.

لذلك فالجهة المستفيدة من هذه الزيارة، هي إسرائيل التي تستغل كافة المناسبات لتظهر نفسها بأنها هي الأخرى ضحية التنظيمات الإرهابية، وأنها في مقدمة المدافعين عن حقوق الإنسان، بينما الواقع يؤكد العكس، فهي أكبر متجاوزة على حقوق الشعب الفلسطيني.
والجهة الأخرى المستفيدة من هذه الزيارة طبعاً هي داعش وبقية التكفيريين، فبهذه الهفوة قدمت نادية لداعش، و وسائل الإعلام المتعاطفة معها، ذخيرة حية لتبرير جرائمهم بحق الأيزيدين وغيرهم. وهذا ليس في صالح الإيزيديين، ولا الضحايا الآخرين، وعلى الشرفاء أن يستمروا في دعمهم للضحايا.

لذلك أقترح على الآنسة نادية مراد أن تعيِّن ناس قريبين منها، يتمتعون بالخبرة والإخلاص الوطني لتقديم المشورة الصحيحة لها في مثل هذه الأمور، والظروف المعقدة، لتحمي نفسها من الزلل، وتسد الأبواق المتعاطفة مع داعش، وكافة التنظيمات الإرهابية. وأن تعيد النظر في زيارتها لإسرائيل بأن تعتذر عن هذه الزلة الناتجة عن قلة الخبرة، وأنها وقعت ضحية في فخ الدبلوماسية الإسرائيلية الخبيثة.
فكما يقال: لكل جواد كبوة، ولكل حليم هفوة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة بالموضوع
ما قالته نادية مراد بحق الحشد الشعبي عند عودتها إلى مدينتها سنجار مسقط رأسها
https://twitter.com/MaanKhider/status/891041406848049152


95
هل حقاً كان العهد الملكي ديمقراطياً، واعداً ومستقراً؟

د.عبدالخالق حسين

في مثل هذا شهر (تموز/يوليو)، من كل عام، ينشغل العراقيون بذكرى ثورة 14 تموز 1958، فمنهم (وبينهم كاتب هذه السطور)، يراها ثورة وطنية تقدمية حتمية، لم يكن منها بد، فجرتها ظروف موضوعية تطلبت تحولات في البنية السياسية الفوقية (السلطة)، لتتلاءم مع التحولات التي حصلت في البنية التحتية الاجتماعية، ولانتفاء الوسائل السلمية الديمقراطية لتحقيق التحولات المطلوبة، وتوافر لها الظروف الموضوعية والعوامل الذاتية (القيادة)، حصل التغيير بالعنف الدموي وما رافق ذلك من هزات عنيفة واضطرابات خطيرة في المجتمع، بغض النظر عن النتائج.

الكلام أعلاه ذكرته في مقالي السابق الموسوم: (تعقيب على مقال السيد بهاء الدين نوري عن ثورة 14 تموز)(1)، اضطررت لإعادته هنا للرد على مجموعة أخرى من الكتّاب يرون أن ما حصل يوم 14 تموز 1958، كان مجرد إنقلاب عسكري مشؤوم، فتح الباب للانقلابات العسكرية وحكم العسكر، قادوا العراق إلى هذا المصير الأسود. ومن هؤلاء السيد مازن الشيخ الذي نشر مقالاً في موقع صوت العراق، بعنوان: (تعقيباً على مقال الأستاذ عدنان حسين أقول: 14 تموز انجبت 17 تموز)(2 و3). فهو الآخر ينحي باللائمة على هذه الثورة اليتيمة، وقائدها في كل ما أصاب العراق من كوارث، منذ 8 شباط 1963 وإلى الآن.

يقول السيد الشيخ: "... يمكن التأكيد بأن العراق كان يمكن ان تكون افضل دول المنطقة وأكثرها رقيا وتقدماً لولا الانقلاب العسكري الذي وقع في 14 تموز 1958 و اطاح بالدولة الواعدة وتركها تواجه كل انواع المخاطر والمصائب".

هذا الكلام قد يكون صحيحاً فيما إذا كان التاريخ يسير وفق ما يتمناه البعض من ذوي النوايا الحسنة، ولكن كما تفيد الحكمة (تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن). فمسار التاريخ له قوانينه الخاصة التي تشبه القوانين الفيزيائية، إذ كما ذكرنا مراراً، أن الثورات لا تصاغ حسب الطلب، بل تحدث، وهي أشبه بالكوارث الطبيعية. والمسؤول عنها هم أولئك الحكام الذين يرفضون إجراء التغيير التدريجي الهادئ في السلطة ليتلاءم مع التحولات الاجتماعية. وكغيره من أنصار الملكية، يعتقد السيد الشيخ، أن الذين أيدوا، ومازالوا يدافعون عن "إنقلاب 14 تموز" حسب تعبيره، هم اليساريون فقط، ويقصد الشيوعيين، وينكر أن النظام الملكي قد جمد ورفض التطور، وحصل بون شاسع بين الشعب والسلطة، أقتضى التغيير الثوري.

فالنظام الملكي الذي هيمن عليه الثنائي، عبدالإله ونوري السعيد، أصابه الجمود الكلي، وفي هذا الخصوص قال الشيخ علي الشرقي وهو من رجالات العهد الملكي: "أن نوري السعيد أصر على حكم العراق في الخمسينات بعقلية العشرينات". وقال عنه الصحفي البريطاني بول جونسن عام 1957: " إن نوري السعيد، وإن كان ما يزال حياً، فهو أشبه بالمخلفات التاريخية البالية." كما ونشير على أنصار الملكية أن يقرؤوا مذكرات المرحوم عبدالكريم الأزري، وكتابه القيم (مشكلة الحكم في العراق)، و الذي حذر الثنائي عبدالإله، ونوري السعيد مراراً، إذا لم يقوموا بإصلاحات سياسية فإنهم يحثون الخطى لهدم البيت على رؤوس الجميع. ولكن لا حياة لمن تنادي... إلى أن حصل "الإنقلاب المشؤوم".

ونحن نؤكد هنا و باعتراف أكاديميين أجانب مثل حنا بطاطو، أن ما حدث يوم 14 تموز 1958 كان ثورة بكل معنى الكلمة. ويقول المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون: "أن الثورة العراقية هي الثورة الوحيدة في البلاد العربية". راجع مقالنا: (هل ما حدث يوم 14 تموز ثورة أَم انقلاب؟)(4)

إن أقصر رد على السيد الكاتب هو: إذا كانت ثورة 14 تموز أنجبت إنقلاب 8 شباط 1963، والأخير أنجب انقلاب عبدالسلام عارف على البعثيين في تشرين من نفس العام، وهذا الانقلاب أنجب 17 تموز 1968...الخ، يعني أشبه بـ(دومينو رالي!!)، فبنفس المنطق يصح القول أن العهد الملكي هو الذي انجب ثورة 14 تموز 1958، وعليه كان الأفضل البقاء على الحكم العثماني (العصملّي!!)، لأن كل مرحلة تنمو في رحم المرحلة السابقة إلى أن نصل إلى أبينا آدم. في الحقيقة لو كان العهد الملكي واعداً، ومستقراً وديمقراطياً كما يردد أنصاره، لما حصلت ثورة تموز التي كانت حصيلة سلسلة متواصلة من الانتفاضات والوثبات الشعبية، والانقلابات العسكرية في العهد الملكي، تكللت بثورة تموز التي كانت تتويجاً لتلك النضالات.

كما ونؤكد لهؤلاء السادة، أنه من الهراء والجهل القول أن ثورة تموز فتحت الباب للانقلابات العسكرية، فقد حصل في العهد الملكي ثمانية انقلابات عسكرية بعضها نجح مثل انقلاب الفريق بكر صدقي عام 1936، وهو بالمناسبة، أول إنقلاب عسكري في البلاد العربية، وما تلاه من انقلابات أخرى مثل انقلاب الأول من مايس 1941 الذي قام به العقداء الأربعة بقيادة صلاح الدين الصباغ، وسمي خطأً بحركة رشيد عالي الكيلاني، والذي انتهى بالاحتلال البريطاني الثاني للعراق في نفس العام...الخ.
أما تهمة أن ثورة 14 تموز فتحت الباب لحكم العسكر، فهي الأخرى باطلة، لأن معظم الذين أسسوا الدولة العراقية كانوا جنرالات في الجيش العثماني، وأن نوري السعيد نفسه الذي تسنم رئاسة الحكومة 14 مرة كان جنرالاً. علماً بأن 50% من فترة العهد الملكي كانت في حالة الحكم العرفي العسكري.

لذلك فالذي يتهم ثورة تموز بفتحه باب الانقلابات العسكرية، وحكم العسكر وعدم الإستقرار، يفضح جهله بتاريخ العراق، وهذا أمر معيب على كل من يكتب عن العراق وهو لم يدرس تاريخه، وخاصة تاريخه الحديث.

أما الذين يتحدثون عن "عبقرية" نوري السعيد وديمقراطيته الليبرالية، فيكفي أن نذكِّرهم بحادثة واحدة فقط على سبيل المثال لا الحصر، وهي في عام 1954 أجرت حكومة أرشد العمري انتخابات برلمانية، ورغم الضغوط الحكومية على الناخبين، ومحاولات تزييف النتائج، فازت أحزاب المعارضة الوطنية بـ 11 مقعدا من مجموع 131 مقعد، فلم يتحمل "الديمقراطي جداً" نوري السعيد هذا العدد القليل من نواب المعارضة، لذلك قام بعد يوم واحد فقط من خطاب العرش، بانقلاب القصر على زميله أرشد العمري، وعطَّل البرلمان، وشكل الحكومة برئاسته، وأعلن الأحكام العرفية. هكذا كانت "الدولة الواعدة" التي يدافع عنها السيد الشيخ وزملاؤه.

وفي هذا الصدد قال الراحل العلامة علي الوردي: "روى لي أحد الثقاة قصة تكاد لا تصدق لو رويت في بلد غير هذا البلد. يقول الراوي: إنه سمع ذات يوم، في موسم من مواسم الانتخابات الغابرة، بأن برقية هبطت على متصرف اللواء من بغداد تأمره بانتخاب شخص معين. وقد ذهب هو وجماعة معه لتهنئة الشخص المحظوظ، فقبل الشخص منهم التهنئة. هذا مع العلم أن يوم الانتخابات الرسمي لم يكن قد حان وقته، وأن الاستعداد للانتخابات كان قائماً على قدم وساق كما يقولون.".
ويعلق الوردي على ذلك قائلاً: "إن نائباً يُعيًن في مجلس النواب على هذه الصورة لا يشعر طبعاً بأنه ممثل الشعب، والشعب كذلك لا يشعر بأن في الحكومة من ينطق باسمه ويدافع عنه حقاً..  على هذا المنوال تتسع الثغرة بين الشعب والحكومة وينشق الضمير والأمر لله الواحد القهار."
وقد أيد هذه الرواية المرحوم أحمد مختار بابان في مذكراته، أنه هو الذي كان متصرفاً في لواء البصرة والذي شكل الوفد لتقديم التهنئة لذلك النائب العتيد.

ومن كل ما تقدم، نؤكد للسيد مازن الشيخ الذي اعتبر اليساريين وحدهم دون غيرهم، انتقدوا العهد الملكي بدون برهان، أن الشيخ علي الشرقي، وعلي الوردي، وعبدالكريم الأزري (وزير في العهد الملكي)، وأحمد مختار بابان وغيرهم، أدلوا بهذه الشهادات هم جميعاً ليسوا شيوعيين ولا حتى يساريين، وأن الأخير تسنم رئاسة الحكومة في السنة الأخيرة من العهد الملكي.

في الحقيقة كان العهد الملكي نظام ديمقراطي في الظاهر فقط، وإقطاعي رجعي في الجوهر، وكان محكوماً عليه بالزوال وفق قوانين التطور (البقاء للأصلح)، لذلك سقط ولم يدافع عنه أحد، بل خرجت الجماهير من أقصى شمال العراق إلى أقصى جنوبه في تظاهرات مليونية تأييداً لما حصل يوم 14 تموز، وحوَّلت (الانقلاب العسكري) إلى ثورة شعبية عارمة. بينما العكس من ذلك عندما حصل الانقلاب البعثي الفاشي يوم 8 شباط 1963، حيث هبت الجماهير ضد الإنقلابيين الشباطيين، دفاعاً عن الثورة وزعيمها، مما اضطر العسكريون البعثيون حمل صور الزعيم على دباباتهم لخدع الجماهير بأنهم ذاهبون لنصرته، وعندما وصلوا إلى وزارة الدفاع حيث مقر الزعيم، أطلقوا نيرانهم عليه، وهذا دليل آخر على أن البعث لا وجود له بدون الكذب والغش.
كما نؤكد لأنصار الملكية أن جميع الجرائم التي ارتكبها حكم البعث الصدامي، مثل العزل الطائفي، والعنصري، والتهجير القسري بتهمة التبعية، وإسقاط الجنسية عن المعارضين السياسيين، لها جذور في العهد الملكي.

أما جريمة مقتل العائلة المالكة، التي يصرخ بها أعداء الثورة، فالمعروف أن ليس هناك ثورة في التاريخ خلت من حوادث العنف المؤسفة، والكوارث التي تفلت من السيطرة. فالذي قتل العائلة المالكة هو النقيب عبد الستار سبع العبوسي الذي لم يكن من تنظيمات ضباط الثورة، بل قام بتصرف فردي وبدوافع قومية انتقاماً لضباط حركة مايس 1941، الذين أعدمهم عبدالإله وبصق على جثة الصباغ وهي معلقة بحبل المشنقة، و خوفاً من تكرار السيناريو في حالة فشل الثورة. وقد ذكرتُ التفاصيل عن هذه المجزرة في كتابي عن الثورة، في الفصل التاسع بعنوان (حوادث العنف في عهد الثورة)، الرابط في الهامش(5)

ويكفي حكومة الثورة وزعيمها فخراً، أنها خلال أربع سنوات ونصف من عمرها القصير، حققت ضعف ما حققه العهد الملكي من إنجازات خلال 38 سنة. وباختصار شديد، استطاع قائدها الزعيم عبدالكريم قاسم أن يبني 25 مستشفى، من بينها الصرح الشاهق مدينة الطب في بغداد، ومئات المستوصفات، و أن ينشأ 10 مدن سكينة، و44 مصنعاً إضافة الى تشييد 22 جسراً منها الجسر المعلق في بغداد، و 2334 مدرسة في عموم العراق، والخط العريض السريع بين بغداد والبصرة، وميناء أم قصر العميق، ومئات المشاريع الأخرى، وأرسل آلاف البعثات الدراسية إلى الخارج في مختلف الاختصاصات العلمية والهندسية، وأصدر المئات من القوانين التقدمية مثل قانون الإصلاح الزراعي، والأحوال الشخصية، وقانون رقم 80 الذي استرجع بموجبه 99% من الأراضي العراقية من سيطرة الشركات النفطية الأجنبية، وأسس شركة النفط الوطنية، وقرار إلغاء قانون حكم العشائر..الخ. أما الإدعاء بأن هذه المنجزات كانت مشاريع خططها العهد الملكي، وهو مشكوك به، فهذا لا يقلل من فضل الثورة وقائدها، فما قيمة هذه المخططات إذا كانت مجرد حبر على ورق محفوظة في الأدراج والرفوف العالية؟ فهذا لا يقلل من فضل الزعيم عبدالكريم قاسم الذي حول هذه المخططات المنسية إلى مشاريع منجزة. ولقراءة المزيد عن منجزات الثورة يرجى فتح الرابط (منجزات ثورة 14 تموز 1958)(6).

خلاصة القول: إن الذي جلب البلاء على العراق هو نوري السعيد وعبدالإله، اللذان سيطرا على كل مقادير البلاد والعباد، ولولاهما لما كانت هناك حاجة للثورة، ولكن هذا لم يمنع من حصول ثورات وانقلابات أخرى، لأن في نفس الوقت كانت هناك تنظيمات في الجيش ومنها تنظيمات القوميين والبعثيين، تخطط للثورة أو الإنقلاب. أما الذين يطالبون بأن كان على الشعب أن يصبر على دكتاتورية الحكام الجائرين خوفاً من الفشل، أو حصول الأسوأ، فهذا كلام غير منطقي، لأنه لو تم تطبيقه لعاشت البشرية كالخرفان يحكمها الطغاة من أمثال صدام حسين، ومعمر القذافي، وبول بوت، وغيرهم، إلى الأبد ولما تقدمت الحضارة.

ومن كل ما سبق نستنتج أن ثورة 14 تموز كانت ثورة حتمية وطنية وشعبية نقية، حققت الكثير من الإنجازات والتحولات الثورية لصالح الشعب، وخاصة الطبقات الفقيرة، وجميع الانقلابات الأخرى التي حصلت بعد ثورة تموز كانت ثورات انتقامية مضادة ، قامت بها قوى داخلية رجعية، بالتعاون مع حكومات ومخابرات أجنبية، انتقاماً من الثورة والشعب العراقي. لذلك بقيت ثورة 14 تموز وقيادتها الوطنية حية في وجدان الشعب العراقي، بينما الثورات المضادة (من إنقلاب شباط الأسود 1963 إلى 17 تموز 1968) انتهت في مزبلة التاريخ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة:
1- د.عبدالخالق حسين: تعقيب على مقال السيد بهاء الدين نوري عن ثورة 14 تموز*
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=914
 
2- مازن الشيخ: تعقيبا على مقالة للاستاذ عدنان حسين اقول:- ان 14 تموز انجبت 17 تموز
http://www.sotaliraq.com/2017/07/18/%D8%AA%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%A8%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0-%D8%B9%D8%AF%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86-14%D8%AA/
 
3-عدنان حسين: : 14 تموز .. هل كانت شرّاً مطلقاً؟ 
http://kitabat.com/2017/07/15/14-%D8%AA%D9%85%D9%88%D8%B2-%D9%87%D9%84-%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%AA-%D8%B4%D8%B1%D9%91%D8%A7%D9%8B-%D9%85%D8%B7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%8B%D8%9F-2/

4- د.عبدالخالق حسين: هل ما حدث يوم 14 تموز ثورة أَم انقلاب؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=529

5- د.عبدالخالق حسين: حوادث العنف في عهد الثورة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl//?news=766

6- عبدالخالق حسين: منجزات ثورة 14 تموز 1958
http://www.abdulkhaliqhussein.nl//?news=759
_____________
مقالات ذات صلة
د.عبدالخالق حسين: أسباب ثورة 14 تموز 1958 (1-2)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=757

د.عبدالخالق حسين: أسباب ثورة 14 تموز 1958(2-2)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=758

فاصل بولا: مداخلة على هامش ما كتبه الاستاذ عبد الخالق حسين
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=915

رابط النسخة الإلكترونية لكتاب د. عبدالخالق حسين: ثورة وزعيم
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=776

96
تعقيب على مقال السيد بهاء الدين نوري عن ثورة 14 تموز*

د. عبدالخالق حسين

نشر السياسي الشيوعي المخضرم، الأستاذ بهاء الدين نوري، في صحيفة (الحوار المتمدن) الإلكترونية، يوم 13/7/2017، مقالاً عن ثورة 14 تموز الوطنية المجيدة، بمناسبة ذكراها التاسعة والخمسين*، ذكر فيه الكثير من الحقائق عن الثورة وأسبابها ومنجزاتها، وأخيراً أسباب إغتيالها، إلا إنه وكغيره من بعض الكتاب، أنحى باللائمة على الزعيم عبدالكريم قاسم، و"دكتاتوريته"، في اغتيالها بالإنقلاب الدموي يوم 8 شباط 1958 الأسود، بقيادة حزب البعث، وبمساعدة نحو أربعين جهة أخرى تآمرت على هذه الثورة الوطنية، من المرجع الديني الشيعي السيد محسن الحكيم، ومروراً بجمال عبدالناصر، وكميل شمعون، والملا مصطفى البارزاني، وعشرات الجهات والحكومات الأخرى، إلى الاستخبارات الأمريكية  والبريطانية.

في البداية ما كان في نيتي أن أكتب هذا المقال، بل أكتفي بتعليق قصير أنشره في قسم التعليقات على مقال السيد بهاء الدين نوري، إلا إني رأيت مساحة التعليق ضيقة خاصة وأن الغرض الأساسي من تعليقي كان نقل شهادة السيد مسعود بارزاني بحق الزعيم، وهي شهادة منصفة، على الضد من شهادة السيد بهاء الذي أقترح عليه قراءتها ليعرف من الذي انحرف عن الثورة، ومن خذل من.

أجل، لم يكن السيد بهاء منصفاً بحق الزعيم، فألقى عليه اللوم في كل ما حصل من اضطرابات وأعمال عنف وغيرها، ناسياً أن هكذا ثورة عظيمة غيرت موازين الصراع بين الغرب والشرق، في مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين، الشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربي الرأسمالي بقيادة أمريكا، كانت على أشدها، وفي مثل هذه الأوضاع لا بد وأن ترافق هكذا ثورة أعمال عنف وتآمر من قبل الجهات المتضررة منها.

وتلافياً للإطالة، لا أريد مناقشة كل ما ذكره السيد بهاء في مقاله، بل أكتفي بالإشارة إلى بعض اتهاماته للزعيم قاسم، وردي عليها باختصار شديد:
أولاً، موضوع عدم إشراك الحزب الشيوعي في الحكومة
لقد اتهم أعداء الثورة أنها ثورة شيوعية وحتى بدون إشراك الشيوعيين في الحكومة، فكيف لو شارك فيها شيوعيون معروفون بانتمائهم للحزب الشيوعي؟ فلو كان الحزب قد شارك بالسلطة، أو استلمها عنوة، لحصل في العراق في الخمسينات ما حصل في أفغانستان في نهاية السبعينات وما بعدها. لذلك وكما سمعت من بعض الشيوعيين المنصفين، أنه كان من حسن حظ الحزب الشيوعي العراقي أنه لم يستلم السلطة أو يشارك فيها، بل كان على الشيوعيين الالتزام بنصيحة الاتحاد السوفيتي لهم، وذلك بدعم الثورة، وبدون المطالبة بالشراكة فيها إطلاقاً، لكي لا يستفزوا الدول الإقليمية والغربية وتقدم لهم المبرر لغزو العراق يوم ذاك. راجع مقالنا الموسوم: (الثورة والحزب الشيوعي العراقي)، وهو فصل من كتابنا (ثورة وزعيم)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=764

ثانياً، تهمة دكتاتورية قاسم وقضية الديمقراطية
أما تهمة الدكتاتورية وعداء الزعيم قاسم للديمقراطية، فأكتفي هنا بشهادة الراحل محمد حديد الذي قال في مذكراته، أن عبدالكريم قاسم كان أكثر ديمقراطياً من معظم السياسيين المدنيين الذين ادعو الديمقراطية في ذلك الزمان. ففي السنة الأخيرة من حكمه شكل الزعيم لجنة برئاسة الراحل حسين جميل لكتابة الدستور الدائم، ومهَّد لإجراء انتخابات برلمانية في حزيران 1963، وافتتاح البرلمان في الذكرى الخامسة للثورة، أي في يوم 14 تموز 1963. لذلك عاجله أعداءه بالانقلاب البعثي القومي، لأن القوميين كانوا يعرفون جيداً أن لا نصيب لهم بالفوز في النظام الديمقراطي. راجع مقالنا الموسوم: ( ثورة 14 تموز وموضوعة الديمقراطية).
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=760

ثالثاً، تهمة محاربة قاسم للحركة الكردية
لقد أثبتت البحوث الأكاديمية عن الثورة، ومنها رسالة ماجستير للدكتور ليث عبدالحسن الزبيدي، أن ما سمي بثورة أيلول الكردية عام 1961، قام بها الأغوات، أي شيوخ الإقطاع وعلى رأسهم حسين المنكوري، وبدفع ودعم من شاه إيران لكي لا تصل عدوى قانون الإصلاح الزراعي إلى إيران. و قد انضم إليها الملا مصطفي البارزاني فيما بعد، وبتأثير من المخابرات الأمريكية والبريطانية. وهناك شهادات كثيرة من قادة الحركة الكردية تؤكد مدى حب قاسم للشعب الكردي وإخلاصه له، وما قدم لهذا الشعب، ومنهم السياسي الكردي د. محمود عثمان، وغيره، وقد تطرقتُ لهذا الموضوع بالتفصيل في نفس الكتاب وهذا هو رابط المقال (الثورة والقضية الكردية).
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=763

رابعاً، شهادة مسعود بارزاني بحق الزعيم عبدالكريم قاسم
ولكن أهم شهادة منصفة من قيادة الحركة الكردية بحق الزعيم عبدالكريم قاسم، جاءت من السيد مسعود بارزاني الذي رغم مساوئه الكثيرة بحق العراق ما بعد 2003، إلا إنه أنصف الزعيم بشهادة له وردت في كتابه الموسوم: (البارزاني والحركة التحررية الكردية)، أنقلها أدناه مع الاعتذار عن طول الاقتباس، لأن هذه الشهادة مهمة جداً، وهي الغرض الرئيسي من مداخلتي هذه، وأرجو من السيد بهاء الدين نوري الاطلاع عليها ليعرف أن الحقيقة لا يمكن حجبها بغربال، كما يقول المثل.

قال السيد مسعود بارزاني ما يلي:
«كنت في قرارة ضميري أتمنى أن لا تنشب ثورة أيلول في عهد عبد الكريم قاسم، وأنه إذا قُدر لها أن تنشب فلتكن قبل عهده أو بعده، وربَّما عَذرني القارئ عن خيالي هذا حين يدرك أنه نابع عن الإحساس بالفضل العظيم الذي نُدين به لهذه الشخصية التاريخية، وأنا أقصد الشعب الكُردي عموماً، والعشيرة البارزانية بنوع خاص...
«إني أسمح لنفسي أن أبدي ملاحظاتي وأستميح كل مناضلي الحزب الديمقراطي الكردستاني والشعب الكردي الذين مارسوا أدوارهم في تلك الفترة، عذراً لأن أقول وبصراحة بأنه كان خطأً كبيراً السماح للسلبيات بالتغلب على الإيجابيات في العلاقة مع عبدالكريم قاسم، مما ساعد على تمرير مؤامرة حلف السنتو وعملائه في الداخل والشوفينيين وإحداث الفجوة الهائلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبدالكريم قاسم. فمهما يقال عن هذا الرجل فإنه كان قائداً فذاً له فضل كبير يجب أن لا ننساه نحن الكرد أبداً. لا شك أنه كان منحازاً إلى طبقة الفقراء والكادحين وكان يكن كل الحب والتقدير للشعب الكردي وكان وطنياً يحب العراق والعراقيين وكان التعامل معه ممكناً لو أحسن التقدير. . يُتَهَمّ عبدالكريم قاسم بالإنحراف والديكتاتورية، أتساءل هل من الإنصاف تجاوز الحق والحقيقة؟ لقد قاد الرجل ثورة عملاقة غيَّرت موازين القوى في الشرق الأوسط وألهبت الجماهير التواقة للحرية والإستقلال وشكل أول وزارة في العهد الجمهوري من قادة وممثلي جبهة الإتحاد الوطني المعارضين للنظام الملكي ومارست الأحزاب نشاطاتها بكل حرية.
« ولكن لنكن منصفين ونسأل أيضاً من انقلب على من؟ إن بعض الأحزاب سرعان ما عملت من أجل المصالح الحزبية الضيقة على حساب الآخرين، وبدلاً من أن تحافظ أحزاب الجبهة على تماسكها الذي كان كفيلاً بمنع عبدالكريم قاسم من كل إنحراف، راحت تتصارع فيما بينها وبعضها تحاول السيطرة على الحكم وتنحية عبدالكريم قاسم، ناسية أولويات مهامها الوطنية الكبرى. إني أعتبر أن الأحزاب تتحمل مسئولية أكبر من مسئولية عبدالكريم قاسم في ما حصل من انحراف على مسيرة ثورة 14 تموز (يوليو)، لأن الأحزاب لو حافظت على تماسكها وكرست جهودها من أجل العراق، كل العراق ووحدته الوطنية الصادقة، لما كان بإمكان عبدالكريم قاسم أو غيره الإنحراف عن مبادئ الثورة. إن عبدالكريم قاسم قد انتقل إلى العالم الآخر، ويكفيه شرفاً أن أعداءه الذين قتلوه بتلك الصفة الغادرة فشلوا في العثور على مستمسك واحد يدينه بالعمالة أو الفساد أو الخيانة. واضطروا إلى أن يشهدوا له بالنزاهة والوطنية رحمه الله. لم أكره عبدالكريم قاسم أبداً حتى عندما كان يرسل أسراب طائراته لتقصفنا، إذ كنت امتلك قناعة بأنه قدم كثيراً لنا، كشعب وكأسرة لا يتحمل لوحده مسئولية ما آلت إليه الأمور. ولا زلت أعتقد أنه أفضل من حكم العراق حتى الآن. »- مسعود البارزاني

وإذا لم يكتف السيد بهاء الدين نوري بهذه الشهادة من السيد مسعود بارزاني، فليشاهد الفيديو القصير لشهادة العدو اللدود لعبدالكريم قاسم والشعب العراقي، ألا وهو صدام حسين الذي ساهم في محاولة اغتيال الزعيم، فيديو حصري ونادر: ماذا قال صدام حسين عن عبدالكريم قاسم في اجتماع للقيادة القطرية سنة 1995،وماذا قال عن عبد السلام عارف، وجمال عبدالناصر؟ يرجى الضغط على الرابط
https://www.youtube.com/watch?feature=share&v=BcyIJRckBho&app=desktop

وللمزيد من الشهادات من شخصيات فكرية وسياسية معروفة، بحق الزعيم قاسم، يرجى فتح الرابط التالي: قالوا عن الزعيم عبدالكريم قاسم
http://www.abdulkhaliqhussein.nl//?news=775

هل الثورات حتمية؟
وأخيراً أود أن أقول لأولئك الذين ينشطون هذه الأيام ويتهكمون من تعبير (حتمية الثورة) ويحمِّلون ثورة 14 تموز وقائدها الزعيم عبدالكريم قاسم كل ما حصل للعراق من مآسي، ابتداءً من جريمة 8 شباط 1963 وإلى الآن. أقول لهم أن بذور ثورة 14 تموز قد نمت في رحم العهد الملكي نفسه، وأن الثورات أشبه بالكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والعواصف والأعاصير، لا يمكن تفجيرها "حسب الطلب"، أو بفرمان من أحد، وإنما هي نتيجة حتمية لانفجار تراكمات مظالم ومتطلبات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وعندما تنتفي الوسائل السلمية الديمقراطية لتحقيق هذه التحولات المطلوبة، وتتوافر لها الظروف الموضوعية، والعوامل الذاتية أي القيادة والتنظيمات، عندئذِ يحصل التغيير بالعنف الدموي، وما يرافق ذلك من هزات عنيفة واضطرابات خطيرة في المجتمع.

وأفضل وصف لظاهرة الثورات جاء في كتاب (عصر القطيعة مع الماضي)، للمفكر الأمريكي بيتر ف دركر (Peter F. Drucker) الذي قال: "أن الثورة لا تقع ولا تصاغ ولكنها (تحدث)، عندما تطرأ تغييرات جذرية في الأسس الاجتماعية تستدعي (إحداث) تغييرات في البنية الاجتماعية الفوقية تتماشى مع (التغييرات) التي حدثت في أسس البنية المجتمعية، فإن لم يُستَبقْ إلى هذه الأحداث تنخلق حالة من التناقض بين القواعد التي تتغير، وبين البنية الفوقية التي جمدت على حالة اللاتغيير. هذا التناقض هو الذي يؤدي إلى الفوضى الاجتماعية التي تقود بدورها إلى حدوث الثورة التي لا ضمانة على أنها ستكون عملاً عقلانياً ستثمر أوضاعاً إنسانية إيجابية".

ولقراءة المزيد عن أسباب الثورة، يرجى مراجعة مقالنا في حلقتين:
(أسباب ثورة 14 تموز 1958 (1-2)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=757

أسباب ثورة 14 تموز 1958(2-2)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=758

رابط النسخة الإلكترونية لكتابنا (ثورة وزعيم)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=776
ـــــــــــــــــــ
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
* بهاء الدين نوري: ثورة 14 تموز 1958 كما يراها سياسي معاصر لها
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=266935

97
لمنع ظهور نسخة جديدة من داعش

د.عبدالخالق حسين

بجهود وتضحيات أبطال القوات المسلحة من جميع التشكيلات والمكونات، تم أخيراً دحر داعش، و دولتها الخرافية، وإلقائها في مزبلة التاريخ. فقد أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، من داخل مقر عمليات تابع لقوات مكافحة الإرهاب، رسميا الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الموصل. ولكن هذا لا يعني أن المعركة قد انتهت، إذ مازالت هناك بلدات تحت حكم الدواعش، مثل تلعفر، والحويجة، ومناطق غربي الرمادي وغيرها، إضافة إلى الأيديولوجية الداعشية الوهابية المضللة التي مازلت تعشش في رؤوس المضللين.

لقد كتب كثيرون عما يجب عمله ما بعد داعش، وعلى جميع الصعد، وفي جميع المجالات، لمنع عودة التنظيم، وربما تحت اسماء أخرى. وآخر نصيحة وتحذير في هذا الصدد، جاء من ضابط كبير في الجيش الأمريكي في العراق، وهو ليفتنانت جنرال ستيفن تاونسند في مقابلة مع بي بي سي: "بأن الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية لم تنته بعد رغم الانتصار "التاريخي" في الموصل. وإن " مقاتلي التنظيم اما زالوا في العراق، وعلى الحكومة العراقية الآن محاولة التواصل والتصالح مع العراقيين السنة وجعلهم يشعرون بأن الحكومة العراقية تمثلهم، لوقف التنظيم الجهادي من طرح نفسه بصورة جديدة".(1)  في رأيي، هذا الكلام حق، ويراد به حق أيضاً، وعلى الحكومة الأخذ بها.

ولكن الملاحظ أن أغلب الكلام واللوم كان ومازال موجهاً للحكومة الفيدرالية في بغداد، والتي عادة ما توصف بـ"الحكومة التي يقودها الشيعة"، لتتلوها بين قوسين العبارة الدائمة(الموالية لإيران). ولم نقرأ ولو لمرة واحدة، أي مقال يوجه النصيحة إلى الزعماء السياسيين من العرب السنة المشاركين في العملية السياسية، بأن عهد حكم المكون الواحد قد انتهى وإلى غير رجعة، ولا بد من أن يتكيفوا مع الوضع الديمقراطي الجديد، وقبول ما تفرزه صناديق الاقتراع، بل كان كل اللوم منصباً ضد الحكومة الفيدرالية وضد الديمقراطية بتهمة سوء استخدامها.

لذلك أرى من المفيد، بل ومن الواجب أن أساهم في تقديم النصح والتحذير لمنع عودة تنظيم داعش، وتحت أي اسم كان. فعلى جميع السياسيين العراقيين، سنة وشيعة، كرد وتركمان، ومسيحيين وصابئة وأيزيديين، وغيرهم من جميع مكونات الشعب العراقي، أن يعرفوا بأن عهد حكم المكون الواحد قد انتهى وإلى الأبد، وأنه كان المسؤول الأول والأخير عن عدم استقرار العراق، وعرقلة تقدمه، وسبب كل المصائب التي نزلت على الشعب منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وإلى الآن. وأن سياسة ودعاية عزل وتهميش وإقصاء أي مكون سيؤدي إلى المزيد من المصائب والدماء والدموع.

فسياسة التهميش اتبعت في جميع العهود، عدى في عهد حكومة ثورة 14 تموز بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم، الذي حاول القضاء التدريجي على التمييز الطائفي والعنصري والمناطقي، لذلك انتقم منه المستفيدون من التمييز بمختلف أشكاله في الحكم. فمنذ العهد الملكي بدأت حملة تهميش وعزل الشيعة بنشر كتب ومقالات وأدبيات تدعي أنهم (الشيعة)، من بقايا الفرس الساسانيين، أو هنود جلبهم محمد القاسم من الهند مع الجواميس، لذلك فهم أجانب، والأجانب لا يحق لهم المشاركة في الحكم، وذلك لتبرير احتكار السلطة من قبل المكون العربي السني، الذين اعتبروا أنفسهم وحدهم يتمتعون بالحق التاريخي في الانفراد بحكم العراق.
وبعد سقوط البعث الفاشي عام 2003، وبدء مرحلة الديمقراطية التي من شروطها مشاركة الجميع في السلطة، لم يتحمل الأخوة العرب السنة هذه المشاركة، ولم يتنازلوا عن "حقهم التاريخي" في احتكار السلطة، وصنع القرار، فرفعوا شعار العزل والتهميش والاضطهاد من قبل الشيعة. وهذا الموقف ضد الشيعة تبنته حتى الحكومات والشعوب العربية في عدائها للديمقراطية في العراق، و وصفتها بأقذع الكلمات التسقيطية، وشنت حملة الفتاوى الطائفية من مشايخ الوهابية في السعودية وقطر وغيرهما.

وفي هذا الخصوص كتب لي صديق مقيم بالسويد قائلاً: "وبحكم عملي في الصليب الاحمر لمدة 18 سنة، التقي بكثير من المواطنين من مختلف الأقطار العربية والإسلامية، حيث أن الانطباع السائد لديهم هو ان الشيعة في العراق يضطهدون السنة، وأنهم استولوا على الحكم بمساعدة إيران والإمبريالية الأمريكية والصهيونية. وان هناك مجازر جماعية ترتكب ضد السنة في العراق... وبهذا الأسلوب الرخيص والمبالغة والتهويل، تم تجنيد الآلاف من الانتحاريين من جميع أنحاء العالم لإبادة "الرافضة المجوس"، حتى إني صرت أخاف أن اجادلهم في الموضوع، لأنهم في غاية الشحن الطائفي. وقد تم تفجير مسجدين للشيعة في السويد من قبل هؤلاء، احدهما في ستوكهولم والآخر في مالمو." انتهى الاقتباس.

ما نود التأكيد عليه، أننا نعيش في عصر الديمقراطية، وأن المارد قد خرج من القمقم، و عهد التهميش والعزل لأي مكون قد ولىّ وإلى الأبد، ويجب الاحتكام إلى ما تفرزه صناديق الاقتراع في التبادل السلمي للسلطة. فالمطلوب من الجميع، الكف عن مثل هذه الدعايات السامة، فقد أثبتت تجارب الـ 14 سنة الماضية أن هذه السياسة تضر بالكل. والحل الوحيد للشعب العراقي هو النظام الديمقراطي، وفصل الدين عن السياسة. والعمل وفق مبدأ (الدين لله والوطن للجميع). وأرى من المفيد أن استشهد مرة أخرى بما قاله عالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي قبل أكثر من أربعين سنة، لحل المعضلة العراقية في الحكم، فقال:
"إن الشعب العراقي منشق على نفسه، وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر مما في أي شعب عربي آخر- باستثناء لبنان- وليس هناك من طريقة لعلاج هذا الانشقاق أجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه، حيث يتاح لكل فئة منه أن تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية. ينبغي لأهل العراق أن يعتبروا بتجاربهم الماضية، وهذا هو أوان الاعتبار! فهل من يسمع؟".

يعتبر البعض هذا القول دعوة للمحاصصة الطائفية. ولكن لماذا نستخدم عبارات تسقيطية للديمقراطية مثل المحاصصة؟ أليست الحكومات الائتلافية في الدول الأوربية الديمقراطية العريقة تتشكل وفق هذا المبدأ في حالة عدم فوز أي حزب بالأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية العامة، ويسمونها حكومة الشراكة الوطنية بدلاً من المحاصصة؟ راجع مقالنا الموسوم: (حول إشكالية المشاركة أو المحاصصة) (2).

نعم، نحن نتمنى أن تكون جميع الأحزاب السياسية علمانية، ودون تقسيمات طائفية، أو أثنية، أو مناطقية، تماماً كما في الأحزاب الأوربية حيث يضم كل حزب أعضاء من جميع مكونات الشعب. ولكن لنكن واقعيين، ففي وضع العراق الراهن وجدت ظروف موضوعية، تاريخية وجغرافية، أدت إلى هذه التقسيمات، ولا يمكن تجاوزها بين عشية وضحاها وفق التمنيات الطوباوية. لذلك فالحل الواقعي هو قبول الممكن، والعمل الجاد على التطوير التدريجي لتحويل الأحزاب ذات التوجه الديني إلى أحزاب علمانية عابرة للطائفية والأثنية والمناطقية، وحث الخطى لإنضاج الديمقراطية تدريجياً، بدلاً من مبدأ (كل شيء أو لا شيء) الذي دائماً يؤدي إلى لا شيء.

ولمنع ظهور نسخة جديدة من داعش نقترح ما يلي:
أولاً، العمل على إعمار المناطق المدمرة وذلك بطلب المساعدات الدولية، لأن العراق في حربه على الإرهاب لم يدافع عن نفسه فحسب، بل كان يمثل رأس الحربة بدماء أبنائه، دفاعاً عن العالم كله من شرور الإرهاب الدولي.

ثانياً، العمل على ما اكده رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي في بيان النصر على داعش، ان "توجه الحكومة المستقبلي يجب ان يتركز على الجانب الاقتصادي، والتنموي، والتعليمي، الذي هو اساس لنهضة الدولة والمجتمع، وضرورة محاربة الفساد الذي اضرّ بالدولة والمجتمع، وتفعيل القانون."(3)

ثالثاً، في الوقت الذي يجب الالتزام بالدستور بتكليف رئيس أكبر كتلة سياسية برلمانية بتشكيل الحكومة، وتحديد نسب وزراء كل كتلة سياسية فيها وفق ما حصل عليه أي حزب أو كتلة من مقاعد في البرلمان، لأن المناصب الوزارية هي سياسية تقررها صناديق الاقتراع في الأنظمة الديمقراطية، يجب تجاوز المحاصصات الحزبية والطائفية والفئوية في تعيين المسؤولين في دوائر الدولة من جميع المستويات، واعتماد مبدأ الكفاءة والنزاهة والولاء الوطني.

رابعاً، تبني أساليب علمية حديثة متطورة ومجدية في محاربة الفساد الإداري والمالي، ولا ضير من الاستعانة بخبرات وتقنيات وأساليب من الدول المتقدمة، وطلب المساعدة منها في شن الحرب على هذه الآفة، لأن الفساد الإداري والمالي أصبح يهدد الأمن والاستقرار، والازدهار الاقتصادي وكيان الدولة بالانهيار، لا يقل خطورة عن الارهاب.

خامساً، يجب التركيز على التعليم من الابتدائية إلى الجامعة، وتنقية مناهجه من كل شائبة تحريضية ضد الآخر، والتركيز على ما يقوي اللحمة الوطنية، ومنع أي تحريض ديني أو طائفي أو عنصري، واعتباره جريمة يعاقب عليها بقانون. وفي هذا الخصوص نشير إلى مقال الأستاذ الدكتور محمد الربيعي، الموسوم (التعليم ما بعد داعش)(4)

سادساً، لقد آن الأوان لكشف المعلومات المتعلقة بسرقة النفط العراقي في المناطق التي كان يحتلها الإرهابيون وما زالوا، مثل الحويجة وغيرها، والجهات التي كانت تشتريه، وبأية أسعار، وكيف يتم تحويل الواردات الى جيوب الداعشيين؟ وما هو عدد العراقيين المنتمين لداعش، ولماذا لا تُعلن أسماؤهم؟ وما هي الجهات التي تزود الأرهابيين بالمال والأسلحة والسيارات، وعن أي طريق تدخل العراق؟ كما ويجب على الحكومة أن تنشر أسماء المتواطئين مع داعش وعدم التستر عليهم؟ أسئلة كثيرة بحاجة الى إجابات صريحة. فالتستر والتساهل والتسامح في هذا المجال يكون في صالح الإرهابيين، لأن في العراق (من أمن العقاب مارس الإرهاب).

وختاماً، إن ما حصل من دمار، وخاصة في المناطق الغربية ذات الأغلبية العربية السنية التي ابتليت بحكم داعش، يجب أن يكون درساً للجميع، وخاصة للقادة الأشرار الذين اعتمدوا الإرهاب والاستقواء بالحكومات الخارجية لتحقيق أغراضهم السياسية، ومصالحهم الشخصية والفئوية، أن هذه السياسة انتهت بالفشل الرهيب، وجلبت الكوارث والنكبات على الشعب، وبالأخص على المناطق ذات الأغلبية السنية. لذلك، فيا حكماء أهل السنة، أرجو احتكام العقل، بأن لا يصلح لحكم العراق إلا النظام الديمقراطي، وأن الديمقراطية هي الحل، وقد آن الأولن أن تزيحوا هؤلاء الأشرار من قيادتكم، ويتولى الأخيار منكم هذه القيادة، إذ كما قال سقراط الحكيم: "إذا تخلى الأخيار عن السياسة، فسيعاقبون بتولي أشرارهم عليهم"
فهل من يسمع؟
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
___________
روابط ذات صلة
1- قائد عسكري أمريكي: يجب على العراق منع ظهور نسخة جديدة من تنظيم الدولة الإسلامية
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-40565237

2- عبدالخالق حسين: حول إشكالية المشاركة أو المحاصصة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=329

3- العبادي : لن نصدر عفوا عن القتلة وتوجهنا المقبل سيتركز على جانبين الأقتصادي والتنموي
http://www.akhbaar.org/home/2017/7/230750.html

4- أ. د. محمد الربيعي: التعليم ما بعد داعش
http://www.akhbaar.org/home/2017/7/230356.html



98
تحررت الموصل ولكن بثمن
د.عبدالخالق حسين

زار رئيس الوزراء حيدر العبادي، مدينة الموصل يوم الأحد المصادف 9/7/2017، لتهنئة القوات الحكومية والشعب العراقي بـ"النصر"، على داعش. فقد خاضت القوات العراقية، مدعومة بقصف جوي أمريكي، قتالا لاستعادة السيطرة على المدينة، منذ السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي. والجدير بالذكر أن تنظيم داعش سيطر على المدينة في 10 يونيو/حزيران من عام 2014، قبل أن يستولي على كثير من الأراضي التي يقطنها العرب السنة، ويعلن عن الخلافة الإسلامية، التي تضم أراض في كل من العراق وسوريا. وشارك في الحملة العسكرية، الجيش العراقي والحشد الشعبي، و البشمركة، ورجال قبائل سنة، ودعمها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة. (1 و2 و3)

أرجو من القراء الأعزاء أن يفتحوا الرابط أدناه ، ليروا صور الخراب الذي سببته القوى الطائفية الظلامية لمناطقهم، ومن ثم مواصلة القراءة. الرابط:(خراب الموصل Mosul in Ruins )(4)
https://www.theatlantic.com/photo/2017/07/mosul-in-ruins/532782/?utm_source=nl-atlantic-weekly-070717
 
إن ما شاهدتموه سيداتي وسادتي، ما هو إلا الجزء القليل الضئيل المرئي من الخراب، عدى المأساة الإنسانية التي تعرض لها أهل الموصل، وبقية المناطق التي حكمتها "داعش" لثلاث سنوات عجاف، إضافة إلى آلاف الشهداء من الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل التحرير. فقد حصل كل هذا الخراب لسبب واحد وهو إلغاء الديمقراطية التي أقرت مشاركة كل مكونات الشعب العراقي في حكم بلادهم، فسخروا لها فرسان البلاغة والبيان، لاختراع أبشع الألفاظ وأسوأ النعوت التسقيطية ضد الديمقراطية الوليدة، لتبشيعها وتشويه صورتها، فأطلقوا عليها (ديمقراطية المحاصصة الطائفية والعنصرية)، من أجل إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 2003، إلى حكم دكتاتورية المكون الواحد، والحزب الواحد، والشخص الواحد.

نعم، تحررت الموصل الجريحة، وتحطمت خرافة "داعش" التي حاولت القوى الدولية والمحلية ووسائل إعلامها أن يصنعوا منها أسطورة ملحمية لا يمكن "وقف زحفها على بغداد"، لتدمير كل العراق، بل ودول المنطقة، ومنع التنمية فيها.

فمن المسؤول عن جريمة القرن؟ وما هو ثمن التحرير هذا؟ وهل كان من الضروري أن يمر شعب العراق بكل هذه الإرهاصات، والعذابات، وتجربة داعش، لكي يثبتوا أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن النظام الديمقراطي لا رجعة عنه، وأنه محكوم له وعليه بالنجاح، لأن ليس هناك أي نظام آخر صالح لحكم العراق، متعدد المكونات إلا النظام الديمقراطي، وأن دكتاتورية المكون الواحد هو وحده المسؤول الأول والأخير عن كل ما مر به العراق من حروب ودمار وعدم الإستقرار خلال المائة سنة الماضية؟

فمن هم المسؤولون عن هذه الجريمة الكبرى؟
- المسؤولون هم أولئك الذين أثاروا الفتن الطائفية، ورفعوا شعار "المقاومة الوطنية الشريفة"، ضد "الاحتلال الأمريكي الغاشم" الذي حررهم من أبشع نظام همجي عرفه التاريخ، ولكن نشروا الإرهاب والإبادة الجماعية في الأحياء المأهولة بفقراء الشيعة من أجل تفجير حرب أهلية؟ وليقولوا لهم هذه هي ثمار الديمقراطية التي تريدونها!!
- هم أولئك الذين نظموا ساحات الإعتصامات، وأقاموا فيها ورشات عمل لتفخيخ السيارات بالمتفجرات لتفجيرها في ساحات مساطر الفقراء الباحثين عن عمل يومي لإعالة عوائلهم في بغداد والحلة وغيرها من المحافظات في الوسط والجنوب،
- هم أولئك الذين كانوا ومازالوا يرددون هتافات عائدون يا بغداد، وسنحررها من سيطرة الفرس المجوس،
- هم أولئك الذين حرضوا سكان الموصل والفلوجة والرمادي وتكريت ضد الجيش العراقي، وأسموه بجيش المالكي، والجيش الشيعي الرافضي، والجيش الإيراني المجوسي، وغيرها من الأسماء التسقيطية، وكانوا يرمون الجنود بالحجارة ويبصقون عليهم؟
-أولئك الذين خدعوا العرب السنة بدعايات أيتام البث وأسيادهم السعوديين بأن العراق صار مستعمرة إيرانية، وأن الجنرال الإيراني قاسم سليماني هو الحاكم الحقيقي للعراق،
- هم أولئك الذين اعتبروا كل من يتعاون مع الحكومة الفيدرالية في بغداد، من السنة والكرد، أنهم سنة المالكي، وكرد المالكي! وكانوا مهددين بالقتل.
- هم أولئك الذين عقدوا عشرات المؤتمرات الطائفية التآمرية في أربيل وعمّان واسطنبول وأنقرة والرياض ودبي وقطر، وبروكسل، وباريس، ولندن وغيرها، التي مهدت لداعش.
- كذلك الحكومات مثل السعودية والقطرية والتركية التي مولت الإرهاب وحرضت على الفتن الطائفية لوأد العملية السياسية وتدمير العراق.

وكما افتضح أمرهم بعد أن نشب الصراع بين الحرامية، بين السعودية وقطر، وبغفلة منه انحاز الإرهابي طارق الهاشمي إلى قطر، مما أغضب أولياء نعمته السعوديين، وللإنتقام منه اعترفت صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية أن المملكة قدمت له (للهاشمي)، 2.5 مليار دولار. هذا المتآمر والأخوين النجيفي، و رافع العيساوي، ومسعود بارزاني، وخميس الخنجر، وعشرات غيرهم من الذين ضللوا أهاليهم من أجل إجهاض العملية السياسية، هم المسؤولون عن هذه الجريمة، ويجب أن يحاكموا أمام الشعب لينالوا جزاءهم العادل لما ارتكبوا من جرائم بحق الملايين من أبناء الشعب العراقي.

نعم، تحقق النصر ولكن بثمن باهظ جداً، فقد شاهدنا صور المقابر للشهداء الأبطال من أبناء القوات المسلحة والجيش الشعبي، وفرسان العشائر، ولولا شجاعتهم وتضحياتهم بأرواحهم ودمائهم الزكية لما تحقق هذا النصر. لقد شاهد أهل الموصل عملياً كيف خدعتهم قياداتهم السياسية في إثارة عدائهم للجيش العراقي، وحكومة بغداد بكذبة التهميش، فسلطوا عليهم الدواعش "الثوار"، لثلاث سنوات، حتى عرفوا الحقيقة بأنفسهم، فقد جرب أهل السنة الدواعش وحكمهم المتوعش.
لقد تحررت الموصل، وهناك معارك أخرى تنتظر لتحرير تلعفر، والحويجة وغربي الرمادي وغيرها مازالت بأيدي الدواعش. وكذلك أيديولوجية الإرهاب مازالت باقية يستخدمها السياسيون الطائفيون، أعداء الحضارة والإنسانية لغسل عقول المزيد من الشباب، فما زالوا يسعون لعقد مؤتمرهم الطائفي التآمري في بغداد يوم 17 تموز، لاحظوا التاريخ وما يحمله من رمزية لإحدى أكبر الجرئم التي ارتكبها البعثيون بحق العراق.
مرة أخرى نقول أنه لا يمكن اعتماد الإرهاب أو أية وسيلة شريرة لتحقيق أغراض سياسية عادلة، وعلى أهل السنة أن يعرفوا جيداً أولئك الذين خدعوهم و قادوهم إلى هذا المصير البائس. فيا أهل السنة الكرام، وبعد كل هذا العذاب، وكما قال الجواهري:
ويهْتِفُ بالنَّفَر المُهطِعين.... أهينوا لئامكم تكرموا.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الموصل للاحتفال بـ"النصر" على تنظيم الدولة الإسلامية
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-40548043

2- العبادي: العالم لم يتصور أن العراقيين سيقضون على "داعش" بهذه السرعة
http://www.akhbaar.org/home/2017/7/230628.html

3- العبادي يعلن رسميا النصر على تنظيم الدولة في الموصل
http://www.bbc.com/arabic/media-40561113

4- الموصل في صور خراب شامل Mosul in Ruins
https://www.theatlantic.com/photo/2017/07/mosul-in-ruins/532782/?utm_source=nl-atlantic-weekly-070717

5- الموصليات يحرقن النقاب (فيديو)
https://youtu.be/5J5t87SsW7g? t=9


99
وأخيراً سقطت دولة الخرافة
د.عبدالخالق حسين

بشهادة مراسل بي بي سي، استعادت قوات الأمن العراقية السيطرة على موقع حطام جامع النوري الكبير في الموصل بعد طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، وأن " الخلافة المزعومة للتنظيم المتشدد تنهار من الداخل والخارج". كما وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن استعادة السيطرة على منطقة جامع النوري "نهاية دويلة الباطل الداعشية".(1)

وبهذه المناسبة التاريخية السعيدة، نقدم التهاني الحارة لقواتنا المسلحة الباسلة، وفصائل الحشد الشعبي، والبيشمركة، والعشائر، والقوات الدولية، على انتصارها الساحق على قوى الشر والظلام. وهو انتصار ليس على داعش فحسب، بل وعلى قياداتها السياسية المشاركة في العملية السياسية، الذين مهدوا لمجيء داعش باعتصاماتهم ومؤتمراتهم سيئة الصيت، و قدموا مناطقهم لقمة سائغة للدواعش "الثوار" على حد تعبيرهم، من أجل إفشال العملية السياسية ووأد الديمقراطية، ولكن رُدت سهامهم إلى نحورهم، وباؤوا بالفشل المبين. وهذا درس يجب أن يستوعبوه، وإلا فمصيرهم كمصير سيدهم صدام حسين، في مزبلة التاريخ.

وكما ذكرتُ في مقال لي بعنوان (تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ)(2)، أن تسليم الموصل إلى داعش قد تم بمؤامرة شاركت فيها قوى محلية ودولية لتحقيق غاية حقيرة وعلى رأسها التخلص من رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي بعد أن فشلوا في إزاحته بالوسائل الديمقراطية، غير مبالين بما ستكلف هذه المؤامرة الشعب العراقي من تكاليف باهظة في الأرواح، والممتلكات، وتعطيل التنمية و الإعمار، وثلاث سنوات عجاف عانى منها أهاليهم أشد المعاناة.

كما وأود التأكيد مرة أخرى، أن ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ما هو إلا فلول البعث و جيش الحرس الجمهوري الذي أسسه حزب البعث بعد اغتصابه السلطة عام 1968. وقد حافظ صدام حسين على هذا الجيش، فلم يزجه في حروبه العبثية، و جهزه بأرقى الأسلحة والتكنولوجية، والتدريب، والولاء والشحن الأيديولوجي، والانضباط العسكري، وكانت مهمة هذا الجيش حماية السلطة البعثية من غضبة الشعب. وحتى المدعو (أبو بكر البغدادي) هو بعثي، وكذلك المرشحان الحاليان لخلافته هما ضابطان من بقايا ضباط الحرس الجمهوري البعثي.

لذلك، فما يسمى بـ(داعش) ما هو إلا فلول البعث الساقط الذي اتخذ من داعش اسماً وغطاءً لتدمير العراق. فقد بات معروفاً للقاصي والداني أن البعثيين ارتكبوا جميع جرائمهم الإرهابية ضد الشعب العراقي بجميع مكوناته بأسماء تنظيمات إسلامية وهمية مثل: جند الإسلام، وجيش محمد، وجيش النقشبندية، وأخيراً استقروا على اسم (داعش). ففي العراق داعش تعني فلول البعث، وهو في تحالف مع القاعدة. يعني (داعش) وأيديولوجيتها المتخلفة هما نهاية البعث.

لذلك، فهزيمة داعش يوم 29 حزيران 2017، تعتبر السقوط الثاني للبعث بعد سقوطه الأول يوم 9 نيسان/أبريل 2003، والسقوط الأخير الذي تم في الموصل هو سقوط البعث بنسخته الداعشية، ويمثل سقوطاً في نظر أهل السنة الذين خدعتهم قياداتهم فربطوا مصيرهم بالبعث وبدوافع طائفية. فهذا السقوط أكد لهم مرة أخرى أن البعث شر على الجميع، و أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن من يتخذ الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضه السياسية مصيره السقوط والهزيمة والعار والشنار. والجدير بالذكر أن هذا السقوط لا يعني نهاية الإرهاب في العراق، إذ لا بد وأنهم زرعوا آلاف الألغام في الأماكن التي احتلوها، ولا بد من خلايا نائمة، تقوم بأعمال جبانة هنا وهناك بين حين وآخر، فهذه الأعمال الإجرامية تحصل حتى في أوربا.

ما بعد داعش
كتب كثيرون من الزملاء مئات المقالات عما يجب عمله ما بعد داعش. أما ممثلو داعش السياسيون من أمثال الأخوين النجيفي وغيرهما، فمازالوا يهددون بما سيأتي بعد داعش، و راحوا يتوعدون بداعش آخر، وبأشكال وأسماء أخرى أشد توحشاً إن لم تستجب الحكومة المركزية لمطالبهم!! وهذا ممكن. والسؤال هنا: ما هي مطالبهم؟ إعادة الشرعية لحزب البعث، وإصدار عفو عام عن كافة المجرمين الذين تورطوا في الإرهاب، وإلغاء الديمقراطية طبعاً وإبقاءها بالاسم فقط.

كما و حذر بعض المخلصين من احتمال قيام فلول داعش وخلاياهم النائمة بعمليات انتقامية ضد أهل السنة لعدم وقوفهم معهم. وهذا وارد أيضاً، فالبعثيون الدواعش، معروفون بنزعاتهم الانتقامية حتى مع أهاليهم، و تاريخهم الأسود حافل بالعمليات الانتقامية مثل قيامهم بتفجير مساجد أهل السنة في ديالى، والبصرة، واغتيالهم شخصيات دينية من أهل السنة، وأخيراً تفجيرهم لجامع النوري ومنارته الحدباء في الموصل.(3)
لذاك نهيب بالأجهزة الأمنية، وكل أبناء شعبنا بأخذ الحيطة والحذر من محاولات الدواعش المهزومين، فهم اليوم أشبه بالوحوش الجريحة التي تهاجم و تنهش كل من يقترب منها. كما ويجب على السلطات الإسراع في تسهيل إعادة النازحين إلى مناطقهم، ومدهم بالغذاء والدواء وفتح المدارس للأطفال.

و مما تجدر الإشاره إليه، أن هناك محاولات من قبل الذراع السياسي لداعش بعقد مؤتمر في بغداد هدفه سرقة النصر من أصحابه الحقيقيين الذين ضحوا بأرواحهم، والإدعاء بأنهم هم المحررون، ويطالبون اليوم بتطبيق مبدأ (عفا الله عما سلف، والعفو عند المقدرة...الخ)، الشعار الذي طبقه الزعيم عبدالكريم قاسم ودفع ثمنه مع شعبناً غالياً. فالذين تلطخت أيديهم بدماء شعبنا لا يعرفون لغة عفا الله عما سلف، إذ كما قال الشاعر العربي:
فمن يجعل المعروف في غير أهله.... يكن حمده ذماً عليه ويندمِ
والعاقل لا يلدغ من جحر مرتين. لذلك يجب إفشال هذا المؤتمر المشبوه، ما لم يمنعوا مشاركة كل من ارتكب جرائم بحق شعبنا وتواطأ مع داعش.

وأخيراً، نؤكد على السيد رئيس الوزراء العبادي، للمرة العاشرة، أن يواصل سياسته الحكيمة في كسب إيران وأمريكا إلى جانبه، وعدم معاداتهما، بل كسبهما والإستفادة منهما لصالح شعبنا، وعدم زج العراق في أي محور من المحاور المتصارعة التي ليس للعراق فيها ناقة ولا جمل.
المجد والخلود للشهداء الأبرار الذين دفعوا حياتهم ثمناً للنصر وتحقيق الوحدة الوطنية، وعزاؤنا لذويهم، وتمنياتنا للجرحى بالشفاء العاجل، والخزي والعار لأتباع دولة الخرافة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- معركة الموصل: استعادة السيطرة على موقع جامع النوري
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-40446899

2- د. عبد الخالق حسين : تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=656

3- د.عبدالخالق حسين: داعش تفجر جامع النوري في الموصل
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=910

100
داعش تفجِّر جامع النوري في الموصل

د. عبدالخالق حسين

أقدمت القوى الظلامية البعثية الداعشية على جريمة أخرى تضاف إلى القائمة الطويلة من جرائمها بحق الشعب العراقي والإنسانية، والرموز التاريخية والمعالم الحضارية. وآخر جريمة قام بها تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش)، هي جريمة تفجير جامع النوري التاريخي المعروف بمنارته المائلة (الحدباء)، ذات الدلالة الرمزية التاريخية للمدينة التي سميت بها (الموصل الحدباء). وهذا دليل يأسهم وإنهيارهم، إذ كما قال رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي: "إن تفجير جامع النوري في الموصل يعتبر بمثابة إعلان هزيمة لتنظيم الدولة الإسلامية". كما ودانت منظمة اليونسكو الجريمة فقالت إن "تدمير جامع النوري ومئذنته الحدباء مأساة ثقافية وإنسانية". و كالعادة، قال التنظيم عبر الانترنت إن طائرات التحالف الدولي هي التي قصفت المسجد ومئذنته، بينما وصف الجيش الأمريكي تدمير المسجد بأنه "جريمة" بحق الشعب العراقي.*

غني عن القول أن لهذا الجامع قيمة تاريخية لا تثمَّن، فقد جاء في موسوعة ويكيبيديا، أن "... جامع النوري الكبير هو من مساجد العراق التاريخية، ويقع في الساحل الأيمن (الغربي) للموصل. وتسمى المنطقة المحيطة به محلة الجامع الكبير. والجامع بناه نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري أي أن عمره يناهز التسعة قرون، و يُعتبر ثاني جامع يُبنى في الموصل بعد الجامع الأموي، وأعيد إعماره عدة مرات كانت آخرها عام 1363هـ/1944م."

هذه الجريمة تؤكد مرة أخرى أن ما يسمى بـ(الدولة الإسلامية) أو (داعش)، لا اهتمام لها بالدين، ولا بالإسلام ومعالمه التاريخية، فالجامع هذا هو لأهل السنة وليس للشيعة حتى يبرروا نسفه كما نسفوا ضريح الإمامين الشيعيين في سامراء من قبل، ودور عبادة لأتباع مختلف الأديان الأخرى. وهذا يؤكد أن داعش ما هو إلا فلول حزب البعث المنحل، لأن الجريمة تحمل بصمات البعث. فمن سياسة البعثيين أنهم عندما يتأكدون من هزيمتهم، ينفذون سياسة الأرض المحروقة، وتطبيق مبدأ شمشون في هدم المعبد على رأسه، (عليّ وعلى أعدائي يا رب، وليكن من بعدي الطوفان)، فيقومون بتدمير كل ما يتمكنون الوصول إليه في البلاد. وهذا ما قاموا في الكويت عند هزيمتهم، فقاموا بتدمير ما يقارب 1073 بئر نفطي، ... أدى حرق أكثر من 727 منها إلى انبعاث كميات كبيرة من الغازات السامة والدخان على مدى ما يقارب من الثمانية أشهر.

ومن خبرتي عن البعث في التدمير في حالة يأسهم وهزائمهم، فعندما كنت في العراق في السبعينات، سمعت عدة مرات من أصدقاء بعثيين كانوا قد انتموا للحزب لتلافي شرورهم، وليعيشوا بسلام، قالوا لي أنهم تلقوا أمراً سرياً للغاية، أنه في حالة سقوط حكمهم، سواءً بإنقلاب عسكري أو قوة خارجية، عليهم أن يقوموا بتدمير كل مؤسسات الدولة، والركائز الاقتصادية، والبنى التحتية...الخ . وهذا ما حصل عند سقوط حكمهم الفاشي في يوم 9 نيسان 2003 الأغر وإلى الآن، فقاموا بتدمير كل ما بنته الأجيال السابقة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، فأشعلوا النيران في الآبار النفطية في الشعيبة، وتفجير المحطات الكهربائية، وغيرها، ولم يسلم منها حتى المستشفيات والمدارس، ومؤسسات اسالة الماء،
وحتى دور العبادة لمختلف الأديان، و أضرحة الأئمة والأولياء المسلمين، ولا حتى المكتبات ومراكز الأرشفة والسجلات والبحوث العلمية والتاريخية.

لذلك فتفجير جامع النوري بالموصل يؤكد أن معظم الدواعش هم بعثيون حاقدون على العراق وشعبه، إذ كما نعرف، أن البعثيين لا اهتمام لهم بالدين، أو أية عقيدة دينية أو مذهبية، وإنما تظاهروا بالتدين الزائف، وأعلنوا اسمهم الجديد (داعش) الذي يستحقونه بجدارة، فاستخدموا الدين لإثارة الفتن الطائفية لأغراضهم السياسية، وارتكبوا جرائمهم البشعة ضد الشعب والوطن بغطاء داعش.

وهذا درس للشعب العراقي، أن البعث منذ أن سمعنا به لأول مرة بعد ثورة 14 تموز الوطنية، أنه عدو شرس لكل ما هو وطني وشريف، هدفه الوحيد اغتصاب السلطة، وإعادة البلاد إلى ما قبل تكوين الدولة الوطنية، وتكوين الشعوب، لذلك قاموا بتمزيق الشعب عن طريق إثارة الفتن الطائفية، والعنصرية، وإحياء القبلية، والأعراف العشائرية التي ابتلى بها العراق. فكل ما يصيب الشعب من بلاء منذ سقوط نظامهم هو من نتاج هذا الحزب الفاشي الخبيث اللئيم، ليلقوا اللوم على الديمقراطية. 

وهو درس أيضاً لأولئك الذين خدعوا شعبنا في المناطق الشمالية الغربية بمعزوفة العزل والتهميش، فنظموا الاعتصامات الطائفية التي مهدت لظهور داعش واحتلال مناطقهم، فجلبوا البلاء على أهاليهم.
والغريب في الأمر أنه حين تمت محاصرة الدواعش، تعالت اصوات ممثليهم السياسيين محذرة الجيش والحشد من المساس بمسجد الحدباء، وكأن أجداد الدواعش الأمويين لم يهدموا الكعبة 3 مرات، وكأن بني سعود لم يقصفوها للقضاء على انتفاضة جهيمان ومجموعته ... وحين تم تفجير جامع النوري على أيدي الدواعش لم يستنكروا الأمر ولم يدينوا داعش، وإنما وضعوا اللوم على الحكومة، وأن المالكي هو من اسقط الموصل،... والله عجيب أمر هؤلاء ... 

لذلك على الشعب نبذهم ومحاسبتهم، فمن يزرع الشوك لا يحصد إلا الشوك، ومن يستخدم الإرهاب لأغراض سياسية، أو لأي غرض كان، لا ولن يحصد إلا الدمار الشامل. وحقاً ما قاله الشاعر العربي:
إذا كان الغراب دليل قوم... سيهديهم إلى دار الخراب
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
 ــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
* اليونسكو: تدمير جامع النوري ومئذنته الحدباء مأساة ثقافية وإنسانية
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-40365401




101
الإرهاب والإرهاب المضاد، والعواقب غير المقصودة

د.عبدالخالق حسين

من البديهي أن العقول الشريرة تبتكر أفكاراً وطرقاً شريرة، ولهذا نرى الإرهابيين، وهم جميعاً بالطبع أصحاب العقول الشريرة، يبتكرون بين حين وآخر طرقاً جديدة في تنفيذ إرهابهم حسب ما تتطلبه ظروف البلاد التي يقيمون فيها، لإلحاق أكبر قدر ممكن من الأذى والضرر بالأبرياء، وتحقيق أوسع دعاية لهم. فبالإضافة إلى استخدامهم الأسلحة التقليدية، ابتكروا التفجيرات الانتحارية. وفي الأماكن التي يصعب عليهم الحصول على المتفجرات وغيرها من الأسلحة التقليدية، اخترعوا أخيراً طريقة شريرة جديدة لم تكن في الحسبان، وهي استخدام الشاحنات في الأماكن المزدحمة لدهس المارة الأبرياء في المدن الأوربية. والجدير بالذكر أن أول عملية إرهابية من هذا النوع، حصلت في مدينة نيس الفرنسية عام 2016 التي قُتِل فيها 84 شخصاً، وأصيب نحو 100 شخص. ثم صارت هذه الطريقة الإجرامية تقليداً، تبناها الإرهابيون الدواعش في ألمانيا ولندن هذا العام.

تفيد القاعدة الفيزيائية أن "لكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار، ومعاكس له في الاتجاه". هذا القانون نجده في العلوم الاجتماعية أيضاً. فالإرهاب الوهابي التكفيري لا بد وأن يؤدي إلى ردود أفعال مضادة، يحترق فيها الأبرياء. فإثارة الأحقاد الطائفية والعنصرية تنتج ذات المشاعر لدى الأطراف الأخرى. فسلاح مشايخ الإرهاب الإسلامي الوهابي هو إثارة العداوة والكراهية ضد غير المسلمين، وحتى ضد المسلمين من أتباع المذاهب غير الوهابية السلفية، وإقناع أتباعهم من منفذي الإرهاب المغرر بهم، أن أعداءهم هم أعداء الله، و دون مستوى البشر، لذا لا يستحقون الرحمة والحياة، وإرهاب هؤلاء وقتلهم يقرب المنفذين إلى الله. لذلك نرى خطباء المساجد يصرخون ليل نهار (اللهم اهلك اليهود والنصارى)، وأضاف شيوخ الوهابية إليهم الشيعة أيضاً، ويعتمدون في ذلك على النصوص الدينية من الكتاب والسنة مثل قوله تعالى: "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، تُرهِبون به عدوّ الله وعدوّكم."
ومن علامات رد الفعل هنا، هو ما نلاحظه بعد كل عملية إرهابية في المدن الأوربية، تتصاعد موجات الكراهية ضد الجاليات الإسلامية، ومعها وقوع اعتداءات على المساجد، وعلى الناس من ذوي الملامح العربية والإسلامية.
وهذا ما حصل بعد منتصف ليلة 18/19 حزيران الجاري. إذ أفادت الأنباء أن شاحنة صغيرة "van" دهست عددا من المارة ما أسفر عن مقتل شخص واحد، وجرح 9 آخرين بالقرب من مسجد في منطقة فينسبري بارك، شمال لندن، حيث صعدت الشاحنة على الرصيف وصدمت مجموعة من الناس، ويُعتقد أن معظم الضحايا من المسلمين الذين كانوا يؤدون صلاة التراويح في المسجد. ومجلس مسلمي بريطانيا يقول إن الشاحنة دهست مصلين "عمدا"، واعتقلت الشرطة مشتبها به، 48 عاماً، وهو رجل أبيض.(1 و2).
وهذا يعني أن المشتبه به هو من السكان الأصليين، قام بهذه العملية الإرهابية انتقاماً لضحيا العمليات المماثلة (استخدام الشاحنات)، التي قام بها الدواعش وقتلوا أبرياء من غير المسلمين. هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية وغيرها كثير، هي (نتائج غير مقصودة لأعمال مقصودة)، حسب تعبير آدم سميث.
و بتعبير ماركس: "يصنع الناس تاريخهم بأنفسهم وبوعي، ولكن النتائج غالباً تأتي على غير ما يرغبون."
فلو تأملنا مصدر الإرهاب وأسبابه، لوجدنا سلسلة من الأحداث والأعمال و الأعمال المضادة، أشبه بسلسلة التفاعلات النووية (chain reactions)، والتي قام بها القادة السياسيون المتنفذون ومشايخ الوهابية في الشرق والغرب... نوجزها بالشكل التالي:
قام عسكريون أفغان بإنقلاب عسكري على الملك محمد ظاهر شاه في أفغانستان عام 1978. و من ثمَّ قام الشيوعيون بالانقلاب على الانقلاب الأول، و اعلنوا الحكم الشيوعي في بلد مازال يعيش في مرحلة الرعي والإقطاع، لذلك واجه حركة عصيان مسلح من قبل الإقطاعيين، والقبائل، ورجال الدين، مما اضطر النظام الشيوعي إلى الاستعانة بالسوفيت لحمايته، فحصل الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، الأمر الذي دفع أمريكا وبريطانيا، وبدعم من باكستان والسعودية والدول الخليجية الأخرى، إلى تشكيل التنظيمات الإسلامية الجهادية بما فيها القاعدة وطالبان ومدها بالمال والسلاح، وشحنها بالعقيدة الوهابية التكفيرية. وبعد الانسحاب السوفيتي عام 1989، وتفككه عام 1991، وسقوط الحكم الشيوعي في أفغانستان عام 1992، وأخيراً سيطرت طالبان على الحكم، وعاد المجاهدون "الأفغان العرب" بمن فيهم الأوربيون، إلى بلدانهم ليمارسوا إرهابهم فيها. ولم يسلم من هذا الإرهاب حتى البلدان الخليجية التي أسست و مولت هذه التنظيمات. ولعل أخطر وأكبر ما حصل هو كارثة 11 سبتمبر 2001 ضد أمريكا.
والآن الإرهاب الذي أسسته أمريكا وبريطانيا لمحاربة الشيوعية في أفغانستان راح يهدد أمن وسلامة الشعوب في كل مكان. وهذه هي "العواقب غير المقصودة لأعمال مقصودة". لا شك أن هذا المد الإرهابي لا يمكن القضاء عليه بين عشية وضحاها، بل سيستغرق أجيالاً، لأنه مثل فرانكنشتاين الذي خرج عن سيطرة خالقه وانقلب ضده.

لقد حاول المسؤولون الغربيون وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تجنب الربط بين الإرهاب والإسلام كدين، مجاملة واحتراماً لمشاعر المسلمين. ولكن لهذا الصبر حدود، فبعد العملية الإرهابية الأخيرة، قالت السيدة تريزا مي، رئيسة الحكومة البريطانية: (Enough is enough)، أي كفاية. وهذا تحذير، ودعوة لأئمة المساجد وقادة الجاليات الإسلامية في الغرب، ما لم يقوموا بواجبهم في وقف نشر التطرف الديني الذي أدى إلى هذا الإرهاب، فستكون العواقب وخيمة عليهم وعلى الجميع. و غني عن القول، أن تفشي الإرهاب الإسلامي، وموجات اللاجئين، هما من أهم أسباب تصاعد الأحزاب اليمينية في أوربا وعلى سبيل المثال، فقد ارتفعت نسبة الأصوات لزعيمة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة إلى 33.9% في الجولة الثانية. وهذا يعني دق ناقوس الخطر.

ولذلك حذرت في ختام مداخلتي في مؤتمر روما "لإصلاح الإسلام" عام 2012، بالتالي:
"إذا ترك الوضع على هذه الحالة ولم نتخذ، نحن من خلفيات إسلامية، إجراءات لوقف هذا الجنون، فصبر الغرب محدود، وربما سيؤدي في المستقبل إلى انفجار الوضع، وظهور أحزاب نازية وفاشية تستلم السلطة مثلما حصل في النصف الأول من القرن العشرين، ويحصل لنا تماماً كما حصل ليهود أوربا، وفي هذه المرة سيكون العرب والمسلمون المقيمون في الغرب هم حطباً لمحارق الهولوكوست القادمة."(3)
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- شاحنة صغيرة تدهس عددا من الأشخاص "لدى خروجهم من مسجد" شمالي لندن
http://www.bbc.com/arabic/40322850

2- تريزا ماي تتعهد بالتصدي لكل أشكال التطرف بعد الهجوم على مصلين في لندن
http://www.bbc.com/arabic/live/40324900

3- د. عبدالخالق حسين: غفلة الغرب عن مخاطر الإسلام السياسي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=557


102
مفاجآت الانتخابات البريطانية 2017
د. عبدالخالق حسين

متابعة الانتخابات في الدول الغربية العريقة في الديمقراطية، أمر شيق وممتع، يقدم دروساً مفيدة للشعوب التي تبنت حديثاً هذا النظام الحضاري الإنساني التقدمي الذي هو أفضل أنواع الأنظمة في الحكم. ولكن ليس هناك شيء بلا ثمن، فالديمقراطية ليست سهلة، بل من أصعب الأنظمة لما يتطلب من حيطة وحذر، إذ كما قال السياسي البريطاني اليميني الراحل، إينوخ باول: "إن أغلب السياسيين ينتهون بالفشل".
وهذا ما حصل للسيدة تريزا ماي، رئيسة الحكومة البريطانية، ولسلفها السيد ديفيد كاميرون. وسبب الفشل لهاتين الشخصيتين هو المجازفة بأخذ قرارات خطيرة لا مبرر لها، على أمل تحقيق المزيد من المكاسب السياسية. ففي العام الماضي دعى كاميرون إلى استفتاء الشعب البريطاني فيما إذا يريد البقاء أو الخروج من الوحدة الأوربية، ولم يكن ملزماً لإجراء هذا الاستفتاء إطلاقاً، إلا إنه أقدم على هذه الخطوة لإسكات بعض الأصوات في حزبه من الذين كانوا ضد انضمام بريطانيا للوحدة الأوربية، ولأسباب قومية شوفينية. وكان هو وحكومته وأغلب نواب الأحزاب المتنفذة والإعلام مع البقاء. لذلك فعندما دعى كامرون للاستفتاء كان واثقاً من فوز أنصار البقاء، لكن جاءت النتيجة صادمة للجميع ولو بفارق قليل(4%)، لصالح الخروج، مما أدى به إلى الاستقالة و اعتزال السياسة وهو مازال في أوج نشاطه، فتسلمت السيدة ماي قيادة الحزب والحكومة.

ولكن كل أزمة تلد أزمة أخرى، فالسيدة ماي لم تتعلم من فشل سلفها، إذ أعادت ذات الغلطة، وانتهت بذات النتيجة. فقد كررت نفس الخطأ هذا العام عندما فاجأت الشعب البريطاني في 18 أبريل/نيسان الماضي بإجراء انتخابات مبكرة في يوم 8 حزيران الجاري، و قبل موعدها المقرر بثلاثة أعوام، وهي الأخرى لم تكن بحاجة إلى هذه الانتخابات، لأن حزبها الحاكم كان يتمتع بالأغلبية المطلقة المريحة نسبياً وبزيادة 6 مقاعد. إلا إنها انخدعت ببعض استطلاعات الرأي التي بالغت في شعبيتها، وتدني شعبية خصمها السيد جرمي كوربين، زعيم حزب العمال، فجعلت الفارق بينهما 21 نقطة في صالح السيدة ماي، الأمر الذي صور لها مساعدوها أنها إذا ما أجرت الانتخابات المبكرة، فإنها ستحقق فوزاً ساحقاً بزيادة مائة مقعد على الأقل، وخسارة ماحقة لغريمها كوربين. وبهذه الأغلبية يمكن أن تتفاوض مع الوحدة الأوربية بقوة وهي واقفة على أرضية صلبة، لتحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب لبريطانيا. ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، و" حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر"، إذ ظهرت النتائج صادمة، ومزلزلة، ومهينة لها ولحزبها وحكومتها، فبدلاً من أن تكسب مائة مقعد إضافي على ما كان عندها، خسرت  13 مقعداً، و رغم أنها حصلت على أغلبية المقاعد في البرلمان (318)، وأغلبية أصوات الناخبين (44%)، إلا إنها دون الأغلبية المطلقة التي هي 326 من مجموع 650.

بينما حصل العكس لغريمها جرمي كوربين، زعيم حزب العمال، الذي زعمت نتائج استطلاع الرأي تردي شعبيته في الشعب البريطاني، وكذلك ما كان يواجهه من معارضة وتذمر من قبل نسبة كبيرة من نواب حزبه بسبب يساريته التي اعتبرها البعض متطرفة لا تلائم مزاج غالبية البريطانيين، وهو لم يكن كذلك، إلى حد أن علقت صحيفة الاندبندنت اللندنية، (أن كوربين ممكن أن يفوز إذا سمح له نواب حزبه بذلك)، وهي حقاً مفارقة. ولكن مما لا شك فيه أن كوربين كان يتمتع بشعبية واسعة لدى قواعد حزبه، وكذلك بين الشباب وخاصة طلبة الجامعات، حيث وعد بإلغاء أجور الدراسة الباهظة التي بلغت 9 آلاف جنيه سنوياً. لذلك جاءت المفاجأة الأخرى في هذه الانتخابات، وهي أن الذين راهنوا على خسارة ماحقة لحزب العمال، فاجأهم كوربين بقيادة حكيمة لحملة انتخابية ناجحة، وبرنامج انتخابي (مانيفستو) ممتاز، ونتائج جيدة نسبياً فاقت توقعات خصومه، حيث فاز بـ(262) مقعدا، أي بزيادة 30 مقعداً إضافياً، ونال 40% من أصوات الناخبين، وهو رقم قياسي في الأصوات لحزب العمال منذ عام 1945. 

لذلك، فالنجاح والفشل في هذه الحالة لا يقاسان فقط بما يحققه القائد من أعلى النتائج، بل لمن يحقق توقعات الناس. فرغم أن حزب المحافظين حصل على أعلى النتائج في عدد المقاعد (318)، والأصوات 44%، إلا إنه دون ما كان متوقعاً ومؤملاً بكثير، وحتى دون الأغلبية المطلقة (326)، لذلك تعتبر النتيجة خسارة كبرى ليس للحزب فحسب، بل وإهانة مذلة لشخصية زعيمته تريزا ماي، لأنها لم تستطع تشكيل الحكومة إلا بالتحالف مع حزب آخر يكون الأقرب لحزبها في المبادئ والمواقف السياسية. وهذا الحزب هو حزب الوحدويين الديمقراطي الأيرلندي (Democratic Unionist Party-DUP)، وهو حزب بروتستانتي يسعى لإبقاء شمال أيرلندة متحداً مع بريطانيا، والذي فاز بعشرة مقاعد. والجدير بالذكر أن هناك نواب من حزب المحافظين ضد الاتفاق مع هذا الحزب لأنه محافظ أكثر من اللازم في القضايا الاجتماعية مثل الموقف من الإجهاض، وزواج المثليين.

بينما حزب العمال رغم أنه هو الآخر لم يحقق الغالبية المطلقة لتشكيل الحكومة، إلا إنه يعتبر حقق فوزاً كبيراً لأنه فاجأ الذين كانوا يراهنون على خسارة كبيرة له، فقد كسب 30 مقعداً زيادة على ما حققه الحزب في الانتخابات السابقة عام 2015 بزعامة إد مليباند. لذلك يعتبر هذا نصراً كبيراً للسيد كوربين، وهزيمة مذلة للسيدة ماي.

أسباب فشل الجميع:
هناك أسباب كثيرة أدت إلى عدم نجاح أي حزب بالفوز بالأغلبية المطلقة، الحالة التي تسمى بـ(البرلمان المعلق Hung parliament)، يعني لا يستطيع أي حزب تشكيل الحكومة لوحده.

فبالنسبة للسيدة ماي أنها ركزت في حملتها الانتخابية على نقطتين فقط، على شخصيتها، وعلى الخروج من الوحدة الأوربية، وكأن ليس للشعب البريطاني غير هاتين المشكلتين. إذ كانت دائماً تركز على شخصها، فتقول أن بريطانيا بحاجة إلى قيادة قوية لتتفاوض مع الوحدة الأوربية، والخروج بأفضل النتائج، وأنها هي تلك الشخصية القوية، وليس جرمي كوربين. كما اتبعت في حملتها أسلوب سلبي وهو تسقيط الخصم، شيطنة كوربين والإدعاء بأنه غير صالح لقيادة السلطة والبلاد...الخ، الأمر الذي ارتد عليها وأفاد خصمها. 
بينما تركت المشاكل المهمة الأخرى التي يعاني منها الشعب البريطاني، مثل اتساع الفجوة بين الفقر والثراء، وتفشي البطالة وخاصة بين الشباب، وبالأخص بين خريجي الجامعات، وكذلك الأجور الدراسية الباهظة التي فرضتها حكومة المحافظين في السنوات السابقة على طلبة الجامعات، إضافة إلى مشاكل الخدمات الصحية والتعليم، والأهم، مشكلة الأمن، حيث حصلت ثلاثة أعمال إرهابية فضيعة في أقل من ثلاثة أشهر الأخيرة، اثنتان منها إثناء الحملة الانتخابية، فحمَّلها معارضوها مسؤولية كبرى في تعريض الشعب إلى الإرهاب، لأنها كانت قد فصلت نحو 20 ألف من ضباط الشرطة عندما كانت وزيرة للداخلية لتقلل من النفقات. كما وتجنبت ماي المناظرات التلفزيونية وجهاً لوجه مع بقية قادة الأحزاب، فحسبت عليها نقطة ضعف. وكاعتراف بغلطتها، ففي أول لقاء لها مع نواب حزبها بعد الإنتخابات، اعتذرت لهم السيدة ماي وقالت: " أنا أدخلتكم في هذه الفوضى وأنا سأخرجكم منها".

أما نجاح كوربين النسبي، فهو لأنه قاد حملة انتخابية بنجاح فاق التوقعات، إذ كان هادئاً ومرحاً، ومريحاً، ولطيفاً، و سريع الرد المقنع على أسئلة الجمهور والإعلاميين، ومهما كانت استفزازية أو محرجة. كما أصدر برنامج انتخابي أعطى الأمل للجميع وخاصة الشباب، وبالتالي غيَّر السياسة في بريطانيا.

تشكيل الحكومة
رغم عدم فوز حزبها بالأغلبية المطلقة، إلا إن السيدة ماي هي وحدها المؤهلة لتشكيل حكومة الأقلية لأنها حصلت على الأغلبية النسبية من المقاعد أكثر من أي حزب آخر، وكلما تحتاجه هو الاتفاق مع حزب صغير آخر بحيث يكون مجموع نواب الحزبين أكثر من 50%. وتحقق ذلك بالاتفاق مع حزب الوحدويين الديمقراطي (DUP) في أيرلندا الشمالية، الذي فاز بعشرة مقاعد، وبذلك يكون المجموع 328 من 650 ألعدد الكلي لنواب مجلس العموم.
أما إدعاء زعيم حزب العمال بأنه هو المؤهل لتشكيل الحكومة وأنه مستعد للقيام بذلك، فهذا غير صحيح، لأنه حتى لو شكل ائتلافا ضم نواب جميع الأحزاب الصغيرة القريبه منه، فالمجموع هو دون الـ 51%. لذلك فهكذا حكومة غير قابلة للبقاء.

المستقبل
راهنت السيدة ماي على الانتخابات المبكرة غير المبررة، وخسرت الرهان، فبدلاً من أن تذهب إلى بروكسل للتفاوض مع الوحدة الأوربية وهي قوية، حصل العكس، فهي الآن ضعيفة، ورهينة قياديي حزبها، الذين فرضوا عليها مشاركتهم في صنع القرار، وإلا ستواجه المطالبة بالتنحي، خاصة وأن حزب المحافظين معروف بتاريخه في تبديل قياداته. فهناك تذمر داخل حزبها، وعلى سبيل المثال، وصفها جورج أزبورن، وزير الخزانة السابق الذي فصلته ماي عند توليها رئاسة الحكومة في العام الماضي، قال عنها أنها إمرة تمشي وهي ميتة (Dead woman walking).
الحل الآخر، هو ما يطالب به زعيم حزب العمال السيد كوربين، وهو إعادة الانتخابات هذا العام، أو في العام المقبل. إلا إن الشعب البريطاني ليست لديه الشهية لخوض انتخاب آخر في القريب العاجل، حيث مل من ضجيج الحملات الانتخابية، والذهاب إلى صناديق الاقتراع ثلاث مرات خلال الثلاث سنوات الأخيرة.

ولهذه الأسباب أعتقد أن السيدة ماي باقية في المنصب، لا لأنها قوية ومحنكة، بل لأن لا أحد من قادة حزبها يرغب ليحل محلها، و قيادة حكومة بهذا الضعف، وفي هذه الظروف الصعبة. كذلك مل الشعب البريطاني من الانتخابات في فترة قصيرة حسب رغبات السياسيين. ولكن مع ذلك، من الصعب جداً التكهن، فالأمور تسير بوتيرة متسارعة، والمستقبل حافل بالمفاجآت.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
جدول مهم جداً، جدير بالإطلاع والحفظ لمن له اهتمام بهذا الشأن، يوضح بالأرقام نتائج الانتخابات البريطانية لعام 2017، وما حقق كل حزب من مكاسب، أو خسائر في المقاعد والأصوات، مقارنة بانتخابات عام 2015.
UK Election 2017 results
http://www.bbc.co.uk/news/election/2017/results



103
قطر والسعودية، نزاع بين شرين
د.عبدالخالق حسين

النزاع الذي انفجر مؤخراً بين قطر والسعودية بعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للسعودية مباشرة، لم يكن الأول، ولا الأخير من نوعه. فالصراع هو تاريخي قديم بين الحكومتين، على المصالح الاقتصادية، والحدودية، ومنافسة شرسة بينهما على زعامة المنطقة وخلق القلاقل فيها، رغم أنهما من نفس القومية والدين، بل وحتى المذهب، فكلتا الدولتين تدينان بالعقيدة الوهابية التكفيرية التي توصف بالفاشية الدينية لموقفها المعادي للبشرية، ليس لغير المسلمين فحسب، بل وحتى لأتباع بقية المذاهب الإسلامية (سنة وشيعة)، الذين لا يوافقون الوهابية على إنحرافها.

والسبب المعلن من قبل السعودية في هذا الصراع الأخير هو تحالف قطر مع إيران، كما تدعي. بينما الحقيقة هي أن قطر ليست حليفة لإيران، ولا يمكن أن تكون، وإنما طالبت بعدم تصعيد العداء ضد إيران نظراً لما للأخيرة من أهمية حضارية، وقوة عسكرية، ودور كبير في استقرار المنطقة. هذا الموقف القطري أغضب الأخ الأكبر السعودي.

لم تكتف السعودية بتأويل السبب إلى تقارب قطر من إيران، بل أعلنت أن قطر تدعم الإرهاب، وجماعة الأخوان المسلمين، وحماس، وحزب الله اللبناني، وبذلك تهدد الأمن و الاستقرار لدول المنطقة. وهددت أنه لا يمكن إعادة العلاقة الطبيعية معها إلا إذا غيرت قطر علاقتها مع هذه الجهات، وتبنت الموقف السعودي منها. فمن يسمع هذا التبرير يعتقد أن السعودية هي حمامة السلام. بينما الواقع يؤكد أن السعودية وقطر كلتاهما تدعمان الإرهاب، وتساهمان بنشر التطرف الديني في العالم.  بل والسعودية تفوق قطر في هذا المجال، بحكم مساحتها وسكانها ومواردها المالية التي تفوق قطر بعشرات المرات. فالدولتان تملكان المال الوفير، وبعقلية البداوة السائدة على النظامين في الحكم، أي النظام البدوي القبلي المستبد. وكلتاهما ساهمتا في دعم الإرهاب، ولهما تنظيمات إرهابية قامت بتدمير العراق وسوريا، كما قامت السعودية بشن حرب مباشرة على الشعب اليمني الفقير، وأعادته إلى ما قبل الثورة الصناعية.

و وقفت كل من الكويت وسلطنة عمان، في ظل هذه الأزمة، موقف الحياد، وتقومان بدور الوساطة لتخفيف التوتر بين الأطراف، فيما تبنت البحرين والإمارات ومصر الموقف السعودي، بينما أعلنت الأردن وجيبوتي ومالديف وموريتانيا خفض تمثيلها الدبلوماسي مع الدوحة. كذلك، أنهت رابطة العالم الإسلامي عضوية يوسف القرضاوي المقيم في قطر، في مجمع الفقه الإسلامي إثر تصنيفه على قوائم الإرهاب الصادرة من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر.(1)، حيث أعلنت هذه الدول تصنيف (59) فردا و(12) كيانا في قوائم الإرهاب المحظورة لديها وأغلبها في قطر.(2)
لا شك أن تصنيف هؤلاء الأفراد والكيانات من قبل حكومات ومؤسسات سنية هو عمل جيد ومن فوائد وحسنات هذه الأزمة، فلو كان هذا التصنيف قد صدر من جهات شيعية لقالوا أنها بدوافع طائفية.

أما اتخاذ قطر موقفاً ودياً من إيران، فهذا لا يعني أنها تبنت سياسة عقلانية تريد تحقيق الاستقرار في المنطقة كما تدعي، بل بغضاً للسعودية، فقطر تعارض السعودية في كل شيء. وكما السعودية، سخرت قطر إمكانياتها المالية الضخمة في رعاية الإرهاب، وشذت عنها في إيواء حزب الأخوان المسلمين الذي تخرجت من عباءته جميع التنظيمات الإرهابية والتشدد الديني الوهابي. كذلك تقوم قطر بتضليل وتشويه الرأي العام العربي من خلال فضائيتها قناة (الجزيرة)، ذات النفوذ الإعلامي الواسع، إضافة إلى استضافتها المؤتمرات الدولية للجماعات الإرهابية التي تخطط لتدمير العراق مثل فلول البعث الصدامي المنحل. ولا ننسى أن قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة التي غرضها الرئيسي المعلن هو حماية الدول الخليجية من إيران، كما يدعون. في الحقيقة إن جميع الدول الخليجية عبارة عن محميات أمريكية، ولذلك طالب ترامب خلال حملته الانتخابية هذه الدول بدفع ترليونات الدولارات لأمريكا مقابل حماية الأخيرة لها. وكان أول خطوة في تنفيذ هذا الطلب الأمريكي هو الصفقة التجارية التي بلغت 460 مليار دولار مع السعودية.

وقد بلغ العداء السعودي وحليفاتها ضد قطر إلى حد محاصرتها اقتصادياً، في البر والبحر والجو، الأمر الذي أثار ذعر وهلع الشعب القطري من خطر المجاعة والعطش، لذلك هرع الناس لخزن المواد الغذائية، ومياه الشرب، مما دفع إيران إلى المبادرة في تقديم الدعم الغذائي وجلب المياه إليها.

إن انفجار الأزمة بين السعودية وقطر يقدم لنا دليلاً قاطعاً آخر، لما أكدنا عليه مراراً، وهو إن سبب عداء السعودية وحليفاتها لإيران والشيعة، ليس بسبب الاختلاف المذهبي (سني- شيعي)، بل لأسباب سياسية واقتصادية، وعلى رأسها موقف إيران من أمريكا وإسرائيل. إذ نعيد القول مرة أخرى أن العلاقة بين إيران والسعودية كانت حميمة جداً في عهد الشاه الذي كان صديقاً لإسرائيل وأمريكا، ولكنها تحولت إلى عداء شديد مع ولادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لأن الأخيرة تبنت موقفاً معادياً من أمريكا وإسرائيل. فلو كان الاختلاف المذهبي هو السبب، فلماذا تعادي السعودية إمارة قطر وهي من نفس المذهب الوهابي الذي يدين به النظام السعودي أيضاً؟ وهذا يؤكد لنا أن الاختلافات الدينية والمذهبية هي ليست السبب الرئيسي في العداء والصراعات كما يبدو على السطح، بل يتم توظيفها لتجييش الجماهير خدمة للأغراض السياسية.

ولهذا السبب قال الملك السعودي سلمان في كلمته في القمة الإسلامية التي حضرها الرئيس الأمريكي ترامب في الرياض: (إن "النظام الإيراني يشكل رأس حربة الإرهاب العالمي منذ ثورة الخميني وحتى اليوم"، وأضاف: "إننا في هذه الدولة منذ 300 عام لم نعرف إرهاباً أو تطرفا حتى أطلت ثورة الخميني برأسها عام 1979".(3)

يقول المثل (رمتني بدائها وانسلت). لا نريد هنا الدفاع عن إيران، ولكن ليس من الإنصاف السكوت عن الحقيقة، فالساكت عن الحق شيطان أخرس. نعم تزامن الإرهاب مع الثورة الإسلامية الإيرانية، ولكن هذا لا يعني أن إيران هي وراء الإرهاب والتطرف الديني، إذ تزامن هذا الإرهاب أيضاً مع قيام الحكم الشيوعي في أفغانستان والدعم السوفيتي له، لذلك قامت السعودية والدول الخليجية، وبأوامر ودعم من أمريكا وبريطانيا، بتشكيل التنظيمات الجهادية الإسلامية، التي من بينها القاعدة وطالبان ضد النظام الشيوعي ووجود الجيش السوفيتي في أفغانستان، والتي بعد إسقاط ذلك النظام وعودة "المجاهدين" الذين أطلق عليهم بـ"الأفغان العرب"، قاموا بالإرهاب ضد شعوب وحكومات بلدانهم كما حصل في الجزائر وغيرها. فالسعودية هي التي بادرت بتأسيس التنظيمات الإرهابية، ودفعت صدام حسين إلى شن حرب طاحنة على إيران الإسلامية دامت ثمان سنوات، أهلكت الحرث والنسل في البلدين.

الإرهاب من جوهر الوهابية منذ ولادتها قبل 300 عام، فغزواتها للنجف وكربلاء، ونهب الثورات وكنوز أضرحة أئمة الشيعة، وقتل الألوف من السكان، كلها جرائم معروفة في التاريخ المعاصر، بل وحتى في العشرينات من القرن الماضي كان الوهابيون يقومون بشن الغارات على العراق والإردن، وكانت القوات البريطانية تصدها. فالعقيدة الوهابية هي بالأساس إرهابية، لاسيما وأن السعودية هي وطن منظمة (القاعدة)، وزعيمها بن لادن، و15 من 19 إرهابياً الذين قاموا بجريمة 11 سبتمبر 2001 ضد أمريكا كانوا سعوديين ، وليسوا إيرانيين. وشهد ترامب نفسه بدور السعودية في الإرهاب خلال حملته الانتخابية، و قانون (جاستا) أيضاً يشهد بذلك، فما الذي تغير ليجعل من إيران رأس حربة الإرهاب العالمي كما يدعي الملك المخرف سلمان؟ في الحقيقة إن إيران ساعدت العراق وسوريا في محاربة الإرهاب الممول سعودياً وقطرياً.

ومما يؤكد أن السعودية، وليست إيران، هي رأس حربة الإرهاب العالمي، فقبل أيام رفض المنتخب السعودي الوقوف دقيقة حداد على ضحايا لندن، قبل انطلاق المباراة التي جمعته بمضيفه الأسترالي ضمن الجولة الثامنة من منافسات المجموعة الثانية للتصفيات الآسيوية المؤهلة إلى مونديال روسيا.
وهذا دليل قاطع على أن الإرهاب متكرس، ضارباً جذوره في عمق التربية السعودية والعقيدة الوهابية، بحيث حتى منتخبها الرياضي يستحرم الوقوف حداداً على ضحايا الإرهاب، مع بقية الفرق الأخرى، عملاً بالثقافة الإنسانية الكونية التي تدين الإرهاب. وهذا دليل أيضاً على أن السعودية تتعاطف مع الإرهاب الذي صار جزءً من ثقافتها وأعرافها ومعتقداتها الدينية.(4 و5).

خلاصة القول، إن السعودية وقطر دولتان تدينان بالعقيدة الوهابية التكفيرية، سخرتا عقيدتهما الفاشية لنشر التطرف الديني في العالم، وتمويل ودعم الإرهاب الذي يهدد الحضارة والبشرية في كل مكان دون استثناء. وربما الأزمة الخليجية هذه عبارة عن لعبة، وقطر هي جزء منها، بعلمها أو بغبائها، وعلى غفلة منها، يراد منها استدراج إيران، وربما العراق وحزب الله اللبناني، لدعم قطر لإيقاعهم في الفخ القطري وشن الحرب عليها. والجدير بالذكر أن أردوغان صادق على موافقة البرلمان التركي لإرسال خمسة آلاف جندي إضافي لتعزيز القاعدة التركية العسكرية في قطر. وهناك أنباء عن عزم باكستان إرسال أكثر من 20 ألف جندي إلى قطر بناءً على الاتفاقية العسكرية بين أنقرة وإسلام آباد(6). والسؤال: لماذا كل هذه التحركات العسكرية، خاصة وأن تركيا هي عضو في حلف الناتو، لا يمكن أن تحمي قطر من القوات الأمريكية أو السعودية. فهل بإمكان تركيا وباكستان إرسال قوات إلى قطر بدون موافقة أمريكا التي لها أكبر قاعدة عسكرية فيها في الخارج؟

وختاماً نقول: إن الصراع بين قطر والسعودية هو صراع بين الأشرار، وعلى العراق أن لا ينحاز لأي طرف منهما، وأن يتمثل بالأقوال المأثورة: (كيدهم في نحرهم)، و (إبعد عن الشر وغني لو)، و(نارهم تاكل حطبهم).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- رابطة العالم الإسلامي تنهي عضوية القرضاوي بعد وضعه على قوائم الإرهاب
http://www.akhbaar.org/home/2017/6/229240.html

2- السعودية ومصر والإمارات والبحرين تصدر بيانا مشتركا بخصوص قطر
http://www.akhbaar.org/home/2017/6/229233.html

3- د. غسان نعمان ماهر الكنعاني: سلمان ينفي التهمة عن الوهابية ضمنياً يكاد المريب يقول خذوني! (1-2)
http://www.akhbaar.org/home/2017/5/228659.html

4- المنتخب السعودي يرفض الوقوف دقيقة حداد على ضحايا لندن
http://www.akhbaar.org/home/2017/6/229215.html

5- رعد الحافظ: الروح الرياضيّة تموت مع الثقافة البدويّة!
http://www.akhbaar.org/home/2017/6/229260.html

6- باكستان ترسل 20 ألف جندي إلى قطر.
http://www.akhbaar.org/home/2017/6/229271.html


104
السعودية تنقل الإرهاب إلى إيران
د. عبدالخالق حسين

أفادت الأنباء عن "قتل ما لا يقل عن 12 شخصا وأصيب 42 آخرون في هجومين على مجلس الشورى (البرلمان)، وضريح الخميني في طهران. وشن مسلحون وانتحاريون الهجومين.. وادعى تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية أنه وراء تنفيذ الهجومين.. وإذا ثبتت مزاعم التنظيم المتشدد، فستكون تلك الهجمات الأولى التي يشنها التنظيم داخل إيران."(تقرير بي بي سي-1). لا شك أن الهجوم الإرهابي على البرلمان وضريح الخميني في قلب طهران العاصمة، له دلالة رمزية فائقة، لذلك لا بد وأن رد الفعل الإيراني سيكون حاداً وشديداً.

والسؤال هنا من وراء هذه الهجمات، خاصة وقد جاءت متزامنة مع الأزمة القطرية، التي حصلت مباشرة بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية، وموقف قطر المعارض لتصعيد العداء مع إيران، والتي واجهتها السعودية وحليفاتها الإمارات والبحرين ومصر ودول عربية أخرى، بقطع العلاقة معها ومحاصرتها براً وبحراً و جواً، مع اتهامها "بدعم الإرهاب"، والسعي إلى تعزيز علاقاتها مع طهران.

نؤكد أن عنوان مقالنا هذا ليس رجماً بالغيب، ولا نريد أن نطلق الكلام على عواهنه، أو توجيه الاتهام جزافاً إلى السعودية في نقل الإرهاب إلى إيران بدون دليل، بل جاء بناءً على تصريحات أدلى بها  ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وهو وزير الدفاع، والمعروف بتصريحاته النارية، وبتهوره في إشعال الحرب في اليمن، حيث صرح قبل أسابيع قائلاً:" ... ولن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران وليس في السعودية."(2)
لذلك نرى من حق إيران أن توجه إصبع الاتهام إلى السعودية، ومقاضاتها أمام الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، والمحاكم الدولية، كدولة راعية للإرهاب(3).

وها هو محمد بن سلمان ينفذ تهديده، فماذا نريد أكثر من هذا الدليل. والكل يعرف، بما فيه الغرب، حكومات وشعوب، وإعلام وباحثين أكاديميين، أن السعودية هي الممول الأكبر للتنظيمات الإرهابية ونشر التطرف الديني حسب تعاليم المذهب الوهابي التكفيري في العالم. وهذا الإرهاب الذي وقع اليوم في طهران، ليس تهديداً لإيران فحسب، بل وضد قطر أيضاً، فمن الممكن أن تحصل تفجيرات في الدوحة في المستقبل القريب، لتقابلها بالمثل في السعودية. فكلتا الدولتين (السعودية وقطر) تمتلكان المال الوفير، والأيديولوجية الوهابية الشريرة التي تبيح قتل الأبرياء، وتسيطران على تنظيمات إرهابية تنفذ لهما الأوامر. فالسعودية تسيطر على ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش)، وتنظيم القاعدة. وكذلك قطر تسيطر على (جبهة النصرة)، و(جماعة الأخوان المسلمين)، وفضائية الجزيرة التي تمثل صوت الإرهاب. فهاتان الدولتان هما حاضنتا وراعيتا الإرهاب الوهابي وتحت مختلف الأسماء، قامتا بتدمير العراق وسوريا، كما قامت السعودية بتدمير اليمن بالقصف الجوي. وقد أكدنا مراراً في مقالات عديدة عن دور السعودية في الإرهاب، وعلى سبيل المثال نشير إلى مقالنا الموسوم (السعودية دولة إرهابية يجب مقاضاتها)(4).

وفيما يخص استخدام الإرهاب في الحروب الحديثة بالوكالة، أو كما يسميها الباحث الإماراتي الدكتور جمال سند السويدي في كتابه (آفاق العصر الأمريكي)، بـ(الجيل الرابع من الحروب)، هو استخدام الإرهابيين، ليكونوا جزءً من مزيج الإرهاب والتقنية المتقدمة، وعناصر أخرى مثل الدين والأيديولوجيا  والهجوم من الداخل على ثقافة المجتمع، كعناصر تنتج صراعات من الجيل الرابع. (ص 563).

لذلك، فلما صرح محمد بن سلمان بأنه يعتزم نقل المعركة إلى إيران، فكان يعني ما يقول، وهذا يؤكد لنا أن للسعودية تنظيمات من الإرهابيين (داعش). وهذه التنظيمات كانت قد قامت بأعمال إرهابية في منطقة بلوجستان جنوب إيران عدة مرات، ولكن لم تصل إلى طهران من قبل. إن توجيه ضربة إرهابية في قلب طهران يقدم دليلاً آخر على مدى إمكانية توظيف الدين والمال لتحويل البشر إلى إرهابيين، وأن للسعودية، وحتى قطر، خلايا نائمة من الإرهابيين في كل مكان في العالم، يمكن إيقاظها وزجها بالعمل الإرهابي في أي وقت يشاء الأسياد.

وبناءً على ما تقدم، فإن السعودية، التي يقودها ملك مخرف، ووزير دفاع شاب متهور، تلعب بالنار وتدفع دول المنطقة إلى المزيد من الحرائق وعدم الاستقرار. فهل تنجح السعودية في مهمتها الإرهابية الإجرامية؟ وهل هي مستقلة في اتخاذ مثل هذه القرارات الخطيرة أم بأوامر السيد الأمريكي؟ لقد أثبت التاريخ أن من يشعل الحرائق فلا بد و أن تصل النار إلى بيته، وأفضل دليل على ذلك هو ما عمله الرئيس السوري بشار الأسد في دعم الإرهاب في العراق، إلى أن انقلب السحر على الساحر، حيث دمر الإرهاب بلاده، وقتل نحو نصف مليون، وشرد أكثر من نصف شعبه في الشتات. والسعودية لا يمكن أن تكون بمنجى ومنأى من الحرائق التي أشعلتها في دول المنطقة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- تقرير بي بي سي: مقتل 12 شخصا في هجومين على البرلمان وضريح الخميني في طهران
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-40184807

2- محمد بن سلمان: لن نُلدغ من إيران مرتين.. وسنعمل لتكون المعركة عندهم وليس في السعودية
 https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/05/03/saudi-mohammed-bin-salman-relationship-iran

3- اتهامات إيرانية للسعودية بالوقوف وراء الهجمات في إيران
http://www.akhbaar.org/home/2017/6/229142.html

4- عبدالخالق حسين: السعودية دولة إرهابية يجب مقاضاتها
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=740


105
أغراض غزوة ترامب للسعودية!
د.عبدالخالق حسين

في الحقيقة إن ما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السعودية والمنطقة لم يكن زيارة تقليدية يقوم بها رئيس دولة لدولة أخرى، وإنما كانت غزوة بكل معنى الكلمة، ولكن بدون جيوش جرارة وسفك دماء، حالياً على الأقل، إذ حقق كل ما تحققه الجيوش الغازية المنتصرة من مكاسب ضد الدولة المهزومة. فكانت الحصيلة الآنية لهذه الغزوة هي صفقات تجارية واستثمارية بأرقام خيالية قد تصل في المستقبل القريب إلى تريليون دولار. فكما جاء في أحد التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن " الجزية التي أخذها المسلمون من المسيحيين خلال 1400 سنه على مر التأريخ استرجعها ترامب في جلسةٍ واحدةٍ". حقاً ما قاله حكيم صيني: (النصر الحقيقي هو النصر الذي تحققه على عدوك بدون حرب).

لقد أثبت ترامب أنه أكبر مخادع سياسي في التاريخ وبلا خجل، فقد كال في حملته الانتخابية سيلاً من الوعود الجذابة للجماهير الأمريكية وغير الأمريكية، مثل حماسه في محاربة الإرهاب، والتطرف الإسلامي، وتهجمه على السعودية ووصفه لها بأنها راعية الإرهاب، و تهديده بمحاسبتها وفق قانون (جاستا) على جريمة 11 سبتمبر 2011، وإرغامها على دفع تكاليف الحماية الأمريكية لها طوال العقود الماضية والقادمة. وهو الذي قال: "أن السعودية هي  البقرة الحلوب لأمريكا، ومتى ما جف ضرعها ولم يعد يعطي الدولارات والذهب، عند ذلك نأمر بذبحها او نطلب من غيرنا بذبحها او نساعد مجموعة اخرى على ذبحها". كما وأشاد ترامب في حملته الانتخابية بالرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس الروسي  بوتين، لدورهما الفعال في محاربة الإرهاب، وأنه يمكن العمل معهما لدحره. ولكن الذي حصل بعد فوزه، وتسلمه الرئاسة، هو العكس تماماً، إذ دشن عهده بقصف القوات السورية المحاربة للإرهاب، واعتبار الأسد شريراً لا يمكن العمل معه، ويجب إزاحته. أما موقفه من السعودية، فقد كافأها كأول دولة يزورها في جولته الخارجية، حيث استقبل استقبالاً حاراً لم يحظى به أي رئيس من قبل.

ومن منجزاته في هذه الزيارة عقد تحالف "الناتو العربي الإسلامي"، وضم إسرائيل إليه، والتطبيع الكامل معها، ومحاربة كل من يعارض هذا التطبيع واتهامه بالإرهاب. فترامب هذا "اتفق مع الحكومة السعودية على صفقات تجارية واستثمارية بلغت 450 مليار دولار، من بينها صفقة الأسلحة التي بلغت 110 مليار دولار لهذا العام، تحت واجهة محاربة التطرف والإرهاب، إذ كما قال إثناء توقيع العقد "يمكن أن تمنح المؤسسة العسكرية السعودية دورا مهما في المجال الإقليمي، لتعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط."(1)

فهل حقاً لعبت السعودية أي دور لتعزيز السلام في المنطقة؟
الواقع يجيب: كلا، وألف كلا...، فالسعودية هي على رأس الدول التي ساهمت في زعزعة الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، حيث دمرت سوريا، والعراق عن طريق إثارة الفتن الطائفية، ودعمها للعصابات الإرهابية، مثل داعش وجبهة النصرة وقبلهما القاعدة، وغيرها. كما وشنت السعودية الحرب الظالمة على الشعب اليمني الجريح، وقامت بتدمير كل بناه التحتية وركائزه الاقتصادية، وقصف المستشفيات والمدارس، ومخازن الأطعمة، ولم يسلم من القصف السعودي حتى مجالس العزاء لضحاياهم. إضافة إلى عواقب هذا الدمار مثل المجاعة و تفشي الأمراض والأوبئة، ومنها الكوليرا التي فتكت بالألوف،  فهل هذا هو تعزيز السلام الذي يريده ترامب؟

ثم تأتي الطامة الكبرى في خطاب ترامب أمام مؤتمر القمة الإسلامي في الرياض يوم 21/5/2017 والذي جمع نحو خمسين من رؤساء وملوك وأمراء الدول الإسلامية والعربية. فمن قرأ الخطاب أو سمعه، يعرف وكأن الذي كتبه هو وزير الإعلام السعودي، فالخطاب كله عبارة عن مقتطفات ترددها وسائل الإعلام السعودي على الدوام في هجومه على إيران وسوريا وحزب الله اللبناني وحماس وكل من ليس على وفاق مع أمريكا وإسرائيل. ومما جاء في هذا الخطاب أمام قادة العالم الإسلامي للتعاون لمكافحة التطرف، أنه اتهم إيران بزعزعة أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، و"أن الأسد ارتكب جرائم لا يمكن وصفها وكان مدعوما من طرف إيران." متهماً إيران، وليس السعودية، برعاية الإرهاب وتمويلها وتسليحها، وقال إنها "تسلح وتمول الميليشيات التي تنشر الدمار واالفوضى، وأن السياسة الإيرانية مسؤولة عن الكثير من الصراعات التي ادت إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة."(1)

ونحن لا نريد هنا أن ندافع عن إيران، ولكن الحقيقة يجب أن تقال، وإلا ستنهار القيم، ونقرأ على الأخلاق السلام. فالكل يعرف، و من اعترافات وتصريحات قادة الإدارة الأمريكية السابقة، وحتى من خطابات ترامب نفسه إثناء حملته الانتخابية، أن السعودية، هي راعية الإرهاب. والكل يعرف أيضاً أن إيران تساعد العراق وسوريا في حربهما على الإرهاب، وليست راعية للإرهاب كما يدعى ترامب. فالدول الراعية للإرهاب هي السعودية وقطر وتركيا، حليفات أمريكا وإسرائيل. ولكن المصالح الاقتصادية، وتوقيع صفقات استثمارية بقيمة 450 مليار دولار، هي التي تميت الضمائر وتعمي البصائر، وتحيل الحق إلى باطل والباطل إلى حق، وتجعل السياسة بلا أخلاق، وتعتبر الجهات الراعية للإرهاب هي محاربة له، والتي تحارب الإرهاب هي راعية له. فترامب هذا يعامل السعودية وكأنها قلعة الديمقراطية، إذ كما قال محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران في رده متهكماً على ترامب: "إيران التي أنهت للتو انتخابات حقيقية تتعرض لهجوم من رئيس الولايات المتحدة في معقل الديمقراطية والاعتدال. هل هي سياسة خارجية أم استخلاص 480 مليار دولار من السعودية ببساطة؟".(2)

والمؤسف، أن البعض يعتبر خطاب ترامب أمام مؤتمر القمة الإسلامي في الرياض تكراراً لخطاب أوباما في جامعة القاهرة في عام 2009. وهذا تجني على الحقيقة، إذ شتان ما بين المناسبتين والخطابين والقصد منهما. فخطاب أوباما كان من أجل بناء الجسور بين العالم الإسلامي وأمريكا للقضاء على التطرف والإرهاب، بينما خطاب ترامب هو لإشعال الحروب على إيران والشيعة والمقاومة الفلسطينية، وتعميق الصراع الطائفي السني-الشيعي في العالم الإسلامي، واعتبار كل من يطالب بحق الشعب الفلسطيني مثل حماس وحزب الله اللبناني، وأية حكومة تدعم هذا الحق، هي جهات إرهابية في رأيه.

إذنْ، ما هي أغراض غزوة ترامب للمنطقة:
أولاً، تحويل (الصراع العربي-الإسرائيلي)، إلى صراع بين المسلمين أنفسهم، أي إلى (صراع عربي-إيراني)، و(صراع سني- شيعي)، وبالتالي تحقيق تحالف إسلامي إسرائيلي ضد إيران الشيعية. وبما أن إيران وسوريا والقوى المتحالفة معهما هي ضد التطبيع مع إسرائيل، فإيران في نظر ترامب هي المسؤولة عن زعزعة الوضع في الشرق الأوسط، وليست السعودية.

ثانياً، وعد ترامب الشعب الأمريكي أن يستحلب السعودية والدول الخليجية الغنية إلى آخر دولار، لجلب الاستثمار إلى أمريكا. وهاهو قد حقق هذا الغرض بتوقيع صفقات بلغت قيمتها لحد الآن نحو 450 مليار دولار كوجبة أولى والبقية تأتي.

ثالثاً، إثارة مخاوف الدول الخليجية من البعبع الإيراني والبعبع الشيعي، ودفعها لسباق التسلح، خدمة لشركات ومعامل ولوبيات السلاح في أمريكا وغيرها من الدول الغربية.

رابعاً، نجح ترامب بعقد الصفقات التجارية مع السعودية في تخفيف الهجوم عليه في أمريكا، ولو إلى حين، إذ من المتوقع أن يواجه قريباً محاكمة دستورية أمام البرلمان بتهمة إفشاء أسرار أمنية تتعلق بالأمن القومي إلى روسيا، ويمكن أن يكون مصيره كمصير الرئيس الأمريكي الأسبق، رتشارد نيكسون في السبعينات من القرن الماضي في فضيحة ووترغيت.

خامساً، أثبتت زيارة ترامب أن حكام الخليج وخاصة العائلة المالكة السعودية، عبارة عن عبيد مطيعين لأمريكا، وأن مصيرهم وبقاءهم في السلطة مرتبط بالحماية الأمريكية لهم، وليس بالاعتماد على شعوبهم، لأن شعوبهم غاضبة عليهم، وما أن تسحب أمريكا حمايتها لهم، فإنهم سيسقطون كأوراق الخريف. 

خلاصة القول، إن نتائج زيارة أو غزوة ترامب خطيرة جداً على أمن واستقرار المنطقة، فهي ليست ضد الإرهاب والتطرف كما يدعي، بل العكس تماماً، أي لدعم الإرهاب، وشن حرب على كل من يحارب الإرهاب، و ذلك خدمة لإسرائيل.
فما هو تأثير هذه الغزوة على العراق، وماذا يجب أن يكون موقف العراق منها؟ هذا سيكون موضوع مقالنا القادم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
رابط ذات علاقة
1- ترامب يدعو من السعودية لمكافحة الإرهاب ويتهم إيران بزعزعة استقرار المنطقة
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-39990477

2- تعليق لاذع من إيران على الصفقات التي وقعها ترامب مع السعودية
https://arabic.sputniknews.com/arab_world/201705211024139090-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%82-

3- د.عبدالخالق حسين: ترامب في خدمة الإرهاب
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=882



106
فوز ماكرون انتصار للاعتدال والوسطية والعقلانية

د.عبدالخالق حسين

هناك صراع مجتمعي حاد في الشعوب الغربية (الأوربية وأمريكا الشمالية)، وذلك بسبب التطور السريع في مختلف المجالات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية. وهذه بدورها من ثمار التطور المذهل في العلوم والتكنولوجية، وخاصة في وسائل الإتصال (IT)، والمواصلات (النقل السريع)، والعولمة، وتنشيط السياحة، والاختلاط والتقارب بين الشعوب، وتكوين اتحادات اقتصادية وسياسية.
وإلى جانب النتائج الإيجابية المذكورة أعلاه لهذه التطورات، فهناك نتائج سلبية أيضاً، منها: الهجرات المليونية من العالم الثالث إلى العالم الأول، والتطرف في الإسلام السياسي، وما جلب من إرهاب يهدد الحضارة البشرية، والخوف على الهوية القومية، وفقدان السيادة الوطنية، وضياع الثقافة والأعراف والتقاليد المتوارثة من الأجداد.

هذه السلبيات والمخاوف أدت إلى ردود أفعال عنيفة وعلى رأسها صعود مد اليمين القومي في الغرب، والذي من نتائجه، التصويت للخروج من الوحدة الأوربية في الاستفتاء البريطاني، و فوز ترامب في أمريكا، وهجومه على العولمة، وبرنامجه ضد الهجرة، ورفعه شعار (أمريكا أولاً)..الخ. وهذه المشاعر دفعت إلى تصعيد حصة التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية لمرشحي الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوربا، مثل حزب الجبهة الوطنية في فرنسا بزعامة مارين لوبان، وحزب الحرية في النمسا، وحزب الحرية في هولندا، وأحزاب يمينية متطرفة أخرى في إيطاليا وألمانيا وغيرها، إلا إن المفرح أن صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة لم يصل بعد إلى حد وصولها للسلطة، ولا أعتقد أنها ستحقق هذه الغاية. وهذا دليل على أن معدل العقل الجمعي للشعوب الأوربية قد بلغ حداً من النضج بحيث لم يسمح لفوز أي تطرف بالسلطة، يميني أو يساري، وفوز إيمانويل ماكرون، مرشح الوسط هو أفضل دليل على ما نقول.

وهذا لا يعني أن خطر صعود اليمين قد توقف، بل مازال في صعود، وخاصة في فرنسا. فقد تضاعفت نسبة الأصوات لزعيمة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة حيث بلغت نحو 22% النسبة في الجولة الأولى و 33.9% في الحولة الثانية، وهذه ضعف ما حصل عليه والدها جان ماري لوبان (18 بالمئة) في عام 2010. كذلك لم يصوت للسيد إيمانويل ماكرون في الجولة الأولى أكثر من 25%، بينما صوت له في الجولة الثانية 66.1%، وهذا يعني أن 41% من الذين صوتوا له في الجولة الثانية كان بدافع كرههم لليمين المتطرف وليس لبرنامجه الانتخابي. ومع ذلك هذا دليل على انتصار العقلانية على التطرف.

وقد أقر ماكرون، الذي فاز بثلثي الأصوات الصحيحة للناخبين، بأن المهمة التي تواجهه شاقة، وأنه يتفهم مشاعر الفرنسيين الذين صوتوا لليمين المتطرف، وسيبذل قصارى جهوده لمعالجة المشكلة كي لا تتكرر هذه الحالة مستقبلاً.

وفي مقابلة إذاعية لراديو في الشرق الأوسط، سألني محاوري أن البعض يعتقد أن صغر سن الرئيس المنتخب، وكونه حديث العهد في السياسة، ومن خارجة المؤسسة الحاكمة، هي صفات سلبية ضده. فأجبته بأن هذه الصفات هي ليست سلبية، بل إيجابية وفي صالحه. أولاً، أن الرجل ليس حديث العهد بالسياسة إذ كان وزيراً للاقتصاد في حكومة فرانسوا هولاند، كوزير مستقل، وهو ذو خبرة في الاقتصاد، أما كون عمره (39 سنة) فهو في صالحه أيضاً حيث في أوج نشاطه الحيوي و العقلي والفكري، وأقرب إلى الشباب والتحسس بمشاكلهم المعيشية، إضافة إلى كونه مع الوحدة الأوربية وإصلاحها وليس ضدها.
والشباب الفرنسي متجاوب معه، ومع الحركة السياسية الوسطية المستقلة التي أسسها حديثا، (إلى الأمام)، وأنه يسعى الآن لتحويل الزخم السياسي الذي تتمتع به الحركة إلى مقاعد في البرلمان (الجمعية الوطنية)، تساعده في تحقيق أجندته التشريعية. فالانتخابات التشريعية القادمة على الأبواب يومي 11 و18 حزيران/يونيو القادم. وعلى الأغلب سيحقق فوزاً بنسبة مريحة تساعده على تحقيق برنامجه الإصلاحي.
خلاصة القول، مهما بلغ ضجيج التطرف، يميناً ويساراً، فالعقل الجمعي الأوربي مع الاعتدال والوسطية، والزمن في صالحه. فالشباب هم مع العولمة والتقدمية، والوحدة الأوربية، والتقارب بين الشعوب، وهذا ما ظهر في الاستفتاء البريطاني في شهر حزيران 2016، حيث أظهر تحليل النسب العمرية للمصوتين أن الشباب تقدميون، ومع البقاء في الوحدة الأوربية. و أتوقع أن تكون نفس النسبة هي في أوربا ضد الفاشية، والعزل وغيرها من المشاعر والمواقف الشوفينية. ولكل هذه الأسباب، أرى أن فوز ماكرون هو انتصار للإعتدال والوسطية والعقلانية. فالمستقبل للتقدم والتقارب بين الشعوب، وليس للفاشية بشتى أشكالها، العنصرية والدينية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


107
الاحتلال البعثي للعراق هو الأبشع
د.عبدالخالق حسين

نحن في مواجهة حرب كلامية لا تقل ضراوة وخطورة عن الحرب الحقيقية، لأن (الكتابة حرب)، كما قال فولتير. فنحن أمام حزب فاشي عنصري وطائفي، أحكم قبضته على رقاب الشعب 40 عاماً، وخلال هذه الفترة لم يعتمد في ترسيخ حكمه على تبعيث القوات المسلحة والأمنية، وكافة أجهزة الدولة فحسب، بل، وأسس جيوشاً جرارة من فرسان الكلام في علم النفس، وعلم الاجتماع، والإعلام، والتربية والتعليم، للسيطرة على عقول أبناء الشعب وتوجيههم كما يشاء، فعن طريق الكلام والتلاعب بالألفاظ يمكن تحويل الحق إلى باطل وبالعكس، والهيمنة على المجتمع وتسييره كما يشاء الحاكم، إضافة إلى ممارسة إرهاب الدولة. أما بعد السقوط، فاعتمدت فلول البعث على الإرهاب أيضاً، وحروب الإبادة، وعلى القلم في صناعة الإشاعات السامة، والأخبار الكاذبة لتضليل العقول، وتشويه المفاهيم الوطنية والإنسانية.

وقد أشرت في مقالي السابق الموسوم (مخاطر الأخبار الكاذبة)(1)، وقبله العديد من المقالات(2،3)، إلى الأساليب الشيطانية الخبيثة التي يستخدمها مرتزقة البعث وأشباههم في التضليل، منها تأليف تقارير كاذبة وأخبار زائفة، والإدعاء بأنها من ويكيليكس، أو أية صحيفة غربية مشهورة، أو تنسيب تصريحات كاذبة بحق العراق الجديد، و شخصياته المعروفة، والادعاء أنها صادرة من مسؤولين أمريكان كبار، هذا السلوك صار أمراً مألوفاً، وهم يعرفون أن القارئ ليس لديه الوقت الكافي، أو الوسيلة للتحري عن مصداقية هذه التقارير و مصادرها. وقد فضحنا، مع غيرنا، الكثير من هذه الألاعيب الخبيثة.

ومصدر آخر ييستخدمه هؤلاء في التضليل، وهو ما يجدونه في التراث الشعبي من حكايات، وحتى تأليف الجديد منها لخدمة أغراضهم. ومن هذه الحكايات على سبيل المثال، واحدة نقلها أحدهم ضمن إحدى مجموعات النقاش، تضم نحو مائة مستلم، أنقل نصها مع الاعتذار عن الإطالة وذلك لضرورة الالتزام بالنقل... تقول الحكاية:
(يحكى أن جيشاً أراد أن يدخل مدينة .. فوقف عند أطرافها ، و أرسل عيونه تستقصي عن أخبارها ..
فوجدوا شيخاً كبيراً يحتطب الحطب، يرافقه فتى صغير ...قالوا له: أخبرنا عن بلدك،  وكم عدد جيشكم، و كيف نستطيع أن ندخلها و ما هي منافذها ...؟ فقال لهم: سأخبركم لكن بشرط أن تقتلوا هذا الشاب، قبل أن أقول لكم شيء .. لكي لا يكون شاهداً على ما سأقوله لكم .. فقالوا: لك ذلك.. فأخذ أحدهم السيف و قطع عنقه، فسال الدم ليملىء الأرض و يشربه ترابها، والشيخ العجوز ينظر إلى الأرض وهي تشرب روح الفتى. فقال لهم: أتدرون من هذا الذي جعلتكم تقتلوه؟ قالوا... أنت أعلم منا به. قال: هذا ولدي ... خشيت أن تقتلوني أمامه فتنتزعون منه ما تشاؤون من القول، ففضلت أن يُقتل على أن ينطق حرفاً واحداً يساعدكم في غزو بلدي .. تركه الجنود و هو يحتضن جثة ولده.. وعادوا أدراجهم و قصوا للملك القصة، فقال الملك: أعيدوا الجيش و انسحبوا من هناك ، فبلدة يضحي بها الآباء بالأبناء لأجلها، لن نستطيع غزوها، وإن غزوناها فلن ننتصر ..) انتهت الحكاية، ويضيف مرسلها أو مؤلفها: (لعنة الله على كل من خان بلده، وتآمر عليه إلى يوم الدين ...)(كذا).

هذه الحكاية تذكرنا برواية (أخرج منها يا ملعون) بقلم (كاتبها)، والتي يُعتقد أن كاتبها صدام حسين.
طبعاً نعرف أن المقصود بهذه الحكاية الخيالية الرمزية، هو المعارضة العراقية في عهد صدام، والتي توصلت إلى استنتاج أن لا أمل في تحرير العراق بدون الدعم الخارجي.
ونحن أيضاً نقول (لعنة الله على كل من خان بلده ، وتآمر عليه إلى يوم الدين ...). ولكن هؤلاء يحاولون تشويه الحقائق، فأبشع إحتلال تعرض له العراق هو احتلال البعث الفاشي، سواءً كان احتلالهم الأول يوم 8 شباط 1963 الأسود، أو احتلالهم الثاني في عام 1968، وفي كلا الاحتلالين كان بمساعدة المخابرات الغربية وعلى رأسها الأمريكية.
وخلال الاحتلالين بذل البعثيون قصارى جهودهم لتضليل الشعب وتفتيت نسيجه الاجتماعي لتسهل لهم السيطرة عليه وحكمه بالقبضة الحديدية، ومن هذه الأساليب وكما جاء في تعليق وصلني من الأستاذ صلاح كبة، مشكوراً، على مقالي الأخير (مخاطر الأخبار الكاذبة) أجتزئ منه ما يلي:
(.... نعم وألف نعم انها الصناعة الجديدة القديمة التي أتقنها هذا الحزب الشوفيني الذي دمر العراق وسوريا والمنطقة العربية بأجمعها. انت وانا نتذكر بحكم أعمارنا كيف دشن هذا الحزب جهاده بحرب الشائعات، فقبل انقلاب ١٩٦٨ المشؤوم مَلئوا أسماعنا بأخبار كاذبة عن فساد حكومة طاهر يحيى وسرقاته للملايين. ومع تحفظنا عن سياسته الا إنه ظهر بعد ان جاؤوا الى الحكم انه (اي طاهر يحيى) لا يملك الا داره التي لم يكمل سداد ديون بنائها. ثم جاؤوا الى الحكم فحكموا عن طريق الهاء الناس بالشائعات، فمن ابو طبر، وإخافة الناس به، الى عدنان القيسي والهاء الناس به ، الى قصص التسمم بالزئبق، الى قصص تشويه سمعة ضحاياهم. مهنة الشائعات انها المهنة التي أتقنها البعثيون وعرفوا كيف يسخرونها لمصالحهم. وها هم بعد 2003 لم يتوقفوا عن شن هذه الحملات يدعمهم جهل أشباه المثقفين وحب العراقيين لاخبار المبالغة، ونظريات المؤامرة. لهذا تراهم يبالغون بأخبار الفساد (مع اعترافنا بوجوده) فيُحوِّلون المليون الى بليون! ويتهمون من يتجرأ ويذكر إيجابية واحدة لوضع العراق بعد 2003 بأنه من (مستفيدي الوضع الجديد)، حتى تراهم بشائعاتهم ومبالغاتهم بسلبيات هذا العهد أفقدوا كثير من الناس ثقتهم بالنظم الديمقراطية، وبالحقيقة القائلة بان لهذه النظم ميزة تصليح نفسها بنفسها، وأصبح الكثيرون يفكرون جديا بان هذه الديمقراطية لا تصلح لنا!!! الحمد لله بوجود أناس وكتّاب واعون مثلكم نستطيع من خلالها ان نرد على منطق اذناب هذا الحزب المعوج الذي ما زال يبث سمومه هنا وهناك.) انتهى.

هذا المعلق الوطني الشريف الواعي النبيه اللبيب، والملايين من أمثاله هم أملنا، ودليل على أن البعثيين وأشباههم وأذنابهم، فشلوا في تضليل كل الشعب، إذ كما قال ابراهام  لنكولن: (يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خدع كل الناس كل الوقت.)

لقد دفع شعبنا الكثير إلى أن تعلم الدرس، ولكن مع ذلك مازال هناك ناس ينخدعون ويدفعون الثمن. والمؤلم أن من بين هؤلاء المخدوعين مثقفون لا نشك بوطنيتهم وحسن نواياهم، ولكنهم مع الأسف ضحايا التحجر الأيديولوجي اليساروي، والعداء المترسخ للغرب إلى حد الإضرار بالشعب والوطن، ومن هؤلاء كاتب نشر مقالاً بعنوان (البيان الأول للدمار الشامل)، يرد به على مقالي الموسوم (علاقة العراق بأمريكا بين الممكن والدمار الشامل")(2)، فيه الكثير من التشويه والعاطفة وسوء الفهم، والذي من شأنه خدمة البعث الداعشي. يعتبر الكاتب مقالي بمثابة "البيان الأول لزيارة مرتقبة  للرئيس الأمريكي ترامب الى العراق.." ويضيف: " نتجنب ذكر اسمه أملاً في ان يُصدر ايضاحاً يكذب فيه نفسه ليُطمأن المواطن العراقي على مصيره". والسؤال هو: لماذا تتجنبون ذكر اسم صاحب المقال وهو معروف من عنوان مقاله!! نسي الأخ أن من أعز أمنيات أعداء العراق هو تحريض أمريكا ضد العراق.

مع احترامي للكاتب وعواطفه الوطنية الجياشة، (ومن الحب ما قتل)، فلو تتبعنا كتاباته خلال العامين الأخيرين لوجدنا أنه نشر نحو مائتي مقالة، إلا إنها في الحقيقة هي مقالة واحدة، أعاد كتابتها مائتي مرة مع تغيير طفيف في عناوينها، وإعادة ترتيب جملها، وهي في أغلبها لطميات ومناحات وبكائيات على اللبن المسكوب، أدمن عليها العراقيون، سواءً في كتاباتهم، أو أشعارهم، أو أغانيهم الحزينة مثل أغاني سلمان المنكوب (أمرَّن بالمنازل منازلهم خلية...الخ)، التي يقول عنها العلامة علي الوردي: كأن الطاعون كرف أهله وبقي هو وحده في الدار صارخاً (معلَّم على الصدمات خايب با كلبي- قلبي).

نؤكد ثانية أن أبشع احتلال تعرض له الشعب العراقي هو الغزو البعثي الفاشي، الذي أهلك الحرث والنسل وهدد وجوده بالفناء. فهكذا شعب لا يحتاج إلى بكائيات وحكايات العجائز، والمقالات العاطفية، والتخوين والتسقيط والتشهير، والتحريض ضد من يمد يده لمساعدته، وإخراجه من محنته، بذريعة أن أمريكا هي التي جلبت البعث إلى الحكم، بل يحتاج إلى التحليل العقلاني المنطقي، وإيجاد الحلول العلمية الصحيحة. هؤلاء فقدوا بوصلتهم، شاؤوا أم أبوا، فإنهم برفضهم دعم التحالف الدولي بقيادة أمريكا، فإنهم يعملون على إبقاء العراق تحت إحتلال داعش إلى مستقبل غير منظور. فلو كانت الحكومة العراقية قد نجحت في كسب أمريكا إلى جانبها، لما تجرأت تركية والسعودية وقطر وعملاؤهم في الداخل، التجاوز على السيادة الوطنية واحتلال ثلث مساحة العراق من قبل مرتزقتهم البعثيين باسم داعش، ولما تجرأ السلطان إردوغان باحتلال بعشيقة واستهان بالسيادة الوطنية العراقية.

إن حكاية الشيخ الحطاب الخيالية، تشبه حكاية الرجل العراقي الواقعية، وربما مقتبسة منها، الرجل الذي قتل ابنه لأنه ارتكب جريمة أخلاقية تمس شرف العائلة، وللتخلص من العقوبة، ادعى الأب القاتل أنه قتل ابنه لهروبه من جبهة القتال في الحرب مع إيران وبذلك وجلب العار للعائلة، فقتله غسلاً للعار! فسارع الطاغية صدام حسين بتوظيف الجريمة لمصلحته في حملته الدعائية، بمنح الأب القاتل وسام الرافدين من الدرجة الأولى أمام الشعب في التلفزيون، وبذلك وضع صدام سابقة سيئة في تكريم قتل الآباء لأبنائهم من أجل الطاغية، والتي أدانها الشعب.

هناك سوء في فهم المفاهيم الوطنية والإنسانية لدى هؤلاء حيث راحوا يستخدمونها ضد أغراضها الحقيقية، وما أشبه اليوم بالبارحة.
إذ ينقل لنا التاريخ، أن سأل رجلً الإمام علي (ع) ذات يوم: " أيمكن أن يجتمع الزبير وطلحة وعائشة على باطل؟ فأجابه الإمام: "إنك ملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يُعرفان بأقدار الرجال، إعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله." (طه حسين، الفتنة الكبرى، ج2، ص 40).
وهذا ينطبق تماماً على أولئك الذين التبس عليهم الأمر، فلا يفرقون بين الاحتلال البعثي الفاشي الذي دمر البلاد والعباد، وبين ما يسمونه خطأً، بالاحتلال الأمريكي الذي أنقذ العراق من كوارث البعث وهي كثيرة وباتت معروفة للجميع إلا الذين في نفوسهم غرض، أو أصيبوا بالجهل وعمى الألوان، وفقدان القدرة على التمييز بين الحق والباطل، وبين الخطأ والصواب؟

فما تسمونه بالاحتلال الأمريكي، هو نفسه الذي حرر الشعب الألماني وجميع الشعوب الأوربية من النازية والفاشية، فهل الجنرال ديغول وأنصاره الذين دخلوا فرنسا مع قوات الحلفاء، وأسقطوا حكومة فيشي التي أعلن قيامها المارشال فيليب بيتان بمساعدة  الألمان، وهي تشبه حكومة صدام التي قامت بمساعدة أمريكا في الستينات، ثم انقلب عليها، فهل كان ديغول وأنصاره، وأديناور الألماني وأنصاره، والاٌيطاليون الذين تعاونوا مع قوات الحلفاء وأطاحوا بالفاشي موسليني، قد خانوا أوطانهم يستحقون اللعنة ؟

وهل المعارضة العراقية التي قاومت صدام حسين ونظامه الجائر، واستعانوا بنفس الدول التي حررت العالم من الفاشية والنازية، خونة وملعونون؟ إذا كنتم تحلمون بأن الشعب العراقي وحده كان يجب عليه تحرير بلاده من رجس البعث الفاشي، فقد حاول هذا الشعب مراراً وخاصة في انتفاضته الشعبانية الكبرى عام 1991، ولكن قابلها صدام بقتل 300 ألف من المنتفضين في محافظات الوسط والجنوب، وملأ العراق بالمقابر الجماعية، كما أباد الشعب الكردي بالغازات السامة والأنفال وأحرق نحو 5000 قرية.

المشكلة، أن هؤلاء السادة يستخدمون تاريخ أمريكا في الحرب الباردة ذريعة لرفض دعمها للعراق في حربه على فلول البعث الداعشي، ولا شك أن هذا الموقف يخدم داعش، ومن يقف وراءها، وله ضرر كبير على الشعب العراقي. فالحكمة تفيد: إذا كان بيتي يحترق، فمن السخف والهراء والغباء أن أسأل عن هوية فريق الإطفاء. أمريكا نجحت في تحرير العراق من أبشع احتلال داخلي فاشي، وأقامت فيه نظام ديمقراطي في صالح جميع مكونات شعبه، محكوم عليه بالنجاح رغم ما يواجه من معارضة، ولكن أمريكا لا يمكنها أن تحرركم من جهالتكم، وأحقادكم، وعنصريتكم، وبداوتكم، وطائفيتكم، الضاربة جذورها في عمق التاريخ، فهذه الأمراض المزمنة تحتاج إلى أجيال لتتعافوا وتشفوا منها.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: مخاطر الأخبار الكاذبة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=901

2- د.عبدالخالق حسين: حول إستراتيجية أمريكا، ثانية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=899

3- د.عبدالخالق حسين: علاقة العراق بأمريكا بين الممكن والدمار الشامل
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=900

108
مخاطر الأخبار الكاذبة
د.عبدالخالق حسين

صارت الأخبار الكاذبة (Fake news)، صناعة شائعة وسهلة في كل مكان، خاصة و نحن نعيش في عصر الانترنت ومشتقاته (غوغل، والفيسبوك، وتوتر، واليوتيوب والإيميل وغيره)، الذي جعل فبركة الأخبار والتقارير عملية سهلة على المحتالين والنصابين وذوي المقاصد السيئة ، في حملات تسقيطية ضد الخصوم المنافسين لهم، وقد برع فيها البعثيون إلى أقصى حد في تشويه صورة عراق ما بعد صدام. ولا شك أن لهذه الصناعة مخاطر كبيرة على وعي وأمن واستقرار المجتمع. فعلى تلفيق الأخبار يعتمد هؤلاء في إثارة الفتن الطائفية، وتحريض الشباب وتجنيدهم للمنظمات الإرهابيةـ، وتبرير أفعالهم الإجرامية بحق الإنسانية.

وليس مستبعداً أن تكون بعض المؤسسات الاعلامية لها يد في هذه الصناعة الإجرامية، فالملاحظ أنه ما أن تنشر أخبار زائفة أو تقارير كاذبة  على مواقع التواصل الاجتماعي حتى ويسارع كاتب في صحيفة معروفه يستشهد بها في مقالاته ليمنحها المصداقية والترويج. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ظهر قبل عام اسم (فلاح القريشي)، الذي فبرك مقابلة مع السياسي الكردي المعروف الدكتور محمود عثمان، أطلق له العنان في تشويه سمعة السياسيين العراقيين. وبعد أيام نشر الدكتور عثمان تكذيباً له وطالب بمقاضاته، ولكن كيف يمكن مقاضاة أشخاص ينشرون أكاذيبهم بأسماء مستعارة، وحتى حساباتهم على الفيسبوك بأسماء وهمية. وبعد أسابيع طلع علينا نفس "القريشي" هذا، بفبركة أخرى مفادها أن المحكمة البريطانية العليا رفضت طلب سيدة سورية للجنسية واسمها ( فدوى رشيد) التي" تزوجت سراً" من مسؤول عراقي كبير، والذي أرسلها إلى لندن ومعها 76 مليون دولار لشراء عقارات... إلى آخر الحكاية امفبركة. فما كان من الصحفي عدنان حسين إلا وينشر في عموده اليومي في صحيفة (المدى)، مقالاً عن الفساد مستشهداً بقصة (فدوى رشيد)، لمنحها المصداقية، الأمر الذي جعلنا نعتقد أن هناك علاقة بين المدى والمدعو فلاح القريشي. وإلا هل يعقل أن صحفياً محترفاً مثل عدنان حسين لا يعرف أن هذه الحكاية مفبركة؟ لذا فلا بد أن هناك غاية مقصودة.

وهناك عشرات الأخبار الكاذبة والمقالات المضللة، الغرض منها بث الإشاعات المسمومة لتشويه السمعة والتسقيط السياسي. ولم يسلم من هذه الحملة حتى المرجع الديني، آية الله السيد علي السيستاني من افتراءات في منتهى الخسة والدناءة، أشهرها، أن دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع في إدارة الرئيس الأمريكي بوش الإبن، أشار في مذكراته أنه زار السيد السيستاني قبل الحرب التي اسقطت نظام صدام حسين، وقدم له رشوة مقدارها 200 مليون دولار مقابل عدم إصدار فتوى الجهاد ضد الأمريكان، وأن السيد قبل الرشوة. وبعد التحري تبين أنه كذب في كذب. كما ولفقوا أكاذيب أخرى ضد سماحة السيد، لا داعي لذكرها لتفاهتها وتفاهة الأشخاص الذين فبركوها وقاموا بترويجها.
 
وما جعلنا نعود إلى هذا الموضوع الخطير هو قيام البعض هذه الأيام بترويج تقرير جديد بعنوان (ويكليكس باخطر وثائقه يكشف السبب الحقيقي لاحتلال العراق)، أستلمته قبل أكثر من أسبوع، وتم ترويجه عبر الإيميلات ومواقع التواصل الاجتماعي، و قرأته بإمعان واحتفظت به ضمن قائمة التلفيقات. أدعى مروجه الأول، أنه من بعض الوثائق السرية الموجودة في موقع ويكليلكس، وأن كاتبه هو احد زعماء (فيدرالية الاخوة العالميةIFB)، المزعومة بأنها منظمة سرية عالمية تتحكم بأمريكا وغالبية الدول الغربية"، كتب التقرير وهو على فراش الموت !!!

لم نسمع من قبل بهذه المنظمة السرية التي "تتحكم بأمريكا وغالبية الدول الغربية" إلا الآن. خلاصة ما يريد قوله، أن أمريكا احتلت العراق لأنه عظيم جداً بحضارته وتاريخه وموقعه الجغراقي، مما يشكل تهديدأ خطيراً جداً على الحضارة الغربية، ولهذا السبب وليس لغيره، قررت أمريكا احتلال العراق لإنقاذ الحضارة الغربية...(كذا).
يعرف الكاتب كيف يدغدغ مشاعر العراقيين في تعظيم حضارتهم وتاريخهم من أجل أن يستميلهم ليصدقوه. وبالطبع يذكر الكثير من الحقائق التاريخية والجغرافية والثروات الطبيعية التي يتمتع بها العراق، ولكن بهذه الطريقة يحاول النصابون خلط الأوراق، وتمرير الكثير من الأباطيل والأكاذيب، وبالتالي إلى استنتاج باطل، وبطريقة أشبه بفيلم هندي، تفنن كاتب السيناريو في كتابته،  وكما وصفه أحد الأصدقاء بحق: (انه كلام "أمسفط" ويفتقر الى العلميه والموضوعية).

المؤسف أن صدق به البعض وراحوا يروجون له، سواءً عن حسن نية أو سوئها. فلو كان هذا التقرير حقاً من وثائق الويكيليكس لوضع لنا رابط من ويكيليكس وباللغة الإنكليزية. وقد قمت بدوري بالبحث عنه في غوغل فلم أعثر عليه في أي مصدر يوثق به إلا على صفحات الفيسبوك الذي صار حقلاً لكل من هب ودب لنشر الأخبار الكاذبة والتقارير المفبركة. ولكن الكاتب بدلاً من أن يدلنا على مصدر موثوق قال في نهاية التقرير المزعوم أنه (منقول من صفحة الفيسبوك للأستاذ سعيد ياسين موسى). وحتى (فيدرالية الاخوة العالميةIFB) هذه لا وجود لها إلا في مخيلة الكاتب، وأمثاله المروجين لنظرية المؤامرة.
والسؤال المهم هنا: لماذا تأخر زعيم هذه الفيدرالية المزعومة، 14 سنة ليكتب تقريره العتيد في اللحظات الأخيرة من حياته وهو على فراش الموت؟
وهذا يؤكد لنا أن هذا التقرير لعبة أخرى من ألاعيب البعثيين وأشباههم، ليصوروا لنا أن صدام كان بطلاً يقود حضارة شامخة، وجعل العراق ينافس أمريكا، ويهدد الحضارة الغربية، ولهذا السبب احتلوا العراق لينقذوا حضارتهم من الحضارة العراقية بقيادة "القائد الضرورة". والكل يعرف أن نظام البعث الصدامي هو الذي دمر الحضارة العراقية، والعقل العراقي والنسيج الاجتماعي، ونشر الخراب الشامل في ربوع العراق. لا أعرف كيف يمكن تمرير هذه الأكاذيب على ناس مثقفين وحملة شهادات جامعية عليا، المفترض بهم إعمال عقولهم كي لا تعبر عليهم هذه الألاعيب البعثية.

بالله عليكم، هل دولة تمتلكها المافيا البعثية،، وتسمى بـ(دولة المنظمة السرية)، و(دولة المقابر الجماعية)، و(جمهورية الرعب)، والوطن كله يسمى باسم الجلاد صدام حسين (عراق صدام)، مستباح لأفراد عائلته وعشيرته، والذي طبق عملياً مقولة (أنا الدولة والدولة أنا)، دولة استخدمت فيها الغازات السامة، ومجازر الأنفال، ضد شعبها في حروب إبادة الجنس، وشردت منه خمسة ملايين في الشتات، ودمرت الاقتصاد الوطني، وشنت الحروب العبثية على دول الجوار.. وووو إلى آخر القائمة من الكوارث... استحلفكم بالله، هل دولة كهذه تستحق أن يأسف على سقوطها أحد؟
لذلك، أعتقد جازماً، وكما أفهم من قراءاتي لعلم النفس وعلم النفس الاجتماعي، أن الذين يأسفون على سقوط هكذا دولة جائرة بحقهم، فلا بد وأنهم مصابون بمرض المازوخية، والشيزوفرينيا، والانفصام الكلي عن الواقع، حيث استمرؤوا الذل والهوان والعبودية إلى حد الإدمان.
غني عن القول، أن مهمة الكاتب والصحفي الشريف هي نشر الحقيقة وتنوير الوعي، وليس التضليل والتزييف. لذلك فإن فبركة المقالات المضللة، والتقارير المزيفة، وصناعة الأخبار الكاذبة، ونشرها، هي إهانة لذكاء القراء وإستهانة بعقولهم، و شكل من أشكال الإرهاب والفساد والإجرام.

وبناءً على كل ما سبق، أتمنى على جميع الوطنيين الشرفاء، أن يكونوا حذرين من ألاعيب البعثيين وأشباههم، من تلفيقاتهم التي لا نهاية لها، وإعمال عقولهم في التمييز بين الغث والسمين، فكما جاء في القرآن الكريم: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: حول ماكنة الدعاية البعثية في التضليل
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=505

2- قائمة موجزة من افتراءات ضد العراق الجديد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=698

109
علاقة العراق بأمريكا بين الممكن والدمار الشامل
د.عبدالخالق حسين

في مقالي السابق بعنوان:( حول إستراتيجية أمريكا، ثانية)(1)، ناقشت فيه إستراتيجية أمريكا الثابتة، والتي من بينها عدم السماح لبروز دولة عظمى أخرى تنافسها في النفوذ. والدولة المرشحة الآن لتنافس أمريكا هي روسيا. كذلك عدم السماح لأية دولة غير صديقة لأمريكا وإسرائيل بامتلاك سلاح الدمار الشامل. وما الحرب في سوريا إلا حرب بالوكالة بين روسيا وأمريكا، ولكن بدماء الشعب السوري وحلفائه.
أما العراق، وكما ذكرنا مراراً، فهو في وضع لا يحسد عليه، حيث تكالبت عليه قوى الشر والعدوان في الداخل والخارج. وهو في هذه الحالة من التمزق، يطالب البعض الحكومة العراقية بتحدي أمريكا ومعاداتها، وتبني سياسة مشابهة لسياسة إيران وكوريا الشمالية، وشعارهم هو(الموت واقفاً على قدميك خير من الحياة جاثياً على ركبتيك)، يعني (شيِّم البدوي وخذ عباته)، ثم أدفعه إلى الهاوية، وكأن ليس أمام العراقيين سوى هذا التطرف، ومشاكسة الدولة العظمى، فإما الانبطاح، أو الانتحار الجماعي. نسي هؤلاء أن النظامين، الإيراني والكوري الشمالي، هما نظامان شموليان، وحكم الحزب الواحد، وشعباهما غير منقسمين إلى فئات متناحرة، وليس فيهما من يقوم بأدوار تخريبية مثل مقتدى الصدر، أو أياد علاوي، أو الأخوين النجيفي، أو الخنجر أو بارزاني، ولا داعش وإلى آخر القائمة، بل في العراق نظام ديمقراطي ليبرالي أكثر من اللازم، وشعبه منقسم على نفسه إلى مكونات دينية وطائفية وعرقية، ومئات الكيانات السياسية المتناحرة، وكل منها مستعد للتعاون مع الشيطان لإلحاق الهزيمة بمنافسيه، ومحاط بدول تتربص به شراً.
يجب أن يعرف دعاة معاداة أمريكا أن إسرائيل تبذل كل ما في وسعها لتحريض أمريكا ضد العرب والمسلمين وتشويه صورتهم في العالم، كما وتسعى إسرائيل والسعودية في تحريض أمريكا لمعاداة العراق وتفتيته إلى دويلات متحاربة يسهل ابتلاعها من قبل دول الجوار.

يمارس دعاة إبعاد العراق عن أمريكا مختلف الوسائل وأقوال حق يراد بها باطل لتحقيق أغراضهم الشريرة. فيعود البعض منهم إلى تاريخ أمريكا في مرحلة الحرب الباردة، ودورها المخرب في الإطاحة بثورة 14 تموز المجيدة، وتصفية قيادتها الوطنية النزيهة. وغرضهم ليس الانتقام من أمريكا والثأر لتموز كما يتظاهرون، بل العكس هو الصحيح، فأغلب هؤلاء هم طائفيون ومن خلفيات بعثية، ساهموا بالتآمر على تموز، من أمثال سعد البزاز وغيره، ولهم الآن لوبيات ناشطة في واشنطن، يلعقون أقدام الأمريكان وإسرائيل، من أجل إعادتهم للسلطة كما كانوا قبل 2003.(شاهد الفيديو في الهامش رقم 2).
والسؤال هنا، هل أمريكا وحدها ساهمت في الإطاحة بثورة تموز؟ لقد اشترك في التآمر على الثورة الوطنية أكثر من أربعين جهة، وكل منها لها غايتها الخاصة بها، من سيد محسن الحكيم، إلى عبدالناصر وكميل شمعون وعجيل الياور شيخ شمر، وبارزاني، وعشرات القوى السياسية والإقطاعية الرجعية، وحكومات ومخابرات إقليمية ودولية. فلماذا التركيز على أمريكا وحدها بعد مرور أكثر من نصف قرن، وما حصل من تغيير هائل في العلاقات الدولية في العالم بفعل الزمن؟
والجدير بالذكر أنه قبل سقوط البعث كان هؤلاء يحذروننا من أمريكا، وغرضهم الحقيقي هو إبقاء نظام البعث الصدامي على رقاب العراقيين لعقود أخرى. وتحذيرهم اليوم من أمريكا هو لإبقاء الدواعش يعيثون في الأرض فساداً، فكما لداعش جناحها السياسي في السلطة، كذلك لها كتابها يظهرون بشتى المظاهر، يتاجرون بالكرامة والسيادة الوطنية وبدماء الجماهير في الداخل، وهم يرفلون بالأمان والنعيم في الدول الغربية. وهؤلاء من انتماءات مختلفة: بعثيون وطائفيون وأشباههم لاستعادة فردوس حكمهم المفقود وشعارهم: (إيران برة برة، بغداد صارت حرة)، وفئة المتأثرين بإيران ومازالوا يرددون شعارهم المحبب (الموت لأمريكا وإسرائيل)، ويساريون صارت عندهم معاداة الغرب وخاصة أمريكا جزءً من سايكولوجيتهم وأيديولوجيتهم السياسية. والمفارقة أن أمنية جميع هؤلاء العيش في أمريكا والدول الغربية "الكافرة"، ويتبادلون التهاني عندما يحصلون على جنسية دولة غربية. ولكن إذا ما حاولت أمريكا وحلفاؤها مساعدة الشعب العراقي في خلاصه من نظام العهر والقذارة والاستبداد، ودواعشهم، رفعوا عقيرتهم صاريخين: وامعتصماه، و اكرامتاه، يا عالم إنها إهانة للسيادة الوطنية !!! فالكرامة والسيادة الوطنية عندهم مفقودة إلا بحكم البعث، أو احتلال داعش لثلث مساحة العراق، وهتك العرض وسلب الأرض.
نقول لهؤلاء، شكراً لكم على حرصكم على الكرامة والسيادة الوطنية، ونحن نعرف ماضي أمريكا وحاضرها جيداً، ولكن هذا لا يعني عدم الاستفادة منها سواءً في دورها بالإطاحة بنظام صدام حسين الذي جلبته أمريكا نفسها قبل أكثر من نصف قرن، أو الاستفادة منها الآن لسحق داعش، حتى و لو كانت أمريكا عدوة لنا في السابق، فالحكمة تفيد (أضرب العدو بيد عدو آخر). علماً بأن ليس في السياسة عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، بل مصالح دائمة. لذلك نؤكد أن مساعي دعاة حرمان العراق من الدعم الأمريكي تحت مختلف الذرائع، ليست بريئة وإنما خدمة لداعش وبقية أعداء العراق.

وقد بلغ الغلو في أحد هؤلاء (لا أريد ذكر اسمه، لأن من أمنياته أن أهبط إلى مستواه في مهاترات عقيمة لا تليق بي ولا أريد أن أحقق له ذلك)، بلغ به الحقد  إلى حد أنه راح يتهمجَّم عليَّ شخصياً بمناسبة أو بدونها، سواءً في هذياناته المسعورة التي يسميها مقالات، أو ضمن مجموعات النقاش، وبأسلوب شوارعي ساقط، فكتب مرة يقول: "الدكتور عبد الخالق حسين من ابشع الكتاب في ترويجهم للاحتلال.."(كذا)، وفي مكان آخر قال: (ان التدمير الذي قام به عبدالخالق حسين لا يقارن إلا بقيادات داعش او ربما يزيد على اي منها).
يقول نابليون: "لا تنبه عدوك على أخطائه، بل دعه يخطأ حتى يتعفن، وعندئذ احمل عليه بالضربة القاضية". في الحقيقة هذا الموتور السخيف لا يحتاج مني إلى ضربة قاضية، إذ هو نفسه أصر على التعفن إلى حد التفسخ والسقوط في القاع. فقد بلغ به الحقد حداً في رده على أحد محاوريه الذي استهجن هذه المقارنة الفجة، قائلاً: "من الصعب حقا ان نقيس ايهما اكثر تدميرا للعراق، قائد في الحشد أم عبد الخالق حسين، لكن هذا يعتمد على رؤيتنا لما يحدث". وقد استغرب محاوره من هذا الرد الحاقد على الحشد الشعبي، ووصفه بأنه خارج عن إجماع الشعب، ولكن في نفس الوقت مد له حبل النجاة، بإيجاد عذر له لإخراجه من مأزقه قائلاً: "ربما كان كلامك هذا ناتج عن خطأ مطبعي غير مقصود." فسارع الموتور بتبني العذر، ليضع داعش بدلاً من الحشد. فالخطأ المطبعي يكون بحرف أو حرفين وليس بكتابة سطر كامل من البذاءات. تقول الحكمة: "تظهر الحقيقه عند زلة اللسان وقد يراها البعض ما تخفيه القلوب"
فالمفروض في حالة الاختلاف أن يتم الحوار بأدب، وتفنيد الرأي الآخر بالحجة والمنطق، وليس بالشتائم السوقية. فالأسلوب البذيء دليل على الإفلاس الفكري والأخلاقي. يقول العلامة علي الوردي عن هذا النوع من المتثاقفين: "يجب أن لا ننسى أن الكثيرين منا متحضرون ظاهرياً بينما هم في أعماقهم لا يزالون بدواً أو أشباه بدو، فإن قيم البداوة التي تمكنت من أنفسهم على توالي الأجيال ليس من السهل أن تزول عنهم دفعة واحدة بمجرد تقمصهم الأزياء الحديثة أو تمشدقهم بالخطب الرنانة".

نؤكد مرة أخرى للذين أعمتهم أحقادهم وغباوتهم، أننا ندعو الحكومة العراقية إلى تبني علاقة متوازنة مع أمريكا لا حباً بها، ولسنا من طلاب المناصب، أو المال، بل لأننا نرى أن من مصلحة الشعب العراقي أن يستفيد من إمكانيات الدولة العظمى في تحقيق الأمن والإعمار. فالعراق بوضعه الحالي البائس لا يستطيع لوحده مواجهة التحديات الإرهابية وما يعانيه الشعب من تشرذم، حيث وارداته تصرف على الحروب لدحر الإرهاب بدلاً من الإعمار. ففي عصر العولمة المشكلة المحلية هي مشكلة دولية، وتحتاج إلى تضافر جهود دولية وخاصة الدعم من الدول الكبرى، ولا شك أن الإرهاب مشكلة دولية. فأعداء العراق في الخارج وعملاؤهم في الداخل يحرضون على حرمان العراق من الدعم الأمريكي بذريعة أن أية علاقة مع أمريكا تسيء إلى الكرامة والسيادة. فلأمريكا قواعد عسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وبريطانيا وعشرات البلدان الأخرى، فهل كل هذه الدول بلا كرامة ولا سيادة، فقط كوريا الشمالية وإيران وحدهما احتفظتا بالكرامة والسيادة؟
ويقولون، أن العراق ليس اليابان ولا ألمانيا ولا كوريا الجنوبية، وأنه غارق بمشاكله واختلافاته..الخ. ونحن إذ نرد عليهم: أن هذا الاختلاف وكثرة المشاكل وتعرض العراق للإرهاب والتكالب عليه في الداخل والخارج، وعدم تمكن القادة العراقيين من حل مشاكلهم لوحدهم وتحقيق وحدتهم، يجعل العراق أكثر حاجة من تلك الدول لدعم أمريكا والاستفادة منها، وليس العكس.

خلاصة القول، أمريكا ليست الشر المطلق ولا الخير المطلق، ولا هي مؤسسة أو جمعية خيرية، بل هي دولة عظمى وراء مصالحها، ولكن في نفس الوقت تتنافس الدول وحتى الكبرى منها، على كسب ودها والإستفادة منها، لذلك على العراق العمل بالحكمة وفن الممكن، وذلك بكسب أمريكا إلى جانبه، للإستفادة من دعمها، وتجنب شرورها. وهذا لا يعني معاداة إيران وروسيا، أو أية دولة أخرى، فمن مصلحة أمريكا أيضاً أن تكون للعراق علاقة حسن الجوار مع إيران، (راجع مقالنا: خطاب مفتوح إلى الدكتور حيدر الحيدري)(3). وبدون علاقة جيدة معها والإستفادة من دعمها، فبإمكان أمريكا أن تخلق آلاف المشاكل للعراق وإشغاله بالحروب ضد الإرهاب إلى ما لا نهاية ليعم الخراب الشامل في ربوعه.
ألا هل بلغت، اللهم إشهد,
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبدالخالق حسين: حول إستراتيجية أمريكا، ثانية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=899

2- فيديو: فضيحة لقاء سعد البزاز مع اسرائيل، صاحب قناة الشرقية مترجم
https://www.youtube.com/watch?v=AnPF0hOx0Yc

3- عبدالخالق حسين: خطاب مفتوح إلى الدكتور حيدر العبادي
http://www.abdulkhaliqhussein. nl/?news=680


110
حول إستراتيجية أمريكا، ثانية
د.عبدالخالق حسين

نحن نعيش في عصر التحولات السريعة في جميع المجالات، السياسية والاجتماعية والعلمية وغيرها، ويتم كل ذلك على حساب القيم الاجتماعية، والتقاليد، والأعراف والهويات والثقافات الموروثة. وفي هذه الحالة تشتعل الصراعات الحادة، ويحصل التطرف، وينشق المجتمع إلى شقين متصارعين متطرفين إلى حد الصدام الدموي. وهذا ما أسماه العلامة علي الوردي بـ(التناشز الاجتماعي) أو التنافر. و لا نجد هذا الصراع في العراق أو الدول العربية والإسلامية فحسب، أو بين الشرق والغرب كما ذكر ساميول هنتنغتون في كتابه (صدام الحضارات)، بل وحتى بين الدول الغربية المتقدمة نفسها بما فيها أمريكا، الدولة العظمى، وحتى داخل كل دولة ومجتمع. وهذه التحولات السريعة هي نتاج العولمة على حساب الهويات الوطنية والقومية والدينية. وما انتصار ترامب في الانتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، وفوز أنصار خروج بريطانيا من الوحدة الأوربية (Brexit)، وتصاعد اليمين المتطرف في أوربا، إلا دليل على تفشي هذه الظاهرة.

في هذه المداخلة أود توضيح دور أمريكا فيما يجري في العالم من إرهاب وصراعات وحروب، وهل لها علاقة بإستراتيجيتها الثابتة، أم كل ما يجري، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، هو مجرد نتاج الإسلام، والنصوص الدينية المقدسة الداعية للتطرف في محاربة غير المسلم أو المختلف، والصراعات الطائفية بين السنة والشيعة كما يبدو لنا في الظاهر؟

فقد كتبت قبل عشرة أعوام مقالاً بعنوان: (حول إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط)(1)، ذكرت فيه عن الثوابت الأمريكية وحلفائها، بدأته بما يلي: "هناك شبه إجماع لدى الباحثين في شأن الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ، لأمريكا أربعة ثوابت لا يمكن أن تتخلى عنها، ومستعدة من أجلها خوض حرب ضروس إذا ما تعرض أي منها إلى الخطر. وهذه الثوابت بطبيعة الحال تمس المصالح الأمريكية الأساسية بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي كالتالي:
1- ضمان أمن وسلامة إسرائيل،
2- ضمان تدفق النفط للغرب،
3- ضمان أمن وسلامة الدول العربية الحليفة لأمريكا في المنطقة، وخاصة المصدرة للنفط منها (أي الخليجية).
4- عدم السماح لأية دولة غير حليفة لأمريكا بامتلاك السلاح النووي وغيره من سلاح الدمار الشامل الذي من شأنه أن يهدد الثوابت الثلاثة الأولى.

هذه الاستراتيجية مازالت قائمة وفاعلة وغير قابلة للتغيير في المستقبل المنظور. وما جعلني أن أعود إلى هذا الموضوع، هو ظهور إستراتيجية أمريكية أخرى للعيان لم نكن ندركها من قبل، بل ورغم بروزها الآن، مازال كثيرون يرفضون التصديق بها، حتى بعد افتضاحها على لسان الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، وإذا ما أشرنا إليها وأكدناها بالدليل القاطع، رفعوا في وجوهنا سلاح "نظرية المؤامرة".
هذه الاستراتيجية الأمريكية في الحقيقة ليست جديدة، بل قديمة منذ انتصار الحلفاء بقيادة أمريكا على دول المحور في الحرب العالمية الثانية. و الاستراتيجية هي: عدم السماح لأية دولة أن تصبح عظمى تنافس أمريكا في النفوذ والهيمنة على العالم. والجديد في الأمر أن ترامب كشف عن هذه الحقيقة متباهياً بأن بلاده في عهده ستستعيد عظمتها، وراح يلمِّح بأنه لن يسمح بظهور أية جهة منافسة لها حتى ولو كانت حليفة مثل الوحدة الأوربية، لذلك بدأ حملته ضد الوحدة الأوربية وجميع الاتحادات الاقتصادية الأخرى والعمل على تفتيتها.

إلا إننا في العراق نواجه مجموعتين متطرفتين في الموقف من أمريكا. مجموعة ترى في أمريكا الشر المطلق، وعلى الحكومة العراقية مواجهتها بالرفض حتى ولو تطلب الأمر فناء الشعب العراقي بأجمعه. وشعارهم: (الموت واقفاً على قدميك أفضل من العيش جاثياً على ركبتيك!!)، يعني (شيِّم البدوي وخذ عباته) وأدفعه إلى الهاوية، وكأن ليس أمام العراقيين سوى هذا التطرف، إما الانبطاح أو الانتحار الجماعي. في الحقيقة أن هؤلاء، خاصة الذين هم من خلفية بعثية، ليس قصدهم محاربة أمريكا، بل إفشال العملية السياسية، ودعم الإرهاب الداعشي بحجة الكرامة والسيادة الوطنية، والموت واقفاً!! لأن لهم لوبيات نشيطة في واشنطن يلعقون أقدام الأمريكيين من أجل مساعدتهم على إلغاء الديمقراطية وإعادة الحكم لهم.
ومتطرفون آخرون يرون في أمريكا مؤسسة خيرية إنسانية نبيلة تسعى لمصلحة العالم دون أي مقابل!! وأي انتقاد معقول نوجهه لأمريكا يتهموننا بنكران الجميل. وإذا ما خالفنا هذين الطرفين المتطرفين، اتهمنا الطرف الأول بالإنبطاح لأمريكا على حساب الكرامة والسيادة الوطنية، أما الطرف الثاني فيتهمنا بأننا وقعنا في فخ نظرية المؤامرة، ونكران الجميل لما لأمريكا من فضل على العراق بتحريره من أبشع نظام همجي عرفه التاريخ. نحن لسنا مع هؤلاء ولا أولئك، ولسنا من ناكري الجميل ولا من دعاة محاربة أمريكا، بل نتبع فن الممكن، وما يخدم شعبنا بدون أي تطرف، لنكسب أمريكا إلى جانبنا لما تتمتع به من إمكانيات عسكرية وعلمية واقتصادية يمكن الاستفادة منها.

فلو تأملنا كل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط من صراعات دموية بواجهة الصراع الطائفي والتهميش، تنفذها التنظيمات الوهابية البعثية الإرهابية، لوجدنا أن لها علاقة بالإستراتيجية الأمريكية وأمن إسرائيل. ونشير هنا إلى مقالنا الموسوم (هل داعش صناعة أمريكية؟)(2)، وكذلك كتاب الباحث الإماراتي الأكاديمي الدكتور جمال سند السويدي، الموسوم (آفاق العصر الأمريكي-السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد)، والذي كتبنا عنه مراجعة ندرج رابطها في الهامش(3).

هناك أدلة واضحة وكثيرة تؤكد الاستراتيجية الأمريكية في محاربة أية دولة تنافسها في المكانة والنفوذ وذلك كما يلي:
أولاً، كل هذا الصراع في سوريا وليبيا واليمن والعراق هو لمحاربة النفوذ الروسي - الإيراني وعدم السماح لروسيا بمنافسة أمريكا في النفوذ، ولأن هذه الدول ترفض المصالحة وتطبيع العلاقة مع إسرائيل.
ثانياً، علاقة السعودية والدول الخليجية الأخرى كانت حميمة جداً مع إيران في عهد الشاه، وبدون أي صراع طائفي في المنطقة، لأنها (إيران الشاه) كانت على علاقة حميمة مع إسرائيل وأمريكا، وقامت بدور شرطي الحراسة في حماية الدول الخليجية من أية حركة يسارية، رغم أن إيران كانت شيعية في عهد الشاه، ولدينا فيديو يبين الاستقبال الحافل مع رقصة أمراء العائلة المالكة السعودية للشاه عند زيارته للسعودية في الخمسينات من القرن الماضي.(فيديو رابط رقم 4)، مما يؤكد أن عداء هذه الدول لإيران وإثارة الطائفية ناتج عن عداء الأخيرة لأمريكا وإسرائيل.
ثالثاً، تم تفعيل وتفجير الألغام الطائفية (الصراع السني- الشيعي)، من قبل مشايخ الوهابية السعودية، وبدفع من أمريكا وحلفائها في الغرب والمنطقة، لتجييش الجماهير، وبث الفرقة والعداء بين أبناء الشعب الواحد، لأغراض سياسية وليس لأسباب فقهية، أو دينية كما يتصور بعض المتطرفين من الطرف الآخر.
رابعاً، تم خلق المنظمات الإرهابية وخاصة داعش وغيرها لاستخدامها هراوة لضرب أية حكومة تبدي علاقة ودية لروسيا والعداء لإسرائيل أو لأمريكا. وهذا هو سبب دعم السعودية وقطر وتركيا لداعش وجبهة النصرة تنفيذاً لأوامر أمريكا. (نفس المصدر-2)
خامساً، وهو البيت القصيد، أن العداء الأمريكي لم يتوقف على روسيا والصين فحسب، بل وتعداه حتى إلى الوحدة الأوربية. لأن أمريكا، سواءً في عهد المسالم أوباما، أو اليميني المتطرف ترامب، لا تسمح بتقدم دولة أو إتحاد دول مثل الوحدة الأوربية، لتصبح قوة اقتصادية وعسكرية عظمى تنافس أمريكا. وهذا هو سبب تجسس المخابرات الأمريكية على تلفونات الزعماء الأوربيين من أمثال أنجيلا ميركل، وفرانسوا أولاند وغيرهما في عهد أوباما. كذلك قام ترامب منذ حملته الانتخابية بتشجيع أنصار خروج بريطانيا من الوحدة الأوربية، واستقبل اليميني البريطاني المتطرف نايجل فراج زعيم حزب (UKIP) عدة مرات خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه، وأثنى عليه بأنه أستعاد استقلال بلاده (بريطانيا) من الهيمنة الأوربية، وراح يشجع بقية دول أعضاء الوحدة بالخروج منها. كذلك أعلن أنه لن يتفاوض مع الوحدة الأوربية من خلال إدارتها المشتركة في بروكسل، بل مع كل دولة على حدا. والغرض من ذلك تفكيك الوحدة الأوربية وفرض شروطه عليها، لأنه رأى في هذه الوحدة تهديد لنظام القطب الواحد. وهذا الإمعان في سلوك الإدارة الأمريكية الجديدة، دفع ممثلة الشؤون الخارجية للوحدة الأوربية السيدة فدريكا موغيريني للقيام بزيارة إلى واشنطن والتوسل بإدارة ترامب بعدم دعم الحركات اليمينية المتطرفة في أوربا وتشجيعها على مغادرة الوحدة الأوربية، لأن في هذه السياسة نهاية الغرب. وأخيراً وافق ترامب في التفاوض مع الوحدة الأوربية في التبادل التجاري بدلاً من التفاوض مع كل دولة على انفراد، لأنه رأى الحالة الأخيرة  تستغرق وقتاً وجهداً بلا حدود.

ومن كل ما تقدم، نستنتج أن أمريكا هي ضد أية دولة أو إتحاد دول، حتى ولو كانت صديقة وحليفة لها يمكن أن تنافسها في النفوذ والهيمنة على العالم، وبالأخص منطقة الشرق الأوسط. ولإبراز عضلاته العسكرية، قام ترامب بقصف سوريا، وإلقاء "أم القنابل" على كهوف داعش في أفغانستان، والتهديد بضربة نووية ضد كوريا الشمالية، أي دفع العالم إلى حافة حرب نووية. ربما أغلب هذه الضربات هي بهلوانية من أجل إثارة مخاوف العالم من جبروت أمريكا، إلا إن الغريب حتى زعماء دول الوحدة الأوربية الذين تشاءموا من فوز ترامب، وقفوا أخيراً متحدين إلى جانب ترامب في عمليات إبراز عضلاته العسكرية ضد الدول المعتدى عليها وضد روسيا. (راجع مقال روبرت فسك،5).

هذه هي أمريكا، فماذا يستطيع رئيس الوزراء العراقي عمله وهو يواجه أبشع حرب إرهابية متوحشة، وشعبه متشرذم، وهناك كيانات سياسية مستعدة للتحالف مع الشيطان لتدمير الحكومة العراقية.
هذا هو موضعنا القادم: موقف العراق من أمريكا بين الممكن، والدمار الشامل
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبدالخالق حسين: حول إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط
http://www.aafaq.org/masahas.aspx?id_mas=859

2- د.عبدالخالق حسين: هل داعش صناعة أمريكية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=711

3- عبدالخالق حسين: قراءة في كتاب: آفاق العصر الأمريكي -السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=695

 4- الملك سلمان وهو يرقص لشاه ايران ... استقبال آل سعود للشاه الرافضي الفارسي حينما كانا حلفاء بعض مع أمريكا وإسرائيل استقبالا مبجلا و سلمان يركص ركص يعجبكم
https://www.facebook.com/eisaasd/videos/802594806483915/

5- مقال روبرت فيسك
Robert Fisk: Let’s just briefly take a look at Trump’s reaction to Recep Tayyip Erdogan’s dodgy referendum, which has given him a Caliph’s power over Turkey.
http://www.independent.co.uk/voices/donald-trump-first-100-days-madder-he-gets-more-seriously-world-takes-him-robert-fisk-a7694511.html

111
فوز إردوغان انتصار الريف على المدينة

د.عبدالخالق حسين

لم نفاجأ بنتائج الاستفتاء الشعبي الذي جرى في تركيا يوم الأحد المصادف 16/4/2017 ، والذي تمخض بفوز ما أراده الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في تعديل الدستور لصالحه من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، الذي يمنحه سلطات واسعة بلا رقابة عليها. و جاءت النتيجة بفارق ضئيل جدا 51.41% في صالح التعديل مقابل 48.59% ضده. فالحملة الدعائية الأحادية الجانب التي سبقت الاستفتاء، كانت تقود إلى هذه النتيجة. وقد طعن بولنت تزجان نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري في تركيا في نتيجة التصويت لما وصفه بأنه خروقات، من بينها استخدام أوراق تصويت غير مختومة. وطالب بإعادة فرز 60 في المئة من الأصوات، وحتى بإلغاء الاستفتاء، وإنه سيتحداه أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. كما طعن حزب الشعب الديمقراطي الموالي للأكراد في نتائج الاستفتاء أيضا.

والجدير بالذكر أن المدن الكبرى مثل اسطنبول وأنقرة، و أزمير صوتت ضد التغيير. وكذلك صوت الأكراد في الجنوب الشرقي بـ(لا). بينما معظم الأصوات المؤيدة للتغيير جاءت من الأرياف حيث غالبية السكان متدينين وأميين وليسوا معنيين بالديمقراطية، ومن السهولة خداعهم باسم الدين. إذ غني عن القول أن سكان المدن وخاصة الكبرى منها هم أكثر ثقافة و وعياً بالسياسة، وفهماً للديمقراطية وشروطها وأهميتها في حياة الإنسان من سكان الأرياف. وبذلك فقد أثبت هذا الاستفتاء أن تركيا كأية دولة من العالم الثالث، لم تتخلص بعد من سيطرة ثقافة الريف على المدينة. وكان إردوغان قد اعتمد في تجييش الريف لتحقيق أغراضه، وخاصة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.

تجاوزات الحملة الإعلامية للإستفتاء
بشهادة المراقبين الدوليين، حصلت تجاوزات كثيرة إثناء الحملة الدعائية التي سبقت الاستفتاء، وتقصير متعمد في عدم توضيح القصد من الاستفتاء، وذلك كما يلي:
1- أفاد المراقبون الدوليون ومراسلو الإعلام العالمي أن الحملة الدعائية كانت أحادية الجانب، فمعظم الإعلانات والصحافة والمحطات التلفزيونية الحكومية كانت تروِّج لمعسكر(نعم)، أي لصالح التغيير، وبمساعدة الأجهزة الحكومية التي ضيقت الخناق على المعسكر الآخر (لا). إذ لم تكن هناك مناقشات تلفزيونية بين أنصار التغيير ومعارضيهم كالتي نشاهدها في حالة الاستفتاءات والانتخابات الغربية.
2- اعتمد أنصار إردوغان على تشويه سمعة وصورة المعارضين للتغيير بأن الذين يرفضون التعديل هم مع الإرهاب وخونة للوطن.
3- لم يوضحوا للشعب ماذا يعني تغيير الدستور من تعديلات ومنح رئيس الجمهورية الذي كان شرفياً إلى رئيس تنفيذي يحصر في يده صلاحيات واسعة، أشبه بالنظام الأمريكي والفرنسي، والذي قد يصلح للديمقراطيات الناضجة، ولكنه لا يصلح لديمقراطية غير ناضجة في بلدان العالم الثالث، وخاصة لرئيس مثل إردوغان المعروف بتعطشه للإستبداد، وتحوله إلى سلطان عثماني في القرن الحادي والعشرين يحلم بإعادة مجد الإمبراطورية العثمانية.
4- لم يكن على بطاقة التصويت في الاستفتاء سوى خيار "نعم" و "لا"،

أهم التعديلات الدستورية كما يلي:
أ- تهميش دور البرلمان وحصر السلطات بيد رئيس الجمهورية الذي من صلاحياته حل البرلمان وإعادة الانتخابات في أي وقت يشاء،
ب- إلغاء منصب رئيس الوزراء، ونقل مسؤولياته إلى رئيس الجمهورية،
ج- رئيس الجمهورية يصبح رئيساً تنفيذياً، وهو الذي يختار الوزراء ويقيلهم متى شاء،
د- رئيس الجمهورية هو الذي يعيِّن كبار القضاة، ونائب أو نائبين له،
هـ- إعداد الميزانية، وسن قوانين معينة بمراسيم رئاسية.
و- يُحرم البرلمان من حقه في استجواب الوزراء أو المطالبة بتحقيقات في أدائهم،
ز- الرئيس مخوَّل بإعلان حالة الطوارئ متى ما أراد ، وتركيا الآن في حالة الطوارئ منذ المحاولة الإنقلابية الفاشلة، ومددها الآن لثلاثة أشهر أخرى،

وبناء على ما تقدم، فهذا يعني حصر السلطات التي كانت في النظام البرلماني بيد البرلمان إلى نظام دكتاتوري مستبد، أي ما يسمى بدكتاتورية منتخبة.
ونظراً للسلبيات التي رافقت الحملة الدعائية قبل الاستفتاء، وضآلة الفارق بين المؤيدين والمعارضين للتغيير، فالمراقبون الدوليون وأغلب المعلقين السياسيين يطعنون في مصداقية ما تمخض عنه هذا الاستفتاء.

ولذلك نعتقد أن إردوغان الذي يتزعم حزباً إسلامياً باسم (العدالة والتنمية)، وهو الاسم الحركي المضلل الخادع لحزب (الأخوان المسلمون) التركي،  قاد بلاده من نظام برلماني ديمقراطي إلى نظام دكتاتوري من شأنه مواصلة عملية أسلمة المجتمع التي بدأها على نار هادئة قبل 14 عاماً، والتخلي عن العلمانية الديمقراطية التي أسسها مصطفى كما أتاتورك عام 1923. وهذه ردة حضارية، ورجوع إلى الوراء، وكارثة على الشعب التركي وحتى على دول المنطقة.
وفي هذا الخصوص كتب يافوز بيدر، أحدد مؤسسي منصة P24 للصحافة المستقلة في تركيا مقالا في صحيفة الغارديان بعنوان "الجمهورية التركية كانت مريضة، وبعد الاستفتاء أصبحت ميتة". قال فيه: "أن تركيا التي نعرفها انتهت، أصبحت تاريخا". ويشبه الكاتب  الوضع بالأحداث التي وقعت في ألمانيا بدءا من عام 1933: "حريق الرايخستاغ، وليلة السكاكين الطويلة، ثم الاستفتاء الذي أعقب ذلك عام 1934، كما أن التاريخ يكرر نفسه بطريقة القص واللصق".

إن فوز إردوغان نموذج واضح للدكتاتورية المنتخبة، وأفضل تعبير عن هذه الحالة المؤسفة والمقلقة جاء على لسان رئيس الوزراء الدنماركي لارس لوك راسموسن على حسابه على موقع تويتر: "من الغريب أن نرى الديمقراطية تقيِّد الديمقراطية. الأغلبية لها الحق في أن تقرر، لكنني قلق جدا بشأن الدستور التركي الجديد".
والجدير بالذكر، أن كل رؤساء العالم تشاءموا وأعربوا عن قلقهم وحذرهم من فوز إردوغان، إلا واحداً وهو الرئيس الأمريكي ترامب الذي هنأه بالفوز، ولا غرابة في ذلك إذ كما قال المثل: (الطيور على أشكالها تقع).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
استفتاء تركيا: حذر أوروبي بعد فوز حملة "نعم" بفارق ضئيل
http://www.bbc.com/arabic/world-39620405





112
لماذا نؤيد أمريكا في العراق، ونعارضها في سوريا؟

د.عبدالخالق حسين

سألني عدد من القراء الأفاضل: لماذا تؤيد أمريكا في العراق، وتعارضها في سوريا؟ أليس في هذا الموقف ازدواجية؟ فأمريكا هي أمريكا، وراء مصالحها، سواءً كانت في العراق أو سوريا، أو أي بلد آخر... وليس لسواد عيون الشعوب، و أن البعث هو بعث، سواءً كان في العراق أو في سوريا، وبشار الأسد لا يختلف عن صدام حسين...الخ. ولا ننسى أن بشار الأسد كان يجند الإرهابيين من شذاذ الآفاق، وبمساعدة السعودية والدول الخليجية الأخرى يوم كان على وئام معهم، ويرسلهم إلى العراق لقتل العراقيين الأبرياء وتدمير مؤسساتهم الاقتصادية، فلماذا هذا الدفاع عن النظام البعثي في سوريا؟

وفي سجال مع صديق، قال: (ان ما يريده نظام الأسد هو ان يصبح خيار العالم هو بينه وبين داعش، لذلك تعمد ان لا يحاربها في أول الأمر، وركز على محاربة القوى الأخرى لأنها تشكل خطراً اكبر على نظامه كونها تمثل معارضة شرعية لدكتاتوريته البعثية العائلية.) ويضيف: (لا اعتقد ان نظاماً أدى الى تهجير ثلث شعبه ومقتل مئات الآلاف من الممكن اعادة تأهيله، لأنه مرفوض من قبل غالبية شعبه. ومن الضروري ان نتذكر ان غالبية اللاجئين والدمار في المدن السورية هو بفعل قوات النظام وليس عمليات داعش على العكس من الوضع في العراق)). انتهى الاقتباس.

لا شك أن أغلب هذه الاعتراضات صحيحة ومشروعة، فقد عانى الشعب العراقي الكثير من الإرهابيين الذين أرسلهم بشار الأسد إلى العراق إلى أن أنقلب السحر على الساحر، ولكن كعراقيين، نحن نواجه اليوم أزمة كبيرة ومعقدة، اختلطت فيها الأوراق، وتداخلت فيها الخنادق كما يقولون. وعليه يجب أن نكون دقيقين وحذرين في التمييز بين الوضع في البلدين.

في البدء، أود أن أؤكد على مسألتين: الأولى، أن الوضع العراقي سواءً في عهد صدام، أو بعده، يختلف كلياً عن الوضع السوري، إذ ليس هناك تشابه بينهما إلا في اسم الحزبين (البعث). وهناك مبدأ طبي يقول: (Every case should be treated on its merits)، أي (كل حالة يجب أن تعالج وفق استحقاقها). وهذا المبدأ صحيح في جميع المجالات وبالأخص في السياسة. ولكن المشكلة أن هناك من لا يرى إلا اللونين الأسود والأبيض فقط، ولا يرى الألوان الأخرى، أو المساحة الرمادية التي يختلط فيها الأسود والأبيض.

والمسألة الثانية، أنه من حقنا التمسك بحرية التعبير عن موقفنا من أمريكا و إيران و سوريا، أو أية دولة أخرى، و حسب ما تتخذه حكومات هذه الدول من مواقف وإجراءات، نراها صائبة أو خاطئة وفق اجتهاداتنا. نؤيدها إن كانت صائبة، ونعارضها إن كانت خاطئة. وهذه الصراحة في التعبير عرضتنا إلى اتهامات بالعمالة لهذه الجهة أو تلك، أو بالتذبذب في المواقف. وعلى سبيل المثال هناك كاتب يتهم كل من يختلف معه في الرأي بالعمالة لأمريكا وإسرائيل!!. لذلك نقول لهؤلاء أن عملاء أمريكا وإسرائيل هم الذين يشتمونهما في العلن ويخدمونهما في السر. نحن نؤيد أمريكا في العراق لأنها حررت الشعب العراقي من أبشع نظام همجي في التاريخ، والآن تساعده في حربه الضروس على الإرهاب البعثي الداعشي المتوحش ولسنا من ناكري الجميل. وننتقد أمريكا في سوريا لأنها قصفت مطاراتها بناءً على فبركة استخدام السلاح الكيمياوي وهي تهمة باطلة، بدليل أنها (أمريكا) لحد الآن تعارض التحقيق في مصدر السلاح الكيمياوي في خان شيخون.
 
لذلك لا أرى  في موقفي هذا أي ازدواجية أو تذبذب كما يرى البعض، بل أعمل وفق الاختلاف بين ظروف البلدين، و ما أتوقعه من نتائج لما يجري فيهما، وذلك كما يلي:
أولاً، أنا لا اعتقد أن (بشار تعمد ان لا يحارب داعش، وركز على محاربة القوى الاخرى). إذ هكذا تم تخطيط لما سمي بانتفاضة "الربيع العربي" عند اندلاعها عام 2011 في سوريا، بتظاهرة قام بها تلامذة مدرسة ابتدائية في درعة، وانتشرت في العديد من المدن الأخرى وبسرعة تحولت إلى "انتفاضة" مسلحة تقودها منظمات إسلامية متطرفة مثل جبهة النصرة والأخوان المسلمين، ومن ثم داعش، وعشرات التنظيمات الإسلامية المتوحشة الأخرى التي عملت كل ما في وسعها لتدمير الحضارة وآثارها التاريخية وحرق البشر والشجر وكل شيء جميل في سوريا. والكل يعرف أن هذه التنظيمات كانت وما زالت ممولة ومدعومة من قبل السعودية وقطر وتركيا.
وليس صحيحاً أن الجيش السوري لم يحارب داعش وأخواتها، بل قام هذا الجيش، وبدعم من حلفاء سوريا بتحرير محافظة حلب وتدمر ومناطق عديدة أخرى كانت محتلة من قبل داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية المتوحشة.
وربما المقصود بالقوى الأخرى، ما يطلق عليها في الغرب بـ(المعارضة المعتدلة)، التي تناضل من أجل الديمقراطية العلمانية. بينما الكل يعرف أن المعارضة الديمقراطية العلمانية الحقيقية لا تحمل السلاح إلا نادراً وفي حالة الدفاع عن النفس فقط، لأنهم أناس مثقفون مسالمون يريدون الإصلاح السياسي بالوسائل السلمية وليس بحرق البشر وهم أحياء. أما المعارضة "المعتدلة" التي تحمل السلاح، وتدعمها أمريكا، فبشهادة صحيفة الإندبندت اللندنية، هي غير موجودة إلا في الإعلام الغربي. وعلى سبيل المثال قامت أمريكا بتدريب نحو 150 مقاتلاً سورياً "معتدلاً" في أمريكا، وجهزتهم بأحدث الأسلحة والتكنولوجية الحربية المتطورة، وصرفت عليهم وعلى تجهيزاتهم ما قدر بنصف مليار دولار. ولكن بعد إكمال تدريبهم، ما أن دخلوا سوريا عبر الحدود مع تركيا، حتى وانضموا إلى داعش بكامل تجهيزاتهم. و لا أعتقد أن الاستخبارات الأمريكية غبية إلى هذا الحد بحيث لم تكن تعرف حقيقة هؤلاء المعارضين "المعتدلين". ومن هنا نعتقد أن أمريكا تعمدت في التظاهر بالغفلة لتدريب الدواعش القتلة مموهين بثياب الاعتدال والديمقراطية.

ثانياً، إن إنتفاضة الشعب السوري ليست عفوية كما حصل في تونس وغيرها، بل خطط لها في الدوائر الغربية. ففي مقابلة تلفزيونية مع المحطة الفرنسية (LCP)، كشف الوزير الفرنسي للشؤون الخارجية السابق رولان دوما، أنه تم التخطيط للحرب ضد سوريا قبل عامين من "الربيع العربي"، إذ قال: (كنت في إنجلترا لأعمال الأخرى قبل عامين من بدء العنف في سوريا. التقيت مع كبار المسؤولين البريطانيين الذين اعترفوا لي أنهم كانوا يستعدون لشيء في سوريا... وكان ذلك في بريطانيا وليس في أمريكا. وكانت بريطانيا تقوم بتنظيم المتمردين لغزو سوريا. وطلبوا مني إذا كنت راغباً في المشاركة على الرغم من أنني لم أعد وزير الشؤون الخارجية آنذاك،... وبطبيعة الحال رفضتُ، وقلت أنا فرنسي لا مصلحة لي في هذا الشأن). التقرير الكامل في الهامش(1)، ولقطة فيديو قصيرة (دقيقة ونصف) مترجم إلى العربية (2) من المقابلة. كما ويرجى مشاهدة (خطاب السفير السوري د.بشار الجعفري في مجلس الأمن يوم 12-4-2017)(هامش رقم 3) 

ثالثاً، وعليه فقد تم تحريض وتجييش الشعب السوري، وتنظيم العصابات الإرهابية ضد حكم بشار الأسد بإثارة الطائفية، وبتمويل ودفع من السعودية وقطر وتركيا، وأمريكا وبريطانيا، لأسباب معروفة وهي تقارب الأسد مع إيران وروسيا، ورفضه المصالحة وتطبيع العلاقة مع إسرائيل.
بالمناسبة، أنا لست ضد المصالحة مع إسرائيل على شرط ضمان حقوق الشعب الفلسطيني بقيام دولته المستقلة. وبالتأكيد لم يكن قصد السعودية وقطر وتركيا إقامة نظام ديمقراطي في سوريا، فـ"فاقد الشيء لا يعطيه".

رابعاً، صحيح أن بشار الأسد هو بعثي ودكتاتور، إلا إنه لم يكن بشراسة وغطرسة صدام حسين. فجرائم البعث الصدامي ضد الشعب العراقي وشعوب المنطقة لا تعد ولا تحصى، يعرفها الجميع ولا أرى ضرورة لذكرها. ولا ننسى أن البعث السوري قد استضاف المعارضة العراقية في عهد صدام بجميع فصائلها وانتماءاتها الدينية والقومية، واتجاهاتها الأيديولوجية والسياسية: القومية والإسلامية واليسارية والكردية وغيرها دون أي تمييز.

خامساً، إن التدخل الأمريكي في العراق كان ومازال في صالح العراق. فوضع العراق في عهد صدام لم يشبه وضع سوريا الآن، إذ لم يكن نصف مساحته محتلة من قبل داعش وجبهة النصرة كما الحال في سوريا الآن، عدا كردستان التي كانت شبه مستقلة ومحمية من قبل أمريكا وبريطانيا منذ عام 1991 بقرار من الأمم المتحدة، ومازالت كردستان شبه مستقلة. وقد حاول الشعب العراقي مراراً التخلص من البعث الصدامي من خلال انتفاضاته المسلحة التي باءت بالفشل وانتهت بمئات المقابر الجماعية، والغازات السامة، والأنفال، وفرار خمسة ملايين في الشتات. لذلك لم يكن أمام المعارضة العراقية في الداخل والخارج سوى مطالبة المجتمع الدولي بقيادة أمريكا لتحريره من هذا النظام المتوحش. بينما أمريكا في سوريا تريد إسقاط حكم بشار الأسد على الطريقة التي اسقطت بها حكومة معمر القذافي في ليبيا بالقصف الجوي عن بعد وتخريب البلاد وقتل العباد، وترك الشعب في فوضى عارمة بلا حكومة، نعرف نتائجها الآن في ليبيا.

سادساً، في الحالة العراقية عملت أمريكا لتحرير العراق، ليس من النظام الجائر فحسب، بل وحتى من ديونه التي بلغت مئات المليارات الدولارات، وتعويضات الحروب العبثية التي أشعلها صدام حسين في المنطقة، إضافة إلى ما ساهمت به أمريكا بعشرات المليارات الدولارات لإعمار العراق. أما التداعيات التي حصلت ما بعد تحرير العراق، فهي من نتاج فلول البعث بدعم وتحريض وتمويل دول الجوار مثل السعودية وقطر وتركيا، التي أشعلت الفتن الطائفية وإرسلت الإرهابيين لقتل العراقيين بغية إفشال العملية السياسية ووأد الديمقراطية. ولكن بفضل يقظة المخلصين من أبناء شعبنا، و وجود القوات الدولية بقيادة أمريكا، صمدت العملية السياسية ونجحت الديمقراطية رغم الظروف الصعبة وضجيج الإعلام المضاد لتشويه صورتها.

سابعاً، لو كان رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي مرناً بما فيه الكفاية، وعمل بفن الممكن في السماح لبقاء عدة آلاف من القوات الأمريكية في العراق، لما تمكنت داعش من احتلال ثلث مساحة العراق، وما كلف ذلك من دمار و دماء ودموع العراقيين لتحرير هذه المناطق الآن. لذلك نعتقد أن وجود القوات الأمريكية في العراق عند تحريره، وحالياً ومستقبلاً، ضرورة ملحة تفرضها ظروف العراق ومصلحته وأمنه وسلامته ورفاه شعبه، وسنأتي على هذا الموضوع بمقال لاحقاً.

ولكل ما سبق، ولأسباب أخرى كثيرة، نعتقد أن الوضع السوري يختلف كلياً عن الوضع العراقي، فعند إسقاط نظام البعث الصدامي، كان العراق تحت سيطرة القوات الدولية بقيادة أمريكا، التي حافظت  على أرواح الناس من أعمال انتقامية على قدر الإمكان، وساعدت في إقامة  نظام ديمقراطي ضم جميع مكونات الشعب العراقي، بينما إذا ما سقط نظام بشار الأسد الآن، فليس هناك أي بديل ديمقراطي يحل محله، ولا قوات أمنية قادرة سورية أو أجنبية لحماية أرواح الناس وممتلكاتهم من الأعمال الإنتقامية، إذ كما صرح سفير أمريكي سابق لدى الحلف الأطلسي في مقابلة له مع البي بي سي، محذراً من مغبة إسقاط حكومة بشار الأسد، لأن إسقاط الأسد سيترك فراغاً أمنياً وسياسياً يملأه الإرهابيون المتعطشون للدماء، والانتقام من الأقليات الدينية وإبادتها. وبالتالي إقامة نظام التوحش والفوضى العارمة الهدامة، شبيهاً بنظام طالبان في أفغانستان، أو على الأقل شبيهاً بما حصل في ليبيا. أما في العراق فلو كان البديل عن صدام حسين هو الإرهاب الداعشي لاخترنا نظام صدام. ولكن لحسن الحظ كان البديل هو المعارضة الديمقراطية التي ملأت الفراغ وأقامت نظاماً ديمقراطياً يضم ممثلين لجميع مكونات الشعب العراقي دون إستثناء، وحسب ما أفرزته صناديق الاقتراع، وبرعاية الأمم المتحدة ودعم القوات الدولية بقيادة أمريكا.

خلاصة القول، إذا كان المطلوب منك أن تختار بين الخير والشر، فلا تحتاج إلا إلى ذكاء الإنسان العادي لتختار الخير. ولكن أن تختار بين الشر والشر، فهنا تحتاج إلى أكثر من الذكاء العادي، إذ تحتاج إلى الحكمة التي تحتم عليك أن تختار الأقل شراً، أي أهون الشرين. و بما إن بشار الأسد أقل شراً من داعش وجبهة النصرة وبقية شلة التوحش، فمن الحكمة والأفضل دعمه في هذه المرحلة العصيبة، خاصة وأن الرجل أخذ درساً بعد كل هذه الكوارث، وهو على استعداد لإجراء التغيير بعد تطهير سوريا من دنس الوهابيين الدواعش، وترك الأمر للشعب السوري ليقرر مصيره، ودون إغراق سوريا في فوضى عارمة كما حصل في الصومال بعد محمد سياد بري، أو أفعانستان في عهد طالبان، أو ليبيا بعد القذافي، وهو خطر وبيل على جميع دول المنطقة.
ومن كل ما سبق من اختلاف بين البلدين، أرى من الحكمة تأييد الدور الأمريكي في العراق، ومعارضته في ضرب سوريا. أي معالجة كل حالة وفق استحقاقها.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
مصادر
1- شهادة لوران ديما وزير خارجية فرنسا السابق تتعلق بما يجري بسورية في 15/6/2013
  Former French Foreign Minister: The War against Syria was Planned Two years before “The Arab Spring”
http://www.globalresearch.ca/former-french-foreign-minister-the-war-against-syria-was-planned-two-years-before-the-arab-spring/5339112

2- لقطة فيديو (دقيقة ونصف) مترجمة إلى العربية من المقابلة التلفزيونية، قنبلة فرنسية فجرها لوران ديما وزير خارجية فرنسا السابق تتعلق بما يجري بسورية
https://www.youtube.com/watch?v=qe98iMZXUPs

3- خطاب السفير السوري د.بشار الجعفري في مجلس الأمن 12-4-2017 (فيديو 20 دقيقة)  https://www.youtube.com/watch?v=InGHVRUP3Ng&app=desktop   

روابط لمقالات أخرى للكاتب، ذات صلة بالموضوع
أغراض القصف الأمريكي لسوريا
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=896

الهجوم الأمريكي على سوريا إلى أين؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=895

ما الغاية من مجزرة الموصل؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=893

من المسؤول عن مجزرة الموصل؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=892



113
أغراض القصف الأمريكي لسوريا

د.عبدالخالق حسين

قيل الكثير عن أغراض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قصفه لسوريا فجر يوم الجمعة 7 نيسان/أبريل 2017. فما أعلنه هو أنه تأثر بمشهد طفل رضيع وهو يموت بسبب الغازات السامة التي أتهم بها بشار الأسد في ضرب مستودع للمعارضة في خان شيخون، والتي راح ضحيتها 89 شخصاً بينهم أطفال، بينما القصف الجوي الأمريكي لمطار الشعيرات في حمص، الذي أدعى ترامب أن الأسلحة الكيمياوية خرجت منه، قتل أربعة أطفال، إلى جانب خمسة جنود، ولا أدري ما الفرق في قتل الأطفال، سواءً كان بالسلاح الكيمياوي أو التقليدي. في حين أكدت وزارة الدفاع الروسية إن الطائرات السورية شنت هجوما في المنطقة على مستودع تصنع فيها جماعة مسلحة سورية أسلحة بمواد سامة للاستخدام في العراق. وفعلاً استخدم الكيمياوي في الموصل من قبل داعش ضد القوات العراقية.

هناك عدة أغراض لترامب في قصف سوريا:
أولاً، استعادة سمعته في أمريكا بعد أن هبطت شعبيته إلى الحضيض بسبب ما أشيع عن علاقاته التجارية الودية السابقة مع موسكو، وتودده إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث مدحه مراراً إثناء حملته الانتخابية، و وعد بأنه مستعد للعمل معه في سبيل القضاء على الإرهاب الإسلامي والمصالح المشتركة الأخرى...الخ، وهذا محرم (تابو) في التقاليد الغربية. كذلك الضجة التي أثيرت حول أكذوبة تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح ترامب ضد منافسته هيلاري كلينتون.
فهذا الانفتاح على موسكو هو خروج على المألوف والثوابت الغربية الداعية إلى التوتر في العلاقة، لذلك فقد أساء ترامب إلى سمعته لدى المؤسسة الأمريكية المتحكمة، و لدى حلفاء أمريكا في الخارج، وخاصة دول حلف الأطلسي (NATO). فالمعروف أن الغرب حافظ على وحدته وأمنه خلال أكثر من 70 سنة الماضية عن طريق خلق عدو وهمي مشترك، كما كان في زمن الحرب الباردة حيث اتخذوا من الاتحاد السوفيتي البعبع الذي يهدد أمن ورفاه الغرب. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي خلقوا الإرهاب الإسلامي، والإسلاموفوبيا كعدو مشترك، إلى أن وصلت شروره إلى دولهم، وهي ما يسمى بـ(العواقب غير المقصودة). لذلك تم العزم القضاء على الإرهاب الإسلامي، وإيجاد عدو مشترك جديد، وهو روسيا رغم أنها تخلصت من الشيوعية وتبنت النظام الديمقراطي الرأسمالي.

ثانياً، وعد ترامب لحد وقت قريب بالعمل مع الرئيس السوري بشار الأسد ولنفس الغرض، أي (القضاء على الإرهاب)، بينما السياسة الغربية الموالية للسعودية والدول الخليجية الأخرى، تقضي بإسقاط الأسد بأي ثمن. لذلك تمت فبركة السلاح الكيمياوي لإقناع ترامب بتغيير موقفه من الأسد و بوتين الذي يدعم الأسد، وإلقاء تهمة الكيمياوي على الجيش السوري لاتخاذها ذريعة لقصف سوريا.

ثالثاً، إن القصف الأمريكي لسوريا هو بمثابة رسالة إنذار إلى بوتين وإيران وكوريا الشمالية وكل العالم بأن ترامب شديد المراس، وزعيم جاد ومتشدد، ومستعد لخوض حرب حتى مع روسيا. و ليثبت للشعب الأمريكي، ولحلفائه في العالم أنه ليس صديقاً لموسكو، وأنه لم يخرج على سياسة الغرب التقليدية في معاداة روسيا.
رابعاً، وكما ذكرناً مراراً، أنه رغم مساعي أمريكا وقيادتها لتحالف دولي للقضاء على المنظمات الإرهابية، إلا إنها لا تريد القضاء عليها نهائياً، بل تجعلها ضعيفة يمكن السيطرة عليها واستخدامها مستقبلاً لابتزاز أية حكومة ترفض الطاعة والموالاة لأمريكا. لذلك ما أن تأكد أن الحكومة السورية المتحالفة مع روسيا وإيران على وشك القضاء على الإرهاب، حتى وخلقوا لعبة الكيمياوي لاتخاذها ذريعة لإجهاض النصر النهائي على الإرهاب.
أما في العراق، حيث النصر على الإرهاب بات وشيكاً، فمن الآن بدأ الذين رفعوا شعار التهميش، وجلبوا الدواعش إلى مناطقهم، يتوعدون الحكومة العراقية المركزية أنها إذا لم تستجب لمطالبهم فإن ما سيحصل ما بعد داعش هو أشد وأنكى من داعش. وهذا يعني أنهم قد أحضروا مخططاً آخر، وعلى الأغلب باسم تنظيم آخر لإعادة السيناريو السابق الذي سلموا به الموصل يوم 10 حزيران 2014، وغيرها من المناطق الغربية، وربما بشكل أبشع ما لم ينجح العبادي في كسب أمريكا إلى جانبه.
 
والجدير بالذكر أن تسابقت الدول الحليفة لأمريكا وخاصة السعودية وبقية الدول الخليجية في تقديم التهاني إلى ترامب بهذه االضربة، وابتهاج المعارضة السورية "المعتدلة" وغير المعتدلة، وطلبها بتوجيه المزيد من الضربات.

كذلك استقبلت دول الحلف الأطلسي ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G7) هذه الضربة بفرح وارتياح، إذ وجدت فيها عودة ترامب "الإبن الضال الخارج من المؤسسة المتحكمة" إلى مكانه الصحيح، إلى السياسة الغربية التقليدية في معاداة سوريا و روسيا، ودعم حلف الأطلسي الذي قال عنه في حملته الانتخابية أنه فات أوانه وانتهى مفعوله، لذلك سارع وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الكبرى التي تضم كلا من كندا وفرنسا والمانيا وايطاليا واليابان وبريطانيا والولايات المتحدة إضافة إلى ممثل عن الاتحاد الأوروبي، في عقد مؤتمر في توسكاني/ ايطاليا، لدعم الضربة، واتخاذ موقف موحد من روسيا وسوريا، والعمل على إزاحة بشار الأسد من الحكم، ودعم وزير خارجية أمريكا في مباحثاته التي ستجرى اليوم (الأربعاء 12 نيسان الجاري)، مع موسكو لإقناع الرئيس الروسي بالتخلي عن الرئيس السوري بشار الأسد، وإلا سيواجه حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية التي اقترحها وزير خارجية بريطانيا. وقد شذ وزير خارجية إيطاليا عن بقية زملائه في الموقف من الأسد، إذ حذر أن إسقاطه سيعيد السيناريو الليبي بعد مقتل القذافي، حيث دفعت إيطاليا الثمن الباهظ في استقبال موجات اللاجئين من ليبيا وأفريقيا. كما ورفض المؤتمر الطلب البريطاني بفرض عقوبات اقتصادية على كل من روسيا وسوريا.

فرغم كل هذا الترحيب الرسمي الغربي بالقصف الأمريكي لسورية، هناك أصوات عاقلة في الغرب ضد هذا العدوان، من بينها على سبيل المثال، انتقاد زعيم حزب العمال البريطاني (جرمي كوربين) للضربة الأمريكية بدون التأكد من مصدر السلاح الكيمياوي، وموافقة الأمم المتحدة. بل وحتى اعضاء في الكونغرس الامريكي بينهم مرشحان سابقان للرئاسة، اعترضوا وقالوا أن (ترامب لا يملك تفويضا باطلاق صواريخ على سوريا)(1). كما سمعتُ صباح يوم 11 نيسان الجاري، من إذاعة البي بي سي، تصريحاً من سفير أمريكي سابق لدى حلف الأطلسي، حذر فيه من مغبة إسقاط حكومة بشار الأسد لأن إسقاطه سيترك فراغاً أمنياً يملأه الإرهابيون المتعطشون للدماء، وسيقومون بعمليات انتقامية من الأقليات الدينية، وحتى فيما بين التنظيمات الإرهابية والمعارضة المعتدلة. وأكد أن الخطر الأكبر على أمن المنطقة ليس من النظام السوري، ولا من إيران، بل من السعودية. كذلك أدان سفير بريطاني سابق في لقاء تلفزيوني القصف، و نفى أن يكون الأسد وراء السلاح الكيمياوي(2).
أما الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فقد قال في مؤتمر صحفي عقده يوم (الثلاثاء، 11نيسان)، إن أعداء الرئيس السوري، بشار الأسد، يعتزمون شن هجمات كيمياوية في المستقبل لتشويه سمعة الحكومة السورية. وأن لدى بلاده معلومات بأن الولايات المتحدة تخطط لشن ضربات صاروخية جديدة على سوريا.(3)

إلا إن المشكلة الرئيسية التي تواجهها أمريكا وحلفاؤها هي أنه من المستحيل أن يتخلى بوتين عن الأسد، لأن بوتين يعرف أنه ليس الأسد وحده المستهدف من هذا الصراع الدموي في الشرق الأوسط، بل المستهدف الحقيقي هو روسيا. كذلك ليس الرئيس بوتين وحده الذي يدعم الأسد، بل هناك إيران وحزب الله، وحتى مليشيات عراقية تحارب مع الجيش السوري ضد الإرهابيين. لذلك فقرارات مؤتمر الدول السبع (G7) في إيطاليا، وعلى رأسها إقناع بوتين بالتخلي عن الأسد، من المستحيل تنفيذها.(4)

وتحدياً للعدوان الأمريكي على سوريا، صدر (بيان روسي إيراني يتوعد بالرد على الهجوم الأميركي على سوريا) جاء فيه: "أكدت غرفة العمليات المشتركة لقوات الحلفاء (روسيا وإيران والقوات الرديفة) في سوريا، أن العدوان الأميركي على سوريا تجاوز واعتداء على سيادة الشعب والدولة وأن سوريا تحارب الإرهاب المتعدد الجنسيات منذ ست سنوات نيابة عن العالم".(5)
ونتيجة لهذا الصمود في وجه أمريكا، وتجنباً للصدام المسلح المباشر مع روسيا، صرحت الإدارة الأمريكية بأنها لا ترغب في إعادة القصف ما لم تستخدم الحكومة السورية الكيمياوي ثانية. ولكن المشكلة هنا، طالما من السهل فبركة لعبة الكيمياوي في السابق، فمن الممكن إعادتها متى ما شاءت التنظيمات الإرهابية، والحكومات الراعية لها لاتخاذها ذريعة لعودة القصف الأمريكي على سورية.   

والسؤال المهم هو، هل حقاً لا تعرف قادة مجموعة الدول السبع الكبرى وعلى رأسها أمريكا، مغبة إسقاط الأسد وما سيتركه من فراغ أمني وسياسي يفسح المجال لهيمنة داعش وجبهة النصر على السلطة في سوريا وما سيحصل من مجازر الإبادة للشعب السوري، وعدم استقرار دول المنطقة، بما فيها الدول الخليجية وتركيا التي تعمل في هذا الاتجاه؟
الجواب في رأيي واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، فقادة دول المجموعة الكبرى ليسوا من السذاجة والغباء إلى هذا الحد، بل هم دهاقنة السياسة، ومحاطون بجيوش من الخبراء والأكاديميين من الاختصاصيين في تقديم المشورة لهم، ولا يمكن يرتكبوا هذه الأخطاء الفادحة دون مقاصد خبيثة ولئيمة وحسابات دقيقة ذات أهداف بعيدة. فالقصد من هذه السياسة، وكما ذكرناه في مقالنا السابق(6)، هو تدمير دول المنطقة (العربية وإيران)، التي ترفض المصالحة مع إسرائيل.
فإسرائيل تحكم أمريكا من خلال أكبر لوبي لها في واشنطن (أيباك)، إذ لا يمكن لأي مرشح للرئاسة، أو الكنغرس، أو مجلس الشيوخ، أو حاكم ولاية، أن يفوز ما لم يتعهد بدعم إسرائيل. وبما أن أمريكا تحكم العالم، لذلك فإسرائيل تحكم العالم من خلال أمريكا.
****
ملاحظة: قد يسأل سائل: لماذا نؤيد أمريكا في العراق ونعارضها في سوريا؟
سنجيب على هذا السؤال في مقالنا القادم
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- اعضاء في الكونغرس الامريكي: ترامب لايملك تفويضا باطلاق صواريخ على سوريا
http://almaalomah.info/2017/04/11/world/146627

2- فيديو: تصريحات سفير بريطاني سابق ينفي أن يكون الأسد وراء السلاح الكيمياوي
Ex-UK Ambassador: Assad wasn't behind the chemical attack
https://www.youtube.com/watch?v=pS6Oa_aDS6E&sns=em

3- بوتين: أعداء الأسد يدبرون هجمات كيمياوية لتشويه سمعة الحكومة السورية
http://www.bbc.com/arabic/world-39564575

4- Patrick Cockburn: Syria crisis: G7 leaders couldn't change Vladimir Putin's mind on backing Assad – even if they wanted to Russia now relies on Syria for its new status as a great world power – and the West knows the risks of leaving a power vacuum in the Middle East. It is very unlikely that Russia will change its support for President Bashar al-Assad of Syria, despite calls to do so from foreign ministers from the G7 nations gathered in Italy in the aftermath of the use of poison gas in Syria and the US missile strikes.
http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/syria-news-crisis-bombing-putin-assad-regime-russia-support-g7-a7677196.html

5- بيان روسي إيراني يتوعد بالرد على الهجوم الأميركي على سوريا
https://arabic.sputniknews.com/arab_world/201704091023357847-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-

6- د.عبدالخالق حسين: الهجوم الأمريكي على سوريا إلى أين؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=895

7- ثلاث صور لطفلة فى اماكن وثلاث منقذين فى حادثة خان شيخون المفتعلة
http://www.arabtimes.com/portal/news/00023835.JPG
 







114
الهجوم الأمريكي على سوريا إلى أين؟
د.عبدالخالق حسين

يبدو أن كل ما وعد به دونالد ترامب في حملته الانتخابية بالقضاء على الإرهاب والتطرف الإسلامي، ومسح الأرض بهم، كان مجرد وعود انتخابية خادعة، فبعد فوزه وتسلمه الرئاسة، صار كلام الليل يمحوه النهار. فقد هدد السعودية بأسوأ العواقب، وإذا بعلاقته معها تصبح أفضل من أي وقت مضى، كما أشار بالتقارب مع سوريا وروسيا، وقال أن بقاء بشار الأسد في الحكم ضروري لمحاربة الإرهاب، وحتى قبل أيام قال أن مصير الأسد يقرره الشعب السوري، وإذا به يتدخل بشكل سافر ومباشر ومدمر في ضرب سوريا، لصالح القوى الإرهابية ومن يرعاها. وحتى علاقته مع روسيا الآن هي الأسوأ منذ أزمة الصواريخ الكوبية في الستينات من القرن الماضي، و مهددة بالصدام المسلح.

أما الإدعاء بأن الأسد استخدم غاز الأعصاب ضد المدنيين وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وأن ترامب، "العاطفي جداً" تألم كثيراً على مشهد صورة الطفل الرضيع وهو يموت بسبب الغازات السامة، فهذه لعبة معروفة لا تنطلي على أحد، ولن تصمد أمام أية محاجة منطقية، وليست في صالح رئيس دولة عظمى يتخذ قراراته بتأثير صورة قد تكون ملفقة. فالمعروف أن الجيش السوري حقق انتصارات عظيمة على التنظيمات الإرهابية، وحرر حلب وتدمر ومناطق أخرى في الأشهر الأخيرة بأسلحته التقليدية ، وبدون الحاجة إلى استخدام السلاح الكيمياوي المحرم دولياً، فلماذا يخلق الأسد لنفسه هذه المشكلة ليعطي الذريعة لأعدائه باستغلالها في كسب الرأي العام العالمي ضده، في الوقت الذي بدأ فيه الإرهاب بالتقهقر و الانحسار في كل من العراق وسوريا؟

لذلك نعتقد أن فيلم الغازات السامة تمت فبركته لإقناع ترامب، وخاصة دور صهره جارد كشنر الموالي المتشدد لإسرائيل، بتغيير موقفه من الأسد، وتدخله المباشر لإجهاض النصر على الإرهاب وإعادة السيناريو الليبي، وتحويل سوريا إلى أفغانستان ثانية بغية إكمال تدمير البلاد العربية الرافضة لإسرائيل. فقد كشفت منظمة "أطباء سويديون لحقوق الإنسان" (SWEDRHR) خداع ما يسمى بالـ"الخوذ البيضاء": من يسمون أنفسهم منقذين وطوعيين لم ينقذوا الأطفال السوريين، بل على العكس قاموا بقتلهم لأجل تصوير مقاطع إعلامية أكثر واقعية(1). كذلك كشف موقع أميركي (Global Reserchh)، أن وزارة الدفاع الأميركية قامت بتدريب عناصر داعش والنصرة على استخدام الأسلحه الكيميائيه في سوريا من أجل اتهام حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، واتخاذه ذريعة للتدخل الأمريكي في إسقاط الحكومة السورية(2) .

فقد نوقش موضوع الضربة الكيمياوية في مجلس الأمن الدولي، وتم الاقتراح لإرسال لجنة من الخبراء للتحقيق في الأمر، ومعرفة مصدر المواد الكيمياوية ولكن تم تأجيل الجلسة لأسباب غير معروفة. فالمعارضة ومعها الحكومات المعادية لسوريا تقول أن القوة الجوية السورية هي التي قصفت المبنى في خان شيخو في إدلب يالسلاح الكيمياوي. بينما الحكومة السورية أكدت على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم "أن بلاده لن ولم تستخدم الاسلحة الكيماوية، حتى ضد الارهابيين الذين يقتلون شعبنا"، وأن المجموعات الارهابية استمرت في تخزين الاسلحة الكيماوية في المناطق السكنية، وأن بلاده أعلمت الأمم المتحدة عن مواد كيميائية دخلت من تركيا إلى الإرهابيين في سوريا."(3)

إلا إن أمريكا لم تنتظر لنتائج التحقيق ولا حتى البدء بإجرائه، بل تعجلت في الهجوم، إذ أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إطلاق 59 صاروخا من طراز توماهوك من سفينتين في البحر المتوسط في الساعة 4:40 بتوقيت سوريا (01:40 بتوقيت غرينتش) من فجر يوم الجمعة 7 أبريل 2017، وضربت قاعدة الشعيرات الجوية السورية، التي يشتبه في أن أسلحة كيمياوية كانت بها.(4)

و وفق جميع المعايير، يُعد هذا القصف الصاروخي عدواًناً صارخاً على الشعب السوري ودولته ذات السيادة، وانتهاكاً للقانون الدولي، ودعماً للإرهاب، إذ كما قال محافظ حمص طلال البرازي إن "الغارات الأمريكية تخدم أهداف تنظيم الدولة الإسلامية [داعش] ومجموعات مسلحة إرهابية أخرى". كذلك جاء في تقرير لمراسل الـبي بي سي، أن هذا الضرب الصاروخي تزامن مع  قيام تنظيم ما يدعى بالدولة الإسلامية، بشن هجوم على منطقة الفرقلس قرب مطار الشعيرات في الريف الشرقي لحمص. وهذا يعني أن هناك تنسيق مسبق بين الطرفين. والجدير بالذكر أن ترامب الذي قال قبل أيام أن الشعب السوري هو الذي يقرر مصير الأسد، وصفه بعد الهجوم بأنه "ديكتاتور استخدم أسلحة كيماوية مروعة ضد مدنيين أبرياء". لتبرير فعلته، سبحان مغير الأحوال!
ولذلك أعتقد أن أمريكا وحلفائها، لا يريدون التخلص من الإرهاب قبل تغيير الحكومة السورية وإقامة حكومة موالية لها، ومعادية لروسيا وإيران. فالهدف من القصف الأمريكي هو إبقاء التنظيمات الإرهابية لاستخدامها كهراوة ضد أية حكومة ترفض الخضوع لأمريكا وإسرائيل .

ماذا يعني هذا التطور المفاجئ الخطير في سياسة ترامب؟
أولاً، وكما أكدنا مراراً، أن تغيير رئيس الجمهورية في أمريكا، أو أية دولة غربية أخرى، لا يغير السياسة الخارجية لتلك الدولة، حتى ولو أراد الرئيس الجديد ذلك، لأن هذه الدول هي دول مؤسسات لها سياسة خارجية ثابتة لا تتغير بتغير الرئيس والحزب الحاكم إلا بدرجات العنف وبعض الشكليات السطحية.
ثانياً، إن علاقات أمريكا مع العالم وبالأخص مع دول الشرق الأوسط تقررها مصالحها الأساسية الثلاث وهي: أمن إسرائيل، وأمن الدول الصديقة المتحالفة مع أمريكا وإسرائيل، أي الدول العربية الخليجية، وضمان تدفق النفط للغرب.

ثالثاً، لا تسمح أمريكا ببروز أية دولة عظمى مثل روسيا والصين، تنافسها في النفوذ في دول الشرق الأوسط والعالم، لذلك فالحرب ضد سوريا ومعاداة إيران، موجهة بالأساس ضد روسيا أولاً، والصين بالدرجة الثانية، لذلك تحاول أمريكا ومعها كل الدول الغربية تغيير هذه الحكومات الصديقة لروسيا والصين، ومعارضة لأمريكا وإسرائيل.

رابعاً، و بناءً على ما سبق، نلاحظ أن دول المنطقة الرافضة للإستراتيجية الأمريكية المذكورة أعلاه، مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن وإيران، تعاني من حروب ودمار وتقهقر وإرهاب، بينما الدول العربية الخليجية الحليفة لأمريكا وإسرائيل تعيش بسلام وتقدم وثراء وازدهار ورفاه رغم أنها أنظمة قبلية رجعية ديكتاتورية مطلقة باستثناء الكويت نسبياً، وبعضها راعية للإرهاب مثل السعودية وقطر.

خامساً، إن الغرض من هذه الهجمة العدوانية الشرسة على سوريا هو إعادة السيناريو الليبي لإغراق البلاد في فوضى عارمة، المستفيد منها هي إسرائيل، والتنظيمات الإرهابية التي تستخدمها أمريكا هراوة لضرب كل حكومة في المنطقة غير موالية لها ولإسرائيل.

لذلك فهذه الحالة المأساوية من الصراعات الدموية والإرهاب وعدم الاستقرار في دول الرفض في المنطقة ستستمر إلى أن تغيِّر هذه الدول سياساتها إزاء أمريكا، وتوافق على المصالحة مع إسرائيل. والسؤال هنا: هل هذا يعني أننا نؤمن بنظرية المؤامرة؟ الجواب: كلا، وإنما هذا هو الواقع المرير الذي نشاهده على الأرض. وعليه لا استقرار في الشرق الأوسط إلا بحل الصراع العربي- الإسرائيلي، وإقرار حق الشعب الفلسطيني بصورة عادلة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- أطباء سويديون: تم قتل الأطفال السوريين عمداً قبل تصويرهم في تمثيلية الكيميائي
http://www.akhbaar.org/home/2017/4/226614.html

2- تقرير أميركي: واشنطن دربت إرهابيين لضرب المدنيين بالأسلحة الكميائية
http://aletejahtv.org/permalink/158989.html

3- المعلم: لن ولم نستخدم الكيماوي حتى ضد الإرهابيين
http://www.akhbaar.org/home/2017/4/226547.html

4- مقتل ستة أشخاص في غارة أمريكية على قاعدة جوية في سوريا
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-39524014

115
هل حقاً من الصعوبة حكم العراق؟
عبدالخالق حسين

هناك مقولات مأثورة كثيرة لمفكرين وقادة سياسيين في مختلف مراحل التاريخ عن مدى صعوبة حكم العراق، ذكرتها في مقال مطول لي قبل سنوات بعنوان (الخراب البشري في العراق)(1). ولا أرى ضيراً من إعادة بعضها ، فـفي الإعادة إفادة، كما يقول المثل. لقد قيل الكثير عن أهل العراق في معارضتهم للحكومات منذ كتابة التاريخ وإلى الآن، لم يسلم منهم حتى الإمام علي، ولا عبدالكريم قاسم الذي يؤكدون وطنيته ونزاهته وتضحياته. ومن هذه المقولات ما يلي:
أن الاسكندر المقدوني عندما احتل وادي الرافدين في القرن الرابع قبل الميلاد، عانى كثيراً من شعبه، فقرر إبادته ونقل أناس من مناطق أخرى من العالم للسكن فيه. فاستشار أستاذه أرسطو الذي نهاه عن ذلك قائلاً أنه، بعد جيل أو جيلين سيعود الناس الجدد إلى ذات السلوك طالما عاشوا في نفس البيئة الجغرافية. ويقصد أن الهواء والماء والمناخ، هي المسؤولة عن سلوك البشر. فالتاريخ نتاج الجغرافية كما هو معروف.

كذلك ينقل عن الإمام علي أن العراقيين ملؤوا قلبه قيحاً وصدره غيضاً، وله مقولات كثيرة يعرب بها عن مدى سخطه من العراقيين وصعوبة التعامل معهم. وقول لمعاوية ابن أبي سفيان ينصح ابنه يزيد: (إذا أراد منك أهل العراق أن تبدل لهم في كل يوم والياً جديداً فاستجب لهم، لأن ذلك أسهل عليك من أن يشهروا في وجهك مائة ألف سيف).

وقال الملك فيصل الأول في مذكرة له عممها على الشريحة الحاكمة المحيطة به في عام 1933: (...الموقف خطــــر وفي هذا الصدد وقلبي ملآن أسى ، انه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية، خالية من أية فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية ، لا تجمع بينهم جامعة ، سماعون للسوء ميالون للفوضى مستعدون دائماً للانتقاض على اية حكومة كانت، فنحن نرى ، والحالة هذه، ان نشكل من هذه الكتل شعبــاً نهذبه ،وندربه ، ونعلمه ، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف، يجب ان  يعلم عظيم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل. هذا هو الشعب الذي اخذت مهمة تكوينه على عاتقي، وهذا نظري فيه ...)
وقد وضع الرجل خطة متكاملة لتحقيق مشروعه الوطني، ولكن لسوء حظ الشعب العراقي، مات الملك بعد أشهر قليلة من كتابة تلك المذكرة، ونفذ الحكام بعده عكس ما أراد، وخاصة في عهد صدام حسين الذي فتت النسيج الاجتماعي، وأثار أشد العداوات بين مكونات شعبه.

كما ألف الباحث العراقي، الدكتور باقر ياسين كتاباً بعنوان (تاريخ العنف السياسي في العراق)، فتتبع فيه جذور العنف منذ عهد السومريين والبابليين مروراً بالفتح العربي- الإسلامي، ولحد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي الذي قتل فيه الألوف من الوطنيين العراقيين في غضون أيام قليلة، والذي لم يكن أقل سوءاً على العراق من غزو المغول عام 1258م.

فشعب العراق منقسم على نفسه، وبعد زمن طويل من دكتاتورية المكون الواحد، والحزب الواحد، فوجئ بالنظام الديمقراطي الذي من شأنه اختيار الحكام وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع. وفي هذه الحالة، الفئة التي احتكرت السلطة وأدمنت عليها باسم المكون الواحد، و"الاستحقاق التاريخي!!"، ترفض التخلي عن امتيازاتها السابقة، لذلك رفعوا شعارات التهميش، والعزل والإقصاء ...، وشنوا حملة ضارية لتشويه صورة الديمقراطية، و وصفها بأقذع الصفات، ومارسوا أبشع الإرهاب لوأدها.

وقد ذكرت في مقالات عديدة أن العراقيين أعداء أنفسهم، فأيدني البعض، وعارضني آخرون.
فالمعارضون مازالوا يتبعون سياسة النعامة في دس رأسها في الرمال، ويرون في قول الحقيقة خطر على "الوحدة الوطنية"، ويرددون أن شعبنا متآخي ولم يعرف الطائفية، و لا العنصرية من قبل، وإنما هذه التفرقة جلبها لنا الاحتلال الأمريكي، ويتناسون كيف عامل الحكم البعثي الصدامي الكُرد بالغازات السامة، وجرائم الأنفال، و كذلك استخدام الغازات السامة ضد عرب الأهوار، وسلسلة مقالات صحيفة الثورة البذيئة بعنوان (لماذا حصل ما حصل)، في ذم أهل الجنوب، وضربه قبة مرقد الإمام الحسين في كربلاء، ورفعه لافتة (لا شيعة بعد اليوم)، في تحد صارخ لمشاعر أكثر من 60% من الشعب العراقي، ومئات المقابر الجماعية، وغيرها كثير من الانتهاكات ضد الشعب. فهذه كلها في رأيهم من صنع أمريكا وليست من صنع حكم البعث الصدامي.

والعراقي دائماً ينظر بعين الشك للأجنبي، ويعتبر مساعدته له ليست نزيهة، لغرض نهب ثروات البلاد واستعباد الشعب! وحتى مجرد طرح هذا الموضوع للنقاش يعتبر في نظرهم نوع من العمالة للأجنبي، وقد بلغ بهم الأمر حداً أنه بمجرد الاختلاف معهم في الرأي يقذفونك بتهمة العمالة لأمريكا وإسرائيل، وهذا بالطبع ابتزاز لمصادرة الرأي الآخر. فقادة المعارضة العراقية الذين رأوا في الدعم الأمريكي للشعب ضرورة ملحة لا بد منها للتخلص من حكم البعث الجائر، واجهوا الكثير من الطعن والتخوين، والتحقير، بل وانشقت المعارضة نفسها إلى معسكرين، أحدهما مؤيد للدعم الدولي بقيادة أمريكا، وآخر رافض له بشدة مكتفياً بعقد مؤتمرات ولقاءات في الفنادق الراقية، والتحريض ضد النظام، فكما قال نزار قباني: (نقبع في المساجد تنابلة كسالى... ندعو النصر من عنده تعالى). علماً بأن الجميع كانوا على شبه يقين بأن الشعب العراقي رغم انتفاضاته العديدة وتضحياته، لم يستطع إسقاط حكم البعث الدكتاتوري الجائر، وانتهت كل المحاولات  بالفشل الذريع، وبمئات الألوف من الشهداء ومئات المقابر الجماعية، وخمسة ملايين مشردين في الشتات.

وقد استفاد حكم البعث خلال حكمه، و بعد سقوطه من هذه الثقافة الاجتماعية الموروثة الرافضة للدعم الأجنبي، علماً بأن البعث نفسه جاء إلى الحكم بالقطار الأمريكي، كما اعترف بذلك علي صالح السعدي، أحد قادة انقلاب 8 شباط الأسود، إضافة إلى وجود دراسة جامعية أمريكية تؤكد التدخل الأمريكي في إسقاط حكومة ثورة 14 تموز المجيدة، وتصفية قيادتها الوطنية النزيهة، وعلى رأسها الزعيم عبدالكريم قاسم وصحبه الأبرار.(2)

والمفارقة، أن الرافضين للدعم الأمريكي استخدموا دور أمريكا في اغتيال ثورة 14 تموز وقيادتها الوطنية، ذريعة لرفض أمريكا في إسقاط حكم البعث الجائر، وتقديم أي دعم للعراق الجديد في محاربة الإرهاب. وهذا طبعاً يصب في خدمة البعث الفاشي وإبقائه يضطهد الشعب إلى مستقبل غير منظور. فحتى لو اعتبرنا أمريكا عدوة ، أليس من الحكمة توظيف العدو في ضرب عدو آخر يصعب علينا إسقاطه؟ وفق الحكمة: (اضرب رأس الأفعى بيد العدو)؟ ثم هل حقاً أمريكا عدو في كل زمان ومكان؟ أليست السياسة وراء المصالح؟ 

ولكن كما يقول المثل: "لو خليت قُلبت"، فهناك الكثير من العراقيين المتنورين منفتحين على الدعم الأجنبي لصالح العراق وإنجاح تجربته الديمقراطية ومن أي كان. وفي هذا الخصوص كتب لي صديق:
((للأسف هذا هو قدر العراق وكأنه كُتِبَ عليه دائماً ان ينتكس، والفاعلون المجرمون اليوم هم أنفسهم  القوميون والإسلاميون والبعثيون في ١٩٦٣، الذين اغتالوا الزعيم الوطني العراقي الخالد عبد الكريم  قاسم، وحرسهم اللا قومي (وهم عراقيون)، يفتكون بالوطنيين الأحرار من العراقيين، وهم عراقيون يجهضون ولادة  تجربةً حكم غير مؤدلج ومنفتح على كل القوى الوطنية العراقية. ويأتي البعثيون ثانية لإجهاض تجربة عبدالرحمن عارف وهو عراقي وليس اسرائيلي، ليأتي صدام حسين وهو العراقي  يدفع بالعراق و العراقيين الى  شن الحروب العبثية ويجوِّع الشعب العراقي ويئن بعدها لأكثر من عقد من الزمن... وعندما تحين  الفرصة التاريخية وفيها تلتقي المصالح الاستراتجية لأكبر قوة عسكرية واقتصادية وعلمية وتكنولوجية  في العالم، أمريكا، مع المصالح الوطنية العراقية في التخلص من اكبر دكتاتور عرفه العراق والمنطقة، ينبري مرة أخرى هذا النفر الضال والمضلل معه من العراقيين لتبديد هذه الفرصة التاريخية وهي لا تأتي إلا نادراً. والآن ما ان  يشرق ضوءً في نهاية النفق دلالة نهوض منتظر للعراق.. حتى ويشمر مرة أخرى هذا النفر من أبناء العراق عن سواعدهم لحجب هذا الضوء القادم من الطرف الاخر من الأطلسي.)) انتهى.

كما وذكرت في مقدمة مقالي الموسوم (حول زيارة العبادي لأمريكا)(3)، "أن العراقيين أعداء أنفسهم"، فكتب لي صديق آخر في هذا الخصوص قائلاً: ((فعلا اخي الفاضل، العراقيون اعداء انفسهم بل ويعينون اعداءهم ... ألا يرون اسرائيل المسنودة، دعما وتسليحا وإعلاما من قبل اميركا والغرب، ومع ذلك توثق علاقتها بروسيا، وتتواصل مع الروس باتفاقيات سنوية، وزيارات تكاد تكون اسبوعية، وتعقد الاتفاقية تلو الأخرى؟!. ثم اذا كانت دول كبيرة ومستقرة تحرص على توثيق علاقاتها بأميركا وتبرم معها الاتفاقيات وتقيم القواعد حفاظا على مصالح اوطانها وشعوبها، فلماذا يستكثر ويستنكر على حكومة العراق اقامة مثل هذه العلاقة؟ السيد نوري المالكي اضطر تحت ضغوطات الاحزاب التي تدعي محاربة الاحتلال ودمرت العراق بتفجيرات مرتزقتها، وتحت ضغوطات تيار الفوضى الصدري وجميع شركاء العملية السياسية، ولم يقف معه احد من الاحزاب الشيعية والسنية والكوردية، فأراد ان يسقط حججهم الواهية مضطرا لإخراج الأمريكان، ودفع الثمن تضحيته باستحقاقه الانتخابي، فأسقطوه عن طريق داعش)). انتهى.

و الآن جاء الدكتور حيدر العبادي، مستفيداً من تجارب الذي سبقوه في منصبه الذي لا يحسده عليه أحد، فحاول تصحيح الأمور، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا العراق، والعمل وفق مبدأ (السياسة فن الممكن)، و (ليس في السياسة أعداء دائمين ولا أصدقاء دائمين، بل مصالح دائمة)، مرة أخرى هب الدوغماتيون  المؤدلجون بالصراخ والعويل بأنه باع العراق على أمريكا من أجل المنصب، ويطالبونه بالمستحيل. فالكل يعرف أن الشعب العراقي ممزق، والوحدة الوطنية لا وجود لها إلا في مخيلة الطوباويين الذي يتصورون العراق كما يشتهون ويرغبون، وليس كما هو في الواقع المرير المنشق إلى 700 حزب، وعشرات الكتل السياسية المتناحرة، وكل منها على استعداد تام للتعاون مع الشيطان من أجل إلحاق الهزيمة بالخصوم وتدمير العراق.

فمنهم من يطالبه بمقاطعة إيران لأنهم فرس مجوس، وآخرون يطالبونه بمقاطعة أمريكا وتركيا والسعودية، والأردن... والعبادي في هذه الحالة يريد أن يلعب لعبة التوازنات ليطفئ الحرائق.
وكسياسي تعلم من خيبات الذين سبقوه، فلا بد أن يتبنى لغة دبلوماسية في مخاطبة الآخرين، خاصة عندما واجه الصحفيين في زيارته الأخيرة الناجحة لأمريكا، فأجابهم على أسئلتهم قائلاً: (العراق ليس تابعاً لإيران، والسعودية ليست إرهابية)(4). فأقاموا الدنيا عليه ولم يقعدوها. فأتباع إيران استنكروا عليه قوله عن تبرئة السعودية من الإرهاب، لأن الكل يعرف أن السعودية هي وراء جميع الأعمال الإرهابية، ليس في العراق فحسب، وإنما في جميع أنحاء العالم. كذلك ثارت ثائرة عملاء السعودية وأيتام البعث والعروبيين، فاستنكروا عليه نفيه للنفوذ الإيراني في العراق، وهم يصرخون ليل نهار أن العراق أصبح مستعمرة إيرانية، لأنهم يريدون منه أن يتبنى سياسة صدام حسين الطائفية العنصرية ضد إيران "الفرس المجوس"، تلك السياسة العدوانية الطائشة اتي جلبت الكوارث على العراق.

فقوله عن إيران صحيح، لأن العراق ليس تابعاً لإيران، وإنما تربطه بها علاقة صداقة وحسن الجوار، وقدمت إيران الكثير من المساعدات للعراق في مختلف المجالات، أهمها محاربة داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية، وليس بإمكان العبادي أو غيره أن يغير الجغرافية والتاريخ.
أما السعودية، فرغم علم العبادي بدورها في الإرهاب، إلا أن السياسة ومصلحة العراق تتطلب منه أن يتحدث بلغة دبلوماسية، خاصة بعد أن بادرت السعودية في الآونة الأخيرة بالانفتاح على العراق وتغيير سياستها العدوانية السابقة الفاشلة. والتاريخ يخبرنا أنه حتى النبي محمد (ص)، استخدم مثل هذه اللغة، فعند فتح مكة قال: (من دخل بيت أبي سفيان فقد آمن). وهذا من أرقى الأوسمة التي منحها الرسول إلى ألد عدو له. فهل كان الرسول لا يعرف من هو أبو سفيان؟ ولكن الوضع السياسي الجديد تطلب منه أن يقول هكذا. فلما نستكثر على العبادي قوله بحق السعودية عندما تتطلب المصالح السياسية ذلك؟ خاصة وعندما يقول ملك السعودية للعبادي: (مستعدون لتعزيز العلاقات مع العراق في جميع المستويات)(5).

نعم بإمكاننا نحن ككتاب، و الإعلاميين، أن نقول ما نشاء بحق أية حكومة أو جهة أو شخص، وفي حدود ما تسمح به قوانين النشر، ولكن السياسي لا يستطيع ذلك. وعليه، فالمطلوب من المخلصين أن يدركوا أن العراق وهو يمر بأخطر مرحلة تاريخية عاصفة، ليس بإمكانه أن يحارب على عشرات الجبهات، بل من مصلحته أن يكسب الجميع إلى جانبه وهو يخوض أخطر حرب شرسة نيابة عن كل العالم ضد أبشع تنظيم إرهابي متوحش يهدد الحضارة البشرية.
ولا أعتقد وجود بضعة آلاف من القوات الأمريكية يسئ إلى السيادة الوطنية، فلو كان الأمر كذلك، لكانت غالبية الدول الأوربية، واليابان وكوريا الجنوبية بلا سيادة، لأن فيها قواعد عسكرية أمريكية. فأيهما أكثر إساءةً للسيادة الوطنية، وجود قوات من دولة عظمى صديقة تربطنا بها علاقة اتفاقية الإطار الإستراتيجي لحماية العراق من أي عدوان خارجي، أم احتلال ثلث مساحته من قبل أسوأ عصابات الإرهاب المتوحش؟

لذلك أهيب بالسيد العبادي أن يستفيد من الخطأ الذي وقع فيه سلفه عندما أذعن لمعارضيه فأصر على إخراج آخر جندي أمريكي، فواجهوه بداعش واحتلال ثلث العراق. واليوم أمريكا تقود التحالف الدولي لمساعدة العراق في سحق داعش. وعليه أن لا يعيد خطأ سلفه، وإلا سيعيدون داعش وتحت اسم آخر، وهكذا ستعاد الدورة في حروب إستنزافية مع الإرهاب والتضحية بالمزيد من الأرواح وتبديد الثروات الاقتصادية في حروب لا تعرف لها نهاية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1-  الدكتور عبدالخالق حسين: الخراب البشري في العراق
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=308

2- ويليام زيمان: التدخلات السرية الأميركية في العراق، خلال الفترة 1958- 1963. (رسالة ماجستير من جامعة كاليفورنيا/أمريكا).
http://www.iawvw.com/research-studies/980-1958-1963

3- د.عبدالخالق حسين : حول زيارة العبادي لأمريكا
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=890
4- العبادي: العراق لا يتبع لإيران والسعودية ليست إرهابية
http://www.faceiraq.net/inews.php?id=5530021

5- ملك السعودية للعبادي: مستعدون لتعزيز العلاقات مع العراق في جميع المستويات
http://www.akhbaar.org/home/2017/3/226178.html

116
من المسؤول عن مجزرة الموصل؟

د. عبدالخالق حسين

كل الحروب كوارث، المبررة منها وغير المبررة، لأنها دائماً تؤدي إلى قتل الأبرياء في صفوف المدنيين، ولكن ما العمل إذا فُرِضت عليك حرب مصيرية من قبل عصابات متوحشة تهلك الحرث والنسل، وتغتصب الأرض والعرض، وتهدد القيم الحضارية، والسؤال هنا، أن تكون أو لا تكون؟ وفي هذا الخصوص يقول الشاعر والفيلسوف الكوبي خوسيه مارتي: "مجرم من يخوض حربا يمكن تفاديها، ومجرم من لا يخوض حربا لا يمكن تفاديها." وهذا ما فُرض على العراق عندما احتلت عصابات داعش ثلث مساحة البلاد بالتواطؤ مع قيادات سياسية مشاركة في السلطة، مهددة وجود شعب بأكمله، الأمر الذي دفع المرجع الديني الكبير آية الله السيستاني إلى إصدار فتوى الجهاد الكفائي، فاستجاب له الشعب بكل مكوناته، لمواجهة هذا الوحش، وإلا لكان ما كان من كوارث لا تبقي ولا تذر.

ومن كوارث حرب تحرير الموصل من شذاذ الآفاق، مجزرة وقعت يوم 17 آذار/مارس الجاري، راح ضحيتها ما بين 130 إلى 200 ضحية، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ. وكانت التقارير الأولية قد أفادت أن هذه المجزرة حصلت بسبب قصف جوي من طائرة حربية أمريكية بناءً على طلب من القوات العراقية التي حددت الهدف على الأرض. وهذا الحادث الجلل لا شك أنه مثير للغضب و الحزن والأسى. وأصدرت الجهات الأمريكية والعراقية المسؤولة تصريحات بأنها ستحقق في الحادث.

ويوم الأحد المصادف 26/3/2017، أي بعد تسعة أيام من الحدث، أصدرت القوات العراقية تقريرها الذي نشرته وكالات الأنباء العالمية من بينها الـ(BBC)(1)، نفت فيه بأن غارة جوية شنتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة تسببت في مقتل عشرات المدنيين في غربي الموصل في السابع عشر من مارس/آذار. وقالت خلية الإعلام الحربي، التابعة لقيادة العمليات المشتركة في بيان إن "مقتل المدنيين كان على أيدي مسلحي تنظيم الدولة الذين استخدموهم دروعا بشرية في بنايات مفخخة ثم فجروهم". وأضاف التقرير: (وتفقد خبراء عسكريون عراقيون منزلا "يقال إن غارة جوية استهدفته، ووجدوا أن المنزل قد دُمر تماما، ولكن لا توجد أي علامة تشير إلى دماره نتيجة غارة جوية".

فالمعروف أن الغارة الجوية لا بد وأن تترك حفرة عميقة، بينما لم يجد الخبراء مثل هذه الحفرة، و استنتجوا أن هذا الدمار قد حصل نتيجة قيام الدواعش بزرع الألغام والمتفجرات في هذه الأماكن التي حجزوا فيها العشرات من السكان كدروع بشرية، وعند هزيمتهم فجروا الألغام ودمروا الأبنية على رؤوس المحتجزين، ليلقوا اللوم على القصف الجوي، والقوات العراقية لأغراض إعلامية، وإثارة الرأي العام ومشاعر الناس ضد القوات المشتركة. وهذه الدعاية الباطلة ليست لأول مرة تطلقها داعش وفلول البعث، بل في جميع الحالات، وحتى عندما يقتل منهم مسلحون، يرفعون عقيرتهم بالصراخ، ومعهم الإعلام العربي المضلل، أنه تم قتل المدنيين. فأين كان هؤلاء الذين يذرفون دموع التماسيح على المدنيين والمطالبون بالدفاع عنهم عندما كانوا تحت ظلم داعش، وتقتل الأبرياء وتهتك الأعراض، وهل كانت داعش توفر لهم العيش في رغد وامان وحرية؟ فالكل يعرف أن الدواعش لا يعيرون أي اهتمام لحياة البشر.(2)

وفي هذا الخصوص صرح السيد محمد إبراهيم رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة نينوى، يوم الاثنين27 آذار الجاري، "عن وجود جهات وشخصيات تحاول إيقاف عمليات تحرير الساحل الأيمن لمدينة الموصل، مبينا ان أصوات تلك الجهات تعلوا كلما اقتربت نهاية تنظيم داعش..." وأضاف:
"إن الحديث الذي يدور عن عمليات تدمير في أيمن الموصل هو كلام مبالغ فيه جداً، وداعش يحاول تشوية صورة الانتصارات من خلال استخدامه دروع بشرية من المدنيين"، مؤكدا ان "هناك جهات وشخصيات تحاول وتضغط من أجل إيقاف عمليات تحرير أيمن الموصل بسبب الانتهاكات، لغرض اعطاء داعش فرصة ليعيد ترتيب صفوفه من جديد لشن هجمات على القطعات العسكرية، خصوصا في المناطق المحررة".(3)

كذلك يعرف الجميع أن نحو 90% من الدواعش هم من فلول حزب البعث، وضباط في جيش الحرس الجمهوري في عهد صدام البائد، وهذا الحزب معروف بممارسة الكذب والفبركة والإفتراء. فبدون الكذب لا وجود لهذا الحزب أصلاً، وحتى مبادئه وشعاراته البراقة المعلنة مثل (الوحدة والحرية والإشتراكية)، التي خدع بها الشباب العربي من ذوي الميول القومية، عمل الحزب على الضد منها تماماً. وأخيراً وافق شن طبقة كما يقول المثل العربي، حيث تمَّ الاندماج التام بين البعث مع "داعش"، وفي هذه الحالة لا بد وأن يؤدي إلى المزيد من الكذب. فالدواعش الذين يقتلون الأبرياء، ويبررون سبي النساء واغتصابهن، وبيعهن في أسواق النخاسة في القرن الحادي والعشرين، ويجيزون نكاح الجهاد وهتك الأعراض، لا يبالون بقتل الأبرياء بعد أن يتخذوا منهم دروعاً بشرية، وهذا يوافق مبدأ ما يسمونه بـ(التمترس) الذي يجيز لهم اتخاذ الأبرياء دروعاً بشرية ليحموا أنفسهم من العدو، وقتل الأبرياء في سبيل قتل "الكفار". وقد مارسه صدام حسين في حرب الخليج الثانية التي حررت الكويت من احتلاله الغاشم.

والجدير بالذكر أن فلول البعث قد جن جنونهم يوم 26/3/2017، حيث أرسلوا مجموعة أخبار كاذبة تدعي نزول الأمريكان في البصرة وهبوط 2000 من المارينز في الناصرية، وأنها قامت فورا بإحتلال سجن الحوت، وطرد الحراس العراقيين. ثم نزول قوات أمريكية في الرطبة مع إنتشار كثيف لطائرات الهليكوبتر الأمريكية في الأنبار وتمشيطها لتأمين طريق عمان بغداد. ثم إنزال آخر في كركوك ودخول معسكر كيوان ....إلى آخره من الأكاذيب. وهذا يدل على يأسهم الكامل وهزيمتهم الحتمية. ويكفي البعثيين خزياً وعاراً أن حزبهم الذي أدعوا أنه حزب علماني وتقدمي، وإذا به يكشف عن وجهه الحقيقي فيتحول إلى داعشي وهابي يلعب دوراً إرهابياً لضرب الشعب. يعني كما يقول المثل العراقي: مستقبل التنكة كحف.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- تقرير بي بي سي: القوات العراقية تنفي تسبب غارة للتحالف الدولي في مقتل مدنيين في الموصل
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-39399963
 
2- “داعش” يقصف بالمدفعية جميع مناطق الاشتباك ويفخخ المنازل والمباني
http://www.akhbaar.org/home/2017/3/226106.html

3- مسؤول أمني يكشف عن جهات تريد إيقاف عمليات تحرير أيمن الموصل .. لهذه الأسباب
http://www.akhbaar.org/home/2017/3/226132.html


117
دور السعودية في (غزوة) البرلمان البريطاني

د.عبدالخالق حسين

بات معروفاً لدى القاصي والداني، وكل ذي عقل سليم، أن جميع منفذي ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة، بالسعودية، وبالمذهب الوهابي السعودي تحديداً. وقد كتبنا مع غيرنا، مئات المقالات عن الدور السعودي في الإرهاب، ومع ذلك تغض الدول الغربية النظر عن مملكة الشر، وتبرئ ساحتها من الإرهاب لا لشيء إلا لأنها تملك المال الوفير تستطيع به إسكات الحكومات والإعلام العالمي عن جرائمها.

أما الأدلة على دور السعودية في اإرهاب الدولي فهي كالتالي:
أولاً، 15 من 19 من الإرهابيين الذين نفذوا جريمة 11 سبتمبر 2001 في أمريكا كانوا مواطنين سعوديين، ومؤسس تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن هو مواطن سعودي،

ثانياً، جميع المساجد والمدارس الدينية التي تنشر التعاليم الدينية والتطرف الديني على المذهب الوهابي، والتي  تقدر بعشرات الألوف في باكستان ومصر وجميع مناطق العالم، تموَّلها المملكة العربية السعودية،
ثالثاً، صرح الجنرال ديفيد بترايوس، القائد العسكري العام السابق للقوات الدولية في العراق سابقاً، قبل سنوات أن 100% من الإنتحاريين الإرهابيين، و50% من الإرهابيين الأجانب في العراق هم من السعودية،
رابعاً، نشر السيد كورتين وينزر، السفير الأمريكي الأسبق في كوستاريكا، بحثاً أكاديمياً، بعنوان: (السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية)(1)، قبل عشر سنوات، أكد فيه أن المملكة صرفت أكثر من 87 مليار دولار على نشر التطرف الوهابي في العالم خلال العشرين عاماً الماضية، وأن هذه التخصيصات المالية ازدادت كثيراً مع زيادة الثروات النفطية في السنوات الأخيرة. وفي بحث آخر أن السعودية صرفت على نشر التطرف خلال الثلاثين سنة الماضية ما يقدر بمائة مليار دولار،

خامساً، مازالت الحكومة السعودية تسمح لخطباء المساجد من مشايخ الوهابية في المملكة بنشر التحريض وثقافة الكراهية ضد اليهود والنصارى والشيعة، وعلى سبيل المثال، لا الحصر، شاهد الفيديو في الهمش، وأستمع الي خطبة العيد من قبل إمام مكة، يدعي على الشيعة والشيوعية واليهود والنصارى: (اللهم مكن أخواننا المجاهدين من رقابهم). ولا زال العالم يسأل من أين خرج الإرهاب ومن أين خرجت الطائفية؟(2 و 3)،
سادساً، قانون (جاستا)، الذي أصدره البرلمان الأمريكي بالغالبية العظمى من أعضاء مجلسيه (الكونغرس، والشيوخ) ضد الحكومة السعودية، والذي بموجبه منح الحق لذوي ضحايا جريمة 11 سبتمبر 2001، بمقاضاة السعودية.
سابعاً، وأخيراً، جاء هجوم لندن الأخير على البرلمان البريطاني يوم الأربعاء المصادف 22/3/2017، والذي قتل فيه أربعة أبرياء بينهم ضابط شرطة مسؤول عن حماية البرلمان طعناً بالسكين، مات منهم 3 على الفور والرابع مات في المستشفى بعد يوم، ومجموع القتلى 5 من ضمنهم الإرهابي نفسه على يد شرطي مسلح، كما وأصيب في الهجوم 50 شخصا، 31 منهم يتلقون العلاج في المستشفيات، واثنان في حالة خطيرة، وشرطيين لا يزالان في المستشفى، وهما يعانيان من "جروح بالغة الخطورة."(4)

لم يكن اختيار البرلمان البريطاني لهذا الهجوم الإرهابي صدفة، بل جاء وفق حسابات إسلامية وهابية بالغة التقدير، وهي أن البرلمان يحتل قلب لندن، ويمثل رمز الديمقراطية الغربية وقيمها الحضارية. وحسب الإسلام الوهابي، الديمقراطية كفر وإلحاد، لذلك جاء الهجوم على هذا الصرح العتيد تحدياً صارخاً من الإرهاب الوهابي المتوحش.

وقد تبين من سير التحقيقات الواسعة، أن المهاجم الإرهابي خالد مسعود، البالغ من العمر 52 عاما، وُلد في بريطانيا باسم (أدريان راسل أجاو) مسيحياً، وله سجل حافل باالجرائم الجنائية لم يكن من بينها جرائم إرهابية. ثم تحول مسلماً وغير اسمه إلى (خالد مسعود). والأهم في حياته، وتحويله إلى إرهابي، هو أن هذا الشخص قد عاش في السعودية وعمل فيها كمعلم في اللغة الإنكليزية لسبع سنوات(5). لا شك أن إقامته في السعودية وتغييره دينه إلى الإسلام الوهابي، لعب دوراً كبيراً في تحويله إلى إرهابي وحش، وذلك عن طريق شحنه بثقافة الكراهية ضد غير المسلمين، وبالأخص ضد اليهود والنصارى، وكذلك ضد المسلمين من غير الوهابيين.

يقول العالم، ستيفن وينبرغ (Steven Weinberg)، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء: (الناس الأخيار يفعلون الخير، والناس الأشرار يفعلون الشر، ولكن أن يقوم الأخيار بأفعال شريرة، فهذا يحتاج إلى عامل ديني)(6).

والسؤال الملح الذي يطرح نفسه هو: إلى متى تسكت الحكومات الغربية، وبالأخص أمريكا وبريطانيا، عن جرائم السعودية، وتعرض شعوبها وشعوب العالم والحضارة البشرية إلى جرائم الإرهاب الوهابي المتوحش؟ وإلى متى تستطيع السعودية شراء سكوت هذه الحكومات بالمال الحرام؟

يقول مارتن لوثر كنغ: "المصيبة ليس في ظلم الأشرار، بل في صمت الأخيار ."

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

2- شاهد وأستمع الي خطبة العيد في مكة، إمام الحرم يدعي على الشيعة والشيوعية واليهود والنصارى: (اللهم مكن أخواننا المجاهدين من رقابهم). ولا زال العالم يسأل من أين خرج الإرهاب ومن أين خرجت الطائفية؟
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1230210340344205&id=125762217455695&refsrc=https%3A%2F%2Fm.facebook.com%2FAl7qiqa%2Fvideos%2F1230210340344205%2F&_rdr

3- دعاء امام الحرم المكي في الصلاة بنصر داعش على "الرافضة واليهود والنصارى والحاقدين":
https://youtu.be/6K5mNpOC1mw

4- تفاصيل هجوم لندن: ما نعرفه حتى الآن
http://www.bbc.com/arabic/world-39367159

5- هجوم لندن: المنفذ خالد مسعود قضى فترة للعمل في السعودية
http://www.bbc.com/arabic/world-39382199

6- ((Good people will do good things, and bad people will do bad things. But for good people to do bad things -- that takes religion.))-  Steven Weinberg, in a dialog on religion with other scientists, 1999, quoted from "The Constitution Guarantees Freedom From Religion" an open letter to U.S. Vice-Presidential candidate Senator Joseph Lieberman, issued by the Freedom From Religion Foundation on August 28, 2000


118
حول زيارة العبادي لأمريكا
د.عبدالخالق حسين

يقال عن العراقيين أنهم أعداء أنفسهم، وأعداء أي نجاح يصيب بلدهم، وعلى استعداد لمعاداة أي بلد يقدم لهم الدعم، وأنهم يمنحون الأولوية للخلافات الشخصية على المصالح الوطنية. ولدينا أمثلة كثيرة لا مجال لعدها، وعلى سبيل المثال، فقد أفشل البرلمان قبل سنوات مشروعاً كبيراً لبناء مساكن، قدمه رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي، صوتوا ضده لأنهم اعتبروا نجاح المشروع بمثابة دعاية انتخابية له، فحرموا الشعب من هذا المكسب نكاية بالمالكي. ولا أدري ما الخطأ في كسب الشعبية عن طريق المنافسة في خدمة الشعب بدلاً من المنافسه في إلحاق الضرر به؟ كذلك في وقتنا الحاضر هناك من يتمنى فشل قواتنا المسلحة في دحر الإرهاب الداعشي في الموصل لأنهم يرون في حالة النصر، دعاية لرئيس الوزراء الحالي الدكتور حيدر العبادي، كما ويتمنون فشل زيارته لواشنطن. ومن الفبركات السخيفة المضحكة التي تم ترويجها قبل أيام، أن المالكي يخطط لانقلاب عسكري وبدعم من الحشد الشعبي ضد العبادي!!

شئنا أم أبينا، فالعراق بوضعه البائس والمشتت منذ إسقاط حكم البعث عام 2003، صار لأمريكا دور كبير في استقراره، ولا يمكن للعراق أن يستقر ويستعيد عافيته إلا بمساعدة أمريكا، وبناء علاقات طبيعية جيدة مع دول المنطقة. ولكن الحقيقة المرة  تؤكد أن أغلب الكيانات السياسية العراقية مستعدة للتعاون مع الشيطان ومع أية حكومة إقليمية على حساب المصلحة الوطنية، لإفشال الحكومة المركزية في خدمة الشعب. لذلك فما أن ينوي رئيس الوزراء العراقي، وأياً كان، بزيارة إلى واشنطن لكسب الدعم الأمريكي، حتى وتبدأ المقالات وضجيج الفضائيات بالترويج بفشل الزيارة، وحتى قبل البدء بها. فبعد استلام ترامب للرئاسة الأمريكية تم الترويج أنه (ترامب)، رفض توجيه الدعوة إلى العبادي لزيارة واشنطن ولا يرغب في لقائه!!، الأمر الذي نفته الإدارة الأمريكية الجديدة، وأكدت الدعوة.

كذلك يريد هؤلاء من العراق المرهق بعواقب الحروب الصدامية العبثية، وكوارث الحملات الإرهابية البعثية الداعشية، يريدون منه أن يعادي أمريكا والدول الإقليمية وبمختلف الذرائع والحجج. فعندما قام وزير الخارجية السعودي بزيارة إلى العراق من أجل إطفاء المشاكل، بعد ما تأكدت السعودية من فشل سياستها الخاطئة في معاداة العراق والدول الأخرى، وأنه من الأفضل للجميع إعادة العلاقة الودية بين البلدين، فتم الترويج أن الوزير السعودي مرسل من قبل الرئيس الأمريكي ترامب لابتزاز العراق، وأنه قدم قائمة من الشروط المجحفة، والمذلة لحكومة العبادي مقابل الدعم لدحر الإرهاب وإعادة إعمار المناطق التي تعرضت للدمار، وهذه القائمة تضم ((ثلاثة عشر "شرطاً" بينها: حلّ الحشد الشعبي، وإيقاف المدّ السياسي الإيراني في العراق، وانشاء 7 قواعد عسكرية أميركية، والموافقة على برنامج النفط مقابل البناء! .. وبخلاف ذلك ستكون لدى إدارة ترمب "الخطة B "، وهي ترتيب "انقلاب عسكري" بقيادة شخصية عسكرية مقبولة في الشارع العراقي!.. وأرفقت الحملة بحملة أخرى تدعو العبادي لوقف "التحالف" مع الولايات المتحدة وعقد حلف جديد عراقي – إيراني – روسي – سوري!))(1)
وأخيراُ، ورغم كل هذا التشويش والضجيج الإعلامي المخرب، قام الدكتور العبادي بالزيارة، وحسب ما عرضه الإعلام العالمي المحايد، فقد حققت الزيارة نجاحاً باهراً، وكان اللقاء بين رئيسي ووفدي البلدين في غاية الود والاحترام والنجاح(2 و3). وكما جاء في البيان المشترك فإن "الولايات المتحدة تلتزم مع العراق اليوم بشراكة شاملة تقوم على الاحترام المتبادل في ضوء اتفاقية الإطار الاستراتيجي العراقية-الاميركية التي تحدد أطر التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية”. وأضاف أن ” ترامب حرص على استضافة رئيس الوزراء العبادي في البيت الابيض ضمن اوائل رؤساء العالم تثميناً لدور العراق ودعماً للعلاقة الوثيقة التي تربط بين الشعبين الاميركي والعراقي وأهمية العلاقة بين الحكومتين. (4). و عاد رئيس الوزراء بباقة من الاستحقاقات والانجازات وعلى رأسها مواصلة الدعم الأمريكي في دحر الإرهاب الداعشي، وإعادة اعمار المناطق التي تعرّضت للدمار بسبب الإرهاب، والعمل على إعادة سكانها النازحين إليها.
فما حققه العبادي من إنجازات يعتبر كارثة لأعداء النجاح، لذلك راحوا ينبشون في كتب التاريخ للعثور على تعبير يساعدهم في التضليل و إظهار النجاح بالفشل الذريع، والخاتمة القاتلة للعبادي!!. إذ كتب أحدهم مقالاً عن الزيارة بعنوان (العشاء الأخير للعبادي في واشنطن)، ولا يخفى على القارئ اللبيب أن العنوان مأخوذ من لوحة (العشاء الاخير) للفنان ليوناردو دافنشي عن السيد المسيح الذي تم صلبه بعد ذلك العشاء، وهو تشبيه غير موفق، وذو غايات لئيمة.

وكل هذا الضجيج يجري لتقرير وضع المنطقة ما بعد داعش، إذ باتت هزيمة هذه العصابات الإرهابية حتمية. والجدير بالذكر أن قادة السنة هم الذين جلبوا الدواعش إلى مناطقهم للتخلص من المالكي، برفع اسطوانة العزل والإقصاء والتهميش. وبالتالي انقلب السحر على الساحر كما هو معروف في هذه الحالات عندما يعتمد السياسيون على الإرهاب لنيل مكاسب سياسية. وفي هذا الخصوص قال الصديق والكاتب الإعلامي السيد علاء الخطيب في مقال له: (هناك مقولة يرددها اهالي المناطق التي سيطر عليها داعش وهي: أن الأمريكان تبنوا الكورد، وإيران تبنت الشيعة، والسنة بقوا مشردين. هذا احساس منتشر في الشارع السني.)(4)

في الحقيقة أن مشكلة السنة لم تأتِ من عدم وجود من يتبناهم، بل بسبب كثرة وسوء نوايا من تبناهم، وهم السعودية وقطر ودولة الإمارات وتركيا. فهذه الحكومات هي التي أغرت قادة السنة السياسيين واشترتهم بالسحت الحرام، وبفضلهم جلبوا لهم الدواعش، وسموّهم في أول الأمر بالثوار المحررين لمناطقهم من حكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة الصفوية الموالية لإيران الفارسية المجوسية، كما يزعمون. وقادتهم مازالوا يواصلون عقد مؤتمراتهم التخريبية في جنيف وتركيا لتمزيق العراق إلى كيانات هزيلة يسهل ابتلاعها من قبل الحكومات التي تبنتهم. وهؤلاء هم الذين يحاربون أي نجاح تحققه الحكومة العراقية.

خلاصة القول: ليس من مصلحة العراق معاداة أية دولة في العالم، بما فيها إيران والسعودية. وكما أكد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، أن العراق لا يريد أن يكون طرفاً في الصراعات الإقليمية. فالعراق بأمس الحاجة إلى كسب أمريكا وإيران والسعودية وغيرها إلى جانبه. ويبدو أن العبادي قد حقق الكثير من النجاحات في هذا المجال، وخاصة في زيارته لواشطن. وموتوا بغيضكم يا أعداء العراق،
إذ لا يصح إلا الصحيح.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عدنان حسين: سرّ الشوشرة على زيارة العبادي لواشنطن!
http://www.almadapaper.net/ar/news/527089/سر-الشوشرة-على--زيارة-العبادي-لواشنطن

2- كلمة العبادي بالعربية خلال لقائه ترامب (فيديو)
http://www.akhbaar.org/home/2017/3/225873.html

3- بيان مشترك: العراق وأمريكا يؤكدان على الالتزام بشراكة شاملة للسنوات المقبلة
http://www.akhbaar.org/home/2017/3/225867.html

4- العراق يحصل على دعم أميركي كبير لمواجهة “داعش” والأزمة الاقتصادية
لقاء العبادي وترامب تمخضت عنه نتائج مميزة
http://www.akhbaar.org/home/2017/3/225905.html

5- علاء الخطيب: رؤية... ما بعد داعش
http://www.akhbaar.org/home/2017/3/225333.html


119
في ذكرى جريمة حلبجة.. لكي لا ننسى ولا تتكرر

د.عبدالخالق حسين

تمر هذه الأيام ذكرى أبشع جريمة ضد الإنسانية، ارتكبها النظام البعثي الصدامي في العراق، ألا وهي جريمة قصف مدينة حلبجة الكردستانية بالسلاح الكيمياوي ليلة 16-17 آذار(مارس) 1988، والتي راح ضحيتها أكثر من 5000 من الأكراد العراقيين من أهالي المدينة، أغلبهم من النساء والاطفال والشيوخ. كما وأصيب ما بين 7000-10000 أغلبهم من المدنيين، مات منهم آلاف من المصابين في السنة التي تلت الهجوم نتيجة المضاعفات الصحية وبسبب الأمراض والعيوب الخلقية. ولا شك أنها جريمة إبادة جماعية وعنصرية بكل معنى الكلمة وبشهادات منظمات حقوق الإنسان في العالم.

والجدير بالذكر أن هذه الجريمة حصلت في السنة الأخيرة من الحرب العراقية- الإيرانية، لذلك في أول الأمر حاول النظام الفاشي إلقاء الجريمة على إيران، ولكن تأكد بالأدلة العلمية و كما أثبتت وكالات الأنباء أن القوات الإيرانية هي الأخرى قد تعرضت للسلاح الكيمياوي من قبل الجيش الصدامي، وقد عولج كثير من الجنود الإيرانيين في المستشفيات الأوربية. كما نشرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية غير الحكومية، في 11 آذار/ مارس 1991 تقريرها عن مدينة حلبجة أن العراق قد استخدم الأسلحة الكيمياوية في أربعين محاولة لشن هجمات على أهداف كردية خلال حملة وصفتها بأنها إبادة جماعية.

المطلوب أن لا يقتصر الاحتفال بهذه المناسبة الأليمة على إقليم كردستان فقط، بل يجب أن يشمل كل الجمورية العراقية الفيدرالية، وجميع الجهات الرسمية والشعبية في العراق، يساهم فيها كتاب وصحفيون، وكل المؤسسات التعليمية والإعلامية في إحياء ذكرى هذه الجريمة البشعة وبشكل مكثف. وعلى رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان افتتاح المناسبة بكلماتهم عبر كافة وسائل الإعلام. ولحد علمنا فقد أكتفى مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي بإصدار بيان بهذه المناسبة، مذكراً أن الإرهابيين الدواعش هم امتدادا لنظام البعث المقبور. فـ(داعش) هي فعلاً امتداد لنفس القوات التي قصفت حلبجة بالكيمياوي، حيث استخدم الدواعش قبل أيام السلاح المحرم دولياً ضد المدنيين وضد قواتنا البواسل في الموصل. و من المؤسف جداً أن فعاليات وسائل الاعلام في فضح الجريمة لم تكن بمستوى المناسبة وضخامة المأساة والجريمة.

كان على جميع المؤسسات الحكومية والشعبية، وبالأخص وسائل الإعلام، وعلى رأسها القناة العراقية الرسمية، إحياء هذه الذكرى، ونشر الأفلام الوثائقية عن هذه الجريمة والجرائم الأخرى التي ارتكبها النظام البعثي الفاشي ضد جميع مكونات الشعب العراقي. هذا النظام الذي يحاول البعض إخفاء جرائمه بتجميل وجهه القبيح، والتركيز على سلبيات ما بعد سقوطه، واختلاق المزيد منها، والتي أغلبها من صنع فلول البعث. فهذه المناسبة ليست للتذكير بجريمة حلبجة فحسب، بل وبجميع جرائم البعث ابتداءً من غدرهم بثورة 14 تموز يوم انقلابهم 8 شباط  1963 الأسود وإلى اليوم.

والملاحظ أن فلول البعث قد اتبعوا مختلف الوسائل والتكتيكات الشيطانية الخبيثة في إخفاء جرائمهم، والتركيز على تشويه صورة عراق ما بعد صدام  وما حصل من جرائم إرهابية التي هي من صنع الإرهابيين البعثيين. فبالإضافة إلى وسائل إعلامهم الأخطبوطية من فضائيات ومواقع على الشبكة، نراهم يتفننون في نشر أخبار ملفقة، و إشاعات مسمومة بأسماء مستعارة ضد العملية السياسية، كما ويندسون في مجموعات النقاش لبث سمومهم ومحاولتهم لتفنيد كل ما ينشر عن جرائم البعث وبمختلف الذرائع. وعلى سبيل المثال لا الحصر، بعد أن نشرت مقالين (أين مؤسسة الذاكرة العراقية؟)(1)، و(حول رسالة عزت الدوري المفبركة)(2)، انبرى أحد هؤلاء متظاهراً بالعقلانية الزائفة، ودموع التماسيح، مدعياً: (ان البعث في العراق من صفحات الماضي، والتاريخ لن يعيد نفسه، ويجب ان ننظر الى الأمام، وان من يظن انه عائد فهو واهم. اما الذين  يستمرون في مسبة البعث لتبرير الفشل الذريع لشلة اللصوص في الحكم حاليا فان لعبتهم مكشوفة و لا تنطوي إلا على البسطاء)(كذا).

في الحقيقة، هذه الفقرة هي خلاصة ما يردده أيتام النظام ليل نهار، وهي ليست بريئة ولا قائلها إنسان بسيط ومن أهل الله، أبداً، وإنما تكتيك خبيث يتبعه البعثيون المندسون في صفوف جماعات النقاش ليغطوا على جرائم البعث. ولكن هذه اللعبة لن تمر على النابهين الحذرين من أبناء شعبنا، فقد رد عليه الصديق ضياء الحسن، رداً فاحماً بقوله:
(أتمنى أن يكون كلامك واقعياً بعدم عودة العفالقه والفكر العفلقي، وكلما نحاول نسيان هؤلاء المجرمين يظهر شخص كذوب مثل حسن العلوي ليذكرنا بمآسيهم ويعلن إستلام رسالة من أحد القرود. إن نسيان هؤلاء المجرمين ربما يحتاج إلى وقت طويل جداً بدليل أن ألمانيا وأوربا عموماً لا زالوا يتذكرون النازيين سينمائياً وإعلامياً وتوثيقاً بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن.)

كما ورد عليه الصديق فؤاد الأعرجي: ((لا  والله أُستاذ محمد أسب البعث وألعن سَلفة سلفاهم إلى يوم الدين. وما علاقة سب البعث بلصوص المحاصصة ؟؟؟ هل نشر غسيل البعث الفاشي يعني التغطية على  الغسيل الفاسد لنظام المحاصصة ألإمبريالي؟؟؟ عمي محمد ....روح إسْأل آلاف الثُّكالى من أُمهاتنا العراقيات عما إذا نسوا  أولادهم الذين قتلهم ألبعث الفاشي منذ 8 شباط 1963 ولحد النهاية التّعيسة للبعث الفاشي؟؟؟؟ خمسة إخوة من أولاد عمي بمن فيهم المهندس عبد ألإله ألأعرجي قد قتلهم جلاوزة البعث الفاشي في 8 شباط 1963. وتريدنا أن ننسى جرائمهم الشنيعة؟؟؟؟ هل تعلم مولانا محمد بأن المدعو ألبعثي الفاشي أياد علاّوي أين كان يمارس التعذيب وقتل الوطنيين العراقيين بمعية ناظم كزار في8 شباط 1963؟؟؟ كان في قصر النهاية!!!! ولهذا (نَصّبَهُ) الأمريكان رئيساً لأول وزارة عراقية بعد إنهيار الديكتاتورية الفاشية. أما الرفيق البعثي المتلون حسن العلوي وعزت الدوري وبقية من سقط المتاع البعثي الفاشي يُريدون تجميل البعض  من صور البعث الفاشي فذلكَ يُعْتَبر في قاموس العراقيين سخافة مُبْتَذلة غير قابلة للتصديق ناهيك التحقيق. فالبعث الفاشي مولانا محمد كلمة أقبح من قبيحة و يَشْمئز منها العراقي عند سماعها كما لو كانت سُبّة))أنتهى.
هذا هو الرد الفاحم من أبنا شعبنا على أيتام البعث وأشباههم.

مرة أخرى نطالب المسؤولين في الدولة العراقية، حكومة وشعباً، في التركيز على نشر جرائم البعث، وتشكيل جماعات رصد لمتابعة كل ما يصدر من فلول البعث من أكاذيب وإشاعات سامة وتفنيدها أولاً بأول، ونشر جميع جرائم النظام الصدامي بحق شعبنا. وما مرور ذكرى جريمة حلبجة، وبعدها الأنفال، ومن ثم المقابر الجماعية في المحافظات الجنوبية، إلا مناسبات تاريخية يجب الإهتمام بها والتركيز عليها، لتذكير أبناء شعبنا والأجيال القادمة والعالم، بجرائم البعث الفاشي العنصري الطائفي، لكي لا تتكرر المآسي. فقد كذب من قال أن التاريخ لا يعيد نفسه. التاريخ يعيد نفسه عند أولئك الذين يتناسونه، ولا يستخلصون منه الدروس والعبر. إذ كما قال ماركس: (التاريخ يعيد نفسه مرة بمأساة ، وأخرى بملهاة).
المجد والخلود لشهداء شعبنا الأبرار، والخزي والعار للبعث الفاشي أعداء الإنسانية، وكل من يحاول إخفاء جرائمه.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
د.عبدالخالق حسين: أين مؤسسة الذاكرة العراقية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=887

د.عبدالخالق حسين: حول رسالة عزت الدوري المفبركة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=888

120
حول رسالة عزت الدوري المفبركة
د.عبدالخالق حسين

نحن نعيش في عصر الخديعة، حيث يسهل صنعها ونشرها على أوسع نطاق. والمفارقة أن جميع هذه الخدع والغش والأكاذيب والتلفيقات هي من إنتاج وترويج المثقفين أو المتعلمين، وبالأخص البعثيين وأشباههم، وبغطاء مصلحة الشعب والوطن! ومحاربة الفساد والإرهاب. وقد أشرتُ في مقالي الأخير (أين مؤسسة الذاكرة العراقية؟)(1)، إلى ضرورة تذكير شعبنا إلى ما تعرض له من مظالم على يد حزب البعث الفاشي، كي لا تتكرر المأساة. كذلك أشرت فيه إلى ما صرح به البعثي السابق، والمغازل للبعث حالياً، السيد حسن العلوي في مقابلة خاصة له مع احدى الفضائيات، تم ترتيبها خصيصاً لنشر فبركة مفادها أنه (العلوي)، تلقى رسالة من عزت الدوري، مؤلفة من أربع صفحات، تضمنت برنامج عمل للبعثيين لإنقاذ العراق من الفرس المجوس!!! وفيها تخويل للعلوي للحديث باسم الدوري والبعث للتفاوض مع دول الجوار... الخ، ليليها تعليق هستيري على حلقتين في أحد مواقع البعثيين، من البعثي صلاح المختار، مؤيداً للرسالة وإبرازها كأنها حقيقية لا شك فيها، مهدداً بالويل والثبور، والثأر الشديد من الفرس وعملائهم في بغداد!!.

وكالعادة، استلمتُ الكثير من تعليقات إيجابية مفيدة، ومكملة للمقال المشار إليه في أعلاه، من عشرات الأخوات والأخوة الأعزاء، إضافة إلى ما تفضل الكثير منهم بإعادة نشر رابطه على مواقعهم في التواصل الاجتماعي، مشكورين.

واللافت أن معظم التعليقات تركزت على تصريحات حسن العلوي عن الرسالة التي ادعى أنه استلمها من الدوري، وعن مواقفه الانتهازية، وتقلباته حسب ما تقتضيه مصالحه الشخصية المادية. ولم أكن راغباً في التعرض للسيد العلوي، لأسباب عديدة، منها أنه شخص مثقف من الوزن الثقيل، وقدم خدمة جليلة في العديد من مؤلفاته القيمة بعد أن ترك حزب البعث على إثر اعدام صدام لقريبه عدنان حسين الحمداني مع عدد كبير من القياديين البعثيين عام 1979، ولما أحس بالخطر على حياته وحياة عائلته، هرب إلى سوريا، ومن هناك بدأ حملته ضد البعث، وحاول التقرب إلى العراقيين في المهجر وكسب عطفهم، وخاصة في سوريا. وهناك قصة طريفة كيف تقرب العلوي من العراقيين في مقال للسيد أحمد السيمياوي، نضع رابطه في هامش هذا المقال(2).
فالعلوي في مؤلفاته كشف الكثير عن حقارة وفضائح حزب البعث المافيوي، وخاصة في كتابه الموسوم (دولة المنظمة السرية). كذلك ما جعلني أتجنب توجيه النقد للعلوي قبل هذا الوقت هو أن له نقاد كثيرون بما فيه الكفاية، ولا حاجة لمشاركتي في نقده. ولكن في تصريحاته الأخيرة رأيت من المفيد أن أدلو بدلوي، لأن الفبركة التي ساقها لا يمكن هضمها، والسكوت عنها، ولأنه تمادى في إهانة ذكاء العراقيين، واستغبائهم ومحاولته الضحك عليهم.

وفي هذا الخصوص علق الأخ الفاضل وليد حسين في الفيسبوك قائلاً:
((الحراك البعثي واضح المعالم ولكنه غبي كما هم دائما فما زال الخطاب هو هو! رسالة عزت الدوري كانت في الحقيقة مجرد مسخرة، ولولا كان لحسن العلوي الإستعداد لتصديقها لما خرج بها بهذا الشكل الكاريكوتوري المضحك. الرسالة كانت واضحة أن البعثيين يحتقرون العراق والعراقيين وأن لا يهمهم منهم شيئاً بالمطلق، لذا ترى أنها توجهت إلى إيران والكويت حصراً! لو تسمح لي دكتور أن أضيف فأن الحراك الإعلامي البعثي قد تزامن مع إنكسارات أجنحتهم العسكرية في الأنبار وصلاح الدين وآخرها في الموصل، لأني شخصياً لا أؤمن بأن هناك قاعدة أو داعش في العراق، بل هم البعثيون أنفسهم أو قل مؤسسات صدام القمعية لبست هذا اللبوس [داعش]، كي تكتسب الشرعية الطائفية، ولكنها خسرت مرة أخرى كما خسرت شرعيتها القومية وقبلها الوطنية.))انتهى

أتفق كلياً مع ما تفضل به السيد وليد حسين، مشكوراً، ما عدى نقطة واحدة وهي، قوله أن (... لحسن العلوي الإستعداد لتصديقها، أي رسالة الدوري). في الحقيقة العلوي لم يصدقها، بل هو كاتبها، وملفقها ومفبركها لغاية في نفسه، وهي كما ذكر الكاتب السيد جمعة إبراهيم في مقاله القيم (دعاية رخيصة لحزب البعث): "لأن العلوي يريد ان يشارك في الانتخابات النيابية  القادمة، ضمن قائمة (اياد علاوي) كما صرح في اللقاء التلفزيوني، في كسب اصوات الناخبين من حزب البعث، وهي اصوات لا يستهان بها، بهذه المزايدة الرخيصة والفجة، وبهذا الاسلوب في العهر والدعارة السياسية الثعلبية".(3)

أقول، وكصديق قديم له، لم يكن لائقاً بالسيد حسن العلوي أن يسلك هذا السلوك الانتهازي المشين في خدمة البعث بعد أن بلغ من العمر عتيا، حيث بلغ الثالثة والثمانين، وهو ذو ثروة لا بأس بها، خاصة بعد أن حقق لنفسه راتباً تقاعدياً برلمانياً ضخماً في حدود ثمانية ملايين دينار شهرياً على الأقل، والذي يعادل أضعاف راتب الأستاذ الجامعي الذي خدم نحو 40 سنة. في هذه الحالة، ما كان عليه أن يطمع لعضوية البرلمان أيضاً بعد أن حقق ما أراد في دورة سابقة، بل كان عليه أن يتفرغ للكتابة والتأليف لما ينفع الشعب العراقي، ويكشف المزيد من جرائم دولة (المنظمة السرية)، لا أن يتملق لهذه العصابة ويتزلف لها طمعاً في منصب وهو في خريف حياته. ولكن مع الأسف الشديد، خذلنا وأحرجنا كما خذل وأحرج كل أصدقائه ومعارفه الآخرين. وهل هذا الحزب يستحق من يتزلف له، أو يدافع عنه بعد أن جلب كل هذا الخراب على العراق، سواء خلال حكمه أو بعد سقوطه؟؟ فجميع الأعمال الإرهابية من تفجيرات وقتل الجماهير، وما حصل باسم داعش، هي من صنع البعث. لذا فبأية ذريعة يحاول السيد العلوي التقرب من هذا الحزب ومحاولة تجميل وجهه؟ يقول المثل العراقي الشعبي: (الدجاجة تموت وعينها ع المزبلة).

والجدير بالذكر، أن عزت الدوري قد نُفِق في جبال حمرين على أيدي الأبطال العراقيين قبل عامين إثناء مطاردتهم للإرهابيين الدواعش كما نشرت الأنباء آنذاك، ثم اختفى عن الظهور تماماً مما يؤيِّد مقتله، فلو كان حقاً لم يقتل (بل شبِّه لهم!!)، لظهر في الفضائيات البعثية والمتعاطفة مع البعث، ليثبت بقاءه حياً، وأنه ما يزال القائد الضرورة، وليثير السخرية على أعدائه الذين اعلنوا موته، و ليحقق نصراً إعلامياً كبيراً على "حكام بغداد، عملاء الفرس المجوس"، كما يزعمون. لذلك اعتقد أن عزت الدوري مقتولاً إلى أن يثبت العكس وذلك بظهوره على الفضائيات بشكل مقنع وليس لقطات قديمة أو صناعة الفوتوشوب. والعلوي متأكد جيداً من موت الدوري، لذلك لفق هذه الرسالة ومنح نفسه ما منح من تخويلات، لأنه واثق من نفسه ويعرف أن الدوري لا ولن يظهر ليناقضه أو يكذبه.

وكما يعرف البعض، أن هذه ليست المرة الأولى التي يفبرك فيها حسن العلوي رسائل من الموتي ، بل أدعى أيضاً قبل سنوات أن صدام حسين قد اتصل به تلفونياً بعد فترة من اعدامه، طبعاً ليدعم نظرية المؤامرة أن صدام لم يتم إعدامه، وإنما اعدموا شبيهاً له، وهو الآن يلعب الغولف مع بوش في أمريكا!!!
ولمن يريد المزيد عن سلوك حسن العلوي وتقلباته وحنقبازياته، أرجو فتح الرابط رقم 2 في الهامش.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: أين مؤسسة الذاكرة العراقية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=887

2- أحمد السمياوي: حسن العلوي... سيرة سرسري
http://www.iraqcenter.net/vb/showthread.php?t=32156

3- جمعه عبد الله: دعاية رخيصة لحزب البعث
http://www.akhbaar.org/home/2017/3/225374.html



121
أين مؤسسة الذاكرة العراقية؟
د.عبدالخالق حسين

الشعب، كما الإنسان الفرد، له ذاكرة تربطه بماضي حياته و تاريخه، وجميع الأحداث التي مر بها مخزونة في ذاكرته. وبدون الذاكرة يكون قد أصيب بمرض الألزهايمر (مرض النسيان، أو الخرف المبكر). وبدون تاريخ يكون الإنسان بلا هوية. ومن نافلة القول، أن الفرق بين الإنسان والحيوان هو العقل الذي هو نتاج الدماغ (المخ)، والأخير هو العضو المادي في الجسم، وظيفته التفكير والوعي والعواطف والمشاعر والذاكرة. فالإنسان يختلف عن الحيوان، لكونه لا يعيش الحاضر فحسب، بل و يتذكر الماضي وآلامه وأفراحه، و ويتعلم منه باستخلاص الدروس والعبر، ويخطط للمستقبل المجهول الذي يقلقه. بينما الحيوان يعيش لحظة الحاضر فقط، بلا ماض يزعجه ولا مستقبل يقلقه، إذ تحركه الغريزة فقط، بدون عقل و ذاكرة.
 
فالإنسان يولد جاهلاً، ومنذ لحظة ولادته يبدأ بالتعلم من بيئته ومن أخطائه إلى شيخوخته ووفاته. فحياة الإنسان عبارة عن سلسلة من أخطاء وإخفاقات ونجاحات يتعلم منها، وبدون الذاكرة لا يتعلم أي شيء، فلولا الذاكرة لما نشأت الحضارة أصلاً.

والجدير بالذكر أن للشعب العراقي تاريخ دموي حافل بالمآسي والمصائب والكوارث نتيجة جور حكامه عبر التاريخ. ولا نغالي إذا قلنا أن أسوأ عهد عاشه الشعب هو عهد حكم البعث الصدامي الجائر. ويمكن القول أن ما أصاب الشعب العراقي من كوارث خلال حكم البعث لا يقارن إلا بغزو المغول التتار للعراق بقيادة هولاكو، بل و أسوأ منه بكثير.

فقد تعرض هذا الشعب خلال حكم البعث إلى أبشع أنواع الاضطهاد والجوع والإذلال، لا يقل عن اضطهاد النازية الألمانية لليهود في عهد حكم هتلر. فقد عاش الشعب العراقي مرحلة عصيبة من الحروب العبثية والحصار الاقتصادي، والمقابر الجماعية، والقتل الجماعي بالأسلحة الكيمياوية، والأنفال، والتشريد، والهجرة القسرية المليونية، وسراديب وزنزانات التعذيب، والتصفية بأحواض الأسيد، لم يعرفها أي شعب آخر من قبل. وقد بلغ الأمر حداً لا يطاق بحيث لم يكن لهذا الشعب الأعزل أي أمل في الخلاص من هذا النظام الجائر إلا بالاستنجاد بالمجتمع الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا، وهذا ما حصل، حيث تم إسقاطه يوم 9 نيسان/أبريل 2003، بسقوط الصنم في ساحة الفردوس ببغداد، وأقيم النظام الديمقراطي البديل، يضمن مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في الحكم، وتبادل السلطة بالوسائل السلمية عن طريق صناديق الاقتراع كل أربع سنوات.

ولأجل وضع حد لهذه الكوارث، ومنع تكرارها، أقامت السلطة الجديدة مؤسسة باسم (مؤسسة الذاكرة العراقية)، وتم تعيين السيد مصطفى الكاظمي رئيساً لها، وتجهيزها بالوثائق والمصادر والأفلام وكل المتطلبات التي تفضح جرائم النظام البعثي ضد الشعب العراقي، ليكون أشبه بالمتاحف التي أقيمت بعد الحرب العالمية الثانية في ألمانيا والدول الأوربية الأخرى عن جرائم النازية، وخصصت لها مجلة أسبوعية لنشر نشاطاتها. والغرض من هذه المؤسسة ليس للثأر والانتقام من أحد، ولا لإثارة الأحقاد والصراعات بين مكونات الشعب، بل لمنع تكرار تلك المصائب.

ومما يجدر ذكره أني شاركت في ملتقى فكري ببغداد عام 2009، كنت قد أكدت في ورقتي على مسألة استخلاص الدروس والعبر من تاريخنا الدموي، وأن نفعل تماماً كما فعلت أوربا بعد الحرب العالمية الثانية لفضح جرائم النازية وإبقائها بارزة في ذاكرة الشعوب الأوربية لكي لا تتكرر في المستقبل. اعترض عليَّ أحد الزملاء المشاركين، أنه يجب التخلص من التاريخ، واستشهد بمقولة لمفكر غربي نسيت اسمه، مفادها، أنه (من أجل أن نعيش بسلام، يجب إطلاق رصاصة على التاريخ والتخلص منه).

هذه المقولة قد تكون صحيحة ضمن سياقها في حالة إصرار البعض لإبقائنا سجناء الماضي، والمطالبة ببناء الحاضر والمستقبل على مقاسات الماضي الذي فات زمانه، كما يدعو إليه دعاة الإسلام السياسي الآن، ومطالبتهم بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لألف وأربعمائة سنة. بينما الدعوة لتنشيط ذاكرة الشعب ليس الغرض منها أن نبني حاضرنا على مقاسات الماضي ونسجن أنفسنا فيه، بل العكس تماماً، أي يجب أن نقرأ التاريخ لا لإثارة العصبيات العنصرية والطائفية والقبلية وغيرها، بل لنستخلص منه الدروس والعبر، لتلافى أخطاءه. وفي هذا الخصوص يقول الفيلسوف الأمريكي، جورج سانتيانا: "الذين لا يتذكرون الماضي، محكوم عليهم بتكرار أخطائه ".

فالحكومات الأوربية ووسائل إعلامها ومؤسساتها التعليمية والثقافية على مختلف مستوياتها، ليسوا أغبياء عندما بدؤوا حملتهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإلى الآن، يعيدون على أذهان شعوبهم باستمرار، يذكرونهم بمآسي الحرب وجرائم الفاشية الإيطالية، والنازية الألمانية، ومحارق الهولوكست، بلا توقف، ليس من أجل أن يعيشوا في الماضي، أو لإثارة الأحقاد والمشاعر الثأرية، بل لغاية واحدة فقط، وهي منع تكرار تلك الكوارث مرة أخرى. وقد حقق الأوربيون نجاحاً باهراً في هذا المجال.

بينما الذي يجري في العراق الآن هو العكس تماماً، فقد اختفت مؤسسة الذاكرة العراقية ولم نسمع عنها أي شيء، سوى موقع على الانترنت، ليس فيه ما يوحي بنشاط ملموس(1). وربما كان إلغاؤها أحد شروط المصالحة الوطنية مع البعث!! أو ما يسمى الآن بـ"التسوية التاريخية"، إذ هناك صمت مطبق في الإعلام العراقي عن جرائم البعث ضد الإنسانية، يقابله هجوم عنيف ونشاط محموم من فلول البعث وأجهزته الإعلامية باختلاق الأطنان من الأكاذيب يومياً ضد العراق الجديد، وحملة تشويه صورة الديمقراطية، وإلصاق جميع جرائم البعث بالحكومة الديمقراطية المنتخبة، وتشويه صورة كل من يشارك في السلطة، والمبالغة بالسلبيات، واختلاق الكثير منها، والإدعاء أن رجال الحكم اليوم هم عملاء أمريكا وإيرن، دمروا الدولة العراقية(2).
والغرض من حملتهم المسعورة هذه خدع الجماهير بأن أفضل عهد شهده الشعب العراقي هو عهد "سيد شهداء العصر الرئيس صدام حسين" ، على حد تعبير صلاح المختار في تعليقه على الوثيقة المفبركة التي تحدث عنها السيد حسن العلوي في مقابلة له مع قناة (الرشيد) قبل أيام، أدعى أنها مرسلة له من عزت الدوري(يرجى فتح الرابط رقم 3 في الهامش). فعزة الدوري على الأغلب قد قُتِل قبل عامين في منطقة جبال حمرين كما أفادت الأنباء آنذاك، ولو كان حياً لظهر على شاشات القنوات البعثية أو المتعاطفة مع البعث لتكذيب الخبر. وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول حسن العلوي استغفال الناس والضحك عليهم لأغراضه الخاصة، فقد نبهني صديق وهو كاتب متميز متابع للشأن العراقي، (أن العلوي هذا هو نفسه الذي أدعى أن صدام حسين اتصل به تلفونياً بعد فترة من اعدامه. ..).
والغريب أن صلاح المختار في تعليقه على هذه الرسالة المزيفة، يتحدث بمنتهى العجرفة والعنجهية وكأن حزبه مازال في السلطة ومن موقع القوة !!، فيطالب بالقضاء على حكام بغداد المجوس، عملاء إيران، وإبادة حتى ذرياتهم في الأجيال القادمة !!!. فتصور اللغة الثأرية، وبهذه العنتريات الفارغة يريد أن يطمئن الشعب العراقي بـ"حزب العودة !!!". لا أعرف بأي وجه قبيح يريد البعثيون مواجهة الشعب العراقي وإعادة حكمهم، وهم الذين دمروا كل شيء جميل في العراق، وأدخلوه في هذا النفق المظلم؟

والمفارقة أن أغلب الذين يقومون بتعميم هذه الأكاذيب والتلفيقات هم من ألد أعداء البعث، لأن مؤلفي هذه الافتراءات يتمتعون بقدرات كتابية مهنية عالية في التضليل، يسوِّقون أكاذيبهم بشكل منمق يسهل تمريرها على الناس ومهما كانوا من الثقافة. وهناك أمثلة كثيرة في هذا الخصوص تمر علينا يومياً عبر الإيميل ومواقع التواصل الاجتماعي. ولإضفاء المصداقية على فبركاتهم، غالباً ما يدَّعون أنها صدرت من صحف غربية المشهورة ، ولكن دون أن يكلفوا أنفسهم بنشر رابط التقرير من مصدره الأصلي كما يدعون. 

خلاصة القول، المطلوب من الحكومة العراقية إعادة الحياة والنشاط لـ(مؤسسة الذاكرة العراقية)، والدعوة لمشاركة جميع مؤسسات الدولة، وبالأخص التعليمية والإعلامية والثقافية، بتذكير أبناء شعبنا باستمرار عن جرائم الفاشية البعثية الصدامية، وإلا ستنقلب الأمور، وينجح فلول البعث في إقناع ضحايا الشعب بأن مأساتهم لم تكن من البعث، بل من الحكام الجدد الفاسدين "عملاء أمريكا وإيران"، وأنه لا خلاص لهم إلا بالقضاء على الحكومة "العميلة" التي فرضتها أمريكا وإيران على حد زعمهم.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- موقع مؤسسة الذاكرة العراقية
http://www.daleeliq.com/civil_Details.php?ID=786

2- د.عبدالخالق حسين: من دمر الدولة العراقية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=880

3-  جمعه عبد الله: دعاية رخيصة لحزب البعث
http://www.akhbaar.org/home/2017/3/225374.html

****************
ملحق
وصلني منذ مدة، تعليق من قارئ كريم ، فضل عدم الإشارة إلى اسمه في حالة النشر، ونظراً لأهميته رأيت من المفيد نشره كملحق لهذا المقال، وذلك لتعميم الفائدة، جاء فيه ما يلي:

بعد سقوط صدام صرح البعثيون بانهم سيدمرون العراق وبأن العراقين سيندمون على اسقاط صدام حسين،. والتقارير الدولية تشير الى ان صدام حرص على تحويل العراقيين الى اسلاميين متشددين بدءاً من كتابة القرآن بدمه، ومن ثم الحملة الايمانية الاسلامية التي اطلقها بنفسه بشكل واسع واستخدام جلاوزته في المقابر الجماعية ضد الشيعة وضد البقية ...كل هذا كان للتحضير لفترة ما بعد اسقاطه، و من اجل ان يحضِّر لفترة ما بعد سقوطه للتدمير, وهو الذي قال حرفيا "أن الذي يحكم العراق من بعده سيحكمه أرضاً محروقة بلا بشر".
وبعد سقوطه قام البعثيون بالتفجيرات واجراء اختطاف للبشر وقتلهم وهم يعترفون به... وجرت معارك في مناطق معروفة بأنها بعثية لحد النخاع ومنها الفلوجة والرمادي بحيث حتى قرية بعيدة في اليابان اصبحوا يعرفون اسماء هذه المناطق(...). وفي كل هذه التصريحات كان البعثيون يتساءلون ويطرحون اسئلة للعراقين بالشكل التالي: هل هذه هي الديمقراطية التي جاءت بها امريكا؟ هل هذا هو التغيير نحو الافضل الذي ارادته امريكا؟ هل هذا ما كان يتمناه العراقيون، حيث في كل يوم تفجيرات وقتل واختطاف الخ؟
انظر الآن الى قذارة البعث: من قام بالتفجيرات غير البعثين انفسهم ، ومن ثم يسألون العراقيين فيما اذا كانوا قد تمنوا هكذا ديمقراطية التي وعدتهم بها امريكا؟ وما اراده البعثيون كان شيئاً واحداً وهو ان يردد العراقيون بعدها بان فترة صدام كانت افضل من هذه الفوضى والتفجيرات اليومية...طيب ولكن هذه الفوضى والتفجيرات اليومية خلقها ومارسها البعثيين انفسهم.
واذا جئنا الى الداعشيين فان التقارير الدولية تقول بانه صحيح هناك الآلاف من المقاتلين الاجانب الاسلاميين، واسلاميين عراقيين، ولكن من يصنع العبوات الناسفة ويستخدم الاسلحة الثقيلة ويقوم بتدريب كل هؤلاء؟ أليسوا هم اشخاص خبراء في الحروب وهم البعثيون وخاصة هؤلاء من كل من الفلوجة والرمادي وتكريت والموصل الذين كانوا مختصين سابقا في التصنيع العسكري؟

لذلك فان اي شخص يمتلك ذرة من العقل فانه لن يسمح بان يصل هؤلاء الأوغاد البعثيون القذرون الى غرضهم. ولهذا فانني اعتبر اي مرحلة في العراق بانها افضل بألف مرة من مرحلة قذارة البعثيين ومرحلة قبل سقوط صدام.

122
حقيقة التيار الصدري في عيون القراء

د.عبدالخالق حسين

من فوائد الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أنها حررت الكتاب من مختلف الضغوط لنشر أفكارهم كما يشاؤون ودون شروط أو قيود مسبقة إلا ما تمليه عليهم ضمائرهم وقوانين النشر. كذلك أتاحت المجال للقراء الأفاضل لإبداء آرائهم فيما نكتب وبمنتهى الحرية مع الالتزام بأدب الحوار. فآراء القراء تشكل أحد أهم المصادر للكتابة. وقد كتبتُ في السنوات الماضية عدة مقالات في هذا الخصوص بعنوان (حوار مع القراء)، ناقشت فيها تلك الآراء القيمة سواءً كانت مع أو ضد.

وبعد مقالي الأخير الموسوم (هل صار التيار الصدري أداة للفوضى؟)(1)، ساهم كثيرون في التعليق، سواءً على صفحات الفيسوك، أو عبر الإيميل، وكثير منها لكتاب قديرين ومعروفين، إلا إنهم يترددون في نشر آرائهم بصراحة على شكل مقالات، خوفاً من تعرضهم وذويهم في العراق إلى الأذى من بلطجية التيار الصدري. ولكن مع ذلك نشر العديد من الزملاء الكتاب، مثل الصديقين الأستاذ رعد الحافظ الذي نشر مقالاً فضح فيه هذا التيار، بعنوان: (هل أصبح إسم مقتدى الصدر/ خطاً أحمراً؟)(2). والأستاذ أياد السماوي بعنوان: (لماذا يستهدف مقتدى الصدر مجلس المفوضين الحالي؟). لذلك رأيت من المفيد أن أعيد نشر عدد من هذه التعليقات في هذا المقال وذلك لأهميتها، ولإيصالها إلى قطاع واسع من القراء الكرام، بدلاً من تركها حبيسة بين المعلق والكاتب، ولأنها مكملة للمقال السابق.

ومن هذه التعليقات رسالة من كاتب معروف، طلب عدم ذكر اسمه للسبب أعلاه، عما يثيره الصدر من اضطرابات بدعواته المتكررة للتظاهرات الاحتججاجية، جاء فيها:
((أحسنتم اخي ... المفروض أن تعلن الحكومة حالة الطوارئ في مثل هذه الحالات.. فالحكومة الفرنسية لحادث ارهابي واحد اعلنت حالة الطوارئ 3 شهور وتم تجديدها، وتركيا فرضت طوارئ مستمرة، وكذلك مصر. أما بريطانيا فقد امر كاميرون القوات الخاصة بردع المتظاهرين وقال: "لا مكان لحقوق الانسان حين يتعلق الامر بالأمن القومي البريطاني".
((أتباع الصدر جميعهم، إلا ما ندر، هم من اولاد الرفاق يضاف لهم خريجو السجون الذين اطلق صدام سراحهم قبل اسقاطه بشهر حين تأكد من أن اميركا مصممة على اسقاطه. وهؤلاء المجرمون بحدود 175 الف مجرم بقضايا قتل وتزوير وزنا محارم وتهريب واختلاس وليس بينهم سجين رأي واحد، لان سجين الرأي كان يعدم في الحال. وهذه المعلومة اكدها لي اصدقاء شرفاء في مدينة الثورة وهم على تماس مع قيادات التيار الصدري من اقاربهم .هؤلاء المجرمون وجدوا في التيار ملجأ آمنا يحقق لهم ما يريدون، لان باقي الاحزاب ترفض القتل والسلب ونهب الممتلكات العامة واشاعة الفوضى حتى و إن كان بعض مسؤوليها مفسدين في دوائر الدولة، الا انهم بعيدون عن القتل والسلب ونهب وتخريب الممتلكات العامة وإشاعة الفوضى والاعتداء على الآخرين.
((حتى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش قال: "مقتدى ليس مرجعاً دينياً، والشيعة لا يحترمونه كون اتباعه من اللصوص والمجرمين وقطاع الطرق." هذا جواب بوش ردا على سؤال لأحد الصحفيين، ان مراجع الشيعة مثل مقتدى يرفضون وجودكم وتحريركم للعراق.))
وأضاف المعلق الكريم: "هذا التعليق لم اذكره في الفيسبوك لان الصدرية مجرمون، وقد اغلقوا صفحتي مرتين ثم اخترقوها و وضعوا فيها صورا اباحية. ومرة نشرت مقالة ضدهم في موقع كتابات فهددوني عن طريق الإيميل. الظاهر ان لديهم ذيول في بعض المواقع و إلا كيف عرفوا عنوان الايميل. واذا احببت اضافة هذه المعلومات الى المقالة ولكن دون ذكر الاسم." انتهى.

ومن هنا نعرف مدى ضرورة الحذر، وخوف الكتاب والقراء من بلطجية هذا التيار حتى وإن كانوا بعيدين عن العراق آلاف الأميال. فهم يهددون بأن لهم أذرع طويلة تستطيع الوصول إليهم أينما كانوا.

و اخترت تعليقاً آخر من قارئ كريم، دائماً يتحفني بتعليقاته القيمة المتضمنة معلومات مفيدة، وفي تعليقه الأخير جاء فيه: 
((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الله يرعاك ويحفظك، ويوفقك يا دكتورنا...الغالي على قلوب كل من عنده غيره. تشخيص غاية في الدقة و وصف واقعي جدا، وأشهد وأشهد الله بأن أكثر من دخلوا تحت عباءة قدو [مقتدى] المعتوه هم البعثيين عملا بالحكمة الانكليزية: (أأمن  مكان للسارق هو الاختباء جنب مركز الشرطة). وللأسف ولهوان الدنيا على الله فإن مقتدى يملك سلطة على الجهلة وشذاذ الآفاق... من البعثيين والمنافقين...وقطعان الجهلة. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم))
وأضاف القارئ الكريم: ((بالمناسبة اعرف قصة لضابط أمن مجرم، والله تسبب  بإعدام استاذي الشهيد محسن الطرقي رحمه الله في الانتفاضة الشعبانية عام 1991. والضابط القذر (حشاك) اسمه (.........) من أهالي عفج/ الديوانية، ويسكن النجف، لكنه هرب من النجف ليكون قياديا في تيار قدو المعتوه بعد سقوط هبل الملعون...تحياتي وكل الحب لجنابكم الكريم) انتهى

نعم، أتباع الصدر هم جهلة، وأغلبهم من البعثيين الشيعة وفدائيي صدام كما أكدنا مراراً، وقد اعترف مقتدى الصدر نفسه بجهلهم، وغوغائتهم حين طالبهم في إحدى تظاهراتهم بالسكوت ليسمعوا خطابه، إلا إنهم استمروا في ضجيجهم، فصاح بهم (جهلة جهلة جهلة). وهذه الجملة هي الأصدق مما قاله السيد مقتدى في حياته لحد الآن. ولكن لا غرابة من هذا الجهل بعد عشرات السنين من حكم الإستبداد البعثي، و التجهيل المتعمد، أصحبت هذه الإهانات التي يوجهها الصدر إلى أتباعه سبباً لتمسكهم به أكثر، لأنه كلما زاد جهلهم اعتبروا جنون قائدهم دليل معجزة إلهية عنده خاصة إذا كانت على رأسه عمامة سوداء.  وأتباع مقتدى هم من الذين وصفهم الإمام علي(ع): "همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح" و"هم الذين إذا اجتمعوا ضروا وإذا تفرقوا نفعوا"
***********
كما وصلني تعليق قصير من كاتب وشاعر مبدع فقال:
((استاذنا الفاضل... انا اكثر من كتب على هذا الشخص من يوم ظهوره في الساحة. الصدر لا رجل دين على وجه ولا رجل سياسة، حيث كان هو و أزلامه  مثار (عربدة) من ساعة قيام الحكومة الجديدة في العراق. واليوم لا مراء يا اخي العزيز اذا قلتُ بأنهم ظهير لداعش، ولهم قرابة معه في التلوّن وانتهاز الفرص. واغلبهم راضع من نفس الضرع لكونهم بعثيين، يعيثون فساداً، وهذا هو دأبهم كما عرفتهم في مقالك. وبحقهم اقول:
وتعلو على اعز الرجال اراذلٌ ..... وتسطو على عرين الأسود كلابُ
**********
وتعليق آخر من قارئ كريم، جاء فيه: "كلام دقيق وتوصيف رائع، حقيقة تتنقل به منذ ظهور هذا التيار ولحد الآن. و أقول، ليس التظاهرات التي حدثت للعبادي والشهرستاني بل وبالتاكيد التظاهرات التي حدثت للسيد المالكي [في البصرة]. كذلك تلاحظ أن مقتدى قد اعتذر للعبادي ولم يعتذر للباقين ، بل دائما ما حاولوا ان يخلطوا الاوراق ويقولوا ان الذي خرج هو الشعب بكل فصائله وهو من حقهم، رغم ما تسببوا من تجاوزات صبيانية وهذا عمل مسيس....".

وصديق آخر علق: "شخصت الداء بدقة، والدواء هو سحق هذه الفلول العفلقية ومقتداهم بالـ(...)، ليكونوا عبرة لمن اعتبر. اما سياسة الشهيد عبد الكريم قاسم: (عفا الله عما سلف)، فستقودنا الى كارثة بعثية قذرة جديدة، وكما قلت قرود البعث [من الشيعة] اتبعوا هذا المجنون، والباقون أصبحوا دواعش. لا ينفع مع هؤلاء إلا الشدة ."

أكتفي بهذا القدر من تعليقات الأخوة الأفاضل، مع الاعتذار الشديد لمن لم أذكر تعليقه، لأن التعليقات كثيرة تجاوزت الخمسين،  ولأن ما ذكرته يمثل القاسم المشترك لها تقريباً.
في الحقيقة إن التيار الصدري لا يختلف في خطورته على العراق عن تنظيم داعش، بل أخطر منه، لأن غالبية العراقيين، بمن فيهم الذين تعاونوا مع داعش في البداية واحتضنوهم، نكاية بالحكومة التي يقودها "الصفويون" على حد زعمهم، الآن الجميع متفقون أن داعش شر مطلق ولا بد من سحقه. إلا إن التيار الصدري مازال من يعتقد أنه يريد الإصلاح ومكافحة الفساد، فباسم هذه الشعارات البراقة يريد تدمير العراق و من داخل السلطة.

على إن غالبية المعلقين اتفقوا أن التساهل مع هذه الزمرة المنفلتة، سيجعلهم يتمادون في غيهم، وبالتالي يصبح مصير المسؤولين بيد هذه العصابات البلطجية التي تعيث في العراق فساداً، وترغم المسؤولين بالتودد لمقتدى الصدر لتجنب الصدام به، كما وتدفع معظم الناس الطيبين من أصحاب الكفاءات برفض المسؤولية في الدولة، وينكفئوا على أنفسهم، ليتجنبوا التعرض للإهانات من قبل شذاذ الآفاق.
لذلك وبما أن العراق يعيش حالة الفلتان الأمني ويواجه الإرهاب الداعشي والجريمة المنظمة، والتآمر الدولي عليه، نطالب السيد رئيس الوزراء إعلان حالة الطوارئ ، بعدم السماح لأية تظاهرة وتحت أي ذريعة كانت، والضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه العبث بأمن وسلامة الشعب.
فالأولوية للأمن والاستقرار وسحق الإرهاب وتحت أي مسمىً كان.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: هل صار التيار الصدري أداة للفوضى؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=885

2- رعد الحافظ: هل أصبح إسم مقتدى الصدر/ خطاً أحمراً؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=299498

3- أياد السماوي: لماذا يستهدف مقتدى الصدر مجلس المفوضين الحالي؟
http://www.akhbaar.org/home/2017/2/224131.html
   

123
هل صار التيار الصدري أداة للفوضى؟

د.عبدالخالق حسين

في الحقيقة إن التيار الصدري هو أداة للفوضى من أول يوم سمعنا به، ولكن مع مرور الوقت بات يتأكد ذلك لنا وللآخرين أكثر فأكثر، بمن فيهم الناس الطيبين من التيار نسفه كما سنرى لاحقاً. فمنذ إسقاط النظام البعثي الصدامي في العراق عام 2003، والتيار الصدري، قيادة وقواعد، يحاولون بكل ما أوتوا من جهد وقوة إثارة الفوضى، وعرقلة استتباب الأمن، وإعاقة بناء الدولة العراقية على أسس عصرية ديمقراطية حديثة. ورغم أنه يتظاهر بالعداء للبعث، إلا إن تصرفات زعيم التيار السيد مقتدى لا تختلف عن تصرفات فلول العبث، إذ كلاهما رفعا السلاح بوجه العراق الجديد تحت يافطة (المقاومة الشريفة) ضد "الاحتلال الأمريكي"، بينما في الحقيقة كانوا يقدمون خدمة لا تقدر لأعداء العملية السياسية، حتى صار هذا التيار بندقية للإيجار، يتلقى الترحيب من السعودية، والدول الخليجية الأخرى التي تدعم الإرهاب في العراق، ولا يختلف عن تيار الاعتصامات في ساحات الفلوجة والرمادي والموصل تمهيداً للاحتلال الداعشي لمناطقهم.

وكما بينا مراراً، فقد بات معروفاً لكل ذي بصر وبصيرة، أن معظم المنتمين إلى التيار الصدري هم من البعثيين الشيعة الذين وجدوا فيه ملاذهم الآمن لحماية أنفسهم من المسائلة القانونية على جرائمهم، ولمواصلة اضطهادهم للناس وتخريبهم للبلاد، في البدء باسم مقاومة "الاحتلال الأمريكي الغاشم"، ولما خرج الاحتلال، رفعوا يافطة المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد. و الفساد كما هو معروف، تعبير هلامي يختلف تفسيره حسب موقف الفرد من أي نظام، يمكن استخدامه إلى الأبد ولأي غرض. فزعيم التيار لا يفهم موضوع الأولويات، وأي منها أخطر على البلاد، هل الفساد أم داعش الذي يسعى لنشر التوحش وتدمير العراق وإحالته إلى خرائب وأنقاض كما وعد صدام حسين؟

وأخيراً، أضاف الصدريون إلى قائمة مطالباتهم التي لا تنتهي، موضوع تغيير مفوضية الانتخابات، وهذا يعني أنهم يريدون مفوضية جديدة وفق مواصفاتهم ومقاساتهم، ليسيطروا عليها ومن خلالها يزيفوا الانتخابات ونتائجها، وبالتالي إحكام قبضتهم على البرلمان والحكومة، وكل مؤسسات الدولة بما فيها السلطة القضائية والجيش، وعندها نقرأ على العراق السلام.
 
والملاحظ، أن تظاهرات التيار الصدري كانت دائماً تتزامن مع الاعتصامات في السابق، والآن مع انتصارات القوات الباسلة في إلحاق الهزيمة بداعش، من أجل إرباك الحكومة، وفي كل مرة يدَّعون أنهم يمارسون حقهم في حرية التظاهرات الاحتجاجية السلمية ضد الفساد. وهل حقاً غرضهم محاربة الفساد؟ وهل تظاهراتهم سلمية؟ وهل الهجوم على البرلمان والعبث بأثاثه، والاعتداء على البرلمانيين تظاهرة سلمية؟ وهل إطلاق صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء تظاهرة سلمية؟
هل الاعتداء بالحجارة وغيرها على موكب أي وزير يقوم بزيارة جامعة يعتبر تظاهرة سلمية؟
فقد حصل الاعتداء على المسؤولين في جامعة الديوانية، وفي جامعة السماوة ضد الدكتور حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي سابقاً، وأخيراً ضد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي في جامعة واسط يوم الثلاثاء 28/2/2017. فما الفساد الذي قام به حيدر العبادي ليستحق هذا الاعتداء عليه بتظاهرة "سلمية" من قبل شلة من الطلبة من أتباع الصدر؟

والغريب أنه ما أن يقع أي عدوان على مسؤول في الدولة، وتضطر القوات الأمنية القيام بواجبها لحماية المسؤولين، حتى وتخرج علينا منظمات ببيانات نارية تدين بها القوى الأمنية على قيامها بواجبها. وهذه البيانات جاهزة للدفاع عن العدوان ووصفه بالتظاهرات السلمية، وأن القوات الأمنية انتهكت الحرم الجامعي المقدس!! عجيب أمرهم، عن أي حرم جامعي يتحدثون، ومن الذي انتهك هذا الحرم الجامعي؟

فإذا كان هذا هو فهمهم للديمقراطية وحرية التعبير، فهم على خطأ كبير، فالديمقراطية وحرية التظاهرات الاحتجاجية لا تعني الفوضى والاعتداء على المسؤولين في الدولة برشقهم بالحجارة، خاصة في ديمقراطية ناشئة يتربص بها أشرس الأعداء في الداخل والخارج، وما (داعش) إلا الهراوة التي يستخدمها هؤلاء لوأد الديمقراطية، وهم معروفون، مثل فلول البعث وأشباههم الذين همهم الوحيد هو نشر الفوضى العارمة وقتل الناس بالتفجيرات والمفخخات والانتحاريين، ليقولوا للشعب هذه هي الديمقراطية الأمريكية!!

السيد مقتدى الصدر وكل من يصفق له من فلول البعث، والمتياسرين الذين دمروا سمعة اليسار العراقي وأوصلوه إلى الحضيض، يتحملون مسؤولية جميع هذه التصرفات الصبيانية العدوانية. فالسيد الصدر بعد كل مرة يدعو فيها أنصاره للتظاهر، ويحصل فيها الاعتداء على المسؤولين ومؤسسات الدولة، يصدر بعض التصريحات يتضمنها إدانات خجولة ضد "المندسين". وآخر هذه البيانات هو اعتذاره للعبادي قائلاً: "نيابة عن الفاعلين سواء كانوا من اتباع التيار أو مندسين... التعدي على رئيس الوزراء فيه انتقاص من هيبة الدولة"(1). ولم يفوِّت زعيم التيار الفرصة دون الإساءة إلى خصمه اللدود (المالكي)، إذ لمح في بيانه الى "دور محتمل لأنصار المالكي" في تظاهرة جامعة واسط، معربا عن استنكاره للاحتجاجات ومطالبا بطرد الفاعلين ومحاسبتهم.
فلو كانت هذه الحادثة هي الأولى من نوعها لصدقنا السيد مقتدى، ولكن هذه المهزلة باتت تتكرر مع كل تظاهرة يدعو إليها "السيد القائد".

ما أشبه اليوم بالبارحة. ففي عهد ثورة 14 تموز 1958 التف البعثيون والقيوميون وغيرهم من أعداء الثورة حول المرجع الديني الشيعي، السيد محسن الحكيم، والذي أصدر فتواه المشهورة ضد الشيوعية، وكانت الثورة هي المستهدفة. فتم نشر صوره وفتواه في جميع الأماكن العامة في المدن الغربية السنية، ولما حققوا غرضهم منه في إنقلابهم الدموي الأسود يوم 8 شباط 1963، نبذوه و قتلوا من أسرته أكثر من 60 شخصاً حسب ما أخبرنا به الدكتور صاحب الحكيم.

نفس الدور يلعبه اليوم مقتدى الصدر، فباسم الإصلاح والفساد ينشر الفوضى، ولكن المستهدف الحقيقي هو  النظام الديمقراطي، والدولة العراقية وإعادة البعث. ولكن لحسن الحظ، مقتدى ليس مرجعاً حقيقياً بوزن السيد محسن الحكيم، وإنما هو مجرد "رجل الدين الشاب"، فالمرجع الديني الحقيقي هو السيد علي السيستاني الذي يحظى باحترام الجميع، والذي عرف بحكمته وصبره وكيف يحمي العراق وهو يمر بأخطر منعطف تاريخي عاصف.

إنهم يريدون من هذا العراق المحاصر في الداخل والخارج ومن كل حدب وصوب، يريدون منه أن يحارب في عشرات الجبهات، يحارب دول الجوار، وامريكا، وداعش والفساد في آن واحد، وهم يرددون الشعارات المشبوهة مثل (إيران برة برة، بغداد صارت حرة)، و(كلا كلا أمريكا)...الخ. فهل السيد مقتدى يدرك المخاطر التي تهدد العراق الآن حتى يدعو أتباعه لإشعال الفوضى العارمة؟ وإذا كان بريئاً من تصرفات هذا التيار المشبوه، فلماذا لا يتبرأ منه ويحله، وإن شاء فليعيد تشكيله من جديد على أسس صحيحة بدون "مندسين". ولكن الحقيقة وكما كتب إليه أحد أنصاره، وهو السيد نور الدين البهادلي الذي نشر بياناً بعنوان: (عذراً يا سادتي نحن طيبون ولسنا بلهاء!!!)(2)، والذي عكس فيه موقف بعض الصدريين من تصرفات مقتدى، أن التيار لا يمكن أن يتصرف إلا بأوامره مما أثار شكوك بعض أتباعه حول مصداقيته. 

المطلوب من السيد رئيس الوزراء، حيدر العبادي، وكل مسؤول عراقي شريف حريص على مصلحة الشعب والوطن، أن يتسلحوا بأعصاب من حديد، وقوة الإرادة، وأن لا تؤثر فيهم هذه التصرفات العدوانية الصبيانية، وأن لا يسكتوا عنها، (فمن أمن العقاب أساء الأدب)، وفي العراق (من أمن العقاب مارس الإرهاب). فكلما تساهلت الحكومة عن المعتدين، يتشجع هؤلاء، ويفسرون السكوت والتسامح دليل انتصارهم، وعلامة ضعف الحكومة، لذلك سيتمادون في غيهم إلى درجة عدم السيطرة على الطغيان، وسيُغرقون العراق في فوضى عارمة لا تبقي ولا تذر، تمهيداً لمجيء البعث بنسخته الوهابية الداعشية، وبدعم من السعودية وغيرها، لإعادة حكمه بذريعة إعادة الأمن وسحق الإرهاب، بينما الحقيقة البعث هو الإرهاب الداعشي.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- بالوثيقة ..الصدر يقدم اعتذاره للعبادي على احداث واسط
http://www.akhbaar.org/home/2017/2/224935.html

2- نور الدين البهادلي: عذراً يا سادتي نحن طيبون ولسنا بلهاء!!!
 (مقال يعكس موقف بعض الصدريين من تصرفات مقتدى)
http://www.akhbaar.org/home/2017/2/224531.html










 


















124
هل الحل بإلغاء الديمقراطية؟
د.عبدالخالق حسين

لم تكن ولادة الديمقراطية سهلة في أي بلد وفي أي زمان كان، وحتى في البلدان الغربية، بل كانت دائماً ولادة عسيرة تطلبت عمليات جراحية قيصرية. أما في العراق، ونظراً لتعقيدات وضعه، وأهمية موقعه الجغرافي، وثرواته الطبيعية، وتعدد مكوناته المتعادية بسبب الأنظمة الديكتاتورية التي حكمته لقرون وفق قاعدة (فرق تسد)، فولادة الديمقراطية فيه أعسر وأصعب من أي بلد آخر.

فمنذ إسقاط النظام البعثي الصدامي عام 2003، بدأت الحملة المسعورة من قبل المتضررين من الديمقراطية الوليدة، في الداخل والخارج ، والعمل على تشويه صورتها وإلغائها بشتى الوسائل، منها إصدار الفتاوى الدينية ضدها وتحت مختلف الذرائع، وإثارة الفتن الطائفية، والإدعاء بأنها مفروضة من قبل أمريكا، والعراق ليس ألمانيا، ولا اليابان...الخ. وقد كتبنا مع غيرنا مقالات كثيرة في الرد على هذه الإدعاءات الباطلة.

هناك أسباب كثيرة للهجوم على الديمقراطية في العراق وتشويه صورتها وتخريب مؤسساتها، وأهم سبب هو ما لحق من ضرر بالمكون السني الذي احتكر السلطة لقرون، وإدعائهم بالحق التاريخي للحكم، والرافض لمشاركة الشيعة والكرد والمكونات الأخرى في مؤسسات الدولة وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع، وكذلك تشبث البعث باستعادة السلطة التي فقدها بعد أن حكم العراق بالقبضة الحديدية لأكثر من ثلاثة عقود. إضافة إلى دور الدول الخليجية التي تخشى نجاح الديمقراطية في العراق ووصول عدواها لشعوبهم، فتنتفض وتهز عروشهم. لذلك حاربوها بشتى الوسائل مثل الإرهاب، والإعلام المضاد، ودعم أعداء الديمقراطية في الداخل.

ولكن أن تأتي الحملة ضد الديمقراطية من جهة مستفيدة منها مثل الكاتب الكردي، السيد كفاح محمود كريم، المستشار الصحفي لرئيس الإقليم، فهنا العجب. فالسيد كريم هو آخر من انضم إلى جوقة الرافضين للديمقراطية في العراق، وهو أحد فرسان الكلام الذي يجيد استخدام البلاغة العربية، واللغة التحريضية لتشويه أو تجميل ما يريد، حسب ما يمليه عليه ولي النعمة. وقد قالوا: (إذا عُرِف السبب بطل العجب). فالسيد كفاح كريم يحاول أن يبرر تعطيل البرلمان الكردستاني لأنه وقف ضد ولاية ثالثة لرئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني الذي يريد أن يكون رئيساً مدى الحياة، فما كان منه (أي بارزاني)، إلا وأن أصدر أمره بتعطيل البرلمان، وطرد رئيسه، ومنعه حتى من الدخول في أربيل عاصمة الإقليم. وهذا العمل يحتاج إلى أصحاب أقلام من وعاظ السلاطين لإقناع الناس بضرورة القرار المجحف، وذلك باللجوء إلى التراث لإيجاد المبررات بعدم جدوى الديمقراطية والبرلمان الذي وصفه بالمهزلة.

فقد كتب السيد كريم مقالاً بعنوان: (مهزلة البرلمانات الشرقية؟)، استعمل فيه كل ما باستطاعته من بلاغة، لإقناع القارئ أن الشعب العراقي وغيره من الشعوب الشرقية غير صالحة للديمقراطية، فبدأ قائلاً: (من مهازل الأدبيات السياسية واستنساخ القوانين والتشريعات الأوربية وفرضها على مجتمعات تختلف كليا في أسس بنائها وثقافتها وتركيباتها وعقائدها الاجتماعية والسياسية، أن ترى نخبة تعمل ليل نهار من أجل فرض تلك القوانين والصيغ والأسس على مجتمعات ما تزال البداوة تتحكم في أدائها الحياتي بمختلف أساليبها وصيغها، حيث الاستخدام بطريقة الاستنساخ للديمقراطية الغربية في بيئة اجتماعية تختلف كليا في مبادئها وعقائدها وسلوكياتها وأسس بنائها عن مثيلاتها في الغرب، ..الخ).

لا شك أن هذا الكلام منمق وجميل في ظاهره، مما دفع الصديق الذي قام بتعميمه مع تعليق: (لأول مرةٍ أقرأ كلاماً منصفاً للكاتب الكردي السيد كفاح محمود كريم)، ولكن هذا الكلام منصف في ظاهره وباطل في باطنه، وهو السم بالعسل، لأنه من الخطأ تطبيقه على الديمقراطية، ودعم الشعوب في نهوضها الحضاري، وهو كلام إنشائي وحذلقة لفظية قد يؤثر في القارئ الذي عانى من مشاكل الديمقراطية منذ 2003، دون أن يقدر محاسنها. نعم هناك معوقات للديمقراطية في البلدان الشرقية، ولكن هل هي الوحيدة في هذه المحنة في مرحلة التحولات التاريخية العاصفة؟ إذ كما بينا أعلاه أن جميع الديمقراطيات الغربية العريقة مرت بمختلف المشاكل عند إقامة الديمقراطية، ومن بينها حروب وثورات وانتفاضات دموية، إلى أن اعتادت عليها تلك الشعوب، فصارت جزءً لا يتجزأ من ثقافاتها وتقاليدها وأعرافها. والسؤال هنا هل حقاً الشعب العراقي رافض للديمقراطية لأن أجدادهم كانوا بدواً ؟ الجواب كلا وألف كلا، فالغالبية العظمى من الشعب وبمختلف مكوناته، حرصت على الإدلاء بأصواتها في جميع الانتخابات منذ 2004 وإلى الآن. أما أعداؤها وعلى رأسهم فلول البعث، فشعارهم إما أن نحكمكم أو ندمركم؟ فهل من الشجاعة والحكمة الإذعان والخنوع لتهديدات هذه العصابات المجرمة، أم تحديهم ومواجهة إرهابهم ودواعشهم بالقوة المطلوبة؟ فمن هم الدواعش؟ أليسوا هم بعثيون ولملوم من شذاذ الآفاق، وبدعم من السعودية وقطر وتركيا؟ وهل حقاً الشعب العراقي مازال بدواً وهو يملك نحو ثلاثين جامعة في طول البلاد وعرضها؟

وهل الشعوب الشرقية هي وحدها التي مرت بمرحلة البداوة وقيمها البدوية؟ أنصح السيد كريم ومن أدمن على محاربة الديمقراطية، أن يقرأ تاريخ أوربا ومراحل تطور شعوبها، وما مرت به من حروب دينية وطائفية وسياسية وغيرها كثير؟ فلو أخذ الفلاسفة والمفكرون المصلحون من رواد الديمقراطية بذريعة (مجتمعاتنا ما تزال تتحكم بها البداوة)، لما حصل أي تطور حضاري إطلاقاً، و لبقيت المجتمعات البشرية جامدة في مراحلها البدوية إلى الأبد.

كذلك خرافة الأفكار المستوردة، التي رفعتها وما تزال ترفعها الحكومات الرجعية في المنطقة لمحاربة كل جديد أو تغيير، متمسكة بتلابيب عبارات وشعارات أكل الدهر عليها وشرب، مثل قولهم أن مجتمعاتنا لها خصوصياتها الدينية والثقافية وتقاليدها وأعرافها...الخ، وهي رافضة للحضارة الغربية وديمقراطيتها...إلى غير ذلك من الحجج الواهية التي يروج لها وعاظ السلاطين، المكلفون بحماية عروش أسيادهم وتخدير شعوبهم، وشعارهم الحديث النبوي المزور: (عليك بطاعة ولي الأمر ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك).

والجدير بالذكر، إن مناهضي الحضارة الغربية وديمقراطيتها يتهالكون على ما انتجه الغرب من علوم وطب وتكنولوجيا وغيرها، ولكنهم يقفون ضد الديمقراطية بذريعة أن بيئتنا الاجتماعية تختلف كليا في مبادئها وعقائدها وسلوكياتها وأسس بنائها عن مثيلاتها في الغرب. نقول لهم إن رفض الديمقراطية الغربية كعلاج ناجع لأمراضنا الاجتماعية والسياسية مفضلين عليها الأنظمة المستبدة، مثلهم كمثل من يرفض الطب الغربي الحديث لمعالجة أمراضنا البدنية والنفسية، مفضلين عليه العلاج بالنذور والأدعية والطلاسم وحرق البخور وحفلات الزار...الخ، بحجة أن مجتمعاتنا متخلفة لا يصلح لها الطب الحديث!!

فالأفكار والمعتقدات الدينية والسياسية والفلسفية والعلوم، لا بد وأن تظهر في مجتمع معين قبل غيره، ومن ذلك المجتمع تنتشر الفكرة. فلو تمسكنا بجدوى مناهضة الأفكار لأنها مستوردة، لبقي الدين الإسلامي للعرب وحدهم، وكان على جميع القوميات الأخرى مناهضة الإسلام بذريعة أنه دين مستورد يخص العرب فقط ! فالحضارة أيها السادة ملك البشرية كلها دون استثناء. والديمقراطية من أرقى ما أنتجته الحضارة البشرية، وهي ملك الجميع لا لشعب دون غيره.

فبفضل العولمة التي هي من إنتاج التطور المذهل في تكنولوجية المواصلات والاتصالات والثورة المعلوماتية، أصبح العالم قرية صغيرة، وأية مشكلة محلية أو وطنية هي مشكلة عالمية ودولية، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يسكت عن تجاوزات أية حكومة جائرة تضطهد شعبها بذريعة أنها شأن داخلي. فصدام، وميلوسوفيج، وبن لادن، والملا عمر، والقذافي وغيرهم من الطغاة، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يسكت عن إرهابهم واضطهادهم لشعوبهم كما يشاؤون. وفي هذا الخصوص قال وزير الدفاع الفرنسي الأسبق، جان بيار شوفينمان: (لن تغسل الشعوب العربية إذلالها الذي عمره قرونا إلا إذا تداركت تأخرها، ولن تتدارك تأخرها إلا إذا ساعدها الغرب بقوة على ذلك.) ولهذا فمن مصلحة الشعوب الشرقية، عربية كانت أو غير عربية، أن يتدخل الغرب ويساعدها بقوة للخلاص من تخلفها، ولا يمكن لهذه الشعوب أن تتقدم و تنضج و تواكب الحضارة، إلا بتبني النظام الديمقراطي. لأن النظام الدكتاتوري يعامل الشعب كأطفال قاصرين لن يسمح لهم بالنضوج، ويبقون قاصرين طالما بقوا تحت حكم الاستبداد.

نعم، الديمقراطية ليست بلا مشاكل وخاصة في مراحلها الانتقالية الأولى، وأغلب مشاكلها هي نتاج تركة الأنظمة الدكتاتورية. لذلك يخطأ من يعتقد أنه من الخطأ أن نعلق مشاكلنا على حكم البعث الصدامي، بحجة أن الصدام أنتهى والبعث في خبر كان. فأحد أهم أسباب المشاكل ما بعد سقوط الدكتاتورية هو أن النظام الدكتاتوري لا يسمح للمعارضة بالتدرب على الحكم، والشعوب المحكومة بالدكتاتورية لا يمكن أن تنجب حكاماً ديمقراطيين، وهذه حلقة مفرغة تعاني منها الشعوب الشرقية. ومن هنا نرى أنه من واجب الدول الديمقراطية الغربية مساعدة شعوبنا على التخلص من الأنظمة الجائرة، وإقامة أنظمة ديمقراطية مكانها. فمساعدة الحكومات الغربية للشعوب المتخلفة ليس لسواد عيون هذه الشعوب، بل واجب أخلاقي، وللتخلص من شرور هذا التخلف، ألا وهو الإرهاب والهجرات المليونية إلى الغرب.

إن ما يحصل من مشاكل اليوم في العراق لم يكن بالإمكان تفاديها إلا في خيال الطوباويين الذين لا يؤمنون بالواقع. فالذين يترحمون على صدام بسبب مشاكل اليوم، لأنهم نسوا مظالمه، ولم يفكروا بما سيكون عليه العراق لو لم يحصل التغيير. فصدام نفسه كان قد بدأ مشروع أسلمة العراق بحملته الإيمانية الانتهازية لركوب الموجة الدينية، فأطلق سراح الألوف من السجناء المجرمين الجنائيين بمجرد أن يحفظوا القرآن الكريم، و كتب القرآن بدمه، وأضاف عبارة (الله أكبر) على العلم العراقي بخط يده، وأراد أن يبني أكبر مسجد في العالم يكلف مليارات الدولارات في زمن الحصار. كما وجلب المئات من مشايخ الوهابية إلى العراق لنشر التطرف الديني الطائفي ووهبنة شعبه. وهناك العديد من المقالات تؤكد أنه لو لم يتم إسقاط حكمه، لكان صدام هو الآن أمير داعش. أليس نائبه الأول عزت الدوري هو زعيم جيش الطريقة النقشبندية الإرهابية؟

إن عدم الأخذ بالنظام الديمقراطي بحجة أن شعوبنا مازالت في مرحلة البداوة كلام الهدف منه عرقلة التقدم الحضاري في هذه المنطقة وإبقاء شعوبها متخلفة إلى الأبد، تساق كالخرفان وهي ترقص لجلاديها (بالروح بالدم نفديك يا صدام).

يختتم السيد كفاح كريم مقاله فيقول: (أن بناء دولة عصرية يستوجب فصل الدين عنها وابعاد أي هيمنة قبلية بأي شكل من الأشكال، بل ومنع تأسيس أي حزب أو منظمة على خلفية دينية أو مذهبية أو قومية في دولة متعددة القوميات والأعراق والأديان والمذاهب.) وهو أيضاً كلام جميل نظرياً ولكن عيبه غير قابل للتطبيق. فكيف يمكن تحقيق هذا الهدف بإلغاء الديمقراطية؟ إن إصرار السيد كفاح على كون مجتمعاتنا غير صالحة للديمقراطية هو قول باطل ويخدم الإسلاميين. نعم أنا مع النظام العلماني وفصل الدين عن السياسة، "ومنع تأسيس أي حزب أو منظمة على خلفية دينية أو مذهبية أو قومية" إن أمكن، ولكن هذا الخيار مستحيل تحقيقه في ظروف العراق الحالية. وهل السيد كفاح صادق بقوله هذا؟ فهل يقبل تطبيق هذا الخيار على الأحزاب الكردية التي هي إما قومية أو إسلامية، وحتى الحزب الشيوعي الكردستاني أنفصل من الحزب الشيوعي العراقي لأسباب قومية؟ لذلك أنا أشك في مصداقية دعوة الأخ كفاح بشمول الأحزاب الكردية القومية بالمنع. فالمتابع لحملة تشويه الديمقراطية ومحاربتها، وتضخيم الفساد والتركيز عليه دون الإرهاب، يلاحظ أن الأحزاب الشيعية المنضوية في التحالف الوطني هي المستهدفة وليس غيرها، وما الشعار (باسم الدين باكونا الحرامية)، إلا لاستهداف السياسيين الشيعة فقط.
وحتى لو فرض المنع على الأحزاب الدينية، فإنها ستخرج بأسماء علمانية، ولكنها تبقى محصورة على الإنتماء الطائفي، ومحافظة على طابعها الديني. فمعظم الأحزاب الإسلامبة في العراق والدول الإسلامية هي بأسماء علمانية، فالتيار الصدري باسم (الأحرار)، وحزب الشيخ اليعقوبي باسم (الفضيلة)، وحزب السيد عمار الحكيم باسم (المواطن)، وفي تركيا حزب أردوغان باسم (التنمية والعدالة)، وغيرها كثير، وكلها تعمل على أسلمة المجتمع. لذلك فمطالبة الدولة بمنع الأحزاب الدينية أمر مستحيل، إذ كما يقول المثل: (إذا أردت أن لا تطاع فأمر بما لا يستطاع).

فالعراق يمر بمرحلة صعبة أصبحت فيها الأحزاب الدينية حقيقة واقعة لا يمكن إلغاءها بمجرد التمنيات، وهي نتاج الاضطهاد الطائفي والسياسات القمعية الطائفية القذرة التي مارسها البعث الصدامي يوم رفع شعار (لا شيعة بعد اليوم)، وطرد أكثر من مليون شيعي من العراق بتهمة التبعية، وجلب مكانهم نحو أربعة ملايين من مصر والسودان، وأباد مئات الألوف من أبنا الشعب لا لشيء إلا لأنهم شيعة وكرد. لذلك، فطالما استمرت حروب إبادة الشيعة عن طريق الإرهاب البعثي الداعشي، فسيستمر الشيعي متسكاً بالأحزاب الدينية وعدم التأثر بالكلام المنمق والحذلقة اللفضية، وخطابات وعاظ السلاطين، إلى أن ينتهي الإرهاب.
والجدير بالذكر، إن تصعيد الحملة المعادية لإيران، والإدعاء بالتدخل الإيراني، وأن العراق صار مستعمرة إيرانية، والسنة مهمشين ...وغيره من هذا الكلام المكرر الممل، المستهدف منه هو الشيعة المشاركين في الحكم وليست إيران. فكل شيعي هو إيراني من منظور هؤلاء الطائفيين الذين جلبوا الدواعش إلى ديارهم وشردوا أهاليهم لأسباب طائفية ليس غير.

لقد مرت الشعوب الأوربية بنفس المحنة التي تمر بها الشعوب الشرق أوسطية، حيث لعبت الأديان دوراً كبيراً في حياتها السياسية والاجتماعية، لذلك نجد آثارها باقية إلى اليوم في معظم البلدان الأوربية حيث وجود أحزاب سياسية متنفذة باسماء دينية مثل (الحزب الديمقراطي المسيحي)، ولكن مع التطور تخلت هذه الأحزاب عن تسييس الدين، وتبنت العلمانية رغم أنها أبقت أسماءها الدينية. ونفس الكلام يمكن تطبيقه على العراق.
أقولها بصراحة وللمرة الألف، أن كل هذه الضجة ضد الديمقراطية هي ليست لوجود أحزاب دينية، أو نفوذ إيراني، بل بسبب وجود شيعي رئيساً للحكومة وفق صناديق الاقتراع. لذلك تم كيل اللعنات على الديمقراطية والانتخابات، وشيطنة الحكومة وتشويه صورتها ووصفها بـ(حكومة المحاصصة الطائفية)، التي الكل يلعنها، والكل يطالب بحصته فيها.
يجب أن نكون واقعيين، إن المرحلة الصعبة التي تمر بها شعوب الشرق الأوسط، ومنها شعبنا الصامد، هي مرحلة المخاض العسير لولادة المجتمعات الجديدة المتحضرة، والتخلص من تخلفها وبداوتها. لذلك يجب أن لا نتطير من الأخطاء، ولا نذعن للإرهاب، لأن الشعوب تتعلم من أخطائها بممارسة الديمقراطية وتعلم قواعدها. فالمشاكل الناتجة عن الديمقراطية لا يمكن حلها بإلغاء الديمقراطية والعودة إلى الأنظمة الدكتاتورية والمربع الأول، بل بالمزيد من الديمقراطية.
16/2/2017
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
عبدالخالق حسين: الديمقراطية ليست بلا ثمن... ولا تراجع عنها
http://www.aafaq.org/masahas.aspx?id_mas=1198

عبدالخالق حسين:  الديمقراطية لا تولد متكاملة و لن تكتمل
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=6436

125
ترامب و مخاطر سياسة حافة الحرب
د.عبدالخالق حسين

منذ تسلم دونالد ترامب لرئاسة  الولايات المتحدة الأمريكية يوم 20/1/2017، والعالم، بما فيه أمريكا، يعيش في توتر شديد لم يعهده من قبل إلا في أوقات الحروب. ورغم أن ترامب لم يفز بأغلبية أصوات الناخبين، إذ حصلت منافسته هيلاري كلينتون على ثلاثة ملايين صوت أكثر منه، ولكنه فاز بسبب النظام الانتخابي الأمريكي الخاص. ويعتبر فوز ترامب ضمن المد اليميني الذي يكتسح الغرب كرد فعل للإرهاب الإسلامي الوهابي، والهجرات المليونية، وأسباب اقتصادية صعبة أفرزتها العولمة، وكان ترامب قد وعد الشعب الأمريكي بمواجهة كل هذه الأسباب إذا ما فاز، وخاصة فيما يخص الإرهاب الداعشي والهجرة.

كما وعد ترامب الشعب الأمريكي بفترة سلام وازدهار اقتصادي و"جعلْ أمريكا عظيمة مرة أخرى" إذ وعد في حملته الانتخابية: "اننا سوف ننتهج سياسة خارجية جديدة، ونتعلم أخيرا من أخطاء الماضي ... وسوف نتوقف عن النظر إلى إسقاط الأنظمة وإسقاط الحكومات .... هدفنا هو الاستقرار لا الفوضى ... في تعاملاتنا مع دول أخرى، سوف نسعى لتحقيق المصالح المشتركة كلما كان ذلك ممكنا، وخلق حقبة جديدة من السلام والتفاهم، وحسن النية ".(1)

إلا إنه منذ تسلمه الرئاسة خفتت عنده حدة الهجوم على داعش (ISIS)، واكتفى بترديد تعبير (الإرهاب)، وراح يوجه سهامه على الدول التي تحارب الإرهاب بمنتهى الجدية مثل العراق وسوريا وإيران. وقد وصف الأخيرة  (بالدولة الإرهابية رقم واحد)(2)، وشملها ضمن سبع دول غالبية سكانها مسلمون، بقرار منع رعاياها من السفر إلى أمريكا بحجة "أمن بلادنا في خطر". ولكن المفارقة أن جميع الدول التي شملها قرار المنع هي ضحية الإرهاب وليست راعيته ولا مصدره، ولم ترسل هذه الدول أي إرهابي إلى أمريكا، وبذلك لم تشكل أي خطر على أمن أمريكا كما يدعي ترامب. بينما مد يد الصداقة والدعم للدول الراعية للإرهاب مثل السعودية والدول الخليجية وتركيا، وباكستان، والتي استثناها ترامب من قرار منع السفر. والسبب هو، كما اكتشف أكثر المحللين السياسيين الأمركيين، أن ليس لمؤسسة ترامب التجارية مصالح في دول المنع، بينما لها مصالح كبرى في الدول التي استثناها من المنع، كما جاء في مقال واشنطون بوست.(3)
وهذا ما جعل غالبية الذي استبشروا خيراً بفوز ترامب أن يصابوا بخيبة أمل، وأنه قد خدعهم، بل يريد دعم الإرهاب لأنه اتخذ موقفاً معادياً من الدول التي تحارب الإرهاب، ويصفها بالدول الإرهابية.

وضمن هجومه على إيران، هدد ترامب بإلغاء الاتفاق النووي الذي عقدته أمريكا في عهد أوباما مع خمس دول كبرى أخرى، وبرعاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتشديد المقاطعة الاقتصادية ضدها، وهدد بشن الحرب عليها. ومن الجانب الآخر راح يخفف من تهديداته ضد الإرهاب، واقترب أكثر فأكثر إلى الدول الراعية له وخاصة السعودية، مما جعل بعض المحللين الغربيين ومنهم السيد باتريك كوك برن في الانديبندنت اللندية، يرى أن قرارات ترامب في منع السفر إلى أمريكا هي ليست موجهة ضد المسلمين كما هو المعلن، بل ضد المسلمين الشيعة فقط، لتصعيد الصراع الطائفي في المنطقة، والمشتعل أصلاً(4). وهذا له مخاطر جسيمة على المنطقة، بل وحتى وعود ترامب بالتقرب من روسيا ومد جسور العلاقة مع بوتين في محاربة داعش، غير مضمونة، فلحد الآن المقاطعة ضد روسيا قائمة.

والجدير بالذكر أن ترامب لا يستطيع الخروج على موقف الغرب التاريخي المألوف بالعداء لروسيا، وهو موقف متوارث منذ الاتحاد السوفيتي. فالغرب يبدو أنه لا يستطيع العيش بسلام والحفاظ على وحدته إلا بوجود عدو مشترك، والذي تمثل سابقاً بالشيوعية في عهد الاتحاد السوفيتي، ومن ثم بالإسلاموفوبيا، والتطرف الإسلامي الذي هو بالأساس من إنتاج السعودية، الحليفة المقربة من أمريكا. ورغم أن روسيا الآن لم تعد دولة شيوعية، إذ صارت دولة ديمقراطية بنظام رأسمالي، إلا إن الغرب مازال يصر على اعتبارها دولة معادية تهدد مصالحه، لأن الغرب يحتاج إلى عدو مشترك يحافظ على وحدة دوله، ويمنع نشوب حرب عالمية أخرى فيما بينها، وأمريكا لن تسمح لأية دولة أخرى ترقى إلى دولة عظمى تنافسها في القوة العسكرية والاقتصادية والنفوذ في العالم.

والملاحظ أن قرارات ترامب المتشددة لا تمثل مزاج ترامب وحده، وإنما هو اتجاه يميني متشدد سائد في أمريكا والغرب وكل العالم. فكما ذكرت في مقال سابق، أن من دلالات هذا المد اليميني في الغرب هو تصعيد العداء للمهاجرين وحتى المواطنين من أجنبية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وفوز ترامب في أمريكا، وربما القادم أعظم وأسوأ، وهو احتمال فوز مرشحة حزب الجبهة القومية الفرنسية، مارين  لوبين (Marine Le Pen) في الانتخابات الرئاسية القادمة هذا العام، أو بزيادة نصيبها من الأصوات، وبالتأكيد ستأتي في المرتبة الثانية من بين المرشحين على الأقل في الجولة الأولى من الانتخابات.

وكرد فعل لصعود اليمين في الغرب، حصل بالمقابل استقطاب وتشدد في أحزاب اليسار، وعلى سبيل المثال، اصرت قواعد حزب العمال البريطاني على انتخاب جرمي كوبيرن، اليساري المتشدد، لرئاسة الحزب، رغم أن زعامته ستقلص من حظوظ الحزب في الفوز بالسلطة في الانتخابات القادمة عام 2020.

ولكن الأخطر على منطقة الشرق الأوسط في سياسات ترامب هو تهديده لإيران وخاصة بعد ما قامت الأخيرة بتجربة إطلاق صاروخ بوليستي، فاعتبر ترامب ذلك مخالفا للاتفاق النووي المبرم، ولقرار الأمم المتحدة. بينما القرار في الحقيقة يمنع التجارب على الصواريخ البوليستية الحاملة للرؤوس النووية فقط، وليس للصواريخ الأخرى. لذلك، فترامب يريد أن يجر دول المنطقة إلى حرب كارثية لا تبقي ولا تذر، إرضاءً لحليفاته في المنطقة مثل السعودية والدول الخليجية وتركيا وإسرائيل، وبالطبع سيكون العراق من أكثر المتضررين.

ولكن كما يرى الباحث السياسي الأمريكي مايك وتني(1)، أن إجراءات ترامب، وخاصة إذا ما ارتكب حماقة إلغاء الاتفاق النووي، أو شن حرباً على إيران، فإنها ستجلب الضرر على أمريكا أكثر، إذ ليس بإمكانه إلغاء الاتفاق النووي من طرف واحد، لأن هناك خمس دول كبرى أخرى إضافة إلى الأمم المتحدة التي أبرمت هذا الاتفاق مع إيران. لذلك، فالسياسة التي يتبعها ترامب هي استفزاز إيران عسى أن ترتكب القيادة الإيرانية خطًأً فضيعاً بإلغاء الاتفاق النووي من جانبها، وبذلك سيتخذه ترامب ذريعة لشن الحرب عليها، ولذلك ينصح مايك وتني إيران بعدم إلغاء الاتفاق من جانبها. كذلك إذا أقدم ترامب على أي إجراء عدواني ضد إيران فإن حلفاء أمريكا في الغرب سيتخلون عنها، وبالتالي سيزيد ترامب من عزلة بلاده، خاصة وأن هناك دولاً كبرى مثل روسيا والصين والهند وغيرها من دول بريكس (BRICS)، ستواصل التعامل مع إيران في حالة فرض المقاطعة الاقتصادية عليها.
كذلك موقف ترامب العدواني على إيران سيكون له دور مدمر على الإصلاحيين المعتدلين في إيران مثل تيار الرئيس حسن روحاني، ومحمد جواد ظريف، وسيقوي موقف وشعبية المتشددين الإسلاميين، ويعطيهم الذريعة بأن أمريكا لا يفيد معها إلا المواجهة بالقوة.

وأخيراً نقول، صحيح أن سياسات ترامب اليمينية العنصرية كشفت الجانب القبيح من أمريكا، ولكن في نفس الوقت كشفت الجانب الجميل أيضاً. إذ شاهدنا كيف تحركت الجماهير في عشرات المدن الأمريكية احتجاجاً على قرارات ترامب بمنع مواطني سبع دول إسلامية من دخول أمريكا، وأوامر أغلب القضاة الكبار للمسؤولين في الدولة في تحد شجاع للرئيس، بعدم تنفيذ تلك القرارات لأنها مخالفة للدستور الأمريكي. وهذه التظاهرات واعتراضات القضاة وقراراتهم تمثل الوجه الحضاري الديمقراطي لأمريكا(5). لذلك وحتى إذا ما فاز شخص يميني متشدد مثل ترامب بالرئاسة، فالديمقراطية تحمل معها حلولها الذاتية لتلك الأخطاء. ومن هنا نعرف أن النظام الديمقراطي هو أفضل الأنظمة للحكم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Trump Plays Cat and Mouse with Iran by Mike Whitney
 http://www.counterpunch.org/2017/02/08/trump-plays-cat-and-mouse-with-iran/
2- ترامب يصف إيران "بالدولة الإرهابية رقم واحد"
http://www.akhbaar.org/home/2017/2/223919.html

3- Countries where Trump does business are not hit by new travel restrictions
By Rosalind S. Helderman
The seven nations targeted for new visitation restrictions by President Trump on Friday all have something in common: They are places he does not appear to have any business interests.
 https://www.washingtonpost.com/politics/countries-where-trump-does-business-are-not-hit-by-new-travel-restrictions/2017/01/28/dd40535a-e56b-11e6-a453-19ec4b3d09ba_story.html?utm_term=.4eab2de1c90a&wpisrc=nl_most-draw14&wpmm=1

4- Patrick Cockburn: Donald Trump's Twitter aggression towards Iran will deepen sectarian conflict in the Middle East
http://www.independent.co.uk/voices/donald-trump-iran-twitter-iraq-mosul-middle-east-instability-a7561611.html

5- محكمة الاستئناف ترفض طعن "البيت الأبيض" وتبقي مرسوم ترامب حول الهجرة معلقا
http://www.akhbaar.org/home/2017/2/224099.html



126
ترامب في خدمة الإرهاب
د. عبدالخالق حسين

قال الفيلسوف الألماني، إريش فروم (Erich Fromm) "أن الإرهابي لا يعتمد على الأضرار المباشرة من أفعاله، بل على نتائج ردود الأفعال". فردود الأفعال التي تتخذها الحكومات هي الأخطر، إذ تشبه سلسلة التفاعلات النووية (Chain reactions). وما قرارات الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، بمنع دخول مواطنين من سبع دول إسلامية إلى أمريكا إلا من هذا القبيل. فقد أصدر ترامب يوم الجمعة الماضي(27/1/2017)، قرارات تنفيذية تقضي بمنع مواطنين من سبع دول إسلامية وهي إيران والعراق وسوريا واليمن والسودان والصومال وليبيا، من دخول أمريكا ولو كانوا يحملون تأشيرات دخول نافذة، بل وحتى من حاملي وثائق إقامة دائمة في الولايات المتحدة، أو جوازات سفر من دول أخرى مثل الدول الأروبية.

لا أفشي سراً إذا قلت أني من الذين رحبوا بفوز ترامب، وذلك لأنه أكد في حملته الانتخابية أنه سيمحي من وجه الأرض، الإرهاب الإسلامي التكفيري ودعاته مثل الأخوان المسلمين، ورعاته ومموليه من الحكومات الوهابية وغيرها. كذلك أخبرني أصدقاء مقيمون في أمريكا، أن أغلب أعضاء الجاليات العراقية والعربية والإسلامية من مواطني أمريكا قد صوتوا لترامب ولهذا الغرض. ولكن المؤسف أن ترامب أحاط نفسه بأشد اليمينيين المتطرفين في حزب المحافظين الجدد وشكل إدارته من أشد غلاتهم، ممن سايروه وشجعوه في أخذ قرارات متطرفة من شأنها أن تضر بأعداء الإرهاب من المسلمين، بل وحتى تضر بأمريكا نفسها والعالم المتحضر، وتقدم أفضل الخدمات للإرهاب الوهابي التكفيري، إذ كما تفيد الحكمة (كل شئ زاد عن حده انقلب ضده).

فهذه القرارات التنفيذية المتطرفة هي أقصى ما كان يتمناه دعاة الإرهاب ومشايخ الوهابية الذين يغسلون عقول الشباب المسلمين في تجنيد المنظمات الإرهابية. فالهجرات المليونية، والإرهاب الإسلامي التكفيري وما يرتكبه من جرائم في العالم ضد الحضارة والإنسانية، أدت إلى خلق مشاكل كثيرة في الدول المضيفة، من نتائجها تصعيد اليمين المتطرف، وتوسيع شعبيته في الغرب، و نيل الأحزاب الفاشية في أوربا أكثر من 20% من أصوات الناخبين، كما وأدى إلى خروج بريطانيا من الوحدة الأوربية، بل وحتى إلى فوز ترامب نفسه لما رفعه من شعارات متطرفة ضد المهاجرين والإرهاب الإسلامي. وهناك احتمال كبير حصول ما هو أسوأ في قادم الأيام، وهو إمكانية فوز ماري لابين، زعيمة الحزب القومي الفرنسي الفاشي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة في هذا العام.

والملاحظ أن قرارات ترامب التنفيذية المجحفة هذه، رغم أنها بدعوى محاربة الإرهاب، والسيطرة على الحدود، وحماية أمن ومصالح المواطنين الأمريكيين، إلا إنها لم تشمل الدول الإسلامية المتورطة في تفريخ الإرهاب ورعايته مثل السعودية وقطر والإمارات وتركيا، وباكستان، أو تعرضت للإرهاب مثل إندونيسيا. فقد جاء في تقرير موثق لصحيفة الـ(واشنطن بوست) بعنوان: (البلدان التي لترامب مصالح تجارية معها لم تضربها قيود السفر الجديدة)(1)، وهذا دليل على أن ترامب لم يكن نزيهاً ولا صادقاً بإدعاءاته في أخذ قراراته، بل لعبت مصالح مؤسسته التجارية دوراً كبيراً في شمول أو عدم شمول الدول. فمعظم الدول المشمولة بهذا القرار هي ليست مصدر الإرهاب، بل هي ضحايا الإرهاب القادم من الدول الأخرى المشار إليها في أعلاه، والتي لم تشملها قرارات ترامب، وهي التي ترعى الإرهاب ومصدره مثل السعودية وقطر وغيرهما من الدول الخليجية غير المشمولة. إضافة إلى تناقض في هذه القرارات، فمثلاً العراق في تحالف إستراتيجي مع أمريكا، وهناك الألوف من العسكريين الأمريكان في العراق لدعم القوات العراقية في حربها على الإرهاب الداعشي.
والمعروف أن السعودية هي مصدر الإرهاب، ولولاها لما كان هناك إرهاب إسلامي إطلاقاً. فالكل يعرف أن 15 من 19 من الإرهابيين الذين ارتكبوا جريمة 11 سبتمبر 2001، كانوا سعوديين، ولم يكن من بينهم أي فرد من مواطني الدول السبع التي شملها القرار. ومؤسس وزعيم القاعدة هو أسامة بن لادن ملياردير سعودي. وهناك دراسات وتقارير من مسؤولين أمريكان، تؤكد دور السعودية وتركيا والدول الخليجية في تشكيل منظمات الإرهاب ودعمها مالياً ولوجستياً وعقائدياً وإعلامياً وأكثر المتبرعين للتنظيمات الإرهابية هم من الدول الخليجية. ومع ذلك لم يشملها ترامب بقراراته وذلك بسبب مصالحه التجارية في هذه الدول. (التفاصيل في تقرير واشنطون بوست، الرابط في الهامش)(1). وكذلك لإثارة المخاوف وإسلاموفوبيا.(يرجى فتح رابط فيديو للباحث الأمريكي فريد زكريا، رابط رقم 2 في الهامش).

فهذا القرار المجحف خلق وضعاً غريباً أدى إلى إرباك وإحراج حتى أصدقاء أمريكا. ففي البداية حاولت رئيسة الحكومة البريطانية، تريزا مي، أن تتهرب من الإجابة على أسئلة الصحفيين إثناء زيارتها لتركيا، إذ زعمت أن مسألة الهجرة إلى أمريكا تخص أمريكا، وأنها مسؤولة عن الهجرة في بريطانيا، الأمر الذي أثار ضجة كبرى ضدها في بريطانيا، مما اضطرت أن تصرح بأنها لا تتفق مع ترامب، في الوقت الذي طالبتها المعارضة بإدانة القرار، وحتى إلغاء الدعوة التي وجهتها باسم الملكة لترامب بزيارة رسمية لبريطانيا هذا العام ما لم يقم الأخير بإلغاء قراراته تلك، وهناك عريضة على الشبكة بهذا الخصوص وقعها لحد كتابة هذه السطور أكثر من مليون وستمائة ألف مواطن بريطاني، ويتزايد العدد بالمئات كل دقيقة، مطالبين البرلمان بإلغاء الزيارة الرسمية. (رابط العريضة رقم 3 في الهامش)

كذلك خلقت هذه القرارات معارضة قوية، وضجة واسعة في أمريكا نفسها، فهناك تظاهرات في عشرات المطارات الأمريكية تطالب بإلغاء القرار وإطلاق سراح من تم اعتقالهم من المسافرين. والقرار هو بالأساس مخالف للدستور الأمريكي، مما حدى بقاضية فيدرالية أميركية بتعليقه جزئياً، وأمرت بوقف ترحيل اللاجئين والمسافرين المحتجزين في المطارات بموجبه. كما وقام ترامب بإقالة القائمة بأعمال وزير العدل لرفضها تطبيق حظر السفر، وكذلك قرر وزراء العدل في 16 ولاية اميركية بإدانة هذا القرار، إضافة إلى التظاهرات الاحتجاجية في العديد من دول العالم وأكبرها في أمريكا نفسها.

ومن نافلة القول، إن ترامب بقراراته التنفيذية هذه، و قراره بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والسماح لإسرائيل ببناء المزيد من المساكن في الأراضي الفلسطينية، متحدياً مواقف ومشاعر شعوب 55 دولة إسلامية، قدم خدمة مجانية لا تقدر إلى الإرهاب من حيث يريد أو لا يريد، وذلك لأن قادة التنظيمات الإرهابية و دعاتها ورعاتها من حكومات وشيوخ الوهابية، يدَّعون في حملاتهم الإعلامية أن الدول الغربية وبقيادة أمريكا، مازالت تواصل حروبها الصليبية ضد الإسلام، وإن ادعائها بمحاربة الإرهاب ما هو إلا ذريعة لتدمير الإسلام وإبادة المسلمين. أما أحداث 11 سبتمبر 2001، فتقول نظرية المؤامرة، أن الذين قاموا بها هم أمريكا وإسرائيل من خلال منظماتها الاستخباراتية (السي آي أيه والموساد) من أجل خلق ذريعة لشن حرب على الدول الإسلامية وتدمير قدراتها البشرية والمادية وإبقائها متخلفة!! كما يزعمون.

لذلك جاءت قرارات ترامب ضد المسافرين من الدول الإسلامية السبع، هدية من السماء إلى الإرهابيين ومن يرعاهم لشحن العداء بين المسلمين وغير المسلمين ولدعم الإرهاب. وما لم يغيِّر ترامب موقفه بإلغاء قراراته المجحفة هذه، فإن أمريكا مقدمة على الكثير من التطرف اليميني، والانحدار والسقوط في هاوية الفاشية وما يحصل من تبعات هذه السياسة العبثية الخطيرة. ولا اعتقد أن الشعب الأمريكي سيسمح بحصول هذه الكارثة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Countries where Trump does business are not hit by new travel restrictions
By Rosalind S. Helderman
The seven nations targeted for new visitation restrictions by President Trump on Friday all have something in common: They are places he does not appear to have any business interests.
 https://www.washingtonpost.com/politics/countries-where-trump-does-business-are-not-hit-by-new-travel-restrictions/2017/01/28/dd40535a-e56b-11e6-a453-19ec4b3d09ba_story.html?utm_term=.4eab2de1c90a&wpisrc=nl_most-draw14&wpmm=1
 
2- Fareed Zakaria, GPS:  Trump's travel ban 'fear mongering'
Fareed gives his take on why Trump's executive order on immigration is "fear mongering" that risks destroying the US's reputation as a beacon of hope. Source: CNN
 http://www.cnn.com/videos/tv/2017/01/29/exp-gps-0129-take-travel-ban.cnn

3-  إلى الأصدقاء من مقيمي ومواطني بريطانيا: يرجى توقيع طلب منع ترامب من زيارة ألمملكة ألمتحدة زيارة رسميه ، لعدم إحراج جلالة ألملكة وإرسال ألطلب لأصدقائكم لتوقيعه إن رغبوا بذلك ، ولكم جزيل ألشكر سلفا"..
https://petition.parliament.uk/petitions/171928

127

عندما يسمع العرب إسم إيران والشيعة

زيد نابلسي / كاتب أردني

أذكر قبل عام كامل، وتحديداً في 2016/1/17، في نفس يوم دخول الإتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ وعودة إيران إلى حضن المجتمع الدولي، تفاخر وزير أوقافنا العبقري يومها على صفحات الجرائد بأنه حَرَم الإقتصاد الأردني الموغل في الكساد من مليارات العوائد عندما قام برفض عرض لزيارة نصف مليون سائح إيراني سنوياً للأردن، في وقت كان وما زال القطاع السياحي في الأردن يشكو من الدمار والإنهيار الشامل!!!

يا ترى ما هي العقدة النفسية المستعصية التي تشكلها إيران لدى نسبة كبيرة من الأردنيين لدرجة رفضهم للسائح الإيراني، وتقبلهم وتعايشهم في نفس الوقت مع السماح بدخول السائح الإسرائيلي؟

ما سبب كل هذا التشنج والكره الأعمى عندما يسمع العرب إسم إيران والشيعة؟

نقرأ الكثير من الهلوسات الفارغة الأقرب إلى الشعوذة السياسية حول أطماع إيران الصفوية وحقدها المجوسي ومشاريعها التوسعية وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولكني لم أقرأ في حياتي حرفاً واحداً موضوعياً مُنصِفاً يشرح لنا في مثال حقيقي واحد عن كيفية حدوث هذا التدخل...

العراق؟ العراق الذين دمروه هم العرب ولا أحد غير العرب، عندما تحولت صحاريهم إلى مطارات عسكرية لغزوه في 2003، وعندما أرسلوا انتحارييهم لذبح شعبه بالمفخخات اليومية بعد إسقاط نظامه، بينما رفضت إيران رفضاً قاطعاً تقديم أي مساعدة أو تسهيلات للجيوش الأمريكية وأساطيلها آنذاك...

اليمن؟ في اليمن أعلنت اليونيسف أن طفلاً يمنياً يموت كل عشر دقائق من المجاعة وسوء التغذية بسبب الحرب، بينما تحولت البلد إلى ركام وحطام فوق رؤوس أهلها بسبب الهوس الأحمق بإبادة مجموعة من المقاتلين الحوثيين الحُفاة الذين ينتمون إلى المذهب الزيدي ولا علاقة لهم بإيران التي تتبع المذهب الجعفري الإثني عشري...

تشتمون وتسبون وتشيطنون إيران كل صباح وبعد الأكل وقبل النوم، وترتعبون من بعبع وهمي إسمه "التشيُّع"، ومن شدة جهلكم لا تعلمون أن إيران فيها 20 مليون سُني لم يشيعهم أحد ولم يتحول أي منهم في تاريخ إيران إلى المذهب الشيعي!!

إذاً من أين يأتي كل هذا الحقد الأعمى على إيران عند العرب؟

هل هي عقدة النقص تجاه دولة لم تركع بالرغم من 35 سنة حصار وأقسى نظام عقوبات عرفتها البشرية، بل خرجت منتصرة وأجبرت العالم على قبول برنامجها النووي؟

هل هو لأن إيران اليوم وبرغم الحصار أصبحت قوة اقتصادية وقلعة علمية وصناعية وعسكرية ترسل الأقمار الصناعية للفضاء وتصنع طائرات دون طيار وتصمم صواريخ عابرة للقارات؟

هل هو لأن إيران اليوم دولة سيّدة مستقلة لا تجرؤ الوحوش الوهابية التي تنهش في العراق وسوريا وليبيا واليمن مجرد التفكير بالإقتراب من حدودها، وهي دولة لا يوجد بها دواعش يجرؤون أن يمسوا مواطنيها أو يُدَمِّروا آثارها أو يَنبُشوا قُبورَها أو يحطموا أضرِحَتَها أو يُدَنِّسوا أماكنها المقدسة؟

هل هو لأن إيران تُعرِّي العرب وتخزيهم وتفضَحهم بانتخاباتها المنتظمة كل أربع سنوات منذ قيام الثورة، وتعلمهم دروساً لا يفقهونها في تداول السلطة؟

أم هو بسبب دعم إيران المطلق منذ 1982 للأبطال الذين هزموا عدوَّهم وحرروا أرضهم وأعادوا أسراهم إلى حضن أمَّهاتِهِم، بينما يتهافت الأعراب اليوم للإنبطاح تحت أقدام إسرائيل والتحالف معها بكل وقاحة وانعدام للقيم وللشرف؟

أنا قد أتفهم جيداً الإنهيار العصبي لمن كان يحلم بأن يحكم زهران علوش وأبو محمد الجولاني دمشق، وأتفهم الأزمة النفسية والإكتئاب الحاد لمن أنفق المليارات لإقامة دولة الإخوان المسلمين في سوريا...

ولكن لمواطن أردني لم يقابل في حياته إنسان إيراني، من أين يأتي كل هذا الكم الهائل من التعصب المقيت؟
للأسف، لا يوجد أدنى شك في أن هذا السُّعار الهستيري ضد إيران مصدره الرئيسي هو الشحن والتحريض الطائفي الوهابي من قومٍ عُصارة علومهم وإنتاجهم في آخر مائة عام هي رسائل الدكتوراة الوهابية في الحلال والحرام والنكاح والعَورة والجنس والحوريات والجِماع والحَيض والنِفاس والجَنابة وشروط دخول الحمام ونواقض الوضوء وآداب التبول وقتل تارك الصلاة وقطع رؤوس الابرياء.. وعذاب القبر والثعبان الأقرع ودرجة حرارة جهنم ورضاع الكبير ومجامعة الزوجة الميتة وتحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم ووجوب تضييق الطريق عليهم وعدم جواز الترحم على موتاهم وشرب أبوال الإبل وزواج القاصرات وجهاد النكاح وصحة دوران الأرض وأصوات الإدغام والقلقلة والفرق بين الفساء والضراط... نعم هذه فقط افكار  الوهابية واتباعها من السلفيه..

فبينما تحتل إيران المركز الأول عالمياً في أبحاث وتجارب الخلايا الجذعية، وبينما تعزف اوركسترا طهران الموسيقى الكلاسيكية في كنائس أوروبا، وتقام الصلوات في مساجد الايرانيه السنية والشيعيه ولا توجد طائفيه ولا عنصرية في هويتهم القوميه..
لقد أثرى الوهابيون الحضارة الإنسانية بإهداء البشرية داعش والنصرة الظلالة وجيش لا إسلام وأحرار النفاق في الشام وجيش الفتح القتل ونور الدين زنكي الدجال وجند الأقصى الكذابين..
وأكناف بيت المقدس، وتعلم العالم منهم أساليب قطع الرؤوس الاطفال والكبار وسلخ الجلود وجز الرقاب وصلب العباد وأكل القلوب ونبش القبور وتفجير المساجد وسبي النساء وتحطيم المتاحف وتخريب الكنائس وخطف الراهبات وتدمير المدن الأثرية وتكفير الملل وهدم الأضرحة وذبح الأطفال وتفخيخ الطفلات وحرق البشر أحياءا وإغراقهم ودهسهم وغدرهم وهم يحتفلون ورميهم من فوق أسطح البنايات... (نعم هذه حركات داعش والنصرة وكل منظمات الجهادية التكفيرية...)

بعد هذا كله، نفتخر كأردنيين بكل حماقة بأننا رفضنا إدخال نصف مليون سائح إيراني متحضر ومهذب سنوياً للأردن، بينما نستجدي المعونات ونتوسل العطايا ممن تخلوا عنا وكافئونا بالخذلان!!

الله يِخزيكُم، خَزيتونا .


128
ليعلن بارزاني الإنفصال!
د.عبدالخالق حسين

جاء في الأنباء أن السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، (المنتهية ولايته)، هدد في تصريح له في دافوس، "بإعلان استقلال الإقليم في حال تولى زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي رئاسة الحكومة الاتحادية مجددا، مؤكدا أن ذلك سيتم “دون الرجوع لأحد”.(1)

بهذه التصريحات أراد  بارزاني أن يقول للعراقيين وللعالم، أنه سياسي محنك وشاطر جداً، يستطيع أن يبتز الدولة العراقية عن طريق التهديد والوعيد بالانفصال. فقد اعتاد بارزاني على رفع ورقة الانفصال كلما تصاعدت أزمة الإقليم الاقتصادية بسبب سياساته الخاطئة، فيقوم بدغدغة المشاعر القومية للشعب الكردي لتصريف أزماته. في الحقيقة إن هذه التصريحات أساءت للسيد بارزاني، ورفعت مكانة المالكي دون أن يدرك أو يريد. وبذلك فقد فضح جهله بألاعيب السياسة وحتى كيف "يبلف".

فالكل يعرف أن بارزاني، إما لا يريد الإنفصال وذلك من أجل الاستحواذ على نفط كردستان، إضافة إلى نيل حصته 17% من موازنة العراق والمشاركة في الحكومة المركزية لشلها من الداخل، أو يريد الانفصال ولكنه لا يستطيع تحقيقه. فلو كان حقاً يريد الانفصال ويستطيع تحقيقه لأعلنه منذ سقوط حكم الطغيان البعثي عام 2003، أو حتى قبل ذلك التاريخ. إذ كما قال الكاتب محمد ضياء عيسى العقابي: "إن قرار الإنفصال ليس بيده بل بيد مجموعتين من الدول، الأولى، وهي أمريكا وإسرائيل وتركيا والسعودية وقطر: فهذه الدول  أرادت وتريد من البرزاني البقاء ضمن العراق حتى إشعار آخر من أجل التخريب ومضاعفة الأزمات والتوترات وزرع الكراهية بين العرب والكرد والتركمان والمسيحيين وباقي المكونات بالتعاون مع الطغمويين وإمتصاص الأموال من الميزانية الفيدرالية والتلاعب بنفط الشمال لمفاقمة الأوضاع الإقتصادية في العراق من أجل تأجيج الجماهير، سواءً كان المالكي أو العبادي رئيساً لمجلس الوزراء"(2). والمجموعة الثانية طبعاً دول الجوار: إيران وتركيا وسوريا.

يريد بارزاني أن يجعل من نفسه صانع الملوك، أي أنه هو، وليس صناديق الاقتراع والبرلمان، من يقرر من يكون رئيساً للحكومة الفيدرالية. وقد جرب حضه في هذا المضمار عام 2006 بإزاحة الدكتور إبراهيم الجعفري من رئاسة الحكومة لأنه قام بزيارة إلى تركيا دون إعلام بارزاني وأخذ موافقته. وحاول ثانية بإزاحة نوري المالكي من رئاسة الحكومة لأن الأخير تمسك بقوة بالدستور ضد استحواذ بارزاني بنفط الإقليم. لذلك ضم بارزاني جهده مع الآخرين بالتخلص من المالكي عن طريق داعش، ولسان حالهم يقول: طز بالديمقراطية!!
 
أنا لست من دعاة عودة المالكي لرئاسة الحكومة الفيدرالية، لأن عودته تعني عودة خصومه، بمن فيهم بارزاني، إلى نفس اللعبة القذرة وهي، استخدام هراوة داعش أو أية هراوة أخرى وباسم آخر. ولكن إذا كان تسلم المالكي لرئاسة الحكومة من خلال صناديق الاقتراع والبرلمان، يدفع بارزاني لإعلان الاستقلال، فمرحى بعودة المالكي. كذلك رغم أني لست من دعاة الإنفصال، لأنى أرى بقاء الشعب الكردي مع العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد أفضل له من الإنفصال، محاطاً بالأعداء من كل الجهات، ومبتلى بالداخل بحكم الإمارة البارزانية العشائرية في تقليد مقرف للإمارات القبلية الخليجية. كذلك لا يتصور بارزاني أن الشعب الكردي كله وراءه، فالحزبان، الإتحاد الوطني الكردستاني والتغيير ضده، وإنفصاله يثير احتمال حرب أهلية في كردستان كما حصل عام 1996 عندما استحوذ بارزاني على واردات مدخل إبراهيم الخليل.

فإذا تحمل الشعب الكردي البقاء ضمن الدولة العراقية في أسوأ نظام دكتاتوري، وكان أقصى طموحاته تحقيق شعار (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان)، فلماذا يرفض هذا الشعب البقاء ضمن عراق ديمقراطي فيدرالي، يساهم قادته مساهمة فعالة في الحكومة الفيدرالية، وهو يتمتع بأكثر من حكم ذاتي؟
هذه الحقيقة أدركتها غالبية الشعب الكردي من خلال قواه السياسية ما عدا حزب بارزاني. وعلى سبيل المثال، استلمت رسالة من سيدة كردية مثقفة، تقول: "أنا أعتبر العراق وطني... والله أتمنى أن أموت قبل أن تنفصل كردستان عن العراق".
أؤكد مرة أخرى أن بارزاني يعرف أن الانفصال ليس بيده، وإلا لأعلنه في التسعينات من القرن الماضي يوم جعلت بريطانيا وأمريكا من كردستان العراق (منطقة الملاذ الآمن). لذا على الحكومة الفيدرالية أن لا تذعن لتهديداته التي صارت مثيرة للسخرية. 

ويضيف بارزاني في تصريحاته: “أنني صارحت العبادي وقادة التحالف الوطني بأن العراقيين فشلوا في بناء شراكة حقيقية فيما بينهم، وأنه من الأفضل أن نكون جيراناً طيبين”.
طبعاً يقصد بـ"الشراكة الحقيقية التي فشل في تحقيقها العراقيون، هي الشراكة وفق مقاييس بارزاني، وليست الشراكة التي أقرها الدستور العراقي الجديد الذي شارك الكرد في كتابته والتصويت عليه. يريد شراكة وفق المثل الشعبي: (تريد أرنب أخذ أرنب، تريد غزال أخذ أرنب). فبارزاني يريد شراكة يتمتع هو بدولة مستقلة، مستحوذاً على كل ثروات كردستان مع إبقاء حصته 17% من ثروات العراق وحكومته المركزية. هذه الشراكة ترفضها المكونات الأخرى، بل وحتى غالبية الشعب الكردي.

لقد أثار بارزاني بتصريحاته الأخيرة بربط استقلال كردستان بعودة المالكي لرئاسة الحكومة، استهزاء واستهجان الكرد قبل العرب على نفسه، وصار مسخرة للرأي العام العراقي، وما كنا نتمنى له هذا الموقف. فقد أعلن حزب التغيير الكردستاني إن "ربط بارزاني اعلان الاستقلال بعودة المالكي [نكتة سياسية] وتصدير لمشاكل الاقليم"، جاء فيه: (التصريحات التي ادلى بها رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني على هامش منتدى دافوس وربطه موعد اعلان الدولة الكردية بعودة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الى الحكم في البلاد ولدت استهجاناً واستياءً واسعاً، لدى سياسيين ونخب، الذين اكدوا ان بناء الدولة الكردية لا يتم بردود الفعل والخلافات الشخصية والحزبية)(3). وفي تقرير آخر بعنوان: (سياسيون يستنكرون تصريحات بارزاني ربط فيها إعلان الانفصال بعودة المالكي.. أسموها دولة رد الفعل الكردية)(4 و 5)

لقد أثبت بارزاني بتصريحاته هذه أنه جاهل في السياسة، وحاقد على العراق، وكثيراً ما ردد بأن العراق قد أنتهى ولا يوجد شيء اسمه العراق(كذا). فتعليمه لا يتجاوز المتوسطة، وحسب تصريحه أنه حمل البندقية في الجبال وهو بعمر 16 سنة. وهذا كل مصادر تعليمه وتثقيفه. أنه من سوء حظ الشعب الكردي أن يقوده سياسي بهذه الامكانيات الثقافية المتواضعة. فقد تبوأ هذا الموقع السياسي والقيادي ليس لإمكانياته، بل لأنه ابن الراحل الملا مصطفى بارزاني زعيم الحركة الكردية، أي بالوراثة، وإلا لما سمع به أحد. إن الشعب الكردي يستحق قيادة أفضل.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- البارزاني: سأعلن استقلال كردستان إذا تولى المالكي رئاسة الحكومة دون الرجوع لأحد
 http://almaalomah.info/2017/01/23/political/124354

2- محمد ضياء عيسى العقابي: سيعلن البارزاني انفصال الاقليم إذا تولى المالكي رئاسة الحكومة!!
http://www.akhbaar.org/home/2017/1/223395.html

3- التغيير: ربط بارزاني اعلان الاستقلال بعودة المالكي [نكتة سياسية] وتصدير لمشاكل الاقليم
http://www.akhbaar.org/home/2017/1/223361.html

4- سياسيون يستنكرون تصريحات بارزاني ربط فيها إعلان الانفصال بعودة المالكي.. أسموها دولة رد الفعل الكردية
http://www.akhbaar.org/home/2017/1/223396.html

5- شيرزاد شيخاني: تأسيس الدولة الكردية.. وهلمجرا!
http://www.akhbaar.org/home/2017/1/223418.html

129
من دمر الدولة العراقية؟
د.عبدالخالق حسين

يعرف القراء الكرام المتابعين لكتاباتي أني تطرقت لهذا الموضوع مراراً خلال السنوات العشر الماضية، (1) وآخرها مقال نشرته عام 2011، بعنوان: (لماذا انهارت الدولة العراقية؟)(2). ولم يكن بودي العودة إليه لولا بعض التعليقات المغالطة على مقالي الأخير عن (مهزلة مؤتمرات السعودية ضد الإرهاب)(3)، من أحدهم يدَّعي اليسارية والماركسية، وتحت هذا الغطاء يلومنا على التعرض للسعودية بذريعة وجوب التركيز على دور أمريكا في المنطقة. وقصده الدفاع بصورة غير مباشرة عن السعودية والنظام البعثي الساقط، ومطالبتنا بعدم التعرض لهما، بل الأجدى في رأيه أن نواصل شتم أمريكا فقط بدلاً من التعرض لهذين الشرين (السعودية والبعث الصدامي)، علماً بأن المقال كان حول خبث السعودية في إظهار نفسها بمحاربة الإرهاب، والإدعاء بالحمل الوديع، وبأنها ضحية التنظيمات الإرهابية!!

والمعروف عني أني اشجع النقد المعارض لآرائي، ولكن بشرط الالتزام بأدب الحوار، إذ لا يمكن أن أتسامح مع لغة الشتائم والبذاءات. لذلك رأيت من الأفضل غلق باب التعليقات على مقالاتي في موقع (الحوار المتمدن)، وذلك عملاً بالمثل: (شباك اللي تجيك منه الريح، سده واستريح). وهذه ليست المرة الأولى التي أغلق فيها باب التعليقات، مع اعتذاري الشديد للمعلقين الجادين.

فمنذ إسقاط حكم البعث الصدامي عام 2003، ونحن نسمع ونقرأ باستمرار انتقادات وشتائم على أمريكا، من كتاب ومعلقين سياسيين، من مختلف الميول والاتجاهات الفكرية، بمن فيهم كتاب ليبراليون، عرب وغير عرب، وحتى من ألد أعداء البعث ومؤيدي إسقاط حكمه، يسألون: لماذا قامت أمريكا بتدمير الدولة العراقية، ولماذا لم تكتف بإسقاط حكم البعث فقط، والاحتفاظ بجميع مؤسسات الدولة؟ ويحمِّل هؤلاء أمريكا مسؤولية تفكيك الدولة العراقية، ويشتمون بول بريمر، الحاكم المدني لقوات التحالف، على حل الجيش السابق والأجهزة الأمنية، وأنه هو الذي أختار أفسد العراقيين للسلطة. ويرى هؤلاء أنه لولا هذه القرارات لما حصل في العراق ما حصل من فوضى، وفلتان أمني، وأعمال الإرهاب...الخ. في الحقيقة أجبت على كل هذه التساؤلات في عشرات المقالات، ولكن يبدو أن ذاكرة البعض ضعيفة، أو لا يمكن اقناعهم بسبب تعصبهم لأيديولوجياتهم المتحجرة التي أكل الدهر عليها وشرب، إذ كما قال حكيم: (لا تناقش المتعصب، لأنك كمن يناقش ميتاً). وعودتي للموضوع ليس لإقناع المتعصبين، فهذا مستحيل، ولكن لحماية المخلصين من التضليل، وتأكيد صحة موقفنا.

كذلك لاحظت أن الطائفية تلعب دوراً مؤثراً في محاربة عراق ما بعد صدام. وعلى سبيل المثال، أذكر ما حصل لي مع صديق قديم، والذي كان بعثياً رغماً عنه، ومديراً للمستشفى التي كنت أعمل فيها عام (1978) التي غادرت بعدها مباشرة العراق إلى بريطانيا لإكمال دراسة الاختصاص في الجراحة. هذا الرجل النبيل كان من عائلة يسارية، عانت الكثير من الاضطهاد خاصة بعد الإنقلاب البعثي الفاشي عام 1963. ولذلك كان يتعاطف معي كثيراً، ويشكو لي همومه ومعاناته من قبل رفاقه البعثيين.
وفي الليلة الأخيرة قبل الرحيل (من الأسبوع الأول من عام 1979)، زارني في بيتي لوداعي، وقال ما مفاده: (جئت لأودعك، وأتمنى لك النجاح في نيل ما تريد، ولكن أود أن أقدم لك نصيحة أخوية صادقة. فبعد أن تنال الشهادة التي تريد، إياك إياك أن تعود إلى العراق... حاول أن تحصل على عمل في بريطانيا كجراح، وإذا فشلت، إعمل ولو خادماً في المطاعم، وإذا فشلت، الجأ إلى إسرائيل ولا تعود للعراق، لأن حكام إسرائيل أشرف آلاف المرات من الذين يحكموننا في بغداد (يقصد البعثيين). ثم راح يحكي لي ما تعرض أحد أقرباءه (مدير عام في احدى مؤسسات الدولة)، من اضطهاد وإذلال من قبل الأمن البعثي لسبب تافه. وختم نصائحه لي بالقول: إياك أن تعود، فهؤلاء قد خططوا لتدمير العراق عن آخره وإذلال الشعب.
فما الذي حصل لهذا الصديق؟
لم يتم أي اتصال بيني وبينه خلال ما يقرب 37 عاماً، إلى العام الماضي 2016، حيث فوجئت منه برسالة بالبريد الإلكتروني، يسألني بخشونة فيما إذا كنت أنا فلان صاحب كذا مقالات؟ وأخبرني أن أحد خصومه عندما يريد إزعاجه يبعث له بإحدى مقالاتي. وأنه يستغرب مني أن أكتب هكذا مقالات معادية للشعب والوطن (كذا)، وأن أمريكا المجرمة دمرت دولة عظيمة، وأني لا بد وأن أستلم الرشوة من إيران وأمريكا بالتومان والدولار!!!!!!! ولما ذكَّرته بنصيحته بأن أعمل عاملاً في المطاعم، أو ألجأ إلى إسرائيل بدلا من العودة إلى العراق، لأن البعث قد خططوا لتدمير العراق، فلم يرد.

فمن الذي غير عقلية هذا الرجل الطيب؟ إنه الزمن، والتعصب، والطائفية والتعرض لعملية غسيل الدماغ، وزق الأيديولوجية الفاشية. علماً بأن هذا الصديق الذي راح يشتم أمريكا يعيش الآن في أمريكا منعماً. إذ كما يردد أحد الأصدقاء: (أمريكا مثل السمك مأكول ومذموم).

لا أريد هنا الدفاع عن أمريكا، أو إيجاد التبريرات لما حصل، ولكن إذا ما بدا جوابي وكأنه يعفي الدور الأمريكي من المسؤولية، فهو تحصيل حاصل، ودوري هنا محاولة لوصف الدولة العراقية في عهد النظام البعثي ولماذا انهارت، دون زيادة أو نقصان، وهل حقاً كانت هناك دولة حقيقية أو دولة المافيا، و"جمهورية الرعب" حسب تعبير كنعان مكية، أو كما أسماها البعثي السابق حسن العلوي: "دولة المنظمة السرية"؟ فهل من المنطق البكاء على هكذا دولة وهي منهارة بالأساس؟ أترك الحكم للقراء. وهل سيفاجئنا هؤلاء بالبكاء على السعودية إذا ما انهارت بركلة من سيدتها أمريكا؟

فلو درسنا تاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيها عام 1921، لعرفنا أنها كانت تحمل بذور انهيارها منذ البداية، إذ كانت قد بنيت على أسس خاطئة، حيث وضعت ألغام طائفية وعرقية مع حجر الأساس، تنتظر الانفجار والانهيار في الوقت المناسب. فالعزل الطائفي والعرقي واحتكار السلطة من قبل المكون الواحد والأسرة الواحدة والشخص الواحد، والعسكر المسيسون، هو السبب الرئيسي لعدم استقرار العراق وإنهياره. وفي عهد حكم البعث، قام الحزب الحاكم بمسخ الدولة، وتجريدها من كل مقومات وصفات الدولة بالمفهوم الحديث.

فحزب البعث لم يكن حزباً سياسياً بالمعنى التقليدي للأحزاب السياسية، وإنما كان عبارة عن عصابة من المافيا، انتحلت السياسة، كذباً وزيفاً للتمويه، وتبنت أهدافاً وشعارات براقة تستهوي قطاعاً واسعاً من الشباب العربي المخدوع العاطل، مثل "الوحدة والحرية والاشتراكية"، و"أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، ولكن في مجال التطبيق نفذوا العكس تماماً، إذ لم يكتفوا بالتنكر لهذه الأهداف والشعارات المعلنة فحسب، بل ونفذوا النقيض منها تماماً، فمزقوا الشعب الواحد إلى فئات متناحرة، حيث أحيوا فيه العشائرية التي كانت قد انتهت منذ ثورة 14 تموز 1958، كما وأيقظوا الطائفية التي كانت خامدة وعلى وشك الاختفاء من المجتمع العراقي. أما على المستوى العربي، فقد أثار الحزب الحاكم أشد العداء مع شقيقه البعث الحاكم في سوريا، وعمل على تمزيق التضامن العربي حتى بحده الأدنى. ولو تقصينا تاريخ حزب البعث في العراق لتوصلنا إلى نتيجة مفادها، أن هذا الحزب هو حزب بعث القبلية والعشائرية والطائفية، وتأسس خصيصاً لتدمير العراق، وإذلال شعبه، وضرب الحركات الوطنية التقدمية في المنطقة، وتمزيق التضامن العربي خدمة لأجندات أجنبية ومصالح شخصية لقيادة العصابة المافيوية.

كذلك يستطيع المرء التأكد من الدور التخريبي لحزب البعث، بالرجوع إلى مؤلفات كتاب مرموقين، كانوا قد انتموا لهذا الحزب في مرحلة من حياتهم، وبتأثير من شعاراته البراقة، وشاركوا في السلطة بمستويات عالية، ولكنهم تبرؤوا منه عندما اكتشفوا حقيقة هذا الحزب، فنشروها في مؤلفاتهم القيمة كشهود عيان.
وبعد اغتصابه للسلطة، وخلال 35 سنة من حكمه الجائر، عمل حزب البعث بجميع الوسائل الخبيثة، الترهيب والترغيب، لتبعيث المجتمع العراقي، والجيش، والأجهزة الأمنية، والهيمنة الكاملة على جميع مرافق الدولة ومفاصلها بدون استثناء، وكل من يرفض التعاون معهم يباد أو يحارب في رزق عائلته. وكما ذكر الراحل، حنا بطاطو، كان البعثيون يرددون عند مجيئهم للسلطة عام 1968، مقولة: "اللي ما يمشي على سكتنا، خلي يكعد ويه مرته". ولذلك اضطرت الملايين من الناس الانتماء للحزب خوفاً من قطع أرزاقهم وأعناقهم، أما الذين رفضوا، فإما أبيدوا، أو سجنوا، أو فروا من البلاد، أو اعتكفوا على أنفسهم وفضلوا العزلة طلباً للسلامة. 
وقد تحول الحزب كله إلى تنظيم استخباراتي تجسسي شمل كل مرافق الدولة والمجتمع، يحصي على الناس أنفاسهم، مهمته الوحيدة حماية السلطة البعثية من غضبة الشعب. وبذلك تمت إذابة الدولة  في كيان الحزب، وصارت الدولة ليست ملك الشعب، بل ملك الحزب وصدام حسين وعائلته، وفق مقولة الملك لويس الرابع عشر: "أنا الدولة والدولة أنا". فهل هذه الدولة المافيوية تستحق أن يأسف على سقوطها أحد؟ وهل كان بإمكان الشعب إسقاطها بدون تدخل الدولة العظمى؟

إن المتباكين على سقوط دولة المنظمة السرية لم يكونوا راضين بالتغيير من البداية لأسباب أيديولوجية وعدائهم لأمريكا، أو لأنهم غير مدركين حقيقة الوضع العراقي وضخامة المشكلة، معتقدين خطأً أن هذه الأجهزة الأمنية كان يمكن الإستفادة منها لحماية الأمن بعد سقوط البعث. وهذا خيال مريض، فجميع الأجهزة الأمنية كانت مؤدلجة وشعارها (بالروح بالدم نفديك يا صدام). ومعظمهم كانت أيديهم ملطخة بدماء العراقيين، وكان ولاؤهم للبعث وقيادة صدام وأسرته فقط مدفوعين بدوافع أيديولوجية، ومصلحية، إضافة إلى تعريضهم إلى عمليات غسيل الأدمغة، وشحنهم بالحقد الطائفي والعرقي ومعاداة الديمقراطية وحقوق الانسان. وعليه، فإبقاء هكذا أجهزة لحماية النظام الديمقراطي لم يكن ممكناً إطلاقاً.

ولتوضيح الأمر أكثر، نشبه الدولة بالهرم. ففي الأنظمة الاعتيادية (غير الشمولية)، يكون هرم الدولة قائماً على قاعدة عريضة، ورأسه إلى الأعلى، أما في حالة دولة البعث وعراق صدام، فكان الهرم مقلوباً قائماً على رأسه، فالدولة بكافة أجهزتها الإدارية، والعسكرية، والمدنية، والأمنية، والاستخباراتية، كانت قائمة على رأس صدام حسين وحده، أو أشبه ببناء عملاق قائم على عمود واحد. وفي هذه الحالة، من الطبيعي أن ينهار البناء (الدولة) بمجرد تدمير العمود الذي هو صدام حسين وحاشيته. لذلك فانهيار الدولة في هذه الحالة كان أمراً حتمياً لا مناص منه عند إسقاط حكم البعث ورئيسه صدام حسين، وهو تحصيل حاصل، بل وضرورة تاريخية، تماماً كما حصل في ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.

فالدولة العراقية في عهد حكم البعث لم تكن دولة الشعب، بل دولة صدام حسين وعائلته وحزبه، ولا الشعب كان يشعر أن هذه دولته لكي يدافع عنها، ولو كانت حقاً دولة الشعب، لما أقدمت أمريكا على إسقاطها وبهذه السهولة، ولما بقي الشعب العراقي متفرجاً يراقب بفرح وشماتة، انهيار هذه الدولة المسخ، بل وتقديم الورود إلى جنود الحلفاء. ولذلك ما أن سقط الصنم في ساحة الفردوس في بغداد، وما حمل من دلالات رمزية، حتى واطمأنت الجماهير أن هذه الدولة قد انتهت وإلى الأبد، فانهالت على تماثيل صدام وصوره ضرباً بالنعال تشفياً وانتقاماً.
أما التعكز على شماعة تاريخ أمريكا وتآمرها على الحكومات والحركات التقدمية إبان الحرب الباردة، فقائمة جرائم أمريكا معروفة، والكل يعلم أن أمريكا هي التي جاءت بالبعث، وتدعم السعودية وإسرائيل، ولكن أليس من مصلحتنا أن تنقلب أمريكا في لحظة من لحظات التاريخ النادرة، على الأنظمة الفاشية مثل النظام البعثي وتسقطه، بل وحتى ممكن أن تنقلب على السعودية وغيرها، إذا ما اقتضت مصالحها.
لقد رفع الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب شعار (أمريكاً أولاً). في الحقيقة هذا الشعار ليس خطأً، بل من صلب السياسة والوطنية في جميع الدول. و رئيس أية دولة لم يرفع شعار مصلحة بلاده أولاً، فهو خائن بحق الشعب والوطن. لذلك إذا التقت مصلحة بلادنا مع مصلحة أمريكا فأهلاً بها، ومن الغباء التفريط بالفرصة، والتشبث بالماضي ونرفض أي دعم من أمريكا بهذه الحجة الغبية. فمن مصلحتنا كعراقيين أن تقوم أمريكا في عهد ترامب بسحق التنظيمات الإسلامية الوهابية ومسحها من على الأرض، وتضرب حتى الحكومات التي ترعى الإرهاب، كما وعد ترامب في خطاب التدشين.

خلاصة القول، ومن كل ما تقدم، نستنتج أنه ما كان بالإمكان مطلقاً، إسقاط حكم البعث دون أن تنهار دولة المافيا بكاملها، وإعادة بنائها من جديد على أسس حضارية عصرية حديثة، دولة المواطنة والديمقراطية وحكم القانون، دولة الشعب لكل العراقيين بدون أي تمييز عرقي أو ديني أو طائفي. وإن ما يجري الآن من معاناة من إرهاب وفساد، فيتم على أيدي البعثيين الدواعش. فبعد عشرات السنين من الظلم والجور والتجهيل المتعمد، لا بد وأن يمر العراق في مخاض عسير لولادة دولته الديمقراطية الحديثة. نعم، نلجأ إلى أمريكا إذا اقتضت مصلحة شعبنا، وكما ذكرت مراراً: إذا شب حريق في بيتي فمن الغباء أن أسأل عن هوية فريق الاطفاء .
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط لمقالات ذات صلة
1- د.عبد الخالق حسين: محاولة لفهم الأزمة العراقية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=481

2- د.عبد الخالق حسين: لماذا انهارت الدولة العراقية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=483

3- د.عبدالخالق حسين: مهزلة مؤتمرات السعودية ضد الإرهاب!
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=879

4- د.عبد الخالق حسين: هل حقاً أمريكا قامت بحل الجيش العراقي السابق؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=484

5- د.عبد الخالق حسين: من المسؤول عن الاقتتال الطائفي في العراق؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=485
 
6- د. عبدالخالق حسين: حول حكومة المحاصصة مرة أخرى
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=486

7- د. عبدالخالق حسين: حول الديمقراطية والفساد!
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=487




130
مهزلة مؤتمرات السعودية ضد الإرهاب!

د.عبدالخالق حسين

المملكة العربية السعودية تشبه المرأة العاهرة التي تتظاهر بالعفة والشرف، بشتم العهر والعاهرات في محاولة يائسة لإبعاد التهمة عن نفسها. فالمتتبع لتاريخ السعودية منذ تأسيسها الأول في نهاية القرن الثامن عشر، يعرف أن هذه المملكة تأسست على عقيدة الإرهاب والقتل والنهب، وهي الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان في العالم، وأضفت على جرائمها الإرهابية صفة القداسة الدينية الإسلامية عبر عقيدتها الوهابية التكفيرية المنحرفة.

ولكن في نفس الوقت يلاحظ المتتبع أن هذه المملكة صرفت مئات الملايين من الدولارت على تنظيم المؤتمرات الدولية باسم التقارب بين الأديان والمذاهب، ومحاربة الإرهاب. ونظراً لما تملكه من ثروات هائلة من البترودولار، نجحت السعودية في شراء الحكومات وإمبراطوريات الإعلام، حتى صارت تهيمن على نحو 70% من الفضائيات العربية، ناهيك عن وسائل الإعلام الأخرى. بل ونجحت السعودية حتى في كسب الأمم المتحدة بتبرعها مائة مليون دولار لقسم محاربة الإرهاب التابع للمنظمة الدولية، و من سخرية الأقدار أن يتم اختيار السعودية لرئاسة لجنة خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة(1). نعم، السعودية التي تستهزئ من تعبير حقوق الإنسان، أختيرت لرئاسة لجنة خبراء حقوق الإنسان في المنظمة الدولية ،صدق أو لا تصدق!!. فهل هناك مهزلة أكبر من هذه؟

إن دل كل هذا على شيء فإنما يدل على أن مازالت البشرية، وبالأخص الدول المتحضرة منها، مازالت لم تتحضر بعد بما فيه الكفاية لترتفع بأخلاقها إلى مستوى حضاري لائق بما بلغته البشرية من التطور المذهل في العلوم والتكنولوجيا. وهذا ما يهدد مستقبل الحضارة البشرية. فتصور ماذا سيحدث للبشرية فيما لو امتلكت هذه الدولة البدوية التكفيرية سلاح الدمار الشامل، وهي تقسم العالم إلى دار الإسلام ودار الكفر و تمتلك المبرر الديني لإفناء الثانية؟

سبب عودتي لهذا الموضوع، هو ما نشرته وسائل الإعلام عن قيام السعودية بعقد مؤتمر تحالف دولي بقيادتها في الرياض يوم الأحد 15/1/2017، دعت إليه رؤساء أركان 14 دولة تدعي التحالف ضد الإرهاب، ودون أن تدعو إليه أهم دولتين في العالم، اللتين تحاربان الإرهاب على الأرض، وعلى جهودهما يتم دحر الإرهاب، وهما العراق وسوريا.

في الحقيقة، وكما صرح العديد من المسؤولين العراقيين، أن هذا المؤتمر، كغيره من المؤامرات التي تنظمها السعودية لمكافحة الإرهاب في الظاهر، ما هو إلا لذر الرماد في العيون، ولأغراض دعائية فقط. فالسعودية هي راعية الإرهاب وحاضنته، ولا يشرف العراق أو سوريا حضور هكذا مؤتمرات، الغرض منها التضليل، بل وحتى دعم الإرهاب، ولتشويه سمعة كافة الدول والقوات المشتركة التي تحارب الإرهاب بفعالية وجدية مثل العراق وسوريا وإيران، والتي حققت انتصارات ساحقة، سواءً في الموصل أو في حلب.

وما هذا المؤتمر السعودي الأخير إلا محاولة يائسة لمد داعش بحبل النجاة، وإيجاد ذريعة لوقف هزيمتها الكاملة بحجة حماية المدنيين، والمعارضة "المعتدلة"، الاسطوانة التي مازال يرددها الإعلام العربي والغربي المضلل. فالحكومات الخليجية وعلى رأسها السعودية وقطر لا تريد الهزيمة الكاملة لداعش والقاعدة وجبهة النصرة وغيرها، بل تريد إضعافها فقط، وإبقاءها تحت سيطرتهم من أجل توظيفها لاستنزاف الطاقات البشرية والمادية لدول المنطقة، وخاصة العراق وسوريا.
وحسناً فعلت الحكومة العراقية برفضها لإعلان السعودية عن استعداد للمشاركة في تحرير الموصل، مطالبا الرياض بوقف الامدادات المالية من تجار الخليج  لتنظيم “داعش” الإجرامي(3). فغرض السعودية للمشاركة ليس لضرب داعش، بل لضرب القوات المشاركة في دحر داعش.
نعم، إكثار السعودية من المؤتمرات بواجهة مكافحة الإرهاب هو تضليل، ولخدمة الإرهاب وليس لمكافحته، وعلى العقلاء الحذر وعدم الوقوع في الفخ السعودي التكفيري. حقاً ما قاله بلزاك:
"حذارِ من إمرأة تتحدث عن الشرف كثيرا."
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- انتقادات شديدة لاختيار السعودية لرئاسة لجنة خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة
http://shabkh.com/view1thread.php?id=62714&fid=0

2- "الإصلاح”: استضافة السعودية لمؤتمرات مكافحة الإرهاب تضليل للرأي العام
http://almaalomah.info/2017/01/17/political/122699

3- العراق يرفض مشاركة السعودية في معركة الموصل 
http://almaalomah.info/2017/01/18/political/122924

4- وكيل وزارة الخزانة الأمريكية: السعودية لا تزال المصدر الرئيسي لتمويل الإرهاب
http://www.aafaq.org/news.aspx?id_news=4888

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولمن يرغب في المزيد من الدراسات الموثقة عن دور السعودية في الإرهاب فإليه الروابط التالية:

1- مقالة نيويرك تايمس: السعوديون والتطرف، مشعلو النار ومخمدوها
http://www.nytimes.com/interactive/2016/09/26/world/middleeast/arabic-language-saudi-arabia-islam.html?_r=1

2- كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

3- جو بايدن يعلنها صراحة السعودية وتركيا و الامارات مولوا داعش (فيديو)
 http://youtu.be/tQ1xzgrld-0

4- شهادة رئيس المخبارات البريطانية عن خطة السعودية في الإرهاب وإبادة الشيعة(فيديو)
Sir Richard Dearlove on Re-appraising the Counter-Terrorist Threat
http://www.youtube.com/watch?v=XeFFtiEtriA


131
شبكات لصناعة الأخبار الكاذبة
د.عبدالخالق حسين

التقنية المعلوماتية، نعمة ونقمة، وسلاح ذو حدين، يمكن استخدامه للخير بنشر الكتابات التنويرية ومحاربة الخرافة، وكذلك لخدمة الشر بصناعة ونشر الأخبار المفبركة بغية تضليل الرأي العام، وتسقيط الخصوم السياسيين، ونشر البلبلة الفكرية. وقد تصديتُ مع غيري، لهذه المشكلة بعدة مقالات. فنحن حقاً نعيش في عصر الخديعة، حتى صار قول الصدق عملاً ثورياً، على حد تعبير جورج أورويل. ويبدو أن صناع الأخبار الكاذبة يعتمدون على ضعف ذاكرة الناس، وبساطتهم، ولذلك يواصلون تلفيق الأخبار، وإعادة إنتاجها، والترويج لها عن طريق الإيميلات ومواقع التواصل الإجتماعي.

وصناعة الأخبار الكاذبة ليست جديدة، إذ كما علق أحد القراء على مقالي الأخير قائلاً: ((إن فبركة الاخبار ليست عملية مستحدثة والكل يتذكر كذبة الحاضنات للأطفال الخدج والتي قامت ابنة سفير الكويت بتمثيلها ضمن مسرحية تدمير العراق، والقصة الحقيرة الأخرى التي اخرجتها المخابرات التركية عن الطفلة التي تحدثت عن عملية تدمير حلب وبلغة إنكليزية  ممتازة لا يستطيع التحدث بها الا من سكن في بريطانيا ودرس في مدارسها لسنين طويلة امام المتخلف اردوغان وشلة الدجل المرافقة الكاذبة، وكلنا يعرف الإمكانيات المتواضعة لمستوى الطلبة السوريين في اللغة الإنكليزية. فهل سيبقى شعبنا يبتلع الأكاذيب وهل سنبقى نقبل كل ما يقال ويضخ الى عقولنا؟ بالله عليك اكتب عن الموضوع فانا اكاد اسب نفسي وأتبرأ من عروبتي واكره امتي واحتقر ذاتي التي بقيت ذاتا جريحة بسكين التخلف والغباء. اعاننا الله فقد اصبحنا مسخرة العالم والبشرية)). انتهى

طبعاً كلنا نتذكر مسرحية الحاضنات للأطفال الخدج أيام غزو صدام للكويت، والتي قامت ابنة السفير الكويتي بتمثيلها، وبثتها البي بي سي، وبعد سنوات، وبعد أن أدت الكذبة غرضها، اعترفت البي بي سي أنها كانت مفبركة. أما عن حلب، فهي الأخرى تعرضت للكذب والتلفيق وتشويه الحقائق من قبل الإعلام الغربي والعربي. فقبل أيام قام وفد برلماني فرنسي بزيارة المدينة السورية لتقصي الحقائق، والإطلاع على أحوال الناس، فصرح الوفد فيما بعد أن (المشهد في حلب مغاير لما ينقله الإعلام الغربي)(1)

والجدير بالذكر أن وباء صناعة ونشر الأخبار الكاذبة لا ينحصر على العراق وحده، بل متفشي في كل مكان في العالم، ولو بدرجات متفاوتة، ولكن أشدها في العراق، وذلك لبساطة العقلية العراقية واستعدادها لتصديق كل ما يقدم لها من أكاذيب حسب المثل الشائع(على حس الطبل...)، وتوفر الخبرة والنوايا السيئة لدا فلول البعث وأشباههم، وتفننهم ومهارتهم في هذه الصناعة. فقبل أيام سمعت من إحدى إذاعات البي بي سي خبراً أن السلطات التشيكية القت القبض على شبكة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، يقومون بفبركة أخبار كاذبة ونشرها بين المتكلمين باللغة التشيكية وخاصة في منطقة سلوفاكيا. ومن هذه الأخبار الوهمية، خبر مفاده أن هجوماً إرهابياً حصل في براغ أودى بحياة ما بين 187 أو 273 شخص. ونشروا مع هذا الخبر المزيف صورة لإحدى تفجيرات بغداد الأخيرة، وأخرى عن مجزرة مدينة نيس الفرنسية في العام الماضي على أنها صور لتفجيرات براغ !!(2)

السؤال هنا، إذا كانت جمهورية التشيك تتعرض لمثل هذه الأخبار الزائفة وهي في حالة أمان وسلام، وليس فيها صراع طائفي ولا فلول البعث ولا عملاء السعودية وخطر داعش، فماذا عن العراق المبتلى بكل هذه المخاطر وهو يواجه أشرس وأدهى الشبكات الشريرة في فبركة الأخبار المضللة من إرث النظام البعثي، ومن الذين باعوا ضمائرهم مقابل البترودولار الخليجي لزعزعة الوضع في العراق؟

وكانت قنبلة مدوية هي مسرحية اختطاف الصحفية أفراح شوقي، التي كُتِبت فصولها وتم إخراجها بمهارة عالية حيث نشرت عنها كافة وسائل الإعلام العراقية والعربية والعالمية، وخرجت مظاهرات دفاعاً عنها شاركت فيها جموع من كل حدب وصوب، تذكرنا بحكاية الإمبراطور وثيابه الجديدة. راجع مقالنا الموسوم: (اختطاف أفراح شوقي نسخة من اغتصاب صابرين!)(3)

فمنذ سقوط النظام البعثي عام 2003، والعراق يواجه حملة إعلامية واسعة للتسقيط والتشهير والتحريض، وتأجيج الصراع الطائفي والعنصري والقبلي...الخ، من قبل وسائل إعلام محلية ودول إقليمية. وتتخذ هذه الحملات أشكالاً مختلفة، فمن أناس يكتبون مقالات أو تقارير خبرية تحت أسماء مستعارة، أو مواقع لأيتام البعث بأسماء (ذي قار، والبصرة، وشط العرب...الخ)، ويفترون بما يشاؤون. وهناك جهات تتظاهر بالوطنية والحرص على الديمقراطية، متعكزين على انتماءاتهم اليسارية السابقة التي خانوها، مثل صحيفة المدى لصاحبها الشيوعي السابق فخري كريم، وجوقته من أمثال عدنان حسين، وعلي حسين وغيرهم، الذين جعلوا مهمتهم الرئيسية فبركة الأخبار المضللة والتعليق عليها بمقالات تحريضية ضد الوضع. ومن هذه الأخبار على سبيل المثال، اخترعت صحيفة (المدى) قبل سنوات موضوعة (الإيمو) الوهمية، وادعت أنها حركة شبابية تضم مجموعة من المراهقين العاطفيين المحبين للحياة، ولكنهم يتعرضون للقتل والإبادة من قبل المليشيات، وبدون أية حماية لهم من الحكومة. وأشغلت الصحيفة الرأي العام العراقي بهذه الفبركة لشهور إلى أن نشر مراسل البي بي سي في بغداد تكذيباً لهذا الخبر.(4)

ثم ظهر في العام الماضي، شبح، باسم (فلاح القريشي)، نشر مقابلة وهمية محبوكة بمنتهى الحرفية، مع السياسي الكردي المعروف الدكتور محمود عثمان، شن على لسانه هجوماً تسقيطياً رخيصاً على معظم السياسيين المشاركين في السلطة، وخاصة الشيعة منهم. وتبين فيما بعد أن هذه المقابلة كانت وهمية إذ نشر الدكتور عثمان بياناً نفى فيه معرفته بهذا الشخص أو لقائه به، وطالب المسؤولين العراقيين بمقاضاته.(5)

ثم ظهر هذا القره قوش القريشي، بفبركة جديدة حيث نشر تقريراً ملفقاً آخر بعنوان مطول (المحكمة العليا في لندن ترفض منح السورية "فدوى رشيد" الجنسية البريطانية لأنها لم تكشف اسم زوجها المسؤول العراقي الذي حول لحسابها 76 مليون دولار)(كذا). ومن سياقات التقرير المزيف نعرف من هو العراقي المستهدف والذي استلم منصباً كبيراً في الدولة عام 2006...الخ.(6)

أدعى البهلوان القريشي انه أخذ معلوماته هذه من الصحافة البريطانية، وهو كذب في كذب، وقد نشر تقريره على موقع مجهول، باسم (جاكوك)، لتتناوله جماعات ذات أغراض سيئة وقامت بتعميمه عن طريق الإيميلات ومواقع التواصل الاجتماعي، وتبرزه كما لو كان حقيقة. وليت الأمر توقف عند هذا الحد، إذ لاحظنا أن مثل هذه التقارير المزيفة ما أن تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي حتى وتتلقفها صحيفة (المدى) لتعاملها وكأنها صادرة من الصحافة الغربية الموثقة ولا شك فيها، فتعلق عليها بمقالات للتأكيد على صحتها ومحها زخماً إعلامياً. وعلى سبيل المثال، تناول رئيس تحرير المدى، السيد عدنان حسين موضوع (فدوى رشيد) في مقال له قبل أيام، الغرض المعلن منه محاربة الفساد، ولكن الغرض الحقيقي هو منح المصداقية للتقرير المزيف كما لو كان حقيقة غير قابلة للنقاش.
فهل المدعو فلاح القريشي هو اسم مستعار لأحد العاملين ضمن جوقة فخري كريم؟ ربما... لا أحد يستطيع أن يجيب على هذا السؤال، ولكن هل حقاً أن صحفيين محترفين ومن خلفية يسارية، كالعاملين في صحيفة المدى، لا يعرفون حقيقة نشر هكذا تقارير مزيفة والغرض منها؟ هل يصدق أن هؤلاء السادة الذين قضوا حياتهم في الصحافة والسياسة، لا يعرفون أن مراسلة صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية، أفراح شوقي، التي كانت تدبج المقالات ضد الحشد الشعبي، كانت قد رتبت مسرحية "إختطافها"، فاختبأت ولم يتم اختطافها، لينشر عدنان حسين عدة مقالات عنها، كلها تحريض وتأليب على الحكومة وعلى جهات معينة مبتلية في حربها على الإرهاب الداعشي؟ هل يعقل أن هؤلاء لا يعرفون حقيقة اختباء أفراح شوقي، وما ينشره المختفي وراء اسم فلاح القريشي وغيره من تلفيقات؟
الحقيقة وما فيها أن هؤلاء لهم أجندات خاصة تخدم نفس الدول الإقليمية التي تحارب العراق الجديد، ولكل أغراضه.
وعلى ذكر عدنان حسين، وحرصه المزعوم على مصلحة العراق، ومحاربة الفساد، كما يدعي، هو نفسه الذي كتب في صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية عندما كان يعمل فيها، مقالاً طالب فيه السعودية والكويت وكل الدول الدائنة التي ساعدت صدام حسين في حربه العبثية على إيران، أن لا تتخلى عن ديونها على العراق، كعقاب للشعب العراقي لكي لا ينجب دكتاتوراً آخر مثل صدام حسين في المستقبل!! وكأن صدام جاء للحكم وشن حروبه العبثية بإختيار وإرادة الشعب العراقي ليستحق كل هذا العقاب. وقد نشر مقاله هذا بعنوان: (من يرفع الصوت ضد مقتدى الصدر؟)، ولكن النصف الثاني منه عن (قضية التعويضات)(7). وعدنان حسين هذا في الأيام الأخيرة، راح يتودد ويتزلف لمقتدى الصدر، وربما بأوامر من أولياء النعمة، فمقتدى هو السياسي الشيعي الوحيد الذي استقبله العاهل السعودي الملك عبدالله، لأنهم رأوا فيه حصان طروادة يحقق لهم أغراضهم في شل العملية السياسية في العراق الجديد الذي لا يريدون له الاستقرار.

خلاصة القول، لا يمكن أن يستمر هؤلاء في استغفال الشعب وخداعه إلى ما لا نهاية، إذ لا بد لهذا الشعب أن يستفيق يومياً، ويكشفهم على حقيقتهم، وعندها سيكون مصيرهم في مزبلة التاريخ وسيلعنهم اللاعنون. حقاً، نحن نعيش في عصر الخديعة، فالأخبار المفبركة خطر كبير وتجاهلها أخطر، تهدد السلم المجتمعي. لذلك على الحكومة أن تأخذ هذه المسألة بمنتهى الجدية، وذلك بمتابعة الأخبار الكاذبة المفبركة وتفنيدها أولاً بأول، وملاحقة صناعها ومروجيها، ومقاضاتهم وفق القانون. فحرية التعبير والتفكير لا تعني حرية الكذب والفبركة والافتراء والتحقير والتشهير والتضليل، خاصة ويتم كل ذلك باسم الوطنية والديمقراطية ومحاربة الفساد، وهم أساس الفساد وأعداء الديمقراطية والوطنية.
حقاً ما قاله ساميول جونسون: "الوطنية آخر ملاذ للأوغاد".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- وفد برلماني فرنسي: المشهد في حلب مغاير لما ينقله الإعلام الغربي
http://www.akhbaar.org/home/2017/1/222688.html

2- تقرير كاذب عن عمل إرهابي في براغ
Czech-language online hoax alleging Prague terrorist attack now spreading among Slovaks and stealing Facebook passwords
http://www.romea.cz/en/news/world/czech-language-online-hoax-alleging-prague-terrorist-attack-now-spreading-among-slovaks-and-stealing-facebook-passwords

3- د.عبدالخالق حسين: اختطاف أفراح شوقي نسخة من اغتصاب صابرين!
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=877

4- تقرير بي بي سي من بغداد، رامي رحيّم: إشاعات عن حملة على "الإيمو" في العراق تنشر الرعب بين الشباب
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2012/03/120318_iraq_emo_death_campaign.shtml

5- الدكتور محمود عثمان ينفي ما نسب اليه من تجاوزات بحق سياسيين عراقيين!
http://www.chakooch.com/news.php?action=view&id=7662

6- فلاح القريشي: المحكمة العليا في لندن ترفض منح السورية "فدوى رشيد" الجنسية البريطانية لأنها لم تكشف اسم زوجها المسؤول العراقي الذي حول لحسابها 76 مليون دولار
http://www.chakooch.com/news.php?action=view&id=7883
 
7- عدنان حسين: من يرفع الصوت ضد مقتدى الصدر؟
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=197808&issueno=9087


132
اختطاف أفراح شوقي نسخة من اغتصاب صابرين؟

د.عبدالخالق حسين

منذ أسبوعين والإعلام العراقي والعربي وحتى العالمي مشغول بجريمة ("اختطاف" الصحفية العراقية أفراح شوقي، من قبل مسلحين مجهولين بملابس عسكرية، اقتحموا منزلها في منطقة السيدية جنوبي العاصمة بغداد في 26 من الشهر الماضي، واخذوها الى جهة مجهولة، مع سرقة مبالغ مالية وحلي ذهبية من منزلها). وبعد تسعة أيام من اختطافها، وكل هذه الضجة الإعلامية، وإشغال الأجهزة الأمنية في البحث عنها، ظهرت السيدة أفراح شوقي سالمة وبصحة جيدة، وكأن شيئاً لم يكن، و عمت الإفراح، وحتى السيد رئيس الوزراء اتصل بها هاتفيا للاطمئنان بعد الافراج عنها.

نحن هنا أمام مسرحية كتبت بعناية لتحقيق عدة أغراض، وضرب عدة عصافير بحجر واحد. فالكل يعرف أن من يتعرض لعملية الاختطاف الحقيقية، من قبل الإرهابيين البعثيين الدواعش، أو عصابات الجريمة المنظمة من أجل المال، أو المليشيات الشيعية، لا يمكن أن يخرج منها سالماً، بل إما جثة هامدة ممزقة بالرصاص أو بالسكاكين، أو بدون العثور عليه. إلا إن السيدة أفراح شوقي خرجت سالمة وعقدت مؤتمراً صحفياً، ولم تظهر عليها أية علامة أنها تعرضت للخطف أو التعذيب.

إن حكاية أفراح شوقي تذكرنا بحكاية صابرين الجنابي عام 2008 في عهد حكومة السيد نوري المالكي، وكانت واحدة من صنع طارق الهاشمي، الهارب من وجه العدالة(1)، ولمن يريد أن يعرف من هي صابرين الجنابي، فما عليه إلا أن يضع اسمها (صابرين الجنابي)، في مساحة البحث في غوغل. ادعت صابرين أنها تعرضت للاعتداء الجنسي من قبل الجنود في السجن، الإدعاء الذي تناولته وسائل الإعلام العربية وفي مقدمتها الجزيرة، للتشنيع بالحكومة العراقية والجيش العراقي على عدم حماية الماجدات العربيات. ولإسكات هذه الأبواق تم الفحص الطبي على صابرين، وكشف الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء عبد الكريم خلف، آنذاك، ان التقارير الطبية اكدت ان «صابرين لم تتعرض لعملية اغتصاب» وقال ان التقرير الأول الصادر من مستشفى ابن سينا أكد ان الفحوصات التي أجرتها طبيبة في المستشفى المذكور على الجنابي أظهرت بطلان ادعائها وأضاف ان التقرير الآخر الذي أشرف عليه أطباء اميركيون اكدوا النتيجة نفسها التي أقرها التقرير الاول..." (نفس المصدر رقم 1 في الهامش)
 
يبدو أن حكاية اختطاف أفراح شوقي هي نسخة أخرى من حكاية اغتصاب صابرين. أفراح شوقي أيها السادة، لم تتعرض للاختطاف، إذ كما جاء في مقال وكالة أوروك نيوز أن (افراح شوقي مختبئة وليست مختطفة)(2)، وهي التي فبركت هذه المسرحية، وربما بمساعدة من آخرين لهم صلة بالإعلام المعادي للعملية السياسية، لتحقيق عدة أغراض منها ما يلي:
1- تحقيق غرض شخصي، وهو اللجوء إلى فنلندا، حيث يقيم زوجها هناك منذ عام، وكانت قد قدمت طلباً لهذا الغرض إلا إن الحكومة الفنلندية تباطأت في ذلك. فبعد هذه المسرحية لا بد وأن الحكومة الفنلندية ستعجل بالأمر، وربما ستدفع حتى تكاليف نقلها ونقل أطفالها(2).
2- تشويه سمعة الحشد الشعبي. إذ كانت الصحفية أفراح شوقي قد كتبت عدة مقالات ضد الحشد.
3- العزف على الوتر الطائفي لكسب الشارع السني العربي، وخاصة السعودي والقطري، إذ ادعت في مؤتمرها الصحفي بعد "الإفراج" عنها، أن سبب اختطافها هو التقرير الذي نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، الأحد 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وما أثاره من غضب واسع في أوساط برلمانية وسياسية ورسمية عراقية؛ حيث نسب إلى مسؤول في منظمة الصحة العالمية تصريحاً بشأن حدوث العشرات من حالات الحمل غير الشرعي في مدينة كربلاء، التي تعتبر مقدسة لدى الشيعة، إثر زيارات دينية العام الماضي.(3)
4- منح المبررات لتشويه سمعة الحكومة العراقية من قبل خصومها وتحميلها المسؤولية(4)، بأن حكومة العبادي ضعيفة لا تستطيع حماية مواطنيها. وفي هذا الخصوص أبلى السيد عدنان حسين في المدى بلاءً حسناً، إذ كتب عدة مقالات عن "إختطاف" أفراح شوقي، واتهم الحكومة بالضعف والتقصير. وحتى بعد الإفراج عنها، راح يعد بالمزيد من الهجمات!
5- والغرض الآخر من هذه المسرحية، هو إشغال الرأي العام العراقي والعربي عن الدور الذي تلعبه القوات العراقية المشتركة الباسلة في حربها على الإرهاب الداعشي، وما تحققه من انتصارات، وإبعاد الانتباه عما ترتكبه عصابات داعش من جرائم حرب إبادة ضد المدنيين في بغداد والمحافظات الأخرى.

خلاصة القول، إن لعبة اختطاف أفراح شوقي قد كشفت المستور، فأبطلت الأسطورة أن العراقيين مفتحين باللبن، ويقرؤون الممحي، وما بين الأسطر، وأثبتت أن بإمكان أي واحد أن يمرر عليهم أية كذبة أو لعبة مثل كذبة اغتصاب الماجدة صابرين الجنابي، أو اللعبة الجديدة "اختطاف" أفراح شوقي، لينطلق صحفيون من أمثال عدنان حسين وغيره من جوقة فخري كريم بالنفخ في الطنبور، والصراخ وامعتصماه، و(على حس الطبل خفَّن يرجلية). فمتى ينتبه شعبنا للتمييز بين الغث والسمين، وبين الكذب والصدق.
يقول الفيلسوف الألماني هيغل: "أن شعباً يصدق بالأكاذيب يستحق أن يخسر حريته".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــ
مصادر
1- هل تذكرون قصة صابرين الجنابي؟ كانت من صنع طارق الهاشمي!
http://www.iraqcenter.net/vb/showthread.php?t=69133

2- تقرير أوروك نيوز: افراح شوقي مختبئة وليست مختطفة
http://uruknews.net/index.php/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA/%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%88-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/11555.html

3- أفراح شوقي تكشف (في مؤتمرها الصحفي) عن " السبب الرئيسي لاختطافها"
http://www.nrttv.com/AR/Detail.aspx?Jimare=38208

4- بي بي سي: صحفيون يتهمون السلطات العراقية بالمسؤولية عن اختطاف افراح شوقي
http://www.bbc.com/arabic/media-38443439

رابط ذو صلة
د. شيرين سباهي: أخطفوني ...عليكم العباس وهذا رقم حسابي البنكي
http://www.akhbaar.org/home/2017/1/222544.html



133
أوباما وسياساته التخريبية عند الوداع
د.عبدالخالق حسين

يطلق الأمريكيون على رئيسهم في الأسابيع الأخيرة المتبقية من ولايته، بالبطة العرجاء (The lame duck) ولكن الرئيس باراك حسين أوباما يريد أن يثبت أنه ليس بطة عرجاء، بل مازال ناشطاً. لذلك اتخذ قرارات قوية وهو على وشك مغادرة البيت الأبيض، و لكن المؤسف أن غالبية قرارته هذه تخريبية، وآخر قرار تخريبي أصدره هو يوم أمس (29/12/2016) القاضي "بطرد 35 دبلوماسيا روسيا، وإغلاق مركزين تابعين لموسكو يستخدمان لأغراض استخباراتية في ولايتي نيويورك وميريلاند، كما وشملت العقوبات تسعة كيانات وأفرادا من بينها وكالتان للاستخبارات الروسية وهما GRU وFSB.. وهذه الإجراءات هي ردا على ما يُعتقد أنه هجمات الكترونية استهدفت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في البلاد ضد مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلنتون، وعلى المضايقات المزعومة التي تعرض لها دبلوماسيون أمريكيون في موسكو. والغرض الثاني من هذه الاتهامات والإجراءات التعسفية، هو لجعل الحياة صعبة لخلفه الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي استنكر تلويح واشنطن بفرض المزيد من العقوبات على روسيا قائلا: "من المفترض أن نتجاوز الأمر ونواصل حياتنا"(1)

وردَّ الناطق باسم الحكومة الروسية، أن روسيا لن تتعجل حتى يصبح دونالد ترامب رئيسا للبلاد. ونفى أي تورط لروسيا في القرصنة الإلكترونية، ووصف العقوبات الأمريكية بأنها "بدون أساس".(2). وكان الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب رفض في وقت سابق مزاعم القرصنة و وصفها بأنها "سخيفة".

لا شك أن أوباما أراد من عمله التخريبي هذا أن يدفع بوتين لاتخاذ عمل مماثل، لتصعيد التوتر بين البلدين، ولإحراج ترامب، و دفع الشعب الأمريكي بالضغط عليه لمواصلة الصراع والتوتر، ولكن بوتين كان أذكى منه، فخيَّب أمله، إذ رفض النزعة الانتقامية، وتصرف بمنتهى الذكاء. لذلك، وخلافاً لما كان متوقعاً في هذه الحالات، واقتراح وزير خارجيته في الرد على أوباما بالمثل، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بلاده لن ترد بالمثل، وأن روسيا تحتفظ لنفسها بحق الرد في انتظار الاطلاع على سياسات الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، بعد توليه السلطة يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل. مضيفاً:"لكننا لن ننزل الى مستوى دبلوماسية غير مسؤولة" متعهدا بعدم التسبب في"مشاكل للدبلوماسيين الاميركيين". واغتنم بوتين مناسبة نهاية السنة ليتمنى للرئيس أوباما "ولأفراد أسرته عاما سعيدا رغم كل شيء". كما وجه بوتين دعوة لكل أطفال الدبلوماسيين الاميركيين المعتمدين في روسيا إلى الاحتفال التقليدي الذي يقام في الكرملين بمناسبة عيد رأس السنة وعيد الميلاد لدى الطائفة الارثوذكسية في السابع من يناير/كانون الثاني.(3)
لا شك أن هذا الرد العقلاني أحرج أوباما، وأظهره لشعبه أنه تصرف بحماقة. كما وصرح أحد رؤساء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) السابقين للبي بي سي مساء 30/12/2016، أنه لا يعتقد بتدخل روسيا عن طريق القرصنة الإلكترونية، وأنها غيرت مجرى ونتائج الانتخابات الرئاسية.

والجدير بالذكر أن تزامنت هذه الاجراءات الانتقامية مع اللقاء بين روسيا وتركيا وسبعة من فصائل المعارضة السورية في أستانة، عاصمة كازاخستان، الذي تم فيه الاتفاق على وقف القتال في سوريا، وبدون مشاركة أمريكا. وقال بوتين عقب الاتفاق "إنه جرى توقيع ثلاث وثائق تمهد الطريق لحل الأزمة السورية." وقد دخل الاتفاق حيز التنفيذ عند منتصف ليلة الخميس/الجمعة، بالتوقيت المحلي (2200 بتوقيت غرينتش)، في أحدث مسعى لإنهاء إراقة الدماء المستمرة منذ قرابة ستة أعوام.(4)
لا شك أن هذا الاتفاق، وبدون مشاركة أمريكا (رغم إعلان تأييدها له)، أغاض أوباما مما دفعه للإسراع لاتخاذ هذه الإجراءات الانتقامية ضد روسيا، وبوتين بالذات، وهي إجراءات صبيانية من شأنها تصعيد الحرب الباردة بين الدولتين العظميين.

إن اتهامات أوباما ضد روسيا بالقرصنة الالكترونية والتدخل بالانتخابات تفتقر إلى المصداقية، وإذا كانت صحيحة، فلماذا لم يعترض عليها خلال الحملة الانتخابية، ولماذا انتظر كل هذه المدة لأكثر من شهر بعد إعلان نتائج تلك الانتخابات؟
أما بخصوص تأييد رؤساء الاستخبارات الأمريكية (FBI) و(CIA)، لهذه الاتهامات، "إلى أن الهدف من الاختراق كان إلحاق الضرر بكلينتون والديمقراطيين لصالح ترامب."، فيرد الروس أن هذه المؤسسات الاستخباراتية فقدت مصداقيتها، فهي نفسها التي ادعت امتلاك صدام حسين سلاح الدمار الشامل، وعلى أساسها شنت أمريكا الحرب عليه، وبعد الحرب أثبتت لجان التفتيش الأممية عدم صحة هذه المعلومات.

إنه لمؤسف أن يغادر الرئيس أوباما البيت الأبيض ويلوث تاريخه بهذه الاتهامات الزائفة، والإجراءات الانتقامية، وهو الذي كان قد وعد في حملته الانتخابية الرئاسية الأولى، بعدم زج أمريكا في حروب أخرى، وإغلاق معتقل غوانتينامو السيئ الصيت، وبذل جهوداً لكسب ود العالم الإسلامي بخطابه التاريخي في جامعة القاهرة، في مسعى منه لإلحاق الهزيمة بالإرهاب الإسلامي، وأنه يعمل كل ما في وسعه لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي وإحلال سلام عادل، الأمر الذي سارعت لجنة نوبل السويدية بمنحه جائزة نوبل للسلام. ولكنه بعد ثمان سنوات من ولايتيه، فشل الرئيس أوباما في تحقيق أي من هذه الوعود، ما عدا وعداً واحداً فقط، وهو سحب القوات الأمريكية من العراق، والذي كان تنفيذاً للإتفاقية الاستراتيجية المبرمة مسبقاً بين العراق وأمريكا في عهد الرئيس السابق جورج بوش. وأوباما نكث العهد في هذه الاتفاقية، وتلكأ عمداً في تنفيذ بنودها، وأهمها الدفاع عن العراق إذا ما تعرض للعدوان الخارجي. وظهر ذلك جلياً عندما تعرض العراق إلى هجمة داعش في 10 حزيران 2014، والتي كانت نتاج مؤامرة دولية وإقليمية ومحلية، وقال أوباما حينها أنه لم يساعد العراق في حربه على داعش إلا بعد إزاحة نوري المالكي عن رئاسة الحكومة.   

ولعل من أهم إيجابيات إدارة أوباما وهو على وشك المغادرة، هي عدم استخدام النقض (فيتو) على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي أدان فيه إسرائيل، وطالبها بوقف بناء المساكن في الأراضي الفلسطينية، وكذلك خطاب وزير خارجيته، جون كيري، الذي انتقد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتن ياهو بشدة، ووصفه بأنه يرأس حكومة هي أشد يمينية في التاريخ، وأنه يهدد السلام بين الشعبين، الفلسطيني والإسرائيلي، لرفضه الحل القاضي بدولتين.

إن أوباما وهو يتهيأ لمغادرة البيت الأبيض، يطبِّق المثل العراقي: (يا مغرِّب خرِّب)، أو (يا رايح كثِّر من الفضايح). وهذا لا يليق برئيس دولة عظمى مثل أوباما الذي كنا نأمل منه الحفاظ على السلام والوئام بين الشعوب، و من أجل وعوده هذه نال جائزة نوبل. أعتقد أنه خيب أمل الجميع.
يقول الشاعر ابن دريد:
إنـما الـمرء حـديث بـعده .... فـكن حـديثاً حـسناً لمن روى
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- واشنطن تطرد 35 دبلوماسيا روسيا
http://www.bbc.com/arabic/world-38464543

2- روسيا تتعهد بالرد على طرد دبلوماسييها من الولايات المتحدة
http://www.bbc.com/arabic/world-38464999

3- الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقرر عدم الرد على طرد واشنطن 35 دبلوماسيا روسيا
http://www.bbc.com/arabic/world-38464999

4- اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا يدخل حيز التنفيذ
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-38465000










134
قانون العشائر يعيق تطور الدولة المدنية

د.عبدالخالق حسين

منذ اغتصاب البعث للسلطة عام 1968، وخلافاً لشعاراته البراقة المعلنة لتوحيد الشعوب العربية في دولة واحدة، إلا إن العكس هو الذي حصل، إذ تم تفتيت الشعب الواحد إلى كيانات عشائرية، أي العودة إلى ما قبل تكوين الشعب والدولة. وقبل ثمان سنوات كنتُ قد كتبت في هذا الخصوص مقالاً بعنوان (العشائر والدولة)(1). وسبب عودتي لهذا الموضوع الخطير هو مناقشة البرلمان العراقي لمشروع قانون العشائر الذي يهدف إلى بعث الحياة في العشائرية وشرعنتها، وجعلها إحدى مؤسسات الدولة التشريعية، وهي خطوة كبيرة إلى الوراء لإعادة العراق إلى ما قبل تأسيس الدولة المدنية، ناهيك عن الدولة الديمقراطية الحديثة التي نطمح إليها. ولهذا قمت بإعادة كتابة مقالي السابق وتحديثه إلى ما يناسب الظرف الحالي الذي يمر به العراق وهو مبتلى بحروب الردة الحضارية في مواجهة عصابات (داعش) التكفيرية الإرهابية، وغيرها من عصابات الجريمة المنظمة.

وكالعادة في سن أي قانون جديد، يتذرع المطالبون بسن قانون العشائر بالدستور والإدعاء أن هكذا قانون هو استجابة للدستور، ولمصلحة الشعب، بينما في الحقيقة هو مخالف للدستور، كما أكد ذلك الخبير القانوني، الأستاذ طارق حرب في تصريح له أن (مشروع قانون العشائر المعروض في البرلمان لمناقشته “مخالفا للدستور”، مؤكدا أنه سيمكن بعض زعماء القبائل من “التجاوز” على القانون، ويعزز من التمرد القبلي ضد الدولة ومؤسساتها الحكومية بذريعة وجود قانون خاص بها، حيث تزايدت شكاوى كثيرة من الاطباء والمعلمين والموظفين العموميين بعد تعرضهم للاعتداء والتهديد من قبل بعض العشائر.)(2، 3)

العشائرية في التطور الحضاري والاجتماعي
لا شك أن العشائرية هي مرحلة من مراحل تطور المجتمع البشري في التاريخ، تمتد جذورها إلى آلاف السنين، وهي مرحلة انتقالية من مجتمع الصيد والمشاعة البدائية في العصور الحجرية، إلى مرحلة تكوين الشعوب والدول. ولذلك فهي تعد مرحلة متقدمة على ما قبلها، ولكنها متخلفة لما بعدها في سلَّم التطور الحضاري. و في هذا الخصوص يقول كارل ماركس: "أن تطور المجتمعات البشرية يحصل خارج وعي الانسان، وأن قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج واصطراعهما هي القوى المحركة للتاريخ والتحولات الاجتماعية".

وعليه، فإن بقاء العشائرية مرتبط بالضرورة بوسائل وعلاقات الانتاج، أي بمرحلة الإقطاع. فأوربا مثلاً كانت مقسمة إلى دويلات المدن، يقودها رؤساء القبائل وأصحاب الاقطاعيات الزراعية الكبيرة. وقد انتهى الاقطاع في أوربا بولادة الرأسمالية والثورة الصناعية. ونتيجة لظلم الاقطاع فقد هاجر الفلاحون (أبناء العشائر) من قراهم إلى المدن، وتركوا الزراعة وانخرطوا بورشات العمل وغيرها في المدن، مما أدى إلى نمو الرأسمالية ومعها الطبقتين، العاملة والبرجوازية، متزامناً مع إنهيار الاقطاع وزوال دولة القبيلة ودويلات المدن، وفسح المجال لتكوين الشعوب والدول القومية أو الوطنية على أنقاضها.

ومن كل ما تقدم، نستنتج أن هذه التحولات لا علاقة لها بنوعية القومية، عربية كانت أم فارسية أو أوربية ، بل لها علاقة بقوى وعلاقات الإنتاج واصطراعمها، أي القوى المحركة للتاريخ والتحولات الاجتماعية.

والعرب قبل الإسلام كانوا قبائل معظمها متنقلة وفي حروب دائمة فيما بينها على موارد الصحراء الشحيحة. والإسلام هو الذي وحَّدَ هذه القبائل وصهرها في شعب، وأسس لهم دولة، فأحال طاقات القبائل القتالية (عزوات) فيما بينها إلى حروب وفتوحات خارجية بدافع الفوز بالدارين، الغنائم في الدنيا، والجنة في الآخرة. ولا يعني هذا أن العشائرية والقبلية قد انتهت في عهد الدولة الإسلامية، لأن عملية التخلي عن هذه المكونات الاجتماعية يستغرق وقتاً طويلاً، ولأن وسائل وعلاقات الانتاج في الدولة الإسلامية لم تتغير كثيراً عما كانت عليه قبل الإسلام.

فللعشيرة وظيفة سياسية واجتماعية واقتصادية مهمة أملتها ظروف موضوعية، وهي حماية أمن وسلامة أبنائها ومصالحهم المادية من العدوان الخارجي، وفي هذه الحالة من العشائر الأخرى. لذلك يدرك ابن العشيرة بالفطرة أن سلامته مرتبطة بسلامة العشيرة، وعليه أن يتفانى في الدفاع عن مصلحة عشيرته إلى آخر رمق لكي تدافع العشيرة عنه عندما هو يقع في أزمة. لذا فالعلاقة بين الفرد والعشيرة تشتد وتضعف حسب قوة الدولة، ودورها في ضمان أمن ومعيشة أبناء الشعب. ففي عهد الدولة العثمانية مثلاً، لم تكن الحكومة مهتمة بأمن البلاد وشؤون الناس، بل كان كل دور الحكام  منصباً على جمع الضرائب وإرسالها إلى العاصمة إسطنبول. ولهذا السبب لم يكن أمام العراقيين غير التخندق بعشائرهم والتماسك فيما بينهم لضمان أمنهم وسلامتهم بقيادة شيخ العشيرة. وكانت هذه العشائر في حرب دائمة فيما بينها، ومع الحكومة العثمانية أيضا،ً والتي كانت تشجع أحياناً الحروب بين القبائل من أجل إضعافها، وتنحاز إلى هذه القبيلة أو تلك حسب المصالح وتبدل الأحوال.

واستمرت الحالة هذه إلى تأسيس الدولة العراقية الحديثة والتي كانت نتيجة لثورة العشرين التي قام بها أبناء العشائر يقيادة رؤسائهم وفتاواى رجال الدين الشيعة. و لم يكن سهلاً على مؤسسي الدولة العراقية وقوات الاحتلال البريطاني استمالة القبائل لها بين عشية وضحاها، بل شابت العلاقة توترات حصلت خلالها صراعات دموية، بدأت بحرب الجهاد ضد الاحتلال البريطاني، تلهتا ثورة العشرين. واستمرت العلاقة متوترة بين الدولة والعشائر خلال النصف الأول من العهد الملكي، حيث كانت بعض النخب التي تتناوب على السلطة، ما أن تصير في المعارضة حتى وتلجأ إلى تحريض العشائر ضد الحكومة. وكان موقف الحكومة حرجاً في البداية إذ كانت ضعيفة. و نستنتج مما سبق، أن هناك علاقة عكسية بين الدولة والعشيرة، أي كلما ضعفت الدولة استقوت العشيرة، والعكس بالعكس.

تحويل الشيوخ إلى اقطاعيين
لم يكن شيوخ العشائر إقطاعيين أو مالكي الأراضي الزراعية قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة، بل كانوا عبارة عن وجهاء وأمراء على أبناء عشائرهم التي تجمعهم وحدة الدم والقرابة. ولكن كمحاولة من الإنكليز والحكومة العراقية في استمالة الشيوخ، وزعوا عليهم الأراضي الأميرية وحولوهم من شيوخ عشائر يحمون أبناء عشائرهم، إلى إقطاعيين وجلادين لهم. كما وسن الإنكليز قانون حكم العشائر الذي منح الشيوخ صلاحيات حكم ابناء عشائرهم، والنظر في دعاواهم وحل منازعاتهم وفق هذا القانون، أي العرف العشائري. وإذا ما عرفنا أن نحو 70% من أبناء الشعب كانوا يسكنون الريف آنذاك، فهذا يعني أن نحو 70% من الشعب العراقي في العهد الملكي لم يكونوا خاضعين للقوانين المدنية. ويعلق الباحث حنا بطاطو على ذلك، أن هذه التفرقة في الحكم بين سكان المدن والأرياف كان من أهم معوقات التقدم الحضاري في العراق.

كما وكان هذا التمييز أحد أهم الأسباب التي أدت إلى بروز الصراع على الحكم في العهد الملكي بين طبقة الإقطاع، المحكوم عليها تاريخياً بالزوال، والبرجوازية الصاعدة. فخلال العهد الملكي حصل تطور اجتماعي حيث نشأت البرجوازية الوطنية التي واجهت مقاومة عنيفة من طبقة الإقطاعيين في المشاركة في الحكم، إذ كان النظام الملكي قائماً على الإقطاع ومعتمداً عليه، حيث كان شيوخ الإقطاع مهيمنين على الإقتصاد من خلال امتلاكهم للأراضي الزراعية، وعلى صنع القرار السياسي من خلال هيمنتهم على البرلمان ونفوذهم في الحكومة. و في هذا الخصوص يذكر الدكتور منذر الشاوي في مقدمة كتابه الموسوم (نظام برلماني ممسوخ قاد إلى ديكتاتورية ملكية)، قائلاً: "إن البرجوازية العراقية بدأت تنمو بشكل محسوس، إلا إن هذا النمو البرجوازي صادف وجود طبقة إقطاعية قوية، فلم تستطع الطبقة البرجوازية في ظل النظام الملكي من تنحيتها، ولم تحدث بينهما المصالحة التي تمت في العديد من دول أوربا الغربية بين طبقة ملاك الأراضي والطبقة البرجوازية."

وقد بلغ ظلم الإقطاع للفلاحين حداً لا يطاق، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول الدكتور عزيز الحاج بهذا الصدد: " فيما كان الفلاح العراقي يتضور جوعاً، وينسحق ديوناً،…أهدى أحد كبار الإقطاع في العمارة سيفاً ذهبياً لعسكري بريطاني، وفي نفس الوقت كان زملاؤه في محافظة الكوت (واسط) يجوِّعون كلابهم الضخمة بإنتظار الإنقضاض في اليوم التالي على الفلاحين الذين عجزوا عن تسديد ديونهم أو جازفوا بالهروب من جحيم الأسياد. وكان دخل الفلاح الممتاز لا يتجاوز في السنة 5 دنانير قبل الحرب العالمية الثانية، وثلاثين ديناراً إثناءها، في حين كان إيراد بعض الشيوخ من غلة واحدة قد يتجاوز المائة ألف دينار. وكان الإقطاعي يفرض على الفلاح عشرات الأشكال من الضرائب والرسوم، ويستهتر بعائلته، فضلاً عن ظلم التجار ونهبها بالربا الفاحش." (د. عزيز الحاج، مع الأعوام، ص117).

فالجماهير المسحوقة وخاصة سكان الأرياف الذين يشكلون غالبية الشعب، كانوا يعيشون حياة بائسة ضحية الفقر والجهل والمرض، بسبب ظلم واضطهاد شيوخ الإقطاع وسراكيلهم لهم، مما أرغم الملايين منهم على ترك الفلاحة، والهجرة إلى بغداد والمدن العراقية الأخرى، مكونين أوراماً سكانية خطيرة على أطراف المدن، تنذر بعواقب اجتماعية وسياسية وخيمة. وهذا هو النتاج المباشر لاستفحال العشائرية.

ولذلك عندما انفجرت ثورة 14 تموز 1958المجيدة، كان من أهم مهماتها وأهدافها ضرب الاقطاع في الصميم، حيث أصدرت قيادة الثورة قرار إلغاء حكم العشائر، وبذلك جردت شيوخ العشائر من سلطتهم القانونية، وحررت 70% من أبناء الشعب من طغيانهم. والضربة الثانية جاءت لهم من خلال قانون الإصلاح الزراعي بضرب مصالحهم الاقتصادية. وبذلك حققت الثورة إنقلاباً إجتماعياً جذرياً في المجتمع العراقي، وهذه القوانين هي وحدها كافية لإعطاء سمة الثورة لما حصل يوم 14 تموز 1958، وما تلاه من عمر الثورة المغدورة. ومنذ ذلك اليوم بدأت الهوية الوطنية العراقية في نمو مطرد على حساب الانتماءات والولاءات الأخرى، مثل العشائرية والطائفية وغيرهما.

ولكن كما بينا في مناسبات عديدة، أن التطور الاجتماعي لن يكون على شكل خط بياني مستقيم إلى الأمام وإلى الأعلى، بل على شكل خط متعرج، صعوداً وهبوطاً، إذ تحصل أحياناً انتكاسات وتراجعات. وقد حصل النكوص الأول بإنقلاب 8 شباط 1963، عندما هيمن التيار القومي العروبي بقيادة حزب البعث على الحكم بإغتيال ثورة تموز وقيادتها الوطنية. وكما ذكرنا في أعلاه، كان المفروض من هذا التيار توحيد الشعوب العربية في شعب واحد (أمة عربية واحدة)، من المحيط إلى الخليج، كما هو المعلن في شعاراته البراقة، إلا إن الذي حصل عملياً، وخاصة في عهد حكم البعث بعد 1968، هو العكس تماماً، أي تفتيت الشعب الواحد وإعادته إلى ما قبل تكوين الدولة والشعب.

وقد ساهم حكم حزب البعث، بفعالية في إحياء الطائفية والعنصرية والقبلية في العراق وتحويلها إلى كتلات بشرية متناحرة. فمن الإجراءات التي اتخذها حكام البعث في إحياء القبلية ونشر قيم البداوة، أن قام كل قيادي بعثي بنصب خيمة بدوية (بيت الشعر) أمام قصره المنيف، فيها موقد ودلال القهوة، رابطاً أمامها وإلى جنب سيارته المرسيدس، جملاً، والظهور في الأماكن العامة بالزي البدوي والريفي. وهكذا كان عهد حكم البعث هو عهد بعث الحياة في العشائرية، وترويج قيمها البدوية، وهيمنة الريف على المدينة، وتمزيق الشعب إلى كيانات متصارعة، وتجاهل القوانين المدنية ودور الدولة في حكم الشعب.

وفي التسعينات من القرن الماضي، وبسبب الحصار وانتشار الفقر، تفشت الجريمة بشكل واسع بحيث لم تستطع محاكم الدولة التعامل مع الأعداد الهائلة من القضايا الجنائية للنظر فيها، لذلك اتخذ صدام حسين خطوة أخرى في صالح العشائرية لكسب ولائها، فمنح شيوخها المزيد من النفوذ والامتيازات المادية، وصلاحيات واسعة في حل المنازعات بين الناس وفق العرف العشائري وبالطرق البدائية الرخيصة، بدلاً من المحاكم القضائية المدنية وقوانين الدولة، أي حصلت ردة حضارية بكل معنى الكلمة.

مخاطر وأضرار إحياء العشائرية
أود هنا التوضيح أني لا أدعو إلى إعلان الحرب على العشائر في الظروف الحالية القاهرة التي يمر بها العراق، ولا في أي وقت في المستقبل، فالعشائر واقع مفروض على الشعب وموروث من الماضي القريب والبعيد، ويمكن التعايش معها مؤقتاً، والإستفادة منها لتحقيق الأمن وإلحاق الهزيمة بالإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة في الظروف الحالية العسيرة، حيث الحكومة ضعيفة ومؤسساتها المدنية وقواتها المسلحة مازالت في طور البناء ولم تكتمل بعد، ناهيك عن الاختراقات وتكالب دول إقليمية عليها. فهناك الحاجة إلى دعم العشائر ورجال الدين وتوظيف كل ما في العراق من موروث إجتماعي لخدمة الشعب، والاستفادة منها في الظروف الحالية الطارئة. ولكن في نفس الوقت أرى من الواجب عدم سن قوانين من شأنها تكريس العشائرية والقبلية ونشر قيمها ونفوذها ومنحها دوراً في الدولة، وجعلها طفيليات تمتص رواتب ضخمة على حساب الملايين من الفقراء والعاطلين عن العمل. فالعشائرية على المدى المتوسط والبعيد، هي على النقيض من بناء الدولة المدنية، والتقدم الاحتماعي والسلم الأهلي. وبعبارة أخرى، يجب عدم السماح للظروف القاهرة المؤقتة السائدة الآن، أن تكرس آثارها السلبية الضارة بالمجتمع على المدى الطويل.

خلاصة القول، العشائرية مرحلة من مراحل تطور المجتمع البشري في التاريخ، تسبق تكوين الشعب والأمة والدولة، تُبعث فيها الحياة وتنشط في فترات ضعف الدولة والانحطاط الحضاري والانهيار الفكري، لذلك فقوتها تتناسب عكسياً مع قوة الدولة. وكادت العشائرية أن تختفي من المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة من العهد الملكي وخلال ثورة 14 تموز، لولا حكم البعث الذي عمل على إعادة المجتمع إلى الوراء، إلى مرحلة القبلية. لذا فإحياء العشائرية وسن قانون لها وشرعنتها، عملية معوقة للتقدم الحضاري، وبناء المجتمع المدني، وتهدد السلم الأهلي، ودورها مناقض للدولة العصرية، وتؤدي إلى ظهور شريحة طفيلية من الحكام تشكل عبئاً ثقيلاً على موازنة الدولة مقابل أعمال ضارة. فالعشائرية لا توجد في الدول المتقدمة، بل في المجتمعات المتخلفة فقط، وهي مظهر من مظاهر التخلف الحضاري. لذلك نهيب بالسادة أعضاء البرلمان وبكل المواطنين الواعين رفض قانون العشائر.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: العشائر والدولة
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/19mm.htm

2- حرب: قانون العشائر سيعزز التمرد القبلي والتجاوز على القانون
http://almaalomah.info/2016/12/10/political/111813

3- 200 طبيب عراقي في كربلاء يغلقون عياداتهم خشية القتل
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=59162&issueNo=295&secId=15


135
لماذا كل هذا العداء لإيرن؟

د. عبدالخالق حسين

بعد كل مقال أنشره، سواءً أشرتُ فيه إلى إيران أو لم أشر، أستلم تعليقات حاقدة من البعض وأغلبها بأسماء مستعارة، حافلة بالحقد والكراهية والعداء والتحريض ضد إيران. مضمون هذه التعليقات أني فقط انتقد السعودية وشريكاتها في دعم الإرهاب، وأنسى إيران، ويدعون أن إيران اتفقت مع أمريكا وإسرائيل على تدمير العراق، وأن تدخلها في سوريا والعراق هو لفرض حكمها على البلدين، وأن إيران هي التي تحكم العراق وتتدخل في شؤون البلاد العربية.. وهو نفس المضمون الذين يردده الإعلام العربي الخليجي، وخاصة السعودي، وقد بلغ العداء حداً إلى درجة أن كل كاتب من خلفية شيعية لا يشتم إيران والسياسيين الشيعة في العراق، يوصم بالطائفية والشعوبية والعمالة لإيران !!!

فالملاحظ أن هناك غلو واضح في معاداة إيران من قبل غالبية العرب السنة، سواءً في العراق أو غيره من البلاد العربية. فما هو سبب كل هذا العداء لإيران الشيعية؟ هل هو حقاً الاختلاف المذهبي السني- الشيعي، أم هو الصراع على النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية؟ فالتعددية المذهبية موجودة في جميع الأديان السماوية، ولكن إذا ما راجعنا التاريخ، لوجدنا أن السبب الرئيسي للصراعات الدموية التي اتخذت طابعاً طائفياً بين الشعوب، وحتى داخل الشعب الواحد ذي تعددية مذهبية، لوجدنا أن السبب الحقيقي هو الصراع على الحكم والنفوذ السياسي، والهيمنة على الاقتصاد، ولكن تم توظيف الاختلاف المذهبي من أجل إثارة و تجييش الجماهير وتقديمهم وقوداً للحروب لتحقيق الأغراض السياسية. ولو لم يوجد خلاف طائفي لاختلقوا خلافاً من نوع آخر، كما هي الحال في مصر وليبيا وتونس والجزائر والصومال حيث لا يوجد في أي منها أي إنقسام طائفي، ولكن مع ذلك هناك إرهاب واقتتال وتحت مختلف الذرائع.

و العداء لإيران والشيعة لأسباب طائفية لا يمكن إنكاره، وهو قديم قدم الإسلام، ولكنه كان خفياً وبصمت، إلا إنه تفجر بشكل واضح وصريح ومبالغ به بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وإعلان حكومة الثورة بقيادة الإمام الخميني العداء السافر لأمريكا، وإسرائيل، حيث تم الإستيلاء على السفارة الأمريكية بطهران، واختطاف وحجز طاقمها لأكثر من عام، وطرد السفارة الإسرائيلية، وفتح السفارة الفلسطينية بدلاً عنها. يعني في الأيام الأولى من الثورة وضعت الحكومة الإسلامية الإيرانية نفسها في مواجهة دموية شرسة مع أمريكا وإسرائيل.

ففي عهد حكم الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يقوم بدور شرطي الحراسة للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، كانت العلاقة بين السعودية والدول الخليجية وحتى عراق البعث الصدامي، مع إيران علاقة ودية حميمة رغم أن الشاه كان شيعياً كما غالبية شعبه. كما ورحبت الدول الخليجية بمبادرة الشاه في إرسال قوات عسكرية للقضاء على ثورة ظفار الماركسية في عمان/مسقط ، ولكن ما أن تغير الموقف الإيراني بعد الثورة الإسلامية من صداقة لأمريكا وإسرائيل إلى عداء لهما، حتى وغيرت الدول العربية الخليجية مواقفها إلى عداء شرس لإيران. فحركوا الطاغية الغبي صدام حسين إلى شن حرب ضروس على إيران الإسلامية، لحماية البوابة الشرقية للأمة العربية من "الفرس المجوس"، و وضعوا أنها ستكون حرباً خاطفة، وقال له الملك السعودي فهد "منا المال، ومنك الرجال"، وأن الحرب لم تدم أكثر من عشرة أيام سيخرج منها منتصراً، وتكون الشعوب العربية كلها تنضم إلى إمبراطوريته في دولة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج، فكان ما كان من حرب دامت ثمانية أعوام عجاف أهلكت الحرث والنسل، وولدت حروباً أخرى.

وهذا يقودنا إلى استنتاج منطقي، وهو أن عداء العرب لإيران هو ليس لأسباب طائفية، بل بسبب عداء إيران الإسلامية لأمريكا وإسرائيل، وأن الدول العربية الخليجية اعلنت عداءها لإيران بأوامر من أمريكا، وأن هناك خطة مبيتة لتدمير الطاقات البشرية والعسكرية والمادية للبلاد العربية وإيران، لإبقاء إسرائيل القوة العظمى الوحيدة في المنطقة. وهذا ليس من بنات نظرية المؤامرة كما سيتهمنا البعض، بل نشهده كواقع ملموس ومنظور يومياً، ولا يحتاج الإنسان إلى عبقرية خارقة ليتوصل إلى هذا الاستنتاج المنطقي. 
ونفس السيناريو تكرر بعد إسقاط حكم الطاغية صدام حسين في العراق، بقيادة أمريكا بعد أن كان صدام الذي كان حليفاً لها، فراح يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، باحتلاله للكويت وتهديده للهيمنة على كل مصادر الطاقة في الخليج، و محاولاته لامتلاك سلاح الدمار الشامل، وتهديده لأمن إسرائيل، وبعد أن انتهى دوره في ضرب إيران، وتدمير القدرات البشرية والمادية والعسكرية للشعبين.

ومهما قيل عن أغراض أمريكا في تحرير العراق من الفاشية البعثية الصدامية، إلا إن أفضل ما تحقق للشعب العراقي هو قيام نظام ديمقراطي يتخذ من صناديق الاقتراع وسيلة لاختيار حكومته من قبل الشعب بجميع مكوناته، ولكل مكون نصيب في الحكم حسب ما تفرزه الانتخابات، والتبادل السلمي للسطة، وإنهاء الإنقلابات العسكرية، وهيمنة حكم المكون الواحد، وبذلك يكون المستفيد من سقوط حكم البعث الصدامي هو الشعب العراقي عامة، وبالأخص الشيعة والكرد وجميع المكونات الأخرى التي كانت محرومة من المشاركة في صنع القرار السياسي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921. وهذا يعني وضع العرب السنة على قدم المساواة مع بقية المكونات وحسب نسبتهم في الشعب بما تفرزه لهم  صناديق الاقتراع من مقاعد في البرلمان، وهذا النظام متبع في جميع الدول الديمقراطية العريقة مثل بريطانيا وغيرها. ولكن هذا لا يرضي طموح المكون العربي السني الذي اعتبر حكم العراق من حقه التاريخي لوحده، ومن ورائهم الحكومات الإقليمية المناهضة للديمقراطية في العراق واستقراره وازدهاره لأسباب طائفية وسياسية واقتصادية، جئنا عليها مراراً، ولذلك راحت أبواقهم تنفخ ليل نهار لتشويه صورة الديمقراطية العراقية ونعتها بأقذع النعوت.

فماذا كان موقف الدول العربية وخاصة الخليجية، من العراق الجديد ونظامه الديمقراطي الوليد؟
بدلاً من فتح سفاراتهم في بغداد، وتقديم المساعدات للشعب العراقي الجريح، وهو يمر في أخطر مرحلة تحولات سياسية واجتماعية في تاريخه العاصف، راحوا يبعثون له آلاف الإرهابيين، لينشروا الموت والخراب في حرب إبادة الجنس ضد الشيعة، و حملة إعلامية وطائفية من فتاوى شيوخ الوهابية، لتشويه صورة العراق ما بعد صدام، وتسقيط كافة السياسيين الشيعة، ووصفهم بأقذع الصفات مثل عملاء إيران، وأنهم عجم من الفرس المجوس، ومشركين وعباد القبور ...الخ. ومقابل هذه الحرب الضروس، كانت إيران أول دولة اعترفت بالعراق الجديد، وفتحت سفارتها في بغداد، ومدت يد المساعدة لدعم اقتصاده، وتزويده بالكهرباء، ومحاربة الإرهاب البعثي الوهابي المدعوم من السعودية وقطر وتركيا. ومع كل ذلك يطالبوننا بمسك العصا من وسطها في التعامل مع إيران التي تساعد العراق، والدول التي تعمل على تدميره.

كيف واجه الإعلام العربي المساعدات الإيرانية للعراق؟
راحت أبواقهم تشن حملة إعلامية مضللة، مفادها أن العراق صار مستعمرة إيرانية، وأن الحاكم الحقيقي هو الجنرال الإيراني قاسم سليماني، بل وراح أحد قادة الاعتصمات في المناطق الغربية، (أحمد أبو ريشة)، يصرخ في الفضائيات أن خطابهم مع "حكام بغداد" يجب ترجمته إلى الفارسية، في إشارة إلى أن الذين يحكمون في بغداد هم إيرانيون لا يعرفون العربية. وهذه النغمة النشاز (اتهام الشيعة بالعجمة)، ليست جديدة، إذ رددها طائفيون منذ عهد أستاذهم ساطع الحصري وإلى الآن. ولم يسلم من هذا السقوط حتى أولئك الذين كانوا يتغنون بالشيوعية مثل سعدي يوسف الذي نشر قصيدة يعنوان: (مصرُ العروبةِ عراقُ العجَم!)، فاعتبر الشيعة المشاركين في السلطة عجماً، كما وسمى كردستان (قردستان)، وهذا الشاعر إلى وقت قريب كان يلقب نفسه بـ(الشيوعي الأخير)(1). حقاً ما قيل، أن الأزمات تكشف معادن الرجال.
وهل حقاً الشيعة وحدهم يحكمون العراق؟ الجواب واضح من مكونات السلطات العراقية الثلاث. ولكن لا يمكن إسكات هؤلاء إلا بإعادة العراق إلى حكم المكون الواحد الذي كان سائداً قبل 2003 والذي أوصل العراق إلى هذا المصير.

خلاصة القول، لا يمكن المساواة بين إيران التي تساعد العراق وسوريا واليمن في محاربتها للإرهاب، وبين تلك الدول التي تدعم الإرهاب مثل السعودية وقطر وتركيا. والمؤسف أن أمريكا وبريطانيا، اللتان تدعيان محاربة الإرهاب، كشفتا عن حقيقتهما في الانتصار الكبير الذي حققه الجيش السوري الصامد في حلب، حيث راحت وسائل إعلامهما، بما فيها البي بي سي، تحاول تشويه صورة هذا النصر والدفاع عن الإرهابيين من جبهة النصرة وداعش، وحتى راحت تطلق على هذه العصابات بالمعارضة المعتدلة. كان على أمريكا وبريطانيا، إن كانتا حقاً ضد الإرهاب، أن تتحالفا مع إيران وسوريا وروسيا في هذه الحرب المصيرية ضد أعداء الحضارة والإنسانية، لأن هذه الحكومات تحارب نفس العدو المشترك، وهو الإرهاب الإسلامي الوهابي التكفيري، بينما أمريكا وبريطانيا في تحالف استراتيجي مع السعودية وقطر وتركيا التي تدعم الإرهاب ليس في سوريا والعراق واليمن فحسب، بل وفي جميع دول العالم بما فيها الغرب. 

إن تصعيد العداء ضد إيران ليس جديداً، وليس من مصلحة العراق والبلاد العربية الأخرى، وقد قدم الباحث الإسلامي، الدكتورغسان نعمان ماهر السامرائي، بحثاً قيماً من خمس حلقات بعنوان: (عقدة إيران في العراق)، ندرج روابطه في ذيل هذا المقال، وهو جدير بالقراءة، واستخلاص الدروس والعبر.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- سعدي يوسف: مصرُالعروبةِ عراقُ العجَم !
http://www.arabistan.org/newsdetails.aspx?elmnt=7041#.WF1orNKLQnQ

2- د.غسان نعمان ماهر السامرائي: عقدة إيران في العراق
رابط الحلقة الأولى
د.غسان نعمان ماهر السامرائي: عقدة إيران في العراق 1-5
http://www.akhbaar.org/home/2014/11/180815.html
رابط الحلقة الثانية
د. غسان نعمان ماهر السامرائي :عقدة إيران في العراق(2-5)
http://www.akhbaar.org/home/2014/11/180953.html
رابط الحلقة الثالثة
د. غسان نعمان ماهر السامرائي: عقدة إيران في العراق 3-5   http://www.akhbaar.org/home/2014/12/181099.html
رابط الحلقة ارابعة
د. غسان نعمان ماهر السامرائي: عقدة إيران في العراق 4-5
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/181272.html
رابط الحلقة الخامسة
د. غسان نعمان ماهر السامرائي: عقدة إيران في العراق 5-5
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/181399.html

136
استعادة حلب... انتصار بطعم الهزيمة!
د.عبدالخالق حسين

وأخيراً أنتصر الشعب السوري، وحلفاؤه على أعداء الإنسانية من أتباع القاعدة ولقيطاتها (جبهة النصرة وداعش، وغيرهما)، من الذين اختطفوا انتفاضة الشعب قبل 4 سنوات، ووجهوها إلى غاياتهم الطائفية اللئيمة، وبتمويل وتسليح السعودية وقطر وتركيا، لتدمير سوريا والعراق، تحت يافطة نشر الديمقراطية!

وكعراقي، لم أتعاطف مع بشار الأسد الذي وقع في الفخ السعودي، فكان قد جعل من بلاده ساحة لتجميع وتدريب الإرهابيين، وإرسالهم إلى العراق لقتل شعبه، وضرب مؤسساته الاقتصادية وبناه التحتية، بغية وأد الديمقراطية الوليدة فيه، إلى أن انقلب رعاة الإرهاب السعوديون وحلفاءهم على حليفهم الأسد، ودمروا بلاده شر تدمير وبدوافع طائفية واقتصادية وسياسية.

وهذا درس لجميع الحكومات في العالم، أن من يعتمد الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضه السياسية، فلا بد وأن  يقع في الفخ، وينقلب عليه الوحش الإرهابي. وها هو رجب طيب إردوغان الذي ساهم في إشعال الحرائق في العراق وسوريا، صارت بلاده ساحة لهذه الحرائق.

لقد أكدنا مراراً وتكراراً، أنه لا يمكن إقامة نظام ديمقراطي عن طريق الإرهاب الإسلامي الطائفي، إذ كما علق أحد المثقفين السوريين في حوار مع البي بي سي، أن الديمقراطية لا تأتي من المساجد، بل تأتي بداية من احتجاجات الطلبة في الجامعات والمعاهد. وأضيف، أن الديمقراطية لا يمكن أن تأتي من أنظمة ملكية مطلقة تمارس الحكم وفق مفهوم الحق الإلهي مثل السعودية وقطر، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. 
والمؤسف أن الحكومات الغربية بما فيها بريطانيا وأمريكا، ووسائل إعلامهم اتخذوا موقفاً معادياً للحكومة السورية، ومتعاطفاً مع من يسمونهم بـ"المعارضة المعتدلة"، وراحوا يشوهون سمعة القوات الحكومية السورية، بأنها ترتكب الفظائع ضد المدنيين، في الوقت الذي تغض النظر على الفظائع التي ترتكبها "المعارضة المعتدلة" على حد تعبيرهم. وفي الأيام الأخيرة توقفوا حتى عن ذكر اسماء التنظيمات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها. في الحقيقة لا يمكن للمعارضة المعتدلة أن تكون مسلحة وترتكب الفظائع ضد المدنيين. فيعتبرون انتصار الجيش السوري في حلب على الإرهابيين هو سقوط حلب وليس استعادتها من الإرهابيين.

وفي خصوص التلاعب بالألفاظ لتضليل الرأي العام العالمي، ينتقد روبرت فسك في صحيفة الاندبندنت الحكومات الغربية وإعلامها، قائلاً: (ومن المفيد جدا أن ننظر إلى تقاريرنا من هذه الأحداث المتوازية [يقصد أحداث حلب وتدمر]. تقريبا كل عنوان اليوم يتحدث عن "سقوط" حلب بيد الجيش السوري – بينما الحقيقة أن الجيش "استعاد" المدينة من "المتمردين" – والعكس ما يستخدمه الإعلام الغربي في حالة انتصار داعش بإعادة احتلال تدمر، فاستخدموا عبارة "استعادة" تدمر. إذ كان علينا بالتأكيد أن نعلن أن المدينة الرومانية قد "سقطت"مرة أخرى تحت حكم الإرهابيين البشع.(1)

ليفهم العالم أجمع، أن الحرب في سوريا هي ليست من أجل الديمقراطية، ولا نظام بشار الأسد طائفي، لأن معظم وزرائه ومسؤليه وقيادة الجيش وضباطه هم من السنة، بل هي حرب بالوكالة بين أمريكا وحليفاتها في المنطقة (السعودية وقطر وتركيا) من جهة، وروسيا وإيران وحزب الله من جهة أخرى. وقد أثاروا الصراعات الطائفية لهذا الغرض في المنطقة، وشكلوا لها قوات عسكرية من منظمات إرهابية حقنوها بالعقيدة الوهابية التكفيرية من أجل النفوذ السياسي والسيطرة على ثروات البلاد الهائلة من النفط والغاز.

نعم، حققت الحكومة السورية، وبمساعدة حلفائها الروس والإيرانيين وحزب الله، النصر المؤزر على الإرهاب المتوحش، ولكنه نصر بطعم الهزيمة. فالحكومات المجرمة التي رعت الإرهاب في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها، قد حققت أغراضها الدنيئة حتى مع هزيمتها. فهذه المدن السورية (ومدن المناطق السنية في العراق)، التي احتلها الإرهابيون، عبارة عن خرائب وأنقاض، تحتاج إلى ترليونات من الدولارات وعشرات السنين لإعادة إعمارها. أما الخراب البشري الذي خلفته هذه الحروب، فتحتاج إلى عدة أجيال للتخلص منه. إذ يفيد علم النفس أن السنوات الخمس الأولى من عمر الإنسان هي التي تقرر شخصيته. فماذا حصل لهؤلاء الذين ولدوا في سوريا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وفي العراق خلال الخمسة عقود الماضية، وما يليها من سنوات عجاف، حيث تعرضت لهذه الهزات العنيفة من حروب وقتل ودمار شامل؟

فلو كانت هناك عدالة إنسانية حقيقية، والحضارة البشرية قد بلغت مرحلة متطورة، لوجب تقديم تلك الحكومات التي رعت المنظمات الإرهابية مثل (السعودية وقطر وتركيا) إلى المحاكم الدولية، ومحاسبتها على جرائمها ضد الإنسانية، وتحميلها تعويضات الحروب، ودفع نفقات إعادة إعمار المدن التي تم تدميرها. والجدير بالذكر أن هذه الحكومات تسمي هذه المنظمات في العراق وسوريا بالمقاومة الوطنية الشريفة، بينما إذا ما ارتكبت أي منها عملاً إرهابياً في بلدانها، تسميها بالإرهاب.

كفى إزدواجية ونفاقاً أيها المجرمون. لقد طلعت شمس الحقيقة وكشفتكم على حقيقتكم القبيحة الكالحة. فهاهم حلفاؤكم الغربيون بدأوا يفضحونكم، وما تصريحات وزير خارجية بريطانيا، بورس جونسن، ألأخيرة عن دور السعودية في إثارة الطائفية وإشعال حروب الوكالة في المنطقة، إلا الجزء اليسير من هذه الفضائح. لا بل راحت الصحف الغربية تبشر بقرب سقوط أسرة آل سعود الحاكمة، وتطالب العالم بالاستعداد لهذا السقوط المنتظر كما حصل لشاه إيران من قبل.(2)

والمؤسف أن دولة كبرى مثل بريطانيا التي تذرف دموع التماسيح على حقوق الإنسان في روسيا والصين، تقول رئيسة حكومتها السيدة تريزا مي فيما يتعلق بجرائم السعودية ضد حقوق الإنسان (أن التجاوزات على حقوق الإنسان يجب أن لا تؤثر على سياستنا التجارية مع الدول الخليجية)، وراحت تتملق للسعودية وتعنف وزير خارجيتها بورس جونسون على تصريحاته الأخيرة ضد السعودية.(3)

ولذلك نرى الحكومات الغربية الآن وقفت إلى جانب المنظمات الإرهابية في سوريا بحجة معاناة المدنيين، من أجل إبقاء علاقاتها التجارية مع السعودية وقطر وغيرهما من الدول الخليجية الغنية. لقد أكد هؤلاء أن السياسة بلا أخلاق، والمصالح الاقتصادية لها الأولوية، تدفع ثمنها الشعوب العربية الفقيرة.
لقد انتصر الشعب السوري واستعاد حلب، كما سينتصر قريباً الشعب العراقي في استعادة الموصل، ولكن في جميع الأحوال، إنه انتصار بطعم الهزيمة، لأن الإرهابيين ورعاتهم السعوديون وغيرهم قد حققوا ما أرادوا، وهو تخريب البلاد والعباد. ولكن أثبت التاريخ، أن من يزرع الشوك لا يحصد إلا الشوك، فمصير هؤلاء الأشرار لا بد وأن يكون كمصير نظرائهم مثل: هتلر وموسوليني وصدام حسين، في مزبلة التاريخ، تلاحقهم لعنات الشعوب.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مقال روبرت فسك في الإندبندنت
Robert Fisk: There is more than one truth to tell in the awful story of Aleppo
Our political masters are in league with the Syrian rebels, and for the same reason as the rebels kidnap their victims – money
http://www.independent.co.uk/voices/aleppo-falls-to-syrian-regime-bashar-al-assad-rebels-uk-government-more-than-one-story-robert-fisk-a7471576.html

2- الغارديان: المال السعودي أوشك على النفاد .. وانتظروا سقوط العرش قريبا
http://www.alalam.ir/news/1896180

3- Theresa May says human rights abuses shouldn't affect trade policy
http://www.independent.co.uk/news/uk/home-news/theresa-may-brexit-trade-gulf-states-saudi-arabia-human-rights-abuses-policy-a7455441.html

4- فيديو  أمريكي (دقيقتان): السعودية بدون غطاء؟ عندما تقرر امريكا فضح السعودية https://www.youtube.com/watch?v=SV6e97pRNnw

137
في وداع فيدل، آخر عمالقة الاشتراكية
د.عبدالخالق حسين

توفي مساء الجمعة 25/11/2016، القائد الثوري، الشيوعي الذي كرس حياته لخدمة شعبه والبشرية جمعاء، فيدل كاسترو، زعيم الثورة الكوبية، ورئيس حكومتها لما يقارب نصف قرن، منذ عام 1959. حتى تسليمه  السلطة لأخيه راؤول عام 2006، بسبب مرضه.

مات فيدل، أو القائد، كما يسميه أبناء شعبه، موتاً طبيعاً وبهدوء عن عمر ناهز 90 عاماً. وقال شقيقه راؤول، الذي أعلن خبر الوفاة ، إن زعيم الثورة الكوبية توفي حوالي الساعة 22:30 بالتوقيت المحلي. وأنهى الإعلان بترديد الشعار الثوري الكوبي "إلى النصر دوما".

سيرة الرئيس كاسترو تحمل تاريخ كوبا والعالم ، حيث شهد وساهم في أهم وأشد المنعطفات التاريخية العاصفة، والتحولات الاجتماعية والسياسية الحادة، وهو يتميز بكل الصفات الناجحة المطلوبة في القائد الثوري، وهي الشجاعة، والوعي المتقد، والضمير الحي والكاريزما الجذابة، والثقافة الواسعة، وفهم قوانين حركة التاريخ، والقدرة على أخذ القرارات الحاسمة والمناسبة، خاصة في أوقات الأزمات الشديدة، والتعامل مع الأحداث حسب الظروف والإمكانيات المتاحة، وفن الممكن. وبذلك حافظ كاسترو على سلامة بلاده وثورته الشيوعية من جميع المحاولات الأمريكية للإطاحة بنظامه. "وبينما كانت الأنظمة الشيوعية تسقط حول العالم، نجح الزعيم الكوبي فيدل كاسترو في الحفاظ على الأعلام الحمراء ترفرف على أبواب عدوه الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية.. وتعرض لمحاولات كثيرة من الاغتيالات والقتل ومن التدخلات الامريكية، وتحول الرجل إلى مثال أمام بلدان وقيادات أخرى في أمريكا اللاتينية وغيرها. وربما يكون الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز أبرز مثال على اقتفاء أثر كاسترو في سياسة المواجهة والتحدي. كما وذكرت عدة تقارير استخبارية وغيرها ان الولايات المتحدة حاكت اكثر من ستمائة مؤامرة لاغتيال كاسترو. الا انه نجى منها جميعاً وظل في الحكم، بينما تعاقب على حكم الولايات المتحدة تسعة رؤساء."

ومن أخطر الهجمات التي تعرضت لها كوبا هي محاولة الغزو الأمريكي في (خليج الخنازير)، في ابريل/ نيسان عام 1961 عندما حاولت الولايات المتحدة إسقاط الحكومة الكوبية من خلال تجنيد جيش خاص من الكوبيين المنفيين لاجتياح جزيرة كوبا. وتمكنت القوات الكوبية من دحر المهاجمين وقتل المئات منهم واعتقال حوالي الف شخص.

وعلى أثر هذه الهجمة الفاشلة، وافق كاسترو مع الزعيم السوفيتي نكيتا خروتشيف، على نشر الصواريخ البوليستية السوفيتية في كوبا، لردع أية محاولة أخرى مشابهة في المستقبل، والتي أثارت أزمة كبيرة بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا عرفت  بـ"أزمة الصواريخ الكوبية"، هددت بنشوب حرب نووية بين الدولتين العظميين، فانتهت الأزمة بسحب الصواريخ السوفيتية، مقابل تعهد أمريكا بعدم القيام بأي عدوان على كوبا، وسحب صواريخها من تركيا.

كان الشعب الكوبي يعيش في بؤس مؤلم، وفقر مدقع في عهد حكومة باتيستا الفاسدة. وكانت كوبا عبارة عن مبغى ومجمع لنوادي القمار والجنس لأثرياء وسياح أمريكا. ورغم أن فيدل قد وُلِد ونشأ في عائلة ثرية، فهو ابن أكبر إقطاعي، إلا إنه لم يتحمل الوضع المزري للقسم الأعظم من الشعب الكوبي حيث الفرق الشاسع بين غالبية الشعب الفقيرة، والأقلية جداً من الاثرياء الفاسدين. فانحاز إلى طبقة الفلاحين الفقراء المحرومين من نعيم بلادهم، أي بالتعبير الماركسي، أنه خائن لطبقته!

لذلك حمل كاسترو السلاح ضد حكومة باتستا عام 1953 على رأس اكثر من مائة من أتباعه بينهم شقيقه راؤول. ورغم الصعوبات الكثيرة التي واجهها، إلا إن ثورته تكللت بالنصر المؤزر عام 1959 بإنهاء حكم باتستا. وقد نالت مبادئ كاسترو الثورية تأييدا واسعا في كوبا. و عند استلامه الحكم أعلن النظام الشيوعي لتصبح كوبا اول بلد تعتنق الشيوعية في العالم الغربي.

كان كاسترو أممياً بكل معنى الكلمة، إذ ساهم في دعم حركات التحرر الوطني، والثورات على الاستعمار والأنظمة الفاسددة، فقد أرسل 15 ألف جندي إلى أنغولا عام 1975 لمساعدة القوات الانغولية المدعومة من السوفييت. وفي عام 1977 أرسل قوات أخرى إلى اثيوبيا لدعم نظام الرئيس الماركسي مانغستو. كما اهتمت الثورة بتخريج  وتدريب أكبر عدد ممكن من الأطباء، حتى بلغت نسبة الأطباء إلى الشعب أعلى من أي بلد آخر في العالم. و ساهمت كوبا في مساعدة الشعوب الفقيرة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية بإرسال الأطباء لتقديم الخدمات الصحية لشعوبها.

لم يكن كاسترو متعصباً أو  ديماغوجياً في مبادئه، ففي أواخر الستينات، قرأت كتاباً للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، بعنوان: (عاصفة على السكر). وقد سافر سارتر إلى كوبا في الأشهر الأولى من نجاح الثورة، وألتقى كاسترو و رفاقه من زعماء الثورة، وتنقل معهم في جولة استطلاعية في أنحاء البلاد، وحاورهم كثيراً، ولاحظ مدى حماس الشعب للثورة والثوار وحبهم لكاسترو. ومما بقي في ذاكراتي من هذا الكتاب الشيق، أنه بعد نجاح الثورة تشكل مجلس قيادة لإدارة البلاد وسن القوانين. ولم يشارك كاسترو في هذا المجلس في أول الأمر، بل بقي يراقبهم عن كثب، ويتدخل عند الضرورة.

ومن القرارات التي اتخذها المجلس بعد إعلان النظام الشيوعي، أن قرروا حذف اسم (الله) من الدستور. وهنا غضب كاسترو، واجتمع بالمجلس وقال لهم ما مفاده، أن الثورة قامت من أجل الفقراء وتحسين أحوالهم المعيشية، وأن أغلب هؤلاء متدينون ومؤمنون بالله و يؤمون الكنائس، وإذا ما حذفنا اسم الله من الدستور، فإن أعداء الثورة سيستغلون هذه المبادرة ضدنا ويكسبون هؤلاء الفقراء إلى جانبهم ويوجهونهم لمحاربتنا نحن الذين قمنا بثورتنا من أجلهم. لذلك أبقوا اسم الله في الدستور.

قرار آخر اتخذه المجلس وأثار غضب كاسترو، وهو قرار إلغاء البغاء. فخرجت آلاف المومسات في تظاهرات احتجاجية، لأن هذا القرار معناه قطع مصدر أرزاقهن. مرة أخرى اعترض كاسترو على المجلس، واجتمع بهم قائلاً، أن المومسات اضطررن لهذا العمل بسبب الفقر. لذلك فقراركم هذا معناه إلقائهن في أحضان البوؤس والجوع، وبالتالي في أحضان أعداء الثورة. لذلك يجب عليكم عدم إلغاء البغاء إلا بعد أن تجدوا العمل الشريف البديل لهن. وهكذا كان.

أما إعادة العلاقة مع أمريكا في الآونة الأخيرة، فقد لعب البابا فرانسيس الثاني دوراً مشرفاً، ورغم ما يؤاخذ على الرئيس الأمريكي أوباما من مواقف، إلا إن له الفضل في استجابته لإعادة العلاقة مع كوبا وتخفيف الحصار عنها، بعد أكثر من نصف قرن من القطيعة والعداء غير المبرر. ويذكر أن الرئيس راؤول كاسترو لم يتخذ مثل هذه المواقف الخطيرة بدون موافقة شقيقه فيدل.

هذه المواقف وغيرها تشير إلى مدى براغماتية الرئيس كاسترو، وربما كانت سر نجاحه في قيادة الثورة وبقاء نظامه رغم سقوط الأنظمة الشيوعية الأخرى في العالم، وبقاء الشعار الثوري الكوبي "إلى النصر دوما".. سيبقى فيدل كاسترو ابن الاقطاعي الذي انحاز إلى الفلاحين، وقضى على الإقطاع والفقر والجهل والمرض في بلاده، سيبقى حياً في ضمائر جميع المناضلين من أجل العدالة الاجتماعية، والقضاء على الفقر والظلم في العالم. فله المجد والذكر الطيب.

138
إلى متى السكوت عن إهانات السعودية للشعب العراقي؟

د.عبدالخالق حسين

من نافلة القول، أن النظام السعودي يعيش خارج الزمن، لأن وجوده يتنافى مع جميع قوانين ومقومات البقاء، فهو نظام عائلي قبلي، ملكي مطلق وجائر، ويشكل خطراً على أمن وسلامة الشعوب والحضارة البشرية بسبب تنظيماته الإرهابية، وعقيدته الوهابية التكفيرية. كما ويعتبر الوطن ملكاً خاصاً للعائلة الحاكمة، والشعب عبيدها. لذلك فوجود هكذا نظام في قرن الحادي والعشرين، عصر العولمة والديمقراطية، و عصر الشعوب، يعتبر حالة شاذة، و صفحة سوداء في تاريخ البشرية. لذلك لم يبق لدى هذه العائلة الفاسدة المتسلطة على رقاب الشعب أي سبب لضمان بقاءها في الحكم سوى المال الذي تملكه بوفرة لتشتري به أصحاب الضمائر الميتة من المتنفذين في العالم، وإثارة الفتن الطائفية لتخويف السنة من شعبها من البعبع الشيعي.

فبالمال الوفير اشترت السعودية حكاماً، وإعلاماً، وشركات العلاقات العامة (PR)، ومؤسسات اللوبي في الغرب لتجميل وجهها القبيح وتاريخها الدموي. فآخر تقرير قرأته عن اللوبي السعودي، أن في خدمة النظام نحو 10 آلاف موظف في أمريكا وحدها، إضافة إلى إعلامها الواسع ومشايخ الوهابية في نشر وإثارة الفتن الطائفية.

لست مبالغاً إذا قلت أن أفضل وصف يليق بالنظام السعودي هو (خنيث وخبيث). إذ تتبع وسائل إعلامه تكتيكات في منتهى الخبث والجبن لتشويه صورة الخصم وإثارة الفتن الطائفية، بأساليب خبيثة بأن تنشر كذبة في أحد مواقعها على الشبكة، أسستها لهذا الغرض، ثم تعيد نشر الكذبة على صحافتها المعروفة ذات الانتشار الأخطبوطي الواسع، و الإدعاء أنها نقلاً عن كذا موقع والإحتماء بمقولة (ناقل الكفر ليس بكافر)، وبذلك تحاول التخلص من المسؤولية إذا ما تمت مقاضاتها.

وآخر فبركة قصد الإساءة إلى الشعب العراقي، وإهانة الطائفة الشيعية خاصة، هو قيام صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية (مقرها في لندن)، خبرا ملفقاً زعمت أنه نقلا عن غريغوري هاتل المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، أن "العام الماضي شهد مناسبات دينية في العراق يشارك فيها الملايين من العراقيين والعراقيات وأكثر من مليوني ايراني [في اشارة الى زيارة الاربعين]، أعقبها حصول حالات حمل غير شرعي لأكثر من 169 امرأة عراقية من سكان جنوب العراق" على حد زعم الصحيفة السعودية.(1)

وأدعت الصحيفة أنها نقلت التقرير من موقع باسم "أصوات حرة" وبعنوان: (تحذير أممي من حالات حمل "غير الشرعي" في كربلاء). إذ واضح من العنوان أن أية منظمة دولية أو غير دولية، لا يمكن أن تسيء إلى سمعتها بإطلاق هكذا تصريحات مسيئة لأي شعب، أو أتباع أي دين أو مذهب. لذلك سارعت المنظمة الأممية إلى تكذيب التقرير، و قالت في بيان نشر على موقعها الرسمي إنها "تنفي بشدة" و"تستنكر استخدام اسمها في خبر عار عن الصحة نشر على موقع "أصوات حرة" يدعي أن أحد إعلامي المنظمة في جنيف صرح بخصوص الزواج غير الشرعي خلال المراسم الدينية".(2)

لذلك فمن حق الشعب العراقي، والمسؤولين، والإعلام العراقي أن يغضبوا ويحتجوا على هذا التلفيق اللا أخلاقي. وكالعادة، فقد فضح مفبركو التقرير أنفسهم عندما زجوا بإيران في هذه المراسيم الدينية التي يقوم بها الشيعة من كل مكان بمناسبة الأربعينية، بقولهم: (إنها مشاركة "ثلاثة ملايين زائر بينهم مليونا إيراني يرافقهم عناصر الباسيج" (الحرس الثوري الإيراني)، في مراسم احياء أربعينية الأمام الحسين في كربلاء غدا".)(نفس المصدر-2)

ولما تلقى مسؤولو الصحيفة السعودية إدانة المسؤول الأممي لهم، وغضب الشعب العراقي، والدعوة إلى مقاضاتهم، ومنع طبع الصحيفة ونشرها في العراق، سارعوا إلى حذف الخبر من الطبعة الإلكترونية، ولكن بعد فوات الأوان، إذ ليس بإمكانهم حذفه من الطبعة الورقية التي تم توزيعها في العالم.
والجدير بالذكر أن الإعلام السعودي، كأي شيء آخر، هو ملك الدولة، لذلك لا يمكن أن تتجرأ الصحيفة بنشر هكذا افتراءات مسيئة لشعب ما بدون موافقة السلطة الحاكمة، أو حتى بأوامرها.

لذلك، فالمطلوب من الحكومة العراقية، أن لا تتساهل في هذا الأمر، ولا تتردد إطلاقاً في مقاضاة الصحيفة السعودية أمام القضاء البريطاني، بتهمة الإساءة إلى الشعب العراقي، وبالأخص إلى الطائفة الشيعية، ليس في العراق فحسب، بل وفي كل أنحاء العالم، بقصد إثارة وتأجيج الفتن المذهبية. ونقول مقاضاتهم أمام القضاء البريطاني لعدة أسباب: أولاً، لأن الصحيفة مقرها في لندن، ثانياً، لأن القضاء البريطاني معروف بعدالته وحياديته، وثالثاً، ليس بإمكان الصحيفة التهرب من دفع الغرامات فيما لو صدر الحكم ضدها.
كذلك نطالب بمنع إعادة طباعة الصحيفة ونشرها في العراق من الآن، وأن لا تكتفي الحكومة بمجرد اعتذار المسؤولين عن جريمتهم، وإلا ستتكرر الإساءة وبأشكال أخرى وأبشع، إذ كما قال المتنبي الحكيم:
من يهن يسهل الهوان عليه.... ما لجرح بميت إيلامُ
 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر
1-  صحيفة الشرق الأوسط تقر بالإساءة للعراقيين وتبررها بـ"خطأ المحرر"
http://www.akhbaar.org/home/2016/11/220585.html

2- منظمة الصحة العالمية تكذب تقريرا نشرته صحيفة الشرق الأوسط عن "حالات حمل غير شرعي" في مدينة كربلاء العراقية  BBC Arabic
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-38045632

روابط ذات صلة
هيئة الإعلام تؤكد عزمها مقاضاة “الشرق الاوسط” وتدعو كردستان لغلق مقرها
http://www.akhbaar.org/home/2016/11/220593.html

حسن الخفاجي: السعودية تغتصب اطفالها
http://www.akhbaar.org/home/2016/11/220587.html

شاهد الفيديو : مندوب سوريا بالأمم المتحدة "بشار الجعفري" يرد بقسوة على نظيره السعودي
https://www.facebook.com/Nokia.com1980/videos/1049773475169036/

د. عبدالحالق حسين: السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد - عبدالخالق حسين
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=440
الفتلاوي تعلن صدور مذكرة قبض بحق رئيس تحرير “الشرق الاوسط” ومدير مكتبها ومراسلها
http://www.akhbaar.org/home/2016/11/220642.html

139
حول هدم البيشمركة لدور وقرى عربية في كركوك ونينوى

د.عبدالخالق حسين

تشر موقع الـ(BBC Arabic) تقريراً مع فيديو جاء فيه: "قالت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان يوم الاحد [13/11/2016]، إن القوات الكردية في العراق، البيشمركة، هدمت بشكل غير مشروع على مدى السنتين الماضيتين مساكن وقرى عربية في محافظتي كركوك ونينوى عراقيتين في مناطق طُرد منها مسلحو ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، فيما قد يرقى الى جريمة حرب. وأضافت المنظمة الحقوقية، أن عمليات تدمير المنازل وقعت في مناطق متنازع عليها شملت 21 بلدة وقرية في الفترة بين سبتمبر/أيلول 2014 ومايو/أيار 2016 .إلا أن حكومة إقليم كردستان العراق تنفي تطبيق سياسة ممنهجة لتدمير منازل السكان العرب." (رابط التقرير والفيديو في الهامش)*

يرينا الفيديو أنقاض البيوت والقرى المهدمة، وقد قابل المراسل مجموعة من السكان عرضوا حالتهم البائسة في وسط هذا الخراب. لا شك أن هذا العمل مدان، لأنه تطهير عرقي، إذ كما جاء في التقرير أنه "يرقى الى جريمة حرب".

وبدوري قمت بتعميم رابط التقرير، فاستلمتُ عدة ردود أفعال، أغلبها تدين هذا العمل، عدا رد واحد من صديق كردي عاتبني على هذا التعميم، رغم اعترافه أنه لا يكذب التقرير. وعذره في عدم تعميمه أن قوات البيشمركة هي الآن تحارب الإرهاب الداعشي، والوقت غير مناسب لتعميم هكذا أخبار!

والسؤال هنا، ليس هل الوقت مناسب أم غير مناسب، بل هل هذا التقرير المصور صحيح أم ملفق؟
في رأيي أن التقرير صحيح لأنه بالصوت والصورة، و من جهة محايدة، إضافة إلى مقابلة المراسل لمجموعة من الناس البسطاء، وإذا كان هذا العمل خطأ، ويرقى إلى جريمة حرب، فيجب علينا كمثقفين إدانته لا إخفاءه، وتقديم النصح إلى الجهات الرسمية بعدم تكراره. فهذا هو المطلوب من اصدقاء الكرد من العرب تقديم النصح، عملاً بالقول المأثور:(صديقك من صدقك وليس من صدَّقك). إن تهديم بيوت الناس على رؤوسهم جريمة يجب أن تدان، سواء جاءت من صدام حسين أو من بيشمركة، أو من أية جهة، سنية، شيعية أو كردية. إذ كما قال فولتير: "أينما حل الظلم، فالمثقفون هم مسؤولون عنه". لذا أرجو من أصدقائنا المثقفين الأكراد أن لا يتهموننا بالشوفينية والزيتوني كما عودونا كلما وجهنا نقداً لمسؤوليهم في مثل هذه الحالات، بل يجب عليهم التبرؤ من هذه الأعمال الإجرامية وإدانتها، كما أدنا جرائم البعث الصدامي من قبل. 

إن جريمة التغيير الديموغرافي للسكان في العراق، وخاصة في محافظة كركوك لأغراض سياسية وعنصرية، بالطرق المتبعة من قبل الحكومات العنصرية الفاشية المعهودة وهي: القتل، والترحيل أو الصهر بقومية وديانة السلطة. فقد قام البعث الصدامي بترحيل ألوف العوائل الكردية إلى المحافظات الجنوبية. وتشجيع العرب للسكن في منطقة كركوك في السبعينات، إضافة إلى أن النظام البائد خلق العديد من المشاكل الأخرى مثل توسيع مساحة محافظة الأنبار إلى حدود مدينة كربلاء والسماوة، وضم سامراء إلى محافظة صلاح الدين (تكريت)، وغيرها كثير .

فالذين أرغموا أو تم إغراءهم من العرب على السكن في "المناطق المتنازع عليها" وبعد عشرات السنين صاروا من سكان تلك المناطق، فطردهم من هذه الأماكن عملية تطهير عرقي. وفي هذه الحالة، ماذا عن عائلات كردية تم ترحيلها إلى المحافظات الجنوبية، وبعد عام 2003، اختاروا بملء إرادتهم أن يبقوا في تلك المحافظات، فهل من الإنسانية أن تأتي قوات مسلحة ترغمهم على الرحيل أو هدم بيوتهم؟
فحسب الدستور العراقي، يحق لأي مواطن عراقي أن يعيش في أي مكان في العراق. لذلك فعملية هدم بيوت الناس على رؤوسهم وإرغامهم على مغادرة قراهم هي جريمة لا بد من إدانتها، وليس الدفاع عنها بحجة أن قوات البيشمركة تحارب الدواعش.

فهذه الجرائم وأمثالها هي التي تستغلها داعش والطائفيون الشوفينيون، لإقناع المواطنين العرب في كركوك ونينوى أنهم (الدواعش) هم حماة أهل السنة من ظلم الشيعة والكرد لهم. وبهذه الطريقة نجحوا في تجنيد الكثير من العرب السنة لمنظماتهم الإرهابية. فبالنسبة للضحايا، لا فرق عندهم إذا تم هدم بيوتهم من قبل الدواعش أو البيشمركة، فهي جريمة حرب تستحق الإدانة.

والجدير بالذكر، أنه في كثير من الأحيان، عندما نذكر الدمار الذي تركه صدام حسين، يرد علينا أيتامه أن صدام قد انتهى قبل 13 عاماً، فلماذا مازلتم تلقون مشاكلكم عليه؟
نعم صدم سقط في مزبلة التاريخ ومعه حزبه إلى غير رجعة، ولكن الألغام التي زرعها في المجتمع والتركة الثقيلة التي ورثها الشعب العراقي، مازالت باقية لتتفجر بعد سقوطه وإلى عدة أجيال. إذ كان صدام يعرف أنه لا بد وأن يسقط، لذلك قال قولته المشهورة، أن الذي يحكم العراق من بعده يستلمه أرضاً بلا بشر. ولذلك خلق الكثير من المشاكل في عهده، ولا يمكن التخلص من هذه المشاكل في جيل.
إن ما يجري من تدمير منازل السكان العرب وتهجيرهم من المناطق المتنازع عليها، يجعلنا نعتقد أنه سياسة ممنهجة من حكومة الإقليم، لسببين: الأول، هو  استمرار عملية الهدم والتهجير من قبل البيشمركة، وهي قوات رسمية تابعة لسلطة الإقليم، وثانياً، ما قاله رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني: أن ما أُخذ بالدم، لا يعاد إلا بالدم .

نرجو من الأخوة الكرد أن يعيدوا النظر في حساباتهم وموقفهم من العراق الديمقراطي. فإن أرادوا الإنفصال فلهم كل الحق، ولكن بالوسائل الديمقراطية الحضارية، أما مشكلة "المناطق المتنازع عليها"، فلا يتم حلها بالطرق البعثية الصدامية، بهدم البيوت وتهجير سكانها قسراً، بل، وكما ذكرنا مراراً، بالوسائل السلمية، وذلك عن طريق استفتاء سكان تلك المناطق، لا بالدم، ولا نريد أن يتحول المظلوم إلى ظالم، ولكن يبدو أن الظلم خصلة متأصلة في الإنسان، إذ كما قال المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد   ..... ذا عفة فلعلة لا يظلمُ
 *********

ما بعد النشر- Postscript

بعد نشر هذا المقال، استلمت، التعليق التالي من صديق وهو كاتب قدير، رأيت من المفيد إضافته، جاء فيه:
((اعلن في لقاء تلفزيوني ومثبت على صفحته الشخصية، الباحث ابراهيم الصميدعي (وهو رجل سني)، ان هدم الدور العربية وتهجير العشرات من سكان القرى تم بالاتفاق مع وفد زار الاقليم ضم صالح المطلك وعدد من مسؤولي كتلة اتحاد القوى السنية، وعقب عودة الوفد بيوم واحد باشر البيشمركة بالهدم والتهجير.) وأضاف الصديق: (وعلى الاخوة الكورد ان يعيدوا النظر في الكثير من الاجراءات التي غلب عليها طابع الثأرية والانتقام ... العجيب ان جميع سياسي السنة بلعوا السنتهم، ولم يطلقوا كلمة اعتراض على ما يقوم به الاكراد بينما يتعالى صراخهم ليل نهار ..زورا وبهتانا من ان الحشد الشعبي يقوم بالتغيير الطوبوغرافي والتطهير العرقي ...نفس الحشد الذي حرر مدنهم وصان اعراضهم واعاد (عكلهم) الى رؤوسهم .)) انتهى.
وتعليقي على هذا التعليق الصائب هو : كل شيء ممكن في هذا "البلد الأمين"، ومن قبل هؤلاء "القادة" مال آخر زمان الذين باعوا الأرض والعرض، وجلبوا الدواعش إلى مناطقهم وأذاقوا أهاليهم سوء العذاب بدوافع طائفية.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر
* هيومن رايتس ووتش (فيديو وتقرير): هدم البيشمركة الاكراد لدور وقرى عربية قد يرقى الى جريمة حرب
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-37965423

مقال ذو صلة بالموضوع، جدير بالقراءة
هوشنك بروكا - "البيشمركة العربية"..بارزاني في "الفخ السنيّ" مرّةً أخرى
http://sotkurdistan.org/index.php/2016-01-22-18-25-53/2016-01-27-19-29-08/item/8955-2016-11-08-08-35-00

140
أسباب ودلالات انتصار ترامب
د.عبدالخالق حسين

جاء فوز دونالد ترامب، المرشح الجمهوري لرئاسة أمريكا، زلزالاً صادماً للغالبية في العالم، ومفاجأة غير سارة لجميع وسائل الإعلام وخبراء استطلاع الرأي، بل ولحزبه وربما حتى لنفسه. فترامب في حملته الانتخابية كان فضاً عنيفاً وعدوانياً ليس إزاء منافسته هيلاري كلنتون التي هددها بالسجن فحسب، بل وكان عدوانياً حتى ضد الرئيس أوباما الذي شكك بشرعية رئاسته، حيث ادعى أنه ولد خارج أمريكا، وأن شهادة ولادته مزورة. كما وطرح أجندة مخالفة تماماً للسياسة الأمريكية التقليدية، الخارجية والداخلية، الأمر الذي جعل العديد من قادة حزبه أن يتبرأوا منه، وتمنوا وتوقعوا له الفشل.

ولكن رغم كل هذه التصرفات الغريبة من جانبه وتوقعات وتمنيات الغالبية بفشله، انتصر ترامب ولأسباب عديدة أهمها، النظام الانتخابي الأمريكي الفريد من نوعه في العالم. فهذا النظام لا يعتمد في فوز المرشح الرئاسي على الأغلبية من مجموع أصوات الناخبين للشعب الأمريكي، بل يعتمد على مجموع النقاط التي يحصل عليها المرشح في كل ولاية، أي نظام ما يسمى بالكليات الانتخابية (electoral colleges). فالولايات ليست متساوية في عدد النقاط أو الكليات الانتخابية، بل تختلف حسب الكثافة السكانية، فمثلاً ولاية جزر هاوائي لها 4 نقاط فقط، بينما ولاية كاليفورنيا لها 55 نقطة. والغريب في هذا النظام أنه إذا كان فارق أصوات الناخبين للمرشحين ولو صوتاً واحداً فقط في ولاية ما، فإن هذا المرشح الفائز يأخذ 100% من نقاط تلك الولاية والآخر له صفر، وهذا ما حصل. فالسيدة هيلاري كلنتون حازت على 47.7% من أصوات الناخبين بينما حاز دونالد ترامب على 47.5%، أي بفارق 02%  أقل منها، ولكن مع ذلك فقد حصد ترامب 290 نقطة مقابل 228 لكلنتون أي بفارق 62 نقطة لصالحه، لأن ترامب فاز في الولايات ذات النقاط الأكثر، مثل أوهايو وغيرها. وهذا تكرار لما حصل عام 2000 بين بوش الإبن، وأل غور، حيث فاز بوش رغم أن أل غور قد حصل على نصف مليون صوت أكثر منه.

أما لماذا صوت كثيرون لترامب خلافاً للتوقعات، فهناك أسباب كثيرة، إذ نجح ترامب في تحويل جميع الصفات التي تعتبر ضده إلى صالحه، فمثلاً، قالوا عنه أنه يفتقر إلى خبرة إدارية سابقة وأنه خارجي ضد المؤسسة الحاكمة (outsider and anti-establishment)، أما هو فقد وصف هذه المؤسسة بالفساد وأنه يجب تبديلها. كما وبدى أنه ذو معرفه فطرية بسايكولوجية الجماهير، وكيف يعزف على الوتر الحساس لعواطف الناس ومشاعرهم ورغباتهم، وخاصة الشرائح الفقيرة التي لم تستفد من النمو الاقتصادي في الدولة العظمى اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً. وراح يكيل الوعود المعسولة لهم بأنه سيغير الوضع رأساً على عقب لصالح الجميع دون استثناء.

والغريب أيضاً أنه رغم إهانته للمرأة، وللأمريكيين من أصول أمريكا اللاتينية، وحتى السود، وعد ترامب ببناء حائط عازل يمنع دخول المكسيكيين إلى أمريكا، ومع كل ذلك فاز بـ 60% من أصوات النساء البيض، و30% من اللاتينيين، و14% من السود. كما وفاز في أغلب المدن ذات الغالبية العمالية المفترض بهم أن يكونوا ضده.

فالملاحظ في عصرنا هذا اختفاء الفوارق بين اليمين واليسار في الدول الغربية من القضايا المصيرية، ففي بريطانيا صوتت غالبية الطبقات الفقيرة للخروج من الوحدة الأوربية على خلاف توجهات حزب العمال للبقاء. كذلك في أمريكا صوتت الطبقات الفقيرة في المدن الصناعية العمالية لترامب الملياردير، العنصري المستهين بكرامة المرأة.
ومن الأسباب الأخرى لنجاح ترامب، خروجه على المألوف في حملته الانتخابية، إذ كان طبيعياً وصريحاً جداً دون مجاملة وإلى حد السذاجة، ولكنها سذاجة مصطنعة أشبه بالممثل الذي يقوم بدور الأبله. فالناس تحب الصراحة والتهجم على المؤسسة الحكومية، وخاصة تكرار قوله أن هيلاري هي جزء من هذه المؤسسة الفاسدة. إضافة إلى تدخل رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) جيمس كومي مرتين للتحقيق في إيميلات مسز كلنتون، والمرة الأخيرة كانت قبل ثمانية أيام فقط من الانتخابات، ولم يبرئها إلا قبل يومين من التصويت، وخلال هذه الفترة أحدث تغييراً كبيراً في الرأي العام ضد كلنتون ولصالح ترامب. كذلك شراسة الحملة الإعلامية ضد ترامب في تشويه سمعته، حيث تقدمت نساء أمام الإعلام أتهمن ترامب باغتصابهن جنسياً، أو تعرضن لتحرشاته الجنسية المرفوضة، وغيرها من الاتهمات، إضافة إلى اشتراك نجوم الموسيقى والغناء يحفلات غنائية لصالح كلنتون، كل تلك المحاولات كان لها مردود معاكس لصالح ترامب. فالناس اعتادوا على هذه الحملات التسقيطية ولم تعد تصدقها. والجدير بالذكر أن هيلاري صرفت على حملتها ضعف ما صرفه ترامب.

لقد عانت الطبقات الفقيرة كثيراً من فساد المؤسسات الحاكمة، كذلك موجات الهجرة المليونية من شعوب العالم الثالث التعبانة، وبالأخص من الدول العربية إلى الغرب، وتفشي الإرهاب الإسلامي وما ترتكبه من جرائم بشعة ضد الإنسانية، أدت إلى صعود اليمين في الغرب بما فيها أمريكا.

كانت الحملة الانتخابية شرسة جداً لم يشهد مثلها تاريخ أمريكا من قبل، بحيث أحدثت شرخاً عميقاً في الشعب الأمريكي. فرغم دعوات أوباما للوحدة، وحديث كلينتون لأنصارها بضرورة منح ترامب "الفرصة ليقود البلاد"، إلا أن احتجاجات غاضبة خرجت ضده في عدة ولايات أمريكية. فقد نظم آلاف المتظاهرين ضد ترامب في نيويورك مسيرة أمام برج ترامب في مانهاتن، رافعين شعارات مناهضة للرئيس الفائز بالانتخابات. كما ذكرت تقارير إغلاق متظاهرين مدخل برج ترامب في شيكاغو، مرددين شعارات "هذا ليس رئيسي" و"لا لترامب، لا لولايات متحدة أمريكية فاشية". كما وحرق متظاهرون غاضبون أعلام أمريكا في أوكلاند، وكاليفورنيا، وبورتلاند، و أوريغون(1).

السؤال المهم هنا، هل ينفذ ترامب أجندته مثل: الخروج من التجارة العالمية، واتفاقية باريس لحماية البيئة، وبناء الجدار العازل على حدود المكسيك، ويرحل نحو مليونين من المهاجرين اللاتينيين والمسلمين، ويسحب القوات الأمريكية من اليابان وكوريا الجنوبية، ويرفع الحماية عن السعودية والدول الخليجية الأخرى، ما لم تدفع هذه الدول تكاليف حمايتها، وحتى تهديده لدول الناتو ...الخ، أم هذه مجرد دعوات لخدع الجماهير في الحملة الانتخابية، وبعد الفوز يعود كل شيء كما كان؟

فرغم أنه سابق لأوانه، إلا إن ما ظهر خلال اليومين الأخيرين بعد الانتخابات، أن لهجة ترامب العنيفة تغيرت بـ 180 درجة. فعن منافسته هيلاري كلنتون التي نعتها بالفاسدة والمجرمة وأنه سيدخلها السجن إذا ما فاز، راح يكيل لها ولعائلتها الثناء في خطاب انتصاره، و قال أن الشعب مدين لها لما قدمته من خدمات جليلة للأمة. أما السيدة كلينتون، فقد هنأت ترامب على فوزه، و قالت لمؤيديها أن ترامب يجب أن "يُعطى فرصة ليقود البلاد".

أما عن أوباما الذي اعتبر رئاسته غير شرعية، وشكك في جنسيته الأمريكية، وتعهد بتقويض تراثه، قال ترامب: إنه "شرف كبير" أن يلتقي الرئيس باراك أوباما لإجراء محادثات الفترة الانتقالية في البيت الأبيض... وأضاف "لدي احترام بالغ. دام الاجتماع نحو ساعة ونصف ، وكان يمكن أن يستمر لفترة أطول من ذلك بكثير". وأنه "يتطلع للتعامل مع أوباما في المستقبل".
وفيما يخص تهديداته للعالم إثناء الحملة، تعهد ترامب في أول كلمة له بعد اعلان فوزه "بتحقيق السلام وليس خلق الازمات، والتعامل مع كل الدول".

والسؤال الآخر هو: هل تتغير السياسة الخارجية لأمريكا؟
يجب أن نعرف أن أمريكا هي دولة مؤسسات يحكمها نظام ديمقراطي، وليس نظام دكتاتورية الحزب الواحد والشخص الواحد، أو "القائد الضرورة". فالناس في الدول الديمقراطية لا تنتخب شخصاً، بل تنتخب فريق عمل، وحزب وبرنامج انتخابي. لذلك فالرئيس الفائز لا يحكم كما يريد، بل محاط بعدد كبير من المستشارين الخبراء، ومن حزبه، إضافة إلى مجلسين تشريعيين، النواب والشيوخ. فالرئيس الأمريكي ليس كل شيء في قمة الدولة.

ومن إيجابيات الرئيس المنتخب، أنه قال بصراحة عن دور السعودية راعية الإرهاب "فقد وصف، السعودية بالبقرة الحلوب، التي تدر ذهبا ودولارات بحسب الطلب الامريكي، مطالباً النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته كبدل عن الحماية التي تقدمها القوات الامريكية لآل سعود داخلياً وخارجياً. واعتبر ترامب، الذي يعتبر أول مرشح في تاريخ الانتخابات الأمريكية ينتقد السعودية علانية ويقلل من شأنها في الأجندة الخارجية الأمريكية، أن آل سعود يشكلون البقرة الحلوب لبلاده، ومتى ما جف ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها او نطلب من غيرنا بذبحها او نساعد مجموعة اخرى على ذبحها. وخاطب المرشح الامريكي النظام السعودي قائلاً: " لا تعتقدوا ان مجموعات الوهابية التي خلقتموها في بلدان العالم وطلبتم منها نشر الظلام والوحشية وذبح الانسان وتدمير الحياة ستقف الى جانبكم وتحميكم فهؤلاء لا مكان لها في كل مكان من الارض الا في حضنكم وتحت ظل حكمكم لهذا سيأتون اليكم من كل مكان وسينقلبون عليكم ويومها يقومون بأكلكم ".(2)

كما وقال بحق: أن أوباما وكلنتون ساهما في صنع داعش (ISIS)، والمعروف أن الثنائي أوبما وكلنتون كانا يتعاطفان من حزب الأخوان المسلمين. كما وأعلن ترامب أنه سيقيم علاقة تعاون مع روسيا، لدحر الإرهاب الإسلامي. يبدو أن الشعوب الغربية على الضد من حكوماتها ووسائل إعلامها، ترفض هذا العداء غير المبرر لروسيا، وتفضل التعاون معها لسحق الإرهاب الإسلامي الفاشي.

لذلك فقد رحب العراق ومصر وروسيا بفوز ترامب بشكل صريح، بينما ارتأت دول خليجية الصمت. فسياسة ترامب في الشرق الاوسط قريبة الى العراق وروسيا، اذ تعهد بتدمير «داعش» وعدم مد المسلحين في سوريا بالعتاد، ومحاربة التطرف الديني الوهابي، اذ يتوقع مراقبون ان يقوم الرئيس الاميركي الجديد بتفعيل قانون «جاستا»، فضلا عن السعي الى تعزيز الاتفاق النووي مع ايران التي دعته الى اهمية الالتزام به(3).

ومما يجدر ذكره، أن فوز ترامب وظروف المرحلة، يذكرنا بفوز رونالد ريغن في الثمانينات من القرن الماضي أيام كانت الحرب الباردة في أوجها، فكلاهما جمهوريان ويمينيان. فالرئيس ريغان كان عدواً لدوداً للشيوعية، وحصل في عهده إزالة جدار برلين، وتفكيك الاتحاد السوفيتي، وانهيار المعسكر الاشتراكي. واليوم انتهى الخطر الشيوعي، وحل محله خطر التطرف الإسلامي الوهابي وأجنحته المسلحة من التنظيمات الإرهابية، داعش، والقاعدة، وجبهة النصرة (جبهة فتح الشام)، وبكوحرام، ومحاكم الشباب وعشرات غيرها.
وختاما، رغم أني كنت أتمنى فوز السيدة هيلاري كلنتون لتكون أول امرأة تتبوأ رئاسة الدولة العظمى، إلا إن ما حصل لا يشكل خسارة كبرى، بل وربما فيه الخير خاصة إذا ما نفذ ترامب وعوده بسحق الإرهاب والحكومات الراعية له. فهل يتم في عهد ترامب إنهيار الإسلام السياسي، والوهابية التكفيرية، وتنظيماتها الإرهابية؟ نتمنى ذلك من كل قلوبنا، لذلك أعتقد يجب أن نتفاءل بفوز ترامب وننتظر ما يحصل في المستقبل القريب، وعندئذ لكل حادث حديث.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راوابط ذات صلة
1- الانتخابات الأمريكية: أوباما يستقبل ترامب في البيت الأبيض
http://www.bbc.com/arabic/world-37940005

2- ترامب: السعودية بقرة متى جف حليبها سنذبحها
http://www.addiyar.com/article/1033229-%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AD-%D9%84%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9-

2- زلزال فوز ترامب.. العراق يرحب والعالم منقسم
http://www.akhbaar.org/home/2016/11/220111.html

141
لا للعقوبات الجسدية في المدارس

د.عبدالخالق حسين

العنف بشتى أنواعه، الجسدي والكلامي، يحتل حيزاً واسعاً في الثقافة العربية-الإسلامية الموروثة (culture). وأكاد أجزم أن ثقافة العنف هذه هي السبب الرئيسي في تخلف هذه الشعوب وعدم استقرارها وازدهارها، وأحد أهم المعوقات أمام الديمقراطية. فالديمقراطية التي نحلم بها، هي نتاج تربية حضارية تبدأ من العائلة مروراً بالمدرسة والجامعة والمجتمع والسلطة...الخ. وهناك شبه إجماع لدى الفلاسفة، وعلماء التربية، أن أهم مرحلة تؤثر في حياة الإنسان وتشكل شخصيته ومستقبله، هي مرحلة الطفولة، إذ كما قال الفيلسوف البريطاني برتراند راسل: "الحرب تبدأ من رياض الأطفال".

المجتمع العراقي معروف بالقسوة و ثقافة العنف، فالإنسان العراقي مقموع في جميع مراحل نموه وتطوره، من المهد إلى اللحد، يتعرض للعنف منذ الرضاعة. ومما ينقل عن موروثنا الاجتماعي في هذا الصدد أنه عندما يأخذ الأب طفله إلى (الكتاتيب)، أو المدرسة لأول مرة، يقول للمعلم "لك اللحم ولي العظم"، أي من حق المعلم أن يضرب الطفل حتى يهرس لحمه، ولكن دون أن يكسر عظامه، وهذا العنف يرافقه في جميع مراحل الحياة.

وبهذه التربية القاسية القائمة على العنف، ليس من المتوقع أن يتحول هذا الإنسان إلى ديمقراطي حقيقي يحترم الرأي الآخر المختلف بمجرد إسقاط حكم البعث الفاشي. فصدام حسين وناظم كزار، وعلي صالح السعدي، ومئات الألوف من أمثالهم الذين مارسوا، ومازال أمثالهم  يمارسون العنف، هم نتاج هذه الثقافة الاجتماعية التي تقدس العنف. فقد كشفت الدراسات في علم النفس وعلم الاجتماع، أن معظم المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم ضد الأطفال وخاصة الجرائم الجنسية، كانوا هم ضحايا هذا النوع من الجرائم في طفولتهم. كذلك معظم القادة السياسيين الذين اضطهدوا شعوبهم كانوا قد عاشوا طفولة قاسية مثل صدام حسين وهتلر وغيرهما.

مناسبة هذا المقال هي مشاهدتي لفيديو قصير (دقيقتين)، نرى فيه معلماً سادياً يوجه عقوبة جماعية لأطفال مدرسة ابتدائية في محافظة ميسان، نشاهد طابوراً من الأطفال الصغار في حالة رعب وفزع، كل ينتظر دوره لهذا العقاب الجماعي الذي هو على شكل صفعة على الوجه، تليها جرة أذن، وضربة بالعصى على الظهر. أرجو من القراء الكرام مشاهدة هذا الفيديو قبل مواصلة قراءة ما تبقى من المقال، وهذا هو الرابط:
(حالة ضرب واعتداء على تلامذة اطفال في مدرسة الزهاوي في العراق/ ميسان)(1)
https://www.youtube.com/watch?v=q2NQHgDj3-0&feature=youtu.be

لا شك أن سلوك هذا "المربِّي" مقرف ومؤلم إلى أبعد الحدود. ورغم أن الحادث  قد مر عليه عام، وعلمتُ من صديق أن وزارة التربية عاقبت المعلم بالفصل، إلا إن هذا الإجراء الفردي لا يكفي إطلاقاً وبلا فائدة. فالمعلم الذي قام بهذه الفعلة الشنيعة كان بالتأكيد يعتقد أنه قام بواجبه المقدس، لكسب مرضاة الله وإعجاب الشعب، لأن ما قام به هو مقدس في الثقافة الاجتماعية (العصا لمن عصى) و(لك اللحم ولي العظم). 


نشرتُ مقالاً قبل 8 سنوات، بعنوان (دعوة لحظر العقوبات الجسدية في المدارس)(2). والغريب أني تلقيت تعليقاً من أستاذ جامعي متقاعد، مختص في الأمراض العصبية وعلم النفس، استنكر دعوتي تلك، قائلاً، إذا ألغت الدولة العقوبات الجسدية (Corporal punishment)، فسيقوم الطلبة بالاعتداء على المعلمين، ولا يبقى أي هيبة واحترام لهم.
لا شك أن هذا الاحتمال وارد، إذ نلاحظه في الدول الغربية التي ألغت هذه العقوبات، ولكن نسبة تجاوز الطلبة على المعلمين قليلة جداً جداً، وهي لا تختلف عن نسبتها في الفترة التي كانت تمارس فيها العقوبات الجسدية. إضافة إلى أضرار العقوبات الجسدية على نفسية التلميذ ومعنوياته وأدائه الدراسي، ومستقبله، وبالتالي على المجتمع.

فالمطلوب من المعلمين والمدرسين أن يقيموا علاقة حب واحترام بينهم وبين تلامذتهم لكي يحب التلامذة معلميهم و دروسهم ومدرستهم. ولكن الحالة التي شاهدناها في الفيديو، تنتج العكس، إذ ليس صعباً علينا أن نتصور مشاعر هؤلاء الأطفال الصغار الأبرياء وهم يتلقون الإهانات والصفعات على وجوههم. لا شك أن مشاعرهم هي الكراهية للمعلم والمدرسة والدروس، إضافة إلى أنهم يتدربون على العنف، وسيمارسونه فيما بينهم وعلى غيرهم في المستقبل، سواء على أطفالهم، وعوائلهم، أو تلامذتهم إن صاروا معلمين. وبهذه الطريقة تتكرر دورات العنف في المجتمع الذي صار مرتعاً خصباً لإنتاج الإرهابيين.   
في الحقيقة، العنف ليس المشكلة الوحيدة التي تعاني منها المدارس العراقية، وإنما هناك أزمات عديدة وعلى مختلف مستويات التعليم، من الابتدائية إلى الجامعة، في تدهور مستمر، يهدد الجيل بكارثة التجهيل. فهناك  تقصير متعمد في جميع المجالات، سواءً على مستوى الأبنية، إذ مازالت بعضها طينية تفتقر لأبسط القواعد الصحية، أو طباعة الكتب المدرسية التي مازالت تطبع في الخارج رغم توافر المطابع الحكومية المتطورة(3)، أو لا أبالية المعلمين والمدرسين، واستخدام العنف...الخ.(4)

وفيما يتعلق باستخدام العنف مع التلامذة، كتب لي صديق، وهو كاتب متميز، بعد اطلاعه على مسودة مقالي هذا، التعليق التالي: ((... وأنا اتواصل مع قريب لي تعرض ابنه للضرب المبرح لأن المعلمة تكره ام الطفل فقررت الانتقام من الطفل، ولاحقا كتب الطفل انشاءاً ممتازا فاعطته علامة صفر كرها وحقدا على امه.. طلبتُ منهم ان يرفعوا الامر الى التربية فقالوا: "ستكون النتيجة انهم سوف يرسبونه في صفه كما حدث مع فلان وفلان وفلان...".)) أنتهى.

لا شك أن لهذا التردي المريع في المدارس العراقية، نتائج وخيمة في مستوى تعليم أبناء هذا الجيل ومستقبله. لذلك اضطر كثيرون نقل أطفالهم إلى مدارس القطاع الخاص رغم ما يكلفهم ذلك من مبالغ فوق طاقة البعض منهم، ولكن من أجل أن يضمنوا لأطفالهم تعليماً أرقى، ومستقبلاً أفضل.

لذلك، وكإجراء عملي وإنساني للتخلص من جميع النواقص والمشاكل التي تعاني منها المدارس الحكومية نقترح ما يلي:
أولاً، على البرلمان العراقي تشريع قانون منع العقوبات الجسدية في جميع مراحل التعليم في العراق، وذلك لمنح التعليم وجهاً إنسانياً وليس عدوانياً.
ثانياً، نهيب بوزارة التربية والتعليم، العمل الجاد للتخلص من جميع السلبيات التي أشرنا إليها أعلاه، وكتب عنها زملاء آخرون، أدرج روابط مقالاتهم في هامش هذا المقال، مثل مقال الإعلامي السيد سالم مشكور(3)، ومقال الأكاديمي أ. د. محمد الربيعي(4).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- فيديو: حالة ضرب واعتداء على تلامذة اطفال في مدرسة الزهاوي في العراق/ ميسان
https://youtu.be/q2NQHgDj3-0

2- عبدالخالق حسين:  دعوة لحظر العقوبات الجسدية في المدارس
http://www.akhbaar.org/home/2008/12/60277.html

3- سالم مشكور: كوارث التعليم عندنا!
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/219614.html

4- أ. د. محمد الربيعي: وزير التربية.. الرجاء تقديم استقالتك!
http://www.akhbaar.org/home/2016/11/219840.html


142
لا لمنع المشروبات الكحولية

د.عبدالخالق حسين

جاء في الأنباء أن مجلس النواب العراقي، صوت يوم السبت، 22/10/2016، على إغلاق محال بيع المشروبات الكحولية "بشكل نهائي”، وفرض غرامات على المخالفين تصل إلى 25 مليون دينار.(1)
أعتقد أن هذا القرار خطأ كبير، ويشكل خطراً جسيماً على سلامة المجتمع، لأنه تجاوزٌ على الديمقراطية، والدستور، والحريات الشخصية التي كفلها الدستور للمواطنين، فضلاً عن أن نتائجه ستكون على الضد من الغرض الذي أريد منه، وذلك كما يلي:

أولاً، أضرار الكحول
في البدء، أود أن أؤكد بأني قاطعت تناول الكحول منذ ما يقارب العشر سنوات، وقبل ذلك كنت لم أتناوله إلا بمناسبات متباعدة وباعتدال، ولكن توصلت أخيراً إلى قرار مقاطعته نهائياً، ولأسباب صحية وقائية، عملاً بالحكمة: "الوقاية خير من العلاج".

فمن نافلة القول، أن الكحول مادة سامة تضر بالصحة، والعلاقات العائلية والاجتماعية، وتعرض الإنسان لمخاطر حوادث الطرق، والتورط بمشاكل مع الآخرين لأتفه الأمور...الخ. وآخر دراسة طبية في هذا الخصوص نُشِرَت في مجلة (The Lancet) الطبية اللندنية المعروفة، تفيد أن الكحول يسبب السرطان في أغلب أعضاء الجسم، وليس هناك الحد الأدنى الآمن (No safety limit)(2). كذلك معروف عن الكحول أنه يسبب تليُّف الكبد وعجزه، إضافة إلى التعجيل في موت الخلايا الدماغية، وما ينتج عنه من ضعف الذاكرة ومرض الألزهايمر (الخرف المبكر)، ومرض الارتجاف أو الرعاش (Parkinsonism)، وأمراضاً كثيرة أخرى.

ثانياً، أضرار المنع:
أثبتت الوقائع أن الدول التي منعت الكحول لأسباب دينية أو غيرها، مثل السعودية وإيران وباكستان ...، كانت النتائج وخيمة وكارثية. فالإنسان حريص على ما منع، إذ كما تفيد الحكمة (كل ممنوع متبوع). وفي هذه الحالة يلجأ الخمريون إلى الطرق غير القانونية للحصول على مبتغاهم، فإما أن يقوموا بصناعته في بيوتهم، وما يترتب على ذلك من احتمال التسمم، أو اللجوء إلى نوع من القولونيا ومواد سامة أخرى، كما حصل عدة مرات في باكستان ودول أخرى، أدت إلى وفيات وإصابات بمختلف الأمراض، ومنها الإصابة بالعمى في حالة تناول الكحول المثيلي (surgical spirit).
كذلك يفتح المنع أبواب التهريب من قبل عصابات المافيا، وما يترتب عليه من حرمان خزينة الدولة من الضرائب على الخمور. والأسوأ من كل ما تقدم هو تفشي المخدرات، وانتشار زراعة الحشيش (أفيون)، وترويج تجارته كما حصل في دول المنع، وتشكيل عصابات المافيا المسلحة وما تقوم به من جرائم بشعة بحق المجتمع. لذلك فأضرار منع الكحول أكثر وأسوأ من إباحته.

ثالثاً، لا قانونية المنع
استند نواب الشعب الذين تحمسوا وصوتوا لصالح المنع، على المادة الاولى من الدستور، التي تنص:
(أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام).
طيب، إن السماح لصناعة وبيع الخمور وتناولها كان متبعاً في العراق وفي معظم الدول الإسلامية الأخرى لمئات السنين، فما الذي دفعكم الآن لخلق هذه المشكلة؟ وهل العراق تنقصه مشاكل في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه؟ وهل الغرض هو حرف الرأي العام عن الانتصارات التي تحققها قواتنا المشتركة الباسلة من انتصارات على عصابات داعش لتحرير محافظة نينوى؟
فهناك الكثير من الأمور التي تعتبر من ثوابت الإسلام، إلا إن الغالبية العظمى من الدول الإسلامية غضت الطرف عنها، وتساهلت فيها حسب متطلبات المرحلة التي نعيشها، وعلى سبيل المثال، هذه إيران وتركيا الإسلاميتان، أوقفتا العمل بعقوبة قطع يد السارق، و رجم الزاني والزانية، وهذان الحكمان من ثوابت الإسلام أيضاً، أما تركيا فقد ألغت حتى تجريم الزنى بالتراضي، رغم أن الحزب الحاكم هو إسلامي. إذ هناك آية قرآنية تقول: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر". فلماذا لم تأخذوا باليسر في الإسلام، ودائماً تصرون على الأخذ بالعسر والشدة، و خنق الحريات وتحويل حياة الناس إلى سجن وتعاسة؟

نسي السادة النواب، أو تناسوا عن عمد، أن قرار المنع هذا، يتعارض مع الفقرة (ب، وج) للمادة الأولى أيضاً من الدستور، والتي نصهما: (ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية). والفقرة (ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور). وعليه، فهذا القرار يتعارض مع الدستور، لذلك فهو باطل.

أما التحجج بأن الغالبية العظمى من الشعب العراقي مسلمون فلا يبرر إصدار القانون، لأن هناك نحو 10% أو أكثر من غير المسلمين، مثل: المسيحية، والأيزيدية، والصابئة المندائية وغيرهم، إضافة إلى أن نسبة عالية من المسلمين ليسوا متدينين أصلاً، عملاً بقوله تعالى (لا إكراه في الدين). لذلك فسن هذا القانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور، وحتى في الكتاب المقدس.

والجدير بالذكر إن تشريع قانون حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة انواعها، لم يصدر كقانون مستقل بحد ذاته، وإنما تم دسه خلسة، كفقرة إضافية لقانون واردات البلديات، ولم يمنح المجلس وقتاً كافياً لمناقشة هذه الفقرة، فتم تمريرها ضمن قانون واردات البلديات في اللحظات الأخيرة في اجتماع مجلس النواب العراقي الذي عقد، يوم السبت، (22 تشرين الاول 2016)، في جلسته الـ 24 من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثالثة برئاسة سليم الجبوري وحضور 226 نائبا.(3).

مخاطر القانون
لهذا القانون تداعيات ضارة جداً على أمن وسلامة المجتمع. فالمواطن العراقي محاصر من جميع الجهات، ويعاني من مختلف الضغوط النفسية والاجتماعية، والاقتصادية، والإعلامية المضللة وغيرها. وهناك ضغوط العمل والإرهاب، و الفساد ...الخ، لذلك يرى نسبة كبيرة من العراقيين في تناول الكحول باعتدال نوعاً من التنفيس عن الضغوط النفسية التي يعانون منها. وهذا متبع في جميع أنحاء العالم. فالشعب العراقي بحاجة إلى توفير أماكن ترفيهية مثل منتديات ثقافية ورياضية، وحانات، ومقاهي، ومنتزهات، ودور سينما، وحتى إلى مراقص للترفيه، و لمَ لا؟ فلماذا يستكثرون على العراقي أبسط الحقوق باسم الدين والدين منهم براء؟ فالحرمان من الترفيه عن النفس يؤدي إلى تصعيد الضغوط النفسية، وإذا لم تر متنفساً آمناً لها كصمام أمان، ستؤدي إلى تراكم الضغوط، وبالتالي إما إلى عقد وأمرض نفسية أو إلى الانفجار.

إن تناول الخمور عند البعض بمثابة مسكنات للأوجاع، لذلك فقرار المنع أشبه بقرار منع الحبوب المسكنة للأوجاع مثل الأسبرين والبارسيتامول وغيرهما. فلنتصور أن البرلمان يصدر غداً قانوناً يقضي بمنع الأطباء من استخدام المورفين والبثدين لمرضاهم في المستشفيات عند الضرورة. وهذا ليس مبالغة في التشبيه، فالخمور أيضاً مسكنة للأوجاع النفسية عند الضرورة، إن لم يحصل عليها الإنسان بالوسائل المشروعة، يلجأ للحصول عليها بالوسائل غير المشروعة، ولسان حاله يقول: "وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان".

أعتقد جازماً أن السادة النواب الذين صوتوا على هذا القرار المجحف، يجهلون أبسط المعلومات عن الطبيعة البشرية، ولم يدركوا تداعيات قرارهم الخطير هذا. لذلك أرى من المفيد أن تقوم رئاسة البرلمان بتنظيم أمسيات ثقافية لهم، تدعو لها أساتذة جامعيين متخصصين في علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، لإلقاء محاضرات عليهم في هذه المجالات، وتسجيل هذه المحاضرات لبثها عبر التلفزة كجزء من الحملات التثقيفية للشعب، كما يجري هنا في الغرب لتثقيف الناس وتعويدهم على التفكير العلمي النقدي.   

ما العمل؟
وبناءً على ما تقدم، نستنتج أن هذا القانون هو سيئ وخطير، ويعتبر تجاوزاً على حرية المواطنين، لذلك نهيب بمنظمات المجتمع المدني، والقوى السياسية، وكافة الكتاب والصحفيين والديمقراطيين، شن حملة سلمية ضد هذا القانون، ومطالبة السيد رئيس الجمهورية، والمحكمة الإتحادية بإلغائه لعدم دستوريته.

ما البديل؟
نعم، المشروبات الكحولية تسبب الكثير من المشاكل الصحية والاجتماعية وغيرها، ولكن ليس من واجب السلطة التشريعية أو التنفيذية بإصدار قوانين وقرارات المنع التعسفية بتجريم إنتاجها وبيعها وتناولها، وإنما دورها ينحصر بسن قوانين انضباطية فقط في هذا الخصوص. فالدولة تمثل السلطة المدنية المسؤولة عن شؤون الناس الزمنية الدنيوية. أما الشؤون الدينية فهي وظيفة رجال الدين، والتي تنحصر في تقديم النصح والإرشاد والتوعية، وليس بالقسر والقهر، وذلك عملاً بالحكمة (إنما الدين النصيحة)، (وما عليك إلا البلاغ)، (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا، وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)، و( لا إكراه في الدين).. اللخ. فهذا هو الإسلام الحنيف، أي اليسر السهل الذي أفهمه، فلماذا تجعلون منه ديناً صعباً لا يطاق؟
وفي نفس الوقت يجب حث المؤسسات الصحية والإعلامية والتعليمية على شن حملة ثقافية مستمرة لرفع الوعي الصحي للشعب بمخاطر وأضرار الكحول، والدعوة نحو الاعتدال في تناوله، أو الامتناع عنه طوعاً وعن قناعة وليس بالإكراه. فأضرار الكحول الصحية لا تقل عن أضرار التدخين، ولكن في جميع الأحوال، لا يجب منعه بالقوة وبقوانين تعسفية تتعارض مع حقوق الإنسان، والحريات الأساسية الواردة في الدستور، لأن نتائج المنع كارثية.

كذلك يجب الضرب بيد من حديد العصابات التي تحاول فرض إراداتها الغاشمة على الناس باسم الدين، بدلاً من الدولة التي وحدها لها الحق في تطبيق حكم القانون وحماية أمن الناس.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مجلس النواب يصوت على اغلاق محال بيع المشروبات الكحولية وتغريم المخالفين
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/219285.html

2- مقالة المجلة الطبية البريطانية، ذي لانست: Alcohol and cancer
http://www.bbc.com/news/world-middle-east-37743180
 
3- تصريح من الاتحاد الديمقراطي العراقي حول قانون حظر المشروبات الكحولية... لا لقمع الحريات
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/219316.html



143
داعش، بندقية للإيجار أنتهى دورها
د.عبدالخالق حسين

لقد بات واضحاً، أن "داعش" أو ما يسمى بالدولة الإسلامية (IS) أو (ISIS)، هي نتاج مؤامرة محلية وإقليمية ودولية، لغرض واحد في البداية، وهو منع السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق من ولاية ثالثة بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2014. وقد عقدوا الأمل في أول الأمر للتخلص منه على الانتخابات عسى أن يفشل، ولما خاب أملهم، استخدموا هراوة داعش، حيث تم تسليم محافظة نينوى (الموصل) ومن ثم محافظة صلاح الدين (تكريت) وقضاء الفلوجة بدون إطلاق رصاصة واحدة، إذ تمت عملية التسليم وفق مخطط أتفق عليه خصوم المالكي في الداخل والخارج للتخلص منه. وكان لهم ما أرادوا، وتم اختيار الدكتور حيدر العبادي بديلاً له، والذي لحسن الحظ، أثبت جدارته. وقد ذكرنا الأدلة على صحة ما نقول، في مقالنا الموسوم (تحية للجيش الذي أسقط "أسطورة" داعش)(1)، بمناسبة تحرير محافظة صلاح الدين (تكريت) في العام الماضي. ومن هذه الأدلة على سبيل المثال لا الحصر، نذكر أن الرئيس أوباما رفض مساعدة العراق في محاربة داعش، كما و رفض حتى تسليم الطائرات الحربية التي دفع العراق أثمانها مسبقاً، طالما بقي المالكي رئيساً للحكومة. ويشار إلى أن مسؤول إسرائيلي كبير، أنتقد الإدارة الأمريكية في حربها على داعش، قائلاً يجب عدم القضاء على داعش، بل تركها لإشغال العرب، فوجود داعش ضروري لضمان أمن إسرائيل.

فمن الأخطاء القاتلة التي ارتكبها السيد نوري المالكي، هو اذعانه لضغوط إيران برفض بقاء عدد من القطعات العسكرية الأمريكية في العراق ضمن اطار الاتفاق الاستراتيجي المعقود بين البلدين عام 2011، بذريعة أن بقاء هذه القوات يخل بالسيادة الوطنية. وبعد (خراب الموصل)، نحن إذ نسأل: أيهما أكثر إساءة للسيادة الوطنية، بقاء عدة آلاف من العسكريين الأمريكان لتدريب قواتنا العسكرية، ورفع قدراتها الدفاعية، ومنع تجاوزات دول الجوار على حدود بلادنا، أم احتلال ثلث مساحة العراق من قبل عصابات الدواعش، شذاذ الآفاق وحثالات البشرية، الذين دنسوا الأرض وهتكوا العرض؟ فأية سيادة هذه؟ إنها عقدة العناد والمكابرة، وسوء الفهم لمفهوم السيادة الوطنية في عصر العولمة، حيث تشابكت المصالح، والمشكلة الوطنية تعتبر مشكلة عالمية. فهاهي القوات الأمريكية تعود بطلب من الحكومة العراقية للمساعدة في تحرير المناطق المحتلة من الدواعش. والكل يعلم أن 80-90% من الدواعش هم من أبناء المنطقة، وأغلبهم من قوات الحرس الجمهوري الصدامي السابق.

لقد بالغ الإعلام العربي والغربي بقوة داعش، وجعلوا منها قوة أسطورية لا تقهر، التي "هزَّمت" الجيش العراقي المدجج بما قيمته عشرات المليارات الدولارات من السلاح الحديث. والغرض من كل هذا التهويل هو ابتزاز الحكومة (التي يهيمن عليها الشيعة، والموالية لإيران)، كما يزعم خصوم العراق الجديد، ولكسر هيبتها. هذا الكلام بالطبع سيضعنا في خانة (نظرية المؤامرة)، ... فليكن !.

وأخيراً، وكما هو المعهود دائماً، انقلب السحر على الساحر، فداعش انتقم حتى من أهل السنة الذين رحبوا بهم، فهتكوا الأعراض، وقتلوا منهم الألوف، وشردوا مئات الألوف، وأذاقوهم سوء العذاب، و وصل إرهابهم حتى إلى الدول التي خلقتها ودعمتها بالمال والسلاح، مثل تركيا والسعودية، كما وصل إرهابهم إلى أوربا وأمريكا وكندا. لذلك تم تشكيل التحالف الدولي لمساعدة العراق للتخلص من داعش التي انتهى دورها في تدمير العراق وسوريا.

فالجيش الذي حاولوا تدمير معنوياته، هو نفسه الذي قام بتحرير محافظة صلاح الدين، ومن ثم محافظة الأنبار بما فيها الفلوجة التي اعتبروها قلعة الدواعش "الثوار" كما كان يسميها بعض المشاركين في العملية السياسية، وهم في الحقيقة يمثلون الذراع السياسي لداعش في السلطة.

وأخيراً جاء اليوم المشهود، يوم تحرير الموصل "عاصمة الخلافة" لأبي بكر البغدادي، بعد تحضيرات دامت طويلاً، بصبر وحكمة، فانطلقت الشرارة في فجر يوم الإثنين، 17/10/2016، وإذا بالجيش يزحف نحو الموصل بأسرع مما كانوا يتوقعون، بشهادة القادة العسكريين العراقيين والأمريكان، وهذا يستحق الثناء والتحية لقواتنا المشتركة الباسلة.

لا أحد يدعي أن تحرير الأرض والعرض من رجس الأشرار الأنجاس عملية سهلة، وبدون تضحيات، إلا إننا استبشرنا بانتصارات القوات المشتركة الرائعة على جحافل الظلام. فبشهادة الديلي تلغراف اللندنية "إنها علمت من سكان مدينة الموصل إن أعداداً من مسلحي التنظيم تفر ليلا، أنهم يذهبون إلى سوريا أو تركيا.(2)
ولكن يجب التحذير، أن داعش لها خلايا نائمة في كل المناطق التي فيها متعاطفون معها بدوافع طائفية، ينتظرون اللحظة المناسبة ليقوموا بدورهم التخريبي، وآخر هذه العمليات الإرهابية هي أحداث كركوك يوم 21 تشرين الأول الجاري، وبالتأكيد ستتكرر هذه العمليات الجبانة في مناطق أخرى كما حصل في الرطبة، وهي علامة يأس واستماتة لحرف الأنظار عن هزائمهم في جبهة الموصل.

إن قواتنا الباسلة تستحق كل الدعم والإسناد من الشعب، وعدم السماح للإنتهازيين الذين يزايدون على غيرهم بغطاء محاربة الفساد، كلعبة مقتدى الصدر الذي قاد المظاهرات بحجة محاربة الفساد عندما كانت القوات العراقية المشتركة تحارب الإرهابيين في الفلوجة. وحاول مقتدى أن يقوم بنفس الدور القذر مجدداً عند بدء عمليات تحرير الموصل، حيث دعى أنصاره للتظاهر بحجة الاحتجاج على فساد السلطة القضائية لأنها أصدرت حكماً في صالح نواب رئيس الجمهورية، عملاً بالدستور. وهذا يعني أن رغبات مقتدى وأتباعه (الجهلة، الجهلة) هم فوق الدستور. وحسناً فعل الدكتور حيدر العبادي، بتوجيه إنذار إلى الصدر بأنه سيعاقب إذا ما اعتدى أتباعه على مؤسسات الدولة وخاصة السلطة القضائية(3). ويبدو أن مقتدى افتهم الرسالة وألغى التظاهرة خوفاً من العقاب.

كذلك من الإنصاف القول أن الدكتور حيدر العبادي، لحد الآن تصرف بكل صبر وهدوء وحكمة، يستحق عليها الدعم والثناء والمساندة من الجميع، إذ كما كتب أحد الأخوان بحق: (العبادي حاكم متوازن ورصين حتى الآن، فكفوا يا اولاد شوارع الثقافة والصحافة عن الطعن بأدائه الهاديء).

الدرس البليغ
موصل سيتم تحريرها قريباً بجهود القوات العراقية الباسلة، ودعم التحالف الدولي، ولكن بعد أن دفع العراق كل هذا الثمن الباهظ من أرواح أبنائه، وما تعرض له جميع مكونات الشعب من قتل وتخريب وهتك الأعراض، وتدمير المعالم التاريخية الحضارية للبلاد... وعليه هناك درس بليغ للجميع، وبالأخص لقادة التحالف السني، والسيد مسعود بارزاني، أن التحالف السري مع الإرهاب، وتسليم المحافظات الغربية لـ(داعش)، نكاية بالمالكي، ولتشويه صورة العراق الجديد وإضعافه، لن تزيدكم إلا وبالاً، إنها لعبة خطيرة قذرة أشبه بلعبة شمشون الذي هدم المعبد على رأسه قائلاً: (عليَّ وعلى أعدائي يارب.. وليكن من بعدي الطوفان).
فالعراق بلد غني بإمكانه أن يجعل جميع أبنائه يعيشون برفاه لو تمسك الجميع بالوحدة الوطنية، والنظام الديمقراطي الذي لا بديل له، ولا يمكن التنازل عنه. وليعلم الجميع أن انتصار الديمقراطية أمر حتمي لا بد منه. وأية معارضة منكم للعراق الديمقراطي يعني جلب المزيد من الآلام والبلاء والكوارث على سكان مناطقكم. وأن السعودية وقطر وتركيا يستخدمونكم كدمى ضد مصلحة شعبكم، لذلك وللتقليل من آلام شعبنا، بجميع مكوناته، لا مفر لكم غير القبول بالنظام الديمقراطي ودعمه، والمشاركة الفعالة بالسلطة بصدق وحسن نية، بلا خبث وتآمر. فمن يزرع الشوك لا يحصد إلا الشوك، ويا أهل السنة والجماعة، أهينوا لئامكم تُكرموا.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبدالخالق حسين:  تحية للجيش الذي أسقط "أسطورة" داعش
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=816

2- الديلي تلغراف: عناصر داعش يفرون ليلاً من الموصل ويشكلون تهديداً لأوروبا
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/219179.html

3- صحيفة عكاظ السعودية: العبادي هدد الصدر هاتفيا باستخدام القوة لفض التظاهرات
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/219001.html

144
مناظرة غير هادئة مع مستشار إردوغان!
د.عبدالخالق حسين

بدعوة كريمة من  الإعلامي والكاتب المتميز، الأستاذ ملهم الملائكة، شاركتُ في مناظرة إذاعية عبر الهاتف، تم بثها على الهواء المباشر على إذاعة DW الألمانية، صباح يوم الخميس 13 تشرين الأول/أكتوبر الجاري. وكان الضيف الآخر من أنقرة، كما تم تقديمه، أحد مستشاري الرئيس التركي إردوغان، وكان يجيد العربية، ولكنه كرئيسه للأسف، لا يجيد أسلوب الحوار.

كان محور البرنامج هو تواجد القوات التركية في شمال العراق دون الدعوة من الحكومة العراقية، والملاسنة الخشنة التي استخدمها الرئيس التركي إردوغان مع رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي، بعيداً عن الكياسة، والأعراف الدبلوماسية، و التي استهجنها العالم كله.

بدأ مقدم البرنامج، الأخ ملهم، بتوجيه السؤال إلى الضيف التركي أولاً، فأجاب بإسهاب ما ملخصه أن تواجد القوات التركية جاء استجابة لطلب من رئيس الوزراء العراقي قبل عامين، لتدريب القوات العراقية، ولما أنكر العبادي الدعوة فيما بعد، أضطر الرئيس إردوغان إلى هذه اللغة ولذلك فإن العبادي هو البادئ. ودليل آخر على شرعية تواجد القوات التركية، كما قال المستشار، أن وزير الدفاع العراقي السيد خالد العبيدي زار المعسكر التركي في بعشيقة، ورحب بهم، وقدم لهم تحيات رئيس الوزراء العراقي ...الخ!!

المشكلة مع الضيف التركي أنه أطال في جوابه ودون الالتزام بالوقت المحدد له، وإعطاء الفرصة للضيف الآخر الذي هو كاتب هذه السطور، ولم يسمح لي بالكلام إلا بشق الأنفس. ولما جاء دوري، أيدته أن الدكتور العبادي قد يكون وجه هكذا دعوة إلى تركيا للمشاركة في تدريب القوات العراقية خلال زيارته لأنقرة قبل عامين، على غرار مشاركة خبراء عسكريين من دول أخرى مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيران... اللخ، إلا إن هذه الدول أرسلت خبراءها العسكريين الذين بلغت أعدادهم المئات وحتى الألوف، كأفراد غير مسلحين، ولم يرسلوهم كقطعات عسكرية مجهزة بالدبابات والمجنزرات، وغيرها من الأسلحة الثقيلة والمؤن والذخيرة العسكرية كما فعلت تركيا التي احتلت موقعاً قرب بعشيقة في شمال العراق. فتواجد القطعات العسكرية التركية التي بلغ تعدادها ألفي عنصر، ليست للتدريب، بل هو احتلال عسكري، وتجاوز على السيادة الوطنية...

وفيما يخص زيارة وزير الدفاع العراقي لهذه القطعات في بعشيقة وترحيبه بها، قلتُ أنه تصرف شخصي من الوزير السابق، خاصة وأن الحكومة العراقية مؤلفة من عدة كتل سياسية متنافسة وحتى متنافرة، يكون ولاء وزرائها لقياداتهم السياسية، وليس لرئيس الحكومة. و وزير الدفاع المشار إليه أعلاه، هو من كتلة (متحدون) بقيادة الأخوين النجيفي، المعروفين بولائهما لتركيا أكثر مما هو للعراق. وأخيراً سحب البرلمان العراقي ثقته بهذا الوزير وأقيل بسبب ضلوعه بالفساد وضعف أدائه.

ولما أثبتُ له بالأدلة الدامغة، وحسب تصريحات الناطق الرسمي عن الإدارة الأمريكية، أن القوات التركية ليست ضمن قوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وأن على تركيا احترام السيادة العراقية ...اللخ، غضب صاحبنا المستشار التركي، وراح يردد بأني طالما أعيش خارج العراق (في بريطانيا)، فلا أعرف أي شيء عما يجري في المنطقة، لذلك لا يحق لي الحديث في هذا الموضوع، ثم راح يتحدث عن الأخلاق! وأن لتركيا كل الحق لإرسال قواتها إلى أي مكان في العالم دون أخذ موافقة أحد عندما تجد أمنها مهدداً من قبل الإرهابيين في العراق وسوريا (كذا).

ولما انتهى وقته وطالبه الأخ مقدم البرنامج بالسماح لي للرد عليه، فلم يلتزم، لذلك لم أجد بداً من الدخول على الخط بعد أن سمح لي الأخ ملهم أن المايكروفون لي. فقد استنتجت أن هذا الشخص كرئيسه، يجب مواجهته بصراحة ومهما كانت قاسية. فبينت له أن تركيا أدعت مرة أن وجود قواتها في شمال العراق جاء بناءً على دعوة من محافظ نينوى لتدريب الحشد الوطني (مليشيات تابعة للأخوين النجيفي)، ومن ثم قالوا بدعوة من رئيس الإقليم الكردستاني لتدريب البيشمركة، وأخيراً قالوا أنه بدعوة من رئيس الوزراء العراقي لتدريب الجيش العراقي، فلماذا لم يثبتوا على رأي واحد، ويغيرون مبرراتهم بين حين وآخر؟ ولما فندنت كل مبرراتهم، قال الأخ التركي أن تركيا لا تحتاج إلى موافقة من أية جهة عندما تجد أمنها مهدد من قبل الإرهابيين في العراق!!! أليس هذا اعتراف صريح بأن قواتهم دخلت العراق عنوة ودون أية دعوة من العراق؟ فلماذا كل هذا اللف والدوران، ولماذا لم تقلها من البداية أن قواتكم جاءت بدون موافقة أية جهة عراقية؟

وهل حقاً أن أمن تركيا مهدد من قبل داعش وجبهة النصرة وغيرهما من المنظمات الإرهابية؟ إنها نكتة سمجة أن تدعي تركيا بحماية أمنها وأمن المنطقة من الإرهاب. فبشهادة مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية مثل نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، والمرشحة للرئاسة هيلاري كلنتون، وكذلك شهادة نائب المستشارة الألمانية، والمئات من التقارير الصحفية الغربية، تؤكد أن تركيا ساهمت في خلق داعش، وجبهة النصرة، وهي من الدول الراعية للإرهاب إلى جانب السعودية وقطر...الخ، وجعلت من حدودها بوابة لدخول وخروج الإرهابيين إلى العراق وسوريا. ولذلك ليس صحيحاً أن تركيا أرسلت قواتها إلى العراق لحفظ أمنها من الإرهاب، بل العكس هو الصحيح، فوجود القوات التركية هو لحماية الإرهابيين من التصفية والهزيمة المؤكدة، ولفتح ممر آمن لٌهم ليغادروا الموصل إلى تركيا بسلام، للحفاظ عليهم واستخدامهم كهراوة ضد أية حكومة في المنطقة وحتى في العالم ضد روسيا مثلاً في المستقبل.
ثم انتهى البرنامج
******
يبدو أن إردوغان لم يقرأ التاريخ ليستخلص الدروس والعبر منه، ولم يتعظ من أخطاء الذين سبقوه مثل صدام حسين، ومعمر القذافي وغيرهما، فمصيره لا بد وأن يكون كمصير أمثاله من الطغاة  المتغطرسين، في مزبلة التاريخ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: يجب دحر تجاوزات إردوغان على العراق
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=864

2- مقال لصحفي تركي، جدير بالقراءة
Burak Bekdil : Turkey's Dangerous Moves in Iraq
http://www.meforum.org/6326/turkey-dangerous-moves-in-iraq

3- أردوغان متحدياً : سنبقى في بعشيقة وعلى الجميع السكوت!
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218899.html

4- العبادي: لن نسمح لتركيا بالمشاركة في تحرير الموصل بأي شكل
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218930.html

5- الحشد الشعبي: الغطرسة لن تنفع أردوغان.. وتركيا لن تجني من تواجدها في العراق إلا الندم
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218919.html


145
يجب دحر تجاوزات إردوغان على العراق
د.عبدالخالق حسين

نشرت وكالات الأنباء تصريحات فجة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمام اجتماع لزعماء منظمة الدول الإسلامية في اسطنبول، متحدثا عن رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي: "إنه يسيئ إليّ ، [وأقول له] أنت لست ندي ولست بمستواي، وصراخك في العراق ليس مهماً بالنسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدك أولا".

وقد رد الدكتور العبادي على كلام اردوغان بالقول: "بالتأكيد لسنا نداً لك، سنحرر ارضنا بعزم الرجال وليس بالسكايب". في اشارته الى ظهور اردوغان عبر برنامج سكايب خلال كلمته الى الشعب التركي في الانقلاب العسكري "المزعوم" الذي شهدته تركيا في 15 تموز الماضي(1)

هذه التصريحات الإردوغانية، أقل ما يقال عنها، أنها صبيانية وسوقية وعنجهية فارغة لا يمكن أن تصدر إلا من إنسان مصاب بالغطرسة والغرور الفارغين. فمنذ مدة وهذا الحالم بإعادة سلطنة آل عثمان، لينصب نفسه خليفة على المسلمين، بدأ يخلق المشاكل لدول المنطقة، فراح يتدخل في شؤون سوريا والعراق، مستغلاً التعددية المذهبية والسياسية والأثنية في هذين البلدين، معتمداً على الإرهاب المتمثل بداعش وجبهة النصرة وغيرهما، وصب المزيد من الوقود على نيران الفتن الطائفية المشتعلة أصلاً، بالتحالف مع أعداء الديمقراطية، والوحدة الوطنية في الداخل، ودعم السعودية وقطر في الخارج.

وكانت تصريحات إردوغان رداً على ما صرح به رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي الذي  قال ما يجب أن يقوله كل مسؤول في مثل هذه الظروف، أن "السيادة العراقية خط أحمر وعلى تركيا احترام سيادتنا"، لافتا إلى "أننا لا نريد الدخول في صراع مع تركيا، ولا يظن الأتراك أن تواجدهم في العراق نزهة لهم"(1).
ولا نرى أي خطأ في هذا الكلام ليستوجب من إردوغان إطلاق هذه التصريحات العدوانية الاستفزازية التي من شأنها تهديد الأمن والسلام في المنطقة، وربما تؤدي إلى إشعال حروب إقليمية. نعم، العبادي ليس نداً لإردوغان وليس بمستواه، لأن مستوى إردوغان هابط إلى الحضيض، إلى مستوى أبناء الشوارع من البلطجية، ولا يمكن لأي مسؤول أن ينحدر إلى هذا المستوى في مخاطبة الآخرين بعيداً عن أبسط قواعد الكياسة الدبلوماسية.

بالتأكيد لهذه التصريحات العدوانية المسيئة للعراق، ردود أفعال قوية ضد إردوغان نفسه، سواءً في داخل العراق أو خارجه. ففي الداخل، لا بد وأن يعرف العراقيون أن هذه التجاوزات هي إهانة، ليس لرئيس حكومتهم فحسب، بل وللشعب والسيادة الوطنية، لذلك فلا بد وأن تدعو جميع القوى السياسية ترك خلافاتها الثانوية جانباً، والوقوف صفاً واحداً وراء قيادتهم السياسية، للدفاع عن كرامة الشعب وسيادته الوطنية.
أما في الخارج، فقد أثارت هذه التصريحات استهجان العالم، وخاصة الدولة العظمى أمريكا، فقد أعربت واشنطن عن دعمها لموقف بغداد من وجود تركيا العسكري في شمال العراق. وأكدت الخارجية الأمريكية على لسان المتحدث باسمها، جون كيربي، في بيان، الثلاثاء 11 أكتوبر/تشرين الأول، أن جميع القوات الأجنبية في العراق "يجب أن تكون هناك بعد موافقة حكومة البلاد، وبشرط التنسيق معها وتحت مظلة التحالف الدولي ضد الإرهاب"، وأن "الدول المجاورة للعراق عليها أن تحترم سيادته ووحدة أراضيه"، وأن "القوات التركية المنتشرة في العراق لا تدخل ضمن التحالف الدولي"، معتبرا أن "الوضع في قاعدة بعشيقة يجب أن يكون قيد دراسة حكومتي العراق وتركيا".(2)
كما وطالب كل من البرلمان العربي، والجامعة العربية تركيا بسحب قواتها من العراق فوراً واحترام سيادته الوطنية.
ورداً على إدعاءات إردوغان (أن وجود قواتهم بالموصل مشروع وأنها جاءت بناءً على طلب من رئيس الوزراء العبادي وسيستمر ما دامت هناك حاجة إليه!!)، رد مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي نافياً هذه الإدعاءا،. وأكد ان "تصريحات الرئيس التركي، التي ادعى فيها ان العبادي طلب إنشاء قاعدة بعشيقة العراقية اثناء زيارته الى انقرة، وأن القوات التركية دخلت بعشيقة على هذا الأساس، هي تصريحات عارية عن الصحة ومناقضة لما سبقها من تصريحات فقد صرحوا سابقا بان القوات التركية متواجدة بطلب من محافظ نينوى السابق، وفي تصريح آخر اكدوا انها بموافقة حكومة اقليم كردستان، وفي تصريح ثالث ادعوا انها بموافقة التحالف الدولي الذي كذب ادعاءاتهم علنا".(3)

أغراض إردوغان من هذه العنتريات
والسؤال هنا، لماذا أطلق السلطان الصغير إردوغان، هذه التصريحات السخيفة الاستفزازية ضد رئيس الحكومة العراقية؟
الأغراض متعددة، الأول، أنه يعاني من أزمة داخلية شديدة، واحتقار شديد في الخارج، الأمر الذي اضطره ليدفع تنازلات مهينة إلى روسيا، فذهب صاغراً إلى موسكو وانحني أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واستجاب لجميع مطالبه. أما في الداخل فقد هبطت شعبيته إلى الحضيض في الشعب والجيش، حيث قام الأخير بمحاولة إنقلابية عسكرية ضده، ولولا بعض الأخطاء من قادة الانقلاب لكان إردوغان وحكمه في خبر كان. وبرزت هذه الأزمة بكل وضوح من حجم الاعتقالات التي بلغت أكثر من مائة ألف من الضباط، والقوات الأمنية، والقضاة، وأساتذة الجامعات والمدرسين والمعلمين والموظفين الآخرين. (راجع مقالنا: المحاولة الانقلابية.. زلزال يهز عرش أردوغان) (4)

الغرض الثاني من مناورات إردوغان في مشاركته لـ"تحرير الموصل"، أنه يريد أن يخلق ممراً آمناً للإرهابيين إلى تركيا، ليستخدمهم فيما بعد كهراوة ضد دول الجوار في المستقبل.
الغرض الثالث، هو أطماعه في الموصل وكركوك، وتوظيف مسعود بارزاني والأخوين النجيفي لتقسيم العراق إلى كيانات ضعيفة يسهل عليه بلع شمال العراق. 

فإردوغان يقوم بهذه العنتريات ضد العراق من أجل ترحيل أزماته الداخلية، وحرف أنظار شعبه إلى خارج تركيا واختلاق صراعات مع دول الجوار ليقول للشعب التركي أن تركيا مهددة بالإرهاب والعدوان من العراق، فما عليكم إلا أن تقفوا معي!!

والجدير بالذكر أن إردوغان عُرِفَ بعدائه العنصري الفاشي ضد الكرد، سواءً في بلاده، أو في سوريا والعراق. ففي تركيا، الأكراد مضطهدون وممنوع عليهم حتى تسمية أنفسهم بالكرد، إذ يطلق عليهم أتراك الجبال ويواجهون حرب إبادة الجنس. فهو في الوقت الذي يشن فيه حرب الإبادة على أكراد تركيا وسوريا، راح يذرف دموع التماسيح على كرد العراق، وأدعى أن قواته العسكرية في بعشيقة جاءت بناءً على دعوة رئيس الإقليم الكردستاني، مسعود بارزاني، لتدريب قوات البيشمركة، ودعوة من أسامة النجيفي زعيم كتلة (متحدون للإصلاح)، لتدريب مليشيات (الحرس الوطني)، من أجل شن الحرب على داعش!!. ومن هذه التسميات يمكن قراءة أغراض إردوغان. فقد استخدم بارزاني والنجيفي المعروفين بعدائهما للعراق و وحدته الوطنية، فغايته فرق تسد، وتوظيف هذين القائدين لأغراضه في زعزعة العراق وحرمانه من الأمن الاستقرار والإزدهار. 

يشار إلى أن هناك بعض الأصوات النشاز في الداخل، ولأسباب طائفية وعنصرية، بدلاً من أن يدينوا العدوان الأثيم المتمثل في الإرهاب الداعشي التركي السعودي القطري، يلقون باللوم على الحكومة العراقية بأنها ضعيفة، وأن رئيس الحكومة الدكتور حيدر العبادي ضعيف..الخ. نسي هؤلاء "الوطنيون جداً"، أن قوة الحكومة ورئيسها من قوة الشعب، وقواته العسكرية والأمنية، ووحدة الصف، والشعور بالمسؤولية، واستعدادهم للذود عن حياض الوطن ضد أي عدوان أثيم.

لذلك، نهيب بأبناء شعبنا وقواه السياسية الواعية، وخاصة شريحة شريحة المثقفين، أن تتحلى بأقصى درجات اليقظة والحذر، وأن تعي خطورة هذه الأزمة التي افتعلها المغرور المتغطرس إردوغان، نهيب بهم جميعاً أن يتركوا خلافاتهم الثانوية جانباً، ويرصوا صفوفهم وراء قيادتهم السياسية في وحدة وطنية صلبة شامخة، فقوة الحكومة من قوة شعبها وقواتها المسلحة. وهذه ليست المرة الأولى التي يمر بها العراق في هذه الأزمات، فالشعب العراق معروف عبر التاريخ بقدراته على دحر أعدائه والتغلب على الأزمات، ومهما كانت شديدة، فدحر أعداء العراق مسؤولية جميع العراقيين.   
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مكتب العبادي يرد على أردوغان: خطابه إنفعالي غير مسؤول ويهدد أمن المنطقة
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218694.html

2- واشنطن تدعم بغداد في تصعيد أنقرة الأخير معها
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218721.html

3- تركيا: وجود قواتنا بالموصل مشروع وسيستمر ما دامت هناك حاجة إليه
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218744.html

4- عبدالخالق حسين: المحاولة الانقلابية.. زلزال يهز عرش أردوغان
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=852

5- الحل النيابية : الدولة العراقية مستقلة ﻻ تحتاج وصاية السلطان العثماني
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218695.html

6- فاضل بولا: العنجهية والتسويقات العدائية
http://www.akhbaar.org/home/2016/10/218719.html





146
الطفيلي في خدمة الإرهاب
د.عبدالخالق حسين

استلمت من خلال بريدي الإكتروني، فيديو لرجل الدين اللبناني، الشيعي، المعمم، الشيخ صبحي الطفيلي، يتهجم فيه على النظام العراقي الراهن، ويصفه بأنه "أفسد نظام وأحقر نظام وأشنع نظام" في التاريخ. كما ويثير الشيخ اكذوبة مفادها ان الحكم في العراق بيد الشيعة، وهذا ما يروج له الإعلام السعودي والخليجي بصورة عامة، وأتباع السعودية المحليين في العراق، والإدعاء ان جمهور الشيعة قد وصلوا الى قناعة بان الشيعة فشلوا في الحكم، وان السنة هم اهل الخبرة السياسية. وكل هذا لتمهيد عودة التفرد السني بالحكم كما كان قبل 2003. وللأسف، انطلت هذه الأكذوبة الخبيثة على الكثيرين الذين باتوا يرددونها باستمرار. وكما عودنا الإعلام المعادي لعراق ما بعد صدام، فالشيخ لم ينس الكليشة التي يكررونها كلما ذكروا الحكومة العراقية، حيث يضيفون بعدها العبارة :(التي يهيمن عليها الشيعة والموالية لإيران)، مركزاً في تسقيطه على قادة الشيعة فقط في الفساد، وكأن غيرهم منزهين من كل فساد وإرهاب.

استغربت في أول الأمر من هكذا هجوم عنيف على الحكومة العراقية من رجل دين لبناني شيعي، وفي هذا الوقت الحرج بالذات حيث تتهيأ القوات العراقية المشتركة الباسلة لتحرير الموصل من أبشع احتلال، وأشرس عدو متوحش، لا يقيم للإنسان أية قيمة.

كما وأعترف مسبقاً، أن معلوماتي عن هذا الشيخ كانت قليلة، لذلك استفسرت من "العم" غوغل، حفظه الله وأبقاه للباحثين ذخراً، فاستفسرت: (مَنْ هو الشيخ صبحي الطفيلي؟)، فجاءني الجواب التالي:
"صبحي الطفيلي (1948 - ) هو عالم دين شيعي من بلدة بريتال اللبنانية، وأول أمين عام لحزب الله اللبناني. انتقد الطفيلي تدخل حزب الله في الحرب الأهلية السورية محذراً من أن زج إيران للحزب في المعركة بسوريا سيفتح الباب أمام حرب بين السنة والشيعة، ومن شأنه أن يقضي على المقاومة ضد إسرائيل"(1). وفي تقرير في أرشيف الجزيرة نت، "أنه [الطفيلي] فُصِلَ من حزب الله عام 1991، لإعلانه العصيان المدني على الدولة اللبنانية ...الخ"(2). وهناك روابط فيديوهات عديدة له، اخترت منها رابط واحد يظهر فيه الشيخ الطفيلي قائلاً: (قتلى المعارضة السورية شهداء، وقتلى حزب الله في جهنم)(3). يعني قتلى الدواعش وجبهة النصرة وغيرهم من الإرهابيين شهداء، وقتلى من يحارب الإرهاب يذهب إلى جهنم. وعندئذ لم استغرب من شتائمه على الحكومة العراقية التي تقاتل (داعش) بباسلة، ولم أكن مبالغاً أو متجاوزاً إذا استخدمت عبارة (الطفيلي في خدمة الإرهاب) عنواناً لهذا المقال. فهو مستميت في الدفاع عن الإرهابيين في سوريا والعراق، ويفتي أن قتلى من يحاربونهم ليسوا شهداء بل يذهبون إلى جهنم.

يظهر الشيخ في الفيديو بوقار مصطنع، وألم مفتعل على ما آل إليه العراق، فيقول أنه شاهد جلسة من جلسات مجلس النواب العراقي، لمساءلة وزير الدفاع، وأنه "بدأ الحديث بطريقة لا يحبها أي إنسان ولأي إنسان"، حيث يتهم وزير الدفاع خالد العبيدي، رئيس البرلمان سليم الجبوري بالرشوة والفساد...الخ. ثم ينهال على الحكومة العراقية "المحسوبة على الشيعة" على حد قوله بأنها: "أفسد نظام، وأحقر نظام وأشنع نظام) في التاريخ، ويلقي اللوم على السياسيين الشيعة المشاركين في السلطة وبالأخص المعممين منهم، وأنهم أساؤوا لسمعة الشيعة وأهل البيت!!. طبعاً هذا الكلام يعتبر موسيقى عذبة في آذان فلول البعث وأيتام صدام، والحكومات المعادية للعراق الجديد وخاصة السعودية، علماً بأن الشيخ يعلق على الجلسة البرلمانية التي تبادل فيها وزير الدفاع ورئيس البرلمان الاتهامات بالرشوة والفساد، وهما ليسا شيعيين ولا معممين، لذلك يجعلنا نعتقد أن الرجل مدفوع من جهات مشبوهة ليستغل هذه المناسبة ليشن هجومه على النظام العراقي ويحرق الأخضر بسعر اليابس.
والسؤال الذي نود طرحه على الشيخ هو: هل حقاً الحكومة العراقية هي حكومة شيعية، فقط لأن رئيس مجلس الوزراء هو شيعي؟ وهل رئيس الوزراء هو كل شيء في الحكم الديمقراطي، الذي لا يستطيع تعيين أي مسؤول في الدولة إلا بعد موافقة البرلمان؟ وماذا عن بقية الشركاء من ممثلي مكونات الشعب العراقي، هل هم أبرياء من أي فساد ومحصنين من أية محاسبة؟

لا شك أن الشيخ الطفيلي ذكر بعض الحقائق المؤلمة التي يمر بها العراق، من فساد بعض المسؤولين الفاسدين ..الخ، ولكن هذه الحقائق ذكرها ليتعكز عليها من أجل تمرير الأغراض السيئة وهي تسقيط السياسيين الشيعة فقط، وتشويه صورتهم دون غيرهم، وهي من باب (قول حق يراد به باطل).

هل أدرك الشيخ أن ما حل بالعراق من فساد وإرهاب وفوضى الآن، هو نتاج مباشر لدكتاتورية المكون الواحد؟ وهذه حقيقة تذكرها كل كتب التاريخ والبحوث الأكاديمية الأجنبية، أن سقوط أي نظام دكتاتوري لا بد وأن تتبعه فوضى عارمة. وهذا ما حصل في الصومال بعد سقوط حكم محمد سياد بري، وفي ليبيا بعد سقوط معمر القذافي، وفي اليمن بعد علي عبدالله صالح... وغيره كثير. ونشير هنا إلى البحث القيم بعنوان: (فوضى مقابل الاستقرار: الاستبداد والفوضى يد بيد)(4). ولا ننسى تكالب بعض الدول الإقليمية على العراق الجديد مثل السعودية وقطر وتركيا لأغراض سياسية واقتصادية وطائفية. (راجع مقالنا الموسوم: اسباب عداء السعودية للعراق)(5)

يستغرب الشيخ من مشاهدة هذا النوع من المناظرات أو (الحديث) على حد قوله في البرلمان العراقي، والسبب هو أن في العراق ديمقراطية حقيقية، والكل يتمتعون بمطلق الحرية لانتقاد أي مسؤول في الدولة، كبيراً كان أم صغيراً، دون أن يقطع رأسه بتهمة الكفر أو التجاوز على الذات الهية كما يحصل في السعودية وغيرها من البلاد العربية. أما نحن، كعراقيين فنفتخر بهذه الشفافية والحرية التي يتمتع بهما شعبنا في التعبير عن آرائه وانتقاد أي مسؤول كان. وما يجري في العراق من مناظرات حادة، وعلنية، وتعددية المنابر الفكرية، والقوى السياسية، دليل على حيوية الحرك الاجتماعي، وفعالية الديمقراطية التي نعتز بها، وهي عبارة عن تمارين يتمرن عليها شعبنا لتعلم قواعد الديمقراطية، وقد خرج الجني من القمقم ولا يمكن إعادته إليه.
 
إن قصد الشيخ من هذه الشتائم على الحكومة العراقية "المحسوبة على الشيعة"، ليس النقد البناء من أجل الإصلاح، وتألمه على الشعب العراقي، كما يتظاهر، بل هو خدمة لأغراض أولئك الذين دفعوه ليردد ما يردده إعلامهم. لقد ذكرنا مراراً، أن السعودية وغيرها من الحكومات الخليجية لجأت إلى تأجير العديد من الكتاب الشيعة وحتى رجال دين شيعة، ليركزوا ويكثفوا هجومهم على ممثلي الشيعة في العملية السياسية، دون غيرهم في العراق، ويحملونهم تبعات كل ما حصل من إرهاب وفساد..الخ، وليوحوا للقارئ أن عهد صدام حسين كان أفضل العهود التي مر بها العراق، وبذلك يعطون الذريعة لتجنيد المنظمات الإرهابية بالشباب بعد أن يعرضونهم لعملية غسيل الدماغ، تمهيداً لعودة دكتاتورية المكون الواحد كما كان قبل 2003، ولكن هيهات.

إن حملة الشيخ ضد الحكومة العراقية المنتخبة لها مردود معكوس عليه، فقد فضح نفسه وأسيده السعوديين الذين يدفعون له، فالعملية السياسية تسير قدماً إلى الأمام رغم التحديات والمعوقات، فهاهي المنظمات الإرهابية في هزائم مستمرة، أما الحكومات الراعية للإرهاب مثل السعودية وقطر وتركيا، فهي الأخرى في ورطة من جراء سياساتها الإجرامية في دعم الإرهاب، وهي تجر الآن أذيال الخيبة والفشل. فالديمقراطية العراقية محكوم لها بالنجاح ومهما روّج المروِّجون، ففي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- من هو صبحي الطفيلي؟
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D8%A8%D8%AD%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%8A

2-  صبحي الطفيلي، أرشيف الجزيرة نت
http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/0609c41a-8483-470e-ab3c-d5d2f8d48614

3- الشيخ صبحي الطفيلي: قتلى المعارضة السورية شهداء وقتلى حزب الله في جهنم https://www.youtube.com/watch?v=xr7EMEDBQOU

4- Mathieu von Rohr: Anarchy vs Stability: Dictatorships and Chaos Go Hand in Hand
http://www.spiegel.de/international/world/stable-dictatorships-are-not-the-lesser-evil-a-996278.html
5- عبدالخالق حسين: اسباب عداء السعودية للعراق
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=521



147
دعوة لإصدار قانون (جاستا) عراقي
د.عبدالخالق حسين

جاستا هي مختصر لـ"قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"(1)، الذي أصدره الكونغرس الأمريكي بأغلبية ساحقة قبل أسابيع، والذي حاول الرئيس أوباما تعطيله باستخدام حق النقض (فيتو)، إلا إن الغالبية العظمى من أعضاء المجلسين، الشيوخ والكونغرس، صوتوا ضد النقض الرئاسي، وبذلك أصبح القانون سارياً. (راجع مقالنا: إلغاء فيتو أوباما صفعة جديدة في وجه السعودية)(2) 

والغرض من هذا القانون، كما جاء في مبررات صدوره، هو: "توفير أوسع نطاق ممكن للمتقاضين المدنيين تماشياً مع دستور الولايات المتحدة للحصول على تعويض من الأشخاص والجهات والدول الأجنبية التي قامت بتقديم دعم جوهري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لأفراد أو منظمات تعتبر مسؤولة في أنشطة إرهابية ضد الولايات المتحدة."(1).

ويذكر أن هناك قناعة كافية لدا الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي، ومعظم الحكومات والشعوب في العالم، من خلال أجهزتها الاستخبارية، ومؤسساتها الإعلامية والأكاديمية، أن المملكة العربية السعودية تتحمل المسؤولية الكبرى في الإرهاب لأنها تقوم بدعم المنظمات الإرهابية مثل القاعدة، وداعش وطالبان، وغيرها كثير، مالياً وعقائدياً، وهناك أدلة دامغة تؤكد ذلك، منها على سبيل المثال لا الحصر، أن 15 من 19 من الإرهابيين الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر /أيلول 2001 في أمريكا، كانوا سعوديين، وأن السعودية تستخدم عقيدتها الوهابية التكفيرية المتشددة لنشر التطرف الديني، والتحريض على قتل غير المسلمين، وحتى المسلمين من غير الوهابيين، وخاصة الشيعة، وتجنيد منظمات الإرهاب في العالم، وأن أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة، هو ملياردير سعودي، ومن عائلة (بن لادن) المقربة من العائلة المالكة.
وللمزيد من الأدلة على دور السعودية في الإرهاب، بشكل مباشر أو غير مباشر، نشير على القراء الكرام قراءة البحث الموثَّق الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمس الأمريكية، في هذا الخصوص بعنوان: (السعوديون والتطرف: مشعلو النار ومخمدوها)(3)، وكذلك البحث القيم الذي نشره قبل سنوات، السفير الأمريكي الأسبق في كوستاريكا، كورتين وينزر، بعنوان: (السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية)(4)، وعدد آخر من الوثائق والفيديوهات ندرج روابطها في الهامش.

والجدير بالذكر أن كميات هائلةً من الأموال السعودية مودعة في المصارف الأمريكية أو مستثمرة في في الشركات هناك، وبذلك لا تستطيع السعودية أن تمتنع عن دفع التعويضات التي ستقرها المحاكم الأمريكية لعوائل ضحايا الإرهاب السعودي.

إن إقدام السلطات التشريعية الأمريكية بإصدار قانون جاستا، لا بد وأن يحفز الدول الأخرى التي عانت شعوبها من الإرهاب الإسلامي الوهابي التكفيري المدعوم من السعودية وغيرها. لذلك نطرح السؤال المهم وهو، إن أمريكا أقدمت على هذه الخطوة الجيدة لتحقيق العدالة لعوائل ضحايا شعبها، لأنها تمتلك القوة والإرادة، فماذا عن عوائل الضحايا في البلدان الأخرى مثل العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، ومصر، وروسيا، والهند، وعشرات الدول الأخرى في مختلف أنحاء العالم، التي تجاوز عدد ضحايا الإرهاب فيها مئات الألوف، وخاصة في العراق وسوريا، ناهيك عن الخسائر المادية الهائلة التي تقدر بترليونات الدولارات؟

ومن كل ما سبق، أرى أن القانون الأمريكي هذا وفر فرصة ذهبية لجميع الدول المتضررة من الإرهاب، وعليها أن تحذو حذو أمريكا، وتصدر قوانين مشابهة للقانون الأمريكي المذكور في أعلاه.
وعلى قدر ما يهم شعبنا العراقي المتضرر الأكبر من الإرهاب السعودي، فإني أطالب الحكومة العراقية والبرلمان العراقي بإصدار قانون مماثل للقانون الأمريكي بأسرع وقت ممكن، لمقاضاة الحكومة السعودية والقطرية والتركية، وأية دولة أخرى، أو جماعة أو أفراد، ساهموا في دعم المنظمات الإرهابية، وتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، ومطالبتها بإرغام الحكومة السعودية وغيرها، دفع تعويضات لعوائل ضحايا الشعب العراقي، تماماً كما دفع العراق تعويضات هائلة للكويت وللشركات والأفراد المتضررين من حروب المجرم المقبور صدام حسين العبثية، والتي بلغت عشرات المليارات الدولارات.

ولا بد أن الحكومة العراقية تمتلك أدلة مادية كثيرة تؤكد دور السعودية في إثارة الفتن الطائفية، ودعم المنظمات الإرهابية في العراق، وعلى سبيل المثل لا الحصر، نشير إلى تصريحات الجنرال ديفيد بترايوس، القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق، والذي قال مرة أن نحو 50% من الإرهابيين الأجانب، و 100% من الإنتحاريين في العراق هم من السعودية. وهناك أدلة كثيرة أخرى، منها تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن(5)، والسيدة هيلاري كلنتون المرشحة للرئاسة(6)، ومحاضرة لرئيس المخابرات البريطانية(7)، كلها تؤكد على دور السعودية في نشر التطرف الديني والإرهاب في العالم.
أما إدعاء السعودية بأنها هي ضحية الإرهاب، فهذا الكلام لذر الرماد في العيون، وحتى لو صدقوا، فهذا متوقع لأن الإرهابيين لا ذمة لهم وسرعان ما ينقلبون على أولياء نعمتهم، فاللوم في هذه الحالة يقع على النظام السعودي نفسه، ولا يعفيه من جريمته، لأنه اعتمد على الإرهاب لتحقيق أغراض سياسية، فلا بد وأن ينقلب السحر على الساحر، والتاريخ حافل بالأمثلة ولكنهم لا يعتبرون. كذلك نؤكد أن السعودية وحليفتها، تحارب الإرهاب في بلدانها، ولكنها تدعمه في الخارج.

المطلوب عمله عاجلاً
1- أن يصدر البرلمان العراقي "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" (جاستا)، عراقي، يقاضي بموجبه  السعودية وقطر وتركيا، وكل دولة أو جماعة أو فرد، ساهم بدعم الإرهاب في العراق،
2- تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة ضد السعودية وحليفاتها في الإرهاب، لمحاسبتها ومطالبتها بدفع تعويضات مالية لعوائل ضحايا الإرهاب والمعوقين، وتكاليف إعادة إعمار ما دمره الإرهاب في العراق،
3- مطالبة الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى، بتجريم وتحريم الحركة الوهابية، واعتبارها عقيدة وحركة فاشية دينية معادية للحضارة والإنسانية،
4- على وزارة الخارجية العراقية، ومن خلال سفرائها في العالم، القيام بحملة دبلوماسية وإعلامية واسعة لفضح دور السعودية وحليفاتها في الإرهاب، ومحاسبتها على ذلك،
5- طرد السفير السعودي الحالي، وفرض شرط على السعودية أن تلزم سفيرها الجديد بالعراق بعدم التدخل في الشأن العراقي،
6- شن حملة واسعة لمطالبة الأمم المتحدة بتدويل مكة المكرمة والمدينة المنورة، وإخراجهما من السلطة الوهابية التكفيرية، و وضعها تحت وصاية منظمة الدول الإسلامية، وتشكيل إدارة دولية لهما مؤلفة من ممثلين جميع الدول الإسلامية.
7- لتحقيق هذه الأهداف المشروعة والعادلة، نشير على الحكومة العراقية كسب الدولة العظمى، أمريكا إلى جانبها، وعدم الإصغاء إلى المنافقين الذين يشتمون أمريكا علناً ويخدمونها بالسر.

وأخيراً نذكِّر بالقول المأثور: ما ضاع حق وراءه مطالب.
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- نص قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب "جاستا"
http://www.skynewsarabia.com/web/article/879351/%D9%86%D8%B5-

2- د.عبدالخالق حسين: إلغاء فيتو أوباما صفعة جديدة في وجه السعودية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=861

3- مقالة نيويرك تايمس: السعوديون والتطرف، مشعلو النار ومخمدوها
http://www.nytimes.com/interactive/2016/09/26/world/middleeast/arabic-language-saudi-arabia-islam.html?_r=1

4- كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

5- جو بايدن يعلنها صراحة السعودية وتركيا و الامارات مولوا داعش (فيديو)
 http://youtu.be/tQ1xzgrld-0

6- هيلاري كلينتون تعترف أنهم من أنشأ تنظيم القاعدة (فيديو)
https://www.youtube.com/watch?v=9_2B0S7tj9E

7- شهادة رئيس المخبارات البريطانية عن خطة السعودية في الإرهاب وإبادة الشيعة(فيديو)
Sir Richard Dearlove on Re-appraising the Counter-Terrorist Threat
http://www.youtube.com/watch?v=XeFFtiEtriA

************
ملاحظة: لدي عدد كبير من روابط لتقارير وفيديوهات من جهات موثوقة، تؤكد دور السعودية في الإرهاب أدرج أدناه بعضاً منها وهو غيض من فيض.
1- شاهد وأستمع الي خطبة العيد في مكه، إمام الحرم يدعي على الشيعة والشيوعية واليهود والنصارى: (اللهم مكن أخواننا المجاهدين من رقابهم)، ولا زال العالم يسأل من أين خرجت الطائفية؟
https://m.facebook.com/story. php?story_fbid= 1230210340344205&id= 125762217455695&refsrc=https% 3A%2F%2Fm.facebook.com% 2FAl7qiqa%2Fvideos% 2F1230210340344205%2F&_rdr

2- مذيع امريكي حول فيلم : هذه ليست دولة داعش، هذه حليفتنا السعودية (فيديو(
http://www.akhbaar.org/home/2016/9/217337.html
3- تقرير صحيفة الغارديان حول دور السعودية في هجمات 11 سبتمبر 2001
Saudi officials were 'supporting' 9/11 hijackers, commission member says
First serious public split revealed among commissioners over the release of the secret ‘28 pages’ that detail Saudi ties to 2001 terrorist attacks
http://www.theguardian.com/us-news/2016/may/12/911-commission-saudi-arabia-hijackers?CMP=share_btn_link

4- مقال للباحثة البريطانية ياسمين علي بهاي في صحيفة الانتدبندنت اللندنية
Yasmin Alibhai-Brown in The Independent: The evil empire of Saudi Arabia is the West’s real enemy.
Saudis are active at every level of the terror chain: planners to financiers, cadres to foot soldiers, ideologists to cheerleaders
http://www.independent.co.uk/voices/the-evil-empire-of-saudi-arabia-is-the-west-s-real-enemy-a6669531.html

5- شهادة نائب المستشار الأماني عن تمويل السعودية للإرهاب
Saudi Arabia 'funding Islamic extremism in the West', German vice-chancellor Sigmar Gabriel claims
http://www.independent.co.uk/news/world/europe/saudi-arabia-funding-islamic-extremism-west-german-vice-chancellor-sigmar-gabriel-a6763366.html

148
إلغاء فيتو أوباما صفعة جديدة في وجه السعودية

د.عبدالخالق حسين

ذكرنا في عدة مقالات سابقة لنا (1، 2، 3)، أن النظام السعودي مقبل على الانهيار، إن عاجلاً أو آجلاً. وآخر مؤشر لتأكيد هذا التوقع، إضافة إلى مؤشرات كثيرة أخرى، هو إقدام المجلسين التشريعيين (الشيوخ والكونغرس) الأمريكي على إلغاء فيتو الرئيس أوباما على قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” الذي صوت عليه الكونغرس الأمريكي قبل أيام بأغلبية ساحقة، والذي يسمح لعوائل ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بمقاضاة السعودية ومسؤوليتها، كونها راعية للإرهاب، خاصة وأن 15 من 19 من الإرهابيين كانوا سعوديين، وأن السعودية تستخدم عقيدتها الوهابية التكفيرية المتشددة لتجنيد الإرهابيين في العالم.

فقد صوت مجلس الشيوخ الأمريكي أولا لمصلحة رفض فيتو الرئيس بـ 97 صوتا مقابل صوت واحد فقط، ومن ثم صوت مجلس النواب (الكونغرس) أيضا على رفض الفيتو بأغلبية 348 صوتا مقابل 76. وبذلك يصبح القانون الذي يحمل اسم "العدالة ضد رعاة الإرهاب" ساريا.(4)

ومن هذا القانون، وإلغاء الكونغرس لفيتو الرئيس أوباما، دليل واضح على أن أمريكا لم تعد بحاجة إلى السعودية وثرواتها النفطية، واستخدام عقيدتها الوهابية لتأسيس المنظمات الإرهابية التي استخدمتها أمريكا أيام الحرب الباردة ضد الإتحاد السوفيتي في أفغانستان، كما واستخدمتها فيما بعد هراوة في العراق وسوريا وليبيا واليمن لتغيير حكوماتها أو سياساتها. فأهم هذه الأهداف قد تحققت، خاصة في افغانستان، بل وتحولت هذه التنظيمات الإرهابية إلى وبال على أمريكا وحتى على السعودية نفسها، والعالم، أشبه بفرانكنشتاين الذي قتل خالقه.

والسؤال هنا، هل حقاً كان أوبما جاداً ومقتنعاً بجدوى استخدامه حق النقض (فيتو) ضد القانون المشار إليه من أجل إنقاذ السعودية، الحليفة التاريخية لأمريكا من الملاحقات القانونية التي تكلفها مئات المليارات وربما ترليونات من الدولارات؟

إن ذريعة أوباما لاستخدامه حق النقض هو أن تنفيذ هذا القانون له مردودات سلبية مدمرة ضد مصالح أمريكا في الخارج، خاصة ضباط الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، الذين تسببوا بالكثير من الكوارث في مختلف مناطق العالم، مما يعطي الحق لعوائل ضحايا السي آي أيه في الخارج باتخاذ إجراءات مماثلة ضد أمريكا. ولكن هذا العذر غير صحيح، فأمريكا لم ولن تهتم لأية شكوى ضدها في مجال حقوق الإنسان وإسقاط حكومات بانقلابات عسكرية. لذلك أعتقد أن أوباما كسياسي محنك، وحريص على مصلحة بلاده وشعبه بالدرجة الأولى، وعلى مصالحه الشخصية بالدرجة الثانية، ويعرف كيف يتعامل مع هؤلاء البدو، حكام السعودية (شيم البدوي وخذ عباته)، فهو يريد إبقاء شعرة معاوية مع السعودية عند مغادرته البيت الأبيض قريباً، ويعرف مسبقاً أن استخدامه لحق النقض سينقضه المجلسان، لذلك ففيتو أوباما كان مجرد تمثيلية، و ذر الرماد في العيون، للحفاظ على علاقاته الشخصية مع العائلة الحاكمة.

والغريب أن عضو واحد فقط من مجموع 98 في مجلس الشيوخ اعترض على إجهاض النقض، وكذلك الغالبية العظمى من مجلس النواب (الكونغرس)، صوتوا ضد الفيتو الرئاسي، كما بينا في أعلاه، وهذا دليل واضح على ما يكنه ممثلو الشعب الأمريكي من عداء ضد السعودية التي انتهى دورها في خدمة أمريكا. والجدير بالذكر أن السيدة هيلاري كلنتون مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة، وكذلك دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري وقفا ضد قرار النقض، أي مع قرار الكونغرس. وهذا دليل على أن الناخب الأمريكي ضد السعودية، ومع تجريمها.

فالسعودية وبسبب سياساتها الإجرامية ضد دول المنطقة، ودورها في نشر الإرهاب في العالم، وشنها الحروب المدمرة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا، التي كلفتها مئات المليارات، ولأول مرة تعاني عجزا في موازنتها تقدر بـ 88 مليار دولار لهذا العام، مما دعى ملك السعودية إلى إعلان حالة التقشف، ومن هذه الاجراءات تخفيض رواتب المسؤولين ما بين 15 إلى 20 بالمائة إضافة إلى تخفيض صرفياتها في المجالات الأخرى.

والجدير بالذكر، إن تثبيت قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الأمريكي، يفتح الباب أمام جميع الدول التي تضررت من الإرهاب السعودي الوهابي، وتحت أي اسم كان، القاعدة، جبهة النصرة، داعش، بكوحرام...الخ، مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، والدول الغربية، أن تقاضي السعودية وقطر وتركيا، وتطالبها بدفع التعويضات عما ألحقها من أضرار بشرية ومادية والتي تقدر بترليونات.

يقول السيد عبدالباري عطوان في مقاله الأخير في صحيفة (رأي اليوم) في هذا الخصوص، أن "امريكا ورطت السلطات السعودية في حرب في سورية، وأخرى في اليمن، وثالثة في ليبيا، وقبل كل هذا وذاك في أفغانستان، ثم تخلت عنها، وانقلبت عليها، وتركتها تواجه مصيرها، لوحدها، في إطار خططها الانتقامية التي جرى وضعها في غرف سوداء مظلمة قبل عدة سنوات".
 
هذا الكلام يمثل نصف الحقيقة، نعم، السياسات السعودية هي في خدمة أمريكا وإسرائيل، ولكن معظم هذه السياسات تخدم مصالح العائلة السعودية الحاكمة أيضاً، وخاصة في محاربة الديمقراطية، وزعزعة الأمن والاستقرار في دول المنطقة، وما نشرته من قتل وخراب في العراق وسوريا واليمن وليبيا. فالسعودية ومن خلال التنظيمات الإسلامية الإرهابية التي تمولها، سرقت انتفاضات الربيع العربي وحرفتها عن أهدافها لإجهاض الديمقراطية والإصلاح السياسي في البلاد العربية، وخلق المزيد من المشاكل لشعوبها، لإظهار الديمقراطية بأنها شر مطلق لا يتلاءم مع "قيمنا العربية الإسلامية"، ولسان حالها يقول: "أنظروا إلى حال العراق!!". لذلك فرغم كون السعودية حليفة تاريخية ومطيعة لأمريكا، ولكن في بعض الأحيان، السعودية هي التي توجه أمريكا لتغيير مواقفها، كما حصل بعد تحرير الكويت عندما دعا الرئيس بوش الأب، الشعب العراقي لينتفض ضد صدام وإسقاطه، ولما نجحت الانتفاضة في 14 محافظة، ارتعب السعوديون منها، وأقنعوا بوش أن إسقاط صدام سيخدم الشيعة في العراق والخمينية في إيران. لذلك غيَّر بوش موقفه من الانتفاضة وعمل على إجهاضها، قائلاً: "شيطان تعرفه أسلم من شيطان لا تعرفه" Devil you know better than devil you don’t know

ولكن مع كل هذه التحفظات، فإن إجهاض فيتو أوباما يعتبر صفعة أمريكية جديدة في وجه السعودية، ودليل آخر على أن دورها قد انتهى، ومصير هذا النظام المجرم إلى مزبلة التاريخ، وإلى جهنم و بئس المصير.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: هل حقاً السعودية على وشك الانهيار؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=859

2- - د.عبدالخالق حسين:هل اقتربت نهاية آل سعود؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=818

3- د.عبدالخالق حسين: حول انهيار السعودية، مرة أخرى
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=860

4- الكونغرس الأمريكي يرفض فيتو اوباما على قانون يسمح بمقاضاة السعودية بشأن هجمات سبتمبر
http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/09/160928_us_senate_rejects_obama_veto

5- تقرير امريكي يدعو للأستعداد إلى انهيار السعودية
http://www.akhbaar.org/home/2016/9/217248.html









149
حول انهيار السعودية، مرة أخرى

د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الأخير (هل حقاً السعودية على وشك الانهيار؟)(1)، وصلتني تعليقات كثيرة، أغلبها مؤيدة وقليل منها معارضة، وخاصة من السعوديين على صفحات التواصل الاجتماعي. ونظراً لأهمية العديد منها وإجاباتي على بعضها، رأيت من المفيد مواصلة الكتابة في هذا الموضوع لتعميم الفائدة.

علق قارئ سعودي على صفحته في الفيسبوك بعد سيل من الشتائم، أن دافع الذين يكتبون ضد السعودية هو الحقد و الحسد، لأن الله منَّ على الشعب السعودي الرزق الوفير. وأن الله مع هذا الشعب بقيادة حكومته الرشيدة المؤمنة، وموتوا بغيضكم أيها الحاقدون الحاسدون!!!

وهذا بالضبط ما نقله لنا الكاتب والصحفي الإنكليزي المعروف، روبرت فيسك (Robert Fisk)، في صحيفة الاندبندنت اللندنية، في مقال له حول عجز السعودية عن دفع رواتب العمال الأجانب، وأن القنصلية الهندية تقدم الطعام لجالياتها من العمال الهنود. استشهد فيسك بمقتطف من مقال لصحفي سعودي جاء فيه: "كثير من العمالة الوافدة يكرهوننا وغاضبون علينا لأننا بلد غني. بعضهم يذهب إلى حد القول بأننا، السعوديون، لا نستحق هذه النعمة والمال. وهذا هو السبب الذي يجعل بعضاً منهم يتصرفون بعنف عندما لا يتقاضون رواتبهم في الوقت المحدد)(2).

كثيراً ما يتردد هذا الكلام نفسه مع بعض التغيير في المفردات من قبل المعلقين السعوديين في دفاعهم عن حكومتهم "الرشيدة"، وينصحوننا بعدم التدخل في الشأن السعودي، بل نهتم بمآسينا في العراق "التي جلبها عليهم نوري المالكي!!"، وينكرون دور السعودية في هذه المآسي، ليس  في العراق فحسب، بل وفي دول المنطقة والعالم.

فهل حقاً انتقادنا للسعودية هو بدافع الحقد والحسد لأن بلدهم غني؟ لا شك أن السعودية بلد غني جداً، فدخلهم من النفط لا يقل عن مليار دولار يومياً. ولكن هناك دراسات تؤكد أن ثلث الشعب السعودي هو تحت خط الفقر. نرجو مشاهدة فيلم جديد وهو تقرير مصور (فيديو 51 دقيقة) عن السعودية "جعلته شبكة نيتفلكس متاحا للمشاهدين. يبدأ الفيلم بعمليات قطع رؤوس بالسيف وقيام سياف سعودي بجر سيدة على الارض وقطع رأسها قبل ان يتدخل المذيع ويقول للمشاهدين: "هذه ليست دولة داعش، هذه حليفتنا المملكة العربية السعودية"..(رابط الفيلم في الهامش- رقم 3).
وإذا كان انتقادنا لهم بدافع الحسد، فلماذا لا ننتقد حكومات لا تقل ثراءً عن السعودية كالدول الغربية، وخاصة كندا والدول الإسكندنافية، وهي دول غنية جداً ومسالمة جداً، كسبت احترام العالم أجمع؟

أما قضية التدخل في الشأن السعودي، فهي كما يقول المثل: (رمتني بدائها وانسلت). إذ إننا أبعد من ذلك، ولكن السعودية هي التي تتدخل في شؤون العالم، وخاصة في دول المنطقة. فسبب العجز في موازنتها، وعدم تمكنها من دفع رواتب نحو 31 ألف من عمالها، ناتج عن هذا التدخل الوقح في شؤون العراق، وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، لتغيير حكومات هذه الدول وفق مقاساتها، ولعرقلة الاستقرار والنمو الاقتصادي فييها، لذلك صرفت مئات المليارات الدولارات من ثروات شعبها على نشر التطرف الديني الوهابي التكفيري، ودعم الإرهاب في العالم، وشن الحروب المباشرة وغير المباشرة على دول المنطقة.

أما عن دعم السعودية للإرهاب، فقد صرّح السفير الأميركي الأسبق في العراق وأفغانستان، زلماي خليل زاده، بأن أحد المسؤولين السعوديين الكبار أسرّ له بأن بلاده تدعم التطرّف حول العالم، لافتاً في الوقت ذاته إلى نظرة سعودية أكثر إيجابية اتجاه إسرائيل.(4، 5)

ورغم ما لقى مقال خليل زادة من ترحيب من قبل الكتاب العرب التقدميين المناصرين للحق، إذ اعتبروه شهادة من أهلها ضد السعودية، ودورها القذر في دعم الإرهاب وإسرائيل، كما يبدو للبعض للوهلة الأولى، إلا إننا لو تأملنا جيداً نرى أن المقال ليس موجهاً ضد السعودية ومكانتها في الغرب، فهو ذو وجهين، كلاهما في صالح خليل زادة والسعودية معاً. فالرجل لا يريد أن يقطع رزقه من آل سعود، أو غيره، فقد أصبح نجماً لامعاً لإدارة اللوبيات لكل من يدفع. فقد عينه حتى مسعود بارزاني، رئيس الإقليم الكردستاني، وموظف آخر كان يعمل في السفارة الأمريكية في بغداد وهو (علي الخضيري)، وغيرهما، مستشارين له بعد تقاعدهم من السفارة. لتجميل وجه بارزاني، وتقبيح وجوه خصومه وخاصة خصمه اللدود نور المالكي. وقد أبلى هؤلاء المرتزقة بلاءً حسناً في هذا المجال.

فخليل زادة كان من الشخصيات المتنفذة في واشنطون، تم تجنيدها للوبي السعودي لتحسين صورة المملكة في أمريكا والعالم. ومقاله هذا ليس ضد السعودية بل لدعمها. فقد برر خليل زادة دعم السعودية للإرهاب والتطرف بأن "القيادة السعودية أوضحت أيضاً أن دعمها للتطرف كان أسلوباً لمقاومة الاتحاد السوفياتي ــ غالباً بالتعاون مع الولايات المتحدة ــ في أماكن مثل أفغانستان عام 1980". وأضاف أن هذا الأسلوب ثبت نجاحه، لذا "استُخدم لاحقاً ضد الحركات الشيعية المدعومة من إيران، في إطار التنافس الجيوبوليتيكي بين البلدين".

لا شك أن هذا الكلام له وقع إيجابي في أمريكا. أما قوله عن إيجابية موقف السعودية من إسرائل، فهذا قد يبدو ضد السعودية لدا القارئ العربي المتعاطف مع الشعب الفلسطيني في محنته الطويلة، ولكنه يعتبر موسيقى محببة لدا اللوبي الإسرائيلي والإدارة الأمريكية والغرب عموماً، مما يدعم مكانة السعودية في الغرب ويبرر جرائمها.

ولكن ما يهم القارئ العربي في البلاد العربية والشرق الأوسط عموماً، أن السعودية التي تدعي محاربتها للتطرف والإرهاب فهي مازالت تدعمهما، ورغم أنها تدعي قيادتها للعالم الإسلامي، ودعمها للقضية الفلسطينية، إلا إنها حليفة لإسرائيل، وهي التي شقت صفوف المسلمين بإثارة الصراع الطائفي (السني - الشيعي). وهذا أهم ما جاء في شهادة خليل زادة بالنسبة لمكانة السعودية في البلاد العربية والإسلامية وليس في الغرب. ولكن من الجهة الأخرى، يبدو أن السعودية غير مهتمة بتردي سمعتها إلى الحضيض في العالمين، العربي والإسلامي، طالما بإمكانها شراء كل شيء بالمال، ولسان حالها يقول: طز بالعرب والمسلمين، وطز بالقضية الفلسطينية، وطز بالشرف وجميع القيم الإنسانية والحضارية، المهم أن تكسب أمريكا إلى جانبها وكفى، لتضمن استمرار العائلة الحاكمة في السلطة.

إلا إن هذا الموقف السعودي الانتحاري ناتج عن الجهل بتعقيدات السياسة وقوانين حركة التاريخ. إذ كما يفيد القول المشهور الذي أصبح من البديهيات، أن "ليس في السياسة صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، بل مصالح دائمة". فمصلحة أمريكا من السعودية على وشك الانتهاء، لذلك ما لم تتخلى السعودية عن سياساتها العدوانية ضد البشرية، فإن مصيرها السقوط في مزبلة التاريخ، والتاريخ حافل بالأمثلة، فما أكثر العبر وأقل الاعتبار.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: هل حقاً السعودية على وشك الانهيار؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=859

2- مقال روبرت فيسك
Robert Fisk : Saudi Arabia cannot pay its workers or bills – yet continues to fund a war in Yemen
In Saudi Arabia itself, the government seems unable to cope with the crisis. The 'Arab News' says that 31,000 Saudi and other foreign workers have lodged complaints with the government’s labour ministry over unpaid wages. On one occasion, the Indian consulate and expatriates brought food to the workers so that their people should not starve
http://www.independent.co.uk/voices/saudi-arabia-cannot-pay-its-workers-or-bills-yet-continues-to-fund-a-war-in-yemen-a7232466.html

3- مذيع امريكي حول فيلم: هذه ليست دولة داعش، هذه حليفتنا السعودية (فيديو(
http://www.akhbaar.org/home/2016/9/217337.html
Saudi Arabia Uncovered (2016 documentary)
https://m.youtube.com/watch?v=X5AYoznJxu8

4- مسؤول سعودي لخليل زاده: دعمنا التطرّف!
http://www.al-akhbar.com/node/264807

5- النسخة الانكليزية لمقال زلماي خليل زادة
‘We Misled You’: How the Saudis Are Coming Clean on Funding Terrorism.  By Zalmay Khalilzad
http://www.politico.com/magazine/story/2016/09/saudi-arabia-terrorism-funding-214241


150
هل حقاً السعودية على وشك الانهيار؟
د.عبدالخالق حسين

منذ مدة وأنا في حالة نفور من الكتابة، وهذه الحالة تنتابني بين حين وآخر، و هي أشبه باستراحة الجندي في الحرب، فالكتابة هي حرب، على حد قول فولتير. وما حفزني على كتابة هذا المقال هو خبر بعنوان: (تقرير امريكي يدعو للاستعداد إلى انهيار السعودية)، كشف أن السعودية لا تمثل دولة، بل هي شركة تستخدم نموذج عمل ذكي غير قابل للاستمرار، وهي منظمة فاسدة تشبه المنظمات الاجرامية ولن تستمر طويلا وستنهار قريبا. وأن "حكام آل سعود يمثلون شركة تجارية عائلية والملك سلمان مجرد رئيس تنفيذي لها، وهو يستخدم النفط لشراء الولاء السياسي داخل وخارج المملكة السعودية”.(1).

لقد بات واضحاً لدى القاصي والداني، أن السعودية وعقيدتها الوهابية التكفيرية، هي السبب الرئيسي لعدم استقرار المنطقة، ونشر التطرف الديني والإرهاب التكفيري في العالم. ويمكن تشبيه دور السعودية في عدم استقرار دول المنطقة بدور النظام العنصري في جنوب أفريقيا، في ضرب الدول الأفريقية ومنعها من التقدم والاستقرار أيام حكم الأبرتايد. لذلك نعتقد أن الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط  هي الأخرى لا يمكن أن تستقر وتزدهر إلا بزوال الأسرة المافيوية السعودية الحاكمة، وتجريم وتحريم العقيدة الوهابية التكفيرية بقرار أممي، وبفتاوى من جميع رجال الدين المسلمين وخاصة من أهل السنة.

أسباب استمرار العائلة السعودية في الحكم

قد يستغرب المرء، كيف استطاعت هذه العائلة الاستمرار في الحكم لما يقارب القرن، رغم جرائمها الشنيعة باستملاكها للبلاد، واستعبادها للشعب، وقيامها بنشر التطرف الديني التكفيري ودعم الإرهاب في العالم؟
هناك عدة عوامل:
أولاً: التحالف بين العائلة الحاكمة (آل سعود) وآل الشيخ (نسبة إلى أبناء وأحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مؤسس المذهب الوهابي التكفيري في القرن الثامن عشر الميلادي). وهذا الحلف يقضي بأن تكون السلطة السياسية بيد آل سعود، والسلطة الدينية والثقافية والتوجيه المعنوي والثقافي بيد آل الشيخ، مقابل تكفير كل من يخرج على طاعة السلطان السعودي.
ثانياً، التحالف الذي عقده الملك عبدالعزيز، مؤسس المملكة، في أوائل القرن العشرين، مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس روزفلت، والمملكة المتحدة البريطانية في عهد رئيس الوزراء تشرتشل، و من بنوده، أن تستمر المملكة السعودية بالولاء المطلق لهاتين الدولتين، مقابل حمايتهما لها. في الحقيقة لولا الدعم  البريطاني لعبد العزيز لما تأسست المملكة السعودية. وقد أوصى الملك عبدالعزيز أبناءه بالالتزام الصارم بمبدأ الولاء المطلق لأمريكا وبريطانيا إذا ما أرادوا الاستمرار في الحكم.
وثالثاً، الثروة النفطية الهائلة التي ساعدت العائلة الحاكمة على إسكات المعارضة عن طريق القمع، وشراء الولاءات والذمم، ووسائل الإعلام وحتى الحكومات، غرباً وشرقاً.

رابعاً، والأهم، اعتمدت المملكة على إثارة النعرات الطائفية، وخاصة منذ الثورة الإسلامية في إيران، واستخدام مشايخ الوهابية التكفيريين لتكفير الشيعة وتشويه صورتهم، وتخويف غالبية الشعب السعودي من السنة بالبعبع الشيعي والإيراني، وأبلسة الشيعة وإيران لتبرير إبادتهم.

هل حقاً السعودية على وشك الانهيار؟
إن ما تقوم به السعودية من شرور ليس جديداً، إذ بدأت مع تأسيس المملكة قبل ثمانية عقود، وقائمة جرائمها طويلة أشرنا إليها في مقالات سابقة، ولكن منذ تسنم الملك سلمان الخرف، وابنه الشاب المتهور الأمير محمد، السلطة المطلقة، تصاعدت شراسة المملكة في شن الحروب المباشرة، مثل حربها على اليمن، وتدخلها العسكري في البحرين ضد انتفاضة الشعب البحريني قبل سنوات (في عهد الملك عبدالله) وغير المباشرة (الحروب بالوكالة)، عن طريق تشكيل المنظمات الإرهابية الدينية وشحنها بالعقيدة الوهابية التكفيرية، لشن الإرهاب على دول المنطقة مثل تدخلها السافر في العراق وسوريا وليبيا، وتدمير بناها التحتية، و قتل مئات الألوف من أبنائها، وتشريد الملايين من شعوبها في الشتات، إلى أن وصلت شرور الإرهاب الوهابي إلى الدول الغربية، فتوصلت الحكومات الغربية إلى قناعة أن السعودية هي وراء التطرف الديني والإرهاب الوهابي، ليس في دول المنطقة فحسب، بل وحتى دعم التطرف و الإرهاب في الدول الغربية. راجع مقالنا (هل اقتربت نهاية آل سعود؟)(2).

لذلك بدأت الحكومات الغربية وخاصة أمريكا وبريطانيا، وبضغوط من شعوبها، وتأثير عدد غير قليل من الكتاب والإعلاميين الغربيين من ذوي الضمائر الحية، ومنظمات حقوق الإنسان، بدأت هذه الحكومات تشعر بالخطر السعودي الوهابي. وهناك مؤشرات عديدة تدل على سخط هذه الدول، وخاصة أمريكا وبريطانيا، على النظام السعودي، وتخليها عنه، وربما المساهمة في تعجيل إنهياره، ومن هذه المؤشرات ما يلي:
1- الإتفاق الأمريكي- الروسي على إنهاء الحرب الإرهابية في سوريا، مع إبقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم. وهذا القرار هو ضد المخطط السعودي القاضي بالتخلص من الأسد وبأي ثمن كان.
2- تبني اعضاء الكونغرس الأمريكي مشروع قرار مقاضاة السعودية بسبب اشتراكها في احداث 11 سبتمبر حيث كان معظم الإرهابيين من السعودية. كذلك توصلت أمريكا إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في الطاقة، وتوافر الطاقة البديلة واستغنائها عن النفط السعودي وغير السعودي، وحتى إمكانية قيام أمريكا بتصدير النفط.
3- الدعم الأمريكي الجدي للعراق لدحر الإرهاب المدعوم من السعودية وقطر وتركيا.     
4- التقارب الإيراني - الأمريكي في اتفاق البرنامج النووي، ورفع الحصار الاقتصادي عن إيران، الأمر الذي أثار جنون السعودية.
5- التقارب التركي- الروسي وتحالفهما في محاربة الإرهاب وحل الأزمة السورية.
6- التقارب التركي- السوري، وتعاونهما في دحر الإرهاب الإسلامي في سوريا، وهذا هو الآخر دليل على عزلة السعودية وتخلي أصدقائها عنها.
7- مؤتمر أهل السنة في غروزني، في شهر آب/أغسطس الماضي، إذ كما جاء في تقرير صحيفة (رأي اليوم)، إن "مؤتمر غروزني خطوة كبرى لسحب المرجعية السنيّة من السعودية وزيادة عزلتها في العالم الاسلامي وتثبيت تهمة الارهاب بالفكر الوهابي.. ومشاركة الازهر تؤكد الازمة المتفاقمة بين الرياض والقاهرة.. وتحالف بوتين-السيسي اخطر من ان يتم الرد عليه بالردح والشتائم" (3 و4).

والجدير بالذكر، أن المشاركة المصرية بأكبر وفد برئاسة شيخ الأزهر (أحمد الطيب) دليل قاطع على التقارب المصري- السوري- الروسي ضد السعودية. وهذا المؤتمر و ببيانه الختامي الذي كان على الضد تماماً من أهداف السعودية، لدليل على مباركة الدول الغربية أيضاً لعقد مثل هذا المؤتمر دون مشاركة وفد من السعودية، أو حتى مفتي الإرهاب يوسف القرضاوي.

فلأول مرة في التاريخ " تتلقى المملكة العربية السعودية الضربات السياسية والعسكرية التي تستهدفها هذه الايام، سواء في سورية، او اليمن، او العراق، او ليبيا، او ايران، ولكن ان تأتي آخرها، من غروزني روسيا ومصر بالذات، وتشكك في قيادتها للاسلام السني، وتخرج مذهبها الوهابي الذي تعتنقه من معسكر اهل السنة والجماعة، فهذا امر خطير جدا في ابعاده ومعانيه وتوقيته"(3).
إن مؤتمر غرونزي دفع مشايخ الوهابية إلى أن يصدر بيان إدانة للمؤتمر، و الإعلام السعودي إلى شن حملة من الشتائم الرخيصة ضده.
7- لأول مرة تعاني السعودية من عجز مالي في موازنتها يقدر بـ 88 مليار دولار لهذا العام، وذلك بسبب تبديدها لمئات المليارات على نشر التطرف الديني، والمنظمات الإرهابية، والحروب المباشرة وغير المباشرة.
قد يبدو للبعض أن انهيار السعودية مستحيل، ولكن من يطالع التاريخ، وخاصة الحديث منه، يعرف أن التاريخ حافل بالمفاجئات التي لم يتصورها العقل. وعلى سبيل المثل لا الحصر، من كان يتصور تفكك الاتحاد السوفيتي، وانهيار المعسكر الاشتراكي؟ 
لذلك، وبناءً على كل ما تقدم، نعتقد أن إنهيار السعودية ممكن، بل ويحث الخطى نحو الهاوية. وقد لا يحدث في القريب العاجل، ولكن على المدى المتوسط فانهيارها متوقع، خاصة وقد استنفد دورها في خدمة أمريكا، المعروف عنها أنها تتخلى عن عملائها عندما ينتهي دورهم، ويصبحوا عبئاً عليها كما حصل مع شاه إيران، وصدام حسين ونوريغا وغيرهم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- تقرير امريكي يدعو للأستعداد إلى انهيار السعودية
http://www.akhbaar.org/home/2016/9/217248.html

2- د.عبدالخالق حسين:هل اقتربت نهاية آل سعود؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=818

3- مؤتمر أهل السنة في غروزني خطوة كبرى لسحب المرجعية السنيّة من السعودية
http://www.raialyoum.com/?p=513086

4- نص بيان مؤتمر غروزني.. أصداء واستياء سعودي (صور)
http://khabaragency.net/news70879.html

5- مذيع امريكي حول فيلم : هذه ليست دولة داعش، هذه حليفتنا السعودية (فيديو(
http://www.akhbaar.org/home/2016/9/217337.html

6- د.عبدالخالق حسين :السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=440


151
(إقليم الموصل)، مشروع لتفتيت العراق

د.عبدالخالق حسين

لقد أثبت العراقيون، وخاصة من شريحة المثقفين، أنهم من أشد أعداء وحدتهم الوطنية، و غير قادرين على التعايش معاً في دولة موحدة، وخاصة في نظام ديمقراطي يوفر للمواطنين حرية التعبير عن خياراتهم. أما "الوحدة الوطنية" قبل 2003، فقد أثبتت أحداث ما بعد سقوط الدكتاتورية انها كانت مزيفة، ومفروضة عليهم بالقوة بدكتاتورية المكون الواحد، فالأكراد كانوا في ثورة دائمة، والشيعة تحملوا العزل والتهميش على مضض وبالقمع. إذ ما أن سقط النظام الدكتاتوري، وأقيم على أنقاضه النظام الديمقراطي حتى وبانت حقيقة العراقيين وموقفهم الحقيقي من هذه الوحدة. لقد أسقطت الديمقراطية الغطاء السميك الذي كان يغطي الشروخ العميقة في جدار الوحدة المزعومة. راجع مقالنا (الديمقراطية فضحت المجتمع العراقي)(1)

يقول البعض، أننا لم نكن نعرف الصراع الطائفي من قبل، وإنما جلبته أمريكا من أجل تدمير العراق ونهب ثرواته النفطية، وكأن صدام قد منع النفط عن أمريكا، والأخيرة تريد النفط مجاناً. وها هي أمريكا تحث الخطى نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، بل وحتى تصدير النفط عما قريب. وليس مستبعداً أن يأتي يوم يتحول فيه النفط إلى بضاعة بائرة كما الفحم الحجري الآن.

لنكون صريحين، ونتجنب سياسة النعامة، ونقولها بمنتهى الصراحة، إن السبب الرئيسي لاندلاع الصراع الطائفي بهذه الوحشية والقباحة، هو أن السنة الذين ادمنوا على حكم العراق لقرون، يناهضون الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع ، لأنها تجعلهم على قدم المساواة مع المكونات الأخرى، وهم يرفضون ذلك، وشعارهم إما أن نحكمكم أو ندمركم وندمر أنفسنا، وفق مقولة: (عليَّ وعلى أعدائي يا رب... وليكن من بعدي الطوفان).

كما ويعتقد كثيرون من بينهم وطنيون مخلصون ذو النوايا الحسنة، أن أمريكا هي التي جلبت عن قصد، أسوأ الناس لحكم العراق لجعله ضعيفاً خدمة لإسرائيل. وهذا أيضاً خطأ، وتبرير غير صحيح لتفسير ما يجري في العراق. فأمريكا حررت الشعب العراقي من أبشع نظام جائر، وأقامت مكانه نظام ديمقراطي، وفسحت المجال للشعب العراقي ليختار حكامه بملء إرادته. فهؤلاء الحكام جاؤوا إلى السلطة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة باعتراف آلاف المراقبين الدوليين، ونراهن على إعادة انتخاب غالبيتهم في الانتخابات القادمة. فلو كانت أمريكا هي التي تختار حكام العراق لفرضت عليهم أياد علاوي وجماعته كما فعل بول بريمير عندما اختاره رئيساً لأول حكومة مؤقتة عمرها 6 أشهر لكتابة الدستور عام 2004، لتليها حكومة منتخبة عمرها أربع سنوات بشكل دوري. وهذا ما حصل. إن التفسيرات الخاطئة مقصودة لتبرير الإرهاب الذي جلبه الطائفيون وبدعم من حكام الخليج وخاصة السعودية وقطر، لإفشال الديمقراطية ومنع وصول عدواها إلى شعوبهم.

مناسبة هذه المقدمة أني استلمت قبل أيام  مقالاً بعنوان (مشروع إقليم الموصل/ نينوى حلاً لقضية مصيرية)، جاء فيه: (عقدت عدة اجتماعات ولقاءات واتصالات بين أبناء الموصل/ نينوى، في المهجر، لمناقشة مصير الموصل بعد تحريرها من داعش). ولم يذكر لنا كاتب المقال مكان تلك اللقاءات، ولا أي اسم من المشاركين، مما يجعلنا نشك في حصولها، وإنما هذه المقترحات هي من بنات أفكاره الرغبوية، ومن يعمل معهم، خاصة وقد عرِف الكاتب بمواقفه المعادية للعراق الجديد بغطاء مناهضة الطائفية، ولكنه دائماً كان يركز على محاربة السياسيين من طائفة معينة، ودعمه للطرف الآخر.

يقول الكاتب: " توصّل المجتمعون إلى "مشروع" من أجل الحفاظ على مصير الموصل/ نينوى من الضياع والتفكك، والحفاظ على عراقيّتها، [لاحظ عبارة-الحفاظ على عراقيتها!!]، خوفاً من التدخلات الخارجية وخصوصاً بعد تحريرها من عناصر داعش الإرهابية، وعودتها إلى الحياة الطبيعية ثانية، وتخوّف كل أبنائها من المستقبل، كيلا تندلع أية حرب أهلية، أو طائفية، خصوصاً بعد حرب الدعايات وحجم التهديدات لأخذ الثارات، ومن أجل إبعادها عن شبح كل الأطماع الإقليمية والثارات الطائفية والصراعات القومية في المنطقة الساخنة." انتهى

يحاول الكاتب تسويق مشروعه المشبوه هذا بغطاء الحفاظ على الوحدة الوطنية العراقية، فيقول أن الموصل تمثل بتاريخها، وموقعها الجغرافي (رأس العراق)، مثلما تمثل بغداد قلبه،...الخ، ولكن لو تمعنا في تفاصيل المشروع، وإلقاء نظرة على خارطة "مشروع الإقليم"، المرفقة مع المقال، حيث يريد تحويل جميع أقضية الموصل إلى محافظات، وبالتالي نستدل أن (إقليم الموصل) ما هو إلا مشروع لدولة مستقلة أخرى، إلى جانب إقليم كردستان، تمهيداً لتفتيت العراق.

فكما جاء في تعليق للسيد مجيد القيسي على المشروع الخطير قائلاً: "أن المتتبع لشأن الوطن الجريح لابد وأن يصاب بصدمة قاسية وهو يمر على البنود والفقرات العديدة التي تكرس إلى الإنفصال في نهاية المطاف؛ لا محالة...كما تجنبوا ذكر محافظات مثل (الأنبار) و(صلاح الدين) و(ديالى) و أوضاعها الماساوية لا تختلف عن أوضاع (الموصل)." أنتهى

والجدير الذكر أنه قبل سنوات نشرت الكاتبة القديرة الدكتورة ناهدة التميمي مقالاً بعنوان (كردستان دولة مستقلة مصرفها على العراق)، والمضمون واضح جداً من العنوان. والحقيقة أن كردستان هي ليست فقط دولة مستقلة مصرفها على العراق، بل أكثر من مستقلة، لأنها تساهم في حكم العراق أيضاً وهي التي تقرر من يكون رئيساً له، وتقف قيادتها المتمثلة ببارزاني وأبنائه، ضد العراق وضد بناء جيشه، وجعلت عاصمتها، اربيل، ملاذاً آمناً لأعداء العراق من البعثيين الإرهابيين، وأعوانهم وكل من يتعاطف معهم، بل وراحت قيادة كردستان تتآمر مع الدواعش لتحتل مناطق من محافظة نينوى المحاذية للإقليم لتستعيدها فيما بعد بالاتفاق، وتعلن ضمها إلى كردستان بذريعة أنها استعادتها من الدواعش بالدم!! كما وتعمل قيادة بارزاني على تدمير العراق، وإنهائه، ففي تصريحات له ولأبنائه، يؤكدون على عدم وجود شيء اسمه العراق!!.

ولو توخينا الحقيقة، فإن مشروع إقليم الموصل هو أسوأ وأخطر على العراق بكثير من مشروع استقلال كردستان. فبحكم تاريخه وانتمائه القومي، يحق للشعب الكردستاني أن يطالب بالاستقلال وفق مبدأ (تقرير المصير)، ولكن على شرط أن يتم بالوسائل السلمية الديمقراطية، وأن لا يكون مرتبطاً بوحدة كاذبة من أجل أن يكون مصرفه على العراق، ويعمل على تدميره. فمشروع الموصل هو تعبير عن طموحات وأنانية بعض القادة الحالمين بتحويل محافظتهم إلى دويلة هزيلة مستقلة مرتبطة اسمياً بالعراق ليكون مصرفها على نفط البصرة، لفترة معينة إلى أن يتم ابتلاعها من قبل تركيا، خاصة وأن كاتب المشروع من المحسوبين على الأخوين النجيفي اللذين يدينان بالولاء إلى تركيا وليس للعراق.

وبناءً على كل ما تقدم، نرى مشروع إقليم الموصل، هو مشروع مشبوه، الغرض منه تفتيت العراق، وعلى المخلصين من الشعب العراقي، وخاصة السنة، وبالأخص من أبناء الموصل الوطنيين الشرفاء، الوقوف ضده وبقوة. فهؤلاء هم الذين تآمروا مع داعش، وعرضوا محافظاتهم إلى الاحتلال الداعشي المتوحش، وكما أكدنا مراراً، ما الداعش إلا الاسم الحركي لأيتام البعث وغيرهم من الطائفيين، ليرتكبوا جرائمهم البشعة ضد الشعب تحت هذا الغطاء. وكانت حصيلة جرائمهم الشنيعة هي تدمير مدنهم، وتشريد مئات الألوف من أبناء طائفتهم، واليوم يأتون لإكمال مشروعهم التدميري هذا بتأسيس دويلة الموصل كتمهيد للانفصال و إلحاقها بتركية أردوغان.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: الديمقراطية فضحت المجتمع العراقي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=559

2- ناهدة التميمي - كردستان دولة مستقلة مصرفها على العراق
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=265929




152
حول إغلاق الدعوى ضد رئيس البرلمان العراقي

د.عبدالخالق حسين

خلال جلسة برلمانية خُصِّصت لاستجوابه في (1 آب 2016)، اتهم وزير الدفاع السيد خالد العبيدي، رئيس البرلمان سليم الجبوري، وعدداً من النواب من بينهم محمد الكربولي وطالب المعماري، والنئب السابق حيدر الملا، بممارسة عمليات ابتزاز لتمرير عقود تسليح تشوبها شبهات فساد تقدر بملايين الدولارات.

وبهذا التكتيك، اتبع العبيدي، مستفيداً من خبرته العسكرية، مبدأ الهجوم أفضل وسيلة للدفاع. ونجح في ذلك، فنقل الكرة إلى ملعب خصومه، فتحولت الجلسة البرلمانية بدلاً من استجوابه إلى مواجهة الاتهامات التي وجهها إلى رئيس البرلمان، مما حدى بالأخير، إلى مطالبة النواب برفع الحصانة عنه ليمثل أمام القضاء والدفاع عن نفسه، متعهداً أنه لن يدير جلسات البرلمان إلا بعد إثبات براءته. وفعلاً نفذ الجبوري قراره هذا، حيث مثّل أمام القضاء يوم  9 آب الجاري، والذي أعلن "غلق الدعوى المقامة ضد الجبوري من الاتهامات لان الادلة المتحصلة بحق المتهم غير كافية".

دلالات الاتهمات
لهذه الاتهامات المتبادلة بين قيادات المكون السني دلالات خطيرة. فهي تشير إلى عمق الصراع السني-السني، أسوة بالصراعات العميقة بين المكونات العراقية الأخرى مثل: الصراع الشيعي- الشيعي، والكردي- الكردي. وهذا دليل آخر على أن المحنة العراقية هي ليست ناتجة عن كون الشعب العراقي منقسم على نفسه إلى سنة و شيعة وكرد ، بل يعود إلى أن الشعب العراقي بعد عقود من حكم المكون الواحد المتمثل بالحكم القومي العروبي السني، والذي اتبع مبدأ (فرق تسد)، واضطهد المكونات الأخرى، فما جرى بعد سقوط حكم البعث من صراعات هو نتاج حتمي يحدث بعد سقوط أي حكم جائر. فلو لم يكن في العراق مكونات مثل سنة وشيعة، عرب وكرد، لتم اختراع ذرائع أخرى لهذا الصراع كصراع مناطقي، شمال - جنوب، أو إسلامي – علماني، كما الحال في ليبيا، ومصر، وتونس، والجزائر وغيرها.

دلالة أخرى جديرة بالإشارة، وهي أن الاتهامات التي وجهها العبيدي للجبوري وغيره من قادة السنة، لو كانت قد صدرت من زعيم سياسي شيعي، لصرخوا بوجهه وامعتصماه، وحشدوا الدول الخليجية وإعلامها، متهمين السياسيين الشيعة باجتثاث السنة بحجة اجتثاث البعث!!. ولكن لحسن حظ الجميع، أن السيد خالد العبيدي هو عربي، مسلم، سني ومن الموصل، وقيادي في كتلة سياسية سنية (متحدون) بزعامة أسامة النجيفي. وهذا هو الجزء المرئي من الجبل الجليدي من الصراع بين الكتل السياسية السنية، أسوة بكتل المكونات الأخرى، فالعراق بلد الصراعات والأزمات الدائمة.
مرة أخرى أعيد على الأذهان ما قاله الملك فيصل الأول عام 1933م : ((... لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية ، خالية من أية فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية ، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء، ميالون للفوضى مستعدون دائماً للانتقاض على اية حكومة كانت...الخ))(1).
وما اشبه اليوم بالبارحة، فما الذي تغير في العراق خلال 83 عاماً الماضية؟

دلالات سخط العراقيين من تبرئة الجبوري
استقبل الشارع العراقي، (وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، تعليقات مجموعات النقاش ...الخ)، قرار القضاء بغلق الدعوى المقامة ضد الجبوري، بموجة من الغضب والسخرية والاستهزاء والطعن بالقضاء العراقي، واتهامه بالتسيس والإنحياز لهذه الجهة ضد الأخرى. وعلى سبيل المثال لا الحصر نقرأ عناوين مثل:
(محاكمة الجبوري تلهب سخرية العراقيين)، (خبير قانوني يكشف عن "لعبة كبيرة" في براءة رئيس البرلمان)، (لو تعامل القضاء مع جميع المتهمين كتعامله مع الجبوري لفرغت السجون)... وهذا غيض من فيض. وحتى السفير الأمريكي لم يسلم من تهمة التدخل لتبرئة الجبوري، إذ نقرأ مقالاً بعنوان: (تهديد أميركي يرجع الشرعية للجبوري).

ولهذا الموقف مخاطره ودلالاته. فالمواطن العراقي مشحون بالغضب ضد السلطة وأية سلطة كانت، وأي مسؤول ومن أي مكون كان. وكما ذكرت آنفاً، هذا ناتج مما عاناه العراقيون من ظلم وجور من الحكومات المتعاقبة عبر قرون، وما يعانيه الآن من إرهاب وفساد. وفي هذه الحالة وكما يقول المثل: (ألظلم لو دام دمر يحرق اليابس والأخضر).

لا أريد هنا الدفاع عن السيد سليم الجبوري، فموقفي منه معروف كما عبرت عنه بمقال سابق لي بعنوان (سليم الجبوري يتحدث بلسانين)، ولا الدفاع عن القضاة الذين برأوا ساحته ، فهم رجال قانون أعرف وأقدر من غيرهم في الدفاع عم قراراتهم وعن أنفسهم، ولكن هذا لا يعني أن لا يحق لي إبداء رأيي في هذا الموضوع الخطير، أسوة بغيري من أبناء الشعب.

فالسؤال هنا، ماذا كان موقف "الشارع العراقي" لو أصدر القضاء حكماً مغايراً، أي بإقرار الاتهامات ضد الجبوري؟ بالتأكيد لواجهنا نفس الغضب ولكن من مناصري الجبوري ومناهضي العبيدي، وهم كثرُ. فهناك مقال بعنوان: (وزير آل النجيفي وخادمهم ...) للسيد أياد السماوي، جاء فيه: " أرادها أن تكون دليلا أمام القضاء العراقي ومادة لتعاطف الشارع معه، فتحوّلت إلى فضيحة أخلاقية من العيار الثقيل ...الخ"، ومقالات أخرى ضد العبيدي.

فالإنصاف يحتم علينا أن نحترم القانون، إذ هناك مبدأ قضائي يفيد: (البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر). فكثير من خصوم وزير الدفاع يسألون، إذا كان حقاً لديه أدلة قاطعة ضد رئيس البرلمان، وعدد من النواب بالفساد، فلماذا سكت كل هذه المدة؟ ولماذا لم يكشفها خلال الجلسة البرلمانية؟ ولماذا حاول التخلص من استجوابه في البرلمان؟ وعندما تأكد من عدم خلاصه، لماذا ذهب إلى البرلمان بملابس عسكرية، وأخذ معه عدداً من القادة العسكريين في وزارة الدفاع من بينهم رئيس أركان الجيش في استعراض عسكري؟ وحتى لو أنه ترك هذه الأدلة للوقت المناسب كما ادعى في تصريحاته للإعلام، فإننا ننتظر على أحر من الجمر أن يقدمها بأسرع وقت ممكن، فالكرة الآن في ملعبه، ولكن على الأغلب ليس لدى السيد العبيدي أدلة بما فيه الكفاية، وإنما ما قاله هو جزء من هذا الصراع السني- السني، أسوة بالصراعات بين الكتل السياسية للمكونات العراقية الأخرى، وهي في جميع الأحوال ليست لمصلحة الشعب العراقي، بل هي صراعات حول المصالح الشخصية، والفئوية.

إن المتهَّم رئيس البرلمان، وموجه التهمة وزير الدفاع، كلاهما في السلطة، و من المكون السني، فلو أصدر القضاء حكماً لصالح أي منهما لأثار غضب الشارع العراقي من أنصار الآخر في جميع الأحوال. لذلك أعتقد إن فرض الضغوط على القضاء لإصدار حكم يتوافق مع الشارع العراقي لا يخدم العدالة ولا حكم القانون. إذ لا يجب أن تتم محاكمة المتهم من خلال الإعلام بدلاً من القضاء، وعلى رجال القضاء مقاومة أي ضغط عليهم من الشارع أو السلطة التنفيذية، وأن يتمسكوا بحكم القانون.
والجدير بالذكر، أن القضاء لم يبرئ ساحة الجبوري من الاتهامات، بل أغلق الدعوى لعدم كفاية الأدلة، فمازال المجال مفتوحاً أما وزير الدفاع لتقديم أدلته إن كانت لديه أدلة بما فيه الكفاية، وأنا أشك في ذلك.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
1- مذكرة الملك فيصل الاول  http://i3aq.yoo7.com/montada-f4/topic-t14.htm

2- دكتور أثير يتحدث عن خالد العبيدي...! (فيديو 5 دقائق)
https://www.facebook.com/maitham4350/videos/1154148824645764/

153
متى يكون الحياد خيانة وطنية؟
د.عبدالخالق حسين

من فوائد الانترنت أن الكاتب والقارئ في حالة تواصل مباشر. فتعليقات القراء، ومجموعات النقاش، ورسائل الأصدقاء تشكل مصدراً مهماً وملهماً للكتابة. وقد أثار مقالي الأخير الموسوم ("التجسس" لدحر الإرهاب، ضرر أم ضرورة؟)، جدلاً واسعاً ومفيداً، بين مؤيدين ومعارضين، وخاصة حول استخدامي لكلمة (التجسس)، في العنوان وفي سياق المقال، وكذلك حول حق السلطة في استخدام (الاستخبارات) لمعرفة المجرمين المحتملين وملاحقتهم، لدحر الإرهاب. واقترح عدد من القراء أنه كان من الأفضل استخدام كلمة (استخبارات) أو غيرها بدلاً من كلمة التجسس السلبية، بينما علق صديق وهو كاتب وباحث متميز، قائلاً: "بصراحة أنا لم أفهم هذا التحسس من كلمة التجسس،... جاسوس يخدم بلده أفضل من شخص يتبرقع ببرقع التقوى ولا يفعل شيئاً". وأنا اتفق معه مائة بالمائة.

ولكن ما أحزنني هو اتهام أحد الأخوة لي بأني لا أرى الأشياء إلا باللونين، الأسود والأبيض، وأني أعمل وفق المبدأ القائل (إما معنا أو ضدنا) الذي أعلنه الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش عند وقوع جريمة 11 سبتمبر 2001، من قبل أتباع "القاعدة" الإرهابية. واتهمني الأخ المعلق بأني غير محايد في طروحاتي مما يفقدني المصداقية، واعتبر ذلك خطأ يجب عليَّ التخلص منه !!.

هذه المسألة مهمة لأن هناك كثيرون متأثرون بهذه العبارات الجاهزة، ويرددونها باستمرار، بمناسبة وبدونها، وحتى في الحالات التي يكون فيها هذا المبدأ (إما معنا أو ضدنا) صحيحاً، والحياد خيانة، لذلك رأيت من المفيد أن أخصص مقالة مستقلة عن هذا الموضوع، وليس مجرد تعليق عابر ومختصر.

من نافلة القول، أن كل شيء يكون صحيحاً عندما يوضع في مكانه المناسب و وقته المناسب. وفي هذا الخصوص تحضرني قصة سمعتها من إذاعة بغداد في وقت مبكر من حياتي، بقيت لاصقة بذاكرتي، مفادها أن أستاذاً في مدرسة جزائرية أيام الاستعمار الفرنسي، كان يحاضر على طلبته عن النظافة والجمال. فقال أن كل شيء في مكانه الصحيح هو نظيف وجميل، أما إذ وضعته في مكان غير مناسب فهو وساخة. وضرب مثلاً، أن الشعر في الرأس نظافة ولكنه في الطعام وساخة. وفي نهاية الدرس سأل المعلم أحد التلامذة عما فهمه من الدرس، فأجاب التلميذ الجزائري: (فهمت أن المواطن الفرنسي في فرنسا نظافة، ولكن وجوده في الجزائر كمستعمر، وساخة). وهذا بالطبع كان رداً حاسماً وفي مكانه ووقته المناسبين. 

هذا الكلام ينطبق على كل شيء، بما فيه موضوع الحياد. فالحياد مطلوب من الباحث العلمي في العلوم الطبيعية والاجتماعية وغيرها من الدراسات، وكذلك في المرافعات القضائية في المحاكم، وبالأخص من قبل القضاة وهيئات المحكمين، ومطلوب أيضاً من وسائل الإعلام في نقل الأخبار والمعلومات بحيادية...إلى آخره. وأي انحياز من قبل أي مسؤول في هذه المجالات يعتبر خيانة بحق الذين كلفوه في هذه المهمة، وخيانة للمجتمع الذي وضع ثقته به، وخيانة للواجب والضمير والأخلاق.

ولكن لكل شيء استثناء، إذ هناك أموراً لا يمكن أن يقف الانسان النزيه العادل الحقاني محايداً إزاءها، وخاصة في الصراعات السياسية والاجتماعية، وقضية العدالة، مثل الصراع بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، والصواب والخطأ...الخ. ولكن المشكلة أن البشر يختلفون في فهمهم لهذه الأمور، ومواقفهم منها حسب ثقافاتهم وأعرافهم، وتربيتهم، و حسب ما تمليه عليهم مصالحهم. ولذلك بإمكان أي طرف الإتيان بالأدلة "القاطعة" على صحة رأيه، وخطأ خصمه إزاء أية قضية يدور حولها الجدل.

لذلك، فأنا لا أرى بوش على خطأ في مطالبته العالم أن يقرر موقفه عندما تعرض شعبه للإرهاب. والآن البشرية كلها تواجه خطر الإرهاب، فأين الخطأ في خطاب بوش؟

وبالنسبة لنا كعراقيين، لا أرى الإرهاب الذي يهدد الشعب العراقي بالإبادة، مسألة خلافية تحتمل الحياد. فالآن هناك إجماع عالمي أن (القاعدة) وفروعها ومشتقاتها، مثل داعش، وجبهة النصرة وبكوحرام وعشرات غيرها، هي منظمات إرهابية ضد الإنسانية، تشكل خطراً على البشرية وحضارتها، لذلك يجب محاربتها بالسلاح والقلم، وبجميع الوسائل المتاحة. وحتى الذين يدعمون هذه المنظمات الإرهابية مثل السعودية وقطر وتركيا، لم يجرأوا أن يدافعوا عنها علناً، بل يدعمونها في السر ويدينونها في العلن، لذلك، لم نكن على خطأ إذا اعتبرنا أي موقف حيادي من هذه التنظيمات الإرهابية هو خيانة للشعب والوطن والإنسانية.

كذلك تبرز هنا أهمية الاستخبارات، فأية حكومة لا يمكن أن تحمي شعبها من الإرهاب والجريمة المنظمة ما لم يكن لها جهاز استخباراتي قوي، يتمتع بخبرات بشرية وأجهزة تكنولوجية متطورة للكشف عن الإرهابيين والمجرمين المحتملين. ولكن هناك أناس، يعملون لصالح الإرهاب وبغطاء "حضاري"، يقفون ضد أي مسعى حكومي للكشف عن الإرهابيين بذريعة أن هذه الإجراءات تجسسية ضد حقوق الإنسان، وانتهاك لخصوصيات المواطن!!
فقبل سنوات أثار ممثلو الإرهاب في البرلمان العراقي ضجيجاً حول ما يسمى بـ(المخبر السري)، وطالبوا بإلغائه. وتم لهم ما أرادوا، وكان انتصاراً للإرهاب. لا ندعي أن المخبر السري معصوم عن الخطأ، ولكن كان وسيلة مساعدة لصيد الإرهابيين قبل القيام بجريمتهم، وإذا كانت التهمة باطلة فكان بالإمكان تلافيها بتبرئة المتهم من خلال التحقيق. والدول المتقدمة لها رجال أمنيين يخترقون العصابات الإجرامية ويصطادونهم في اللحظة المناسبة. وما أحوج الحكومة العراقية إلى مثل هذه الأجهزة وخبراتها. لذلك نطالب الحكومة الاستفادة من خبرات الدول الغربية الصديقة مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها لتطوير منظومتها الاستخباراتية في حربها ضد الإرهاب، إذ هناك حقيقة معروفة، أن أهم متطلبات النصر على العدو هو امتلاك جهاز استخباراتي متطور ذو كفاءة عالية.

سألني أحد الأخوة المعلقين معترضاً: (وهل يشعر الشعب العراقي أن "الأمن والسلامة" متوفران له حتى "يتقبل" تلك "الإجراءات" بوصفها "ضرورة أمنية"؟). وجوابي للأخ، أن عدم شعور الشعب بالأمن والسلامة ناتج عن عدم توفر أجهزة استخباراتية ذات كفاءة عالية لتحميه من الأشرار، لذلك فالشعب العراقي على استعداد تام لتقبل الاستخبارات ودعمها من أجل ضمان حريته وسلامته، ودحر الإرهاب، تماماً كما يجري في البلدان الغربية المتقدمة.

خلاصة القول، إن الحياد، مطلوب في مجالات كثيرة أشرنا إليها أعلاه، ولكن الحياد يعتبر جريمة في حالة الصراع بين الخير والشر، والحق والباطل، بين شعب يواجه حرب الإبادة وعصابات الإرهاب. لذلك نقول للذين يتهموننا بالانحياز ضد الإرهاب ومن يناصرهم، أننا نفتخر بهذه التهمة، ونؤكد موقفنا المنحاز إلى شعبنا المهدد من قبل الإرهاب وأنصاره الأشرار. وفي هذا الخصوص نذكرهم مرة أخرى بمقولة دانتي:
"إن قعر جهنم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد عندما تكون القيم مهددة بالخطر".

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

154
(التجسس) لدحر الإرهاب، ضرر أم ضرورة؟
د.عبدالخالق حسين

التجسس، كلمة بذيئة ليس في الأدب السياسي العراقي فحسب، بل وفي أدبيات جميع الشعوب. فإذا أردت أن تحط من سمعة أي شخص، فما عليك إلا أن تصفه بالجاسوس، وخاصة إذا كان يعمل لصالح الحكومة على حساب المواطنين. وهذا الموقف في العراق ناتج عن سوء العلاقة بين الحكومات الجائرة المتعاقبة والشعب عبر التاريخ، حيث كان العداء مستفحلاً بينهما، حتى أصبحت معاداة الحكومة من الأعراف والتقاليد الشعبية والمسلَّمات التي لا يمكن تجاوزها، لأن الحكومات المستبدة كانت تمارس الإرهاب ضد الشعب، والذي بلغ الأوج في عهد حكم البعث الصدامي المقبور.

ولكن من الجهة الأخرى توصل الفلاسفة، عدا الفوضويون منهم (Anarchists)، إلى أنه لا يمكن تأسيس حضارة إلا بوجود دولة تحتكر السلطة وامتلاك السلاح لفرض النظام وحكم القانون. ومن أهم واجبات الدولة حماية المواطنين من المجرمين، مقابل تنازل المواطنين عن قسم من حريتهم للتمتع بالحرية النسبية. فالحرية المطلقة لا يعرفها إلا الحيوان، ولا توجد إلا في الغابة حيث تعم فيها شريعة الغاب. أما في المجتمعات البشرية، فالحرية المطلقة تعني لا حرية، أي العبودية المطلقة، لأن في هذه الحالة الحرية للأقوياء والبلطجية فقط، وعندها تنعدم حرية الأغلبية من الذين يريدون العيش بسلام. وفي هذا الخصوص قال توماس هوبز: " الانسان ذئب لأخيه الإنسان، والعالم هو غابة من الذئاب، وإذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب! لذلك ينبغي تنظيم المجتمع بطريقة عقلانية من أجل تحجيم هذه النزعة الوحشية الموجودة في أعماق الإنسان، ومن أجل التوصل إلى مجتمع مدني، متحضر".

مناسبة هذه المقدمة، أني استلمت عبر بريدي الإلكتروني مقالاً بعنوان: (هل تقوم حكومة العبادي بالتجسس على مواطنيها؟)، مع تعليق المرسل الذي تبين أنه هو كاتب المقال جاء فيه: (بدأت حكومة العبادي تلعب بشكل خبيث. لم تعد حكومة دولة ديمقراطية. بل صارت تقترب شيئا فشيئا في تصرفاتها من سياسات المقبور ومن الحكومات الاستبدادية. علمنا قبل ايام من انها تقوم بالتجسس على حاسوبنا بعد اختراقه ببرنامج تجسس عن بعد. ولابد ان آخرين قد تعرضوا الى هذا التجسس دون علمهم.... ادناه مقالة توضح هذا الموضوع. واتوقع ان تساهموا بنشر خبر هذا التطور الخطير على اوسع نطاق.) انتهى

وفي متن المقال يستنكر الكاتب التجسس على المواطنين مستشهداً بمادة دستورية، فيقول: ((للتذكير فالمادة (40) من الدستور تقول بأن "حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولةٌ بموجب الدستور، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها أو الكشف عنها إلا لضرورة قانونية وأمنية ، وبقرارٍ قضائي". لكن بغياب قوانين في العراق تمنع اختراق حواسيب المواطنين من دون امر قضائي يكون كل شيء ممكن.)) انتهى.

لم يكن بودي استخدام كلمة (التجسس) في العنوان، ولا في سياق المقال، لولا أن كاتب المقال المشار إليه في أعلاه، استخدمها بتكرار، وركز عليها للتحريض ضد الحكومة. وربما كان الأجدر استخدام كلمة (استخبارات)، بدلاً من كلمة التجسس التسقيطية.

ولا ندري مدى صحة هذا "التجسس" على حاسوب الكاتب وحواسيب الآخرين كما ادعى ، ولكن إن صح الخبر، فالأسباب القانونية والأمنية مبررة دستورياً وحسب المادة التي استشهد بها، فهي متوفرة في العراق وضمن الدستور، فالشعب يتعرض إلى إرهاب حرب الإبادة منذ سقوط الفاشية البعثية عام 2003 وإلى الآن، الأمر الذي يبرره الدستور بمادته الأربعين التي جاء فيها الاستثناء: (إلا لضرورة قانونية وأمنية، وبقرارٍ قضائي). كذلك هناك قانون مكافحة الإرهاب. فالعراق ليس بلا قوانين كما أدعى الكاتب.
والجدير بالذكر، أن جميع الحكومات، الديمقراطية وغير الديمقراطية، لها أجهزة أمنية، واستخباراتية (تجسسية)، وظيفتها جمع المعلومات في الداخل والخارج، لحماية أمن ومصالح شعوبها. فأمريكا عندهاFBI  و CIA و بريطانيا عندها MI5 و MI6 ، وكان الإتحاد السوفيتي عنده الـ (KGB)، وهكذا جميع الدول. ولو لا هذه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، أو سميها (التجسسية) إن شئت، لما تمت حماية شعوب هذه الدول من المجرمين والإرهابيين. وعلى سبيل المثال، في بريطانيا نسبة الكاميرات السرية وغير السرية (CCTV)، تقدر بكاميرا واحدة لكل 14 مواطن، يعني هناك أكثر من أربعة ملايين كاميرا في جميع أنحاء بريطانيا، وهذه الكاميرات ساعدت الأجهزة الأمنية على مكافحة الإجرام، والقبض على الجناة. و حتى في المرافق الصحية العمومية نقرأ تحذيرات موجهة للمخربين بوجود كاميرات خفية من أجل حماية هذه المنشآت من التخريب، ولا أحد يتذمر من هذه الاجراءات، واتهام الحكومة البريطانية بأنها صارت دكتاتورية وقريبة من سياسات الحكومات الاستبدادية. وحتى التجسس على الحواسيب صار أمراً مألوفاً ومبرراً، فبهذه الطريقة تم القبض قبل أيام في اسكوتلاندا على أكثر من سبعين متهماً بجريمة الاعتداء الجنسي على نحو 500 طفل.

إن الدول الغربية تقوم بهذه الإجراءات الأمنية ونسبة تعرضها للإرهاب أقل من واحد بالألف مما يتعرض له العراق، فلماذا يجوز لهذه الدول الديمقراطية العريقة المستقرة والآمنة نسبياً، أن تتخذ مثل هذه الاجراءات الاحترازية، ولا يجوز للحكومة العراقية وهي في حالة حرب ضروس مع الإرهاب، وعصابات الجريمة المنظمة؟

كذلك نسمع بين حين وآخر أخباراً تفيد أنه تم إلقاء القبض على عصابة إجرامية في إحدى الدول الغربية، تقوم بتهريب المخدرات أو البشر، أو المتاجرة بالرق الأبيض...الخ، فكيف استطاعت هذه الأجهزة القبض على هذه العصابات ما لم تكن لها أجهزة تجسسية متقدمة، بل وحتى اندساس بعض الجواسيس في صفوف عصابات المجرمين من أجل إيقاعهم في الفخ. هذه الأنشطة أصبحت اليوم علماً من علوم إدارة الدولة وحفظ أمن وسلامة الناس وإدارتهم، ولولاها لعمت الفوضى والعودة إلى شريعة الغاب.

الدولة العراقية أمام محنة، فإذا فشلت في الكشف عن الإرهابيين والقبض عليهم، قالوا عنها أنها دولة ضعيفة و فاشلة، والأجهزة الأمنية والاستخباراتية مقصرة في واجبها، وحتى مخترقة من قبل الإرهابيين. وإن جاهدت في تطوير أجهزتها الاستخباراتية لدحر الإرهاب والجريمة المنظمة، قالوا عنها أنها تتجسس على الشعب، وتقترب من سياسات المقبور صدام!!
والسؤال هنا، هل الإرهابيون نزلوا من المريخ، أليسوا من أبناء الشعب، فعصابات الجريمة المنظمة هم من أبناء البلد، وكذلك 95% من الدواعش هم من الداخل، فكيف يمكن كشفهم بدون التجسس عليهم؟ وإذا تجسست الأجهزة الأمنية عليهم قالوا أن الحكومة صارت مستبدة. وماذا نسمي هذا التفتيش الصارم في المطارات؟ الغربيون مستعدون لتحمل كل ذلك من أجل سلامتهم، ودحر الإرهاب.

إن الذين يتهمون الحكومة بالتجسس على الشعب، مصابون بعمى البصر والبصيرة، وفقدوا القدرة على التمييز بين الحق والباطل، فالتجسس يخص خيانة الوطن وإيصال المعلومات السرية للدول الاجنبية وأعداء الشعب عموما. اما متابعة الدولة لشؤون مواطنيها لحمايتهم من الأعداء فلا يعتبر تجسساً، بل واجباً وطنياً. لذلك نقول إن هذه الإجراءات حتى ولو سميت "تجسسية"، فهي ضرورة أمنية لا بد منها، والشعب يتقبلها مقابل توفير الأمن والسلامة ودحر الإرهابيين، ولا يستنكرها إلا من في قلبه مرض، يريد مساعدة الإرهابيين وأعداء الوطن بذريعة عدم التجسس على الشعب. فالناس الأبرياء لا يخافون من هذا النوع من النشاط الوطني، إذ كما يقول المثل العراقي: (اللي تحت ابطه عنز يمعمع).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/



155
من المسؤول عن الإرهاب في أوربا؟
د.عبدالخالق حسين

أثارت جريمة ذبح القس الفرنسي في كنيسة بمنطقة نورماندي الفرنسية قبل أيام، قرف واستهجان وإشمئزاز البشرية في كل مكان. ولا أريد هنا الحديث عن أسباب الإرهاب الإسلامي الوهابي بوجه عام، فقد تطرقنا لهذا الموضوع عشرات المرات، كما إن الذرائعيين والمبررين يوجدون له أسباباً محلية مختلفة وحسب ظروف كل بلد، فلكل دولة عندهم أسبابه الخاصة كما يشتهون. فسبب الإرهاب في العراق مثلاً هو تهميش السنة العرب من قبل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، و"الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة الروافض، الموالية لإيران!!"، اللازمة التي يرددونها كلما جاءوا على ذكر الحكومة العراقية. علماً بأن الإرهاب كان على أشده في العراق منذ 2003 قبل أن نسمع باسم المالكي بسنوات. أما سبب الإرهاب في سورية، فهو هيمنة الطائفة العلوية على السلطة وتهميش السنة، رغم أن غالبية أعضاء الحكومة والبرلمان هم من السنة. أما في البلدان العربية الأخرى التي لا يوجد فيها إنقسام سني-شيعي، فهناك أسباب أخرى وحسب ما تخترعه عقول المبررين للإرهاب. وهؤلاء جميعاً لم يتطرقوا ولو مرة واحدة إلى السبب الحقيقي للإرهاب الذي سنأتي إليه لاحقاً.

فعندما يرتكب هؤلاء الوحوش جريمة بشعة يندى لها الجبين، كالتي قام بها إرهابيان بذبح القس الفرنسي وهو في الرابعة والثمانين من العمر، أو سائق شاحنة يدهس المئات في شارع مزدحم مبتهجين بمناسبة وطنية في مدينة نيس الفرنسية أيضاً، والعشرات غيرها من الجرائم البشعة، باسم الله والإسلام، يطلع علينا نفر من هؤلاء  لتبرير هذه الجرائم بأنها نتيجة تهميش المسلمين في أوربا، مما يدفعهم إلى التطرف.
فقد بعث لي صديق رسالة أخبرني عن حوار تلفزيوني جرى مع عربي يظنه تونسي، في قناة فرانس 24 ، عن قضية ذبح القس الفرنسي، يبرّر ذلك بقوله: (هناك مشكلة تهميش للمسلمين أحياناً تدفع البعض منهم للتطرّف !). ويعلق الصديق قائلاً: (نسي هذا الرجل نفسه، فظن أنه يتكلّم عن أكذوبة تهميش السنة في العراق! فاختلطت عليه الامور!!!). وبالمناسبة، الصديق صاحب الرسالة هو عربي عراقي ومن خلفية سنية، وهو علماني متنور لم يتأثر بهذه الترهات.

فهل حقاً هناك تهميش للمسلمين في أوربا؟
قد يكون هناك تهميش لفئة صغيرة من المسلمين، وإن وجد، فمن هو السبب؟ ومن همش من؟
لقد وفرت الحكومات الغربية كل الإمكانات لمختلف الجاليات الوافدة، مسلمين وغير المسلمين، للإندماج. كما وفرت لأتباع كل ديانة ومذهب، الحرية الكاملة لممارسة طقوسها الدينية والمذهبية وحرية العبادة كما تشاء دون أية مضايقة، بحيث لم تتوفر هذه الحرية حتى في البلدان الإسلامية التي وفدت منها هذه الجاليات.
كذلك هناك وزراء ونواب برلمانيون ومسؤولون كبار من أصول إسلامية وعربية في معظم الدول الأوربية. وفي فرنسا خاصة من أصول دول شمال أفريقيا مثل المغرب والجزائر وتونس، لأن هؤلاء اندمجوا في مجتمعاتهم المضيفة، ولم يتلوثوا بفايروس الفاشية الوهابية التكفيرية الإنعزالية.
إن وُجدَ التهميش، فالإنعزاليون هم الذين همشوا أنفسهم، لأنهم يحرمون حتى تقديم التهاني والتحية لأهل البلاد بمناسباتهم الدينية والوطنية، ويعتبرون ذلك نوعاً من الكفر والزندقة والتشبه بالكفار!!.

كذلك هناك الملايين من المهاجرين من غير المسلمين في الدول الغربية، وإذا كان التهميش هو السبب، فلا بد أنه شمل أتباع الدينات الأخرى أيضاً. وفي هذه الحالة، فلماذا لم يقم بالإرهاب شباب من غير المسلمين؟ بل وحتى لو بحثنا عن مذهب الإرهابيين لوجدنا أنهم من مذهب واحد فقط من المسلمين، وهم من الذين يدينون بالعقيدة السلفية الوهابية التكفيرية وليس غيرهم.

لذلك، وبناءً على كل ما تقدم، نستنتج أن السبب الرئيسي لهذا الإرهاب هو ليس التهميش كما يدعون، بل هو العقيدة الوهابية والأموال السعودية التي امتلكت معظم المساجد في أوربا، وفرضت عليهم مشايخ الوهابية من السعودية والدول الخليجية الأخرى، فقام هؤلاء المشايخ بحقنهم بالعقيدة الوهابية، ودفعهم للتطرف والعداء لغيرهم، وتحويل القلة من الشباب المسلمين الفارغين فكرياً إلى روبوتات، وقنابل بشرية موقوته تنفجر بالريموت كنترول عند الطلب.

والسبب الآخر الذي سهَّل للسعودية وشقيقاتها الخليجيات في نشر التطرف الديني هو تساهل الحكومات الغربية مع الحكومات الراعية للإرهاب مقابل المال، والإستثمارات الهائلة التي تقوم بها تلك الحكومات في الغرب. وإلا كيف نفسر إقدام الحكومة الفرنسية بمنح أعلى وسام فرنسي للأمير محمد بن سلمان، وهو المهيمن على المملكة السعودية راعية الإرهاب، ولولاها لما وجد الإرهاب الإسلامي أصلاً.

خلاصة القول، لا يمكن دحر الإرهاب الإسلامي الوهابي في أي مكان في العالم، إلا بمحاسبة الدول الحاضنة للإرهاب والراعية له، وهي السعودية وقطر وتركية أردوغان.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- عبدالخالق حسين: من وراء تفجيرات بروكسل؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=832

2- مقال صحيفة الإنديبندنت اللندنية
The Independent:
 Brussels attacks: How Saudi Arabia's influence and a deal to get oil contracts sowed seeds of radicalism in Belgium
http://www.independent.co.uk/news/world/europe/brussels-attacks-saudi-arabia-influence-oil-contracts-sowed-seeds-radicalism-belgium-great-mosque-a6745996.html
 
3- د.عبدالخالق حسين: الوهابية، حركة فاشية دينية يجب تجريمها
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=749

4- كورتين وينزر (سفير أمريكي سابق): السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

5- د. أسامة فوزي: على هامش تفجيرات بروكسل الإرهابيه ... لله درك يا بشار الأسد
http://www.arabtimes.com/portal/news_display.cfm?Action=&Preview=No&nid=21150

156
هل المحاولة الانقلابية كانت فبركة إردوغانية؟
د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الموسوم (المحاولة الانقلابية.. زلزال يهز عرش أردوغان)(1)، استلمتُ عدة تعليقات من أصدقاء، لهم اهتمام بالسياسة، بينهم مثقفون وأكاديميون وكتاب محترمون، قالوا ربما أنها مفتعلة من قبل إردوغان، ليتخذ منها ذريعة للتخلص من معارضيه، وتشديد قبضته على السلطة. ثم انهال علينا سيل من المقالات، أغلبها موقعة بأسماء غير معروفة، وعلى الأغلب مستعارة، هدفها التشويش والتضليل، والترويج لنظرية المؤامرة. وقد أشار الصديق الأستاذ رعد الحافظ إلى هذه الحملة في مقاله القيم (الإنقلاب التركي الغريب!)(2)

واحدة من هذه المقالات حول نظرية المؤامرة، جديرة بالإشارة لما حصلت من تعميم واسع لا تستحقه، أدعت كاتبتها (هدى جنات)، أنها "من صحفية الغارديان البريطانيه، تقول في البداية: " الله اكبر عاد اردوغان ..لحظة..!! من اين عاد ؟؟ كيف ولماذا فشل الانقلاب العسكري في تركيا رغم ان كل شيء كان مخطط له باحكام؟؟  يقال اذا ظهر السبب بطل العجب ... تابعوا معي... ".

وملخص ما تريد الكاتبة قوله، أن الإنقلاب كان ناجحاً، شاركت فيه غالبية الصنوف العسكرية، ولقيت التأييد الشعبي الواسع، وقد تم اعتقال أردوغان ورحلوه إلى ألمانيا، ولكن بعد ساعات، تدخلت الطائرات الحربية الأمريكية الرابضة في قاعدة انجرليك التركية، وبأمر من الرئيس أوباما، فتم إسقاط 25 طائرة هليوكوبتر وقتل كل العسكرين فيها، وبالتالي انتهى الإنقلاب وعاد أردوغان إلى الحكم.!!!
وقد بحثنا مع غيرنا، في غوغل وغير غوغل عن حقيقة الكاتبة هذه، وهل حقاً هي صحفية في الغارديان اللندنية، فلم نعثر لها على أثر إلا في صحيفتها على الـ(Twitter) ومقالتها العتيدة.

والغريب أن هذه المقالة لقيت قبولاً من عدد غير قليل من المتلقين الذين راحوا يعممونها بحماس مع تعليقات التأييد، ومع الأسف من بينهم أكاديميون وجامعيون محترمون، وكأنها فعلاً صادرة من الغارديان ذات السمعة العالمية الواسعة. وهذا مؤلم ومؤسف، لأنه يكشف عن مدى استعداد الإنسان وتعرضه إلى الخديعة والتضليل، بغض النظر عن شهاداته الجامعية، ومكانته العلمية والأكاديمية.

أما المجموعة الثانية من المقالات والتعليقات، فقد ركزت على النوع الآخر من نظرية المؤامرة، مفادها أن المحاولة الانقلابية هذه كانت من تدبير الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان نفسه، لاتخاذها ذريعة لتكريس السلطات بيده، وتغيير الدستور لمصلحته الشخصية، والانتقام من معارضيه والتخلص منهم. ونشير هنا إلى مقال نشرته صحيفة المسلة الإلكترونية، بعنوان: (حقيقة الخديعة)(3).
لا شك أن من حق هؤلاء أن يتهموا أردوغان بتدبير الانقلابات ليتخذها حجة لقمع معارضيه، وذلك لما عُرِف عنه من ماكيافيللية، وعدم اهتمامه بحياة البشر والمصلحة العامة من أجل مصالحه الشخصية، وكذلك لما عرف عنه من نرجسية مفرطة، وفي هذا الخصوص يرجى مراجعة تقرير صحيفة الميل أون لاين اللندنية(4). 

ولكن الأهم في هذا الخصوص، و مما يقوي الظن في صالح نظرية الفبركة الإردوغانية، أن (صحيفة الواشنطن تايمز، الأمريكية، كتبت تقريراً قبل ثلاثة شهور، حذرت فيه أن أردوغان سيفبرك انقلاب عسكري لتوسيع سلطاته وقمع معارضيه!)، وهو تقرير جدير بالقراءة والتأمل، ندرج في الهامش رابط النسخة الإنكليزية(5)، وملخص ترجمتها العربية(6).
ومما جاء في هذا التقرير أن هناك تذمر شديد في الشعب التركي وخاصة من قبل ضباط الجيش التركي والمثقفين، حول سياسة أردوغان، وأنه يجر البلاد إلى المزيد من الكوارث. وحذر أن إردوغان قد يفبرك انقلاباً عسكرياً ليتخذ منه ذريعة لتشديد قبضته على السلطة وقمع معارضيه. كذلك جاء في التقرير أن الأمريكان على علم باحتمال قيام الجيش بانقلاب عسكري ليس من تدبير أردوغان، ولكن نتيجة هذا التذمر، إلا إنه إذا ما فشلت المحاولة فمن الممكن لأردوغان أن يوظفها لصالحه. وكان قادة الجيش يدركون أن أي انقلاب لا يمكن أن يكتب له النجاح ما لم يحصل على دعم وتأييد أمريكا. إلا إن أمريكا لا يمكن أن تؤيد أي انقلاب إلا بعد نجاحه، كما حصل مع الانقلاب المصري بقيادة المشير عبدالفتاح السيسي على الرئيس السابق الأخواني محمد مرسي، والذي عارضته أمريكا في أول الأمر، ولكن بعد مرور فترة قصيرة على نجاحه، اعترفت بالأمر الواقع، وكذلك ستكون الحال مع الانقلاب ضد أردوغان في حالة نجاحه.

ومن سلوكه الماكيافيللي، فمن غير المستبعد أن يلجأ إردوغان إلى فبركة هكذا انقلاب، وعلى طريقة صدام حسين الذي كان يقوم بفبركة الإنقلابات، ليتخذ منها مصائد للفئران، يجتذب لها، ويصطاد من خلالها كل من يشك بولائه، ولديه الاستعداد للتآمر عليه، ولكن صدام كان يلقي القبض عليهم قبل البدء بالتنفيذ. لذلك قد يكون أردوغان كان يخطط لمثل هذا النوع من الفخ، ليتخذه ذريعة لقمع خصومه والانتقام منهم، ولكن كيف خرجت المحاولة إلى حيز التنفيذ، وسمح لها أن تسبب كل هذه الخسائر في الأرواح والممتلكات، وكادت أن تودي بحياة إردوغان نفسه وبنظامه، كما و أساءت إلى مكانة الجيش ومعنوياته، و سمعة النظام التركي عالمياً، وتحويلها من دولة ديمقراطية مستقرة ومزدهرة اقتصادياً، إلى دولة دكتاتورية فاشلة.

لذلك، ومن كل ما تقدم، نعتقد أن المحاولة الانقلابية لم تكن من فبركة أردوغان، بل كانت محاولة حقيقية، دبرها قادة الجيش المخلصون، أرادوا إنقاذ البلاد من إسلاموية أردوغان ودكتاتوريته وطموحاته الشخصية في الإنفراد بالسلطة. وكان هدف الإنقلاب ترسيخ العلمانية والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، كما جاء في بيانهم الذي أذاعوه من إحدى القنوات التلفزيونية. إلا إنهم اساءوا التخطيط، إذ كان عليهم إلقاء القبض على إردوغان وكبار مساعديه قبل كل شيء، فتركوهم طليقين في تحركاتهم، يصدرون الأوامر إلى أنصارهم من خلال القنوات التلفزيونية كما يشاؤون، لذلك فشلت المحاولة، واستغلها أردوغان أبشع استغلال، كما هو معروف عنه في تحويل الأزمات إلى فرص ذهبية لصالحه، ولتقوية نظامه، وتوسيع شعبيته خاصة بين سكان الأرياف، وقمع معارضيه وتطهير الجيش والسلطة القضائية ممن يشك بولائه.

فاردوغان يريد اعادة تشكيل الدولة التركية الأتاتوركية حسب مقاساته بما يخدم طموحاته الشخصية ومصلحة عائلته، وهو يعرف أن المؤسسة العسكرية والسلطة القضائية والشرطة، والتعليمية تقف ضده، لذلك كان يسعى منذ مدة للسيطرة على هذه المؤسسات وتطهيرها من معارضيه. ولهذه الأسباب فما أن فشلت المحاولة الإنقلابية حتى وبدأ باعتقال ستة آلاف من العسكر يينهم جنرالات وضابط كبار ومن مختلف المراتب، وفصل حوالي ثلاثة آلاف قاضي، بمن فيهم قضاة في المحكمة الدستورية الذين لا يجوز اعتقالهم الا بقرار من المحكمة نفسها، حسب النص الدستوري المؤسس لها. وتمادى إردوغان في موجة الاعتقالات والطرد، التي راحت تتصاعد بالساعات.
ففي آخر تقرير للبي بي سي صباح اليوم 20/7/2016، أن "حملة الحكومة لـ"تطهير" مؤسسات الدولة استهدفت 50 ألف شخص"، ونظراً لأهمية هذا التقرير وخطورته أدرج أدناه موجزه، جاء فيه:
(تواصل الحكومة التركية حملتها لما وصفته بـ"تطهير" مؤسسات الدولة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد يوم الجمعة الماضي إذ بلغ عدد من اعتقلتهم السلطات أو أوقفتهم عن العمل أو طردوا من المؤسسات الحكومية نحو 50 ألف شخص. أعلنت وزارة التعليم في تركيا عن وقف 15 ألف موظف عن العمل بتهمة "صلتهم بفتح الله غولن".
وطالبت الوزارة أكثر من 1500 عميد كلية وجامعة بتقديم استقالتهم وسحب تراخيص عمل 21 ألف مدرس في معاهد خاصة.
واستهدفت الحكومة التركية موظفين وعاملين في وزارات الداخلية والعدل والدفاع والمالية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة:
6  آلاف عسكري اعتقلوا بينما ينتظر عشرات الجنرالات المحاكمة.
طرد 9 آلاف شرطي من عملهم.
وقف 3 آلاف قاض عن العمل.
طرد 1500 موظف بوزارة المالية.
طرد 492 موظفا بمديرية الشؤون الدينية.
استبعاد وطرد أكثر من 250 مسؤولا وموظفا في مكتب رئيس الوزراء التركي.
كما سحبت الحكومة تراخيص أكثر من 24 محطة إذاعية وتلفزيونية بتهمة صلتها بفتح الله غولن.
وذكرت وكالة أنباء الأناضول أن مديرية الشؤون الدينية، أعلى سلطة دينية في البلاد، حظرت إقامة جنازات والصلاة على من شاركوا في محاولة الانقلاب.)(6)

والسؤال هنا ما دور القضاة وعمداء الكليات والمعاهد والمعلمين وغيرهم في المحاولة الإنقلابية حتى يتم اعتقالهم وفصلهم؟ وكيف استطاع أردوغان معرفة كل هؤلاء بتورطهم في المحاولة الإنقلابية خلال 24 ساعة من بدء الإنقلاب؟ لذلك نعتقد أن ما جرى من حملة فصل واعتقالات لخمسين ألف من منتسبي الدولة لهو دليل قاطع على أن هذه القوائم كانت معدة مسبقاً من قبل حزب إردوغان قبل المحاولة الإنقلابية بفترة ليست بالقصيرة. وربما كان إردوغان  يهيئ لفبركة انقلاب للإنتقام من خصومه، ولكن هذا الانقلاب الأخير هو ليس مفبركاً، بل هدية نزلت عليه من السماء، ونجح في توظيفه إلى أقصى حد للتخلص من معارضيه، العسكريين والمدنيين.

ولكن كما ذكرنا في مقالنا السابق، دخل أردوغان في حلقة مفرغة، فالمزيد من الاضطهاد للعسكر والقضاة والشرطة وغيرهم، وإهانتهم  بهذه الصورة البشعة وخاصة العسكر(8)، سيزيد من تذمر هؤلاء وتصعيد السخط الشعبي عليه إلى أن يصل حد الإنفجار، لذلك فإن إردوغان بسياساته العبثية والانتقامية هذه سيعجِّل في سقوطه. فالإنقلاب الفاشل هو مقدمة للانقلاب الناجح.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
 1- عبدالخالق حسين: المحاولة الانقلابية.. زلزال يهز عرش أردوغان
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=852

2- رعد الحافظ: الإنقلاب التركي الغريب!
http://www.akhbaar.org/home/2016/7/214630.html

3- السملة: حقيقة الخديعة
http://almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=79315

4- تقرير صحيفة الميل أون لاين اللندنية عن نرجسية إردوغان:
Narcissist who threatens us all: MARK ALMOND tells how Erdogan is seen as a president who abuses office to benefit his family and cronies
By MARK ALMOND FOR THE MAIL ON SUNDAY
http://www.dailymail.co.uk/debate/article-3693976/Narcissist-threatens-MARK-ALMOND-tells-Erdogan-seen-president-abuses-office-benefit-family-cronies.html

5- صحيفة الواشنطن تايمز الأمريكية كتبت قبل ٣ شهور: أردوغان سيفبرك انقلاب عسكري لتوسيع سلطاته وقمع معارضيه!
Turkey’s Erdogan uses military coup buzz to expand powers, curb dissent, By
By Guy Taylor - The Washington Times, Thursday, April 7, 2016
http://m.washingtontimes.com/news/2016/apr/7/recep-tayyip-erdogan-uses-turkey-military-coup-buz/

6- على ذمة الواشنطون تايمز: اردوغان اجرى (بروفة) على مسرحية الانقلاب قبل ثلاثة اشهر
http://www.arabtimes.com/portal/news_display.cfm?Action=&Preview=No&nid=21891

7- تقرير بي بي سي، انقلاب تركيا: حملة الحكومة لـ"تطهير" مؤسسات الدولة استهدفت 50 ألف شخص
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160720_turkey_purge_thousand_employees

8- صور صادمة في تركيا تثير جدلا بشأن عمليات "انتقامية"
https://arabic.rt.com/news/832734-%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-

 



157
المحاولة الانقلابية.. زلزال يهز عرش أردوغان

د.عبدالخالق حسين

ما حصل مساء الجمعة (15/7/2016)، من محاول انقلابية عسكرية، لم يكن حدثاً من فعل فصيل صغير في الجيش التركي، كما أدعى أردوغان وأتباعه، وإعلامه، بل هو زلزال شمل كل تركيا، كاد أن يطيح بحكمه لو كان قد خطط له باتقان وحرفية. والمحاولة هذه كانت نتيجة حتمية ومتوقعة بسبب سياسة "السلطان" المغرور رجب طيب أردوغان الذي يحلم بإعادة الإمبراطورية العثمانية عن طريق أسلمة الشعب التركي سياسياً، والقضاء على علمانية كمال أتاتورك، مؤسس الدولة التركية الحديثة.

فقد نجح الإنقلابيون في السيطرة على محطة تلفزيونية، حيث أصدروا منها بيانا جاء فيه إن "مجلس السلم" يدير شؤون البلاد، وإنه قاد انقلابا عسكريا من أجل "استعادة النظام الدستوري، والديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات".

لقد كشفت المحاولة عن مدى الشق الذي أحدثه أردوغان في الشعب التركي، مدنيين وعسكريين. إذ سيطر الإنقلابيون على عدة مؤسسات حكومية في العاصمة أنقرة، واسطنبول ومدن أخرى. وهذه المحاولة عبارة عن بركان كان يغلي تحت السطح ينتظر اللحظة المناسبة لينفجر في وجه أردوغان ويطيح بنظامه الإسلاموي. إذ لا يمكن لفصيل صغير أن يقوم بكل ما حصل في مختلف مناطق تركيا الواسعة ما لم يكن له من دعم واسع، عسكرياً ومدنياً. فرد الفعل الكبير الذي قام به أنصار أردوغان لم يتناسب مع فعل فصيل صغير، مما حصل من قتل وإصابات واعتقالات الألوف في صفوف العسكريين والمدنيين وخاصة في صفوف القضاة. فآخر الأرقام التي نشرتها وكالات الأنباء نقلاً عن مكتب رئاسة الجمهورية التركية: "ارتفاع عدد القتلى خلال محاولة الانقلاب إلى 265 شخصا من بينهم 161 مدنيا. كما لقي 141 عسكريا من المتورطين في محاولة الانقلاب حتفهم، وأكثر من 1500 جريح". كذلك أفادت الأنباء عن اعتقال نحو ثلاثة آلاف عسكري بينهم خمسة جنرالات و 29 عقيدا، إضافة إلى اعتقال وإقالة نحو ثلاثة آلاف قاضيا، بينهم أعضاء في المحكمة العليا.

وكالعادة، اتهم أردوغان جهات خارجية "كيانا موازيا" بتدبير محاولة الانقلاب، في إشارة إلى رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن. وطالب الولايات المتحدة بتسليمه. ورفضت أمريكا الطلب ما لم تقدم تركيا الأدلة على تورط غولن بالمحاولة الإنقلابية. وقد نفى غولن أن تكون له أية علاقة بما وقع، وقال إنه يدين "بشدة محاولة الانقلاب في تركيا ".

المعروف عن اردوغان أنه اتبع في تسلطه على الحكم خطوات هتلر النازي الألماني الذي استلم السلطة ديمقراطياً عام 1932، ومن ثم بدأ بحصر السلطات بيده، واضطهاد معارضيه وتصفيتهم، إلى أن سيطر بالكامل على الشعب الألماني عن طريق البلطجة والترغيب والترهيب، ثم قاد إلى الحرب العالمية الثانية ونتائجها الكارثية المعروفة. كذلك أردوغان، منذ فوز حزبه (حزب العدالة والتنمية) الإسلامي، عام 2002، وتعيينه كرئيس للوزراء، قام بنهضة إقتصادية جيدة وأعلن تمسكه بالعلمانية والديمقراطية، مما ساعده على كسب شعبية واسعة، وتحقيق المزيد من الفوز في الانتخابات البرلمانية اللاحقة. وبعد أن ثبَّت أقدامه، بدأ تدريجياً بأسلمة الشعب التركي، أي فرض الإسلام السياسي، وتقليص العلمانية، وكشف عن دكتاتوريته..

فبعد ثلاث دورات من تسلمه رئاسة الوزراء، و نفاد حقه في تسلم رئاسة الحكومة مرة أخرى، رشح نفسه رئيساً للجمهورية التي هي تشريفاتية بروتوكولية حسب الدستور التركي، ولكن لم يكن مثله ليقتنع بهكذا منصب بدون صلاحيات تنفيذية، لذلك عمل على تغيير الدستور، وتبني النظام الرئاسي التنفيذي لأغراضه الشخصية. ولما عارضه رفيقه ومنظر أيديولوجية حزبه، رئيس الوزراء السابق، أحمد داوود أغلو في ذلك، قام بطرده من منصبه، وعين مكانه بن علي يلدرم المعروف بطاعته وخنوعه لأردوغان. وهكذا بدأ أردوغان منذ استيلائه على السلطة بحصر السلطات بيده، وأسلمة المجتمع، وتقليص العلمانية، والتضييق على حرية التعبير، والصحف، و قام باعتقال المئات من الصحفيين الذين عارضوا نهجه الاستبدادي، وأغلق بعض الصحف، واستبدل هيئات تحرير صحف أخرى بصحفيين موالين له.

هذا النهج الأردوغاني مخالف لثقافة الشعب التركي الذي اعتاد على حرية التعبير والتفكير والحياة الغربية التي تبناها أتاتورك. والجدير بالذكر أنه منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة تعهد الجيش أن يكون الضامن للمبادئ الأتاتوركية، وعلى رأسها العلمانية. لذلك فما حدث من محاولة انقلابية عسكرية دليل على مدى الغليان والسخط والتذمر في المجتمع التركي ضد سياسة أردوغان الإسلاموي، ونزعته الديكتاتورية.
كذلك قام أردوغان بزج تركيا في صراعات إقليمية ودولية لا مبرر لها، ألحقت أضراراً كبيرة بالشعب التركي، مثل دعمه لداعش، وتحالفاته مع أشد دول المنطقة رجعية مثل السعودية وقطر، للإطاحة بحكم بشار الأسد، وتدخلاته الفظَّة في العراق وغيره، وإثارة العداء ضد روسيا. وقد أثبت الزمن فشله في جميع هذه السياسات الرعناء، وخاصة في دعمه لداعش الإرهابية التي انقلبت عليه فيما بعد، مما اضطر أردوغان أخيراً إلى الاعتذار من روسيا، والاتصال ببشار الأسد طالباً الصفح، وطي الماضي، بعد سنوات عجاف مما جلبه من خراب وعدم الاستقرار على دول المنطقة وبالأخص على سوريا والعراق، وأخيراً على تركيا نفسها.

لماذا فشل الإنقلاب؟
فشل الانقلاب لعدة أسباب منها كما يلي:
1- عدم حرفية التخطيط. إذ كان المفروض بالانقلابيين أن يبدأوا بالقبض على أردوغان، حيث كان يقضي عطلته في منتجع مرمريس في جنوب غربي  تركيا. فلو كان قد تم إلقاء القبض عليه وعلى أعوانه الكبار لتغير الأمر في صالح الانقلاب.
2- افتقار الإنقلابيين إلى تأييد شعبي واسع، فالمرحلة هي ليست مرحلة الانقلابات العسكرية كما كان الوضع في القرن الماضي، فقد مل الناس من حكم العسكر. لذلك فحتى أحزاب المعارضة وقفت ضد الانقلابيين رغم معارضتهم لأردوغان، إلا إنهم يريدون إزاحته بالوسائل الديمقراطية.
3- فقدان التأييد الدولي لحكم العسكر،
4- كون تركيا عضو في حلف الناتو، ومهمة للغرب، إذ تشكل جسراً بين الغرب والشرق الأوسط، خاصة في هذه المرحلة حيث الإرهاب وعدم الاستقرار، وموجات اللجوء المليونية نحو الغرب، لذلك من الصعوبة نجاح الإنقلاب بدون تأييد غربي وخاصة من أمريكا.

ما بعد المحاولة الانقلابية
حال سماعه بالمحاولة الإنقلابية، نجح أردوغان في إصدار أوامره إلى أنصاره بالخروج إلى الشارع والدفاع عن الديمقراطية، الأمر الذي أطلق العنان للنزعات العدوانية الانتقامية لأنصاره ضد الجنود، فهناك صور بشعة بالفيديو، حيث قام أنصار أردوغان بأعمال وحشية ضد الجنود المشاركين في المحاولة، وتم تجريد أعداد كبيرة منهم من أسلتحهم وحتى من ملابسهم، والاعتداء عليهم بالضرب والركل، وهناك صورة بشعة يقوم فيها أنصار أردوغان بذبح جندي بعد أن سلّم نفسه وسلاحه على جسر البسفور وقطع رأسه، تماماً على طريقة الدواعش.

كما قامت السلطة بحملة اعتقالات عشوائية واسعة ضد الألوف من العسكريين والمدنيين ممن يشك بولائهم لأردوغان، الأمر الذي دعى جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، إلى مطالبة المسؤولين الأتراك بضبط النفس وتجنب النزعات الانتقامية، والإلتزام بالقانون. ولوحظ أيضاً نزعة العداء بين الجماهير والجيش، وهذه الحالة لها تأثيرات سلبية على المجتمع التركي لاحقاً، إذ لا يمكن للجيش التركي أن يتساهل مع هذه الإهانات إليه، فالتاريخ يعلمنا أن المحاولات الإنقلابية الفاشلة تقود بالتالي إلى محاولة ناجحة لاحقاً.

خلاصة القول، إن المحاولة الانقلابية هي الجزء المرئي من الجبل الجلدي، يعكس مدى تذمر الشعب التركي ضد سياسات أردوغان، فإن فشلت المحاولة هذه المرة، فهذا لا يعني نهاية المعركة، بل خطوة كبيرة نحو نهاية أردوغان، خاصة وأنه (أردوغان) سيستغل فشل المحاولة لفرض المزيد من تشديد قبضته الحديدية على الشعب التركي، وأسلمة المجتمع، وتقليص العلمانية والديمقراطية، ومصادرة الحريات، الأمر الذي سيزيد من تذمر الشعب التركي، ويعجل بنهايته ديمقراطياً أو حتى عسكرياً. كذلك لهذه المحاولة تأثير سيئ على سمعة تركيا دولياً، فهكذا بلد مازال مهدداً بالانقلابات العسكرية، أصبح انضمامه للإتحاد الأوربي الذي يحلم به أردوغان، شبه مستحيل في المستقبل المنظور.
كل هذه المصائب هي نتيجة سياسات المغرور أردوغان، إذ كما قال الشاعر العربي:
إذا كان الغراب دليل قوم ... سيهديهم إلى دار الخراب
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
اعتقالات واسعة في صفوف الجيش التركي بعد فشل محاولة الانقلاب
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160715_turkey_military_coup_



158
ماذا لو لم يتم إسقاط حكم صدام؟
د.عبدالخالق حسين
وأخيراً نشرتْ بريطانيا يوم الأربعاء 6 تموز/يوليو 2016، التقرير الرسمي بشأن حرب العراق، (The Iraq Inquiry)، والمعروف بتقرير تشلكوت Chilcot Report، نسبة إلى السير جون تشلكوت رئيس اللجنة التحقيقية. وقد "بحث التقرير اسباب مشاركة بريطانيا في الغزو الامريكي للعراق عام 2003 الذي أدى الى الاطاحة بصدام حسين وتبعات الغزو التي أدت إلى بقاء القوات البريطانية في العراق حتى 2009 إضافة إلى جاهزية القوات لخوض الحرب بالصورة المطلوبة، والكيفية التي أديرت بها ومدى الاستعداد لتداعياتها"(1).
وقد تم تشكيل لجنة تشلكوت عام 2009 بقرار من السيد غوردن براون، رئيس الوزراء الأسبق (من حزب العمال)، بناءً على إلحاح عوائل العسكريين البريطانيين الذين لقوا حتفهم في العراق وعددهم 179، والجماعات المناهضة لتلك الحرب. واستغرق التحقيق نحو عام، وتحضيره بشكله النهائي نحو سبعة أعوام. ويتكون التقرير من 2.6 مليون كلمة، في 8000 صفحة موزعة على 12 مجلد. وتبلغ "تكلفة شراء التقرير كاملا 787 جنيه استرليني، بينما يتكلف الحصول على الملخص الذي يتكون من 150 صفحة 30 جنيه استرليني.(نفس المصدر).
لا أريد هنا أن أدخل في تفاصيل التقرير، فهو متوفر على الانترنت، ولكن أود في هذه المداخلة الرد على أولئك الذين استغلوا المناسبة، فأطلقوا العنان لنزعاتهم الانتقامية من توني بلير وجورج بوش، لأغراض سياسية، فادعوا أنه لولا إسقاط صدام حسين لكان العراق الآن بألف خير، وما عرف العالم شيئاً اسمه الإرهاب الإسلامي. وقد لخص أحدهم هذا الادعاء على صفحات التواصل الاجتماعي قائلاً: "لو لم يكن بلير يحكم بريطانيا و بوش يحكم أمريكا، لكان هناك بلد اسمه العراق، وشعب آمن ولم يقتل ويهجر الملايين منه." اخترت هذا القول لأنه ملخص ما يردده أنصار حكم البعث عن خبث ودهاء، وكذلك كثيرون من ضحايا ذلك النظام الجائر عن حسن نية بسبب ابتلائهم بالإرهاب البعثي الداعشي، وضعف ذاكرتهم، فسرعان ما ينسون مظالم ذالك النظام الجائر، وينشغلون بتداعيات سقوطه فقط. بل راح آخرون، وخاصة من ذوي الأغراض السيئة من بعض المعلقين، والسياسيين الغربيين من أمثال دونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، قائلين أنه لولا إسقاط صدام لما وُجد الإرهاب أصلاً!! فهل هذا صحيح أم هو تضليل صريح للضحك على الذقون؟
الواقع يؤكد أن الإرهاب الإسلامي بدأ في الجزائر عام 1992، بعد أن عاد عرب الأفغان إلى بلدانهم. والجزائر ابتلت بالإرهاب، بدون أن تتعرض لأي احتلال، أمريكي أو بريطاني، وحتى قبل أن نسمع باسم توني بلير وجورج بوش الابن. وقد حصد هذا الإرهاب أرواح أكثر من ربع مليون إنسان ومازال مستمراً.
الحقيقة التي يتجنب ذكرها هؤلاء، هي أن حزب البعث الذي اغتصب الحكم في العراق لخمسة وثلاثين عاماً، كان قد مارس إرهاب الدولة بأبشع أنواعه حين كان في السلطة، و يمارسه الآن وهو خارج السلطة وتحت مختلف الأسماء الإسلامية التي آخرها داعش.

لقد جعل صدام  حسين العراق ملكية إقطاعية خاصة له ولعائلته وعشيرته، وليس للشعب العراقي، فكل شيء كان باسم صدام، مدينة صدام، مطار صدام ، جامعة صدام،...الخ وقد بلغ بهم الأمر إلى أن يكتبوا في المنافذ الحدودية (أهلاً بكم في عراق صدام)، لذلك فأنسب اسم أطلق على النظام البعثي الصدامي هو(جمهورية الخوف) حسب تعبير كنعان مكية، و(دولة المنظمة السرية) حسب تعبير البعثي السابق حسن العلوي.
لقد أحال صدام العراق إلى جهنم لا يطاق لشعبه، ففرار الملايين لم يحصل بعد صدام، بل حصل في عهده حيث فر نحو 5 ملايين عراقي في الشتات، مفضلين مخاطر الغرق في البحار ليتحولوا إلى طعام للأسماك، على أن يعيشوا تحت حكمه الجائر بالذل والجوع والتعرض للقتل أو التعذيب. كان العراق في عهد صدام دولة المافيا البعثية، ولو كان دولة حقيقية للشعب العراقي لما تجرأ بوش وبلير على احتلاله، ولدافع عنه الشعب العراقي بكل غال ونفيس، ولكن العراقيين شعروا بأن هذه الدولة ليست دولتهم، وأن هذه الحرب هي آخر وسيلة لنجاتهم، فآخر الدواء الكي، ولسان حالهم يردد قول الشاعر العربي: (وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان)، على أمل أن يستعيدوا بلدهم من الفاشية، ويعيشوا بكرامة وحرية. وما جرى ويجري بعد تحرير العراق من إرهاب، هو على أيدي نفس الطغمة الباغية التي اضطهدت الشعب وهم في السلطة، ولأسباب طائفية وسياسية.

لا أريد هنا أن أعدد تلك المظالم من دكتاتورية الحزب الواحد والشخص الواحد، و زج العراق في حروبه العبثية مع إيران، ثم غزوه للكويت، وسياساته الطائشة، وتبديد ثروات البلاد على الحروب، وعسكرة المجتمع، وتجهيله وتفتيته، وتطبيقه مبدأ (فرق تسد) لاستعداء مكون على آخر، وتسببه للحصار الاقتصادي الأممي الذي أذل العراقيين لثلاثة عشر سنين عجاف، ورهن ثروات البلاد بيد الأمم المتحدة، وتسبب في قتل وموت أكثر مليونين عراقي، والقائمة تطول، فهذه الحقائق باتت معروفة للجميع ولا ينكرها إلا الجاهل، أو البعثي الطائفي الخبيث وعن عمد.
ومن إرهابه على سبيل المثال لا الحصر، في عهده كان يأتي "زوار الفجر" يطرقون أبواب من يشكون في ولائه للبعث، يطلبون منه أن يذهب معهم إلى المركز أو مقر الحزب، و يعدونه بأنه سيعود بعد نصف ساعة!! فيختفي، ليأتوا به بعد ستة أشهر مهشماً في كيس قمامة يتركونه أمام الباب ويهربون، ناهيك عن سراديب التعذيب وأحواض الأسيد، وسلوك ولديه عدي وقصي وأقربائهم المستهترين بأمن الناس وأملاكهم، وهتك أعراضهم.
والسؤال المهم هو: ماذا كان حال العراق لو لم يتم إسقاط صدام حسين ونظامه الجائر؟ وهل حقاً لكان هناك شعب آمن ولم يقتل ويهجر الملايين منه؟
الجواب واضح: ولدينا أمثلة كثيرة وجاهزة من الواقع. فالنظام البعثي السوري هو شقيق ورديف النظام البعثي الصدامي العراقي، و لم يتعرض للاحتلال الأنكلو- أمريكي، ولكنه تعرض لما يسمى بانتفاضات الربيع العربي أسوة بعدد من الباد العربية التي لم تتعرض لأي احتلال. ولخمس سنوات، وهذه سوريا معرضة للحروب الإرهابية من أكثر من مائة تنظيم أغلبها إرهابية تحمل أسماءً إسلامية مثل الجيش الإسلامي، وجبهة النصرة، وداعش...وغيرها، وقد تحولت عشرات المدن السورية إلى خرائب وأنقاض، وأكثر من 300 ألف قتيل، وضعف هذا العدد من الجرحى، وملايين اللاجئين في الشتات. والمثال السوري، وقبله الجزائري، يكفي لدحض خرافة (لولا الغزو الأمريكي للعراق لما كان هناك إرهاب).

إذن ما هو سبب الإرهاب؟
الإرهاب هو نتاج سلسلة من الأسباب والنتائج (causes and effects). ولا نريد أن نذهب إلى بدء الإسلام، كما يدعي البعض أنه لولا الإسلام لما كان هناك إرهاب...الخ، وإنما تم استخدام الاختلافات الدينية والمذهبية لأغراض سياسية، ولو لم تكن هناك إختلافات دينية ومذهبية لاخترعوا وسائل أخرى للتحريض والاستعداء لتبرير الإرهاب، كما في ليبيا والجزائر ومصر وغيرها. لقد بدأت سلسلة الأسباب والنتائج، بالانقلاب العسكري في أفغانستان عام 1978، ليتبعه النظام الشيوعي، والغزو السوفيتي، وتشكيل التنظيمات الإسلامية الجهادية لإسقاط النظام الشيوعي وطرد السوفيت، ومن هذه التنظيمات هي طالبان والقاعدة الإرهابيتين، وبدعم من أمريكا وبريطانيا، ويتمويل من السعودية والدول الخليجية وأيديولوجيتها الوهابية التكفيرية... ثم عودة (الأفغان العرب) إلى بلدانهم بعد أن أدمنوا على قتل "الكفار"، فواصلوا عملهم في بلدانهم بدءً بالجزائر كما أشرنا أعلاه.
ثم هناك تراكمات مظالم الأنظمة العربية الرجعية المستبدة، الخارجة عن الزمن، وبلغ الظلم إلى درجة الانفجار، فحصلت انتفاضات (الربيع العربي)، والتي لا علاقة لها في أول الأمر بالتنظيمات الإسلامية الجهادية، إذ بدأت في تونس عام 2011 بعد أن أقدم شاب بائع خضروات (محمد بوعزيزي) على حرق نفسه احتجاجاً على تعرضه للإهانة من قبل شرطية. فكان عبارة عن إشعال عود ثقاب في برميل بارود، انتشرت شرارتها في مصر وسوريا وليبيا واليمن. ولكن تمت سرقة هذه الانتفاضات العفوية من قبل التنظيمات الإسلامية الجهادية الإرهابية.

فلو كان صدام في الحكم عام 2011 هل كان من الممكن أن يسلم (عراق صدام ) من هذه الانتفاضة؟ علماً بأن الربيع العراقي بدأ بالانتفاضة الشعبية العارمة في آذار (شعبان) عام 1991، أي عشرين عاماً قبل الربيع العربي، بعد أن طردت القوات الدولية بقيادة أمريكا صدام من الكويت، ولم يكن العراق آنذاك محتلاً من قبل أمريكا وبريطانيا. وقد قابل صدام تلك الانتفاضة بقتل أكثر من 300 ألف من المنتفضين في محافظات الوسط والجنوب خلال ستة أسابيع، وملأ العراق بأكثر من 450 مقبرة جماعية، وهذا يدحض أي إدعاء بأن الشعب العراقي كان بخير وأمان في عهد صدام، علماً بأن صدام قد بدأ بما يسمى بالحملة الإيمانية، وحتى استورد مشايخ الوهابية من الخليج لنشر الوهابية في العراق لأن الوهابية تكفر الشيعة وتبيح إبادتهم.

حول أسلحة الدمار الشامل
قالوا أن بوش وبلير كذبا حين ادعيا إمتلاك صدام لسلاح الدمار الشامل، إذ لم يتم العثور على السلاح النووي من قبل لجان التفتيش الأممية بعد سقوطه. فالمعروف أن صدام حسين هو نفسه كان الدمار الشامل على شعبه وعلى شعوب المنطقة، وكان لديه برنامج لامتلاك السلاح النووي، وقد هدد متنابزاً أمام الإعلام العالمي أنه بإمكانه حرق نصف إسرائيل. وفي هذه الحالة لا يمكن لقادة الغرب أن يأخذوا هذا التهديد كمزحة، وإنما مسؤلياتهم تحتم عليهم يأخذوا كل تهديد بمنتهى الجدية لحماية السلام العالمي، وأمن شعوبهم التي انتخبتهم، وأمن أصدقائهم في المنطقة ومنها إسرائيل طبعاً. أما إذا كان صدام يقصد من تهديداته الغبية تلك تخويف إيران، فهو الذي جنى على نفسه، وكما يقول المثل العربي: "جنت على نفسها براقش".
والجدير بالذكر، أن سلاح الدمار الشامل (WMD)، لا يعني السلاح النووي فقط، بل ويشمل السلاح الكيمياوي والجرثومي (الأنثراكس) أيضاً. وكان صدام يمتلك خزيناً هائلاً من السلاح الكيمياوي، واستخدمه في حربه مع إيران، كما استخدمه ضد عرب الأهوار، وضد الكرد في حلبجة حيث قتل أكثر من خمسة آلاف من أهالي تلك المدينة المنكوبة. كذلك نشير إلى كارثة الأنفال ضد الكرد حيث قتل منهم أكثر من 180 ألفاً. كل هذه الجرائم الوحشية أرتكبها صدام حسين ضد الشعب العراقي قبل أن تقدم القوات الدولية بقيادة أمريكا لإسقاط نظامه الجائر.

ومما يجدر التنبيه له، أن تقرير تشلكوت كُتِبَ للشعب البريطاني وليس لغيرهم، فمن وجهة نظر البريطانيين أن تغيير أنظمة جائرة من مسؤولية الشعوب المضطهدة. فالبريطانيون لم يعانوا يوما واحداً مما عاناه الشعب العراقي على يد الطاغية صدام وزبانيته. ولكن من الجانب الآخر، وخاصة في عصر العولمة، فسكوت المجتمع الدولي عن طاغية بلد ما، قد يؤدي إلى إيصال شروره إلى الشعوب الأخرى، وهذا ما حصل في حالة هتلر، وصدام. فصدام شن حرباً على إيران لثمانية أعوام، ثم وصل طغيانه إلى الكويت، ولو سكت عنه المجتمع الدولي إلى أن يمتلك السلاح النووي والقوة التي كان يمتلكها هتلر، لوصلت مظالمه إلى أوربا وما بعد أوربا، ولكن هؤلاء لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم. وقد أشار ساميول هنتنكتون في كتابه (صدام الحضارات) أنه لو تأخر صدام عن احتلال الكويت لثلاث سنوات، لما استطاعت القوات الدولية إخراجه، لأنه كان قد امتلك السلاح النووي.

حول مشاركة بريطانيا في الحرب
يجب أن يعرف نقاد توني بلير أن علاقة بريطانيا بأميركا هي علاقة وجودية أشبه بالتوأم السيامي. كانت بريطانيا على حافة الإفلاس والانهيار في الحرب العالمية الثانية، ولولا أمريكا برئاسة روزفلت آنذاك، لكانت بريطانيا وكل أوربا تحت حكم النازية الآن. لذلك فعندما حصلت جريمة 11 سبتمبر 2001، وكان بلير قد سمع الخبر وهو يتهيأ لإلقاء خطاب في مؤتمر اتحاد النقابات العمالية البريطانية، فأعلن الخبر من منبر المؤتمر، وهو متوتر غضباً وحزناً قائلاً: (سنقف مع أمريكا كتفاً إلى كتف shoulder to shoulder). هذا الموقف كان واجباً أخلاقياً تتخذه بريطانيا في جميع الأحوال، وأياً كان على رأس السلطة، بلير أو غيره.
خلاصة القول، وكما جاء في مقال للسيد حيدر الخوئي في الغارديان، كان العراق مقبل على الفوضى، سواءً بمشاركة بريطانيا أو بدونها.(2)
وأضيف هنا، كان العراق مقبلاً على الإرهاب والدمار، حاله كحال سوريا المبتلية بحكم البعث والإرهاب معاً، سواءً تم اسقاط حكم البعثي الصدامي أم لم يسقط.
فشعار البعث: إما نحكمكم أو نقتلكم.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- تسلسل زمني: تحقيق لجنة تشيلكوت بشأن حرب العراق
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160705_iraq_inquiry_timeline

2- رعد الحافظ: التحقيق بشأن العراق THE IRAQ INQUIRY
http://www.akhbaar.org/home/2016/7/214214.html

3- مقال السيد حيدر الخوئي في الغارديان
Iraq was destined for chaos – with or without Britain’s intervention
Hayder al-Khoei
https://www.theguardian.com/commentisfree/2016/jul/06/iraq-war-saddam-monster-chaos-britain-chilcot-report

4- مقال التلغراف
What would have happened if we had never invaded Iraq?
JULIE LENARZ
The Telregraph, 6 JULY 2016 • 9:34AM
What would have happened if we had never invaded Iraq?
http://www.telegraph.co.uk/news/2016/07/06/what-would-have-happened-if-we-had-never-invaded-iraq/

159
تصعيد توحش (داعش) دليل على احتضارها
د.عبدالخالق حسين

قامت عصابات ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش)، خلال الأيام القريبة الماضية، بسلسلة من الأعمال الإرهابية وبمنتهى الوحشية في العراق، وتركيا، وبنغلادش، وأخيراً حتى في مسقط رأسها، السعودية حيث وقعت فيها أربعة تفجيرات انتحارية خلال يوم واحد، أحدها قرب القنصلية الأمريكية في جدة، واثنان منها في قطيف قرب مسجدين للشيعة، وآخر قرب مسجد النبي محمد في المدينة. وكانت أكثر هذه التفجيرات وحشية ودموية هي التي وقعت في حي الكرادة ببغداد فجر الأحد المصادف 3/7/2016، والتي راحت ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى.

وكعادتهم، نجح البعثيون الدواعش في خلق الفواجع للشعب، وتحويل أعيادهم إلى مآتم، وتفجير مشاعرهم إلى براكين غضب ضد رئيس الحكومة، وضد كل من يحاربهم بدلاً من توجيهها ضد الجناة الحقيقيين، وهذا ديدنهم في كل زمان ومكان.

والسؤال هنا لماذا هذه السلسلة من الأعمال العدوانية المتسارعة في مختلف أنحاء العالم، وفي فترة قصيرة من الزمن؟
الجواب هو، أن الهزائم التي منيت بها داعش في العراق وسوريا، وخاصة الهزيمة النكراء في الفلوجة، وما خسرته من مناطق كانت قد احتلتها، وما أسفر من تدمير للمئات من آلياتها العسكرية، وقتل الألوف من منتسبيها الإرهابيين، وخاصة إثناء هروبهم من الفلوجة في طريقهم إلى البوكمال، وحطمت القوات العراقية الأسطورة التي أحاطوا بها د اعش بأنها قوة لا تُقهر، وإذا بهم يحلقون لحاهم، ويهربون حتى بالملابس النسائية والاختلاط بالنازحين. لذلك تريد قيادة داعش التعويض عن خسائرها في ساحات المعارك، فتختار المدنيين كأهداف سهلة ورخوة، لتثبت للعالم بأنها مازالت موجودة، وقادرة على مواصلة الإرهاب، وإلحاق الأذى بالأبرياء، وفي أي مكان من العالم، من بنغلادش إلى بلجيكا، وهذا دليل على إنها في النزع الأخير لتلفظ أنفاسها.
كذلك ورغم إدعائهم بتطبيق التعاليم الإسلامية، فحتى قداسة النبي محمد لم تردعهم من ارتكاب جرائمهم، وهذا يقدم دليلاً آخر على أن الإرهابيين ينفذون تعاليم الوهابية الشريرة، فعندما احتل الوهابيون بقيادة عبدالعزيز بن سعود المدينة المنورة عام 1925، أرادوا هدم مقام النبي ومحو آثار قبره، أسوة بما عملوا بقبور بقية أهل بيته وصحابته، ولكن الاحتجاج العالمي آنذاك أوقفهم عن ذلك. والآن يريدون تنفيذ هذه الجريمة عن طريق داعش.

الجناح السياسي لداعش
أكدنا مراراً كما أكد غيرنا، أن للإرهاب الداعشي، أو تحت أي اسم كان وسيكون قريباً، جناح سياسي مشارك في السلطة العراقية، وهناك اختراقات حتى داخل القوات الأمنية، وهذا الجناح يتمثل بقادة ما يسمى بـ(تحالف القوى العراقية). كذلك هناك حكومات خارجية مثل السعودية وقطر وتركيا، تحارب الإرهاب في بلدانها، ولكنها تدعمه في العراق وسوريا. وهؤلاء يناهضون كل من يحارب داعش بصدق وإخلاص وقوة. لذلك أعلنوا عداءهم السافر للحشد الشعبي، وراحوا يلفقون ضده شتى الاتهامات لتشويه سمعته، بل ودعى وزير الخارجية السعودي بكل وقاحة وصفاقة وصلافة إلى "تفكيك" الحشد الشعبي(1). وهذا دليل على أن هؤلاء هم مع الإرهاب ولا يريدون دحره في العراق وسوريا.

وأخيراً وليس آخراً، "كشف النائب ظافر العاني على لسان احد مقربيه في تحالف القوى الوطني بان تفجيرات بغداد الاخيرة جاءت ردا على ممارسات الحشد الشعبي وسياسة الحكومة الخاطئة، متوقعا حدوث هجمات أخرى خلال ايام عيد الفطر المبارك".(2)
هذا التصريح هو اعتراف واضح وصريح لا يقبل أي تأويل، بدور هؤلاء بالإرهاب ومباركتهم له وشماتتهم بالشعب العراقي المكلوم، وأنهم يهددون بالمزيد منها في الأيام القادمة. وهنا نسأل السيد النائب، ظافر العاني: وهل التفجيرات في مطار اسطنبول، وقتل وجرح العشرات في مطعم بدكا/ بنغلادش، والتفجيرات الإنتحارية في السعودية، كانت بسبب "ممارسات الحشد الشعبي وسياسة الحكومة الخاطئة"؟

لقد قام الدواعش بذبح 500 من سجناء الشيعة في سجن بادوش بالموصل عام 2014، وبعد أيام من تلك المجرة البشعة ذبحوا أكثر من 1700 من شباب القوة الجوية، وكلهم من الشيعة، ثم المذابح ضد المسيحيين والأيزيديين والشبك في الموصل، فهل كانت هذه الفضائع "بسبب ممارسات الحشد الشعبي وسياسة الحكومة الخاطئة"، علماً بأن الحشد لم يكن موجوداً آنذاك؟

إن هذه التصريحات، والتلميح بوقوع المزيد من التفجيرات، لدليل قاطع على وقوف ظافر العاني ورفاقه في تحالف القوى العراقية مع داعش، وهم يمثلون جناحها السياسي، فبعد أية عملية إرهابية في العراق يقوم هؤلاء بإيجاد المعاذير والتبريرات، وترديد معزوفة العزل والتهميش...الخ". لقد بات واضحاً للداني والقاصي أن داعش ليس إلا الاسم الحركي لهؤلاء الشركاء في العملية السياسية لارتكاب جرائمهم تحت هذه الواجهة القبيحة وتبرئة أنفسهم منها.

اقتراحات للحد من الإرهاب
قدم عدد من الزملاء الكتاب الأفاضل اقتراحات وجيهة تساعد على وقف الإرهاب أو الحد منه، وأود أن أضيف إليها ما يلي:
أولاً، تقديم ظافر العاني وزملائه في قيادة (تحالف القوى العراقية) إلى المحاكمة وفق المادة 4 إرهاب، بصفتهم الجناح السياسي لداعش، والتصريحات الأخيرة للعاني تؤكد موقفهم العدواني هذا. فتمادي هؤلاء في الولوغ بدماء أبناء شعبنا ناتج عن تساهل الحكومة مع الإرهابيين، وقد كتبنا قبل أعوام مقالاً في هذا الخصوص بعنوان (من أمن العقاب مارس الإرهاب)(3).

ثانياً، هناك المئات، أو الألوف من السجناء الإرهابيين المحكوم عليهم بالإعدام. يجب إبقاء هؤلاء في السجون كرهائن لردع الإرهابيين، فكلما حصلت عملية إرهابية، يجب إعدام ضعف عدد الضحايا من الشهداء والجرحى. فمثلاً إذا بلغ عدد ضحايا عملية إرهابية مائة شخص، يجب تنفيذ حكم الإعدام في اليوم الثاني بمائتين من الإرهابيين السجناء المحكوم عليهم بالإعدام. فلو اتبعت الحكومة هذه السياسة، لعرف الإرهابيون وقادتهم أنه إذا قتلوا من المدنين الأبرياء، فسيعدم من رفاقهم القابعين في السجون ضعف هذا العدد، وهذه السياسة ستجعلهم يفكرون عشرات المرات قبل إقدامهم على أية عملية إرهابية.

ثالثاً، منذ سقوط حكم البعث العنصري الطائفي عام 2003، راحت السعودية تحرض ضد العراق الجديد وتثير الفتن الطائفية، وتبعث الإرهابيين لقتل شعبه. وبعد تسلم السفير السعودي الجديد مهامه في السفارة السعودية ببغداد، راح يتدخل بشكل سافر في الشأن العراقي، ويثير الفتن الطائفية ويحرض ضد الجهات التي تحارب داعش بصدق وقوة مثل الحشد الشعبي. وعليه، يجب على وزارة الخارجية العراقية طرد السفير السعودي الحالي فوراً، و مراقبة تحركات بديله القادم، ومنعه من أي تدخل في الشأن العراقي. وإذا تمادت مملكة الشر راعية الإرهاب في جرائمها ضد العراق، عندئذ يجب قطع العلاقات الدبلوماسية معها كخطوة لاحقة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
  ــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذات صلة
1- وزير الخارجية السعودي يدعو إلى "تفكيك" الحشد الشعبي
http://www.akhbaar.org/home/2016/6/213899.html

2- ظافر العاني: تفجير الكرادة جاء رداً على ممارسات الحشد في الانبار
http://www.akhbaar.org/home/2016/7/214091.html

3- عبدالخالق حسين: من أمن العقاب مارس الإرهاب
http://elaph.com/ElaphWriter/2004/9/10845.htm

4- تصوير جوي لمكان انفجار الكرادة 2016
https://www.youtube.com/watch?v=lQeJJFe1Zr0

5- إرتفاع حصيلة قتلى تفجير الكرادة الشرقية الى 250
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/07/160705_iraq_death_toll_rises

160
نهاية قادة خروج بريطانيا من الاتحاد

د.عبدالخالق حسين


هذا المقال هو تكملة لمقالنا السابق الموسوم: (عواقب خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي). 

من المعروف أن من يستخدم الكذب والخديعة في السياسة أو في أي مجال آخر، قد يحقق غاياته على المدى القصير، ولكنه على المدى البعيد لا بد وأن يفشل، وتنكشف أحابيله الشطانية، ويدفع الثمن باهظاً. هذا ما أكده التاريخ في جميع الصراعات بين معسكري، الخير والشر. ولكن من يتابع ما حصل في بريطانيا اثناء وبعد استفتاء الخروج من الاتحاد الأوربي، وما اتبعه قادة الخروج من وسائل الخداع والتضليل، ورغم ما تحقق لهم من النصر لصالح الخروج، يرى أن المنتصرين سرعان ما فقدوا متعة انتصارهم، وحلت عندهم الحيرة والأسى، بل وخلال أيام قليلة تحول نصرهم إلى هزيمة وانتحار سياسي.

لقد اعتمد قادة حملة خروج بريطانيا (Brexit) من الاتحاد الأوربي، على الخديعة والكذب لتضليل شعبهم، فقد ضخموا تكاليف البقاء وأخفوا المنافع الكثيرة منه، وكالوا للشعب الوعود المعسولة الزائفة بفوائد الخروج الوهمية.
إن أنشط وأهم قادة حملة الخروج، هما بورس جونسن (عمدة لندن السابق)، و زميله مايكل غوف Michael Gove (وزير العدل الحالي)، ودون التقليل من دور نايجل فاراج، زعيم حزب المملكة المتحدة المستقلة (UKIP)، ولكن الأخير رقم ثقله في الاعلام المضلل، إلا إنه لا وزن له في البرلمان البريطاني.
وأخيراً كشفت الأيام حقيقة هذين الشخصين (جونسن وغوف)، ونواياهما من حملتهما بحماس، إذ تبين أن كل منهما كان يستخدم الآخر لتحقيق طموحاته الشخصية، أن يحل محل ديفيد كاميرون في زعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة، ولكن بذريعة "تحرير" بريطانيا من سلطة بروكسل، أي (الاتحاد الأوربي). فادعوا أن ما تدفعه بريطانيا 350 مليون جنيه أسبوعياً كثمن بقائها في الاتحاد الأوربي، وإذا ما تحقق الخروج فسوف يوفرون هذه المبالغ ويخصصونها لتحسين الخدمات الصحية التي هي درة النظام البريطاني. ولكن ما أن تحقق لهم الخروج حتى وتنكروا لهذا الوعد، وقالوا أن الناس أساءوا فهم ما أعلناه في حملتنا الدعائية. ولكن الدعاية كانت واضحة لا تقبل التأويل، وهذا هو رابط البوستر: https://twitter.com/graysmith100/status/740795457379684353/photo/1

أما عن الهجرة، فهي الأخرى تنصلوا عنها، أو إعطاء أي تعهد بإيقافها، أو حتى بتخفيضها. وكانوا قد كذبوا على الشعب البريطاني أنهم إذا ما خرجوا من الاتحاد فسيتمكنون من الاستفادة من منافعه ودون أن يتحملوا التكاليف. ولكن كانت صدمة بالغة لهم حين أكد رؤساء الاتحاد أن المنافع مرتبطة بحرية تنقل شعوب الاتحاد والأموال بين دول الأعضاء، وليس هناك أي مجال انتقائي في كسب المنافع وتجنب التكاليف.
المهم، لقد تبين أن الثنائي، بورس جونسن ومايكل غوف، كان كل منهما قد استخدم الآخر لطموحاته الشخصية في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة. إذ كان جونسن هو الأوفر حظاً في الفوز بالمنصب، أما غوف، فحتى قبل أيام كان يصرِّح على الدوام أنه لم ينوي مطلقاً لمنصب زعامة الحزب و الحكومة، وأن أصلح شخص لهذا المنصب هو جونسن، وأنه يدعمه في حملته إلى النهاية. ولكن قبل ساعات من انتهاء موعد تقديم الترشيحات، أعلن بورس جونس عن انسحابه من السباق، وأعلن مايكل غوف عن ترشيح نفسه، وأنه سحب دعمه لجونسن... لأن الأخير ، حسب زعم غوف، غير قادر على جمع شمل الحزب بعد أن فرقه بسبب اللغة العنيفة التي استخدمها في حملة الاستفتاء.

في الحقيقة، وكما صرح عدد من زملائهما من النواب المحافظين، أن مايكل غوف كان قد وضع نصب عينيه  زعامة الحزب ورئاسة الحكومة منذ أشهر، وأخفى نيته هذه عن زميله جونسون حتى الساعات الأخيرة. أما دعمه لجونسن فكان لأغراض تكتيكية واستخدام إمكانياته الخطابية والدعائية للإستفتاء، ومن ثم يتخلص منه بذريعة عدم قدرته على لم الشمل. ولذلك فقد كشف غوف عن انتهازيته، وخسر مصداقيته ومكانته في الحزب، وثقة زملائه به. أما جونسون فكما قال عنه مايكل هسلتاين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، أنه، بعد أن ألحق كل هذه الأضرار بالحزب و الشعب، تخلى عن ترشيح نفسه ليواجه تبعات عمله، وشبَّهه بالجنرال الذي قاد قواته إلى ساحة الحرب، وبعد أن جعلهم في مرمى نيران العدو، تخلى عنهم وهرب.
ثم هناك سبب آخر لانسحاب جونسن واحتمال فشل غوف في الفوز، وهو أن 75% من نواب حزب المحافظين كانوا مع البقاء في الاتحاد، وبعد إعلان النتائج تنامى شعورهم بالعداء إزاء كل من ساهم في  الدعاية لصالح الخروج، و لا يمكن أن يصوتوا لأي من جونسن وغوف. لذلك انسحب الأول للحفاظ على ماء الوجه، وهناك احتمال كبير بفشل الثاني.

نستنتج من كل ما تقدم:
أولاً، أنه حتى الشعوب المتقدمة حضارياً، والعريقة في الديمقراطية مثل الشعب البريطاني، معرضة للخديعة، وتتأثر بوسائل الإعلام المضلل، لذلك لا عتب على شعوبنا البائسة. ولكن هناك فرق كبير بين الشعوب الغربية وشعوبنا العربية، فالشعوب الغربية تكتشف الخديعة بسرعة وتعاقب المخادعين، بينما شعوبنا العربية تنطلي عليها الأكاذيب فتكافئ الكذابين بالمناصب ولن تكتشف أكاذيبهم إلا بعد فوات الأوان.
ثانياً، وبناءً على الاستنتاج الأول، فرغم انتصار قادة الخروج في نيل غايتهم من الاستفتاء، إلا إنهم وكما شاهدنا أقوى القياديين في الحملة وهما (بورس جونسون ومايكل غوف)، سرعان ما انكشفت ألاعيبهما، و قد انتحرا سياسياً، وهذه نتيجة كل من يعتمد على الخديعة لتحقيق أغراضه. فحبل الكذب قصير، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
فهل من يتعظ بهذا الدرس البليغ؟
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
 ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
د.عبدالخالق حسين: عواقب خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=848

Bethan Mckernan: 8 of the most misleading promises of the Vote Leave campaign, ranked in order of preposterousness
http://indy100.independent.co.uk/article/8-of-the-most-misleading-promises-of-the-vote-leave-campaign-ranked-in-order-of-preposterousness--WyxD59VO3Nb?utm_source=indy&utm_medium=top5&utm_campaign=i100



161
عواقب خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي

د.عبدالخالق حسين

في يوم الخميس المصادف 23 حزيران 2016، صوتت غالبية الشعب البريطاني (52%) للخروج من الإتحاد الأوربي، مقابل 48% للبقاء. ومهما كان الفارق بسيطاً (4%) فقط، إلا إن هذه الأغلبية تُحترم في الأنظمة الديمقراطية الناضجة.

نبذة تاريخية

كانت الوحدة الأوربية فكرة تراود مخيلة الحكام والفلاسفة الأوربيين منذ مئات السنين، وذلك لوضع حد للحروب الطاحنة التي كانت تدور رحاها بين هذه الدول باستمرار. وعلى سبيل المثال، فقد أكد الفيلسوف الألماني، عمانوئيل كانتْ، في القرن الثامن عشر، أنه لا يمكن تحقيق سلام دائم في أوربا إلا بتأسيس فيدرالية دولية. ومن الوسائل المتبعة آنذاك للحد من تلك الحروب هو المصاهرة بين أسر الملوك الحاكمة. فتجد ملوك عدة دول من أسرة واحدة مثل آل هابسبرك وآل بوربون وغيرهما. وقد حاول نابليون بونابرت تحقيق نوع من الفيدرالية الأوربية عن طريق الحروب التي سميت بالحروب النابليونية، لتصدير مبادئ الثورة الفرنسية، وتوحيد أوربا تحت سيطرة فرنسا، ففشل وانتهى أسيراً في جزيرة سانت هلينا. ثم حاول هتلر بتوحيد أوربا بالقوة، فشن الحرب العالمية الثانية لإخضاعها تحت حكم ألمانيا وفشل أيضاً، وانتهى بكارثة على العالم وعلى أوربا وعلى بلاده.

لذلك وبعد تلك الحرب المدمرة، أجتمع زعماء ست دول أوربية في روما عام 1957، وهي إيطاليا وفرنسا وألمانيا الغربية، وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، وتم توقيع (اتفاقية روما) التي شكلت نواة التكتل الإقتصادي الأوروبي، لإيجاد نوع من الإتحاد ديمقراطياً بين هذه الدول، مبنياً على المصالح الاقتصادية، فانبثقت (السوق الأوربية المشتركة) للوجود عام 1967 من الأعضاء المؤسسين الستة. و في عام 1973 انضمت بريطانيا إلى هذه المنظمة عندما كان إدوارد هيث، زعيم حزب المحافظين، رئيساً للوزراء وبدون استفتاء شعبي. وكان هناك معارضون من الشعب البريطاني وبعض قادته السياسيين لهذه العضوية، لذلك تم إجراء أول استفتاء شعبي عام 1975 في عهد رئاسة هارولد ويلسون، زعيم حزب العمال، حيث صوت 66% لصالح البقاء في تلك السوق.
ولكن رغم ذلك، استمرت المعارضة من جميع الانتماءات الحزبية. ومع الزمن ازدادت عضوية هذه المنظمة وصلاحياتها ونفوذها إلى أن بلغ عدد أعضائها اليوم 28 دولة، وهي في ازدياد، ومع نموها كثرت مشاكلها وتدخلاتها في الشؤون السيادية للدول الأعضاء، وصار اسمها (الوحدة الأوربية أو الإتحاد الأوربي European Union)، ولها عملتها الموحدة (اليورو)، ووضع لها دستور يمهد للمزيد من الاندماج، وصولاً إلى دولة اتحادية عظمى، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، مما أثار مخاوف وغضب شريحة واسعة من شعوب دول الأعضاء وفي مقدمتها الشعب البريطاني بدافع المشاعر القومية، التي اعتبرت تنامي صلاحيات الاتحاد تهديداً لسيادتها، وإلغاءً لدور برلماناتها الوطنية في حكم شعوبها.
 
أسباب المعارضة للوحدة الأوربية
هناك أسباب كثيرة دعت المواطنين البريطانيين للتصويت للخروج من الاتحاد، حسب ما أعلنه دعاة الخروج، كما ما يلي:
1- اتساع صلاحيات الاتحاد، على حساب صلاحيات السلطات الوطنية لدول الأعضاء.
2- التكاليف الاقتصادية الباهظة التي تدفعها بريطانيا والبالغة نحو 350 مليون جنيه استرليني أسبوعياً، أي أكثر من 18 مليار جنيه سنوياً.
3- تنامي الهجرة بمئات الألوف من دول الأعضاء، أكثر من ربع مليون مهاجر سنوياً، يقدمون عمالة رخيصة ينافسون بها المواطنين، ويشكلون عبئاً ثقيلاً على الخدمات الصحية والمدارس، والضمان الاجتماعي..الخ، دون أن تستطيع الحكومة البريطانية الحد من عدد المهاجرين من دول الأعضاء.
4- إزالة الحدود الدولية بين دول الأعضاء سهَلت انتقال المهاجرين من دول غير الأعضاء وخاصة من الدول الإسلامية، ومعها مخاطر الإرهاب الإسلامي.
5- معاناة السكان الأصليين من محاولات الجاليات الإسلامية في فرض ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم عليهم وفي بعض المناطق فرض حكم الشريعة بالقوة (Sharia zone)، وما حصل من أعمال إرهابية القوا اللوم فيها على الوحدة الأوربية.
6- مطالبة تركيا بدخول عضوية الإتحاد أثارت ذعر الشعب البريطاني، الأمر الذي جعلها دعاة الخروج ضمن دعايتهم، مدعين أن قبول تركيا سيسمح لدخول 90 مليون مسلم إلى الدول الأوربية بدون فيزا، وهذا يعني أسلمة أوربا وتسهيل دخول الإرهابيين.
7- ولهذه الأسباب مجتمعة، تم في بريطانيا تشكيل حزب يميني خاص، باسم حزب استقلال المملكة المتحدة، اختصاراً (UKIP)، بزعامة نايجل فاراج، هدفه الرئيسي والوحيد هو إخراج بريطانيا من الاتحاد. وكذلك أدى إلى نمو الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوربا.

وأمام اتساع المعارضة لعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوربي وحتى من داخل حزب المحافظين الحاكم، وللتخفيف من غلوها، قام السيد ديفيد كامرون، رئيس الحكومة، بإجراء مفاوضات مع الوحدة الأوربية لإعفاء بريطانيا من بعض الالتزامات منها عدم شمول المهاجرين بالمنافع المالية إلا بعد مرور أربع سنوات من دخولهم بريطانيا.. الخ، والسيطرة على الحدود..، وحصل على ما أراد، ولكن هذه المكاسب لم تسكت المعارضين، لذلك اتخذ كامرون قراراً شجاعاً في العام الماضي يقضي بإجراء استفتاء شعبي لفسح المجال أمام الشعب البريطاني ليقرر بنفسه. والجدير بالذكر أن كامرون كان قد وعد بمثل هذا الاستفتاء عام 2014 أكده في بيانه الانتخابي لعام 2015.

ورغم أن معظم قيادات الأحزاب السياسية وخبراء الاقتصاد، والصناعيين، والمصرفيين، والعلماء والأكادميين وأغلب الإعلاميين، ورؤساء الحكومات الصديقة، بمن فيهم الرئيس الأمريكي، باراك أوباما الذي قام بزيارة رسمية خاصة إلى لندن لهذا الغرض، حثوا الشعب البريطاني على البقاء، مؤكدين أن الفوائد الاقتصادية والأمنية والعسكرية أكثر في حالة بقاء بريطانيا مع الوحدة الأوربية، إلا إن الغالبية لم تتأثر بآراء أصحاب الخبرة والأصدقاء، واعتبروا مخاطر الخروج الاقتصادية التي حذر منها دعاة البقاء للتخويف (scaremongering)، ونجحوا في اقناع العاطلين عن العمل أن الهجرة من دول الوحدة الأوربية هي السبب الرئيسي للبطالة، لذلك فالحل الوحيد لجميع هذه المشاكل في رأيهم هو الخروج من هذا الإتحاد... ومن ثم التفاوض للدخول فيها ثانية وبشروط أفضل دون المساس بمصالحنا وسيادتنا الوطنية!! وقد رد عليهم كامرون متهكماً بأن هؤلاء أشبه بمن يطلق زوجته على أمل أن يعيدها فيما بعد بعقد أفضل !!

عواقب ودلالات نتائج الاستفتاء
جاءت نتائج الاستفتاء مفاجأة للجميع، وزلزالاً ليس على دول الوحدة الأوربية فحسب، بل وعلى العالم كله، وذلك لما لبريطانيا، كدولة كبرى، من ثقل اقتصادي وسياسي وعسكري. فما أن تم الاعلان عن النتائج حتى وخسر الجنيه الاسترليني نحو 10% من قيمته، إضافة إلى الفوضى التي اجتاحت أسواق البورصة في جميع أنحاء العالم، حيث سجلت المؤشرات هبوطاً بلغ 9% أي ما يعادل خسارة في أسعار الأسهم بما يقدر بـ 2 ترليون دولار. وهذه إحدى تداعيات الخروج الاقتصادية التي حذر منها دعاة البقاء.
كذلك حفزت هذه النتائج الأحزاب اليمينية في دول الاتحاد الأخرى للمطالبة باستفتاءات مشابهة.
كما كشفت النتائج هذه عن مدى انشقاق الشعب البريطاني على نفسه، وهشاشة وحدة المملكة، فغالبية الشعب في إنكلترا و ويلز صوتت للخروج، بينما غالبية الشعب الاسكتلندي وايرلندا الشمالية صوتت للبقاء.
وهذا الاختلاف أثار مشكلة خطيرة أمام بقاء بريطانيا كمملكة متحدة. إذ قالت السيدة نيكولا ستارجين، رئيسة حكومة اسكتلاندا أن الشعب السكتلاندي صوت للبقاء في الوحدة الأوربية، بينما فرض عليه الشعب الإنكليزي الخروج منها ضد إرادته. لذلك فمن حقنا أن نطالب باستفتاء ثان للشعب السكتلاندي للاستقلال والبقاء في الإتحاد الأوربي. ونفس هذا المطلب طرحه السيد مارتن ماغنس، قيادي في حكومة إريلاندا الشمالية مطالباً بإجراء استفتاء للشعب الإيرلندي الشمالي للانفصال من المملكة المتحدة، والاتحاد مع جمهورية إيرلندا التي هي عضو في الوحدة الأوربية. وهذا يجعل نهاية للمملكة المتحدة.

كذلك لاحظ الباحث، مارك إيستون من البي بي سي، أن مكان إقامة المصوتين لعب دوراً في طريقة التصويت، فالغالبية العظمى من سكان المدن الإنكليزية الكوسموبوليتانية الكبرى مثل لندن، ومانتشستر وليفربول وغيرها، صوتوا للبقاء، بينما الغالبية العظمى من سكان الأرياف والمدن الصغيرة والحواضر صوتوا للخروج. ويفسر الباحث ذلك إلى أن سكان المدن الكبيرة متكيفين مع العولمة، وأكثر انفتاحاً على الشعوب الأخرى، وليست لديهم مشكلة مع تعدد الثقافات،...الخ، بينما سكان الأرياف والمدن الصغيرة لديهم مثل هذه المخاوف من المهاجرين وعضوية بلادهم في الوحدة الأوربية.

ولوحظ أيضاً أن 64% من المصوتين من الفئات العمرية الشابة (18-24) قد صوتوا للبقاء، بينما صوَّت  58% من كبار السن ( 65+) للخروج. وهذا له دلالته، فالشباب يتطلعون إلى المستقبل، يرون مستقبلهم مرتبطاً بالعولمة والتقارب بين الشعوب، بينما كبار السن مازالوا يعيشون عقلية الماضي والتفوق الإنكليزي الاستعماري، مع ذكريات وآلام الحرب العالمية الثانية، ونظرتهم الاستعلائية والشوفينية للشعوب الأخرى.

ومن تداعيات هذه النتائج إعلان السيد كامرون عن عزمه في الاستقالة من الحكومة في شهر أكتوبر القادم حيث سيعقد الحزب مؤتمره القادم، ليختار رئيساً جديداً، ليقوم بمفاوضات الخروج مع الوحدة الأوربية.

ردود أفعال رؤساء حكومات الوحدة الأوربية

لقد فوجئ جميع رؤساء دول الوحدة الأوربية بالنتائج، فعبَّروا عن أسفهم لخروج دولة كبرى مثل بريطانيا من هذه المنظمة، ولكنهم في نفس الوقت، وخلافاً لما كان يتأمله السيد كامرون أن مفاوضات الخروج ستستغرق عامين على أقل تقدير، أما دعاة الخروج فكانوا يأملون البقاء في الوحدة إلى عام 2020 حيث الانتخابات البرلمانية البريطانية القادمة، ولكن رؤساء دول الوحدة الأوربية خيبوا أملهم، إذ أعربوا عن رغبتهم الشديدة في إجراء مفاوضات الخروج بسرعة وخلال اسبوع.

أن دعاة الخروج كانوا على خطأ كبير، وربما سيندمون في المستقبل القريب. فبحسابات الخبراء الاقتصاديين والصناعيين أن منافع بريطانيا اقتصادياً تقدر بأضعاف ما تدفعه كبدل اشتراك لعضويتها. فهناك نحو مليونين من البريطانيين يعيشون ويعملون في دول الإتحاد، و 3 ملاين عامل بريطاني داخل بريطانيا ترتبط مؤسساتهم مباشرة بالوحدة الأوربية. كذلك يقوم الاتحاد سنوياً بمشاريع عمرانية ويقدم مساعدات للجامعات والمؤسسات العلمية في بريطانيا تقدر بمليارات الجنيهات. ولا أمل لعودة من يخرج منها في المستقبل المنظور.
لقد ركز دعاة الخروج على هجرة العمالة، وعلقوا عليها جميع مشاكلهم لتضليل الناخبين. في الحقيقة إن هذه الهجرة ليست سبب البطالة، فالمهاجرون أغلبهم فقراء من دول أوربا الشرقية يقومون بأعمال لا يرغب بها البريطانيون، مثل العمل في المزارع، أو رعاية المسنين في دور العجزة، أو أعمال التنظيف وعمال في المطاعم وغيرها من الأعمال اليدوية الرخيصة التي يأنف منها غالبية العاطلين الإنكليز. ولم يشكلوا عبئاً على المدارس والمؤسسات الصحية، ولكن استغل اليمين المتطرف هذه المشاكل بدوافع قومية وشوفينية لتحقيق مآربهم، وسيدفعون الثمن.

أعتقد إن تصويت الأغلبية للخروج من الاتحاد هو أحد أخطاء الديمقراطية في التاريخ مثل فوز الحزب النازي الهتلري في ألمانيا، وحزب الأخوان المسلمين في مصر، والتيار الصدري في العراق....الخ. ولكن مع ذلك يجب احترام رأي الأغلبية، وهم سيدفعون ثمن قرارهم، ويتعلمون من أخطائهم ولو بعد فوات الأوان.
وأخيراً، كما قال الرئيس التشيكي: إن خروج بريطانيا ليس نهاية العالم، ولا نهاية الوحدة الأوربية !!
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
 


162
تحية للقوات العراقية المنتصرة على قوى الظلام
د.عبدالخالق حسين

"أعلنت قيادة العمليات المشتركة/ خلية الاعلام الحربي، يوم الجمعة [17/6/2016]، تحرير مبنى القائممقامية في قضاء الفلوجة والذي يمثل مركز المدينة ومجمعها الحكومي ورفع العلم العراقي فوق مبناها ". "كما وأعلن القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء حيدر العبادي، إحكام السيطرة على داخل قضاء الفلوجة أبرز معاقل عصابات داعش الارهابية في محافظة الانبار".*
وأعادت وكالات الأنباء العالمية مضمون هذا الخبر في نشراتها الأخبارية، مما يؤكد صحته.
وبهذه المناسبة المباركة نقدم أحر التهاني وأزكى التبريكات للقوات الأمنية المشتركة، والحشد الشعبي والحشد العشائري، على هذا النصر المؤزر على قوى البغي والظلام، ومن يرعاهم ويحتضنهم ويمدهم بالمال والسلاح والإعلام، فلهم الخزي والعار. و ندعو بالرحمة، والمجد والخلود للشهداء الأبرار، وعزاؤنا لذويهم، والشفاء العاجل للجرحى، وتحية لكل من شارك في هذا العمل البطولي لتطهير الأرض والعرض من دنس الدواعش الأشرار ومن يدعمهم. والنصر المؤزر لشعبنا العزيز.

هذا الحدث العظيم له مغزاه ودلالاته، فالجيش الذي اتهموه بالهزيمة والانهيار أمام 400 مسلح من الدواعش يوم 10 حزيران 2014 بتسليم الموصل، ومن ثم بقية المناطق ذات الغالبية السنية، هو نفس الجيش الذي استرجع غالبية تلك المناطق، والآن يدك أهم معقل من معاقل الدواعش البعثيين (فلوجة)، والمعركة لم تنته بعد، فشراذم الدواعش بين قتيل وجريح وأسير وهزيمة.

إن تسليم المناطق إلى الدواعش يوم 10/6/2014، وما بعده، كان مخططاً واسعاً وخطيراً شاركت فيه حكومات إقليمية وعلى رأسها السعودية وقطر وتركيا، وقوى محلية مشاركة في السلطة، تم الاعداد له بسنوات، بدءً بشن حملة واسعة بإدعاء التهميش والعزل للسنة والكرد، وتشويه سمعة الجيش العراقي ووصفه بجيش المالكي، والصفوي، والإيراني ...الخ، ومطالبة الحكومة بسحب أغلب الضباط المخلصين في الجيش من المناطق السنية واستبدالهم بضباط أكراد ومن أبناء المناطق ذاتها باسم المصالحة الوطنية. ولما استجاب لهم رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، آنذاك، وحققوا غايتهم هذه بسحب الضباط من أبناء الجنوب، و تبديلهم بالضباط المحليين من أبناء تلك المناطق، وغالبيتهم بعثيون، قاموا بتسليم مدنهم إلى الدواعش بدون إطلاق رصاصة واحدة، وانظم معظم هؤلاء الضباط إلى الدواعش، و ليتهموا المالكي بتسليم مناطقهم إلى الإرهابيين والمطالبة بمحاكمته وتصفيته سياسياً وجسدياً!!! هكذا الشطارة وإلا فلا!
كما وكان هناك اتفاق مع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، بانسحاب الضباط الكرد من الجيش في محافظة الموصل، مقابل احتلاهم لمحافظة كركوك.
وقد رافقت عملية التسليم هذه حملة إعلامية عربية وعالمية واسعة للحط من سمعة الجيش العراقي وتدمير معنوياته، كجزء من الحرب النفسية، والإدعاء بأنه جيش منهار لا يستطيع الصمود أمام عدد قليل من الدواعش. علماً بأن جميع القوات الأمنية المسلحة من الشرطة بعشرات الألوف كانت مؤلفة من أبناء تلك المناطق وليس بينهم أي فرد من الجنوب، فسلموا أسلحتهم لداعش ومنهم من انضم إليها.

فهذا الجيش الذي حاولوا تحطيم معنوياته، هو نفسه الذي راح يحارب الدواعش بمنتهى الشجاعة والصمود وبتحضحياته حرر مدينة تكريت ومن ثم الرمادي، والآن الفلوجة، معقل الدواعش. وهاهي القوات الأمنية المشتركة تتجه نحو الموصل لاستكمال تحرير الأرض والعرض، وتطهير جميع المناطق الشمالية من دنس شذاذ الآفاق.

والجدير بالذكر أن هزيمة الدواعش في هذه المعارك رافقتها حملة إعلامية هستيرية شرسة ومسمومة من الإعلام المضاد وخاصة الخليجي وبالأخص السعودي، لتشويه سمعة الحشد الشعبي والحكومة العراقية والإدعاء بقيام "الحشد الشيعي" بانتهاكات خطيرة ضد السكان المدنيين، في الوقت الذي أثبتت فيه وسائل الإعلام المحايد عن زيف هذه الإدعاءات. وهذا دليل على أن الإعلام العربي وخاصة الخليجي هو مع داعش، يعملون على تشويه سمعة القوى التي تحارب داعش بصدق واخلاص. 

فراح الاعلام المعادي يفبرك أخباراً ملفقة ضد الحشد الشعبي، و تنسبها إلى مسؤولين غربيين كبار، وعلى سبيل المثال، استلمتُ اليوم عبر بريدي الإلكتروني، تقريراً بعنوان: [اعترافات خطيرة لوزير الدفاع الامريكي (جرائم الحشد الشيعي تصدم العالم)]، جاء فيه: " يا للهول...!! شاهدتُ جميع جرائم الحروب العسكريه التي حصلت على الارض، لكن ما وصل لنا من فيديوهات خاصة عما يحصل في معارك الفلوجة وما حصل في الصقلاوية أوقع لي صدمة كبيرة جدا.!! هذه الفيديوهات لعناصر أستخبارات لنا من الداخل وهي تسجيلات متواصلة وخاصة..تشاهدونها على مواقع التواصل من جرائم..اطفال تمزق جماجمهم وهم أحياء، نساء يتم إغتصابهن بطريقه وحشية..!! فتيات صغار جدا تغتصب..!! وبعدها يتم قتلهن وحرقهن...الخ). هذا غيض من فيض من تصريحات مزعومة للوزير الأمريكي. ولغباء كاتب الفبركة أنه لم يتأكد حتى من اسم الوزير الأمريكي، فأسماه (فراند كارتر) والصحيح أشتون كارتر... نسي الحكمة: (إذا كنت كذوباً فكن ذكورا).
في الحقيقة هذه الأعمال الإجرامية لا يقوم بها إلا الدواعش وجبهة النصرة، وغيرهما من المنظمات الإرهابية الوهابية التكفيرية، الممولة من السعودية وحليفاتها. كذلك لا يمكن إطلاقاً أن تصدر هذه التصريحات الركيكة المفضوحة من مسؤول غربي ناهيك من يحتل منصب وزير دفاع دولة عظمى. فلو حقاً كانت هذه التصريحات صادرة من الوزير لتناولها وكالات الأنباء العالمية بضجة واسعة، ولكن لم نسمعها إلا من موقع سعودي مغمور لم يسمع به أحد. وهذا دليل على أن مملكة الشر السعودية قد فقدت صوابها، فراح إعلاميوها يلفقون ضد الحشد بشكل جنوني. و يبدو أن كاتب هذه الفبركة وبتأثير من حقده وانفعالاته لا يعرف حتى كيف يلفق. نسي أننا في عصر غوغل، وبإمكاننا متابعة أي خبر لنعرف مصدره الحقيقي. فبعد جهد قليل تبين أن مفبرك هذا الخبر هو سعودي يعمل في موقع اسمه (هوامير البورصة السعودية)، وهل سمع أحد بهذا الاسم من قبل؟  وهذا هو رابط التقرير الملفق: http://www.hawamer.com/vb/showthread.php?t=1986356
ورغم وضوح فبركة الخبر، إلا إنه من المؤسف راح البعض يروِّج له بذريعة حرية التعبير واحترام الرأي الآخر. فالحكمة تفيد: (حدث العاقل بما لا يُعقل فإن صدق فلا عقل له).

دروس وعبر
بعد نحو 13 عاماً من تحرير العراق من رجس الفاشية البعثية، حاول قادة الكتل السياسية السنية بشتى الوسائل، إفشال العملية السياسية والديمقراطية، وإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 2003، مدعين أنهم هم وحدهم أصحاب الحق التاريخي بحكم العراق رغم أن نسبتهم لا تزيد على 20% من الشعب العراقي في أحسن التقديرات. والخطأ الأكبر الذي اقترفوه أنهم ربطوا مصيرهم بالبعث الفاشي، واعتمدوا أبشع الوسائل الإرهابية من القاعدة والزرقاوي، وأخيراً داعش لتحقيق أغراضهم السياسية، وبالتالي أساؤوا لمذهبهم بربط الإسلام السني بالإرهاب.
نسي هؤلاء أن احتكارهم لحكم العراق واضطهادهم للمكونات الأخرى وحرمانهم من المشاركة في حكم بلادهم، واتباعهم مبدأ (فرق تسد)، واحتقارهم للديمقراطية، وأن سياساتهم هذه هي التي جلبت كل هذه الويلات والكوارث عليهم وعلى الشعب العراقي، وأن اعتمادهم على الإرهاب والسعودية وقطر وتركيا قد ألحق أشد الأضرار بجماهير المكون السني، فقد أحالوا مدنهم إلى خرائب وأنقاض، وأهاليهم إلى نازحين ولاجئين ومشردين. فأنتم أيها القادة السياسيون للمكون السني تتحملون المسؤولية الكبرى لهذه الجرائم النكراء بحق الشعب العراقي. ويجب أن تقروا و تعترفوا بأنكم فشلتم فشلاً ذريعاً باحتكاركم للحكم خلال ثمانين عاماً، والذي أوصل العراق إلى هذا المصير الأسود.
لذلك، يجب عليكم أن تعيدوا النظر في موقفكم الخاطئ، وتتوقفوا عن تحقير وتكفير وتبخيس أخوتكم في الدين والوطن من الشيعة بنعتهم بالروافض والصفويين وأبناء المتعة وعملاء إيران..وغيرها من النعوت البذيئة. فعهد حكم المكون الواحد والدكتاتورية قد ولىّ وإلى الأبد، وعليكم أن تقبلوا بالديمقراطية، و تشاركوا في إصلاح الوضع الجديد وسد نواقصه، و إنضاج التجربة الديمقراطية الوليدة وليس بوأدها. أما شعاركم (عليَّ وعلى أعدائي يارب)، فقد جلب عليكم وعلى أهاليكم المزيد من الكوارث. فالحكمة تفيد: (إما أن تتكيفوا مع الوضع الجديد أو تنقرضوا). فمن يزرع الشر لا يحصد إلا الشر.
وعلى الباغي تدور الدوائر.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
*- العبادي: أحكمنا السيطرة على داخل الفلوجة
http://www.akhbaar.org/home/2016/6/213363.html

أياد السماوي: سنّة العراق هل استوعبتم الدرس؟؟
http://www.qanon302.net/in-focus/2015/12/30/78176

مكافحة الارهاب: لا خسائر في صفوف المدنيين داخل الفلوجة
http://www.akhbaar.org/home/2016/6/213354.html

داعش تنهار بمركز الفلوجة والقوات الامنية تتقدم
http://www.akhbaar.org/home/2016/6/213351.html



163
من المسؤول عن الأحقاد الطائفية في العراق؟

د.عبدالخالق حسين

علق قارئ باسم (علي البابلي) على مقالي الأخير الموسوم: (حماة الدواعش إلى أين؟)(1)، في موقع (الحوار المتمدن)، ورغم ما فيه من أكاذيب وتزييف وتضليل للقراء، فإني سمحت للتعليق بالنشر مع المقال، لكي أفسح المجال للرأي الآخر، وليفضح نفسه. كما وأتقدم بالشكر الجزيل للأخوة المعلقين الآخرين، صادق الكحلاوي، وطالب يحيى، وأحمد عبدالله، على تعليقاتهم المنصفة، وتفهمهم للمشكلة العراقية وتعقيداتها، وأهنئهم على ما يتمتعون به من مناعة قوية ضد فايروس وباء التضليل البعثي الداعشي السعودي.

الملاحظ، أن المدافع عن البعث، أول ما يقدم نفسه يدعي أنه ليس بعثياً، ومنهم من يدعي أن البعث قتل أخوته وأقاربه... وحتى يشتم صدام، وهذا اعتراف من البعثيين أن حزبهم صار وصمة خزي وعار، بحيث وصف أي إنسان بالبعثي، يعتبر شتيمة بذيئة. وبعد تلك البراءة من البعث لكسب ثقة القارئ بأنه محايد، يبدأ بالدفاع عن البعث وتبرئته من جرائمه وإلقاء اللوم على الآخرين، وفي هذه الحالة ليس أفضل من التركيز على نوري المالكي وتحميله كل مشاكل العراق القديمة والجديدة ولأسباب باتت معروفة.

وقد اخترت تعليق السيد علي البابلي لأنه يتضمن معظم ما يردده الحاقدون على العراق الجديد، والغاضبون من تحريره من حكم البعث الفاشي، ولأنه يبدو من تعليقاته أنه كاتب بعثي محترف في التضليل. لذلك رأيت من المفيد الرد عليه فقرة فقرة على طريقة (قلتم وقلنا)، أو ما يشبه المقابلة الصحفية، سؤال وجواب، وذلك للتوضيح، ولحماية الناس من التضليل.

* يقول السيد البابلي: (المالكي جعل الاحقاد الطائفيىة بين العراقيين عرفا وتقليدا ومنهجا وثقافة مجتمعية يصعب الفكاك منها لأنها اصبحت متجذرة في الضمائر، والنفوس ومنها نشأت داعش وجرائم داعش، وبالمقابل نشأت المليشيات المسلحة هنا وهناك بشكل لم يحصل في اي دولة في العالم والأمر هذا لا ينتهي ابدا على المدى القريب، لان دولا اقليمية مجاورة قريبة وأخرى بعيدة مصلحتها ان تتقاتل هنا وبواسطة اذرعها عملائها خونة الضمير والوطن.)انتهى.

- المشكلة في العراق، أنك إذا وقفت ضد الأكاذيب والاتهامات الباطلة، اتهموك بأنك تدافع عن المتهم. بينما في الحقيقة نحن ندافع عن عقولنا من التضليل. فهؤلاء يلقون اللوم على المالكي لتحريف الأنظار عن المسبب الحقيقي للإرهاب والفوضى، وهذا ديدنهم.
فهل هذه التهمة صحيحة؟
لا نريد أن نسرد تاريخ الطائفية منذ سقيفة بني ساعدة، وما حصل بعدها من حروب بين المسلمين، وتكفير الدولة العثمانية التركية للشيعة واضطهادهم لأربعة قرون، و ممارسة الطائفية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ضد الشيعة، ودور البعث الصدامي في تصعيدها حين رفع شعاره السيئ الصيت: (لا شيعة بعد اليوم)، وسلسلة مقالات جريدة الثورة عام 1991(لماذا حصل ما حصل)، حيث طعن في شرف الشيعة وأصولهم وأعراضهم، فهذا يحتاج إلى كتب ومجلدات، وقد نشرت كتاباً في هذا الخصوص بعنوان (الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق)(2).
ولكن يكفي في هذه العجالة أن نقول أن حملة تأجيج الطائفية في العصر الحديث بدأ في العهد الملكي، واستشهدنا مراراً بمقولة المرحوم الملك فيصل الأول الذي أكد أن "العراق مملكة عربية سنية..الخ"(3) 
ففي ذلك العهد تحرك الطائفيون بقيادة ساطع الحصري لعزل الشيعة وحرمانهم من حقوقهم الوطنية، وشنوا حملة ثقافية ضدهم لتشويه صورتهم، ووصفهم بالعجمة، وبأنهم غرباء من بقايا الشعوب الساسانية، ولا يحق للغرباء المشاركة في السلطة إلى آخره من الافتراءات. ولمن يريد المزيد، يرجى الرجوع إلى مقالي الموسوم (الطائفية في العهد الملكي)(4). لذلك، فإلقاء تهمة تكريس الطائفية في المجتمع على المالكي فبركة خبيثة لا تصمد أمام أية محاكمة منصفة. وعلى الضد من هذه الاتهامات فالمالكي أعاد معظم الضباط البعثيين إلى الجيش العراقي الجديد بطلب من الشركاء في السلطة ضمن متطلبات المصالحة الوطنية، ولإبعاد تهمة الطائفية عنه. هذه السياسة هي التي سهلت تسليم المحافظات ذات الغالبية السنية للدواعش.
أما المليشيات الشيعية، فهي رد فعل لما تعرض له أبناء طائفتهم من حرب الإبادة بالعمليات الإرهابية والتفجيرات اليومية التي شنتها وما زالت المليشيات البعثية الطائفية التي هي من بقايا الحرس الجمهوري البعثي، تعمل تحت مختلف الأسماء الإسلامية، وأخيراً استقرت على اسم داعش، وجعلوا من مدنهم حواضن لشذاذ الآفاق من الإرهابيين الأجانب. ولم يكن المالكي هو سبب تأسيس داعش، فداعش هذه، أو ما يسمى بالدولة الإسلامية، موجودة في معظم أنحاء العالم وحتى منظمة (بكو حرام) الإرهابية في نايجيريا اعلنت انضمامها إلى داعش.

* يقول علي البابلي: (انا لست بعثياً ..لكنكم الى متى تظلون مرعوبين منهم وصدام انتهى ..طبعا هذا عدم الثقة بانفسكم وفكركم وعقيدتكم وبعكسه كونوا شجعانا مرة واحدة من 13 عام بعد السقوط واسمحوا للبعثيين للاندماج بالمجتمع كعراقيين ومن زاوية حرية الفكر والعقيدة الدستورية و افسحوا المجال لهم للترشح للانتخابات فإذا فشلوا فهو دليل حب واعتزاز الشعب وتاييده لكم …لكنكم لم ولن تفعلوها لأنكم تعرفون النتيجة المرة لكم). انتهى.
- نعم، صدام أنتهى كشخص، ولكن بقيت الصدامية التي أصبحت أيديولوجية شيطانية تدميرية وأخلاقية سيئة لدى أتباعه، فصدام هو نتاج البعث، ولو لم يكن صدام لقام غيره بالمهمة. كان البعثيون يخططون لحكم العراق إلى مستقبل غير منظور، لذلك قاموا بتفتيت النسيج الاجتماعي والتجهيل المتعمد، وأعادوا الشعب العراقي إلى ما قبل تأسيس الدولة بإحياء القبلية والعشائرية، فجعلوا العراق لا يصلح لأي حكم إلا بالقبضة الحديدية البعثية، لذلك قال صدام: (إن الذي يحكم العراق من بعده، يستلمه أرضاً بلا شعب). وهذا ما خططوا له، وهذا ما جرى منذ 2003 وإلى الآن. فالبعث أسوأ من النازية الألمانية بكثير، ومثلما تم اجتثاث النازية في ألمانيا ومنعه من المشاركة في السلطة رغم مرور أكثر من سبعين عاماً، كذلك يجب اجتثاث البعث من المجتمع العراقي، فالبعث الصدامي العفلقي هو الذي أوصل بلادنا وشعبنا إلى هذا المصير المفجع.
ومع ذلك، لم يتم عزل البعث كلياً، إذ فسح المجال لكل بعثي لم يرتكب الجرائم ضد الشعب أن يندمج بالمجتمع على أن يلتزم بالدستور الجديد، ويقبل بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع. وانخرط الكثير منهم في العملية السياسية، وهم مشاركون الآن بالسلطة بتنظيمات تحت مختلف الأسماء، فهاهم كتلة (تحالف القوى العراقية)، أغلبهم بعثيون سابقون ومشاركون في الحكومة والبرلمان، ولكن مع ذلك لم يتخلصوا من بعثيتهم، إذ تراهم مع الإرهاب ويدافعون عن الإرهابيين بكل قوة. فالمجال مفسوح للجميع ولكنهم لم يتخلوا عن نهجهم العدواني في استخدام العنف واحتكار السلطة والغدر بالشركاء. كذلك التدخل الفض للسعودية وحليفاتها من الدول الخليجية وتركيا في الشأن العراقي بإثارة الفتنة الطائفية لحرمان الشعب العراقي من الأمن و الاستقرار. لذلك فالبعثيون لا يعترفون بالديمقراطية، وقد قاله الشيخ رافع الرفاعي في الإعلام صراحة، أنهم لا يكتفون بإزاحة المالكي، بل يرفضون أن يكون رئيس الوزراء شيعي. هذا كلما في الأمر.

* يقول البابلي: (في اوربا تحصل تفجيرات بسيطة في الأماكن العامة نرى مباشرة وزير الداخلية يقدم استقالته فهل الوزير هذا كان حرسا لمترو انفاق لندن مثلا الذي حصل فيه انفجار بسيط وكذلك في اغلب دول اوربا وفي مصر استقال وزير النقل بعد تصادم قطارين وامثلة كثيرة جدا فكيف لا يسائل صاحبك عن دمار العراق ايام حكمه الاهوج). انتهى
- أنا أعيش في بريطانيا ومتابع لأخبارها، وأخبار غيرها من الدول الأوربية والعالم، وقد حصلتْ عمليات إرهابية، وحوادث طرق كثيرة في هذه البلدان ولم أسمع عن استقالة رئيس وزراء أو وزير داخلية أو نقل، فكلما يحصل هو إجراء تحقيق في الحادث. فلو كان على رئيس الوزراء، أو أي وزير في العراق أن يستقبل بعد أي عمل إرهابي لاحتاج العراق إلى تبديل وزراءه كل أسبوع أو حتى كل يوم، وهذا غير عملي، لأن نادراً ما يمر يوم أو أسبوع في العراق بدون أعمال إرهابية. ولو صحت فكرة استقالة رئيس الحكومة بعد أية عملية إرهابية لأصبحت هذه سنة متبعة في العالم، وفي هذه الحالة، يصبح بإمكان أي مجرم أو تنظيم إرهابي إسقاط أية حكومة بمجرد قيامه بعملية إرهابية في أي بلد، بغض النظر عما إذا كان رئيس الحكومة أو الوزير مقصراً في واجبه أو لا. لذلك فقط في العراق تتصاعد صيحات أصحاب الأقلام المأجورة والذراع السياسي لداعش بالمطالبة باستقالة رئيس الحكومة أو وزير الداخلية بعد كل عملية إرهابية.
* يقول البابلي: ((كيف لا يكون صاحبك المالكي مسؤولا عن الانهيارات العسكرية في العراق ونشوء تنظيم داعش ..طبعا اكيد ومسؤول تماما لأنه على الاقل كان حينها يسيطر على كل مفاصل الدولة تخطيطا وتنفيذا اداريا وعسكريا فهو كان مشرفا على الداخلية والدفاع ..المالكي ليس ذنبه فهذا مستواه وامكانياته وقدراته وكفائته ...الخ)) انتهى
- هل حقاً كان المالكي أو من جاء بعده مسيطراً على كل مفاصل الدولة؟ فجميع مؤسسات الدولة وخاصة العسكرية والأمنية كانت ومازالت مخترقة من قبل البعثيين والإرهابيين، ومعظم الشركاء في الدولة ضد بعضهم البعض، وحتى يقبل العمالة وطلب المساعدة من الدول الأجنبية، فكيف لرئيس هكذا حكومة أن يمنع هذه الكوارث؟ وقد لاحظنا أخيراً كيف فتح مسؤول أمن البرلمان الباب للمتظاهرين الذين قاموا بالاعتداء على النواب، وشاهدنا كيف قام هذا المسؤول الأمني بتقبيل يد مقتدى الصدر...
لذلك فإلقاء جريمة سبايكر وغيرها على المالكي دليل على أن هذه الجريمة حصلت لأسباب طائفية وانتقاماً من المالكي، ومن ثم إلقاء اللوم عليه وتبرئة المجرمين الحقيقيين.
أما مسألة إمكانيات المالكي في إدارة الدولة، فمقولة صدام تؤكد على استحالة حكم العراق من بعده ومهما أوتي الحاكم الجديد من قوة وكفاءة وحنكة وخبرة في الحكم. فماذا كانت كفاءة صدام حسين الأكاديمية، الذي حكم العراق لخمسة وثلاثين سنة؟ لقد حكم صدام العراق بالبلطجة والقتل وإذابة المعارضين له بأحواض الأسيد، وتحويل حزبه إلى أكبر مؤسسة جاسوسية على الشعب، بل وجعل أفراد العائلة العراقية تتجسس على بعضها البعض. ولم يسلم من وحشيته حتى رفاقه في الحزب، حيث أرغمهم على المشاركة في حفلات الإعدامات الجماعية لمن يشك في ولائه من الرفاق. بهذه "الكفاءة" حكم صدام العراق. فكيف تريد من المالكي أو أي شخص آخر أن يحكم هكذا بلد في نظام ديمقراطي، يشارك في حكمه الصديق والعدو، وصار ساحة لحروب دول الجوار بالوكالة، و ولاء الشركاء لحكومات أجنبية بدلاً للدولة العراقية، وتتسابق دول الجوار في التدخل الفض في شؤونه؟

خلاصة القول: لقد حصل حزب البعث على فرص ذهبية ليحيل العراق إلى جنة عدن بما تمتع به من أموال هائلة لو كان حقاً مخلصاً للعراق، ولكن بدلاً من صرف هذه الأموال على التنمية، بددها على الحروب العبثية وسياساته الطائشة، وقائمة جرائمه طويلة، ذكرناها مراراً(5). لذلك فمن الصفاقة والصلافة والخزي والعار على كل من يطالب بإشراك البعث في السلطة. فبأي وجه يعود البعث لحكم العراق بعد أن أوصله إلى هذا المصير المأساوي. فالبعث لا يقبل بالشراكة ولا يعترف بالديمقراطية، بل باحتكار السلطة وحكم الشعب بالنار والحديد. لذا فمن الغباء أن يلدغ هذا الشعب من جحر البعث عشرات المرات.
10/6/2016
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين:  حماة الدواعش إلى أين؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=844


2- عبدالخالق حسين: الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق (كتاب)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=753

3- مذكرة الملك فيصل الاول
http://i3aq.yoo7.com/montada-f4/topic-t14.htm

4- عبدالخالق حسين: الطائفية في العهد الملكي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=411

5- - عبدالخالق حسين: كي لا ننسى جرائم البعث
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=281

************************
ملحق
وا فلوجتاه
اياد جمال الدين:

مصر !! تُحاصر 2 مليون عربي سني في غزة ..
ويصرخ بعض مشايخها ؛ وافلّوجتاه !!
يعتدون على عجوز مصرية قبطية بنذالة !
ويخافون على نساء الفلوجة!!!
قطر !! تسحب الجنسية وتطرد 5000 قطري من آل مرة !!
طردتهم من بيوتهم ورمتهم خارج الحدود ، وهم عرب سنة!
وفي ذات الوقت يلطمون ؛ وافلّوجتاه!!!
اليمن !! مليشيا مسيطرة في عدن ، تطرد آلاف المواطنين من بيوتهم لأن أصولهم من صنعاء!
إعلام العرب ، يغضّ النظر عن مأساتهم، ويصرخ، وافلّوجتاه!!!

السعودية!!
البلدوزرات تهدم أكثر من قرية في مكة وتُشَرّد ساكنيها وهم عرب سنة، لأنهم خالفوا القوانين!
وإمام المسجد الحرام يصرخ،
وافلوجتاه!!!
القدس المحتلة ، تحت الاحتلال منذ عقود
والبلدوزرات الإسرائيلية شغّالة منذ عقود تهدم بيوت الفلسطينيين
وإمام مسجد الصخرة ينادي، وافلّوجتاه!!!
وأغرب مما مرّ علينا في التغريدات السابقة من غرائب العرب ..
هو الشيعي العراقي الذي ما زال يصرخ ، وافلسطيناه!!

بعد كم أسبوع .. ستحلّ علينا الذكرى الخمينية "يوم القدس"!!
وسترى شيعة خميني يلطمون في بغداد ؛ وافلسطيناه واقدساه
لا أقول إلا .. سْليّمٓه  إسْليّمٓه ! ( كرفتكم ......!! )
عندما هدمت دبابات صدام 1991 قباب عليٍّ والحسين ع في كربلاء والنجف ..
لم نسمع صوتاً للأزهر أو مكة او القدس ، يصرخون
وا نجفاه وا كربلاءا!!!




164
حماة الدواعش إلى أين؟
عبدالخالق حسين

من نافلة القول أن العراق يمر اليوم في أخطر منعطف تاريخي يهدد شعبه بالفناء، ووجوده كدولة، حيث تكالبت عليه دول إقليمية لخوفهم الشديد من نجاح الديمقراطية فيه، ووصول عدواها إلى شعوبهم. والمؤسف هو استعداد شريحة واسعة من أبناء العراق للتعاون مع آلهة الشر في سبيل مصالحهم الشخصية والفئوية العابرة وبدوافع طائفية. فقد بات معروفاً أن نحو 90% من الدواعش في العراق هم من فلول البعث الذين جعلوا من مناطقهم حواضن للإرهاب، ودفع السكان الثمن الباهظ، يدعمهم في هذه الجريمة ذراعهم السياسي المشارك في السلطة، المتمثل بما يسمى بـ(تحالف القوى العراقية) بقيادة أسامة النجيفي، وظافر العاني، و صالح المطلك وأياد علاوي وغيرهم، الذين قدموا مناطقهم لقمة سائغة إلى خوارج العصر (داعش)، وما داعش إلا الاسم الحركي ليرتكبوا أبشع الجرائم بحق الشعب العراقي باسمه. و راحوا يلعبون على عدة حبال في آن واحد، يدعمهم الإعلام العربي وجيش من الإعلاميين، مرتزقة البترودولار. كان الغرض من دعم هؤلاء للإرهاب في أول الأمر، التخلص من نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، بذريعة تهميشهم في السلطة، الكذبة التي انكشف زيفها وبطلانها للجميع. (راجع مقالنا التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة (1).

يحاول قادة تحالف القوى ومن يعاضدهم، الاستفادة من ألاعيبهم إلى أكبر قدر ممكن، فمن جهة هم الذين قاموا بتسليم مناطقهم إلى الدواعش وبدعم من دول إقليمية معروفة، ثم راحوا يحملون المالكي مسؤولية ذلك، بل وحتى إلقاء مذبحة سبايكر، وغيرها من المذابح عليه، بحجة أنه كان رئيساً لمجلس الوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة، بل راح بعضهم يشبه المالكي بصدام حسين لأن الأخير تمت محاكمته وإعدامه بسبب المذابح والمقابر الجماعية التي حصلت في عهده، كذلك المالكي يجب محاسبته على ما حصل في عهد حكومته!!.
نقول لهؤلاء أن بكاءهم على ضحايا سباكير نفاق صارخ، وتشبيه المالكي بصدام فيه الكثير من الإجحاف والتضليل. لأن المجازر والمقابر الجماعية في عهد صدام قد حصلت بأوامر مباشرة من الطاغية نفسه، فهل المجازر التي أرتكبها الدواعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية كانت بأوامر من المالكي حتى يحاكم عليها؟
فهل يصح مثلاً، اتهام جورج بوش بجريمة 11 سبتمبر 2001 التي راحت ضحيتها نحو 3 آلاف شخص لأنه كان رئيساً لأمريكا وقائداً عاماً لقواتها المسلحة، وحصلت هذه الجريمة في عهده؟
وهل تجب محاكمة توني بلير لأنه كان رئيساً للحكومة البريطانية عندما حصلت تفجيرات قطارات الأنفاق في لندن يوم 7/7/2005 و راح ضحيتها 52 قتيلاً وأكثر من 700 جريح؟
ونفس الكلام يمكن قوله عما حصل من تفجيرات وأعمال إرهابية في أسبانيا وفرنسا وبلجيكا، فهل يصح تحميل رؤساء هذه مسؤولية هذه الجرائم والمطالبة بمحاكتهم، لأنها حصلت في عهدهم؟
في الحقيقة لا أحد في هذه البلدان ألقى التهمة على رؤساء تلك الدول إلا في العراق... والسبب لأن رئيس الوزراء العراقي قد تجرأ ووقع على إعدام أكبر إرهابي في التاريخ، وهو صدام حسين وأعوانه، ولأنه التزم بالدستور حرفياً، ولم يذعن للإبتزاز. لذلك صار مغضوباً عليه من قبل البعثيين، والدواعش، ويوسف القرضاوي، ومسعود بارزاني ومن يدعمهم في الخارج (السعودية وقطر وتركيا).

ولما تحقق لهم ما أرادوا بتنحية المالكي، وتأكدوا من مغبة تبنيهم للإرهاب، وأعمالهم العدوانية التي جلبت الكوارث على أهليهم في المناطق المنكوبة، اتهموا حكومة حيدر العبادي بالتلكؤ في تحرير مناطقهم وعدم الاكتراث بها. ولكن ما أن تحركت الحكومة بكل ما لديها من قوة وإمكانيات، وبدعم التحالف الدولي لتحرير الفلوجة، وحققت انتصارات ساحقة على الدواعش، راح (تحالف القوى يحذر من استمرار "الانتهاكات" ضد ابناء الفلوجة ويحمل العبادي مسؤولية ذلك).(2)

والمعروف أن قائد هذه الجوقة هو ولي نعمتهم ثامر السبهان، سفير المملكة العربية السعودية في العراق، فهذا السفير لم يلتزم بآداب الدبلوماسية، فهو بالأساس عسكري وناشط في الاستخبارات السعودية، وعندما كان ملحقاً عسكرياً في السفارة السعودية في لبنان، أبدى نشاطاً محموماً ضد القوى الوطنية الرافضة للتدخل السعودي، فوجدوا فيه الشخص المناسب ليقوم بهذه الأعمال التخريبية في العراق كسفير. فسبهان هذا راح يتصرف وكأنه زعيم لتحالف القوى العراقية المشاركة في العملية السياسية. فما أن بدأت حملة تحرير الفلوجة، حتى وبدأ هو حملته في التدخل الفض بالشأن العراقي، إذ راح يوجه اتهامات بانتهاكات وتجاوزات ضد أهل الفلوجة من قبل الحشد الشعبي والجيش العراقي، ولم ينس أن يزج إيران في هذا الموضوع، إذ كتب في تغريدات سابقة له مدعياً: "وجود شخصيات ارهابية إيرانية قرب الفلوجة دليل واضح بأنهم يريدون حرق العراقيين العرب بنيران الطائفية المقيتة وتأكيد لتوجههم بتغيير ديموغرافي"(3).
هذه التصريحات تمثل قمة المهزلة حين تستنكر السعودية الطائفية، وتتهم غيرها بإذكاء نيرانها. فالسعودية وقطر وتركيا هي وراء الإرهاب باعتراف أقرب حليف لها، ألا وهي الإدارة الأمريكية، بينما إيران تساعد العراق وسوريا في محاربة الإرهاب. وهذا دليل على أن السعودية هي وراء داعش ولا تريد لها الهزيمة. فالكل يعرف أن السلاح الوحيد الذي تعتمده السعودية للبقاء في السلطة هو إثارة الصراع الطائفي لتخويف السنة الذين يشكلون الأغلبية من شعبها، بالبعبع الشيعي والإيراني. إذ كما قالت نائبة عراقية في تصريح لها لوكالات الأنباء إن "السفير السعودي عين نفسه وصيا على السنة وبعض القوى السياسية. وطالبت الحكومة بطرده لتدخلاته السافرة”.
وكالعادة رافقت هذه الاتهامات الفجة حملة إعلامية مضللة من قبل الإعلام العربي المؤيد لداعش.
و ازاء هذه الحملة التضليلة، ولطمأنة الرأي العام، وكإجراء احترازي في ظروف الحرب (توعدت الحكومة العراقية بالمحاسبة الشديدة لأي تجاوزات تحصل ضد المدنيين في معركة تحرير مدينة الفلوجة من عصابات داعش الارهابية" منتقدة "بعض وسائل الاعلام العربية ومحاولتها "لاذكاء الفتنة الطائفية".

لكن السفير السعودي يعرف كيف يلوي عنق الحقيقة، ويتلاعب بالألفاظ، ففسر تصريحات مكتب رئيس الوزراء أنها اعتراف بالانتهاكات، إذ عاد قائلاً: (إن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أقر بوجود انتهاكات في مدينة الفلوجة خلال العمليات التي تقوم بها القوات العراقية لاستعادة المدينة من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يُعرف بـ"داعش.")
في الحقيقة هذه الانتهاكات المزعومة لا تختلف عن انتهاكات شرف الثلاجة أيام تحرير تكريت من دنس داعش!.
والملاحظ أن أعداء العراق (السعودية، والإمارات وقطر وتركيا) في حالة عزاء وحِداد بسبب الهزائم التي مني بها الدواعش على يد القوات العراقية المسلحة والحشد الشعبي، والحشد العشائري من أبناء المناطق المحررة. لذلك راحت تكيل التهم الباطلة ضد القوات العراقية، في دفاع محموم عن الدواعش بغطاء حماية المدنين في الفلوجة. و آخر هذه التشنيعات جاءت من الانتهازي المعروف عبدالحسين شعبان الذي صرح: "إن الإنتصار في الفلوجة أكثر عاراً من الهزيمة"، وهي جملة مقتبسة من غيره أيام زمان قيلت في ظروف مختلفة، أدعاها لنفسه من أجل التقليل من قيمة هذه الانتصارات(4). وبالتأكيد لم تكن هذه الخدمة لوجه الله تعالى، بل كغيره من اليساريين السابقين المشبوهين الذين تم طردهم، فسقطوا في أحضان الرذيلة السعودية. فقد شاهدنا هذا "اليساري" المزعوم، وهو واقف ذليلاً أمام الجزار معمر القذافي مع شلة من البعثيين يتوسلون إليه لتحرير العراق من أبنائه.

والسفير السعودي وقادة تحالف القوى ومرتزقتهم من الكتاب من أمثال عبدالحسين شعبان، يعرفون جيداً من هم وراء داعش، وما الغرض منها. إذ كما قالت  كرستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي IMF:(الحرب ليست في الأنبار ولا حتى في العراق أو سوريا، الحرب هي على اقتصاديات الدول وتفقيرها وتجويع شعوبها)(5). إن السعودية والدول الخليجية الأخرى تدعم الإرهاب لتبديد طاقات الشعوب العربية في هذه الحروب العبثية وإفقارها ومنعها من التنمية، ومنع انتشار الديمقراطية في دول المنطقة وإبقائها متخلفة.

وختاماً نقول: من المعروف أن أي شعب يتعرض إلى تهديد خارجي، أو داخلي من قبل قوى شريرة، يترك قادة القوى السياسية المعارضة للسلطة خلافاتهم جانباً، ويدعمون الحكومة في مساعيها لإلحاق الهزيمة بالعدو المشترك الذي يهدد الشعب والوطن. ولكن في العراق، أنهم في جميع الظروف يعتبرون معاداة الحكومة ومعارضتها وإسقاطها، شرط من شروط الوطنية، و واجب من واجبات المثقف!! وفي كل مرحلة يوجدون أسباباً لتبرير مواقفهم هذه. فتعلقوا الآن بذريعة محاربة الفساد للتحريض ضد الحكومة العراقية وهي تحارب الإرهاب. يريد هؤلاء من هذا العراق الجريح المفتت الذي تكالبت عليه الدنيا من كل حدب وصوب، أن يحارب على عدة جبهات في آن واحد، يحارب الإرهاب، والفساد، وعصابات والجريمة المنظمة، والسعودية وقطر وجميع الدول المعادية له في وقت واحد، وهم في نفس الوقت يحرضون على الحكومة وإرباكها بالتظاهرات التخريبية، واقتحام البرلمان والاعتداء على النواب، والهجوم على مقر رئاسة الحكومة وحدوث سرقات وإثارة الفوضى. لا يمكن أن يكون هؤلاء من دعاة الإصلاح ومحاربة الفساد وأعمالهم هذه تصب في خدمة الإرهاب.

والمشكلة أنك إذا نصحتهم بإعادة النظر في مواقفهم والتمسك بالأولويات، اتهموك بأنك من مثقفي السلطة "الرسميين"! وراحوا يبحثون عن مقولات لفلاسفة معروفين بمواقفهم الإنسانية، قالوها في ظروف معينة. ففي تعليق على مقال لي اقتبس أحدهم قولاً للفيلسوف الفرنسي سارتر أن "من واجب المثقف إزعاج السلطة". هكذا قول أيها المحترم، يجب تفسيره وفق سياقه التاريخي، وليس التطبيق الأعمى. لقد أطلق سارتر هذا القول عندما كانت فرنسا تحارب الشعب الجزائري في نضاله من أجل الاستقلال، فألَّف كتابه القيم بعنوان (عارنا في الجزائر). سارتر لم يكن فوضوياً ليدعو إلى محاربة الحكومة عشوائياً. فلو طبقنا مقولة سارتر هذه خارج سياقها التاريخي، لأدى إلى القضاء على جميع الحكومات، و إغراق المجتمعات البشرية بالفوضى العارمة (Anarchy)، والعودة بها إلى عصور الهمجية وشريعة الغاب، يعني هيمنة البلطجية، وإختفاء الحرية والمدنية. فهناك حقيقة يقرها جميع الفلاسفة مفادها أنه (لا حضارة بدون دولة مستقرة).
لذلك نهيب بكل أبناء العراق الغيارى على وطنهم ووحد شعبهم، أن يعوا ويدركوا المخاطر الكبيرة التي تهدد العراق والمنطقة، وذلك بالالتزام بالأولويات التي على رأسها دحر الإرهاب أولاً.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة:
1- عبدالخالق حسين: التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=626

2- تحالف القوى يحذر من استمرار "الانتهاكات" ضد ابناء الفلوجة ويحمل العبادي مسؤولية ذلك
http://www.akhbaar.org/home/2016/6/212784.html

3- الحكومة تتوعد بمحاسبة شديدة لاي تجاوزات في تحرير الفلوجة وتنتقد الاعلام العربي
http://www.akhbaar.org/home/2016/6/212835.html

 4- نصير المهدي: الإنتهازي عبد الحسين شعبان يعتبر إنتصار العراق في الفلوجه أكثر عاراً من الهزيمه   http://www.albadeeliraq.com/article25572.html

5- كرستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي IMF: الحرب ليست في الانبار ولا حتى في العراق أو سوريا، الحرب هي على اقتصاديات الدول وتفقيرها وتجويع شعوبها
http://hashdona.com/archives/15463
 

165
مقترحات لمواجهة الهستيريا الطائفية!

د.عبدالخالق حسين

مقدمة
لقد تجاوز الصراع الطائفي، السني- الشيعي، وخاصة في العراق، حدود الاختلاف ضمن المعقول، إلى مرحلة الجنون والهستيريا، خاصة ونحن في قرن الحادي والعشرين، المفترض أن يكون قرن سيادة العقل والعلم والمنطق على العواطف والمشاعر البدائية والغرائز الحيوانية. لذلك فلو ترك هذا الصراع بلا سيطرة من قبل أهل الحل والعقد من عقلاء القوم، فإنه بالتأكيد سيقود إلى انتحار جماعي، ودمار شامل لشعوب المنطقة، أو على الأقل إعادتها إلى عهود ما قبل الثورة الصناعية. والطائفية مرض مزمن عضال في المجتمع العراقي، وقد أشار الراحل علي الوردي إلى هذه الآفة قائلاً: "لقد ضعفت نزعة التدين في أهل العراق وبقيت فيهم الطائفية، حيث صاروا لا دينيين وطائفيين في آن واحد، وهنا موضع العجب"

لقد ظهرت الأديان في مرحلة من مراحل التطور الحضاري، استجابة لحاجة الانسان إلى دعم روحي ليحميه من الكوارث الطبيعية، والخوف من الموت والمجهول، والرغبة في الخلود وحياة أفضل ما بعد الموت، يعوضه عن آلامه ومعاناته في هذه الدنيا. والمعروف أن كل دين لا بد وأن ينقسم مع الزمن إلى مذاهب ومدارس فكرية عديدة، كالشجرة، كلما نمت كثرت فروعها. والدين الإسلامي ليس استثناءً. والإسلام أقر حق التعددية والاختلاف إذ كما جاء في القرآن: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين). وحديث نبوي: (اختلاف أمتي رحمة).

لقد انقسم المسلمون إلى سنة وشيعة وصوفية، وكل من هذه المذاهب إلى فروع متشعبة. وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على حيوية وخصوبة العقل في التفكير والتعددية. ولكن استغل السياسيون هذه الانقسامات الدينية، وتعددية المدارس الفكرية لخدمة أغراضهم السياسية بإثارة العوام، ونشر الحقد والبغضاء والصراعات، وبالتالي وقوع الحروب والمذابح فيما بينهم. هذا ما جرى في أوربا بين الكاثوليكية والبرتستانتية، حروب ومجازر محلية وأسوأها وأشهرها مجزرة بارثولوميو في باريس ضد البرتستانت، كذلك حروب بين الدول الكاثوليكية والبروتستاتية، مثل حرب الثلاثين عاماً (1618-1648)، وحرب السنوات السبع (1757-1762). وهذه الحروب وغيرها ساهمت في نفور الناس من الدين ولم تتخلص منها إلا بعد أن فصلت الدين عن السياسة.

المشكلة إن الشعوب مثل الأفراد، ترفض استخلاص الدروس والعبر من التاريخ، ومن تجارب غيرهم، لذلك فالتاريخ يعيد نفسه على شكل ملهاة ومأساة، إذ كما قال الفيلسوف جورج سانتيانا: (الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بتكرار أخطائه). فالشعوب العربية تمر اليوم في نفس المراحل التي مرت بها الشعوب الأوربية خلال القرون الخمس الماضية.

إن انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة، كان بالأساس لأسباب سياسية وليست فقهية منذ وفاة الرسول محمد (ص) قبل 14 قرناً، فهناك من رأى أولوية أبي بكر بالخلافة، وآخرون رأوا بأولوية الإمام علي. والإمام على لم يعارض أبا بكر وعمر وعثمان على السلطة، بل بقي لهم عوناً ومستشاراً مخلصاً، حتى ينقل عن عمر قوله: (لولا علي لهلك عمر). وكان الإمام علي قد أسمى ثلاثة من أبنائه بأسماء الخلفاء الذين سبقوه، وكلهم استشهدوا في واقعة الطف مع أخيهم الحسين(ع).

ولم يكن أهل السنة ولا أئمتهم الأربعة الكبار ضد أهل البيت إطلاقاً، بل كانوا مناصرين لهم في صراعاتهم مع أبناء عمومتهم بني أمية وبني العباس على الخلافة، وعلى سبيل المثال، كان الإمام أبو حنيفة من أقرب الناس إلى الإمام موسى الكاظم، وكلاهما عانى السجن والاضطهاد معاً وبواسطة الحاكم نفسه، ومن أجل القضية ذاتها. ويقول علي الوردي في هذا الخصوص: لو أدرك الشيعة حقيقة الأمر لعرفوا أن أبا حنيفة هو أحد أئمتهم كما هو أحد أئمة أهل السنة، لأنه وُجد قبل انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة، وكان من أنصار أهل البيت.
فمصطلحات سنة وشيعة لم تظهر إلا في عهد الخليفة العباسي المتوكل الذي قضى على المعتزلة وأنهى تعددية المدارس الفكرية في الإسلام، التي ازدهرت في عهد المأمون. وقد أثير العداء ضد الشيعة خلال الحكم العثماني، لأن الفقه الشيعي لا يجيز الخلافة إلا في قريش (يعني أن تكون في العرب)، بينما الفقه السني وخاصة الحنفي يقر لغير العرب على شرط أن يكون عادلاً وسليم العقل والبدن. واشتعل الصراع الطائفي بعد أن أجبر إسماعيل الصفوي (وهو تركي وليس فارسياً) الشعب الإيراني على التشيع من أجل إيجاد سبب لمحاربة الدولة العثمانية السنية، وكان العراق ضحية هذا الصراع الدموي بين الدولة الفارسية (الصفوية) والدولة العثمانية.

وتم توظيف الاختلاف المذهبي لأغراض سياسية وبالأخص بعد تأسيس المذهب الوهابي المنحرف عن الإسلام، وهو نتاج ثقافة الصحراء القاحلة ذات البيئة القاسية، والموارد المادية الشحيحة، لذلك اختلقت الوهابية أسباب دينية ضد الشيعة بتكفيرهم لتبرير النهب والغزوات ضد الديار الشيعية في العراق مثل (النجف وكربلاء) منذ أوائل القرن التاسع عشر، وقتلهم ونهب ثرواتهم. كما وحصل الصراع الطائفي منذ تأسيس الدولة العراقية على أسس مذهبية حيث ذكر الملك فيصل في مذكرة له عممها على المقربين منه عام 1933: أن "العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية مؤسسة على أنقاض الحكم العثماني وهذه الحكومة تحكم قسماً كردياً أكثريته جاهلة، وأكثرية شيعية جاهلة تنتسب عنصرياً إلى نفس الحكومة"، و لكن بذل الرجل قصارى جهوده للتخلص من التمييز الطائفي والعنصري، إلا إنه توفي بعد أشهر قليلة من صدور هذه المذكرة.

و اتخذ الصراعي الطائفي منحىً جديداً بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وموقفها المتشدد من أمريكا وإسرائيل، فحركوا ضدها صدام حسين، و وظفوا الطائفية لهذا الغرض، وقال له الملك السعودي فهد: (منا المال ومنكم الرجال)، ومرة أخرى دفع الشعب العراقي الثمن باهظاً من الحرب العراقية-الإيرانية التي أهلكت الحرث والنسل. ورغم أن صدام أنقلب على "أبناء العمومة" كما كان يسميهم، فغزى الكويت وأدخل المنطقة في حرب أخرى، إلا إنهم وقفوا إلى جانبه في الحرب الأخيرة التي أطاحت به ونظامه الطائفي الجائر. ومرة أخرى استخدموا الورقة الطائفية ضد الشيعة لتهيج وتجييش العرب ضد الشيعة في المنطقة، وبالأخص في العراق. فكانت عصابات القاعدة، وعشرات التنظيمات الإرهابية البعثية تحت مختلف الأسماء الإسلامية، وآخرها داعش.

والجدير بالذكر، أن الصراعات الطائفية قبل 2003 كانت خفية، (عدا العقد الأخير من حكم صدام بعد انتفاضة 1991 حين رفع شعار "لا شيعة بعد اليوم")، إذ لم يجرأ أحد في الماضي على التصريح بها علانية، ولكن ما بعد 2003 تحول الصراع إلى التحريض العلني ضد الشيعة وتكفيرهم وتبرير إبادتهم، فراحوا يستخدمون أسماء تسقيطية بحق الآخر، فالشيعة هم  روافض وصفويون ومجوس في نظر الطائفيين من السنة من أمثال الشخ طه الدليمي. والسنة صاروا نواصب (أي أعداء أهل البيت)، في نظر الطائفيين الشيعة من أمثال  الشيعي الكويتي شيخ ياسر الحبيب. وكلاهما ليسا رجال الدين أصلاً، فالأول هو طبيب جراح، والثاني درس العلوم السياسية في جامعة الكويت، ولكن كلاهما برزا على وسائل الإعلام كرجال دين، يكيل كل منهما شتائم لمذهب الآخر في القنوات التلفزيونية واليوتيوب، وممولهما واحد من أجل إشعال الفتنة الطائفية وخدمة أسيادهما. والجدير بالذكر أن ياسر الحبيب راح يشتم حتى رجال الدين الشيعة من الذين يعارضونه، مثل المرحوم الشيخ أحمد الوائلي لأنه حذر من مغبة شتم الرموز الدينية لأهل السنة. وكذلك شتم حتى زعيم حزب الله اللبناني، السيد حسن نصرالله، وهذا يكشف لنا المستفيد من هذه الحملة الهستيرية الطائفية.

وقد بلغ التحريض الطائفي ضد الشيعة من قبل السعودية إلى حد أن خطيب الحرم المكي الرسمي للدولة، راح يكفر الشيعة ويسميهم (الروافض)، حالهم حال اليهود، علماً أن "الروافض" يشكلون 15% من نفوس  مملكتهم، وهذه الحالة متفشية لدا عدد غير قليل من خطباء المساجد في البلاد العربية، بدفع من السعودية، فكان دعاؤهم المتكرر في السابق هو: (اللهم أهلك اليهود والنصارى)، وأضافوا إليه بعد 2003: (اللهم اهلك الشيعة الروافض، وأصبهم بالسرطان). والغريب العجيب في امر السعودية انها ترعى مؤتمرات وندوات للتقارب بين الأديان وهي تفرق بين  شعبها، كما تبرعت قبل عامين بمائة مليون دولار لقسم مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، وهي (السعودية) ترعى الإرهاب. وما هذه الإجراءات والتبرعات السخية إلا للتغطية وذر الرمان في العيون.

والسؤال هنا هو: هل بلغ العراقيون سن الرشد السياسي والنضج الفكري ليتخلصوا من الماضي المؤلم، ويخططوا للمستقبل، ويتكيفوا مع المستجدات ليبنوا دولتهم الديمقراطية ؟
يجيب على هذا السؤال سياسي عراقي، رفض ذكر اسمه للكاتب والصحفي السيد غسان شربل في صحيفة الحياة اللندنية، قائلاً: «انتصر الشيعة ولم يصدقوا انهم انتصروا. وهزم السنة ولم يصدقوا أنهم هزموا. تولى الشيعة عملياً السلطة واستمروا في التصرف كمعارضين. تعاملوا مع الدولة كأنهم سيغادرون غداً. انتقل السنة عملياً إلى المعارضة لكنهم استمروا في التصرف كأصحاب حق مقدس في الحكم وتوهموا أنهم سيعودون غداً. كل فريق يريد دولته لا الدولة التي تتسع للجميع. أضاع الشيعة فرصة تاريخية حين امتنعوا عن التنازل قليلاً لمصلحة منطق الدولة، وهو ما كان يمكن أن يحمي انتصارهم. أضاع السنة فرصة تاريخية حين امتنعوا عن التنازل لمنطق الدولة الجديدة، وهو ما كان يمكن أن يضبط خسائرهم».(1)

اقتراحات لمواجهة الجنون الطائفي
لقد بلغ التحريض الطائفي حداً هستيرياً يهدد بالفناء الشامل ما لم ينتبه إليه عقلاء القوم ويضعوا حداً لهذا الاستهتار بأرواح الشعب ليوقفوا هذا النزيف. أذكر أدناه مجموعة من المقترحات وأغلبها استلمتها من شخصيات أكاديمية معروفة، عبر مناقشاتنا حول هذا الخطر الوبيل. لذلك أطرح أدناه المقترحات التالية:

أولاً، يجب استئصال جذور التطرف الأصولي، فالإسلام أكد أنه دين حنيف أي سهل،(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). وهذا يتطلب ثورة في المفاهيم، تبدأ بتنقية المناهج الدراسية من جميع الشوائب والتعاليم الدينية التي من شأنها إثارة الحقد والبغضاء ضد أتباع الأديان والمذاهب الأخرى، وإزالة كل ما يسئ إلى الأخوة الإنسانية، والوحدة الوطنية، واعتماد عملية تنوير واسعة، وتربية الطلبة على الفكر النقدي المستقل، وليس بعقلية الإنسان الساذج الذي يصدق كل ما ينقل له من تحريض وتكفير وخرافات.
ثانياً، رفع جميع الشعارات و الصور ذات المحتوى الديني من دوائر الدولة و الاماكن العامة. فالدولة للشعب بجميع مكوناته الأثنية والدينية والمذهبية، وليس لأتباع دين ومذهب هذا الوزير أو ذاك. ويشمل بذلك منع عرض صور الشخصيات والرموز الدينية، سواء كانت عراقية أو إيرانية أو غيرها من الأماكن العامة.
ثالثاً، بما أن مكونات الشعب منقسمون دينياً ومذهبياً، فيجب تجنب التلاعب بمشاعر الناس الدينية التي من شأنها إثارة النعرات الطائفية وتعمق انقسامهم على حساب الوحدة الوطنية، ونقصد هنا منع بث الأذان من محطات الإذاعة والتلفزيون الرسمية وشبه الرسمية، فما الداعي تارة إلى أذان سني، وأخرى إلى أذان شيعي... وما معنى أذان الشيعة يرفع في (قناة العراقيه) ظهرا ومغربا وآذان السنه يرفع عصرا وعشاء ...
رابعاً، يجب التوقف عن بث خطابات أئمة المساجد يوم الجمعة من وسائل الإعلام الرسمية. فهذه الطقوس مفرقة لا داعية لها.
خامساً، بما أن العراق مهدد الآن من قبل الإرهاب باستخدام ورقة الطائفية، وتلفيق الأكاذيب لتضليل الرأي العام العراقي والعربي والعالمي، لذلك، يجب حجب جميع الفضائيات ومواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي التي تبث الأفكار الطائفية وتدعو إلى الانقسام الطائفي.

سادساً، منع الإساءة للرموز الدينية، مثل شتم بعض الشيعة للخلفاء الثلاثة الأوائل، وبعض الصحابة، فهذه العادة البذيئة أدخلها اسماعيل الصفوي، في أوائل القرن السادس عشر، ولم تكن موجودة قبل ذلك التاريخ، ودفع الشيعة والسنة ثمناً باهظاً الإمام علي نهي عن السب في صفين حين أزاح وجهه عن جماعه من أنصاره عندما سمعهم يسبون معاويه، وقال لهم لا تكونوا سبابين.
لذا نقترح على المرجعية الدينية شن حملة واسعة لتثقيف الشيعة ضد هذه العادة السيئة. ولكن في نفس الوقت، يجب أن نميز بين السب والنقد الأكاديمي الملتزم. إذ لا يمكن معاقبة الإنسان على نقده لشخصية تاريخية أو دينية نقداً منطقياً معتمداً على مصادر تاريخية مع التزامه بالمنهج العلمي في البحوث، من أجل توضيح بعض الحقائق التاريخية. وعلى سبيل المثال ذكر الراحل طه حسين في كتابه (الفتنة الكبرى) عن دور الخليفة عثمان بن عفان في تفضيل أقربائه في السلطة والثروة والمال، وكان الخليفة ذا ثراء كبير. وهذه قضايا تاريخية لا يعتبر طرحها إساءة للرمز الديني.
والجدير بالذكر أن السيد علي خامنئي، مرشد الدولة الإسلامية في إيران، وكذلك المرجع الديني الشيعي السيد علي السيستاني وغيرهما من المراجع الشيعية، قد أصدروا فتاوى بتحريم سب الرموز الدينية لأهل السنة. وهذه خطوة إيجابية جيدة.
سابعاً، يجب على الدولة شن حملة تربوية تثقيفية واسعة لنشر الوعي الوطني و روح التسامح (Tolerance )، واحترام معتقدات الآخرين، والتعايش السلمي بين مختلف أتباع الأديان بدون تكفير وتحقير وازدراء.
كما يجب التوكيد أن التخلص من الصراعات الدينية والطائفية لا يتم بتوحيد هذه الأديان والمذاهب والطوائف، أو حتى التقارب بينها، لأن هذه الوحدة مستحيلة كما اثبت التاريخ، ولأن الانتماء الديني والمذهبي هو جزء من هوية المؤمن. بل يجب عمل الممكن، وهو أن يتمتع أتباع كل ديانة ومذهب بحرية العبادة وممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية والمذهبية، مع الالتزام بعدم التجاوز على القوانين والأعراف العامة.
ـــــــــــــــــــــ
من نافلة القول أن الماضي ليس من صنعنا، بل من صنع الأجيال السابقة، وبالتالي، فنحن أبناء هذا الجيل والأجيال اللاحقة، لسنا مسؤولين عنه، ويجب أن لا نتحمل وزره، وخاصة فيما يخص الانقسام الطائفي الذي حصل قبل أكثر من 1400 سنة. فنقطة الخلاف الرئيسية بين أهل السنة والشيعة كما بينا في المقدمة، هي حول من هو الأحق بالخلافة بعد النبي، أبو بكر أم علي؟
وللإجابة على هذا السؤال من المفيد أن نسترشد بالمصلح الإسلامي الكبير، جمال الدين الأفغاني، وكما يقول عنه علي الوردي: [على الرغم من أصله الشيعي إلا إنه لم يتعصب للتشيع تعصباً أعمى، وكان الأفغاني يعتقد أن إثارة قضية الخلافة بعد وفاة النبي أمر يضر المسلمين في الوقت الحاضر ولا ينفعهم، وهو يتساءل في ذلك قائلاً: "لو أن السنة وافقوا الشيعة الآن على أحقية علي بالخلافة فهل يستفيد الشيعة من ذلك شيئاً؟!! أو أن الشيعة وافقوا أهل السنة على أحقية أبي بكر فهل ينتفع أهل السنة؟!!" ويهتف الأفغاني بعد ذلك قائلاً: "أما آن للمسلمين أن ينتبهوا من هذه الغفلة؟! ومن هذا الموت قبل الموت؟!.."
ومن كل ما تقدم، نعتقد أن الحل الوحيد للأزمة العراقية المزمنة التي سببها الصراع الطائفي والأثني، هو الأخذ بالمقترحات أعلاه، وعلى أهل العراق بجميع مكوناتهم، الاستفادة من ظروف المرحلة الجديدة، بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع في التبادل السلمي للسلطة، وبناء دولة المواطنة المدنية العصرية الديمقراطية، تعامل جميع مواطنيها بالتساوي أمام القانون في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص، دون أي تمييز بينهم بسبب العرق، أوالدين، أو المذهب، أو الجندر، يكون فيه (الدين لله والوطن للجميع)(2).
30/5/2016
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- غسان شربل: لا العراق ولا سورية
http://www.alhayat.com/Opinion/Ghassan-Charbel/15724991/%D9%84%D8%A7-

2- د.عيدالخالق حسين: الحلول المقترحة لمشكلة الطائفية والحكم في العراق
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=430

166
عبدالخالق حسين لوكالة تسنيم: لولا السعودية لما وجد الإرهاب

إعداد: يحيى ياسين
 
أكد المحلل السياسي العراقي الدكتور عبدالخالق حسين أن للسعودية دور كبير في تأجيج الخلافات السياسية في العراق، وانه لولا السعودية لما وجد الإرهاب أصلاً.
 اجرى مراسل وكالة تسنيم الدولية للانباء حوارا مع الدكتور عبد الخالق حسين المحلل والباحث السياسي العراقي حول قضايا مختلفة مثل اوضاع العراق والتدخلات السعودية ودور الرياض السلبي في المنطقة، وقد اجاب الدكتور عبدالخالق حسين ان للسعودية دور كبير في تأجيج الخلافات السياسية في العراق وأنه لولا السعودية لما وجد الإرهاب أصلاً، كما اتهم البعثيين الذين انخرطوا في صفوف داعش ويشكلون معظم عناصر هذا التنظيم الارهابي بالوقوف خلف الاضطرابات التي تشهدها الساحة العراقية، واشاد بالدور الايراني الداعم للعراق،  وفيما يلي النص الكامل للحوار :

تسنيم: ما هي اسباب التطورات الاخيرة في الساحة السياسية العراقية؟
ج: بدايةً، أتقدم بالشكر الجزيل لكم على دعوتكم الكريمة لهذا اللقاء.
أسباب التطورات الأخيرة في الساحة السياسية العراقية عديدة، وعلى رأسها الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات العراقية المسلحة والحشد الشعبي على عصابات داعش الإجرامية. وهذه الانتصارات جعلت داعش ومن ورائها من القوى الداخلية والخارجية، يفقدون أعصابهم وفي حالة الإستماتة، لذلك قاموا بتصعيد العمليات الإرهابية في الأحياء الشعبية كأهداف سهلة للتعويض عن خسائرهم في ميادين القتال. كذلك قام أتباعهم باختراق الجماهير الشعبية وجرها إلى مظاهرات تخريبية بذريعة محاربة الفساد والمحاصصة الطائفية، وهي أقوال حق يراد بها باطل، فقاموا باجتياح المنطقة الخضراء والبرلمان، وحتى بناية مجلس الوزراء، والاعتداء على النواب. وهذه ليست مظاهرات سلمية بل عدوانية لضرب الحكومة وإرباك القوات الأمنية. وبذلك تم كشفهم على حقيقتهم.

تسنيم: من يقف وراء الفوضى والعنف في العراق ويحاول زعزعة الاستقرار في الساحة السياسية ولماذا يريدون تأجيج المشهد و تضخيم المشاكل؟
ج: كما أشرت أعلاه، هناك البعثيون الذين يشكلون نحو 90% من الدواعش، ولهم ذراع سياسي داخل العملية السياسية، وفي البرلمان، وهؤلاء لا بقاء لهم إلا بخلق المزيد من المشكل، وإثارة الاضطرابات، بتوظيف بعض الصعوبات المعيشية التي تواجهها الجماهير، فيستغلونها، ويضخمون حجم المشاكل بما فيها الفساد، فاخترقوا صفوف التيار الصدري، ورددوا بعض الهتافات لدعم السيد مقتدى الصدر، وبالتالي راحوا يرددون هتافات عدوانية ضد الجارة التاريخية إيران، وهذه الهتافات هي نفسها التي كان يرددها المتظاهرون في اعتصاماتهم في المدن الغربية قبل عامين، مثل (إيران برة برة، بغداد صارت حرة)، وهذه الهتافات لا يمكن أن يرددها التيار الصدري، بل هي طائفية ضد الشيعة، وبالأخص ضد السياسيين الشيعة المشاركين في السلطة. كذلك ضبطت القوة الأمنية مطبعة بمنطقة السعدون تحوي كُتبا بعثية مُعدة للتوزيع، وهذا دليل على نشاط البعثيين ودورهم في قيادة هذه المظاهرات.
وشدد على ان الانتصارات التي تسجل في الحرب على داعش والارهابيين الآخرين تتم بمشاركة اصدقاء العراق ومن ضمنهم إيران التي قدمت الكثير من المساعدات للعراق في حربه ضد داعش.

تسنيم: البعض يدعون انهم يدافعون عن أهل السنة في العراق في حين ان رئيس البرلمان العراقي سني وهو يؤكد علي ضرورة الاستقرار و الهدوء وافشال مخططات الفتنة؟
ج: نعم هذه أسطوانتهم وحجتهم منذ سقوط البعث الفاشي عام 2003، وهم يرددون فرضية عزل السنة وتهميشهم، ومقولة (الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة، الموالون لإيران). وقد دفعوا ملايين الدولارات لمكاتب اللوبيات في واشنطن لكسب سياسيين هناك، وتشويه سمعة وصورة السياسيين الشيعة. في الحقيقة هناك خمس رئاسات في الدولة، أربعة منها بيد السنة ، رئاسة الجمهورية، رئاسة البرلمان رئاسة السلطة القضائية ورئاسة إقليم كردستان)، ورئاسة واحدة فقط بيد شيعي وفق الدستور الذي أقر أن يكون رئيس أكبر كتلة برلمانية يشكل الحكومة، وهي رئاسة مجلس الوزراء. وقد قالوها صراحة على لسان مفتي العراق الشيخ رافع الرفاعي أنهم لا يريدون رئيس وزراء شيعي. هذا كلما في الأمر. وحتى أي زعيم سني لا يسير وفق مخططاتهم الخبيثة فيقفون ضده.

تسنيم:  ما هي  اسباب تأخر بدء عملية تحرير الفلوجة؟
ج: الأسباب هي لتحضير العملية من كافة وجوهها وتدريب العسكريين، وتوفير السلاح والذخيرة، والعمليات الاستطلاعية، وعنصر المباغتة، وأخيراً بدأت العملية البارحة يوم الأحد المصادف 21 مايس الجاري، والأنباء مفرحة تبشر بتحقيق انتصارات كبيرة للقوات العراقية والحشد الشعبي، وقوات العشائر السنية على الدواعش، ولحد الآن تم تحرير الكثير من الأحياء والمناطق في المدينة، وتم قتل أعداد كبيرة من الإرهابيين وخاصة بين قادتهم، وفرار المئات منهم.

تسنيم:من هم المستفيدون من الخلافات في البيت الشيعي وما هو دور المرجعية العليا في الساحة العراقية وما تأثير انزعاجها من التطورات الاخيرة في الساحة السياسية؟
ج: المستفيد من الخلافات في داخل البيت الشيعي هو أعداء الشيعة من الحكومات الإقليمية مثل السعودية وقطر وتركيا، وكذلك الأطراف الطائفية في الداخل مثل فلول حزب البعث وداعش. المرجعية العليا لعبت دوراً مفيداً في حفظ السلام الاجتماعي، وضبط النفس، والفتوى الكفائية في تشكيل الحشد الشعبي.
تسنيم: ما هو دور السعودية في تاجيج الخلافات السياسية في العراق و هل ازدادت العمليات الارهابية منذ إعادة افتتاح السفارة السعودية في بغداد؟
ج: للسعودية دور كبير في تأجيج الخلافات السياسية في العراق، وأكاد أجزم أنه لولا السعودية لما وجد الإرهاب أصلاً. فالسعودية خلال الثلاثين سنة الماضية صرفت مائة مليار دولار لنشر التطرف الوهابي في العالم، وتشكيل المنظمات الإرهابية. أما سفارتها فهي من أجل التواصل مع التنظيمات الإرهابية وإثارة القلاقل في العراق، وإشعال الفتن الطائفية.

* تسنيم: ما هي اهم التحديات في الساحة العراقية؟

ج: أهم التحديات هو الإرهاب، والصراع الطائفي السني – الشيعي، الذي عليه يتغذى الإرهاب، كذلك الصراع داخل التحالف الوطني (الشيعي) بين الكيانات الشيعية والمنافسة على النفوذ. والسعودية تحاول كسب بعض الكتاب الشيعة وكسبهم بالمال من أجل تشويه صورة السياسيين الشيعة لأن تأثيرهم على الشيعة أكثر مما لو يصدر هذا الهجوم من كتاب سنة، إذ لا أحد يتهمهم بدوافع طائفية. وكذلك تحاول السعودية تحريض قادة الشيعة ضد زملائهم الآخرين.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

167
التظاهرات التخريبية امتداد لداعش
د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الأخير الموسوم (لماذا فرَّ الصدر إلى إيران بعد إشعاله الفتنة؟)(1)، استلمت العديد من التعليقات القيمة، والتحليلات الصائبة المؤيدة، وأخرى معارضة منها بنوايا حسنة وأخرى بنوايا بعثية خبيثة. فرأيت من المفيد العودة إلى الموضوع لبيان الكثير مما فاتني في المقال وما استجد في الساحة. فالمعروف في الأنظمة الديمقراطية العريقة أن المطالبين الحقيقيين بالإصلاح لا بد وأن يحترموا القوانين، ويلتزموا بها في تظاهراتهم السلمية، إما احتجاجاً على قانون جائر يريدون تغييره، أو فساد يطالبون بمعالجته. ولكن الذي حصل في تظاهرات يومي 30 نيسان الماضي، و19 مايس الجاري، كانت تخريبية وعدوانية هدفها إسقاط هيبة الدولة، وإرباك السلطة، ونشر الفوضى، فهم بحق فوضويون Anarchists )) بكل معنى الكلمة.

لذلك فهؤلاء النشطاء الذين ينظمون ويقودون هذه التظاهرات المصحوبة بالعنف والاعتداء على ممتلكات الدولة، هي ليست سلمية وليست غايتهم الإصلاح، وتحسين الخدمات ومعالجة الفساد كما يدَّعون، بل اتخذوا من هذه المشاكل ذريعة لإسقاط النظام الجديد، مثلهم كمثل أسلافهم الذين رفعوا المصاحف على أسنة الحراب في صفين، صارخين (لا حكم إلا لله). وقد حذر الإمام علي أنصاره من هذه الخدعة و(إنه قول حق أريد به باطل)، ولكن بلا جدوى، فعبرت الحيلة وانشق عليه الخوارج، وما أشبه اليوم بالبارحة.

كما يحاول البعض إيجاد المعاذير، والتبريرات للتجاوزات التي يسمونها بـ"المؤسفة"، وأن كل تظاهرة لا بد وأن يندس فيها "عدد قليل" من المندسين يقومون بالتخريب لتشويه سمعة التظاهرة! بل راح البعض منهم إلى أبعد من ذلك حيث أدعوا أن رئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس البرلمان سليم الجبوري هما اللذان نظما الهجمة على البرلمان ومجلس الوزراء، لتشويه سمعة المتظاهرين!! فهل هناك إسفاف وسخف وهراء أكثر من ذلك؟ وسؤالنا لهؤلاء الذرائعيين والمتاجرين بهموم الشعب، إذا كانت هذه التجاوزات من قبل المندسين الفوضويين، فلماذا تدافعون عنهم، ولماذا تتهجمون على القوى الأمنية إذا تصدت لهم لحماية مؤسسات الدولة من هؤلاء المندسين؟

التظاهرة الأخيرة يوم 19 مايس (أيار) الجاري لم تكن سلمية كما التي سبقتها يوم 30 نيسان الماضي، ولو كانت كذلك لما اضطرت القوات الأمنية إلى مواجهتها بالشكل المؤسف الذي حصل. لقد شاهدنا بالصوت والصورة تظاهرة يوم 30 نيسان/أبريل، أن معظم المتظاهرين قاموا بأعمال تخريبية، وبأعداد كبيرة، وأطلقوا هتافات عدوانية كتلك التي سمعناها أيام الاعتصامات في ساحات المناطق الغربية قبل عامين. وما قاموا به من تخريب داخل البرلمان والاعتداء على النواب، يؤكد حقدهم على الديمقراطية وعلى العراق الجديد وعلاقتهم بداعش. لذلك فليس هناك أي مجال لتبرير جرائم هؤلاء وذرف دموع التماسيح والمتاجرة بهموم الشعب المنكوب المبتلى بالإرهاب البعثي الداعشي الوهابي.

وما يؤكد علاقة هذه التظاهرات التخريبية الفوضوية بداعش أنها تزامنت مع الانتصارات التي حققتها القوات العسكرية المسلحة والحشد الشعبي في ساحات الحرب على الإرهاب، والهزائم التي منيت بها داعش، والاستعداد لتحرير الفلوجة وتطهير كل الوطن من رجسهم ودنسهم، كما تزامنت هذه التظاهرات مع تصعيد التفجيرات الإرهابية في بغداد والحلة والسماوى وغيرها. لذلك فهذه التظاهرات والتفجيرات جاءت للتعويض عن الهزائم التي منيت بها داعش. فلو كان هؤلاء المتظاهرون ومن وراءهم فعلاً وحقاً حريصين على الإصلاح وخدمة الشعب والوطن، لأعطوا الأولوية لمحاربة داعش، وأجلوا التظاهرات الاحتجاجية على الفساد إلى ما بعد سحق الإرهاب، و تحويل مظاهراتهم في الوقت الحاضر إلى دعم القوات المسلحة ومباركتها على انتصاراتها لمنحهاً زخماً معنوياً، وليس القيام بمظاهرات تخريبية تصب في خدمة الإرهابيين الدواعش وإرباك السلطة وإشغال القوات الأمنية عن واجبها المقدس في محاربة الإرهاب الداعشي البعثي الوهابي. كما وأفادت الأنباء أن القوة الأمنية في بغداد نجحت في(ضبط مطبعة بمنطقة السعدون تحوي كُتبا بعثية مُعدة للتوزيع)(2). وهذا دليل على الدور القيادي الذي تلعبه فلول البعث في هذه التظاهرات التحريبية.
والجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، كان قد حذّر من الذين وصفهم بـ"المندسين" في الوقوف وراء اقتحام المنطقة الخضراء داعيا "المواطنين والقوى السياسية الوطنية الى التكاتف والتصدي الى مؤامرات المندسين البعثيين المتحالفين مع الدواعش المجرمين والذين يقومون بأعمال ارهابية في المدن لإيقاع الفتنة بين المواطنين والدولة". هذه الحقيقة باتت معروفة ومكشوفة لكل مواطن يتمتع بعقل سليم وحس وطني صادق. (2)

والملاحظ أن أغلب المدافعين عن هذه التظاهرات كانوا ومازالوا يشتمون الحكومة ليل نهار لأنها على حد زعمهم (حكومة المعممين الفاسدة). ولكن فجأة تحول هؤلاء إلى أنصار أشداء لزعيم هذه التظاهرات، مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، وهو الإسلامي حتى النخاع، و معمم بأكبر عمامة سوداء، فصار عندهم تشيفارا العراق، يقود ثورة الجياع. وإذا كان مقتدى هذا فجأة صار ثورياً يقود الجياع البوساء، فلماذا تخلى عن جماهيره وهرب إلى إيران؟ لقد هرب لأنه عرف أنه خُدِع، واتخذ أعداء العراق منه حصان طروادة لتمرير مخططهم باسمه. لذلك نقول لهؤلاء التقدميين جداً، سبحان مغير الأحوال.

وكما أشار أحد الأصدقاء في تعليق قيم له، أن هناك نشاط محموم من قبل وسائل الإعلام العربية المعادية للعراق الجديد، إذ لاحظ أنه كلما تشتد الحركات الاحتجاجية داخل العراق ينشط "الخبراء الإستراتجيون" على القنوات المساندة للجهد الداخلي التخريبي بكيل المزيد من الاكاذيب والنظريات المهوِّلة. وقد بلغت هذه الحملات الأوج في أيام ولاية نوري المالكي الذي اتهموه بالدكتاتورية والفساد وعزل السنة والكرد، ثم خفت الحملة عند تسلم حيدر العبادي رئاسة مجلس الوزراء. ولكن بعد أشهر أعيدت نفس الأسطوانة، حيث اخذوا يمهدون للحملة الجديدة وراحت الجوقة تدعي ان العبادي ضعيف ... وانه الوجه الآخر لزعماء حزب الدعوة...الخ. وعندما صار مقتدى رجل الشارع ارتفعت آمالهم في امتطاء حصان طروادة، ولما نكص الحصان استحق التفجيرات في مدينة الصدر وغيرها من المناطق في بغداد.

ومن كل ما تقدم، نفهم أن هذه التظاهرات المصحوبة بالعنف، ما هي إلا امتداد للدواعش البعثيين، والمدعومة من السعودية وحليفاتها، تزامنت مع الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة والحشد الشعبي على داعش. لذلك على الشعب والمثقفين الوطنيين الحذر من أحابيلهم وعدم الوقوع في فخهم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: لماذا فرَّ الصدر إلى إيران بعد إشعاله الفتنة؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=840

2- ضبط مطبعة بمنطقة السعدون تحوي كُتبا بعثية مُعدة للتوزيع
http://www.akhbaar.org/home/2016/5/212144.html

168
لماذا فرَّ الصدر إلى إيران بعد إشعاله الفتنة؟
د.عبدالخالق حسين

بعد "غزوة" اجتياح المنطقة الخضراء، وتخريب البرلمان، والاعتداء على النواب يوم 30/4/ 2016، الجريمة التي ارتكبها المتظاهرون بقيادة مقتدى الصدر وتياره، وتصفيق الشعبويين لهم من بعض الكتاب بذريعة محاربة الفساد، وباسم الديمقراطية، وحق التظاهر السلمي(1)، تكررت الجريمة عصر يوم الجمعة (19مايس/أيار الجاري)، حيث أقدم المئات من المتظاهرين ثانية على اقتحام المنطقة الخضراء، ومبنى مجلس النواب، وحتى مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي. ويا للمهزلة، فقائد القوة الأمنية المسؤول عن حماية المنطقة، في المرة الأولى خان مهمته في اداء واجبه الوطني، إذ بدلاً من حماية مؤسسات الدولة من المخربين راح يقبِّل يد مقتدى الصدر وأمام وسائل الإعلام، وسمح للمتظاهرين بدخول البرلمان لتدميره، فيا لها من إلتزام بالواجب!! فكيف لحكومة تريد إدارة الدولة بهكذا قادة أمنيين؟ ولكن في "الغزوة الثانية" يبدو أن القوة الأمنية قد أدت واجبها، فردت على المتظاهرين بما هو مناسب، وهنا تعالى الصراخ بضرب "مظاهرة سلمية".

كما ويبدو أن اجتياح البرلمان ومجلس الوزراء وصلت عدواه إلى المحافظات الجنوبية، إذ أفادت الأنباء أن "اقتحم المئات من المتظاهرين مبنى مجلس محافظة البصرة وسط المدينة، احتجاجا على "استهداف” المتظاهرين في العاصمة بغداد". وتكررت الحالة في الهجوم على مقر محافظة ذيقار.(2) فهؤلاء يريدون تدمير مؤسسات الدولة بدون رادع، وهذه هي الديمقراطية في زعمهم.

هذه الأوضاع الشاذة لا بد وأن وراءها عقول تخريبية مدبرة ذات امتدادات خارجية، وكما ذكرنا سابقاً، هي نفسها التي أعدت الاعتصامات في المناطق الغربية قبل عامين، والتي مهدت لداعش احتلال المنطقة بذريعة عزل وتهميش السنة. وهذه المرة يتم الهجوم على مؤسسات الدولة في قلب العاصمة، بحجة محاربة الفساد، وباختراق التيار الصدري ومباركته. ولكن الغرض الرئيسي هو تدمير العراق وإغراقه في فوضى عارمة، وإشعال حرب أهلية، يكون فيها الكل ضد الكل، ولا يعرف العدو من الصديق، كل ذالك باسم الديمقراطية وحرية التظاهر ومحاربة الفساد.

نعم حرية التظاهر مضمونة في النظام الديمقراطي، ولكن لها شروطها، إذ كما أشار الصديق الأستاذ طعمة السعدي في مقاله القيم، الموسوم: (حرية ألتظاهر مكفوله لكن لها شروطها وآدابها وأخلاقها..)، وذكر بعضاً من هذه الشروط منها على سبيل المثال:
(طلب إجازة للمظاهرة من الحكومة، بيان مكان وزمان إقامتها بالإتفاق بين شرطة ألمدينة وقادة ألمظاهرة، وإدراج أسماء قادة المظاهرة، وتعهد قادة ألمظاهرة أنها سلمية ولا تخرق ألقوانين ألمرعية، أو تعتدي على رجال ألشرطة، وألأشخاص، والممتلكات ألعامة، ويتحملون تبعات هذا التعهد..الخ)(3)
إلا إن هذه التظاهرات التي حصلت باسم التيار الصدري، لم تكن سلمية، ولا هي وفق أي شرط من الشروط المذكورة أعلاه، والمتبعة في الأنظمة الديمقراطية. ولكن مع ذلك وللأسف الشديد، نالت المديح والثناء والتحريض من قبل العديد من كتاب دعاة الفوضى.

فالفساد أيها السادة لا يمكن معالجته بتدمير مؤسسات الدولة، والاعتداء على القوات الأمنية، لأن هذه الطرق لا تخدم إلا أعداء الديمقراطية، وأعداء العراق وجعله غير قابل للحكم. وفي خضم هذه الفوضى يطلع علينا أياد علاوي للصيد بالماء العكر وذلك بـدعوة الحكومة "الى الحوار مع المتظاهرين واطلاق سراح المعتقلين". في الحقيقة هذه دعوة إلى المزيد من الفلتان الأمني وليس إلى "ضرورة الحفاظ على حرمة المؤسسات والنظام والممتلكات العامة" كما أدعى في بيانه العتيد. (4)

والسؤال هنا: لماذا فرَّ مقتدى الصدر إلى إيران؟
في الحقيقة بعد أن أشعل نيران الفتنة وحقق ما عجز عن تحقيقه الدواعش في الوصول إلى البرلمان وتخريبه، وشعر بفقدانه السيطرة على المتظاهرين والمخربين، لم يجد مقتدى الصدر أمامه في الخروج من ورطته والتنصل من مسؤوليته من كل ما حصل، إلا الفرار إلى إيران. في أول الأمر أنكرت وسائل الإعلام الإيرانية نبأ سفر الصدر إلى طهران، ولكن الأنباء الأخيرة أكدت وجوده في مدينة قم الإيرانية وإلى أجل غير مسمى، وأن زيارته ليست رسمية، ولم يقابل أي مسؤول إيراني. فما هو مغزى سفر الصدر إلى إيران واعتكافه في قم؟

المعروف عن هذا الرجل أنه شعبوي، يحب الزعامة والظهور وقيادة الجماهير البائسة، مستغلاً تضحيات أسرته ومكانتها الدينية في الوسط الشيعي، ولكنه في نفس الوقت ذو ثقافة هابطة جداً دون الابتدائية، ولا تتعدى قراءة بعض الكتب الدينية، فهكذا إنسان من السهولة استخدامه كحصان طروادة. وربما تأكد أن أعداء العراق من الدواعش خدعوه فتظاهروا باسمه، وتم اختطاف تياره وتوجيهه للتخريب ومن تحت عباءته حققوا ما عجزوا في تحقيقه بالغزو المباشر واحتلالهم للمحافظات ذات الأغلبية السنية.
إن موقف مقتدى الصدر هذا يذكرني بما قاله الرئيس جمال عبدالناصر في الستينات من القرن الماضي مؤنباً علي صالح السعدي بعد جريمة 8 شباط 1963، وانفلات الأمور من أيدي البعثيين، أن قيادة الدولة ليست كقيادة مظاهرة. ولعل مقتدى الصدر وجد نفسه في نفس ورطة السعدي حتى وقبل أن يقود الدولة.
إن دواعش اليوم هم أبناء وأحفاد مجرمي إنقلاب 8 شباط 1963، ففي صباح ذلك اليوم الأسود، وكنتُ في القطار الصاعد من البصرة إلى بغداد، تلقيت مع غيري من المسافرين نبأ الجريمة بالراديو الترانسستر، وعند مغادرتي القطار في المحطة العالمية، توجهت إلى ساحة التحرير فشاهدت الساحة وشارع الرشيد والجمهورية والسعدون غاصة ببحر من الجماهير وهي تهتف بصدق (ماكو زعيم إلا كريم). وكنا نشاهد الدبابات والمدرعات قادمة من جسر الجمهورية، وضباطها يحملون صور الزعيم وهم يرددون نفس الهتاف لتفسح لها الجماهير الطريق للتوجه إلى وزارة الدفاع لضرب المتآمرين، وتبين فيما بعد أن هؤلاء الضباط كانوا من الانقلابيين، واستخدموا صور الزعيم والهتاف من أجل خدع الجماهير، ومن ثم ضرب ثورة تموز وقيادتها. وما أشبه اليوم بالبارحة، فهؤلاء استغلوا الجاهل مقتدى الصدر، وتياره الأجهل لضرب الديمقراطية وإعادة العراق إلى ما قبل 2003.

على الدكتور حيدر العبادي، كرئيس السلطة التنفيذية، والقائد العام للقوات المسلحة، الالتزام التام بواجبه الدستوري في حفظ أمن وسلامة الشعب، والضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه العبث بأمن الشعب المبتلى بهؤلاء المخربين، ومن وراءهم من الكتاب الشعبويين الذين يجملون لهم جرائمهم باسم مكافحة الفساد، وهو قول حق يراد به باطل، خاصة في فترة تصاعد انتصارات القوات الأمنية على الدواعش من فلول البعث المقبور. فمن واجبات الكاتب ليس التزلف للجماهير وتشجيعها على التخريب، فهذه غوغائية مدمرة، وقد وصفهم الإمام علي بأنهم (همج رعاع ينعقون خلف  كل ناعق).
فمحاربة الفساد، وحرية التظاهر لها قوانينها وشروطها، ولا تتم بضرب مؤسسات الدولة والاعتداء على المسؤولين، بل هذه الأعمال هي محاولات يائسة لتحقيق ما فشل في تحقيقه على أيدي الإرهابيين الدواعش، كما سهلت هذه التظاهرات الأعمال الإرهابية من التفجيرات في بغداد والحلة وغيرهما.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
_______________
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: اجتياح البرلمان..إصلاح أم تخريب؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=837

2- متظاهرون يقتحمون مبنى مجلس البصرة
http://www.akhbaar.org/home/2016/5/212132.html

3- طعمة السعدي: حرية ألتظاهر مكفوله لكن لها شروطها وآدابها وأخلاقها وإلتزاماتها لمن يفقهون
http://www.akhbaar.org/home/2016/5/212140.html

4- علاوي يدعو الى الحوار مع المتظاهرين واطلاق سراح المعتقلين
http://www.akhbaar.org/home/2016/5/212130.html


169
المنبر الحر / دروس من صادق خان!
« في: 19:29 10/05/2016  »
دروس من صادق خان!
د.عبدالخالق حسين

صادق خان، ابن سائق حافلة، هو أول مسلم في بلد مسيحي أوربي، يُنتخب لرئاسة بلدية العاصمة البريطانية. هاجر والداه من باكستان إلى لندن عام 1970 قبل وقت قصير من ولادته. وسكنت العائلة في دار من دور البلدية في ضاحية شعبية. انظم صادق خان إلى حزب العمال في وقت مبكر من حياته (15 عاماً من العمر)، وصار عضواً في البرلمان (مجلس العموم) عام 2005. وفي يوم الخميس 5/5/2016، انتخبته الغالبية العظمى من شعب لندن البالغ نحو 8.5 مليون نسمة، رئيساً للعاصمة.

قد يسأل القارئ الكريم: هل يستحق هذا الخبر أن يكون موضوعاً لمقال بالنسبة للقراء العرب، المبتلية شعوبهم بالمشاكل الكثيرة والمزمنة؟ الجواب نعم، الموضوع مهم ويستحق طرحه للنقاش، إذ يمكن استخلاص الدروس والعبر للاستفادة منه في معالجة مشاكلنا، وخاصة فيما يتعلق بثقافتنا التدميرية، والحاجة إلى التفكير النقدي لمواجهة الإشاعات الباطلة والحماية منها.

فالأهم في انتخابات عمدة لندن، أن المنافس الرئيسي لصادق خان هو رجل قوي اسمه (زاك جولد سميث)، مرشح حزب المحافظين الحاكم، وهو إنكليزي، وابن ملياردير، والنائب المحافظ لضاحية ريتشموند الميسورة، والذي وجه لخان، في حملته الانتخابية، تهمة خطيرة وهي المشاركة في تجمعات تحدَّث فيها "متطرفون إسلاميون." ونقل السيد ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء، هذه التهمة التسقيطية إلى البرلمان، معيِّراً زعيم المعارضة (حزب العمال)، بأن مرشحهم له علاقة بالمتطرفين الإسلاميين! في إشارة مقصودة إلى أن صادق خان متطرف إسلامي، أو على الأقل متعاطف مع المتطرفين. فتصور مدى تأثير هذه الحملة على الناخب البريطاني، خاصة وأن الشعوب الغربية مازالت تعاني من ردود أفعال لمجازر بربرية همجية ارتكبتها الجماعات الإسلامية الإرهابية (داعش)، في باريس وبروكسل، وقبلهما بسنوات في قطارات الأنفاق في لندن، ومحطة القطارات في مدريد التي راح ضحيتها المئات.

و من هنا تبرز أهمية وعي الناخب البريطاني حيث أعطى درساً بليغاً لأولئك الذين أرادوا من هذه الدعاية الباطلة تحقيق مكاسب سياسية. لذلك وعلى الضد مما توقع المحافظون، ارتدت سهامهم إلى نحورهم، إذ صوتت الأغلبية لصادق خان ولم تتأثر بالدعاية الرخيصة.

علينا أن نقارن هذا الموقف في التفكير النقدي المستقل مع وعي المواطن العراقي المستجيب للإيحاءات ومهما كانت التهم تسقيطية باطلة من تأليف فلول البعث والمتنافسين على المناصب في العراق، إذ ما أن يطلق أحدهم إشاعة رخيصة ضد الخصم، حتى وتلقفها آخرون وصدقوها وقاموا بنشرها وتعميمها على أوسع نطاق. وهكذا تم إسقاط العديد من السياسيين في العراق بالكذب والافتراءات وأغلبها لا يقبلها العقل السليم.

ان انتخاب اللندنيين لصادق خان يؤكد ان المجتمع البريطاني والأوروبي بصوره عامة، لم يعد يتأثر بأية أيديولوجية دينية كانت أم سياسية، بل يفكر بطريقة اقتصادية وعملية وهذا هو النمط الجديد بالتفكير. فالناس في أوربا لا يمهم دخول الجنة بعد موتهم بقدر ما أن يعيشوا حياة كريمة في دنياهم توفر لهم الأمان والدخل المعقول، ونوعية الحياة والعيش الكريم. كما ويبحث الغرب عن حليف إستراتيجي مهم في دول العالم وخاصة العربية والإسلامية فيما لو تَرَكُوا الأيديولوجيات وركزوا على المصالح المشتركة التي تهم عيش ورفاهية شعوبهم.
كما إن الفضل في فوز صادق خان يعود للمسلمين اللندنيين الذين لم يتلوثوا بعدوى الطائفية، والذين بعث فيهم صادق الأمل بجدوى المشاركة في النشاط السياسي والإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، كذلك والأهم، يعود الفضل في فوزه إلى غير المسلمين من سكان لندن الذين انتخبوه وتجاوزوا الفوارق الدينية، ولم يتأثروا بدعايات الإسلاموفوبيا.

والدرس الآخر والمهم لانتخاب صادق خان، هو أثره الإيجابي والمحفز والمشجع لأبناء الجالية العربية والإسلامية وما له من اثر في ازالة كل الشكوك والخوف ان الأصل العربي او الاسلامي سيجعل الانسان ذكرا ام أنثي في موقف ضعيف، وهذا ما يروج له المتطرفون والمتخاذلون والانعزاليون من أصحاب العقد والنفوس الضعيفة. لذلك قال صادق إن فوزه في الانتخابات يعني "انتصار الأمل على الخوف".

الدرس الآخر الذي يجب استخلاصه من فوز خان، هو على الشعوب الإسلامية إعادة النظر في قيمها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها ومواقفها العنصرية والطائفية ضد مكونات شعوبها أولاً، وضد الغرب ونظرتها المعادية إلى الإنسانية، ثانياً. فمشاكلها هي وليدة هذه الثقافة التدميرية التي هي بحاجة إلى إعادة النظر وخاصة الموقف من الشعوب الغربية، حيث تنظر لها نظرة عدائية دونية واحتقار وتكفير ولا إنسانية. بينما الواقع يؤكد أن الشعوب الغربية هي التي تحمل مشعل الحضارة والإنسانية والعلوم والتقنية والتقارب بين الشعوب في ظل العولمة، بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية والمذهبية والعرقية.

فالحكومات العربية مازالت متمسكة بعنصريتها وطائفيتها، وأغلبها ترفض منح الجنسية لأي مهاجر عربي أو غير عربي، حتى ولو قضى عدة أجيال في ذلك البلد. ففي العراق قام حزب البعث بتهجير أكثر من مليون عراقي من مختلف الأعراق، عرب وأكراد فيلية، لأسباب طائفية بتهمة التبعية الإيرانية. ومازال فلول البعث من الطائفيين يرددون هتاف (إيران برة برة، بغداد صارت حرة)، والمقصود بإيران هو السياسيون الشيعة المشاركون في السلطة بعد 2003. والمرددون لهذا الهتاف هم أنفسهم الذين قاموا بالاعتصامات في المناطق الغربية قبل سنوات، وجلبوا الكوارث على مناطقه، و نجحوا هذه المرة في نقل اعتصاماتهم إلى المنطقة الخضراء، بل وحتى إلى داخل البرلمان بفضل السيد مقتدى الصدر، وذلك باختراقهم ما يسمى بالتيار الصدري والسيطرة عليه بسهولة وتوجيهه كما يشاؤون.   

وفي الكويت نحو 30% من الشعب الكويتي يطلق عليهم (البدون)، أي بدون جنسية، وهؤلاء عاشوا أباً عن جد في الكويت ولا أي بلد لهم غير الكويت، ولكن أغلبهم من طائفة معينة، لذلك تم حرمانهم من الجنسية بغية منعهم من ممارسة حقوقهم السياسية. أما في البحرين، فالشيعة الذين يشكلون نحو 80% من الشعب، فمُضطهدون ومحرومون من أغلب الحقوق بما فيها الوظائف الحكومية، ويفضل عليهم من يتم استيراده من الخارج، إذا كان من طائفة السلطة. أما في الدول الخليجية الأخرى وخاصة في السعودية، فما أن يعرفوا أن الوافد للعمل هو شيعي حتى ولو بدعوة من السلطة، فيرفضون السماح له بالعمل، ويفسخون العقد معه، ويطردونه من البلاد. طبعاً هذا الكلام في نظر البعض يجعلنا في خانة الطائفيين. ولكن شاؤوا أم أبوا، هذا هو الواقع المخزي الذي تمارسه معظم الحكومات العربية بمنتهى الصفاقة والصلافة، ومن واجب المثقفين فضحه وإدانته.

والجدير بالذكر، أن مشكلة عداء المسلمين للغرب ليست من أتباع أيديولوجية واحدة، بل من جميع الأيديولوجيات السائدة في العالم الإسلامي. فالغرب بالنسبة للشيوعيين هو "رأسمالية متوحشة"، وبالنسبة للقوميين العرب "إستعماري بغيض"، وللإسلاميين فهو بلاد "الكفار وأحفاد القردة والخنازير"، إذ كما عبر عنه الإرهابي أبو حمزة المصري، فالغرب بالنسبة له مرحاض لقضاء الحاجه(كذا). هذه هي الأخلاق الرفيعة جداً التي يتباهى بها الإسلام السياسي، وهذا هو جزاء الاحسان في نظرهم. ولكن المفارقة أن جميع هؤلاء الشتامين المعادين للغرب يفضلون العيش في هذا الغرب على العيش في دول تتبنى أيديولوجيتهم، وهذه ازدواجية مفضوحة بكل امتياز.

هذه النظرة العدوانية للإنسانية هي السبب الرئيسي لمشاكل الشعوب الإسلامية، وخاصة العربية منها، من تخلف واضطرابات وفقر وعدم الاستقرار، والتشرد والهجرات المليونية إلى الغرب "المأكول والمذموم". فبهذه الثقافة صار إنتاجهم الوحيد هو تصدير الإرهاب إلى العالم. بينما هذا الغرب الـ"الرأسمالي المتوحش، الإستعماري، الكافر" هو الذي وفر الأمن والمأوى والكرامة والحرية للهاربين من ويلات حكوماتهم والتي هي من إنتاج ثقافاتهم الاجتماعية الموروثة المدمرة.

لذلك، فعندما انتخب الشعب الأمريكي ابن مهاجر كيني أسود رئيساً لجمهوريتهم العظمى، وانتخب شعب لندن ابن مهاجر باكستاني رئيساً للعاصمة البريطانية، إنما عبر هذان الشعبان عملياً عن أخلاق إنسانية رفيعة، وليس بالإدعاءات الفارغة، فكل يطبق قيمه الحضارية.
حقاً ما قاله أحمد شوقي: إنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ... فإن هم ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/





170
هل حقاً الحل في الانتخابات المبكرة؟

د. عبدالخالق حسين

غني عن القول أن العراق بلد مأزوم منذ كتابة التاريخ ولحد الآن، لأسباب تاريخية وجغرافية. ولكن هناك فترات يحصل فيها تصعيد حاد للخط البياني لهذه الأزمات. فمنذ سقوط حكم البعث الفاشي عام 2003، وبعد أي تصعيد للأزمة، يطلع علينا نفر من المخلصين وغير المخلصين، باقتراح حل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة كحل للأزمة. وآخرون يقترحون تغيير النظام الانتخابي من التمثيل النسبي (Proportional Representation=PR) إلى نظام الفائز الأول (First past the post ). كما ويرى آخرون أنه من الأفضل انتخاب المرشحين المستقلين فقط، وعدم التصويت لمرشحي الأحزاب والكتل السياسية الكبيرة، لأن في رأي هؤلاء أن الأزمة ناتجة عن المحاصصة وتفشي الفساد. فبحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، والتصويت للمستقلين، ستنحل الأزمة ونتخلص من المحاصصة ونقضي على الفساد!! وكفى الله المؤمنين شر الجدال والقتال!!

كما ويميل أصحاب هذه الاقتراحات إلى شخصنة الأزمة وإيعازها إلى أشخاص معينين وضعتهم الأقدار في موقع المسؤولية، وهم عادة من قادة الكتل السياسية، فيعتقدون أنه ما أن نتخلص من هؤلاء القادة ومن نوابهم في البرلمان، وممثليهم في السلطة التنفيذية، حتى وتنفرج الأزمة. والملاحظ أن كل من هؤلاء السادة يطرح اقتراحه باسم الشعب، ويدعي أن اقتراحه هذا مطلب شعبي وأنه يمثل الشعب، بينما في الواقع هو لا يمثل إلا نفسه، واقتراحه مجرد رأيه الشخصي فقط، قد يصيب أو يخيب.

نسي أو تناسى هؤلاء السادة أن الأزمة ليست ناتجة فقط عن الصراع بين قادة الكتل على المناصب والمصالح المادية، الشخصية والفئوية، بل هي أعمق من ذلك بكثير من هذا التبسيط والتسطيح، إنه صراع عميق بين مكونات الشعب العراقي بسبب التاريخ الدموي، والأنظمة المستبدة التي حكمت الشعب وفق مبدأ (فرق تسد)، ولا يمكن التخلص من هذا التراث المدمر بمجرد إجراء انتخابات مبكرة والتخلص من هذا وذاك.
إن الصراع الطائفي والعرقي في العراق، والأعمال الإرهابية التي تغذيها وتدعمها حكومات وجهات خارجية مثل السعودية وغيرها، وتدخلها الفض في الشأن العراقي، هي التي جعلت جماهير كل مكون تشعر أنها مستهدفة بالفناء و الإبادة، وأن خلاصها مرهون بالتخندق الطائفي والعرقي، والتمسك بقادة كتلها السياسية. لذلك فرغم إجراء أربع انتخابات برلمانية في الماضي، لاحظنا أن مرشحي هذه الكتل السياسية هم الفائزون. لذا، فحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة هذه المرة لا بد وأنها ستفرز نفس النتائج السابقة، إضافة إلى تكاليف هذه الانتخابات الباهظة على خزينة الدولة. وإذا ما جاءت النتائج مخيبة لآمال دعاة الانتخابات المبكرة كما هو متوقع، بالتأكيد سيرفعون عقيرتهم بالصراخ والويل والثبور وعظائم الأمور، واتهام الانتخابات ومفوضيتها بالتزييف حتى ولو شهد المراقبون الدوليون بنزاهتها.
إذنْ، حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة لن يقدم حلاً للمشكلة.

أما التصويت للمرشحين المستقلين فهو الآخر غير مجدي، إذ يبدو أن الكثيرين من المثقفين لحد الآن يعتقدون أن المستقلين هم ملائكة معصومين من الخطأ، وأنهم أفضل من المنتمين. بينما الواقع يؤكد أن في الدول الديمقراطية العريقة لا يثق الناخبون بالمستقلين إلا في حالات نادرة واستثنائية جداً. إذ لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية. لأن العمل السياسي يحتاج إلى فريق عمل (Team work)، منسجم وملتزم بانضباط، أشبه بفريق كرة القدم. ولا بد لهذا الفريق (الحزب السياسي)، أن يكون له برنامج عمل (بيان انتخابي)، لتقديم الحلول للمشاكل التي يواجهها الشعب، وخاصة الأمن والمعيشة. والمرشح الحزبي مسؤول أمام حزبه والشعب، ولا بد أنه موافق على برنامج الحزب ونظامه الداخلي وبيانه الانتخابي. وهذا هو المتبع في جميع الأنظمة الديمقراطية الناضجة. أما المرشح المستقل فلا برنامج له، وليس له القدرة على الانسجام مع غيره للعمل، وليس مسؤولاً أمام أي تنظيم، لذلك احتمال وقوعه في الخطأ، والتنصل من المسؤولية أكثر من الحزبيين. فالناس لا ينتخبون الشخصيات بل الأحزاب.

أما النظام الانتخابي المتبع في العراق (التمثيل النسبي)، فهو في الحقيقة من أفضل الأنظمة الانتخابية، وليس فيه أي عيب وإنما العيب في حداثة التجربة الديمقراطية، وكثرة أعدائها، وتدخل الجهات الخارجية بالشأن العراقي، وإليكم الدليل:
النظام الانتخابي البريطاني لانتخاب أعضاء مجلس العموم، يتبع نظام الفائز الأول (First past the post). بينما تتبع بريطانيا نظام التمثيل النسبي في انتخاب برلمانات الأقاليم ذات الحكم الذاتي (سكوتلاندا وويلز وشمال أيرلندا). فماذا حصل في الانتخابات البرلمانية المركزية الأخيرة وفق نظام الفائز الأول؟
الحزب القومي السكوتلاندي صوت له نحو 1.5 مليون ناخب (%50% من الأصوات) حصل على أكثر من 53 مقعداً، أما الأحزاب الثلاثة الأخرى التي صوت لها نفس العدد والنسبة من الناخبين في سكوتلاندا حصلت على 3 مقاعد فقط. فأين العدالة في هذا النظام؟
كذلك صوت لحزب المملكة المتحدة المستقل (UKIP) في عموم بريطانيا نحو أربعة ملايين ناخب، في الوقت الذي حصل الحزب على مقعد واحد فقط. مرة أخرى نسأل: أين العدالة في هذا النظام؟
أما الحزب المحافظين الفائز بالحكم صوت له 36% فقط من الناخبين، وحصل على الغالبية المطلقة نحو (60%) من المقاعد البرلمانية رغم أن 64% من الشعب لم يصوتوا له. وهذا يعني أن حكومة المحافظين هي حكومة الأقلية، وهذا ليس نظاماً عادلاً بالتأكيد. بينما المطلوب أن تكون النسبة المئوية للمقاعد البرلمانية لكل حزب تتناسب مع الناخبين وما تفرزه صناديق الاقتراع. ولذلك فأغلب الدول الأوربية تتبع نظام التمثيل النسبي، وبذلك تشكل حكومات إئتلافية تتمتع بقاعدة شعبية واسعة، وهذا النظام يقدم فرصة للأحزاب على التآلف وتشكيل حكومات إئتلافية لا حكومة الحزب الواحد ذات القاعدة الشعبية الضيقة.

الانستنتاج
وبناءً على كل ما تقدم نستنتج ما يلي:
1- حكومة التكنوقراط المستقلين فاشلة وغير عملية، بدليل أنها ولدت ميتة. وحتى لو ولدت مستقبلاً بعملية قيصرية، فهي ليست مستقلة لأن تم ترشيح أعضائها من قبل الكتل السياسية.
2- حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة لن يحل المشكلة، لأن الانتخابات ستأتي بنفس النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع في المرات الأربع السابقة.
3- الانقسام الطائفي في الأحزاب والكتل السياسية والمحاصصة الطائفية لا يمكن التخلص منها إلا في حالة تشكل أحزاب وكتل سياسية عابرة للطائفية والأثنية كما اقترحنا في مقال سابق*
4- المحاصصة السياسية في تشكيل مجلس الوزراء لا يمكن التخلص منها في العراق ولا في غير العراق فهي من طبيعة الحكومات الإئتلافية، فالمتبع في الأنظمة الديمقراطية في كل العالم أنه إذا فشل أي حزب في الحصول على الغالبية المطلقة من المقاعد البرلمانية، لا بد من تشكيل حكومة إئتلافية من حزبين أو أكثر متقاربين سياسياً وأيديولوجياً، ولكل حزب حصة من المقاعد في مجلس الوزراء تتناسب مع حصة الحزب في البرلمان. وهذا من شروط الديمقراطية.
5- الشعب لا ينتخب أفراد ومهما كانت مكانتهم ووجاهتهم ونزاهتهم إلا في حالات استثنائية نادرة، بل ينتخب مرشحي أحزاب وكتل سياسية ذات برامج سياسية واضحة،
6- النظام الانتخابي (التمثيل النسبي) المتبع في العراق هو أفضل من نظام (الفائز الأول) الذي يأتي بحكومة الأقلية، وخاصة في العراق حيث شعبه متعدد الأقوام والأديان والطوائف، ولا بد من حكومة يشترك فيها ممثلون من كل مكونات الشعب. وهذه الحكومة تسمى بحكومة الشراكة الوطنية، وإذا كنا ضد هذه الشراكة ونصر على حكومة المكون الواحد كما كان قبل 2003، فنسميها حكومة المحاصصة الطائفية البغيضة والمقيتة!!
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــ
* د.عبدالخالق حسين: لتتحول انتفاضة البرلمانيين إلى حركة عابرة للطائفية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=836


171
اجتياح البرلمان..إصلاح أم تخريب؟

د.عبدالخالق حسين

إن أحداث يوم السبت 30 نيسان 2016، باقتحام "مجاميع غاضبة" من المتظاهرين مبنى مجلس النواب العراقي، ودخول آخرين الى مبنى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، و قرار هذه المجاميع بدء اعتصام مفتوح في ساحة الاحتفالات داخل الخضراء ببغداد، و وقوف القوات الأمنية وقوة حماية البرلمان على الحياد، ولم تمنع من دخول مبنى البرلمان والتجول في المنطقة الخضراء، وما حصل فيهما من تخريب، أن هذه الأحداث وغيرها تشكل سابقة خطيرة لم تحصل من قبل، لا في العراق ولا  في أي بلد آخر، كما وتمثل تصعيداً خطيراً للأزمة العراقية إلى مستوى يهدد بإسقاط الدولة والخراب الشامل للعراق.

لا شك إن هذه الأحداث الفوضوية الغوغائية هي حلقة من الحلقات التي بدأت بالعمليات الإرهابية بعد سقوط الصنم البعثي في ساحة الفردوس يوم 9 نيسان 2003 الأغر، مروراً بالاعتصامات في المناطق الغربية التي مهدت لاحتلال الموصل ثم الرمادي من قبل داعش... ولما فشلت كل هذه المحاولات في تركيع العراق و إسقاط العملية السياسية، لجأوا إلى استخدام ورقة (المحاصصة والفساد)، وبقيادة رجل دين شيعي، مقتدى الصدر، واتخاذه حصان طروادة ليحقق لهم ما فشلت داعش في تحقيقه.

إن هذه الأعمال التخريبية تؤكد بشكل جازم، أن وراءها نفس القوى الداخلية والخارجية التي أسست القاعدة وداعش وغيرهما من القوى الإرهابية، أي السعودية وقطر و الدول الخليجية التي لا تريد للشعب العراقي أن يتعافى ويستقر، خاصة ونتذكر دعاء أحد كتابهم: (اللهم اهدمه حجراً على حجر). ودليلنا على دور السعودية في هذه الأحداث هو، الشعارات البذيئة التخريبية ضد دولة صديقة وقفت مع العراق عندما كانت عاصمته بغداد مهددة بالاحتلال الداعشي. ومن هذه الهتافات التي رددتها "الجموع الغاضبة" مثل: (ايران بره بره، بغداد تبقى حره)، و(بره ياسليماني، أنا الصدر رباني)(1)، في الوقت الذي لم نسمع فيه أي هتاف ضد السعودية الراعية للإرهاب.

كذلك لقيت هذه الأحداث ترحيباً وتشجيعاً من قبل الإعلام السعودي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كتب الإعلامي السعودي جمال الخاشقجي في التواصل الاجتماعي: "حسبتُ اننا خسرنا العراق الجنوبي وانه وقع بقبضة النظام الايراني، ولكن يقظة الجماهير الشيعية العراقية الوطنية أمس وهتافها ضد ايران أعاد الامل." وهناك عشرات التعليقات المماثلة من السعوديين وغيرهم(2). - يعني كما يقول المثل الشعبي (شيِّم البدوي وخذ عباته).

كما تزامنت هذه الأحداث التخريبية مع تصعيد حملة تشويه سمعة السياسيين العراقيين من المكوَّن الشيعي فقط دون أية إشارة إلى السياسيين من المكونات الأخرى. والغريب أن هناك أناس وبنوايا طيبة راحوا يروجون لهذه الحملات التسقيطية، وحجتهم أن الحرب ضد داعش يجب أن لا تمنع من محاربة الفساد!!
آمنا بالله، نعم يجب محاربة الفساد والتخلص من المحاصصة في كل الظروف، ولكن هل فعلاً يحصل الإصلاح باقتحام البرلمان وتخريب أثاثه، وإسقاط هيبة الدولة؟ أليس هذا عملاً مكملاً للفساد وجرائم داعش؟ يرجى مشاهدة صورة البرلمان بعد الغزو البربري الهمجي الذي عجز الدواعش عن تحقيقه(3).

إن الغرض من هذه الأعمال الفوضوية ليس من أجل الإصلاح اطلاقاً، فكما أشرنا مراراً أن السيد مقتدى الصدر الذي يقود هذه التظاهرات والاعتصامات، له حصة الأسد في مجلس الوزراء والبرلمان، وإذا كان هناك فساد فحزبه (الأحرار= التيار الصدري)، يتحمل حصة الأسد أيضاً من المسؤولية. ولكن الغرض هو أولاً، لتبرئة تياره من الفساد والمحاصصة، وثانياً لإسقاط العملية السياسية لتحقيق أجندات أجنبية مدفوعة الثمن. وعلى الشعب العراقي أن لا يصير أضحوكة العالم وينفذ ما يريد أعداؤه له ويواصل (على حس الطبل خفن يا رجلية). إنها بحق لعبة قذرة(5).

هناك أصوات نشاز تطالب رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي بالاستقالة، وحجتهم أن العبادي فشل في منع اجتياح المتظاهرين للبرلمان؟ عجبي.. وهل العبادي يجب أن يلام في هذا الصدد، أم القوات الأمنية وقوة حماية البرلمان التي خانت واجبها؟ نعم يجب محاسبة هؤلاء بشدة. كان بإمكان العبادي بصفته القائد العام للقوات المسلحة إعطاء الأوامر لاستخدام القوة ضد "الجموع الغاضبة" وإغراق المنطقة الخضراء بالدماء، ولكن حرصاً منه على أرواح المغرر بهم، وسمعة الديمقراطية الوليدة، نجح العبادي بضبط النفس، وتجنب سفك قطرة واحدة من الدم. ولو كان هذا الاجتياح في أي بلد عربي لسفكت الدماء أنهاراً. فبدلاً من تقديم الثناء للعبادي، يطالبه هؤلاء الانتهازيون بالاستقالة، إنهم يريدون من العبادي أن يواجه المعارضة على طريقة سيدهم المقبور صدام حسين، وإلا فهو ضعيف يجب أن يستقيل!!ّ! ولو اتبع العبادي طريقة صدام لرددوا فرحين أن العبادي نسخة من صدام... إنها محنة كل من تورطه الأقدار في حكم العراق.
أما المطالبة باستقالة الرئاسات الثلاث، فهو بالضبط ما يريده أعداء العراق في هذه الظروف من أجل إغراق العراق في فوضى عارمة، تحرق كل شيء. إنما يجري الآن من أعمال شغب بقيادة مقتدى الصدرـ وبمباركة السعودية وحليفاتها لا يقل خطورة عن جريمة إنقلاب 8 شباط 1963 الأسود، وهو الجزء المكمل للإرهاب القاعدي-الداعشي.

الكل يعلم أن مقتدى الصدر لم يمتلك أية مقومات قيادية، ولكن تم استغلال ضعفه العقلي، وحبه للظهور والزعامة، و تاريخ أسرته الدينية، فتم تسخيره لقيادة هذه الجموع المؤلفة من البعثيين الشيعة وأغلبهم كانوا فدائيي صدام، فوجدوا في تياره ملاذهم الآمن لمواصلة الأعمال التخريبية ضد الشعب وضد عراق ما بعد صدام، ولا شك بينهم أبرياء سذج يقودهم كقطعان الماشية نحو الهاوية وهم نيام. لذلك على الحكومة مقاضاة مقتدى الصدر وتياره أمام القضاء وتحميله تكاليف جميع الأضرار المادية والمعنوية. فالديمقراطية لا تعني الفوضى بل حكم القانون، والحرية المطلقة غير المقيدة بقوانين لا يعرفها إلى وحوش الغابة.
لذلك نهيب بأبناء شعبنا الأشاوس، وخاصة المثقفين الواعين منهم، أن ينتبهوا إلى هذه اللعبة القذرة التي سخروا لها مقتدى الصدر كحصان طروادة ليحقق لهم ما عجزوا في تحقيقه خلال 13 عاماً من الإرهاب والقتل الجماعي وحروب الإبادة، وشل الحكومة، مقابل دفع المليارات من البترودولا السعودي الخليجي. إن الغرض من هذا التصعيد هو للتعويض عما لحقت بالسعودية وحليفاتها من هزيمة نكراء في سوريا واليمن وليبيا والعراق. لذلك على العراقيين أن ينتبهوا ويفشلوا محاولات أعدائهم، ويفضحوا لعبتهم الخبيثة القذرة ويردوا سهامهم إلى نحورهم...
ألا هل بلغت، أللهم اشهد.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- صادق الموسوي: شعارات مدفوعة الثمن .. ايران بره بره بغداد تبقى حره ....
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=10208528204335450&set=a.4105874998053.166310.1018357064&type=3&theater

2- هشام دغمش: لأول مرة أنصار الصدر يهتفون ضد إيران من قلب المنطقة الخضراء
https://www.islamtoday.net/albasheer/artshow-12-228862.htm

3- صورة البرلمان العراقي بعد عملية الإجتياح
http://www.akhbaar.org/home/2016/5/211108.html

4- مقال جدير بالقراءة: مخرّبون... لا ثوار
http://almasalah.com/ar/news/74415/مخربون--لا-ثوار

5- أحمد الطيب: اللعبة القذرة
http://arab-newz.org/post/7644/%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%8A%D8%A8-:-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B0%D8%B1%D8%A9-..

6- حنان الفتلاوي: هل يمكن أن يتحول السفاح إلى مصلح؟
https://www.facebook.com/842300349195677/photos/a.842303065862072.1073741828.842300349195677/1025157604243283/?type=3&theater




172
لتتحول انتفاضة البرلمانيين إلى حركة عابرة للطائفية

د.عبدالخالق حسين

لا شك أن نجح أعداء العراق الجديد من فلول البعث وحلفائهم في الداخل والخارج، في إغراق البلاد في فوضى عارمة بحيث أوصلوه إلى مرحلة غير قابل للحكم (Ungovernable)، وذلك بإشاعة الإرهاب والفساد والسلب والنهب والاختطاف، ليجعلوا الناس تترحم على عهد صدام. فقد استثمر البعثيون مزاجية الشعب العراقي المعروف بعصيانه الدائم ضد الحكومات و أياً كانت، فعصيان الشعب العراقي على الحكام له سوابق تاريخية، وهناك مقولات وقصص كثيرة في هذا الخصوص، وعلى سبيل المثال، يقال أن معاوية أوصى ابنه يزيد: (إذا طالبك أهل العراق أن تنصب لهم في كل يوم والياً جديداً، فاستجب لهم، لأن تغيير الوالي أسهل عليك من أن تُشهَر في وجهك مائة ألف سيف).

وقبل أسابيع نشرت صحيفة نيويورك تاميز تقريراً لمراسلها في بغداد، استطلع فيه آراء عدد من السياسيين العراقيين فيما إذا كان السيد حيدر العبادي مهدداً في منصبه؟ فأجاب أحدهم وهو السيد هادي العامري بالنفي، مؤكداً، لا لأن حيدر العبادي قوي، بل لأن لا أحد يريد يتورط في هذا المنصب وفي هذا الوقت العصيب، حيث صار العراق من الصعب إدارته و حكمه.

الأسباب المعلنة و البارز للتظاهرات والاعتصامات هي المحاصصة وتفشي الفساد في جميع مفاصل الدولة. ولكن المشكلة أن الغالبية العظمى من الكتل السياسية، متمسكة بهذه المحاصصة. أما الفساد، فما أن يتم تقديم أحد المتهمين به إلى القضاء حتى وينبري جيش من المدافعين عنه، ويطعنون بالقضاء في حكمه.
ثم حصلت الاعتصامات في ساحة التحرير، وانتقلت إلى بوابة المنطقة الخضراء بقيادة زعيم التيار الصدري، وهو التيار الذي يتمتع بحصة الأسد في الحكومة "الفاسدة"(1). وأخيراً انتقلت شرارة الاعتصامات إلى مجلس النواب، لتشمل نحو 174 نائباً داخل البرلمان مطالبين بالإصلاح والقضاء على الفساد، بينهم النواب الصدريون ومن أغلب الكتل الأخرى.

فما المقصود بالإصلاح؟
بعد 13 عاماً من الفشل الذي أوعزوه إلى مبدأ المحاصصة، برزت فكرة تشكيل حكومة التكنوقراط المستقلين، على أن يتم اختيارهم من بين المعروفين بالكفاءة والنزاهة والتاريخ النظيف، بعيداً عن هيمنة قادة الكتل السياسية. ولكن عندما قدم رئيس الوزراء القائمة الأولى من المرشحين تم الطعن بأغلبهم، مما دفعه إلى تقديم قائمة ثانية وربما ثالثة، وهكذا...
ولكن هناك عدة شروط أمام تشكيل هكذا حكومة. أولها يجب أن تضم ممثلين من جميع مكونات الشعب العراقي، وأن تقوم كل كتلة بتقديم مرشحيها من التكنوقراط المستقلين! (وهذا يعني العودة إلى المحاصصة الطائفية والعرقية)، و ثانيا، أن تكون وفق الدستور، وثالثاً أن يصوت عليها البرلمان. هذه الشروط ليس من السهل تطبيقها في برلمان منقسم على نفسه وفق الانتماءات الطائفية والعرقية.

ولما اندلع العصيان البرلماني استبشرنا به خيراً وقلنا أنه صحوة ولو متأخرة من قبل البرلمانيين الشرفاء من أجل الإصلاح وتحرير الحكومة والبرلمان من هيمنة قادة الكتل السياسية، وعلامة خير تدل على أن الساسة العراقيين اجتازوا مرحلة المراهقة السياسية، وهاهم قرروا تجاوز الطائفية والعرقية، والالتزام بالوحدة الوطنية العراقية عابرة الطوائف. ولكن ما أن توجس قادة الكتل السياسية خطر الإصلاح والاعتصامات على مصالحهم حتى تنصلوا عن مواقفهم السابقة المؤيدة للإصلاح في الظاهر. فبعد أيام من بدء هذا العصيان، "أعلن التيار الصدري انسحاب الأحرار من الاعتصام النيابي وعلق عمل الكتلة"، ولقي هذا الموقف ترحيباً من السيد عمار الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الذي قال في تصريح له: "الدولة بشرعية البرلمان ولن نسمح لمُدعي الاصلاح بالتجاوز والفوضى". أما الكردستاني فقال: لن نحضر جلسة الخميس ولا نعترف باجراءات النواب المعتصمين. كما قوبل العصيان البرلماني باستهجان من قبل المرجعيات الدينية الشيعية، فالمرجع الأعلى السيد علي السيستاني رفض استقبال وفد من النواب المعتصمين، أما آية الله الفياض الذي استقبلهم فقد وبخهم قائلاً لهم: "أنتم فاسدون وغير قادرين ولا سواكم للاصلاح".

لا شك أن هناك عدداً من النواب المخلصين في مطالباتهم للإصلاح، ولكن هناك أيضاً من ركب الموجة، ومن دخلها لتخريبها من الداخل وتثبيط عزيمة الجادين. فالمعروف أن أغلب هؤلاء النواب لا يريدون أن يتمردوا على قادتهم السياسيين، خاصة وأن ترشيحهم وفوزهم مرتبط بمدى طاعتهم لقادة كتلهم وكياناتهم السياسية. والذي يخالف سيعاقب بالطرد كما حصل للنائبة الكردية الشجاعة تافكة أحمد التي صرحت لصحيفة (العالم الجديد): "(التغيير) طردتني لمواقفي الوطنية.. والأحزاب الكردية تحاصرني لايماني بوحدة العراق".

نعم، هناك تحرك قوي للإصلاح السياسي والرغبة في التخلص من المحاصصة، ولكنه مازال في مرحلة الولادة العسيرة. فالنواب المعتصمون، و بطبيعة مخلفات الماضي وتعقيداته، وما حصل بعد 2003 من تداعيات واصطفافات طائفية وعرقية، مازالوا أسرى هذا الماضي، غير منسجمين ومن غير المتوقع أن يتوحدوا في كتلة متجانسة، خاصة إذا بقوا متمسكين بكتلهم وكياناتهم السياسية ويتلقون الأوامر من قادتهم.
ولكن رغم هذه المعوِّقات، من ممكن استثمار هذه الانتفاضة وتحويلها إلى حركة إصلاحية قوية تضم نواب من كافة المكونات، تقود إلى إخراج العراق من مأزق المحاصصة الطائفية والعرقية فيما لو توفرت لها قيادة حكيمة ومخلصة للوطنية العراقية وتشكيل حكومة عابرة للطوائف والأعراق.
لذلك نقترح على السادة النواب المعتصمين أن ينفصلوا عن كتلهم، ويشكلوا تنظيماً سياسياً جديداً فوق الطائفية والعنصرية، ويختاروا لتنظيمهم اسماً يتضمن معنى الديمقراطية والوحدة الوطنية العراقية مثل (حزب الشعب العراقي) أو (حزب العراق أولاً)، أو (الحزب الديمقراطي العراقي)، أو أي اسم آخر بهذا المعنى، ليضم هذا الحزب نواباً من مختلف مكونات الشعب العراقي بدون استثناء، وفي نفس الوقت يتحرك هؤلاء النواب على أكبر عدد ممكن من زملائهم الآخرين لكسبهم، وبذلك يبلغ عددهم غالبية مريحة. ويحرك هؤلاء الشارع العراقي ومعهم نخب المثقفين من المستقلين لدعم حركتهم والترويج لها. وبذلك يمكن أن تحقق النجاح في تشكيل حكومة من التكنوقراط  المستقلين. وفي هذه المرحلة يمكن الإبقاء على الدكتور حيدر العبادي ليترأس حكومة التكنوقراط المقترحة، بعد أن يعلن استقالته من حزبه (حزب الدعوة)، لأنه هو الذي بادر بهذا المشروع الإصلاحي ومواكباً تطوراته.

وليس لدى هؤلاء النواب "المتمردون" ما يخسرونه، لأن في حالة نجاحهم يكونوا قد حققوا سابقة ثورية عظيمة يقدمونها ليس للعراق فحسب، بل وللعالم، لتستفيد منها كل الشعوب التي تتحرر من الدكتاتورية وتواجه مشاكل ما بعد السقوط. وإذا فشلوا، وتم طردهم من كتلهم السياسية بعد هذه الدورة البرلمانية، فبإمكانهم الترشح عن حزبهم الجديد، وعلى الأغلب سيكسبون الناخب العراقي. ومن يفشل منهم في الانتخابات القادمة فقد أرضى ضميره، وضمن لنفسه معاشاً تقاعدياً مريحاً. أما الأخوة من نواب الكورد، فيبدو أنهم ليس بإمكانهم التمرد على قادتهم، لذلك فالحل الوحيد الذي أراه هو تحقيق حلم الكورد في تأسيس دولتهم الكردستانية بحدود ما قبل 2003، أما المناطق المتنازع عليها، فيمكن حلها بإجراء استفتاء سكانها تحت مراقبة دولية. وألف مبروك.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــ
رابط ذو صلة
* سليم الحسني: مقتدى الصدر رجل الفوضى
http://www.qanon302.net/in-focus/2016/04/20/84013

173
بيان سعودي باسم القمة الإسلامية

د.عبدالخالق حسين


المتابع لسياسات المملكة العربية السعودية منذ تولي ملكها الخرِف سلمان بن عبد العزيز، وابنه الطائش الجاهل المتهور الأمير محمد، مقاليد حكم المملكة، وخاصة بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى بقيادة أمريكا، والتقارب بين إيران والغرب، يلاحظ المتابع أن هذه المملكة جن جنونها فراحت تتصرف كالوحش الجريح الهائج، تعمل على تدمير دول المنطقة.

فالعائلة الحاكمة تعرف جيداً أنها خارج الزمن، وضد منطق الأشياء، وضد الحضارة في القرن الحادي والعشرين، وتسير عكس مسار التاريخ. فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تحكمها عائلة واحدة وتسميها باسمها (المملكة السعودية)، وتضطهد المرأة التي تشكل نصف سكانها، وحرمانها من أبسط حقوقها الإنسانية باعتراف حليفها، الرئيس الأمريكي أوبما، إضافة إلى اضطهاد شعبها وخاصة الشيعة الذين يشكلون نحو 20%، وتعتبرهم دون مستوى البشر. هذه المملكة تعرف جيداً أن الزمن ليس في صالحها، وليس لديها ما يحافظ على بقائها سوى شراء الذمم بالمال الذي تملكه بوفرة.

لذلك وجدت هذه العائلة طوق النجاة لتمديد بقائها في السلطة بالورقة الطائفية، و إثارة الصراع الطائفي (السني- الشيعي) ضد الشيعة العرب في بلادها وفي البلاد العربية والإسلامية الأخرى، وبالأخص ضد إيران، وتخويف السنة في العالم الإسلامي من البعبع الشيعي- الإيراني. فراحت تشتري حكومات، ومؤسسات إعلامية، وإسكات الحكومات الغربية عن جرائمها وتدفع لهم بسخاء. فالكل يعلم أن السعودية هي وراء الإرهاب الإسلامي الوهابي التكفيري في العالم، وهي التي أسست القاعدة وفروعها فيما بعد مثل (داعش وجبهة النصرة وطالبان وغيرها من المنظمات اإرهابية)، فبن لادن هو سعودي، وكذلك 15 من 19 من الإرهابيين الذين قاموا بجريمة 11 سبتمبر 2001 سعوديون، وأغلب الإنتحاريين في العراق وسوريا من السعودية، وهذا لم يكن من باب الصدفة، بل نتيجة عشرات السنين من التأليب ونشر ثقافة التكفير والكراهية، إذ صرفت السعودية نحو مائة مليار دولار خلال الثلاثين عاماً الماضية لنشر التطرف الديني الوهابي التكفيري. كل هذه الحقائق باتت معروفة لدى القاصي والداني، وحتى لدى الإدارة الأمريكية.

كما وأقدمت السعودية على جريمة إعدام رجل الدين الشيعيي السعودي الشيخ نمر النمر من أجل استفزاز الشيعة في العالم، واتخاذ ردود أفعالهم ذريعة لتصعيد حملتها العدوانية ضد إيران والشيعة. فاتخذت من سلوك بعض المتطرفين في إيران الذين قاموا بالاعتداء على السفارة السعودية في طهران ذريعة للتحرك الدبلوماسي ضد الحكومة الإيرانية، رغم أن الأخيرة أدانت الاعتداء وحاسبت المسؤولين عنه.
ولتصعيد حملتها الطائفية، بدأت السعودية بقطع علاقاتها مع إيران، وتحريك مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية بإصدار بيانات إدانة ضد إيران وضد حزب الله، واتهامهما بالإرهاب والتدخل في شؤون الدول العربية!! وأخيراً لجأت إلى عقد مؤتمر القمة لدول منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول/تركيا، لهذا الغرض. فالمفترض بهذه المنظمة العمل على وحدة المسلمين بمختلف انتماءاتهم المذهبية والتقارب بين المذاهب، ولكن الذي حصل في هذا المؤتمر هو العكس تماماً، أي الإمعان والتمادي في شق وحدة العالم الإسلامي إلى جبهتين متعاديتين (سنة وشيعة).

إذ كما أوردت الأنباء أن (الصراع السعودي الايراني طغى على قمة اسطنبول الإسلامية.. وانسحاب روحاني [الرئيس الإيراني] بسبب ادانة بلاده وإلصاق تهمة “الإرهاب” بـ”حزب الله” كرس الانقسام الطائفي.. والزعامة السعودية للمعسكر “السني")(1).

فتقرير قناة (CNN) الأمريكية عن البيان الختامي يكشف بوضوح أنه بيان سعودي بإمتياز، كتبته الخارجية السعودية، ولكنه صدر باسم مؤتمر القمة الإسلامية، إذ جاء في التقرير: (اختتم قادة دول منظمة التعاون الإسلامي الدورة الثالثة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي، الجمعة [15/4/2016]، في تركيا، بإصدار بيان من أكثر من 200 بند، بينها إدانة "الأعمال الإرهابية" لحزب الله و"استمرار دعم إيران للإرهاب" والتدخل في شؤون دول المنظمة.)(2)

ونحن هنا لا نريد الدفاع عن إيران ولا عن حزب الله اللبناني، ولكننا فقط نريد أن نذكر بعض الحقائق، ونطرح بعض الأسئلة. فالأدهى والأمر أن جميع الجرائم والتجاوزات التي تقوم بها السعودية ومنظماتها الإرهابية وتدخلاتها الفضة في الدول العربية والإسلامية، تُلقيها على إيران وحزب الله. يعني كما يقول المثل: (رمتني بدائها وانسلت)، إذ جاء في التقرير: (كما أدان المؤتمر تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء، منها البحرين واليمن وسوريا والصومال، و "استمرار دعمها للإرهاب"، وفق ما جاء في البيان، مؤكدا على ضرورة نبذ الأجندة الطائفية والمذهبية لما لها من آثار مدمرة وتداعيات خطيرة على أمن واستقرار الدول الأعضاء وعلى السلم والأمن الدوليين.)

فالذي يقرأ هذه الفقرة من البيان يعتقد أن السعودية هي حمامة السلام، وتحارب الطائفية بمنتهى الإخلاص، وليست هي الدولة الوهابية التكفيرية التي تستمد بقاءها على إثارة الشحن الطائفي، وهي التي أسست ودعمت كل التنظيمات الإرهابية، وتكفر الشيعة، وأتباع الديانات الأخرى وتبيح قتلهم. فالتوصية بـ"ضرورة نبذ الأجندة الطائفية والمذهبية" يجب أن توجه للسعودية وليس لغيرها. فالسعودية في هذه الحالة تشبه العاهرة التي تعطي المواعظ للآخرين عن أهمية الالتزام بالعفة والشرف والأخلاق، وهي تمارس الدعارة.

كما ونسأل: هل دعم إيران للعراق وسوريا في محاربتهما للإرهاب الداعشي هو تدخل في البلاد العربية؟ فإذا كان تدخلاً فهو بالتأكيد تدخل إيجابي لأنه بموافقة حكومتيهما، على العكس من التدخل السعودي بدعم وإرسال الإرهابيين إلى هذين البلدين على الضد من إرادة حكومتيهما وشعبيهما. أما تدخل إيران في اليمن فهو مبالغ به حسب تقارير وكالات الأنباء الغربية ومنها بي بي سي، بأن السعودية أثارت هذه الضجة لتبرير حربها على اليمن. والجدير بالذكر أنه حتى مسؤولة خارجية الاتحاد الاوروبي، فيدريكا موغريني "أشادت بالدور الايجابي لإيران في العراق"، وأعربت "عن أملها بأداء طهران لدور مماثل في سوريا واليمن".(3). فأين هذا الكلام من الادعاءات السعودية وبيان مؤتمر قمتها الإسلامية؟ وهل قيام حزب الله اللبناني بمحاربة داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية في سوريا هو عمل إرهابي، أم يصب في مصلحة الشعب السوري وكل البشرية المهددة بهذا الإرهاب السعودي التكفيري؟

الحقيقة الناصعة التي تنكرها السعودية وحلفاؤها، أن دور حزب الله في محاربة الإرهاب في سوريا هو كدور المليشيات الكردية البطلة في محاربة داعش في كوباني/سوريا، ودعم إيران لسوريا كدعم روسيا لسوريا، فلماذا لم يشمل البيان الختامي إدانة هاتين الجهتين؟ الجواب واضح، وهو لأن الغرض من هذا البيان هو تعميق الانقسام المذهبي الذي هو محور أجندة السعودية لتصعيد الشحن الطائفي ضد إيران والشيعة. فحزب الله حرر لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وهو دور وطني شريف باركته كل الشعوب العربية والإسلامية. كما ويساهم الحزب اليوم في تحرير سوريا من الاحتلال الداعشي، المدعوم من تركيا والسعودية، لذلك فحزب الله هو إرهابي في نظر السعودية وإسرائيل فقط.

أما إشارة البيان إلى القضية الفلسطينية في توصياته التي ابرزها (ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام في وقت مبكر لوضع آليات لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية....الخ)، فهي لذر الرمان في العيون، إذ سمعنا المئات من هذه البيانات والقرارات "القممية" التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

خلاصة القول، أن السعودية، وليست إيران، التي تتدخل دائماً بشؤون الدول العربية، فالسعودية هي التي أرسلت قواتها (درع الجزيرة) لإجهاض انتفاضة الشعب البحريني، والسعودية هي التي شنت الحرب الجنونية المدمرة على الشعب اليمني الفقير، ودمرت كل مؤسساته وركائزه الاقتصادية، وقتلت أكثر من ستة آلاف من المدنيين العزل، وأضعاف هذا العدد من الجرحى، وملايين مشردين بلا مأوى حسب تقرير بي بي سي. كما أن السعودية وليست إيران، أسست داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية. لذلك فمطالبة البيان لإيران بالكف عن دعم الإرهاب، والتدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية يجب أن يوجه إلى السعودية وحلفائها تركيا والدول الخليجية الأخرى وليست إلى إيران.

طبعاً هذا الكلام سيثير علينا نقمة عملاء السعودية، وأنصار البعث الداعشي والطائفيين، بأن كاتب هذه السطور هو منحاز إلى إيران وحزب الله، وبدوافع طائفية مقابل ثمن، وغيره من الكلام السخيف. لا يا سادة، الغرض من هذا المقال هو قول الحقيقة، وحماية عقولنا، وعقول الناس من التضليل في زمن الخديعة. إذ كما قال الإمام علي بن أبي طالب: (إذا سكت أهل الحق عن الباطل اعتقد أهل الباطل أنهم على حق). فالساكت عن الحق شيطان أخرس.

وختاماً نقول أن حكام السعودية وحلفائهم بإثارتهم وتأجيجهم للشحن الطائفي، وتجييشهم لأهل السنة ضد الشيعة وإيران لا بد وأن ترتد سهامهم إلى نحورهم، فالنيران التي يشعلونها في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر لا بد وأن تصل إلى بلدانهم وتحرقهم، كما انقلب السحر على الساحر من قبل على أمريكا، وعلى أردوغان الآن. فحبل الكذب قصير.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- القمة الإسلامية تدين "الأعمال الإرهابية" لحزب الله وإيران.. وروحاني يقاطع جلسة البيان الختامي  http://www.akhbaar.org/home/2016/4/210383.html

2- الصراع السعودي الايراني يطغى على قمة اسطنبول الاسلامية.. وانسحاب روحاني بسبب ادانة بلاده والصاق تهمة “الارهاب” بـ”حزب الله” كرس الانقسام الطائفي.. والزعامة السعودية للمعسكر “السني”  http://www.raialyoum.com/?p=423905

3- مسؤولة خارجية الاتحاد الاوروبي تشيد بـ"الدور الايجابي" لايران في العراق
http://www.akhbaar.org/home/2016/4/210461.html

4- الخارجية: العراق تحفظ وبشدة على ادانة حزب الله بدعم الارهاب بقمة التعاون الاسلامي
http://www.akhbaar.org/home/2016/4/210390.html
5- عرضت القناة الثالثة في بريطانيا (ITV) برنامجاً خاصاً عن وحشية النظام السعودي
السعودية في العد التنازلي: http://youtu.be/Sfpq0hek7e8

6- واشنطن بوست: إتفاق تيران وصنافير يبرز العلاقات السريه بين السعوديه وإسرائيل وجاء مكافأةً للمملكة
http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=14042016&id=597105e5-0154-477a-a5c0-857a68108a39



174
في ذكرى تحرير العراق من الفاشية*

  د.عبدالخالق حسين     

 

تمر هذه الأيام الذكرى الثالثة عشرة على قيام قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا لتحرير الشعب العراقي من الفاشية البعثية ، نفس القوات التي حررت أوربا في الحرب العالمية الثانية من النازية الألمانية ، والفاشية الإيطالية ، وحررت اليابان من العسكرتارية. ولكن المشكلة أن عملية تحرير العراق كانت وما زالت مثيرة للجدل ، وحتى يستكثر علينا البعض استخدام كلمة (التحرير) ، إذ يفضلون عليها كلمة "الاحتلال" ، أو " الغزو " مع كلمات الإدانة مثل "الغاشم" ... الخ . والمؤسف أن هذه الإدانة تأتي حتى من بعض ضحايا النظام البعثي ، ومن بعض المثقفين في العالم ، وبالأخص من اليساريين. وسبب هذا الاختلاف هو أن ذاكرة الناس ضعيفة سرعان ما ينسون معاناتهم على يد النظام الساقط وينشغلون بهمومهم الحاضرة. وهذا الجدل مستمر لحد الآن وربما إلى يوم القيامة!

وعذرهم في استخدام كلمة "احتلال" ، هو أن أمريكا نفسها استخدمت هذا التعبير، ويتهموننا بأننا ملكيون أكثر من الملك!! نسي هؤلاء أن سبب استخدام أمريكا لكلمة (الاحتلال)، هو لأسباب قانونية دولية كي تحصل على تخويل قانوني من الأمم المتحدة لحماية العراق خلال الفترة الانتقالية إلى أن يتم تسليم الحكم إلى أهله. وهذا ما حصل بعد عام ونصف العام من إسقاط حكم البعث. لذا فبالنسبة لي كعراقي، فالعراق كان محتلاً احتلالاً داخلياً من قبل عصابة البعث المافيوزية لخمس وثلاثين سنة، وكان أبشع احتلال في التاريخ.
على أية حال ، هناك أسباب كثيرة لاستمرار الجدل حول تقييم تحرير العراق من البعث الفاشي، وهي كالتالي:
1- تم التحرير بقيادة الدولة العظمى، أمريكا وبريطانيا، وهناك اسباب تاريخية لعداء مزمن من القوى السياسية المؤدلجة في العراق ، اليسارية ، والقومية ، والإسلامية ضد أمريكا والغرب عموماً ، فمن الشعارات التي رفعها الحزب الشيوعي العراقي قبل التحرير مثلاً ، شعار: (لا للحرب..لا للدكتاتورية). والكل يعرف أن الشعب العراقي حاول مراراً تحرير نفسه بقواه الذاتية، ولكن النتيجة كانت حرب الإبادة ومئات الألوف من القتلى وأكثر من 400 مقبرة جماعية تم اكتشافها لحد الآن.
2- أدَّعوا أن هدف أمريكا من احتلال العراق هو نهب ثرواته النفطية واستعباد شعبه وقتله، "وليس لسواد عيون العراقيين !". ونحن نعرف أن أمريكا لم تنهب النفط ، بل تشتريه بالعملة الصعبة، وارتفع سعر النفط إلى أضعاف سعره عما كان عليه قبل التحرير. كذلك دفعت أمريكا نحو 60 مليار دولار لإعمار العراق، إضافة إلى ما دفعته من تكاليف الحرب، البشرية والمالية. كما وساعدت أمريكا على إطفاء 90% من ديون العراق. فهل هذا احتلال استعماري كما يدعي أعداء العراق الجديد؟
3- شن أعداء تحرير العراق من فلول البعث وحلفائهم أتباع القاعدة، حرب الإرهاب وإثارة الفتنة  الطائفية ، بدعم من حكومات المنطقة مثل السعودية وقطر وتركيا ، ومؤسساتها الإعلامية مثل قناة الجزيرة، والعربية وغيرها، المعادية للديمقراطية في العراق الجديد لأسباب طائفية وسياسية واقتصادية، حاولت إفشالها بمختلف الوسائل.
4- بأوامر من حكوماتهم ، أصدر رجال الدين السعوديون وغيرهم من أمثال القرضاوي، فتاوى لقتل العراقيين الشيعة ووصفوهم بـ" الروافض " و" الشيعة الصفوية ، و" الفرس المجوس"، وقاموا بتدمير البنى الاقتصادية والركائز التحية بذريعة محاربة الاحتلال، وباسم " المقاومة الوطنية الشريفة". بينما الحقيقة تؤكد أن أعمالهم تلك كانت ومازالت حرباً طائفية وعنصرية بدليل أنه حتى بعد رحيل القوات الدولية نهاية عام 2011 ، استمرت حرب الإبادة ضد الشيعة، وهذه المرة  بحجة مقاومة "الاحتلال الصفوي". وكذلك الشعارات والشتائم الطائفية البذيئة التي رفعها البعثيون والقاعدة في التظاهرات و الاعتصامات في المناطق الغربية. والمخزي والمخجل ، أن هذه التظاهرات الطائفية وما رفع فيها من شعارات ومطالبات مخالفه للدستور، نالت مباركة البعض المحسوبين على اليسار العراقي الذين أدعوا أنها مطالب مشروعة، رغم أن من بينها مطالب مثل : إسقاط الدولة العراقية ، وإلغاء الدستور، وإطلاق سراح جميع المتهمين بالإرهاب بدون تحقيق وحتى المحكومين بالجرائم من قبل القضاء، وإلغاء قانون العدالة والمساءلة ، بل وحتى المطالبة بمنع الشيعة من ممارسة طقوسهم المذهبية بحجة أنها شعائر طائفية ضد أهل السنة!! فهل هذه المطالب مشروعه؟
 5- مبالغة الإعلام العربي بحجم القتلى العراقيين إلى أكثر من مليون ونصف المليون ، والادعاء أن القتل حصل على أيدي القوات الأمريكية وحلفائهم "الصفويين" ، وأن معظم الضحايا هم من السنة. بينما الواقع يؤكد أن حرب الإبادة حصلت ضد الشيعة، وعلى أيدي فلول البعث الطائفيين، وحلفائهم الإرهابيين من القاعدة، المدعومة من الحكومات الخليجية وخاصة السعودية وقطر، وكذلك تركيا منذ انسحاب القوات الأمريكية نهاية عام 2011 .
6- لقد اثبتت الاحصائيات التي قامت بها جهات دولية محايدة مثل منظمة (Body count)، أن عدد القتلى بلغ في حدود 100 ألف، وإحصائية أخرى نشرتها الوكيليكس فيما بعد، أن العدد بلغ لحد عام 2014 في حدود 130 ألفاً. وبالتأكيد هذا الرقم يشكل فاجعة كبرى على الشعب العراقي ، فقتل كل نفس بريئة من بنات وأبناء شعبنا كارثة إنسانية رهيبة ، ولكن أين هذا الرقم من مليون ونصف المليون ضحية كما يدعي الإعلام العربي المساند للإرهاب في العراق؟
إن الغرض من تضخيم أرقام الضحايا ليس تألماً على شعبنا، أو دفاعاً عنه وإدانة للجناة، بل للتحريض ضد الشعب العراقي، واعتبار معظم الضحايا من السنة، قتلوا على أيدي القوات الأمريكية والشيعة "الفرس المجوس"، للشحن الطائفي، ولإثارة غضب العرب والمسلمين وتحريضهم لدعم الإرهاب في العراق ... والمؤسف أنهم نجحوا في ذلك.
7- خرافة التهميش: منذ سقوط البعث الفاشي، ادعوا أن الشيعة همشوا السنة في المشاركة في الحكم . والحقيقة أن السنة هم همشوا أنفسهم في أول الأمر، حيث قاطعوا العملية السياسية، ورفضوا المشاركة في السلطة والانتخابات على أمل إسقاط النظام الجديد وإعادة الوضع إلى ما قبل 2003... وأخيراً انتبه العقلاء من أهل السنة، فشاركوا في العملية السياسية، ولكن اندس البعثيون في صفوفهم لغرض إسقاط العملية من الداخل باستخدام الورقة الطائفية. فرغم مشاركتهم في السلطة، ووفق ما افرزته صناديق الانتخابات، إلا إنهم شاركوا في الحكومة كحصان طروادة، من أجل شلها وتفجيرها من الداخل، لأنهم في نفس الوقت مارسوا الإرهاب. وجرائم طارق الهاشمي ورافع العيساوي ومحمد الدايني وأسعد الهاشمي وأحمد العلواني وعيرهم باتت معروفة للجميع ... فمعظم العمليات الارهابية التي جرت وتجري في المناطق الشيعية تدار من قبل المشاركين في السلطة، وتنفذ من قبل حماياتهم وأتباعهم من الإرهابيين.
8- شن أعداء الديمقراطية من البعثيين وحلفائهم حملة ضارية لتشويه صورة الديمقراطية وإيعاز جميع الشرور والجرائم التي ارتكبوها بالتحالف مع القاعدة ضد الشعب إلى الديمقراطية ، والمحاصصة ، والحكومة ، أو بالأحرى إلى رئيسها، والإدعاء أن الإرهاب والفساد والنهب نتاج هذه الديمقراطية التي جلبتها "أمريكيا سيئة الصيت! " .   
في الحقيقة كل فقرة أعلاه تستحق أن تكون مقالاً مستقلاً، وقد مررنا على الكثير منها في مقالات سابقة.
 
من جرائم البعث

لقد توفرت لحزب البعث، خلال 35 سنة من حكمه، أفضل الفرص والظروف السياسة والاقتصادية والدولية ليطور العراق ويخرجه من دولة متخلفة إلى مستوى الدول المتقدمة في العالم الأول، ولكن بدلاً من ذلك ، بدد البعث الثروات الهائلة على عسكرة المجتمع، وسباق التسلح ، والحروب العبثية والخراب الشامل، وارتكب قائمة طويلة من الجرائم التي لا تعد ولا تحصى بحق الشعب العراقي وشعوب المنطقة وخاصة الشعبين الإيراني والكويتي.
لقد جلب حكم البعث على العراق خلال 35 سنة من حكمه الجائر، وباختصار شديد الكوارث التالية:
أولاً ، قبل اغتصاب البعث للسلطة عام 1968 كان الدينار العراقي يعادل 3.5 دولار أمريكي، ثم بدأ سعر الدينار بالهبوط منذ استلام صدام رئاسة الدولة إلى أن بلغ في الأيام الأخيرة من حكمه مستوى الصفر بحيث صار سعر الدولار يعادل 3500 دينار، أي صارت القوة الشرائية للدينار العراقي دون سعر الورقة التي يطبع عليها، أي إفلاس تام وانهيار كامل لاقتصاد بلد عائم على بحر من النفط. فهل هناك فساد وفشل أسوأ من ذلك؟
ثانياً ، لقد بلغت واردات النفط أرقاماً عالية وقياسية غير مسبوقة في عهد حكم البعث، فقبل أن يسيطر صدام على رئاسة الجمهورية عام 1979، بلغ رصيد العراق من احتياطي العملة الصعبة والذهب نحو 45 مليار دولار، وهذا مبلغ كبير في حينه، ولكن نتيجة لسياساته الطائشه، عند سقوط حكمه بلغت الديون نحو 120 مليار دولار، إضافة إلى مئات المليارات من تعويضات الحروب، يعني دولة مفلسة.
ثالثاً ، بلغ عدد قتلى العراقيين خلال حكم البعث نحو مليونين، إضافة إلى التهجير القسري لأسباب طائفية، والهجرة الطوعية للذين فروا بجلودهم حيث بلغ عددهم نحو 5 ملايين، موزعين على شتى أنحاء المعمورة .
رابعاً ، حقق حكم البعث قفزة كبرى ولكن إلى الوراء، حيث أعاد المجتمع العراقي إلى عهد العشيرة والقبيلة والطائفية، وتفتيت النسيج الاجتماعي، والتجهيل المتعمد، وما حصل من ردة حضارية، وانهيار فكري وأخلاقي، وتدمير روح المواطنة والولاء للعراق ... و الذي يدفع الشعب ثمنه الآن .
خامساً ، قبل اغتصاب البعث للسلطة كان في العراق نحو 40 مليون نخلة، وبسبب حروبه العبثية هبط العدد إلى أقل من 8 مليون نخلة، إضافة إلى قيامه بتجفيف الأهوار وتدمبر البيئة. يعني أن حكم البعث قد أهلك الحرث والنسل، وأحال العراق من (بلاد السواد) لكثرة مزارعه إلى صحراء قاحلة.

وبعد كل هذه الكوارث، يتباكى البعض هذه الأيام ويترحم على عهد البعث الصدامي ويدَّعون كذباً أنهم كانوا معارضين لحكمه.
 
وعليه فكل ما ألحق بالعراق من خراب ودمار وأضرار وجرائم ، منذ 8 شباط 1963 وإلى الآن، يتحمل مسؤوليته البعث الفاشي. فشعارهم (إما نحكمكم أو نقتلكم... عليَ وعلى أعدائي يا رب!!)

ورغم كل ما يمر به العراق من مرحلة قاسية بعد سقوط حكم البعث الجائر، فهذه الكوارث هي الثمن الباهظ التي تدفعها الشعوب للانتقال من الاستبداد الجائر إلى الديمقراطية الناضجة، والتمرن على ممارستها، وتبني روح التسامح، والتعايش السلمي مع المختلف وحق الاختلاف. وقد مرت بها كل الشعوب التي سبقتنا في هذا المجال.
لقد أثبت البعثيون خلال 35 سنة من حكمهم الجائر وهم في السلطة، و13 سنة من إرهابهم وهم خارج السلطة، أن البعث لم يكن حزباً سياسياً، بل عصابة مافيا إجرامية مسلحة أدعت بعض المبادئ السياسية، وتقمصت السياسة، وبغفلة من الزمن، وبمساعدة ظروف دولية شاذة مثل الحرب الباردة، استطاعت هذه العصابة أن تغتصب السلطة بانقلاب عسكري، وتحكم الشعب العراقي بالنار والحديد، وتنهب ثرواته وقتل شعبه وتشريد الملايين من أبنائه. لذلك فنحن لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن حكم البعث كان أبشع أنواع الاحتلال للعراق، وعليه، كان واجباً أخلاقياً على المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى تحرير الشعب العراقي من أبشع احتلال فاشي جائر عرفه التاريخ.
بالله عليكم ، إن حزباً هذا تاريخه البشع، ألحق بالشعب العراقي وشعوب المنطقة الدمار الشامل، هل يستحق العطف والدفاع عنه والمطالبة بعودته أو حتى مشاركته في السلطة؟ غني عن القول إن من يدافع عن هكذا نظام همجي جائر هو إما مازوخي (Masochistic) يستلذ العبودية وتعذيب ذاته وحياة الذل والهوان، أو هو واحد من المافيا البعثية. وفي جميع الأحوال نحن ضد هؤلاء، ولا بد من المرور بهذه المرحلة القاسية، والعمل لتوفير الظروف الطبيعية لشعبنا ليبدأ حياة طبيعية كريمة تليق بكرامة الإنسان أسوة بالشعوب المتحضرة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
 ــــــــــــــــــــــ
* نشرتُ هذا المقال قبل عامين، وقد ذكَّرني به قبل أيام صديق عزيز، فأعدت قراءته، ونظراً لأهميته، وضعف ذاكرة الناس ونسيانهم لجرائم البعث الساقط ، رأيت من المفيد إعادةُ نشره اليوم بمناسبة مرور 13 عاماً على تحرير العراق من الفاشية، وذلك عملاً بالقول الكريم: وذكِّر إن نفعت الذكرى.

** صورة: سقوط الصنم وبداية تاريخ جديد
http://www.akhbaar.org/home/2016/4/210065.html


175
سليم الجبوري يتحدث بلسانين

د.عبدالخالق حسين

السيد سليم الجبوري، هو رئيس البرلمان العراقي، وقيادي بارز في الحزب الإسلامي العراقي (أخوان المسلمين)، واتحاد القوى الوطنية الذي يضم معظم القوى السنية، لذلك فالمفروض به كمسؤول كبير في الدولة العراقية، أن يكون حريصاً كل الحرص على الوحدة الوطنية، ويتجنب التصريحات الطائفية التي من شأنها تسيء إلى هذه الوحدة التي هي أصلاً في غرفة الإنعاش. لكنه مع الأسف الشديد أثبت أخيراً أنه ذو وجهين، ويتحدث بلسانين.

فقد نشر قبل يومين (27/3/2016) في صحيفة نيويورك تايمز، مقالاً بعنوان: (ابقوا المليشيات خارج الموصل)(1)، (Keep the Militias Out of Mosul )(2)، قال عن الحشد الشعبي كلاماً جارحاً لا يليق به كرئيس للبرلمان، رافضا مشاركته في عمليات تحرير الموصل، مشيرا الى انه "مليشيات طائفية تعمد الى القيام بأعمال طائفية انتقامية تهدف الى الهدم وتدمير المساجد والمنازل في المناطق المحررة"، وأنه لا يقل خطورة عن داعش.
هذا الكلام سمعناه من السعودية والدول الخليجية الأخرى على مستوى الحكومات والإعلام، ولكن ما كنا نتوقعه أن يصدر من رئيس البرلمان، لذلك فهو مرفوض جملة وتفصيلاً، لأنه يسئ إلى فصيل ضمن القوى الأمنية الباسلة، وبقيادة القائد العام للقوات المسلحة، دفع الكثير من التضحيات في سبيل تطهير أرض الوطن من رجز الإرهاب الداعشي ومن وراءه من قوى الشر. إضافة إلى كون هذه التصريحات من شأنها زعزعة الثقة بين مختلف مكونات الشعب، وإثارة الفتنة الطائفية التي يراهن عليها التحالف السعودي الخليجي التركي.

ثم طلع علينا بعد يومين (29/3)، ببيان نشر في الإعلام العراقي على الضد تماماً لمقاله في الصحيفة الأمريكية، يكيل فيه الثناء والمديح للحشد الوطني، جاء فيه أن "من واجه داعش وقدم التضحيات سواء من أبناء الحشد الشعبي والعشائر الغيورة وكل قواتنا الامنية البطلة يجب ان يفتخر بهم كل الشعب العراقي وتسطر ملاحمهم لتكون تاريخا مشرفا تفتخر به الاجيال القادمة ورمزا شامخا للتضحية والفداء في سبيل الارض والعرض". مختتما حديثه بالقول "لقد كانت لنا مواقف وجهود في دعم الحشد الشعبي وقواتنا الأمنية"(3).
فأين هذا الكلام الموجه للعراقيين من كلامه في الصحيفة الأمريكية للأمريكيين؟ أليس هذا كلام مزدوج وبلسانين؟ فهل يتجرأ ويعترض على نيويورك تايمز بأن المقال المنشور باسمه هو منحول ونسب إليه من دون علمه أو موافقته ولا علاقة له به؟ وهل ستنشر نيويورك تايمز تصريحاته الأخيرة التي يكيل فيها الثناء والمديح للحشد الشعبي؟

لا نعتقد أن صحيفة أمريكية ذات شهرة عالمية تجازف بسمعتها لتنشر مقالاً باسم رئيس برلمان دولة أخرى، فيه إساءة لأكبر مكون من مكونات الشعب العراقي، ما لم يكن هذا المقال مرسل من قبل كاتبه وبتوقيعه وبشكل مؤكد. لذلك نقول لا يليق بالسيد رئيس البرلمان أن يتحدث بلسانين، فمن جهة، يحرِّض الإدارة الأمريكية والرأي العام الأمريكي على الحشد الشعبي ويصفه بمليشيات طائفية انتقامية، تهدف الى الهدم وتدمير المساجد والمنازل في المناطق المحررة، ويرفض مشاركته في عمليات تحرير الموصل، ومن جهة ثانية يخاطب الشعب العراقي بأن الحشد الشعبي أحد القوى الغيورة البطلة التي نفتخر بها.

نقول مرة أخرى أن الشعب العراقي متعدد الأقوام والأديان والمذاهب، وقد دفع الكثير من أرواح أبنائه وممتلكاته بسبب الأنظمة الدكتاتورية الطائفية المستبدة، لذلك لا يصلح له إلا النظامي الديمقراطي العلماني، شعاره (الدين لله والوطن للجميع)، ولا يمكن بناء هكذا نظام بالتحدث بلسانين، واللعب على الحبلين، فحبل الكذب قصير.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- سليم الجبوري: أبقوا الميليشيات خارج الموصل (المقال منشور في النيويورك تايمز)
http://www.akhbaar.org/home/2016/3/209510.html

2- النسخة الإنكليزية الأصلية:
SALEEM AL JUBOURI: Keep the Militias Out of Mosul
http://www.nytimes.com/2016/03/28/opinion/international/keep-the-militias-out-of-mosul.html?ref=world&_r=0

3- الجبوري: الحرب ضد داعش حرب مقدسة وتضحيات متطوعي الحشد الشعبي كبيرة
http://www.akhbaar.org/home/2016/3/209512.html



176
من وراء تفجيرات بروكسل؟
د.عبدالخالق حسين

في صباح يوم الثلاثاء، 22/3/2016، ارتكبت ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش) سلسلة من التفجيرات المروعة في بروكسل، عاصمة بلجيكا، و قلب أوربا وعاصمة الوحدة الأوربية أيضاً. بدأت بالمطار، وبعد ساعة ضرب انفجار آخر محطة مالبيك في مترو الأنفاق قرب مقر الاتحاد الأوروبي. وراح ضحية هذه التفجيرات 31 قتيلاً ونحو 300 جريحاً. وقال التنظيم في بيان على الانترنت، إن المواقع المستهدفة تم "انتقائها بعناية"، وحذرت من أن الأسوأ قادم "للدول الصليبية التي تحالفت ضد الدولة الإسلامية".

والسؤال هنا، هل حقاً أن هذه التفجيرات جاءت رداً على تحالف "الدول الصليبية ضد الدولة الإسلامية"؟ الجواب كلا، فالدول الغربية كانت قد غضت الطرف عن إرهاب داعش في أول الأمر، وألقت اللوم  على بشار الأسد في سوريا أملاً في إسقاطه، وعلى الحكومة العراقية (التي يهيمن عليها الشيعة والموالية لإيران) على حد كليشتهم المملة كلما ذكروا العراق. ولم تتحالف هذه الحكومات ضد داعش إلا بعد سلسلة الهجمات الإرهابية المنسقة في باريس يوم 13 نوفمبر 2015، والتي راح ضحيتها 131 قتيلاً وأكثر من 700 جريح، وسبق ذلك هجوم على صحيفة شارلي إبدو الساخرة  في باريس في 7 يناير  2015، أدى إلى مقتل 12 شخصاً وإصابة 11 آخرين، وغيرها كثير من الأعمال الإرهابية، لذلك فالتحالف الأوربي "الصليبي" ضد داعش جاء كنتيجة ورد فعل للإرهاب الداعشي وليس سبباً له.

إن الأعمال الإرهابية ضد الغرب نتاج العقيدة الوهابية التكفيرية، بدأت منذ التسعينات من القرن الماضي بضرب السفارات والمصالح الأمريكية في أفريقيا، ثم تكللت بكارثة 11 سبتمبر 2001، و راح الذرائعيون يختلقون المبررات للإرهاب، ويلقون اللوم على السياسة الخارجية لأمريكا وغيرها من الدول الغربية، وتعاطفها مع الصهيونية وإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني ...الخ. بينما الحقيقة التي يتناساها هؤلاء عن عمد، هي أن الإرهابيين ابتداءً بالقاعدة وانتهاءاً بلقيطتها داعش، لم تقم بأية عملية إرهابية ضد إسرائيل، أو ضرب مصالحها في أي مكان في العالم. لذلك فهذه الادعاءات باطلة والغرض منها تحريف الأنظار عن السبب الحقيقي للإرهاب ومن وراءه ويرعاه، ألا وهو دور السعودية في نشر التطرف الوهابي التكفيري ضد كل من لا يؤمن بمذهبهم الفاشي المعادي للإنسانية.

فالجرائم الإرهابية الأخيرة ليست بنت الساعة، بل هي نتاج عشرات السنين من عملية غسيل أدمغة الشباب، ونشر التطرف الديني الوهابي في العالم، وتحويلهم إلى روبوتات وقنابل بشرية موقوتة. وفي هذا الخصوص، نشرت صحيفة الإنتدبندنت اللندنية تقريراً مفصلاً قبل أربعة أشهر عن دور السعودية في نشر التطرف في بروكسل بالذات، وبمناسبة التفجيرات الأخيرة أعادت الصحيفة نشر التقرير وهو بعنوان: (هجمات بروكسل: دور المملكة العربية السعودية وصفقة الحصول على عقود النفط في زرع بذور التطرف في بلجيكا)(1). يروي الكاتب (Leo Cendrowicz) قائلاً:
((هناك عدة أسباب جعلت بلجيكا مرتعا للإسلام الراديكالي. بعض الإجابات تكمن في زرع الدعاة السلفيين السعوديين في البلاد منذ الستينات من القرن الماضي، وحرصا على تأمين عقود النفط، قدمت بلجيكا في عهد الملك بودوان عرضا للملك السعودي فيصل، الذي كان قد زار بروكسل في عام 1967، وفي هذه الزيارة تم الاتفاق على إقامة مسجد في العاصمة، وتوظيف رجال الدين المدربين من السعودية والخليج. و في ذلك الوقت، كانت بلجيكا تشجع مجيء العمال المغاربة والأتراك إلى البلاد كعمالة رخيصة. ان الاتفاق بين الملكين جعل المسجد المكان الرئيسي لعبادتهم.))

كانت في بروكسل بناية مهجورة بنيت على التصميم الشرقي عام 1879. لذلك منح اتفاق 1967 السعوديين استخدام هذه البناية لمدة 99 عاما، بدون إيجار (Rent-free lease). تم تحويرها من قبل السعوديين، وافتتح في عام 1978 باسم المسجد الكبير في بروكسل، إضافة إلى استخدامه مقراً للمركز الإسلامي والثقافي في بلجيكا (ICC).
وعلى الرغم من اعتبار المسجد الصوت الرسمي للمسلمين في بلجيكا، ولكن جاءت تعاليم السلفية المتشددة بتقاليد مختلفة جدا عن إسلام المهاجرين الجدد. اليوم هناك حوالي 600000 نسمة من أصول مغربية وتركية في بلجيكا التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون.

ورغم أن المغاربة من المذهب المالكي الأكثر تسامحا وانفتاحا من الإسلام الوهابي السعودي، إلا إنه تم إعادة أسلمتهم من قبل رجال الدين السلفية والمعلمين في المسجد الكبير. بعض المغاربة حصلوا على منح دراسية في المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية. فالسلفيون منعوا المغاربة من الاندماج في المجتمع البلجيكي، ونشروا بينهم التطرف الوهابي. وينقل الكاتب عن نائب برلماني بلجيكي قوله: "أننا كنا نعامل السعودية كدولة صديقة، ولكنهم استخدموا الإزدواجية في تعاملهم معنا، فهم يريدون التحالف مع الغرب عندما يتعلق الأمر بمحاربة الشيعة وإيران، ولكن لديهم أيديولوجية القهر عندما يتعلق الأمر بدينهم والتعامل مع العالم".

ويستنتج التقرير أن معظم الإرهابيين والمتطرفين المسلمين في بلجيكا هم خريجو الجامع الكبير الذي يديره السعوديون. وهؤلاء يستلمون أطفال المسلمين ويزرعون فيهم ثقافة الكراهية والتطرف والتكفير ضد أتباع جميع الأديان الأخرى، وضد المسلمين من غير السلفيين الوهابيين، وبالأخص ضد الشيعة، ويعتبرون قتل جميع هؤلاء ضمان لهم لدخول الجنة.

لقد بات دور السعودية في نشر التطرف والإرهاب في العالم معروفاً، وحتى الرئيس باراك أوباما أعترف بذلك علناً، ولكن الإعلان وحده لا يكفي ما لم تقم الحكومات الغربية وعلى رأسها أمريكا بأخذ إجراءات رادعة وحاسمة ضد مملكة الشر وإيقافها عند حدها، وتحميلها تكاليف كل هذا الخراب الذي حصل في البلدان التي نالها الإرهاب السعودي مثل العراق وسوريا واليمن وتونس وليبيا ومصر والبلدان الأوربية والأفريقية الأخرى. فبدون تجفيف منابع الإرهاب ابتداءً بالسعودية تبقى البشرية تعاني من هذا الإرهاب الوهابي المتوحش إلى أجل غير معلوم.

لذلك على الحكومات الغربية أن تصحو من غفوتها، وإذا ما استمرت في هذا الاستغفال والتغاضي عن دور السعودية في نشر التطرف الديني التكفيري مقابل المال والنفط، فإن مزيداً من العمليات الإرهابية في المستقبل، وهذا يؤدي إلى صعود اليمين الأوربي المتطرف ضد كل الجاليات الإسلامية في الغرب، والأبرياء هم الذين يدفعون الثمن في كل وقت.
26/3/2016
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1-
The Independent:
 Brussels attacks: How Saudi Arabia's influence and a deal to get oil contracts sowed seeds of radicalism in Belgium
http://www.independent.co.uk/news/world/europe/brussels-attacks-saudi-arabia-influence-oil-contracts-sowed-seeds-radicalism-belgium-great-mosque-a6745996.html
 
2- د.عبدالخالق حسين: الوهابية، حركة فاشية دينية يجب تجريمها
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=749

3- كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

4- د. أسامة فوزي: على هامش تفجيرات بروكسل الإرهابيه ... لله درك يا بشار الأسد
http://www.arabtimes.com/portal/news_display.cfm?Action=&Preview=No&nid=21150

177
الشيعة ألد أعداء أنفسهم
عبدالخالق حسين

لن يستطيع أحد ان يركب ظهرك إلا اذا كنت منحنيا - مارتن لوثر كنك

هذه الحكمة تنطبق على الشعب العراقي وبالأخص الشيعة. فالشعب العراقي منقسم على نفسه ليس طائفياً وعرقياً فحسب، بل وفي عداء مستفحل بين الكيانات السياسية والعشائرية والمناطقية داخل كل مكون، ومستعد للتعاون مع الجهات الخارجية لتدمير بلاده من أجل إلحاق الهزيمة بمنافسيه من الشركاء في الوطن والسلطة، بسبب الأنانية والمصالح الفئوية والشخصية والقيم البدوية والعشائرية السائدة التي أحياها النظام البعثي البدوي خلال 35 سنة من حكمه الجائر متبعاً مبدأ (فرق تسد)، والذي جعل الشعب العراقي غير قابل للحكم إلا بالإستبداد البعثي الصدامي. فكما أكدنا مراراً أن الوحدة الوطنية الظاهرية التي استمرت منذ تأسيس الدولة الحديثة عام 1921 إلى سقوط دولة البعث عام 2003، لم تكن حقيقية اختيارية، بل وحدة مزيفة مفروضة بالقوة من قبل دكتاتورية المكون الواحد. لذلك فضحت الديمقراطية الشعب العراقي وكشفت كل عيوبه و أظهرته على حقيقته. لذلك فمن الصعب جداً تطبيق الديمقراطية في مجتمع بدوي منقسم على نفسه بشتى فنون العداوات. فالعراقيون كانوا في حالة حرب مستمرة مع بعضهم البعض خلال الحكم العثماني، تطورت إلى حروب مع الحكومات العراقية المتعاقبة، وأياً كانت هذه الحكومات.

فمن قراءتي لتاريخ العراق الحديث توصلت إلى استنتاج أن الصراع الطائفي (السني- الشيعي)، هو السبب الرئيسي لعدم استقرار العراق، و ألفتُ كتاباً في هذه الخصوص بعنوان(الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق)(1). و توصلت إلى أن زعماء الشيعة ليسوا أبرياء في استفحال هذا الصراع وجلب الكوارث على أبناء طائفتهم، لذللك خصصتُ فصلاً كاملا بعنوان ((دور فقهاء الشيعة في العزل الطائفي))(2)، إذ وجدت أن زعماء الشيعة، الدينيين والسياسيين، لعبوا دوراً رئيسياً في عزل أبناء طائفتهم، وما لحق بهم من ظلم طيلة تاريخ العراق الحديث وحتى بعد 2003 حيث يحاول أعداء الديمقراطية من المتضررين بها، تشويه صورة النظام الديمقراطي في العراق الجديد لأنه فسح المجال لكل مكونات الشعب العراقي بالمشاركة في الحكم، وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع، ومن هذه المحاولات مثلاً، ما أن يذكروا الحكومة العراقية إلا وأتبعوها بكليشة (التي يهمن عليها الشيعة، والموالية لإيران!!).

وفي هذا الخصوص كتب لي صديق : ((ما يخص موقف بعض السياسين الشيعة فهو ليس غريباً او غير متوقع، فالشيعة، وبالتحديد العراقيين علي مر العصور يقبلون الايدي التي تحاربهم وتذلهم ويحاربون الايدي التي تحررهم لان هؤلاء يعيشون ازدواجية مفرطة، وعقدة نقص كبيرة بين المثالية والنفاق المبطن. يتكلمون عن زهد وتقوي الامام علي، ويعيشون إسراف ونفاق معاوية. لا بد للأجيال الشابة والكوادر المثقفة ان يُخرِجوا العراق من هذا النفق المظلم وإبعاد هؤلاء المنافقين عن الساحة السياسية والدينية والاجتماعية ويلغوا اي دور لهم.)).

أتفق كلياً مع تعليق الصديق، إذ كما تفيد الحكمة: (يفعل الجاهل بنفسه كما يفعل العدو بعدوه). فقد أثبت قادة الشيعة، باستثناء القليل منهم، أنهم فعلاً جهلة، وأوضح مثال هو مقتدى الصدر، قائد ما يسمى بالتيار الصدري، الذي استغل مكانة أسرته الدينية ليكسب شعبية واسعة بين جماهير الشيعة وخاصة الجهلاء منهم. وعندما نصف أتباعه بالجهل ليس تجاوزاً منا، بل السيد مقتدى نفسه وصف أتباعه بالجهل حين صرخ عليهم مرة في إحدى التظاهرات (جهلة جهلة جهلة)، ولعل هذا أصدق ما قاله السيد مقتدى في حياته لحد الآن. لقد ساهم السيد الصدر وتياره بعرقلة العملية السياسية وعدم الاستقرار، فمنذ اليوم الثاني من سقوط حكم البعث، ارتكب جريمة قتل السيد عبدالمجيد الخوئي وإثنين من مرافقيه في صحن ضريح الإمام علي في النجف الأشرف، ثم تأسيسه لجيش المهدي، ورفعه لشعار (كلا كلا أمريكا)، وراحت عصاباته تنشر الرعب بين الناس، وتفرض حكم قره قوش في المناطق الشيعية، والآن يقود ما يسمى بحملة الاعتصامات ضد الفساد. 

لماذا الشيعة أعداء أنفسهم؟
أعتقد أن الظلم إذا استمر لعدة أجيال يؤدي إلى تبلد الدماغ وشل العقل، ويصبح جزءاً من تراث المظلومين إلى حد الاعتزاز والتفاخر به. فالشيعة تعرضوا للظلم منذ العهد الأموي و إلى الآن. ولا أجافي الحقيقة إذا قلت أنهم أدمنوا على الحزن، وهذا ما جعل تراثهم الأدبي والفني يتسم بالمآسي، وحتى غناءهم وموسيقاهم يبعث على الحزن وداء الكآبة (الميلانخوليا Melancholy)، فاستطابوا الشكوى والمناحات واللطميات كتنفيس لآلامهم... إلى حد يمكن القول أنهم مصابون بالمازوخية (التلذذ بتعذيب الذات)، فإذا لا يوجد من يعذبهم في زنزانات التعذيب المظلمة، يقومون هم بتعذيب أنفسهم، بلطم صدورهم، وجلد ظهورهم بالسياط، وجرح رؤسهم بالتطبير، حتى أصبحت هذه الممارسات المقرفة جزءً من طقوسهم الدينية، أحاطوها بالقداسة والتبجيل. وفي وقتنا الحاضر راحوا يبدعون طرقاً جديدة من هذه الطقوس مثل الزحف على البطون في مواكب العزاء الحسيني عندما يقتربون من ضريح الإمام الحسين أو العباس في كربلاء. وهذه وثنية بكل معنى الكلمة، لذلك يستغل الداوعش الوهابيون هذه المظاهر المقززة فيصفونهم بالشرك والكفر لتبرير إبادتهم.

لنراجع بإيجاز شديد بعض المحطات التي تكشف لنا دور القيادات الشيعية في تكريس عزل أبناء طائفتهم وحرمانهم من حقوقهم الوطنية، ومعاداة كل من يحاول مساعدتهم وإنقاذهم من الظلم. ففي العهد العثماني، كان الأتراك يعتبرون الشيعة زنادقة ومشركين، منعوهم من التوظيف في الدولة، وحرموا أطفالهم من التعليم في المدارس الحكومية، وفي زمن أحد سلاطينهم (سليم الأول)، ارتكبوا مجزرة رهيبة ضد الشيعة "تقرباً إلى الله في إرهاب أعدائه"، تماماً كما يفعل الدواعش اليوم. ولكن المفارقة أنه عندما جاءت القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى لتحرير العراق من الاستعمار التركي المتخلف ونشر الحضارة الحديثة، ثار الشيعة دون غيرهم ضد الإنكليز فشنوا حرب الجهاد، ومن ثم ثورة العشرين ضد "الكفار" دفاعاً عن "دولة الإسلام"!

ولما تأسست الدولة العراقية الحديثة عام 1921، استجابة لثورة العشرين، منع فقهاء الشيعة أبناء طائفتهم من المشاركة فيها، فأصدروا فتاوى ضد كل إجراء تقوم به الدولة، مثل الانتخابات، والتجنيد الإجباري، بل وحتى ضد إرسال أطفالهم إلى المدارس الحكومية للتعلم. ولذلك استغل الطائفيون من المذهب الآخر هذه النزعة عند الشيعة لعزلهم وتهميشهم وحرمان مناطقهم من العمران.

ثم جاءت ثورة 14 تموز 1958 وقد حاول قائدها الزعيم عبدالكريم قاسم التخلص من الطائفية، فأوصى بعدم التمييز بين أبناء الشعب وخاصة في قبولهم في الكليات العسكرية والأركان والوظائف الخ. وبنى عشرات الأحياء السكنية للفقراء الشيعة الذين فروا من ظلم الإقطاع من الريف إلى بغداد والبصرة، فأحبه هؤلاء وسموه زعيم الفقراء. ولكن مرة أخرى كان رجال الدين الشيعة الذين أصدروا الفتاوى ضده، مثل فتوى السيد محسن الحكيم (الشيوعية كفر وإلحاد)، وكان المستهدف من الفتوى حكومة الثورة وقائدها، بسبب ما أصدرته من قوانين ضرورية للإصلاح الاجتماعي، مثل قانون الإصلاح الزراعي، وقانون الأحوال الشخصية الذي أنصف المرأة، فاعتبروه خروجاً على الإسلام، ثم قانون إلغاء حكم العشائر، وقانون النفط رقم 80، وغيرها كثير.

استغل أعداء الثورة هذه الفتوى من السيد الحكيم، فرشحوه مرشداً لحزب التحرير (إسلامي سني)، ونشروا صوره مع الفتوى في كل المناطق السنية في العراق، وراحت وفودهم تأتي إلى النجف لأداء صلاة الجمعة وراء السيد. إلى أن تم لهم ما أرادوا باغتيال الثورة وقيادتها الوطنية النزيهة في إنقلابهم الأسود عام 1963، ثم انقلبوا على السيد واغتالوا العشرات من أسرته، وجعلوا من العراق أكبر مقبرة لأبناء طائفته.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فالكل يعرف ظلم حكم البعث الصدامي على الشيعة، ففي الانتفاضة الشعبانية (آذار 1991) قتل صدام منهم نحو 300 ألف خلال ستة أسابيع، وملأ أرض العراق بالمقابر الجماعية، وكاد أن يقضي على وجود الشيعة في العراق لولا أن قيض الله لهم أمريكا وحلفائها فأسقطت هذا النظام الجائر، و أقامت النظام الديمقراطي الذي سمح للشيعة أن يأخذوا حقهم في السلطة حسب ما تقره صناديق الاقتراع.
ولكن مرة أخرى، وبدلاً من الترحيب بأمريكا ليستفيدوا من هذه الفرصة الذهبية لصالحهم وصالح كل العراق، تحرك بعض زعماء الشيعة مثل السيد مقتدى الصدر وشكل مليشيات(جيش المهدي) لمحاربة أمريكا وضرب اليد التي ساعدتهم في الخلاص من محنتهم، فرفعوا شعارهم سيئ الصيت (كلا كلا أمريكا...). وشاهدنا في السنوات الأولى بعد سقوط الفاشية كيف تصرف أهالي الفلوجة والرمادي فكانوا يأتون إلى الكوفة كل يوم جمعة بعشرات الحافلات للصلاة وراء السيد مقتدى على غرار (شيم البدوي وخذ عباته)، لدعم التيار الصدري في ضرب العملية السياسية، وإعادة حكم البعث الطائفي المقبور. والجدير بالذكر أن معظم أعضاء التيار الصدري بعثيون شيعة وجدوا في هذا التيار ملاذهم الآمن لمواصلة دورهم التخريبي.
ولما فشلت كل المحاولات لإسقاط العملية السياسية مثل الاعتصامات في المحافظات الغربية التي مهدت لداعش واحتلاله لهذه المناطق، وعزلها عن بقية العراق فيما بعد، طلع علينا مقتدى الصدر ليقود التظاهرات الاحتجاجية بحجة محاربة الفساد، تمهيداً للهجوم على المنطقة الخضراء.

نقول لمن يهمهم الأمر، أن الوضع العراقي معقد جداً، أختلط فيه الحابل بالنابل كما يقولون. نعم، هناك فساد على نطاق واسع، سواءً على مستوى المسؤولين الكبار، أو الموظفين الصغار في عدم تمشية معاملات الناس إلا بعد دفع الرشا، وهناك تململ شعبي واسع من هذا الفساد، لكن تم استخدام مقتدى الصدر كحصان طروادة من قبل نفس الجهات التي خططت وموَّلت الاعتصامات السابقة في المناطق الغربية. وتم توظيف السخط الشعبي ليس لمحاربة الفساد، بل لإرباك الحكومة وإسقاطها، خاصة وأنها تزامنت مع انتصارات القوات الأمنية على داعش. فجاءت هذه الاعتصمات كحبل النجاة لإنقاذ الدواعش من الهزيمة.

إن الاعتصامات على أبواب المنطقة الخضراء والتهديد باقتحامها من قبل المعتصمين في حال انتهاء مهلة الـ45 يوما التي حددها زعيمهم مقتدى الصدر دون اي تغيير جذري، هي حلقة من سلسلة من الحلقات التي خططت لها السعودية وغيرها من أعداء العراق الجديد، الغرض منها إسقاط الحكومة و نشر الفوضى العارمة وبالتالي جعل العراق غير قابل للحكم، كتمهيد لعودة البعث لحكم العراق بالقبضة الحديدية وبنسخته الداعشية الوهابية. لذلك لم يجدوا أفضل من مقتدى الصدر ليحقق لهم أغراضهم القذرة التي فشل في تحقيقها الدواعش، تماماً كما استخدموا السيد محسن الحكيم من قبل. والمؤسف أن عدداً من المثقفين، وبنوايا حسنة لمحاربة الفساد، وقعوا في الفخ، فراحوا يروجون لهذه الاعتصامات التي ألبسوها ثوب الوطنية. وهذا تناقض في مواقفهم، فهم من جهة، وكعلمانيين، يناهضون تدخل رجال الدين في السياسة، ولكنهم من جهة أخرى يرحبون باعتصامات يقودها النزق مقتدى الصدر الذي هو أخطر وأجهل رجل دين.

ورغم كل هذه الكوارث، هناك بصيص من الأمل، وهو أن من حسن حظ الشيعة في محنتهم الحالية أن زعيمهم الروحي السيد علي السيستاني يتمتع بالحكمة وصبر أيوب، فلم تهزه المطالبات الديماغوجية الغوغائية، فكان دائماً يدعو أالطائفة إلى ضبط النفس والتحلي بالصبر، ورفض النداءات الصبيانية المشبوهة بإصدار فتاوى الجهاد لمحاربة الأمريكان "المحتل الغاشم" كما يدعون، أو الرد على جرائم الإبادة من قبل الإرهاب البعثي الداعشي الوهابي. وأخيراً سمعنا أنه رفض الاجتماع بمقتدى الصدر بمناسبة هذه الاعتصمات المشبوهة، و هذا دليل على أن السيد السيستاني رافضاً لتصرفات مقتدى الصدر، ومن وراءه.(3).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- د. عبدالخالق حسين: الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق (كتاب)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=753

2- د.عبدالخالق حسين: دور الفقهاء الشيعة في العزل الطائفي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/news/408.html

3- المتحدث باسم الصدر يوضح ملابسات عدم عقد اجتماع مع السيد السيستاني
http://www.akhbaar.org/home/2016/3/208995.html


178
حول تصريحات الرئيس أوباما الأخيرة
عبدالخالق حسين

أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي نشرت في مجلة (أتلانتيك) الأمريكية،(1 و2) تعليقات وردود أفعال كثيرة من قبل عدد غير قليل من السياسيين، والصحفيين، والكتاب في العالم، من مؤيدين ومعارضين، بما فيها غضب الحكومة السعودية(3). والمقابلة مطولة، تمت على عدة جلسات، وفترات، غطت نحو 85 صفحة، ونشرت أخيراً بعنوان:(عقيدة أوباما (The Obama doctrine، وربما ستنشر في كتاب لاحقاً. وأهمية هذه التصريحات تكمن في كونها خارطة طريق للسياسة الخارجية الأمريكية الجديدة.

ومهما كان موقفنا من أوباما، أرى من الانصاف أن نقيِّم الرجل من خلال ما قدمه من أفعال وأقوال عبر ولايتين لثمان سنوات من رئاسته للدولة العظمى، وتعامله مع التركة الثقيلة التي ورثها من سلفه الرئيس جورج دبليو بوش.

فهو يختلف عن كل الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه، وأثبت أنه ليس فقط سياسي محنك، بل، و مفكر ومثقف كبير، وخطيب مفوه، وأستاذ جامعي، ومؤلف لعدة كتب قبل أن يصبح رئيساً. إضافة إلى كونه يحمل صفات ليست في صالحه في مجتمع طبقي يعاني من صراع عنصري، فهو رجل أسود من أب مسلم كيني، وأم من إحدى جزر هاواي ، قضى أربع سنوات من طفولته في إندونيسيا، أكبر بلد إسلامي من حيث السكان، واسمه الثاني إسلامي (حسين). لذلك، أن يصبح هكذا شخص رئيساً لدولة عظمى، مازال قسم من شعبها يمارس التمييز العنصري ضد السود، لابد بد وأن يكون ذا كفاءة وإمكانيات فكرية وسياسية وشخصية غير عادية. ثم نال جائزة نوبل للسلام في السنة الأولى من رئاسته الأولى، والرجل لم يخيِّب أمل لجنة نوبل، إذ بذل قصارى جهوده لتغيير سياسة أمريكا الخارجية المعروفة بالشراسة والعصا الغليظة، فقد قاوم بقوة، نداءات اليمين الأمريكي في زج أمريكا في حروب جديدة، كما سحب قواته من العراق، ورفض ضرب سوريا، وأنهى الصراع الإيراني- الأمريكي، وحاول كسب الدول الإسلامية في خطابه التاريخي في جامعة القاهرة عام 2009، وأنهى الحصار الاقتصادي المفروض على كوبا منذ عام 1959. وفي المجال الداخلي نجح في إقامة نظام الرعاية الصحية لحوالى 32 مليون امريكى من الطبقة الفقيرة، وتعزيز الاقتصاد ودعم الشركات الصغيرة.

وأخيراً، خرج أوباما على تقليد أسلافه، إذ صرح بأقوال لم يتجرأ أي رئيس أمريكي أن يقلها وهو في البيت الأبيض، ضد الكثير من حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، وهذا ما يهمنا من تصريحاته الأخيرة في هذا المقال.
لم نستغرب عندما أعلن أوباما أنه على علم بدور السعودية والدول الخليجية الأخرى في نشر التطرف الديني، والإحتقان الطائفي ضد الشيعة وبقية المذاهب الإسلامية من غير الوهابية، لأنه رئيس أقوى دولة تمتلك أكبر جهاز إستخباراتي (CIA) في العالم، فلا بد أن يكون هو ومساعدوه في إدارته على علم تام بكل ما كنا نردده عن دور السعودية وحليفاتها في تأجيج الصراع الطائفي، ونشر التطرف الوهابي، ومعاداة أتباع الديانات الأخرى، ودعم الإرهاب. لذلك، وهو على وشك أن يغادر البيت الأبيض، يريد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه ويخرج عن المألوف الذي سار عليه الرؤساء السابقون، وبذلك يسجل سابقة مهمة في فضح الأشرار من حلفاء أمريكا بمن فيهم الموتور العصملي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصفه بالدكتاتور الفاشل.

وفي هذا الخصوص نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية تعليقاً على الموقف الأمريكي الجديد من السعودية أنه "من المستغرب أن ذلك التحول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة استغرق وقتاً طويلاً قبل تنفيذه. فبعد أيام قليلة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، اكتشفوا أن 15 شخصاً من أصل 19 نفذوا العملية كانوا سعوديين، كما أن أسامة بن لادن وممولي العملية كانوا أيضاً سعوديين.(4)

ومن الجانب الآخر، حسمت إدارة أوباما صراعها مع إيران بعد 36 سنة من العداء والقطيعة، عقب دخول الاتفاق النووي المبرم بين إيران والقوى العالمية حيز التنفيذ، في كانون الثاني 2016، حيث قامت الولايات المتحدة بإلغاء العقوبات المتصلة بالبرنامج النووي التي كانت فرضتها على إيران والتي من شأنها أن تساهم في إنعاش الاقتصاد الإيراني الذي عانى من تأثيرها طويلا. وتم هذا بفضل المرونة والدبلوماسية الحكيمة التي مارستها حكومة الرئيس حسن روحاني وجناحه المعتدل.

ولعل أهم ما جاء في هذه المقابلة هو ما تضمنته الفقرة الأخيرة في النسخة العربية لهذه التصريحات ما يلي:
((وفي اجتماع لمنظمة «ايباك» مع رئيس الحكومة الأسترالية مالكولم تيرنبول، وصف أوباما كيف تحوّلت إندونيسيا، تدريجياً، من دولة مسلمة متسامحة إلى دولة أكثر تطرفاً وغير متسامحة. سأله تيرنبول «لماذا يحصل هذا الأمر؟»، فأجابه أوباما «لأن السعودية وغيرها من الدول الخليجية ترسل الأموال وعدداً كبيراً من الأئمة والمدرّسين (الإسلاميين) إلى البلد». وأضاف «في عام 1990، موّلت السعودية المدارس الوهابية بشكل كبير، وأقامت دورات لتدريس الرؤية المتطرفة للإسلام، والمفضّلة لدى العائلة المالكة». عندها سأله تيرنبول «أليس السعوديون أصدقاءكم؟»، فأجابه أوباما بأن «الأمر معقد». جيفري غولدبرغ [الصحفي الذي أجرى المقابلة]،عقّب بالقول «في البيت الأبيض، يمكن سماع المسؤولين يقولون لزائريهم إن العدد الأكبر من مهاجمي 11 أيلول لم يكونوا إيرانيين». حتى إن أوباما نفسه يهاجم السعودية في الغرف المغلقة قائلاً إن «أيّ بلد يقمع نصف شعبه، لا يمكنه أن يتصرّف بشكل جيّد في العالم الحديث».))(نفس المصدر:1).

أعتقد أن هذه التصريحات تمثل علامة تحول كبير في السياسة الخارجية الأمريكية، ولم تأت صدفة أو بمعزل عما يجري في الغرب من تذمر من السياسات العدوانية التي تنتهجها المملكة العربية السعودية، وحليفاتها الدول الخليجية من مساع محمومة للتأجيج الطائفي، وإثارة البغضاء ضد أتباع المذاهب الإسلامية من غير الوهابية، وضد غير المسلمين. إضافة إلى ما فقده النفط الخليجي من أهمية في الغرب بفضل ظهور البدائل المتجددة للطاقة، وعما قريب ستحقق أمريكا الإكتفاء الذاتي في النفط بل وحتى تصديره. فالنفط كان العامل الوحيد الذي جعل أمريكا والغرب تتغاضى عن طيش واستهتار السعودية والدول الخليجية وتجاوزاتها على حقوق الإنسان وبالأخص حقوق المرأة، فهم يتحملون مسؤولية الإرهاب في العالم، ومشكلة اللاجئين، وتدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن، وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد وصل خطرهم إلى الدول الغربية وكل أنحاء العالم.

لذلك اعتقد أن هذه التصريحات هي أشبه بالبيان الأول أو المقدمة للسياسة الأمريكية الجديدة التي ستتبناها الإدارة الأمريكية القادمة، وخاصة إذا ما فازت هيلاري كلنتون في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر من هذا العام، (وهي أكثر حظاً في الفوزها، خاصة إذا رشح الجمهوريون اليميني المتطرف الملياردير دونالد ترامب.

كذلك يبدو أن هناك توجه عام في أمريكا خاصة، والدول الغربية عامة، لحل الصراعات في الشرق الأوسط ودحر الإرهاب، فهذه الصراعات خلقت للدول الغربية مشكلة الملايين من اللاجئين الذين يجازفون بحياتهم من أجل العيش في الغرب، مما يفوق طاقة هذه الدول لإستيعابهم، إضافة إلى ما خلقه هذا الزحف المليوني مشكلة سياسية بين شعوب الدول الغربية وحكوماتها مما استفز اليمين الأوربي ضد العرب والمسلمين وكل المهجارين. وقد أدركت هذه الحكومات أخيراً أن السعودية وحليفاتها هي وراء كل هذه الأزمات.

ماذا يجب أن يكون موقف العراق من السياسة الأمريكية الجديدة؟
والسؤال المهم هنا: ماذا يجب على الساسة العراقيين عمله إزاء هذه التحولات في السياسة الأمريكية الجديدة للمنطقة؟
يعرف العراقيون بجميع مكوناتهم أن هناك تكالب على بلادهم، وأن السعودية وحليفاتها هم وراء الاحتقان الطائفي من أجل إدامة الصراع وتمزيق الشعب العراقي إلى طوائف متحاربة، لذلك راحوا يدعمون كل طرف ضد الأطراف الأخرى، وجعلوا من العراق وسوريا واليمن ساحة للحروب بالوكالة بين السعودية وحليفاتها من جهة، وإيران من جهة أخرى. وكانت أمريكا مع السعودية في هذا الصراع، لأن القادة العراقيين، وخاصة الشيعة منهم، لم يعرفوا كيف يلعبوا ورقتهم في هذه المرحلة التاريخية العصيبة، ويكسبوا أمريكا إلى جانبهم ولصالح العراق. فخلقت السعودية وحليفاتها المنظمات الإرهابية مثل القاعدة ومشتقاتها: داعش وجبهة النصرة والنقشبندية وعشرات غيرها. وهناك حملة خليجية مسعورة لتشويه صورة الحشد الشعبي واعتباره مليشيات طائفية إرهابية أسوأ من داعش. وهذا هو سبب توتر الموقف بين العراق والسعودية.
لذلك، وبناءً على السياسة الأمريكية الجديدة، قام القنصل الأمريكي في البصرة بزيارة جرحى الحشد في المستشفى. ولكن المفارقة أنه بدلاً من ترحيب قادة الحشد لهذه المبادرة الأمريكية ذات الدلالة السياسية العميقة، طلع علينا السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، والسيد هادي العامري رئيس منظمة بدر وأحد القادة الميدانيين للحشد الشعبي، باستنكار هذه الزيارة ووصفها بالنفاق! إن هذه الزيارة يجب أن ينظر إليها بما تحمله من دلالات سياسية لصالح الحشد والعراق، فهي تعتبر اعتراف أمريكا بدور الحشد في محاربة الإرهاب، وصفعة في وجوه أعدائه، بأن أمريكا لا تعتبر الحشد مليشيات طائفية إرهابية كما تردد السعودية ومرتزقتها، بل فصيل شعبي مشروع.

والجدير بالذكر أن السعودية تصرف مئات الملايين من الدولارات على اللوبيات في أمريكا من أجل تشويه صورة العراق الجديد، وخاصة الحشد الشعبي، والإدعاء بأن الحكومة العراقية خاضعة للنفوذ الإيراني ومعادية لأمريكا. لذلك فتصريحات الصدر والعامري تصب في خدمة السعوديين، ولا أستغرب عندما وصفه أحد الكتاب بأنه عميل سعودي. والجدير بالذكر أن الصدر هو الزعيم الشيعي الوحيد بعد أياد علاوي، الذي استقبله الملك السعودي عبدااله، لأنه وجد فيه حصان طروادة لضرب العملية السياسية.
لذلك، أرى أنه من مصلحة العراق الترحيب بالسياسة الخارجية الجديدة التي أعلنها الرئيس أوباما وبالأخص فيما يتعلق بموقف أمريكا من الدول التي تستخدم الفتنة الطائفية، والراعية للإرهاب مثل السعودية وحلفائها.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1- أوباما: السعودية مصدر للتطرّف.. أردوغان فاشل واستبدادي.. هكذا «تحرّرت» أميركا من مغامرة ضرب سورية..؟!
http://www.akhbaar.org/home/2016/3/208501.html

2- الرابط اًلأصلي للتقرير باللغة الإنكليزية كما نشرته الصحيفة الأمريكية: أتلانتك
http://www.theatlantic.com/magazine/archive/2016/04/the-obama-doctrine/471525/
3- تركي الفيصل: لا.. يا سيد أوباما
http://aawsat.com/node/591506

4- الإندبندنت: لماذا دار أوباما ظهره للسعودية وحلفائها السنّة ؟
http://www.kathima.com/v/227824?noredirect=1#noredirect

5- تجمع سومريون: مقتدى الصدر عميل سعودي
http://www.sumerprovince.com/news.php?name=2016033108

6- العامري: لا نرحب بزيارة القنصل الأميركي لجرحى الحشد الشعبي
http://www.akhbaar.org/home/2016/3/208686.html
 

179
شاف القصر هدَّم كوخه
د.عبدالخالق حسين

لا شك أن تعليقات القراء ورسائلهم تشكِّل مصدراً مهماً للكتابة، ولكن مع الأسف الشديد هناك من يسيء لحرية النشر فيلجأ إلى المهاترات أو كتابة تعليقات لا علاقة لها بالمقال أصلاً، مما دفعني إلي غلق باب التعليقات على مقالاتي في موقع (الحوار المتمدن) لمدة عامين، ثم عدت للسماح لها من أجل الاستفادة من تعليقات القراء الجادين الملتزمين بأدب الحوار. كذلك أؤكد أني أحترم الآراء المخالفة لرأيي ولست ضد النقد الملتزم، إذ أعرف أن من يخوض في الشأن العام، وخاصة في المواضيع السياسية المثيرة للجدل، لا بد وأن يتعرض للنقد من الجهات التي لا تتفق معه، إذ كما يقول فولتير: (الكتابة حرب.. To hold a pen is to be at war)، ولكن لا يعني هذا، السماح لنشر البذاءات، فالحرية لها ضوابطها، ولا تسمح للقذف و التشهير ونشر الأكاذيب والشتائم. وهناك من ينشر بأسماء رمزية مثل (ملحد) أو (فاعل الخير) أو Nasha..الخ، يدافعون بشدة عن المحور (البعثي- الداعشي- السعودي)، وفي نظرهم أن كل من ينتقد هذا المحور ولا يشتم إيران والشيعة هو طائفي، الأمر الذي جعلني أن حذف تعليقاتهم على مقالاتي في الحوار المتمدن، لأنها مخالفة لشروط النشر التي وضعتها هيئة تحرير الموقع، والتي تنص: (أولاً، تنشر التعليقات الموقعة بأسماء المُعلِقات والمُعلِقين عند ذكر الاسم الثنائي أو الثلاثي  فقط. ثانياً، لا تنشر التعليقات التي توقع بأسماء رمزية مثل مراقب، متابعة، محب، أو أبو س، أو أم ص ... أو عند ذكر الاسم الأول فقط، مثل هيثم , ليلى , عمار ...الخ.). لذلك فعندما حذفت بعض تعليقات (ملحد) أو (فاعل الخير)، كنت قد طبقت شروط هيئة الموقع. وربما سيعود هؤلاء تحت اسماء ثنائية أو ثلاثية وبنفس البذاءات...   

اتهمني البعض بالطائفية، وهي تهمة خطيرة وشنيعة، لأني رفضت تسمية الأحزاب الشيعية ومنها حزب الله بالإرهاب. فالموضوعية تحتم على الكاتب الذي يحترم نفسه أن يكون دقيقاً في اختيار كلماته، و تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية ولا يطلق الكلام على عواهنه. فمصطلح (إرهاب و إرهابي) يجب أن لا يطلق كيف ما كان وعلى أي تنظيم سياسي لمجرد أننا نختلف معه فكرياً، أو نكرهه، وإلا أحرقنا الأخضر بسعر اليابس، وهذا في صالح الإرهابيين الحقيقيين. فقد ركزتُ في مقاليّ الأخيرين أن حزب الله اللبناني ليس إرهابياً. وهذا ليس رأيي فقط، بل رأي كثير من الشخصيات العربية والعالمية، وهم ليسوا من خلفية شيعية، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، السيد عبدالحكيم عبدالناصر، نجل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي أدان قرار مجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب في تجريم حزب الله. وكذلك مئات الإعلاميين أدانوا هذا القرار، أنقل مقتطفاً من الإعلامي غسان بن جدو الذي كتب ما يلي:
(حزب الله لم يقطع شجرة، لم يقطع رأسا ويكبِّر، لم يهدم كنيسة أو جامع، لم يهدم متحفا، لم يفخخ سوقا، لم يفجّر المتحف والآثار، لم يسرق آبار البترول، لم يرسل انتحاريين للتفجير بين المدنيين، لم يفرض قيمه ورؤاه الحزبيه على محيطه وبيئته، لم يدمر اقتصاد بلده...إلى آخره))(1). وبالتأكيد لو كان السيد غسان بن جدو شيعياً لاتهموه بالطائفية ومعاداة العلمانية.
ونفس الكلام ينطبق على الأحزاب الشيعية في العراق أيضاً. إذ كيف يمكن اعتبار هذه الأحزاب إرهابية ومعظمها مشاركة في الحكومة ويشكلون الأكثرية المطلقة، من مجموع النواب في البرلمان؟

لقد أثار مقالي الأخير الموسوم: (هل حقاً كل الأحزاب الدينية إرهابية)(2)، غضب عدد من العلمانيين، أشير إلى واحد منهم على سبيل المثال، وهو الدكتور إسماعيل الجبوري الذي نشر تعليقاً في الحوار المتمدن جاء فيه:
((دكتور اكتب لك وبصراحة انت خيبت املي فيك وكنت اتصور انك داعية علمانية ليبرالية ولكن كتاباتك في السنوات الاخيرة اظهرت انك اصبحت داعية اسلامي طائفي بامتياز ولا علاقة لك بالعلمانية الا العناوين.)) (نفس المصدر، قسم التعليقات). ثم ذكر أسماء عدد من الكتاب العلمانيين الذين كرسوا معظم مقالاتهم ضد الأحزاب الإسلامية الشيعية، وطالبني بالسير على نهجهم وإلا (اصبحتْ كتاباتك اكثر تطرفا ورحعية وطائفية من الكتاب الاسلاميين الطائفيين انفسهم) على حد تعبيره. والجدير بالذكر أني لم أقرأ لهؤلاء السادة يوماً أي مقال أو تصريح ضد السعودية أو أي دولة راعية للإرهاب.
يريدني الأخوة سامحهم الله، أن أركب موجة الشتم والقذف وترويج الافتراءات والأكاذيب على العملية السياسية في العراق الجديد، وباسم العلمانية والتقدمية واليسارية ومحاربة الفساد...الخ. نسي هؤلاء أن الذين وضعتهم الأقدار في موقع المسؤولية بعد 2003 جاؤوا للسلطة عن طريق الانتخابات الديمقراطية التي اعترف بنزاهتها آلاف المراقبين الدوليين. نعم هناك تيار مدني علماني ديمقراطي يجمع أكثر من عشرين تنظيماً سياسياً، أكبرهم هو الحزب الشيوعي العراقي، ولكن ما تأثير وثقل هذا التيار في الشارع العراقي، إذ لم يستطع أن يفوز في الانتخابات الأخيرة بأكثر من ثلاثة مقاعد فقط ، ليس للشيوعي أي مقعد. يبدو أن السادة في حالة انفصام تام مع الشعب العراقي، فيصورونه كما يتمنون ويشتهون، لا كما هو في الواقع. شئنا أم أبينا، إن التيار الصدري (إسلامي)، هو الذي يمثل معدل العقل الجمعي للشعب العراقي، بدليل أن زعيم هذا التيار يستطيع أن يحرك مليون عراقي في بغداد وحدها، وينظم أكبر تظاهرة شعبية بمجرد إشارة من إصبعه، الأمر الذي يعجز عن تحقيقيه جميع الأحزاب العلمانية مجتمعة. لذلك شاهدنا أخيراً سياسيين ومثقفين علمانيين يساريين وليبراليين وحتى شيوعيين يركضون وراء السيد مقتدى الصدر، وهو رجل دين، وزعيم التيار الصدري (حزب الأحرار)، يلهثون للتقرب منه والتودد إليه، ومن بينهم السيد جاسم الحلفي، القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، والمفكر الليبرالي الدكتور فالح عبدالجبار وغيرهما. فهل خان هؤلاء علمانيتهم و"أصبحوا اكثر تطرفا ورجعية وطائفية من الكتاب الاسلاميين الطائفيين انفسهم"؟؟؟ 

الحقيقة المرة التي يتجاهلها هؤلاء السادة أن العراق يمر اليوم في أخطر مرحلة في تاريخه الحديث، لذا فمن واجب المثقفين أن يقدِّروا الظروف الموضوعية في هذه المرحلة العصيبة، ويتصرفوا وفق متطلباتها، وفن الممكن وليس وفق العواطف المشبوبة والأفكار الرغبوية (wishful thinking)، إذ لا يمكن القفز على المراحل أو حرقها. لذلك فمحاربة العملية السياسية وهدمها بذريعة أن فيها إسلاميون، لا تخدم القضية العراقية ولا الديمقراطية، لأن البديل هو ليس مجيئ التيار الديمقراطي للحكم كما يحلمون، بل هو التيار البعثي- الداعشي المتوحش، المدعوم من السعودية وقطر وتركيا، ومن أشد التيارات الرجعية توحشاً في العالم... وعندها لا تلوموا إلا أنفسكم.

أنا طائفي في نظر هؤلاء لأني أدين حرب الإبادة ضد الشيعة، رغم أني أدنت بشدة الإرهاب الداعشي التكفيري على الأقليات الأخرى، فالشيعة دمهم رخيص أرخص من ماء البحر، وأي إدانة لهذه المجازر تعتبر طائفية وخيانة للعلمانية!! لم نسمع من هؤلاء العلمانيين ولا من شيخ الأزهر أية إدانة لمجزرة سبايكر في تكريت التي راح ضحيتها 1700 شاب، ولا عن قتل 500 سجين في الموصل كلهم من الشيعة، قتلوا بدم بارد على أيدي الدواعش، ولا أية إدانة للمئات من التفجيرات في المساجد والمناطق المأهولة بالسكان الشيعة.
يطالبني هؤلاء السادة باسم العلمانية، أن أركب الموجة وأسايرهم على نهجهم. لا يا سادة، أنا لا اسير مع القطيع، ولا يمكن أن أنجرف مع التيار، فالسمكة الميتة هي التي تطفو على السطح ويجرفها التيار "وعلى حس الطبل خفنْ يرجلية"... فأنا حريص على استقلالي الفكري، أكتب وفق ما يمليه عليً ضميري، أما إذا خسرت صديقاً لأني أرفض السير مع القطيع، فهذا ليس ذنبي.. إذ من الأفضل أن أخسر صديقاً، على أن أخسر ضميري وأخون وعيي. وفي هذه الحالة أقول: لكم علمانيتكم ولي علمانيتي. 
قبل ستة أعوام نشرت مقالاً بعنوان: (في مواجهة الثقافة التدميرية)(3)، أرى من المفيد أن أقتبس منه ما يفيد موضوعنا الراهن.
لا شك عندي أبداً، أن ما يجري في العراق من صراعات دموية، هو نتاج الثقافة الاجتماعية السائدة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولحد اليوم، وهي امتداد للماضي. إذ كان العراق في أواخر العهد العثماني وأوائل الدولة العراقية الحديثة، عبارة عن خرائب وأنقاض، وشعبه منقسم إلى عشائر وفئات متناحرة في حرب دائمة فيما بينها، وصدامات مسلحة مع الحكومات المتعاقبة، إلى حد أن قال عنه الملك فيصل الأول، أن أهل العراق ليسوا بشعب بل كتلات بشرية متنافرة...، وإنه يريد تحويل هذه الكتلات إلى شعب .(4)

فمنذ تأسيس الدولة العراقية إلى سقوط النظام الملكي عام 1958، ساهمت النخب المثقفة (الإنتلجنسيا العراقية) مدفوعة بالأفكار الطوباوية، وبكل شرائحها: العلمانية، والسياسية، والدينية، بتحقير الدولة العراقية، وتحريض الشعب عليها، ووصف النظام الملكي وجميع رجالاته بالشر المطلق، وأنهم خونة عملاء الاستعمار، وأعداء الشعب، بحيث أثاروا عليه نقمة الشعب والجيش إلى أن نجحوا في إسقاطه في ثورة 14 تموز 1958، وعندها فتحوا صندوق الشر(Pandora box)، أو عش الدبابير، فانفجر الصراع الدموي بين ذات القوى السياسية التي حرضت على النظام الملكي وساهمت في إسقاطه.

وبعد سقوط العهد الملكي، وبدلاً من أن يستجيبوا لمتطلبات مرحلة الثورة 14 ويحموا منجزاتها، انشغلت القوى السياسية في صراعات دموية فيما بينها، فأراد اليساريون من قائد الثورة ورئيس الحكومة، الزعيم عبدالكريم قاسم أن يكون كاسترو العراق، ورفعوا شعارات غير مناسبة للمرحلة، استفزوا بها دول الجوار والدول الغربية في مرحلة كانت الحرب الباردة على أشدها، مما أعطى تصوراً للعالم أن الزعيم عبدالكريم قاسم مقبل على إعلان النظام الشيوعي في العراق!!
كما وطالبته قوى التيار العروبي، بإلغاء الدولة العراقية، ودمجها بالجمهورية العربية المتحدة، في وحدة اندماجية فورية "وحدة ما يغلبها غلاب!!". وأعلن الأكراد من جانبهم ثورتهم المسلحة ضد حكم قاسم لتحقيق مطالبهم في الحكم الذاتي بالكفاح السلاح وليس بالوسائل السلمية التي كانت ممكنة مع قاسم، كما اعترف بذلك السيد مسعود البارزاني فيما بعد...

واستمرت الصراعات والمؤامرات والتحريض ضد حكومة الثورة إلى أن تكللت جهودهم بانقلاب 8 شباط 1963 العسكري الدموي، الذي اغتال أنزه وأنظف وأخلص حكومة وطنية عرفها تاريخ العراق، ودفع الشعب العراقي الثمن باهظاً وإلى الآن.

وفي عهد الرئيس الراحل عبدالرحمن عارف، الرجل المسالم الذي عُرف بتسامحه وبساطته، حيث توفر في عهده هامش من الحرية والتسامح والانفتاح، ولكن مرة أخرى، أعلن جناح من اليساريين الكفاح المسلح ضد حكومته، متأثرين بالرومانسية الثورية الجيفارية، واستنساخ التجربة الكوبية. كما واتبع البعثيون نهجهم التآمري المعتاد، فتآمروا مع عدد من ضباط القصر، فتم لهم ما أرادوا في انقلابهم "الأبيض" المشؤوم في 17- 30 تموز/يوليو 1968، ليغرقوا العراق في بحر الظلمات لخمسة وثلاثين سنة أهلكوا فيها الحرث والنسل، ومازال الشعب يدفع فاتورة إسقاط ذلك النظام الجائر.

والسؤال هنا: هل تعلمت القوى السياسية الوطنية والنخب الثقافية درساً من الماضي الأليم؟ الجواب كلا وألف كلا، فإنهم مازالوا يواصلون نفس النهج التحريضي الذي اتبعوه ضد العهد الملكي، وضد العهد القاسمي، وضد العهد العارفي، فمازالوا يمارسونه اليوم وبإصرار شديد ضد الوضع الحالي لأنه ليس على مقاساتهم الطوباوية الفنطازية. وفي كل هذه المراحل، حجتهم هي ذاتها، الحرص على مصلحة الشعب والوطن. ففي العهد الملكي كان التحريض ضد عملاء الاستعمار والأحلاف العسكرية، وفي العهد القاسمي كان من أجل الشيوعية عند اليساريين، و والوحدة العربية، عند العروبيين، أما حجتهم اليوم، فهي من أجل العلمانية والديمقراطية وتحرير العراق من الهيمنة الإيرانية!! وبعبارة أخرى، إنهم يريدون للعراق ديمقراطية ناضجة كاملة من يوم ولادتها، وبمستوى علمانية وديمقراطية الدول الغربية، أي كما يقول المثل العراقي: (شاف القصر هدَّم كوخه)، فنتيجة لانبهارهم بما في الغرب من رقي في الحضارة والديمقراطية، فإنهم يريدون هدم ما عندهم من ديمقراطية وليدة، وقد نسوا أو تناسوا، أن النظام الديمقراطي قد بدأ في الغرب قبل مئات السنين بحقوق بسيطة، ثم راحوا يطورونه إلى أن صار صرحاً منيفاً.
فبعد أن حرر المجتمع الدولي بقيادة أمريكا، العراق من أسوأ نظام همجي عرفه التاريخ، توفرت فرصة ذهبية للعراقيين للاستفادة من تجاربهم الكارثية السابقة، ودعم الدولة العظمى لهم، فالمطلوب منهم أن يوحدوا صفوفهم لإعادة إعمار بلادهم، وبناء نظام ديمقراطي عصري، يوفر الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي لجميع أبناء الشعب، ولكن مرة أخرى، وبسبب النظرة الضيقة والأنانية والمصالح الفئوية والشخصية، وذهنية التدمير المهيمنة على مختلف القيادات السياسية والفكرية، انفجرت الصراعات بين مختلف القوى الفاعلة. لذلك، فالعراق الآن في مفترق الطرق، تتجاذبه أهواء القوى السياسية المتصارعة، والتي نجحت في جعل العراق دولة فاشلة غير قابلة للحكم (ungovernable).

فمن الحكمة أن نكون واقعيين في أهدافنا ومطالبنا، بأن نوازن بين الرغبات وما يمكن تحقيقه على أرض الواقع في مرحلة تاريخية معينة. ولكن مشكلتنا أن معظم المثقفين والسياسيين العراقيين لا يلتزمون بهذا المبدأ، لذلك نراهم في حالة دائمة من فشل وخيبة أمل، ولوم الحظ العاثر، والبكاء على اللبن المسكوب!!

ويا حبذا لو تفضل علينا المحرضون على العراق الجديد بتقديم البديل الأفضل والممكن عملياً عما تحقق لحد الآن. في الحقيقة ليس لديهم أي بديل، بل كل ما لديهم هو تدمير ما تحقق. فمن ألف باء السياسة أن تكون الرغبات والمطالبات واقعية وقابلة للتنفيذ، لأن السياسة فن الممكن، وليس تحقيق المعجزات، لذا من الحكمة أن نقبل بالممكن ودون أن ننسى الطموح.
كذلك من الخطأ اعتبار النظام العراقي الحالي هو إسلامي لأن فيه عدد من الأحزاب الإسلامية، فالحل ليس بهدم الموجود بل السعي لتطويره نحو الأفضل. أما الذين يصرون على سياسة (كل شيء أو لا شيء) فدائماً ينتهون بلا شيء. 

العنوان الإلكتروني للكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
 الموقع الشخصي للكاتب:  http://www.abdulkhaliqhussein.com/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1- غسّان بن جدّو .. ماذا قال عن حزب الله
http://wilayah.info/ar/?p=46396

2- د.عبدالخالق حسين :هل حقاً كل الأحزاب الدينية إرهابية؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=508462

3- د.عبدالخالق حسين: في مواجهة ثقافة التدمير
http://www.abdulkhaliqhussein.com/news/425.html

4-مذكرة الملك فيصل الاول 
http://i3aq.yoo7.com/montada-f4/topic-t14.htm

5- د.عبدالخالق حسين: الخراب البشري في العراق (القسم الأول)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=441




180
هل حقاً كل الأحزاب الدينية إرهابية؟
د.عبدالخالق حسين

لاشك أن من يتعرض لهكذا موضوع شائك ومعقد، لن يسلم من تهمة الطائفية، ولكن من جهة أخرى إن عدم الخوض في هذا الموضوع هو أصلاً في خدمة الطائفية وخدمة الإرهاب، فمهمة الكاتب مواجهة الظلم بشتى أشكاله، وفضحه أينما وجد ومن أي مصدر كان، وتنوير الرأي العام للتمييز بين الضحية والجلاد، وعدم ترك الساحة لمروجي الأكاذيب، ومشوهي الوعي.

فمن الواضح أن هناك التباس لدى البعض، وخاصة المعادين منهم للدين إما عن قناعات فكرية، أو كرد فعل لتوظيف الدين في ارتكاب الأعمال الإرهابية لأغراض سياسية، أو لمقاصد كيدية، يختفون وراء شعارات علمانية براقة لخدمة الإرهاب عن طريق اللف والدوران وتزييف الحقائق. لذلك، فالموضوعية تحتم علينا أن نخوض هذه المسائل المهمة لحماية الرأي العام من التشويش، و لنكون واضحين ودقيقين في اختيار كلماتنا لتجنب الالتباس، ومنصفين في إصدار أحكامنا وخاصة في السجال حول القضايا المصيرية المثيرة للجدل.

فبعد نشر مقالي الأخير الموسوم (حول قرار الجامعة العربية بتجريم حزب الله اللبناني)(1)، استلمت عدة تعليقات مفادها أن "اية حركة او جبهة او حزب قائم على أسس ونصوص دينية يكون بالضرورة عنصري وارهابي". ربما أراد المعلق أن يقول أن أي تنظيم ديني هو طائفي وإرهابي، لأنه من الخطأ القول أنه عنصري. فالعنصرية نزعة فاشية لها علاقة بالعرق والانتماء القومي، بينما الأديان، وخاصة الإسلام والمسيحية، هي أممية من الممكن وصفها بالطائفية، ولكن ليس بالعنصرية. كذلك ليس بالضرورة أن تكون الأحزاب الدينية إرهابية. وسأوضح ذلك أدناه، وهو محور المقال.

فلو كان حزب الله اللبناني إرهابي لأنه من طائفة معينة، فمعظم الأحزاب اللبنانية هي قائمة على أساس الانتماء الديني والمذهبي مثل حزب الكتائب المسيحي الماروني، والحزب التقدمي الاشتراكي للدروز، و حزب المستقبل بقيادة سعد الحريري هو حزب للسنة العرب. وكذلك في العراق، إلى جانب الأحزاب الشيعية والسنية، نظَّم المسيحيون العراقيون أنفسهم في عدة أحزاب سياسية مسيحية، فهل هذا يعني أن جميع هذه الأحزاب هي بالضرورة إرهابية؟ كلا وألف كلا. فهذه الأحزاب تأسست لأنها وجدت مكوناتها محاصرة، ومهددة بالفناء بسبب انتماءاتها الدينية والمذهبية.
 
كذلك أود التأكيد هنا بأني مع النظام العلماني الديمقراطي الذي أرى فيه الحل الصحيح وربما الوحيد لإخراج العراق من مأزقه، وأٌقصى أمنياتي أن يتبنى أهل الحل والعقد في العراق هذا النظام تماما كما في الدول الديمقراطية الناضجة في الغرب. ولكن الرغبات والتمنيات والعواطف شيء، والواقع الموضوعي شيء آخر. فالنظام العلماني الديمقراطي في الغرب لم يتحقق بين يوم وليلة، بل بعد حروب وثورات وانتفاضات دامت قروناً، فالحروب الدينية الطائفية استمرت لمائتي سنة قضت على أكثر من نصف سكان أوربا. ودول منطقة الشرق الأوسط تمر الآن في نفس المرحلة التي مرت بها أوربا قبل ثلاثة قرون.
على اية حال، يمكن تقسيم التنظيمات الدينية الإسلامية إلى مجموعتين: الأولى مجموعة إرهابية مثل طالبان، والقاعدة وفروعها (جبهة النصرة وداعش وأحرار الشام... وغيرها كثير)، وهذه المجموعة تبنت العقيدة الوهابية التكفيرية بدعم السعودية وقطر، و تركيا. وهناك تقارير من مسؤولين أمريكيين تفيد أن السعودية صرفت نحو مائة مليار دولار على نشر التطرف الديني الوهابي ومنظمات الإرهاب خلال الثلاثين سنة الماضية.
وهذه التنظيمات تبنت سياسة الفرقة والاحتقان الطائفي ضد الشيعة وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى، لتأجيج مشاعر الشباب المسلمين، ورفدهم للإرهاب، وراح إعلامهم يحط من قدر الشيعة ومذهبهم وطقوسهم العبادية، وتجريدهم من القيم الإنسانية، واختزالهم إلى ما دون مستوى البشر، لتبرير إبادتهم. وهذا واضح من إعلامهم، وعملياتهم الإرهابية ضد الشيعة في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والسعودية وباكستان وأفغانستان... وغيرها. ففي السعودية لا تقبل شهادة المواطن السعودي الشيعي في المحاكم لأنه رافضي مشرك!!

والمجموعة الثانية هي التنظيمات الشيعية المهددة بالإبادة، سواءً كانت مهددة من المجموعة الأولى أو من الحكومات التي تمولها مثل السعودية وقطر وتركيا. لذلك، وإزاء هذا التهديد بالإبادة، وكنزعة داروينية في التكيف مع الظروف من أجل البقاء، ونتيجة لضعف الحكومات وعدم تمكنها لحمايتهم، فمن الطبيعي أن ينظم الشيعة أنفسهم في أحزاب ومليشيات مسلحة لمواجهة الإبادة، وحماية أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم من الوباء الوهابي التكفيري.

وما يجدر ذكره أن الذين يساوون بين الإرهاب وضحايا الإرهاب ليسوا بالضرورة من أصحاب النوايا الحسنة، حتى و لو اختفوا وراء الإدعاء بالإلحاد أو العلمانية والتقدمية وغيرها، لأن مساواة الضحية بالجلاد تصب في خدمة الجلاد.

وفيما يخص حزب الله اللبناني، فنحن نعرف أن الشيعة في دول المنطقة تعرضوا للإبادة من قبل الحكام على مختلف العصور منذ العصر الأموي، مروراً بالعصر العباسي في عهد المتوكل، والعصر العثماني الذي شن حرب الإبادة على الشيعة والمسيحيين والأيزيديين وغيرهم، تماماً كما يفعل الإرهاب الداعشي الآن. وحتى في عهد الاستعمار الفرنسي لسوريا الكبرى (بلاد الشام Levant)، تعرض شيعة لبنان إلى مجازر رهيبة. وفي عصرنا هذا تعرض شيعة لبنان إلى تصفيات خلال الحرب الأهلية منذ عام 1970، لأنهم وقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. فظهر في البداية حزب الأمل بقيادة رجل الدين المتنور السيد موسى الصدر الذي اغتاله الجلاد المقبور معمر القذافي. ثم تأسس حزب الله عن طريق المقاومة المسلحة للوجود الإسرائيلي خاصة بعد اجتياح بيروت عام 1982، وكلل الحزب عمله السياسي والعسكري بإجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو / أيار من عام 2000، وتصدّى له في حرب تموز 2006 وألحق في صفوفه خسائر كبيرة اعتبرت في إسرائيل إخفاقات خطيرة وتهديد وجودي لإسرائيل كدولة.

وماذا عن إيران؟
نعم حزب الله مدعوم من إيران، وهذا ليس جريمة أو خيانة وطنية. فإذا كانت كل تنظيم سياسي في لبنان مدعوم من قبل دولة ما، فلماذا نلوم حزب الله لأنه مدعوم من إيران؟ فحزب المستقبل السني اللبناني بقيادة سعد الحريري مدعوم من السعودية، وحتى زعيمه يحمل الجنسية السعودية. وكذلك الكتل السياسية السنية في العراق مدعومة من السعودية وغيرها من الدول الخليجية وتركيا. وإيران تساعد دول المنطقة في حروبها ضد الإرهاب، وشتان ما بين من يدعم الإرهاب وبين من يحاربه.

والجدير بالذكر أن ظهور حركات ثورية بصبغة دينية مناوئة للظلم ليس بالأمر الجديد. فعند ظهزر الحركات الإصلاحية الدينية في أوربا وانشقاق المسيحية أوائل القرن السادس عشر، ظهرت الحركات البروتستانتية (الاحتجاجية) في ألمانيا على يد القس مارتن لوثر، وفي سويسرا جون كالفن، والأنكليكانية في إنكلترا لتتحرر من سيطرة الفاتيكان في روما. ثم ظهرت في ألمانيا حركة إنشقاقية من البروتستانت، سميت بـ (Anabaptism)، وهي حركة دينية شيوعية تؤمن بالمشاعة الاقتصادية فألغت الملكية الخاصة، وهي بالأساس كانت حركة فلاحية مسلحة بمظهر ديني ضد الاقطاع، فواجهت حرب الإبادة من قبل الحكومات والمذاهب المسيحية الأخرى آنذاك، وقد فر الناجون منهم إلى أمريكا  حيث نجد أتباع دياة إيمش (Amish) امتداداً لهذه الحركة. كما وظهرت حركات ثورية يسارية في أمريكا اللاتينية بقيادة رجال الدين الكاثوليك. لذلك فمن السخف والهراء تصنيف هذه الحركات بالإرهاب لا لشيء إلا لأنها دينية أو لأن قادتها رجال دين.
 
وفي هذا الخصوص يوضح الراحل حسين مروة في كتابه القيم (النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية) فيقول: "يرشدنا المنهج العلمي إلى حقيقة مهمة في تاريخ تطور المجتمعات البشرية والحضارات، هي ان التراكمات الكمية ضمن مجرى هذا التاريخ يمكن أن يتخذ أشكالاً مختلفة في تحولها الكيفي. يمكن مثلاً، أن تتحول إلى كيفية سياسية، أو إجتماعية، أو فكرية نظرية، أو إلى نوع من العنف الثوري. لقد تابع إنجلس أشكال المعارضة الثورية للإقطاع في القرون الوسطى كلها، فوجد أن الظروف الزمنية، كانت تظهر هذه المعارضة حيناً في شكل تصوف، وحيناً في شكل هرطقات سافرة، وحيناً في شكل إنتفاضات مسلحة. إن شكل التحول الكيفي في هذا المجتمع أو ذاك، وفي هذا الزمن أو ذاك، إنما تحدده طبيعة الظروف الملموسة، وربما كانت الظروف هذه مؤهلة وناضجة أحياناً لحدوث تحولات كيفية مختلفة الأشكال في وقت واحد، أي قد تجتمع في ظروف معينة تحولات سياسية واجتماعية وفكرية معاً، قد ترافقها إنتفاضات مسلحة، وقد تأتي هذه التحولات تمهيداً لإنتفاضات مسلحة، وقد يستغني بها التطور عن أشكال العنف الثوري كلياً."
ما أود التأكيد عليه، أنه من الخطأ تصنيف كل الأحزاب الدينية بأنها إرهابية، وهذا واضح من ردود أفعال الرأي العام العربي والعالمي لقرار مجلس التعاون الخليجي والذي أيده مجلس وزراء الداخلية العرب، من استنكار شديد من قبل المثقفين العرب. فوصف حزب الله بالإرهاب هو عمل عدواني لئيم ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية ولصالح إسرائيل والسعودية والدول الخليجية السائرة في ركاب إسرائيل. فحتى أمريكا، زعيمة هذه التحالفات المشبوهة، حذفت حزب الله من قائمة الإرهاب، كذلك حذفت اسم إيران من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فإيران هي الأخرى وقفت وما زالت، مع المقاومة الفلسطينية، وساعدت العراق وسوريا ولبنان في حروبها ضد الإرهاب كما أشرنا آنفاً.

أما الأحزاب الشيعية العراقية ومليشياتها فقد ظهرت بالأساس كرد فعل لحروب الإبادة ضد المكون الشيعي، والتي بدأت من عهد صدام حسين (ولحد الآن تم اكتشاف أكثر من 400 مقبرة جماعية) في المناطق الشيعية، و واصلتها المنظمات الإرهابية المدعومة من الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية وقطر ضد الشيعة منذ عام 2003 ، فهذه الأحزاب هي الأخرى لم نسمع عنها أنها قامت بأي عمل إرهابي، لا في العراق ولا خارجه، عدا ما تلفقه الجهات البعثية الطائفية والإعلام الخليجي في محاولة منها لتشويه سمعة القوى السياسية الشيعية و الحشد الشعبي. وإذا كانت هذه التنظيمات إرهابية ورجعية، فلماذا يتهالك عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، السيد جاسم الحلفي للوقوف مع زعيم التيار الصدري وهو رجل دين على منصات الخطابة، ويشارك الشيوعيون في التظاهرات التي تنظمها جماهير هذا التيار؟
خلاصة القول، إن أي تنظيم  سياسي يتأسس على أساس ديني أو علماني لحماية أبناء مكونه هو ليس إرهابياً بل ظهر كنتيجة للظروف الموضوعية الخاصة، مثل الإرهاب الطائفي الممول من السعودية وحليفاتها، ولا تزول هذه التنظيمات الدينية إلا بزوال الظروف التي أوجدتها، فالدفاع عن النفس والأرض والعرض حق مقدس في جميع القوانين والأعراف والأديان.
10/3/2016
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
د.عبدالخالق حسين : حول قرار الجامعة العربية بتجريم حزب الله اللبناني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=827

181
هل الحل في حكومة التكنوقراط؟
د.عبدالخالق حسين

منذ سقوط حكم البعث الصدامي الجائر عام 2003، صار العراق حقلاً للتجارب السياسية على أمل إيجاد أفضل نظام حكم، وعلى أن يكون وفق المقاييس الديمقراطية، وبدون عزل وتهميش أي مكوَّن، ابتداءً بمجلس الحكم الانتقالي الذي شكله بول بريمر، والذي تناوب على رئاسته أعضاء المجلس حسب الحروف الأبجدية لأسمائهم، كل لمدة شهر واحد، ثم الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور أياد علاوي لكتابة الدستور والاستفتاء عليه، ثم حكومات منتخبة تشكلها الكتلة البرلمانية ذات الغالبية المطلقة على أن تضم ممثلين عن جميع الكتل السياسية الكبرى ومكونات الشعب العراقي، يعني (حكومة الشراكة الوطنية) والتي أطلق عليها (حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية).

ولكن خلال 13 عاماً الماضية فشلت هذه الحكومات في تحقيق طموحات الشعب العراقي بتلبية احتياجاته الضرورية في توفير الأمن والخدمات بسبب الصراع بين الكتل السياسية المتنافسة، والإرهاب، وتفشى الفساد الإداري والمالي، الأمر الذي وضع العراق في مقدمة الدول الفاشلة، وطاقاته البشرية والمادية مبددة في محاربة الإرهاب المدعوم من الخارج والداخل.

وإزاء هذه الأزمات واحتدام السجال لإيجاد حل لهذه المشاكل المتفاقمة، اقترح رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي في كلمته أمام البرلمان (منحه تفويضاً عاماً لتشكيل حكومة المهنية والاختصاص بعيداً عن الفئوية والحزبية)، كما و دعا الكتل النيابية الى (التنازل عن استحقاقها الانتخابي وحكومة النقاط من اجل المصلحة العليا للبلد). و لم يتبين بعد فيما اذا منحه البرلمان تفويضاً عاماً ام رفض هذا الطلب(1).

كثير من الزملاء الكتاب وعامة الشعب يرون أن الأحزاب السياسية المهيمنة على السلطة، وقلة خبرة ممثليها في الحكومة، هي الأسباب الرئيسية في فشل الحكومة، لذلك يعتقدون أن الحل يكمن في تشكيل حكومة تكنوقراط، بعيدة عن الحزبية والمحاصصة، ودعوة الأحزاب للتخلي عن الاستحقاق الانتخابي.

فما هو مفهوم حكومة التكنوقراط؟
التقنوقراط هم النخب المثقفة الأكثر علما وتخصصا في مجال المهام المنوطه بهم، وهم عادة مستقلون. وبذلك يكون معنى تقنوقراط حكم الطبقة العلمية الفنية المتخصصة في الاقتصاد والصناعة والتجارة والإدارة، وغيرها، وغالبا تكون غير حزبية فهي لا تهتم كثيرا بالفكر الحزبي والحوار السياسي. وقد كتبت عن هذا الموضوع قبل سنوات مقالاً بعنوان: (حول مفهوم حكومة التكنوقراط)(2)

والسؤال هنا: هل تستطيع حكومة التكنوقراط تقديم الحل السحري لمشاكل العراق المتفاقمة وبدون أن يكون لها دعم من الأحزاب والبرلمان وحيتان الفساد والتدخلات الخارجية والصراعات الداخلية؟ وهل حقاً جميع الأحزاب السياسية والوزراء والنواب فاسدون؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فلماذا فازت هذه الأحزاب في جميع الانتخابات السابقة؟ وفي هذه الحالة فهذا يعني أن جميع الناخبين أو الشعب فاسدون أيضاً، وهذا ما لا يقبله العقل والعرف.

ومن الحلول المطروحة، هو حل الحكومة والبرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة أملاً في أن تؤدي إلى فوز مرشحين مستقلين من خارج هذه الأحزاب "الفاسدة"، وبالتالي تشكيل حكومة جديدة بعيدة عن الحزبية والمحاصصة. ولكن التجارب السابقة تؤكد أن هذا المقترح سوف لا يلبي المؤمل والمرتجى منه، وهو غير ممكن وغير صحيح، إذ لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية حتى ولو كانت هذه الأحزاب متخندقة طائفياً وقومياً. كذلك لا ننسى أن هؤلاء النواب يمثلون تنظيمات سياسية وبالتالي مكونات الشعب، وفازوا عن طريق الانتخابات التي شهد بنزاهتها مراقبون دوليون. وليس صحيحاً الطعن بالبرلمان المنتخب وحرق الأخضر بسعر اليابس والمطالبة بحله لأن هناك ناس غير راضين عن أدائه، فصناديق الاقتراع هي التي يجب الركون إليها. ولا يعني هذا أن البرلمان العراق بلا نواقص وبلغ سن الرشد، فلا بد من انقسامات وصراعات بين الكتل السياسية وحسب مصالح مكوناتها وهذه حالة ملازمة للديمقراطية وشروطها في كل مكان و زمان. كذلك هناك أكثر من خمسين نائباً لم يحضروا أية جلسة برلمانية، ويستلمون رواتبهم ومخصصات حماياتهم الخيالية، فالمطلوب في هذه الحالة طرد هؤلاء المقصرين وفضحهم أمام الشعب، وليس توجيه عقوبة جماعية بحل البرلمان كما يطالب البعض.

فحكومة التكنوقراط إذا ما أريد لها النجاح يجب أن تحظى بقبول البرلمان ودعمه وإلا فإنها تعني الانقلاب على الديمقراطية، وهذا لا يتم إلا في حالة الانقلابات العسكرية التي ولّى عهدها . كما ويعتقد آخرون أن التكنوقراط المستقلين هم ملائكة منزهون عن الخطأ والطمع والجشع. ولكن الواقع يفند ذلك. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فالمهندس أيهم السامرائي، وزير الكهرباء في حكومة أياد علاوي سرق نحو 300 مليون دولار وهرب، وكذلك حازم الشعلان، وزير الدفاع في نفس الحكومة سرق نحو 800 مليون دولار وهرب، وكلاهما مستقلان.

والمشكلة الأخرى هي: من هي الجهة المخولة باختيار هؤلاء التكنوقراط؟ في هذه الحالة رئيس الوزراء، ولكن لا بد وأن يعتمد على آخرين لمساعدته في اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب. وما هي المعايير التي يمكن اعتمادها لمعرفة مؤهلاتهم وكفاءاتهم وإخلاصهم للوطن، وقدراتهم الإدارية لإدارة وزاراتهم. وفي هذا الخصوص، يقال أن الرئيس جمال عبدالناصر أراد تعيين الأخصائي في الأمراض العقلية والعالم المصري المعروف الدكتور مصطفى محمود وزيراً للثقافة، نظراً لكافأته العلمية والطبية ومكانته الأكاديمية و الاجتماعية، فاعتذر الرجل قائلاً بأنه فاشل حتى في إدارة شؤون عائلته، إذ تزوج وطلق أربع مرات، فكيف له أن ينجح في إدارة وزارة كبيرة ذات مسؤولية سياسية واسعة ومعقدة.

كذلك أفادت الأنباء أن السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري (حزب الأحرار)، شكل لجنة مهمتها اختيار التكنوقراط ووضع شروطاً لاختيارهم، ولكن الغريب أن العديد من هذه اللحنة لهم علاقة بالتيار الصدري، كما جاء في مقال لسيد علاء اللامي عن هذه اللجنة وعلامات الاستفهام على العديد من أعضائها، وإليكم رابط المقال في الهامش(3). لذلك فهذه الحكومة التكنوقراطية "المستقلة" إذا قدر لها أن تولد من لجنة الصدر و وفق شروطه، فهي ليست مستقلة.

فالوزارة هي منصب سياسي وليست شركة ذات مسؤولية محدودة ليديرها تكنوقراط مستقل، ورغم أنه من المفيد أن يكون الوزير ذا إطلاع ومعرفة بشؤون وزارته، إلا إن هذا الوزير هو مسؤول بالدرجة الأولى لتنفيذ سياسة حزبه، التي أعلنها في بيانه الانتخابي، وعلى ضوئه انتخبه الشعب، وهو محاسب أمام حزبه والبرلمان، لذلك فنجاح الوزير لا يعتمد على شهادته الجامعية واختصاصه، بل على إخلاصه واختياره السليم لمستشاريه ومساعديه الأكفاء من أصحاب الاختصاص في شؤون وزارته، وكذلك على كفاءته الإدارية. فنادراً ما نجد في الحكومات الديمقراطية الغربية عسكري يتبوأ منصب وزارة الدفاع، أو طبيباً يصبح وزيراً للصحة أو مديراً لمستشفى. فإدارة المستشفيات عادة يقوم بها إداريون أكفاء من غير الأطباء، والأطباء يتفرغون لمعالجة المرضى وليس للإدارة. ولكن في العراق والعالم الثالث يعتقد الناس أن الطبيب الذي صار مديراً للمستشفى أو رئيسا للصحة هو أفهم من زملائه الآخرين، وهذا خطأ.

إن المشكلة العراقية ليست في نقص الخبرة لدى الوزراء المقصرين في واجباتهم، بل في نقص الاخلاص الوطني، وغياب الضمير المهني، وعدم الالتزام بالقوانين، والصراع والمنافسة الشرسة بين الكتل السياسية المشاركة في السلطة، فبعضها شاركت أصلاً من أجل شل عمل الحكومة، فلها رِجِل في السلطة وأخرى مع الإرهاب.
 
كذلك أود التأكيد أني لا أقصد بأن ليس في العراق تكنوقراط أكفاء ومخلصين، وما أكثرهم، بل ستلعب الوساطات والأحزاب السياسية في اختيارهم، و خاصة لكونهم مستقلين وغير متمرسين بدهاليز السياسة وأحابيلها، لذلك سيكونون أضعف الحلقات لأنهم غير مدعمين من قبل التنظيمات السياسية. لذلك فإذا ما تم تشكيل حكومة التكنوقراط بعيداً عن حيتان الفساد ونفوذ الأحزاب، فشهر العسل لن يدوم طويلاً، إذ سرعان ما تبدأ حملات التسقيط والتشهير ضدهم، كما هو الآن، وهم لا حول لهم ولا قوة في الدفاع عن أنفسهم. فحملات التشهير والتسقيط ليست لمحاربة الفساد، بل لإسقاط العملية السياسية، وآخرون ركبوا الموجة.
إن فكرة تشكيل حكومة التكنوقراط المستقلين فكرة جميلة جداً من الناحية النظرية، ولكن عيبها أنها غير عملية، وهي أشبه بالحكاية الرمزية عن القط الذي كان يفترس الفئران، فاقترح فأر بربط جرس على رقبة القط، فيسمعون دقات الجرس عند قدومه فتهرب الفئران. ولكن المشكلة من يشد الجرس؟

ولهذه الأسباب مجتمعة، أرى أن الحل ليس في تشكيل حكومة التنوقراط المستقلين، بل تشكيل حكومة الأغلبية البرلمانية من الكتل المتقاربة والمنسجمة في مواقفها السياسية على أن تختار كل كتلة الأفضل من عندها من التكنوقراط للوزارة التي صارت من حصتها، ولا بأس من شمولها بعدد من التكنوقراط المستقلين من ذوي الخبرة والسمعة الحسنة. فالعراق هو البلد الوحيد في العالم الذي فرض عليه من خارج حدوده أن تضم حكومته عناصر معادية للعملية السياسية باسم (حكومة شاملة). وفي حالة تشكيل حكومة الأغلبية البرلمانية يجب على الكتل غير المشاركة في السلطة أن تشكل المعارضة الديمقراطية أي (حكومة الظل) تحت قبة البرلمان وليس في صفوف الإرهاب، إذ لا ديمقراطية بدون معارضة ديمقراطية تراقب الحكومة وتحاسبها على أعمالها.   
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالحليم الرهيمي: ما بعد سجالات التغيير الجوهري
http://www.akhbaar.org/home/2016/2/207545.html

2- عبدالخالق حسين: حول مفهوم حكومة التكنوقراط
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=672

3- علاء اللامي: لجنة الصدر ومجموعة المستشارين: طبيب يداوي الناس؟!
http://almothaqaf.com/index.php/araa2016/903305.html



182
بضاعة أردوغان ردَّت إليه

عبدالخالق حسين

مرة أخرى نقول، اللهم لا شماتة، فهذه بضاعتكم الإرهابية الرديئة رُدَّت إليكم. فالحكومات التي اعتمدت الإرهاب كوسيلة لدحر الخصوم السياسيين لم تتعظ من خيباتها رغم أنها أدمت أصابعها من العضاض، فأمريكا التي استخدمت السعودية وباكستان لتأسيس وتمويل ودعم المنظمات الإسلامية الإرهابية كـ(القاعدة)، وطالبان وغيرهما من التنظيمات الجهادية الإسلامية، لإسقاط النظام الشيوعي في أفغانستان، دفعت الثمن بكارثة 11 سبتمر 2001 ومضاعفاتها، والتي جرتها لإسقاط حكومة طالبان والتنظيمات الإرهابية الأخرى في حرب طويلة الأمد كلفتها خسائر بشرية ومادية لا تقدر. وبشار الأسد الذي راح يدعم الإرهاب في العراق منذ إسقاط حكم البعث الصدامي إلى أن انقلب عليه السحر، فهاهي بلاده خرائب وأنقاض، ونصف شعبه مشرد في الداخل والخارج، وأكثر من 300 ألف قتيل بينهم نحو 70 ألف من منتسبي جيشه، أما السعودية فقد بلغ بها الغرور في عهد مليكها المخرف وابنه الأمير المتهور، إلى حد التدخل العسكري في اليمن، والتهديد بالتدخل المباشر في العراق وسوريا بحجة محاربة داعش.

أما المغرور، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي استخدم الإسلام للتسلق إلى السلطة، فهو الآخر جعل بلاده حاضنة وجسراً لتجنيد وتجهيز وعبور المنظمات الإرهابية إلى سوريا لإسقاط نظام بشار الأسد، وها هو بدأ يدفع الثمن، حيث استخدم داعش لضرب الأكراد في سوريا وتركيا، وفسخ الهدنة التي عقدها مع حزب العمال الكردستاني (PKK) قبل أكثر من عامين حيث عاش الشعب التركي بسلام خلال تلك الفترة، ولكن قام أردوغان بفسخ العقد بعد أن حققت القوى الكردية انتصارات على داعش في مدينة كوباني (عين العرب) السورية، فاستخدم داعش لضرب الكرد، الأمر الذي دفع الكرد إلى التمرد عليه، وراح أخيراً يتلقى الضربات الموجعة من الطرفين، الكرد وداعش على حد سواء. كذلك زعماء المكون السني في العراق، اعتمدوا الإرهاب فجلبوا داعش إلى مناطقهم لإسقاط العملية السياسية بذريعة العزل والتهميش، فأحالوا مدنهم إلى خرائب، وجماهيرهم إلى مشردين في الداخل والخارج كالأيتام على موائد اللئام.
وأخيراً وليس آخراً، نقلت وسائل الاعلام أن هجوماً مسلحاً وقع يوم أمس (الأربعاء 17/2/2016)، استهدف قافلة شاحنات تابعة للجيش التركي قرب الساحة المركزية كيزيلاي في أنقرة العاصمة حيث تقع عدة وزارات ورئاسة اركان الجيوش والبرلمان التركي. وأظهرت شبكات التلفزيون التركية مشاهد لحريق ضخم أتى على الآليات العسكرية بعد وقوع الانفجار القوي الذي سمع دويه على بعد عدة كيلومترا، أسفر عن مقتل 28 وجرح 61 شخصاً.

والجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض تركيا للإرهاب، إذ حصل تفجير في العاشر من تشرين الاول/اكتوبر 2015 اسفر عن مقتل 103 اشخاص امام محطة انقرة المركزية اثناء تجمع جماهيري استعدادا للمشاركة في تظاهرة من أجل السلام. وفي 16 كانون الثاني/يناير 2015، وقعت عملية انتحارية اخرى نسبتها الحكومة التركية ايضا الى تنظيم الدولة الاسلامية استهدفت سياحا المانا في حي سلطان احمد السياحي في اسطنبول وادى الى مقتل 10 منهم. كذلك قام انتحاري داعشي بتفجير نفسه في تموز 2015 داخل المركز الثقافي في مدينة سروج التركية التي تبعد عِشرة كيلومترات عن مدينة كوباني، وكان يتجمع فيه ما يقرب من ثلاثمائة شخص ممن يعملون على ايصال المساعدات الى مدينة كوباني، وقتل مالا يقل عن 32 شخصا، وأصيب نحو مائة آخرون، كلهم من الأكراد والأتراك اليساريين الذين جاؤوا للمساهمة في إعادة بناء المدينة بعد تحريرها من داعش.

وأخيراً ورط أردوغان نفسه بإسقاط طائرة سوخي الروسية وهي تؤدي عملها في ضرب أوكار داعش ضمن التحالف الدولي ضد هذه التنظيمات الإرهابية التي يدعي أردوغان محاربتها، مما يؤكد دعمه لداعش ولا يريد القضاء على الإرهاب كما يدعي.

ونستنتج من كل ما تقدم، أن حصيلة الحصاد للذين استخدموا الإرهاب لتحقيق أغراضهم السياسية كما يلي:
أمريكا تورطت في المستنقع الأفغاني، السعودية في المستنقع اليمني، إضافة إلى المستنقع العراقي والسوري والليبي، وزعماء السنة في العراق في تخبط لا يحسدون عليه، جلبوا الكوارث على العراق وعلى مناطقهم والمكون الذي يدعون تمثيله، وها هو أردوغان على خطى بشار الأسد، جعل من بلاده مرتعاً للإرهاب وشعبه يدفع الثمن الباهظ من أبنائه وممتلكاته.
فالدرس الذي يجب أن يتعلمه هؤلاء الزعماء هو جداً بسيط كبساطة الحقيقة، وهو: "من يزرع الشوك لا يحصد إلا الشوك". ومن الخطأ القاتل اعتماد الإرهاب ضد الخصوم السياسيين لتحقيق أغراض سياسية عملا بالمبدأ الماكيافيلي: (الغاية تبرر الوسيلة).

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- الحكومة التركية: ارتفاع قتلى انفجار انقرة الى 28 قتيلاً
http://www.akhbaar.org/home/2016/2/207200.html

2- د.عبدالخالق حسين: الشعب التركي يدفع ثمن إرهاب إردوغان
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=800


183
اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس!

د.عبدالخالق حسين

أستميح القراء عذراً إذ أعود لهذا الموضوع مرة أخرى، فخلال السنوات العشر الماضية كتبت أكثر من عشر مقالات في مواجهة الكذب والإشاعات السامة ضد العراق الجديد. ولكني مع ذلك أرى من الضروري العودة للموضوع لملاحقة هؤلاء النصابين من صناع الأكاذيب ونشر الإشاعات على خطى أستاذهم سيئ الذكر، جوزيف غوبلز، وزير الدعاية في حكومة هتلر، الذي أوصاهم: (اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، وحتى أنت تصدق نفسك).

و اليوم تفوَّق التلامذة على أستاذهم، فراحوا يطورون إمكانياتهم وفق مستجدات العصر، فيسوِّقون أكاذيبهم بمختلف الوسائل، مستفيدين مما توصلت إليه التكنولوجيا المتطورة، مسخرين لها فن التمثيل والإخراج المسرحي، يوظفون لها وقار الشيوخ، وبراءة الأطفال، حيث يدربونهم على أحسن ما يمكن من التمثيل في الإلقاء، لاستدرار عطف وتأييد المتلقي، ومن أجل تشويه صورة عراق ما بعد صدام، وكأن عهد صدام كان العصر الذهبي في تاريخ العراق.

يمكن تشبيه الكذابين والنصّابين بالجراثيم المرضية في تطوير أساليبهم  في خدع الناس وتضليلهم. فالمعروف في الطب أن الجراثيم تتمكن من تطوير مقاومتها ضد المضادات الحيوية، وكلما أوجد العلماء مضادات حيوية جديدة ضد البكتريات، ظهرت أجيال جديدة ذات جينات ضد المضادات الحيوية المتوفرة، حتى حذر العلماء والأطباء أن البشرية مهددة بظهور أنواع جديدة من الجراثيم لا تؤثر فيها جميع المضادات الحيوية، وبذلك سنكون في وضع أشبه بمرحلة ما قبل المضادات الحيوية، و يصبح من الخطورة إجراء العمليات الجراحية خوفاً من تسمم الجروح وتقيحها.

وهذا بالضبط ما يحصل لنا في مواجهة وباء الأكاذيب والإشاعات المسمومة التي يواجهها العراق الجديد منذ عام 2003، فيمكن أن يصبح مصير البشرية بيد أكثر المتفننين في النصب والاحتيال والخداع. فالبعثيون وحلفاؤهم من المنظمات الإرهابية الوهابية، ومافيات الجريمة المنظمة، معروفون بقدراتهم الفائقة في التلاعب بعقول الناس واستمالتهم، وخدعهم بشتى الأساليب الملتوية، فإذا أرادوا مثلاً تسقيط سياسيين من طائفة دينية معينة تظاهروا بأنهم من تلك الطائفة، وراحوا يدبجون المقالات يذرفون فيها دموع التماسيح على فقراء تلك الطائفة، وما ألحقه بهم زعماؤهم من أضرار، بسبب فسادهم ونهبهم لأموال الشعب!!. وقد تطرقنا لهذا النوع من التسقيط في مقال لنا بعنوان:(تجيير العلم للتضليل والتسقيط السياسي)(1) رداً على مقال الدكتور قاسم حسين صالح. والجدير بالذكر أن لهذا الكاتب مقال آخر في هذا الخصوص بعنوان (سياسيو شيعة العراق..أخجلوا الشيعة)، فهمَّه الوحيد هو تسقيط قادة الشيعة دون غيرهم، وهو بالمناسبة يعيش في أربيل، بضيافة السيد بارزاني، وأتحداه لو يكتب مقالة واحدة في كشف عيوب ولي نعمته، أو أسامة النجيفي، أو صالح المطلق أو رافع العساوي أو طارق الهاشمي، وغيرهم من قيادات المكونات الأخرى.

ما جعلني أعود لموضوع التسقيط هو النشاط الجنوني في تصعيد حملات التضليل وبوسائل جديدة، ومع الأسف هناك أناس أعرفهم في منتهى الطيبة والوطنية والثقافة والأكاديمية، ولكنهم مع ذلك راحوا يتأثرون بهذه الإشاعات فيصدقونها ويروجون لها، بسبب سخطهم على الفساد، وحبهم للعراق، (ومن الحب ما قتل). والسبب الآخر لتصديقهم لهذه الأكاذيب هو البلاغة التي يستعملها هؤلاء النصابون في تقديم بضاعتهم السامة المميتة بغلاف مموه ومزوق ومزخرف يجتذب إليها المتلقي، فيقدمون لهم السم الزعاف في عسل الكلام، إذ كما يقول المثل (كذب مصفط أحسن من صدق مخربط).
كذلك ما استلمه من تعليقات من بعض القراء، وما وصلني من أكاذيب تأثر بها أناس أكن لهم كل الحب والتقدير والاحترام.
وعلى سبيل المثال، يتذكر القراء الأفاضل المتابعين لكتاباتي، مقالي الموسوم:(العراق والتدمير الذاتي)(2)، أرد فيه على مقابلة مزيفة أدعى كاتبها المتخفي وراء اسم (فلاح القريشي)، أنه أجراها مع السياسي الكردي المعروف، الدكتور محمود عثمان، والتي قال فيها على لسان عثمان ضد غالبية السياسيين العراقيين ما لم يقله مالك في الخمر، الأمر الذي نفاه الدكتور عثمان، وأعلن عدم معرفته بهذا الشخص المحتال، أو أجرى معه هكذا مقابلة. وطالب بمقاضاته.(2).

وقد عاد هذا النصاب (فلاح القريشي) ثانية قبل أيام بفبركة جديدة من خياله المريض مفادها أن (المحكمة العليا في لندن رفضت منح السورية "فدوى رشيد" الجنسية البريطانية لأنها لم تكشف اسم زوجها المسؤول العراقي الكبير الذي حول لحسابها 76 مليون دولار). ويضيف: (وبعد اربع ساعات من التحقيق والأسئلة والأجوبة، إنهارت فدوى رشيد وقالت للقاضي أنها متزوجة من عراقي "بالسر" وعام 2006 أصبح مسؤولاً كبيراً بالعراق, وأرسلني الى لندن مع وفد حكومي بصفة "سكرتيرة"، ولم أعود للعراق حسب طلبه وقدمت على اللجوء وحصلت على إقامة خمس سنوات وبعدها نلت الإقامة الدائمة ومن عام 2012 أستحق الجنسية البريطانية، لكن الهوم أوفس [وزارة الداخلية البريطانية] يرفض طلبي، والآن وبعد أن هددني محامي الهوم أوفس بالطرد من أراضي المملكة في حال رفض المحكمة طلبي، سأعترف لك بكل شيء وأرجو من سيادتكم عدم طردي لأن حياتي وحياة بناتي بخطر ومصيرنا الموت سيكون في العراق أو سوريا). انتهى

قد يعترض القارئ الكريم، ولماذا ترد على هذا التافه، فالكذبة واضحة؟
وجوابي هو نعم الكذبة واضحة، ولكن مع الأسف الشديد صدق بها كثيرون، وعبرت على الصديق الطيب الذي قام بتعميمها، رغم أنه قد قرأ مقالي عن هذا النصاب في مقابلته المفبركة مع الدكتور محمود عثمان. ولكن لما عاتبته، أجابني بأن سبب تصديقه بالمقالة هو تفشي الفساد في العراق!!

نعم، هناك فساد في العراق لا يقل خطورة عن الإرهاب، والفساد متفشي في مختلف أنحاء العالم، حتى اعتقد بعض الحكماء أنه من طبيعة البشر، وأنا أميل إلى هذا الاعتقاد. وفي هذا الخصوص قال المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد.... ذا عفة فلعلة لا يظلم.
ويقول الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز: " الانسان ذئب لأخيه الإنسان، والعالم هو غابة من الذئاب، وإذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب! لذلك ينبغي تنظيم المجتمع بطريقة عقلانية من أجل تحجيم هذه النزعة الوحشية الموجودة في أعماق الانسان، ومن اجل التوصل إلى مجتمع مدني، متحضر".

وفي مقالي هذا لا أريد أن أبرر أو أنفي الفساد في العراق، ولكني أقول لا يمكن محاربة الفساد بالكذب، لأن الترويج للأكاذيب بذريعة الفساد هو خدمة كبيرة للفاسدين الحقيقيين، وتشويه لصورة السياسيين النظيفين. فالقصد من المبالغة بالافتراءات والفبركات ضد سياسيي ما بعد 2003 هو لتدمير الثقة بين الشعب ورجال السلطة لإفشال العملية السياسية، وبالتالي إغراق العراق في فوضى عارمة يدفع ثمنها الشعب العراقي الجريح، ويستفيد منها البعثيون الدواعش ومن يناصرهم من حكومات المنطقة في تدمير العراق.

مثال آخر جعلني أعود لهذا الموضوع هو ما استلمته من "محاضرة"، مكتوبة بمهارة من قبل كاتب مجهول لم يذكر اسمه، وعلى شكل سلايدات، يتظاهر بالفهم واللوذعية و الاعتدال، بعنوان: (مخالفة الديمقراطية للإسلام)، يؤكد فيها مشروع أخوان المسلمين، الذي هو نفسه مشروع القاعدة وداعش، وبدون أن يذكر أسماء هذه التنظيمات، حول خطأ الديمقراطية في (فصل الدين عن السياسة+تحكيم الشعب)، ويستشهد بآيات قرآنية لتأكيد رأيه. ثم يذكر المحاضر قائمة طويلة من الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الغربي ضد شعوب العالم الثالث، وكل كوارث التاريخ  خلال القرون الخمسة الماضية التي حصلت في العالم، من الرق والعبودية، والبغاء، وتفشي الأمراض الجنسية، والاغتصابات، والإدمان على الكحول والمخدرات، إلى حروب الإبادة في رواندا، وإبادة الهنود الحمر في أمريكا، والمجاعات في أفريقيا، وغيرها كثير، مستشهداً بأرقام أدعى أنه استلها من مصادر بحثية غربية موثقة، ليلقي تبعات كل هذه الكوارث على الديمقراطية، ومسك الختام يأتي على شكل سؤال: أليس في الإسلام ما يغنينا عن مبادئهم الفاسدة؟ ويجيب: بلي والله ليس لنا إلا الإسلام ولا نرضى عنه بديلاً. 
ثم يتهي الخطاب بعلَم داعش الأسود مرفرفاً في أسفل الصفحة.

يعيب الإسلاميون وغيرهم على الغرب لأن الغربيين يكشفون عيوبهم ومشاكلهم الاجتماعية بالأرقام عن طريق الإحصائيات الدقيقة من أجل مواجهتها ومعالجتها، بينما تتبع الدول الإسلامية سياسة النعامة بدفن عيوبهم  في الرمال، معتقدين خطاً، بأن مجتمعاتهم نظيفة وخالية من هذه الأمراض الاجتماعية، وهذا خطأ فضيع... وحقاً ما قاله الإمام محمد عبده: "ذهبت للغرب فوجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين ولما عدت للشرق وجدت مسلمين و لكن لم أجد إسلاماً"

لا شك أن هذا النوع من الخطاب يؤثر بأغلب المتدينين المسلمين، وحتى من غير المتدينين من المسلمين الذين تشربوا بمعاداة الغرب وقيمها الحضارية، ولأسباب أيديولوجية، وفي نفس الوقت يستميتون في سبيل العيش في هذا الغرب الرأسمالي "المتوحش" وحضارته و"مبادئهم الفاسدة".

ولكن السؤال هنا: أي إسلام تريد أن تبني عليه الدولة الإسلامية هذه؟ الإسلام الشيعي، أم الإسلام السني بمذاهبه الأربعة، أو الإسلام الوهابي التكفيري الذي أعلن الحرب على كل من لا يتبنى الوهابية؟ ثم لماذا فشل الإسلام خلال 14 قرنا في تحقيق الجنة الطوباوية التي وعدنا بها المحاضر؟

في الحقيقة، بهذه الطريقة المخاتلة وغيرها، استطاع هؤلاء تجنيد الشباب للإرهاب وشحنهم بالعداء ليس ضد الحضارة الغربية وديمقراطيتها وقيمها الإنسانية فحسب، بل وحتى في جعل الإسلام والمسلمين في مواجهة انتحارية مع العالم كله.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: تجيير العلم للتضليل والتسقيط السياسي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=820

2- د.عبدالخالق حسين: العراق والتدمير الذاتي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=811


184
عبثية الترحم على عهد صدام!
د.عبدالخالق حسين
بعث لي أحد الأخوة القراء مقالاً للكاتب والصحفي الفلسطيني السيد عبدالباري عطوان، يتشمت فيه بما يواجه العراق الجديد من مشاكل أمنية ومالية وغيرها، مبرراً لصدام حسين بناء قصوره الباهظة التكاليف خلال سنوات الحصار الاقتصادي، مدعياً أن هذه القصور خدمت العراق الجديد الذي يعاني الآن من العجز المالي، وأن "الحكومة العراقية يمكنها الحصول على 150 مليار دولار من بيع هذه العقارات والقصور". وفي رأييه أن تشييد هذه القصور في زمن الحصار كان مبرراً وخدم العراق.(1)
وراح عطوان إلى أبعد من ذلك، حيث شبَّه قصور صدام بالأهرامات  المصرية التي بناها الفراعنة كقبور لهم، ولكن الآن المستفيد منها هو الشعب المصري حيث تجلب له ملايين السياح سنوياً لدعم الاقتصادي المصري.
نحن لا نعارض عبدالباري عطوان على كل ما يكتبه، فموقفنا منه يعتمد على موقفه من مختلف القضايا، قد نتفق معه في قضايا ونعارضه في غيرها. نتفق معه مثلاً في مواقفه من الأنظمة الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، التي تدعم الإرهاب وتنشر الخراب في البلدان العربية مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، ولكننا نعارضه على موقفه من حكم البعث الصدامي حيث كان مؤيداً له ومازال مدافعاً عنه، غير مبال بما جلب هذا النظام الدموي من كوارث على الشعب العراقي، وشعوب المنطقة، بما فيها الشعب الفلسطيني. فحكم البعث الصدامي هو حكم فاشي جائر معادي للإنسانية، قضى على كل ما بنته الأجيال العراقية منذ نهضته الحديثة أوائل القرن الماضي وحتى الآن، وبدد كل ثروات البلاد على حروبه العبثية وسياساته الطائشة، وشرد نحو خمسة ملايين من شعبه، ولولا سقوطه عام 2003 لكان أعداد المشردين في الشتات مضاعفاً. لذلك، فمن يترحم على صدام ونظامه بسبب المشاكل التي يواجهها العراق الجديد هو إما جاهل أو ساذج بسيط ضعيف الذاكرة، أو متعمد في التضليل، لأنه كان من المستفيدين من النظام الجائر.

فالسيد عبد الباري عطوان يقوم بدور وعاظ السلاطين الذين كانوا يجمِّلون للطغاة جورهم وطغيانهم، ويوجدون التبريرات لمظالمهم، تماماً كما كان رجال الدين في العهد العثماني الذين كانوا يبررون للسلطان قتل أخوته، مبررين ذلك بتجنب الفتنة في الصراع على السلطة، يدعمون فتاواهم بآيات من الكتاب المقدس والسنة النبوية. فعطوان يبرر بناء 60  قصر لصدام حسين في زمن الحصار بأنه كان لغرض إيجاد فرص العمل للعاطلين. والسؤال هنا، ما قيمة فرص العمل حينذاك عندما كان راتب الأستاذ الجامعي يعادل نحو 3 دولارات في الشهر، فكيف براتب العامل والمهندس؟ وقد أضطر الناس إلى بيع أثاثهم وحتى أبواب وشبابيك بيوتهم لتوفير لقمة العيش لأطفالهم.

أما تشبيه قصور صدام بالإهرامات ، فهو الآخر مضلل، فلو تقرأ كتب التاريخ، تجد أن هذه الإهرامات وأمثالها من الصروح التاريخية العظيمة التي شيدها الطغاة من الفراعنة وأباطرة الرومان، والتي تشير إلى أمجادهم، فهي في الحقيقة رموز للعبودية والظلم والجور، وتشير إلى طغيانهم وظلمهم للمعدمين، إذ كان الطغاة يستعبدون الناس وخاصة أسرى الحروب، يرغمونهم على العمل المجاني (سخرة slave labour)، يلهبون ظهورهم بالسياط حد الموت في حالة التقصير في العمل، إذ كانوا يعتبرون العبيد كمكائن حية (Living machines) لخدمتهم. وصدام كان يعامل الشعب العراقي كعبيد، متمادياً في إذلالهم، يطبق عليهم مقولة أحد الأعراب: (جوِّع كلبك يركض وراك). إذ لم يكن قصد صدام  من بناء قصوره إيجاد أعمال للعاطلين، كما يدعي عطوان، ولا أن تكون قصوره للشعب ليستفيد منها خصومه فيما بعد، كما لم يكن قصد الفراعنة من بناء الإهرامات خدمة الشعب المصري في المستقبل لتجذب لهم السياح ، بل بنوها كمقابر لهم، ويدفنون معهم خدمهم وحشمهم وهم أحياء ليقوموا بخدمتهم في القبور!!. أما الاستفادة من هذه الصروح فيما بعد، فهي (نتائج غير مقصودة) في التاريخ، ولا يمكن أن تكون مبرراً للظلم.
فمن مقتنيات صدام في زمن الحصار والمجاعة، أنه اشترى يختاً خاصاً له كلف خزينة الدولة نحو 150 مليون دولار. وشاءت الأقدار أن لا يرى صدام هذا اليخت، وبعد إعدامه بقي اليخت يتنقل من جهة إلى أخرى، كل يدعي ملكيته، ودفع العراق نحو مليون دولار كلفة الإجراءات القضائية والمحامين في المحاكم الأوربية إلى أن فاز بملكية اليخت، والذي حولته الحكومة الحالية لأغراض المسح والبحوث العلمية البحرية(2). فهل علينا أن نشكر صدام على شرائه لهذا اليخت باهظ التكاليف في زمن المجاعة وتشرد العراقيين الذين صار عدد كبيراً منهم طعاماً للأسماك؟

خلاصة القول، إن كل ما حصل ويحصل في العراق من مشاكل وأزمات مالية وأمنية وإرهابية وفساد وفوضى... الخ، هي من نتائج حكم صدام وحزبه الفاشي. وما يمر به العراق أو أي بلد آخر من مشاكل مدمرة بعد التخلص من الاستبداد، هو شر لا بد منه كالقدر المكتوب، والتاريخ حافل بالأمثلة(3)، إلا في حالات نادرة عندما يتم التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية على يد الحاكم المستبد نفسه و تدريجياً، وهذا شبه مستحيل في حالة صدام حسين، وربما ستكون بورما مثالاً في التحول السلمي حيث قام الحكام العسكر بعملية التحول السلمي التدريجي، وعلينا أن ننتظر.
فالعرب هم الوحيدون في العالم، الذين أدمنوا على العبودية ويمجدون الاستبداد ويبجلون طغاتهم، واتخذوا منهم رموزاً لأمجادهم، وسخروا الإسلام لهذا الغرض، إذ دائماً يبررون ويزوِّقون للطغاة مظالمهم وجرائمهم بأحاديث نبوية مزورة مثل قولهم: (أطع ولي أمرك حتى ولو ألهب ظهرك). فالذين يحنون إلى عهد صدام ينطبق عليهم المثل العراقي: (درب الكلب على القصاب). ومثل آخر: (الدجاجة تموت وعينها على المزبلة).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
___________
روابط ذات علاقة
1- عبد الباري عطوان: يوم “عايروني” بقصور صدام حسين على الهواء مباشرة بهدف احراجي.. وها هم يلجأون اليها لانقاذ حكومتهم من الافلاس.. واليكم القصة كاملة دون اي رتوش
http://www.raialyoum.com/?p=381382

2- Saddam Hussein's Yacht Is Sailing Again With a New Mission
http://news.nationalgeographic.com/2016/01/160104-saddam-hussein-boat-research-iraq/

3- Anarchy vs Stability: Dictatorships and Chaos Go Hand in Hand
http://www.spiegel.de/international/world/stable-dictatorships-are-not-the-lesser-evil-a-996278.html





185
العراق والمؤتمرات الدولية

د.عبدالخالق حسين

لا شك أن العراق في وضع لا يحسد عليه، فمازال ضمن قائمة الدول الفاشلة، حيث يفتقر إلى الوحدة الوطنية، وعجز الحكومة المركزية عن السيطرة الكاملة على أطراف البلاد، وتدخل حكومات أجنبية في تشكيلة حكومته المفترض بأنها حكومة الشراكة والوحدة الوطنية (partnership)، بينما هناك أطراف مشاركة فيها ومعادية لها، مهمتها شل عملها، تمنح ولاءها للسعودية وقطر وتركيا وليس للعراق. إضافة إلى الأزمة المالية الخانقة بسبب انهيار أسعار النفط، المصدر الرئيسي لموارد الدولة، و الصرفيات الهائلة كرواتب خيالية لأعضاء السلطتين، التنفيدية والتشريعية، والمتقاعدين منهم، وحماياتهم التي فاق تعدادها الجيش الإتحادي، والأدهى، مشاركة بعض هذه الحمايات في الإرهاب، إلى جانب الإرهاب البعثي الداعشي الطائفي المنظم، والمدعوم من قبل الحكومات الإقليمية، ناهيك عن الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة.

في ظل هذه الأوضاع المزرية، تحاول الحكومة جاهدة أن توهم الرأي العام العراقي والعالمي أن العراق بألف بخير، ينعم بالأمن والاستقرار والازدهار. وكدليل على هذا "الاستقرار" الوهمي، قامت الحكومات العراقية المتعاقبة خلال السنوات العشر الماضية بعقد مؤتمرات دولية في بغداد، كلفت خزينة الدولة أموالاً طائلة ودون أن تحقق أية نتائج إيجابية للعراق بما فيها الأغراض الدعائية والإعلامية.

وآخر هذه المؤتمرات كان (مؤتمر اتحاد برلمانات الدول الإسلامية) الذي عقد مؤخرا في بغداد يوم الأحد (24 كانون الثاني 2016)، والذي كلف خزينة الدولة نحو 5 مليون دولار(1)، مما أثار احتجاج الكثير من الكتاب والإعلاميين العراقيين الحريصين على المصلحة العامة.

المضحك والمبكي في الأمر أن حاول خصوم السيد نوري المالكي، الذين اعتادوا، بمناسبة ودونها، على تحميله جميع مشاكل العراق المتراكمة، استغلوا هذه الفرصة فألقوا اللوم عليه أيضاً في دعوة عقد هذا المؤتمر بصفة نائب رئيس الجمهورية، بينما قال مقرر مجلس النواب ان " هذا خطأ من موظف وخطأ غير مقبول، وعلى رئاسة البرلمان محاسبة هذا الموظف"، مؤكدا ان " مناصب نواب رئيس الجمهورية الغيت والبرلمان صوت على ذلك".

المهم، أننا نرى أن عقد المؤتمرات الدولية في العراق، وفي أوضاعه الحالية البائسة، لا يخدم القضية العراقية، فهي باهظة النفقات التي من الأولى صرفها على فقراء الشعب، كما و تشغل هذه المؤتمرات أعداداً كبيرة من القوات الأمنية في توفير الحماية للوفود بدلاً من تركيز اهتمامها على حماية أبناء الشعب وممتلكاتهم من الإرهاب والجريمة المنظمة. إضافة إلى كون هذه المؤتمرات والاحتفالات هي أحسن وسيلة للسرقة والنهب والفساد، لأنه من الصعب محاسبة اللصوص. ولهذه الأسباب مجتمعة، نهيب بالمسؤولين عدم دعوة عقد هذه المؤتمرات الدولية في العراق في المرحلة الراهنة، فهي باهظة التكاليف، وغير مجدية، ودون أن يكون لها أي مردود إيجابي للمصلحة الوطنية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
5  مليون دولار تكلفة مؤتمر البرلمانات و التحقيق جاري بشأن شبهات فساد
http://www.akhbaar.org/home/2016/1/205895.html


186
تجيير العلم للتضليل والتسقيط السياسي

د. عبدالخالق حسين

في السبعينات من القرن الماضي رفعت حكومة البعث شعار (كلُّ شيء من أجل المعركة)، أي من أجل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، والذي حوله الكاتب المصري الراحل أنيس منصور إلى (كُل شيئاً من أجل المعركة)، وباتت النتائج معروفة. أما ما بعد سقوط البعث، فقد رفع البعثيون المهزومون شعار (كل شيء من أجل التدمير والتضليل والتسقيط السياسي) وعملاً بمقولة أستاذهم غوبلز: "أكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس". وحتى العلم لم يسلم من سوء الاستخدام لأغراض سياسية وتصفية حسابات. ففي عهد الانحطاط والهزائم يتم الترويج للخرافات والأكاذيب بغلاف علمي مزيف (Pseudoscience)، يصدق بها ليس البسطاء من الناس فحسب، بل وحتى البعض من المتعلمين من حملة الشهادات العالية. وعلى سبيل المثال، فبعد هزيمة 5 حزيران عام 1967، طلع علينا دجالون في مصر أدعوا بظهور مريم العذراء على كنيسة الزيتون في القاهرة عام 1968. وحتى وزارة الداخلية المصرية آنذاك أصدرت بياناً تؤكد صحة الظهور، و حاولت أن تؤكد بالعلم، وصدق الناس بالإشاعة، ولكن بعد أن مات العشرات بسبب التدافع والدهس، أصدرت نفس الوزارة بياناً بتكذيب الخبر.

كذلك الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، وهو أستاذ جامعي أيضاً، أدلى بتصريحات في عدة مناسبات حول لقاءه بالمهدي المنتظر، حيث قال أثناء رئاسته بأن “المهدي هو من يدير البلاد”.

وهكذا في هذا الزمن الأغبر نجد أناساً رغم أنهم يحتلون مواقع إدارية عالية، أو أكاديمية مرموقة، إلا إنهم لم يتورعوا عن تلفيقات يغلفونها بغلاف علمي  مموه لتمريرها على الناس ولأغراض سياسية وتسقيط الخصوم.
وفي هذا الخصوص، أي استخدام العلم لخدمة الخرافة والتضليل، علق العلامة فال فتش (Val Fitch) من جامعة Princeton الأمريكية، والحائز على جائزة نوبل عام 1980 في الفيزياء، على كتاب زميله روبرت بارك، الموسوم (خرافة: الإيمان في عصر العلم) قائلاً: "ربما لديك انطباع بأن الخرافة قد انتهت بانتهاء الحضارة اليونانية والرومانية القديمتين. ليس الأمر كذلك أبداً، فالخرافة بدأت تتطور من شكل إلى آخر أكثر فعالية وتأثيراً. إنها تأتي خلسة، متلبسة برداء العلم الحديث. والمؤلف نجح في ذبح التنين بمهارة فائقة وذهنية ذكية، سواء كانت هذه الخرافات على شكل علوم مزيفة خادعة أو أدعية شافعة. فالكتاب رائع". (1)

مناسبة هذه المقدمة أني قرأت قبل أيام، و بطلب من صديق أرسله لي، مقالاً للدكتور قاسم حسين صالح بعنوان: (حيدر العبادي تحليل شخصية في دراسة علمية)(2)، المنشور في موقع الحوار المتمدن. وبعد قراءته تأسفتُ على هذا الشخص الذي يتمتع بقدرة كتابية جيدة، ويحتل موقعاً أكاديمياً في علم النفس كما يدعي في خلاصة سيرته الذاتية، ولكنه لم يتورع في الانضمام إلى جوقة الابتذال والتسقيط السياسي، محاولاً إيهام القارئ بأن كل ما يقوله هو العلم بعينه، وأنه توصل إلى استنتاجه بالمنهج العلمي الرصين!! ويا سلام على هذا العلم وعلى الرصانة العلمية!!

وخلاصة ما يريد تمريره "الباحث القدير الرصين"، هو ليقول لنا أن رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ((ضعيف الشخصية،  مضطرب، نرجسي جداً، لا يملك كاريزما، عاجز،عديم القدرة على المواجهة، مراوغ رغماً عنه، يمارس اللف والدوران لإخفاء الهفوات والسلبيات، داخله أسوأ من ظاهره، خائف متستر وكأنه لديه سرقة، متوتر، متردد، مرتبك، هياب، مهزوز في داخله.. إلى آخره)) حيث لم يترك صفة بذيئة في القاموس العربي إلا وألصقها بحيدر العبادي. أترك رابط المقال في الهامش لمن يرغب في الحكم بنفسه. (نفس المصدر- هامش رقم 2).

لا أريد هنا أن أدافع عن حيدر العبادي، فهو كغيره ممن سبقوه في هذا الموقع الذي وضعته الأقدار فيه رغماً عنه، والذي لا يحسده عليه أحد، إذ لم يسلم من الطعن والتسقيط والقتل حتى لو كان الإمام علي ابن أبي طالب، أو النزيه الوطني الشجاع عبدالكريم قاسم. ولكني متألم على المستوى المتدني الذي رضي هذا "العالم الجليل" أن يهبط إليه، وينضم إلى جوقة التسقيط  التي لا تختلف كثيراً عن جوقة فخري كريم وأمثاله.
أريد أن أسأل الباحث الذي أطلق على مقاله (دراسة علمية)، هل كان هؤلاء الـ 267، الذين استجابوا على تساؤلاته، كانوا متخصصين في علم النفس، وأجرى كل واحد منهم على حده جلسات سريرية في التحليل النفسي على حيدر العبادي، بحيث توصل 79% منهم إلى هذا الاستنتاج السلبي؟ أم كانوا من عامة الناس يا محسنين؟ طبعاً وباعترافه في المقال، أن هؤلاء هم قراء لم يلتق بهم وليست بينه وبينهم سابق معرفة. وفي هذه الحاله ماذا تتوقع أن يكون حكم هؤلاء لو سألتهم عن أية شخصية عراقية أخرى في السلطة؟ أو لو أجريت هذا "البحث" في أية دولة أخرى غير العراق عن حكامهم؟ لا شك أن النتائج ستكون مقاربة لما توصل إليه باحثنا بحق السيد العبادي.

في الحقيقة، هذا الاستنتاج هو استنتاج مسبق للسيد قاسم حسين صالح نفسه عن العبادي ولغاية في نفس يعقوب هو أعرف بها من غيره، ولكنه أراد أن يوهم القراء بأنه خلاصة بحث علمي رصين، وهذا هو موقف الناس منه وكلامهم عنه. نعم قد يكون هذا هو موقف الذين استجابوا لتساؤلات الباحث، ولكن لا قيمة علمية له، لأن هذه مواقف ذاتية (subjective)، يعتمد على مشاعر الأفراد من هذا وذاك، خاصة في العراق حيث الانقسام الطائفي والعرقي والسياسي، والعداء إلى حد كسر العظم، والحملة التسقيطية الشرسة ضد الخصوم السياسيين.
والسؤال هنا، كيف عرف هؤلاء الـ(79% من 267) أن (داخل حيد العبادي أسوأ من ظاهره؟)، فداخل الإنسان هو ذاتي غير مرئي لا يعرفه إلا الله والفرد نفسه. ألا يعني هذا أنه حكم مسبق وزلة لسان من "الباحث الرصين"؟ ألا يعني ذلك أن هذا الاستنتاج معد مسبقاً من قبل الباحث ويمثل رأيه الخاص بالعبادي، ولكنه اخرجه من أفواه الآخرين على شكل أسئلة وأجوبة ليحصل بالضبط على الاستنتاج الذي يريده، وليقول لنا أن استنتاجه هذا هو علمي صرف ولا دخل له به؟ هل هذا هو السلوك العلمي المحايد المطلوب من العالم الأكاديمي الباحث الرصين؟

والجدير بالذكر، أن السيد قاسم حسين صالح رشح نفسه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في (30/4/2014)، ضمن قائمة (التحالف المدني الديمقراطي)، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، فكتب بانفعال شديد مقالاً غاضباً يبرر فيه فشله، فألقى باللوم على الشعب العراقي وخاصة العرب منهم، متهماً إياه بالجهل واللاوطنية والطائفية والعشائرية إلى آخره من الاتهامات. تفيد الحكمة (إذا كنت كذوباً فكن ذكورا). وقد ردينا عليه في حينه بمقالنا الموسوم: (محاولة لتفسير التخندق الطائفي في الانتخابات)(3). فكيف هذا الشعب "اللاوطني الطائفي العشائري" الذي لا يعرف أن ينتخب الشخصيات المخلصة له، صار فجأة وبقدرة قادر ( 79% من عينة منه) مصدر حكم علمي رصين يعتد به على شخصية حيدر العبادي؟ يقول المثل العراقي: (حِب واحكي، إكره واحكي).

ومن كل ما سبق، نستنتج أن مقال السيد قاسم حسين صالح هو ليس دراسة علمية كما يدعي، بل لا يختلف عن أي مقال تسقيطي بذيء ، يكتبه صبيان فخري كريم، أو مرتزقة مسعود بارزاني، الغرض منه تصفية حسابات سياسية، ولكنه حاول جاهداً تضليل القراء بإضفاء صفة البحث العلمي على خربشاته السخيفة هذه، والادعاء انه اتبع المنهج العلمي (scientific methodology)، بينما في الحقيقة اتبع ما يسمى بالعلم المزيف pseudoscience من أجل التضليل والتسقيط لكسب رضى أولياء النعمة، وهو أمر خطير ضار بالشعب، وبالمصلحة الوطنية وبسمعة الكاتب نفسه.

وصدق ما قاله إفلاطون قبل حوالي 2400 سنة: "الإنسان يحتاج إلى تعليم جيد وطبع جيد، لكي يصبح الأقدس والأكثر تمدناً من بين كل الحيوانات، ولكن إذا ما لم يتثقف، أو تثقف بثقافة خاطئة، سيكون الأكثر وحشية وهمجية من جميع الحيوانات".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- عبدالخالق حسين: قراءة في كتاب: خرافة Superstition
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=272
ويمكن تنزيل النسخة العربية الإلكترونية من الكتاب من غوغل مجاناً.

2- قاسم حسين صالح: حيدر العبادي تحليل شخصية في دراسة علمية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=501110
 
3- د. عبدالخالق حسين: محاولة لتفسير التخندق الطائفي في الانتخابات
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=650

187
رفع العقوبات عن إيران انتصار للحكمة والاعتدال

د.عبدالخالق حسين

وأخيراً وبعد سنوات من المفاوضات الدبلوماسية الهادئة والمضنية بين إيران ودول الخمس الكبرى+1، متحلين بصبر أيوب، انتصر صوت العقل والحكمة والاعتدال على صوت الجهل والتطرف. ففي إيران ومنذ الثورة الإسلامية عام 1979، هناك صراع عنيف بين المتطرفين والمعتدلين. فالمتطرفون أدمنوا على الهجوم على السفارات وحرق الأعلام، ورفع شعارات متطرفة مثل الموت لأمريكا...الخ، و دفعوا الثورة إلى حافة الاجهاض والاغتيال، مما أثار عليها نقمة أمريكا وحليفاتها في المنطقة فأشعلوا الحرب العراقية- الإيرانية، بدفع طاغية العراق حين قالوا له: (منا المال ومنك الرجال)، وبقية القصة تاريخ.

إن فوز الدكتور حسن روحاني المعتدل برئاسة الجمهورية دليل قاطع على أن الغالبية العظمى من الشعب الإيراني قد سأمت التطرف ومشاكسة القوى الكبرى ومعاداتها، والتفاخر الفارغ والعقيم بامتلاك السلاح النووي الذي من شأنه استنزاف ثروات البلاد وإفقار العباد، واستفزاز الآخرين وخلق المزيد من الأعداء، دون أن يكون له أي استخدام فعلي، فالأسلحة التقليدية الحديثة باتت تغني عن السلاح النووي بفضل التطور المذهل في العلوم والتكنولوجيا، وهاهي بريطانيا العظمى تتصاعد فيها الأصوات وحتى من قبل حزب العمال، مطالبة بالتخلي عن السلاح النووي الباهظ التكاليف والعديم الفائدة.
لذلك قال الرئيس الإيراني حسن روحاني عن بدء تنفيذ الاتفاق النووي مع القوى العالمية أنه يمثل "فصلا جديدا في علاقات إيران مع العالم".(1)

كما وهناك التطرف في الجانب الآخر، في أمريكا وخاصة المحافظون الجدد، وإسرائيل والسعودية، واللوبيات المناصرة لإسرائيل وتجارة الأسلحة في واشنطون، فهؤلاء متضررون من الاتفاق وتنفيذه ، لذلك يسعون لإشعال موجة جديدة من الحروب العبثية في الشرق الأوسط من أجل تبديد الطاقات البشرية والمادية لشعوب المنطقة بدلاً من استثمارها في التقدم ورفع المستوى المعيشي لهذه الشعوب التي عانت الكثير من الحروب والفقر والتخلف والأنظمة المستبدة.

فالإعلان الأخير في العاصمة النمساوية (فيينا) مساء السبت 16/1/2016، برفع العقوبات عن إيران هو انتصار عظيم للاعتدال على التطرف. لذلك نرى البعض من المتطرفين في إيران الذي أشعلوا النيران في السفارة السعودية مؤخراً، كانوا يحاولون إحراج جناح المعتدلين بقيادة الرئيس روحاني ووزير خارجيته السيد محمد جواد ظريف، ورد فعل عنيف من راعية الإرهاب، المملكة العربية السعودية التي استغلت هذه الفعلة لصالحها، فأظهرت نفسها بالحمل الوديع والمعتدى عليها، وإيران هي المعتدية. وللتقليل من شأن الاتفاق يرى المتطرفون من الجانبين فيه خضوعاً وانبطاحاً للآخر، فأي تقارب مع الغرب وخاصة مع أمريكا يعتبرونه انبطاح واستسلام، وهو ليس كذلك، بل انتصار لجميع محبي السلام والتقدم، الذين يناضلون من أجل العيش في عالم خال من الحروب والظلم والتخلف. كما أثار الاتفاق نقمة وغضب نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل وقادة الحزب الجمهور الأمريكي.

والجدير بالذكر والتحذير، أن رفع العقوبات عن إيران لا يعني أن الثقة الكاملة قد عادت بينها وبين أمريكا، فبعد نحو أربعة عقود من العداء الشديد لا يمكن إعادة الثقة بين عشية وضحاها، فأمريكا كانت "الشيطان الأكبر" في نظر إيران، وإيران ضمن "محو الشر" في نظر أمريكا. لذلك لم نستغرب أنه بعد يوم واحد من رفع هذه العقوبات، (أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على بعض الشركات الإيرانية والأشخاص بسبب الاختبار الذي أجرته إيران مؤخرا لصاروخ باليستي. وتمنع تلك العقوبات الجديدة 11 شركة وشخصية ذات صلة ببرنامج الصواريخ من استخدام المصارف الأمريكية)، القرار الذي أدانه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، قائلاً أنه "ليس هناك شرعية للعقوبات الأمريكية [الجديدة] على برنامج إيران للصواريخ الباليستية."، لأن أمريكا تبيع هذه الأجهزة والأسلحة على دول المنطقة.(2)
ولكن رغم ذلك، فطالما هناك تواصل ولقاءات بين الأطراف المعنية، فكل المشاكل يمكن حلها بالمفاوضات والتفاهم، لأن المقاطعة تزيد من سوء الفهم والشكوك بالآخر، لا يستفيد منها إلا المتطرفون من جميع الأطراف، بينما التواصل يجعل كل طرف يفهم الآخر بشكل أفضل ليحل التفاهم والثقة محل الشكوك وسوء الظن وتوقع الشر بالآخر.

 وعلى قدر ما يخص العراق، فالتقارب الإيراني الأمريكي يصب في صالح العراق أيضاً، والذي هو بين سندانة إيران ومطرقة أمريكا، فتقارب العراق لأي منهما يثير غضب الآخر، ولكل منهما نفوذ وتأثير على مجريات الأمور في العراق، وعليه فمن مصلحة العراق أن يعود الوئام وتحسن العلاقة بين إيران والغرب وبالأخص أمريكا.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- ما هي العقوبات التي ألغتها الولايات المتحدة المتصلة بالبرنامج النووي الإيراني؟
http://www.akhbaar.org/home/2016/1/205240.html

2- إيران تصف عقوبات أمريكا الجديدة عليها بأنها غير قانونية
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/01/160118_iran_reaction_us_new_sanctions


188
هل اقتربت نهاية آل سعود؟
د. عبدالخالق حسين

يقول فولتير: "إذا أردت أن تعرف حقيقة الإنسان فأعطه سلطة أو مال". وآل سعود يملكون الإثنين، فبانت حقيقتهم الشريرة. وأكاد أجزم أن المملكة السعودية هي السبب الرئيسي في عدم استقرار المنطقة، ولولاها لما سمعنا بالإرهاب الإسلامي. فالإرهاب جوهر العقيدة الوهابية منذ تأسيس هذا المذهب التكفيري الإقصائي الفاشي المعادي للإنسانية والحضارة البشرية والمتحالف مع الأسرة الحاكمة. وقد بلغت السعودية أوج شراستها وتخبطها في عهد الملك الجديد، سلمان بن عبدالعزيز. فملوك السعودية الذين سبقوه كانوا يكتفون بنشر التطرف الديني، وإثارة المشاكل في العالم وخاصة للدول العربية والشرق الأوسط بالخفاء وحبك المؤامرات والاعتماد على أمريكا وغيرها من الدول الغربية في أمنها وعدم محاسبتها على جرائمها عن طريق شراء الذمم ومؤسسات إعلامية وحكومية بما لديها من مال وفير، وثروة نفطية هائلة، وحاجة الغرب لهذا النفط.

ولكن منذ صعود الملك سلمان عرش المملكة، وتسلم ابنه الأصغر المدلل، الأمير محمد وزارة الدفاع ومعظم المؤسسات المهمة الأخرى في الدولة، تغيرت الأمور نحو الأسوأ، نحو الغطرسة والتدخل المباشر في شؤون دول الجوار (الحرب على اليمن)، وإثارة الفتن الطائفية بعلنية فجة. وفي هذا الخصوص، نشرت صحيفة الإندبندنت اللندنية مقالاً للكاتب الصحفي باتريك كوبيرن بعنوان "الأمير السعودي الساذج المتعجرف يلعب بالنار)، يشير إلى أن الاستخبارات الألمانية نشرت مُذكّرة نهاية العام الماضي توضح "الخطر" من ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان. وجاء فيها أن "السعودية تعتمد سياسة متهورة في الآونة الأخيرة". و أن "ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان - البالغ من العمر 29 عاماً والذي يتمتع بنفوذ عال، والمعروف بأنه الابن المفضل للملك سلمان الذي يعاني من داء الخرف - بأنه سياسي مقامر يعمل على شل العالم العربي من خلال تورطه بحروب بالوكالة في سوريا وايران". وأوضح أن "تحذيرات وكالة الاستخبارات الألمانية تعد إشارة على زيادة المخاوف من أن السعودية أضحت ورقة غير مضمونة... وأنها كانت تعمد في السابق إلى إبقاء جميع اختياراتها مفتوحة، وكانت حذرة". و إن "السعودية أضحت تنتهج خيارات أكثر عدوانية وسياسة محبة للحروب، كالحرب في سوريا واليمن". وختم كوبيرن بالقول إن "المغامرات الخارجية التي بدأها الأمير محمد لم تكن ناجحة وليس هناك أي بوادر تشير إلى نجاحها لاحقاً".(1)

وما إقدام السعودية على إعدام رجل الدين الشيعي، الشيخ نمر باقر النمر، إلا دليل على أن المملكة بقيادة الثنائي الملك سلمان، وابنه الأمير محمد على أن المملكة في أزمة عميقة جداً قد تؤدي إما إلى انهيارها، أو تغيير جذري في رأس سلطة العائلة المالكة، بانقلاب قصر. فكما أكد العديد من الصحفيين الغربيين، أن الملك سلمان لا يستطيع العمل أكثر من أربع ساعات يومياً. ومعظم شؤون الدولة الأخرى، السياسية والاقتصادية والعسكرية، وشركة أرامكو النفطية، والسياسة الخارجية وغيرها، بيد ابنه المتهور المقامر الأمير محمد الذي كل تعليمه لا يتجاوز الشهادة الأولية في القانون من جامعة الملك فهد. لذلك وكما قال عنه الصحفي البريطاني المعروف باتريك كوبيرن أن المقامر إذا خسر في لعبة فإنه يضاعف الرهان في اللعبة اللاحقة ليعوض عن خسارته، وإذا خسر ثانية فيضاعف الصفقة مرة أخرى، وهكذا إلى أن يفلس إفلاساً مطلقاً. فقد خسر الأمير محمد في أغلب قراراته السياسية منذ توليه المسؤولية في العام الماضي مع والده، وراح يقود المملكة من كارثة إلى كارثة أخرى، إلى درجة أن الحكومات الغربية وحتى أمريكا، بدأت تتخوف من هذا التخبط السعودي، فراح الإعلام الغربي يقول الحقيقة للرأي العام عن جرائم النظام.

ومن أكبر أخطاء الأمير محمد هو شنه الحرب على اليمن، وهذا دليل على غبائه، إذ كما جاء في نيويورك تايمس، أنه تجاهل الحقيقة أن الحوثيين كانوا عبارة عن عازلة مفيدة ضد التهديد الحقيقي لبيت آل سعود من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، و يبدو أيضا، أنه أغفل أن الحوثيين العنيدين الذين أحرجوا السعوديين في حرب حدودية عام 2009، عندما استولوا على جيزان، الميناء السعودي على البحر الأحمر، ولم يسلموه إلا بعد أن دفعت السعودية لهم 70 مليون دولار.(2)

ويبدو أن الغرب، ينوي التخلي عن السعودية، فقبل أسابيع ندد نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالسعودية لدورها في دعم الإرهاب، كذلك معظم الصحافة الغربية راحت تفضح الدور السعودي هذا. ولعل أوضح مثال هو التصريحات الإعلامي الأمريكي المعروف توماس فريدمان من صحيفة نيورك تايمس، والمقرب من الإدارة الأمريكية، الذي زار الرياض مؤخراً والتقى بالمسؤولين المتنفذين، مثل الأمير محمد، ففي لقاء صحفي قال (أن النظام السعودي لا يركز إلا على شرعيته ومرعوب من شيء واحد فقط، وهو قيام داعش ضد إسرائيل). وهذا يؤكد العلاقة الحميمة بين السعودية وإسرائيل، السعودية التي تدعي أنها حامية حمى المسلمين في العالم، وتلقب ملكها بخادم الحرمين الشريفين (رابط الفيدو في الهامش رقم 3 ).

السعودية غارقة في المشاكل
فالسعودية ليست مرعوبة فقط من احتمال تحرش داعش باسرائيل، بل هناك مشاكل كبيرة وكثيرة تواجهها، ومنها كما قال فريدمان، أن السعودية أرسلت مئات الألوف من الطلبة السعوديين للدراسة في أمريكا و أوربا، وعند عودتهم بعد تشربهم بالثقافة الغربية، لا يمكن أن يقبلوا هذا النوع من الحكم الاستبدادي العائلي القبلي المتخلف.
كذلك الأزمة الاقتصادية التي تواجهها السلطة لأول مرة في تاريخ المملكة، بسبب تردي أسعار النفط،
وتدخل السعودية بشكل مباشر في حرب لا تعرف لها نهاية في اليمن، بغية إعادة الدمية عبد ربه منصور هادي إلى الحكم. وكانت النتيجة أن الشعب اليمني بقيادة الحوثيين بقي صامداً، فالسعودية في ورطة حيث تكلفها الحرب على اليمن نحو 200 مليون دولار يومياً، أي 6 مليار شهرياً، أي 72 مليار سنوياً.
كذلك كلفت الحرب التي تشنها المنظمات الإرهابية التي ترعاها السعودية في سوريا والعراق ومناطق أخرى نحو خُمس أموال الدولة كما قال فريدمان. فالسعودية تحارب الإرهاب في بلادها وتدعمه في الخارج، فقد بات هذا الامر معروفاً لدى القاصي والداني وحتى الغرب.

المشكلة الأخرى التي تواجهها السعودية هي الحملة العالمية ضد استهلاك النفط بسبب الانحباس الحراري، وقرارات المؤتمر الدولي الأخير في باريس حول المناخ، ودعوة الحكومات لتبني المصادر المتجددة للطاقة بدلاً من النفط والفحم، مما يرسم مستقبلاً قاتماً للدول المصدرة للنفط. وليس بعيداً أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه النفط مثل الفحم، مادة بائرة في باطن الأرض.

ولمواجهة الأزمة المالية، لجأت المملكة إلى رفع أسعار البنزبن بنسبة 40%، إضافة إلى الكهرباء والماء...الخ، وقطعت أو قلصت المساعدات المالية عن العاطلين من الشباب، فهناك بطالة بين 20-25% من القوى العاملة، وأن 70% من الشعب السعودي دون الثلاثين من العمر.

لهذه الأسباب وغيرها، فالسعودية في هذا الوقت الحرج بأمس الحاجة إلى قيادة حكيمة للخروج من أزمتها المتفاقمة، بينما الذي حصل هو العكس، حيث يقودها الآن ملك مخرف، وابنه الشاب المدلل المتهور المقامر. وبدلاً من تبني الحكمة في معالجة هذه المشاكل لجأت السلطة إلى أسوأ الأمور التي من شأنها أن تفاقم هذه المشاكل، حيث لجأت إلى المزيد من إثارة الفتنة الطائفية والتحريض ضد الشيعة و إيران، واتخاذهما كبش الفدى لكل مشاكلها بغية إثارة مخاوف الغالبية السنية من هذين "البعبعين"، أملاً في دفعها لدعم السلطة.
ولذلك أقدمت على إعدام رجل الدين الشيعي الشيخ النمر رغم نصائح أصدقائها لها بمن فيهم الإدارة الأمريكية بعدم إعدامه، ولكنها أصرت على إعدام الشيخً وكانت تقصد منه ردة فعل عنيفة من إيران لإثارة الطائفية، وتحشيد الغالبية السنية وراءها، وإثارة العداء لإيران واتهامها بالتدخل في شؤون البلاد العربية.
لذلك فإقدام الحكومة بإعدام الشيخ الشيعي النمر كان نتيجة حسابات دقيقة رغم أنها خاطئة، حققت الغرض المطلوب منه، إذ قام المتشددون الإيرانيون بالاعتداء على السفارة السعودية في طهران وحرقها، الأمر الذي استغلته السعودية بقوة لتحريض العالم ضد الحكومة الإيرانية، وبذلك أظهرت السعودية نفسها بأنها الضحية، وإيران هي المعتدية!.
طبعاً الاعتداء على السفارات عمل مدان، وقد أدان الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني هذا العدوان، واعتذر الممثل الإيراني في الأمم المتحده، كما وأقالت الحكومة الإيرانية مساعد محافظ طهران لإهماله توفير الأمن للسفارة السعودية، ولكن مع كل هذه الاجراءات الإيرانية أصرت السعودية على تصعيد التوتر بينها وبين إيران، إضافة إلى التحريض الطائفي ضد الشيعة بصورة عامة. ومن هذه الإجراءات لتصعيد التوتر، طالبت السعودية الجامعة العربية بعقد مؤتمر طارئ ضد إيران فحصلت على ما تريد، وربما سيعقبه مؤتمر الدول الإسلامية، وهكذا ....

الاستفزازات السعودية لإيران
ارتكبت السعودية اعتداءات كثيرة على إيران بغية استفزازها لردة فعل عنيفة تتخذها ذريعة لجر أمريكا إلى حرب على إيران وخاصة بعد الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 الذي أثار غضب و جنون السعودية. وفي هذا الخصوص نشر موقع  "لوب لوغ فورين بوليسي" الأميركي المهتم بشؤون الشرق الأوسط، مقالاً للباحثة شيرين هنتر في مركز التقارب الإسلامي-المسيحي، بجامعة "جورج تاون" في واشنطن، تحت عنوان "السبب الحقيقي لإقدام السعودية على إعدام الشيخ النمر"، فنّدت فيه التحركات التي أقدمت عليها السعودية سابقاً في محاولاتها لاستفزاز إيران، منها: تدخلها العسكري في البحرين، والجهود التي بذلتها لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، و تفجير السفارة الايرانية في بيروت عام 2013، والذي قتل فيه الملحق الثقافي الإيراني، والحرب التي شنتها السعودية على اليمن، والاعتداء على معتمرين إيرانيين في السعودية، إضافة إلى "قتل عدد كبير من الحجاج" [نحو 464 حاج إيراني]، في إشارة إلى فاجعة منى في العام الماضي، وما تلاها من تعقيدات فرضتها السعودية في قضية التعرف على الجثث وتسليمها إلى ذويهم. كذلك ما قامت به حكومة نايجيريا باعتقال زعيم الشيعة في نيجيريا، الشيخ إبراهيم الزكزاكي، وإقدام الجيش النيجيري على قتل ما يقرب من ألف شيعي لأسباب زائفة. وبعد اعتقال الشيخ الزكزاكي تلقى الرئيس النيجري اتصالاً من الملك السعودي هنأه على "تعامله الفعال مع الإرهاب"، وعلقت الكاتبة بالقول: "يبدو أن تعريف الملك للإرهاب يطال التقيد السلمي بالشعائر الدينية". وتابعت، أن استهداف الشيعة تكرر في بلدان أخرى، كأذربيجان، وفي عمليات القتل العشوائي التي تنفذها جماعات متأثرة بالسعودية في باكستان وأفغانستان التي شهدت عملية قطع رؤوس لأطفال من الهزارة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. و رجحت الكاتبة أن إيران لن تستسلم للاستفزاز السعودي الأخير (4 و5)

مستقبل السعودية
فما هو مستقبل هذه المملكة التي تسببت في عدم استقرار المنطقة؟
يعتقد البعض أن مصيرها سيكون كمصير شاه إيران، فأمريكا عندما تستغني عن حلفائها تتخلى عنهم، كما حصل لشاه إيران، وأحياناً تساهم في إسقاطهم كما حصل مع صدام حسين، خاصة وأن أمريكا تسير نحو الاكتفاء الذاتي في النفط. والظلم لا يمكن أن يدوم...الخ. ولكني أعتقد أن الظروف التي أطاحت بشاه إيران تختلف عن تلك التي في السعودية. فأسرة الشاه كانت صغيرة، ولم ينجب إلاً ولداً واحداً ليكون ولي العهد، بينما الأسرة السعودية الحاكمة يقدر عدد أمرائها في حدود عشرة آلاف أمير وأميرة، وهؤلاء مسيطرين على جميع مفاصل الدولة وبالأخص القوات المسلحة والأمنية، إضافة إلى دموية النظام السعودي، واستعداده، كما صدام حسين، لإبادة الشعب في سبيل البقاء في السلطة. لذلك فالسيناريو الذي أتوقعه هو التغيير من داخل العائلة الحاكمة بإنقلاب قصر، إذ هناك تململ وتذمر داخل العائلة الحاكمة. وفي هذا الخصوص كتب هيو مايلس في صحيفة الإنديبندنت، أن ثمانية من 11 من أخوة الملك سلمان الباقين على قيد الحياة يريدون عزله، كما حصل للمك سعود بن عبدالعزيز في الستينات من القرن الماضي.(6 و7)

وفي جميع الأحوال، يبدو أن اللعبة السعودية في اثارة الفتن الطائفية، واعتماد الإرهاب والمؤامرات لإسقاط حكومات غير مرغوب بها، قد ولى، حيث وصلت أضرار هذه السياسة الطائشة إلى حلفائها من الدول الغربية نفسها، وخرج الإرهاب من السيطرة حتى من قبل السعودية، فانقلب السحر على الساحر، لذلك فمصير الملك سلمان المخرف وابنه الأمير محمد المراهق المقامر لابد وأنهما آيلان للسقوط. وبعد هذا السقوط لا بد من تحولات اجتماعية وسياسية تدريجية لمنع الفوضى بعد ظلم طويل. أعتقد هذا ما سيحصل، إذ كما يقول المثل: "ما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع"، وهذه هي سنة حركة التاريخ. 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- الإندبندنت: الأمير السعودي "الساذج المتعجرف" يلعب بالنار
 http://www.bbc.com/arabic/inthepress/2016/01/160109_press_sunday

2- Bill Law: The most dangerous man in the world?
http://www.independent.co.uk/voices/the-most-dangerous-man-in-the-world-a6803191.html

3- توماس فريدمان زار الرياض (فيديو): النظام السعودي لا يركز إلا على شرعيته ومرعوب من شيء واحد فقط...؟!
https://www.youtube.com/watch?v=VrO2_7UanyI&feature=youtu.be

4- شيرين هنتر:"السبب الحقيقي لإقدام السعودية على إعدام الشيخ النمر"
http://www.almanar.com.lb/adetails.php?eid=1392213

5- النسخة الإنكليزية الأصلية
Shireen Hunter: The Real Reason Why Saudi Arabia Executed Sheikh Nimr
 http://lobelog.com/the-real-reason-why-saudi-arabia-executed-sheikh-nimr/

6- Saudi Arabia: Eight of King Salman's 11 surviving brothers want to oust him
http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/saudi-arabia-power-struggle-between-king-salman-and-mohammed-bin-salman-could-bring-down-the-a6706801.html

7- TOBY CRAIG JONESJAN in NYT: Saudi Arabia’s Dangerous Sectarian Game
http://www.nytimes.com/2016/01/05/opinion/saudi-arabias-dangerous-sectarian-game.html?smprod=nytcore-iphone&smid=nytcore-iphone-share&_r=0

189
لماذا ارتكبت السعودية جريمة إعدام الشيخ النمر؟

عبدالخالق حسين

رغم تدخل منظمات حقوق الإنسان، والكثير من الحكومات والشخصيات العالمية مثل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بمطالبة السعودية بإطلاق سراح رجل الدين الشيعي، الشيخ نمر باقر النمر، إلا إنها خالفت كل الأعراف، وضربت كل الالتماسات والاحتجاجات العالمية عرض الحائط، وارتكبت حماقة إعدام الشيخ بتهمة التحريض على الفتنة الطائفية مع 46 آخرين بتهم مختلفة يوم 2/1/2016. والجدير بالذكر أنه تم إعدام ابن شقيق الشيخ النمر، علي محمد النمر، في العام الماضي وهو لم يتجاوز 16 سنة، لمشاركته في تظاهرات الربيع العربي عام 2011.

فهل التهمة صحيحة والعقوبة عادلة؟
"الجريمة" التي ارتكبها الشيخ، هي مشاركته في تظاهرة سلمية خلال ما سمي بـ(الربع العربي) عام 2011، في المنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية، للمطالبة بحقوق الشعب السعودي بكل أطيافه، وليس للشيعة فقط. وهذه المشاركة من منظور النظام السعودي، تعتبر جريمة لا تغتفر عقوبتها الإعدام. وكان الشيخ النمر رجل الدين الشيعي البارز، عبر علنا عن شعور الأقلية الشيعية في السعودية، التي ترى نفسها مهملة وضحية للتمييز، وكان ناشطا في مطالبته بحقوقها. في الحقيقة كانت مشاركة الشيخ في التظاهرة مفيدة للسلطة نفسها، إذ كان دائماً يطالب أبناء طائفته أن تكون تظاهراتهم الاحتجاجية سلمية، وتجنب العنف، كي لا يعطوا ذريعة للسلطة القمعية باستخدام العنف المفرط ضدهم. ولكن مع ذلك زُجَّ بالشيخ في السجن وتعرض للتعذيب البربري، و وُجهت له تهمة التحريض على "الفتنة الطائفية"، و"شق عصى الطاعة على ولي الأمر". وعقوبة هذه "الجريمة" حسب النظام الوهابي التكفيري هو الإعدام بقطع الرأس، وهذا ما حصل.

لا شك أنها مهزلة أن توجه السلطات السعودية تهمة إثارة الفتنة الطائفية لشيخ شيعي كل جريمته أنه شارك في تظاهرة سلمية، بينما مشايخ السلطة الوهابية تنشر ثقافة العنف والتطرف في كل أنحاء العالم، وتصب خطبها التحريضية التكفيرية حمماً ليل نهار، على الشيعة، وبأوامر من "ولي الأمر"، وتحرض على قتلهم وإبادتهم، ونتيجة لهذا التحريض تفشي التطرف الديني، وانتشار المنظمات الإرهابية في شتى أنحاء العالم، مثل القاعدة، وطالبان وجبهة النصرة، وداعش وبكو حرام وغيرها كثير.

ومن سخرية الأقدار أيضاً، أن تبذل السعودية قصارى جهودها لتغيير بعض الأنظمة في البلاد العربية عن طريق دعم الإرهاب كما هو جار في العراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر وتونس وغيرها، بحجة حماية شعوب هذه الدول من جور حكوماتها، بينما هي (السعودية)، واحدة من أشد الحكومات عداءاً لأبسط حقوق الإنسان والديمقراطية، وأكثرها جوراً وتخلفاً واضطهاداً لشعبها، وبالأخص للأقلية الشيعية التي تشكل نحو 20% من الشعب السعودي. فقد بات معروفاً للقاصي والداني أن السعودية تدعم الإرهاب في الخارج، وتضطهد شعبها في الداخل. 

والسؤال الملح هنا هو، لماذا أقدمت السعودية على حماقة إعدام الشيخ، وبهذه التهمة الباطلة والمثيرة للسخرية، والسلطة تعرف أن إعدامه له تداعيات خطيرة على أمن المنطقة، إذ سيزيد من تعميق وتوسيع الصراع الطائفي، وتأجيج الفتنة الطائفية، في الوقت الذي يجب فيه بذل كل الجهود لإطفاء هذه الفتنة البغيضة؟

الجواب واضح، وهو يأس السعودية وخيبة أملها ورعبها من مستقبلها الأسود بسبب فشلها في جميع محاولاتها الإرهابية ضد سوريا والعراق واليمن، حيث بددت عشرات المليارات الدولارات من ثرواتها لسنوات عديدة من أجل تغيير هذه الحكومات، وإقامة حكومات بديلة موالية لها ولإسرائيل وأمريكا، ولكن مع ذلك، فهذه الشعوب وحكوماتها بقيت صامدة، والإرهاب المدعوم من السعودية في تراجع وهزائم، بل وخاب أمل مملكة الشر فصارت هي المهددة بالسقوط، وهاهي تعاني من تزايد عجزها المالي الذي بلغ نحو 98 مليار دولار لموازنة عام 2016، لذلك فليس أمام هذه المهلكة سوى الإمعان بغيها، والتمادي بتعميق الصراع السني-الشيعي، وصب المزيد من الزيت على نار الفتنة الطائفية، لإثارة مخاوف الغالبية السنية 80% من شعبها من البعبع الشيعي والإيراني للتمسك بهذا النظام القبلي الهمجي المتخلف المهدد بالإنهيار، والذي سقطت سمعته في دعم التطرف والإرهاب إلى الحضيض وأسفل السافلين.

لا شك أن إعدام الشيخ هو جريمة إغتيال سياسي، الغرض الرئيسي منه هو تصعيد التوتر الطائفي في المنطقة، وتعميق الصراعات الطائفية التي يعتمد عليها ويأمل منها النظام السعودي ضمان بقاء العائلة المالكة في السلطة لأطول فترة ممكنة. لذلك كان لهذه الجريمة صدىً واسعاً وتداعيات خطيرة، وردود فعل كثيرة في السعودية نفسها، وفي مختلف أنحاء العالم. (فقد شهدت القطيف، في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية في السعودية مظاهرة ردد المشاركون فيها هتاف "يسقط آل سعود"(1و2)
كذلك خرجت تظاهرات شعبية احتجاجية، في العراق، ولبنان، وإيران، والبحرين، وباكستان وكشمير، وغيرها، وعبر قادة سياسيون بارزون بتصريحات نددوا فيها بالجريمة، ومنها تحذير إيران للسعودية بأنها "ستدفع الثمن غاليا". والغريب أن الحكومات الغربية التي تتباكى على حقوق الإنسان في الصين و روسيا وسوريا وإيران والعراق وغيرها، تسكت عن جرائم السعودية هذه بسبب المصالح الاقتصادية. ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يدوم، إذ كما تفيد الحكمة: وعلى الباغي تدور الدوائر، فمصير آل سعود، كغيرهم من الطفاة الأغبياء، لا بد أن يكون في مزبلة التاريخ. 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- بي بي سي: إعدام الزعيم الشيعي نمر النمر في السعودية يثير موجة من الغضب
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/01/160102_saudi_execution_nimr

2- Washington Post: Saudi Arabia’s execution of cleric ignites fury in Iran
https://www.washingtonpost.com/world/saudi-arabia-executes-47-people-including-prominent-shiite-cleric/2016/01/02/01bfee06-198e-4eb6-ab5e-a5bcc8fb85c6_story.html?wpmm=1&wpisrc=nl_headlines




190
تحية للجيش الذي أسقط "أسطورة" داعش

د.عبدالخالق حسين

وأخيراً أثبتت القوات الأمنية المشتركة، الجيش العراقي الباسل، والحشد الشعبي الصامد الذي يضم كل مكونات الشعب العراقي، قدرته على إلحاق الهزيمة بقوى الجهل والظلام، عصابات داعش المتوحشة ومن وراءهم ، وتحطيم أسطورتهم الوهمية الخادعة، والدفاع عن حياض الوطن من شر كل معتد أثيم. وما تحرير مدينة الرمادي وتطهير أرضها من رجز الدواعش إلا دليل على ذلك. لقد حاول أعداء العراق في الداخل والخارج شن حرب نفسية قذرة على الجيش العراقي، بإعطاء صورة مشوهة عنه لتدمير معنوياته، وإسباغ البطولات الزائفة على عصابات داعش والإدعاء أنها قوة لا تُقهر، وزحفها لا يوقف!! وهذه هي نهاية الدواعش بين مقتول وجريح وأسير ومن لاذ منهم بالفرار كالجرذان.

قال المفكر السعودي الليبرالي تركي الحمد: أن "داعش هي في النهاية ورقة من أوراق لعبة 'بوكر' إقليمية ودولية، لا يلبث دورها أن ينتهي بعد أن تُلقى على مائدة اللعب الخضراء أو الحمراء في هذه الحالة."
وقد أكدنا هذه الحقيقة مراراً، واعترف بها حتى كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية مثل جو بايدن وهيلاري كلنتون، أن أمريكا وحلفائها في المنطقة هم من صنعوا هذا الوحش من أجل أغراض سياسية في المنطقة. ولما سُئِل وزير الدفاع الأمريكي من قبل لجنة في الكونغرس عن سبب عدم مساعدة أمريكا للعراق في ضرب داعش إثناء احتلالها الموصل، فأجاب صراحة بأنهم لم يريدوا مساعدة نوري المالكي، رئيس الوزراء آنذاك. لأن نوري المالكي كان في رأيهم عميلاً لإيران !!. وهذا يؤكد دورهم في صناعة داعش لتحقيق أغراض مؤقتة.

وقد سبقت لعبة تسليم الموصل والمحافظات الغربية لداعش، خطة جهنمية استغرقت عدة سنوات، شاركت فيها عدة جهات داخلية مثل: مسعود بارزاني، والأخوين النجيفي وغيرهم من قادة السنة، من البعثيين المشاركين في العملية السياسية، ومجلس محافظة الموصل، بدأت الحملة بمحاولة إثارة عداء سكان المحافظات ذات الغالبية السنية ضد الجيش العراقي الذي أطلقوا عليه مختلف التسميات التسقيطية مثل: جيش المالكي، والجيش الشيعي، والجيش الصفوي...الخ، وكانوا يرمون الجنود بالحجارة، ويفترون عليهم شر الافتراءات. وعمل هؤلاء على عدة جبهات، منهم من قاد الاعتصامات في الساحات التي جعلوا منها ورشات عمل لتفخيخ السيارات المسروقة، ومنهم تحت يافطة المصالحة الوطنية طالبوا بتبديل ضباط الشيعة في الموصل بضباط كرد وسنة من أهل الموصل لإزالة صفة التشيع عن الجيش!!... فاستجاب المالكي لهم ما أرادوا وعلى مضض. إلى أن حانت ساعة الصفر، ودخل الدواعش الموصل يوم 10 حزيران 2014، أمر مسعود بارزاني الضباط الأكراد بترك مواقعهم، مدعياً أن (الحرب مع داعش هي صراع سني – شيعي، والكرد غير معنيين بها)، وجعل أربيل ملاذاً آمناً للضباط الكرد وغيرهم من الذين خانوا وطنهم وشرفهم العسكري، أما الضباط المصالوة فبعضهم ذهب إلى بيته وبعضهم انضم إلى داعش وبأوامر من قادتهم السياسيين. وفي داخل الموصل كانت تنتظرهم الألوف من الخلايا البعثية "النائمة"، وكان ما كان من بقية فصول المؤامرة القذرة، وليقول رئيس أركان الجيش الأمريكي فيما بعد كجزء من الحملة ضد الجيش العراقي، أن (الجيش العراقي منهار وليست لديه الرغبة في الدفاع عن العراق)، ولكنه قال أيضاً وبحق، أن الضباط يأخذون أوامرهم من زعماء مكونهم الطائفي و الأثني، وليس من رئيس الوزراء العراقي (القائد العام للقوات المسلحة). وراح الإعلام المضلل، العربي والكردي (جناح بارزاني) يروِّج ولحد الآن أن 400 مسلح داعشي استطاع إلحاق الهزيمة بخمسين ألف من الجيش العراقي!!. ثم تكررت اللعبة في الرمادي في شهر مايس (أيار) من هذا العام 2015.

لذلك نقول أن الضباط الذين سلَّموا الموصل وصلاح الدين والرمادي لداعش هم ليسوا الضباط الذين قادوا القوات المشتركة إلى النصر المؤزر لتحرير صلاح الدين وأخيراً الرمادي يوم 28 كانون الأول/ديسمبر 2015، اليوم التاريخي، وقريباً الموصل. ففي هذا اليوم ردَّ الجيش العراقي اعتباره، وأثبت للعالم أنه قادر على حماية حياض الوطن، وحطَّم أسطورة داعش المزيفة التي حاول أعداء العراق إضفاءها على عصابات التوحش التي قالوا عنها أنها لا تقهر!

ومن كل ما تقدم، نستنتج أن من يزرع الشوك لا يحصد إلا الشوك، فبعد ما تأكد الغرب أن شرور داعش وصلت إلى بلدانهم، وبعد أن سقطت سمعة السعودية وقطر وتركيا إلى الحضيض وأسفل السافلين، حيث بات معروفاً لدا كل العالم عن دور هؤلاء في صناعة ودعم داعش، أضطر التحالف الدولي بقيادة أمريكا مساعدة العراق بالضربات الجوية للدواعش، ودون أن يحتاج العراق إلى قوات أرضية، فهاهو الجيش العراقي وبمشاركة الحشد الشعبي استطاعوا تطهير الأرض من دنس الإرهابيين، وهذه بداية نهاية الداعش (ورقة البوكر). ودرس بليغ للشعب العراقي في الموصل والمحافظات الغربية بأن قادتهم السياسيين من أمثال الأخوين النجيفي ورافع العيساوي وظافر العاني وغيرهم قد خدعوهم وتركوهم لوحشية الدواعش، وأحالوا مدنهم إلى خرائب وأنقاض. وعلى أهل السنة أن لا يلدغوا من جحر مرة أخرى، وأن يحسنوا اختيار قادة جدد لهم يتمسكون بالوحدة العراقية، وليس بإثارة النعرات الطائفية والولاء للسعودية وقطر وتركيا.

فألف تحية للقوات الأمنية المشتركة، جيشنا الباسل، وحشدنا الصامد. والمجد والخلود للشهداء الأبرار، والشفاء العاجل للجرحى، والخزي والعار لمن خان وطنه، ومن وراءهم من مرتزقة الإعلام الذين دأبوا على تضليل الشعب وخداعه. و كلنا أمل أن يكون العام الجديد 2016، عام الانتصار والازدهار، والتلاحم بين مكوناته، ونهاية الإرهاب، وعودة الوعي الوطني الصحيح لكل العراقيين أن خلاصهم هو في عراق موحد، وترك الخلافات الطائفية الوهمية جانباً، والبدء ببناء العراق الديمقراطي الجديد، وليكن شعارهم: الدين لله والوطن للجميع.
وختاماً، يسعدني أن يكون آخر مقالي لي في نهاية عام 2015 عن انتصارات شعبنا وهزائم الإرهاب الداعشي ومن يوليه ويدعمه. 
وكل عام و شعبنا العراقي العظيم، والقوات الأمنية المسلحة والحشد الشعبي بألف خير.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


191
إما فيدرالية حقيقية، أو ثلاث دول مستقلة

د.عبدالخالق حسين

وصل العراق الآن إلى مفترق الطرق، فإما دولة عراقية حقيقية موحدة، أو ثلاث دول مستقلة بدون أي قناع  فيدرالي مزيف. لقد خدعونا عندما قالوا إن الشعب العراقي كان موحداً قلباً وقالباً، إلى أن جاء "الملعون ابن الملعون" بول بريمير، فأقام حكم المحاصصة الطائفية البغيضة، وبذلك "دق فيهم عطر منشمِ". بل راح البعض إلى أبعد من ذلك، إلى تمجيد العهد الصدامي، والإدعاء أنه لم يكن طائفياً لأنه كان علمانياً. نسي هؤلاء أن أغلب الطائفيين هم علمانيون حد النخاع، فكما قال العلامة علي الوردي: "الإنسان العراقي أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى". ويستشهد آخرون بعدم طائفية صدام، بأنه كان يقتل حتى أقرب الناس إليه عندما يشك في ولائه، وهذا صحيح، ولكن شتان بين أن يقتل من يهدد حكمه من حزبه وعشيرته، ويقتل أعداداً غفيرة بالجملة لأنهم من مكون معين لأسباب طائفية، وهو الذي رفع شعار (لا شيعة بعد اليوم)، ونشر سلسلة مقالات في صحيفة الثورة (لماذا حصل ما حصل)، يطعن فيها بالشيعة وشرفهم ووطنيتهم...، والتهجير القسري لأكثر من مليون شيعي من مختلف الانتماءات القومية بحجة التبعية الإيرانية...الخ، ولمن يريد المزيد عن طائفية صدام حسين وحزبه، فليفتح رابط مقالنا في الهامش: (الطائفية في عهد حكم البعث)(1).
 
لقد ذكرناً مراراً أنه أمست الحياة غير ممكنة مع بقاء حكم البعث الاستبدادي الجائر، ولم يكن بإمكان الشعب العراقي الأعزل إسقاطه لوحده وبإمكانياته الذاتية، فقد حاول مراراً وكانت النتيجة مئات المقابر الجماعية، لذلك فما حصل من تدخل المجتمع الدولي بقيادة أمريكا كان أمراً لا مفر ولا بد منه، أما ما حصل بعد السقوط من فوضى وإرهاب فأسبابه كثيرة، أهمها دموية فلول البعث، وإصرار المكون العربي السني على احتكار السلطة لاعتقادهم بأن حكم العراق من حقهم التاريخي لوحدهم، وغير قابل لأي تساؤل، إضافة إلى تدخل دول المنطقة، مثل السعودية و الخليجية الأخرى، وتركيا وسوريا وإيران، وتوظيف مشايخ الوهابية التكفيرية في الشحن الطائفي...الخ

والسبب الآخر والأهم الذي ساعد على تردي أوضاع العراق ما بعد صدام، هو حداثة التجربة الديمقراطية، وقلة خبرة الذين استلموا السلطة، وهذا أمر حتمي، لأن النظام الدكتاتوري لا يسمح للمعارضة بالتمرن على الحكم من خلال المعارضة الديمقراطية كالتي نشهدها في الدول الديمقراطية العريقة. كذلك قام حزب البعث الحاكم خلال حكمه الطويل بتفتيت النسيج الاجتماعي، واضطهاده إلى حد أنه جعل الشعب العراقي غير قابل للحكم إلا بالقبضة الحديدية البعثية الصدامية، لذلك قال صدام قوله المشهور: (إن الذي يحكم العراق من بعده سيستلمه خرائب بلا بشر). كما وتؤكد الدراسات العلمية أن النظام الدكتاتوري هو السبب الرئيسي لتفشي الفوضى بعد سقوطه حتى أصبح ذلك قانوناً طبيعياً. وهذا ما حصل في جميع البلدان التي تعرضت للاستبداد لفترة طويلة.(2)

على أية حال، ما أود تأكيده في هذا المقال هو أن الشعب العراقي لم يكن يوماً موحداً بإرادته الحرة طوال تاريخه المكتوب، ففي العهد العثماني كان العراق مقسماً إلى ثلاث ولايات، وكان هناك تمييز ضد الشيعة وتكفيرهم كما اليوم من قبل الوهابية، وإنما فُرضت عليه هذه الوحدة الوطنية المزيفة بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة من قبل الإنكليز عام 1921، استجابة لثورة العشرين التي قامت بها العشائر الشيعية بقيادة مرجعياتهم الدينية والعشائرية ضد الاحتلال الانكليزي "الكافر"، والدفاع عن حكم جلاديهم الأتراك باعتباره حكم إسلامي. لذلك فزعماء الشيعة، الدينيون خاصة ، لعبوا دوراً كبيراً في عزل أبناء طائفتهم وبناء نظام طائفي في العراق(3).
فالوحدة الوطنية قبل 2003، كانت وحدة مزيفة، فرضتها سلطة المكون الواحد بالقوة، حيث مارست الطائفية عملاً، ومنعت المكونات الأخرى المضطهدة من التحدث عنه ولو همساً، واعتبرت أي مواطن يشكو من التمييز الطائفي أو يتحدث عنه، طائفياً يعاقب عليه بالقانون. لذلك تحملت الفئات المضطهدة التمييز على مضض، ولم يلجأوا إلى الإرهاب كما حصل في العهد الديمقراطي بعد 2003.

كذلك يخطأ، إما عن عمد أو عن جهل، من يقول أن أمريكا دمرت الدولة العراقية ومؤسساتها العسكرية والمدنية، فالدولة المزعومة هذه لم تكن دولة الشعب العراقي لكي يدافع عنها الشعب أو الجيش، بل كانت دولة صدام حسين وحزبه الفاشي، (دولة المنظمة السرية)، وقد جعلها صدام أشبه بالهرم المقلوب القائم على رأسه، فما أن سقط صدام انهارت الدولة معه بكل مؤسساتها. فالكل يعرف أن 80% من الجيش العراقي لم يقاوم القوات الدولية، وخاصة في المناطق العربية السنية، بل اختفى الجيش. أما كردستان فكانت مستقلة ومحمية بقرار دولي منذ جريمة صدام في غزو الكويت عام 1990، وجميع الواردات النفطية كانت بيد الأمم المتحدة. فأية دولة كانت هذه التي يبكون عليها؟ وأية وحدة وطنية يتحدثون عنها في ظل حكومة المقابر الجماعية والأنفال، ومأساة حلبجة، وخمسة ملايين من شعبه كانت مشردة في الشتات، واقتصاد منهار؟

وبعد سقوط حكم البعث، توفرت فرصة ذهبية للشعب العراقي أن يبني له دولة ديمقراطية موحدة فيما لو تعامل قادته الجدد مع الظروف المستجدة بذكاء وحكمة، وعرفوا التعامل الذكي مع أمريكا لصالح العراق، إلا إنهم وبالأخص قادة الشيعة، لم يعرفوا كيف يكسبوا أمريكا إلى جانبهم، وهذا جزء من تراثهم التاريخي المدمر، الذي ربط معاداة الغرب وبالأخص أمريكا شرطاً من شروط الوطنية.

فخلال 13 عاماً الماضية، وبسبب التدخل الخارجي، والعوامل الأخرى المشار إليها أعلاه، بانت الحقيقة المرة للعيان، وهي أن الشعب العراقي منقسم على نفسه أكثر من أي وقت مضى. فهناك الكرد بقيادة رئيس الإقليم، مسعود بارزاني يريد الانتقام من الشعب العراقي على جرائم صدام حسين بحق الكرد، لذلك يمد يده إلى أية حكومة معادية للعراق الجديد في المنطقة، وأية جماعة إرهابية تريد تدمير العراق، بما فيه داعش، وجعلَ عاصمة الإقليم ملاذاً آمناً لكل الخارجين على القانون ضد الدولة العراقية. وصار دأبه الدائم هو التهديد بالانفصال لابتزاز الحكومة الفيدرالية. فقد أسس بمساعدة أمريكا دولة شبه مستقلة، ولكنه أبقى علاقة شكلية هامشية مع العراق من أجل حصوله على 17% من ثروات العراق والمشاركة في الحكومة المركزية الفيدرالية لشلها ومشاكسة رئيسها، مع الاحتفاظ بثروات كردستان لنفسه. وهذه الحالة الشاذة سمَّوها بالنظام الفيدرالي الذي لا وجود له في أي بلد آخر في العالم.

ولكن يبدو أن السيد مسعود أدرك أخيراً أن الذين استخدموه لتدمير العراق، مثل تركيا والسعودية وقطر، سيقفون ضد مشروعه الرامي إلى استقلال كردستان. لذلك أفادت الأنباء أنه طالب في اجتماع لقیادات حزبه بالعمل مع الاحزاب الكردية الاخرى لإیجاد آلیة للعمل على اجراء الاستفتاء على استقلال كردستان. والغرض من هذا الاستفتاء هو إيجاد مخرج من مأزقه للتنصل من الاستقلال فيما لو صوت الشعب ضده. وجماعة بارزاني راحوا يهيئون الجو لهذه النتيجة من الآن إذ بدأوا يصرحون أنه ولو استقلال كردستان حلم الكورد ولكن لم يحن وقته بعد!!

لذلك يجب أن يتحلى رئيس الحكومة العراقية بالشجاعة والصراحة، و يعلن رفضه التام لإبتزازات بارزاني، فإما استقلال كردستان استقلالاً تاما، وبالطرق الديمقراطية السلمية، وبحدود 8 نيسان 2003، أو نظام فيدرالي وفق ما أقره الدستور العراقي. وبخلافه فلكم استقلالكم، ومع ألف سلامة، ونتمنى لكم كل الخير والبركة، وأن تكون العلاقة بين جمهورية كردستان وجمهورية العراق علاقة صداقة وحسن الجوار. أما مشكلة ما يسمى بـ(المناطق المتنازع عليها)، فيجب استفتاء سكانها بإشراف دولي، فيما إذا تريد الغالبية البقاء مع العراق أو كردستان.

أما قادة المكون السني، فيبدو أنهم استخدموا الإستقواء بالقوى الخارجية والإرهاب كوسيلة لإعادة احتكارهم للسلطة، فكما الكرد، راحوا يهددون بالانفصال مرددين اسطوانة (التهميش والعزل)، ودكتاتورية المالكي...، علماُ بأنهم لجأوا إلى الإرهاب تحت مختلف المسميات بعد سقوط حكم البعث مباشرة وحتى قبل أن نسمع باسم نوري المالكي. فهؤلاء القادة، كما البرزاني، سلموا أمورهم إلى السعودية وتركيا وقطر وغيرها من الدول الخليجية، ولهم لوبي قوي في واشنطن، وسهلوا لمجيء داعش إلى محافظاتهم. ورحبوا علناً وبلا خجل بالاحتلال التركي لأراض عراقية في الموصل، وراحوا يختلقون له المبررات كمحاربة داعش، والكل يعلم أنهم من أدخل داعش إلى مناطقهم وبالدعم التركي السعودي القطري وبمباركة أمريكا للتخلص من المالكي.

فكل من الشركاء، من قادة السنة والكرد يريدون لهم دولة مستقلة، مع علاقة شكلية واهية مع الدولة العراقية من أجل ضمان حصتهم من ثروات االبصرة، البقرة الحلوب، لدفع مصروفات هذه الدويلات، إضافة إلى حصتهم في حكم ما تبقى من العراق لشل حكومته. هذه العلاقة الهلامية تعطيهم وتعطي أمريكا العذر بأنهم حريصون على وحدة العراق، ولكن أية وحدة هذه، عملياً دول مستقلة تحتفظ بقراراتها وثرواتها، وتستحلب ثروات المحافظات الجنوبية. هذه القسمة الجائرة يجب أن ترفض رفضاً باتاً من قبل سكان محافظات الوسط والجنوب وممثليهم في الحكومة والبرلمان. فإما دولة عراقية موحدة حقيقية، خاضعة للحكومة الفيدرلية المركزية، المسؤولة عن الدفاع والسياسة الخارجية وجمع الثروات، والضرائب الكمركية من المداخل الحدودية، كما هو جار في كل الدول الفيدرالية في العالم، أو تقسيم العراق إلى ثلاث دول مستقلة بعد استفتاء كل الشعب العراقي، وليس الشعب الكردستاني وحده. وقد قدمنا هذا الاقتراح في مقال سابق لنا بعنوان (لا للوحدة الوطنية القسرية)(4) 

ولكن فيما يخص العرب السنة، فعلى عقلائهم أن يعيدوا النظر في نتائج سياسات سفهائهم من البعثيين من أمثال الأخوين النجيفي، و طارق الهاشمي، وظافر العاني، ورافع العيساوي، وغيرهم  من الذين جلبوا الإرهاب وأنزلوا البلاء على سكان المناطق الغربية بتسليم أمورهم إلى تركيا والسعودية وقطر، وإخضاع أهاليهم إلى حكم داعش المتوحش الغاشم، وتحويل مدنهم إلى خرائب وأنقاض، إذ كما قال الشاعر:
إذا كان الغراب دليل قوم.... سيهديهم إلى دار الخراب

فاستخدم هؤلاء الاختلاف المذهبي في الشحن الطائفي، لتبرير خيانتهم بحق الشعب والوطن. لذا نهيب بعقلاء المكون السني أن يأخذوا زمام أمور مكوَّنهم بأيديهم، وعدم تركها بأيد هؤلاء السفهاء، وأن يعرفوا جيداً أن مصيرهم مرتبط بمصير العراق الموحد. وأن هذه الصراعات الطائفية هي طارئة أشعلها أعداء العراق في الداخل والخارج لأغراض سياسية، وستزول بعد عودة الوعي للجماهير العربية العراقية، سنة وشيعة، وسيدركون أنهم خُدعوا من قبل أعداء العراق الذين لا يريدون له الخير.

خلاصة القول، العراق الآن في مفترق الطرق، فإما دولة ديمقراطية فيدرالية موحدة وفق ما أقره الدستور، وذلك بإجراء استفتاء عام، ليس للشعب الكردستاني فقط، بل لجميع مكونات الشعب العراقي، فيما إذا يريدون العيش سوية بسلام وأمان في دولة ديمقراطية فيدرالية قوية واحدة، أو الإنفصال إلى ثلاث دول مستقلة. وفي حالة تصويت غالبية أي مكون للإنفصال يجب تنفيذ رغبات أغلبية ذلك المكون وبالطرق الحضارية، ومع ألف سلامة.   
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
_________
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: الطائفية في عهد حكم البعث
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=427

2- Mathieu von Rohr :  Anarchy vs. Stability: Dictatorships and Chaos Go Hand in Hand
http://www.spiegel.de/international/world/stable-dictatorships-are-not-the-lesser-evil-a-996278.html
3- د.عبدالخالق حسين: دور الفقهاء الشيعة في العزل الطائفي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/news/408.html

4- عبدالخالق حسين: لا للوحدة الوطنية القسرية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=662

5- د . عزيز الدفاعي: بداية النهاية.. وصول المارينز .. استفتاء كوردستان.. الاقليم السني !!!!
http://sobelalsalam.com/er/news-7554.html


192
الصندوق الأسود يسوِّد وجه أردوغان

د.عبدالخالق حسين

تدعي تركية أردوغان أنها تحارب عصابات (داعش) الإرهابية، والمعروف أن أمريكا تقود التحالف الدولي الذي يضم أكثر من ستين دولة بما فيها تركيا بعد أن شكلت داعش خطراً على السلم العالمي ووصلت شرورها إليهم. وروسيا هي الأخرى تحارب داعش. وفي هذه الحالة من العقل والحكمة أن تكون جميع الدول التي تحارب داعش بصدق أن ترحب بمشاركة روسيا في هذه الحرب، متضامنة ومتعاونة لتحقيق الهدف المشترك، وهو إلحاق الهزيمة بالإرهاب، خاصة وأن تركيا كانت على علاقة صداقة مع روسيا، تربطهما مصالح اقتصادية فاقت قيمتها الثلاثين مليار دولار سنوياً.

ولكن هناك مئات التقارير الصحفية الغربية، وخاصة الألمانية، تؤكد أن تركيا كانت وما زالت الحاضنة لداعش، و وفرت لها المكاتب وتهريب النفط والتسهيلات الأخرى، وجعلت من حدودها جسراً لعبور المتطوعين لها، القادمين من مختلف أنحاء العالم لدخول سوريا والعراق للقتل والتخريب. ولذلك عندما بدأت روسيا بضرب داعش جن جنون تركيا وحكومات أخرى، والسبب هو أن الطيران الروسي كان جاداً في ضرب الإرهاب، فخلال أسابيع الحقت أضراراً بداعش فاقت ما أنجزته قوات التحالف لأكثر من سنة، وهاهي القوات السورية استعادت الكثير من الأراضي التي احتلتها العصابات الإرهابية.

لذلك قامت تركيا بإسقاط القاذفة الروسية "سو-24" بصاروخ أطلق من مقاتلة "إف-16" فوق الأراضي السورية، في الـ24 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحجة أنها انتهكت مجالها الجوي، وأن من حق تركيا الدفاع عن سيادتها، الإدعاء الذي انكرته روسيا، وبالأدلة الثبوتية القاطعة، خاصة وأن القاذفة الروسية سقطت في الأراضي السورية على بعد 4 كلم من الحدود مع تركيا. وقد وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إسقاط الطائرة بأنها "طعنة في ظهر" روسيا من قبل أعوان الإرهابيين.

وأخيراً أفادت وكالة أنباء نوفوستي أن (بدأت وزارة الدفاع الروسية عملية فك "الصندوق الأسود" للطائرة، وعن طريق البث التلفزيوني المباشر، وبحضور صحفيين وخبراء طيران صينيين وبريطانيين، وسحب مسجل معلومات التحليق من الصندوق، وبعدها ختم ووضع في خزنة. والجدير بالذكر أن الرواية الرسمية الروسية للكارثة لم تطعن فيها حتى الآن أي جهة، بما فيها تركيا، و وفقاً لوكالة الأنباء نوفوستي، أكد سيرغي درونوف أن الجانب الروسي يمتلك اليوم كل الأدلة التي تثبت عدم انتهاك القاذفة "سو-24" المجال الجوي التركي).(1)

كما وفضحت موسكو تورط أردوغان بنشاطات تجارية مشبوهة مع "داعش" أساسها شراء النفط المنهوب من سوريا والعراق، ومقايضته بالسلاح والمؤن، ففي اجتماع حاشد نظمته وزارة الدفاع الروسية مؤخرا، موثقة بالصور والتسجيلات الملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية والطائرات بلا طيار، تظهر "ازدهار" تجارة نفط "داعش" بين شمال سوريا والأراضي التركية.(2)

وبعد كل هذه الفضيحة، ماذا سيقول أردوغان، وكيف يبرر جريمته بحق دولة كبرى كانت تربطه بها علاقة صداقة ومصالح اقتصادية و شراكة في محاربة عدو "مشترك" كما يزعم؟
في الحقيقة الجواب الوحيد المناسب هو ما تفضل به الصديق الكاتب والشاعر المبدع فاضل بولا الذي اتحفني بالتقرير المشار إليه أعلاه، هو: (نصيحتي لأردوغان وبطانته أن يعالجوا إزالة السخام عن وجوههم ببول البعير .. الدواء السحري الذي اكتشفه اخوانهم الوهابيون، لنرى ماذا يكون عذرهم بضرب الطائرة بعد فتح صندوقها بيد خبراء من دول عدة.)
 
مشكلة أردوغان أنه أصيب بالغرور، وأخذته العزة بالإثم، فتبنيه للإسلام السياسي، أسوة ببقية الإسلامويين، ليس إيماناً بالإسلام وعقيدته الدينية، بل لاستخدام الإسلام لتحقيق أغراضه السياسية، والتسلق إلى السلطة على أكتاف الناس البسطاء الذين يخدعهم، لذلك راح يعتمد على الكذب والمراوغة والفهلوة والبلطجة والتآمر واستخدام أخس الوسائل دناءة وانحطاطاً، وارتكاب أبشع الجرائم وحشية، بما فيه الإرهاب الداعشي المتوحش لتحقيق أغراضه السياسية المناهضة للخير والإنسانية. ولكن التاريخ يخبرنا أن كل من سلك هذه الأساليب الملتوية لتحقيق أغراضه الدنيئة، لا بد وأن يكون مصيره في مزبلة التاريخ. وأفضل مثال في تاريخنا القريب هو المجرم صدام حسين.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- روسيا تنشر النتائج الأولية لتحليل بيانات قاذفتها "سو-24" التي أسقطتها تركيا
https://arabic.rt.com/news/804678-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88-

2- أنقرة في ورطة القرن من أجل حفنة من الدولارات: فضحت موسكو تجارة نفط "داعش" فيما ينفي الرئيس التركي تورطه وتؤكد وزارة الدفاع الروسية أنه لن يُستقيل كما وُعد في حال إدانته حتى ولو "صبغ النفط المنهوب وجهه".
https://arabic.rt.com/news/802758-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-

3 د.عبدالخالق حسين: أردوغان يلعب بالنار
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=809

فيديو جدير بالمشاهدة
كلمة الاميرة الأيزيدية العراقية نادية مراد في مجلس الأمن (فيديو 9 دقائق)
https://www.youtube.com/watch?v=bJ1XmDGgr88

ما الفرق بين السعودية وداعش؟ (فيديو 4 دقائق)
https://www.youtube.com/watch?v=8FaXYIT5FE0&feature=youtu.be

193
في مواجهة العدوان التركي على العراق

د. عبدالخالق حسين

لو تأملنا جيداً سياسة تركيا الأردوغانية "الإسلامية" في السنوات الأخيرة لوجدنا أن تركيا تتصرف كإسرائيل، بل وبديلاً عنها في خلق الفوضى الهدامة والمشاكل لدول الجوار، وبلباس ظاهره التحدي لإسرائيل وخدمة القضية العربية، ولكن في جوهره العكس تماماً. فكلنا يتذكر مسرحية ترك أردوغان منصة إحدى ندوات منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا احتجاجا على مداخلة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بشأن الهجوم الإسرائيلي على غزة، وما تلاه من مسرحيات قرقوزية مع إسرائيل دفاعاً عن القضية الفلسطية!! بينما الحقيقة وكما كشفت الأيام كان غرض أردوغان من هذه السياسة هو خدع الشعب التركي بالتلاعب بمشاعره الدينية، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، لتثبيت سلطته، وبالتالي قدم خدمة لإسرائيل بدعم داعش وخلق المشاكل المدمرة لدول الجوار، وخاصة العراق وسورياً.

لقد بات معروفاً لدى القاصي والداني أن تركيا تتعاون مع السعودية وقطر في دعم الإرهاب الداعشي، بغطاء محاربته. تركيا عارضت الدور الروسي في محاربة الإرهاب في سوريا لأنها تأكدت من جدية روسيا، لذلك قامت بإسقاط المقاتلة الروسية سوخوي 24 داخل الحدود السورية بحجة الدفاع عن سيادتها من خرق أجوائها لـ 17 ثانية، بينما أكدت روسيا أن هذا التجاوز لم يحصل مطلقاً.
وحتى لو صدقنا ادعاءات أردوغان، فهل يستحق الخرق لـ17 ثانية إسقاط طائرة لدولة صديقة مشاركة مع تركيا في ضرب الإرهاب؟ وفي هذا الخصوص قال مسؤول يوناني أن المقاتلات التركية خرقت الأجواء اليونانية بمعدل 6 مرات يومياً في عام 2014، واليونان لم تطلق رصاصة واحدة عليها(1).

أما التجاوز التركي على سيادة العراق فحدث ولا حرج، فخلال الثلاثين سنة الماضية قامت تركيا ليس فقط باختراق طيرانها العسكري للأجواء العراقية، بل وبإرسال قوات أرضية أيضاً لضرب قواعد الحزب الكردستاني العمالي(PKK) في جبال قنديل العراقية، ودون أي احترام لسيادة العراق. ولم تكتف تركيا بكل هذه التجاوزات، بل قامت أخيراً باحتلال أراضي في بعشيقة العراقية التابعة لمحافظة الموصل، وإقامة قاعدة عسكرية فيها تضم نحو 1000 عنصر عسكري ونحو 20 دبابة ومدرعات، ودون أي علم أو تنسيق مسبق مع الحكومة الاتحادية العراقية.

لماذا قامت تركيا الأردوغانية باحتلال أراضي عراقية؟
يدعي أردوغان أنه أرسل هذه القوات لتدريب البيشمركة الكردستانية، والحشد الوطني (مليشيات الأخوين النجيفي)، وبدعوة من رئيس الاقليم السيد مسعود بارزاني، و محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي!!. والمعروف أن أردوغان يحارب الأكراد في بلاده، بل ويحارب الأكراد حتى في سوريا وهم الذين ألحقوا الهزيمة بداعش وحرروا مدينة كوباني (عين العرب) السورية، فكيف يريد تدريب القوات الكردية في العراق ولماذا؟ وهل تدريب البيشمركة والحشد الوطني يحتاج إلى الدبابات والأسلحة الثقيلة الموجودة أصلاً بكثرة في كردستان العراق؟
فالسيد مسعود بارزاني رئيس الإقليم الذي يعتبر دستورياً جزءاً من العراق، و كذلك أثيل النجيفي، لا يحق لهما مطلقاً عقد اتفاقات عسكرية وخارجية مع الحكومات الأجنبية، لأن هذه الاتفاقات هي من صلاحيات الحكومة المركزية فقط. لذلك فتواجد القوات التركية في الأراضي العراقية وبأسلحتها الثقيلة يعتبر عدواناً غاشماً على العراق، وانتهاكاً صارخاً لسيادته الوطنية، و ليس لمحاربة الإرهاب، بل دفاعاً عنه، ولأطماع تركية قديمة في إلحاق الموصل. إذ كما قال الكاتب اللبناني أمين قمورية في صحيفة النهار: ((وتشير دلالات عدة في التأريخ العراقي الحديث الى أن الاتراك يريدون السيطرة على المناطق النفطية في العراق ومنها كركوك و الموصل. وكان أحمد داود أوغلو الذي كان وزيراً للخارجية التركية صرح عام 2009 عندما زار الموصل: " في يوم من الأيام دخل أجدادنا هذه المنطقة وهم يركبون الخيول وسيأتي يوم نعود نحن الى هذه المنطقة و لكن بمعدات حديثة". والآن ها هو الجيش التركي يأخذ راحته في الدخول الى هذه المنطقة و يستقر فيها))(2) 
والجدير بالذكر أن سبق العدوان التركي، لقاء مسعود بارزاني وأردوغان مع الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز في الرياض، والذي تلاه إعلان تحالف إسلامي بقيادة السعودية، يضم 34 دولة إسلامية "لمحاربة الإرهاب"، ودون أن توجه الدعوة للعراق، وسوريا، وإيران، أي الدول الرئيسية المعنية أكثر من غيرها بمحاربة الإرهاب. وهذا يدل، وكما قال العديد من المحللين السياسيين أن هذا الحلف هو سني طائفي لمحاربة الشيعة وإيران وسوريا والعراق، وتفتيتها، وليس لمحاربة الإرهاب.(3).

في الحقيقة إن الغزو التركي للأراضي العراقية هو واحد من سلسلة أحداث دموية أخرى مترابطة مع بعضها البعض، مثل إسقاط الطائرة العسكرية الروسية، و إسقاط الطائرة المدنية الروسية في شرم الشيخ وقتل 224 سائحاً روسياً، وإعلان التحالف الإسلامي بقيادة السعودية، كل ذلك جاء رداً على قيام روسيا بضرب الإرهاب ومصادرها النفطية في سوريا بمنتهى الجدية، كذلك الانتصارات العظيمة التي حققتها القوات العراقية المشتركة على الإرهاب الداعشي،  بينما التحالف الدولي الذي يضم تركيا، بقيادة أمريكا، لم يكن جاداً في ضرب الإرهاب، بل يعمل على احتوائه فقط ضمن حدود معينة، لأن أمريكا وحلفائها في المنطقة تريد استخدام الإرهاب لتغيير الحكومات التي لا تنسجم مع سياساتها في المنطقة. كذلك حرَّم الروس تركيا من النفط المهرب الذي تسرقه داعش وتصدره عن طريق تركيا، وتورط أردوغان وابنه بهذا التهريب. أما الحملة الأخيرة من قبل التحالف الدولي بقيادة أمريكا لمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق فغرضه الرئيسي هو امتصاص غضب شعوبهم بعد المجزرة البشعة التي قامت بها داعش في باريس، ووصول شرارتها إلى أمريكا.
لذلك فهناك مساعي محمومة من قبل تركيا والسعودية وقطر لحماية داعش بحجة محاربتها. كذلك معاملة إقليم كردستان كدولة مستقلة، والإصرار على تشكيل مليشيات سنية باسم (الحشد الوطني) مدعوما من تركيا، في مقابل الحشد الشعبي، والادعاء أنه مدعوم إيرانياً... بينما الحشد الشعبي يضم جميع مكونات الشعب العراقي، وتابع للحكومة المركزية. كل ذلك يشير إلى أن هناك وراء الأكمة ما وراءها.

الغرض من تجاوزات تركيا على العراق ودعم الإرهاب هو ما يلي:
أولاً، استغلال الضعف الذي يعانيه العراق لتحقيق الأطماع التركية القديمة في الموصل وكركوك ومنابع النفط،
ثانياً، تقسيم العراق إلى دويلات على أسس عرقية وطائفية متناحرة، وتحت مختلف الأسماء مثل كونفيدرالية شبيهة بالكونفيدرالية السويسرية، ولكي تستنزف طاقاتها البشرية والمادية في صراعات وحروب مدمرة فيما بينها على الحدود والمناطق المتنازع عليها، والمستفيد الأكبر هو إسرائيل لتبقى الدولة العظمى في المنطقة.
ثالثاً، حماية داعش من الإنهيار، والآن انبثق "الحلف الإسلامي أو السني" بقيادة السعودية، لتبديل داعش بجيش من المرتزقة قوامه مائة ألف عسكري، وإقامة دولة سنية تضم المحافظات السنية العراقية، وشرقي سوريا. (راجع مقال جون بولتن)(4).

ماذا على الحكومة العراقية أن تفعله لرد العدوان التركي؟
 يطالب العراقيون رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي بطرد القوات التركية بالقوة إن تطلب الأمر، ولما أثبتت الحكومة عجزها في ذلك، وصفوها بالحكومة الانبطاحية؟ والسؤال هنا هل بإمكان الحكومة العراقية استخدام القوة لدحر العدوان التركي وهي تعاني من الضعف والتمزق، وأغلب القيادات الكردية (جناح بارزاني)، والقيادات السنية و كتلة أياد علاوي"الشيعي"، مؤيدة للتوغل التركي، والتحالف الإسلامي بقيادة السعودية، وولائها لتركيا والسعودية أكثر من ولائها للعراق؟ و حتى كتلة التحالف الوطني (الشيعي) الذي ينتمي له رئيس الوزراء هو غير موحد.
طبعاً من حق العراقيين إعلان غضبهم على العدوان التركي، و استنكارهم له، ومطالبة حكومتهم باتخاذ الاجراءات المطلوبة لرد العدوان، ولكن السؤال الآخر هو: هل تصرفت تركياً في كل ما فعلته من دعم الإرهاب الداعشي، وإسقاط الطائرة الحربية الروسية، واحتلال أراضي عراقية، كان تصرفاً من تلقاء نفسها وبإرادتها المستقلة، وبمعزل عن أمريكا وحلف النيتو؟
الجواب في رأيي لا يمكن أن يكون إلا بكلا وألف كلا ، لأن تركيا هي عضو فعال في الحلف الأطلسي الذي تقوده أمريكا، ولا يمكن لتركيا أن تزج الحلف في صراعات مع دولة كبرى مثل روسيا، قد تهدد بحرب عالمية، كذلك عندما حاولت تركيا تهدئة العراقيين بسحب بعض قطعاتها العسكرية من بعشيقة لتوهم بأنه انسحاب من العراق، أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريراً نقلاً عن مسؤولين أتراك، إن التحرك الأخير للقطاعات التركية ليس إنسحاباً، وإنما إعادة نشر للقوات التركية في معسكرات أُخرى في داخل كوردستان العراق(5).

نستنتج من كل ما تقدم، أن تركيا الآن مثل إسرائيل، هي مخلب القط الأمريكي، تقوم بالعدوان على دول المنطقة، المعارضة للسياسة الأمريكية، مثل إيران والعراق وسوريا، واليمن، والعمل على تغيير حكومات هذه الدول أو سياساتها بما ينسجم مع السياسة الأمريكية ومناهضة لروسيا. ومعنى هذا أن تركيا والسعودية ودويلة قطر تنفذ ما تملي عليها أمريكا.
كذلك يجب أن نضع في الحسبان، أن القوات العراقية المسلحة، وكما قال مرة مسؤول أمريكي كبير، أن ولاء الضباط العراقيين لقيادات مكوناتهم الأثنية والطائفية، وليس للعراق. ولذلك تم تسليم الموصل والأنبار إلى داعش بدون إطلاق رصاصة واحدة بناءً على تنفيذ هؤلاء الضباط لأوامر قادتهم السياسيين (بارزاني والنجيفي وغيرهما)، وليس من القائد العام للقوات المسلحة أي (رئيس الوزراء) حسب ما أقره الدستور. وقالها السيد مسعود بارزاني علناً يوم تسليم الموصل إلى داعش "أن الحرب مع داعش هي صراع سني- شيعي، وأن الكرد غير معنيين بها". وجعل أربيل ملاذاً أمناً للضباط الكرد والموصليين الذين خانوا واجبهم الوطني، وسلموا الموصل إلى داعش.
وإزاء هذا الوضع العراقي المزري، فماذا يستطيع رئيس الحكومة العراقية عمله، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن السياسة فن الممكن؟
لا أعتقد أن بإمكان الدكتور العبادي، أو أي شخص في منصبه، استخدام القوة في طرد القوات التركية عدا استخدام القنوات الدبلوماسية والاقتصادية، والإعلامية، وتحشيد الشعب العراقي، والعمل على رص صفوفه ووحدته ، و فضح القيادات السياسية المتواطئة مع العدو على حساب السيادة الوطنية، واعتبارها خيانة عظمى. فحتى لو قامت القوات العراقية بضرب القوات التركية المعتدية، فيمكن أن تُضرب القوات العراقية بالنيران الصديقة الأمريكية وما أكثرها هذه الأيام، كما حصل يوم الجمعة 18/12/2015، عندما تعرضت قوة عسكرية عراقية في جنوب الفلوجة لقصف من طيران التحالف الدولي "عن طريق الخطأ" أودى باستشهاد ضابط وتسع من المراتب وعدد من الجرحى. وهذه ليست المرة الأولى، بل حصلت مرات عديدة سابقاً خاصة عندما تحقق القوات العراقية انتصارات على داعش.(6)

لذا فالمطلوب من الحكومة العراقية أن تتصرف بحكمة وذلك بتشديد الضغط الدبلوماسي والإعلامي على تركيا، وعلى أمريكا في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس الأمن الدولي، وتقوية علاقتها مع روسيا والصين، ومطالبة أمريكا بالإلتزام بالمعاهدة الأمنية المعقودة بين العراق وأمريكا والتزاماتها الأخلاقية، بعدم القيام بنقض القرار الذي قد يصدره مجلس الأمن الدولي لصالح العراق بإرغام تركيا بالانسحاب. وإذا ما استخدمت أمريكا (الفيتو) ضد قرار المجلس، فهذا يحرج أمريكا نفسها إذ تؤكد للعالم أجمع أنها هي وراء الإرهاب، ووراء كل التصرفات التركية السعودية القطرية التي تدعم الإرهاب في المنطقة. وإذا ما استخدمت الحكومة العراقية هذه الضغوظ، أعتقد أن أمريكا ستحاول بدورها الضغط على حليفتها تركيا بسحب قواتها من العراق لكي تتجنب استخدام النقض في مجلس الأمن، وبالتالي تتخلص من الاحراج والفضيحة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Middle East Forum: Why Erdoğan Decided to Shoot down a Russian Plane   http://www.meforum.org/5710/interview-daniel-pipes
2- أمين قموريه/ النّهار اللبنانيه: سر الغرام التركي بالموصل؟
http://www.annahar.com/article/292766-%D8%B3%D8%B1-

3- عبد الباري عطوان: حلف "ناتو سني" بزعامة السعودية لمحاربة "الارهاب السني".. لماذا الآن؟     http://www.raialyoum.com/?p=359233

4- NYT, By JOHN R. BOLTON: To Defeat ISIS, Create a Sunni State
http://www.nytimes.com/2015/11/25/opinion/john-bolton-to-defeat-isis-create-a-sunni-state.html?_r=0

5- تقرير أمريكي: القوات التركية لن تخرج والرتل توجه الى قاعدة أُخرى بإقليم كوردستان
http://www.ara.shafaaq.com/44744

6- كارتر يعزي العبادي لفقدان مقاتلين عراقيين بالخطأ
http://www.akhbaar.org/home/2015/12/203484.html


194
نكتة الموسم: تحالف سعودي لمحاربة الإرهاب

د.عبدالخالق حسين

بات الكل يعرف أنه لولا السعودية، وثرواتها النفطية الهائلة، ومذهبها الوهابي التكفيري لما حصل ما يسمى بالإرهاب الإسلامي. فبعد أن اتضح للعالم كله، غرباً وشرقاً، دور السعودية في تأسيس ودعم ورعاية الإرهاب، خرج علينا آل سعود بنكتة بايخة وفجة، مفادها أن المملكة "أعلنت عن تشكيل تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب يشمل حتى الآن 34 دولة، وتأسيس مركز عمليات مشترك في الرياض لتنسيق ودعم العمليات العسكرية ضد الإرهاب".(1)

والملاحظ أن السعودية أطلقت على هذا التحالف بـ(التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب)، ودون توجيه الدعوة إلى إيران الشيعية للمشاركة، في إشارة إلى أن الشيعة كفار أو زنادقة منحرفين عن الإسلام الصحيح وفق الوهابية التكفيرية، بينما أمريكا ومعها الإعلام الغربي تسميه (التحالف السني لمحاربة الإرهاب السني). ولهذه التسمية غرضين كلاهما لئيمان، الأول، جعل الإرهاب ملازماً ومرادفاً للسنة، وأنه لا يمكن القضاء عليه إلا بالاعتماد على السنة أنفسهم، والثاني، للعزف على وتر الطائفية وتصعيد الصراع الطائفي السني- الشيعي، واستنزاف طاقات شعوب المنطقة وتفتيتها لصالح إسرائيل كما بينا مراراً.
والجدير بالذكر أن السعودية هذه، وحسب اعتراف الإدارة الأمريكية، والمؤسسات الاستخباراتية الغربية، ووسائل إعلامها، أنها صرفت خلال الثلاثين عاماً الماضية نحو 100 مليار دولار على نشر التطرف الديني الوهابي التكفيري في مختلف أنحاء العالم، مستخدمة النصوص الدينية التي من شأنها زرع الكراهية والبغضاء وقتل غير المسلمين، وغير الوهابيين من المسلمين وبالأخص الشيعة، وبعد أن افتضح أمرها، فجأة صحت من النوم لتبرئة نفسها، وراحت تعتمد على نفس المصادر القرآنية التي استخدمتها لتبرير الإرهاب، إذ جاء في بيان مشترك للدول المشاركة في التحالف أن تشكيله يأتي "انطلاقاً من التوجيه الرباني الكريم: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، وأن من تعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء وأحكامها التي تحرّم الإرهاب بجميع صوره وأشكاله لكونه جريمة نكراء وظلم تأباه جميع الأديان السماوية والفطرة الإنسانية. (نفس المصدر).. صح النوم!!

فـ"التوجيه الرباني، والشريعة السمحاء" نفسهما اللذان استخدمتهما مشايخ الوهابية، وبأوامر السلطات السعودية العليا لنشر التطرف الديني وتكفير الآخرين وتبرير قتلهم، بالاعتماد على الآيات التي تكفر الآخرين مثل (الدين عند الله الإسلام، فمن جاء بغير الإسلام دينا لن يقبل منه)، والحديث النبوي: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك ، عصموا مني دماءهم وأموالهم- رواه البخاري ومسلم)، ودون أن يأخذوا في الحسبان السياق التاريخي. وقد بدأ آل سعود وآل الشيخ بهذه الحملة التكفيرية منذ تأسيس مملكة الشر، إذ يقومون بغسيل أدمغة الأطفال من المدارس الابتدائية وشحنهم بالتعصب الديني وكراهية الآخر وغيرها من التعاليم الإرهابية ضد البشرية، وكان من نتائجها "القاعدة " وزعيمها بن لادن، وأغلب الإرهابيين الانتحاريين هم من السعودية.
وبفضل الدعم السعودي صار مشايخ الإرهاب يتباهون برسالتهم الإرهابية، وعلى سبيل المثال لا الحصر الشيخ عبدالله عزام الذي نظّم الإرهابي الإردني (أبو مصعب الزرقاوي)، يعتز ويتباهى بالإرهاب بكل صفاقة وصلافة، ليقول (كل مسلم إرهابى ومرعب)، شاهد الفيديو في الهامش رجاءً(2).

وبعد كل هذه الجرائم التي ارتكبتها السعودية بحق الإنسانية، فمن يصدق هذه الصحوة الأخيرة الكاذبة في محاربة الإرهاب، وهي التي شكلت تحالفاً آخر لتدمير اليمن؟ فبعد أن تأكدت المملكة أن الإرهاب الذي تدعمه، فشل في التدمير الكامل لليمن وإقامة حكومة تابعة للسعودية، لجأت إلى التدخل العسكري المباشر، وتدمير كل ما تبقى من البنى التحتية والركائز الاقتصادية في اليمن وقتل شعبه الفقير.

والآن بعد أن يئست مملكة الشر من قدرة عصاباتها الإرهابية (داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام...وغيرها) في إسقاط الحكومة السورية والعراقية، لتقيم بديلاً عنهما حكومات وفق مقاساتها وموالية لها، طلعت علينا بلعبة التحالف الإسلامي بقيادتها لمحاربة الإرهاب بالتدخل المباشر. إن أقرب اسم يلائم هذا التحالف هو (التحالف الداعشي بقيادة السعودية).
وحسناً فعل العراق برفض هذه "المساعدة" السعودية القاتلة، إذ جاء في بيان حكومي ان"الحكومة المركزية ومجلس النواب اجمعوا على رفض مشاركة التحالف السعودي العراق بحربه ضد داعش الارهابي،" مبينا ان" اغلب اعضاء التحالف مرتبطون بداعش الارهابي ولا يمتلكون الجدية في محاربته".(3)
نعم، السعودية تحارب الإرهاب في بلادها فقط ، ولكنها تدعمه خارج بلادها ولأسباب طائفية وسياسية وإقتصادية. لذلك لا يمكن القضاء على الإرهاب إلا بتغيير النظام السعودي، وتحريم المذهب الوهابي الفاشي الذي هو أخطر من النازية والفاشية.
إن صحوة السعودية لمحاربة الإرهاب تذكرنا بتوبة الثعلب الماكر في قصيدة الشاعر المصري أحمد شوقي: (برز الثعلب يوماً) والتي جاء فيها:
برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا
يمشى في الأرض يهدى ويسب الماكرينا
إلى أن يختمها بالقول:
مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- السعودية تعلن عن تشكيل تحالف إسلامي من 34 دولة لمحاربة الإرهاب.. وتأسيس مركز عمليات مشترك في الرياض (النص الكامل للبيان)
http://www.akhbaar.org/home/2015/12/203224.html

2- الشيخ عبد الله عزام مفتي الإرهاب،(فيديو) يتباهى بالإرهاب ويعترف مفاخراً: كل مسلم إرهابى ومرعب
https://www.facebook.com/M.Elsayed.238/videos/1662535040692192/

3- بغداد ترفض مشاركة التحالف السعودي بحرب العراق : اغلب اعضاءه مرتبطون بداعش
http://www.akhbaar.org/home/2015/12/203232.html

4- مجلة أمريكية: السعودية تصدر الارهاب منذ السبعينات وأدت دورا مباشرا في اعتداءات باريس الاخيرة
http://www.akhbaar.org/home/2015/11/201999.html

5- قصيدة (برز الثعلب يوما فى ثياب الواعظينا)
http://fashion.azyya.com/220983.html

6- عبدالخالق حسين: السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=440


195
العراق والتدمير الذاتي

د.عبدالخالق حسين

كلنا يعرف أن هناك مخططات وضعتها قوى خارجية متمثلة بالسعودية وقطر وتركيا، وبمباركة أمريكا لتدمير العراق، ولكن يجب أن نعرف أيضاً أن هذه القوى الخارجية لا تستطيع تنفيذ مخططاتها إلا بواسطة ومساعدة أبناء العراق أنفسهم. يدعي العراقيون أنهم "مفتحين باللبن، ويقرؤون الممحي وما بين السطور"، بل وحتى يدعون أنهم أذكى الشعوب، ولذلك تجد عندهم عبارات تحقيرية بحق الشعوب الأخرى كقولهم: (قابل آني هندي..قابل آني بلوشي، أو عجمي...الخ). ولكن لو توخينا الحقيقة والصراحة أن العراقيين هم أكثر من يستجيب للمخططات الأجنبية لتدمير بلاهم، وأكثر الشعوب في تصديق الأكاذيب والإشاعات المسمومة، وتعرضاً للخديعة والتضليل، وأكثر من يلحق أشد الأذى بأنفسهم وبلادهم. حقاً ما قاله العلامة علي الوردي في هذا الخصوص: "كلما ازداد الإنسان غباوة اعتقد أنه أذكى من غيره".

ولهذا التخلف والكفر بالوطنية أسبابه، فخلال أربعة عقود من حكم الفاشية العربية (1963-2003) تعرض الشعب العراقي إلى التجهيل المتعمد، وتفتيت نسيجه الاجتماعي، والحروب والحصار، فحصل الانهيار الحضاري والذي عادة يرافقه انهيار فكري و ثقافي وأخلاقي، وإعادته إلى الوراء لقرون، و وإحياء البداوة وتمجيدها، وانتزاع شعوره بالانتماء إلى العراق، وتدمير هويته الوطنية، واستبدالها بالهوية القبلية والطائفية، وإذلاله حتى صار العراقي مستعداً للتعاون مع الأجنبي لاحتلال بلاده، وما ضلوع مسعود بارزاني والأخوين النجيفي مع الاحتلال التركي لأراضي عراقية إلا دليل على صحة ما نقول. بل ونجد قياديين بارزين مثل أياد علاوي وغيره يتعاطف مع العدو التركي المحتل ضد سيادة الدولة العراقية. هذه الحالة الشاذة لا نجدها إلا بالعراق.
ونتيجة لهذا الإذلال والانهيار الحضاري تفشت أمراض وعقد نفسية مثل الشعور بالدونية، وعقدة النقص والانحطاط خاصة لدى شريحة واسعة من الكتبة والمتطفلين على الثقافة والصحافة، فتراهم يدبجون المقالات،  بأسمائهم الصريحة، أو متخفين وراء أسماء مستعارة، في كيل الأكاذيب ونشر الإشاعات السامة، والتشويش والبلبلة الفكرية، وتدمير ثقة الشعب بنفسه، وإرباك السلطة، والحط من قدر بلادهم ودولتهم، وعلى سبيل المثال، تم خلال الأيام الماضية تعميم صورة بعنوان: (معصومة ومعصوم)، نشاهد فيها الرئيس الفرنسي يستقبل بانحناءة واحترام ممثلة إيران التي  تدعى (معصومة)، بمناسبة عقد المؤتمر العالمي لتغير المناخ في باريس، وأدعى ناشر الصورة أن الرئيس الفرنسي رفض استقبال الرئيس العراقي الدكتور فؤاد معصوم استهانة بالعراق!! ومع الأسف نالت هذه الصورة والتعليق تعميماً واسعاً من قبل العراقيين للحط من سمعة دولتهم مصدقين وشامتين بها ومهللين لها. بينما الحقيقة أننا شاهدنا في تقرير آخر استقبال الرئيس الفرنسي للرئيس العراقي وكلاهما جالسين على أريكة واحدة يتبادلان الأحاديث.
ولم يكتفِ هؤلاء بنشر هذه المواد التسقيطية، بل راح البعض يطالب بعدم مشاركة العراق في هذا المؤتمر الدولي المهم، بحجة أن المشاركة كلفت العراق نحو ربع مليون دولار!! وهذا كذب يذكرنا بالفرية التي أشيعت قبل عامين عندما قام السيد نوري المالكي مع وفد بزيارة واشنطن، أثيرت ضجة كبرى من قبل الإعلام المضاد أن الزيارة كلفت العراق نحو مليونين دولار، بينما أكد المالكي في مقابلة تلفزيونية أن التكاليف لم تتجاوز الستين ألف. فلو تم تنفيذ طلبات هؤلاء بعدم المشاركة في المؤتمرات والمحافل الدولية، وتبادل الزيارات الرسمية، لصار العراق بلداً معزولاً عن العالم كحالة كوريا الشمالية، وعندئذ سيكتبون أن العراق دولة منبوذة ومعزولة عن العالم "بفضل هؤلاء الحكام الطارئين". فنحن أمام حالة أشبه بقصة جحا وابنه مع حمارهما!! "رضاء الناس غاية لا تدرك".

يبدو أنه حتى المثقفين من الانتلجنسيا والأكاديميا العراقية والعربية لم يسلموا من التصديق بالإعلام المضلل والإشاعات المسمومة ضد العراق وساسته، وهم يستقبلون الافتراءات والأخبار السيئة بترحاب، ويساعدون على تعميمها. وهكذا نحن أمام سيل من الإعلام المضاد، المتفنن على التسقيط والتشهير والقذف واختلاق السلبيات والفضائح، وإذا ما حاولت تنبيههم بزيف هذه الأخبار، وتوخي الدقة، فتهمة الارتزاق جاهزة لترمى في وجهك بأنك من مثقفي السلطة.

لقد لجأ هؤلاء إلى أخس الوسائل دناءة وحقارة في تشويه سمعة العراق، وآخرها كانت تلك المقابلة المفبركة التي ادعى كاتبها المتخفي وراء اسم مستعار (فلاح القريشي)، أنه أجرها مع السياسي الكردي الدكتور محمود عثمان بعنوان (القيادي الكردي المستقل محمود عثمان يفتح النار على شخوص المشهد السياسي العراقي). وفي هذه المقابلة المزعومة نقرأ أحط الأوصاف والافتراءات والبذاءات على لسان الدكتور محمود عثمان بحق جميع السياسيين العراقيين ومكونات الشعب العراقي، عدا شخصاً واحداً كال له المديح وهو الشيخ جلال الدين الصغير. وكما هو المتوقع في هذه الحالات، نال السيد نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، والدكتورة حنان الفتلاوي، عضو البرلمان، حصة الأسد من الافتراءات والتسقيط والتشهير.
والمؤسف أن هذه المقابلة المفبركة نالت رضا وإعجاب شريحة واسعة من الناس بدليل أني استلمتها أكثر من عشر مرات وبعناوين مختلفة، حسب موقف الناشر أو الموزع من المستهدَفين بهذه "التصريحات" المزعومة، وعلى سبيل المثال، في صحيفة البينة الجديدة بعنوان: (القيادي الكردي المستقل محمود عثمان يفتح النار على شخوص المشهد السياسي العراقي)، أو في موقع آخر: (محمود عثمان: زرت إسرائيل مرتين برفقة الملا مصطفى بارزاني ومسعود زارها ثلاث مرات ومسرور كثير السفر إليها)، أو مرسل آخر (محمود عثمان يفضح المالكي)... الخ. و سألني أحد الأخوة: (بعد كل هذه الفضائح التي ذكرها محمود عثمان هل مازلت تدافع عن المالكي؟

لقد أكدت مراراً أني لم أدافع عن المالكي أو غيره ولكني أحترم عقلي لذا أرفض الأكاذيب، وأرى من واجب المثقف حماية الرأي العام من التضليل. فعلى سبيل المثال، لم أكن يوماً متعاطفاً مع أسامة النجيفي وأمثاله، ولكن عندما يبعث لي شخص تقريراً يقول فيه أن النجيفي يملك 45 مليار دولار، أرى من واجبي أن أقول له أنت تكذب، وهذا لا يعني أني أدافع عن النجيفي، بل احتراماً لعقلي لأني أرفض أن أصدق بالأكاذيب. فتجريم النجيفي لا يحتاج إلى الكذب إذ يمكن محاسبته من خلال أفعاله وارتباطاته المشبوهة بحكومات تدعم الإرهاب في العراق وسوريا، وخاصة تآمره الأخير مع تركيا في احتلال أراض عراقية...الخ
والجدير بالذكر أن كتاب الإشاعات والأكاذيب أصحاب معرفة وتخصص في سايكولوجية المجتمع فيعرفون كيف يسوِّقون أفكارههم وافتراءاتهم بحيث تكون قابلة للتصديق خاصة من قبل المجتمع العراقي المعروف اصلاً باستعداده النفسي وتقبله للإشاعات المسمومة، وكلما كانت هذه الإشاعات والافتراءات أكثر سوءً وشناعة كانت أكثر تقبلاً لديهم. وفي هذا الخصوص يقول المفكر الإيطالي المعاصر، أمبرتو إيكو عن (نظرية المؤامرة) وبث الإشاعات، أنه إذا تريد أن تنشر كذبة فلا بد وأن تبدأ ببعض الحقائق المعروفة، ومن خلالها تسوِّق الكذبة ليصدقها الناس وإلا تفشل. وهذا بالضبط ما اتبعه ملفق المقابلة مع الدكتور محمود عثمان. ولذلك لقيت "التصريحات" هذه انتشاراً واسعاً، كما وتبرعت عدة صحف ومواقع بإعادة نشرها، بحيث لا نعرف حتى اسم الصحيفة الأولى التي أجرت معه المقابلة.

وأخيراً، (طلعت الشمس على الحرامية) كما يقول المثل، فقد نشر الدكتور محمود عثمان بياناً نفى فيه نفياً قاطعاً معرفته بالمدعو فلاح القريشي، وقال أنه لم يلتق به ولم يجري معه أية مقابلة... الخ. أدرج النفي كملحق في ذيل هذا المقال. ولكن الغريب و المثير للدهشة أن البعض أبدى استياءه وانزعاجه من هذا النفي، بل وراح يؤكد على صحة كل ما جاء في المقابلة المزعومة.
يقول الفيلسوف الألماني هيغل: (الشعب الذي يصدق بالأكاذيب يستحق أن يفقد حريته).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ 
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ملحق

الدكتور محمود عثمان ينفي ما نسب اليه من تجاوزات بحق سياسيين عراقيين!
http://www.chakooch.com/news.php?action=view&id=7662

بتاريخ : الثلاثاء 08-12-2015 01:28

نفى السياسي الكردي محمود عثمان ما نسب اليه من تصريحات يتهجم فيها على سياسيين عراقيين قائلا في تصريح ارسله الى موقعنا ننشره كما ورد حرفيا:
أرسل لي صديق منشوراً من صفحة لشخص يدعى فلاح القريشي يزعم فيها انه اجرى مقابلة معي تتضمن الكثير من الاساءات والكلمات النابية ضد زملائي في العمل السياسي في العراق وفي اقليم كوردستان.
أودّ ان ابين لكل من قرأوا المنشور وللرأي العام انني لا اعرف اي شخص باسم فلاح القريشي وان ما نقله على لساني هو تلفيق وافتراء وينم عن نوايا مغرضة للإساءة الى تاريخ الحركة التحررية الكوردية والعلاقة الكردية العربية والى الشعب الكردي الذي يحتضن اليوم برحابة صدر قرابة المليون ونصف نازح عربي في الإقليم هربا من الحرب التي اختلقتها عقليات وأجندات كالتي تقف وراء هذا التلفيق.
أرجو من الأخوة والاخوات المتابعين لصفحتي ان يرفعوا شكوى لادارة فيسبوك لاغلاق صفحة الشخص المذكور لكي لا يقوم بنشر تلفيقات كهذه في المستقبل.



196
مخطط لسرقة النصر من العراقيين
د.عبدالخالق حسين

كنا، وما زلنا نتمنى وندعو إلى علاقات حميمة متكافئة بين العراق وأمريكا، خاصة بعد أن قدمت الأخيرة تضحيات بشرية ومادية هائلة في عملية تحرير العراق من الفاشية، ومهما كان غرضها من ذلك. ولكن مع الأسف الشديد كشفت إدارة أوباما عن وجهها الكالح، أنها تريد معاملة العراق كإحدى جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي، أو الدول الخليجية الخاضعة لها خضوعاً تاماً. بينما العراق، المعروف بتاريخه المجيد، ليس فقط لكونه مهد الحضارة البشرية، والحافل بالثورات على الحكام طوال التاريخ، والمعتز بكرامته واستقلاله، فهكذا شعب لا يمكن أن يذعن لمثل هذه المحاولات المذلة، فهو مستعد أن يضحي بكل غال ونفيس في سبيل حريته وكرامته وسيادته الوطنية.

أمريكا تريد من العراق أن يتخلى عن استقلاله السياسي، ويذعن لكل ما تمليه عليه من سياسات من بينها إعلان العداء لإيران كما كان الوضع في عهد البعث الصدامي. والشعب العراقي لا يمكن أن يعيد نفس السياسة العبثية والحروب المأساوية الصدامية مع إيران وغيرها مرة أخرى. فعلاقة حسن الجوار بين البلدين ضرورية جداً لأمن واستقرار وازدهار العراق، ولا تشكل أية خطورة على أمريكا أو الدول الخليجية، المسكونة بالهوس الطائفي الخبيث ضد إيران وضد الشيعة من شعوبها(1). ولكن يبدو أن أمريكا وبريطانيا خاضعتان خضوعاً تاماً لرغبات السعودية وشقيقاتها الخليجية الأخرى بسبب المصالح الاقتصادية، لذا يرددون نفس الافتراءات التي يرددها الاعلام السعودي الطائفي المضلل ضد العراق.

فالملاحظ أن الاعلام السعودي الخليجي- البعثي الطائفي ما انفك يختلق الاشاعات المسمومة لدق الاسفين بين العراق وإيران، وآخر هذه الافتراءات على سبيل المثال، ما تردد من تصريح منسوب إلى الجنرال الايراني عطاالله صالحي بالقول: "ليس من حق العراقين منع الايرانيين من الدخول الى العراق لأن هذه الارض هي ارض اجدادنا وعلى العراقيين ان يفهموا هذا الشيء وعدم مجاراة الامة الإيرانية".
لا شك أن هذه الإشاعة هي صناعة سعودية- بعثية – طائفية قذرة، ولم تنشرها أية وكالة تحترم نفسها، بل نشرت عبر البريد الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي. ولكن المشكلة أن عقلية العراقيين خصبة جداً لتقبل الإشاعات ومهما كانت سخيفة وباطلة، وينطبق عليهم المثل: "على حس الطبل خفَّن يرجلية".
فلما رفض السيد نوري المالكي الاستجابة لطلب أمريكا في معاداة إيران، والمشاركة في إسقاط حكومة بشار الأسد، وفشلت كل المحاولات لإزاحته ديمقراطياً عن طريق صناديق الاقتراع، خرجوا علينا بلعبة داعش، ومؤامرة احتلال الموصل ومن ثم الرمادي، وفذلكة حكومة المقبولية!. ولما كتبنا مراراً أن داعش هي صناعة أمريكية لتحقيق سياساتها في المنطقة، اتهمونا بالطائفية والتأثر بنظرية التآمر...!

في الحقيقة هذه ليست المرة الأولى تخلق أمريكا لنفسها و للعالم فرانكشتاين، الغول الذي افترس صانعه، فكما خلقت أمريكا القاعدة وطالبان في أفغانستان من قبل، وكان من عواقبها غير المقصودة، كارثة 11 سبتمبر، كذلك خلقت أمريكا داعش في العراق وسوريا التي من نتائجها الإرهاب في الدول الغربية بما فيها أمريكا مؤخراً. فتآمروا على العراق بداعش، وتركوه لوحده يحارب هذا الغول، بل و شنوا حملة تشويه صورة الحشد الشعبي، وراحت وسائل إعلامهم تردد كل ما يقدمه الاعلام السعودي الخليجي من افتراءات، بأن المالكي هو السبب الرئيسي لخلق داعش لأنه همش السنة والكرد في الحكومة، و أن الحشد الشعبي هو أسوأ من داعش، دون أن يسألوا أنفسهم: وماذا عن العصابات الإرهابية التي أعلنت ولاءها لداعش في الدول الأفريقية، مثل مصر وكينيا و نايجريا وتونس والجزائر، بل وحتى في فرنسا، فهل هناك تهميش للسنة في هذه الدول؟

 لذلك، و بعد أن انقلب السحر على الساحر بمجزرة باريس الأخيرة، وما رافق ذلك من إحراج لأمريكا وحلفائها (دول الناتو)، وعلاقاتها الحميمة مع السعودية وقطر وتركيا، الدول الراعية لداعش، وبات النصر العرقي قاب قوسين أو أدني، تحاول أمريكا الآن الدخول في الحرب ضد داعش بإرسال ما يسمى بالقوة الجديدة(2). والمقصود بالقوة الجديدة هو إرسال قوات أرضية مؤلفة من قوات أمريكية وخليجية وتركية إلى العراق، قد يصل تعدادها إلى مائة ألف. وما اللقاء الأخير بين الملك السعودي سلمان ابن عبدالعزيز، والرئيس التركي أردوغان، و رئيس الإقليم الكردستاني (المنتهية ولايته)، مسعود بارزاني إلا للتنسيق والتحضير لهذه المهمة. كما وأفادت الأنباء عن تواجد قطعات عسكرية تركية في محافظة نينوى، رغم الاحتجاجات من الحكومة العراقية، وهذه سابقة تشير إلى مخطط خطير له عواقب خطيرة جداً على العراق ودول المنطقة.(3)

والسؤال هو: لماذا الآن كل هذا التحرك، بينما كانت أمريكا تمتنع عن مساعدة العراق حتى بمده بالأسلحة والطائرات المقاتلة ف16 التي اشترتها منها الحكومة العراقية ودفعت أثمانها الباهظة بمليارات الدولارات مقدماً منذ أكثر عامين؟
الأسباب معروفة وعديدة، أولاً، بعد أن حققت القوات العراقية والحشد الشعبي، الانتصارات الرائعة على فلول داعش، تحركت أمريكا للمشاركة في هذه الحرب لسرقة النصر من العراقيين الذين دفعوا التضحيات الباهظة، وإعطاء انطباع أنه لولا التدخل الأمريكي لما تحقق النصر على داعش. وثانياً، لتبديل داعش بقوات أخرى (مؤلفة من القوات الأمريكية والخليجية والتركية) تأتمر بأوامر أمريكا في المحافظات السنية، وتخلق إقليماً سنيا مستقلاً عن الحكومة المركزية في بغداد على غرار حكومة الاقليم الكردستاني، وبذلك تتمكن أمريكا من التعامل مع الاقليمين، السني والكردي، كدولتين مستقلتين في العراق، خاضعتين لها خضوعاً تاماً، وبالتالي تفرض سياسة الأمر الواقع على بغداد. وتبقى علاقة هلامية شكلية بين هذين الإقليمين (الدولتين)، مع الحكومة المركزية في بغداد لضمان حصول الاقليمين على  ثروات العراق، أو بالأحرى ثروات الجنوب، إضافة إلى حصتهما في الحكومة الفيدرالية التي لا حول لها ولا قوة، ولا أي دور لها في حكم الإقليمين، بل للإقليمين الدور الكبير في حكم الوسط والجنوب.

خلاصة القول: ليس من مصلحة العراق معاداة أمريكا، ولا معاداة إيران. وليس من مصلحة أمريكا وإيران استمرار العداء بينهما ليكون العراق ضحية هذا العداء. ولكن يرفض العراقيون أن تعامل أمريكا دولتهم كواحدة من جمهوريات الموز. أما السعودية والدول الخليجية الأخرى وتركيا أردوغان، فهي مصابة بالهوس الطائفي، والغرور، واللعب بالورقة الطائفية لأغراض سياسية قذرة لا بد وأن ينقلب عليهم السحر يوماً، ولا علاج لها من هذا الداء إلا إذا أرادت أمريكا ذلك، فمصير هؤلاء بيد أمريكا وحدها.
وما تخططه أمريكا لإرسال قوات جديدة إلى العراق لمحاربة داعش تشارك فيها قوات خليجية وتركية، فهي مؤامرة خطيرة لها عواقب كارثية على الجميع، لأنها في نظر العراقيين، لا تختلف عن داعش في تركيبتها وأيديولوجيتها وأغراضها. لذلك فهو مشروع باطل، وما بني على باطل فهو باطل، وعواقبه وخيمة على مدبريها. لذلك نهيب بكل االعراقيين الوطنيين الشرفاء الوقوف بوجه هذا التآمر الأمريكي- التركي-الخليجي لإفشاله. فالنصر على داعش بات قريباً على أيدي قواتنا المسلحة الباسلة والحشد الشعبي الباسل، ويجب أن لا نسمح بسرقة النصر منهم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: محنة العراق بين أمريكا و إيران في مواجهة الإرهاب
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=802

2-  مسؤولون: أمريكا لم تتفق مع بغداد بعد على تفاصيل دور القوة الجديدة http://www.akhbaar.org/home/2015/12/202628.html

3- الخارجية تستنكر التوغل التركي
http://www.akhbaar.org/home/2015/12/202631.html

4- The New York Times: Saudi Arabia, an ISIS That Has Made It
http://www.nytimes.com/2015/11/21/opinion/saudi-arabia-an-isis-that-has-made-it.html?_r=0

5- MIKE WHITNEY: Ankara: the New Capital of Jihad
http://www.counterpunch.org/2015/08/20/ankara-the-new-capital-of-jihad/
 

197
أردوغان يلعب بالنار
د.عبدالخالق حسين

إن إسقاط الطائرة الحربية الروسية من طراز سيخوي24، بصاروخ جو-جو من قبل طائرة تركية من طراز إف-16 في المجال الجوي السوري، صباح يوم 24 من الشهر الجاري، عملية خطيرة جداً تذكر بأزمة الصواريخ الكوبية  في أكتوبر 1962، في مواجهة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي المتحالف مع كوبا ضمن أحداث الحرب الباردة آنذاك.

لا شك أن هذا العمل الخطير لا يمكن أن يحصل إلا بموافقة الرئيس التركي أردوغان الذي اعتاد على خلق الأزمات لتحقيق مكاسب سياسية. فقبل الانتخابات الأخيرة خلق أزمة الإنفجارات الإرهابية في بلاده التي راح ضحيتها أكثر من 120 شخصاً أغلبهم من الكرد وأنصار السلام. فاتخذ هذه الجريمة ذريعة لتجديد الحرب على الأحزاب الكردية، وخاصة حزب العمال الكردستاني (PKK)، وإثارة مخاوف شعبه على الأمن، وبأنه هو الضامن الوحيد لأمن تركيا. ونجحت الخطة، وفاز حزب أردوغان (العدالة والتنمية) بالأغلبية المطلقة من المقاعد البرلمانية في تلك الانتخابات. وفي الانتخابات ما قبل الأخيرة، استخدم أردوغان الورقة الطائفية ضد العلويين الشيعة الذين يشكلون نحو 30% من الشعب التركي. والجدير بالذكر أن أردوغان ساهم مساهمة فعالة في خلق الأزمة السورية بالاشتراك مع السعودية وقطر والدول الخليجية الأخرى وبدعم أمريكي. وفتح حدود بلاده مع سوريا للدواعش الأجانب القادمين من مختلف أنحاء العالم للذهاب إلى سوريا لإسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد. والآن خلق أزمة خطيرة مع روسيا.

والسؤال هنا، هل يعقل أن يقوم أردوغان بالتحرش بدولة كبرى مثل روسيا، وفي هذا الوقت المتأزم، حيث التحرك الدولي ضد الإرهاب الداعشي بعد أيام من أحداث باريس المأساوية الدامية التي هزت الضمير العالمي، ووحدت كل العالم للتخلص من هذه الطاعون الوبيل؟

في الحقيقة لا يمكن أن يقوم أردوغان بهذه الفعلة الخطيرة ما لم يكن بدعم وتأييد وربما بأمر من أمريكا. وهاهو الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يعتمد الازدواجية ازاء هذه الأزمة في تصريحاته الأخيرة، فمن جهة يتظاهر بالعقلانية، فيدعو الطرفين إلى التهدئة والتفاوض، وضبط النفس، وعدم التصعيد، ومن جهة أخرى يعلن دعمه لأردوغان بأنه يقف كتفاً إلى كتف معه في هذه الأزمة، ويبرر له الجريمة بأن لتركيا الحق في الدفاع عن أجوائها... وأنها أنذرت روسيا عشر مرات...الخ، بينما الحقائق تؤكد أن الطائرة الروسية تم إسقاطها في الأراضي السورية، إذ (أعلن طيار "سو- 24"، الذي بقي على قيد الحياة، [الذي تم إنقاذه من قبل الجيش السوري والجنود الروس]، أن المقاتلات التركية لم تحذر طاقم الطائرة الروسية بأنهم اخترقوا المجال الجوي.)(1).
والجدير بالذكر أن أردوغان الذي يتمسك بحرمة أجوائه من تجاوز المقاتلة الروسية حتى ولو لـ 17 ثانية، استمرت القوات التركية، الأرضية والجوية، بخرق السيادة العراقية أرضاً وجواً، خلال الثلاثين عاماً الماضية، ودون أي رادع أو واعز من أخلاق.
إن دفاع الرئيس أوباما عن سياسة أردوغان الاستفزازية، يتناقض مع أتفاق سابق بين روسيا وأمريكا، إذ (أشار لافروف في اتصاله مع كيري إلى أن هذا الحادث يعتبر انتهاكا سافرا للمذكرة الروسية الأمريكية المشتركة حول ضمان سلامة طلعات الطائرات العسكرية في سوريا، والتي أخذت الولايات المتحدة فيها على عاتقها المسؤولية عن التزام جميع دول التحالف الدولي الذي ترأسه واشنطن، بالقواعد المنصوص عليها في هذه الوثيقة)(2). وهذا دليل على أن ما قام به أردوغان، هو متفق عليه مع أمريكا وحلف الناتو، ولأغراض عديدة أهمها:
1- حرف الرأي العام العالمي عن جرائم داعش في باريس، وإشغاله بالأزمة الجديدة التي تنذر بحرب عالمية ثالثة، وصدام مسلح، وربما نووي بين روسيا وحلف الناتو، وبذلك ينشغلون عن مأساة باريس،
2- دعاية مجانية لداعش بأنها هي التي تسببت في هذه الأزمة الدولية الخطيرة،
3- كمحاولة لإجبار روسيا للتخفيف من ضرباتها على التنظيمات الإرهابية في سوريا، وربما إيقافها، وهذا دليل على أن تركيا تدافع عن داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية. فلو كانت تركياً صادقة في حربها على داعش، لوجب عليها تقديم الشكر لروسيا على دورها في هذه الحرب وتقديم التسهيلات لقواتها بدلاً من إسقاط الطائرة.
4- تصعيد الأزمة بين تركيا وروسيا يقدم دليلاً آخر على أن المنظمات الإرهابية (داعش، وجبهة النصرة، وأحرار الشام، وغيرها من العصابات الإرهابية)، هي من صنع السعودية وقطر وتركيا، وبأوامر ومباركة أمريكا. وقد أشرنا إلى هذا الموضوع في عدة مقالات سابقة (3)، كما وأكدها حتى مسؤولون أمريكيون أنفسهم. (تصريحات هيلاري كلنتون، وجو بايدن)، وأخيراً مجلة (الفورين بولسي) الأمريكية التي أكدت دور السعودية في الإرهاب وحتى عن دورها المباشر في أحداث باريس الأخيرة(4).
5- الغرض الآخر من إسقاط المقاتلة الروسية هو كبالون اختبار لمعرفة رد فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإحراجه أمام شعبه، رغم إطلاقه بعض التهديدات ضد تركيا، إلا إن خصومه يراهنون على أنه لا يستطيع عمل أي شيء ضد تركيا، وأن الأزمة سيتم نسيانها قريباً، و ستتكرر في المستقبل. ولكن التاريخ القريب يؤكد لنا أن الرئيس بوتين لاعب شطرنج جيد، وإستراتيجي محنك، يعرف كيف ينتقم من خصومه بالطريقة المناسبة، وفي الوقت الذي يختاره هو.

صحيح أن أمريكا وحليفاتها عقدوا المؤتمرات الدولية، وأبدوا غضبهم على عصابات داعش، وتعهدوا بضربها، وخاصة بعد أحداث باريس، إلا إن الغرض الحقيقي من هذه المؤتمرات والتهديدات والتعهدات هو لامتصاص غضب شعوبهم وإزالة مخاوفها من الإرهاب، ولكن في نفس الوقت لا تريد القضاء النهائي على هذه التنظيمات الإرهابية، وإنما تريد احتوائها فقط، لأن لأمريكا أغراضاً أخرى من هذه العصابات الإرهابية، وهي استخدامها ضد أية حكومة في العالم تشق عصا الطاعة على أمريكا، ولها علاقة جيدة مع روسيا، ومن ثم ترحيل الإرهاب إلى روسيا نفسها، ولا ننسى تفجير طائرة السياح الروسية في سيناء بعد أن تم زرع قنبلة فيها في مطار شرم الشيخ.
لذلك جن جنون تركيا والغرب عندما تدخلت روسيا بقوتها الهائلة ضد الإرهاب في سوريا، وأثبتت قدراتها التكنولوجية ودقتها في ضرب الأهداف عن بعد بمئات الأميال من بوارجها الحربية في البحر الأسود، ضد مواقع الإرهاب في سوريا وبمنتهى الدقة، فحققت روسيا خلال أسابيع ما عجزت القوات الدولية بقيادة أمريكا تحقيقه لأكثر من عام. ومن هنا أثيرت مخاوف الدول الغربية من الدور الروسي في القضاء على داعش.

فما الذي يمكن لبوتين عمله ضد تركيا؟

حذر بوتين من أنه ستكون هناك "عواقب وخيمة" على العلاقة بين موسكو وأنقرة. وألغى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارته إلى تركيا، التي كانت مقررة الأربعاء (25/11/2015). كما وجه لافروف الروس بعدم زيارة تركيا، وقال إن تهديد الإرهاب هناك ليس أقل من التهديد في مصر، حيث أدى انفجار قنبلة إلى سقوط طائرة روسية الشهر الماضي. فتوقف الملايين من الروس عن الذهاب إلى تركيا كسياح سنوياً، والتخلي عن عدد من المشاريع المشتركة الهامة وفقدان الشركات التركية مواقعها في سوق روسيا". هذه الاجراءات وغيرها لا بد وأن تضر بالاقتصاد التركي. كما وحرك بوتين عدة قطعات من البوارج الحربية إلى اللاذقية قرب تركيا وتهدد بضرب أهداف جوية.
خلاصة القول، أن أردوغان يلعب بالنار، و لا بد وأن يحترق بها، وإنه يجر المنطقة إلى حافة حرب دولية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- طيار "سو- 24": لم نتلق أي تحذيرات من تركيا لا بصرية ولا عبر اللاسلكي
لو أرادوا تحذيرنا لقامت [ف 16] بإظهار نفسها
http://www.akhbaar.org/home/2015/11/202050.html
2- لافروف وكيري يبحثان حادث إسقاط الطائرة الروسية في سوريا
الحادث يعتبر انتهاكا سافرا للمذكرة الروسية الأمريكية المشتركة
http://www.akhbaar.org/home/2015/11/202051.html

3- د.عبدالخالق حسين: هل داعش صناعة أمريكية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=711

4- مجلة أمريكية: السعودية تصدر الارهاب منذ السبعينات وأدت دورا مباشرا في اعتداءات باريس الاخيرة
http://www.akhbaar.org/home/2015/11/201999.html



198
المنبر الحر / هل حزب البعث فاشي؟
« في: 18:20 21/11/2015  »
هل حزب البعث فاشي؟
د.عبدالخالق حسين

بين حين وآخر أستلم رسائل من قراء أتوسم فيهم الطيبة، وحسن النية، ولا أشك بوطنيتهم وإنسانيتهم وحبهم للخير والإنسان، وبأدب جم في الحوار، يعترضون فيها على بعض مقالاتي التي أدرج فيها حزب البعث مع الأحزاب الفاشية والعنصرية والطائفية أسوة بالأحزاب الفاشية والنازية الأوربية، أو الوهابية في المملكة السعودية ودولة قطر، التي صارت أيديولوجية العصابات الإرهابية، إذ لا يمكن للمسلم أن يتحول إلى إرهابي ما لم يتبنى العقيدة الوهابية. وهناك دراسات كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، أشير إلى واحدة منها، (راجع موجز دراسة السفير الأمريكي كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية)(1). 

وحجة هؤلاء الأخوة، سامحهم الله، في تبرئة البعث من الفاشية "أن ممارسات النظام البعثي في العراق شملت البعثيين وغير البعثيين." وأضيف: بل وشملت الاعدامات حتى أقرب أقرباء صدام حسين نفسه مثل صهريه، حسين كامل، وصدام كامل وبمنتهى الوحشية.

فما هي الفاشية؟
الفاشية أو النازية حسب فهمي لها، تعني العصبية العنصرية، أي ممارسة التمييز السلبي بين البشر، يعني أن تبغض وتكره وتعادي أناساً لا لذنب ارتكبوه، بل فقط لأنهم ليسوا من قومك، أو من دينك، أو من مذهبك أو من لونك ولغتك. وقد عانت البشرية طوال التاريخ الكثير من كوارث الحروب بسبب هذه الأيديولوجيات التي تفرق بين البشر بسبب الاختلاف في انتماءاتهم القومية (الأثنية) أو الدينية والمذهبية. فهل تنطبق هذه المواصفات على حزب البعث؟

نعم، إن حكومة البعث قتلت بعثيين، ولكن ليس لأسباب عنصرية وطائفية، بل لأنها شككت بولائهم، أو أنهم تآمروا على صدام حسين وهددوا نظامه وحياته. وصدام، أو أي كان مكانه في قيادة هكذا حزب متشدد يقود دولة مافيوية (دولة المنظمة السرية)، لا يمكن أن يتساهل مع هؤلاء حتى ولو كانوا من أبنائه. فهذا السلوك هو تقليد موروث من النازية الهتلرية التي أعدمت المئات من الضباط النازيين الذين تآمروا على هتلر، بمن فيهم فيلد مارشال رومل الذي أجبره هتلر على الانتحار بالسم، بعد أن تأكد هؤلاء الضباط أن هتلر يقود ألمانيا إلى الهاوية والدمار الشامل في الحرب العالمية الثانية. والجدير بالذكر أن المجازر التي ارتكبها البعث الصدامي ضد الشيعة والكرد كان لأسباب طائفية وعنصرية.

كما يحاول البعض تبرئة حزب البعث مما ارتكبه من جرائم بحق الانسانية في العراق والمنطقة، وذلك بإلقاء اللوم على صدام حسين وحده، وتبرئة الحزب وأيديولوجيته من هذه الجرائم. وهذه مغالطة، لأن البعث أرتكب أبشع مجزرة في إنقلابه الأول عام 1963 ولم يكن بقيادة صدام. والغريب أن أطلق بعثيو 8 شباط 1963 على أنفسهم بالبعث اليساري، وهم الذين انتقموا من اليساريين، وخاصة الشيوعيين أبشع انتقام. فلو لم يكن صدام قائداً للحزب لحل محله عزة الدوري، أو المجرم ناظم كزار الذي أعدمه صدام حسين، أو أي بعثي آخر. لذلك فصدام وغيره من قادة حزب البعث هم نتاج أيديولوجية البعث. والآن صدام تحت الأرض، ولكن مع ذلك يرتكب فلول البعث أبشع الأعمال الإرهابية ضد الشعب العراقي بغطاء داعش وجيش النقشبندية، ومسميات أخرى. لذلك فهذه الجرائم الإرهابية هي من صلب الأيديولوجية البعثية العفلقية.

وهناك مقاربة بين النازية والبعثية: الناوية أعلنت الاشتراكية القومية، وكذلك البعث. النازية حاربت الناس على أساس العرق والاختلاف الديني وارتكبت جرائم الهلوكست ضد اليهود. وكذلك البعث قتل مئات الألوف من الكرد، و الشيعة من مختلف انتماءاتهم القومية، وهجَّر قسراً نحو مليوناً من الكرد الفيلية وعرب الوسط والجنوب، وطعن في أصولهم الوطنية العراقية بفرية التبعية الإيرانية، و أمعن في الحط من عرب الجنوب بإطلاق أسماء تسقيطية عليهم مثل (الشراكوة والمعدان والصفويين...الخ)، وأدعى أن القائد الأموي محمد القاسم جلبهم مع الجواميس من الهند!! (راجع سلسلة مقالات صحيفة الثورة، عام 1991 بعنوان: لماذا حصل ما حصل). كما وقتل نظام البعث مئات الألوف من رجالهم وخاصة الشباب، ولحد الآن تم اكتشاف أكثر من 400 مقبرة جماعية في وسط وجنوب العراق.
كذلك أرغم البعث الحاكم العراقيين المتزوجين من أجنبيات على تطليق زوجاتهم، وإلا يُمنعون من التوظيف في الدولة، وذلك للحفاظ على نقاء الدم العربي!!! وهذه نزعة فاشية بلإمتياز.

لذلك، وبناءً على كل ما تقدم، أرى أن جميع مواصفات الفاشية والعنصرية والطائفية تنطبق على حزب البعث. فإذا كانت هذه الأعمال الإجرامية التي ارتكبها حزب البعث عندما كان في السلطة، ومازالت فلوله ترتكبها وهم خارج السلطة، ليست فاشية، فما هي الفاشية؟
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

2- د.عبدالخالق حسين: حول التعامل مع حزب البعث
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=714




199
الغرب يدفع ثمن تغاضيه عن جرائم السعودية

د.عبدالخالق حسين

سلسلة العمليات الإرهابية المنسقة في قلب العاصمة الفرنسية باريس مساء الجمعة 13/11/2015، التي أسفرت عن أكثر من 140 قتيلاً و200 جريحاً، هزت الضمير العالمي، وهي إنذار مشدد للعالم الغربي للمرة المائة أو الألف، أن الإرهاب ليس مخصصاً للعراق وسوريا بسبب تهميش السنة كما يدعون، بل هو نتاج عملية غسيل عقول شريحة من الشباب المسلم بالعقيدة الوهابية التكفيرية، وبالأموال السعودية والقطرية الهائلة التي قسمت العالم إلى دارين: دار الإسلام ودار الكفار، وأن من واجب المسلم محاربة الكفار إلى أن يعلنوا إسلامهم وبالمذهب الوهابي. والكفار في قاموس الوهابيين لا يقتصر على غير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم، بل صار يشمل حتى المسلمين من الشيعة "الروافض"، والسنة "المرتدين" الذين يخالفون نهجهم الإرهابي، فيعدونهم منحرفين عن الإسلام "الصحيح" وقتلهم واجب !.

ولكن ما أعمى بصيرة الحكومات الغربية هو الطمع والجشع في الاستثمار السعودي والخليجي، فغضوا النظر عن الدور القذر الذي تلعبه السعودية وقطر وغيرهما من الحكومات الخليجية في دعم الإرهاب، وساهموا في تدمير الحكومات العربية التي ليست على وئام مع السعودية وقطر ونهجهم الوهابي المتخلف. وهاهو الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي أبدى حماساً لا يقل عن حماس الملك السعودي المخرف في إزالة بشار الأسد لقاء صفقات السلاح التي تقدر بعشرات المليارات الدولارات. ونفس السلوك انتهجته أمريكا وبريطانيا في تدمير سوريا بحجة أن بشار همش الغالبية السنية من الشعب السوري. فهل تعلَّم هؤلاء الدرس الآن؟

إن العمليات الإرهابية منذ ما قبل كارثة 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، ومروراً بحوادث قطارات الأنفاق في لندن عام 2005، وإلى جريمة باريس الأخيرة، كلها تمت على أيدي عصابات من المسلمين الوهابيين خرجي مساجد ومدارس ممولة من قبل السعودية وقطر. ومع ذلك تحاول الحكومات الغربية إيجاد المبررات السخيفة الواهية لتبرئة ساحة هاتين الدولتين الشريرتين، بل و تختلق لها مبررات محلية مثل تهميش السنة في العراق وسوريا، وصراع فارسي –عربي...الخ. لقد حان الوقت لشعوب الدول الغربية أن تواجه حكوماتها المتواطئة مع السعودية وقطر أن تقول لها كفى جشعاً (enough is enough).

السعودية  تدعم الإرهاب بالسر، وفي نفس الوقت تدفع مائة مليون دولار لقسم مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة للدعاية والإعلام، وهي  التي تنتهك أبسط حقوق الإنسان ضد شعبها، ولكنها تترأس منظمة حقوق الإنسان في المنظمة الدولية. السعودية تمنع دخول أي كتاب مقدس من كتب الأديان الأخرى وتصادرها في مطاراتها من المسافرين وتعاملها كمجلات البورنو، ولكنها تصرف ملاين الدولارات على عقد مؤتمرات التعايش بين الأديان والمذاهب لذر الرماد في العيون.

السعودية استولت على أكثر من 70% من الإعلام العربي لتضليل العرب، ونشر الفتن الطائفية وتدمير العقول. وها هو وزير خارجيتها يصرح بكل وقاحة و صفاقة أن غرضهم عزل الشيعة عن العالم، علماً بأن الشيعة يشكلون نحو 20% من الشعب السعودي. ألا يعتبر هذا التصريح دعوة للفاشية وانتهاك لحقوق الإنسان والمواطنة؟ هذه الحقائق باتت معروفة للجميع، ومع ذلك يتم التغاضي عنها لا لشيء إلا لأن السعودية تمتلك أموالاً هائلة تستطيع بها شراء أقلام المرتزقة من الإعلاميين والكتبة وسكوت الحكومات عن جرائمها ضد الإنسانية.
إن ما جرى في باريس مساء 13/11/2015، من أحداث مأساوية كارثية لدليل ساطع آخر على أن الإرهاب الإسلامي الوهابي المدعوم من السعودية وقطر يهدد العالم كله، وسوف تستمر في تهديدها للحضارة البشرية وما انتجته من ديمقراطية وقيم إنسانية، ما لم تتخذ الحكومات الغربية الاجراءات التالية:
1- على الحكومات الغربية، وبالأخص أمريكا وبريطانيا وفرنسا، أن توحد جهودها مع جميع الدول التي تحارب الإرهاب بجدية مثل العراق، وسوريا، وإيران وروسيا، والكف عن نغمة إسقاط بشار الأسد، فإسقاط بشار شأن داخلي يخص الشعب السوري وحده وليس من شأن أية جهة أخرى.   
2- يجب إدراج العقيدة الوهابية ضمن قائمة العقائد الفاشية والنازية والبعثية، والعنصرية، والطائفية، المعادية للإنسانية والحضارة البشرية، والعمل على اجتثاثها من المجتمعات بكل الوسائل المتاحة. 
3- يجب محاسبة السعودية و قطر وكل حكومة أو جماعة أو أفراد على دعمهم للعصابات الإرهابية وتحت أي مسمى كان مثل القاعدة، وداعش، وجبهة النصرة، وأحرار الشام، والنقشبندية، وجيش محمد، وطالبان وبكو حرام، ومحاكم الشباب، ولشكر طيبة... وغيرها كثير. هذه العصابات كلها وبدون استثناء مدعومة مالياً وعسكرياً وإعلامياً من السعودية وتدين بالوهابية التكفيرية.
4- يجب وضع جميع المساجد في الغرب، الممولة من قبل السعودية وغيرها من الدول الخليجية تحت المراقبة، ومحاسبة كل من ينشر التطرف والتمييز العنصري والديني والطائفي.
5- يجب على الحكومات الغربية أن تجعل سلامة وأمن شعوبها فوق كل شيء، وفوق صفقات السلاح مع الدول الخليجية التي تستخدم أموالها لفرض بدواتها وقيمها البدوية المتخلفة على المجتمعات الغربية المتحضرة.

خلاصة القول
 أكاد أجزم أنه لولا  الدعم السعودي لأحزاب الإسلام السياسي والمنظمات الإرهابية، ونشر التطرف الديني الوهابي، لما كان العالم يواجه اليوم هذا الخطر الداهم. وعليه يجب على الحكومات الغربية فرض الضغوط على السعودية لوقف الدعم المالي لنشر التطرف الديني والإسلام السياسي.

كذلك على الجاليات الإسلامية في الغرب أن تقوم بمسؤولياتها واتخاذ إجراءات حازمة لوقف هذا الجنون، فصبر الغرب محدود، و سيؤدي في المستقبل القريب إلى انفجار الوضع، وفوز الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل النازية والفاشية لتستلم السلطة مثلما حصل في النصف الأول من القرن العشرين، ويحصل للمسلمين في الغرب كما حصل ليهود أوربا من محارق الإبادة، وفي هذه المرة يكون العرب والمسلمون المقيمون في الغرب هم حطباً لمحارق الهولوكوست القادمة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- اعتداءات باريس: ماذا نعرف حتى الآن؟
   http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2015/11/151114_paris_attacks_what_is_known_till_now

2- عبدالخالق حسين: السعودية دولة إرهابية يجب مقاضاتها
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=740

3  -Saudi Arabia, Wahhabism and the Spread of Sunni Theofascism
by Ambassador Curtin Winsor, Jr. 
http://www.onlineopinion.com.au/view.asp?article=6107

4- النسخة العربية الموجزة: كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

5- SAUDI ARABIA’S JIHAD IN THE MIDDLE EAST AND THE WORLD,
By MORDECHAI NISAN.
http://www.acpr.org.il/pp/pp168-nisane.pdf

6- The Secret Saudi Ties to Terrorism
http://www.strategic-culture.org/news/2015/03/11/the-secret-saudi-ties-to-terrorism.html

7- الاندبندنت: الكيان السعودي مصدر تمويل الإرهاب
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=36600

7- جو بايدن يعلنها صراحة السعودية وتركيا و الامارات مولوا داعش
 http://youtu.be/tQ1xzgrld-0

8- السعودية هي السبب الرئيسي وراء الإرهاب (فيديو بالأرقام)
https://www.facebook.com/#!/video.php?v=850266491659180&set=vb.100000275119058&type=2&theater

9- Saudi Arabia 'seeking to head United Nations Human Rights Council' !!
http://www.independent.co.uk/news/world/asia/saudi-arabia-reportedly-seeking-to-head-united-nations-human-rights-council-10267783.html

10- عبدالخالق حسين: غفلة الغرب عن مخاطر الإسلام السياسي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=557


200
في وداع الدكتور أحمد الجلبي
د.عبدالخالق حسين

رحل عن عالمنا هذا، صباح يوم الثلاثاء، 3/11/2015، رئيس المؤتمر الوطني العراقي، النائب الدكتور أحمد عبدالهادي الجلبي بنوبة قلبية مفاجئة، في منزله ببغداد. والمفارقة أن الرجل الذي أنذر حياته منذ وقت مبكر لأصعب المهمات، وهي الإطاحة بأشرس نظام دكتاتوري فاشي عرفه تاريخ العراق، وأثار أشد العواصف السياسية المثيرة للجدل، مات وهو نائم مرتاح في فراشه بكل هدوء بعد أن حقق مهمته الصعبة. وكان رحيله المبكر وهو في أوج نشاطه وخبرته السياسية، مفاجأة وصدمة للجميع. 

ولا شك أن رجلاً بقامة الجلبي خاض العمل السياسي في عراق منقسم على نفسه و هو في اشد مراحل تاريخه عربدة، لا بد وأن يكون مثيراً للجدل العنيف، ويكون له أعداء أللداء كثيرون، ومحبون اللداء كثيرون. وهو من أوائل من جازف بحياته وأعلن معارضته للنظام البعثي الصدامي المعروف بدمويته وملاحقة معارضيه وقتلهم أينما كانوا بما له من تنظيم إرهابي أخطبوطي في كل مكان.

والجدير بالذكر أن السياسة ليست جديدة على الدكتور أحمد الجلبي (أبو هاشم)، فهو من عائلة مارست السياسة أباً عن جد، فوالده عبدالهادي الجلبي كان نائباً في البرلمان و وزيراً في العهد الملكي، وكذلك جده عبد الحسين الجلبي، وزيرا وعضوا في مجلس الاعيان، إضافة إلى كونه من أسرة غنية. والدكتور الجلبي حاصل على شهادات الماجستير و الدكتوراه في الرياضيات من الجامعات الأمريكية، إضافة إلى خبرته السياسية. ولذلك كان يعي صعوبة مهمته فتبنى البراغاماتية والواقعية في عمله السياسي، حيث أدرك منذ البداية أنه لا يمكن إنقاذ الشعب العراقي من طغيان الحكم الدكتاتوري البعثي الصدامي الدموي إلا بمساعدة الدولة العظمى، أمريكا.
لذلك لم يضيِّع وقته في النظريات المثالية، والتمنيات الرغبوية غير القابلة للتنفيذ، فبذل كل مساعيه لكسب أمريكا. وبإمكانياته الفذة ولباقته في فن الحوار والاقناع استطاع تكوين لوبي (مجموعة ضغط) من السياسيين المتنفذين في الإدارات الأمريكية المتعاقبة من أعضاء مجلسي الكونغرس والشيوخ ، وهو الوحيد من العالم الثالث الذي نجح في تشكيل لوبي قوي من الحزبين الديمقراطي في عهد بيل كلنتون ، والجمهوري في عهد بوش الإبن، لصالح العراق، فأصدرت إدارة كلنتون قانون تحرير العراق، الذي استند عليه الرئيس بوش في إسقاط حكم البعث وإلى غير رجعة. كما ولعب دوراً رئيسياً في تأسيس المؤتمر الوطني الموحد كمضلة لجمع أغلب فصائل المعارضة العراقية في الخارج، من اليسار إلى اليمين، إسلاميين وعلمانيين، ومن مختلف مكونات الشعب العراقي برئاسته. وبعد أن تحقق الهدف الرئيسي من المؤتمر وهو إسقاط الحكم الصدامي، انتهى دور المؤتمر كمضلة للمعارضة العراقية، فأسس حزباً بهذا الاسم (حزب المؤتمر الوطني العراقي) ألذي ترأسه إلى لحظة وفاته.

يؤاخذ خصوم العراق الجديد على الجلبي أنه جلب الاحتلال الأمريكي إلى العراق، وأن أمريكا هي عدوة للعراق لأنها هي التي جاءت بحزب البعث إلى السلطة عام 1963، وعام 1968، ولأن أمريكا لم تسقط صدام لسواد عيون العراقيين، بل من أجل مصالحها...الخ. طبعاً أمريكا كانت ومازالت وراء مصالحها، وهذا ليس بعيب ولم تنكره أمريكا، وكل يسعى وراء مصالحه. والمصالح ليست كلمة قذرة كما يتصور البعض نفاقاً، فالسياسي الناجح هو الذي يستطيع أن يوفق بين مصلحة بلاده ومصلحة الدولة العظمى، والدول الأخرى، ويجيرها لصالح شعبه، وبذلك يستفيد من إمكانيات أمريكا لصالح العراق. وهذا ما قام به الراحل الجلبي ونجح فيه.

كما نسي هؤلاء النقاد أن العراق كان محتلاً من أبشع عصابة مافيا البعثية الدموية التي عاملت الشعب العراقي كعدو ، فكان المواطن العراقي أسوأ حالاً من أي عبد ذليل في عهود الرق، وبدد ثوراته الهائلة في الحروب العبثية، لذلك، ورغم ما مر به العراق من تداعيات بسبب إسقاط البعث الفاشي، فما زلنا نعتقد أنه كان من حسن حظ العراق أن سقط النظام على يد أمريكا. ولكن أغلب الناس لا يسألون أنفسهم، ماذا كان وضع العراق الآن لو لم تتدخل أمريكا بإسقاط حكم البعث؟ بالتأكيد لكان الحصار الاقتصادي مازال مفروضاً، ومصير العراقيين في الداخل بأيدي أبناء وأحفاد صدام وآل المجيد وأبناء عشيرته وغيرهم من الحلقات الداخلية من الحكم الفاشي يحكمون البلاد والعباد بالقبضة الحديدية.

كذلك يردد البعض، وخاصة الصحافة الغربية، أن الجلبي كذب على الإدارة الأمريكية بامتلاك صدام لسلاح الدمار الشامل، وأنهم لم يعثروا على هذا السلاح بعد إسقاط حكم البعث. السؤال هنا، هل يُعقل أن رجلاً مثل الدكتور أحمد الجلبي من دولة من العالم الثالث، يستطيع أن يخدع دولة عظمى مثل أمريكا، تتمتع بإمكانيات استخباراتية هائلة مثل (CIA) و(FBI) وكل إمكانياتها العلمية والتكنولوجية والعسكرية والتجسسية...الخ ، التي تكلف خزينة الدولة أضعاف ما يعادل موازنات دول في العالم الثالث، هذه الدولة العظمى وبإمكانياتها الهائلة يستطيع شخص مثل أحمد الجلبي أن يخدعها ويجرها إلى حرب باهظة لإسقاط صدام؟ هذا الكلام هراء في هراء... فصدام هو الذي كان يتباهي بامتلاكه لهذا السلاح، أما ما قاله أعوانه فيما بأنه صرح بذلك ليخيف بها إيران، فهذا الكلام لا يقنع الغربيين، لأن امتلاك سلاح الدمار الشامل ليس مزحة، خاصة وهو يهدد بحرق نصف إسرائيل. فإسرائيل عبارة عن ولاية من ولايات أمريكا، وأمنها من الخطوط الحمراء في الاستراتيجية الأمريكية. لذلك فالادعاء بأن الجلبي خدع الأمريكان كلام فارغ، ولن يصمد أمام أية محاكمة منصفة.

وحسناً فعلت الحكومة العراقية في تنظيم تشييع رسمي (State funeral)، للفقيد الجلبي، فهو يستحق ذلك حيث كرس كل حياته لخدمة العراق وحقق ما أراد. ولكن المشكلة أن العراق أبتلى بعصابات البعث التي يتمتع بقدرات هائلة في التضليل وصناعة وتسويق الإشاعات والأكاذيب لتشويه سمعة خصومه، وهناك جمهرة واسعة في العراق ذات عقلية خصبة في تصديق الأكاذيب والافتراءات وتدمير الذات. وقد بلغ الخبث بالبعثيين إلى حد أنهم فتحوا حساباً على الفيسبوك باسم الجلبي، ينشرون فيه الأكاذيب ضد زملائه المسؤولين العراقيين ليخلقوا خصومة بينه وبينهم. ولذلك نجح البعث في حكم العراق وتدميره لأربعة عقود، وما يعانيه الآن من دمار بسبب الإرهاب البعثي المتستر بلباس داعش والنقشبندية وغيرهما. فالبعث يعتاش على الكذب والإشاعات.

لا شك أن وفاة الدكتور أحمد الجلبي خسارة كبيرة للعراق، وترك فراغاُ يصعب ملأه. فله الذكر الطيب ، والصبر والسلوان لعائلته وأصدقائه ومحبيه.


201
هل حقاً أعتذر بلير عن إسقاط صدام؟
د.عبدالخالق حسين

استبق توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق نشر (تقرير جلكوت the Chilcot report) عن الحرب التي شنتها قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا عام 2003 عندما كان رئيساً للوزراء، الحرب التي أسقطت نظام صدام حسين،... استبق نشر التقرير بمقابلة مع قناة CNN الأمريكية، أعرب فيها عن تأسفه على ضحايا الحرب من الجنود البريطانيين وغيرهم، و أنه اعتمد على المعلومات الاستخباراتية البريطانية التي وصلته في وقتها عن امتلاك صدام لسلاح الدمار الشامل، وإذا كانت هذه المعلومات خاطئة فهو غير مسؤول عن هذا الخطأ.

وقد فسر البعض، بينهم كتاب عراقيون وعرب وغيرهم، كلام بلير هذا بمثابة اعتذار واعتراف بالخطأ، وهو في الحقيقة ليس كذلك حسب ما جاء في معظم الصحف البريطانية عدا صحيفة الديلي ميل.

فقد لخص المحرر في الغارديان، روي غرينسديل، آراء معظم الصحف البريطانية الكبرى عن تصريحات بلير، في تقرير له نشر في صحيفة الغارديان اللندنية يوم 26/10/2015 (*)، توصل فيه إلى استنتاج أن معظم هذه الآراء لم تجد أي اعتذار في تصريحات توني بلير، أو اعتراف منه بأنه جر بريطانيا إلى جانب أمريكا في الحرب على صدام حسين كان خطاً. فكلمة آسف sorry)) لا تعني الاعتذار (apology). كما و نسي معظم المعلقين أن بلير قال بكل وضوح أنه من الصعب عليه أن يعتذر عن إسقاط حكم دكتاتور دموي مثل صدام حسين.

فمعظم خصوم بلير ومعارضيه يربطون الإرهاب في العراق بسقوط صدام، ويقولون ما مفاده أن صدام حسين كان بمثابة صمام أمان ضد الإرهاب، ولولا إسقاطه لما تعرض الشعب العراقي لهذا الإرهاب المتوحش. وهذا خطأ آخر يرتكبه معارضو إسقاط حكم صدام. إذ كما قال بلير في مقابلته المشار إليها أعلاه، أن نظام الحكم البعثي برئاسة بشار الأسد في سوريا لم يتعرض للحرب وإسقاطه من قبل التحالف الدولي، ولكنه مع ذلك فهاهي سوريا تواجه الإرهاب منذ 2011، وأكثر من نصف مساحتها محتلة من قبل العصابات الإرهابية الإسلامية المتطرفة، ونصف شعبه مشرد في هجرة داخلية و خارجية، وقُتِل نحو 300 ألف. ويستنتج أن تزامن الإرهاب في العراق مع سقوط صدام حسين هو مجرد صدفة، وكان بالتأكيد سيحصل حتى ولو لم يتم إسقاط حكم صدام...
أعتقد هذا الكلام من بلير جداً صحيح و معقول. ونفس القول ينسحب على اليمن ودول أفريقية مثل نايجريا مع بكوحرام وغيرها، فهذه الدول المبتلاة بالإرهاب لم تتعرض لأي احتلال.

وهناك حقيقة أخرى لم يذكرها بلير، وهي أن نظام صدام حسين كان بحد ذاته إرهابياً يمارس إرهاب الدولة ضد الشعب العراقي وشعوب الدول المجاورة، فتسبب في قتل مليونين في الحرب العراقية-الإيرانية، وهجَّر نحو 5 ملايين عراقي إلى الخارج بينهم مليون من المهجرين قسراً من الشيعة وخاصة الكرد الفيلية لأسباب طائفية، وقتل نحو 300 ألف خلال ستة أسابيع اثناء قمعه الانتفاضة الشعبانية في آذار 1991 بعد طرده من الكويت، وقتل خمسة آلاف في مدينة حلبجة الكردية بالغازات السامة، و180 ألف من الكرد في عملية الأنفال الهولوكست، وأحرق أكثر من خمسة آلاف قرية في كردستان، ودمر منطقة الأهوار في الجنوب وشرد سكانها، إضافة إلى ما لحق الشعب العراقي من الدمار الاقتصادي بسبب الحصار الأممي بعد جريمته في  احتلال الكويت، وقائمة جرائمه تطول...
ثم لا ننسى أن القائمين بالإرهاب في العراق بعد سقوط صدام معظمهم من فلول البعث الذين جعلوا المحافظات السنية حاضنة للإرهاب الإسلامي الوهابي الداعشي الوافد من شتى أنحاء العالم وذلك لرفضهم الديمقراطية.
فحزب البعث هو إرهابي في جميع الأحوال، سواءً كان في الحكم أو خارجه. وهكذا حكم كان من المستحيل إسقاطه من قبل الشعب العراقي الأعزل بقواه الذاتية، وحتى لو كان قد سقط على أيدي العراقيين لكان العراق أسوأ من الصومال وليبيا واليمن.

أما عدم عثور مفتشي الأمم المتحدة على سلاح الدمار الشامل في العراق بعد إسقاط صدام، فهذا لا يعني أن صدام ما كان يخطط لامتلاكها. فهو الذي تباهى أمام العالم أنه بإمكانه حرق نصف إسرائيل، وكان قد حرم الشعب العراقي من ثرواته الهائلة وبددها على عسكرة البلاد والعباد وحروبه العبثية وبرامج سلاح الدمار الشامل، ولا ننسى قصة المدفع العملاق...الخ.
وفي هذا الخصوص قال ساميول هانتنغتون في كتابه (صراع الحضارات)، أنه لو تأخر صدام في احتلال الكويت لثلاث سنوات، لما استطاعت أمريكا إخراجه، لأنه يكون عندئذ قد أمتلك السلاح النووي. وهذه الحقائق يعرفها الغرب سواءً وجدوا عنده سلاح الدمار الشامل أم لم يجدوا.
والملاحظة الأخرى التي يتجاهلها البعض عن جهل أو عمد، هي أن سلاح الدمار الشامل لا يعني امتلاك القنبلة النووية فقط، بل ويشمل السلاح الكيمياوي والبيولوجي (أنثراكش) أيضاً. والكل يعرف أن صدام كان يمتلك السلاح الكيمياوي حيث استخدمه في حربه مع إيران، وكذلك ضد الكُرد في مدينة حلبجة الكردستانية. وهذا يعني أن صدام لم يتردد في استخدم السلاح الكيمياوي حتى ضد شعبه.

هناك حقيقة أخرى يجهلها معظم الذين يلقون اللوم على بلير في وقوفه مع أمريكا في حربها على طالبان في أفغانستان والبعث الصدامي في العراق، وهي أن بريطانيا مدينة لأمريكا في دعمها لها إثناء الحرب العالمية الثانية، ولولا أمريكا لكانت ألمانيا الهتلرية دمرت بريطانيا بالكامل وسيطرت على كل أوربا، و لم يكن عالمنا اليوم بشكله الحالي. ومنذ انتصار الحلفاء على دول المحور، وإعادة إعمار أوربا بفضل أمريكا (خطة مارشال)، ترى بريطانيا وأي كان في الحكومة، حزب العمال أو المحافظين، أن من واجبها أن تقف كتفاً إلى كتف مع أمريكا في السراء والضراء ، سواءً كان بلير أو غيره رئيساً للحكومة. وهذه الحقيقة يدركها صناع القرار على جانبي المحيط الأطلسي.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
* Roy Greenslade: UK national newspapers reject Tony Blair's Iraq war 'apology'
http://www.theguardian.com/media/greenslade/2015/oct/26/uk-national-newspapers-reject-tony-blairs-iraq-war-apology?CMP=share_btn_link


202
محنة العراق بين أمريكا و إيران في مواجهة الإرهاب

د. عبدالخالق حسين

لعل من أكبر الأخطاء التي ارتكبها الرئيس جورج دبليو بوش، عشية إسقاط حكم البعث الصدامي في العراق، هو تهديده لإيران وسوريا بضمهما إلى ما أسماه بـ(محور الشر) إلى جانب كوريا الشمالية، وأن دورهم سيأتي بعد صدام، الأمر الذي استفز سوريا وإيران، ودفعهما لإغراق أمريكا في المستنقع العراقي. ولولا هذا التهديد لما نجحت السعودية الوهابية في الشحن الطائفي، و إرسال هذا العدد الكبير من الإرهابيين التكفيريين للعراق من خلال سوريا ودعمها، إضافة إلى الدعم الإيراني لمليشيات مقتدى الصدر الشيعية ضد العملية السياسية، وكان بالإمكان كسب سوريا وإيران لصالح تحرير العراق منذ البداية.
ومع الأيام، تعقدت الأمور أكثر فأكثر، حيث انقلب الإرهابيون ورعاتهم الخليجيون على بشار الأسد نفسه، فصار العراق وسوريا ساحة للحروب بالوكالة بين أمريكا وروسيا وإيران من خلال الدعم الهائل للتنظيمات الإرهابية، داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام ...وعشرات غيرها، عن طريق إثارة الصراعات الطائفية، لتبرئة ساحة الغرب مما يجري وذلك بإبراز الاقتتال في المنطقة بأنه صراع طائفي تاريخي في الإسلام!!

وأخيراً أدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده، روسيا، هي المستهدفة فيما يجري في العراق وسوريا من إرهاب، فبعد إسقاط النظام السوري سيتوجه الإرهابيون إلى روسيا، لذلك تدخل وبقوة في توجيه الضربات الجوية للإرهابيين في سوريا، ووعد بالمثل في العراق فيما لو طلبت الحكومة العراقية منه ذلك، مما أثار قلق الغرب، ورعب الدول الإقليمية الراعية للإرهاب، السعودية وقطر وتركيا.

والسؤال هنا: ما هو موقف العراق مما يجري الآن في الساحة؟
بداية، وإنصافاً للتاريخ، نقول أنه منذ مغادرة الجيش الأمريكي العراق نهاية عام 2011، لم يصدر من إيران أي تصرف ضد العراق، بل كان داعماً له في مختلف المجالات، الاقتصادية والطاقة، ومحاربة الإرهاب، وخاصة بعد جريمة تسليم المحافظات الغربية لداعش، إذ لولا الدعم الإيراني للعراق لكانت بغداد بيد داعش الآن، وحرب إبادة الشيعة، وعودة البعث للسلطة بنسخته الإسلامية الوهابية التكفيرية.. إذ كما أكدنا مراراً أن (داعش) هو مجرد الاسم الحركي للقوات العسكرية والأمنية البعثية الصدامية الذين يشكلون نحو 90% من هذا التنظيم الفاشي المتوحش، وبدعم الدول الخليجية وتركيا، للضغط على الحكومة العراقية بالابتعاد عن إيران ومعاداتها، وبالتالي تصفية المنطقة من أية حكومة لم تخضع لبيت الطاعة الأمريكي والإسرائيلي.
وبعد تدخل روسيا على الخط في سوريا، وتصريحات الدكتور حيدر العبادي أنه سيطلب من روسيا دعم العراق في حربه على داعش، وتشكيل المركز الرباعي في بغداد، لجمع المعلومات الاستخباراتية للتصدي لداعش بالتعاون مع روسيا وسوريا وإيران والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية،
تحركت أمريكا بالضغط والتهديد لحكومة العبادي، ومن هذه الضغوط "وصول الجنرال جوزيف دنفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة لأربيل، الثلاثاء 20 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وفور وصوله استبعد إمكانية شن روسيا حملة جوية في العراق في المستقبل  القريب"(1).

كما وهناك سيل من التقارير والتعليقات تفيد بعزم أمريكا بتغيير حكومة العبادي بشخص آخر موال لأمريكا، يعمل على إبعاد العراق عن إيران. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تقرير نشرته صحيفة كويتية مفاده (أنّ مراجع خليجية عليا قد أكدّت أنّه من المتوّقع حدوث تغيير في المعادلة القائمة في العراق عبر دعم الولايات المتحدّة والدول الخليجية لحكومة جديدة في بغداد تبتعد عن إيران في مقابل ضم العراق إلى مجلس التعاون الخليجي... واستعادة وحدة وسيادة العراق، والقضاء على تنظيم داعش، وقيام مصالحة وطنية على أسس سليمة ينتهي معها الفرز الطائفي والانقسام الحالي في المجتمع...الخ). وحشروا اسم المرجع الديني الشيعي الإمام علي السيستاني، وادعوا ترحيبه بالمخطط، و(إنّ رئيس الوزراء الجديد الذي تقترحه واشنطن أسمه عماد الخرسان، وهو مهندس عراقي يحمل الجنسية الأمريكية وكان ضمن طاقم المستشارين الذين عملوا مع بول بريمر، وذكرت المصادر أنّ السيستاني طلب مهلة لإعداد الساحة العراقية لهذا التغيير.)(صحيفة الرأي العام الكويتية، 4/10/2011).

واضح من سياق التقرير أنه ملفق، الغرض منه تشويش الرأي العام العراقي والعربي، ونشر البلبلة الفكرية، وابتزاز الدكتور حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية لإبعاد الحشد الشعبي، والدعم الإيراني عن عمليات محاربة داعش، وعدم تقديم طلب لروسيا بالمساعدة ضد الإرهاب. إن التقرير أعلاه، اعتراف ضمني أن ما يجري في العراق من صراعات طائفية، وعمليات إرهابية، هي من صنع أمريكا والدول الخليجية انتقاما من الحكومة العراقية لتقاربها من إيران، وبمجرد أن يبتعد العراق عن إيران، فإن الدول الخليجية ستكافئ العراق بضمه إلى مجلس التعاون الخليجي، والحفاظ على وحدته الوطنية والقضاء على الإرهاب !!!!!
تفيد الحكمة: (حدث العاقل بما لا يُعقل فإن صدق فلا عقل له). فالسيد عماد الخرسان ليس حزبياً، ولم يكن مدعوماً من الأحزاب الشيعية ذات الأغلبية في البرلمان، ولا حتى عضو برلماني، ولا أعتقده ينافس أي شخص على هذا المنصب، لذلك فكل هذه التقارير بتغيير رئيس الحكومة هي مجرد حملة شعوذة ودجل وتشويش وتضليل وثورة في فنجان. وهل يحتاج العراق ان ينضم إلى مجلس التعاون الخليجي؟ طبعاً المقصود بتحقيق (مصالحة وطنية على أسس سليمة) يعني رفع الحضر عن البعث وإشراكه في الحكم، أي إشراك داعش (وتحت اسم آخر) في العملية السياسية.

وقد تبين أخيراً أن كل هذه الضجة المفتعلة هي بسبب تعيين السيد عماد الخرسان أميناً عاماً لمجلس الوزراء، وليس رئيساً للوزراء كما روجوا وطبلوا. والجدير بالذكر أن هذا المنصب ليس جديداً على السيد الخرسان، إذ كان قد كُلِّف به في حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري عام 2006... فلماذا كل هذه الضجة إذنْ؟ وما الخطأ أن يكون السيد عماد الخرسان أميناً عاماً لمجلس الوزراء؟ فهو عراقي، ولعب دوراً مهماً في تحرير العراق.

لذا، أرى من مصلحة العراق أن يشارك في حكومته مسؤولون ذو علاقة جيدة مع مختلف الحكومات الأجنبية، وخاصة أمريكا، وبريطانيا وروسيا وإيران وغيرها، على أن يعمل كل من جانبه لكسب هذه الدول لصالح العراق. فليس من مصلحة العراق أن يعادي أية دولة في العالم، خاصة وهو يمر في وضعه المتأزم الحالي، حيث التكالب عليه من مختلف الأطراف، المحلية والإقليمية والدولية، وعليه يجب أن يبذل كل مسؤول عراقي قصارى جهده لكسب كل دول العالم لصالح العراق، والجهد الأكبر يقع على رئيس الحكومة لإقناع الإدارة الأمريكية أن معاداة العراق لإيران عملية انتحارية للعراق وبالأخص للشيعة الذين يشكلون نحو 60% من شعبه. كما ويمكن للعراق أن يلعب دوراً إيجابياً في التقارب بين أمريكا وإيران، وأن هناك مبالغة وكذب شنيع ومتعمد من صنع نتياهو في تخويف الدول الخليجية والعالم من البرنامج النووي الإيراني، وأمريكا تعرف ذلك جيداً أكثر من غيرها.

ومما يجدر ذكره أن الأحداث خلال العامين الماضيين، وبالأخص منذ تسليم الموصل إلى داعش، أثبتت أن أمريكا ليست جادة في محاربة الإرهاب، بل اتخذت من داعش وسيلة لإسقاط حكومة بشار الأسد، و ورقة ضغط على العراق لإزاحة السيد نوري المالكي من رئاسة الحكومة، وهناك تقارير وبحوث تؤكد أن  التنظيمات الإرهابية هي من صنع أمريكا، وهي طريقة جديدة، إلى جانب وسائل أخرى كثيرة، لابتزاز وشن الحروب على الحكومات الخارجة عن الطاعة وإعادتها إلى الحظيرة الأمريكية.
وكما كنا في السابق، فما زلنا ندعو إلى علاقة حميمة مع أمريكا، ولكن إذا ما تمادت أمريكا في التلكؤ في دعم العراق ضد الإرهاب، فعندها تصبح القضية مسألة بقاء أو فناء للدولة العراقية، لذلك وفي هذه الحالة لا بد وأن يتقدم رئيس الوزراء بطلب الدعم الروسي، لأن روسيا أكثر ضماناً وأكثر جدية في ضرب الإرهاب من أمريكا. فالمسألة أشبه بلعبة الشطرنج، مسألة تخطيط إستراتيجي سليم وفق حسابات دقيقة، فإذا رفض العراق الدعم الروسي، وأعلن معاداة إيران إرضاء لأمريكا ومحمياتها الدول الخليجية، سيقع أسيراً لهذه الدول و عرضة لابتزازها، و سيفرض هؤلاء الحكام عليه ما يشاءون، وعندها سيكون العراق قد خسر كل شيء، ولا يمكن للشعب أن يسكت إزاء هذا الإذلال، فلا بد وأن يثور ثورة لا تبقي ولا تذر، فالشعب يمهل ولا يهمل.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- بين رسالة بوتين للعبادي وزيارة دنفورد لأربيل أقل من 24 ساعة
https://arabic.rt.com/news/797532-%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-

2- نبيل فياض: أنا ضدّ التدخّل العسكري الروسي... في سوريا ...اليوم (مقال جدير بالقراءة)
http://www.shaamtimes.net/news-detailz.php?id=40989

3- د.عبدالخالق حسين: الضربات الروسية لداعش تثير هستيريا الغرب
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=799




203
الشعب التركي يدفع ثمن إرهاب إردوغان

د.عبدالخالق حسين

الأبرياء من عامة الشعب هم دائماً ضحايا الإرهاب السياسي الذي ينظمه قادة سياسيون يتظاهرون بمحاربتهم للإرهاب. فهذه بضاعة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رُدَّت إليه، وفي عقر عاصمته، أنقرة. إذ وقعت في صباح السبت، 10/10/2015، جريمة إرهابية مروعة قام بها انتحاريان في تجمع سلمي وسط العاصمة التركية، قتل فيها 95، وأصيب 246، وُصِفت جراح 48 منهم بالخطيرة حسب بيان الحكومة التركية. دعت إلى هذه التظاهرة عدة جهات منها (حزب الشعوب الديمقراطي) وهو أكبر الأحزاب الكردية في تركيا للمشاركة في المسيرة تحت شعار"من أجل السلام والديمقراطية"، ومسيرة أخرى دعا لها الحزب نفسه في مدينة ديار بكر التى تقطنها أغلبية من الأكراد قبيل الانتخابات العامة الأخيرة قد استهدفت بتفجير مشابه.(1)

ولما لم يستطع رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو، تبرئة داعش من الجريمة، فشارك معها في إلقاء التهمة على حزب العمال الكردستاني(PKK)، وهو أمر مضحك، إذ كيف لهذا الحزب القومي الكردي العلماني اليساري أن يقوم بقتل مشاركين في تظاهرة شعارها (السلام والديمقراطية) من أجل مصلحته؟ كذلك من النادر أن يقوم مناضلون علمانيون بعمليات انتحارية التي هي خاصية ملازمة للتنظيمات الإسلامية التكفيرية مثل داعش وجبهة النصرة وغيرهما من لقيطات القاعدة التي يدعمها حكومة أردوغان.
والمفارقة أنه رغم إعلان مصادر أمنية تركية فيما بعد إن "أصابع الاتهام تشير إلى تورط تنظيم الدولة الاسلامية في تنفيذ هذه التفجيرات"، إلا إن طائرات أردوغان راحت تقصف مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا وشمالي العراق. ولكن هذه اللعبة لا يمكن أن تنطلي على الشعب التركي الذي أدرك أن أردوغان يلعب بالنار بمناسبة قرب الانتخابات، يريد بها إثارة المشاعر القومية التركية ضد الأكراد، لذلك هتف حشد في ميدان صحية بأنقرة: "إردوغان قاتل" و"الشرطة قاتلة"(2).

في الحقيقة، لا أحد يشك بدور أردوغان في دعم داعش الإرهابية، فبشهادة الاعلام الغربي هناك مكاتب شبه علنية لداعش في مدن تركيا التي صارت حاضنة للتنظيمات الإرهابية، والجسر الذي يعبر منه الإرهاب الداعشي إلى سوريا والعراق لقتل أبناء الشعبين(3). و كما تستر حزبه الإسلامي وراء اسم علماني (العدالة والتنمية)، كذلك ادعى أردوغان أنه يحارب الإرهب الداعشي، ولكنه في نفس الوقت يعادي كل جهة تحارب داعش بجدية، لذلك ألغى اتفاقية السلام المعقودة بين حكومته وحزب العمال الكردستاني(PKK)، بعد أن انعم الشعب التركي بسلام لعامين، ألغى الاتفاقية بعد أن الحق الأكراد في مدينة كوباني (عين العرب) السورية، هزيمة ماحقة بقوات داعش، الأمر الذي أزعج أردوغان، فسهل قيام انتحاري داعشي بتفجير نفسه في تموز الماضي داخل المركز الثقافي في مدينة سروج التركية التي تبعد عِشرة كيلومترات عن مدينة كوباني، وكان يتجمع فيه ما يقرب من ثلاثمائة شخص ممن يعملون على ايصال المساعدات الى مدينة كوباني، وقتل مالا يقل عن 32 شخصا، وأصيب نحو مائة آخرون، كلهم من الأكراد والأتراك اليساريين الذين جاؤوا للمساهمة في إعادة بناء المدينة بعد تحريرها من داعش.(4)
نفس الجريمة تكررت يوم السبت 10/10، في أنقرة ضد تظاهرة نظمتها قوى يسارية من أجل السلام والديمقراطية.
أردوغان هذا أصابه الغرور، وكبقية حلفائه (أمريكا، والسعودية وقطر)، وقف ضد القصف الروسي لداعش، فأقام الدنيا وأقعدها عندما دخلت طائرة روسية بالخطأ الأجواء التركية لثوان قليلة، فلم يكتف بالاحتجاج الدبلوماسي، بل شارك معه كل حلف النيتو (NATO) في عقد اجتماعات للاحتجاج، بينما تقوم تركيا باختراق أجواء العراق بطائراتها الحربية و أراضيه بقواتها البرية بعمق 20 كيلو متراً شمال العراق بتكرار ولعشرات السنين، لضرب قواعد حزب العمال الكردستاني، وحتى بدون تقديم أي اعتذار للحكومة العراقية.

إن تاريخ حكومة أردوغان الملوث بالدماء ودعم الإرهاب، يجعل الناس تعتقد أن التفجيرات الإرهابية التي وقعت بمسيرة السلام والديمقراطية في أنقرة هي من صنع داعش، وبتواطؤ الحكومة التركية، وذلك لمنع تكرار مثل هذه المسيرات التي تنظمها أحزاب المعارضة في المستقبل وتحضيراً للانتخابات المقبلة. والتاريخ يؤكد أن من يلعب بالنار لا بد وأن يحترق بها. 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- تفجيرا أنقرة: ارتفاع عدد القتلى إلى 95 وأوباما يؤكد "التضامن مع الشعب التركي في مواجهة الإرهاب"
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/10/151010_turkey_explosion_ankara

2- غارات تركية على مواقع حزب العمال الكردستاني بعد تفجيرات مزدوجة استهدفت أنقرة
http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2015/10/151011_ankara_attacks_mourn

3- حزب كردي: داعش أداة تدمير تركية
http://www.akhbaar.org/home/2015/7/195225.html

4- عبدالخالق حسين: هل تركيا على خطى سوريا؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=781


204
الضربات الروسية لداعش تثير هستيريا الغرب

د.عبدالخالق حسين

يوماً بعد يوم، وبوتيرة متسارعة، بدت الأمور تتضح أكثر فأكثر عن الدور الأمريكي بدعم داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية في سوريا والعراق. وأخيراً جاءت الضربات الروسية للمجموعات الإرهابية في سوريا لتقطع الشك باليقين. وعلى قدر ما يخصنا الأمر فمنذ تسليم الموصل إلى داعش في 10 حزيران 2014، وبمخطط جهنمي خبيث، شاركتْ فيه أطراف دولية ومحلية، كنا قد حسمنا موقفنا من أمريكا، وتوصلنا إلى استنتاج مفاده أن داعش صناعة أمريكية(1)، تخوض حرباً في سوريا والعراق نيابة عن أمريكا وحلفائها في المنطقة (إسرائيل وتركيا والسعودية والدول الخليجية الأخرى)، ضد (المحور الروسي- الإيراني-السوري)، والذي انضم إليه الآن العراق مضطراً بعد أن يئس من الدعم الأمريكي له في حربه على داعش.

طبعاً للإرهاب عواقب جانبية وخيمة غير مقصودة من قبل صناعه، منها ما حصل من عمليات إرهابية في أوربا، ونزوح مئات الألوف من اللاجئين إلى الغرب. ولذلك سارعت أمريكا ومعها الدول الغربية بالتظاهر بشن حملة إدانة ضد المنظمات الإرهابية، وتشكيل تحالف من ستين دولة لمحاربتها. ولكن لأكثر من عام تأكد لنا أن أمريكا ليست جادة في ضرب الإرهاب، وإنما هذه الضربات الخفيفة، والتي أغلبها بالعتاد الخلب، هي لأغراض دعائية لتبرئة ساحتها من دعم الإرهاب. لذلك فما أن تدخلت روسيا وبدأت بتوجيه الضربات الحقيقية الماحقة لعصابات داعش حتى جن جنون الإدارة الأمريكية و حلفائها في الناتو والدول الخليجية، ومعها وسائل إعلامها في شن حملة إعلامية هستيرية ضد الضربات الروسية، مدعية أن روسيا لا تضرب القوات الإرهابية (داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام)، بل تقتل المدنيين السوريين الأبرياء، والمعارضة المعتدلة، لإدامة حكم "الجزار" بشار الأسد...الخ. بينما الحقيقة تؤكد، وباعتراف القلة المنصفة من الاعلام الغربي مثل صحيفة الاندبندنت اللندنية، أنه لا توجد في سوريا معارضة معتدلة(2).

فقد بات من المؤكد أن أمريكا لا تريد القضاء على داعش وأخواتها، لذلك شعر الرئيس الأمريكي أوباما بالإحراج وخيبة أمل فيما إذا لو قضت روسيا على داعش، وهو الذي قال مراراً أن الحرب على داعش قد تطول لخمسين عاماً!! لذلك "أعلن أوباما عن استعداده للعمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاتفاق يقضي بانتقال سياسي في سوريا."(3). كذلك الرئيس التركي أردوغان هو الآخر فقد صوابه و راح يدعو بوتين إلى إعادة النظر في العمليات العسكرية الروسية بسوريا.(4). فلماذا كل هذه الهستيريا وخوفهم من الضربات الروسية؟ الجواب هو لأنهم لا يريدون القضاء على داعش. فداعش جاءت لتحقيق أهداف معينة لأمريكا وحلفائها في المنطقة.

فكما ذكرنا في مقالين سابقين، هناك دراسات موثقة، ومن داخل المؤسسات البحثية الأمريكية، تؤكد أن العالم دخل مرحلة جديدة في شن الحروب وإخضاع الحكومات إلى النفوذ الأمريكي، وذلك عن طريق الإرهاب والإعلام والحرب النفسية والثقافية. فإننا نشهد عصراً جديداً من الحروب التي أطلق عليها بـ(حروب من الجيل الرابع)، حيث يستخدم فيها الإرهاب و الإعلام، ونشر الإشاعات والعمل على تدمير النسيج الاجتماعي وثقافة وقيم المجتمع الذي يراد إخضاعه، لذلك نشير على كل من له اهتمام بهذا الشأن أن يقرأ البحث القيم الموسوم (الجيل الرابع من الحروب.. أبعاد وانعكـاسات وتهديدات)(الرابط في الهامش رقم 5)، الذي نشر في موقع عسكري إماراتي (درع الوطن)، الحليف لأمريكا وليس في موقع معادي لها. وأخطر ما جاء في ختام هذا البحث هو:
أن (استراتيجية الجيل الرابع من الحروب تقوم على تكتيكين رئيسيين، الأول: الدقة في تقسيم الأدوار؛ فثمة من يدعو إلى العنف ولا يتحمل مسؤوليته، وهناك من ينفذ العنف، وطرف ثالث يبرر العنف، وآخر يدّعي الحياد ويمارس المراوغة إلى حين، ثم يمارس الانحياز الذي يمثله، وهناك نخب فكرية وحقوقية وحسابات إلكترونية تصطنع العقلانية والاتزان وتتاجر بالشعارات والمثاليات وتناقش الجزئيات والهوامش على حساب الجوهر والمتن، وكل طابور يؤدي دوراً مدروساً بعناية، ويتحرك في توقيت دقيق، وهدفهم الحقيقي خدمة الطرف المعارض لنظام الحكم وإمداده بغطاء شرعي وتشتيت الرأي العام وتفريق الإجماع الوطني من أجل حصد أكبر قدر من المكاسب. والتكتيك الثاني هو نشر (الفوضى) بكل صورها في مجريات الأحداث داخل هذه الدول؛ لإفقاد المواطن الثقة بأجهزة الدولة والتشكيك في مصادر معلوماتها وإجراءاتها، وهذه هي الخطوة الأولى والفاعلة (لتفكيك الدولة) لأنها تحقق الهزيمة النفسية للشعوب وتقود إلى باقي الهزائم.))(5)

والجدير بالذكر أن الإرهاب والفوضى "الخلاقة" متفشيان الآن فقط في البلدان التي ترفض الخضوع التام لأمريكا وإسرائيل، مثل سوريا والعراق واليمن وتونس، والجزائر، وتحت مختلف الحجج، بينما الدول العربية الأخرى، وخاصة الخليجية منها، الخاضعة خضوعاً تاماً لأمريكا ولها علاقة حميمة مع إسرائيل، هي بأمان من الإرهاب والفوضى، بل هي التي تصرف الأموال الطائلة لدعم الإرهاب والفوضى في البلدان الضحية. 
لذلك وبعد اليأس التام من الدعم الأمريكي، فمن المصلحة الوطنية أن يطلب العراق الدعم الروسي في حربه على الإرهاب وقبل فوات الأوان .
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- د.عبدالخالق حسين: هل داعش صناعة أمريكية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=711

2- Robert Fisk: Syria’s ‘moderates’ have disappeared..and there are no good guys
http://www.independent.co.uk/voices/syria-s-moderates-have-disappeared-and-there-are-no-good-guys-a6679406.html

3- أوباما يعلن عن استعداده للعمل مع بوتين من أجل اتفاق يقضي بانتقال سياسي في سوريا
السبت 03 أكتوبر / تشرين الأول 2015 - 08:26
http://www.akhbaar.org/home/2015/10/198919.html


4- أردوغان: سأدعو بوتين إلى إعادة النظر في العمليات العسكرية الروسية بسوريا
http://www.akhbaar.org/home/2015/10/198921.html

5- الجيل الرابع من الحروب .. أبعاد وانعكـاسات وتهديدات (دراسة جديرة بالقراءة)
http://www.nationshield.ae/home/details/files/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8#.Vg-QvOxVhHw

205
في وداع الدكتور محمد المشاط

د. عبدالخالق حسين

رحل عن عالمنا مساء يوم 19 أيلول/سبتمبر الجاري في فانكوفا/ كندا، بعد مرض عضال لم يمهله طويلاً، الشخصية الوطنية، والدبلوماسي اللامع، الدكتور محمد صادق المشاط، سفير العراق الأسبق في عدد من أهم عواصم دول العالم، كفرنسا والنمسا، وبريطانيا، وأخيراً الولايات المتحدة.

ورغم أنه لم يسعفني الحظ باللقاء به في حياته، إلا إني أعتبره صديقاً عزيزاً عليَّ بفضل مبادرته الكريمة قبل أكثر من عشر سنوات، في التواصل معي عبر البريد الأكتروني أولاً، ثم عبر الهاتف، حيث كان يتابع كتاباتي على الانترنت، ويحرجك في حديثه الدافئ بتواضعه وأدبه الجم، وهو الذي تسنم عدة مناصب وزارية مهمة قبل أن ينخرط في السلك الدبلومسي، فتطورت العلاقة بيننا إلى صداقة حميمة. فكان الرجل كريماً في ثنائه ومشجعاً لي، ومؤيداً لطروحاتي، بل وملهماً لي في الكثير من الأحيان بأفكار قيمة. وكان دائماً هو السباق في تقديم التهاني بمناسبات الأعياد، أو عندما يقرأ مقالاً لي يرغب في مناقشته معي... لذلك جاء نبأ وفاته صدمة مفاجئة ومؤلمة لي.

ولا يخفى أن الرجل، وكأي شخصية وطنية عمل في الشأن العام العراقي، لم يسلم من خصوم، فلا بد وأن يكون هكذا شخصية موضع جدل واختلاف، ولم يكن الراحل المشاط استثناءً، إذ تعرض إلى حملة ظالمة من قبل بعض الكتبة من أيتام النظام البعثي المقبور، لأنه تبرأ من هذا النظام الذي تسبب في تدمير العراق، وخاصة بعد جريمة غزو الكويت. لذلك وبعد هذه الجريمة مباشرة عام 1991، رفض الراحل العودة إلى العراق، واستقال من منصبه كسفير، وطلب اللجوء إلى كندا مع عائلته والى ان وافاه الأجل.

ولحسن الحظ أن الفقيد ترك لنا مذكراته التي نشرها عام 2008، وأتحفني بنسختين، وكنت قد كتبت مراجعة إيجابية عنها(*)، وهي غنية بالمعلومات المفيدة عن النظام، ودوره في الأحداث، ومعاناته من عقليات الحزبيين. و هذه المذكرات تعتبر مصدراً مهماً للباحثين في الشأن العام العراقي، خاصة وأن قيمة المذكرات عادة تتناسب مع مكانة ومؤهلات كاتبها، ودوره في الأحداث التاريخية التي يكتب عنها، والمناصب التي تبوأها في أداء مهامه في تلك الفترة الساخنة. لذلك تتخذ مذكرات الراحل المشاط أهمية خاصة، ولأسباب عديدة لا يمكن الشك في صدقيتها، فهي في رأيي تعتبر شهادة موثقة للتاريخ عن فترة حرجة مر بها العراق تركت آثارها المدمرة إلى مستقبل غير معلوم.

فالرجل مؤهل للإدلاء بمثل هذه الشهادة المهمة من عدة نواحي، فهو لم يكن شاهد عيان على الأحداث الساخنة فحسب، بل وكان مشاركاً فيها، وفي قلب العاصفة، وذلك لعلاقته المباشرة بحزب البعث الذي كان عضواً فيه لثلاثين عاماً، والمسؤوليات التي أنيطت به، والمناصب العالية التي تبوأها لأكثر من عشرين عاماً إبان حكم البعث، خاصة وكان الراحل يتمتع بقاعدة ثقافية عريضة،  ومؤهلات أكاديمية متنوعة، وخبرة عملية واسعة، فهو حاصل على شهادة البكالوريوس في القانون من كلية الحقوق/جامعة بغداد، وبكالوريوس وماجستير في علم الإجرام (Criminology) من جامعة كاليفورنيا/أمريكا، وشهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة مريلاند/أمريكا. أما خبرته العملية، فقد تدرج الدكتور المشاط في السلم الوظيفي وحسب مراحل تحصيله العلمي، ابتداءً من مدير البعثات العام، و أستاذ جامعي، ووكيل وزارة، ثم وزير التعليم العالي، ورئيساً لجامعة الموصل لسبع سنوات، ومن ثم سفيراً لخمسة عشر عاماً، ممثلاً لبلاده في أهم عواصم الدول الغربية مثل، باريس مرتين، وفيينا، ولندن، وأخيراً، وفي أحلك فترة مر بها العراق، في واشنطن إبان غزو الكويت وما تلاه من حرب تدمير العراق.

لقد تم نقل الدكتور المشاط كسفير من لندن إلى العاصمة الأمريكية في أواسط شهر آب (أغسطس) 1989، في فترة بدء تحسن العلاقات بين أمريكا والعراق. وكما جاء في مذكراته، أنه يقتضي العرف المتبع في حالة نقل سفير من عاصمة إلى عاصمة دولة أخرى أن يعود السفير إلى بغداد لتلقي التعليمات من وزير الخارجية والمسؤولين الآخرين عن طبيعة مهامه في المكان الجديد. ولما عاد إلى بغداد والتقى طارق عزيز، وزير الخارجية آنذاك، ونزار حمدون، وكيل الوزير، فوجئ بتعليمات لم يكن يتوقعها فيما يتعلق بسياسة الدولة والحزب. فيقول أن أهم سبب دفعه للإنتماء لحزب البعث هو شعاراته ومبادئه المعلنة، وخاصة فيما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية التي هي قضية العرب المركزية. ولكن في هذا اللقاء بطارق عزيز، أصيب بصدمة لم يتوقعها، فيقول الدكتور المشاط : "ولكن الذي لفت نظري، وبشكل لم أكن أتوقع قوله بصريح العبارة، بما معناه بضرورة الابتعاد عن التعرض أو انتقاد أو مهاجمة إسرائيل، منتهياً بالقول إن موقفنا واضح من القضية الفلسطينية، إذ إننا نقبل بما تقبله منظمة التحرير الفلسطينية." وهنا يصاب الكاتب بخيبة أمل فيضيف قائلاً: " لقد أدهشني هذا القول من وزير الخارجية وعضو القيادة القطرية، إذ أن أساس التحاقي بحزب البعث كان إعجابي بأحد المبادئ الأساسية في أدبيات الحزب، وهي اعتبار القضية الفلسطينية العمود الفقري وأساس القضية العربية. ولكنني نجحت في إخفاء دهشتي، حيث سألته عن بعض الأمور الروتينية المتعلقة بواشنطن،...الخ"

ومن ثم التقى بوكيل الوزير، نزار حمدون، الذي كان قد عمل سفيراً في واشنطن لعدة سنوات، فيقول
أن حمدون قدم له قائمة بأسماء شخصيات قال عنها مهمة يجب تعميق العلاقة معها. ولدهشة الدكتور المشاط، أنه أكتشف فيما بعد أن بعض هذه الشخصيات كانوا من عتاة الداعمين لإسرائيل. وقبل انتهاء الاجتماع قال بالحرف الواحد: "يا دكتور أرجو أن تهتم بقضايانا العراقية، وعليك أن لا تتحرش بإسرائيل أو تتعرض لها لأننا في حاجة إلى أمريكا، ...".

ومن هنا نعرف أن كل ذاك الضجيج الذي أثاره حزب البعث حول القضية الفلسطينية، كان مصطنعاً ومجرد ضحك على الذقون، ومتاجرة بمأساة الشعب الفلسطيني، واستغلالها للتسلط على رقاب الشعب العراقي واضطهاده، وتبديد ثرواته في عسكرة البلاد، بحجة تحرير الأرض من النهر إلى البحر!! وهي ذات الذريعة التي تمسكت بها غالبية الحكومات العربية لبقائها في السلطة، ومحاربة الديمقراطية واضطهاد شعوبها، رافعة الشعار الديماغوجي الزائف (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة).

ولما استلم الراحل مهام عمله كسفير في واشنطن، بدأت حملة ضد الحكومة العراقية لتجاوزاتها الفظة على حقوق الإنسان، وحملات إبادة الجنس، مثل الأنفال وحلبجة وغيرهما، وكان على السفير بحكم عمله، أن يدافع عن سمعة الحكومة التي يمثلها، لذا وجد نفسه في موقف حرج، لأنه كان عليه أن يدافع عن سياسة لا يؤمن بها. فمن الواضح أنه كان يعرف في قرارة نفسه أنه يدافع عن قضية باطلة تتنافى مع ضميره، فيقول بهذا الصدد: "ولكن يجب أن أقولها صراحة إن موقفي الدفاعي كان كثيراً ما يحز في قلبي، إذ كان لا بد من تكذيب ما هو واقع فعلاً في العراق، أي إنني لم أكن مؤمناً بصدق ما أتحدث به. وكنت أقاسي من هذا الأمر، ولكن لم تكن لدي أية حيلة سوى السكوت أو محاولة تفسير ما لا أؤمن به، خاصة فيما يتعلق باستعمال العراق الأسلحة الكيمياوية ضد الأكراد، وخروقات حقوق الإنسان المستمرة. وبالطبع فإني لم أكن مرتاحاً أبداً في الإستمرار في استعمال ما تورده لي وزارة الخارجية من توجيهات كمادة دفاعية في مواجهة الحملات الاعلامية."

إن معظم مذكرات الفقيد تخص الأحداث التي وقعت بعد قيام صدام حسين بجريمة غزو الكويت في 2/8/1990، وزج العراق في أحلك فترة في تاريخه. وهي يوميات التهيئة للحرب التدميرية للعراق، ومساعي السفير لدرأ هذه المخاطر، ونشاطاته في واشنطن في هذا الخصوص، والنتائج التي توصل إليها، ومفادها أن الغرض من هذه الحرب هو تدمير العراق وإعادته إلى مرحلة ما قبل الثورة الصناعية، وليس تحرير الكويت فقط.

وقد حاول إيصال هذه الرسالة إلى القيادة العراقية ولكن دون جدوى. فيقول أنه  قبل وقوع حرب تحرير الكويت بأسابيع، دُعي مع بقية السفراء العراقيين في دول أعضاء مجلس الأمن الدولي إلى بغداد وتم اللقاء في الخارجية العراقية يوم 24 كانون الأول/ديسمبر 1990، حيث افتتح طارق عزيز، وزير الخارجية، الاجتماع بالترحيب ثم قال ما نصه: " نحن طلبنا قدومكم إلى بغداد لكي تسمعوا منا، أي إننا لم نستدعكم لكي نسمع منكم عن الأزمة الحالية". ويعلق الراحل الدكتور المشاط : "لقد وقع قوله عندي وقع الصاعقة، إذ إنني كنت أتأمل أن أعرض حصيلة ما حصلت عليه من معلومات إنطلاقاً من واجبي كسفير، إضافة إلى تحليلي الشخصي للحقائق التي حصلت عليها، والتي كنت قد كتبت فيها في السابق إلى الخارجية". ورغم تحذيرات طارق عزيز، فلما قابل صدام السفراء كان المرحوم المشاط هو الوحيد الذي جازف وقال لصدام: "لا للحرب إما ننسحب من الكويت او يدمر العراق".

ومن هذه المذكرات، نعرف أنه كان لدى الراحل المزيد من المعلومات الجديرة بالنشر، وقد وعد بأنه سيتبع مذكراته بكتاب آخر يعمل على تأليفه ونشره مستقبلاً، ولكن مع الأسف الشديد لم يصدر هذا الكتاب، إلى أن وافاه الأجل في بلاد الغربة.
تعازينا الحارة لعائلته الكريمة و ذويه وأصدقائه ولأنفسنا... ولفقيدنا الذكر الطيب.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
ــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
د.عبدالخالق حسين: قراءة في مذكرات الدكتور محمد المشاط
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=146317




206
السعودية ترفض اللاجئين لكنها تبني لهم 200 مسجد في ألمانيا

د. عبدالخالق حسين

من النكات السوداء التي نستلمها عبر الإيميل، واحدة تقول: "أوقفت بارجة حربية بريطانية أربعة مسلمين في قارب صغير يجدفون نحو الساحل البريطاني. فصاح بهم الربان في مكبرة الصوت: "إلى أين انتم ذاهبون؟" أجاب أحدهم: "نريد أن نغزو إنكلترا !" فانفجر طاقم البارجة بالضحك، وبعد التوقف عن الضحك، سألهم الربان هازئاً: " وبأربعة أشخاص تريدون غزو إنكلترا؟"، فأجاب المسلم: "كلا، نحن الأربعة، الدفعة الأخيرة، وقد وصل قبلنا ستة ملاين إلى هناك".

قد تبدو هذه مزحة، ولكن هذا هو الواقع المضحك المبكي والمزري الذي يهدد الغرب بالغزو الإسلامي التدريجي عن طريق الهجرة المليونية من البلاد الإسلامية، وتحت مختلف الأسباب والذرائع. والملاحظ أن الحكومات العربية التي أحالت حياة شعوبها إلى جحيم لا يطاق، وأرغمت الملايين بالهجرة وقبول مخاطر الغرق لتتحول إلى طعام للأسماك من أجل الوصول إلى سواحل أوربا، بلاد "الكفار". هذه الحكومات، وخاصة مثلث الشر (السعودية وقطر وتركيا) المسؤولة عن هذه المأساة، تنصلت عن مسؤولياتها، ورفضت قبول أي لاجئ في بلدانها. وبدلاً من الاعتراف بأن هذه الجماهير هربت من إرهاب المنظمات الإرهابية التي أوجدتها حكومات محور الشر وبدعم ومباركة من أمريكا، تنشر في وسائل إعلامها أنهم هربوا من حكومة بشار الأسد، وتواصل دعمها للإرهاب.

والأسوأ والأنكى، أن السعودية التي رفضت قبول أي لاجئ سوري، تبرعت ببناء 200 مسجد لهم في ألمانيا. جاء هذا في تقرير موثق بقلم  الصحفي الأمريكي دانيال غرينفيلد (Daniel Greenfield) نشرته صحيفة (Front Image) الإلكترونية الأمريكية، يتحدث فيه عن خبث ولؤم النظام السعودي. أنقله بإيجاز وتصرف، ليطلع القراء على وجهة نظر الغربيين في موجة نزوح اللاجئين المسلمين ومآسيهم، جاء فيه:
((المملكة العربية السعودية لا تسمح ببناء كنائس في بلادها، ولكنها تمول ببذخ لبناء المساجد في بلاد الكفار، و لا تقبل اللاجئين السوريين، رغم أنهم إخوانهم في الدين، ولكنها تعهدت أن تبني لهم 200 مسجد في ألمانيا. انها كريمة !... ان الطريقة الصحيحة الوحيدة لأوروبا أن ترد بالمثل على هذا الكرم، هي أن ترسل مليون من مثيري الشغب من عشاق كرة القدم (Soccer hooligans)، إلى السعودية لتعليمهم خطورة تحطيم البلاد والإساءة لأي مواطن يصادفهم)).
ويستدرك الكاتب قائلاً: (( بالطبع السعوديون ليسوا أغبياء إلى هذا الحد ليقبلوا بهذا العرض. ولا حتى مثيري الشغب يجلبون معهم النساء والأطفال ليجعلوا منهم دروعاً بشرية لإثارة المشاعر والعواطف متجهين نحو بلدان يحملون لها الحقد والكراهية،... الغربيون هم الوحيدون أغبياء بما فيه الكفاية ليسقطوا في هذا الفخ.... لقد لعبت المساجد السعودية دورا رئيسيا في صعود الإرهاب الإسلامي في الغرب. فتصور وصول ما يقرب المليون مهاجر، وبناء هذا العدد من المساجد في ألمانيا، ماذا ستكون النتيجة؟... ربما الخليفة القادم للدولة الإسلامية، وهو يقطع رؤوس بعض الكفار المحليين، سيصيح الله أكبر بلكنة ألمانية. وربما ستكون هامبورغ هي مركز الدولة الإسلامية... القلة من الناس يسألون أنفسهم لماذا السعودية على استعداد لبناء 200 مسجد لهؤلاء " اللاجئين اليائسين الفقراء"، ولكنها ترفض قبول أي منهم في بلادها؟... انه نفس الجواب على السؤال: لماذا يدعي الكثير من المسلمين أنهم يهتمون بـ"الفلسطينيين" إلى حد الإبادة الجماعية، ولكنهم يرفضون إيواء أي فلسطيني ومنحهم الجنسية؟))
ويستنتج الكاتب: ((هؤلاء ليسوا لاجئين، بل هم جيوش... لا تأخذ الجواب مني، بل خذه من اردوغان، الرجل الأكثر شعبية بين المسلمين الألمان مما هو بين شعبه المظلوم. فهذه قصيدة لشاعر إسلامي تركي سجنته حكومة تركيا العلمانية سابقا، قبل أن تصبح القصيدة نشيداً يتردد في المآذن والتي تقول: "المساجد ثكناتنا، والقباب خوذنا، والمآذن حرابنا، والمؤمنون المخلصون جنودنا" ... المملكة العربية السعودية عرضت فقط لبناء 200 ثكنة لـ 800000 جندي لغزو ألمانيا.))(1).

مرة أخرى نسأل: هل حقاً الدول الغربية، وبإمكانياتها العظيمة في جميع المجالات: العلمية، والتكنولوجية، والسياسية، والاستخباراتية والإعلامية وغيرها، تجهل ما تقوم به دول مثلث الشر (السعودية وقطر وتركيا)، من دور في صنع وتمويل المنظمات الإرهابية؟ الجواب: كلا وألف كلا. فحتى عندما تبدو لنا أمريكا بريئة، وأنها تبذل كل ما في وسعها لمحاربة داعش وغيرها، وأن دول مثلث الشر تضحك على أمريكا، فهذا بحد ذاته ضحك على الذقون. لقد بات واضحاً لدى كل ذي عقل سليم أن داعش، وغيرها من التنظيمات الإرهابية هي من صنع حليفات أمريكا وبمباركة منها، وحتى بأوامرها. وهي طريقة جديدة في إخضاع الحكومات التي ترفض الخضوع الكلي لإرادة الدولة العظمى، فبدلاً من أن ترسل أمريكا جيوشها لشن الحروب بشكل مباشر، تستخدم تنظيمات الإرهاب لهذا الغرض. وهذا ما يسمى بالجيل الرابع من الحروب (Fourth Generation Warfare) كما جاء في كتاب (آفاق العالم الأمريكي) للباحث الإماراتي الدكتور جمال سند السويدي(2)، ولا أحد يستطيع أن يتهم المؤلف بمعاداة الغرب، فالكتاب كله ترويج لأمريكا، ولكنه كباحث أكاديمي ومنهجي، ذكر الحقيقة، فصنَّف الحروب إلى أربعة أجيال حسب المراحل التاريخية، وآخرها الجيل الرابع فيقول:
"وبصفة عامة تبدو حروب الجيل الرابع مشتتة وليست مركزة في جبهات قتال محددة، تذوب فيها الفروق بين الحرب والسلام. ولا تكون ذات توجه معين بحيث لا يمكن التعرف على جبهات القتال ومعالمها. وتختفي في ظلها التفرقة بين "المدني" و"العسكري". ويتم القيام بالعمليات على التوازي في كل أعماق العدو، بما في ذلك ثقافة مجتمعه وليس بُنيته المادية الملموسة فقط. ويتم فيها استخدام التقنية، لكون العمليات النفسية هي السائدة كسلاح عملياتي واستراتيجي، ويتم استخدام فايروسات الحاسوب لإحداث اضطراب بين المدنيين والعسكريين. ويتم التركيز على دعم الجمهور للعسكريين، تصبح الأخبار على القنوات التلفزيونية سلاحاً أقوى من الفيالق المدرعة، وبالتالي، يتحول التركيز من مقدمة العدو، أي جيوشه، إلى ساحته الخلفية، أي المجتمع. كذلك تتضمن النظرية استخدام الإرهابيين في هذه الحروب، ليكونوا جزءً من مزيج الإرهاب والتقنية المتقدمة، وعناصر أخرى مثل الدين والأيديولوجيا، والهجوم من الداخل على ثقافة المجتمع، كعناصر تنتج صراعات من الجيل الرابع". (ص 563-4)

لقد تطرقنا إلى دور أمريكا في خلق داعش لأغراضها في مقال لنا بعنوان: (هل داعش صناعة أمريكية؟)(3). و ربما يسأل البعض، وهل أمريكا وحلفائها يتآمرون على أنفسهم، ويجلبون مشاكل اللجوء بالملايين لبلدانهم؟ الجواب: أن هذه المشاكل هي من (العواقب غير المقصودةunintended consequences). إذ كما يقول ماركس: "يصنع الناس تاريخهم بأنفسهم وبوعي، ولكن النتائج تأتي على غير ما يرغبون." فأمريكا والدول الغربية، استخدموا السعودية في تشكيل منظمات الجهاديين الإسلاميين في أفغانستان ومنها القاعدة، وطالبان، وبالمال الخليجي، والعقيدة الوهابية، لطرد الاتحاد السوفيتي من أفغانستان وإسقاط النظام الشيوعي فيها. وقد تم لهم ذلك، ولكن من عواقبها غير المقصودة كانت كارثة 11 سبتمبر 2001، وغيرها من الكوارث الإرهابية على أوربا وأمريكا والعالم. ونفس الكلام ينطبق اليوم على داعش وأحرار الشام وجبهة النصرة وغيرها، فهي تنفذ ما يراد منها من تحطيم العراق وسوريا وليبيا ومصر ولصالح إسرائيل، ولكن في نفس الوقت خلقت مشكلة الهجرة المليونية نحو الغرب.
هذا الكلام ليس من باب نظرية المؤامرة، كما يعتقد البعض، بل حقائق اعترف بها حتى المسؤولون الأمريكيون. قلنا مراراً أنه يجب التمييز بين المؤامرة التي هي من صلب السياسة، و(نظرية المؤامرة) التي يراد بها تعليق غسيل التخلف العربي على شماعة الآخرين، وإبعاد التهمة عن المؤامرات الحقيقية في خلق مشاكل المنطقة. وهاهي أمريكا تبشر أنه لا يمكن القضاء على داعش بسنة أو سنتين، بل ربما إلى خمسين سنة!!! ولكنها في نفس الوقت تعارض أية جهة تساهم بجدية في محاربة داعش، مثل الحشد الشعبي في العراق، والدعم العسكري الروسي لسوريا، وهذا دليل على أن أمريكا تحتاج هذه التنظيمات الإرهابية لاستنزاف الطاقات البشرية والمادية والعسكرية لدول الشرق الأوسط، ولتبقى إسرائيل الدولة العظمى الوحيدة في المنطقة. فلو أرادت أمريكا حقاً القضاء على الإرهاب في المنطقة لاستطاعت تحقيق ذلك بمجرد توجيه أمر إلى حكام دول مثلث الشر بإيقاف الدعم عن هذه المنظمات الإرهابية لأنتهى كل شيء، ولكنها لا تريد ذلك بل تريد إبقاء الإرهاب للأسباب آنفة الذكر.
فالكل يعترف بتآمر (CIA)،  في إسقاط حكومات وطنية مثل حكومة محمد مصدق في إيران، وحكومة الزعيم عبدالكريم قاسم في العراق، وسوكارنو في إندونيسيا وغيرها كثير. ألم تكن هذه مؤامرت؟
يؤسفني أن أقول أن الذي لا يميز بين المؤامرة الحقيقية ونظرية المؤامرة، فهو مثل الملك السعودي سلمان الذي لا يميز بين الرخاء والاستخراء (شاهد الفيدو رقم 4 في الهمش).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
 ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Daniel Greenfield: Saudi Arabia won’t take any Syrian refugees, but offers to build 200 mosques for them in Germany
http://www.frontpagemag.com/point/260080/saudi-arabia-offers-build-200-mosques-syrians-daniel-greenfield

2- عبدالخالق حسين: قراءة في كتاب: آفاق العصر الأمريكي -السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=695

3- د.عبدالخالق حسين: هل داعش صناعة أمريكية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=711

4- تقرير متلفز: الملك سلمان: مملكة آل سعود للإستخراء
  https://www.youtube.com/watch?v=9LCkWhciP3A



207
حول قرار البرلمان بحجب المواقع الإباحية

د.عبدالخالق حسين


صوَّت مجلس النواب العراقي يوم الاثنين 14/9/2015، على قرار يلزم وزارة الاتصالات بحجب المواقع الاباحية، استجابة لدعوات من المرجعية الدينية، وطلبات وتحذيرات من ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، عن مخاطر هذه المواقع على المجتمع. وكأي شيء في العراق، فقد أثار هذا القرار خلافات ونقاشات بين مؤيدين ومعارضين. فالمؤيدون يرون أن المواقع الإباحية "اصبحت وبالاً يهدد الشباب بالطلاق بنسبة 200 % او الإحجام عن الزواج بنسبة 50% ، فضلا عن ارتفاع معدلات الجرائم الجنسية والاغتصاب والتحرش الجنسي"(1).
أما المعارضون للقرار، فحجتهم أن العراق غارق بالمشاكل الكبرى مثل البطالة والفقر والفساد والرشوة، ونقص الخدمات، وتفشي الجريمة المنظمة والإرهاب...الخ، لذا فعليهم حل هذه المشاكل أولاً و قبل أي شيء آخر.

والسؤال هنا، هل المواقع الإباحية تفيد المجتمع أم تضره؟ لا شك أنها تضر المجتمع ودون أي نفع يرتجى منها، وهي وبال على المجتمع ليس بمعايير وأعراف المجتمع العراقي فحسب، بل وبمعايير وأعراف جميع المجتمعات الغربية والشرقية، المتقدمة والمتخلفة وما بينهما. أقول هذا ليس من باب التزمت الأخلاقي أو الديني، ولكني أعرف أن هذه المواقع تقوم بتوظيف وإثارة غريزة الجنس والتهيج الجنسي لدى المراهقين والبالغين، لتحقيق أرباح مادية ونشر الرذيلة ، وهي فعلاً أدت إلى تصعيد الجرائم الجنسية، وبمختلف الأعمار وفي جميع البلدان، وباعتراف خبراء في هذا المجال.

فقبل أيام نشرت وسائل الإعلام البريطانية أنباءً مرعبة عن الزيادة المذهلة في الاعتداءات الجنسية في المدارس البريطانية، الابتدائية والثانوية، فقد كشف تحقيق عن وقوع اعتداءات جنسية على آلاف الأطفال في المدارس كل عام. وقد تم الإبلاغ عن أكثر من 5500 جريمة جنسية في المدارس في جميع أنحاء المملكة المتحدة إلى الشرطة في السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك ما يقرب من 4000 اعتداءات غير لائقة وأكثر من 600 حالة اغتصاب. وكان أكثر من 1500 ضحية تحت سن 13، معظمهم تلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية عدا طلاب الجامعات أو المعلمين، (حسب تحقيق راديو 5 لايف). وقد نفذت 20% من هذه الاعتداءات من قبل الأطفال الآخرين، وفي بعض الحالات كانت الضحية والجاني من نفس الأعمار وحتى أطفال في عمر الخامسة.
ويقول رئيس حماية الطفل في مجلس رؤساء الشرطة الوطنية [البريطانية]، أن هذه الأرقام هي الجزء المرئي من الجبل الجليدي. وحذر أنه قد تكون المشكلة أسوأ بكثير مما تشير إليه الأرقام. وقال: "أعتقد أن هذه الأرقام هي غيض من فيض"، وعزا تصاعد هذه الجرائم إلى مشاهدة هؤلاء الأطفال للأفلام الجنسية الإباحية، فيحاولون تطبيقها في حياتهم الواقعية. فدور المواقع الإباحية في تصعيد الجرائم الجنسية يشبه دور أفلام العنف والألعاب الكومبيوترية العنفية في تصعيد الجرائم الأخرى في المجتمعات. وهذا متفق عليه من قبل علماء النفس والاجتماع.

هذه الأرقام تعكس الحالة في بريطانيا حيث تتوفر الاحصاءات، وأغلب الضحايا لا يترددون في تسجيل حالاتهم لدى الشرطة، لأن المجتمع يتعاطف مع الضحية ويحتقر الجاني. بينما العكس في المجتمعات العربية والإسلامية. فماذا نقول عن العراق، حيث لا توجد إحصائيات يوثق بها، ولا الضحايا يجرؤون في تقديم شكواهم إلى الشرطة خوفاً من الفضيحة والخزي، و القتل من قبل ذويهم لغسل العار، خاصة وأن المجتمع قاسي لا يتعاطف مع الضحية، بل يحتقر المعتدىَ عليه، ويمجد الجاني، لأن الثقافة البدوية ما زالت عميقة متأصلة في المجتمع العراقي. ثقافة (الحق بالسيف والعاجز يريد شهود).

وكما علق الصديق الأكاديمي المعروف، الأستاذ الدكتور محمد الربيعي في الفيسبوك: إن (بانتشار الموبايل بين الاطفال، ووضع الانترنت تحت تصرفهم، اصبحوا اليوم عرضة للاستغلال، وعرضة للفساد وأصبح الطفل العراقي يتمتع بمشاهدة اقسى الافلام الجنسية البذيئة، ومن دون رقابة بالرغم من خطورتها التي تعتبر اكثر من الإدمان على المخدرات وبما تؤدي من اضطرابات نفسية وجسدية عند الطفل وتزيد من احتقاره للأنثى وتغذية نزعات الاغتصاب والاعتداء الجنسي.)

من المؤسف أن بعض النواب والكتاب وقفوا ضد القرار بحجة أن العراق يعاني من مشاكل كثيرة أخطر من مواقع الفحش، فهذه الحجة لا تبرر السكوت عن المشاكل الأخرى التي يمكن حلها. ولا شك أن للمواقع الإباحية أضراراً بليغة على المجتمع كما أشرنا في أعلاه، لذلك فمنعها واجب في حالة التمكن منه. فمنع المواقع الإباحية أمر سهل، لأن المشكلة ليست سياسية ولا طائفية، بل متفق عليها من قبل جميع الكتل النيابية، إذ ما أن تستلم وزارة الاتصالات هذا القرار البرلماني فستقوم بحجب هذه المواقع بمجرد الضغط على زر من أزرار الكومبيوتر، وتحل المشكلة. فلو أمكن حل المشاكل الأخرى مثل الفساد المتفشي في دوائر الدولة بهذه الطريقة لما تردد المسؤولون في تنفيذه. وكذلك يصح القول أنه إذا كان من الصعب جداً حل المشاكل الكبيرة بسبب الصراعات السياسية، فما المانع من حل المشاكل التي يتفق عليها الجميع في حلها؟
وعلى ضوء ما تقدم، أرى أن القرار البرلماني بحجب المواقع الإباحية هو قرار سليم يستحق عليه كل التقدير. وحبذا لو يقوم البرلمان أيضاً على حجب المواقع والفضائيات التي تحرض على الإرهاب والجريمة باسم الدين .
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة.
1- العراق يحجب رسميا المواقع الاباحية
http://www.ara.shafaaq.com/28821

2- More than 5,500 sex attacks reported in schools with victims as young as five
http://www.independent.co.uk/news/uk/crime/sex-attacks-schools-thousands-children-victims-suspects-10488533.html



208
فوز كوربين زلزال سياسي في بريطانيا

د.عبدالخالق حسين


كان يوم السبت المصادف 12 أيلول/سبتمبر الجاري، يوماً تاريخياً في بريطانيا، إذ أحدث السياسي اليساري البريطاني جيريمي كوربين مفاجأة للجميع، بمثابة زلزال سياسي بفوزه في انتخابات زعامة حزب العمال، لأن معظم المراقبين اعتبروه مرشحا هامشيا في المنافسة، على المرشحين الثلاث الآخرين: أندي بيرنام، وأيفيت كوبر وليز كندال. وحصل كوربين على 251,417  صوتا، أي بنسبة 59.5 في المئة، متقدما بنسبة 40 في المئة على أقرب منافسيه بيرنام الذي حصل على 19 في المئة.

والسيد كوربين، الذي قضى نحو 32 سنة في البرلمان، معروف بمواقفه اليسارية، ومناهضته، ليس لحكومة حزب المحافظين فحسب، بل وحتى لحزبه عندما كان في السلطة، حيث صوت ضد قرارات الحزب أكثر من 500 مرة. ولذلك يعتبر مناهضاً حتى للمؤسسة البريطانية(Anti-establishment).

جاء ترشيح السيد كوربين لزعامة الحزب مع ثلاثة مرشحين آخرين، بعد استقالة الزعيم السابق إد مليباند، إثر خسارة الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أيار من هذا العام. فالتقليد الجاري في أوربا، أنه إذا فشل زعيم أي حزب كبير في الانتخابات فيستقيل ليفسح المجال لشخص آخر ربما ينجح في قيادة الحزب للفوز في الانتخابات اللاحقة.

والجدير بالذكر أن ترشيح كوربين جاء من قبل نواب على شكل مزحة، ولم يكونوا جادين، لأنهم كانوا يعتقدون باستحالة فوزه، وإنما رشحوه، وكما صرحت السيدة مارغريت بكيت، القيادية البارزة في الحزب، ليمثل الجناح اليساري في المنافسة، وإضفاء الحيوية والنشاط على الجدال الدائر في قضية تتعلق بمستقبل الحزب والبلاد، وأنها ندمت على تأييدها لترشيحه بعد أن تأكدت أنه الأكثر حظاً للفوز على حساب المرشحين الآخرين المعروفين بالوسطية والاعتدال.

ولكن ما حصل بعد الترشيح لم يدر بخلد أحد، وكان بدون سابقة. فمنذ بروز اسم كوربين اليساري كمرشح لزعامة الحزب، تقدمت مئات الألوف من المواطنين بطلب الانتماء للحزب من أجل التصويت له. فالانتماء هنا لأي حزب، وحق التصويت في قراراته سهل جداً، فكلما مطلوب من طالب الانتماء هو أن يدفع 3 جنيهات للحزب. ولذلك خلال ثلاثة أشهر الماضية قفزت عضوية الحزب من حوالي 200 ألف عضو إلى 600 ألف، مما فسره كثيرون أن معظم هؤلاء جاؤوا من حزب المحافظين الحاكم، وأحزاب أخرى من أجل التصويت لجرمي كوربين بغية تحويل الحزب إلى حزب احتجاجي معارض دائم غير قابل للفوز بالانتخابات القادمة، لأن غالبية الناخبين البريطانيين لا يصوتون للحزب الذي يبتعد عن الوسطية، سواءً إلى اليسار أو اليمين.
على أنه ليس كل المنتمين الجدد هم من المحافظين، بل هناك الكثير من العمال النقابيين، والشيوعيين واليساريين وغيرهم من الذين ابتعدوا عن حزب العمال، اعتبروا ترشيح كوربين فرصة لإعادة الحزب إلى عهد ما قبل زعامة توني بلير الذي غير سياسة الحزب من اليسار إلى الوسط، وأطلق عليه (حزب العمال الجديد)، وهو صاحب نظرية الطريق الثالث (Third way)، فاستطاع أن يحقق الفوز للحزب في ثلاثة انتخابات برلمانية، وهذا غير مسبوق في تاريخ الحزب. إلا إن ما خيب أمل الناخبين بتوني بلير هو مشاركته في الحرب مع أمريكا في العراق، وما حصل من مضاعفات وتداعيات، وعمليات إرهابية حسبوها عليه. ومما يجدر ذكره أن جرمي كوربين صوت ضد مشاركة بريطانيا في تلك الحرب، وشارك في التظاهرات المناهضة لها، وهو معروف بعدائه الشديد لتوني بلير.

أدعى اليساريون أن الحزب خسر في الانتخابات الأخيرة لأنه لم يكن يسارياً بما فيه الكفاية، وهذا يجافي الحقيقة، فلو كانت هذه الحجة صحيحة لانتخب الشعب البريطاني الحزب الشيوعي، بينما الواقع يؤكد أن هذا الحزب لم يفز ولا بمقعد واحد في تاريخه إلا مرة واحدة بعد الحرب العالمية الثانية حيث فاز بمقعد واحد للمرة الأولى والأخيرة.

وفي كلمته بعد فوزه، تعهد كوربين بالنضال من أجل بريطانيا أكثر تسامحا وأكثر تقبلا للتنوع الثقافي، وبمعالجة "الفوارق الاجتماعية الفاضحة". وأضاف أن "الناخبين عبروا عن رفضهم للفوارق الاجتماعية والظلم والفقر غير المبرر". ودعى الشباب إلى العودة إلى الحزب، "فالحزب بيتهم ومكانهم الصحيح"...
وأبدى زعيم حزب العمال السابق، إيد ميليباند، عن دعمه للزعيم الجديد، لكنه قال إنه يأمل منه "أن يمد يده إلى جميع تيارات الحزب".

ولكن الملاحظ من الأرقام أن النسبة المئوية (60%) التي صوتت لكوربين، تتناسب مع الزيادة في عضوية الحزب من الذين غزو الحزب بعد إعلان ترشيحه. مما يجعلنا نعتقد أن الـ 40% الذين صوتوا للمرشحين الثلاثة الآخرين هم الأعضاء الحقيقيون لحزب العمال أي ما قبل حملة انتخابات زعامة الحزب. ولذلك يمكن القول، أنه تم اختطاف حزب العمال من قبل ناس هم من خارجه، انضموا إليه بغية انتخاب جيرمي كوربين، لجعل الحزب غير قابل للانتخاب من قبل غالبية الشعب البريطاني الذين يمقتون التطرف سواءً إلى اليسار أو إلى اليمين. وهذه مأساة بحق حزب العمال والشعب البريطاني.

لا شك أن الشعارات والمبادئ التي رفعها وناضل من أجلها جيرمي كوربين، هي إنسانية ونبيلة، ولصالح الفقراء والمعدمين، ولكن هذه السياسة غير قابلة للتنفيذ، لأنها تواجه معارضة شرسة من قبل أرباب المال، والمهيمنين على الإعلام والأحزاب الأخرى. ويعتبرونها سياسة متطرفة، لذلك تبنى المعتدلون من قادة حزب العمال سياسة وسطية لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من عدالة للطبقات الفقيرة، والشعب البريطاني بصورة عامة، ورأوا أن هذه السياسة أفضل من سياسة التطرف (كل شيء أو لا شيء)، التي دائماً تنتهي بلا شيء. فتحقيق العدالة لا يتم دفعة واحدة بل بالتدريج ، إقبل بالممكن وناضل من أجل المزيد.

ولذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سينجح كوربين في إقناع الناخبين البريطانيين، وخاصة الطبقة الوسطى التي تشكل الغالبية العظمى من الشعب، أن ينتخبوا حزب العمال بقيادته لتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر دفعة واحدة كما يريد؟
لا أعتقد ذلك، لأن هذه الشعارات رفعها الزعيم السابق إد مليباند، المعروف بيساريته، (وهو بالمناسبة ابن عالم الاجتماع الماركسي المعروف الراحل رالف مليباند)، ولكنه فشل في الانتخابات، إذ شن عليه قادة الشركات العملاقة والمؤسسات الاقتصادية والإعلامية حملة ضارية، وادعوا أن سياساته ستدمر اقتصاد البلد، وتضر حتى بالفقراء، وأن معظم الرساميل ستهجر بريطانيا إذا فاز، رغم أن إد مليباند لم يعتبر متطرفاً في يساريته. فكيف يفوز حزب العمال بقياد كوربين وهو يريد إخراج بريطانيا من حلف الـ(NATO)، ونزع السلاح النووي من طرف واحد، والتخلي عن الترايدنت، ويريد زيادة الضرائب على الشركات والأغنياء..الخ. وفي هذه الحالة يجعل بريطانيا في مواجهة مع أمريكا وهذا غير ممكن لأن قوة بريطانيا مرتبطة بعلاقتها الحميمة مع أمريكا، وتعتبر التوأم لها منذ الحرب العالمية الثانية وإلى الآن. ولأمريكا الفضل الكبير على بريطانيا في دحر ألمانيا النازية، ودعمها اقتصادياً بعد الحرب. لذلك بدأت حملة المحافظين على كوربين من الآن، إذ صرح وزير الدفاع أن سياسات كوربين ستعرض الأمن القومي إلى الخطر.
لا شك أن السياسة فن الممكن. وفي هذا الخصوص قال هارولد ويلسون، رئيس الوزراء الأسبق في حكومة العمال في السبعينات، في رده على اليساريين المعارضين له في الحزب آنذاك: "من حق الرفاق أن يطالبوا بالنقاء الأيديولوجي للحزب، ولكن في هذه الحالة يجب أن يعرفوا أنهم سيحيلون الحزب إلى منتدى ثقافي، وليس حزباً قابلاً للانتخاب ليقود السلطة".
لذلك فبقيادة كوربين يمكن أن يتحول الحزب إلى معارض صلب وعنيد في البرلمان، وتنظيم احتجاجي فقط، لكنه لا يستطيع أن يحقق ولو جزءً ضئيلاً من أهدافه المعلنة في خدمة الفقراء وتحقيق العدالة الاجتماعية بالمعارضة، ولا بالإضرابات وقيادة التظاهرات، بل باستلامه للسلطة.

المبادئ والشعارات التي رفعها السيد كوربين قد أقنعت نحو 60% من أعضاء الحزب الذين صوتوا له وأغلبهم من الأعضاء الجدد المشكوك بأغراضهم، ولكن ليس بإمكانه أن ينال قبول غالبية الناخبين من الشعب البريطاني من خارج الحزب، وخاصة في دعوته لإخراج بريطانيا من حلف الشمال الأطلسي، و نزع السلاح النووي من طرف واحد. كذلك هناك نسبة كبيرة من البرلمانيين من حزبه وقفوا ضده، فبعد فوزه مباشرة أعلن سبعة من وزراء حكومة الظل استقالتهم، رافضين العمل بقيادته. وإذا كان الأمر كذلك في داخل حزبه، فكيف يستطيع إقناع الناخبين من خارج الحزب؟
ولهذا السبب، فإني أعتقد، وكما يرى غالبية المحللين السياسيين أن فوز كوربين بزعامة الحزب كان بمثابة هدية من السماء للمحافظين، وانتصاراً لهم، وضمان بقائهم في السلطة في الانتخابات القادمة التي ستجرى عام 2020، وتحويل الحزب إلى مجرد حزب احتجاجي ليس غير.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/



209
معضلة الفساد في العراق
د.عبدالخالق حسين

بلغ الفساد في العراق حداً صار يهدد الدولة العراقية ويشل نشاطها مما جعلها ضمن قائمة الدول الفاشلة، حيث أصبحت الحكومة غير قادرة على أداء وظيفتها كما يجب. والفساد هنا اتخذ أشكالاً متعددة منها:
- رشوات على مختلف المستويات، من الوزراء و إلى أصغر موظف في الدولة.
- إثراء وزراء وأقربائهم وأصدقائهم وشخصيات متنفذة في عقد مشاريع عمرانية وهمية، أو حقيقية وأخذ كومشنات ضخمة من المقاولين.
- غض نظر المسؤولين عن الفاسدين لمختلف الأسباب: القرابة، النفوذ السياسي، المكانة الدينية، ودفع رشوات...الخ،
- سوء معاملة الموظفين للمراجعين وإهانتهم، وعدم تمشية معاملاتهم إلا بعد دفع الرشوة،
- وظائف فضائية (خيالية)، وهو تعبير جديد في القاموس السياسي العراقي، ويعني دفع رواتب لموظفين وعناصر القوات المسلحة من جنود وضباط من مختلف المراتب لا وجود لهم، أو أنهم أموات، أو يعيشون في الخارج...الخ
- استيلاء أحزاب وشخصيات سياسية ودينية وعصابات وشقاوات على أراضي وممتلكات الدولة عنوة، و بدون وجه حق، وخاصة تلك التي كانت عائدة لحزب البعث وقياداته وأعضائه الغائبين.
- ضخامة الرواتب والرواتب التقاعدية والمخصصات التي يتقاضاها رؤساء الرئاسات الثلاث، ونوابهم، والوزراء و وكلائهم، وأعضاء مجلس النواب، و الحمايات..، التي تجاوزت أضعاف ما يدفع لنظرائهم في أغنى دولة في العالم مثل أمريكا.
- وجود مئات، وربما آلاف المستشارين للرئاسات الثلاث، لا للحاجة إلى خبراتهم، والاستفادة من استشاراتهم، بل لأغراض نفعية بمكافأتهم لكونهم أقرباء أو أصدقاء هؤلاء الرؤساء، أو أصدقاء أصدقائهم!!
- كثرة العطل الرسمية والمناسبات الدينية وخاصة عند الشيعة، حيث راحوا يتوقفون عن العمل بمناسبة ولادة و وفاة كل إمام من أئمتهم، والويل لمن يعترض أو ينبس حتى بمجرد انتقاد بسيط. وهذه العطل بالتأكيد لها تأثيرات سلبية مدمرة على الاقتصاد الوطني.
- وحتى ساعات العمل في دوائر الدولة العراقية هي الأقل في العالم حيث تصل إلى 5 ساعات يومياً  للموظفين، بينما لا تقل عن 8 ساعات في جميع الدول الأخرى.

أسباب الفساد
الفساد ليس جديداً في العراق، فله جذوره في مؤسسات الدولة وخاصة في العهد الملكي، حيث الوساطة والرشوات والقرابة والمحسوبية كانت أموراً مألوفة ومسلم بها. ولكنها اختفت بعد ثورة 14 تموز 1958، وظهر جيل من الموظفين يعتز بكرامته و يأنف من الرشوة و يعتبرها إهانة له. ثم ظهرت من جديد بعد قيام صدام حسين بجريمة غزو الكويت عام 1990، وفرض الحصار الاقتصادي الأممي على العراق، وتدمير العملة العراقية التي صارت قيمتها اقل من قيمة الورقة المطبوعة عليها، بسبب قيام الحكومة بطبع أوراق نقدية بلا رصيد حيث صار الدولار الأمريكي يعادل 3500 دينار في أواخر حكم البعث، بعد أن كان الدينار يعادل 3.5 دولار قبل هيمنة صدام على الحكم. وبعملية حسابية بسيطة نعرف أن الدينار قبل حكم صدام كان يعادل 12250 دينار قبيل سقوط حكمه، وبتحويل هذا الرقم إلى نسبة مئوية فتكون نسبة التضخم 1225000%. أي أكثر من مليون بالمائة، وهذا رقم فلكي رهيب، حيث صار راتب الأستاذ الجامعي يعادل نحو ثلاثة دولارات شهرياً.

هذا الوضع الاقتصادي المنهار خلال 13 سنة الأخيرة من حكم البعث أذل الإنسان العراقي وفتح الباب لتفشي الجريمة والفساد والهجرة المليونية، إضافة إلى سياسات البعث الطائشة في تفتيت النسيج الاجتماعي، والتجهيل المتعمد، وتدمير الشعور بالوطنية، و الاخلاق، وإحياء القبلية والأحكام العشائرية في حل المنازعات...الخ. ولمواجهة هذه الأزمة أضطر صدام إلى استخدام سياسة العصا والجزرة، العصا بتشديد العقوبات على اللصوص، بقطع اليد، وجدع الأنف، وبتر الأذن، وسمل العيون، والكوي بعلامة X في الجبين... اللخ، والجزرة بالسماح للموظفين بأخذ "إكرامية" من المراجعين لدوائر الدولة، حتى أصبحت سُنَّة متبعة استمرت إلى ما بعد السقوط، رغم ما حصل من تحسن في الرواتب بمئات المرات، وصعود سعر الدينار العراقي بالنسبة للدولار الذي استقر في السنوات الأخيرة حيث صار الدولار الواحد يعادل 1200 دينار بعد أن كان يعادل 3500 دينار قبل 2003، أي تحسن القوة الشرائية للدينار بثلاث أضعاف على ما كان عليه قبل السقوط، وهذا يسجل لصالح الوضع الجديد. ولكن رغم هذا التحسن في الرواتب وسعر الدينار، تحولت "الإكرامية" إلى رشوة تفرض على المراجعين بالتحايل، وعدم تمشية المعاملات باختلاق أسباب قانونية باطلة. ونظراً لتدمير الأخلاق بعد كل هذه الكوارث، صار الفساد بمختلف أشكاله ومستويات المسؤولين وباءً ينخر في كيان الدولة لا بد من معالجته قبل فوات الأوان.

استغلال الفساد ضد العملية السياسية
ولكن المشكلة أن هذا الفساد تم استغلاله من قبل أعداء العراق الجديد في الداخل والخارج، من فلول البعث، والإعلام العربي المضلل لاستخدامه سلاحاً لا لمحاربة الفساد، بل لضرب العملية السياسية والديمقراطية، وذلك بكيل الأكاذيب، ونشر الإشاعات التسقيطية ضد الخصوم السياسيين، ونشر أرقام فلكية بثرائهم واتهامهم بسرقة أموال "الشعب المظلوم الجائع الفقير" إلى آخره.
فالبعث معروف بإمكانياته في نشر الإشاعات والأكاذيب، مستفيداً من عقلية المجتمع العراقي الخصبة لتصديق الإشاعات ومهما كانت غير معقولة، خاصة إذا كانت ضد الحكومة، لأن هناك عداء تقليدي مستفحل و مزمن بين الحكومات المتعاقبة والشعب العراقي، ولم يسلم من هذا التصديق حتى الأكاديميون والذين عانوا الكثير من مظالم البعث. وعلى سبيل المثال، يتذكر أبناء جيلي الحملة البعثية لتشويه سمعة طاهر يحيى، رئيس الوزراء الأسبق في عهد الأخوين عارف، الذي لقبوه بـ(حرامي بغداد)، و(أبو فرهود) وأنه يسرق حتى الملاعق في الولائم، إلى حد أنه حتى الأطفال كانوا يصيحون عليه (أبو فرهود) عندما يرونه ماراً في أحد شوارع بغداد. وبعد فوات الأوان ذكر الباحث الأكاديمي الأمريكي حنا بطاطو في كتابه عن تاريخ العراق، أن كل الإشاعات عن طاهر يحيى كانت كاذبة ومن صنع البعثيين. وأنا لا أريد هنا الدفاع عن طاهر يحيى لأنه كان أحد مجرمي 8 شباط الأسود، ولكنه لم يكن لصاً وسارقاً لأموال الشعب كما صورته الدعاية البعثية، وقد ذكرته كمثال على قدرة البعثيين في خدع الشعب، وحتى قبل دخول الفضائيات والانترنت والإيميلات، فكيف الآن وكل هذه التقنية في خدمتهم؟

وفي هذا العهد، نال السيد نوري المالكي، حصة الأسد من الاتهامات الشنيعة حتى صارت عندي هواية جمع ما يصلني البعض منها، ونشرتها على موقعي الشخصي، أدرج  أدناه الرابط (1)، أرجو الاطلاع عليها وعلى القارئ الكريم إعمال عقله في الحكم عليها، إذ كما تفيد الحكمة: (حدث العاقل بما لا يُعقل فإن صدق فلا عقل له).
كذلك استلمت قبل أيام "تقريراً" أدعى ناشره أنه مترجَم من مجلة أمريكية فيه قائمة بأسماء أثرى 17 شخصية سياسية في العراق، وعلى رأسهم المالكي طبعاً، أنه بلغت ثروته 50 مليار دولار، يليه مسعود بارزاني 48 مليار، وأسامة النجيفي 44 مليار، ..إلى آخر القائمة. وأقلهم ثراءً هو عادل عبدالمهدي 3 مليارات، أدرج أدناه الرابط (2). وبلغ مجموع "مسروقات" هؤلاء حسب هذه القائمة حوالي 332 مليار دولار.
كان يجب على مترجم التقرير المزعوم، أن يذكر لنا رابط النسخة الأصلية في المجلة الأمريكية كما أدعى، ولكنه لم يفعل، وبعد بحث مضن في غوغل، تبين أن هذا "التقرير" هو من صنع خيال صناع الإشاعات، نشر على موقع في الفيسبوك وليس في مجلة أمريكية كما أدعى مروِّج الإشاعة.
وفي مقالات سابقة عن الفساد نشرت قبل أعوام أن مجموع الأموال المسروقة من قبل حكومة المالكي بلغ  نحو 700 مليار دولار، وحاول أحدهم أن يكون منصفاً فقلّص هذا الرقم إلى النصف ليكون مقبولاً ! والسؤال هنا، كيف استطاع هؤلاء المسؤولون سرقة كل هذه المبالغ الهائلة في الوقت الذي عجزت الحكومة تمرير موازنة عام 2014؟ كذلك صرح وزير النفط، الدكتورعادل عبد المهدي، في الشهر الماضي، ان موازنات العراق منذ العام 2003 وليومنا هذا بلغت 850 مليار دولار)(3).

فمن أين دفعت هذه الحكومات رواتب 5 ملايين موظف، والجيش والأجهزة الأمنية، والديون وتعويضات الحروب الصدامية، وشراء الأسلحة، وتكاليف مشاريع كبيرة بلغت مئات المليارات الدولارات، ولدي قائمة بها، بحيث سرقت الحكومة منها 700 مليار دولار كحد أعلى، و350 مليار كحد أدنى؟ بينما يضع السيد عبدالمهدي السرقة في حدود مليارين سنوياً،(نفس المصدر رابط رقم 3)، علماً بأنه هو الآخر ضمن قائمة الملياردرية الفاسدين، والبعض يسميه (عادل زوية)، نسبة إلى سرقة مصرف الرافدين (فرع الزوية) من قبل شرطة حماية المصرف في بغداد قبل سنوات، يعني (حاميها حراميها). وهذا لا يعني أني أنفي الفساد في العراق، فقد ذكرته أعلاه وبمختلف أشكاله، وإنما أود القول أن هذه الحملة لا تخلو من مبالغة في تضخيم حجم الفساد لأغراض سياسية وطائفية، ولإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 2003.

هل الكل فاسدون؟
قبل سنوات قرأت بحثاً في مكان ما عن مخاطر تفشي الجريمة في أي بلد، جاء فيه أنه إذا كانت نسبة الجانحين والمنحرفين في أي شعب في حدود 5% فعندها تتمكن الأجهزة الأمنية من السيطرة على الوضع وفرض الأمن، أما إذا تجاوزت هذه النسبة، فهنا الخطر ويحصل الخلل في المجتمع. وكما نقرأ عن تفشي الفساد في العراق فإنه يشمل معظم الموظفين الذين يشكلون نحو خمسة ملايين في الدولة. وبالتأكيد تجاوزت النسبة حدود الخمسين بالمائة. فهؤلاء لم يأتوا من المريخ بل هم من هذا الشعب. وهذا يعني أن المجتمع العراقي أغلبه فاسد إلى حد أن وصل الفساد إلى رجال الدين المسؤولين عن الأخلاق ونشر الفضيلة في المجتمع، إذ نسمع على الدوام عن ثراء السيد عمار الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، واستحواذه على أراضي وممتلكات الناس في بغداد ومحافظة النجف. ولم يسلم من تهمة الفساد حتى رجال دين كبار مثل: آية الله السيد حسين إسماعيل الصدر، وهو رجل دين علماني يؤمن بالديمقراطية، حيث قرأت قبل أيام مقالاً عنه أنه استولى على أراضي وممتلكات وأبنية في مدينة الكاظمية، (راجع مقالة الكاتب عدنان حاتم السعدي: مدينة الكاظمية تئن وتتوجع من سطوة سيد حسين اسماعيل الصدر)(4)، والجدير بالذكر أن آية الله الصدر يمتلك قناة فضائية السلام.

وحتى القضاء لم يسلم من تهمة الفساد، فهناك منافسة وعداء بين القضاة أنفسهم، وبعضهم بعثيون فقدوا امتيازاتهم بسقوط حكمهم. وقبل فترة نشر رئيس لجنة النزاهة السابق، القاضي رحيم العكيلي عريضة ذكر فيها قائمة طويلة من الاتهامات ضد المالكي طالب بتقديمه للقضاء، وتبنتها مجموعة أخرى في حملتهم التي أطلقوا عليها (حملة وطنية لتقديم المالكي إلى القضاء)، وتبين أن هذا العكيلي كان بعثياً وهو الآخر مطلوب للقضاء وهارب من وجه العدالة، وحكم عليه غيابياً بالسجن 7 سنوات بتهمة الفساد. ولكن هذا المحكوم عليه بالفساد، له من يدافع عنه ويزكيه من المتنفذين في العراق الجديد مثل زعيم التيار الصدري. أدناه رابط لتصريحات السيد مقتدى الصدر يدافع فيها عن العكيلي(5). ودفاع السيد مقتدى عن العكيلي لأنه يشترك معه في العداء للمالكي، (عدو عدوي صديقي).

وهناك الكثير من الفاسدين يستلمون رواتب خيالية كمستشارين لرئيس الجمهورية وهم يعيشون في العواصم الأوربية ويشتمون الفساد. أليس هذا فساد بحد ذاته؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر، قرأنا أن ابنة الرئيس فؤاد معصوم، المقيمة في لندن، تستلم راتب بنحو 10 آلاف دولار شهرياً كمستشارة لوالدها، ... أليس هذا فساد؟
كما وسمعت من مصدر موثوق أن شخصاً آخر مقيم في إحدى العواصم الأوربية يستلم راتب كمستشار لأنه صديق صديق رئيس الجمهورية... طبعاً هذا الجيش العرمرم من المستشارين إذا ما تم الاستغناء عن "خدماتهم" سيستلمون رواتب تقاعدية مدى الحياة تعادل 80% من رواتبهم، أليس هذا ظلم وفساد؟
أما الشيوعي المليونير فخري كريم، فعندما كان رئيساً لعسكر المستشارين في عهد الرئيس جلال طالباني، قد عين جميع العاملين في صحيفته (المدى) كمستشارين لرئيس الجمهورية، يتقاضون رواتبهم من نثريات الرئاسة. والجدير بالذكر أن السيد فخري كريم يقود حملة ضارية بلا هوادة ضد الفساد ويربطه بنوري المالكي...
وعندما يأمر السيد مسعود بارزاني الضباط الكرد وهم في قيادة الفرق العسكرية في محافظة نينوى بالانسحاب، ويأمرهم بعدم محاربة داعش "لأن هذه الحرب بين السنة والشيعة، والكرد ليسوا طرفاً فيها"، على حد تعبيره، كما وينسحب الضباط الموصليون وينضم قسم منهم إلى داعش وبتواطؤ المحافظ أثيل النجيفي، ويسلمون مفاتيح المحافظة وكل المعدات العسكرية والبنوك إلى الدواعش بدون إطلاق رصاصة واحدة، لتعاد المسرحية بتسليم الرمادي فيما بعد.. أليس هذا فساد؟ (يرجى مشاهدة فيديو تصريحات السيد نوري المالكي، رابط رقم 6 في الهامش).
وهناك أمثلة كثيرة وكثيرة جداً من هذا النوع، وكلهم يتظاهرون بمحاربتهم للفساد.. هذه باختصار الصورة الرهيبة لما يواجهه العراق من فساد.

ما العمل؟
و على ضوء ما تقدم، نعرف مدى خطورة الفساد وشموله لكل المجتمع العراقي، ومفاصل الدولة، لذلك فليس بإمكان شخص واحد تضعه الأقدار رئيساً لمجلس الوزراء، ومهما أوتي من دهاء وعلم وحكمة وحنكة سياسية، أن يواجه هذه المعضلة لوحده، ويحيل هذا الشعب المفتت المتصارع، إلى شعب يضاهي أرقى الشعوب المتحضرة الملتزمة باحترام القوانين، بدون دعم من كل الأطراف السياسية، والثقافية والاعلامية.
وإذا ما أردنا أن نكون منصفين ونحترم القانون والقضاء ونحافظ على استقلاليته، يجب الالتزام بمبدأ (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، أي أن لا نحكم على المتهم بتأثير الإعلام، وإنما ترك ذلك إلى القضاء وحده. ولكن المشكلة أنه في العراق إذا برأ القضاء متهماً بالفساد، واختلف حكمه عن حكم الإعلاميين اتهموه القاضي بالفساد. وهكذا حتى القضاء نفسه لم يسلم من هذه التهمة إلا إذا تطابق حكمه مع حكم الإعلاميين، وكأن الاعلاميين ملائكة معصومين من الانحياز السياسي، بينما أغلبهم شياطين وأبالسة من أمثال فخري كريم وجوقته المعروفة بالتضليل.
وأخطر ما يعيِق الإصلاح السياسي والإداري ومواجهة الفساد، هو التشكيك في حزمة الإصلاحات التي قدمها رئيس الوزراء. فغرض هؤلاء ليس الإصلاح بل إعادة العراق إلى ما قبل 2003. واليوم أصدر الدكتور العبادي حزمة أخرى من الإجراءات، تقضي بـ(تخفيض الرواتب والرواتب التقاعدية للرئاسات الثلاث والوزراء والوكلاء ومن بدرجتهم والمستشارين والمدراء العامين، في حين اكد تطبيق القوانين العامة عليهم كموظفين في الدولة «دون استثناء».)(7)
كذلك أفادت الأنباء عن تصريح لرئيس هيئة النزاهة حسن الياسري، إن اغلب ملفات الفساد التي بدأت الهيئة بالتحقيق بها تخص 13 وزيراً و 80 شخصية بدرجة مدير عام، مبينا أن هؤلاء يعدون من ابرز "حيتان العراق” بحسب تعبيره.(8)
لذا نرى أن هذه الإجراءات وغيرها كثير نتوقع صدورها في قادم الأيام، لا بد وأن تساهم في معالجة مشكلة الفساد. وأن فساداً بهذه السعة والانتشار والعمق، لا يمكن التخلص منه بعصا سحرية وبين عشية وضحاياها وبالضجيج والمزايدات والمتاجرة بمظلومية الشعب.
كذلك هناك الحاجة الماسة إلى مساهمة جميع المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية، والجامعية، وعلماء النفس والاجتماع والمسرحيين وغيرهم، المشاركة في هذه الحملة وبصورة مستمرة لمكافحة الفساد، وأن لا يكتفي هؤلاء بالجلوس على التل ونقد الفساد وإلقاء المسؤولية على من تورطه الأقدار بوضعه رئيساً لمجلس الوزراء. فمحاربة الفساد مسؤولية الجميع.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- قائمة الافتراءات على المالكي والعراق الجديد بصورة عامة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=698

2- - قائمة أثرى أثرياء العراق كشف تقرير أمريكي... - حملة كلنا عراق .
https://ar-ar.facebook.com/permalink.php?story_fbid=692083767577336&id=372753429510373

3- عادل عبد المهدي: مجموع موازنات العراق بلغ 850 مليار دولار وأبواب الفساد ثلاثة
http://n.annabaa.org/news1176

4- عدنان حاتم السعدي: مدينة الكاظمية تئن وتتوجع من سطوة سيد حسين اسماعيل الصدر
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=482751
5- الصدر يطالب القضاء بـ"إثبات نزاهته" في قضية رحيم العكيلي ويصفه بـ"المظلوم"
http://www.akhbaar.org/home/2015/9/197677.html
6- المالكي: محافظ الموصل اثيل النجيفي كان له تنسيق مع داعش و الموصل ساقطة منذ فترة
https://www.youtube.com/watch?v=zsCKyFLg7Rg&app=desktop
7- تخفيض الرواتب والتقاعد للرئاسات والوزراء
http://www.akhbaar.org/home/2015/9/197687.html

8- منظمة بدر تعارض الاتهامات غير المؤكدة وتعدها محاولة للتسقيط السياسي
http://www.akhbaar.org/home/2015/9/197694.html




210
من المسؤول عن مأساة السوريين الفارين إلى الغرب؟

د.عبدالخالق حسين

صار الطفل السوري إيلان، أو(غيلان) عبدالله الكردي(1)، الذي عُثر على جثته على الشاطئ التركي رمزاً لمأساة الشعب السوري واللاجئين السوريين الذين يفرون من جحيم الإرهاب الإسلامي السني الوهابي، الذي حول هذا البلد الجميل إلى خرائب وأنقاض، وجعل شعبه عرضة للقتل والنهب والاغتصاب والتشريد، وضحية للمتاجرين بالبشر من أصحاب الضمائر الميتة، وطعاماً لأسماك القرش في البحر المتوسط، وهم يخاطرون بحياتهم في زوارق مطاطية، هروباً من بلاد المسلمين للوصول إلى أقرب ساحل أوربي، أملاً بالعيش بكرامة وأمان ومستقبل أفضل، لهم ولأطفالهم في بلاد "الكفار".

لم يكن الطفل إيلان الذي غرق مع أخيه وأمه هو الأول، ولا الأخير، في هذه المأساة، فقد غرق في الأشهر الماضية من هذا العام (2015)، نحو ألفين ومن مختلف الأعمار، أي ضعف العدد في العام الماضي. وبينهم مئات الأطفال لم تجرف أمواج البحر جثثهم إلى سواحل البحر المتوسط لتؤخذ لها الصور لتفضح وحشية البشر، ولكن صورة جثة إيلان وتصريحات والده هزت الضمير العالمي في كل مكان ليغيروا مواقفهم من اللاجئين البؤساء الهاربين من الإرهاب الوهابي. والمشكلة أن الذين دمروا سوريا وتسببوا في تشريد نصف شعبها في الداخل والخارج، يحاولون توظيف هذه المأساة البشرية لمصلحتهم، ليقولوا للعالم أن هؤلاء يفرون من جحيم بشار الأسد، دون الإشارة إلى وحشية وهمجية التنظيمات الإرهابية الوهابية التكفيرية مثل داعش، وجبهة النصرة، وأحرار الشام وغيرها من فروع القاعدة الأم، والمدعومة بالمال والسلاح والخبرة من السعودية وقطر وتركيا، وبمباركة من أمريكا وإسرائيل. كانت جثة إيلان ثمناً باهظاً لإيقاظ الضمير العالمي وفضح الطغاة من حكام دول البترودولار الذين استخدموا ثرواتهم ضد الإنسانية والحضارة البشرية.

إن محنة المهاجرين السوريين وغير السوريين، التي تواجه أمريكا والدول الأوربية اليوم، هي نتاج سياسات طائشة لهذه الدول الغربية في تدمير المنطقة ولصالح إسرائيل. نعم هناك مظالم في الدول العربية نتيجة الأنظمة الديكتاتورية، ومنها نظام بشار الأسد، والتي أدت إلى انفجار الشعوب في انتفاضات (الربيع العربي)، لإقامة أنظمة ديمقراطية تحترم شعوبها. ولكن قوى الشر بما تتمتع به من خبرة وخبث ودهاء، نجحت في ركوب الموجة واستغلال غضب الجماهير العربية، وتحريفها عن أغراضها النبيلة، لتوجهها إلى أغراض شريرة لتدمير بلدانها.

نعم، نظام بشار الأسد هو دكتاتوري وخارج الزمن، و ساهم هو الآخر في تدمير العراق بإيواء الإرهابيين وتدريبهم وتنظيمهم و إرسالهم إلى العراق لقتل شعبه وتدمير ممتلاكته، إلى أن انقلب السحر على الساحر. وقد كتبنا ونصحنا هؤلاء القادة ومنهم بشار، أن يجنبوا أنفسهم من مصير صدام حسين، وذلك بتبني طريقة غروباتشوف في الإصلاح السياسي، ويقودوا عملية التحولات السلمية التدريجية بأنفسهم ليوفروا على أنفسهم وشعوبهم ما حصل في العراق والصومال من قبل. ولكن لا حياة لمن تنادي. فركبوا رؤوسهم وكان ما كان. 

على أية حال، وبعد أن وقع الفأس في الرأس، نقول أن سبب فرار السوريين، أيها السادة، هو ليس "جحيم" بشار الأسد، بل جحيم الإرهاب الإسلامي السعودي –القطري- التركي المتوحش وبمباركة ودعم من أمريكا وإسرائيل. مرة أخرى نقول، أن كلامنا هذا ليس من باب نظرية المؤامرة لنلقي غسيلنا على شماعة الغرب وإسرائيل، كما يفعل الحكام العرب ليبرروا مظالمهم و تخلف شعوبهم، بل هناك حقائق أعترف بها الكتاب والباحثون والسياسيون الغربيون أنفسهم، و هناك شواهد حية مازالت طرية في الذاكرة تؤكد صحة ما نقول، وعلى سبيل المثال، قبل عامين طلب كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، من برلماناتهم تخويلاً لدعم "الثوار السوريين" "المعتدلين" بقصف القوات العسكرية السورية للإطاحة بنظام بشار الأسد، كما فعلوا بليبيا من قبل وتركوا شعبهاً فريسة للذئاب البشرية من العصابات الإرهابية التكفيرية. ولحسن الحظ، امتنع المشرعون في كلا البلدين منح هذا التخويل. و لما تدهورت الأمور وانكشفت حقيقة هذا الإرهاب المتوحش المدعوم غربياً وإقليميا، وطال الإرهاب حتى السواح الغربيين الأبرياء في تونس ومصر، راحت أمريكا وبريطانيا تقصف قواعد أعداء بشار الأسد من داعش، وجبهة النصرة، وأحرار الشام، وغيرهم من الوحوش البشرية التي لم يسلم منها حتى المعالم الحضارية القديمة، كما حصل أخيراً في آثار مدينة تدمر (Palmyra) السورية التاريخية.
لقد اتضحت الأمور الآن، ولا نحتاج إلى المزيد من الجهد لنثبت دور السعودية وقطر وتركيا في خلق ودعم التنظيمات اإرهابية التي دمرت سوريا والعراق، فالمئات من تقارير الصحف الغربية تشهد بذلك وبتكرار، والذي ينكر هذه الحقيقة فهو إما أعمى البصر والبصيرة، أو مجرم متعمد في التستر على الجناة الحقيقيين.
وآخر هذه الشهادة جاءت من الكاتب والصحفي الأمريكي الشهير، توماس فريدمان، المقرب من البيت الأبيض، في صحيفة نيويورك تايمز، في مقال له بعنوان تهكمي:(Our Radical Islamic BFF, Saudi Arabia)، أي (صديقنا الأفضل إلى الأبد المتطرف الإسلامي هو السعودية)(2). وخلاصة ما قاله فريدمان: "ان السعودية وليست إيران، هي التي تدعم الارهاب في العالم، وان واشنطن تتغاضى عن ذلك طمعا بالنفط السعودي... ". جاء مقال فريدمان ردا على مطالبات تقدم بها مائتان من جنرالات امريكيين متقاعدين، للكونغرس تدعو الى التصدي للاتفاقية النووية مع ايران بدعوى ان ايران تمول الارهاب العالمي". فتصوروا مدى تأثير اللوبي الإسرائيلي والخليجي على أمريكا. وربما ستكون لنا عودة في مقال لاحق في هذا الخصوص.

أما الدور الأمريكي في دعم الإرهاب الداعشي والقاعدي، فهناك شهادات كثيرة من المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، وقد ذكرنا مراراً ما جاء على لسان السيدة هيلاري كلنتون، المرشحة لرئاسة الجمهورية في هذا الخصوص، يرجى مشاهدة الفيديو في الرابط(3). كما و شهد مؤخراً نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، في مقابلة له مع CNN بمناسبة صدور كتاب له مع إبنته ليز، إعتبر أن الرئيس الحالي باراك أوباما هو المسؤول المباشر عن نشوء تنظيم “ داعش” الإرهابي.(4). وهل تريدون أدلة أخرى لتثبت حرص أمريكا على إبقاء الإرهاب في المنطقة؟ فها هو جون كيري، وزير خارجية أمريكا أعرب أمس (5 أيلول الجاري)، (عن قلق بلاده بشأن التقارير التي تفيد بوجود "تعزيزات عسكرية روسية وشيكة" في سوريا. محذراً نظيره الروسي  سيرغي لافروف، أن مثل هذا التطور يمكن أن يفاقم الحرب في سوريا، الأمر الذي يؤدي إلى ازدياد عدد اللاجئين وموت الأبرياء السوريين)(5). لاحظوا العبارة الأخيرة التي تبين مدى التلاعب بالألفاظ لإظهار الباطل بمظهر الحق. ودليل آخر، في العام الماضي طالب العراق أمريكا بإرسال الأسلحة التي دفعت الحكومة أثمانها لمحاربة داعش، رفض أوباما ذلك قائلاً : لا نساعد العراق في حربه على داعش طالما بقي المالكي رئيساً للحكومة!! ألا يعني هذا أن داعش صناعة أمريكية لتنفيذ ما تريده أمريكا في المنطقة؟

خلاصة القول، أن الملايين من السوريين يفرون من جحيم الإرهابيين التكفيريين المدعومين من السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل وأمريكا، ورجال الدين الوهابيين المحرضين على الفتن الطائفية من أمثال القرضاوي وغيره، وليس من نظام بشار الأسد، كما يدعي بعض السياسيين الغربيين، والإعلام العربي الخليجي المضلل. أما الغرض من الضربات التي توجهها القوات الجوية الأمريكية على قواعد داعش في سوريا والعراق، فهي ليست للقضاء عليها نهائياً، بل لإبقائها ضمن حدود معينة، لا تستطيع الخروج منها وتتجاوز الخطوط المرسومة لها مسبقاً.
وعلى الحكومة السورية، والحكومة العراقية مقاضاة هذه الدول، وخاصة السعودية وقطر وتركيا، في الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى، بما جلبته من كوارث و مآسي إنسانية، وخسائر بشرية ومادية على الشعبين العراقي والسوري.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- والد الطفل السوري إيلان لـ CNN: سوف أجلس بجوار قبر أولادي لقراءة القرآن حتى الموت.. ولا أريد أي شيء من العالم
http://www.akhbaar.org/home/2015/9/197397.html

2- Thomas L. Friedman: Our Radical Islamic BFF, Saudi Arabia
http://www.nytimes.com/2015/09/02/opinion/thomas-friedman-our-radical-islamic-bff-saudi-arabia.html?emc=eta1&_r=0
 
 3- هيلارى كلينتون تعترف اعتراف خطير يخص مصر...تعرف على المفاجأة بالتفاصيل..!
https://www.youtube.com/watch?v=0uCgSxfCbTg

4- ديك تشيني: باراك أوباما هو المسؤول عن نشوء داعش
http://arabic.cnn.com/world/2015/09/01/wd-010915-cheney-iraq-isis

5-  كيري يعرب عن قلق واشنطن من "التعزيزات العسكرية الروسية" في سوريا
http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2015/09/150905_kerry_lavrov_concerns_military_buildup

6- أفضل الشامي: بين (اعتصامات) الشارع السُنّي، و(تظاهرات) الشارع الشيعي.. رؤية عراقية مقارنة
http://www.akhbaar.org/home/2015/9/197459.html

7- دريد لحام للرئيس الأسد : كنت أحبك أما الأن يا سيدي فقد انقلب حبي !!
http://www.shaamtimes.net/news-detailz.php?id=37683





211
البديل عن حكومة الطوارئ
د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الأخير الموسوم (مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ)(1)، وكالعادة، استلمت الكثير من التعليقات المؤيدة والمعارضة، وهذه حالة صحية لإثارة الجدال، وتبادل الأفكار بغية إيجاد حلول ناجعة للأزمات العراقية المستفحلة. ومن هذه التعليقات مقال للصديق الدكتور مؤيد عبدالستار، بعنوان: (العبادي مكبل اليدين وفي فمه ماء ... تعليق على مقال: مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ للدكتور عبد الخالق حسين) (2). كما واستلمتُ رسالة من الصديق الكاتب الدكتور فخري مشكور، يؤيدني على ما جاء في المقال، مع اقتراح (لو تتحفونا بالحل البديل في مقال آخر)، إضافة إلى تعليقات أخرى أغلبها محفزة على مواصلة السجال. والحقيقة إن العراق يعاني الآن من آلام المخاض العسير لولادة مجتمع عراقي جديد، ليتخلص تدريجياً من ذله وتخلفه، وصراعاته وتراكمات القرون الماضية من المظالم.

إن العراق يواجه اليوم وبشكل حاد ما وصفه عالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي بـ(التناشز الاجتماعي)، ففي الانعطافات التاريخية العاصفة، ينشق المجتمع إلى جبهتين، جبهة مع التغيير، في حالتنا الراهنة نحو الديمقراطية، وجبهة أخرى ضد التغيير تريد إبقاء ما كان على ما كان، أي ضد الديمقراطية. ولذلك تسعى الجبهة الرافضة للتغيير إلى نشر الفوضى والإرهاب والفساد واعتبارها صفة ملازمة للديمقراطية.
فأنصار التحولات في عجلة من أمرهم يريدون تحويل العراق إلى دولة عصرية ديمقراطية من طراز دول العالم الأول، وفي الطرف الآخر قوى ظلامية إرهابية مضادة اتخذت من الإسلام أيديولوجيا وذريعة لإرهابها، تريد إعادة العراق 14 قرناً إلى الوراء، مستخدمة أبشع أنواع الإرهاب وحشية وهمجية وقسوة. والمفارقة أن القوى الظلامية تتلقى الدعم من الحكومات الخليجية الغنية، وبمباركة من أمريكا. والمشكلة أنه عندما نذكر أمريكا في هذه اللعبة القذرة، يتهمنا البعض بأننا نؤمن بنظرية المؤامرة، في الوقت الذي اعترفت فيه حتى هيلاري كلنتون، المرشحة لرئاسة الدولة، بدور بلادها في خلق طالبان والقاعدة وداعش وغيرها من العصابات الإرهابية الهمجية البربرية.

هل حكومة الطوارئ ممكنة؟
المقصود بحكومة الطوارئ هو: حل البرلمان، وحل الحكومة، وإلغاء الدستور، وتشكيل حكومة من التكنوقراط المستقلين، يعني العودة إلى المربع الأول. فيطرح الأخوة هذه الاقتراحات التي قد تبدو جميلة نظرياً ولكنها مستحيلة عملياً. وعندما نقول لهم أن هذه المقترحات غير ممكنة التطبيق، يتهموننا بالتخلي عن مواقفنا التقدمية. فلو كانت حكومة الطوارئ هذه ممكنة عملياً في الظروف العراقي الراهنة، لكنت من أول الداعين لها والمرحبين بها، لأنها الأسرع في حل المشاكل التي يعاني منها الشعب، كما رحبنا بإجراءات المشير عبدالفتاح السيسي في مصر، الذي أطاح بحكومة الإخواني محمد مرسي في عام 2013، بعد انتفاضة الشعب المصري. فبعمله البطولي هذا، انقذ السيسي ليس مصر وحدها فحسب، بل و أنقذ العالم كله من نظام فاشي إسلامي لا يقل خطورة على السلام العالمي من النازية الهتلرية، فتصوروا لو أن شخصاً مثل السيسي ظهر في ألمانيا النازية في أوائل حكم هتلر، وقام بانقلاب عليه لأنقذ الشعب الألماني والعالم كله من شرور النازية الهتلرية والحرب العالمية الثانية.

ولكن كما ذكرنا في مقالنا السابق، إن ظروف العراق تختلف كلياً عن ظروف مصر، ولا يمكن استنساخ التجارب. فحكومة الطوارئ هي أشبه بحكومة انقلاب عسكري، لذلك تحتاج إلى قائد مدعوم من القوات المسلحة ذات الانضباط العسكري الحديدي، وشعب متجانس ومتماسك، ودون أن يواجه قوى إرهابية وتدخلات أجنبية.
أما العراق فعلى العكس تماماً من مصر، حيث شعبه منقسم على نفسه ومتعادي فيما بينه، وثلث مساحته محتل من القوى الإرهابية (داعش). ولنكن واقعيين، فهذه القوى الإرهابية المحتلة تتمتع بتأييد من قبل قطاع واسع من السكان كرها للديمقراطية. أما الجيش، فكما قال عنه فريد زكريا، المعلق الأميركي في مقالة نشرتها واشنطن بوست: "انه لم يعد هنالك أحد في العراق مستعدا للقتال من أجل العراق نفسه. ليس الأمر نقصا في رغبة القتال بشراسة...فالكرد يقاتلون بشراسة من أجل كردستان، والشيعة يقاتلون باصرار من أجل اهلهم، والسنة المنتمون الى تنظيم الدولة الاسلامية يقتلون ويموتون من أجل قضيتهم. لكن لا أحد يبدو مستعداً للقتال من اجل العراق". و يستنتج زكريا "ان المشكلة الحقيقية لا تكمن في انهيار الجيش العراقي، بل في انهيار العراق."(3)

أما القوى السياسية فهي الأكثر انقساماً وتصارعاً ، و ولاءها ليس للعراق، بل لأية حكومة خارجية تقدم لها الدعم المالي والإعلامي والعسكري. هذا هو وضع العراق باختصار شديد، لذلك فالدكتور حيدر العبادي "...مكبل اليدين وفي فمه ماء.."(2)، فهو رجل مدني، ينتمي إلى (حزب الدعوة الإسلامية)، الذي يبدو أنه يعاني من انقسام الولاءات بين قياديه، وكتلته (التحالف الوطني)، هي الآخرى منقسمة على نفسها، وتعاني من صراعات ومنافسات شرسة على الزعامة و المناصب، والمنافع والنفوذ. إضافة إلى تدخلات خارجية فضة من قبل دول الجوار وحتى من أمريكا عن طريق دعم الإرهاب، تستطيع بها أن تغير الموازين في صالح الجهة التي تمنح تنازلات أكثر لهذه القوى الخارجية على حساب الشعب العراقي ووحدته الوطنية. وعليه، وكما استنتجنا في المقال السابق فإن (حكومة الطوارئ)، رغم أنها تبدو الحل الأمثل والأفضل للعراق نظرياً، إلا إنها غير ممكنة عملياً.

ما البديل عن حكومة الطوارئ؟
البديل هو الاعتراف بالأمر الواقع، إذ لا يصح إلا الصحيح الممكن، فمشاكل العراق كثيرة، ولا يمكن حلها بعصا سحرية بين عشية وضحاياها، ومعجزة كن فيكون. كذلك يجب أن نخفف من غلواء التحريض ضد النظام الديمقراطي، وإثارة المجتمع والمزايدة بمآسي الناس، فالمواطن العراقي هو مشحون أصلاً بجرعة ضخمة من المشاعر العدائية ضد الحكومة منذ الرضاعة، وأية حكومة كانت. وأن لا ننخدع بما تنشره مصانع فلول البعث والإعلام المضاد من إشاعات مسمومة وأكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان ضد العراق الجديد. فالملاحظ أن الحملة مركزة لإلقاء اللوم في الفساد على السياسيين الشيعة فقط، وكأن سياسيي كردستان و"سنستان" براء من أي فساد. كذلك يجب عدم التساهل مع أية جهة إعلامية تنشر الأكاذيب والأباطيل لتضليل المجتمع، والتحريض على إشعال الفتن الطائفية. فحرية التعبير لا تعني حرية التضليل ونشر الأكاذيب والإشاعات المسمومة.

إن حزمة الإصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي، وصادق عليها البرلمان، يجب تنفيذها بالسرعة الممكنة وبلا تردد، وفضح كل من يحاول عرقلتها ومهما كان. وهنا أتفق مع الكاتب الأخ عبدالصاحب الناصر في مقاله القيم: (يجب تسمية الفاسدين وفضحهمName and Shame).(4)

كذلك، أقترح على الدكتور حيدر العبادي، كرئيس لمجلس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة، أن يذهب إلى البرلمان ويواجههم بالحقيقة المرة ، أن البلاد مقبلة على كارثة اقتصادية، بسبب انهيار أسعار النفط من 150 دولار للبرميل قبل عامين إلى نحو 40 دولار اليوم. ويصارحهم بأنه لا يمكن أن يحقق أي إصلاح ويداه مكبلتان، لذلك عليه أن يطالبهم بمنحه حرية اختيار وزراء حكومته ومحاسبة الفاسدين. فوضع العراق هو الوحيد في العالم حيث تفرض على رئيس الوزراء أشخاص بعضهم غير أكفاء. لذا فمن حقه أن يختار الأفضل من الكتل السياسية المشاركة في الحكومة، وأي وزير أثبت فشله بعد فترة ستة أشهر، من حق رئيس الوزراء إعفاءه من منصبه.
* كذلك محاسبة المسؤولين على الفساد وإعلان سياسة التقشف في صرفيات الدولة.
*مطالبة شرطة الانتربول بملاحقة جميع الذين سرقوا أموال العراق من أمثال حازم الشعلان وأيهم السامرائي وغيرهما وتسليمهم إلى العراق.
* استرجاع جميع الأراضي والممتلكات العامة التي استحوذت عليها الكيانات السياسية والأسر المتنفذة دون وجه حق.
* يجب حصر المحاصصة على تشكيل مجلس الوزراء فقط، وهذا ما يجري في الحكومات الإئتلافية في الأنظمة الديمقراطية، حيث تتناسب حصة كل كتلة في مجلس الوزراء مع نسبة مقاعدها في مجلس البرلمان. وهذا ما يسمونه بحكومة الشراكة(partnership) ولا بد منه. ولكن يجب أن تتحرر مؤسسات الدولة الأخرى (civil servants) من هذه المحاصصة، و أن يعتمد التعيين على الكفاءة، ومبدأ (الشخص المناسب في المكان المناسب)، لذلك فليس شرطاً أن يكون رئيس أركان الجيش كردياً كما يطالب به النواب الكرد.
* تطهير القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من المتخاذلين، ومحاكمة الضباط الذين سلموا الموصل والأنبار إلى داعش،
* قطع جميع التخصيصات المالية عن المناطق المحتلة من قبل داعش، لأن هذه الأموال تذهب إلى داعش، فالعراق هو البلد الوحيد الذي يمد عدوه بالمال والسلاح، وهذه مأساة ومهزلة في آن.
* تخفيض رواتب المسؤلين الوزراء والبرلمانين، والمدراء العامين وكذلك رواتبهم التقاعدية.

لا شك أن هناك إجراءات أخرى كثيرة يمكن أن تساعد على حل الأزمة العراقية، وهنا أتفق مع الصديق أياد السماوي في عدد من الاجراءات التقشفية التي ذكرها في مقاله الموسوم: (ما العمل لمواجهة الكارثة المحدقة بالبلد ؟؟؟) جدير بالاعتبار(5)
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة بالمقال
1- عبدالخالق حسين: مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=790

2- مؤيد عبد الستار: العبادي مكبل اليدين وفي فمه ماء ..... تعليق على مقال : مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ للدكتور عبد الخالق حسين
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=482938

3- حارث حسن: عن "الجيش الذي لا يقاتل"..مثال العراق
http://arabi.assafir.com/article.asp?aid=3174&refsite=facebook&reftype=sharebutton&refzone=like

4- عبد الصاحب الناصر: يجب تسمية الفاسدين وفضحهم (Name and shame)
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/197226.html

5- أياد السماوي: ما العمل لمواجهة الكارثة المحدقة بالبلد ؟؟؟
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/196912.html




212
مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ
د.عبدالخالق حسين

منذ انطلاقة التظاهرات الشعبية الأخيرة في بغداد، ومحافظات الوسط والجنوب ضد الفساد ونقص الخدمات، وتجاوب المرجعية الدينية معها، ومطالبتها للحكومة بالإصلاح السياسي والإداري،
واستجابة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي لهذه النداءات بإصداره حزمة من الاصلاحات، وتصويت البرلمان عليها، رحنا نقرأ مقالات وبيانات وتصريحات من كتاب وسياسيين لا نشك في إخلاصهم للوطن، وحرصهم على إنجاح العملية السياسية، يحاولون الانتقاص من هذه الإصلاحات، ويطالبون بدلاً عنها، اتخاذ إجراءات جذرية وثورية لمواجهة الفساد، من بينها: حل البرلمان والحكومة ومجالس المحافظات وإلغاء الدستور، وإعلان حكومة طوارئ...الخ. بحجة أن البرلمان فاشل، والنواب هم سبب الفساد، متعكزين على مقولات مأثورة مثل: (فاقد الشيء لا يعطيه)، إلى آخره من المقولات التي يمكن أن يستخدمها أي شخص ضد أي كان، فهذه المقولات حمالة أوجه.

فهل هذه المطالبات صحيحة وقابلة للتنفيذ؟
من المؤسف القول أن العديد من هذه المطالبات، مثل (حل البرلمان والحكومة وإلغاء الدستور)، كانت ضمن شعارات الاعتصامات سيئة الصيت التي كان يقودها البعثيون الدواعش في ساحات المناطق الغربية... إضافة إلى مطالباتهم الأخرى مثل إلغاء قانون مكافحة الإرهاب، وإطلاق السجناء المحكومين بالإرهاب...الخ. ولكن أن تصدر هذه المطالبات من كتاب وسياسيين لا نشك بوطنيتهم وحرصهم على مصلحة الشعب، فهو أمر يثير الاستغراب، ويبدو أنهم نتيجة حرصهم الشديد على الاصلاحات الجذرية والثورية السريعة، وقعوا في الفخ الذي نصبه لهم قادة الاعتصامات. إذ كما تفيد الحكمة: (الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة).   

لذلك نود مناقشة هؤلاء الأخوة بهدوء، ونرجو منهم أن تتسع صدورهم لها، فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
أولاً، إن أقل ما يقال عن هذه المطالبات، هي على الضد من النظام الديمقراطي، و لا يمكن تنفيذها إلا في الأنظمة الدكتاتورية التي تأسست بانقلابات عسكرية. وعهد الانقلابات قد ولىّ ولا يمكن أن يعود، لا الآن، ولا في المستقبل المنظور.
ثانياً، أن التدهور الذي يعيشه العراق من إرهاب وفساد وصراعات بين القوى السياسية، ومكونات الشعب الأثنية والدينية، هو نتاج عوامل تاريخية عديدة. فوضع العراق الهش لا يتحمل المزيد من التدهور، حيث ثلث مساحته محتل من قبل عصابات داعش الإرهابية، إضافة إلى كونه مهدد من قبل دول الجوار، وأمريكا، الدول التي أسست داعش واتخذت منها أداة لتنفيذ أجندتها، وتدخلها في الشأن العراقي ودول المنطقة.
ثالثاً، قد يشبِّه البعض الحالة العراقية بما حصل في مصر من انتفاضة شعبية ضد حكومة الأخوان المسلمين برئاسة الدكتور محمد مرسي، الانتفاضة التي تكللت باستجابة الجيش بقيادة المشير عبدالفتاح السيسي، وإسقاط حكومة مرسي، وتشكيل حكومة الطوارئ ومن ثم إجراء انتخابات الرئاسية والبرلمانية والتي فاز بها المشير السيسي وأنصاره. وأنا من الذين رحبوا بهذه الاجراءات.
ولكن الحالة العراقية تختلف كلياً عن الحالة المصرية، ولذلك لا يمكن استنساخ التجربة المصرية في العراق كما حاول بعض الشيوعيين (الكفاح المسلح) في الستينات من القرن الماضي، استنساخ التشيفارية والثورة الكوبية في أهوار الجنوب والتي انتهت بكارثة، فلكل بلاد ظروفها وحلولها الخاصة لمشاكلها. 

رابعاً، والسؤال المهم هنا هو: من هو المخول بحل البرلمان والحكومة وإلغاء الدستور؟
فالبرلمان منتخب من الشعب ولأربع سنوات، وهو أعلى سلطة شرعية لتقرير مصير البلاد وإضفاء الشرعية على الحكومة ومهما كان نوعها. فلو أعيدت الانتخابات اليوم لفازت نفس الكتل السياسية، لأن الناس لا ينتخبون المرشحين الأفراد المستقلين ومهما كانوا يتمتعون بالنزاهة والكفاءة والإخلاص وحسن السيرة، والسمعة الحسنة، بل ينتخبون مرشحي الكيانات السياسية ذات برامج سياسية، والتي غالباً تمثل هوياتهم وانتماءاتهم الأثنية والدينية والمناطقية. وهذا متبع في جميع الدول الديمقراطية، العريقة وغير العريقة. فالذين يرفعون الشعارات التسقيطية ضد أعضاء البرلمان، ومنها شعارات بذيئة رفعها نفر قليل في ساحة التحرير ببغداد، لا يمكن أن أذكرها لأنها تخدش الحياء. ولا أشك أن وراء رفع هذه اللافتات البذيئة مندسون من البعثيين الدواعش الذين يستغلون هذه المظاهرات الشعبية و تجييرها لمصالحهم، وتحريفها عن أهدافها المشروعة، وإغراق البلاد في فوضى عارمة يستفيد منها فلول البعث ودواعشهم.

خامساً، وبغض النظر عن موقفنا من بعض البرلمانيين، شئنا أم أبينا، فالنواب ينتمون إلى مختلف الكتل السياسية ويمثلون مكونات شعبنا، وهم منتخبون من قبل الشعب العراقي. ومع احترامنا للتظاهرات الشعبية السلمية المشروعة وتأييدنا لها، إلا إننا نؤكد أن مصدر الشرعية هو صناديق الاقتراع، وليس الشعارات التي ترفع في التظاهرات. أما الذين يكيلون الشتائم البذيئة ضد أعضاء البرلمان وبدون تمييز، فهم يشتمون الشعب الذي انتخبهم، لأن النواب هم إفرازات الشعب، فيريدون بالتعميم، حرق الأخضر بسعر اليابس ودون أي تمييز بين الطيب والخبيث. وليس من حق أي شخص أن يدعي بأنه ينطق باسم الشعب ما لم يكن منتخباً منه، وإلا سادت الفوضى.

سادساً، يطالب السادة الأفاضل، بعد حل البرلمان والحكومة وإلغاء الدستور، بتشكيل حكومة طوارئ مؤلفة من "التكنوقراط النزيهين المستقلين" من خارج هذه الأحزاب "الفاسدة". هذا الطلب هو الآخر خيالي ومثالي لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، لأن ليس هناك من هو المخول، والعليم الفهيم بخفايا النفوس لاختيار هؤلاء "الملائكة"؟ ومن هو الحكيم العادل الذي يستطيع أن يحدد لنا النزيه من الفاسد ما لم يسلمه المسؤولية؟ فهذه الأحكام ذاتية (subjective)، فمن أراه نزيهاً قد يراه غيري فاسداً، وحتى لو اتفقنا على نزاهة فلان وعلان وهو خارج السلطة، قد يصبح فاسداً عندما تتوفر له الفرصة وهو في السلطة، وخاصة في حكومة طوارئ، حيث لا برلمان يراقب، ولا صحافة حرة تنتقد. فأغلب الوزراء الذين سرقوا أموال الشعب وهربوا بمنهوباتهم إلى الخارج، كانوا أيام المعارضة لا يشك أحد بسلوكهم، وأغلبهم كانوا من التكنوقراط المستقلين. فكما قال فولتير: "إذا تريد أن تعرف حقيقة الانسان أعطه سلطة ومال". وقال لورد أكتون: "السلطة تفسد، والسلطة المطلقة تفسد إفساداً مطلقاً". وما يؤكد ذلك أن أغلب الذين ترأسوا لجان النزاهة ومحاكمها في العراق فروا بعد فترة إلى الخارج من وجه العدالة لأنهم مطالَبون من القضاء بتهم الفساد.

و من كل ما تقدم، نستنتج أن الدعوة بحل البرلمان والحكومة وإعلان حكومة الطوارئ من "الأخيار التكنوقراط المستقلين الشرفاء النزيهين"، كلام مثالي لا يختلف عن المواعظ التي يصبها خطباء المساجد على رؤوس المسلمين لمئات السنين، ولو كان هناك تأثير عملي على سلوك البشر من هذه الخطابات المثالية والتمنيات الرغبوية، لكان المسلمون الآن ملائكة. ولكن رغم ذلك، فأعلى نسبة الفساد الظلم في العالم هي في بلاد المسلمين، بدليل أن المسلمين اليوم يشكلون أكبر خطر على البشرية بسبب إرهابهم المدمر، ويشكلون أعلى نسبة من الذين يفرون من بلدانهم ويجازفون بحياتهم بالغرق من أجل العيش في بلاد "الكفار" بشيء من الكرامة.
يقول المتنبي: والظلم من شيم النفوس فإن تجد...  ذا عفة فلعلة لا يظلم

ورغم مرور 12 سنة على ولادة الديمقراطية في العراق، فإنها مازالت حديثة وفي بدايتها، ويحاول أعداءها إجهاضها. فالديمقراطية تحمل معها أدوات تصحيح أخطائها ومسارها. لذلك لا يمكن للدكتور حيدر العبادي أن يتنصل من حزبه ويعلن حكومة الطوارئ كما يطالبه البعض بحجة أن الشعب معه. ولنا درس في التاريخ القريب، إذ كان الزعيم عبدالكريم قاسم يتمتع بأوسع شعبية في التاريخ، ومع ذلك أطاحت به شلة ضالة من العسكريين الذين أدخلوا العراق في نفق مظلم لحد الآن.
لذلك، أهيب بالأصدقاء من ذوي النوايا الحسنة أن يعيدوا النظر في دعواتهم في حل البرلمان والحكومة وإلغاء الدستور، لأن هذه المطالب لو تم تحقيقها فستوفر الفرصة الذهبية لفلول البعث الدواعش وغيرهم من أعداء العراق، لتحقيق مآربهم الجهنمية، وإغراق البلاد في فوضى عارمة يستفيد منها أعداء الشعب فقط، وستكون نسخة أخرى من انقلابهم الدموي في 8 شباط  1963 الأسود. 
نعم للإصلاح... كلا لإعلان حكومة الطوارئ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
حازم الامين في صحيفة الحياة اللندنية: مقتل رجل «داعش» الثاني: عودة إلى لحظة «التوحش» البعثية
http://alhayat.com/Opinion/Hazem-AlAmin/10866804?fb_action_ids=953026588090282&fb_action_types=og.likes&action_object_map=%5B879410798775152%5D&action_type_map=%5B%22og.likes%22%5D&action_ref_map=%5B%5D#.VePD-fH6re8.gmail


213
حذار من تحريف التظاهرات عن أغراضها المشروعة

د.عبدالخالق حسين

نحن نعيش في عصر التقنية المعلوماتية المتطورة التي هي سلاح ذو حدين، يمكن استعماله للخير والشر. وتعقيدات الوضع العراقي، والتشويش الفكري، واستعداد العقلية العراقية لتقبل الإشاعات المسمومة والتصديق بها، تساعد أعداء العملية السياسية في تضليل الجماهير وقيادتهم ضد مصالحهم، بنشر الأكاذيب والمتاجرة بمعاناة الناس من شرور الفساد ونقص الخدمات والبطالة...الخ. فخلال 40 سنة من حكم الفاشية، عمل البعث الصدامي على تدمير النسيج الاجتماعي وبلبلة الفكر والوعي، وتخريب عقلية المجتمع العراقي وترويضه، واستخدام سياسة (فرق تسد)، ونشر العداء بين مكوناته، بحيث صار لا يصلح لحكمه إلا بالقبضة الحديدية البعثية. ولذلك لما سقط حكم القمع الدموي استغل فلول النظام الساقط، ومن يدعمهم في الداخل والخارج، الوضع الديمقراطي، لنشر الفوضى العارمة في العراق في محاولة منهم لإعادة التاريخ إلى الوراء.
لا يختلف اثنان أن الشعب العراقي، وبعد كل هذا الخراب لخمسة عقود، يواجه أزمات كثيرة، منها نقص الخدمات، وتفشي الفساد، والإرهاب، وأن هناك نسبة غير قليلة من السياسيين الفاسدين في الدولة، ساهموا في صنع هذه الأزمات. ومن حق الجماهير أن تغضب وتخرج إلى الساحات والشوارع لتعرب عن غضبها وسخطها في تظاهرات سلمية، ومطالبة المسؤولين بحل هذه الأزمات بأسرع وقت ممكن، وهو حق مشروع كفله لهم الدستور والنظام الديمقراطي.
ولكن الملاحظ ، أن هناك محاولات من قبل جهات عديدة مشبوهة، أغلبها مشاركة في السلطة، همهم الوحيد هو خلق هذه الأزمات وعن قصد، لإفشال العملية السياسية. يحاول هؤلاء الآن توظيف السخط الشعبي لحرف التظاهرات عن مسارها الوطني وأغراضها المشروعة، وجعلها تخدم أغراضهم السياسية الفئوية، وضد مصالح الجماهير المحرومة من الخدمات. فجماعة مقتدى الصدر والحكيم مثلاً، لهم حصة الأسد في الحكومة، ولكنهم أصدروا أوامر لجماهيرهم بالمشاركة في هذه التظاهرات، والغرض واضح وهو تبرئة ممثليهم في الحكومة من التقصير، وتجيير هذه التظاهرات لمصالحهم الحزبية.

كذلك يحاول البعثيون وحلفاؤهم من الذين أقاموا الاعتصامات في الماضي القريب، الادعاء بأن هذه التظاهرات في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب هي امتداد لاعتصاماتهم في المناطق الغربية. والحقيقة هناك فرق شاسع بين هذه وتلك. فالاعتصامات قادها البعثيون الدواعش، ورفعوا شعارات لإسقاط الحكومة وإلغاء الدستور وحل البرلمان ... الخ، من أجل إعادة حكم البعث المقبور وتحت اسم آخر بحجة العزل والتهميش! وأقاموا في تلك الساحات ورشات لتفخيخ السيارات لقتل الجماهير في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، إضافة إلى رفعهم شعارات طائفية فاشية بذيئة، و صور المقبور صدام حسين وأعلام السعودية. وكانت تلك الاعتصامات عبارة عن الخطوات التمهيدية لفصل المناطق الغربية (السنية) عن الحكومة المركزية بذريعة احتلالها من قبل داعش. وما لعبة داعش إلا غطاء تستخدمه فلول البعث والشركاء من المناطق الغربية، وبدعم من حكومات خارجية معروفة، لإرباك الحكومة المركزية وإشغالها في حروب استنزاف طويلة الأمد لتدمير الطاقات البشرية والمادية.

أما تظاهرات اليوم في بغداد، ومحافظات الوسط والجنوب، فأهدافها مشروعة وقابلة للتنفيذ وهي: إصلاح الحكومة وليس هدمها(1)، ومحاربة الفساد والرشوة، وتحسين الخدمات، وإيجاد العمل للعاطلين...الخ. هذه المطالب مشروعة أيدتها المرجعيات الدينية، والحكومة نفسها، بإصدار حزمة من الإصلاحات.
ولذلك يحاول قادة الاعتصامات السابقة الصيد بالماء العكر، وإيجاد موطئ قدم لهم وذلك باختراق هذه التظاهرات، ورفع شعارات تحريضية ضد الحكومة المنتخبة، وإسقاطها، بل وحتى ضد المرجعية الدينية، لحرق الأخضر بسعر اليابس، وكأن جميع السياسيين من أعضاء الحكومة والبرلمان فاسدون يجب اقتلاعهم من الأساس، وأن الوضع الحالي هو أسوأ بكثير من عهد صدام... وخلق انطباع أن الفساد ونقص الخدمات متركزان في محافظات الوسط والجنوب (الشيعية)، وكأن المحافظات الكردستانية والسنية ليس فيها فساد ولا شحة خدمات! ولا شك أن هذه الشعارات تحاول إلقاء الفساد على السياسيين من المكون الشيعي فقط، وتبرئة السياسيين من المكونات الأخرى من الفساد. وهذا تحايل طائفي خطير يجب على جميع الوطنيين الشرفاء الانتباه إليه و مواجهته وفضحه وإجهاضه.(2)

وفي هذا الخصوص أتفق كلياً مع الدكتور فخري مشكور في مقاله القيم، قال فيه: ((فالسياسيون في هذين الثلثين "الاكراد والمهمشون!" تآمروا ويتآمرون مع تركيا والخليج والاردن على دعم الارهاب وتمكين داعش وتمزيق العراق وسرقته وإضعاف جيشه واشغاله بالفتن الداخلية او بالانفصال والتمزيق. ان الفساد في العراق مثلث، اضلاعه الشيعة والسنة والاكراد، ولم يدّع الاكراد والسنة انهم متدينون، ولا رفعوا شعارات الدين والمرجعية، ولذا فان شعار (باسم الدين باكونا الحرامية) يزكّي الاكراد والمهمشين! ويدفع عنهم جرافة الاصلاح التي يراد لها ان تزحف على ثلث الفاسدين (الشيعة) دون الثلثين الآخرين (الاكراد والسنة)...ما دلالة هذه الانتقائية؟ هل عندكم من علمٍ فتخرجوه لنا ؟). ويضيف الكاتب: (ان الفساد شمل كل محافظات العراق في الشمال والجنوب والوسط والغرب، لكن اللافت ان الذين خرجوا الى الشوارع للمطالبة بالاصلاح هم ابناء الوسط والجنوب فقط... هل يعني هذا ان المحافظات الشمالية او المحافظات الغربية خالية من الفساد؟ متى ستنطلق تظاهرات في المحافظات الكردية تهتف: "بالاقليم باكونا الحرامية؟" متى ستنطلق تظاهرات في المحافظات الغربية تهتف: "بالتهميش باكونا الحرامية؟")(3)

خلاصة القول، إن الفساد متأصل في مفاصل الدولة العراقية، لا يقل خطورة عن الإرهاب. ومن حق الجماهير أن تنطلق بتظاهرات احتجاجية سلمية التي كفلها لهم الدستور. ولكن في نفس الوقت نحذر من محاولات قوى الظلام من فلول البعث الداعشي، وحلفائهم ،وبتخطيط دعم قوى خارجية معروفة في عدائها للعراق، اختراق هذه التظاهرات وحرفها عن مسارها الوطني وأغراضها المشروعة، و تجييرها لضرب العملية السياسية وإجهاض الديمقراطية. ففي مؤامرتهم يوم 8 شباط 1963 جاءت دبابات المتآمرين وهم يحملون صور الزعيم عبدالكريم قاسم ويهتفون (ماكو زعيم إلا كريم) لتسمح لهم الجماهير المؤيدة للزعيم بالتوجه نحو وزارة الدفاع وحمايته، وتبين أنهم كانوا من المتآمرين وقاموا بإسقاط أشرف نظام وطني عرفه العراق في تاريخه الحديث. فهؤلاء الأشرار يتمتعون بخبرات هائلة، ولهم القدرة على التلون والتلاعب بعقول الناس، فحذار من أحابيلهم الشريرة وحيلهم الشيطانية.
29/8/2015
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- سالم مشكور: إصلاح وليس تهديماً
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/197046.html

2- مصادر: الدباس انفق 150 الف دولار على مندسين لحرف التظاهرات عن مسارها
http://www.sumer.news/ar/news/1794/%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%AF

3- د. فخري مشكور: من المسؤول عن الفساد ؟
https://www.facebook.com/fa.ma.77985/posts/1001815633182708


214
حوار مع القراء حول سقوط الموصل

د.عبدالخالق حسين

لا شك أني استفيد كثيراً من تعليقات القراء لأنها تشكل أحد أهم مصادر الكتابة. وقد خصص العديد من مواقع الانترنت، ومنها صحيفة (الحوار المتمدن)، نافذة خاصة للتعليقات في نهاية كل مقال، وللكاتب الحق في حجب التعليقات أو السماح لها، إضافة إلى ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك و تويتر، ومجموعات النقاش، و رسائل الإيميل.. الخ. وهذه الوسائل مفيدة جداً في التفاعل بين القراء والكتاب، خاصة إذا التزم الجانبان بأدب الحوار، وتمسكا بالمنطق والعقل في الحوار، متوخين الوصول إلى الحقيقة.

ولكن المشكلة أن هذه التقنية المعلوماتية هي سلاح ذو حدين، فيستخدمه القراء الجادون للخير، والأشرار المخربون للشر. فمهمة الكاتب أن يطرح رأيه بموضوع ما، مسنداً بالحجة والمنطق، والمعلومات والتحليل، وعلى المتلقي الذي لا يتفق مع طرح الكاتب أن يتبع نفس الأسلوب إذا ما أراد نشر تعليقه. ولكن المؤسف أن يلجأ البعض إلى الإساءة في استخدام هذه الحرية فينشر بذاءات وشتائم وتسقيط، بدلاً من تفنيد رأي الكاتب بالحجة والدليل. وعلى سبيل المثال علق أحدهم على مقالي السابق الموسوم: (هل حقاً المالكي هو السبب في سقوط الموصل؟)(1)، قال أن أمريكا جندت ستة أشخاص من المصابين بالشذوذ الجنسي اللواطي والحيواني، وأرسلتهم لحكم العراق وأحدهم فلان الفلاني... ويريد من هيئة التحرير ومني السماح لنشر هذا النوع من القذف باسم الديمقراطية وحرية التعبير. وغالباً ما يكتب هؤلاء متخفين وراء أقنعة من الأسماء المستعارة، لأن لا أحد حريص على سمعته وشرفه يسمح بنشر هكذا بذاءات باسمه الصريح. وبالتأكيد أنا أرفض نشر هكذا تعليق، لأني لا أريد أن أجعل من مقالاتي بوابة للقذف والشتائم على الآخرين باسم حرية النشر. فلحرية النشر قواعدها وشروطها، ومن يريد أن ينشر هكذا بذاءات فليفتح له صحيفة على الفيسبوك وباسمه الصريح إذا كان شجاعاً، وينشر فيها ما يشاء، فالإناء بما فيه ينضح.

لا شك أن مقالي المشار إليه أعلاه، كان مثيراً للجدل، لأني تناولت فيه قضية خطيرة كتسليم الموصل إلى الإرهاب البعثي الداعشي من قبل الجيش والإدارة المحلية، وشخصية مثيرة للجدل مثل السيد نوري المالكي الذي وضعته الأقدار ليترأس السلطة التنفيذية لثمان سنوات في أسوأ وأخطر مرحلة من المراحل التاريخية والتحولات السياسية والاجتماعية العاصفة، حيث تراكم المشاكل عبر قرون وانفجارها كالبراكين في مثل هذه الظروف. وقد حصلتْ هذه الحالات في العراق مختلف الأزمنة التي حصلت فيها تحولات اجتماعية حادة مثل في عهد خلافة الإمام علي، وعهد ثورة 14 تموز 1958، بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم، وكذلك بعد تحرير العراق من أسوأ فاشية عام 2003.

وقد وصلني عدد كبير من رسائل الإيميل غالبيتها مؤيدة لمضمون المقال، وعدد آخر ضده، مع التزامهم بأدب الحوار، وأنا إذ أشكر الجميع على اهتمامهم بالموضوع من المؤدين والمعارضين، رأيت من المفيد مناقشة بعض هذه الآراء المعارضة. واخترت منها رسالة الصديق الدكتور رياض عبد، لأنها تمثل القاسم المشترك لمعظم الاعتراضات. وهو طبيب استشاري وأكاديمي متنور، مقيم في بريطانيا، أكن له كل الاحترام والتقدير، جاء في رسالته ما يلي:
((عزيزي عبدالخالق...
لا أخفيك أبداً انني قرأت مقالك بمنتهى الاستغراب والتعجب. فمالذي يدعو كاتب علماني ليبرالي عراقي يعيش في الغرب منذ اكثر من ثلاثة عقود، ويعي معنى ان على السياسي تحمل تبعات أعماله ان يدافع عن رئيس افسد حكومة عرفها التاريخ البشري؟ ناهيك عن خسارة العراق لثلث أراضيه تحت حكمه؟ وحتى لو كانت هناك مؤامرات او غيرها، فهذا لا يغير من الامر شيئاً لأن الحكم هو بنتائج الاعمال، والمالكي اقل ما يقال عنه هو انه فاشل بامتياز، وعلى الأغلب هو فاسد بامتياز كذلك (وباعترافه على الشاشات بانه ساكت على الفساد وذلك بتكراره القول ان لديه ملفات فساد لو كشفها سيقلب الأمور رأسا على عقب). وهذا الكلام ليس كلامي وإنما هو كلام العبادي الذي كتبتَ مقالاً مؤخراً تدعو فيه الى دعم حركته الإصلاحية. إصلاح ماذا؟ أليس إصلاح ما تركه المالكي من فوضى وفساد ودولة متهرئة؟ فلا يمكن ان تكون مع رأس الفساد ومع الإصلاح في آن واحد. أنا اعلم بالطبع انك قد نشرت مقالات عديدة دفاعاً عن المالكي ولكن لم أتوقع ان تستمر على هذا الخط مع الاحتجاجات العارمة في العراق والمطالبات الشعبية بالإصلاح الخ. على اي حال انت حر في آراءك. مع تحياتي واحتراماتي)). أنتهى

الجواب: ((عزيزي رياض ....
شكراُ على تعليقك الذي احترمه رغم أني لا أتفق معك فيه، فأنا أيضاً أستغرب من مثقف كبير مثلك، ومختص في الأمراض العقلية، ومتبحر في علم النفس، والفلسفة وعلم الاجتماع، وقراءتك لكل مؤلفات على الوردي، ورغم كل ذلك، تحاول شخصنة مشاكل العراق المتراكمة عبر قرون، وإلقائها على شخص واحد اسمه نوري المالكي. أنا أعتقد جازماً أنه لو جاء أعظم فيلسوف أو عالم في العلوم السياسية والاجتماعية في العالم، ومهما كان مثالاً في النزاهة والإخلاص ليحكم العراق، وبالأخص في الفترة التي حكم فيها نوري المالكي، لما استطاع أن يغير أي شيء من الوضع الحالي، و لكان العراق كما هو عليه الآن. باختصار شديد: العراق بعد كل هذا الخراب الذي تركه البعث الصدامي، غير قابل للحكم وخاصة في النظام الديمقراطي. فالبعث جعل العراق لا يمكن حكمه إلا بالدكتاتورية والقبضة الحديدية، ويحتاج إلى أجيال ليتخلص من هذه الآثار الصدامية المدمرة.
((فالمشاكل التي قام العبادي بإصلاحها كانت موجودة قبل أن يستلم المالكي رئاسة الوزارة، وليست من صنعه، ابتداءً من الإرهاب، والصراع الطائفي إلى المحاصصة، وتضخم الوزارات، وترهل الجهاز الإداري، وتفشي الفساد والرشوة...الخ.
((ربما سترد لتقول: ولماذا لم يبدأ المالكي بهذه الاصلاحات؟ الجواب واضح، لقد حاول المالكي ولكنه فشل لأن كل شيء مرهون بوقته، فلو لا التظاهرات الأخيرة ومطالبة المرجع السيد السيستاني، لما اتخذ العبادي هذه الاجراءات. وحتى في هذه المرحلة فنجاح مشروع العبادي لم يكن مضموناً، لأني كما قلت سابقاً، للفساد جيوش من المافيات والكتل السياسية وحكومات دولية وإقليمية تحميه.
((سُئل غورباتشوف: ما الفرق بينك وبين ألكساندر دوبجيك، فلماذا نجحت أنت في إصلاح النظام الشيوعي وفشل دوبجيك قبلك؟ فأجاب: الفرق 19 سنة. ويقصد بذلك التغيير الذي حصل في الظروف الموضوعية، وعقلية الناس بسبب عامل الزمن.
((لقد ذكرتُ في المقال كل الأدلة المادية المعروفة التي تؤكد صحة طروحاتي، ولكن مع ذلك فشلتُ في إقناعك وإقناع عدد آخر من القراء، ولكن يسعدني أن أقول أن المؤيدين للمقال أكثر عشرات المرات من المعارضين له. والمؤسف أن الخط الفاصل بين الفريقين غالباً هو الخلفية المذهبية والأيديولوجية، إذ كما قال ديفيد هيوم: "العقل في خدمة العاطفة". وقد كتبت مقالاً في العام الماضي بهذا العنوان(2). فالناس ومهما كانوا مثقفين، تحركهم عواطفهم، وليس العقل والمنطق. وهذه مشكلة فلسفية عويصة. ولا أبرئ نفسي من ذلك، ولكني أجهد قدر الإمكان أن أكون مع الحق والمنطق. مع التحيات)).

كما ويؤاخذ البعض على المالكي، أنه هدد بملفات الفساد، ولم يكشفها. وهذا صحيح، ولكن المالكي كشف العديد من هذه الملفات، فهناك الألوف منها في المحاكم الآن. ولكن الملاحظ أنه إذا ما كشف ملفاً انطلق كثير من الكتاب والسياسيين يدافعون عن المتهمين، ويلقون اللوم على المالكي " الفاشل والفاسد بامتياز". كذلك كشف المالكي الدور الإرهابي الذي لعبه كل من طارق الهاشمي، ورافع العيساوي، ومحمد الدايني، وغيرهم كثيرون، فهرب هؤلاء، ومنهم من لقي ملاذاً آمناً عند الشريك في السلطة، السيد مسعود بارزاني، وأسكنهم والمئات غيرهم من داعمي الإرهاب في فنادق خمس نجوم، وجعل أربيل عاصمة الإقليم، مركزاً لعقد مؤتمرات الإرهابيين ومن يدعمهم للتآمر على العراق. هؤلاء هم شركاء المالكي في السلطة المفروضون عليه، لهم رجل في الحكم وأخرى مع الإرهاب، ومدعومين من الدولة العظمى، أمريكا. ولهذا فالمالكي كان مكبلاً بهذه الأغلال، ويريدون منه دحر الإرهاب، وهم يدعمون الإرهاب، وأن يحارب الفساد، وهم الفاسدون ويدعمونه...الخ

كما وبعث لي صديق كويتي، وهو كاتب ليبرالي متميز، مقالاً كتبه وزير عراقي سابق ينصح فيه العبادي بكيفية محاربة الفساد ! وهو يريد أن يؤكد لي كيف كانت حكومة المالكي فاسدة. فتذكرت قصيدة أمير الشعراء، أحمد شوقي:
برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا
يمشى في الأرض يهدى ويسب الماكرينا

فأرسلت لللصديق مقالاً عن فساد هذا الوزير "الناصح الأمين"، وكيف سرق وهو الآن هارب من وجه العدالة. فرد عليِّ قائلاً: "أنا لا أعرف هذا الوزير ولا يهمني، ولكن كيف لا تزال على ثقتك وإيمانك بالمالكي ولا تزال تدافع عن ملكه وحكمه؟"
المشكلة أن الأخوة سامحهم الله يعتقدون أني أدافع عن المالكي. والحقيقة ليست كذلك، إذ لا تربطني به أية علاقة، ولست من الذين يؤلهون الأشخاص معاذ الله، بل أدافع عن عقلي، وأشعر بمسؤوليتي ككاتب أن أحمي القراء من التضليل، لأني أرفض أن أصدق الأكاذيب والافتراءات، والإشاعات السامة وتحميل الرجل مسؤولية الفساد والإرهاب في الوقت الذي نرى فيه أعداءه هم الفاسدين ومع الإرهابيين، وبعضهم أصدر القضاء حكم الإعدام بحقهم مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي ومحمد الدايني وغيرهم كثيرون.
ولكن كتحصيل حاصل جاء الدفاع عن الحقيقة في صالح المالكي. وعندما يُثبت لي هؤلاء بالأدلة المادية المقنعة أن المالكي فاسد وفاشل، سأكون في مقدمة المناهضين له. فلكوني علماني ديمقراطي ليبرالي حد النخاع، أعرف أنه لا يمكن للديمقراطي الحقيقي أن يرفض نتائج صناديق الاقتراع، ويطالب بإزاحة المالكي رغم أنه زعيم أكبر كتلة برلمانية، لأن قادة بقية الكتل ترفضه. ولما فشلوا في إزاحته بالوسائل الديمقراطية عن طريق البرلمان استنجدوا بالشيطان وعصابات داعش. وهذا خطأ فضيع يرقى إلى الجريمة الكبرى. ولا يمكن أن أهادن هؤلاء على حساب وعيي وضميري وأجري مع التيار، فالسمكة الميتة هي التي تطفو على السطح ويجرفها التيار. ففي العراق كل كاتب أو سياسي شيعي يعتبر طائفياً ما لم يشتم إيران والمالكي وغيره من قادة الشيعة من السياسيين الآخرين. يواجه العراق انهيار حضاري وفكري وأخلاقي، نتيجة 50 سنة من حكم الفاشية العربية التي كان البعث مثالها الأسوأ ورأس الحربة. وقد نشرتُ قبل سنوات مقالاً مطولاً عن هذا الخراب البشري في أربع حلقات، اختصرته مؤخراً إلى حلقتين، أدرج رابطه في الهامش.(3).

وآخرون كانوا ومازالوا يتحججون على المالكي أنه لما فشل في معالجة الفساد والإرهاب وسقوط الموصل، كان عليه أن يستقيل كما يحصل في الدول الديمقراطية العريقة. أنا لا أعتقد بصحة هذا الطرح، لأن العراق ليس بلداً مستقراً ومتقدماً وعريقاً في الديمقراطية، خاصة إذا كان الفشل ليس بسببه، فلو آمنا بوجوب استقالة المسؤول عند كل عمل إرهابي، أو فشل في معالجة مشكلة ما، لاحتاج العراق إلى رئيس جديد للحكومة كل ستة أشهر، وهذا يؤدي إلى الفوضى والمزيد من عدم الاستقرار. كما وأعتقد جازماً أن عدم نجاح المالكي لحل المشاكل لم يكن ناتجاً عن عدم محاولته وإخلاصه، وفساده، بل كان ناتجاً عن مقاومة  الشركاء في السلطة له ليمنعونه من أي إصلاح. وعلى سبيل المثال، إذا أراد تسليح الجيش، ذهبوا إلى واشنطن ليحرضوا ضد التسليح، فيقول لهم البارزاني أن هذا السلاح سيستخدم ضد الشعب الكردي، ويقول أدعياء التهميش، أن هذا السلاح سيذهب إلى إيران. وإذا ذهب المالكي إلى روسيا للتسليح، رفعوا عقيرة الفساد، وادَّعوا أن المليارات ذهبت هدراً، وطالبوا بالتحقيق، وأخروا التسليح لأكثر من سنة. ثم تآمروا على سقوط الموصل في العام الماضي، فراحوا يصرخون: المالكي هو السبب لأنه مقصر في تسليح الجيش، وهو الذي أمر الجيش بالانسحاب!!. فما الحل في هذه الحالة أيها السادة المعترضون؟ أفتونا يرحمكم الله!
والجدير بالذكر أنه تبين من تحقيقات اللجنة البرلمانية عن سقوط الموصل وكذلك عن سقوط الرمادي فيما بعد، أن انسحاب القوات العسكرية كان بدون أوامر من القائد العام للقوات المسلحة، بل اختفى ضباط الجيش بأوامر قياداتهم الميدانية العليا. يرجى قراءة مقال الدكتور فواز الفواز: [للمرة الثانية نقول ( المالكي قانوناً غير متهم بسقوط الموصل)](4)

وأنا أكتب هذه السطور، بعث لي صديق من قطر الخبر التالي: " اليوم الصفحات الأولي في الصحف القطرية وخاصة (الشرق) مع الخنزيرة (الجزيرة) تحمل المانشيت: (الشعب العراقي يطالب بإعدام المالكي بتهمة الخيانة العظمى)! هذه أمنياتهم وأمنيات فلول البعث وداعش. فهؤلاء هم تلامذة غوبلز، وشعارهم (أكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس وحتى أنت تصدق نفسك). فهل تريدونني أيها السادة أن أصدق هذه الأكاذيب وإلا فأنا طائفي، وأدافع عن المالكي الفاسد وحكمه الفاشل، وأني من وعاظ السلاطين وأتلقى الأجر بالتومان؟ لا ياسادة، أرجو أن تحترموا الحقيقة، ليس من أجل المالكي، بل من أجل احترام عقولكم. فالعقل وحده يميز الإنسان عن الحيوان. يكفي المالكي فخراً أن خصومه هم أعداء العراق والبشرية، مثل السعودية وقطر، و الوهابية التكفيرية، والسلطان أردوغان، وفلول البعث وداعش، وأنا أرفض أن أصطف مع هذا التحالف الوهابي التكفيري اللئيم. ولا أعتقد يشرف أي علماني أن يرى نفسه مع هذا الاصطفاف.
يقال أنه لما سمع معاوية بمقتل الإمام علي، أبلغ أتباعه قائلا: "لقد قُتل علي إثناء أدائه صلاة الفجر". فاستغرب هؤلاء وقالوا: "وهل كان عليٌ يصلي؟". استغربوا لأن إعلام معاوية كان يخدع الناس بأن علياً كافر، وحاربوه على هذا الأساس، وفرض سبه من على المنابر. وما أشبه اليوم بالبارحة، فالأخوة يستغربون أني مازلت لم أصدق الأكاذيب عن المالكي. وحقاً ما قاله جورج أرويل: " قول الصدق في زمن الخديعة ثورة."
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين:  هل حقاً المالكي هو السبب في سقوط الموصل؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=787

2- د. عبدالخالق حسين: العقل في خدمة العاطفة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=704

3- د. عبدالخالق حسين: الخراب البشري في العراق (القسم الأول)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=441

4- فواز الفواز: للمرة الثانية نقول ( المالكي قانوناً غير متهم بسقوط الموصل) !
http://www.faceiraq.com/inews.php?id=4113228

5- د. خليل الغزالي: غزوة أمراء الظلام، قراءة غير تقليدية في التاريخ الحديث (جداً) للمشرق العربي
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/195848.html


215
هل حقاً المالكي هو السبب في سقوط الموصل؟

د.عبدالخالق حسين


بعد أشهر من المداولات المطولة من قبل اللجنة البرلمانية للتحقيق في سقوط الموصل في يد عصابات داعش الإرهابية في العام الماضي، والمؤلفة من نحو 50 عضواً من مختلف الأطياف والكتل السياسية، أصدرت اللجنة تقريرها في 16/8/2015 حمَّلت فيه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي و 30 شخصية سياسية وعسكرية مسؤولية سقوط المدينة. كما وصوَّت مجلس النواب في اليوم التالي (17 آب 2015)، على إحالة ملف سقوط الموصل الى القضاء دون قراءته.

والملاحظ، أن النقطة الجوهرية التي كان ينتظرها أعداء العراق الجديد، من سياسيين وحكومات، وإعلام مضاد، هو وضع المالكي على "رأس المتهمين" بسقوط المدينة، وهذا ما تم لهم. وغني عن القول أن الغرض من ذكر اسم السيد نوري المالكي ضمن قائمة المتهمين، هو ليتم لهم محاكمته وإدانته إعلامياً، واغتياله سياسياً واجتماعياً، وحتى تصفيته جسدياً، بدلاً من القضاء، إذ كما قال لينين: "التهمة تفيد وإن كانت باطلة ". فهذه المحاكمة السياسية الإعلامية قد بدأت وتم التحضير لها قبل سقوط الموصل بسنوات، بل ومنذ تسلم المالكي رئاسة الوزارة عام 2006.


لماذا تم استهداف المالكي بالذات أكثر من غيره، وبهذه الشراسة، ومن قبل مختلف الجهات؟
الأسباب كثيرة، تختلف حسب أغراض الجهات التي تريد التخلص من المالكي والانتقام منه. فأعداء المالكي كثيرون وهم نفس الوجوه والجهات والحكومات التي ناصبت العراق العداء عند كل منعطف تاريخي، كما حصل في عهد ثورة 14 تموز 1958،  فتآمرت عليها قوى الشر في إنقلاب 8 شباط 1963 الدموي الأسود، وأدخلوا العراق في نفق مظلم لم يخرج منه لحد الآن. ونوجز هذه الأسباب والجهات بالتالي:
1- قيام المالكي بالخطوة الشجاعة في التوقيع على تنفيذ حكم الإعدام بحق مجرم العصر صدام حسين، لذلك جلب عليه عداء ونقمة فلول البعث ومواليهم الذين حاولوا إبراز تنفيذ حكم الاعدام بأنه انتقام طائفي!
2- التزام المالكي بالدستور، وخاصة فيما يخص حرصه على توزيع الثروات النفطية على الشعب العراقي بالتساوي، الأمر الذي أثار عليه حقد رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني وأتباعه، ولإطلاق العنان لمرتزقته من حملة الأقلام المأجورة لتشويه سمعته وصورته بشتى الحملات الإعلامية المضادة والدعوة بتقديمه للقضاء بمختلف الاتهامات.
3- رفض المالكي إبقاء عدد من القواعد العسكرية الأمريكية في العراق ضمن إطار الاتفاقية الأمنية المعقودة بين العراق وأمريكا، مما أثار عليه سخط اليمين الأمريكي.
4- رفض المالكي الانضمام إلى الحملة الدولية بقيادة أمريكا لإسقاط حكومة بشار الأسد، وذلك لا حباً بالأخير، بل لنظرته البعيدة أن البديل عن بشار الأسد هو حكومة مؤلفة من جبهة النصرة والقاعدة وداعش الإرهابية، والتي تشكل خطراً على العراق والمنطقة وحتى على أمريكا والغرب وكل العالم. وهذا الموقف أثار عليه عداء وسخط إدارة أوباما والحكومات الخليجية وتركيا. وأخيراً تأكد لهؤلاء جميعاً صحة موقف المالكي، فغيروا موقفهم الآن من بشار الأسد، بعد أن انقلب عليهم السحر على الساحر.
5- رفض المالكي معاداة إيران لأسباب أمنية وجغرافية وتاريخية وسياسية وغيرها، الأمر الذي ضاعف عليه سخط أمريكا وحليفاتها في المنطقة. والمفارقة أن أمريكا نفسها توصلت مؤخراً إلى قناعة بعدم جدوى هذا العداء، فغيرت موقفها من إيران، كما تبين ذلك في الاتفاق الدولي على البرنامج النووي الإيراني، و أنه لا يمكن دحر الإرهاب بدون الدعم الإيراني.
6- لم يتوقف العداء للمالكي على الجهات الآنفة الذكر، بل وشمل كيانات سياسية حتى من داخل تحالفه (التحالف الوطني). فالتيار الصدري يعاديه لأن المالكي وقف بحزم ضد مليشياته (الجيش المهدي)، بعملية (صولة الفرسان) في البصرة ومدينة الصدر (الثورة) عام 2008، وأوقفهم عند حدهم، الأمر الذي أكسبه شعبية واسعة لتخليص الناس من شرور هذه العصابات. لذلك، انتهز رئيس اللجنة التحقيقية النائب حاكم الزاملي، (وهو بعثي سابق، ومن التيار الصدري حالياً)(1)، هذه الفرصة لزج اسم المالكي ضمن قائمة المتهمين، انتقاماً منه لتصفية حسابات سياسية. وكذلك عداء (كتلة المواطن) بزعامة السيد عمار الحكيم مخترع فذلكة (حكومة المقبولية)، فهو ضد المالكي لأنه ينافسهم في زعامة الشيعة.
ولم يشر التقرير إلى مسؤولية مسعود البارزاني الذي وجّه الأوامر للضباط الأكراد في الجيش المرابط في الموصل "بالانسحاب بذريعة أن هذه المعركة هي معركة الشيعة والسنّة وليس للأكراد دخل فيها؟؟"(1)

ما هي مصداقية شمول المالكي بمؤامرة سقوط الموصل؟
تذرعت اللجنة على سببين: الأول، أن المالكي كان رئيساً للوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، لذلك فيتحمل مسؤولية كبرى في هذا الخصوص، حسب ادعائهم. وثانياً، لأنه لم يأخذ بنصيحة الدكتور سعدون الدليمي، وزير الدفاع وكالة، الذي شكك في أحد القادة العسكريين، اللواء الغرباوي. في الحقيقة هذين السببين لا يكفيان لتوجيه التهمة بالتآمر، فهناك اختلاف في المواقف والمشاعر والآراء من هذا القائد العسكري أو ذاك، ومن حق رئيس الوزراء أن يكون له موقفه ورأيه في الأشخاص، وقد يصيب أو يخيب. والتاريخ حافل بمثل هذه الأمور. 

لقد بات معروفاً، لدا القاصي والداني، أن سقوط الموصل تم بتآمر شاركت فيه جهات دولية، وإقليمية، وعراقية، إضافة إلى الإدارة المحلية برئاسة المحافظ أثيل النجيفي. وسبقت السقوط، حملة مكثفة ضد وجود الجيش العراقي في المحافظة، والتشكي من سياسة "التهميش والعزل"، فحرضوا الأهالي ضد الجيش الذي أطلقوا عليه (جيش المالكي، الشيعي، الصفوي الإيراني)، وحتى كانوا يبصقون على الجنود ويرمونهم بالحجارة. إذ كانت الموصل بؤرة للإرهابيين منذ سقوط حكم البعث وإلى الآن، وقد بذل المالكي كل ما في وسعه لتلبية مطالب الإدارة المحلية وأهل الموصل، ولكن بلا جدوى، إذ كما قال الكاتب القدير فاضل بولا: "بذل المالكي جهوداً كبيرة في تهدئة الوضع هناك، وذلك من خلال اجتماعه التاريخي مع وجوه من كافة محافظة نينوى والوجهاء من مدينة  الموصل، ولبى طلبهم في اعادة 300 عسكري الى الخدمة وهم من مختلف الرتب العسكرية في جيش النظام السابق."(2)

في الحقيقة، إن مؤامرة سقوط الموصل تمت لغرض واحد وهو لتغيير النظام في العراق والتخلص من المالكي بالذات، وقد جاء ذلك في العديد من المقالات والدراسات، نشير على سبيل المثال إلى واحد منها وهو مقال للباحث الأمريكي Eric Draitser، بعنوان: (داعش ذريعة لتغيير النظام في العراق)، ترجمناه ونشرناه على مواقع الانترنت قبل أشهر، نرجو فتح الرابط في الهامش(3). والسؤال هنا، كيف يشارك المالكي في مؤامرة الغرض منها الإطاحة به؟ تفيد الحكمة، (حدث العاقل بما لا يُعقل، فإن صدق فلا عقل له). فالذين يتهمون المالكي بالتآمر، يخدعون انفسهم، ويستهينون بعقول الناس. فكما علق المالكي في لقاء مع فضائية االعالم: "ان ما حصل في الموصل كان مؤامرة تم التخطيط لها في أنقرة ثم انتقلت المؤامرة إلى أربيل. ولا قيمة للنتيجة التي خرجت بها لجنة التحقيق البرلمانية حول سقوط الموصل. وان اللجنة سيطرت عليها الخلافات السياسية وخرجت عن موضوعيتها". كما و " اعتبر عضو اللجنة القانونية النيابية علي المرشدي، لجنة سقوط الموصل بأنها غير دستورية وقراراتها غير ملزمة للمحكمة الاتحادية، و من حق المتهمين الطعن بها، وتمنى ان تبتعد قرارات اللجنة عن تصفية الحسابات".

ومما يجدر ذكره، أني دُعيت من قبل فضائية الحرة للمشاركة في حوار حول الانتخابات البرلمانية الأخيرة وقبل إجرائها بأيام في العام الماضي، وكان هناك ثلاثة مشاركين آخرين، وكلهم كانوا متفقين وبثقة عالية أنه لو فاز المالكي في الانتخابات، وأصر على ولاية ثالثة لرئاسة الحكومة، فسيغرق العراق في حرب أهلية، وينقسم إلى ثلاث دول. وكنت على ثقة بفوز المالكي، واختلفت معهم في كون العراق سيواجه حرباً أهلية لاعتقادي بأن أمريكا وغيرها سيحترمون نتائج الانتخابات ورأي الشعب العراقي. وتبين فيما بعد أني كنت على خطأ، وأن هؤلاء الذين أنذروا بالحرب الأهلية كانوا على علم بالمخطط التآمري على العراق.
فكان أمام خصوم المالكي بما فيهم أمريكا ، خطتان: خطة (أ) التخلص من المالكي بالوسائل الديمقراطية، أي إفشاله في الانتخابات. ولذلك أشاعوا احتمال نشوب حرب أهلية في حالة فوز المالكي وإصراره على البقاء في رئاسة الحكومة، لتخويف الناخبين والشيعة خاصة، عسى أن يؤثروا عليهم في الانتخابات، وبالتالي يتخلصوا منه ديمقراطياً. وخطة (ب) الاستعانة بالشيطان، أي عصابات داعش الإرهابية فيما لو فشلوا في الخطة (أ)، لذلك لما فشلت الخطة (أ)، أطلقوا العنان لعصابات داعش لتحقق لهم ذلك. كما وأوعزوا لضباط الجيش بعدم تنفيذ أوامر القائد العام للقوات المسلحة، فتركوا مواقعهم وإرسلو جنودهم إلى بيوتهم، وتم تسليم الموصل إلى عصابات داعش بدون أية مقاومة. ليأتوا فيما بعد ويتهموا المالكي بالتآمر على سقوط الموصل، وأنه هو السبب في معاناة أهل الموصل على أيدي الإرهبيين!!!
وتكررت المؤامرة  قبل أشهر في الرمادي، حيث أمر قادة الجيش قواتهم بالانسحاب، وتسليم مواقعهم وكافة أسلحتهم إلى عصابات داعش، وأطلقوا على هذه العملية الخيانية الكبرى بالانسحاب التكتيكي، ليأتي أشتون كارتر، وزير الدفاع الأمريكي ليقول: "أن الجيش العراقي ليست له الرغبة والإرادة للدفاع عن العراق". فهل سيتهمون العبادي بعد أيام بتهمة التآمر على سقوط محافظة الأنبار؟ الجوب: كل شيء ممكن، فتبديل المالكي بالعبادي خطة مؤقتة، إذ بدأ "الشركاء" يتحججون الآن بأن العبادي لم يلتزم بالاتفاقات المعقودة بين الكتل السياسية!!!
 
خلاصة القول، يتعرض العراق إلى مؤامرة قذرة من قبل جهات دولية وإقليمية، وقوى عراقية مشاركة في العملية السياسية، الغرض منها القضاء على الرموز الوطنية المخلصة مثل المالكي وغيره، تمهيداً لتفتيت الدولة العراقية إلى دويلات يسهل بلعها من قبل دول الجوار، أو جعلها موحدة شكلياً ولكنها هزيلة وضعيفة لا حول لها ولا قوة، يسهل نهب ثرواتها من قبل المافيات المحلية، والشركات الدولية الكبرى. فهل ستمر هذه المؤامرة بنجاح؟ أشك في ذلك لثقتي بهذا الشعب وبمنطق التاريخ، فرغم كثرة الأعداء والعملاء من أصحاب الضمائر الميتة والأقلام المأجورة الذين تخلوا عن مبادئهم والتزاماتهم الوطنية والأخلاقية، إلا إني مازلت أؤمن بان الحق لا بد وأن ينتصر، ومصير المرتزقة في مزبلة التاريخ.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
1- أياد السماوي: الثأر والانتقام سمتا تقرير لجنة سقوط الحقيقة
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/196515.html

2- فاضل بولا: مآخذ التقصير إن وجدت لا تعني التآمر
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/196486.html

3- عبدالخالق حسين: داعش ذريعة لتغيير النظام في العراق
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=744

4- علي محمد الجيزاني: سقوط الموصل يتحملها اثيل النجيفي وشيوخ "ثوار العشائر" المرتزقة فقط
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/196478.html

 

216
معوقات الإصلاح السياسي والإداري
د.عبدالخالق حسين

الفساد والإرهاب توأمان ابتلى بهما الشعب العراقي منذ سقوط حكم البعث الفاشي وإلى الآن. وهذا لا يعني أن العراق لم يعرف الإرهاب من قبل، فالنظام البعثي كان يمارس إرهاب الدولة ضد الشعب، والمقابر الجماعسة تشهد بذلك، وبدأ فيه الفساد الإداري والرشوة منذ أن فرض الحصار الاقتصادي الأممي على أثر جريمة النظام في غزوه للكويت عام 1990. والحرب على الإرهاب مستمرة، ولكن تم التغاضي عن الفساد الذي نغص حياة العراقيين إلى أن بلغ السيل الزبى، حيث انقطاع الكهرباء في الحر الشديد في تموز وآب اللهاب، فخرجت الجماهير إلى الشوارع وساحات المدن في انتفاضة احتجاجية عارمة، بدأت بالبصرة لتنتشر شرارتها كالنار في الهشيم إلى بغداد وبقية محافظات الوسط والجنوب، مطالبة بالإصلاح السياسي والإداري والتخلص من آفة المحاصصة في وظائف الدولة.

واستجابت المرجعية الدينية للجماهير، فأصدرت نداءً إلى رئيس الوزراء، الدكتور حيدر العبادي (أن يكون أكثر "جرأة وشجاعة" في خطواته الإصلاحية، والضرب بيد من حديد لمن "يعبث" بأموال الشعب، كما طالبته بعدم التردد في إزاحة المسؤول غير المناسب وان كان "مدعوما".) وهذا النداء التاريخي لمحاربة الفساد، لا يقل أهمية وتأثيراً عن فتوى الجهاد الكفائي السابق بعد الغزو الداعشي لمحافظة الموصل في العام الماضي، بدعوة الشعب العراقي إلى الجهاد ضد الإرهاب وحماية الأرض والعرض والمقدسات والممتلكات من القوى الظلامية المتمثلة بداعش، والحكومات والقوى السياسية والطائفة الداعمة لها، فكان من نتائج تلك الفتوى ولادة (الحشد الشعبي) الذي أنقذ بغداد من السقوط، وأذاق الدواعش الهزيمة في تكريت، وبيجي، وسنجار، وآمرلي وغيرها، واليوم في محافظة الأنبار، وغداً في الموصل. وتجاوباً مع نداء المرجعية ومطالب الجماهير المشروعة أصدر الدكتور حيد العبادي حزمة من ألإصلاحات التي صوت عليها البرلمان بالإجماع يوم الثلاثاء 11/8/2015 وصارت قوانين ملزمة.
ولكن المشكلة، وكما توقعنا في مقالنا السابق (مرحى لقرارات العبادي الإصلاحية)، أن هناك معوقات أمام الإصلاح، فللفساد مافيات وأحزاب، وجيوش من حملة الأقلام المأجورة تحميه. فبعد صدور نداء المرجعية والقرارات الإصلاحية، ونيلها تأييد الجماهير، وجد قادة الكتل السياسية أنفسهم محاصرين ولا بد أن يعلنوا تأييدهم لها، ودعوة نواب كتلهم للتصويت عليها في البرلمان كمحاولة منهم لكسب الجماهير وتبرئة أنفسهم من الفساد. وقد حذرنا أن هذا التأييد هو مجرد انحناءة تكتيكية أمام العاصفة، إلى أن تهدأ لتستجمع قواها وتلتف على هذه الاصلاحات وتفرغها من مضامينها.

وهذا بالضبط ما يحاولونه الآن، إذ بدأ أعداء الإصلاح بالتحرك بعد يوم واحد فقط من تأييدهم له. فرئيس الجمهورية السيد فؤاد معصوم أعرب عن عدم رضاه بإعفاء نوابه. وفي هذا الخصوص قالت رئيسة كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني في مجلس النواب آلا طالباني، ان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم سيبعث كتاب استفسار إلى مجلس النواب حول الغاء مناصب نوابه، لافتة إلى ان ″هناك تجاوزا على صلاحيات رئيس الجمهورية في قرارات العبادي الاخيرة"(1).
كذلك السيد أسامة النجيفي الذي أعلن تأييده للقرارات قبل يوم، سرعان ما أنقلب على موقفه السابق (واعتبر قرارات رئيس الوزراء بأنها "تجاوز" على الدستور، و"استهداف" لشركائه بصنع القرار، فيما وصف الصلاحيات التي منحتها المرجعية الدينية للعبادي "بغير المسبوقة وخطوة غير مفهومة".)(2). أما أياد علاوي، رئيس كتلة الوطنية، فرغم أنه أيد الإصلاحات، إلا إنه بعد ساعات وكعادته، راح يطالب بتدويل القضية، مطالباُ بتشكيل لجنة تحقيق من الأمم المتحدة للنظر في ملفات الفساد، وكأن العراق لم يعد دولة مستقلة ذات سيادة، وليس فيه سلطة قضائية مستقلة، ففي كل صغيرة وكبيرة يجب اللجوء إلى الأمم المتحدة للتدخل في الشأن العراقي.

ورداً على هذه الاعتراضات، وصف الخبير القانوني طارق حرب، أن عدم رضى رئيس الجمهورية فؤاد معصوم على اعفاء نوابه بالتمرد على قرارات العبادي الإصلاحية، لافتا الى ان قرارات رئاسة الوزراء لا تخالف الدستور او القانون(1). كما وأيد خبير قانوني آخر أن إصلاحات العبادي مطابقة للدستور ولإرادة الشعب(3).

وهنا تجب الإشارة إلى الفرق الشاسع بين انتفاضة الجماهير في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب الراهنة السلمية التي كفلها الدستور، والتي تطالب بالإصلاح السياسي المشروع، وبين الإعتصامات في ساحات المناطق الغربية قبل عامين، والتي كانت تطالب بإسقاط الحكومة وإلغاء الدستور والبرلمان، والجيش، وقوانين مكافحة الإرهاب، وإطلاق سراح جميع المتهمين والمحكومين بجرائم الإرهاب، وأقاموا في ساحات اعتصاماتهم ورشات تفخيخ السيارات لقتل الناس الأبرياء. والمفارقة أن هؤلاء راحوا يدعون هذه الأيام في وسائل إعلامهم أن الانتفاضات الحالية هي امتداد لاعتصامتهم!! وهذا افتراء، فشتان بين الانتفاضات السلمية الحالية لمطالب مشروعة، وبين اعتصامات رُفعت فيها صور المجرم صدام حسين، وعلم السعودية، وأعلام القاعدة، وشعارات وهتافات طائفية وغيرها.

ومن المعوقات الأخرى للإصلاح، أن انبرى أعداء الإصلاح على الانترنت، و مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب، بخطابات ومقالات، وتعليقات، يتاجرون فيها بمعاناة الجماهير، ويزايدون على الإصلاحيين، ويستغلونها فرصة لتصفية حسابات مع خصومهم السياسيين، فيدعون أنهم يدافعون عن حقوق الجماهير، ولكنهم في نفس الوقت يتهجمون على هذه الإصلاحات الممكنة التي أعلنها الدكتور العبادي، وصوَّت عليها البرلمان، معتبرينها غير كافية وكاذبة. ثم يقدمون طلبات متطرفة غير قابلة للتطبيق، وتصب في خدمة البعثيين الدواعش، وأعداء الإصلاح، ولا تختلف عن تلك التي سمعناها أيام ساحات الاعتصامات. وعلى سبيل المثال، يطالب عدد منهم بإلغاء الأحزاب والدستور، وتقديم فلان وفلان للمحاكمة، لأن هؤلاء هم رؤوس الفساد، حسب ادعائهم. وآخرون يطالبون الدكتور العبادي بتعطيل البرلمان وتبديل كل أعضاء الحكومة، وتشكيل حكومة التكنوقراط، وإعلان حالة الطوارئ، وكأن العبادي قائد إنقلاب عسكري، أو دكتاتور كصدام حسين بإمكانه أن يفعل ما يشاء، وهذا غير ممكن في النظام البرلماني الديمقراطي.
فكل شخص من هؤلاء نصب نفسه المتحدث الرسمي و الشرعي للشعب، معتقداً أن كل ما يريده هو مطالب الشعب. والمؤسف أن المواد المضللة التي يبثونها تنال قبولاً من قبل بعض الناس الطيبين الذين يصدقون بكل ما يقرأون ويسمعون، فيقومون بترويجها بدون إعمال عقولهم في التأكد من صحة و عدالة هذه المواد، وشعارهم (كل شيء أو لا شيء)، وكما أكدنا مراراً، أن أصحاب هذه الشعارات المتطرفة دائماً ينتهون بلا شيء، وبذلك فهم يخدمون أعداء الإصلاح بقصد أو بدونه. لا شك أن غرض هؤلاء من هذه الحملة هو تضليل الجماهير وإرباك الحكومة، وتعطيل الإصلاح، وحرق الأخضر بسعر اليابس.

على أية حال، إن عملية الإصلاح السياسي والإداري والتخلص من الفساد والرشوة في دوائر الدولة، ليست سهلة وخاصة في بلد كالعراق، حيث شعبه منقسم على نفسه، ومعروف طوال تاريخه بصعوبة حكمه، وخاصة في النظام الديمقراطي، إذ لا توجد كتلة تستطيع التفرد بالقرارات. وعليه نتمنى على الدكتور حيدر العبادي أن يواصل مشروعه الإصلاحي وهو يتمتع بدعم الجماهير والمرجعية، فرحلة الألف ميل قد بدأت بالخطوة الأولى، بإصدار حزمة الاصلاحات وتصويت البرلمان عليها، لتليها خطوات مكملة، وكل من سار على الدرب وصل.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- حرب: رئاسة الجمهورية تتمرد على قرارات العبادي الدستورية
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/196078.html

2- -  النجيفي: قرارات العبادي تجاوز على الدستور وصلاحيات المرجعية له خطوة غير مفهومة
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/196074.html

3- إصلاحات العبادي .. مطابقة للدستور ولإرادة الشعب
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/196116.html

4- مجلس النواب العراقي يصوت بالاجماع على حزمة الإصلاحات الإدارية
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/196115.html

217
أزمة كهرباء، أم أزمة أخلاق؟
د.عبدالخالق حسين

العراق بلد الأزمات منذ بداية كتابة التاريخ وإلى اليوم. وعلى رأس هذه الأزمات هي الأزمة الأخلاقية التي انحدرت إلى الدرك الأسفل خلال أربعين سنة من حكم الفاشية البعثية، حتى أعادوا العراق إلى ما قبل تكوين الشعوب وتأسيس الدول. واليوم نسمع عن أزمة الكهرباء واحتجاجات الجماهير في مختلف محافظات العراق. فلماذا هذه الأزمة؟

من نافلة القول، أن أهم شرط من شروط الديمقراطية في أي بلد، هو توافر حرية التعبير والتفكير، وحق الجماهير في التظاهر للتعبير عن مطالبها، وانتقاد الحكومة على عجزها في أداء وظائفها بشكل مقبول يستجيب لاحتياجات الناس. لذلك، وخلافاً لما يشيع الإعلام المضاد، يمكن القول أن الديمقراطية موجودة في العراق بدليل تمتع الناس بحرية التظاهر وانتقاد الحكومة علناً وفي وسائل الإعلام، دون أي خوف من زوار الفجر، والاعتقال، أو التعذيب والإبادة كما كان يحصل في عهد حكم البعث الفاشي، وما يؤكد ذلك هو استمرار تظاهرات واسعة في اغلب المحافظات للتنديد بنقص الكهرباء، وسوء الخدمات، وإدارة البلاد، والفساد الاداري والمالي الذي يجتاح مؤسسات الدولة.

فهذه التظاهرات علامة صحية تدل على سلامة وعي الجماهير بحقوقها، وعدم السكوت والخنوع عن الظلم من جهة، والتزام الحكومة وأجهزتها الأمنية باحترام حق الجماهير في التظاهر الذي كفله لهم الدستور من جهة أخرى. وفي هذا الخصوص يقول توماس جيفرسون: "إذا كان الشعب يخاف من الحكومة فهذه ديكتاتورية، أما إذا كانت الحكومة تخاف من الشعب فهذه ديمقراطية". والحمد لله أننا نعيش في عصر تخاف فيه الحكومة من الشعب.

ولكن المشكلة التي يواجهها الشعب العراقي هي ليس النقص في حرية التعبير والتظاهر، بل هناك أزمة أخلاق وضمير، وغياب الشعور بالمسؤولية والوطنية لدى نسبة غير قليلة من المشاركين في (حكومة الوحدة الوطنية) أو (الشراكة الوطنية)، وإذا كنت ضد هذه التسميات فقل: (حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية).
فالخوف هنا ليس من التظاهر والمطالبة بالحقوق المشروعة، بل الخوف من استغلال هذه التظاهرات والمطالب المشروعة، من قبل بعض السياسيين من أعداء الديمقراطية ومن دعاة لعبة "حكومة المقبولية" لأغراض سياسية غير مشروعة. إذ هكذا بدأت الاعتصامات في ساحات مدن المحافظات الغربية قبل عامين بمطالب مشروعة، مثل: إيجاد العمل للعاطلين، وتوفير الخدمات...الخ، ثم تطورت إلى المطالبة بإسقاط الحكومة، وإلغاء الدستور، والجيش، و(بغداد إلنا وما ننطيها)، و(عائدون يا بغداد)، و(تحرير بغداد من الصفويين)... إلى آخر قائمة الشعارات الطائفية البعثية الفاشية، وتبين أن البعثيين الدواعش هم الذين كانوا وراء هذه الاعتصامات وقيادتها، ومن هذه الساحات أقاموا ورش تفخيخ السيارات لتفجيرها في بغداد والمحافظات الأخرى وقتل الجماهير. فالعدو البعثي يتمتع بخبرة واسعة جداً في التضليل، واستغلال الأزمات ومشاعر الجماهير وتجييرها لصالحه ولأغراضه الدنيئة. وفي هذا الخصوص اعترف القيادي البعثي السابق، عبدالباقي السعدون أن "حزب البعث المنحل  يضم 62 فصيلاً اجراميا تحت مسميات مختلفة تواجدت في محافظات الانبار وصلاح الدين والموصل وديالى وكركوك."(1)

والجدير بالذكر، أن الديمقراطية العراقية تحمل بذور أزمتها، وربما فنائها معها، ومن أهم بذور هذا الفناء هو أن أمر تشكيل الحكومة ليس بيد العراقيين، بل بيد أمريكا التي فرضت تشكيل الحكومة من جميع الكتل السياسية بمن فيها تلك التي تريد إفشال الديمقراطية، بذريعة أنها تريد حكومة شاملة لجميع المكونات والكيانات السياسية دون عزل وتهميش أي مكون! (قول حق يراد به باطل). فالمعروف في جميع العالم أن لا ديمقراطية بدون معارضة ديمقراطية قانونية تراقب الحكومة وتحاسبها. يعني أن تتشكل الحكومة إما من حزب واحد إذا فاز بأغلبية مطلقة (أكثر من 50% من المقاعد) في البرلمان، أو حكومة إئتلافية تتشكل من حزبين أو أكثر في حالة عدم فوز أي حزب أو كتلة سياسية بالأغلبية المطلقة، يعني تشكيل حكومة الأغلبية.
لكن العراق هو البلد الوحيد في العالم وربما الثاني بعد لبنان، الذي يجب أن تتشكل حكومته من جميع الكتل السياسية بما فيها تلك التي تريد إسقاط الحكومة وإفشال العملية السياسية وإعادة الوضع إلى ما قبل 2003، أي إعادة البعث وتحت أي اسم آخر، وبغطاء ديمقراطي مزيف.

ولذلك بات واضحاً أن هذه الأزمات (الكهرباء وتفشي الفساد الإداري والرشوة...الخ)، هي أزمات من صنع المشاركين في الحكومة من أعداء العراق الجديد، ومن بينهم وزير الكهرباء. فأزمة الكهرباء هي ليست نتاج نقص في الأموال، أو البرامج أو الخطط ، بل هي أزمة متعمدة تم خلقها بقصد سيئ من قبل نفس الأشخاص الذين تم استيزارهم وفق شروط المحاصصة، وهؤلاء قصدهم ليس حل أزمة الكهرباء بل لخلقها من أجل حرمان الجماهير من الطاقة الكهربائية وخاصة في أشد أشهر الصيف حرارة، حيث صعدت الحرارة في بعض المناطق فوق 50 درجة مئوية، لإثارة سخط الجماهير وتفجير غضبها، وبالتالي توظيف هذا السخط الجماهيري ضد الحكومة وإسقاط العملية السياسية برمتها.

وهذا الكلام ليس ناتجاً عن رأي حاقد، أو شخص لا يفهم في شؤون الطاقة والشأن العام... الخ، فهذه الأزمة هي مشكلة عامة يمكن أن يفهمها أي مواطن بسيط من أمثالي. لذا أدرج أدناه رابط فيديو، لتقرير مصور من مراسل قناة الحرة عن أجهزة تم شراءها واستيرادها قبل أكثر من عامين، تكفي لبناء عدة محاطات كهربائية لإنتاج 4 آلاف ميغاواط تغطي حاجة العراق. تُركت هذه الأجهزة والمعدات مكدسة في العراء في ميناء أم قصر منذ عامين، معرضة للتلف في ظروف جوية قاسية، دون أن تقوم وزارة الكهرباء أو أية جهة مسؤولة بنقلها ولتنفيذ الأغراض المطلوبة من شرائها، والتي كلفت خزينة الدولة مليارات الدولارات. ليس هذا فحسب بل وقامت وزارة الكهرباء، وكما جاء في التقرير، بحل (المديرية العامة لمشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية في الجنوب) كإجراء لخلق الأزمة، وإلقاء أكثر من ألف عامل وموظف في أحضان البطالة. إن لم يكن هذا الإهمال جريمة، فما هي الجريمة؟ أترك الحكم للقراء بعد مشاهدتهم لهذا الفيديو، يرجى فتح الرابط.
فيديو (3.41 دقيقة) عن أحد أسباب أزمة الكهرباء في العراق
https://www.facebook.com/122114117829827/videos/vb.122114117829827/954191271288770/?type=2&theater

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl /
ــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبد الباقي السعدون: الصرخي مرتبط بالدوري وللبعث موقعان وفضائيتان
http://www.ara.shafaaq.com/22517

2- سالم مشكور: الكهرباء و..الايادي الخفية
http://imn.iq/articles/view.3617/

3- لناطق باسم الحكومة: نحذر من استغلال التظاهرات وتسييسها
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/195872.html

218
لعبة حكومة الإقليم مع العراق و تركيا
عبدالخالق حسين

العلاقة بين حكومة إقليم كردستان برئاسة مسعود بارزاني مع الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان ليست حباً عذرياً افلاطونياً بريئاً، بل هي علاقة استغلال أحدهما للآخر لأغراض سياسية مشتركة، وهذا معروف ومقبول في السياسة، وتعتبر حنكة ودهاء، ولكن على شرط أن تكون ضمن حدود معقولة ومشروعة. أما إذا بُنيت هذه العلاقة على الباطل، ومبدأ عدو عدوي صديقي، فغالباً ما تنتهي بالكوارث وبالأخص على الجانب الأضعف، وفي هذه الحالة على الجانب الكردي. فما يجمع السيدين، بارزاني وأردوغان، هو عداءهما المشترك للحكومة العراقية الفيدرالية، فكل منهما يريد أن تكون هذه الحكومة ضعيفة، ليسهل عليه جعل العراق البقرة الحلوب لامتصاص آخر قطرة من ثرواته وتدمير وحدته الوطنية.
فالسيد مسعود بارزاني، يتمتع بالاستقلال التام عن الدولة العراقية، وكما ذكرنا مراراً، أن ما أبقاه في علاقة هلامية شكلية مع العراق هو لسببين: الأول، ضمان 17% من حصته من ثروات وحكم العراق، ودون أن يكون للعراق أي دور في حكم كردستان أو نصيب من ثرواته. والثاني، هو وعدم ملائمة الظروف المحلية والدولية لإعلان استقلال كردستان.
كما ويواجه بارزاني الآن، أزمة سياسية في كردستان تهدد عرشه، وأدت لإلى تدهور شعبيته، خاصة بعد أن أبدى تعاطفه مع أردوغان في قصفه مواقع الحزب العمال الكردستاني (PKK) في شمال العراق، إذ أفادت الأنباء أن (بارزاني: يشيد بالخطوات الايجابية للحكومة التركية ويحمل حزب العمال مسؤولية تدهور الامور)(1). ولكن تحت ضغط الشارع الكردستاني أدلى أخيراً بتصريحات خجولة أدان فيها القصف التركي للمناطق الكردية. إلا إن الناطق باسم حزب العمال الكردستاني، أفاد وحسب ما جاء في نشرات البي بي سي الأخبارية، أن القصف التركي ضد مواقع حزبه كان بموافقة بارزاني، و إدانة الأخير للقصف التركي جاء للاستهلاك المحلي لتبرئة نفسه أمام الشعب الكردي الرافض لهذا العدوان.

و الملاحظ، أن بارزاني في نفس الوقت، يسعى لاستدراج الحكومة العراقية إلى مواجهة خطيرة مع تركيا، حيث طالب أحد نوابه في البرلمان العراقي: (ان الحدود الجوية لإقليم كردستان تحت سيطرة وحماية الحكومة الاتحادية، داعيا الاخيرة الى وقف الهجمات التركية على مناطق الاقليم)(2). ولا يحتاج القارئ أن يكون عبقرياً ليعرف أن هذا النائب صرح بما صرح بأمر من قيادته. وهنا تظهر ازدواجية السيد مسعود بارزاني بشكل واضح وجلي، والتي يعتبرها شطارة وحنكة سياسية. ولكن دروس التاريخ تؤكد العكس، إذ تفيد أن من يحفر بئراً لأخيه يقع فيه.
وبيت القصيد هنا، أنه في الوقت الذي تمنع فيه حكومة الاقليم مرور القوات العراقية في مناطق كردستان لتحرير الموصل من رجس داعش، وتوافق وتبارك لأردغان ضرب قوات(PKK)، تطالب الآن الحكومة العراقية الفيدرالية بمواجهة تركيا (لان الحدود الجوية لإقليم كردستان تحت سيطرة وحماية الحكومة الاتحادية...). فالغرض من مطالبة الحكومة العراقية بحماية كردستان من القصف التركي لقوات العمال الكردستاني هي لاستدراج الحكومة العراقية لمواجهة حربية مع تركيا في الوقت الذي يواجه فيه العراق حرباً ضارية مع داعش، وبذلك تكون حكومة الإقليم قد كسبت ثلاثة طيور بحجر واحد. وهكذا الشطارة والفهلوة وإلا فلا.
لقد بات معروفاً لدا أغلب المحللين السياسيين والمتابعين لمشاكل الشرق الأوسط في العالم، أن الرئيس التركي أردوغان ليس جاداً في ضرب داعش، وإنما وافق أخيراً على السماح لطائرات التحالف الدولي بقيادة أمريكا لضرب مواقع داعش في سوريا والعراق من قاعدة أنجرليك، مقابل موافقة أمريكا لضرب الحركة الكردية في تركياً، وحتى في سوريا. لذلك قام بضربات جوية لمواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وحملة اعتقالات لنشطاء الحزب في تركيا، بينما تؤكد التقارير الدولية ومنها تقرير للسيد باتريك كوكبرن في الإنتديبندنت أن تركيا لم تساهم في ضرب داعش، وأن الاتفاق الأمريكي-التركي لم يؤدي إلى القضاء على داعش ولا حتى إضعافها (3). فالاتفاقية أطلقت يد تركيا لضرب القوات الكردية في شمال سوريا أيضاً، والتي لعبت الدور الرئيسي في تحرير مدينة كوباني (عين العرب) من داعش.
خلاصة القول، يجب أن يعرف السيد مسعود بارزاني، أن ربط مصير الشعب الكردي بأردوغان لعبة خطيرة جداً والشعب الكردستاني في العراق وسوريا وتركيا، هو الذي سيدفع الثمن الباهظ بسبب أخطاء قادته السياسيين وقصر نظرهم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- كردستان تطالب حزب العمال بابعاد ساحات قتالها عن الاقليم
http://www.akhbaar.org/home/2015/8/195571.html

2- نائب كردي: حكومة المركز تسيطر على أجواء الإقليم وعليها وقف الهجمات التركية
http://www.akhbaar.org/home/2015/7/195481.html

3- PATRICK COCKBURN: Turkey-Kurdish conflict: Obama's deal with Ankara is a betrayal of Syrian Kurds and may not even weaken Isis
http://www.independent.co.uk/voices/turkeykurdish-conflict-obamas-deal-with-ankara-is-a-betrayal-of-syrian-kurds-and-may-not-even-weaken-isis-10432524.html

 



219
هل تركيا على خطى سوريا؟

د.عبدالخالق حسين

كنا نتصور إن من يضع الشعب ثقته به لا بد وأن يتمتع بقدر كاف من المعرفة والذكاء والحكمة والحنكة السياسية بحيث يجنب شعبه من الكوارث التي هي من صنع البشر، فيتعلم من أخطاء الآخرين، إذ كما قال الحكماء: "العاقل يتعلم من أخطائه، والأعقل يتعلم من أخطاء غيره". ولكن من ينظر إلى ما يحدث من كوارث بسبب الإرهاب يصاب بخيبة أمل من هؤلاء الحكام، ويستنتج بأنهم لم يستخلصوا أي درس أو عبرة من التاريخ، ولا من أخطاء غيرهم من معاصريهم، ولا حتى من أخطائهم.

فأمريكا، والسعودية وباكستان قاموا بتشكيل المنظمات الإرهابية الإسلامية، بأموال السعودية والدول الخليجية الأخرى، والعقيدة الوهابية، من أجل محاربة الشيوعية في أفغانستان. وبعد أن تحقق لهم ما أرادوا، انقلب السحر على الساحر، فعاد الأفغان العرب إلى بلدانهم ليمارسوا الإرهاب ضد شعوبهم وحكوماتهم، ومن ثمارها المرة كارثة 11 سبتمبر 2001 في أمريكا.

وبعد تحرير العراق من أبشع نظام همجي فاشي عرفه التاريخ، لجأ بشار الأسد إلى جعل بلاده ساحة لاستقبال وتدريب وتمويل وتسليح الإرهابيين من السعودية وليبيا وتونس وغيرها من البلدان العربية والإسلامية و أوربا، وإرسالهم إلى العراق لقتل شعبه، وتدمير مؤسساته الاقتصادية وبنيته التحية. وأخيراً أنقلب السحر على الساحر ثانية، ونفس الإرهاب الذي احتضنه و رعاه بشار الأسد أنقلب عليه وأحال بلاده إلى خرائب وأنقاض، وأكثر من مليونين من شعبه مشرد في الشتات، وثلاثة ملايين مشرد في الداخل، ونحو 300 ألف قتيل، وأضعاف هذا العدد من المعوقين والأرامل واليتامى.

ومن المساهمين بدعم الإرهاب في سوريا والعراق هو الرئيس التركي رجب طيب أردغان، الذي شارك بشار الأسد في تدمير العراق. وقد حذرت الحكومة العراقية، ومعها الكتاب المتنورون أن الذي يشعل الحرائق في بيت جاره لا بد وأن تصله النيران لتحرق بيته، فالإرهاب من أخطر وأشر وأسوأ الوسائل لتحقيق الأغراض السياسية. ولكن أردوغان أخذه الغرور كما بشار الأسد والقذافي وغيرهما من قبل.
فقد لعب أردوغان دوراً كبيراً في دعم الإرهاب بجعل بلاده حاضنة لمكاتب تنظيم داعش ورفدها، وجسراً يمر منه الإرهابيون الوافدون من أوربا وشتى أنحاء العالم إلى سوريا والعراق. كما وجعل أردوغان بلاده ملجأً للإرهابيين البعثيين والطائفيين العراقين، حيث سهل لهم، ومازال، عقد مؤتمراتهم وترتيب مخططاتهم لإثارة الفتن الطائفية، وضرب العملية السياسية في العراق. كما ولعب دوراً مفضوحاً فيما يسمى باحتلال الموصل من قبل داعش، حيث قام الدواعش وبتدبير مسبق من أردوغان، بلعبة اختطاف 50 موظفاً من القنصلية التركية في الموصل ليقولوا للعالم أن لا صلة لتركيا بداعش، وأن تركيا هي أيضاً ضحية الارهاب!. واتخذت الحكومة التركية مسرحية اختطاف موظفيها مبرراً لعدم التعاون من التحالف الدولي لضرب داعش بحجة الخوف على موظفيها "المختطفين". وبعد أشهر قليلة، تم إطلاق سراح هؤلاء "المختطفين"، وهم في أحسن حال، وكأنهم عائدون من سفرة سياحية. بل ورفض أردوغان السماح لطيران التحالف الدولي بضرب الدواعش وجبهة النصرة حتى بعد إطلاق سراح موظفي قنصليته في الموصل.

ولكن كما حذرنا مراراً وتكراراً، وصل أخيراً حريق الإرهاب إلى تركيا نفسها، إذ أفادت الأنباء العالمية بقيام انتحاري من داعش بتفجير نفسه داخل المركز الثقافي في مدينة سروج التركية التي تبعد بعِشرة كيلومترات عن مدينة كوباني (عين العرب)، على الحدود السورية، وكان يتجمع فيه ما يقرب ثلاثمائة شخص ممن يعملون على ايصال المساعدات الى مدينة كوباني، وقتل ما لا يقل عن 32 شخصا، وأصيب احو مائة آخرون، كلهم من الأكراد والأتراك اليساريين الذين جاؤوا للمساهمة في إعادة بنا مدينة كوباني بعد تحريرها من داعش. وأعلنت داعش مسؤوليتها عن هذه الجريمة. وكرد فعل، ونظراً لدعم الحكومة التركية لداعش، قام أنصار PKK بقتل شرطيين تركيين، الأمر الذي دفع الحكومة التركية بعمليات انتقامية، فقام الطيران التركي بقصف مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، مخترقة بذلك الهدنة المعقودة بين الطرفين قبل عامين ونصف. وبذلك فقد أعلن العمال الكردستاني أن اتفاقية وقف النار بين الطرفين قد انتهت بهذا العدوان التركي.
ونتيجة لقيام داعش بأعمال إرهابية في تركيا، اقتنع السلطان أردوغان بأن شعبه وعرشه مهددان بالإرهاب الداعشي الذي هو ساهم في تأسيسه ودعمه ونشره في المنطقة لزعزعة الوضع في العراق وسوريا. وعندئذ فقط سمح أردوغان لطيران التحالف الدولي باستخدام مطار "إنجرليك" الجوية الأمريكية في شرق تركيا لشن ضربات جوية ضد تنظيم"الدولة الإسلامية" (داعش). وليس هذا فحسب، بل وقام سلاح الجو التركي بقصف مواقع لتنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا. وهذا تطور كبير في موقف تركيا لصالح شعوب المنطقة التي عانت كثيراً من الإرهاب، ومن سوء سلوك بعض قادتها من أمثال أردوغان الذي لم يتعلم من كوارث اشعال الحرائق في دول الجوار، ولا يعرف مغبة جريمته إلا بعد أن يصل الإرهاب إلى بلاده. وهذا مصير كل الدول الحاضنة للإرهاب.
وعليه، فأردوغان، ولعبثية سياساته العدوانية قد فتح النار على بلاده من تنظيمين: تنظيم داعش، وحزب العمال الكردستاني. وهذا مصير كل من يأخذه الغرور، والعزة بالإثم، ولا يتعلم من دروس التاريخ، فهذه بضاعتكم رُدت إليكم، وكما يقول المثل العربي القديم: (وعلى نفسها جنت براقش).
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
حزب كردي: داعش أداة تدمير تركية
http://www.akhbaar.org/home/2015/7/195225.html




220
لماذا أثارت تصريحات المالكي غضب السعودية ومرتزقتها؟

د.عبدالخالق حسين


أثارت تصريحات السيد نوري المالكي، نائب رئيس الجمهورية، في مقابلة تلفزيونية مع فضائية "آفاق"، حول دور السعودية في الإرهاب الوهابي التكفيري، ضجة إعلامية من قبل مرتزقة مملكة الشر. فهذه المملكة تملك سلاحين مؤثرين، المال والعقيدة الوهابية التكفيرية. فبالمال سيطرت على 75% من الإعلام العربي، وعدداً غير قليل من الاعلاميين الأجانب. وبالمال أيضاَ استطاعت أن تشتري سكوت بعض الحكومات الغربية التي رغم معاناتها من الإرهاب التكفيري، وعلمها الأكيد بدور السعودية في الإرهاب، إلا إنها تغض النظر عنها وتواصل علاقاتها معها، وتحاول التستر على دورها في الإرهاب.
فماذا قال المالكي حتى يستحق كل هذه الضجة ضده والهجوم عليه؟
قال: "أن جذر الإرهاب وجذر التطرف وجذر التكفير هو من المذهب الوهابي في السعودية"، معتبرا أن “الحكومة السعودية غير قادرة على ضبط هذا التوجه الوهابي التكفيري... وبسبب عجزها فأنا أدعو أن تكون السعودية تحت الوصاية الدولية وإلا سيبقى الإرهاب يتغذى من أموال السعودية وينمو على حساب السعودية وبيت الله الحرام.... والعالم يحتاج لعلاج مشكلة الإرهاب في السعودية كما يسعى لحلها في العالم.)).
وقد أثارت دعوة المالكي هذه رداً مفتعلاً من إعلاميين سعوديين وخليجيين، ومرتزقتهم حيث وصفوه بـ"الطائفي والمجرم، ورئيس عصابة وبوق إيران"(كذا). ولا نستغرب من هذا الرد من هؤلاء فالإناء ينضح بما فيه.
ونحن إذ نسأل: أين الخطأ في تصريحات المالكي، وما الجديد فيها حتى يستحق كل هذه الضجة والهجوم؟ فالكل يعرف، وحتى نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جو بايدن، أقرب حليف للسعودية، بدور السعودية وقطر وتركيا في دعم الإرهاب. وقد نشرنا مع غيرنا من الكتاب، مئات المقالات عن دور السعودية في الإرهاب. فإلى متى يدس هؤلاء رؤوسهم في الرمال ويناهضون قول الحق؟ فهناك مقالات ودراسات أكاديمية أمريكية موثقة أثبتت الدور السعودي في نشر الإرهاب والتطرف الديني الوهابي الفاشي، وعلى سبيل المثل لا الحصر، أدرج في الهامش رابط إحدى هذه الدراسات للسفير الأمريكي الأسبق كورتين وينزر  بعنوان: (السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية)(1). وتقرير آخر نشرته صحيفة كندية يؤكد أن السعودية صرفت أكثر من مائة مليار دولار خلال العشرين سنة الماضية على نشر التطرف الديني الوهابي(2). السعودية تطبق المثل القائل: (رمتني بدائها وانسلت). فمن السعودية ظهر أسامة بن لادن ومنظمة "القاعدة"، والسعودية مولت تنظيمات طالبان في أفغانستان وباكستان، ولحد الآن تدعم جبهة النصرة وداعش بالمال والسلاح. ومئات الفتاوى التي أصدرها مشايخ الوهابية في السعودية وقطر لدعم الإرهاب، وحث شبابهم للذهاب إلى العراق لقتل "الروافض". فهناك تقرير يشير إلى استمرار الجدل حول تصريح عضو سابق بمجلس الشورى السعودي حول "60% من الشباب جاهزون للانضمام لداعش"ومطالبات بمحاسبته(3). وفي حوزتي العشرات من هذه الفتاوى الوهابية التي لا يمكن أن تصدر بدون موافقة، بل وبأوامر الحكومة السعودية. فالسعودية هنا تطبق المثل المصري: (رماني وبكى سبقني واشتكى). وقد طالبنا الحكومة العراقية بتقديم شكوى على السعودية إلى الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية، على لدعمها الإرهاب في العراق، ولكن مع الأسف وقعت كلماتنا على أذن صماء، بل راحت السعودية هي التي تريد محاسبة العراق.

ومؤسس الحركة الوهابية التكفيرية، محمد بن عبدالوهاب قال ما نصه: «من دخل في دعوتنا فله ما لنا وعليه ما علينا ومن لم يدخل معنا فهو كافر حلال الدم والمال». وهذا بالضبط ما ينفذه الإرهابيون. فجميع منتسبي التنظيمات الإرهابية تبنوا العقيدة الوهابية، وما يمارسونه مارسته المملكة السعودية في بلادها منذ تأسيسها في أوائل القرن العشرين ولحد الآن.
وخلافاً لما يعتقده البعض من مرتزقة السعودية، أن معارضة السعودية للحكومة العراقية ناتجة عن علاقة الأخيرة مع إيران، فالسعودية دائماً في حالة عداء مع العراق وحتى في العهد الملكي، بل وحتى في العهد العثماني. فالحركة الوهابية التكفيرية ومنذ تأسيسها في القرن الثامن عشر، بدأت بحملات الغزو والنهب والسلب والقتل للمدن العراقية (كربلاء والنجف وسوق الشيوخ وغيرها).

وعليه، يجب أن نشكر السيد نوري المالكي على شجاعته في هذه التصريحات التي وضع فيها النقاط على الحروف. فالساكت عن الحق شيطان أخرس. إذ كما جاء في تصريح من مكتب السيد المالكي: ((إن "ما ورد من تصريحات لنوري كامل المالكي بشأن السعودية لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة وهي جزء من مواقف كثيرة تم تبنيها مسبقاً منها ما يتعلق بالسعودية، ومنها ما يتعلق بدول أخرى في المنطقة"، مشيراً الى أنه "لم تصدر أي إشارة على أنها تمثل رأي رئاسة الجمهورية أو مؤسسة رسمية أخرى". وأضاف المكتب أن "موقف المالكي من السعودية ناتج عن تجربة طويلة وخبرة بتفاصيل العلاقة الملتبسة بين بلدين جارين وهو تجسيد لموقف نقدي يستهدف تصحيح هذه العلاقة من خلال التفكير المستمر بالوقائع والحقائق التي فضحتها الوثائق الدبلوماسية الرسمية لهذه الدولة"، لافتاً الى أنه "رغم محاولاته الجادة لإقامة علاقات طبيعية تقوم على أساس التعاون والاحترام المتبادل لكن السعودية أبت واستمرت بنهجها العدائي والطائفي في معاداتها للعملية السياسية في العراق".))(4)

كذلك نؤكد أن الحملة ضد المالكي من قبل مرتزقة السعودية، والدول الخليجية الأخرى، ومسعود بارزاني، ليست جديدة، بل بدأت منذ تسلمه رئاسة الحكومة عام 2006، بعد أن تأكدوا من قوة شخصيته، وتمسكه الشديد بالدستور وبمصلحة العراق. وعلى سبيل المثال، قبل أسابيع نشروا نداءً مشبوهاً بعنوان (حملة وطنية من أجل تقديم نوري المالكي للقضاء)، ونقولها وبألم، أنهم جروا إليها أشخاصاً ما كنا نتمنى أن تتلوث أسماءهم في تلك القائمة المشبوهة. فهؤلاء المرتزقة، وبأوامر من أولياء نعمتهم، يخدعون الناس ويقولون لهم أن المالكي هو سبب الطائفية، والمحاصصة، والإرهاب، والجريمة المنظمة، والفساد، وكل مصائب العراق، بل وحتى الحر الشديد في الصيف، والعواصف الترابية، وكأن العراق قبل تسلم المالكي لرئاسة مجلس الوزراء كان بألف خير، و واحداً من البلدان الاسكندنافية... ألا تعساً لأصحاب الضمائر الميتة. ولكن كيدهم في نحورهم، إذ جاءت تسريبات الويكيليكس صفعة لهم ولأسيادهم.
نؤكد للمرة الألف أن مستقبل الشعب العراقي مرهون بنجاح النظام الديمقراطي والعملية السياسية، وعلى المخلصين قول الحقيقة وأن لا تأخذهم في الحق لومة لائم. 
  abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
مصادر
1- كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

2-Jonathan Manthorpe: Saudi Arabia funding fuels jihadist terror
 
Big chunks of the country’s huge oil earnings have been spent on spreading a violent and intolerant variety of Islam
http://www.vancouversun.com/life/Jonathan+Manthorpe+Saudi+Arabia+funding

3- استمرار الجدل حول تصريح عضو سابق بمجلس الشورى السعودي حول "60% من الشباب جاهزون للانضمام لداعش" ومطالبات بمحاسبته
http://www.ahewar.org/news/s.news.asp?nid=2113497

4- تصريحات المالكي بشأن السعودية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة
http://www.akhbaar.org/home/2015/7/195114.html

روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: السعودية دولة إرهابية يجب مقاضاتها
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=740

2- عبدالخالق حسين: السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=440

3- د. احمد صبحي منصور: كتاب:  جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية
 http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=10


221
حول الاتفاق النووي الإيراني

د.عبدالخالق حسين

وأخيراً، وبعد أكثر من عشر سنوات من المفاوضات المضنية، توصل الطرفان، الإيراني برئاسة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، والدول الكبرى الست، برئاسة وزير خارجية أمريكا جون كيري، إلى إبرام الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني بما يرضي جميع الأطراف المتفاوضة. و يتضمن الاتفاق موافقة الإيرانيين على خفض برنامجهم النووي، والتقليل من أجهزة الطرد المركزي، وإخراجها من الخدمة لعشر سنوات قادمة، والحد من مخزونهم من اليورانيوم المخصب، و السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية لتفتيش المنشآت النووية الإيرانية، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وتحويل المبالغ التي احتجزتها بنوك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حتى الآن..(1)

لا شك إن هذا الاتفاق يشكل خطوة مهمة كبرى لاستقرار المنطقة، والمستفيد الثاني منه بعد إيران هو العراق، وبدون أن يكون هناك أي متضرر منه بما فيه الجهات التي أعلنت معارضتها الضارية للاتفاق، مثل إسرائيل، والسعودية، والمحافظون الجدد في أمريكا. فمعارضة هؤلاء هو مفتعل لخدمة أغراض شريرة، منها إبقاء التوتر في منطقة الشرق الأوسط، خدمة لمصانع وشركات ولوبيات الأسلحة في الغرب، وذلك بتخويف الدول الخليجية الغنية من البعبع الإيراني لحملها على شراء الأسلحة. فاليمين المتطرف مثل بنجامين نتنياهو، وحكام السعودية، والمحافظون الجدد في أمريكا يعيشون فقط على التوتر وتخويف الناس من إيران وبرنامجها النووي الذي يصر الإيرانيون أنه لأغراض سلمية فقط.

لذلك وصف نتنياهو في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء، الاتفاق بأنه سيئ ، و (بالخطأ التاريخي)، وأنه لاسترضاء إيران، وأن هذا الاتفاق سيرفع الحصار الاقتصادي عن إيران ويمكنها من امتلاك السلاح النووي في المستقبل! كما و وصف إيران عدة مرات بـ"أنها أخطر من داعش"، وادعى أن "الهدف الحقيقي النهائي" لايران هو "السيطرة على العالم.". فهل حقاً يصدقه أحد، وهل هو يصدق نفسه في هذا الكلام؟
كما و يدل الاتفاق على صبر وحكمة المتفاوضين من جميع الأطراف، وخاصة إيران وأمريكا، حيث استمرت المفاوضات نحو عشرة أعوام تكللت أخيراً بالنجاح، ولقي التأييد من قبل 99% من العالم على حد تقدير الرئيس أوباما. كذلك يدل على أن الرئيس أوباما وهو في السنة الأخيرة من رئاسته، لم يعد ليهتم بعد بمعارضة أهم حلفائه في المنطقة، إسرائيل والسعودية، وأنه فعلاً يريد إخراج أمريكا من حروب ومشاكل المنطقة، إذ قال في هذا الصدد في خطابه يوم الأربعاء أمام أعضاء الكونجرس، والمواطنين في الولايات المتحدة، أن الاتفاق التاريخي المبرم هو أفضل وسيلة لتجنب سباق تسلح ومزيد من الحروب في الشرق الأوسط.

كما ويرى معلقون غربيون، أن ما يقلق المعارضين للاتفاق هو ليس خوفهم من امتلاك إيران للسلاح النووي كما يدعون، بل خوفهم من عودة إيران إلى بناء علاقات طبيعية مع المجتمع الدولي، وخاصة مع أمريكا، وبالأخص العلاقات التجارية، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار إمكانيات إيران البشرية، وثرواتها الطبيعية التي تؤهلها لاستعادة مكانتها بين العالم.

كذلك أظهر ترحيب الشعب الإيراني عن مدى فرحته بالاتفاقية بسبب معاناته من الحصار، ورغبته في التخلص من العزلة عن العالم، وخاصة العالم الغربي، وعودته إلى الحياة الطبيعية بعد عقود من ترديد شعار (الموت لأمريكا)، الذي اعتاش عليه اليمين المتطرف في إيران. فمنذ مجيء الرئيس روحاني، المعتدل، اختفت هذه الهتافات والشعارات من الشارع الإيراني. ولم تعد إيران من "محور الشر" في نظر أمريكا. وبالتأكيد فإن استقرار إيران سيمهد الطريق للتحول السلمي نحو النظام الديمقراطي التعددي، واستقرار المنطقة.

أما العائلة المالكة السعودية فلها غرض آخر من معارضتها للاتفاقية، وفي هذا الخصوص يقول الكاتب الأمريكي (Fred Kaplan): ".. أن الملك سلمان يرى الشرق الأوسط برمته من منظور الحرب الباردة العربية الكبرى بين السنة [بقيادة السعودية]، والشيعة بقيادة ايران، وأن جميع الحركات الشيعية، مثل الحوثيين في اليمن، هم وكلاء إيران. انها لعبة محصلتها صفر: فالدبلوماسية الأميركية مع إيران وفق هذا المنظور، ترقى إلى خيانة أمريكا للسعودية." ويضيف: "فما يريده نتنياهو والملك سلمان من أوباما هو أن يشن الحرب على إيران نيابة عنهما. وهذا هو سبب معارضتهم بضراوة للدبلوماسية الأميركية مع إيران، لأنه كلما استمر التواصل مع قادة إيران، قل احتمال الحرب معها. لذلك يرى نتنياهو وسلمان الحرب أفضل من الدبلوماسية".(2)

وغني عن القول أن السلاح الوحيد لدى العائلة السعودية لإبقاء هيمنتها الجائرة على الشعب السعودي الذي غالبيته من السنة، هو النفخ في الطنبور الطائفي، ودق طبول الحرب الطائفية ضد الشيعة، وإثارة مخاوف العرب السنة من البعبع الشيعي وإيران الشيعية!! لذلك شنت السعودية الحرب الظالمة على الشعب اليمني بحجة أن الحوثيين هو وكلاء إيران، في الوقت الذي اعترف مسؤولون أمريكيون بخرافة هذا الادعاء.
ويبدو أن أمريكا سأمت من حماية الأنظمة العربية السنية، التي راح المسؤولون الغربيون وعلى رأسهم الرئيس أوباما، يصفونهم بصفتهم الطائفية، بأن أمريكا لا يمكن أن تستمر في حمايتهم إلى ما لا نهاية وهم يضطهدون شعوبهم. وفي هذا الخصوص قال أوباما في مقابلة أجراها معه الصحفي الأمريكي المشهور توماس فريدمان: "إن أكبر خطر يتهدد عرب الخليج ليس التعرض لهجوم من إيران وإنما السخط داخل بلادهم، سخط الشبان الغاضبين العاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم." و أن بإمكان أمريكا حماية الحكومات العربية السنية من إيران أو أي عدوان خارجي عليها، ولكنها لا تستطيع أن تحميها من شعوبها إلى ما لا نهاية. فالحماية الوحيدة لهذه الحكومات تأتي من خلال تشكيل حكومات شاملة (Inclusive governments).(3)
والجدير بالذكر، أن السعودية وقطر ودول خليجية أخرى، صرفت مليارات الدولارات على دعم تنظيمات الإرهاب مثل عصابات داعش وجبهة النصرة، وقبلهما القاعدة وغيرها، في العراق وسوريا لمحاربة حكومتي البلدين بذريعة عدم مشاركة هاتين الحكومتين السنة في السلطة، وهو كذب، في الوقت الذي تضطهد هذه الحكومات (ألخليجية) الشيعة من شعوبها، وتعاملهم حتى دون مستوى البشر.

ولذلك يرى الكاتب البريطاني روبرت فيسك في صحيفة الانديبندت اللندية، في تعليقه على الاتفاق النووي الإيراني: أن "إيران الآن ستعود إلى الدور الذي كان الشاه يضطلع به، ستصبح شرطي الخليج".
وأضاف "وداعاً إذنْ لنفوذ المسلمين السنة الذين ارتكب أبناؤهم جريمة ضد الإنسانية في 9/11، وأنجبوا أسامة بن لادن الذي تحالف مع طالبان، والأمراء الذين يدعمون داعش".(المصدر السابق-1)

وأخيراً، يعتبر هذا الاتفاق انتصاراً للعراق أيضاً، فالعراق هو حليف إيران وأمريكا المتخاصمتين، وليس بإمكانه محاربة الإرهاب بدونهما. وأية علاقة مع إيران كانت تثير غضب أمريكا وتلكئها في دعم الحكومة الاتحادية بالسلاح. وأية علاقة مع أمريكا تثير غضب إيران. وهكذا كان العراق (بين حانة ومانة) كما يقول المثل العراقي. لذلك فبعودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران وأمريكا خير عميم للعراق، وهزيمة للإرهاب و الحكومات العربية السنية التي تدعمه، وتساعد على إطفاء الشحن الطائفي، وتأكيداً لمصداقية الموقف العراقي إبان رئاسة السيد نوري المالكي للحكومة، حيث اختلف مع الرئيس أوباما حول إسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، لأن المالكي رأى أن البديل عن الأسد هو حكومة مؤلفة من داعش وجبهة النصرة. هذه الحقيقة اقتنعت بها الحكومات الغربية مؤخراً عندما وصل إرهاب داعش والنصرة إلى بلدانهم. فهاهي أمريكا وبريطانيا توجهان الضربات الجوية إلى داعش في العراق، وداعش وجبهة النصرة في سورياً لدعم حكومة الأسد. وسبحان مغير الأحوال. إذ لا يصح إلا الصحيح.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- الإندبندنت: أمريكا تصطف مع إيران، على حساب إسرائيل (BBC)
http://www.bbc.com/arabic/inthepress/2015/07/150714_in_the_press_on_wednesday

2 - Fred Kaplan: Why Israel, Saudi Arabia, and Neocons Hate the Iran Deal
http://www.slate.com/articles/news_and_politics/war_stories/2015/07/the_real_reason_israel_saudi_arabia_and_neocons_hate_the_iran_deal_they.html

3- أوباما لعرب الخليج: السخط داخل بلادكم أخطر عليكم من إيران
http://arabic.rt.com/news/779268-




222
المعضلة العراقية والحلول المقترحة
عبدالخالق حسين

هذا المقال وعدت به في مقالي السابق (الإسلام والغرب والإرهاب- متابعة)(1)، الذي ختمته بالسؤال: ما هو الحل للمعضلة العراقية، وكيف يمكن للعراق أن يتخلص من الإرهاب المدعوم دولياً؟ وهل الحل إما في الانبطاح والاستسلام لأمريكا، أو تحديها ومحاربتها وحلفائها في المنطقة؟ أم هناك حلول حضارية أخرى؟ وهذه ليست المرة الأولى أقترح فيها حلولاً، ولكن لا أرى ضيراً من مراجعة الأفكار والحلول عسى أن نصل إلى بر الأمان.

هناك كتّاب من خلفية بعثية، ويتصرفون كبعثييين رغم أنهم ينكرون ذلك، يتهمونني بأني أدعو إلى الانبطاح والاستسلام  لأمريكا، ويتظاهرون كذباً، بالألم والحرقة على العراق وما آل إليه، ويشتمون أمريكا ويعتبرون كل من يختلف معهم في الرأي عميلاً لأمريكا و لإسرائيل، ويحرضون السياسيين والكتّاب، وخاصة الشيعة منهم، على معاداة أمريكا باعتبارها من شروط الوطنية، على غرار (شيِّم البدوي وخذ عباته)، بينما نرى قادتهم يحجون إلى واشنطن باستمرار، ويدفعون ملايين الدولارات لشركات العلاقات العامة لتكوين لوبيات الضغط في كسب الإدارة الأمريكية إلى جانبهم، فهاهو تقرير أمريكي بعنوان: (اسامة النجيفي دفع 300 الف دولار لواشنطن بهدف تسليح مليشيا تابعة له)(2)، وتقرير آخر: (- مجلة أميركية: [أثيل] النجيفي قدم مساعدات مالية بقيمة 40 مليون دولار للقاعدة)(3). فهؤلاء يشتمون أمريكا في العلن ويخدمونها في السر.

ما هو داعش؟
بينت مراراً أن داعش ليس كما هو المعلن عنه بأنه مجرد مجموعة من الشباب المغرر بهم، تعرضوا لعملية غسيل الدماغ من قبل مشايخ الوهابية، والإسلام السياسي السني لإقامة دولة الخلافة الإسلامية الطوباوية، والذي يحلو للبعض أن يؤولوه إلى الإسلام، وأن مجرد إصلاح الإسلام ونسخ بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية سيختفي الإرهاب!! فهذه النظرة فيها الكثير من السذاجة والتسطيح، واستخفاف بعقول الناس، وإنما وراء هذه التنظيمات الإرهابية حكومات إقليمية ودولية بما فيها أمريكا وإسرائيل، يستخدمونها لتحقيق اجندات خاصة عن طريق شن حروب بالوكالة في مختلف بقاع العالم، وكجزء من الصراع الدولي بين الدول الكبرى (الغرب بقيادة أمريكا، والشرق بقيادة روسيا والصين)، على مناطق النفوذ ومصادر الطاقة، وخاصة في الشرق الأوسط، ولضمان أمن إسرائيل،  كبديل عن الحروب بين الجيوش النظامية التي قد تهدد بمخاطر حرب نووية.

وقد كشفتْ عشرات التقارير الغربية أن الجماعات الإسلامية الإرهابية المسلحة في العراق وسوريا مدعومة من الاستخبارات الغربية وخاصة البريطانية والأمريكية، وبأموال وفتاوى السعودية والقطرية، ودعم أردني وتركي، وأن 90% من منتسبي داعش في العراق هم من فلول البعث والقوات الأمنية من عهد حكم البعث الصدامي، الذين يتمتعون بخبرات عسكرية واستخباراتية كبيرة. وأن داعش أصبح الآن يتمتع بقدرات عسكرية ولوجستية هائلة بحيث استطاعت تأسيس دولة على مساحة واسعة من العراق وسوريا، عجزت الجيوش النظامية لهذين البلدين القضاء عليها. لذلك فقد تم خلق الإرهاب الداعشي في العراق وسوريا لشل طاقات هذين البلدين في حروب استنزاف طويلة الأمد إلى أن يتم تغيير سياسة حكومتيهما لتكون منسجمة مع مصالح الغرب و ضد إيران وروسيا.
وآخر تقرير عن دور أمريكا في دعم الإرهاب في العراق وسوريا هو تقرير (الوول ستريت جورنال) بعنوان: (الصحافة الامريكية :العراقيون واثقون من دعم امريكا لداعش)، جاء فيه: (أن وثيقة مسربة من البنتاغون نشرها موقع سياسي “Judicial Watch” كشف فيها عن تورط البنتاغون بدعم تنظيمات متطرفة منبثقة عن القاعدة في سوريا بهدف زعزعة الاستقرار فيها حيث ذكرت الوثيقة استمرار النهج الامريكي بدعم هذه الجماعات رغم توقع البنتاغون بأنها في النهاية ستفضي الى ظهور داعش وسقوط مناطق عراقية، حيث يعود تاريخ هذه الوثيقة المسربة الى عام 2012 ).(4)

أما ما يحدث من كوارث إرهابية بين حين وآخر ضد المصالح الغربية في أوربا وأمريكا الشمالية فهي من "العواقب غير المقصودة" (unintended consequences)، وهي في نفس الوقت تخدم أغراض المخططين من آلهة الشر في المدى البعيد، أي خلق عدو دائم ليضمن وحدة الغرب، والعداء ضد الإسلام (Islamophobia)، وإظهاره كدين يدعو إلى الإرهاب. (راحع مقالنا: لماذا يحتاج الغرب إلى عدو دائم؟)(5). ولكن، من يلعب بالنار لا بد وأن تحترق يده، فها قد انقلب السحر على الساحر، وهاهي الأعمال الإرهابية الأخيرة في تونس، وليون والكويت قد أحرقت أيديهم، ولا بد من أن يعيدوا النظر في وسائلهم الإجرامية لتحقيق أغراضهم.

الموقف من أمريكا

لاحظت أن البعض يستغرب عندما أدعو الحكومة العراقية تارة إلى إقامة علاقة إستراتيجية مع أمريكا، و تارة أخرى أنتقد أمريكا على ازدواجية مواقفها من الإرهاب، والدول الراعية له، فيعتبرون هذا تذبذباً في الرأي. أقول، إذا جاز لكتاب وسياسيين أمريكيين وغربيين آخرين أن ينتقدوا حكوماتهم، فلماذا لا يجوز لنا نحن العراقيين نفس الحق؟ في الحقيقة ليس هناك أي تذبذب في الرأي، وإنما من حقنا نقد السياسات الخاطئة، وتأييد الصائبة منها لأية حكومة، وفي جميع الأحوال نحن وراء مصلحة العراق. وقد أوضحتُ ذلك في عدة مقالات ومنها على سبيل المثال مقالي الموسوم: (مناقشة حول العلاقة مع أمريكا)(6)، بينت فيه أن السياسة وراء المصالح، فنحن مع أمريكا طالما تساندنا، وضدها و ننتقدها إذا اتخذت موقفاً ضد مصالحنا. فللمرة الألف أذكِّر هؤلاء السادة، أن السياسة فن الممكن، والعلاقات بين الدول لخدمة المصالح المشتركة، ولو كانت العلاقة بين الدول إما انبطاح واستسلام، أو عداء وحروب، لانقرضت البشرية، وعمت الفوضى وشريعة الغاب وانتهت الحضارة.

وضع العراق
وضع العراق الحالي حرج جداً وفي منتهى الضعف والهشاشة والتفكك، فحكومته المركزية لا تحكم سوى المحافظات الوسطى والجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، ولا سلطة لها على إقليم كردستان، ولا على "إقليم داعش"، أي المحافظات الشمالية الغربية ذات الأغلبية السنية، المستقلة. و(داعش) هذا مجرد اسم يعمل نيابة عن تحالف واسع لابتزاز الحكومة المركزية الفيدرالية، وتهديدها بعملية الانفصال ليس غير، وقوات داعش هي الحرس الجمهوري الصدامي. فما حصل من تسليم الموصل والرمادي كان مسرحية مفضوحة، تمت بانسحاب الجيش، وبأوامر فوقية خارجية بعد أن ترك كل أسلحته إلى داعش وباتفاق سري مسبق دبر بليل.
فأحداث تسليم الموصل والرمادي إلى (داعش) من قبل الجيش العراقي تجعلنا نعتقد أن هذا الجيش لا يأخذ أوامره من رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة، بل من جهة أمريكية عليا وربما مركزها السفارة الأمريكية في بغداد. وهذا ما تم في العام الماضي بتسليم الموصل، وفي هذا العام بتسليم الرمادي بدون إطلاق رصاصة واحدة، رغم وجود عشرات الألوف من القوات الأمنية والعسكرية المسلحة المجهزة بأحدث الأسلحة الفتاكة، فتم انسحاب الجيش بهدوء، وتسليم السلاح والذخيرة لداعش، وباتفاق مسبق، وأطلقوا على هذه الصفقة الخيانية بالانسحاب التكتيكي!!

و هذا يعني أن هناك تحالف غير معلن بين قادة المحافظات الغربية، وإقليم كردستان، وأمريكا، ودول المنطقة (السعودية وقطر وتركيا والأردن)، لتحقيق أهداف بغطاء داعش. وداعش هذا مجرد اسم لعملية فصل المحافظات السنية عن الحكومة المركزية كما هي حال إقليم كردستان، واتخاذه ذريعة لتسليح العشائر السنية والبيشمركة من قبل هذه الحكومات مباشرة، متجاوزة الحكومة المركزية، الغرض من كل ذلك إضعاف الحكومة المركزية وإسقاط هيبتها، إلى حد أن لا سيطرة لها حتى على قواتها المسلحة، وبالتالي جعلها ضعيفة تستجيب لهم في كل ما يريدون منها، وعلى حساب الشعب العراقي.

و بعد أن يحقق هذا الحلف غير المقدس أغراضه الرئيسية، سيختفي اسم (داعش) فجأة وبسحر ساحر، كما اختفت القاعدة، وسيحل محله (الحرس الوطني) الذي يطالبون الآن بتأسيسه وتسليحه، والذي هو نفسه الحرس الجمهوري الصدامي، وريث الحرس القومي سيء الصيت، وسيطبِّلون بأن الحرس الوطني هو الذي قضى على داعش!!.

فالجيش الوحيد الذي يحارب الإرهاب بصدق وإخلاص للعراق هو (الحشد الشعبي)، ولذلك تحاول أمريكا وحلفائها في المنطقة، والإعلام الغربي والعربي، تشويه سمعة الحشد وإظهاره بأنه (إرهابي أسوأ من داعش)، على حد تعبير وزير خارجة دولة الإمارات. فهل تصريح الوزير الإماراتي جاء بالصدفة أو زلة لسان؟ كلا. إن الغرض من دعم داعش وبهذه الأساليب الملتوية هو تقسيم العراق إلى ثلاث دول، لكل منها جيشها وفق انتمائه القومي والطائفي، وإبقاء ما يسمى بالحكومة الفيدرالية ضعيفة لا سلطة لها إلا على المحافظات الشيعية كما أسلفنا، وتبقى علاقة اسمية فقط بين هذه الدويلات لضمان حصة إقليمي كردستان وإقليم سنستان من حكم محافظات الوسط والجنوب وثرواتها.

فالشعب العراقي الآن منهك لأنه عانى فوق طاقته. فخلال أربعين سنة من حكم التيار العروبي الفاشي الطائفي، أنهكته الحروب الداخلية والخارجية، والحصار الاقتصادي، والمقابر الجماعية، وهجرة خمسة ملاين إلى الخارج بينها هجرة الأدمغة، وما ناله منذ 2003 من إرهاب وحروب إبادة الجنس، والصراعات الطائفية والسياسية وغيرها... و بعد كل هذه الكوارث، هل من العقل والحكمة مطالبة هذا الشعب المنهك بمحاربة أمريكا وحلفائها في المنطقة، وما يتمتعون به من إمكانيات مالية وعسكرية وسياسية وتآمرية وإعلامية تضليلية بلا حدود...، أقول هل بإمكان الحكومة المركزية المفتتة مواجهة كل هذه القوى؟
والجدير بالذكر أن معظم الكتاب الذين يطالبون الشعب العراقي بمعاداة أمريكا، يعيشون في الغرب، ويتنعمون بنعيمه، ويطالبون الشعب الجريح المنهك بمواصلة الحروب ليتباهوا هم بأنهم يتحدون أمريكا وجبروتها، وكل من لا يوافقهم فهو عميل لأمريكا والصهيونية أو متخاذل يدعو للانبطاح والإستسلام !

باختصار شديد، هذا هو وضع العراق الجريح. فهل بإمكان رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، أو أي شخص يحل محله، وبهذه الإمكانيات، أن يقضي على "داعش" ويحقق الوحدة الوطنية العراقية؟ لا أعتقد ذلك. وهذا ليس دعوة للمغتصَبة أن تستسلم لمغتصبها كما اتهمني أحدهم من الذين يتظاهرون بمعاداة أمريكا. بل لأننا نعتقد أنه إذا استمر وضع العراق على هذا النهج فسيؤدي إلى الإنهاك التام، ويصبح كل هم المواطن العراقي في الداخل هو مغادرة العراق.

ومن كل ما تقدم، نعرف أيضاً أن أمر العراق ليس بيد قادته السياسيين، ومعظمهم، وكما كشفت وثائق الخارجية السعودية التي سربها الويكيليكس، هم عملاء يأتمرون بأوامر السعودية وقطر وتركيا وأمريكا ضد مصلحة وطنهم العراق. كما وجاء في تقرير أمريكي عن موقف إدارة أوباما حول العراق، أن في نيتهم تقسيم العراق إلى ثلاث دول، حيث عادوا ثانية يرددون النغمة القديمة، أن حيدر العبادي لم يفِ بوعده في تشكيل حكومة شاملة، وأن الكرد والسنة مازالوا مهمشين ومتذمرين، مما ساعد على دعم السنة لداعش، كما يدَّعون، وعليه راحوا يرددون علناً أن الحل هو تشكيل ثلاث دول.(راجع تقرير: Iraq is no more': Congress, Pentagon coming to terms with 3-way split)(7). 

وعليه لا أرى أية ضرورة بالتضحية بطاقات (الحشد الشعبي) في تحرير المحافظات الغربية من داعش، في وقت نرى فيه قادتها السياسيين ضد تحرير مناطقهم، ويتعاونون مع داعش، بل هم الذراع السياسي لداعش داخل البرلمان والحكومة. 
و يعرف الأمريكان وبارزاني وقادة السنة جيداً، أن تقسيم العراق إلى ثلاث دول سيكون السنة والكرد من أكثر المتضررين، ولكنهم يرفعون هذه الورقة لابتزاز قادة الشيعة للتخلي عن الديمقراطية، وعدم الالتزام بنتائج الانتخابات في تشكيل الحكومة العراقية، وإعادة البعث وطارق الهاشمي والعيساوي إلى السلطة، وإطلاق سراح جميع السجناء المحكوم عليهم بالإرهاب. وإذا ما تحقق لهم ذلك سنقرأ على العراق السلام.

الحلول المقترحة

وإذا كان هذا هو وضع العراق والأغراض من داعش، أقترح على رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ما يلي:
أولاً، أن يصارح الإدارة الأمريكية ويضعهم أمام مسؤولياتهم، ويسألهم ما الذي يريدونه بالضبط من الحكومة المركزية؟ وكيف يجب أن تكون عليه الحكومة الشاملة لكي يوقف الإدعاء بالتهميش؟ ويقدم لهم نتائج الانتخابات، وعدد المقاعد البرلمانية لكل مكون، وأن يشكلوا الحكومة العراقية "الشاملة" وفق نتائج الانتخابات، والدستور العراقي، إذا كانوا حقاً يريدون الإبقاء على الديمقراطية في العراق بعد كل هذه التضحيات.
ثانياً، أن يؤكد لهم أن الغالبية العظمى من الشعب العراقي، وكما نشرت الوولستريت جورنال، يعتقدون أن أمريكا تدعم الإرهاب، وهذا ليس في صالح أمريكا وسمعتها، وأن العراق يسعى لعلاقة استراتيجية متكافئة طويلة المدى مع أمريكا وفق المصالح المشتركة، ولكنه ليس مستعداً للتخلي عن الديمقراطية، ولا إعادة البعث للسلطة، ولا معاداة إيران، ولا إسقاط حكم بشار الأسد إذا كان البديل عنه حكومة بقيادة داعش وجبهة النصرة.
ثالثاً، وإذا تريدون تقسيم العراق فهذا لا يتم عن طريق فرض إرادات خارجية، بل يقرره الشعب العراقي عن طريق استفتاء كل مكون فيما إذا يريدون الانفصال إلى ثلاث دول، أو العيش معاً في دولة واحدة. علماً بأننا مع الوحدة الاختيارية وضد الوحدة القسرية. والدولة الواحدة تعني التزام الجميع بتشكيل الحكومة وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع، وحسب مواد الدستور، وليس بفذلكة "المقبولية"، وإملاءات خارجية، واستخدام عصابات داعش للإبتزاز. والانفصال يعني كل مكون يتمتع بالاستقلال التام وبثرواته.
رابعاً، وإذا أصرت أمريكا على إبقاء الوضع كما هو عليه الآن، أي إدامة الإرهاب وحرب الاستنزاف، فعلى الحكومة العراقية التوجه إلى تقوية علاقتها مع المحور الآخر: إيران، وسوريا، و روسيا، والصين، وتطهير الجيش من المتخاذلين، والاعتماد على الحشد الشعبي كجيش رديف لحماية جمهورية العراق التي تحت سلطة الحكومة المركزية من الإرهاب.

خامساً، ان يؤكد السيد العبادي للأمريكان أن الشعب العراقي كغيره من شعوب العالم، يحب الحياة، ويسعى لإقامة علاقات جيدة مع دول العالم وخاصة مع أمريكا، ويطمح أن يعيش بسلام وأمن واستقرار، وبكرامة وحرية، لكنه ليس مستعداً أن يعيش حياة الذل والإملاءات الخارجية، وفي هذه الحالة فالشعب العراقي مستعد للتضحية بكل غال ونفيس من أجل كرامته وحريته وسيادته الوطنية، إذ كما قال الشاعر:
إن لم يكن من الموت بد... فمن العجز أن تموت جبانا
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
_____________
رابط ذات علاقة
1 عبد الخالق حسين :الإسلام والغرب والإرهاب (متابعة) 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=748

2- تقرير أميركي: اسامة النجيفي دفع 300 الف دولار لواشنطن بهدف تسليح مليشيا تابعة له
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193418.html

3- مجلة أميركية: [أثيل] النجيفي قدم مساعدات مالية بقيمة 40 مليون دولار للقاعدة
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193419.html

4- الصحافة الامريكية :العراقيون واثقون من دعم امريكا لداعش
http://aynaliraqnews.com/index.php?aa=news&id22=40668

5- عبدالخالق حسين: لماذا يحتاج الغرب إلى عدو دائم؟ http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=745

6- عبدالخالق حسين: نحو علاقة عراقية- أمريكية متكافئة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=570

7- عبدالخالق حسين: لماذا يحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=630

8- Iraq is no more': Congress, Pentagon coming to terms with 3-way split
http://m.washingtonexaminer.com/iraq-is-no-more-congress-pentagon-coming-to-terms-with-3-way-split/article/2566481


223
الوهابية، حركة فاشية دينية يجب تجريمها

عبدالخالق حسين

يوماً بعد يوم يتضح أكثر فأكثر للعالم، مَنْ هو وراء الإرهاب الذي سمي بالإرهاب الإسلامي المتطرف. إنه الفكر الوهابي السعودي التكفيري الذي هو امتداد لتعاليم ابن تيمية، ومحمد بن عبدالوهاب، التعاليم التي تبيح قتل كل من يخالفها،  فجذور الارهاب في العقيدة الوهابية(1). ومنذ العهد العثماني قام الوهابيون بغزوات وغارات لمناطق عراقية، مثل سوق الشيوخ، وكربلاء والنجف، وسرقوا، ونهبوا وسلبوا وقتلوا الألوف وأباحوا الحرمات باسم الله والإسلام.

وبعد أن استغنت المملكة السعودية بالثروات النفطية الهائلة حد التخمة، خصصت مبالغ طائلة لنشر التطرف الوهابي التكفيري في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في باكستان، وأفغانستان، والسعودية ومصر، وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، حيث فتحت عشرات الألوف من المدارس الدينية، والألوف من المساجد وعشرات المعاهد، وحتى في عواصم الدول الغربية، وفرضت عليها مشايخ وتعاليم الوهابية. ومن تعاليم محمد ابن عبدالوهاب تجهيل المجتمع، فمن أقواله: (الفكر والكفر سيان لأنهما من نفس الحروف)، ليسهل على مشايخ الوهابية أن يتلاعبوا بعقول الناس وخاصة الشبيبة، وتعرضيهم لغسيل الدماغ، وتحويلهم إلى قنابل بشرية. وهذا ما يجري. وربما هو صحيح في قوله هذا لأن كل من يفكر بعقل سليم لا بد وأن يكفر بالعقيدة الوهابية المتلبسة بلباس الدين.

واستطاعت السعودية بأموالها الهائلة، واستثماراتها في الغرب والشرق، وخاصة في أمريكا وأوربا، أن تشتري سكوت حكومات العالم، و جمعيات حقوق الإنسان عن جرائمها ضد الإنسانية وهي معروفة. وليس مستغرباً، ولا عن طريق الصدفة أن 15 من 19 إرهابياً من منفذي جريمة 11 سبتمبر 2001 كانوا سعوديين. وكذلك، وكما صرح ديفيد بيترايوس قائد قوات التحالف في العراق سابقاً أن 50% من الإرهابيين، و100% من الانتحاريين في العراق كانون من السعودية. كما وأفادت الأنباء أن الذي قام بتفجير جامع الصادق في الكويت يوم الجمعة 26/6/2015 كان سعودياً. كذلك هناك تقرير يفيد أن هناك خمسة آلاف سعودي يقاتلون في صفوف الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، وأن المملكة خائفة الآن من عودتهم إلى بلادهم حيث لا يعرفون أي شغل آخر سوى القتل، فسينقلب السحر على الساحر السعودي كما حصل عند عودة عرب الأفغان في التسعينات إلى بلدانهم ونشروا الإرهاب فيها. والجدير بالذكر أن جميع الإرهابيين هم وهابيون إما من العائلة أو تحولوا بتأثير الأئمة الوهابية.

كذلك كتب السفير الأمريكي الأسبق في كوستاريكا، كورتين وينزر، دراسة أكاديمية بعنوان: (السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية)(2)، بين فيها فاشية الفكر السعودي الوهابي وطالب بمقاضاتها، و كتبتُ أنا مقالاً قبل أشهر بعنوان:(السعودية دولة إرهابية يجب مقاضاتها)(3)، وكتب آخرون نفس المضمون وطالبوا الحكومات ومنظمة الأمم المتحدة مقاضاة السعودية باعتبارها مسؤولة عن نشر التطرف الديني التكفيري، وتمويل الإرهاب، ولكن لا من يسمع.

كما واستطاعت السعودية بأموالها الهائلة أن تشتري ذمم وسكوت حتى الجامعات الغربية العريقة عن طريق التبرعات السخية لها، وفتح أقسام باسم الدراسات الإسلامية، ولكنها تبغي من وراء ذلك نشر الفكر الوهابي وإسكات نقادها. واستطاعت السعودية أن تُسكت حتى الأمم المتحدة عن جرائمها، فتبرعت في العام الماضي بـمائة مليون دولار لقسم مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة لذر الرماد في العيون، في الوقت الذي صرفت نحو مائة مليار دولار لنشر الفكر الوهابي التكفيري في العالم خلال الثلاثين سنة الماضية حسب بعض الدراسات.
ومع كل هذه الجرائم والحكومات الغربية، وبالأخص أمريكا وبريطانيا وفرنسا، بقيت ساكتة تغض النظر عن دور المملكة العربية السعودية في نشر الإرهاب والتطرف الديني بما تغدق عليهم بالمال إلى أن وصل الإرهاب الوهابي إلى عواصم هذه الدول مثل أحداث 11 سبتمبر في أمريكا، و تفجيرات قطارات أنفاق لندن، ومحطة قطارات مدريد، وفي أوائل هذا العام في باريس مجزرة صحيفة تشارلي هبدو وسوبر ماركت اليهودي. وأخيراً وليس آخراً، وقوع الإرهاب في ثلاث قارات في يوم واحد (الجمعة 26/6/2015)، تفجير انتحاري في مسجد الصادق وقتل 27 وجرح أكثر من مائتين من المصلين الشيعة في الكويت، وقتل نحو أربعين من السواح في سوسة/ تونس، 30 منهم من بريطانيا، وجرح أكثر من مائتين، و قطع رأس مدير معمل غاز في ليون/فرنسا بمنتهى الوحشية. وهذا يعني أن سكوت الغرب عن جرائم المملكة السعودية الوهابية هو الذي ساعد على وصول الحرائق إلى بلدانهم.

نستنتج من كل ما تقدم أن الحركة الوهابية فاشية بلباس ديني ضد الإنسانية، لا تقل خطورة عن الحركات العنصرية مثل الفاشية والنازية والبعثية الممنوعة دولياً، وربما أخطر منها، لأن الفاشية الدينية تمنح الإرهابيين قوة عقيدة وإيماناً إلى حد المنافسة بالانتحار من أجل الوصول السريع إلى الجنة والفوز بحور العين والولدان المخلدين...الخ. فإلى متى تسكت الحكومات والأمم المتحدة عن هذه الجرائم، ألا تكفي مئات الألوف من الضحايا؟ وهل يريدون وقوع أعداد أخرى مضاعفة من الأبرياء لإيقاف الجاني السعودي والقطري وغيرهما من ممولي الإرهاب ورعايته؟ 

لذلك، فالمطلوب من الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، وبالأخص منظمات حقوق الإنسان، مطالبة الأمم المتحدة بإدراج الوهابية كحركة فاشية دينية معادية للإنسانية، وشمولها ضمن الحركات العنصرية المحرمة دولياً، يمنع منعاً باتاً نشر تعاليمها التكفيرية، والمطالبة بمقاضاة الحكومة السعودية والحكومة القطرية وكل حكومة ساهمت في دعم الإرهاب، وتقديم رؤساء هذه الحكومات إلى محكمة الجنايات الدولية كمجرمين بحق الإنسانية، وإلزامها بدفع تعويضات لجميع الدول التي تضررت بالإرهاب مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، والصومال ونايجيريا وغيرها، وجميع ضحايا الإرهاب في العالم، تماماً كما ألزموا صدام حسين بدفع تعويضات عن جرائم غزو الكويت، و معمر القذافي عن جرائم إسقاط طائرة لوكربي. وتجفيف جميع منابع الإرهاب الفكرية والمالية، ومطالبة الحكومات الإسلامية وخاصة السعودية والقطرية بتطهير المناهج الدراسية من جميع النصوص الدينية التي تدعو إلى العنف وكراهية الآخر.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- - د. احمد صبحي منصور: كتاب:  جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية
 http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=10

2- كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

3- عبدالخالق حسين: السعودية دولة إرهابية يجب مقاضاتها
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=740

4- عبدالخالق حسين: السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=440


224
الإسلام والغرب والإرهاب (متابعة)

د.عبدالخالق حسين

ليس من السهل أن نعطي صورة واضحة لموضوع معقد وشائك ومتداخل كموضوع الثلاثي (الإسلام والغرب والإرهاب)، بحيث ترضي الجميع، خاصة وهناك خبراء محترفون في التضليل، ومحاولات متواصلة للتشويش ونشر البلبلة الفكرية، وشق الصفوف إلى جبهات جانبية متناحرة. فبعد نشر مقالي الموسوم (الإسلام والغرب والإرهاب)(1)، استلمت تعليقات كثيرة من عدد من الأصدقاء والقراء المهتمين بهذا الشأن. فهناك مواقف متباينة حول هذا الموضوع المثير للجدل، منهم المعتدلون الذين شاركوني في الرأي، و منهم من يرى الإسلام هو المسؤول الأول والأخير عن كل ما حصل في المنطقة من مشاكل، أما أعداء أمريكا فأيدوني وبحرارة واعتبروا موقفي هذا هو تصحيح لخطأ وقعت فيه عندما طالبت بعلاقة استراتيجية دائمة مع أمريكا! وفريق رابع، وهم مع تبرئة أمريكا في كل شيء، اعتبروا موقفي هذا تراجعاً وخذلاناً، وطالبوني بإعادة النظر في موقفي هذا !!!

وفريق خامس يلعبون على عدة حبال، وأغلبهم من خلفية بعثية رغم أنهم ينكرون ذلك، فيتظاهرون كذباً بالألم والحرقة على العراق. فهؤلاء يريدون من العراق أن يكون في حالة حرب مع أمريكا، ويشتموننا ويعتبرون كل من لا يوافقهم في الرأي هو عميل لأمريكا  وإسرائيل، ويحثون القادة السياسيين والكتاب، وخاصة الشيعة منهم، لمعاداة أمريكا وفق مقولة (شيِّم البدوي وخذ عباته)، بينما نرى قادتهم يحجون إلى واشنطن باستمرار، ويدفعون ملايين الدولارات لشركات العلاقات العامة، وتكوين لوبيات الضغط لكسب الإدارة الأمريكية إلى جانبهم، فهؤلاء يعادون أمريكا ويشتمونها في العلن، ويخدمونها في السر، ويحاولون كسبها إلى جانبهم. ويكفي أن أذكر في هذه العجالة أن هؤلاء مصابون بعمى الألوان، لا يرون إلا الأسود والأبيض، و سأعود إليهم في مقال لاحق.

وفي الجانب الآخر، هناك بعض الأخوة يعتقدون أني نفيت عن الإسلام أي دور له في العنف، وما فيه من نصوص تدعو إلى الإرهاب. وعلى سبيل المثال، ضرب صديق لي مثلاً بما فعله الإرهابيون في محافظة نينوى (الموصل)، وسوريا من تدمير لمعابد غير المسلمين، وللآثار والمعالم الحضارية التاريخية...الخ، وقال أن ما فعله الإرهابيون هو تطبيق للنصوص في الكتاب والسنة، وعليه فالإسلام، وليست أمريكا وحلفائها في المنطقة مسؤولون عن الإرهاب.

لقد أشرتُ في المقال المذكور أعلاه، ومقالات سابقة أن في الإسلام، وكل الأديان السماوية، نصوص تدعو للعنف، ولكن لأول مرة في التاريخ نجد استفحال الإرهاب وعلى شكل جيوش منظمة وله دولة. وشبهت هذه النصوص بالألغام الخامدة، لا يمكن أن تنفجر إلا بتفعيلها بعامل سياسي. لذلك رأيت من الضروري العودة للموضوع، وتسليط المزيد من الضوء عليه بغية التوضيح.

فالاختلافات الدينية والمذهبية والقومية موجودة في معظم الشعوب. وفي فترات معينة حصلت حروب بين هذه المكونات بسبب هذه الاختلافات. فالحروب بين مكونات الشعب السويسري استمرت لعشرات السنين إلى أن انتهت بتأسيس فيدرالية الكانتونات. كذلك ما حصل في عصرنا من حروب إبادة الجنس بين شعوب البلقان (الشعب اليوغوسلافي سابقاً) في التسعينات من القرن المنصرم. ومجازر رهيبة في رواندا عام 1994 بين الهوتو والتوتسي بسبب الاختلاف القبلي راح ضحيتها 800 ألف إنسان خلال ستة أسابيع، و لو كان الشعب الرواندي مسلماً لقالوا أن الإسلام هو سبب تلك المجازر.

على أية حال، في الإسلام نصوص تدعو للعنف ضد المختلف، ومعوقة للتقدم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، ويحتاج إلى إصلاح، ولكن هذا الإصلاح لا يتم بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى زمن طويل، ونضال عسير من قبل المثقفين الإصلاحيين، وبالأخص من رجال الدين المتنورين. وقد بدأت هذه الحملة منذ أواخر القرن التاسع عشر من قبل مصلحين من أمثال: عبدالرحمن الكواكبي، وجمال الدين الأفغاني، و محمد عبده، والشيخ علي عبدالرازق، والطاهر حداد وغيرهم، وفي عصرنا هذا، المرحوم آية الله حسين علي منتظري، والمرحوم السيد محمد حسين فضل الله، والمجتهد السيد حسين إسماعيل الصدر، وآخرون. فالإصلاح الديني عملية بطيئة ملازمة للتطور الحضاري لكل شعب، ناهيك عن صعوبة أو استحالة تغيير أو حذف نصوص دينية، فـ(حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة). لذلك قال المستشرق الفرنسي إرنست رينان أنه "من الصعوبة إصلاح الإسلام لأنه إذا أردت إصلاحه لن يبقى منه شيئاً". وعليه لا يمكن التعرض للنصوص أو تغييرها، وإنما الإصلاح يحصل من خلال التقدم الحضاري، وعن طريق فتاوى رجال الدين وإصدار السلطات التشريعية لقوانين توقف العمل ببعض النصوص كما حصل مؤخراً في إيران وتركيا حيث أوقفوا العمل بالنصوص التي تقضي برجم الزاني والزانية وقطع يد السارق...الخ.

أما دور الإسلام في الإرهاب فقد تم توظيف النصوص له من قبل حكومات جئنا على ذكرها، ولأغراض سياسية. ولتوضيح الموضوع المعقد يمكن تشبيه هذه النصوص الدينية في الإسلام التي تدعو إلى العنف و(الإرهاب) بالجينات الوراثية المسببة للأمراض. فهناك الكثير من الأمراض تتناقل عن طريق الجينات الوراثية، أو الطفرة الوراثية (mutation)، مثل مرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، والكثير من السرطانات والأمراض العقلية.
ولكن لاحظ العلماء أن معظم هذه الجينات لا يمكن أن تسبب الأمراض إلا إذا توفرت لها عوامل بيئية وطرق حياتية معينة (Life style). وهناك مقولة في هذا الخصوص:
""Genetics load the gun, lifestyle pulls the trigger، أي (الجينات تعبئ البندقية ولكن طريقة الحياة هي التي تسحب الزناد). فكثير من الناس يحملون جينات وراثية تعرضهم للإصابة بسرطان الرئة مثلاً، ولكن الإصابة بهذا المرض في أغلب الحالات مرتبط بالتدخين لفترة طويلة. فقد أثبتت الدراسات أن 80% من سرطانات الرئة في النساء، و90% في الرجال بسبب التدخين. وأن الرجال المدخنين معرضون لهذا المرض 23 مرة أكثر من غير المدخنين. يعني أن حمل الإنسان للجينات المرضية لا يكفي للإصابة بسرطان الرئة ما لم يكن مدخناً، وإذا ما تجنب التدخين فهناك 90% احتمال عدم إصابته.

وكذلك الإسلام، كأي دين سماوي، معبأ بالنصوص التي تدعو للعنف والإرهاب، ولكن هذه النصوص (الألغام) تبقى خامدة غير فاعلة ما لم تأتي قوى سياسية شريرة تقوم بتفعيلها وتفجيرها. فأتباع الديانات من غير المسلمين عاشوا مع المسلمين خلال 1400 سنة بسلام، وفي بعض المراحل تبوأ مسيحيون ويهود وصابئة مناصب سياسية عليا في الدولة الإسلامية، ولعبوا دوراً كبيراً في النهضة الثقافية التي حصلت في مختلف العهود وخاصة في عهد الخليفة المأمون. كما وبقيت المعالم الحضارية القديمة بسلام وأمان ولم يمسها أحد بأي سوء وفي أشد فترات دولة الخلافة الإسلامية قوة وبأساً. فما الذي جعل هؤلاء الإرهابيين يرتكبون هذه الفظائع بحق الإنسانية والحضارة البشرية في القرن الحادي والعشرين وباسم الإسلام ؟ وإذا كان الإسلام هو سبب الإرهاب فلماذا الغالبية العظمى من المسلمين هم ضد الإرهاب، إلا من تعرض منهم لغسيل الدماغ من قبل مشايخ الوهابية ومن اعتنق المذهب الوهابي وبدفع من الحكومة السعودية؟ فليس من باب الصدفة أن يكون الغالبية العظمى من الانتحاريين هم سعوديون، و15 من 19 من الذين ارتكبوا جريمة 11 سبتمبر 2001 في أمريكا هم سعوديون. بعبارة أخرى، لا يمكن للمسلم أن يكون إرهابياً ما لم يكن وهابياً. بدليل أنه قبل شهرين قام مسلم شيعي مقيم في استراليا بعملية إرهابية هناك، تبين أنه قد اعتنق الوهابية. وهذا لا يعني أن كل وهابي هو إرهابي، ولكن يصح القول أن كل إرهابي هو وهابي. فحزب الأخوان المسلمين، والانتماء لأية منظمة إرهابية هي عملية وهبنة المسلم من مختلف المذاهب الإسلامية إلى الوهابية ليكون إرهابياً.

ومن هنا نستنتج أن سبب الإرهاب هو توظيف النصوص الدينية من قبل حكومات ولأغراض سياسية. ومن هذه الحكومات السعودية وقطر وتركيا، وبدفع وتخطيط من المخابرات الأمريكية، وهذا واضح لأن توظيف الإسلام للإرهاب تم منذ أن بدأ الحكم الشيوعي في أفغانستان 1978 ولحد الآن. أما إثارة الفتن الطائفية والصراع بين السنة والشيعة وبهذا الشكل المخزي فقد حصل بعد الثورة الإسلامية في إيران بسبب إعلانها العداء لأمريكا وإسرائيل، ولحلفائهما في المنطقة، فبدأت السعودية وغيرها بإثارة الفتن الطائفية.

وهذا لا يعني أننا يجب أن نتوقف عن المطالبة بالإصلاح الديني. ولكن ما المقصود بالإصلاح؟ هل يعني إيقاف العمل ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؟ فهذا الإجراء معمول به في جميع الدول الإسلامية عدا السعودية التي هي الدولة الرئيسية التي ترعى الإرهاب وتنشر التطرف الديني، والمفارقة أنها أقرب دولة حليفة لأمريكا التي تقود الحملة لمحاربة الإرهاب.

في رأيينا أن المطلوب بالإصلاح هو فصل الدين عن السياسة، إذ كما قال حجة الاسلام السيد حسين خميني (حفيد الإمام روح الله خميني): "الدين يفسد السياسة والسياسة تفسد الدين"، والعمل على تطبيق مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص دون أي تمييز بسبب الاختلاف في الدين والمذهب والقومية، وتطبيق مبدأ (الدين لله والوطن للجميع)، ونشر ثقافة التسامح، وتقبل حق الاختلاف، والأخوة الإنسانية في جميع وسائل الإعلام، وجميع مراحل الدراسة من الابتدائية إلى الجامعة، وتنقية المناهج الدراسية من أي تحريض ديني، أو عنصري ضد الآخر المختلف. وإدخال مواد إنسانية مثل: علم الاجتماع، والفلسفة، وتاريخ الأديان المقارن في مرحلة الثانوية، لأن هذه المواد تهذب الإنسان، وتخلصه من التعصب الديني.

والسؤال المهم هنا ما هو الحل السريع للمعضلة العراقية، وكيف يتخلص من شرور هذا الإرهاب المدعوم دولياً؟ وهل الحل إما في الانبطاح والاستسلام لأمريكا أو محاربتها وحلفائها في المنطقة ولا شيء بينهما؟ أم هناك حلول عملية حضارية قابلة للتطبيق؟ الجواب على هذا السؤال هو موضوع مقالنا القادم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
______________
روابط ذات علاقة
1- د. عبد الخالق حسين الإسلام والغرب والإرهاب
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=746

2- تقرير أميركي: اسامة النجيفي دفع 300 الف دولار لواشنطن بهدف تسليح مليشيا تابعة له
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193418.html

3- مجلة أميركية: النجيفي قدم مساعدات مالية بقيمة 40 مليون دولار للقاعدة
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193419.html



225
وثائق ويكيليكس تفضح مملكة الشر
د.عبدالخالق حسين

أفادت الأنباء يوم 20/6/2015 أن موقع ويكيليكس" نشر أكثر من ستين ألف برقية دبلوماسية مسربة من السعودية، وأنّه سينشر نصف مليون برقية أخرى خلال الأسابيع المقبلة. وأشارت الى أنّها حصلت على مراسلات بالبريد الالكتروني بين وزارة الخارجية السعودية ودول أخرى بالإضافة إلى تقارير سرية من وزارات سعودية أخرى."

فمن يطالع التقرير الموجز الذي نشرته وكالة (المسلة)(1)، مع بعض الصور لهذه المراسلات، لا يخامره أدنى شك في صحة هذه الوثائق. وقد دعتني فضائية الفيحاء مشكورة مساء نفس اليوم للمشاركة في مناقشة هذا الموضوع، وعن مدى صدقية هذه الوثائق وأهميتها، ولماذا نشرت في هذا الوقت بالذات... إلى آخره من الأسئلة المشروعة.

فقد لاحظنا أن بعض المعلقين من محامي السعودية، وداعمي الفساد في العراق سارعوا في التشكيك بهذه الوثائق، وادعوا أن الغرض من نشرها الآن هو تدمير السعودية، وإثارة الشكوك حول بعض القادة السياسيين العراقيين من جميع الأطياف...الخ، لذلك حاولوا تفنيد هذه الوثائق أو على الأقل التشكيك بصحتها.
لا ننكر ما للحيطة والحذر من أهمية إزاء هذه الوثائق، ولكن في رأيي أنها أقرب إلى الحقيقة، وصدرت في الوقت المناسب، و حبذا لو نشرت من قبل، خاصة فيما يخص العراق. كذلك أثبت التاريخ أن معظم الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس أو المتمرد الأمريكي إدوارد سنودون هي صحيحة. فالحكومة الأمريكية تريد مقاضاة هذين الشخصين ليس بتهمة تلفيق الوثائق أو تزييفها، بل بتهمة الخيانة في فضح أسرار الدولة، ومعنى هذا أن جميع الوثائق التي سربها هذان الشخصان هي صحيحة.

كذلك يمكن التأكد من مصداقية هذه الوثائق من الصور، إضافة إلى أن الذين قاموا بنشرها ليسوا عرباً ولا يعرفون العربية لكي يفبركوا مثل هذه الوثائق العربية وأختامها وتواقيع المسؤولين السعوديين عليها، ولو أن هذه الأمور ممكنة في عصر التقنية المتطورة، ولكن ما هي مصلحة العاملين في الويكيليكس ببذل المال والوقت والجهد في هذه الأمور المضنية والباهظة التكاليف والمعقدة، باختلاق مئات الألوف منها. لا شك أن هذه الوثائق حقيقية ومخزونة أصلاً في كومبيوترات دوائر الخارجية السعودية، و من السهل التسلل إليها إلكترونياً في زمن التكنولوجية المتطورة. أما كون رئيس ومؤسس (ويكيليكس) السيد جوليان أسانج، لاجئ في السفارة الأكوادورية في لندن منذ ثلاثة أعوام، فهذا لا ينفي مصداقية هذه الوثائق، فللرجل فريق من المساعدين في هذه المؤسسة غير المرئية، وكلما يحتاجه الإنسان في هذا المجال هو الخبرة وكومبيوتر نقال (Laptop)، والربط بالانترنت، وبذلك يمكنه أن ينقل كل العالم إلى شاشته أين ما يكون. وهذا لا يمنع حتى السيد أسانج نفسه من ممارسة هذا العمل وهو حبيس السفارة.

أهمية هذه الوثائق تأتي من كونها فضحت المملكة العربية السعودية بما تلعبه من دور في تأسيس تنظيم الإرهاب ودعمه وتصديره إلى سوريا والعراق، وشراء قياديين سياسيين عراقيين. ففي إحدى هذه الوثائق نقرأ مثلاً: "مالك ومدير قناة البغدادية [رجل الأعمال العراقي عون حسين الخشلوك]، طلب دعما سعوديا لإقامة تحالف شيعي وطني مؤيد للسعودية وضد إيران..، والرياض ترفض لدوره في غسل اموال عُدي." وتابعت الوثيقة "وجاء في برقية رئاسة الاستخبارات المتضمنة انه [الخشلوك] كان على علاقة واسعة مع النظام السابق وخاصة مع عدي صدام حسين لغسل ملايين الدولارات في السوق العراقية، ومعروف بانتمائه لجهاز مخابرات النظام السابق وعلاقاته الجيدة مع القيادة الإيرانية وله مواقف مناهضة ضد رئيس الوزراء الحالي (المقصود نوري المالكي) وحكومته وانه شخصية تسعى لتحقيق مكاسب شخصية من خلال مشروعه السياسي ولا ترى ان هناك فائدة من توجيه دعوة لزيارته للمملكة."(2)

وكشفت وثيقة أخرى عن قيام رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني بقيادة حملة إعلامية ضد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بتوجيه ودعم سعودي وقطري وتركي من أجل زعزعة استقرار الحكومة المركزية (3).
كما وأظهرت إحدى الوثائق المسربة أن رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم أبدى رغبته في زيارة المملكة العربية السعودية، لكن الأخيرة رفضت ذلك لكي لا يمثل دعما له ضد خصومه في الانتخابات.(4)

وثيقة أخرى برقية مؤرخة في 19-03-2012  بعثها وزير الخارجية السعودي السابق، سعود الفيصل، الى خادم الحرمين الشريفين، ان نائب رئيس الجمهورية الحالي أسامة النجيفي، سعى الى طلب الدعم السعودي ضد رئيس الحكومة العراقية - وقتها - نوري المالكي. وتفيد البرقية ان النجيفي يعتبر المالكي، "نافذة للهيمنة الإيرانية على العراق"(5)
وبهذه الطريقة يريد قادة العراق الجديد بناء الدولة العراقية الديمقراطية عن طريق الاستجداء من السعودية والإستقواء بها! والله في عودنك يا شعب العراق.

في الحقيقة إن معظم ما جاء في هذه الوثائق وما سيأتي قريباً من معلومات، هي معروفة وتحدثنا بها سواءً في مقالاتنا، أو في مقابلات في وسائل الإعلام، وكان البعض يشكك بما نقول، ويعتبرونه من وحي "نظرية المؤامرة" إلى أن نشرت هذه الوثائق على موقع ويكيليكس. وحتى في هذه الحالة لم تسلم هذه من التشكيك، ولكن هذا لا يهم، فالدور السعودي والقطري والتركي في دعم الإرهاب وإشعال الفتن الطائفية بات معروفاً. أما أن يتباكى البعض على أن توقيت نشر هذه الوثائق جاء متزامناً مع مؤامرة غربية- إيرانية ضد السعودية فهذا لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون.

والمطلوب من الحكومة العراقية جمع هذه الوثائق وما لديها من أدلة ثبوتية أخرى لتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة ضد السعودية وغيرها من الحكومات الراعية للإرهاب لقيامهم بإثارة الفتن الطائفية، وتصدير الإرهاب إلى العراق، وقتل مئات الألوف من أبناء شعبنا، وتدمير مؤسساته الاقتصادية، وبناه التحتية، ومحاربة نظامه الديمقراطي. فما ضاع حق وراءه مطالب.

والجدير بالذكر أن صديقاً لي كان عضواً في قيادة (المؤتمر الوطني العراقي الموحد) إلى ما قبل إسقاط حكم البعث الصدامي، أخبرني أنهم عند تأسيس المؤتمر في لقاء فينا في حزيران 1992م، وكان قد حضر وفد سعودي معظمهم من المخابرات، اتصلوا بقيادي عراقي سني وطلبوا منه أن يمدهم بقائمة بأسماء جميع المشاركين العراقيين في المؤتمر، و أن يذكر أمام اسم كل منهم انتماءه الديني والمذهبي، وهل هو سني أو شيعي. فمنذ ذلك الوقت كان السعوديون، ورغم دعمهم للمعارضة، يخططون لإثارة الفتنة الطائفية في عراق ما بعد صدام.

مرة أخرى نعيد القول، أن غرض السعودية والدول الخليجية من نشر الإرهاب والفوضى في العراق هو لتخويف شعوبهم من الديمقراطية، فإذا ما طالبتهم شعوبهم بالديمقراطية قالوا لهم أنظروا إلى حال العراق و ما جلبت لهم الديمقراطية من فوضى وإرهاب وخراب، لذلك اقبلونا فاستبدادنا أفضل لكم من ديمقراطية تجلب لكم هذه الكوارث. و دون أن يقولوا الحقيقة لشعوبهم أنهم (حكام الدول الخليجية)، وليست الديمقراطية، من جلب الفوضى والإرهاب إلى العراق.

ولكن السؤال هو: إلى متى تبقى شعوب الجزيرة العربية تحت ذل وعبودية هذه العوائل الحاكمة المستبدة التي تعتبر شعوبها عبيداً لها، وتفرض عليهم حكم القرون الوسطى المظلمة؟ في الحقيقة إن هؤلاء الحكام البدو المتخلفين لا يملكون غير الفلوس، لا يعرفون أن التطور الحضاري سنة الحياة، وأن المستقبل للشعوب، وأن مصيرهم كمصير من سبقهم من الطغاة، في مزبلة التاريخ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
4-   ويكيليكس يكشف أسرار عراقيين ينسقون مع السعودية ضد بلادهم
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193135.html

2- ويكيليكس: رفْض سعودي للخشلوك.. غَسَلَ أموال "عدي" وعميل لمخابرات صدام
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193195.html

3- أخطر وثيقة نشرها ويكيليكس ... السعودية جندت بارزاني لتسقيط المالكي إعلامياً
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193201.html

4- نائب عن المواطن: وثائق ويكيليكس لم تثبت صحتها والحكيم يعمل لصالح العراق
أظهرت إحدى الوثائق المسربة أن رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم أبدى رغبته في زيارة المملكة العربية السعودية، لكن الأخيرة رفضت ذلك
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193232.html#

5- النجيفي طلب دعم السعودية "ضد" الحكومة العراقية السابقة
http://almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=55159



226
الإسلام والغرب والإرهاب

د.عبدالخالق حسين

نحن أمام مشكلة معقدة تداخلت فيها الأوراق واختلط الحابل بالنابل كما يقولون، في معرفة من وراء ما يسمى بـ(الإرهاب الإسلامي) المنظم المستشري في المنطقة على شكل جيوش جرارة؟ هل هو الإسلام بسبب ما فيه من نصوص تدعو إلى العنف وإبادة المختلف، أم هناك دول قوية وراء هذا الإرهاب ولأسباب سياسية ولخدمة مصالح الغرب وإسرائيل والسعودية وغيرها؟  فوراء هذا الخلط والالتباس، وبلبلة الأفكار، مفكرون كبار يتفننون في استخدام الحقائق لتمرير الباطل، وبالتالي يقودون الضحايا إلى تشخيص خاطئ لمعرفة أسباب تعرضهم للكوارث فيضيّعون أوقاتهم وجهودهم في علاجات خاطئة.

في البدء ، أود التوكيد أني لا أنكر لما للغرب من فضل كبير في تقدم الحضارة البشرية الحديثة، وما أنتجته هذه الحضارة من قيم إنسانية نبيلة واجتماعية تقدمية، وفي مجال حقوق الإنسان والديمقراطية والعلمانية، وما تقدمه للبشرية من خدمات في جميع المجالات العلمية والطبية والتقنية والاجتماعية والإنسانية...الخ. ولكن إلى جانب هذه القدرات الفائقة، هناك سياسيون يستخدمون هذه القدرات لأغراض سياسية دنيئة حتى ولو تضاربت مع الأخلاق والقيم الإنسانية. لذلك قيل (لا أخلاق في السياسة) وفق مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) الذي بشر بها مؤسس علم السياسة ماكيافيلي. والجدير بالذكر، أن هذا المبدأ تتبعه غالبية البشر في كل مكان وزمان وحتى قبل ولادة ماكيافيلي، ولكنهم في نفس الوقت يشتمون صاحبه. وفي هذا الخصوص يدافع الفيلسوف الإنكليزي برتراند رسل عن ماكيافيلي، أنه ذكر هذا المبدأ لأنه من صلب السياسة، كما يشرح عالم الفيزياء ما في الذرة من قوة تدميرية، فهذا لا يعني أننا يجب أن نجرم ونلعن عالم الذرة.

فالغرب بوجه خاص لم ولن يتردد في استخدام أخس الوسائل بما فيها تشكيل منظمات إرهابية إذا لتحقيق أغراضه، وفي نفس الوقت يعرف كيف يظهر نفسه بلبوس الحمل الوديع، والمحارب الصلب العيد ضد هذا الإرهاب. فقد بات معروفاً دور المخابرات الأمريكية في تشكيل التنظيمات الإرهابية في أمريكا اللاتينية، والمنظمات الجهادية في أفغانستان في النصف الثاني من القرن العشرين. والآن هناك دلائل تشير إلى أن أمريكا هي وراء داعش وجبهة النصرة في سوريا والعراق، وقد جئنا على هذا الموضوع في عدة مقالات، ونعود إليه الآن في هذا المقال لأن هناك مازال من يشك بالأمر، لذا أقتضى تسليط المزيد من الضوء عليه لما يحتاج من إثبات وتوضيح.

كنت كغيري من المثقفين العلمانيين، أعتقد بشكل جازم ولحد وقت قريب، أن الإرهاب هو النتاج المباشر للإسلام لما فيه من تعاليم ونصوص تدعو إلى العنف وإلغاء الآخر المختلف، وأن الحل الوحيد هو إصلاح الإسلام. ولتحقيق الإصلاح هذا عُقدتْ المئات من المؤتمرات و اللقاءات والندوات الفكرية في العالم، ونشروا عشرات الكتب، وآلاف المقالات والدراسات. وكنت من أشد المتحمسين لها، وشاركت في بعضها. والمهزلة أن السعودية راعية الإرهاب كانت وما تزال من أكثر الدول التي تصرف المال على عقد هذه المؤتمرات من أجل ذر الرماد في العيون.

ولكني توصلت أخيراً إلى قناعة أنه يجب أن نعوِّد أنفسنا على التفكير خارج الصندوق، ومن زوايا عديدة،  بعيداً عن النمطية، فكثير من الأفكار نتبناها لأنها سائدة عند الأغلبية ونعتقد أن لا يمكن أن تكون الأغلبية على خطأ، وهذا بحد ذاته خطأ إذ لا يجب أن نفسر الأشياء على ضوء الأحكام المسبقة. لذا وبعد تفكير عميق لمدة غير قصيرة توصلت إلى قناعة أن إلقاء اللوم على الإسلام وحده في كل كوارثنا لا يعطينا الجواب الشافي، فالتشخيص الخطأ يقود إلى العلاج الخطأ، أشبه بالجراح الذي يعتقد أن كل ألم في البطن ناتج عن التهاب الزائدة الدودية، فيحضر المريض لعملية جراحية ويعمل فتحة صغيرة قريبة من الزائدة، ليفاجأ بأن الزائدة سليمة، وأن هذه الأعراض كانت نتيجة مرض آخر مثل انفجار قرحة المعدة، أو الإثني عشري، أو نزف من حمل خارج الرحم في حالة المرأة... إلى آخر القائمة الطويلة من الحالات المرضية التي يمكن أن تسبب نفس الأعراض التي تسببها الزائدة الدودية الملتهبة.
وكما ذكرت في مقالي الموسوم (أزمة الشرق الأوسط وعلاجها)(1)، أن العلمانيين يرون أن علاج الإرهاب يكمن في الإصلاح الديني للإسلام، و الفصل بين السياسة والدين. لا شك أن هذه الإجراءات ضرورية للتطور الاجتماعي وبناء الدولة الديمقراطية ودولة المواطنة، وكلنا ندعو  إليها، ولكن ما يجري في منطقتنا من إرهاب منظم على شكل جيوش جرارة مجهزة بأحدث الأسلحة والتدريب وأقامة دولة على مساحات واسعة من العراق وسوريا، هو شيء آخر وجديد لا علاقة له بالنصوص الدينية التي تدعو إلى العنف، لأن هذه النصوص كانت موجودة لأربعة عشر قرناً من الزمن، ولم يحصل مثل هذا الإرهاب المتوحش إلا بعد الثورة الإسلامية في إيران والحكم الشيوعي في أفغانستان، حيث تم توظيف الإسلام الوهابي وبالأموال السعودية لنشر التطرف والإرهاب، وهذا بات معروفاً لدا القاصي والداني.

وإذا ما جئنا إلى الإسلام وإصلاحه، فهذه إيران الإسلامية قد أوقفت العمل بجميع النصوص التي لا تلائم العصر مثل: السن بالسن والعين بالعين... ورجم الزاني والزانية بالحجارة حتى الموت، وبتر يد السارق... إلى آخره من أحكام. ولكن مع ذلك فإيران تعتبرها أمريكا من ألد أعدائها وتعمل على تغيير نظامها لأنه إسلامي ويجب إقامة نظام علماني، بينما نرى العكس في علاقة أمريكا والغرب مع المملكة العربية السعودية التي هي سبب كل البلاء وعدم استقرار المنطقة، فهي التي تطبق قوانين الشريعة الإسلامية في العقوبات الجنائية في قطع الرؤوس وقطع الأيدي، والرمي بالحجارة حتى الموت، وجلد كل من يتجرأ على نقد السلطة، والتجاوز على أبسط حقوق الإنسان، ونشر التطرف الديني، وهي التي أسست المنظمات الإرهابية وترعاها وتدعمها بالمال والسلاح والفتوى، ولكن مع كل ذلك فالسعودية هي الدولة العزيزة المدللة والحليفة الكبرى للغرب.

ومن كل ما تقدم نستنتج أن سبب الإرهاب هو ليس الإسلام، بل أسباب سياسية بحتة لها علاقة بمصالح الغرب وإسرائيل والسعودية وغيرها من الحكومات الراعية للإرهاب، ولكن تم توظيف الإسلام ونصوصه لغسل عقول الشباب وتجنيدهم للتنظيمات الإرهابية. وقد عددنا الأسباب الذي تؤكد أن الغرب وحلفائه في المنطقة هم وراء الإرهاب ولمصالحهم السياسية، وذكرنا عشرة أدلة في مقالنا الموسوم (لماذا يحتاج الغرب إلى عدو دائم؟)(2) ومقال آخر بعنوان (داعش ذريعة لتغيير النظام في العراق)(3)، ونضيف في هذا المقال دليلين آخرين حسب ما توفرت لدينا من معلومات جديدة:
الأول، تقرير نشرته صحيفة الغارديان اللندنية بعنوان: (انهيار محاكمة ارهابي خوفاً من إحراج المخابرات البريطانية)، جاء فيه:
((انهارت محاكمة مواطن سويدي متهم بالأنشطة الإرهابية في سورية في محكمة أولد بيلي [لندن] بعد أن اتضح أن الاستمرار في المحاكمة من شأنه أن يفضح الاستخبارات البريطانية ويحرجها، ويعرض الأمن الوطني للخطر. حيث جادل محامو المتهم أن الاستخبارات البريطانية كانت تدعم نفس الجماعات المعارضة السورية [جبهة النصرة] التي خدم فيها المتهم، وكانت [الاستخبارات البريطانية] طرفا في عملية سرية لتوفير الأسلحة ومساعدات أخرى إلى تلك الجماعات...الخ))(4 و5).

ثانياً، وهناك عامل آخر يجعل الغرب بحاجة إلى عدو دائم، وهو العامل الاقتصادي، فيعملون على نشر التوتر والحروب في منطقة الشرق الأوسط الغنية. فمبيعات الأسلحة وتدريب الجيوش في هذه منطقة هي من الصناعات الكبيرة في دعم الاقتصاد في الغرب. كما وترتبط أسعار النفط والسلع بالحروب وبأوقات التوتر. فعندما يكون هناك توتر أو حروب بين الدول تتوفر الفرص لبيع المزيد من السلاح، وزيادة أسعار النفط، وما إلى ذلك. فالمسألة ليست مجرد حرب الأيديولوجيات، ولكنها الحروب المالية والاقتصادية. فلوبي السلاح في الغرب وخاصة في واشنطن هو من أقوى اللوبيات المدعومة من اللوبي الإسرائيلي (AIPAC). فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يعتبر الرئيس الإيراني المعتدل الدكتور حسن روحاني "ذئب بثوب حمل"، وأنه أخطر من سلفه محمود أحمدي نجاد. فنتنياهو لا يريد رئيس معتدل في إيران لإطفاء البؤر المتوترة لأنه يحرمه من وجود التوتر الدائم في المنطقة. ومن مصلحة إسرائيل والحكومات الخليجية إبقاء شعوب المنطقة متحاربة ومتخلفة وضعيفة لكي تبقى الأسر الحاكمة في الحكم، وتبقى إسرائيل هي الدولة العظمى في المنطقة. 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: أزمة الشرق الأوسط وعلاجها
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=470337

2- عبدالخالق حسين: لماذا يحتاج الغرب إلى عدو دائم؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=472184

3- عبدالخالق حسين: داعش ذريعة لتغيير النظام في العراق
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=471576

4- انهيار محاكمة ارهابي خوفاً من إحراج المخابرات البريطانية
The Guardian: Terror trial collapses after fears of deep embarrassment to security services
http://www.theguardian.com/uk-news/2015/jun/01/trial-swedish-man-accused-terrorism-offences-collapse-bherlin-gildo

5- الغارديان:القوى الغربية التي أوجدت “الدولة الاسلامية” في العراق وسوريا لن تستطيع هزيمته
http://www.raialyoum.com/?p=267749





227
لماذا يحتاج الغرب إلى عدو دائم؟
د. عبدالخالق حسين

لا شك أن هذا المقال سيعرضني إلى الاتهام بنظرية المؤامرة(conspiracy theory)، خاصة وهناك كثيرون لا يميزون بين المؤامرة ونظرية المؤامرة. فالأولى هي من صلب المتطلبات السياسية الماكيافيلية، أما الثانية فهي شماعة يعلق عليها الفاشلون غسيلهم لتبرئة أنفسهم من التقصير، كذلك يعمل المتآمرون لترويج نظرية المؤامرة لحرف الأنظار عن المؤامرات الحقيقية، إلى حد إثارة السخرية على كل من يتهمهم بالتآمر. وفي أغلب الأحيان من الصعوبة التمييز بين المؤامرة ونظرية المؤامرة، إذ يحصل التداخل بينهما، خاصة ونحن نعيش في عصر الشك والريبة، فكل شيء يبقى مشكوك به حتى يزول الشك بإثبات التهمة، وعندها تظهر الحقيقة، ولكن غالباً بعد فوات الأوان، وبعد أن حقق المتآمرون أغراضهم، وأغلبهم إما ماتوا، أو تقاعدوا واختفوا عن الساحة، وعلى سبيل المثال، لم يتم الكشف بصورة موثقة عن دور المخابرات الأمريكية في انقلاب 8 شباط 1963 في العراق إلا بعد مرور أكثر من خمسين سنة على الحدث.(1)

أفترض في هذا المقال أن الغرب لا يستطيع أن يعيش بدون وجود عدو مشترك للحفاظ على وحدة دوله أي (دول الوحدة الأوربية وأمريكا الشمالية).
فمن يطالع تاريخ أوربا منذ كتابة التاريخ وإلى ما قبل 70 عاماً، يلاحظ أن شعوب هذه القارة، كغيرها من الشعوب الأخرى، كانت في حالة حروب دائمة فيما بينها. وآخر هذه الحروب المدمرة كانت الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، التي كلَّفت الشعوب الأوربية نحو 55 مليون قتيل، وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمعوقين والأيتام والأرامل، ودمار شامل للمدن والممتلكات. وقبل اندلاع هذه الحرب كانت الدول الأوربية قد بلغت مرحلة حضارية متقدمة في العلوم والتكنولوجية والقوة العسكرية والثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، بحيث استطاعت فرض هيمنتها على أغلب أقطار العالم الثالث وإستعمارها، كالإمبراطورية البريطانية التي ما كانت تغيب عنها الشمس. والجدير بالذكر أن دول الحلفاء لم تستطع إلحاق الهزيمة بدول المحور إلا بالتحالف مع الاتحاد السوفيتي الذي هو الآخر تعرض للغزو النازي الألماني.
ولكن ما أن تحقق النصر على النازية والفاشية حتى وسارع الحلفاء بإعلان العداء للاتحاد السوفيتي (حليف الأمس)، فاخترع رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل، تعبير (الستار الحديدي)، الفاصل بين المعسكرين: الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي. واعتبر الغربيون الاتحاد السوفيتي العدو اللدود لهم، ودراكيولا الذي يريد ابتلاع الغرب، وبمناسبة وغيرها كانوا يخيفون شعوبهم بهذا "الغول الرهيب" فيرددون مسلسلاتهم الكوميدية عبارة (Russians coming, Russians coming). كما وأطلق الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغن عبارة (إمبراطورية الشر Evil empire) على الاتحاد السوفيتي، علماً بأن القيادة السوفيتية سواءً في عهد ستالين أو بعده، لم يصدر منهم أي عمل من شأنه معاداة الغرب. ومن نتائج هذا العداء شكل الغربيون الحلف الأطلسي (NATO) مقابل حلف وارسو (الشيوعي). ومنذ ذلك الوقت بدأت الحرب الباردة وسباق التسلح، وخاصة في مجال سلاح الدمار الشامل، والصراع على احتلال مناطق النفوذ في العالم الثالث.

فكرة (العدو المشترك) جاءت من عقول جبارة مثل تشرتشل وغيره، من أجل ابقاء الغرب في حالة تماسك وسلام دائم. وفعلاً نجحت الفكرة فكان بسبب الخوف من هذا (العدو المشترك) أن تمتعت الدول الغربية بسلام دائم لفترة طويلة لم تعهدها من قبل، حصل خلالها التقارب والتحالف بينها بحيث أدت إلى ولادة السوق الأوربية المشتركة عام 1956، والتي نمت وتطورت إلى الوحدة الأوربية التي تضم اليوم 28 دولة، و 19 منها تخلت عن عملتها الوطنية التي هي رمز السيادة والاستقلال، وتبنت اليورو عملتها الرسمية. والمتفائلون يأملون المزيد من الاندماج إلى حد تحويلها مستقبلاً إلى دولة عظمى (super-state)، الولايات المتحدة الأوربية، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية. قد يبدو هذا الهدف مستحيلاً الآن، خاصة وهناك معارضة من شرائح واسعة من عدد من الشعوب الأوربية ضد التخلي عن السيادة الوطنية، ولكن مسار التاريخ هو نحو اتجاه المزيد من التقارب بين الشعوب، خاصة في عصر العولمة حيث تفضل الشعوب مصالحها الاقتصادية مقابل التخلي عن قسط من استقلالها السياسي، لذلك فعلى المدى البعيد كل شيء يتغير نحو المزيد من التقارب والاندماج من أجل حياة أفضل.

كل هذا التقارب والسلام ما كان ليحصلا لولا وجود العدو المشترك الذي تمثَّل في الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي. لذلك وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وانهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991، برزت الحاجة الماسة إلى عدو مشترك جديد، وعليهم اختراعه كي لا يظهر لهم هتلر جديد، خاصة وهناك ردود أفعال لهذا التقارب على شكل تنامي في المشاعر القومية في العديد من الدول الأوربية بسبب الهجرات المليونية من العالم الثالث إلى أوربا، ولكن الحكومات الغربية لا تنقصها القدرة والخبرة في مواجهة هذه المشاكل الطارئة وإيجاد الحلول الناجعة لها.

فمن هو هذا العدو الجديد؟
الإسلام يمتلك مقومات كثيرة يرشحه ليلعب دور العدو المشترك ويثير الرعب في العالم الغربي ليوحدهم، فهناك تاريخ الغزوات والفتوحات العربية- الإسلامية لأوربا، وتأسيس الدولة الأموية في الأندلس(أسبانيا) التي استمرت لعدة قرون وتركت آثارها لحد الآن، وكذلك الحروب الصليبية لتحرير الأراضي المقدسة بما فيها القدس من المسلمين، والتي استمرت على شكل حملات لقرنين من الزمان (القرن الثاني عشر والثالث عشر). واستولوا على الأراضي المقدسة في أول الأمر ولكن استطاع المسلمون إلحاق الهزيمة بهم فيما بعد بقيادة صلاح الدين الأيوبي. لذلك ففي عام 1920 عندما احتلت القوات الفرنسية بقيادة الجنرال غور سوريا، وأسقطت المملكة العربية السورية الفتية في معركة ميسلون، كان أول عمل قام به القائد الفرنسي أن توجه إلى قبر صلاح الدين الأيوبي في دمشق مخاطبا إياه: "يا صلاح الدين أنك قلت بأننا لن نعود، فها نحن قد عدنا". ففي هذه الجملة معاني رمزية كثيرة، تدل على أن الإنسان مهما بلغ من التحضر والمدنية فإنه لا ينسى الماضى، ولا يتخلص من نزعة الثأر والغلبة والانتقام.
والعامل الآخر الذي جعل الإسلام قابلاً لتحقيق رغبة الغرب في سد الفراغ الذي تركه غياب الاتحاد السوفيتي هو ما في الإسلام من نصوص تكفيرية تبرر إبادة غير المسلمين (إذا ما فسرت خارج سياقها التاريخي)، وخاصة الإسلام الوهابي التكفيري، كذلك في الإسلام مذهبان كبيران متصارعان يمكن تفعيل خلافاتهما وتفجيرها للاقتتال والإبادة.

وقد حصل حدثان كبيران في سبعينيات القرن الماضي، مهدا لبروز هذا العدو الجديد، الأول، استيلاء الشيوعيين على الحكم في أفغانستان عام 1978، ومن ثم الاحتلال السوفيتي لأفغانستان عام 1979. وكما استخدم الحلفاء الاتحاد السوفيتي كحليف له في محاربة ألمانيا الهتلرية النازية في الحرب العالمية الثانية ثم انقلبوا عليه، كذلك استخدم الغرب الإسلام كحليف له في محاربة الشيوعية إبان الحرب الباردة. ويرى أصحاب نظرية المؤامرة، وربما هم على حق، أن استيلاء الشيوعيين على السلطة في أفغانستان كانت بتدبير من المخابرات المركزية الأمريكية(CIA)، إذ كان الجنرال محمد داود خان، قائد الانقلاب على الملك ظاهر شاه، عام 1973 في دورة عسكرية في أمريكا وقام بالانقلاب بعد عودته من أمريكا مباشرة والذي مهد لمجيء الشيوعيين عام 1978. وتفيد النظرية أن الغاية من هذا الانقلاب الذي سهل مجيء الشيوعيين وهيمنتهم على السلطة، هي لجر الاتحاد السوفيتي إلى الفخ الأفغاني واستنزاف طاقاته، وبالتالي الإطاحة به من الداخل، وهذا ما حصل.
والحدث الثاني، هو الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وإعلانها العداء لأمريكا وإسرائيل والغرب عموماً (صراع الحضارات).

هذان الحدثان (الثورة الشيوعية في أفغانستان والإسلامية في إيران)، وفرا الفرصة للغرب بقيادة أمريكا لتشكيل المنظمات الإسلامية الجهادية، ومنها منظمتا القاعدة وطالبان، وبأموال السعودية والدول الخليجية الأخرى، ونشر التطرف الديني بأيديولوجية الوهابية التكفيرية. وقد نشر السفير الأمريكي الأسبق كورتين وينزر عام 2007، دراسة موثقة بعنوان: (السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية)(2)، جاء فيها أن المملكة السعودية صرفت خلال 25 عاماً نحو 87 مليار دولار لنشر التطرف الديني الوهابي في العالم. ويعتقد أن هذا الرقم ارتفع في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار النفط بحيث بلغ ما صرفته السعودية خلال الثلاثين عاماً الأخيرة على نشر التطرف الديني أكثر من مائة مليار دولار. بطبيعة الحال، السعودية هي الحليفة الاستراتيجية لأمريكا، لذلك لا يمكن لها القيام بهذا العمل دون موافقة، بل وحتى بأوامر من أمريكا وإشرافها وتعليماتها.
وقد يسأل البعض: لماذا لم تقف أمريكا ضد السعودية وهي سبب التطرف الإسلامي؟ الجواب هو أن أمريكا استخدمت ومازالت تستخدم السعودية لهذا الغرض أي نشر التطرف الإسلامي وتشكيل التنظيمات الإرهابية التكفيرية لتحقيق الغرض المنشود، أي جعل الإسلام العدو المشترك والغول الرهيب الذي يهدد الغرب. وقد بات مؤكداً أن تنظيمي القاعدة وطالبان، هما من صنع السعودية وبإشراف أمريكي لمحاربة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. 
فبعد إلحاق الهزيمة بالسوفيت وإسقاط النظام الشيوعي في أفغانستان واستلام المجاهدين التكفيريين (طالبان والقاعدة) للسلطة، حصلت "العواقب غير المقصودة من أعمال مقصودة" حسب تعبير آدم سميث، فكان من العواقب غير المقصودة أحداث 11 سبتمبر 2001، وما قبلها من أعمال إرهابية ضد المصالح الأمريكية. وهكذا بدأت سلسلة من الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات لندن وباريس ومحطة قطارات مدريد... الخ، إضافة إلى تفشي الإرهاب في البلاد العربية والإسلامية من قبل ما يسمى بالعرب الأفغان. ثم تطورت الأحداث وتم تطوير القاعدة أخيراً إلى جبهة النصرة وداعش الأكثر شراسة وتوحشاَ في سوريا والعراق.

ومن الأدلة التي تشير إلى أن هذه التنظيمات الإسلامية الإرهابية التكفيرية هي من صنع المخابرات المركزية الأمريكية كما يلي:
1- كانت الحرب التي شنتها أمريكا لإسقاط نظام البعث الصدامي باهظة جداً عليها، بشرياً ومادياً ومعنوياً، لذلك خلقت أمريكا "داعش" و"جبهة النصرة" في العراق وسوريا لتغيير الأنظمة في هذا البلدين ومن ثم مواجهة إيران. فما يجري الآن في العراق وسوريا هي حروب بالنيابة، فبدلاً من أن ترسل أمريكا وحلفائها قوات عسكرية نظامية باهظة التكاليف، خلقت هذه التنظيمات الإرهابية وجهزتها بأحدث الأسلحة الفتاكة لتحارب نيابة عنها.
2- كشفت وثائق استخباراتية أمريكية رفعت السرية عنها مؤخرا أن واشنطن سمحت عمدا بقيام الدولة الإسلامية من أجل عزل نظام الرئيس "بشار الأسد" وإسقاطه، ويعود تاريخ هذه الوثائق إلى أغسطس/آب من عام 2012)(رابط رقم 4).
3- ودليل آخر على دعم أمريكا لهذه التنظيمات هو أنها من صنع حليفاتها: السعودية وقطر وتركيا والإمارات، ولا يمكن لهذه الدول القيام بهذا العمل بدون موافقة أمريكا إن لم يكن بأوامرها. وأخيراً وكما أشرنا في مقالات سابقة لنا، أن أعترف نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن دور هذه الحكومات في دعم داعش وجبهة النصرة، ويبدو لي أن الغرض من هذه التصريحات هو لإبعاد التهمة عن دور أمريكا في صنع ودعم هذه التنظيمات.
4- وفي نفس الوقت وبعد أن خلقت أمريكا المشكلة (الإرهاب الإسلامي) تقدم بضاعتها لحل المشكلة، فتقوم بمحاربة هذه التنظيمات على شكل ضربات خفيفة، لا للقضاء عليها، بل لإبقائها ضمن حدود سيطرتها. فأمريكا رفضت تفعيل الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية المعقودة بينها وبين العراق، كما ورفضت تسليح الجيش العراقي لمواجهة خطر داعش. كذلك نعرف أن الجيش العراقي أسسه الأمريكان ولا بد أنهم زرعوا فيه عملاءهم وبكثرة، وهذا واضح من تسليم الموصل والرمادي إلى داعش، وانسحاب الجيش بالكامل تاركاً وراءه الأسلحة التي تقدر تكاليفها بمليارات الدولارت إلى داعش، وهذا دليل على أن القادة العسكريين استلموا أوامر من قيادات عليا لها علاقة بأمريكا لتسهيل مهمة داعش.
5- مناهضة أمريكا لفتوى الجهاد الكفائي للمرجع الديني السيد علي السيستاني في دعوته الشعب العراقي من كل مكوناته لمحاربة داعش، وأدت هذه الفتوى إلى تشكيل (الحشد الشعبي) الذي حقق النصر على داعش. لذلك يحاول الإعلام الغربي والعربي تشويه سمعة الحشد أنه موالي لإيران ومدعوم منها، ويقوم بأعمال انتقامية ضد السنة بدوافع طائفية إلى آخر الاسطوانة المشروخة.
6- إضافة إلى رفض أمريكا دعم الجيش العراقي لمحاربة داعش عدا إرسال الاستشاريين المشكوك في دورهم، كما و ترفض أمريكا الدعم الإيراني للحكومة المركزية العراقية في محاربة داعش.
7- الحملة الإعلامية الغربية لتبرير جرائم داعش، بالادعاء أن داعش نتيجة تهميش وعزل السنة العرب من قبل الحكومة المركزية التي "يهمن عليها الشيعة وإيران"، بينما الواقع يكذب هذا الادعاء.
8- تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما المتكررة بأن الحرب على داعش ستستمر إلى أجل غير محدود، وأن ليست لديه خطة للقضاء عليه. وهذا يعني أنهم خططوا لإبقاء داعش كقوة عسكرية ضاربة، لتهديد أية حكومة في المنطقة ترفض الخضوع للسياسة الأمريكية، وعلى رأسها الاعتراف بإسرائيل، ومنح دور فعال للشركات النفطية الأمريكية مثل إكسون موبيل وغيرها.
9- محاولة أمريكا التعامل مع الكرد والسنة في العراق كدول مستقلة وتسليحها مباشرة، ومطالبة البرلمان العراقي بالإسراع في التصويت على قانون تشكيل (الحرس الوطني) على أسس طائفية وأثنية. والجدير بالذكر أن هذا (الحرس الوطني) هو الاسم الآخر لـ(الحرس القومي البعثي) سيء الصيت. وهناك مطالبات من رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني بعدم إخضاع الحرس الوطني للقائد العام للقوات المسلحة. وهذا يعني تشكيل جيوش ضد الحكومة المركزية، خاضعة لأمريكا ولقادة المكونات، وتدفع الحكومة المركزية تكاليفها من أموال الشعب العراقي، لتعمل هذه الجيوش ضد الوحدة الوطنية.   
10- رغم إدعاء الغرب مناهضته للإسلام السياسي، إلا إنه يدعم وبقوة تنظيم الأخوان المسلمين الذي يعتبر الأب الروحي والمفرخ لجميع التنظيمات الإرهابية. فالغرب ينظر بعيداً ويخطط للمستقبل قبل عشرات السنين. فهناك دراسة أمريكية تؤكد علاقة الغرب بتنظيم الأخوان المسلمين منذ الحرب العالمية الثانية، راجع كتاب (A Mosque in Munich, by Ian Johnson)، للإطلاع على خلاصته باللغة العربية، يرجى فتح الرابط في الهامش(4).
********

والسؤال هنا، من المستفيد من هذا العدو المتوحش الذي لا يشبع نهمه في القتل والفتك والخراب وتدمير المعالم الحضارية؟ ومن هم أغلب ضحاياه؟
المستفيد الأكبر هو العالم الغربي حيث وجدوا في الإسلام، عدوهم التاريخي وجعلوا منه أيديولوجية للإرهاب، حتى أصبح كل مسلم إرهابي إلى أن يثبت براءته. فهناك استطلاع رأي قبل عدة سنوات في بريطانيا أن نحو 30% من البريطانيين لا يرغبون بأن يكون جارهم مسلم، وعلى الأرجح ارتفعت النسبة الآن. والمستفيد الثاني، هو إسرائيل بطبيعة الحال. فقد استطاعت الدول الغربية تحويل غضب الشعوب العربية التي ثارت بما يسمى بالربيع العربي على حكوماتها المستبدة، إلى قوة تدميرية هائلة لذاتها ولجيوشها وشعوبها. فهذه ليبيا أسوأ من الصومال، وسوريا أكثر من نصفها محتل من قبل داعش وجبهة النصرة، والعراق مبتلى بحرب إستنزافية، و قام جيشه بتسليم أسلحته وثلث مساحته لداعش، وهذا اليمن "السعيد" خرائب وأنقاض، ومصر أيضاً تواجه الإرهاب. والإرهابيون هم عرب، عاربة ومستعربة، و10% فقط من داعش أجانب، ونحو 90% من ضحاياه هم مسلمون أو مواطنون من غير المسلمين.
وبناءً على كل ما سبق، فلا نستغرب أن نقرأ هذه الأيام مقولة منسوبة إلى "ثيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية، أنه قال قبل أكثر من قرن: "سنولى عليهم سفلة قومهم حتى يأتى اليوم الذى تستقبل فيه الشعوب العربية جيش الدفاع الاسرائيلى بالورود و الرياحين".
سواءً كان هذا القول لهيرتزيل أو نسب إليه، إلا إن هذا الذي يجري الآن على أرض الواقع في البلاد العربية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
  ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- U.S. COVERT INTERVENTION IN IRAQ 1958-1963:
THE ORIGINS OF U.S. SUPPORTED REGIME CHANGE IN MODERN IRAQ
A Thesis Presented to the Faculty of California State Polytechnic University, Pomona
In Partial Fulfillment Of the Requirements for the Degree Master of Arts In History.
By William J. Zeman, 2006.
https://books.google.co.uk/books/about/U_S_Covert_Intervention_in_Iraq_1958_196.html?id=_5wYOAAACAAJ&hl=en

2- كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

3- Washington Confesses to Backing "Questionable Actors" in Syria
http://journal-neo.org/2015/05/25/washington-confesses-to-backing-questionable-actors-in-syria/

4- دور المخابرات النازية والأميركية في نشوء ونشاط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين
http://www.nmc.sy/nmc/public/read/79






228
داعش ذريعة لتغيير النظام في العراق

د. عبدالخالق حسين

مقدمة توضيحية
أدناه مقال للباحث الأمريكي إريك دريستر(Draitser Eric ) وهو محلل جيوسياسي مستقل مقره في مدينة نيويورك، ومؤسس StopImperialism.com. نشر في 15 أغسطس 2014 بعنوان
(داعش ذريعة لتغيير النظام الذي ترعاه الولايات المتحدة في العراق)
وكنت قد كتبت عدة مقالات أشرت فيها إلى دور أمريكا في خلق داعش، ودوافعها من ذلك. طبعاً شكك كثيرون بهذه "التهمة" بينهم عدد من الأصدقاء وبنوايا حسنة، واعتبروها من بنات نظرية المؤامرة. ولكن كما يبدو أن المسألة هي أكبر من ذلك بكثير. وهذا المقال رغم أنه نشر في العام الماضي إلا إنه مازال محتفظاً بأهميته وحيوته وكأنه كتب اليوم. وعليه رأيت من المفيد ترجمته بتصرف ونشره و ذلك لتعميم الفائدة.- عبدالخالق حسين
***************

داعش ذريعة لتغيير النظام الذي ترعاه الولايات المتحدة في العراق*
ISIS a pretext for US-sponsored regime change in Iraq
By Eric Draitser

إن خلع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هو جزء من خطة أمريكية أوسع للعراق والشرق الأوسط ككل. فعلى خلفية الحرب ضد الدولة الإسلامية (داعش)(IS، سابقا ISIS / ISIL)، تمكنت واشنطن من ضرب عصفورين بحجر واحد، كما يقول المثل. فبهذه العملية حققت الولايات المتحدة ليس فقط إزاحة زعيم سياسي كان قد أثبت أنه مشكلة بسبب معارضته للوجود العسكري الأمريكي في العراق، فضلا عن دعمه القوي للرئيس السوري بشار الأسد، فإن هذه العملية [خلق داعش وشن الحرب عليها] قد خلقت أيضا الظروف لتقطيع أوصال العراق كدولة.

فالولايات المتحدة وحلفائها تدعم، بحكم الأمر الواقع، "إستقلال" كردستان في شمال البلاد، وذلك باستخدام داعش ذريعة مناسبة لتسليح وتدريب ودعم القوات الكردية علنا. وبطبيعة الحال، لا ينبغي لنا أن نبحث عن الإيثار والأعمال الخيرية في دوافع واشنطن. فهذه الاستراتيجية هي لفائدة شركات النفط الغربية مع وجود علامات الدولار في عيونهم، ولعق شفاههم تحسبا لأن تكون قادرة على التعامل مباشرة مع بارزاني رئيس اقليم كردستان مباشرة. بالإضافة إلى ذلك، فباستقالة المالكي يحرم الرئيس السوري بشار الأسد من حليف رئيسي، مما شجع الدواعش وغيرهم من المسلحين الذين يشنون الحرب ضد سوريا، فإنه يوفر المزيد من الأدلة، إذا كانت هناك حاجة أكثر من ذلك، أن المستقبل السياسي قاتم لأي زعيم عراقي يجرؤ على الخروج عن النص المكتوب له في واشنطن. وربما الأهم من ذلك، أنه يسمح للولايات المتحدة وحلفائها لتكون القوة الرائدة سياسيا في الحرب ضد داعش، وهي منظمة أنشأتها سياسة الولايات المتحدة والعمليات السرية في المنطقة.
ففي قطاع المبيعات والتسويق، هناك مصطلح 'البيع الحل"حيث يقوم مندوب التسويق بخلق المشكلة و المبالغة فيها، ثم يقدم بضاعته باعتبارها الحل الأنسب الذي لا يقدر بثمن. في الواقع، هذا النوع من استراتيجية التسويق هو بالضبط النهج الذي اتخذته واشنطن في المنطقة، وتحديدا في العراق.
أصبح داعش في الآونة الأخيرة فقط، وباءً معترفاً به دوليا، من التطرف الإسلامي المتشدد الذي لا بد من استئصاله ومهما كانت التكاليف. جاء هذا الاعتراف الدولي فقط عندما بدأت المنظمة بالسيطرة على أراض عراقية، مما يهدد المصالح النفطية والغازية الغربية. فلما كانت تشن حربا وحشية وشرسة ضد الشعب السوري والحكومة، كانت داعش مجرد فكرة طارئة، ببساطة مجموعة من المتطرفين الذين يقاتلون "ديكتاتور متوحش"، الأسد.
وبعد ذلك فقط أصبح القضاء على خطر داعش ضرورة ملازمة لمصالح الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، فإن داعش هو أداة مفيدة في سوريا وجنوب لبنان لأنه يخلق حالة من الفوضى على حساب الأسد وحزب الله على التوالي، في حين في العراق، داعش أمر خطير حيث يهدد النظام الموالي للولايات المتحدة في كردستان والمصالح النفطية الغربية فيه. ولكن بطبيعة الحال، فإن التفاصيل تقدم في التحليل النهائي أن مشكلة داعش أنها خلقت من قبل المخابرات الامريكية لشن الحرب السرية على سوريا.
في بداية عام 2011، شاركت وكالة المخابرات المركزية الامريكية (CIA) في برنامج معقد وواسع النطاق لتسليح المتطرفين المتشددين سراً في سوريا من أجل إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد. كما وذكرت نيويورك تايمز ووسائل اعلام اخرى في عام 2012، أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تعمل مع جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات على طول الحدود التركية السورية لنقل أسلحة، ومعدات الاتصالات وغيرها من العتاد العسكري إلى الجماعات الإرهابية التي في حالة حرب مع دمشق. وعلى الرغم من إدعاءات واشنطن أنها تدعم "المتمردين المعتدلين" فقط، إلا إنه لم يعد سرا أن الكثير من تلك الإمدادات انتهت في يد داعش، والتي بحلول عام 2012 كان بداية لترسيخ نفسها كقوة مقاتلة ومهيمنة في الحرب السورية.

ومن هنا يتضح لماذا أطلقت داعش هجومها "المفاجئ" على المدينة العراقية الموصل في شهر يونيو 2014، لأنها كانت مسلحة بشكل جيد ومجهزة بكل ما يمكن لشاحنات صغيرة نقل أسلحة مضادة للدبابات وقذائف الآر بي جي، ومجموعة من المعدات الأخرى التي قدمتها الولايات المتحدة لهم. وبطبيعة الحال، في الأيام والأسابيع التي تلت الهجوم، صادرت داعش المعدات العسكرية العراقية التي قدمتها الولايات المتحدة للجيش العراقي. لذلك من الانصاف القول، بوعي أو بدونه، أن الولايات المتحدة ساعدت على إنشاء وإطلاق العنان لداعش التي نعرفها اليوم.

فداعش لم تعد مجرد منظمة مسلحة اخرى بين كثيرين، بل نمت وتوسعت بفضل رعاية الولايات المتحدة، إلى قوة قتالية إرهابية رئيسية في المنطقة، قادرة على الانخراط في حروب مع الجيوش الوطنية (العراق، سوريا)، وجماعات مسلحة أخرى منظمة بشكل جيد مثل حزب الله. في الواقع، أصبحت داعش هي المنفذة للسياسة الخارجية الأمريكية، وهي القوة التي تحارب بالوكالة لتنفيذ أجندات الولايات المتحدة من دون الحاجة إلى أي وجود عسكري أمريكي كبير في المنطقة. وحتى الآن، أظهرت وسائل الإعلام داعش بوصفها أكبر تهديد في الشرق الأوسط. لماذا؟ لماذا لم تكن داعش تشكل أي تهديد على الإطلاق في سوريا، ولكن فجأة أصبحت خطرا كبيرا في العراق؟

لقد شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق واحتلاله منذ ما يقرب من عقد من الزمان لعدة أغراض، منها: إقامة حكومة دمية عميلة تخدم المصالح الاقتصادية والجيوسياسية الغربية. وفي نواح كثيرة، فشل هذا المشروع عندما ظهر رئيس الوزراء نوري المالكي كزعيم وطني قوي رفض تلبية مطالب المحتلين.
فقد أرادت واشنطن أن تبني بشكل دائم قواعد عسكرية أميركية في البلاد، ورفض المالكي ذلك، مطالباً بانسحاب دائم لجميع القوات الامريكية بحلول نهاية عام 2011. كما وقام المالكي بتطهير العراق من المنظمة الإرهابية (مجاهدي خلق) التي ترعاها الولايات المتحدة، والتي كانت تشن لعقود طويلة حملات إرهابية ضد إيران. فقام المالكي بإغلاق معسكر أشرف، وهي القاعدة التي تنطلق منها منظمة مجاهدي خلق الإرهابية. كما أقال المالكي اثنين من الشخصيات الرئيسية في المؤسسات المصرفية في العراق، من المقربين المعززين إلى المحافظين الجدد، وفشل المرشح الرئاسي العراقي أحمد الجلبي، مما اكسبه حفيظة واشنطن التي كانت تسعى لإحكام قبضتها على الثروة العراقية.

ولكن بطبيعة الحال، لم تكن هذه "جرائم" المالكي الوحيدة في نظر الولايات المتحدة. إذ تحدى المالكي الشركات النفطية الغربية الساعية لتحقيق أرباح ضخمة من ثروات العراق النفطية الهائلة. ربما المثال الأكثر شهرة عندما وقعَّت شركة اكسون موبيل في عام 2012 صفقة للتنقيب عن النفط مع حكومة إقليم كردستان شبه المستقلة في شمال العراق. وطعن المالكي بشرعية هذه الصفقة ورفضها [لكونها مخالفة للدستور العراقي – المترجم]، مشيرا إلى أن عقود النفط يجب التفاوض عليها مع الحكومة المركزية في بغداد بدلا من حكومة بارزاني في اربيل، المدعومة من الولايات المتحدة. وأشار المتحدث باسم المالكي في ذلك الوقت:
"إن المالكي يعتبر هذه الصفقات تمثل مبادرة في غاية الخطورة قد تؤدي إلى اندلاع الحروب ... وتفتيت وحدة العراق ... والمالكي على استعداد للذهاب إلى أبعد ما يمكن من أجل الحفاظ على الثروة الوطنية، وضرورة الشفافية في استثمار ثروة العراقيين، وخصوصا النفط ... وقال أن المالكي بعث برسالة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما يحثه على التدخل لمنع إكسون موبيل من الذهاب في هذا الاتجاه ".
[ نتذكر في وقتها تصريحات رئيس الإقليم، السيد مسعود بارزاني، مهدداً الحكومة المركزية أن وجود إكسون موبيل في كردستان يعادل 10 فرق عسكرية- المترجم].

وليس سرا أن الصمود القوي الذي وقفه المالكي في مقاومة الصفقة، بالإضافة إلى رفضه لدفع 50 مليون دولار إضافي لإكسون موبيل لتحسين الإنتاج في حقول النفط الجنوبية، مما أدى إلى انسحاب الشركة من حقل غرب القرنة 1 المربح .
ومن هنا نرى بوضوح تماما لماذا كانت الولايات المتحدة حريصة جدا على حماية الحكومة الكردية الموالية لأمريكا، والتي تركزت السلطة في يد الرئيس بارزاني والرئيس السابق للعراق طالباني، وعشائرهم، والمقربين منهم. فمنذ بداية عام 2011، سعت شركات النفط الغربية إلى عقد صفقات مستقلة مع الأكراد وتجاوز المالكي والحكومة الشرعية في بغداد. هذه الشركات ليس فقط لا تريد أن تدفع الضرائب التي ستستخدم لتمويل إعادة إعمار العراق الذي تعرض للحروب لأكثر من عقد من الزمن، وأنها حاولت أن تدفع السلطات العراقية والكردية في صراع ضد بعضهما البعض و خدعهما على نحو أكثر فعالية وكفاءة، واستغلال الفساد والتنافس المستشريين في الجانبين.

و تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل، وقوى غربية أخرى، حافظت لفترة طويلة على علاقات وثيقة جدا مع البرزاني والأكراد. ويمكن تقديم حجة صحيحة بأن كردستان تمثل قاعدة متقدمة للولايات المتحدة في استعراض القوة العسكرية في العراق، وخاصة ضد إيران. بالإضافة إلى ذلك، فقد حافظت اسرائيل منذ فترة طويلة على علاقات وثيقة مع السلطات الكردية، من حيث الدعم السياسي، فضلا عن العمليات الاستخبارية السرية، والأنشطة التجسسية. إذ نشر الباحث الإسرائيلي عوفرا بنغيو (Ofra Bengio)، مؤخرا بحثاً في فصلية الشرق الأوسط الموالية للولايات المتحدة، ولإسرائيل جاء فيه :
"منذ التسعينات من القرن الماضي فصاعداً، قامت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك  AIPAC) بحفظ العلاقات مع المسؤولين الأكراد حيث رأى 'النشطاء اليهود المؤيدون لإسرائيل بضرورة تقديم الدعم للأكراد، وهي دولة صغيرة تكافح من أجل تقرير المصير، محاطة بجيران من العرب المعادين، وأن هذا الدعم للكرد يساعد إسرائيل للوصول إلى حليف طبيعي".
ووفقا لموريس أميتاي، المدير التنفيذي 1974-1980 لايباك" قال أن أصدقائنا الإسرائيليين دائما موضع تقدير صداقتنا مع الأكراد. "ابن أميتاي، مايك أميتاي، خدم أيضا بمنصب المدير التنفيذي للمعهد الكردي –الأمريكي في واشنطن (WKI) من عام 1996 إلى عام 2005."
وبطبيعة الحال، فإن الاتصال الإسرائيلي مع الكرد ليس من أجل الخير، فمصالح المخابرات الإسرائيلية والقوات الخاصة تتشابك بعمق مع مصالح نظرائهم الكرد بقدر ما يعود إلى عام 2003، وبدء الحرب الأميركية الثانية في العراق (ومن المحتمل أن تعود هذه العلاقة لعقود قبل ذلك). فقد أشار سيمور هيرش (الحائز على جائزة بوليتزر الصحفية) في عام 2004، قائلاً:
"لقد كان للإسرائيليين علاقات طويلة مع الطالباني والبارزاني، وأسرهما في كردستان، وهناك العديد من اليهود الأكراد هاجروا إلى إسرائيل ولا يزال هناك الكثير من الاتصالات بينهم. ولكن في وقت ما قبل نهاية السنة، وأنا لست متأكداً بالضبط متى، قبل ستة أو ثمانية أشهر، بدأت إسرائيل للعمل مع بعض الفدائيين الكرد المدربين، وكانت الفكرة في الظاهر إسرائيلية - بعض الوحدات من النخبة الإسرائيلية، ووحدات مكافحة الإرهاب أو الإرهاب، بدأت بتدريب الأكراد بسرعة ".

خلاصة القول:
لقد بات واضحاً، أن قرار واشنطن لاستخدام القوة العسكرية ضد داعش هو خدعة لحماية الاستخبارات، والمصالح الاقتصادية، وإنشاء دولة كردية مستقلة اسميا، والتي ستندمج في فضاء الولايات المتحدة وإسرائيل للنفوذ في المنطقة. ولتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية، أولا وقبل كل شيء، كان يجب التخلص من المالكي.
وهكذا، حان مرة أخرى تغيير النظام في العراق، وهذه المرة من خلال الباب الخلفي وذلك بتسليح داعش في سوريا، وبعملها هذا أطلقت الولايات المتحدة العنان لوحش رهيب في العراق، والذي تستخدمه الآن كذريعة لتحقيق هدف طويل الأمد لتقسيم فعلي للعراق. ومع استقلال الكرد ستتم سرقة الموارد النفطية الحيوية من العراق، فمن غير المرجح أن أي ائتلاف حاكم يتكون من السنة والشيعة سوف يحكم البلاد فعليا، بغض النظر عن الشخص الذي يرأس السلطة. وهذا بالتحديد هو بيت القصيد. وللأسف، ومن أجل مصالح الغرب، على العراق الآن أن يواجه حرباً أهلية أخرى، وفترة من البؤس واليأس. وسوف لا تكون هناك تنمية اقتصادية، أو أي تقدم سياسي ولا سلام. وهذا بالضبط ما تريده واشنطن.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
* رابط النسخة الإنكليزية للمقال
Eric Draitser: ISIS a pretext for US-sponsored regime change' in Iraq'
http://rt.com/op-edge/180544-iraq-us-syria-maliki/

روابط ذات صلة
1- Seumas Milne: Now the truth emerges: how the US fuelled the rise of Isis in Syria and Iraq
http://www.theguardian.com/commentisfree/2015/jun/03/us-isis-syria-iraq

2- Jay-B: Pentagon To Bypass Iraqi Army And Supply ISIS Directly
http://www.duffelblog.com/2015/06/pentagon-to-supply-isis-directly/

3- Gorden Duff — New Eastern Outlook Dec 31, 2014
Had US Trained 3000 ISIS
http://www.thetruthseeker.co.uk/?p=109091

4- MICHAEL KNIGHTS: Doubling Down on a Doubtful Strategy - http://foreignpolicy.com/2015/06/05/doubling-down-on-a-doubtful-strategy-iraq-islamic-state-isis/





229
مؤتمر باريس لدعم داعش!

د.عبدالخالق حسين

عقد في باريس يوم 2/6/2015، مؤتمر دولي لوزراء خارجية 24 دولة، كما حضره عن العراق السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء، الذي شارك في رئاسة المؤتمر إلى جانب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، ونائب وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن. والغرض من هذا المؤتمر كما أعلن عنه هو دحر داعش، والإصلاح السياسي في العراق. وحضر المؤتمر أيضاً وزراء خارجة الدول الداعمة للإرهاب مثل السعودية، وقطر وتركيا، رغم نفيها القاطع. وهذا المؤتمر هو ليس الأول، وعلى الأغلب ليس الأخير من نوعه. وبما أنه لم تتحقق أية نتيجة إيجابية ضد الإرهاب من المؤتمرات السابقة، كذلك لا أعتقد يرجى أي نفع من هذا المؤتمر أيضاً.

فقد ركز المؤتمرون على كليشة باتت تتكرر إلى حد الملل، وكما جاء في البيان الختامي، وهي التشديد على ("الأهمية البالغة" لإجراء اصلاحات سياسية في العراق لحشد العراقيين في النضال ضد التنظيم [داعش]). وضرورة اتخاذ " تدابير ملموسة لمعالجة المظالم المشروعة للمواطنين العراقيين". قول حق يراد به باطل.
والمقصود هنا بـ(الإصلاحات السياسية ومعالجة المظالم المشروعة)، وكما كانت إدارة أوباما تعيده باستمرار، أن تتشكل حكومة عراقية شاملة (inclusive government)، وكأن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 ولحد الآن لم تكن شاملة لجميع مكونات الشعب العراقي. ورفضت الإدارة الأمريكية تسليح الجيش العراقي لمواجهة داعش بحجة أن حكومة المالكي، وبعدها حكومة العبادي، لم تكن شاملة بما فيه الكفاية. والسؤال هنا ماذا يجب على العبادي أن يعمل لكي تعتبر حكومته شاملة، مع الالتزام بشروط الدستور والديمقراطية، ونتائج الانتخابات؟

كما وسبقت هذا المؤتمر حملة من التصريحات المضللة لمسؤولين من الدول الخليجية. فقد صرح وزير خارجية دولة الإمارات خلال زيارته لموسكو، أن الحكومة العراقية والسورية هما سبب الإرهاب وذلك بحرمان السنة من المشاركة العادلة في السلطة. طبعاً هذا افتراء مفضوح. أما نظيره القطري فقد جاء إلى بغداد مطالباً، بكل وقاحة وصفاقة وحماقة، وبدون أية كياسة دبلوماسية، بإلغاء جميع الأحكام الصادرة بحق كل من المجرمين طارق الهاشمي ورافع العيساوي لأسباب إرهابية، وإعادتهما إلى مناصبهما في الدولة.
أليس هذا تدخل فظ من خارجية هاتين الدولتين في الشأن العراقي؟ فكلا الشخصين، الهاشمي والعيساوي، لم يعودا متهمين، بل مجرمين إرهابيين لأن صدر الحكم بحقهما وأُدينا بالإرهاب من قبل القضاء العراقي المستقل، والذي تفتقر إليه أية دولة عربية. إن وزير خارجية قطر هو آخر من يحق له المطالبة بعودة الهاشمي والعيساوي، لأن العالم بات يعرف كيف يتم تداول السلطة في قطر حيث يقوم ابن الحاكم بحركة انقلابية على سلطة الأب. فالشيخ حمد (والد تميم، الحاكم الحالي) قام بإنقلاب على والده وطرد 6000 مواطن قطري من قبيلة (مرة) لعدم تأييد شيخهم للإنقلاب. وهذا تقليد متبع في دول الخليج في انتقال السلطة من الآباء إلى الأبناء، ليأتي وزير خارجية هذه الدولة أو الدويلة ليعطي العراقيين دروساً في الديمقراطية والمصالحة الوطنية... أليست مهزلة؟

وقد بات من المؤكد وحتى باعتراف نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدين، الذي ذكر في محاضرة له في جامعة هارفرد، أن السعودية ودولة الإمارات وقطر وتركيا تدعم الإرهاب في العراق وسورية. هل هذا الاعتراف جاء نتيجة زلة لسان، أم عن قصد وقول الحقيقة؟ على الأغلب عن قصد، فهذه المحاضرات والتصريحات من قبل مسؤولين غربيين كبار تمر خلال فلتر التدقيق قبل وصولها إلى الإعلام.
وإذا كان هؤلاء هم الأعضاء الناشطون في مؤتمر باريس، فأي نفع يرجى منه؟

لذلك أعتقد أن المؤتمر الأخير كان هدفه ليس دحر الإرهاب، بل لدعمه وذلك بإعادة الهاشمي والعيساوي إلى مناصبهما، وهذا هو المقصود بـ(المصالحة الوطنية "الحقيقية")، بل طالب وزير خارجية قطر في تصريح صحفي له بعد المؤتمر، طالب التحالف الدولي بعدم قصف داعش. أليس هذا دفاع عن الإرهاب؟
و ما ذكرته عن الهاشمي والعيساوي ليس تخميناً أو رجماً بالغيب، بل سمعته من أحد المعلقين على راديو بي بي سي، وهو من مركز بحثي في واشنطن، يؤكد أن هدفهم هو فرض المزيد من الضغوط على الحكومة العراقية لإعادة هذا الثنائي. إن ربط الإرهاب بإعادة الهاشمي والعيساوي اعتراف ضمني أن هؤلاء هم وراء الإرهاب، لذلك لا يمكن القضاء عليه إلا بإعادة هؤلاء إلى السلطة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أن الإرهاب كان على أشد ما يكون خلال الفترة التي كان فيها الهاشمي والعيساوي مشاركان في السلطة، الأول بمنصب نائب رئيس الجمهورية، وقام بتعطيل القوانين المتعلقة بمحاربة الإرهاب وتجريم البعث. والثاني، كان يحتل أخطر وزارة حيث كان وزيراً للمالية، ومع ذلك كان الإرهاب على أشده. فما المقصود إذن بالمصالحة الوطنية الحقيقية وتوسيع المشاركة في السلطة؟
كان على السيد حيدر العبادي أن يشرح للمؤتمرين حقيقة تركيبة الحكومة العراقية، ففي دراسة لباحث لبناني سني، أن السنة العرب يشكلون نحو 19% فقط من الشعب العراقي، ولكنهم يشغلون نحو 26% من المناصب الوزارية إضافة إلى مناصبهم في الرئاسات الثلاث. فهل هذا تهميش وعزل، أم وراء الأكمة ما وراءها؟
فداعش وجبهة النصرة والقاعدة ومشتقاتها وفروعها في سوريا والعراق تتمتع بإمكانيات عسكرية ومالية هائلة تفوق ما للدولتين إلى حد أن نجحت هذه التنظيمات الإرهابية احتلال نحو نصف مساحة سوريا، وثلث مساحة العراق. فكيف يعقل أن تتمكن هذه التنظيمات إلحاق الهزيمة بجيوش نظامية محترفة بدون دعم حكومات غنية مثل السعودية وقطر ودولة الإمارات وتركيا؟ وهذه الدول هي الحاضرة والناشطة في جميع مؤتمرات محاربة الإرهاب! لذلك نرى أن حضور مندوبين عن هذه الحكومات هو ليس لدحر الإرهاب بل لدعمه وتبريره، وإظهاره بأنه نتيجة سياسات "الحكومة الشيعية الموالية لإيران، وتهميش السنة"، وتبرئة أنفسهم من دعم الإرهاب، والمطالبة بعدم تسليح الجيش العراقي، والأهم، تشويه سمعة الحشد الشعبي وتشبيهه بداعش أو حتى أسوأ من داعش كما قال وزير خارجية الإمارات!

كذلك نقرأ هذه الأيام مقالات لكتاب غربيين، يحاولون إبراز السعودية وكأنها ضحية الإرهاب الداعشي، ويستشهدون بما حصل من إرهاب في مساجد الشيعة في السعودية. نسي هؤلاء أن غالبية الانتحاريين في هذه التنظيمات الإرهابية هم سعوديون، وبتأثير من مشايخ الوهابية الذين يحرضون شعوبهم ليل نهار ضد الشيعة ويهدرون دمائهم، ولا يمكن أن يتم ذلك بدون موافقة ومباركة الحكومات الوهابية في السعودية وقطر. لذلك، فهذا التباكي على السعودية واحتمال تعرضها للإرهاب الداعشي هو لذر الرماد في العيون ليس غير.

وبناءً على كل ما تقدم، لا أرى أي نفع يرجى من هذه المؤتمرات. وهذا ليس دعوة لمقاطعتها، بل على الحكومة العراقية توظيف هذه المؤامرات الدولية لشرح حقيقة الصراع، وحقيقة ما يسمى بالتهميش والعزل، وحقيقة ما يسمى بالحكومة الشيعية الموالية لإيران، وفضح الدول الراعية للإرهاب مثل السعودية وقطر وتركيا، وقلب الطاولة عليها لا السكوت عن جرائمها.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


230
أزمة الشرق الأوسط وعلاجها!
عبدالخالق حسين

مقدمة
في عصر العولمة لا توجد مشكلة إلا ولها علاقة بمشاكل أخرى في دول قريبة أو بعيدة. لذلك فالأزمة العراقية لا يمكن تناولها وإيجاد الحلول لها بمعزل عما يجري في العالم، وما لها من علاقة بأزمات دول الجوار وما بعدها وصولاً إلى أمريكا والصين وروسيا.

بعد نشر مقالي الأخير الموسوم (جدل حول أسباب الإرهاب)(1)، تلقيت الكثير من التعليقات الإيجابية من القراء الكرام، من بينهم كتّاب وأكاديميون متميزون متابعون للشأن العراقي، كذلك أربع أو خمس تعليقات فظة من شخص واحد معارض للمقال. المشكلة لدى هذا المعارض أنه لا يرى الأمور إلا بلونين، أسود وأبيض، فإما أن تكون عدواً لأمريكا أو عميلاً لها، ولا مجال للنقد او حتى المطالبة بعلاقة متكافئة معها. وعلى سبيل المثال كتب في أحد تعليقاته: "كانت مقالاتك تدعو الى قواعد أمريكية، وتالي رحت تكتب ضد امريكا، وكيف يكون التلون ؟!" ففي نظر هذا القارئ أن أي نقد لأمريكا هو تلون، وانتهازية! ولا أدري لمصلحة من هذه الانتهازية ؟
وربما سيكون مقالي هذا مخيباً لآمال هذا المعلق، فإني مازلت أطالب بعلاقة ودية مع أمريكا ولست ضدها، وأتمنى لو كانت لأمريكا قواعد عسكرية في العراق، فمعاداة العراق بوضعه الحالي لدولة عظمى بإمكانيات أمريكا معناه المزيد من المشاكل وحروب استنزاف أقرب إلى الانتحار الجماعي التدريجي. ولو كانت لأمريكا قواعد عسكرية في العراق لما سمعنا أصلاً بداعش وغيره من زبالات الدنيا. فكما كانت عليه في ايران، هناك جماعة في العراق مازالت تردد شعارات قديمة أكل الهر عليها وشرب، مثل (كلا كلا أمريكا..الخ) والتي تخلت عنها إيران نفسها، الا انهم  يتاجرون بها كمزايدة على الوطنية.

المرض والأعراض

بداية، يجب أن نميز بين المرض وأعراضه. فالصداع مثلاً ليس مرضاً، بل أحد الأعراض التي يمكن أن يسببها أي مرض من بين عشرات الأمراض، ومسكن الآلام مجرد يخفف الصداع، ولكن لا يعالج المرض المسبب له. فالتطرف الديني، والطائفية، والإرهاب المتوحش المنفلت، أعراض لمرض معين، وأشرت في مقالي السابق إلى أن العلمانيين يعتقدون أن هذا المرض هو النصوص الدينية. وعليه يرون أن العلاج يكمن في الإصلاح الديني للإسلام، و الفصل بين السياسة والدين، أي تبني النظام العلماني. لا شك أن هذه الإجراءات ضرورية للتطور الاجتماعي وبناء الدولة الديمقراطية ودولة المواطنة، وكلنا ندعوا  إليها، ولكن ما يجري في منطقتنا ليس هذا سببه، وكنت قد بينت في نفس المقال، أن الحكومات العراقية ما قبل 2003 كانت علمانية، ولكن مع ذلك كانت هناك طائفية بغيضة وبالأخص في عهد صدام حسين الذي مارس إرهاب الدولة ضد الشعب وشعوب المنطقة. 

لذلك نريد في هذا المقال توضيح السبب الحقيقي (المرض) لهذه الأعراض (التطرف، الطائفية، الإرهاب). هناك سلسلة مترابطة من الأسباب والنتائج لما يجري في المنطقة، أدت إلى ظهور هذه الأعراض. فعندما كانت إيران (الشيعية) في عهد الشاه في حالة علاقة حميمة مع أمريكا وإسرائيل، كانت كذلك مع السعودية (السنية الوهابية) وبقية الدول العربية. ولكن هذه العلاقة تغيرت من صداقة إلى عداء بعد الثورة الخمينية الإسلامية في إيران عام 1979. وتم تحريك صدام حسين ضد الخميني، فكانت الحرب العراقية-الإيرانية التي دامت 8 سنوات، وكانت أمريكا والدول العربية مع صدام، وأطلقوا عليها تعبير ذا معزى عنصري مثل: "حرب القادسية الثانية" "لحماية البوابة الشرقية للأمة العربية من الفرس المجوس". أما حرب صدام على دولة الكويت "السنية"، فكانت نتاج الحرب العراقية الإيرانية التي أدت إلى إفلاسه "حرب تلد حرباً أخرى"، فقد رأى لزاماً عليه شن حرب أخرى لإشغال قواته الضخمة، ولضمان استمرار نظامه الجائر. لذلك يمكن وضع الأسباب والنتائج لما يجري في العراق والمنطقة حسب التسلسل التالي:
1-  الثورة الإسلامية في إيران، ومعاداتها لأمريكا وإسرائيل،   
2- التحالف بين إيران وسوريا وحزب الله اللبناني ضد إسرائيل المدعومة من أمريكا،
3- الحكومة العراقية بعد 2003 يترأسها الشيعة، وتربطها علاقة إيجابية مع إيران وسوريا. والدول الثلاث مع حزب الله اللبناني تشكل ما أسماه الملك الأردني بـ"الهلال الشيعي"،
4- تجدد صراع المصالح (الحرب الباردة) بين أمريكا وحلفائها من جهة، وبين روسيا والصين من جهة أخرى.
5- علاقة دول "الهلال الشيعي" الجيدة بروسيا والصين، الأمر الذي أغضب أمريكا وإسرائيل والسعودية والدول الخليجية الأخرى، فقرروا تفكيك الهلال الشيعي، أي،
6- تسعى أمريكا وحليفاتها في المنطقة تغيير موقف دول "الهلال الشيعي" من روسيا والصين. ذلك بإثارة التطرف الديني والصراع الطائفي في المنطقة، فتم خلق القاعدة ومنها جبهة النصرة و داعش كأدوات وآليات لتنفيذ هذه المهمة، أي الضغط على دول الهلال الشيعي، (إيران،عراق، سوريا، حزب الله) بتغيير مواقفها من صداقة نحو روسيا والصين إلى عداء لهما، بدلاً من التدخل الأمريكي المباشر في هذه الدول وإسقاطها كما حصل مع حكم البعث في العراق، وإقامة حكومات بديلة تتبني سياسة إيجابية ودية مع أمريكا وإسرائيل.

فهذه النقاط الست وباختصار شديد هي مكونات المشكلة الأساسية (المرض)، والتي أدت  إلى إثارة الفتن الطائفية وتشكيل التنظيمات الإرهابية، (الأعراض)، والغاية النهائية منها تغيير سياسات هذه الحكومات لصالح أمريكا وإسرائيل.

موقف العراق من الصراع
نعيد السؤال الذي طرحناه في مقالنا السابق(1): كيف يجب أن يكون موقف العراق من هذه الصراعات بين الكبار؟ وهل كُتِب على الشعب العراقي أن يكون وقوداً لهذه الحرائق والصراعات بين الدول الكبرى كما كان منذ تأسيس دولته الحديثة عام 1921 ولحد الآن؟ أم يجب أن يتبنى سياسة تحمي شعبه من الفناء، ودولته من الانهيار؟

أعتقد أن العراق بوضعه الحالي المنهك، وشعبه المتشرذم إلى فئات متناحرة، ومحاط بدول متكالبة عليه، وله جيش متخاذل مخترق يمكن شراء نسبة عالية من ضباطه بالمال الحرام، ومتواطئ مع داعش، سلم ثلث مساحة العراق له بدون إطلاق رصاصة واحدة، عراق كهذا ليس أمامه إلا أحد الخيارين لا ثالث لهما: إما أن يعادي أمريكا فينتهي إلى الخراب الشامل، أو يصادقها ويسلم من كل مكروه. إذ كما قال مؤسس علم السياسة ماكيافيللي: (لا تترك عدوك جريحاً، فإما أن تقتله أو تصادقه).

ولو افترضنا أن أمريكا عدوة للعراق، فهل بإمكان العراق أن يقضي عليها و يلحق بها الهزيمة، أو حتى يحدث فيها خدش بسيط؟ الجواب واضح. لذلك فالخيار الوحيد أمام العراق هو أن يصادق أمريكا.
علماً بأني لا أرى أمريكا عدوة لنا، خاصة وقد حررت العراق من أبشع نظام دكتاتوري همجي غاشم، وكان الشيعة من أكثر ضحاياه ، ومن أكثر المستفيدين من إسقاطه. نعم، أمريكا لم تحرر العراق لسواد عيون الشعب العراقي، بل لمصالحها، ولكن أليست السياسة وراء المصالح؟ أليس من الأفضل الاستفادة من تلاقي مصالحنا مع مصلحة الدولة العظمى لنستفيد من إمكانياتها الهائلة، خاصة والعراق في أمس الحاجة إلى دعم أمريكا؟
قد يعترض البعض أننا لا نريد معاداة أمريكا ولا صداقتها، فقط نريد منها أن تتركنا وشأننا. هذا حق، ولكن في زمن العولمة، وتداخل المصالح الاقتصادية والصراع على مناطق النفوذ، لا يسمح لأية دولة وخاصة العراق الذي يحتل منطقة جغرافية إستراتيجية خطيرة في العالم، أن يُترك على الحياد. فلا بد وأن ينضم إلى أحد الطرفين المتصارعين، ونحن إذ نعرف ما حصل لدول اختارت الحياد وفشلت، وعلى سبيل المثال لا الحصر، العراق في عهد حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم، وإندونيسيا في عهد سوكارنو، وإيران في عهد مصدق، وهكذا...

لذلك كان على الشيعة (ومازال المجال مفتوحاً)، أن يلعبوا ورقتهم كما لعبها الكرد، حيث استقبلوا الجيش الأمريكي بالورود، وكونوا لهم لوبيات في واشنطن، والآن يقطفون ثمار سياساتهم التحالفية الحكيمة مع أمريكا، فهم الذين يقررون من يكون رئيس وزراء الحكومة العراقية، و يتصرفون بثروات إقليمهم كما يشاؤون، إضافة إلى حصتهم من ثروات العراق، وهم الذين ينعمون بدولتهم المستقلة ولهم حصتهم في حكم العراق، ولهم جيشهم الخاص بهم (البيشمركة) يتلقى أوامره من رئيس الإقليم فقط وليس من بغداد، ولهم حصتهم في الجيش العراقي، وليس للحكومة العراقية أي حكم على ما يخص كردستان ولا جيشه. كل هذا النعيم جاء بفضل العلاقة الحميمة التي تربط قيادة إقليم كردستان بأمريكا، وهو موقف سليم يخدم الشعب الكردي.
أما الشيعة، فيعيدون اليوم نفس الأخطاء التي ارتكبها أجدادهم بعد تحرير العراق في الحرب العالمية الأولى على يد الجيش البريطاني من الاستعمار العثماني التركي الغاشم الذي كان يعتبر الشيعة كفار مرتدين وزنادقة، إلى حد أن ارتكب أحد سلاطينهم (سليم الأول- ياوز) بحقهم مجزرة رهيبة بعد أن حصل على فتوى طويلة من المفتي قال فيها:"... ومن توقف في كفرهم [الشيعة] وإلحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم فهو كافر مثلهم"(2)

قضية تقسيم العراق

كنت لحد وقت قريب أعتقد كما الآخرين، أن هناك مؤامرة لتقسيم العراق. وأخيراً، وبعد مراجعة الأوضاع وألاعيب السياسة، استنتجت أنه لا أحد يريد تقسيم العراق (باستثناء السيد مسعود بارزاني). ولكنهم أثاروا هذه المشكلة لتحريف الأنظار وإشغال الشعب العراقي عن المشكلة الأساسية. فمثلما نجحوا في إشعال نيران الطائفية والعداء والبغضاء ضد الشيعة وخلق العصابات الإرهابية، وألقوا اللوم على الإسلام والقرآن والسنة، كذلك نجحوا في حرف الأنظار عن الغاية الأساسية من هذا الإرهاب، فركزوا على تقسيم العراق، وجعلوا الشيعة هم الوحيدين الذين يدافعون عن هذه الوحدة البائسة، بينما الكرد (جناح بارزاني) يطالبون بالانفصال، لأن السيد بارزاني يريد أن يدخل التاريخ كمؤسس للدولة الكردية.

أما العرب السنة فيعرفون جيداً أنه ليس من مصلحتهم الانفصال. لذلك، علينا أن لا تصدق أن أحداً يريد تقسيم العراق (عدا بارزاني)، لأن التقسيم هو الحل الأفضل للشيعة فقط، وخسارة للكرد، وخسارة أكبر للسنة لأن مناطقهم صحراوية لا ثروة فيها. وفي حالة التقسيم إلى ثلاث دويلات، تبقى ثروة الشيعة للشيعة فقط. وإنما يطرحون ورقة التقسيم البائسة لإبتزاز قادة الشيعة للتخلي عن الديمقراطية، ونتائج الانتخابات، وأن يحل محلها مبدأ "المقبولية" الخبيثة، وإلغاء مبدأ الأغلبية البرلمانية، وبالتالي إفراغ الديمقراطية من مضمونها، وتحويلها إلى ديكتاتورية النخبة من رؤساء الكتل السياسية، والعودة إلى ما قبل 2003 ولكن بغطاء ديمقراطي مزيف وبالاسم فقط.

الحرب الباردة

كتب لي أحد الأصدقاء قائلاً: "انك لا زلت تنطلق في تحليلاتك وكان الاتحاد السوفيتي موجود وفي حالته السبعينية الزاهية...". وسبب هذا التعليق هو لأني أشرت إلى عودة الحرب الباردة بين الغرب بقيادة أمريكا والشرق بقيادة روسيا والصين.
في الحقيقة إن الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا لا تحتاج إلى نظام شيوعي أو بعث الحياة في الإتحاد السوفيتي، وإنما هناك صراع على مناطق النفوذ والمصالح الاقتصادية. فحتى إسرائيل تتجسس على أمريكا، و أمريكا تتجسس على أقرب حلفائها من دول الوحدة الأوربية، والكل يتذكر فضيحة تنصت أجهزة المخابرات الأمريكية على هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. فروسيا والصين تشكلان في نظر الغرب أكبر خطر على مصالحه الاقتصادية، و احتلال مناطق النفوذ، وماذا غير الاقتصاد الذي هو سبب كل الصراعات؟ ومن أجل ماذا اشتعلت الحرب الأوكرانية؟ هل دول الناتو تساعد أوكرانيا لوجه الله ! فالحرب الباردة عادت وبنشاط وحيوية أكبر من ذي قبل، وفي هذه الأيام تقوم روسيا وحلف الناتو بمناورات عسكرية كل منهما يريد إبراز عضلاته العسكرية للآخر.

درس من التاريخ القريب

في عام 1964، اقترح الرئيس التونسي الراحل لحبيب بورقيبة على الرئيس المصري الراحل عبدالناصر حل الصراع العربي- الإسرائيلي بالاعتراف بإسرائيل، وتأسيس الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية، وبذلك توجه طاقات الشعوب العربية للتنمية البشرية والاقتصادية بدلاً من تبديدها في سباق التسلح، والحروب المدمرة. فوافقه عبدالناصر، وطلب منه أن يصرح بمقترحه، ووعده بإعلان تأييده له. ولما صرح بورقيبة بمقترحه ذاك، انقلبت الدنيا عليه، وتنكر له عبد الناصر، واتهموا الرجل بالعمالة للصهيونية والخيانة العظمى، ونعرف ما حصل فيما بعد، نكسة حزيران عام 1967، التي انتهت باحتلال إسرائيل لكل فلسطين وسيناء ومرتفعات الجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية، وبقية القصة معروفة. وأخيراً اعترفت عدة دول عربية بما فيها مصر العربية وجبهة التحرير الفلسطينية بإسرائيل. فهل كان على العرب أن يدفعوا كل هذا الثمن الباهظ لكي يتوصلوا إلى قناعة أن من الأفضل لهم أن يتعايشوا مع إسرائيل كأمر واقع وبسلام بدلاُ من هذا الدمار الشامل؟
نفس السؤال نوجهه اليوم إلى إيران والعراق وسوريا وكل شيعة العالم، أن إسرائيل جاءت لتبقى ومن حقها أن تعيش بسلام أسوة بالشعوب الأخرى. وكلما تأخر الاعتراف بها، تصاعد الخراب ودمار هذه البلدان. فالمتاجرة بمعاداة إسرائيل باتت بضاعة بائرة ومفضوحة(3)
 
الخلاصة والاستنتاج:
السبب الحقيقي لإشعال الفتن الطائفية والتطرف الديني والتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط هو عداء إيران (الشيعية) لأمريكا وإسرائيل، لذلك تم توظيف السعودية (الوهابية) لتكفير الشيعة من أجل تجييش السنة، وإشعال الفتنة الطائفية، ضد إيران وضد المذهب الشيعي وتكفيرهم وضد أية حكومة للشيعة فيها نفوذ مثل الحكومة العراقية والسورية، أو لها علاقة حميمة مع إيران(4). لذلك فالحل الوحيد (العلاج) للتخلص من الصراع الطائفي والتطرف الديني والإرهاب، وتحقيق الإستقرار في المنطقة هو تخلي دول "الهلال الشيعي" عن سياسة معاداة أمريكا وإسرائيل.
وهذا لا يعني أن الطائفية ليست لها جذور تاريخية، فهذه الجذور كانت موجودة لقرون، ولكنها تبقى خامدة تنتظر من يُفعِّلها ويفجرها، فهي لا تشتعل إلا بعامل سياسي الذي يقوم بدور المفعِّل(catalyst). فأمريكا، وبأموال السعودية الهائلة، بإمكانها تدمير طاقات العراق وإيران وسوريا، والآن اليمن، الاقتصادية والبشرية في حرب استنزاف طويلة المدى إلى الإنهاك الكامل والانهيار التام. فإسرائيل وجدت لتبقى، وليس من حق الشيعة أن يكونوا أكثر حرصاً على حقوق الشعب الفلسطيني من القيادة الفلسطينية التي اعترفت بإسرائيل وحقها في البقاء. على الشيعة أن يتركوا العنجهية النشاز بفناء إسرائيل، فلغة كهذه لا تجلب إلا الدمار والفناء لهم و لشعوب المنطقة وليس لإسرائيل.
 
هل من أمل؟
نعم، هناك أمل. فرغم كل هذه الآلام والدماء والدموع، هناك بصيص من الضوء في نهاية النفق. لحسن الحظ، هناك بوادر تشير إلى نجاح صوت الحكمة والعقلانية على التطرف والتهور، فقد اختفت الشعارات العدائية لأمريكا في إيران منذ مجيئ الرئيس روحاني، والدعوة إلى تحسين العلاقة مع الغرب. ومن هذه البوادر نجاح المحادثات بين إيران والدول الست حول البرنامج النووي الإيراني. كما هناك لقاءات متواصلة بين إيران وأمريكا أدت إلى المزيد من التفاهم والتقارب بين البلدين، وقد يصبح روحاني غورباتشوف إيران. فبتحسين علاقة إيران مع أمريكا، ستزاح أكبر عقبة كأداء أمام العلاقة بين العراق وأمريكا. والعراق بوضعه الراهن الذي يهدد وجوده كدولة، فمن الحكمة أن يتبنى علاقة إستراتيجية قوية بعيدة المدى مع أمريكا، وهو بأمس الحاجة إلى كسب الدعم الأمريكي وبالأخص العسكري والأمني.
وإذا ما حصل ذلك، فكل هذه الأعراض: الفتنة الطائفية، والعصابات الإرهابية، بما فيها داعش، ستختفي تدريجياً.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- عبدالخالق حسين: جدل حول أسباب الإرهاب
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=741

2- صالح البلوشي: القتلة في مكان آخر
http://alroya.om/ar/writer-blogs/134184-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AA%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A2%D8%AE%D8%B1.html

3- احمد كاظم: بهاء يتاجر بعقدة الشيعة اتجاه اسرائيل
http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=185881#ixzz3bGpWVXHL

4- عبدالخالق حسين: محنة العراق بين إيران والسعودية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=732




231
جدل حول أسباب الإرهاب

د.عبدالخالق حسين


أسباب الإرهاب موضوع مثير للجدل، فكل يؤوله لسبب معين وفق معتقده السياسي والديني ومصالحه المادية والمعنوية. وغالباً ما يستشهدون بأقوال وتصريحات لمسؤولين سياسيين ومفكرين كبار يحتلون مناصب ومواقع عالية في أمريكا خاصة، والغرب عموماً. لذلك أرى أنه يجب علينا أن نكون حذرين من تصريحات هؤلاء لأنهم غالباً ما يريدون تحريف الأنظار عن الأسباب الحقيقية لما يجري في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً.

جرت العادة في تأويل الإرهاب إلى النصوص الدينة في الإسلام، وأية محاولة لتفنيد دور الدين يواجه بتهمة الإيمان بنظرية المؤامرة. لذلك، أرى من المفيد أن أشير إلى هذه النظرية قبل الخوض في صلب الموضوع.
لا شك أن كل مثقف واع هو ضد تعليق غسيلنا القذر على شماعة الآخرين، وترديد الكليشيهات الجاهزة مثل المؤامرات الصليبية والصهيونية، والماسونية، وأضيف إليها حديثاً (الفرس المجوس)... إلى آخر القائمة التي أدمن عليها العرب منذ الفتنة الكبرى ومقتل عثمان، واختراع شخصية خيالية باسم عبدالله بن سبأ "اليهودي" وإلى الآن(1). وكنت قد كتبت مقالين عن هذه النظرية*. ففي عصرنا الراهن تم ربط كل شيء بالمؤامرات الغربية إلى حد السخرية، فمثلاً: الثورة الإسلامية في إيران نتاج مؤامرة أمريكية، وكذلك أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا من صنع الموساد والـ (CIA)، وأحداث الربيع العربي من صنع الفيلسوف الفرنسي برنارد ليفي!!، وقد بلغ السخف والهراء بالبعض إلى حد إلقاء اللوم على أمريكا حتى في الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والزلازل، في حين أن أمريكا هي أكثر بلدان العالم تعرضاً إلى هذه الأعاصير.

ولكن هذا لا يعني عدم وجود مؤامرات تدبر في الخفاء ومن وراء الكواليس، حيث يخطط دهاقنة السياسة ما يريدون في السر، ويحاربونه في العلن وباستحياء لكي يبعدوا الشبهة والتهمة عن أنفسهم. فنظرية المؤامرة وإلقاء اللوم على الدول الكبرى وبهذا الهراء، وضعت أساساً لتتفيه وتسخيف أية تهمة تلقى على المدبر للمؤامرات الحقيقية التي وراء هذه النشاطات التخريبية مثل(إرهاب، حروب، إنقلابات، انتفاضات، فوضى عارمة...الخ)، إذ كما قال الرئيس الامريكي الأسبق فرانكلين روزفلت "في السياسة، ليس هناك ما يحدث صدفة، وإن حدث، فقد خطط له أن يحدث بهذه الطريقة".

إن أحداثاً ضخمة بحجم ما يجري في المنطقة عامة، والعراق وسوريا خاصة من إرهاب منفلت خارج عن سيطرة الحكومات، وعلي أيدي تنظيمات إرهابية (داعش والقاعدة وجبهة النصرة) التي تحتل نحو ثلث مساحة العراق، وأكثر من نصف مساحة سوريا(1)، و تنذر بعواقب كارثية وخيمة جداً إلى حد إبادة الجنس، ما كان لهذا الإرهاب أن يصل إلى ما هو عليه ما لم يكن مدبراً من حكومات تتمتع بإمكانيات مادية وتنظيمية وفكرية هائلة.
*****
مناسبة هذه المقدمة أن كتب لي صديق مصري أمريكي متنور، أنه قبل شهرين صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "أن الإرهابيين أصبحوا إرهابيين لأنهم بلا عمل، ولم يكن لديهم ما يشغلهم ويضمن لهم مصدر للدخل !!"
وبحق، استسخف الصديق هذا الكلام، و أوعزه إلى جهل المتحدثة بالأمور رغم ما يتوافر لها من أنظمة استخباراتية عملاقة مثل الـ (CIA)، وتكنولوجية الثورة المعلوماتية، والإعلام على مدار الساعة. واستنتج الصديق أن هذه السيدة وبهذا القدر من الجهل لا تستحق حتى لتكون عاملة في أحد مطاعم ماكدونالد.

اختلفتُ مع الصديق العزيز في وصف المتحدثة بالجهل. فهذه السيدة لا يمكن أن تحتل هذا المنصب الخطير إلا بعد مرورها بتحقيقات وغربلات وامتحانات عسيرة للتأكد من إمكانياتها العقلية والثقافية وإخلاصها للنظام الأمريكي، والإدارة الحاكمة، وانسجامها التام مع أيديولوجية النخبة المهيمنة على إدارة الدولة.

فعندما قالت أن سبب الإرهاب هو البطالة والفقر، لم يكن قولها ناتج عن جهل، وإنما للتضليل وعن عمد لحرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية للإرهاب، ومن يخطط له، وينظمه ويموله ويدربه، ويوفر له كل متطلبات "الجهاد" والاستمرار. وكما بينا في المقدمة، هذا ليس من باب الإيمان بنظرية المؤامرة، وإنما هناك حقائق تؤكد أن هذه التنظيمات الإرهابية لا يمكن لها أن تبلغ بهذا القدر الكبير من الدقة في التنظيم و التخطيط والانضباط الحديدي، وتوافر الإمكانيات المالية والأسلحة والخبرة العسكرية والإعلام والصمود والاستمرار ما لم تكن مدعومة من قبل دول كبرى تتمتع بإمكانيات مالية وعلمية وتكنولوجية هائلة. (روابط 2،3، 4)

فالبطالة تؤدي إلى مشاكل اجتماعية مثل السرقة والجريمة المنظمة، ولكن لا تقود إلى منظمات إرهابية مثل القاعدة وفروعها وبهذه الإمكانيات. والبطالة لا تشمل المسلمين فقط، بل متفشية بشكل واسع في الشعوب غير الإسلامية أيضاً وخاصة في العالم الثالث، ولكن مع ذلك لم نسمع عن تنظيمات إرهابية من غير المسلمين إلا نادراً وعلى نطاق ضيق جداً يسهل على الحكومات احتوائها والقضاء عليها مثل منظمة (باير ماينهوف) الألمانية في السبعينات من القرن الماضي، والتي اختفت بسرعة.
كذلك مؤسس منظمة "القاعدة" أسامة بن لادن كان مليونيراً وابن ملياردير سعودي، وخليفته الحالي، الدكتور أيمن الظواهري، هو طبيب جراح، وكان والده أستاذ مشهور في الأمراض الجلدية في جامعة القاهرة ومن عائلة معروفة. كما و بات واضحاً أن الإنتحاريين الـ 19 الذين ارتكبوا جريمة 11 سبتمبر 2001، كانوا خريجي الجامعات الغربية. وهذا يعني أنهم كانوا من عوائل وخلفيات غنية. وكل هذا يفند أي إدعاء بأن الفقر والبطالة سبب الإرهاب.

ولكن السبب الأكثر انتشاراً وقبولاً لدى غالبية المثقفين العلمانيين، وأنا كنت من بينهم في هذا الاعتقاد ، هو أن الدين الإسلامي هو سبب الإرهاب، وذلك لما فيه من نصوص دينية في القرآن والسنة، تدعو إلى العنف ضد غير المسلمين. وقد ترسخ هذا الاعتقاد إلى حد أن صار عندهم أشبه بالعقيدة الدينية يصعب تغييرها. وعليه أرى من المفيد مناقشة هذا الموضوع بتأمل وهدوء وبعيداً عن الاتهامات، ولكي لا نقع في التبسيطية، وتشخيصات جاهزة، ونبرئ الجاني الحقيقي.

نعم، في القرآن عشرات الآيات التي تدعو إلى استخدام العنف ضد الكفار والمشركين، وتسمى بآيات السيف أو القتال، مثل الآية "قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ" (التوبة 14). كما وهناك أحاديث نبوية تؤكد على القتال، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قال النبي محمد: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"

ولكن هذه النصوص الدينية كانت موجودة خلال 1400 سنة، ولم تظهر منظمات إرهابية بهذا الانتشار والتوحش إلا خلال الثلاثين عاماً الماضية، فكيف تعايش المسلمون مع غير المسلمين في المجتمعات ذات الغالبية الإسلامية؟ عدا بعض الاستثناءات مثل ظهور تنظيم من قبل شخص يدعى حسن الصباح في القرن الحادي عشر الميلادي، مؤسس ما يعرف بـالدعوة الجديدة أو الطائفة الإسماعيلية النزارية، أو الباطنية، وكان يؤثر في أتباعه بعد أن يحششهم، ويوحي لهم بقتل بعض الحكام، ولذلك أطلق عليهم (الحشاشون)، ومنها اشتقت كلمة Assassin في اللغات الأوربية، ولكن هذا التنظيم لم يعتدي على جمهور الناس الأبرياء كما يحصل في القرن الحادي والعشرين.
كذلك، وكما قال المستشرق الأيرلندي الراحل فريد هاليدي، إن جميع الأديان السماوية (الإبراهيمية)، فيها نصوص تدعو إلى العنف والتطرف. ولكن لماذا الإسلام وحده انفرد في هذا الزمن باستخدام العنف دون غيره من الأديان؟ ففي التوراة نصوص تدعو إلى إبادة قرى بكاملها بمن فيها من رجال ونساء وأطفال وشيوخ أبرياء وحتى الحيوانات والمزارع. وكذلك الديانة المسيحية في أوربا عندما تبنتها الإمبراطورية الرومانية، وما بعدها من دول، كديانة رسمية لها، مارس أتباعها أبشع أنواع العنف وخاصة ضد اليهود، وبالأخص خلال الحروب الصليبية وفترة محاكم التفتيش. ولكن هذا العنف الديني قد انتهى بتقدم  الحضارة والديمقراطية. فلماذا هذا الإرهاب في الإسلام فقط وفي هذا الوقت بالذات؟
كذلك نرى الغالبية العظمى من المسلمين مسالمين وضد العنف والتطرف الديني، فلماذا لم تؤثر هذه النصوص إلا بنسبة ضئيلة منهم ومعظمهم من المذهب الوهابي؟
والسؤال الآخر والأهم هو: لماذا تم توظيف الطائفية على شكل الصراع السني- الشيعي لهذا الإرهاب في الشرق الأوسط وخاصة في العراق؟ بينما في دول إسلامية أخرى التي لا يوجد فيها إنقسام طائفي، وجدت له أسباب دينية أخرى، كما في الصومال وتونس والجزائر وليبيا ومصر، مثل الجهاد لإقامة دولة الخلافة.
ألا تستحق هذه الأسئلة الإجابة عليها وبعقلانية وتأمل، والكشف عن المستفيد من هذا الدمار الناتج عن الإرهاب؟

ونظراً لإيعاز الإرهاب إلى الدين، يعتقد أغلب المثقفين العلمانيين أنه في البلدان التي تعاني من الطائفية مثل العراق، أن الحل الوحيد هو النظام العلماني والتخلص من الأحزاب الدينية. و رغم وجاهة هذا الرأي، وضرورة العلمانية الديمقراطية، إلا إننا نعرف أن جميع الحكومات العراقية المتعاقبة قبل 2003، كانت علمانية، ولكنها مارست الطائفية ولو بدرجات مختلفة (عدا حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم). فالطائفية كانت على أشدها عند العلمانيين، وخاصة في عهد حكم البعث وهو علماني. وفي هذا الخصوص قال عالم الاجتماع علي الوردي: "الإنسان العراقي أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى". وقال أيضاً: "لقد ضعفت نزعة التدين في أهل العراق وبقيت فيهم الطائفية: حيث صاروا لا دينيين وطائفيين في آن واحد، وهنا موضع العجب".
ولكن مع ذلك لم تكن طائفية ما قبل 2003 بصيغتها الإرهابية المتوحشة كما هي الآن، بل كانت على شكل مشاعر سلبية يعبر عنها بهمس في المجالس الخاصة فقط، ولم تطفح على السطح إلا في عهد صدام حسين حين رفع شعار (لا شيعة بعد اليوم) بعد انتفاضة آذار/شعبان 1991. و لو لا اغتصاب البعث للحكم، ولو ترك العراق يواصل تطوره الطبيعي التدريجي لزالت الطائفية.

إذن، ما هي الأسباب الحقيقية للإرهاب المتوحش. إن لم يكن الدين والبطالة؟
الجواب: ابحث عن المستفيد من الإرهاب.
فكما بينا أعلاه، أن النصوص الدينية التي تدعو للعنف موجودة في جميع الأديان، وهي خامدة أشبه بالألغام  المدفونة في الأرض تحتاج إلى من يقوم بتفعيلها وتفجيرها. وهناك مقولة: "البندقية معبئة و البيئة تسحب الزناد". وحديث نبوي:(الفتنة نائمة ولعن الله من أيقضها). لذلك فهذه النصوص لا يمكن أن تخلق الإرهاب إلا إذا تم تفعليها وتفجيرها، وفي أغلب الأحوال يتم ذلك من قبل السياسيين ولأغراض سياسية. وقد أشرنا إلى دور السعودية في صرف عشرات المليارات الدولارات على نشر التطرف الإسلام الوهابي في العالم، ودعم المنظمات الجهادية الإرهابية. أما أمريكا وحليفاتها فتبين أنها تلعب دوراً مزدوجاً، فمن جهة تتظاهر بإدانة الإرهابيين، وتضربهم ولكن دون أن تقضي عليهم، ومن جهة أخرى تدعمهم في السر كما يجري في سوريا والعراق، وسنوضح ذلك بعد قليل.
فخلال الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي تم توظيف الإسلام لمحاربة الشيوعية. وظهر ذلك بشكل واضح وسريع خلال الحكم الشيوعي في أفغانستان حيث تم تأسيس المنظمات الجهادية بما فيها طالبان والقاعدة، وبقية القصة معروفة.
فيما يخص القاعدة وما تفرع منها مثل جبهة النصرة وداعش في سوريا، وداعش في العراق، فقد أصبح الأمر واضحاً وباعتراف نائب الرئيس الأمريكي جو بادين، أنها مدعومة من السعودية وقطر وتركيا والأردن. ولكن ما لم يقله بايدن أن هذه التنظيمات الإرهابية مدعومة أيضاً حتى من أمريكا وإسرائيل. والجدير بالذكر أن 90% من داعش في العراق هم من القوات الأمنية والحرس الجمهوري وهم بعثيون علمانيون، يتظاهروا بالتدين نفاقاً وللتمويه، و10% فقط أجانب تم غسل أدمغتهم لاستخدامهم كبهائم في عمليات التفجيرات الانتحارية.

لماذا الإرهاب؟ ومن هو المستفيد منه؟
من المعروف أن أمن إسرائيل يعتبر أهم ما في إستراتيجية أمريكا في المنطقة، يليه أمن حلفاء أمريكا الخليجيين، وضمان تصدير النفط إلى الغرب. فالآن تجري المساعي لجعل إسرائيل تتعايش بسلام مع دول الشرق الأوسط كأية دولة أخرى. وهناك تحالف غير معلن بين إسرائيل والسعودية وغيرها من الدول الخليجية، في الوقت الذي أعلن فيه النظام الإسلامي الإيراني في عهد رئاسة محمود أحمدي نجاد إزالة إسرائيل من الخارطة، تماماً كما هدد صدام حسين بحرق نصف إسرائيل، وحصل له ما حصل نتيجة ذلك.

وما يهدد أمن إسرائيل هو ما أطلقوا عليه بالهلال الشيعي (الممتد من إيران، عراق، سوريا، وحزب الله في لبنان). وأخيراً سيطر الحوثيون (شيعة) على اليمن في الطرف الجنوبي للجزيرة العربية، فتحول الهلال الشيعي إلى "القمر الشيعي". وهذا ما أرعب أمريكا وحلفائها في المنطقة فكانت الحرب التي شنتها السعودية على اليمن.

هناك بحث قيم نشر قبل أيام بعنوان: (واشنطن تعترف بدعمها لللاعبين المشبوهين في سوريا)(4). حصل الباحث على نسخة من تقرير وزارة الدفاع الأمريكية، جاء فيه أن أمريكا اعترفت بعدم وجود معارضة مسلحة معتدلة في سوريا قادرة على إسقاط بشار الأسد، بل توجد جماعات إرهابية متطرفة مثل القاعدة والنصرة وداعش، وجميعها تتلقى الدعم من السعودية وقطر والأردن وتركيا وبمباركة أمريكا من أجل إسقاط الأسد. لذلك تم التخطيط لاحتلال الجزء الشرقي من سوريا والغربي من العراق لتوفير الملاذ الآمن لهذه الجماعات الإرهابية.
وما يجري في سوريا والعراق واليمن هو من أجل تفكيك الهلال أو القمر الشيعي، وهو مجرد القسم الأول من أجندة بعيدة المدى تنفذ على مراحل، تبدأ بإنهاك حكم الأسد وإسقاطه، ثم التخلص من الحوثيين، وتسليم الحكم في البلدين إلى جماعة معادية لإيران. ثم الضغط على الحكم في العراق لتغيير موقفه من إيران. ومن ثم تحويل الإرهاب إلى إيران نفسها لتغيير النظام فيها. والخطوة التاليه عزل الصين وروسيا.

فالهدف النهائي من كل ما يجري في العراق وسوريا واليمن هو أمن وسلامة إسرائيل في المنطقة، وكذلك ضد الصين وروسيا، لأنهما الدولتان الكبيرتان اللتان تنافسان أمريكا ودول الناتو على مناطق النفوذ والقطبية في العالم. بمعنى آخر عودة الحرب الباردة بين المعسكرين، الغربي والشرقي. وما يجري في أوكرانيا هو ليس بمعزل عما يجري في الشرق الأوسط. فالصراع هو بالأساس بين أمريكا وروسيا، ولكن يجري في الشرق الأوسط عن طريق إثارة الحروب الطائفية والإرهاب الداعشي (حروب بالوكالة)، بينما في أوكرانيا بين القوات الأوكرانية المدعومة من الناتو، ومليشيات أوكرانيا الشرقية المدعومة من روسيا، وفي اليمن تقوم السعودية بشن الحرب نيابة عن أمريكا ودعمها لعزل اليمن عن النفوذ الإيراني المزعوم. ولكن الهدف النهائي من كل هذا الإرهاب والحروب في المنطقة هو إضعاف النفوذ الصيني – الروسي، والاعتراف بإسرائيل وضمان أمنها وسلامتها، وتعايشها بسلام مع شعوب المنطقة.

والسؤال هنا: ما هو موقف العراق من هذه الصراعات بين الكبار؟ وهل كتب على الشعب العراقي أن يكون وقوداً لهذا الحريق والصراع بين الدول العظمى كما كان منذ تأسيسه عام 1921 ولحد الآن؟ أم يجب أن يتبنى سياسة تحمي شعبه من الفناء ودولته من الانهيار؟ الجواب في مقالنا القادم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
* عبدالخالق حسين: المحنة العراقية ونظرية المؤامرة، صحيفة (المؤتمر) اللندنية، العدد 255، تاريخ 21/5/2001

روابط ذات علاقة
1- عبدالخالق حسين: محنة العراق و بن سبأ الإيراني
http://elaph.com/ElaphWriter/2005/4/56816.htm?sectionarchive=ElaphWriter

2- عاجل امريكا تعلنها صراحة السعودية وتركيا و الامارات مولوا داعش
https://www.youtube.com/watch?v=tQ1xzgrld-0&feature=&app=desktop

 3- How the US Created the Islamic State: Talking Heads
https://www.youtube.com/watch?v=GU2avVIHde8
.
4- Tony Cartalucci: Washington Confesses to Backing "Questionable Actors" in Syria.
http://journal-neo.org/2015/05/25/washington-confesses-to-backing-questionable-actors-in-syria/


232
السعودية دولة إرهابية يجب مقاضاتها
د.عبدالخالق حسين

أعتذر مسبقاً عن تكرار بعض الأفكار وردت في مقالات سابقة لي، أعيدها هنا لإكمال الصورة، وتوضيحها ففي الإعادة إفادة!
بدءً، المملكة العربية السعودية تحكم شعباً مغلوب على أمره بنظام ديني متطرف وفق التعاليم الوهابية المعادية للإنسانية وجميع الأديان والمذاهب من غير الإسلام الوهابي وتبرر حرب إبادة الجنس. ومعاداة السعودية الوهابية للحضارة والإنسانية، والشيعة على وجه الخصوص ليس جديداً، إذ بدأت منذ تأسيس هذه المملكة في العشرينات من القرن الماضي، حيث قامت بتدمير الآثار التاريخية الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بما فيها بيت النبي محمد، و زوجته خديجة، إضافة إلى إزالة مقبرة البقيع في المدينة التي كانت تضم قبور الصحابة وأئمة المسلمين، سنة وشيعة. وحتى أرادوا إزالة قبر النبي ومسجده لولا الاعتراضات والإدانات العالمية. كل ذلك بحجة أن القبور والآثار التاريخية عادة وثنية، تتعارض مع الإسلام، وهو تفسير خاطئ لا يؤيده أي دليل منطقي أو ديني، سوى تعاليم محمد بن عبدالوهاب، الخارج عن الملة. فالوهابية خوارج العصر بكل معنى الكلمة.

كذلك مارس الوهابيون الإرهاب، وشنوا حروب الإبادة ضد شيعة العراق في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حيث قاموا بهجمات متكررة على النجف وكربلاء وقتلوا الألوف وخربوا ودنسوا الأضرحة ونهبوا خزائنها. وهذا بالضبط ما تقوم به عصابات "داعش" في سوريا والعراق من أعمال إجرامية بحق الأبرياء وتدمير المعالم الحضارية، ودور العبادة  من أتباع مختلف الأديان والمذاهب.

هناك سلسلة من الأسباب والنتائج ساعدت السعودية على نشر التطرف الديني و وهبنة المسلمين، أي تحويلهم إلى وهابيين إرهابيين. فالسعودية تكاد تكون أغنى دولة في العالم، وهذه الثروة الهائلة هي ملك الأسرة الملكية الحاكمة تتصرف بها كما تشاء، ولا تحتاج إلى موافقة البرلمان لأن ليس هناك برلمان ولا دستور ولا قوانين، بل حكم ملكي إلهي مطلق كما كان الوضع في القرون الوسطى المظلمة في أوربا.
كذلك استفادت السعودية من الأحداث الدولية، وتحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبرز توافق المصالح بشكل أكثر عند نشوب الثورة الشيوعية في أفغانستان وما تلاها من الاحتلال السوفيتي، فتم استغلال الإسلام الوهابي لتشكيل تنظيمات المجاهدين، وتدريبهم من قبل العسكريين الأمريكان، وبالمال السعودي، وشحنهم بالأيديولوجية الوهابية، ومن بين هذه التنظيمات: (طالبان) و(القاعدة). وبعد سقوط الحكم الشيوعي في أفغانستان هيمنت طالبان والقاعدة على السلطة، واتخذوا من أفغانستان قاعدة انطلاق لهم، وأخيراً انقلب السحر على الساحر، فدشنوا إرهابهم ضد أمريكا نفسها بجريمة 11 سبتمبر 2001، التي غيرت السياسة الخارجية الأمريكية ومسار التاريخ.

وبعد إسقاط النظام البعث الفاشي في العراق، استخدمت السعودية التنظيمات الإرهابية في العراق ضد العملية السياسية وضد الشيعة، وتخريب العراق الجديد تحت مختلف الأكاذيب من بينها (عزل وتهميش العرب السنة)، و(هيمنة إيران على العراق). وراح مشايخ الوهابية في السعودية وقطر يصدرون الفتاوى التحريضية ضد الشيعة لإشعال الفتن والحروب الطائفية.
كما واستفادت السعودية، و قطر وتركيا، من فلول البعث الذي يمتلك أعلى قدر من الخبث والدهاء والغدر والمكر في استغلال الظروف، وعقد التحالفات حتى مع الشيطان، وهنا (وافق شن طبقة)، فتوافقت مصالح البعث مع مصالح السعودية، وحصلت التحالفات والتوافقات ضمن التنظيمات الإرهابية (القاعدة) و(جبهة النصرة) و (داعش). و راحت هذه الحكومات ترتكب أبشع الجرائم بحق الشعوب وبسم داعش وغيرها.

استطاعت السعودية ممارسة كل هذا الإرهاب وإسكات العالم عن جرائمها، وإبعاد الشبهة والتهمة عن نفسها وذلك عن طريق شراء الحكومات وحتى الأمم المتحدة بالمال. فقد تبرعت السعودية في العام الماضي بمائة مليون دولار للأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب!! كذلك نجحت السعودية في تكوين اللوبيات، وشراء الذمم، ومؤسسات الإعلام في الشرق والغرب، فهي تسيطر الآن على نحو 70% من الإعلام العربي. كذلك نرى السعودية من أكثر الدول سعياً في عقد مؤتمرات دولية للتقارب بين الأديان والمذاهب، والأعلى صوتاً في إدانة الإرهاب وتنظيماته، بينما عملياً هي من أشد الدول التي تمارس إرهاب الدولة بدهاء وخبث، وأكثرها دعماً للمنظمات الإرهابية، إذ كما قال بلزاك: "حذار من إمرأة تتحدث عن الشرف كثيرا".

وعندما تفشل منظماتها الإرهابية في تحقيق أهدافها، لن تتردد السعودية في التدخل المباشر في ممارسة الإرهاب ضد تلك الدولة كما هي الحال في حربها الإجرامية الإرهابية على الشعب اليمني الفقير، وبحجة محاربة التدخل الإيراني. بينما ليس هناك أي تدخل عسكري إيراني وإنما تدخل عسكري سعودي فظ، حيث نجحت السعودية في شراء 12 حكومة عربية وغير عربية بما فيها السنيغال في هذا الإرهاب الحكومي ضد شعب أعزل.

وأخيراً دشنت السعودية حرب الإبادة على شيعة السعودية في المنطقة الشرقية، إذ أفادت الأنباء عن تفجير انتحاري في مسجد شيعي في القطيف إثناء أداء صلاة الجمعة (يوم 22/5/2015)، أدى إلى مقتل أكثر من عشرين مصلياً، وإصابة أكثر من 120، وكالعادة في هذه الحالات، أعلنت "داعش" مسؤوليتها عن الجريمة. والحقيقة هي أن الأجهزة الأمنية بدأت حرب الإبادة ضد الشيعة وبأوامر من جهات دينية وحكومية عليا لتلقي الجريمة على داعش. فالدولة السعودية هي داعش، وداعش هي تابعة للأجهزة الأمنية السعودية، وهذه الجريمة ضد شيعة السعودية هي أول الغيث. فالحكومة خلقت داعش وغيرها من أجل ممارسة الإرهاب وحرب إبادة الجنس بغطاء داعش والنصرة والقاعدة وغيرها، وتبرئة نفسها، بل وتتظاهر بأنها هي ضحية هذا الإرهاب ، فتقتل الشيعة من شعبها وتتاجر بدمائهم في نفس الوقت.
 
وما يواجهه العراق وسوريا من إرهاب وحرب الإبادة وتدمير مؤسساتهما الاقتصادية ومعالمهما التاريخية الحضارية على أيدي داعش وجبهة النصرة إلا بدعم من السعودية وتنفيذاً للتعاليم الوهابية، فكما بينا أعلاه، هذه الجرائم مارستها السعودية نفسها من قبل.

وأم مهازل، وكما نشرت صحيفة الانديبندنت اللندنية يوم 21/5: (أن المملكة العربية السعودية تعتزم تقديم عرض لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في خطوة وصفت بأنها "المسمار الأخير في نعش مصداقية" مجلس حقوق الإنسان.)(الرابط في الهامش). وهذا من سوء حظ العرب أن يترأس ألد أعداء حقوق الإنسان من الحكومات العربية هذه المؤسسة الدولية وباسمهم. ففي عهد صدام حسين كان رئيس هذه المنظمة بارزان التكريتي، الأخ غير الشقيق لصدام، و من ثم ترأستها حكومة القذافي، والآن السعودية التي رفضت عضوية مجلس الأمن قبل عامين لكي لا يحرج موقفها مع إسرائيل في حالة عرض قضية فلسطينية، تطالب اليوم برئاسة مجلس حقوق الإنسان. فإذا نجحت، وكما جاء في تقرير الاندبندنت، فهذا آخر مسمار في نعش هذه المنظمة. تذكروا موقف الحكومة السعودية من أحد مواطنيها، رائد بدوي الذي كتب مقالة ينتقد فيها حكومته، فحكم عليه بالسجن لعشر سنوات والضرب بألف جلدة.

وعليه فالحكومات (العراقية والسورية واليمنية) مطالبة بتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، ضد الحكومة السعودية وكذلك حكومة قطر وتركية، لدعمها الإرهاب و قيامها بحرب الإبادة ضد الجنس وتدمير المعالم الحضارية والمؤسسات الاقتصادية، ومطالبة هذه الحكومات بدفع التعويضات للضحايا وذويهم، وأن تتحمل تكاليف إعادة إعمار هذه البلدان. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بكسب أمريكا إلى جانبنا، وهذا ممكن عن طريق تكوين اللوبيات وإيجار شركات العلاقات العامة (PR)، تماماً كما نجحت السعودية في هذا المجال.
ولدي تقارير ودراسات غربية ومن جهات رسمية أمريكية تؤكد دور السعودية وقطر وتركيا في الإرهاب ضد العراق وسوريا واليمن. أدرج أدناه روابط بعض هذه التقارير والدراسات وحتى خطابات من شخصيات أمريكية رسمية مثل نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Saudi Arabia, Wahhabism and the Spread of Sunni Theofascism
by Ambassador Curtin Winsor, Jr. 
http://www.onlineopinion.com.au/view.asp?article=6107

2- النسخة العربية الموجزة: كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

3- SAUDI ARABIA’S JIHAD IN THE MIDDLE EAST AND THE WORLD,
By MORDECHAI NISAN.
http://www.acpr.org.il/pp/pp168-nisane.pdf

4- The Secret Saudi Ties to Terrorism
http://www.strategic-culture.org/news/2015/03/11/the-secret-saudi-ties-to-terrorism.html

5- الاندبندنت: الكيان السعودي مصدر تمويل الإرهاب
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=36600

6- جو بايدن يعلنها صراحة السعودية وتركيا و الامارات مولوا داعش
 http://youtu.be/tQ1xzgrld-0

7- السعودية هي السبب الرئيسي وراء الإرهاب (فيديو بالأرقام)
https://www.facebook.com/#!/video.php?v=850266491659180&set=vb.100000275119058&type=2&theater

8- Saudi Arabia 'seeking to head United Nations Human Rights Council' !!
http://www.independent.co.uk/news/world/asia/saudi-arabia-reportedly-seeking-to-head-united-nations-human-rights-council-10267783.html





233
سقوط الرمادي كسقوط الموصل، تم من الداخل

د.عبدالخالق حسين

أفادت وكالات الأنباء العالمية يوم 17/5/2015،عن سقوط مدينة الرمادي، مركز محافظ الأنبار، بيد الدواعش، وأن شرطة المحافظة استسلمت بكامل أسلحتها وعتادها لهم، وانسحب الجيش العراقي من ساحة المعركة. وهذه طعنة نجلاء للجيش الذي استعاد قريباً بعضاً من معنوياته بعد تحرير تكريت وبدعم من الحشد الشعبي والعشائر السنية المسلحة. كما وأفاد مراسل (BBC)، أن نحو خمسمائة من أهل المدينة قُتلوا، معظمهم من المدنيين العزل.

والسؤال الذي نود طرحه هو: هل حقاً سقطت مدينة الرمادي عن طريق اجتياح قوات داعش؟ ومن هي داعش؟ وهل بإمكان عصابات إرهابية مؤلفة من متطوعين أجانب إلحاق الهزيمة بجيش منظم يحارب على أرض بلاده وبقرب عاصمته؟ فكما تساءل الصديق عبدالصاحب الناصر في مقال له، كيف تم هذا الاجتياح ودون أن تلاحظه الاستخبارات الأمريكية بأقمارها الصناعية التي تصور كل صغيرة وكبيرة في العالم، ولم تلاحظ حتى غبار ناقلاتهم؟

في الحقيقة، لم يكن هناك اجتياح ولا قوات داعشية زاحفة من الرقة السورية، وإنما الدواعش هم البعثيون من أهل المنطقة من الحرس الجمهوري والقوات الأمنية البعثية ذات الخبرات العالية في المخططات الجهنمية لتدمير العراق(1)، بالاتفاق مع قوات الشرطة والأجهزة الأمنية المحلية الحكومية الضالعة في الجريمة، والتي تغلغلت في الأجهزة الحكومية كصفقة ضمن توافقات المصالحة الوطنية. هذه القوات الأمنية ما انفكت تشكي ليل نهار من قلة التجهيزات العسكرية، واستجابت الحكومة لكل طلباتهم، وبعد أن حصلوا على ما يحتاجون من سلاح وعتاد وذخيرة، و حانت ساعة الصفر، أعلنوا سقوط المدينة بيد داعش، واستسلام القوات الأمنية المحلية بكامل أسلحتها وذخيرتها لهم.

هذه الحقيقة المرة أكدها قائد مجلس إنقاذ الأنبار السيد حميد الهايس في تصريح له لصحيفة "العالم الجديد"، حيث اتهم قائد شرطة الأنبار كاظم الفهداوي، بتسليم المحافظة، ومعها أسلحة الشرطة لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، وطالب باعدامه بتهمة الخيانة، و وصف الحشد الشعبي بأنه القوة الضاربة التي يمكنها أن تحرر الانبار من سيطرة "داعش."( 2 و 3)

إنها لعبة قذرة قامت بها، وكالعادة، نفس الجهات السياسية للمحافظات الغربية والشمالية، المشاركة في السلطة، وكذلك حكومات إقليمية ودولية بما فيها أمريكا، كل هذه الجهات تلعب بازدواجية خبيثة واضحة، فتدعي محاربتها لعصابات داعش، وفي نفس الوقت تقدم لها في السر والعلن، الدعم و المساعدات وكل المتطلبات السياسية والاعلامية والمادية لتحقيق أغراضها، وتحاول تشويه صورة كل من يحاربها بصدق وإخلاص وشجاعة. فمثلاً يواصل الاعلام العربي والغربي تشويه صورة الوضع السياسي في العراق بأنه تحت حكم إيران، وتسمي الحشد الشعبي بالمليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وما أن تذكر الحكومة العراقية إلا وألحقتها بعبارة (يهمين عليها الشيعة التي تقوم بعزل وتهميش السنة والكرد) إلى آخر الاسطوانة المملة. وتناغماً مع هذه الدعوات طالبت أمريكا الحكومة العراقية بمنع الحشد الشعبي من المساهمة في محاربة داعش، وأخذ موقف معادي لإيران، الدولة الوحيدة التي تقوم بمساعدة الحكومة العراقية في حربها مع داعش.

إن الغرض من هذه المؤامرة القذرة هو ليس تقسيم العراق كما كنا نتصور، ومازال يتصور الحريصون على الوحدة الوطنية والدولة العراقية، بل هو للضغط على السياسيين الشيعة لتقديم المزيد من التنازلات عن حقوقهم التي أقرها لهم الدستور أسوة بالمكونات الأخرى، وإلغاء النظام الديمقراطي، وعدم الالتزام بنتائج الانتخابات، وتشكيل الحكومة وفق ما يسمى بـ"المقبولية" و"التوافقية"، وبالتالي إعادة الوضع كما كان قبل 2003، أي إشراك البعث في الحكم ولو باسم آخر. فالكتل السياسية السنية تدرك جيداً أنهم لن يستطيعوا إقامة دولة لهم قابلة للحياة، فأغلب الثروات الطبيعية هي في المحافظات الجنوبية. وفي حالة انفصالهم عن العراق سيقعون ضحية السقوط في أحضان دولة عربية سنية مجاورة، كالأيتام على مائدة اللئام، وفي هذه الحالة ليبتلعهم الأردن، البلد الفقير الذي يعتاش على المساعدات الأجنبية. وإنما غرضهم من كل هذا الإرهاب هو إعادة سيطرتهم على كل العراق والاستحواذ على ثرواته، كما كان الوضع من قبل.
أما قادة الحركة الكردية بجناحها البارزاني، فإنهم أدركوا أن الوضع الداخلي الكردي، والدولي لن يسمح لهم بإعلان دولتهم المستقلة، الآن على الأقل. ولكنهم يستخدمون ورقة الانفصال والتقسيم لابتزاز ممثلي الشيعة في الحكومة الفيدرالية، وتوجيه المزيد من الضغوط عليهم للتخلي عن حقوقهم الديمقراطية والوطنية، ومعاداة إيران، والخضوع للسعودية. وهذا مع الأسف الشديد هو الموقف الأمريكي أيضاً. إذ صرح الرئيس أوباما "أن اجتثاث البعث كان خطأً، ويجب أن يعاد النظر فيه"، وهذه مقدمة لإعادة البعث للسلطة لأنه عبارة عن بندقية للإيجار، والأكثر استعداداً لشن الحرب على إيران وأية دولة أخرى تخرج على إرادة أمريكا. والجدير بالذكر أن البعث إذا ما قدر له بالعودة فهو ليس البعث العلماني رغم توحشه، بل البعث الإسلامي ذو الوجه الوهابي الداعشي الأكثر توحشاً وهمجية وقبحاً. 

والجدير بالذكر، أن كل هذه الكارثة ما كان لها أن تحصل لو كانت حكومة السيد نور المالكي قد وافقت على إبقاء بضعة آلاف من القوات الأمريكية في العراق ضمن إطار الاتفاقية العراقية-الأمريكية، ولما حصلت الاعتصامات في المحافظات الغربية، ولا سمعنا بداعش ولا بعنتريات مسعود بارزاني.
ولكن من الجانب الآخر، المحنة التي يواجهها ممثلو الشيعة في العملية السياسية، أنهم في حالة إرضاء أمريكا سيكسبون عداء إيران التي بإمكانها أن تحيل العراق إلى جهنم، ويخسرون من يحمي ظهرهم عندما تنفرد بهم السعودية ومنظماتها الداعشية. وفي حالة إرضاء إيران، فسيثيرون غضب أمريكا كما هي الحال الآن، وما تتمتع به من إمكانيات في تحريك السنة والكرد، ورد الاعتبار للبعث وتسليحه تحت اسم داعش، ونشر الفوضى العارمة، وابتزاز الحكومة الفيدرالية بداعش وتقسيم العراق.

إن حكومة السيد حيدر العبادي قد أعطت تنازلات أكثر مما يجب إلى حد إلحاق أشد الأضرار بالمصلحة الوطنية، لذلك نرى أن العراق الآن مهدد ليس فقط بالتقسيم، بل بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، فسيطرة داعش على الرمادي هي خطوة مرحلية لتليها خطوة أخرى وهي احتلال بغداد وبطريقة جهنمية خبيثة وحرق الأخضر واليابس وبالتالي السيطرة على كامل العراق. لذلك، فليس أمام العبادي سوى المضي قدماً في الاعتماد على الحشد الشعبي وتوسيعه ودعمه بالسلاح والتدريب، و وضع منتسبي الجيش أمام أحد الخيارين، إما الالتزام بالشرف العسكري والدفاع عن حياض الوطن من كل معتد أثيم، والاستعداد لنيل شرف الشهادة في سبيل الوطن، أو الاستقالة من الجيش والبحث عن وظيفة أخرى. ويجب في كل الأحوال ضم الحشد الشعب وكل من يرغب في الدفاع عن الوطن بصدق إلى الجيش. كذلك نقترح على السيد رئيس الوزراء والقائد العام بعدم إبعاد ضباط أكفاء عن مناطق لأسباب انتماءاتهم المذهبية، فإبعاد الضباط الشيعة الأكفاء عن المحافظات السنية تلبية لضغوط مسؤولين في تلك المحافظات كما حصل في الموصل والرمادي كانت لأسباب طائفية، ولتسهيل مهمة الدواعش واحتلال هذه المناطق باسم داعش.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مؤسس داعش ضابط مخابرات عراقي
http://aawsat.com/node/341601

2- الهايس يطالب عبر (العالم الجديد) باعدام قائد شرطة الأنبار كاظم الفهداوي ويتهمه بتسليم المدينة وأسلحة لـ(داعش).
http://www.qanon302.net/news/2015/05/18/56073

3- هروب جماعي مخزي لشرطه الرمادي المحليه وتركهم الجيش العراقي والحشد الشعبي يقاتلون داعش...يوميه احنه جايبين الشرطه المحليه ومسلحينها ومنطينها رواتب ويوميه مسلمه سلاحها لداعش وشارده وعلئ هلرنه طحينچ ناعم ..... وهذا كله بسبب تصريحات قادتهم الجبناء .....
https://www.facebook.com/BlohAptlana/videos/489492211210004/?autoplay_reason=user_settings
4- حسن الخفاجي: التسليح وشرطة الرمادي وورطة العبادي
http://akhbaar.org/home/2015/5/191084.html

5- أبو فراس الحمداني: زحفنا المُقدس وإشتراطات ألنصر
http://www.akhbaar.org/home/2015/5/191077.html

6- د. هاتف الجنابي: من الذي يُوَجّه ويُخطط ويقود عمليات داعش في العراق؟
http://www.akhbaar.org/home/2015/5/191078.html


234
تفحيرات الأعظمية مقدمات لتشكيل قوات طائفية

د. عبدالخالق حسين


ما حصل من تفجيرات إرهابية في منطقة الأعظمية وضرب بناية الوقف السني وحرق عدد من الدور، ما هو إلا واحد من الأعمال الإرهابية الهمجية يراد بها توفير المبررات لخلق قوات عسكرية مسلحة ذات تخندق طائفي أسوة بتخندق الأحزاب السياسية طائفياً، وذلك لتكتمل متطلبات إشعال حرب طائفية لا تبقي ولا تذر. فالتفجيرات التي وقعت في الأشهر الماضية في مساجد السنة في ديالى، وذبح رجال الدين السنة في الزبير قامت بها نفس الجهات التي تقوم بالأعمال الإرهابية في الأوساط والمساجد الشيعية، حيث اعترف الدواعش أنهم هم وليس غيرهم، كانوا وراء هذه التفجيرات، عقاباً للسنة الذين امتنعوا عن مبايعة خليفتهم وعدم تعاونهم.

وفيما يتعلق بحادثة الأعظمية أفاد شهود عيان في مدينة الاعظمية بداية اعمال الشغب التي ادت إلى احتراق بناية الاستثمار التابعة للوقف السني التي تقع على مقربة من طريق الزائرين. وأن ” احد افراد حماية مبنى الاستثمار التابع للوقف السني هتف بصوت عال امام حشود الزائرين أن هناك حزاما ناسفا الامر الذي ادى إلى هلع الزائرين وتدافعهم مع بعضهم وأحدث اصابات بين الاطفال والنساء ومن بعدها اطلق النار على الزائرين من المنازل القريبة من بناية الاستثمار. وهذا يعني تكرار كارثة جسر الأئمة عام 2005 التي ذهب ضحيتها أكثر من 1300 من الزوار.(يرجى فتح الرابطين 1 و 2) في الهامش.

كذلك كتب لي صديق من بغداد وهو كاتب قدير، أن رئيس الديوان السني الشيخ الصميدعي قال في لقاء على قناة الجزيرة حول احداث الاعظمية: "تلقينا تحذيراً قبل 14 يوم من الحادث بان جهات لها علاقة بملفات  فساد في دائرة الاستثمار التابعة للوقف السني تخطط لعمل تخريبي في نفس البناية التي أُحرِقت". وحين حاول المذيع القاء التهمة على الزائرين قال الشيخ الصميدعي: "ان الحريق تم بقنابل خاصة لإشعال الحرائق فمن اين جاء بها الزائرون؟" عند ذلك انهى المذيع اللقاء.

لقد بات واضحاً لدى كل ذي عقل سليم، ومن يتمتع بذرة من الوعي والضمير، أن ما يجري في العراق والمنطقة هو صراع سياسي من أجل المصالح الاقتصادية والسيطرة والنفوذ ولصالح إسرائيل، سواءً الصراع بين إيران وأمريكا، أو الصراع بين مكونات الشعب العراقي، ولكن نجح هؤلاء بحرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية لهذا الصراع وإظهاره بمظهر الصراع السني- الشيعي.

فقبل سقوط حكم البعث الفاشي تبنى الطاغية صدام حسين الطائفية لكي يخدع سنة العراق بأن مصيرهم مرتبط به، و هو وحده يحقق لهم الحماية والمصالح وعليهم التفاني في الدفاع عن نظامه. وظهر ذلك واضحاً بعد سقوط النظام وما حصل من الاعمال الإرهابية، والكل يعرف من هم الذين يقومون بالتفجيرات، ولأية طائفة ينتمون ومن وراءهم ويدعمهم، ومن هم الضحايا ولأية طائفة ينتمون. والبعثيون لن يتوانوا في ارتكاب أبشع الجرائم في سبيل تحقيق مآربهم الشريرة. وقد تم في الآونة الأخيرة تصعيد الصراع الطائفي في العراق والمنطقة بشكل أخطر منذ التقارب الإيراني- الأمريكي لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني، وراحوا يثيرون مخاوف الدول الخليجية وشعوبها من البعبع الإيراني، و إبراز الصراع  بأنه سني- شيعي، وأن إيران تسعي للهيمنة على المنطقة ولذلك قامت السعودية بشن حربها الجائرة على اليمين.
وفي الأسابيع الأخيرة لاحظنا تكرار زيارات وفود من قيادات سياسية وعشائرية، سنية وكردية إلى واشنطن من أجل تشكيل قوات مسلحة على أساس طائفي وعرقي في العراق، تكللت بصدور قرار أمريكي يقضي بالتعامل مع السنة والكرد و اعتبارهما "دولتين مستقلتين" في مجال تسليح قواتهما، بحجة محاربة داعش، وبدون المرور بالحكومة العراقية (3). و في نفس الوقت نرى الكتل السياسية التي تنتمي لها هذه الوفود، تشن حملة إعلامية ضارية ضد الحشد الشعبي، وترفض مشاركة الحشد في محاربة داعش، إضافة إلى الحرب النفسية ضد الجيش العراقي، بل وحتى تضفي صفات وطنية وثورية على داعش. فإلى وقت قريب كانت هذه الكتل السياسية تسمي الدواعش بالثوار، و أدعت أن أهالي الموصل يرحبون بهم للتخلص من "جيش المالكي الشيعي". وكذلك قيام حكومة إقليم كردستان بتوفير الحماية للجهات السياسية الداعمة للإرهاب البعثي الداعشي. (4)
ومنذ مدة ونحن نسمع مطالبات من جهات معينة بتشكيل ما يسمى بـ(الحرس الوطني) على أن يتشكل من سكان المناطق على أسس طائفية، ومطالبة الحكومة الفيدرالية بدفع النفقات من رواتب وتكاليف التسليح، علماً بأن معظم الأسلحة التي وفرتها الحكومة للعشائر ذهبت إلى داعش. لا شك أن (الحرس الوطني) هو الاسم الآخر الملطِّف لاسم (الحرس القومي) السيئ الصيت، فالحرس نفسه والجهات نفسها، وكذلك الغايات والأهداف.

ومن هنا نصل إلى بيت القصيد، فما تفجيرات الأعظمية الأخيرة إلا إجراء ضمن سلسلة من الأعمال الإرهابية ضد السنة لتوفير المبرات لتشكيل قوات مسلحة للسنة، ولتكتمل البنى التحتية للحرب الأهلية، ولتمزيق العراق إلى دويلات متحاربة فيما بينها، لتبدد طاقاتها البشرية والمادية في الدمار الشامل بدلاً من البناء والإعمار. ولم يكتفِ هؤلاء بتقسيم العراق، بل راحوا يطالبون بتقسيم بغداد إلى مناطق مغلقة على أسس طائفية وبحماية قوات أمنية طائفية.

وحسناً فعل الدكتور حيدر العبادي، رئيس الوزراء، بزيارته للأعظمية والكاظمية حال وقوع الإرهاب وأخذ إجراءات لاحتواء الأزمة وسد الطريق على المتطرفين من جميع الانتماءات. فهذه الأعمال البربرية يراد منها تدمير الشعب العراقي بجميع مكوناته، والمستفيد منها أعداء العراق. لذلك، نهيب بكل المخلصين من القياديين السياسيين، سنة وشيعة وكرد وجميع المكونات، أن حل المشكلة العراقية ليس بتشكيل قوات مسلحة ذات صفة طائفية، بل بشحذ اليقظة والحذر من هذه المخططات الخطيرة التي يحبكها أعداء العراق في الداخل والخارج ومواجهتها بمنتهى الحزم. فالحل هو دعم الجيش العراقي برفده من جميع المكونات ودون أي تمييز، ووأد  الطائفية وليس بخلق قوات مسلحة طائفية.   
15/5/2015
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- قصة حرق مبنى الوقف السني ..الحادث كان لضرب الزوار وتمهيدا للتقسيم
http://www.qanon302.net/news/focuses/2015/05/14/55284

2- فيديو: الاعلامي ابو فراس الحمداني في البي بي سي، 14/5/2016
 http://youtu.be/KK0R6367Bww

3- عبدالخالق حسين: مشروع القرار الأمريكي، ابتزاز أم بالون اختبار؟
   http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=736

4- وفيق السامرائي: هل تقود أوهام الزعامة إلى حرب أكثر خطورة في العراق؟
https://newhub.shafaqna.com/IQ/13640766-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D9%82%D9%88%D8%AF-%D8%A3%D9%88%D9%87%D8%A7%D9%85-

235
دروس من الانتخابات البريطانية 2015

د.عبدالخالق حسين

تعتبر بريطانيا، و إنكلترا تحديداً، مسقط رأس الديمقراطية الحديثة، حيث صادف قبل أسابيع مرور 800 عام على صدور الميثاق العظيم (Magna Carta). ورغم أن هذا الميثاق لا يعتبر شيئاً فيما يخص حقوق الشعب مقارنة بما عليه الوضع اليوم، لأنه كان يعني فقط حق النبلاء الاقطاعيين بمشاركة الملك (صاحب الحق الإلهي) في صنع القرار السياسي، إلا إنه كان ثورة في وقته، ويعتبر النقطة التي بدأت منها الديمقراطية الحديثة التي بلغت مستواها الراقي اليوم.

توجه الشعب البريطاني يوم 7 مايس/أيار 2015 لانتخاب حكامه بطريقة حضارية هادئة وذلك عن طريق قصاصة ورقة انتخابية بدلاً من الرصاص (Ballet instead of bullet). والغريب أنه لأول مرة جاءت النتائج صادمة، فاقت توقعات جميع السياسيين والإعلاميين وأساتذة السياسة، إلى حد أنه حتى زعيم حزب المحافظين المنتصر، لم يحضِّر خطاب الانتصار مسبقاً.

وكانت هزيمة شنيعة لحزب العمال بقيادة إدوارد مليباند، وأشنع منها بكثير لحزب الديمقراطيين الأحرار الذي خسر معظم مقاعده، حيث خسر 49 مقعداً من مجموع 57. وجاءت النتائج كالتالي:
331 مقعدا لحزب المحافظين باغلبية 12 مقعد، وبزيادة 24 مقعداً عن انتخابات 2010، وهذه أغلبية مطلقة مريحة تخول زعيم الحزب تشكيل الحكومة لوحده، و232 لحزب العمال (بخسارة 26)، و56 للحزب القومي الاسكتلندي (بزيادة 50)، و8 مقاعد لحزب الديمقراطيين الليبراليين (بخسارة 49). و23 مقعداً للأحزاب الأخرى (بزيادة 2). نسبة المشاركة في التصويت 66.1% وهي أعلى نسبة منذ انتخابات عام 1997. (تقرير بي بي سي)*.

والمنتصر الأكبر في هذه الانتخابات، الذي فاجأ الجميع، هو الحزب القومي الاسكتلندي حيث صعد رصيده من 6 مقاعد في انتخابات 2010، إلى 56 مقعداً من مجموع 59، وألحق هزيمة ساحقة بالأحزاب الوطنية عابرة القوميات: العمال، والمحافظين، والديمقراطيين الأحرار، حيث فاز كل منهم بمقعد واحد فقط في اسكوتلاندا، وخسر العمال والأحرار حتى قيادي حزبيهم، وهم سياسيون بارزون ومعروفون بالنزاهة والاخلاص، وأصحاب تاريخ عريق، وعلى سبيل المثل  فقد خسر القيادي في حزب العمال دوكلاس ألكساندر الذي كان وزير خارجية الظل في الحزب، وكان عضواً في البرلمان لـ 18 سنة، خسر أمام مرشحة الحزب القومي الاسكتلندي، وهي غير معروفة، إذ مازالت طالبة جامعية في العشرين من عمرها، وبذلك تكون أصغر نائبة الآن في تاريخ بريطانيا منذ القرن التاسع عشر.
ومما يجدر ذكره أن حزب استقلال المملكة المتحدة (UKIP)، الذي تأسس خصيصاً لإخراج بريطانيا من الوحدة الأوربية، فاز بمقعد واحد فقط، وخسر زعميه نايجل فراج الذي استقال فور إعلان خسارته. كما وأعلن كل من زعيمي العمال والأحرار استقالتهما.
 
فما هو تفسير هذه الظاهرة؟
أولاً، حزب المحافظين: لقد تفاجأ الحزب نفسه بهذا الفوز، 331 مقعدا من مجموع 650، وهذه أغلبية مطلقة مريحة تخول زعيم الحزب، ديفيد كامرون، تشكيل الحكومة لوحده كما سلف. وما يجدر ذكره أن هذا الحزب لم يتمتع بأية شعبية في أسكتلاندا (5.3 مليون نسمة)، ولكنه أقرب إلى الاتجاه القومي الإنكليزي، لذلك يعتمد على شعبيته في إنكلترا (53.5 مليون نسمة)، فمنذ عدة دورات انتخابية لم يفز هذا الحزب في سكوتلاندا بأكثر من مقعد واحد، وبذلك لم يكن لديه ما يخسره في الانتخابات الأخيرة في هذا الجزء من بريطانيا. و بعد انتخابات عام 2010 خرج الحزب كصاحب الكتلة البرلمانية الأكبر (ولست الغالبية المطلقة)، لذلك تحالف لأول مرة خلال سبعين سنة مع حزب الديمقراطيين الأحرار لتشكيل الحكومة، وحقق مكتسبات إقتصادية لا بأسها. وكرد فعل لصعود المد القومي الاسكتلاندي بعد استفتاء للانفصال في العام الماضي أدى إلى صعود النزعة القومية عند الإنكليز أيضاً، مما استفاد منه المحافظون على حساب حزب العمال والأحرار.

ثانياً، حزب العمال، خسارة هذا الحزب لم تكن بسبب ضعف زعيمه، أو خطأ في برنامجه الانتخابي (المانيفستو)، أو تقاعس وتقصير في حملته الانتخابية، فزعيمه شاب مليء بالنشاط والحيوية، وهو سياسي جيد، خطيب مفوه، يسعى لتحقيق العدالة للجميع، وخاصة لصالح الشغيلة والشرائح الاجتماعية ذات الدخل المحدود. وقاد حملته الانتخابية بمنتهى الكفاءة والجدارة، وباعتراف خصومه، ولكنه كما قال هو، خسر بسبب صعود النزعة القومية، وربما للنظرة الخاطئة عن الحزب أنه متساهل مع الهجرة التي تشكل هاجساً لدا 70% من الناخبين.

ثالثاً، حزب الديمقراطيين الأحرار: هذا الحزب رغم أنه ليبرالي، إلا إنه أقرب إلى الاشتراكية حتى من حزب العمال، ويتعاطف مع المهاجرين، ولكنه بعد انتخابات عام 2010، وعدم فوز أي من الحزبين الكبيرين (المحافظون والعمال) بالأغلبية المطلقة، فكان لا بد أن يتحالف مع أحدهما لتشكيل الحكومة، وكان حزب المحافظين هو صاحب أكبر كتلة برلمانية، لذلك تحالف معه وفق اشتراطات محددة اتفق عليها الجانبان، وشكلا حكومة التحالف. إلا إن المشكلة برزت بعد أن قام حزب المحافظين، الشريك الأكبر في الحكومة، بإجراءات اقتصادية تطلبت التقشف وفرض استقطاعات على الخدمات، أثرت سلباً على الطبقات الدنيا، ومن هذه الاجراءات زيادة أجور الدراسة على طلبة الجامعات إلى 9 آلاف جنيه سنوياً. فالقى الشعب لوم مساوئ المحافظين على كاهل الديمقراطيين الأحرار، خاصة وقد وعد زعيم الحزب (نيكولاس كليك) في حملته الانتخابية لعام 2010، أنه سيقف ضد أية زيادة في الأجور الدراسية، فحنث بوعده، وبذلك خسر مصداقيته وعوقب بشدة من قبل الناخبين. ولكن إنصافاً للتاريخ، كان وجود الأحرار في الحكومة عبارة عن صمام أمان، إذ خفف من غلواء المحافظين في فرض المزيد من التقشف و الاستقطاعات، كما ويعود الفضل لهذا الحزب في تخفيف الضرائب على ذوي الدخل المحدود. ولكن الغالبية لا يعرفون هذه الحقائق، فعاقبوا الأحرار بإجراءات المحافظين، وخاصة في اسكتلاندا و مقاطعة ويلز. ولذلك خسر هذا الحزب 49 مقعداً من 57، كما وخسر كل قياديه، ما عدا زعيمه السيد كليك الذي فاز بمقعده، ولكنه استقال من قيادة الحزب كما هو التقليد في بريطانيا.

واللافت للنظر، أن هناك مشكلة تواجه ديفيد كامرون، زعيم حزب المحافظين، في تشكيل حكومته الثانية، وهي عدم وجود نواب اسكتلانديين في حزبه للمشاركة في الحكومة الجديدة، إذ راح الكساندر سامون، زعيم الحزب القومي الأسكتلاندي سابقاً، والمرشح الأقوى لزعامة كتلة النواب الأسكتلانديين في مجلس العموم حالياً، راح يعيب على السيد كامرون أنه يفتقر إلى الشرعية لفرض حكمه على أسكتلاندا لعدم وجود سكوتلانديين في حكومته. ولكن رغم ما حققه الحزب القومي الأسكتلاتدي من انتصار ساحق في هذه الانتخابات، إلا أنه لا فائدة كبيرة من هذا العدد من نوابه في مجلس العموم، لأنه أولاً، لن يشارك في الحكم، وثانياً، الحزب الحاكم يتمتع بالغالبية المطلقة ما يجعله قاجراً لوحده على تمرير أي قانون يريد دون مساعدة من أحد.

دور النظام الانتخابي
هناك عامل آخر ومهم ساعد على تضخيم خسارة الأحزاب المندحرة بشكل غير عادل، وهو النظام الانتخابي، إذ تتبع بريطانيا نظام الفائز الأول (First past the post)، الذي بموجبه تم تقسيم بريطانيا إلى 650 دائرة انتخابية وهو عدد مقاعد مجلس العموم البريطاني. و في هذا النظام المرشح الفائز هو كل من يحصل على الأغلبية النسبية (وليست المطلقة) من الأصوات، بغض النظر عما إذا كان أقل أو أكثر من 50%. وهذا يؤدي إلى إجحاف بحق البعض، بعكس النظام الآخر الأفضل في رأيي، وهو نظام التمثيل النسبي (Proportional representation=PR)، حيث تعتبر البلاد كلها دائرة انتخابية واحدة. ولتوضيح الفرق بين النظامين نذكر المثال التالي: حصل المحافظون في الانتخابات الأخيرة على زيادة في الأصوات بنسبة 0.8% على ما حصلوه عام 2010، وهذه الزيادة الضئيلة في الأصوات حققت لهم 24 مقعداً إضافياً، بينما حصل حزب العمال على زيادة 1.5% من الأصوات ومع ذلك خسر 26 مقعداً. ومثال آخر هو، أن حزب الـ(UKIP) رغم أنه حصد 3,881,129 صوتاً (12.6% )، إلا إنه لم يحصل على أكثر من مقعد واحد فقط، بينما الحزب الاسكتلندي القومي حصل على 1,454,436 صوتاً (4.7%)، حصد 56 مقعداً. وهذا إجحاف واضح في هذا النظام. والسبب هو لأن أصوات الـ (UKIP) كانت موزعة على كل بريطانيا، بينما أصوات الحزب القومي الاسكتلاندي محصورة في إقليم اسكتلاندا فقط.
ووفق هذا النظام جاءت الأرقام في الانتخابات الأخيرة كالتالي:
مجموع الذين يحق لهم التصويت:  46425386
مجموع المشاركة في التصويت: 32670180 (66.1%)
نسبة التصويت للحزب الفائز الحاكم: 36.9%
نسبة التصويت للأحزاب الأخرى: 63.1%
وهذا يعني أن نحو ثلثي الناخبين لم يصوتوا للحزب الحاكم

والجدير بالذكر، أن بريطانيا تتبع نظام الـ (PR) في الانتخابات البرلمانية للأقاليم، ولا أعرف لماذا لا يطبقون هذا النظام لانتخاب نواب البرلمان المركزي (مجلس العموم).

الاستنتاج والدروس
أولاً، من مساوئ نظام الفائز الأول (First past the post) تكون الحكومة المنتخبة هي حكومة الأقلية، ولا تمثل الغالبية العظمى من الشعب، وفيه تبديد لثلثي أصوات الناخبين.
ثانياً، أن نظام التمثيل النسبي (PR)، المتبع في أغلب الدول الأوروبية، هو الأفضل لأنه أكثر عدالة، حيث يحصل كل حزب على نسبة من المقاعد تعادل ما يحصل عليه من نسبة الأصوات. فحزب الـ (UKIP) مثلاً حصل على 12.6% من الأصوات، فمن الإنصاف أن يحصل على 12.6% من مقاعد البرلمان أي نحو 82 مقعداً بدلاً من مقعد واحد، والحزب القومي الأسكتلندي أن يحصل وفق التمثيل النسبي على 30 مقعد بدلاً من 56.
ثالثاً، الفوز الساحق الذي حققه الحزب القومي الأسكتلندي لا يعني أنه لو أجري استفتاء غداً حول الاستقلال، لصوت الشعب الاسكتلاندي للإستقلال، وإنما تبقى نسبة الذين قالوا لا في استفتاء العام الماضي هي نفسها، فمجموع الذين لم يصوتوا لمرشحي الحزب القومي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة يفوق عدد الذين صوتوا لهم.
رابعاً، وخلافاً لما يعتقده بعض العراقيين الذين يفضلون المستقلين على الحزبيين والانتخاب الفردي، أي نظام الفائز الأول على التمثيل النسبي، الناخب لا يثق بالفرد المستقل، ولا يمنح صوته لأي فرد على أساس شخصيته وشهادته وثقافته ومهما كانت مكانته، بل يصوت للتنظيم السياسي وما له من تاريخ وبرنامج سياسي، وهذا واضح من تهاوي رؤوس كبيرة وفوز مرشحين مجهولين، لا لشيء إلا لأنهم من الحزب الفلاني. وهذا هو المتبع في جميع الدول الديمقراطية العريقة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نتائج الانتخابات البريطانية لعام 2015، بالجداول والبيانات والخرائط
http://www.bbc.co.uk/news/election/2015/results


236
مشروع القرار الأمريكي، ابتزاز أم بالون اختبار؟

د.عبدالخالق حسين

خلال السنوات الأربع الأخيرة راحت العلاقات العراقية – الأمريكية تتأرجح بين مد وجزر. والظاهر أن أمريكا تنظر إلى العراق من خلال عيون المملكة العربية السعودية، فرضاء الأولى عن الحكومة العراقية من رضاء الثانية. والسعودية لا ترضى عن حكومة عراقية يترأسها شيعي، ومهما كانت شامله وقدم الشيعة من تنازلات. والمعروف أن السعودية تملك المال الوفير، إذ يدر عليها النفط نحو مليار دولار يومياً، و لديها تراكم أرصدة مالية واستثمارات هائلة في شتى أنحاء العالم، يضمن لها الرخاء والرفاه  الاقتصادي لقرون. لذلك استخدمت بعضاً من هذه الثروة لشراء الضمائر والذمم، ومؤسسات الإعلام، وشركات العلاقات العامة، والسياسيين من أصحاب النفوذ، وبرلمانات، وجيوش، وحتى حكومات بما فيها الحكومة الأمريكية نفسها، حيث تأتي السعودية بالمرتبة الثانية بعد إسرائيل في المنطقة في التأثير على الإدارة الأمريكية. وبلغ تأثير المال السعودي حتى على مجلس الأمن الدولي الذي أصدر قراراً في تأييد حرب السعودية على اليمن وضد الحوثيين.

كذلك، أفادت دراسات أمريكية أن السعودية صرفت نحو مائة مليار دولار خلال ثلاثة عقود الماضية على نشر التطرف الديني الوهابي في العالم. فالسعودية وراء تأسيس ودعم المنظمات الإرهابية في العالم، و تعمل على نشر الفوضى وتدمير البلدان العربية، وخاصة العراق وسوريا من خلال دعم الإرهاب، لأسباب طائفية وسياسية واقتصادية، وقد جئنا على ذكرها بشيء من التفصيل في مقالات سابقة لنا(1)

وملك السعودية الذي يلقب نفسه بخادم الحرمين الشريفين، ويدعي أنه حامي حمى الإسلام والمسلمين في العالم، هو أول من تجاوز على أهم مبدأ من مبادئ الإسلام، حيث شن الحرب على الشعب اليمني الفقير في شهر رجب، وهو من الأشهر الحرم التي حرم الله فيها الحروب.

أما أمريكا فتدعي أنها تريد نشر الديمقراطية في العالم، وبدأت بالعراق، فأسقطت لنا مشكورة أشرس نظام دكتاتوري متوحش عرفه التاريخ. وكرد للجميل، قدمنا لها الشكر والامتنان على فضلها هذا، وطالبنا، ومازلنا نطالب، بعلاقة استراتيجية طويلة المدى بين العراق والدولة العظمى. ولكن مع الأسف الشديد يبدو أن الإدارة الأمريكية، وبتأثير من السعودية والدول الخليجية الأخرى وإسرائيل، لها أجندات أخرى تتضمن تفتيت العراق وسوريا والمنطقة إلى دويلات ضعيفة تبدد طاقاتها البشرية والمادية في حروب مدمرة فيما بينها لا تبقي ولا تذر، خدمة لإسرائيل، ولإبقاء الأنظمة الخليجية القبلية المتخلفة لأطول فترة ممكنة. كما وتريد أمريكا من الحكومة العراقية معاداة إيران كما كان في عهد المقبور صدام حسين، وهذا مستحيل، في الوقت الذي تسعى فيه أمريكا للتقارب مع إيران، وهذه ازدواجية ونفاق من إدارة أوباما.
قبل أن يصبح نائباً لرئيس الجمهورية، قدم السيد جو بايدن مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات، فلقي الرفض الشديد من قبل العراقيين عدا حكومة إقليم كردستان ولأسباب معروفة ومقبولة. فتراجع الرجل عن مشروعه عندما صار نائباً للرئيس، وأعرب عدة مرات عن حرصه وحرص الإدارة الأمريكية على الوحدة العراقية.

وفي السنوات ألأخيرة من ولاية السيد نوري المالكي كرئيس للحكومة، صعَّدت إدارة أوبما نغمة "تهميش السنة والكرد" من قبل "الحكومة التي تقودها الشيعة الموالية لإيران"، وفرضوا شرط تشكيل حكومة "جامعة inclusive" تضم جميع مكونات الشعب العراقي، وكأن حكومة المالكي لم تكن كذلك، فكان ما كان من إعتصامات في المحافظات الغربية، ورفع وترديد شعارات وهتافات طائفية مسيئة يندى لها الجبين. والجدير بالذكر أن الدواعش هم الذين كانوا يقودون هذه الاعتصامات "السلمية"، فمن تلك الساحات أسسوا ورشات تفخيخ السيارات لقتل أبناء شعبنا في بغداد وغيرها. ولما فشلت هذه المحاولات في إسقاط حكومة المالكي، جاؤوا بـ"داعش" لتحقيق ما فشلت الانتخابات من تحقيقه، فتم إزاحة المالكي، واختيار الدكتور العبادي الذي شكل الحكومة الجديدة الجامعة وفق ما أفرزته الانتخابات، تماما كحكومة المالكي، لأنه لم يستطع تجاوز ما أقره الدستور. فهدأت العاصفة لفترة وجيزة ثم تجددت، لأنه وكما يبدو، هناك أجندات أشرنا إليها أعلاه ولا يمكن للعبادي قبولها. لذلك طلعوا علينا الآن بنغمة جديدة وهي (مشروع القرار الأمريكي في التعامل مع الكرد والسنة كدولتين مستقلتين).

حيثيات مشروع القانون الأمريكي
وكما أفادت وكالات الأنباء، يتضمن مشروع القانون منح مساعدات أمريكية إلى بغداد بقيمة 715 مليون دولار لتطوير القوات العراقية لمحاربة "داعش"، ويغطي 25% من هذه المساعدات الأمريكية إلى قوات البيشمركة، وفي حال مرور ثلاثة أشهر بعد تمرير المشروع ولم تتمكن بغداد من موافاة بعض الشروط فسيتم تجميد 75% من المساعدات لبغداد، وإرسال أكثر من 60% منها مباشرة للأكراد والسُنة والتعامل معهما كـ"دولتين مستقلتين" وتدريب قواتهم على يد القوات الأمريكية ومن دون تدخل الحكومة العراقية.

ورداً على هذا المشروع الابتزازي والاستفزازي الخطير، كتب عنه عدد غير قليل من الزملاء الكتاب، وصدرت تصريحات مختلفة من سياسيين، وبدرجات متفاوتة من ردود أفعال، بعضها متشنجة وبانفعالية شديدة مثل تهديدات "القائد الضرورة" السيد مقتدى الصدر بضرب المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة! وأخرى تتفاوت بين الانفعال الشديد والهدوء والعقلانية.

وعلى المستوى الرسمي، رفض رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي هذا المشروع، مشيراً الى أن "أي دعم خارجي للعراق في حربه ضد الارهاب يجب ان يكون عن طريق الحكومة العراقية والحفاظ على سيادة العراق ووحدة أراضيه، فهذه المشاريع تضعف الجهود لمحاربة داعش وتؤدي الى استقطاب في المنطقة."(2)
كذلك صوَّت البرلمان العراقي بـ 170 نائب من التحالف الوطني (أغلبية مريحة) على قرار يتضمن الرفض للمشروع الأمريكي، وقد انسحب نواب الكرد والسنة حيث رفضوا التصويت على وحدة العراق
(3). والجدير بالذكر أنه حتى ظافر العاني، المعروف بمعارضته للحكومة، رفض هذا المشروع، واعتبره مشروع لتقسيم العراق.
ورب ضارة نافعة، لعل هذه هي المرة الأولى التي تفشل كتلتا الكردستاني والسنة في ابتزاز كتلة التحالف الوطني ومنعها من ممارسة حقها كأكثرية في التصويت على قرار، وهذا النجاح من شأنه أن يضع حداً لتهديدات الأقلية بمنع الأكثرية من أخذ القرار الصحيح لصالح العراق، وعلى نواب التحالف الوطني وغيرهم، السير قدماً في التصويت في مثل هذه الحالات في المستقبل لما يخدم المصلحة الوطنية وأن لا تذعن لأي ابتزاز.
 
ونتيجة لهذا الرفض من غالبية العراقيين، الرسمي والشعبي، اتصل نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، برئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أبلغه "بأن الرئيس باراك اوباما سيطعن بقرار الكونغرس الأخير بشأن الكرد والسنة، وأنه سيقف بالضد من مثل هكذا مشاريع″.(4). كما وأصدرت لجنة القوات المسلحة بالكونغرس بياناً جاء فيه: "لا ننوي التدخل في الشؤون الداخلية للعراق وانتهاك سيادته."(5)
وأخيراً، في لقائهما مع رئيس الإقليم، السيد مسعود بارزاني، صرح الرئيس أوبما ونائه جوبايدن أن أمريكا حريصة علة وحدة العراق الديمقراطي الفيدرالي، وأنها مستعدة لدعم البيشمركة بالتنسيق مع الحكومة العراقية.(6)

وهكذا ولحد كتابة هذه السطور، يبدو أنه تم إجهاض هذا المشروع المشبوه، أو وضعه على الرف. ولكن رغم كل هذه التطمينات والتأكيدات من قبل الإدارة الأمريكية على الوحدة العراقية، إلا إن هذا لا يعني نهاية المحاولة، إذ سيبقى المشروع كسيف ديموقليس، معلقاً بخيط رفيع على رقبة الحكومة العراقية.
والسؤال هنا: ما الغرض من تقديم هكذا مشاريع لقوانين استفزازية مسيئة للعلاقات بين العراق وأمريكا؟ الجواب هو أن هذه هي الطريقة الأمريكية، إذ كما قال عنهم تشرتشل "أن الأمريكان لا يسلكون الطرق الصحيحة لحل المشاكل إلا بعد أن يستنفدوا جميع الطرق الخاطئة". فنتيجة لفلسفتهم البراغماتية، يحاول الأمريكان ابتزاز غيرهم بمختلف الوسائل، وإذا فشلوا يتراجعون. وربما مشروع هذا القانون أو القرار كان عبارة عن بالون اختبار لجس نبض الشارع العراقي حول تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، ولابتزاز حكومة العبادي ودفعها لمعاداة إيران وإلغاء الحشد الشعبي.

والمشكلة ليست في تقسيم العراق، فالتقسيم الاختياري الحر أفضل من وحدة مفروضة بالقبضة الحديدية كما كان الوضع قبل 2003. وأنا بالتأكيد مع استقلال كردستان. ولكن المشكلة هي ما بعد التقسيم، حيث احتمال الاحتراب بين هذه الدويلات على الحدود، ما لم يتم التقسيم تحت إشراف الأمم المتحدة، وبدعم وضمانات من القوى الكبرى. فأمريكا كما بينا أعلاه، تحت ضغوط وتأثير من إسرائيل والسعودية، تريد من العراق معاداة إيران، في الوقت الذي تقدم فيه إيران المساعدات العسكرية للعراق في حربه مع داعش. ولذلك فمعاداة العراق لإيران تعتبر ترك العراق، وخاصة الشيعة الذين يشكلون نحو 60% من الشعب العراقي، تحت رحمة السعودية ومنظماتها الإرهابية الوهابية التي تعتبر إبادة الشيعة واجباً دينياً مقدساً، وضماناً لهم في دخول الجنة وفق التعاليم الوهابية. لذلك، فعلى إدارة الرئيس أوبما أن تعيد النظر في سياستها إزاء العراق وفهم التركيب الاجتماعي والقومي والديني للشعب العراقي، وألا تدفع العراق إلى المزيد نحو إيران. فمن الضروري أن تكون علاقة العراق بإيران جيدة ومتكافئة، وهذه العلاقة ليست في صالح البلدين المتجاورين وأمن المنطقة فحسب، بل وفي صالح أمريكا نفسها أيضاً.
وإذا ما قدِّرَ لهذا المشروع أن يتحول إلى قانون، ونفذته الإدارة الأمريكية، فالخاسر الأكبر هم العرب السنة. لذلك نجد عقلاء السنة من أمثال الشيخ الدكتور خالد الملا، والفريق فائق السامرائي، والنائب مشعان الجبوري، وحتى النائب ظافر العاني، بدؤوا يشعرون بخطورة هذه المؤامرة ضدهم، فأدانوها.

ما هو الحل؟
أقترح على الدكتور حيدر العبادي، بصفته رئيس للوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ما يلي:
أولاً، أن يسأل الرئيس أوباما، ما هو مفهومكم يا سيادة الرئيس، لحكومة عراقية جامعة؟(inclusive government)، مع الالتزام بشروط الديمقراطية واحترام نتائج الانتخابات. فالديمقراطية ترفض الابتزاز، وحق النقض من قبل الأقلية ضد الأكثرية.
ثانياً، ليس من مصلحة العراق والمنطقة أن يعادي إيران. أما توتر العلاقة مع السعودية والدول الخليجية فهذه الحكومات هي التي تبنت معاداة عراق ما بعد صدام، و بدأت التوتر لأسباب طائفية، وافتعلت ضجة العزل والتهميش، والغرض منها حرمان المكون الشيعي من التمتع بحقوق المواطنة والمشاركة العادلة في السلطة وفق الدستور. فهؤلاء يريدون إفراغ الديمقراطية من معناها وفحواها ويجعلونها ديكتاتورية الأقلية بلبوس ديمقراطي مزيف.
ثالثاً، البعث أسوأ من النازية والفاشية. فكما تم تجريم النازية والفاشية واجتثاثهما في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، كذلك من الضروري تجريم البعث واجتثاثه في العراق، وهذا الشرط لن نتخلى عنه أبداً. وهو ليس اجتثاث السنة كما يدعي البعض ولأغراض خبيثة.

رابعاً، أقترح على الدكتور العبادي أن يدعو إلى عقد مؤتمر موسع يضم القيادات السياسية لجميع مكونات الشعب العراقي، ويسألهم: ماذا يريدون بالضبط؟ ويخيِّرهم بمنتهى الصراحة بين البقاء مع العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد، واحترام الدستور، وتشكيل الحكومة وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع، دون أي ابتزاز من أية جهة بحجة المقبولية وغيرها، أو الانفصال الاختياري.
فاختيار من يمثل أي مكون سياسي في السلطة يعود إلى الناخبين من ذلك المكون وليس من "مقبولية" أو رضى أو رفض قياديي المكونات الأخرى كما حصل ضد السيد نوري المالكي، وقبله للجعفري، وغداً للعبادي. إن تجربة إزاحة المالكي وفق فذلكة "المقبولية"، يجب أن لا تتكرر مطلقاً في المستقبل. ففي حالة رفض الأغلبية للتعايش السلمي في عراق ديمقراطي موحد، يجب إجراء استفتاء شعبي، يستفتى فيه كل مكون فيما إذا يريد الانفصال أو العراق الديمقراطي الموحد وفق الدستور الحالي؟
 فالانفصال السلمي الاختياري الحر أفضل بكثير من وحدة مفروضة بالقوة، والتي من شأنها تفشي الإرهاب وعدم الاستقرار، وحروب الاستنزاف مع العصابات الإرهابية المدعومة من قبل السعودية وقطر وتركيا وحتى الأردن.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: اسباب عداء السعودية للعراق
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=521 
 
2- العبادي لوفد الكونغرس: أي دعم للعراق يجب أن يكون عن طريق الحكومة
http://www.akhbaar.org/home/2015/5/190253.html

3- السنّة والاكراد ينسحبون من البرلمان ويرفضون التصويت على وحدة العراق
http://www.qanon302.net/news/2015/05/02/52942

4- مصدر في رئاسة الوزراء: بايدن ابلغ العبادي بأن اوباما سيطعن بقرار الكونغرس الأخير
http://www.akhbaar.org/home/2015/5/190271.htm
5- لجنة القوات المسلحة بالكونغرس: لا ننوي التدخل في الشؤون الداخلية للعراق وانتهاك سيادته
http://www.akhbaar.org/home/2015/4/190023.html

6- Obama, Biden tell Kurdish leader US stands by unified Iraq
 http://www.dailystar.com.lb/News/World/2015/May-06/297004-obama-biden-tell-kurdish-leader-us-stands-by-unified-iraq.ashx



237
حول إشكالية التعامل مع الماضي

د.عبدالخالق حسين

تلعب الذاكرة دوراً حيوياً مهماً في حياة الإنسان، فلولا الذاكرة لما كانت هناك حضارة أصلاً. فالحضارة هي نتاج تراكم ما انتجته الأجيال السابقة منذ العصور الحجرية وإلى عصرنا الراهن، عصر الانترنت والسايبر وغزو الفضاء. ونظراً لأهميته فقد نشأ علم مستقل بذاته وهو علم التاريخ ليدوِّن لنا بمنهجية علمية أحداث ونتاجات الماضي في جميع المجالات، العلوم، والآداب، والفنون، والسياسية وغيرها، وكل جيل لاحق يتعلم مما بنته وقدمته الأجيال السابقة ويضف عليه، وهكذا تتقدم الحضارة وتسير نحو التكامل. ومجموعة المعارف والعادات والأعراف والأديان والتقاليد المتراكمة هذه تنتقل من جيل إلى جيل لتشكل العقل الجمعي للشعب، أو ما يسمى بالثقافة الاجتماعية، أو الموروث الاجتماعي (Culture). فكما لكل فرد شخصيته، كذلك لكل شعب شخصيته الخاصة به، والثقافة الاجتماعية هي التي تشكل شخصية وهوية كل شعب وعقله الجمعي وتميزه عن الشعوب الأخرى.

ولكن يبدو أن هناك مشكلة خطيرة في كيفية التعامل مع هذا الماضي وتاريخه. وهذا ناتج عن سوء فهم البعض من غرض دراسة التاريخ. فنظراً للعولمة والاختلاط الواسع بين الشعوب، كنتاج مباشر للتطور السريع والمذهل في تكنولوجية المعلومات والاتصالات، لم يتحمل البعض الاختلاف في الثقافات، فحصل ما يسمى بصدام الحضارات أو الثقافات إلى حد ظهور منظمات إرهابية.
والصراع بين الثقافات، و خاصة في مراحل التطور السريع، كما هو الآن، مسألة طبيعية ممكن احتواءها، ولكن العنف بشكله الإرهابي الدموي في مواجهة الاختلاف هو نتاج الغلو والمبالغة من قبل الإسلام السياسي لهذا الماضي الغابر، وإضفاء المجد الزائف عليه وتلبيسه لبوس الدين والقداسة، وتكفير المختلف وتبرير فنائه، مما أدى إلى هذا الإرهاب الدموي المدمر.
فتاريخنا مزيف، ساهم المؤرخون العرب والمسلمون في تزييفه، وخدع الأجيال اللاحقة بأمجاد كاذبة، وإضفاء القداسة الدينية على جرائم ارتكبتها دولة الخلافة الإسلامية بحق الشعوب المحتلة باسم الفتوحات الإسلامية لنشر الإسلام بينما الغاية الحقيقية منها هي السلب والنهب والسيطرة على الشعوب المغلوبة على أمرها بحد السيف. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر احتلال اسبانيا (الأندلس) من قبل الدولة الأموية على يد موسى بن نصير وطارق بن زياد. قالوا من باب التباهي والتفاخر، أن طارق بن زياد بعد أن عبر البحر أمر بحرق السفن، وخطب في جنده (العدو من أمامكم والبحر من ورائكم...الخ)، فتبن أن هذه الخطبة منحولة أي كتبت فيما بعد من قبل المؤرخين، لأن طارق بن زياد وجنده كانوا من الأمازيغ (من البربر في شمال أفريقيا) ولم يعرفوا اللغة العربية أصلاً.
ينقل لنا ويل ديورانت في كتابه (قصة الحضارة)، أن الأسبان كانوا في حالة ضعف وتشتت بسبب نزاعات دموية فيما بينهم بعد موت ملكهم ونصبوا شخصاً آخر غير ولي العهد، أي ابن الملك المتوفي، فما كان من ولي العهد المخلوع إلا وأن عبر البحر إلى المغرب ودعى موسى بن نصير لاحتلال بلاده انتقاماً من الذين سلبوه مملكة أبيه. وهكذا تم الاحتلال وبمساعدة قسم من الأسبان. ولكن هذا التعاون لم يمنع جيش طارق بن زياد من النهب والسلب، ومن ضمن المنهوبات سبايا قدرت بـ 25 ألف عذراء. فبعد أن قسم القائد موسى بن نصير عشرين ألف عذراء على جنوده أرسل 5 آلاف منهن إلى الخليفة في الشام عملاً بالآية (ولله الخمس مما غنمتم). ويتساءل الراحل علي الوردي: هل طرق جند طارق ابن زياد أبواب بيوت الأسبان متوسلين إليهم بالتبرع بعذراء لوجه الله؟ أم أسروا السبايا بعد أن قتلوا أولياء أمورهن؟ وإذا كانت حجتهم نشر الإسلام، فالشعب الأسباني كانوا كما هم الآن، مسيحيين من أهل الكتاب (لا خوف عليهم ولاهم يحزنون). والجدير بالذكر أنه رغم الفتح العربي الإسلامي لأسبانيا و حكمها نحو 800 سنة وباسم الإسلام، فلم يفلحوا في أسلمة الشعب الأسباني.
هذا هو المجد الزائف الذي خدعوا به الجيل الحالي وغسلوا عقولهم وأحلوهم إلى قنابل بشرية. وهذا ما يفعله الدواعش الآن في تدمير معالم الحضارة في سوريا والعراق، وجرائم بيع النساء والأطفال المسيحيين واليزيديين في أسواق النخاسة، اقتداءً بالسلف الصالح! تدعمهم نصوص دينية مقدسة من الكتاب والسنة.

هذا الغلو في تقديس الماضي وإضفاء أمجاد زائفة عليه أدى إلى غلو معاكس في الجانب الآخر ضد هذا الماضي، إذ يطالبنا البعض بنسيان الماضي كلياً وينكر علينا البعض حتى دراسة تاريخه ولو بأسلوب علمي لكي نستخلص منه الدروس والعبر، ولتجنب ما حصل في الماضي من كوارث.

فبعد نشر مقالي الأخير، الموسوم: (لكي لا ننسى الهولوكوست البعثي الداعشي)(1)، استلمت عدداً غير قليل من التعليقات عبر رسائل الإيميل، و الفيسبوك، و على مواقع الانترنت، من الأخوة القراء، مشكورين، وأغلبها مؤيدة، وقليل منها وبحق، تعرب عن تحفظات على هذا الماضي، ومنهم من يطالب بإطلاق الرصاص على التاريخ وحرق كتبه. ونظراً لأهمية هذه التعليقات وأغلبها من كتاب وأكاديميين، رأيت من المفيد الاستشهاد بعدد قليل منها وحسب ما يسمح به المجال، وذلك لتعميم الفائدة، وإثراء النقاش.

* كتب الأستاذ علي ماضي في الفيسبوك قائلاً: "كسلوك ثقافي يجب ان يخلَّد ذلك في اعمال الفنانين وقصائد الشعراء وأفلام السينمائيين، ويوثق بالمناهج الدراسية... وووو، ولكن لابد من طي صفحة الماضي. لك مقالات كثيرة تصف ان حقبة البعث لن تعود ... وأن من يهدد بعودة البعث انهم يتعكزون على فزاعة ..." أنتهى
أشكر الأستاذ علي على تعليقه القيم، وحسن ظنه. أتفق معه أنه يجب أن يخلد هذا الماضي بما فيه من خير وشر في اعمال الفنانين...الخ. ولكن من الضروري تذكير شعبنا بجرائم الماضي لكي لا تتكرر.

* كما وكتب الصديق الأكاديمي المعروف، إ.د. محمد الربيعي تعليقاً في الفيسبوك قائلاً: "إن شعبنا يفتقد الى الذاكرة الجمعية قصيرة المدى، فلا يستطيع تذكر جرائم البعث القريبة، ولربما نسى جريمة سبايكر، الا انه لن ينسى التاريخ القديم لانه يعيش فيه" انتهى.
نعم، يبدو أن ذاكرة الشعب ضعيفة فيما يخص الأحداث القريبة، وبسبب هذا الضعف استطاع البعثيون خدعه مراراً ومازالوا يخدعونه بالإشاعات السامة، كما أشاعوا قبل أيام أنهم أبادوا فرقة عسكرية كاملة في منطقة ناظم الثرثار، ونحروا 52 منهم في استعراض أمام الناس في الفلوجة، بينما الفيديو الذي نشروه على الإنترنت كان قديماً يعود لإحدى حفلاتهم الدموية في نحر البشر الأبرياء وباسم الله والاسلام. أما استشهاد قائد الفرقة وآمر اللواء وعدد من الضباط فكان بسبب تفجيرات انتحارية، وناظم الثرثار تسيطر عليه الآن القوات العراقية البطلة. والمجتمع العراقي مع الأسف سريع التصديق بالإشاعات ومهما كانت غير معقولة، ودون أي تدقيق عن صحتها.(2)
أما موضوع ضعف ذاكرة الإنسان العراقي، فهو الآخر تشخيص صحيح، فعلى مستوى الفرد، وحتى في الطب، عندما يعاني الإنسان من مرض النسيان (الألزهايمر)، في البداية يتذكر الأحداث القديمة فقط، وينسى الأحداث الجديدة. وهناك مقولة للعلامة علي الوردي في هذا الخصوص: "نحن لا نعود الى الماضي لجماله، ولكن للهروب من بشاعة الحاضر".
أما بشاعة الحاضر العراقي هذا، فهو الآخر نتاج البعثيين الدواعش وحلفائهم، فلا شك أن تغييراً كبيراً ومفاجئاً بهذا الحجم أي إسقاط حكم البعث الفاشي الجائر، لا بد وأن تحصل فوضى عارمة، زد على ذلك تآمر الجهات المحلية والخارجية المتضررة من هذا التغيير، وما يقومون به من إرهاب، فينسى العراقيون مظالم البعث الصدامي ويترحمون عليه، بل وحتى يتمنى البعض منهم عودة البعث!! ولا أدري بأي وجه يعود هذا البعث المصخم !

وأفضل رد على الذين يتمنون عودة البعث جاء من الأخ القارئ يحيى طالب، وأتركه على سجيته وصراحته المحببة كما هي عادته في تعليقاته على مقالاتي في موقع الحوار المتمدن والفيسبوك، قائلاً:
" شكرا دكتور على مقالك الكاشف لهؤلاء الجرابيع المجرمين السفلة. السؤال الذي يجب أن نوجهه إلى البعثيين ومن يدعمهم هو: ماذا رأينا منكم حتى تريدون العودة إلى حكم العراق؟ هل الشعب العراقي يحن الى الحصار والحروب والدمار وفقدان كل شيء بالاسواق، والركض وراء البيض والحليب والطماطة والبطاطس ليجعلنا نريد عودتكم !؟ هل هجوم مرتزقتكم الحزبية (زوار الفجر)على البيوت ليأخذوا رجالنا الى جيشكم الخشبي وليعودوا امواتا بالتوابيت وينتج أرامل وأيتام بالملايين كما حصل في حربهم الغبية العبثية مع ايران وأمريكا!؟ هل رواتب الموظفين "العظيمة" التي كانت لا تكفي لشراء 30 بيضة هو سبب الشوق والحنين اليكم ! هل سجن ابو غريب والأمن العامة ومقرات الحزب ورعبها هو السبب لنموت من اجل ان تشرفوا العراق مرة اخرى؟ هل منع السفر ومنع الساتيلايت والموبايل والانترنت هو الذي يجعلنا نموت في دباديبكم كما يقول المثل المصري!؟؟ هل التسفيرات لملايين العراقيين ورميهم على الحدود الملغومة، بملابسهم فقط بعد ان صادرتم كل أموالهم المنقولة وغير المنقولة، وجردتموهم من كل ما يملكون من وثائق تثبت عراقيتهم، وشهاداتهم الدراسية، وحتى إجازات السياقة، هو ما يجعلنا نحلم بعودتكم! هل منظر الأب وهو يحضن طفله وهم اموات بالكيمياوي في حلبجة مع خمسة آلاف آخرين هو النعيم الذي انعمتم به علينا لنتمنى عودتكم ثانية؟ هل منع الكلام او حتى الاحلام ضد نظامكم هو الذي يشوقنا إليكم؟ فقائمة "أفضالكم" التي أنعمتم بها علينا في زمنكم يا بعث السفالة والانحطاط طويلة لانهاية لها، وما ذكرتُ منها هو نقطة في بحر المعاناة والإجرام والعذاب الذي عانيناه منكم ولاربعين سنة، نتج عن ذلك تدمير اجيال بكاملها- تدمير كل شيء، من تدمير الارض والبناء والدولة الى تدمير العقل البشري والأخلاق تدميرا كاملا لما ادخلتم فيه من حقد طائفي وعنصري، حيث جعلتم الاخ يقتل اخاه ويسرقه ايضا! ناهيك عن الانفال وقتل مئات الآلاف من الاكراد وابادة كربلاء والنجف والحلة على يد حسين كامل وعلي الكيمياوي مشعولين الصفحة، ولا أريد أن أذكر الاعدامات بالشوارع لمجرد معارضة نظامكم بالكلام فقط ! ولم اذكر انحطاط المستوى الثقافي والتعليمي والخدمي والتربوي وكل شيء في زمنكم الأغبر بسبب سوق الرجال والشباب لمحرقة حروبكم التي لا تنتهي مع دول الجوار ومع ابناء شعبكم. ألا تبا لمن يريدكم، فإما هو مستفيد منكم وسقوط حكمكم خسر مصالحه منكم على حساب دماء شعبه، او جاهل و أبله مغفَّل مخدوع بكلامكم وفضائياتكم المضلِلة السافلة الممولة من السفلة وأقذر المخلوقات امثال مملكة الشر الوهابية، وقرية قطر بأميرها فرس النهر، وابنه الدمية، وأمريكا الغبية المصلحجية، وذيولها – شكرا
****
وأخيراً، أنقل أدناه رسالة الصديق الأستاذ نوري العلي، رئيس تحرير موقع الأخبار، وشكراً له على سماحه لي بنشرها:

تحية طيبة
سلمت يداك على هذا المقال [لكي لا ننسى الهولوكوست]، فمن الضروري بين فترة وأخرى أن يجري تدوين تاريخ العراق بمثل هذا المقال القيم، أود ان اقول أنه رغم انتهاء الحرب العالمية الثانية منذ نهاية عام 1945، فإن الاعلام الألماني ولحد هذا اليوم ينشر في وسائله يوميا مادة عن النازية والحرب، و خاصة محطات التلفزيون الإخبارية فإنها يوميا لابد من إحداها ان تبث مادة عن النازية وعن هتلر والحرب العالمية، والمادة يعاد بثها لأكثر من مرة في المحطة.
في احدى المرات كانت مظاهرة للنازيين في شوارع ميونخ، تسير في شارع رئيسي تتصل به شوارع فرعية، وكانت مجموعات من الشباب الصغار بين 13 و18 سنة، تتجمع برأس الشوارع الفرعية تنتظر مرور التظاهرة النازية ليهتفوا ضد النازية، وهتلر، ويشبعون المتظاهرين بالسباب، وبعد الانتهاء يركضون الى الشارع الثاني ليصلوا الى رأسه وتكون المظاهرة وصلت الى رأس هذا الشارع ويتكرر المشهد بهتافات من الشباب ضد النازية وهتلر ويعقبها سباب وشتائم ضد المتظاهرين.
هذا الامر لفت نظري وعزيت موقف هؤلاء الشباب إلى انهم تربوا على الديمقراطية، ونبذ النازية والتعصب مع حليب الرضاعة، ومن مناهج الدراسة والبرامج التلفزيونية، وإلا فإنهم صغار ولا يعرفون شيئاً عن الحرب الكونية، اذ لم يكونوا موجودين خلالها ليعرفوا ماهية النازية والعنصرية.
وفي احدى المرات كنت اتحدث الى ابني وكان حينها صغيرا في المدرسة الإبتدائية، حدثته عن موظفة سوداء وكيف ساعدتني بشأن يخص ادارة الشركة، ولمجرد قلت لإبني انها سوداء، قال لي: "بابا هذا كلام عنصري ما كان عليك ان تقوله". هذا الموقف بالتأكيد تعلمه ولدي من المدرسة الألمانية.
**********
هذا غيض من فيض من التعليقات القيمة، وهي تدل على أن أغلب أبناء شعبنا وخاصة شريحة المثقفين منهم، قد استوعبوا الدرس، وفهموا الغرض من دراسة التاريخ، وفهم الماضي وكيفية التعامل معه، بأن لا نقع ضحية تمجيد الماضي المزيف المليء بالدماء والمظالم والجور، بل يجب أن ندرسه ونكشف ما فيه من حسنات وسيئات ودون تحيز، ونتعامل معه بعقل متفتح لكي نتجنب تكرار أخطائه، ونخطط للمستقبل الأفضل. لذلك من الضروري أن نبدأ من العائلة في تربية الأطفال، وأن تتبنى وزارة التربية تعليم النشء الجديد وتربيته من مرحلة الدرسة الابتدائية على مبادئ الوطنية والإنسانية والإخاء والحرية والمحبة، ونبذ العنصرية والطائفية، ولكي لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: لكي لا ننسى الهولوكوست البعثي الداعشي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=734

2- عبد الحليم الرهيمي: الشائعات.. أشد فتكاً من السلاح
http://www.akhbaar.org/home/2015/4/189926.html



238
لكي لا ننسى الهولوكوست البعثي الداعشي

د.عبدالخالق حسين

الهولوكوست (Holocaust) كلمة يونانية وتعني "الحرق الكامل للقرابين المقدمة لخالق الكون". استعملت لأول مرة لوصف طريقة معاملة هتلر لليهود في عام  1942، من اجل إبادة الجنس، حيث شنت النازية الألمانية حملة قتل اليهود في ألمانيا والأقطار الأوربية التي احتلتها إثناء الحرب العالمية الثانية. وبذات الطريقة أقدمت النازية الهتلرية على إبادة فئات أخرى مثل قتل أكثر من مليونين من أسرى الجنود الروس، والبولنديين، ونحو مائتي ألف من الغجر، وحتى من الألمان المعوقين بدنياً وعقلياً أو يحملون أمراضاً وراثية.(موسوعة الويكيبيديا الحرة).

كما و استخدمت الكلمة لوصف كل عملية قتل جماعية، إبادة الجنس (Genocide). لذلك لا نجافي الحقيقة إذا ما وصفنا المجازر التي أرتكبها حزب البعث منذ انقلابه الأول في 8 شباط 1963 وإلى الآن هي هولوكوست ضد مكونات معينة من الشعب العراقي، لأسباب طائفية وعنصرية، مثل عمليات الأنفال وحلبجة ضد الكرد، وتهجير مئات الألوف من الكرد الفيلية، وقتل شبابهم في السبعينات والثمانينات، وكذلك قتل نحو 300 ألف من الشيعة في انتفاضة شعبان/آذار عام 1991، إضافة إلى قتل نحو مليونيين من العراقيين إثناء الحروب العبثية وتبعاتها مثل الحصار الاقتصادي، وتشريد ما بين 4- 5 ملايين من العراقيين في الشتات. ثم تلاحقت مجازر فلول البعث بعد عام 2003، على شكل تفجيرات ومفخخات وانتحاريين وافدين من السعودية وغيرها، استجابة لفتاوى مشايخ الوهابية.
 
ولعل أسوأ مجزرة قامت بها حديثاً فلول البعث تحت اسم داعش هي مجزرة سبايكر في القاعدة العسكرية بهذا الاسم في تكريت، حيث تم قتل نحو 1700 من جنود وتلامذة القوة الجوية بعد انتقائهم وفق انتمائهم المذهبي، والقتلة محليون ومعروفون بانتمائهم العشائري والسياسي، فقتلوهم بدم بارد ودفنوهم في 12 مقبرة جماعية تم اكتشافها مؤخراً بعد تطهير مدينة تكريت من رجس الدواعش البعثيين. إضافة إلى قتل نحو 500 من السجناء الشيعة في الموصل على أيدي الدواعش بعد سيطرتهم على محافظة نينوى بعملية تآمرية يوم 10 حزيران 2014، شاركت فيها الإدارات المحلية وضباط عسكريين محليين وحكومات إقليمية ودولية.
وقد بات من المؤكد أن ما يسمى بتنظيم "داعش" هو بالأساس تنظيم بعثي، يهمن على قيادته و قراراته وجرائمه ضباط عسكريون وأمنيون بعثيون، كما جاء ذلك في عدة تقارير، ونشير هنا إلى واحد منها نشرته صحيفة الديرشبيغل الألمانية، والبي بي سي، والغارديان، وكذلك صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، (1). لذلك فكل الجرائم التي ارتكبتها داعش، المسؤول عنها فلول البعث، فكما ذكرنا مراراً أن داعش والبعث وجهان واسمان لتنظيم إرهابي واحد. ومن هنا نعرف أن البعث أخطر من أي وباء وطاعون وسرطان أصاب العراق خاصة، والمنطقة عموماً. لذلك بات من الضروري عدم السكوت والنسيان عن هذه الجرائم.

لماذا يجب أن لا ننسى جرائم البعث؟

يجادل البعض متظاهراً بالعقلانية وباسم المصالحة الوطنية، أنه يجب أن ننسى الماضي، و نركز على المستقبل فقط، ونتسم بروح التسامح...الخ. كلام في ظاهره جميل ولكن في حقيقته باطل، يراد به تأهيل البعثيين القتلة وإعادتهم لحكم العراق، وتجاهل أرواح ودماء مئات الألوف من الشهداء والمعوقين والأرامل والأيتام والعوائل المنكوبة.
ونحن إذ نؤكد على ضرورة تذكير شعبنا بجرائم البعث، والتي حصلت تحت مختلف الأسماء لتنظيمات دينية مثل النقشبندية وداعش، ليس من اجل الثأر والانتقام، ولا بدوافع مذهبية أو طائفية كما يحلو للبعض اتهامنا، بل لكي لا تتكرر هذه المآسي والكوارث في المستقبل. فالحاضر هو امتداد ونتاج الماضي، والمستقبل امتداد الحاضر.
ولهذا السبب نجد الغرب لم ولن يتوقف لحظة واحدة، في جميع وسائل إعلامه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وإلى الآن، عن تذكير شعوبهم بجرائم النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكرتارية اليابانية. وهذا ليس بدافع الانتقام من شعوب دول المحور، بل لكي لا تتكرر المأساة، ولا تضيع دماء الضحايا سدى، ولحماية الأجيال القادمة من ظهور قادة و احزاب فاشية عنصرية مرة أخرى. ولذلك نراهم يقيمون الاحتفالات والمهرجانات والمسيرات في كل مناسبة تاريخية، وإقامة النصب التذكارية في ساحات المدن الأوربية وأمريكا الشمالية، وجميع دول الحلفاء التي شاركت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، تقديراً منهم لشهدائهم وأبطالهم، ولكي لا تتكرر المأساة.

وما مجازر سبايكر، والصقلاوية، وآمرلي، والضلوعية، وطوزخرماتو وغيرها كثير، إلا امتداد لمسلسل الجرائم التي ارتكبها البعثيون بحق الشعب العراقي، وبدوافع طائفية ودينية وعنصرية. لذلك يجب على الحكومة العراقية ومنظمات المجتمع المدني الاقتداء بالغرب والاستفادة من خبراته في هذا المجال، بتوثيق جميع جرائم البعث منذ انقلاب 8 شباط 1963 وإلى الآن، وكلما يحصل من جرائم في المستقبل، بأفلام وكتب وتقارير ومتاحف وبرامج تلفزيونية وإذاعية ونشرات الأخبار، وإقامة النصب التاريخية في الأماكن العامة، والأماكن التي وقعت فيها الجرائم ضد جميع مكونات شعبنا من الشيعة والكرد، والتركمان، والمسيحيين، والشبك، واليزيديين والصابئة وغيرهم، علماً بأنه لم يسلم من مجازر داعش حتى أهل السنة الذين يدعي البعثيون الدواعش كذباً أنهم يحاربون من أجلهم وباسمهم. كما ويجب فضح المؤازرين للإرهاب سواء من السياسيين المشاركين في السلطة، وهم في حقيقتهم يمثلون الجناح السياسي للبعث الداعشي في السلطة، أو المتلبسين بثوب الدين من أمثال عبدالمالك السعدي ورافع الرفاعي اللذان رفضا إصدار فتاوى لمحاربة داعش.
يقول الفيلسوف جورج سانتيانا: "الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بتكرار أخطائه".
26/4/2015
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مؤسس داعش ضابط مخابرات عراقي
http://aawsat.com/node/341601

2- سالم مشكور: لا تدفنوا سبايكر!
http://www.akhbaar.org/home/2015/4/189324.html

3- سالم مشكور : أموال النفط.. والتوحش!
http://www.akhbaar.org/home/2015/4/189548.html

4- محمد عبد الجبار الشبوط: ذبح الحرية
http://www.akhbaar.org/home/2015/4/189487.html

5- بالفيديو من مصر.. حنان شوقي تنفعل بعد جدل حول مشاركتها باحتفال هزيمة داعش
http://www.akhbaar.org/home/2015/4/189310.html


239
هزيمة السعودية في اليمن
د.عبدالخالق حسين

قامت المملكة العربية السعودية وحلفائها بعدوانها الغاشم، لخمسة أسابيع، وبأمر ودعم من أمريكا، على الشعب اليمني الفقير، في عملية اطلقت عليها (عاصفة الحزم)، التي تحولت إلى (عاصفة الخزي والعار). وغرض السعودية من هذه الحرب هو إبراز عضلاتها العسكرية على أضعف دولة مجاورة لها. فالسعودية بددت مئات المليارات الدولارات من أموال شعبها في شراء أحدث الأسلحة بما فيها الطائرات المقاتلة الأمريكية والبريطانية والفرنسية من آخر طراز، وتحقيق الأرباح الخيالية لمصانع وشركات الأسلحة الغربية ولوبياتها، وما يحققه الأمراء السعوديون من أرباح هائلة عن طريق (الكومشن) من هذه الصفقات.
فالسعودية وأخواتها من الدول الخليجية الأخرى، و رغم ما تمتلكه من أسلحة متطورة وجيوش، لم تستطع حماية نفسها عام 1990 من غزو صدام حسين، ولولا أمريكا والقوات الدولية لكانت كل شبه الجزيرة العربية، بما فيها السعودية تحت حكم صدام حسين الآن. لذلك أرادت السعودية من حملتها هذه إبراز قوتها العسكرية في وجه إيران، وحرف الأنظار عن مشاكلها الداخلية فشنت هذه الحرب وبدفع ودعم من أمريكا، وهي حرب بالوكالة ضد إيران في اليمن، بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها في العراق وسوريا عن طريق تنظيماتها الإرهابية "داعش"، و"القاعدة" و"جبهة النصرة" وغيرها.

بالإضافة إلى ما سبق، فهناك أهداف أخرى من هذا العدوان، كما يلي:
أولاً، إلحاق الهزيمة بالحوثيين "المدعومين من إيران" كما تدعي السعودية، ثانياً إعادة السلطة "الشرعية" برئاسة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، اللاجئ في السعودية. ثالثاً، إلحاق الهزيمة بإيران ونفوذها المزعوم في اليمن، رابعاً، إلحاق الهزيمة بالقاعدة في اليمن.
وبعد 27 يوماً من القصف الجوي المكثف على الشعب اليمني، ماذا تحقق من هذه الأهداف؟

في الحقيقة لم يتحقق أي من هذه الأهداف من العدوان ما عدا الحاق الأضرار التالية بالشعب اليمني:
قتل المئات من اليمنيين، شبوخ وأطفال ونساء، وتقول منظمة الصحة العالمية في هذا الصدد أن 944 شخصا قتلوا وأصيب 3487 . كما وتم تدمير الممتلكات من مخازن الأطعمة، والمدارس والمستشفيات، ومحطات توليد الكهرباء وإسالة المياء، والمطارات والمواني وغيرها من البنى التحتية، المدنية والعسكرية، التي بنتها الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ الثورة في عام 1962 وإلى الآن، وبمساعدات الحكومات الأجنبية.

و بالإضافة إلى هذا الدمار، فالحملة لم تحقق أي من أهدافها المعلنة، وإنما تم العكس.
فالحوثيون أحكموا قبضتهم على مساحات واسعة من اليمن، وأكملوا سيطرتهم على ميناء عدن. كما وتوحد الشعب اليمني بكل مكوناته المذهبية ضد هذا العدوان الغاشم وضد السعودية، ومازال الرئيس عبد ربه منصور هادي وأعضاء حكومته "الشرعية" لاجئون في الرياض، وفقد كل ما تبقى له من شعبية، إن كانت له أية شعبية، لدى الشعب اليمني الذي ينظر إليه الآن كخائن استجدى الدعم السعودي لقتل شعبه وتدمير بلاده. لذالك فحظوظ عودة الرئيس هادي ضعيف جداً.
والمنتصر الآخر هو تنظيم "القاعدة"، الذي انتهز الفرصة وقام باحتلال محافظة المكلا، وبذلك استطاع كسب المزيد من الأرض وتجنيد المزيد من الشباب اليمني للإرهاب.

كذلك انتصرت إيران التي مازالت بوارجها الحربية إلى جانب البوارج الأمريكية تجوب سواحل اليمن. كما واضطرت السعودية وأمريكا بقبول المقترحات التي قدمتها إيران قبل يومين على لسان وزير خارجيتها السيد محمد جواد ظريف، والمكونة من أربع نقاط وهي: "إيقاف الحرب فوراً، والإسراع بتقديم مساعدات إنسانية، والبدء بحوار يمني داخلي، وتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة."

ولتخفي عار هزيمتها، اضطرت السعودية إلى إيقاف عدوانها مدعية أنها أوقفت الهجوم بطلب من الحكومة اليمنية الشرعية، وأن (التحالف سيبدأ عملية جديدة تحت إسم "إعادة الأمل"، وستركز على إيجاد حل سياسي للأزمة في اليمن).
والسؤال: أليس الحوثيون هم الذين كانوا ومازالوا يطالبون بالحل السياسي؟ أما كان الأولى بالسعودية قبول الحوار منذ البداية ودون اللجوء إلى هذا العدوان الذي ألحق أشد الأضرار بالشعب اليميني؟

تؤكد الأحداث والتقارير يوماً بعد يوم، أن السعودية تعمل على تحقيق أجندات أجنبية ولصالح إسرائيل بالذات، الغرض منها تدمير طاقات الشعوب العربية، ومنعها من النهوض والتنمية البشرية والاقتصادية، والتخلص من تخلفها، ومواكبة الدول المتقدمة في الحضارة، لذلك تثير السعودية الفتن الطائفية وتدعم المنظمات الإرهابية، وأحياناً تتدخل بشكل مباشر في شن الحروب ما حصل في البحرين واليمن. وفي هذا الخصوص، كتب الباحث الأمريكي (Robert Parry) الذي سرب عام 1980 أسرار إيران كونترا، لوكالة أسوشيتد برس، كتب في الأسبوع الماضي تقريراً مطولاً عن وجود تحالف غير معلن بين السعودية وإسرائيل بعنوان: (هل المال ختم التحالف السعودي- الإسرائيلي؟) (Did Money Seal Israeli-Saudi Alliance ?)، وينقل التقرير من مصدر مطلع من الاستخبارات الأميركية: "أن السعوديين دفعوا لإسرائيل 16 مليار دولار على الأقل خلال السنتين والنصف الماضية، من خلال دولة عربية في بلد ثالث للمساعدة في البنية التحتية داخل إسرائيل". ويضيف التقرير أن "لاحظ مراقبون وبدهشة، أن إسرائيل بدأت تعرب عن تفضيلها لمسلحي القاعدة على بشار الأسد العلماني الذي كان ينظر إليه باعتباره حامي العلويين والشيعة والمسيحيين والأقليات السورية الأخرى المرعوبين من المتطرفين السنة الذين تدعمهم السعودية"(1). كذلك نقل عن الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال قوله أن السعودية ترحب بضربة إسرائيلية ضد إيران. 

وختاماً، كما قال الرئيس الإيراني الدكتور حسن روحاني: "سيحصد السعوديون ما زرعوا". وها هي هزيمتها بدأت، فلم تحصد السعودية من عدوانها الشرير على اليمن غير الهزيمة والعار والشنار، كما خسرت أمريكا سمعتها في الشرق الأوسط أكثر فأكثر.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Robert Parry: Did Money Seal Israeli-Saudi Alliance ?
https://consortiumnews.com/2015/04/15/did-money-seal-israeli-saudi-alliance/

2- عبدالخالق حسين: حرب السعودية في اليمن على خطى النظام الصدامي في إيران
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=726


240
محنة العراق بين إيران والسعودية
د.عبدالخالق حسين

من نافلة القول، أن هناك عداء شديد، وحساسية مفرطة من قبل الحكومات العربية والغربية ضد إيران، رافقته حملات اعلامية متواصلة تشنها وسائل إعلام هذه الحكومات لتشويه صورة إيران وإثارة مخاوف وهمية لدى شعوبها بالإدعاء بأن لإيران مطامع توسعية في البلاد العربية، لإعادة مجد إمبراطوريتها في الأزمان الغابرة. وقد بلغ بهم العداء إلى حد أن أمريكا وبدعم من الدول الخليجية دفعت صدام حسين لشن حرب على إيران في الثمانيات من القرن الماضي، على إثر ثورتها الإسلامية. وعقدة إيران عند العرب عامة وفي العراق خاصة عقدة قديمة، تطرق إليها الباحث الإسلامي الدكتور غسان نعمان ماهر السامرائي في بحثه القيم بعنوان: (عقدة إيران في العراق)(1)

سألني الصديق الأكاديمي، الدكتور مثنى كبة عن أسباب هذا العداء العربي المستفحل ضد إيران التي لم تستعمر أي بلد عربي، بينما تركيا استعمرت العراق ومعظم البلدان العربية لأربعة قرون ودمرتها وأعادتها إلى قعر التخلف، بينما العرب يحبون تركيا ويعادون إيران، فلماذا؟
كان أقصر جواب لدي هو أنه بدوافع طائفية، فالحكومات العربية سنية، بينما إيران شيعية، خاصة والعرب يستخدمون الشحن الطائفي في هذا العداء. وكنت قد نشرت قبل ثمان سنوات مقالاً في هذا الخصوص بعنوان (مشكلة العرب أن الطائفية عندهم أقوى من القومية)(2). فأجاب الصديق العزيز معترضاً: "ولكن جمهورية آذر بيجان أيضاً شيعية، فلماذا لا يعاديها العرب؟"

اعتقد أن اعتراض الدكتور كبة صحيح ومشروع، وعليه لا بد من سبب آخر لهذا العداء وهو سياسي يتعلق بالمصالح. فالدول الخليجية، وخاصة السعودية كانت على علاقة حميمة مع إيران في عهد الشاه، يوم كانت إيران على علاقة حميمة مع أمريكا والغرب. بل وتزوج الشاه محمد رضا بهلوي (الشيعي) من الأميرة فوزية اخت الملك فاروق (السنية). وكانت إيران الشاه آنذاك تلعب دور كلب الحراسة للمصالح الغربية في منطقة الخليج، حيث أرسلت قوات عسكرية إلى عُمان (مسقط)، للقضاء على حركة ظفار اليسارية.
إذنْ، لا بد وأن يكون السبب سياسي، ويتعلق بموقف إيران من أمريكا. ولما تغير موقف إيران من أمريكا خاصة، والغرب وإسرائيل بصورة عامة بعد ثورتها الإسلامية عام 1979، واختطاف 52 مواطنا أمريكيا من منتسبي السفارة الأمريكية في طهران، واحتجازهم لمدة 444 يوماً، من 4 نوفمبر 1979 حتي 20 يناير 1981، وطرد الدبلوماسية الإسرائيلية وفتح السفارة الفلسطينية. وبما أن الدول العربية وخاصة الخليجية في تحالف إستراتيجي مع أمريكا والغرب، لذلك أثير هذا العداء ضد إيران، فرضاء هذه الدول من رضاء أمريكا. إضافة إلى برنامج إيران النووي الذي أثار الرعب والغضب لدا إسرائيل وحلفائها في الغرب والمنطقة.
أما الطائفية فكانت موجودة عبر التاريخ، ولكنها كانت خامدة كالألغام يتم تفعيلها وتفجيرها عند الحاجة في مثل هذه الحالات للتعبئة الجماهيرية كغطاء عن الأسباب السياسية والمصالح المادية. أما عدم عداء العرب لأذربيجان فلأن هذه الدولة صغيرة ولم تحاذي البلاد العربية، وليست في حالة منافسة سياسية مع العرب، وربما لم يعرف العرب مذهبها الديني! والمفارقة أنه عندما اشتعلت الحرب بين أذربيجان الشيعية وأرمينيا المسيحية، وقفت إيران إلى جانب أرمينيا.

لا شك، أن توتر علاقة الغرب والدول الخليجية مع إيران انعكست سلباً على العراق. فعندما ساءت علاقة إيران مع أمريكا بعد الثورة الإسلامية دفعت أمريكا، ومعها السعودية والدول الخليجية، صدام حسين لشن حرب على إيران، دامت ثمان سنوات أهلكت الحرث والنسل في البلدين، لتفرخ حروباً أخرى انتهت بسقوط صدام وتدمير العراق.
وبعد إسقاط حكم البعث الصدامي انعكست علاقة إيران بالعراق بشكل أوضح، وسلبية لا تخلو من أضرار بالشعب العراقي. فالحكومات العربية كانت تأمل من التغيير في العراق مجرد إزاحة صدام وأزلامه المقربين منه فقط، وإبقاء نظام الحكم كما كان دون مساس، أي احتكار السلطة من قبل مكون واحد (العربي السني)، والاكتفاء بمشاركة شكلية (ديكورية) لممثلين من المكونات الأخرى. بينما الذي حصل هو نظام ديمقراطي حقيقي (ومفاجئ دون تحضير)، يعتمد صناديق الاقتراع للتداول السلمي للسلطة. وهكذا نظام لم تقبل به السعودية وأخواتها الحكومات الخليجية خوفاً من وصول عدوى الديمقراطية إلى شعوبها فتطالب بنظام ديمقراطي مثيل، لذلك أطلقوا العنان لمشايخ الوهابية بإصدار الفتاوى التحريضية لإشعال الفتن الطائفية، وقاموا بإرسال الإرهابيين إلى العراق لإثارة الفوضى العارمة فيه، ترافقها حملات إعلامية لتشويه صورة الديمقراطية، وأن العراق أصبح مستعمرة إيرانية...الخ.
فالنظام الديمقراطي أعطى كل مكونة حقها في الحكومة وفق حجمها في الشعب وما تفرزه صناديق الاقتراع. ولذلك كان المستفيد الأكبر من الديمقراطية هم الشيعة الذين نظموا أنفسهم، أسوة ببقية المكونات، في أحزاب ذات صفة مذهبية لأن ظلم حكم البعث الصدامي، ورغم أنه نال كل مكونات الشعب، ولكن كانت للشيعة حصة الأسد من هذا الظلم، فملأ بهم المقابر الجماعية، وشرد منهم نحو 4 ملايين، ورفع شعار (لا شيعة بعد اليوم)، وأمعن في تشويه صورتهم، مما أدى إلى تخندق أغلب القوى السياسية الناشطة وفق الانقسام الديني والطائفي والأثني (القومي)، وتراجع، بل وانحسر دور الأحزاب العلمانية العابرة للطائفية والأثنية والمناطقية.
وعلى مستوى الحكومات، كانت إيران وسوريا من أكثر المستفيدين من سقوط حكم البعث الصدامي، وكان بالإمكان كسب هاتين الحكومتين لصالح عملية التغيير في العراق، التي قادتها أمريكا، حيث تعاونت إيران مع أمريكا في إسقاط حكم طالبان في أفغانستان. فقد جاء في تقرير مطول، من 20 صفحة نشرته مجلة الـ (نيويوركر) الأمريكية، بعنوان: (قائد الظل: قاسم سليماني)(3)، تطرق إلى اتصالات دبلوماسية سرية لسنوات بين أمريكا وإيران لإعادة العلاقة بينهما، وخاصة في التعاون على إسقاط نظامين عدوين مشتركين لهما: حكم طالبان في أفغانستان، وحكم صدام في العراق. وهذه الاتصالات كانت تجري بدون علم الرئيس بوش الابن.
 وكان ريان كروكر الذي صار فيما بعد سفيراً لدى العراق بين العامين 2007 و2009 ، أحد الدبلوماسيين الأمريكيين المفاوضين مع إيران خلال التحضيرات للحرب على طالبان وصدام. وكان أعضاء الوفد الإيراني برئاسة قاسم سليماني، سعيدون جداً بهذا التعاون، ويرغبون في إعادة العلاقة مع أمريكا. وينقل التقرير عن ريان كروكر أن الإيرانيين كانوا على استعداد للتعاون معنا في العراق، ولكن لم تستمر الإرادة الطيبة طويلاً. في كانون الثاني 2002، وكان كروكر أصبح في حينها نائب مسؤول السفارة الأميركية في العاصمة الأفغانية كابول، أيقظه مساعدوه ليلاً ليبلغوه أن الرئيس الأميركي جورج بوش سمّى إيران عضواً في "محور الشر". الأمر الذي أثار غضب الوفد الإيراني المفاوض وعلى رأسهم سليماني الذي شعر بأنه فُضح. لقد أوصل خطاب "محور الشر" الاجتماعات إلى نهايتها. ووجد الإصلاحيون داخل الحكومة الإيرانية الذين كانوا يدافعون عن التقارب مع الولايات المتحدة أنفسهم في موقف دفاعي. وحين يتذكر كروكر تلك الفترة يهز برأسه ويقول "كنا قريبين جداً. كلمة واحدة في خطاب غيّرت التاريخ."

ولذلك قررت كل من إيران وحليفتها سوريا إغراق أمريكا في وحل المستنقع العراقي. وهنا تلاقت مختلف الإرادات لدول متناقضة، كل لها هدف معين ومختلف في إفشال الديمقراطية في العراق. السعودية ومعها الدول الخليجية وتركيا لأسباب طائفية وسياسية واقتصادية ضد قيام نظام ديمقراطي مستقر في العراق.(راجع مقالنا: اسباب عداء السعودية للعراق)(4). وإيران وسوريا تبغيان معاقبة أمريكا خوف أن يأتي دورهما في محاولة إسقاط نظاميهما.
ثم جاء البرنامج النووي الإيراني، وتهديدات الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد بإزالة إسرائيل من الخارطة، الأمر الذي زاد النار اشتعالاً، وأدخل إسرائيل على خط المواجهة ومعها تأييد العالم الغربي، وبالضرورة السعودية وأخواتها الخليجيات حليفات استراتيجية لأمريكا، فلا بد وأن تنفذ الأوامر الأمريكية في تصعيد العداء لإيران. وليس هناك أفضل من استخدام الدين والمذهب في تعبئة الجماهير. لذلك لجأت السعودية إلى إثارة الفتنة الطائفية بمنتهى الصلافة والوقاحة وبشكل غير مسبوق، ولأسباب عديدة، فهي من جهة تعرف أن وجود نظامها القبلي الدكتاتوري المطلق لا يمكن أن يدوم في القرن الحادي والعشرين حيث العولمة، وصعود الحداثة والحضارة والديمقراطية، ودور الشعوب في تقرير مصيرها. لذلك وكما أكدنا في مقالات أخرى، لم تجد السعودية وسيلة أفضل من الشحن الطائفي وتخويف شعبها من البعبع الشيعي والتوسع الإيراني الموهوم. وللمزيد من التصعيد، قامت السعودية وبدفع ودعم من أمريكا بشن حرب عبثية إجرامية على الشعب اليمني الفقير، بذريعة بائسة وهي حماية عروبة اليمن، وأطلقت العنان لمشايخ الوهابية لإعلانها بمنتهى الصراحة والقبح أنها حرب بين السنة والشيعة، بين العرب السنة وإيران الشيعية الصفوية، وهذا يعني حماية اليمن من شعبها العربي الأصيل، كما هو معروف، بمثل ما دفعوا صدام حسين لشن حرب على إيران بذريعة حماية البوابة الشرقية للأمة العربية من الفرس المجوس، وأسموها حرب القادسية الثانية!!ّ

وراحت وسائل الإعلام السعودية تروج الأكاذيب مثل، أن إيران تريد غلق باب المندب، وتسيطر على اليمن وتلغي عروبته، وأن إيران تتدخل في شؤون الشعوب العربية للسيطرة عليها..الى آخر التخاريف. ومع الأسف الشديد، انطلت هذه الأكاذيب حتى على بعض الناس الطيبين. فلو أرادت إيران غلق الممرات المائية الدولية لأغلقت مضيق هرمز وهو ضمن مياهها الإقليمية وعلى حدودها. ولكن الغرض من هذه الكذبة الغبية هو لتبرير الحرب على الشعب اليميني الفقير، ولتصعيد الصراعات الطائفية في المنطقة، التي تأمل منها السعودية إبقاء تسلطها على الشعب السعودي، وإبعاد الأنظار عن مشاكلها الداخلية، وصراعاتها العائلية التي تهدد النظام بالزوال.
فإذا كانت إيران تسعى ليكون لها نفوذ في البلاد العربية، فهذه السياسية تتبعها جميع الحكومات في العالم، وهذه إسرائيل تتجسس حتى على أمريكا، وأمريكا بدورها تتجسس على حليفاتها الدول الأوربية. فالمشكلة ليست في محاولة إيران لكسب النفوذ في البلاد العربية، بل المشكلة والعيب في تلك الحكومات التي تسمح لها بهذا النفوذ، إذ كما قال مارتن لوثر كنغ (لن يستطيع أحد أن يركب ظهرك إلا إذا كنت منحنياً).

وإنصافاً للتاريخ، نقول: إذا كانت إيران تتدخل في البلاد العربية، فتدخلها غالباً في صالح هذه الشعوب، إذ ساعدت إيران الشعب العراقي في حربه على داعش، وساعدت الشعب الفلسطيني واللبناني ضد الاحتلال الإسرائيلي، و وقفت بجانب بشار الأسد لأن البديل عنه هو حكم القاعدة وفروعها مثل جبهة النصرة وداعش، أما مساعدتها للزيديين وأنصار الله في اليمن فلم تتجاوز الدعم السياسي والاعلامي وربما المالي، وأين منها هذه الحرب المدمرة التي تشنها السعودية وعشر دول عربية أخرى، وبدعم لوجستي واستخباراتي وأسلحة متطورة من أمريكا على الشعب اليمني الفقير، الحرب الجنونية التي دمرت المدارس والمستشفيات ومخازن الأطعمة، وبيوت الناس على رؤسهم، وفرض الحصار البحري والجوي والأرضي على هذا الشعب المسكين؟
ولكن للتاريخ منطقه الخاص الذي لا يمكن أن يفهمه هؤلاء البدو الأجلاف، فلجميع الأحداث التاريخية عواقب ونتائج غير مقصودة وغير محسوية إذ سترتد سهامهم إلى نحرهم. فكما أدت الحرب التي شنها صدام حسين على إيران إلى سقوطه في مزبلة التاريخ، كذلك ستكون نهاية آل سعود في حربهم على اليمن.

خلاصة القول، نعم سبب عداء العرب لإيران، وحتى العراق، هو سياسي بالدرجة الأولى، ولكن العداء الطائفي كان موجوداً عبر التاريخ وحتى في فترات التوافق السياسي بين مد وجزر. والتعصب الطائفي أججته العقيدة الوهابية الفاشية التكفيرية الشريرة التي اعتبرت كل من لا يفكر مثلها فهو كافر أو مشرك يجب قتله. والسعودية الوهابية بدأت بقتل الشيعة منذ أوائل القرن التاسع عشر. وفي عصرنا الراهن، تفيد الدراسات الأمريكية أن السعودية الوهابية صرفت خلال الثلاثين سنة الماضية نحو مائة مليار دولار على نشر العقيدة الوهابية والتطرف الديني في العالم، والسعودية هي التي قامت بتأسيس وتمويل وتسليح جميع المنظمات الإرهابية في العالم ابتداءً بطالبان ومروراً بالقاعدة وجبهة النصرة وداعش، وبكو حرام في نايجيريا ومحاكم الشباب في الصومال. هذه التنظيمات الإرهابية التي أمعنت في قتل الأبرياء في العالم وتدمير المعالم الحضارية في العراق وسوريا بمنتهى الوحشية والهمجية. ولا يمكن لأمريكا والحكومات الغربية بمؤسساتها الاستخباراتية العملاقة أن لا تعرف هذه الحقيقة، ولكنها تغض الطرف عن جرائم السعودية وقطر لأنها هي الأخرى مستفيدة من هذا الإرهاب في ضرب الحكومات التي ترفض الخضوع لإرادتها. ولذلك توظف السعودية الطائفية لأغراضها السياسية، والطائفية كأية عاطفة كامنة في لاوعي الإنسان، يمكن تفعيلها وتوظيفها لأغراض سياسية. وكما كتب المفكر اللبناني إلياس فرحات:المذهبية بدعة سياسية(5).
والجدير بالذكر أنه حتى نائب الرئيس الأمريكي أعترف في محاضرة له عن دور السعودية والدول الخليجية وتركيا في دعم المنظمات الإرهابية.(6)

وختاماً، لا أدري لماذا تتهالك الحكومة العراقية على فتح السفارة السعودية في بغداد، فهذه السفارة إن تم فتحها فستكون وكراً للتجسس، والمزيد من التآمر والتخريب والخبث وإثارة الفتن الطائفية. لذلك فغيابها أفضل من حضورها.
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.غسان نعمان ماهر السامرائي: عقدة إيران في العراق 1-5
http://www.akhbaar.org/home/2014/11/180815.html

2- عبدالخالق حسين: مشكلة العرب أن الطائفية عندهم أقوى من القومية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=26&aid=118028

3- مجلة نيويوركر الأميركية(قاسم سليماني قائد الظل)  تحقيق مطول أجراه الصحافي ديكستر فيلكينز عن قائد "فيلق القدس" في حرس الثورة الإيراني الجنرال قاسم سليماني
http://www.metransparent.com/spip.php?article23268&lang=ar&id_forum=61480
4- عبدالخالق حسين: اسباب عداء السعودية للعراق
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=521

5- إلياس فرحات: المذهبية.. بدعة سياسية
http://www.achr.eu/art1102.htm

6- جو بايدن يعلنها صراحة السعودية وتركيا و الامارات مولوا داعش
 http://youtu.be/tQ1xzgrld-0






241
الحشد الشعبي "مليشيات شيعية" مدعومة من إيران!

د. عبدالخالق حسين


من لا يساير ماكنة الإعلام البعثي، المتمرس في التضليل، والمدعوم عربياً و غربياً، فلا بد وأن يُتهم بالطائفية والانحياز للشيعة. وقد بلغ الإسفاف بالبعض في توجيه هذه التهمة حتى إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ففي لقاء تلفزيوني حول التقارب الأمريكي الإيراني، والوصول إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي، وصف أحد إلإعلاميين العرب أوباما بأنه شيعي لأنه من أب كيني مسلم شيعي اسمه (حسين أوباما)، لذك فهو منحاز إلى إيران الشيعية ضد العرب!! رابط الفيديو في الهامش.(1)
والمؤسف أن العزف على الوتر الطائفي لم يسلم منه حتى الـ(بي بي سي). ففي لقاء مع الإعلامي العراقي القدير، الأستاذ أبو فراس الحمداني في تلفزيون بي بي سي العربية، راحت المذيعة تغمز من قناتها إلى أن الحشد هو من طائفة معينة في إشارة أنه مليشيات شيعية مدعومة من إيران!! ورغم تأكيدات الأخ أبو فراس أن الحشد يضم متطوعين من كل مكونات الشعب العراقي، سنة وشيعة و مسيحيين، وصابئة وغيرهم، ولا توجد قوات إيرانية في العراق عدا عدد من المستشارين، ولكن بلا جدوى.
لقد اعترف القاصي والداني بتفاني الحشد الشعبي وتضحياته ودوره الكبير في تحرير محافظة صلاح الدين و إلحاق الهزيمة بداعش، الأمر الذي أقض مضاجع البعثيين الدواعش وأنصارهم من السياسيين والإعلاميين، فقاموا بحملة تشويه سمعة الحشد الذي لا يذكرونه إلا باسم (المليشيات الشيعية المدعومة من إيران). فالدعم الإيراني للعراق في حربه على داعش يعتبر جريمة ووصمة عار!! ويقوم هؤلاء بتخويف شعوبهم من البعبع الإيراني، أن لإيران نوايا توسعية لإحياء إمبراطوريتها القديمة على حساب العرب...الخ. ويطير هؤلاء فرحاً عندما يصدر تصريح تافه من مسؤول إيراني صغير، وفي أغلب الأحيان تصريحات مختلقة، وكان آخرها تصريح لا نعرف مدى صحته، أنه صدر عن مسؤول إيراني يدعى (يونسي)، بأن "بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية !!". ورغم إدانة هذا التصريح من قبل وزير الخارجية العراقي الدكتور إبراهيم الجعفري، وحتى من الحكومة الإيرانية، إلا إن الجماعة راحوا يرددونها ليل نهار  لتأكيد صحة "مخاوفهم" من "نوايا إيران التوسعية"!!

لذلك، هناك نقطتان أود توضيحهما:
الأولى، لماذا غالبية الحشد الشعبي من الشيعة؟
غالبية الحشد الشعبي من الشيعة لأن غالبية الشعب العراقي من الشيعة، حيث يشكلون 60 إلى 65% من الشعب، ونحو 85% من عرب العراق، لذلك، فالشيعة لا يشكلون الأغلبية في الحشد الشعبي فحسب، بل وكانوا يشكلون الأغلبية الساحقة في معظم قواعد الأحزاب السياسية الوطنية العراقية مثل الحزب الشيوعي، والوطني الديمقراطي، وحتى قواعد حزب البعث، وهذا لا يعني أن هذه الأحزاب كانت شيعية حصرياً. كذلك كان الشيعة وما زالوا يشكلون نحو 80% من جنود الجيش العراقي الآن و في جميع العهود. وهذا لا يعني أن الجيش كان شيعياً في العهد الملكي أو العهد الجمهوري، هذه هي الحقيقة التي يحاول البعض تجاهلها وطمسها عن عمد.

النقطة الثانية، هي حول الدعم الإيراني للعراق:
إن موضوع العلاقة مع إيران معقد ويحتاج إلى مقال مستقل، ولكن يكفي في هذه العجالة بيان الحقيقة التالية. تربطنا مع إيران علاقة جوار وتاريخ طويل يمتد لآلاف السنين، وحدود بطول 1400 كم، ولا يمكن تغيير هذه الحقائق التاريخية والجغرافية. وإيران لم تعتدي على العراق، بل العراق هو الذي شن الحروب على إيران في عهد صدام. وبعد تحرير العراق سارعت  إيران إلى دعم العراق، ولم تبعث لنا سيارات مفخخة ومنظمات إرهابية وانتحاريين ليفجروا أنفسهم وسط الجماهير في الأسواق المزدحمة، ومساطر العمال الفقراء في بلادنا كما فعل الأشقاء العرب، بل العكس هو الصحيح، فعندما تعرض العراق إلى الإرهاب الداعشي، والذي هو من صنع السعودية وقطر وتركيا، أرسلت إيران لنا أسلحة وذخائر ومستشارين، لمواجهة هذا الإرهاب، وفي هذه الحالة، من واجب الحكومة العراقية أن ترحب بكل مساعدة ومن أية جهة كانت، فهناك آلاف المستشارين العسكريين الأمريكان والبريطانيين في العراق، فلماذا كل هذه الضجة ضد الدعم الإيراني فقط؟ خاصة وقد امتنعت أمريكا في البداية عن تسليح الجيش العراقي لمواجهة داعش. أما السعودية فترسل لنا الإرهابيين وتدعم داعش وتثير الفتن الطائفية وتحرض على إشعال الحروب الأهلية في العراق. لذلك فمن الانصاف أن نرحب بالدعم الإيراني. أما أن نرفض هذا الدعم لأن النظام الإيراني هو إسلامي، فالنظام السعودي والقطري الوهابي هو من أسوأ الأنظمة تخلفاً في التاريخ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.اللاذقاني : باراك حسين اوباما شيعي (فيديو)
https://www.youtube.com/watch?v=TRVvGOfym-w#t=65

2- لقاء مع الإعلامي أبو فراس الحمداني على قناة بي بي سي العربية ( فيديو)
http://youtu.be/SInx0qbT1CI


242
حول تقرير واشنطن بوست عن علاقة البعث بداعش

د.عبدالخالق حسين

تطرقنا مراراً عن دور البعث في الإرهاب، وعلاقته بالتنظيمات الإرهابية الإسلامية، وأكدنا أن جميع العمليات الإرهابية التي تُرتكب ضد الشعب العراقي تقوم بها فلول البعث، ولكنهم يتخفون وراء أسماء تنظيمات إسلامية بعضها وهمية مثل (جند الإسلام)، و(جيش محمد)، و(النقشبندية) وغيرها، وتنظيمات أخرى دولية حقيقية يتحالف معها البعث ويوجهها كما يريد مثل (القاعدة) وأخيراً (داعش). والحقيقة أن حزب البعث هو تنظيم إرهابي يمارس الإرهاب سواءً كان في السلطة أو خارجها. وقد بات من المؤكد أن جميع التنظيمات الإسلامية الوهابية الإرهابية في العراق هي تحت سيطرة ضباط بعثيين، ولا يمكن تنفيذ أية عملية إرهابية إلا بتوجيه وقرار من هؤلاء البعثيين. فاغلب البعثيين لا يؤمنون بالحياة بعد الموت، وليسوا مستعدين للموت أصلاً، ولكنهم هم الذين يوجهون الانتحاريين ويستفيدون من سذاجتهم وضعف عقولهم فيستخدمونهم كقنابل بشرية لتحقيق غرضهم الرئيسي وهو العودة إلى الحكم.

هذه الحقيقة ذكرناها مراراً وتكراراً في عدة مقالات، وأكدها آخرون، و شكك بها كثيرون. وعذر المشككين هو أن البعث هو حزب علماني لا يمكن أن يتحالف مع تنظيمات إسلامية تؤمن بالعقيدة الوهابية. وأخيراً أصبح الأمر واضحاً كوضوح الشمس في رابعة النهار، فطلعت علينا صحيفة واشنطن بوست لتؤكد هذه الحقيقة ببحث مطول الذي ترجم بعنوان: (ماذا يفعل ضبّاط صدام حسين في "داعش"؟)(1)، وعنوانه الأصلي (The hidden hand behind the Islamic State militants? Saddam Hussein’s)(2)
 
في هذه المداخلة أقتبس بعض الفقرات من هذا البحث، والتعليق عليها باختصار شديد. فقد أوردت الباحثة (ليز سلاي- مراسلة الصحيفة) الكثير من الحقائق عن دور الضباط البعثيين الصداميين في ارتكاب الجرائم وكيف يستخدمون الإسلامين وخاصة الأجانب، و"إن قادة من حزب البعث السابق تسلموا مراكز قيادية في تنظيم الدولة (داعش)"
تقول الباحثة أنها التقت في سانيلفور التركية مع أبي حمزة ((وهو مقاتل سوري وافق على الانضمام لتنظيم الدولة، وبدلا من ذلك وجد نفسه تحت قيادة شخصية عراقية غامضة انتقلت إلى سوريا. وعندما خالف أبو حمزة أميره العراقي، وضع تحت الإقامة الجبرية، وحوكم أمام رجل ملثم استمع إلى محاكمته بصمت وكان يسجل الملاحظات. ولم يكتشف أبو حمزة، الذي جاء من ريف سوريا، هوية أميره العراقي الذي كان ينادى باسم مستعار، لكن كانت تقف وراء هذه الأسماء قيادات سابقة في نظام صدام حسين، بينهم الأمير الملثم الذي عمل في المخابرات العراقية سابقا، ويقدم الآن خدماته لتنظيم الدولة)).
وتضيف الكاتبة: ((وبالرغم من اعتماد التنظيم على المقاتلين الأجانب، إلا أن قيادته عراقية، بما في ذلك قادة الأجهزة الأمنية السرية وأمراء التنظيم وقادته الميدانيون الذين جلبوا معهم خبراتهم العسكرية والأمنية وبعض الأجندات وشبكات التهريب، التي طورت في التسعينيات من القرن الماضي؛ لتجنب العقوبات التي فرضت على النظام العراقي بعد غزو الكويت)).
وكان أبو حمزة قد هرب إلى تركيا بعد شعوره بالخيبة من التنظيم وقادته، ويقول: "كل صناع القرارات عراقيون، والقادة هم ضباط عراقيون يتخذون القرارات التكتيكية، ويخططون للمعارك ولكن العراقيين لا يقاتلون، بل يتركون للمقاتلين الأجانب أمر القتال على الجبهات".

ورغم التناقض الظاهر بين عقيدة البعث العلمانية، وعقيدة داعش الإسلامية الوهابية، تستنج الكاتبة أن هناك مشتركات بينهما "فالقسوة التي طبعت حكم صدام حسين هي ذاتها وأكثر التي تطبع ممارسات تنظيم الدولة... والميول الدينية التي طبعت نظام صدام في سنواته الأخيرة، أي قبل غزو عام 2003، والحملة الإيمانية عام 1994، وهو ما أثر على تحول البعث من عقيدة علمانية إلى إسلامية.  ففي هذه الفترة تم العمل بأحكام الشريعة، وأضيفت عبارة "الله أكبر" إلى العلم العراقي. وبدأ بعثيون سابقون بالتحول نحو السلفية، وتوقفوا عن شرب الخمر، وأصبحوا أكثر التزاما بالشعائر الدينية."

إن ما أوردته الباحثة أعلاه هو غيض من فيض من الحقائق عن ألاعيب وحيل وتكتيكات البعثيين لتحقيق غاياتهم، وهم لا يعترفون ولا يلتزمون بأية قيم اخلاقية أو مبادئ في سبيل تحقيق أغراضهم.

ولكن ما يؤاخذ على البحث هو تكراره لنفس الاسطوانة المشروخة عن التبريرات التي يرددها الإعلام العربي المضاد للعراق الجديد، عن أسباب صعود هذه التنظيمات الإرهابية مثل قولهم أن السبب هو قرارات بول بريمر، الحاكم المدني للقوات الدولية بقيادة أمريكا، وأنه بجرة قلم قام بـحل الجيش العراقي، وألقى 400 ألف عسكري في أحضان البطالة والفقر، فلم يكن لديهم بد من تبني المقاومة. وتضيف الباحثة: "وساعد البغدادي في جهوده لتجنيد البعثيين حملة اجتثاث البعث التي قادها نوري المالكي، رئيس الوزراء المعزول بعد رحيل الأمريكيين عام 2011."

هذه التبريرات باطلة وقد فندناها في عدة مقالات، ولكن لا ضير من الإعادة وباختصار شديد.

أولاً، قرار حل الجيش:
في الحقيقة هذا الجيش اختفى يوم سقوط النظام في 9 نيسان 2003، وبتوصية مسبقة من صدام حسين، كما صرح أحد القياديين البعثيين بذلك للحفاظ على قواتهم وأن يشنوا حرب العصابات فيما بعد. فقرار بول بريمر صدر بعد ثلاثة أشهر من السقوط ولم يكن لهذا الجيش أي وجود  منظور في الشارع العراقي خلال هذه الفترة، وكان قرار بريمر بمثابة توقيع شهادة وفاة لهذا الجيش الذي كان مسيساً أصلاً، إضافة إلى أن صدام أفسده بأيديولوجية البعث. فمن البديهي أنه لا يمكن الجمع بين حكومة ديمقراطية وجيش مسيس ومؤدلج بالعفلقية. إضافة إلى أن كل الضباط والمراتب الذين تم تسريحهم، مُنِحوا رواتب تقاعدية مغرية مدى الحياة تعادل رواتبهم في عهد صدام مئات المرات. كذلك تم إعادة الغالبية العظمى من ضباط ومراتب الجيش السابق إلى الجيش الجديد.
وعن تضخم الجيش القديم، قال بول بريمر، أن الجيش الأمريكي يتكون من مليونين عنصر، فيه 300 جنرال فقط، بينما الجيش العراقي الصدامي الذي كان عدده نحو 400 ألف عنصر كان فيه 12 ألف جنرال، فماذا عسى أن يعمل الجيش العراقي الجديد بهذا العدد من الجنرالات؟ وقد شرحنا مبررات حل الجيش في مقالنا الموسوم (عودة إلى موضوع حل الجيش العراقي السابق)(3)

ثانياً، حول قرار اجتثاث البعث (Debaathification)
: هذا القرار جاء على غرار قرار اجتثاث النازية الألمانية والفاشية الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية. والحقيقة تؤكد أن حزب البعث يتحمل مسؤولية جميع الكوارث التي حلت بالشعب العراقي وشعوب المنطقة، وعليه فهو لا يقل سوءً، إن لم يكن أسوأ من النازية والفاشية وأية حركة عنصرية ضد الإنسانية. وعليه فإذا كان اجتثاث النازية والفاشية ضرورة لا بد منها، فكذلك اجتثاث البعث. فتاريخ البعث يؤكد أنه لا يمكن الثقة به وقبوله كحزب سياسي مشارك في حكومة ديمقراطية. فالبعث يعقد التحالفات مع القوى الأخرى، فقط في حالة ضعفه، ولكن ما أن يثبِّت أقدامه حتى وينقلب على القوى الحليفة ويفتك بها ويعمل على إبادتها. والبعث لا يقبل بالمشاركة في حكومة ديمقراطية إطلاقاً وإنما باحتكار السلطة كلها، وهذا واضح من بيانات فلوله أنهم يعملون على إلغاء كل ما تحقق بعد 2003، وهذا مرفوض لأنه بمثابة انتحار جماعي للشعب العراقي. يرجى مراجعة مقالنا (البعث والقاعدة وجهان لتنظيم إرهابي واحد)(4).   

ثالثاً، تهمة تهميش السنة من قبل المالكي:
هذا الموضوع هو الآخر تناولناه مراراً وأثبتنا بطلانه. إن السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، والنائب الأول لرئيس الجمهورية حالياً، لم يقم ولم يكن بإمكانه تهميش أو إقصاء أو عزل أي مكون، ولم يكن هو من وضع نظام المحاصصة في الحكم، بل استلم رئاسة الحكومة عام 2006 ولم يكن بإمكانه تغييره. وإنما تهمة التهميش هي أسهل طريقة لتبرير الإرهاب وإيجاد كبش الفدى لإلقاء اللوم عليه، وأرادوا بها التخلص من المالكي لأنه تمسك بالدستور، ورفض التجاوز عليه كما ورفض معاداة إيران والمشاركة في إسقاط بشار الأسد. والآن اعترفت أمريكا بصحة وجهة نظر المالكي في موقف العراق من إيران وسوريا.
فحصة مكونات الشعب العراقي في حكومة الدكتور حيدر العبادي هي نفسها في حكومة السيد نوري المالكي دون زيادة أو نقصان. وإذا كان السيد نوري المالكي هو سبب الإرهاب الداعشي في العراق، فما هو سبب الإرهاب في ليبيا والصومال ومصر والجزائر واليمن وغيرها، وهي دول ليس فيها شيعة أصلاً، ولا صراع طائفي. راجع مقالنا (التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة)(5). 

خلاصة القول: السبب الحقيقي أيتها السيدات والسادة، هو أن الإسلام السياسي يريد الهيمنة على الحكم وتحت مختلف المعاذير، ويبحثون عن أسباب مختلفة باختلاف البلدان. وفي العراق تحالف البعثيون مع الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة. وقد وجد هؤلاء، ومعهم الإعلام المضاد والسعودية وغيرها من الحكومات العربية وتركية في حل الجيش واجتثاث البعث وفرية تهميش السنة والكرد مبرراً للإرهاب، وهو ليس كذلك.
فهؤلاء لم يسألون أنفسهم، ماذا سيكون وضع العراق بعد 2003 لو لم يتم حل الجيش، واجتثاث البعث، وأبقوا كل أجهزة حكم البعث الصدامي الأمنية والعسكرية في مواقعها سالمة دون أي مساس. وهل يقبل البعث بالنظام الديمقراطي؟ الجواب كلا وألف كلا.
فالحقيقة كما اعترفت بها الكاتبة في ختام بحثها في الـ(واشنطن بوست) بالإشارة إلى أنه سواء آمن البعثيون بعقيدة تنظيم الدولة أم لا، فتحالف البعث هو تكتيكي وهدفه الحقيقي هو السيطرة على السلطة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- واشنطن بوست: ماذا يفعل ضبّاط صدام حسين في "داعش"؟
http://www.akhbaar.org/home/2015/4/188391.html

2- The Washington Post: The hidden hand behind the Islamic State militants? Saddam Hussein’s. By Liz Sly.
http://www.washingtonpost.com/world/middle_east/the-hidden-hand-behind-the-islamic-state-militants-saddam-husseins/2015/04/04/aa97676c-cc32-11e4-8730-4f473416e759_story.html

3- عبدالخالق حسين: عودة إلى موضوع حل الجيش العراقي السابق
http://www.aafaq.org/masahas.aspx?id_mas=3288

4- عبدالخالق حسين: البعث والقاعدة وجهان لتنظيم إرهابي واحد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=619

5- عبدالخالق حسين: التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=626


243
لماذا الحملة الهستيرية ضد الحشد الشعبي؟

د.عبدالخالق حسين

الحشد الشعبي هو نتاج ظروف موضوعية استجدت بعد الغزو البعثي الداعشي المغولي للمحافظات ذات الأغلبية العربية السنية في العام الماضي، وبتواطؤ جناحهم السياسي بقيادة أياد علاوي والأخوين النجيفي وغيرهم الذين يأتمرون بأوامر أسيادهم في السعودية وقطر وتركيا. وبات هؤلاء المغول الجدد يهددون الشعب العراقي بحرب الإبادة. لذا أصدر الإمام السيستاني فتوته المشهورة بالجهادي الكفائي لكل مكونات الشعب دون استثناء فتطوع الملايين من الشباب من مختلف الانتماءات، وهو التعبير العملي لتلاحم الشعب مع قواته المسلحة. ولهذا الحشد يعود الفضل في تحقيق النصر على الدواعش.

وبعد الانتصارات الكاسحة التي حققتها القوات الأمنية العراقية، وبدعم من الحشد الشعبي، ومسلحي أبناء العشائر العربية السنية، وإلحاق الهزيمة بالدواعش، جن جنون فلول البعث ومن ورائهم من الإعلام العربي وبالأخص السعودي والقطري، فراحوا يشوهون سمعة الحشد، ولا يذكرونه إلا باسم (المليشيات الشيعية المدعومة من إيران). والتهمة أن هذه المليشيات وبدوافع طائفية انتقامية قاموا بقتل الأبرياء في تكريت وحرق منازلهم بعد نهبها!!. في الحقيقة هذه الاتهامات الباطلة كانت جاهزة ومعدة سلفاً تنتظر الوقت المناسب لاطلاقها. وقد حان هذا الوقت بعد الانتصارات التي أذهلت الجميع.

فالقصد من هذه الحملة الإعلامية الهستيرية معروف، كذلك هناك من يتظاهر بالاعتدال والعقلانية وقول الحق، من كتبة فخري كريم، مثل عدنان حسين ومن لف لفه، ليكتب مقالاً في صحيفة المدى، بعنوان (الحشد ليس قدس الأقداس)، فيعترف مسبقاً بدور الحشد في تحقيق الانتصار إذ يقول: " بالتأكيد، من دون قوات الحشد الشعبي ما كان في الإمكان تحرير مدينة تكريت وبلدات أخرى في محافظتي صلاح الدين وديالى من سيطرة داعش...الخ". وبعد أن يكتسب ثقة القارئ أنه حقاني لا يقول إلا الحق، يبدأ بنفث سمومه بعسل الكلام فيضيف:" الضرورة الوطنية لانبثاق الحشد الوطني واستمرار وجوده لا ينبغي أن تحوّله الى قدس الاقداس، فعناصره بشر وقادته بشر، والبشر خطّاؤون بالضرورة. في تكريت ارتكبت عناصر في الحشد الشعبي انتهاكات للقانون وتجاوزات على حقوق الإنسان، هي امتداد لانتهاكات وتجاوزات مماثلة ارتكبت في مناطق أخرى.".. ودون أن يقدم أي دليل على هذه التهمة.

نحن لا ندعي أن عناصر الحشد الشعبي ملائكة وقدس الأقداس، و فوق النقد معاذ الله، فهم بشر ليسوا معصومين، كما و نؤكد على ضرورة النقد، والأهم هو التمسك بالانضباط العسكري، وطاعة القيادة، وإلا لا يمكن تحقيق أي نصر.
ولكن كلام عدنان حسين وأمثاله من نوع (قول حق أريد به باطل). لا شك أن عملاً كبيراً كتحرير محافظة صلاح الدين من أشرس تنظيم إرهابي (داعش)، لا بد وأن تقع فيه أخطاء، ولكن المبالغة بها والإدعاء أنها (انتقامات طائفية في القتل وحرق البيوت)، الغاية منها تصعيد الاحتقان الطائفي، وتشويه سمعة الحشد، وتحريف الانظار عن جرائم الدواعش البشعة مثل قتلهم  1700 من الشباب بدم بارد في معسكر سبايكر بعد التأكد من هوياتهم المذهبية. وتعامى الاعلام الغربي عن هذه الجريمة وغيرها ولم ينتبه لها إلا الآن وبعد مرور ثمانية أشهر (راجع تقرير بي بي سي- رابط رقم 1 في الهامش).

أجل، لا ندعي أن الحشد قدس الأقداس وفوق النقد، ولكن نرفض أن تواجه تضحياتهم بحملات تشويه السمعة ونكران الجميل والحرب النفسية، وتثبيط العزائم والهمم في وقت يواجه الشعب حروب إبادة. فالذين يركزون على هذه الأخطاء (إن وجدت)، ويبالغون فيها، لهم غايات سيئة وباع طويلة في دس السم بالعسل وتضليل الرأي العام، ولو كانوا محايدين لأشاروا إلى أحابيل البعثيين وإمكانياتهم الفائقة في ارتكاب الجرائم وإلقائها على خصومهم لتشويه سمعتهم. فهناك شهادات من الشرفاء من أهل تكريت تؤكد أن الذين قاموا بهذه الجرائم هم محليون لثارات بينهم و لتشويه صورة الحشد.

ونحن العراقيين لنا تجارب مريرة مع البعثيين ونعرف خبثهم وقدراتهم على تشويه سمعة خصومهم وتقبيح صورتهم، فقد جمعوا كل ما في التراث العربي- الإسلامي والعالمي من خدع، ابتداءً من أستاذهم معاوية وابن العاص ولحد الآن، وعلى سبيل المثال بعث لي صديق عزيز(طلب عدم الإشارة إلى اسمه)، وهو ناشط سياسي مخضرم، بعث لي رسالة ذكر فيها عن خبث البعثيين قائلاً: ((ما يشغل اليوم وسائل الإعلام الخائبة على اختلاف أنواعها هو موضوع بعض التجاوزات المزعومة في مدن صلاح الدين بعد انتصارات القوات المسلحة والحشد الشعبي ومتطوعي بعض عشائر المحافظة. النجاحات التي جعلت من تنبؤات القيادة العسكرية الأمريكية بأن طرد الدواعش يحتاج إلى أكثر من 3 سنوات أمرا مثيرا للسخرية.!... يذكرني ذلك بما جرى أيام الإنتفاضة الشعبانية عام 1991. كانت تصل من منطقة الرضوانية إلى داخل المجمع النفطي ببغداد في الصباح الباكر حافلات نقل أهلية وهي تحمل حوالي 100 من الشباب، يرتدي كل منهم دشداشة رثة ونعال قديم، حيث تزود بالوقود من محطة التعبئة الموجودة في الساحة. ثم تنطلق نحو كربلاء والمدن المجاورة ليندسوا بين الثوار مرددين الهتافات الطائفية وذلك بغية إثارة النعرات الطائفية لدى أبناء السنة، لاسيما الضباط العائدين مع الجيش المنكسر من الكويت¬".
ويضيف الصديق: "أخي: وددت سرد هذه الواقعة التي كنت أشاهدها يوميا خلال الدوام الرسمي بحكم وظيفتي آنذاك ...عسى أن تتناولها في مقالاتك القادمة إن وجدتها مفيدة.. مذكرا بالمقولة الشهيرة: "لا يلدغ المرء من جحر مرتين")). أنتهى، وشكراً للصديق على هذه المعلومة القيمة.

كما وأود الإشارة إلى ما ذكره السيد حسن العلوي (وهو بعثي سابق، وكان مستشار صحفي لصدام في السبعينات)، عن خبث البعثيين وما عملوه في عهد ثورة 14 تموز، أن خصوم الشيوعيين من البعثيين قد ساهموا مساهمة فعالة في بث الإشاعات ونشر شعارات وهتافات غوغائية وتمزيق القرآن من أجل توجيه التهم وإلصاقها بخصومهم الشيوعيين وحبسهم من قبل محكمة شمس الدين عبد الله. وفعلاً حققوا نجاحات باهرة في هذا المضمار. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ذكر العلوي قصة مضحكة قائلاً: "البعثيون يتقمصون سلوك الشيوعيين في تشويه سمعة الشيوعيين، كبة حلب أَم كبة موسكو!! حدث في تلك الفترة، وكانت مجاميع من أنصار الحكومة تحكم سيطرتها على الشارع. فدخلنا مطعم تاجران في الباب الشرقي، بعد أن تسلحنا بوضع حمامات السلام على صدورنا والتي كانت تباع على قارعة الطريق، حتى إذا أخذنا مكاننا على مائدة وسط الصالة، وحضر العامل لإستطلاع رغباتنا، بادره أحدنا، حميد رجب الحمداني.. جيب كبة موسكو… فاعتدل العامل بدهشة.. متأسفين لا توجد مثل هذه الكبة. فاصطنع حميد الإنفعال وعلا صوته.. لماذا يا ناس، كبة موسكو لا توجد؟ ماذا عندكم يا متآمرين. هنا حضر صاحب المطعم وقد تدلى كرشه إلى الأمام وهو يعتذر بخوف وانتهازية عن التقصير قائلاً: هل تسمحون بوصف هذه الكبة حتى أحضرها لكم غداً؟ قال حميد.. هات قائمة المأكولات .. وأشار بإصبعه إليها قائلاً هل فهمتم؟ هذه التي كان أعداء الجمهورية والزعيم يسمونها كبة حلب. ولم يكن من صاحب المطعم إلا أن يبادر على الفور لشطب حلب وكتابة الإسم الجديد."(حسن العلوي، عبد الكريم قاسم.. رؤية بعد العشرين، ص57).

وهناك آلاف الأعمال الإجرامية التي ارتكبها البعثيون وألصقوها بخصومهم. فالشعب العراقي يواجه هكذا عدو شرس متمرس بالخبث والدهاء لارتكاب الجرائم وإلقائها على الخصم. فمنذ سقوط حكمهم الجائر عام 2003 وإلى الآن وهم يرتكبون أبشع الأعمال الإرهابية ولكن تحت أسماء تنظيمات إسلامية مثل جند الإسلام، والنقشبندية، والقاعدة والآن داعش، ولا ندري ما هو الاسم القادم. وقلنا مراراً وتكراراً في مقالات عديدة أن هذه التنظيمات هي مجرد أسماء حركية لفلول البعث، ولم يصدقنا أحد إلى أن اعترفت صحيفة الـ (واشنطن بوست) بهذه الحقيقة في تقرير مطول بعنوان (ماذا يفعل ضبّاط صدام حسين في "داعش"؟)(2 و3)
وتقرير واشنطن بوست فيه الكثير من الحقائق ولكن في نفس الوقت لا يخلو من بعض المغالطات لتبرير صعود البعث الداعشي، وهذا يحتاج إلى مقال مستقل.

خلاصة القول، نحن لا نقدس أشخاص أو جماعات، ولكن يجب أن نكون حذرين من الاتهامات الباطلة التي تصدر من فلول البعث، و تدعمها وسائل الاعلام السعودية والقطرية المشبوهة ومعها خطباء مشايخ الوهابية التي ما انفكت تنفخ في بوق الشحن الطائفي.
وألف تحية لقواتنا الأمنية الباسلة والحشد الشعبي بكل مكوناته، والمجد والخلود للشهداء، والخزي والعار لأعداء شعبنا. سيروا إلى الأمام، والقافلة تسير ولا يضيرها نبح الكلاب.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Mass graves of Iraqi soldiers killed by IS found in Tikrit
http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-32199244

2- واشنطن بوست: ماذا يفعل ضبّاط صدام حسين في "داعش"؟
http://www.akhbaar.org/home/2015/4/188391.html

3- النسخة الإنكليزية الأصلية  لتقرير واشنطن بوست:
The hidden hand behind the Islamic State militants? Saddam Hussein’s
http://www.washingtonpost.com/world/middle_east/the-hidden-hand-behind-the-islamic-state-militants-saddam-husseins/2015/04/04/aa97676c-cc32-11e4-8730-4f473416e759_story.html


244
لماذا تثير السعودية الفتن الطائفية؟


د.عبدالخالق حسين


مقدمة
للإجابة على السؤال في العنوان أعلاه، علينا أن نوضح بعض الحقائق التاريخية والثقافية عن هذه المملكة ومؤسساتها والمستوى الثقافي لملوكها.
الحقيقة الأولى: مرت الدولة السعودية بثلاث مراحل تاريخية، الأولى، "السلطنة النجدية" التي تأسست عام 1744 على يد محمد السعود، وكانت عاصمتها الدرعية وشملت أجزاءً كبيرة من شبه الجزيرة العربية وانتهت بيد القوات التركية العثمانية بقيادة إبراهيم باشا عام 1818. المرحلة الثانية 1824-1891، والثالثة تأسست على يد عبدالعزيز بن سعود في العشرينات من القرن العشرين.
ومنذ المرحلة الأولى توافقت رغبات محمد بن عبد الوهاب (مؤسس الحركة الوهابية) ورغبات محمد بن سعود (مؤسس الدولة الأولى)، فتم التحالف بينهما، على توزيع غنائم الغزوات وإدارة شؤون المملكة. فتم عقد التحالف بين الأسرتين، أن تكون السلطة الزمنية (الدنيوية) لآل سعود، والسلطة الدينية والتوجيه الثقافي لآل الشيخ (أي أبناء وأحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب)، وبقي هذا التحالف لحد اليوم.
 
الحقيقة الثانية، أن تأسيس أي دين أو مذهب جديد لا بد وأن يتأثر بالظروف البيئية (الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية). فظروف النجد صحراوية قاحلة وقاسية، ومصادر الرزق فيها شحيحة جداً، والسكان قبائل بدو قساة رحل يعتمدون في عيشهم على الغزو واحتلال مناطق الرعي بحد السيف. لذلك فالحركة الوهابية هي نتاج ظروف الصحراء القاسية المعزولة عن الحضارة، وهي امتداد للمذهب الحنبلي المعروف بالتشدد، والذي ازداد تشدداً على يد ابن تيمية الذي لم يكتف بتكفير المسيحيين واليهود، بل وكفر حتى الشيعة وهم مسلمون، وكذلك كفّر من لا يوافقهم من أهل السنة والجماعة. و ابن تيمية هذا له أقوال غريبة وعجيبة في التشدد الديني ونشر الكراهية، فمن أقواله على سبيل المثال:
"إذا أَقَمتَ في دار الكفر للتّطبّب أو التّعلّم أو التّجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم". ويقصد بدار الكفر بلاد أي شعب من غير المسلمين، وخاصة المسيحيين، إذ يؤكد هذا في قول آخر له : "من لم يبغض النصارى والكفار ليس مسلماً". وفيما يخص الشيعة فينكر عليهم إسلامهم، إذ أجاب على سؤال وجه له فيما إذا كان الشيعة كفار في نظره فقال: "من شك في كفرهم فقد كفر." وهذا هو رأي محمد بن عبدالوهاب مؤسس الحركة، والشيخ عبدالعزيز بن باز، مفتي السعودية السابق، والشيخ صالح الفوزان وغيرهم من مشايخ الوهابية الحاليين، وهم لا يخفون هذا الموقف، بل يعلنونه بمنتهى التفاخر. كذلك تناهض الوهابية الثقافة وحرية التعبير والتفكير، إذ يقول محمد بن عبد الوهاب في هذا الخصوص: "الفكر والكفر سيان لأنهما من نفس الحروف". وربما قوله هذا صحيح لأنه كلما أزداد الإنسان ثقافة وتبنى فكراً متنوراً نفر من العقيدة الوهابية المعادية للإنسانية، ولذلك يحارب النظام السعودي الفكر التنويري. 
وتكفير المسلمين من الشيعة أعطى الذريعة للوهابيين بغزو المدن الشيعية مثل كربلاء والنجف وسوق الشيوخ، وقتل الألوف من الأبرياء ونهب خزائن العتبات المقدسة، وقاموا بهذه الجرائم الإرهابية منذ أوائل القرن التاسع عشر وحتى أوائل تأسيس الدول العراقية الحديثة.
والجدير بالذكر أن تعاليم ابن تيمية وبن عبدالوهاب وبن الباز والفوزان في نشر الكراهية ضد من يختلف مع الوهابية هي سائدة في مناهج التعليم في المدارس والمعاهد السعودية لحد اليوم. لذلك لم نستغرب إذا كان 15 من 19 من الذين قاموا بجريمة 11 سبتمبر 2001 في أمريكا كانوا سعوديين، وبن لادن وتنظيم القاعدة ولدا في السعودية. لذلك فالإرهاب جزء أساسي من العقيدة الوهابية. (راجع كتاب د. أحمد صبحي منصور: جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية)(1)

الحقيقة الثالثة: لقد بات معروفاً وخاصة لدى الدوائر الغربية، أنه لولا قيام السعودية بنشر التطرف الديني في العالم الإسلامي لما وجد الإرهاب الديني أصلاً. فهناك دراسة أكاديمية للسفير الأمريكي السابق لدى كوستاريكا ( كورتين وينزر) بعنوان: (السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية)(2 و3)، ذكر فيها إفادة خبير أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003م  بأن "السعودية أنفقت 87 مليار دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في السنوات الماضية نظرا لارتفاع أسعار النفط. ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفيتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 مليار دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق آسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان. وتقول هذه الدراسة إن خريجي المدارس الوهابية كانوا وراء الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات لندن في يوليو 2005م واغتيال الفنان تيودور فان جوخ الهولندي عام 2004م." 
وقد أشرنا إلى دور السعودية في الإرهاب في عدة مقالات لنا، وعلى سبيل المثال أذكر مقالنا الموسوم: (السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد)(4)
 
الحقيقة الرابعة، رغم ما تتمتع به السعودية من ثروات هائلة وفتحت الألوف من المدارس وعشرات المعاهد والجامعات في المملكة... إلا إن ملوك آل سعود لم يهتموا بتعليم وتثقيف أنفسهم، فثقافتهم لا تتعدى ما تلقوه في الكتاتيب التقليدية، التي تقتصر على تعليم القراءة والكتابة بالكاد، وقد لاحظنا ذلك عندما يقدم أحدهم كلمة في مؤتمرات القمة، إذ كما ذكر الدكتور فخري مشكور في مقاله الموسوم (اليمن ضحية الفلوس) عن تردي ثقافة هؤلاء الملوك قائلاً: ((ومن لا يصدق فليستمع الى خطابات ملوك السعودية كنموذج...كان الملك خالد يقف وراء المنصة في مؤتمرات القمة العربية ويختفي وراءه من يتكلم بصوت خافت كلمة كلمة والملك يعيد وراءه تلك الكلمات. وجاء من بعده آخرون تُكتب لهم الكلمات بحجم البعير وتُحرّك لهم ويجرون عليها تمرينات قبل المؤتمر فإذا ظهروا امام الشاشات او المكرفونات ضاعت جهود المدرّبين. وبالامس القريب كان المرحوم الملك عبد الله يصف الشعب السعودي بـ"الشعب الشقيق"!! وقبل اسابيع تحدث الملك الجديد سلمان بفخر واعتزار عن انتشار الاستخراء في بلاده!! . فاذا كان راس الهرم في الدولة بهذا المستوى فما هي الخطة التي يضعها لتطوير بلاده؟))(5)
****
وعلى ضوء ما سبق نعرف المشكلة الأساسية لهذه المملكة ولماذا تهدد الحضارة البشرية بما تملك من المال الوفير، خاصة وهناك أفراد وجماعات و حكومات في العالم مستعدة لتلبية أوامر حكام هذه المملكة ووضع جيوشها في خدمتهم مقابل المال.
فكما بينا أعلاه، تأسست هذه المملكة على مبادئ وقيم وأعراف وتقاليد بدوية صحراوية، كانت سائدة في القرن الثامن عشر. ورغم التطور الهائل الذي حصل في المملكة من الناحية المالية بسبب الثروات النفطية الخيالية، إلا إن هرم السلطة بقي يعامل الدولة في القرن الحادي والعشرين كما يعامل شيخ القبيلة أبناء قبيلته البدوية وقيمها. ورغم أميته الثقافية، فالملك السعودي هو الحاكم المطلق، يمتلك ثروات البلاد كملكية خاصة له ولأفراد العائلة الحاكمة، يصرفها كما يشاء، ويعامل الشعب كعبيد، إذ كما قال المؤرخ البريطاني المعروف، أرنولد توينبي: "البداوة حضارة متجمدة". ولهذا بقي حكام آل سعود جامدين على أعرافهم البدوية التي كانت سائدة منذ القرون الغابرة.
فهم خارج الزمن وخارج التاريخ، ويرفضون الاعتراف بما حصل في العالم من تطور مذهل في مختلف المجالات الفكرية والعلمية والتكنولوجية والحضارية والعولمة، وحقوق الإنسان والحيوان والبيئة...الخ.
فقد أخذوا من الغرب فقط ما ينفعهم من اختراعات والتكنولوجيا، أي أخذوا الجانب المادي (الهارد وير) ورفضوا الجانب المعنوي (السوفتوير) أي ما أنتجه الغرب من الفكر التقدمي والقيم الانسانية والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة، والعدالة الاجتماعية والإخاء والمساواة ومعاملة أبناء الشعب كمواطنين من الدرجة الأولى، دون أي تمييز بينهم على أساس اللون أو العرق أو الدين أو المذهب. فهناك مسافة ضوئية بين مملكة آل سعود وهذه القيم الحضارية.

وحكام آل سعود يعرفون أنهم خارج الزمن، وأن شعبهم لا بد وأن يطالبهم يوماً بحقوقهم الوطنية كبشر، لذلك، ولضمان بقائهم مدة أطول جاثمين على صدور الشعب السعودي، فلم يبق أمامهم سوى العمل على إثارة الطائفية وتخويف السنة الذين يشكلون نحو 80% من الشعب السعودي، من الشيعة (الروافض) والبعبع الإيراني (الفرس المجوس) حسب تهبير الطائفيين، وتصعيد التعصب الطائفي، ونشر التطرف الديني لدى السنة في العالم الإسلامي، وتكريس الكراهية والعداء ضد أتباع الديانات الأخرى.
وفي نفس الوقت يقوم حكام السعودية بإجهاض أية حركة شعبية في السعودية وذلك عن طريق العصا والجزرة، فعندما حصلت انتفاضات الربيع العربي، قامت الحكومة السعودية بتوزيع المال والمساكن على العاطلين، وفي نفس الوقت دعمت التطرف الديني والإسلامي السياسي في بلدان الربيع العربي لسرقة انتفاضاتهم، كما حصل في ليبيا وسوريا. كذلك بتصدير الإرهاب الوهابي المتمثل في القاعدة وداعش وإثارة الفتنة الطائفية في العراق لنشر الفوضى فيه، و ليقول لسان حالهم لشعبهم: هذه هي الديمقراطية التي تريدونها، فهي تعني الفوضى والخراب وحروب الإبادة الجماعية والدمار. لذلك أبقونا على صدوركم أفضل لكم. فالحكمة تفيد أن النظام والأمن مع الاستبداد أفضل بكثير من الحرية والديمقراطية المنفلتة مع الفوضى وفقدان الأمن.

وهناك شهادات موثقة تؤكد دور السعودية في إثارة الفتنة الطائفية ونشر الفوضى في العراق منذ سقوط حكم البعث الجائر وإلى الآن. وعلى سبيل المثال لا الحصر أكتفي بما نُشِر من تسريبات عن السفير الأمريكي الأسبق في بغداد كالتالي:
((كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، ...عن "مجموعة برقيات أمريكية سرية تعود الى العام 2009 تتحدث عن علاقة العراق بجيرانه "، وعدَّت السعودية بأنها " التحدي الأكبر والمشكلة الأكثر تعقيدا للعراق"، وعزت السبب الى " المال السعودي والمواقف المعادية للشيعة وهواجس تعزيز نفوذ إيران الإقليمي عبر الحكومة العراقية الشيعية"، وبينت أن السعودية كانت "ترعى التحريض الطائفي وتسمح لشيوخها بإصدار فتاوى تحريضية على قتل الشيعة". وقال السفير الأميركي السابق في العراق كريستوفر هيل، في مجموعة برقيات سرية بعثها الى وزارة الخارجية الأميركية، ونشرتها صحيفة (الغارديان) البريطانية ، وأطلعت عليها (المدى برس)، إن "السعودية وليس إيران تشكل التحدي الأكبر والمشكلة الأكثر تعقيدا بالنسبة الى الساسة العراقيين الذين يحاولون تشكيل حكومة مستقرة ومستقلة "، وعزا السبب الى " المال السعودي والمواقف المعادية للشيعة والهواجس بأن العراق بقيادة شيعية يعزز نفوذ إيران الإقليمي".(6)

خلاصة القول، أن السعودية تعتبر إثارة الفتنة الطائفية هي آخر حبل النجاة لها، ولذلك وجهت أوامرها إلى مشايخ الوهابية لشن الهجوم السافر على الشيعة (الروافض) وإيران، وتكفيرهم وأنهم أسوأ من النصارى واليهود، وأن الحرب على اليمن هي حرب السنة على الشيعة وإيران. (يرجى فتح رابط الفيديو في الهامش لتشاهدوا ما يقوله إمام مكة في هذه الفتنة).(7) 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط المصادر
1- د. احمد صبحي منصور: كتاب:  جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية
 http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.

2- السفيد كورتن ونزر:  السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية           http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11
3- The link to the original English version of Curtin Winsor’ study
Saudi Arabia, Wahhabism and the Spread of Sunni Theofascism
by Ambassador Curtin Winsor, Jr.
http://www.onlineopinion.com.au/view.asp?article=6107
4- عبدالخالق حسين: السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=440

5- د. فخري مشكور: اليمن ضحية الفلوس
http://rayapost.com/index.php/2013-09-26-00-42-07/2215-2015-03-28-22-46-21

6- برقيات سرية لكريستوفر هيل صادرة من بغداد : السعودية ترعى التحريض الطائفي في العراق
http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=16352

7-  إمام الحرم المكي يعلن الحرب على ايران وكل الشيعة في العالم
https://www.youtube.com/watch?v=CGQ9cFV1iL4

رابط ذو صلة
سالم مشكور: الطائفية .. وصراع النفوذ
http://www.akhbaar.org/home/2015/4/188189.html



245
القوة العربية المشتركة.. لماذا الآن؟
د.عبدالخالق حسين

دعى مؤتمر القمة العربية الـ26 المنعقدة في شرم الشيخ بمصر يومي 28/ 29 مارس 2015 في بيانها الختامي لتشكيل "قوة عسكرية عربية مشتركة تشارك فيها الدول اختياريا." وأيدت القمة عملية "عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية ضد جماعة الحوثي في اليمن". وأشار البيان إلى "أن تلك القوة العربية تتدخل عسكريا لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء بناء على طلب من الدولة المعنية، وهو القرار الذي تحفظ عليه العراق".

والملاحظ أن سارعت أمريكا بتأييد تشكيل هذه القوة، وسكتت عنها إسرائيل مما يدل على رضاها رغم أنها أقامت الدنيا ولم تقعدها على إيران حول برنامجها النووي، ورغم تأكيدات طهران على سلمية برنامجها، وصدور فتوى من ولي الفقيه السيد علي خامنئي بتحريم السلاح النووي. ونظراً لما تلعبه مصر من دور مؤثر في هذه القوة المشتركة، رفعت أمريكا حظر السلاح عنها. وهذا دليل على أن هذه القوة هي ليست لضرب الإرهاب كما هو المعلن، ولا لتحرير فلسطين (قضية العرب المركزية كما أدعوا لعشرات السنين)، ولا تشكل خطراً على إسرائيل، بل لإنقاذ الحكومات العربية الرجعية من غضبة شعوبها.
والمفارقة أن العراق الذي تحفظ بحق على المشروع، كان قد طرح اقتراحاً مماثلاً في مؤتمرات قمم عربية سابقة لتشكيل مثل هذه القوة، ولكن اقتراحه قوبل بالتجاهل لأن القمم وجدت فيه مصلحة للعراق ضد الإرهاب، بينما تحمست له الآن.... فلماذا؟ وما عدا مما بدا؟

السبب هو أن السعودية تعيش الآن في حال رعب، ليس من تقدم الحوثيين في اليمن فحسب، بل ومن شعبها، ومن إيران، وخاصة بعد أن ظهرت في المفاوضات الجارية بين إيران والدول الست الكبرى بوادر التقدم (توصلت فيما بعد، يوم 2 نيسان/أبريل الجاري، إلى "اتفاق إطاري" لحل الخلافات بشأن برنامج طهران النووي).(1)

ويبدو أن السعودية كانت على علم مسبق بهذه النتائج بحكم علاقتها الحميمة مع أمريكا، وأن إيران ستحرز اعتراف أمريكا والدول الكبرى الأخرى بحقها في برنامجها النووي بحدود، ورفع الحصار الاقتصادي عنها، وتخرج إيران منتصرة كقوة عظمى مؤثرة في المنطقة يحسب لها ألف حساب. تزامن ذلك مع ما حققته قوات (أنصار الله، الحوثيين- وهم من المذهب الزيدي، فرع من الشيعة)، من انتصارات في اليمن وآخرها سيطرتهم على عدن، عاصمة اليمن الجنوبي وبدعم من الجيش المؤيد للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وهروب الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي إلى الرياض.
والجدير بالذكر أن قوات (أنصار الله) تحظى بدعم سياسي وإعلامي من إيران دون أن يكون للأخيرة أي وجود عسكري في اليمن. كذلك تزامن ذلك مع الانتصارات الرائعة التي حققتها القوات العراقية المدعومة بالحشد الشعبي المؤلف من كل مكونات الشعب العراقي كعلامة تلاحم الشعب مع الجيش، في تحرير محافظة صلاح الدين من دنس الإرهابيين الدواعش، تلك الانتصارات الساحقة على تنظيم "داعش" الذي صرفت عليه السعودية وقطر وتركيا مليارات الدولارات لإسقاط النظام العراقي الديمقراطي... فخاب أملهم.

فالسعودية تعتقد، وربما بحق، أن عدوى الانتصارات على الإرهاب في العراق، و انتصار الحوثيين في اليمن ستصل إلي الشعب السعودي وتحفزهم للثورة على العائلة الملكية الحاكمة، وربما هي نهاية نظامها القبلي البدوي المتخلف. ولذلك أصيبت السعودية بالرعب والهلع وبحالة من الهستيريا، أفقدتها صوابها وجن جنونها فشنت الحرب "عاصفة الحزم" على الشعب اليمني الفقير، ودون أن يكون لها أي مبرر معقول، لذلك استخدمت السعودية ما لديها من مال وفير لشراء ذمم وحكومات وجيوش بلدان عربية فقيرة مثل الأردن ومصر والمغرب، والتأثير على مؤتمر القمة العربية لتشكيل (القوة العربية المشتركة) على غرار (قوات التحرك السريع في حلف الناتو)، لإنقاذ أية حكومة عربية جائرة مهددة بالسقوط من غضبة شعبها.
فالقرار هو سعودي، ولا بد أن تكون قيادتها ونشاطاتها بيد السعودية، وما موافقة مؤتمر القمة العربية إلا لإضفاء الشرعية على تدخل هذه القوة المشتركة، وهي في حقيقتها (جيش من المرتزقة من فقراء العرب لخدمة الدول الخليجية الغنية التي لا تملك غير المال، والذي بواسطته استطاعوا البقاء لحد الآن).
والشيء بالشيء يذكر، ففي مقال قيم للدكتور فخري مشكور، بعنوان (اليمن ضحية الفلوس)جاء فيه: (في مطار احدى الدول الخليجية ختمَ الضابط جواز سفر مثقف عربي وناوله اياه وهو يقول له باستعلاء: "انتم تأتون الى هنا من أجل الفلوس"، فأجابه المثقف على الفور: " وماذا لديكم غير الفلوس؟")(2)
 
أعتقد أن هذه القوة، إذا قدر لها أن تتشكل فهي كارثة على الشعوب العربية الطامحة إلى حياة أفضل، ونهاية للتحولات الديمقراطية فيها، وضمان لاستمرارية الحكومات القبلية الرجعية الجاثمة على صدور شعوبها. فلو كانت هذه القوة العربية المشتركة موجودة خلال انتفاضات الربيع العربي لكان من حق الرؤساء: التونسي زين العابدين بن علي، والليبي معمر القذافي، والمصري حسني مبارك، واليمني علي عبدالله صالح، والسوري بشار الأسد،  طلب النجدة من هذه القوة العربية وسحق انتفاضات شعبوهم...

ولكن هذه القوة بما إنها ستتشكل بالمال السعودي والقطري، فلا يمكن استخدامها إلا بإنتقائية من ممويلها السعوديين والقطريين، وضد الانتفاضات الشعبية المطالبة بالديمقراطية والانعتاق من العبودية. ولذلك أعتقد أن هذا المشروع باطل ومآله الفشل. وحسناً فعل العراق وسلطنة عمان والجزائر في عدم تأييد هذا المشروع الشرير.

فالسعودية وحلفائها ليس لديهم أي مبرر لبقائهم على صدور شعوبهم ونحن في القرن الحادي والعشرين، حيث تشهد البشرية انتصار الديمقراطية، أي حكم الشعوب. فلم يبق أمام السعودية وحلفائها سوى إثارة الفتنة الطائفية المقيتة ضد الشيعة وإيران بحجة هيمنة إيران على المنطقة. أدرج أدناه رابط لفيديو(3) نشاهد فيه إمام الحرم المكي يعلن الحرب على ايران وكل الشيعة في العالم، بكل صفاقة وحماقة ودون أي خجل. ولا يمكن لهذا المنافق من وعاظ السلاطين أن يثير هذه الفتنة ما لم يكن بأوامر أسياده من آل سعود، وهذا دليل على يأس واستماتة العائلة الحاكمة، وخوفهم من شعبهم، لذلك لجأوا إلى إشعال حرب طائفية في المنطقة لا تبقي ولا تذر. ولكنهم سيفشلون، إذ كشفوا عن وجوههم الكالحة وسيحترقون بنيرانهم، وترتد سهامهم إلى نحورهم. وهذا هو منطق التاريخ كما نعرفه.(4)

والسؤال هو: لماذا تلجأ السعودية إلى دعم الإرهاب وإشعال الحروب الطائفية؟ هذا يحتاج إلى مقال مستقل.
3 نيسان أبريل، 2015
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- توصل إيران والقوى الكبرى إلى "اتفاق إطاري" بشأن برنامج طهران النووي
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2015/04/150402_iran_nuclear_talks

2- د. فخري مشكور: اليمن ضحية الفلوس
http://rayapost.com/index.php/2013-09-26-00-42-07/2215-2015-03-28-22-46-21

3- إمام الحرم المكي يعلن الحرب على ايران وكل الشيعة في العالم
https://www.youtube.com/watch?v=CGQ9cFV1iL4

4- د. غسان نعمان ماهر السامرائي: الحلف ضد الوهابية: ما عدا مما بدا؟
https://www.facebook.com/ghassanmahiralsamarrai/posts/1635456386683572

&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
البرادعي: من العار ان يحدد سعر الشهيد المصري
بخمسة الاف ، والاماراتي ب”500″ الف دولار
نشرت بواسطة: مصطفى الحسيني في أخبار, عربي ودولي 03/04/2015 0 801 زيارة
انتقد نائب رئيس الجمهورية الاسبق محمد البرادعي مشاركة مصر في الحرب على الحوثثين ضمن التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية .
وقال البرادعي في تصريح صحفي ان عملية ” عاصفة الحزم ” لن تحقق اي من الاهداف التي اطلقت من اجلها فلا الحوثيين سينسحبون من مواقعهم ولا عبد ربه سيحكم اليمن من جديد .
واضاف , لقد اتصلت بالسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي  وحذرته من مؤامرة عالمية لجر مصر لحرب لاناقة لها بها ولاجمل .
واكدت له من جانب اخر انه من العار ان يحدد سعر الشهيد المصري الذي يسقط في اليمن بخمسة الاف دولار في حين يدفع للقتيل الامارتي والكويتي “500” الف دولار والباكستاني والسوداني ب”15″ الف دولار  .
واوضح ان رد السيد الرئيس جاء صادما” حين قال لي ان ثمن الدم المصري تم دفعه مسبقا” في المؤتمر الاقتصادي لدعم تنمية الاقتصاد المصري في شرم الشيخ .
هذا وتتواصل  لليوم السابع على التوالي العمليات العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن ضمن تحالف يضم كل من مصر والامارات والكويت والبحرين والاردن وباكستان والسودان في عملية “عاصفة الحزم ”



246
حرب السعودية في اليمن على خطى النظام الصدامي في إيران

د.عبدالخالق حسين

الحكمة تفيد، أنه "من السهل أن تبدأ الحرب ولكن من الصعب الخروج منها". وأفضل مثال هو تورط صدام حسين عندما شن الحرب على إيران عام 1980 معتقداً أن الجيش الإيراني مفتت وغير موالي لحكومة الثورة الإسلامية، وأن حربه هذه ستكون خاطفة لن تستغرق أكثر من عشرة أيام، على غرار الحروب الإسرائيلية الخاطفة على العرب، تنتهي بتحقيق نصر سهل وسريع، ويصبح صدام بسمارك العرب. والنتيجة أن الحرب استمرت 8 سنوات أهلكت الحرث والنسل في البلدين، وما تبعها من حروب أخرى انتهت بنهاية صدام ونظامه الفاشي إلى الأبد. وهذا هو منطق التاريخ.

النظام السعودي لا يقل فاشية وعنصرية وطائفية عن النظام البعثي الصدامي إن لم يكن أسوأ منه. فعادة تحاول العائلة السعودية المالكة تجنب الحروب المباشرة، فعندما بدأ الصراع بين إيران والسعودية على أثر الثورة الإيرانية الإسلامية عام 1979، وخوفاً من تصدير الثورة إلى الدول العربية، لجأت السعودية ومعها الدول الخليجية الأخرى وأمريكا إلى خدع الشقي صدام حسين ودفعه لشن الحرب على إيران نيابة عنهم بحجة "حماية البوابة الشرقية للأمة العربية"، ومدوه بالمال الوفير والدعم اللوجستني والاستخباراتي والسلاح، وقالوا له (منا المال ومنك الرجال).

وبعد إسقاط النظام الفاشي في العراق وبدعم أمريكا، وإقامة نظام ديمقراطي فيه، ومنح جميع مكونات الشعب العراقي الفرصة للمساهمة في الحكم الجديد والتخلي عن حكم المكون الواحد السابق، وحصل الشيعة والكرد وبقية المكونات على حقوقهم الوطنية العادلة، جن جنون السعودية وبقية الأنظمة العربية، فناهضوا النظام العراقي الديمقراطي، وكعقوبة منهم للعراق، اعتبروا دعمهم المالي لصدام خلال حربه على إيران ديوناً على الشعب العراقي، و وظفوا العقيدة الوهابية الفاشية المعادية لكل الأديان والمذاهب، لإثارة الشحن الطائفي ضد الشيعة وكذلك ضد إيران، الأمر الذي شجع إيران للعب دور قوي في دعم النظام العراقي الجديد. وهذا ما أثار حقد وغضب السعودية أكثر فأكثر.

ومن جانب آخر، ومنذ إعلان الثورة الإيرانية، راحت إيران تدعم المكونات المضطَهدة في البلاد العربية، ليس الشيعة فحسب، مثل حزب الله في لبنان، بل وحتى التنظيمات السنية المناهضة لإسرائيل مثل حماس في غزة/فلسطين. وهذا الوضع الجديد جعل السعودية والأنظمة الخليجية تتمادى أكثر في اضطهاد الشيعة في بلدانها والتقرب إلى إسرائيل والتحالف غير المعلن معها. فكانت مثلاً ثورة الحوثيين في اليمن، وانتفاضة الشيعة في البحرين (يشكل الشيعة في البحرين نحو 80% من الشعب وهم محرومون من أبسط حقوق المواطنة). وكان رد فعل السعودية أن أرسلت قواتها (درع الخليج) فارتكبت مجزرة رهيبة ضد الشعب البحريني لم يسلم منها حتى الأطباء ومساعدوهم لأنهم عالجوا ضحايا العدوان من البحرينيين. والحجة أن هذه الانتفاضات هي من صنع إيران.

في صحيفة الغارديان اللندنية اليوم (29/3/2015 )، كتب الباحث في شؤون الشرق الأوسط السيد نسيبه يونس: (إيران لم تنسق الانتفاضات في البحرين وإنما سبب هذه الانتفاضات هو الظلم والمطالبة بالحقوق. وإيران لم تخلق ميليشيات في العراق، بل انضم الشيعة العراقيون طوعا إلى الميليشيات من أجل الدفاع عن أنفسهم وبلادهم. وفي هذه الحالة تسعى إيران إلى استغلال الفرصة، وتعمل على دعم الجهات الناشطة المحلية التي تناضل ضد المظالم، ولزيادة قوتها ونفوذها في المنطقة. ولذلك فالتمادي في قمع تلك الجهات المظلومة ليس هو الحل.)(1)

ونتيجة الدعم الإيراني للفئات المهمشة والمضطهدة في البلاد العربية، وتخاذل الحكومات العربية وعلى رأسها السعودية، وتواطئها مع إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، صارت إيران تتمتع بشعبية واسعة في العالم العربي. ففي عام 2006، حققت إيران شعبية حوالي 75٪ في العالم العربي والإسلامي، وأحرزت 85٪ بين الجمهور السعودي. ويستنتج الكاتب قائلاً: (إذا كانت السعودية تريد حقا تقويض النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، يجب عليها أن تقر بمعالجة آلام ومعاناة الفئات المهمشة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وذلك بإعطائهم حقوقهم ودعوتهم الى طاولة المفاوضات هي أفضل وسيلة لعزلهم من النفوذ الإيراني.) ... ولكن بدلاً من ذلك، وكما ينقل لنا الكاتب اعتماداً على تقرير من وكيليكس، "أن السعوديين قد حضوا الولايات المتحدة على "قطع رأس الأفعى" من خلال تعزيز العقوبات وقصف إيران."(نفس المصدر).
والسؤال الآن هو، ما الذي دفع السعودية، الأغنى دولة في العالم إلى شن حرب ظالمة على اليمن، الأفقر بلد في العالم؟
السبب هو ليس سيطرة الحوثيين على الحكم، وهزيمة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن، ومن ثم إلى الرياض، بل هو خوف السعودية من توسع النفوذ الإيراني، وخاصة بعد أن اقتربت المفاوضات الإيرانية مع مجموعة الـ (5+1) بقيادة أمريكا في جنيف، إلى حل يبدو في صالح إيران وخروجها منتصرة كقوة عظمى في المنطقة. ويبدو أن السعودية صارت تخاف أن تتخلى عنها أمريكا، لذلك قررت أن تشن هذه الحرب على اليمن للحد من النفوذ الإيراني!

وكما أشرنا أعلاه، فثورة الحوثيين ليست بتحريض من إيران كما تحاول وسائل الإعلام السعودي والعربي تضليل الرأي العام، وإنما هي نتاج مظالم الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ الانقلاب على النظام الملكي وإلى الآن. فإيران ليست لها قوات عسكرية في اليمن لدعم الحوثيين عدا الدعم المعنوي واللوجستي. وتشيُّع الحوثيين (الزيدي) يختلف عن التشيع الإيراني (الإثني عشري). ولذلك فالصراع هو لأغراض سياسية بحتة والنفوذ. إذ كما ذكر روبرت فيسك في الإندبندنت اللندينة، إن العائلة السعودية خائفة من داعش، وخائفة من الشيعة، وخائفة من إيران وخائفة من اليمن، وخائفة من أمريكا وخائفة من إسرائيل، بل خائفة حتى من نفسها، و من قواتها الأمنية أن تنقلب عليها !!!(2)

نعم، العائلة السعودية خائفة حتى من نفسها ومن خيالها. إذ هناك أنباء تفيد عن انشقاق داخل الأسرة الحاكمة، وأن عدداً من الأمراء ضد تورط بلادهم في الحرب على اليمن، وعلى رأس هؤلاء متعب ابن الملك عبدالله. وأن الملك الحالي، سلمان بن عبدالعزيز يعاني من شتى الأمراض، من بينها بدايات الخرف (مرض الزهايمر)، فهو كثير النسيان، وعاجز عن صنع القرار. أما وزير الدفاع فهو الأمير محمد ابن الملك سلمان في الثلاثين من العمر، يفتقر إلى أبسط ثقافة وخبرة في السياسة ناهيك عن الحرب. وبذلك فيعتقد أغلب المحللين السياسيين وخاصة في الغرب، أن هذه الحرب قد تؤدي إلى صراع داخل العائلة الحاكمة وربما إلى انهيار الحكم السعودي.
ومهزلة المهازل هي، ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر القمة العربي في شرم الشيخ بتاريخ 28 آذار الجاري يدعو "لإنشاء قوة عسكرية عربية، تشارك فيها الدول اختياريا، وتتدخل هذه القوة عسكريا لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء بناء على طلب من الدولة المعنية، وهو القرار الذي تحفظ عليه العراق".

فلو تم الأخذ بهذا القرار الغريب العجيب، لاعتبرت أغلب الحكومات العربية غير شرعية، إذ كما جاء في مقال للسيد سالم مشكور: (غريب أن نسمع الرئيس المصري يقول أن ما حدث في اليمن هو انقلاب على الشرعية، وإنه مستعد لإرسال قواته لإعادة الحكم الى الشرعية. فلو كانت كل «شرعية» لا يجوز الانقلاب عليها، فان حكم الرئيس المخلوع محمد مرسي كان شرعيا (بذات المعيار) أيضا، والسيسي أطاح به. هل يعني ذلك ان حكم السيسي الآن غير شرعي؟ وهل ان من حق دول معادية له مثل قطر وتركيا استخدام أموالهم لاستخدام قوات باكستانية لمهاجمة مصر و"إعادة الشرعية"؟(3)
يبدو أن السعودية بلغ بها الغرور إلى حد الثمالة بسبب تراكم الثروة النفطية إلى أرقام فلكية هائلة فوق التصور والخيال، فاعتقدت أنها بإمكانها شراء الحكومات وجيوشها وتحريكها كما تشاء. ولحد الآن، نجحت في تحويل جيوش عشر دول عربية وباكستان إلى جيوش مرتزقة للإيجار، ومع الأسف الشديد حتى الجيش المصري لم يسلم من الإغراء السعودي، وهذا ليس في صالح الشعب المصري الذي له تاريخ مؤلم في اليمن وهو يعاني اليوم من المليشيات الإسلامية السنية (الإخوانية) ذات العقيدة الوهابية. إنها (فزعة عرب) ضد اليمن، بقيادة السعودية ولأغراض شريرة. وفي هذه الحالة، وكما نفهم من دروس التاريخ، فلا بد وأن يكون مصير النظام السعودي الزوال كمصير النظام البعثي الصدامي، وأن تورط السعودية في هذه الحرب الجائرة على الشعب اليمني هو بداية النهاية لمملكة الشر، وإن غداً لناظره قريب.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Nussaibah Younis: The Saudi-Iran power play behind the Yemen conflict
http://www.theguardian.com/commentisfree/2015/mar/29/iran-saudi-arabia-yemen-conflict

2- Robert Fisk: The battle for the Middle East's future begins in Yemen as Saudi Arabia jumps into the abyss
http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/the-battle-for-the-middle-easts-future-begins-in-yemen-as-saudi-arabia-jumps-into-the-abyss-10140145.html

3- سالم مشكور: عاصفة الغرائب!
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/187926.html



247
وعلى جماهيرها جنت القيادات السنية

د. عبدالخالق حسين

السلطة أشبه بالمخدرات، تدمن الفرد الحاكم، وتدمن الحزب الحاكم، وكذلك تدمن المكون الواحد من شعب يتألف من عدة مكونات إذا ما انفرد هذا المكون بالحكم لعدة أجيال. وللاحتفاظ بحكمهم، يستخدم هؤلاء الحكام سياسة (فرق تسد) بأبشع صورها، لخدع أبناء مكون السلطة بأن مصيرهم مرتبط بتمسكهم بالسلطة. فلمدة 80 سنة راحوا يبثون روح التفرقة بأبشع أنواعها الطائفية والعنصرية والمناطقية، بين مكونات الشعب، وخاصة ضد الشيعة ونعتهم بأحط الصفات الدونية للنيل من كرامتهم، والطعن بوطنيتهم، والتشكيك بقوميتهم ودينهم ومذهبهم. وبلغت هذه الحملة الظالمه ذروتها في عهد حكم الانحطاط والدمار، حكم البعث الفاشي العنصري الطائفي البغيض. ولكن للتاريخ منطقه العادل، إذ أسفر البعث عن وجهه الكالح، وظهر على حقيقته فتحول إلى (داعش)، يعني وكما يقول العراقيون (مستقبل التنكة كحف).

وقد حاول المخلصون في العراق الجديد منذ 2003، طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة، وتأسيس النظام الديمقراطي التعددي، يشارك في حكمه جميع مكونات الشعب بلا استثناء، وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع. ولكن رفضه المدمنون على احتكار الحكم، فلجأوا إلى الإرهاب، وجلبوا شذاذ الآفاق من الإرهابيين المغسولة أدمغتهم بفتاوى مشايخ الوهابية، وبدعم البترودولار الخليجي، وخدع السياسيون السنة جماهيرهم بأن الشيعة صفويون وروافض، وصار العراق مستعمرة إيرانية...إلى آخر الاسطوانة المملة.
و كما نشرت صحيفة نرويجية، ذهب طارق الهاشمي إلى واشنطن، وقابل جورج دبليو بوش هامساً في أذنه أنه إذا ما أعاد الحكم لهم كما كان قبل 2003، فسيدعمون المصالح الأمريكية في المنطقة، ويعملون على حل الصراع الإسرائيلي – العربي كما تريده أمريكا، فرد عليه بوش أن عهد حكم المكون الواحد في العراق قد انتهى، وعليكم أن تقبلوا بالديمقراطية ومشاركة الجميع.

لذلك لجأوا إلى الإرهاب، واخترعوا تنظيم (داعش) الذي هو نتيجة تلاقح البعث والقاعدة، وبدعم من دول كبرى وإقليمية، والذي خرج من سيطرتهم فيما بعد، إذ جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن. صحيح أن معظم ضحايا التفجيرات البعثية الإرهابية من الشيعة، إلا إن ما حصل في الآونة الأخيرة وعلى أيدي الدواعش، كان وبالاً على العرب السنة، حيث كان نصيبهم القتل والدمار الشامل، والمقابر الجماعية لكل من لا يبايع خليفتهم (القره قوزي - البغدادي)، إضافة إلى تشرد الملايين... وقائمة الكوارث تطول.

وأخيراً، وبعد خراب الموصل وغيرها من المحافظات ذات الأغلبية السنية التي سلموها إلى داعش في مسرحية أحيكت بمنتهى المكر والخبث والدهاء والحقارة والخيانة الوطنية، وما لحق بالعراق عموماً من خسائر بشرية ومادية، وإصرار المكونات الأخرى على مواصلة دعم الديمقراطية ومهما حاول المغرضون تشويه صورتها ونشر الافتراءات وحملات التشويه الظالمة ضدها، وبعدما انتبهت الجماهير والعقلاء الشرفاء من أهل السنة أن قادتهم السياسيون خدعوهم وجلبوا لهم الكوارث، بينما القادة أثروا ثراءً فاحشاً من هبات دول الخليج الذين ضحكوا عليهم ودفعوهم إلى تمزيق وطنهم وقتل أبناء جلدتهم.

مناسبة هذه المقدمة أن نُشر في الأسبوع الماضي على مواقع الانترنت تقرير تضمن تصريحات نُسبت إلى السيد أسامة النجيفي رئيس البرلمان سابقاً، والقيادي في اتحاد القوى العراقية، ونائب رئيس الجمهورية حالياً، بعنوان: "النجيفي: سنة العراق وقعوا ضحية مؤامرة لدول الخليج مع امريكا"، جاء فيه: (... قال أسامة النجيفي في اجتماع ضم قيادات اتحاد القوى العراقية عقد في منزل رئيس البرلمان سليم الجبوري ببغداد " أن سنة العراق وقعوا ضحية لمؤامرة خليجية امريكية حاولت تغير الموازين في العملية السياسية العراقية بعد 2003، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، مبينا ان من دفع الثمن هم سنة العراق، وذلك نتيجة لسياسات وقرارات خاطئة اتخذتها القيادات المتصدية للعملية السياسية آنذاك"، وأضاف: "ان رفض التعامل مع الوضع السياسي الجديد بعد 2003، وعدم الاعتراف بحقوق الإخوة الشيعة كواقع حال، والاندماج والتعايش معهم كلفنا الكثير ولم نحصد اي فائدة تذكر من هذا العناد"(1).

هذه التصريحات رغم خطورتها، لم تتلق أية ردود أفعال من قبل السياسيين من مختلف الكتل السياسية والاتجاهات عدا تعليقات من عدد من الكتاب المتابعين للقضية العراقية. وفي هذه الحالة، فهناك احتمالان، إما هذه التصريحات مفبركة أو حقيقية. فلو كانت مفبركة لقام السيد النجيفي بنفيها. ولكن رغم مرور عدة أيام على نشرها، فلم يصدر أي نفي. ولذلك نعتبر هذه التصريحات حقيقية.
وفي هذه الحالة هناك أيضاً احتمالان: إما أن أصدرها السيد النجفي بحسن نية بعد أن حصلت لديه قناعة أنهم (السنة العرب) تم خدعهم والضحك عليهم من قبل الخليجيين وأمريكا، أو مجرد بالون اختبار لجس نبض الشارع السني من هذه التصريحات بعد أن أكتشفت الجماهير السنية العربية أن قادتهم خدعوهم وقادوهم إلى التهلكة، فكان للقياديين الثراء الفاحش (رشوات من الخليجيين)، والسفرات المكوكية لدول الخليح وأمريكا، والظهور على وسائل الإعلام العربية المحرضة، بينما نصيب الجماهير القتل والدمار، وتشريد الملايين وهتك الأعراض.

لذلك أدرك أسامة النجفي أن القادة السنة الذين أوصلوا مجتمعاتهم إلى هذه النهاية المأساوية أنهم على وشك أن تنبذهم جماهيرهم وتستبدلهم بمن يشاركونهم آلامهم، وحريصون على الوحدة الوطنية العراقية، التي هي الضمانة الوحيدة لمستقبل زاهر للجميع. لذلك حاول النجيفي أن يطلق هذه التصريحات قبل فوات الأوان ليقفز من السفينة الخليجية الغارقة إلى السفينة العراقية الناجية التي الحقت الهزيمة بداعش وكل من يقف وراءه بفضل قواته العسكرية المسلحة المدعومة من الحشد الشعبي ورجال العشائر السنية.   

كذلك نشرت وسائل الإعلام تصريحات لرئيس مجلس النواب الأسبق والعضو الحالي فيه الدكتور محمود المشهداني، أنه حمّل العرب السنة مسؤولية ما يحصل لهم من دمار. قائلاً:" لماذا نلوم إيران وهي التي تدافع عن مصالحها ونترك لوم أنفسنا ومحاسبتها على تشتتها الى 22 دويلة هزيلة و49 دولة تسمي نفسها إسلامية سنية وهي كل يوم تسئ الى سنيتها ولا أستثني أحدا منا ولا منهم…"(2)

والسؤال الملح هنا: هل كان على الشعب العراقي بكل مكوناته أن يدفع كل هذا الثمن الباهظ من أرواح مئات الألوف من أبنائه، ومئات الألوف من المعوقين والأرامل واليتامى، وتدمير ما قيمته مئات المليارات الدولارات من ممتلكاته ومؤسساته الاقتصادية، وضياع 12 سنة من عمره في الإرهاب والدمار بدلاً من الإعمار، ليتوصل هؤلاء السادة (أسامة النجيفي، ومحمود المشهداني وغيرهما من القيادات السنية)، إلى قناعة أنهم كانوا على خطأ، وأن " سنة العراق وقعوا ضحية مؤامرة لدول الخليج مع امريكا،... وأن لا يلوموا إلا أنفسهم"؟؟
نحن نتمنى أن تكون تصريحات هؤلاء السادة صحيحة، وعن قناعة، وبنوايا صادقة وليس مجرد تكتيكات مرحلية للضحك على الذقون. فالعراق بتعددية مكوناته، وبعد كل هذا الدمار الذي لحق به نتيجة دكتاتورية المكون الواحد لعشرات السنين، لا يصلح له إلا النظام الديمقراطي، تتعايش بظله مكوناته بسلام، مع احترام حقوق الأقليات، وتتخذ من صناديق الاقتراع وسيلة للتبادل السلمي للسلطة، وبدون ذلك لا يحصدون سوى الدمار والدماء والدموع. فمن يزرع الشوك لا يحصد إلا الشوك. 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- النجيفي: سنة العراق وقعوا ضحية مؤامرة لدول الخليج مع امريكا
http://aliraqtimes.com/index.html?mod=page&num=53080&lng=ar
2- محمود المشهداني : لا تلوموا الشيعة لوموا أنفسكم أيها السنّة
http://www.tasnimnews.com/arabic/Home/Single/693085


248
بترايوس ينضم إلى جوقة الأزهر السعودي

د.عبدالخالق حسين

اسم الجنرال ديفيد بترايوس مألوف على مسامع العراقيين، إذ كان قائداً للقوات الأمريكية في العراق لغاية انسحابها في نهاية عام 2011 وفق الاتفاقية الإستراتيجية بين العراق وأمريكا. وبعد ذلك تبوأ رئاسة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، ولكن أطيح به بعد فضيحة تسريبه معلومات سرية لصديقته. واليوم وبعد الانتصارات الرائعة التي حققها الجيش العراقي والحشد الشعبي ورجال العشائر العربية السنية والبيشمركة في مطاردة عصابات داعش، طلع علينا بترايوس بتصريح خطير لصحيفة (واشنطن بوست)، مفاده أن الحشد الشعبي أو كما سمّاه (المليشيات الشيعية المدعومة من إيران) أخطر على العراق والمنطقة من داعش!!!(1).

والجدير بالذكر أن الانتصارات التي حققتها القوات الأمنية المسلحة والحشد الشعبي، أثارت حملة هستيرية من مختلف الجهات، داخلية (من كتل سياسية مشاركة في السلطة مثل علاوي والنجيفي، والهارب من وجه العدالة الإرهابي، طارق الهاشمي.. ومن لف لفهم من الذراع السياسي لداعش)(2)، وجهات خارجية مثل السعودية على لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل الذي اعتبر هزيمة  داعش "كارثة ستضرب المنطقة اذا استمر هذا الوضع". وهذا يعني أنه لا يريد الهزيمة لداعش، خاصة " في مسقط رأس الراحل صدام حسين" على حد قوله.

وبضغوط من السعودية، انطلق شيخ الأزهر (الطيب) بإصدار تصريحات مماثلة يدين فيها هذه الانتصارات، عازفين على الوتر الطائفي، وهو أن "المليشيات الشيعية المدعومة من إيران" تقتل المدنيين السنة الأبرياء!! عجيب أمرهم.
إن دخول السيد بترايوس على الخط، وفي أكبر صحيفة أمريكية واسعة الانتشار(واشنطن بوست)، يعطي دفعاً جديداً لهذه الحملة الهستيرية ضد الانتصارات التي حققها الشعب العراقي على خوارج العصر(الدواعش)، وله دلالة مهمة ألا وهي أن جميع الساخطين والمتذمرين من هذه الانتصارات لا يريدون هزيمة داعش، بل أنهم ساهموا في خلق هذه العصابات كل حسب إمكانياته ودوره، و لأغراض مختلفة. وهذه التصريحات منسقة، وحسب الأدوار والوقت المناسب، وتشتد في عدوانيتها ضد العراق كلما تأكدت لهم هزيمة داعش. 
ولذلك فعندما نقول أن لإدارة أوباما يد في صنع داعش فليس من باب نظرية المؤامرة. فنحن ضد نظرية المؤامرة عندما يعلق العرب غسيلهم القذر على شماعة الغرب، ويؤولون أسباب فشلهم وكوارثهم على أمريكا وإسرائيل، ويبرئون أنفسهم وموروثهم الاجتماعي من أية مسؤولية عن تخلفهم. ولكن هذا لا يعني عدم وجود مؤامرات وتنسيق ودسائس من الغرب لعرقلة التنمية في البلاد العربية ولصالح إسرائيل.
صحيح أن داعش والقاعدة وغيرهما من المنظمات الإرهابية الدينية تستمد أيديولوجيتها من النصوص الدينية ولا شك في ذلك. ولكن لنكن واقعيين، وكما قال المستشرق الأيرلندي الراحل فريد هاليدي: "إن جميع الأديان السماوية فيها نصوص تدعو إلى العنف و إلغاء الآخر". وحتى البوذية المسالمة لم تستثنى من العنف إذ أرتكب بوذيون مجازر رهيبة بحق المسلمين في بورما قبل عامين. ولكن تبقى هذه النصوص الدينية التي تدعو إلى العنف خامدة إلى أن يوقظها دعاة العنف ولأغراض سياسية. فهناك قانون فيزيائي يفيد بإمكانية تحويل الطاقة من شكل إلى آخر، ففي الذرة طاقة هائلة يمكن استخدامها لأغراض سلمية مثل إنتاج الطاقة الكهربائية، وفي الطب...الخ)، ولكن في نفس الوقت يمكن تحويل هذه الطاقلة إلى سلاح الدمار الشامل. وكذلك الدين يمكن استخدامه للخير وللشر.
فقد بات الدور الأمريكي والسعودي معروفاً في تأسيس (القاعدة) و(طالبان) وغيرهما من منظمات "المجاهدين" لمحاربة القوات السوفيتية وإسقاط الحكومة الشيوعية في أفغانستان، والتي سبقها ورافقها ولحد الآن، فتح عشرات الألوف من المدارس الدينية في باكستان وأفغانستان ومصر وغيرها من مناطق العالم لنشر التطرف الديني وفق العقيدة الوهابية. وهناك بحوث من أكاديميين أمريكان يؤكدون ذلك(4). كذلك عملت أمريكا وبواسطة السعودية وقطر وتركيا في تأسيس جبهة النصرة وداعش، لإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، والتخلص من نوري المالكي في العراق. أما الإدعاء بأنهم يساعدون الجيش السوري الحر "المعتدل"، فهذا مجرد تبرير إعلامي، وما الجيش الحر إلا واجهة وواسطة لإيصال الدعم الأمريكي عن طريقه إلى الإسلاميين المتطرفين (النصرة وداعش).

وما الضجة التي أثارها القادة السياسيون والعسكريون الأمريكان ضد الانتصارات على داعش في العراق إلا دليل على أنهم لا يريدون هزيمة داعش. إذ راح الرئيس أوباما يردد عشرات المرات أن إلحاق الهزيمة بداعش يتطلب سنوات...!! وما أن رأوا هزيمة داعش في تكريت بفترة وجيزة حتى جن جنونهم وتحركوا باسم منظمات حقوق الإنسان، وإثارة النغمة الطائفية، وذرف دموع التماسيح على سنة العراق، في الوقت الذي نرى فيه الشرفاء العقلاء من أهل السنة، من رجال دين وسياسيين وشيوخ عشائر يدعمون الحشد الشعبي ويعربون عن امتنانهم لتضحياتهم (يرجى فتح الروابط أدناه: 5 و 6 و7).

لقد امتنعت أمريكا عن مساعدة العراق بالسلاح والعتاد، عدا إرسال مستشارين لتدريب القوات العراقية، ولا نعرف مدى فاعلية هذه المساعدات، أما السعودية وقطر وتركيا فيدعمون داعش بالسلاح والمال والإعلام علناً وبلا خجل. ولذلك لم يبق أمام العراق سوى القبول بالدعم الإيراني. فكيف للعراق أن يواجه أشرس تنظيم إرهابي متوحش دون مساعدة خارجية؟ وهل من الحكمة أن ترفض الحكومة العراقية المساعدات الإيرانية وفي هذا الظرف الحرج؟

تنقل لنا الصحفية ديبورا أيموس في مقابلة لها مع السيد علي دوداح الجبوري، عمدة شرقاط قوله: "أن داعش هي العدو المشترك، وأنه منح طهران ولائه لأن إيران قدمت لنا المساعدات بينما لم يقدم الأمريكيون لنا شيئا...لا أحد ساعدنا عندما جاء داعش، لا أمريكا، ولا تركيا ولكن ساعدتنا إيران، مع البنادق والدبابات والصواريخ."(8)

خلاصة القول، إن جميع الذين يطالبون الحكومة العراقية برفض المساعدات الإيرانية، وهم يواصلون الشحن الطائفي، ويعتبرون هزيمة داعش هزيمة لسنة العراق فهم مع داعش، ودليل على أن داعش يحارب الشعب العراقي ويقوم بالأعمال القذرة لصالحهم ونيابة عنهم. وقد أدرك عقلاء سنة العراق، من دينيين وسياسيين ورؤساء عشائر، هذه اللعبة الخبيثة، أنهم هم المستهدفون، وأنهم من أكثر المتضررين من داعش.
بل وحتى أسامة النجيفي يبدو أنه صحى ولو متأخراً، من غروره وغفلته فانتبه إلى نتائج أعماله، إذ جاء في تقرير وصلني تواً بعنوان: (النجيفي: سنة العراق وقعوا ضحية مؤامرة لدول الخليج مع امريكا)(9).
أتمنى أن يكون الخبر صحيحاً وأن يكون صادقاً في صحوته. وفي هذه الحالة نقول له صح النوم ولو بعد "خراب الموصل". وحبذا لو ينتبه الباقون، إلى أن الحكومات الخليجية تريد تدمير العراق بسنته وشيعته وكل مكوناته حتى لا تقوم له قائمة، لأن العراق غني بإمكانياته البشرية وتاريخه الحضاري وثرواته الطبيعية. فكلما يحتاجه للنهوض هو الأمن والاستقرار.
لذلك فالمعركة مع داعش هي مسألة حياة أو موت، ومن الحكمة والضرورة وبإلحاح شديد، أن ترحب الحكومة العراقية وجميع مكونات الشعب العراقي وخاصة السنة، بالدعم الإيراني في معركته المصيرية والتي على أساس الموقف منها يتحدد الصديق من العدو بالرغم من المخاطر المستقبلية، وليذهب داعش وأنصار داعش من تركي الفيصل وبترايوس وأمثالهما إلى الجحيم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة

1- بتريوس: المليشيات الشيعية الخطر الأكبر على استقرار العراق وليس "داعش"
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/187377.html

طارق الهاشمي يقول إن المشاركين في معركة تكريت "غزاة وليسوا بمحررين"
http://www.shafaaq.com/sh2/index.php/news/iraq-news/92623--q-q.html

3- انتصارات العراق تثير هستيريا الافتراءات - عبدالخالق حسين
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=723

4- مقال السفير الأمريكي كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

5- فيديو (3 دقائق) كلام اكثر من رائع للشيخ عدنان العاني بحق الحشد الشعبي وبيان الازهر الاخير
https://www.facebook.com/video.php?v=458632020962690

6- فيديو (11 دقيقة) الإعلامي المصري إبراهيم عيسى: الأزهر .. وإشعال الفتنة بين السنة والشيعة
https://m.youtube.com/watch?v=VOgKqLO371c&feature=youtu.be
7- الآلوسي: الاتهامات للحشد الشعبي هي هجوم على العراق وعلى الجميع الدفاع عنه
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/187381.html
8 -Deborah Amos covers the Middle East for NPR News: In Tikrit Offensive, Local Sunnis, Shiite Militias Are Unlikely Allies
http://www.npr.org/blogs/parallels/2015/03/19/394099648/in-tikrit-offensive-shiite-militias-form-unlikely-alliance

9- النجيفي: سنة العراق وقعوا ضحية مؤامرة لدول الخليج مع امريكا
http://aliraqtimes.com/index.html?mod=page&num=53080&lng=ar



 


249
انتصارات العراق تثير هستيريا الافتراءات

د.عبدالخالق حسين

إن الانتصارات الباهرة التي حققتها قواتنا العراقية المشتركة الباسلة، الجيش، والقوات الأمنية، والحشد الشعبي، والعشائر العربية السنية في تحرير تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، من وباء جرذان داعش، هو انتصار للشعب العراقي ووحدته الوطنية عامة، والسنة بوجه خاص، وهزيمة شنعاء لداعش ومن يقف وراءه. وهذه الانتصارات هي الرد العملي الحاسم على مسرحية احتلال الموصل وتكريت، التي خططوا لها لسنوات وصرفوا عليها المليارات من البترودولار، من قبل قبائل البدو في ممالك الشر(السعودية وقطر)، في حرب نفسية سخروا لها أضخم أجهزة الإعلام، وآخر ما توصل إليه علم النفس لتدمير معنويات شعبنا وجيشه الباسل، وتفتيت العراق إلى دويلات متحاربة، وإجهاض الديمقراطية، وتبديد طاقات شعبنا في الاقتتال الطائفي، بدلاً من توظيفها للنهضة والبناء والاعمار والإزدهار الاقتصادي.

فبعد "احتلال" الموصل وتكريت من قبل داعش، قامت وسائل الإعلام العربية والغربية، مدفوعة الأجر، بشن حملة هستيرية ضد الجيش العراقي مفادها أن 400 داعشي استطاعوا إلحاق الهزيمة بـ 30 ألف من الجيش العراقي، مع 30 ألف من قوات الشرطة والأمن، وأن معنويات الجيش منهارة!! والحقيقة لم تكن كذلك، إذ معظم ضباط الجيش كانوا من ضمن الخلايا النائمة من البعثيين المحليين الذين اخترقوا الجيش بمختلف الأساليب الخبيثة، ومع تدبير مسبق في عدم الالتحاق بوحداتهم في ساعة الصفر يوم 10/6/2014، وأمروا جنودهم بالذهاب إلى بيوتهم، وتم الإعلان عن سيطرة عناصر داعش ومعظمهم من البعثيين المحليين،على الموصل ومن ثم تكريت، على أمل مواصلة زحفهم على بغداد ومن ثم إلى المحافظات الأخرى، وروجوا بأن الزحف الداعشي لا يمكن إيقافه!!...إلى آخر الحملة الإعلامية في الحرب النفسية.

ولكن الانتصارات الأخيرة في تحرير تكريت وبقية محافظة صلاح الدين كشفت الكثير من الحقائق، وقضت على الحرب النفسية، وأثبت المقاتل العراقي بسالته وشجاعته وتفانيه في تحرير بلاده، وتأكيد وحدته الوطنية، واستعداده للتضحية بحياته في سبيل وطنه وشعبه.

ولذلك، وإزاء هذه الانتصارات الرائعة، جن جنون قادة قوى الشر والظلام، وسخروا وسائل إعلامهم في ترويج الأكاذيب، وخدع حتى منظمات حقوق الإنسان في الغرب على ترديد افتراءات ضد القوات المسلحة والحشد الشعبي الذي تسميه بـ(المليشيات الشيعية). فنشروا فرية مفادها أن المليشيات الشيعية وبدعم من إيران، تقوم بالانتقام من السنة وقتلهم في المناطق التي يحتلونها. في الوقت الذي تشارك العشائر العربية السنية في صلاح الدين مثل الجبور والعُبَيد وغيرهم، وكذلك العشائر العربية في الأنبار. ولم تتحرك هذه الجهات المشبوهة عندما قام الدواعش بقتل المئات من أبناء عشيرة البو نمر السنية في الأنبار، وأكثر من خمسمائة من المحكومين الشيعة في سجون الموصل، وأكثر من 1700 من منتسبي القوة الجوية في قاعدة سبايكر بتكريت. كل هذه الجرائم البشعة سكتت عنها وسائل الإعلام العربية والغربية ومنظمات حقوق الإنسان، وكذلك الأزهر الشريف لم يحرك ساكناً. وحتى الصحف الخليجية راحت تحذر من "هيمنة" إيران، يعني لا خوف من داعش، بل الخوف من إيران، ولأن إيران تدعم القضية الفلسطينية، ونتنياهو "مرعوب" من البرنامج النووي الإيراني الموهوم.

ولكن ما أن حققت القوات العراقية المشتركة انتصارات باهرة على داعش، حتى وثارت ثائرة هذه الجهات المشبوهة، متهمة القوات العراقية بالقتل العشوائي للمواطنين السنة. والغريب أنه حتى القادة العسكريين الأمريكان لم يخفوا قلقهم من انتصارات القوات العراقية، إذ سمعنا رئيس الأركان العامة الجنرال مارتن ديمبسي، يبدي مخاوفه، محذراً من "عواقب ما بعد استعادة تكريت"!! عجيب أمرهم.

لقد جاء الدعم الإيراني للعراق بعدما امتنعت أمريكا عن هذا الدعم في أول الأمر بحجة أن داعش قضية سياسية، إلى أن خرجت من سيطرتهم. فما هي حقيقة الدعم الإيراني للعراق في حربه على الإرهاب؟ في الحقيقة لا يختلف الدور الإيراني عن الدور الأمركي وبقية الدول المتحالفة ضد الإرهاب، ويقتصر على مده بالمستشارين العسكريين، وتدريب القوات العراقية وتجهيزها بالسلاح والعتاد. ففي العراق نحو 4000 عسكري أمريكي يساعدون الجيش العراقي، ومئات العسكريين البريطانيين يدربون البيشمركة، ومئات آخرين من مختلف الجنسيات يدربون أبناء العشائر العربية، كل هؤلاء لا يثيرون أية ريبة ومخاوف، ولكن فقط الدعم الإيراني بعدد من المستشارين يثير المخاوف ومرفوض! أما الجنرال قاسم سليماني فصنعوا منه أسطورة، وصار بعبعاً أقض مضاجعهم.
فالحكومات العربية وخاصة الخليجية، لا تريد محاربة داعش بدعم إيراني، ولا بمقاتلين عراقيين شيعة، ولا هم يقدمون أي دعم للعراق في هذه الحرب. فإذّنْ، كيف يمكن إنقاذ الشعب العراقي من حرب الإبادة التي تشنها عليه قوى الإرهاب؟
والغريب أن بعض حصن طروادة من أمثال أياد علاوي، يقفون ضد الحشد الشعبي ويطالبون السعودية بإرسال قوات عربية لمسك الأرض، يعني تماماً كما عملت قوات "درع الخليج" السعودية في البحرين. فأية وطنية هذه؟ والأغرب أننا نشهد مغازلات بين علاوي ومقتدى الصدر، وهذا ليس بدون إغراءات المال السعودي والقطري.
 
وأخيراً، حتى جامع الأزهر دخل على الخط، ولم يحافظ على وقاره الديني، إذ انضم إلى جوقة المروجين والمفترين أن المليشيات الشيعية تقتل أهل السنة. يعني عندما يقتل الجندي العراقي في ساحة الحرب داعشياً، فيتحول هذا الداعشي الإرهابي إلى مدني سني مسالم وبريء، وأن "المليشيات الشيعية" وبدعم من إيران الصفوية يقتلون أهل السنة!!

ويذكر ان الازهر أصدر بياناً كال فيه لقوات الحشد الشعبي اتهامات باطلة بعيدة عن الواقع الذي يجري في العراق والبطولات الميدانية التي حققتها تلك القوات، ونسب له افعالاً لم تحدث قط في المناطق التي حررها الحشد والقوات الامنية... فقد أعرب بيان الأزهر عن بالغ القلق لما ترتكبه ما تسمى بـ«ميليشيات الحشد الشعبي» الشيعية المتحالفة مع الجيش العراقي (من ذبح واعتداء بغير حق ضد مواطنين عراقيين مسالمين لا ينتمون إلى «داعش» أو غيرها من التنظيمات الإرهابية).
والجدير بالذكر أن الحشد الشعبي تشكيل وطني يضم جميع اطياف الشعب العراقي في مقدمتهم الشيعة والسنة والتركمان والايزيديون والمسيحيون والصابئة ومختلف القوميات والمذاهب.(1)

ولكن شمس الحقيقة لا يمكن حجبها بالغربال، فكما يقول المثل:(لو خليت قُلِبت)، إذ "كشف السياسي المصري البارز محمد البرادعي عن ضغوط كبيرة تعرض لها مشايخ الازهر لاصدار بيان ”ميليشيات الحشد الشعبي". وقال البرادعي في تصريح صحفي، ان الاخوة في وزارة المالية طلبوا مساعدة مشيخة الازهر لإصدار بيان يدين فصائل شيعة تقاتل تنظيم ”داعش” في العراق، مبينا ”ان منحة سعودية بقيمة ثلاث مليارات دولار كانت متوقفة على هذا البيان". وأضاف :ان الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن، يضعها تحت ضغوط هائلة قد يضطرها احيانا لاتخاذ مواقف تخدم اطراف أخرى، كما حصل مع قطر ودعمها لحكومة الاخوان، واليوم جاء الدور السعودي وحكومة الجنرال السيسي".(2)

لقد أساء مشايخ الأزهر إلى أنفسهم وإلى مؤسستهم الدينية العريقة أكثر مما أساؤوا إلى العراق وجيشه وحشده الشعبي المؤلف من كل مكونات الشعب العراقي، خسروا مصداقيتهم، ووقعوا في الفخ السعودي-الداعشي، وأثبتوا أنهم مجرد وعاظ السلاطين ينفذون ما يأمرهم السلطان ووقفوا مع الشيطان. والحقيقة، حتى مشعان الجبوري، ورغم سيئاته في الماضي، برز أطهر وأشرف من أنصار الدواعش، إذ أبدى حرصه على الوحدة الوطنية، فراح يدافع عن حملة تطهير المناطق من رجس الدواعش، ويفند أكاذيب المروجين الطائفيين وأسيادهم السعوديين والقطريين.
فالغرض واضح من كل هذه الحملة الهستيرية التي أثبتت أن هذه الجهات وبتأثير من السعودية وقطر يحاولون وباستماتة ويأس إنقاذ مجرمي داعش من الفناء المحتوم. وهذا يؤكد ما قلناه مراراً وتكراراً أن داعش صناعة دولية وإقليمية لمعاقبة حكومات وشعوب تخرج عن بيت الطاعة لهذه الحكومات. ولكن في نهاية المطاف، لا بد وأن تنتصر الشعوب وقوى النور والحق والخير على قوى الظلام والباطل والشر.
ألف تحية لجميع منتسبي قواتنا المسلحة، الجيش والحشد الشعبي، وأبناء العشائر، وكل من يحارب الدواعش و يضحون بكل شيء في سبيل الوطن و وحدته. والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار، وعزاؤنا لذويهم، ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى والمصابين. والخزي والعار لأعداء شعبنا من الدواعش ومن يساندهم و يدافع عنهم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- السيد عمار الحكيم: بيان الازهر الشريف بشان الحشد الشعبي استند الى معطيات مفبركة وكاذبة
http://wwww.alforatnews.com/modules/news/article.php?storyid=79252

2- البرادعي : بيان «ميليشيات الحشد الشعبي» رفد الخزينة المصرية بثلاثة مليارات دولار
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186829.html

3- The Secret Saudi Ties to Terrorism
http://www.strategic-culture.org/news/2015/03/11/the-secret-saudi-ties-to-terrorism.html
 4- حسين كركوش: ماذا لو تجرع العراقيون السنة السم ؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=458978
_________________
ملحق
بعد نشر مقالي الأخير الموسوم: (وسقط القناع عن الوجوه الكالحة) وصلتني رسالة من الصديق السيد يوسف الشطري، ونظراً لأهميتها، رأيت من المفيد نشرها بموافقته وباسمه الصريح مشكوراً.

السيد عبد الخالق المحترم تحية طيبة،
بدءا اود بكل سرور ان اشاركك فرحة العراق بانتصاره على الدواعش ولطالما أكدّتُم في مقالاتكم حول النصر المحتوم.
ثانيا لدي بعض المخاوف على الحرب العراقية العادلة والف خط تحت العادلة لأنها حرب ابناء الرافدين مع الهمج والرعاع وشذاذ الافاق من داعش وبعثية وبعض العرب الاغبياء (اغبياء حتى النخاع)، لماذا اغبياء؟ ببساطة لأنهم لم ينصروا العراق الديمقراطي ولم يفهموا المعادلة بعد التحرير 2003 وخسروا العراق وشعبه بسبب افعالهم الطائفية المقيتة.
كان بمقدور العرب حكاما وشعوبا ان يساندوا العراق في محنته مع الارهاب طوال 11 سنة، لكنهم اختاروا الحرب الغبية على العراق. اليوم أتى النصر ومعه مخاوف العرب، وهنا لا اخفيكم قولاً، بأن المخاوف حقيقية، حيث ان العراق اختار التعامل مع الجارة ايران بعد صبر طويل كلفه آلاف الانتحاريين والمفخخات التي حصدت ارواح البغداديين بوجه الخصوص والعراق عموماً. كان العرب يحسبون ان العراق سينتهي ولا قائمة ستقوم لهذا البلد، وكان تبريرهم ان العراق ومستقبلة مُرتبط بالعاهر صدام، وما ان يسقط الطاغية سينهار العراق، ولكن النتائج اثبتت عكس ذلك. العراق رغم كل التحديات التي يواجهها, باقٍ الى الأبد فهو سرمدي الوجود.
منذ يوم امس وأنا اسمع وأرى نحيب البعض على العراق، وكيف ان ايران قامت بالتهام العراق وطبعا لنفس الاسباب الطائفية(اما فيكم ذو عقل؟). والحقيقة التي ارعبتهم هي ان ابناء العراق قرّروا النزول لسوح الوغى وذلك لتطهير بلاد وادي الرافدين من رجس البعث الصدامي وخلافتهم المزعومة. منذ امس وأصوات النحيب تسمع في كل مكان من القوميين العرب، بأن العراق ضاع، وسبب مخاوفهم هي اسلحة ايران التي قدمتها لقوات الحشد الشعبي الذي اَثر على نفسه تحقيق النصر ومساعدة قواتنا الامنية البطلة. جُلَّ ما ازعجهم هو انتصار العراق بمساعدة السلاح الايراني. ورغم اني من انصار العلمانية والدولة الديمقراطية، وأيضاً رغم معرفتي بنظام الملالي في ايران وانتهاكاته لحقوق الانسان، لكن الواقع الذي فُرضَ قسراً علينا، يدعونا الى تعديل بعض الاولويات السياسية وهي اولاً، مرحى بمساعدة ايران للجيش العراقي والحشد الشعبي ولا عزاء للعرب...
 كنت اتمنى ان العراق يسير باتجاه الغرب المتحضر ونتخلص نحن ابناء الرافدين من جيراننا العرب والعجم ونلحق بركب الدول المتقدمة، ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن. هنا مرة اخرى ابارك للشعب العراقي النصر الذي حققته قوى الجيش والحشد الشعبي والعشائر العراقية الأصيلة، بمساعدة الايرانيين، حيث اثبت الايرانيون انهم سادة الشطرنج ونجحوا في كسب الرأى العراقي وهم محقون لأنهم وقفوا معنا في اكبر محنة يعيشها العراق في ضل وجود واقع عربي متهرئ وشعوب اغبى تعشق الموت لأجل الموت ليس الا.
كان بمقدور العرب مساعدة العراق في محنته مع الارهاب طوال السنين الماضية، ولكنهم وللأسف اختاروا التدمير لبلاد الرافدين وربطوا مصيرها بالبعث وصدام وهذه النتيجة امامكم. نعم تضحياتنا كبيرة جدا، ولكننا انتصرنا وسننتصر.
عاش الحشد الشعبي وجميع قوانا الامنية.
اكتب لكم رسالتي هذه, لاني سوف لن اقف متفرجاً على ما يحصل في العراق وسأدلي بِدَلويَّ للتأريخ، فالأحداث تصنع المواقف وأنا مع العراق ومرحى بكل شيء ينصر العراق وأهله.
شكرا جزيلا واعتذر للاطالة.
يوسف الشطري
12/3/2015

250
وسقط القناع عن الوجوه الكالحة

د.عبدالخالق حسين


منذ سقوط حكم البعث الطائفي الفاشي الجائر عام 2003 وإلى الآن هناك حرب إرهابية مستمرة ضد النظام الديمقراطي الوليد في العراق الجديد. وأعداء العملية السياسية معروفون، يمكن تقسيمهم إلى ثلاث فئات: الأولى، فلول البعث الذي فقد السلطة، والثانية، قسم من سياسي السنة العرب الذين فقدوا احتكارهم للسلطة وتحت أي مسمى كان، رافضين الديمقراطية وصناديق الاقتراع في التبادل السلمي للسلطة، والثالثة، المنظمات الإرهابية الإسلامية وتحت مختلف الأسماء، النقشبندية، والقاعدة، وأخيراً وليس آخراً، (داعش).
كانت حجة هؤلاء جميعاً في أول الأمر، أنهم يحاربون القوات الأمريكية المحتلة، ويدافعون عن سيادة واستقلال العراق. لذلك أطلقوا على إرهابهم "المقاومة الوطنية الشريفة". والحجة في الظاهر حق مشروع تمر بسهولة على السذج والجهلاء، رغم أن معظم ضحايا التفجيرات من الشيعة. وقد استخدموا الانقسام المذهبي لهذه الاغراض السياسية الدنيئة، فراحوا ولأول مرة يثيرون الفتنة الطائفية ويستخدمون أقذر الوسائل في الشحن الطائفي وبمنتهى الصراحة والوقاحة وخبث، وبشكل غير مسبوق في تاريخ العراق، وبدعم من الحكومات العربية،(1) وتركيا وحتى جهات غربية. 
وكنا قد أكدنا وحذرنا مراراً، أن الهدف من هذه الحملة الإرهابية هو وأد الديمقراطية وإجهاض العملية السياسية، وإبادة الشيعة، بدليل أن إرهابهم استمر حتى بعد خروج القوات الأجنبية. والأنكى من ذلك، أنهم راحوا يطالبون أمريكا بعودة قواتها إلى مناطقهم لخلاصهم من الدواعش الذين هم جلبوهم ووفروا لهم المأوى وساندوهم، مفضلين القوات الأمريكية لتحريرهم على الجيش العراقي، لأن في الجيش العراقي ضباط وجنود شيعة!! ولذلك حصل تحالف وتماهي في الأهداف ووسائل تحقيقها بين هذه الجهات الثلاث، البعث والإرهاب الداعشي، والقيادات السياسية السنية المشاركة في السلطة. وأخيراً اتضحت الحقيقة للعالم، كما جاء على لسان وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف الذي أكد أن البعثيين والسنة يمثلون أقوى مفرزة في تنظيم ″داعش″، مشيراً الى أن ″اولئك يستخدمون السلاح بكفاءة عالية″. وحذر لافروف من أن ″العراق وصل الى شفا كارثة ونحن نقدم المساعدات لمنع الوصول الى الهاوية″، لافتاً الى أن ″داعش اصبح قوة مخيفة وعدد مقاتليه بلغ 50 الف مقاتل″.))(2)

فيا ترى من أين جاء هؤلاء؟ هل هم حقاً "مجاهدون" أجانب جاؤا من أوربا وغيرها؟ إن أغلب الأرقام التقديرية تؤكد أن عدد الأجانب في داعش يتراوح ما بين 5 و 10 بالمائة من الإرهابيين في أكبر تقدير، وهذا يؤكد ما قاله لافروف. إضافة إلى دعم جهات دولية تضم الدول الإقليمية (السعودية وقطر والأردن وتركيا)، وهذا الدعم لم يكن بمعزل عن مباركة أمريكا، لأن هذه الدول هي حليفة لها في المنطقة، رغم أنها ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في العلن. كما وأكد نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن في محاضرة ألقاها في إحدى الجامعات الأمريكية أن السعودية وقطر وتركيا تدعم داعش(3 و4) وبايدن وحكومته ليسوا أبرياء في هذه اللعبة.
فهناك هدف مرحلي مشترك ومباشر يجمع هذه الأطراف الثلاثة تحت مظلة (داعش) الآن، وهذا الاسم يسمح لجميع الأطراف المشاركة بارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية، وأقذر الأعمال الإرهابية دون أن تحاسب عليها القوى السياسية المشاركة في السلطة وفي الإرهاب، والحكومات الداعمة لها. فهؤلاء يتظاهرون بمحاربة داعش وإدانة جرائمها ويلعنونها في العلن، ويدعمونها في السر وبطرق ملتوية كما ذكرنا، ولكنهم في نفس الوقت يشوهون سمعة القوات العراقية والحشد الشعبي التي تحارب داعش.
وكل جهة تستخدم الجهات الأخرى على أمل أنه تحالف تكتيكي مرحلي، للقضاء على الديمقراطية، أو إبقائها بالاسم فقط بعد إفراغها من محتواها، كما حصل في العام الماضي بعد الانتخابات التي حلت محلها "المقبولية" بدلاً من نتائج صناديق الاقتراع. واستخدموا داعش لتحقيق هذا الغرض. ولكن الهدف الأبعد بالإضافة إلى الإجهاز على الديمقراطية، هو القضاء على كل ما تحقق بعد 2003، وإعادة تأهيل البعث، ومشاركته في السلطة. وكما هو معروف من تاريخه الدموي، فالبعث لا يقبل بالمشاركة في الحكم مع أحد إلا كتكتيك مرحلي لينفرد فيما بعد باحتكار السلطة وحكم البلاد بالنار والحديد، والحروب العبثية، ونشر المقابر الجماعية لتعطيل التنمية في العراق ودول المنطقة خدمة لإسرائيل.

والجدير بالذكر أن ما سمي باحتلال الموصل وتكريت، وأجزاء من محافظة الأنبار، باسم داعش، كان مجرد استخدام مصطلحات للتمويه. فما حصل هو تغيير الاسم فقط، إذ أعلنت إدارات هذه المناطق انفصالها عن الدولة العراقية الفيدرالية دون إطلاق رصاصة واحدة. وهذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها محاولة فصل الموصل عن العراق. فعند تأسيس الدولة العراقية عام 1921، حاول جد الأخوين النجيفي (عبدالعزيز النجيفي) حث أهالي الموصل للتصويت في الإستفتاء الذي نظمته عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، لإلحاق الموصل بتركيا. كذلك مؤامرة الشواف عام 1959، والتي قضى عليها الشعب في مهدها. وما حصل يوم 10 حزيران الماضي هو الانفصال الثالث من نوعه وبتكتيك جديد باسم داعش. أما هروب المحافظ (أثيل النجفي) ومساعديه إلى أربيل فكان مجرد مسرحية لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون.
ولم تكن هذه المسرحية بمنأى عن مشاركة حكومة إقليم كردستان، حيث كانت حصتها من الغنيمة احتلال كركوك، وإلحاق المناطق المتنازع عليها والتي "حررتها" قوات البيشمركة من "احتلال" الدواعش، وأعلن حينها السيد مسعود بارزاني رئيس الإقليم أن المادة 140 من الدستور انتهت، وأعلن ابن أخيه السيد نوجيرفان بارزاني رئيس حكومة الإقليم، أن العراق دولة مفلسة، يعني لا يوجد شيء اسمه عراق. وغني عن القول أن هذه التصريحات تصب في خدمة القوى المنضوية تحت مظلة (داعش).
ولكن في نفس الوقت أخطأ هؤلاء في حساباتهم، ولم يخطر في بالهم ما لم يكن في الحسبان، إذ كانوا قد خططوا بتحريك ما يسمى بالخلايا النائمة في بغداد ليعيدوا فيها ما حققوه في الموصل وتكريت.
ولكنهم فوجئوا بفتوى الإمام السيستاني، التي استجاب لها نحو ثلاثة ملايين من الشباب من كل مكونات الشعب، ليشكلوا فصائل الحشد الشعبي، والتي التحمت مع القوات المسلحة الباسلة وحققت بتلاحمها وبسالتها انتصارات رائعة، وها هي داعش في تراجع وهزائم وإفلاس مالي وأخلاقي. هذه الفتوى أقضَّت مضاجع المتآمرين، الأمر الذي جعلت الحكومات الداعمة لهذه المؤامرة تحتج "على تدخل رجل دين في السياسة!!!" بينما لم تحتج هذه الحكومات ووسائل إعلامها على آلاف الفتاوى التي أصدرتها مشايخ الوهابية في قتل الشيعة وغيرهم، وإباحة دمائهم وهتك أعراضهم.

وبعد تحقيق الانتصارات الساحقة، تحرك الذراع السياسي والإعلامي لجبهة داعش بحملة إعلامية قذرة لتشويه سمعة الحشد الشعبي، باستخدام مصطلحات لتضليل الرأي العام، فمثلاً إصرارهم على تسمية (الحشد الشعبي) بمليشيات شيعية بقيادات إيرانية، يحاربون في المناطق السنية وبدعم من إيران!!، والادعاء بأن هذه المليشيات ما أن تحرر منطقة حتى وأزالوا العلم الداعشي الأسود، ورفعوا مكانه العلم الشيعي الأصفر!!. هذا ما ردده مراسل بي بي سي (BBC Radio4) مساء 6/3/2015. كما وقامت القناة الرابعة البريطانية (Channel 4 TV) مساء 5/6/2015 بنشر تقرير مصور أدعى فيه أن "المليشيات الشيعية" تضطهد وتقتل السنة في المناطق التي تحتلها القوات العراقية، وكمثال، قاموا بتصوير فيلم نرى فيه طفلاً يبلغ العاشرة من العمر، وهم يصرخون في حالة هستيريا (هذا سني سني... انت سني؟)، ومن ثم نسمع رشقات الرصاص المزعوم أنها انهمرت على الطفل الجالس بجانب الحائط. والغريب أن الطفل لم يرف له جفن ولم يسقط ميتاً، مما يدل على أن كل هذه العملية كانت مسرحية أخرجت بإتقان مع تعليقات المراسل للشحن الطائفي ولتشويه سمعة الحشد الشعبي. والله يعلم كم دفعوا في فبركة هذه التقرير وبثه على محطة تلفزيونية بريطانية.

كما ونشر موقع (العربية) السعودي، نقلاً عن فرانس برس تصريحاً لرئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي حذر فيه من احتمال تفكك الائتلاف الدولي ضد التنظيمات المتطرفة، إذا لم تقم الحكومة العراقية بتسوية الانقسامات الطائفية في البلاد. وقال "ينتابني بعض القلق إزاء صعوبة إبقاء الائتلاف للمضي في مواجهة التحدي ما لم تضع الحكومة العراقية استراتيجية وحدة وطنية سبق أن التزمت بها"(5). يعني كلام حق يراد به باطل. فيا ترى ماذا عسى أن تفعله الحكومة العراقية أكثر مما فعلت لتسوية الانقسامات الطائفية؟ ألا يعني هذا أن هذه شروط تعجيزية تفرضها أمريكا على العراق لصالح داعش وإطالة بقائه؟
هذه الأسباب وغيرها مجتمعة تجعلنا نعتقد أن داعش صناعة أمريكية لتنفيذ غايات مبيته في المنطقة. إذ لا يمكن للإعلام الغربي الخروج على استراتيجية الغرب إلا في حالات لا تضر بالإستراتيجية العامة. 

كما واستمرت الحملة في داخل العراق من قبل الذراع السياسي لداعش، من أمثال أياد علاوي والأخوين النجيفي والمطلك، ومن أطلق على نفسه بمفتي الديار العراقية، الشيخ رافع الرافعي الذي لم يخجل في الدعوة العلنية بمحاربة الجيش العراقي الذي وصفه بـ(المجرم). (يرجى مشاهدة الفيديو- الرابط في الهامش6). والجدير بالذكر أن الدكتور خالد الملا، رئيس جماعة علماء العراق (السنة)، استنكر وبقوة تطاول الشيخ رافع الرفاعي وتهجمه على أبناء الجيش العراقي وأبناء العشائر والحشد الشعبي(7).

كذلك تصاعدت الحملة من قبل أغلب نواب السنة أو بالأحرى (نواب داعش) في البرلمان على تغييب النائب السيد هادي العامري (القائد الميداني للحشد الشعبي)، ومحاسبته. في حين أنهم قاطعوا البرلمان منذ مدة احتجاجاً على قيام الجيش والحشد الشعبي على ضرب داعش. وسبب تركيزهم على السيد العامري هو ما حققه الحشد الشعبي بقيادته من انتصارات ساحقة على جرذان داعش، وأفشال مخططاتهم الخبيثة. والجدير بالذكر أن كتلة بدر النيابية "أكدت أن رئاسة مجلس النواب سمحت لرئيس منظمة بدر النائب هادي العامري بعدم حضور جلسات المجلس لغرض قيادة فصائل الحشد الشعبي في محاربة تنظيم "داعش"، فيما أشار إلى أن العامري لا يتقاضى راتباً من البرلمان ولديه راتب تقاعدي".(8 و9 و10).
وليس غريباً أن تصدر تصريحات نشاز من نواب داعش تدين قيام الجيش والحشد الشعبي بعملية تحرير المناطق من قذارة الدواعش. إذ صرح ظافر العاني لمراسل بي بي سي أن السنة غير مرتاحين من وجود شيعة يحررون مناطقهم من داعش وهذا سيءدي إلى رد فعل لدى السنة!! كما وصرح طارق الهاشمي الهارب من وجه العدالة (...أن المشاركين في معركة تكريت "غزاة وليسوا بمحررين"). ألا يعني هذا أن هؤلاء هم الذراع السياسي لداعش؟ علماً بأن هناك ثلاثة آلاف مقاتل من العشائر السنية ضمن القوات الأمنية في صلاح الدين (تكريت)(11)

أما موقف السعودية من محاربة العراق لداعش، فهو واضح ومخزي، إذ كما جاء في مقال الصديق أياد السماوي، فقد صرح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل: ((إنّ وجود القادة الشيعة في الخطوط الأمامية للمعارك ضد تنظيم داعش، رسالة واضحة توّضح أنّ المعادلة تغيّرت وتحوّلت بشكل كبير لجانبهم وهي تدّق ناقوس الخطر بالنسبة لنا، ورغم اختلافنا مع أفكار تنظيم (الدولة الإسلامية) المتطرفة إلا إننا لم نكن نتصوّر في يوم من الأيام أن يتعانق القادة الشيعة وهم يضحكون على أشلاء أجساد المقاتلين السنّة في مسقط رأس الراحل صدّام حسين، محذرا من كارثة ستضرب المنطقة إذا استمرّ هذا الوضع ))(12) .
وهذا دليل على أن السعودية لا تريد القضاء على داعش، وأنها طائفية إلى حد النخاع، وكل إعلامها بأنه ضد داعش كذب في كذب. والعالم يعرف دور السعودية في إرسال قواتها (درع الخليج) لسحق مظاهرة سلمية في البحرين لا لشيء إلا لأن 80% من السكان هم شيعة.

ومن كل ما تقدم نستنتج أن هناك مخطط خبيث من قوى داخلية وخارجية للانقلاب على الديمقراطية لجر العراق إلى الصراع ضد روسيا وإيران وسوريا لصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة (السعودية وقطر والأردن وتركيا وإسرائيل)، وما (داعش) إلا مظلة اجتمعت تحتها الأطراف ذات المصلحة، تشمل الذراع السياسي لداعش المشارك في السلطة، وتتلقى الدعم من حكومات إقليمية ودولية بما فيها أمريكا. ومن المحتمل أن يختفي قريباً اسم (داعش)، ليحل محله تعبير (الثورة السنية المسلحة) ضد (هيمنة الشيعة الصفوية والاحتلال الإيراني للعراق)، وبدعم نفس الجهات التي تدعي مناهضة (داعش) في العلن وتدعمها في السر.
فهل سينجح هذا المخطط الخبيث؟ الجواب: كلا، فكما فشلت عملية احتلال بغداد بتلاحم الحشد الشعبي مع القوات المسلحة الباسلة، كذلك ستفشل المخططات الأخرى، فتكتيكات إنقلاب شباط 1963 قد انتهى مفعولها.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- رياض عبد: الطائفية والسياسة العربية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=458545

2- لافروف: البعثيون والسنة يمثلون اقوى مفرزة في داعش
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185887.html

3- عاجل امريكا تعلنها صراحة السعودية وتركيا و الامارات مولوا داعش
https://www.youtube.com/watch?v=tQ1xzgrld-0&feature=&app=desktop

4- سيناتور أمريكي لـCNN: إدارة أوباما تعامت متعمدة عن خطر داعش ومارست التضليل حول داعش
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185360.html

5- ديمبسي: خلافات العراق الطائفية تهدد التحالف الدولي
http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/iraq/2015/03/10/الخلافات-الطائفية-في-العراق-تهدد-وحدة-التحالف-الدولي.html

6- اسمعوا رافع الرفاعي ماذا يقول .. فهل هذا هو الذي قال معصوم التقيته من أجل المصالحة .. المصالحة .. المصالحة
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186514.html

7- الدكتور خالد الملا استنكر وبقوة تطاول الشيخ رافع الرفاعي وتهجمه على أبناء الجيش العراقي وأبناء العشائر والحشد الشعبي
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186473.html
8- سياسيون: استهداف الحشد الشعبي محاولة يائسة لتشويه انتصاراته
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186386.html

9- بدر النيابية: العامري مفرغ من رئاسة البرلمان ولا يتقاضى راتباً كنائب
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186387.html

10- حسن الخفاجي : هادي العامري في سجل الغائبين !
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186277.html

11- ثلاثة آلاف مقاتل من العشائر السنية ضمن القوات الأمنية في صلاح الدين
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186658.html

12- أياد السماوي، ناقوس الخطر الشيعي
http://www.akhbaar.org/home/2015/3/186638.html
 




251
تدمير الآثار الحضارية، توحش بثوب القداسة

د.عبدالخالق حسين

هناك تصعيد في همجية خوارج العصر، الفاشية الدينية، أو ما أطلق عليهم في أول الأمر "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش، ISIS)، ثم اختزلوا الاسم إلى الدولة الإسلامية (IS)، عندما امتدت شرورها إلى ما وراء العراق وسوريا، وطرحت نفسها كبديل عن القاعدة (الأم)، حيث تفوَّقت على الأخيرة في القسوة والوحشية والهمجية، وكان استخدام الحرق في قتل الضحايا وهم أحياء لنشر أقصى ما يمكن من الخوف والذعر بين البشر، لأن الإرهاب يعتمد في إخضاع الخصوم على نشر الذعر. وآخر تصعيد لهم في الهمجية هو الهجمة الوحشية الشرسة على الآثار التاريخية في متاحف الموصل، وإزالة المعالم حضارية التي تثبت للعالم الدور الريادي لشعوب وادي الرافدين، مهد الحضارة الإنسانية. 

فقد شاهدنا من خلال الفيديو (رابط رقم 1 و2 في الهامش)، كيف انهال الأوباش على التماثيل والمعالم التاريخية والآثار في الموصل بالمطارق والفؤوس لتحطيمها بلا تأنيب من ضمير أو رادع من أخلاق. وأين لهم الضمير والأخلاق بعد أن قامت مشايخ الضلال الوهابيين بغسل أدمغتهم، وجمَّلت لهم الأعمال الوحشية باسم الدين، وأحالوهم إلى وحوش بشرية كاسرة تغلي بالحقد والعداء ضد الإنسانية والحضارة، ولم يسلم منهم بشر، ولا شجر، ولا حتى الحجر إذا وجدوا فيه رمزاً للحضارة الإنسانية. لقد أعطى هؤلاء المجرمون صورة سيئة وقبيحة عن الإسلام لا يصحو منها إلى الأبد، فالإسلام صار أيديولوجية للإرهابيين وضد الحضارة، والإنسانية، خاصة وأنهم يدعمون جرائهم بالنصوص الدينية والاقتفاء بالتراث ديني عميق والسلف الصالح.

لقد استخدم مشايخهم النصوص الدينية المتشددة، من الكتاب والسنة، والتراث العربي الإسلامي خارج سياقها التاريخي لخدمة الشر وإضفاء القداسة الدينية على جرائمهم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قاموا بتشبيه أعمالهم البربرية في تدمير الآثار التاريخية بما قام به النبي إبراهيم، والنبي محمد في تحطيم الأصنام، وشتان بين الحدثين والزمنين. نسي هؤلاء أو تناسوا عمداً ولأغراض كيدية ضد الحضارة والإنسانية، أن ما قام به الأنبياء من تحطيم الأصنام في العصور الغابرة كان نتيجة صراع بين دين جديد يريد تثبيت أقدامه، ودين قديم عفى عليه الزمن وتجاوزه العقل السليم. في حين ما يقوم به الدواعش الأوباش في القرن الحادي والعشرين هو ليس تحطيم الأصنام في المعابد، بل تحطيم المعالم الحضارية في المتاحف وإعادة البشر 1400 سنة إلى الوراء.
فالمتاحف والأماكن الآثارية هي مراكز تثقيفية تجمع فيها الآثار التاريخية لتبين مراحل تطور العقل البشري ودور الإنسان العراقي في بناء الحضارة. فالدواعش لم يفرقوا بين المعابد والمتاحف. فالمتاحف إضافة إلى كونها تشبه المدارس والمعاهد في التعليم والتثقيف، فهي مراكز جذب السواح إلى البلاد، ومراجع تاريخية للباحثين من شتى أنحاء العالم. وحتى المعابد، ومهما اختلفت في المعتقدات، فقد وصلت البشرية إلى قناعة بوجوب التعايش السلمي بينها.
والجدير بالذكر أن مشايخ الإرهاب يتناسون عن قصد، ويغضون النظر عن النصوص الدينية التي تمنح الإنسان حرية الارادة والاختيار وتترك حكمه إلى الله ليوم الحساب. وعلى سبيل المثال نذكر ما جاء في القرآن: (لكم دينكم ولي ديني)، و(لا إكراه في الدين)، (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون)، وغيرها الكثير من الآيات البينات التي تمنح الإنسان حرية الاختيار، وإلا لا ذهب على من لا خيار له. وبعد كل ذلك، فبأي حق تحاربون معابد ومعتقدات الآخرين؟ والمفارقة أن نقرأ مقولة: (لا تشتم إلهاً لا تعبده) على أحد المعابد في تدمر السورية باللغة الآرامية التدمرية، كتبت قبل ألفين وخمسمائة سنة.

لقد تم اكتشاف هذه الكنوز الآثارية عن طريق حفريات دقيقة بجهود مضنية بذلها خبراء في الحفريات والتاريخ القديم، من مختلف أنحاء العالم وعراقيون منذ القرن التاسع عشر وإلى يومنا هذا. هذه الكنوز التاريخية لا تقدر بثمن، وهي ملك البشرية، وقد بقيت آلاف السنين، متحدية الزمن، ربما لأنها كانت مطمورة في باطن الأرض، وإذا بها تتحطم بالمعاول والجرافات في قرن الحادي والعشرين، فأية كارثة حضارية هذه تحدث في بلاد الرافدين، مهد الحضارة الإنسانية؟

ولم يكتف الأوباش المتوحشون باستخدام المطارق والفؤوس في التحطيم، بل واستخدموا الجرافات (بلدوزرات) لإزالة آثار مدينة نمرود وسووها بالأرض (نفس المصدر، 1 و2). هذه المعالم الآشورية والكلدانية في محافظة نينوى (الموصل) كانت تضم آثار حضارة العراق من مختلف الأزمان والعصور. إن حجم الخسارة لا يقدر، إلى حد أن البشرية أصيبت بالصدمة والذهول وعدم التصديق، وهل حقاً مازال هناك بشر بهذا القدر من التوحش والتخلف؟
قبل أكثر من عشر سنوات، ورداً على بعض دعوات العراقيين في المطالبة بإعادة آثارنا من متاحف الدول الغربية إلى العراق، كتبت مقالاً ذكرت فيه أنه أسلم لهذه الآثار أن تبقى في المتاحف الغربية على أن تعاد إلى متاحفنا العراقية، فهذه الآثار، مثل مسلة حمو رابي في متحف لوفر في باريس، في أمان، يشاهدها سنوياً عشرات الملايين من مختلف أنحاء العالم، بينما لو كانت في العراق لتعرضت للخطر، كما حصل لمتاحفنا من سرقة الآثار الثمينة من قبل أبناء صدام حسين وأزلامه، ومن ثم للسرقة والفرهود بعد سقوط النظام، وما حصل الآن لهذه الآثار في الموصول من دمار وخراب. لذلك أعيد التأكيد أننا يجب أن نشعر بالامتنان إلى الدول الغربية التي حفظت لنا كنوزنا التاريخية في متاحفها، وإلا تعرضت للدمار والسرقة.
 
والسؤال الملح هو: من المسؤول عن هذه الجرائم البشعة؟
في رأيي، تقع المسؤولية على عاتق جميع من خلقوا (داعش) وساندوها بدوافع طائفية لوأد الديمقراطية الوليدة في العراق، ابتداءً من الأخوين النجيفي وأياد علاوي والمطلق وطارق الهاشمي، وبارزاني وغيرهم كثيرون، ومروراً بمملكة الشر، السعودية، ودويلة قطر، وتركياً، و إلى باراك أوباما الذي امتنع عن دعم العراق في حربه على داعش في أول الأمر بتأثير اللوبي الطائفي في واشنطن مردداً خرافة (العزل والتهميش)، وأن الحل هو تشكيل حكومة شاملة (Inclusive government)...الخ، بعبارة أخرى التخلص من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ولما تم لهم ذلك، وخرجت داعش عن سيطرتهم، وفوجؤا بالنتائج غير المقصودة، كما هو شأن التاريخ، ووصلت داعش إلى تخوم أربيل تهدد الشركات الأمريكية ومصالحها، عندئذ فقط انتبه أوباما إلى أن داعش منظمة إرهابية متوحشة، و ليست إسلامية، ولا تعرف لغة التفاهم، ولا يمكن حل المشاكل معها سياسياً، (صح النوم !) ولكن (بعد خراب البصرة)، أو بالأحرى (بعد خراب الموصل). بل وراحت أمريكا ومعها الإعلام الغربي، يبشرون بأن داعش يمكن أن تبقى إلى أجل غير محدود، وهذا دليل على أنهم يريدون داعش أن تبقى ليستخدمونها في اداء الأعمال القذرة ضد أية حكومة تشق عصا الطاعة على أمريكا في المنطقة(4). 
إن لم تكن هذه مؤامرة على العراق وديمقراطيته الوليدة ودول المنطقة فما هي المؤامرة إذنْ؟
ولكن لينتبه أنصار الشر، أن النتائج غير المقصودة هي دائماً تفوق النتائج المقصودة. ولكم من كارثة 11 سبتمبر 2001، دروس وعبر.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- التلفزيون العراقي: جماعة"داعش"الإرهابية تدمر آثار مدينة نمرود التاريخية في الموصل بالجرافات
http://www.alalam.ir/news/1682615
2- Nimrud: Outcry as IS bulldozers attack ancient Iraq site
http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-31760656
3- شكر خلخال: لماذا يشكّك العراقيّون بجديّة الولايات المتّحدة الأميركيّة في القضاء على داعش؟
http://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/originals/2015/02/iraq-doubts-us-eliminate-islamic-state.html##ixzz3TV9tluSm

4- د.عبدالخالق حسين: هل داعش صناعة أمريكية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=711


252
مدى الجدية في تحرير الموصل
د.عبدالخالق حسين

المتابع للحرب على (داعش) في العراق لا بد وأن يستنتج أن الجهة الوحيدة التي تحارب بجدية وإخلاص، هي القوات العراقية والحشد الشعبي وقوات عشائر الأنبار. والمفارقة أن هذه القوات الجادة والمتفانية تواجه في نفس الوقت إعلاماً مضاداً، واتهامات باطلة، وحرباً نفسية في الداخل والخارج وحتى من أمريكا.
فالقوات الجوية الأمريكية لا تضرب (داعش) إلا إذا اقتربت من المناطق الكردية، وخاصة المناطق التي يطلق عليها بـ"المناطق المتنازع عليها"، ولتسهيل استعادتها من قبل قوات البيشمركة من الدواعش، ولتعتبرها حكومة الإقليم تابعة لكردستان، ولم تعد متنازع عليها مع الحكومة المركزية، و خارجة عن المادة 140 من الدستور على حد تعبير السيد مسعود بارزاني. وهذا يجعلنا نعتقد أن هناك اتفاق مسبق بين حكومة الإقليم و(داعش) لهذه الأغراض، و بالمقابل تتلكأ أمريكا ومعها قوات البيشمركة في دعم القوات العراقية لتحرير الموصل.
فمن رئيس حكومة الإقليم نسمع تصريحات تسقيطية للدولة العراقية بأنها "دولة مفلسة"(1 و2)، وأن قوات البيشمركة لن تشارك في تحرير الموصل، في نفس الوقت الذي يطالبون فيه الحكومة الإتحادية بدفع نفقات البيشمركة من رواتب وتكاليف التسليح أسوة بالجيش العراقي الفيدرالي، إضافة إلى 17% من الميزانية التي يأخذونها قبل استقطاعات الديون والصرفيات المشتركة، وبذلك فحصة الإقليم تعادل 24% من ميزانية العراق، ورغم أن هذه القوات لم تكن تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة حسب ما أقره الدستور.
أما إدارة أوباما، فمع الأسف الشديد، تلعب على أكثر من حبلين، إذ الكل يعلم ما جرى قبل الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة من حملة إعلامية أمريكية وغربية وعربية منسقة بقيادة قائد أوركسترا واحد، أنه إذا ما فاز المالكي في الانتخابات فستكون هناك حرباً أهلية، مع تصريحات رئيس الإقليم والقيادات السنية أنهم لن يشتركوا في حكومة يترأسها المالكي...الخ. وهذا يعني أن جميع هؤلاء كانوا يهيئون لحرب أهلية ولكن باسم (داعش)، وفي نفس الوقت يصرحون ولو على استحياء بإدانة داعش، ولكنهم يبررونه ويلقون اللوم على المالكي أن سبب توسع داعش وفوزه السريع في احتلال المناطق السنية هو "عزل المالكي للسنة والكرد وتهميشهم". كما وقامت إدارة الإقليم بتوظيف السفير الأمريكي السابق في بغداد، زلماي خليل زادة، وموظف بارز سابق في السفارة (علي الخضيري)، وربما آخرين، تم تعيينهم كمستشارين للسيد مسعود بارزاني وضمن اللوبي في واشنطن. وهؤلاء أبلوا بلاءً حسناً في دعم السيد مسعود في مشاكساته ضد الحكومة المركزية وتأليب الرأي العام الأمريكي على المالكي خصوصاً، ولحد الآن، مدعين أن المالكي هو الذي جلب داعش لذا يجب مقاضاته وتصفيته!!! علماً بأن الإرهاب كان على أشده حتى قبل أن نسمع باسم المالكي.
كما ونقرأ هذه الأيام تصريحات لجنرالات أمريكان يضخمون فيها قدرات (داعش)، ويشككون بقدرات الجيش العراقي، وآخر تقرير في هذا الخصوص بعنوان: (ضابط أمريكي يشكك بخطة اقتحام الموصل: العراقيون ليسوا مستعدين لحرب شوارع والسكان لا يرحبون بقوات شيعية)(3). لاحظ النغمة الطائفية "والسكان لا يرحبون بقوات شيعية"، علماً بأن الجيش العراقي يشمل جميع مكونات الشعب بلا تمييز، سواء على مستوى الضباط أو الجنود. كذلك تصريحات من الإدارة الأمريكية، يرددون على الدوام أن تحرير الموصل قد يستغرق ثلاث سنوات!! في الوقت الذي لم تستغرق حرب تحرير العراق عام 2003، أكثر ثلاثة أسابيع. وهذا يدل على أن لأمريكا أغراضاً خاصة ومبيتة في تمديد بقاء داعش في العراق وإلى أجل غير معلوم.
فالملاحظ أن القوات الجوية الأمريكية تتعامل مع (داعش) بازدواجية، وحسب المناطق التي تتعرض لها داعش، إذ كما قال الفريق وفيق السامرائي:"... كلما ظهر تحرك أو وجود لـ«داعش» على مشارف الموصل، خصوصا باتجاه إقليم كردستان، يصبح هدفا مباشرا وسريعا للقوات الجوية الأميركية، بخلاف حالات أكثر خطورة وكثافة تظهر في غرب الأنبار؛ يبقى رد الفعل الأميركي فاترا تجاهها، إلى درجة تثير مشاعر الغضب بين أهل محافظة الأنبار، وتضع شكوكا وتساؤلات ترتقي إلى مستوى نظريات المؤامرة!"(4)
وهناك مسألة أخرى تجعلنا نشك بجدية هذه الأطراف لتحرير الموصل، وهي إعلانهم عن خطط وتفاصيل الحملة مسبقاً وبفترة طويلة نسبياً. فالمعروف من الأبجديات العسكرية والحروب، أنه من الواجب إبقاء هذه الخطط سرية، لأن أهم عامل من عوامل نجاح أية حملة عسكرية هو عامل السرية والمباغتة، وأن تأخذ العدو على حين غرة، بينما الجماعة وبما فيها الحكومة العراقية، يعلنون مسبقاً وبوقت كاف عن خططهم، تقابلها حملات إعلامية أمريكية وإقليمية في التشكيك بقدرات القوات العراقية كجزء من الحرب النفسية ضد القوات العراقية، ولصالح داعش.

ومع تقدم القوات العراقية، وتحقيق المزيد من الانتصارات على (داعش)، هناك تقارير موثقة عن قيام طائرات أمريكية بإنزال مواد حربية وغذائية في المناطق الغربية التي تحتلها قوات داعش. وقد "أقر السفير الأمريكي بإلقاء طائرات عسكرية أمريكية الصنع أسلحة لداعش في العراق". و"أجهزة استخباراتنا تشك بوجود جهة اخرى تملك طائرات أمريكية الصنع تحاول الإساءة إلى جهودنا المشتركة"(5). وهذه الجهة الأخرى ما هي إلا دويلة قطر، وهي نفس الدويلة التي ألقت أسلحة بكميات هائلة في الصحراء الليبية على الحدود المصرية، راجع رابط الفيديو(6).

تزامن كل ذلك مع إثارة حملة إعلامية لتشويش وبلبلة الرأي العام العراقي، وإرباك حكومة العبادي، بنشر تقارير تثير الشكوك حول وزير الدفاع السيد خالد العبيدي، لا نعرف مدى صحتها، مفادها أنه (العبيدي)، يخطط للانقلاب على العملية السياسية، بدأها بإحالة الطيارين الشيعة على التقاعد، وإرسال رسائل مشفرة إلى أمريكا، والعثور على كميات كبيرة من الأسلحة في بيته(7)، في الوقت الذي نرى فيه الرجل يتنقل في جبهات القتال، و يطلق تصريحات إيجابية في دعم القوات العراقية والحشد الشعبي، ونفى فيه أخبار إحالة الطيارين الشيعة على التقاعد. وفي جميع الأحوال لا تخلو هذه الحملات من تآمر على العراق وإرباك العراقيين.

ما العمل؟
بما أن السيد رئيس الوزراء، الدكتور حيدر العبادي، استلم دعوة من الرئيس الأمريكي لزيارة واشنطن قريباً، نشير عليه أن يفاتح الرئيس أوباما بما يلي:
أولاً، لا يمكن للعراق وبعد كل كوارث دكتاتورية المكون الواحد أن يتخلى عن الديمقراطية الحقيقية، ودولة المواطنة والقانون،
ثانياً، الشعب العراقي أنهكته الحروب، لذا يريد أن يعيش بسلام مع دول الجوار وكل دول العالم، ولا يريد أن يكون طرفاً في الصراع الجاري في المنطقة بين المحور الأمريكي- السعودي- القطري-التركي من جهة، والمحور الروسي- الإيراني- السوري من جهة أخرى،
ثالثاً ونتيجة لثانيا، لن يقبل العراق أن يكون قاعدة لشن حرب على إيران أو سوريا أو أي بلد آخر. ومن مصلحته ومصلحة أمريكا أن يقيم العراق علاقة جيدة مع إيران وكل دول المنطقة.
رابعاً، نظام بشار الأسد هو دكتاتوري بغيض، ولكن البديل عنه الآن هو أسوأ منه، أي نظام يقوده التطرف الدموي الهمجي الإسلامي المتوحش المتمثل في (داعش وجبهة النصرة)"، كما حصل في أفغانستان بعد إسقاط النظام الشيوعي وقيام حكم طالبان، لذا فبعض الشر أهون.
خامساً وأخيراً، من مصلحة العراق وأمريكا أن يربطهما تحالف استراتيجي في جميع المجالات المدنية والعسكرية، إذا ما وافقت الأخيرة على الشروط المذكورة أعلاه.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- برزاني: العراق دولة "مفلسة" وسنوقف تصدير النفط لانقطاع الرواتب
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185202.html

2- جمال فاروق الجاف :هل كان افلاس العراق سببا لفشل مباحثات بغداد-اربيل؟
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185419.html

3- ضابط أمريكي يشكك بخطة اقتحام الموصل: العراقيون ليسوا مستعدين لحرب شوارع والسكان لا يرحبون بقوات شيعية
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185515.html

4- وفيق السامرائي: أميركا وتحرير الموصل.. ما سر الغرام؟
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185574.html

5- السفير الأمريكي يقر بإلقاء طائرات عسكرية أمريكية الصنع أسلحة لداعش في العراق
أجهزة استخباراتنا تشك بوجود جهة اخرى تملك طائرات أمريكية الصنع تحاول الإساءة إلى جهودنا المشتركة
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185525.html

6- فيديو يكشف كمية كبيرة جداً من الذخيرة مُلقاة عبر الطائرات علي الحدود مع ليبيا
https://www.youtube.com/watch?v=ck3cmbTl-yk

7- عمليات ″ فوق الحمراء″ تشهدها المنطقة الخضراء بعد العثور على اسلحة واعتدة بمنزل العبيدي
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185471.html


253
المنبر الحر / الإرهاب مآله الفشل
« في: 14:04 22/02/2015  »
الإرهاب مآله الفشل

د.عبدالخالق حسين


مشكلة العرب السنة أنهم لم يستفيدوا من الأخطاء التي أرتكبها الشيعة بعد قيام الحكومة البريطانية بتحرير العراق من الاستعمار العثماني في الحرب العالمية الأولى، تلك الأخطاء الفادحة التي أدت إلى عزل الشيعة السياسي وحرمانهم من حقوق المواطنة لثمانين عاماً. فالسنَّة العرب أدمنوا على إنفرادهم بحكم العراق رغم أن نسبتهم لا تزيد على 20% من مجموع الشعب العراقي. ولإضفاء الشرعية على "حقهم التاريخي" في احتكار السلطة، بدأوا منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 بترويج خرافة مفادها أن الشيعة ليسوا عرباً، ولا عراقيين، بل هم من بقايا الساسانية، وأهل الجنوب جلبهم القائد الأموي محمد القاسم مع الجواميس من الهند، ثم ربطوا التشيع بالصفوية والعجمة والشعوبية.

ولذلك فالعرب السنة اعتبروا الأغلبية الشرعية ليست الأغلبية داخل العراق، وإنما في البلاد العربية، وأنهم (السنة) الامتداد الشرعي للشعوب العربية في العراق، ولذلك فلهم وحدهم الحق في حكم العراق دون غيرهم. ولهذا السبب اتخذوا موقفاً مناهضاً للديمقراطية طوال التاريخ الحديث، لأن الديمقراطية تفرض دولة المواطنة والمساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات، وتكافؤ الفرص لجميع أبناء الشعب بدون أي تمييز في اللون والعرق والدين والمذهب واللغة والجندر..الخ، كما ويتم التبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع. فطوال 8 عقود التي سبقت عام 2003، كان تبادل السلطة يتم عن طريق الانقلابات العسكرية بين مجموعات من العرب السنة دون غيرهم، أما بقية المكونات فمجرد متفرجين. وحتى العهد الملكي كان نظاماً ديمقراطياً في الظاهر فقط، ويتم حل البرلمان عند تبديل رئيس الوزراء الذي كان يقوم بتعيين النواب عن طريق انتخابات شكلية مزيفة، يفوز فيها عادة أغلبهم شيوخ العشائر من الاقطاعيين. 

ولكن انفراد المكون السني بالسلطة وعزل الآخرين، (ومشاركتهم جزئياً للديكور فقط)، تسبب في عدم الاستقرار، أنتهى إلى إفلاس الدولة العراقية، وقتل مليونين، والمئات من المقابر الجماعية، والأنفال وحلبجة، وتشريد نحو 5 ملايين من الشعب في الشتات، والاحتلال... إلى آخر قائمة الكوارث. لذلك فإدعاء السنة بأن من حقهم التاريخي بحكم العراق هو دعوة للمزيد من الكوارث، فقد أثبت التاريخ فشلهم، وعليهم أن ينزلوا عن بغلتهم. فالديمقراطية، ورغم مشاكلها، هي الحل الأنسب والوحيد لحكم العراق، وبعد كل هذه الكوارث لا يمكن التخلي عنها مطلقاً ولو على أسنة الحراب، فالبديل عن الديمقراطية هو حكم الإرهاب الذي يجلب المزيد من الدمار وبالأخص على السنَّة أنفسهم.

وبعد عام 2003، ولتبرير مناهضتهم للديمقراطية، خرجوا علينا بحجة محاربة الاحتلال الأمريكي، ولما خرجت القوات الأمريكية، واصلوا إرهابهم بدعوى محاربة (الاحتلال الإيراني الصفوي)، واعتبار الشيعة المشاركين في السلطة هم امتداد وعملاء لإيران. ولما اتضح هزال هذه الفرية، اخترعوا فذلكة (عزل العرب السنة وتهميشهم)، وأن جيش المالكي الشيعي الصفوي، والمليشيات الشيعية "يقتلون السنة لا لشيء إلا لأنهم سنة". هذا ما سمعته من سيدة موصلية من راديو بي بي سي مساء 18/2/2015، وهي هاربة من داعش إلى تركيا بعد أن خسرت كل شيء، ولكن رغم ما جلبه الدواعش عليها من كوارث فإنها ما زالت تصر على أن "الشيعة يقتلون السنة لا لشيء إلا لأنهم سنة"، ودون أن تقول الحقيقة أن الذين يحاربهم الجيش العراقي هم إرهابيون.
كما وجعل السنة مناطقهم ومساكنهم حواضن للإرهابيين، وكرست قياداتهم السياسية مشاركتهم في السلطة لشل الحكومة، والدفاع عن الإرهابيين وتسهيل مهامهم... فبعد تحضيرات لعدة سنوات، ومخططات في منتهى الخبث والخبرة والدقة، حددوا لها ساعة الصفر يوم 10 حزيران 2014، أعلنوا انتقال الحكم في الموصل إلى (داعش)، ومن ثم السيطرة على محافظة صلاح الدين، وسموّا الجريمة بـ"ثورة السنة على ظلم المالكي الشيعي الصفوي"، وتم تمرير الكذبة على عدد غير قليل من الناس، بل وحتى رددها الرئيس الأمريكي أوباما عندما رفض دعم الجيش العراقي في محاربة داعش وفق الاتفاقية الإستراتيجية الموقعة بين البلدين، قائلاً أن الحل سياسي وليس عسكري، إلى أن وصل داعش إلى مشارف أربيل مهدداً الشركات الأمريكية، وافتضحت جرائمهم البربرية ضد الإنسانية، عندئذ فقط، اعترف أوباما أن داعش فئة همجية ضالة لا يمكن التفاهم معها سياسياً، بل يجب محاربتها عسكرياً.

وأخيراً اتضحت الحقيقة، وتأكد لجماهير العرب السنة أن قياداتهم السياسية خدعتهم، فظلم داعش طال أهل السنة مثلما طال المكونات الأخرى، حيث فرض الدواعش على أهل الموصل أسلوب حياة طالبان في أفغانستان، وفرض النقاب الأفغاني حتى على الطبيبات والطالبات الجامعيات، وصادروا أموالهم، وهتكوا أعراضهم، وأوسعوا فيهم القتل ذبحاً، ومن ثم حرقاً والتنكيل بأبشع الوسائل الهمجية.
والمفارقة أن هذه القيادات السنية التي دعمت "المقاومة الوطنية الشريفة" ضد الاحتلال الأمريكي، والاحتلال الإيراني الصفوي، ودعمت (داعش) لاحتلال مناطقهم، نراهم اليوم يتوافدون على واشنطن متوسلين بالإدارة الأمريكية لإرسال قواتها لتحرير مناطقهم من داعش. بل وأرسلوا الوفود حتى إلى إيران "الصفوية" متوسلين إليها لمساعدتهم في التخلص من داعش. حقاً ما قاله الشاعر:
إذا كان الغراب دليل قوم .... سيهديهم إلى دار الخراب

فما المطلوب من العرب السنة؟

أولا، أيها السادة، لقد جربتم الانفراد بحكم العراق لثمانين سنة، أدى بالتالي إلى إفلاس العراق تماما، إلى أن قيض التاريخ المجتمع الدولي بقيادة أمريكا لتحريره، ولو كان قد أسقط حكم البعث على يد الشعب العراقي وبدون التدخل الأمريكي لكان مصير العراق أسوأ من مصير الصومال وليبيا واليمن.

ثانياً، لقد جربتم الإرهاب منذ عام 2003 وإلى الآن، ونشرتم ملايين الأطنان من الأكاذيب والافتراءات، والإشاعات الباطلة، واستخدمتم الإعلام المضلل، ومعكم السعودية وقطر وتركيا والأردن، وحتى بعض مرتزقة الإعلام الغربي، واستأجرتم شركات العلاقات العامة (PR)، ومنظمي اللوبيات في أمريكا، ولكن مع ذلك كان مردود إرهابكم وبالاً ليس على العراق فحسب، بل وعلى أنفسكم أيضاً. ففي نهاية المطاف لا بد وأن ينقلب السحر على الساحر.

ثالثاً، لقد أثبت التاريخ أن الإرهاب في كل مكان وزمان، محكوم عليه بالهزيمة والفشل الذريع، ولا يمكن أن يحقق أهدافه، فعهد الأنظمة الديكتاتورية، وحكم المكون الواحد قد ولىّ وإلى الأبد. ولا يمكن لكم أن تتبادلوا الأدوار المختلفة قدم مع الحكومة وأخرى مع الإرهاب، وتقومون بتعليق مشاركتكم في العملية السياسية وحسب مزاجاتكم المتقلبة، مرة مع السلطة، وأخرى مع الإرهاب، مليشياتكم وحماياتكم تدعي محاربة داعش نهاراً، ومع داعش تحارب القوات الحكومية ليلاً. هذا التقلب في الأدوار لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية... فحبل الكذب قصير.. والنجاة في الصدق والتعامل بالشرف والنزاهة.

وأخيراً، وبناءً على كل ما تقدم، فإن الحل الوحيد للأزمة العراقية هو النظام الديمقراطي، واتخاذ صناديق الاقتراع، وليس الإرهاب، وسيلة للتبادل السلمي للسلطة، وتحقيق حقوقكم كاملة غير منقوصة في المشاركة في حكم العراق والتوزيع العادل للثروة، والعمل على إنضاج هذه الديمقراطية الوليدة الفتية، وذلك بتشكيل الكتل السياسية المختلطة، عابرة الأديان والمذاهب والأعراق، و أي أسلوب آخر لن يجديكم نفعاً، وأن الإرهاب لن يجلب لكم سوى المزيد من الدمار والخراب والكوارث.
21/2/2015
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

254
مرة أخرى، داعش يفضح مناصريه

د. عبدالخالق حسين

لنتحدث بصراحة، ونسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية ودون لف أو دوران. إن من سوء حظ المكون السني أن تسلط فلول البعث الفاشي على قيادته. والبعثيون لا يشرفون أحداً يرتبط بهم، إذ كان المطلوب بالمكون السني التبرؤ من هذه الفئة الفاشية الضالة التي أهلكت الحرث والنسل ودمرت العراق، فكما قال الجواهري: (أهينِوا لِئامكمُ تُكْرمَوا) .
ورغم أن غالبية "داعش" هم من البعث، إلا إنه يضم في صفوفه أناس تحركهم الأيديولوجية الإسلامية الوهابية، وعلى عجلة من أمرهم في لقاء حور العين والولدان المخلدين، هدفهم بث الرعب في صفوف خصومهم، وكل من لا يبايعهم ولا يوافقهم على جرائمهم، وبالأخص إذا كان من أهل السنة العرب، فبارتكابهم الإرهاب ضد العرب السنة يحققون هدفين بحجر واحد. الأول، معاقبة أهل السنة الذين لا يسيرون في ركابهم، والثاني، لإشعال الفتنة الطائفية بإلقاء تهمة قتل السنة على الشيعة.

ولداعش تاريخ حافل بمثل هذه الجرائم، ففي العام الماضي، وبعد جريمة تفجير مسجد مصعب بن عمير في محافظة ديالى، والتي راح ضحيتها نحو 30 شهيداً وإصابة 20 من المصلين السنة، انطلقت المشاعر العدوانية بلا أي قيد أو حياء من ممثلي المكون السني في العملية السياسية، بتوجيه الاتهام إلى الشيعة والمليشيات الشيعية، بل وتم تحديد واحدة منها وهي مليشيات التيار الصدري. راجع رابط مقالنا في الهامش (1). وعلى أثر هذه الجريمة "اعلنت كتلتا (ديالى هويتنا) برئاسة سليم الجبوري، و(ائتلاف القائمة العربية) برئاسة صالح المطلك، انسحابهما من مفاوضات تشكيل الحكومة...."
وبعد أيام من تلك الجريمة، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها وقال في بيان على موقعه في "تويتر"، إن "تفجير الجامع وقتل المرتدين جاء بسبب رفضهم مبايعة الخليفة ابي بكر البغدادي". واضاف مهدداً: "اننا سنكرر هذا العمل في أي مكان وضد أي جهة ترفض مبايعة الخليفة". (نفس المصدر-1). والملاحظ أن الدواعش يعتبرون أهل السنة الذين لا يبايعونهم "مرتدين" وذلك لتبرير قتلهم.

ثم تكررت الجريمة في قتل أئمة مساجد أهل السنة في مدينة الزبير/ محافظة البصرة، لتلحقها نفس الصيحات الطائفية من القيادات السياسية السنية في الشحن الطائفي، والتهديد بالويل الثبور وعظائم الأمور ضد الشيعة وقياداتهم السياسية. وبعد أيام اعترفت (داعش) بمسؤوليتها عن الجريمة وأنها كانت عقاباً لهؤلاء الأئمة لأنهم أدانوا في خطبهم جرائم داعش، ورفضوا مبايعة خليفتهم الذي صار مسخرة العالم.
وأخيراً وليس آخراً، تكررت الجريمة قبل أيام بـ"اختطاف النائب زيد الجنابي ومقتل عمه قاسم كريم سويدان وافراد حمايتهُ". ومرة أخرى، انطلقت صيحات وهتافات الشحن الطائفي، ولكن الأدهى هذه المرة أنها حصلت بحضور السيد صالح المطلق، نائب رئيس الوزراء، ورئيس كتلة سياسية، إثناء مراسيم التشييع، على شكل شتائم بذيئة ودون أن نسمع صوتاً من عاقل ليخرس أهل الفتنة. (راجع الفيديو في الهامش-2)
والمفارقة أنه بعد اختطاف النائب زيد الجنابي وإطلاق سراحه، ومقتل عمه وحمايته، "قررت المحكمة الاتحادية العليا نقض مصادقة مجلس النواب على عضوية 3 مرشحين بينهم النائب زيد الجنابي"(3). ومن العراقيين أن يسألوا: لماذا وكيف تم إطلاق سراح زيد الجنابي واكتفى الجناة بمقتل عمه وحمايته؟

ومرة أخرى، وبعد كل هذا الشحن الطائفي بلا خجل أو حياء، أصدرت داعش بياناً اعترفت فيه مسؤوليتها عن الجريمة، "وقال التنظيم في بيان نشره موقعه الرسمي في (تويتر): "أن حادثة الاختطاف جاءت بناءاً على تصريحات النائب الاخيرة ضد تنظيم "داعش”، فضلا عن استقباله في منزله مواطنين من مختلف الطوائف من اجل الاستماع الى معاناتهم. واضاف، اننا سنكرر هذا العمل في أي مكان وضد أي جهة تخالف اوامرنا وتتجاوز على التنظيم بتصريحات اعلامية او غيرها.."(4)

فأية وحدة وطنية هذه التي نطالب بها؟ وهل هناك أمل في بث الحياة في هذه الوحدة التعبانة؟
لذلك، نهيب بعقلاء أهل السنة أن يحاولوا تطهير صفوهم من السفهاء الذين ديدنهم تمزيق الشعب ووحدته الوطنية، فجميع المحاولات السابقة في الاعتماد على الإرهاب ومنظماته من فلول البعث والقاعدة وداعش، لم تجلب لهم سوى القتل والدمار والتشريد، إذ كما قال الشاعر العربي:
لا يصلـح النـــاس فـــوضى لا ســراة لهـم..... ولا ســراة إذا جهــالهم ســادوا

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة لاموضوع
1- عبدالخالق حسين: داعش يفضح مناصريه السياسيين http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=679

2- بالفيديو..مشيعو جثمان الجنابي يشتمون الشيعة بحضور “صالح المطك”
http://8th-day.com/?p=96091
 
3- المحكمة الاتحادية تنقض عضوية النائب [زيد الجنابي] مع نائبين آخرين
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185239.html

4- داعش يتبنى حادثة اختطاف النائب زيد الجنابي ومقتل عمه وافراد حمايته
http://www.akhbaar.org/home/2015/2/185181.html




255
حول التعامل مع حزب البعث
عبدالخالق حسين

نشر الصديق الدكتور عبدالرحمن جميل مقالاً بعنوان: "من يرفع الحظر عن حزب البعث؟"، ناقش فيه محنة مجلس النواب العراقي "في كيفية التعاطي مع بعض مشاريع القوانين من بينها، مع ما يتعلق بالاستمرار في حظر حزب البعث وتجريمه أو  رد الاعتبار له في هذه المرحلة الحساسة والمعقدة التي يمر بها النظام السياسي في العراق... من النواب من يرى أن استقرار البلاد وأمنها مرهون بعودة حزب البعث ووجوده ، فيما آخرون يشككون في نوايا البعث مستندين في مواقفهم على ممارساته السابقة عندما كان الحزب الوحيد الحاكم في العراق ورفضه، بل انتقامه من كل المنتمين لأحزاب سياسية دونه." و "ويعتمد المشككون في نوايا حزب البعث في موقفهم أيضاً على بيانات الحزب المنشورة على صفحته الإلكترونية (ذي قار)، وتأكيده الأخير على عبارة (سنعود بقوة السلاح) كما يبثه تلفزيون(الفارس العربي) المملوك للحزب."(1)
وبعد مناقشة موضوعية، توصل الكاتب إلى استنتاج أجتزئ منه:
".. اذا كانت لديه [البعث] النية في نبذ شعاره المقزز (بعث تشيده الجماجم والدم...)، ويعتذر عن كل الذي ارتكبته تنظيماته وأجهزته خلال حقبة ما قبل 2003 ويتعهد أمام الشعب العراقي بقبوله الدخول في العملية السياسية على أساس مبدأ التنافس الحر في الانتخابات، ويتخلّى عن مبدأ اللجوء الى العنف ونزعة الكراهية والعنصرية والاستعداء الواردة لحد الآن في شعاراته وأدبياته وبما يتفق مع مبادئ الدستور... إن خطوة صريحة وجريئة في هذا الاتجاه لا تحتاج الى وساطة آخرين.. بل أنها اذا ما جاءت من الحزب وعلى لسان قيادته (الحالية أو الجديدة) فأنها ستُسقط كل الأسباب الموجبة لاستمرار الحظر المفروض عليه، وبعكسه لماذا يريدون رفع الحظر عن حزب البعث؟"(نفس المصدر-1).

ونظراً لأهمية المقال، و خطورة ما تضمن من اقتراح واستنتاج، قمت بتعميمه على مجموعة من المعارف والأصدقاء. وبدوري استلمت نيابة عن الكاتب، تعليقات مهمة من عدد من القراء الأفاضل، ركزوا فيها على نقطة مهمة مفادها، أنه حتى ولو اعتذر البعث و"تعهد أمام الشعب العراقي بقبوله الدخول في العملية السياسية على أساس مبدأ التنافس الحر في الانتخابات...الخ"، فمن الغباء التصديق به والركون إليه، وذلك لما نعرف من تاريخ هذا الحزب الفاشي الطائفي في التنكر لتعهداته وتحالفاته. وأذكر في هذا الخصوص نموذج واحد من صديق جاء فيه: "في رأيي ان التاريخ الذي منح البعثيين فرصة تسلق السلطة لمرتين، فان منحها لهم للمرة الثالثه، فالذنب حينذاك ليس ذنب التاريخ، بل ذنب العراقي الذي يسمح (للمؤمن ان يلدغ من جحر مرتين).

والحقيقة، أن الأخ الكاتب أكد هذه المسألة عندما أعاد على الأذهان نوايا حزب البعث وترديده لعبارة (سنعود بقوة السلاح). وهذا يعني أن الكاتب أراد تجريد دعاة رفع الحضر عن البعث من حججهم، وأكد في نهاية المقال بقوله: "... وبعكسه لماذا يريدون رفع الحظر عن حزب البعث؟". وهذا يعني أنه من المستحيل أن يتخلى حزب البعث عن عنجهيته في "العودة بقوة السلاح".

فالتاريخ لم يمنح أي حزب عراقي، الفرصة لحكم العراق لوحده ولخمسة وثلاثين سنة، كما أعطى حزب البعث. ولكن هذا الحزب، ولأسباب فاشية وعنصرية وطائفية، فوَّت الفرصة على نفسه وعلى الشعب العراقي، فلو كان صادقاً مع نفسه، ومخلصاً لشعاراته البراقة المرفوعة، لانتقل بالعراق إلى مصاف العالم الأول في التحضر والتقدم. ولكن بدلاً من ذلك أهدر حكم البعث الثروات المادية والبشرية الهائلة على حروبه العبثية، الداخلية والخارجية، وأحال العراق الذي كان يسمى ببلاد السواد، إلى صحارى وخرائب وأنقاض، وملأه بالمقابر الجماعية، وقتل نحو مليونين، وشر نحو خمسة ملايين من شعبه في الشتات. وعليه فهذا الحزب هو أسوأ من الحزب النازي الألماني. وإذا كان الحزب النازي مازال محظوراً ورغم مرور نحو 70 عاماً على إسقاط حكمه، فحظر حزب البعث مطلباً ملحاً أكثر لا يقل إلحاحاً وشرعية عن حظر الحزب النازي الألماني.

هذا الموضوع ليس جديداً، فأنصار البعث لهم وجود واسع و ملحوظ ومؤثر منذ 2003، في الحكومة والبرلمان، ومنظمات الإرهاب التي ترتكب جرائمها اليوم باسم "داعش"، وتخطط لتغيير الاسم إلى (الحرس الوطني) لإضفاء الشرعية على تنظيمات الإرهاب، وبتكاليف تدفعها لهم الحكومة العراقية من أموال الشعب المظلوم. وقد ناقشتُ هذا الموضوع في عدة مقالات قبل سنوات، منها مقالي الموسوم: (مخاطر عودة البعث بين الحقيقة و"الخروعة")(2) عام 2009، رداً على مقال السيد عودة  وهيب بعنوان ("خرّوعة" البعث لن تخيف طيور الحرية). وألحقته بمقال آخر بعنوان: (التحذير من عودة البعث، بين المعقول واللامعقول)(3).
حذرت في المقالين وما تلاهما من مقالات، أنه حتى لو اعتذر قادة حزب البعث للشعب العراقي عن أخطائهم، وتعهدوا بدعم الديمقراطية، (وهو من سابع المستحيلات)، فإنهم لن يلتزموا بعهودهم ومواثيقهم، لذلك يجب عدم الثقة بهم مطلقاً. وللتذكير أعيد الفقرات التالية:
صحيح أن الشعب العراقي بمعظمه هو ضد حزب البعث، ولكن متى أعار البعث اهتماماً بموقف الشعب منه؟ وهل كان البعث في أي فترة من تاريخه تمتع بشعبية لدى العراقيين؟ وهل الشعب العراقي هو الذي انتخب البعث في 8 شباط 1963، أم اغتصب السلطة عن طريق مجزرة بشعة؟ وكذلك في عودتهم الثانية للحكم عن طريق ما أسموه بالانقلاب "الأبيض" في 17-30 تموز 1968؟ فكلنا نعلم أن البعث مكروه من قبل الشعب، والبعثيون يعرفون هذه الحقيقة قبل غيرهم، لذلك يقترفون أبشع الجرائم بحق الشعب انتقاماً منه، سواءً كانوا في السلطة أو خارجها.
كذلك من الخطأ المطالبة بمصالحة البعثيين والسماح لهم بممارسة السياسة ومشاركتهم في السلطة أسوة بما حصل في الاتحاد السوفيتي وجمهورية جنوب أفريقيا. لأن قادة الشيوعيين السوفيت هم الذين قادوا الإصلاح السياسي، فغورباتشوف بدأ الغلاسنوت والبرسترويكا، ويلتسن كان عضو المكتب السياسي للحزب، ورئيساً لجمهورية روسيا السوفيتية، وكذلك فلاديمير بوتين (الرئيس الحالي) كان رئيساً للإستخبارات السوفيتية(KGB) ، وبذلك فالحزب الشيوعي الحاكم هو الذي مهد للتحولات السياسية.
كذلك فيما يخص التحولات الثورية في جمهورية جنوب أفريقيا في الانتقال من النظام العنصري إلى النظام الديمقراطي الليبرالي عام 1994، فرئيس الوزراء ديكلرك (في النظام العنصري) هو الذي بادر في الاتصال بقيادة المعارضة وعلى رأسها المناضل نيلسون مانديلاً. فهل قام البعثيون بأية مبادرة إصلاحية في العراق؟ أم كانوا يشنون حملات الإبادة ضد القوى الوطنية، و مازالوا يحرقون العراق ويناهضون العملية السياسية الديمقراطية؟ لذلك فتشبيه البعثيين العراقيين بشيوعيي روسيا وغيرها من جمهوريات الإتحاد السوفيتي، أو بما جرى في جنوب أفريقيا غير وارد، والفرق واسع كالفرق بين الأرض والسماء.

وبناءً على ما سبق، فالبعث لن يعتذر وهو أسوأ من النازية، ولا يمكن أن يقبل بالديمقراطية، وهذا جزء من دستوره الذي يستهين بالوسائل الديمقراطية في استلام السلطة، ويعوِّل على الانقلابات العسكرية وقوة السلاح والإنفراد بالسلطة. لذلك فمن واجب كل القوى الوطنية الخيرة، وبالأخص المثقفين، عدم الاستهانة بمخاطر البعث الفاشي، وتذكير الشعب دوماً بجرائمه، إذ كما قال الفيلسوف جورج سانتايانا: "الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بإعادة أخطائه".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- عبدالرحمن جميل، من يرفع الحظر عن حزب البعث؟
http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=178595#axzz3RQTX8FKX

2- عبدالخالق حسين: مخاطر عودة البعث بين الحقيقة و"الخروعة"
http://www.sotaliraq.com/articlesiraq.php?id=51922#axzz3RQTX8FKX

3- عبدالخالق حسين: التحذير من عودة البعث، بين المعقول واللامعقول
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=333


256
بلا شماتة..هذه بضاعتكم رُدَّت إليكم
د.عبدالخالق حسين

لقد بات واضحاً تعاطف العرب، شعوباً وحكومات، مع ما يجري من إرهاب وحشي وهمجي في العراق وسوريا، وبدوافع طائفية وكيدية. وعلى سبيل المثال كشف استطلاع رأي قبل سنوات أن نحو 64% من الشعب الأردني يتعاطف مع القاعدة، أما بقية الشعوب العربية فبنسب متفاوتة ومتقاربة من هذه النسبة. أما الحكومات العربية، وحتى أشدها رجعية واستبداداً، كانت ومازالت تبرر الإرهاب وتوعزه في العراق إلى عزل السنة وتهميشهم من قبل "الصفوي" نوري المالكي، وفي سوريا إلى دكتاتورية نظام "العلوي" بشار الأسد. متجاوزين الحقيقة أن الإرهاب الإسلامي هو ظاهرة دولية متفشية في كل العالم وبالأخص في البلدان الإسلامية مثل باكستان وأفعانستان، وبلدان أفريقيا وغيرها، وبدون أن يكون هناك تهميش أو استبداد. فالأنظمة التي تدعم الإرهاب مثل السعودية وقطر وتركيا، وحتى الأردن هي من أشد الأنظمة استبداداً و تمييزاً ضد مكونات شعوبها.

و حتى قبل أيام شاهدنا على اليوتيوب كيف تم استقبال شعبي ورسمي في الأردن للدواعش الأردنيين العائدين من العراق، ويشكل الأردنيون أعلى نسبة من الأجانب في صفوف داعش وجبهة النصرة. كما ويعرف الجميع كيف أقام الأردنيون مجالس عزاء لكل إرهابي أردني يُقتل في العراق، من أمثال المنفوق الزرقاوي وغيره، إضافة إلى أن العاصمة عمان، كما اسطنبول وأربيل،  صارت ملاذاً آمناً للدواعش والمتعاطفين معهم، ومقراً لعقد مؤتمراتهم لتدمير العراق وسوريا وقتل شعبيهما، كما حصل في المؤتمر الذي هيأ لسقوط الموصل قبل سبعة أشهر، ودافعت الحكومة الأردنية عنه بأنه كان قانونياً.
والأردن هو البلد الوحيد الذي يتحقق مع المسافرين العراقيين في مطار عمان عن المذهب (سني أم شيعي)، وكل من لقبه الموسوي يمنع من الدخول.

ورغم تحذيراتنا لهم أن من يحفر جباً لأخيه يقع فيه، ومن أشعل الحرائق في بيت جاره فلا بد أن تلتهم النيران بيته، إلا إن صيحاتنا هذه وقعت على أذن صماء. وما بشار الأسد بأفضل منهم، إذ كان إلى أواخر عام 2010 قد جعل من سورياً محطة لاستقبال وتدريب وتمويل وإرسال الإرهابيين القتلة إلى العراق للفتك بشعبه، وتدمير ممتلكاته ومؤسساته الاقتصادية، إلى أن انقلب السحر على الساحر، فوصلت نيران الإرهاب إلى بلدانهم، فها هي سوريا عبارة عن خرائب وأنقاض، ونصف شعبه مشرد ومهجر إما في الداخل أو في الخارج تدمى عليهم القلوب.

وأخيراً وصلت النيران إلى الأردن، وما حصل من قتل بربري للطيار الأردني، معاذ الكساسبة عن طريق الحرق حياً، تلك الجريمة البشعة التي اقشعرت منها الأبدان، وأصابت العالم بالصدمة والذهول لهول القسوة في قتل البشر، فهو أول الغيث. وهذه الطريقة في القتل هي اختراع جديد ونقلة نوعية وتصعيد في الوحشية في الاعدامات التي تمارسها داعش لتحقيق أكبر قدر من الرعب وعلى الطريقة الداعشية. فالإرهاب يراهن على ما يثيره من رعب في المجتمع عن طريق القسوة. ويبدو أنهم نجحوا في ذلك، إذ ما أن اعلنت داعش عن الإعدام وبهذه الطريقة الوحشية حتى وأعلنت حكومة الإمارات العربية انسحابها من التحالف الدولي ضد الإرهاب، خوفاً من وقوع طياريها في الأسر وحرقهم. وهذا بحد ذاته نصر للإرهاب ونجاح لطريقتهم الوحشية.

والجدير بالذكر أنه تبين أن الدواعش قد نفذوا الإعدام بحق الطيار الأردني قبل أسابيع، ومع ذلك كانوا يساومون الحكومة الأردنية على إطلاق سراح البهيمة الإرهابية، ساجدة الريشاوي التي شاركت في عملية إرهابية في عمان قبل 9 سنوات، وفشلت في تفجير الحزام الناسف، الأمر الذي يدل على مدى خبث ودهاء الدواعش، فكان الغرض من هذه المساومات هو الكسب الإعلامي ليس غير. 

ورب ضارة نافعة، فجريمة إعدام الطيار الأردني، رغم وحشيتها وقسوتها، إلا أنها كانت ضربة صادمة لإيقاظ الأردنيين، حكومة وشعباً، من غفلتهم وغفوتهم وحتى غيهم وتعاونهم مع الإرهاب، وليأخذوا الموقف الصحيح منه. وأعتقد أن الاجراءات التي أعلنها العاهل الأردني "أننا نخوض هذه الحرب لحماية عقيدتنا وقيمنا ومبادئنا الإنسانية، وأن حربنا لأجلها ستكون بلا هوادة، وسنكون بالمرصاد لزمرة المجرمين وسنضربهم في عقر دارهم". كان موقفاً صحيحاً، وعليه أن يستثمر هذه الفرصة لضرب المشاركين الأردنيين في الإرهاب، والمتعاونين معه، و المتخاذلين الذين يطالبون الحكومة الأردنية بالانسحاب من التحالف الدولي ضد الإرهاب، لكي يحموا أنفسهم من شرور داعش، كالموقف الإماراتي، فهؤلاء في الحقيقة إما هم من أنصار الإرهاب، أو المتخاذلين الجبناء. إذ كما قال هاري ترومان: "إذا واجهت وحشاً يجب أن تعامله كوحش". فأي تخاذل وتساهل مع الإرهاب يؤدي إلى تمادي الإرهاب وتفشيه وخراب البلاد والعباد.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
في الاردن استقبال رسمي وشعبي للدواعش القتله
https://www.youtube.com/watch?v=EmhwIwC5ybs

عبدالخالق حسين: مشكلة العرب أن الطائفية عندهم أقوى من القومية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=26&aid=118028


257
إياكم وقطع الأرزاق!!

د.عبدالخالق حسين

قالت العرب: "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق". يجري في العراق الآن قطع الأرزاق وتحت مختلف الحجج، وهذا نذير بقطع أعناق المتسببين، إذ للصبر حدود. فالكثير من مشاكل العراق هي صناعة محلية، ومن إنتاج أبناء البلد، وسوء الإدارة ولاأبالية الذين بيدهم الحل والعقد وهم في قمة السلطة. فلو لم تكن عقلية المجتمع مهيأة للخديعة لما استطاع الأجانب تمرير مؤامرتهم التدميرية. ونحن لا نتكلم هنا عن "داعش" وأخواتها، ومن وراءها، فقد كتبنا الكثير عن هذه الكارثة، بل نتحدث عن إجراءات تعسفية من قبل المسؤولين ضد المواطنين العزل العاملين في المؤسسات الحكومية، ليس لهم أي مصدر آخر للعيش سوى رواتبهم، مقابل ما يبذلونه من جهود فكرية وعضلية في عملهم ليجعلوا ماكنة الدولة تعمل كما يجب.

تفيد الأنباء أن السلطة قطعت رواتب العاملين في عدد من المعامل والمؤسسات بذريعة عدم صدور قانون الموازنة لعام 2014، ونحن الآن في عام 2015. والسؤال الذي يجب توجيهه للمسؤولين، سواء كانوا أعضاء في البرلمان، الذين عرقلوا صدور القانون، أو أعضاء في مجلس الوزراء (السلطة التنفيذية)، هل عدم صدور هذا القانون أدى إلى وقف رواتبهم الخيالية ورواتب عناصر حماياتهم؟
الجواب ألف كلا، فما زلنا نقرأ ونسمع عن البذخ الحكومي على أمور تافهة بمليارات الدولارات مثل نثريات الرئاسات الثلاث والوزارات، ومئات وكلاء الوزراء، وآلاف المستشارين بالاسم، ليس لشيء إلا لأنهم أقرباء وأصدقاء المسؤولين الكبار في الدولة لاستلام رواتب بدون مقابل، إضافة إلى أعداد كبيرة من "الفضائيين" الذين تذهب رواتبهم إلى المسؤولين الكبار. كذلك ما تقدمه الحكومة من تبرعات بملايين الدولارات أيضاً إلى حركات سياسية خارجية، وأخيراً سمعنا عن دعوة العراق لعقد مؤتمر الدول الإسلامية في بغداد في العام القادم، طبعاً لأغراض دعائية فقط، ولا شك فإن عقد هكذا مؤتمر سيكلف خزينة الدولة الملايين إن لم نقل مليارات الدولارات ... والناس من حقها أن تسأل الحكومة عن جدوى هذا البذخ في أيام الشدة وإنهيار أسعار النفط.

أستلم يومياً رسائل استغاثة من عدد غير قليل من القراء في العراق، يشكون همومهم بسبب عدم دفع رواتبهم، كما حصل لموظفي وموظفات (شركة الزيوت النباتية في بغداد)، مما أدى إلى القيامهم بتظاهرات احتجاجية، ولكن دون أن يستجيب لهم أي مسؤول. فهل سأل المسؤولون أنفسهم كيف يعيش هؤلاء الموظفون بدون راتب وهو المصدر الوحيد لمعيشة عائلاتهم؟

وليس معمل الزيوت النباتية هو الوحيد في هذه المحنة، بل هناك الكثير من المؤسسات الحكومية تواجه نفس المحنة، ومن بينها (معمل الورق في مدينة الدير بالبصرة) الذي أنشأه الزعيم عبدالكريم قاسم قبل خمسين سنة، وكان ينتج سنوياً آلاف الأطنان من مختلف أنواع الورق والكارتون، يغطي حاجة العراق، وحتى كان يقوم بإعادة تصنيع الأوراق المستهلكة من الجرائد القديمة وغيرها، مما يحافظ على نظافة البيئة. وتعرض المعمل للتلف في بعض أجزائه أيام حروب الطاغية العبثية، وبقي عاطلاً عن العمل رغم مرور 11 عاماً على تحرير العراق. وقد علمتُ من مصدر مطلع، أن الشركة الأجنبية التي بنت المشروع قبل خمسة عقود، أبدت استعدادها لإعادة إعماره وتحديثه إلى أرقى ما توصلت إليه التكنولوجية اليوم وبإنتاجية أكبر وأفضل، ولكن رفض المسؤولون ذلك وكأنهم متعمدون في إبقاء الخراب، وإبقاء العراق بلداً مستورداً لكل شيء. فقد كتب لي صديق يعمل في هذا المعمل وهو يسكن في منطقة المعقل، ويقطع يومياً مسافات طويلة ذهاباً وإياباً للدوام، ولكنهم لا يعملون ولا ينتجون أي ورق. ويداومون يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع لتسجيل حضورهم فقط، وكذلك رواتبهم توقفت في الآونة الأخيرة بعد أن كانت تدفع لهم بصورة متقطعة في السنوات السابقة.

فالمفروض بالحكومة الوطنية الديمقراطية أن تشجع الصناعات الوطنية وتحميها من غزو الصناعات الأجنبية، من أجل إيجاد الوظائف للأيدي العاملة وحل مشكلة البطالة. هذه السياسة اتبعتها الصين الشعبية وحققت بها نهضة اقتصادية كاسحة. ولكن مع الأسف الشديد ما يجري في العراق هو العكس. فكم تصرف الدولة لمحاربة الإرهاب، لا شك بالمليارات. بينما تكاليف إيجاد الوظائف للعاطلين عن العمل يكلف أقل بكثير. فالوقاية خير من العلاج، وأقل تكلفةً.

وماذا عسى الموظف والموظفة أن يعملا في حالة انقطاع الراتب؟
فكتب التراث تخبرنا أن أبا ذر الغفاري قال: " إني لأعجب من امرئٍ لا يجد قوتا في بيته ولا يخرج شاهرا سيفه  في وجوه الناس". أما في يومنا هذا فهناك مجال واسع لإستغلال المعدَمين من قبل الإرهابيين. إذ قرأت قبل سنوات في إحدى الصحف البريطانية عن مهندس عراقي عاطل عن العمل، استلم عرضاً من قبل الإرهابين لتفجير أنبوب نفط في محافظة البصرة مقابل 600 دولار. فقطع الأرزاق يوفر أرضية خصبة لجر هؤلاء البؤساء إلى الإرهاب، ولسان حالهم يقول: (وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان). فالبطالة والفساد وسوء الإدارة وجه آخر للإرهاب.

لقد صرفت الدولة مئات المليارات الدولارات على إعمار العراق، ولذلك من حق المواطن أن يسأل المسؤولين في الدولة: أين ذهبت هذه المليارات، ولماذا معظم المعامل الإنتاجية عاطلة عن الانتاج مثل معمل الورق في البصرة، رغم مرور 11 سنة على تحرير العراق من الفاشية البعثية؟ هذه المشكلة يمكن حلها إذا كان المسؤولون في قمة الدولة حريصين على مصلحة الوطن، ويقدمون أنفسهم كمثال للوطنية ووالنزاهة والتضحية وخدمة المواطنين، واحترام القوانين.
فالعراق ليس بلداً فقيراً ليعاني شعبه من الفقر. لذلك نعتقد أن بإمكان الحكومة أن تدفع رواتب الموظفين دون أي تعطيل، وإلا فإن ثورة الجياع قادمة، وستحرق الأخضر بسعر اليابس، وعندها سوف لا يفيد الندم.
سُئل شيشرون ما هي صفات الحكومة الجيدة، فأجاب: "عندما يطيع الناس الحكام، والحكام يطيعون القوانين".

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl


258
هل داعش صناعة أمريكية؟
د.عبدالخالق حسين

منذ ظهور منظمة (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، اختصاراً "داعش" الإرهابية، على الساحة، بدأ سجال فيما إذا كان لأمريكا يد في تأسيسها. فهناك العديد من الكتاب يرون أن أمريكا هي التي صنعت داعش بمثل ما صنعت من قبل "القاعدة" وعشرات المنظمات الجهادية في أفغانستان لإسقاط النظام الشيوعي فيه والاتحاد السوفيتي منه واستنزافه وإنهياره فيما بعد. وآخرون، ينفون ذلك بشدة. ولكل فريق أدلته، مستندين على حقائق التاريخ القريب والبعيد، كما وهناك خلط الأوراق والالتباس والضبابية في الرؤيا. وإذ نعود إلى هذا الموضوع ليس لترف فكري، أو أكاديمي، بل لما له من تأثير عملي في مواجهة هذا الوحش الذي بات يهدد البشرية في كل مكان.

وفي هذا الخصوص يقول الكاتب الكويتي الليبرالي المعروف، الأستاذ أحمد الصراف: " إن «داعش» ليس صنيعة صهيونية ولا أميركية أو روسية أو إسرائيلية، بل حركة دينية متطرفة، قد تجد تمويلا هنا أو هناك، إلا أن افرادها ليسوا بمرتزقة، فالمرتزقة هدفهم المال، أما مقاتلو «الدولة» فهدفهم السبايا والغنائم، أو الحور العين إن قتلوا، فالموت بالنسبة اليهم شهادة، والدليل أن بينهم من ترك عمله وأهله وجامعته ليقاتل أو يقتل. ولو نظرنا للشحن الديني، الذي قامت به عشرات آلاف المدارس والكتاتيب الدينية في دولنا وحتى في مدارس المسلمين في الدول الغربية، على مدى نصف قرن تقريبا التي سبق أن تسببت في ظهور طالبان والقاعدة والتنظيمات المتطرفة الأخرى في باكستان وافغانستان وسوريا والعراق وغيرها، لما استغربنا أبدا ظهور داعش بيننا، فهؤلاء هم ثمار ذلك الغرس الطائفي المتطرف."

لا شك أن معظم هذا الكلام صحيح ومنطقي لا غبار عليه، ولكنه ليس كل الحقيقة فيما يخص وجود داعش في العراق وسوريا، إذ نتحفظ على الجملة الأولى (إن «داعش» ليس صنيعة صهيونية ولا أميركية أو روسية أو إسرائيلية،)،لأنها مثيرة للخلاف والجدل، وتحتاج إلى مناقشة هادئة عسى أن نصل إلى الحقيقة. فالنصوص الدينية التي تستند عليها المنظمات الإرهابية في ارتكاب جرائمها ضد الإنسانية كانت موجودة منذ أكثر من 1400 سنة، وهي عبارة عن ألغام خامدة وقنابل موقوتة تنتظر من يفجرها. وبإمكان القوى الشريرة أن تفجر هذه الألغام متى ما تشاء، وهذا الذي حصل. كذلك أتفق مع الأخ الكاتب أنه لا دخل لروسيا في صناعة الإرهاب، أما إسرائيل فتستغل داعش وتستفيد منها لذا تدعمها عن طريق قصف القوات السورية وحلفائها بين حين وآخر، وهذا يخدم الإرهابيين. أما الدور الأمريكي فيحتاج إلى توضيح.

نود التوكيد أولاً، أن "داعش" وخاصة في العراق، هي ليست مكونة من أناس جهاديين مؤمنين بأيديولوجية دينية فقط، بل هناك جهات خارجية وداخلية تأخذ من الدين وسيلة، التقت مصالحها مؤقتاً مع مصلحة الجهاديين الحقيقيين في "داعش"، لذلك قدمت لهم الدعم بشتى أشكاله وللسيطرة عليهم وتوجيههم لأغراض سياسية معينة على أمل أن تتخلص منهم فيما بعد كما حصل في أفغانستان. ومن هذه الجهات، فلول البعث بمن فيهم ضباط الحرس الجمهوري الصدامي، وجميع الجهات التي لا تريد للعراق نظاماً ديمقراطياً مستقراً، أما أمريكا فتستفيد من داعش لتتخلص من أية حكومة لا ترضى عليها.

فالرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومعه مساعدوه في البيت الأبيض، وتحت تأثير لوبيات وشركات العلاقات العامة (PR)، كانوا يدعون أن سبب وجود داعش في العراق هو "دكتاتورية" نوري المالكي، و"عزله وتهميشه للسنة والكرد في الحكومة"، وأن الحل ليس عسكرياً، بل سياسي، وذلك بتشكيل حكومة شاملة تضم كل مكونات الشعب العراقي، وكأن حكومة المالكي ما كانت شاملة بما فيه الكفاية. وهذا هو الانطباع الذي ضللوا به الرأي العام الغربي والعالمي، ولتبرير امتناع أوباما لمساعدة العراق في حربه على داعش في أول الأمر، ودون أن يسألوا أنفسهم: هل وجود عشرات التنظيمات الإرهابية في العالم سببها المالكي؟ وهل حقاً كان هناك عزل وتهميش للسنة والكرد في حكومة المالكي؟ فالنشاط الإرهابي بدأ في العراق قبل تسلم المالكي لرئاسة الحكومة واستمر بعد تنحيه.

هذه الفرية مع الأسف انطلت على الكثيرين، بينهم أصدقاء طيبين مثل الكاتب المصري، الأستاذ مجدي خليل الذي ذكر في مقاله الموسوم: (أمريكا وداعش)، وفي معرض تبرئته لأمريكا من داعش يقول: "كما أن نور المالكى الذى خرب العراق وأضطهد السنة بتعليمات إيرانية ورفض توقيع اتفاقية أمنية مع أمريكا بتعليمات إيرانية، رغم أن أمريكا هى التى انقذت الشيعة من قبضة صدام، نوري المالكى هذا بعد أن خرب العراق صرخ لأمريكا لكى تنقذه من داعش، فهل يقبل شخص أمريكى عاقل أن يحارب حروب هذا الدكتاتور الفاشل التابع لحكم ولاية الفقيه؟..." انتهى
حقاً، أنه مؤلم أن يصدر هذا الكلام من كاتب ليبرالي، متوقع منه أن يتوخى الدقة والأمانه فيما يكتب، ولكنه مع الأسف يصدق كل ما يتلقاه من الإعلام المضاد، وتنقصه متابعة لما يجري في العراق، إذ يبدو أنه لا يعرف أن الرئيس أوباما هو الذي أصر على سحب القوات الأمريكية منذ حملته الانتخابية الأولى، وأن الاتفاقية العراقية- الأمريكية قد تم التوقيع عليها، وأن الرئيس أوباما رفض دعم العراق ضد داعش إلا بعد أن انقلب السحر على الساحر، وتجاوزت داعش على الخطوط الحمراء المرسومة لها وخرجت عن السيطرة. فأوباما لم يأمر بضرب داعش بالقوة الجوية ويشكل التحالف الدولي من أجل المسيحيين واليزيديين، كما قال السيد مجدي خليل، إلا بعد أن توجهت داعش لإحتلال أربيل وباتت تهدد المصالح الأمريكية المتمثلة في عشر شركات أمريكية كبرى فيها.(1)

كذلك نشير إلى الحملة الضارية منذ سنوات ضد تسليح الجيش العراقي من قبل الشركاء في (حكومة الشراكة الوطنية) من الكرد والسنة العرب وتحت مختلف المعاذير، فالسيد مسعود بارزاني ضد تسليح الجيش العراقي، متذرعاً بجرائم صدام حسين والأنفال وحلبجة، و"دكتاتورية المالكي" المزعومة، فيعامل الحكومة الفيدرالية الديمقراطية، التي للكرد حصة الأسد فيها، كتعامله مع نظام صدام المستبد الجائر. وتبين فيما بعد أن غرض هؤلاء جميعاً، وامتناع أوباما عن تسليح الجيش العراقي هو لتسهيل مهمة داعش.
فداعش اليوم تضم في صفوفها ليس فقط  أولئك المهووسين بحور العين والولدان المخلدين ودخول الجنة في أقرب وقت، بل هناك فلول البعث، والذين يرفضون الديمقراطية لأنهم يرفضون المساواة مع المكونات الأخرى في حكم العراق، وقالها صراحة مفتي العراق، الشيخ رافع الرفاعي، أنهم يرفضون شيعياً على رأس الحكومة، أي أنهم يرفضون الديمقراطية. وهذا كل ما في الأمر.

فالبعث تنظيم مايفيوي أخطبوطي متفنن في توظيف كل شيء لصالحه، ولم يتردد في التعاون والتحالف مع أية جهة، وحتى مع إسرائيل، ومع أشد الحكومات رجعية مثل السعودية وقطر وتركيا والأردن في سبيل الاستيلاء على السلطة. والمعروف أن البعث جاء إلى السلطة في العراق مرتين، عام 1963 ، وعام 1968 بالقطار الأمريكي، وهناك مذكرات لبعثيين، ودراسات أكاديمية أمريكية تؤكد ذلك. والنظام الأردني ليس بريئاً في دعم داعش، إذ أصبح حاضناً لأعداء العراق الجديد، أدرج أدناه رابط فيديو يشاهد فيه إستقبال رسمي وشعبي للدواعش القتلة(2). وهذا لا يمكن أن يحصل بدون موافقة الحكومة الأردنية.
وخلافاً لما يردده الإعلام الغربي بأن البعث علماني لا يمكن أن يتعاون مع "القاعدة" و"داعش" وغيرهما من المنظمات الإسلامية الإرهابية، فهذا الكلام للتغطية والتضليل وليس عن سذاجة والجهل. فقد ذكر الباحث الدكتور فالح عبدالحبار لفضائية (العربية)، أن صدام حسين في السنوات الأخيرة من حكمه أدخل نحو 6 آلاف مقاتل من تنظيم "القاعدة" إلى العراق. كما وقام خلال حملته الإيمانية بجلب مشايخ وهابية لوهبنة العراقيين السنة، وتكفير الشيعة وجعل قتلهم مفتاحاً لدخول الجنة.

هل لأمريكا دور في صنع داعش؟
يرى البعض أني طالما دعوتُ وما زلتُ أدعو إلى علاقة استراتيجية حميمة مع أمريكا، فهذا يعني أني أناقض نفسي إذا ما انتقدت أمريكا. ففي رأي هؤلاء يجب أن أقبل كل ما يصدر من أمريكا حتى ولو كان ضد العراق. وهذه النظرة ناتجة عن قصر نظر وعمى الألوان لا يرى غير الأسود والأبيض. وقد وضحت موقفي هذا في مقال سابق بعنوان: (العلاقات العراقية-الأمريكية إلى أين؟) قلت فيه: ((في السياسة لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة، لذلك وبعد الهجمة البربرية الشرسة من قبل منظمة داعش الإرهابية، وتلكؤ أمريكا في تقديم الدعم لجيشنا الباسل في مقارعة الإرهاب ضمن إطار الاتفاقية الأمنية الإستراتيجية الموقعة بين البلدين، وتحت مختلف الأعذار الواهية، انتقدنا أمريكا. ولهذا السبب، فعندما تبنت أمريكا موقفاً جديداً من العراق، فمن الطبيعي أن نمارس حقنا في أخذ موقف جديد منها. إذ نعتقد أن إدارة أوباما قد وقعت تحت تأثير اللوبيات في واشنطن والتي هي نتاج جهود شركات العلاقات العامة التي يُدفع لها بسخاء من قبل أعداء الديمقراطية العراقية الوليدة في الداخل.(3 و 4)
كما وبات معروفاً أن المنظمات الجهادية الإسلامية مثل القاعدة وطالبان في أفغانستان وباكستان وغيرها، ساهمت أمريكا ودول غربية أخرى في صنعها، وبأموال سعودية، بشحنهم بالفكر الوهابي التكفيري، في محاربة النظام الشيوعي في أفغناستان وطرد القوات السوفيتية. ونجحت هذه المحاولات وتم لهم ما أرادوا، ولكن من نتائجها الجانبية غير المقصودة، جريمة 11 سبتمبر 2001، التي غيرت سياسات أمريكا والغرب 180 درجة، ولو إلى حين!

كذلك يعرف الجميع أن الجهات المتورطة مباشرة في تشكيل ودعم داعش هي السعودية وقطر وتركيا والأردن. ولاشك أن هذه الحكومات تحت سيطرة أمريكا ولا يمكنها أن تقوم بهذه الأعمال الخطيرة بدون موافقة ومباركة أمريكا. وأكد الباحث الأمريكي مايك وتني (Mike Whitney) دور أمريكا في دعم داعش. (رابط رقم1)، وبحث آخر يؤكد أن ما يجري في المنطقة هو جزء من إستراتيجية إسرائيل منذ الثمانينات من القرن الماضي (5). فالغرض من خلق داعش هو لضرب أية حكومة لا تساير سياسات أمريكا وإسرائيل في العالم.
كما وصرح الدكتور حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي لصحيفة (الحياة) اللندنية في عددها الصادر يوم 20/1/2015، أن أبوبكر البغدادي هو خريج معتقل بوكا في البصرة، الذي كان تحت إدارة الأمريكيين.(6)، وهذا السجن يعتبر كلية أو جامعة تخرج منها أغلب الإرهابيين العراقيين من تنظيم داعش.
ولكن في معظم الأحيان هناك نتائج غير مقصودة، فداعش في العراق ليست منظمة متجانسة مائة بالمائة، إذ كما بينا أعلاه، هناك من الجهاديين وآخرون من البعثيين انضموا لداعش لتحقيق أغراضهم.   

العلاقة مع إيران
والملاحظ أيضاً أن الذين يدعمون داعش يؤاخذون على الحكومة العراقية علاقتها المسالمة مع إيران، فهم يريدون من العراق أن يتبع نهج البعث الصدامي في تبني سياسة العداء لهذه الدولة التي نشترك معها بحدود تقدر بأكثر من 1400 كيلومتر، وتاريخ لآلاف السنين، في الوقت الذي هم يرسلون إلينا الإرهابيين للقتل والتخريب. إذ كما قال الدكتور العبادي في نفس المقابلة مع صحيفة الحياة: «...كانت إيران سباقة، فهي منذ الأسبوع الأول [من هجمة داعش]،أنشأت جسراً جوياً لنقل الأسلحة إلى العراق، إلى كردستان وبغداد، وهذا لم يكن سراً... وهناك مصالح مشتركة عراقية- إيرانية في الحرب على "داعش"، فأنا لا أشك في أن الإيرانيين يدافعون بصدق عن العراق، لأن تهديد "داعش" يتجاوز العراق، وهو خطر حقيقي على ايران...التدخل الإيراني بهذه السرعة لمساعدة العراق، كان قضية استراتيجية...» (نفس المصدر-6).
كذلك صرح الجنرال مارتن ديمبسي رئييس هيئة الاركان المشتركة الامريكية، أن (الوجود الإيراني في العراق "إيجابي")(7)، إضافة إلى ما صرح به مستشار للرئيس أوباما: «على الكونغرس ترك إيران وشأنها»(8). وأخيراً، قال الرئيس أوباما في خطابه يوم 20/1/2015: "فرض عقوبات على ايران سيفشل الجهود الدبلوماسية".

وهكذا، نرى أن علاقة العراق الإيجابية مع إيران تخدم العراق وأمريكا على حد سواء. كما وبات مؤكداً أن السعودية، وليست إيران، هي التي تشكل خطراً على المنطقة والعالم، وقد بدأ الأمريكان يدركون هذه الحقيقة. فهاهو (سيناتور أمريكي سابق اطلع على 28 صفحة سرية بتحقيقات تمويل هجمات 11 سبتمبر: هناك إشارة قوية موجهة نحو السعودية.)(9)
وإذا كان كل ما ذكرنا آنفاً لم يكفِ لإثبات دور أمريكا في صنع القاعدة وداعش، فنعيد على أذهان تصريحات السيدة هيلاري كلنتون، (وشهد شاهدً من أهبها)، لتؤكد فيها هذه الحقيقة المرة بالصوت والصورة. يرجى مشاهدة الفيديو في الهامش(10).
ومن كل ما سبق، نعرف أن لا بد ولأمريكا دور في صنع داعش، ولكن في أغلب الأحيان ينقلب السحر على الساحر، وعلى أمريكا والحكومات الغربية وأتباعها في المنطقة، أن لا تلعب بالنار، فداعش والقاعدة وطالبان وغيرها من المنظمات الإرهابية التي صنعوها، لا بد وأن تخرج عن سيطرتهم، وتنقلب عليهم كما انقلبت "القاعدة" وقامت بجريمة 11 سبتمبر 2001.

ولكن على رغم كل ما تقدم من أخطاء أمريكا، فإننا مازلنا ندعو الحكومة العراقية إلى إقامة علاقة إستراتيجية مع أمريكا لكي يعيش العراق بسلام، فالعراق بوضعه الحالي الممزق، وتكالب الأعداء عليه، لا يستطيع التخلص من مشاكله الكثيرة والوحوش الإرهابية الداعشية البعثية الضارية إلا بمساعدة الدولة العظمى. وأقول للإسلاميين وغيرهم من المؤدلجين بأيديولوجية العداء لأمريكا، أن يتذكروا ما قاله الرسول (ص) عند فتح مكة وهو في حالة قوة: "من دخل بيت أبي سفيان فقد آمن"، وهو يعرف جيداً حقيقة أبي سفيان وزوجته هند آكلة كبد عمه الحمزة. وبالمثل، أقول: من تحالف مع أمريكا فقد آمن. وهذه العلاقة لا تعتبر انبطاحاً كما يحلو للبعض ترديد هذه العبارة النشاز. فثلث العراق الآن تحت بساطيل داعش، وهل هناك إهانة للعراق أكبر من هذا؟
لذلك أؤكد أنه لا يمكن حل المشاكل الكبرى بالعنجهية والمكابرة، بل، بالاعتراف بأن السياسية وراء المصالح، و فن الممكن، وليس فن العنتريات والبلطجة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- MIKE WHITNEY: Splitting up Iraq: It’s all for Israel
http://www.counterpunch.org/2014/06/20/its-all-for-israel/

2- في الاردن إستقبال رسمي وشعبي للدواعش القتلة
https://www.youtube.com/watch?v=EmhwIwC5ybs

3- عبدالخالق حسين: العلاقات العراقية- الأمريكية.. إلى أين؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=664

4- د.عبدالخالق حسين: تقسيم العراق لصالح إسرائيل
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=663

5- A Strategy for Israel in the Nineteen Eighties, Oded Yinon, monabaker.com
http://www.monabaker.com/pMachine/more.php?id=A2298_0_1_0_M

6- العبادي لـ «الحياة»:: معلوماتي أن الأميركيين والإيرانيين يتجهون نحو اتفاق
تعرضت لمحاولة إغتيال (مقابلة صحيفة الحياة)
http://alhayat.com/Articles/6925786/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8

7- ديمبسي : الوجود الإيراني في العراق "إيجابي"
http://alghad-iq.com/ar/news/19865/%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A8%D8%B3%D9%8A-

8- مستشار للرئيس أوباما: على الكونغرس ترك إيران وشأنها
http://www.akhbaar.org/home/2015/1/183810.html

9- سيناتور سابق اطلع على 28 صفحة سرية بتحقيقات تمويل هجمات 11 سبتمبر: هناك إشارة قوية موجهة نحو السعودية
http://www.akhbaar.org/home/2015/1/183553.html

10- هيلاري كلينتون تعترف أنهم من أنشأ تنظيم القاعدة
https://www.youtube.com/watch?v=9_2B0S7tj9E


259
الأغبياء يخدمون أعدائهم

د.عبدالخالق حسين

قالوا: "يفعل الجاهل بنفسه كما يفعل العدو بعدوه". وهذا ينطبق كلياً على الإرهابيين الجهلاء. ولو لم يكونوا جهلاء لما نجح المحتالون النصابون من مشايخ الإرهاب في غسل أدمغتهم الفارغة وملئها بالأفكار التكفيرية التدميرية. فهؤلاء الجهلة هم أيضاً ضحية آلهة الشر الذين أسسوا القاعدة ولقيطاتها: داعش، وجبهة النصرة، وبكوحرام وغيرها، ورضوا أن يقدموا أنفسهم طواعية كقنابل و روبوتات بشرية لتنفيذ ما أملي عليهم، بقتل الأبرياء وقتل أنفسهم، بعد شحنهم بثقافة تمجيد الموت واحتقار الحياة، والكراهية ضد الآخر المختلف، والهوس الجنسي بحور العين والولدان المخلدين في جنة وهمية من صنع الخيالات المريضة لأناس عاشوا في العصور الغابرة، عندما كانت الحضارة في مراحلها الجنينية، أي مرحلة الخرافة واللاعقلانية.

فبعد جريمة باريس (7/1/2014 )، نسأل: من الخاسر ومن الرابح من هذه المجزرة الرهيبة؟
الخاسر الأول والأكبر هو الإسلام والمسلمون. والرابح الأكبر هم المستهدفون من هذه الجريمة، أي الشعوب والحكومات الغربية وإسرائيل، التي أراد الإرهابيون الانتقام منهم. وكذلك اليمين الأوربي المتطرف، الذي يغذي العداء ضد الأجانب وبالأخص الجاليات الإسلامية في الغرب، فيريدون إظهار الإسلام كدين بدوي متخلف، وايديولوجية للإرهاب ضد الحضارة الإنسانية، وتشويه صورة المسلمين وإبرازهم كبرابرة معادين للحضارة البشرية والقيم الإنسانية النبيلة و الحرية والإخاء والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة وغيرها كثير. وقد نجح الإرهابيون بامتياز في تحقيق هذه الأغراض لأعدائهم.

فعلى أثر هذه الجريمة، تمسكت الشعوب الغربية وحكوماتها بوحدتها، وتصلبت عزيمتها، واشتد تصميمها على السير قدماً في الدفاع عن قيمها الحضارية، إذ دائماً هناك "نتائج غير مقصودة لأفعال المقصودة" كما يقول آدم سميث. حيث عبرت الجماهير في كل أنحاء العالم، وخاصة في الدول الغربية عن إرادتها، وتضامنها، ووحدتها ورفضها الشديد للابتزاز، وعدم التخلي عن قيمها الحضارية الإنسانية النبيلة التي كانت شعار الثورة الفرنسية (الحرية والإخاء والمساواة)، والتي هي نتاج  تراكمات الفلسفات الغربية ابتداءً من اليونانية القديمة ومروراً بمرحلة النهضة والتنوير، وإلى يومنا هذا، ولا يمكن أن يتخلوا عنها بالإرهاب ليتبنوا أفكار الوهابية وتعاليم بن لادن والقرضاوي وصالح الفوزان وغيرهم من الدينصورات البشرية. فالذي حصل هو بالضبط عكس ما أراد له الإرهابيون ومن وراءهم. وهذا هو منطق التاريخ.

وعلى سبيل المثال، ورغم اهتمامي بالقضايا السياسية و الإعلامية والفكرية، لم أسمع يوماً بمجلة اسمها (تشارلي إبدو). وهاهي اليوم صارت المجلة أشهر من نار على علَم، حيث كان عدد النسخ المطبوعة أسبوعياً لا يزيد على 60 ألف نسخة، وإذا بها وبعد أسبوع من الجريمة طبعت يوم 14/1/2014 ثلاثة ملايين نسخة، فنفدت بعد ساعات، فقامت الإدارة بطبع مليونين نسخة أخرى "فبلغ مجموع النسخ المطبوعة من العدد الأخير خمسة ملايين بعدما كانت تطبع في الماضي 60 الف نسخة اسبوعياً. كما وطبع العدد الجديد بست لغات، من بينها الإنجليزية، والعربية، والتركية، ...". كما وشاهدنا من على شاشات التلفزة، الطوابير أمام محلات بيع الصحف لشرائها، و يظهر على صفحتها الأولى الرسم الكاريكاتيري للنبي محمد وهو يبكي بينما يحمل ورقة مكتوبا عليها "أنا شارلي".(1)
فمن الرابح في هذه الحالة؟

المشكلة أنه بعد "غزوة باريس"، طلع علينا عدد غير قليل من الكتاب بمقالات يحاولون فيها تبرير الجريمة وإلقاء اللوم على الدول الغربية. بل وبلغ التطرف بالبعض ليقول أن الحكومة الفرنسية وإسرائيل هما وراء هذه الجريمة لأغراض دعائية ولتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وإيجاد المبررات لضرب الشعوب العربية والإسلامية، نفس المعاذير التي سمعناها بعد جريمة 11 سبتمبر 2001، إذ أدعوا أن القائمين بها هم من الاستخبارات الأمريكية (CIA) والإسرائيلية (موساد)، من أجل خلق الذريعة لاحتلال أفغانستان والعراق، وإضعاف الدول الإسلامية. ومازال البعض من ذوي النوايا الحسنة يؤمنون إيماناً قاطعاً بهذه النظرية. في الحقيقة، هذا التفسير والتبرير لا يقل خطورة من الإرهاب نفسه. ولا أدري لماذا تقوم هذه الحكومات بقتل الأبرياء من شعوبها لتوفير الذريعة لإسقاط حكومة طالبان الإرهابية في أفغانستان، وحكومة البعث الصدامية الفاشية في العراق، وكل المبررات موجودة مسبقاً.

كما وأود التوكيد أني لا أريد هنا تبرئة بعض الدول الغربية في تشكيل المنظمات الإرهابية الإسلاموية لخدمة أغراضها، إذ بات معروفاً دور أمريكا في تأسيس "القاعدة" بأموال السعودية وأيديولوجتها الوهابية من أجل طرد القوات السوفيتية من أفغانستان، والإطاحة بالحكومة الشيوعية فيها، وهذا الموضوع يحتاج إلى مقال مستقل. ولكن أن نقول أن الحكومة فرنسية وإسرائيل خططتا لجريمة باريس الأخيرة ولأغراض دعائية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين فهو غير قابل للتصديق مطلقاً، ومثير للضحك والسخرية. فالذي يقوم بتشويه صورة الإسلام والمسلمين هم الإرهابيون الإسلاميون أنفسهم ومن يدعمهم من حكومات قبلية رجعية مثل السعودية وقطر وتركيا، وأصحاب الفتاوى المضحكة المسيئة لٌلإسلام.

يجب أن يعرف الإرهابيون ومن وراءهم، أنه لا يمكنهم مطلقاً إلحاق الهزيمة بالغرب المتسلح بالعلم والفلسفة، والفنون، والتكنولوجية المتطورة، والذي بإمكانه أن يحوِّل أكبر كارثة إلى فرصة للنجاح له، وإلحاق الهزيمة بالعدو. وعلى سبيل المثال استغلت إسرائيل هذه الجريمة لمصلحتها، فعملت على نقل جثامين القتلى اليهود الأربعة وهم مواطنون فرنسيون، إلى إسرائيل لدفنها هناك، للكسب الدعائي وإظهار نفسها بالضحية، وأنها مهددة بالإبادة من قبل العرب والمسلمين، وبذلك فهي معذورة لما تقوم به من إجراءات ضد الفلسطينيين !!

فالعقلية الوهابية البدوية هي التي تقدم المبررات لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ومنظمو الإرهاب  هم المسؤولون عن هذه الحملة ضد العرب والمسلمين في العالم. إذ كما قال الباحث في الدراسات الإسلامية، الدكتور غسان ماهر السامرائي: " ولكننا نحن الذين نقدم أنفسنا بأنفسنا على طاولة المشرحة، أولاً بالفكر الهمجي البعيد عن الدين الحق، وثانياً بإشاعة الجهل وغسيل الدماغ لهؤلاء "الصبية" ليكونوا أدواة بيد من لا يرحم...". 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- بي بي سي: شارلي إبدو تطبع 5 ملايين نسخة من عددها الجديد ورسم النبي محمد على غلافه
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2015/01/150114_france_paris_charlie_new_issue

2- عبدالخالق حسين: الحضارة في مواجهة البربرية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=708

3- سعيد ناشيد: ما هو النفاق؟
http://www.alarab.co.uk/?id=9033

4- عادل نعمان : أنتم منافقون وفى الدرك الأسفل من النار
http://www.elwatannews.com/news/details/640902


260
الحضارة في مواجهة البربرية

د. عبدالخالق حسين


قال العلامة ويل ديورانت (Will Durant) في سِفره العظيم (قصة الحضارة)، "أن استمرار الحضارة ليس مضموناً، فمازال هناك احتمال العودة إلى الهمجية والعصور الحجرية". وإذا كان الخطر إبان الحرب الباردة متأتٍ من الحرب النووية بين المعسكرين العملاقين، الشيوعي والرأسمالي، فاليوم الخطر هو من فاشية العصر، الإرهاب الإسلامي الوهابي. فما يجري من تصعيد للأعمال الإرهابية في مختلف مناطق العالم من قبل المتطرفين الإسلاميين وباسم الإسلام، دليل واضح على صحة ما قاله هذا العالم الموسوعي الكبير.

فالجريمة الإرهابية البربرية البشعة التي حصلت في باريس يوم الخميس (7/1/2015) من قبل أتباع المنظمة الإرهابية (الدولة الإسلامية- داعش)، على مقر مجلة "شارلي ابدو" الساخرة، وما حصل بعدها بيوم من هجوم على سوبرماركت يهودي، وراح ضحية الجريمتين المترابطتين 17 قتيلاً، هزت الضمير العالمي، شعوباً وحكومات، ودقت جرس الإنذار بالخطر الماحق على الحضارة، لذلك انطلقت تظاهرات في باريس يوم الأحد 11/1/2015، يتقدمها رؤساء سبعة وأربعين دولة، يداً بيد، لإدانة هذه الأعمال البربرية، كما وانطلقت في نفس اليوم تظاهرات تضامنية في كل أنحاء العالم شاركت فيها الملايين، للتعبير عن التضامن الأممي مع الشعب الفرنسي وحكومته ضد الإرهاب وما يتهدد حضارتنا من مخاطر جدية رهيبة يجب عدم الاستهانة بها، أو التساهل معها.

ولهذا التضامن الواسع وعلى كل المستويات وفي مختلف أنحاء العالم، دلالته الحضارية العميقة، فهو إشارة إلى أن الشعوب والحكومات ليست مستعدة للخنوع والخضوع لابتزاز هؤلاء الإرهابيين، يهددون الحضارة البشرية، ومهما كانت الأسباب التي تدعيها التنظيمات الإرهابية ومن يقوم بإيجاد المعاذير لها.
وخاصة إذا كان هذا الإرهاب موجهاً ضد حرية التعبير التي تعتبر ذروة الحريات التي وفرتها الديمقراطية الغربية كأسلوب حياة للإنسان المعاصر المتحضر، لا تقل قيمة عن الحياة نفسها، وليسوا مستعدين بالتنازل عنها لإرضاء نزوات أناس يريدون إعادة المجتمعات لـ 14 قرناً إلى الوراء أو إلى العصور الحجرية.
غني عن القول، أن هذا الإرهاب هو ليس نتاج تصرفات فردية أو مجموعات صغيرة تتصرف من تلقاء ذاتها، بل هو نتاج تنظيمات إرهابية واسعة ينتمي إليها مقاتلون يعدون بمئات الألوف، تم تحويلهم إلى روبوتات مستعدة للموت بسبب تعريضها لغسيل الدماغ بأيديولوجة التطرف الإسلامي الوهابي، و وراءها حكومات تغذيها عقائدياً، وتدعمها مالياً وإعلامياً وبطرق ملتوية خبيثة تتظاهر بمحاربة الإرهاب، ولكنها في نفس الوقت تدعمه بالخفاء، وتتمتع هذه العصابات بدعم شعبي بنسبة عالية تصل إلى 64% في بعض البلدان العربية والإسلامية حسب بعض استطلاعات الرأي.

ولكن المشكلة أن هناك أناساً نتوسم فيهم سلامة النوايا الحسنة، وغالباً ما يدينون الإرهاب، ومنهم ضحايا الإرهاب ومستهدفون منه، ولكنهم مع ذلك يعانون من ضبابية الرؤيا بسبب كرههم للغرب رغم أنهم يعيشون فيه، فيحاولون إيجاد المبررات والمعاذير لهذا الإرهاب وإلقاء اللوم على الضحايا.

ومن هذه المبررات التي طلع علينا بها البعض، أن مجلة (تشارلي أبدو) نشرت صوراً مسيئة لنبي الإسلام قبل ثلاثة أعوام. وقبلها بسنوات أقيمت ضجة ضد صحيفة دنيماركية ولنفس السبب، وعلى أثرها أقيمت تظاهرات احتجاجية ضد هذه الصحيفة، رافقتها اعتداءات الغوغاء ضد المسيحيين وحرق عدد من السفارات الغربية في البلاد العربية والإسلامية.

ففي الوقت الذي ندين فيه أية إساءة للمقدسات والرموز الدينية، كذلك ندين جميع الأعمال الوحشية البربرية ضد الأبرياء وضد حرية التعبير. لذلك نسأل هؤلاء: لماذا لا يتم الرد على هذه التصرفات المسيئة بالمثل؟ لماذا لا يتم الرد على القلم بالقلم، والفكر بالفكر، وكاريكاتير بكاريكاتير، لماذا يرد على القلم بالرصاص والمتفجرات وبالقتل والاعتداء على الناس الأبرياء العزل؟
فإذا كان المتطرفون الإسلاميون يردون على الفكر بالإرهاب فهذا دليل على إفلاسهم الفكري والأخلاقي وعدم ثقتهم بإمكانياتهم، وقوة دينهم في مواجهة الحجة بالحجة. فالإسلام كدين يعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار من البشر، هل حقاً يتأثر برسم كاريكاتير تنشره صحيفة هنا، أو ينشر مقال أو كتاب ضد الإسلام هناك، ويحتاج كل هذه الضجة والإرهاب والأعمال الغوغائية؟ ألا تعتبر هذه الأعمال بحد ذاتها إساءة للإسلام نفسه ومن قبل المسلمين الجهلة؟

البادئ أظلم

ولنسأل: من البادئ؟ فالسبب الذي دفع هذه الصحف الغربية لنشر إساءات لرسول الإسلام هم الإرهابيون أنفسهم الذين ارتكبوا أبشع الجرائم الوحشية، من ذبح الأبرياء وأمام الكاميرات التلفزيونية وهم يصرخون بهستيريا (الله أكبر، لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، ويبررون جرائمهم البشعة بنصوص من الكتاب والسنة، والذبح على الطريقة الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى تشويه صورة الإسلام ونبي الإسلام وجميع المسلمين في العالم. ولذلك وكما يقول المثل: (البادئ أظلم). في العالم المتحضر تأني حرية التعبير على رأس الحريات، ونقد الأديان على رأس كل نقد، ولم يسلم منهم حتى الديانة المسيحية والمسيح نفسه، وحتى البابا لم يسلم من السخرية، ولكن المؤمنون بالمسيحية يقابلون كل ذلك برحابة صدر، لأن الحضارة الغربية وديمقراطيتها عودت شعوبها على روح التسامح والتعايش مع المختلف، وتقبل النقد ومهما كان جارحاً. وكثيراً ما شاهدنا رؤساء حكومات يُرجمون بالبيض الفاسد والطماطم دون أن يحاسبوا المتجاوزين. فهذه هي روح التسامح التي يمارسونها عملياً، على خلاف المسلمين الذين يدعو دينهم إلى التسامح (وجادلهم بالتي هي أحسن)، ولكنهم يمارسون العنف عملياً، ولا يتحملون حتى صورة كاريكاتير.   

يحاول الاعتذاريون إيجاد المعاذير للإرهابيين، وكل حسب ظروفه وأنواعه، وأحياناً بشكل مضحك ومثير للسخرية. فالاعتداء على مقر مجلة (تشارلي أبدو) وقتل 12 صحفياً من طاقمها إضافة إلى قتل شرطيين (أحدهما مسلم)، كان بسبب نشر كاريكاتير مسيء للرسول محمد. ولكن في نفس الوقت يحاول البعض إلقاء التهمة في هذه الجريمة على إسرائيل بأنها هي وراءها للانتقام من الحكومة الفرنسية لأن الأخيرة اعترفت بحل الدولتين في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي!! طيب، وماذا عن الهجوم على السوبر ماركت الخاص بالمواد الغذائية لليهود (كوشير)، هل إسرائيل كانت وراءه؟
وانبرر الإرهاب يتفير فجأة في حالة الإرهاب في العراق وحرب الإبادة فيه حيث قالوا أن السبب هو تهميش السنة في السلطة من قبل نوري المالكي رئيس الحكومة سابقاً، علماً بأن الإرهاب في العراق بدأ منذ 2003 وقبل أن نسمع باسم المالكي، واستمر حتى بعد تركه رئاسة الحكومة وإلى الآن. فهل هو بسبب توجيه الإهانة للرسول؟
 
كتب لي أحد القراء الكرام تعليقاً على مقالي الموسوم (الشر في خدمة الدين، والدين في خدمة الشر) قال بحق: "وهل العمل الاجرامي في لبنان يوم امس السبت [10/1/2015] في طرابلس وقتل حوالي 35 شخصا كان بسبب اهانة الرسول ايضا علما انهم جميعا مسلمون؟ ما هذا الذي يحدث يا دكتور في البلدان الاسلامية، وأين مشيخة الازهر التي استنكرت حادث باريس ثم في آخر الاستنكار تقول يجب عدم المساس بالرسول وكأنها تؤيد ما حدث من قتل الابرياء لأن لا يوجد طرق اخرى بالرد الا بالقتل مع الأسف."

وتأكيداً لتعقيب الأخ القارئ، فقبل شهر قام طالبان باكستان بقتل 140 تلميذاً وهم في عمر الورود، هل كان ذلك بسبب إهانة الرسول يا مشيخة الأزهر، ويا أيها المبررون للإرهاب؟

وماذا عما يجري من جرائم بشعة في نيجيريا من قتل الأبرياء بشكل عشوائي، واختطاف المئات من الطالبات وإجبارهن على الزواج من "المجاهدين" في تنظيم بكو حرام، وآخرها جريمة ربط طفلة عمرها 10 سنوات بحزام ناسف دون علمها بأنه حزام ناسف، و يفجرونها عن بعد في سوق مزدحم قتلت 19 وجرحت العشرات وأغلب الضحايا مسلمون، فهل كان ذلك بسبب توجيه الإهانة إلى الرسول أو الإسلام... وهناك المئات، بل والألوف من الأعمال الإرهابية التي حصلت وما زالت تحصل كل يوم، ومعظم ضحاياها أبرياء ومسالمون مثل ضحايا 11 سبتمبر 2001، وتفجيرات قطارات الأنفاق في لندن، ومحطة قطار في مدريد، وغيرها كثير وكثير، فهل أساء هؤلاء الضحايا إلى الرسول والإسلام؟
نطالب هؤلاء الإعتذاريين بالكف عن إيجاد المعاذير المضحكة، فبدلاً من اختلاق هذه الأعذار والمبررات، عليهم أن يتخذوا الاجراءات الصحيحة لوقف هذا الجنون لإنقاذ الإسلام الذي اختطفه الإرهابيون.

ما العمل؟
العمل أيها السادة هو ليس في إيجاد التبريرات وتبرير جرائم الإرهابيين، بل بالإجراءات التالية:
أولاً، العمل الجاد، وبالأخص من قبل رجال الدين إدانة الإرهاب، وإصدار الفتاوى بتحريمه واستخدام الحجة والمنطق في مواجهة الخصوم (وجادلهم بالتي هي أحسن). وهذه المسؤولية تقع بالأساس على مشيخة الأزهر لكونها أعلى مرجعية للإسلام السني، ولأن الإرهابيين هم سنة وتبنوا العقيدة الوهابية.

ثانياً، على رؤساء الحكومات العربية والإسلامية أن يحذوا حذو الرئيس المصري الشجاع، السيد عبدالفتاح السيسي، الذي دعا مشيخة الأزهر إلى الثورة لإصلاح الإسلام وتنقيته من العنف. (رابط الفيدو في الهامش)(1)

ثالثاً،
تشجيع حرية التعبير للمثقفين في البلاد العربية والإسلامية، بنشر دراسات للإصلاح الديني، وفسح المجال لهم بنقد الدين ونقد الحكومات، والمطالبة بإيقاف العمل بما يسمى بآيات السيف أو القتال، وبالأحاديث النبوية التي تدعو للعنف (أغلبها ضعيفة)، خاصة وهناك نصوص دينية تؤيد هذا التوجه الإصلاحي مثل علم أسباب النزول الذي يؤكد على السياق التاريخي لهذه الآيات والأحاديث، وأن ذلك السياق لم يعد موجوداً في ظروفنا التاريخية الراهنة، لذا بطل العمل بها.

رابعاً،
محاسبة المشايخ الذين ينشرون التطرف الديني، ويدعون للإرهاب مثل مشايخ الوهابية في السعودية، والشيخ يوسف القرضاوي في قطر، ورافع الرافعي و حارث الضاري في العراق. والضاري هو الذي قال: "القاعدة منا ونحن منها". كذلك محاسبة أولئك الذين يصدرون فتاوى سخيفة ومضحكة تثير السخرية على الإسلام وتشوه صورته، مثل فتاوى بول البعير في معالجة الأمراض، وإرضاع الكبير وغيرها، أدرج أدناه رابط لمقال الكاتب المصري المتنور، عادل نعمان في هذا الخصوص، بعنوان: (هيا نضحك على فتاوى السلف والتابعين)(2).

خامساً، لقد بات معروفاً لذى القاصي والداني، أن الحركات الإرهابية هي نتاج حكومات غنية مثل السعودية وقطر وتركيا، وتدعمها مالياً وعقائدياً وعسكرياً واستخباراتياً وإعلامياً. وكفى تستر الحكومات الغربية على جرائم هذه الحكومات لأسباب اقتصادية نفعية. أدرج أدناه رابط لبحث سفير أمريكي سابق بعنوان (السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية)(3)، يفضح فيه دور السعودية، ويذكر بالأرقام ما صرفته على نشر التطرف الديني الوهابي (87 مليار دولار خلال 25 سنة)، في مختلف أنحاء العالم. فالسعودية تمتلك المال والأيديولوجية الوهابية، وتنشر الإرهاب الديني لكي توقف أو تعطل المد الديمقراطي في المنطقة وإبقاء حكم العائلة الحاكمة الاستبدادي القروسطي المتخلف مدة أطول على جاثماً على صدور الشعب السعودي.
لا شك هناك إجراءات أخرى، ولكن بدون اتخاذ هذه الإجراءات فالنتيجة ستكون وخيمة على البشرية، وخاصة على العالم الإسلامي، وبالأخص على الجاليات العربية الإسلامية في الغرب.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- السيسي للأزهر: محتاجين ثورة دينية والدنيا كلها منتظرة كلمتكم
https://www.youtube.com/watch?v=o_Q_xoJG1eE

2- عادل نعمان: هيا نضحك على فتاوى السلف والتابعين
http://www.elwatannews.com/news/details/636820

3- كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11
The link to the original English version
http://www.mideastmonitor.org/issues/0705/0705_2.htm

4- حملة لادانة الهجوم الوحشي على صحيفة (شارلى ايبدو) والوقوف ضد مثيري النعرات العنصرية والكراهية القومية والدينية
http://ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=690

5- رجاء بن سلامة: مسؤوليّتنا أمام الإرهاب باسم الإسلام : بيان
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=450116

6- بالفيديو.. أحد المشاركين باعتداءات باريس يبايع أبوبكر البغدادي
http://www.lebanon24.com/featured/details/982376?utm_source=Newsletter&utm_medium=Email&utm_campaign=January2014


261
الشر في خدمة الدين، والدين في خدمة الشر

د.عبدالخالق حسين

هناك شبه إجماع لدى الفلاسفة وعلماء الاجتماع، أنه لولا الخوف من المرض والكوارث الطبيعية والموت، لما وجدت الأديان، ولولا الموت لما آمن الإنسان بالله، فالإنسان يبحث عن الخلود، إذ كما جاء في ملحمة كلكامش، لما فشل الإنسان في تحقيق الخلود في الحياة الدنيا تصورها في الآخرة أي بعد الموت. لذلك قال فولتير: (لو لم يكن الله موجوداً لاخترعناه"، وذلك لحاجة الإنسان النفسية إلى الله والدين. وإذا ذكر في الكتب الدينية المقدسة أن الله خلق الإنسان على صورته، فيقول الفلاسفة الملحدون أن الإنسان هو الذي خلق الله على صورته، ويضربون مثلاً، أن المسيحيين السود في أفريقيا رسموا عيسى المسيح بصورة رجل أسود، وفي الصين بصورة رجل صيني، وفي أوربا بصورة رجل أبيض، وهكذا...

والملاحظ أيضاً أن الدين ينتعش في أي مجتمع يعم فيه الشر بأنواع من المصائب والبلاء، ويتراجع في فترات يعم فيها الخير مثل الرخاء والأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي والتعليم والتثقيف..الخ. 
فقبل إنفراد الشرير صدام حسين بالسلطة وجلبه البلاء على العراق باضطهاده للشعب وحروبه العبثية، كان الدين في انحسار وتراجع، وكان أغلب الناس متسامحين يبحثون عن الإمتاع والمؤانسة وغير متدينين، ولكن ما أن بدأت مصائب حكم البعث الصدامي تنزل على العراقيين بسبب الاضطهاد، والحروب الداخلية والخارجية، وفرض الحصار الأممي كعقوبة لاحتلاله للكويت، بدأت النزعة الدينية في تصاعد عند الناس، بل وحتى صدام حسين نفسه، الذي كان ضد الدين ويضطهد رجال الدين، أعلن الحملة الإيمانية لما تأكد أن الأمريكان عازمون على إسقاطه، فلجأ إلى الدين وكتب القرآن بدمه، واختزل الاسلام بفرض الحجاب وغلق الملاهي ومحلات بيع الخمور، وإطلاق سراح السجناء لأسباب جنائية إذا ما حفظوا القرآن عن ظهر القلب، وتطبيق العقوبات وفق الشريعة الإسلامية مثل قطع اليد وجدع الأنوف وفقء العيون و صمل الآذان ...الخ. وكذلك تصاعدت الموجات الدينية في البلاد العربية والإسلامية بسبب مظالم حكوماتها المستبدة، وتفشي الفقر والجريمة، ومعها تصاعدت الحركات السياسية الإسلاموية.
وقد وردني سؤال من صديق أكاديمي متميز: كيف يمكن بناء الانسان العراقي؟
كان جوابي له: تحسين ظروفه المعيشية، فالإنسان ابن بيئته كما قال ابن خلدون وغيره من علماء الاجتماع. فأغلب الإسلاميين الشيعة اليوم هم أبناء وأحفاد اليساريين، ولكن بعد أن حلت بهم الكوارث في عهد حكم البعث الصدامي، وعم بهم البلاء بمختلف أشكاله، وفقدوا الأمل في الخلاص بقواهم المادية البشرية، لجأوا إلى القوى الغيبية وإلى الله والدين لحل مشاكلهم وتخفيف آلامهم. والآن هم مهددون بحرب الإبادة (جينوسايد) من قبل الإرهاب السني الوهابي الداعشي المدعوم من السعودية وقطر، لا لشيء إلا لأنهم شيعة، لذلك لا يرون الخلاص إلا بالخندق الديني الطائفي. أما التعليم الصحيح فرغم أهميته، إلا إنه لا يكفي لوحده ما لم يقارن بإصلاح البيئة المعيشة وتوفير الأمن والاستقرار، وأن يكون الحكام مثالاً لهم في السلوك والنزاهة والإخلاص والأخلاق والتضحية والوطنية.

الدين أفيون الشعوب!

دائماً يعيد الناس من أتباع الدين وحتى من خصومه، مقولة كارل ماركس (الدين أفيون الشعوب) للطعن بماركس والشيوعية، أو لتأكيد صحة المقولة إذا كان من خصوم الدين. في الحقيقة هذه العبارة لم يقلها ماركس للإساءة إلى الدين بل قالها ضمن فقرة طويلة لتبريره للدين كبلسم لجراحات البؤساء والمعذبين في الأرض. ولكن أعداء ماركس والشيوعية استلوا هذه العبارة (الدين أفيون الشعوب) من فقرة طولية على طريقة قراءة الآية (ويل للمصلين) مبتورة دون أن يكملها (الذين هم عن صلاتهم ساهون). فما قاله ماركس هو كالتالي:
" الدين هو تأوهات المخلوق المضطهد وسعادته المتخيلة لرسم القلب في عالم بلا قلب، وروح في أوضاع بلا روح. انه أفيون الشعب... ونقد الدين هو نقد هذا الوادي من الدموع المليئة بالزهور الخيالية، والذي يمثل الدين الهالة الضوئية التي تحيط به. ونقد الدين يقتطف هذه الورود الخيالية التي يراها المضطهد في السلسال أو الجنزير الذي يكبله، ولكن لا يفعل النقد ذلك ليحرم الرجل المضطهد من سعادته برؤية الزهور الخيالية، وإنما يفعل ذلك ليمكّن الإنسان من التخلص من السلسال الذي يكبله حتى يستطيع الحركة بحرية ليقتطف الزهور الحقيقية..."

ففي الوقت الذي يتخذ خصوم ماركس والماركسية هذه المقولة كدليل على عداء ماركس للدين، بينما يقول الفيلسوف الإنكليزي، كرستوفر هتشنز (Christopher Eric Hitchens) في كتابه (God Is Not Great)، وبعد أن يستشهد بها كاملة، ليقول أن هذه المقولة دليل على دعم ماركس للدين وحاجة الإنسان له.
كما ويقول المفكر المصري فؤاد زكريا في كتابه (الصحوة الإسلامية في ميزان العقل)، بأن ماركس لم يقل هذه العبارة في سياق التحامل على الأديان أو التشنيع بها، بل في سياق يُعدُّ فيه الدين تعويضاً للإنسان عما فقده في العالم الفعلي المحيط به، وتخفيفاً لما يعانيه من بؤس. وأن الدين في هذا هو عزاء لإنسان مطحون. في حين اعتبر التيار الإسلامي أن عبارة " أفيون الشعوب" تعني أن الأديان تخدِّر أتباعها بالأمل في الآخرة، فلا يطالبون بالإنصاف ولا بالنعيم في هذه الدنيا". 

وتأكيداً لما ذهب إليه ماركس وتوضيح زكريا عن حاجة الإنسان للدين وخاصة في الأوقات العصيبة، أقتبس فقرة من مقال الأديبة المميزة، رشا إرنست، في الحوار المتمدن، بعنوان: (إعاقات متنوعة) يوم 18/12/2006 بدأته بالفقرة التالية: "منذ أكثر من ست سنوات تعرضت لحادث قطار نتج عنه جلوسي على كرسي متحرك مدى الحياة. و يومها لم اشعر بأسى أو حزن ولو لحظة واحدة لما حدث لي، و رغم أن كل آلامي وطموحاتي تبدلت على الفور إلا أن ثقتي بوجود الله معي في كل لحظة، فهو لم يُعطيني الفرصة للبكاء على الأطلال. و دائماً كان السلام والأمل يملأ قلبي الصغير واستطعتُ أن احلم من جديد و رغم انه حتى الآن معظم أحلامي لا استطيع أن أحققها - ذلك ليس لضعفي- إلا إنني مازلت قادرة على أن احلم."(1)
فهل هناك مسكن للأوجاع أقوى من هذا الإيمان بالدين وبالله؟

والدين أيضاً في خدمة الشر

لو قرأنا التاريخ لوجدنا أن معظم الحروب بين البشر كانت لأسباب دينية وخاصة الأديان السماوية (الإبراهيمية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام)، لأن أتباع كل ديانة من هذه الديانات يعتبرون دينهم هو دين الحق والخير المطلق، ولا مجال للشك فيه، وأن أتباع الديانات والمذاهب الأخرى هم على باطل وشر مطلق، ولا يستحقون الحياة، وقتلهم واجب ديني! ولديهم النصوص من كتبهم المقدسة تؤكد و تبرر لهم ذلك. وما الإرهاب الإسلامي المؤدلج بالعقيدة الوهابية المتطرفة إلا دليل على صحة ما نقول. فمعظم الإرهابيين كانوا قبل تعرضهم لغسيل الدماغ بالتطرف الديني كانوا أناساً أخيار يسعون لحياة هانئة كبقية البشر المسالمين. ولكن ما أن تعرضوا للفايروس الوهابي الإرهابي وبدعم من السعودية، حتى وتحولوا إلى أشرار. وأحسن مثال للتوضيح هو ما حصل في جريمة باريس يوم الخميس (7/1/2015) في عملية إرهابية شنيعة على مقر صحيفة "شارلي ابدو" الساخرة، التي قتل فيها 10 صحفيين وشرطيين، وجرح 11 آخرين من قبل الأخوين، جزائريين الأصل "شريف وسعيد كواشي"، إذ نقلت الأنباء عن الجيران قولهم عن أحدهما  أنه كان مسالماً ولطيفاً مع الجميع قبل أن يتعرض لعملية غسيل الدماغ وأنهم استغربوا من قيامه بهذه الجريمة الشنعاء. لا شك أنه الدين الذي حولهما والآلاف غيرهما إلى إرهابيين. وفي هذا الخصوص، يقول ستفين وينبرغ، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء: "
." فالدين يمكن أن يحول الأخيار إلى أشرار.
 والجدير بالذكر أن الإرهابيين لا يعتمدون فقط على ما يتسببون من أضرار مباشرة بإرهابهم، بل على ردود الأفعال، وهي سلسلة التفاعلات التدميرية التي تلي العمل اٌرهابي وتحرق الأخضر بسعر اليابس. فعلى أثر الهجوم على مقر صحيفة "شارلي إبدو"، " أفادت تقارير بتعرض بعض المواقع الإسلامية لاعتداءات في مناطق عدة بفرنسا، فقد وقع إطلاق نار أثناء أداء الصلاة في إقليم اود جنوبي البلاد" (موقع بي بي سي). وبالتأكيد ستكون هناك ردود أفعال من قبل اليمين الأوربي المتطرف ضد الجاليات العربية والإسلامية في أوربا والعالم.
ولكن المشكلة أن المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم معتدلين، بدلاً من أن يبذلوا جهودهم للإصلاح الديني، فإنهم يبحثون عن مبررات غير صحيحة لتبرير هذه الجرائم. لقد حان الأوان أكثر من أي وقت سبق، ليقوم رجال الدين والحكومات العربية والإسلامية ووسائل الإعلام والتعليم، بشن حملة واسعة للإصلاح الديني، وملاحقة التنظيمات الإرهابية، ومحاسبة الحكومات والجهات التي تدعمها وتمولها وتنشر التطرف الديني في العالم، مثل السعودية وقطر و أثرياء البترودولار، المتخفين وراء واجهات جمعيات خيرية مزيفة.
فنحن أمام حلقة مفرغة: الشر في خدم الدين والدين في خدمة الشر، ولا بد من عمل شيء من قبل الأخيار  لوقف هذه الكارثة، وسحب البساط من تحت أقدام الإرهابيين ومن يغسل أدمغتهم ويحولهم لإلى قنابل بشرية موقوته، ويدعمهم من الحكومات والمنظمات والأفراد.
9/1/2015
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
رابط مصدر:
1- رشا أرنست : إعاقات متنوعة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=83721
   

262
الحرس الوطني هو الغطاء الشرعي لداعش

عبدالخالق حسين


بات واضحاً الآن أن ما يسمى بسقوط الموصل بيد "داعش" ما هو إلا الاسم الحركي لعملية انفصال المحافظات الشمالية الغربية عن العراق بإعلان ساعة الصفر يوم 10 /6/2014 ، ابتداءً من الموصل ومن ثم محافظة صلاح الدين (تكريت)، بسيطرة فلول البعث وبتواطؤ من الإداريين في هذه المناطق، على إدارة هاتين المحافظتين، وأجزاء من محافظة الأنبار، وبدعم وتخطيط من جهات دولية وإقليمية وداخلية، تعمل على تفتيت العراق كدولة ديمقراطية ذات سيادة، وتحويلها إلى دويلات طوائف متحاربة فيما بينها لتبدد قواها البشرية والاقتصادية في حروب عبثية دائمة.

وما داعش إلا الاسم الحركي لفلول البعث المؤلف من الحرس الجمهوري الصدامي وتنظيماته الإرهابية الأخرى بمختلف الأسماء مثل النقشبندية، وجيش محمد، وأنصار السنة...الخ. من المؤكد أن البعثيين يشكلون أكثر من 90% مما يسمى بتنظيم داعش، والبقية من الأجانب الذين تم غسل أدمغتهم بالعقيدة الوهابية الفاشية، والشحن الطائفي ضد الشيعة "الصفوية" و"الجيش الشيعي"، وفذلكة عزل السنة العرب ومنعهم من المشاركة في الحكومة التي "يهيمن عليها الشيعة وإيران" ... إلى آخر الاسطوانة المشروخة والمفضوحة والتي غذتها وسائل الإعلام الغربية والعربية ولأغراض كيدية خبيثة.

وما لهذه المؤامرة أن تمر لولا مشاركة أعداء الديمقراطية من الطائفيين العراقيين وعدد من قادة الشيعة الأغبياء الذين يساهمون في حفر قبورهم بأيديهم كما فعلوا في مؤامرة 8 شباط 1963، وكذلك الدعم المالي والاستخباراتي من السعودية وقطر وتركيا، وبمباركة من إدارة أوباما لخدمة إسرائيل من أجل تفتيت المنطقة وإبقاء إسرائيل القوة العظمى في الشرق الأوسط.

إن خيوط المؤامرة القذرة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، حيث بدأت بمؤتمر عمّان، ولم تنتهي بمؤتمر أربيل الذي حضره نحو 1200 من النشطاء السياسيين العرب السنة وبدعم ومباركة رئيس حكومة الإقليم الكردستاني، وممثلين عن الأمم المتحدة وأمريكا وبريطانيا، والذي انتهى بمطالبة تأسيس الحرس الوطني، وعدم إدانة داعش حتى ولو بالاسم.

قلنا مراراً، أن داعش هي ورقة لعب بوكر دولية وإقليمية ضد العراق ولكل غايته، ومن المفيد بيان المشاركين فيها والمستفيدين منها:
1- أمريكا أرادت التخلص من المالكي، وقد روجوا وحذروا إثناء الحملة الانتخابية الأخيرة أنه في حالة فوز المالكي ستنفصل كردستان والمناطق السنية عن العراق، وستشتعل الحرب الأهلية. وما كان لهم أن يطرحوا هذه التوقعات وبمنتهى الثقة، لو لم يكونوا على علم، وأنهم هم الذين خططوا لهذا المصير. لذلك فما أن أعلن فوز المالكي كزعيم أكبر كتلة برلمانية حتى وأدخلوا داعش على الخط، وعملية نقل سلطة الموصل كانت واضحة وهي عملية تسليم ليس غير، و"هروب بعض الضباط والإداريين إلى أربيل كمسرحية مفضوحة.

2- وما يؤكد الدور الأمريكي وحلفائها في المنطقة في خلق ورقة داعش، تصريح السفير الأمريكي السابق في العراق جيمس جيفري، ضمن تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، إنه "لا يمكن الحصول على الهدف المطلوب لعراق مستقر وهزيمة دائمة لتنظيم داعش بدون تواجد اميركي طويل المدى"، مشددا على ضرورة "أن يكون لدينا تواجد يمكن السنة والكرد من التواجد ببغداد التي يهيمن عليها الشيعة وايران بشكل غير مباشر".)(1). يعني تقول أمريكا: إما أن يكون لنا وجود دائم في العراق أو نطلق عليكم كلاب (داعش) تنهش بكم ونقسم العراق. طبعاً التقسيم يعني حروب دائمة بين دويلات الطوائف.

3- المستفيد الأكبر من هذه المخطط الإجرامي هو رئيس إقليم كردستان السيد مسعود بارزاني المشارك  في هذه المؤامرة مقابل الكثير من المكاسب ومنها:
سيطرة  البشيمركة في نفس اليوم (10/6/2014) على كركوك وإعلان بارزاني أن المادة 140 من الدستور قد انتهى دورها، وبالتالي تمت السيطرة الكاملة له على المناطق المتنازع عليها بما فيها كركوك، وعلى الواردات النفطية في كردستان وكركوك. ومن ثم مسرحية سيطرة داعش على بعض الأقضية والنواحي في الموصل وصلاح الدين وقيام البيشمركة بتحريرها، وبالتالي ضمها إلى الإقليم وكأنها غنائم حرب. وبهذه اللعبة نجح السيد بارزاني بإعلان نفسه المحارب الصامد ضد داعش، والحصول على الاعتراف الدولي بالبيشمركة وتسليحه وتدريبه من قبل أمريكا وبريطانيا و دول الوحدة الأوربية، وحتى بدون الحاجة إلى أخذ موافقة الحكومة الإتحادية، بل وأن ترغم الحكومة الإتحادية على دفع رواتب و تكاليف تسليح البيشمركة.

4- مطالبة مؤتمر أربيل وأمريكا بتعجيل تشكيل ما أطلق عليه بـ(الحرس الوطني) في المحافظات العربية السنية. وقد طبل زعماء الكتل السياسية السنية في مؤتمر أربيل، مثل أسامة النجيفي وغيره، أن السنة يعانون من داعش والمليشيات الشيعية، و لا يمكن تحرير مناطقهم من "هذين الشرين" إلا بتشكيل الحرس الوطني وتسليح العشائر السنية لتحرير مناطقهم. والجدير بالذكر أن هؤلاء ومنذ سنوات يطالبون بإبعاد الجيش العراقي "الشيعي" عن مدنهم، وأن يكون الضباط من أبناء مناطقهم، والمؤسف أنه تم تنفيذ مطالبهم، وتبين فيما بعد أن غرضهم من هذه المطالبات "المشروعة" هو تسهيل نقل الإدارة إلى داعش وبسلام آمنين كما حصل يوم 10/6/2014.

5- هذا الطلب المشبوه بتشكيل الحرس الوطني لقي الدعم من أمريكا، حيث سارع السيناتور جون ماكين (الجمهوري) بزيارة العراق واللقاء مع زعماء العشائر السنية والمطالبة بتشكيل مليشيات عشائرية مسلحة بسرعة على غرار ما تم في عملية الصحوات عام (2007 – 2008) في مواجهة القاعدة في عهد الرئيس بوش. إضافة إلى قيام وفود من رؤساء العشائر السنية بزيارة واشنطن لترتيب تدريب وتسليح هذا الحرس الوطني وأبناء العشائر، وكأن لا توجد في العراق حكومة مركزية ولا جيش عراقي.
وبالتأكيد فهذا الحرس الوطني إذا ما قدر له أن يتشكل فهو عبارة عن رد الاعتبار إلى جيش الحرس الجمهوري العثي الصدامي وتغيير اسمه من "داعش" الآن، إلى (الحرس الوطني) وعودة جميع الضباط البعثيين إليه، وأن تقوم الحكومة الفيدرالية بدفع الرواتب وتكاليف التسليح. يعني أصبحت داعش أو الجيش البعثي الصدامي جزءً من الجيش العراقي، و(تي تي مثل ما رحت إجيتي!)، وعندها إقرأوا على الدولة العراقية والديمقراطية الفاتحة، وليتحول العراق ثانية إلى قاعدة لشن الحروب على إيران ودول المنطقة، وتأتي أمريكا لإعادة تدمير العراق وإيران.
 
6- وقد بلغت الصفاقة والصلافة والخبث بهؤلاء المتآمرين أنهم بعد أن نجحوا في تنفيذ مخططهم الإجرامي راحوا يطالبون بمحاكمة السيد نوري المالكي بتهمة التواطؤ على تسليم الموصل إلى الدواعش. وهذه لعبة بعثية قذرة بامتياز ينطبق عليهم القول: ( رماني وبكى، سبقني واشتكى). إنهم بعثيون وتلامذة غوبلز لا يستحون. وقديماً قيل: (إذ كنت لا تستحي فافعل ما تشاء).

فإذا كانت هذه الجهات، بما فيها إدارة أوباما، والحكومات الغربية والإقليمية الداعمة لمشروع الحرس الوطني المشبوه...، إذا كانت حقاً حريصة على وحدة العراق والديمقراطية، و جادة في دحر داعش، وكل العصابات الإرهابية، فالطريق السليم الصحيح لتحقيق ذلك هو مساعدة الحكومة الفيدرالية على تدريب وتسليح الجيش العراقي وتطهيره من المندسين البعثيين والمتخاذلين الجبناء والضباط الخونة الفاسدين، وليس بتشكيل مليشيات عشائرية طائفية، الغرض منها تفتيت العراق.

وبناءً على كل ما سبق، نهيب بجميع الوطنيين العراقيين الشرفاء، من السياسيين والإعلاميين وجماهير المثقفين المخلصين لوطنهم، والحريصين على سلامة شعبهم، ونظامه الديمقراطي، أن يبذلوا كل ما في وسعهم لإفشال مشروع (الحرس الوطني)، المخطط الإسرائيلي الصهيوني الأمريكي السعودي وقبره.
8/1/2015
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- السفير الأميركي السابق في العراق جيفري: استقرار العراق ودحر داعش يستدعي تواجداً أميركياً طويل المدى
http://www.sotaliraq.com/mobile-news.php?id=182702#axzz3O7vJ9bQP

 2- أبو فراس الحمداني: عباءة المرجعية … وخطوط الدم الحمراء
http://www.akhbaar.org/home/2015/1/183086.html

3 - ISIS Terrorists Have U.S. Passports
https://www.youtube.com/watch?v=weThYAVqvcw&feature=youtu.be
4- هيلاري كلينتون تعترف أنهم من أنشأ تنظيم القاعدة
https://www.youtube.com/watch?v=9_2B0S7tj9E

5- عبدالخالق حسين: العلاقات العراقية- الأمريكية.. إلى أين؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=664

6- عبدالخالق حسين: أوباما ينتقم من بوش بترك العراق للإرهابيين
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=660



263
العقل في خدمة العاطفة
د.عبدالخالق حسين

غالباً ما نسمع من يقول بانفعال شديد عن شخص تصرف بشكل عدواني أهوج بأن لا عقل له، إذ يتوقع من كل ذي عقل سليم أن يتصرف بمثل ما يريد. وبالتأكيد هذا العدواني الأهوج هو الآخر يستغرب منا لماذا لا نقره على سلوكه ولا نتصرف مثله. لماذا لا نرى الأمور كما يراها هو و بمنظاره؟ فالإرهابي الإسلاموي الذي يذبح الأبرياء ويدفن أناساً وهم أحياء لا لشيء إلا لأنهم ليسوا من دينه ومذهبه، يعتقد أن تصرفه هذا هو عين العقل والحق والصواب ولمرضاة الله ورسوله!.
 
ففي كتابه الموسوم: (جاهلية القرن العشرين) للشيخ محمد قطب (شقيق سيد قطب، وأستاذ بن لادن)، يعتبر كل ما أنتجه الغرب من معارف وثقافات وفلسفات وعلوم وطب وجراحة وتكنولوجيا وحضارة وحداثة وغزو الفضاء...وغيره ، وكل ما هو في خدمة الإنسان وصالحه، منذ ما قبل سقراط وإلى الآن، هو جهل في جهل، وأن الثقافة الحقيقية هي الإيمان بالقرآن والسنة فقط . كما وصرح إمام مكة قبل عامين في مقابلة مع تلفزيون بي بي سي العربية، أن غير المسلمين، وحتى المسلمين الشيعة، يجب إنذارهم، ومنحهم مهلة ثلاثة أيام بأن يتحولوا إلى مسلمين سنة، وإلا يجب قتلهم، ومصادرة أموالهم واعتبارها مغانم حرب مع الكفار أو المشركين، وسبي نسائهم وأطفالهم وبيعهم في أسواق النخاسة، تماماً كما كانوا يفعلون قبل 14 قرناً من الزمان، وكما يفعل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شمال العراق وسوريا الآن. لا شك أن هذه الدعوة فاشية مدانة وفق معايير اليوم، و خطيرة تهدد الحضارة البشرية، يجب الوقوف ضدها بكل حزم، ولكن في نظر الإسلام الوهابي الإرهابي، هي عين العقل والحق والصواب.(1).

وحسب تعريف موسوعة الويكيبيديا: "العقل (mind) هو مجموعة من القابليات المعرفية التي تمكن من الوعي والإدراك والتفكير، والحُكم، والذاكرة، وهي سمة من سمات البشر، ولكن قد تنطبق أيضا على أشكال الحياة الأخرى."
وأرى أنه يجب التمييز بين العقل (Mind) والحكمة (Wisdom). فالحكمة هي أرقى مراحل المعرفة والثقافة، و تميل إلى الحق والصواب والعدالة والفضيلة وفق معايير وثقافة إنسانية كونية وليست وفق ثقافة مجموعة معينة من البشر.

الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم David Hume  (1711-1776)، من فلاسفة عصر التنوير المهمين جداً، قال عن العقل في كتابه (دراسة في طبيعة الإنسان)، ما معناه أن "العقل هو عبدٌ للأهواء والعواطف، ولا يمكن أن يكون غير ذلك. ولكن لا بد من العقل، فهو مازال ضرورياً، إذ لا خيار لنا فإما أن نختار هذا العقل رغم قصوره، أو لا عقل على الإطلاق".

والعقل موضوع فلسفي معقد، وكثيراً ما نردد أن الإنسان يختلف عن بقية الحيوانات بالعقل الذي هو مصدر التفكير، ومن خلاله نعي الوجود، ونحكم على الأشياء. فإلى جانب وحشية الإنسان، هناك الجانب الإيجابي فيه ألا وهو غريزة الفضول (Curiosity)، أي حب الاستطلاع، الغريزة التي تدفعه للمعرفة واكتشاف أسرار الطبيعة والكون، ولولا هذه الغريزة لما وجدت الحضارة. ولكن مشكلة العقل أنه قاصر، ولا يوثق به في التمييز بين الحق والباطل، والعدالة والظلم، لأن هذه الأمور يراها الإنسان من خلال مصالحه. أما الضمير، فرغم أنه كوني أي موجود عند كل البشر، ولكنه يختلف باختلاف الثقافات والأديان. لذلك فالإرهابي الوهابي الذي تعرض لغسيل الدماغ من قبل مشايخ الوهابية يرتكب أبشع الجرائم بحق الإنسانية وهو مرتاح الضمير.

تطرقتُ إلى موضوع
العقل قبل 9 سنوات (عام 2005)، في مقال بعنوان: (هل للعقل دور في اختيار الحلول الصائبة؟)(2)، وأنا أتأمل العراقيين، وغير العراقيين من مختلف الدول العربية والإسلامية وغيرها، من قيادات سياسية، ودينية، وزعماء أحزاب، المفترض بهم أنهم من أصحاب العقول المستنيرة، ولكنهم يساهمون مساهمة فعالة في تدمير بلدانهم، وعدم استقرارها، وكل منهم يتهم الآخر بالجهل، و الخيانة، أو الكفر، أو الإرهاب، مما يجعل الإنسان يحتار ويسأل: أين العقل من كل هذه الأعمال الوحشية؟ ولماذا لا يتفق زعماء البلد الواحد على كلمة سواء، ويوحدوا صفوفهم وكلمتهم وقراراتهم في خدمة شعبهم، خاصة وأن أغلب المتخاصمين يحملون شهادات تعليمية جامعية عالية، مما يؤكد أنهم أناس أسوياء ومتعلمين أو مثقفين، وغير مصابين بلوثة عقلية أو نقص في المعرفة.
المشكلة هنا أن كل واحد منا يرى أن عقله هو، وليس عقل غيره هو الصائب، ومن يختلف معه إما جاهل وإما متعمد وعميل للأجانب. وهذا ناتج عن كون العقل منحاز للمصالح، فمواقف الإنسان تحدده مصالحه، بغض النظر عن كون هذه المصالح تتفق مع "العقل" أو "الحق" أم لم تتفق.

في عصرنا الراهن أفاد علم الكومبيوتر الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع بمصطلحات كومبيوترية تساعدهم على وصف العقل وتشبيهه بالكومبيوتر. فالكومبيوتر ينقسم إلى قسمين رئيسيين: المواد الصلبة الملموسة (Hardware)، والمواد الرخوة أو غير الملموسة (Software)، أي البرامج والأفاكار. والكومبيوتر يخرج من المصنع وهو مجرد جهاز مادي معقد ولكنه فارغ من أي برنامج، لا يعمل إلا بعد أن تزوده بالبرامج التي يحتاجها صاحب هذا الجهاز، وأداءه يعتمد على نوعية هذه البرامج. وكذلك الإنسان، إذ يولد الطفل وفي رأسه جهاز كومبيوتر وهو الدماغ (hardware)، ولكنه فارغ عند الولادة، أي صفحة بيضاء من الناحية العقلية والفكرية، والدينية واللغوية والمعتقدات، ولكن هذا الجهاز العظيم، الدماغ، مستعد لتقبل ما ينصب فيه من برامج أي عقل، من لغة الأم والأعراف والتقاليد والعادات، والمعارف، وغيرها من الأفاكار، ابتداءً من البيت والروضة والمدرسة إلى الجامعة والحياة العملية، وما يتلقاه من المهد إلى اللحد لتكوين عقله. فالطفل له قدرة عجيبة على التقليد، فيتعلم بتقليد أقرب الناس إليه في كل شيء. لذا فالعقل هو الجزء غير المادي من الإنسان.

نعم هناك جينات وعوامل وراثية من الأبوين تقرر استعداد الوليد لقضايا وحرف معينة أفضل من غيرها، ولكن نوعية العقل والمعتقدات الدينية والمذهبية والفكرية والسياسية وغيرها تعتمد على البيئة الاجتماعية من الأسرة إلى الدولة التي تزق دماغ هذا الإنسان بالأفكار والتعاليم والمهارات. قد تكون هناك جينات تجعل الإنسان يميل إلى الدين خاصة في حالة تعرضه للكوارث، ولكن ليست هناك جينات لدين معين أو ثقافة معينة كما يعتقد البعض. فلو كان بن لادن قد ولد وتربى في عائلة هندوسية لتبنى الديانة الهندوسية، ولما صار مسلماً وهابياً إرهابياً.
كذلك يمكن القول، أن البشر متشابهين في تركيب أدمغتهم من الناحية التشريحية (Anatomy)، ولكنهم يختلفون في العقل، ودرجة الذكاء، والمعتقدات المختلفة، لأن هذه الأمور تتأثر كثيراً بالبيئة، والبيئات تختلف باختلاف الشعوب والتاريخ والجغرافية، وبالتالي بيئاتهم الاجتماعية. فكما يبدأ الإنسان طفلاً فارغاً من أية معارف وثقافة ومهارات، كذلك المجتمع البشري بدأ من العصور الحجرية. فكما يعيد الجنين في رحم الأم تاريخ التطور البيولوجي للنوع (species) من الخلية الواحدة المخصبة (Zygote) إلى الجسم الكامل، كذلك تطوره الاجتماعي يختصر خلال عمره القصير التطور الاجتماعي للمجتمع البشري من قبل العصر الحجري إلى عصر الانترنت ونانوتكنولوجي. ولكن مهما بلغت المجتمعات البشرية من تطور فائق وتقارب نحو التآخي الإنساني فهي مازالت تتصارع على المصالح كجزء من الطبيعة البشرية، لأن وظيفة العقل الأساسية هي الدفاع عن النفس وتحقيق أكبر قدر من المصالح، وإلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار بالعدو أو الخصم.

التاريخ البشري منذ العصور الحجرية وإلى الآن حالة مستمرة من الحروب والمظالم والقتل وسفك الدماء وهتك الحقوق والأعراض، قد تتخللها فترات الهدنة التي إذا ما حصلت فهي للتحضير للحروب القادمة. فعمر نوع الإنسان القائم (homo erectus) أكثر من 2.5 مليون سنة، وعمر الإنسان العاقل أو الذكي (Homo sapiens) يقدر بمائتي ألف سنة، بينما عمر الحضارة لا يزيد على سبعة آلاف سنة في أحسن الأحوال لذلك فعمر الحضارة قصيرة جداً مقارنة بعمر الوحشية والهمجية.

لذلك لا نستغرب من شهادة أستاذ في علم النفس (ستور Storr ) الذي وصف الإنسان بأنه: "... كائن عدواني نادراً ما يجادل حول عدوانيته. باستثناء بعض القوارض، لا توجد بين الفقريات الأخرى حيوانات تعودت على تدمير أعضاء من نوعها ... ينحصر التطرف في السلوك الوحشي للإنسان، وليس هناك ما يوازيه في الطبيعة، وليس لدينا العلاج للتعامل الوحشيي الذي يعامل بعضها البعض ... نحن أقسى وأكثر الأنواع قسوة من أي نوع مشى على الأرض وفي أي وقت، وعلى الرغم من أننا قد نشمئز رعباً عندما نقرأ في صحيفة أو كتاب التاريخ عن الفظائع التي ارتكبت من قبل الإنسان ضد الإنسان، ونحن نعلم في قلوبنا أن كل واحد منا يحمل في نفسه تلك النبضات الوحشية التي تؤدي إلى القتل والتعذيب والحرب ..)) (Richard Gross, Psychology, P. 452)

والآن، ورغم كل هذا التطور في العلوم والفنون والتكنولوجيا لدى الشعوب المتحضرة، إلا إن الجانب الأخلاقي والموقف من الحق والباطل فمازال متخلفاً وفي صراع شديد. وعندها يسأل الإنسان المتأمل: أين دور العقل في كل هذا؟ فبإلقاء نظرة فاحصة على ما يجري الآن من أعمال إرهابية همجية ضد الشعب العراقي والشعوب العربية والإسلامية الأخرى، والتي تتلقى الدعم بالفتوى من قبل رجال الدين، والمال والسلاح من الحكام والأثرياء، والإعلام من الإعلاميين والسياسيين العرب وغير العرب، خاصة من أولئك الذين نفترض فيهم العقل والمعرفة، يبقى السؤال ذاته ملحاً، أين العقل من كل هذا؟

فهل للعقل أي دور في التمييز بين الحق والباطل أو الصواب والخطأ، أو بين الخير والشر، أم تسير الأمور بشكل عاطفي وعشوائي، خارج عن سيطرة "عقل" الإنسان؟ في الحقيقة يبدو أن ما نسميه بالعقل ما هو إلا مجرد غشاء خفيف يغطي الطبقات السميكة من المراحل الحيوانية الوحشية التي مر بها الإنسان خلال تطوره البيولوجي والإجتماعي، أما دور العقل في التمييز بين الحق والباطل أو أخذ المواقف والقرارات العقلانية الصائبة فمحدود وربماً لا شيء يذكر، بل الذي يقرر الموقف هو المصالح والقوة. والعقل معرض للخطأ والوهم كما تخطأ حواسنا الخمس في إدراك العالم الخارجي، مثل العين تنخدع بالسراب فتحسبه ماءً.

فقبل خمسين عاماً نشر عالم الاجتماع الراحل علي الوردي، كتابه القيم (مهزلة العقل البشري) ناقش فيه دور العقل ووظيفته عبر التاريخ العربي- الإسلامي، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن العقل ليس لمعرفة الحق والباطل، والتمييز بين الخير والشر، والصواب والخطأ، بل هو أداة دفاعية يستعملها الإنسان للدفاع عن النفس وعن المصالح، إذ يقول: " إن العقل الإنساني لا يعمل وفق قوانين المنطق والحكمة والمثاليات، بل هو عضو للبقاء مثل ناب الأفعى وساق النعامة ودرع السلحفاة." ويرى «أن طبيعة البشر واحدة والاختلاف يرجع في الغالب إلى اختلاف في تكوين المجتمع، والذي جعل أهل العراق أهل فطنة ونظر وأهل شقاق ونفاق هو واحد لا يتجزأ".

فالإنسان يتمسك بمبدأ معين ويسميه (حقيقة)، طالما تطابق مع مصالحه، أما إذا تعارض مع مصالحه فإنه يقف ضده ويبحث عن الأدلة العقلية والنقلية ليثبت صحة موقفه ويقلب الحق إلى باطل والباطل إلى حق وفق ما يلائم مصالحه، وأوضح مثال هو دور المحامي عندما يدافع عن موكله في المحاكم، فهو لا يبالي فيما إذا كان هذا الموّكل معتدياً أو معتدى عليه، على حق أم على باطل. كذلك الحال في موقف الإنسان من الدين، فهو مع الدين طالما اتفق مع مصالحه، أما إذا تعارض الدين مع مصالحه فهو إما أن يتمرد عليه أو يلجأ إلى وعاظ السلاطين، لإيجاد تفسيرات تلوي عنق الدين ليتوافق مع مصالحه.

قال ونستون تشرتشل عن الأمريكان أنهم "لا يستخدمون الطرق الصحيحة لحل المشاكل إلا بعد أن يستنفدوا جميع الطرق الخاطئة". في الحقيقة هذه المقولة تنطبق على معظم البشر في كل مكان وزمان. فالبشر يلجأون أولاً إلى الطرق الخاطئة في حل مشاكلهم وحسم خلافاتهم مع الآخرين، وكل طرف يتشدد في شروطه على أمل أن يحقق كل ما يريده، ويحرم الخصم من كل شيء، ويعتبرون ذلك شطارة (نزعة التغالب). ولما تفشل هذه الطرق يتبنون حلولاً أقل خطأ وهكذا إلى أن يستسلموا للحلول الصحيحة التي عادة ما يسمونها بالحل الوسط، ولكن بعد خسائر بشرية ومادية كبيرة، فيقبلون بالممكن في نهاية المطاف، وعندها يقولون أنهم توصلوا إلى ذلك بالعقل والحكمة!
و رغم كل هذه المعوقات والقصور، فالعقل البشري مبرمج أن يتقدم ويشق طريقه نحو الرقي والتكامل الحضاري والإنسانية، ولكن من خلال الكبوات والتجارب والآلام المريرة، ومازال الطريق طويلاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. عبدالخالق حسين: غفلة الغرب عن مخاطر الإسلام السياسي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=557

2- د. عبدالخالق حسين: هل للعقل دور في اختيار الحلول الصائبة؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=39696


264
مشكلتنا مع الذين لا يفهمون ما يقرأون!

د. عبدالخالق حسين

ينقل عن موشي دايان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق قوله: "أن العرب لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون، وإن فهموا فسرعان ما ينسون". ولكي لا نتهم بالتعميم نقول شريحة من القراء العرب تنطبق عليهم هذه الصفة. وقد تعرض عالم الاجتماع العراقي، الراحل علي الوردي، إلى نفس المحنة بعد صدور كتابه (وعاظ السلاطين) في أوائل الخمسينات من القرن المنصرم، حيث تعرض ليس إلى الهجوم والتشهير فحسب، بل وحتى إلى محاولة إغتيال. لذلك فعندما أصدر كتابه الآخر (مهزلة العقل البشري) كتب في (الإهداء) تحذيراً قال فيه: "أهدي هذا الكتاب إلى الذين يفهمون ما يقرأون. أما الذين يقرأون في الكتاب ما هو مسطور في أدمغتهم فالعياذ بالله منهم. إني أخشى أن يفعلوا بهذا الكتاب ما فعلوا بأخيه (وعاظ السلاطين) من قبل، إذ اقتطفوا منه فقرات معينة وفسروها حسب أهوائهم ثم ساروا بها في الأسواق صارخين... لقد آن لهم أن يعلموا أن زمان الصراخ قد ولّى، وحلَّ محله زمان التروّي والبحث الدقيق."
ورحم الله الوردي الذي قال هذا الكلام قبل خمسين سنة، فماذا سيقول لو جاء اليوم ليرى الوضع أسوأ بكثير عما كان عليه في الماضي، حيث أضافوا قراءة مبتورة، وربما متعمدين، وعلى غرار قراءة: (لا تقربوا الصلاة...) ثم يتوقفون عن القراءة ليبرروا تركهم للصلاة!!

قبل عامين نشرت مقالاً بعنوان: (قاسم والمالكي بين زمنين، التشابه والاختلاف)، وكانت مساهمة ضمن عدد من المقالات ظهرت بعناوين مشابهة. وكما هو واضح من العنوان، ذكرت فيه مشتركات ومفارقات بين المرحلتين، أي (مرحلة ثورة 14 تموز 1958، ومرحلة العراق ما بعد التحرير من الفاشية البعثية عام 2003)، وهو: تكالب أعداء العراق في الداخل والخارج، ومن قبل نفس الجهات الخارجية والداخلية، والجماعات والأسر المتنفذة، وحتى المناطق والمكونات، هي هي. وأما نقاط الاختلاف فإن أمريكا وبريطانيا هذه المرة هما إلى جانب العراق، وشاه إيران قد ولىّ إلى غير رجعة، كما وهناك نقاط اختلاف بين شخصية الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم، كشخص وطني وعسكري، وعلماني، وبين السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق في وقت كتابة المقال المشار إليه، وأنهما يشتركان في الوطنية وانحيازهما للفقراء، ويواجهان نفس الأعداء. ويبدو أن الذين لم يعجبهم المقال لم يتذكروا نقاط الاختلاف التي ذكرتها. أدرج رابط المقال في الهامش(1).

لم أرغب بالعودة إلى هذا الموضوع لولا مقال الدكتور لبيب سلطان، الموسوم (هل من وجه حق مقارنة الزعيم عبد الكريم قاسم بالسيد نوري المالكي)، المنشور على عدد من مواقع الإنترنت يوم 23/12/2014، حيث بدأه بالتالي:
((لا بد من الإشارة بدء أني لا أعتقد  مطلقا ان هناك نقاط تقارب بين الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم وبين رئيس الوزراء السابق السيد  نوري المالكي عدا النقطة التي يشير لها  الأستاذ  الوطني  الدكتور عبد الخالق حسين الذي يرى ان محاربة البعث لكلاهما (وهو محق بذلك) هو ما يجعلهما متقاربان -ولكني ارى ان  الدكتور عبد الخالق الذي أعتز بمعرفته وبافكاره المدنية الوطنية - كأنما يغلب هذه النقطة على جوهر الصراع الذي يجب ان يخوضه المثقف العراقي اليوم الذي أرى ان يركز على "التقدمية" ضد الرجعية التي تشكلها اليوم في العراق قوى من  فلول البعث  و"ودعاة الأسلام" "والتقسيم العرقي والطائفي"التي تنهش الدولة العراقية من احزاب التشيع او التسنن او التكرد التي تسيطر على مقومات المجتمع العراقي اليوم.)) انتهى.
أشكر الدكتور لبيب سلطان على مشاعره النبيلة نحوي، وأبادله بالمثل. ولكن كنت أتمنى عليه لو قرأ أيضاً نقاط الاختلاف التي ذكرتها.
كما ويعتقد البعض أني أتعمد في الدفاع عن السيد نوري المالكي، وأحاول تشبيهه بالزعيم قاسم.
في الحقيقة، لو يراجع أي قارئ منصف يفهم ويتذكر ما يقرأ، يجد أني لم أشبه السيد نوري المالكي بالزعيم قاسم إلا بالظروف الموضوعية التي عاشها كل منهما، وهوية الأعداء، لأن لكل منهما شخصيته، ونشأته، ومزاجيته وظروفه التاريخية...إلى آخره. وإنما أكدت على التشابه في الهجمة الشرسة على العراق، وعلى الشخصيتين، كما ورد أعلاه. أما إذا ظهرت نتائج بعض مقالاتي لصالح السيد المالكي فهذا تحصيل حاصل الاستقراء. فتفنيد الافتراءات لا يعتبر دفاعاً عن الشخص المفترى عليه بقدر ما هو دفاع عن عقولنا وحماية للرأي العام من التضليل، وهذا واجب كل كاتب. أعيد إدراج رابط بقائمة الافتراءات على المالكي وحكومته، وليحكم القراء عقولهم فيها(2).

وبمناسبة الأخبار الكاذبة والافتراءات والفبركات على السياسيين، فهناك معايير خاصة ومنطقية يمكن للمتلقي استخدامها بإعمال عقله، لمعرفة ما إذا كان هذا الخبر حقيقة أم ملفق ومفبرك. فغالباً يكون الخبر المفبرك خطير جداً، وعلى سبيل المثال نشر قبل عدة سنوات بمناسبة زيارة المالكي لواشنطن، تقرير في موقع بعثي بعنوان: (صهر المالكي يصفع السفير العراقي في أمريكا في مكتب نائب الرئيس الأمريكي)، تم تعميمه حتى من قبل ناس نتوسم فيهم الوطنية والعداء للفاشية البعثية. فلو كان الخبر صحيحاً لنشرته وكالات الأنباء العالمية المعروفة بالمصداقية، مثل الـ سي أن أن، والبي بي سي، ورويترز وغيرها، لأن هكذا خبر مهم جداً، وطالما لم تهتم به هذه الوكالات فإن الخبر مزيف وكاذب.

وهناك طريقة أخرى لترويج الافتراءات، وهي كتابة تقرير مزيف ضد سياسي معروف وغالباً شيعي، يدعي المروِّج له أنه نشر في صحيفة غربية مشهورة مثل الغارديان أو التلغراف أو واشنطن بوست وغيرها. ولما تذهب إلى الصحيفة، وهو ليس صعباً في عصر الانترنت وغوغل، فلم تجد أي أثر لهذا الخبر في تلك الصحيفة، وبذلك تعرف أنه كاذب ويجب إهماله وعدم ترويجه، بينما يقوم البعض بتعميمه وهو يعلم أنه كذب، بمجرد أن يضيف عبارة (كما وصلني)، وهكذا يريد أن يقول لنا أنه بريء وقصده شريف جداً من نشر هذا الافتراء!.
وفي هذه الأيام تتداول رسالة مفادها أن "ألقت السلطات البريطانية القبض على الملحق التجاري العراقي في لندن القيادي البارز في حزب الدعوة الإسلامية تنظيم المالكي المدعو حسن مسعود، يأخذ مساعدات حكومية من دائرة العاجزين عن العمل لأمور صحية منذ 20 عام ويأخذ مساعدات بدل إيجار السكن وغيرها من المنافع الإجتماعية التي تُقدم للعاطلين عن العمل."
فجاء الرد الواضح من أحد المتنورين قائلاً : "أنه استلم هذا الموضوع من ثلاث جهات وبحث عنه في Google   بالإنكليزية فلم يعثر على اي رابط، ولا يوجد الشخص المعني في السلك الدبلوماسي العراقي في بريطانيا منذ سنة 2011. اما اثناء البحث العربي فوجد الموضوع في أربعة مواقع والكل تنقله عن موقع (العودة) وهو موقع باسم حزب البعث والموضوع جاء مسترسلا بدون مصدر ." وينصح المرسل بحق: " ارجوا عدم إرسال اي موضوع مجهول المصدر يراد منه الإساءة الى كل العراقيين".
وهكذا بدأت الناس تدرك ألاعيب البعثيين في الافتراءات، ولكن مع الأسف مازالت تعبر على آخرين الذين لديهم الاستعداد النفسي لتصديق هذه الأكاذيب.
*****
فالعراق غارق بالمشاكل و من الخطأ شخصنتها، وليس بإمكان أحد حلها بالتمنيات والأفكار الرغبوية، ومهما أوتي هذا الشخص، الذي وضعته الأقدار في موقع المسؤولية العليا، من قدرات وخاصة في النظام الديمقراطي الإئتلافي المكون من كيانات سياسية متناحرة، ورئيس الوزراء مكبلة يداه من الخلف ولا يجوز له اختيار وزرائه الذين يدينون ولائهم لرؤساء كتلهم، وليس للحكومة، بل وكثير منهم شاركوا في الحكومة من أجل إفشالها، ويقاطعون جلسات مجلس الوزراء تحدياً لرئيس الحكومة وبأوامر من رؤساء كتلهم. هذا الوضع لم يكن معروفاً قبل 2003، ولا في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم ولا في أي نظام ديمقراطي أو دكتاتوري في العالم أو في التاريخ إلا في العراق بلاد العجائب والغرائب ومصائب.
والذين يتغنون الآن بنزاهة و وطنية الزعيم عبدالكريم قاسم ليس حباً به، بل ليستخدموه ضد المالكي بحجة أن المالكي فشل في وقف الإرهاب ومحاربة الفساد، ولم يكن في عهد الزعيم إرهاب ولا فساد. ولكن الزعيم الذي يضربون به المثل في الوطنية والنزاهة الآن، هل كان العراقيون راضين عليه عدا الفقراء منهم والذين دافعوا عنه ببسالة وبصدورهم العارية أما وحش الفاشية في ذلك اليوم الشباطي الأسود؟ ألم يقتلوه شر قتلة ولم يتركوا له حتى قبراً يضم جسده الممزق برصاص الغدر والخيانة؟ وهل سيتخلص العراق من الإرهاب والفساد بمجرد إزاحة المالكي عن رئاسة الحكومة؟ لا أعتقد ذلك، لأن الإرهاب والفساد من مكونات حملة دولية وإقليمية للتخلص من الديمقراطية في العراق وإعادته إلى ما كان عليه قبل 2003.

نعم، أنا مع التقدمية والعلمانية والديمقراطية والليبرالية، وجميع القيم الحضارية الإنسانية النبيلة، ولكن أولئك الذي خاصموا المالكي وسعوا للتخلص منه، كيف يريدون الجمع بين الديمقراطية ورفضهم لنتائجها؟ شئنا أم أبينا، فالشعب منقسم على نفسه وفق التخندق الطائفي والعرقي، وشعار كل كتلة سياسية (أنا وحدي وليذهب الآخرون إلى الجحيم!!)، وشعار البعث الداعشي بعد أن فقد الحكم (عليَّ وعلى أعدائي يا رب... وليكن من بعدي الطوفان). أما وأن يقول التقدميون أن هذا التخندق الطائفي خطأ، فأنا أيضاً أقول خطأ، وأتمنى لو يكون العراق مثل الدول الإسكندنافية، ولكن المسألة نسبية، فالانقسام الطائفي والعرقي مفروض بحكم الواقع الموضوعي المرير، وغير قابل تغييره في الوقت الحاضر وحتى في المستقبل المنظور؟
فكل مكون يختار قيادته بانتخابات حرة ونزيهة، و60% من الناخبين الشيعة اختاروا نوري المالكي. ورفضه ممثلو الكرد والسنة، والأقلية من قادة الشيعة الذين طلعوا علينا بفذلكة "المقبولية". ماذا لو أصر قادة الشيعة أنهم لا يقبلون العمل مع من اختارهم الشعب الكردستاني أو السنة العرب؟ فهل يقبل السنة والكرد بلعبة المقبولية في هكذا تعامل مع قادتهم؟ وفي هذه الحالة، ما قيمة الديمقراطية وصناديق الاقتراع إذا كانت ترفض ويفضل عليها "المقبولية" لتنال قبول السيد مسعود بارزاني وإلا نطلق عليكم كلاب داعش تنهش بكم؟ هل هذه هي الديمقراطية التي يريدونها للعراق؟
فالسنة العرب وبعد أن فقدوا احتكارهم للسلطة تماهوا مع البعث الداعشي وجعلوا مناطقهم حواضن للإرهاب، ومؤتمر أربيل يشهد بذلك. والقسم الكردي بجناحه البارزاني يرى أن مستقبل الكرد في تدمير الدولة العراقية، وأمام هذا وذاك يرى الشيعة أنفسهم مهددين بالإبادة والفناء لا لشيء إلا لأنهم شيعة، وفي هذه الحالة فلا بد وأن أغلبية الشيعة يرون حمايتهم ونجاتهم في التخندق والوقوف مع الأحزاب الدينية الشيعية. فالشيعة وحدهم يضحون بمصالحهم وشبابهم في سبيل الوحدة الوطنية، بينما الآخرون يطالبون بالتقسيم مستقوين بالسعودية وقطر وتركيا وضباع داعش. وفي هذه الحالة، فمحاربة الحكومة المنتخبة بحجة أن رئيسها من حزب الدعوة، سيؤدي إلى فقدان الديمقراطية رغم مشاكلها، وبالتالي يصب في خدمة الإرهاب البعثي الداعشي ومن وراءهم من أعداء العراق والديمقراطية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: قاسم والمالكي بين زمنين، التشابه والاختلاف
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=518

2- قائمة الافتراءات ضد المالكي والعراق الجديد بصورة عامة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=698


265
مؤتمر أربيل لدعم الإرهاب

د.عبدالخالق حسين


نحن نعيش في عصر الخديعة، وقلب المفاهيم والقيم، إذ تُعقد مؤتمرات باسم مكاحة الإرهاب، بينما هي تعمل على دعم الإرهاب، ويشارك بها ناس ملاحقون قضائياً بسبب دورهم الإجرامي في الإرهاب. فقبل سقوط الموصل بيد داعش، عقد في الأردن مؤتمر ضم غلاة الطائفيين العراقيين السنة العرب ومن يخدعهم في تخريب بلادهم، والكثير منهم مشاركون في الإرهاب، رافعين شعارات المظلومية، والعزل، والتهميش. ومن ثمار ذلك المؤتمر سقوط الموصل ومن ثم محافظة صلاح الدين (تكريت)، ومناطق من محافظة الأنبار بأيدي داعش، واحتلال قوات البيشمركة لمحافظة كركوك، ولم يكن ذلك بدون تنسيق مسبق.
وبعد سقوط الموصل سمعنا تصريحات من مشاركين في السلطة من المحافظات الغربية، يباركون فيها حكم (داعش) مدعين أن أهل الموصل يعيشون بسلام وأمن وبركة، وحكم داعش أفضل لهم من حكم المالكي. أما فرار مئات الألوف من السكان فهو ليس لخوفهم من داعش، بل لخوفهم من قصف المالكي لهم بالطائرات!! كما وكان مفتى العراق (السني) الشيخ رافع الرافعي أكثر صدقاً حين صرح من أربيل قبل شهرين، أنهم (السنة) يرفضون أن يكون على رأس الحكومة شيعي، سواءً المالكي أو غيره، وصرح قبل أيام من الأزهر الشريف أنه لا يدين داعش.

عُقد في أربيل يوم الخميس، 18/12/2014، مؤتمر آخر، برعاية ومباركة حكومة الاقليم باسم (المؤتمر العربي لمكافحة الإرهاب والتطرف)، عقدته القيادات السنية العراقية، دون أن يدعو إليه أي عربي شيعي أو أي من المكونات العراقية الأخرى المبتلية بالإرهاب الداعشي. وقالت الأنباء: "شاركت في المؤتمر أكثر من 1200 شخصية عربية سنية بينهم مطلوبين للقضاء العراقي بتهم الإرهاب والفساد، وتشجع على الفوضى، وتساند الجماعات والعصابات الاجرامية في المحافظات الغربية".
كما وحضر المؤتمر مسؤولون قياديون سنة مثل أسامة النجيفي، نائب رئيس الجمهورية، وصالح المطلق نائب رئيس الوزراء، وكل النواب العرب السنة، وعدد من شيوخ العشائر العربية السنية، وحضر أيضاً المحكوم عليهم بالإرهاب مثل طارق الهاشمي، ورافع العيساوي وعبدالناصر الجنابي، وأمثالهم. ولإضفاء الشرعية الدولية عليه، حضر المؤتمر ممثل الأمم المتحدة في العراق، وسفراء أمريكا وبريطانيا، والوحدة الأوربية.

والجدير بالذكر أن أغلب الذين حضروا هذا المؤتمر قد ساهموا في توفير الأجواء لداعش، إذ جعلوا مناطقهم حواضن للإرهابيين بحجة التهميش والعزل الذي مارسه ضدهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، حسب إدعائهم المكرر !!، وأخيراً أدركوا، أن من يزرع الشر لا يحصد إلا الشر. فبعد أن ارتكبت (داعش) جرائم فضيعة بحق الإنسانية، لم يسلم منها حتى عرب السنة، إذ قتلت من عشيرة عربية سنية واحدة (ألبو نمر) في الرمادي وحدها أكثر من 700 شخص، ناهيك عن المقابر الجماعية في غابات الموصل، والجرائم الأخرى بحق الأقليات الدينية والعرقية. ولمّا لم يبق لدعاة التهميش أية حجة يدافعون بها عن داعش، راحوا يطلقون تصريحات فجة يساوون فيها بين داعش وفصائل الدعم الشعبي التي تقاتل من أجل تحريرهم من الإرهابيين الدواعش.
وبهذا النفس الطائفي، قال نائب رئيس الجمهورية العراقية، أسامة النجيفي في المؤتمر: أن "المحافظات السنية تواجه المأساة بسبب الإرهاب المتمثل بداعش والميليشيات الطائفية...". ويقصد بالمليشيات الطائفية الجيش العراقي، وفصائل الدعم الشعبي، رغم أنها تضم عناصر من مختلف المكونات.
كما وطالب أسامة النجيفي خلال المؤتمر، بالإسراع بتشكيل قوات الحرس الوطني من أبناء المحافظات السنية، وهو الغرض الرئيسي من هذا المؤتمر، إضافة إلى تسليح العشائر. والمقصود بالحرس الوطني هو تشكيل قوات مسلحة في المحافظات السنية على أسس طائفية لمواجه الجيش العراقي الذي يحارب الإرهاب. والتجارب القريبة أثبتت أن أغلب الأسلحة التي سُلِّمت إلى أبناء العشائر السنية تسربت إلى داعش. (راجع مقال السيد وفيق السامرائي- 3).
وهكذا نعرف أن الغرض الرئيسي من المؤتمر هو تشكيل القوات المسلحة العراقية على أسس طائفية، وهي الخطوة الرئيسية لتمزيق العراق. لذلك اعتبرت أوساط سياسية عراقية ان مؤتمر مكافحة الارهاب هذا وجّهته اجندات خارجية تسعى الى تقسيم العراق، فيما رفضت جهات عراقية من المكون السني المشاركة باعتباره خطوة أولى على طريق التقسيم. ومن هذه الشخصيات التي رفضت حضور هذا المؤتمر المشبوه هو رئيس البرلمان، الدكتور سليم الجبوري، وكتلته النيابية. كما اعترضت عليه محافظتا كركوك وصلاح الدين واهم تنظيمات "ديالى" و"العربية" و"جماعة علماء العراق و"مجلس انقاذ الانبار".(6)
والغريب أن السيد مسعود بارزاني الذي اعترض على تسليح أبناء العشائر العربية والتركمان في محافظة كركوك، رحب بتسليح العشائر العربية من خارج مناطق الإقليم، وهذا تعامل بمكيالين.
فغاية المؤتمر كما أكد كثيرون من المخلصين هو  لعزل الجيش و"الحشد" عن التصدي لداعش في المناطق الغربية (4)
وصرح النائب مثال الآلوسي أن "المؤتمرين في أربيل يحاولون لملمة القيادات السنية الفاشلة والتي سرقت المال العام والمتهمين بالإرهاب لفرضهم على الساحة وعلى الواقع السياسي من جديد...
و"إقامة هذا المؤتمر جاء بدعم إقليمي لتهديد الأمن والسلام الاجتماعي بين صفوف الشعب العراقي وإبراز القيادات الفاشلة في محافظات الانبار وصلاح الدين والموصل بشكل جديد".(5)

وأخيراً: اعتبر مراقبون للشأن العراقي، ان "مؤتمر أربيل لمكافحة الإرهاب" هذا، تحول الى محفل لمناصرة تنظيم "داعش" الإرهابي، باعتباره القوة التي تحمي اهل "السنة" في العراق من بطش المليشيات، كما ورد ضمنا في الكثير من التصريحات والكلمات التي القيت في اثناء المؤتمر.(6)

خلاصة القول: إن مؤتمر أربيل هو محاولة يائسة من قبل الطائفيين أعداء الديمقراطية في العراق لإعادة الوضع إلى ما قبل 2003، وهذا مستحيل. لذلك فعلى عقلاء العرب السنة أن لا يتركوا المكون السني بأيدي سياسييهم الفاشلين الذين ينفذون أجندات أجنبية، والبعثيين الدواعش وتحت أي مسمىً جاؤوا، بل أن يعملوا على دعم العملية السياسية بجد وإخلاص، وإنجاح الديمقراطية، والعمل على إنضاجها وتخليصها من معوقاتها مثل المحاصصات الطائفية والعرقية. أما اللجوء إلى الإرهاب وتحت أي مبرر كان، فمن شأنه أن يزيد من عذابات شعبنا، وبالأخص معاناة أهل السنة أنفسهم. وما يعانيه شعبنا من فوضى الآن هو نتاج حتمي لاحتكار المكون الواحد للحكم واستبداده لعقود طويلة، ورفضهم لدولة المواطنة والقانون. لذلك فالديمقراطية رغم مشاكلها في أولى مراحلها، إلا إنها هي الحل الوحيد لمشاكل العراق المتراكمة.
ومن يزرع الشر لا يحصد إلا الشر. 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1-  النجيفي: المحافظات السنية {تواجه إرهاب داعش} والميليشيات الطائفية
مؤتمر للقيادات السنية في أربيل يطالب بسرعة تشكيل قوات الحرس الوطني
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/182060.html

2- شخصيات "سنية" ترفض مؤتمر أربيل: التقسيم تحت عباءة "حرب داعش"
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/182062.html

3- وفيق السامرائي: تسليح العشائر بين المحاذير والمبررات
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/182059.html

4- مؤتمر بأربيل لعزل الجيش و"الحشد" عن التصدي لداعش في المناطق الغربية
http://almasalah.com/ar/news/43175/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8

5- الآلوسي: هدف مؤتمر اربيل للملمة الفاشلين والمتهمين وفرضهم على الساحة
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/182100.html

6- مؤتمر أربيل: داعش يحمي أهل السنة
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/182183.html

266
المنبر الحر / ذهنية الإستغفال!
« في: 16:36 20/12/2014  »
ذهنية الإستغفال!
د.عبدالخالق حسين

في اللغة الإنكليزية كلمة (Gullible) ومنها (Gullibility)، وتعني الشخص الساذج البسيط، الطيب السريرة الذي يصدق كل ما يقال له ويتلقاه من أخبار مهما كانت كاذبة وغير معقولة وتفتقر إلى أدلة مادية، أو عقلية. وهناك كلمة أخرى (suggestible) و (suggestibility)، وتعني الاستعداد الذهني أو النفسي عند الشخص للتأثر بإيحاءات الآخرين، وجميع هؤلاء معرضون للخديعة بسهولة. و المؤسف أن هذه الصفة، (سرعة التصديق وتقبل الإيحاء) متفشية بين العراقيين بنسبة عالية منهم رغم أنهم يعتقدون، ويؤكدون على الدوام، أنهم (مفتحين باللبن، ويقرؤون الممحي، وما بين السطور)، ولكن في الحقيقة أنهم من أكثر الشعوب عرضة للخديعة والتصديق بالشائعات الباطلة ومهما كانت غير معقولة، ولذلك نرى هذا الشعب ضحية الإشاعات، والافتراءات في مختلف العصور والعهود.
وقد عرف قادة البعث، ومن يدعمهم، هذه الخاصية في الشعب العراقي، فاستغلوها أبشع استغلال، لذلك استطاعوا حكمه لخمسة وثلاثين سنة، أهلكوا فيها الحرث والنسل، وهم يرقصون له ويهتفون: (بالروح بالدم نفديك يا صدام). كما واصل البعثيون تضليل هذا الشعب بعد سقوط حكمهم الجائر، ومع الأسف الشديد حققوا نجاحات باهرة في التضليل وتفتيت المجتمع العراقي وتبديد طاقاته.

عوامل ساعدت على نجاح البعثيين في التضليل
1- كما ذكرنا أعلاه، ذهنية الشعب العراقي، القابلة لتصديق الإشاعات والدعايات المضادة، خاصة إذا كانت موجهة ضد  السلطة. فنتيجة لما تعرض له الشعب العراق من مظالم عبر تاريخه الطويل، وبالأخص في العهد العثماني الغاشم، صارت معاداة الحكومة جزءً من ثقافة الشعب الإجتماعية أو الموروث الاجتماعي (culture)، وشرطاً من شروط الوطنية، حتى ولو كانت هذه السلطة منتخبة من قبل الشعب نفسه. وعرف البعثيون هذه الخاصية، لذلك عندما اغتصبوا السلطة لم يبالوا بمشاعر الناس إزاءهم، فاستخدموا معهم سياسة القبضة الحديدية، وجعلوه غير صالح إلا لهذا النوع من الحكم.
2- الخبرة في التضليل: أرسلتْ حكومة البعث الألوف من البعثيين في بعثات دراسية إلى الغرب في مختلف الاختصاصات، مثل: علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم النفس الإجتماعي، والأنثروبولوجيا، والإعلام... الخ. فالخبرات العلمية سيف ذو حدين، يمكن استخدامها للخير والشر. ففي الانظمة الديمقراطية والظروف الطبيعية يمكن توظيف هذه العلوم والخبرات لخدمة الشعب و وحدته وسعادته، ولكن العكس حصل في حكم البعث، حيث استخدم هؤلاء خبراتهم للسيطرة على المجتمع، وتضليله، و تجهيله، وتفتيته، و قولبته بما يلائم أيديولوجيهم الشريرة، ومنع الإنسان العراقي من التفكير السليم، والتعبير الحر عن آرائه، مما أدى إلى شل قدراته العقلية، وبذلك يسهل عليهم السيطرة عليه، وزرعوا في روعه أن حكم البعث باق إلى الأبد كالقدر المكتوب، ولا خلاص لهم إلا أن يستسلموا لإرادته ويتكيفوا معه. وفي نفس الوقت شنوا حملة بتشويه صورة معارضيهم، وإبرازهم وكأنهم أشرار، ودون مستوى البشر، وتجريديهم من الصفات الإنسانية، وأنهم لا يستحقون الحياة، لتبرير اضطهادهم و إبادتهم. وهي نفس السياسة التي تتبعها تنظيمات الإرهاب الإسلامي الوهابي مثل القاعدة وطالبان، وداعش، وجبهة النصرة، وبكو حرام ، وغيرها من العصابات الإرهابية الإسلامية الوهابية المعادية للحضارة والإنسانية.
3- استثمر البعث التناقضات والصراعات في المجتمع العراقي مثل الطائفية وعمل على تأجيجها، تضخيمها، وطرح نفسه الممثل الشرعي الوحيد للسنة العرب، وراح يشعل الفتن الطائفية بصراحة غير معهودة من قبل، وبمنتهى الوقاحة، وشن حملة تشويه ضد الشيعة، و تسقيط رموزهم السياسيين، والمبالغة بحجم الفساد وإلقائه على عاتق السياسيين الشيعة في السلطة وحدهم دون غيرهم.
4- اتبع الكتاب البعثيون أساليب شيطانية خبيثة في الدعاية المضادة وصناعة الإشاعة، وذلك بالكتابة تحت أسماء مستعارة، والهجوم على السياسيين الشيعة وتسقيطهم بكتابة مقالات بأسماء شيعية للتضليل، فيبدأ الكاتب بذكر فضائل الإمام علي وتاحسين، وما حل بأهل البيت من مظالم، ويظهر نفسه وكأنه حريص على مصلحة فقراء الشيعة!، فيذرفون عليهم دموع التماسيح، وما لحق بهم من ظلم وفقر على أيدي ممثليهم "الحرامية" في السلطة!!! ونجحت حكومات خليجية، وخاصة السعودية، في شراء ذمم كتاب شيعة لإشراكهم في شن الهجوم على السياسيين الشيعة دون غيرهم وتحميلهم مسؤولية الفساد والإرهاب والمحاصصة الطائفية في السلطة... وكل مشاكل العراق المتراكمة عبر قرون.
5- كما و تفنن البعثيون في صياغة الأخبار والتقارير الكاذبة والمقالات الملفقة بمنتهى المهارة والخبث، مستفيدين من التكنولوجيا المتطورة في التقنية المعلوماتية مثل برنامج (الفوتوشوب) لتلفيق وثائق وصور مزيفة، وإظهار أكاذيبهم بالموثقة، إلى درجة أنههم في تمريرها حتى على الأكاديميين والمثقفين والوطنيين المخلصين ناهيك عن الناس البسطاء، ولا أدعي أني محصن ضد هذه الإشاعات والأحابيل. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يتذكر كثيرون ما نشر قبل عامين عن طريق الإيميلات، إشاعة مفادها أن حكومة المالكي دعت الوحدة الأوربية لبناء مكب للنفايات النووية لهم في العراق.
ومثال آخر الذي نجح البعثيون في دفع  أكادميين إلى تصديقهم، حيث استلمت تقريراً تأثر به أستاذ جامعي محترم، وهو من ضحايا البعث، فقام بدوره بتعميم هذا التقرير و مفاده أن 50% من سكان محافظة البصرة مصابون بالسرطان بسبب تلوث التربة باليورانيوم المخضب، دون أي يشيروا  إلى مسؤولية نظام البعث الصدامي الذي زج بالعراق في حروب عبثية مع إيران، ومع المجتمع الدولي في حرب تحرير الكويت ومن ثم تحرير العراق...الخ.
على أية حال، أجبت الأستاذ الفاضل أن هذا الخبر لا بد وأن يكون ملفقاً ولأغراض سياسية. فإذا صدقنا به، فهذا يعني أن نحو مليون إنسان مصاب بالسرطان في البصرة حيث يبلغ نفوس المحافظة نحو مليونين. وإذا اعتمدنا الإحصائيات، فخلال خمس سنوات سيموت أكثر من نصف هؤلاء المصابين كما وتظهر سرطانات في 50% من غير المصابين حالياً، وهكذا فبعد 20 أو 30 سنة ستخلو محافظة البصرة من سكانها. فهل هذا الكلام علمي ومعقول؟ ولو كان الخبر صحيحاً بوجود مليون إصابة بالسرطان في محافظة واحدة، فلماذا لم تتحرك منظمة الصحة الدولية، ووكالات الأنباء وهي التي تقيم الدنيا في حالة تفشي أي وباء في أي مكان من العالم مثل انفلونزا الطيور وإيبولا غيرهما؟
والجميل في الأمر، أن الأستاذ الذي استلم ردي أيدني حالاً، وأدرك أن بث هذه الأخبار لأغراض سياسية ليس إلا. في الحقيقة هناك تقارير تفيد أن نسبة الإصابة بالسرطانات والتشوهات الولادية في العراق لا تختلف عنها في أي مكان آخر في العالم.
وليت الوقوع في فخ الخديعة توقف عند هذا الحد، بل تعداه حتى إلى رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي وهو يسعى لمحاربة الفساد، و المفترض به أن يكون قوياً في الرياضيات لكونه يحمل شهادة دكتوراة في الهندسة الالكترونية من جامعة بريطانية عريقة، ولكن مع ذلك فشل في هذا الامتحان عندما قدموا له رقم (50 ألف جندي فضائي- شبحي، أي وهمي) في أربع فرق عسكرية، فسارع في نشر "الفضيحة" دون تدقيق، علماً بأن ملاك أربع فرق عسكرية لا يزيد عن 49 ألف عسكري، أي أقل من عدد الفضائيين. أليس هذا استغفال وسقوط في الفخ يا دولة الرئيس؟
كان كاتب تقرير أمريكي أكثر تحفظاً حين ذكر عن التغيب في القوات المسلحة العراقية عند سقوط الموصل فلم يذكر رقماً، بل أعطى نسبة مئوية، فقال هناك فرق عسكرية وأجهزة أمنية فيها نسبة التغيب تصل إلى 30% وهم يستلمون رواتبهم. وهذا التعبير أقرب إلى الواقع والمصداقية.

كما تكونوا يولى عليكم
و يحاول بعض الكتاب إلقاء اللوم على من تضعه الأقدار في قيادة السلطة ليحمِّلونه مشاكل العراق المتراكمة عبر قرون، ومنها الفساد والإرهاب والصراعات العرقية والطائفية والعشائرية، ويقولون مثلاً: لماذا لا يكون في العراق زعماء مثل زعماء دول نجح رؤساؤها في قيادة بلدانهم من التخلف إلى مستوى متقدم في الحضارة والإستقرار والازدهار الاقتصادي؟ لماذا لا يظهر نلسن مانديلا عراقي مثلاً؟ نسي هؤلاء الأخوة، سامحهم الله أن الأحزاب وزعمائها، والحكومات و رؤساءها، هم إفراز ونتاج شعوبهم، إذ تفيد الحكمة: (كما تكونوا يولى عليكم). وعلى سبيل المثال، ينقل في هذه الأيام عن الرئيس الماليزي السابق، السيد مهاتير محمد عن سبب نجاحه في جهوده لبناء بلده أنه قال: "عندما أردنا الصلاة إتجهنا صوب مكة، وعندما أردنا بناء البلاد إتجهنا صوب اليابان". وكتب الصديق، الدكتور محمد علي زيني، مقالاً في هذا الخصوص بعنوان: (متى يحكم العراق رجل مثل مهاتير محمد؟). فأجبت الصديق: (يحكم العراق رجل مثل مهاتير محمد عندما يكون في العراق شعب مثل الشعب الماليزي، وليس شعب ممزق إلى طوائف وأعراق متناحرة ومتصارعة، فمهاتير محمد هو نتاج شعبه، ولو كان قد وُلِد ونشأ في العراق لما سمع به أحد). فأيدني الصديق قائلاً: (شكراً على التعليق. أتفق معك،  ونحتاج الى جيلين جديدين بتعليم حديث ومركز حتى نرى شعباً أفضل مما عندنا الآن).
كيف تريد لرئيس حكومة أن ينجح في عمله ويقدم البلد، وهو مكبل اليدين، ويُفرض عليه وزراء ولاؤهم لقادة كتلهم وليس للحكومة ورئيسها، وهدفهم في المشاركة في الحكومة هو إفشالها وشلها عن عملها؟

ومن كل ما سبق نفهم أن الشعب كله مسؤول عما يجري في العراق. فهناك من يقول إن داعش هو مستورد من الخارج، وهذا خطأ. نعم، هناك نسبة قليلة من الدواعش الوافدين من الخارج، ولكن نسبتهم لا تزيد عن 10%، أما الـ 90% فهم إنتاج محلي وبالأخص من البعثيين الذين تظاهروا بالإسلاموية. وإذا تريد الدليل المادي فما عليك سوى مشاهدة الفيديو القصير (الرابط أدناه) ، وكيف قتل الدواعش جنوداً عراقيين، في ناحية يثرب، و هجم أهل المنطقة وحتى أطفالهم وهم يركلون جثث الشهداء الذي ضحوا بحياتهم في سبيل تحريرهم من الدواعش.(1)

دعوة لتصفية المالكي
لقد حصل في الآونة الأخيرة تصعيد حاد لهجمة شرسة ضد السيد نوري المالكي لتصفيته سياسياً واجتماعياً وحتى جسدياً، من أطراف عديدة، وجرّوا إليها أناس لا يشك في وطنيتهم من أصحاب النوايا الحسنة الذين صدقوا بهذه الدعايات المضادة، إذ نقرأ على سبيل المثال العناوين التالية:
* (المطالبة بمحاكم المالكي وتحميله مسؤولية احتلال الموصل من قبل داعش).
والكل يعرف أن الذين تآمروا لتسليم المحافظات الغربية إلى داعش، هم الأخوين النجيفي ومن لف لفهما من إداريين في هذه المحافظات، وبتنسيق من جهات دولية وإقليمية واسعة، ودفعوا الثمن فيما بعد.
* (تحقيق خطير يكشف بالوثائق كيف فاز نوري المالكي في الانتخابات العراقية الاخيرة)،
*( محاولة محاكمة الرئيس المالكي من خلال الإدعاء بوجود مقاتلين فضائيين)(2)
* مقال نشرته إيلاف السعودية بعنوان: (المالكي فشل في إطلاق ابنه وأمواله المحتجزة في لبنان) والذي ردينا عليه بمقالنا الموسوم: (لماذا "فشل" المالكي في إطلاق ابنه وأمواله المحتجزة في لبنان؟)(3).
* وأخيراً وليس آخراً، وصلني فيديو قصير لمظاهرة في إحدى مدن الوسط، تطالب رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، بإعدام رئيس الوزراء السابق نوري المالكي!!!!!! فهل هذا الشعب قابل للحكم؟

خلاصة القول: نحن أمام شعب من الصعب جداً حكمه، لأنه سهل التصديق بالإشاعات والافتراءات والأكاذيب،(على حس الطبل خفّن يرجلية!)، يواجه عدواً يتمتع بإمكانيات هائلة وخبرة واسعة في الخبث والتضليل، لا يقيم وزناً لحياة الإنسان ولا الأخلاق والقيم. وفي هذه الحالة فهل من الصحيح أن يبقى المثقفون على التل متفرجين لتتكرر جريمة 8 شباط 1963، وإدخال البلاد مرة أخرى في نفق مظلم، ودورة جديدة من العنف والقتل والتهجير، والتشريد، والحروب العبثية، والدمار الشامل؟ أم نقوم بواجبنا لتنبيه الناس أن يعوا أبعاد المؤامرة الخطيرة، واللعبة الشيطانية التي تحاك ضدهم؟
أعتقد أن من واجب المثقف أن يلعب دوره الوطني والإنساني لمواجهة المؤامرة الشريرة، إذ كما قال مارتن لوثر كنغ: "المصيبة ليس في ظلم الأشرار، بل في صمت الأخيار".
 ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- قتلى ميليشيات العدو [الصفوي] بمعارك ناحية يثرب ومحيطها
http://www.dhiqar.net/Vid.php?id=6614

2- محاولة محاكمة الرئيس المالكي من خلال الإدعاء بوجود مقاتلين فضائيين
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/181813.html

3- عبدالخالق حسين: لماذا "فشل" المالكي في إطلاق ابنه وأمواله المحتجزة في لبنان؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=699

267
لماذا "فشل" المالكي في إطلاق ابنه وأمواله المحتجزة في لبنان؟

د.عبدالخالق حسين

" قول الصدق في زمن الخديعة عمل ثوري" – جورج أرويل


رغم أني أمر في فترة ينتابني فيها النفور من الكتابة، ومع اعتذاري الشديد للقراء والأصدقاء الذين افتقدوني، صرت أشعر بنوع من الاغتراب عن العراق، لأن ما يجري فيه من فوضى في إدارة الحكم والاستسلام لمطالب ممثلي داعش في السلطة الآن، يشعرك وكأن أمر العرق ليس بأيدي أبنائه، بل يملى عليهم من الخارج، وصار من المؤكد أن وراء داعش دول كبرى(1).

ذكرت مراراً أنه لم يتعرض أي زعيم عراقي لموجة الأكاذيب والافتراءات في تاريخ العراق الحديث كالتي تعرض لها الزعيم عبدالكريم قاسم بعد ثورة 14 تموز 1958، ورئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي، منذ تسلمه منصب رئاسة مجلس الوزراء عام 2006، ومن قبل نفس الجهات الحاقدة على العراق.
يلومنا البعض عندما نتصدى لهذه الأكاذيب بأننا ندافع عن المالكي، وبمقابل أجر!! في الحقيقة نحن لا ندافع عن المالكي، ناهيك للأجر، بل ندافع عن الحقيقة واحتراماً لعقولنا، ولأننا نرفض التصديق بالأكاذيب أو السكوت عنها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس.

أستلمتُ مراراً في هذه الأيام  رابط لمقال أو تقرير بعنوان: (المالكي فشل في إطلاق ابنه وأمواله المحتجزة في لبنان)، لكاتب لم نسمع به من قبل، على الأغلب اختفى وراء اسم مستعار، وآخر رسالة استلمتها عن هذا المقال التقريري، هي من صديق عزيز قال فيها: "ارسل اليك مقال منشور في موقع ايلاف والذي يبين الى اي مدى وصل مستوى الانحطاط الاخلاقي والفكري، حتى على مستوى اغلب المعلقين على المقال مع الاسف الشديد."

يبدأ المقال بالتالي: "أتى نوري المالكي إلى لبنان ليخلي سبيل ابنه أحمد، الذي يُحتجز بعد العثور على 1,5 مليار دولار في حوزته. لكنه غادر سريعاً إذ تبيّن أنه مطلوب بتهمة تفجير سفارة العراق في بيروت في العام 1981".
علماً أن زيارة المالكي كانت رسمية وليست خاصة، إذ حتى الكاتب نفسه اعترف بقوله أن المالكي: "... إلتقى خلالها مسؤولين لبنانيين وأمين عام حزب الله حسن نصرالله". فإذا كان مطلوباً فلماذا لم يتم إلقاء القبض عليه وهو في لبنان ؟؟؟؟؟؟؟
أما مصدر الخبر الذي اعتمد عليه الكاتب، فيقول: "كشف نائب رئيس الجمهورية العراقية السابق، طارق الهاشمي، الثلاثاء، أن نجل المالكي محتجز في لبنان، بتهمة تهريب 1,5 مليار دولار، وقد أتى ساعيًا لتخلية سبيله".
ونحن إذ نسأل: متى كان المجرم الهارب من وجه العدالة، والمحكوم بالإعدام بجوره في الإرهاب، طارق الهاشمي مصدراً يوثق به لمثل هذه الأخبار؟

طبعاً هذه ليست المرة الأولى، ولا الأخيرة التي يتعرض لها السيد نوري المالكي إلى مثل هذه الأكاذيب، إذ تم استهدافه منذ تسلمه رئاسة مجلس الوزراء عام 2006، وإلى الآن دون توقف، وإلى أجل غير منظور. أدرج في هامش هذا المقال رابط لقائمة تضم عدداً من هذه الافتراءات التسقيطية ضد المالكي(2)، وقد أثبت الزمن بطلانها، ورُدَّت سهام مؤلفيها إلى نحورهم.

وجوابي للصديق وغيره من الأصدقاء الذين استلموا مثل هذه الكذبة هو كالتالي:
لا شك أن التهمة خطيرة ولكنها في نفس الوقت غبية، فلو كانت صحيحة، ونظراً لخطورتها (فيما لو كانت صحيحة)، لصرحت بها الحكومة اللبنانية، ولتناولتها وكالات الأنباء العالمية المشهورة و المحترمة مثل البي بي سي، و رويتر،  وغيرهما، ولم نقرأها فقط في مقال بائس منشور في أحد المواقع صفراء لا شغل لها سوى فبركة الأكاذيب ضد المالكي. وهذا التقرير المفبرك والمئات غيره دليل على نزاهة نوري المالكي وشعبيته، ودناءة ولآمة خصومه فلم يعثروا على ما يشوه صورته لذلك لجأوا إلى الأكاذيب، وهو أسلوب يستهين ويستخف بعقول العراقيين، ودليل على الإفلاس السياسي والفكري والأخلاقي لمفبركي هذه الأخبار الكاذبة.
وحملة التشويه ضد المالكي سوف تستمر من قبل أعدائه ومنافسيه على السلطة، وخاصة من البعثيين الدواعش، لأنه تجرأ ووقع على أخطر قرار حكم في تاريخ العراق وبمنتهى الشجاعة والعدالة، وهو قرار المحكمة الجنائية بإعدام مجرم العصر ورمز الطائفيين والدواعش وجميع الإرهابيين، صدام حسين.
وبالمناسبة، أنا لا أعتبر الإعدام أشد عقوبة بحق المجرم، لأن فيه نهاية عقابه وراحة له، ففي حالة موته لا يشعر المجرم بأي شيء إذ يعود كما لم يكن مولوداً أبداً، بينما العقاب الشديد هو السجن مدى الحياة، أي مصادرة حرية المجرم. ولكن بالنسبة لصدام حسين، وبقية الإرهابيين من أتباعه، للإعدام معناه الرمزي، ومبرراته الخاصة، وهي أن صدام كان يمثل رمزاً للإرهابيين البعثيين (الدواعش)، ويمنحهم الأمل في تهريبه من السجن والعودة إلى السلطة لأنه وضع في روع أتباعه أنه "القائد الضرورة الذي لا يقهر). فلو بقي حياً لاستمات البعثيون الإرهابيون في إخراجه عنوة وبشتى الوسائل الإجرامية، حيث هربوّا المئات منهم في عمليات الهجوم على السجون، كما حصل في سجن أبو غريب والتاجي، و سجن الموصل...الخ. لذلك فإعدام المحكوم عليهم من الإرهابيين هو للردع أولاً، وللقضاء على آخر أمل لهم في استرجاع حكمهم المنهار ثانياً. 
وبالعودة إلى السؤال الذي في العنوان: لماذا "فشل" المالكي في إطلاق ابنه وأمواله المحتجزة في لبنان؟
الجواب: لأن الخبر كله مفبرك ولا أساس له من الصحة، وابن المالكي لم يحتجز، لا في لبنان ولا في غيره لكي يطلق سراحه.

والسؤال الآخر: لماذا كل هذه الافتراءات الشرسة ضد المالكي أكثر من غيره؟
الجواب كالتالي:
1- كما أشرنا أعلاه، أن المالكي وقع على تنفيذ حكم الإعدام بحق مجرم العصر صدام حسين، الذي صار رمزاً للطائفيين السنة بقيادة مفتي الإرهاب الطائفي يوسف القرضاوي، ليس في العراق فحسب، بل وحتى في خارجه. وقد جنى هؤلاء على أهل السنة حين ربطوا اسم صدام وأمثاله من الإرهابيين بالسنة، فهذا الربط لا يشرف أهل السنة ولا المسلمين، والمؤسف أنه حتى في الإعلام العالمي يسمون الإرهابيين الإسلاميين الآن بـ(المتطرفين السنة)، وهذا ظلم بحق أهل السنة.
2- تصلب المالكي في الالتزام بالدستور، وتوزيع ثروة البلاد على العراقيين بالتساوي والعدالة، وهذا ما أغضب السيد مسعود بارزاني الذي أراد الاحتفاظ بنفط كردستان له، مع حصته 17% من الموازنة العراقية والتي صارت الآن 24%، علماً بأن الكرد يشكلون 12% فقط من الشعب العراقي، أي أنهم يحصلون الآن على ضعف استحقاقهم على حساب بقية العراقيين، إضافة إلى صرف ميزانية بيشمركة الذي لا يأتمر بأمر الحكومة الإتحادية، ويجب أن تكون مصروفاته ضمن الـ 17% من حصة الإقليم.
3- فشل المالكي في كسب أمريكا إلى جانبه، لأنه رفض الموافقة على إبقاء قوات أمريكية في العراق مع الحصانة من القانون العراقي، وكذلك رفض صرف أموال الشعب العراقي على تأجير شركات العلاقات العامة (PR) في أمريكا لتشكيل لوبيات في واشنطن تدافع عنه وتفند تهمة التهميش والعزل التي رفعها السياسيون السنة والكرد (جناح بارزاني) ضده، كما رفعوا قميص عثمان من قبل.

ولهذه الأسباب وغيرها، فستستمر الحملة ضد المالكي من قبل أعدائه، ولو شاء لهم لتمت تصفيته جسدياً كما يسعون الآن لتصفيته سياسياً واجتماعياً، والنيل من شعبيته المتزايدة. ولكن كما قال ابراهام لنكولن: "يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة:
1) فيديو (11 دقيقة) ضابط سابق في الاستخبارات البريطانية: هكذا صنعنا داعش وهكذا نقرع طبول الحرب ضدها
https://www.youtube.com/watch?v=_v41GLU2Mn0#t=14

2) قائمة الافتراءات ضد المالكي والعراق الجديد بصورة عامة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=698

3) أياد السماوي: نوري المالكي ... لن يسقط بالأكاذيب والأساليب الرخيصة
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/181649.html


268
علاقة أردوغان بداعش

د.عبدالخالق حسين

الملاحظ هذه الأيام أن أنقرة صارت محجاً للقادة الكبار في العالم، فقبل أسابيع قام نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن بزيارة أردوغان، وقبل يومين قام البابا فرانسيس بزيارة مماثلة، وما أن غادر حتى وحط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مطار العاصمة التركية. طبعاً الأسباب المعلنة لهذه الزيارات تختلف عن الأسباب الحقيقية، والسؤال هنا لماذا صارت أنقرة محجاً لهؤلاء القادة؟ كل هذه الزيارات من أجل إقناع أردوغان ليتوقف عن دعم الإرهاب الداعشي. ولكن ولماذا يتواطأ أردوغان مع الإرهاب، هذا السؤال وغيره وجهته لي إذاعة عربية قبل يومين، والمقال هذا هو ملخص ما جاء في الحوار مع بعض الإضافات.

السبب الرئيسي لهذه الزيارات لأنقرة هو علاقة أردوغان مع ما يسمى بمنظمة "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، إختصاراً (داعش). لقد بات واضحاً الدور المحوري الذي تلعبه تركيا أردوغان في دعم (داعش) لأسباب واضحة، أهمها: أن أردوغان، حاله حال السعودية وقطر، سعت للإطاحة بنظام بشار الأسد في دمشق، وحكومة نوري المالكي في بغداد. و ما أن يئسوا من إسقاط الأخير عن طريق صناديق الاقتراع استخدموا ورقة (داعش) باحتلالها للموصل يوم 10/6/2014، وبطريقة في منتهى الخبث والدقة، وما جرى بعده من احتلال للمحافظات الغربية. وبإتفاق مسبق مع أردوغان، قامت (داعش) باعتقال 49 موظفاً في القنصلية التركية بالموصل، لإبعاد الشبهة عن دوره في هذه المؤامرة القذرة، ولمنحه العذر في عدم السماح لأمريكا باستخدام القاعدة الجوية التركية أنجرليك لقواتها الجوية لضرب داعش، بالإدعاء أنها تخاف على مصير موظفي قنصليتها المختطفين. بينما غرض أردوغان هو دعم داعش في المنطقة. وقد تم إطلاق سراح "المختطفين" الأتراك فيما بعد دون أن يصيبهم أي أذى.
ولم يكتفِ أردوغان بعدم التعاون مع التحالف الدولي لضرب داعش فحسب، بل وطالب بحضر الطيران على سوريا وخاصة المناطق التي تحتلها داعش. والغرض من هذا الطلب واضح وهو حماية مقاتلي داعش من القصف الجوي.
كما وأفاد تقرير من مراسل بي بي سي في بيروت، عن تجدد تصعيد الهجوم الداعشي على مدينة كباني (عين العرب) السورية الحدودية مع تركيا، يوم 30/11/2014، وأن مقاتلي داعش هجموا على المدينة من الجانب التركي، الأمر الذي دفعت حكومة أردوغان إصدار بيان النفي!!.
والجدبر بالذكر أن تركيا هي البوابة التي يدخل من خلالها المتطوعون الإرهابيون من مختلف أنحاء العالم للالتحاق بداعش وجبهة النصرة، إضافة إلى قيام تركيا بتنظيم المؤتمرات للمتآمرين على العراق وسوريا.
في الحقيقة صار دور أردوغان في دعم داعش واضحاً للعيان، وقد أشارت الصحف الغربية الكبرى بذلك. وكانت زيارة بايدن لأنقرة قبل أسابيع لحث أردوعان على التخلي عن هذا الدعم.

أما زيارة البابا فرانسيس، فقد نشرت وسائل الإعلام العالمية عن تصريحاته أن: "دعا البابا فرانسيس كافة قادة وزعماء الدول الإسلامية إلى إدانة الإرهاب بشكل واضح. ونبه إلى إن ذلك يساعد على محاربة الصورة النمطية التي تربط بين الإسلام والإرهاب. وقال البابا فرانسيس - في تصريحات صحفية عن متن طائرته لدى عودته من تركيا - إنه قدم مقترحا بهذا الصدد خلال مباحثات خاصة عقدها الجمعة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وأضاف البابا "قلت للرئيس إنه سيكون جميلا لو تحدَّث كافة قادة الدول الإسلامية بمختلف أنحاء العالم، سواء القيادات السياسية أو الدينية أو الأكاديمية، صراحة وانتقدوا ذلك". (1)

وكذلك زيارة بوتين لأنقرة، رغم الإعلان عن أنها لبحث العلاقات الاقتصادية و"تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات شتى، وعلى وجه الخصوص مجال الطاقة، وذلك رغم خلافاتهما حول اوكرانيا وسوريا"، إلا إن السبب الحقيقي للزيارة هو لإقناع أردوغان بالتخلي عن دعمه للإرهاب الداعشي في المنطقة، خاصة وأن روسيا أيضاً مستهدفة بهذا الإرهاب، وأن ما يجري في سوريا والعراق هو صراع على مناطق النفوذ بين القوى الكبرى، والعودة إلى الحرب الباردة.

أما لماذا يسعى أردوغان لدعم (داعش) وغيرها من المنظمات الإرهابية في سوريا مثل (جبهة النصرة) الموالية للقاعدة، فالهدف هو، أولاً، الانتقام من النظام السوري في دعمه لقوات حزب العمال الكردستاني (PKK) بقيادة زعيم الحركة السجين عبدالله أوجلان، في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. وثانياً، أن تركيا رغم دعمها الانتهازي لحكومة إقليم كردستان العراق، إلا إن هذا الدعم هو نكاية بالحكومة الاتحادية المركزية في بغداد من أجل إضعاف العراق، ولكنه (أردوغان) في نفس الوقت يقف ضد مقاتلي أكراد سوريا، إذ يعتبرهم امتداداً لحزب العمال الكردستاني في تركيا، ولذلك رفض بشدة طلب أكراد تركيا بالإلحاق بأشقائهم في سوريا، كما ورفض السماح حتى للتحالف الدولي باستخدام مطاراته ضد داعش، وآخر دليل هو أن الهجوم الأخير على مدينة (كباني) كان من الجانب التركي.

و في آخر تقرير لمركز أبحاث كندي: "كشف أن تركيا توفر الحماية لخطوط تموين داعش، ولتدفق مقاتليه، وتجدد الاشتباكات بين اللجان الشعبية المدافعة عن بلدتي نبل والزهراء ومسلحي جبهة النصرة على الجبهة الجنوبية الشرقية لبلدة الزهراء، ومواجهات بين الجيش السوري والمسلحين في منطقة اللجاة وبلدتي جاسم ودير العدس بريف درعا".(2)

إن تورط أردغان في دعم داعش ليس خافياً على العالم وبالأخص على الحكومات الغربية ووسائل إعلامها، فقد كشف الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، في مقال له نشر في (نيويورك تاميس)، أن التحالف الدولي الذي أعلن مؤخراً يضم قطر وتركيا واللتان تدعما مجاميع "داعش" الإجرامية، فيما أكد أن أوباما يعرف أن أعضاء حزبه والحزب الجمهوري ممن يحضّونه الآن على ضرب داعش هم أنفسهم أول من سيتخلون عنه حال التورط أو الفشل أو الخطأ.(3)

وأخيراً، قام مراسل الصحيفة الألمانية المعروفة (ديرشبيغل) بمقابلة مع رئيس مكتب تجنيد داعش في تركيا، ودخل معه في نقاش فكري عميق حول نظرة المنظمة للعالم وللديمقراطية ولمن يختلف معهم في الرأي، وكيف يتم رفد التنظيم، وأن الديمقراطية تصلح للكفار فقط ...الخ، (رابط المقابلة في ذيل المقال، الهامش رقم 4). والسؤال الذي يطرح نفسه هو، هل بإمكان منظمة إرهابية مثل (داعش) أن تفتح لها مكتباً في تركيا بدون علم وموافقة الحكومة التي لها جهاز استخباراتي واسع؟

خلاصة القول، إن أردوغان يستطيع أن يخادع ويراوغ وربما يعتقد أنه يستطيع أن يضحك على القوى الكبرى، ولكن التاريخ أثبت أن من يلعب بالنار، وخاصة مع الكبار، فلا بد وأن يدفع الثمن عاجلاً وليس آجلاً، وليتخذ من صدام والقذافي عبرة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- البابا فرانسيس يحث قادة العالم الإسلامي على إدانة الإرهاب
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2014/11/141130_pope_francis_muslim_leaders_terrorism

2- مركز أبحاث كندي: تركيا توفر الحماية لخطوط تموين داعش
http://www.akhbaar.org/home/2014/12/181011.html

3- فريدمان يؤكد ان التحالف ضد "داعش" يضم أطرافاً تدعم الأخير ويرجح فشله
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=29733

 4- Interview with an Islamic State Recruiter: 'Democracy Is For Infidels'
http://www.spiegel.de/international/world/islamic-state-interview-with-an-extremist-recruiter-a-999557.html




269
العرب وسياسة النعامة!!

د.عبدالخالق حسين

يُعرف عن النعامة في الفولكلور العالمي، أنها تدفن رأسها في الرمال، كمحاولة منها لتحمي نفسها من الصياد!. ومهما كان غرض النعامة من هذه العملية، سواء للبحث عن الماء كما يعتقد البعض، أو التهرب من الصياد، فالمثل ينطبق على الواقع العربي البائس. فالعرب عموماً يتهربون من النقد، وبالأخص النقد الذاتي في كشف الأخطاء. فالنقد ضروري، إذ كما قال ماركس: "النقد أساس التقدم، ونقد الدين أساس كل نقد". ولكن العرب والمسلمون عامة ضد أي نقد وبالأخص نقد الدين، الأمر الذي أدى إلى تخلفهم وسهل على الدجالين والنصابين الاستفادة من هذا التخلف، واستثمار الدين للهدم والتخريب، الإرهاب، وحتى تحويله إلى سلاح الدمار الشامل، ليس ضد أعداء الإسلام كما يدعون، بل ضد الإسلام والمسلمين أنفسهم.
مناسبة هذه المقدمة أني نشرت قبل أيام، مقالاً عن كتاب قيم قرأته حديثاً، بعنوان: (آفاق العصر الأمريكي)، للباحث الإماراتي الدكتور جمال سند السويدي، ذكرت فيه بعض المقتطفات من الكتاب، الغني بالمعلومات، وأن المؤلف ذكر ما لأمريكا وما عليها، وأنه (الكتاب) جدير بالقراءة من قبل القراء العرب، لكي يعرفوا موقعهم من الإعراب، كما يقولون!. وأكدت في ختام المقال، "أن مشاكل العالم لا يمكن حلها عن طريق الأحكام العاطفية المسبقة والتمنيات والأفكار الرغبوية، بل بالعلم والمعرفة والتخطيط المسبق".

بعد نشر هذا المقال، وكالعادة في عصر الانترنت، استلمتُ ردود أفعال لعدد غير قليل من القراء الأفاضل، وهذه واحدة من حسنات الثورة التقنية المعلوماتية. ويسعدني أن أقول أن معظم التعليقات كانت إيجابية، وحتى المعارضة منها كانت ملتزمة بأدب الحوار الممتع. وعليه، أرى من المفيد أن أعود إلى بعض هذه التعليقات التي لم تتفق مع ما جاء في الكتاب أو مقالي عنه، إذ اعتبره هذا البعض ترويجاً مجانياً لأمريكا وسياستها العدوانية ضد العرب والمسلمين!!. 

في الحقيقة أنا لم أشر فقط إلى النقاط الإيجابية عن الكتاب، بل وأشرت أيضاً إلى بعض النقاط السلبية، مثلاً، اقتبست فقرة تفيد، أن أمريكا لم تسمح لدول العالم الثالث أن تتطور وفق التطور الطبيعي التدريجي، بل تعمل على فرض نموذجها الذي تريده، أي التطور الموجه. كما وذكرت عن استراتيجية أمريكا الثابتة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها أمن إسرائيل، وضمان تدفق النفط، وحماية حليفاتها، وأن سياسة أمريكا تتمثل بمقولة بوش- الابن (من لم يكن معنا فهو ضدنا)... الخ. وبالطيع ليس ممكناً التطرق إلى كل ما جاء في الكتاب  في مقال  موجز عنه.

أما مسألة الترويج للكتاب، فلا أنكره، لأنه عندما يكتب أي شخص عن كتاب ما، فهو يريد الترويج له، وهذا ليس عيباً، فالكتاب غزير بالمعلومات والإحصائيات والحقائق، جمعها المؤلف من أكثر من ألف مصدر من جهات أكاديمية مختلفة، بمن فيهم خصوم السياسة الأمريكية مثل المفكر الأمريكي نعوم جومسكي وغيره، ونظمها في كتاب واحد بشكل متماسك ومتسلسل، وبلغة سلسلة وجميلة، سهل الفهم والتناول. فما الخطأ في ذلك؟ ويا حبذا لو يقرأه كل عراقي وعربي ليفهم مكاننا في العالم وأين نقف. وحتى لو فرضنا أن أمريكا عدوة لنا، واعتبرنا الكتاب ترويج لها، أليس المفروض بنا أن نعرف عن عدونا لكي نهيئ أنفسنا لمواجهته؟
لعل أعظم ما قاله الرئيس العراقي الأسبق، المرحوم عبدالرحمن محمد عارف، في هذا الخصوص هو قوله عن إسرائيل: (أن العدو يعرف عنا أكثر مما نحن نعرف عن أنفسنا). أليست هذه حقيقة؟ وإلا كيف استطاعت القوة الجوية الإسرائيلية أن تقصف في لحظات مفاعل تموز جنوبي بغداد عام 1981؟

كذلك كتب أحد القراء ما معناه، أنه يجب عدم ذكر مساوئنا في هذه المرحلة العصيبة، لكي لا نفضح أنفسنا أمام العالم وخاصة أمام الأعداء، لأن في ذلك تثبيط لعزيمة الأمة و معنوياتها !!!
أقول: أليس هذا دعوة لتطبيق سياسة النعامة التي أوصلتنا إلى هذا المصير الأسود؟

فهذا الموقف هو الآخر خطأ وضار جداً بمستقبل الأمة، فالعدو يعرف هذه الأخطاء والفضائح أكثر منا، فلماذا حرام على أبناء هذه الأمة النقد الذاتي لتنبيه الأمة عن مساوئها وأخطائها؟ إذ كيف نريد أن نصلح الأوضاع المتهرئة والأخطاء القاتلة ما لم نستخدم سلاح النقد ونشر الأخطاء على الحبل!!. كيف تريدون أن نعالج المرض ونحن نرفض تشخيصه، أو نتجنب التشخيص الصحيح وإخبار المريض بما عنده من أمراض وما يهدد سلامته؟
لقد جمع المفكر المغربي الراحل، محمد عابد الجابري، أخطاء العرب في أربعة مجلدات بعنوان: (نقد العقل العربي)، فهل أراد فضح الأمة وتثبيط عزيمتها وتدمير معنوياتها ؟؟؟؟ عجبي!

طيب، وما هي سياسة أمريكا المعادية للعرب والمسلمين؟ أليست أمريكا وبريطانيا "الكافرتين" هما اللتين أنقذتا مسلمي البوسنة وغيرها من شعوب البلقان من جرائم صربيا المسيحية؟ كما و تفيد الأرقام أن 60% من المساعدات الغذائية للشعوب الفقيرة في العالم الثالث هي من أمريكا.

لنتصور ولو لحظة، كيف كانت عليه حال العرب والمسلمين اليوم لولا الغرب، وخاصة أمريكا وبريطانيا؟ أليست أمريكا وبريطانيا وغيرهما من الغرب "الكافر" هم الذين اكتشفوا النفط في البلاد العربية والإسلامية واستثمروه لصالح الجميع؟ ولولا هذا الاستثمار الغربي لنفط العرب كيف كانت عليه أحوال هذه الشعوب النفطية الآن؟ ماذا عسى هذه الشعوب أن تعمل بثرواتها النفطية الهائلة وهي مدفونة في باطن الأرض دون أن تعلم بها كما كانت الحال في الأزمنة الغابرة، أو لها الإمكانية لاستثمارها؟

إن احتلال أمريكا لموقعها الحالي كقائدة للنظام العالمي الجديد ذي القطب الواحد، هو نتاج ظروف موضوعية فرضتها العولمة وما تتمتبع به أمريكا من قدرات هائلة. والعولمة هي حتمية تاريخية وفق مسار التاريخ، وهي نتاج  الثورة التقنية المعلوماتية، فجعلت الشعوب تلتقي وتتقارب، وتولي أهمية أكبر للعامل الاقتصادي ورفع المستوى المعاشي على أي اعتبار قومي آخر، وكل من يقف ضد هذا التيار الجارف سيسحقه التاريخ بعجلاته الثقيلة التي لا ترحم، فمبدأ التطور هو: إما أن تتكيف مع المستجدات أو تنقرض.
أما إذا كان على العراقيين معاداة أمريكا لأنها تدعم إسرائيل، فهذه هي الأخرى سياسة انتحارية، لأننا لا نستطيع وبإمكانياتنا المتواضعة وانقساماتنا هذه أن نغير سياسة أمريكا وإستراتيجيتها في المنطقة. شئنا أم أبينا، إسرائيل وجدت لتبقى، خاصة بعد أن اعترفت بها قيادة الشعب الفلسطيني، لذلك أقول، لا يجوز لنا نحن العراقيين أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم.

فليس بإمكان العرب، أو محمود أحمدي نجاد أن يمحوا إسرائيل من الخارطة. كان العرب لعشرات السنين، يرددون أنهم (سيلقون اليهود في البحر لتأكلهم الأسماك). ونتيجة لهذه السياسة العدمية، جاءت هزيمة 5 حزيران عام 1967، و صار العرب، وليس اليهود، طعاماً للأسماك.
إن عقلية معاداة الشعوب، وخاصة معاداة أمريكا، الدولة العظمى، التي بيدها الحل و العقد، هي التي أنتجت قادة بلطجية من أمثال صدام  والقذافي وبشار الأسد، وبن لادن وأبو بكر البغدادي، وغيرهم من الطغاة الذين قادوا شعوبهم إلى هذا المصير الأسود.
لذلك، أرى من المفيد أن نعيد النظر في مواقفنا من العالم. فسياسة (كل شيء أو لا شيء) دائماً تنتهي بلا شيء، وأفضل مثال هو مصير الفلسطينيين الذين أصروا على (تحرير الأرض من النهر إلى البحر) فانتهوا بلا شيء.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
عبدالخالق حسين: قراءة في كتاب: آفاق العصر الأمريكي -السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=695



270
قراءة في كتاب: آفاق العصر الأمريكي -السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد


د. عبدالخالق حسين

صدر في أوائل هذا العام، 2014، كتاب بعنوان: (آفاق العصر الأمريكي -السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد)، للدكتور جمال سند السويدي، وهو من الحجم الكبير، في 858 صفحة، وبإخراج جميل وورق صقيل، وطباعة أنيقة، وغزير بالعلومات. والمؤلف هو مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات العربية المتحدة، وخريج جامعة ويسكونسن الأمريكية،التي تعد من الجامعات الراقية، والتى حصل منها على درجة الدكتوراه فى العلوم السياسية، فى أواخر القرن الماضى.
يضم الكتاب بين دفتيه، تمهيد، ومدخل: (بنية القوى في النظام العالمي الجديد)، وسبعة فصول، وخاتمة، تليها الملاحق، والهوامش والمراجع، والفهارس، إضافة إلى جداول الإحصاءات، والبيانات وبالألوان، مع قرص مدمج بالصوت (Audio CD). وهو بحث علمي بكل معنى الكلمة، اعتمد فيه المؤلف على مئات المصادر والدراسات الأكاديمية الموثقة، واقتبس من مشاهير المفكرين والأكاديميين والسياسيين، أمريكيين وغير  أمريكيين، مع وضد أمريكا، وبلغة واضحة وبليغة وسلسلة، سهلة على الفهم، إذ كما وصفه رئيس مركز ابن خلدون، عالم الاجتماع المصري المعروف، الدكتور سعدالدين إبراهيم، في تقييمه للكتاب: أنه موسوعة، كتب بأسلوب السهل الممتنع.

ولا شك أن في عصرنا هذا لا يسلم الشخص الذي يتطرق إلى هكذا دراسة واسعة، وبمثل هذا العنوان (آفاق العصر الأمريكي)، من تهمة الترويج لأمريكا. إلا إن القارئ يُفاجأ عندما يواصل القراءة ليجد أن المؤلف ذكر لأمريكا ما لها وما عليها بروح حيادية وأكاديمية عالية دون أي تحيُّز. ولكن هل هو انحياز إذا ما ذكر المؤلف حقائق تؤكد إمكانات أمريكا الهائلة في مختلف المجالات، الاقتصادية والعسكرية والثقافية والعلمية وغيرها، تفوق إمكانات أقرب منافساتها مثل الوحدة الأوربية، وروسيا والصين واليابان مجتمعة؟
فنحن بلا شك نعيش في النظام العالمي الجديد، ذو القطب الواحد بقيادة أمريكا، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها. وفي هذا الخصوص يقول المؤلف عن بنية النظام العالمي الجديد: "ربما يكون سقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989 بعد أكثر من 28 عاماً من بنائه، هو نقطة البدء في اتباع النظام العالمي الجديد، فقد أعيد توحيد ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية في دولة واحدة في 3 أكتوبر 1990، بعد أن قرر الشباب الألماني الشرقي التخلص من الدكتاتورية، والانطلاق نحو الحرية بالمفهوم الغربي، واستعادة دولته الموحدة، ثم جاء إنهيار الاتحاد السوفيتي السابق وتفككه في 25 ديسمبر 1991، لينهيا حقبة من نظام عالمي ثنائي القطبية، وقد واكب نهاية هذه الحقبة عام 1991، نهاية معجزة الاقتصاد الياباني ووراثة الصين بعد مذبحة ميدان تياننمن Tiananmen Square في الرابع من يونيو 1989، موقع اليابان كاقتصاد سريع النمو قائم على التصدير، وتمت صياغة معاهدة ماستريخت الموقعة في 7 فبراير 1992، لهيكلة الاتحاد الأوربي، وقيام التحالف الدولي الواسع تحت إمرة الولايات المتحدة الأمريكية الذي أجبر العراق على الانسحاب من الكويت وحررها في 26 فبراير عام 1991". ( ص 42-43).

و الدولة العظمى، أمريكا، تنافسها دول كبرى مثل الوحدة الأوربية وروسيا والصين واليابان، ثم تأتي مجموعة الدول الخمس، الصاعدة التي تسمى اختصاراً:(BRICS)، وهي: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وجمهورية جنوب أفريقيا.
فليس انحيازاً إذا ما قال المؤلف أن أمريكا هي الدولة العظمى، مستنداً إلى حقائق وأرقام تؤهلها لهذه المكانة في قيادة العالم، والنظام العالمي الجديد، إذ يقول: " تفوق أمريكا في مجال التعليم والثقافة: من خلال استقراء مؤشرات التعليم نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها 83 جامعة من أفضل 400 جامعة في العالم، فضلاً عن عدد هائل من الكتب الجديدة التي يتم إصدارها كل عام، والتي يصعب مجاراتها. وتشير إحصاءات عام 2011 إلى أن عدد العناوين الصادرة للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية بلغ 347178 ، بينما بلغ عدد الكتب الصادرة في جميع الدول العربية -22 دولة- نحو 15 ألف عنوان عام 2011، أما اليونان، التي أوردتُها هنا على سبيل المقارنة بحكم حضاراتها وتاريخها ووضعها الاقتصادي الحالي، فقد شهدتْ في العام ذاته صدور نجو 8333 عنواناً، وهذه الاحصاءات تكشف عن فجوة هائلة على صعيد المعرفة والثقافة ونشر الكتب بين القوة العظمى المهيمنة على النظام العالمي الجديد وبقية عناصر المقارنة." (ص 57),

كما ويرى المؤلف أن المستقبل للديمقراطية، فبمقارنة بين عدد الدول الديمقراطية اليوم وما كان عليها قبل أربعة عقود، نعرف أن مسار التاريخ هو لصالح الديمقراطية، فيقول: "في عام 1977 كان هناك 89 بلداً تخضع لحكم استبدادي... ولكن بحلول عام 2011 اخفض العدد إلى 22 دولة فقط. واليوم يعيش أكثر من نصف سكان العالم في ظل حكومات ديمقراطية. كما أجريت في عام 2011 انتخابات ديمقراطية في 117 دولة من أصل 193 دولة، مقارنة بعام 1989، حيث جرت الانتخابات الديمقراطية في 69 دولة من أصل 167 دولة". (ص 80)

يتسم النظام العالمي الجديد بدعم الديمقراطية والترويج لها وانتشارها، والتأكيد على مكانة الفرد والمجتمع  وحقوقهما، وفي هذا الخصوص يقول الباحث: "أما خلال النظام العالمي الجديد وتوجهاته الإنسانية وسعيه إلى الحفاظ على الحقوق القانونية للفرد والمجتمع، فقد تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في 11 إبريل 2002 كهيئة مستقلة لا تتبع الأمم المتحدة، وهي أول هيئة قضائية تحظى بولاية عالمية، ولفترة زمنية غير محددة، وتخص بمحاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية ضد الإنسانية، وجرائم الحرب وجرائم العدوان، وتعد الملاذ الأخير في المستويات القضائية للفرد والمجتمع في حالة صعوبة قيام المحاكم الوطنية بدورها..." (ص 112-113).

وبسبب التطور السريع في الثورة المعلوماتية والتقنية المتطورة في مجالي الاتصال الانترنتي، والفضائيات، وكذلك سهولة وسرعة التنقل والسفر بين الشعوب، فالعالم راح يتغير ويتطور، ولكن أمريكا وبحكم إمكانيتاها وهيمنتها في قيادة النظام العالمي الجديد لم تترك التطور يحصل بشكل طبيعي وتدريجي لا يلائمها. فيقول المؤلف: "... نلحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنتظر العالم ليتغير وفق منهج التدرج الطبيعي في التطورات والتحولات الاستراتيجية التي تؤثر في صياغة هذا العالم، بل سعت وفق خطة منهجية إلى صناعة العالم الذي تريده بعد أن استطاعت امتلاك القوة والقدرة والآليات اللازمة لصنع هذا العالم." (ص125)
وهناك من يرى أن أمريكا في طريقها إلى أن تخسر مكانتها كدولة عظمى لتحل محلها الصين أو روسيا أو الوحدة الأوربية. هذه الرؤية في الحقيقة ما هي إلا من الأفكار الرغبوية أو التمنيات لدى خصوم أمريكا. فأمريكا تتفوق على منافساتها بفارق كبير، إذ يقول الباحث: "ويستشهد بعض الباحثين في البرهنة على التفوق الأمريكي أساساً باعتبارات اقتصادية، حيث يشيرون إلى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي (15.685 ترليون دولار) يساوي تقريباً الناتج المحلي الإجمالي الصيني والياباني والروسي معاً (16.202 ترليون دولار)، كما ويساوي تقريباً الناتج المحلي الإجمالي للإتحاد الأوروبي (28 دولة) الذي يبلغ 16.641 تريليون دولار". (ص 202).
وعلى ضوء هذه المعطيات، فكيف يمكن لمنافسات أمريكا أن تتفوق عليها، وهي الأخرى تحث الخطى في الحفاظ على مكانتها لتكون في المقدمة وفي مختلف المجالات.
 فالولايات المتحدة تحاول الحفاظ على تفوقها وخاصة في المجال العسكري، وفي هذا الخصوص ينقل لنا الباحث: " إن الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ بتفوقها العسكري بفضل إنفاقها العسكري الضخم الذي يبلغ نحو 633 مليار دولار في عام 2014، ويمثل نحو 40% من إجمالي الإنفاق الدفاعي في العالم، وميزانيتها الدفاعية التي تقترب من ثلاثة أضعاف الميزانية الدفاعية لدول الاتحاد الأوربي مجتمعة (28 دولة) كما تبلغ أكثر من ستة أضعاف الميزانية الدفاعية للصين التي تحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي في الانفاق العسكري". (ص 217)

ويستشهد المؤلف بـ [فرانسيس] فوكوياما، أنه يرى "أن منطق السياسة الخارجية الأمريكي منذ اعتداءات 11/9/2001 قد وضعها في موقع تتحمل بموجبه مسؤولية حكم الدول الفاشلة، إذ اعتبر فوكوياما أنه برغم النفي الأمريكي المتكرر لأي توجهات إمبريالية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد عبَّرت عن هذه التوجهات صراحة في خطاب الرئيس السابق جورج دبليو بوش (الابن) في كلية ويست بوينت العسكرية خلال الأول من شهر يونيو 2002، حيث ذكر أنه "يجب على الولايات المتحدة الأمريكية الكشف عن الخلايا الإرهابية في 60 دولة أو أكثر باستخدام أي وسيلة مالية أو إستخباراتية. وفي واقع الأمر تحدث الرئيس يوش الابن في خطابه هذا عن رؤية أمنية واسعة ومختلفة عن الإدارات الأمريكية السابقة حين قال إن "كل الدول التي تلجأ إلى العدوان والإرهاب ستدفع الثمن". مؤكداً أن "واشنطون لن تترك أمر سلامة الولايات المتحدة الأمريكية وسلام العالم رحمة بضعة إرهابيين وحكام مستبدين". (ص 285-6).

ويتوقع أن تظل الولايات المتحدة الأمريكية محافظة على تفوقها التقني، وتحقيق أعلى نسبة من الابتكارات، إضافة إلى تميز جامعاتها، وكونها الأكثر عدداً في العلماء والخبراء في المجالات كافة، على مستوى النظام العالمي الجديد ما سيدفعها إلى فرض سيطرتها على انتشار التقنية المتقدمة، ومنع وصولها إلى الدول التي تقف على الطرف الآخر من المصالح الأمريكية، والتي لن تعترف بهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام العالمي الجديد. (ص 493).

على أن الأزمة ستشتد في العالم الثالث، فيقول المؤلف: في "المجال الاجتماعي: سوف تزداد المخاطر المحيطة بالاستقرار العالمي نتيجة تعرض الأوضاع البشرية لمزيد من التدهور، وخاصة في الدول الأكثر فقراً في العالم بسبب الانفجار السكاني والهجرة من المناطق غير الحضرية إلى المدن والمناطق الحضرية، ما يؤدي إلى زيادة المحرومين ووجود مئات الملايين من العاطلين عن العمل من الشباب. لذا، سوف يتزايد السخط بمعدلات عالية، وستزيد وسائل الاتصال الحديثة من حدة تمردهم على السلطة التقليدية، في الوقت نفسه الذي سيزيد فيه وعيهم واستياؤهم نتيجة عدم المساواة في العالم، فيصبحون قابلين للتطرف، ما يعرض دولهم ومجتمعاتهم لحالة من عدم الاستقرار وافتقاد الأمن المجتمعي". (ص 493-4) 

أما عن الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، فيقول المؤلف:
"إن النظرة الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط كجزء من النظام العالمي الجديد ذات أربعة أبعاد رئيسية تشمل: الأمن المطلق لإسرائيل، والتنمية السياسية، والإسلام السياسي، وأمن الطاقة، ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل على الاعتماد على بعض القوى الإقليمية للتعامل مع هذه الأبعاد الرئيسية، وخاصة إسرائيل وتركيا والسعودية وقطر، وهي الدول التي تستطيع تطوير اقتصادها واللحاق بموجة العولمة". (ص 512)

وعن النظرة المستقبلية يستشهد المؤلف بوجهة نظر "العالم الروسي البارز في مجال الدراسات الأمريكية، أناتولي تي. أوتكين Anatoly T. Otkin في نظرته إلى النظام العالمي الجديد للقرن الحادي والعشرين، أن المستقبل الذي يحمل في داخله تقارب الشعوب، سيصبح الناس فيه متشابهين كمنظمات، ليس في ملابسهم فقط، ووجود لغة عالمية الاستخدام، وعولمة الثقافة، والطعام، والإدمان، والتسلية، وآليات العمل، وإنما الشيفرة النفسية أيضاً. ويرى أنهم يتقاربون، ويتشاركون بشكل أعمق في القيم العامة متحولين فعلياً إلى قرية كونية واحدة، بما سيؤدي مستقبلاً إلى اختفاء الحدود الفاصلة بين "نحن" و"هم"، وستغير علوم هندسة البيولوجيا الجزئية، والاستنساخ، وصناعة الربوتوتات، والمعلوماتية، العالم المألوف بالنسبة إلى البشر بشكل جذري، الأمر الذي سيضمن لهم البقاء على قيد الحياة والتقدم". (ص 532).

ويستخلص المؤلف من بحثه الموسوعي القيم حول مستقبل العالم و عولمة الثقافة فيقول:
"وقد ينظر بعض المهتمين إلى هذا التوجه غير المتوازن لعولمة الثقافة لمصلحة الثقافة الأمريكية نظرة سلبية، ولكن في الوقت ذاته لا بد من الأخذ في الاعتبار أن الثقافة الأمريكية في حد ذاتها هي ثقافة مشتقة من مزيج ثقافات المهاجرين إليها، ما يجعلها تعرف بأنها بوتقة تذوب فيها الثقافاتMelting pot وتمتزج. وبالتالي يمكن النظر إلى الثقافة العالمية الموحدة بقيادة الثقافة الأمريكية في النظام العالمي الجديد على أنها توسيع للتجربة الأمريكية في تفاعل الثقافات الغربية". (ص 570-1).

"وأول هذه الملامح أنه نظام عالمي جديد يتسم بالقطبية الأحادية، تحقق فيه الولايات المتحدة الأمريكية السبق، نظراً إلى عوامل متعددة في مصلحتها، اقتصادية وسياسية واجتماعية، منها مجالات الطاقة والابتكار والمجال العسكري. وسيكون من الصعوبة بمكان على الدول المنافسة، وعلى رأسها الصين، أن تلتحق بالولايات المتحدة الأمريكية لتصبح قطباً ثانياً في النظام العالمي الجديد". (ص 571)

وبناءً على كل ما سبق، فمن "المؤكد تفوق الولايات المتحدة الأمريكية في المجالات العسكرية والتقنية والعلمية والثقافية والتعليمية ومجال النقل، فضلاً عن قدرتها على التجدد والتكيف، يشكك بإمكانية بروز قوى متوازية لها في قيادة النظام العالمي الجديد خلال العقود الثلاثة المقبلة على أقل التقديرات". (ص 583)

الكتاب عبارة عن موسوعة عن النظام العالمي الجديد، ذي القطبية الأحادية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وسعيها لمنع منافساتها في بزها في أي مجال كان. هذا الكتاب جدير بالقراءة من قبل جمهرة المثقفين والسياسيين وكل من يهتم بالشأن السياسي، المحلي والدولي. فمشاكل العالم لا يمكن حلها عن طريق الأحكام العاطفية المسبقة والتمنيات والأفكار الرغبوية (wishful thinking)، بل بالعلم والمعرفة والتخطيط المسبق.*
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أتقدم بالشكر الجزيل للصديق العزيز، الإعلامي الأستاذ رائد جباري، المقيم في الإمارات العربية المتحدة، على إهدائه لي نسخة من الكتاب.
 

271
مائة عام على ميلاد الزعيم عبد الكريم قاسم*

د. عبدالخالق حسين

تمر في هذا الشهر (يوم 21، تشرين الثاني/نوفمبر، 2014)، الذكرى المئوية لميلاد أشرف وأنزه وأخلص حاكم وزعيم وطني عرفه العراق في تاريخه الحديث. وهذا الكلام ليس مني بدوافع عاطفية منحازة، بل بشهادة ألد خصومه من قيادات حزب البعث من أمثال: هاني الفكيكي، عضو القيادة القطرية للحزب، والمشارك في انقلاب شباط عام 1963، وعلي كريم سعيد، عضو القيادة القومية للحزب في التسعينات من القرن المنصرم، وفؤاد الركابي، أول أمين عام للحزب في العراق، والذي تآمر على اغتيال الزعيم عام 1959، إذ نقل لي أحد القراء، وكان مع الركابي في سجن بعقوبة في السبعينات، أن قال له الأخير، أنه إذا أطلق سراحه، فأول عمل سيقوم به هو تأليف كتاب يؤكد فيه أن عبدالكريم قاسم كان أشرف وأنزه زعيم عرفه العراق الحديث.

لقد حاول حزب البعث الصدامي، ليس التعتيم على شخصية الزعيم قاسم فحسب، بل و تشويه صورته وسمعته بشتى الأكاذيب والافتراءات عن طريق كتبته من المرتزقة، وحتى تشويه تاريخ العراق. ولكن لا يمكن حجب الشمس بالغربال، فقد أنصف التاريخ عبدالكريم قاسم، ففي الوقت الذي أسقط الشعب تماثيل صدام في نيسان 2003، قامت جمهرة من محبيه بنصب تمثال له في شارع الرشيد، وفي نفس المكان الذي حاول صادم وعصابته إغتيال الزعيم. وهذا هو منطق التاريخ، إذ لا يصح إلا الصحيح.


لذلك، فمن واجبنا، ككتاب، ومؤرخين، ممن عايش تلك الفترة التموزية العاصفة وما بعدها، القيام بدورهم الوطني في تصحيح كتابة التاريخ، وذلك بتفنيد الافتراءات، وإنصاف قادتنا الأشاوس وإزالة ما ألصق بذاكرة أبناء شعبنا من تشويه في العهد الصدامي، وبالأخص الجيل الحالي. وهذه المقالة هي محاولة في هذا المجال.

تشكل شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم، الوجه الآخر المكمل لثورة 14 تموز 1958، إذ غدا هو والثورة وجهين لعملة واحدة. وبمناسبة مئوية الزعيم، أقدم جوانبَ من هذه الشخصية الوطنية الفذة التي أصبحت رمزاً للوطنية العراقية والنزاهة والإخلاص للشعب والوطن والإنسانية.

لماذا شخصية قاسم مثيرة للجدل؟
لم تكن هناك شخصية في تاريخ العراق الحديث، أثارت من الجدل والاختلاف ونشرت عنها كتب ومقالات ودراسات، كشخصية الزعيم عبدالكريم قاسم. فكأي شخص دخل التاريخ من أوسع أبوابه في مرحلة التحولات الثورية الحادة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لا بد وأن يكون له أعداء كثيرون ومحبون كثيرون. فتعرض قاسم إلى الكثير من التشويه ووجهت له تهم شتى منها مثلاً تهمة شق الشعب، وشق الأحزاب السياسية، وضرب بعضها ببعض متبعاً ما سمي بـ "سياسة التوازنات". كما ووجهت له تهمة الشعوبية، والشيوعية، والعمالة لبريطانيا وأمريكا وروسيا، بل وحتى تهمة الجنون وغيرها. وبالمقابل بالغ محبوه في إضفاء المناقب، وإلصاق صفات أسطورية به من فرط حبهم له إلى حد أن البعض من الناس البسطاء لم يصدقوا بقتله لسنوات ما بعد مصرعه. أعتقد من المفيد مناقشة هذه الصفات والتهم التي ألصقت بقاسم لنرى مدى صحة أو خطأ هذه المثالب والمناقب.

موضوعة شق الشعب
يذكر الضابط سالم عبد القادر العباسي الذي نقل عبدالكريم قاسم وطه الشيخ أحمد بدبابته من قاعة محكمة الشعب قرب وزارة الدفاع إلى محطة الإذاعة يوم 9 شباط 1963، حيث أجريت تصفيته مع رفاقه الآخرين، بعد استسلام قاسم إلى الانقلابيين، وتحاشى حرب أهلية لمنع المزيد من سفك الدماء، وتصديقه لوعودهم، حيث أن أعطوه وعداً بالمحافظة على حياتهم، ليلقى مصيره المحتوم على أيدي الإنقلابيين فيقول الضابط العباسي: "… اتجهنا في شارع الرشيد إلى الباب الشرقي حيث جسر الجمهورية. وكانت الشوارع خالية من أي بشر… وبعد لحظات قال لي عبدالكريم قاسم: "لماذا ثرتم عليَّ..؟ قلت له لأنك قسّمتَ البلد .. وماشيت الشيوعيين".

لقد نسي هذا الضابط وآلاف غيره إن انقسام الشعب في مراحل التغيير ونقاط الإنعطافات الحادة في حياة الشعوب مسألة حتمية لا مفر منها ولم يسلم منها أي شعب أو أي قائد أو مصلح أو ثائر يقود عملية التغيير في المنعطفات التاريخية الكبرى كثورة 14 تموز 1958. فالتحولات الاجتماعية الجارية من شأنها أن تثير الكثير من ردود الأفعال البالغة العنف أحيانا.
يخبرنا التاريخ أن الإمام علي بن أبي طالب(ع) كان أكثر الخلفاء الذين اختلف حوله المسلمون، وبسببه انشقوا إلى معسكرين متحاربين لأول مرة في تاريخ المسلمين. فيقول الدكتور علي الوردي في هذا الخصوص: "مشكلة (تفريق جماعة المسلمين) وهذه المشكلة هامة جداً. وهي في الواقع من أهم مشاكل المجتمع البشري بوجه عام. ويطلق عليها علماء الاجتماع اليوم مصطلح (المشكلة ذات حدين).
"ففي كل مجتمع متحرك نجد زمرة من الناس تدعو إلى مبدأ جديد فتفلق المجتمع به وتمزق شمله. وهذه الزمرة المفرِّقة تعد في أول الأمر ضالة عاصية وتكال لها التهم من كل جانب. إنها تمزق الجماعة وتشق عصا الطاعة حقاً. ولكنها في نفس الوقت تبعث في المجتمع روح التجدد والتطور. ولولاها لجمد المجتمع ولبقي في خمود متراكم قد يؤدي به إلى الفناء يوماً ما."
لذلك فمسألة شق الشعب مسألة حتمية ترافق مراحل الثورات والتحولات الاجتماعية الكبرى وهي ليست من صنع قادة الثورات، بل ملازمة لهذه التحولات. الانشقاق نتيجة الصراع بين فئة ضد التحولات الاجتماعية وفئة تناضل من أجل التغيير والعدالة الاجتماعية. ففي المجتمعات الديمقراطية الناضجة والمتحركة، تحصل هذه التحولات بصورة سلمية عن طريق صناديق الاقتراع، أما في المجتمعات المتخلفة الجامدة والمحكومة بالأنظمة الديكتاتورية، أو الديمقراطية المزيفة كما كان الوضع في العهد الملكي، فتحصل هذه التحولات عن طريق العنف والكفاح المسلح. 

تهمة الجنون
أول من اخترع هذه التهمة ضد الزعيم عبدالكريم قاسم هو الصحفي المصري المعروف محمد حسنين هيكل الذي أدعى أنه سأل صديق شنشل عن قادة الثورة فأجابه (أن عبدالكريم قاسم نصف مجنون وعبدالسلام عارف نصف عاقل.!!). ومن صياغة الجملة نعرف أنها جملة منحولة، صيغت بخبث ودهاء وخبرة صحفي محترف في التضليل والتلاعب بالألفاظ من أجل تمرير أغراضه التسقيطية. ومن معرفتنا بعلاقة شنشل بالزعيم قاسم نعرف أنه من المستحيل أن يصدر منه مثل هذا التصريح. فقد ظهر في الوثائق السرية البريطانية التي يسمح لها بالنشر بعد ثلاثين سنة، عن مقابلة السفير البريطاني لشنشل في داره في بغداد بعد استقالته من حكومة الثورة ضمن قائمة الوزراء القوميين الآخرين بالجملة، أنه حتى في تلك اللحظة، كان شنشل واضعاً صورة الزعيم قاسم على جهاز التلفزيون في غرفة الضيوف وأنه كان يكن احتراماً كبيراً له. وهذا ينفي ما ادعاه هيكل المعروف ببراعته في فبركة القصص الصحفية ودوره في تضليل الرأي العام العربي.

أما تهمة شق الأحزاب السياسية وضرب هذا الحزب بذاك، فهي الأخرى لم تصمد أمام أية مناقشة منصفة. إذ كيف يمكن لعسكري ومجنون أو نصف عاقل، على حد تعبير هيكل، أن يقنع القادة السياسيين المحترفين لهذه الأحزاب ويشقهم ويضرب بعضهم بالبعض ما لم يكن سياسياً محنكاً وداهية أين منها دهاء معاوية أو مكيافيلي!! أليس هذا إهانة لذكاء قادة تلك الأحزاب ناهيك عن الاستهانة بذكاء القراء؟
أما الحقيقة والواقع، وحسب خطابات الزعيم المدونة وتصريحاته ومقابلاته الصحفية، وتصريحات خصومه عنه فيما بعد، تؤكد أنه كان يتمتع بعقل متفتح وناضج، ورباطة جأش، وشجاعة وثقافة تجعله من أثقف ممن حكم العراق قبله وبعده. وفي معرض المقارنة بين عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف يقول إسماعيل العارف: "وكان متوقعاً أن ينفجر الخلاف بين عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف في كل لحظة بعد الثورة لتناقض شخصيتيهما، وتعارض مزاجيهما في السلوك والرغبات. وقد جمع بينهما هدف واحد، هو تحقيق الثورة وإسقاط النظام الملكي. فعبدالكريم قاسم يختلف عن عبدالسلام في إتزانه وقيمه الخلقية وعمقه وكتمانه وحذره، أما عبدالسلام عارف فقد كان متسرعاَ كثير الكلام متعجرفاً محدوداً، ولكنه جسوراً مقداماً. وبالرغم من أن كليهما يتصفان بالشجاعة والإقدام إلا إن جرأة عبدالسلام تتميز بالتهور. أما عبدالكريم قاسم فكان ينفذ ما يريد بجرأة وتصميم بعد حساب دقيق للاحتمالات، ولا يندفع وراء المغريات المادية وحب الظهور. ولم يكن ذلك حال عبدالسلام عارف."

تهمة الشعوبية
هذه إحدى التهم التي وجهت لقاسم من قبل القوميين العروبيين، وكانت في مقدمة البيان الأول لإنقلاب 8 شباط 1963. والمقصود بالشعوبية العداء للأمة العربية طبعاً. ولكن في المفهوم العروبي العراقي يقصد به الخروج على الموروث التركي الطائفي ضد الشيعة العرب وغيرهم. والمعروف عن قاسم أنه نبذ الطائفية في عهده حيث نشأ في بيئة عائلية مكونة من أب سني وأم شيعية، وأفراد الأسرة خليط من السنة والشيعة ولا يعرفون التمييز الطائفي. لذا كان من الطبيعي من رجل نشأ في مثل هذه البيئة السليمة أن ينبذ الطائفية وجميع أشكال التمييز بين أبناء الشعب الواحد، بل عاملهم حسب انتمائهم الوطني العراقي بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الديني أو المذهبي الذي كان معمولاً به في العهود الغابرة. فاعتبرت هذه السياسة خروجاً على الموروث التركي، عملاً شعوبياُ معادياً للأمة العربية!!
فهل حقاً كان قاسم ضد الأمة العربية؟
إن تاريخه، سواءً قبل ثورة تموز، حيث خاض المعارك البطولية في حرب فلسطين الأولى عام 1947-1948، التي تعتبر القضية المركزية العربية الأولى، أو بعد الثورة وتبنيه المواقف القومية في الصميم وفي مقدمتها كفاح الشعب الفلسطيني والجزائري ونضال شعب عمان (مسقط) ودعم حركة التحرر الوطني العربية.
فمواقفه من الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي معروفة، وقد خصص مليوني دينار (2 مليون دينار) لدعم الثورة سنوياً، وهذا المبلغ كان كبيراً في ذلك العهد إذ كان يشكل نحو 2% من الموازنة السنوية، إلى حد أن أنتقده أحد قادة الأحزاب الوطنية متهماً إياه بتفريط أموال الشعب العراقي!! ولم يكتف قاسم بالدعم المالي للثورة الجزائرية بالمال فحسب، بل وكان يرسل للثوار كميات كبيرة من الأسلحة وتدريبهم.. الخ، إذ قال الزعيم قاسم في هذا الخصوص: "إنني أبشركم بأن الأسلحة التي خصصت للجزائر كانت بدرجة كافية. وقد خصصنا أسلحة أخرى، وسوف تخصص أسلحة أخرى حتى تتحرر الجزائر. وسوف ندعمها بكل ما أوتينا من قوة. فهذه معاهدنا ومدارسنا العسكرية ومعاهد العلم الأخرى، مفتوحة أبوابها أمامهم فهم إخواننا وما عليهم إلا أن يحضروا هذا البلد ويدرسوا على حساب هذه الدولة وهي دولتهم". فهل هذا الرجل شعوبي؟

كما إن عبدالكريم قاسم هو الذي أسس جيش التحرير الفلسطيني في العراق، وطالب بتأسيس الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية قبل احتلالها من قبل الصهاينة. فهل من الإنصاف اعتبار هذا الرجل شعوبياً وحاقداً على القومية العربية؟
وهذا ما أشار إليه في أخر تصريح صحفي له رداً على سؤال الصحفي إدوارد صعب من صحيفة (اللوموند) الفرنسية، حول وجود مؤامرات تهدد النظام، فأجاب :
"هناك مؤامرة الأخطر، وهذه ليست موجهة ضد العراق ولا ضد سوريا، إنما ضد فلسطين بشكل خاص. فهناك مؤشرات في الأجواء توحي بوجود مؤامرة لتصفية المشكلة الفلسطينية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. وهم يدركون أن النجاح في تنفيذها يقتضي التخلص قبل كل شيء من الحركات التقدمية المناهضة لإسرائيل. والأمريكيون يتمتعون سلفاً بتواطؤ عدد من الدول العربية ولم يبق عليهم سوى خنق سوريا والعراق". ألا يشير هذا الكلام وكأنه قيل اليوم؟ وهل هذا التنبؤ هو كلام نصف مجنون أو نصف عاقل؟
ولم يكتف الزعيم بدعم حركات التحرر العربية فحسب بل وكان يدعم جميع حركات التحرر العالمية، ويقول بهذا الخصوص: " نحن لا نحارب فئة معينة من الاستعماريين وحسب، نحن نحارب كل قوى الاستعمار الغاشمة التي تقيد الشعوب وسنبذل العون لبقية الشعوب في كفاحها من أجل تحررها الوطني"

تهمة شق الأحزاب وسياسة التوازنات
أما التهمة الثالثة وهي شق الأحزاب، فهي الأخرى لم تصمد أمام الزمن. لأن من الواضح أن الأحزاب هي التي بدأت تتصارع فيما بينها ولم تحتاج إلى تحريض من قاسم، وذلك بتفضيل مصالحها الذاتية والفئوية على المصالح الوطنية وعدم إدراكها لما يحاك ضدها وضد الوطن. ويقول بهذا الصدد الأستاذ محمد أمين: "لا أجدني بحاجة إلى التحدث عما جرى بعد ذلك، فذلك ليس بمهمة هذه الكلمة، ولكني أؤكد على عظمة هذه الثورة وأهميتها في تاريخ العراق الحديث. هذه الثورة التي ظهر اليوم كثيرون مع الأسف ينددون بها ويشوهون وجهها لأنها لم تبلغ غايتها التي كنا نريدها لها، ولا يدرون أن التقصير لم يكن من جانبها وان النكسات الكثيرة المؤذية التي تعرضت لها ومن ورائها شعب العراق لحد اليوم، جاءت من أن القوى الوطنية لم تكن في مستوى مهماتها الحقيقية إزاء حدث كبير مثلها، فانشغلت بالتناقضات الداخلية فيما بينها غير ملتفتة إلى أن العدو الأكبر للجميع يقف لها كلها بالمرصاد."
كما ويشهد بنزاهة قاسم، الأستاذ مسعود برازاني فيقول: "... . يُتَهَمّ عبدالكريم قاسم بالانحراف والديكتاتورية، أتساءل هل من الإنصاف تجاوز الحق والحقيقة؟ لقد قاد الرجل ثورة عملاقة غيَّرت موازين القوى في الشرق الأوسط، وألهبت الجماهير التواقة للحرية والاستقلال، وشكل أول وزارة في العهد الجمهوري من قادة وممثلي جبهة الاتحاد الوطني المعارضين للنظام الملكي، ومارست الأحزاب نشاطاتها بكل حرية. ولكن لنكن منصفين ونسأل أيضاً من انقلب على من؟"

أما قاسم فكان يتوسل إلى الأحزاب وقادتها أن ينبذوا صراعاتهم وتوحيد صفوفهم لحماية الثورة من المؤامرات التي كانت تحيق بهم وبالوطن، وقال مرة في خطاب له في هذا الصدد: "يقول واحد: هذا قومي، ويقول الأخر هذا شيوعي وذاك بعثي والثالث ديمقراطي. وأنا أقول هذا وطني وابن هذا البلد". وكان أكثر عمقاً لفكرته عندما أفصح عنها بالقول: " قمت بالثورة لصالح كل الناس إني دوماً مع الناس كلهم. أني فوق الميول والاتجهات والتيارات دوماً، وليس لدي انحياز لأي جانب كما إني أنتمي إلى الشعب بأسره، وإني أهتم بمصالح الجميع، وأسير إلى الأمام معهم كلهم، كلهم أخوتي."
كما وناشد القوى المتصارعة بالقول: "أيها الديمقراطيون، أيها الشيوعيون، أيها القوميون، أتوسل إليكم أن تنبذوا خلافاتكم ووحدوا قواكم في خدمة البلد". فهل الذي تصدر منه هذه الأقوال هو مجنون وشعوبي وقليل الخبرة بالسياسة، ويعمل على شق الصفوف والأحزاب؟ عجبي!!!!!!!

فالصراعات بدأت منذ الأيام الأولى من الثورة عندما طرح القوميون وبتعليمات من ميشيل عفلق، الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، والقيادة المصرية، وتبنته قوى القومية العربية الأخرى، شعار الوحدة العربية الفورية. علماً أن هذا الهدف لم يكن من أهداف الثورة. فالقوميون رفعوا شعار الوحدة العربية، واليساريون(الشيوعيون والوطنيون الديمقراطيون والمستقلون) رفعوا شعار الإتحاد الفيدرالي، وهو الأقرب للواقع والتنفيذ آنذاك.

الواقع هو أن البلاد كانت تمر في مرحلة ثورة وطنية لو قدر لها البقاء، لكانت ثمارها عظيمة للجميع، ولكنها كانت مهددة بالأخطار. وقد توسل قاسم بكامل الجادرجي (زعيم الحزب الوطني الديمقراطي)، أن يقبل منصب نائب رئيس الوزراء خلال المرحلة الانتقالية إلى أن تجرى الانتخابات البرلمانية فرفض الجادرجي ذلك، كما رفض التعاون مع قاسم. أما وجهة نظر محمد حديد وأغلب أعضاء قيادة الحزب فكانت مع دعم الثورة والوقوف مع قاسم.

وعندما أجيزت الأحزاب للعمل العلني، رفض وزير الداخلية إجازة حزبين فقط، وهما حزب التحرير الإسلامي، والحزب الشيوعي العراقي، الذي أجيز حزب داود الصائغ بدلاً عنه، ولكن اعترض حزب التحرير الإسلامي على قرار الوزير وقدم شكوى على الحكومة إلى محكمة التمييز، فأصدرت المحكمة قراراً بإجازة الحزب، ولم يتدخل قاسم بقرار المحكمة رغم أن هذا الحزب كان يجاهر بعدائه لقاسم وحكومته وانتهى دوره مباشرة بعد إسقاط حكومة الثورة في انقلاب 8 شباط 1963. لذلك كان على الحزب الشيوعي أن يحذو حذو حزب التحرير، فيقدم شكوى إلى محكمة التمييز للنظر في قرار إجازته، إلا إنه لم يعمل ذلك.

ثقافة قاسم
لم يتعرض كاتب سياسي أو ناقد إلى ثقافة أي حاكم، سواء في العراق أو في البلاد العربية، كما تعرضوا لثقافة عبدالكريم قاسم. فبعد أن فشلوا في الطعن بوطنية قاسم وإخلاصه ونزاهته وحبه للشعب والوطن، حاولوا الطعن في عروبته وإخلاصه للشعوب العربية، ووصموه بالشعوبية، ولما فشلوا في إثبات هذه التهم، فلم يبق أمامهم سوى اللجوء إلى الطعن بثقافته. فهل حقاً كان قاسم غير مثقف؟
يؤكد الأستاذ حسن العلوي الذي كان يسكن في بيت مجاوراً ليبت الزعيم، عندما كان تلميذاً في المدرسة، فيقول: "كثيراً ما أسررت لأم حامد (أم عبدالكريم قاسم) رغبتي باستعارة كتاب…من خزانة قاسم، فصحبتني إلى غرفته لأنتقي أحد الكتب، وهي حافلة بكتب الجغرافيا والتاريخ واللغة والأدب مع مجموعة من الكتب الأجنبية. وكنت كلما فتحت كتاباً وجدت الخطوط بالقلم وقد سودت ما بين السطور، فأريها ذلك كي لا تتهمني بالعبث بالكتب، فتولول قائلة (هذه عادة عبدالكريم). وقد أثار انتباهي كثرة قراءاته النحوية. وبعد أن أخذ مكانه في زعامة العراق، وصرت صحفياً ومدرساً للغة العربية أتابع باهتمام -وكأي معلم- جملة إعرابية. فأشعر بارتياح لأنه لا يلحن باللغة العربية فأعود بذاكرتي إلى تلك الخطوط مرة أخرى."
ولكن مع ذلك يصر هؤلاء على أن عبد الكريم "غير مثقف". فما المقصود بالثقافة في هذه الحالة. فالرجل خريج الكلية العسكرية وكلية الأركان العراقيتين وسانت هيرز البريطانية. وكان يقرأ الكتب الأدبية والتاريخية وغيرها، بشغف، وقارئ للصحف البريطانية. وكان يقرأ الصحف الوطنية وخاصة صحيفة الأهالي حتى اعتبر نفسه تلميذاً لجماعة الأهالي ومؤمن بمبادئها كما هو معروف.

ويقول وزير خارجيته هاشم جواد أنه كان يقرأ الكتب عندما يذهب لبيته أيام الجمعة. نعم لم يكن قاسم متأدلجاً في ثقافته. وفي رأيي هذه من الصفات الحميدة في السياسي في بلد متعدد الاتجاهات الفكرية والقومية والدينية والمذهبية كالعراق. فالآيديولوجية السياسية هي قوالب فكرية جامدة عصية على التغيير والحياد بين أبناء الشعب، تفرض على المؤدلج تطبيقها بغض النظر عن ملاءمتها للواقع، إي فرضها على الواقع بالقوة في حياة متحركة أبداً وظروف متغيرة باستمرار. وقد أثبت الزمن صحة مواقف قاسم. ومن سوء الحظ أن قاسم جاء في وقت كان فيه التنافس والتصارع الآيديولوجي على أشده إلى حد الصراع الدموي، ولم يكن فيه مكان لخط الوسطية والاعتدال والعقلانية. فأراد قاسم أن يكون للجميع حسب شعاره الذي رفعه منذ البداية: "فوق الميول والاتجاهات". وقد أدركنا الآن أن فكرة قاسم كانت صحيحة، وبذلك فكان قاسم الرجل المناسب لوقت غير مناسب، لم يعرفوا قدره إلا بعد فوات الأوان.
أما إذا كان المقصود بالمثقف بأن نقارن ثقافة قاسم ببرتراند راسل أو جان بول سارتر أو روجيه غارودي وغيرهم من محترفي الثقافة، نعم فثقافة عبد الكريم قاسم دون ثقافة هؤلاء بكثير لأنه لم يكن فيلسوفاً، وربما هذه الصفة في صالح الشعب. إذ كما يقول علي الوردي، وأنقل من الذاكرة، (ليس من صالح الشعب أن يصير الفيلسوف حاكماً، كما طالب إفلاطون، لأن الحاكم الفيلسوف يحمِّل شعبه فوق طاقته.) ولكن لو قارنا ثقافة قاسم بمن حكم العراق من قبله ومن بعده لتبيَّن لنا أنه كان أثقفهم.
فكما يقول الدكتور علاء الدين الظاهر: "فتقافة الملك فيصل الأول عثمانية، وثقافة ابنه غازي شبه معدومة، وعبدالإله لم ينه الدراسة الثانوية. وثقافة نوري السعيد، كمعظم السياسيين الملكيين، عسكرية عثمانية. والرجل عاش ومات من دون أن نعرف هل نجح أو فشل في دورة الأركان العثمانية. وثقافة عبد السلام عارف لا تستحق الذكر، وثقافة أخيه عبدالرحمن أقل منها كما هي ثقافة أحمد حسن البكر وطاهر يحيى. وثقافة عبدالناصر عسكرية مصرية. قارن هذا بذاك .. وإذا أخرجنا الهذر العفلقي من رأس علي صالح السعدي لما بقي لديه غير السكر والعربدة."

هل كان لقاسم برنامج سياسي؟
يتهم عبدالكريم قاسم بأنه كان يفتقر إلى منهج سياسي واضح لحكم البلاد. والسؤال هو: ما المقصود بالمنهج السياسي؟ إذا كان المقصود أنه كان يفتقر إلى آيديولوجيا بالمعنى المتعارف عليه، نعم لم تكن لقاسم آيديولوجية معينة، ولكني أعتبر هذه الصفة من إيجابياته وتصب في صالحه وصالح الشعب، كما ذكرت آنفاً، ونتمنى أن يكون جميع قادة العراق بلا آيديولوجيا كذلك، لأننا نريد من القائد السياسي أن يكون عملياً، متفتح الذهن على الأفكار الجديدة والنيرة، يعيد النظر في حساباته ومواقفه بين حين وآخر، ويغيرها حسب ما تقتضيه المستجدات، دون أن يكون مقيداً بسلاسل آيديولوجية جامدة.

نعم لم يكن لقاسم آيديولوجيا معينة، ولكن هذا لا يعني أنه كان بلا برنامج سياسي. كان لقاسم برنامجان سياسيان، وليس برنامج سياسي واحد، وكان كل منهما مكملاً للآخر. الأول، كان البرنامج الذي وضعته اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار، والثاني هو برنامج الحزب الوطني الديمقراطي.
البرنامج الأول، وكما دونه اللواء محسن حسين الحبيب، أحد أعضاء اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار، وسكرتيرها، وهو قومي عروبي التوجه، والذي ناصب قاسم ألد العداء منذ الأسابيع الأولى للثورة، يذكر في كتاب له عن الثورة وقد حدد البرنامج بعشرين هدفاً.

وقد أجرى حسن العلوي شبه اختبار مدرسي لعبد الكريم قاسم في كتابه (عبدالكريم قاسم رؤية بعد العشرين) توصل إلى أن قاسم قد نفذ 17 من 20 هدفاً من البرنامج الذي ذكره اللواء محسن حسين الحبيب، وبذلك يكون قاسم قد نفذ 85% من برنامج الضباط الأحرار، وهذه درجة امتياز.
أما البرنامج الثاني الذي تبناه عبدالكريم قاسم فهو برنامج الحزب الوطني الديمقراطي، وحسب شهادة الباحث حنا بطاطو الذي أكد أن قاسم كان متأثراً بأفكار الحزب المذكور، وقد أناط مسئولية كتابة أغلب القوانين التي أصدرتها حكومة الثورة بأعضاء قيادة الحزب بما فيه الدستور المؤقت. ونتيجة لهذا التعاون، كما يشهد بطاطو، حصل إزدهار في الاقتصاد والصناعة لم يشهد العراق له مثلاً في تاريخه. كما واختار قاسم خيرة الرجالات العراقية خبرة وإخلاصاً من زعماء الحركة الوطنية في الوزارة الأولى لحكومة الثورة لتنفيذ مشاريعها التنموية.

شعبية قاسم
المعروف عن عبد الكريم قاسم أنه نال أوسع شعبية، أكثر من أي زعيم سياسي في تاريخ العراق الحديث. والسر في ذلك هو بساطته ونزاهته وإخلاصه وحبه للشعب، وخاصة للطبقات الفقيرة، فقد بنى لهم عشرات الألوف من الدور السكنية وعمل على رفع مستواهم المعيشي وكان يلتقي بهم بتكرار. وهو أول عراقي من عامة الشعب يصل إلى رئاسة الحكومة، فهو الذي كان يعتز بكونه ابن نجار. ونتيجة لذلك فقد كسب قلوب وعقول الناس، فهو بالنسبة لجماهير الشعب يعد بحق بطلهم الأسطوري. وفي مثل هذه الحالات، وفي مرحلة تاريخية معينة كالتي كان يعيشها العراق آنذاك، لا يكتفي الإنسان بالصفات البشرية المعروفة على البطل، بل لا بد وأن تتدخل الأسطورة في الواقع، لإضفاء صفات أسطورية عليه فوق مستوى البشر. والتاريخ مليء بالأمثلة.

ولم تخذله الجماهير المحبة له، فقد خرجت بمئات الألوف في بغداد والمحافظات الجنوبية لنصرته يوم إنقلاب 8 شباط 1963 الدموي الأسود، إلى حد أنه عندما سمع قاسم بالانقلاب وهو في بيته، وأراد الذهاب إلى وزارة الدفاع عن طريق شارع الجمهورية لم يستطع لأن الشارع كان مكتظاً بالجماهير التي تهتف (ماكو زعيم إلا كريم). وقد شاهدت بعيني ذلك اليوم، وأنا قادم من البصرة إلى بغداد بالقطار في طريقي إلى الموصل للالتحاق بكلية الطب بعد انتهاء عطلة نصف السنة، حيث كنت في السنة الأولى من دراستي فيها، وبعد أن غادرت القطار توجهت إلى ساحة التحرير، فوجدتها، وكذلك شارع الرشيد، عبارة عن بحر بشري متلاطم، والجماهير حاملة صور الزعيم وهي تردد نفس الهتاف (ماكو زعيم إلا كريم). ويقال أن طاهر يحيى أراد أن يشق طريقه ليلتحق برفاقه الإنقلابيين قرب وزارة الدفاع، فشق طريقه بصعوبة وسط الجماهير وهو يردد معهم (ماكو زعيم إلا كريم).

وتحت عنوان (الرعب في خدمة الثورة -إنقلاب 8 شباط-) يذكر طالب شبيب في مذكراته: "وفي المدخل الرئيسي للمعسكر (الرشيد) قام أنور عبد القادر الحديثي بعمل مرعب، لا أعرف ماذا ستكون نتائجه علينا، لكنه أثر كثيراً على معنويات الجنود والضباط داخل المعسكر. فقد تجمهر أمام بوابة معسكر الرشيد الرئيسية حشد من الجنود وضباط الصف وبعض الضباط والمدنيين يهتفون "ماكو زعيم إلا كريم" و"عاشت الجمهورية العراقية الخالدة"، وآنذاك نادى أنور الحديثي على أحد الهاتفين وطلب منه إعادة هتافه، ولما أعاده، أطلق عليه أنور من مسدسه الذي صوبه نحو رأس الجندي مباشرة فسقط على الفور ميتاً. وفرغت الساحة من كل المتظاهرين، بسبب ما سببته العملية من رعب وذعر."

وفيما يتعلق بالسخرية من شعبية قاسم، يقول قاسم الجنابي (مرافق الزعيم) وهو شاهد عيان خلال حوار الإذاعة، فيقول أن وجه عبد الستار عبد اللطيف كلامه إلى عبد الكريم قاسم قائلاً: "إنك مسيطر والشعب معك، ولكن دبابة واحدة أسقطتك". ويعلق الدكتور علي كريم سعيد بحق قائلاً: "كان ذلك بمثابة رسالة رعب لشعب أدَّعوا أنهم ثاروا من أجله. فجاءت تلك، رسالة استفزاز همجية لا تنتمي إلى حضارة إنسانية عمرها ستة آلاف عام. وكأنها رسالة تقول: إن الحكومة الجديدة قاسية. كما إنها تعني بأن الثوار أذعنوا لفكرة: إن لهم الدبابة ولخصومهم التعاطف الشعبي. (ألا يذكرنا هذابسلوك البعثيين الدواعش وما يجرونه اليوم في العراق؟). كذلك كان المشهد التلفزيوني في إهانة جثة الزعيم. كان ذلك المشهد التلفزيوني أسوأ اللقطات المسجلة في تاريخ العراق المعاصر، فلم يكن العراقيون حتى يُمَيَّزوا بهذه المعاملة عن غيره. بل ربما كان صراعاَ لعب فيه قاسم دور أكثر المتصارعين وداعة وتسامحاً وأقلهم همجية وأدلجة وتشريعاَ للقتل، فقد سن عملياً قاعدة: "عفا الله عما سلف". وكان فيها أقرب إلى عقلية العراقيين البسطاء قبل عصبية الأيديولوجيا الواردة..."

هل كان قاسم دكتاتوراً ؟
الدكتاتورية ظاهرة لها صفات معينة. وهذه الصفات تمتد من الحاكم الدكتاتور في قمة السلطة إلى أوطأ الطبقات في الدولة، فتجدها في الشارع وفي الدائرة وفي المعمل وفي الصحافة والإعلام وفي كل مكان. في النظام الدكتاتوري هناك جواسيس ورجال الأمن منتشرين في كل زاوية من زوايا المجتمع يحصون على الناس أنفاسهم. والناس في حالة هلع خوفا أن تبدر منهم بادرة يحاسبون عليها. هذه الصفات لم تكن موجودة في عهد قاسم باعتراف خصومه قبل محبيه. فالصحافة كانت تتمتع بالتعددية ولم تكن مؤممة. يقول حسن العلوي (بعثي سابق): "أقيمت مناقب نبوية على أرواح الطبقجلي ورفاقه، ساهم فيها قارئ المقام يوسف عمر، وقارئ القرآن عبدالستار الطيار، وكان كل منهما يقرأ قصائد معادية للوضع القائم آنذاك، وتنصب المايكروفونات في الأماكن العالية، دون أن يتعرض لها أحد من أفراد الشرطة والأمن والإنضباط العسكري، لكونها أماكن دينية ولم يتعرض لها عبد الكريم قاسم طيلة فترة حكمه، مع إنها كانت مراكز نشاط معارض لحكمه.. وبرز إسم يوسف عمر ليس مطرباً، بل محرضاً من أهم المحرضين ضد ذلك الحكم. وكانت حفلاته الغنائية العادية تنقل بالإذاعة والتلفزيون بشكل مستمر."
كان بيت عبدالكريم قاسم بدون حراسة مما أمكن حزب البعث دس المناشير في غرفة نومه بواسطة طفل من الجيران. ولما اكتشف ذلك لم يحاسب أحداً وهو يعرفهم، بل تحول إلى بيت آخر كما يشهد بذلك حسن العلوي. فيا ترى هل هذا الشخص دكتاتور؟

لا تنطبق صفات الدكتاتور على قاسم، بل كان من أقرب السياسيين إلى الديمقراطية. فعندما أقدم حسين جميل وزير الإرشاد (الإعلام) على غلق صحيفة الحزب الشيوعي (إتحاد الشعب)، رفض ذلك القرار وأعاد نشرها، وعندها استقال الوزير احتجاجاً على ذلك. ومن الغريب أن يقدم رجل قانون وديمقراطي مثل حسين جميل بغلق صحيفة بسبب خلاف سياسي. فمن كان أقرب للديمقراطية، عبدالكريم قاسم العسكري، أم حسين جميل السياسي المدني وهو الشخص الثاني في الحزب الوطني الديمقراطي بعد زعيمه الجادرجي؟
كما وقال محمد حديد عن قاسم أنه كان أقرب أقرانه العسكريين إلى روح التسامح وفكرة الديمقراطية، فقد ظلت مناصب الدولة في عهده موزعة على الجميع وليس على تيار سياسي واحد.
وقاسم معروف عنه بالرحمة. فهو أول حاكم عراقي بشر بروح التسامح وشعاره المعروف (عفا الله عما سلف) وأبناء ذلك الجيل يتذكرون تصريحاته بعد خروجه من المستشفى الذي عولج فيه من إصاباته البالغة إثر إطلاق الرصاص عليه في شارع الرشيد من قبل الطغمة العفلقية من ضمنها صدام حسين، حيث عفا عنهم بعد أن حكمت عليهم المحكمة بالإعدام. هذا الموقف المتسامح يؤاخذه عليه اليساريون فيقول الشاعر كاظم السماوي في مذكراته بهذا الخصوص: "نهض عبد الكريم قاسم بعد محاولة اغتياله، وكان المؤمل أن يضرب بيد من حديد، ولكنها كانت من خشب" (كذا). نعم أراد قاسم أن يضرب مثلاً في روح التسامح في بلد تشبع شعبه بقيم الثأر والانتقام والعنف.

مصرع قاسم
كثير من الناس وخاصة من محبيه ومن قوى اليسار، يلومون قاسماً لرفضه تسليح الجماهير من أنصاره يوم 8 شباط 1963 لسحق الانقلاب. لقد رفض تسليح أنصاره لسبب معروف، وهو منعاً لوقوع حرب أهلية، إذ كان يفضل استشهاده على إغراق البلاد في هذه الحرب. وكان مصمماً على القتال إلى الاستشهاد، ولكن عندما اتصل بعبدالسلام عارف يوم 9 شباط،، وكان يونس الطائي هو الذي يتفاوض بين الجانبين، مؤكداً له أنهم سيضمنون سلامته ومن معه من رفاقه الضباط الآخرين، وأن (بينهم خبز وملح-على حد تعبير عارف)، مصدقاً بوعود عارف حيث أن قاسم نفسه عفا عنه عندما حكمت عليه محكمة الشعب بالإعدام. لذلك صدق بوعودهم فأنهى القتال واستسلم حقناً للدماء. فلماذا نلوم قاسماً على ذلك، فاللوم على أولئك الذين نكثوا بعهودهم.
أما حول ما يسمى بالمحاكمة فيقول طالب شبيب: دار بيننا حديث غير منظم سادته حالة من التوتر، ولم يكن هناك أي شيء يمكن تسميته بمحاكمة. وكل كلام قيل أو يقال عن إنشاء هيئة حاكمتهم إنما هو نوع من "التسفيط" والتخيل ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! ومن الممكن أن يكون قد تدخل علينا رجال يحثون على موقف معين مثل خالد مكي الهاشمي، وكلهم يحثون على الإعدام أو الإسراع به".

وشاهد عيان آخر من الإنقلابيين وهو (عبدالستار الدوري) كان حاضراً، قال في برنامج (بين زمنين) أنه عندما دخل عبد الكريم قاسم القاعة راح ينظر في وجوه الإنقلابيين واحداً واحداً يتأملهم باندهاش وكأنه غير مصدق أن هؤلاء ينقلبون عليه، ولما حان وقت إعدامه اعتدل في مكانه ووضع سدارته على رأسه وكأنه يتهيأ لأخذ صورة له والبنادق المصوبة نحوه كأنها كاميرات. هكذا كانت شجاعة قاسم وهو يواجه الموت. ثم نفذ حكم الإعدام به وبرفاقه الشهداء فاضل عباس المهداوي، وطه الشيخ أحمد وخليل كنعان. "ومع إنهمار ذخيرة الموت انطلق صوت قاسم هاتفاً بحياة الشعب".

قوة قاسم في موته:
من المعروف أن الشهداء الأبرار هم أقوى في موتهم مما هم عليه في حياتهم. هكذا كان المسيح والحسين وغاندي وجيفارا وغيرهم. وبكل تأكيد كان قاسم المعروف بتسامحه، ومصرعه بهذه القسوة والوحشية من قبل رفاق الأمس قد جعله أقوى في موته مما كان عليه في حياته. هذه الحقيقة أدركها الشباطيون وأرعبتهم كثيراً منذ اللحظات الأولى من انقلابهم، وهذا هو السبب الذي جعلهم  يلقون جثته الممزقة بالرصاص في النهر خوفاً من أن يتخذ الشعب من القبر مزاراً أو رمزاً بعد أن يعود الوعي الغائب أوالمغيب قسراً. وفعلاً صار قاسم أسطورة في مخيال الجماهير الشعبية الفقيرة التي لم تصدق مصرعه وراحوا يتصورونه حتى في القمر.

وختاماً، من هو عبدالكريم قاسم؟
كان عبدالكريم قاسم يجسد في شخصه وبصورة مكثفة، الجوانب الإيجابية والمشرقة من القيم والأعراف والتقاليد العراقية الجميلة المحببة إلى العراقيين في الوطنية والقومية والإنسانية والنبل والشهامة والشجاعة والكرم والمروءة والتسامح والبساطة والعفو عند المقدرة، وحب الناس، وبالأخص الفقراء منهم، والثقة العالية بالنفس وبالشعب وبالناس المحيطين به والاعتماد عليهم. هذه الصفات النبيلة والقيم المثالية العالية التي آمن بها هي التي أحالت بينه وبين استخدام المكر الذي يلجأ إليه السياسي الداهية أحياناً لإيهام الخصوم والإيقاع بهم وإبقاء الموالين له متماسكين من حوله، والحفاظ على التوازنات ووحدة القوى الوطنية.
وقد وضعته الأقدار في قمة القيادة، وسلمته أعلى مسئولية لقيادة البلاد وهي تمر في مرحلة من أشد مراحل تاريخ العراق غلياناً وعربدة وهياجاً وانفجاراً (كما اليوم). في تلك الانعطافة التاريخية الكبرى التي لا بد من حصول الانشقاقات العميقة والصراعات العنيفة بين مكونات الشعب وقواه السياسية التي لم يسلم منها أعظم رجالات التاريخ ومهما أوتوا من قدرة وكفاءة ودهاء. والظروف التي مر بها قاسم ومعاناته كانت فوق طاقة أي قائد آخر مهما كان حكيماً وداهية، أشبه بتلك التي مر بها الإمام على بن أبي طالب (ع) عند تسلمه الخلافة.
ويمكن القول أن عبدالكريم قاسم كان يمتلك في شخصه مواهب وطاقات كامنة وإمكانيات كبيرة كعسكري وسياسي ورجل دولة، لم تسمح له الظروف العاصفة بعد الثورة لإبرازها كاملة في السياسة والإدارة، لأنه رغم تلك الظروف العاصفة، استطاع الرجل أن يحقق الكثير للعراق ودون أن يكون عنده حزب أو مؤسسات استخباراتية نشطة لتحميه. وعليه أعتقد أن نهاية قاسم بتلك الطريقة اللئيمة لا تدل على ضعفه في شيء، بل كانت حتمية فرضتها ظروف المرحلة التاريخية التي جاءت بالثورة والقوى السياسية التي ساهمت بها، ولأن تلك القوى كانت وما تزال في مرحلة المراهقة السياسية، لم تدرك المخاطر المحيقة بها. ولذلك كان قاسم وكأي شهيد ملتزم بالأخلاق المثالية، وصاحب مبادئ ورسالة إنسانية في التاريخ، برز وهو أقوى بعد مصرعه مما كان عليه في حياته. وسيبقى عبدالكريم قاسم، ابن الشعب العراقي البار رمزاً للوطنية العراقية والعدالة الاجتماعية، حياً في وجدان الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي.
ـــــــــــــــ
* هذا المقال هو موجز لفصل من كتابي الموسوم( ثورة وزعيم)، ولم أذكر المصادر تلافياً للإطالة.
 
روابط ذات صلة
فيديو: المجد لثورة 14 تموز: لوحات وصور مهمة عن مرحلة 14 تموز مع نشيد وطني جميل
http://www.youtube.com/watch?v=Yt6i1I13VrI

عبدالخالق حسين: جوانب من شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=387

* يمكن الاستماع إلى الشريط الصوتي لخطاب الزعيم قاسم في يوم الانقلاب، ومن ثم مسرحية محاكمة الإذاعة وجريمة إعدامه: شريط كاسيت
http://www.youtube.com/watch?v=CtLQ5-mf3zA&feature=email

* في آخر مقابلة صحفية لعبد الكريم قاسم لـ اللوموند الفرنسية .
http://www.almutmar.com/index.php?id=20124601

* ملحق صحيفة المدى بمناسبة مائة عام على ميلاد عبدالكريم قاسم
http://almadasupplements.com/news.php?action=list&cat_id=14


272
هل ممكن دحر داعش بدون قوات برية دولية؟

د.عبدالخالق حسين

هذه المساهمة هي الخامسة لي في الجدل المثار حول حاجة العراق لقوات برية دولية لمساعدة جيشه في حربه على الإرهاب البعثي- الداعشي. فالموضوع مثير للجدل والاختلاف ليس لدا العراقيين فحسب، بل وحتى لدا التحالف الدولي، الذي ليست لدا حكوماته لحد الآن، الرغبة لإرسال قوات برية إلى العراق بسبب ما تواجهه من ضغوط في بلدانها، وكذلك رفض الحكومة العراقية. ونظراً لخطورة الوضع وشراسة و وحشية داعش، ممكن أن يتغير الموقف الدولي في أية لحظة إرسال قولا برية. إذ (أعرب أوباما - خلال اجتماع مع قادة عسكريين بارزين من أكثر من 20 دولة - عن "قلق عميق" بسبب هجوم مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" على مدينة عين العرب "كوباني" السورية وتقدمه صوب محافظة الأنبار العراقية... وتوقع أن تكون الحملة ضد التنظيم طويلة الأجل، وإنها قد تشهد تقدما وانتكاسات)(1)

لقد بات مؤكداً أن القصف الجوي الدولي وحده غير كاف لتدمير داعش، لذلك، فلا بد من القوات البرية. وهذا ليس رأيي فحسب، بل يشاركني فيه الكثير من المثقفين والكتاب والإعلاميين العراقيين في الداخل والخارج. وفي الداخل اتصل بي العديد من إعلاميين وسياسيين معروفين يطالبوننا، نحن الكتاب العراقيين في الخارج، بمواصلة الكتابة في هذا الاتجاه، و الضغط على المسؤولين العراقيين أن يدركوا خطورة الموقف ويقبلوا بالقوات البرية قبل فوات الأوان، وأنهم لا يستطيعون الجهر بآرائهم هذه وهم في الداخل خوفاً على حياتهم وسلامة عوائلهم من الإرهابيين المتغلغلين في المجتمع العراقي، وكذلك من المليشيات الموالية لإيران. فنحن في الخارج نتمتع بأمان وحرية أوسع وعلينا أن نؤدي واجبنا الوطني.

وفي هذه المقالة أود مناقشة الأسباب الضرورية الملحة لتواجد القوات البرية الدولية، وتصريحات بعض المسؤولين، والاستشهاد بآراء عدد من القراء الذين علقوا على مقالاتي، سواء على الانترنت أو على شكل رسائل شخصية، بين مؤيد و رافض، حيث يرى الرافضون أن وجود القوات البرية الأجنبية في العراق يؤدي إلى تقسيم العراق، إضافة إلى كونه إساءة إلى كرامة شعبه وسيادته الوطنية!!!

في الحقيقة كان العراق موحداً بوجود القوات الأجنبية، وحصل هذا الإنقسام بعد رحيلها نهاية عام 2011، حيث احتل تنظيم (داعش) نحو ثلث مساحته، وظلت الأجهزة الأمنية بما فيها الجيش والشرطة المجهزة بأحدث الأسلحة، عاجزة عن حماية سيادة العراق ووحدة أراضيه. ولذلك أعتقد أن الذين يعارضون وجود القوات البرية الأجنبية يخدمون أغراض داعش في  تقسيم العراق من حيث لا يدركون.
فالحرب الدائرة في العراق الآن هي حرب دولية بالوكالة بين إيران من جهة، وبين أربع دول إقليمية هي تركيا والسعودية وقطر ودول خليجية أخرى عن طريق داعش، تدور رحاها على الأرض العراقية وبدماء العراقيين. لذلك نرى قوات داعش مجهزة بأحدث الأسلحة والمعدات والتجهيزات اللوجستية الحديثة والمعلومات الاستخباراتية، ويتحدى الجيشين، العراقي والسوري. ولكن المفارقة، ولإضافة المزيد من الالتباس والعتمة على المشهد، أن الدول الداعمة للإرهاب هي مشاركة في مؤتمرات التحالف الدولي لمحاربته. والمفارقة الثانية، أن المسؤولين العراقيين، من رئيس الوزراء، و وزير الخارجية، وبعض الكيانات السياسية الشيعية أيضاً ضد دعم القوات البرية للعراق. أما الكيانات السياسية مثل  اتحاد القوى الوطنية، و(متحدون) ممثلو المكون السني في العراق، فقد أعربوا  "عن خشيتهم من احتلال الامريكان للعراق بدخولهم اليه بريا، تحت ذريعة مقاتلة عناصر تنظيم داعش". فهؤلاء جميعاً يدافعون عن داعش بغطاء الحرص على السيادة والوحدة الوطنية.

لا نريد هنا أن نكون جزءً من جبهة الحرب النفسية ضد قواتنا البطلة في حربها على داعش، فبشهادة وزير الدفاع الأمريكي جاك هيغل: " إن قوات الأمن العراقية تسيطر تماما على بغداد وتواصل تعزيز مواقعها هناك." ولكن هذا لا يكفي، ولنكن واقعيين، فداعش مازال ماسكاً الأراضي التي احتلها في العراق وسوريا، وتهدد بالتوسع. وفي هذا الخصوص ((حذّر العقيد الأمريكي المتقاعد، ريك فرانكونا، من خطر التقليل من قدرات تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميا بـ"داعش"، قائلا إن التنظيم يسعى لمحاصرة العاصمة العراقية بغداد وإسقاطها في نهاية المطاف لتكون "عاصمة خلافته". مضيفا أنه قد فرض بالفعل طوقا حول المدينة في حين أثبت الجيش العراقي أنه "غير فعال.")) (موقع الحزب الشيوعي العراقي، نقلاً عن CNN).

ويجب التأكيد هنا مرة أخرى أن 90% من منتسبي داعش هم من البعث وخاصة من ضباط الحرس الجمهوري من أصحاب الخبرة والقسوة والشراسة. فنجاح داعش لا يعتمد على فعالياته وقدراته العسكرية فحسب، بل وعلى استخباراته الأخطبوطية الواسعة والتي هي الاستخبارات الصدامية السابقة التي نجحت في اختراق مؤسسات الأجهزة الأمنية والعسكرية للعراق الجديد، مستغلين المصالحة الوطنية لهذه الأغراض. فهؤلاء يوصلون المعلومات عن خطط الجيش وتحركاته إلى داعش من داخل هذه المؤسسات الأمنية أولاً بأول. وفي هذا الخصوص أنقل مقتطفات من رسالة بعثها لي صديق مطلع جاء فيها:
((الوضع في العراق جدا معقد وكما ذكرت لك سابقا أن الاهل والأقرباء في ارياف محافظة ديالى تركوا بساتينهم العامرة الى منطقة كردستان، وكادت ان تخلوا 20 قرية من سكانها تماما بعد ان تعرض الاهالي الى القصف من قبل الدواعش البعثين وقوات الحكومة والميليشيات وراحت ضحية  المناوشات والقصف عشرات العوائل الآمنة والتي لا ناقة لها ولا جمل، مجرد تريد ان تعيش بأمان.
(( الناس كلهم فلاحون، وينتظرون هذا الموسم لجني الفاكهة من التمور والرمان والحمضيات وهي تمثل دخلهم السنوي الذي يعتاشون عليه. تركوا كل شئ، بيوتهم وبساتينهم العامرة والجميلة خوفا من الذبح والقتل. عصابات داعش كلهم من حثالات المجتمع والمنبوذين اجتماعيا من المتسكعين والأميين، والجهلة، واللصوص، وقطاع الطرق، يستغلهم بقايا شراذم البعث بالمال والسلاح فتحولوا الى اسلامين وأضافوا الى تقاليدهم الارهابية الاجرامية التي تربوا عليها في مدرسة عفلق الارهاب القاعدي الاسلامي، واصبح البعثي الداعشي سوبر بلطجي وذباح من الطراز الاول.))

وحول اختراق الجيش يضيف الصديق:
((الجيش العراقي منخور ومخترق، وبالتالي غير قادر على مواجهة تنظيمات داعش، ولهذا لا يمكن سحق هذه التنظيمات الارهابية وحواضنها إلا من خلال دعم بري من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى. انا ايضا ارفض دخول قوات برية عربية وتركية الى العراق لأنهم سيحاولون فرض اجندتهم وخباثاتهم والتدخل في شؤون العراق.
((يروي لي اهلي وبعض الاصدقاء والأقارب وجلهم من المحسوبين على اليسار ان بعض الافراد يخبرون الاجهزة الامنية والعسكرية عن تحركات الدواعشن البعثيين بالمنطقة وممارسة الارهاب والتخريب، فبعد مدة يقتل هذا الشخص المخبر من قبل الدواعش البعثين. وهذه الظاهرة حدثت لعدة مرات. ولذلك تخاف الناس ان تقوم بإخبار الاجهزة الامنية والعسكرية عن تحركات الدواعش.))

ويروي قصة فيقول: (عندما كنت في آخر زيارة للعراق، ولي اثنان من اقرباء لي من قادة الصحوات احدهما ابن عمي ومحسوب على اليساريين، قال أن احدى نقاط التفتيش العائدة للصحوات وكلهم من ابناء عمومتي بان القوا القبض على سيارة محملة بأسلحة وقنابل ومسدسات كاتمة الصوت وحاولوا اغرائهم بالمال ولكنهم رفضوا واتصلوا بالقاعدة العسكرية للجيش العراقي، القريبة منهم وسلموهم الجناة. ويا للسخرية وفي نفس اليوم هربوا من السجن وعددهم اربعة، وكانوا من الفلوجة وجبل حمرين. وبعد شهر تعرضت نقطة التفتيش العائدة للصحوات الى اطلاق نار وقتل فيها اربعة من شباب الصحوة.))
ويواصل بث همومه فيقول: (( لو كنت معك لرويت لك قصصاً يشيب لها الرأس. البعثيون لديهم خبرة بالإجرام والغدر والتجسس والاختراق وقتل كل من يقف أمامهم، ولديهم المال الضخم وتجربة 35 سنة من حكمهم، ويعرفون كل مكان في العراق. وداعش هي مجرد واجهة للبعث. استطاعوا اختراق الاجهزة الامنية والعسكرية بعد اختراقهم للاحزاب الدينية من قبل البعثين الشيعة. الكثير من البعثيين السنة هم من يتزعمون اليوم داعش وواجهتم السياسية (متحدون) وجماعة صالح المطلق والكربولي، وقسم من جماعة علاوي، ودورهم هو تخريب العملية السياسية من داخلها والدفاع عن الدواعش البعثيين. السؤال الذي يطرح نفسه اين ذهب البعثيون الشيعة؟؟ وما هو دورهم اليوم؟؟؟ هناك الف علامة استفهام؟؟؟؟؟؟ كيف يستطيع الارهابيون الوصول الى ادق الاماكن الحساسة وفي قلب الاحياء والمدن الشيعية ان يفجروا ويقتلوا.......؟؟؟؟؟؟؟))أنتهى
فهذا هو حال الجيش العراقي والأجهزة الأمنية.
******

وفي تعليق من القارئة السيدة (ام علي) على مقالي (هل العراق بحاجة إلى قوات برية دولية لمواجهة “داعش”؟) على موقع شبابيك تقول:
((نعم نحن بحاجه لقوات بريه متعددة الجنسيه لأسباب كثيرة أهمها ما يلي:
اولا، امريكا جاءت للعراق ليست لسواد عيوننا وإنما لالتقاء المصالح، ويجب ان نكون واعين وأذكياء لاقتناص هذه الفرصة، وتوقيع اتفاقيه بين الطرفين لغرض تواجد قوات برية وهذا ليس بمعيب ابد، فلأمريكا قواعد عسكريه في دول كثيرة وحتى دول كبرى متقدمه جدا مثل بريطانيا.
ثانيا، حماية العراق من أهله، لأننا في بداية الطريق ونحتاج الى مساعدة حتى نعتاد على الديمقراطيه وننسى لغة الانقلابات والعنتريات وهذا يحتاج إلى وقت طويل.
ثالثا، ليكون لدينا وقت كافي لإعادة بناء الجيش وفق اسس علمية، والاهم قطع الطريق على المفسدين والخونة، لان امن البلد معتمد على قوات مهنية مخلصة.
رابعاً، ايجاد صيغة للتفاهم مع الاكراد دون احساسهم بضعف العراق وابتزازه على طول الخط لوجود الضامن الدولي (ايجاد حل جذري لهذه المشكلة التي سببت وتسبب المشاكل، يا إما الطلاق دون رجعة، و يا إما أن نتعايش اخوة وتحت سقف العراق الكبير وبالعدالة والقانون لا يضيع حق احد).
وخامساً وأخيرا والأهم، يجب ان نصارح انفسنا بالحقيقة لنجد العلاج وننتهي، وهي أن أخواننا السنة لحد الآن لا يستوعبون وجود المكون الاكبر مشاركين لهم في الحكم بالرغم من اخذ اكثر من حقهم بسبب تنازل وانبطاح معظم ساسة المكون الاكبر لهم، وهم يقولون نحن مهمشون. وعدم ثقتنا ببعضنا، وشعورنا نحن العرب قاطبة بالدونية تجاه الغرب، لأننا نتصور هم افضل منا بكل شيء، وهي حقيقة لا ننكرها. فهم ليسوا أذكى منا، ولكنهم منظمين ومنضبطين جدا ويحترمون القوانين. فوجود قوات أجنبية تشعرنا بالهدوء لإحساسنا بمهنيتها بعيدا عن التحزبات والعنتريات. وكذلك تصرف نظر اطماع دول الجوار بنا لان معظم من يقوم بما يسمونه "مقاومة المحتل" هي من انتاجهم وهم لا يريدون الخير للعراق ويحاربون باسمنا وعلى اراضيا ويجنون المنافع.)) أنتهى

ويعلق القارئ الكريم (ابو العوف) على نفس المقال في عراق القانون، جاء فيه:
((نحن بحاجة الى قوات اجنبية لخمسين عام أخرى حتى ينشأ جيل متعلم ومثقف يستطيع ان يدافع عن الحرية والنظام الديمقراطي، طبعا لا اعتقد أن الأحزاب الاسلامية تسمح بذلك لأنها تريد ان نعيش في الماضي، والتوقف عند نقطة معينة، وليس من مصلحتها التغيير والانفتاح على باقي الحضارات..كذلك ابقائنا جهلة متخلفين خير نصير للأحزاب الدينية والقومية الفاشية. السيد المالكي بإخراجه الحلفاء من العراق ارتكب خطأ فظيعاً سيكلف العراق الكثير...)).
طبعاً أتفق مع جميع التعليقات أعلاه. وهو غيض من فيض من هموم العراقيين، ودعوتهم الصادقة للسماح للقوات البرية الدولية لدعم الجيش العراقي في حربه على داعش.

ولكن هناك أصوات رافضة للدعم الدولي وحجتها "أن أمريكا لا تريد دحر داعش، وإنما تريد احتلال العراق بحجة داعش، وإلا كيف استطاعت إسقاط حكم صدام بالقصف الجوي ولم تستطع دحر داعش بنفس الأسلوب؟".
في الحقيقة هذا الكلام غير دقيق. فقوات صدام كانت قوات نظامية متواجدة بكثافة في مناطق معينة يسهل قصفها بصواريخ عن بعد. إضافة إلى مشاركة قوات التحالف البرية. بينما الدواعش عبارة عن عصابات، موزعين على ثلث مساحة العراق ومتغلغلين بين السكان يصعب قصفهم خوفاً على السكان المدنيين. وحتى رئيس الوزراء العراقي أمر بوقف قصف الدواعش في المدن. لذلك فلا بد من القوات البرية الدولية.
أما التحجج بأن كل ما يحتاجه الجيش العراقي هو السلاح المتطور، فهذه الحجة هي الأخرى لم تصمد أمام أية محاجة منطقية. فكما ذكر السيد باقر جبر الزبيدي، وزير النقل، وزعيم حزب المواطن (المحبس الإسلامي الأعلى)، أن الجيش كان متخماً بالأسلحة الثقيلة والخفيفة المتطورة.. وأن قيمة الاسلحة التي كانت للفرق العسكرية بالموصل تقدر بسبعة مليارات دولار استولى عليها داعش.
فإذن، سبب صعود داعش ليس النقص في الأسلحة، بل في اختراق هذا الجيش والأجهزة الأمنية بالبعثيين الدواعش بشكل مكثف. ولذلك فالموقف خطير جداً ولا بد من وجود القوات البرية الدولية.
وإذا منعنا القوات البرية الدولية خوفاً على السيادة فسنخسر السيادة والوطن معاً.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذو صلة
أوباما: الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" طويلة الأجل
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2014/10/141014_obama_is_campaign
عبدالحليم الرهيمي: يا ويلنا.. العالم معنا !
http://www.akhbaar.org/home/2014/10/178165.html

رئيس الأركان الأميركي: معركة الموصل ستكون فاصلة.. والتدخل البري وارد
http://www.qanon302.net/news/2014/10/14/33432

طلال شاكر: الاستعانة بقوات امريكية لدحر داعش ضرورة وطنية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=437330


273
هل العراق بحاجة إلى قوات برية دولية لمواجهة "داعش"؟

د.عبدالخالق حسين

في عام 2004 نشرتُ مقالاً بعنوان: (اللهم أحفظ العراق من العراقيين). وبعد عشر سنوات مازال العراقيون يتنافسون على الانتحار الجماعي، وتدمير أنفسهم و وطنهم بمختلف الدوافع والذرائع، و يلقون اللوم على الغرب. نعم هناك حكومات إقليمية تعمل على تصدير الإرهاب ودعمه لقتل العراقيين، ولكن من الذي ينفذ المخططات الأجنبية هذه غير العراقيين أنفسهم؟ ولماذا يقبلون أن يكونوا أدوات طيعة بأيدي المتآمرين الأجانب؟

خطابنا هذا ليس موجهاً إلى تنظيم "داعش" الذي يشكل البعثيون نحو 90% منهم(1)، وإنما نوجهه إلى العراقيين الحريصين على سلامة وطنهم وشعبهم، وخاصة الذين هم في السلطة. فتنظيم داعش صناعة السعودية وقطر ودولة الإمارات وتركيا. وهذا ليس تخميناً أو توزيع الاتهامات عشوائياً، بل هناك تقارير من الاجهزة الاستخباراتية الغربية، نشرتها صحف أمريكية كبرى مثل واشنطن بوست، ونويورك تايمس، وبريطانية، مثل الديلي تلغراف والغارديان، أكدت على دور هذه الحكومات الإقليمية في تأسيس ودعم داعش.(2).
 وأخيراً جاء الخبر اليقين من السيد جو بادين، نائب الرئيس الأمريكي، الذي أدلى بتصريحات في جامعة هارفارد يوم الخميس [2/10/2014]، قال فيها: "إن تركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية ودولا خليجية أخرى ساعدت تنظيم الدولة الإسلامية من خلال دعم تنظيمات تحارب ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد."(3)
كما واتضح دور تركيا في دعم الإرهاب الداعشي بعد أن رفض الرئيس التركي أردغان المشاركة في ضرب داعش في مدينة عين العرب (كوباني) السورية الحدودية الصامدة، وتحت مختلف الذرائع الواهية(4).
و لما تجاوز داعش الخطوط الحمراء المرسومة له، وتحول إلى فرانكشتاين الذي قتل صانعه، وبات يشكل خطراً يهدد السلام العالمي كله، وليس العراق وسوريا فحسب، وحدت 50 دولة كلمتها بقيادة أمريكا وعزمت على مقاتلة داعش بالضربات الجوية كخطوة أولى.

ولكن لحد الآن أثبتت الأحداث أن القصف الجوي لوحده لم يكن كافياً ما لم تدعمه قوات على الأرض. إلا إن المفارقة أن مختلف الأطراف العراقية، صاحبة المشكلة الأساسية والمصلحة بالتحالف الدولي ودعمه، ترفض بشدة وجود قوات دولية في العراق بدلاً من الترحيب بها لمواجهة الإرهاب وسحقه. وإذا كنا نشارك المسئولين المخلصين في التخوف من القوات البرية العربية، ومن تركيا، المشكوك بنواياها لأن هذه الحكومات هي داعمة لداعش ولا تريد الخير للعراق، ولكن لا أرى أي مبرر لرفض القوات البرية من الدول الغربية وخاصة من أمريكا وبريطانيا، لأن ليس لهذه الدول أغراض طائفية ومطامع بالعراق عدا كونها تريد مساعدة الشعب العراقي وحماية شعوبها من شر الإرهاب الداعشي الذي بات يهدد العالم كله.

والجدير بالذكر، أنه لحد الآن ليس لهذه الدول الرغبة في إرسال قوات برية، ولكن في نفس الوقت يجب أن لا يضع المسؤولون العراقيون اشتراطات وعقبات أمام هذه الدول فيما لو غيرت رأيها، ورأت أن من الضروري إرسال قوات برية إلى العراق. فباعتراف الجميع أن الحرب على الإرهاب هي حرب عالمية ثالثة. وأي اشتراطات من الحكومة العراقية لمنع الدعم الدولي هو نوع من البطر واستخفاف بحياة الألوف من العراقيين الذين تعرضوا للقتل الوحشي على أيدي البعثيين الذين انضموا إلى داعش ويرتبكون جرائمهم باسمه.
ذكرنا في مقال سابق أنه نجح أنصار "داعش"، وإيران، من الإعلاميين أن يستغلوا تعلق العراقيين بالسيادة الوطنية إلى تحويلها لخدمة أغراض الإرهابيين. فراحوا يروجون أن الدعم الدولي يسيء للسيادة الوطنية!! ويحاولون إثارة العداء بين الشعب العراقي والحلفاء الغربيين. ونحن إذ نسأل: ما معنى السيادة ومفهومها، والشعب يعاني من رعب الإرهاب الداعشي وقواته الأمنية عاجزة عن توفير الأمن والسلام لهم؟ وما قيمة هذه السيادة لعوائل 1700 شاب تم قتلهم في قاعدة سبايكر في محافظة صلاح الدين؟ وماذا تعني السيادة لآلاف العائلات من سكان تلعفر والشبك والإيزيديين والمسيحيين الذين تم نحر رجالهم، وهتك أعراضهم، وسبي نسائهم وأطفالهم وبيعهم في أسواق النخاسة، وقد عجزت القوات الحكومية عن حمايتهم من الأوباش الذين تم غسل أدمغتهم بعشق الموت واحتقار الحياة؟
كما واعتدنا على سماع أخبار مؤلمة ومخجلة في نفس الوقت، عن محاصرة قوات داعش للمئات من الجنود العراقيين في مختلف المناطق الساخنة، والقوات الحكومية عاجزة عن إنقاذهم، فيتم قتلهم بالجملة وبدم بارد. فماذا تعني السيادة الوطنية لذوي الضحايا؟

تواجه هذه الأيام شعوب غرب أفريقياً مثل سيراليون ولايبيريا وغينيا، وباء الإيبولا، فبالإضافة إلى المساعدات الطبية التي تقدمها لهم الدول الغربية "الكافرة"!، كذلك أرسلت بريطانيا نحو 700 جندي إلى سيراليون لدعم المجهود الطبي في مكافحة هذا الوباء الخطير. لم تعترض حكومة سيراليون على تواجد القوات البريطانية في بلادها، ولم تشعر بأية إساءة  لسيادتها وكرامتها، بينما العراقيون مهووسون بهذه السيادة والتي هي أساساً أسيء لها من قبل الإرهابيين، علماً بأن وباء داعش أخطر من وباء إيبولا بملايين المرات.
وباعتراف خبراء عسكريين غربيين، أن تنظيم داعش لا يمكن دحره بالقوات الجوية وحدها، وإنما لا بد من مشاركة قوات برية.

وبناءً على كل ما تقدم، أرى من واجب الحكومة العراقية تقديم طلب للتحالف الدولي بإرسال قوات برية إلى العراق لمساعدة قواته في حربها على الإرهاب. نعم، ليس هناك شحة في عدد المنتسبين للقوات العراقية المسلحة (الجيش والشرطة)، والألوف منهم انضموا للجيش بدوافع وطنية لحماية الشعب والوطن، ومستعدون للتضحية بأرواحهم في سبيل الواجب الوطني، ولكن يجب أن لا ننسى أن هذه القوات حديثة التكوين، تنقصها الخبرة والتجهيزات الحديثة الدقيقة في ضرب الأهداف المحددة في المدن خاصة وعد إلحاق الأذى بالمدنيين، والضرورية لمثل هذه المهمات المعقدة، وهناك أعداد غفيرة انضموا للجيش بدافع الراتب كأية وظيفة في الدولة غير مستعدين لهذه المهام الخطيرة. وهناك مشكلة عدم الالتزام بالانضباط العسكري، واستفحال التغيب مع استلامهم لرواتبهم دون أدائهم للواجب، وهناك ضعاف النفوس من المرتشين والجبناء الذين فقدوا الحس الوطني فتركوا ساحات القتال لينجوا من الموت، ولكن أغلبهم لحق بهم الدواعش وقتلوهم(5).
كذلك وصلتني معلومة خطيرة من مصدر مطلع وموثوق به، أن اكثر قيادات الجيش هم من ضباط صدام ومن المخترقين للمؤسسات العسكرية والأمنية وبعضهم يتصل بالدواعش لحظة بلحظة، ويخبرهم بخطط هجوم الجيش العراقي. وهذا ما حصل في معظم الجبهات ومنها جبهة تلعفر حتى اضطر القائد الوطني ابو الوليد الى الانسحاب بعدما اكتشف رسائل في الهواتف النقالة لضباط القوة التي يديرها، محملة برسائل تحذر الدواعش قبل الهجوم، الأمر الذي يفشل كل الهجمات. فانتبه لهذه الخيانة وقبض على الضباط واتصل بالمالكي الذي امره بالانسحاب بعدما تأكد من خيانة جميع ضباط الموصل.
وكنتيجة مباشرة لهذه المشاكل، استفحل الإرهابي الداعشي ونجح في احتلال نحو ربع مساحة العراق. لذلك يجب أن نعترف أن الجيش العراقي يحتاج إلى دعم دولي، وأن داعش لا يمكن القضاء عليه بالقصف الجوي وحده، بل ولا بد من وجود قوات برية دولية أيضاً لمساعدة الجيش العراقي وقبل فوات الأوان.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مسؤول عراقي يكشف هوية من يقوم بتدريب عناصر داعش الجديدة .
http://arabic.cnn.com/middleeast/2014/10/08/iraq-isis-training

2- جنرال بريطاني بارز يفجر قنبلة إعلامية ويحمل قطر والسعودية مسؤولية إنتشار داعش
http://alkhabarpress.com/%D8%AC%D9%86%D8%B1%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A-

3- الفيديو الذي إتهم فيه بايدن دول الخليج بدعم المنظمات الإرهابية- مع الترجمة العربية
http://www.akhbaar.org/home/2014/10/177816.html

3- نفس الفيديو (7 دقائق) بشكل مفصل مع تحليل سياسي
*Joe Biden accuses Turkey and the Gulf nations of being unscrupulous in their pursuit of ousting President Assad and, in doing so, funding terrorists for the cause.
 https://www.youtube.com/watch?v=11l8nLZNPSY&feature=youtu.be&app=desktop

4- صحيفة أميركية: أردوغان يقوم بلعبة خطيرة برفضه قتال داعش في كوباني
http://www.akhbaar.org/home/2014/10/177820.html

5- حميد الكفائي: التخطيط والتضحية سيهزمان الإرهاب إلى الأبد
http://www.alkifaey.net/5389.html


274
حوار حول الموقف من الدعم الدولي للعراق ضد داعش

د.عبدالخالق حسين

بعد نشر نص المقابلة الإذاعية التي أجراها معي الكاتب والإعلامي الأستاذ ملهم الملائكة يوم 25/9/2014 على راديو (DW) في ألمانيا بالتعاون مع راديو دجلة في العراق، ومحورها: (هل يتراجع الدعم الدولي للعراق ضد داعش بسبب اشتراطاته؟)(1) على العديد من مواقع الإنترنت، ومن بينها موقع عراق القانون، حيث شارك عدد من القراء الأفاضل في التعليق على إجاباتي في المقابلة، ومن بينهم الكاتب، الصديق محمد ضياء عيسى العقابي، الذي قدم تعليقه على شكل استفسارات أشبه بالمقابلة الصحفية. لذلك رأيت من المفيد تقديم إجاباتي وعلى شكل مقابلة صحفية أيضاً.

في البدء، أتقدم بالشكر الجزيل للصديق الأستاذ العقابي ولجميع الأخوة الذين شاركوا في التعليق، وكلها تعليقات مفيدة ومهمة، و مكملة للحوار و جديرة بالاعتبار والتأمل. ونظراً لأن الأخ العقابي طلب مني الإجابة على تساؤلاته المشروعة، أدرج أدناه إجاباتي متمنياً أن تكون وافية وحسب إمكانياتي واستيعابي للمعضلة العراقية. ولكن قبل الإجابة على الأسئلة، أود أن أذكر بعض الحقائق التي قد نتفق عليها، عسى أن تساعدنا للوصول إلى حل مقبول للمسائل الخلافية:
الحقيقة الأولى، وكما ذكرتُ مراراً أن (السياسة فن الممكن)، وأنها وراء المصالح، وقد تتضارب أحياناً حتى مع الأخلاق. ويعتبر البعض هذا القول تطبيقاً للمكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة)، ولكن ألا يردد العرب والمسلمون عامة مقولة مشابهة وهي: (الضرورات تبيح المحظورات)؟ فكما أخبرني صديق متفقه في الدين الإسلامي، أن هذه المقولة هي قاعدة فقهية يستدل بها من نص قرآني:"فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه" والتي بموجبها يجوز اكل الميته ولحم الخنزير...وحتى شرب الخمر... وحلف اليمين كذبا لدفع الضرر وماشابه ..)
ولو راجعنا كتب التاريخ لوجدنا حتى في الحركات اليسارية قادة كبار مثل لينين وستالين طبقوا هذا المبدأ، وعلى سبيل المثال عقد لينين (صلح بريست) عام 1918 مع الألمان لإنقاذ الثورة البلشفية، فانتقده اليساريون المتطرفون، ورد عليهم لينين بعنف ووصفهم باليسارية الطفولية. وكذلك تحالف ستالين مع أمريكا وبريطانيا ضد ألمانيا النازية الهتلرية في الحرب العالمية الثانية. فإذا كان هذا مقبولاً للسوفيت وليس ماكيافيلية، فلماذا لا يجوز للعراق أن يتحالف مع أمريكا وهو يواجه الإرهاب الداعشي-البعثي الذي هو أسوأ من النازية الهتلرية بكثير؟

الحقيقة الثانية، هي أن أمريكا ليست جمعية خيرية تقدم المساعدات لوجه الله أو لوجه الإنسانية أو لسواد عيون الشعب العراقي، بل هي دولة مؤسسات تسعى وراء مصالح شعبها. وكذلك علينا نحن العراقيين أن نسعى وراء مصالح شعبنا، ونمد الجسور مع أية دولة تتفق مصالحها مع مصالحنا وبالأخص أمريكا الدولة العظمى.
الحقيقة الثالثة، في عصر العولمة، والقطب الواحد، لا يمكن حل أية مشكلة كبيرة مثل الإرهاب الداعشي بدون الدعم الدولي وبقيادة أمريكا.
الحقيقة الرابعة، العراق تحكمه حكومة ديمقراطية إئتلافية (حكومة الوحدة الوطنية الشاملة). وهذه الحكومة غير متجانسة، بل ومتعادية فيما بينها، وهناك شركاء في السلطة  لهم علاقة مع الإرهاب ومستعدون أن يتحالفوا حتى مع الشيطان في سبيل مصالح شخصية وحزبية وفئوية وطائفية وعنصرية على حساب بقية مكونات الشعب.
الحقيقة الخامسة، القوات العسكرية العراقية حديثة التكوين وغير ملتزمة بالطاعة والانضباط العسكري. ففي تحقيق صحفي لصحيفة الإندبندنت اللندية، ينقل الكاتب باتريك كوكبرن عن تقرير للبنك الدولي نشر للتو، يكشف أن من أصل 8206 من الحراس الذين تستخدمهم وزارة واحدة، فقط 603 كانوا يعملون في الواقع والبقية غياب ويستلمون رواتب. وقد تم مؤخرا إقالة 132 من كبار الضباط من قبل رئيس الوزراء السيد العبادي، ولحد الآن ليست هناك أية علامة تشير إلى قدرة الجيش على تقديم هجوم مضاد ناجح ضد داعش. وأسوأ من ذلك، أن القوات الأمنية غير قادرة على وقف موجة السيارات المفخخة والانتحاريين في بغداد، التي لا تزال تسبب خسائر فادحة في أرواح المدنيين.... وإثناء سيطرة داعش على الموصل كان هناك نحو 60 ألف من القوات الحكومية المسلحة (الشرطة والجيش) لم يقوموا بواجبهم في حماية المحافظة ونسبة الغياب بين القوات المسلحة نحو الثلثين.(2)
هذا هو وضع العراق وأجهزته الأمنية، فكيف تريد أن تحمي وطناً وشعباً ودولة من مخاطر الإبادة وبهذه الإمكانيات الهزيلة، وبدون الدعم الدولي بحجة السادة والكرامة ؟؟؟؟

وآخر الأنباء تفيد أن الدكتور العبادي تلقى تهديداً من قادة الحشد الشعبي (وبتأثير من إيران) أنه إذا ما وافق على تواجد قوات برية دولية فإنهم سيسحبون إسنادهم للجيش، وربما حتى دعمهم للحكومة. ولذلك اضطر العبادي أن يصرح للإعلام بأنه ضد تواجد القوات البرية الأجنبية في العراق. وقريباً سيجد العبادي نفسه في نفس الوضع الذي كان فيه سلفه المالكي.
*********
والآن لنجيب على الأسئلة،
يبدأ الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي بالتالي:
الدكتور عبد الخالق...تحية، حقاً أريد أن أراجع نفسي. فأرجو مساعدتي بإفادتي برأيك عما يلي:
س1– لماذا لم تجهزنا أمريكا بطائرات م – 16 والأباتشي التي دفعنا ثمنها منذ مدة طويلة وهي القادرة على حراسة الحدود؟
ج: هذه الأسلحة ليست مواد غذائية أو مساعدات إنسانية يمكن تقديمها كيفما كان، بل هي تشكل جزءً مهماً من الاستراتيجية الأمريكية في علاقاتها مع الدول. ونظراً لرفض الجانب العراقي لبقاء قوات أمريكية رمزية محدودة في العراق وفق اتفاقية (SOFA) لتدريب جيشه ومساعدته عند الضرورة، إضافة إلى الحملة التي شنتها الجبهة الكردستانية والجبهة العربية السنية في الإعلام الغربي والأمريكي وبدعم من السعودية وغيرها، ضد السيد نوري المالكي، وأظهروه بأنه يميل إلى إيران ضد أمريكا، لذلك لم تسلم أمريكا هذه الأسلحة (طائرات م – 16 والأباتشي) إلى العراق خوفاً من وقوعها في أيدي الإيرانيين.
وكما علق مشكوراً القارئ الكريم حسين كاظم، على السيد العقابي قائلاً:
((هل تريد امريكا ان تجهز جيش بغداد النظامي حتى تذهب الطائرات الأمريكية لطهران او تذهب لداعش السنية كما حصل بالموصل من استيلاء المسلحين السنة على اسلحة الجيش؟ ماذا لو ان داعش حصلت على الطائرات الامريكية الحديثة من المطارات في الموصل؟؟ هل الجيش النظامي لبغداد مؤهل لاستلام اسلحة امريكية حديثة؟؟ في وقت يضم الجيش عشرات الألوف من المليشيات والجماعات المسلحة المعادية لأمريكا.. وتجهر بعدائها ضد امريكا... حتى المالكي اعترف بان ما حصل بالموصل من (تبخر للجيش) لم يكن بسبب قلة السلاح او نقصه، بل كان الجيش متخم بالأسلحة الثقيلة واعترف باقر صولاغ جبر .. بان قيمة الاسلحة التي كانت للفرق العسكرية بالموصل تقدر بسبعة مليارات دولار استولت عليها العشائر السنية المسلحة داعش. ارجو ان لا تجدوا مبررات وأعذار لفشل المسؤولين المحسوبين شيعيا .. والمؤسسة العسكرية المتهرئة .. ارجو ان لا تجعلوا امريكا علاكة لفشلكم وفشل العملية السياسية البائسة.. ورئيس وزراءها المحسوب شيعيا.. ارجو ان لا تجعلوا الاخرين سببا للانتكاسات.. لتجملون وجه زعماءكم المتهرئين..))(1)
كذلك نشرت صحيفة المدى قبل أكثر من عام، أن أمريكا رفضت قبول طيارين شيعة لتدريبهم على هذه الطائرات. وما جعل الإدارة الأمريكية تصدق بهذه الدعايات المضادة هو المظاهرات التي يقوم بها التيار الصدري (الشيعي) ضد أية علاقة مع أمريكا (كلا كلا أمريكا... وإن عدتم عدنا... وسنجعل العراق مقبرة للأمريكان...الخ). وإذا كانت القوة الجوية كافية لحراسة الحدود، فالعراق الآن لديه طائرات روسية لماذا مازالت الحدود غير محروسة؟ وهذا يؤكد ضرورة وجود قوات برية أيضاً.
   
س2: هل تتفق مع قول الرئيس أوباما للإعلامي توماس فريدمان: لا نريد ان تكون أمريكا قوة جوية للشيعة لضرب السنة؟
ج- طبعاً لا أتفق، وهي حجة واهية لكن نجح أعداء الديمقراطية أن يبرزوا الإرهاب الداعشي وكأنه صراع سني – شيعي ونتاج عزل المالكي للسنة والكرد. وكما قال أوباما في نفس المقابلة "أن الشيعة أهدروا الفرصة". في الحقيقة الشيعة هم أعداء أنفسهم، يضربون اليد التي تقدم لهم المساعدة. فهكذا فوَّت قادتهم الدينيون والعشائريون الفرصة في الحرب العالمية الأولى عندما أعلنوا حرب الجهاد على بريطانيا التي جاءت لتحرير العراق من الاستعمار التركي العثماني، ثم ثورة العشرين، وموقفهم المناهض للدولة الفتية، الأمر الذي أدى إلى تهميشهم وعزلهم لثمانين سنة. وبعد عام 2003 جاء الأمريكان وحرروهم من أشرس دكتاتورية همجية، فقام بعض قادة الشيعة من أمثال مقتدى الصدر والحكيم في موالاة إيران ومعاداة أمريكا وعلى حساب الشعب العراقي. فكيف تريد من أمريكا أن تتصرف في صالح الشيعة أو العراق وعلى رأس حكومته حكومة ترفض الدعم الأمريكي لهم؟

س3– هل تستطيع ان تحدد ما قصده الرئيس اوباما عندما قال لفريدمان: لم نعطِ مساعدات للمالكي كي لا نشجعه على عدم التنازل؟ أي تنازل أراد؟
ج: أنا لست الناطق الرسمي عن البيت الأبيض!!، ولكني أعتقد أنه قصد المزيد من مشاركة السنة والكرد. فكما بينتُ أعلاه أن خصوم المالكي نجحوا في إقناع أوباما ومعظم السياسيين والإعلاميين في الغرب بأن المالكي دكتاتور وهمش السنة والكرد وأنه موالي لإيران. وهذا الرأي رغم خرافيته وكذبه إلا إنه هو السائد في الغرب الآن، والسبب هو إهمال السيد نوري المالكي الجانب الإعلامي في الغرب، وكذلك لرفضه وجود قوات أمريكية في العراق مما جعل العقلية الغربية تصدق بهذه الافتراءات.

س4– هل تتفق مع ما دأب الرئيس اوباما والاعلام الأمريكي على طرحه ومنذ سنتين على ان السنة في العراق مهمشون ومقصيون وغير ممثَلين (هذه الأخيرة قالها لفريدمان)؟

ج: كلا، وألف كلا، لا أتفق مع ما يردده أوباما عن خرافة التهميش. و نشرت عدة مقالات نفيت فيها هذه الكذبة والخرافة، أدرج رابط إحداها في الهامش وهي بعنوان: (التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة)(3)
 
س5– هل تعتقد بعقلانية قول امريكا بأنها تشرك السعودية وقطر وتركيا على راس التحالف الدولي لمكافحة الارهاب لكي تشرك السنة في العملية؟ هل هؤلاء يمثلون السنة؟ اليست السعودية وقطر وهابيتان متطرفتان على عكس باقي السنة الوسطيين؟
ج: يا أخي أنت "تبيع الميه في حارة السقايين" كما يقول إخواننا المصريون. مرة أخرى أذكرك بأني كتب ونشرت عدة مقالات في هذا الخصوص بينت فيها أن داعش وغيره من الإرهاب الوهابي هو نتاج هذه الدول (السعودية وقطر وتركيا) بل وحتى الأردن، و بعلم من أمريكا وربما بمباركتها لاستخدام داعش في حالات معينة كما هي الحال في العراق حيث استخدموه لإزاحة السيد نوري المالكي بعد أن فشلوا في إزاحته عن طريق الانتخابات. راجع مقالنا ( نفاق السعودية في محاربة الإرهاب والتطرف الديني)(4)، ومقال آخر (لماذا نجح المالكي في الانتخابات وخسر "المقبولية"؟)(5).
وما الحماس الظاهري لهذه الدول في محاربة داعش، وتنظيمها للمؤتمرات الدولية إلا لخدع الرأي العام العالمي، ولإبعاد التهمة عن دورها في دعم داعش.
ولكن من الجانب الآخر، نعم أعتقد بعقلانية سعي امريكا في شمول هذه الدول في محاربة الإرهاب، لأن هذا الإرهاب هو سني، ومحاربته يعطي الذريعة لداعمي الإرهاب بأن أمريكا تحارب السنة لصالح الشيعة. وكما جاء في سؤالك الأول أن أوباما قال: "لا نريد ان تكون امريكا قوة جوية للشيعة لضرب السنة". لذلك فهذا الموقف الأمريكي لا بد وأن يكون عقلانياً وحكيماً لأنه جر هذه الدول وضمها إلى تحالفه الدولي ولو رمزياً وبالاسم فقط، وشئنا أم أبينا، فهذه الحكومات هي سنية وهي التي ساهمت في تأسيس ودعم الإرهاب الإسلامي السني الوهابي و وهبنة المسلمين السنة من بقية المذاهب الإسلامية المعتدلة ونشر التطرف.

س6– لماذا وافقت أمريكا على دخول الإرهابيين الى سوريا وعلى الحدود العراقية؟

ج: أمريكا تريد الإطاحة ببشار الأسد وبأي ثمن كان، لأن الأسد حليف إيران و روسيا. والصراع على الشرق الأوسط هو صراع بين روسيا والصين من جهة، وبين أمريكا والوحدة الأوربية من جهة أخرى. ولذلك تريد أمريكا تغيير كل حكومة في المنطقة تتعاطف مع المعسكر الروسي- الصيني. فمثلاً خلقوا مشكلة أوكرانيا ضد روسيا، والآن أشعلوا مشكلة هونكونغ ضد الصين، وجاؤا بداعش ضد المالكي. والتاريخ يخبرنا أن النصر دائماً إلى جانب الحلفاء الغربيين. وكل من وقف ضد الغرب أنتهى كما أنتهى هتلر وصدام والقذافي. لذلك فمن مصلحة العراق أن يقف مع المعسكر الغربي الذي حرره من حكم الطغيان البعثي ولأنه مع حركة التاريخ.

س7– اما ترى أن المشاكل التي اثيرت بوجه صفقة السلاح الروسي كانت مفتعلة؟ من كان وراء الافتعال ولماذا؟
ج: بالتأكيد كانت مفتعلة وذات غايات كيدية، وأوضحنا هذه المسألة في عدة مقالات لنا. وهذه المشاكل أفتعلها الإعلام المؤيد للسيد مسعود بارزاني مثل المدى، لأن رئيس الإقليم يعتقد أنه لا يستطيع تحقيق طموحه في تشكيل الدولة الكردية إلا بتدمير الدولة العراقية، وبإضعاف القوات المسلحة الإتحادية. لذلك كسب بارزاني أمريكا إلى جانبه، وعيَّن العديد من موظفي السفارة الأمريكية السابقين بمن فيهم السفير الأمريكي السابق زلماي خليل زاد، مستشارين له. وهؤلاء راحوا يدعمونه بتقديم الاستشارات التي تخدم قضيته، وتكوين لوبيات في واشنطن لصالحه. فأين الحكومة المركزية من هذه النشاطات؟ والآن استغل بارزاني ورقة داعش لتسليح جيشه (بيشمركة) مباشرة من أمريكا ودول الوحدة الأوربية، وبدون الرجوع إلى الحكومة المركزية الاتحادية. هذه هي اللعبة السياسية وفن الممكن التي نجح فيها السيد بارزاني وفشل المالكي، وربما حتى العبادي. فأين السيادة الوطنية في هذا الوضع المزري؟

س8– أليست العناية بكردستان قبل بغداد (حتى هرعت ايران وروسيا لمساعدتنا) نابعاً من حقيقة أن كردستان تأخذ بصيغة “المشاركة في الإنتاج النفطي” التي تعطي شركات النفط ربحاً اكثر ب (25) ضعفاً من صيغة بغداد “عقود خدمة”؟ وكذلك لأن البرزاني ينفذ اجندات اسرائيلية لتفتيت العراق كجزء من حملة تفتيت الدول العربية واحدة بعد الاخرى؟
ج: نعم، أتفق معك، لذلك كان على الحكومة المركزية أن لا تدير ظهرها على أمريكا وتستجيب لمطالب إيران، فإيران ومنذ الحرب العالمية الأولى استخدمت شيعة العراق لأغراضها ضد مصلحة الشعب العراقي. وقد حان الوقت لشيعة العراق أن ينتبهوا إلى أن مصلحتهم مع الغرب وليس مع إيران. وهذه ليست دعوة لمعاداة إيران، بل يجب أن تكون العلاقة متكافئة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، ومن واجب الحكومة العراقية أن تضع مصلحة الشعب العراقي فوق كل شيء وكل اعتبار.

س9– أما ترى أن ما أزعج امريكا ان العراق لم يساهم في تدمير سوريا؟ وان العراق لم يفتعل التوتر والحرب مع ايران؟ وبالتالي فان العراق لم يساهم في تصفية القضية الفلسطينية؟

ج: كلا، أمريكا لا تريد من العراق أية مشاركة في تدمير سوريا، أو شن الحرب على إيران، ولكن في نفس الوقت لا تريد أمريكا من العراق أن تدعم نظام بشار الأسد البعثي، وأن لا تكون علاقة العراق مع إيران على حساب أمريكا. وكان بإمكان السيد نوري المالكي، وبديله السيد العبادي، مفاتحة أمريكا وإقناعها بأن البديل عن الأسد هو داعش وجبهة النصرة، وأنكم أيها أمريكان تخلقون لكم ولنا دولة طالبان أخرى في سوريا على حدود بلادنا وفي منطقتنا الملتهبة أصلاً، وهذا خطر عليكم وعلينا جميعاً. والآن أمريكا اعترفت بالأمر الواقع، فهناك أمريكان متنفذون، يطالبون الإدارة الأمريكية بالتحالف مع إيران وحتى مع بشار الأسد لضرب داعش. ويستشهدون بتحالف تشرتشل وروزفلت مع ستالين في الحرب العالمية الثانية. وحجتهم أنه إذا كنت مهدداً من شرين، فعليك التحالف مع الأقل شراً للقضاء على الأكثر شراً. وبشار الأسد أقل شراً من داعش وجبهة النصرة. 
كذلك لا أحد يريد تصفية القضية الفلسطينية، فأمريكا وحلفائها الغربيون يريدون حل القضية الفلسطينية بإنشاء الدولتين، ولكن حماس وبدعم من إيران، هي التي تقف حجر عثرة فتعطي الذريعة لليمين الإسرائيلي المتطرف المتمثل في نتنياهو ضد حل المشكلة الفلسطينية. وتطرف حماس في صالح التطرف الإسرائيلي. وليس المطلوب من العراق أن يضحي بآخر عراقي في سبيل فلسطين وأن يكون فلسطينياً أكثر من الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي وافق على حل الدولتين، وليس الحل الذي تطرحه إيران وحماس بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، والتمسك بسياسة "كل شيء أو لا شيء" والتي تنتهي دائماً بلا شيء.

س10– كيف تتهم جميع من ينادي بصيانة السيادة والإستقلال الوطني والمحافظة على ثروة النفط الوطنية بانه يقول كلمة حق يراد بها باطل لخداع البسطاء؟ أليس من حقنا ان ندعو الى الحيطة والحذر؟
ج: أبداً، أنا لم أتهم الناس بشكل عشوائي، معاذ الله، بل أتهم فقط أولئك الذين يذرفون دموع التماسيح على الكرامة والسيادة، وغايتهم خدمة الإرهاب البعثي الداعشي. وهؤلاء يعتبرون أية دعوة لعلاقة متكافئة مع أمريكا ولصالح العراق هي دعوة للانبطاح تحت جزمة الأمريكان!! (لاحظ المفردات التي يستخدمونها)، بينما هذا الإذلال الذي ألحق بالعراقيين وخاصة من الأقليات الدينية حيث هتك الأعراض، وبيع الحرائر والأطفال في سوق النخاسة في القرن الواحد والعشرين لا يعتبرونه انبطاحاً تحت جزمات الدواعش الأوباش.
ومن حقكم أن تدعوا إلى الحيطة والحذر، ولكن دعواتكم وغاياتكم تختلف عن دعوات وغايات أنصار داعش وأنتم لستم المقصودين بـ"كلمة حق يراد بها باطل لخداع البسطاء".
أليست مفارقة أن تسمح حكومة إتحاد الإمارات العربية لأكثر من 600 من القوات الاسترالية ضيوفاً عليها لضرب داعش في العراق وترفض الحكومة العراقية استضافتها خوفاً على السيادة؟
فهل القوات الاسترالية أساءت لكرامة وسيادة اتحاد الإمارات؟
مع خالص الشكر والتقدير
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- نص المقابلة الإذاعية مع الدكتور عبد الخالق حسين - إعداد وتقديم ملهم الملائكة
http://www.qanon302.net/in-focus/2014/09/28/32469#comment-44695

2- PATRICK COCKBURN: Isis an hour away from Baghdad - with no sign of Iraq army being able to make a successful counter-attack
http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/isis-an-hour-away-from-baghdad--with-no-sign-of-iraq-army-being-able-to-make-a-successful-counterattack-9763658.html

3- عبدالخالق حسين: أوباما ينتقم من بوش بترك العراق للإرهابيين
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=660

4- عبدالخالق حسين: التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=626

5- عيدالخالق حسين: نفاق السعودية في محاربة الإرهاب والتطرف الديني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=678

6- د.عبدالخالق حسين: لماذا ربح المالكي الانتخابات وخسر"المقبولية"؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=677


275
هل يتراجع الدعم الدولي للعراق ضد داعش بسبب اشتراطاته؟

مقابلة إذاعية، إعداد وتقديم ملهم الملائكة

فيما يلتئم الموقف الدولي باتجاه ضرب داعش تحت مظلة تحالف دولي شاركت فيه دول عربية طالما اتخذت مواقف متعاطفة مع الاسلام المتشدد ، بدأ الموقف العراقي مرة اخرى بالتشرذم ، وصارت بعض نخبه السياسية تغرد بالضد من توجه الموقف الدولي، مقاربة بذلك مواقف ايران من ضرب داعش. (DW) في ألمانيا بالتعاون مع راديو دجلة في العراق حاورت الكاتب والمحلل السياسي د. عبد الخالق حسين في 25/9/2014 وناقشت معه احتمالات تراجع الدعم الغربي عن حكومة العراق في ظل المواقف الجديدة.

س1. يبدو أن حكومة العراق غير متفقة بشأن الدعم الغربي، خاصة  بعد أن أعلنت إيران اعتراضها على ضرب داعش، ما تعليقك على ذلك؟

ج: شكراً جزيلاً على دعوتكم الكريمة.
فيما يخص اشتراطات بعض قادة الكيانات السياسية، فعلاً تبدو أنها مفارقة غريبة وعجيبة، لا تحصل إلا في العراق، حيث نرى العالم كله يقف في وحدة متراصة تمثلت يوم أمس (24/9/2014)، في اجتماع خاص لمجلس الأمن الدولي، برئاسة الرئيس أوباما، وحضره رؤساء 15 دولة وصدر قرار بالإجماع لدعم العراق في حربه على الإرهاب، بينما نجد المسؤولين العراقيين غير متفقين على هذا الدعم، وحتى قسم منهم معارض لضرب داعش، وخاصة من فئة المستهدفين بحرب الإبادة من قبل داعش، ومن يدعم داعش. هذا الموقف هو نتيجة التدخل الإيراني الفض بالشأن العراقي. ويبدو أن إيران تريد التضحية بالعراق وبشيعة العراق خاصة، من أجل مصالحها. ومع الأسف تتمتع إيران بنفوذ سياسي في العراق عن طريق كيانات سياسية لها مليشيات مسلحة، تغدق عليها بالمال والسلاح، وهناك كيانات سياسة مستعدة لبيع الوطن في سبيل حفنة من الدولارات.
 
س2. كيف يتسنى للغرب ان يدعم حكومة العراق وقواتها فيما يقول قادة عراقيون بارزون إنهم سيهاجمون القوات الأمريكية إذا دخلت العراق، " ان عدتم عدنا " ؟
ج: الحكومات الغربية وباستخباراتها الواسعة والقوية تعرف جيداً تعقيدات الوضع العراقي، وأن كياناته السياسية ليست موحدة، وأن النظام السياسي الديمقراطي الذي يتمتع به العراق الجديد يسمح لهذه التعددية في المواقف والآراء، ويسمح لها بإسماع صوتها للعالم، ولكن في نفس الوقت يعرف الغرب أن هذه الأصوات المخالفة هي أصوات الأقلية من الكيانات السياسية التي ولائها لجهات أجنبية وليس للعراق. ولذلك فهي لا تمثل غالبية الشعب. فالغالبية العظمى هي التي تمثلها الحكومة والتي طالبت بالدعم الدولي. فهذا التحرك الدولي جاء استجابة لدعوة رسمية تقدم بها رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي، قدمها إلى أمريكا وبريطانيا وغيرهما في المجتمع الدولي إثناء حضوره اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لدعم العراق في حربه على الإرهاب الداعشي. وجاءت الاستجابة بسرعة و بقوة وبالإجماع. لذلك سوف لا يهتم الغرب بهذه الأصوات النشاز التي تردد شعارات صبيانية مستوردة من إيران مثل: (كلا كلا أمريكا)، (وإن عدتم عدنا)... وغيرها من العبارات الضارة بسمعة العراق، والتي لا تسمن ولا تغني من جوع.

س3. ظاهر المشهد في العراق، أنهم ما زالوا مختلفين حول المغانم السياسية، وليسوا متفقين حول أسلوب الحرب على الإرهاب، ما تعليقك على هذا؟
ج: هذه الظاهرة معروفة وعادية في العراق، فالشعب العراقي منقسم على نفسه، وخاصة كياناته السياسية التي تتصارع على مغانم السلطة والنفوذ والثروة، وهي ليست فقط غير متفقة في أسلوب الحرب على الإرهاب، بل هناك كيانات سياسية مشاركة في الحكومة تعارض الحرب على الإرهاب أصلاً، وهناك مؤتمرات عقدت في عمان وحتى في العراق لدعم داعش وتسميهم بالثوار. و كما بينتُ أن هناك كيانات سياسية ولاءها لحكومات أجنبية، وهؤلاء رغم أنهم يدينون الإرهاب الداعشي علناً، إلا إن أجنداتهم مع بقاء داعش، لذلك يعارضون الدعم الدولي للعراق بذرائع واهية مثل إدعائهم أن الدعم الدولي يسيء للكرامة والسيادة الوطنية وغيرها من المعاذير الفارغة.

س4. كثافة ضربات التحالف الدولي على مواقع داعش في سوريا، تكشف توجها جديا للقضاء على التنظيم، لكننا لا نلحظ مثل هذه الكثافة في العراق، ما تفسيرك لذلك؟
ج: تفسيري هو أن تجمعات داعش في العراق موزعة على مساحات واسعة تبلغ ثلث مساحة العراق، وبشكل غير مكثف. والقصف الأمريكي على مواقع داعش في العراق أعطاهم شعور واهم بالأمان الزائف في سوريا بأن مدينة الرقة وغيرها من المناطق السورية التي يحتلها داعش. وهذا الشعور بالأمان الزائف جعل أعداداً كبيرة من الدواعش بالفرار من العراق إلى سوريا وتكثيف وجودهم في مصيدة في الرقة وغيرها. لذلك حصلت كثافة ضربات التحالف الدولي على مواقع داعش في سوريا.
وخلافاً للوضع السوري، في العراق هناك البديل القوي لدحر داعش حيث القوات العسكرية العراقية مدعومةً بالحشد الشعبي وقوات البيشمركة، إضافة إلى القوة الجوية العراقية والأمريكية. بينما هذه الإمكانيات غير متوفرة في سوريا لذلك يعوض عنها بالقصف الأمريكي المكثف. 

س5. في الصقلاوية يدور الحديث عن هجوم سكان الفلوجة ضد الجيش العراقي وقتلهم، كيف يمكن للتحالف الدولي أن يتدخل في هذه الحالة؟
ج: التحالف الدولي لا يمكنه التدخل إلا بالقوة الجوية فقط في الوقت الراهن على الأقل، لأن الحكومات الداعمة تواجه معارضة من شعوبها وبرلماناتها على إرسال قوات برية إلى العراق، إضافة إلى أن العراق لا يحتاج إلى قوات برية أجنبية، إذ يبلغ عدد منتسبي القوات المسلحة العراقية حدود المليون، من ضباط وجنود وإداريين. فكل ما يحتاجه العراق من الدعم الدولي في هذا الخصوص هو دعم الجيش العراقي بالتدريب والمعدات والمعلومات الإستخباراتية والغطاء الجوي وليس بالقوات البرية.
أما الحديث عن هجوم سكان الفلوجة ضد الجيش وقتلهم أعتقد أنه مبالغ به، كيف يمكن لسكان عزل أن يقتلوا جنودا مدججين بالسلاح؟ فهذا القتل الذي حصل، هو من قبل الدواعش المتحالفين مع فلول البعث الذين معظمهم كانوا ضباط في الحرس الجمهوري.
كذلك جاء هذا التصعيد في قتل الجنود العراقيين على أثر بيان رئيس الحكومة الدكتور العبادي بوقف القصف الجوي على مراكز تجمعات داعش في المدن وذلك استجابة لنداءات مشبوهة بوقف القصف بحجة الخوف على المدنيين. في الحقيقة لم يكن القصف عشوائياً إذ لا يتم إلا بعد الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة عن تواجد الإرهابيين في أماكن معينة، لذلك استغل الإرهابيون وقف القصف لصالحهم، وتكثيف جرائمهم. كما وأصدرت قيادة فلول البعث ما يسمى بـ(القيادة القومية) بياناً حثت فيه الإرهابيين على استغلال وقف القصف الجوي لإنزال المزيد من الضربات على "الجيش الصفوي" حسب تعبيرهم الطائفي المقيت، وكذلك تصعيد المطالبة في وسائل الإعلام بوقف القصف الجوي. وهذا يؤكد ما قلناه عشرات المرات أن البعث وداعش وجهان لإرهاب واحد. وعلى الحكومة العراقية إعادة النظر في موقفها من وقف القصف الجوي على الدواعش في المدن، فالطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة. 

س6. عدنا نسمع النغمة القديمة، عن السيادة الوطنية، وعن مخاطر الاستعمار، وعن مطامع أمريكا في العراق، كيف هذا والعراق وسوريا يتوسلان بالمجتمع الدولي للتدخل؟
ج: كما بينت ، إن ترديد هذه النغمات: السيادة الوطنية، وعودة الاستعمار، ومطامع أمريكا في العراق لنهب ثرواته النفطية...الخ، ليس جديداً وإنما هي أقوال حق يراد بها باطل، يحاولون بها خدع البسطاء من أبناء شعبنا، ولكن مع الزمن اكتشف شعبنا زيف هذه الأقاويل بعد أن خدعوه لعقود من السنين، والآن حصلت عنده مناعة ضد هذه النغمة النشاز. والغريب أن أغلب الذين يرددون هذه الأباطيل هم عراقيون مقيمون في الدول الغربية التي وفرت لهم العيش الكريم والحرية والأمان، ولكن إذا ما حاولت هذه الحكومات الغربية مد يد العون والمساعدة إلى الشعب العراقي لدحر الإرهاب، رفعوا عقيرتهم بالصراخ وامعتصماه، الكرامة الكرامة.. السيادة الوطنية في خطر. وإذا ما دعونا المجتمع الدولي بدعم العراق يتهموننا بالعمالة والانبطاح لأمريكا وغيرها من الاتهامات الجاهزة. 

س7. بغداد تهددها داعش، ولذا نرى ان ضربات أمريكية قد وجهت إلى مناطق شمال وجنوب بغداد، كيف تفسر برود النخب السياسية تجاه هذا التهديد؟
ج: يمكن تفسير هذا البرود إلى سببين لا غيرهما: الأول هو أن بعض هذه النخب هي الأذرع السياسية والوجوه المرئية للإهاب البعثي- الداعشي في العملية السياسية. والثاني: أن هناك كيانات سياسية مؤيدة للضربات الأمريكية لداعش ولكنها جبانة تخاف من اتهامها بالعمالة لأمريكا من قبل الفئة الأولى والإعلام المضلل الذي يستخدم الإرهاب الفكري ضد المخلصين من السياسيين والكتاب العراقيين. لذا نهيب بالناس المخلصين أن يتخذوا مواقف شجاعة مما يجري في العراق وأن لا تأخذهم في الحق لومة لائم، فالساكت عن الحق شيطان أخرس.
 
س8. بعد هذه المواقف، هل ترجح أن يستمر التحالف الدولي بخطة الإسناد الجوي للعراق وسوريا؟
ج: نعم، وبلا شك، وخاصة في الاسناد الجوي، لأن هناك قناعة لدا الحكومات وخاصة الغربية، وبالأخص أمريكا وبريطانيا وفرنسا بعد أن تم ذبح مواطنين لهذا الدول يعملون في مجال الصحافة وحقوق الإنسان وتقديم المساعدات الإنسانية للأهالي المنكوبين، تم ذبحهم في سوريا بطريقة وحشية بربرية أثارت سخط واشمئزاز العالم المتحضر أجمع، كذلك جرائم داعش في العراق في إبادة الجنس ضد الشيعة والمسيحيين والشبك والأيزيديين وغيرهم. لذلك، تأكدت هذه الحكومات وشعوبها أن الإرهاب هو دولي ويهدد الإنسانية والحضارة البشرية، لذا يجب سحقه ودحره، وإلا سيصل الحريق إلى بلدانهم، خاصة هناك نحو ألفين من الدواعش من أوربا، بينهم  500 داعشي من بريطانيا وحدها، فعند عودتهم إلى بلدانهم لا بد وأنهم سيقومون بالإرهاب في هذه البلدان التي آوتهم. لذلك أعتقد جازماً أن الدعم الدولي للعراق وسوريا هو جدي وسيستمر إلى أن يتم سحق الإرهاب بالكامل.
25/9/2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* استمع الى الحوار كاملا وحوار حول سوق النخاسة الداعشي في تلعفر ، ومسرحية من الادب الكلاسيكي الالماني على الرابط التالي
http://www.dw.de/بعد-مواقف-بغداد-هل-يتجه-الدعم-الدولي-إلى-كردستان/a-17955060 



276
الكرامة والسيادة في خدمة "داعش"

عبدالخالق حسين

يواجه العراق اليوم هجمة شرسة من عدو إرهابي شرس وخبيث، اسمه (داعش)، والذي وهو نتاج تحالف البعث وجناح منشق من القاعدة. يتمتع هذا العدو بقدرات كبيرة في مختلف المجالات: العسكرية، والسياسية، والإعلامية، والمالية، وبدعم دولي، وإمكانية فائقة في تسخير الدين والتراث العربي الإسلامي وكل المفاهيم والقيم الاجتماعية لخدمة أغراضه الشريرة، وتضليل الناس وقيادتهم إلى الهاوية. فكما نجح قادة الأخوان المسلمين ومشايخ الوهابية في تحويل الإسلام إلى أيديولوجية للإرهاب ضد الحضارة والبشرية، كذلك نجح البعث الداعشي في تسخير الكرامة والسيادة لأغراضه الإرهابية.   

فالثقافة الاجتماعية العربية(الموروث الاجتماعي- culture)، منبعها البداوة التي قال عنها المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، "أنها حضارة متجمدة". والمجتمع العراقي كما وصفه العلامة علي الوردي هو "نتاج التلاقح بين البداوة والحضارة". ورغم أن الشعب العراقي قطع شوطاً كبيراً في التحضر منذ تأسيس دولته الحديثة عام 1921، إلا إن الجانب البدوي فيه مازال متغلباً في شخصية الفرد العراقي، وبنسب متفاوتة حسب درجة ثقافة الناس، خاصة وقد حاول البعث خلال 35 سنة من حكمه الجائر قمع الجانب الحضاري وإحياء البداوة وقيمها الصحراوية، وبالأخص السلبية منها مثل الثأر والانتقام، ومناهضة الحداثة والديمقراطية. لذلك فمازالت قيم البداوة هي السائدة في الثقافة الاجتماعية في العراق ولصالح الإرهاب.

فالبدوي لا يمكنه أن يتخلص من نزعة الثأر والانتقام، والعداوات السابقة، فهو لا يفهم مقولة: (ليس في السياسة عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بل مصالح دائمة)، وغالباً ما يستهزئ منها ويعتبرها مسيئة للكرامة، لأنه يعاني من عقد الكرامة. وهذا واضح من مواقف شريحة واسعة من العراقيين، وخاصة ما يطلق عليهم بالتيار الصدري، من عداء مستفحل ضد أمريكا ورغم أن الأخيرة أسقطت لهم أبشع نظام همجي عرفه التاريخ، النظام الذي أعدم العديد من أفراد عائلة السيد مقتدى الصدر(زعيم التيار)، ومئات الألوف من أبناء الشعب العراقي، وبالأخص من أبناء طائفته، الشيعة، إلا إننا نرى هذا التيار يغالي في رفع الشعار الإيراني: (كلا كلا أمريكا) والذي صار نشيد إنشادهم، وحتى لبعض المتعلمين والمثقفين العلمانيين الذين تشبعوا بكراهية الغرب مع حليب الرضاعة.

فالعراق اليوم مهدد بحرب إبادة الجنس من قبل أخطر تنظيم إرهابي يهدد البشرية كلها وباسم الإسلام، وليس بإمكان الشعب العراقي لوحده، أو أية دولة أخرى لوحدها القضاء عليه. لذلك قلنا مراراً وتكراراً، أن الإرهاب الوهابي- البعثي (داعش) هو ليس مشكلة عراقية أو سورية فقط، بل مشكلة دولية، و لدحره وسحقه يجب تضافر وتنسيق جهود دولية بقيادة الدولة العظمى أمريكا. ونظراً لتفاقم خطر داعش حيث راح يهدد أمن وسلامة جميع دول المنطقة، بما فيها تلك التي ساهمت في صنعه وتمويله وتسلحيه وتلقينه بالأيديولوجية الوهابية التكفيرية، مثل السعودية وتركيا وقطر، حيث أنقلب الآن السحر على الساحر، مما أدى إلى قيام هذه الدول بعقد مؤتمرات دولية عديدة لدعم العراق في حربه على الإرهاب الداعشي البعثي. 
ولكن المفارقة، و بدلاً من الترحيب بهذه الجهود الدولية وتوظيفها لصالح العراق، قابلت  شريحة من العراقيين هذه الجهود بالرفض والجحود بحجج واهية، مدعين أن الدعم الدولي بقيادة أمريكا للعراق يمس كرامة الشعب العراقي، ويسيء إلى السيادة الوطنية!!! والغريب أن هذا الاعتراض يأتي من قيادات للمكون الشيعي الذي هو الأكثر تعرضاً للإبادة من قبل داعش. فقد دعا التيار الصدري إلى تظاهرة "مليونية" في بغداد والمدن الأخرى ضد أمريكا، مردداً هتافات و شعارات إيرانية مثل (كلا كلا أمريكا). و نائب صدري يهدد: "أنهم سيجعلون العراق مقبرة لأمريكا إذا ما حاولت إرسال قوات برية للعراق". فيا ترى، من المستفيد من هذه التهديدات الفارغة؟ ألا يصب ذلك في خدمة داعش؟
وماذا لو جاءت هذه المساعدة من إيران؟ و هل سيردد التيار الصدري هتافات (كلا كلا إيران)؟ أم يرحب بها؟ والغريب أننا نسمع تصريحا مجانياً لوزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، أدعى فيه "انه لولا المساعدة الايرانية العاجلة للعراق لسقط بيد داعش". نرى أن في هذا التصريح الكثير من التجني على الحقيقة وادعاء أدوار لم تقم بها إيران. فالذي ألحق الهزيمة بداعش، وحمى العراق من السقوط في براثنه، هو الجيش العراقي، وفصائل الحشد الشعبي وقوات البيشمركة، والقوات الجوية العراقية والأمريكية. ولم نسمع لإيران أي دور في محاربة داعش في العراق إلا من السيد ظريف بعد أن بدأ الدواعش بالهزيمة وذلك لسرقة النصر من القوات الأمنية العراقية المدعومة بالقوة الجوية الأمريكية. وإذا كانت هناك إساءة للكرامة والسيادة من تواجد قوات أجنبية في العراق، فلماذا يسكت هؤلاء السادة عن وجود قوات إيرانية وهي أجنبية أيضاً، فيما لو صح إداع وزير خارجية إيران؟

والأسوأ والأغرب من كل ذلك، أن هناك كتاب علمانيون ويساريون لا يختلفون عن البدو وعن التيار الصدري في فهمهم للكرامة والسيادة. فهم أيضاً يعتبرون أي نوع من التعاون مع الدولة العظمى وحلفائها في مواجهة الإرهاب الداعشي الوهابي هو إساءة لكرامة الشعب والسيادة الوطنية. عجيب أمرهم.
ونحن إذ نسأل: أية سيادة وطنية هذه وقد احتل داعش ثلث مساحة العراق؟ وأية كرامة بقيت والمئات وربما الألوف من الأطفال والنساء العراقيات يتم بيعهن في أسواق النخاسة من قبل عصابات داعش في القرن الحادي والعشرين؟ أيهما إساءة للكرامة والسيادة الوطنية، هذا الوضع المزري، حيث ثلث مساحة العراق تحت هيمنة داعش، ومجرمين من شذاذ الآفاق ينتهكون أعراض وحرمات شعبنا، أم التحالف مع المجهود الدولي بقيادة الدولة العظمى وفق قرارات دولية شرعية لدحر الإرهاب الداعشي وغيره من التنظيمات الإرهابية؟

لا شك أن هذه النداءات والمطالبات الغبية برفض المجهود الدولي ومعاداة أمريكا تصب في خدمة الإرهاب الداعشي سواءً بقصد أو بجهل وغياب الوعي. ونحن نعرف أن معظم أتباع التيار الصدري هم من البعثيين الشيعة وفدائي صدام، الذين وجدوا في التيار الصدري ومليشياته ملاذاً آمناً لهم لضرب العملية السياسية بذريعة محاربة "المحتل الأمريكي"، وهم في الحقيقة ينفذون المخطط الإيراني والسعودي والبعثي لتخريب العملية السياسية. فعن أية كرامة وسيادة يتحدثون؟ أنهم في الحقيقة يعيدون إلى الذاكرة لعبة معاوية وعمرو بن العاص يوم رفعوا المصاحف على أسنة الرماح صارخين "لا حكم إلا لله"، ونجحت الخدعة. واليوم تتكرر ذات اللعبة فيرفعون شعارات الكرامة والسيادة زيفاً، ويصرخون: (كلا كلا أمريكا) في حرب العراق على الإرهاب، والغرض واضح وهو إنقاذ داعش من ضربات التحالف الدولي.     

هناك من يبرر العداء لأمريكا وفي هذه الظروف بما ارتكبته من حروب في فيتنام وغيرها في فترة الحرب الباردة. ففي رأي هؤلاء كان من الأفضل إبقاء نظام البعث الصدامي يضطهد الشعب العراقي بدلاً من إسقاطه بدعم أمريكي، وحجتهم أن أمريكا هي التي جاءت بالبعث عام 1963 و 1968. طيب، أمريكا جاءت بالبعث ودعمت صدام في حربه على إيران وعملت ما عملت في فيتنام في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، فلماذا لا نوظف ما حصل الآن من تغييرات في السياسة الدولية والنظام العالمي الجديد، ونستفيد من إمكانيات أمريكا في إسقاط هذا النظام الجائر، ومساعدتنا في ضرب الإرهاب؟ أيهما أفضل للعراق إبقاء حكم صدام الجائر وتعريض شعبه للإرهاب، أم قبول الدعم الأمريكي؟ أليست السياسة وراء المصالح؟ فلماذا العراقيون وحدهم يقفون دائماً ضد مصالحهم بحجة الكرامة والسيادة؟ أليس هذا تنفيذاً لمقولة: " شيِّم البدوي وخذ عباته"؟ 
فالذين يطالبون الحكومة العراقية برفض الدعم الأمريكي والتحالف معه بحجة الإساءة للكرامة والسيادة، في الحقيقة لا يختلفون عن فهم البدوي الجلف للكرامة والسيادة. لذلك أود أن أذكرهم للمرة الألف أن هناك 28 دولة أوربية بما فيها بريطانيا العظمى، وتركيا ضمن حلف الناتو، و هناك العديد من دول جنوب شرق آسيا ودول خليجية، فيها قواعد عسكرية أمريكية، فهل هذه الشعوب بلا كرمة ولا سيادة؟

وهذا يذكرني بقصة ذكرها عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي في أحد كتبه، وهو يتحدث عن مفهوم الشرف عند البدو، فقال أن شيخ قبيلة بدوية جاء إلى بغداد في العهد العثماني يبحث عن عائلة بغدادية شريفة ليتصاهر معها. فراح يستفسر من الناس، فذكروا له بعض البيوتات البغدادية المعروفة مثل بيت الباججي، والجادرجي، والجرجفجي، والدفتردار والكليدار.. الخ. فاستغرب الرجل أن يصفوا هذه العائلات التي تحمل ألقاباً مهنية بالشرف. لأن البدوي يعتبر المهنة إهانة وأصحاب المهن غير شرفاء حسب مقاييسهم البدوية للشرف. والمهن الشريفة عندهم هي الغزو، والتجارة وزراعة الحبوب (الحنطة والشعير) فقط. فقالوا له إذا تريد عائلة شريفة حسب مفاهيم الصحراء، فلن تجده إلا في الصحراء.
لذلك نقول لهؤلاء السادة أن مقاييس الشرف والكرامة والسيادة الوطنية ليست بمعاداة العالم، وشعارات "كلا كلا أمريكا"، فلو قارنا مفاهيم الثقافة العربية السائدة الآن لوجدناها لا تختلف كثيراً عما كان عليه في العهد الجاهلي حيث المبالغة في التباهي والتفاخر الفارغ كما عبر عنه عمرو بن كلثوم:
إذا بلغ الفطامَ لنا صبيٌ.....تخر له الجبار ساجدينا.

ولم يسلم من هذه الآفة البدوية في مفهوم الكرامة والسيادة حتى كتاب يعتبرون أنفسهم علمانيين وماركسيين، مثل الكاتب السيد عبدالرضا حمد جاسم الذي كتب مقالاً مطولاً في حلقات بعنوان (عبدالخالق حسين وأمريكا)، جاء في نهاية الحلقة الثالثة، موجهاً لي قوله بصيغة أمر: "عندما تريد ان تتكلم عن شعب العراق تَعَّلَمْ ان تقرأ جيداً التركيبة الاجتماعية و السياسية له وأن تدرس تاريخه لتعرف كيف تحلل حاضره لتقدم شيء لمستقبلة...لا أن تقارن الامور بسطحية.... الخ"
لا أنوي الدخول في مناظرة مطولة مع السيد عبدالرضا في كل ما قال، فهذا يتطلب وقتاً وجهداً بلا نفع وجدوى. ولكني أؤكد له في هذه العجالة أني مدمن على قراءة كتب التاريخ وبالأخص ما يتعلق بتاريخ الشعب العراقي الذي تابعته من العصور الجليدية والحجرية وإلى الآن ولمختلف المؤلفين، إضافة إلى أوضاعه الاجتماعية والسياسية من مؤلفات الوردي وعبدالرزاق الحسني وحنا بطاطو وغيرهم كثيرون. ولكني أختلف عن السيد عبدالرضا بأني أقرأ بعقل منفتح ومتحرر من أية أحكام مسبقة، وليس من خلال فلتر أيديولوجية معينة، إذ أرفض الطريقة الببغاوية في قراءة التاريخ، فالأمور مرهونة بأوقاتها وظروفها. والسطحيون هم الذين يرددون ما حفظوه عن ظهر القلب دون أن يدركوا المعنى ودرجة علاقته بظروف العراق الراهنة وحسب "تركيبته الاجتماعية والسياسية".
والغريب أن السيد الكاتب يوجه كلامه لي وبثقة عالية فيقول: "و انصحك ان لا تتبع الدكتور الراحل علي الوردي". و أوعدنا بأنه ينوي كتابة مقالات عن الوردي في هذا الخصوص. وبالمناسبة هناك كاتب آخر يدعي أنه أستاذ أكاديمي ومؤرخ، يتهجم بمناسبة ودونها على أفضل باحثيَن في الشأن العراقي وهما الوردي وبطاطو.

ولماذا لا نتبع الوردي يا سيد عبدالرضا؟
الجواب واضح، لأن الوردي هو أكثر من درس المجتمع العراقي دراسة علمية وبحيادية وعمق، واكتشف عيوبه وأمراضه الاجتماعية ونشرها على الحبل، وهو الذي شخص مرض الازدواجية في الشخصية العراقية، وبالأخص لدا الكثير من المتعلمين والكتاب والخطباء والوعاظ العراقيين، ومن أدعياء اليسارية والعلمانية وهم في حقيقتهم لا يختلفون عن أسلافهم البدو، إذ قال عنهم بحق: "يجب أن لا ننسى أن الكثيرين منا متحضرون ظاهرياً بينما هم في أعماقهم لا يزالون بدواً أو أشباه بدو، فإن قيم البداوة التي تمكنت من أنفسهم على توالي الأجيال ليس من السهل أن تزول عنهم دفعة واحدة بمجرد تقمصهم الأزياء الحديثة أو تمشدقهم بالخطب الرنانة."
ورحم الله نزار قباني حين قال: (لبسنا ثوب الحضارة والروح جاهلية).

خلاصة القول، وكما ذكرانا أعلاه، يواجه شعبنا اليوم أخطر هجمة إرهابية شرسة، يهدده بالإبادة، ومن مصلحة العراق توظيف هذا التعاطف الدولي معه، و المؤتمرات الدولية لصالحه، و عدم الإذعان لنعيق الغربان (كلا كلا أمريكا)، بل يجب عقد تحالف إستراتيجي مع هذه الدول بقيادة الدولة العظمى، واستثمار هذا التعاطف الدولي معنا ولصالح شعبنا.
أما إذا كانت أمريكا لا تعمل كل ذلك لسواد عيوننا، بل من أجل مصالحها المتمثلة بالنفط، فهذا من حسن حظ شعبنا أنه يملك شيئاً يربط مصلحة أمريكا بمصلحة العراق، فأمريكا لن تأخذ النفط منا بالمجان، بل تشتريه بسعر السوق الذي يقرره قانون العرض والطلب، وتدفع ثمنه بالعملة الصعبة. وإذا لم نبع النفط على أمريكا وغيرها فماذا سنعمل به، تذكروا ما حل بالشعب العراقي خلال 13 عاما من الحصار الاقتصادي، خاصة وأن هذه الثروة قد تنضب أو تصبح بائرة كالفحم الحجري. وعلى العراق الاستفادة من الدولة العظمى إلى أقصى حد ممكن.
قال حكيم: "العقل مثل المظلة، لا يعمل إلا إذا كان منفتحاً"
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
مصطفى الصوفي : اطماع في العقلية القديمة
http://mufaker.org/?p=30193

عبد الحليم الرهيمي: مؤتمر جدة والعلاقات العراقية السعودية
http://www.akhbaar.org/home/2014/9/176804.html
 
بهاء الدين الخاقاني: الرؤية السياسية والنظرة الستراتيجية العراقية
http://www.akhbaar.org/home/2014/9/176848.html

فاضل بولا: امريكا تلبي طلب النجدة والمستنجد يشكك بمراميها
http://www.akhbaar.org/home/2014/9/176831.html



277
درس حضاري من اسكتلاندا
د.عبدالخالق حسين

يمكن اعتبار استفتاء الشعب السكتلاندي يوم 18 أيلول/سبتمبر 2014، عملاً تاريخياً مهماً، ودرساً حضارياً بليغاً، ليس لشعوب المملكة المتحدة البريطانية فحسب، بل وللعالم أجمع، وبالأخص لشعبنا العراقي ذو التعددية القومية والدينية المشابهة لبريطانيا، مع الفارق في المرحلة التاريخية والحضارية.

لقد رفض 2001926 أي بنسبة 55% من الاسكتلنديين الانفصال عن الاتحاد البريطاني مقابل 1617989 أي بنسبة 45% مؤيدون للاستقلال، بفارق 10% لصالح الاتحاد. وقد شارك في التصويت 3619915، وهي مشاركة عالية جداً بنسبة 84% من الذين يحق لهم التصويت من عمر 16 سنة فما فوق.
إن مطالبة الحزب القومي السكتلاندي (SNP) بقيادة أليكس ساموند (الوزير الأول لحكومة الإقليم)، بالاستقلال هي انعكاس للشعور القومي القوي لدى نسبة عالية من هذا الشعب في تحقيق دولته القومية، وهو حق مشروع وفق مبدأ تقرير المصير (مبدأ ويلسون، رئيس الولايات المتحدة)، الذي أقرته الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. فالشعب السكتلاندي فخور جداً بهويته القومية، وبتاريخيه المجيد الذي أنجب شخصيات تاريخية فذة تركت بصماتها على الحضارة البشرية من أمثال آدم سميث، وديفيد هيوم، وجيمس واط وغيرهم كثيرون في مختلف مجالات المعرفة، إضافة إلى ما يتمتع به من ثروات طبيعية.
ولكن ما يهمنا هنا هو الدرس الحضاري الذي يجب ان نستخلصه من هذه التجربة، وهو أن ما حصل عن طريق الاستفتاء كان يتم في الماضي، ولحد الآن في شعوب العالم الثالث، عن طريق الحروب المدمرة. إذ بدأت حملة الاستفتاء قبل عامين، ومارس كل فريق حقه في ترويج لـ(نعم) أو(لا) للاستقلال بمنتهى الحرية وبروح رياضية عالية يسودها المرح في أعلب الأحيان، وبدون أي حادث من شأنه أن يعكر صفاء الأجواء. والجدير بالذكر أن الاتحاد بين مملكتي سكوتلاندا وإنكلترا قد حصل اختيارياً قبل 300 سنة في عام 1707، والذي وضع نهاية وإلى الأبد للحروب الطاحنة بين المملكتين قبل ذلك التاريخ. 
إن أول استفتاء اسكوتلاندي للحكم الذاتي كان قد جرى في عهد حكومة حزب العمال برئاسة الراحل جيمس كالاهان عام 1979، وفشل. ثم تلاه استفتاء آخر عام 1997، وكان أيضاً في عهد حكومة العمال، وبرئاسة توني بلير وبدعم من الحزب، والذي نجح في تحقيق الحكم الذاتي، وتأسيس برلمان يتمتع بصلاحيات واسعة ما عدا تقرير الضريبة وأمور أخرى قليلة بقيت من شأن البرلمان المركزي (مجلس العموم) في لندن. وهذا النجاح شجع القوميين فيما بعد إلى المطالبة بالانفصال والاستقلال التام والذي فشل يوم أمس.
إن سبب الفشل هو أن أغلبية الشعب السكتلاندي أدركت أن الاتحاد أفضل من الانفصال والاستقلال لأن خلال 300 سنة من عمر الاتحاد حصل اندماج كلي في مختلف المجالات بين الشعب السكوتلاندي وبقية شعوب المملكة المتحدة، وأهمها الاندماج الاقتصادي والثقافي والعسكري..الخ. فمن الصعوبة على حكومة اسكوتلاندا المستقلة أن تُبقي الجنيه الاسترليني عملة لها، وحتى الحفاظ على الاستقلال الاقتصادي بدون دعم المملكة المتحدة، وعلى سبيل المثال، انهار قبل أعوام البنك الملكي السكوتلاندي (Royal Bank of Scotland)، فقام البنك المركزي الإنكليزي بإنقاذه، ولولا هذا الدعم لحصل إنهيار مريع في الاقتصاد السكوتلاندي. هذه الحقيقة باتت معروفة لدا الشعب السكوتلاندي. إضافة إلى نظام الرعاية الصحية الوطنية (NHS) التي هي من أروع الخدمات في العالم، والتي هي مضمونة أكثر في ظل الاتحاد. ولذلك وجد 55% من الشعب السكوتلاندي مصلحتهم مع البقاء في الاتحاد بدلاً من مغامرة الانفصال ومخاطر المستقبل المجهول.     
 
ما بعد الاستفتاء
هذا الاستفتاء قد يكون الأخير من نوعه، ولن يتكرر في المستقبل لجيل واحد على الأقل، وهو لم يمنع إنفصال اسكوتلاندا من المملكة المتحدة فحسب، بل قدم تحذيراً للقوميين الآخرين في إقليم ويلز، وشمال أيرلندا أيضاً، فهؤلاء كانوا ينتظرون نتائج الاستفتاء، ففي حالة نجاحه كانوا ينوون السير على نفس الخطى ويركبوا الموجة ويجربوا حظوظهم في استفتاء مماثل والمطالبة بالاستقلال وبالتالي تفتيت المملكة المتحدة، إلا إن فشل التجربة السكوتلندية وضع حداً لطموحاتهم القومية.

ولكن مع ذلك، فهذا الاستفتاء ليس نهاية المطاف، بل هو أشبه بزلزال سياسي أجبر قيادات الأحزاب الكبرى الثلاثة (المحافظين، والعمال، والأحرار) إلى أن تعيد النظر في دستور الاتحاد. فجميع الأقاليم (سكوتلاند، ويلز، وشمال أيرلاندا) عدا إنكلترا، تتمتع بالحكم الذاتي حيث لها برلماناتها وحكوماتها الإقليمية.
ولهذا السبب، فهناك مطالبة من الشعب الانكليزي، ووعود من قيادات الأحزاب الرئيسية بالشروع في سن قانون يعتبر نقلة نوعية في الديمقراطية، يزيد من صلاحيات برلمانات الأقاليم وحكوماتها بما فيها تحديد الضريبة، ولكن في نفس الوقت أن ينصف الشعب الإنكليزي بتأسيس برلمانه الإقليمي الخاص به أسوة ببقية الأقاليم، وربما تنقسم إنكلترا إلى ثلاثة أقاليم، (جنوب، ووسط، وشمال)، والحفاظ على البرلمان المركزي الاتحادي (مجلس العموم البريطاني) والحكومة المركزية الاتحادية في لندن.

والمشكلة الأخرى بعد هذا الاستفتاء هو التغييرات التي وعد بها قادة الأحزاب الكبرى المشار إليها أعلاه. حيث بدأ التذمر وسط نواب الأحزاب وخاصة حزب المحافظين (الحاكم)، أن قادتهم أجزلوا بوعودهم لسكوتلاندا وغيرها بصلاحيات واسعة دون مشاورة نواب أحزابهم. وهذا فتح الباب أمام جدل واسع قد يستغرق وقتاً طويلاً، وربما يؤدي إلى إنشقاقات وعدم إمكانية الإيفاء بالوعود كلها.

وبعد إعلان النتائج، اعترف بها زعيم الحزب القومي السكوتلندي، أليكس ساموند، ودعا أتباعه بقبولها، ولم يحاول أحد من فريقه التشكيك بها كما هي الحال في دول العالم الثالث ومن ثم فاجأ حزبه والعالم بتقديم اسنقالته من قيادة الحزب ورئاسة حكومة سكوتلاندا كوزير أول. كما ورحب رؤساء الأحزاب المعارضة للإنفصال بالنتائج دون أية شماتة أو تشفي بالجهة الخاسرة. وفي هذا الخصوص قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون: "أن هناك فرصة الآن لتغيير المملكة المتحدة نحو الأفضل". ولكنه أضاف "أنه يجب توفير توازن عادل في عملية تصويت النواب البريطانيين الإنجليز على قوانين تخص إنجلترا." وهذا يعني أن نواب (سكوتلاندا و ويلز، وشمال أيرلندا)، لا يحق لهم التصويت في البرلمان العمومي على قوانين تخص إنكلترا. وإذا تحقق هذا النظام الجديد فسيكون حزب العمال من أكثر المتضررين به لأن نسبة كبيرة من نوابه هم من سكوتلاندا وويلز.

أما الدرس الذي يمكن أن تستفيد منه القيادات السياسية العراقية من مختلف مكونات الشعب العراقي من هذه التجربة، أولاً، حضارية الحملة الانتخابية بصورة هادئة وروح رياضية عالية وبدون تسقيط المنافسين، أو تشكيك بهم. كذلك، على قيادات المكونات الطامحة في الانفصال أن لا تتسرع في اتخاذ أية خطوة انفصالية في هذه المرحلة العاصفة من تاريخ العراق يصعب عليهم التراجع عنها عندما تثبت فيما بعد أنها كانت خاطئة. وإنما العمل على إنضاج التجربة الديمقراطية، واستعادة الثقة، ومن ثم اتخاذ الخطوات التدريجية العلمية لإنشاء الأقاليم وتوسيع صلاحياتها.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/



278
هل أمريكا دولة إستعمارية؟
عبدالخالق حسين

مقدمة

من بين الفوائد الكثيرة للإنترنت والنشر الإلكتروني هو التواصل والتفاعل(Interaction) بين الكاتب والقارئ. وبذلك يعرف الكاتب ردود الأفعال عند القراء بشكل مباشر وسريع. وهذا التواصل هو مصدر مهم للكاتب يوحي له بالمزيد من الأفكار والمقالات، ولا أغالي إذا قلت أني محظوظ في هذا الخصوص.

لم يكن لي أي دور في كتابة المقال أدناه عدا هذه المقدمة التوضيحية، فقد وردني كرسالة من صديق متابع لمقالاتي، ونتبادل الآراء عبر الرسائل والمكالمات الهاتفية حول الكثير من المشاكل السياسية التي تعصف بالعراق والعالم. بعث لي هذه الرسالة عن أمريكا ودورها في العالم، طالباً مني إبداء رأيي فيما إذا كنت أوافقه على آرائه هذه أم لا. وبالطبع أني أتفق معه على معظم ما قاله. ورأيت أن هذه الرسالة من الأهمية بحيث تصلح أن تنشر كمقالة بحد ذاتها. وأشكر الصديق على سماحه لي بنشرها لتعميم الفائدة، وبدون ذكر اسمه.
ولا شك أن هناك كثيرون لا يتفقون معه في كون أمريكا ضد الاستعمار، ولا بد أنهم سيستشهدون بدورها في التآمر على بعض الحكومات التقدمية في العالم الثالث إبان الحرب الباردة، ومن بين ضحاياها، حكومة ثورة 14 تموز الوطنية المجيدة بزعامة الزعيم عبدالكريم قاسم، وقبلها حكومة محمد مصدق في إيران...الخ
وجوابي على هذه الاعتراضات هو، نعم، أن أمريكا تدخلت وبشكل فض عن طريق المؤامرات التي خططتها وكالة مخابراتها (CIA) لدعم القوى الرجعية ضد الحركات التقدمية في العالم الثالث. ولكن كان ذلك إبان الحرب الباردة حيث الصراع بين المعسكرين الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي، والغربي بزعامة أمريكا. وبعد انهيار المعسكر الشيوعي لصالح الغربي، وخاصة بعد جريمة 11 سبتمبر/أيلول 2001، غيرت أمريكا سياستها لصالح الشعوب المبتلية بالأنظمة الدكتاتورية، ومنها شعبنا العراقي حيث ساعدته على الإطاحة بأبشع نظام دكتاتوري همجي ألا وهو حكم البعث الصدامي الفاشي. أما ما حصل بعد ذلك من تداعيات فهو نتيجة تداخل وتقاطع مصالح جهات خارجية وداخلية تضررت من التغيير الذي حصل في العراق، وشرحناها في عشرات المقالات. أدرج أناه نص الرسالة (المقال).
*******

نص الرسالة:

عزیزی عبدالخالق،
ما دمتَ تکتب عن امریکا و دورها الایجابی فی العالم، سمحتُ لنفسی ان ارسل لك بعض ملاحظاتی عن امریکا. ارجو ان تقرأها و ابلاغی ان کنت تتفق معی أم لا.
١- أمریکا التی یحلو للبعض ان یسمیها زعیمة الاستعمار العالمی، لم تکن لدیها فی کل تأریخها ولو مستعمرة واحدة. العکس هو الصحیح، إذ أنها ساهمت فی تصفیة النظام الاستعماری فی العالم. قد یقول البعض بأن هاوایي (Hawaii) مستعمرة أمریکیة. هاوایی تتکون من مجموعة من الجزر الصغیرة فی المحیط الهادی عاصمتها هونولولو. تبتعد بمسافة ٣٨٥٠ کلیومتر من کالیفورنیا. کانت تُحکم من قبل عائلة مالکة رجعیة متخلفة الی ابعد الحدود، و کانت لأمریکا بعض المصالح الاقتصادیة هناک، و خاصة فی مجال صناعة السکر. حیث کان لدی الأمریکان عدد کبیر من مزارع قصب السکر بحیث کان من الممکن ان تسمی هذە الجزر بشبە مستعمرة أمریکیة. فی سنة ١٨٩٣ تم الاطاحة بالنظام الملکی هناک. و فی سنة ١٩٠٠ و حسب رغبة زعمائها الجدد اصبحت هذە الجزر تابعة لأمریکا. و فی سنة ١٩٥٩ اصبحت ولایة من "الولایات المتحدة الأمریکیة"، و اصبحت لها کامل الحقوق کای ولایة امریکیة أخری.
بالمناسبة، أم براک أوباما من هوایی و والدە من کینیا.

٢- لیست هناک دولة لها پرلمان و شعب حر و حکومتها تعادی أمریکا. نعم قد تحدث خلافات بینها و بین امریکا، و لکن لا تصل الی درجة المعاداة. الدول التی تعادی او تتظاهر بمعاداة امریکا جمیعها تُحکم من قبل دکتاتوریین کصدام حسین بالعراق، و القذافی بلیبیا، و البشیر فی السودان، و الاسد فی سوریا و خامنئی فی ایران وستالین فی روسیا. و السبب هو ان الدکتاتور لا یمکنە البقاء فی السلطة و تشدید قبضتە علی اعناق شعبە بدون عدو خارجی. اما الرئیس المنتخب فعلیە ان یرحل بعد اتمام الفترة القانونیة مهما کانت الظروف. لهذا السبب لا یحتاج الرئيس المنتخب الی عدو لکی یحاول ان یخلق لدولتە اعداء.
٣- لذلک، وعبر التاریخ، لم تحدث ولا مرة واحدة حرب بین نظامین دیمقراطیین، فجمیع الحروب حدثت بین دکتاتوریات او بین نظام دکتاتوری و آخر دیمقراطی.
٤- ان الشعب الأمریکی متکون من عدد کبیر من القومیات؛ هنود حمر، انگلیز، المان، یهود، عرب، اسپان ...الخ و کذلک من اسود و ابیض و اصفر ...الخ، و من جمیع الدیانات؛ المسیحیة، الیهودیة، الاسلام، البوذیة ....الخ. و جمیعهم يعيشون بسلام و وئام و حقوق جمیع افرادە محفوظة ان کان ذلک الفرد مسیحیا متزمتا او ملحدا متطرفا، بشرط ان لا یعتدی علی حقوق الآخرین. ویرجع سبب هذا الوئام و الازدهار و التقدم فی جمیع المجالات الی نظامهم الدیمقراطی الذی یحمی حقوق الجمیع و لا یکبت افکاهم.
٥- منذ تحررها من الاستعمار البریطانی، امریکا لم تعتدی علی ایة دولة. و حتی ساعدت بعض الدول التی تعتبر نفسها عدوة لأمریکا، لتخفیف اثر القهر و المجاعة علی شعوبها. کما حدث مع الاتحاد السوڤێتی فی الثلاثینات من قرن الماضی عندما تفشت المجاعة هناک بسبب السیاسة الهمجیة لستالین. واستمرت هذە المساعدات للاتحاد السوڤیتی حتی الی ما بعد الحرب العالمیة الثانیة و الی ان احتاج ستالین، لتبریر دکتاتوریتە و همجیتە و بقائە فی الحکم، الی توتر جدید فی العلاقة مع الغرب. فطلب من کیم ایل سونغ ان یهاجم کوریا الجنوبیة، مما دفع بأمریکا و الدول الغربیة الدیمقراطیة الی تکوین حلف عسکری للدفاع عن شعوبها و انظمتها الدیمقراطیة. وهکذا بدأت الحرب الباردة.

٦- الی ما قبل حوالی ٥٠ سنة من الآن، کان هناک تميیز عنصری فی بعض الولایات الأمریکیة. ولکن بفضل وجود النظام الدیمقراطی و النمو الحضاری و الاقتصادی تم القضاء تدریجیا علی هذا التخلف الفکری و الغیر انسانی و خاصة بعد ظهور عدد غیر قلیل من المثقفین المصلحين بین السود من امثال پۆل روبسن، مارتن لوثر کنگ، و جیسی جاکسن الذین اختاروا النضال السلمی لمعالجة هذە الظاهرة المؤلمة. و یجب ان لا ننسی دور بعض الریاضیین من امثال محمد علی کلای، و الفنان الکبیر مایکل جاکسون، و آخرین من السود الذین کانوا محبوبین من قبل جمیع اطیاف الشعب الأمریکی فی القضاء علی التمیز العنصری.
 ٧- صحیح، أن المانیا و الیابان کانتا دولتین صناعیتین قبل الحرب. إلا إنهما لم تکونا دیمقراطیتین. ولکن بعد أن خسرتا في الحرب العالمية الثانية، اصبحتا دولتین دیمقراطیتین و صناعیتین اکثر من قبل. و صناعات هاتین الدولتین، خاصة فی مجال صناعة السیارات، اصبحت تملأ اسواق العالم و تزاحم هذە الصناعات امریکا و اوروپا. أما کوریا الجنوبیة التی کانت مستعمرة يابانیة و متخلفة الی ابعد الحدود، اضحت دولة صناعیة کبری ومستقلة. بینما لیس لدی کوریا الشمالیة سوی بعض الصواریخ و القنابل الذریة التی تهدد بها السلام العالمی. و کلها من اجل ماذا؟ من اجل ابقاء دکتاتورهم "المحبوب" من آل کیم ایل سونغ علی دست الحکم.
٨- انا اعتقد بان امریکا کانت ترغب بإسقاط صدام مباشرة بعد تحریر الکویت ولكنها توقفت فی آخر لحظة لأنها أیقنت بان البدیل سوف لا یکون دیمقراطیا و سیٶدي الی حرب اهلیة لا نهایة لها بین طوائفها الدینیة. ونفس السیناریو یتکرر الآن فی سوریا. فأمریکا توقفت عن مساعدة المعارضة لنفس الاسباب. لان البدیل قد یکون داعش او جبهة النصرة او کلاهما. و حکام الدول العربیة الأخری تدرک هذە الحقیقة و تحاول الاستفادة منها قدر الامکان. حیث تقمع القوی الدیمقراطیة بجمیع الوسائل والاسالیب و تعطی بعض المجال لقوی اسوأ منها، کما فعل السادات فی مصر. حیث قمع الشعب و فتح المجال للأخوان المسلمین الذین اغتالوە فیما بعد. والسعودیة تقوم بنفس الشئ حیث تقمع الشعب و تفتح المجال لقوی اسلامیة متطرفة، و تقول لأمریکا و الدول الدیمقراطیة الأخری؛ علیکم بحمایتی، فبدیلی سیکون اسوأ منی. و هذا ما کان یقولە شاه ایران ایضا، ومن بعده حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس.
٩- و السید پوتین یحاول توتير الوضع مع الغرب لکی تکون لە حجة لمحاربة منافسیە السیاسیین و إبقاء نفسە و حکومتە الفاسدة فی الحکم. حیث انە یحکم روسیا منذ ١٤ سنة و لیست لديه نیة ان یتخلی عنها الی یوم مماتە.
هذه هي أمريكا التي ينطبق عليها المثل العراقي: (مثل السمك، مأكول ومذموم).
ـــــــــــــــــــــــ
رابط مقال ذو صلة
عبدالخالق حسين - لولا أمريكا...
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=59875
 


279
عودة إلى مقال: الاتفاقية... أو الطوفان!!
د.عبدالخالق حسين

مقدمة توضيحية
يبدو أن ذاكرة بعض الناس ضعيفة، أو أنهم لم يواكبوا ما نكتب ونحذر من مخاطر قبل وقوعها، وبما أنه ليس من حقنا معاتبة من لا يتابع كل ما نكتب، ولكن ألا يحق لنا أن نقول أنه ليس من حق هذا البعض اتهامنا بما لا يعلم. فبعد نشر مقالي الموسوم: (مناقشة حول العلاقة مع أمريكا)(1)، كتب أحد الأخوة القراء الكرام تعليقاً على موقع عراق القانون باسم (IRAQ 4 EVER)، ينتقدني بدعوى أن "نصيحتي جاءت متأخرة"، و"بعد ان وقع الفأس بالرأس"على حد قوله. ونظراً لأهميته، استميح القراء عذراً أن أنقل نص التعليق كاملاُ:
((كان من الممكن أن يكون الطرح أكثر جدية، فيما لو سجّل د. عبد الخالق حسين موقفه وبشكل مبكر، أي في فترة الانسحاب الأمريكي، طالما انه يعتقد بأن عدم السماح كان السبب وراء البرود الأمريكي ازاء ما مرّ بالعراق من ظروف مربكة على كل الصُعد.. ، وعلى سبيل المثال هناك مقال للأستاذ عبد الرحمن أبو عوف مصطفى هو الآخر كان قد طرح أمرا كهذا مؤخرا في مقاله (المالكي: القدرات القيادية وشراسة الاستهداف المضاد)، وفي نفس الوقت قد أشار الى موقف له سابق في فترة الانسحاب من أنه كان معترضاً على (عدم منح الحصانة)، لأسباب تطرق لها في المقالين السابق والحالي.. والقصد هنا أن د.عبد الخالق كان من الممكن إسماع صوته للسيد المالكي بطريقة ما آنذاك .. في كل الأحوال هي قناعة قد تجد الكثيرون ممّن بدركون أهمية أن يكون للعراق علاقة استراتيجية من هذا النوع .. ولكن لطريقة الطرح أهمية خاصة وما تضمّنه المقال من مباشرة دون تدرج في شرح الأسباب الموجبة والنتائج المترتبة بشكل علمي .. يعطي الحق لكل من رفض الفكرة جملة وتفصيلا .. ثم ان الكاتب معني بطرح الفكرة من حيث إطارها العام وتبيان الضرورة وليس من حقه استباق صانع القرار في التفاصيل واقتراح ما لم يرد فيه الخلاف والذي كان محصورا في (منح الحصانة).. فما دخل القواعد [العسكرية] وانها كيلومتر مربع وهذه العلاقة هي “مفتاح الفرج”، “والعصا السحرية ” .. فما هكذا يا سيدي تورد الإبل.. فهناك استفزاز واضح لمشاعر الناس وتسطيح كبير إذا ما طرح بهذه الشاكلة !.. ويبقى السؤال قائماً.. اليوم تتناول اقتراحا كهذا بعد ان وقع الفأس بالرأس .. فأين كنت فيما سبق، وخاصة وانك كنت من المقربين!.. وما الذي يمنع من الاشارة لكاتب سبقك في الطرح وبشكل بناء وحذر، بل ويبدو مما أشار اليه من رابط في أسفل المقال أنه قد أعلن مسبقا عن قناعته وليس اليوم ولم يتوجه الى العبادي ليضع المالكي في خانة المقصّر في هذا الجانب .. أمرنا بالفعل يدعو الى الغرابة !!!!!)).(1)

في الحقيقة أنا لم أكن متأخراً في تقديم النصائح في هذا الخصوص، والدعوة إلى بناء علاقة وثيقة مع أمريكا، وإنما بدأت بها قبل سقوط النظام البعثي الصدامي بسنوات، ومنذ عهد المعارضة أكدت على ضرورة العلاقة الإستراتيجية مع أمريكا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشرت مقالا في صحيفة المؤتمر اللندنية بعنوان: (المعارضة العراقية والدعم الأمريكي.. ضرر أم ضرورة؟). أما بعد سقوط النظام فقد نشرت سلسلة من المقالات أدعو فيها إلى هذه الأهداف. ولم أقصر في "شرح الأسباب الموجبة والنتائج المترتبة بشكل علمي" في جميع مقالاتي بما فيه المقال الأخير قيد المناقشة، إضافة إلى إدراج روابط المقالات التي تطرقت فيها إلى هذه الأمور.

ولأبرهن على صحة قولي للأخ المعلق وغيره ممن لا يعلم بكتاباتي السابقة حول هذه المسألة أعيد نشر مقال لي في هذا الخصوص نشرته إثناء المفاوضات عام 2008، بعنوان (الإتفاقية أو الطوفان)(2) بتاريخ 22/10/2008، نبهت فيه حاجة العراق إلى هذه الاتفاقية وطالبت المسؤولين بالموافقة على إبقاء عدة آلاف من القوات الأمريكية في العراق، ولحقته بمقالات أخرى، أدرج روابط البعض منها في الهامش. وهذا نص المقال التحذيري الذي نشرته عام 2008 وقبل "وقوع الفاس بالراس" بسنوات.   

الاتفاقية... أو الطوفان!!
د.عبدالخالق حسين
22/10/2008

كل شيء في العراق صعب، وكل مشاريعه ومراحله التاريخية لا تولد إلا بالعملية الجراحية القيصيرية، ولذلك لن أمل من الاستشهاد بمقولة حكيم السياسة البريطانية ونستون تشرتشل أن «العراق تشكل في لحظة جنون»، أو كما وصفه العلامة على الوردي، "أنه ثمرة اللقاء بين البداوة والحضارة، وهو لقاء دموي، لكنه لا بدَّ منه في نهاية المطاف".

من المؤلم القول أن تاريخ العراق، القديم والحديث، دموي في كل مراحله. فالعراقيون، وخلافاً للشعوب الأخرى، هم وحدهم الذين يسعون دائماً ضد مصالحهم وتحت مختلف الذرائع والشعارات الخادعة، وبتأثير من القيم البدوية تارة، أو بتأثير رجال الدين، أو بشعارات اليسار الطفولي والقومية العربية. وفيما يخص موقف هؤلاء من الاتفاقية الأمنية العراقية- الأمريكية، فقد التقت كل الأيديولوجيات الشمولية، الإسلاموية والقومية واليسارية الطفولية على التضحية بالعراق وبمستقبل أجياله القادمة باسم السيادة الوطنية والعداء لأمريكا، وكأن كل هذه الكوارث التي مر بها العراق خلال ثمانية عقود الماضية لم تكفهم، بل راحوا يصرون على مواصلة التدمير، للمزيد من الآلام والدماء والدموع.

حينما حررت بريطانيا العراق من الاستعمار التركي العثماني في الحرب العالمية الأولى (1914 -1918)، كان هذا الشعب على وشك الإنقراض، إذ بقي منه في حدود مليون ونصف المليون نسمة فقط بعد أن كان في حدود ثلاثين مليون نسمة في عهد الرشيد والمأمون كما أخبرتنا كتب التاريخ. ولكن مع ذلك وقف العراقيون ضد محرريهم دفاعاً عن جلاديهم الأتراك، فكانت حرب الجهاد وثورة العشرين وغيرها من الانتفاضات. فعند ولادة الدولة العراقية عام 1921 وبمساعدة بريطانيا، كان العراق بأمس الحاجة إلى دعم دولة عظمى مثل بريطانيا آنذاك، حيث كان الشعب العراقي يعش في ظلام دامس من الجهل، ينوء تحت تراكمات سبعة قرون من التخلف منذ غزو هولاكو عام 1258إلى الإحتلال البريطاني عام 1914. فكانت الأمية في حدود 99%، و"أهل العراق لم يندمجوا بعد لتكوين شعب، بل كانوا كتلات بشرية متناحرة" على حد تعبير الملك فيصل الأول. ولم تكن لهم أية خبرة في إدارة الدولة الوليدة، لذا عقد الإنكليز معهم معاهدات واتفاقيات لمساعدتهم إلى أن يكسبوا الخبرة الكافية في إدارة دولتهم الحديثة. ولكن ثار العراقيون على الإنكليز، وتوالت في العهد الملكي انتفاضات شعبية وانقلابات عسكرية، إلى أن قضي عليه في ثورة 14 تموز 1958. وكان ما كان بعد ذلك.

لقد تشرب الشعب العراقي بثقافة معاداة الغرب وبالأخص أمريكا وتحت ظروف الحرب الباردة، وصارت معاداة الغرب ورفض العلاقة معه دليل على الوطنية، حتى ولو كانت في هذه العلاقة مصلحة الشعب. وهذه الثقافة التدميرية أدت بالتالي إلى ظهور أشرس جلاد في التاريخ وهو صدام حسين الذي تسبب في جلب الكوارث على العراق وشعبه. وإذا كان لهذا العداء مبرراته في ظروف الحرب الباردة، ولكن استمراره إلى ما بعدها أمر يصعب فهمه، وبالتأكيد يضر بالمصلحة الوطنية. فمنذ انهيار المعسكر الاشتراكي، وولادة النظام الدولي الجديد ذو القطب الواحد، تغيرت الدنيا ومعها العلاقات الدولية، وأصدر التاريخ حكمه العادل، فلأول مرة تلتقي مصالح أمريكا مع مصالح شعبنا. وفي هذه الحالة، أليس من الحكمة أن نستفيد من هذه الفرصة في استثمار امكانيات الدولة العظمى لمصلحتنا الوطنية؟

يكرر أعداء العراق، والمدمنون على مفاهيم الحرب الباردة، أن أمريكا لم تحرر العراق من حكم البعث الصدامي البغيض من أجل سواد عيون العراقيين، بل لمصالحها. وأن أمريكا لها مصلحة في هذه الاتفاقية الأمنية...الخ. وهذه حقيقة لا ننكرها، كما ولا تنكرها أمريكا أيضاً. ولكن في نفس الوقت، نسأل، أليس من الوطنية أن يسعى العراقيون أيضاً لمصالحهم؟ فعندما نطالب بتوقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا، لا يعني أننا نريد ذلك من أجل خضرة أو زرقة عيون الأمريكان، بل من أجل مصالحنا أيضاً. فالاتفاقية فيها مصالح مشتركة، والسياسة هي وراء المصالح فقط، وليست وراء ألوان العيون. لقد بحت أصواتنا حتى مللنا من تكراراالمبدأ القائل: "ليس في السياسة أعداء دائميين ولا أصدقاء دائميين، بل هناك مصالح دائمة". وعليه فإننا نعتقد أنه من الخطأ، إن لم نقل من الغباء المفرط، إضاعة الفرصة في توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا.

فالعراق يحتاج إلى هذه الاتفاقية أكثر من أمريكا، لأن مستقبله مازال مهدداً بسبب تكالب بعض دول الجوار والإرهاب الإسلامي عليه. فبعد استئصال السرطان البعثي بعملية جراحية كبرى، مازال العراق يعاني من عواقب العملية، ومن إرهاب فلول البعث الفاشي وحلفائهم من أتباع منظمة القاعدة الإرهابية، والمليشيات المدعمة من إيران. والقوات العراقية المسلحة مازالت في طور البناء ولم تكتمل بعد، وهي مازالت مخترقة بالألوف من البعثيين والإرهابيين وأعضاء المليشيات الحزبية التي تدين بالولاء لأحزابها وليس للدولة. وقد برز ذلك بكل وضوح في عملية (صولة الفرسان) في البصرة في شهر آذار الماضي، عندما رفض أكثر من ألف من منتسبي القوات المسلحة تنفيذ أوامر القائد العام، وانحازوا إلى جيش المهدي. ولولا تدارك الأمر بمجيء القوات الأمريكية التي انقذت الموقف، لكانت كارثة ومجزرة كبرى بحق المواطنين بمن فيهم السيد نوري المالكي رئيس الوزاء الذي قاد الحملة بنفسه. وهذا يعني أن القوات العراقية مازالت غير جاهزة لحماية أمن المواطنين من المجرمين.

فبناء قوات مسلحة مدربة وملتزمة بالانضباط العسكري، والولاء الوطني، واحترام وتنفيذ أوامر السلطة المدنية الديمقراطية، يستغرق وقتاً طويلاً. إن تركة حكم البعث من الخراب البشري في العراق واسع وعميق، لا يمكن معالجته في أشهر، أو بإصدار قرار، بل يحتاج إلى سنوات وربما إلى عقود من السنين من المعاناة، وبحاجة إلى حملة تثقيف لإزالة آثار ومخلفات البعث المدمرة. وعليه فالعراق وبامكانياته المحدودة هذه بأمس الحاجة إلى دعم الدولة العظمى لتدريب قواته ومساعدته على بناء دولته العصرية، وحمايته من الأعداء في الداخل والخارج وهم كثرُ، إلى أن يكتمل ويقوى على مواجهة أعدائه بقواه الذاتية.

والأدهى والأنكى، أنه حتى الذين تسنموا مناصب عالية في الدولة العراقية الوليدة، تنكروا اليوم لجميل أمريكا وفضلها مؤكدين مقولة تشرتشل (العراق، يا له من بركان ناكر للجميل). فماذا نقول إذا جاء نكران الجميل هذا من السادة، إبراهيم الجعفري وأحمد الجلبي وأياد علاوي، الذين ركبوا موجة مناهضة الاتفاقية، مدعين أنها ليست في صالح الشعب العراقي. فهل حقاً هم واثقون مما يقولون؟ إن موقفهم هذا ناتج عن انتهازية صارخة وجهل مخز بقراءة الواقع العراقي. فادعاؤهم بالحرص الشديد على السيادة الوطنية كذبة لا تنطلي على أحد.  فمن يصدق دعاوى هؤلاء بعد كل ما حدث؟ وكان آخر المزايدين في هذا الخصوص هو الدكتور أياد علاوي، رئيس الوزراء العراقي السابق، وزعيم قائمة "العراقية" الذي صرح لـ "إيلاف يوم 21/10/2008 قائلاً: " يجب تأجيل الإتفاقية مع واشنطن والتمديد عامًا للمتعددة". أليس هذا اعتراف ضمني من الدكتور علاوي أن العراق بحاجة إلى وجود القوات المتعددة، لأن القوات العراقية المسلحة ليست جاهزة بعد لمواجهة الإرهاب لوحدها؟ فأيهما أفضل يا دكتور، التمديد من مجلس الأمن الدولي، أم قرار يتخذه العراقيون بأنفسهم كدولة ذات سيادة مع الأمريكان؟ 
أما الدكتور إبراهيم الجعفري فيبدو أنه فضّلَ مصلحة الحكومة الإيرانية على المصلحة الوطنية العراقية، إذ قال في تصريحات نقلتها وكالة الانباء الايرانية الرسمية، خلال لقائه مع رئيس مجمع تشخيص مصلحه النظام الايراني، علي اكبر هاشمي رفسنجاني، الاحد، ان الاتفاق الامني مع واشنطن "لا يخدم مصالح الشعب العراقي".
ومن هنا نعرف أن الدوافع الحقيقية وراء مناهضة الإتفاقية من قبل هؤلاء هي إنتهازية ناتجة عن قصر نظر. فبدلاً من مصارحة الشعب بخطورة الموقف في حالة عدم توقيع الاتفاقية، وما يترتب عليه من كوارث على شعب العراق، نرى هؤلاء يتلاعبون بمشاعر الجماهير و يزايدون على السيادة الوطنية، ويهيجون الرأي العام أكثر في التحريض ضد الاتفاقية، اعتقاداً منهم أنهم سيزيدون من رصيدهم الشعبي في الانتخابات القادمة. ولكنهم على خطأ كبير في فهم مزاجية الشعب وما يترتب على موقفهم الخاطئ من مخاطر كارثية. والمصيبة أن معظم المؤيدين للاتفاقية فضلوا الصمت طلباً للسلامة، وخوفاً من تعريض أنفسهم وعوائلهم لبطش بلطجية التيار الصدري الممول من إيران، ومن فلول البعث والإرهاب القاعدي.
أقولها بصراحة، وكنصيحة أخوية مخلصة أسديها للثلاثي، الجلبي والجعفري وعلاوي، أنكم دخلتم العراق على ظهر الدبابة الأمريكية، ولا عيب في ذلك، إذ دخل ديغول باريس على ظهر دبابة أمريكية وبريطانية، ولكنه لم يتنكر لفضل الأمريكان والبريطانيين لتحرير بلاده من الإحتلال النازي الأماني ودميته حكومة فيشي. وقد وفر لكم الأمريكان فرصة ذهبية لتختبروا إمكانياتكم القيادية والسياسية في حكم البلاد، فتسلمتم قيادة العراق، ولكنكم فشلتم فشلاً ذريعاً في أداء مهمتكم، ولم تعرفوا كيف تلعبوا أوراقكم بصورة صحيحة.
ونصيحة مخلصة أسديها إلى المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم السيد نوري المالكي، أن هناك ظروفاً ومناسبات حرجة تتطلب من القائد المحنك الشجاعة والصراحة في أخذ القرارات الجريئة الصائبة من أجل مصلحة الشعب حتى ولو واجهت معارضة عنيفة من الدهماء والديماغوجية الغوغائية، وحتى لو تطلب الأمر الشهادة. تذكروا أنور السادات وما قدمه من خدمة رائعة لشعبه باتفاقية كامب ديفيد عام 1978.
كما وأود أن أذكر السيد المالكي ومناهضي الاتفاقية، بالتحذيرات التي أطلقها رئيس اركان القوات الامريكية الاميرال مايكل مولن للعراقيين يوم الثلاثاء 21 أوكتوبر الجاري [2008]، من عواقب عدم توقيع الاتفاقية الأمنية مع واشنطن بالقول ان من شأن ذلك تعريض الأمن في العراق الى مخاطر جدية، "إن أمن العراق سيواجه عواقب وخيمة" اذا لم يوقع تلك الاتفاقية، التي توفر الغطاء القانوني للوجود العسكري الأمريكي في العراق. واضاف: "صار واضحا ان الوقت بدأ ينفد" وانه مع نهاية هذا العام لن تكون القوات العراقية قد اتمت استعدادها وقدرتها على تولي مهام الامن في البلاد. وكرر مولن الاتهامات الامريكية لطهران في التدخل بالشأن العراقي، بالقول ان "صار واضحا ان الايرانيين يعملون بقوة وجدية لوقف تمرير الاتفاقية". (تقرير موقع بي بي سي العربية، 21/10/2008).

لقد راجعت النسخة النهائية من مسودة الاتفاقية، فلم أجد فيها ما يضر بمصلحة العراق، أو يسيء إلى سيادته الوطنية كما يدعي مناهضو الاتفاقية، بل على العكس، وجدتها تؤكد على مصالح مشتركة، ومصلحة العراق فيها أكثر من مصلحة أمريكا. كما وهناك تأكيد وإطمئنان  للمتباكين على السيادة الوطنية، في المادة 25، الفقرة 6  تنص على ما يلي: " يجوز انسحاب قوات الولايات المتحدة في تواريخ تسبق التواريخ المحددة في هذه المادة بناء على طلب أي من الطرفين. وتعترف الولايات المتحدة بالحق السيادي لحكومة العراق في أن تطلب خروج قوات الولايات المتحدة من العراق في أي وقت." إضافة إلى فوائد كبرى كثيرة للعراق مثل، الدعم الاقتصادي والثقافي والمساعدة في إخراج العراق من البند السابع، وتحرير اقتصاده من سيطرة الأمم المتحدة، والعمل على إسقاط مئات المليارات الدولارات من الديون وتعويضات الحروب التي كبل صدام حسين العراق بها. إضافة إلى التأكيد على حماية العراق من أي عدوان خارجي في المستقبل.
والمعروف عن الأمريكان في هذه الحالات أنهم يعطون التنازلات تلو التنازلات خلال المفاوضات إلى حد معين، وعنده إذا تمادى الطرف الآخر في طلباته التعجيزية فإنهم سيغلقون الأبواب وينسحبون. أعتقد أن الأمريكان قد وصلوا إلى هذا الحد. فقد "أعرب وزير الدفاع الأمريكي، روبرت غيتس، عن تحفظه تجاه مطالب العراقيين بتعديل مشروع الاتفاقية الأمنية... وحذر مما أسماه بالعواقب الوخيمة لعدم وجود اتفاق حول وضع القوات الأمريكية او تجديد تفويض الأمم المتحدة الذي ينتهي بنهاية العام الحالي. " وقال الوزير الأمريكي إن "الوقت يمر وعلينا ان نستمر في السير قدما لكي لا يداهمنا الوقت". وأضاف: "أن المفاوضات التي استغرقت شهورا وصلت إلى مراحلها الأخيرة ما يعني أن الباب أغلق تقريبا أمام إمكانية إعادة التفاوض." أرجو من المسؤولين العراقيين أن يحملوا تحذيرات المسؤولين الأمريكيين محمل الجد.

خلاصة القول: مر العراق بكوارث متتالية كان بالإمكان تجنبها لو تصرف أبناؤه بالحكمة وبسياسة عقلانية بعيدة عن الغوغائية والدوغماتية، ولما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن. ولكن من حسن حظ العراق أن التقت مصالح الدولة العظمى مع مصالحه، لذلك أعتقد جازماً أن الاتفاقية هي الفرصة الذهبية الأخيرة، و بمثابة حبل النجاة الذي جاد به التاريخ للشعب العراقي، أرجو عدم التفريط به للمرة الألف. وإذا لم يتم التوقيع على الاتفاقية هذه، فسيكون العراق في مهب الريح، وسيتعرض إلى كوارث ماحقة، والمستفيد الأكبر في هذه الحالة هو إيران وغيرها من أعداء العراق، والخاسر الأكبر هو الشعب العراقي، وعندها يجب أن لا يلوم العراقيون إلا أنفسهم. فالخيار لهم، إما توقيع الاتفاقية بنسختها الأخيرة.. أو استعدوا للطوفان.
ألا هل بلغت؟ اللهم إشهد.
22/10/2008
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط المصادر
1- عبدالخالق حسين: مناقشة حول العلاقة مع أمريكا
http://www.qanon302.net/in-focus/2014/09/07/31045

2- عبدالخالق حسين: "الاتفاقية .... أو الطوفان":  http://www.aafaq.org/masahas.aspx?id_mas=2594

3- عبد الخالق حسين:على العراق توقيع الإتفاقية الأمنية مع أميركا أو انتظار الطوفان (صحيفة آفاق)
http://www.aafaq.org/news.aspx?id_news=7249
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين - الاتفاقية العراقية-الأمريكية، ضرر أم ضرورة؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=137467

2- عبدالخالق حسين: الاتفاقية العراقية-الأمريكية، مرة أخرى
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=138039

3- عبد الحليم الرهيمي: 11 سبتمبر والإطاحة بنظام صدام
http://www.akhbaar.org/home/2014/9/176380.html


280
حوار هادئ مع الأستاذ علي الأسدي

د.عبدالخالق حسين

لا شك أن الحوار الديمقراطي الهادئ ضروري لأنه يساعدنا للوصول إلى الحقيقة أو ما يقرب منها. ويؤسفني القول أن شريحة واسعة من المثقفين العراقيين لحد الآن يفتقرون إلى هذا الأسلوب الحضاري في الحوار حول ما يختلفون عليه من أفكار ومواقف. فقد اعتادوا على العنف اللغوي لتصفية الخصم سياسياً واجتماعياً، والذي لا يختلف عن العنف المستخدم للتصفية الجسدية، ولا نغالي إذا قلنا أن العنف في التصفية الجسدية هو نتاج العنف في التصفية المعنوية.

وكمثال واضح في الحوار الهادئ المتحضر، أشير هنا إلى مقال الأستاذ علي الأسدي الموسوم: (أمريكا في مقال الدكتور عبد الخالق حسين)(1)، المنشور في صحيفة الحوار المتمدن، يوم 8/9/2014. ورغم اختلافي معه في الموقف من العلاقة مع أمريكا، إلا إني استمتعت كثيراً بقراءة مقاله القيم، وذلك لأدبه الجم وأسلوبه الراقي في مناقشة الأمور الخلافية، وأنا إذ أشكره على ذلك أدعو الآخرين إلى الاقتداء به في أدب الحوار حول ما نختلف عليه.

يبدأ الأستاذ علي مقاله قائلاً:
((كتب أستاذنا العزيز الدكتور عبد الخالق حسين مقالين متتابعين "خطاب مفتوح الى الدكتور حيدر العبادي"(2)، (وتلاه بتاريخ 5-9 الجاري بعنوان " مناقشة حول العلاقة مع أمريكا"(3)، نشرا في صحيفة الحوار المتمدن وصحف أخرى. فقد تابعتُ مقالاته بانتظام وتابعتُ أيضا بعض التعليقات الهابطة على مقاله المسيئة لكتابها قبل أن تسيئ اليه وكان لي ردي المناسب على بعضها مؤنبا وهكذا فعل زملاء اعزاء وليتهم يأخذوا درسا في الاخلاق من أدب ونزاهة استاذنا عبد الخالق حسين.)) انتهى

قارن هذا الرد المؤدب والهادئ مع مقال كاتب آخر على الضد تماماً من هذا الأسلوب الراقي في أدب الحوار. إذ كتب هذا الآخر مقالاً على موقع الأخبار وربما مواقع أخرى، بدأه قائلاً: "يُثير عجبي حماسُ بعض الكتّاب العراقيين والمتأمركين الجُدد .. أثاروا عَجَبي بل والكثير من ذهولي بخيانتهم لما كانوا يحملون من قناعات وعقائد ومواقف سياسية من الإستعمار عامة والإمبريالية الأمريكية على وجه الخصوص. ألا ما أقبحهم" (كذا).
 
أقول، هذا ليس أسلوب مثقف يحترم نفسه، ويحترم حق الاختلاف، وإنما هو بلطجة يبغون من ورائها الإرهاب الفكري، وهم أعجز من أن يقارعوا الحجة بالحجة. لذلك يلجئون إلى الصراخ والزعيق والاتهامات الجاهزة والتخوين، وهو أسلوب داعشي- بعثي بامتياز، حتى ولو تسربلوا بجبة اليسارية والماركسية والشيوعية. فالبعث سلوك قبل أن يكون انتماء، إذ كما قال صدام حسين: "بعثيون وإن لم ينتموا". ففي رأي هذا الكاتب كل من يختلف عنه في الرأي ويتخلى عن قناعة سابقة هو خائن وعليه أن يتوارى عن الأنظار. ونحن إذ نسأل: وماذا عن قناعة تبنيتها في مرحلة مبكرة من حياتك ثم اكتشفت بعد سنوات أنها خاطئة عفا عليها الزمن؟ هل تبقى عليها رغم قناعتك ببطلانها؟ أليس هذا مكابرة وأخذ العز بالإثم؟
ففي الأوضاع العاصفة التي يمر بها العراق لا بد وأن يحصل اختلاف في الآراء والمواقف بين المثقفين والمتعلمين، وخاصة إذا كان الوطن يمر بأزمات تهدد وجوده. وفي هذه الحالة فما أحوجنا إلى الحوار الهادئ لما يفيد هذا الشعب. ولهذا السبب فإني أأنف أن أرد على التعليقات البذيئة من أدعياء احتكار "الحقيقة المطلقة" الذين اعتادوا على اتهام كل من يختلف معهم في الرأي بالعمالة والتخوين.

فكما يختلف البشر في ملامح وجوههم وأذواقهم في المأكل والملبس، كذلك يختلفون في أفكارهم ومعتقداتهم الدينية والسياسية والفكرية. وفي هذه الحالة فالمطلوب من كل واحد منا أن يضع احتمالات الصواب والخطأ من قناعاته وقناعات الآخرين قبل أن يكيل الاتهامات البذيئة لمن يختلف معهم. حقاً لقد ابتلينا بمخلفات ودينصورات الحرب الباردة، "ألا ما أقبحهم !".

و في خصوص التخلي عن قناعات سابقة يقول الراحل علي الوردي: "الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام. والذي يريد أن يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد". ويضيف الوردي في مكان آخر: "كلما أزداد الإنسان غباوة ازداد يقيناً بأنه أفضل من غيره في كل شيء". ويقول برتراند راسل: "أنا لست مستعداً أن أموت في سبيل أفكاري لأنها قد تتغير". أما فكتور هيجو فيقول: "إنه لثناء باطل أن يقال عن رجل إنَّ اعتقاده السياسي لم يتغيَّر منذ أربعين سنة… فهذا يعني أن حياته كانت خالية من التجارب اليومية والتفكير والتعمق الفكري في الأحداث… إنه كمثل الثناء على الماء لركوده وعلى الشجرة لموتها".

أعود إلى مقال الأستاذ علي الأسدي لمناقشة بعض النقاط الخلافية المهمة، وبإيجاز:
يلقي الأستاذ علي اللوم على أمريكا في فشل العراقيين في تحقيق الأمن والتقدم في الخدمات والإعمار بعد 2003، فيقول: "كنت أعتقد أن الدكتور قد غير رأيه بعد أن كان معي شاهدا على الفشل المستمر منذ عشر سنوات الذي رافق الحكومات العراقية المتعاقبة التي لم تغب أصابع الأمريكيين أبدا عن اختيار قادتها والإشراف على سياساتها وإدارتها علنا تارة ومن وراء الستار تارة أخرى منذ عام 2003".

أنا أعتقد أن أمريكا ساعدت الشعب العراقي على إسقاط أشرس وأظلم دكتاتورية في التاريخ، و وفر للشعب الديمقراطية أسلوب حضاري (صناديق الاقتراع) لاختيار حكامهم بملء إرادتهم. ولكن العراقيين هم الذين فشلوا في ترتيب بيتهم. والسبب هو لتراكمات الخراب الذي دمر النسيج الاجتماعي، وإصرار المكون العربي السني الذي تفرد بالحكم لثمانين سنة، على رفضه الديمقراطية، ومشاركة المكونات الأخرى، وبالأخص الشيعة منها في الحكم وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع. وقد ذكرنا هذا السبب وشرحناه مراراً إلى حد الملل، ولا أرى ضرورة لتكراره.
كذلك لا ننسى أن النظام الساقط أهمل البنى التحتية دون صيانة وإدامة منذ بدء الحرب العراقية الإيرانية عام 1981م. إضافة إلى الإرهاب الذي عرقل الإعمار. ولدي شواهد كثيرة تؤكد محاولة الأمريكان مساعدة العراقيين في الإعمار ولكن كان العراقيون، وبدفع ودعم من إيران وسوريا والسعودية وغيرها يعرقلون أعمالهم عن طريق الإرهاب.

ثم يشير الأستاذ علي إلى اليابان وألمانيا في نهضتهما الرائعة بعد الحرب العالمية الثانية، ويؤولها إلى عظمة الشعبين وتاريخهما المجيد في الصناعة والتقدم الحضاري قبل الحرب، لا إلى علاقاتهما بأمريكا. وأنا أتفق معه كلياً في هذا الخصوص. ولكن يا أستاذنا العزيز يجب أن لا ننسى دور أمريكا في إعادة إعمار أوربا وفق خطة مارشال. كذلك، لم تكن هذه الشعوب منقسمة على نفسها إلى سنة وشيعة وكرد ومكونات أخرى متعادية فيما بينها، ولم تجاورها دول تريد تدميرها بالإرهاب. فالقيادة السياسية لكل مكون في العراق مستعدة للتعاون مع الشيطان لإبادة المكونات الأخرى. كذلك، لم يتعرض الشعبان الألماني والياباني إلى الإرهاب كما تعرض له الشعب العراقي. وهذا كان ممكناً لو لم تكن لهما علاقات ودية حميمة مع أمريكا. وهذه العوامل وغيرها كثيرة تجعل حاجة العراق الجريح المريض، أكثر لزاماً لتوقيع اتفاقية أمنية وعسكرية مع أمريكا.
ودليل ثان على ضرورة العلاقة القوية مع أمريكا هو النهضة الحضارية والاقتصادية التي حققتها كوريا الجنوبية. قارن بين كوريا الجنوبية الحليفة لأمريكا مع شقيقتها كوريا الشمالية الشيوعية، حيث نفس الشعب، ونفس البلاد ونفس الظروف الجغرافية والتاريخية ونفس الموروث الثقافي الاجتماعي (culture)، ولكن مع اختلاف النظامين، واختلاف العلاقة بينهما مع أمريكا والغرب. ولحد علمي لا أعتقد أن الشعب الكوري كان متقدماً صناعياً مثل الشعبين الألماني والياباني قبل الحرب العالمية الثانية.

ودليل ثالث على ضرورة العلاقة مع الغرب عامة، وأمريكا خاصة، خذ الدول الخليجية، إذ لا بد وأنك تتفق معي أن شعوب هذه المنطقة كانت لحد وقت قريب (قبل 50 سنة)، تعيش أوضاعاً فقيرة مزرية جداً لا تختلف عن أوضاع أسلافهم قبل 1400 سنة. وكان ثورجية  وقومجية العراق وبقية البلدان العربية يسمون حكام الخليج بـ(بعران الخليج) استهانة بهم. أنظر حالة هذه البلدان وقارنها مع أوضاع العراق وسوريا وليبيا واليمن واحكم بنفسك. فمع كل ذلك التخلف قفزت هذه البلدان إلى مصافي دول أوربا الغربية وأمريكا الشمالية في العمران والاستقرار خلال أقل من خمسين سنة، كل ذلك تحقق بفضل علاقتهم الإستراتيجية الوثيقة مع الغرب. بينما أعاد الثورجيون المؤدلجون بلدانهم العامرة إلى القرون الوسطى بسبب معاداتهم وعنترياتهم ضد الغرب.

ثم يقول الأستاذ علي ما معناه أن الإرهاب كان على أشده حتى بوجود الجيش الأمريكي.
وهذا صحيح، ولكن السؤال هو: ماذا لو لم يكن الجيش الأمريكي موجوداً، خاصة والجيش العراقي الجديد كان في مراحله الأولية من تأسيسه، بالتأكيد لاحتلت العصابات البعثية كل العراق وعادوا إلى الحكم أشد وأقسى. لذلك أعتقد أن من حسن حظ الشعب العراقي أن تورطت أمريكا في إسقاط حكم البعث، فلو سقط حكم البعث الصدامي على أيدي العراقيين، أو حتى لو كان صدام قد مات موتاً طبيعياً وهو في الحكم، لكان مصير العراق كمصير الصومال.

ثم يقول الأستاذ العزيز علي الأسدي: ((إن حماية سيادة العراق وازدهاره الاقتصادي ورخاء شعبه ممكنة فقط اذا اتفق العراقيون على أن يتفقوا والا فلن تنفعهم بوارج الولايات المتحدة وحلفائها... ولهذا يتطلب منا مناقشة كافة موضوعات الخلافات التي تفرق حاليا بيننا بكل صراحة ووضوح وبدون حرج أو تردد بحضور ممثلي الشيعة والسنة والمسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين والشبك والكرد والتركمان بسنتهم وشيعتهم دون استثناء لأي مكون مهما كان اتجاهه السياسي من أقصى اليسار الى أقصى اليمين. وأن يأخذ المشاركون في المناقشات عهدا بأن لا ينهوا اجتماعاتهم قبل اتفاق نهائي على كل شيئ مختلف عليه حتى ولو استمرت الاجتماعات عاما أو أكثر. وليعرف المجتمعون مقدما أنهم وحدهم بدون وسطاء وبدون اتفاقهم على مصير بلادهم هو نهاية العراق أرضا وشعبا وتراثا وممتلكات ومقدسات وذكريات واذا كانوا يحبون العراق حقا فلن يحبه أحدا مثلهم أو أكثر منهم أو أفضل منهم. وليأخذوا بالمثل الشعبي العراقي " ما يحك جلدك أحسن من إيدك ."))

هذا الكلام جميل جداً، ولكنه نظري ومثالي غير قابل للتطبيق. فهل بإمكان أكبر منطقي عقلاني أن يقنع قيادات سياسية مثل طارق الهاشمي، والأخوين النجيفي، وعلي حاتم سليمان، وأحمد العلواني، وطه الدليمي وحارث الضاري، والشيخ عبدالمالك السعدي، ومئات غيرهم، أن شيعة العراق هم عراقيون وليسوا هنود وإيرانيين صفويين، ومن حقهم المشاركة في الحكم حسب ما تفرزه صناديق الاقتراع؟؟ هؤلاء يا عزيزي ناس متعصبون لا يختلفون في تعصبهم الطائفي عن الزرقاوي، وأبو بكر البغدادي، وعزة الدوري، وغيرهم. تفيد الحكمة (أن من يجادل المتعصب كمن يجادل الميت). فلا جدوى من الجدال مع المتعصبين، ودون أن أقلل من أهمية وتأثير نشر ثقافة الحوار والتآخي والمحبة، ونبذ العنصرية والطائفية، والدعوة للوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد. ولكن هذه الدعوة لن تثمر إلا بعد سنوات طويلة وليس بين عشية وضحاها... كن فيكون!
واقتراحك هذا يا أستانا العزيز يذكرني بحكاية (من يشد الجرس)، أي حكاية القط مع الفئران التي أوردها الراحل علي الوردي في كتابه مهزلة العقل البشري، ومفادها:
"يحكى أن جماعة من الفئران اجتمعوا ذات يوم ليفكروا في طريقة تنجيهم من خطر القط، وبعد جدل عنيف قام ذلك الفأر المحترم فاقترح عليهم أن يضعوا جرساً رناناً في عنق القط حتى إذا داهمهم القط سمعوا به قبل فوات الأوان وفروا من وجهه".
ويعلق الوردي: "إنه اقتراح رائع لا ريب في ذلك، ولكن المشكلة الكبرى كامنة في كيفية تعليق الجرس على عنق القط. فمن هو ذلك العنتري الذي يستطيع أن يمسك بعنق القط ويشد عليه خيط الجرس ثم يرجع إلى قومه سالماً غانماً". ويضيف: "لعلنا لا نغالي إذا قلنا: أن معظم أفكار القدماء هي من هذا النوع، فهي أفكار رائعة وجميلة ولكن فيها عيب كبير هي أنها غير عملية".

ويختم الصديق العزيز الأستاذ علي الأسدي مقاله القيم:
((رجائي الأخوي للصديق الطيب الدكتور عبد الخالق حسين أن يوجه جهوده وخطابه الى قوى شعبنا للتوحد وحل مشاكلهم التافهة التي لا معنى لها التي أضحكت شعوب العالم من نزاعاتنا غير المجدية وغير المثمرة وغير الجدية حولها. وأن ينفض يديه كليا من العون الأمريكي ومن الأمريكيين الذين ليس لهم صاحب ولا صديق. ))
أيها الصديق العزيز، هذا بالضبط ما أفعله، ولكن هذه المشاكل "التافهة" قابلة للتضخيم وقد نجح أعداء العراق في تحويلها إلى سلاح الدمار الشامل كما هو جاري خلال 11 سنة الماضية، والسبب هو أن هذه المشاكل كانت موجودة ولكن أيقضها وضخمها أعداء العراق من السعوديين الوهابيين وغيرهم، وصرفوا مليارات الدولارات لتأجيجها، فاشتروا بها أحزاباً وقوى سياسية ومؤسسات إعلامية، وذمم كتاب ورجال دين لإشعال هذه الفتن. والشعب العراقي منقسم على نفسه ومهدد بالفناء، ولذلك فالجهة الوحيدة القادرة على إيقاف هذا النزيف وهذه الفتن هي أمريكا وليس غيرها. فبرفضنا لها، أمريكا تقف مع أعداء العراق في الداخل والخارج، ويختلقون ألف حجة وحجة للتخلي عن العراق العربي ليسحق بعضه بعضاً كما تركوا داعش يحتل الموصل وصلاح الدين وترتكب مجزرة سبايكر ضد 1700 تلميذ شيعي في القوات الجوية في تكريت، ومجازر سجناء بادوش من الشيعة أيضاً، ثم المذابح ضد الشبك والمسيحيين والأيزيديين، ولم تتحرك أمريكا إلا بعد أن وصل داعش إلى حدود أربيل حيث باتت الشركات الأمريكية، وأكبر مركز تنصت في أربيل مهددة بالسقوط بأيدي الدواعش. عندئذ فقط تحركت أمريكا لوقف داعش عند حده المرسوم له.
ولا تتصور أن أمريكا تريد القضاء المبرم على داعش، بل ستحتفظ به كورقة ضغط  تستخدمها عند الحاجة ضد أية حكومة في المنطقة تشق عليها عصا الطاعة. والعراق المريض الجريح المفتت ليس بقوة الصين أو روسيا لكي يتحدى أمريكا ويشاكسها، وخاصة في مثل هذه الظروف العصيبة، فقد دفع الشعب العراقي أكثر مما يستطيع.
وفي الختام أشكر الصديق العزيز الأستاذ علي الأسدي على دفاعه عني ضد أصحاب التعليقات الهابطة، ومقاله القيم الذي أتاح لي الفرصة لتسليط المزيد من الضوء على المشاكل التي يواجهها العراق، وضرورة العلاقة الودية بما فيها العسكرية مع أمريكا. فلأمريكا قواعد عسكرية في مختلف دول العالم بما فيها بريطانيا وتركيا ولم تثلم هذه العلاقة من سيادة تلك الدول. ولا ننسى أن حاجة العراق لأمريكا أكثر من حاجة أمريكا للعراق.
وألف تحية للأستاذ علي، متمنيا له دوام الصحة والعطاء، والمزيد من هذا الحوار الراقي لخدمة بلادنا العزيزة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط المصادر:
1- علي الأسدي : أمريكا في مقال ... الدكتور عبد الخالق حسين ...؟؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=431814

2- عبدالخالق حسين: خطاب مفتوح إلى الدكتور حيدر العبادي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=680

3- عبدالخالق حسين: مناقشة حول العلاقة مع أمريكا
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=681


281
مناقشة حول العلاقة مع أمريكا
د.عبدالخالق حسين

مقدمة
بعد نشر مقالي الأخير الموسوم (خطاب مفتوح إلى الدكتور حيدر العبادي )(1)، نشر العديد من القراء الكرام، من بينهم كتاب متميزين، ردوداً متباينة على دعوتي للمكلف بتشكيل الحكومة القادمة بإقامة علاقة إستراتيجية طويلة الأمد مع أمريكا، أغلبها مؤيدة. وهذه ليست المرة الأولى التي أدعو فيها إلى علاقة ودية مع الدولة العظمى، إذ بدأتُ بهذه الحملة أيام المعارضة لنظام البعث الصدامي قبل 2003م في صحيفة المؤتمر اللندنية آنذاك، وصحف المعارضة الأخرى. كما و نشرت في هذا الخصوص عدة مقالات في السنوات الأخيرة وحتى هذا العام(2014)، أدرج روابط البعض منها في الهامش.

ونظراً لأهميته، وجدت من المفيد العودة للموضوع ومناقشة بعض هذه الردود، وقد اخترت أربعة من العشرات، لأنها تمثل القاسم المشترك لمعظم التعليقات، سلباً أو إيجاباً، وهي تعكس موقف الشارع العراقي إلى حد ما. ومن بين هذه الردود المختارة، مقال للصديق إ.د. حسين حامد حسين بعنوان: (مداخلة مع مقال الدكتور عبد الخالق حسين)، المنشور على صحيفة الأخبار الإلكترونية(2)، وتعليق من الكاتب السيد كامل العضاض، على موقعه في الفيسبوك. وتعليق ثالث من السيد وداد عبدالزهرة فاخر/ رئيس تحرير جريدة السيمر، على موقع عراق القانون، وهم معارضون للخطاب مع الاختلاف في الدرجة واللهجة. كما واستلمت رسالة من صديق بتوقيع (شيوعي سابق) مؤيد للفكرة، ونظراً لأهميتها، أنقلها كملحق للمقال وأشكره على سماحه لي بنشرها.
   
لا شك أن العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية موضوع شائك ومعقد ومثير للجدل. لذلك، فكل من يجازف بالدعوة لعلاقة ودية مع الدولة العظمى لن يسلم من الاتهامات الجاهزة بالخيانة للوطن، والعمالة لأمريكا وحتى لإسرائيل. وهذا المرض السياسي العضال هو من مخلفات الحرب الباردة التي انتهت بانهيار المعسكر الشيوعي لصالح المعسكر الغربي الديمقراطي وفق مبدأ البقاء للأصلح. ورغم العداء المستفحل بين التيارات السياسية العراقية والعربية المؤدلجة بالأيديولوجيات الشمولية (الشيوعي والإسلامي والقومي العروبي)، إلا إن هذه التيارات متفقة في عدائها المعلن ضد الغرب وبالأخص لأمريكا. ونتيجة لهذا الموقف التدميري انتهى العراق (وكذلك سوريا وليبيا)، بالخراب الشامل، مقارنة بالدول الخليجية التي لحد قبل 50 عاماً كانت عبارة عن صحارى قاحلة، وقرى ساحلية فقيرة لصيد الأسماك والمحار، تحولت إلى مدن عامرة وغابات من ناطحات السماء، تنافس في ضخامتها وجمالها وعمرانها أعظم عواصم الدول الغربية المتقدمة في العمران والجمال والمستوى المعيشي لشعوبها، كما وإنها أنشأت أكبر مزارع النخيل والأعناب في العالم. حدث كل هذا التطور والعمران خلال فترة قصيرة وبفضل العلاقات الوثيقة بين هذه الدول الخليجية والغرب.

مناقشة
أولاً: تعليق إ.د حسين حامد حسين بعنوان
: (مداخلة مع مقال الدكتور عبد الخالق حسين).
أشكر الصديق الكاتب على أدبه الجم في الحوار، إذ يبدأ مداخلته بقوله: "لا اختلف مع رأي الدكتور عبد الخالق حسين على اهمية إقامة علاقة إستراتيجية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن علينا ان نفهم أولا، هل ان الولايات المتحدة تمتلك نفس الرغبة والتطلع من جانبها الى مثل هذه العلاقة الإستراتيجية مع العراق؟"
فالأخ الكاتب يتفق معي في إقامة علاقة إستراتيجية طويلة الأمد مع أمريكا، ولكنه يشك في رغبتها في هذه العلاقة. أؤكد للأخ الكاتب أن أمريكا راغبة في هذه العلاقة، بدليل أن عدم موافقة الجانب العراقي في إبقاء عدد محدود من القوات الأمريكية في العراق في اتفاقية (SOFA)، هو السبب الرئيسي للموقف الأمريكي السلبي من حكومة المالكي، والذي كان من نتائجه هذه الأزمة الداعشية التي يعيشها العراق الآن. 
ويسأل السيد الكاتب: "وما مقدار ثقة الولايات المتحدة بالنظام السياسي "الديني" في العراق وهي التي لا تثق بالانظمة السياسية الدينية حتى وان كان هذا النظام الديني ديمقراطيا ومعتدلا كما هو في العراق؟"
جواب: أعتقد من الخطأ اعتبار النظام العراقي الجديد بأنه نظام ديني، فهو نظام خليط يضم ممثلين عن مختلف الكيانات السياسية، منها دينية دون أن تفرض النظام الإسلامي مثل حزب الدعوة (الشيعي) والحزب الإسلامي (السني) وغيرهما، ومعظم الشركاء من الأحزاب الأخرى هي علمانية. فهل رئيس الجمهورية مثلاً يمثل نظام إسلامي؟ كما و أكد السيد نوري المالكي، مراراً خلال الثمان سنوات الماضية التي كان فيها رئيساً لمجلس الوزراء، أنه يسعى لبناء دولة مدنية ودولة القانون وليس دولة دينية، طبعاً مع احترام الأديان.
كذلك لا أعتقد أن أمريكا ضد الأنظمة الإسلامية، وإنْ تفضل عليها الأنظمة العلمانية الديمقراطية، بدليل أنها أيدتْ حكم الأخوان المسلمين في مصر ودافعت عنه. لذلك فأمريكا لا يهمها هل نظام الحكم في أي بلد هو إسلامي أو علماني، سني أو شيعي، بل كل ما يهمها هو مصالحها، ونحن لنا مصالحنا أيضاً. فلماذا لا نسعى نحن العراقيين وراء مصالح شعبنا، خاصة إذا ما التقت مع مصالح أمريكا؟

ثم يسأل الدكتور حسين: "وماذا عن ما تعتقده الولايات المتحدة من علاقة العراق بايران؟"
الجواب: في الآونة الأخيرة، شاهدنا أمريكا نفسها تسعى للتقارب مع إيران. وبالتأكيد لا مانع لديها في أن تكون للعراق علاقة سليمة مع إيران. فكل ما تريده أمريكا هو أن تسمح الحكومة العراقية بوجود قوات محدودة في العراق ليس غير، وكان علينا بقبول هذا الطلب لأنه في صالح شعبنا. 

ويضيف الدكتور حسين: "والسؤال الاكثر اهمية هو ما السر وراء الدفاع والدعم المبالغ به من قبل الادارة الامريكة للاقليم، وعلى حساب الشعب العراقي باجمعه؟"
الجواب: لأن رئاسة الإقليم لعبت ورقتها مع أمريكا بأسلوب علمي صحيح يخدم مصلحة الشعب الكردستاني ومصلحة أمريكا. فالكرد لم يكونوا ناكرين للجميل الأمريكي في تحريرهم من أسوأ نظام همجي عرفه التاريخ، بل قابلوا الأمريكان بالورود، ولم يحتفلوا يوم رحيل آخر جندي من العراق نهاية عام 2011، ولم يعلنوا ذلك اليوم عطلة وطنية يعلنون فيها الأفراح، ولم يحرموا الشركات الأمريكية من عقد الصفقات النفطية وغيرها من المشاريع العمرانية والاقتصادية كما عملت الحكومة العراقية التي منحت العقود إلى شركات الدول التي وقفت مع صدام حسين، مثل روسيا وفرنسا والصين وحتى تركيا. وهذا هو سبب دفاع أمريكا عن الإقليم لحماية مصالحها وشركاتها في كردستان وأخذت موقفياً سلبياً من حكومة المالكي.
****
ثانياً، تعليق الكاتب السيد كامل العضاض على موقعه في الفيسبوك (رابط المقال في الحوار المتمدن في الهامش):
يقول الأخ العضاض: "دعوة السيد عبد الخالق لخلاص العراق من داعش والتقسيم والفشل هي بمنح أمريكا قواعد عسكرية وإقامة حلف متين معها. والسؤال هو، هل تعوز امريكا قواعد في الشرق الأوسط؟"
الجواب: نعم، أمريكا لا تعوزها قواعد في الشرق الأوسط، ولكن طالما هي التي ترغب بهذه القواعد في العراق، وهذه الرغبة هي في صالح العراق لتدريب جيشه والمشاركة في حمايته من الإرهابيين الدواعش وغيرهم، فليكن وما الضير في ذلك؟ ماذا يضر العراق لو سمحت حكومته بكيلومتر مربع من صحرائه الواسعة لأمريكا لبناء قاعدة فيها؟ لذلك كان على العراقيين أن يستفيدوا من هذه الفرصة الذهبية، والتخلي عن العناد والمكابرة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ثم يسأل السيد الكاتب: "الم تؤمِّن أمريكا مصالحها البترولية في العراق في عقود لعقود؟"
الجواب: كلا، لم تؤمِّن هذه المصالح لعقود وعقود، فمنذ ثورة 14 تموز عام 1958، وعلاقات العراق مع الغرب وبالأخص مع أمريكا بين مد وجزر. وبسبب هذا التأرجح في المواقف ومشاكل الحرب الباردة، وانحياو العراق إلى روسيا السوفيتة خسرنا ثورتنا الوطنية، ثورة 14 تموز المجيدة وقيادتها الوطنية المخلصة. لذلك كفى عناداً ومكابرة، وكفى دماراً.

يسأل السيد كامل العضاض: "ماذا تريد أمريكا من العراق؟ حتى الكرد وضعتهم تحت جناحها ومكنتهم من إقامة دولة داخل دولة".
الجواب: أحيلك إلى جوابي على سؤال الأخ الدكتور حسين أعلاه في هذا الخصوص.

السيد كامل: "ألا تملك أمريكا أكبر سفارة، تقترب من حجم قاعدة في قلب بغداد؟"
جواب- وجود سفارة كبيرة في بغداد لا يضمن المصالح، فمعظم العقود النفطية ذهبت إلى الشركات غير الأمريكية وحكومتنا كانت وما زالت تتباهى بذلك وهي التي خسرت.
السيد كامل: "هل تريد إعلان بغداد الإعتراف بإسرائيل؟"
جواب: كلا، أمريكا لم تفرض على أحد الاعتراف بإسرائيل، فالسعودية وغيرها من الدول الخليجية لها علاقات ودية حميمة مع أمريكا ولم تعترف بإسرائيل لخد الآن علناً على الأقل. 
السيد كامل: "السيد عبد الخالق يعرف أن داعش صناعة أمريكية، هل نجحت قبلها القاعدة لفرض الهيمنة الأمريكية؟ في اي مجال عادى عراق ما بعد الغزو الأمريكي الولايات المتحدة؟ هل جيش جيوش ضد مصالحها وحليفتها إسرائيل؟ ليقل لنا السيد عبد الخالق ما هو المطلوب بالضبط؟ تقسيم العراق؟ مسحه من الخارطة؟ ندعوه لتنويرنا، وهم كثيرون من يوجهون النصائح هذه الأيام للسيد العبادي، رئيس الوزراء المكلف؟؟!!"
جواب: ذكرتُ في عدة مقالات أن (داعش)، مثل أمها (القاعدة)، صناعة أمريكية وبأموال سعودية وبأيديولوجية وهابية تكفيرية وضباط بعثيين. تستخدمه أمريكا لضرب كل حكومة تقف ضد مصالحها في المنطقة، أو على الأقل لن تتدخل لمساعدة تلك الحكومة في حالة تعرضها لعدوان داعش كما حصل مع حكومة المالكي. لذلك فالمطلوب منا أن نكون أذكى من السعودية والبعثيين، ونكسب أمريكا إلى جانب شعبنا. أما هتافات وشعارات مقتدى الصدر (كلا كلا أمريكا)، فلن تجلب لهذا الشعب المبتلى غير المزيد من الدمار وسفك دماء الأبرياء والقتل المجاني. فالمطلوب بالضبط من الحكومة العراقية يا أخ كامل هو إعادة كتابة الاتفاقية الإستراتيجية العراقية الأمريكية (SOFA)، بحيث تسمح بوجود قوات أمريكية محدودة في العراق، كما هو الحال في الكويت وغيرها من الدول الخليجية.

التعليق الثالث من الصديق وداد عبد الزهرة فاخر / رئيس تحرير جريدة السيمر، أنقله نصاً وبالكمال والتمام : (عبد الخالق حسين يتحدث بدون تخويل باسم الشعب العراقي، وهو حق غير مكتسب اطلاقا وتجاوز على مشاعر العراقيين الذين يعرف الصغير والكبير منهم حجم المؤامرة الامريكية على العراق من خلال تشكيل داعش ودعمها وتوجيهها لسوريا ثم العراق. والحديث يطول اصلا. ثم ان العراق جزء من امة العرب ويتأثر بما يحصل في كل جزء عربي ونضال جميع القوى المناهضة لإسرائيل في فلسطين المحتلة وانتصارها انتصار للعراق ايضا لان اسرائيل جزء من المخطط الارهابي الامريكي الذي يصفق له عبد الخالق حسين. فابراهيم السامرائي او ابو بكر [البغدادي] قد تدرب باسرائيل. والمقال برمته دعاية واضحة لإعادة الاحتلال الامريكي الشامل للعراق الذي بدأت مظاهره تطل علينا من جديد حيث دخل من شباك داعش الذي افتعله بعد ان خرج من الباب.) أنتهى

الجواب: يا أخ وداد أنا مثلك، وكأي مواطن عراقي، في الداخل أو الخارج، مخول من الشعب العراقي من خلال الدستور الذي صوت عليه عام 2005 حيث أتاح لي ولك ولكل العراقيين حرية التعبير والتفكير. فلماذا تريد أنت مصادرة هذه الحرية وتحرمني منها؟ أما إذا كنت تقصد بـ(تخويل باسم الشعب) كأن أقوم باستفتاء الشعب على كل مقال أنشره، فهذا شرط تعجيزي مستحيل تنفيذه إطلاقاً، ولتوقف الناس عن الكتابة والنشر. والتخويل الشعبي الذي تعنيه كذلك ينطبق عليك، لأنك أنت أيضاً لم تحصل على هذا التخويل الشعبي لكي تحاول منعي من هذا الحق. وفي النهاية لنترك الأمر للقراء ليحكموا بأنفسهم، إما أن يأخذوا به أو يرفضوه. إذ كما جاء في القرآن الكريم: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ".

الاستنتاج:
أقول لأولئك الذين مازالوا يرون الوطنية مرادفة لمعاداة الغرب وأمريكا، ويرددون هتافات بائسة مثل (كلا كلا أمريكا)، و(الموت لأمريكا) و (الرأسمالية المتوحشة)...الخ، وتحرضون على العداء للغرب، أنكم تقودون شعبكم نحو الهاوية. فنتيجة لهذه العقلية التدميرية انتجتم صدام حسين، وجلبتم الدمار الشامل لشعبكم، وكفى ضحكاً على الذقون، فكما قالت الكاتبة السعودية الشجاعة، وجيهة الحويدر: (استغفلونا ونحن صغاراً)، فلم نعد نصدقكم بعد.
يجب أن يعرف هؤلاء أننا نعيش في عصر العولمة، وصار كوكبنا عبارة عن قرية كونية، والمشكلة الوطنية أو المحلية هي مشكلة دولية، فالإرهاب في أي مكان هو إرهاب يهدد كل مكان. فداعش ليست مشكلة عراقية أو سورية فحسب، بل مشكلة دولية. وأنا أكتب هذا المقال، وعلى بعد بضعة مئات من الأميال مني يعقد في مقاطعة ويلز البريطانية، مؤتمر قمة حلف الناتو الذي حضرته 28 دولة من بينها أمريكا و بريطانيا، إضافة إلى ملك الأردن ورئيس أوكرانيا (يعني 30 دولة)، لمواجهة مشكلتين أساسيتين تهددان السلام العالمي. المشكلة الأوكرانية، ومشكلة داعش في العراق وسوريا. لذلك، سواءً كان داعش والقاعدة صناعة أمريكية أم لا، فقد انقلب السحر على الساحر، وبدأ داعش يقطع رقاب الصحفيين الغربيين بمنتهى الوحشية والهمجية. ومن مصلحتنا توظيف هذا الاندفاع الدولي ضد داعش لمصلحتنا.
ترى السعودية وغيرها من الدول الخليجية ليس من مصلحتها أن ينافسها العراق لتكون له علاقة إستراتيجية حميمة مع الدولة العظمى. لذلك نجد وسائل إعلام هذه الدول تحرض الشعب العراقي ضد أية علاقة مع أمريكا وتعتبر وجود عدة آلاف جندي من القوات الأمريكية في العراق إساءة للسيادة الوطنية العراقية. فاستجاب لهم أعوانهم من أمثال أتباع مقتدى الصدر وفق مبدأ "شيِّم البدوي وخذ عباته"! في الوقت الذي نرى هذه الدول تتسابق فيما بينها لكسب ود أمريكا التي قواعدها العسكرية تملأ أراضيها.
فأية سيادة بقيت للعراق وثلثه محتل من قبل شذاذ الأفاق من مجرمي داعش، وما تعرضت له الأقليات الدينية من مجازر يندى لها جبين الإنسانية؟ في الحقيقة إن حاجتنا لأمريكا اكثر من حاجتها إلينا.
فأيهما أفضل للعراق وأقل إساءةً للسيادة الوطنية أو(قميص عثمان): إحتلال داعش لثلث مساحة العراق وارتكاب المجازر الوحشية ضد شعبه، أو منح أمريكا كيلومتر مربع واحد تقيم عليها قاعدة عسكرية، تقوم بتدريب الجيش العراقي وتساعده على محاربة الإرهاب؟ أيهما أفضل ؟ أفتونا يرحمكم الله!!!

يجب أن يفهم هؤلاء أن عصر الضحك على الذقون قد ولى وإلى الأبد، وأن كل ما أنتجته الحضارة من علوم وآداب وفنون وأيديولوجيات يجب وبالضرورة أن تكون في خدمة الإنسان وليس العكس. ولذلك فالأيديولوجيات الشمولية قد انتهت في مزبلة التاريخ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط المصادر:
1- عبدالخالق حسين: خطاب مفتوح إلى الدكتور حيدر العبادي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=680

2- أ. د. حسين حامد حسين: مداخلة مع مقال الدكتور عبد الخالق حسين ...
http://alakhbaar.org/home/2014/9/175896.html
ـــــــــــــــــــــ
ومن يرغب في قراءة المزيد من التعليقات أرجو فتح الروابط التالية:
1- رابط المقال على موقع الحوار المتمدن
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=431099

2- رابط المقال على موقع عراق القانون
http://www.qanon302.net/in-focus/2014/09/04/30844

3- - رابط المقال على موقع شبابيك
http://www.shababek.de/pw3/?p=5072
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط مقالات ذات صلة:
1- عبدالخالق حسين: نحو علاقة عراقية- أمريكية متكافئة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=570

2- عبدالخالق حسين: لماذا يحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=630

3- عبدالخالق حسين - لولا أمريكا...
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=59875

4- سالم مشكور: «البطل» و«الحليف» وواشنطن!
http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=167215#axzz3CW0qfP5i

ملحق
أدناه رسالة من أحد الأصدقاء، وهو شيوعي سابق، بعثها لي معقباً على مقالي (خطاب مفتوح للدكتور حيدر العبادي)، ونظراً لأهميتها ولأنها مكملة للمقال، فقد سمح لي مشكوراً بنشرها وبتوقيع (شيوعي سابق).
نص الرسالة:
الى الصديق الدكتور عبداالخالق حسين
تحية عراقية واتمنى ان تكون بوافر الصحة والعافية
اتفق تماما مع كل ماورد في مقالك الرائع واشيد بشجاعتك وصراحتك، وسبق لي قبل عدة اشهر اني وعدتك ان ارسل لك رسالة بهذا الخصوص وأرى ان مستقبل العراق مرهون بمدى قوة العلاقة مع الغرب وبالذات مع الولايات المتحدة الامريكية ذات الفضل الكبير علينا بتحرير بلدنا من الاستعمار البعثي النازي. وأضيف الى مقالك ان يسعى العراق للانضمام الى حلف الناتو اسوة بتركيا لأنه سيكون الضمانة لأمن العراق عسكريا وأمنيا واقتصاديا وثقافيا. قوة اقتصاد تركيا يأتي من تحالفها مع الغرب وعضويتها في الناتو، وبالتالي الاستثمارات الغربية الهائلة في تركيا. في حين تفتقر الى النفط والغاز كما يمتلكه العراق. برأيي ايضا منح الشركات الامريكية والبريطانية وبقية الدول التي دعمت حرب تحرير العراق الأولوية والتسهيلات للإستثمار، وبعدها الدول الاخرى للعمل بالعراق مكافئة لدورها في تحرير العراق. وأتصور بعد ذلك سنسحب البساط من تحت دول الخليج، دول البداوة والتخلف والإرهاب، وحتى سلاطين تركيا بعد ربط مصالح الغرب وبالذات امريكا وبريطانيا في العراق. ولذلك فان الغرب سيكون مجبراً على حماية العراق من شرور هذه الدول وغيرها. فمثلا ستمنع اي من هذه الدول بالتدخل في شؤون العراق لان ذلك سيعرض مصالحها في العراق للخطر ثم تستطيع امريكا والغرب بالضغط على تركيا بعدم قطع المياه عن نهري دجلة والفرات، وهناك كثير وكثير من الامور الذي سيستفاد العراق من تحالفه مع امريكا صناعيا وزراعيا وعلميا وثقافيا.
يا أخي
هل هؤلاء بدو الخليج اكثر دهاءً وذكاءُ منا ؟؟؟؟ القواعد الامريكية والبريطانية وحتى الفرنسية منتشرة في كل بقعة من اراضي هذه الدول واقتصادها وأمنها مرتبط  ومرهون باقتصاد الغرب بشكل وثيق؟؟؟؟ يا دكتور يجب علينا التخلص من الشعارات الثورية والفنتازية التي دمرتنا من خلال معاداة الغرب ودفعنا ثمنا باهظا.
سؤالي: هل الدكتور العبادي له القدرة ان يخطو هذه الخطوة  الشجاعة وإنقاذ العراق ؟؟؟؟
اشك في ذلك!!! لان ملالي التخلف في طهران لا يسمحون بأي موطئ قدم للغرب، وبالذات للولايات المتحدة الامريكية في العراق اطلاقا. لاعتبارات تعرفها انت اكثر مني وإيران لها سطوة كبيرة على الاحزاب الدينية الشيعية، لنكن واقعين، وهذا تحالف ديني وطائفي كما كنا نحن الشيوعين سابقا، كان ولائنا المطلق للسوفيت بحكم الآيديولوجيا الواحدة. اتمنى من كل قلبي ان ينفذ الدكتور العبادي ما نحلم به، وينقذ العراق من هذه الفوضى، ويكون رجل العراق التاريخي؟؟

اما بخصوص مطالب قائمة حثالات البعث وشروطهم التعجيزية للمشاركة في الحكومة ومنها الغاء المسائلة واجتثاث البعث، فهذا مطلبهم الاول والأخير، ومهمتهم الاساسية لعودة البعث وضرب العملية السياسية من داخلها وهم يمثلون الواجهة السياسية للبعث، وداعش والنقشبندية، والتنظيمات الارهابية الاخرى تمثل الجناح العسكري الارهابي للبعث، لان قادة هذه التنظيمات وأمرائها هم من قيادات الجيش السابق وضباط المخابرات والأمن الخاص للنظام البعثي المقبور. من هو ظافر العاني، ومنه صالح المطلق، ومنه الكربولي، ومنه علاوي، ومنه النجيفي، ومنه طارق الهاشمي وسلمان الجميلي وغيرهم من الحثالات؟؟ تاريخهم السياسي وتصريحاتهم تؤكد بعثيتهم من خلال دفاعهم عن النظام المقبور من على شاشات التلفزة، ورفضهم للتغيير الذي حصل في العراق. ولذلك يجب عدم التنازل عن الغاء قانون اجتثاث البعث ولكن يجب ان يشمل البعثيين سواء من المكون السني او الشيعي، او أي مكون آخر وبدون انتقائية. بصراحة هذه الانتقائية سمحت للبعثيين الشيعة ان يخترقوا الاحزاب الدينية الشيعية ويتصدرون المشهد السياسي، وهنا تكمن الخطورة من خلال اختراق البعثيين للاجهزة الامنية والعسكرية والمؤسسات المهمة للدولة والقيام بأعمال ارهابية خطرة. اكثر مستشاري المالكي كانوا بعثيين ومن اجهزة المخابرات الصدامية في حين يمتلك حزب الدعوة كوادر مناضلة ومثقفة ومهنية تم تهميشها والاستعانة بهؤلاء البعثين والبعثيات. صحيح لا يمكن ابعاد كل البعثيين، لكن يجب عدم السماح لهم بتصدر المشهد السياسي. هؤلاء خطرين ويُشك في إخلاصهم مهما كانوا صادقين خوفا من الخطوط المائلة والاختراقات، ونحن اصحاب تجارب مع النظام البعثي ودوره التخريبي وعمليات الاختراق الامنية والتجسس. ولذلك اتمنى ان لا يلغى قانون اجتثاث البعث.

اشاركك الرأي بخصوص ان لا يكون الشيعة ملوك اكثر من الملك بخصوص المقاومة والقضية الفلسطينية، واعتبرها تجارة سياسية مارستها الانظمة العربية السابقة وبالذات التيار القومجي العروبي بشقيه الناصري والبعثي وحتى اليسار، وعفى الزمن على هذه التجارة وأصبحت من الماضي، ولن تخدم المكوَّن الشيعي. ويجب عدم الإنجرار وراء مشاكل ملالي طهران وصراعهم وصدامهم مع الغرب. اعتقد هذا لا يخدم الشيعة في كل مكان بمعاداتهم للغرب ولن يكسبوا شيئا. دائما اتحاور مع بعض الاصدقاء والمعارف من الاسلاميين الشيعة وأقول لهم ، أما كان من الاجدر للنظام الايراني ان يدعم الاصلاحيين مثل خاتمي وغيره والتقرب من الغرب وبالذات مع الولايات المتحدة الامريكية وبناء علاقات استراتيجية كما يفعل بدو الخليج وكسبها بدل العداء لها؟؟ ماذا ستكسبون من هذا العداء؟؟ وادعموا الاصلاحيين لتوسيع الديمقراطية وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى وبناء نموذج ديمقراطي حقيقي بمنطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي والانتقال للمجتمع المدني العلماني بالتدريج...!!! والتخلي عن هذا التهريج الأيديولوجي والخرافات التي عفا عليها الزمن. والشعب الايراني يمتلك عمق حضاري افضل من شعوب المنطقة، ودولة غنية بمواردها الطبيعية والبشرية وقادرة خلال عقدين ان تتجاوز حتى ماليزيا وتكون مركز اشعاع في المنطقة وشعوبها التي ستنهض وتحطم هذه الانظمة المتخلفة..؟؟
منهم من يؤيد هذا الموقف ومنهم المؤدلج حتى النخاع يرفض ذلك ويعتقد ان النظام الحالي افضل نظام بالعالم في العراق حاليا.
طبعا الآمال الشعبية تنتظر تشكيل الحكومة وعودة مئات الآلاف من المهجرين لديارهم ومنهم اهلي واقربائي الذين تركوا املاكهم وبساتينهم وبيوتهم من قضاء المقدادية والتجأوا الى المناطق الكردية كأربيل وخانقين ومدن آخرى خوفا من عصابات داعش. يوميا اتصل بهم وهم ينتظرون الفرج للخلاص من دواعش البعث.
قد اطلت عليك حديثي
اتمنى لك الموفقية والصحة
تحياتي
شيوعي سابق
3/9/2014


282
خطاب مفتوح إلى الدكتور حيدر العبادي

د.عبدالخالق حسين

بعد التحية والتقدير،
لا شك أن تكليفكم بتشكيل الحكومة الجديدة قد وضعكم في موقف لا تحسدون عليه. فالمطلوب منكم تشكيل حكومة جامعة وشاملة تضم ممثلين عن جميع مكونات الشعب العراقي المتعادية، وكناية نقول "المتآخية". فكتلة كل مكوَّن قدمت لكم قائمة من المطالب أغلبها تعجيزية كشرط لمشاركتهم في الحكومة، ومعظم طلبات كل كتلة يتعارض مع طلبات الكتل الأخرى، وحتى مع الدستور، ولسان حال كل منهم يقول: "لو ألعب لو أخرِّب الملعب"، خاصة وبإمكانهم تخريب الملعب، لأن (داعش) بندقية جاهزة لإيجار. 

فمهمتكم صعبة جداً، ولكنها ليست مستحيلة، لذلك، و كمواطن عراقي في المهجر، متابع ومهتم بالشأن العراقي، أجازف بتقديم بعض الاستشارات لكم، أعتقد أنها تساعدكم على جعل مهمتكم ممكنة فيما لو تفضلتم بالأخذ بها.

حقائق أولية
في البدء، أرجو أن تسمحوا لي بذكر بعض الحقائق المتفق عليها في السياسة وهي كالتالي:
الحقيقة الأولى، السياسة فن الممكن، وكل من يحاول المستحيل، فقد "أضاع العمر في طلب المحال". ورفض سياسة (كل شيء أو لا شيء)، فمن يصر على هذه السياسية ينتهي بلا شيء.
الحقيقة الثانية، أن النزاهة، والوطنية، والأخلاق الرفيعة، والنوايا الحسنة، والشعبية الواسعة، رغم ضرورتها في القائد السياسي، إلا إنها لا تكفي لنجاحه في تنفيذ برنامجه الوطني وحمايته من الفشل. فالذي سبقك في المنصب، ورفيقك في حزب الدعوة، السيد نوري المالكي، لم تنقصه هذه الخصال الحميدة، ولكنه مع ذلك لم يستطع نيل "المقبولية" من بقية الفرقاء في الداخل والخارج.(نشير عليكم بقراءة مقالنا: لماذا ربح المالكي الانتخابات وخسر"المقبولية"؟)(1).
وقبل أكثر من خمسين عاماً، حاول الزعيم عبدالكريم قاسم، الذي يضرب به المثل في النزاهة والوطنية والشعبية، أيضاً فشل في إرضاء الجميع فغدر به رفاق الأمس وقتلوه مع صحبه الأبرار شر قتلة، ولم يتركوا له حتى قبراً يضم جسده الممزق بالرصاص. وقبل ذلك بـ 1400 عاماً، حاول الإمام علي تحقيق العدالة، فملئوا قلبه قيحاً حتى استشهد.
الحقيقة الثالثة، أن مهمة السياسة هي السعي من أجل مصلحة الشعب. ولذلك نرى السياسيين الناجحين المخلصين لشعوبهم يبذلون كل ما في وسعهم لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح لشعوبهم. فمجال الأخلاق ليس في السياسة، بل في الدين والفلسفة. وحتى الدين في زماننا هذا تم تسخيره للشر وضد الأخلاق، كما هو واضح من سياسات بعض الدول التي سخَّرت الإسلام للإرهاب ضد الإنسانية.

الحل في العلاقة الاستراتيجية مع أمريكا

وبناءً على ما تقدم، ولكي تنجحوا في مهمتكم الصعبة وتقودوا العراق وشعبه إلى بر الأمان والسلام، عليكم بتحقيق مشروع في منتهى الأهمية، ألا وهو: إقامة علاقة إستراتيجية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية. فهذه العلاقة هي مفتاح الفرج، والعصا السحرية لحل جميع مشاكل العراق المستعصية والمتراكمة عبر قرون. وإذا ما كسبتم أمريكا إلى جانب العراق فستكسبون كل شيء، وجميع المشاكل الأخرى هي فرعية يمكن حلها، بما فيها الصراع العربي – الكردي، والسني – الشيعي، وعلاقات العراق المتوترة مع بعض الدول الإقليمية. لأن جميع الجهات التي تخلق المشاكل للعراق الجديد، وخاصة تأجيج الفتن الطائفية، في الداخل والخارج، تأتمر بأوامر أمريكا ومطيعة لها، "فالقول ما قالت أمريكا"، وما داعش إلا ورقة من أوراق لعبة 'بوكر' إقليمية ودولية، صنعت لمعاقبة كل حكومة لم تكن على وئام تام مع أمريكا وحليفاتها في المنطقة.

وأمريكا حقاً تستحق الشكر وإقامة العلاقة الحميمة والوثيقة معها، إذ كما ذكرنا في مقال لنا: "وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية فقد قدمت أمريكا تضحيات كثيرة لتحرير العراق، منها: نحو4500  قتيل من جنودها، و حوالي 40 ألف جريح، وترليون دولار من الخسائر المادية، وفي النهاية يتنكر العراقيون لهذا الفضل واتجهوا إلى إيران وروسيا، العدوتان لأمريكا"(1).
وهنا أود التوكيد على إن العلاقة الإستراتيجة الحميمة مع أمريكا لن تضر بالسيادة الوطنية، ولا تعني الانبطاح أو العمالة لها كما يدعي المهووسون بمعاداة أمريكا. فأية سيادة للعراق الآن وثلث مساحته محتل من قبل عصابات داعش الإرهابية؟ فلو كان لأمريكا وجود عسكري في العراق لما تجرأت عصابات داعش على انتهاك السيادة الوطنية العراقية، وارتكاب هذه الجرائم البشعة ضد عشرات الألوف من المواطنين الأبرياء، وشن حرب الإبادة والتطهير العرقي والطائفي؟ فأية مصلحة للعراق الجريح بمعاداة الدولة العظمى؟

ما هي السبل لتحقيق العلاقة الجيدة مع أمريكا؟
ولتحقيق هذه العلاقة نشير عليكم بما يلي:
1- تعديل الاتفاقية الاستراتيجية العراقية- الأمريكية لعام 2011 بما يخدم مصلحة الدولتين، بأن يوافق الجانب العراقي على وجود قواعد عسكرية لأمريكا في العراق من أجل حمايته، وتدريب قواته المسلحة وأجهزته الأمنية بالأساليب الحديثة والتكنولوجية المتطورة، وتحويله إلى جيش محترف يتمتع بقدرات عالية ليحمي الشعب من أي عدوان خارجي أو داخلي.
2- يجب الاهتمام بالإعلام في الداخل والخارج، وبالأخص لكسب الرأي العام الأمريكي. لقد نجح أعداء العراق الديمقراطي في تشويه صورة الديمقراطية الوليدة، وبالأخص صورة السيد نوري المالكي في أمريكا، فأبرزوه بأنه دكتاتور أسوأ من صدام، وموالي لإيران، ومعادي لأمريكا، وطائفي همش السنة والكرد، وحتى بعض الكيانات من طائفته الشيعية!! وأنه بسياساته هذه، سهل على داعش احتلال ثلث مساحة العراق!.
ولنشر هذه الافتراءات في الغرب وإبرازها وكأنها حقائق لا تقبل الشك، استأجروا شركات العلاقات العامة (PR)، وكتاب كبار، وصحافة كبرى، دفعوا لها ملايين الدولارات، وبذلك تمكنوا من كسب الرأي العام الأمريكي إلى جانبهم، وكونوا لوبيات (مجموعات الضغط) من شخصيات متنفذة في المجلسين: الكونغرس والشيوخ، مما أثروا على موقف إدارة الرئيس أوباما في أخذ الموقف المضاد من السيد المالكي والعملية السياسية برمتها.
لذلك، نشير عليكم بعدم إهمال الجانب الإعلامي، وتكوين اللوبيات في الغرب وخاصة في أمريكا لإعطاء صورة صحيحة ومشرفة ومشرقة عن العراق الجديد. وهناك في أمريكا عراقيون أكفاء
يمكنهم القيام بهذا الدور فيما لو قدمتم لهم الدعم.
3- موقف العراق من إيران: يجب التوضيح لأمريكا بأن ليس من مصلحة العراق معاداة إيران أو أية دولة إقليمية، وأن من مصلحة أمريكا أن تكون للعراق علاقة حميمة مع الدولتين أمريكا وإيران، خاصة وهناك دلائل تشير إلى تحسين العلاقة بين هاتين الدولتين.
 
4- الموقف من تأهيل البعث: لقد نجح حلفاء البعث الحاليون وهم بعثيون سابقون، من أمثال أياد علاوي والنجيفي والمطلق، والهاشمي عن طريق اللوبيات، في إقناع الإدارة الأمريكية ببراءة البعث من جرائمه ضد الإنسانية، وتشويه صورة قانون اجتثاث البعث (Debaathification)، ولذلك صرح الرئيس أوباما بأن هذا القانون كان خطأً. وهذا تمهيد لتأهيل حزب البعث، وبالتالي فرضه عليكم كشريك في العملية السياسية والحكومة ضمن مخطط إعادة تبعيث العراق (Re-baathification of Iraq)(2). لقد حصلت هذه القناعة لدا الرئيس أوباما بسبب غياب الصوت العراقي الديمقراطي المخلص في أمريكا ليشرح لهم الحقيقة. لذلك عليكم بسد هذا الفراغ، ومحاولة إقناع الإدارة الأمريكية بأن البعث هو أسوأ من النازية الهتلرية، وتأهيله وقبوله كشريك سيقضي على كل ما تحقق للعراق من مكاسب ديمقراطية، وسيعيد دورات العنف والحروب العبثية المدمرة في العراق والمنطقة. فحزب البعث لا يؤمن بالديمقراطية، ولا بالشراكة إلا كإجراء تكتيكي مؤقت ليتحين الفرص المناسبة ويغتصب السلطة كما هو معروف من تاريخه الدموي الأسود. والمؤسف أن هناك قيادي شيعي وهو السيد عمار الحكيم، راح يتحدث عن "انتفاء الحاجة الى قانون المساءلة والعدالة" أي (اجتثاث البعث). فتأهيل البعث خط أحمر للشعب العراقي ومخالف للدستور، أرجو أن تقفوا ضده بكل ما أوتيتم من قوة.

5- الموقف من القضية الفلسطينية: لقد أصدرت الأمم المتحدة قراراً يقضي بقيام الدولتين، أي دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، و قبلت القيادة الفلسطينية بهذا الحل. فهل المطلوب من الشيعة في العراق وإيران ولبنان والبحرين وغيرها من بقاع العالم، وهم يواجهون حرب الإبادة من الإرهاب السني الوهابي، أن يكونوا فلسطينيين أكثر من القيادة الفلسطينية، خاصة وقد اعترفت معظم الحكومات العربية بما فيها الحكومة الفلسطينية بإسرائيل؟ فلماذا الشيعة وحدهم يريدون معاداة أمريكا وإسرائيل برفع شعار التحرير من النهر إلى البحر؟(3)

حكومة الأغلبية
لا شك أنكم تعلمون أن هدف بعض الكيانات السياسية من المشاركة في الحكومة هو شلها من الداخل، ليلقوا اللوم عليكم، كما حصل في السنوات السابقة. لذلك أشير عليكم بحكومة الأغلبية السياسية، تتألف من كيانات سياسية منسجمة ومتقاربة في الأهداف ومتفقة على برنامج حكومي يخدم الشعب، وفي نفس الوقت تضم جميع المكونات الأثنية والدينية والمذهبية. فتشكيل حكومة الأغلبية تساعد على خلق معارضة ديمقراطية تحت قبة البرلمان بدلاً من معارضة لها رجل مع الحكومة وأخرى مع الإرهاب الداعشي.
وبناءُ على كل ما تقدم، نهيب بكم أن تجعلوا مصلحة العراق فوق كل شيء، وفوق أي اعتبار، وفوق مصلحة أية جهة أخرى، وأن تكون هي البوصلة لتقرير اتجاه العلاقة مع القوى السياسية في الداخل، والدول الأخرى في الخارج.

وفقكم الله لما فيه الخير للشعب العراقي
وتقبلوا منا فائق التقدير والاحترام
د.عبدالخالق حسين

إنكلترا
2 أيلول/سبتمبر 2014
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط المصادر
1- د.عبدالخالق حسين: لماذا ربح المالكي الانتخابات وخسر"المقبولية"؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=677

2- SHANE HARRIS: The Re-Baathification of Iraq
http://www.foreignpolicy.com/articles/2014/08/21/the_re_baathification_of_iraq
 
3- شاكر حسن - هل محاربة اسرائيل والدول الداعمة لها وقف على الشيعة؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=430689&nm=1

283
داعش يفضح مناصريه السياسيين
عبدالخالق حسين

منذ إسقاط حكم البعث الصدامي عام 2003 صار العراق ساحة لحروب إبادة الجنس على الهوية الدينية والطائفية. ولم يكن هذا الصراع الطائفي وليد اللحظة، بل هو نتاج ثمانين عاماً من احتكار المكون الواحد للحكم، وعزل وتهميش بقية المكونات. لذلك لم يتحمل هذا المكون نظاماً ديمقراطياً يشارك فيه الجميع وفق نتائج صناديق الاقتراع. لا شك أن أي كاتب يحاول قول هذه الحقيقة يشعر بالإحراج إذا ما أراد أن يسمي الأشياء بأسمائها، مثل الصراع الطائفي السني- الشيعي. ولكن بعد أن صار كل شيء على المكشوف، إذ بات معروفاً لدى القاصي والداني أن الإرهابيين القتلة هم من المذهب السني، وأغلب  الضحايا المستهدفين هم من الشيعة والمسيحيين و الأزيديين. وبالتأكيد، إذا قلنا هذه الحقيقة في تسمية الجناة والضحايا فلن نسلم من تهمة الطائفية، فسياسة النعامة في دفن رأسها بالرمال ما زالت سائدة.

لقد كانت الطائفية في العراق موجودة قبل 2003، ومنذ تأسيس الدولة العراقية، ولكن لم يستطع المهمشون التعبير عن سخطهم علناً بسبب قمع السلطة الطائفية لهم. والملاحظ أن جميع الأعمال الإرهابية التي وقعت ضد الشيعة بعد 2003، لم يوجه أي سياسي أو رجل دين سني إدانة لهذه الجرائم، إذا ما استثنينا الشيخ خالد الملا (رئيس جماعة علماء العراق)(1)، ونفر قليل مثله، بينما إذا وقعت جريمة ضد أهل السنة نلاحظ إدانة الجانب الشيعي لهذه الجرائم فوراً.
وآخر هذه الجرائم كانت الجريمة المروعة التي وقعت في مسجد مصعب بن عمير في محافظة ديالى، يوم 22/8/2014، التي راح ضحيتها نحو 30 شهيداً وإصابة 20 من المصلين السنة، و التي هزت وجدان كل إنسان سوي عنده ضمير حي، بغض النظر عن انتمائه الديني والمذهبي.

ولكن الغريب أن العديد من الزعماء السياسيين السنة ومشايخهم الدينيين، وحتى البعض منهم من اتصف بالاعتدال، تسرعوا في الاستنتاج بأنه طالما كان الضحايا من السنة، فلا بد وأن يكون الجناة من الشيعة. لذا، أطلقوا العنان لمشاعرهم بالتصريحات الطائفية النارية لتأجيج الوضع والشحن الطائفي. وعلى سبيل المثال، "اعلنت كتلتا (ديالى هويتنا) برئاسة سليم الجبوري، و(ائتلاف القائمة العربية) برئاسة صالح المطلك، انسحابهما من مفاوضات تشكيل الحكومة احتجاجا على اطلاق مجموعة مسلحة النار على مصلين اثناء خروجهم من جامع مصعب بن عمير شرقي بعقوبة." (2). طبعاً لم نقرأ أو نسمع من هؤلاء أية إدانة عندما تحصل جرائم مشابهة، وأسوأ منها ضد غير أهل السنة. فالسيد سليم الجبوري هو رئيس البرلمان العراقي وليس رئيس البرلمان السني، كان المفروض به أن يسيطر على مشاعره إلى أن تتكشف الحقيقة، ولكن مع الأسف الشديد لم يستطع الصبر بدوافع طائفية.
 
أما علي حاتم السليمان، رئيس ما يسمى بـ"مجلس ثوار العشائر” فقد هدد بالثأر السريع والحاسم، واتهم ”ميليشيات تابعة للتيار الصدري بارتكاب ابشع مجزرة في التاريخ”، مطالباً السياسين السنة بـ”الانسحاب من العملية السياسية”.(3). وأما الفضائيات الطائفية فحدث عن البحر ولا حرج، فقد استغلت هذه الجريمة إلى أبعد الحدود لتصعيد الاحتقان الطائفي، والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور.

وأخيراً جاء الخبر اليقين، حيث أفادت الأنباء أن (تنظيم "داعش"، أعلن مسؤوليته عن حادثة مسجد مصعب بن عمير في محافظة ديالى في بيان على موقعه في "تويتر"، إن "تفجير الجامع وقتل المرتدين جاء بسبب رفضهم مبايعة الخليفة ابي بكر البغدادي". واضاف "اننا سنكرر هذا العمل في أي مكان وضد أي جهة ترفض مبايعة الخليفة".(نفس المصدر في رابط رقم: 2). بذلك فقد فضح داعش أنصاره السياسيين، وأخرسهم.
والجدير بالذكر أن تنظيم داعش قتل نحو 17 من أئمة أهل السنة في الموصل لرفضهم مبايعة "الخليفة" المدعو أبو بكر البغدادي. وتكررت العملية في أماكن أخرى تحت سلطتهم. كما و"أبلغ إمام جامع النبي إبراهيم في محافظة ديالى الشيخ سعدون الهبهب، المركز الخبري،أن عصابات داعش الإرهابية هددت جميع المساجد السنية في المحافظة، لأنها لم تبايعها، مؤكدا أن التهديد كان قبل أسبوع من الهجوم الإرهابي الذي استهدف مصلي مسجد مصعب بن عمير شرق بعقوبة."(4)

إن حادثة مسجد مصعب بن عمير في محافظة ديالى المأساوية وقبلها، وما رافقها من تصريحات نارية للشحن الطائفي، يجعلنا في حيرة من أمرنا، ونسأل، هل يمكن أن يعيش هكذا شعب منقسم على نفسه بسلام في دولة واحدة ونظام ديمقراطي؟ أين كان يكمن كل هذا الحقد الطائفي طوال ثمانين سنة؟
يخطأ من يعتقد أن الفتنة كانت نائمة وجاء الأمريكان فأيقظوها. فالطائفية كانت موجودة ولكنها كانت مقموعة بالقبضة الحديدية من قبل سلطة المكون الواحد. فهي أشبه بالبركان الخامد تحت السطح ينبعث منه الدخان الخفيف ينتظر الوقت المناسب للانفجار، وهذا الوقت توفر بعد زوال القمع عام 2003.

وللتذكير، نعيد ما أكدناه مراراً، أن العرب السنة يرفضون أن يكون رئيس الوزراء شيعي حتى ولو جاء عن طريق صناديق الاقتراع، وهذا هو جوهر المشكلة. ولذلك فهم يرفضون الديمقراطية، ولكن إلى متى؟
إن احتكار السلطة من قبل المكون العربي السني بالقبضة الحديدية لثمانية عقود، هو المسؤول الأول والأخير عن فشلهم في بناء الأمة وتكوين الوحدة الوطنية، والتعايش السلمي بين مكونات الشعب. وبذلك فقد شجعوا على ترسيخ الولاء للهويات الثانوية على حساب الولاء للهوية الوطنية. ولذلك راح زعماء الكتل السياسية يستقوون بالحكومات الأجنبية، و نرى ولاء الأخوين النجيفي وطارق الهاشمي لتركيا أكثر من ولائهم للعراق. وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.

كما ونسمع اليوم الحديث عن العودة إلى مخطط جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، الداعي إلى نظام الفيدرالية على أساس الانقسام العنصري والطائفي. فلو كان هذا النظام يقدم الحل الناجع، ويوفر الأمن والسلام للشعب العراقي فمن الجنون عدم الأخذ به، ولكن الواقع يفند جدوى هذا الحل. إذ هناك فيدرالية كردستانية، تتمتع بحقوق أكثر من الكونفدرالية، بل وحتى أكثر من الدولة المستقلة، ولكن مع ذلك هناك صراع شديد ومحتدم بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية. أما المحافظات العربية السنية فهي الأخرى شبه مستقلة بإدارتها الذاتية منذ 2003، إذ تدار من قبل ناس منتخبين من أهل المنطقة، دون أي تدخل من المركز، إضافة إلى ممثليهم في البرلمان والحكومة في بغداد وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع. ومع ذلك ملأوا الدنيا صراخاً وضجيجاً مدعين العزل والتهميش... إلى آخر الأسطوانة.   

كما و ردد الإعلام المضلل، بما فيه الإعلام الغربي، أن سبب وجود داعش في العراق هو تهميش وإقصاء السنة والكرد من قبل المالكي، لذلك اضطر العرب السنة من سكان المنطقة الغربية تسهيل اجتياح داعش. وفضلوا حكم داعش على "حكم المالكي الطائفي" كما يزعمون. لذلك ألقوا اللوم على السيد نوري المالكي في وجود داعش في العراق وكل ما حل من عراق من مصائب منذ بدء الخليقة وإلى الآن.
أقول لهؤلاء، هناك صراع دموي في ليبيا، ليس فقط بين الإسلاميين والدواعش من جهة، وبين القوى العلمانية من جهة أخرى، بل وحتى بين الجماعات الإسلامية المسلحة ضد بعضهم البعض، والسلطة مشلولة لا حول لها ولا قوة. فهل تفشي الإرهاب الإسلاموي في ليبيا هو بسبب الصراع السني- الشيعي ولا يوجد شيعي واحد في ليبيا كما هو معروف؟ وكذلك القتال في سوريا بين جبهة النصرة وداعش، والإسلاميين الآخرين. ونفس الكلام ينطبق على المناطق الأخرى المبتلية بالإرهاب الوهابي في العالم.

لذلك، أعتقد جازماً أنه لو لم يكن في العراق انقاسم سني - شيعي، لاخترعوا شيئاً آخر للصراع، كأن يؤججوا الصراع المناطقي بين الشمال والجنوب، وصراعات بين التنظيمات والفصائل المتنافسة على السلطة والنفوذ. وحتى لو تم تقسيم العراق إلى ثلاثة كانتونات طائفية وعرقية، فستشتعل الحروب الدموية بين العشائر العربية السنية فيما بينها، ناهيك عن الصراع العربي- الكردي على كركوك، وما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، ومشكلة التطهير العرقي والطائفي. فالمشكلة ليست في تقسيم العراق إلى فيدراليات أو دويلات، وإنما المشكلة فيما بعد التقسيم على الحدود بين هذه الكيانات الجديدة.(5)

لذلك يسعى قادة الكتل العربية السنية إلى إلغاء الديمقراطية، والعودة إلى نظام حكم المكون الواحد، بالقبضة الحديدية كما كان قبل 2003، وحتى عودة حكم البعث، وبأسماء ديمقراطية مزيفة للتمويه. وهذا ما نلمسه من قوائم المطالبات والشروط التعجيزية التي قدموها إلى المكلف بتشكيل الحكومة الدكتور حيدر العبادي.
وآخر الأنباء في هذا الصدد، تفيد عن لقاء بين ائتلاف القوى الكردستانية واتحاد القوى الوطنية [العربية السنية] واتفاقهما على ان يضم برنامج الحكومة المقبلة قضايا المصالحة الوطنية، والمساءلة والعدالة [اجتثاث البعث سابقا]"(6). يعني التحالف الكردستاني يطالب بإلغاء قانون اجتثاث البعث!! وفي هذه الحالة يجب على اتحاد القوى الوطنية [العربية السنية] بيان موقفه من كركوك أيضاً و هيمنة حكومة الاقليم على واردات مداخل الحدود والنفط المستثمر في كردستان دون مشاركة الحكومة المركزية ليكون الشعب على بينة من برامجهم التي يحاولون فرضها على الحكومة الاتحادية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط المصادر
1-جماعة علماء العراق: تفجيرات يوم الاثنين نتيجة واضحة لتحريض أبواق الفتنة
http://alakhbaar.org/home/2014/8/175256.html

2-  " داعش" يتبنى حادثة مسجد مصعب ابن عمير
http://almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=37167

2- داعش يحرج (أمراء الحرب) ويعلن مسؤوليته عن حادثة جامع مصعب بن عمير
http://alakhbaar.org/home/2014/8/175236.html

3- السليمان يهدد السيد مقتدى الصدر
http://alakhbaar.org/home/2014/8/175348.html

4- داعش هددت جميع مساجد ديالى قبل أسبوع
http://alakhbaar.org/home/2014/8/175116.html

5- سعدي شرشاب ذياب : لا تخافوا من التقسيم الخوف مما بعد التقسيم.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=424339

6- الائتلاف الكردستاني واتحاد القوى يعلنان الاتفاق على ان يضم البرنامج الحكومي قضايا الشراكة وأجتثاث البعث
http://alakhbaar.org/home/2014/8/175417.html



284
نفاق السعودية في محاربة الإرهاب والتطرف الديني

د.عبدالخالق حسين

تتظاهر المملكة العربية السعودية وإعلامها الاخطبوطي الواسع الانتشار بعدائها الشديد لـ(داعش) والقاعدة وحزب الأخوان المسلمين، ولكل شيء اسمه الإرهاب والتطرف الديني!!. ولكن الواقع ضد هذا الادعاء. فالسعودية تملك المال والنفوذ السياسي والعقيدة الوهابية السلفية التكفيرية. فبالمال تشتري النفوذ والإعلام وكتاب وحكومات، وأخيراً حتى اشترت الأمم المتحدة، وبالعقيدة الوهابية ضللت الشباب المسلمين وحولتهم إلى أدوات تدميرية لنشر الإرهاب في العالم.

لقد قامت السعودية بتأسيس عشرات الألوف من المدارس، والمعاهد الدينية، والمساجد في العالم بذريعة نشر التعاليم الإسلامية "السمحاء"، ولكن في الحقيقة كانت تنشر التعاليم الوهابية التكفيرية المتشددة التي تنشر الكراهية والبغضاء بين البشر، وتكفر وتهدر دماء غير المسلمين، وحتى المسلمين من غير المذهب الوهابي السلفي مثل الشيعة والأحمدية وغيرهم. فقام هؤلاء من مشايخ الوهابية بعملية غسيل أدمغة مئات الألوف من الشباب المسلمين، وتحويلهم إلى وحوش وربوتات وقنابل بشرية موقوتة لنشر الإرهاب، والخراب والدمار في العالم، وبالأخص في العالمين العربي والإسلامي، وآخر هذه التنظيمات الإرهابية هو تنظيم (داعش) في العراق وسوريا.

وأكاد أجزم أنه لولا السعودية وعقيدتها الوهابية لما كان هناك شيء اسمه الإرهاب الإسلامي، أو بالأحرى الإرهاب الوهابي. ولما سمعنا بحزب أخوان المسلمين الذي منه وُلدت القاعدة، وطالبان وداعش، وجبهة النصرة، وبكو حرام، ومحاكم الشباب، ولشكر طيبة، وغيرها كثير من التنظيمات الإرهابية المنتشرة في العالم والتي تهدد الحضارة البشرية.
والسعودية هنا تلعب دوراً مزدوجاً فيه الكثير من النفاق والخديعة. ففي الوقت الذي تنشر فيه التطرف الديني وتدعم الإرهاب، تظهر نفسها كالحمل الوديع، وأنها رائدة السلام والمحبة والوفاق بين البشر! فقد أفادت وكالات الأنباء العالمية قبل أيام، أن السعودية تبرعت للأمم المتحدة بمبلغ مائة مليون دولار لمكافحة الإرهاب! ومنذ سنوات، والسعودية تصرف عشرات الملايين من الدولارات على تنظيم وعقد مؤتمرات دولية في الخارج والداخل تحت شعارات براقة وجذابة مثل (الحوار بين الأديان)، و(التقارب بين المذاهب الإسلامية)... الخ. ولكن عملياً تمارس الحكومة السعودية أبشع أنواع التمييز الديني والطائفي في كل مكان، وهي التي تنشر تعاليم الكراهية والبغضاء في مناهج التعليم ابتداءً من سن مبكرة بين تلامذة الابتدائية وإلى طلبة الجامعات في بلادها وفي العالم. وكلما تمادت في دعم الإرهاب تصاعدت أبواقها مدعية بأنها ضد الإرهاب والتطرف، إذ ينطبق عليها قول الروائي الفرنسي بلزاك: "حذار من امرأة تتحدث عن الشرف كثيرا".
فعلى نطاق الممارسة يمنع على غير المسلمين من أتباع الأديان الأخرى إدخال أي كتاب من كتبهم المقدسة في المملكة، ويعاملونها كما لو كانت من مجلات البورنو الفاحشة، ناهيك عن السماح لغير المسلمين من العاملين في المملكة بفتح دور العبادة لهم لممارسة طقوسهم الدينية والمذهبية. أما في التمييز الطائفي فحدث ولا حرج، فنحو 20% من الشعب السعودي هم شيعة يسكنون في المنطقة الشرقية من البلاد، الغنية بالثروات النفطية الهائلة، ولكن الحكومة السعودية تعاملهم دون مستوى البشر وتحرمهم من أبسط مقومات العيش اللائق بكرامة الإنسان.
وخلال ما يسمى بالربيع العربي، انطلق الشعب البحريني الذي يشكل الشيعة 80% منه، بتظاهرات سلمية ضد التمييز الطائفي، فأرسلت السعودية قوات ما يسمى بـ(درع الخليج)، وحتى بدون دعوة من الحكومة البحرينية (كما كتب روبرت فيسك في الانديبندت اللندنية)، وسحقت التظاهرات بمنتهى القسوة، بذريعة أن هذه الانتفاضة مدعومة من إيران.

وعن دور السعودية في بث التطرف الديني نشرت مجلة ميدل ايست مونيتر-MidEast Monitor  (عدد تموز/ يوليو 2007) دراسة للسفير الأمريكي السابق لدى كوستاريكا (كورتين وينزر)، ذكر
بأن "السعودية أنفقت 87 مليار دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم (لحد عام 2001) "، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في السنوات الأخيرة نظرا لارتفاع أسعار النفط. ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الاتحاد السوفيتي لنشر أيديولوجيته الشيوعية في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 مليار دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق آسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان. وتقول الدراسة إن خريجي المدارس الوهابية كانوا وراء الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات لندن في يوليو 2005م واغتيال الفنان تيودور فان جوخ الهولندي عام 2004م."(1).

وكما أكدنا مراراً، فداعش نتاج لعبة دولية وإقليمية هدفها إخضاع الحكومات التي لم تساير أمريكا وحلفائها في المنطقة مثل السعودية، وقطر، والأردن وتركيا، بما فيه الكفاية، والعمل على تحويل الصراع العربي- الإسرائيلي إلى صراع انتحاري سني- شيعي لإبادة الشيعة. فبشهادة الرئيس السابق للاستخبارات البريطانية MI6 سير رتشارد ديرلوف (Sir Richard Dearlove) كانت السعودية تخطط لهذا المشروع لثلاثين سنة إبادة الشيعة في العالم اٌسلامي ومعاملتهم كما عاملت النازية اليهود في ألمانيا الهتلرية، (رابط الفيديو في الهامش- 2)
وآخر شهادة بدور السعودية في الإرهاب جاءت من الباحث الأمريكي إد حسين، زميل مساعد في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، نشر في صحيفة نيويورك تايمز يوم 23/8/2014، مقالاً بعنوان: (يجب على السعودية وقف تصدير التطرف. داعش ترتكب الفظائع بالدعم السعودي لنشر الكراهية السلفية). يقول: "دعونا نكون واضحين وصريحين: إن تنظيم القاعدة، والدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا، بوكو حرام، والشباب وغيرها، كلها تجمعات سنية سلفية عنيفة. ومنذ خمسة عقود، كانت المملكة العربية السعودية هي الراعية الرسمية للسنة السلفية في جميع أنحاء العالم".(3)
ولكن مشكلة الكاتب أنه يحاول تبرئة الملك السعودي من هذا الدعم للإرهاب والتطرف، ويلقي اللوم على عاتق مشايخ السلفية وحدهم. وهذا غير معقول في دولة بوليسية يتمتع ملكها بالحكم المطلق.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- كرتن وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية           http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

رابط النسخة الإنكليزية المفصلة
Saudi Arabia, Wahhabism and the Spread of Sunni Theofascism
by Ambassador Curtin Winsor, Jr. 
http://www.onlineopinion.com.au/view.asp?article=6107

2- Sir Richard Dearlove on Re-appraising the Counter-Terrorist Threat
http://www.youtube.com/watch?v=XeFFtiEtriA

3- ED HUSAIN: Saudis Must Stop Exporting Extremism
ISIS Atrocities Started With Saudi Support for Salafi Hate
http://www.nytimes.com/2014/08/23/opinion/isis-atrocities-started-with-saudi-support-for-salafi-hate.html?smid=fb-share&_r=1

روابط مواد ذات صلة
د. احمد صبحي منصور: كتاب جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية
 http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=10

د. عبدالخالق حسين: السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد   
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=440

داعش يحرج (أمراء الحرب) ويعلن مسؤوليته عن حادثة جامع مصعب بن عمير
http://alakhbaar.org/home/2014/8/175236.html

كيف ساعدت السعودية (داعش) في العراق؟ رئيس جهاز المخابرات البريطاني السابق يؤكد أن ما حدث كان خطة سعودية منذ البداية
http://alakhbaar.org/home/2014/7/172506.html


285
لماذا ربح المالكي الانتخابات وخسر"المقبولية"؟

د.عبدالخالق حسين

في بلد مثل العراق، متعدد الأديان والمذاهب والأثنيات، وقواه السياسية متخندقة وفق هذه الانقسامات، وفي نظام ديمقراطي لم يألفه من قبل بعد عقود من الظلم والجور، ليس متوقعاً أن يفوز أي حزب أو كتلة سياسية أو زعيم سياسي بالأغلبية المطلقة في أي انتخاب برلماني، وإنما لا بد وأن يكون الفائز بالأغلبية النسبية. وفي الانتخابات الأخيرة حصل رئيس الوزراء المنتهية ولايته، السيد نوري المالكي على أعلى نسبة من أصوات الناخبين له ولكتلته دولة القانون. و وفق المادة 72 من الدستور العراقي، فاالمالكي هو الأولى من غيره بتشكيل الحكومة الجديدة.، و رغم ذلك أزيح لأنه خسر "المقبولية".

فقد كان هناك شبه إجماع لدى القيادات السياسية العراقية (بارزاني، علاوي، قيادة متحدون، مقتدى الصدر، عمار الحكيم...وغيرهم) على رفض الولاية الثالثة لرئيس الوزراء السيد نوري المالكي. وقد عولوا في البداية على الانتخابات البرلمانية عسى أن لا يفوز، ولما خاب أملهم في ذلك سهلوا دخول تنظيم (داعش) الإرهابي، ولما فشل داعش في إزاحته، أطلقوا فذلكة "المقبولية".

فما هي هذه "المقبولية"؟
المقبولية، مصطلح جديد في القاموس السياسي العراقي، سكه السيد عمار الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي العراقي الأعلى (تنظيم المواطن)، للتخلص من المالكي في ترشيحه للولاية الثالثة. والمقصود بالمقبولية أن يكون المكلف بتشكيل الحكومة مقبولاً من قبل رؤساء الكتل السياسية الأخرى، و من حكومات إقليمية ودولية وخاصة أمريكا. وأضافوا إليها كلمة (الوطنية)، لتجميلها وتكون أكثر جاذبية لدى المتلقي، فصارت (المقبولية الوطنية). وهذا يعني أن فوز زعيم أي كتلة في الانتخابات لا يكفي لتكليفه بتشكيل الحكومة ما لم يكن مقبولاً من قبل رؤساء الكتل الأخرى، وحكومات خارجية وبالأخص أمريكا. ومن هنا فقد أصبحت للمقبولية الأولوية على نتائج الانتخابات. وهذا يتعارض مع أهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية، وهي سابقة خطيرة ستتكرر في المستقبل للاستهانة بنتائج الانتخابات.

وفي خضم هذه الأوضاع التي تهدد البلاد بحرب طائفية، حصلت قناعة لدى قيادات حزب الدعوة ودولة القانون اللتان يرأسهما السيد المالكي، أنه حتى لو تم تكليفه بتشكيل الحكومة لكان بإمكان الكتل السياسية المعارضة إفشاله في البرلمان. وأخيراً، حتى المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد علي السيستاني، انضمت إلى جماعة المقبولية بعد أن تلقت رسالة من قيادة حزب الدعوة لتقديم المشورة للخروج من المأزق، فأجاب المرجع: (انني أرى ضرورة الاسراع في اختيار رئيس جديد للوزراء يحظى بقبول وطني واسع و يتمكن من العمل سوية مع القيادات السياسية لبقية المكونات لإنقاذ البلد من مخاطر الارهاب و الحرب الطائفية و التقسيم)(1). لا شك أنه كلام معقول وحكيم.
ولذلك، وبعد مشاورات بين هؤلاء القادة، كمخرج من عنق الزجاجة كما يقولون، تم اختيار الدكتور حيدر العبادي الذي هو من نفس حزب وكتلة المالكي، لتكليفه بتشكيل الحكومة. وبذلك تم اختيار البديل ضمن السياقات الدستورية، وعلى هذا الأساس قدم السيد المالكي بيان تنازله مساء 14/8/2014. 

والسؤال هنا، لماذا ربح المالكي الانتخابات، وخسر المقبولية الوطنية؟
ولتبرير رفضهم للمالكي شنوا عليه منذ عام 2010 عند تسلمه رئاسة الوزراء للمرة الثانية، حملات دعائية مضادة اتهموه بشتى الاتهامات، بأنه طائفي، ودكتاتوري، وأنه قام بتهميش السنة والكرد، وحتى قادة بعض الكيانات الشيعية عارضته، وألقوا عليه تفشي الفساد، إلى آخره من الاتهامات التسقيطية. فهل حقاً كان المالكي سيئاً إلى هذا الحد؟ وإذا كان كذلك، فلماذا زادت شعبيته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة؟ وكيف استطاع قيادة السلطة التنفيذية لدورتين (8 سنوات) والعراق يمر بأخطر مرحلة تاريخية عاصفة؟

في الحقيقة، وإذا أردنا الإنصاف، إن بغضهم للمالكي لم يكن للأسباب المذكورة أعلاه، وإنما لأنه حاول تطبيق الدستور ومحاربة الإرهاب، وإعمار البلاد، وهناك شركاء ضد هذا الاتجاه ولأسباب مختلفة. وهنا نحتاج أن نعيد ما ذكرناه مراراً في مقالاتنا السابقة وذلك لتوضيح الصورة، وعلى سبيل المثال:
السيد مسعود بارزاني يريد التصرف بثروات كردستان لكردستان مع احتفاظه بـ17% من ثروة العراق وحكم العراق، والمالكي يرفض ذلك.
والسنة العرب لا يريدون أي شيعي "شروكي" رئيساً للوزراء، لأنهم يعتبرون حكم العراق حقاً وراثياً ومشروعاً لهم وحدهم تاريخياً، إضافة إلى حقدهم على المالكي لأنه وقَّع على حكم الإعدام بحق المجرم صدام حسين وأزلامه المقربين، وغايتهم إلغاء كلما تحقق من تغيير بعد 2003.
أما مناهضة بعض الزعماء الشيعة في (التحالف الوطني العراقي) للمالكي، فأرادوا إزاحته لأسباب عديدة، منها المنافسة على المنصب، ومقتدى الصدر يريد أن ينتقم من المالكي لأن الأخير شن حملة عسكرية ضد مليشياته في البصرة ومدينة الصدر في عملية (صولة الفرسان)عام 2008 التي صعدت من شعبيته. أما السيد عمار الحكيم، فيعتبر المالكي واحد من عامة الشعب، وأسرة الحكيم لها الحق بالوراثة في السيادة الدينية والسياسية على الشيعة ومن خلالهم على العراق كله. فقد كتب لي صديق مطلع على هذه المنافسات الشيعية قائلاً: ((ربما لا تعرف سبب عداوة آل الحكيم لعبد الكريم قاسم، لا لأنه كان متعاطفاً مع الشيوعيين فحسب، وإنما لأنه من خلفية عائلية بسيطة (في تعبيرهم الناقص 'ابن فقر'). وهذا نفس الكلام سمعته من بعضهم في لندن عن المالكي انه 'معيدي وابن فقر'!)). لا شك أن في هذا الكلام الكثير من الصحة.
 أما الدول الإقليمية، تركيا والخليجية، وحتى إيران، فلا تريد للعراق أن تقوم له قائمة لأسباب مختلفة منها: طائفية وسياسية واقتصادية ذكرتها مراراً في مناسبات سابقة. فرغم عداء هذه الدول لصدام حسين وحكم البعث، إلا إنهم كانوا ضد إسقاطه، لأنهم كانوا يفضلون عراقاً ضعيفاً تحت حكم صدام، على عراق محرر ينعم شعبه بالديمقراطية والأمن والسلام والرفاه الاقتصادي.

غلطة المالكي الكبرى 
ولكن كل هذه الأسباب المذكورة أعلاه هي مختلقة ولا أساس لها من الصحة وأمريكا تعرف ذلك جيداً، وحتى لو كانت صحيحة لغضت أمريكا الطرف عنها و تجاوزتها لو لم يرتكب المالكي الغلطة القاتلة الكبرى، والتي أعطت زخماً هائلاً للاتهامات التسقيطية بحقه مثل الدكتاتورية، والتهميش وإقصاء الكرد والسنة، وأبرزتها وكأنها حقائق لا تقبل الشك. والغلطة القاتلة الكبرى هذه تتمثل في رفض المالكي إبقاء قوات أمريكية في العراق وفق الاتفاقية العراقية- الأمريكية الاستراتيجية، اختصاراً SOFA.
والسبب الرئيسي لارتكاب المالكي لهذه الغلطة هو إذعانه لضغوط شديدة من إيران والمتعاطفين معها من  السياسيين الشيعة في (التحالف الوطني). فقد هددت إيران المالكي أنه إذا وافق على إبقاء قوات أمريكية في العراق، فإنها ستحيل العراق إلى جهنم، رغم أن إبقاء هذه القوات كان في صالح العراق في الوقوف بوجه الإرهاب، ولتدريب جيشه الجديد. والمفارقة أن الذين ضغطوا على المالكي لصالح إيران هم الذين سعوا للتخلص منه، وكانت إيران السباقة في تأييد هذا التوجه.
 ولذلك حصل سوء فهم لدى الأمريكان بأن المالكي أدار ظهره ضدهم، وتنكر لفضلهم وتضحياتهم في سبيل تحرير العراق، و أنه عميل إيراني يجب التخلص منه بأي ثمن. إضافة إلى دور الإعلام العربي المضاد، واللوبيات وشركات العلاقات العامة (PR) المأجورة في واشنطن ضد المالكي التي راحت تؤكد للرأي العام الأمريكي بأن المالكي هو سبب كل مشاكل العراق. ومما زاد في الطين بلة، وبعد رفض أمريكا تجهيز العراق بالسلاح والعتاد لمواجهة الإرهاب وخاصة بعد دخول داعش، اضطر المالكي إلى التوجه إلى روسيا، الأمر الذي أثار غضب أمريكا عليه أكثر.
فلو كان المالكي قد أقام علاقة وثيقة وحميمة مع أمريكا، ووافق على إبقاء بعض قواتها في العراق، لما حصل في العراق من جرائم داعشية الآن، وتحركت أمريكا لإسكات معارضيه.

لقد بات واضحاً أن أوباما لم يأمر قواته الجوية بضرب داعش لحماية المسيحيين والأيزيديين والأقليات الأخرى من الإبادة الجماعية، إلا بعد أن احتلت قوات داعش بعض الحقول النفطية ووصلت إلى أطراف أربيل، وراحت تهدد الشركات النفطية الأمريكية العشرة هناك. وهذا ما اعرب به بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق لويس ساكو في رسالة مفتوحة ان "الرئيس الاميركي باراك اوباما يريد حماية أربيل لا المسيحيين"(2)
وأكد ذلك، الصحفي الأمريكي مايك ويتني، في تقرير مفصل بعنوان: (لماذا يريد أوباما إزاحة المالكي؟)(3)، فيقول: "أوباما يريد خلق ذريعة لإعادة نشر الآلاف من القوات الامريكية المقاتلة في العراق، عن طريق تخويف صناع السياسة العراقيين بالإرهابيين (داعش) المتعطشين للدماء وقطع الرقاب". ويضيف وتني: "المالكي طائفي أو غير طائفي، هذا غير مهم، المهم عند واشنطن هو أن المالكي رفض التوقيع لبقاء قوات أمريكية في العراق (SOFA). ويؤكد على (ملاحظة: من السهل أن نرى أن - داعش قد لا تكون مباشرة تحت سيطرة الولايات المتحدة – ولكن وجودها في العراق بالتأكيد يخدم الأهداف الاستراتيجية الشاملة لواشنطن.)

والطريف في الأمر، أن الشاعر العراقي سعدي يوسف الذي كان يصف نفسه بـ"الشيوعي الأخير"،
والي ما قبل تنحيه كان سعدي يشتم المالكي، واليوم يدافع عنه ويستخدمه لشتم الآخرين، فكتب على موقعه خاطرة  بعنوان (الإنقلاب الأميركي رقم واحد ...) جاء فيها:
((كما كان يحْدثُ في فيتنام الجنوبية ، قبل التحرير، يحْدثُ الآن في العراق المحتلّ .
تمّتْ إطاحةُ المالكيّ في انقلابٍ واضح، غير دمويّ، وجيءَ بحيدر العبادي .
أسبابُ الإنقلاب الرئيسة هي الآتيةُ :
1-  رفضُ المالكيّ التوقيع على اتفاقية الأمن المتبادل مع المستعمِر الأميركي.
2- رفضُ المالكيّ منح الحصانة لعسكريّي الاحتلال.
3- رفضُ المالكيّ تمدُّد الإقطاعيّين الأكراد في المحيط العربي والتركماني وسهل نينوى المسيحيّ .
4- رفض المالكيّ تصدير النفط العراقي إلى إسرائيل عن طريق الإقطاعيّين الأكراد.
5- محاولة المالكيّ بناءَ جيشٍ بقيادته هو، لا بقيادةٍ أميركية، مع مسعىً لتنويع مصادر السلاح.
6- علاقة المالكيّ الوثيقة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، والجمهورية العربية السوريّة.))(4)

في الحقيقة أرى الكثير من الصحة فيما كتبه الشاعر سعدي يوسف، وهذه من المرات النادرة التي يقول فيها كلاماً معقولاً وواقعياً، رغم اختلافي معه في اعتبار أمريكا دولة مستعمرة للعراق. 

والجدير بالذكر، وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية لأمريكا في تحرير العراق من الفاشية البعثية، فقد كان الشعب العراقي من أكبر المستفيدين من التحرير، وأمريكا قدمت تضحيات كثيرة منها: نحو4500  قتيل من جنودها، و40 ألف مصاب، ونحو ترليون دولار من الخسائر المادية على تحرير العراق، وفي النهاية يتنكر العراقيون لهذا الفضل واتجهوا إلى إيران وروسيا، العدوتان لأمريكا. وما (داعش) إلا عصا أمريكية غليظة تم صنعها بأموال السعودية وقطر، وبأيديولوجية الوهابية التكفيرية، لمعاقبة أية حكومة في المنطقة لا تكون على وئام مع أمريكا وحليفاتها في المنطقة.

ونحن إذ نسأل: ما هي مصلحة العراق بمعاداة الدولة العظمى؟ أمريكا لم تضرب العراق بالقنبلة النووية كما ضربت اليابان في الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك هناك علاقة إستراتيجية قوية بين البلدين. فلحد الآن لأمريكا 50 ألف جندي في اليابان، ومثله في كوريا الجنوبية، وألمانيا، ولها أكبر قاعدة عسكرية في قطر، ووجود عسكري في الكويت، ولم يسئ ذلك للسيادة الوطنية لهذه الدول. أنظر إلى التقدم المذهل في اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا، والدول الخليجية وغيرها من الدول التي تربطها علاقات استراتيجية جيدة مع أمريكا. فلماذا العراق المعرض للإرهاب والدمار والخراب يجب أن يكون في حالة عداء مع الدولة العظمى التي قدمت الكثير في سبيل تحريره من أعتى نظام دكتاتوري فاشي؟   

ما العمل؟
نشير على رئيس الوزراء المكلف، الدكتور حيدر العبادي، كما أشرنا على السيد المالكي من قبل، أنه إذا أراد أن ينجح في حكمه، ويجعل شعب العراقي يعيش بسلام ورفاه، يجب عليه أن يقيم علاقة إستراتيجية وثيقة وحميمة مع أمريكا. ومن مصلحة العراق تعديل الاتفاقية الأمنية الإستراتيجية العراقية-الأمريكية (SOFA) Status of Forces Agreement ، والموافقة حتى على تواجد قوات أمريكية في العراق. فالعلاقة مع الدولة العظمى ضرورية لأمن وسلامة واستقرار وازدهار العراق. ويجب على القوى السياسية العراقية، وخاصة اليسارية والإسلامية أن تتخلص من عقلية فترة الحرب الباردة، والعنجهية المعادية لأمريكا التي لم نحصل منها سوى الدمار الشامل.

وأخيراً أتمنى على كل المخلصين للعراق أن يتركوا المناكفات والصراعات الداخلية، وأن نعمل سوية لدعم الدكتور حيدر العبادي في مهمته الشاقة. وتحية للسيد المالكي الذي قال أخيراً عن تكليف حيدر العبادي بتشكيل الحكومة:”حيدر العبادي ابن (الدعوة) ودولة القانون وابن العراق وابن الشيعة، واذا سقط او وقع العبادي لا سمح الله سأقع قبله، وانا سأبقى مستعداً لحمل البندقية وأقاتل معه دفاعاً عن العراق والحق والقانون، فقد قاتلنا ونحن خارج السلطة وقاتلنا معاً داخلها، وسنبقى نقاتل وندافع عن الحق والعراق دائماً، وأنا شخصياً حين اعلنت بيان انسحابي لصالح العبادي عدت للبيت وانا أشعر بأني القيت حملاً ثقيلاً عن كتفي، لكني في الصباح تساءلت مع نفسي وقلت ..على ظهر من القيتُ الثقل يا ابا اسراء”.(5)
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- توضيح من موقع السيد السيستاني: كيف ولماذا تنحى السيد نوري المالكي؟
http://www.sistani.org/arabic/in-news/24950/

2- بطريرك الكلدان: أوباما يريد حماية اربيل لا المسيحيين
http://www.middle-east-online.com/?id=182064

3- MIKE WHITNEY: Why Obama Wants Maliki Removed
http://www.counterpunch.org/2014/08/15/why-obama-want-maliki-removed/

4- سعدي يوسف: الإنقلاب الأميركي رقم واحد ...
http://www.saadiyousif.com/home/index.php?option=com_content&task=view&id=1773&Itemid=1

5- المالكي لـ (الحقيقة):حيدر العبادي ابن العراق ودولة القانون واذا وقع سأقع أنا قبله
http://www.shababek.de/pw3/?p=4639

286
المالكي يعطي درساً في التداول السلمي للسلطة

د.عبدالخالق حسين

رغم ما يمر به العراق من كوارث الإرهاب الداعشي- البعثي، المدعوم محلياً، وإقليمياً، ودولياً، إضافة إلى الصراعات الطائفية والقومية، إلا إن هناك جوانب مشرقة تؤكد على أن العملية السياسية تسير نحو النجاح ولو ببطء ومعوقات، وأن الحل الوحيد للأزمات والمشاكل العراقية االمزمنة هو الديمقراطية التي لا بد من نجاحها وإلا الانقراض.
وما بيان رئيس الوزراء السيد نوري المالكي المتلفز مساء 14/8/2014 الذي أعلن فيه تنازله عن جميع المناصب الحكومية، لصالح خلفه الدكتور حيدر العبادي، إلا دليل على صحة ما نقول(1). فقد حقق الرجل نقلة نوعية حضارية وأخلاقية فريدة في تاريخ العراق الذي لم يعهد الانتقال السلمي للسلطة من قبل، وحتى داخل الحزب الحاكم. وبذالك فقد أثبت المالكي (الإسلامي)، أنه أكثر التزاماً بالدستور والديمقراطية، وحرصاً على العراق الجديد والدولة المدنية، من بعض أدعياء العلمانية والديمقراطية والمتياسرين الذين ضربوا نتائج الانتخابات عرض الحائط، وحتى لجأوا إلى الدواعش بغية إزاحته بالإرهاب بعد أن فشلوا في إزاحته بصناديق الاقتراع. وهذه نقطة مهمة جداً يسجلها التاريخ لصالح المالكي، ووصمة خزي وعار لخصومه.

فالتبادل السلمي للسلطة لم يحصل في العراق في عهود ما قبل 2003 ، بل عن طريق الدبابات والانقلابات العسكرية، وحتى داخل الحزب الواحد كما حصل في الأعوام 1963، 1968، و 1979 حين ارتكب صدام مجازر عن طريق مؤتمرات صيد الفئران، وقتل نحو 400 من كوادر حزبه، بينهم  19 من القيادات العليا في الدولة والحزب.

فما حصل للمالكي مساء 14/8/2014 يشبه إلى حد كبير ما حصل للزعيم عبدالكريم قاسم في يومي 8-9 شباط 1963، مع الفارق، أن هذه المرة لم يأت المتآمرون بدباباتهم وقتل المالكي في دار الإذاعة وإبادة الألوف من الوطنيين بصورة وحشية لا يجيدها إلا البعثيون. وهذا يؤكد أن العراق يسير في الاتجاه الصحيح في تبني الأساليب الحضارية في الانتقال السلمي للسلطة، وقد فوَّت المالكي على البعثيين وغيرهم من أعداء العراق، ما ارتكبوه في 8 شباط 1963 من مجازر.

من المفيد أن أنقل هنا فقرة كاملة من مقال الأستاذ ميثم الجنابي الموسوم: (المالكي وعبد الكريم قاسم - نهاية المأساة وبداية المهزلة) لتوضيح الصورة:
"فعندما نتأمل محاولات وحالة إزاحة المالكي عن السلطة، فإننا نقف أمام تكرار لما حدث مع عبد الكريم قاسم من حيث الأسلوب والقوى الخارجية والداخلية. الأمر الذي يشير إلى أن الغاية هي هي. فقد كان سيل المعارضة محصورا باتهام عبد الكريم قاسم بالدكتاتورية والفردية ومحاربة القومية العربية. وسيل المعارضة الحالية ضد المالكي هي الأخرى محصورة باتهامه بالدكتاتورية والتفرد و"الصفوية". ذلك يعني أنه في كلتا الحالتين كانت أطرافها هي هي. ففي حالة عبد الكريم قاسم كانت القوى الداخلية هي قوى بعثية ودينية (عائلة الحكيم) وكردية (بارا زانية) أما أطرافها الخارجية فقد كانت بريطانيا والسعودية. وفي حالة المالكي نقف أمام امتداد هذه القوى- بعثية طائفية وبقايا شيوعية أقليات خربة (نموذج جريدة المدى) ومؤسسة دينية (مرجعيات صامتة في سراديب النجف)، وأخرى ناطقة (نفس عائلة الحكيم وعائلة الصدر وعائلات اقل شهرة) وكردية (بارا زانية)، أما أطرافها الخارجية فهي أمريكا (بريطانيا المحدثة) والسعودية."(2)

واللافت للنظر أن المالكي لم يقف خلف الميكروفون لوحده كما جرت العادة في هذه المناسبات، وإنما جمع حوله معظم القياديين في حزب الدعوة، وكتلة (دولة القانون)، في إشارة ذكية وشجاعة منه ليؤكد لهم أنه تنازل عن استحقاقه الانتخابي حفاظاً  على وحدتهم ووحدة العراق، وكذلك لفضح المتآمرين من رفاقه، وكشف أكذوبة المنافقين الذين روجوا أن المالكي عميل لإيران، وإذا بالذين لهم علاقة بإيران في في التحالف الوطني، هم الذين تآمروا عليه وسارعت إيران بإعلان تأييدها لهم للتخلص من المالكي. فهل استوعبت إدارة الرئيس أوباما الرسالة؟
لقد حاول خصوم المالكي وشركاؤه في السلطة، تحميله كل مشاكل العراق المتراكمة عبر قرون وتبرئة أنفسهم منها، وشاركوا في العملية السياسية وتسلموا أهم الوزارات السيادية والخدمية، لا لإنجاحها بل لشل عمل الحكومة وإلقاء اللوم كله على المالكي. ولعله الرئيس الوحيد في تاريخ العالم يكون في موقع المسؤولية العليا وهو مكبل اليدين في تنفيذ ما يريد من إعمار العراق، ورغم كل هذه المعوقات أنجز الكثير.
قال المالكي في بيانه التاريخي:" اليوم اقول للشعب العراقي لأسالمن ما سلم العراق وشعبه، ولن اكون سببا في سفك قطرة واحدة من دم العراقيين، وأقول لا اريد اي منصب وإنما منصبي ثقتكم بي وهو منصب لا ارقى ولا اشرف منه، وأعلن امامكم اليوم ولتسهيل سير العملية السياسية، وتشكيل الحكومة الجديدة، سحب ترشيحي لحيدر العبادي وكل ما يترتب على ذلك حفاظا على المصالح العليا للبلاد".(هامش رقم-1).
وهذا عين الإيثار والحكمة والأخلاق والحرص على المصلحة الوطنية.

كان من حق المالكي التمسك باستحقاقه الانتخابي والدستوري، ولكنه وتحت ضغوط داخلية ودولية، وحتى المرجعية الشيعية، استجاب أخيراً، لأنه لو تخلى من أول يوم بناء على طلبات خصومه لاتهموه بخذلانه لملايين الناخبين الذين صوتوا له ولكتلته (دولة القانون).
وقد شبه الكاتب السيد مصدق الموسوي بحق، ما حصل للمالكي واستحقاقه الانتخابي كما لو ان طالباً في البكالوريا حصل على معدل 98% يؤهله لكلية الطب ولكن الوزارة تمنعه من القبول ولا بد له من ترشيح طالباً غيره لكلية الطب؟ أي قانون هذا وأي ديمقراطية مغلفة مسمومة جاءتنا ونحن (معدان السياسة)؟(3).

و"الوزارة" هنا تشمل السيد مسعود بارزاني، وأسامة النجيفي، ومقتدى الصدر، وعمار الحكيم صاحب فذلكة "المقبولية"، أي أن يكون المكلف بتشكيل الحكومة مقبولاً من هؤلاء بدلاً من الشعب وصناديق الاقتراع.
فالديمقراطية تعني تبديل الحكومة بقصاصة ورقة بدلاً من الرصاص (Ballot instead of bullet). أما في العراق فرغم أنه اجتاز مرحلة الرصاص في تبديل الحكومة، ولكنه دخل مرحلة جديدة فريدة من نوعها في العالم كله، اسمها (المقبولية)، أي أن يكون المكلف بتشكيل الحكومة مقبولاً من النخبة بدلاُ من صناديق الاقتراع. لذا، فعندما فشلوا في إزاحة الفائز عن طريق صناديق الاقتراع، أطلقوا كلاب (داعش) المسعورة لتنهش بالشعب والقوا اللوم عليه. فهل هذه هي الديمقراطية التي يريدونها للعراق ولتصبح (المقبولية) من قبل النخبة هي القاعدة بدلاً من الانتخابات؟ والمؤسف أن بعض الكتاب من أدعياء الديمقراطية راحوا يتهكمون على الانتخابات ونتائجها والاستحقاق الانتخابي للتقليل من شأنها، وهذا أمر معيب كشف حقيقتهم.

قال المالكي في بيانه: " ادرك جيدا ان المستهدف ليس المالكي بعينه وإنما العراق بأجمعه، وقد بذلت كل جهدي ووقتي واستخدمت كل الوسائل المتاحة لإحباط المخطط الذي اختلطت اطرافه هدفا ووسيلة وآليات مع ضرورات ادراك واعي لخطورة المخطط الذي يستهدف وحدة العراق وسيادته". واشار المالكي: " انني سابقى جنديا مدافعا عن العراق وشعبه وسندا له لينهض بأعباء المسؤولية والأمانة بكل وطنية وشرف وحزم وشجاعة في احقاق الحق ودحر الباطل والدفاع عن المظلومين".

لقد أثبت المالكي أنه سياسي واقعي، فرغم إدراكه العميق بحقه الدستوري، ولكن، و كما ذكرنا في مقال سابق لنا ماذا عساه أن يعمل إزاء هذه الأوضاع المتفجرة، فقد نجح خصومه في شق الجبهة الشيعية، وبدأ صراع جديد وهو الصراع الشيعي- الشيعي، إضافة إلى الصراع العربي- الكردي، والسني – الشيعي. لذا أشرنا عليه أن يعلن للشعب عن تنازله في الترشيح لتشكيل الحكومة، و يتمنى للسيد العبادي كل النجاح في مهمته الشاقة وشبه المستحيلة، وأنه سيواصل النضال من أجل خدمة الشعب وإنجاح الديمقراطية تحت قبة البرلمان وبالوسائل السلمية.(4) 
وبتنازله عن حقه في الترشيح، فقد سجل المالكي سابقة في التضحية والإيثار في التاريخ، وسيندم كل الذين خاصموه من داخل كتلته، لأنهم سيدركون عاجلاً أم آجلاً، أن المستهدف هو ليس شخص المالكي وإنما العراق كله والعملية السياسية كلها. وهاهي الشروط التعجيزية بدأت تظهر. فقد طالب نائب عن ائتلاف الوطنية الذي يتزعمه آياد علاوي بإحياء (المجلس الوطني للسياسات الستراتجية)، وتسليم رئاسته الى علاوي(5)
أما كتلة (متحدون)  فكالعادة مطالبهم "المشروعة" التعجيزية لا تنتهي، من بينها إلغاء قانون مكافحة الإرهاب، وإلغاء قانون المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث)، وإطلاق سراح جميع المتهمين بالإرهاب وحتى المدانين منهم من قبل القضاء...الخ(6)
أما السيد مسعود بارزاني فيريد "كردستان دولة مستقلة مصرفها على العراق"، وضم كركوك وإلغاء مادة 140 من الدستور، والآن المسرحية الداعشية فسحت له المجال لتسليح قواته البيشمركة من الخارج وبدون موافقة "حكام بغداد". فهل بإمكان أي رئيس وزراء أن يستجيب لكل هذه الطلبات التعجيزية المتضاربة مع الدستور؟
لذلك، أتوقع أنه عما قريب ستبدأ الأسطوانة المشروخة من جديد حول التهميش والإبعاد والإقصاء والدكتاتورية، وعقدة الشيعة بالمظلومية، وأنهم تحولوا من مظلومين إلى ظالمين...الخ، إلا اللهم إذا استجاب الدكتور العبادي لجميع طلباتهم، وعندئذ نقرأ على العراق السلام.

نحن نعيش في عصر اللامعقول، خاصة عندما يصرح باراك أوباما، رئيس الدولة العظمى التي تدعي أنها تعمل على نشر الديمقراطية والسلام في العالم، يصرِّح بأن اجتثاث البعث كان خطأً. فهل أخطأ الحلفاء عندما اجتثوا النازية الألمانية بعد انتصارهم على ألمانيا الهتلرية ودول المحور في الحرب العالمية الثانية؟ والكل يعرف أن البعث أسوأ من النازية. أليس القصد من هذا التصريح هو تأهيل البعث الفاشي تمهيداً لعودته لحكم العراق؟

لقد حاولوا تحميل المالكي كل مصائب العراق، بما فيها جرائم داعش بأنه أقصى السنة والكرد مما وفر الأجواء الملائمة لداعش، بينما هذه المصائب وخاصة الإرهاب قد حل بالعراق منذ اليوم الأول من سقوط الفاشية، وعلى سبيل المثال أُعيد ثانية بعض الحقائق التي تؤكد براءة الرجل من هذه المشاكل، وأن أعداء العراق الجديد من الدواعش البعثيين وحلفائهم خططوا لإفشال العملية السياسية، وللأسف أيدهم بعض المثقفين المحسوبين على اليسار والعلمانية ودعم الديمقراطية، فراحوا يهيئون مبررات الفشل المحتمل من الآن وإلقائه على كاهل المالكي مدعين أن تركة المالكي ثقيلة غير قابلة للحل، وهنا نعيد قائمة من الفضاعات التي حصلت قبل تسنم المالكي لرئاسة الحكومة.
فهل المالكي هو السبب؟
((لم يكن المالكي رئيساً للوزراء عندما ذبحتم أكثر من ألف شخص على جسر الأئمة،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وكنتم تقفون في اللطيفية تذبحون الموتى ومن معهم الذين جاؤوا لدفنهم،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وفجرتم الضريحين العسكريين في سامراء،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وقتلتم في يوم واحد بمفخخاتكم في مدينة الصدر أكثر من 500 شخص،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وفجرتم الحلة وراح ضحيتها أكثر من 300 شخص،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وقتلتم عزالدين سليم وباقة من الشهداء،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وذبحتم 40 طفلاً في بغداد الجديدة،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء ودمرتم الجسور والوزارات وكل بنى العراق التحتية،
قلتم إن تنحي الجعفري فسنقبل بأي مرشح وها أنتم اليوم تقولون أن تنحي المالكي سنضمن الأمن.
غاياتكم ونياتكم مكشوفة عسى المغرر بهم من جمهور الشيعة يعرفون من أنت ولماذا تحاربون)).أنتهى.
 
وختاماً، هناك أسئلة كثيرة يطرحها المواطنون الشرفاء: لماذا صار المالكي مغضوباً عليه من قبل جميع قيادات الكتل السياسية في العراق بما فيه قيادات من داخل التحالف الشيعي، وكذلك حكومات إقليمية ودولية بما فيها الدولة العظمى أمريكا؟ وهل حقاً كان المالكي دكتاتوراً، وهمش السنة والكرد، مما سهل دخول داعش واحتلال مساحات واسعة من العراق؟ ولو كان المالكي سيئاً إلى هذا الحد كما يصوره خصومه، فلماذا نال أعلى نسبة من أصوات الناخبين في الانتخابات الأخيرة، وبرزت كتلته النيابية هي الأكبر؟ أم هناك أسباب أخرى للتخلص منه؟ أعتقد هذه الأسئلة مهمة جداً وتحتاج إلى إجابات صريحة وشافية، وسأحاول الإجابة عليها في مقالي القادم.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر
1- المالكي يتنازل عن جميع المناصب الحكومية ويقول:لن اكون سببا في سفك قطرة واحدة من دم العراقيين
http://alakhbaar.org/home/2014/8/174472.html

2- ميثم الجنابي : المالكي وعبد الكريم قاسم - نهاية المأساة وبداية المهزلة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=428530

3- مصدق الموسوي: المالكي بيم مؤامرة الاشيقر والشهرستاني وتبريك رغد وداعش
http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=165683#axzz39xYH4QZ1

4- عبدالخالق حسين: هل تكليف العبادي حل لمحنة المالكي؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=674

5- إئتلاف علاوي: سنشارك في الحكومة وندعو لاحياء منصب المجلس الوطني للسياسات الستراتيجية
http://alakhbaar.org/home/2014/8/174454.html

6- متحدون” من التوسل بالتحالف من أجل التغيير فقط الى الحديث عن فرض الشروط الطائفية
http://alakhbaar.org/home/2014/8/174460.html
 

287
أما حان الوقت لإنصاف المسيحيين؟
نقترح مسيحي نائباً لرئيس الجمهورية أو لرئيس الوزراء

د.عبدالخالق حسين

لا يختلف اثنان أن المسيحيين هم من السكان الأصليين في العراق (بلاد الرافدين)، سكنوا هذه البلاد منذ ما قبل التاريخ، وهم من الأوائل الذين اعتنقوا الديانة المسيحية عند ظهورها قبل ألفي سنة. والآثار والمتاحف التاريخية في العراق، من الدولة الآشورية والكلدانية وغيرها تشهد لهم بذلك ومازالت قائمة.
وقد لعب المسيحيون في العراق خاصة، والبلاد العربية عموماً، دوراً كبيراً في نقل الحداثة والحضارة الغربية إلى بلداننا. وهم لا يفتقرون إلى الكفاءة في جميع المجالات: العلمية، والطبية، والأدبية والفنية والإعلامية والأكاديمية والسياسية وغيرها.   

أما دورهم في تاريخ العراق الحديث فهو واضح، فقد شاركوا في جميع الحركات الوطنية التقدمية، ونالوا حصة الأسد من المظالم والاضطهاد، سواءً من الحكومات الجائرة في الدولة العراقية الحديثة، أو من قبل العصابات الإجرامية والإرهابية في هذا الزمن الرديء. وقد بلغ هذا الاضطهاد والتعسف الذروة ضد الأقليات الدينية وخاصة المسيحية والأزيدية، منذ أن استولت العصابات الداعشية التكفيرية على مناطق واسعة من محافظة نينوى (الموصل).

والآن يناضل الشعب العراقي من أجل ترسيخ نظامه الديمقراطي الوليد، والمفترض به تطبيق مبدأ دولة المواطنة والقانون بدون أي تمييز بين المواطنين في تسنم المناصب والوظائف في الدولة، ورغم ما تعانيه هذه الديمقراطية من آلام المخاض العسير، ومعارضة من قبل أعدائها، فالكل يطالب أن تكون الحكومة الجديدة تشمل جميع مكونات الشعب العراقي دون أي استثناء، وحسب مبدأ الكفاءة، والشخص المناسب في المكان المناسب.

وفي مقال سابق لي بعنوان (لماذا لا يكون الرئيس القادم مسيحياً؟)(1)، والذي أيده مشكوراً، الشخصية الوطنية، الأستاذ الدكتور جواد هاشم، وزير التخطيط الأسبق، بمقاله القيم بعنوان: (ليكن الرئيس العراقي القادم مسيحياً)(2)، ولقي المقالان ترحيباً واسعاً من جمهور القراء، اقترحنا فيهما أن يكون رئيس الجمهورية من نصيب المسيحيين في الدورة البرلمانية الجديدة (الحالية)، ومن ثم ينسب المنصب إلى شخصية من إحدى الأقليات الدينية الأخرى في الدورات القادمة كما يجري في الهند مثلاً. ولكن للأسف الشديد لم يتحقق هذا الاقتراح نظراً للصراعات والمنافسات الحادة بين الكتل السياسية الكبرى على المنصب. ولكن مازلنا نأمل أن تكون هناك فسحة من الأمل لإنصاف الأقليات الدينية في الحصول على ما تبقى من هذه المناصب العليا في الدولة.
 
إن ما تعرض له المسيحيون والأقليات الدينية الأخرى وخاصة الأيزيدية في محنتهم الحالية، المحنة التي هزت الضمير العالمي في كل المعمورة، وجلبت الخزي والعار على العصابات الداعشية التكفيرية التي ترتكب كل هذه البشاعات ضد الإنسانية باسم الإسلام السياسي السني، والإسلام والسنة منهم براء، أقول، ألم يحن الوقت، وبعد أن فاتهم منصب رئيس الجمهورية الذي طالبنا به أن يسند للمسيحيين أحد المنصبين، نائب رئيس الجمهورية، أو نائب رئيس الوزراء.

وهذا لا يجب أن يُحسب من باب المحاصصة، فكل القوى الوطنية والجهات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، طالبت القيادات السياسية العراقية بتشكيل حكومة جامعة (Inclusive government)، لا تقصي أي مكوَّن، وإنما هو الجمع بين الكفاءة وحق المواطنة في المشاركة في المناصب العليا، دون استثناء أي مكون من مكونات الشعب. وإذا ما تحقق ذلك، فسيثبت النظام العراقي الجديد أنه لا يميِّز بين أبناء الشعب بسبب الانتماء العرقي أو الديني أو المذهبي، و يكسب احترام ودعم وعطف العالم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين : ليكن الرئيس العراقي القادم مسيحياً
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=633

2- الدكتور جواد هاشم: لماذا لا يكون الرئيس القادم مسيحياً؟
http://alakhbaar.org/home/2014/3/165269.html





288
هل تكليف العبادي حل لمحنة المالكي؟
د.عبدالخالق حسين

تتسارع الأحداث في العراق بحيث ما كُتِبَ اليوم يمكن أن يتغير ويحتاج إلى تعديل غداً أو حتى بعد ساعات من نشره. فقد وصلت عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وفق الاستحقاقات الانتخابية و السياقات الدستورية "الصحيحة" إلى مأزق وطريق مسدود. ولا شك أن الدستور هو إلى جانب السيد نوري المالكي كونه رئيس أكبر كتلة برلمانية. ولذلك بقي المالكي متمسكاً باستحقاقه الانتخابي والدستوري.
ولكن في نفس الوقت لجأ خصومه الكثيرون من قادة الكتل الأخرى إلى استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بما فيها استخدام الإرهاب، والتحالف مع تنظيم (داعش) الإرهابي لإرغامه على التنحي. كما وطلع علينا منافسوه في التحالف الوطني بفذلكة (المقبولية) كبديل عن الاستحقاق الانتخابي. والمقبولية هذه تعني أن يكون المكلف بتشكيل الحكومة مقبولاً من جميع رؤساء الكتل السياسية بدلاُ من الناخبين وصناديق الاقتراع، وهذا غير وارد في الدستور، وبالطبع خرق للديمقراطية، وربما ستتحول إلى قاعدة وسنة في الدورات الانتخابية القادمة، وهذا التفاف على نتائج الانتخابات والديمقراطية.

ولعبت إدارة أوباما دوراً رئيسياً في إزاحة المالكي، بما فيه دخول داعش في العراق، وذلك انتقاماً منه لعدم قبوله إبقاء قوات عسكرية أمريكية في العراق. وهذا واضح من ترحيب الإدارة الأمريكية بإزاحة المالكي، إذ نقلت صحيفة (الغارديان) اللندنية، "أن ترشيح العبادي جاء بعد أن قام نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأربع اتصالات هاتفية يوم الإثنين (11/8/2014)، بالمسؤولين العراقيين، ودعا كل من الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، والرجل الذي تم اختياره كبديل للمالكي، حيدر العبادي، مشيرا إلى أن مزيدا من الدعم العسكري الامريكي سيأتي للعراق بسرعة إذا ما نجحوا في جهودهم لتشكيل حكومة جديدة" (الغارديان، 12/8/2014).
 
ولذلك فالمالكي لا يستطيع في هذه الأجواء المتوترة التي تنذر بالانفجار و المعارضة الشرسة والواسعة له في الداخل والخارج، بما فيها أمريكا، أن يشكل الحكومة، فهو في محنة شديدة وبين شرين، أو خيارين، أحلاهما مر. فهو من جهة أمام مسؤولية أخلاقية، فإن تنحى تحت ضغوط معارضيه قالوا عنه أنه خذل ملايين الناخبين الذين صوتوا له ولكتلته (دولة القانون)، وتنازل عن استحقاقه الانتخابي والدستوري. ومن جهة أخرى، إن أصر على مواجهة هذه العواصف فلا يمكن أن يحقق شيئاً سوى المزيد من التوتر والدماء والدموع، ويقولون عنه أنه لا يبالي بأرواح العراقيين من أجل البقاء في السلطة!.
ولذلك، فما حصل من تكليف حيدر العبادي، رغم أني لا استسيغه، لأنه تم بأسلوب ملتوي بالالتفاف على الدستور لإضفاء الشرعية على هذا التكليف، ولكن لا ننسى أن حيدر العبادي هو قيادي في حزب المالكي (الدعوة) وكتلته (دولة القانون)، والأخيرة هي ضمن كتلة الجبهة الشيعية الشاملة (التحالف الوطني العراقي). وبذلك فهذه اللعبة رغم ما فيها من التفاف على الدستور إلا إنها نوع مما يسمى بـ(الحيل الشرعية !!) وربما يقدم مخرجاً من المأزق، ورغم أن ترشيح الدكتور العبادي يواجه مشكلة قانونية.
فوفق سياقات الانظمة الداخلية للكيانات والكتل السياسية، يجب أن يرشح من قبل حزبه (الدعوة) أولاً، فإن فاز، يرشح من قبل كتلته (دولة القانون)، ومن ثم يتم ترشيحه من قبل التحالف الوطني. وهناك تضارب في الأخبار عن موقف نواب حزب الدعوة من العبادي. ففي تصريح للسيد عزت الشابندر لإذاعة DW الألمانية أن معظم نواب الدعوة صوتوا لصالح العبادي. ولكن تصريح مضاد من أنصار المالكي أن العبادي لم يحضى بتأييد نواب وقيادة حزب الدعوة، إذ "كشف النائب عن ائتلاف دولة القانون خلف عبد الصمد، أن 43 نائباً من اصل 53 في كتلة الدعوة لم يصوتوا لتكليف حيدر العبادي بتشكيل الحكومة."، وأن الحزب تبرأ منه. وإن صح الأخير فهذا يعني أن ترشيح العبادي هو قفزة على المرحلة الأولى والثانية، أي لم يتم ترشيحه لا من قبل حزب الدعوة ولا من كتلة دولة القانون، بل من قبل التحالف الوطني مباشرة. فكما أفادت الأنباء: أن "اعلن رئيس التحالف الوطني ابراهيم الجعفري، عن جمع  130 نائبا [127 في تقرير آخر] من التحالف الوطني وقعوا على ترشيح نائب رئيس البرلمان حيدر العبادي لمنصب رئيس الوزراء). وبعد ذلك مباشرة قام رئيس الجمهورية، السيد فؤاد معصوم، بتكليف العبادي لتشكيل الحكومة. و حسب الدستور، فأمام الدكتور العبادي مهلة شهر لتشكيل حكومته وتقديمها للبرلمان للتصويت عليها. وفي جميع الأحوال فتكليف العبادي سيواجه مشكلة دستورية، يعتمد على قرار المحكمة الاتحادية.

ردود الأفعال
ما أن تم الإعلان عن تكليف شخصية غير المالكي لتشكيل الحكومة حتى وتوالت التهاني والتصريحات المؤيدة لترشيح العبادي من كل الجهات وعلى سبيل المثال لا الحصر نقرأ العناوين التالية:
* قال الرئيس الأمريكي أوباما، إن "العراق اتخذ خطوة واعدة إلى الأمام بتكليف رئيس وزراء جديد"،
* بايدن يهنئ العبادي ويعد بدعم اميركي لحكومة شراكة عراقية لا تقصي أحداً،
* الخارجية الأمريكية تهنئ العبادي وتبدي استعدادها لدعم حكومته كاملا،
* بان كي مون يثنى على قرار تكليف العبادي،
* ميلادينوف يرحب بتكليف العبادي ويطالب قوى الأمن بعدم التدخل بالموضوع،
* الإتحاد الأوربي يرحب بقرار رئيس الجمهورية ترشيح الدكتور حيدر العبادي رئيسا للوزراء،
* إيران: الخارجية الايرانية تدعو الى تشكيل حكومة وفاق وطني في العراق،
* المجلس الاعلى يهنئ العبادي ويدعوه الى تشكيل حكومة الفريق القوي المنسجم.

أما ردود الأفعال المضادة فهي:
* المالكي: تكليف العبادي لا قيمة له ودولة القانون هي الكتلة الأكبر (تسجيل صوتي)،
* المالكي ردا على تكليف العبادي بتشكيل الحكومة المقبلة: لا يحق لأي عضو بحزب الدعوة التوقيع نيابة عني،
* كتلة الدعوة البرلمانية: العبادي يمثل نفسه،
* الصيهود: ترشيح العبادي غير دستوري وتواقيع التحالف الوطني لا قيمة لها،
* مريم الريس: لا قيمة للاتفاق بين بعض نواب القانون والتحالف الوطني بشأن ترشيح العبادي.

هل تكليف العبادي سيحل الأزمة؟
فيما لو وافقت المحكمة الاتحادية على تكليف العبادي لتشكيل الحكومة، فمن الانصاف أن ننتظر ونعطي الرجل فرصة لا تقل عن ستة أشهر لنعرف كيف سيواجه الأزمات العراقية المتراكمة، وطريقة حله لها. ولكني في نفس الوقت أعتقد أنه ما لم يتمتع بقدرات سياسية وإدارية وفكرية وثقافية متميزة، فعلى الأغلب سيكون الدكتور العبادي أفشل وأضعف رئيس حكومة في تاريخ العراق وذلك لأنه أولاً، مطرود ومنبوذ من حزبه (الدعوة)، وكتلته (دولة القانون). وثانياً، ولذلك، سيكون أسيراً وخاضعاً لإرادات رؤساء الكيانات السياسية التي رشحته وصوتت له مثل السيد عمار الحكيم ومقتدى الصدر والجعفري وغيره. وثالثاً، سيكون أسير رغبات السيد مسعود بارزاني الذي من الصعوبة إرضاءه، ما لم يتجاوز العبادي على الدستور، وهذا غير ممكن.
أما الجبهة السنية، فإزاحة المالكي هي مطلب مرحلي، لأن مطلبهم الحقيقي والرئيسي، وكما صرحوا به مراراً، فهو رفضهم لأي شيعي أن يكون رئيساً للحكومة. وتأكيداً لهذا القول، سمعت البارحة تعليقاً للسيد عدنان الباججي (الليبرالي المعتدل !)، لراديو بي بي سي عندما سئل فيما إذا كان متفائلاً من ترشيح العبادي فأجاب بالنفي، قائلاً أن العبادي هو من نفس تنظيم المالكي الشيعي الخاضع لإيران. لذا فنغمة تبعية الرئيس الشيعي لإيران لن تختفي بمجرد ترشيح العبادي أو أي شيعي آخر. أما أمريكا فتريد من العبادي معاداة إيران وحكومة بشار الأسد، وأن يكون "مقبولاً" من قبل تركيا والسعودية والدول الخليجية الأخرى، وهذا مستحيل.

ما الذي على المالكي عمله؟
لو كان المالكي هو حقاً مشكلة وليس الحل لأزمات العراق، كما يردد خصومه، لما نال حصد أكثر من منافسيه من الأصوات في الانتخابات، وكذلك هناك آليات ديمقراطية لإزاحته دستورياً وذلك كما يلي:
أن يتم تكليف المالكي من قبل رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة بصفته رئيس الكتلة النيابية الأكبر، وخلال شهر عليه أن يشكل الحكومة ويعرضها على البرلمان للتصويت، فإن فشل سيكلف رئيس الجمهورية شخصاً آخر أما من كتلة التحالف الوطني أو من كتلة أخرى. وبذلك يتم التخلص منه بالطرق الديمقراطية والدستورية، وكفى الله المؤمنين شر الجدال والقتال.
على أي حال، وطالما تم ترشيح الدكتور العبادي، ويبدو لي أنه غير قابل للإلغاء إلا بقرار المحكمة الاتحادية الدستورية. وعلى الأغلب ستصدر المحكمة قراراً غامضاً "حمال أوجه"، قابلا للتأويل من قبل جميع الأطراف المتنازعة، كل يفسره لصالحه.

وإزاء هذه الأوضاع المتفجرة، فقد نجح خصوم المالكي في شق الجبهة الشيعية، وبدأ صراع جديد وهو الصراع الشيعي- الشيعي، إضافة إلى الصراع العربي- الكردي، والسني – الشيعي. لذا أعتقد أن على المالكي وبعد أن أدى ما عليه، و لعب دوره بشجاعة وشرف وبمنتهى الوطنية لإنجاح العملية السياسية ودعم الديمقراطية الوليدة والدستور، ولكن الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية تكالبت عليه بما فيها جهات من الجبهة الشيعية كما تكالبت على الزعيم عبدالكريم قاسم من قبل. ولا يمكن في هذه الحالة إلغاء ترشيح الدكتور العبادي، لذا فأي عمل مضاد من قبل المالكي سيزيد الوضع تعقيداً وتأزماً، وربما  يؤدي إلى عواقب وخيمة، لذا أشير على السيد المالكي أن يعلن للشعب بأنه بذل قصارى جهوده لإنجاح العملية السياسية والديمقراطية، ولكن الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية كلها تحالفت ضده، ولا يمكن لأي إنسان في موقفه أن يواجه كل هذه الصعوبات ويخرج منها منتصراً، وحفاظاً على أرواح ودماء العراقيين، فإنه يتنازل عن حقه في الترشيح لتشكيل الحكومة، و يتمنى للسيد العبادي كل النجاح في مهمته الشاقة وشبه المستحيلة، وأنه سيواصل النضال من أجل خدمة الشعب وإنجاح الديمقراطية تحت قبة البرلمان وبالوسائل السلمية.
 12/8/2014 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


289
لماذا بدأت أمريكا بضرب داعش الآن؟
د.عبدالخالق حسين

" قالت الولايات المتحدة إن طيرانها الحربي شن غارة جوية لاستهداف مسلحي تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) في العراق... وهاجم مواقع لمدفعية التنظيم كانت تستخدم لقصف القوات الكردية المدافعة عن مدينة اربيل... وكان الرئيس الامريكي باراك اوباما قد اوعز بشن مثل هذه الغارات يوم الخميس (7/8/2014)، ولكنه اكد على انه لا ينوي اعادة اي قوات برية الى العراق."(1)

والسؤال الملح الذي يفرض نفسه هو: لماذا الآن؟
الملاحظ أن معظم الأعمال الإرهابية تبدأ عادة بمبررات "مشروعة"، أو هكذا يدعي القائمون بها ومن يساندها من السياسيين والإعلاميين، بدءاُ من تأسيس منظمات المجاهدين الإسلاميين، بما فيها القاعدة وطالبان في أفغانستان، وإلى داعش في سوريا والعراق الآن. فهناك دراسات لباحثين غربيين تؤكد أن منظمة داعش هي صناعة أمريكية، الغرض منها إثارة الفوضى العارمة في أية دولة تخرج على سياسة أمريكا و حليفاتها في المنطقة، لتحويلها إلى دولة غير قابلة للحكم (Ungovernable). وهذا هو سر الصعود الصاروخي المفاجئ لداعش، وقدرتها العسكرية الفائقة على اجتياح المحافظات الشمالية الغربية في العراق.
والجدير بالذكر، فقد بدأت حملة التهديد بالحرب الأهلية وتقسيم العراق منذ بدء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إذا ما فاز المالكي وأصر على الترشيح للولاية الثالثة. هذه الحملة قامت بها قادة الجبهة السنية، ورئيس حكومة اقليم الكردستان، ورؤساء كيانات سياسية ضمن كتلة التحالف الوطني الشيعيىة التي ينتمي إليها السيد المالكي نفسه. وهذه المعارضة حظيت بدعم أمريكا وحلفائها في المنطقة مثل السعودية وقطر، والأردن، وتركيا، وإسرائيل، ولكل غرضه.

داعش صناعة أمريكية
قلنا أن داعش هي صناعة أمريكية، وهذا ليس إيماناً بـ(نظرية المؤامرة)، كما يردد البعض، بل نشاهد دلالاتها على أرض الواقع وكما يلي:
أولا، هناك عدة تقارير من كتاب ومحللين سياسيين غربيين، وكذلك تصريحات إدوارد سنودون، تؤكد هذه الحقيقة، وقد ذكرنا هذه المصادر في مقالات سابقة لنا، نشير هنا إلى واحد منها (في الهامش رابط رقم 2).
ثانياً، لعبت الدول الإقليمية مثل السعودية وقطر وتركيا والأردن دوراً مهماً في تأسيس داعش، وتمويلها وتسليحها وتدريبها وشحنها بالعقيدة الوهابية التكفيرية، وآخر دليل هو عقد مؤتمر أنصار داعش في عمان قبل أسابيع. وهذه الدول هي تابعة لأمريكا ولا يمكن لها أن تتصرف بدون موافقة ومباركة أمريكا. كما و نشر تقرير بعنوان(بندر بن سلطان موَّل مؤتمر عمان، اجتماع لداعمي الإرهاب في اسطنبول الشهر المقبل)(3)
ثالثاً، إصرار أمريكا على عدم دعم العراق في حربه على داعش بحجج واهية، وهي نفس الحجج التي يرددها خصوم رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، عن التهميش والإقصاء والدكتاتورية... الخ. وكان المالكي قد طلب في يونيو/ حزيران مساعدة امريكية وفق اتفاقية الاطار الاستراتيجي، لمواجهة تقدم داعش، ولكن واشنطن تجاهلت الطلب.
رابعاً، معارضة أمريكا لفتوى الإمام السيستاني ضد داعش، وتضايقت من الاستجابة القصوى من الجماهير لها، علماً بأن هذه الفتوى لم تكن موجهة لطائفة ضد طائفة أخرى، بل فيها دعوة للوحدة الوطنية وحمل السلاح ضد داعش التكفيريين. بينما أمريكا لم تستنكر مئات الفتاوى التي أصدرتها شيوخ الوهابية في السعودية وقطر لإبادة الشيعة "الروافض" حسب تعبيرهم، منذ ما قبل إسقاط حكم البعث وإلى الآن.


لماذا الآن؟
نعود إلى سؤالنا أعلاه: لماذا إذن بدأت أمريكا بضرب داعش الآن؟
هل حقاً الجرائم الفظيعة بحق الأقليات الدينية في محافظة ننوي هي السبب؟ لا أعتقد ذلك، لأن هذه الجرائم بدأت منذ اليوم الأول من اجتياح داعش للموصل في 10/6/2014)، بقتل ليس المسيحيين والأيزيديين، والشبك فحسب، بل وقتل الألوف من الشيعة حيث قتلوا (1700 تلميذ) من كلية القوة الجوية في تكريت، والمئات من السجناء الشيعة في سجن بادوش بالموصل، كما وقتلوا الالوف من التركمان الشيعة في تلعفر وطوز خرماتو، وغيرها من المذابح الرهيبة التي بدأت منذ الأيام الأولى من "غزوة" داعش للمنطقة، فلماذا لم تحرك كل هذه المجازر رمش أوباما، إلا بعد أن وصلت مدفعية داعش إلى مشارف أربيل، وبعد أن بلغ السيل الزبى في محنة المسيحيين واليزيديين، وصارت لطخة عار في جبين أمريكا على سكوتها عن هذه الجرائم؟ راجع ما كتبته الصحف البريطانية عن تلكؤ الغرب وبالأخص أوباما في دعم العرق(4)

السبب الحقيقي لتحرك أمريكا ضد داعش هو  ما يلي:
أولاً، أن داعش مثل القاعدة، يرسم لها مؤسسوها أهدافاً معينة لتحقيقها، ويضعون لها خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها، ولكن في أغلب الأحيان ينقلب السحر على الساحر، وتعبر الخطوط الحمراء مما يتطلب دخول المؤسس لإيقاف التنظيم عند حده.
ثانياً، تجاوزت عصابات داعش الخطوط الحمراء حيث وصلت إلى مشارف أربيل، وبالأخص خطر سيطرتها على المصالح الأمريكية في المؤسسات النفطية القريبة وشركاتها الأخرى. وهذا ما سمعته من مقدم نشرة أخبار بي بي سي مساء 8/8 وهو يحاور أحد المسؤولين الأمريكيين الذي أنكر ذلك بالطبع. 

ثالثاً، راحت إدارة أوباما تردد أن الحل هو سياسي وذلك بتشكيل حكومة شاملة للجميع. وكأن الحكومةالحالية ليست شاملة، فصدق بفرية التهميش والاقصاء!! لذلك فضرب الطيران الحربي بداعش جاء متزامنا مع ما نشرته بعض التقارير الى "ان المالكي ربما أُجبِر على اصدار ضمانات بأنه سيتنحى لقاء العون العسكري الامريكي". (تقرير بي بي سي)(نفس المصدر-1). كما أفادت الأنباء أن هناك ضغوط على المالكي حتى من قياديين في حزبه (الدعوة) وكتلته (دولة القانون)، يطالبونه بالتنحي رغم أنه الأحق من غيره في الترشيح لرئاسة مجلس الوزراء وفق الاستحقاق الانتخابي، وذلك لتهدئة الوضع وإقناع أمريكا في مساعدة العراق بضرب داعش، وإسكات المناهضين له. وقيل أن المالكي رضخ لهذه الضغوط لقاء العون العسكري الامريكي. وهذا في رأيي هو السبب الحقيقي لشن الطيران الأمريكي غارات جوية على مدفعية داعش بعد أن حققت أغراضها.

رابعاً، وتأكيداً لما جاء في الفقرة 3، قال في شهادته أمام إحدى لجان الكونغرس مساعد وزير الخارجية الاميركي المكلف بملف العراق، بريت ماغورك، حول الموقف الاميركي بعد دخول "داعش" الى الموصل ومدن أخرى: "الموضوع يحتاج الى حل سياسي، وواشنطن لا يمكنها عمل شيء قبل ان نرى تغييرا سياسيا في العراق". وعندما سأله احد الاعضاء: وماذا لو بقي المالكي في رئاسة الحكومة؟. أجاب ماغورك: "في هذه الحالة سنكون مضطرين للوقوف مع حلفائنا في المنطقة".(5)
وهذا يعني الوقوف مع السعودية وإسرائيل متفرجين على جرائم داعش ضد الانسانية في سوريا والعراق.

أما تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يوم الجمعة "إن تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ينذر بإبادة جماعية وإن المخاطر بشأن مستقبل البلاد لا يمكن أن تصبح أكثر وضوحا."(6)، فهي مجرد تبريرات لإنقاذ ماء الوجه لسكوتهم عن جرائم داعش ضد الإنسانية و التي بلغت من الفظاعة بحيث راح الرأي العام العالمي يوجه انتقادات شديدة إلى الدولة العظمى عن سكوتها عن هذه الجرائم البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية، أمريكا التي تمتلك الامكانيات التكنولوجية والخبرة الهائلة لسحق هذه العصابات.

وماذا بعد تنحي المالكي؟
منذ البداية قلنا أن داعش هي نتاج حكومات إقليمية ودولية، تُستخدم كقوة بربرية وحشية ضاربة لتحقيق أغراض هذه الجهات وبدعم من قوى داخلية معارضة للديمقراطية. فبعد أن دمروا سوريا باسم الديمقراطية للتخلص من حكم بشار الأسد، جاؤوا إلى العراق للتخلص من نوري المالكي الذي يختلف كلياً عن بشار الأسد في كون المالكي داعم للديمقراطية، ولكنه يلتقي مع الأسد لأنه لا يرى من مصلحة شعبه معاداة إيران إرضاءً لأمريكا وإسرائيل والسعودية وغيرها.
وقد رحب جميع خصوم المالكي بدخول داعش على الخط، وبتشفي وشماتة رغم أن جرائم داعش هي ضد الشعب العراقي الذي يدَّعون تمثيله والدفاع عن مصالحه، والحقيقة كان دخول داعش بترتيب منهم، لتحقيق غرضهم الرئيسي، وهو إلغاء نتائج الانتخابات والتخلص من المالكي وتشكيل حكومة وفق إرادة النخبة وليس وفق نتائج صناديق الاقتراع. والآن أنقلب السحر على الساحر، حيث تجاوزت داعش على الطوك الحمراء، وراحت تلحق بهم الأذى، وتهدد باحتلال مدنهم، فبدأوا يدفعون الثمن ويدمون أصابعهم من العضاض ندماً على تعاونهم مع الإرهاب بغضاً للمالكي وللتخلص منه.

وإذا ما صحت الأنباء عن إذعان المالكي للضغوط بالتنحي عن حقه في الترشيح حفظاً على سلامة العراق، فإني أتوقع أن تحصل الهدنة المفاجئة مع داعش وسيعم الهدوء عموم العراق، وربما ستنسحب عصابات داعش عن المناطق التي احتلتها، وسيحتفل خصوم المالكي معلنين الأفراح، وكل جهة ستدعي أنها هي التي ألحقت الهزيمة بداعش، فللنصر آباء كثيرون، وسيدقون أجراس "النصر العظيم"، ولكن إلى حين. فشهر العسل هذا سيكون قصيراً، وسيليه شهر البصل! أو بالأحرى شهور حالكة، وربما دون المرور بشهر العسل أصلاً، لأن أغراض معارضي المالكي متقاطعة، ومخالفة للدستور، فالعداء الخفي فيما بينهم أشد من عدائهم المعلن للمالكي، ولكن يجمعهم شيء واحد، وهو التخلص من المالكي بغية تشكيل حكومة مركزية ضعيفة في بغداد على حساب مصلحة الشعب، وضرب الديمقراطية ومخالفة الدستور.
ولذلك أعتقد أن المالكي سيكون هو المنتصر حتى في حالة تنحيه، لأن حقيقة خصومه ستنكشف للشعب وللعالم بكل وضوح، ويكفي الملكي فخراً وشرفاً و وطنية أن خصومه لم يستطيعوا إزاحته بالوسائل الدستورية المشروعة، فاستعانوا بمنظمة (داعش) الإرهابية للتخلص منه.
ولذلك فقد أصاب المالكي كبد الحقيقة عندما قال: (أن مخالفة السياقات الدستورية سيفتح "نار جهنم" على العراق ويفتح ثغرات هائلة للتدخل الخارجي). فعاب عليه بعض صغار العقول هذا القول، وفسروه بأنه يهدد العراق ومن يخلفه بفتح نار جهنم، بينما الحقيقة أنه كان يقصد أن عدم الالتزام بالسياقات الدستورية لتشكيل الحكومة ستكون سابقة للاستهانة بالدستور والاستحقاقات الانتخابية والديمقراطية، والعودة إلى الرصاص والاستعانة بالإرهاب والبلطجة وقوى خارجية، وابتزاز الشعب والتهديد بالحرب الأهلية وإبادة الجنس، بدلاً من صناديق الاقتراع للتبادل السلمي للسلطة.

ومهما يحصل للمالكي، سواءً بقي في المنصب أم خرج منه، فقد أثبت أنه أقوى وأرفع مكانة من خصومه، وكشف للشعب وللعالم حقيقتهم بكل وضوح، وأنه أكثر التزاماً بالدستور والديمقراطية وحرصاً على المصلحة الوطنية، وأن غداً لناظره قريب.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
  http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- الطيران الحربي الامريكي يغير على مسلحي "الدولة الاسلامية" بالعراق
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2014/08/140807_iraq_sistani_new_govt.shtml

2- MIKE WHITNEY: Splitting up Iraq: It’s all for Israel
http://www.counterpunch.org/2014/06/20/its-all-for-israel/

3- بندر بن سلطان مول مؤتمر عمان، اجتماع لداعمي الإرهاب في اسطنبول الشهر المقبل
http://alakhbaar.org/home/2014/7/172911.html

4- الصحف البريطانية: التراخي الغربي أدى إلى تنامي "داعش"
http://alakhbaar.org/home/2014/8/174147.html

5- سالم مشكور: غيابنا.. وحضورهم
http://alakhbaar.org/home/2014/8/174069.html

6- كيري: تقدم المتشددين في العراق يحمل نذر ابادة جماعية
http://alakhbaar.org/home/2014/8/174030.html

7- رابط ذو صلة
سالم المرزوك: فيلم "النبي" البغدادي
http://alakhbaar.org/home/2014/8/174152.html



290
حول مفهوم حكومة التكنوقراط
د. عبدالخالق حسين

لا شك أن ممارسة الديمقراطية عملية جديدة على العراقيين، وكل جديد مصحوب بالمصاعب والمشاكل، لذلك فبعد كل جولة انتخابية تبدأ صراعات بين قادة الكتل السياسية حول تشكيل الحكومة الجديدة. وانفجر الصراع على أشده بعد الانتخابات الأخيرة وفوز كتلة السيد نوري المالكي (دولة القانون التي هي ضمن التحالف الوطني)، كأكبر كتلة انتخابية، وبرلمانية. و وفق الدستور، فالمالكي هو أول من يجب أن يُكلَّف من قبل رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة. وبما إن رؤساء عدد من الكتل السياسية في خصام شديد مع السيد المالكي، و هددوا بالحرب الأهلية وتقسيم العراق إذا ما فاز المالكي في الانتخابات ودُعي لتشكيل الحكومة للمرة الثالثة، وبلغ بهم الأمر إلى أن دعوا داعش الإرهابية، وتواطئوا معها لاحتلال محافظة نينوى وصلاح الدين، وإعلان دولة الخلافة الإسلامية فيها، وتنصيب أبو بكر البغدادي خليفة فيها، وما نتج عن ذلك من مجازر ضد الأقليات الدينية في المنطقة. كل ذلك من أجل التخلص من المالكي.

وفي خضم هذه الأزمة طلعت علينا جماعات تطالب بتشكيل حكومة التكنوقراط كـ"حل وسط" من أصحاب الكفاءات والنزاهة الوطنية و فوق الطائفية، للحفاظ على الوحدة الوطنية...الخ، بدلاً من الاستحقاق الانتخابي. وبما أن الكتل السياسية هي منقسمة على نفسها، ومتخندقة وفق الانقسام الديني والقومي، لذا فالمطالبة بتشكيل حكومة التكنوقراط، وفق المواصفات أعلاه، يعني تشكيل الحكومة من خارج هذه الكتل السياسية التي خاضت الانتخابات الأخيرة، وهذا يعني أيضاً إلغاء الاستحقاق الانتخابي وخارج السياقات الدستورية.
وبعد نشر مقالي الأخير الموسوم: (لا بديل عن صناديق الاقتراع)(1)، استلمت رسائل من عدد من الأصدقاء، عرفت من خلالها أن هناك اختلاف وإلتباس حول مفهوم حكومة التكنوقراط . لذلك رأيت من المفيد طرح هذه المسألة للنقاش كمساهمة في توضيح هذا الأمر، و إزاحة سوء الفهم.

أورد هنا مثالاً واحداً من هذه الرسائل، وهي رسالة صديق من صلب العملية السياسية وحريص عليها، كتب لي قائلاً: "أعتقد أن هنالك إلتباس في فهم حكومة التكنوقراط. حكومة التكنوقراط لا تعني إلغاء الديمقراطية كما تفضلتَ، بل هي فلتر لتصفية المرشحين للوزارات من المجاميع السياسية المشاركة في الحكومة. يعني بدلا من ان يكون وزير السياحة طبيب أسنان، ووزير الصحة محامي، أو وزير الثقافة ضابط سابق أو شرطي سابق، ووزير النقل نائب ضابط سابق، يطلب من أي حزب مشارك أو تحالف أو مجموعة سياسية في الحكومة أن ترشح ثلاثة مرشحين (من حملة الشهادات العليا وذوي الإختصاص والتجربة والمشهود لهم بالنزاهة والعفة)، ورئيس الوزراء وفريقه يختارون أحدهم ليكون الوزير للوزارة التي أصبحت من حق ذلك الحزب أو المجموعة السياسية التي باستحقاقها الانتخابي أصبحت تلك الوزارة من نصيبها". انتهى

لا شك أن هذا الحل هو أفضل الحلول، وأنا أتفق مع الصديق كلياً، بل ونشرتُ مقالاً قبل سنوات حول هذا الموضوع اقترحتُ فيه نفس الشروط في اختيار الوزراء، بأن يرشح كل كيان سياسي مشارك في تشكيل الحكومة أفضل ما عنده من أصحاب النزاهة الوطنية والاختصاصات والكفاءات والأكاديميين من حملة الشهادات الجامعية العالية، كأن يتم اسناد كل منصب وزاري إلى شخص مختص في شؤون تلك الوزارة، مثلاً، يتم تعيين طبيب وزيراً للصحة، ومهندس كهربائي وزيراً لوزارة الكهرباء، وخبير نفطي وزيراً للنفط... وضابط عسكري ذي رتبة عالية متقاعد وزيراً للدفاع... وهكذا بقية الوزارات. وبذلك يتم الجمع في تشكيل الحكومة بين الاستحقاق الانتخابي و أصحاب الكفاءة من التكنوقراط،.

ولكن، ما يقصده دعاة حكومة التكنوقراط هو ليس هذا النوع من الحكومة التي فهمها الصديق، وإنما يطالبون بحكومة من أصحاب الكفاءات والاختصاص من غير الحزبيين، بل وحتى من لا اهتمام له بالسياسة. وللتأكيد على هذا المفهوم لحكومة التكنوقراط ، راجعتُ موسوعة الويكيبيديا، فحصلت على التعريف التالي:   
"التقنوقراط هم النخب المثقفة الأكثر علما وتخصصا في مجال المهام المنوطه بهم، وهم غالباً غير منتمين للأحزاب. والتقنوقراط كلمة مشتقة من كلمتين يونانيتين: التقانة (التكنولوجيا): وتعني المعرفة أو العلم ، وقراطية (كراتس) وهي كلمة اغريقية معناها الحكم، وبذلك يكون معنى تقنوقراط حكم الطبقة العلمية الفنية المتخصصة المثقفة. والحكومة التقنوقراطية هي الحكومة المتخصصة في الاقتصاد والصناعة والتجارة، غالبا تكون غير حزبية فهي لا تهتم كثيرا بالفكر الحزبي والحوار السياسي."(2)

والجدير بالذكر، أن الوزارات هي مناصب سياسية، لا تتطلب الخبرة والتخصصات التكنوقراطية في وزارة ما، وإن وجدت فهي نقاط إضافية لصالحه وصالح المجتمع، بل كلما هو مطلوب من المرشح لمنصب الوزارة أو أن يتمتع بالعفة والنزاهة الوطنية، وتاريخ مشرف، وخبرة إدارية والقدرة على العمل ضمن فريق، وعادة يكون من منتمي إلى حزب فائز أو مشارك مشارك في تشكيل حكومة إئتلافية، وهو في رأيي أفضل من المستقل، لأن الحزب يقدم برنامج انتخابي متكامل لإدارة الدولة وخدمة الشعب. لذلك فالناس عادة يصوتون للمرشح الحزبي بدلاً من المستقل ومهما كان الأخير صاحب معرفة وخبرة وشهادات جامعية عالية، إلا نادراً وفي حالات استثنائية. فالحزب هو مظهر حضاري بديل عن القبيلة والعشيرة في المجتمعات المتخلفة، يجتذب إليه ناشطين سياسيين وقياديين، لهم اهتمام كبير بالشأن العام وخدمة الشعب والمصلحة العامة. ويتطلب من القياديين السياسيي النزاهة والحماسة لخدمة المجتمع، والاستعداد للتضحية بالمصلحة الخاصة، والقدرة على التفاهم والتواصل والاقناع، والتمتع بقدر كبير من المعرفة والثقافة والصبر والدبلوماسية وفن الخطابة والإدارة. لذلك، فليس من الضروري أن يكون وزير الصحة طبيباً، و وزير الدفاع عسكرياً، أو خبيراً بالأمور العسكرية والحروب. ففي الدول الديمقراطية العريقة نادراً ما يكون الوزير مختص بشؤون وزارته، فمثلاً قبل عامين كان وزير الدفاع في بريطانيا طبيب، ولكن في جميع الأحوال، يكون الوزير مدعوماً بعدد غير قليل من المستشارين التكنوقراط، يساعدونه على تمشية شؤون وزارته.   

وأخيراً، حتى الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، نيكولاي ملادينوف، الذي حُشر اسمه ضمن المطالبين بتشكيل حكومة التكنوقراط ، "حث رئيس الجمهورية السيد فؤاد معصوم لأداء مسؤولياته الدستورية بتكليف رئيس الوزراء المُكلف بتشكيل حكومة جديدة تراعي الاستحقاقات الدستورية والسياقات الديمقراطية"، ولم يشر إلى كلمة التكنوقراط (3)

وبناءً على كل ما تقدم، نؤكد على ضرورة التمسك بالاستحقاق الانتخابي والدستور، وإلا لماذا تم صرف كل هذه الأموال على الانتخابات، وحث الملايين من الناخبين على الإدلاء بأصواتهم، وتعريضهم لمخاطر تفجيرات الإرهابيين، ومن ثم نضرب نتائج الانتخابات عرض الحائط، ونطلب من أناس غير منتخبين تشكيل حكومة غير منتخبة؟ أليس هذا ضحك على الذقون، وتجاوز على حقوق الناخبين ومخالفة للدستور؟ 
لذلك، فإني أتفق كلياً مع مقترح الصديق، الداعي إلى أن " يطلب من أي كتلة سياسية مشاركة في الحكومة أن ترشح ثلاثة مرشحين (من حملة الشهادات العليا وذوي الاختصاص والتجربة، والمشهود لهم بالنزاهة والعفة)، ورئيس الوزراء وفريقه يختارون أحدهم ليكون الوزير للوزارة التي أصبحت من حق ذلك الحزب أو المجموعة السياسية التي بإستحقاقها الإنتخابي أصبحت تلك الوزارة من نصيبها". وأضيف، أن على رئيس الكتلة تقديم خلاصة خدمة (سيرة حياة C.V.) عن كل مرشح من مرشحيه للمناصب الوزارية، ومن حق المكلَّف بتشكيل الوزارة اختيار الأفضل.
وبذلك يمكن الجمع بين الاستحقاق الانتخابي والتكنوقراط.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- عبدالخالق حسين: لا بديل عن صناديق الاقتراع
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=671

2- موسوعة ويكيبيديا: حكومة التكنوقراط http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D9%83%D9%86%D9%88%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9

3- ميلادينوف يدعو إلى تشكيلٍ سريع للحكومة وفق السياقات الدستورية
http://alakhbaar.org/home/2014/8/173937.html

291
البعث يدَّعي إعلان الحرب على داعش!

د.عبدالخالق حسين

بدون الخبث والمكر والغدر والقتل، والتدمير فالبعث لم يكن شيئاً يذكر. هذه الحقيقة يعرفها الشعب العراقي بجميع مكوناته بمن فهم العرب السنة، بل وحتى البعثيون أنفسهم. ولولا هوس السياسيين السنة باحتكار السلطة لهم وعدم تحملهم ليكون للشيعة دور في صنع القرار السياسي بما يناسب ثقلهم السكاني واستحقاقهم الانتخابي، لكانوا من ألد أعداء البعث. لذلك يستخدم السياسيون السنة كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة بما فيها التحالف مع البعث والإرهاب لإلغاء الديمقراطية في العراق.
فالبعث هو شر مطلق وبكل معنى الكلمة. وأكاد أجزم أنه لولا البعث وارتكابه جريمة 8 شباط 1963 لكان العراق الآن بمصاف الدول المتقدمة وذلك لما يملكه من كفاءات بشرية وثروات طبيعية هائلة. وقد ذكرنا مراراً أن البعث يمتلك القدرة الفائقة على التلون والتقلب، وعقد تحالفات حتى مع ألد خصومه الأيديولوجيين، وارتكاب أبشع الجرائم الفظيعة بأسماء أفراد وتنظيمات إرهابية، وبعد أن يحقق أغراضه منها يقوم بسحقها وإدعاء البطولة والشطارة والفهلوة.

خلفية داعش
بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979 لحماية النظام الشيوعي فيه، ساهمت الدول الغربية بقيادة أمريكا على تشكيل التنظيمات الجهادية الإسلامية المتطرفة، ومن بينها طالبان والقاعدة، وبتمويل سعودي وخليجي وبأيديولوجية الوهابية. وبعد طرد السوفيت والقضاء على النظام الشيوعي في أفغانستان وهيمنة طالبان على الحكم، انقلب السحر على الساحر، فكان من عواقبها الوخيمة، ونتائجها غير المقصودة، كارثة 11 سبتمبر 2001. ولذلك حاولت أمريكا شق القاعدة لمحاربتها من داخلها عملاً بفكرة (وداوني بالتي كانت هي الداء). فنجحت في اختراق القاعدة، وشقها بكسب جماعة منها باسم (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، اختصاراً (داعش). فقواعد داعش هم من المتطرفين الإسلاميين الذين تعرضوا لغسيل الدماغ واعتناقهم المذهب الوهابي التكفيري. أما قياداته العسكرية فهم من الضباط العسكريين البعثيين المتشددين في الحرس الجمهوري، تم تجنيدهم عندما كانوا في سجن (بوكا)، على أيدي ضباط من السي آي آيه. فمنهم من أعيد إلى الجيش العراقي والأجهزة الأمنية كخلايا نائمة للبعث (داعش)، ومنهم من تظاهر بالدين والتدين وارتدى الزي الوهابي فتم رفدهم لقيادة بهائم داعش وتحويلهم إلى ضباع ضارية وقنابل بشرية. لذا، وكما أكدنا مراراً، فداعش نتاج لعبة دولية وإقليمية هدفها إخضاع الحكومات التي لم تساير بما فيه الكفاية، أمريكا وحلفائها في المنطقة: السعودية وقطر والأردن وتركياـ والعمل غلى تحويل الصراع العربي- الإسرائيلي إلى قتال سني- شيعي، وإبادة الشيعة، الخطة التي عملت عليها السعودية لثلاثين سنة حسب شهادة الرئيس السابق للاستخبارات البريطانية (MI6)(1).

ما الجديد في المحافظات الغربية؟
في الحقيقة إن ما جرى في الموصل وصلاح الدين وغيرها من المناطق السنية يوم 10 حزيران/يونيو 2014، لم يكن جديداً. فهذه المنطقة لم تكن تحت سلطة الحكومة المركزية منذ سقوط حكم البعث يوم 9/4/2003 إلا بالاسم، ودفع حصتها من ميزانية الدولة العراقية. أما ما جرى يوم 10 حزيران، فهو اعلان المسؤولين ومعظمهم بعثيون، سواءً كانوا موظفين إداريين أو عسكريين، إعلانهم التمرد على الحكومة الفيدرالية، وتم تسليم السلطة إلى منظمة اسمها (داعش) والتي هي تحت سيطرة البعث، وجاءوا بشخصية مجهولة باسم (أبو بكر البغدادي) أعلنوه "خليفة" على الدولة الإسلامية القرقوشوية. وقاموا بارتكاب المجازر ضد جميع مكونات الشعب هناك من قتل الشيعة والمسيحيين والشبك والإيزيديين، وصولاً إلى السنة عرباً وأكراداً وتركماناً، والسلب والنهب، إضافة إلى تفجير دور العبادة وقبور الأنبياء، وفرض الحجاب والختان على النساء، وهتك الأعراض باسم (جهاد النكاح)، حتى وصل إلى قتل رجال الدين السنة وكل من لا يبايع الخليفة أبوبكر البغدادي... إلى آخر اللعبة القذرة التي لا يجيدها إلا البعثيون. ولما بلغ السيل الزبي، وبعد أن أدرك أهل الموصل وغيرها من المناطق السنية أنهم خُدعوا من قبل قياداتهم السياسية التي حرضتهم على السلطة المركزية (حكومة المالكي الشيعي الإيراني الصفوي...الخ)، و التأليب على الجيش العراقي (الشيعي الصفوي) على حد أوصافهم التسقيطية.
وبعد أن حقق  الجيش العراقي انتصارات رائعة على العصابات الداعشية البعثية الإجرامية، وفي محاولة منهم لسرقة النصر من الجيش العراقي، أعلن البعثيون حربهم على داعش ليقولوا للشعب العراقي وللعالم، أن البعث هو وحده القادر على سحق داعش، وخلاص الشعب من إرهابه. بينما في الحقيقة والواقع، إن مصدر كل هذه اللعبة الداعشية والإرهاب الداعشي هو البعث وبدعم دولي وإقليمي، الغرض منه إلغاء الديمقراطية في العراق وعودة البعث إلى السلطة وبمباركة إدارة أوباما، وحلفائها التقليديين في المنطقة.

فقد جاء في تقرير موقع الأخبار: (تحت الضربات المدمرة لقوات الجيش العراقي بمساعدة طيرانه وقوته الجوية وهروب الكثير من عناصر داعش بإتجاه سورية واتساع تحرير مساحات الاراضي والمناطق المدنسة من داعش وشركائهم من اقطاب الخيانة والتآمر، فقد انبرى البعض من المناوئين للعملية السياسية من شاكلة أثيل النجيفي ومسعود البرزاني الذين هللوا لسقوط الموصل، حيث غيروا مواقفهم الى إدعاء محاربة داعش بهدف تحرير الموصل، انضم الى هؤلاء الأدعياء حزب البعث العربي الإشتراكي بدعوى الإنتقام من تدمير مراقد الأنبياء والأولياء.)(2)

وفي هذا الخصوص، أصدرت قيادة البعث بيانا اعتبرت فيه "داعش" منظمة إرهابية، وأبدت استعدادها للدفاع عن المسيحيين وغيرهم من المضطهدين، جاء فيه " ان جرائم داعش بدأت تتسع وتتفاقم ، وآخرھا تھجیر الإخوة المسیحیین من مدینة الموصل بشكل یبعث على الأسف، وھو ما نرفضه، ولن نسمح لأحد أن یكون خنجراً مسموماً بظھر مكونات المجتمع، فالعراق ھو وطن الجمیع، عرباً وأكرادا وتركمان وسنة وشیعة ومسیحیین وایزیدیین .. وھو مشروعنا الذي حمله الرئیس الشھید صدام حسین رحمه الله ولازال یقود مسیرته الرفیق المناضل والقائد المجاھد الأمین العام للحزب عزة إبراھیم ھو ورفاقه المیامین ."(نفس المصدر)
بينما اجتمع هؤلاء في عمان قبل أيام قليلة، واعتبروا داعش منهم وإليهم، وقال أحد المشاركين في ذلك اللقاء الاجرامي، وهو صلاح المختار البعثي، أن من يقوم بقتل وتهجير المسيحيين وتفجير دور العبادة في الموصل هو جيش المالكي الشيعي الصفوي وليس داعش (الثوار) !!.

فللبعث تاريخ دموي حافل في ارتكاب الجرائم البشعة ضد الشعب، وبعد أن يحقق أغراضه منها يقوم بتمثيلية اكتشاف الجريمة والقضاء عليها، بينما الحقيقة هي إن البعث نفسه مصدر الجريمة في جميع الأحوال، ولنؤكد صحة ما نقول نذكر المثال التالي:

تمثيلية أبو طبر
في منتصف السبعينات ظهر مجرم سفاح، يقوم بالسطو على عوائل بغدادية معروفة بمعارضتها للسلطة البعثية، اشتهر باسم (أبو طبر) لأنه كان يستخدم طبر (فأس) في قتل ضحاياه، وعادة في حمام البيت. وتكررت هذه الجريمة لأكثر من شهر، مما أثار الرعب بين سكان بغداد. و استغلت السلطة البعثية هذه الحوادث البشعة لتحقيق غاياته، ومنها إعلان منع التجول في يوم معين في مدينة بغداد، وقام الحزبيون والأجهزة الأمنية بتفتيش البيوت بحثاً عن الأسلحة والمعارضين بحجة البحث عن (أبو طبر)، وتمت مصادرة الأسلحة الشخصية التي كانت بحوزة بعض الناس من أجل الدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم من المجرمين. وبذلك حقق البعثيون غرضهم الرئيسي من اللعبة. وبعد فترة أعلنوا إلقاء القبض على (أبو طبر) و أدعوا أن اسمه (حاتم كاظم هظم) من مدينة المسيب في محافظة بابل.
والجدير بالذكر أن العراقيين وبحسهم الوطني، وخبرتهم بأساليب البعث، نسَّبوا جرائم أبو طبر إلى المخابرات العراقية، لان معظم الجرائم طالت معارضين سياسيين كما ذكرنا آنفاً. وأجرت السلطة محاكمة صورية للمدعو (حاتم كاظم هظم)، وأعدمته، وتم طمس الحقائق، ولا ندري مدى صحة المحاكمة والإعدام. وهكذا أدعى البعث بطولة اكتشاف المجرم والقبض عليه وإعدامه.
وعليه، فما داعش اليوم إلا أبو طبر بعثي آخر من الوزن الثقيل، وعلى شكل تنظيم ضخم يضم الألوف من (أبو طبر)، ساهمت في تشكيله حكومات واستخبارات دولية عملاقة مثل أمريكا، وإقليمية مثل السعودية وقطر والأردن وتركيا، لتطبير أية حكومة لا تسير وفق سياسة أمريكا وإسرائيل وحلفائهما في المنطقة.
وأخر لعبة قام بها البعث هي لعبة البعثي الداعشي، أثيل النجيفي، الذي منذ أن صار محافظاً للموصل راح يطالب حكومة المالكي بإخراج الجيش (الشيعي الصفوي) من المحافظة واستخدم أخس الوسائل التسقيطية ضد الجيش العراقي. وبعد أن سلم مفاتيح الموصل إلى داعش يوم 10/6 ولجأ إلى أربيل في لعبة مفضوحة بحماية بارزاني، كما وحاول المشاركة في مؤتمر عمان الإرهابي الطائفي السيئ الصيت الذي طرد منه ذليلاً مهاناً، والآن يحاول تشكيل ميليشيات مسلحة من عناصر يسميها بـ(الجيش القديم)، للمشاركة بتحرير محافظة نينوى من سيطرة داعش، وليلغي دور الحكومة العراقية التي يحاول شقيقه، أسامة، الحصول على منصب نائب رئيس وزراء فيها!  ومن دون التطرق الى مصادر تمويل وتسليح هذه المليشيات!!!
طبعاً الغرض من تشكيل هذه المليشيات من الجيش القديم هو محاربة الحكومة وخلق داعش ثاني باسم البعث هذه المرة... يرجى مشاهدة الفيديو أدناه.(3)
يرتكب هؤلاء جرائمهم باسم الوطنية، ونحن على ثقة عالية أن سهامهم سترتد إلى نحورهم.
وكما قال ساميول جونسون: الوطنية آخر ملاذ للأوغاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر
1- Sir Richard Dearlove on Re-appraising the Counter-Terrorist Threat
http://www.youtube.com/watch?v=XeFFtiEtriA

2- مع اقتراب نهاية داعش تحت ضربات الجيش العراقي .. حزب البعث يلحق بالنجيفي وبرزاني في إدعاء الحرب على داعش
http://alakhbaar.org/home/2014/7/173320.html

3 اضغط على الرابط للاستماع الى بيان أثيل النجيفي
http://www.youtube.com/watch?v=bmyd_48gg3o&sns=em

روابط ذات صلة: مقالات جديرة بالقراءة
عمار البازي:كيف تشعرون الان يا اهل الموصل؟؟؟
http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=164331#axzz391iLHFG0
 
غسان نعمان ماهر السامرائي:
بعد تفجير مرقد يونس (ع) ، وأوامر ختان النساء وأمثالها ، ماذا أنتم قائلون ؟ وماذا أنتم فاعلون؟
http://alakhbaar.org/home/2014/7/173449.html
 


292
إذا كنت لا تستحي فقل ما تشاء
د.عبدالخالق حسين

إن رأسمال البعثيين هو الكذب والتلفيق وتشويه صورة وسمعة خصومهم السياسيين، وكل من لا يسير على سكتهم. وقد عُرفوا بشراستهم في التعامل مع معارضيهم، لذلك تم اختيارهم من قبل الاستخبارات الغربية في التآمر على حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم، كرأس الحربة في انقلاب 8 شباط 1963 الأسود. وهم لا يبالون بحجم القتل والخراب الذي يجلبونه على الشعب والمنطقة. وكل من يحاول إلقاء اللوم على صدام حسين وحده ويبرئ البعث من الجرائم بحق العراق والمنطقة، فهو على خطأ، فصدام هو نتاج البعث، ولو لم يكن صدام لأنتج الحزب صداماً آخر وباسم آخر، مثل ناظم كزار، وعزت الدوري، وطه الجزراوي وغيرهم. فالمهم عند البعث هو الاستيلاء على السلطة وبأخس الوسائل دموية. إذ كما قال مشيل عفلق في هذا الخصوص: "حزب البعث هدية الأمة العربية للعراق، وصدام حسين هدية العراق للأمة العربية" !!
ووبعد تحرير العراق عام 2003، وعندما خاب أمل أمريكا في جر العراق إلى معاداة إيران في ظل حكومة نوري المالكي، عادت إلى عميلها السابق، البعث، للقيام بالمهمة القذرة، خاصة وهو المجرب، ومن أصحاب السوابق في هذا المجال، لذا أثاروا كذبة تهميش وإقصاء السنة والكرد من قبل المالكي الدكتاتور الطائفي!!.
فالبعث يستطيع أن يتلون ويتخذ مختلف الأشكال والألوان وحسب الظروف، وينفذ ما تخطط له الاستخبارات الأجنبية والقيام بما تسنده له من أدوار إجرامية بحق الشعب والوطن. واليوم أنتهى عهد الانقلابات العسكرية، لذلك أنيط به دور قيادة داعش والاستفادة من كل الظروف المحلية والإقليمية والدولية، فالبعث مطية لتحقيق أغراض الآخرين مقابل إعادته إلى السلطة التي فقدها عام 2003.

قلنا مراراً، وبات معروفاً اليوم، أن ما يسمى بداعش هو تنظيم منشق من القاعدة، وبجهد استخباراتي أمريكي، وتمويل سعودي قطري ودعم تركي، جندوا له ضباط بعثيين من الجيش العراقي السابق، وأغلبهم من الحرس الجمهوري، تم رفدهم من قبل خبراء السي آي أيه، عندما كانوا في معتقل (بوكا) في جنوب العراق.(1)
ونجح هؤلاء الضباط  في اختراق القوات العسكرية والأجهزة الأمنية وجميع مؤسسات الدولة، مستغلين حملة المصالحة الوطنية ومبدأ (عفا الله عما سلف)، وبقوا كخلايا نائمة ينتظرون ساعة الصفر التي جاءت يوم 10 حزيران 2014 في احتلال الموصل والتي كانت عملية تسليم من قبل الضباط البعثيين بالاتفاق مع الضباط الكرد في الجيش الذي كانوا يسمونه بجيش المالكي الشيعي الإيراني!!! ويثيرون عليه نقمة أهل الموصل. وقد تأكد ذلك من مؤتمر عمّان الذي ضم لملوماً من مختلف "فصائل المقاومة"، من رجال الدين وعلى رأسهم حارث الضاري وعبدالملك السعدي، وشيوخ عشائر، والبقية من البعثيين.

لقد ارتكب تنظيم داعش أبشع الجرائم بحق الإنسانية في المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم مثل الموصل وصلاح الدين، حيث القتل والتهجير والسلب والنهب على الهوية الدينية والطائفية والعنصرية وغيرها من الجرائم التي لحقت بالمسيحيين والأقليات الدينية والمذهبية الأخرى. واليوم وردت أنباء أن عناصر "داعش" بدأت حملة التطهير العنصري ضد الأكراد وإرغامهم على الرحيل من محافظة نينوى. وهذا الإجراء التعسفي يؤكد بعثية داعش وبغطاء ديني وهابي. فجرائم التهجير وتغيير ديموغرافية المناطق لم يعرفها العراق إلا في عهد حكم البعث. فلو كانت داعش حقاً منظمة إسلامية تبشر بدولة الخلافة، ولا تعترف بحدود وطنية كما قالوا: (العراق ليس للعراقيين وسوريا ليست للسوريين)، فلماذا تطرد الأكراد من بلادهم وهم مسلمون سنة ومن نفس مذهب داعش؟ ألا يؤكد هذا بعثية داعش؟
وهو في نفس الوقت درس للسيد مسعود بارزاني الذي غامر بالقضية الكردية عندما تحالف مع داعش (البعث) بتأثير الدول الإقليمية كرهاً في المالكي والعراق. وعندما نقول بارزاني يكره العراق، فليس هذا افتراءً منا عليه، معاذا الله، بل هو الذي أنكر وجود أي انتماء عراقي عند العراقيين، ويعمل ليل نهار على إضعاف الحكومة العراقية المركزية. لذا، فكما خسر والده عندما تحالف مع البعثيين في عهد حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم، كذلك سيعيد التاريخ نفسه مع السيد مسعود، الابن، السائر على نهج الوالد في التآمر على العراق. فقد صرح السيد بازاني مراراً أنه إذا تم اختيار المالكي رئيساً للوزراء فإنه لن يتعاون مع حكومة بغداد!! والسؤال هنا: متى تعاون السيد بارزاني مع حكومة بغداد وله وزراء متنفذون في الحكومة المركزية؟ فأنت يا سيد بارزاني ضد حكومة بغداد سواءً كان على رأسها المالكي أو الجعفري أو أي شخص آخر. فمهمتك تدمير العراق، تنفيذاً لما يصلك من أوامر من السعودية وقطر وتركية أردوغان.

ودليل آخر يؤكد بعثية منظمة داعش وجرائمها، هو ما ينشره الإعلاميون البعثيون من أكاذيب وافتراءات بلغت حد المسخرة والضحك عليها، نورد مثالين:
الأول، كتب البعثي صلاح المختار، أحد جرذان مؤتمر عمّان، في مقال له وصلني عبر البريد الاكتروني، مدافعاً عن داعش، قائلاً ما معناه: إن الجرائم التي ترتكب في الموصل ضد المسيحيين وغيرهم من الأقليات الدينية والمذهبية والأثنية، لم يرتكبها "الثوار"، بل ارتكبها جيش المالكي!! إذ يصفون الدواعش بالثوار، وجرائمهم بـ"ثورة السنة ضد ظلم وطائفية المالكي".
والثاني، بثته فضائية الشرقية لصحابها البعثي سعد البزاز، مفادها أن المسيحيين في الموصل يفضلون العيش في المناطق التي تحكمها داعش على أن يعيشوا في المناطق التي تحت سيطرة حكومة المالكي!!

فمن نصدق، التقارير والصور المأساوية التي تصلنا من وكالات الأنباء و اليوتيوب عن مآسي المسيحيين والأقليات الأخرى، أم نصدق فضائية سعد البزاز، ورفيقه صلاح المختار في دفاعهما المحموم عن داعش؟ ندرج في الهامش رابط نداء من قداسة البطريك لويس ساكو(3)، وفيديو عما يحصل للعوائل المسيحية في الموصل(4)، وكذلك روابط عن جرائم عصابات داعش في الموصل، فماذا يقول كتبة داعش الذين لا يستحون.
يقول المثل: (إذا كنت لا تستحي فقل ما تشاء). وهذا ينطبق تماماً على البعثيين وحلفائهم في كل زمان ومكان.   
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د. علي حسن الشيخ حبيب: قراءة في البعد الستراتجي لصناعة داعش؟
http://alakhbaar.org/home/2014/7/172979.html

2-  ياسين مجيد: فرحة العرب في الموصل وغزة
http://alakhbaar.org/home/2014/7/173085.html

3- نـــداء من قداسة البطريرك لويس روفائيل ساكو - بطريرك بابل على الكلدان
http://aljeeran.net/inp/view.asp?ID=21473

4- بالفيديو .. شاهد حقيقة ما يحصل للعوائل المسيحية في الموصل على لسان هذه المواطنة العراقية من مسيحيين "فيديو حزين"
http://www.knoozmedia.net/?p=55633

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض العناوين عن جرائم عصابات داعش في الموصول
عصابات داعش تطوق جامع النبي شيت بهدف تفجيره وسط الموصل
http://alakhbaar.org/home/2014/7/173191.html

"داعش" للموصليات: النقاب أو العقاب
http://alakhbaar.org/home/2014/7/173193.html

فيديو: لحظة تفجير مرقد النبي يونس في الموصل
http://alakhbaar.org/home/2014/7/173158.html
 

293
مؤتمر عمّان نتاج تساهل الحكومة العراقية مع داعمي الإرهاب

د.عبدالخالق حسين

عقد قبل أيام، في عمان العاصمة الأردنية، مؤتمر تحت شعار "مؤتمر عمّان لإنقاذ العراق ودعم الثورة" حضره نحو 300 مشارك "من مختلف القوى العشائرية والبعثية والفصائل المقاتلة المسلحة والضباط العراقيين السابقين وهيئة علماء المسلمين في العراق،..."، بينهم عدد كبير من المطلوبين للقضاء العراقي ومدانين بالارهاب. وقد أكد المؤتمر في بيانه "على ضرورة عقد مؤتمر موسع مقبل خلال أشهر قليلة مقبلة"، ودعوات للتحالف مع "داعش" ومواجهة "المد الصفوي" الإيراني، واتفاق على إسقاط النظام الحالي... وأقصى المؤتمر، كل من شارك في العملية السياسية في العراق.

والجدير بالذكر أن هكذا مؤتمر لا يمكن عقده في فندق خمس نجوم في عمان ما لم يكن بمباركة وإشراف الحكومة الأردنية، وتمويل دول البترو دولار الخليجية. والأردن ليس البلد الوحيد الذي يأوي الإرهابيين الذين يقتلون الشعب العراقي، بل هناك بلدان مجاورة أخرى مثل تركيا والسعودية وقطر. ولا ننسى هوَس ملك الأردن بخطر "الهلال الشيعي".

لقد بات معروفاً للقاصي والداني أن هناك جهات دولية (أمريكا)، وإقليمية (السعودية وتركيا وقطر والأردن)، تسعى لإسقاط العملية السياسية في العراق وتحت مختلف الحجج الواهية، مثل الإدعاء بدكتاتورية المالكي، وتهميش السنة العرب وملاحقتهم...الخ، ولكن الهدف الرئيسي هو إلغاء الديمقراطية وإقامة حكومة معادية لإيران، تدور في فلك السعودية وإعادة العراق إلى ما قبل 2003، إلى حكم البعث وبأيديولوجية جديدة مزيجة من هذيانات البعث، والوهابية الطائفية المتطرفة لإبادة الشيعة والأقليات الدينية الأخرى، ومحو كل أثر لهم بما فيها أضرحة أئمتهم ومقدساتهم كما عمل الحكم السعودي الوهابي بأضرحة الشيعة في مقبرة البقيع في المدينة المنورة أوائل القرن العشرين.
ولذلك خصصت هذه الحكومات مليارات الدولارات لتأسيس منظمة داعش الإرهابية للقيام بالدور الإرهابي القذر ونشر الرعب في أوساط الشعب العراقي بارتكاب القتل الجماعي على الهوية الدينية والطائفية. وآخر هذه الجرائم البربرية هي توجيه إنذار من خليفة الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي إلى المسيحيين في الموصل بما يلي:
إما إعلان إسلامهم، أو دفع الجزية، أو مغادرة المنطقة بملابسهم فقط، وترك ممتلكاتهم كغنيمة لدولة الخلافة الإسلامية، أو يواجهوا القتل.
إضافة إلى جرائم بربرية أرتكبتها داعش ضد الحضارة البشرية مثل تدمير المكتبات، وهدم دور العبادة،  والتهديد بحرق المكتبة المركزية في جامعة الموصل، وهذا يذكرنا بما قام به المغول إبان غزوهم لبغداد عام 1258م. (1)
والجدير بالذكر أن مؤتمر عمّان لم يدن جرائم داعش، بل مؤيد لها بدليل اعتبار داعش حليف لهم وعضو فاعل في المؤتمر، وهذا يعني أن المؤتمرين ومهما تعددت انتماءاتهم تحت مختلف الأسماء والتنظيمات الوهمية، وحاولوا الظهور بمظهر الاعتدال، وأنهم يدافعون عن حقوق كل العراقيين بدون تمييز، فهذا للدعاية وذر الرماد في العيون، فبسكوتهم عن جرائم داعش البشعة ضد الإنسانية، بل وتحالفهم معها، دليل على موافقتهم على جرائمها، ومن المؤكد أنهم من مكوناتها، ومهما تعددت انتماءاتهم، فداعش ما هو إلا الاسم الحركي لهذا اللملوم من الإرهابيين. لقد اختطف هؤلاء اسم أهل السنة، وبموقفهم المخزي هذا فقد أساءوا إلى سمعة أهل السنة في العراق والسنة منهم براء.

والحكومة الأردنية، وكافة الحكومات التي مولت وساندت هذا المؤتمر التآمري، تتحمل مسؤولية الإرهاب الذي ارتكبته ومازالت ترتكبه عصابات داعش الإرهابية في العراق ضد الناس الأبرياء العزل من المسيحيين والشيعة والإيزيدية، والشبك والتركمان، ولم يسلم منهم حتى السنة الذين رفضوا مبايعة داعش وخليفتها أبو بكر البغدادي.
وهناك مصادر تؤكد "ان بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود رئيس الاستخبارات السعودية السابق مول مؤتمر عمان لداعمي الارهاب في العراق. وبحسب هذه المصادر، فقد دفع سلطان الى المملكة الاردنية مبلغ 20 مليون دولار كدفعة اولى لتستضيف المؤتمر الذي شهد حضور عدد كبير من المطلوبين للقضاء العراقي ومدانين بالارهاب." (يرجى فتح رابط التقرير أدناه 2).

والسؤال الذي نود طرحه هو: لماذا تسكت الحكومة العراقية عن الحكومة الأردنية، وقبلها الحكومة التركية الأردوغانية بإيواء الإرهابيين، والسماح لهم بعقد مؤتمراتهم بكل حرية والتآمر لإسقاط الحكومة العراقية المنتخبة، وإلغاء الديمقراطية وإغراق العراق في حروب إبادة الجنس؟

فالأردن، ومنذ العهد الصدامي، المستفيد الأكبر من المحنة العراقية، واليوم في عراق ما بعد صدام يحصل الأردن على التسهيلات الاقتصادية، وبالأخص على النفط العراقي بأسعار رمزية (في حدود 10 دولار للبرميل، أي أقل من عِشر سعر السوق)، إضافة إلى مشروع مد أنبوب نفطي إلى ميناء العقبة، كذلك من مجالات اقتصادية أخرى في صالح الأردن.

ما الذي يجب عمله
ومن كل ما تقدم، أرى أن من واجب الحكومة العراقية حماية شعبها من الإرهابيين، ومقاضاة الحكومات الحاضنة للإرهاب، لدى الأمم المتحدة والمحافل الدولية، و أن ترفض ما نقله السفير العراقي في بيان صحافي إن "الحكومة الأردنية تقدم اعتذارها الرسمي للعراق عما حصل من إقامة مؤتمر مناوئ للعملية السياسية على ارضها". إن قيمة هذا الاعتذار لا تساوي الحبر الذي كتب به. فالحكومة الأردنية تلعب دوراً انتهازياً واضحاً ودون خجل، تريد الاستفادة من العراق بالحصول على التسهيلات الاقتصادية من جهة، وفي نفس الوقت تواصل التآمر مع الإرهابيين على العراق ونظامه الديمقراطي. لذا على الحكومة العراقية ازدراء هذا الاعتذار الرخيص، والإسراع بقطع المساعدات الاقتصادية عنها فوراً، وحتى تجميد مشروع مد الأنبوب النفطي إلى ميناء عقبة.

ونفس الموقف يجب على العراق اتخاذه من تركيا، فالميزان التجاري مع تركيا في حدود 17 مليار دولار في صالح تركيا، الأمر الذي أدى إلى انتعاش الاقتصاد التركي والذي رفع من شعبية أردوغان، الشخص الذي يتآمر على العراق. لذا على الحكومة العراقية إلغاء العقود الاقتصادية مع تركيا والأردن فوراً. فكما قال الشاعر العربي زهير ابن أبي سلمى:
ومن يجعل المعروف في غير أهله... يكن حمده ذماً عليه ويندمِ

أما الموقف من السعودية، فهناك دليل مادي قدمه رئيس الاستخبارات البريطانية MI6 السابق Sir Richard Dearlove (3) على وجود مخطط سعودي لإشعال حرب طائفية في المنطقة ضد الشيعة وإبادتهم، ومعاملتهم في العالم الإسلامي كمعاملة النازية الهتلرية لليهود. أُدرج أدناه رابط فيديو لمحاضرة السير رتشارد، وتقرير الصحفي البريطاني باتريك كوكبرن في الاندينبندت اللندنية (الترجمة العربية والنسخة الإنكليزية) تأييداً وتوضيحاً لما قاله السير ريتشارد. (4)
لذا، يجب على الحكومة العراقية تقديم هذه الوثيقة إلى الأمم المتحدة لمقاضاة السعودية على دعمها للإرهاب في العراق وإشعال حرب طائفية في المنطقة لا تبقي ولا تذر. وأرجو أن لا يصدق أحد الأكاذيب التي تبثها السعودية والأردن وتركيا أن داعش تهددها... فهذه دعاية لذر الرماد في العيون لتغطية دور هذه الحكومات في خلق داعش لتحقيق أغراضها الإجرامية في نشر الفوضى العارمة الهدامة وليست الخلاقة، كما يدعون.

على العراق اللجوء الى مجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، والى الجامعة العربية وكل الدول الكبرى، وذات العلاقة، من اجل كشف أﻻعيب اأردن والدول الداعمة له، و وضع حد لكل المؤامرات ورمي الكرة في الساحة الأردنية والسعودية وكل المتآمرين. ويجب على العراق ان يضع في حسبانه ان العالم اليوم ﻻ يوجد به صديق ثابت يعتمد عليه، الكل يبحث عن مصالحه، فلماذا لا يبحث العراق عن مصالحه أيضاً.
فإلى متى تسكت الحكومة العراقية عن جرائم هذه الحكومات ومنظماتها الإرهابية؟ إن سكوت الحكومة العراقية أدى بهذه الحكومات إلى التمادي والإمعان في التآمر على العراق وارتكاب المزيد من الجرائم ضد الشعب العراقي.
فمن يهن يسهل الهوان عليه... ما لجرح بميت إيلام
وحاشا للعراق أن يكون كذلك.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- داعش تهدد بحرق المكتبة المركزية في جامعة الموصل
http://alakhbaar.org/home/2014/7/172825.html

2- بندر بن سلطان مول مؤتمر عمان، اجتماع لداعمي الإرهاب في اسطنبول الشهر المقبل
http://alakhbaar.org/home/2014/7/172911.html

3- فيديو (محاضرة سير رتشارد ديرلوف رئيس الاسخبارات البريطانية الأسبق عن الدور السعودي في الإرهاب) جدير بالمشاهدة
Sir Richard Dearlove on Re-appraising the Counter-Terrorist Threat
http://www.youtube.com/watch?v=XeFFtiEtriA

4- مقال باترك كوكبرن في الانديبندنت اللندية: كيف ساعدت السعودية (داعش) في العراق؟
رئيس جهاز المخابرات البريطاني السابق يؤكد أن ما حدث كان خطة سعودية منذ البداية
http://alakhbaar.org/home/2014/7/172506.html





294
لماذا رشح الجلبي لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان؟

د.عبدالخالق حسين

كتب العديد من الكتاب عن اللغز وراء ترشيح النائب الدكتور أحمد الجلبي لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان يوم 15/7/2014، والذي انتهى بانسحابه بعد أن تأكد من فشله كمنافس للدكتور حيدر العبادي الذي هو زميله في نفس الكتلة (التحالف الوطني). فما هو السر وراء هذا الترشيح والانسحاب إثناء التصويت وعد الأصوات للمرة الثانية؟
المعروف أن العملية السياسية في العراق تواجه عسر الولادة في كل خطوة من خطواتها، وفي هذه الحالة لا بد من توافقات، أو ما يسمى بالديمقراطية التوافقية. وهذه التوافقية ليست شراً مطلقاً كما يتصور البعض، إذ لا بد منها، وخاصة في الديمقراطية العراقية الوليدة. فالتوافقية موجودة حتى في الدول الديمقراطية العريقة عندما يفشل أي حزب في الفوز بالأغلبية المطلقة، وفي هذه الحالة لا بد من مشاورات وتفاهمات وعقد اتفاقات وراء الكواليس بين قيادات الكتل السياسية المتقاربة في البرامج والأهداف لتشكيل حكومة إئتلافية.
وفي الحالة العراقية، ونظراً لتعددية مكونات الشعب العراقي، وانعكاس هذه التعددية في هيكلية الكتل السياسية وفق الانقسام المذهبي والأثني، فهناك صراع حول اختيار الرئاسات الثلاث، الذي بدأ باختيار رئيس البرلمان ونائبيه، حيث تم بالتوافق بين قيادات الكتل أولاً، وبتصويت البرلمان ثانياً، على اختيار الدكتور سليم الجبوري من الجبهة السنية، رئيساً للبرلمان، والدكتور حيدر العبادي، من كتلة التحالف الوطني (الشيعي) نائباً أول له، والسيد آرام الشيخ محمد، من التحالف الكردستاني نائباً ثانياً. وهذه خطوة مهمة اجتازها البرلمان بنجاح. 

إلا إن المفاجأة الغريبة جاءت من النائب الدكتور أحمد الجلبي الذي رشح نفسه كمنافس للدكتور حيدر العبادي الذي هو زميله في كتلة التحالف الوطني كما أسلفنا. قيل في البداية أن الجلبي مرشح تنظيم الأحرار (التيار الصدري)، علماً بأنه (الجلبي) من تنظيم (المواطن- المجلس الإسلامي الأعلى) الذي يقوده السيد عمار الحكيم. ولما اعترض البعض على مصدر الترشيح، أعلن الجلبي أن ترشيحه شخصي. وهذا مقبول حسب القانون، ولكنه يدل على أن الجلبي خرج على ما اتفق عليه قادة التحالف الوطني الذي ينتمي إليه. المهم أن جاءت النتيجة، وبعد إعادة التصويت وعد الأصوات للمرة الثانية، بحصول العبادي على 149 صوتا مقابل 107 للجلبي.

وهنا يبرز السؤال المهم، لماذا رشح الجلبي نفسه لمنافسة زميل له من نفس الكتلة وهو شبه متأكد من فشله؟
في رأيي أن هناك عدة أسباب وليس سبب واحد لترشح الجلبي نفسه، ولم يكن فوزه بهذا المنصب الجانبي أحدها، فالجلبي يطمح أن يكون رئيساً للوزراء، وهو الذي قاد المعارضة في عهد صدام بكفاءة  تحت مظلة (المؤتمر الوطني العراقي)، وأسس لوبي واسع في أمريكا لنصرة العراق في عهد الرئيس كلنتون الذي أصدر قانون تحرير العراق...إلى آخره. ولكنه بعد التحرير عام 2003، أضاع الجلبي بوصلته للأسف، فراح يرتكب أخطاءً أضرت بالعملية السياسية، و أساءت إلى سمعته ومكانته، ليس بين الأمريكان فحسب، بل وحتى بين أبناء الشعب العراقي، حيث خسر في الانتخابات البرلمانية لعام 2006، ولولا انضمامه إلى جماعة الحكيم لما صار نائباً في الدورة المنتهية والحالية.

إذنْ، ما هي أغراض الجلبي من ترشيح نفسه:
الأول، هو أن يكون اسمه في الأخبار (Publicity stunt)، فقد دأب الجلبي منذ مدة على إطلاق تصريحات غريبة بين حين وآخر في موقعه الشخصي على الفيسبوك فتتناوله وسائل الإعلام بالنشر. والثاني، الإعلان أن التحالف الوطني هش ومخترق، وفيه من هو ضد كتلة السيد نور المالكي (عراق القانون) الذي رشح منها الدكتور حيدر العبادي. وثالثاً، لإلحاق الضرر بالتحالف الشيعي، إذ رضي الجلبي أن يكون حصان طروادة لإحداث شرخ في التحالف الوطني، ونشير في هذا الخصوص إلى مقال السيد كريم الشماع: (أحمد الجلبي عرّاب قيام البيت الشيعي وعرّاب تهديمه اليوم ؟؟؟؟).
ورابعاً، والأهم في رأيي، أن الجلبي أراد من ترشيحه لنفسه جس نبض البرلمان لمعرفة عدد النواب الذين يمكن أن يصوتوا للمالكي في حالة ترشيحه لرئاسة الوزراء للولاية الثالثة.

فالجلبي، لكونه يحمل درجة دكتوراه في الرياضيات من جامعة أمريكية مرموقة (MIT)، لا بد وأن يكون له اهتمام بالغ بالأرقام والإحصائيات واستطلاعات الرأي. ولكنه وللأسف الشديد، ولعدم ممارسته الرياضيات لمدة طويلة عدا فترة ترأسه لبنك البتراء الأردني والذي انتهى بكارثة، وربما هو لاعب شطرنج فاشل كما أثبت في السنوات الأخيرة أنه سياسي فاشل، فالسياسة هي الأخرى تعتمد على الإستراتيجية. لذلك، أعتقد أنه أخطأ في الحساب. فقد أراد الجلبي من ترشحه أن يعرف عدد النواب الذين يصوتون لمرشح دولة القانون الدكتور حيدر العبادي، والذي حصل على 149 صوتاً مقابل 107 للجلبي. ووفق هذه النتائج أراد الجلبي أن يقول للعالم وخصوم المالكي أن الأخير سوف لن يحصل على أصوات أكثر من 149 من 328 العدد الكلي للنواب. وهذا يعني و وفق هذه الحسابات، أراد الجلبي أن يزف البشرى إلى خصوم المالكي أنه سيفشل في تشكيل الحكومة للولاية الثالثة. وهذا هو الغرض الرئيسي من ترشيح الجلبي لنفسه لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان.

ولكني أعتقد أن الجلبي أخطأ في الحساب، فـ(حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر) في أغلب الأحيان. فالجلبي صوت له النواب الصدريون وعددهم 28 نائباً إذ انشق عنهم أربعة نواب، وبقية ألأصوات جاءت له من الكتل المعادية للتحالف الوطني وللعملية السياسية، نكاية بالمالكي لا حباً في الجلبي. ولكن الذي خسر في هذه اللعبة الغبية هو الجلبي نفسه إذ صار في نظر الشيعة إلى جانب أعدائهم، خاصة في هذه المرحلة العصيبة التي يواجه الشيعة فيها حرب إبادة الجنس من داعش وحلفائه. وهذا بحد ذاته سيزيد من شعبية المالكي، سواء في أوساط الشيعة الذين يشكلون نحو 60%، أو في البرلمان، بل وحتى في أوساط السنة، لأنه (المالكي) أثبت حرصه على وحدة العراق أكثر من خصومه، والسنة سيكونون من أكثر المتضررين بتقسيم العراق، خاصة وأن كركوك تحت سيطرة حكومة كردستان، فما يجري من تقارب بين الجبهة السنية وبارزاني مؤقت ينذر بحروب كارثية بين الطرفين في حالة تقسيم العراق.

فوفق الدستور، لم يكن ترشيح رئيس الوزراء مفتوحاً لكل من يرغب، بل يتم من قبل رئيس الجمهورية الجديد الذي من واجبه تكليف رئيس أكبر كتلة برلمانية لتشكيل الحكومة خلال 30 يوماً، وفي هذه الحالة لا بد وأن يكون السيد نوري المالكي وليس غيره لحد كتابة هذه السطور.
وعندما يجد خصوم المالكي من كتلة التحالف الوطني أن رئاسة الوزارة ستخرج من يدهم، فلا بد وأن يصوتوا للمالكي وحكومته. وهذا يعني أن المالكي من الأرجح سيحصل على أكثر من 165 من أصوات النواب على أقل تقدير.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــ
فيديو ذو صلة
حنان الفتلاوي ما جرى خلف الكواليس لانتخاب حيدر العبادي قناة الديار16 07 2014
https://www.youtube.com/watch?v=aDKX_o_PL2Y&sns=em

295
ماذا لو تحقق ما يريده أنصار داعش؟

د.عبدالخالق حسين

كان أعداء الديمقراطية الوليدة في العراق يعرفون مسبقاً أنهم لن يحققوا أغراضهم بالوسائل السلمية الديمقراطية، لذلك هددوا قبل إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة أنه في حالة فوز السيد نوري المالكي وترشيحه لولاية ثالثة، فإن حرباً أهلية ستشتعل، وسينقسم العراق إلى ثلاث دول أو دويلات ما لم يتنحى المالكي. ولما أعلنت النتائج بفوز المالكي وتمسك باستحقاقه الانتخابي والدستوري، فاجئوا الشعب العراقي بداعش. وهذا يعني أن داعش الإرهابية تم تشكيلها منذ سنوات لهذه المناسبات.

إذ كما قال المفكر السعودي، تركي الحمد، أن " داعش هي في النهاية ورقة من أوراق لعبة 'بوكر' إقليمية ودولية، لا يلبث دورها أن ينتهي بعد أن تُلقى على مائدة اللعب الخضراء أو الحمراء في هذه الحالة."
هذه العبارة هي أصدق ما قاله الأستاذ الحمد في مقاله الموسوم (ليس حباً في معاوية، ولكن كرها في علي: ما هو أبعد من داعش)(1). ويقصد بذلك أن العرب السنة في العراق والعالم العربي، أيدوا داعش لا حبا بها، وإنما كرهاً في نوري المالكي. ولكن هذا نصف الحقيقة، أما النصف الثاني الذي لم يذكره الأستاذ الحمد، هو كرهاً للديمقراطية في العراق.

لقد خيَّب الأستاذ الحمد أملنا به في بقية مقاله هذا، حيث ركب الموجة في تبرير الإرهاب الداعشي، لرد الجميل للحكومة السعودية مقابل إطلاق سراحه من المعتقل لذنب لم يرتكبه غير دفاعه عن حرية شعبه السعودي، إذ راح وللأسف، يبرر الإرهاب الداعشي في العراق مدعياً بأنه لمواجهة "المشروع الإيراني في الهيمنة على المنطقة" حسب قوله، ولينضم إلى جوقة أوركسترا الاعلام العربي والعالمي المضلل، ويردد معها نفس النغمة بإلقاء اللوم على نوري المالكي في كل مشاكل العراق المتراكمة عبر قرون، فيقول:
"وكانت الطامة الكبرى مع نوري المالكي، حين أشعل شرارة النار الطائفية، التي كانت دائما كامنة تحت رماد التاريخ، فحوّل العراق إلى مقاطعة إيرانية تُدار من طهران، ولم يعد إلا امتدادا إيرانيا، وجزءا من المشروع السياسي الإيراني في “تشييع" المنطقة لأغراض سياسية. بطبيعة الحال، فإن سُنّة العراق، من العشائر وقاطني غرب العراق وشماله، لن يرضوا بالتهميش لأجل نجاح مشروع غير عربي، فطوال تاريخ العراق كانت لهم اليد الطولى في البلد، وذكريات الحروب والصدامات مع إيران، وكذلك الطريقة المهينة وتوقيتها لإعدام صدام حسين (صبيحة عيد الأضحى)، كانت كلها من العوامل التي أدت إلى انتفاضتهم، وإن كان التهميش والتمييز الطائفي هو العامل الأهم في انتفاضتهم، وخاصة مع الوعي بأن العراق يتحول يوما بعد يوم إلى مقاطعة إيرانية ليس إلاّ". أنتهى.

فإذنْ، إرهاب داعش في العراق في رأي مفكرنا الليبرالي السعودي هو انتفاضة العرب السنة على التهميش والمشروع الإيراني. ففي رأيه أن مجرد مشاركة الشيعة في السلطة المنتخبة وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع هو مشروع إيراني. أليس ما قاله الحمد في هذا الصدد هو نسخة طبق الأصل من أقوال الشيخ يوسف القرضاوي؟ ألا يكشف هذا عن بؤس العقل العربي "الليبرالي"، ناهيك عن العروبي و الإسلاموي؟

كذلك نلاحظ نشاطاً إعلامياً ملحوظاً في الغرب، لمقالات مطولة تنشر في كبريات الصحف الأمريكية مثل واشنطن بوست، ونيويورك تايمز، وصحف بريطانية مثل الغارديان. وبطبيعة الحال هذا ليس مجاناً كعمل خيري لوجه الله أو الحقيقة المسكينة، بل مقابل أجور سخية ولأجندات معينة، وإلا كيف نفسر نشر مقال مطول في حدود 15 صفحة بحجم A4، في واشنطن بوست لكاتب أمريكي من أصل عراقي مغمور باسم: علي الخضري Ali Khedery، بعنوان: (Why we stuck with Maliki- and lost Iraq)(2)، يعطي لنفسه دوراً كبيراً، وأهمية بالغة في إقناع الأمريكيين لتعيين المالكي رئيساً للوزراء عام 2006، كما يدعي، وبذلك يضرب إرادة العراقيين عرض الحائط، وليعلن ندمه على ذلك فيما بعد، ويعيد نفس الأسطوانة: (نوري المالكي دكتاتور طائفي، عزل و همش العرب السنة والكرد واحتكر جميع السلطات بيده وأعوانه الفاسدين، وأنه ضد المصالح الأمريكية في العراق إرضاءً لإيران، ...السلطة التي يهيمن عليها الشيعة...الخ).
فمن قراءة واعية ومتأنية لمقال السيد (Ali Khedery)، يستنتج القارئ، أن الكاتب يتمتع بخيال خصب وقدرة جيدة لكتابة القصص الخيالية، ففي مقاله هذا أجاد في خلط الحقائق بالأوهام وبذلك أستخدم الحقائق لتمرير الافتراءات وإظهارها وكأنها حقائق لتضليل القراء.

كما ونشرتْ جماعة من العراقيين في أمريكا أطلقوا على أنفسهم (لجنة لعلمنة العراقCommittee for a Secular Iraq)(3)، نداءُ مطولا أخذت صفحة كاملة من صفحات واشنطون بوست على شكل إعلان، بعنوان: (An Open Letter to the People of the United States )، ولا ندري كم يكلف نشر إعلان في صفحة كاملة من حجم(Broadsheet ) في صحيفة أمريكية كبرى مثل واشنطن بوست. طبعاً رددوا فيه نفس النغمة: التهميش والإقصاء وتزييف الانتخابات لصالح المالكي الشيعي الموالي إيران..الخ. والملاحظ أنهم رغم إدعائهم بالعلمانية والسعي لعلمنة الحكم في العراق وإلغاء المحاصصة الطائفية، إلا إن المطلب الأول هو دعوتهم للرئيس أوباما بجعل منصب رئاسة الجمهورية للعرب السنة، وأنه إذا ما تحقق لهم هذا المطلب فإن السنة سيتكفلون بإخراج داعش من العراق وتنتهي الأزمة!! أي مقايضة. وهذا يعني أنهم مع داعش، وهم من خطط وجلب داعش للعراق ليعيث فيه فساداً وينشر الإرهاب ضد شعبه في سبيل أغراض سياسية لأصحاب النداء ومن يدعمهم.

والملاحظ أيضاً، أن إدارة أوباما، تتعامل بازدواجية مع داعش والأزمة العراقية، فمن جهة تعترف أن داعش منظمة إرهابية منشقة من القاعدة، وأنها تشكل خطراً على الغرب، ولكن من جهة أخرى لم تحرك ساكناً في دعم العراق لمحاربة داعش الإرهابية، وراحت تردد مع بقية الجوقة، القول (أن الحل سياسي وذلك بتغيير قيادة السلطة في العراق، وتشكيل حكومة تضم جميع الأطراف بشكل عادل)، وكأن السلطة الحالية هي فعلاً من مكون الشيعي وحده، يهيمن عليها الشيعة كما يرددون.
وهذا الموقف الأمريكي الجديد من العراق وداعش يجعلنا نشك في مقاصد أوباما من إرسال نحو 300 استشاري عسكري إلى العراق (لدراسة الموقف وتحديد مواقع تجمعات داعش، وجمع معلومات استخباراتية عن تحركات داعش وتقديمها للقوات العراقية). أقول وإزاء هذه الازدواجية الأمريكية فمن حقنا أن نشك بنشاط هؤلاء الاستشاريين، وربما القصد من وجودهم في بغداد هو لمساعدة قوات داعش عن تحركات القوات العراقية وليس العكس. ونترك الحكم لتقديرات القادة العسكريين العراقيين الميدانين، فيما إذا كان وجود المستشارين الأمريكيين أدى إلى تحسين الأداء العسكري العراقي أم تراجعه.

والجدير بالذكر أني نشرتُ مقالاً بعنوان:(أوباما ينتقم من بوش بترك العراق للإرهابيين) (4)، وتأكيداً لهذا الرأي، نشر اليوم تقرير بعنوان (مساعدو بوش: أوباما يتحمّل مسؤولية عودة الارهاب الى العراق) جاء فيه:( اعتبر الكاتب بيير روسلين في صحيفة لوفيجارو، أن العراق اصبح ضحية الخلافات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا الى ان السجال حول العراق بيْن الساسة الامريكيين مستمر، وسيظل هؤلاء يتقاذفون مسؤولية الفشل في العراق ككرة لهب استعداداً للاستحقاقات الانتخابية المقبلة. ويعتقد روسلين ان "العراق تحول إلى مقبرة، يسعى كل طرف الى دفن خصمه فيها، ففي حين يعتبر أوباما الذي انتُخب على خلفية معارضته النادرة لتلك "الحرب الحمقاء" كما يصفها، ان حرب العراق كلفت الكثير من الاموال والارواح من دون فائدة، يبدو هو أيضاً محاصر بتهم انسحابه الاستراتيجي المبكر من العراق".(5)

فالمتابع لتصريحات معظم السياسيين العرب والغربيين بمن فيهم الأمريكان، يراها منسجمة ومتناغمة تماماً مع ما ينشر في الإعلام العربي والغربي المعادي لدمقرطة العراق. إذ يعتقد كثيرون أن استجابة أوباما لمطالب الكرد والعرب السنة وتغاضيه عن جرائم داعش، هو نتيجة ضغوط اللوبيات وشركات العلاقات العامة (PR)، التي استأجرتها الجهات المعادية للديمقراطية في العراق. وعلى وجاهة هذه الفرضية، إلا إني أعتقد أن العكس هو الصحيح، أي أن ما يجري في العراق هو بتخطيط من إدارة الرئيس أوباما، وبتأثير اللوبي الإسرائيلي ولوبي السلاح ولوبي السعودي الخليجي التركي، لتشكيل حكومة في العراق على الضد من نتائج الانتخابات، ومعادية لإيران، وإفشال المشروع الديمقراطي الذي أكد عليه الرئيس بوش. ومع ذلك فإني أدعو الحكومة العراقية إلى أن لا تهمل جانب الدعاية وشركات العلاقات العامة واللوبيات لشرح الحقيقة للشعب الأمريكي والعالم، وعدم فسح المجال للإعلام المضاد.
كما وهناك حرب نفسية يشنها الإعلام الغربي ضد القوات العراقية لصالح داعش، وعلى سبيل المثال: نشرت صحيفة (واشنطن تايمز) تقريراً يوم 10 تموز/ يوليو 2014 بعنوان: (داعش تهدف للإستيلاء على مطار بغداد)، جاء فيه "أن قوات الأمن العراقية ليست بالكفاءة الكافية التي تمكنها من الدفاع عن المطار بنفسها." (كذا)
وفي الأيام الأولى من سقوط الموصل بيد داعش نتيجة مخطط خبيث، راح الإعلام الغربي ينشر أن زحف داعش نحو بغداد غير قابل للتوقف!! وكرروا تعبير (انهيار الجيش العراقي) في حربهم النفسية، بينما الواقع يؤكد خلاف ذلك، إذ حققت القوات العراقية انتصارات ميدانية كاسحة على داعش.

كذلك ما تقوم به قوات البيشمركة من استغلال الوضع، فالمفترض أن إقليم كردستان جزء من العراق، وهم شركاء حقيقيون في السلطة، وأن تكون قوات البيشمركة سنداً للقوات العراقية في محاربة الإرهاب، إلا إن رئاسة الإقليم استغلت هجمة داعش لتستولي على كركوك، والمناطق المتنازع عليها، وإلغاء المادة 140 من الدستور، إضافة إلى ما قامت به حكومة الإقليم من السطو على حقول النفط في كركوك قبل يومين. وهذا لم يحصل ما لم يكن هناك ضوء أخضر من أمريكا كجزء من الحملة ضد المالكي ومطالبته بالتنحي.
وبناءً على كل ما تقدم، نعتقد أن لإدارة أوباما دور رئيسي فيما يجري في العراق من إرهاب وصراعات بين الكتل السياسية، بعضها متعاطفة علنا مع داعش، وتدافع عنها وتسميها بـ"الربيع السني" و"ثورة السنة ضد التهميش). وما لهذه الأزمة أن تتصاعد لولا مباركة أومابا لها.
والسؤال الآخر هو كيف اجتمعت كل هذه الأطراف المتناقضة في الأهداف مثل داعش الوهابية التكفيرية، والمنظمات البعثية التي تعمل تحت أسماء إسلامية، وقادة العرب السنة، والسعودية وقطر وتركيا وأمريكا، ورئيس إقليم كردستان، وتتلقى كل هذا الدعم الإعلامي حتى من بي بي سي الحريصة على مصداقيتها، للتآمر على العراق؟
الجواب هو أن ما يحصل من تآمر على العراق الآن حصل من قبل على ثورة 14 تموز حيث تآمرت ذات الأطراف و دبرت انقلاب 8 شباط 1963 الدموي وما تلاه من كوارث. فقواعد داعش مهووسيين بالجنس والجنة وحور العين، وتأسيس دولة الخلافة الإسلامية، ولكن القيادة العسكرية لهذه المنظمة الإرهابية بيد ضباط الجيش السابق من البعثيين، وهدف القادة السياسيين للعرب السنة هو تغيير العملية السياسية بإلغاء الديمقراطية عملياً والتمسك بها بالاسم فقط، ومشكلتهم أنهم لا يطيقون رئيس وزراء شيعي منذ العهد الملكي وإلى الآن. أما الكرد فيريدون دولة مستقلة لهم مع إبقاء حصتهم في حكم العراق وثرواته، وكغطاء لهم لحمايتهم من غضبة إيران وتركيا، وأن تكون الحكومة المركزية ضعيفة لا حول لها ولا قوة، أما الدول الإقليمية فغرضها عراق ضعيف وممزق.
ولتحقيق هذه الأغراض، فالمستهدف المؤقت والمعلن عنه من كل هذا التحالف والتآمر هو نوري المالكي، وإسقاط حكومته، ولكن هناك ما هو أبعد من المالكي، وهو تحقيق الأهداف المشتركة وعلى رأسها الأهداف الأمريكية التي أشرنا إليها في مقال سابق وهي:
1- التخلص من المالكي، (كهدف مرحلي)،
2- وتشكيل حكومة معادية لإيران، وقريبة من السعودية وحليفاتها في المنطقة،
3- إعادة كتابة الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا تسمح لوجود قواعد عسكرية أمريكية في العراق،
4- تقسيم العراق إلى دويلات متصارعة إرضاءً لإسرائيل.

ولتحقيق هذه الأغراض، فلا ضير من العودة إلى حزب البعث المجرب بشراسته لمثل هذه المناسبات، والذي تم بواسطته إسقاط حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم من قبل. فلو كان المالكي سيئاً إلى هذا الحد، وهو سبب كل هذه المشاكل كما تردد وسائل الإعلام والسياسيون المعارضون له ليل نهار، فلماذا فاز بأعلى نسبة من أصوات الناخبين، وفازت كتلته بأكبر عدد من النواب؟ أليس المطلوب من الديمقراطيين احترام نتائج الانتخابات وترك مصير المالكي للبرلمان ليقرر بدلاً من فرض التنحي عليه؟ وإذا ما اعترضوا بأن الانتخابات ليست كل شيء في الديمقراطية، فهل هناك ديمقراطية بدون انتخابات؟ وإذا قالوا أن هتلر جاء عن طريق الانتخابات فهذا يعني أن العالم يجب أن يتخلي عن الديمقراطية بالكامل لكي لا تتكرر كارثة هتلر، والقبول بحكم الأقلية التي جلبت لنا صدام حسين. فهل هذا هو الحل المطلوب الذي يسعى له خصوم المالكي من أنصار داعش في السر والعلن؟
لقد استقى الأستاذ تركي الحمد عنوان مقاله (ليس حبا في معاوية، ولكن كرها في علي) من التاريخ، وهو على حق، لأن الحاضر هو امتداد للماضي، والتاريخ يعيد نفسه الآن في المنطقة على شكل ملهاة ومأساة. فها هي لعبة عمر بن العاص تتكرر بنسخة جديدة تناسب القرن الحادي والعشرين، بشخص جون كيري، وأسامة النجيفي وأياد علاوي وعشرات غيرهم. كذالك دور أبو موسى الأشعري أنيط بمقتدى الصدر، وعمار الحكيم، وأحمد الجلبي، وعادل عبدالمهدي، وباقر صولاغ، وعشرات غيرهم.  فهل يُخدع الشعب العراقي بهذه اللعبة التاريخية ويلدغ من نفس الجحر عشرات المرات؟
الحقيقة بإختصار شديد، أن المستهدف المعلن عنه الآن هو المالكي، ولكن المستهدف الحقيقي ما بعد المالكي هو العراق والديمقراطية الوليدة لإعادة العراق إلى ما قبل 2003. وعندئذ، وكما يقول المثل العراقي: "تي تي مثل ما رحتي أجيتي".
 ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- تركي الحمد، ليس حبا في معاوية، ولكن كرها في علي: ما هو أبعد من داعش
http://www.alarab.co.uk/?id=25904

2- Ali Khedery:  Why we stuck with Maliki- and lost Iraq
http://www.washingtonpost.com/opinions/why-we-stuck-with-maliki--and-lost-iraq/2014/07/03/0dd6a8a4-f7ec-11e3-a606-946fd632f9f1_story.html?wpisrc=nl_popns

3- The Committee for a Secular Iraq: An Open Letter to the People of the United States
http://www.committeeforaseculariraq.com/2014/07/10/an-open-letter-to-the-people-of-the-united-states/?utm_source=Sailthru&utm_medium=email&utm_term=*Situation Report&utm_campaign=JULY 11 2014 SITREP

4- عبدالخالق حسين: أوباما ينتقم من بوش بترك العراق للإرهابيين
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=660

5- مساعدو بوش: أوباما يتحمّل مسؤولية عودة الارهاب الى العراق
http://alakhbaar.org/home/2014/7/172380.html

6- عبدالخالق حسين: العلاقات العراقية-الأمريكية.. إلى أين؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=664

مقال جدير بالقراءة
PATRICK COCKBURN: Iraq crisis: How Saudi Arabia helped Isis take over the north of the country
http://www.independent.co.uk/voices/comment/iraq-crisis-how-saudi-arabia-helped-isis-take-over-the-north-of-the-country-9602312.html

296
بارزاني على منزلق خطير
د.عبدالخالق حسين

من المؤسف أن نرى السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، يقف اليوم مع أشد عتاة الرجعية والفاشية في العالم، وعداءً للعراق مثل السعودية وقطر وتركية أردوغان، وأخيراً داعش (لقيطة البعث والقاعدة)، في محاولة يائسة من هؤلاء جميعاً لتدمير العراق الديمقراطي. كان المفروض بالسيد بارزاني، وهر يقود حركة قومية، وصاحب قضية عادلة في مقارعة الظلم، وتحقيق طموحات شعبه المشروعة، أن يكون من أحرص الناس على مستقبل العراق، لأن مستقبل شعبه، كردستان، مرتبط بمستقبل العراق، وأي دمار للعراق لا بد وأن يشمل كردستان.
فمنذ الستينات من القرن الماضي والقوى الوطنية رافعة لشعار(الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان). وبعد إسقاط حكم الفاشية البعثية، تحققت الديمقراطية لكل العراق، وتحقق لكردستان أكثر من الحكم الذاتي، أي الفيدرالية الأقرب إلى الدولة المستقلة. فبدلاُ من حماية هذه المكتسبات العظيمة، راح بارزاني يغامر ويقامر بها، ويعمل مع أعداء الديمقراطية على تدمير العراق من أجل مكاسب خادعة ومؤقتة، وبذلك سيعرض ما تحقق للشعب العراقي عموماً، والشعب الكردي خصوصاً إلى الخطر.
وفي هذا الخصوص سمعتُ السفير الأمريكي السابق في بغداد، رايان كروكر يقول لـ (BBC Radio4) مساء 3/7/2014 ما معناه: أنه في جميع لقاءاته مع القيادات الكردية، كان ينصحهم بأن لا يفرطوا بما تحقق لهم من مكاسب لم يعرفوها طوال تاريخهم الحافل بالمظالم والتهميش. والآن هم لاعبون رئيسيون في العراق الجديد، وهو إذ يتفهم طموحاتهم في تأسيس دولتهم القومية، ولكن عليهم أن يتصرفوا بحكمة ولا يستعجلوا في إعلان دولتهم في هذه الظروف، لأنهم قد يواجهون هجوماً من إيران، أو تركيا، أو العرب، أو من كل هذه الأطراف مجتمعة، وبذلك سيعودون إلى الجبال كما كانوا في الماضي.
يقول مؤسس علم السياسة ماكيافيلي: "لا يمكن للإنسان أن يستفيد من النصيحة الحكيمة ما لم يكن المتلقي نفسه حكيماً". لقد رفض بارزاني أية نصيحة قُدمت له، وحتى من قياديين أكراد. وعلى سبيل المثال حذر النائب الكردي الدكتور محمود عثمان، بارزاني من مغبة الوقوع في الفخ التركي فقال: "إن المرونة التي ابداها رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان ستتلاشي بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية... وأن هذه المرونة تأتي لحاجة اردوغان الى الصوت الكردي للفوز بمنصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات التي ستجرى في آب المقبل، بعد أن أعلن رسميا عن ترشحه للمنصب". ولفت عثمان إلى ان "تركيا تسعى لان يتحول اقليم كردستان الى دويلة وليست دولة مستقلة، كي يستفاد من نفطها وستستغل ثرواتها".(1)

ولكن بارزاني مصر على موقفه التدميري، إذ أفادت الأنباء أنه [أكد اليوم الاحد (29/6/2014)، في لقائه مع ميلادينوف- ممثل الأمم المتحدة في العراق- أن المادة 140 انتهت وقوات البيشمركة ستبقى في كركوك والمناطق الكردية الأخرى الواقعة على خط المواجهة، فيما أكد ميلادينوف على ضرورة أن يكون الحل السياسي هو الخيار الأول وجعل الدستور العراقي أساسا لمعالجة المشاكل].(2)
 وهذا يعني أن السيد بارزاني هو الذي يرفض العمل بالدستور، في الوقت الذي يتهم فيه رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي بخروجه على الدستور.

والجدير بالذكر أن احتلال البيشمركة لكركوك تزامن مع هجمة داعش على الموصل وبتنسيق معها إذ كشفت ((صحيفة “أوزغور غونديم” الكردية، التابعة لـ”حزب العمال الكردستاني PKK” والصادرة باللغة التركية، عما وصفته بالخطة الكاملة التي هيأت لاحتلال الموصل وباقي المناطق العراقية من قبل تنظيم (داعش)، وذكرت الصحيفة إن الاجتماع هذا تم في العاصمة الأردنية عمّان في الأول من حزيران الماضي، وهو اليوم الذي بدأت فيه “غزوة داعش” للعراق، وبرعاية من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والأردن وتركيا. و أنه تم الإعداد للاجتماع من قبل رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني نفسه بوصوله إلى عمان قبل أربعة أيام من الاجتماع))(3)

كما وهناك كتاب مقربين من بارزاني، يدفعونه إلى المستنقع الطائفي، إن لم يكن هو نفسه مدفوعاً لأغراض سياسية وبتحريض من السعودية وقطر وأردوغان، فعلى سبيل المثال، مقال للسيد عبد الغني علي يحيى في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، بعنوان: (لماذا تحول الكرد إلى الخندق السني المذهبي؟) مليء بالتحريض الطائفي لينتهي بدعوته للكرد:" وفي أجواء الصراع الطائفي الحاد في معظم البلدان الإسلامية التي تضم أنصار المذهبين السني والشيعي، فلا مناص للكرد إلا التخندق في الخندق السني، ولولا السياسة الشوفينية التركية إزاء الكرد في تركيا، لكان إقبال الكرد على هذا الخندق أوسع."(4).
كذلك لاحظنا تصاعد أصوات نشاز من عدد من النواب الكرد في الدورة البرلمانية السابقة هجوماً طائفياً على قياديين كرد شيعة، ومن هذه الأصوات: الاتروشي وطه شوان، ومؤيد الطيب، ممثل الكتلة الكردستانية النيابية في البرلمان المركزي سابقاً، وأربعة غيرهم لم ينتخبهم احد في الانتخابات الأخيرة. وهذا يعكس موقف الشعب الكردي النبيل الرافض للطائفية ودعاتها. 
كما و نذكر القراء الكرام بمحاولات بارزاني توجيه دعوة شخصية إلى مفتي الإرهاب وراعي الطائفية، الشيخ يوسف القرضاوي لزيارة كردستان العراق أيام الاعتصامات، لتأجيج الفتنة الطائفية. وقد وجه الدعوة من خلال مستشاره الصحفي، ولما استنكر الشارع الكردي هذه الدعوة الطائفية، قام بارزاني بإلغائها ونفى أنها صدرت منه، وادعى أن مستشاره تصرف من تلقاء نفسه وليس بتكليف منه. ولكننا نعرف أنه لا يمكن لهذا الصحفي أن يتصرف من تلقاء نفسه وإلا فمصيره الموت. والجدير بالذكر أن هذا الصحفي المقرب من بارزاني كتب مقالا بعنوان: (ارحل يا رجل واستر على ما تبقى؟)، طبعاً بأوامر من سيده، يدعو فيها المالكي إلى الاستقالة، ويشبهه بصدام حسين الذي نصحه رؤساء العالم بالرحيل لينقذ العراق من حرب ماحقة. في الحقيقة ليس هناك أي منطق في هذا التشبيه، فصدام اغتصب السلطة بانقلاب عسكري، بينما المالكي تم انتخابه من قبل الشعب ونوابه. وصدام احتل دولة ذات سيادة (الكويت)، بينما المالكي لم يحتل أي بلد، وإنما العكس هو الصحيح، إذ تآمرت عليه حكومات ومنظمات إرهابية، فأحتلت أجزاءً من بلاده وبمشاركة من أطراف مشاركة في العملية السياسية مثل السيد بارزاني وكتلة متحدون، وكتلة الوطنية، وبمباركة من أمريكا وحليفاتها في المنطقة. وهذه المؤامرة انكشفت خيوطها للعيان، وفضحتها جهات غربية معروفة. فهذا التشبيه دليل الخبث واللؤم، وهو على غرار (رمتني بدائها وانسلت).
فالظروف الراهنة تفرض على المالكي أخلاقياً، أن لا يخذل ملايين الناخبين الذين انتخبوه، وكتلته التي هي الكتلة البرلمانية الأكبر. وإذا كنتم حقاُ تؤمنون بالديمقراطية والدستور، فلماذا ترفضون نتائج الانتخابات؟ ولماذا لا تتركون مصير المالكي ليقرره البرلمان؟ ولماذا تعرقل الكتل النيابية المناصرة لداعش عقد اجتماع البرلمان الجديد؟ أليس هذا دليل على أنكم أنتم تعملون على إلغاء الديمقراطية وأنتم الأقرب شبهاً بصدام؟
فلو أردنا مقارنة منصفة لا بد وأن نتوصل إلى أن السيد مسعود بارزاني هو الأقرب شبهاً بصدام، (بل هو صدام مارك2)، فحتى في عهد المعارضة استنجد بارزاني بصديقه صدام لـ"تحرير" أربيل من أتباع غريمه طالباني، وما حصل من اقتتال بين الحزبين عام 1996. والأن، بارزاني وليس المالكي، الذي يقف إلى جانب نفس الأطراف الذين تآمروا على عراق 14 تموز، نفس قوى البغي والضلالة التي احتشدت على حكومة الزعيم الشهيد  عبد الكريم قاسم، وهي نفسها تحتشد اليوم على حكومة السيد المالكي، بعد أن استبدلوا بدلات الرفاق الزيتونية بدشاديش قصيرة ولحى نتنة.(5)

لقد وقفتم بإرادتكم الحرة إلى جانب أسوأ منظمة إرهابية في التاريخ، وهي داعش. فقد كشف “إدوارد سنودن”، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية أن الأخيرة، وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية MI6، ومعهد الاستخبارات والمهمات الخاصة الموساد، مهدت لظهور تنظيم دولة العراق والشام "داعش" " لخلق تنظيم ارهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع انحاء العالم  في مكان واحد في عملية يرمز لها ب"عش الدابير". أما زعيم المنظمة، أبوبكر البغدادي، فقد كشفت تسريبات  "ذي إنترسيبت  The Intercept"، أنه تم رفده عندما كان معتقلاً في السجن الأمريكي (بوكا) في جنوب العراق، وخضع لدورة مكثفة استمرت عاماً كاملاً خضع فيها لتدريب عسكري على ايدي عناصر في الموساد الاسرائيلي بالإضافة لتلقيه دورات في فن الخطابة ودروس في علم اللاهوت.(6)

لقد نجحت القيادة الكردستانية، وبنضال الشعب الكردستاني، وبدعم دولي في تحقيق مكتسبات لم يعرفها من قبل، بما فيها تهيئة البنى التحتية للدولة الكردستانية المستقلة إذا شاء. وبإمكان الشعب الكردستاني أن يعيش ضمن الدولة العراقية الفيدرالية الديمقراطية وفق الدستور الذي صوت عليه الكرد إلى جانب بقية مكونات الشعب العراقي. وإذا أرادت القيادة الكردية الاستقلال بدولة قومية فهناك وسائل حضارية مشروعة يمكن اتباعها بدلاً من التآمر مع أسوأ الأطراف الرجعية في العالم مثل السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل وإستخدام داعش داعش وفلول البعث الفاشي لتحقيق أغراضهم.
فمن حق الشعب الكردي أن ينعم بدولته القومية إذا أراد، ولكن ما يؤاخذ على بارزاني هو اعتقاده الخاطئ أنه لا يمكن تأسيس الدولة الكردية إلا بتدمير الدولة العراقية. وأي عراق يريد تدميره؟ ليس عراق صدام بالطبع، بل العراق الديمقراطي الذي يلعب فيه الشعب الكردستاني دوراً رئيسياً. ومن هنا يضع بارزاني نفسه ومشروعه وقضية الشعب الكردي على منزلق خطير نحو هاوية سحيقة كما انزلق صدام حسين وعرض الشعب العراقي إلى هذه الكوارث. فهو يعارض كل ما في صالح العراق. وعلى سبيل المثال، ما أن يحاول المالكي شراء أسلحة للجيش العراقي حتى وبدأت وسائله الإعلامية ولوبياته ومرتزقته من أصحاب الأقلام المأجورة، بالنقر على طبول الفساد وتلفيق الاتهامات، علماً بأن شراء الأسلحة من الروس والجيك كان من خلال حكومات وليس من خلال شركات خاصة، فالغرض من تلك الحملة التضليلية هو حرمان الجيش العراقي من التسليح لمواجهة الإرهاب، وتبين فيما بعد أن كل ذلك كان تمهيداً للهجمة الداعشية، في الوقت الذي يسعى بارزاني جاهداً لتسليح جيشه (بيشمركة) بالأسلحة الثقيلة ومطالبة الحكومة المركزية بدفع تكاليفها.

لقد جعل بارزاني كردستان ملاذاً آمناً للإرهابيين البعثيين والداعشيين الوهابيين، وكل من يتآمر على العراق، و وفر لهم "غرفة عمليات داعش والقاعدة والبعثيين" في أربيل وبحماية حكومة الإقليم. وهناك معلومات مؤكدة تفيد أن الطوابق العليا من عدد من مستشفيات أربيل مخصصة لجرحى داعش. وكذلك إيوائه لقياديهم وعوائلهم، والسماح لهم بإطلاق تصريحات تحريضية لإشعال الفتنة الطائفية، من أمثال حاتم علي السليمان، ورافع الرفاعي وأثيل النجيفي وغيرهم.
وفي حوار نشرته صحيفة “فيلد آم زونتاغ” الألمانية، قال بارزاني: "أن العراق سيتفكك لا محالة..." ولم يخفي شعوره المعادي للعراق إذ قال: “لدينا هنا هوية كردية وأخرى سنية وثالثة شيعية ورابعة مسيحية، لكن ليس لدينا هوية عراقية”.(7)

فهل حقاً هذا هو موقف الشعب الكردي؟ كلا وألف كلا. إذ أستلم تعليقات من قراء كرد في كردستان يعربون فيها عن تذمر الشارع الكردستاني من سياسات بارزاني، وعلى سبيل المثال، رسالة جاء فيها: 
((بارزاني مندفع جدا وهذا بشهادة ناس مقربين له وعندما يأخذ قراره لا يفكر بالغير. اليوم وأنا في سيارة تكسي تحدثت مع السائق وهو رجل بسيط قلت له ما رأيك بما تفعله الحكومة بالمطالبة بالاستقلال؟ هل تعرف ماذا كان رده؟ والله لخص في رده كل القصة وبكل بساطة وبدون اي رتوش، قال: اخي ذولة الحكومة اللي عدنه، ويقصد بهم مسعود وجماعته، هم مجرد رجال اعمال ويقفون مع مصالحهم فقط، وكل همهم هي جني الاموال، متناسين الشعب تماماً، فهم لا يعرفون معنى التعب للحصول على لقمة العيش، ولا يعرفون سوى الركض وراء مصالحهم. و قال: اي استقلال يريده مسعود وهو لم يصمد يومين في وجه حكومة بغداد عندما قطعت عنه الميزانية، وبدوره هو اوقف الرواتب؟ وأي استقلال وهو لا يستطيع ان يواجه مشكلة واحدة تواجه البلد وهو شحة البنزين؟
لقد اخذ كركوك ونحن نعاني شحة البنزين، أخذ كركوك ليحصل على مصادر اكثر، وأما الشعب فليذهب الى الجحيم))
ويضيف صاحب الرسالة:((ما يؤلمني الآن هو أن الناس في باقي العراق والإعلام ينظر الى الاكراد وحكومتهم ككيان واحد ولا يفكرون في ان يفصل بين الحكومة والشعب، وانت اعلم يا دكتور بهذا الشيء، مثل ما حصل مع العراق وصدام، فعندما ارتكب صدام الجرائم لم يكن الشعب له علاقة بالموضوع، ولكن كان هناك شلة من المستفيدين يصفقون له ويسوقون له، ونفس الشيء يحصل هنا في كردستان، فمسعود يصرح ويتكلم باسم الشعب وهناك المستفيدين الذين يصفقون له ولكن هناك ايضا اناس كثيرين ليسوا معه ولا يوافقونه على قراراته ابدا.ً هذا الشيء مؤلم لي جدا جدا))
ورسالة أخرى من أربيل قال مرسلها أن خرجت مظاهرة ضد الفساد والبطالة ولكن لم يشر الإعلام لها لأنهم يخافون نشر هذه الاحتجاجات ضد الحكومة.

الخلاصة، أن وقوف بارزاني إلى جانب قوى الشر ضد العراق، وضع نفسه والشعب على منزلق خطير، إلى حد أن يعتقد البعض أن هناك قوى دفعته لاحتلال كركوك من أجل الإطاحة به كما دفعت صدام حسين لاحتلال الكويت. فكركوك الغنية بالنفط هي كويت مسعود بارزاني. (راجع مقال د.علي ثويني: كركوك الإنكليزيه ولورنس العربي وبرزاني الكردي)(8) 
نعم، بارزاني يغامر الآن بالقضية الكردية عندما وضع كل بيوضه في سلة المحور السعودي- القطري التركي- الداعشي، مثلما غامر والده ملا مصطفى بوضع كل بيوضه في سلة الشاه في السبعينات، وكانت النتيجة أن خسر قضيته عندما نجح صدام في توقيع اتفاقية الجزائر مع الشاه عام 1975، وهذا غير مستبعد أن يحصل لمسعود الآن. فهو على منزلق خطير يؤدي يه إلى الهاوية. 
لذلك ننصح السيد بارزاني أن يفكر ثانية وأن لا يصغي إلى أصحاب الأقلام المأجورة الذين يدفع لهم بسخاء، فيجملون له أخطاءه، وبكتبون ما يسعده، فهؤلاء ليسوا أصحاب مبادئ وأخلاق ولا طلاب حق، بل هم عبيد الدنيا ودينهم دينارهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- محمود عثمان: مرونة اردوغان تجاه اقليم كردستان مؤقته
http://alakhbaar.org/home/2014/7/172011.html

2- بارزاني لـ ميلادينوف المادة 140 انتهت وقوات البيشمركة ستبقى في كركوك
http://alakhbaar.org/home/2014/6/171456.html

3- صحيفة كردية تتهم بارزاني بالتعاون مع داعش لاحتلال الموصل والتقدم نحو بغداد
http://www.qanon302.net/news/2014/07/08/24776

4- عبد الغني علي يحيى: لماذا تحول الكرد إلى الخندق السني المذهبي؟ (صحيفة الشرق الأوسط)
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=695693&issueno=12347#.U0egwFVdWrg

5- رابط (فيديو) خبر اذيع من تلفزيون العراق بشأن تقديم مساعدة من صدام الى مسعود لضرب طالباني:
https://www.facebook.com/photo.php?v=625846990856064&set=vb.100002923074682&type=2&theater
6- سنودن: ابو بكر البغدادي نتيجة تعاون مخابرات ثلاث دول
http://www.aliraqnow.com/ar/news/17565/%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%AF%D9%86-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%A8%D9%83%D8%B1-
7- البارازاني : ليس لدينا هوية عراقية و العراق سيتفكك لا محالة
http://www.mepanorama.net/457566/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%B2%D8%A7%D9%86%D9%8A-

8- د.علي ثويني: كركوك الإنكليزيه ولورنس العربي وبرزاني الكردي
 http://www.newsaliraq.com/inews.php?NewsID=153247
 
روابط فيديو ذات صلة
ISIS Terrorists Have U.S. Passports
https://www.youtube.com/watch?v=weThYAVqvcw&feature=youtu.be

هيلاري كلينتون تعترف أنهم من أنشأ تنظيم القاعدة
https://www.youtube.com/watch?v=9_2B0S7tj9E



297
العلاقات العراقية-الأمريكية.. إلى أين؟
د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الأخير الموسوم: (تقسيم العراق لصالح إسرائيل)(1)، علق عدد من القراء الأفاضل أني غيرت موقفي من أمريكا، من مؤيد إلى معارض لها. كما وأعتقد آخرون أني في هذا المقال تراجعت عن دعوتي إلى استفتاء شعبي حول الوحدة الوطنية أو الانفصال، في مقال قبله بعنوان (لا للوحدة القسرية)(2). أعتقد أن هاتين المسألتين مهمتان جداً، لذلك رأيت من المفيد العودة إليهما لتسليط المزيد من الضوء عليهما تلافياً للالتباس وسوء الفهم.

العلاقة مع أمريكا
لا شك أني كنت وما زلتُ، أدعو إلى علاقة إستراتيجية متكافئة بين العراق والدولة العظمى(الولايات المتحدة الأمريكية). وكتبت مقالاً بهذا الخصوص قبل عام بعنوان: (نحو علاقة عراقية- أمريكية متكافئة)(3)
فهناك انقسام في الرأي العام العراقي والعربي بشأن هذه العلاقة، وهو من تركة فترة الحرب الباردة، عندما كان المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي، نصيراً للحركات الوطنية التحررية، بينما كان المعسكر الرأسمالي الديمقراطي الغربي بقيادة أمريكا ضد هذه الحركات. ونتيجة لهذه الصراعات خسرنا في العراق حكومة ثورة 14 تموز الوطنية المجيدة. ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار المعسكر الشرقي لصالح الغربي، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تغيرت سياسة أمريكا لصالح نضال الشعوب في سبيل الديمقراطية والتقدم. لذلك رأينا في أمريكا والدول الغربية أملاً ونصيراً لدعم شعبنا للتخلص من أبشع نظام دكتاتوري همجي عرفه التاريخ. وفعلاً ساعدت أمريكا شعبنا فأسقطت النظام الجائر وأقامت مكانه النظام الديمقراطي البديل، بغض النظر عن التداعيات التي رافقت هذه العملية من إرهاب. و لْكي لا نكون من ناكري الجميل الأمريكي، دعونا إلى علاقة حميمة مع الدولة العظمى، خاصة وأن هناك دول ساعدتها أمريكا في تحررها من النازية والفاشية والعسكرتارية وغيرها، بقيت على علاقات إستراتيجية بعيدة المدى معها، مثل الدول الأوربية واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك كوريا الجنوبية، هذه الدول حققت نتائج إيجابية رائعة لصالح شعوبها. لذلك طالبنا وما زلنا نطالب بهذه العلاقة المتكافئة بين العراق وأمريكا، مبنية على احترام سيادة الدولة العراقية وحق الشعب العراقي في خياره الديمقراطي، واختيار حكامه عبر انتخابات حرة ونزيهة وبدون أي تدخل خارجي سواء من أمريكا أو غيرها في تقرير من يحكم العراق.

والمعروف أن (في السياسة لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة)، لذلك وبعد الأحداث الأخيرة في بلادنا العزيزة (الهجمة البربرية الشرسة من قبل منظمة داعش الإرهابية وحليفاتها من فلول البعث وغيرها من تنظيمات تحت أسماء إسلامية، والمدعومة من قبل دول محور الشر: السعودية وقطر وتركيا)، وتلكؤ أمريكا في تقديم الدعم لجيشنا الباسل في مقارعة الإرهاب ضمن إطار الاتفاقية الأمنية الإستراتيجية بين البلدين، وتحت مختلف الأعذار الواهية، قمنا بانتقاد أمريكا لوقوعها تحت تأثير الدعايات المضللة التي تشنها بعض القوى الداخلية والخارجية المشار إليها أعلاه.
لذا، فعندما تبنت أمريكا موقفاً جديداً من العراق، فمن الطبيعي أن نمارس حقنا في أخذ موقف جديد منها. إذ نعتقد أن إدارة أوباما قد وقعت تحت تأثير اللوبيات في واشنطن والتي هي نتاج جهود شركات العلاقات العامة (PR)، التي يُدفع لها بسخاء من قبل أعداء الديمقراطية العراقية الوليدة في الداخل والخارج.
فما تعرض له العراق يوم 10/6/2014، من احتلال الموصل من قبل داعش، وكركوك من قبل البيشمركة الكردستانية، كان نتيجة مخطط واسع ومحكم، شاركت في وضعه أطراف داخلية ودولية عديدة من فلول البعث، ومنظمات إرهابية، وشركاء في العملية السياسية، إضافة إلى حكومات خارجية،(4)، الهدف منها إلغاء الديمقراطية الحقيقية، وفرض حكومة هزيلة على الضد من إرادة الشعب، ولتزج بالعراق في علاقة معادية لإيران إنسجاماً مع سياسات السعودية وغيرها من الدول الخليجية، وحتى احتمال شن حرب عدوانية جديدة على إيران لا تبقي ولا تذر كتلك التي شنها صدام حسين، و التي دامت ثمان سنوات أهلكت الحرث والنسل.
والجدير بالذكر، أني قرأت في أحد كتب الرئيس الأمريكي أوباما نقداً شديداً لسياسة أمريكا في الخمسينات، وبالأخص نحو حكومة الزعيم الوطني الإيراني الدكتور محمد مصدق، الحكومة العلمانية التي تم انتخابها ديمقراطياً في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، فتآمرت عليه أمريكا وأسقطته بإنقلاب عسكري دموي. ولولا تلك السياسة الأمريكية المعادية لإرادة الشعوب لكان وضع إيران على غير ما هو عليه الآن، وعلى الأغلب نحو الأفضل. ولكن المفارقة أن أوباما الذي ينتقد تلك السياسة الرعناء، راح هو نفسه يمارسها في العراق اليوم وبطرق جديدة تناسب المرحلة باستخدام قوى إرهابية مثل داعش وفلول البعث لتحقيق غاياته في إلغاء الديمقراطية أو تقزيمها وبوسائل لا أخلاقية (أي الماكيافيلية: الغاية تبرر الوسيلة).

 فحسب ما نشرته صحيفة (الحياة) السعودية اللندنية من (محضر لقاء بين كيري والمالكي مسرب الى صحيفة أمريكية)، تصرف السيد جون كيري بأسلوب فض يتعارض مع أبسط الكياسة الدبلوماسية، حيث رفض تقديم المساعدة لضرب داعش، بل راح يتصرف وكأنه وزير خارجية السعودية وليس وزير خارجية دولة عظمى ساعدت العراق على إسقاط الدكتاتورية وإقامة الديمقراطية فيه. إذ راح كيري يكرر ما اقترحه السعوديون أن الحل ليس عسكرياً وأنه ليس تنظيم داعش وحده الذي يحارب الحكومة، بل هناك مسلحون سنة، ثاروا على الظلم والتهميش والإقصاء، لذلك فالحل هو سياسي، والعراق بحاجة إلى قيادة جديدة تشمل كل الشركاء وبدون عزل أو إقصاء!!(كذا)
والجدير بالذكر أن السيد علي الموسوي، المستشار الصحفي لرئيس الوزراء نفى هذا الخبر نفياً قاطعاً عن تسرب المحضر المزعوم (5). ولكن مع ذلك، فما يجري على أرض الواقع يعكس السياسة الأمريكية في تقاعسها لدعم العراق في حربه ضد الإرهاب البعثي الداعشي، مما يجعلنا أن نصدق أن لأمريكا دور فيما يجري في العراق من "الفوضى الخلاقة!".

فهل حقاً الإدارة الأمريكية، وبإمكانياتها الاستخباراتية الأخطبوطية العملاقة التي مدت أقدامها إلى جميع مفاصل الحياة في العالم، هل حقاً مقتنعة بأن المالكي مارس الدكتاتورية وعزل السنة والكرد في الحكومة؟ في الحقيقة والواقع إن هذه الحجة هي مجرد تلفيق وفذلكة، القصد منها انتقام أوباما من بوش بترك العراق فريسة للإرهاب من أجل ابتزاز المالكي وإلغاء الديمقراطية(6)، وتعيين رئيس (طرطور) على حد تعبير الكاتب السيد رفعت الكناني في مقاله القيم الموسوم (نريد رئيس وزراء عراقي طرطور!!)(7) والذي نقل لنا مشكوراً ما سمعه وشاهده "من على قناة الحرة عراق من خلال لقاء اجرته مع النائبة ميسون الدملوجي، الناطق باسم القائمة الوطنية (قائمة أياد علاوي)، والتي حددت وأكدت ما تريده جحافل قوات الدواعش بكل اصنافها ومسمياتها سواء الصريحة او الحركية، والتي اوجزتها بعدد من المطالب وعلى رأسها،، الغاء نتائج الانتخابات، وعدم تولي السيد المالكي رئاسة الوزراء مهما كانت اصواته ومقاعده، وإلغاء قانون اجتثاث البعث، والغاء قانون 4 إرهاب، والغاء قانون المخبر السري، وو.. الخ، وهي في مصايف لبنان والوطن تهدده الذئاب. من يكون رئيس وزراء طرطور ليفاوض الناطقة بأسم...!!!!    ". انتهى
هذا بالضبط ما ينوون تحقيقه في العراق، وهذا بالضبط أيضاً ما يطالب به أدعياء التقدمية والوطنية الذين باعوا ضمائرهم وأقلامهم لتحقيق المطالب السعودية وحليفاتها في نداءاتهم ومقالاتهم المشبوهة، وإذا بهم يرون أنفسهم في أحضان أخس رجعية في التاريخ. فهل نهنئهم أم نعزيهم على هذا المصير الكارثي الذي أوقعوا أنفسهم فيه؟   

ولكن ليفهم الرئيس أوباما، و وزير خارجيته جون كيري، أن الشعب العراقي قد تجاوز مرحلة الاستغباء والإستحمار، والضحك على الذقون، فقد أرادوا تحطيم معنويات جيشه وقواته الأمنية بالمؤامرة الحقيرة القذرة التي تم تنفيذها في الموصل وكركوك، وهاهي القوات العراقية ذاتها تطارد جرذان داعش في كل مكان، وها هي المرجعية الدينية أصدرت فتوى تحض الشعب العراقي بكل مكوناته إلى الوحدة لمواجهة الإرهاب التكفيري الفاشي الدولي، وها هو السيد نوري المالكي أصدر بياناً أكد فيه إصراره على ترشح نفسه وفق استحقاقه الانتخابي والديمقراطي الذي ضمنه له الدستور، والذي جاء فيه: (ان الانسحاب من أرض المعركة مقابل التنظيمات الارهابية المعادية للإسلام والإنسانية، يعد تخاذلا عن تحمل المسؤولية الشرعية والوطنية والاخلاقية، وأني قد عاهدت الله باني سابقى أقاتل الى جنب ابناء القوات المسلحة والمتطوعين حتى الحاق الهزيمة النهائية بأعداء العراق وشعبه).(8)

ونتيجة لهذه المواقف الوطنية من قبل غالبية الشعب، ومراجعه، وسياسيه المخلصين، وقواته المسلحة الباسلة، تم إلحاق الهزيمة بالمخطط التآمري الخطير لإلغاء الديمقراطية. وفي هذه الحالة لا بد لإدارة أوباما ومن خدعها من اللوبيات، أن يعيدوا النظر في حساباتهم وموقفهم من العراق، فقد خرج الجني من القمقم، ولا يمكن إعادته إلى الدكتاتورية مطلقاً وتحت أي مسمى كان، فالشعب العراقي بجميع مكوناته مستعد لتقديم التضحيات من أجل حريته، وها هي الأنباء المأساوية ترد حتى في الإعلام الغربي عن الجرائم الوحشية التي ترتكبها عصابات داعش وحليفاتها بحق أبناء شعبنا في الموصل وتكريت وغيرها من المناطق الواقعة تحت هيمنتها، وها هي العشائر العربية السنية راحت تنظم المقاومة مع القوات الأمنية المسلحة لمطاردة الإرهابيين في كل مكان. كما وصرح محافظ صلاح الدين أن داعش هربت من المحافظة(9). فكل هذه الأنباء تؤكد أن الذين خططوا المؤامرة وخدعوا الناس بها قد آلت مؤامرتهم إلى الفشل الذريع، فما بني على باطل فهو باطل، وفي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح، ولذلك ردت سهامهم إلى نحورهم.

موضوعة الانفصال والوحدة الوطنية
والآن نأتي إلى المسألة الثانية، وهي الدعوة إلى استفتاء مكونات الشعب لبيان موقفهم فيما لو يريدون العيش معاً في دولة واحدة، أو الانفصال وتقسيم العراق إلى ثلاث دول. فرأى البعض تناقضاً بين المقالين، وتراجعاً مني في مقالي (تقسيم العراق لصالح إسرائيل) عما دعوت إليه في مقالي الذي قبله (لا للوحدة الوطنية القسرية).
في الحقيقة، ليس هناك أي تناقض بين المقالين. فأنا ضد التقسيم لأنه سيكون بداية لحروب طاحنة على الحدود الفاصلة بين هذه الدول أو الدويلات. ولكني في نفس الوقت ضد الوحدة القسرية. ففي أحد المقالين شبهت الوحدة بالزواج، أي يجب أن يكون اختيارياً وليس مفروضاً بالقوة، وكذلك الوحدة بين مختلف مكونات الشعب، لا يجب أن تكون مفروضة بالقوة بل بالإرادة الحرة للمواطنين. و (رب ضارة نافعة)، إذ أدرك أهل السنة العرب أنهم خُدِعوا من قيل قياداتهم السياسية، وبالتالي جعلوهم ضحية الإرهاب الداعشي البعثي. فاقتنعوا أن لا خيار لهم إلا بالتمسك بالوحدة الوطنية. وكذلك أدرك الكرد مخاطر المنزلق الذي يقودهم فيه السيد مسعود بارزاني الذي رضي أن يشارك في هذه المؤامرة مع داعش الإرهابية وفلول البعث، لمكاسب خادعة وآنية، فجعل عاصمة بلاده مأوىً للإرهابيين لتدمير العراق. ولا شك أن هذه السياسة عرضت المكاسب العظيمة التي حققها الشعب الكردي عبر نضاله الطويل والعسير إلى الخطر. وهذا يحتاج إلى مقال مستقل.

أن المعركة لم تحسم بعد، ولا بد أن تنتهي لصالح الشعب الذي ناضل من أجل الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والعيش الكريم بسلام مع دول الجوار وجميع دول العالم. ونؤيد موقف السيد نوري المالكي رئيس الوزراء، الذي صمد أمام التحديات بمنتهى الصلابة فأكد في بيانه على ترشح نفسه لرئاسة الوزراء وفق استحقاقه الانتخابي والدستوري. ويكفيه فخراً وشرفاً أنه تعرض  ومازال لأشرس الحملات الإعلامية التسقيطية من قبل أعداء شعبنا من البعثيين والداعشيين وأعوانهم في العملية السياسية، ومن يناصرهم من حملة الأقلام المأجورة.  لذلك تراهم مستميتين في حملة تشويه صورته وسمعته، ويبذلون قصارى جهودهم للتخلص منه بشتى الوسائل.
كما ونهيب بالقوى الوطنية المخلصة أن تترك خلافاتها الثانوية جانباً وتوحد صفوفها وتلتزم بالدستور والديمقراطية لإلحاق الهزيمة بالمخطط الإجرامي الاخطبوطي الذي يريدون به وأد الديمقراطية الوليدة وإعادة العراق إلى ما قبل 2003.
فما يجري في العراق هو حرب بالوكالة بين إلسعودية وحليفاتها من جهة، وبين إيران من جهة أخرى، وعلى الأرض العراقية وبدماء العراقيين، إذ لم تكفهم الحروب الصدامية مع إيران في الثمانينات لحماية البوابة الشرقية للأمة العربية والتي أهلكت الحرث والنسل. لذلك، نتمنى على إدارة الرئيس أوباما أن تراجع سياستها الجديدة في العراق، وأن لا تستجيب لمطالب السعودية وحليفاتها في المنطقة في إلغاء الديمقراطية وزج العراق في علاقات متوترة مع إيران، فلهذه السياسة مردود عكسي على أمريكا والمنطقة، إذ تدفع العراق إلى المزيد من التقارب نحو إيران و المحور الروسي- الصيني- الإيراني-السوري. فالمعركة مع داعش الإرهابية وحليفاتها هي معركة مصيرية، وإذا ما أصرت أمريكا على عدم تقديم الدعم للشعب العراقي ضد داعش الإرهابية، فلا بد وأن تتجه الحكومة العراقية إلى طلب السلاح والدعم من مصادر أخرى مثل روسيا والصين وحتى إيران. وهذا ليس في مصلحة أمريكا.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة بالمقال
1- د.عبدالخالق حسين: تقسيم العراق لصالح إسرائيل
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=663

2- د.عبدالخالق حسين: لا للوحدة الوطنية القسرية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=662

3- عبدالخالق حسين: نحو علاقة عراقية-أمريكية متكافئة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=570

4- الخليل علاء الطائي: التكتيك البعثي لمشروع الإنقلاب
http://alakhbaar.org/home/2014/6/171467.html

5- تكذيب لما نشرته بعض الصحف ووسائل الإعلام عن محضر اجتماع دولة رئيس الوزراء مع وزير خارجية الولايات المتحدة
http://alakhbaar.org/home/2014/7/171784.html

6- عبدالخالق حسين: أوباما ينتقم من بوش بترك العراق للإرهابيين
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=660

7 - رفعت نافع الكناني: نريد رئيس وزراء عراقي طرطور!!
http://alakhbaar.org/home/2014/7/171735.html

8- بيان من دولة رئيس الوزراء نوري المالكي
http://alakhbaar.org/home/2014/7/171785.html

9- محافظ صلاح الدين لـ[أين]: داعش هربت من المحافظة وسنزف بشرى قريبة للسكان
http://alakhbaar.org/home/2014/7/171786.html




298
تقسيم العراق لصالح إسرائيل
د.عبدالخالق حسين

من الأقوال المأثورة للزعيم البريطاني الراحل، ونستون تشرتشل: "أن الأمريكان لن يستخدموا الطرق الصحيحة لحل المشاكل إلا بعد أن يستنفدوا جميع الطرق الخاطئة". ولذلك كان إقدام بوش الإبن على تحرير العراق جاء بعد أن جرب بوش الأب، جميع الطرق الخاطئة. والآن يعود الرئيس باراك أوباما إلى المربع الأول، إلى الطرق الخاطئة في التعامل مع منظمة (داعش) الإرهابية في العراق وسوريا، أي التجربة التي مارستها أمريكا في أفغانستان في دعمها للقاعدة وطالبان وغيرهما من "الجهاديين" والتي انتهت بكارثة 11 سبتمبر 2001. فما يجري الآن هو طلبنة العراق وسوريا. إذ نسمع هذه الأيام عن تقديم أوباما طلباً إلى الكونغرس الأمريكي بتخصيص نصف مليار دولار لدعم الجيش السوري الحر، بينما في الحقيقة ستسلم هذه الأسلحة إلى داعش، لأن لا وجود للجيش السوري الحر على أرض الواقع في سوريا، وإنما المجموعات الإسلامية الإرهابية، داعش وجبهة النصرة وغيرهما.

نشر في الآونة الأخيرة العديد من الصحفيين الغربيين تقارير تفيد أن (داعش) صناعة أمريكية، وبأموال واستخبارات سعودية وقطرية وتركية، تستخدمها أمريكا وحلفائها لتغيير أنظمة غير مرغوب بها في المنطقة. فالمعروف أن (داعش) انشقت من القاعدة (تقرير بي بي سي)، وفي العراق أضم إليها ضباط بعثيون من الجيش القديم لقيادتها وتوجيه عملياتها الإرهابية ضد حكومة المالكي وتحت مختلف الحجج التي روجوا لها ليل نهار مثل التهميش والإقصاء وأنها ثورة المهمشين!. وهذه ليست من أوهام "نظرية المؤامرة" كما يتصور البعض، فأنا من أوائل محاربي هذه النظرية، ولكن هذا لا يعني عدم وجود مؤامرات، إذ نكاد نلمسها على أرض الواقع، وسنبين ذلك لاحقاً.   

امتنع أوباما دعم العراق عسكرياً، وحتى امتنع عن تجهيز الجيش العراقي بالسلاح لمواجهة الإرهاب الداعشي، بحجة أن الحل ليس عسكرياً، وصدق أوباما الكذبة أو تظاهر بالتصديق بها، بأن المالكي حرًّم الشركاء الكرد والعرب السنة من المشاركة العادلة في السلطة وصُنع القرار السياسي، ولذلك فهو لا يريد أن يتدخل لضرب طائفة على حساب طائفة أخرى! (كذا). والغريب أن راح الإعلام الغربي والعربي يتجنب حتى ذكر اسم داعش، بل تسميهم الجماعات السنية المتطرفة أو المسلحة. فقبل أيام اتصلت بي إذاعة في دولة خليجية، وهي تتصل بي بين حين وآخر منذ أكثر من عشر سنوات للمساهمة في تعليق كلما حصل تصعيد في الأزمة العراقية، اتصلت بي هذه المرة مع طلب غريب وهو أن لا أذكر اسم (داعش) بل اسميهم (الجماعات المسلحة في العراق)، وقال هذه التعليمات من الوزير. طبعاً لم التزم بهذا الأمر.
وهذا يعني أن (داعش) صارت طرفاً في العملية السياسية، تمثل السنة العرب في العراق بينما الحقيقة عكس ذلك، فداعش منظمة إرهابية تقتل العراقيين سنة وشيعة، ومن جميع الأطياف، وهاهي أعلنت يوم 29/6/2014، (دولة الخلافة الإسلامية) على المناطق التي تحت سيطرتها في العراق وسوريا، ونصبت زعيمها أبو بكر البغدادي، خليفة على المسلمين، و من لا يبايعه فهو معرض للقتل(1).

فهل حقاُ (داعش) تمثل السنة العرب في العراق؟ وكما جاء في مقال للسيد عبدالصحب الناصر، بعنوان: (و جعلوا منه امام ابو الخرك؟)(2)، أنه لو صدقنا إدعاءاتهم بأن (داعش) هم ثوار أهل السنة ضد ظلم المالكي، وهم يرتكبون كل هذه الفظائع الإرهابية ضد سكان المناطق التي تحت سيطرتهم وأغلبهم من السنة، فهذا يعني أن جميع أهل السنة هم دواعش وإرهابيين! وهذه إهانة لأهل السنة ومخالف للمنطق والعقل السليم، خاصة وقد أستنكر رجال الدين السنة البارزين جرائم داعش، مثل الشيخ خالد الملا، رئيس علماء المسلمين السنة في العراق(3)، والشيح مهدي الصميدعي، رئيس الإفتاء في العراق(4).
فإذن، الغرض من امتناع أوباما بمساعدة العراق ضمن إطار الاتفاقية الإستراتيجية العراقية – الأمريكية لعام 2011، في ضرب الإرهاب الداعشي هو لمنح داعش الوقت الكافي لإزاحة الرئيس نوري المالكي، وتقسيم العراق إلى ثلاث دول، ومن ثم فرض هذا التقسيم كأمر واقع، وضرب ما يسمى بالهلال الشيعي.   

ففي تقرير مفصَّل للصحفي (MIKE WHITNEY)، بعنوان: (Splitting up Iraq: It's all for Israel)، جاء فيه: "باراك أوباما يبتز رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بحجب الدعم العسكري عنه حتى يوافق على التنحي. وبعبارة أخرى، نحن أمام عملية تغيير نظام آخر من تأليف واشنطن. في الحقيقة أن أوباما يستخدم جيشاً إرهابياً (داعش) وصل الى مسافة 50 ميلا من بغداد ليوجه سلاحه الى رأس المالكي. وليس مستغرباً أن يرفض المالكي الاستجابة لضغوط أوباما، مما يعني أن الوضع المتوتر على نحو متزايد قد ينفجر إلى حرب أهلية".(6)
ويستشهد السيد وتني بفقرة من تقرير آخر جاء فيه: " إنه من غير المعقول القول بأن داعش كانت نتيجة غير مقصودة من قبل الولايات المتحدة. بل هي جزء واضح من استراتيجية امريكية لتفتيت تحالف بين إيران والعراق وسوريا وحزب الله. والآن أثبتت هذه الاستراتيجية فشلها الذريع، و بنتائج عكسية، ولكن يجب أن لا نخطأ، فداعش هي الاستراتيجية".
وفي اقتباس آخر: "لقد كانت أمريكا المحرض الرئيسي للطائفية في المنطقة، كجزء من استراتيجية (فرق تسد) في احتلال العراق، إلى إثارة حرب أهلية طائفية لإسقاط الأسد في سوريا".

فالإدارة ألأمريكية لا تستطيع صراحة أن تطالب المالكي بالتنحي، لأن في هذه الحالة تثبت أنها ضد الديمقراطية التي تدعي أمريكا أنها تعمل على نشرها في العالم. ولذلك، فمطالبة المالكي بالتنحي تظهر على ألسنة شخصيات من الكونغرس الأمريكي وليس من أوباما أو مساعديه في البيت الأبيض. وبالتالي تنصيب حكومة معادية لإيران، مع ضرب نتائج الانتخابات عرض الحائط.
وينقل وتني عن تقرير للوول ستريت جورنال ما قاله دبلوماسيون أمريكيون وعرب ما نصه أن: "هناك عدد متزايد من المشرعين الامريكيين والحلفاء العرب، وخاصة من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، يضغطون على البيت الأبيض لسحب دعمه للمالكي. بعضهم يضغط من أجل التغيير مقابل تقديم المساعدة في تحقيق الاستقرار في العراق." ويجب الانتباه إلى الجملة الأخيرة: "بعضهم يضغط من أجل التغيير مقابل تقديم المساعدة في تحقيق الاستقرار في العراق."
وهذا يعني أن لهذه الحكومات (الخليجية) دور في عدم استقرار العراق، ويساعدون على استقراره فقط في حالة تشكيل حكومة وفق شروطهم ولتذهب الديمقراطية ونتائج الانتخابات إلى الجحيم !!.
ويضيف الكاتب: "هذا هو جوهر ما يجري وراء الكواليس. باراك أوباما ومساعدوه يلوون ذراع المالكي لإجباره على التنحي عن منصبه. ففي مؤتمر صحفي يوم الخميس 26/6 حدد أوباما مجموعة داعش كإرهابيين، واعترف أنها تشكل خطرا كبيرا على أمريكا، ولكنه رغم ذلك، قال أنه لن يحرك ساكنا لتقديم المساعدة للمالكي. لماذا؟ نعم، لماذا أوباما متحمس لضرب الارهابيين في اليمن وباكستان وأفغانستان، ولكنه لحد الآن يرفض ضربهم في العراق؟ فهل حقاً أوباما غير ملتزم لمحاربة الإرهابيين في كل مكان أم أن الإرهاب حيلة، وتمويه و مجرد ورقة التوت لخطط أعظم من ذلك بكثير، مثل الهيمنة العالمية؟ طبعاُ هذا هو الغرض الحقيقي من هذا التلكؤ."

وفي كل الأحوال، من الواضح أن أوباما لن يساعد المالكي إذا كانت هذه المساعدة ضد الأهداف الاستراتيجية الأوسع نطاقا لواشنطن. وفي الوقت الحاضر، ومن هذه الأهداف هي التخلص من المالكي، الذي تراه واشنطن على علاقة حميمة مع طهران، والذي رفض الموافقة على إبقاء 30 ألف جندي في العراق حسب ما أرادت الإدارة الأمريكية ضمن اتفاقية عام 2011 التي عرفت باسم (SOFA) اختصاراً. فرفض المالكي الموافقة على هذا الشرط هو الذي قرر مصيره وجعلت منه عدوا للولايات المتحدة. كان فقط مسألة وقت قبل أن تتخذ واشنطن خطوات لعزله من منصبه.

ومن كل ما تقدم نستنتج أن أوباما يريد أن يفرض مبدأ (إما معنا أو ضدنا). فلا يريد نظاماً في سوريا والعراق على علاقة مع إيران. ولسان حاله يقول:"إذا كنتَ معنا فنحن نحميك من الإرهاب ونضمن استقرار بلادك. وإن لم توافق على هذا الشرط فنهد عليك الإرهاب يمزقون شعبك ويحرقون جنودك ويدمرون بلادك وينشرون فيها الفوضى العارمة بحيث تصبح غير قابلة للحكم. ولذلك يقولون للمالكي: الخيار لك إما معنا أو تهيأ لمواجهة العواقب الوخيمة".

ويشبِّه الكاتب أوباما برئيس عصابة مافيا، فيقول أن رئيس الولايات المتحدة يهدد الزعيم المنتخب ديمقراطيا، لأنه لم يبدِ بما فيه الكفاية من الخنوع والخضوع لمطالبهم. لذلك، يريدون أن يحل محله جاسوس فاسد مثل أحمد الجلبي، الذي ظهر فجأة على المسرح، وتبذل جهود ليحل محل المالكي كما جاء في تقرير نيويورك تايمز ما نصه: "أن القادة السياسيين بدأوا مناورات مكثفة لإيجاد من يحل محل رئيس الوزراء نوري المالكي وتشكيل حكومة من شأنها أن تعمق الانقسامات الطائفية والعرقية في البلاد، مدعوما باجتماعات مشجعة مع مسؤولين اميركيين يدعمون تغيير قيادة السلطة". والأسماء المطروحة هي: عادل عبدالمهدي، أحمد الجلبي، بيان جبر، من الكتلة الشيعية التي تتمتع بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية".
لقد أضيف مؤخراً اسم طارق نجم الذي لم نعرف عنه كثيراً إلى قائمة المرشحين كبديل عن المالكي، فهل يسلم أي شخص بديل من حملات التشويه والتضليل كما تعرض إليه المالكي؟ إذ بدأت حملة التشويه ضد طارق نجم وحتى قبل أن نتأكد من ترشحه حيث راحت المواقع المأجورة تنهش به.(6)

فما هي الغاية من كل هذه الزوبعة الداعشية والمجازر في العراق؟ يقول مؤلف التقرير المشار إليه أعلاه، أن الغرض هو تحقيق أربعة أهداف في الاستراتيجية الأمريكية وهي:
1- إزاحة المالكي،
2- تحقيق مكاسب من خلال صيغة جديدة للاتفاقية الإستراتيجية بين العراق وأمريكا(SOFA) أي الموافقة على جلب قوات أمريكية في العراق قوامها نحو 30000 جندي، 
3- تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة،
4- تقسيم العراق .

والسؤال الذي أطرحه هنا هو: هل ستسكت إيران عن وجود قواعد أمريكية على حدودها في العراق؟ لقد أشرنا في مقال سابق لنا أن إيران هددت المالكي عشية توقيع اتفاقية SOFA عام 2011 أنه في حالة الموافقة فإنها ستحيل العراق إلى جهنم. فكيف تريد أمريكا أو الرئيس العراقي الذي سيحل محل المالكي أن يحل هذه المعضلة العويصة؟ ففي حالة الموافقة، إيران ستحيل العراق إلى جهنم، وفي حالة الرفض، السعودية وشقيقاتها ستحيل العراق إلى جهنم، فما الحل وأين المفر؟ هل هذا هو مصير العراق؟ وهل هذه هي عدالة الرئيس أوباما؟ وهل يوافق البديل عن المالكي على تحقيق الأهداف الأربعة أعلاه أو بإمكانه تحقيقها؟

"ما فائدة الولايات المتحدة من تحقيق هذه الأهداف؟" سؤال يطرحه السيد وتني ويجبل عليها قائلاً:
فالولايات المتحدة لديها الكثير من القواعد والمنشآت العسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وهي لا تستفيد شيئا من وجود قواعد أخرى في العراق. نفس الشيء ينطبق على إزاحة المالكي. كما وليس هناك أي ضمان للنتائج، قد تكون جيدة وربما سيئة. انها أشبه باليانصيب. ولكن، هناك شيء واحد مؤكد؛ انها ستزعزع الثقة بالولايات المتحدة كداعمة للديمقراطية التي أصبحت خرافة بعد الآن. فالمالكي فاز لتوه في الانتخابات الأخيرة، ولماذا يريدون خرق أهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية؟
أما "دحر النفوذ الايراني في المنطقة" فلا معنى له. لقد كان هدف الولايات المتحدة من غزو العراق هو إزالة البعثيين من السلطة لتحل محلها حكومة منتخبة من كل الأطياف، وكان الشيعة من المستفيدين.
فالاستراتيجية الأمريكية هي التي جعلت التقارب بين بغداد وطهران أمراً لا مفر منه! فالعراق لم يتحرك باتجاه إيران، وإنما واشنطن هي التي دفعت العراق لأحضان إيران. والجميع يعرف ذلك."
ويستنتج الكاتب، أنه ليس هناك عودة إلى الوراء، فما حدث قد حدث. بغداد شيعية، وستبقى الشيعة. وهذا يعني ستكون هناك علاقة مع طهران لا بد منها. لذلك، إذا كان أوباما ينوي دحر النفوذ الايراني، فربما لديهم شيء آخر في الاعتبار. انهم يريدون تقسيم العراق بما يتفق مع الخطة الإسرائيلية التي تم طبخها قبل أكثر من ثلاثة عقود. كانت خطة بارعة من عوديد ينون الذي رأى العراق باعتباره يشكل تهديدا خطيرا لتطلعات الهيمنة الاسرائيلية في المنطقة، فوضع خطة لمعالجة المشكلة بعنوان "إستراتيجية إسرائيل في الثمانينات من القرن الماضي"، والتي هي خريطة الطريق التي سيتم استخدامها لتقسيم العراق:
يقول ينون: "العراق، بلد غني بالنفط من جهة وممزق داخليا من جهة أخرى، ويضمن كمرشح لأهداف إسرائيل. انحلاله أكثر أهمية لنا من سوريا، لأن العراق أقوى من سوريا. وفي المدى القصير هو السلطة العراقية (الكلام عن حكومة صدام في الثمانينات من القرن الماضي)، التي تشكل أكبر تهديد لإسرائيل. سوف تؤدي حرب العراقية الإيرانية إلى تمزيق العراق وتسبب سقوطه إلى مستوى لم يكن قادرا على النهوض وتنظيم صراع ضدنا. فأية مواجهة بين الدول العربية هي في صالحنا في المدى القصير، وسيختصر الطريق إلى الهدف الأكثر أهمية من تفتيت العراق الى طوائف كما هو الحال في سوريا وفي لبنان. العراق، مقسم على أسس عرقية و دينية كما هو الحال في سوريا خلال العهد العثماني. لذلك يمكن تقسيم العراق إلى ثلاث دول: شيعية في الجنوب منفصلة عن الشمال السني والكردي. فمن الممكن أن المواجهة الإيرانية العراقية الحالية سوف تعمق هذا الاستقطاب. "(7)

أليس ما يجري في العراق الآن هو التطبيق العملي لهذا المخطط الإسرائيلي، وعلى يد داعش، وبقيادة الضباط البعثيين، ومن يمثلهم في العملية السياسية، وبتمويل ودعم إعلامي وعسكري من حليفاتها في المنطقة: السعودية وقطر وتركيا وبارزاني وبمباركة من الرئيس ألأمريكي أوباما؟
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط المصادر
1- داعش” يعلن إقامة "الخلافة الإسلامية" في العراق
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2014/06/140629_iraq_isis_caliphate.shtml

2- عبدالصاحب الناصر: و جعلوا منه امام ابو الخرك؟
http://alakhbaar.org/home/2014/6/171461.html

3- فيديو(7 دقائق)، موقف علماء السنه في العراق (لقاء مع فضيلة الشيخ خالد الملة، هام جدا)
https://www.youtube.com/watch?v=60G2pq8mYuo&feature=youtu.be

4- رئيس هيئة افتاء اهل السنة الشيخ مهدي الصميدعي عن احداث الموصل وداعش (فيديو 7 دقائق)
https://www.youtube.com/watch?v=OgifAa68gx0&feature=youtu.be

5- جواد كاظم الخالصي: أنامل مُقيّدة: طارق نجم والحقيقة الغائبة
http://alakhbaar.org/home/2014/6/171525.html

6- MIKE WHITNEY: Splitting up Iraq: It’s all for Israel
http://www.counterpunch.org/2014/06/20/its-all-for-israel/

7- A Strategy for Israel in the Nineteen Eighties, Oded Yinon, monabaker.com
http://www.monabaker.com/pMachine/more.php?id=A2298_0_1_0_M

8- رابط ذو صلة
 لنستمع لهؤلاء النازحين من داعش ...هل هذه هي الثورة العراقية ضد الحكم ...!!!
https://www.youtube.com/watch?v=a03YYOnAOgo&feature=youtu.be


299
لا للوحدة الوطنية القسرية
د.عبدالخالق حسين

إن ما حصل يوم 10/6/2014 باحتلال داعش للموصل، والبيشمركة لكركوك، هو كارثة كبيرة في تاريخ العراق الحديث، أجبرت العراقيين على التخلي عن سياسة النعامة في طمس رأسها في الرمال وترك مؤخرتها ظاهرة للصياد. لقد حان الوقت لمواجهة الحقيقة بكل ما فيها من مرارة وقبح. الحقيقة المرة هذه أن "الوحدة الوطنية" التي كنا نتغنى بها طوال 93 عاماً، وهو كل عمر الدولة العراقية الحديثة، كانت وهماً وخدعة أشبه بثياب الإمبراطور الجديدة.

لم يكن الشعب العراقي يوماً موحداً بالإرادة الحرة لمكوناته، بل كانت هذه "الوحدة" مفروضة عليه بالقوة الغاشمة من الأنظمة الدكتاتورية التي حكمت العراق عبر عصور. ولما امتلك الشعب العراقي إرادته الحرة لأول مرة بعد تحريره من النظام البعثي الفاشي عام 2003، صار بإمكان العراقيين أن يفكروا ويعربوا عن أنفسهم بمنتهى الحرية، فاكتشفوا الحقيقة المرة، وهي أنهم غير متجانسين، ولا موحدين، ولا يريدون العيش في دولة واحدة. فإما أن يحكمهم نظام من المكون السني العربي الذي حكم العراق لوحده طوال قرون، أو الانفصال. فالسنة العرب لا يريدون نظاماً ديمقراطياً يساوي بينهم وبين المكونات الأخرى في الحكم. هذه هي الحقيقة التي ينكرها كثيرون علناً ويؤمنون بها سراً.

وتأكيداً لما تقدم، انقل للمرة العاشرة، شهادة موثقة من أحد مؤسسي الدولة العراقية، هو الملك فيصل الأول في مذكرة له عممها على النخبة الحاكمة عام 1933، قائلاً:
"العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية، مؤسسة على أنقاض الحكم العثماني، وهذه الحكومة تحكم قسماً كردياً أكثريته جاهلة، بينه أشخاص ذوو مطامع شخصية يسوقونه للتخلي منها بدعوى أنها ليست من عنصرهم، وأكثرية شيعية جاهلة، منتسبة عنصرياً، إلى نفس الحكومة،...الخ" ويستشهد الملك بما يشكو إليه زعماء الشيعة من مظلمومية: "أن الضرائب على الشيعي والموت على الشيعي والمناصب للسني، ما الذي هو للشيعي، حتى أيامه الدينية لا اعتبار لها" (1).
فما الذي تغيَّر منذ ذلك التاريخ وإلى الآن؟

أما في عهد البعث الصدامي، فرغم وجود نسبة كبيرة من الشيعة في الحزب والدولة والجيش، إلا إن وجودهم كان للديكور فقط، وليكونوا حطباً للحروب العبثية والمقابر الجماعية.

لذلك وبعد 9/4/2003، انفجر الوضع بتمردات لمنظمات إرهابية معظمها من المكون العربي السني ضد المكون الشيعي، تدعمها فتاوى مشايخ الوهابية السعودية لقتل "الشيعة الروافض الصفويين"على حد تعبيرهم، تحت يافطة "المقاومة الشريفة" ضد "المحتل الغاشم"، ولكن الضحايا كانت دائماً الشيعة. والاستثناء هنا هو جيش المهدي الشيعي الذي كان ضد القوات الأجنبية وبدعم من إيران، ولم يكن يوماً ضد السنة إلا في الحالات الدفاعية النادرة يوم هدد الإرهابيون بإفراغ بغداد من الشيعة، وبعد تفجير ضريح الإمامين العسكريين في سامراء بغرض إثارة الشيعة ضد السنة وإشعال حرب طائفية لا تبقي ولا تذر.
ولما انكشفت للعراقيين هذه الحقيقة المرة عن الوحدة الوطنية الهشة والمزيفة، هالهم الواقع البشع وراحوا يستنكرونه، وفي نفس الوقت يبرؤون أنفسهم من هذه البشاعة، فألقوا اللوم على أمريكا والحاكم المدني لقوات الاحتلال بول بريمر، أنه هو الذي جلب علينا الطائفية المقيتة وفرض علينا نظام المحاصصة الطائفية والعنصرية البغيضة!! بينما الحقيقة أن هذه الشروخ في الوحدة الوطنية كانت موجودة منذ قرون ولكنها كانت مغطاة بطبقة سميكة من الأصباغ و ورق الحائط (Wallpaper)، أما  دور أمريكا فينحصر في كونها جلبت الديمقراطية والشفافية التي من شروطها مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في الحكم، فأزالت هذا الغطاء السميك، أو ورق التوت عن عورات العراقيين، فظهروا ربي كما خلقتني، وبدأت بينهم الصراعات الدموية ورضي سكان المناطق السنية أن يجعلوا من مناطقهم حواضن للإرهاب. (راجع مقالنا: الديمقراطية فضحت المجتمع العراقي) (2).

قد يعترض البعض ان "الفتنة كانت نائمة ولعن الله من أيقظها " كما في الحديث، ويلعنون أمريكا أنها هي التي أيقظت الفتنة. ولكن الحقيقة التي ينكرها هؤلاء، هي أن الذي أيقظها ليس الأمريكان، وإنما حكم البعث الصدامي يوم رفع شعار (لا شيعة بعد اليوم)، وملأ العراق بالمقابر الجماعية من الشيعة والكرد، وقام بحملات الأنفال وحلبجة، وحرق آلاف القرى الكردية، وتصحير مناطق الأهوار في الجنوب. وما قام به بول بريمر هو أن شارك كل مكونات الشعب في حكم بلادهم ولكل مكون حسب ما تفرزه صناديق الانتخابات، وهذه هي الديمقراطية. ولكن قادة السنة العرب لم يوافقوا على الديمقراطية و نتائج الانتخابات، ولسان حالهم  يقول: نحن مع وحدة العراق في دولة واحدة ولكن على شرط أن نحن نحكمكم وإلا نبيدكم. فالسنة مازالوا يعتقدون أنهم وحدهم يحق لهم حكم العراق، أما بقية المكونات فهم مواطنون من الدرجة الثانية.
لذلك لجأوا يعد 2003 إلى الكذب وحملات التسقيط البشعة ضد الحكومة المنتخبة ووصفوها بالفساد والعمالة لإيران، وصدق كثيرون بهذه الأكاذيب إلى حد أنه أصبح حتى مجرد الشك فيها عملية انتحارية لأي كاتب يحترم عقله. وهنا أود أن أذكر القراء من جيلي، بالحملة التسقيطية التي شنها البعثيون في الستينات ضد طاهر يحيى، رئيس الوزراء في العهد العارفي، فألصقوا به شتى الألقاب البذيئة مثل: (أبو فرهود، وحرامي بغداد، وعلي بابا وأربعين حرامي...الخ). وبعد فوات الأوان أثبت الباحث الأمريكي (من أصل فلسطيني)، حنا بطاطو في كتابه القيم (تاريخ العراق) وهو دراسة أكاديمية ميدانية، أثبت أن جميع تلك التهم كانت ملفقة من البعثيين ولا أي أساس لها من الصحة. ونفس الدور يلعبه البعثيون منذ إسقاط حكمهم الجائر في 2003 وإلى مستقبل غير منظور، يواصلون نشر الأكاذيب حول الفساد وعمالة المالكي لإيران. ولجأوا إلى تأجير شركات العلاقات العامة (PR) في أمريكا لتشويه صورة حكومة المالكي واختلاق مظلومية المكون السني والكردي من قبل الحكومة "العميلة لإيران التي يهيمن عليها الشيعة" كما يرددون باستمرار.

و في هذا الخصوص وصلني تقرير مطول نشر في مجلة نيوزويك الأمريكية بقلم الباحث: جف ستاين Jeff Stein بعنوان (Iraq’s Sunnis Will Kick Out ISIS After Dumping Maliki: Ex-CIA Official)، يشير إلى ضابط سابق في وكالة المخابرات الأمريكية (CIA)، اسمه جون ماغواير، الذي يدير الآن مكتب استشارات الأعمال النفطية في فرجينيا، أن الأخير ألتقى بعض زعماء القبائل السنية في أربيل من بينهم علي حاتم سليمان الذي أكد له أنهم (السنة العرب) يستخدمون داعش الآن لاسقاط المالكي، وبعد ذلك ستقوم القبائل بسحق داعش بمنتهى السهولة!! تماما مثلما فعلت عشائر الصحوة مع تنظيم القاعدة في العراق خلال الاحتلال الأمريكي عام 2006 و 2007.
ويقول ماغواير انه نصح زعماء العشائر السنية لتحسين صورتهم. و في اتصال هاتفي "قلت لهم، يا رفاق يجب أن نفعل شيئا لتغيير النظرة عما تفعلونه. الصورة التي تقدمونها الآن هي صورة رجل في عمامة سوداء على مواقع يوتيوب لا تخدمكم. وإذا تريدون إيصال رسالتكم إلى العالم بشكل مؤثر، يجب عليكم أن تبرزوا بعض الشباب من السنة من ذوي الملامح الجميلة، وبملابس أنيقة على شاشات التلفزيون لعرض الوضع في العراق بأنه جحيم لا يطاق في ظل حكومة المالكي". وأن تروِّجوا بأن "المالكي دمية فاسدة لإيران، جمع له ولأقربائه وأعوانه ثروة شخصية مذهلة، يحيط به شلة من الفاسدين، وأن الناس ليست لديهم الرغبة في القتال دفاعاً عن حكومة المالكي الفاسدة".(كذا).
أليس هذا بالضبط ما نسمعه باستمرار من الإعلام العربي والبعثي، ومن كتاب شيعة باعوا أقلامهم وضمائرهم للإعلام الخليجي مثل رشيد الخيون، وجوقة فخري كريم، وغيرهم من مرتزقة بارزاني والسعودية؟

و يلتقي كاتب التقرير، جف ستاين، بخبراء سابقين آخرين في وكالة المخابرات المركزية ومجلس الأمن القومي في البيت الأبيض والبحرية الأمريكية، يفندون أقوال مهغواير، ويشكون بقدرة القبائل السنية في التخلص من داعش، حتى ولو استطاعوا احتلال بغداد وإسقاط المالكي، وهو أمر مشكوك به.
فداعش المنشقة من القاعدة، ويقودها ضباط بعثيون، هي أقوى بكثير من القاعدة وأشرس منها في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية إلى حد أن أدانها أيمن الظواهري، خليفة بن لادن في زعامة القاعدة. فعملية التخلص من القاعدة عام 2006-2007 تطلبت جماعة الصحوة التي بلغ عدد مسلحيها نحو 25 ألف مقاتل، وأرسل الرئيس بوش قوة عسكرية قوامها 50 ألف جندي أمريكي إضافة إلى وجود 130 ألف جندي أمريكي في العراق آنذاك ليكون مجموع القوات الأمريكية نحو 180 ألفاً، بالإضافة إلى الجيش العراقي الجديد. وبهذه الإمكانيات الكبيرة فقط تم القضاء على القاعدة، بينما الوضع يختلف الآن، فداعش أقوى من القاعدة في العراق حيث تضم في صفوفها نحو 10 آلاف مقاتل مدرب أحسن تدريب، ومجهز بأحدث الأسلحة الفتاكة، ومدعومة من السعودية وقطر وتركيا، والقوات الأمريكية غير موجودة، والصحوة لن تعاد، لذالك لا يمكن للقبائل السنية التخلص من داعش فيما لو أرادوا. ويستنتج الباحث أن السنة يقومون الآن بعملية انتحارية. وأن قادتهم أخطأوا حين خدعوا السنة بأن المالكي دكتاتور أسوأ من صدام ...الخ، وأنه همش السنة، وبذالك فإنهم وقعوا على شهادة وفاتهم.
ومسؤول آخر في وزارة الخارجية سابقاً، يدعى بيتر فان بورين، قال أن ما ذكره ماغواير (عن قدرات القبائل السنية وإمكانياتها في إسقاط المالكي عن طريق داعش، ومن ثم التخلص من داعش أنه "مجرد تطرف في الوهم."، أي أضغاث أحلام.

فهل حقاً السنة مهمشين؟
راحوا يرددون الكذبة المفضوحة بأن السنة العرب مهمشين ومقصيين من قبل "الدكتاتور المالكي العميل لإيران". وصدق سياسيون في البيت الأبيض هذه الأكاذيب، أو تظاهروا بتصديقها، ومنهم الرئيس أوباما، ووزير خارجته جون كيري، فطالبوا بتشكيل حكومة أكثر تمثيلاً للسنة والكرد, فهل حقاً هناك إقصاء وتهميش في حكومة المالكي الحالية، والقادمة التي ستشكل في الدورة البرلمانية الجديدة؟ وقد تطرقت إلى هذا الموضوع وفندت هذه الفرية في مقال لي بعنوان (التهميش وثياب الإمبراطور الجديدة) (3).
و" في دراسة أجراها باحث لبناني هو الاستاذ الجامعي أمين حطيط، حول التركيبة السكانية العراقية ومقارنتها بخريطة توزيع الحكم، يستنتج الباحث أن نسبة العرب السنة في العراق لا تتعدى الـ19 بالمئة، في حين ان نسبة مشاركتهم في المناصب تبلغ 26 بالمئة، فيما يشاركون بنسبة الثلث في الرئاسات الثلاث. أما إذا أخذنا بالاعتبار كل السنة (عربا وكردا) فستكون مشاركتهم أكثر من النصف". (4)
فماذا يجري الآن في العراق؟ لقد فشلوا في إسقاط المالكي عن طريق صناديق الاقتراع، لذلك سبقت إعلان نتائج الانتخابات، حملة إعلامية عالمية واسعة وتصريحات قادة سياسيين عراقيين مثل السيد مسعود بارزاني، وأياد علاوي والنجيفي وغيرهم، تهيئ الرأي العام لما يجري الآن في العراق، فأشاعوا فكرة مفادها أنه إذا ما فاز المالكي بالولاية الثالثة فإن العراق سينقسم إلى ثلاث دول. وهذا التهديد هو اعتراف صريح بعدم إيمانهم بالديمقراطية. لذلك ما أن اعلنت النتائج بفوز المالكي حتى وجاءوا بداعش الإرهابية لتنفذ لهم المهمة القذرة بعزل المناطق العربية السنية عن سيطرة الحكومة المركزية. أما إقليم كردستان فو مستقل منذ عام 1990. ومما يؤلم أن البعض من أدعياء الديمقراطية راحوا يصفون داعش بالثوار، وأن أهل الموصل رحبوا بهم أجمل ترحيب، نافين ما ارتكبته داعش في محافظة نينوى من جرائم فضيعة ضد السكان، وتدمير المعالم الحضارية عن تاريخ وادي الرافدين (ميزو بو تيميا).

واستغل الشركاء في العملية السياسية بالمطالبة بتشكيل (حكومة الانقاذ). وهذا يعني أنهم يريدون ضرب الديمقراطية ونتائج الانتخابات عرض الحائط، وتشكيل حكومة غير منتخبة فرضتها داعش التي تضم في صفوفها مقاتلين مرتزقة من الشيشان وباكستان وأفغانستان والسعودية وغيرها، بعد أن أخضعوهم لعملية غسيل الدماغ، فحولوهم إلى وحوش كاسرة وقتلة مجرمين مهووسين بالجنس والجنة وحور العين، يريدون أن يفرضوا إرادة هؤلاء المجرمين على إرادة الشعب العراقي التي عبر عنها عبر صناديق الاقتراع. في الحقيقة إن (حكومة الانقاذ) هذه هي انقلاب على الديمقراطية. لذلك حسناً فعل السيد نوري المالكي عندما رفض هذا الطلب المخالف للديمقراطية. ولما تأكدت أمريكا أن الرأي العام العراقي يرفض مقترح حكومة الانقاذ التي طالب بها و روج لها السياسيون الداعمون لداعش، غيرت إدارة أومابا موقفها، إذ جاء في تصريح للخارجية الأمريكية أن: "اكدت الولايات المتحدة الامريكية، اليوم الخميس (26/6)، رفضها لتشكيل حكومة طوارئ في العراق ودعت الى الاسراع في تشكيل حكومة شاملة في اسرع وقت ممكن طبقاً للدستور."(5)

ما العمل وما الحل؟
لقد تعرض الشعب العراقي بكل أطيافه إلى أخطر مؤامرة قذرة خططتها المخابرات الدولية الغربية والسعودية والقطرية والتركية لتقسيم العراق، وبتمويل السعودية وقطر، يكون فيها السنة العرب من أكثر المتضررين. وما كان لهذه المؤامرة أن تنجح لولا الاستعداد النفسي لسكان المناطق التي غالبيتهم من العرب السنة والذين تم خداعهم بفذلكة وخرافة التهميش. أما الكرد فحلمهم بدولتهم القومية ليس جديداً ومن حقهم تحقيق هذا الحلم وفق مبدأ حق تقرير المصير.
لذلك أقترح على الحكومة العراقية القادمة، أن تواصل حربها على داعش وبمساعدة الدعم الدولي من أية جهة كان، فالجيش العراقي الجديد هو ليس كما حاولوا تصويره في عملية تسليم الموصل إلى داعش وكركوك إلى البيشمركة، في عملية تآمرية مفضوحة لتدمير معنوباته. فها هو الجيش العراقي يحارب داعش الآن بكل شجاعة وصمود رغم امتناع أمريكا عن تسليحه. وها هي أخبار الانتصارات تتوالى وبدعم من العشائر العربية السنية الرافضة لتنجيس أراضيها برجس داعش. وعلى سبيل المثال، جاء في تقرير أمريكي أنه عندما أرادت داعش فرض حكم الشريعة على سكان الرطبة انتفض شباب المدينة وقتلوا نحو 30 داعشياً.
لذلك أقترح، وبعد أن تطهر القوات العراقية الباسلة العراق من رجس مرتزقة داعش، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة طبقاً للدستور، أن يجرى استفتاء شعبي لكل مكونات الشعب العراقي، وبمساعدة الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وتحت إشراف دولي، فيما إذا كانت هذه المكونات والأطياف تريد العيش في دولة واحدة أم ثلاث دول، (دولة للكرد ودولة للسنة العرب، ودولة للشيعة). ويجب تنفيذ نتائج الاستفتاء بالطرق الحضارية بعيداً عن العنف وبمساعدة دولية لتحديد الحدود وحسب رغبات السكان في المناطق المتنازع عليها. فإذا كانت الوحدة الوطنية في دولة واحدة غير ممكنة، فليس من الحكمة فرضها بالقوة. فالوحدة القسرية تشبه الزواج القسري الذي هو نوع من الاغتصاب. فالطلاق رغم أنه بغيض، إلا إنه ابغض الحلال الى الله.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- عبد الرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي الحديث، ج1، ص11، مطبعة دار الكتب بيروت،  1983
2- عبدالخالق حسين: الديمقراطية فضحت المجتمع العراقي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=559

3- عبدالخالق حسين: التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=626

4- سالم مشكور: الهدف.. دويلات متفجرة متحاربة! http://alakhbaar.org/home/2014/6/171220.html

5- واشنطن ترفض فكرة تشكيل حكومة طوارئ في العراق اكدت على ضرورة تشكيل حكومة شاملة طبقا للعملية الدستورية
http://alakhbaar.org/home/2014/6/171223.html

  رابط ذو صلة
ميثم الحمدي (فيديو 6 دقائق) هل تغير الموقف الامريكي تجاه العراق بعدما صدور فتوى السيستاني؟!  وهل يمكن ان تكون هناك حكومة وطنية مع دواعش؟!
https://www.facebook.com/photo.php?v=727635087297142&set=vb.100001519736100&type=2&theater


300
هل حقاً المالكي هو السبب؟
د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الموسوم (أوباما ينتقم من بوش بترك العراق للإرهابيين)(1)، وصلتني مقالات لصحفيين وباحثين غربيين ترقى إلى مستوى دراسات موثقة، تؤكد ما ذهبتُ إليه، وتلقي أضواءُ كثيرة على ما يجري من هجمة شرسة على العراق لاغتيال النظام الديمقراطي وإعادة حزب البعث للسلطة، أي انقلاب على كل ما تحقق منذ عام 2003 في العراق. والغرض من هذه العملية هو إسقاط حكومة المالكي وإقامة حكومة بديلة معادية لإيران، وبمشاركة حزب البعث أو حتى استلام البعث للسطة كاملة. والغرض الثاني من هذه الهجمة هو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات كما خطط له نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن عام 2009، كجزء من مخطط لتفتيت البلدان العربية خدمة لإسرائيل وإبقائها الدولة العظمى الوحيدة في المنطقة. وهذه ليست من نظرية المؤامرة، بل هي حقيقة ظاهرة للعيان كما نرى نتائجها الملموسة.
ففي مقال للصحفي الأمريكيMIKE WHITNEY  بعنوان (The ISIS Fiasco: It’s Really an Attack on Iran)، فيه الكثير من الأدلة والبراهين تؤكد هذه الحقيقة وبشيء من التفصيل(2). لقد بدأت الحملة منذ تسنم السيد نوري المالكي رئاسة الوزارة في ولايته الثانية عام 2010. وبرزت المعارضة العنيفة ضد المالكي تحت مختلف الحجج والاتهامات بعمليات إرهابية، ترافقها حملة إعلامية واسعة لتشويه سمعة الحكومة بالفساد وسرقة الأموال، ومطالبة أمريكا بعدم تسليح الجيش العراقي، وقد جندوا لها إعلاميين وكتاب شيعة ليكون تأثيرهم أقوى على الشيعة، فسخر هؤلاء المرتزقة أقلامهم في الإعلام الخليجي والسعودي لهذا الغرض، كما ونجحوا في اختراق الجبهة الشيعية (التحالف الوطني) بكسب التيار الصدري وجماعة الحكيم، من أمثال أحمد الجلبي وغيره ليرددوا ذات الاتهامات ضد المالكي أنه عزل السنة والكرد وحتى كيانات سياسية من الجبهة الشيعية. وآخر من تم تجنيده لهذا الغرض هو الناطق الرسمي السابق للحكومة العراقية علي الدباغ، فاخترع لنفسه وظيفى جديدة وهي "الناطًق الرسمي للجبهة الشيعية ضد المالكي"، وفجأة صار النجم اللامع للإعلام بما فيه بي بي سي، ليردد كالببغاء نفس الاتهامات ضد المالكي دون أي تحريف مما لقنه الأسياد، مع التركيز على تعبير (سنة وشيعة)، وحتى تسمية داعش بالمسلحين السنة! وليس بالإرهابيين.

تركزت حزمة الاتهامات ضد المالكي فراحوا يرددونها ليل نهار، واستأجروا لها شركات العلاقات الاجتماعية وكتاب عمود مشهورين مثل توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمس، الذي أوجز هذه الاتهامات كما يلي:
"لقد أثبت رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي، أنه ليس صديقا للديمقراطية ولا للتعددية في العراق. فمن اليوم الأول استغل منصبه لتثبيت الشيعة في الوظائف الأمنية الرئيسية، وطرد الساسة والجنرالات السنة، و وجه المال مباشرة إلى المجتمعات الشيعية. باختصار، كان المالكي فاشلاً كلياً. إضافة إلى كونه رئيسا للوزراء، جعل نفسه القائم بأعمال وزير الدفاع وزير الداخلية ومستشار الأمن القومي، ونصب رفاقه للسيطرة على البنك المركزي ووزارة المالية. وللمالكي خيار - إما الحكم بطريقة طائفية أو بطريقة يشمل جميع الفرقاء - وأنه اختار الطائفية. ونحن لسنا مدينين له بشيء. " (المبادئ الخمسة للعراق، توماس فريدمان، نيويورك تايمز، نقلاً عن مقال مايك وتني)(2).

ذات الاتهامات تكررت على لسان جي غارنر الذي قال: "لا أحد هناك يريد أن يُحكم من قبل بغداد، قمنا بدعم المالكي في العام 2010 وكنا على دراية تامة بأنه سيحرم الأكراد وسيضطهد السنة وسيكون دمية للإيرانيين،"(كذا)، لافتا إلى أن العراق وأمريكا فشلتا بالتوصل إلى اتفاق في العام 2011 لإبقاء قوات على أراضيها وأن هذا الأمر عرض "المكاسب والعمل الجيد الذي قمنا به" للخطر.(3)
 
هذه الاتهامات راحت تتكرر وبعبارات موحدة على لسان أغلب الإعلاميين والسياسيين في الغرب والخليجيين، وحتى بعض العراقيين الذن تم تجيندهم لهذا الغرض، وكأنها منظمة عملاقة خاضعة لقيادة مركزية موحدة تلقنها بما يجب أن تقول وبمنتهى الانضباط والالتزام، أشبه بفرقة الأوركسترا الخاضعة لإشارات من قائدها.

فهل حقاً هناك تهميش وعزل للسنة والكورد من قبل المالكي في العملية السياسية؟
لقد ناقشنا هذا الموضوع في مقالات عديدة، وأهمها مقال لنا بعنوان (التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة)، ذكرنا فيه زيف هذه الادعاءات والاتهامات أنقل فقرة من هذا المقال:
((فهل حقاً يمكن تهميش مكونة كبيرة من مكونات الشعب العراقي من الحكم في النظام الديمقراطي؟ وماذا عسى لهذه الحكومة، ومهما كانت الهوية المذهبية لرئيسها، أن تفعل إذا قام قياديون عرب سنة في السلطة مثل طارق الهاشمي، ورافع العيساوي، و أحمد العلواني وغيرهم بأعمال إرهابية؟ فهل تسكت عنهم لأنهم سنة، ولأن رئيس الحكومة شيعي لكي لا يتهم بالطائفية؟علماً بأن الجهة التي وجهت التهمة لهؤلاء هي (مجلس القضاء الأعلى) الذي رئيسه ومعظم أعضائه من السنة. كذلك قال الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الأمريكية في العراق سابقاً، أنه كان على علم بتورط طارق الهاشمي بالإرهاب. أما رافع العيساوي فقد ظهر على شاشة التلفزة وهو ينقر على الدف ويرقص في ساحات الاعتصامات مع المعتصمين وهم رافعين رايات "القاعدة" السوداء. أما أحمد العلواني فبالإضافة إلى خطاباته البذيئة في الشحن الطائفي على منصات ساحات الاعتصامات، والمسجلة على اليوتيوب، ألقي القبض عليه وعلى حمايتهم بالجرم المشهود وهم يواجهون القوات الأمنية بإطلاق النار عليهم حتى نفد عتادهم. وهل هناك سلطة تحترم نفسها تسكت عن هؤلاء من أجل أن لا تتهم بمطاردة إرهابيين من مذهب معين؟ وهاهي الأنباء تفيد أن وزارة المالية الأميركية وضعت أربعة عراقيين من بينهم حارث الضاري (الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق) تحت طائلة أمر رئاسي يقضي بتجميد أرصدتهم وممتلكاتهم داخل الولايات المتحدة ومنع المواطنين الأميركيين من إجراء أي تعاملات تجارية معهم كونهم يهددون السلام والاستقرار في العراق. http://alakhbaar.org/home/2014/1/161527.html
فهل أمريكا جمدت أموال هؤلاء لأسباب طائفية؟ في الحقيقة أمريكا تأخرت عشر سنوات عن توجيه التهمة لحارث الضاري وعصابته، وهو الذي صرح على رؤوس الأشهاد قبل سنوات أن "القاعدة منا ونحن منها". (4)

فكيف يمكن للمالكي عزل السنة والكرد وهم يشغلون المناصب العليا التالية: رئيس الجمهورية سني كردي، وله نائب عربي سني، رئس البرلمان عربي سني وله نائب كردي، وللسنة نائبان لرئيس الوزراء، وللسنة عرباً وأكراداً أكثر من نصف مجلس الوزراء، بما فيها وزارات سيادية مثل الخارجية والدفاع. أما البرلمان فحسب ما تتمخض عنه صناديق الاقتراع ولا دور للمالكي فيه.

المالكي متهم بالدكتاتورية، ونحن نعرف أن الدكتاتور هو الذي يصدر القرارات والقوانين دون الرجوع إلى برلمان إن وجد. بينما المالكي لا يستطيع إصدار أي قرار أو قانون إلا من خلال البرلمان. بل صار البرلمان عقبة أمام إصدار القوانين العاجلة التي لها علاقة مباشرة بحياة الشعب مثل قانون الموازنة، وإعمار العراق اللذين رفض البرلمان التصويت عليهما نكاية بالمالكي، ولم يستطع "الدكتاتور" المالكي أن يعمل أي شيء إزاء هذا الوضع ومع ذلك فهو دكتاتور !!.
وهكذا تعودنا على تكرار نفس الاتهامات كلما حصل تصعيد إرهابي أن المالكي همش الكرد والسنة، وأن ما يجري في المناطق السنية ليس إرهاباً، بل انتفاضة العرب السنة المظلومين المهمشين من قبل المالكي!!

المالكي هو السبب؟
وافضل رد على هذه الاتهامات وصلني عبر الإيميل، وأذيع على اليوتيوب جاء فيه ما يلي:
((لم يكن المالكي رئيساً للوزراء عندما ذبحتم أكثر من ألف شخص على جسر الأئمة،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وكنتم تقفون في اللطيفية تذبحون الموتى ومن معهم الذين جاؤوا لدفنهم،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وفجرتم الضريحين العسكريين في سامراء،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وقتلتم في يوم واحد بمفخخاتكم في مدينة الصدر أكثر من 500 شخص،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وفجرتم الحلة وراح ضحيتها أكثر من 300 شخص،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وقتلتم عزالدين سليم وباقة من الشهداء،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء وذبحتم 40 طفلاً في بغداد الجديدة،
لم يكن المالكي رئيساً للوزراء ودمرتم الجسور والوزارات وكل بنى العراق التحتية،
قلتم إن تنحي الجعفري فسنقبل بأي مرشح وها أنتم اليوم تقولون أن تنحي المالكي سنضمن الأمن.
غاياتكم ونياتكم مكشوفة عسى المغرر بهم من جمهور الشيعة يعرفون من أنت ولماذا تحاربون)).أنتهى.

ما هي ألأسباب الحقيقية للتخلص من المالكي؟
إذن ما هي أسباب الصراع ضد المالكي؟ هل حقاً كل هذه الأزمة أنتجها المالكي، وما أن يتنحى حتى و يعود الأمن والاستقرار والازدهار إلى العراق و"يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم"؟
كلا وألف كلا، فحملة مطالبة المالكي بالتنحي (Maliki must go)، ما هي إلا ذريعة واهية لأغراض شريرة أهمها إعادة العراق إلى ما قبل عام 2003، وإلغاء الديمقراطية، وتسليم السلطة إلى البعث ورما باسم آخر، المهم تنصيب حكومة معادية لإيران، ومتحالفة مع السعودية وتركية وقطر وغيرها، لتنفذ ما يملى عليها من بارزاني وغيره. والغرض الأبعد هو تدمير المحور الروسي الصيني الإيراني.
وتأكيداً لما نقول هو ما صرح به مقتي الديار العراقية الشيخ رافع الرفاعي لصحيفة الشرق الأوسط اللندية السعودية قائلاً: «... والثورة لن تقف عند تنحي المالكي، بل نحن ماضون إلى تغيير العملية السياسية الحالية برمتها، لأنها بُنيت على خطأ يجب تغييره».(5)
ونقلت صحيفة (جاودير) عن القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني الملا بختيار قوله: ".. إن (داعش) والمتعاونين معها لا يهدفون الى تشكيل اقليم سني، بل ان هدفهم تدمير العملية السياسية والديمقراطية في العراق." (6)
وهذا يؤكد لنا أن المالكي ليس السبب، بل العملية السياسية والديمقراطية في العراق برمتها، فهؤلاء مخربون وليسوا طلاب حق.

احتلال أمريكي جديد
وما حصل من احتلال للمحافظات الغربية هو في الحقيقة احتلال أمريكي جديد وبدون قوات أمريكية، حيث سخروا له منظمة (داعش) الإرهابية، وهي بالأساس فرع منشق من القاعدة، وفي العراق أنظم إليها الضباط البعثيون في الجيش العراقي السابق لقيادتها، فوجهوها لتحقيق أغراضهم، كما وتم اختراق الجيش العراقي الجديد بالضباط البعثيين، وتم التخطيط لما يحصل الآن منذ سنوات. فهناك تلاقي وتطابق في الأغراض الآنية بين أمريكا وداعش والبعث. داعش تريد إبادة الشيعة، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية، البعث يريد إعادة السلطة المفقودة، أمريكا تريد حكومة معادية لإيران وحكومة بشار الأسد في سوريا وضد روسيا والصين في المنطقة.

وإضافة إلى الأدلة التي ذكرناها في مقالنا السابق(1)، عن دور واشنطن في هذه الجريمة، هناك أدلة أخرى حصلنا عليها مؤخراً، تؤكد أن ما يجري في العراق تم بتخطيط من إدارة أوباما، والسعودية وتركيا وقطر. ففي رسالة من صديق عراقي أكاديمي بارز يعمل في أحد المعاهد الأمريكية، وناشط في مجال إعمار العراق، قائلاً:
"هل تعلم ان الشركات العملاقة هنا توقفت عن متابعة البناء في العراق قبل سنة، وأخبرني رؤساء هذه الشركات ان الوزارة الخارجية الأمريكية لا تشجع اعمال بناء المصافي والبتروكيميائيات في العراق لان الوضع قريبا سينفجر وهذه معلومات قبل سنة الخ"
ومعلومة أخرى من الصديق نفسه قال: "قبل أسبوعين اتصل بي تلفونيا، رجل كردي حاصل على الجنسية الامريكية ويعمل مستشار لشركة في تكساس، قال لي عنده نفط بكميات كبيرة وهو في الناقلات من كردستان، ومستعد ان يقدمه لمشتري معروف عندي بسعر تحت سعر السوق بعشرين دولار على البرميل، فقلت له قبل الحديث معه أني أعمل حسب قوانين الحكومة ألمركزية في بغداد ومن خلال مؤسسة التسويق SOMO ولا اعمل أي شيء إلا بما يتناسب مع قوانين الحكومة العراقية لوزارة النفط العراقية ولا توجد اية مؤسسة قانونيه للنفط العراقي غيرها... وقلت له: هل ممكن ان اعرض هذا الطلب على مؤسسة SOMO ليصادقوا عليه، فرفض رفضا باتا. وفي مكالمة أخرى عرض عليَّ مبلغ كبير جداً عدة ملايين دولارات، وقال اذا لم اقبل فسوف اندم لان الخارطة ستتغير خلال اقل من شهر... فأغلقت التلفون بوجهه...)) أنتهى.
فماذا نريد أكثر من هذه الأدلة على أن ما يجري من تصعيد للإرهاب الداعشي وبقيادة البعثيين وبهذه القوة الغاشمة، هو طبخة أعد لها في واشنطن منذ سنة وحانت ساعة الصفر يوم 10/6/2014 ؟

كما ويشهد رئيس المجلس المركزي لحزب الإتحاد الوطني الكردستاني السيد عادل مراد عن الهجمة  التي شنتها جماعة داعش، على العراق، قال”هذا المخطط أعد له في اجتماع جرى في عمّان العاصمة الأردنية، وحضره مندوب عن زعيم جماعة داعش أبوبكر البغدادي، وممثلون عن عزة الدوري والبعثيين، وكتائب ثورة العشرين، والجيش الإسلامي، وجيش المجاهدين، والطريقة النقشبندية، وتم رفض مشاركة جناح حزب البعث الذي يقوده يونس الأحمد، وهناك وضع مخطط هجوم داعش على الموصل ثم تقدمت هذه الجماعة  الإرهابية الى بقية المناطق العراقية وخلقت حالة الفوضى التي نشهدها حالياً."(7)
وفي تتابع خطير لتداعيات التقارير التي تحدثت عن خطط اميركية وبريطانية لاعادة البعثين الى مسرح السلطة في العراق للمشاركة، او السيطرة على الحكم، نشرت صحيفة " ليفتس كانك " النرويجية تقريرا خطيرا عن الاتصالات الجارية بين البعثيين والمخابرات المركزية الاميركية الـ(CIA) والإدارات البريطانية المسؤولة عن ملف العراق. وكشف التقرير عن ضغوط سعودية وأردنية وخليجية تمت ممارستها على الادارة الاميركية لتقليص النفوذ الشيعي والعمل على اعادة ضباط الجيش والمخابرات البعثيين الى السلطة في العراق. وكشفت الصحيفة عن قيام طائرات خاصة بثلاث رحلات لنقل ضباط وسياسيين بعثيين مع عوائلهم من صنعاء الى بغداد في الاسبوعين الماضيين(8)

كذلك رفضت إدارة أوباما مساعدة العراق بمد جيشه بالسلاح والذخيرة والطائرات التي اشترتها حكومة المالكي منذ مدة وفق الاتفاقية الأمنية المعقودة بين البلدين، والغرض من هذا التلكؤ هو منح الوقت الكافي لداعش لتحقيق المهمة القذرة الموكولة بها، وهي احتلال كافة المناطق السنية لضمان تقسيم العراق وفرضه على الحكومة العراقية الحالية أو القادمة كأمر واقع. واكتفت إدارة أوباما بتكرار القول أن الحل سياسي، بتشكيل حكومة جديدة تشمل السنة والكرد بشراكة أكبر، وكأن هذه الشراكة غير موجودة الآن. 
 
وماذا عن أخطاء المالكي:
يعاتبني بعض الأصدقاء أني لم أذكر شيئاً عن أخطاء المالكي. نعم، المالكي غير معصوم عن الخطأ، فحياة الإنسان عبارة عن سلسلة من الأخطاء، والعاقل من يتعلم من أخطائه. ولكن المفارقة، أن هذه أخطاء المالكي هذه تعتبر عند خصومه حسنات. على أية حال، فمن أخطاء المالكي في رأيي ما يلي:
الخطأ الأول، أنه وافق على إعادة الضباط البعثيين في الجيش. وما حصل يوم 10/6/2014 من تسليم الموصل لداعش، وكركوك للبيشمركة نتيجة مباشرة لهذا الخطأ القاتل، خطط له منذ سنوات وبمنتهى الاتقان والخبث والدقة.
الخطأ الثاني، أنه وافق على نقل السجناء من بغداد والمناطق الأخرى من العراق إلى سجن بادوش وغيره في الموصل. وقد حصل مراراً فرار السجناء الإرهابيين من سجون الموصل خلال السنوات الماضية، ولا شك عندي أن الهروب كان يتم بتنسيق من الإدارة والمحافظ. ثم جاءت الكارثة الكبرى عندما سيطرت داعش على الموصل فتم إطلاق سراح الإرهابيين، وإعدام نحو 500 من السجناء الشيعة المحكومين بجرائم غير إرهابية.
الخطأ الثالث، إبقاء كلية القوة الجوية في شمال تكريت، ونتيجتها قتل 1700 من تلامذتها من الشيعة أيضاً على أيدي إرهابيي البعث الداعشي الطائفي.
رابعاً، إذعانه لضغوط إيران بعدم الموافقة على إبقاء قوات أمريكية في العراق لتدريب القوات العراقية ومساعدتها في محاربة الإرهاب عند الضرورة خاصة والعراق مهدد بالإرهاب ومن قبل دول الدول الجوار. لذلك أرجو من صناع القرار السياسي في العراق أن يعيدوا النظر في هذه المسألة بعد هذه الكارثة.
خامساً، عدم الاهتمام بالعلاقات العامة وتكوين لوبيات لحكومته في أمريكا وأوربا. فأمريكا تدار من قبل اللوبيات. ولذلك نجح خصوم المالكي (علاوي، والنجيفي والمطلك وبارزاني وغيرهم) في كسب المتنفذين في مجلسي: الشيوخ والكونغرس، وإدارة أوباما في البيت الأبيض، وبالأموال والضغوط السعودية والخليجية الأخرى، ولذلك نجد المالكي محاصر من كل حدب وصوب، وهو الآن مشروع شهادة، ليذبح العراق مرة أخرى كما ذبح في شباط 1963، وعلى أيدي نفس الجهات الداخلية والخارجية.

الاستنتاج:
نستنتج من كل ما تقدم، أن التحجج بدكتاتورية المالكي، وعزله للسنة العرب والكرد، وتفرده بالسلطة وصنع القرار السياسي، ما هو إلا غطاء لمخطط رهيب يهدد الشعب العراقي والمنطقة بأسرها، فما يجري هو احتلال أمريكي جديد ولكن ليس بجيوشها هذه المرة، بل بجيش داعش الإرهابي، مدرب أفضل تدريب ومجهز بأحدث الأسلحة الفتاكة، يقوده أشد الغلاة من الضباط البعثيين. أي أنه انقلاب على الديمقراطية، للمجيء بالبعث كمشارك فعال في السلطة أو يقود السلطة لتكون في بغداد حكومة معادية لإيران، وبالتالي إدخال العراق مرة أخرى في نفق مظلم قد يستغرق عشرات السنين. ويبدو أن مخطط تقسيم العراق إلى ثلاث دول مهيأ للتنفيذ، وليتحول قريباً إلى الأمر الواقع، وأن يقبل العراقيون ما لم يكن في الحسبان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط المراجع
1- عبدالخالق حسين: أوباما ينتقم من بوش بترك العراق للإرهابيين
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=660

2- MIKE WHITNEY: The ISIS Fiasco: It's Really an Attack on Iran
http://www.globalresearch.ca/the-isis-fiasco-its-really-an-attack-on-iran/5387832

3- رئيس إعادة إعمار العراق لـCNN:  طريق طويل من الأخطاء الأمريكية بالعراق
 http://alakhbaar.org/home/2014/6/170897.html

4- عبدالخالق حسين: التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=626
 
5- مفتي العراق: الثوار ماضون لتبديل العملية السياسية برمتها.. وما تفعله «داعش» لا يقيم الدولة
http://www.aawsat.com/home/article/123996

6- الخطاب الكردي المعتدل يثبت ان بارزاني يغرد خارج السرب بموضوع (الانفصال)
http://alakhbaar.org/home/2014/6/171168.html

7- عادل مراد: هجمة «داعش» خطط لها في الأردن
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170951.html

8- صحيفة نرويجية تكشف عن اتصالات مكثفة بين البعثيين وبين الاميركيين
والبريطانيين لتامين وصولهم للسلطة في العراق
http://burathanews.com/news/61955.html

 رابط ذو صلة
فيديو(7 دقائق)، موقف علماء السنه في العراق (لقاء مع فضيلة الشيخ خالد الملة، هام جدا)
https://www.youtube.com/watch?v=60G2pq8mYuo&feature=youtu.be


301
أوباما ينتقم من بوش بترك العراق للإرهابيين

د.عبدالخالق حسين

لم تكن الهجمة المفاجئة والسريعة لاحتلال الموصل وصلاح الدين من قبل (داعش) التي أذهلت العالم، أن تتم بدون دعم دول إقليمية مثل السعودية وقطر وتركيا، وحتى أمريكا وبريطانيا.
فالمتابع لما يتعرض له العراق من هجمة إرهابية شرسة جديدة من قبل هذه العصابات الإرهابية المسلحة، وبطريقة متقنة من جميع الجوانب، وما يرافقها من دعم الإعلام العربي والدولي، والعبارات الموحدة التي يرددها الإعلاميون والسياسيون العرب والغربيون، وبروح التشفي، لا بد وأن يصل إلى قناعة أن هذه الحملة المنسقة لا يمكن أن تكون من صنع هذه المنظمة الإرهابية وحدها، بل وراءها حكومات إقليمية ودولية وإمكانيات ضخمة بما فيها الغرب، وبالأخص إدارة أومابا، وأن هذه المنظمة الإرهابية هي من صنع حكومات إقليمية ودولية لتوظيفها كقوة ضاربة ضد أية حكومة في العالم تخرج على سياسات هذه الحكومات.
والدليل كما يلي:
أولا، طريقة سيطرة داعش على الموصل بدون إطلاق رصاصة واحدة بسبب خيانات الضباط الكرد والضباط المحليين حين جاءتهم أوامر من مراجعهم العليا بترك واجبهم الوطني، وطلبوا من الجنود والمراتب بالذهاب إلى بيوتهم وبالملابس المدنية. فالضباط الكرد ذهبوا إلى أربيل، والضباط المحليين أنضم قسم منهم إلى داعش، إضافة إلى الخلايا النائمة التي كانت تنتظر ساعة الصفر لتنفذ مهمتها التي أنيطت بها حسب خطة مدروسة تم إعدادها منذ مدة وبمنتهى الدقة.
 
ثانياً، بعد سقوط الموصل، ومن ثم تكريت تم تسليم إدارتهما إلى البعثيين، لتواصل بهائم داعش، كقوة ضاربة، عملها في احتلال مناطق أخرى، مع إبقاء بعض الداعشيين يستمرون في إرهاب الناس بمعاملتهم بمنتهى القسوة من القتل والتعذيب لكل من لا يستجيب لطلباتهم، ولم يسلم منهم حتى رجال الدين السنة، وما قاموا به من هتك الأعراض، وتدمير الآثار التاريخية، وسرقة المتاحف وغيرها، وهدم التماثيل والآثار بالجرافات، كما و قاموا بجلد رجل دين في ساحة عامة في الموصل لأنه استخدم اسم  (داعش) بدلاً من (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، فالداعشيون يغضبون من تسميتهم بداعش. و تعمل داعش على نشر هذه الجرائم بالفيدو لإرعاب الناس وشل إرادتهم، وهي طريقة عرف بها البعثيون منذ 8 شباط 1963 إلى هذه اليوم.

ثالثا، طريقة تعامل الإعلام العربي والعالمي مع هذه الأحداث، بما فيها مؤسسة (BBC)، حيث نسمع عبارات موحدة وبتكرار، مثلاً، لحد اليوم لم يصفوا داعش بالإرهاب، بل بـ(السنة المتطرفين) ضد الشيعة ( (Sunni extremists against Shiits، بينما هم ذبحوا حتى رجال الدين السنة في الموصل وبمنتهى القسوة والوحشية وأمام الناس.
رابعاً، إبراز هذه الحرب بين القوات العراقية والإرهابيين بأنها حرب أهلية بين الشيعة والسنة، في حين أن منتسبي الجيش العراقي هم من جميع مكونات الشعب العراقي دون استثناء، إضافة إلى مشاركة عشائر سنية مع الجيش لمحاربة داعش في المناطق الغربية والموصل.

خامساً، تكرار الإعلام والسياسيين العرب والغربيين اتهام رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، بأن هذه الكارثة من صنعه وذلك بعزله وتهميشه للشركاء في العملية السياسية من السنة والكرد، وهذا غير صحيح. فجميع المكونات ممثلة في الحكومة وحسب نتائج الانتخابات التي أعترف بنزاهتها مراقبون دوليون. فإذا كانت غاية بعض الشركاء في العملية السياسية إفشالها من الداخل، وقاموا بأعمال إرهابية، ودعم الإرهاب وسعوا لإلغاء لإلغاء جميع القوانين والإجراءات الرادعة للإرهاب من أمثال طارق الهاشمي، ورافع العيساوي وأحمد العلواني وعشرات غيرهم، فماذا عسى أن يعمل المالكي إزاء هؤلاء الشركاء وهم في السلطة والإرهاب في آن واحد؟

سادساً، محاولة الإعلام إعفاء داعش من مسؤولية هروب مئات الألوف من أهل الموصل إلى كردستان، فيقابل المراسلون البعض من النازحين وبانتقائية واضحة، وربما تلقينهم ليقولوا ما يريده المراسلون، فيرددون أنهم لم يفروا خوفاً من داعش وإنما خوفاً من تنفيذ المالكي لتهديده باسترجاع المناطق المحتلة بقصفها بالطائرات. فالمالكي ملام في جميع الأحوال.

سابعاً، تقاعس إدارة الرئيس الأمريكي أوباما في الاستجابة لطلب العراق بمساعدته في مواجهة الإرهاب، ضمن اطار الاتفاقية الأمنية الإستراتيجية المعقودة بين الدولتين عام 2011، وتبرير أوباما لتقاعسه وكما جاء في بيانه الذي ألقاه في البيت الأبيض يوم 19/6/2014، أنه "لا يوجد حل عسكري للأزمة في العراق وأن الأمر يتطلب حلا سياسيا". هذه العبارة هي الأخرى تتكرر باستمرار من قبل معظم السياسيين الغربيين والخليجيين، وكأن داعش التي تضم في صفوفها مرتزقة من الشيشان والأفغان وباكستان، وفلول البعث، هم شركاء في العملية السياسية.

لماذا يتقاعس أوباما في دعم العراق؟
والسؤال هنا، لماذا يتقاعس أوباما في دعم العراق وتركه ضحية لهذا الإرهاب المتوحش؟
الجواب هو، أن أمريكا يحكمه حزبان يتنافسان بشراسة على السلطة وهما: الديمقراطي، والجمهوري. وكل حزب يحاول أن يحارب الآخر ويدمر شعبيته بمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة. وهذه الحالة ليست جديدة، بل معروفة ومتبعة في أمريكا لعشرات السنين، إذ سمعنا بفضيحة ووترغيت في عهد الرئيس رتشارد نيكسون، والكونترا ضد حكومة ساندانيستا اليسارية في نيكاراغوا، وعملية إيران غيت في عهد الرئيس رونالد ريغن، وغيرها كثير.

فالرئيس أوباما يعاني من عقدة الرئيس الجمهوري السابق، جورج دبليو بوش، وصار من أولوياته إلى حد الهوس هو إفشال كل ما حققه بوش في العراق بإسقاط حكم البعث الجائر وإقامة النظام الديمقراطي فيه. والمعروف أن أوباما كان معارضاً لسياسة بوش في العراق قبل أن يصبح رئيساً. ولذلك ومنذ تسلمه الرئاسة عام 2009، راح أوباما يعمل على إفشال مشروع بوش في العراق وبمختلف الوسائل والحجج. إذ نراه اليوم يتردد في بيع السلاح لتسليح الجيش العراقي لمواجهة الإرهاب، وسكوته عن دور الشركاء في العملية السياسية في الإرهاب، بل ويلقي اللوم على المالكي.
وفي هذا الخصوص لا بد وأن يتحمل السيد المالكي نصيبه من اللوم في معارضته لإبقاء نحو 15 ألف جندي أمريكي في العراق حسب ما طلبت به أمريكا إثناء المفوضات بين العراق وأمريكا لإبرام الاتفاقية الأمنية الإستراتيجية بينهما، وذلك لإصرار العراق على شرطه أن يحاكم العسكري الأمريكي إذا ما ارتكب جريمة في العراق بقوانين عراقية. وقد نصحنا الحكومة العراقية بتقوية علاقتها مع أمريكا والموافقة على وجود بعض القوات الأمريكية في العراق لتدريب جيشه، ومساعدته في مواجهة الإرهاب عند الحاجة. ولكن للأسف الشديد لم يستجب لندائنا أحد.
ولكن من جهة أخرى، علمتُ من قيادي سياسي عارف بالأمور، أن إيران هددت المالكي أنه في حالة موافقته على إبقاء قوات أمريكية في العراق، فإنهم (الإيرانيون) سيحيلون العراق إلى جهنم! وأعتقد بإمكان إيران تنفيذ هذا التهديد عن طريق بعض المليشيات الشيعية (اتباع الصدر). وهذا هو الذي جعل المالكي يمتنع عن إبقاء قوات أمريكية في العراق. والمفروض بالأمريكان أن يعرفوا هذه الحقيقة ويتفهموا الموقف العراقي الحرج .

علاقة أمريكا بداعش
هناك مقالات صدرت في الغرب بعد كارثة داعش في العراق، تساعدنا على فهم الأزمة العراقية وحقيقة داعش. ففي مقال للسيد خالد سنجاري بعنوان: الكارثة العراقية والجيوبوليتكس (Iraqi Calamity and Geopolitics) (1)، توصل الباحث إلى استنتاج مقنع أن داعش هي صناعة مخابرات دول إقليمية (السعودية وقطر وتركيا) وبدعم ومباركة أمريكا، لاستخدامها في زعزة أمن واستقرار الدول التي تخرج على سياسات أمريكا وصديقاتها في المنطقة، كما حصل في سوريا ضد حكومة بشار الأسد، ويجري الأن في العراق ضد حكومة المالكي، والقضية أبعد من العراق، فالهدف هو زعزعة إيران وروسيا والصين.
وفيما يخص إيران ومحاولة أمريكا "التقرب" منها لدعم العراق ضد داعش، يرى الباحث البريطاني فنيان كننغهام في مقال له بعنوان: (الولايات المتحدة تقود إيران إلى المستنقع العراقي US Leading Iran into Iraqi Quagmire)، أن ما يجري في العراق هو من صنع أمريكا وسبب تردد أوباما في دعم العراق هو منح داعش الوقت الكافي لاحتلال أكبر مساحة ممكنة من العراق لتضمن مصادر بقائها من جهة، ومن ثم إقناع إيران للتورط في المستنقع العراقي. والغاية الأخرى من هذه الحملة هي تجزئة العراق، الدعوة التي بدأها نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل سنوات,

وهذه اللعبة تعني أن أمريكا تريد الانتقام من إيران، كما انتقمت من سوريا، لأن سوريا وإيران جعلتا العراق مستنقعاً لأمريكا بعد 2003. وإن صح ذلك فهذا يذكرنا بجر الاتحاد السوفيتي إلى المستنقع الأفغاني، الأمر الذي استنزف الاقتصاد السوفيتي إلى حد الإنهيار.
وعن منظمة داعش الإرهابية يقول كننغهام: "إن منظمة داعش المتطرفة بشكلها الحالي هي صناعة أمريكا وتدعمها سراً، جنباً إلى جنب مع حلف شمال الأطلسي وحلفاء واشنطن في الخليج. ففكر داعش هو انعكاس لشيوخ الوهابية في السعودية وقطر، وكلاهما قد خصص أكثر من 10 مليار دولار في دعم داعش والجماعات المتطرفة الأخرى، مثل جبهة النصرة." (2)
وتأكيداً لدور السعودية وقطر في دعم داعش، "اتهم السيناتور الامريكي جون ماكين ، الكيان السعودي بتمويل مجاميع "داعش" الاجرامية في العراق، مطالبا واشنطن بالضغط على حكام آل سعود لوقف تمويل ودعم تنظيم" داعش" التكفيري. (3)

ورداً على سياسات أوباما المدمرة في العراق شن ديك جيني، نائب الرئيس الأمريكي السابق، هجوماً كاسحاً على أوباما حول سياسته الخاطئة في التعامل مع الملف العراقي في حديث له في (معهد أميركان إنتربرايز للأبحاث السياسية العامة) في واشنطن العاصمة قائلاً:
"نادرا ما كان أي رئيس أمريكي على هذا القدر من الخطأ، وبهذا الحجم، وعلى حساب الكثير. في كثير من الأحيان قال لنا السيد أوباما انه "ينهي" الحروب في العراق وأفغانستان، كما يرغب. والآن تحطم خطابه باصطدامه بالواقع ". إذ نرى جهاديي داعش وهم في ملابسهم السوداء يحتلون الأراضي التي أمنت عليها أمريكا عن طريق الدم الأمريكي وهو الدليل النهائي، أي إذا كانت هناك حاجة لأي دليل، أن أعداء أمريكا لم "يهلكوا" وإنما هم مازالوا يستقوون ويواصلون مسيرتهم. (4)
 
هذه المواقف المتخاذلة من أوباما ورد فعل القادة الجمهوريين ضده، وما كتبه الإعلام عن حقيقة ما يجري، وسكوت أوباما على ما ترتكبه داعش الإرهابية في العراق، وبعد صدور فتوى الإمام السيستاني للعراقيين المقتدرين على حمل السلاح، والتجاوب الشعبي الواسع للفتوى الذي أذهل العالم، وخوف أوباما أن تخرج الأمور من يد أمريكا كما حصل في دعمهم للقاعدة وطالبان في أفغانستان، والتي كانت من عواقبها كارثة 9 أيلول/سبتمبر 2001، كل هذه الأمور دفعت أوباما إلى تغيير موقفه نسبياً وربما لتهدئة العراقيين واللرأي العام الأمريكي والعالمي، عندئذ، قال أوبما: (إن بلاده مستعدة لتنفيذ "ضربات عملية عسكرية محدودة في العراق إذا تطلب الأمر" لمواجهة الخطر المتنامي للمتطرفين، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا عودة لوحدات قتالية أمريكية إلى العراق. وأن الولايات المتحدة سترسل 300 مستشار عسكري إلى العراق، وإنها ستنشئ مراكز عمليات مشتركة في بغداد وشمالي العراق. وعززت من نشاطاتها الاستخبارية وعمليات الرصد في العراق من أجل دراسة المخاطر التي تهدد العاصمة بغداد." (5)
وليفضح دوره في دعم داعش، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، "إن قيام الولايات المتحدة بشن ضربات جوية على عصابات "داعش" في العراق يمكن أن يؤدي لسقوط أعداد كبيرة من القتلى المدنيين وإن واشنطن لا تحبذ هذه الاستراتيجية". بينما أردوغان لم يعترض على جرائم داعش الفضيعة في القتل الجماعي ضد العراقيين العزل في المناطق التي احتلتها.

الموقف الأمريكي من المالكي
رغم أن الرئيس أوباما تحفظ في إعطاء رأيه الخاص في بقاء أو رحيل المالكي، وهل سيتمكن المالكي من إعادة الاستقرار السياسي إلى العراق؟ حين سأله أحد الصحفيين، فأجاب:
"كما قلت، انها ليست وظيفتنا أن نختار الزعماء للعراق. وكان من بين ما حارب الامريكان من أجله خلال سنوات عديدة في العراق، هو توفير الفرصة للعراقيين لتقرير مصيرهم واختيار قادتهم.)(6)

والجدير بالذكر، أن هناك حملة في الإعلام الغربي وخاصة في أمريكا ومنذ السفرات المكوكية التي قام بها أسامة النجيفي وصالح المطلق في العام الماضي، وتأجيرهم لشركات العلاقات العامة (Public Relation=PR)، للتأثير على أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكيين، وبالتالي للتأثير على موقف إدارة أوباما. ويبدو أن هذه الشركات نجحت في تكوين لوبيات في واشنطن لصالح النجيفي والمطلق، وهي نتاج الملايين الدولارات التي صرفها هؤلاء وبدعم من السعودية وقطر.
ومهمة هذه الشركات واللوبيات تشويه صورة المالكي، وإظهار الزبائن بالمساكين المظلومين المهمشين من قبل المالكي!!. والتركيز على فكرة مفادها أن المالكي دكتاتور، قام بتهميش وعزل السنة والكرد، وسياسة المالكي هذه أدت إلى تفشي الفساد والإرهاب، وأنه فشل في تحقيق الاستقرار وتوفير الخدمات للشعب، وإرضاء الشركاء في العملية السياسية. وراح الإعلام الغربي وبعض القادة السياسيين يرددون هذه العبارات بمناسبة ودونها.
وإنصافاً للحقيقة نقول، لا يمكن للمالكي أن يهمش أحداً، وإنما هناك حملة للتخلص منه لأنه صمد أمام العواصف، والتزم بالدستور، فالسنة لم يتحملوا أن يكون شيعياً رئيساً للوزراء، وقالها مستشار أسامة النجيفي صراحة: "الحكم للسنة و هم من حكموا العراق طيلة القرون الماضية ولا نسمح للشيعة باختيار رئيس الوزراء". وإذا ما نجحوا في إزاحة المالكي فالبديل إذا كان شيعياً لن يدوم أكثر من ستة أشهر.
أما الكتلة الكردستانية بجناحها البارزاني، فيريدون التخلص من المالكي لأنه يرفض أن يخالفوا الدستور بالتصرف بنفط كردستان كما يشاؤون. هذا كل ما في الأمر.
ولذلك لجأ خصوم المالكي بإثارة الاضطرابات في البلاد على شكل اعتصامات ، وتصعيد الأعمال الإرهابية وسيطرة داعش على بعض المناطق في محافظة الأنبار، تكللت مؤخراً بما حصل في الموصل والذي كان مخططاً له أن يحصل قبل عام، ولكن اجلوه إلى ما بعد الانتخابات، فإذا فاز المالكي وأصر على الولاية الثالثة يطلقون العنان لداعش بكل طاقاته، كما حصل باحتلال الموصل وبمساعدة رئيس الإقليم الكردستاني، والسعي لاحتلال بغداد وإسقاط الحكومة بالقوة. وهذه الخطة بدأت خيوطها تتكشف للعيان، وهي ليست من هذه العصابة الداعشية التي ما هي إلا بهائم للتنفيذ تتصرف بلا عقل، إذ وراءها دول أقليمية (السعودية وقطر وتركيا) وكذلك بعض الدول الغربية وخاصة أمريكا، ومن هنا نجد تقاعس الرئيس الأمريكي في دعم العراق ومساعدته في دحر الإرهاب.
والسؤال هنا، كيف تقبل أمريكا الديمقراطية الليبرالية التي تسعى لنشر الديمقراطية في العالم، أن تضرب نتائج الانتخابات في العراق عرض الحائط، وتترك الأمر بيد عصابات إرهابية من مرتزقة الشيشان والأفغان وباكستان والسعودية، ليقرروا من يشكل الحكومة؟
إن موقف أوباما من داعش، والضغط على المالكي بالتنحي، وترك داعش لتقرر من يحكم العراق، هذه خيانة كبرى للديمقراطية والعدالة والقيم الإنسانية، وإذا ما تحقق لهم ما يريدون، فلن تبقى أية مصداقية لأمريكا في العالم.
لذلك، نؤكد للرئيس أوباما، وكل من استخدم الوسائل الداعشية لتنفيذ الأعمال القذرة في العراق، ولأغراض مخالفة للدستور أن "حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر"، و أن كيدهم سيرتد إلى نحورهم. يبدو أن هؤلاء المراهنين لم يعرفوا طبيعة الشعب العراقي وسايكولوجيته الاجتماعية. الشعب العراقي يرفض الإملاءات الخارجية عليه. فالمالكي حصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين، نحو ثمانمائة ألف صوت في بغداد وحدها، أما كتلته (دولة القانون) فقد حصلت على 95 مقعداً، فهل من الديمقراطية بمكان أن يزاح هذا الرجل وهو الذي قاد العراق لثمان سنوات في أحلك الظروف، ويحل محله أحمد الجلبي الذي لم يحصل على أكثر من ألفين صوت؟ أية ديمقراطية هذه؟ ولذلك، وكما نشرت صحيفة الواشنطن بوست أن الأزمة الأخيرة رفعت من شعبية المالكي. لذلك فأية محاولة لإزاحة المالكي بالقوة إرضاءً لأسياد داعش فسيكون مردودها كارثة على العراق وعلى الذين يحاولون تنفيذ هذه الخطة الجهنمية. وليتمسك الرئيس أوباما بما صرح به في مؤتمره الصحفي: " إن بلاده لا تستطيع اختيار قادة العراق فهو أمر يعود للعراقيين أنفسهم". 
ونضيف: أن من يقرر مصير المالكي ومن يتسنم رئاسة الحكومة في العراق، هم نواب الشعب وتحت قبة البرلمان العراقي وليس الداعشيون من مرتزقة السعودية وقطر وتركيا.
ــــــــــــــــــــــــ
روابط المراجع
1- Khalid Sanjari: Iraqi Calamity and Geopolitics
http://www.middle-east-online.com/english/?id=66644

2- Finian Cunningham:  US Leading Iran into Iraqi Quagmire
http://www.informationclearinghouse.info/article38847.htm

3- جون ماكين يتهم سعوديون بتمويل العمليات الاجرامية في العراق
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=23117

4- Former Vice President Dick Cheney: The Collapsing Obama Doctrine
http://online.wsj.com/articles/dick-cheney-and-liz-cheney-the-collapsing-obama-doctrine-1403046522

5- أوباما: مستعدون لتنفيذ"ضربات محددة" في العراق ضد المتشددين
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2014/06/140619_iraq_obama_us_actions.shtml

6- عبد الصاحب الناصر: تحليل لبعض نقاط الرئيس اوباما
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170814.html




302
مرحى لفتوى الإمام السيستاني في مواجهة الإرهاب البعثي الداعشي

د. عبدالخالق حسين
يتعرض العراق الآن إلى أخطر كارثة في تاريخه، لا تقل خطورة عن غزو المغول عام 1258م وانقلاب 8 شباط 1963. والخطر الداهم اليوم هو من نفس الشباطيبن في الداخل والخارج، ولكنهم جاؤوا هذه المرة بالعمامة واللحى الطويلة واللباس الوهابي وبأيديولوجية التكفيريين تبرر لهم حرب إبادة الجنس باسم الله والإسلام. وما حصل في مجزرة تكريت من قتل 1700 من الشباب في عمر الورود من طلبة الكلية الجوية ما هو إلا تمارين إحماء لما هو أدهى وأمر لو هم انتصروا. وما يسمى بانقلاب الموصل فقد دبر بمنتهى الخبرة والدهاء شاركت فيها جهات عديدة ومنها السعودية وقطر وتركيا والقيادة الكردستانية البارزانية، بدأ التنفيذ في ساعة الصفر بتدمير معنويات الجيش العراقي بطريقة خبيثة بعد أن انسحب الضباط الأكراد الموالين لبارزاني بالاتفاق المسبق مع الضباط من منطقة الموصل الموالين للبعث، والذين نجحوا في اختراقهم للجيش والتحضير لمثل هذه المناسبة الشريرة، رافقتها ومازالت حملة إعلامية واسعة من الإعلام العربي المضاد في شن حرب نفسية على الشعب العراقي وجيشه الباسل بأنهم نزعوا ملابسهم العسكرية واستبدلوها بملابس مدنية جلبت لهم من قبل المخططين لهذا الغرض الخبيث(1)
لقد ذكرنا، أن القصد من هذه الكارثة هو إعادة حكم البعث، وتدمير العراق. ولمواجهة هذه الجريمة الكبرى فلا بد من أن تكون المهمة الرئيسية للمخلصين العراقيين في هذه اللحظة التاريخية الحرجة والحاسمة هي التركيز على الوحدة الوطنية، وأن يكون كل شيء من أجل دحر الإرهاب وإفشال المؤامرة الخبيثة، والعمل على رفع المعنويات، وتوظيف كل المشاعر الوطنية والدينية والإنسانية لمواجهة الوحوش البشرية الكاسرة.

لقد عرف الإمام السيد علي السيستاني بحرصه الشديد على السلام الأهلي في العراق، ومنذ عام 2003، كان بمثابة صمام الأمان، يحث أبناء طائفته الشيعية التي تعرضت إلى حرب إبادة الجنس من قبل الإرهابيين التكفيريين، كان ومازال يحثهم على الصبر وضبط النفس، ويردد دائماً أن (السنة هم أنفسنا وليسوا أخواننا فقط). ولمواقفه المشرفة هذه، نال السيستاني تقدير واحترام الرأي العام العالمي حيث رشحته الصحافة البريطانية لجائزة نويل للسلام. ولما تعرض العراق إلى خطر الهجمة الداعشية الأخيرة مصحوبة بالحملة الإعلامية الشرسة في الحرب النفسية وتدمير معنويات الجيش والشعب أصدر الإمام فتواه التي دعا فيها إلى الوحدة الوطنية والتي جاءت في وقتها المناسب كحاجة وطنية وإنسانية ملحة، غيرت موقف أمريكا المتردد في مساعدة العراق لمواجهى الإرهاب.(2)
إذ جاء في تقرير راديو اوستن النرويجي: ” ان مسارعة الولايات المتحدة لتوجيه ضربات جوية لمواقع المتمردين في الموصل وصلاح الدين، وربما الفلوجة، جاءت بهدف اقناع العراقيين بان اميركا تقوم بمهامها وهي تتكفل بمحاربة المتمردين وانه لا حاجة لتطوع مئات الآلاف من العراقيين للالتحاق بجبهات القتال” .(3)
ومن قرأ الفتوى الإمام السيستاني، أو سمعها من خلال خطاب وكيله الشيخ عبدالهادي الكربلائي في خطبة الجمعة (13/6/2014)، لم يعثر على كلمة واحدة تشير إلى أبناء طائفة معينة، سنة أو شيعة، أو ضد أية طائفة، بل أنها موجهة إلى كل الشعب العراقي بكل طوائفه وبدون أي إستثناء، لمواحهة الخطر الداهم من خوارج العصر من الإرهابيين الداعشيين الذين حولتهم آلهة الشر إلى روبوتات لتدمير الحرث والنسل. لذلك نالت هذه الفتوى استسحان وارتياح جميع الأخيار الشرفاء في العالم بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون.
لكن هناك من في قلوبهم مرض من كتاب سخروا أقلامهم للطعن بهذه الفتوى الوطنية ومحاولة تشويهها تحت غطاء العلمانية ومناهضة الطائفية، والحرص على الوحدة الوطنية لأغراض كيدية تصب في خدمة الطائفية وداعش ومن سخر داعش لتدمير العراق. لا أريد هنا أن أذكر كل هؤلاء الحاقدين من أصحاب الأقلام المأجورة، ولكني أكتفي بالإشارة إلى واحد منهم لأني كنت أتوسم فيه الحرص على الوطنية، ولخلفيته اليسارية، ولكن يبدو أن ثقافته الماركسية لم تخلصه من آفة الطائفية التي ابتلى بها العراق. والكاتب هذا هو السيد حامد الحمداني الذي نشر مقالاً له في موقع الأخبار، بعنوان: (حذار: العراق بات على شفير الحرب الأهلية الطائفية المدمرة). لا شك أن العنوان جميل ولكن الشيطان في التفاصيل، إذ يقول: "لقد راعني تحول موقف المرجع الشيعي الأعلى السيد السيستاني الذي التزم به فيما سبق لجمع سائر اطراف الصراع والحفاظ على السلم الأهلي في العراق، ليعلن وبكل صراحة فتواه الجديدة التي دعا فيها سائر ابناء الطائفة الشيعية الى حمل السلاح ضد اخوتهم ابناء الطائفة السنية واصفاً من يموت منهم في هذه الحرب المجنونة بالشهيد، وهكذا زج المرجع الأعلى السيد السيستاني نفسه كطرف في الحرب الأهلية التي باتت على الابواب، وانا هنا ادعو السيد السيستاني ان يعيد النظر بدعوته الخطيرة هذه لكي لا يتحمل وزر هذه الحرب التي يجري الاعداد لها قبل فوات الأوان".(4)
فهل هناك تزييف أكثر من ذلك؟

كنت أتمنى على الكاتب أن يحترم ماضيه اليساري، وعمره الذي تجاوز الثمانين، وشيبته، ويتجنب الوقوف إلى صالح الإرهابيين. ولا أدري من أين أتى بعبارة (دعا فيها سائر ابناء الطائفة الشيعية الى حمل السلاح ضد اخوتهم ابناء الطائفة السنية).أليس في هذا الكلام تحريض على الفتنة الطائفية؟ فكما أوضحنا أعلاه، أن الفتوى موجهة لكل العراقيين بدون تمييز وبدون ذكر اسم أية طائفة، وضد منظمة داعش الإرهابية التي أغلب مقاتليه أجانب من الشيشان والأفغان وغيرهم، لذلك فقد أساء الكاتب إلى أبناء طائفته السنية حين اعتبرهم دواعش، وهم براء من داعش.
لقد أساء السيد حامد الحمداني إلى سمعته حين وقف مع الطائفي ومفتي الإرهاب الشيخ يوسف القرضاوي الذي تهجم على فتوى السيستاني. ويكفي السيستاني فخراً وشرفاً أن أبناء السنة استجابوا لفتواه قبل الشيعة، وهنا أستشهد ببعض الشهادات التي يمكن أن تفضح تعصب الحمداني وأمثاله من أدعياء اليسار والعلمانية المزيفين ومقاصدهم الكيدية.
قال فضيلة الشيخ خالد الملا، رئيس جماعة علماء العراق فرع الجنوب، والوجه الأبرز في تأسيس جماعة علماء العراق، ما يلي: " إن سماحة السيد السيستاني ابلغني بان السنة هم انفسنا وليسوا اخواننا فقط. وأيد الملا في حديث متلفز، ما ذهب اليه المرجع الديني الاعلى سماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني وحثه العراقيين على الابتعاد عن التصرفات التي تسيئ لوحدة الشعب العراقي، منتقدا القرضاوي الذي اعتبر ما یحدث في العراق “ثورة شعبیة”، قائلاً: لم أستغرب من بیان القرضاوي لأن جذور اتحاد هیئة علماء المسلمین معروفة." (5)

كما وأعلن النائب عن قائمة الرافدين يونادم كنا (مسيحي)، في تصريح صحفي عن دعمه وتأييده للفتوى التي أصدرها المرجع السيد علي السيستاني للجهاد ضد داعش وأعوانها من العصابات الإرهابية. وقال إن فتوى السيد السيستاني موجهة لكل العراقيين وليس لطائفة أو مذهب معين، والمراد منها إسناد ودعم الجيش العراقي والقوى الأمنية في حربها ضد عصابات داعش الإرهابية، لتحرير الأرض العراقية المغتصبة في الموصل وغيرها من المدن العراقية. وأضاف: "أننا ندعم الشباب العراقي في تطوعه دفاعاً عن الموصل وكنائس الموصل التي دنسها داعش الإرهابي، ونقوم بهذه المهمة كعراقيين وليس كطائفة أو دين، فالموصل مدينة عراقية" (6)

وإذا لم يكفي هذا، فنقدم إلى المفكر الماركسي سابقاً، والديمقراطي الليبرالي حد النخاع حالياً، السيد الحمداني، شهادة السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، وهو بالتأكيد ليس شيعياً رافضياً، ولا من أتباع السيد السيستاني، انتقد بشدة الممارسات الاجرامية لعصابات "داعش" في العراق. فيما اعلن دعمه الكامل للبيان الذي أصدره المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني الذي اكد ضرورة حفظ وحدة العراق. وأفادت وکالة "آسوشیتد برس" الامریکیة في تقرير بأن" بان کي مون اعرب عن قلقه البالغ ازاء المجازر التي ترتکبها عصابات داعش الاجرامية، و طالب بمحاکمة مرتکبیها محذرا من العواقب الوخیمة للعنف  في العراق، الذي یمکن أن یزید من تفاقم الصراع و یأتي بعواقب وخیمة على المنطقة بأسرها".
ويذكر ان شیخ الفتنة الطائفیة یوسف القرضاوي وصف الهجمة الاجرامية الشرسة على العراق بقیادة عصابات "داعش" بـ"الثورة الشعبیة". (7)
والملاحظ أن هؤلاء الكتاب الذي أثاروا كل هذه الضجة ضد فتوى السيستاني الوطنية الداعية لوحدة العراق، سكتوا سكوت أبي الهول عن مئات الفتاوى وربما الآلاف التي صدرت وتدعو إلى قتل الرافضة، الشيعة، الصفوية، الفرس المجوس، الأنجس من اليهود ...الخ،  لم يحذر مثقفو الطائفية من هذه الفتاوى الصريحة لإشعال الفتن الطائفية والحرب الأهلية، ولكن عندما صدرت فتوى واحدة من السيد السيستاني للدفاع عن العراق من الإرهاب انبرى هؤلاء المثقفون بالتحذير من الحرب الأهلية. ولكن لكونهم اقرب للإرهاب طالما هدفهم الرئيسي هم الشيعة، سيحذرون ويحذرون من الحرب الأهلية حينما ينبري الشيعة للدفاع عن وجودهم.
كما سكت هؤلاء سكوت الشياطين الخرس عن فتاوى العشرات من مشايخ الوهابية التي أفتت بقتل الروافض، مثل الشيخ عبدالمالك السعدي، شيخ التكفيريين الذي أفتي مؤخراً لمجرمي داعش باغتصاب النساء في نينوى. (8)

وبناءً على كل ما تقدم، نقول، نحن أيضاً من حقنا أن نحذر السيد حامد الحمداني وأمثاله من أدعياء اليسار الذين يمارسون الطائفية بلباس العلمانية واليسارية، وهم في الحقيقة أعداء اليسار والعلمانية لأنهم سخروا أقلامهم لتحقيق المؤامرة الكبرى التي تورط فيها أحط الرجعيين في العالم وحتى الغرب، وسخروا لها السعودية وقطر وتركيا، وللأسف الشديد ضموا إليها حتى حكومة الإقليم الكردستاني. فهذه الهجمة الشرسة أكثر شراسة من هجمة 8 شباط 1963، تهدف لعودة البعث إلى حكم العراق ثالثة عن طريق عصابات الإرهاب الإسلامي الوهابي، وسخروا لها الإعلام العالمي الذي تجنب لحد الآن تسمية داعش بالإرهاب، بل اكتفوا بتسميتها بـ(السنة المتطرفين)، والسنة منهم براء. كما وما انفك الإعلام الغربي والقادة السياسيين يرددون عبارة مفادها أن سبب هذه "الانتفاضة الشعبية" هو عزل السنة والكرد من قبل المالكي وتفرده بالسلطة. وهم يعرفون حق المعرفة أن ليس هناك عزل ولا تهميش، ولا يمكن للمالكي أو أي شخص آخر في هذا المنصب أن يكون دكتاتوراً وهو لم يستطع حتى الدفاع عن نفسه إزاء هذه الحملة المسعورة من موجة الأكاذيب ضده، والشتائم عليه علناُ وفي الإعلام المضاد في العراق وحارجه. ولكنها ذريعة تستغلها الدول الغربية لتبرير تقاعسها في نصرة العراق وترك الجريمة أن تمر، وبعد ان ترتكب المجازر الوحشية وإبادة الجنس وفوات الأوان، لينتبهوا ويذرفوا دموع التماسيح على حقوق الإنسان في العراق. 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- فيديو، شهاده الجنود لماذا ترك الجيش العراقي الموصل بعد دخول داعش
http://www.youtube.com/watch?v=96Zbp7v9Gtg&feature=youtube_gdata_player

2- المرجعية الدينية العليا تفتي بوجوب الدفاع عن العراق وشعبه وتعتبر من يقتل دفاعا عن بلده شهيدا
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170287.html

3- ” راديواوستن” النرويجي: قلق امريكي بريطاني من تشكيل جيش ثاني في العراق
http://www.abna.ir/arabic/service/iraq/archive/2014/06/16/616374/story.html



4- حامد الحمداني : حذار: العراق بات على شفير الحرب الأهلية الطائفية المدمرة
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170537.html

5- خالد الملا : السيد السيستاني أبلغني أن أهل السنة هم أنفسنا وليسوا فقط أخواننا
http://www.qanon302.net/news/2014/06/17/21803

6- كنا : فتوى المرجع السيستاني ليست للشيعة فقط
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170572.html

7- بان كي مون يعلن دعمه لبيان السيد السيستاني
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=22798

8- السعدي شيخ التكفيريين يفتي لمجرمي داعش باغتصاب النساء في نينوى
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=22895






303
كلهم داعشيون، ومن بعث واحد

د.عبدالخالق حسين

أفادت الأنباء أن "23 مجموعة ارهابية غير داعش احتلت نينوى من بينها الحركة النقشبندية، وشباب الموصل الارهابية، وكتائب الحدباء، وجماعة نصرة العراق، واهل الجنة، وغيرها من مجاميع مختلفة المرجعيات والقيادات والاهداف ".(1)

في الحقيقة، إن معظم هذه التنظيمات هي مجموعات إرهابية بعثية، خرجت من رحم البعث الفاشي، وكل مجموعة أسند لها دور معين تقوم به. فتنظيم (داعش)، متخصص في العمليات العسكرية وشراسة الانتقام، والقسوة في قتل الأبرياء العزل لبث الرعب بين الناس، وإلقاء الجرائم البشعة التي يرتكبها البعثيون على تنظيم باسم داعش وتبرئة ساحتهم منها.

تنظيم آخر باسم:(القيادة العامة للجيش العراقي) نشر بياناً يشبه (البيان الأول) الذي يصدر عادة بعد كل انقلاب عسكري يقوم به البعثيون، جاء فيه: "يا ابناء أمتنا العربية .. يسجل أبنائكم الشجعان انتصارات وطنية خالدة افتتحت بتحرير محافظة نينوى مدينة الرماح الباسلة من القوات الحكومية المعتدية وهاهم الثوار من الفصائل والقوى كافة يزحفون لتحرير وتطهير المدن العراقية وعلى رأسها بغداد الحبيبة من براثن الطائفيين الذين عاثوا فساداً وظلماً وقتلا بالشعب العراقي المظلوم ومن ورائهم الاحتلالين الأمريكي والايراني الغاشمين."

و تحاول هذه "القيادة" أن تظهر نفسها بالوجه الحضاري، والإلتزام بالقوانين الدولية، إذ أدعى ناطق باسمها للبي بي سي، أنهم ضد تنظيم (داعش) وما يرتكبه من جرائم، فهم ليسوا ضد الشيعة، وملتزمين بإتفاقية جنيف لحماية اسرى الحرب وحقوق الإنسان...الخ. هذا الكلام للتضليل فقط ، فهذه التنظيمات هي بعثية وقد عاثوا فساداً وقتلاً في المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم. إذ تفيد الأنباء أنهم أعدموا إمام الجامع الكبير في الموصل لأنه رفض أن مبايعتهم، كما و هرب 17 إماماً إلى أربيل خوفاً من القتل، كذلك انتحرت أربع نساء بعد اغتصابهن، إضافة إلى فرض أحكام الشريعة على الناس وخاصة على النساء بارتداء النقاب الأفغاني.
وتقرير آخر مصور، وفيديو سرب من داعش، يبين ارتكابهم جريمة نكراء كبرى وهي "تنفيذ الاعدام بـ 1700 من طلبة كلية القوة الجوية في قاعدة "سبايكر" شمال تكريت (175 كم شمال غرب بغداد) بعد أيام على تسليم انفسهم. وأوضح أنه أفرج عن 800 من "مرتدي السنة"، الذين يعملون بالقاعدة بناء على أوامر من اميرها ابو بكر البغدادي" (2).

لا نريد هنا الحديث عن خبث البعث وأساليبه الشيطانية في ارتكاب العمليات الإرهابية البشعة، وتضليل الناس بواجهات إسلامية، فقد بات هذا الأمر معروفاً للجميع. ولكن المشكلة أنه مازال هناك البعض، وحتى من بين الذين نتوسم فيه المعرفة والوعي والحس الوطني، مازالت تعبر عليهم أساليب البعث وحيلهم الخبيثة. لقد أكدنا مراراً أن البعثيين يرتكبون إرهابهم بأسماء تنظيمات إسلامية وهمية لكي يحموا سمعة حزبهم من الإرهاب ويتجنبون نقمة الجماهير، خاصة وهم يحلمون بالعودة للحكم. كما وأكدنا أن ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش- إختصاراً)، هو تنظيم بعثي تشكل بادئ الأمر ضمن القاعدة، وبتوجيه المدعو أبو بكر البغدادي من مواليد سامراء، ولكن بعد أن اتسع هذا التنظيم واشتهر بالجرائم البشعة التي ارتكبها في سوريا، إلى حد أنه حتى أيمن الظاهري، زعيم القاعدة أدان جرائمهم وتبرأ من داعش.

ودليل آخر يؤكد أن داعش هو تنظيم بعثي أن الداعشيين سلموا إدارة المدن التي وقعت تحت سيطرتهم إلى إداريين بعثيين كانوا يديرون هذه المدن في عهد صدام.

لماذا تبنى البعثيون أيديولوجية الإسلام السياسي بعد سقوط حكمهم؟
السبب هو أن أيديولوجية البعث ليست فيها قوة جذب ليضحي الإنسان بحياته من أجلها، فهي أيديولوجية هجينة خليط غريب من النازية الألمانية، والفاشية الإيطالية والماركسية، و البداوة العربية، وشيء خفيف من الإسلام. إذ كان ميشيل عفلق، المؤسس  للحزب، والمنظر له ماركسياً في أول شبابه، ثم تخلى عنها وتبني أفكار فلاسفة النازية مثل فيختة، وقالها صراحة، أنهم أسسوا حزب البعث لحماية الشباب العربي من الفكر الماركسي. وكانت مؤلفاته تتسم بالغموض. لذلك اعتمد البعثيون في كسب الشباب على التحريض والتأجيج، وتحريك الغرائز البدائية من المشاعر العنصرية والعصبية القومية. كما وأعلن عفلق (المسيحي) إسلامه كذباً للضحك على الذقون، وسمّى ابنه محمد، تماماً كما خدع الألمان المسلمين في الحرب العالمية الأولى بأن الإمبراطور الألماني غليوم، أعلن إسلامه وصار يُخاطب بالحاج محمد غليوم!!
لذلك وبعد سقوط حكمهم في العراق لم يكن لدى البعثيين فكر قوي يجذبوا به الشباب ليجازفوا بحياتهم في حركة جهادية من أجل إعادتهم للسلطة. فوجدوا ضالتهم في أيديولوجية الإسلام السني السياسي المتمثل بالوهابية الجهادية التكفيرية، وبدعم مالي سعودي وقطري، وتخطيط الاستخبارات البعثية، والتركية وغيرها، باستخدام الطائفية كمحرك للتعصب، وغسل أدمغتهم بالشحن الطائفي، وبالوعود المعسولة بسعادة الدارين. وبذلك فقد نجحوا في تحويل قطاع واسع من الشباب الفارغين فكرياً بتحويلهم إلى قنابل ووحوش بشرية، وبرابرة متعطشة لقتل الأبرياء، ليس لديهم ذرة من الاحترام لحياة الإنسان، فكان داعش وأخواتها، هدفهم المعلن كهدف الأخوان المسلمين والقاعدة، وهو: إعادة دولة الخلافة الإسلامية، أما هدفهم الحقيقي في العراق غير المعلن لدى قياداتهم العليا فهو إعادة حكم البعث.

الحياة في الصمود
وما تحقق لداعش من انتصار رخيص وسريع على جيش جرار يفوقه عدداً بثلاثين مرة، ومجهز بأحدث الآليات والأسلحة يحتاج إلى دراسة علمية عميقة لمعرفة الأسباب الحقيقية لهذه الحالة الشاذة والغريبة. ولكن يمكن في هذه العجالة أن نقول أن العملية لم تخلو من شراء ذمم الضباط القياديين بالرشوات والخيانات، والصراعات السياسية بين شركاء العملية السياسية، وضعف الولاء الوطني، ودور الإعلام المضلل المعادي في شن الحرب النفسية، ومحاولاتهم المستمرة لتدمير معنويات الجيش العراقي، كل هذه العوامل لعبت دوراً أساسياً في وقوع هذه الكارثة.

والدرس الذي يجب استخلاصه هو أن العسكري الذي يتخلى عن واجبه المقدس في الدفاع عن الوطن وشرفه العسكري خوفاُ من الموت، فالموت يلحقه في جميع الأحوال، وقد أثبتت المجازر التي أرتكبتها برابرة داعش ضد الجنود الذين بقوا في معسكراتهم و بدون قتال أن الحياة ليس في الإستسلام الرخيص بل في الصمود، فلو كان الجيش قد صمد لألحق الهزيمة بالداعشيين، ولكان أغلب الجنود الضحايا الذين قتلوا على أيدي برابرة داعش أحياء الآن.

والجدير بالذكر أن هناك حملة إعلامية مضللة تساند الداعشيين البعثيين، يحاولون إبراز وجه داعش بالوجه الإنساني والحضاري، مثلاً يقولون أن الحياة في الموصل وتكريت عادت طبيعية وهادئة وجميع الخدمات متوفرة، وإنما الناس يغادرون هذه المدن ليس خوفاُ من داعش بل خوفاً من المالكي لأنه هدد بإعادة هذه المناطق بالقصف الجوي. وهكذا يحاول الإعلام المضلل أي يبرئ الإرهابيين من جرائمهم وإلقائها على الحكومة العراقية في جميع الأحوال.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
مصادر
1)  23 مجموعة ارهابية في نينوى
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170474.html

2) داعش: أعدمنا 1700 طالب بكلية الطيران العراقية
http://www.elaph.com/Web/News/2014/6/914120.ht

روابط ذات صلة
داعش تمنع موظفات تربية نينوى من الدوام وتفرض اللباس الافغاني على موظفي المديرية
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=22781

الاتحاد الأوربي: مجرمو داعش احرقوا الكنائس بشكل كامل في الموصل
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=22787

بان كي مون يعلن دعمه لبيان السيد السيستاني
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=22798

* شاهد عيان لما حصل ليلة سقوط الموصل
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170614.html


304
أبعاد مؤامرة تفتيت العراق
د.عبدالخالق حسين

والآن، وبعد خراب البصرة، (سقوط الموصل وتكريت ومناطق أخرى بيد داعش، واحتلال كركوك من قبل البيشمركة)، بدأت خيوط المؤامرة تتكشف للذين يبصرون. وقد يعترض البعض: وهل عدنا إلى نظرية المؤامرة؟ الجواب: نحن ضد تعليق غسيلنا وكل مصائبنا على شماعة الآخرين، ولكن هذا لا يعني عدم وجود مؤامرات، فالسياسة بحد ذاتها سلسلة من الخطط السرية وتظهر للعلن عند التنفيذ. فهناك من يوظف تعددية مكونات الشعب العراقي لتدمير العراق وعدم السماح لهذا الشعب بالعيش بسلام في دولة ديمقراطية مستقرة.
فالشعب العراقي لم يمارس الديمقراطية طوال تاريخه حتى عام 2003، و معروف بالتعددية الأثنية والدينية والمذهبية بحكم التاريخ والجغرافية. وعند تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 على يد الاحتلال البريطاني، وكنتيجة لثورة العشرين، ضمت بريطانيا هذه الكتل البشرية المتصارعة في حدود بلد يسمى بالعراق في دولة واحدة وبمركزية مفرطة. إن الشعب العراقي لم يكن يوماً موحداً بإرادته الحرة التي لا تتوفر إلا في النظام الديمقراطي. لذلك فـ"الوحدة الوطنية" التي سادت منذ التأسيس عام 1921 وإلى يوم السقوط عام 9/4/2003، كانت وحدة مزيفة لم تكن اختيارية بملء إرادة هذه "الكتل البشرية"، بل كانت مفروضة عليهم بالقمع من قبل دكتاتورية حكم المكون واحد. وما يجري الآن في العراق من صراعات دموية بين هذه المكونات، واستعداد قادة كل مكون للتعاون حتى مع الإرهاب في سبيل الانتقام من غرمائه قادة المكونات الأخرى. وما حصل من احتلال المناطق السنية من قبل الإرهابيين الداعشيين دليل على صحة ما نقول.
ولا بد من القول أيضاً، أنه لو ترك أمر العراقيين لأنفسهم وبدون أي تدخل خارجي، لنجحوا في تحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية، ولكن، وكما بات واضحاً للعيان أن تدخل حكومات المنطقة (تركيا والسعودية وقطر) ساهم في إشعال الفتن الطائفية لتمزيق الوحدة الوطنية التي كانت هشة أصلاً.

نعم هناك مؤامرة واسعة وخطيرة، وضعت بمنتهى الدقة والدهاء من قبل خبراء السياسة والعلوم العسكرية، ساهمت فيها حكومات ونفذتها قوى عراقية، مؤامرة لا تقل خطورة عن مؤامرة 8 شباط 1963 التي أغرقت العراق في بحور من الدماء، وأدخلته في نفق مظلم لم يخرج منه حتى الآن، ومن نفس الجهات والحكومات والأسر، وحتى ضحايا هم أبناء ضحايا الأمس.

لقد واجهت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية عصابات الإرهاب منذ عام 2003 وحتى وقت قريب بمنتهى الشجاعة والبسالة، فما الذي حصل يوم 10/ 6/2014 لتنهار هذه القوات في الموصل وبقية مدن المحافظات العربية السنية لتسقط بيد داعش، وتسيطر البيشمركة على كركوك؟ والسؤال هنا: كيف استطاعت قوات (داعش) التي لا يتجاوز عدد أفرادها عن 1600 أن يهزموا جيشاً مؤلفاً من أكثر من 20 ألف، إضافة إلى 30 ألف من الشرطة، كلهم مجهزون بأحدث الأسلحة المتطورة، أن يحتلوا كل هذه المناطق وبدون إطلاق رصاصة واحدة، و ليتكرر نفس السيناريو في كركوك من قبل البيشمركة وبهذه السهولة؟
لقد بدأت الحملة ضد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من قبل فلول البعث ووسائل الإعلام العربية المعادية للعراق الجديد، حيث أستأجروا لها كتاباً عراقيين وغير عراقيين الذين نعتوا هذا الجيش بأقذع الصفات، مثل: الجيش الصفوي، وجيش المالكي، وجيش الشيعة، والمليشيات الشيعية. وأخيراُ نفذوا مخططهم لتدمير معنويات هذا الجيش عملياً وبخبث، بأنه فر من داعش، وانهارت معنوياته. فرغم التطبيل بأن هذا الجيش هو شيعي، إلا إنه تبين أن "جميع قادة الالوية والافواج وقادة الاستخبارات في الموصل هم اكراد وأول الفارين امام داعش" إذ جاء في تقرير نشرته المسلة: ان "امراء الافواج والالوية في الجيش العراقي المتجحفل في مدينة الموصل وضواحيها هم من الاكراد وأبناء المناطق المجاورة، الذين كانوا يدينون بالولاء لحكومة اقليم كردستان، وللمسؤولين المحليين ورؤساء العشائر في المنطقة، ولا يعبئون للأوامر التي تصدرها القيادات العسكرية العليا إلا بعد تلقي الضوء الاخضر من اربيل". واعتبرت المصادر ان "احد اسباب فشل قوات الجيش في التصدي لداعش هو التحريض عليه من قبل أثيل النجيفي حين دعا الى خروجه من المدينة." (1). وهذه التركيبة لضباط الجيش ينفي الادعاءات بأن الجيش العراقي هو جيش الشيعة، إذ تبين أن معظم ضباطه من الكرد والعرب السنة وبدون تمييز.
وقد تخلى هؤلاء الضباط عن مسؤولياتهم، وحنثوا بالقسم، وخانوا وطنهم وتخلوا عن شرفهم العسكري، وفروا إلى أربيل بأوامر من جهة عليا (سلطة الإقليم). ونفس الشيء تكرر في القوات المرابطة في كركوك.
وهكذا انكشفت خيوط وأهداف المؤامرة التي شارك في حبكها كل من تركيا والسعودية وقطر، وحكومة الإقليم لمنح الموصل وغيرها من المحافظات العربية السنية لداعش، وكركوك للكرد وبدون حرب، مع تصعيد الحملة الإعلامية لتدمير معنويات الجيش العراقي كتمهيد لما هو أسوأ. وظهر جلياً أن أداة تنفيذ هذه المؤامرة هي حكومة الإقليم، والحكومات المحلية في المناطق الغربية وكركوك، والدليل كما يلي:
 
أولاً، تزامن احتلال الموصل وكركوك مع وجود السيد مسعود بارزاني خارج العراق ولقاءاته مع جهات مشبوهة مثل أحمد الجربا، رئيس المعارضة السورية ومناقشة موضوع الولاية الثالثة للمالكي معه. فما علاقة هذا الرجل بتجديد ولاية المالكي التي هي شأن عراقي داخلي؟ فوجود السيد بارزاني في الخارج ليس صدفة، بل كان مخططاً له مسبقاً وبدقة ليبرئ ساحته بعذر(Alibi). فقام بمنح كافة صلاحياته العسكرية لنائبه السيد كوسرت رسول علي الذي لم يكن يوماً شخصاً هاما لدى السيد بارزاني، إذ كانت العلاقة بينهما متوترة إلى حد أن السيد علي قدم استقالته قبل أيام من سفر بارزاني إلى الخارج، فرفض الأخير الاستقالة وكلفه بهذه المسؤولية، وهذه محاولة لتوريط كاك كوسرت رسول علي وإلقاء اللوم عليه اذا ما تدهورت الأمور، وجاءت النتائج على غير ما يرغب الشعب الكردي، فيعلن بارزاني براءة ذمته من العملية فيما لو فشلت الخطة التركية- السعودية !!!
وإنصافاً للحق، فإذا كنا أمام خيارين كلاهما شر، فمن الحكمة أن نختار الأقل شراً. فبعد كارثة انسحاب الجيش من كركوك وبهذه الطريقة التآمرية، سواءً بشراء ذمم الضباط العسكريين بالمال السعودي والتخطيط التركي، أو لولائهم لغير العراق، لذا نرى أن تحرك قوات البيشمركة لسد الفراغ، لحماية الأرواح والممتلكات، أفضل مليون مرة من سقوط كركوك بيد برابرة داعش. ولكن نأمل أن لا يكون هذا الحل النهائي لمصير كركوك، بل يجب أن يبقى الحل وفق ما جاء في المادة 140 من الدستور العراقي.

ثانياً، تم اختطاف القنصل التركي في كركوك، والسيطرة على القنصلية التركية واحتجاز 80 من موظفيها في الموصل، وهذه مسرحية فاشلة، وذر الرماد في العيون لإبعاد التهمة عن دور تركيا في هذا المخطط الإجرامي، وربما لمنح تركيا حق احتلال الموصل (وفق معاهدة لوزان)، وكذلك احتلال كركوك بحجة حماية التركمان، فيتحقق الحلم التركي. ونحن نعرف من تاريخ تركيا أنها لن تترك أرضاً تحتلها ابدا كما حدث في قبرص.(2)

ثالثاً، كركوك الآن تحت سيطرة البيشمركه بعد "طرد" الجيش منها!! ولا بد وأن هذه الخطوة جزء من اتفاق مسبق، داعش تحتل الموصل، وحكومة الإقليم تحتل كركوك وبدون حرب. كما وأخبرني صديق وهو كاتب كردي مقيم في كردستان، أن غالبية الكرد البسطاء سعيدون بما يجري وبالأخص بعد "تحرير" كركوك من "قوات المالكي"!!!! معتقدين بان الفرصة سانحة للانفصال.

رابعاً، وفي تقرير لـ (صوت كوردستان)، جاء فيه: "أخبر مواطنون كورد نزحوا من الموصل صوت كوردستان أن قوات داعش كانت تتجول في الجانب الكوردي من محافظة الموصل و أخبرت الكورد بأنهم لا يستهدفون الكورد و أن حربهم هي مع المالكي و الشيعة الصفويين.(3)

خامساً، هذه الأحداث أسقطت الأقنعة عن أقطاب مهمة في العملية السياسية، إذ ساهم رئيس البرلمان أسامة النجيفي وعدد غير قليل من نواب كتلتي التحالف الكردستاني والعراقية، في عدم اكتمال النصاب لجلسة البرلمان الخاصة يوم الخميس 12/6/2014، لمناقشة قانون إعلان حالة الطوارئ لمواجهة الأخطار التي تهدد البلاد. وهذا الموقف يصب في صالح الجماعات الإرهابية والتكفيرية ومن وراءها.(4)
سادساً، ومما يؤكد أن تنظيم (داعش) هو بعثي ويسعى لإعادة حكم البعث، ما أفادت به الأنباء أن (اختار تنظيم (داعش) خلال الاجتماع العشائري الذي عقد في مدينة تكريت، احمد عبد رشيد محافظاً لصلاح الدين والذي كان محافظاً سابقاً في عهد صدام في نفس المحافظة.(5)

سابعاً، تزامن كل ذلك مع حملة واسعة من قبل مجموعة محسوبين على اليسار، وهم ضد نتائج الانتخابات، قاموا بنشر نداء لجمع التواقيع، في ظاهره إدانة الإرهاب وحماية الوطن، والديمقراطية، ولكن في جوهره هو في صالح داعش والمزيد من التردي في الوضع العراقي، إذ جاء أول مطلب في النداء البائس: "عدم تجديد الولاية الثالثة للسيد نوري المالكي"، وهو نفس المطلب الذي يلح عليه جميع أعداء الديمقراطية ومنها السعودية وقطر وتركيا وداعش وأنصارها. فهؤلاء راحوا يستغلون مأساة شعبنا للشماتة، ولتصفية حسابات مع خصومهم السياسيين خدمة لأولياء النعمة. فلو كان هؤلاء حقاً يؤمنون بالديمقراطية لاحترموا نتائج الانتخابات، وتركوا مصير المالكي بيد البرلمان الجديد المنتخب ليقرر بالوسائل الديمقراطية, فشعار هؤلاء (لا للإرهاب، لا للمالكي) يشبه شعار انتهازي سابق: (لا للحرب لا للدكتاتورية). والجدير بالذكر لاحظت أن عدد زوار الحملة ولحد كتابة هذه السطور بلغ 7318 بينما عدد الموقعين والمؤيدين للحملة: 471. وهذا يعني أن نحو 94% هم ضد هذا النداء.

يجب أن يعرف هؤلاء السادة أن التخلص من المالكي ما هو إلا الخطوة الأولى لتتبعه خطوات أخرى كثيرة، لا تنتهي إلا بعودة البعث الفاشي، ولكل غايته الخاصة: فغاية بارزاني هي استقلال الإقليم مع الاحتفاظ بحصته في حكم العراق و17% من ثروته، أما قادة الكيانات السياسية السنية فغايتهم رفض أي شيعي يتبوأ منصب رئاسة الحكومة، وقد قالها مستشار النجيفي بصراحة: ان "الحكم للسنة و هم من حكموا العراق طيلة القرون الماضية ولا نسمح للشيعة باختيار رئيس الوزراء". وإذا ما وافقوا على شيعي آخر فهم يأملون أن يكون ضعيفاً يستجيب لإملاءاتهم، ولن يصمد في المنصب أكثر من ستة أشهر. ولهذا يريدون التخلص من المالكي لأنه أثبت أنه قوي وملتزم بالدستور.

والغريب، أن بعض المثقفين، ومنهم أكاديميون فقدوا توازنهم، فبعد أن خسروا الانتخابات، راحوا يشتمون الشعب صراحةً إلى حد أن وصفه أحدهم بالكلاب، واتهمه باللاوطنية. وآخر ما تفتقت به عبقرية هذا "العالم الجليل"، أن كتب مقالاً بعنوان: (ليلة سقوط الموصل!) أوعز فيه السقوط إلى مؤامرة من صنع الحكومة لـ "ثلاثة أسباب:
الأول: ان الحكومة وقتتها قبل عشرة ايام من انتهاء عمرها لتخلق ظرفا يفوضها بالاستمرار.
الثاني:عقوبة من الحكومة ضد اهل الموصل مستخدمة تكتيك محاربة الخصم بضده النوعي.
الثالث:بداية تنفيذ مخطط يتبناه فريق من ساسة الشيعة لإقامة دولة شيعية تمتد من سامراء الى البصرة. قد تكون هذه الاسباب الثلاثة مترابطة"
انتهى.
إذا كان هذا الكلام اللامعقول والمضحك المبكي يصدر من أكاديمي، فماذا نقول عن أشباه المثقفين، أو المحرومين من نعمة الثقافة؟
وفي هذا الخصوص بعث لي السيد يوسف الشطري تعليقاً جاء فيه: "ان الموقف العراقي الحرج يتطور بسرعة مذهلة ... صعقتُ حين رأيتُ ردة فعل بعض العلمانيين واليساريين الذين خلطوا الاوراق ومسكوا ذيل الحقيقة. فتحليلات السادة تؤكد على ان عنترة مازال يعيش بيننا، فترى على سبيل المثال ان بعضهم شامتا بما حصل اليوم من سيطرة داعش على الموصل واعطاء هذا التنظيم الارهابي مظلة اعلامية وسياسية من خلال  كم من الشتائم والشماتة بالجيش العراقي الذي يقاتل الارهاب في انحاء كبيرة من العراق. وما رايته من بعض التعليقات "العلمانية" جردتهم من الموقف الوطني الواضح. ولو ناقشتهم لصبوا عليك شتى التهم وهذا ما افهمه، ولكن مالا استطيع فهمه هو ان بعضهم يقول ان "داعش منظمة ايرانية صفوية"، ونفس الاشخاص يعلقون على اعمال هذا التنظيم في الانبار او سوريا ويسموهم بالثوار المنقذين من المد الصفوي، وحين اسألهم عن (طالبان باكستان)، يقولون هذه صناعة أمريكية، وحين أسالهم عن (تنظيم القدس في مصر) يقولون هذا بسبب السيسي، وحين اسألهم عن (بوكو حرام)، يقولون هذا التنظيم صناعة اسرائيلية...الخ".

خلاصة القول
أن ما يحصل في العراق هذه الأيام من تصعيد للأزمة بسبب احتلال داعش للموصل وغيرها من بعض المناطق السنية، واحتلال البيشمركة لكركوك، هو نتاج مخطط رهيب ذو أبعاد وغايات خطيرة، تهدد بصوملة العراق، وراءها السعودية وقطر وتركيا، سخروا لتنفيذه قادة سياسيين مثل بارزاني، وقادة الكيانات السياسية الشيعية والسنية، نكاية بالمالكي بتنفيذ تهديدهم أنه إذا ما فاز المالكي في الانتخابات ولولاية ثالثة، فإن العراق مقبل على التقسيم، ضاربين الديمقراطية ونتائج الانتخابات عرض الحائط. هذا الموقف هو لا وطني ولا ديمقراطي. وقد تم توظيف البعث الداعشي لتنفيذ هذا المخطط كما اختير البعث لتنفيذ إنقلاب شباط 1963 وذلك لشدة قسوته وشراسته في القتل. فحكام هذه الدول ليسوا حريصين على مصلحة السنة، أو الأكراد، ولا على العراق. ومن المؤسف أن زج السيد بارزاني نفسه مع هؤلاء، فحقوق الشعب الكردي العادلة لن تتحقق بالماكيافيلية والتعاون مع الشيطان، ويجب عدم تلويثها بمخططات هذه الحكومات الرجعية الحاقدة على العراق لأسباب طائفية واقتصادية وسياسية، فستكون نتائجها وخيمة ليس على العراق فحسب، بل وعلى جميع مكونات الشعب العراقي وشعوب المنطقة، وحتى على المنفذين لهذا المخطط التآمري القذر، إذ كما قال ماركس: "يصنع الناس تاريخهم بأنفسهم، ولكن النتائج تأتي على غير ما يرغبون".
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- مصدر: جميع قادة الالوية والافواج وقادة الاستخبارات في الموصل هم اكراد وأول الفارين امام داعش
http://www.almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=31832

2- تركيا تتفاوض لإطلاق سراح رهائنها بالعراق وتدعو مواطنيها هناك الى المغادرة
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170281.html

3- صوت كردستان: عزت الدوري ينتقل الى الموصل ... داعش أخبرت المواطنين الكورد أنهم لا يستهدفونهم.. و خطة تنفيذ أزاحة الشيعة من السلطة في العراق كانت بأشراف تركي
http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=38923:%D8%B9%D8%B2%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%8A
 
4- نائبة عن القانون: الأحداث الأمنية الأخيرة أسقطت الأقنعة عن أقطاب سياسية باعت كركوك والموصل
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170286.html

5- مسلحو (داعش) يسمون محافظاً في عهد صدام حاكماً لصلاح الدين - المدى
http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=32471

6- عبدالخالق حسين: تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=656

305
تسليم الموصل لداعش بالتواطؤ
د.عبدالخالق حسين

بدءً أود التوضيح والتوكيد، أن ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ما هو إلا جيش الحرس الجمهوري الذي أسسه حزب البعث بعد اغتصابه السلطة عام 1968. وقد حافظ صدام حسين على قوة هذا الجيش، فلم يزجه في حروبه العبثية، و جهزه بأرقى الأسلحة والتكنولوجية، والتدريب، والولاء الأيديولوجي، والانضباط العسكري، وكانت مهمة هذا الجيش حماية السلطة البعثية من الشعب.

والجدير بالذكر أنه منذ سقوط حكم البعث وإلى الآن لم يقم البعثيون بأية عملية إرهابية باسم حزبهم، بل ارتكبوا جميع أعمالهم الإرهابية ضد المواطنين بأسماء تنظيمات إسلامية وهمية مثل: جند الإسلام، وجيش محمد، وجيش النقشبندية، وأخيراً استقروا على اسم (داعش). يعتقد البعض في الإعلام الغربي أن داعش هي فرع من القاعدة، وهذا خطأ، فداعش ليست فرعاً من القاعدة بل في تحالف مع القاعدة.

فحزب البعث يمتاز بالقدرة الفائقة على التلون والتقلب في سياساته، وعقد تحالفات مع جهات تختلف كلياً مع أيديولوجيته و حسب متطلبات الوقت والمرحلة. لقد تحالف في السبعينات مع الشيوعيين، وفي السنوات الأخيرة من حكمه، أعلن صدام الحملة الإيمانية، وبعد سقوط حكمه تحالفت فلوله مع القاعدة الوهابية. فالبعث ليس حزباً سياسياً بالمعنى المتعارف عليه، بل هو عصابة مافيوية سرية هيمنت على السلطة بطرق غير مشروعة، مثل التآمر والانقلابات العسكرية، وبدعم من الاستخبارات الأجنبية في ظروف دولية معقدة كالحرب الباردة. لذلك سميت سلطة البعث بـ(دولة المنظمة السرية).

والبعث لم ولن يتردد في توظيف أخس الوسائل خبثاً ولؤماً من أجل الحفاظ على سلطته إذا كان في السلطة، أو استرجاعها إذا كان قد طرد منها كما هو الآن. فهو يدعي العلمانية ولكنه راح يعزف على الوتر الطائفي لإشعال الفتنة الطائفية ودغدغة مشاعر أهل السنة لكسب عطفهم واستغلاهم من أجل العودة للاستيلاء ثالثة على السلطة.
وبهذه الطرق نجح البعث في كسب شريحة واسعة من السياسيين السنة، خاصة وأن معظم هؤلاء كانوا، وبعضهم مازالوا، أعضاء في عصابة البعث. وقد استفاد هؤلاء من مشروع المصالحة، وحكومة الشراكة الوطنية، فشاركوا في السلطة من أجل تدميرها من الداخل. وأفضل مثال هو كتلة العراقية بقيادة أياد علاوي (البعثي السابق)، الكتلة التي ضمت كيانات سياسية سنية يقودهم علاوي (الشيعي) للتغطية بأن هذه الكتلة علمانية وضد الطائفية.

دور الأخوَين النجيفي في تسليم الموصل إلى داعش
بترأس السيد أسامة النجيفي تكتل سياسي باسم (متحدون) ضمن كتلة العراقية (سابقاً)، وأخوه السيد أثيل النجيفي، محافظ نينوى (الموصل). وبات معروفاً لدى القاصي والداني كيف استغل السيد أسامة النجيفي منصبه كرئيس للبرلمان، في تعطيل إصدار القوانين، ومنها قانون الموازنة لحد الآن، بغية شل عمل الحكومة. كما و رفض تنفيذ قرارات السلطة القضائية في رفع الحصانة البرلمانية عن 17 نائباً متهمين بتهمة الإرهاب والفساد. كذلك نعرف دور نواب كتلته (متحدون) وعددهم 22 نائباً، في الدفاع عن (داعش) وجرائهما في محافظة الرمادي، حيث أعلنوا استقالتهم الجماعية من المجلس احتجاجاً على إرسال الحكومة القوات المسلحة لحماية السكان العزل في الفلوجة والرمادي من إرهاب داعش والقاعدة. كما وطالب الشقيقان ونواب كتلتهما (متحدون) رئيس الوزراء السيد المالكي بسحب القوات المسلحة من الموصل والرمادي والفلوجة، وذلك لتسهيل دخول الداعشيين إلى هذه المدن بسلام آمنين. ولحد وقت قريب كان كل قادة الكيانات السياسية في كتلة (العراقية)، ينفون أصلاً وجود تنظيم إرهابي باسم (داعش)، وينكرون حتى وجود الإرهاب في محافظات المنطقة الشمالية الغربية، بل أدعوا أن ما يجري في هذه المناطق هو انتفاضة شعبية يقوم بها أهل السنة ضد ظلم وتهميش المالكي لهم. ويا للمفارقة، أن هذه الاسطوانة المشروخة رددها حتى قياديون في حزب السيد عمار الحكيم مثل الدكتور أحمد الجلبي الذي يحلم بمنصب رئاسة الحكومة.
وبعد أن طالب شقيقه (أثيل) بإخراج الجيش من الموصل وتسليمه مفاتيح المدينة إلى داعش، طالب أسامة النجيفي بإجراء تحقيق في ازمة نينوى ومحاسبة القيادات العسكرية التي اهملت واجبها !! وفي هذه المرة راح يطالب بتدخل الجيش لإنقاذ الموصل من الإرهابيين بدلاً من الاعتراض على "زج" الجيش في الحفاظ على الأمن.
 
كما وبات دور الطائفية في هذه الأزمة واضحاً إذ صرح المدعو [(ناجح الميزان) الذي يعتبر نفسه شيخا قبليا، وسياسيا معارضا، ومستشاراً لأسامة النجيفي، قائلاً: ان "الحكم لنا نحن السنّة وليس للشيعة، ولن نسكت حتى يعود الحكم لنا" واعتبر أن "الحكم للسنة و هم من حكموا العراق طيلة القرون الماضية ولا نسمح للشيعة باختيار رئيس الوزراء"، ما يعني رفضه للعملية الديمقراطية ونتائج الانتخابات.](1)

وهذا الكلام الصريح الخطير بدون لف أو دوران، يفضح جميع الإدعاءات بأن معارضة السياسيين في المناطق الغربية للمالكي هي لأنه يهمش السنة ويظلمهم، بينما الحقيقة هم الذين يرفضون أن يكون للشيعة أو أي مكون آخر من غير العرب السنة، دور في المشاركة الحقيقية في السلطة واختيار رئيس الوزراء.
ومن مجريات الأمور بات واضحاً، أن معظم الحكومات المحلية في المحافظات العربية السنية هي متعاطفة مع فلول البعث (داعش) ورافضة للديمقراطية وصناديق الاقتراع وبدوافع طائفية وأيديولوجية البعث.
وبناءً على ما تقدم، نستنتج أن ما حصل في الموصل يوم الإثنين 9/6/2014 من احتلال داعش للمدينة بشكل كامل كان تتويجاً لتآمر وتخطيط متقن شاركت فيه جهات عديدة، منها حكومات أجنبية (تركيا والسعودية وقطر)، انتهت بتسليم محافظ نينوى مفاتيح المدينة إلى داعش بما فيها من مطار وطائرات وأسلحة وأموال لا تقدر، ونحو 500 مليار دينار في بنك المدينة، كلها أصبحت تحت تصرف داعش. أما الإدعاء بأن أثيل هرب مع حمايته، فهذا مجرد للتغطية ومسرحية بائسة. فلو كانت الحكومة المحلية برئاسة أثيل النجيفي حقاً ضد الإرهاب لما ألح بسحب القوات المسلحة من المدينة.
كذلك، وبعد خراب البصرة، وفوات الأوان، وللتغطية أيضاً، عقد أسامة النجيفي مؤتمراً صحفياً يوم أمس (10/6/ 2014) أعترف فيه لأول مرة بوجود منظمة إرهابية باسم داعش، وطالب الحكومة بإرسال القوات المسلحة لإنقاذ الموصل وبعد أن سلمها أخوه إلى داعش.

والسؤال الملح هنا، وبعد كل هذه الكوارث، هل سينتبه السياسيون العراقيون إلى الحاجة الماسة لنبذ خلافاتهم الشخصية جانباً، وتوحيد جهودهم وصفوفهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العراق الجريح؟ ألا تؤكد كارثة الموصل والكوارث الأخرى أن كل الشعب العراقي، وبمختلف مكوناته هم في سفينة واحدة، إن غرقت غرقوا جميعاً، وإن نجت نجوا جميعاً؟
فهل من مجيب؟ أم أنهم "صم بكم عميٌ فهم لا يفقهون"؟
ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
مستشار أسامة النجيفي يدعو الى ازاحة "الشيعة" عن حكم العراق
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170031.html

القدو: الأقليات تتعرض لمذبحة جماعية ونناشد الحكومة لتسليحنا
http://alakhbaar.org/home/2014/6/170100.html

مصدر مطلع لـ/الأنصار/: النجيفيان سلما "داعش" مفاتيح الموصل
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=22389

مصدر: جميع قادة الالوية والافواج وقادة الاستخبارات في الموصل هم اكراد وأول الفارين امام داعش
http://www.almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=31832
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحق
بعد تعميم المقال وصلني التعليق التالي من السيد يوسف الشطري، ونظراً لأهميته أنشره  كملحق، شاكراً له موافقته على نشر تعليقه مع ذكر اسمه الكريم.

السيد عبد الخالق المحترم
تحية طيبة
اكتب لك رسالتي, ذلك ان الموقف العراقي الحرج يتطور بسرعة مذهلة وأنا اشاهد الاخبار واتابع صفحات التواصل الاجتماعي وصعقت حين رأيت ردة فعل بعض العلمانيين واليساريين الذين خلطوا الاوراق ومسكوا ذيل الحقيقة. فتحليلات السادة المذكورين تؤكد على ان عنترة مازال يعيش بيننا، فترى على سبيل المثال ان بعضهم شامتا بما حصل اليوم من سيطرة داعش على الموصل وإعطاء هذا التنظيم الارهابي مظلة اعلامية وسياسية من خلال  كم من الشتائم والشماتة بالجيش العراقي الذي يقاتل الارهاب في انحاء كبيرة من العراق. وما رايته من بعض التعليقات (العلمانية) جردتهم من الموقف الوطني الواضح. ولو ناقشتهم لصبوا عليك شتى التهم وهذا ما افهمه، ولكن مالا استطيع فهمه هو ان بعضهم يقول ان داعش منظمة ايرانية صفوية ونفس الاشخاص يعلقون على اعمال هذا التنظيم في الانبار او سوريا ويسموهم بالثوار المخلصين من المد الصفوي , وحين اسالهم عن قاعدة باكستان، يقولوا هذه صناعة امريكية، وحين اسالهم عن تنظيم القدس في مصر يقولون هذا بسبب السيسي، وحين اسالهم عن بوكو حرام يقولون هذا التنظيم صناعة اسرائيلية .

ونفس الاشخاص يطالبون الحكومة بسحب الجيش ثم يتباكون بسبب "خذلان الجيش لهم" وحتى السيد اثيل النجيفي كان قد صرح قبل ايام ودعا الى سحب الجيش من الموصل والانبار، ثم البارحة يدعو الجيش الى الصمود ! بوجه الارهاب . يسمونه جيشا صفويا ثم يقولون خذلنا وانه غير مهني وغير شجاع "مو مثل جيش كبل!!" ستون سنة عجاف دون نهضة ودون حرية والسبب اسرائيل فهل نحن مقبلون على مثلها بسبب المد الصفوي ؟؟ لعن الله عنترة العبسي
عفوا استاذي المحترم ولكني في حيرة من امري فعنترة ما زال حيا
مع الاعتزاز والتقدير

يوسف الشطري

306
مع تعليقات القراء على مقال: هل حقاً المالكي أسوأ من صدام؟

د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الأخير الموسوم (هل حقاً المالكي أسوأ من صدام)(1)، تفضل عدد من القراء الأفاضل بالتعليق عليه في مواقع الانترنت (نحو 26 تعليقاً في موقع شبابيك و20 في عراق القانون لحد كتابة هذا المقال)، إضافة إلى العديد من الرسائل استلمتها بالبريد الإلكتروني، معظمها مؤيدة، إلا القليل جداً منها معارضة. واللافت للنظر أن أغلب الرسائل التي استلمتها من القراء الكرد مؤيدة للمقال، وهذا دليل على تذمر قطاع واسع من الشعب الكردي من سياسات السيد مسعود الذي راح يقامر، ليس بمصلحة الشعب الكردي المغلوب على أمره فحسب، بل ويعرض مصلحة كل الشعب العراقي إلى خطر جسيم. ولذلك اخترت رسالتين من كاتبين معروفين يؤيدان مضمون المقال تجنبت ذكر اسميهما حفاظاً على سلامتهما لأنهما يقيمان في كردستان، وتعليق ثالث ضد المقال وبتشنج واضح، أذكر اسمه لأنه نشر في موقع شبابيك.

كتب السيد (ج.م.):
((... شكرا لمقالتكم القيمة والتي تعبر عن خوالج الغالبية العظمى للشعب الكردي. ان مغامرات الحزب الديمقراطي تنذر بالخطر وربما سيكون الحزب الديمقراطي بنفسه الضحية الاولى.. وان غدا لناظره قريب. لدي ملاحظتان ربما يمكنك الاستفادة منهما لمقالتكم القيمة.
الملاحظة الأولى: ففي هذا المقطع تذكر ما يلي: [ "بينما حكومة الإقليم تصدر النفط وتستحوذ على ريع الصادرات النفطية، إضافة إلى واردات المداخل الحدودية (نقطة إبراهيم الخليل وغيرها... )"
يمكن اضافة التالي ان وجدتموه مفيدا: "من المفترض ان تكون لحكومة الإقليم عشرات المليارات الدولارات، فلماذا لا تدفع رواتب أبناء الإقليم من رصيدها الهائل؟ بل لابد من السؤال عن مصير ريع الصادرات النفطية، فصندوق النفط المشار اليه في دستور الاقليم خالي من النقود، وبنوك كردستان هي الاخرى خالية بحيث اضطرت حكومة الاقليم الى الاستجداء من الشركات الاهلية لدفع جزء من رواتب الموظفين، اذن أين طارت واردات النفط؟ وفي اي بنك عالمي استقرت؟ وفي حساب من اودعت ؟؟

والملاحظة الثانية، هي  في هذه الجملة من مقالتكم: "...بينما بارزاني يريد نفط كردستان لكردستان ونفط العراق للجميع"، من الممكن القول: بينما بارزاني يريد نفط العراق للجميع و نفط كردستان لكردستان. وليته كان لشعب كردستان، فهذه الاحزاب الكردية تتساءل: اين ذهبت عائدات النفط؟
تقبل تحياتيٍ], أنتهى التعليق.

جزيل الشكر للسيد (ج.م) على تعليقه الصائب، وتحليله الموضوعي. نعم، وكما بينتُ في مقالي المذكور أنه ليس هناك قطع رواتب أصلاً، وإنما رُفعت هذه اللافتة للإبتزاز والدعاية والتشهير ضد المالكي. فقد أشرتُ إلى رابط تقرير أدرجته في هامش المقال السابق وأعيده في المقال الحالي أيضاً، جاء فيه " في الوقت الذي أكدتْ فيه وزارة النفط العراقية أن الاتفاق بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان العراق كان ينص على تسليم الأخير 400 ألف برميل يوميا من النفط لشركة تسويق النفط العراقية، أكد خبراء أن حكومة الإقليم استولت على 6 مليار دولار أمريكي من عائدات النفط العراقي الذي يستخرج من كردستان فقط خلال هذا العام، و21 مليار دولار أمريكي خلال عامين ونصف)) (2).

لذلك، فالإدعاء بقطع رواتب الإقليم ما هو إلا لغرض الدعاية والتشهير إذ "نقل بيان لمكتب رئيس الوزراء في مقابلة تلفزيونية حول تصدير النفط من إقليم كردستان وما ترتب عليه من آثار، اكد فيها بأن "العملية فيها انتهاك للسيادة والدستور، ولا يمكن قبولها بأي حال من الاحوال، ولا يوجد شيء اسمه قطع رواتب الاقليم ولكن هذه لافتة ترفع للتعبئة والتحريض". (3)

الرسالة الثانية جاءت من صديق كردي نرمز له (ج.ب.) جاء فيها:
((أنا لست من أتباع المالكي؛ ولكن، هذا الاتهام ووصفه بأنه اسوأ من صدام أمر شائن. وأود أن أضيف إلى مقالك أنه حينما كان صدام تحت الحصار الدولي [بعد غزوه للكويت]، تعرضتْ كردستان للحصار المزدوج، إذ توقف صدام عن تزويد البترول والديزل الى كردستان. وجميع الأكراد يتذكرون محنتهم في ذلك الشتاء القارس بلا وقود، مما اضطر الناس إلى قطع الأشجار لاستخدامها كوقود للتدفئة والطبخ..الخ، لدرجة أنهم أصيبوا بالهلع مما تسببه قطع الأشجار من دمار للبيئة  في دهوك وأربيل والسليمانية خلال أيام صدام. كان هذا آخر هدية من صدام للكورد بالإضافة إلى الأنفال وحلبجة. يبدو أن السيد احسان هماوندي نسي قطع الأشجار يوما، وربما لأنه كان يسكن في منزل دافئ مجهز بالتدفئة المركزية.)) أنتهى.
وبالتأكيد أتفق مع الصديق في تعليقه القيم، وجريمة قطع الوقود عن كردستان نتذكرها جميعاً.

 أما التعليق الثالث الذي اخترته لهذا المقال فهو من القارئ (ازاد هماوندي) في موقع شبابيك، فيه الكثير من التحامل والتشنج، قال: ((يتحدث هذا الكاتب الغشيم وكانهم احسنوا الى الكورد (على اساس انهم ليسوا مواطنين!!!!) اقول لك ولمن يدور في فلك القومجية والطائفجية امثالكم بان الكورد باقون وشوكة بعيون كل من تسول له نفسه النيل من الشعب الكوردي البطل …..الكورد باق الى نهاية الزمان والظالمون والشوفينيون امثال هذا الكاتب (...) في مزابل التاريخ ….انظر كم مات وقبر من الروؤءساء العراقيين ولكن الشعب الكوردي باق وشامخ رايته …..وبعون الله سننتصر ونعلن دولتنا لنغيض به العرب الكفار الكاولية والشروكية والمعدان ….. نفط الكورد للكورد ... الخ)) انتهى

يلاحظ القراء مدى التشنج والتوتر في هذا التعليق، فالشوفيني الكردي لا يختلف كثيراً عن نظيره الشوفيني العربي، لا بد وأن يلجأ إلى العبارات النابية في الطعن بالشعوب كقوله: "العرب الكفار الكاولية والشروكية والمعدان"، فهذه اللغة البذيئة تخدم البعثيين الشوفينيين وغيرهم من أعداء العرب والكرد  لإثارة البغضاء بين مكونات الشعب العب الواحد وفق مبدأ (فرق تسد). ولا أدري لماذا أساء المعلق فهمي رغم وضوح المقال، إذ اعتبر الأخ آزاد نقدي للسيد بارزاني تهجماً على الشعب الكردي، معاذ الله، فبارزاني فرد وليس الشعب الكردي، وأي نقد له ليس تهجماً على الشعب الكردي. فالأفراد زائلون والشعوب باقية.
قال حكيم: "ليس من الفاشية أن تحب قوميتك وتعتز بها، ولكن من الفاشية أن تعادي الآخرين لأنهم ليسوا من قوميتك". لذا فالمطلوب منا أن نتعلم أسلوب الحوار الهادئ، وتجنب الإساءة والكلمات النابية، إذ على صاحب القضية أن يطرح قضيته بأسلوب منطقي مقنع ليكسب المتلقي. فالشتم مردوده معكوس على الشاتم ويضر يقضيته. والسيد بارزاني إنسان غير معصوم من الخطأ، وأخطاء القائد السياسي خطيرة جداً، وهناك كتاب كرد انتقدوا السيد بارزاني ووصفوه بأنه يقامر بالقضية الكردية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أنقل أدناه فقرة مما كتبه الكاتب الكردي القدير، الأستاذ جمال فاروق الجاف في مقال له جاء فيه: 
((اما الشارع الكردي فقد بات يتحذر من مقامرة حكومة الاقليم بمكتسبات الشعب الكردي اعتمادا على وعود حكومة تركيا التي ما زالت  تخجل من تلفظ اسم كردستان! فهذا وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي "طانر يلدز" قائلا  قبل ايام لوكالة اناضول: (إيرادات النفط العراقي والتي تم إيداعها في بنك "خلق" التركي، سيتم توزيعها بشكل عادل.. وهو ما أكدت عليه "حكومة شمال العراق" ). نعم حكومة شمال العراق يا سادة !! وليست حكومة اقليم كردستان، فهل وصلت الرسالة؟))(4)
هذا رأي كاتب كردي عقلاني معتدل، حريص على مصلحة شعبه، وليس من الذين "يدورون في فلك القومجية والطائفجية".

المشكلة أن السيد بارزاني أنضم إلى محور الثلاثي (السعودية- قطر- تركيا) ضد المالكي، لأنه يعتقد خطأً أنه لا يمكن تأسيس الدولة الكردية المستقلة إلا بتدمير الدولة العراقية، متذرعاً بجرائم البعث وصدام حسين، وكأن الشعب العراقي هو المسؤول عن هذه الجرائم، بينما الشعب العراقي، بجميع مكوناته هو ضحية أسوة بالشعب الكردي. ولذلك يريد بارزاني رئيساً ضعيفاً للحكومة المركزية في بغداد، يذعن له بما يشاء، ويعارض تسليح الجيش العراقي. فهل حقاً يعتقد أن هذه الحكومات (السعودية- قطر- تركيا)، حريصة على مصلحة الشعب الكردي؟ أم هي تكتيكات آنية ومرحلية لاستخدام بارزاني آلة لإفشال العملية السياسية في عراق ما بعد صدام، ولأغراض شرحناها مراراً، وهي: طائفية وسياسية واقتصادية؟. فمصلحة الشعب الكردي من مصلحة الشعب العراقي ككل. وقوة العراق لكل مكونات شعبه وليس لمكون واحد، لذا فأي ضرر يلحق بالعراق لا بد وأن يصيب الشعب الكردي. 
أكتفي بهذا القدر وأترك الحكم للقراء الكرام وللتاريخ، مع الشكر الجزيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: هل حقاً المالكي أسوأ من صدام؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=654

2- بارزاني أستولى على 21 مليار دولار من النفط العراقي خلال عامين ونصف
http://www.almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=31084
3- المالكي: تصدير الاقليم للنفط انتهاك للسيادة وقطع رواتب موظفيه لافتة للتحريض والتعبئة
http://alakhbaar.org/home/2014/6/169586.html

4- جمال فاروق الجاف: مخاطر تصديرالنفط الكردي من خلال بوابة تحتفظ تركيا بمفتاحها الوحيد
http://alakhbaar.org/home/2014/6/169607.html



307
هل حقاً المالكي أسوأ من صدام؟
د.عبدالخالق حسين

لجرائمه الكثيرة بحق الإنسانية، صار اسم صدام حسين شتيمة بذيئة بالنسبة لمعظم العراقيين، وبجميع انتماءاتهم الأثنية والدينية والمذهبية، باستثناء المستفيدين منه. لذلك، فإذا ما أراد أحدهم شتم حاكم يعارضه قارنه بصدام حسين، كأن يقول أنه أسوأ من صدام، أو يشبه صدام. هذه الشتيمة مقبولة إذا صدرت من إنسان بسيط في حديث عابر مع صديق أو عدو، للمبالغة في التعبير عن مشاعره ازاء شخص يكرهه. ولكن أن يصدر من سياسيين وإعلاميين في وسائل الإعلام فمردوده معكوس على الشاتم ودليل الجهل والحقد الأعمى.
لا نريد هنا التطرق إلى تاريخ صدام وكيف تسلط على رقاب العراقيين، وما جلبه من دمار على العراق وشعبه، مقارنة بطريقة المالكي في تسنمه لرئاسة الحكومة، فقد بات هذا معروفاً لدى القاصي والداني إلا من في قلبه مرض. فقد كان صدام الحاكم المطلق لا يرد له أمر، ومن يحاول أن يبدي أقل اعتراض عليه، أو نقد بسيط له ولو بالهمس مع أفراد عائلته، كان مصيره الإعدام بأبشع الوسائل.

فمن يطالع مقالات بعض الكتاب والصحفيين، أو تصريحات بعض السياسيين المعارضين لرئيس الوزراء السيد نوري المالكي في وسائل الإعلام، لا بد وأن يقرأ جملة مثل "المالكي أسوأ من صدام حسين" تتكرر باستمرار. هذا ما يكرره على الدوام كتاب صحيفة (المدى لصاحبها فحري كريم) ووسائل إعلامية أخرى.
كما وأفادت الأنباء عن ((ناشط سياسي كردي يدعى احسان هماوندي، قد قال في لقاء بُث على قناة السومرية الفضائية انه رغم كل سياسات رئيس النظام السابق صدام حسين السابقة، إلا أنه أفضل بكثير من رئيس الحكومة نوري المالكي، لكونه لم يتعمد قطع رواتب أبناء إقليم كردستان.))(1).
في هذا التصريح لم يقل أن المالكي أسوأ، ولكن النتيجة واحدة، فبما أن صدام السيئ أفضل من المالكي، فهذا يعني أن المالكي أسوأ من صدام.
و رغم أن النائبة، الدكتورة حنان الفتلاوي ردت على هذا الناشط السياسي الكردي بما فيه الكفاية(1)، إلا إني أود تناول الموضوع من جوانب أخرى، وهي: هل حقاً أن المالكي سيئ إلى هذا الحد بحيث أنه أسوأ من صدام؟ وما هي الدوافع وراء هذه المبالغة في معاداة المالكي، واستخدام أبشع العبارات البذيئة بحقه، وخاصة من قِبل أتباع السيد مسعود بارزاني، وأيتام صدام حسين، و كتاب عراقيون يكتبون في الصحف السعودية الوهابية المعادية لعراق ما بعد صدام؟ فلو كان المالكي أسوأ من صدام أو حتى مثله، هل كان بالإمكان وجود صحافة في العراق تنتقده وتشتمه بهذه البشاعة دون أن يذاب منتقدوه في أحواض التيزاب؟

هذه الظاهرة هي عراقية بامتياز، والمطلوب من علماء النفس والاجتماع دراستها ومعالجتها. ولكن المشكلة والأنكى، أن البعض ممن يدعون أنهم علماء النفس، هم أيضاً ركبوا الموجة وراحوا يعرضون ما تحقق للعراق من ديمقراطية وحرية التعبير إلى الخطر وفي وسائل الإعلام ذاتها مثل المدى وغيرها.
وعلى سبيل المثال، نشرتُ قبل سنوات مقالاً بعنوان (التظاهرات كعلاج نفسي)(2)، طالبت فيه السلطة بتشجيع التظاهرات الاحتجاجية، وحتى فتح ساحات في المدن العراقية على غرار ساحة الـ(هايد بارك) في لندن، لأنها وسيلة من وسائل التعبير من جهة، و حق من حقوق المواطنين للمطالبة بحقوقهم المشروعة، والتنفيس عما يعتلج في نفوسهم من إنفعالات، لذلك فالتظاهرات و الاضرابات، عبارة عن صمامات أمان لتفريغ شحنات الغضب لدى المواطنين. وفي حالة منع الناس من ممارسة هذه الوسيلة المشروعة، فإن الغضب يتراكم ويؤدي إلى احتقانات، وبالتالي إلى عقد نفسية وما يرافقها من دماء وعواقب وخيمة. لذلك لوحظ أن العقد النفسية الناتجة عن الحرمان والضغوط هي أكثر في الشعوب المحكومة بالأنظمة المستبدة منها في الأنظمة الديمقراطية.
فرد عليّ كاتب في صحيفة المدى، يحمل شهادة في علم النفس، فسر كلامي هذا عن قصد سيئ، بأني أعتبر الذين يتظاهرون ضد الحكومة مصابين بعقد نفسية ومجانين!!. ولذلك فالمتظاهرين في الدول الغربية هم مجانين!!. وبهذه الوسيلة استخدم صاحبنا "علمه" في ليّ عنق الحقيقة للتضليل. علماً بأن الكاتب كان من الذين يرتدون الزيتوني في العهد البائد، ونال شهادة الماجستير في علم النفس من جامعة بغداد في بحث عنوانه: (القيم الخالدة في أحاديث القائد صدام حسين). ولا أدري ما هي المعارف العلمية التي كسبها هذا "العالم الجليل" من هذيانات صدام حسين، حتى يحتج عليّ، وأنا على الأقل من خلفية طبية، ولي اهتمام بالغ بالثقافة العامة، وبالأخص في علم النفس، والاجتماع، والتاريخ، والعلوم السياسية وغيرها. فهؤلاء السادة لا يكتفون باستخدام ثقافتهم للتضليل وتشويه الحقائق فحسب، بل ويريدون منعنا من ممارسة حقنا في التعبير عما اكتسبناه من خلال التثقيف الذاتي وتجاربنا الحياتية، ولخدمة الخير، ونشر القيم الإنسانية وليس القيم الصدامية.

لذلك أعتقد جازماً، أن المبالغة في شتم الحكومة، وخاصة عندما يأمن الشاتم العقاب، هو للتعويض ونتاج العقد النفسية المتراكمة لعشرات السنين من القمع والإخصاء في عهود الاستبداد. إذ كما ذكرتُ في مقالي المشار إليه أعلاه، "لقد أرغم صدام أصحاب الشوارب المفتولة من شيوخ العشائر على الحضور أمامه يقدمون له الولاء وهم صاغرون و يرددين الأهازيج والهوسات التي تمجد الجلاد مثل "صدام اسمك هز أمريكا"، و"بالروح بالدم نفديك يا صدام". وإذا ما قامت مجموعة من العراقيين بتظاهرة احتجاجية ضد الحكومة فمصيرهم ومصير أقاربهم إلى الدرجة السابعة الفناء والإبادة والإذلال والمقابر الجماعية.
"أما الجانب العسكري، فقد أهانهم صدام بمنح نفسه رتبة المهيب الركن (فيلد مارشال)، وهو لم يخدم يوماً واحداً في الجيش. وللتمادي في إذلال الضباط وإهانتهم، منح مرافقه العسكري رتبة فريق، يقدم له الكرسي في الاجتماعات ويقف خلفه كالصنم، في إشارة لها مغزى أنه استطاع أن يخضع الجيش العراقي لإرادته ويذله."
ونتيجة لهذه السياسة المهينة لكرامة الإنسان، نعرف ما يشعر به المواطن العراقي من إذلال وإخصاء على يد حكم البعث. يريد هؤلاء في العهد الديمقراطي أن يستعيدوا كرامتهم ورجولتهم ليثبتوا بأنهم ليسوا مخصيين وأنهم شجعان، وهاهم يتحدون رئيس الحكومة، لا لأنهم يأمنون العقاب بسبب الديمقراطية وحرية التعبير، وإنما لشجاعتهم. لذلك فهم يؤكدون على الدوام أن الوضع في العراق ليس ديمقراطياً بل دكتاتورياً، وأن المالكي أسوأ من صدام، ومع ذلك فهم يتحدونه ويشتمونه !!!

فهل حقاً المالكي دكتاتور وطاغية أسوأ من صدام؟
نعود إلى قول الناشط السياسي الكردي احسان هماوندي، أن صدام حسين لم يتعمد قطع رواتب أبناء إقليم كردستان، بينما المالكي قطعها.
نعم، صدام لم يقطع الأرزاق، بل كان يقطع الأعناق عن طريق الأنفال والغازات السامة والمقابر الجماعية.
نعم، صدم لم يقطع الرواتب، بل كان يسرق قيمة العملة العراقية حتى جعل القوة الشرائية لراتب الأستاذ الجامعي لا تزيد عن قيمة دولارين أو ثلاث دولارات شهرياً مما اضطر إلى بيع ممتلكاته، والعمل في الليل سائق تاكسي ليدبر بالكاد معيشة عائلته.
وإذا ما جئنا إلى " قطع رواتب أبناء إقليم كردستان" فمن المسؤول الحقيقي عن قطع الرواتب إن كان هناك حقاً قطع الرواتب؟ أليست الكتلة النيابية الكردستانية في البرلمان المركزي، التي وقفت مع كتل أخرى معادية للحكومة، فلم يحضروا جلسة البرلمان الخاصة لمناقشة قانون الموازنة لكي لا يحصل النصاب، نكاية بالمالكي؟ وهؤلاء بالطبع لم يحضروا إلا بأوامر من رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني. لذلك، وبالمحصلة النهائية فالمسؤول عن قطع الرواتب هو السيد بارزاني الذي لم يجرأ أي سياسي أو صحفي أو كاتب كردي في كردستان انتقاده، لأنه يعرف أن مصيره الاختطاف، والموت تعذيباً، تماماً كما كان يفعل صدام حسين بمعارضيه، بينما يسهل انتقاد رئيس الوزراء العراقي، وحتى شتمه و الصراخ في وجهه في لقاءات وندوات سياسية بدون أي خوف من التعذيب والملاحقة أو الاغتيال. وإذا ما كان هناك اغتيالات لبعض الصحفيين والكتاب في العراق فالجناة معروفون، وهم ألد أعداء المالكي وحكومته، وهم من يقوم بتفخيخ السيارات والتفجيرات في الأسواق المزدحمة.
وهنا نود أن نشير إلى ما حصل لأستاذ التاريخ في جامعة السليمانية، (الدكتور عبدالمصور سليمان بارزاني) الذي وجه مجرد نقد خفيف لرئيس الإقليم فتم اختطافه وتعذيبه ونجى بأعجوبة. نورد التفاصيل في الرابط في في ذيل المقال(3)     
لنتصور أن صحفيين من أمثال عدنان حسين وبقية جوقة فخري كريم، وغيرهم من الذين يشتمون المالكي ليل نهار وهم مقيمون في بغداد، لو أنهم وجهوا انتقاداتهم وتهجماتهم ضد رئيس الإقليم بدلاُ من المالكي، وهم مقيمون في كردستان بدلاً من بغداد، فماذا كان مصيرهم؟ أما كان مصيرهم الاغتيال كما حصل للعديد من الصحفيين الكرد الذين تجرأوا فانتقدوا حكومة الاقليم فتم اغتيالهم وبدم بارد ؟
فقطع الرواتب إن حصل، لم يشمل كردستان فقط، بل كل العراق، وهم من أكثر المتضررين بسب وقف المشاريع العمرانية، بينما حكومة الإقليم تصدر النفط وتستحوذ على ريع الصادرات النفطية، إضافة واردات المداخل الحدودية (نقطة إبراهيم الخليل وغيرها). فحكومة الإقليم لها رصيد بعشرات المليارات الدولارات، فلماذا لا تدفع رواتب أبناء الإقليم من رصيدها الهائل؟ أليس ذلك ذريعة لتصعيد الصراع مع الحكومة الفيدرالية نكاية بالمالكي؟(4)

لماذا عداء السيد مسعود مع المالكي؟
السبب هو ليس لأن المالكي دكتاتور أسوأ من صدام كما يدعي السيد بارزاني والكتبة الذين يمولهم، بل لأن المالكي ملتزم بالدستور، ويطالب الإقليم بتسليم الواردات النفطية إلى خزينة الدولة الفيدرالية، بينما بارزاني يريد نفط كردستان لكردستان ونفط العراق للجميع. ولذلك يريد أن يكون في بغداد رئيس وزراء ضعيف ينفذ أوامر رئيس الإقليم، ويستطيع رئيس الإقليم إقالته وتعيين غيره متى شاء كما فعل مع الدكتور إبراهيم الجعفري من قبل. و ليتباهى السيد بارزاني بأن حكومة الإقليم أقوى من حكومة المركز!
في الحقيقة إن الأقرب شبهاً بصدام حسين، ولا نقول أسوأ منه، هو رئيس الإقليم وليس غيره. فمعظم مواصفات صدام تنطبق عليه، فقد صار له أكثر من 23 سنة وهو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس حكومة الإقليم منذ أن فرضت الحماية الدولية لكردستان عام 1991 وإلى الآن. كذلك هيمنة عائلته على الحزب وحكومة الإقليم، إذ بعث لي صديق كردي من السليمانية وهو من الانتلجنسيا الكردية، تعليقاً على مقالي السابق جاء فيه: " أشكركم على المقال، أن مسعود ومنذ أن أصبح رئيسا للحزب الديمقراطي الكردستاني، ورئيس حكومة الإقليم، أحكم قبضته على كردستان. تصور أن الكورد يسمونه، وابنه مسرور، وصهره بـ(المثلث) الذي يسيطر على كل مفاصل الحياة في كردستان. لم تعرف كردستان طوال تاريخها تفشي الفساد بهذا القدر الذي تراه اليوم، فالقوانين تطبق على الضعفاء فقط، وحسناً فعلتم في ذكر علاقات السيد بارزاني بتركيا والسعودية وقطر".
هذه شهادة من مثقف كردي. لذلك فاتهام المالكي بأنه أسوأ من صدام ينطبق على السيد بارزاني نفسه وحسب المثل: "رمتني بدائها وانسلت" 

للمرة العاشرة نقول، لقد وفر التاريخ للعراق فرصتين ذهبيتين لإخراجه من التخلف ولينعم شعبه بالاستقرار والازدهار لو أحسن قادته السياسيون التصرف العقلاني، الأولى في 14 تموز 1958، فتحالف قادة الكرد مع أعداء الشعب العراقي في الداخل والخارج، واغتالوا الثورة وقيادتها الوطنية، وأغرقوا البلاد والعباد في ظلام دامس وأنهار من الدماء، نال الشعب الكردي حصة الأسد من جرائم حكم البعث.
وبعد خمسين سنة من الدمار وفر التاريخ فرصة أخرى لصالح الشعب العراقي، وما تحقق للشعب الكردي من إنجازات بعد عام 2003 لم يعرفها من قبل، ولكن مرة أخرى يحاول البعض من قادة الكرد الاصطفاف مع أعداء الشعب العراقي في إضاعة هذه الفرصة أيضاً. لذلك نناشد السيد مسعود بارزاني وأتباعه أن لا يفرطوا بهذه الفرصة التاريخية، فما يتمتع به الأكراد ضمن الفيدرالية العراقية أكثر بكثير مما لو كانوا في دولة مستقلة. ففي الفيدرالية يتصرفون كدولة مستقلة، إضافة إلى حصتهم في حكم العراق وثرواته. فهذه الفرصة الذهبية لن تتكرر إلا مرة كل خمسين سنة إن لم يكن كل ألف سنة.
ــــــــــــــــــــــــ
هوامش
1- الفتلاوي: تمجيد ناشط كردي لصدام نسيان للمجازر وتجاوز لمشاعر ضحايا العرب والاكراد
http://alakhbaar.org/home/2014/5/169308.html

2- عبدالخالق حسين: التظاهرات كعلاج نفسي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=464

3- تفاصيل إختطاف الدكتور "عبدالمصور سليمان برزاني على يد قوات "البارزاني" في أربيل؟
http://www.nakhelnews.com/pages/news.php?nid=14712

4- بارزاني أستولى على 21 مليار دولار من النفط العراقي خلال عامين ونصف
http://www.almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=31084

5- حمزة الجواهري : سياسة الاقليم النفطية وحتمية تقسيم العراق
http://alakhbaar.org/home/2014/6/169479.html


308
حول الشراكة الحقيقية من منظور السيد بارزاني

د.عبدالخالق حسين

لم يخطر على بالي يوماً أن أكون ناقداً أو معارضاً للسيد مسعود بارزاني، رئيس الاقليم الكردستاني، إلا إنه وللأسف الشديد هو الذي تبنى سياسة تعريض العراق الديمقراطي، وما تحقق للشعب الكردستاني من مكاسب عظيمة، إلى الخطر تماماً كما عملت قيادة الحركة الكردستانية بقيادة والده بعد ثورة تموز، خاصة وهو (السيد مسعود) انتقد موقف هذه الحركة وتمنى لو لم تكن قد انفجرت الثورة الكردية في عهد الزعيم قاسم. مشكلتي هي أني لا استطيع السكوت عن أي شيء أره خطئاً، خاصة إذا كان هذا الخطأ يهدد أمن وسلامة الشعب، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، و"صديقك من صدقك لا من صدّقك". والنقد البناء الهادف هو أساس التقدم. فالكرد اليوم، وكغيرهم من مكونات الشعب العراقي، هم شركاء حقيقيون في هذا الوطن، يتمتعون بكافة حقوق المواطنة دون أي تمييز. والعراق تكالبت عليه جهات عديدة لإجهاض الديمقراطية وما تحقق لشعبه من مكتسبات عظيمة في جميع المجالات، ووضعه مازال هشاً لا يتحمل المزيد من الصراعات والمناكفات، فعلى الجميع دعم العملية السياسية والعمل على تكاملها لا هدمها.

الملاحظ، أن الجملة المكررة في معظم تصريحات السيد مسعود بارزاني ومساعديه، ومؤيديه هي "إما شراكة حقيقيىة أو الانفصال"، ودائماً يستشهدون بالدستور. ونحن مع هذا التوجه، ولكنه في نفس الوقت يطالب بإمتيازات لا تتوفر إلا بالكونفيردرالية، وهو فعلاً قد بدأ يطالب بالكونفدرالية بدلاً من الفيديرالية التي أكد عليها الدستور وتم استفاء الشعب العراقي عليه بما فيه الشعب الكردستاني. على أية حال، وكمواطن عراقي عربي، أرى من حق الشعب الكردي، وكغيره من الشعوب، أن يتمتع بحق تقرير المصير، وإذا أراد الانفصال والاستقلال لتحقيق حلمه في تأسيس دولته القومية، ولكن ليكن بالوسائل السلمية الديمقراطية الحضارية. فالشعب العراقي عانى أكثر مما يتحمل من الحروب العبثية والسياسات الطائشة للحكومات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وإلى سقوط الفاشية عام 2003.
كما اكد النائب عن التحالف الكردستاني محمد خليل، الثلاثاء (27/5/2014)، "أن جميع الخيارات أمام الكُرد مفتوحة بما فيها انفصال الإقليم عن المركز في حال تولي رئيس الوزراء نوري المالكي ولاية ثالثة."(1). هذا التصريح الذي ينسجم مع تصريحات السيد رئيس الإقليم، يدل على رفض السيد برزاني وأنصاره لجوهر الديمقراطية وهو احترام خيارات أغلبية الناخبين.
بينما نائب آخر عن التحالف الكردستاني، شريف سليمان أكد، في (4 أيار 2014)، "أن الكرد لن يوافقوا على منح ولاية ثالثة للمالكي حتى لو تم إعطاؤهم موازنة الإقليم والموافقة على تصدير نفط كردستان الى الخارج "(نفس المصدر).
فماذا لو قال نائب من العرب، من تحالف سني أو شيعي، أنهم يختارون الانفصال عن كردستان لو بقي السيد مسعود بارزاني لولاية أخرى في رئاسة الإقليم؟ فهل هذه التصريحات تدل على الإيمان بالديمقراطية؟
الديمقراطية ترفض سياسة ليّ الأذرع، وترفض حق النقض (الفيتو) الذي طالب به أحد الأخوة من الكتاب الكرد، بما معناه أن في مجتمع متعدد الأقوام والديانات مثل الشعب العراقي، يجب تعديل الدستور بحيث يسمح للأقلية استخدام حق النقض ضد قرارات الأكثرية. هذا يعني تفريغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي، لأن الديمقراطية تعني حكم الأكثرية السياسية، مع حق الأقلية الدفاع عن حقوقها ضمن القوانين المرعية.


والملاحظ أيضاً، أنه كلما هبطت شعبية السيد مسعود بارزاني في الشارع الكردستاني، أو حصلت له مشكلة مع منافسيه في كردستان، اختلق أزمة مع "حكام بغداد"، على حد تعبيره الذي يطلقه على الحكومة المركزية الفيدرالية رغم أن الشعب الكردي يشارك فيها برئاسة الجمهورية، وخمسة وزراء، والمراكز القيادية الحساسة في الجيش، وجميع مفاصل الدولة العراقية. فالأزمات التي يختلقها السيد رئيس الإقليم بلا انقطاع ولكن خطها البياني في صعود وهبوط. وآخر تصعيد له هو قراره تصدير النفط عن طريق تركيا بدون موافقة "حكام بغداد".

يؤكد الدستور العراقي بوضوح وبدون أي تأويل، أن الثروات الطبيعية، ومنها النفطية في جميع أنحاء العراق بما فيها كردستان العراق، يتم استخراجها وإنتاجها وتصديرها من قبل الحكومة الاتحادية وحدها، لتقوم بدورها في توزيع ريعها على المحافظات وحسب النسب السكانية فيها وبعدالة. كذلك الدفاع عن البلاد، ونقاط الحدود والسيطرة على مداخل البلاد الدولية، والسياسة الخارجية، وتوقيع العقود مع الشركات والاتفاقيات مع الحكومات، من صلاحيات وواجبات الحكومة الاتحادية المركزية. ولكن الذي يجري الآن هو أن الاقليم يتمتع بجيشه الخاص به (بيشمركة)، لم يكن لرئيس الحكومة الاتحادية أية علاقة به، لأنه خاضع لأوامر رئيس الإقليم فقط، ومع ذلك يطالب الحكومة الاتحادية بدفع رواتب منتسبيه وتكاليف تسليحه. كذلك يريد السيد بارزاني أن يتصرف بالسياسة الخارجية ويسطر على مداخل البلاد في الإقليم، ويسمح لسكان أية دولة بدخول كردستان من دون تأشيرة دخول (فيزة) من السفارات العراقية في الخارج، في الوقت الذي لا يسمح فيه بدخول العراقيين إلى الاقليم إلا بتأشيرة دخول، وتعريضهم للإذلال في طوابير انتظار عند نقاط التفتيش الحدودية مع الإقليم، ومنع الكثير منهم من الدخول. كما ويحق للإقليم المشاركة في الحكومة المركزية ولا يحق للحكومة المركزية أن تبدي أي رأي فيما يخص الاقليم. هذه هي (الشراكة الحقيقية والفيدرالية) التي يفهمهما السيد البرزاني ومؤيدوه، والتي لا يوجد لهما مثيل في أي مكان في العالم إلا في العراق.
في الحقيقة هذا النوع من العلاقة لا يوجد في الانظمة الفيدرالية وإنما في الأنظمة الكونفيدرالية والتي هي اتحاد بين الدول، وليس بين أقاليم الدولة الواحدة. فما يطالب به السيد مسعود هو أن تكون كردستان دولة مستقلة، وكما قالت الدكتورة ناهدة التميمي (كردستان دولة مستقلة مصرفها على العراق).(2)

وآخر أزمة فجرها رئيس الإقليم، هو قراره بتصدير النفط بدون موافقة بغداد مما أثار حتى معارضة الإدارة الأمريكية التي دفعت الكثير من أجل تحرير العراق من الفاشية، فقد أثبتت أمريكا حرصها على نجاح العملية السياسية ووحدة العراق أرضاً وشعباً أكثر من بعض الكيانات السياسية. فقد صرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جين ساكي، "إن موقف واشنطن منذ وقت طويل، هو عدم تأييد تصدير النفط من إقليم كردستان من دون موافقة الحكومة العراقية الاتحادية...".(3)
هذا التصريح الأمريكي أثار غضب حكومة إقليم كردستان التي ردت بالقول على لسان الناطق باسمها، السيد فلاح مصطفى: ((إن الأكراد إما أن يكونوا "شركاء حقيقيين" ضمن العراق الفيدرالي الاتحادي، أو أنهم "سيقررون بأنفسهم" ما يتعلق بمصلحة الإقليم وشعبه.))، وأضاف: ((يتوجب على السلطات في بغداد أن تشعر بأن الكرد يجب أن يكونوا شريكاً حقيقيا ضمن إطار الدستور، وأن يُمنحوا حقوقهم، وإلا فإنه يجب قطع العلاقة بين بغداد وأربيل")).(نفس المصدر 3)

ولم يكتفِ السيد مصطفى بهذه المطالبات، بل راح يطالب الحكومة المركزية بتعويضات تقدر بمئات المليارات دولار عن جرائم حكم البعث الصدامي بحق الشعب الكردي إذ تساءل : "لماذا لا تجيبنا بغداد بخصوص تعويض المتضررين من القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة، ولماذا لا تجيبنا بشأن تدمير نحو 4500 قرية في إقليم كردستان، ولماذا لا تجيبنا بشأن قتل ثمانية آلاف من البارزانيين وآلاف المؤنفلين في منطقة كرميان و12 ألف كردي فيلي، ولماذا لا يحترمون القوانين والأعراف الدولية، ويقدمون شكوى بشأن تصدير الإقليم للنفط".

إن من يقرأ هذه المطالبات يعتقد كأن النظام الصدامي الساقط قد اضطهد الشعب الكردي وحده دون غيره من مكونات الشعب العراقي وخاصة سكان محافظات الوسط والجنوب، حيث استخدم الغازات السامة ضد عرب الأهوار، وقتل خلال الانتفاضة الشعبانية نحو 300 ألف من الثوار، وبلغ عدد القتلى العراقيين نتيجة حروبه الداخلية والخارجية ومضاعفاتها نحو مليونين، ولحد الآن تم اكتشاف أكثر من 400 مقبرة جماعية، ودمر الحرث والنسل في الوسط والجنوب، وتشرد من العراق نحو 4 ملايين، فمن يعوض هؤلاء؟

نعتقد أن محاولات السيد مسعود البرزاني في اختلاق الأزمات الدائمة مع بغداد، وتفسيره للدستور حسب اجتهاداته كما يشتهي، ليست بمعزل عن أجندات السعودية وقطر وتركيا، إذ كما صرح السيد عادل مراد، القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني: أن"الاجندة السعودية والتركية تحاول إبعاد الكرد من العملية السياسية في بغداد، مشددا على عدم السماح لهذه المحاولات والعمل على المشاركة في الحكومة المقبلة ايا كان الفائز فيها لضمان الأمن والاستقرار في اقليم كردستان".(4)

فتصعيد الأزمة بين بغداد وأربيل من قبل السيد بارزاني لا يخدم العراق، وبالأخص الشعب الكردي، بل يصب في خدمة أعداء الجميع. وقد حذر العقلاء من الكرد مثل السيد عادل مراد (التصريح أعلاه)، والدكتور محمود عثمان حكومة الإقليم من مغبة الاندفاع ضد بغداد، والإعتماد على تركيا والسعودية في تحقيق بعض المكاسب الآنية الزائلة. إذ صرح الدكتور محمود عثمان قائلاً: "الإعتماد على تركيا لغرض تصدير النفط من كردستان أمرٌ خاطئ وغير مضمون بنظري، وهذا النفط هو نفط العراق والكل متفق على ذلك ولا بد من وضع اتفاق لتصديره، وأن سياسة تركيا ليست مع الأكراد وأنا لا أؤيد الاعتماد عليها".(5)

فحكومة تركيا الأردوغانية تتبع سياسة خبيثة في علاقاتها مع دول الجوار، فإذا أرادت تدمير دولة ما بدأت معها بتقوية علاقاتها معها أولاً، كما حصل مع سوريا حيث استغلتها في دعم الإرهاب ضد العراق. ثم انقلب أردوغان على بشار الأسد وراح يدعم الإرهاب ضد الشعب السوري. ويجب أن يعرف السيد بارزاني أنه ليس أذكى من أردوغان الذي يضطهد الشعب الكردي في تركيا، ويمنع عليهم حتى تسميتهم بالكرد إذ يسميهم (أتراك الجبال), فغرض أردوغان من علاقته مع بارزاني هو إضعاف الدولة العراقية الفيدرالية، وإذا ما نجح في تحقيق هذا الغرض اللئيم، وهو مستحيل، فسينقلب على البرزاني نفسه كما انقلب على بشار الأسد من قبل ويكون الخاسر الأكبر هو الشعب العراقي والكرد بشكل خاص.

ما العمل؟
نتمنى على السيد مسعود بارزاني أن لا يعيد غلطة والده عندما انضم إلى جوقة المتآمرين على ثورة 14 تموز، حيث وجلب المصائب على الشعب العراق وخاصة على الشعب الكردي. فاليوم توفرت للعراق فرصة ذهبية، على السيد مسعود وكل المسؤولين العراقيين عدم التفريط بها، وإلا فالتاريخ لا يرحم. أما شعار الانفصال الذي يستخدمه بارزاني، فهو شعار فارغ غير عملي هدفه الابتزاز فقط، فالبارزاني يريد نفط كردستان لكردستان ونغط البصرة للجميع، مع الاحتفاظ بـ 17% للإقليم من ثروات العراق(علماً بأن استحقاق الإقليم هو 13% حسب نسبته السكانية).
كما وأهيب بالحكومة الاتحادية المركزية أن لا تذعن لسياسة الابتزاز، فإما نظام فيدرالي حقيقي كما أقره الدستور وليس بمفهوم بارزاني، أو الانفصال بالمعروف وبالطرق السلمية الحضارية الديمقراطية. والسيد بارزاني يعرف جيداً نتائج انفصاله عن العراق في هذه الظروف المحلية والدولية.
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- نائب كُردستاني: الانفصال وجميع الخيارات مفتوحة في حال تولى المالكي ولاية ثالثة
http://alakhbaar.org/home/2014/5/169170.html

2- د. ناهدة التميمي - كردستان دولة مستقلة مصرفها على العراق
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=265929

3- إقليم كردستان في بيان غاضب: على واشنطن الحياد أو الصمت، أن الأكراد إما أن يكونوا "شركاء حقيقيين" ضمن العراق الاتحادي، أو أنهم "سيقررون بأنفسهم" ما يتعلق بمصلحتهم
http://alakhbaar.org/home/2014/5/169034.html

4- -عادل مراد : الأجندة "السعودية" و "التركية" وراء ابتعاد الكرد عن العملية السياسية في بغداد
http://alakhbaar.org/home/2014/5/168801.html
 
5- قيادي كردي ينتقد بشدة اعتماد الاقليم على تركيا بتصدير النفط العراقي
http://alakhbaar.org/home/2014/5/168989.html





309
دلالات نتائج الانتخابات الأخيرة
د.عبدالخالق حسين

في لقاء تلفزيوني مع قناة الحرة- عراق مساء يوم 25/4/2014 حول الانتخابات العراقية، آخر جملة قلتها أن الانتخابات القادمة ستأتي بمفاجئات سارة لمن يريد الخير للعراق والديمقراطية. لم يكن توقعي ذاك من باب تفاءلوا بالخير تجدوه فحسب، فإني متفائل بالطبع، ولا التنجيم أو رجماً بالغيب معاذ الله، وإنما نتيجة المتابعة المتواصلة والقراءة الصحيحة للواقع، ومعرفة حس الشارع العراقي. وموقفي هذا هو على الضد من موقف سجناء كهوف الأيديولوجيات المظلمة التي عفا عليها الزمن، الذين يصورون الواقع كما يشتهون ويتمنون، ويتبعون أبشع الوسائل في الحط من قدر خصومهم السياسيين بإتباع أساليب (البلطجة والقرجية) بلا حياء. وأخيراً قال الشعب كلمته.

ومن دلالات نتائج الانتخابات ما يلي:
أولاً، أن الناخب العراقي تعلم قواعد اللعبة الديمقراطية ولم يتأثر بضجيج الاعلام المضاد، إذ تجاهل شريحة واسعة من الكتاب الذين استخدموا اسلوب القذف والتشهير، فأثبت الشعب أن هؤلاء الكتبة بعيدون عن الواقع ولم يصغ لهم أحد. ولا أغالي إذا قلت أن ما تعرض إليه رئيس الوزراء العراقي، السيد نوري المالكي من حملة إعلامية ظالمة من التهجم والافتراءات والتلفيقات لم يتعرض لها أحد إلا الزعيم الخالد عبدالكريم قاسم. وهاهو الشعب يكافئه بالتصويت إليه أكثر مما حصل عليه في انتخابات عام 2010 من ناحية عدد أصوات الناخبين و المقاعد البرلمانية من 89 إلى 95. بينما خصومه في تنازل. وكذلك النائبة الشجاعة، الدكتورة حنان الفتلاوي التي تعرضت للهجوم الشرس من قبل الطارئين على الكتابة من بلطجة القلم، والذين لم يتركوا عبارة نابية إلا ونعتوها بها، وهاهو الشعب يكافئها برقم قياسي من الأصوات في محافظة بابل بمنحها 90781 صوتاً أي ثلاثة أضعاف القاسم الانتخابي. وهذا اعتراف عظيم من الشعب العراقي بمكانة المرأة العراقية، وصفعة ماحقة في وجوه بلطجة القلم.

ثانياً، أثبتت هذه النتائج أن هناك شريحة من الكتاب يعيشون في حالة انفصام تام عن الشعب العراقي، فإذا ما جاءت النتائج مغايرة لتوقعاتهم وخيالاتهم راح قسم منهم يتهم المفوضية بالتزوير، و آخرون فقدوا توازنهم  فلم يتوانوا عن شتم الشعب العراقي ووصفه بالكلاب والتخلف و باللاوطنية. عجبي!

ثالثاً، الملاحظ أنه ليس الشعب في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية، صوت لصالح كتلة المالكي وعاقب الكتل المناوئة له، بل وحتى في المحافظات العربية السنية حيث عاقب الناخبون الكتل المتشددة وصوتت للمعتدلين الذين يريدون التعايش السلمي والتخلص من الصراعات الطائفية والقضاء على داعش والقاعدة وفروعها. فهاهي كتلة (الوطنية) برئاسة أياد علاوي (العراقية سابقاً) هبط رصيدها من 91 مقعداً عام 2010 إلى 21 فقط في الانتخابات الأخيرة.

رابعاً، نتائج الانتخابات في كردستان
كشفت نتائج الانتخابات أن هناك توجه عام في كل العراق، وبين جميع مكونات الشعب العراقي، نمو التأييد لحكومة السيد نوري المالكي، ليس في المحافظات العربية (الشيعية والسنية) فحسب، بل وحتى في الاقليم الكردستاني.. وفي هذا الخصوص نود أن نناقش مقالاً للسيد أمين يونس، بعنوان (نظرة على نتائج إنتخابات 30/4/2014)(1) جاء فيه: أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني خسرَ حوالي 14% من قوتهِ التي كان يمتلكها في 2010 حيث كان له 29 مقعدا، واليوم 25 مقعدا فقط. بينما الإتحاد الوطني الكردستاني، زادَ بنسبة 50% ، فعنده الآن 21 مقعدا، وفي 2010 كان عنده 14 مقعدا فقط." انتهى.
ونقولها بألم، فبدلاً من أن يوعز السيد الكاتب هذا التغيير إلى رغبة الشعب الكردي وبإرادته الحرة إلى مكافأة حزب الإتحاد الوطني الكردستاني على دوره الوطني في التقريب بين الإقليم وبغداد، وعاقب حزب البرزاني الذي ما انفك يفتعل الأزمات مع "حكام بغداد" كما يسمي الحكومة الفيدرالية، نقول وبدلاً من تفسير هذا التغيير إلى إرادة الشعب الكردستاني الحرة، راح هو الآخر يردد نغمة الطائفيين ومرتزقة السعودية في تأويل كل شيء يحصل في العراق إلى إيران والجنرال قاسم سليماني. وفي هذا الخصوص يذكر كل سيئات الدنيا وحتى سيئات حزب برزاني ليلصقها بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ويسأل: "فلماذا حصلَ الإتحاد ، رغم كل ما ورد أعلاه، على أصوات كثيرة الى درجةٍ فاجأتْ حتى أكثر المُراقبين قُرباً للإتحاد؟ الجواب في إعتقادي، يكمن في [[الدَور الإيراني ]] !".

وبعد هذا "الاكتشاف العظيم" يضيف الكاتب قائلاً: "فالكثير مّنا، كان يعتقدُ متوهماً، ان " قاسم سليماني" أو وكلاءهُ ، كانوا يأتون الى محافظات الإقليم للسياحة والإستجمام، بينما كانوا يأتونَ للعَمَل!. فعدا زياراتهم العلنية القليلة، فأنهم كانوا مُتواجدين بصورةٍ شُبه دائمة، طيلة السنتَين الماضيتَين. وهُم كما يبدو، وبدهائهم المعروف وأساليبهم المتنوعة، استطاعوا التأثير على مُجريات الإنتخابات. وأوقفوا تدهور الإتحاد الوطني". (كذا)
وبهذا الاستنتاج، فقد توصل السيد الكاتب إلى لحظة ذروة الشعور بفرحة الاكتشاف ليصرخ كما صرخ أرخميدس وجدتها وجدتها(Eureka, Eureka)!!!.
لا أعرف كيف استطاع قاسم سليماني أن يسحر الناخبين من الشعب الكردستاني الذين صوتوا لحزب الاتحاد، بل وكل الذين صوتوا من مكونات الشعب العراقي لصالح المالكي؟ أليس هذا إهانة لذكاء الناخب العراقي، عرباً وكرداً ومن كل المكونات، وإظهاره وكأنه بلا إرادة ولا وعي، وأنه ألعوبة بيد شخص جعلوا منه بطلاً أسطورياً، ذا إمكانيات خارقة يدعى الجنرال قاسم سليماني؟

ولم يتردد كاتبنا من تحذير الشعب الكردستاني من أي تقارب يقوم به حزب الاتحاد الوطني الكردستاني من كتلة المالكي لتشكيل الحكومة فيقول: "والخِشية كُل الخشية، من يكون الإيرانيون، قد وضعوا خطةً بعيد المدى، من أجل جَر الإتحاد الوطني للتحالُف " مُنفرِداً " مع دولة القانون، أي المالكي. وبهذا سيمزقون وحدة الصَف الكُردي من جهة، ويُقوون جبهة المالكي ضد خصومه، من جهةٍ أخرى! (ومن الواضح ان هنالك بعض قياديي الإتحاد يميلون الى التنسيق مع المالكي منذ فترة طويلة). وإذا حدث هذا السيناريو اللعين، فليس من المُستبعَد، ان يسوء الوضع الأمني في داخل الأقليم نفسه، وإحتمال إندلاع معارك بين الأطراف الكردية ... مما سينسف الطموحات الكردية الى أجلٍ غير مُسَمى!" .

إذنْ، خطة التقارب الكردي العربي وخاصة التقارب من كتلة المالكي هي خطة لعينة، ستؤدي إلى معارك طاحنة بن الأطراف الكردية!!.
أود أن أشير هنا إلى مقال للسيد واثق العاني جاء فيه: " كما لم يلاحظ احد ان جميع النواب الاكراد الذين واصلوا لسنوات هجومهم على المالكي وحكومته من امثال الاتروشي وطه شوان واربعة غيرهم لم ينتخبهم احد وخصوصا في دهوك. وأنا من الناس المتفائلين رغم حجم التهويلات للخلاص من المالكي بان الوضع بعد هذه الانتخابات اوضح ان كل النواب الذين تركوا مهامهم الحقيقية وذهبوا للتهريج في شاشات التلفزيون قد اسقطهم الناخب بعدما كانوا يعتقدون ان ذلك سيجعلهم نواب دائميين" (2).
وأنا إذ أسأل السيد أمين يونس: هل الجنرال قاسم سليماني هو الذي أوعز للناخبين الكرد بأن لا ينتخبوا الاتروشي وطه شوان واربعة غيرهم؟
وكذلك هناك أسماء كبيرة معروفة من النواب العرب فشلوا في الفوز في الانتخابات الأخيرة مثل عبد الحسين عبطان، مرشح الحكيم لرئاسة الوزراء، وعدد من مرشحي كتلة دولة القانون مثل: خالد العطية،  وليد الحلي، علي الشلاه، حسن السنيد ، كمال الساعدي، حيدر العبادي، مريم الريس، عبدالكريم العنزي، شاكر الدراجي، سامي العسكري، وكذلك حسن العلوي من جماعة الصدر، وأسماء أخرى كثيرة، فهل فشل هؤلاء بتأثير قاسم سليماني؟؟ 
تفيد الحكمة: "حدث العاقل بما لا يليق، فإن صدق فلا عقل له".

الحقيقة التي لم يشر إليها السيد أمين يونس وأمثاله من الكتاب الذين صارت عندهم عقدة نفسية مستعصية من المالكي، أن الشعب الكردي، كغيره من مكونات الشعب العراقي، قد ملَّ من الحروب والصراعات الأثنية والطائفية وتهديدهم بالحروب الأهلية، وافتعال الأزمات مع "حكام بغداد" من قبل السيد بارزاني كلما هبطت شعبيته في الشارع الكردستاني، فكغيره من شعوب العالم، يحلم الشعب الكردستاني بالتعايش السلمي والازدهار الاقتصادي في بلاده مع بقية مكونات الشعب العراقي، خاصة وأن ما حققه الشعب الكردي في العراق الديمقراطي الفيدرالي، لم يعشه طوال تاريخه من قبل. ولا أعرف لماذا يريد هؤلاء الأخوة الكتاب أن يفرطوا بكل هذه المكتسبات وتحميل الحكومة الفيدرالية والمالكي جرائم الحكومات العراقية المعاقبة وخاصة فترة المجرم صدام حسين.

وفي هذا الخصوص قال القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني السيد عادل مراد في مؤتمر صحفي اليوم 21/5/2014، أن"الاجندة السعودية والتركية تحاول إبعاد الكرد من العملية السياسية في بغداد، مشددا على عدم السماح لهذه المحاولات والعمل على المشاركة في الحكومة المقبلة ايا كان الفائز فيها لضمان الأمن والاستقرار في اقليم كردستان".(3)

وأخيراً، أنصح هؤلاء السادة أن العراق بحاجة إلى دعم أبنائه وبالأخص دعم المثقفين منهم للعمل على التقارب والتلاحم الوطني بين جميع مكونات الشعب العراقي بدون استثناء، ودعم الديمقراطية. فالعراق فيه ثروات كثيرة بددها حكم البعث الصدامي على الحروب والدمار، وقد وفر له التاريخ الآن فرصة ذهبية لا تتكرر، يجب على العراقيين عدم الإفراط بها تحت تأثير السعودية وقطر وتركيا. فهذه الحكومات تريد الشر بالشعب العراقي ولا تريد له خيراً، لذا يجب أن نعمل جميعاً من أجل أن لا نسمح بتكرار مؤامرة 8 شباط 1963. وإلى متى يلدغ العراقيون من جحر عشرات المرات، ويعيدون نفس الأخطاء؟
ألا هل من مجيب؟ اللهم اشهد.
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1- أمين يونس: نظرة على نتائج إنتخابات 30/4/2014
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=415662

2- واثق العاني: اغلب النواب حبسوا عقولهم بمسلمات خاطئة للاجترار
http://alakhbaar.org/home/2014/5/168787.html

3-عادل مراد : الأجندة "السعودية" و "التركية" وراء ابتعاد الكرد عن العملية السياسية في بغداد
http://alakhbaar.org/home/2014/5/168801.html
 

 


310
هل ممكن تشكيل حكومة الأغلبية بجميع مكونات الشعب؟

د.عبدالخالق حسين

شيئاً فشيئاً، ورغم المصاعب والعراقيل، وتكالب أعدائها، تسير الديمقراطية العراقية بخطى ثابتة نحو النضج والتكامل ولو ببطء. ومن علامات هذا النضج هو نجاح الانتخابات الأخيرة، وإعادة اصطفاف القوى السياسية بصورة أفضل، ودعوة معظم السياسيين والإنتلجنسيا العراقية إلى تشكيل حكومة الأغلبيىة السياسية المنسجمة، بدلاً من حكومة الشراكة الوطنية المتناحرة التي أدت إلى شل الحكومة خلال السنوات الأربع الماضية. كما ووضعت الانتخابات الأخيرة العديد من الكتل والكيانات السياسية على المحك، فكشفت معدنها الحقيقي في التمييز بين أنصار الديمقراطية الحقيقيين، وبين أدعيائها المزيفين الذين أرادوا أن تكون لهم قدم في الحكومة وأخرى مع إرهاب فلول البعث (داعش)، وفرض إرادتهم بالقوة والإبتزاز.

فبعد إجراء الانتخابات البرلمانية يوم 30 نيسان/أبريل الماضي، توجهت أنظار العالم إلى العراق ثانية في انتظار النتائج وتشكيل الحكومة. وكالعادة، نتوقع أن تمر ولادة الحكومة الجديدة بمخاض عسير ومواجهة العقبات. والجدير بالذكر أن النتائج الأولية تشير إلى فوز كتلة دولة القانون برئاسة السيد نوري المالكي في بغداد العاصمة والمحافظات الوسطى والجنوبية. ففي بغداد صوَّت للمالكي نحو مليون ومائتي ألف صوت، أي ضعف العدد في الانتخابات السابقة عام 2010، بينما هبط رصيد خصمه اللدود أياد علاوي إلى 200 ألف أي إلى نصف ما حققه في الانتخابات السابقة. كما وتشير هذه النتائج إلى أن كتلة المالكي ستبرز كأكبر كتلة برلمانية يحق لها وفق الدستور تشكيل حكومة الأغلبية السياسية، رغم اعتراضات بعض الكتل التي مازالت تطالب بحكومة الشراكة التي اثبتت تجربة السنوات العشر الماضية فشلها. إن فوز كتلة المالكي لا يسر أعداء الديمقراطية في الداخل والخارج الذين يريدون تجاهل إرادة الأغلبية، وفرض إرادة الأقلية وتحت مختلف الحجج والذرائع، ومعهم بعض الصحف الخليجية الوهابية التي راحت تدق طبول الحرب الأهلية، وتقسيم العراق إذا ما تسنم المالكي رئاسة الوزراء للمرة الثالثة. وهذا بالطبع ضد أهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية. والغريب أن الإعلام السعودي الوهابي يريد أن يعطي للعراقيين درساً بالديمقراطية!!! كذلك فوز المالكي قدم دليلاً مادياً قوياً أن شعبنا لم ولن يتأثر بضجيج وطنين وهذيانات الإعلام المضلل، والكتبة المرتزقة الذين سخروا أقلامهم ضد مصلحة شعبهم وباعوا أنفسهم للشيطان مقابل السحت الحرام من الحكومات النفطية.

فالذين يشعرون بعزلتهم وخسارتهم في الانتخابات الأخيرة، أو هبوط رصيدهم في عدد المقاعد البرلمانية، راحوا يلفقون الأكاذيب ويرعدون ويزبدون ويحذرون من تزوير نتائج الانتخابات. وعلى سبيل المثال، صرح الدكتور أحمد الجلبي، من كتلة المواطن (الحكيم): أن (قوات عسكرية وسوات اقتحمت مراكز الاقتراع وأخرجت المراقبين وصادرت الصناديق)(كذا). هذا الخبر رغم خطورته إلا إننا لم نسمعه إلا من الجلبي! ولله في خلقه شؤون.
أما السيد عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي "فقد هدد المفوضية العليا للانتخابات بـ"رد حاسم" اذا كانت نتائج الانتخابات غير منطقية". ولا بد أنه يقصد بـ(غير منطقية) إذا كان عدد المقاعد التي حصل عليها تنظيمه دون توقعاته.
ولكن الأغرب من كل هذا هو تقرير نشرته المسلة جاء فيه: (ابتدع رئيس ائتلافِ "متحدون" اسامة النجيفي، ورئيس المجلس الاعلى الاسلامي عمار الحكيم، مفهوماً جديداً في المصطلحات السياسية العراقية، حين اشترطا "المقبولية" داخلياَ واقليمياَ ودولياَ لرئاسة الوزراء في العراق، ما يعني ضرب ارادة الناخب العراقي عرْض الحائط، والاذعان لإرادات الدول الاقليمية والتدخل الخارجي، وميول الكتل السياسية، في تحديد رئيس الحكومة العراقية المقبلة).
ونحن إذ نسأل: إذا كان من شروط تشكيل الحكومة العراقية هذه الخلطة العجيبة والغريبة من "المقبولية" فلماذا كل هذه الصرفيات الكبيرة على الانتخابات وتعريض 12 مليون ناخب عراقي لمخاطر الإرهابيين؟
أما الإعلام المضاد وعلى رأسه الإعلام السعودي، فراح يروج للحرب الأهلية إذا ما فاز المالكي. يعني طز بالانتخابات والديمقراطية! وبعد أن تأكد لديهم أن كتلة دولة القانون برئاسة المالكي ستكون الكتلة البرلمانية الأكبر مما يحق له دستورياً ولاية ثالثة في تشكيل الحكومة، راحوا يهددون الشعب العراقي بتقسيم العراق. وفي هذا الخصوص قامت صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية بإجراء مقابلة مع أربع شخصيات، ثلاث منها عراقية، وأكاديمي لبناني. والملاحظ أن اللبناني هو الوحيد الذي التزم بالمنطق، حيث منح الحق للمالكي في تشكيل الحكومة إذا ما نجح في اجتذاب كتل سياسية أخرى. فقد طرحت الصحيفة السؤال التالي: هل ثمة ما يمنع من التقسيم الفعلي وانفصال كردستان؟ فالجواب من السيد عدنان حسين، المحرر في صحيفة المدى لصاحبها فخري كريم، وكما هو متوقع منه قائلاً: "لا.. العوامل الخارجية مواتية.. وخصوصا إذا بقي المالكي".
والجدير بالذكر أن هؤلاء يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين وعلمانيين حد النخاع، ولكنهم في نفس الوقت يرفضون ما تفرزه صناديق الاقتراع، وما تصوت عليه الأغلبية البرلمانية، لذلك راحوا يهددون بتقسيم العراق، وهذا ابتزاز فج ومدان، ودليل على عدائهم الصريح للديمقراطية وموقف الأغلبية. ولكن كما قال أحد الحكماء: "أحكم على الشخص بأفعاله وليس بأقواله". فسلوك هؤلاء لا يختلف عن سلوك البعثيين. وهذا يذكرنا بمقولة صدام حسين: (أكثر  العراقيين بعثيون وإن لم ينتموا). فالبعث هو سلوك قبل أن يكون انتماء رسمي لحزب سقط في مزبلة التاريخ.

والمؤسف أن السيد مسعود بارزاني هو الآخر أنضم إلى الذين يفرضون شرط المشاركة في الحكومة المركزية بمنع المالكي من الولاية الثالثة، إذ نقل عنه قوله أن كتلته ستقاطع البرلمان المركزي، والحكومة المركزية إذا ما فاز المالكي وتم تكليفه بتشكيل الحكومة القادمة. وهذا موقف ضد الديمقراطية. والمعروف أن السيد بارزاني يسمي الحكومة المركزية برئاسة المالكي بـ(حكام بغداد)، وهذا الأسلوب في المخاطبة يستخدم عادة من قبل ناس معادين للحكومة، ولا يليق بشخصية قيادية كبيرة مثل السيد مسعود بارزاني في مخاطبة حكومة لحزبه مشاركة فعالة فيها.   

أود أن أذكر هؤلاء السادة الذين اعتمدوا أسلوب الابتزاز وتخويف الشعب من تقسيم العراق والحرب الأهلية، بدراسة نشرتها مؤسسة راند الأمريكية عام 1993، أي قبل 22 سنة، بعنوان: (العراق في العقد القادم: هل سيبقى العراق لغاية عام 2002 ؟) للباحث غراهام إي فولر، وهي دراسة مستفيضة ترجمت إلى العربية، ونالت في وقتها اهتمام السياسيين والمثقفين العراقيين، شكك الباحث في إمكانية بقاء العراق موحداً إلى عام 2002. واليوم نحن في عام 2014، والعراق رغم مشاكله الكثيرة، إلا إنه مازال موحداً، أرضاً وشعباً يتحدى مراهنات أعدائه. 
وفيما يخص انفصال كردستان، ورغم أني مع حق الشعب الكردي في تقرير مصيره، وتشكيل دولته القومية، لأن الانفصال السلمي من مصلحة الطرفين، فهكذا زواج بائس غير مرغوب به، ورغم أن (الطلاق أبغض الحلال إلى الله) إلا إنه حلال في حالات صعوبة استمرار الزواج المصحوب بالمشاكل، وليكن الطلاق بالمعروف وتسريح بإحسان وبطريقة سلمية وأخوية. فالانفصال ليس سبة، بل في كثير من الأحيان فيه راحة وسعادة للجميع. فهناك العديد من الفيدراليات انفصلت بسلام، مثل انفصال السلوفاك عن الجيك. وهاهي سكوتلاندا تهيئ للاستفتاء الشعبي في شهر أيلول/سبتمبر القادم للإستقلال من المملكة المتحدة (بريطانيا العظمى). ولكن العقبة الكأداء التي تواجه الزعيم الكردي، السيد مسعود بارزاني، أنه سيكون من أكبر الخاسرين إذا ما انفصل في الظروف الدولية الحالية، وذلك لأن دول الجوار، إيران وتركيا، ستبتلعان جمهوريته أو إمارته، ناهيك عن احتمال اشتعال الاقتتال بين "الأخوة الأعداء" من مكونات الشعب الكردي كما حصل في عام 1996 يوم طلب كاكا مسعود من صدام حسين إرسال قواته العسكرية لطرد أنصار مام جلال وبقية المعارضة العراقية من أربيل، وقسمت كردستان إلى حكومتين، شرقية عاصمتها السليمانية، وغربية عاصمتها أربيل. وعليه نرى أن من مصلحة كاكا مسعود والشعب الكردي دعم الجمهورية العراقية الفيدرالية الديمقراطية وعدم الانجرار مع أعداء العراق (السعودية وقطر وتركيا)، وضياع الفرصة كما أضاع والده الملا مصطفى البرزاني عندما تحالف مع البعث الفاشي في اسقاط حكومة 14 تموز، ومن ثم دفع الشعب الكردي ثمناً باهظاً نتيجة لهذه الغلطة القاتلة، اعترف بها كاكا مسعود نفسه.

والآن نأتي للإجابة على السؤال الوارد في العنوان: هل ممكن تشكيل حكومة الأغلبية بجميع مكونات الشعب و دون مشاركة جميع الكيانات السياسية كما كانت حكومة الشراكة الوطنية؟؟
الجواب: نعم، ممكن وللأسباب التالية:
أولاً، صحيح أن معظم الأحزاب السياسية العراقية تشكلت وفق الانتماء القومي والجغرافي والمذهبي، إلا إن كل مكون هو الآخر منقسم على نفسه في كيانات سياسية عديدة متنافسة فيما بينها. فتمثيل المكون الواحد ليس محصوراً على حزب سياسي معين ليكون الممثل الشرعي الوحيد دون غيره لذلك المكون. وعلى سبيل المثال، ليس من حق المالكي، أو عمار الحكيم أو مقتدى الصدر، الادعاء بأنه الممثل الشرعي الوحيد لشيعة العراق. وبالمثل لا يحق للسيد مسعود بارزاني، أو جلال طالباني أو أنوشروان مصطفى الادعاء بأن حزبه هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الكردي، وإذا لم يشارك حزبه في الحكومة المركزية الفيدرالية فهذه الحكومة لا تمثل الشعب الكردي. ونفس الكلام ينطبق على قيادات الكيانات السياسية العربية السنية : (متحدون) بقيادة أسامة النجيفي، و(العربية) بقيادة صالح المطلق، و(الوطنية) بقيادة أياد علاوي...الخ.
لذلك فيمكن أن يعاد اصطفاف الكتل البرلمانية في تحالفين كبيرين أو أكثر، كل تحالف يضم نواب من كيانات سياسية من جميع مكونات الشعب العراقي، عرباً وكرداً، سنة وشيعة وتركماناً ومسيحيين... وغيرهم. والتحالف الأكبر هو الذي يُكلف بتشكيل الحكومة الإئتلافية. وفي هذه الحالة فالحكومة المركزية تمثل جميع مكونات الشعب دون عزل أو إقصاء أي مكون.
يؤكد هذا الطرح ما أفادت به الأنباء عن تحركات واسعة ولقاءات متواصلة بين قيادات الكيانات والكتل السياسية لتشكيل هذه التحالفات. وعلى سبيل المثال جاء في الأنباء أن (دولة القانون، والمواطن، والاتحاد الكردستاني، والعربية، يسعون لتشكيل حكومة برئاسة المالكي). وهذا لا يمنع من تشكيل تحالفات أخرى تضم كيانات سياسية أخرى، ليكلف رئيس الجمهورية الجديد التحالف الأكبر بتشكيل الحكومة، والتحالف الأصغر يجب أن يقبل بالقيام بدور المعارضة الديمقراطية تحت قبة البرلمان، وليس في ساحات الاعتصامات والتهديد بالحرب الأهلية، أو الابتزاز بتقسيم العراق.

هذا فيما يخص تحالف الكيانات السياسية لتشكيل الحكومة. أما حصة كل كيان مشارك في الحكومة الإئتلافية من الأغلبية السياسية فيتناسب مع نسبة المقاعد البرلمانية التي حصل عليها ذلك الكيان السياسي. و لاختيار الشخص المناسب في المكان المناسب في الحكومة من كل كيان، ندعو قادة الكيانات السياسية الاستفادة من تجاربهم السابقة، وتصحيح الأخطاء الماضية. وفي هذا الخصوص نقترح أن يكون هناك نوع من التعاون والتفاهم والانسجام بين رئيس الوزراء، وقادة الكيانات السياسية المشاركة. إذ من الأفضل أن يتم مسبقاً توزيع الحقائب الوزارية ونوعيتها، الخدمية أو السيادية ...الخ، وعلى قيادات الكيانات السياسية اختيار الأكفأ من بين أعضائها، ويفضل أن يكون هذا السياسي المرشح لوزارة ما من التكنوقراط يعرف متطلبات الوزارة التي سيكلف بتسنم مسؤوليتها، وتقديم خلاصة سيرة ذاتية (C.V.) عن المرشح لهذه الحقيبة الوزارية أو تلك إلى رئيس الوزراء. ومن حق رئيس الوزراء أن يتمتع بفسحة من الحرية في اختيار الأفضل، وإقالة الوزير الفاشل، وأن ينذرهم في أول اجتماع، بأن الحكومة الجديدة تحت الاختبار والمراقبة من الشعب والإعلام والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني، ليس لمائة يوم، بل للسنوات الأربع من عمر الدورة البرلمانية. ويعمل مجلس الوزراء بانسجام كفريق عمل (Team work) أشبه بفريق كرة القدم، يمكن لرئيس الوزراء إقالة الوزير أو الوزيرة في حالة الفشل والعجز في أداء الواجب بما يرضي الشعب والمؤسسات الديمقراطية، وتبديله بالأكفأ.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
عبدالخالق حسين: لماذا حكومة الأغلبية السياسية؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=647

حميد الكفائي: الحياة - الانتخابات تمنح المالكي تفويضاً للبقاء في السلطة
http://alhayat.com/Opinion/Writers/2361992/%D8%A7%D9%84%D8%A7%
 
الحكيم يتوعد بـ"رد حاسم" اذا كانت نتائج الانتخابات غير منطقية
http://alakhbaar.org/home/2014/5/168318.html

المالكي رفض شرطاً للمجلس الأعلى بمنح احمد الجلبي منصب نائب رئيس الوزراء
http://arusalahuar.com/archives/20362

علاوي يعلن فوزه بالانتخابات ويتهم المفوضية “بعدم الاستقلالية
http://arusalahuar.com/archives/20338

زعماء عراقيون يمهّدون لتدخل إقليمي في اختيار رئيس الحكومة العراقية
الحكيم والنجيفي اتفقا على ضرورةِ توَفـُر (المَقبولية) داخلياً واقليمياً ودولياً في المُرَشّح لرئاسة الوزراء
http://alakhbaar.org/home/2014/5/168426.html

القانون والمواطن والاتحاد الكردستاني والعربية يسعون لتشكيل حكومة برئاسة المالكي
http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=20635


311
محاولة لتفسير التخندق الطائفي في الانتخابات

د. عبدالخالق حسين

لا شك إن أخطر ما يهدد الشعب هو الاعلام المضلل، خاصة في زمن التقنية المعلوماتية المتطورة حيث يسهل على خبراء صنع الإشاعات تمرير إشاعاتهم بخلط الزيف مع الحقيقة كما يدس السم بالعسل، وإخراج الإشاعة وكأنها حقيقة لا شك فيها. وللأسف الشديد، ليس هناك إنسان محصن ضد تصديق الإشاعة والتشويش بشكل مطلق ومهما أوتي من معرفة وحذر. ففي كثير من الأحيان استلم إشاعات كيدية من شخصيات أكاديمية مرموقة تؤمن بصحتها، ولكن ما أن أقدم لهم أدلة تثبت بطلانها حتى ويغيروا آراءهم ويعربوا عن أسفهم لتعميمها. وعلى سبيل المثال، استلمتُ مرة إشاعة بعثها أستاذ أكاديمي محترم، مفادها أن 50% من سكان محافظة البصرة مصابون بالسرطان بسبب التلوث باليورانيوم نتيجة القصف الأمريكي!!.
فقلت للأستاذ، أن تعداد سكان البصرة في حدود مليونين نسمة، وهذا يعني أن هناك نحو مليون إصابة بالسرطان في هذه المحافظة، وإذا ما أخذنا تردي الخدمات الصحية في نظر الاعتبار، فبعد 5 سنوات سيموت نحو مليون نسمة وستظهر إصابات جديدة في نحو 50% في المليون الباقي من السكان، وهكذا فخلال 20 أو 30 سنة سينقرض أهل البصرة عن آخرهم. ولو كان التقرير المزعوم صحيحاً، لأثار اهتمام منظمة الصحة الدولية (WHO). وسألتُ: هل تتفق هذه الأرقام مع المنهج العلمي في البحوث العلمية؟
والجميل، أن الأستاذ أنتبه فوراً إلى هذه الملاحظة واعترف بأن هذا لا بد وأن يكون من صنع جهات مغرضة، وما أكثرها في زمننا هذا، زمن الخديعة. بينما تقارير أخرى تؤكد أن نسبة الإصابة بالسرطان في العراق لا تختلف عما في البلدان الأخرى، وما هذه الحملة إلا لأغراض سياسية كيدية. ولابد أن يتذكر القراء الكرام الفرية ألأخرى التي تم تعميمها على نطاق واسع، ونالت اهتمام الأكاديميين، مفادها، أن حكومة المالكي "الصفوية العميلة الفاسدة" تعاقدت مع الاتحاد الأوربي لجعل العراق مكباً للنفايات النووية الأوربية!!!. فإذا كان الأكاديمي يمكن استدراجه لتصديق الافتراءات والإشاعات حتى في القضايا العلمية، فكيف بالإشاعات السياسية التسقيطية مع الناس العاديين؟

لقد وفرت شبكة الانترنت المجال لأي كان أن ينشر ما يشاء من آراء، والمشاركة في الشؤون العامة. وهذا ما شجع بعض الأكاديميين ليدلوا بدلوهم، ليس لنشر ما يخص مجالهم الأكاديمي ولأغراض تقريب العلوم إلى فهم العامة، بل وللخوض في مجالات خارج اختصاصهم، مثل السياسة أو أي مجال آخر، وهو حق مشروع. فالسياسة هي مهنة من لا مهنة له، كما أفعل أنا وآلاف غيري من مختلف الاختصاصات، وهذا من حقنا، لأننا نعتبر السياسة جزء من الثقافة العامة تخص الجميع. كذلك نجد الكثير من الزعماء السياسيين من خلفيات مهنية مختلفة لا علاقة لها بالسياسة، مثلاً الزعيم السوفيتي الأسبق غورباتشوف كان مهندساً، وهناك نسبة عالية من الأطباء بين السياسيين العراقيين، مثل الدكاترة: أياد علاوي، وإبراهيم الجعفري، وموفق الربيعي، وحنان الفتلاوي، وغيرهم.

ما الفرق بين الأكاديمي والمثقف؟
يجيب على هذا السؤال الفيلسوف البريطاني A. C. Grayling بما معناه، أن الأكاديمي متفرغ للتدريس الجامعي، وباحث متخصص في مجال علمي معين مثل الفيزياء، أو الكيمياء، أو علم النفس، أو علم الاجتماع، أو هندسة الجينات الوراثية...الخ. ولذلك  فجمهوره محصور في مجال اختصاصه، مؤلف من تلامذته وزملائه وقرائه المهتمين بهذا الاختصاص، وينشر بحوثه في مجلات متخصصة معروفة بين الجماعات التي تشاركه في ذلك الاختصاص.
أما المثقف، فهو ما يطلق عليه في اللغات الأوربية بـ (Intellectual)، ومجاله أوسع وأرحب بكثير من مجال الأكاديمي، وهو يشبه الصحفي حيث يخوض في كل مجال، وينشر في الصحافة العامة، وجمهوره من مختلف الفئات والمجالات المعرفية والناس العاديين.
والأكاديمي هو مثقف بحكم ما اكتسب من معارف، ومن حقه أن يخوض في الشأن العام إذا شاء، كأن يتبنى أي موضوع خارج مجال اختصاصه، ويكتب وينشر عنه بلغة بسيطة سلسة ومفهومة لدى القارئ العام، متجنباً رطانة (Jargon) الاختصاصات العلمية التي لا يفهمها إلا أصحاب الاختصاص. ومن حقه أيضاً أن يعلن لقبه العلمي (الأستاذ، الدكتور...الخ).
ولعل أخطر ما يجابه الأكاديمي هو إذا أراد الخوض في السياسة. فالسياسة مجال رحب يتقبل أياً كان، ولكنه في نفس الوقت معقد ومتشابك لا يخلو من مشاكل واتهامات والرجم بالحجارة. والأكاديمي هنا يشبه رجل الدين في أن كليهما يتمتعان باحترام وتقدير المجتمع طالما بقيا ضمن مجاليهما، ولكن إذا ما اختارا الخوض في السياسة فعليهما تقبل النقد، ولا يحق لهما التمترس وراء حصانة الدين، أو الأكاديمية ضد من ينتقدهما في آرائهما السياسية. فكما لا يحق لرجل الدين إضفاء القداسة على آرائه السياسية، كذلك الأكاديمي، لا يحق له إضفاء الحصانة الأكاديمية العلمية على آرائه السياسية، واعتبارها علمية منزهة من الزلل و فوق النقد !.

مناسبة هذه المقدمة أني قرأت مقالاً للأكاديمي في علم النفس، الأستاذ الدكتور قاسم حسين صالح، عن الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة التي جرت يوم 30/4/2014، بعنوان: (الطائفية والعشائرية واللاأبالية..هي الفائزة!)، وعنوان ثانوي: (حقائق جديدة عن طبيعة الشخصية العراقية). والجدير بالذكر أن السيد الكاتب قد رشح نفسه ضمن (التحالف المدني الديمقراطي)، الذي ضم طيفاً عريضاً من المثقفين والأكاديميين وأصحاب الكفاءات، ومن مختلف الاتجهات السياسية، يجمعهم التمسك بالعلمانية والديمقراطية، وتبني الكفاءة، هدفهم، كما أعلنوا في حملتهم الانتخابية، إخراج العراق من مأزق المحاصصة الطائفية والعشائرية، والقضاء على الإرهاب والفساد والبطالة والفقر... وغيره من المشاكل السياسية والاجتماعية المتراكمة.
ويبدو أن الدكتور صالح متشائم من فوزه، لذلك استبق الاعلان الرسمي النهائي للنتائج الانتخابية معتمداً على النتائج الأولية، فكتب مقاله هذا ليبرر فشله في حالة عدم فوزه.
طبعاً من حق الكاتب أن يكتب ما يشاء ضمن ما يبيح له قانون الصحافة وحرية التعبير والنشر، ومن حقه أيضاً أن ينتقد الناخبين الذين صوتوا لقوائم الأحزاب الدينية والأثنية والعشائرية، ولكن في هذه الحالة يحق لنا أيضاً كقراء، أن ننتقده على تحليلاته وآرائه السياسية، ورغم أنه حاول جاهداً إضفاء صفة العلمية والأكاديمية على آرائه هذه، إلا إنها تبقى آراء سياسية وشخصية، وليست حقائق علمية مطلقة غير قابلة للنقد والنقاش.
الملاحظ أن موقف أ.د.قاسم حسين صالح من نتائج الانتخابات لا يختلف كثيراً عن موقف السياسي الداعية، مثل السيد طارق الهاشمي، إلا في أسلوب التعبير. فالكاتب لأكاديمي هنا يصف معظم الناخبين الذين لم يصوتوا لقائمته بالجهل والطائفية والعشائرية واللاأبالية، وحتى باللاوطنية، فيقول:
((وفيما كان المفروض ان تجري هذه الانتخابات تحت شعار (الوطن أولا) فإنها جرت تحت معادلة (ضد او مع المالكي)..وتفيد المؤشرات (التي ستثبتها النتائج الرسمية) أن الغالبية من جماهير الشيعة اختارت المالكي، والغالبية من جماهير السنّة اختارت من هو ضده، فيما الأقلية اختارت (الوطن!)... فعلى ماذا يدل هذا؟))
ويتوصل إلى الاستنتاجات التالية:   
((- ان الشعور بالانتماء للوطن قد مات عند نصف  العراقيين العرب!،
- ان الغالبية المطلقة في النصف الثاني من العراقيين العرب تتحكم بهم الطائفية والعشائرية،
- ان المتبقي الذي لا يتجاوز المليون عراقي عربي يتمتعون بالنضج السياسي والوعي الانتخابي.
- ان العراقيين في الخارج.. قد طلّقوا العراق!.)).

أعتقد أن هذه الأحكام مجحفة بحق العراقيين، ومجافية للحقيقة كان على الكاتب الأكاديمي تجنبها. فهو في هذه الحالة لا يختلف عن السياسي الذي يعتبر تحالفه وحده هو لصالح الوطن، أما القوائم الأخرى فهي ضد الوطن. وبطبيعة الحال فالذي يقف ضد الوطن هو خائن، وهذه التهمة شنيعة تشبه تهمة التكفيريين  لكل من لا يسير على سكتهم.
فمثلاً السيد طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية المُقال، والمطلوب للقضاء بتهم الارهاب، والمحكوم بعدة احكام بالاعدام، وكما نقلت مواقع الانترنت من تغريدته: "وصف العراقيين الذين انتخبوا رئيس الوزراء نوري المالكي بأنهم اما فاسدون مثله، او جهلة مغفلون انطلت عليهم اكاذيب المالكي."

 نحن لا نعتب على السيد طارق الهاشمي على أقواله تلك، لأنه سياسي ذو أغراض سياسية معينة ضد خصومه السياسيين، ولم يضفِ صفات علمية أكاديمية على أقواله، فمن غير المتوقع أن يقول غير ذلك وهو محكوم عليه بالإعدام بتهمة الإرهاب، ولكن من حقنا أن نعاتب الأكاديمي أ.د. قاسم حسين صالح، ونناقشه على ما كتبه، خاصة في وصفه لعراقيي الخارج بأنهم طلقوا العراق، وأن مليون عراقي فقط من مجموع العشرين مليون الذين يحق لهم التصويت هم وطنيون!
فتفسيره للنتائج الانتخابية وتخندق الناخبين في الطائفية والعشائرية غير دقيق. نعم هناك تخندق طائفي وأثني وعشائري ومناطقي، ولكن لهذا التخندق أسباب موضوعية كان على الباحث الأكاديمي تفسيرها علمياً لا إطلاق أحكام اعتباطية وتجريد الناس من الوطنية.

أسباب التخندق الطائفي والعرقي
في رأيي ، إن سبب هذا التخندق هو 40 سنة من الظلم والجور والقتل على الهوية المذهبية والأثنية، ونشر المقابر الحماعية، والتشريد بسبب الانتماء المذهبي والعرقي. كذلك النظام البعثي البدوي هو الذي قاد حملة إحياء العشائرية والقبلية، ناهيك عن حملة التهجير القسري لنحو مليون شيعي من مختلف القوميات بتهمة التبعية الإيرانية لأسباب طائفية بحتة. وحكم البعث هو الذي رفع شعار (لا شيعة بعد اليوم)، وقصف أضرحة أئمتهم، وأساء إلى مقدساتهم المذهبية، وقتل رموزهم الدينية. كما ويواجه المواطن الشيعي من كل القوميات اليوم حرب الإبادة الجماعية بسبب هويته المذهبية، إضافة إلى حملة التشكيك في دونه وقوميته وعراقيته.

يطالب بعض المعلقين نسيان الماضي، وأن صدام وحكمه قد ولىّ. ولكن ماذا عما يجري الآن من القتل على الهوية، وحرب الإبادة الجماعية، وحتى التهديد بقطع مياه دجلة والفرات عن الوسط والجنوب لقتل الشيعة عطشاً ؟ وفعلاً قبل أيام قامت فلول البعث (داعش) بغلق بوابات سدة الفلوجة لتنفيذ هذا التهديد، ولم يفتحوا السدة إلا بعد أن غرقت مدنهم. ألا يعني هذا أن الشيعي مهدد لكونه شيعي؟ فكيف والحالة هذه تريد منه ألا يتحصن بالخندق المذهبي؟ وكيف تريد من المواطن الكردي أن يصوت لقائمتك وليس لمرشحي أحزابه الكردستانية، وهو الذي تعرض للأنفال وحرب الغازات السامة في حلبجة؟ 

لذلك فمن الطبيعي، وبدافع غريزة حب البقاء (الداروينية)، وجد المواطن نجاته في التخندق بالعشيرة والمذهب والأحزاب الدينية والقومية. أما الكلام عن مساوئ الطائفية فقد سمعه من حكم البعث الصدامي أيضاً، وكذلك يسمعه الآن من "داعش" وهي تشن عليه حرب الإبادة وتصفه بأقذر الصفات اللاإنسانية. فكثير ممن يحاربون الطائفية قولاً إلا إنهم يمارسونها عملاً وبغطاء علماني. فالبعثيون علمانيون في الظاهر ولكنهم من أشد غلاة الطائفيين.
ولدينا مثال آخر يؤكد أن التخندق بالطائفة والقومية هو بدافع غريزة حب البقاء، ولأن الإنسان العراقي مهدد بالقتل على الهوية المذهبية والأثنية، والمثال هو انفصال الشيوعيين الأكراد عن الحزب الشيوعي العراقي، وتشكيلهم لحزبهم الشيوعي الخاص بهم (الحزب الشيوعي الكردستاني). وهذا دليل على أن الشعور بالانتماء القومي (الأثني) أقوى عندهم من الانتماء الطبقي. ونفس الكلام ينطبق على الذين تخندقوا بالأحزاب الدينية.
يبدو أن أ.د. قاسم حسين صالح يتوقع الخسارة في الانتخابات لذلك حاول الاستباق في إيجاد التبريرات والمعاذير لهذه الخسارة، فأوعزها إلى اللاوطنية، وعدم مشاركة 40% من الناخبين الذين وصفهم باللاأبالية ، وتجاهل الـ 60% الذين شاركوا في التصويت وتحدَّوا تهديدات الإرهاب، وهي نسبة عالية نالت اعجاب وتقدير العالم.

فغني عن القول، أن عدم مشاركة نسبة من المواطنين في التصويت لا يلغي شرعية نتائج الانتخابات. إذ لا أحد يشك بديمقراطية سويسرا مثلاً. ففي هذه الدولة الديمقراطية الاتحادية نادراً ما تتعدى نسبة المشاركة في التصويت فيها الـ 30%، ومع ذلك لا أحد يتهم الشعب السويسري باللاوطنية أو اللاأبالية. ولا أدري على أي دليل استند الكاتب في اعتبار لو شارك 40% الآخرون لصوتوا لقائمته؟ إن أغلب الظن أنه لو شارك الممتنعون عن التصويت لتوزعت أصواتهم على القوائم بنفس النسب الـ 60% الذين أدلوا بأصواتهم. وهذا ما تؤكده مؤسسات استطلاع الرأي عندما يأخذون عينة من الشعب ما بين 500 إلى 2000، ومن هذه العينة يعرفون بشكل تقريبي رأي الشعب كله، (كما يمكن معرفة طعم برميل من الماء بأن تذوق قطرة واحدة منه ولا تحتاج أن تشرب البرميل كله!)، وفي أغلب الأحيان تكون توقعاتهم قريبة للحقيقة. لذلك فالطعن بمشاركة 12 مليون (60%) من المشاركين والاعتماد على 8 مليون (40%) الذين لم يصوتوا قول يخالف المنهج العلمي.
ولإضفاء صفة العلمية على تفسيره، يذكر السيد الكاتب تجربة علمية أجريت على مجموعة من الكلاب بالصعق الكهربائي في غرفة دون أن يترك لها منفذاً للهرب، " وبعد تعرضّها لعدد من الصدمات استسلمت هذه المجموعة من الكلاب وظلت رابضة على ارضية الغرفة المكهربة دون ان تحرّك ساكنا". ثم كرر الباحث التجربة على مجموعة أخرى من الكلاب مع توفير منفذ للخروج، فعثرت عليه وخرجت منه، بينما رفضت المجموعة الأولى الخروج. و يستخلص الكاتب أن الشعب العراقي استمرأ الظلم، ورغم أن توفر له المنفذ (الانتخابات) للخروج منه، وهو أن يصوت لقائمته، إلا إنه رفض الاستفادة. أعتقد أن الماتب لم يكن موفقاً في هذا التشبيه أو المثال، (أي تطبيق تجربة الكلاب على الشعب)، وهذا ما يسمى بـالعلم المزيف (pseudoscience). لذلك أستدرك الكاتب قائلاً: "ولكي لا يجري تأويل خبيث لما قلناه، فان نتيجة التجربة تنطبق على كل انسان تعرض لخيبات متتالية سواء كان عراقيا، اوربيا ،او من أي بلد او ملّة أخرى."

المسألة هنا لا تحتاج إلى "تأويل خبيث"، بل الكاتب نفسه طبق تجربة الكلاب على العراقيين وبصراحة لا تقبل التأويل. فهناك نقاط ضعف في سحب هذه التجربة على الشعب العراقي أو أي شعب آخر، الأولى، أن الحيوانات لا عقل لها، وإنما تحركها الغرائز فقط ، بينما الإنسان له عقل إضافة إلى الغرائز. والثانية، وكما يؤكد باحثون في علم النفس وعلم الاجتماع، أن الظروف المختبرية التي تجرى فيها التجارب، سواءً على الحيوانات أو على البشر، تختلف عن الظروف الطبيعية التي يعيشها الإنسان خارج المختبر في حياته اليومية. لذلك لا يمكن تطبيق هذه التجارب على الإنسان، ناهيك عن تطبيقها على الشعب كله.   
لذا،أعتقد إنه لا يجوز لنا اتهام الشعب العراقي بأنه رضخ للظلم ورضى به، فالشعب بجميع مكوناته انتفض عدة مرات على الحكم البعثي الجائر، خاصة في انتفاضته (الشعبانية) في آذار 1991، ومازال يواجه الإرهاب بشجاعة وتفاني.

خلاصة القول، إن التخندق بالطائفة والعشيرة والأحزاب الدينية والقومية لها أسبابها الموضوعية، وسيبقى إلى أجل غير معلوم طالما بقي المواطن العراقي مهدداً بالقتل على الهوية المذهبية القومية، ولا يمكن التخلص منه بإلقاء المواعظ والإرشاد عليه، على طريقة وعاظ السلاطين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
قاسم حسين صالح - الطائفية والعشائرية والاأبالية هي الفائزة ..
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=413021
 
الهاشمي: الذين صوتوا للمالكي اما فاسدون او جهلة مغفلون 
http://alakhbaar.org/home/2014/5/167672.html

الصياد‘‘ يكشف عن مخطط تقسيم العراق الفاشل بقيادة خميس الخنجر ورافع العيساوي
http://alsayaad.com/archives/41002


312
نجاح الانتخابات دليل على التزام شعبنا بالديمقراطية

د.عبدالخالق حسين

رغم تهديدات الإرهابيين من فلول البعث (داعش)، والقاعدة، ومرتزقتهما من الإعلاميين المضللين في محاولاتهم اليائسة لإلغاء الانتخابات البرلمانية أو تأجيلها على الأقل، إلا إن الشعب العراقي خيَّب آمالهم، وأصرَّ على إجرائها في وقتها المحدد، دون تأخير ولو لساعة واحدة، وكانت المشاركة في التصويت بنسبة أعلى مما في الدورات السابقة، الأمر الذي أثار إعجاب واعتراف العالم، فاعتبروا هذه المشاركة الواسعة دليل على تمسك الشعب العراقي بالنظام الديمقراطي، وأنه لم ولن يذعن لتهديدات الإرهابيين، كما ويعتبر هذا النجاح مفاجأة غير سارة لأعداء الديمقراطية، وهزيمة شنيعة للإرهاب، ومن يدعمه من سياسيين محليين، وحكومات إقليمية معادية للديمقراطية. فقد اجريت هذه الانتخابات يوم الاربعاء، 30/4/2014، بمشاركة اكثر من 12 مليون ناخب في عموم البلاد حيث وصلت نسبة المشاركة 60% حسب المفوضية، تنافس اكثر من 9000 مرشح على 328 مقعد نيابي.

اعترافات وشهادات دولية بنجاح الانتخابات
فعلى المستوى الدولي هنأت شخصيات دولية الشعب العراقي على خوضه الانتخابات بنجاح، فعلى سبيل المثال نقرأ تصريحات من الشخصيات والجهات التالية:
* بان كي مون: انتخابات العراق معلم مهم في التحول الديمقراطي،
* الأمم المتحدة: الانتخابات مطابقة للمعايير الدولية، والعراقيون اثبتوا تفانيهم،
* مجلس الأمن يدعو العراق إلى الإسراع بتشكيل حكومة تمثل إرادة وسيادة الشعب،
* الرئيس الامريكي باراك اوباما أشاد بتدفق الناخبين العراقيين وإقبالهم على التصويت.
* جون كيري يشيد باقبال العراقيين على التصويت في الانتخابات البرلمانية، جاء فيه " اشاد وزير الخارجية الامريكي جون كيري بالملايين من العراقيين الذين صوتوا بشجاعة في الانتخابات البرلمانية مؤكدين التزامهم بالديمقراطية والعزم على تحقيق المزيد لمستقبل يسوده الامن والسلام."
* السفير البريطاني لدى العراق سايمون كولس، نقل تحيات وزير خارجية بلاده [وليم هيغ] الى "العراق والمفوضية وللشعب العراقي بانجاز الانتخابات البرلمانية". وقال أن "بلادنا شاركت في مراقبة الانتخابات بطلب من المفوضية وزرنا نحو 12 مركزا انتخابيا في بغداد ومناطق اخرى منها اقليم كردستان ووجدنا اجراءات ومشاركة ممتازة بالإضافة الى الظروف الامنية". وأضاف ان "الشعب العراقي حقق واجبه في الديمقراطية وحقوقهم بهذا المجال، وعلى القادة الجدد القيام بواجباتهم بتشكيل حكومة جديدة لتحقيق تطلعات الشعب العراقي".
* موسكو: اجراء انتخابات العراق رغم الارهاب هو محل اعتراف وتأييد من قبل المجتمع الدولي.
* ايران: انتخابات العراق أكدت بأن الارهاب لا مكان له فيه.
* سفير الأردن: انتخابات اليوم كانت بحق ديمقراطية.

شهادات على المستوى المحلي
أما على المستوى المحلي، فقد صرح القائمون على سير هذه الانتخابات بما يؤكد اقبال وحماس الناخبين للإدلاء بأصواتهم رغم تهديدات الإرهابيين، إذ نقرأ ما يلي:
* لجنة أمن الانتخابات تعلن نجاح الخطط الأمنية في عموم البلاد،
* السلطة القضائية تبارك الشعب العراقي على نجاح العملية الانتخابية،
* مفوضية الانتخابات: لم نسجل خروقات حمراء،
* مؤيد اللامي (نقيب الصحفيين): 15 الف صحفي غطى عملية الاقتراع،
* مفوضية البصرة: نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت [77%]،
* مفوضية بابل: نسبة التصويت في الانتخابات بالمحافظة بلغت 73% ،
* المفوضية في كردستان: أكثر من 70% نسبة المشاركة في مدن كردستان وكركوك،
* مفوضية ميسان: ارتفاع نسبة المشاركة في ميسان الى أكثر من [70%]،
وحتى محافظة الأنبار التي تعتبر منطقة ساخنة، بلغت نسبة المقترعين فيها 60%
* وعلى مستوى العراق ككل، فقد شارك في هذه الانتخابات أكثر من 12 مليون ناخب، أي بنسبة 60% والاقتراع الخاص 91 في المائة  بحسب ما اعلنته مفوضية الانتخابات.
فماذا تعني هذه الأرقام ونسب المشاركة العالية والاعترافات الدولية بسير الانتخابات، رغم ضجيج الاعلام المضاد للعملية السياسية والانتخابية؟
إنها تعني نجاح الديمقراطية وهزيمة شنعاء للإرهابيين البعثيين (داعش)، وحلفائهم القاعدة الوهابيين، من الطائفيين والعنصريين أعداء القيم الحضارية والإنسانية.

ولكن نجاح الانتخابات لا يسر أعداء العراق، فأمراء الظلام يسوءهم أي نجاح يصيب العراق، وخاصة في مجال الديمقراطية، فهم ما انفكوا ينشرون الشؤم ويدقون طبول الحرب الأهلية، ما لم يكن أعداء الديمقراطية هم الفائزون. وفي هذا الخصوص خرجت علينا صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية، يوم 1/5، بعنوان بارز: (واشنطن تخشى حربا أهلية في العراق إذا فاز المالكي). طبعاً هذا ليس رأي واشنطن، والذي عبر عنه الرئيس أوباما، وجون كيري كما ورد أعلاه، وإنما هو رأي السعودية وغيرها من المرعوبين من نجاح الديمقراطية، وخاصة إذا كان المالكي هو الفائز، ففي هذه الحالة نراهم يدقون طبول الحرب الأهلية، معولين على "اطراف سياسية خاسرة في الانتخابات الى اشاعة الفوضى والاضطرابات، وتوجيه الاتهامات الى مراكز الاقتراع بالتزوير لصالح جهات سياسية حصدت النسب الاعلى من الاصوات".. وهذا يعني أنهم لا يعترفون بالانتخابات كوسيلة حضارية سلمية لاختيار الحكام، وإنما بالقوة الغاشمة، والحرب الأهلية.
وفريق آخر راح يروِّج للنصابين من أدعياء التنجيم وعلم الغيب، فطلع علينا من أسموه بـنوستراداموس العرب في أحدث تنبؤاته عن (اغتيال نوري المالكي بعد فوزه في الانتخابات !!!!!!!).
وما هذه التحذيرات بالحرب الأهلية، والتنبؤات الخرافية، إلا تعبير واضح عن أفكار رغبوية (wishful thinking)، ودليل على إفلاسهم، فكرياً وسياسياً وأخلاقياً، واعترافهم بشعبية المالكي واحتمال فوزه بالولاية الثالثة، لذلك يسعون إلى تهيئة الرأي العام من الآن للطعن بالنتائج لإشاعة الفوضى من قبل الخاسرين.
وكما قال رئيس الوزراء، السيد نوري المالكي في أول مؤتمر صحفي عقده بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية مباشرة: إن "ما يميز هذه الانتخابات وقبلها من انتخابات مجالس المحافظات، أنها تمت بإدارة وحماية وتخطيط وتمويل من قبل الحكومة العراقية والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ولم يكن على الأرض العراقية جندي واحد غريب، حتى يقال إن العراقيين لا يستطيعون إنجاز الانتخابات، ما لم تكن هناك حماية ومساعدة من الخارج".
إن نجاح الانتخابات وبهذا الاقبال الشديد، هو الرد العملي على أعداء الديمقراطية، الذين طعنوا بشرعيتها، فدبج أحدهم مقالاً بعنوان (ماراثون انتخابات غير مشروعة)، لأنه يعتبر الدستور الذي صوت عليه الشعب العراقي بغالبيته العظمى غير مشروع. وهذا دليل على أن هؤلاء ضد الديمقراطية ومازالوا يحنون إلى عهد احتكار السلطة من مكون واحد، والذي ولى إلى غير رجعة.

قلنا مراراً أن الديمقراطية في العراق، كما في أي بلد آخر، ومهما حاول الإرهابيون وضع العراقيل أمامها، لا بد لها أن تنجح، ولا بد لأعدائها أن يندحروا، لأنها (الديمقراطية) نتاج حضاري إنساني تقدمي، مع منطق ومسار حركة التاريخ. أما أتباع الأيديولوجيات الشمولية مثل البعث- الوهابي، فمحكوم عليها بالفشل الذريع، ولا بد أن تنتهي كما انتهت الحركات العنصرية الفاشية الأخرى في مزبلة التاريخ.
وبمناسبة هذا العرس التاريخي للديمقراطية في العراق، نقدم أعطر التحيات، وأحر التهاني إلى شعبنا الكريم على هذه المشاركة الشجاعة الواسعة، وصموده في وجه الإرهاب وتحديه له، لاختيار حكامه، عن طريق بطاقة الاقتراع بدلاً من الرصاص والتفجيرات، البطاقة التي الحقت الهزيمة بتفجيرات الإرهابيين وهمجيتهم، أعداء الانسانية والديمقراطية والدستور.
تحية إلى القوات المسلحة و القوات الأمنية على جهودهم في حفظ الأمن وسلامة الناخبين، و تحية إلى مفوضية الانتخابات المستقلة على نجاحها في سير الانتخابات بالوسائل الحضارية رغم الظروف المعقدة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


313
يا أعداء المالكي اتحدوا !!!
د.عبدالخالق حسين

لمجرد أني أرفض تصديق الأكاذيب والإشاعات، والمشاركة في الترويج لها، فأنا متهم بأني أروِّج للمالكي وأدافع عنه، وأني تخليت عن علمانيتي و"لأسباب طائفية!!". وإذا كان الأمر كذلك، فليكن، لأن رضاء الناس غاية لا تدرك، وأية محاولة لإقناع هؤلاء بعكس ذلك، مضيعة للوقت والجهد، إذ كما قال أحد الحكماء (النقاش مع متعصب ومتشدد أشبه بالنقاش مع الميت). فهؤلاء ومنذ نعومة أظفارهم تربوا على ثقافة الهدم، والمشاكسة، ومحاربة السلطة وأية سلطة كانت، حتى ولو كانت منتخبة من الأغلبية وتعمل لصالح الشعب. ولهذا السبب، وقع البعض من أدعياء العلمانية والديمقراطية واليسارية في الفخ البعثي، وصارت مواقفهم متناغمة مع مواقف البعث الفاشي الذي يعمل اليوم تحت اسم "داعش"، وحليف للقاعدة. والتراث العربي عموماً، والعراقي خاصة، مليء بكل ما يشبع رغبات الكاتب المعارض للتهجم على الحكومة أو رئيسها تحديداً. ففي تاريخ العراق الطويل، نادراً ما يموت الحاكم فيه موتاً طبيعياً، إذ أغلبهم انتهوا بالقتل.

وكنموذج للهبوط إلى القاع في محاربة الديمقراطية والانتخابات والعراق الجديد الحر، أنقل نموذجاً من اللغة الهابطة من أحد أدعياء الثقافة والأكاديمية والعلمانية، في مقال هستيري بائس يندى له الجبين يبدأه بقوله: (يبدو العراق مثل غابة يتحكم فيها الضواري والقرود .. ولم يعد في العراق اية مقاييس للغباء والذكاء .. او الحق والباطل .. او الغيرة والنذالة .. او المحافظة والانفلات .. او قيم وطنية ازاء فوضى الانقسامات. اذ يأكل الحكم المتسلط قوة الاحرار  من خلال المال والسلطة والترهيب والترغيب ، ومع وجود الكلمة الشجاعة وهموم المعارضين الاخرين من النزهاء المتمدنين والاذكياء والساسة الوطنيين الاشداء ، ولكن المحنة اشد ، وان العراقيين في دوامة ليس باستطاعتهم الخروج منها  .. دعوني اقول: ان لا عدالة ولا نزاهة في الانتخابات التي ستجري ، والتي يلهج بذكرها اغلب العراقيين ، فهي غير دستورية ابدا بحكم الخلل في الدستور ، والاستمرار في عملية سياسية خاطئة). انتهى الاقتباس

لا تعليق على هذا الهذيان المحموم، وأترك الحكم للوطنيين الشرفاء الذين هم ليسوا من مقاييس هذا المحموم طبعاً، ولكن لا بأس من القول، أنه إذا كان خصوم المالكي والعراق الجديد من هذا النوع، فهذا شرف للعراق وللمالكي، على غرار ما قاله المتنبي: إذا أتتك مذمتي ...

أود التوكيد مرة أخرى، أن ما يتعرض له العراق، والسيد نوري المالكي يشبه إلى حد بعيد ما تعرض له الزعيم عبدالكريم قاسم بعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة من مؤامرات ودسائس وتخريب، وتكالب ومن نفس الجهات الداخلية، والخارجية. فخصوم العراق في العهدين هم أنفسهم، أبناء نفس الزعامات الوراثية، السياسية التي حكمت في العهد الملكي، والدينية ذات التأثير في الجماهير وخاصة في الجانب الشيعي، والتي كان لها دور كبير في إنجاح انقلاب شباط 1963 الأسود، إذ لم يرض هؤلاء أن يحكمهم شخص من عامة الشعب، مثل عبدالكريم قاسم (ابن الصويرة)، أو نوري المالكي (ابن طويريج).
فمن سخرية الأقدار أن يتبوأ قيادة تنظيمات سياسية مؤثرة، شابان هما مقتدى الصدر، وعمار الحكيم، لا لخبرتهما وكفائتهما القيادية، بل لأنهما من أبناء زعماء دينيين. لا شك أن شعباً يفضل الزعامة الوراثية على الخبرة والكفاءة في اختيار قادته لا بد وأن يمر بالكوارث. 

على أية حال، هناك فوارق كبيرة بين الزمنين، الحالي وزمن ثورة تموز، منها:
أولاً، إن مكر التاريخ جعل الدولة العظمى، أمريكا، وحلفائها الغربيين يقفون اليوم مع العراق، وليس مع أعدائه، حيث حصل تغيير جذري في الظروف المحلية والإقليمية والعالمية. ثانياً، السيد نوري المالكي يختلف عن الزعيم عبدالكريم قاسم، رغم سعي الزعيمين لمصلحة الشعب وخاصة الفقراء منهم، والأخلاص للوطن، إلا إن المالكي وراءه كتلة سياسية كبيرة، تضم كيانات لها ثقلها في الحراك الجماهيري، بينما الزعيم قاسم لم يكن له حزب سياسي يدعمه، رغم تمتعه بجماهيرية واسعة، فهذه الجماهير لم تكن منظمة، ولا حول لها ولا قوة سوى حبها لزعيم الفقراء. ثالثاً، لم يعد الجيش العراقي اليوم يخضع لأهواء بعض العسكريين المغامرين المسيَّسين الذين اتخذوا الانقلابات العسكرية أسهل وأقصر الطريق (short cut) للوصول إلى السلطة، فعهد الانقلابات العسكرية قد ولّى إلى الأبد، ولكن مع ذلك يحاول أعداء العراق أن يتبنوا نفس الطرق القديمة في الظروف الحديثة المختلفة جداُ، ولذلك نعتقد أن مصير هؤلاء (الأخوة- الأعداء) الذين يعملوا وفق شعار (يا أعداء المالكي اتحدوا) مصيرهم الفشل.

وآخر هذا التحالفات هو ما سمي بحلف أربيل الأخير الذي ضم السيد مسعود برزاني، وأياد علاوي، وعمار الحكيم، ومقتدى الصدر، و النجيفي وصالح المطلك وغيرهم. ولهؤلاء أتباع وعلاقات وكيانات سياسية من بينها فلول البعث (داعش) والقاعدة، تدعمهم حكومات إقليمية مثل تركيا والسعودية وقطر.
وهذا الحلف غير المقدس، ليس جديداً، فقد بدأ بعد ترشح السيد نوري المالكي لرئاسة السلطة التنفيذية للمرة الثانية عام 2010. فطلع علينا ما سمي بـ(اتفاق أربيل) في السباق المارثوني لتشكيل الحكومة برئاسة السيد المالكي، وبشروط مجحفة، حيث فرض اتفاق أربيل أسلوب بعثي بامتياز، وهو تشكيل ما سمي بـ(المجلس السياسي الأعلى) برئاسة البعثي أياد علاوي، يتمتع بصلاحيات تعادل صلاحيات رئيس الحكومة، ومجلس يشبه مجلس قيادة الثورة في عهد صدام، والذي كانت قراراته فوق قرارات البرلمان الصدامي الصوري. وبذلك أرادوا بأساليب خبيثة الالتفاف على الديمقراطية، وإلغاء دور البرلمان الحالي وجعله صورياً فقطز وهذا يعني صنع القرارات السياسية بيد مجلس لم ينتخبه الشعب.
ولكن بعد تشكيل الحكومة انتبه المخلصون إلى أن هذا المجلس السياسي الأعلى، هو مخالف للدستور، لذلك وقف السيد نوري المالكي بشدة ضده، فاتهموه بالخروج على اتفاق أربيل "المقدس!!"، وهو خروج يسجل له لأنه في صالح الشعب العراقي والدستور والديمقراطية.

ولذلك راح أعداء المالكي بقيادة أياد علاوي بالتحرك مرات ومرات، والحج إلى حائط المبكى في أربيل. وفي إحدى المرات كانت المحاولة لترتيب اتفاق على سحب الثقة من رئيس الوزراء في البرلمان. ولكن كان واضحاً، أن الشيء الوحيد الذي جمع هؤلاء هو عداءهم للمالكي ورغبتهم الجنونية في إزاحته عن طريقهم، ودون أن يكون لديهم البديل المتفق عليه، ولذلك فشلوا في محاولة سحب الثقة. كما وحاول أياد علاوي من جانبه إسقاط حكومة المالكي في الدورتين وذلك بسحب وزرائه من الحكومة، فارتدت سهامه إلى نحره، حيث تمرد عليه وزراؤه وفضلوا البقاء في حكومة المالكي حرصاً منهم على المصلحة الوطنية. وبذلك فقد علاوي السيطرة حتى على وزرائه بعد أن فقدها على كتلته "العراقية" التي تفتت إلى شذر مذر.

واليوم، والانتخابات على الأبواب، ورغم الضجيج الإعلامي المضاد، فإن أغلب المؤشرات تشير إلى أن كتلة (دولة القانون) برئاسة المالكي، ستحقق الأغلبية في البرلمان. وإذا ما تم تكليف دولة القانون بتشكيل حكومة الأغلبية السياسية، كما وعدت به، بدلاُ من (حكومة الشراكة)، فهذا يعني أن بإمكان كتلة دولة القانون عقد تحالفات مع كيانات سياسية أخرى وتشكيل الحكومة وحصول المالكي على الولاية الثالثة. وهذا السيناريو يُعد كابوساً يقض مضاجع خصوم المالكي. لذلك سارعوا إلى تشكيل حلف أربيل (مارك 2)، وهو حلف رباعي وربما أكثر. وكالعادة، فمن أهم ما يجمع هؤلاء "الأصدقاء - الأعداء" هو منع المالكي من ولاية ثالثة، ويبدو أنهم على استعداد للتنازل عن حقوق الشعب العراقي في توزيع الثروة بصورة عادلة، فيطلقون يد السيد بارزاني في احتكار نفط الإقليم وثرواته له، وحقه في 17% من ثروات العراق، وأن تتصرف حكومة بارزاني كدولة مستقلة ضمن العراق أي(دولة داخل دولة)، مع حق دولة الإقليم في حكم العراق، ودون أن يكون للعراق أي دور في الإقليم، وكركوك قدس الأقداس! ويحق للخليجيين زيارة كردستان العراق بدون تأشيرة دخول (فيزة)، بينما يمنع المواطن العراقي من دخول كردستان بدون فيزة.
ولكن، المشكلة التي تواجهها كيانات سياسية شيعية (التيار الصدري والحكيم) ضمن التحالف الوطني هو أنهم يرون أنفسهم في تحالف مع كيانات سياسة تدعم الإرهابيين مثل داعش والقاعدة الذين يقتلون جماهيرهم، إذ نقرأ عناوين مثل: (متحدون تكشف عن تحالفها مع المواطن والاحرار لتشكيل الحكومة الجديدة). ومن هنا نرى السيد أحمد الجلبي، من المواطن (المجلس الإسلامي الأعلى)، يدافع بضراوة عن داعش وينفي ما يجري في الأنبار من إرهاب، ويصفه بأنه ثورة أهل السنة على الظلم والتهمبش من قبل المالكي.!!! وهذا التحالف مع ممثلي الإرهاب في حلف أربيل الجديد أدى إلى تنبيه جماهير التيار الصدري والحكيم بهذه التحالفات المريبة، والتي هي بمثابة التآمر على مصلحة العراق. فكتلة (متحدون) تمثل منظمة "داعش" الإرهابية التي تشن حرب الإبادة على الشيعة، والآن على أهل السنة أيضاً، إذ جاء في الأنباء أن"داعش" قتلت 300 من مواطني الفلوجة وحدها في الأشهر الثلاثة الماضية. كما و قرأنا تقريراً عن ردود أفعال لسلوك هذه القيادات بعنوان:(انشقاقات مُتوقّعة في "الصدري" و "المجلس" لتحالفهم مع جهات "تجامل" الارهاب وتدعمه). وهذا يعني أن قسماً كبيراً من جماهير التيار الصدري والحكيم سيصوتون لصالح المالكي، وليس لحلفاء داعش.
على أية حال، وكما فشلت الأحلاف الأربيلية السابقة، فلابد من أن تفشل الأحلاف الجديدة، ومهما نجح هؤلاء في شراء أقلام معروضة للإيجار، والتي تحاول التأليب والتأجيج والعزف بالوتر الطائفي خدمة للحكومات الوهابية التي تضمن بقاءها على محاربة الديمقراطية في المنطقة وبالأخص في العراق.

كتب محلل سياسي أمريكي قبل أسابيع مقالاً عن الوضع العراقي توصل فيه إلى استنتاج: أن العراق غير قابل للحكم (ungovernable). وتأكيداً لهذا الاستنتاج، وصلتني قبل أيام بالبريد الإلكتروني رسالة تكشف بوضوح كيف يتحجج خصوم المالكي عليه في أي إجراء يتخذه وأي تصريح ينطق به، قال صاحب الرسالة ما يلي: 
(الله يعينك يا نوري المالكي
يأمر بانسحاب الجيش يقولون المالكي فشل في موضوع الأمن
يأمر بدخول الجيش يقولون المالكي ضرب السنة،
يرفض الحوار، يقولون الحوار هو الحل،
يذهب للحوار، يقولون المالكي اصطلح مع داعش،
يطرد البعثيين، يقولون المالكي قطع أرزاق العالم،
يعالج موضوع البعثيين يقولون المالكي بعثي،
يذهب لشراء سلاح، يقولون المالكي يريد يضرب السنة،
يترك شراء السلاح يقولون جيش المالكي فاشل وغير مسلح،
يفوز المالكي في الانتخابات يقولون الانتخابات مزورة)

يا أعداء المالكي اتحدوا، ففي اتحادكم إعادة اصطفاف القوى السياسية، وتتضح الأمور، ليعرف الناخب العراقي، الغث من السمين، وليميز بين المخلصين للشعب، وبين أعدائه مثل أنصار داعش والقتلة الآخرين، وليتضح لهم من هم مع الديمقراطية يريد الخير والأمن والازدهار للشعب، ومن هم الذين لا يفكرون إلا بنرجسيتهم المتضخمة، ومصالحهم الشخصية والفئوية و الأبهة الفارغة. ففي إتحادكم هزيمة لكم وانتصار للقوى الخيرة التي تريد الخير للشعب.
هذا هو العراق، ولكن رغم كل هذه العقبات والعقليات التدميرية، فالمرحلة التاريخية الراهنة هي للديمقراطية أي حكم الشعب، وفي هذه الحالة، لا بد للديمقراطية أن تنتصر، ولا يصح إلا الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
ياسين مجيد: حلف أربيل 1-2
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166509.html

ياسين مجيد: حلف أربيل 2-2
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166557.html

انشقاقات مُتوقّعة في "الصدري" و "المجلس" لتحالفهم مع جهات "تجامل" الارهاب وتدعمه
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166770.html

متحدون تكشف عن تحالفها مع المواطن والاحرار لتشكيل الحكومة الجديدة
http://alakhbaar.org/home/2014/4/165978.html

فيديو .. اياد علاوي لا يعرف داعش
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166657.html

صالح المطلك ودعاية الكراهية الإنتخابية – الصياد
http://alsayaad.com/archives/35909
 
عاطف العزي: شبيه الشيء...مقتدى الصدر وأتباعه
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166353.html

داعش قتلت 300 مواطن فلوجي في الأشهر الثلاثة الماضية
http://alakhbaar.org/home/2014/4/167131.html





314
لماذا حكومة الأغلبية السياسية؟
د.عبدالخالق حسين

الديمقراطية لا تأتي على طبق من ذهب، بل من خلال الصراعات والثورات والحروب الأهلية، وفي العراق كان مخاض الديمقراطية عسيراً أحتاج إلى عملية جراحية على يد الجراح الأمريكي. ومنذ سقوط الفاشية صار العراق مختبراً تعاد فيه تجارب خاضتها الشعوب من قبل، وبدلاً من أن يستفيد العراقيون من هذه التجارب، إلا إنهم أصروا على تكرارها. ومع ذلك نقول، لا بأس، كرروا التجارب والأخطاء، ولكن على شرط أن تستخلصوا منها الدروس والعبر.

من نافلة القول أن الديمقراطية هي آلية حضارية لحل الصراعات والخلافات بين الجهات السياسية المتصارعة، بالوسائل السلمية، أي بالحوار، والتصويت، وبالتالي الأخذ برأي الأغلبية، مع حق الأقلية في مواصلة جهودها لإقناع الأغلبية بوجهة نظرها مع شرط الالتزام بقرارات الأغلبية.

لقد ساعد المجتمع الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا، الشعب العراقي بإسقاط حكم الفاشية البعثية، وأقاموا مكانه نظاماً ديمقراطياً يحترم التعددية، فتشكلت (حكومة الشراكة الوطنية) التي ضمت ممثلين عن جميع مكونات الشعب العراقي دون عزل أو إقصاء جهة. ومن مساوئ هذه الشراكة الواسعة أنها ضمت عناصر معادية للديمقراطية، لها رِجل في الحكومة وأخرى مع الإرهاب، غرضها الرئيسي من المشاركة هو القيام بدور حصان طروادة لشل عمل الحكومة وتفجيرها من الداخل، ليثبتوا للعالم أن الديمقراطية لا تصلح للشعب العراقي. ولتحقيق هذا الغرض السيئ ، استخدموا الإرهاب لنشر الرعب بين الناس العزل، والأقلام لتشويه صورة الديمقراطية. لذا أطلقوا على حكومة الشراكة الوطنية المنتخبة اسم (حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية)، وراحوا يلفقون آلاف الأطنان من الأكاذيب والافتراءات ضد النظام الجديد.
كانت تجربة حكومة الشراكة الوطنية ضرورية في وقتها إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ظروف المرحلة الصعبة، والرغبة في عدم عزل أية جهة سياسية. ولكن بعد 11 سنة من هذه التجربة تأكد أن مساوئها أكثر من منافعها، حيث تم شل عمل الحكومة وما ترتب عليه من معاناة الشعب. ولذلك توصل الحريصون على إنجاح التجربة السياسية إلى أنه حان الوقت لتخطو خطوة أخرى إلى الأمام، وذلك بالتخلي عن حكومة الشراكة الوطنية الواسعة الفاشلة، وتبني حكومة الأغلبية السياسية (وليست الأغلبية الطائفية أو الأثنية). وهذا يتطلب النضال من أجل تشكيل تحالفات تضم كيانات سياسية منسجمة مع بعضها البعض، و متقاربة في البرامج والأهداف من مختلف الانتماءات الدينية والمذهبية والأثنية، تتعهد بالعمل المشترك النزيه بروح الفريق في حكومة إئتلافية من أجل خدمة الشعب. وهذا الذي نتمناه ونأمل أن تتمخض عنه الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها في الثلاثين من هذا الشهر (نيسان/أبريل الجاري).

والعقبة الكأداء أمام حكومة الأغلبية هي رغم أن الجميع يشتمون حكومة الشراكة والتي يسمونها بحكومة المحاصصة الطائفية، إلا إننا بدأنا نسمع من يقف ضد حكومة الأغلبية، وبالطبع ليس صعباً عليهم إيجاد المبررات ضدها، منها الادعاء بعزل بعض المكونات من المشاركة في الحكومة، وبذلك يمكن الإدعاء أن هذه الحكومة هي حكومة الأغلبية الطائفية ولا تمثل المكون الفلاني. هذه الحجة يمكن تلافيها بمشاركة أي كيان سياسي من ذلك المكون، ينسجم مع برنامج الكتلة البرلمانية الكبرى المكلفة بتشكيل الحكومة. وليس هناك شحة في هذه الكيانات السياسية من أي مكون كان.

ومهما كانت مبررات المعارضين لحكومة الأغلبية، فإن تجربة 11 سنة الماضية المريرة أثبتت فشل حكومة شراكة الجميع، حتى أنها فسحت المجال أمام من يمثل منظمات الإرهاب مثل "داعش" و"القاعدة" وتحت مختلف الأسماء مثل (العراقية) و (متحدون) وما أشبه. فالديمقراطية الحقيقية تتطلب أغلبية تحكم، وأقلية معارضة تراقب نشاطات الحكومة وتنتقدها تحت قبة البرلمان، وليس في ساحات الاعتصمات التي تقام فيها ورشات تفخيخ السيارات المسروقة لتفجيرها في الأسواق المزدحمة، وساحات المسطر وقتل الألوف من الفقراء الأبرياء وبشكل عشوائي.

كما ويجب أن نحذر من إن تهمة، او لعنة (حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية) ستستمر في إلصاقها حتى بحكومة الأغلبية، وخاصة من قبل أولئك الذين لم يسعفهم الحظ في الفوز في الانتخابات أو المشاركة في الحكومة. فطالما يتكون الشعب العراقي من مختلف المكونات الدينية والمذهبية والأثنية، فلا بد وأن تكون في حكومة الأغلبية السياسية وزراء سنة وشيعة وكرد وتركمان ومسيحيين وغيرهم، وبذلك لا يمكن إسكات الأصوات من أطلاق تسمية (حكومة المحاصصة) إلا إذا تشكلت حكومة دكتاتورية يكون فيها صناع القرار السياسي من مكون واحد كما كان الوضع قبل 2003، أو تأجير حكومة مستوردة من سويسرا كما يتم تأجير شركات العلاقات العامة الأجنبية، أو شركات حماية مثل بلاك ووترز، ليس فيها سني أو شيعي أو من أي مكون من مكونات الشعب العراقي، وهذا مستحيل، لذلك، نهيب بالمخلصين أن يحثوا الخطى نحو تشكيل حكومة الأغلبية السياسية، مؤلفة من كتل سياسية متقاربة في البرامج والأهداف، تقبل العمل بإخلاص في تحالف منسجم لخدمة الشعب ومحاربة الإرهاب والفساد.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


315
العلمانية الديمقراطية لا تُبنى على الكذب
د.عبدالخالق حسين

قالوا إن (حبل الكذب قصير)، ولكن في العراق صار الكذب أحد أسهل وأشهر الوسائل والأسلحة الفتاكة لتشويه سمعة وصورة النظام الجديد والخصوم السياسيين، إذ يتعرض العراق منذ سقوط النظام البعثي الفاشي إلى حملة تضليل بمنتهى الخبث والدهاء. وقد تطرقنا إلى هذه الحملة في عدة مقالات لنا، وهذه ليست الأخيرة في حربنا مع التضليل، فنحن نعيش في عصر الخديعة، وكما قال جورج أورويل: (قول الصدق في عصر الخديعة عمل ثوري).
 
أكدنا مراراً أنه ليس هناك أفضل من النظام العلماني الديمقراطي، وبالأخص لشعب متعدد القوميات والأديان والمذاهب واللغات مثل الشعب العراقي. ولكن في نفس الوقت لا يمكن محاربة الخصوم السياسيين، وبناء نظام ديمقراطي بالكذب والتلفيق وكيل الاتهامات الباطلة. وتبريرهم في الافتراء على النظام الجديد هو أن الذي يقود السلطة التنفيذية إسلامي، لذا يجوز الافتراء عليه. وهذه ماكيافيللية بإمتياز. نسي هؤلاء أن وجود إسلامي على رأس السلطة هو نتاج ظروف موضوعية لا يمكن تغييرها بالوسائل اللا إخلاقية مثل الكذب والتلفيق والافتراء. فنتيجة لما مر به الشعب العراقي من مظالم الأنظمة الدكتاتورية الطائفية الجائرة، وبالأخص في المرحلة الصدامية التي وزعت الظلم على مكونات الشعب إلى درجات، وحسب الانتماء العرقي والديني والمذهبي. لذلك، فقد تخندقت هذه المكونات بالأحزاب القومية والدينية والمذهبية التي تشكلت قبل سقوط حكم البعث بسنوات، مع انحسار دور الأحزاب العلمانية التقليدية بسبب الاضطهاد والتشرد. لذلك، فصعود الأحزاب الدينية، وخاصة الشيعية منها، لم يكن من صنع أفراد، بل هو تحصيل حاصل للظروف الموضوعية القاهرة التي مر بها الشعب لعشرات السنين، وما القادة السياسيين إلا نتاج وإفراز لهذه الظروف. ولا يمكن تغيير هذا الوضع بالشتائم وكيل الأكاذيب والافتراءات والتهويل والصراخ بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتحميل شخص واحد أو جهة أو حزب كل مشاكل العراق المتراكمة. كما ولا يمكن التخلص من هذه التركة الثقيلة البغيضة بين عشية وضحاها.

قضية الفساد الإداري والمالي
لا أحد ينكر الفساد في العراق ولكنه ليس جديداً ومبالغ به. فالفساد كان على أشده في عهد حكم البعث، ولكن لا أحد كان يستطيع أن ينبس به حتى ولو بالهمس مع عائلته، لأنه يعرف أن الحكم يقطع لسانه عملاً كما حصل مع عمر الهزاع. والفرق في النظام الديمقراطي أن الناس أحرار لفضح الفساد. ولكن استغل الخصوم الفساد الإداري والمالي لتهويله وتحميل مسؤوليته على كاهل الشخص الذي تضعه الأقدار على رأس السلطة التنفيذية. واختلفوا في حجم الأموال المسروقة، إذ كتب أحدهم بأنه بلغ 300 مليار دولار، وآخر 700 مليار. وآخر رقم قرأته في هذا الخصوص هو ما كتبه أحدهم تعليقاً على مقال لي في الحوار المتمدن قائلاً (أن الحكومة هرَّبت إلى الخارج 1400 مليار دولار). لاحظوا الرقم الأخير، ويبدو أن المعلق ضعيف بالرياضيات، ولا يعرف حجم 1400 مليار دولار والذي يساوي ترليون وأربعمائة مليار، والذي يقارب ميزانية أمريكا.
فبعملية حسابية بسيطة، يمكن أن نعرف أن الواردات النفطية منذ 2003 ولحد الآن لا يمكن أن تبلغ حتى ثلث هذا الرقم، إضافة إلى أن الحكومة تدفع رواتب خمسة ملايين موظف، وملايين المتقاعدين، والأرامل والأيتام وعوائل الشهداء، و تعويضات الحروب الصدامية العبثية التي بلغت للكويت وحدها أكثر من 57 مليار دولار لحد الآن، زائداً تكاليف إعمار العراق، وتجهيزات الجيش والقوات الأمنية والمؤسسات الخدمية وغيرها. وأدعى المعلق أنه مسيحي ومستقل ولا يهمه من يحكم العراق، ولكنه يندفع بمنتهى الوقاحة في شتم المالكي بأقذع الشتائم. ولما حذفت أحد تعليقاته الشتائمية البذيئة لمخالفته شروط النشر، كتب لي "تهديداً"، أنه "كاتب" وسوف يرد عليً بمقال!! (كذا). ومن أسلوبه عرفته من هو، إذ جاءت بعض تعليقاته مطابقة لجمل وأفكار تتكرر في مقالات كاتب أعرفه يتعرض لي بتعليقات بذيئة، تارة باسمه الصريح، وأغلب الأحيان بأسماء مستعارة. فهو ليس مسيحي، ولا لأنه ضد الفساد، بل لأنه طائفي وبعثي سابق، وضد تحرير العراق. والغريب أنه يمتدح المالكي أحياناً "ولكن بشروط"!! في مقالاته التي ينشرها في موقع (عراق القانون)، ويشتمه بأقذع الشتائم في تعليقاته على مقالات الآخرين في المواقع الأخرى وبأسماء مستعارة، و يتهم هذا الكاتب الجهبذ، كل من لا يوافقه على آرائه بالعمالة لأمريكا وإسرائيل!. نؤكد لهذا (القارئ الكاتب) وأمثاله أن الإفراط في المبالغة بالفساد يخدم الفساد والفاسدين والمفسدين، لأنه يؤدي إلى عدم التصديق وبتالي تضيع الحقيقة.
فالفساد مرض فتاك ابتلت به الشعوب، وتكلف العالم نحو ترليون دولار سنوياً (حسب تقرير بي بي سي)، فكيف للحكومة العراقية وحدها أن تهرب ترليون وأربعمائة مليار دولار؟ وفي هذا الخصوص نشير إلى قراءة مقال قيم للسيد شلال الشمري بعنوان: (الفساد الإداري والمالي)(الرابط في الهامش). وحسب تقارير البي بي بي سي أيضاً، أن الهند التي تعتبر أكبر ديمقراطية في العالم، هي الأولى في الفساد الإداري والمالي إلى حد أن تشكل مؤخراً حزب ضد الفساد باسم: (Anti-corruption party). ويتمتع بشعبية واسعة.

من وراء اغتيال الصحفيين؟
وتعليق آخر من قارئ على مقال لي، ينفي وجود حرية التعبير والإعلام في العراق، فيقول إن عشرات الصحفيين قتلوا في العراق. وهذا صحيح، ولكن السؤال هو: من الذي قتل هؤلاء الصحفيين؟ هل الحكومة؟ فإذا تريد أن تعرف حرية التعبير في العراق، فما عليك إلا وأن تلقِ نظرة على ما تنشره صحيفة (المدى) من شتائم وتلفيقات ضد الحكومة، وضد رئيسها المالكي تحديداً، وهي تصدر في بغداد. الحقيقة التي ينكرها المعلق و أمثاله، إن الجهات التي اغتالت عشرات الصحفيين هي نفسها التي اغتالت المئات من العلماء والأطباء وأساتذة جامعيين، وغيرهم من أصحاب الكفاءات لإرغامهم على الهجرة لتفريغ العراق من أصحاب الكفاءات، ولشل العقل العراقي. وهي نفس الجهات التي قتلت عشرات الألوف من أبناء شعبنا بالتفجيرات والكواتم، وهي نفس الجهات التي تعبث بأمن وأرواح شعبنا في محافظة الأنبار وديالى، وهي فلول البعث وداعش والقاعدة، أعداء الديمقراطية والحرية، وأعداء الإنسان والإنسانية. 

نفي من مكتب رامسفيلد

أشرت في مقالي الموسوم (الانتخابات، وهستيرية الحملات التسقيطية)، إلى أن الأكاذيب لم يسلم منها حتى المرجع الديني الأكبر، آية الله السيستاني، حيث أدعوا أن دونالد رامسفيلد قدم له رشوة مقدارها  200 مليون دولار مقابل عدم إصداره فتوى الجهاد ضد القوات الأجنبية وأنه استجاب لهم. و فندتُ هذه الفرية الخبيثة في المقال المذكور. واستلمت العديد من التعليقات تؤكد صحة ما ذهبتُ إليه، وأهمها تعليق من صديق مقيم في أمريكا لأكثر من 30 سنة، وذو إطلاع واسع بالشأن العراقي، وله دور مميز في عملية تحرير العراق، كتب ما يلي:
 ((قرأت مقالك الأخير وفيما يخص إشاعة أن دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي أيام الحرب التي أسقطت الحكم الصدامي الغاشم، ذكر في مذكراته أنه قدم مبلغ 200 مليون دولار للسيد علي السيستاني مقابل تعاونه مع الأمريكان. وكما تفضلت فإن هذا الكلام كذب في كذب وعاري عن الصحة. ما أردت أن أوضحه أيضا هو أن هذا الكلام نشر قبل صدور المذكرات في ربيع 2011 بأشهر قليلة من قبل عدة جرائد عربية مشبوهة)). وأضاف الصديق: "فقد تم الاتصال، وبمساعدة السفير الأستاذ سمير الصميدعي عندما كان سفيرا في واشنطن، وطلبنا من مكتب رامسفيلد في كشف حقيقة هذا الخبر وتوثيق هذه الحقيقة في بيان رسمي من مدير مكتب رامسفيلد لنشره في وسائل الإعلام". 

فاستجاب مدير المكتب على الفور، وأرسل البيان المطلوب المؤرخ في 5 كانون الثاني 2011 إلى السفارة العراقية في واشنطن، ونسخة منه إلى الصديق الذي تفضل مشكوراً بإرسال نسخة منه مع رسالته التوضيحية لي، أنقل النص الكامل للبيان باللغة الإنكليزية في نهاية هذا المقال، وأدرج أدناه الترجمة العربية بإيجاز، كما يلي:
"إن الشائعات التي تنشر في بعض وسائل الإعلام العربية، والتي تزعم أن مذكرات رامسفيلد التي ستنشر قريباً، يحتوي على معلومات حول لقائه مع آية الله العظمى السيستاني وإرشائه، هي معلومات
عارية عن الصحة و مثيرة للضحك. والناس سيتمكنون بأنفسهم ليروا بالضبط ما جاء في كتاب رامسفيلد الموسوم: (المعروف وغير المعروف Known and Unknown)، والذي سينشر في 8 شباط 2011. ويكفي ان نقول ان رامسفيلد لم يلتق قط بالسيد السيستاني ولا بأي شخص من مكتبه. إن آية الله السيستاني رجل شجاع وصوت مستقل بامتياز في العراق.- كيث أوربان، مدير مكتب دونالد رامسفيلد" انتهى.

هذه خلاصة ما جاء في بيان مدير مكتب رامسفيلد، فهل يُسكت أصوات النشاز من المفترين والكذابين؟
لا أعتقد، لأن من يمارس الكذب لا يستحي، ومن شب على شيء شاب عليه. ولكن العتب على أولئك الذين يسهل عليهم تمرير الأكاذيب.
لا شك أن اللجوء إلى الكذب في تشويه سمعة الخصوم السياسيين لدليل على الإفلاس السياسي والفكري والأخلاقي. ويشرفنا أن نقوم بفضح الكذابين وتفنيد أكاذيبهم. وبسبب موقفنا هذا في خدمة الحقيقة، راحوا يكيلون لنا شتى التهم الغبية المضحكة بأننا تخلينا عن علمانيتنا!! وكأن من شروط العلمانية أن تشوه سمعة الخصم بالأكاذيب. وبالتأكيد فإن تفنيدنا لكذبة قبول السيد السيستاني رشوة من رامسفيلد يجعلنا في خانة الإسلاميين ومقابل أجر!!.
إن سلوك أدعياء العلمانية والديمقراطية بهذه الطريقة الفجة، يسيء إلى العلمانية والديمقراطية وهم أشبه بمشايخ الوهابيين الذين أساؤوا إلى دينهم بإصدار فتاوى مضحكة مثل إرضاع الكبير، وشرب بول البعير، اعتقاداً منهم أنهم يخدمون الإسلام، بينما هم في الحقيقة أساءوا إلى الإسلام وأضروا به.

يقول ابراهام لنكولن: "تستطيع ان تخدع كل الناس بعض الوقت، او بعض الناس كل الوقت، ولكن لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت".
***********
أدناه النص الكامل لرسالة مدير مكتب رامسفيلد باللغة الإنكليزية وعدد من الروابط للمواقع الصفراء التي نشرت الافتراء.

Inquiry From Embassy of Iraq On Sistani Rumors
January 5, 2011
FOR IMMEDIATE RELEASE

Statement by Keith Urbahn, Chief of Staff, Office of Donald Rumsfeld:

“The rumors currently making the rounds in some Arabic press outlets that allege Mr. Rumsfeld’s forthcoming memoir contains information about meeting with and bribing Grand Ayatollah Sistani are as laughable and inaccurate as they are disprovable.  People will be able to see for themselves exactly what is in Known and Unknown when it
becomes public on February 8.
Suffice it to say that Rumsfeld did not offer to pay for any of Grand Ayatollah Sistani’s opinions, nor would he have even entertained the thought. Furthermore, Rumsfeld never met with Sistani.  Suggestions to the contrary are flat untrue.
Grand Ayatollah Sistani was and remains a courageous but distinctly independent voice in Iraq.  It’s worth noting that the misinformation campaign began in Iranian-backed press outlets and looks to be nothing more than a not so clever attempt to mislead and sow mistrust among Iraqis.”
Examples:
http://www.akhbar-alkhaleej.com/#!420890

http://www.slaati.com/inf/news.php?action=show&id=19885

http://forums.islamicawakening.com/f18/we-paid-sistani-200-million-dollar-fatwah-help-us-occupying-iraq-40898/

Press Contact:
Keith Urbahn
Chief of Staff
Office of Donald Rumsfeld
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
شلال الشمري: الفساد الإداري والمالي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=409239

عبدالخالق حسين: الانتخابات، وهستيرية الحملات التسقيطية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=642

فيديو: إفتراءات الإعلام العربي   
https://www.youtube.com/watch?v=d-KqwowEDRA


316
إسقاط حكم البعث في الميزان (2-2)

د. عبدالخالق حسين

لتقييم عملية إسقاط حكم البعث بالحرب وما نجم عنها من تداعيات ومضاعفات: إرهاب و تفجير الصراعات الطائفية والعرقية في المجتمع العراقي وفضيحة كشف عيوبه.. الخ، يجب أن نتعامل معها وفق حسابات تجارية في الربح والخسارة. فهل ما تحقق بعد إسقاط حكم البعث من أرباح يفوق الخسائر أو العكس؟ وماذا لو لم يسقط حكم البعث؟ وهل كان بالإمكان إسقاط حكم البعث بأقل خسائر كما يعتقد البعض؟ أو هل لو ترك البعث يواصل حكمه الجائر كان أقل خسارة للشعب العراقي من تكاليف إسقاطه؟ وآخرون يعتقدون أن النظام كان مكروهاً من الجميع، فلو تُرك لأربع أو خمس سنوات أخرى لتمكن الشعب من إسقاطه بدون خسائر تذكر!! الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها هي موضوع هذا المقال.
المشكلة، أن بعض المساهمين في هذا الجدال، ونعني أصحاب النوايا الحسنة وليس المغرضين، ينظرون إلى المسألة نظرة شخصية، فيصورون الأمور كما يتمنون ويرغبون...معتقدين أن أمريكا، كدولة عظمى، كان بإمكانها إسقاط حكم البعث بأسهل الطرق وأقلها تكلفة، ولكنها تعمدت اتباع أخطر الطرق و أكثرها خسارة لأنها (أي أمريكا)، دولة شريرة تريد نشر الفوضى في العالم، ولخدمة إسرائيل.

في الحقيقة هذه مجرد تكهنات ورغبات غير قابلة للتطبيق، إذ كما يقول المثل الانكلزي:
(after the event everybody is clever). فالكل يعرف أن صدام حسين، صاحب عبقرية في الشر (criminal genius)، بما عرف عنه من سلوك عدواني دموي، وعقلية تدبير انقلابات خيالية من أجل استدراج الانقلابيين المحتملين لإيقاعهم في المصيدة (راجع كتاب ليلة الهرير، للسيد أحمد الحبوبي)، واستخدام العنف في حل المشكلات، كان قد خطط لتحويل العراق إلى إمارة بعثية تحكمها سلالته إلى أمد غير منظور. فصدام كان قارئاً نهماً لكتب التاريخ والسياسة، والخبث والدهاء، جمع بين القديم والحديث من الأفكار التي تخدم أغراضه لإحكام قبضته على رقاب العراقيين والحفاظ على السلطة بشتى الوسائل.
لقد طبق صدام نظرية بن خلدون في تأسيس سلطة السلالة (توافر العصبية)، وطوَّرها، وحولها إلى مختلف العصبيات: العصبية الأسرية، والعصبية القبلية، والعصبية الحزبية، والعصبية الطائفية والعصبية المناطقية. لقد غذّى صدام جميع هذه العصبيات، ووظفها لصالحه من أجل الحفاظ على السلطة، وجعل نفسه وأسرته نواة ورمز لها، إضافة إلى تبني سياسة (فرق تسد) بين مكونات الشعب العراقي، وإثارة الأحقاد والصراعات فيما بينها لإضعافها. كما وأنفق مليارات الدولارات من أموال الشعب على تكوين كوادر إعلامية وتعليمية لنشر أيديولوجية البعث الصدامي، وللهيمنة على تفكير الشعب العراقي وسايكولوجته، وتوجيهه وقولبته وفق مبادئ الحزب والعشيرة، وزرع اليأس والإحباط في نفوسهم، فصار العراقي يعتقد بأن حكم البعث كالقدر المكتوب، لا مفر منه، والحل الوحيد له هو الاستسلام التام لمشيئة البعث، إما أن يتكيف مع هذا الحكم، أو مصيره السجن، أو النفي أو الإعدام.

وأمام هذا البلاء انشق المجتمع العراقي إلى عدة فرق: فريق من النفعيين الانتهازيين استسلموا للحزب ومارسوا النفاق السياسي من أجل البقاء وتحقيق المنافع، وفريق آخر يئس من القوى المادية لخلاصه، فتوجه إلى الله والدين والغيبيات و الخرافات، ولسان حاله يقول: أمري إلى الله الواحد القهار. وفريق ثالث لجأ إلى الجريمة والجريمة المنظمة ولسان حاله يقول: (وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان). وفريق رابع فر بجلده إلى الخارج لينظم فصائل المعارضة لإسقاط هذا النظام المجرم.
ولكن هناك ما يسمى بمكر التاريخ الذي لم يخطر ببال أحد، فالأحداث التاريخية تحدث دون أن تكون للإنسان الفرد أية سيطرة عليها ومهما أوتي من قوة وذكاء ودهاء، وكل ما يستطيع القادة السياسيون عمله هو التفاعل مع هذه الأحداث بعقلانية لتحقيق أكبر قدر ممكن من أرباح وتقليل الخسائر إلى الحد الأدنى، وهذا ما حصل. فبنظرة سريعة إلى سياسات البعث، نعرف أن صدام حسين كان يقود العراق إلى حالة مواجهة دموية غير متكافئة مع المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى، وخاصة بعد غزوه للكويت وبرنامجه النووي، واضطهاده للشعب العراقي. وقد ناقشنا هذه الأمور في القسم الأول من هذا المقال، واستنتجنا أنه لولا التدخل الدولي بقيادة أمريكا لما سقط حكم البعث.

عندما نطرح هذه الحقائق وغيرها، يتهمنا البعض بأننا ندافع عن أمريكا، وبالخيانة الوطنية!!. في الحقيقة نحن لا ندافع عن أمريكا، وإنما ندافع عن شعبنا وعن عقولنا لأننا نرفض تصديق التلفيق والتزييف والكلام العاطفي المؤدلج. ويبرر آخرون هجومهم على أمريكا في إسقاط حكم البعث بأن في أمريكا نفسها مفكرون كبار ينتقدون الإدارة الأمريكية على شنها الحرب على صدام. وهذا صحيح، ولكن سبب وجود هذه الأصوات الناقدة في أمريكا هو لأن أمريكا دولة ديمقراطية ليبرالية تسمح بتعددية الآراء وحرية التعبير، ولكن مقابل مناهضي الحرب على صدام في أمريكا، هناك أضعافهم من المؤيدين للحرب، ولذلك فاز جورج بوش للمرة الثانية في الانتخابات الرئاسية التي جرت بعد الحرب على صدام.
لا شك أن أمريكا حاولت اتباع أقل الطرق خسارة في إسقاط حكم البعث، وإلا من الجنون أن تفضل حرباً كلفتها نحو ترليون دولار، و4500 قتيل، وأكثر من ثلاثين ألف إصابة . ومن هنا نستنج أن أي طريقة أخرى أقل كلفة هي مجرد تمنيات وأفكار رغبوية ليس غير.
كذلك لا بد من الإشارة إلى أن هناك حالات تفرض الحرب رغم المخاطر بالخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات، لأن خسائر الإذعان للمعتدي أكثر من خسائر عدم مواجهته بالحرب. وأفضل مثال على ذلك هو مواجهة دول الحلفاء لدول المحور في الحرب العالمية الثانية رغم أنها كلفت أوربا نحو 55 مليون قتيل، وأضعاف هذا العدد من المعوقين والأرامل واليتامى، وعشرات المدن سويت بالأرض، وأوصلت أوربا إلى الإفلاس التام، والخراب الشامل لولا خطة مارشال الأمريكية لإعادة بنائها. ولكن مع ذلك، أثبت التاريخ أن هذه الحرب كانت ضرورية، ولولاها لكانت البشرية الآن مستعبدة تحت نير الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية وطغيان العسكرية اليابانية.

نفس العواقب المرعبة كانت ستتكرر في العراق ومنطقة الشرق الأوسط لو تركت أمريكا حزب البعث الصدامي يحكم العراق ويعيث في المنطقة. كذلك يعتقد بعض الناس وعن حسن النية، أنه كان بالإمكان إزاحة صدام وعدد قليل من أتباعه وترك بقية المؤسسات، العسكرية والأمنية والثقافية وغيرها على حالها، وإقامة نظام ديمقراطي بدون هذه التكاليف الباهظة. هذا الكلام في رأيي هو الآخر مجرد تمنيات غير قابلة للتطبيق، إذ كما يقول الإنكليز: (Easy said than done). فصدام جعل من الدولة العراقية أشبه بهرم مقلوب قائم على رأس صدام نفسه، فما أن يسقط صدام حتى وتنهار الدولة بجميع مفاصلها ومؤسساتها.

يريد هؤلاء الأخوة، سامحهم الله، إسقاط أشرس نظام دكتاتوري شرير، وإقامة أنضج نظام مثالي ديمقراطي مكانه بأقصر وقت وبأقل خسائر.. كن فيكون!. كذلك يعتقد العراقيون بأنهم معصومون من الخطأ، لذلك يعلقون غسيلهم وجميع نتائج أخطائهم على شماعة القوى الأجنبية، وبالأخص أمريكا، ويعفون أنفسهم من أية مسؤولية، يتغافلون عن أن أمريكا ساعدت شعوباً أخرى مرت بظروف مثل ظروفنا مثل المانيا، واليابان وكوريا الجنوبية، وكلها الآن تنافس أمريكا نفسها في التقدم الحضاري والازدهار الاقتصادي، فلماذا نجحت هذه الشعوب وتلكأ شعبنا؟ ألا يعني ذلك أن العيب فينا؟

مشكلة الناس أنهم بعد فترة قصيرة من إسقاط الحكم الجائر ينسون معاناتهم منه، وينشغلون بهموم العهد الجديد. فمن المستحيل، وبعد عشرات السنين من حكم الاستبداد، تحويل العراق إلى جنة عدن بغمضة عين، إضافة إلى الإرهاب الذي شنه البعثيون لتنغيص معيشة الناس لكي ينسوا مظالم البعثيين ويترحمون عليه، إضافة إلى تعقيدات ومشاكل المجتمع العراقي وصراعاته الطائفية والعرقية الموروثة عبر قرون. إن ثقافة الديمقراطية تحتاج إلى وقت ليهضمها شعب عاش كل حياته تحت حكم الاستبداد الغاشم.
بعد نشر القسم الأول من هذا المقال، استلمت العديد من التعليقات الذكية أرى من المفيد إيجاز البعض منها في هذا القسم:
قال أحد الأصدقاء، أن الحرب بدأت عام 2003، وكانت بين الشعب العراقي وحلفائه من جهة، وبين البعث وحلفائه من جهة أخرى، ولم تنتهِ لحد الآن. والبعث لم يشارك في الحرب وجهاً لوجه، بل على شكل إرهاب وباسم القاعدة. ولذلك لجأ البعث إلى أحط الوسائل خسة ودناءة في إثارة النعرات الطائفية من أجل أن يحرك أهل السنة لصالحه ويربط مصيرهم بمصيره. وما الاعتصامات ورفع الشعارات الطائفية البذيئة في المنطقة الغربية إلا دليل على هذا السلوك البعثي الخبيث. كذلك ما يسمى بـ"دولة العراق والشام الإسلامية" (داعش)، هي في الحقيقة "دولة" بعثية، ولكن تحت اسماء إسلامية، فمعظم قادة هذه الدولة الخيالية بعثيون يتنقلون في مثلث الموت (المحمودية- اللطيفية- الاسكندرية)، والآن في مدن محافظة الأنبار، وكذلك في محافظة ديالى.

كما وكتب الصديق الأستاذ ليث رؤوف حسن، تعليقاً يذكِّر به القراء بحياة العراقيين في عهد البعث قائلاً:  "لو تسأل العراقيين الموجودين في العراق: هل الآن أحسن أم نرجع لزمن الطاغية أفضل؟؟ حيث كانوا بدون كهرباء... والماء وسخ، والناس يبيعون أبواب بيوتهم وشبابيكها في الأسواق لتسديد لقمة العيش، ولا يوجد نظام تلفوني، ولا يستطيع الإنسان أن يقول نكتة إلا والحزب والثورة تعلقه، ويدفع أهله سعر الحبال والطلقات." ويضيف: "والذي يقول أن أمريكا جاءت من أجل النفط، أقول لهم اقرؤوا ما صرفته أمريكا  اثناء الاحتلال في العراق والتي تقدر بأكثر من تريليون دولار!!! أي أكثر من كامل الدخل العراقي من النفط لعشر سنوات!!!  فمن كان سيصرف بمثل هذا السخاء لينتظر عشرات الأعوام لإسترجاع المبلغ (غير خسائرهم البشرية)، حتى لو فرضنا أنهم لن يدفعوا للعراقيين ولا فلساً مقابل نفوطهم!!! نعم لقد جاؤوا لإزاحة النظام الذي هم خلقوه ووضعوه هنا في عراقنا لأنه أصبح لهم مكلفا ومثيرا للصداع في المراحل المقبلة من التأريخ وبعد زوال الخطر الشيوعي بزوال الإتحاد السوفياتي.)) انتهى

ماذا تحقق بعد إسقاط حكم البعث؟
نعود الآن إلى السؤال المهم وبيت القصيد: ماذا تحقق للشعب العراقي حتى يستحق كل هذه التضحيات؟ أي ما هي المنجزات؟
رغم الحملات الإعلامية الضخمة من الدس والتلفيق وكيل الأكاذيب في نفي الإيجابيات وتضخيم واختلاق السلبيات وتشويه الحقائق من قبل وسائل الإعلام العربية الرسمية وغير الرسمية المناوئة للتغيير في العراق لأسباب طائفية وعنصرية وسياسية، ورغم الإرهاب البعثي- القاعدي المدعوم من قبل هذه الدول ومشايخ الوهابية، لقد تحقق ما يلي:
1-  تم إسقاط أشرس نظام دكتاتوري عشائري همجي جائر، كان سقوطه حلماً يراود أبناء الشعب العراقي، و فوق قدراتهم الذاتية.
2-  تم إصدار دستور دائم يرقى إلى مستوى أرقى الدساتير في العالم المتحضر، رغم بعض الثغرات فيه، وأهم مادة في هذا الدستور هو: ((المادة(1): جمهورية العراق دولةٌ مستقلةٌ ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ اتحاديٌ )). كما وجاء في المادة الثانية: ((ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور)).
ومنذ إصدار هذا الدستور ولحد الآن تم الالتزام به نصاً.

3-  هناك احترام التعددية بجميع أشكالها، القومية، والدينية والمذهبية، والسياسية... أما ما يحصل من صراعات طائفية فهي نتاج الإرث الثقيل من الماضي البغيض، وبسبب الدور التخريبي الذي تلعبه فلول البعث والقاعدة لإفشال العملية السياسية. ولكن مع ذلك، فمسيرة الديمقراطية تحث الخطى إلى الأمام .
4-  خلال السنوات العشر الماضية، أجريت ثلاثة انتخابات برلمانية والرايعة على الأبواب في نهاية هذا الشهر (نيسان/أبريل الجاري)، ومثلها انتخابات مجالس محلية، نزيهة وعادلة بشهادة آلاف المراقبين الدوليين، لم يشهد العراق مثيلاً لها في تاريخه قبل 2003.
5- تم بناء جميع مؤسسات الدولة، الخدمية (المستشفيات، والمدارس والمعاهد والجامعات)، وإعادة بناء المؤسسات العسكرية والأمنية وغيرها، وفق المبادئ الديمقراطية، فالجيش للدفاع عن حدود الوطن وليس للعدوان على الشعب وعلى دول الجوار، والشرطة في خدمة الشعب قولاً وعملاً، وليس ادعاءً كما كان في السابق، والقوات المسلحة خاضعة لأوامر القائد السياسي المدني المنتخب من قبل الشعب، ووزير الدفاع مدني أيضاً.
6- إرسال آلاف البعثات الدراسية إلى أرقى الجامعات الغربية بدون تحيز للانتماء الحزبي أو عشيرة الحاكم، للحصول على الشهادات العليا، الماجستير والدكتوراه وغيرها.
7- إعادة صيانة وتأهيل المؤسسات النفطية، العمود الفقري للاقتصاد العراقي، وزيادة انتاج النفط وبلوغه أرقاماً قياسية، والعمل للوصول الى 12 مليون برميل يوميا. وقد بلغت واردات النفط أرقاماً قياسية، تجاوزت مائة مليار دولار في العام الماضي. والجدير بالذكر أن هذه الواردات هي للشعب ولإعادة إعمار العراق ورفع مستواه المعيشي، وليس ملكاً للأسرة الحاكمة والحزب الحاكم ومرتزقته دون أن يعرف عنها الشعب كما كان في عهد حكم البعث الصدامي المقبور إلى غير رجعة.
8- في الوقت الذي يعاني العالم من ركود وكساد اقتصادي، بلغت التنمية في العراق في العام الماضي نحو 11% ، وفي العام الحالي تجاوزت نسبة 9 % ، وحتى وتجاوزت الصين.
9- - تبنى العهد الجديد نظام اقتصاد السوق والإنفتاح الإقتصادي وتشجيع القطاع الخاص لبناء مؤسسات اقتصادية تنافس قطاع الدولة في جميع المجالات الانتاجية والخدمية والتجارية دون استثناء بما فيه التعليم.
10- زيادة الميزانية لتصل الى 130 مليار كأعلى ميزانية في تاريخ العراق لحد الآن. وتحويل هذه الميزانية الى مشاريع ورواتب وإعانات لأبناء الشعب وليس إلى هبات للأسرة الحاكمة وزبانيتهم، وكوبونات نفط للصحفيين المرتزقة كما كان في عهد البعث.
11- إقامة شبكة واسعة من الاعانة الاجتماعية، ورعاية مئات الألوف من الأرامل واليتامى والمعوقين من تركة حروب وجرائم البعث، وإرهابه بعد سقوطه.
12- رعاية ذوي الشهداء وإنصاف السجناء السياسيين السابقين.
13- الشروع بالعمل بمخطط واسع لمشاريع الإسكان، وقد تمت المباشرة في بناء عشرات الألوف من الوحدات السكنية وبيعها على المواطنين بسعر الكلفة.
14- إعادة تأهيل المصانع العراقية التي كانت متوقفة في زمن صدام، والتي حرمت من الصيانة والإدامة، وكانت بحاجة إلى مليارات الدولارات لصيانتها، والآن أعيد تأهيل معظمها.
15- بناء مستشفيات جديدة وتوفير افضل الأجهزة الطبية والأدوية والحفاظ على العلاج المجاني فيها، إضافة إلى إرسال مرضى إلى الخارج لمن يصعب علاجه في الداخل وعلى نفقة الدولة.
16- لا يوجد سجين سياسي واحد بسبب الرأي، وإذا كان هناك سجناء فبسبب الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب عندما كانوا في السلطة البعثية، أو لارتكابهم الإرهاب بعد سقوط البعث.
17- حرفية الجيش وجعله تطوعياً مما ساعد اقتصاديا جميع افراده، وبذلك فقد أزاح العهد الجديد ثقلاً كبيراً عن كاهل الشباب الذين كانوا معرضين للخدمة الإجبارية، وفي عهد البعث هناك أجيال قضت زهرة شبابها في الحروب العبثية.
18- حرية الصحافة، وحرية التفكير والتعبير، وحرية الأحزاب والرأي والنقد، والتظاهر، والتنظيم، والمعتقد، وفتح محطات إذاعية وفضائيات تلفزيونية وانترنتية من قبل القطاع الخاص، أغلبها معارضة للسلطة، بل وحتى يدعو البعض منها لإسقاط الحكومة صراحة وبمنتهى الحرية ودون ملاحقة إلا إذا تجاوز القانون.
19- زيادة دخل الفرد الى مئات المرات عما كان عليه في عهد حكم البعث. فكان راتب الأستاذ الجامعي مثلاً لا يزيد على دولارين أو ثلاثة في الشهر، مما يضطر إلى العمل كسائق تاكسي خارج الدوام ليضمن الحد الأدنى من العيش. كذلك، اضطرت آلاف العوائل إلى بيع أبواب وشبابيك وأثاث بيوتها ومكتباتها من أجل الحصول على لقمة العيش أو توفير الدواء لمريض.
20- توأمة الجامعات العراقية مع كبريات الجامعات العالمية في الغرب. إضافة إلى دعوة وتشجيع الأساتذة العراقيين والأجانب في الخارج إلى زيارة الجامعات العراقية كمحاضرين وممتحنين وتقديم المشورة والخبرات لتطويرها.
21- زيادة الطاقة الكهربائية بحيث سجلت ولأول مرة في تاريخ العراق فائضا قدر بـ 1000 ميغاواط
22- وضع خطة لربط العراق مع سوريا والأردن ومصر بشبكة انابيب نفطية ستساهم في نهضة اقتصادية في مجال البتروكيمياويات والمشتقات النفطية في هذه الدول، الأمر الذي يقوي العلاقة مع هذه الدول الشقيقة.
23- السعي لإقامة خط سكك الحديد مع الإتحاد الأوربي لاعتبار العراق ممرا للتجارة الأوربية مع الشرق وجنوب اسيا.
24- توقيع اتفاقيات التعاون في شتى المجالات مع الاتحاد الأوربي.
25- توقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية.
26- محاربة المنظمات الإرهابية والفكر التكفيري والإقصائي.
27- نجاح العراق في المبادرة الزراعية مما زاد من الغلة الزراعية اضعاف ما كان عليه قبل 2003، بحيث سيكتفي العراق من الحنطة ذاتياً بعد خمس سنوات.
28- هناك حملة تقوم بها وزارة الزراعة لمكافحة التصحر، وقد نجحت في عدد من المناطق التي تمت مكافحتها.
29- عاد أكثر من 300 عالم وأكاديمي عراقي في العام الماضي بعد ان تم تولى مكتب وزير التعليم العالي متابعة معاملاتهم حيث لاقى هؤلاء الأكاديميون مشاكل كثيرة من دوائر الدولة والموظفين في انجاز معاملاتهم مما دفع وزير التعليم العالي الى تبنيها بنفسه، حيث يقوم الان من يود العودة للعمل في العراق رفع طلبه الى الوزير شخصياً، وان العائدين يتمتعون بإمتيازات تقابل امتيازاتهم في بلد المهجر كما يتم تخصيص دار سكن لائق على حساب الدولة لكل عائد منهم.
30- - لأول مرة في تاريخ العراق تهتم الدولة بالمتقاعدين بحيث تزيد رواتبهم مع التضخم، ووضع حد ادنى لضمان العيش اللائق، اضافة الى تخصيص مكافاءات (رواتب شهرية) لطلاب المدارس من الابتدائية الى الجامعات والدراسات العليا، ناهيك عن المباشرة بحملة محو الأمية ومنح الدارسين فيها مكافاءات ايضا، والشروع ببناء أقسام داخلية وفق مواصفات معتمدة عالميا.
هذه الانجازات وعشرات غيرها هي أخبار مفرحة لمحبي العراق الديمقراطي، وسيئة ومحزنة لأعداء العراق الذين يعتبرون أي نجاح له بمثابة كابوس لهم، وعند قراءتهم لمثل هذه الأخبار يسارعون لتدبيج المقالات لإنكارها ووضع قائمة طويلة من السلبيات بديلاً لها، وعلى رأسها الإرهاب الذي يشنه البعثيون باسم القاعدة، ليثبتوا أن عهدهم كان عهد تقدم وازدهار وأمان، بينما في الواقع كان عهد خراب ودمار شامل.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات علاقة بالموضوع
1- عبد الخالق حسين حول إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط
http://www.aafaq.org/masahas.aspx?id_mas=859

2- عبدالخالق حسين: "هل كان إسقاط حكم البعث بسبب النفط؟
http://www.aafaq.org/masahas.aspx?id_mas=688

3- د عبدالخالق حسين هل كان إسقاط نظام البعث خطأً؟  http://www.elaph.com/Web/ElaphWriter/2006/3/137525.htm?sectionarchive=ElaphWriter

4- عبدالخالق حسين: إسقاط حكم البعث في الميزان(1-2)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=643

5- عبدالخالق حسين: بمناسبة مرور 11 عاماً على تحرير العراق من الفاشية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=641

317
إسقاط حكم البعث في الميزان(1-2)

د.عبدالخالق حسين

بمناسبة مرور 11 سنة على إسقاط حكم البعث الفاشي في العراق، وما نجم عنه من تداعيات، ومضاعفات، وصراعات، وعمليات إرهاب، وفضح المستور من عيوب المجتمع العراقي، وخاصة الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة، والأثنية بين الكرد والعرب، ومعانات الأقليات الدينية، يتجدد السجال ويطرح العراقيون والمحللون السياسيون في العالم العربي والغرب، المتابعون للأزمة العراقية، أسئلة مهمة و مشروعة مثل: هل ما تحقق بعد إسقاط حكم البعث كان يستحق كل هذه التضحيات التي دفعها الشعب العراقي من أرواح أبنائه وممتلكاته، وتخريب مؤسساته الاقتصادية والخدمية؟(Was it worth it?)، أما كان الأفضل الانتظار ليسقط حكم البعث بطريقة وأخرى أقل خطراً وتكلفة مما حصل؟ وهل العراق اليوم أفضل من عراق في عهد صدام؟ وهل العالم اليوم أفضل مكاناً للعيش بإزاحة البعث عن الحكم في العراق؟
بالتأكيد من غير المتوقع أن نحصل على اتفاق في الجواب على كل هذه الأسئلة، فالناس يختلفون في مواقفهم من كل شيء، فكيف من قضية مثيرة للجدل إلى حد العداء والاقتتال مثل قضية تحرير العراق، خاصة وقد تم هذا التحرير على يد أمريكا، الدولة العظمى، التي أدمن المؤدلوجون في العراق والبلاد العربية على معاداتها منذ الرضاعة؟

ولكن على قدر ما يخصني الأمر، ففي رأيي، الجواب على جميع هذه الأسئلة: نعم، العراق أفضل الآن مما كان عليه في عهد صدام، وتحقق الكثير، خاصة في مجال الديمقراطية. فالعراق يكاد يكون البلد الوحيد في المنطقة العربية والشرق الأوسط الذي يتمتع شعبه بالحرية والديمقراطية، ولكن كما قال الكاتب السياسي الإيراني المعروف أمير طاهري: "العراق ليس طريقا مفروشا بالورود.. لكنه في طريقه نحو الأحسن".(1)
صحيح أن حياة العراقيين لم ترق إلى ما كنا نتمناه ونطمح إليه، ولكن هذا النقص ليس بسبب الحكومة المنتخبة، أو الديمقراطية، بل بسبب أعداء الديمقراطية الذين هيمنوا على السلطة لعشرات السنين بالقبضة الحديدية، ورأوا في الديمقراطية ضرراً عليهم. لذلك فبمقارنة منصفة بين العهدين نعرف مدى التغييرات الإيجابية التي طرأت على حياة العراقيين، اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً، وخاصة في حرية التعبير والتنظيم. فهناك عشرات الفضائيات، والإذاعات، ومئات الصحف، وأغلبها ملك القطاع الخاص، إضافة إلى آلاف المواقع الإنترنت،  تمارس الحرية في نقد الحكومة بما فيها أعلى الرئاسات في الدولة، بل وحتى كيل الشتائم والافتراءات على الحكومة والتحريض ضدها، والدعوة لإسقاطها ودون أية محاسبة. كذلك هناك مئات الأحزاب السياسية، وأكثر من أربعة آلاف منظمة اجتماعية وثقافية، ناهيك عن الهاتف النقال الذي بلغ عدده ما يقارب ثلاثة أرباع عدد سكان العراق إذا ما طرحنا منه الأطفال دون سن السادسة. وهذه الحالة لم يعرفها العراق في تاريخه من قبل.

يحاول أعداء الديمقراطية تضخيم السلبيات، واختلاق الكثير منها وإنكار ونفي الايجابيات التي تحققت خلال 11 سنة الأخيرة، بل واستعاروا جميع التركة الثقيلة التي ورثها العراق من حروب البعث الصدامي، الخارجية والداخلية، من ملايين المعوقين والأرامل والأيتام والخراب في البنى التحية، ونسبوها إلى العهد الجديد وتبرئة حكم البعث منها.
إذ كما قال توني بلير للبي بي سي في العام الماضي: "...أن قضية العراق تبقى خلافية... لقد اقتنعتُ منذ مدة بعدم جدوى محاولة إقناع الناس بأن القرار الذي اتخذناه كان صائبا." ولكنه يضيف: " فلو أننا لم نزح صدام حسين من السلطة، ما الذي كان سيحدث لو أن هذه الثورات العربية قائمة، وصدام حسين، يحاول قمع انتفاضة في العراق، مع العلم أنه أسوأ من بشار الأسد في سوريا 20 مرة."

في الحقيقة كلنا نعرف أن صدام ليس أسوأ من بشار بعشرين مرة، بل آلاف المرات، فصدام لا مثيل له في القسوة، وربما أقرب شخص له هو ستالين وبول بوت. فعدد القتلى من الانتفاضة السورية بلغ نحو 130 ألفاً خلال الأعوام الثلاثة، والقسم الأكبر من الضحايا قتلوا على أيدي الجيش السوري الحر، والجبهة الإسلامية و"جبهة النصرة" التابعة للقاعدة. بينما قتل صدام حسين من العراقيين خلال انتفاضة آذار (الشعبانية) عام 1991، نحو 300 ألف خلال ستة أسابيع فقط. وصدام كان مستعداً لإبادة كل الشعب العراقي في سبيل بقائه في السلطة. والذي ينكر هذه الحقيقة إما جاهل، أو مع إبقاء حكم البعث الفاشي.
ليس هناك إنسان سليم العقل يرغب بالحرب، وخاصة على بلاده، ولكن ما العمل إذا كان البديل هو الأسوأ شراً. لذلك، نعتقد أن حرب تحرير العراق كان لا بد منها ومبررة. فنظام البعث كان حرباً دائمة على الشعب العراقي، إضافة إلى حروبه الخارجية حيث شن حرباً على إيران دامت 8 سنوات أهلكت الحرث والنسل، كذلك احتل الكويت، وتسبب في فرض الحصار الاقتصادي الأممي على الشعب العراقي لـ 13 سنة. وفي هذه الحالة كانت الحرب عادلة على حرب عبثية جائرة. وفي هذا الخصوص يقول الفيلسوف الكوبي خوسيه مارتي، صاحب جائزة  السلام باسمه: "مجرم من يخوض حربا يمكن تفاديها. ومجرم من لا يخوض حربا لا يمكن تفاديها." لا شك أن الحرب على الفاشية البعثية ما كان بالإمكان تفاديها في جميع الأحوال، لأن هذا النظام المجرم قد أذل الشعب العراقي إلى أبعد الحدود.

اعتراضات أعداء تحرير العراق
يعترض أعداء تحرير العراق بالقول أن بوش وبلير قد رتبا إسقاط صدام على الكذب بامتلاك صدام أسلحة الدمار الشامل، ولم يكن لسواد عيون العراقيين، أو لإقامة نظام ديمقراطي، بل لنهب نفط العراق واسعتباد شعبه وقتله، ولخدمة إسرائيل، والحرب غير مشروعة لأن أمريكا لم تحصل على تخويل من الأمم المتحدة...الخ، ويرددون القول: "ما بني على باطل فهو باطل"، وهو منطق ينطبق على موقف البعثيين وحلفائهم بالدرجة الأولى. على أي حال، لنناقش هذه الاعتراضات كالآتي:

أولاً، مسألة عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل
صحيح، لم يعثر المفتشون الدوليون بعد إسقاط حكم البعث على هذه الأسلحة، وهذا لا يعني أن صدام ما كان يمتلكها قبل سقوطه، ولكنه دمرها أو أخفاها في رمال الصحراء الواسعة فيما بعد. وبالتأكيد كان يخطط لامتلاكها، فقد بدد الطاغية ثروات البلاد على برنامجه النووي بشهادة الخبراء العراقيين في الفيزياء النووية الذين عملوا في هذا المجال. وفي هذه الأيام هناك شهادة لخبير أمريكي قال أنه من المحتمل أن صدام أخفى أسلحته النووية لدى سوريا بنصيحة من روسيا.(2).
والجدير بالذكر، أن سلاح الدمار الشامل لا يعني القنبلة النووية فقط، بل يعني أيضاً، الأسلحة الجرثومية والغازات السامة. والمعروف أن صدام استخدم الغازات السامة المحرمة دولياً ضد الكرد في حلبجة، وضد عرب الأهوار، وضد الجيش الإيراني في حربه مع إيران. وهذه حقائق مثبتة لا جدال فيها. وحتى لو سلمنا جدلاً بعدم وجود السلاح النووي، فصدام هو الذي جعل العالم يعتقد بامتلاكه له، أو كان يخطط لامتلاكه، حيث كان يتباهى أمام الإعلام العالمي مهدداً بحرق نصف إسرائيل، وهذا التهديد لا يمكن تنفيذه إلا بالسلاح النووي. أما إذا تبين أن تهديداته كانت فارغة ولتخويف إيران كما أدعى أتباعه فيما بعد، فالذنب والمسؤولية في هذه الحالة يقعان عليه هو وليس على من اتخذ تهديداته بالجدية.
أما أمن إسرائيل فهو جزء من إستراتيجية أمريكا وكل الدول الغربية، وهذا ليس سراً يخفونه. ولكن، هل حقاً، كان صدام حسين يشكل خطراً على أمن إسرائيل؟ الحقيقة المرة هي أن سياسات صدم الطائشة كانت قد خدمت إسرائيل وأضرت بالقضية الفلسطينية وذلك عن طريق إدعاءاته الزائفة بحرق إسرائيل، ودعمه للمتطرفين الفلسطينيين من أمثال عصابة أبو نضال وغيره، وكذلك دوره التخريبي في لبنان إثناء الحرب الأهلية اللبنانية.

ثانياً، أمريكا لم تسقط حكم البعث لسواد عيون العراقيين!.
هذا الاعتراض صحيح، ولم ينكره أحد، وقد أكدناه مراراً بالقول أن في السياسة لا يوجد شيء اسمه (سواد عيون)، بل مصالح، إذ كما يقول الإنكليز: لا توجد وجبة مجانية (There is no free lunch). وكعراقي، لا يهمني أن ما قام به بوش وبلير لسواد عيون العراقيين، أو لوجه الله، أو لمصلحة بلدانهم، أو لدمقرطة العراق والمنطقة، وإنما الذي يهمني هو: أن إسقاط حكم البعث كان أكبر خدمة للشعب العراقي وشعوب المنطقة، فلأول مرة في التاريخ تتطابق مصلحة الشعب العراقي مع مصلحة الدولة العظمى بعد انتهاء الحرب الباردة. لذلك، فمن الجنون والعبث تفويت الفرصة وعدم الاستفادة منها، بغض النظر عن أغراض الآخرين من هذه العملية. فالعراق كان محتلاً من قبل حزب البعث الذي ألحق به أشد الدمار الشامل وأذل شعبه.

ثالثاً، جاءت أمريكا لنهب النفط العراقي!
هذه الحجة هي الأخرى لم تصمد أمام أية مناقشة منطقية منصفة. والسؤال هنا: هل حقاً منع صدام النفط عن أمريكا؟ الجواب: كلا وألف كلا، فاغتصاب حزب البعث للسلطة لم يتم إلا بمساعدة الاستخبارات الأمريكية بسبب منافسة الشركات الأمريكية للشركات الفرنسية التي تعاملت حكومة الرئيس الراحل عبدالرحمن عارف مع الأخيرة، ودعم أمريكا لصدام معروف في الحرب العراقية- الإيرانية. وحتى لو افترضنا جدلاً، بأن أمريكا جاءت من أجل النفط، فما الضير في ذلك؟ إذ نحمد الله على أنه وهب العراق شيئاً يجذب أمريكا لتحريره من طغيان حكم البعث الصدامي. وهل أمريكا تريد النفط مجاناً، فإذا لم نبعه على أمريكا وغيرها، فماذا عسى أن يعمل الشعب العراقي بنفطه، خاصة وقد عانى الشعب أشد المعاناة إثناء الحصار؟
كذلك هناك مبالغة في دور النفط، إذ، صعدت أسعار النفط بعد سقوط حكم البعث أرقاماً قياسية خلقت أزمة اقتصادية لأمريكا وللعالم، وهذا يؤكد الحقيقة أن أسعار النفط لا تتحكم بها أمريكا، بل يقررها قانون السوق (العرض والطلب). كما وأثبتت صفقات أو تراخيص استثمار النفط التي وقعتها الحكومة العراقية مؤخراً، تمت مع شركات تابعة لدول وقفت ضد الحرب على صدام، (روسيا والصين خاصة)، أما الشركات الأمريكية فكانت هي المتضررة. وهذا يدحض جميع الإدعاءات القائلة أن أمريكا أسقطت صدام من أجل نهب ثروات العراق النفطية، كما ويدحض القول بأن الحكومة العراقية الحالية هي عميلة، نصبها الاحتلال وتأتمر بأوامره!!. والمفارقة أن آخرين يدعون أن هذه الحكومة نصبتها إيران، عدوة أمريكا الأولى، وتأتمر بأوامرها، وهنا التناقض في أقوال أعداء العراق الجديد، ومعظمهم من سجناء كهوف الأيديولوجيات الشمولية المظلمة التي فضلت إبقاء الطاغية صدام في الحكم يضطهد الشعب العراقي على تحريره من قبل أمريكا.

رابعاً، الحرب على صدام غير مشروعة لأنها لم تحظى بالموافقة الدولية!

يقولون أن هذه الحرب لم تحظ على موافقة مجلس الأمن الدولي، ولذلك فهي غير مشروعة!!. الكل يعرف أن أصدقاء صدام في المجلس من الدول الكبرى (روسيا، والصين وفرنسا) كانوا مستعدين لاستخدام حق النقض (فيتو) ضد القرار لو حاز بأكثرية الأصوات. كذلك نعرف أن توني بلير، وبل كلنتون شنا حرباً على حكومة الفاشي الصربي ميلوسوفيج لإنقاذ شعوب البلقان (بوسنيا وكوسوفو وغيرهما) بدون الموافقة الدولية، إذ كما قال علي عزت بيغوفيتش، أول رئيس جمهورية للبوسنة والهرسك، لو انتظر الحلفاء موافقة مجلس الأمن، أو الوحدة الأوربية لأبيدت شعوب البلقان. وحتى لو كانت أمريكا قد حصلت على التخويل الدولي لقالوا أن الأمم المتحدة تابعة لأمريكا وطعنوا في القرار.

إذَنْ، لماذا أقدمت أمريكا على إسقاط حكم البعث؟

السبب واضح، وهو أن صدام هو الذي جعل القضية العراقية قضية دولية، بشنه الحرب على إيران وغزوه للكويت وبرناوجه النووي، وادعائه الزائف بحرق إسرائيل. لذا، فحتى بعدم العثور على أسلحة الدمار الشامل، إلا إنه هو الذي أشاع هذه الفكرة، وبالتأكيد كان يعمل على امتلاكها، وهذا خط أحمر لا يسمح به لأية دولة مارقة في المنطقة. وفي هذا الخصوص ذكر صموئيل هانتنغتون (صاحب كتاب صدام الحضارات)، أنه لو أجَّل صدام حسين احتلال الكويت لثلاث سنوات لما استطاعت أمريكا إخراجه منها، لأنه كان سيمتلك السلاح النووي في نهاية هذه المدة، وعندئذ لم يكن بمقدور أمريكا مواجهة محتل يمتلك السلاح النووي، ولأقدم صدام على احتلال كل الدول الخليجية بما فيها السعودية، وهيمن على كل نفط الخليج، وهذا ما يعرفه جيداً واضعو إستراتيجية الدول الغربية، ويعتبرونه كابوساً لم ولن يسمحوا له أن يحصل. كذلك لا ننسى دور عملية 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في تغيير موقف أمريكا من الأنظمة المستبدة المارقة، مثل حكومة طالبان وصدام، والقذافي وغيرهم، والمنظمات الإرهابية التي كانت تدعمها وترعاها إبان الحرب الباردة، فصارت هذه الدول والمنظمات تهدد أمن أمريكا نفسها، حيث انقلب السحر على الساحر، وفي هذه الحالة، فالشعوب المضطهدة من قبل هذه الأنظمة المستبدة، هي المستفيدة من هذا التحول، وهذا هو حكم التاريخ العادل، أو ما يسمى بمكر التاريخ.

ما هو ثمن الخلاص من حكم الطغيان؟
لا شك أن ثمن إسقاط حكم البعث كان باهظاً، ومازال الشعب العراقي يدفع، وفي هذا الخصوص يسأل توني بلير في مذكراته: "هل كان من الأفضل ترك صدام يحكم العراق ويضطهد شعبه، ويشكل خطراً على شعوب المنطقة؟" فيجيب: "كنا نعرف أن إزالة حكم صدام لها عواقب، ولكن عواقب عدم إزالته أوخم وأسوأ."
وقد ذكرنا سابقاً عن عواقب عدم إسقاطه، فلو بقي حكم البعث عشر سنوات أخرى لهلك هذا الشعب وأغلب الاحتمال لفرغ العراق من سكانه عن طريق الإبادة، والحصار والهجرة. وبذلك فخسائر عدم إسقاطه تفوق خسائر إسقاطه. كما وتؤكد الحقائق أن أكثر من 95% من الضحايا العراقيين تم قتلهم على أيدي الإرهابيين البعثيين وحلفائهم من أتباع القاعدة الوافدين من السعودية وغيرها من البلدان العربية.
 
وفي المحصلة النهائية، لو قارنا الأعداد الهائلة من القتلى، والمصابين والمعوقين والأرامل والأيتام في العراق، التي حصلت في عهد حكم البعث، نراها تفوق عشرات المرات مما حصل بعد إسقاطه، خاصة وأن البعث كان قد خطط في سبيل بقائه في السلطة حتى ولو كلف العراق الدمار الشامل. فالبعث قد مارس إرهاب الدولة يوم كان في الحكم، ويمارسه الآن وهو خارج الحكم وبأسماء منظمات إسلامية وهمية، ومنظمة القاعدة الإرهابية، علماً بأن أتباع القاعدة هم تحت سيطرة وقيادة فلول البعث (داعش الآن).
قد يعترض البعض فيقول: أنت لا تهتم بما يدفعه الشعب في الداخل من تضحيات، لأنك تعيش في الخارج، وهل توافق أن تكون من بين الضحايا؟ جوابي هو كالتالي: إن فلسفتي في الحياة أن أعيش حراً، وأني أؤمن إيماناً عميقاً بأن حياة الذل والعبودية لا تستحق أن تعاش، فالعبرة ليست في بقاء الإنسان حياً لأطول فترة، بل لنوعية الحياة التي يعيشها. ولذلك أقسم بكل مقدساتي، أنه لو كنت مخيراً بين العيش تحت حكم البعث الصدامي عبداً ذليلاً، أو الموت، لفضلت الموت، سواءً عن طريق التفجيرات أو غيرها. ومن المؤكد، أني لو لم أخرج من العراق عام 1979، لكنت واحداً من الذين قتلهم حكم البعث.

كان الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانت Kant قد رحب بالثورة الفرنسية عام 1789م، وحينما نقلوا له صور الرعب والرؤوس المتطايرة على المقصلة، أجابهم قائلاً: "إن كل هذه الفظاعات لا تقترب بشيء من استمرار حكم الطغيان؟". علماً بأن الملك لويس السادس عشر كان أقل ظلماً من جميع أسلافه من ملوك فرنسا، وجميع ملوك أوربا في زمانه، ويعتبر ملاكاً مقارنة بصدام حسين.

نعم، كل ما يواجهه الشعب العراقي من فظاعات على أيدي الإرهابيين، هو ثمن كان عليه أن يدفعه ليتخلص من حكم الطغيان البعثي الصدامي، وكان يدفعه في جميع الأحوال حتى في عدم إسقاطه وربما بأرقام مضاعفة، وعدم إسقاطه كان مجرد ترحيل السقوط وتداعياته ومضاعفاته إلى جيل آخر ليدفع الثمن أكثر، ولو سقط صدام على أيدي الشعب العراقي لصار العراق نسخة من الصومال. لذلك فإسقاطه على يد أمريكا كان في صالح الشعب العراقي، ويستحق التضحيات، فالشعب الآن عرف طعم الحرية ولن يتخلى عنها، ومستعد لبذل المزيد في سبيلها، إذ كما قال الشاعر التونسي الخالد، أبو القاسم الشابي:
ومن يتهيب صعود الجبال... يعش أبد الدهر بين الحفر

يتبع
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالموضوع
1-  أمير طاهري: العراق ليس طريقا مفروشا بالورود.. لكنه في طريقه نحو الأحسن
http://aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=12533&article=721778&feature=

2-  Saddam hid his WMD in Syria
* http://www.rawstory.com/rs/2013/03/22/fox-news-analyst-very-high-probability-iraq-hid-wmds-in-syria/

3- د. عبدالخالق حسين: بمناسبة مرور 11 عاماً على تحرير العراق من الفاشية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=641



318
الانتخابات، وهستيرية الحملات التسقيطية
د.عبدالخالق حسين

في الثلاثين من هذا الشهر (نيسان/أبريل الجاري) سيخوض الشعب العراقي الانتخابات النيابية للمرة الرابعة، يتنافس فيها مرشحون بلغ عددهم أكثر من تسعة آلاف مرشح ومرشحة على 328 مقعداً. وكما ذكرتُ مراراً، أن هذه الحملات الانتخابية عبارة عن دورات تدريبية للشعب العراقي على تعلم قواعد لعبة الديمقراطية. لذلك فلا نستغرب عندما يمارس بعض المرشحين أساليب غريبة وعجيبة، سواء لتسقيط منافسيهم، أو لتسويق أنفسهم للناخبين، منها على سبيل المثال، أن أقسم أحدهم أغلظ الإيمان أنه مرشح من قبل الرسول (ص) كما ظهرتْ العبارة في ملصقه الذي يحمل صورته، وآخر مسيحي أشهر إسلامه وانضم إلى إحدى قوائم الإسلام السياسي الشيعي (الشرق الأوسط، 5/4/2014). ومنذ مدة تصاعدت الحملات الإعلامية التسقيطية إلى حد كسر العظم ضد الخصوم السياسيين وعلى الطريقة العراقية واحذروا التقليد !!!
لعل أخطر ما يهدد الديمقراطية في أي بلد هو الانتقال المفاجئ من الدكتاتورية الجائرة إلى الديمقراطية المنفلتة بدون مقدمات لتحضير الشعب بعد عشرات السنين من الفاشية البعثية التي انتهكت كرامة الإنسان العراقي، والقيم الإنسانية، ومحاولة النظام الساقط قولبة المجتمع وفق أيديولوجيته الفاشية، وأن لا يصلح معه إلا الحكم بالقبضة الحديدية. إضافة إلى الاحتقان الطائفي والعرقي، وتراكمات الماضي البغيض، وتدخل دول الجوار في تحريض مكون على آخر. فهكذا ديمقراطية منفلتة تفسح المجال للتدخل الخارجي، ويستفيد منها الإرهابيون من عصابات التفجيرات والكواتم، وبلطجة الأقلام المأجورة الذين سخروا أقلامهم لكل من يدفع.
ولكن من الجانب الآخر، ولنكن منصفين، فالانتقال التدريجي من الدكتاتورية البعثية إلى الديمقراطية ما كان ممكناً إلا إذا كان قد قام به صدام حسين نفسه، وهذا من سابع المستحيلات كما يقولون. لذلك، فما حصل من تدخل خارجي لم يكن له بديل عملي إلا في مخيلة الحالمين الطوباويين الذين أضاعوا العمر في طلب المحال.
فالديمقراطية لها أعداء أللداء من الذين انفردوا بحكم العراق لعشرات السنين، لا يمكن أن يتخلوا عن مواقعهم بهدوء وسلام. لذلك عارضوها بشراسة وبمختلف الوسائل، منها: بالمقاومة المسلحة وتحت مختلف الحجج، فمرة باسم (مقاومة الاحتلال الأجنبي)، وبعد أن خرجت القوات الأجنبية، تذرعوا بحجة مقاومة "الاحتلال الصفوي"، على اعتبار المشاركين الشيعة في السلطة، ورئيس وزراء شيعي هم صفويون، وادعوا أن حاكم العراق الحقيقي هو الجنرال الإيراني قاسم سليماني!!.
ومن وسائلهم الأخرى لمنع الديمقراطية محاربتهم للإنتخابات، ففي كل دورة انتخابية لا بد وأن يقوموا بتصعيد الإرهاب والحملات الدعائية الهستيرية التسقيطية، وخلق أجواء متوترة عسى أن يؤجلوا الانتخابات كما هي الحال من حروب "داعش" و"الغبراء" في محافظة الأنبار، حيث بلغ بهم الأمر حتى بقطع المياه من سدة الفلوجة. وهذا ما وعد به أحدهم أنهم إذا ما استقلوا فسيقطعون الماء عن الوسط والجنوب!!.
كما تذرعوا في الهجمة على الانتخابات أنها لا تعني الديمقراطية!! وقد أجبنا مراراً على هذه الخرافة، نعم، (ليس على الانتخابات وحدها تحيى الديمقراطية)، ولكن لا ديمقراطية بدون انتخابات ولا بد منها، لأنها الطريقة الحضارية الوحيدة لتبادل السلطة سلمياً بقصاصة ورقة بدلاً من الرصاص.

كما ونجح أعداء الديمقراطية من دول المنطقة في تأجير أقلام عراقية كنا نكن لهم الاحترام لخلفياتهم اليسارية، ومناهضتهم لحكم الدكتاتور صدام حسين، وإذا بهم بعد التحرير، يركضون وراء أول عظمة يرميها لهم رئيس تحرير أية صحيفة خليجية معادية لدمقرطة العراق، ليجعل من قلمه معولاً يهدم به عراق ما بعد صدام. وأوضح مثال هو فخري كريم وجوقته في المدى، و رشيد الخيون، النجم اللامع في الصحف السعودية والإماراتية، الذي راح يتهم كل من لا يوافقه على آرائه بالعمالة (1 و2). وعلى سبيل المثال، فقد كتب الخيون مقالاً بعنوان: (شكوى إلى والي العراق.. "سليماني"!)، ليغمز أن العراق بعد صدام صار مستعمرة إيرانية تناغماً مع ما يردده البعثيون والحكومات الداعمة لهم. فالبعثيون وحلفاؤهم راحوا يرددون هذه الفرية ليل نهار حتى صدق بها السذج من بسطاء الناس وفق مقوله أستاذهم غوبلز، وزير الإعلام في حكومة هتلر: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، وحتى تصدق نفسك!!". فهل حقاً كان الخيون مقتنعاً بهذه التهمة، أم كتب ما أملاه عليه أولياء النعمة؟ إن إنتهازية الخيون تؤكد لنا مدى ضعف الإنسان أمام المغريات المادية، بحيث يقفز وبمنتهى الخفة والرشاقة من الانتماء الشيوعي إلى أداة طيعة بأيدي أعداء وطنه من الحكومات الوهابية مثل السعودية التي عداؤها للعراق جزء أساسي من أيديولوجيتها الوهابية. حقاً ما قاله لينين: «المثقفون أكثر من يخونون الثورة لأنهم الأقدر على تبرير الخيانة».
الملاحظ أيضاً، أن حملة تسقيط الخصوم السياسيين تركزت ضد شخصيات من كتلة (دولة القانون) وبالأخص ضد رئيسها السيد نوري المالكي، وفي مختلف وسائل الإعلام المضاد. إذ هناك كتّاب فقدوا توازنهم فراحوا يكتبون بعناوين بذيئة يندى لها الجبين مثل:(... قرج ميسان)، و(أسكتي يا أدبسز)، ومقالات مليئة بالشتائم والألفاظ البذيئة والاتهامات الباطله... الخ.
ولم يسلم من هذه الحملة الهستيرية حتى رجل الدين الوقور الزاهد مثل آية الله السيستاني، الذي لولا مواقفه المشرفة ومطالبته أبناء طائفته بالصبر وضبط النفس في مواجه التفجيرات وحرب إبادة الجنس، لكانت الكارثة أضعاف مضاعفة على السنة والشيعة، حتى أن الصحف الغربية مثل (الديلي تلغراف) اللندنية رشحته لجائزة نوبل للسلام.
وفي كذبة مفضوحة، بثت فضائية (الإتجاه) المشبوهة افتراءً ادعت فيه أن دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي أيام الحرب على صدام، كتب في مذكراته بأنه التقى بالسيد السيستاني قبل الحرب ودفع له 200 مليون دولار مقابل إصدار فتوى للشيعة بعدم محاربة القوات الأجنبية، وأن السيستاني وافق وحقق له الغرض!! وقبل أيام قام شخص يتباهى بانتمائه البعثي بتعميم رابط هذه الفرية التلفزيونية، مع رسالة بدأها بقوله: (شاهدوا الفضيحة من العيار الثقيل عن السيستاني). طبعاً هذا كذب وإفتراء، فلو كان السيد حقاً قد أصدر مثل هذه الفتوى، فلماذا لم يطعه جيش المهدي وهم شيعة؟ كذلك سألتُ العديد من الذين قرأوا مذكرات رامسفيلد فيما إذا كان قد أشار إلى هذا الخبر، فنفوا ذلك جملة وتفصيلاً. فلو كان رامسفيلد قد ذكر هذا الشيء لتناولته وسائل الإعلام العربية والعالمية وطبلت له على جميع الموجات. وكذلك إذا  كان رامسفيلد قد دفع هذه الرشوة فلماذا بفضح نفسه؟ كذلك يمكن لأي باحث عن الحقيقة أن يحصل على نسخة من هذه المذكرات من أية مكتبة في أوربا أو عن طريق البريد من(amazon.com) ليتأكد بنفسه. ولكن تلامذة غوبلز لا يستحون. إذ كما قيل: "إذا كنت لا تستحي فقل ما تشاء".
فالسيد السيستاني يُسجَّل له موقفه المشرف من الانتخابات حيث أكد مراراُ على تشجيع الناخبين على الإدلاء بأصواتهم، ووقف على الحياد من القوى المتنافسة، وأفتى بمنع استخدام الرموز الدينية في الدعابات الانتخابية. وهذا ما طالب به العلامة علي الوردي، رائد الديمقراطية الليبرالية في العراق منذ الخمسينات من القرن الماضي، إذ قال ما معناه: لو كنت رجل دين لأفتيت بجعل المشاركة في الانتخابات واجباً دينياً. وعلى النقيض من موقف آية الله السيستاني الداعم للديمقراطية، طلع علينا رجل دين آخر وهو السيد كاظم الحائري، المقيم في قم/إيران، والذي أفتى بتحريم التصويت للمرشح العلماني. وهذا تدخل فض وسافر من رجل دين.
وفريق آخر من أعداء الديمقراطية مهمتهم بث روح اليأس والإحباط في نفوس العراقيين، إذ يروجون لعناوين مثل: (اقرأوا الفاتحة على بلد كان اسمه العراق)، على اعتبار أن العراق كان بألف خير أيام حكم البعث الفاشي. 
كما وتنشر هذه الأيام إشاعة مفادها أن بالإمكان المتاجرة ببيع البطاقات الانتخابية الإلكترونية، واستخدامها عدة مرات وفي مختلف المحطات والمراكز الانتخابية. وقد رد على هذه الفرية الأستاذ محيي الدين الخطيب، سفير العراق السابق في اليونسكو، في رسالة له تم تعميمها على البريد الإلكتروني مشكوراً، بعنوان: "تكذيب إمكانية المتاجرة ببيع البطاقات الانتخابية" قائلاً: ((الملاحظات التي تقرأونها هي لصديق عزيز أثق به كنفسي، ينفي فيها جملة وتفصيلا ما كان قد أذاعه (مركز قياس اتجاهات الرأي) عن إمكانية المتاجرة ببيع البطاقات الانتخابية، وبالتالي التلاعب بنتيجة الانتخابات. هذه كلها أكاذيب وتلفيقات الهدف منها التشكيك بنتائج الانتخابات المقبلة. أنا تحققت من الأمر من المفوضية نفسها وقد أخبرني أحد المديرين أن البطاقة لا يمكن استخدامها إلاّ في المركز الانتخابي المحدد فيه، فإن استُخدِمَتْ في غيرِه فإن الكمبيوتر لا يميزها ولن تعمل. كذلك فإن المقترع يجب أن يصطحب معه وثائق أخرى لإثبات هويته أي أن البطاقة وحدها لا تكفي)). وأضاف السيد الخطيب: ((هناك حملة لتزوير الحقائق في العراق والكذب في كل شيء وعلى كل شيء وفي كل الاتجاهات للأسف. ويتوهم مروجو هذه الأخبار والإشاعات أنهم سيُلحقون الهزيمة بخصومهم، ولكن يبدو أن العراق كلَّهُ اصبح خصماً للبعض ... حجم الحقد الذي يحمله البعض ضد كل شيء لا يوصف... إنها المأساة الحقيقية... تحياتي، محيي الدين الخطيب)). انتهىى.

كما وصارت الطائفية سلاحاً فعالاً في هذا المجال للتأجيج والتأليب ومهاجمة الخصوم إلى حد أن وصلت عدوى الطائفية حتى إلى الشعب الكردستاني الذي كنا ولحد وقت قريب نعتقد أن سياسييه ومثقفيه محصنون ضد وباء الطائفية، وعقدنا الأمل على نواب التحالف الكردستاني في البرلمان المركزي لدحر القوانين الجائرة التي تتضارب مع القيم العلمانية التقدمية. إلا إن البعض من نواب وكتاب الكرد، وللأسف الشديد، خيبوا أملنا، كما هو واضح من مقال لكاتب كردي بعنوان: "بنات البارزاني يلقنون ابناء العلقمي دروسا في الادب"(3). فأية لغة هذه التي اعتاد عليها تلامذة ساطع الحصري، منظر الطائفية وعرابها في العراق الحديث، ولكن أن يرددها كتاب كورد، فهذه قمة المأساة والملهاة.
وقبل ذلك، فقد أطلق نائبان من التحالف الكردستاني تصريحات فجة تنضح بالطائفية ضد الشخصية الوطنية والكردية السيد عادل مراد، القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لكونه من الكورد الفيلية (شيعي). وقد  رد عليهم الكاتب الكوردي المميز، الأستاذ جمال فاروق الجاف بمقاله القيم الموسوم: (الى الاخوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني مع تحياتي)، قال في مقدمته:
((قرأت وببالغ الاسف بعضا من التصريحات اللامسؤولة لأشخاص من قيادة  حزبكم والتي تنبعث منها رائحة الطائفية المقيتة، وهي حالة شاذة عن مجتمعنا الكردي. فقد صرح السيد عارف طيفور قبل ايام واصفا لقاء السيد عادل مراد سكرتير المجلس المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني والذي هو بمثابة برلمان الاتحاد، مع رئيس وزراء العراق السيد  نوري المالكي بلقاء شيعي!! وقبله باشهر صرح النائب في البرلمان العراقي والمحسوب على حزبكم السيد شوان طه ايضا قائلا بان عادل مراد ينتمي للمذهب الشيعي ولا علاقة لنا به!!  وبسخرية قال بان السيد مراد كردي شيعي فيلي!! ولكون السيدان عارف وشوان  يتقلدان مناصب رفيعة في حزبكم ويمثلانكما في البرلمان العراقي، ولكون حزبكم اصبح الحزب المهيمن على ادارة امور الاقليم وإدارة ملف السياسة الخارجية والنفط والغاز للاقليم بعد غياب الرئيس مام جلال، فان هكذا تصريحات من شأنها ان تسيء الى سمعة حزبكم. هذه التصريحات الشاذة عن المجتمع الكردي هي بادرة خطيرة لدق اسفين الفرقة ليس بيننا وبين اخوتنا  الشيعة في العراق فحسب، بل وحتى داخل البيت الكردي الذي يحتوي على مذاهب واديان متعددة ايضا كالكاكائية والشبك الشيعة والايزدية والمسيحيية واليهودية، فان لم تتداركوا الوضع فاني اخشى ان تولد تصريحات ممثليكم  مردودات سلبيه لا تحمد عقباها.))(4).
يبدو أن هناك خطة منسقة من قبل حكومات نفطية خليجية لجر كردستان إلى مستنقع الصراع الطائفي الذي يحرق المنطقة. فقد تم تسخير كتاب وسياسيين كرد من مختلف المستويات لهذا الغرض في وسائل الإعلام وخاصة صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية. وهذا الموضوع يحتاج إلى مقال مستقل.

والطامة الكبرى أنه حتى الدكتور أحمد الجلبي، رئيس حزب المؤتمر الوطني، الذي عقدنا عليه الآمال عندما كان يقود المعارضة ضد نظام صدام، وإذا به يفقد توازنه بعد السقوط لا يعرف كيف يتصرف مما أدى إلى إفلاسه سياسياً حتى ابتعد عنه أصدقاءه ومريدوه بحيث فشل في الانتخابات النيابية عام 2006، مما اضطره إلى الترشيح عام 2010 تحت عباءة السيد عمار الحكيم الذي لولاه لما صار نائباً. ففي الآونة الأخيرة راح الدكتور الجلبي يطلق تصريحات متناقضة لا تليق به، تكشف عن تقلباته ومعاناته النفسية، إذ يعتقد أنه الأفضل في قيادة العراق ويحلم بأن يكون رئيساً للوزراء، لذلك انضم إلى جوقة الحالمين بالمنصب من الذين رفعوا شعار (يا أعداء المالكي اتحدوا). فقبل فترة قرأنا له في وسائل الإعلام قوله: أن "مصادر كثيرة تؤكد أن القيادات في الإقليم تقف مواقف متناغمة مع الإرهاب في العراق من أجل أن لا تكون مناطق الإقليم ضمن نطاق العمليات الإرهابية، ومصادر تمويل الإرهاب الآن في بنوك أربيل تحت علم القيادات في كردستان، وأيضاً هناك العشرات من المتورطين في الإرهاب يتخذون من الإقليم إقامة لهم ولعوائلهم، لهذا ندعو الإقليم الكف عن مد يد العون لهذه الجماعات" (5)
ثم عاد الجلبي أخيراً ليقول في قناة (الميادين) أن "مسعود البارزاني هو الشخص المناسب لتبوئ منصب رئاسة الجمهورية". وعن الإرهاب في العراق قال لا فض فوه: "لا توجد دول داعمة للارهاب، وداعش “مساكين” يعيشون ويمولون قتالهم بأموال النفط السوري، وعددهم قليل جدا في العراق، وما يجري في المنطقة الغربية ليس ارهاباً وإنما انتفاضة السنة المظلومين المهمشين من قبل المالكي" . (6)
وإزاء هذه التقلبات من شخصية كالجلبي، ما لنا إلا أن نقول: سبحان مغير الأحوال، وإنا لله الواحد القهار، والله في عون الشعب العراقي.

خلاصة القول، إن الانتخابات وسيلة حضارية لتبادل السلطة سلمياً، يقوم الشعب باختيار حكامه عن طريق صناديق الاقتراع بدلاً من الانقلابات العسكرية. ورغم هذه الحملات الهستيرية لإرباك الوضع، إلا إنه ولحسن الحظ، الشعب العراقي لم يتأثر بها، فالأغلبية الساحقة مصممة على خوض الانتخابات، حيث "اظهر استبيان للرأي اجراه مركز مختص أن 70 بالمئة من المواطنين المشمولين بالانتخابات قرروا المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة"(صحيفة الصباح البغدادية).
لذلك نهيب بكل السياسيين والكتاب المخلصين لشعبهم أن يدعموا العملية الديمقراطية ويتجنبوا الدعايات السلبية التسقيطية، وإذا كانت هناك نقاط ضعف سلبية حقيقية ضد أي مرشح فليبروزها ولكن بدون مبالغة وافتراءات. فواجب المثقف التنوير ونشر الحقيقة وليس التضليل وصب الزيت على الفتن الطائفية والعرقية. فالشعب قد سأم من الحروب والإرهاب وعدم الاستقرار، والشعب العراقي، كغيره من الشعوب، يحلم بان يعيش بسلام واستقرار، ونظراً لتعددية مكوناته، لا يصلح له إلا النظام الديمقراطي العلماني وفق مبدأ (الدين لله والوطن للجميع). 
ــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات صلة
1- زهير شنتاف: يا رشيد الخيون : اذا كنا عملاء فمن تكون انت؟
http://www.shababek.de/pw3/?p=1033

2- زهير شنتاف:  رشيد الخيون و دراهم الامارات
 http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=100372#axzz2oOo8k3dV

3- محمد رضا عباس: كتاب طائفيون
http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=157032#axzz2xtVLNem9

4- جمال فاروق الجاف:  الى الاخوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني مع تحياتي http://alakhbaar.org/home/2014/3/164704.html

5- الجلبي: مواقف كردستان متناغمة مع الارهاب ومصادر تمويله في بنوك اربيل
http://www.faceiraq.com/inews.php?id=1733615

6- الجلبي: ما يجري في الانبار ليس ارهاباً وإنما انتفاضة السنة المظلومين المهمشين من قبل المالكي
http://www.qanon302.net/news/2014/04/03/15727

319
بمناسبة مرور 11 عاماً على تحرير العراق من الفاشية

د.عبدالخالق حسين

تمر هذه الأيام الذكرى الحادية عشرة على قيام قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا لتحرير الشعب العراقي من الفاشية البعثية، نفس القوات التي حررت أوربا في الحرب العالمية الثانية من النازية الألمانية، والفاشية الإيطالية، وحررت اليابان من العسكرتارية. ولكن المشكلة أن عملية تحرير العراق كانت وما زالت مثيرة للجدل، وحتى يستكثر علينا البعض استخدام كلمة (التحرير)، إذ يفضلون عليها كلمة "الاحتلال"، أو "الغزو" مع كلمات الإدانة مثل "الغاشم"...الخ. والمؤسف أن هذه الإدانة تأتي حتى من قبل بعض ضحايا النظام البعثي، ومن بعض المثقفين في العالم، وبالأخص من اليساريين. وسبب هذا الاختلاف هو أن الناس ينسون بسرعة معاناتهم على يد النظام الساقط وينشغلون بهمومهم الحاضرة. وهذا الجدل مستمر لحد الآن.

وعذرهم في استخدام كلمة "احتلال"، أن أمريكا نفسها تستخدم هذا التعبير، ويتهموننا بأننا ملكيون أكثر من الملك!! نسي هؤلاء أن سبب استخدام أمريكا لكلمة (الاحتلال) هو لأسباب قانونية دولية كي تحصل على تخويل قانوني من الأمم المتحدة لحماية العراق خلال الفترة الانتقالية إلى أن يتم تسليم الحكم إلى أهله. وهذا ما حصل بعد عام ونصف العام من إسقاط حكم البعث. لذا فبالنسبة لي كعراقي، فالعراق كان محتلاً احتلالاً داخلياً من قبل عصابة البعث المافيوية لخمس وثلاثين سنة، وكان أبشع احتلال في التاريخ. على كل حال، هناك أسباب كثيرة لاستمرار الجدل حول تقييم تحرير العراق من البعث الفاشي، وهي كالتالي:
1- تم التحرير بقيادة الدولة العظمى، أمريكا وبريطانيا، وهناك اسباب تاريخية لعداء مزمن من القوى السياسية المؤدلجة في العراق، اليسارية، والقومية، والإسلامية ضد أمريكا والغرب عموماً، فمن الشعارات التي رفعها الحزب الشيوعي العراقي قبل التحرير مثلاً، شعار: (لا للحرب ..لا للدكتاتورية). والكل يعرف أن الشعب العراقي حاول مراراً تحرير نفسه بقواه الذاتية، ولكن النتيجة كانت حرب الإبادة ومئات الألوف من القتلى وأكثر من 400 مقبرة جماعية تم اكتشافها لحد الآن.

2- أدَّعوا أن هدف أمريكا من احتلال العراق هو نهب ثرواته النفطية واستعباد شعبه وقتله، "وليس لسواد عيون العراقيين...!". ونحن نعرف أن أمريكا لم تنهب النفط، بل تشتريه بالعملة الصعبة، وارتفع سعر النفط إلى أضعاف سعره عما كان عليه قبل التحرير. كذلك دفعت أمريكا نحو 60 مليار دولار لإعمار العراق، إضافة إلى ما دفعته من تكاليف الحرب، البشرية والمالية. كما وساعدت أمريكا على إطفاء 90% من ديون العراق. فهل هذا احتلال استعماري كما يدعي أعداء العراق الجديد؟ 

3- شن أعداء تحرير العراق من فلول البعث وحلفائهم أتباع القاعدة، حرب الإرهاب وإثارة الفتنة  الطائفية، بدعم من الحكومات المنطقة مثل السعودية وقطر وتركيا، ومؤسساتها الإعلامية مثل قناة الجزيرة وغيرها، المعادية للديمقراطية في العراق الجديد لأسباب طائفية وسياسية واقتصادية، حاولت إفشالها بمختلف الوسائل.

4- بأوامر من حكوماتهم، أصدر رجال الدين السعوديون وغيرهم من أمثال القرضاوي، فتاوى لقتل العراقيين الشيعة ووصفوهم بـ"الروافض" و"الشيعة الصفوية، و"عملاء الفرس المجوس"، وقاموا بتدمير البنى الاقتصادية والركائز التحية بذريعة محاربة الاحتلال، وباسم "المقاومة الوطنية الشريفة". بينما الحقيقة تؤكد أن أعمالهم تلك كانت ومازالت حرباً طائفية وعنصرية بدليل أنه حتى بعد رحيل القوات الدولية نهاية عام 2011، استمرت حرب الإبادة ضد الشيعة، وهذه المرة  بحجة مقاومة "الاحتلال الصفوي". وكذلك الشعارات والشتائم الطائفية البذيئة التي رفعها البعثيون والقاعدة في التظاهرات الاعتصامات الأخيرة في المناطق الغربية. والمخزي والمخجل، أن هذه التظاهرات الطائفية وما رفع فيها من شعارات ومطالبات مخالفة للدستور، نالت مباركة البعض المحسوبين على اليسار العراقي الذين أدعوا أنها مطالب مشروعة، رغم أن من بينها مطالب مثل: إسقاط الدولة العراقية، وإلغاء الدستور، وإطلاق سراح جميع المتهمين بالإرهاب بدون تحقيق، وإلغاء قانون العدالة والمساءلة، بل وحتى المطالبة بمنع الشيعة من ممارسة طقوسهم المذهبية بحجة أنها شعائر طائفية ضد أهل السنة!!. فهل هذه المطالب مشروعة؟
 
5- مبالغة الإعلام العربي بحجم القتلى العراقيين إلى مليون ونصف المليون، والادعاء أن القتل حصل على أيدي القوات الأمريكية وحلفائهم "الصفويين"، وأن ومعظم الضحايا هم من العرب السنة. بينما الحقيقة تؤكد أن حرب الإبادة حصلت ضد الشيعة، وعلى أيدي فلول البعث الطائفيين، وحلفائهم الإرهابيين من القاعدة، المدعومة من الحكومات الخليجية وخاصة السعودية وقطر، وكذلك تركيا منذ انسحاب القوات الأمريكية نهاية عام 2011.

6- لقد اثبتت الاحصائيات التي قامت بها جهات دولية محايدة مثل منظمة (Body count)، أن عدد القتلى بلغ في حدود 100 ألف، وإحصائية أخرى نشرتها الوكيليك، أن العدد بلغ في حدود 130 ألفاً خلال العشر سنوات الماضية. وبالتأكيد هذا الرقم يشكل فاجعة كبيرة على الشعب العراقي، فقتل كل نفس بريئة من بنات وأبناء شعبنا كارثة إنسانية رهيبة، ولكن أين هذا الرقم من مليون ونصف المليون ضحية؟ إن الغرض من تضخيم أرقام الضحايا ليس تألماً على شعبنا، أو دفاعاً عنه، بل للتحريض ضده، واعتبار معظم الضحايا من السنة، قتلوا على أيدي القوات الأمريكية والشيعة "الفرس المجوس"، للشحن الطائفي، وإثارة غضب العرب والمسلمين وتحريضهم لدعم الإرهاب في العراق... وحققوا النجاح في ذلك.
7- منذ سقوط البعث الفاشي، ادعوا أن الشيعة همشوا السنة في المشاركة في الحكم. والحقيقة أن السنة هم همشوا أنفسهم في أول الأمر، حيث قاطعوا العملية السياسية، ورفضوا المشاركة في السلطة والانتخابات على أمل إسقاط النظام الجديد وإعادة التاريخ إلى ما قبل 2003... وأخيراً انتبه العقلاء من أهل السنة، فشاركوا في العملية السياسة، ولكن اندس البعثيون في صفوفهم لغرض إسقاط العملية السياسية من الداخل باستخدام الورقة الطائفية. فرغم مشاركتهم في السلطة، ووفق ما افرزته صناديق الانتخابات، إلا إنهم شاركوا في الحكومة من أجل شلها وتفجيرها من الداخل كحصان طروادة، وفي نفس الوقت مارسوا الإرهاب. وجرائم طارق الهاشمي ورافع العيساوي ومحمد الدايني وأسعد الهاشمي وأحمد العلواني باتت معروفة للجميع... فمعظم العمليات الارهابية التي جرت وتجري في المناطق الشيعية تدار من قبل المشاركين في السلطة، تنفذ من قبل حماياتهم وأتباعهم من الإرهابيين.

8- شن أعداء الديمقراطية من البعثيين وحلفائهم حملة ضارية لتشويه صورة الديمقراطية وإيعاز جميع الشرور والجرائم التي ارتكبوها مع القاعدة ضد الشعب إلى الديمقراطية، والمحاصصة، والحكومة، أو بالأحرى إلى رئيسها، والإدعاء أن الإرهاب والفساد والنهب نتاج هذه الديمقراطية التي جلبتها "أمريكيا سيئة الصيت!".   
في الحقيقة كل فقرة أعلاه تستحق أن تكون مقالاً مستقلاً، وقد مررنا على الكثير منها في مقالات سابقة.

من جرائم البعث
لقد توفرت لحزب البعث، خلال 35 سنة من حكمه، أفضل الفرص والظروف السياسة والاقتصادية والدولية ليطور العراق ويخرجه من دولة متخلفة إلى مستوى الدول المتقدمة في العالم الأول، ولكن بدلاً من ذلك، بدد البعث الثروات الهائلة على عسكرة المجتمع، وسباق التسلح، والحروب العبثية والخراب الشامل، وارتكب قائمة طويلة من الجرائم التي لا تعد ولا تحصى بحق الشعب العراقي وشعوب المنطقة وخاصة الشعبين الإيراني والكويتي.
لقد جلب حكم البعث على العراق خلال 35 سنة من حكمه الجائر، وباختصار شديد الكوارث التالية:
أولاً، قبل اغتصاب البعث للسلطة عام 1968 كان الدينار العراقي يعادل 3.5 دولار أمريكي، بدأ سعر الدينار بالهبوط منذ استلام صدام رئاسة الدولة إلى أن بلغ في الأيام الأخيرة من حكمه مستوى الصفر حيث صار سعر الدولار يعادل 3500 دينار، أي صارت القوة الشرائية للدينار العراقي دون سعر الورقة التي يطبع عليها، أي إفلاس تام وانهيار كامل لاقتصاد بلد عائم على بحر من النفط. فهل هناك فساد وفشل أسوأ من ذلك؟
ثانياً، لقد بلغت واردات النفط أرقاماً عالية وقياسية غير مسبوقة في عهد حكم البعث، فقبل أن يسيطر صدام على رئاسة الجمهورية عام 1979، بلغ رصيد العراق من احتياطي العملة الصعبة والذهب نحو 45 مليار دولار، ولكن نتيجة لسياساته الطائشة، عند سقوط حكمه بلغت الديون نحو 120 مليار دولار، إضافة إلى مئات المليارات من تعويضات الحروب، يعني دولة مفلسة.
ثالثاً، بلغ عدد قتلى العراقيين خلال حكم البعث نحو مليونين، إضافة إلى التهجير القسري لأسباب طائفية، والهجرة الطوعية للذين فروا بجلودهم حيث بلغ عددهم نحو 5 ملايين، موزعين على شتى أنحاء المعمورة.
رابعاً،، حقق حكم البعث قفزة كبرى ولكن إلى الوراء، حيث أعاد المجتمع العراقي إلى عهد العشيرة والقبلية والطائفية، وتفتيت النسيج الاجتماعي، والتجهيل المتعمد، وما حصل من ردة حضارية، وانهيار فكري وأخلاقي، وتدمير روح المواطنة والولاء للعراق... و الذي يدفع الشعب ثمنه الآن.
خامساً، قبل اغتصاب البعث للسلطة كان في العراق نحو 40 مليون نخلة، وبسبب حروبه العبثية هبط العدد ‘لى أقل من 8 مليون نخلة، إضافة إلى قيامه بتجفيف الأهوار وتدمبر البيئة. يعني أن حكم البعث قد أهلك الحرث والنسل، وأحال العراق من (بلاد السواد) لكثرة مزارعه إلى صحراء قاحلة.
وعليه فكل ما ألحق بالعراق من خراب ودمار وأضرار وجرائم، منذ 8 شباط 1963 وإلى الآن، يتحمل مسؤوليته البعث الفاشي.

لقد أثبت البعثيون خلال 35 سنة من حكمهم الجائر وهم في السلطة، و11 سنة من إرهابهم وهم خارج السلطة، أن البعث ليس حزباً سياسياً، بل عبارة عن مافيا إجرامية مسلحة أدعت بعض المبادئ السياسية، وتقمصت السياسة، وبغفلة من الزمن، وبمساعدة ظروف دولية شاذة مثل الحرب الباردة، استطاعت أن تغتصب السلطة بانقلاب عسكري، وتحكم الشعب العراقي بالنار والحديد، وتنهب ثرواته وقتل شعبه وتشريد الملايين من أبنائه. لذلك فنحن لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن حكم البعث كان أبشع أنواع الاحتلال، وعليه، كان واجباً أخلاقياً على المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى تحرير الشعب العراقي من أبشع احتلال فاشي جائر عرفه التاريخ.
بالله عليكم، إن حزباً هذا تاريخه البشع، وألحق بالشعب العراقي وشعوب المنطقة الخراب والدمار الشامل، هل يستحق العطف والدفاع عنه والمطالبة بعودته أو حتى مشاركته في السلطة؟ غني عن القول إن من يدافع عن هكذا نظام جائر هو إما مازوخي (Masochistic) يستلذ بالتعذيب والعبودية وحياة الذل والإهانة، أو هو واحد من المافيا البعثية. وفي جميع الأحوال نحن ضد هؤلاء، ولا بد من العمل لتوفير الظروف الطبيعية لشعبنا ليبدأ حياة طبيعية كريمة أسوة بالشعوب المتحضرة.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/



320
مشروع القانون الجعفري وُلِدَ ميتاً
عبدالخالق حسين
3/4/2014
استلمت رسائل من عدد من الأصدقاء، مشكورين، يعاتبونني على "صمتي" ازاء ما يسمى بـ: (مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري والقضاء الجعفري). وكذلك علق قارئ، على مقالة لي، اتهمني بتأييد القانون أو السكوت عنه لأسباب طائفية! نسي الأخوة سامحهم الله، أني كنت من أوائل الذين انتقدوا هذا المشروع المشبوه، وبشدة، وفي الأيام الأولى من نشره في أواخر العام الماضي، وكان عنوان مقالي: (قوانين لتكريس الصراعات الطائفية)(1). كما وقد أجاد عدد كبير من الكتاب الأفاضل في نقدهم له بما فيه الكفاية ولم يبقوا لي شيئاً أضيفه في هذا الصدد، إذ لا فائدة من التكرار وإعادة ما قيل.

على أية حال، في العراق إذا وجهت لك تهمة أو إشاعة مسيئة وتسكت عنها فهذا يعني أن التهمة أو الإشاعة صحيحة!!، لأن ذهنية المجتمع العراقي مهيأة لتصديق الإشاعات. ولذلك رأيت من الضروري العودة إلى الموضوع لتوضيح ما استجد عنه، وكذلك لأطمئن الحريصين على حماية المجتمع من القوانين الرجعية، وبأني لست مؤيداً لهذا القانون الرجعي الطائفي!!
في البدء، أُطمئِن الأخوة أن هذا "القانون" ولد ميتاً وهو مازال مسودة، أو لائحة، أو ما يسمى بمشروع قانون. وإن الذي كتب مسودته واقترحه على مجلس الوزراء، (السيد حسن حلبوص الشمري) وزير العدل، له أغراض شيطانية ونوايا مشبوهة متعكزاً تارة على الدين، وتارة على الدستور، وبذلك فقد فضح جهله، وأساء إلى سمعته، وسمعة الحزب الذي ينتمي إليه (حزب الفضيلة)، وحتى إلى الدين والمذهب الذي ينتمي إليهما أكثر مما أساء إلى النظام العراقي الجديد. فلو كان هذا الوزير حقاً حريصاً على العدالة، ووحدة وسلامة الشعب العراقي (المتمزق أصلاً)، لما أصدر مثل هذا المشروع المتخلف المثير للجدل، وللمزيد من التفرقة، وكأن الشعب العراقي تنقصه أسباب التفرقة والتشرذم. ففي رأيي أن غرض الوزير من تقديم هذا المشروع هو فتح أبواب الجحيم على النظام العراقي الجديد، وتحديداً على رئيس الوزراء السيد نوري المالكي. فهو يعرف أن خصوم المالكي معبئين بمناسبة ودونها، لشن حرب عليه وإلصاق كل سيئات الدنيا ومشاكل العراق به، وإن لم يجدوا سيئة عليه فيختلقون الكثير منها وإلصاقها به. وإذا ما نصحنا بعدم التصديق بهذه الافتراءات احتراماً لعقولنا وعقول القراء، اعتبرونا من مثقفي السلطة، ومدافعين عن المالكي و بأجر مدفوع !!!
كما وعلمتُ أنه لما قدم الوزير المشروع لأول مرة إلى مجلس الوزراء، رفضه رئيس الوزراء، ويبدو أنه أخيراً وافق لتقديمه إلى البرلمان لاعتقاده أن البرلمان سيرفضه، وهذا في رأيي من المؤكد، وربما ليفضح عقلية الذين فُرضوا عليه من قبل حلفائه في السلطة للعمل معهم. فمشروع هكذا قانون أثار كل هذا الجدل من شأنه تكريس انقسام المجتمع على أسس طائفية، ومنح أعداء الديمقراطية ذخيرة حية للهجوم على عراق ما بعد صدام، وإظهار حكم صدام بالتقدمي ...الخ، لذلك فلا بد وأن يُرفض هذا المشروع ويُلقى به في حاوية القمامة. 

فالمشروع رجعي ومتخلف ومعارض لمسار التاريخ، ومعادي لأبسط حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، وبالأخص الطفولة البريئة، إذ يسمح بالاغتصاب الجنسي للأطفال بذريعة الزواج، أي يروج لمرض البيدوفايل (Paedophile) في المجتمع العراقي المصاب أصلاً بألف علة وعلة اجتماعية. وإذا كان عذر الوزير بحق الزواج من طفلة في التاسعة من العمر أنه أراد الاقتداء بالنبي محمد الذي تقول عنه الروايات أنه تزوج من السيدة عائشة وهي في الرابعة من العمر، وبنا بها وهي في التاسعة، فهذه الحجة باطلة ومرفوضة اليوم ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين. وهذه الحجة مرفوضة أيضاً حتى دينياً لأن كثيراً من الأمور كان مسموح بها للرسول، وغير مسموح بها لغيره من المسلمين في نفس العصر وإلى الآن، ومنها على سبيل المثال، كانت للرسول نحو 12 زوجة في آن واحد، بينما لا يجوز للمسلم الزواج من أكثر من أربع نساء، وبشروط تعجيزية، أهمها توافر العدالة والتي هي مستحيلة إذ كما جاء في الآية: (ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم). كذلك لم يجز القرآن لزوجات النبي بالزواج بعد وفاته، وهذا الشرط لا يُطبق على مطلقات وأرامل المسلمين. ويمكن تطبيق هذا المنع على الزواج من الطفلة قبل سن البلوغ أي 18 سنة. فالخليفة عمر بن الخطاب اجتهد و قام بتغيير نحو أربعين مادة كان معمولاً بها في عهد الرسول وأبي بكر، واجتهد حتى في النص القرآني حيث حرَّم زواج المتعة، وحقوق المؤلفة قلوبهم. وكذلك أوقفت إيران الإسلامية، وتركية التي يحكمها حزب إسلامي، عقوبة الرجم بالحجارة للزاني والزانية. وهذا يعني أنه يجوز إيقاف العمل بالكثير من قوانين الشريعة الإسلامية التي تخالف حقوق الإنسان ومتطلبات العصر.

كما واستند وزير العدل في كتابة مشروع قانونه إلى المادة الثانية من الدستور:
"أ- لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام."
ولكنه أهمل الفقرتين الأخريين من المادة نفسها وهما:
ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور."
فمشروع القانون المطروح للتصويت يتعارض مع هاتين الفقرتين.

ولعل مصدر آخر استند أليه السيد الوزير في جواز الزواج من الطفلة، وهو ما جاء في كتاب (تحرير الوسيلة) لأية الله السيد روح الله خميني، ما نصه: "مسألة 12- لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى مع الرضيعة، ...." (الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، ج2، ص216، دار المنتظر، بيروت- لبنان، ط2، 1405هـ ، 1985م).
وقبل سنوات كتبتُ رداً على هذه الفتوى الخمينية بمقال عنوانه (الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ) (2)، الذي أثار جدلاً مفيداً وبناءً لتنبيه المجتمع وتحذيره من هذا الوباء، فكتب أحدهم دفاعاً عن فتوى الخميني، قائلاً أن هناك اتفاق بالإجماع بين جميع المذاهب الإسلامية (سنة وشيعة) حول جواز الزواج من الطفلة في التاسعة.

والجدير بالذكر أن السيدة مريم الريِّس، المستشارة القانونية للسيد رئيس الوزراء نوري المالكي، شنت هجوماً عنيفاً على وزير العدل، لتقديمه مشروع هذا القانون سيئ الصيت إذ قالت فيه: "لا يسعني إلا ان اقول بأنك قد أهنت المرأة التي ولدتك وبأن العقد النفسية التي تربيت ونشأت عليها لن تبني بها بلداً... فبموجب هذا المشروع تقوم النفقة وتنعدم مع وجود الاستمتاع... فالمرأة المريضة والكبيرة والعاجزة لا تستحق النفقة!!!!" وتساءلتْ: " أي عدالة هذه يا وزير العدل...؟ ولا يسعني هنا الا أن اعود واسأل هل لك أن تزوج أبنتك وهي في عمر التسع سنين؟؟ لا بل تسقط النفقة عنها اذا لم يستمتع بها زوجها ...؟"
وهناك سؤال مهم نوجهه للسيد الوزير وهو: هل العراق بحاجة إلى هذا القانون الطائفي، إذ لدينا قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 الذي أصدره الزعيم عبدالكريم قاسم، وهو خلاصة ما توصل إليه المتضلعون في القوانين، آخذين بنظر الاعتبار التعددية الدينية والمذهبية في العراق الذي كان بحاجة إلى قانون مدني موحِد لمختلف مكونات الشعب العراقي، وليس إلى قانون طائفي مفرق لا يقل خطورة وتدميراُ عن تفجيرات الإرهابيين. إضافة إلى أن القانون رقم 188 يسمح لأي فرد إجراء عقد الزاج والطلاق أمام رجل الدين من مذهبه، إضافة إلى أمام القاضي المدني.
وعليه فمشروع القانون هذا جائر وخطير على السلم الاجتماعي، ويتعارض مع الدستور، وضد حقوق الإنسان والمرأة والطفولة، لذلك فهو باطل، ولا بد للبرلمان القادم من إلغائه وإلقائه في حاوية القمامة.
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- عبدالخالق حسين: قوانين لتكريس الصراعات الطائفية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=611

2- عبدالخالق حسين: الإسلام بين التفخيخ والتفخيذ...!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=88920

3- مريم الريس لوزير العدل: أنت معقد نفسيا ولم تمارس المحاماة إلا أشهر
http://www.uragency.net/women-s-issues/911-2014-03-31-10-22-51.html

عبدالخالق حسين: مشروع القانون الجعفري وُلِدَ ميتاً
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=640
 
 


321
هل السيسي أتاتورك مصر؟

د.عبدالخالق حسين

أفادت الأنباء أن الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء المصري، قد استقال من منصبه العسكري للترشح إلى منصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية القادمة. وقد قوبل ترشحه بترحاب شعبي واسع، ولكن في نفس الوقت هناك من يعارضه حتى من بين العلمانيين الديمقراطيين لخلفيته العسكرية وشخصيته القوية، كما عارضوا اجراءاته بإزاحة الأخوان المسلمين من السلطة رغم أن عمله هذا كان استجابة لمطالب الشعب الذي عبر عنها نحو 32 مليون في مظاهرات صاخبة ضد حكم الأخوان، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف الذين صوتوا في الانتخابات الرئاسية لمرشح لأخوان. والجدير بالذكر أن الأخوان المسلمين ما أن سيطروا على السلطة حتى وبدأوا بتنفيذ برنامجهم في أسلمة المجتمع ومؤسسات الدولة، خلافاً لما وعدوا به الشعب قبل استلامهم السلطة بالاحتفاظ على الديمقراطية.
فهل السيسي كان على حق في إزاحة الأخوان عن السلطة، وترشحه للرئاسة، وقيادة الشعب المصري وهو يواجه أخطر أزمة تهدد استقراره ووحدته الوطنية؟

يؤكد لنا التاريخ أن سبب فشل معظم القادة السياسيين في مهماتهم كان إما لجهلهم بالسياسة، أو لتمسكهم الأعمى بالمبادئ النبيلة وترجيحها على البراغماتية، أي ما تفرضها عليهم الواقعية ومتطلبات المرحلة. فالسياسة تعني الاهتمام بمشاكل الشعب وفق فن الممكن، والعمل على إيجاد الحلول الناجعة لها. والقادة الناجحون العظام تفرزهم ظروف تاريخية معينة وفق مبدأ الضرورة والصدفة. فالصدفة تلعب دوراً كبيراً في إبراز زعيم مناسب لتلك المرحلة لقيادة شعبه إلى بر الأمان، أشبه بالطفرات الوراثية (Genetic mutation)، أو سحبة اليانصيب (Lottery).
فهناك شعوب محظوظة عندما تعصف بها أزمات كبرى كالتي مر بها الشعب التركي في الحرب العالمية الأولى التي أطاحت بالإمبراطورية العثمانية، قيَّضَ التاريخ له ظهور زعيم فذ جمع في شخصه صفات عسكرية ومدنية ودهاء سياسي، ومعرفة عميقة بمتطلبات المرحلة التاريخية التي مر بها الشعب التركي. هذا الشخص هو الجنرال مصطفى كمال الذي لُقِبَ بأتاتورك أي (أب الأتراك)، فهو مؤسس الدولة التركية الحديثة على أسس الحداثة والعلمانية والديمقراطية، ومبدأ فصل الدين عن السياسة. لقد نجح الرجل بقيادة الشعب التركي، وتحقيق وحدته الوطنية، وإخراجه من ظلمات القرون الوسطى إلى عصر الحداثة الأوربية، وبناء نظام علماني ديمقراطي ناجح لأول مرة في دولة غالبية شعبها مسلمون. كما جعل من الجيش التركي، المدافع الأمين وحامي حمى النظام العلماني الديمقراطي.

لا شك أن هناك انتقادات كثيرة ضد إصلاحات أتاتورك، منها أنها كانت إصلاحات فوقية، أي من القمة إلى القاعدة (Top down)، والمطلوب هو الإصلاح من القاعدة إلى الأعلى (Bottom up). وعذرهم في ذلك أن الإصلاح الفوقي سطحي لا يدوم ويزول بزوال الحاكم المصلح، بينما الإصلاح من القاعدة جذري ويدوم كما حصل في أوربا، والذي استغرق نحو أربعة قرون ليكتمل، فبُني على قواعد رصينة وثابتة.
 ورغم قوة حجة أصحاب الطريقة الثانية، إلا إن الإصلاح من القاعدة لوحده غير ممكن في المجتمعات العربية والإسلامية ما لم يكن مدعوماً من القمة أي السلطة. فخلال أكثر من مائة سنة الماضية ظهر مفكرون كثيرون في الشعوب العربية، ابتداءً من رافع الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده...وغيرهم إلى يومنا هذا، حاولوا الإصلاح إلا إنهم فشلوا ومعظمهم انتهوا في السجون والقتل والتشريد أو الانكفاء والعزلة كما هو الوضع في معظم البلدان العربية والإسلامية اليوم.
أما الطريقة الأتاتوركية فأراها ناجحة لأنها اختصرت الزمن في التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في فترة قصيرة. ولذلك أعتقد أنه لا يمكن تحقيق الإصلاح إلا إذا توفرت سلطة تقدمية تحمي المفكرين وتسمح لهم بنشر الفكر التنويري وإصلاح المجتمع من القاعدة. أي أننا نحتاج إلى الإثنين معاً وفي آن واحد.

أما ظهور حركة إسلامية في تركيا مثل حزب (العدالة والتنمية) التركي الذي نجح في استلام السلطة خلال 12 عاماً الماضية، فهذا لا يعني فشل الأتاتوركية، أو زوالها. ففي الوقت الذي تجتاح البلدان العربية والإسلامية حركات إسلاموية متطرفة تهدد شعوبها بحروب أهلية ماحقة، وإرهاب يهدد الحضارة البشرية، وصلت عدوى الحركة الإسلامية إلى تركيا بنسخة مخففة، وبوجه علماني وحضاري أعطت للإسلام وجهاً إنسانياً منسجماً مع الحضارة الحديثة. ولم يحصل هذا إلا بتأثير الأتاتوركية، وتشرب الشعب التركي بمبادئ الحرية والعلمانية والديمقراطية والحرية الفردية.
فبغض النظر عن تصرفات أردوغان الأرعن الذي أصيب بالغرور، وسياساته الطائشة في التدخل الفض في شؤون دول المنطقة، وفي مصادرة الحريات الفردية، وكان آخرها إغلاق مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر واليوتيوب، لأنه عن طريقهما تم فضح مؤامرة كان يدبرها لإرسال عسكريين إلى الأراضي السورية المحاذية لتركيا وإطلاق صواريخ منها على تركيا، للتتخذها حكومات أردوكان ذريعة لشن حرب على سوريا وإسقاط حكومتها بالحرب. وع كل ذلك نقول إنه لولا تأثير الأتاتوركية في ترسيخ العلمانية والديمقراطية في الشعب التركي لما اختلف حزب أردوغان عن بقية الأحزاب الإسلاموية المتطرفة في العالم الإسلامي.
فعندما زار أردوغان مصر بعد استلام الأخوان المسلمين للسلطة، استقبله الإسلاميون استقبالاً جماهيرياً حاشداً وصاخباً في مطار وشوارع القاهرة، ولكن بعد لقاءاته ومحادثاته مع قادة الأخوان المسلمين، واقتراحه عليهم قبول العلمانية والديمقراطية في الحكم، رفضوه وخابت آمالهم به.
فالمد الإسلامي الذي يجتاح المنطقة على شكل إرهاب في هذه المرحلة التاريخية العصيبة، وصل إلى تركيا بشكل مخفف، ودون حرب أهلية وعمليات إرهابية. ولما ركب الغرور رأس أردوغان، وحاول التجاوز على الحريات المدنية التي تعوَّد عليها الشعب، انفجر الشعب التركي بمظاهرات صاخبة ضده دفاعاً عن حرياته، وعلى الأغلب فإن المرحلة الإسلاموية الأردوغانية في أفول وقد اتنهي بسلام  قريباً وإلى غير رجعة، وهذا ما أتوقعه في الانتخابات البرلمانية القادمة، رغم أنه حقق نجاحاً الانتخابات المحلية التي اليوم (30/3/2014)، وذلك بفضل ما حققته حكومته من نجاخات في مجال الاقتصاد. ولكن حتى هذا النجاح له حدوده إذا ما تمادى أردوغان في تجاوزاته على الحريات الشخصية، إذ كما قال السيد المسيح: (ليس على الخبز وحده يحيى الإنسان). 

أعتقد أن جميع بلدان العالم الثالث، وبالأخص العربية والإسلامية، بحاجة ماسة إلى قادة تقدميين أقوياء مثل مصطفى كمال أتاتورك. لقد ظهر مثل هذا الشخص في العراق بشخص الزعيم عبدالكريم قاسم، وكان قد بذل كل ما في وسعه لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والانتقال التدريجي إلى الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ولكن ثورته هذه تم اجهاضها بالتكالب المحلي والإقليمي والدولي عليه، وتعقيدات الوضع العراقي، حيث الصراعات السياسية والأيديولوجية، والدولية (كما الحال اليوم بعد سقوط الفاشية)، ولتغليبه مبادئه الأخلاقية السامية على البراغماتية وما تتطلبه السياسة من دهاء ومراوغة وحتى العنف مع الخصوم عند الحاجة، رغم أنه استخدم العنف في حده الأدنى في مرحلة كانت تتطلب الكثير، على حد تعبير حنا بطاطو.
كما وظهر أتاتورك آخر في مصر عام 1952 بشخص الرئيس جمال عبدالناصر، ولكنه أضاع الفرصة الذهبية، فحارب الديمقراطية رغم أنه كان يتمتع بشعبية واسعة جداً وكان بإمكانه بناء نظام ديمقراطي تدريجي، إلا إنه أصر على الحكم الفردي الدكتاتوري، وتآمر على الثورة العراقية وزعيمها قاسم، وساهم في إدخال العراق في النفق البعثي المظلم، إلى أن انتهى بجلب سلسلة متواصلة من الكوارث على مصر وعلى البلدان العربية الأخرى.

فالمشكلة ان البشر نادراً ما يستفيدون من تجارب الآخرين، بل ويصرون على التعلم وكسب الخبرة من تجاربهم الشخصية فقط، ومن هزائمهم وهي باهظة التكاليف. وعليه فقد جرب الشعب المصري، كما الشعب العراقي وغيرهما، أنظمة مختلفة انتهت بنتائج كارثية. لذلك فقد آن الأوان للشعب المصري أن يستخلص الدروس والعبر مما ناله خلال المائة سنة الماضية من كوارث وذلك بتبني النظام العلماني الديمقراطي، وفصل الدين عن السياسة وفق شعار الزعيم المصري الأسبق سعد زغلول: (الدين لله والوطن للجميع). وهذا النظام، في المرحلة الراهنة، غير ممكن إقامته وإدامته إلا بقيادة شخصية قوية مثل الفريق أول عبدالفتاح السيسي، حيث أثبت حنكته السياسية وشجاعته من خلال وقوفه إلى جانب الشعب، وإنقاذه من كارثة محققة على يد الأخوان المسلمين. فالشعب المصري يتمتع بقاعدة عريضة من المثقفين العلمانيين يؤمنون بالديمقراطية الليبرالية. وهذا ما يخفف نسبياً من مهمة السيسي الثقيلة.

أعترض العديد من المثقفين العرب، ومن بينهم علمانيون وديمقراطيون، وكذلك مفكرون غربيون، على إزاحة الأخوان المسلمين والرئيس الأخواني محمد مرسي بالتدخل العسكري، واعتبروه خروجاً على الشرعية لأن الأخوان استلموا السلطة عن طريق الانتخابات. هذا الكلام صحيح في الظاهر ومخالف للشرعية في الجوهر... لماذا؟
فلو نعود إلى الانتخابات الرئاسية المصرية السابقة التي جاءت بالأخوان إلى السلطة لوجدنا أن نسبة المشاركة فيها لا تتجاوز الـ 51% من الذين يحق لهم التصويت. والذين صوتوا للرئيس الأخواني لا يزيد عن 51%، (نحو 11 مليون صوت) أي نحو 25% فقط من الذين يحق لهم التصويت، وهذا يعني أن نحو 75% من الشعب المصري لم يصوتوا له. ولكن لحد هذه النقطة يعتبر استلام الأخوان للسلطة مشروعاً، فالذين قاطعوا الانتخابات عليهم أن لا يلوموا إلا أنفسهم في فوز الأخوان. إذ كما قال إدموند بيرك: "كلما يحتاجه الشر لينتصر، على الأخيار أن يعملوا لا شيء"
ومن المناسب هنا أن نذكر أن الأرقام التي فاز بها الأخوان في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مصر مشابهة تماماً للأرقام التي فاز بها الحزب النازي الهتلري عام 1933، والذي ما أن استلم السلطة حتى و بدأ باضطهاد المعارضة، وقولبة المجتمع الألماني إلى ما يلائم أيديولوجيته النازية العنصرية، ونشر الرعب في المجتمع وبالتالي أدى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية الكارثية والهولوكست... ودمار أوربا بما فيها دمار ألمانيا نفسها.
وهذا بالضبط ما حاول الأخوان المسلمون عمله في مصر، حيث شنوا حملة واسعة لأسلمة وأخونة المجتمع ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية بما فيها السلطة القضائية، وكذلك التدخل الفض في الشؤون الشخصية الفردية للمواطن المصري، إضافة إلى تأزيم الوضع وما رافقه من انهيار اقتصادي الذي عانى منه الشعب المصري معاناة شديدة، الأمر الذي أدى إلى الانفجار الشعبي الواسع الذي شارك فيه ما بين 30 إلى 32 مليون مواطن مصري. وهو كما أشرنا أعلاه، يعادل ثلاثة أضعاف الذين صوتوا للرئيس الأخواني محمد مرسي. الأمر الذي دفع الجيش بقيادة الفريق السيسي لإنقاذ الموقف وحماية الشعب من فوضى عارمة لا يعرف أحد نتائجها الكارثية.
فأيهم أفضل، ترك الأخوان يعملون ما يشاؤون في تحويل مصر إلى نسخة من حكم أفغانستان الطالبانية، وبالتالي تهديد كل البلاد العربية بكارثة ماحقة بفرض الحكم الأخواني على شعوبها، أم التدخل العسكري لإنقاذ الموقف، ودرء الخطر الإسلاموي الفاشي والطائفي الماحق؟
وفي هذا الخصوص، نشر الكاتب الأمريكي، الدكتور روبرت رايلي (صاحب كتاب: إغلاق عقل المسلم)، مقالاً قيماً يدعم فيه السيسي، وينتقد بشدة موقف الغرب الانتهازي منه، بعنوان: (الجيش المصري عمل ما كان يجب على  الجيش الألماني عمله عام 1933) (Egypt’s Military: Doing What Germany’s Should Have Done in 1933). فأجرى مقارنَة بين ما فعله الأخوان المسلمون بعد فوزهم في الانتخابات وما قام به الحزب النازي الألماني بعد فوزه عام 1933. ويسأل أما كان الأفضل للبشرية لو قام الجيش الألماني بانقلاب على هتلر وبذلك لأنقذ البشرية من الحرب العالمية الثانية والهولوكست، وما حصل من دمار شامل لأوربا واليابان ودول أخرى؟ (رابط المقال في الهامش)

وبناءً على كل ما تقدم، أعتقد أن إقدام الفريق السيسي على إزاحة الأخوان من الحكم كان استجابة لنداء الشعب الذي عبر عنه نحو 32 مليون مصري هبوا في انتفاضة شعبية عارمة، و إنقاذ لمصر والبلاد العربية من خطر الفاشية الإسلاموية لا تقل خطورة عن الفاشية النازية الهتلرية. فلو تُرِك الأخوان المسلمون لثلاثة أعوان أخرى لربما نجحوا في تنفيذ برنامجهم في أسلمة وأخونة المجتمع والدولة بذريعة شرعية الانتخابات، و لقادوا إلى كوارث ماحقة لا تقل كارثة عن تلك التي حصلت على أيدي النازية والفاشية الأوربية في الحرب العالمية الثانية، ولأكتفى نقاد السيسي بكتابة المناحات والحظ العاثر، وندموا ولكن بعد فوات الأوان.

لذلك ، فمن الإنصاف والمنطق والحكمة أن نعتبر تدخل الجبش إلى جانب الشعب وإنقاذه من حكم التخلف، وترشيح السيسي نفسه لرئاسة الجمهورية هو عمل صائب ورائع لإنقاذ الشعب المصري، وتكريس العلمانية الديمقراطية. وبذلك فما يقوم به السيسي لمصر هو نفس الدور الذي قام به أتاتورك لتركيا.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالموضوع
 Robert Reilly: Egypt's Military: Doing What Germany's Should Have Done in 1933
http://www.intercollegiatereview.com/index.php/2013/08/16/egypts-military-doing-what-the-wehrmacht-should-have-done-in-1933/

دور المخابرات النازية والأميركية في نشوء ونشاط التنظيم الدولي للإخوان ...
http://www.nmc.sy/nmc/public/read/79


   


322
حرية نشر البغضاء والفتن الطائفية

د.عبدالخالق حسين

إن الشرائع ألقت بيننا إحنا .... وعلمتنا أفانين العداواتِ – أبو العلاء المعري


يعيش العالم الإسلامي، وبالأخص الشعوب العربية، فترة حرجة وخطيرة جداً تهدد بإبادتها. وهذا الخطر ناتج عن سوء استخدام تكنولوجيا الثورة المعلوماتية المتطورة من الفضائيات والشبكات العنكبوتية (الانترنت) ليس لأغراض التنوير والحداثة ونشر المعرفة، بل لنشر الكراهية والبغضاء والفتن الطائفية، مستخدمين الاختلافات الدينية والمذهبية وسيلة لتحقيق الأغراض اللئيمة والخبيثة.

ففي تقرير لفضائية البي بي سي العربية شاهدنا كيف يقوم رجال دين من السنة والشيعة باستخدام الدين المذهب لبث العداوات والبغضاء وإشعال الفتن الطائفية بين المسلمين. رجل ديني شيعي يشتم من على المنابر الرموز الدينية المقدسة عند أهل السنة، فينبرى رجال دين سنة ليشتموا المعتقدات الشيعية ورموزهم على الفضائيات، فتتناولها مواقع التواصل الاجتماعي لتنشرها على نطاق واسع... وهكذا لا ندري إلى أي درك ينزل بهم الوضع.
 
كنا نعتقد أن رجال الدين، وكما هو مفترض، أن يكونوا نزيهين ومن أشد الناس حرصاً على السلم الاجتماعي وتماسك الأمة، وأن يعملوا على نشر روح التسامح وتقبل الآخر المختلف، وأن يتركوا اختلاف الناس في الدين والمذهب إلى الله وحده، وليس من حق أي إنسان أن يفرض نفسه حكَماً على الناس فيما يخص معتقداتهم الدينية. فالدين مسألة شخصية بين الإنسان وربه، ودور رجال الدين ينحصر في شرح أمور الدين وإرشاد المتدينين فيما استعصى عليهم فهمه، و نشر الأخلاق الحميدة، وتقديم النصائح المفيدة... إنما الدينة النصيحة، ولا إكراه في الدين.
ولكن مع الأسف الشديد أثبتت تجارب السنوات الماضية أن هناك شريحة من رجال الدين هم أكثر شراً من الشيطان الرجيم. إذ لجأ هؤلاء إلى نبش كتب التراث ينهلون منها ما يشبع نهمهم في نشر التفرقة وتمزيق شمل الشعب الواحد مثيرين العداوة والبغضاء بينهم، معتمدين على روايات كتبت قبل مئات السنين، أغلبها مشكوك بصحتها لأنها وضعت من قبل مرتزقة من الوعاظ لإرضاء أولياء النعمة من السلاطين الجائرين.

ووفق ما بثته الفضائية البريطانية (بي بي سي العربية)، بالصوت والصورة (الرابط أدناه)، هناك رجال دين من السنة والشيعة رضوا أن يقوموا بهذا الدور المشين لتمزيق شمل المسلمين وإشعال فتن طائفية ودفعهم للاقتتال فيما بينهم، ولا شك أن هذه دعوة لحروب الإبادة. ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن الشعب العراقي هو من أكثر الشعوب تضرراً من هذه الحملة الجنونية المنفلتة. ففي هذا البرنامج نتعرف على الشيخ محمد الزغبي (مصري سني) وآخر، الشيخ ياسر الحبيب (شيعي كويتي)، من أشد المتطرفين في هذا المجال. فياسر الحبيب يشتم رموزاً دينية مقدسة عند المسلمين بمن فيهم الشيعة، مثل السيدة عائشة، والخليفتين أبو بكر وعمر، ويفتري عليهم ويشتمهم بكلمات نابية تحاشت القناة ذكرها. أما الشيخ محمد الزغبي فهو يقوم بإثارة مشاعر المصلين، فبعد دعائه على هلاك اليهود، يوجه دعائه على الشيعة "الروافض": (اللهم عليك بالروافض، اللهم جمد الدماء في عروقهم، اللهم جمد الدماء في عروقهم، اللهم جمد الدماء في بطونهم وظهورهم، اللهم جمد الدماء في شيوخهم وأئمتهم.. اللهم سلط عليهم السرطان!!!!.). ثم يذرف دموع التماسيح على السيدة عائشة بما نالها من شتائم من المعتوه ياسر حبيب. والمشكلة أن كل شيخ لا يدعو على نظيره من الطرف الآخر، بل يخلط الحابل بالنابل، فالشيخ السني لا يستثني شيعياً في دعائه بهلاكهم جميعاً، ولا الشيعي يستثني سنياً بشتائمه البذيئة.

مقدم البرنامج عربي مسلم يعمل لصالح الفضائية البريطانية، بحث عن الذين يقفون وراء هذه الفضائيات التي راحت تتكاثر كالفطر في البلاد العربية وفي أوربا وخاصة في لندن. والصدمة الصاعقة التي يفاجئنا بها هي أن أغلب الممولين لهذه الفضائيات هم رجال أعمال كويتيين وراء قناة الصفا السنية. كما وهناك قناة سنية أخرى باسم (وصال) في لندن تبث باللغة الفارسية ضد النظام الإيراني، مدعومة من السعودية. وقناة شيعية (أهل البيت) يمولها شخص عراقي يدعى ثائر الدراجي في العراق. 

فلماذا هذا الانفجار في بث الحقد الطائفي، ومن المستفيد منه و في هذا الوقت بالذات، أي بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي، حيث تحاول الشعوب العربية والإسلامية النهوض والتخلص من تخلفها، وتبني الديمقراطية كأفضل نظام للحكم واللحاق بالشعوب التي سبقتها في هذا المضمار؟؟

محاولة لتفسير الظاهرة
الإنسان هو بالأساس حيوان في أعلى سلم التطور وفق نظرية داروين (أصل الأنواع) التي أصبحت حقيقة لا تقبل التأويل، بحيث حتى البابا، الراحل جون بول الثاني اعترف بها، وقد نسبها إلى الله. فكما يؤكد العلماء أن عدد الجينات الوراثية المشتركة بين الإنسان وأقرب حيوان له، الشمبانزي، حوالي 98.8%، أي أن الفرق بين الإنسان وأقرب حيوان لنا في سلم التطور هو 1.2% من الجينات فقط. كما ويقدر العلماء عمر الإنسان البايولوجي في حدود مليونين وأربعمائة ألف سنة، بينما عمر الحضارة منذ استقرار الإنسان البدائي في قرى شمال العراق لا يتجاوز 10 آلاف سنة. ومعظم هذه الفترة كانت بدائية، العصر الحجري مثلاً. لذا فعمر الحضارة قصير جداً بالقياس إلى عمر الإنسان البيولوجي.
وتعريف الإنسان أنه حيوان اجتماعي ناطق يصنع أدوات ويمتلك عقلاً. و العقل هنا لا يعني الحكمة والبحث عن الحق والصواب، بل وكما قال العلامة علي الوردي، العقل هو سلاح للدفاع عن النفس والمصالح. ومهما تطور الإنسان حضارياً وتحذلق بلغة راقية إلا إنه مازال ذلك الحيوان الذي يحمل في داخله جميع الغرائز الحيوانية ومنها العدوانية. وبمعنى آخر، الإنسان وحتى المتحضر، يحمل في نفسه الخير والشر في آن. وفي الظروف الحضارية الهادئة والتربية الراقية تكون نزعة الخير هي السائدة عليه ونزعة الشر خامدة، ولكن يمكن إيقاظها وتفعيلها في أي وقت إلى حد يمكن أن تتغلب عنده النزعات الشريرة على النزعات الخيرة فيتحول إلى أشرس حيوان مدمر في الوجود. وفي هذا الخصوص يقول الدكتور ستور (أستاذ علم النفس):
"الإنسان هو كائن عدواني شرس نادراً ما يجادل في عدوانيته. وباستثناء بعض القوارض، لا توجد بين الفقريات الأخرى حيوانات اعتادت على تدمير أعضاء من جنسها أو نوعها ... إذ ينحصر التطرف في السلوك الوحشي للإنسان، وليس هناك ما يوازيه في الطبيعة، وليس لدينا العلاج لهذا السلوك الوحشي الذي يعامل البشر بعضهم بعضاً ... نحن أقسى وأكثر الأنواع قسوة من أي نوع مشى على الأرض، وفي أي وقت، وعلى الرغم من أننا قد نشمئز رعباً عندما نقرأ في صحيفة أو كتاب التاريخ من الفظائع التي ارتكبت من قبل الإنسان ضد الإنسان، إلا إننا نعلم في قلوبنا أن كل واحد منا يحمل في نفسه تلك النبضات الوحشية التي تؤدي إلى القتل والتعذيب والحرب .."

حقيقة أخرى عن الإنسان وسهولة تحويله إلى وحش في لحظة معينة هي أن الإنسان في الجمهور يفقد ذاته و فردانيته ويذوب في الجماهير، ويسلك ما تسلكه الجماهير بدون وعي منه ومهما كان ذلك السلوك وحشياً يدينه هو عندما يكون واعياً ولوحده. وهذه الظاهرة نجدها واضحة في لقطة الفيديو (أدناه) عندما هجمت جماهير غاضبة بعد إثارتها على بيت الشيخ حسن شحاتة في شمال مصر وقتلته مع عدد من أتباعه بمنتهى الوحشية. والجدير بالذكر أن تاريخ العراق حافل بأحداث مشابهة، وآخرها مقتل السيد عبدالمجيد الخوئي في النجف وسحلهم ، والذي اتهم فيها مقتدى الصدر وأتباعه، ناهيك عن تفجيرات الإرهابيين المدعومة من قبل التكفيريين كأحداث يومية ضد الشعب العراقي.
ومن كل ما تقدم، نعرف أنه ليس صعباً على من يمتلك الخبرة في سلوك الإنسان وعلم النفس الاجتماعي ، إثارة المشاعر العدوانية وتحويل الإنسان إلى وحش ضد أبناء جنسه. وقد بات معروفاً أن المشاعر الدينية والمذهبية هي من أقوى المشاعر لدى البشر يمكن تحويلها إلى طاقة تدميرية وخاصة لدى الشعوب العربية والإسلامية المتشربة بالثقافة البدوية وتناهض الحضارة والحداثة. وقد مرت الشعوب الأوربية بهذه المرحلة العصيبة قبل أربعة قرون.

من المستفيد من إشعال الفتن الطائفية؟

إن المستفيد الأكبر من الفتن الطائفية هم أعداء الديمقراطية وبالأخص الأسر الحاكمة في السعودية وقطر ورجال أعمال خليجيين أثرياء ومرتزقتهم، وكذلك النظام الإيراني. هؤلاء جميعاً يحاولون إشغال الشعوب بالصراعات الدموية لمنع وصول عدوى الديمقراطية إلى شعوبهم. وليس أسهل عليهم من إثارة المشاعر الطائفية وإشعال الحروب الأهلية ليقولوا لشعوبهم أن هذه الحروب هي النتاج المباشر للديمقراطية، ولذلك إبقاؤنا جاثمين على صدوركم أفضل من هذه الديمقراطية المصحوبة بالإرهاب!!.
وقد استغل العامل الديني من قبل الأخوان المسلمين في مصر ضد المسيحيين الأقباط الذين عانوا الكثير من القتل والإضطهاد خلال الستين سنة الماضية. ومنذ تحرير العراق من الفاشية البعثية، بدأت مشايخ الوهابية والإسلام السياسي السني بإصدار الفتاوى التكفيرية وحث الشباب بالتوجه إلى العراق للجهاد ضد الشيعة الروافض وإنقاذ أخوتهم أهل السنة.
وتدريجياً، و بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي، توسعت هذه الحملة عبر الفضائيات والإنترنت لتشمل الشيعة في كل مكان، في البحرين ومصر والكويت وغيرها.
وفي هذا الخصوص يقول مقدم البرنامج: "فالحرية الجديدة خلقت مساحة واسعة لقيادات ومذيعين جدد ذوو خلفيات دينية أصبحوا بين نجوم الإعلام الجديد. ولكن هناك جانب مظلم لنجوميتهم هذه، فبعض الرسائل التي يتم بثها لمنطقة الشرق الأوسط من قبل قنوات سنيّة أو شيعيّة، اليوم طائفية بشكل علني، بل استفزازية للغاية ومسيئة دون شك."

وقد بات من المؤكد أن القنوات السنية والشيعية التي تنشر العداوة والبغضاء هي مدعومة من مصدر واحد، ومن نفس الحكومات والجهات، ولغاية واحدة وهي إغراق الشعوب العربية والإسلامية في حروب طائفية لا تبقي ولا تذر.
إن الحكومات والشخصيات التي تدعم هذه القنوات تحفر قبورها بأيديها، ويجب أن لا تتصور أن بإشعالها الحرائق الطائفية في العراق وسوريا ومصر هي بمنجى عنها، فلا بد وأن تصلهم هذه الحرائق يوماً، إن عاجلاً أم آجلاً، وليتعلموا الدرس من نظام بشار الأسد الذي كان يستقبل الإرهابيين من السعودية وغيرها ويبعثهم إلى العراق لقتل شعبه. فهاهو بشار الأسد يحصد ما زرع. لذلك ننصح هؤلاء جميعاً بإغلاق قنوات الشر، وإلا سيدفعون الثمن يوماً.

إن حرية بث الكراهية والفتن الطائفية ليست من حرية التعبير، بل هي حرية التدمير. إذ كما قال المفكر الليبرالي السعودي السجين تركي الحمد: "الحرية والمسؤولية وجهان لحقيقة واحدة، رغم تعارضهما الظاهري. فالمسؤولية دون حرية هي الرق بعينه، كما ان الحرية دون مسؤولية هي الفوضى بذاتها."
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
فيديو (25 دقيقة) تحقق بمصادر تمويل قنوات تثير الفتنة الطائفية مدعومة من الكويت مقطع مرفق .. قناة البي بي سي
http://www.qanon302.net/news/2014/03/19/14704

نفس البرنامج بالتفصيل، فيديو (50 دقيقة) تقرير بي بي سي عربي عن العراق والقنوات التي تبث الكراهية الطائفية
http://www.youtube.com/watch?v=sqxVEFptfdI#t=169

3-  مقالة صحيفة الانديبندنت
PATRICK COCKBURN
Sunni monarchs back YouTube hate preachers: Anti-Shia propaganda threatens a sectarian civil war which will engulf the entire Muslim world
http://www.independent.co.uk/voices/comment/sunni-monarchs-back-youtube-hate-preachers-antishia-propaganda-threatens-a-sectarian-civil-war-which-will-engulf-the-entire-muslim-world-9028538.html

4- موجز المقالة باللغة العربية كما نشرتها صحيفة البيان البغدادية:
صحيفة بريطانيــة: السعودية تدعم دعاة الحــــرب والفتنة الطائفية ضد الشيعة ومنها في العراق
السعودية وحلفاؤها تؤسس لحرب طائفية في العالم الإسلامي
http://alakhbaar.org/home/2013/12/160168.html




323
المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، ما له وما عليه

د.عبدالخالق حسين

في عشية عقد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في بغداد في يومي 12 و13 آذار الجاري)، دعاني مشكوراً الإعلامي المتميز السيد فلاح الفضلي في قناة الفيحاء الموقرة، لمناقشة الجوانب السلبية والإيجابية لهذا المؤتمر. إذ تساءل:
هل الأزمة العراقية تحتاج إلى مؤتمرات؟ وهل سيتمخض المؤتمر عن نتائج تفيد الشعب العراقي؟ أليس الأجدى صرف هذه الأموال على فقراء العراق بدلاً من صرفها على مؤتمرات لا تجدي نفعاً؟ وفي جدول أعمال المؤتمر هناك نحو أربعين بحثاً، فهل بالإمكان إلقاء كل هذه البحوث ومناقشتها من قبل الحضور في غضون يومين؟...الخ

بإيجاز، أدون أدناه إجاباتي على هذه التساؤلات المشروعة كالآتي:
أولاً، أتفق مع الأستاذ الفضلي على الجوانب السلبية للمؤتمرات، وخاصة التكاليف المادية الباهظة لوفود من 56 دولة و12 منظمة عربية وعالمية وشخصيات وخبراء ومختصين، إضافة إلى إشغال قطاع واسع من الأجهزة الأمنية لتوفير الحماية لهم... الخ، ولكن هناك دائماً الوجه الآخر المشرق للقمر كما يقولون، إذ لا بد من جوانب إيجابية لهذا المؤتمر.

في البدء، أود التنبيه إلى أنه ليس بإمكان حل مشكلة كبيرة ومعقدة كمشكلة الإرهاب بعصا سحرية وبهذا المؤتمر وحده، ولكن من المؤكد أن هكذا مؤتمر ضروري، وفي الاتجاه الصحيح ضمن العديد من الاجراءات الأخرى اللازمة لمواجهته.
فأهمية هذا المؤتمر تكمن في البحث في أخطر وباء يهدد العراق والعالم أجمع، ألا وهو وباء الإرهاب المدعوم من أغنى دولتين في المنطقة وهما السعودية وقطر، إضافة إلى جهات سياسية وإعلامية في داخل العراق وخارجه، تتعاطف مع الإرهاب لأغراض سياسية وطائفية واقتصادية، ورغم أن هذه الدول والجهات تحارب الإرهاب في بلدانها، ولكنها تعتبره جهاداً مشروعاً في العراق، تحاول إضفاء شتى النعوت والصفات الإيجابية عليه وإظهاره بأنه حركات شعبية أو ثورات عشائرية لها مطالب مشروعة، وإلقاء اللوم على الحكومة العراقية المنتخبة وترديد تهمة "إقصاء وتهميش" العرب السنة وحرمانهم من حقهم في المشاركة العادلة بالحكم، وتزويق ودعم هذه الاتهامات بالتلاعب باللغة واستخدام حذلقات لفظية مضللة.

فالإرهاب هو واحد وأيديولوجيته واحدة وغايته واحدة في كل مكان وهي السيطرة على السلطة بالقوة الغاشمة وإعادة الشعوب إلى الوراء لـ 14 قرناً، وإلغاء الديمقراطية والحداثة والحضارة، ولكن يتخذ الإرهابيون ذرائع وحجج مختلفة. ففي العراق يشنون حربهم بغطاء طائفي (سنة وشيعة)، وفي البلدان الأخرى مثل مصر وليبيا والجزائر والصومال ونايجريا ومالي وغيرها، حيث لا يوجد الإنقسام السني- الشيعي، فاخترعوا ذرائع وحجج أخرى. لذلك، فلو لم يكن في العراق الانقسام السني- الشيعي، وكذبة التهميش، لأوجدوا حججاً أخرى، إذ أنهم يقتلون المسيحيين والأيزيديين والصابئة، وهم ليسوا شيعة ولا علاقة لهم بتهميش السنة، ولا ينافسون أحداً في السلطة. فالإرهابيون لهم أجنداتهم التي هي أجندات الحكومات والجهات التي تمولهم وتدعمهم بالمال والسلاح والإعلام. وهناك دليل آخر على كذبة التهميش والصراع السني الشيعي، وهو اندلاع الاقتتال الشرس بين المنظمات الإرهابية نفسها في سوريا، بين داعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية، والجيش السوري الحر، رغم أنهم جميعاً من المذهب السني وضد نظام بشار الأسد.

كما ويمكن استخدام هذا المؤتمر لأغراض إعلامية لفضح الدول الراعية للإرهاب مثل السعودية وقطر. فقد صرح السيد نوري المالكي رئيس الوزراء، لفضائية فرنسية، أن لديه أدلة تثبت ضلوع السعودية وقطر في شن حرب الإرهاب على العراق، لذلك فالمطلوب منه توظيف هذا المؤتمر وعرض الأدلة على الوفود لفضح هذه الدول.
فدور السعودية في دعم الإرهاب بات معروفاً للقاصي والداني، إذ نتذكر تصريحات قائد القوات الأمريكية في العراق، ديفيد بترايوس قبل سنوات، حين قال أنه نحو 50% من الإرهابيين الأجانب و100% من الانتحاريين هم من السعودية.
وفائدة أخرى من المؤتمر، وهي الاستفادة من خبرات وفود الدول التي تعرضت للإرهاب، لطرح ما اكتسبوه من خبرات في مواجهته ودحره. يعني توفير فرصة للمسؤولين العراقيين للتعرف على كيف تعاملت حكومات هذه الدول مع الإرهاب، فهي فرصة للتعاون وتبادل الأفكار والخبرات. مثلاً الجزائر ومصر وسوريا ولبنان وليبيا، ودول افريقية أخرى مثل نايجيريا ومالي، ودول أوربية مثل بريطانيا وفرنسا واسبانبا، جميعها تعرضت وما زالت تتعرض للإرهاب، فمن المفيد الإطلاع على خبرات هؤلاء.
وكدليل على فائدة المؤتمر لفضح الحكومات الراعية للإرهاب هو تولي قياديين في كتلة العراقية وقيادي في كتلة متحدون مثل السيد أثيل النجيفي محافظ نينوى، للدفاع عن السعودية في الرد على تصريحات السيد المالكي عن دور السعودية في دعم الإرهاب في العراق.
كما وانبرى السيد اياد علاوي، زعيم كتلة العراقية مهمة الرد بالنيابة عن السعودية ايضا، إذ نقلت قناة العربية السعودية المؤتمر الصحفي لعلاوي كاملا ومباشرة، وقالت انه رد على اتهامات المالكي للسعودية بدعم الإرهاب في العراق.
وكذلك طارق الهاشمي، الهارب من وجه العدالة، والمحكوم عليه بالإعدام لضلوعه في الإرهاب، صرح ضد عقد هذا المؤتمر الدولي في بغداد ودعا الدول العربية والإسلامية إلى عدم المشاركة فيه.
ولا ننسى أن قيادات كتلة العراقية دائما يطلبون الحكومة والبرلمان بإلغاء كل قانون يحارب الإرهاب في العراق.

فمحاربة المؤتمر والتقليل من شأنه من قبل هؤلاء، أدلة على فائدته في محاربة الإرهاب، فلو كان المؤتمر بلا فائدة لما حاربته السعودية وقطر ومن يمثل مصالحهما في العراق من السياسيين العراقيين، من أمثال علاوي والنجيفي والهاشمي. وهذا يعني أيضاً، أن هؤلاء القادة السياسيين العراقيين حريصون على مصلحة السعودية وسمعتها أكثر من حرصهم على مصلحة العراق وشعبه.

ومن كل ما تقدم، أرى أن المؤتمر يوفر للعراق مناسبة دولية جيدة لتحشيد الجهود والطاقات من أجل مواجهة الإرهاب، وفضح الدول التي ترعاه وتدعمه، خاصة وأن هذا المؤتمر مدعوم من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة والوحدة الأوربية.
فالإرهاب ليس مشكلة عراقية فقط ، بل ومشكلة دولية تهدد الحضارة البشرية، لذا، فالحرب على الإرهاب هي الحرب العالمية الثالثة، تتطلب تضافر جهود دولية وبالأخص من الدول الكبرى لمواجهته ودحره.
ـــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو علاقة
العالم معنا ضد الإرهاب، المالكي يفتتح مؤتمر بغداد اليوم بكلمة يدعو العالم فيها للتوحد في مواجهة التطرف
بغداد مقرا للأمانة العامة للمؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب. اعتماد البيان الختامي وثيقة دولية تسمح بمعاقبة داعمي «داعش»
http://alakhbaar.org/home/2014/3/164447.html
المالكي: الارهاب امة واحدة على اختلاف مناطقه والعراق قدم تضحيات كبيرة في حربه ضد الارهاب
http://alakhbaar.org/home/2014/3/164477.html


324
ليكن الرئيس العراقي القادم مسيحياً

د.عبدالخالق حسين

لا شك أن أخطر ما يهدد العراق الديمقراطي هو غياب وحدته الوطنية وانقسام شعبه، وعدم تماسكه. والانقسامات عادة من طبيعة النظام الديمقراطي كما هو ملاحظ في الغرب، لأن النظام الديمقراطي يسمح بالتعددية والمعارضة الشرعية، وكل شيء فيه على المكشوف، على الضد من النظام الدكتاتوري ألذي يقمع أي رأي مخالف، ويظهر الشعب وكأنه كتلة واحدة متراصة، ولكن في الحقيقة هي وحدة ظاهرية مزيفة، ينكشف زيفها بعد سقوط هكذا نظام جائر.
ولكن الانقسام العراقي في ظل النظام الديمقراطي هو من نوع آخر، عدائي وخطير في جوهره يهدد وجوده كدولة. وهذا الوباء ليس جديداً ولا من صنع أمريكا أو بول بريمر كما يحلو للبعض تفسيره، بل ولد مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، استمراراً للموروث التركي العثماني. ولإثبات ذلك، أستميح القراء عذراً أن استشهد للمرة العاشرة أو العشرين بما جاء في مذكرة أحد مؤسسي هذه الدولة، وهو الملك فيصل الأول، عام 1933 حين قال: (...لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء، ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتقاض على أي حكومة كانت..." .
ومما زاد الطين بلة أن هيمنت على الدولة الحديثة جماعة من بقايا الحكم العثماني يمتلكون الخبرة في انتهاز الفرص بحكم انحدارهم، فادعوا العروبة والانتماء لطائفة دينية معينة وانتهجوا نفس السلوك التركي العثماني في التمييز الطائفي وعزل الأغلبية الساحقة من الشعب وبذر التفرقة بينهم ليسهل عليهم حكمه وفق مبدأ (فرق تسد). وبشهادة الملك أيضاً: أن "العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية، مؤسسة على أنقاض الحكم العثماني،...الخ". وقد شدد الرجل على عزمه قائلاً: " فنحن  نريد والحالة هذه أن نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه وندربه ونعلمه...الخ).

ولسوء حظ العراقيين أن مات هذا الملك الحكيم بعد أشهر من كتابة مذكرته تلك، مما أتاح لحكام العهد الملكي بالإيغال في التفرقة والتمييز الطائفي والعنصري رغم إدعائهم بالديمقراطية الليبرالية، إلا إن العهد الملكي كان ديمقراطياً في الظاهر، وإقطاعياً وطائفياً وعنصرياً في الممارسة، حيث كانت الانتخابات تزيف علناً مما أعطى صورة مشوهة للديمقراطية، الأمر الذي شجع على انتشار أيديولوجيات الأحزاب الشمولية المعادية للديمقراطية. والجدير بالذكر أن سلكت الحكومات المتعاقبة هذا السلوك (عدا حكومة ثورة 14 تموز بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم)، وبلغ هذا التمييز والقمع أقصاهما في عهد حكم البعث الصدامي حيث اختزلت السلطة بالعائلة والعشيرة.
هذه السياسات الطائفية والعنصرية وخاصة في العهد البعثي الصدامي، دفعت الناس إلى التخندق في العشيرة والدين والطائفة من أجل البقاء، الأمر الذي شجع على انتعاش الأحزاب الدينية وانحسار الأحزاب العلمانية الديمقراطية، والولاء للانتماءات الثانوية على حساب الولاء للوطن، والوحدة الوطنية. والجدير بالذكر أن تشكيل الأحزاب الدينية لم ينحصر على المسلمين فقط، بل وشمل حتى المسيحيين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى حيث دخل المسيحيون في الانتخابات الأخيرة بأربعة قوائم وما يرافق ذلك من تبديد لأصوات الناخبين.

هذه الانقسامات دفعت قادة بعض الكتل السياسية إلى الإستقواء بالحكومات الأجنبية من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الشخصية والفئوية، وإلحاق أشد الأضرار بالخصوم السياسيين وعلى حساب الشعب الجريح الممزق. كما ولجأ بعض السياسيين حتى إلى الإرهاب ودعم منظماته. وقد اعتمدت الحكومات الأجنبية مثل السعودية وقطر وتركيا العزف على وتر الطائفية بغية إشعال حرب طائفية بين السنة والشيعة، ونتيجة لهذا الاستقواء بالأجنبي وتدخله الفض وممارسة الإرهاب، دفع الشعب العراقي عشرات الألوف من الضحايا.

وقد حاولت أمريكا التي حررت الشعب العراقي من الطغيان البعثي العنصري الطائفي أن تحل مشكلة صراع الكيانات السياسية على السلطة بإقامة نظام ديمقراطي بديل، يشارك فيه ممثلون عن جميع مكونات الشعب، وحسب حجم هذا الكيان والمكوَّن وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع، ودون عزل أية مكونة ومهما كانت صغيرة. وقد تم تطبيق هذا النهج خلال السنوات العشر الماضية إلا إنه اصطدم بعقبات، أهمها أن الكيانات السياسية التي تمثل المكون العربي السني لم توافق على معاملتها على قدم المساواة مع بقية المكونات الأخرى، ولم تقبل بالتخلي عن امتيازاتها السابقة، فاعتبرت مساواتها بالآخرين وفق نتائج الانتخابات هو إقصاء وتهميش لها، لذلك نسمع كثيراً باتهام النظام الحالي بتهميش العرب السنة وحرمانهم من حقهم التاريخي في حكم العراق. وأطلقوا على هذا النظام أسماءً تسقيطية بذيئة مثل (حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية)!!! بدلاً من التعبير الآخر وهو: (حكومة الوحدة أو الشراكة الوطنية).
وعليه فالعراق يعيش الآن في حلقة مفرغة من الصراعات السياسية التي تزيد في انقسامات الشعب، وانقسامات الشعب تزيد في الصراعات الدموية ودوامة العنف، لذا يجب كسر هذه الحلقة المفرغة بشكل وآخر وقبل فوات الأوان.
من نافلة القول، أن السبب الرئيسي لتمزيق الوحدة الوطنية وإضعاف الشعور بالولاء للوطن، والتخندق بالطائفة والعشيرة هو التمييز الطائفي والعنصري وعدم معاملة المواطنين بالمساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص أمام القانون. وعليه يجب على المسؤولين العمل على خلق أجواء تعيد الثقة للمواطن بنفسه وبانتمائه للعراق، وإشعاره، وخاصة إذا كان من الأقليات الدينية والعرقية، بأن الولاء للوطن لا يتقاطع ولا يتناقض ولا يتضارب مع الولاء للانتماءات الثانوية. فالمسيحي والصابئي والشبكي والأيزيدي، والكردي والسني العربي، والشيعي العربي لهم مطلق الحرية في ممارسة ثقافاتهم وتقاليدهم وأعرافهم وطقوسهم الدينية والمذهبية مع الاحتفاظ بولائهم للوطن العراقي الواحد. وأن من حق أي عراقي أن يتبوأ أعلى المناصب في الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية بغض النظر عن انتمائه القومي والديني والمذهبي. وبالتأكيد لا يمكن تحويل العراق إلى سويسرا بين عشية وضحاها، ولكن يمكن أن نبدأ بخطوة جيدة في هذا المضمار، فكما قيل: (رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة).

وهذه الخطوة هي أن يحذو العراق حذو الهند وألمانيا وسويسرا وغيرها من الدول الديمقراطية العريقة ذات المكونات الأثنية، والدينية، المتعددة، يكون منصب رئيس الجمهورية شرفي يمثل الوحدة الوطنية، ودوره ينحصر في قيادة الاحتفالات بالمناسبات الوطنية وما يصاحب ذلك من بروتوكولات، ودون حصر هذا المنصب في مكونة معينة. فمرة يكون مسيحياً، وأخرى صابئي، وثالثة من الشبك، أو الأيزيدي وكردي فيلي، وأن يكون المرشح ذا ماض مجيد كأن يكون أكاديمي مرموق، وهكذا تنضج الديمقراطية وتصبح جزءً من ثقافة الشعب العراقي. وبذلك سيشعر المواطن أنه منتم حقاً إلى العراق، ومستعد ليتفانى في سبيله طوعاً لا قسراً.
وهناك فوائد كثيرة يجنيها العراق الجديد فيما لو تم اختيار رئيس الجمهورية من المكون المسيحي في الدورة البرلمانية القادمة، كخطوة أولى في رحلة الألف ميل، ومن هذه الفوائد ما يلي:
1- إشعار الأقليات في العراق بأنهم مواطنون أصلاء، وهم فعلاً وتاريخياً كذلك، يعمق ذلك شعورهم بالانتماء والولاء إلى وطن أجدادهم العظام الذين جعلوا من العراق مهد الحضارة البشرية.
2- إزالة السمعة السيئة التي يبثها الخصوم أن النظام العراقي الجديد هو نظام ديني إسلاموي، بل وراح البعض يصفه بأنه نظام ولاية الفقيه يدين بالولاء لإيران... إلى آخره من الدعاية المضادة.
3- يقنع العالم الغربي المسيحي أن النظام العراقي الجديد هو ليس كما يصفه الاعلام المضاد، وبذلك يكسب دعم العالم الغربي وتأييده للعراق الجديد.
فهل من مجيب؟
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

325
على العراق أيضاً سحب سفيره من قطر

عبدالخالق حسين

بدأت دويلة قطر تواجه نتائج سياساتها في اللعب بالنار، فهي أصغر دولة عربية، ولكن أميرها السابق (حمد بن خليفة آل ثاني) ويبدو حتى أميرها الحالي (تميم بن حمد)، بدد مليارات الدولارات من أموال الشعب القطري المغلوب على أمره، على إثارة الفوضى والاضطرابات في العديد من البلاد العربية، مثل العراق، وسوريا، ومصر وليبيا ولبنان. ولعل العراق من أشد المتضررين من سياسات التدخل العربي، وبالأخص القطري والسعودي، في شؤونه الداخلية وذلك عن طريق دعم المنظمات الإرهابية في إثارة الشغب والفتن الطائفية وأعمال القتل الجماعي.
وكما قيل (ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع)، فها هي دويلة قطر بدأت تدفع الثمن، لتواجه العزلة من أقرب الدول إليها وهي دول مجلس التعاون الخليجي، إذ أفادت الأنباء أن "قررت السعودية والبحرين والإمارات يوم الأربعاء، 5/3/2014، سحب سفرائها من قطر احتجاجا على سياستها التي تشجع علنا الإسلاميين أن كان ذلك في بلدان الشرق الأوسط مرورا بشمال أفريقيا وانتهاء بجيرانها مباشرة". وتزامناً مع هذا القرار الخليجي، "جددت وزارة الخارجية المصرية، دعوة قطر إلى الابتعاد عما وصفتها بـ"السياسات والمواقف التي تؤجج الفرقة، وتفتت وحدة الصف العربي،" وأن مصر أيضاً سحبت سفيرها من قطر أسوة بالدول الثلاث المذكورة أعلاه.

وبما أن العراق من أشد المتضررين من سياسات قطر العبثية، لذا كان الأجدر به أن تبادر حكومته بعزل هذه الدويلة منذ مدة، ولكن مع ذلك فقد حان الوقت أن تستفيد الحكومة العراقية من هذه الفرصة بأن تقوم هي الأخرى بسحب سفيرها لكي يشعر المخططون لسياسات قطر العبثية الطائشة بالعزلة وإلى  أين تقودهم هذه السياسة الرعناء في دعم تنظيم الأخوان المسلمين، الذي منه تفرخت التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وطالبان وجبهة النصرة وداعش وغيرها.

من نافلة القول أن حزب الأخوان المسلمين لا يقل خطورة على السلام العالمي من فلول حزب البعث، بل وحتى من القاعدة وفروعها ومشتقاتها من التنظيمات الإرهابية، لأن هذه التنظيمات خرجت من عباءة الأخوان المسلمين، وتم غسل عقول الشبيبة بأفكار منظرين من هذا الحزب من أمثال سيد قطب، صاحب كتاب (معالم في الطريق)، وأخيه الشيخ محمد قطب، صاحب كتاب (جاهلية القرن العشرين)، الذي يعتبر فيه كل ما أنتجه الغرب من معارف وثقافات وفلسفات وعلوم وتكنولوجيا وحضارة وحداثة...الخ، منذ ما قبل سقراط وإلى الآن، هو جهل في جهل، وأن الثقافة الحقيقية هي الإيمان بالقرآن والسنة فقط .

ورغم أن السعودية تتصدر هذه الأيام في مناهضة حزب الأخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية، إلا إن هذا الموقف لا يعدو كونه مؤقت وتكتيتي بسبب افتضاح أمرها لدى الغرب وتذمر الإدارة الأمريكية منها في نشر الفكر الظلامي ودعم الإرهاب في العالم. إلا إن الموقف السعودي هذا من الأخوان المسلمين هو انتقائي، ففي الوقت الذي تعارض فيه السعودية الإسلاميين في مصر وبلدان الخليج، إلا إنها تدعمهم في العراق وسورية ولبنان.  

ولا ننسى أن حزب الأخوان المسلمين ولد بالأساس من رحم الوهابية في محاولة لوهبنة المسلمين بالاعتماد على الكفاءات المصرية في أوائل القرن العشرين، خاصة وأن اسم (الأخوان) هو مشتق من الوهابية حيث يطلق الوهابيون على أنفسهم (الأخوان) أيضاً.
ووفق عقيدتهم الوهابية هذه فإن غير المسلمين، يُعتبرون كفاراً يجب قتلهم، كما ويعتبرون المسلمين الشيعة مشركين، يجب إنذارهم ومنحهم مهلة ثلاثة أيام بأن يتحولوا إلى مسلمين سنة وفق المفهوم الوهابي للإسلام، وإلا يجب قتل رجالهم، وسبي نساءهم وأطفالهم وبيعهم في أسواق النخاسة كما كانوا يعملون إثناء الغزوات في العصر الجاهلي والفتوحات الإسلامية فيما بعد. هذا ما صرح به إمام مكة في مقابلة له مع تلفزيون بي بي سي العربية قبل عامين. لا شك أن هذه الدعوة وفق معايير اليوم تعتبر فاشية تهدد الحضارة البشرية. وعلى سبيل المثال، لما سُئِلَ أبو حمزة المصري، إذا كان يكره ويحتقر الغرب إلى هذا الحد، فلماذا هو مقيم في بريطانيا؟ فأجاب أن وجوده في الغرب مؤقت، و بريطانيا بالنسبة له عبارة عن مرحاض لقضاء الحاجة!!. هذا هو رده على الجميل البريطاني! كما ويردد الإسلاميون قولاً لابن تيمية:"إذا اقمت في دار الكفر للتعلم أو التطبب أو التجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم".

والجدير بالذكر أن نُشِرَ قبل عامين كتاب قيم للباحث الأمريكي إيان جونسن بعنوان: (جامع في ميونيخ: دور المخابرات النازية والأميركية في نشوء ونشاط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين). يذكر المؤلف جذور نشوء التنظيم الدولي لهذا الحزب في أوربا منذ الثلاثينات من القرن الماضي بدعم من النازية الألمانية الهتلرية، خاصة وأن الإسلاميين والقوميين العرب قد عوَّلوا على النازية في محاربة الاستعمار البريطاني والفرنسي وقضية فلسطين وفق مبدأ (عدو عدوك صديقك)، وعلاقة أمين الحسيني بالنازية باتت معروفة. وبعد هزيمة النازية الألمانية والفاشية الإيطالية في الحرب العالمية الثانية، استفادت المخابرات الأمريكية من هذا التنظيم الإسلامي الدولي وجندته لمحاربة الحركات الشيوعية في العالم العربي والإسلامي. (رابط ملخص هذا الكتاب القيم في الهامش وهو جدير بالقراء).

خلاصة القول، إن حزباً يقسِّم العالم إلى دار الإسلام ودار الحرب، وإلى مؤمنين وكفار، ويبيح إبادة كل من يختلف معه في الفكر والمعتقد الديني والمذهبي، وينشر التطرف والحقد والعداء والتحريض على قتل غير المسلمين وحتى المسلمين الذين لا يوافقونهم على منهجهم، لا شك أنه حزب فاشي، بل هو أخطر من جميع أنواع الفاشية والنازية والعنصرية. وأن الحكومة القطرية التي تدعم هكذا تنظيم فاشي هي الأخرى لا تقل خطورة على العالم، ولا بد من عزلها ومعاقبتها إلى أن تتخلى عن سياستها الطائشه. لذا أهيب بالحكومة العراقية خاصة، وكافة دول العالم عموماً، مقاطعة هذه الدويلة نظراً لما تشكله من خطورة على السلام العالمي.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو علاقة
ملخص كتاب: جامع في ميونيخ: دور المخابرات النازية والأميركية في نشوء ونشاط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين
http://www.nmc.sy/nmc/public/read/79




326
مبادرة علاوي لإنقاذ داعش من الهزيمة

د.عبدالخالق حسين

تمر هذه الأيام ذكرى أقذر مؤامرة بعثية على العراق، ساهمت فيها جهات محلية ودولية واستخبارات غربية، وحكومات عربية وإقليمية، ألا وهي مؤامرة انقلاب 8 شباط 1963 الدموي الأسود الذي أدخل العراق في نفق مظلم ومجازر مستمرة خلال إحدى وخمسين سنة الماضية وإلى اليوم. لقد بات معروفاً للقاصي والداني أن داعشي اليوم هم أبناء الشباطيين لعام 1963. فأياد علاوي كان من شقاوات البعث في وقته، مهد مع رفاقه البعثيين قبل الانقلاب بفرض الاضرابات على طلبة جامعة بغداد وأساتذتها. وبعد نجاح الانقلاب كان يشارك رفيقه صدام حسين في الحرس القومي سيئ الصيت في تعذيب الوطنيين العراقيين في المعتقلات. (ولمعرفة من هو علاوي يرجى فتح رابط الفيديو في الهامش)(1).

وبعد تحرير العراق من الفاشية البعثية عام 2003، بدَّل علاوي جلده وتظاهر بالديمقراطية، فترأس كتلة سياسية باسم "العراقية" بدعم السعودية ودول خليجية أخرى، والتي لعبت أكبر دور في شل عمل الحكومة، وخلق الاضطرابات، ولكن أرتد عليه عمله هذا حيث أدى إلى تفكك كتلته بعد أن انفض عنها كثيرون من نوابها الذين فضلوا مصلحة الوطن على أحلام علاوي الفنطازية الرامية إلى قيامه بدور صدام في العراق الجديد، ليشكل تكتلاً جديداً آخر باسم (إئتلاف الوطنية العراقية). وعلاوي هذا يريد أن يلعب اليوم نيابة عن داعش نفس الدور الذي لعبه عام 9631 باسم حزب البعث الفاشي ولكن بأشكال أخرى. والكل يتذكر دور علاوي في الجلسة الأولى من الدورة البرلمانية الحالية، فما أن حقق غرضه بانتخاب صاحبهم (أسامة النجيفي) رئيساً للبرلمان، حتى وأمر نواب كتلته بترك الجلسة لتعطيل تنفيذ بقية جدول أعمالها في انتخاب رئيس الجمهورية والذي بدوره يرشح زعيم أكبر كتلة برلمانية لتشكيل الحكومة. ولكن خاب أمله حيث تمرد عليه نحو 40 نائباً من كتلته ففضلوا البقاء في الجلسة، والمصلحة الوطنية على مصلحة زعيمهم  المهووس بالتخريب. 

أفادت الأنباء أن "اعلن رئيس إئتلاف الوطنية إياد علاوي عن سعيه لإنجاح مبادرة تهدف لتخفيف التوتر الحاصل ووقف نزيف الدم العراقي من خلال عقد مؤتمر في النجف."
لاحظوا اختيار الكلمات: "لتخفيف التوتر الحاصل ووقف نزيف الدم العراقي." ولم يفت علاوي هنا بأن يدين الطائفية وهو المدعوم من السعودية وقطر، الدولتان اللتان همهما الوحيد إثارة المشاكل في دول المنطقة عامة، والعراق خاصة بإثارة الفتنة الطائفية. كذلك "حذر من مغبة استمرار الحكومة في تجاهل مطالب العراقيين". فالصراع في الفلوجة والرمادي في نظر علاوي ليس بين الإرهابيين (داعش والقاعدة)، وبين الشعب العراقي، بل هو بين الحكومة والعراقيين!! وفي هذه الحالة، لا بد وأن علاوي البعثي هو من يمثل العراقيين.
وفي مكان آخر صرح علاوي قائلاً: أن "احتجاجات الأنبار انطلقت من أجل مطالب مشروعة، لكن الحكام تذرعوا بأنها ملاذ للقاعدة والارهاب، وهذا غير صحيح". فالعمليات الإرهابية في الفلوجة والرمادي التي شردت أكثر من عشرة آلاف عائلة هي مجرد احتجاجات من أهل الأنبار من أجل مطالب مشروعة وليست أعمالاً إرهابية!!!
ليفهم السيد علاوي أن الصراع ليس بين السنة والشيعة، أو بين الحكومة والشعب العراقي في الأنبار كما يحلو له وللإعلام المضاد تصويره لتضليل الرأي العام، بل هو بين الإرهابيين بشتى تشكيلاتهم من جهة، وبين الشعب العراقي سنة وشيعة وكل مكوناته من جهة أخرى، ومن واجب الحكومة حماية الشعب من الإرهاب البعثي – الوهابي وتحت أي مسمىً كان. فهاهي عشائر محافظة الأنبار بقيادة شيوخهم يقفون إلى جانب الأجهزة الأمنية والقوات العسكرية، يدكون أوكار الداعشيين وحلفائهم. فعلى من يريد علاوي تمرير لعبته بحذلقاته اللغوية، وتلاعبه بالألفاظ لتضليل الناس؟

فها هو رئيس مجلس اسناد الانبار الشيخ حميد الهايس يقول في تصريح صحفي له: "ان احد ابناء مدينة الفلوجة الاسيرة قام بقتل نفسه وزوجته وأخته بعد تهديده بالقتل من قبل ارهابيي "داعش" جراء رفضه اخذ اثنتين من نسائه ليتزوجن من الارهابيين وفقا لذريعة "جهاد المناكحة" حفاظاً على شرفه وسمعة عشيرته التي تعد من العشائر العراقية الاصيلة. وكشف الهايس ايضاً عن وجود محكمتين شرعيتين تنفذان احكاماً جائرة بحق اهالي الفلوجة، مؤكداً ان المحكمتين فيها قضاة ارهابيون من حملة الجنسية الباكستانية وجلادون من حملة الجنسية الافغانية ينفذون احكام الجلد بسلاسل حديدية، مبيناً ان التذمر وصل الى اعلى حدوده لدى اهالي الفلوجة جراء الافعال الاجرامية والجائرة التي تنفذها زمر "داعش" الارهابية، مشيراً الى ان نوايا التنظيم في تأسيس دولة ارهابية في محافظة الانبار ومحافظات سورية تكشفت بعد العثور على نسخة من العملة المالية التي اصدرها التنظيم والتي تتضمن صورة للمقبور اسامة بن لادن امير تنظيم القاعدة الارهابي." (2)
فمن نصدق يا ترى، تصريحات علاوي التي ينفي فيها وجود الإرهاب، أم الشيخ الهايس وهو من أحد شيوخ عشائر الأنبار؟
   
وأضاف علاوي، كما جاء في التقرير، أن " استمرار فوضى ادارة الملفات السياسية والأمنية في البلاد بسبب التوجهات العرقية والطائفية والمذهبية سيجر البلاد إلى كارثة".
جميل جداً هذا الكلام، ولكنه قول حق أريد به باطل، وتاريخنا الدموي مليء به، أو كما يقول أخواننا المصريون: (ضربني وبكى، سبقني واشتكى). فرأي علاوي أن حكومة المالكي هي التي تدير الملفات السياسية والأمنية بتوجهات عرقية وطائفية، وليس البعثيون ومن ورائهم السعودية الذين راحوا يعزفون على الوتر الطائفي حتى قبل إسقاط البعث الفاشي عندما اصدر أكثر من سبعين من وعاظ البلاط السعودي بيانا دعوا فيه الشباب الى التوجه الى العراق لاداء "فريضة الجهاد" لإنقاذ أخوتهم السنة من "الروافض الفرس المجوس". فمن الذي يقوم بالشحن الطائفي؟ إن السيد علاوي يراهن على ضعف ذاكرة الناس فيطلق تصريحات ضد أمور هو من أثارها واعتاش عليها.
يبدو أن فلول داعش قدمت فرصة ذهبية لمن يريد المزايدة على الوطنية، ولمكاسب انتخابية. فقبل فترة تقدم السيد عمار الحكيم بمبادرة (أنبارنا الصامدة) حيث وهب نحو أربعة مليارات دولار للأنبار (وهب الأمير ما لا يملك)، إضافة إلى تسليح العشائر وضمهم إلى القوات العسكرية المسلحة، وتشكيل مجلس أعيان مؤلف من شيوخ عشائر المحافظة، وهذا يعني إلغاء الديمقراطية والعودة إلى حكم العشائر.

واليوم يطلع علينا أياد علاوي بمبادرة لم يشر فيها إلى أي دور لداعش في الإرهاب، بل يعتبرهم بصورة غير مباشرة وكأنهم قوة سياسية شرعية مشاركة في العملية السياسة يجب الاستجابة لمطالبها، وذلك بعقد مؤتمر في مدينة النجف الأشرف. يعني على غرار مؤتمر جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة. وبذلك يريد علاوي منح داعش والقاعدة دوراً شرعياً وبطولياً. والسؤال هنا: من سيمثل المسلحين الإرهابيين في محافظة الأنبار بعد أن يسقط عنهم علاوي صفة الإرهاب ويضفي عليهم لقب العراقيين؟ وماذا عن العناصر الأجنبية المشاركة في هذا الإرهاب من الشيشانيين والليبيين والأفغان والسعوديين وغيرهم من شذاذ الآفاق؟ فما هي حقوقهم الشرعية في العراق، أفتونا يرحمكم الله!!

إن التاريخ العربي- الإسلامي مليء بحوادث النصب والاحتيال. فمبادرة أياد علاوي لإنقاذ داعش تذكرنا بمبادرة عمرو بن العاص حين بانت علامات الهزيمة على جيش معاوية، فطلع بمبادرة التحكيم ورفع المصاحف على أسنة الحراب والصراخ بأن لا حكم إلا لله، وأن نحتكم بالقرآن. ورغم تأكيد الإمام علي لأصحابه بأنها خدعة، وقول حق أريد به باطل، ولكن في نهاية المطاف نجحت اللعبة، وتم انقاذ جيش معاوية من الهزيمة. واليوم يقوم أياد علاوي بدور عمر بن العاص ولكن في القرن الحادي والعشرين.
يريد علاوي من مبادرته هذه تحقيق غرضين، الأول إبراز نفسه بأنه مازال لاعباً كبيراً في العراق الجديد بعد أن صار لاعباً صغيراً لا يعتد به حيث تخلى عنه أكثر أنصاره، وحتى الجهات الخارجية التي اعتمدت عليه في شل العملية السياسية. والغرض الثاني هو: بعد أن تأكد من النصر المؤزر على داعش وبقية الإرهابيين طلع علينا علاوي بمبادرته هذه لإنقاذ الإرهابيين من الهزيمة المنكرة المؤكدة.
لذلك نؤكد للشعب العراقي، ولكل المخلصين من أبناء الوطن، أن أية مبادرة تدعو إلى التفاوض مع داعش، فهي بمثابة القاء حبل النجاة لهم ولبقية الإرهابين ومنحهم فرصة للملمة صفوفهم بعد أن اقترب وقت تصفيتهم وهزيمتهم المنكرة على يد القوات الأمنية والعسكرية المسلحة الباسلة، وقوات الإسناد من عشائر الأنبار الشرفاء. وها هو محافظ الأنبار السيد أحمد الدليمي، وهو من أبناء المحافظة، أكد في تصريح له ان "لا خيار للتفاوض مع مسلحي "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش)، ومجددا منح المهلة للمسلحين في مدينة الفلوجة سبعة ايام لإلقاء السلاح ضمن مبادرة لانهاء النزاع الدائر منذ اكثر من شهر".
هذه هي المبادرة الصحيحة وليست مبادرة علاوي التي يريد بها إنقاذ داعشيي اليوم من أبناء شباطيي الأمس، فهؤلاء لا أمان لهم وهم سبب البلاء.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمعرفة المزيد عن أياد علاوي، يرجى فتح رابط الفيديو
Our Man in Baghdad – Iraq1-
http://www.youtube.com/watch?v=mGKcgI_XKng&feature=fvsr

2- إرهابيو باكستان وأفغانستان يحكمون الفلوجة {داعش} يستبيح الحرمات ويجبر النساء على {جهاد المناكحة}
 http://alakhbaar.org/home/2014/2/162637.html



327
لماذا يحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي؟

د.عبدالخالق حسين

قبل عام كتبت مقالاً بعنوان (نحو علاقة عراقية-أمريكية متكافئة) ذكرت فيه أنه من مصلحة العراق إبرام اتفاقية إستراتيجية قوية بين الدولتين. وكالعادة، تلقى المقال تأييداً حاراً من قبل الواعين المخلصين من العراقيين، ولكن في نفس الوقت انبرى نفر من المصابين بـ(أمريكا فوبيا)، ينتقدون ويكيلون لنا الاتهامات الجاهزة بالعمالة، ليس لأمريكا فقط بل وحتى لإسرائيل. وقد أثبتت الأحداث الجارية الآن صحة ما ذهبنا إليه.

فالعراق بعد أربعة عقود من حكم الفاشية غارق بمشاكل كبيرة وكثيرة لا تعد ولا تحصى، فهناك التمزق والشقاق والنفاق، والصراعات السياسية والأثنية والدينية والطائفية بين مكونات شعبه وكياناته السياسية، إضافة إلى تكالب أعداء الخارج من حكومات يمتلكون الثروات النفطية الهائلة مثل السعودية وقطر وغيرهما، بإمكانهم شراء أصحاب الذمم الميتة، وما أكثرهم في العراق لتدمير بلدهم. والحكومات الإقليمية تريد عراقاً ضعيفاً تحكمه حكومة دكتاتورية تضطهد شعبه، وتبذر أمواله على الحروب العبثية بدلاً من صرفها على البناء والإعمار والازدهار الاقتصادي لرفاه شعبه. وفي هذه الحالة، لا يمكن لأي من يقود الحكومة وفريقه، ومهما أوتي من وطنية وإخلاص وقدرات معرفية وصبر وحكمة أن يقود هكذا وطن وشعب إلى بر الأمان ويخلصه من هذه المشاكل (الكوابيس) التي تهد الجبال، إلا بمساعدة الدولة العظمى، أمريكا. ويجب أن نعرف أن معظم خالقي هذه المشاكل هم يأتمرون بأوامر أمريكا. وتاريخ العراق الحديث يخبرنا أن الجهة التي معها أمريكا هي التي تنتصر، وأفضل مثال هو ما حصل لثورة 14 تموز من تآمر داخلي ودولي إلى أن تم ذبحها في 8 شباط 1963 الدموي الأسود. لذا لا نريد تكرار شباط آخر. فما يجري الآن في محافظة الأنبار على أيدي الداعشيين، وهم أبناء الشباطيين، إلا محاولات يائسة مستميتة لتكرار مجازر شباط الأسود. يقول الفيلسوف الأمريكي، الاسباني المولد جورج سانتايانا: " الذين لا يستطيعون تذكر أخطاء الماضي محكوم عليهم بتكرارها."

وبغض النظر عن مقاصد أمريكا في تحرير العراق من أبشع نظام دكتاتوري همجي في التاريخ، إلا إن الشعب العراقي هو المستفيد الأكبر من هذا التحرير رغم ما حصل من خسائر بسبب تبعات إسقاط حكم البعث، والشعب الأمريكي هو الآخر دفع خسائر بشرية، ومادية كبيرة. وهذا ما يسميه آدم سميث بـ(يد التاريخ الخفية) وراء الأحداث الكبرى، فيقول: "نتائج غير مقصودة لأفعال مقصودة، ولكن في نهاية المطاف تكون في صالح المجتمع البشري". وفي هذه الحالة، في صالح العراق خاصة، والعالم عموماً، حيث تخلص من أبشع نظام فاشي كاد أن يُفرغ العراق من شعبه.

ونتيجة للتركة الثقيلة من الفاشية، وعلى رأسها الصراع بين مكونات الشعب العراقي وغياب الوحدة الوطنية، واستعداد قيادات هذه الكيانات السياسية للتعاون حتى مع الشيطان في سبيل مكاسب شخصية وفئوية عابرة على حساب مصلحة الشعب الدائمة، لذلك نرى قيادات بعض الكيانات السياسية، مثل (متحدون) وجبهة الحوار في زيارات مكوكية إلى السعودية وقطر وتركية من أجل الدعم المالي وتلقي الأوامر والتعليمات، إضافة إلى دور هذه الدول في دعم التنظيمات الإرهابية لوأد الديمقراطية.

وقد استفاد أعداء الديمقراطية من الموروث السياسي العراقي بتأثير من اليسار في عهد الحرب الباردة، بإثارة العداء لأمريكا خاصة والغرب عامة، ورفض أي دعم أمريكي للعراق، ليجعلوه فريسة سهلة لأعدائه، في الوقت الذي يسعى فيه أعداء العراق كسب أمريكا إلى جانبهم واستعدائها على الحكومة العراقية. وهذا واضح من الإعلام العربي، وعلى رأسه فضائية الجزيرة التي كل همها حث الشعب العراقي والرأي العام العربي نفاقاً، على معاداة أمريكا، في الوقت الذي لا تبعد أكبر قاعدة أمريكية عن مقر هذه القناة إلا بضع مئات من الأمتار، وقد بات معروفاً أن أمريكا هي التي تقرر من يحكم دولة هذه القناة، قطر. ونفس الكلام ينطبق على السعودية التي أمرت وعاظ بلاطها من مشايخ الوهابية بإصدار بيانات وفتاوى دعوا فيها الشباب الى التوجه الى العراق لاداء "فريضة الجهاد" بعد أن حقنوهم بالشحن الطائفي ضد الشيعة "الروافض عملاء الفرس المجوس"، لنصرة أخوتهم أهل السنة، واستمرت حملة الشحن الطائفي إلى هذه اللحظة. ونتيجة لهذه الفتنة دفع الشعب العراقي عشرات الألوف من أبنائه الأبرياء ضحايا الإرهاب الأعمى. والأسوأ، أنه حتى القيادات السياسية للمكونة التي دفعت أكبر قسط من الضحايا على استعداد للتعاون حتى مع الشيطان في سبيل المناصب ومعاداة أمريكا. فزعيم التيار الصدري (مقتدى الصدر)، المستفيد الأكبر من إسقاط نظام قتل والده وعمه وعمته وأخوته، كان أول من ينكر الجميل ليرفع السلاح بوجه محرريه ويضرب اليد التي أحسنت له.
فمن نافلة القول، أن شعباً عانى كل هذه المظالم طوال تاريخه الدموي المرير لا يمكن أن ينتقل من أبشع نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي بين عشية وضحاها بسلام وسلاسة، لذلك كان من حسن حظه أن تم إسقاط حكم البعث الصدامي الجائر على يد أمريكا، وهذا ما يسمونه بمكر التاريخ. فحكم البعث كان أسوأ من أي سرطان خبيث في جسم العراق. لقد تم استئصال هذا السرطان بعملية جراحية كبرى وخطيرة على يد الجراح الأمريكي، والمريض كان ومازال بحاجة إلى رعاية الجراح وفريقه إلى أن يعبر دور النقاهة، ويتعافى بالكامل. وكيف له أن يستعيد العراق كامل عافيته وقد تكالبت عليه الأعداء من كل حدب وصوب، في الداخل والخارج لقتله وهو في غرفة الإنعاش؟

لذلك، ناشدنا المسؤولين في الحكومة أنه من مصلحة العراق إبرام اتفاقية استراتيجية متكافئة ودائمة مع أمريكا التي ضحت بالكثير في هذه العملية. ولكن من المؤسف أن نرى حتى من أقرب الناس الى رئيس الوزراء، مازالوا يعتبرون العلاقة الاستراتيجية مع أمريكا وصمة عار. فهؤلاء لا يعتبرون العجز في دحر الإرهاب وصمة عار، ولا يرون استشهاد العشرات من أبناء شعبنا الأبرياء يومياً وصمة عار. ولا يبالون بالمخاطر الكبرى التي تهدد الشعب بالإبادة على أيدي شذاذ الآفاق من داعش والقاعدة ومنظمات الجريمة المنظمة وصمة عار.

لقد ساهمت أمريكا مع حلفائها في تحرير القارة الأوربية من النازية والفاشية، واليوم لها قواعد عسكرية في أقوى الدول اقتصادياً مثل ألمانيا، واليابان وكوريا الجنوبية، وحتى الكويت، وقطر وعشرات الدول الأخرى، بل لها قواعد عسكرية حتى في بريطانيا العظمى، ولم يخدش الوجود العسكري الأمريكي من سيادة وكرامة هذه الدول ومكانتها في المجتمع الدولي. ولكن بمجرد وجود بضعة آلاف عسكري أمريكي في العراق لتدريب العسكريين العراقيين على الأسلحة والتكنولوجية العسكرية المتطورة لمواجهة الإرهاب يعتبر مساً بالعزة والكرامة والسيادة الوطنية، ويتصاعد الصراخ وامعتصماه!! أيها السادة، إنه الشعور بالنقص، والإزدواجية في شخصية الفرد العراقي التي أشار إليها عالم الاجتماع الخالد علي الوردي.

نؤكد مرة أخرى، أنه لا تقوم للعراق قائمة، ويتخلص من الإرهاب إلا بمساعدة أمريكا. لذلك نعتقد أن الحكومة العراقية ارتكبت خطأً إستراتيجياً جسيماً حين رفضت إبقاء عدة آلاف من القوات الأمريكية في العراق.
والجدير بالذكر، أنه قبل مغادرة آخر جندي أمريكي العراق في نهاية عام 2011، سلَّمت أمريكا للحكومة العراقية عدة قواعد عسكرية كلفتها عشرات المليارات الدولارات، قدمتها هدية للجيش العراقي. فماذا حصل لهذه المعسكرات الأمريكية الجاهزة؟ لقد سطى عليها الحماة اللصوص (حاميها حراميها) ونهبوها وباعوها في سوق الخردة بأثمان بخسة. فلو بقيت قوات أمريكية وحتى بأعداد رمزية لحماية هذه المعسكرات وتدريب العسكريين العراقيين لما حصل هذا النهب والدمار، ولما عاد اليوم الداعشيون من أبناء الشباطيين ليحتلوا محافظة الأنبار وينشروا في مدنها الإرهاب. بينما الآن يتوسل العراقيون بأمريكا لتدريب العسكريين العراقيين، ليس في العراق، بل في الأردن!. ولماذا ليس في العراق؟ لأن عقدة الكرامة والشعور بالنقص، والمكابرة والعناد. وهنيئاً للأردن على ما يكسبه من فوائد من كوارث العراق. (مصائب قوم عند قوم فوائد).

يمر العراق اليوم بأزمة خطيرة تهدد وجوده بالكامل من قبل المنظمات الإرهابية، القاعدة، وداعش وتجمعات إرهابية أخرى مدعومة من السعودية وقطر وغيرهما. وغني عن القول أن منظمة داعش هي تجمع جيش الحرس الجمهوري المؤلف من غلاة البعثيين منذ عهد صدام لحماية حكمه من الشعب. نهبوا جميع معدات الجيش وذخيرته قبل التحرير وخزنوها في مخازن سرية معدة مسبقاً لهذا الغرض، وحافظوا على طاقاتهم استعداداً لهذه الهجمة. ويتلقى هذا الإرهاب الدموي الشرس الدعم من الشركاء في العملية السياسية، وحكومات إقليمية أشرنا إليها آنفاً. وإذا كان الإرهابيون ركزوا وجودهم في الفلوجة والرمادي والموصل وديالى، فإنهم يواصلون تفجيراتهم اليومية في جميع أنحاء العراق. كما ويخططون لضرب المؤسسات الاقتصادية وعلى رأسها المنشآت النفطية (العمود الفقري لاقتصاد العراق). لذلك شعر المخلصون في الحكومة بهذا الخطر الداهم، فقام وفد عراقي برئاسة نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة، الدكتور حسين الشهرستاني بزيارة إلى أمريكا ولقائه بوفد نظير له للتعاون في مجال حماية المنشآت الاقتصادية العراقية.(2) ولكن رغم كل ذلك ينبري بعض المحسوبين على رئيس الوزراء بمكابرة وعناد لينفوا عقد مثل هذه الاتفاقيات الأمنية لأنهم يعتبرونها وصمة عار!!.

ومن كل ما تقدم، نناشد الحكومة العراقية بتنشيط الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية مع أمريكا، وبشكل نزيه، إذ ليس من الإنصاف أن يتجاهل العراقيون هذه الاتفاقية ويطلقوا تصريحات معادية لأمريكا، ولكن ما أن يتعرضوا إلى تصعيد موجة الإرهاب، ليركضوا إلى أمريكا ويرجونها بتقديم المساعدة، وكأن أمريكا صاحبة دكان لبيع الخردوات يمكن الشراء منها عند الحاجة. يجب على الحكومة العراقية أن تعيد النظر في هذه الاتفاقية، وتنشطها نحو تعاون عسكري صريح إلى جانب التعاون في المجالات الأخرى. فالوضع العراقي لا يتحمل المزايدات في الوطنية المزيفة، والمكابرة والعناد، والاجتهادات الخاطئة والأخلاقيات البدوية الرعناء. الذين يعتبرون معاداة أمريكا شرط من شروط الوطنية يلحقون أشد الأضرار بالشعب والوطن، فهم سجناء كهوف الحرب الباردة والتي انتهت بهزيمة أيديولوجياتهم الفاشلة وفق مبدأ البقاء للأصلح. فالسياسة فن الممكن، والبحث وراء مصلحة الشعب. وكما قيل: "ليس في السياسة أصدقاء دائمين، ولا أعداء دائمين، وإنما هناك مصالح دائمة".   
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: نحو علاقة عراقية-أمريكية متكافئة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=570

2- Crucial Iraq energy security seeks U.S. focus
http://www.iraqoilreport.com/beyond-the-headlines/crucial-iraq-energy-security-seeks-u-s-focus-11802/


328
نهاية البعث في تحالفاته الأخيرة

د.عبدالخالق حسين

ليس هناك أي تنظيم سياسي أو إجرامي أخطبوطي يتمتع بالقدرة الفائقة في عقد التحالفات التكتيكية مع القوى السياسية الأخرى مثل حزب البعث. فهذا التنظيم كالحرباء يستطيع التلون وحسب الظروف، ففي أوج الحركات الوطنية التحررية في الخمسينات طرح البعث نفسه في العراق كحركة تحررية وطنية وتقدمية، رافعاً شعارات براقة جذبت إليه الكثير من الوطنيين التقدميين العروبيين. وتم قبول حزبهم في جبهة الاتحاد الوطني في عام 1956، والذي ضم الحزب الشيوعي العراقي، والوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال. ولكن بعد ثورة 14 تموز 1958 سرعان ما كشف البعثيون عن وجوههم الحقيقية، فتآمروا على الثورة مع القوى الرجعية في الداخل والخارج، واغتالوا قيادتها الوطنية النزيهة المخلصة في 8 شباط 1963، وأدخلوا العراق في نفق مظلم قاد إلى احتلاله من قبل القوات الدولية بقيادة أمريكا عام 2003، ولم يتخلص الشعب العراقي من شرور هذه العصابة المافيوية الإرهابية وتبعات سقوطه لحد الآن.
وفي السبعينات من القرن الماضي، وعندما كانوا ضعفاء في الحكم، تظاهروا بالميول التقدمية والاشتراكية والانحياز إلى المعسكر الاشتراكي، فأبرموا معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتي، واعترفوا بجمهورية ألمانيا الشرقية، وورطوا الحزب الشيوعي العراقي في تحالف معهم دفع الشيوعي ثمنه من مكانته ومازال يدفع لحد الآن. كما وتحالف البعث في عهد تموز مع الحركة الكردية ثم انقلب عليها بعد ثلاثة أشهر من انقلابهم الدموي الأسود عام 1963.
وفي السنوات الأخيرة من حكمه الدموي، دشَّن صدام حسين ما سمِّي بالحملة الإيمانية، فتظاهر بالحرص على الإسلام والالتزام بتعاليمه، وخطط لبناء أكبر جامع في العالم يكلف مليارات الدولارات خلال سنوات الحصار الاقتصادي. وهناك معلومات مؤكدة تفيد أن صدام تحالف في عامه الأخير من حكمه حتى مع القاعدة، فسمح بدخول نحو ستة آلاف من أعضاء هذا التنظيم الإرهابي في العراق. واليوم أصبح هذا التحالف علناً، وما الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إلا تنظيم بعثي تلبس بلبوس الإسلام مندمجاً مع القاعدة.
المشكلة مع الغربيين أنهم لا يتصورون إمكانية تحالف البعث "العلماني" مع تنظيم القاعدة "الإسلامي". وهذا خطأ، ولكن تدريجياً بدؤوا يدركون هذه الحقيقة. فالبعث لن يتردد في سبيل الوصول إلى السلطة من تبني أسوأ ما في الماكيافيلية من وسائل (الغاية تبرر الوسيلة).

لقد أسست المخابرات الغربية، البريطانية والأمريكية، عن طريق عميلهم ميشيل عفلق، حزب البعث لضرب الحركات الوطنية وبالأخص اليسارية منها في العراق وسوريا خلال سنوات الحرب الباردة، وذلك بعقد تحالفات مؤقتة لأغراض تكتيكية، وليلفظها لفظ النواة بعد قضاء حاجته منها. وإذا نجح البعث في الماضي في عقد تحالفاته الخادعة، فهذه المرة وبظهوره برداء إسلامي باسم (داعش) وتحالفاته مع منظمة إرهابية دولية معروفة مثل القاعدة، لا بد وأن فيه نهايته الأخيرة الماحقة. وإذا كان قد نجح في الماضي فلأنه كان بإيحاء ولخدمة أسياده الغربيين، أما اليوم فتحالفاته الأخيرة مع القاعدة هي على الضد من مصالح الأسياد السابقين، لأنه اختار الحليف الخطأ الذي يهدد الإنسانية في كل مكان. وعليه فالبعث وتحالفاته الأخيرة محكوم عليه بالفناء التام هذه المرة وإلى الأبد.
ليس هذا فحسب، وإنما حتى السياسيين العراقيين الذين شاركوا في العملية السياسية من أجل إفشالها، من أمثال "كتلة العراقية، ومتحدون" وأغلبهم إما بعثيون سابقون أو بعثيون حاليون، ربطوا مصيرهم بسفينة غارقة. وهذا واضح من مواقفهم المخزية في البرلمان حيث كرسوا كل نشاطاتهم على شل عمل الحكومة وإفشال القوانين التي تجرِّم البعث والإرهاب، وكذلك وقفوا عقبة كأداء أمام تمرير القوانين التي هي في صالح الجماهير.

وهاهم نواب (متحدون) الذين استقالوا احتجاجاً على ضرب الجيش لـ"داعش" و"القاعدة"، طالبهم رئيسهم النجيفي بالتخلي عن قرارهم المخزي بعد أن فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق غاياتهم السيئة، وخاصة بعد أن  فشل قادتهم (أسامة النجيفي وصالح المطلك) في زيارتهم الأخيرة إلى واشنطن، حيث فشلوا في كسب الإدارة الأمريكية إلى جانبهم، وكان من مواقفهم الخيانية مطالبة أمريكا بعدم تسليح الجيش العراقي، وإنما طالبوا بتسليح العشائر بالأباتشي وصواريخ الهيل فاير! طبعاً ضحك الأمريكان عليهم، وعادوا بخفي حنين(1). ونتيجة لهذا الفشل، طالب النجيفي نواب كتلته المستقيلين بالعودة إلى البرلمان، ولحفظ ماء الوجه أدعى أن دعوته هذه هي: " استجابة الى مناشدات القوى السياسية من رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عمار الحكيم والتيار الصدري وغيرهما من القوى السياسية". (2)

في الحقيقة، إن النجيفي وبقية أتباعه من قائمة (متحدون)، وبعض شيوخ العشائر في الأنبار الموالين لداعش والقاعدة، يلعبون دورهم بمنتهى الخبث في صالح الإرهاب، فتراهم يتظاهرون بـ"الحرص على الوحدة الوطنية ومنع سفك المزيد من الدماء"، فيطالبون الحكومة بسحب القوات العسكرية من الرمادي والفلوجة، وأن وجهاء المحافظة هم يتكفلون بإخراج داعش والقاعدة بسلام حفظاً على أرواح المدنيين. وللأسف الشديد استجابت الحكومة لمطالباتهم هذه، بينما القصد الحقيقي من هذه الوساطات والمطالبات هو منح الوقت الكافي لقوات داعش لتثبيت أقدامهم في المدينتين للتحضير للخطوة القادمة وهي الهجوم على بغداد "لتحريرها من حكم الصفويين"، و"من جيش المالكي الصفوي". لذلك نحذر حكومة السيد المالكي من الإصغاء إلى هؤلاء الأشرار. فمن الحكمة عدم منح العدو أي وقت للملمة صفوفه. أما مطالبة القتلة بمغادرة المدينتين فهي الأخرى عملية انتحارية، لأن المطلوب إبادتهم وليس السماح لهم بالخروج مع أسلحتهم سالمين ليعدوا في الوقت الذي يناسبهم.
ويا للسخرية، فآخر الأنباء تفيد أن رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، وقَّع مع عدد كبير من النواب يوم السبت (1/2/2014)، على اطول وثيقة للسلام ونبذ العنف والطائفية، وأن طول هذه الوثيقة 2014 متراً وهو رقم هذا العام 2014!!. نقول ما قيمة توقيع النجيفي على أية وثيقة ومهما بلغ طولها، وهو الذي وقع قبل أسابيع على وثيقة الشرف، وبعد أيام انسحب منها؟ يعني وكما يقول العراقيون: (اعصرها واشرب مايها!!)، فكل تاريخ البعثيين يؤكد أن لا أمان ولا ذمة لهم.

وها هي حكومة السيد المالكي تحقق انتصارات على الذين ربطوا مصيرهم بالبعث المهزوم، فبالإضافة إلى الدعم الدولي للعراق (عدا الدول الممولة والحاضنة للإرهاب مثل السعودية وقطر)، أكدت أمريكا موقفها على دعم العراق في محاربة الإرهاب، وها هي تركيا تتراجع عن مواقفها الانتهازية بتصدير النفط الكردستاني عبر موانئها على الضد من الحكومة الإتحادية. فآخر الأنباء في هذا الصدد تفيد أن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن حذر رئيس حكومة الاقليم من "الاقدام على اي خطوة من شانها ان تأزم الموقف"، مؤكدا ان "الدستور العراقي ينص على ان الحكومة الاتحادية وحدها يمكن ان تكون مسؤولة عن مسألة تصدير النفط وبيعه في السوق العالمية ولا يحق للإقليم التلاعب بهذه الثروة كونها ملكاً لجميع العراقيين". (3)

وبناءً على كل ما تقدم، نؤكد تفاؤلنا بأن الديمقراطية العراقية محكوم لها بالنجاح ومهما بلغت الصعوبات ومهما حاول البعثيون العبثيون، وحلفاؤهم الذين ربطوا مصيرهم بهم لأسباب مختلفة، ولقصر نظرهم ومصالحهم الشخصية والانتهازية، وتحت مختلف الواجهات: اليسارية أو العلمانية أو العروبية الخادعة، من وضع العراقيل أمام مسيرة العراق الديمقراطية، فمصيرهم في مزبلة التاريخ.
كما ونؤكد أنه لا يشرف العرب السنة أو أية طائفة أخرى ربط مصيرها بالبعثيين، بمثل ما لا يشرف أية طائفة مسيحية في أوربا ربط نفسها بالفاشية والنازية الأوربية. فالبعث عصابة مافيوية، تبنى الأسوأ ما في الحركات الفاشية العنصرية الطائفية في العالم من مبادئ معادية للإنسانية، ويعمل على تنفيذها بالإرهاب. وأخيراً كشف البعث عن وجهه الحقيقي فتحالف مع أخطر منظمة إرهابية دولية ألا وهي "القاعدة" عدوة البشرية وحضارتها الإنسانية.
لذا ننصح القيادات السياسية لجميع مكونات شعبنا، وخاصة القيادات التي تدعي تمثيلها للسنة العرب،  أن يتخلوا عن المراوغة والخداع والتغالب والتآمر في خلق المشاكل للحكومة الاتحادية التي هم شركاء فيها، فقد آن الأوان لإعلان الوحدة الوطنية الحقيقية لدحر الإرهاب الذي يهدد الجميع، ودعم العملية السياسية بصدق وشرف وبلا مراوغة. فالبعث وأعوانه وتحالفاته محكوم عليهم بالزوال الأبدي.
إذ كما تفيد الحكمة: "تستطيع ان تخدع كل الناس بعض الوقت، او بعض الناس كل الوقت، ولكن لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1- المؤتمر الصحفي للنائب من ائتلاف دولة القانون ياسين مجيد - 30 -1-2014 (فيديو -7 دقائق، جدير بالمشاهدة).
https://www.youtube.com/watch?v=xpmKuERvstc

 2- النجيفي يعلن عودة نواب متحدون لجلسات البرلمان
http://alakhbaar.org/home/2014/2/162163.html

3- بايدن يحذّر البارزاني هاتفيا: لا يحق للإقليم التلاعب بالثروة النفطية والمركز هو المسؤول
شركة محاماة أجنبية لملاحقة مشتري نفط الإقليم
http://alakhbaar.org/home/2014/2/162198.html

4- خبر خطير: ضبط غاز السارين بمعسكر للإرهابيين في صحراء الأنبار
http://alakhbaar.org/home/2014/2/162218.html
الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية، عدنان الأسدي اوضح خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في السماوة وحضرته (الصباح)، أن الإرهابيين كانوا ينوون استخدام غاز السارين ضد الجيش والمدنيين في محاولة لخلط الاوراق وإثارة الرأي العالمي، والادعاء بان الجيش هو من استخدم هذه الغازات، مؤكدا عثور القوات الأمنية على غاز السارين بعد مهاجمتها لأحد معسكرات الإرهابيين في مدينة الرمادي الذين لاذوا بالفرار اثر الضربات الموجعة من جانب القوات الامنية.



329
الداعشيان في واشنطن

د. عبدالخالق حسين

لم يتوقع العارفون بمسار التاريخ أن يكون التخلص من النظام البعثي الصدامي في العراق سهلاً وسلساً، فتراكم الإرث البغيض الثقيل عبر قرون من الحكم العثماني وما قبله، وعقود من جور البعث الفاشي وما قبله من الحكومات المتعاقبة في العراق الحديث، التي تبنت الموروث التركي في التمييز الطائفي، لا يمكن إزاحته بعصا سحرية حتى ولو كانت حاملة هذه العصا هي الدولة العظمى أميركا، خاصة وقد حصل التحرير في وقت تفشى فيه إرهاب متوحش، تحركه أيديولوجية الوهابية المعادية للحضارة الإنسانية، تدعمه مليارات البترودولار السعودي والقطري. 
فقبل سقوط النظام كان الشعب العراقي منقسماً دينياً وطائفياً وأثنياً، وحتى قواه السياسية تأسست وفق هذا الانقسام كما شاهدنا ذلك في مؤتمراته في الخارج، ولكن يحاول البعض إنكار هذه الحقيقة، ويدعي نفاقاً، أن شعبنا لم يعرف الطائفية في تاريخه!!
وقد بدى هذا الانقسام واضحاً منذ تشكيل مجلس الحكم الوطني الذي ضم ممثلين عن جميع المكونات، وكان الغرض من ذلك عدم عزل أية مكونة من المشاركة في الحكم ومهما كان حجمها. ولكن هذا المبدأ لم يرض به أولئك الذين احتكروا السلطة وأدمنوا عليها لقرون. فأول رصاصة لغوية بلاغية أطلقوها على الديمقراطية الوليدة هي رصاصة العبارة التسقيطية (حكومة المحاصصة الطائفية).
فالاستقطاب السياسي وفق الانقسام المذهبي والأثني هو نتاج تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 على أساس طائفي وعرقي ظالم، والكل يتحملون المسؤولية بمن فيهم القيادات الشيعية عند تحرير العراق من الاستعمار العثماني التركي.
وشاءت الظروف أن تكون أيديولوجية الإرهاب القاعدي تتناغم مع أيديولوجية كتلة سياسية وهي كتلة "العراقية" التي معظم أعضائها بعثيون سابقون أو مازالوا بعثيين تمثل المحافظات الغربية، ويدعون العلمانية وهم طائفيون حد النخاع. وهذه المحافظات صارت الحاضنة للإرهابيين الذين راحوا يشنون حرب الإبادة على الشيعة بمختلف مكوناتهم الأثنية (عرباً وكرداً وتركماناً وشبكاً).
ويوماً بعد يوم راحت الصورة تتضح أكثر فأكثر، إلى أن أعلنت نسبة كبيرة من نواب العراقية انحيازها الصريح إلى الإرهابيين منذ اليوم الأول من قيام القوات الأمنية المسلحة بمواجهة "داعش" و"القاعدة"، في محافظة الأنبار، حيث أعلن 44 نائباً من كتلة "العراقية"(متحدون) استقالتهم من البرلمان، وكذلك أسامة النجيفي رئيس البرلمان تخلى عن التزامه بوثيقة الشرف.
وأخيراً، قام القياديان في كتلة العراقية، أسامة النجيفي وصالح المطلك، بزيارة إلى واشنطن لإقناع الإدارة الأمريكية بعدم تسليح الجيش العراقي، "لأن هذا السلاح سيذهب مباشرة إلى إيران"، وأن المالكي هو رجل إيران، وأن ما يجري في الأنبار ليس حرب العراق ضد القاعدة وداعش، وإنما حرب المالكي "الشيعي الصفوي الإيراني" ضد السنة!!.
هذا ملخص ما قاله صالح المطلك للأمريكان في لقاءاته مع المسؤولين، وفي مقالاته ومقابلاته في الصحف الأمريكية، ليتبعه زميله النجيفي ويعيد على أسماع الأمريكان نفس الأسطوانة المشروخة التي ملوها ليقول لهم: "أننا نحتاج لإعطاء سلطات أكبر للمحافظات السنية وجعل مقاتلي العشائر السنية جزءا لا يتجزأ من القوة العسكرية العراقية... والحاجة إلى تسليح مجندي العشائر السنية ودمجهم بالقوات المسلحة العراقية بنحو دائم." (1)
فالمحافظات السنية لا تنقصها صلاحيات إذ تتمتع بصلاحيات واسعة وكأنها إمارات مستقلة، وليس بإمكان أي شيعي دخولها حتى ولو كان من وحدة ميدان طبية، إذ كما حدث أن استدرجت سيدة اربعة عناصر من الوحدة الطبية وهم من محافظة ميسان، تظاهرت لهم بالحاجة الملحة إلى اسعاف طبي عاجل، فاستجابوا لها وإذا بها نصبت لهم فخاً وليتم ذبحهم من قبل داعش بدم بارد.
أما الغرض من المطالبة "بتسليح مجندي العشائر السنية ودمجهم بالقوات المسلحة العراقية بنحو دائم." فهذا معناه ضم عناصر "داعش" الذين معظمهم من الحرس الجمهوري البعثي إلى القوات العسكرية المسلحة، أي إطلاق آخر رصاصة على الديمقراطية، وعلى حيادية الجيش، والعودة إلى حكم البعث والانقلابات العسكرية.
وهذا يذكرني بمقولة (عسكر محمد العاكول)، فبعد تخرجنا من الجامعة أيام زمان، كان علينا أداء خدمة العلَم، فدخلنا كلية الضباط الاحتياط لأربعة أشهر من التدريب العملي والتثقيف النظري المكثفين. وفي ساحة العرضات كان يدربنا عرفاء ونواب ضباط. فعندما كنا نخطأ في شيء يصرخ علينا العريف متهكماً: (انتم مثل عسكر محمد العاكول)، أي مخربطين غير منضبطين. وعسكر محمد العاكول هذا يبدو أنه كان في زمن ما عسكر عشائري غير منضبط (عسكر جته!) بقيادة شيخ اسمه محمد العاكول.
واليوم السيد أسامة النجيفي وزملائه يطالبون الحكومة والأمريكان بتحويل الجيش العراقي إلى عسكر محمد العاكول. وهذه المحاولة جرت في فترة الصحوات الأولى (2006 - 2008) لاختراق الجيش بالبعثيين ومن أتباع القاعدة، وكان عددهم نحو 30 ألف مجند، وطالبوا بدمجهم بالقوات المسلحة ومكان إقامتهم في بغداد!!. وهذا يعني وضع الحكومة الديمقراطية المنتخبة تحت رحمة المجندين العشائر وبينهم ألوف البعثيين الداعشيين، ومن أبناء العشائر المتقلبي الأهواء والولاءلات، فكما نقل لنا الدكتور أحمد كاظم: إن "شيخ الصحوات الحردان صرح بان عشائر الأنبار وشيوخها معنا في النهار و مع داعش في الليل، و هذا دليل صريح و صادق، لأن الشيخ من الأنبار، و شهد شاهد من اهلها. العشائر التي شعارها العزة و الكرامة و الشرف لا تحتضن ارهابيين من بقاع الارض شعارهم جهاد النكاح ونكاح الجهاد واغتصاب البنات والفتيان."(2)
في الحقيقة يتصرف الداعشيان، النجيفي والمطلك بأسلوب بعثي في زمن غير بعثي مع الأمريكان الذين هم دربوا البعثيين في الزمن الغابر لضرب الحركات الوطنية التحررية في فترة الحرب الباردة. واليوم أنتهى مفعول هذا الدواء. أجل، ذهب االثنائي ليخاطبا إدارة الدولة العظمى باكين ناحبين أن السنة مهمشون من قبل "الدكتاتور المالكي"!. فكيف يريدان إقناع الأمريكان بالتهميش وهما يحتلان المناصب العالية في الدولة، أحدهما رئيس البرلمان، والآخر نائب رئيس الوزراء، ولكتلتهما سبعة وزراء، وعشرات النواب في البرلمان؟ وكيف لجيش أن يسيطر عليه الشيعة ووزير الدفاع ورئيس أركانه وقادة عدة فرق عسكرية وقائد القوة الجوية هم من السنة؟ نسي الداعشيان أن المرحلة تغيرت وأن الأهم في نظر الأمريكان والعالم اليوم هو القضاء على الإرهاب وتحت أي مسمى كان، داعش، أو القاعدة، أو جبهة النصرة أو النقشبندية...وغيرها.
قال النجيفي، للمسؤولين الاميركيين "إن المالكي هو سبب العنف والتشدد المتزايد في البلاد". والنجيفي يتجنب وصف ما يجري في العراق بالإرهاب، فيكتفي بكلمة "عنف". وهذا يعني أنه لولا المالكي لما حصل الإرهاب في البلاد!! والكل يعرف أن الإرهاب بدأ منذ اليوم الأول من إسقاط حكم البعث وقبل أن نسمع باسم المالكي. وهل المالكي هو المسؤول عن العنف في سوريا ومصر وليبيا والصومال وغيرها من المناطق المبتلية بالإرهاب وليس فيها شيعة، ولا شيعي واحد في جيوشها؟
والأنكى من كل ذلك أن قال النجيفي: "ولكن السكان يكرهون الجيش العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة، ... ويعدون تنظيم القاعدة كما لو انه أهون الشرين. إنهم يكرهونه، لكنهم ليسوا على استعداد لمحاربته". فهل هذا مجرد زلة لسان، أم تذاكي أم غباء أم ماذا؟ يعني أنه يقول للأمريكان أن أبناء المكونة التي ينطق النجيفي باسمها غير مستعدين لمحاربة القاعدة كرهاً للمالكي والشيعة! فالعذر هنا أقبح من الفعل.
كيف لرئيس برلمان أن يعتبر جيش بلاده أخطر من القاعدة؟ وهل بإمكان أي مسؤول في دولة أخرى أن ينحاز إلى الإرهاب ضد بلاده وشعبه وجيشه وبهذه الصفاقة والصراحة والغباء وبدون أية مساءلة ما لم يتهم بالخيانة العظمى؟
ثم يتذاكى السيد أسامة النجيفي أكثر، فيحاول استدراج الأمريكان "المغفلين" للضغط على المالكي لإطلاق سراح المعتقلين بتهمة الإرهاب فيقول: "من بين الطرق التي يمكن للمالكي بناء الثقة معهم إطلاق سراح المعتقلين السنة غير المرتبطين بتنظيم القاعدة الذين تم سجنهم لحملهم السلاح في الماضي". يا سلام !! هكذا الشطارة وإلا فلا.
وهذا يعني اطلاق سراح جميع الذين ارتكبوا جرائم التفجيرات وزرع المفخخات وقتل عشرات الألوف من الأبرياء في الأسواق المزدحمة والمطاعم وساحات مساطر العمال الفقراء، وتدمير البنى التحتية والركائز الاقتصادية لأن الإرهابيين ليسوا من القاعدة، وبذلك يمكن للمالكي كسب ثقة النجيفي والمطلك و44 نائباً من كتلته الذين استقالوا تضامناً مع الإرهابي أحمد العلواني واحتجاجاً على شن الحرب على داعش والقاعدة.

فماذا كانت نتيجة زيارة الداعشيَن إلى واشنطن؟

لقد فوَّت السيدان النجيفي والمطلك وزملاؤهما فرصة ذهبية في إنقاذ البلاد من شرور الانقسامات الطائفية، فلو كانوا حقاً غير طائفيين لكان عليهم استثمار هذه الفترة العصيبة التي يتعرض فيها الشعب والوطن إلى الإرهاب، بإبداء النوايا الحسنة بنبذهم للطائفية حرصاً منهم على أمن واستقرار البلاد، ويعلنوا وقفوهم مع الحكومة في وحدة وطنية متراصة لمواجهة الإرهاب، وإدانتهم لداعش والقاعدة، وبذلك كانوا يكسبون شعبية واسعة بين السنة والشيعة، وجميع المكونات، وأثبتوا أنهم وطنيون حقاً ويشعرون بالمسؤولية ازاء الشعب والوطن.
ولكن للأسف الشديد، ونتيجة لقصر نظرهم، وتفضيل مصالحهم الشخصية على المصالح الوطنية، اختاروا العكس، فوقفوا بملء إرادتهم مع داعش والقاعدة، وبذلك خسروا مصداقيتهم ومكانتهم، ليس لدا الشعب العراقي فحسب، بل وحتى لدا الأمريكان وقادة العالم، فجاءت نتائج زيارتهم تماماً على الضد مما أراد الداعشيون، إذ حصل المالكي على المزيد من التأييد الأمريكي في حربه على الإرهاب، ومطالبة الإدارة الأمريكية والكونغرس ومجلس الشيوخ بالإسراع في تسليح الجيش العراقي، وإرسال مدربين لرفع قدرات منتسبي القوات المسلحة على حرب الإرهاب.
تفيد الحكمة: "يتعلم العاقل من أخطائه، والأعقل من أخطاء غيره".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1- النجيفي: سكّان الأنبار يعدّون القاعدة أهون الشرّين! يكرهون الجيش العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة.
http://alakhbaar.org/home/2014/1/161735.html

2- احمد كاظم: صحوة امريكا لمكافحة الارهاب الوهابي لم تدم طويلا
http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=151849#axzz2rLDrfcXo

3- سالم مشكور: حائط المبكى "الواشنطني"!
http://alakhbaar.org/home/2014/1/161764.html

4- كشف النقاب عن الساسة الذين طالبوا الاسد إدخال (جهاديين) للعراق
http://www.alalam.ir/news/1559454
 كشفت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان لمراسل "كل الاخبار" في دمشق بأن السياسيين الذين طلبوا من الاسد فتح الحدود على من اسموهم بـ (المجاهدين) وضرب العملية السياسية في العراق هم من القائمة العراقية. وقالت شعبان بان 3 وفود رفيعة المستوى وصلت دمشق بعد تفجير الخارجية العراقية بايام طالبين من الاسد فتح الحدود امام (المجاهدين). واكدت شعبان ان الوفد الاول كان برئاسة طارق الهاشمي، والثاني برئاسة العيساوي، والثالث خليط من مكونات القائمة العراقية والتحق بهم آنذاك حارث الضاري وعدنان الدليمي وسليم الجبوري وسلمان الجميلي ورشيد العزاوي وان اللقاء تم تسجيله بالصورة والصوت.

330
التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة

د.عبدالخالق حسين

حكاية ثياب الإمبراطور الجديدة للكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسون (1805- 1875م) باتت معروفة عالمياً، ودخلت ثقافات جميع الشعوب، وتدل على خبرة الكاتب العميقة في سايكولوجية البشر، ومدى سهولة خدعهم من قبل النصابين وقيادتهم إلى الهاوية. ملخص الحكاية: "أن إمبراطورا غبيا كان ينفق الكثير من ماله على شراء الملابس الغالية... طرق باب قصره ذات يوم محتالان ادعيا أنهما من أمهر الخياطين، وأن بمقدورهما حياكة ملابس جميلة ورائعة جداً، وذات خاصية سحرية كونها لا تبدو لأحد في الإمبراطورية بأسرها، ممن ليس مخولا برؤيتها كالحمقى والأغبياء. أُعجب الإمبراطور بالفكرة، وخولهما بالبدء في حياكة الثياب ... نفذ المحتالان خدعتهما، وأبدى الجميع إعجابهم الشديد بتلك الملابس السحرية المدهشة، وإن لم يروها خوفاً من اتهامهم بالغباء. وفي الموعد المحدد، ووسط صيحات الإعجاب المفتعل من المحتالين وبقية الحاضرين ارتدى الإمبراطور ملابسه الجديدة وخرج إلى الجموع المحتشدة أمام القصر احتفالاً بالمناسبة، خرج عاريا تماما كما ولدته أمه وسط إعجاب مفتعل من الجميع وهم يصيحون: يا لها من ملابس رائعة يا جلالة الإمبراطور !!!واستمر هذا النفاق يلعب بعقول الناس .. والوهم يلعب بعقل الإمبراطور، إلى أن صاح أحد الصبية قائلا: ولكنه بلا ملابس.
ولم يمض وقت طويل حتى صاح أحد الكبار: نعم إنه بلا ملابس .. ثم تبعهما آخر .. وآخر .. إلى أن خرجت الرعية بأسرها عن صمتها فصاحت وبصوت واحد: ولكنه بلا ملابس !!!
وعند ذاك فقط أدرك الإمبراطور أنهم على صواب.. ولكنه وبغبائه المعروف وعناده المعتاد .. كان قد تابع موكبه الكبير دونما اكتراث ... وذلك في محاولة منه للمحافظة على هيبته رغم تغير الظروف (1).

في الحقيقة، هذه الحكاية، تتكرر يومياً في كل مكان، ولكن بصيغ وظروف وأشكال ومضامين مختلفة، وأحسن مثال في عراقنا المبتلى بالبعث الطائفي الفاشي من تلامذة غوبلز، هو نغمة "تهميش العرب السنة في الحكم".
منذ سقوط حكم البعث الفاشي ونحن نسمع بلا توقف نغمة التهميش والإقصاء والعزل ترافقها حملة الشحن الطائفي. ولم يتوقف التصديق الغبي بهذه النغمة على شريحة من السياسيين المنتفعين بها في الداخل، بل وصلت حتى إلى مسؤولين كبار في الغرب (خدمة لأغراضهم)، بأن الحكومة التي "يهيمن عليها الشيعة" تطارد السياسيين السنة لأسباب طائفية!
فهل حقاً يمكن تهميش مكونة كبيرة من مكونات الشعب العراقي من الحكم في النظام الديمقراطي؟ وماذا عسى لهذه الحكومة، ومهما كانت الهوية المذهبية لرئيسها، أن تفعل إذا قام قياديون سنة في السلطة مثل طارق الهاشمي، ورافع العيساوي، و أحمد العلواني وغيرهم بأعمال إرهابية؟ فهل تسكت عنهم لأنهم سنة، ولأن رئيس الحكومة شيعي كي لا يتهم بالطائفية؟ علماً بأن الجهة التي وجهت التهمة لهؤلاء هي (مجلس القضاء الأعلى) الذي رئيسه ومعظم أعضائه من السنة. كذلك قال الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الأمريكية في العراق سابقاً، أنه كان على علم بتورط طارق الهاشمي بالإرهاب. أما رافع العيساوي فقد ظهر على شاشة التلفزة وهو ينقر على الدف ويرقص في ساحات الاعتصمات مع المعتصمين وهم رافعين رايات "القاعدة" ذات اللون الأسود. أما أحمد العلواني فبالإضافة إلى خطاباته الطائفية البذيئة في الشحن الطائفي على منصات ساحات الاعتصامات، والمسجلة على اليوتيوب، ألقي القبض عليه بالجرم المشهود وهو يواجه القوات الأمنية بتبادل النار. وهل هناك سلطة تحترم نفسها تسكت عن هؤلاء من أجل أن لا تتهم بمطاردة إرهابيين من مذهب معين؟
وهاهي الأنباء تفيد أن وزارة المالية الأميركية وضعت أربعة عراقيين من بينهم حارث الضاري (الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق) تحت طائلة أمر رئاسي يقضي بتجميد أرصدتهم وممتلكاتهم داخل الولايات المتحدة ومنع المواطنين الأميركيين من إجراء أي تعاملات تجارية معهم كونهم يهددون السلام والاستقرار في العراق. http://alakhbaar.org/home/2014/1/161527.html
فهل أمريكا جمدت أموال هؤلاء لأسباب طائفية؟ في الحقيقة أمريكا تأخرت عشر سنوات عن توجيه التهمة لحارث الضاري وعصابته، وهو الذي صرح على رؤوس الأشهاد قبل سنوات أن "القاعدة منا ونحن منها".
وهاهي النائبة عن كتلة "العراقية الحرة"، السيدة عالية نصيف، (اتهمت رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي بالعمل على "تأمين اجواء مناسبة لداعش" في العراق والمنطقة من خلال زياراته لبعض دول الخليج، فيما اكدت وجود دعم سياسي للمجاميع المسلحة المتواجدة في الانبار). والسيدة نصيف سنية وليست من كتلة رئيس الوزراء، ولكنها أثبتت أن ولاءها للعراق قبل أن يكون للطائفة.
http://www.alkashf.org/news.php?action=view&id=894

فما هي حقيقة "التهميش"؟
خلال 83 سنة من عمر الدولة العراقية الحديثة سيطرت على السلطة مكونة واحدة وهي مكونة السنة العرب (باعتراف أحد مؤسيسها وهو الملك فيصل الأول)، والذين اعتبروا أنفسهم وحدهم دون غيرهم، المخولين تاريخياً لحكم العراق، أما غيرهم من المكونات فمواطنون من الدرجة الثانية أو دون ذلك. وكان تبادل السلطة يتم بين الفئات المتصارعة من نفس المكونة عن طريق الانقلابات العسكرية. وهذا الوضع أدى إلى تشرذم الشعب العراقي إلى مكونات متصارعة فيما بينها، وإلى كوارث أوصلتنا إلى مجيء أسوأ طاغية في التاريخ ألا وهو صدام حسين للحكم والذي قاد إلى احتلال العراق عام 2003 لإنقاذ شعبه من الإبادة.

أما بعد 2003 فقد تأسس نظام ديمقراطي يحق لجميع مكونات الشعب المشاركة في السلطة، تبني صناديق الاقتراع بدلاً من صناديق الرصاص والانقلابات العسكرية لتبادل السلطة. وهذا الوضع لم يناسب فلول البعث الذين ينتمون إلى المكونة التي أدمنت على الحكم، لأنهم يرفضون مساواتهم ببقية مكونات الشعب، ولهذا رفعوا يافطة: "تهميش السنة"، وهي خدعة ابتكرها البعثيون من أجل استمالة أهل السنة إلى مشروعهم، ونجحوا في ذلك للأسف إلى حد ما، وساندتهم في الداخل شريحة واسعة من  السياسيين معظمهم من خلفية بعثية في "كتلة العراقية" والتنظيمات التي فشلت في الانتخابات. كما وتلقوا الدعم من الحكومات العربية الرافضة للديمقراطية في المنطقة. فلم يتردد البعثيون في توظيف أخس الوسائل الدنيئة من أجل الوصول للسلطة، فاستخدموا قائمة من الشتائم الطائفية البذيئة ضد مكونة نشكل نحو 60% من الشعب على أقل تقدير، وتعاون جميع هؤلاء المتضررين من الديمقراطية في دعم الإرهاب من أجل إفشال العملية السياسية، وراحوا يمنحون محاربة الحكومة للإرهاب بعداً طائفياً، مطبلين بأن ما يجري في العراق هو ليس محاربة الإرهاب وإنما حرب بين الحكومة الشيعية والعرب السنة!!.
فالصراع السياسي والإرهاب في العراق ليس بسبب التهميش الذي هو وهم من اختراع البعث، وإنما نتاج توافق عدة جهات تلاقت مصالحها الآنية في محاربة الديمقراطية في العراق، وهذه الجهات هي: أولاً، فلول البعث، ثانياً، السياسيون الذين يدَّعون تمثيل السنة، أي (كتلة العراقية)، يعتقدون أنهم وحدهم يحق لهم حكم العراق، وثالثاً، القاعدة. وما يسمى بـ(داعش) فهو تنظيم مكون من ضباط ومراتب الحرس الجمهوري الذي كان يضم غلاة البعثيين.
فللبعث قابلية فائقة وقدرة تكتيكية عجيبة في عقد التحالفات حتى مع أشد الخصوم الأيديولوجيين وفق ما تقتضيه مصلحته الآنية.  ففي عهد حكومة ثورة 14 تموز تحالف البعث حتى مع المرجعية الدينية الشيعية والحركة الكردية ضد حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم والحزب الشيوعي. وفي السبعينات تحالف مع عدوه التقليدي اللدود الحزب الشيوعي، وفي كل مرة ينقلب على الحليف بعد قضاء الحاجة. واليوم مع القاعدة والسعودية الوهابية.
 
فمن نافلة القول أن في النظام الديمقراطي لا يمكن تهميش أية مكونة، لذلك شن أعداء الديمقراطية حملة إعلامية واسعة لتشويه سمعة الديمقراطية العراقية مدعين بأن الحكومة هي من صنع أمريكا وإيران، ناكرين دور الملايين من الشعب العراقي الذين تحدوا مفخخات وتفجيرات الإرهابيين وذهبوا إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لاختيار حكامهم. هذا الأسلوب في تبادل السلطة لا يناسبهم لذلك استخدموا لغة الإرهاب (الرصاص في مواجهة الانتخابات) والحط من الديمقراطية.

فهل حقاً هناك تهميش ضد السنة؟
هناك خمس رئاسات في العراق، أربع منها يرأسها سنة (رئاسة الجمهورية، رئاسة البرلمان، رئاسة السلطة القضائية ورئاسة حكومة الإقليم الكردستاني)، وواحدة فقط (رئاسة الحكومة المركزية الاتحادية) يرأسها شيعي ووفق الدستور الذي يحتم أن يكون رئيس السلطة التنفيذية من أكبر كتلة برلمانية. ولكن مع ذلك ليس هناك تهميش مطلقاً إذ كل مكونة ممثلة في الحكومة وحسب نسبة تمثيلها في البرلمان. أما المحافظات والأقضية والنواحي في المناطق الغربية التي يدعي البعثيون تهميشها فيمنع على الشيعي أو أي شخص يحمل اسم شيعي مثل عبدالزهرة دخولها. وهذه المناطق تدار من قبل حكومات محلية منتخبة من قبل سكانها السنة. أما منطقة الإقليم الكردستاني فممنوع على المواطن العراقي من غير الكردي دخولها إلا بعد حصوله على تأشيرة دخول (فيزة)، وكأنه داخل إلى دولة أجنبية، بينما يحق لمواطني الإقليم السفر والعيش والتوظيف في أي مكان من العراق.

ولدحض فرية التهميش، استلم هذه الأيام مقارنة تتداول عن طريق البريد الاكتروني، وهي  مقارنة بين محافظتي الأنبار والبصرة، على شكل سؤال: (هل تعلمون؟؟؟؟)، إذ يسأل السائل:
هل تعلمون: أن محافظة الأنبار عدد سكانها لا يتجاوز المليون فقط، ولها خمسة وزراء في الحكومة الحالية، ونائب رئيس الوزراء، ولا تنتج دولاراً سنوياً للدولة وتدعي التهميش، وتصدر القتل والخراب والإرهاب للعراق؟؟؟!!!
بينما محافظة البصرة عدد سكانها يتجاوز المليونين، وليس لها وزير واحد في الحكومة الحالية، وتغطي من خيراتها 80% من ميزانية الدولة سنوياً، ورغم هذا لا تدعي التهميش، وتدعم سيادة القانون والأمن في العراق!!!!؟؟؟
 لذلك ونحن نسأل: أيها السادة أين التهميش ومن هم المهمَّشون الحقيقيون؟

تصور الأمر معكوساً وخذ مثلاً
بعد ثورة 14 تموز 1958، عرف الشعب العراقي أشرف وأنزه زعيم حكم العراق في تاريخه الحديث، وذلك باعتراف الذي قتلوه حسب ما نقل لنا الباحث الفلسطيني الأمريكي الراحل حنا بطاطو في كتابه القيم عن تاريخ العراق الحديث. حاول الرجل لأول مرة في تاريخ العراق أن يعامل العراقيين جميعاً كمواطنين من الدرجة الأولى ودون أي تمييز في الحقوق والواجبات بسبب الانتماء القومي أو الديني أو المذهبي. فحاربوه، وأغلب الذين حاربوه هم من نفس المنطقة التي تُرفع فيها اليوم يافطة التهميش. قتلوه شر قتلة ولم يتركوا له قبراً، علماً بأن الرجل كان من خلفية سنية، وكادت حكومته تخلو من وزراء شيعة، ولكن كان ذلك عن طريق الصدفة وليس بدوافع طائفية. قام البعثيون بقيادة البلطجي صدام حسين بمحاولة اغتياله عام 1959، فنجا منها بأعجوبة، وعندها أعاد الشاعر محمد مهدي الجواهري قراءة ونشر قصيدة قديمة له كان قد نظمها بعد انقلاب بكر صدقي عام 1936، فرآها مناسبة لظروف ثورة تموز، حذر فيها الزعيم عبدالكريم قاسم من التساهل مع العدو الغاشم، قال فيها:
تصور الأمر معكوساً وخذ مثلاً.... مما يجرونه لو هم نُصروا
تالله لاقتيد زيــدُ باسم زائــدة ....ولأصطلى عامر والمبتغى عمرُ

وهذا بالضبط ما حدث بعد انقلابهم الدموي الفاشي في 8 شباط 1963، حيث قاموا بالمجازر، وقتلوا الألوف من الوطنيين خلال بضعة أيام، وبعد أن ضاقت السجون بالمعتقلبن السياسيين أحالوا المنتديات والساحات الرياضة وحتى بعض الشوارع إلى معتقلات. أما خلال حكمهم الأسود الثاني (1968- 2003) فقد أحالوا العراق كله إلى أكبر سجن ومقابر جماعية في العالم.

أقول وكما قال الجواهري، تصور الأمر معكوساً، فماذا كانت الحكومة ستفعل لو كان يهيمن عليها دعاة التهميش من قادة ساحات الاعتصامات من أتباع داعش الذين معظمهم بعثيون، ولهم علاقة بكتلة العراقية، لو قام أهل المحافظات الوسطى والجنوبية بالاعتصامات في مدنهم، وارتكبوا جرائم التفجيرات في المناطق ذات الأغلبية السكانية السنية؟ وهل سمحوا للشيعة ولو بمجرد النطق بكلمة (تهميش)، علماً بأنهم (الشيعة) كانوا مهمشين حقيقيين لأكثر من ثمانين عاماً؟ لا تقل لي أن معظم منتسبي حزب البعث وقياديين في حكومة البعث كانوا شيعة، فما قيمة سعدون حمادي الشيعي كرئيس للوزراء، أو محي الدين معرف الكردي كنائب لرئيس الجمهورية  في دولة يرأسها الطاغية صدام حسين الذي يعامل نوابه ووزراء كخدم و فراشين يسحقهم متى ما شاء؟

خلاصة القول ، إن الإدعاء بتهميش أية مكونة من الشعب العراقي هو فرية وفبركة لا وجود حقيقي لها، الغرض منها إلغاء الديمقراطية، والعودة بالعراق إلى حكم المكونة الواحدة، والحزب الواحد، والحاكم الواحد، وإحياء عهد الانقلابات العسكرية في تبادل السلطة. وهذه الخدعة تشبه تماماً رديفتها التي ورط بها المحتالان الإمبراطور الغبي في حياكة ثيابه الجديدة.
فالإمبراطور عاري بلا ملابس!
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــ
رابط لموجز قصة ثياب الامبراطور الجديدة
 http://shqawatbanat2010.yoo7.com/t8-topic

***************
ملحق
قبل عام استلمت رسالة من صديق مسيحي رائع يقيم مع عائلته في إحدى الدول الأوربية، والرسالة من زوجته إلى صديقتها المسلمة السنية نرمز لها بـ (أم مروان)، وكان صدام قد أعدم زوجها العسكري برتبة فريق بعد أن أغدق عليه بالأوسمة الرفيعة لما أبداه من تفاني في الحرب العراقية- الإيرانية. ولم يكتف صدام بإعدام زوجها بل اعتقل الأبناء والأم وعرضهم للتعذيب. وبطريقة ما استطاعت أم مروان وأبنائها الخروج من السجن الكبير والهجرة إلى الغرب.
ولكن رغم كل ما تعرضت له هذه السيدة من العذاب على يد نظام البعث الصدامي الفاشي إلا إنها حاقدة على النظام العراقي الجديد لا لشيء إلا لأن رئيس السلطة التنفيذية شيعي.
هذه الرسالة من زوجة الصديق المسيحي إلى صديقتها أم مروان تعاتبها على موقفها السلبي من العهد الجديد. والرسالة تعبر عن موقف وطني وإنساني متحضر ونبيل، ونظراً لأهميتها رأيت من المفيد نشرها، وبدوري أتقدم بالشكر الجزيل للصديق وزوجته الرائعين على موافقتهما على نشر الرسالة ودون ذكر الأسماء.
**********************************

نص الرسالة

عزيزتي أم مروان
كان عندنا واحد بلطجي اسمه صدام، لا خريج ولا عنده شهادة، وصار قائد الامة العربية ورائدها،
وكان عندنا واحد بائع ثلج وصار نائبه. وكان عندنا واحد نائب عريف وصار رئيس التصنيع العسكرى ووزير الدفاع ورئيس المؤسسة الذرية. وكان عندنا واحد نائب عريف شرطي وصار وزير الدفاع وغيرها من الوظائف التي بضمنها علي كيمياوى.
متى ننسى هذه الامور ونتركها للآخرين ونعطيهم مجالاً لاثبات انفسهم في ظروف حصلت بعد 2003 اى ما يسمى الديمقراطية الفتية التي لم يعرفها العراق ولا اى دولة في المنطقة، أم الافضل ان نعود الى حكم الفرد المطلق الذى تعودنا عليه وكان هو الكارثة الحقيقية؟
لا ننسى ان زعيماً وحيداً وصل العراق وكان عراقيا لا يفرق بين اى عراقي سواء كان سنيا او شيعيا او كرديا او تركمانيا او مسيحيا او من باقي الاقليات، كل همه كان ان يعامل العراقيين جميعهم كعراقيين بعيدا عن هذه المسميات لكي يبني دولة حقيقية تسمى دولة المواطن العراقي، بغض النظر عن كل هذه المسميات، وكان اشرف من كلمة الشرف نفسها لرقته وحساسيته وشرفه وحبه للبلد ولشعب هذا البلد. وكان سنيا سنيا سنيا، ولكن مع هذا تمت محاكمته محاكمة تمثيلية صورية في الإذاعة وقتله بدقائق معدودة لا محاكمة حقيقية ولا محامين. ومن الذى قام بقتله مع الاعتذار عن الجواب: الجانب السني. ولماذا؟ لانه لا يجوز لشخص في الحكم التصرف بمثل ذلك  (أي معاملة كل العراقيين بالتساوي) وهذا غير مقبول.

انا اذكر تلك الفترة التي كانت مفترق الطرق بالنسبة لمصير العراق وما وصلنا اليه الآن، وأقولها كل مرة للكثير من الاصدقاء، سواء الشيعة او السنة. لماذا هذا الحقد تجاه شخص يقوم بخدمة العراقيين بدون استثناء بعيدا عن انتماءاتهم مهما كانت، سواء الدينية او القومية او المذهبية؟. 
ولكن لا  يمكن لأحد ان يعطي جواب مقنع لهذا السؤال بعد هذه السنين المريرة الكارثية التي مرت على وطننا الحبيب وما آلت اليه الأمور.  حدث ما حدث، وانهار الصنم على يد الأمريكان. هل المفروض ان نبقى نشتم ونسب الامريكان على ما قاموا به لوصول من وصل للحكم لأن البعض منهم شيعة وبالأخص في رئاسة إحدى السلطات؟ وماذا لو كان في الرئاسة رئيس وزراء سني؟ هل كانت ردة الفعل نفسها؟. اتمنى أن نعطي الفرصة للآخرين مهما كانوا قبل ان نحكم عليهم. 

انا وزوجي كنا في بغداد نهاية العام الماضي واستمتعنا بأوقات لم نستمتع بها ونحن في دولة أوربية متقدمة، من الكرم العراقي من قبل الاحباء، سواء الاقرباء او الاصدقاء، والتنقل بحرية بدون عوائق او خوف، ولم يحدث ما يعكر صفوة زيارتنا التي  طالت اكثر من ثلاثة اسابيع. انا لا اقول انه ليس هناك مشاكل او نواقص ولكن متى كان هناك كل شيء كامل في العراق؟ هل في زمن صدام واعوانه الذين اذاقوا العراقيين شتى المصائب التي لا يمكن لأى بشر أن يراها حتى في أحلامه المرعبة؟؟ 

عزيزتي أم مروان، انت اكثر من عانى من كلنا لأننا لم نعاني مثلك فأرجو على الاقل ترك هذه الامور للمستقبل، لان العراق محارَب من كل الدول التي تجاوره سواء كانت ايران او الدول العربية "الديمقراطية" الاخرى، طبعا الديمقراطية للكشر التي تسمى السعودية وعلى رأسها ملكها عبدالله بن عبدالعزيز السعود. وتصورى دولة مسماة على اسم العائلة وأمراؤها الذين هم بالألوف. هل المطلوب منا ان يكون العراق بهذا الشكل؟
ما المراد من هكذا معلومات؟ هل نريد الرجوع الى حكم البعث او صدام او عزة الدورى الذين خربوا البلد، وكانوا السبب بتركنا اوطاننا؟. هل تركت انا وعائلتي واولادى وانتِ واولادك البلد في ظل الحكام الحاليين الذين ننعتهم بكل هذه الاوصاف الحقيرة؟ ارجو ان لا تفهمينا غلط انا لا انزه احداً والكل يخطأ، ولكن الخطأ الذى لا يمكن ان يٌغفر هو كيف يتم تخريب بلد مثل العراق في نهاية السبعينات الذى كان في مقدمة كل الاقطار العربية، ويعتبر الاول في المنطقة العربية باستيعابه اكثر من اربعة ملايين من العرب يعملون فيه ويحولون الاموال لأهاليهم في بلادهم وعبر قنوات مصرفية بدون أىة صعوبة عدا تحويل اموال خارج المصارف، لقد أحالوا هذا البلد العظيم الى واحد من افقر البلدان في العالم وبضمنها الصومال، مع العلم ان البلد من اغنى بلدان العالم بثرواته؟.  هل كان هذا بسبب الحكام الحاليين يا ترى كما يشاع؟. ارجو المعذرة والذى اشعر به ان الموضوع لا علاقة له بذلك وانما لكون ان جزءً من الحكم وخاصة رئاسة الحكومة بيد شيعي؟ وهذا يبدو غير مقبول لديكم، لا الآن ولا في المستقبل ما لم نستوعب الحقيقة اننا كلنا عراقيين قبل ان نكون سنة او شيعة او مسلمين او مسيحيين او تركمان او ازيدية الى غيرها من طوائف. انا وعائلتي مسيحيين ولكن اذا احد سألني عن هويتي اقول انا عراقية والمفروض بكل انسان مهما كان انتمائه، سواء كان مسلما أو مسيحيا او يزيديا او صابئيا او تركمانيا او كرديا ان يقول انا عراقي، وبعكسه فإن النتيجة ستكون كارثية وهو تقسيم العراق الى دويليات من السهل ابتلاعها من قبل دول الجوار.  فهل هذا هو المراد منا نحن العراقيين لكوننا لا نقبل الآخرين ممن لم يكونوا من نفس الدين او الطائفة او العرق؟  انا شخصيا لا يمكن أن اقبل بذلك، ولا يمكن يوما ان اتصور ان ذلك سيحدث يوما من الايام وان حدث لا اتمنى ان يحدث وانا على قيد الحياة.
تحياتي


331
الدعم الدولي للعراق يفضح حماة الإرهاب

د.عبدالخالق حسين

لا شك لدي أن جميع الحكومات العربية وحتى المكون السني العربي في العراق كانوا يتمنون سقوط حكم البعث الصدامي، ولكن ما لم يكونوا يريدونه هو قيام حكم ديمقراطي بديلاً عنه، إذ كانوا يتمنون إسقاطه وتسليم الحكم إلى نفس المكونة التي احتكرت السلطة لتسعين عاماً مع بعض التحسينات في المظهر والديكور، يرافقه تغيير جذري في السياسات الخارجية كالانفتاح الكلي على "الأخ الأكبر" السعودية. أما أن يأتي نظام ديمقراطي يعامل جميع مكونات الشعب العراقي على قدم المساواة، ولهم حق المشاركة في حكم بلادهم وصنع القرارات السياسية، ووفق ما تفرزه صناديق الاقتراع، فهذا ما لم يدر بخلدهم، ولم يرتضوه مطلقاً، ولذلك بدأت الحملة من جميع الأطراف العربية بمحاربة النظام العراقي الجديد، وتحت مختلف الحجج الباطلة، وعلى رأسها يافطة "تهميش السنة في الحكم"، بينما الحقيقة تؤكد عكس ذلك تماماً. فشنوا حملة إعلامية ضارية لتشويه صورة النظام الجديد، وسخروا لها جميع إمكانياتهم من فضائيات ومشايخ المساجد والفتاوى التكفيرية، والشحن الطائفي ودعم الإرهاب، وحتى الجامعة العربية تعاملت مع الحكومة الجديدة بجفاء، بينما تلقت المعارضين لها بالأحضان. 

ورغم أن النظام الجديد انفتح على جميع الكيانات السياسية من ممثلي جميع المكونات الدينية والمذهبية والأثنية، بما فيها المكون السني العربي، ومشاركتهم في جميع سلطات الدولة ومفاصلها الإدارية، إلا إن نغمة التهميش استمرت تتصاعد وتتلقى الدعم من الحكومات العربية ومؤسساتها الدينية والإعلامية، كما وصار الهدف الرئيسي لبعض المشاركين من هؤلاء في العملية السياسية هو إفشالها، حتى صاروا الواجهة السياسية للإرهاب المتمثل في تحالف فلول البعث والقاعدة وداعش، بل أصبحت هذه الأسماء متماهية في تنظيم إرهابي واحد.
 
كما وبلغ تأثير أصحاب معزوفة "التهميش الطائفي" إلى الدول الغربية و حتى إلى إدارة أوباما، والضجة التي أفتعلها سناتور جون ماكين ضد زيارة الوفد العراقي برئاسة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي إلى واشنطن في نهاية العام الماضي. وهؤلاء جميعاً، رغم أنهم يتعاملون مع الإرهاب في العالم كإرهاب وعدو مشترك دون أي تأويل، إلا إنهم تعاملوا مع الإرهاب في العراق بشكل مختلف، حتى بلغ بهم الأمر إلى اعتبار سبب الإرهاب في العراق هو سوء تصرف المالكي مع المكون السني. فالدول العربية تحارب الإرهاب في بلدانها، ولكنها تعامل الإرهابيين في العراق كمجاهدين وطلاب حق ضد حكومة المالكي "الشيعية الصفوية" "العميلة لإيران".

وأخيراً طلعت الشمس على الحرامية، كما يقول المثل. إذ بلغت تجاوزات العصابات الإرهابية على أهل السنة وخاصة أهالي محافظة الأنبار إلى حد لا يطاق، فطالب شيوخ عشائر الأنبار الحكومة بالتدخل لخلاصهم من شرور الإرهابيين في ساحات الاعتصامات وفي داخل مدن المحافظة. وكبادرة حسنة منهم قامت العشائر بقيادة شيوخهم بحل ساحات الاعتصامات وبدون سفك قطرة دم واحدة، أو أي تدخل من القوات المسلحة، مقارنة بما حصل في حالات مماثلة في بعض دول المنطقة. "فتظاهرات ساحة الاعتصام في رابعة العدوية في القاهرة التي استمرت 44 يوماً انتهت بمذبحة راح ضحيتها ما يزيد على 800 متظاهر بين قتيل وجريح، كما سقط عشرات الضحايا اثناء عملية فض تظاهرات ساحة تقسيم في اسطنبول التي لم تستمر سوى 17 يوماً، اما تظاهرات ساحة اللؤلؤة في المنامة فقد انتهت بإزالة الميدان من العاصمة واحتلال قوات درع الجزيرة والجيش السعودي للبحرين". (ياسين مجيد)(1).
 


 كما واستجابت القوات المسلحة لنداء الأهالي في مدن المحافظة لخلاصهم من الإرهابيين. وهنا كشف محامو الإرهاب، المتخفون وراء واجهات سياسية عن وجوههم الحقيقية، فأعلن ائتلاف (متحدون) الذي يرأسه رئيس مجلس النواب، السيد أسامة النجيفي، "تقديم نوابه استقالاتهم من عضوية مجلس النواب احتجاجا على الاحداث الجارية في محافظة الانبار".
والجدير بالذكر أن إئتلاف متحدون هو ضمن كتلة "العراقية" التي يتزعمها الدكتور أياد علاوي الذي هو الآخر أخذ موقفاً ضد محاربة الإرهاب وتحت مختلف الذرائع الواهية. فمن الذي خسر في هذه المحاولات البائسة التي تقودها قيادات كتلة العراقية؟

الدعم الدولي للعراق
وأخيراُ انتبه العالم إلى لعبة هؤلاء السياسيين الذين ارتضوا أن يكونوا واجهات سياسية للإرهابيين، وأبواقاً لهم يبثون في الإعلام المضاد أن حرب الحكومة ليست على الإرهاب وإنما هي حرب طائفية ضد السنة، وتحديداً ضد أهالي محافظة الأنبار!!.
وللأسف الشديد انطلت اللعبة على بعض السياسيين والإعلاميين الغربيين إلى أن انكشفت لهم الحقيقة، فانتبه  المجتمع الدولي المتمثل في مجلس الأمن الذي أصدر قراراً بالإجماع يوم 10/1/2014 "أقر فيه بأن قوات الأمن العراقية والشرطة المحلية وزعماء العشائر في محافظة الأنبار يظهرون قدرا كبيرا من الشجاعة في قتالهم لدحر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام عن مدنهم... وأكد مجلس الأمن ضرورة تقديم مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية المشينة، ومنظميها، ومموليها ومن يرعونها إلى العدالة. كما أكد أن الدولة الإسلامية في العراق والشام تخضع للحظر المفروض على الأسلحة وتجميد الأصول المفروضة بموجب قرارات مجلس الأمن. وأعاد المجلس تأكيد دعمه لاستقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامته الإقليمية."(2)
كذلك قام السيد بان كي مون بزيارة إلى بغداد ولقائه مع رئيس الوزراء وعدد من القادة السياسيين، معلناً تضامنه مع الحكومة العراقية في حربها على الإرهاب. وكذلك الإدارة الأمريكية أكدت تضامنها وأمرت بالإسراع بدعم القوات العراقية المسلحة بالسلاح والعتاد، والوسائل اللوجستية وغيرها، وغير المجلسان، الكونغرس والشيوخ الأمريكيين موقفهما المتردد من الرئيس العراقي بسبب الدعايات المضادة واللوبي السعودي، وإذا بهما يطالبان بالإسراع لدعم العراق عسكرياً واستخباراتياً. بل وبلغ الأمر من الوضوح للعالم حتى السناتور جون ماكين، الذي ناهض زيارة المالكي إلى واشنطن، غيَّر موقفه وطالب بدعم القوات العراقية في حربها على الإرهاب. إضافة إلى دعم الاتحاد الأوربي للعراق.
ولم يتوقف الأمر على هذه الجهات الدولية، بل وحتى الجامعة العربية التي بعد أن رأت كل هذا الدعم الدولي للعراق، هي الأخرى أعلنت دعمها في التفاتة نادرة، لكي لا ينكشف انحيازها للجهات الراعية والحاضنة للإرهاب في العراق.
لذلك نتمنى على الحكومة العراقية توظيف هذه الصحوة الدولية و الأممية مع العراق بمطالبة الأمين العام للأمم المتحدة والإتحاد الأوربي بتسمية وفضح ومعاقبة الحكومات التي ترعى الإرهاب وتوفر له الحواضن وتموله وتمده بالمال والسلاح مثل السعودية وقطر.

فماذا كان رد فعل محامي الإرهاب إزاء الدعم الدولي للعراق؟

قلنا مراراً أن نسبة من قياديي "كتلة العراقية"، ومعظمهم من خلفيات بعثية، دخلوا العملية السياسية كحصن طروادة لتفجيرها من الداخل. فهؤلاء لا تلائمهم الديمقراطية، فهم اعتادوا على المؤامرات والانقلابات العسكرية في السيطرة على السلطة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 إلى عام 2003. لذلك فطوال فترة مشاركتهم في حكومة الوحدة الوطنية كانوا يعرقلون أعمال الحكومة، وخاصة في مجال تقديم الخدمات وإعمار البلاد، ويدافعون عن الإرهاب بمختلف الطرق الملتوية والادعاءات الباطلة.

وأخيراً كشفوا عن وجوههم الحقيقية، إذ بدأت الحملة بالاستقالة الجماعية لـ 44 نائباً من إئتلاف (متحدون)، ودفاعهم المحموم عن النائب المتهم بالإرهاب أحمد العلواني الذي أُلقي القبض عليه بالجرم المشهود وهو يطلق النار على القوات المسلحة وقتل وجرح عدداً منهم.

فعن زيارة السيد بان كي مون للعراق، قال أياد علاوي رئيس كتلة العراقية في تصريح صحفي ان "زيارة الأمين العام للأمم المتحدة الى العراق كانت فاشلة وكان عليه اللقاء مع رؤساء عشائر الانبار وليس المسؤولين في الحكومة". وكأن السيد بان كي مون هو (أمين عام للمشيخات العشائرية المتحدة) وليس أمين عام للأمم المتحدة. فالبعثيون لم يكتفوا بإحياء العشائرية في العراق، بل ويسعون إلى عولمتها، ومنح العشائرية أهمية أكبر من الدولة.
أما القيادي الآخر في كتلة العراقية، السيد أسامة النجيفي، ففي لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة لم يعلن تضامنه مع حكومة بلاده في مواجهة الإرهاب، بل راح يشكو إليه عن "وسائل التعذيب الجديدة" التي تمارسها الحكومة ضد السجناء من المتهمين بالإرهاب. [كما وتداولت وسائل الاعلام ومواقع رقمية، خبراً نشر على موقع "ويكيليكس" يتحدث عن وثائق، تفيد بوجود اتصالات سرية بين كل من رئيس البرلمان العراقي اسامه النجيفي، والنائب احمد العلواني، بالمخابرات السعودية...]

أما صالح المطلك، المفروض به أن يقف بحزم ضد الإرهابيين بصفته نائب رئيس الحكومة، ورئيس كيان سياسي، إلا إنه ذهب إلى أمريكا ليؤلب على الحكومة ويعطي الحرب على الإرهاب بعداً طائفياً، ففي معظم تصريحاته ولقاءاته ردد ما مؤداه، وكما جاء في صحيفة واشنطن تايمز: "اتهم أحد أبرز الساسة السنة في العراق رئيس الوزراء نوري المالكي بإذكاء العنف الطائفي للحد من أصوات السنة في الانتخابات المقبلة، وانتقد إدارة أوباما لعدم بذلها المزيد من الجهد في بلد قامت الولايات المتحدة بتدميره".
كما و نشر المطلك مقالة كُتبت له ونُشرت مدفوعة الثمن في صحيفة (الوول ستريت جرنال) يوم 15 من الشهر الجاري بعنوان: (مقاتلة تنظيم القاعدة لن تحل الطائفية التي تمزق بلدي إربا). من كل ذلك يريد المطلك أن يقول للإدارة الأمريكية وللعالم، أن الحرب في الأنبار هي ليست على القاعدة وداعش، وإنما هي حرب نوري المالكي على السنة!! وإن هذا الصراع لا ينتهي بالحرب وإنما بالحل السياسي!
والغريب في الأمر أن مطالبة الحكومة بالحل السياسي مع الإرهاب لم يقتصر على قيادة تحالف "العراقية" من أمثال علاوي والنجيفي والملطلك، بل تعداهم إلى بعض القياديين في المجلس الإسلامي الأعلى، إما بسذاجة أو بدوافع اللعب على الحبلين والتزلف بمناسبة الانتخابات القادمة. وإذا كان دافعهم هو الانتخابات، فهم على خطأ كبير لأن الناخب العراقي ليس مع من يتساهل مع الإرهابيين الذين يتمادون في سفك دماء الأبرياء بالجملة في حرب الإبادة.
إن من يعتقد بأنه يمكن فتح حوار سياسي مع القاعدة وداعش الذي هو في معظمه من منتسبي جيش الحرس الجمهوري السابق ومن عتاة البعثيين الطائفيين، فهو في منتهى السذاجة في أحسن الأحوال. أما دعاة الحل السياسي من قيادة كتلة العراقية فهم ليسوا سذجاً مطلقاً، بل هم حماة والوجوه السياسية المرئية للإرهابيين. فما يسمى بالمطالب المشروعة للمحافظات الغربية هي نفسها مطالب جميع المحافظات العراقية، لأن معاناة المحافظات الوسطى والجنوبية هي أشد من غيرها، ولم يلجؤوا إلى الاعتصمات والتفجيرات والمفخخات ليفرضوا شروطهم بإبتزاز الحكومة عن طريق الإرهاب.
وإذا كان لدى هؤلاء شعور بالتهميش والغبن والعزل والإقصاء كما يدعون، ويرددها لهم في الخارج إعلاميون مأجورون، فليذكروها لنا إن كانت هي حقيقة، فالمحافظات السنية لها ممثلوها في البرلمان وفي الحكومة، وعندئذ يمكن حل هذه المشاكل بالوسائل السياسية إن كانوا صادقين. ولكنهم يعرفون جيداً أن المطالب المشروعة هي ليست مشكلتهم الحقيقية، بل مشكلتهم الرئيسية هي المطالب غير المشروعة، وهي إلغاء الديمقراطية والعملية السياسية برمتها وإعادة عجلة التاريخ إلى ما قبل 2003. وهذا مستحيل.
فهل حقاً هناك تهميش السنة في النظام الجديد، أم هو الإصرار على إفشال العملية السياسية برمتها وإلغاء الديمقراطية، وهو نوع آخر من الوهم لخدع الناس على طريقة "ثياب الإمبراطور الجديدة"؟
وهذا سيكون موضوع مقالنا القادم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- ياسين مجيد: الخاسرون في أزمة الانبار
http://alakhbaar.org/home/2014/1/161073.html
 
2- النص الرسمي لبيان مجلس الأمن بشأن أحداث محافظة الأنبار: المجلس يعرب عن دعمه الشديد للحكومة لمحاربة [داعش]
http://alakhbaar.org/home/2014/1/160913.html

3- الإرهاب السعودي يتنكر بزي منحة للجيش اللبناني
الأموال السعودية الملوثة بالطائفية والدماء تدمر سلام اللبنانيين والعراقيين والسوريين
http://www.aljaml.com/node/103698


332
شاكر النابلسي في ذمة الخلود

د.عبدالخالق حسين

ببالغ الحزن والأسى توفي في الولايات المتحدة الأمريكية في 14 كانون الثاني (يناير) 2014، وبعد معاناة طويلة من المرض، قطب من أقطاب الليبراليين العرب، بل عميدهم، الصديق العزيز الدكتور شاكر النابلسي، وقد ناهز الثالثة والسبعين من العمر وهو مازال في أوج عطائه الفكري التنويري.

كان فقيدنا نجماً لامعاً في المؤتمرات واللقاءات الفكرية التي تقام عبر القارات من أجل نشر الحداثة والفكر الليبرالي، ولمحاربة الجهل والتخلف في العالم العربي. كان حاملاً هموم كل العرب دون استثناء، ويتألم بعمق، حتى وهن قلبه وارتفع ضغطه، فكان يحمل معه كيساً من الأدوية في حله وترحاله. وكما قيل (لا مكان لنبي في وطنه)، اضطر النابلسي مغادرة وطنه الأردن ليسلم بجلده، وليقيم في كولارادو /أمريكا مع عائلته الكريمة مكرماً ومعززاً في بلاد "الكفار". ومن هناك، وبعد أن ضمن سلامته من ملاحقة الذئاب له، قام بمواصلة رسالته التنويرية، فنشر أكثر من ستين كتاباً، وعدة آلاف من المقالات والبحوث في الصحف العربية ومواقع الانترنت، إضافة إلى حضوره العديد من المؤتمرات والندوات، وعشرات اللقاءات التلفزيونية والإذاعية رغم متاعبه الصحية.

كرس النابلسي حياته للإصلاح السياسي والديني والاجتماعي في  البلاد العربية، والقضايا الإسلامية، بالإضافة إلى كونه باحث ليبرالي في الفكر العربي، ويصنف بـ"الليبراليين الجدد"  في المنطقة العربية، كما وصف البعض أفكاره بـ"الراديكالية" و"المتطرفة"، وهو لم يكن كذلك، بل كان في غاية الإعتدال، وقد عارض الكثير من الكتاب الذين كانوا ينتقدون الإسلام بعنف، ويمسون معتقدات المؤمنين، مؤكداً لهم أن هذه السياسة تؤدي إلى المزيد من التخندق والتشدد من قبل المؤمنين، ويخدم الإسلاميين المتطرفين. وكان متفائلاً  بمستقبل العرب، وحتى بالوضع السعودي، ففي كثير من المرات كنا نتحاور عبر الهاتف، فيؤكد لي أن النظام السعودي يحث الخطى نحو الحداثة، ولكن بالتدريج ودون خلق هزات عنيفة وردود أفعال قوية من القوى الرجعية وعلى رأسها شيوخ الوهابية.

وهو أحد المفكرين الأربعة الذين قدموا دعوى إلى الأمم المتحدة لملاحقة كل رجل دين يفتي بقتل المثقفين العرب بسبب الاختلافات الفكرية. كما وكان أحد المؤسسين والموقعين على إعلان سان بطرسبرج عام 2007 الذي دعى المجتمعات الإسلامية لمعارضة حكم الشريعة الإسلامية لأنها لا تلائم المرحلة.
إن أهم ما يميز فكر النابلسي هو التفاؤل في نظرته نحو العلمانية في العالم العربي فقد رأى أن انتصارها هو نتيجة حتمية، إذ قال في صفحته على الويكيبيديا:» ونحن نتصور بأن يستمر تجاذب الأطراف على هذا النحو طيلة القرن الحادي والعشرين بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة العلمانية، مع يقيننا بأن التيار العلماني هو الذي سيتغلب في النهاية، ولنا في ذلك أسبابنا التالية: إلغاء المحاكم الشرعية في معظم الدول العربية وإنشاء المحاكم المدنية بقوانين وضعية، وفي بعض الدول بقيت المحاكم الشرعية ولكن قُلصت صلاحياتها بحيث اقتصرت على النظر في القضايا التي لها علاقة بالدين كالزواج والطلاق والإرث ومسائل الوقف وخلاف ذلك - إلغاء إقامة الحدود والعقوبات الشرعية من رجم وجلد وتعزير وقطع رقبة في معظم البلدان العربية، واستبدالها بعقوبات مدنية موضوعة - زوال العهد العثماني رمز الدولة الدينية، وزوال الاستعمار الغربي الذي من أجله حوربت الدولة العلمانية - وأخيراً، فإن سقوط الاتحاد السوفياتي وانمحائه من الخارطة السياسية العالمية وانفراد أمريكا –والغرب العلماني إلى جانبها- في قيادة العالم والتأثير عليه سياسياً وعلمياً واقتصادياً، ووقوف أمريكا ضد الدولة الدينية..، كذلك محاربتها ومعاقبتها ومطاردتها للجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط والأقصى قد شدَّ من ساعد التيار العلماني في الوطن العربي، وسوف يشدُّ من ساعده أكثر فأكثر في القرن الحادي والعشرين ويشجع الدولة العربية الحديثة على المزيد من التطبيقات العلمانية«.

كباحث قدير، أهتم النابلسي بتاريخ العرب قبل وبعد الإسلام، وفي هذا السياق يلوم ما حصل للمصادر التاريخية لمرحلة ما قبل الإسلام من تلف متعمد، فقد رأى النابلسي أنهم تعرضوا للظلم والحيف بسبب أن الإسلام قام بتعمية ذلك التاريخ وأغلق دونه حجاباً، فيقول في هذا الخصوص: »من الصعوبات التي يواجهها الباحث في هذا الشأن، إشكالية أنه قد تمَّ التعتيم على تاريخ ما قبل البعثة المحمدية تعتيماً يكاد يكون تاماً على اعتبار "أن الإسلام يجبُّ ما قبله"، أي أن الإسلام يُلغي ما قبله، ولم يكُ بين أيدينا غير شعر ما قبل الإسلام (ق.س)، وبعض روايات الإخباريين، وهذا هو حال صراع الأيديولوجيات في التاريخ، فكلما جاءت أيديولوجيا ألغت سابقتها، ورمتها بالجهل والتخلف والانحلال، وتصدرت هي واجهة التاريخ وحدها، وكان كل ما سبقها جهلاً وجهالة وسفهاً وسفاهة، ومن العهود البائدة، والأزمنة الفاقدة«.
قبل أشهر خسرنا علَماً من أعلام الليبراليين، وهو العفيف الأخضر، وقبله حامد نصر أبو زيد، ومحمد أركون، واليوم نخسر علماً شامخاً آخر وهو شاكر النابلسي، لا شك إن في رحيله خسارة كبيرة للعرب لا تعوض، وبالأخص لنا نحن الإصلاحيين والليبراليين، ولكن تبقى أفكارهم تنير الدرب للجيل الصاعد والأجيال القادمة.
كان النابلسي إصلاحياً بكل معنى الكلمة، ولم يكتف بالجانب النظري بنشر الأفكار التنويرية ودفاعه عن الديمقراطية والحرية وحرية التعبير فحسب، بل وكان نصيراً للأقليات القومية والدينية المضطهدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولترجمة ذلك إلى عمل، حضر العديد من المؤتمرات التي أعدها الأخوة الأقباط في تنظيم (أقباط متحدون) بقيادة المناضل الراحل المهندس عدلي أبادير يوسف. وقد تشرفتُ بحضور مؤتمرين منها، الأول في واشنطن عام 2005، حيث حظيتُ بلقاء الصديق العزيز النابلسي لأول مرة رغم أننا كنا متعارفين فكرياً وعن بعد عبر قراءة مقالات بعضنا البعض، ومن ذلك اللقاء توطدت الصداقة بيننا.
ثم أسعفني الحظ ثانية بلقاء الصديق الكبير في آذار/مارس 2007، فكان لي شرف الحضور مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط في زيورخ، والذي نظمته منظمة (الأقباط متحدون) أيضاً برئاسة الصديق الراحل عدلي أبادير يوسف، حيث ألقيتُ مداخلة بعنوان (محنة الأقليات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، وتوصل المؤتمر إلى تأسيس منظمة (الدفاع عن حقوق الأقليات والمرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) برئاسة الفقيد النابلسي. كما وحضر فقيدنا مؤتمراً للأكراد في كردستان العراق والتقى بالرئيس العراقي والزعيم الكردي السيد جلال طالباني.
ثم التقينا ثالثة في مؤتمر روما لٌلإصلاح الذي نظمته مؤسسة (المصلح) برئاسة الصديق الأكاديمي الدكتور ستيفن أولف، في كانون الأول/ديسمبر 2011.
لا شك أن رحيل الدكتور النابلسي خسارة كبيرة للحركة الإصلاحية والليبرالية، ولنا نحن من قرائه ومحبيه وأصدقائه، ولي شخصياً كصديق عزيز، سأفتقده كثيراً إذ كنت أتجاذب معه أطراف الحديث وتبادل الأفكار عبر الهاتف بين حين وآخر، أسعد بأحاديثه الشيقة والمفيدة واستمتع بضحكاته العميقة. وبهذه المناسبة نقدم عزاءنا الحار لعائلته الكريمة وكافة محبيه، نرجو لهم الصبر والسلوان، ولفقيدنا العزيز الذكر الطيب.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
ــــــــــــــــــــــــــ
  أرشيف مقالات الدكتور شاكر النابلسي على موقع (الحوار المتمدن)
http://www.ahewar.org/m.asp?i=171

رابط مقالات المرحوم شاكر النابلسي المنشورة في "الأخبار"
http://akhbaar.org/home/for-the-author/?auid=6

333
من المستفيد من توجيه تهم الفساد إلى الشخصيات الوطنية؟

د. عبدالخالق حسين

لا شك أن أخطر ما يهدد العراق اليوم هو الإرهاب والفساد. والأشد خطورة أن لكل من هذين الشرين امتداد ودعم من قبل مسؤولين متنفذين في كل مفاصل النظام الجديد. فقد شاهدنا كيف قدم 44 نائباً من كتلة (متحدون) استقالاتهم احتجاجاً على ضرب الجيش لأوكار الإرهابيين في محافظة الأنبار... وكذلك الفساد له جذوره العميقة، حيث صار أداة لتصفية حسابات لحرق الأخضر بسعر اليابس وذلك بتوجيه اتهامات كيدية ضد شخصيات وطنية معروفة بتضحياتها من أجل الوطن.

لقد علمنا من وكالات الأنباء خبراً مفاده أن "مجلس القضاء الأعلى"، قد أصدر مذكرة القاء قبض يوم الإثنين 9 كانون أول 2013، بحق السيد سمير شاكر الصميدعي، سفير العراق في واشنطن سابقاً، بتهمة تعود إلى الفترة القصيرة التي شغل فيها منصب وزارة الداخلية وهي شهرين فقط قبل تسع سنوات. وكما أوضح السيد الصميدعي في تصريح له نشر على مواقع الانترنت، أن الدائرة المالية في الوزارة وضعت تحت تصرفه "سلفة مستديمة" مقدارها حوالي أثنى عشر ألف دولاراً لإنفاقها على الحمايات، وأمور أخرى من باب النثرية لنفقات مكتب الوزير، وهو العرف المتبع الذي سار عليه الوزراء قبله وبعده مباشرة. ولما ترك الوزارة أعاد ما تبقي من النثرية إلى الدائرة المالية، وترك سجل المصروفات ذلك في مكتب الوزير، وقام بإجراءات براءة الذمة عن فترة خدمته كعضو في مجلس الحكم، وكوزير للداخلية، ثم عهد إليه بمنصب ممثل العراق الدائم في الأمم المتحدة، ومن ثم سفير العراق لدى الولايات المتحدة من 2006 حتى بداية 2012.

ومن كل ما تقدم، نعرف أن توجيه هكذا تهمة عن مبلغ زهيد في وزارة سيادية، وبعد عشر سنوات من تركه الوزارة، وحصوله على براءة الذمة في وقتها، وضد شخصية وطنية معروفة بمكانتها النضالية، لا بد وأن يثير الكثير من الشكوك حول الأغراض الحقيقية وراء هذه التهمة.
فتاريخ السيد الصميدعي معروف لنا، حيث بدأ حياته السياسية كيساري، وفي عهد الطاغية صدام حسين، وكغيره من ملايين العراقيين، أضطر إلى الهجرة وأقام في لندن، وشارك مع زملاء له في تأسيس تنظيم (إتحاد الديمقراطيين العراقيين في بريطانيا)، وكنت أحضر مؤتمراتهم السنوية. وقد ناضل الرجل بإمكاناته الجيدة، فهو متعدد المواهب، سياسي، وأديب وشاعر مرهف، لذلك كان قد قارع النظام الفاشي البائد على جميع الصعد، وبالأخص في الإعلام البريطاني والعربي، فساهم في الكثير من المقابلات والندوات التلفزيونية والإذاعية، وكتب في الصحافة الغربية والعربية، والعراقية في المهجر عن القضية العراقية في عهد صدام. ولما سقط النظام الفاشي، كان من أوائل الذين عادوا إلى العراق لتحمل مسؤوليته في بناء العراق الجديد، فشغل المناصب الرفيعة التي أشرنا إليها في أعلاه. وكما أعرفه شخصياً، فالسيد الصميدعي ضد الطائفية، وحريص جداً على إنجاح العملية السياسية، وأدى دوره خلال السنوات العشر الماضية من خدماته في مختلف المناصب بمنتهى المهنية.

نحن مع الحكومة في محاربة الإرهاب والفساد وبناء العراق الجديد على أسس علمية رصينة، وترسيخ حكم القانون، ودولة المواطنة والعدالة الاجتماعية. ولكن يبدو أن هناك أشخاصا استغلوا تفشي الفساد في دوائر الدولة لأغراض كيدية، ولتصفيات سياسية، وخاصة في هذا الوقت حيث اقتراب الانتخابات البرلمانية. لا شك إن توزيع الاتهامات بالفساد يميناً وشمالاً وبشكل عشوائي، له أضرار بليغة بحق الوطنيين المخلصين الذين كرسوا حياتهم لخدمة الشعب والوطن، ناهيك عن استغلال البعض هذه التهمة للتأليب ضد الحكومة. فخلط الحابل بالنابل يخدم الفاسدين المرتشين الحقيقيين، ويشل نشاط الموظفين المخلصين الحريصين على سمعتهم، لأن الفاسدين لا يبالون بسمعتهم، ويعرفون كيف يتخلصوا من العقاب من أمثال حازم الشعلان وأيهم السامرائي، كما ويجعل الشعب أقل اهتماماً بهذه المسألة لأن فيها الكثير من التشويش والشكوك.
لقد أخبرني صديق عراقي، وهو أكاديمي متميز، يشغل كرسي الأستاذية في جامعة لإحدى الدول الغربية العريقة، يزور العراق بين حين وآخر تطوعاً للمساهمة في رفع مستوى الجامعات العراقية، نقل لي هذا الصديق أخباراً مقلقة عن رعب المسؤولين في الجامعات والمعاهد العراقية من تعرضهم لتهمة الفساد العشوائية، فقال في رسالة له مشيراً إلى محنة السيد الصميدعي:
"... هذه هي حال الدولة العراقية هذه الأيام، كل مسؤول او موظف متهم بالفساد، وكل ما ازور العراق اسمع عشرات القضايا حول تهمة الفساد ضد ناس في الجامعات، قضايا في نظري تافهة، وإذا بهم يتعاملون معها وكأنها أساسية ومصيرية، وقد تؤدي بالمتهم الى السجن وباتهامات باطلة. ان هذه الحالة وحسب معرفتي قد ادت الى شل حركة الجامعات، فبالرغم من ان رؤساء الجامعات والعمداء عندهم صلاحيات الصرف، ولكنهم لا يستفيدون منها لتخوفهم من هيئات النزاهة، فيرجعون مرة أخرى الى الوزير لأخذ موافقته حتى لا يقع بالمصيدة. وإذا ما صادف الوزير في مهمة خارج العراق، فهذا يعني تعطيل أعمال هؤلاء المسؤولين. نفس الكلام ينطبق على بقية دوائر الدولة، الأمر الذي أدى إلى عرقلة نشاطاتها. فقضية سمير مسألة سياسية لأن هناك من يضمر له الشر وقد قام بالتنبيش، فلم يجد إلا هذا الشيء البائس ليتهمه وهذا كاف في العرف السياسي."
وصديق آخر وهو كاتب وإعلامي كبير أخبرني عن مثال آخر في اتخاذ الفساد ذريعة لتصفية حسابات ضد الخصوم السياسيين المخلصين فقال: "أحمد البراك هو الآخر شخصية وطنية ليبرالية غير طائفية من الحلة يرزح في السجن منذ سنة وثمانية أشهر لسبب تافه... الطائفيون بخير لأن الطائفة تقف وراءهم... بينما الوطنيون مهددون وملاحقون لأنه لا وطن يقف معهم... فالوطن اختزل بالطوائف."

إن معظم المخلصين المؤازرين للنظام الجديد، والحريصين على إنجاح العملية السياسية وخلاص شعبنا من الإرهاب والفساد، وكل مخلفات العهد البعثي البائد، يعتقدون أن الغرض من توجيه هكذا تهمة للوزير والسفير السابق السيد سمير الصميدعي، وبعد عشر سنوات من تركه الوزارة على مبلغ لا يعد شيئاً مقارنة بحجم المبالغ الضخمة التي يسرقها الفاسدون الحقيقيون، يرون أن الغرض من هذه التهمة هو تصفية حسابات سياسية وتلويث السمعة ليس غير.

ورغم كون التهمة موجهة من سلطة قضائية، إلا إنه لا بد من جهات سياسية قامت بفبركة هذه التهمة، لذلك، أناشد دولة رئيس الوزراء، وكل  المخلصين من أصحاب الضمائر الحية بالتدخل للتحقيق في البحث عن أساس هذه التهمة، وغلق ملفها، ومحاسبة أولئك الذين أثاروها لأغراض كيدية وتصفيات سياسية... إن السياسيين المخلصين بحاجة إلى حماية، وبدون هذه الحماية لن يبقى للنظام الجديد من مخلصين يحمونه، وهذا خطر يهدد العملية السياسية برمتها لا يستفيد منها غير أعداء الديمقراطية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- الصميدعي لـ"المسلة": صدور مذكرة اعتقال بحقي بسب..
http://www.krtkrt.com/@almasalah/28145

2- لقاء قناة البغدادية مع السيد سمير الصميدعي، مساء 27/12/2013 مدة الفيديو 58 دقيقة، الفترة الخاصة بمقابلة السيد الصميدعي من الدقيقة 24 إلى 58.
http://www.youtube.com/watch?v=CPxOAAgG6kk&feature=c4-overview&list=UUjN7GohXU00fynUQD2UMYy

334
نواب يمثلون الواجهة السياسية للإرهاب

د.عبدالخالق حسين

الوضع العراقي غريب وعجيب وفريد من نوعه، ففي جميع دول العالم إذ ما تعرض أي بلد إلى هجوم إرهابي، أو حرب، أو كارثة طبيعية، تترك المعارضة خلافاتها جانباً وتقف مع الحكومة، ولكن في العراق يحدث العكس، فالمعارضة تقف مع الإرهاب، بل هناك كيانات سياسية أثبتت أنها امتداد وواجهة سياسية مكشوفة للإرهاب، وغرضها من المشاركة في العملية السياسية هو تدميرها من الداخل، ناهيك عن تآمرها وسعيها لتحقيق أجندات أجنبية ضد مصلحة الشعب العراقي.
وحتى الحكومات الأجنبية تتضامن مع، وتدعم أية حكومة يتعرض شعبها للإرهاب والكوارث الطبيعية، ولكن في العراق الأمر يختلف، إذ هناك حكومات عربية رغم أنها تحارب الإرهاب في بلدانها، إلا إنها تدعمه في العراق، كما هو موقف السعودية وقطر وتركيا. وبلدان أخرى تشكك عبر وسائل إعلامها في نوايا الحكومة العراقية في حربها على الإرهاب، فتعطيها بعداً طائفياً، والإدعاء أن هذه الحرب هي على السنة "المهمشين" وليس على الإرهاب.
ظهر ذلك جلياً وبدون أي لبس أو تأويل، حين شنت قواتنا الباسلة هجوماً ساحقاً على أوكار القاعدة البعثية (داعش) في صحراء الأنبار، فأعلن ائتلاف متحدون الذي يرأسه رئيس مجلس النواب، أسامة النجيفي، "تقديم نوابه استقالاتهم من عضوية مجلس النواب احتجاجا على الاحداث الجارية في محافظة الانبار ". كما أعلن النجيفي انسحابه من وثيقة الشرف الوطني والسلم الاجتماعي "لتنصل رئيس الوزراء نوري المالكي من بنودها" حسب ادعائه. والمقصود بهذه الحجة هو، إعلان المالكي الحرب على الإرهابيين في محافظة الأنبار. كما وقرأنا أن ويكيليكس قد كشف مؤخرا أن أسامة النجيفي، مثل أحمد العلواني، لديه اتصال هاتفي مباشر مع الأمير بندر بن سلطان السعودي. وكذلك نعرف سفراته المكوكية وتنقلاته بين الدول الخليجية وتركية باتت مكشوفة. كما وطالب أياد علاوي، رئيس كتلة العراقية، المالكي بإخراج الجيش من مدن الانبار.

فماذا يعني استقالة هؤلاء النواب الجماعية من البرلمان احتجاجاً على شن الجيش حربه على أوكار القاعدة البعثية الإرهابية؟ ألا يعني، ويؤكد وقوفهم مع الإرهاب وكونهم الواجهة السياسية والوجوه المرئية للإرهاب، في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب إلى القتل الجماعي من الإرهابيين؟ فلو حصل هذا الموقف من نواب أو أي كيان سياسي في أي بلد آخر، لتعرض هؤلاء إلى تهمة الخيانة العظمى، و وُضعوا وراء القضبان في السجون، أو حتى أُعدموا، ولكن في العراق هذا السلوك مسألة عادية!!. والسبب هو أن أي إجراء تتخذه الحكومة ضد الإرهاب يُفسَّر بالطائفية، لا لشيء إلا لأن رئيس الحكومة شيعي، وجميع الإرهابيين في داعش هم من السنة، لذا فالمطلوب من الحكومة، في هذه الحالة، أن تسكت عن الإرهابيين ليواصلوا حرب الإبادة على الشعب. ولكن عندما تقع تفجيرات وهجمات إرهابية، يملؤون الدنيا صراخاً ونعيقاً يدَّعون أن الحكومة ضعيفة لا تستطيع حماية الشعب، وإذا ما تحركت القوات الأمنية ضد الإرهابيين قالوا أنها بدوافع طائفية والمالكي يستهدف السنة!!!

وليت الأمر توقف عند نواب إئتلاف (متحدون)، ووزرائهم الذين انسحبوا من جلسة مجلس الوزراء ولنفس السبب، بل تعداه إلى عدد من وسائل الإعلام مثل صحيفة المدى، وكتاب محسوبين على اليسار، وقفوا إلى جانب الإرهابيين بلا خجل أو وجل، وعندما تعاتبهم: ("لماذا تتهجمون على المالكي في الوقت الذي يجب عليكم مهاجمة الارهاب؟"، أجاب أحدهم: "يجب عدم الوقوف مع الحاكم الاسلامي!!") (كذا).
يعني في رأي هذا المتياسر الفاقد بوصلته، يجب الوقوف مع الإرهاب نكاية بالمالكي، وكأن الوطن ملك المالكي. بل وبلغ بهم الحقد إلى حد أن راحوا يسمون الجيش العراقي بـ"جيش المالكي!" و"الجيش الشيعي"، من أجل الاستعداء عليه. وإذا ما نشرت السلطة لقطات فيديو عن انتصارات جيشنا على فلول الإرهاب وهم يفرون كالجرذان المذعورة، وجثثهم منتشرة في الصحراء، أدعوا أن هذه الصور مزيفة، وهي مأخوذة من أفغانستان قبل سنوات ولا علاقة لها بالعراق!!، ويلحون في تثبيط معنويات جنودنا الأشاوس، المعَّرضين للشهادة من أجل الشعب. هذا الموقف البائس ناتج عن التعصب الأيديولوجي، ودليل على دور الأيديولوجيات المتحجرة في تبليد الأدمغة المتكلسة، وتدمير العراق وتفتيت الوحدة الوطنية.
والسؤال الذي نطرحه على هؤلاء المؤدلجين هو: هل المالكي "الإسلامي" فرض يوماً أيديولوجية حزبه على الشعب كما فعل حزب البعث الفاشي بشكل ممنهج؟ فأين كنتم أيها المتياسرون يوم فرض البعث الصدامي أيديولوجيته الفاشية على الشعب كله؟ فبدلاً من معارضته تحالفتم معه، والذي أنتهى بمأساة. فمتى يتعلم هؤلاء الدرس من خيباتهم وهزائمهم؟ يقول لينين: "اليسار المتطرف واليمين المتطرف يلتقيان، ولكن عند حوافر الفرس". وهكذا نرى المتياسرين الجدد يقفون اليوم مع القاعدة البعثية الفاشية وهي تفتك بأرواح شعبنا، ومع ذلك يلقون اللوم على الأحزاب الإسلامية إذا ما لفضتهم الجماهير في الانتخابات، في حين يجب أن لا يلوموا إلا أنفسهم لفشلهم قراءة الواقع ومتطلبات المرحلة، لأنهم مازالوا يعيشون في كهوف أيديولوجياتهم المظلمة، فهم كالخفافيش لا يقوون الرؤية في نور شمس الحرية.

ولم يتوقف الأمر عند نواب (متحدون) وصالح المطلك، والهارب طارق الهاشمي في دعوة الجيش بالانسحاب من مقاتلة الإرهابيين، بل تعداه إلى شخصيات سياسية موالية للحكومة مثل السيد بيان جبر صولاغ، القيادي في التحالف الوطني، والذي ركب موجة التزلف والرياء في "المطالبة بسحب افواج الجيش العراقي من الانبار". فاستجابت الحكومة لهذه النداءات على مضض من أجل تهدئة الوضع. فماذا كانت النتيجة؟
النتيجة أن استغلت فلول داعش الفراغ الأمني في داخل مدينة الرمادي والفلوجة، فهجمت على مراكز الشرطة والدوائر الحكومية واحتلت المدينتين وأشعلت النيران في المؤسسات الحكومية، الأمر الذي كلف باهظاً استعادتهما وبطلب وإسناد عشائر الأنبار الأشاوس. وكما قال النائب ياسين مجيد أن "ذئاب داعش ظهرت في الانبار وهي تقتل وتذبح بعد انسحاب الجيش بدعوة متحدون، فهل هناك تنسيق بينهما؟". الجواب واضح.
هذه الأمور الشاذة لن تحدث إلا في العراق. وهذا درس يجب أن يتعلمه المسؤولون المخلصون بعدم الإذعان والاستجابة لمطالبات صادرة من قيادات، إما متعاطفة مع الإرهابيين، أو بدوافع انتهازية.

وهناك رجل الدين، الشيخ عبد الملك السعدي، الذي ظهر علينا قبل عامين مع بدء الاعتصامات، فتظاهر بالورع والوقار والحيادية، وأدعى أنه لا يفرق بين طوائف المسلمين، فاستبشرنا به خيراً، ولكن ما أن كسب ثقة الناس حتى وبدأ يصدر فتاوى ضد الحكومة وإثارة الفتن الطائفية... فتاوى تدعم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام= داعش" المرتبط بالقاعدة. بل وراح يدعو العشائر إلى قتال الجيش العراقي والقوات الأمنية “إلى الدفاع عن العقيدة والعرض والأرض” حسب ما جاء في إحدى فتاواه. هذا التحريض على الفتنة الطائفية لا يمكن أن يصدر من رجل دين حقيقي، بل من بعثي طائفي تلبس بالدين، وليستغل الدين لهلاك الزرع والضرع. وهو بالتأكيد يتحمل مسؤولية إراقة الدماء في الأنبار، وعلى المسلمين فضحه.
قلنا في مقال سابق، أن الإرهاب الإسلامي الوهابي المدعوم من السعودية وجهات خليجية أخرى، هو طاعون العصر، ومتفشي في جميع القارات الخمس. والملاحظ أن جميع البلدان العربية وغيرها تحارب الإرهاب في بلدانها دون أن تتعرض إلى أية ضغوط محلية أو دولية إلا العراق، وهناك أمثلة كثيرة نذكر منها:
* قبل عام اكتشفت الحكومة الإماراتية مؤامرة تخططها جماعات الأخوان المسلمين للاستيلاء على السلطة، فألقت القبض عليهم وحاكمتهم، وزجت بهم في السجون. ولم يعترض على الحكومة الإماراتية أحد، ولكن لو حصل ذلك في العراق لأقاموا الدنيا، واتهموا المالكي بالطائفية وأنه يستهدف السنة. 
* كما وقامت الحكومة المصرية بالهجوم المسلح على اعتصام الأخوان المسلمين في مسجد رابعة العدوية في القاهرة وقتلت منهم العشرات وأصابت المئات، ومازالت الصدامات المسلحة مستمرة بين القوات الأمنية وفلول الأخوان المسلمين إلى اليوم، كما وأعلنت الحكومة أن حزب الأخوان المسلمين تنظيم إرهابي محظور. فلو حصل ذلك في العراق لأعطت الحكومات العربية ووسائل إعلامها بعداً طائفيأ لهذه الاجراءات الأمنية الضرورية. والجدير بالذكر أن الاعتصمات في العراق تم فضها بدون إراقة دماء وبناءً على طلبات العشائر السنية نفسها.

خلاصة القول، يخوض جيشنا الباسل والقوات الأمنية، وبإسناد من عشائر الأنبار الأشاوس معركة المصير لتطهير العراق من رجز الإرهابيين، وعلى جميع المخلصين دعمهم بكل ما أوتوا من قوة. ومن يقف مع الإرهاب فمصيره في مزبلة التاريخ.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
عزت يوسف إسطيفان: تعقيب على مقال د.عبد الخالق حسين [تحية لجيشنا الباسل في حربه على الإرهاب]
http://alakhbaar.org/home/2014/1/160435.html

د. مؤيد عبد الستار: نواب المجلس ... بين الاستقالة والزعل
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=394070

نائب يحمل عبدالملك السعدي مسؤولية الدماء بالأنبار
http://arabic.cnn.com/2014/middle_east/1/2/allaq.saadi/

صولاغ يطالب بسحب افواج الجيش العراقي من الانبار
http://www.qanon302.net/news/2014/01/03/8718

صحيفة بريطانية: أصدقاؤنا السعوديون هم الذين يمولون جرائم القتل الجماعي
http://alakhbaar.org/home/2014/1/160391.html
 
فضيحة كبيرة لكتلة متحدون يفجرهما موقع ويكليكس | صدى الحقيقة
http://www.sdhnews.com/?p=24960

سالم مشكور:  "البنادرة"  العراقيون!! 
http://alakhbaar.org/home/2014/1/160509.html

335
تحية لجيشنا الباسل في حربه على الإرهاب

د.عبدالخالق حسين

الحرب على الإرهاب مطلب وطني وإنساني وحضاري وعالمي. فالإرهاب الإسلامي الوهابي المتمثل بالقاعدة وفروعها وتحت مختلف الأسماء (جبهة النصرة، داعش، جيش محمد، بكوحرام في نايجريا، وحركة الشباب الإسلامية في الصومال، فتح الإسلام في لبنان، طالبان في أفغانسان وباكستان، ولشكر طيبة في باكستان وكشمير، ومنظمات إرهابية أخرى بمختلف الأسماء في مالي، وبلدان شمالي أفريقيا وغيرها، أصبحت قوة تدميرية خطيرة تهدد البشرية كلها، ومحاربتها هي معركة مصيرية واجبة على الجميع، تتطلب تضافر جهود دولية، فهي بحق الحرب العالمية الثالثة.

ولا نغالي إذا قلنا أن أكثر شعب عانى من الإرهاب هو الشعب العراقي، حيث دفع من الضحايا منذ سقوط حكم البعث عام 2003 وإلى الآن نحو 130 ألف شهيد، وفي هذا العام 2013 وحده بلغ عدد الضحايا أكثر من 8 آلاف شهيد.
إن مشكلة الإرهاب في العراق أكثر تعقيداً مما هو في أي بلد آخر، إذ اختلط الإرهاب الذي تشنه القاعدة بجهات إرهابية أخرى من بينها فلول البعث، إضافة ألى الصراع الطائفي، وصراع الكيانات السياسية، والمكونات السكانية على السلطة.
فكما ذكرنا في مقال سابق بعنوان (البعث والقاعدة وجهان لتنظيم إرهابي واحد)، هذا الخليط فسح المجال أمام فلول البعث للاندماج بالقاعدة والسيطرة عليها وتوجيهها لأغراضه في العراق، ومواصلة جرائمه ضد الشعب باسم القاعدة. كما واستفاد الطائفيون ومن بينهم شركاء في الحكومة والبرلمان ليعيقوا عمل الحكومة في مواجهة الإرهاب، وهم بذلك يلعبون على الحبلين ضد الحكومة التي يشاركون فيها. وما مشاركة هؤلاء بالعملية السياسة إلا للقيام بدور حصان طروادة لتدميرها من الداخل.

فهؤلاء الشركاء هم الوجه المنظور من الإرهابيين بغطاء سياسي "مشروع". فإذا ما وقعت جريمة إرهابية ضد الشعب رفعوا عقيرتهم بالصراخ مدعين أن الحكومة ضعيفة لا تستطيع حماية الشعب. ولكن ما أن تقوم الأجهزة الأمنية و القوات المسلحة بواجبها الوطني في مواجهة الإرهابيين حتى وخرجوا علينا صارخين ثانية بأن الإرهاب قضية أمنية داخلية، ولا يجوز زج الجيش فيها. وآخرون من أمثال النواب: سليم الجبوري، وحيدر الملا، وطلال الزوبعي وغيرهم من كتلة العراقية، راحوا يذرفون دموع التماسيح على حقوق الإنسان، مدعين في وسائل الإعلام أن العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة في الأنبار هي عمليات ضد المدنيين العزل، وعلى الحكومة إيقافها فوراً. ولما ألقي القبض على النائب أحمد العلواني بالجرم المشهود وهو يواجه القوات المسلحة بالنار، قامت كتلته (متحدون) تطالب بإطلاق سراحه فوراً.
والجدير بالذكر أن قوة مشتركة من الجيش وقوات الطوارئ (سوات) اتجهت في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة 12/12/2013 الى منزل علي سليمان، شقيق النائب في القائمة العراقية احمد العلواني، ولم يكن الأخير هو المطلوب للقبض عليه، إلا إنه ساهم في الاشتباك  مع حراسهما لأكثر من ساعة، قتل فيها علي سليمان، وجرح ابن عمه، اضافة الى 15 آخرين من حمايته وافراد اسرته، فقامت القوات بإلقاء القبض على أحمد العلواني بالجرم المشهود.

فعندما يتعرض أي شعب للإرهاب، تتعاطف جميع الحكومات مع ذلك الشعب وحكومته ضد الإرهاب. كما وتقف المعارضة مع الحكومة ضد أي خطر يهدد الشعب، ولكن المشكلة تختلف في العراق، فعندما يتعرض شعبه للإرهاب أو أي خطر آخر تقف المعارضة مع الإرهاب وتعمل على تكبيل الحكومة من أخذ أي إجراء ضد الإرهاب. وهكذا نرى اليوم  كتلة "العرقية" ومعها بعض الحكومات العربية وإعلامها بإدانة إجراءات الحكومة العراقية ضد الإرهابيين وتحت مختلف المعاذير الزائفة.
لقد بات واضحاً أن بعض المشاركين في السلطة هم شركاء في الإرهاب أيضاً، وأوضح مثال هو مشاركة طارق الهاشمي (نائب رئيس الجمهورية)، ورافع العيساوي (وزير المالية سابقاً) وأسعد الهاشمي (وزير الثقافة سابقاً)، التي باتت معروفة لدى القاصي والداني. ولأسباب طائفية، يتلقى هؤلاء الدعم المالي والإعلامي من بعض الحكومات العربية، وخاصة من السعودية وقطر، وبعض دول الجوار مثل تركيا.

إن اندماج فلول البعث بالقاعدة، والصراع الطائفي على السلطة جعل من مواجهة الإرهاب في العراق عملية صعبة. ولزيادة الطين بلة، هناك كيان سياسي شيعي باسم (التيار الصدري)، أغلب أعضائه بعثيون شيعة وجدوا ملاذهم الآمن في هذا التيار الذي هو الآخر نراه يتغازل مع الإرهابيين بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك من خلال افتعال أزمات وصراعات مع رئيس الحكومة، والتشكيك بأية عملية ضد الإرهابيين.
بعد نشر مقالي الأخير المشار إليه أعلاه، استلمتُ العديد من التعليقات القيمة التي اعتبرها مكملة للمقال، لذا، أرى من المفيد نقلها هنا تعميماً للفائدة:
التعليق الأول، هو للدكتور هاني شاكر محسن، على موقعه في الفيسبوك يقول: ".. اود التعليق على فقرة وردت في المقال ذكرتَ فيها عن خبث ودهاء البعثيين في عقد التحالفات... وآخرها مع الصدريين لاستخدامهم كحصان طروادة. انا اجزم لك ولكل قرائك بأن لا حاجة للبعثيين لنهج هكذا اسلوب مع الصدريين، والسبب هو أن اغلب البعثيين الشيعة هم في التيار الصدري، ولهذا لا حاجة للمغازلة، كل المشاكل التي خلقها الصدريون في الحكومة هي من صميم البعث واسلوبه. أوجه لك سيدي سؤالاً: اين ذهبت القيادات البعثية والكادر الحزبي في المحافظات الجنوبية؟ وهل البعثي السني يختلف عن البعثي الشيعي؟؟ إن خطر الصدريين (البعثيين الشيعة)، اشد وأعظم من غيرهم لأنهم في هيكل التحالف الوطني وهيكل الحكومة... ".

كذلك وصلتني رسالة من صديق قال فيها: (ستكون قضية اعتقال أحمد العلواني ومقتل اخيه هي الموضوع الذي سوف يستعمله الطغمويون! ويوجه الموضوع ضد العمليات العسكرية، وأتوقع ان تعمل زمرة المطلك والنجيفي الآن مع السفير الأمريكي لفبركة الموضوع، والضغط على الحكومة دوليا لإيقاف العمليات، ويستعمل نفس السناريو في الحويجة، وبدأت الحملة الإقليمية والداخلية لتشويه العملية العسكرية ضد داعش، ودعم قوى الإرهاب ومن يعمل معها).
وهذا بالضبط ما يجري الآن، إذ نقرأ عناوين لتصريحات من قياديين في كتلة العراقية مثل:
* "جبهة المطلك تحذر من اقتحام الاعتصامات وتعلن: المطلك يبذل جهودا لمنع تحويل الخلاف السياسي الى نزاع طائفي".
* "متحدون تطالب باطلاق سراح العلواني وتشكيل لجنة للتحقيق في مقتل شقيقه"
* "انتصار علاوي: دعوة وزراء العراقية للانسحاب من الحكومة جاءت لما يتعرض له الشعب في الانبار"
* "أسامة النجيفي: القاء القبض على احمد العلواني سابقة قانونية خطرة وخرقا للدستور.!!"
*"السعدي والهاشمي يستنفران سنّة الأنبار.. والصدر يخاطب الجيش
الهاشمي: لنشكل جبهة... تتصدى لمشروع المالكي الصفوي"


ألا يعني أن هؤلاء شركاء مع الإرهاب؟ أليس هؤلاء الوجوه المرئية من الإرهابيين؟
(توضيح: إن وزراء كتلة "العراقية" رفضوا الانصياع لأوامر قيادتهم قبل أشهر للانسحاب من الحكومة، وهذا ما ذكره أياد علاي في لقاء مع البي بي سي أن هؤلاء الوزراء لم يعودوا أعضاء في كتلته "العراقية"، لذلك فتصريحات انتصار علاوي هذيان فارغ).
ولتضليل الرأي العام، يرى هؤلاء أن ضرب الإرهابيين (القاعدة البعثية) هو ضرب للشعب في الأنبار!!

كما بدأ الاعلام العربي حملته ضد حملة الجيش على أوكار القاعدة في الصحراء الغربية في الانبار، وإعطائها بعدا طائفيا، علما بأن كبار قادة الجيش في هذه الحملة هم من أهل السنة ومع عشائر الأنبار. ويحاول هذا الإعلام المضلل أن يضخم حجم الطائفي احمد العلواني، وإبراز العيساوي وسلمان الجميلي وغيرهم من كتلة العراقية بالدفاع عن الاعتصامات، وعن العلواني. كما وأكد لي صديق من هذه المناطق أن هؤلاء لا يمثلون الا قلة قليلة من اهالي الأنبار لكن الاعلام يضخم حجمهم.
الغرض من كل هذا الإعلام المضاد هو تصعيد ضغط دولي على الحكومة العراقية ومطالبتها بإيقاف العمليات العسكرية، وبالتالي إجهاض النصر، وإبقاء الإرهاب البعثي القاعدي في العراق يفتك بأرواح الشعب وبدوافع طائفية.
وتعليق آخر نشر على موقع (عراق القانون) لقارئ باسم: (شايب من العراق)، جاء فيه:
(والله يا دكتور عبد الخالق لقد قلت الحق، ونطقت الصدق، فالبعث هو المحرك الخفي لكل الدماء التي تسيل منذ سقوط صنم العوجة. وليسأل العراقيون أنفسهم, أين ذهبت الألوف من عناصر أجهزة المقبور؟ هل ماتوا جميعآ؟ هل تبخروا؟ هل تابوا وأصبحوا ملائكة وجلسوا في بيوتهم؟ كلا أنهم يقاتلون بشراسة لاستعادة حكمهم على العراق، ولكن بمسميات جديدة للتمويه وليس هناك أفضل من تسمية القاعدة.)

 كما واتصل بي هاتفياً صديق عراقي، وهو طبيب إستشاري في إحدى الدول الأوربية، ومن خلفية سنية وأهله يسكنون في المنطقة التي تسمى بـ(مثلث الموت) الواقعة جنوب بغداد. وقد عاد قبل أيام من زيارة قام بها لأهله هناك، أخبرني أنه في زيارته الأخيرة علم من أحد أقاربه (بعثي سابقاً)، أن اهتمام البعث بالعقيدة الوهابية ليس جديداً، بل بدأت حملة نشر الوهابية بين البعثيين والمجتمع السني خلال السنوات الأخيرة من حكم صدام. وقال أنهم كانوا يعقدون اجتماعات في المساجد يحضرها المئات من عامة أهل السنة، وبحضور قياديين بعثيين يبثون العقيدة الوهابية بتكفير الشيعة وتبرير قتلهم. فالبعث قام بترويج العقيدة الوهابية لا إيماناً بها، بل لاستخدامها سلاحاً ماضياً للتأثير على الجهلة من السنة لشن هكذا حملة طائفية لإبادة الشيعة تحسباً لسقوط نظامهم في المستقبل. وما اندماجهم بالقاعدة، وداعش وغيرها من الأسماء والتنظيمات إلا تنفيذاً لتلك الاستعدادات التي اتخذوها في عهد صدام.

كذلك استلمت تعليقاً حافلاً بالمعلومات القيمة من صديق طبيب آخر، وهو من عشيرة الجبور، ومن المناطق السنية، ليبرالي الفكر، قال فيه:
» قرات مقالك في اول ظهور له على موقع الاخبار واتفق مع كل كلمة كتبتها فيه، وأؤكد لك هذا هو رأيي الشخصي منذ سقوط النظام. قائمة "العراقية" جل اعضائها متعاونون مع البعث، ويمثلون الواجهة السياسية للبعث لتخريب العملية السياسية من داخلها وهذا ما برهنتْ عليه تجربة السنوات الماضية، وظهرت كل حقارتهم. اما القاعدة وأخواتها من تنظيمات ارهابية كالنقشبندية، والهتلية، فتمثل الجناح العسكري الإرهابي للبعث. قبل عدة سنوات كتبت مقالة نشرتها على شبكات الانترنيت ومنها موقع الحوار المتمدن، بهذا المعنى. ودعمتها بتأكيدات واقعية وموثقة.
»في زياراتي الى العراق ولقائي بأصدقاء شيوعيين قدامى، أكدوا لي ذلك من خلال وقائع عاشوها بأنفسهم تؤكد ان بعض ضباط الجيش المنحل وضباط مخابرات وامن وأمن خاص، وبعض البعثيين انضموا الى تنظيم القاعدة وتنظيمات أخرى، وهذا ما اكده المجرم الهارب ابو الثلج [عزت إبراهيم الدوري]، في بيان له نشر قبل عدة اشهر على موقع إيلاف، والذي اشاد فيه بتنظيم القاعدة والعلاقات الوشيجة بينهم، فقط نسى ان يقول ان تنظيم القاعدة في العراق تحت سيطرتنا.
»لاحظ دكتور كل الاسلحة المخبئة والتي يتم اكتشافها عند القاء القبض على الإرهابيين هي اسلحة مطمورة وقديمة من أيام النظام الساقط يعلو عليها الصدأ. فالسؤال: منْ خزنها، ومن هو الذي يعرف مواقعها؟؟ إذ لا يمكن لشخص ارهابي تونسي او سعودي او غيره يأتي إلى العراق ويعرف بهذه الدقة اين تتواجد مخازن الاسلحة المخبأة ؟؟؟ فالبعث يملك عشرات المليارات التي هربت ابان حكم النظام وكان المقبور برزان اخو صدام يشرف عليها، ومنها عوائد شركة كولبنكيان التي فضحها الدكتور هاشم جواد، وتعد بعشرات المليارات، ومبالغ اخرى باسم سجودة وبنات صدام وشلته وعصاباته. وابسط مثال هو مهرب الاغنام والأمي خميس الخنجر، والذي تقدر ملكيته بـ 2 مليار دولار، وكان يتعامل معه المقبور عدي بعمليات التهريب ومنها السكاير والاغنام وغيرها، وهو كان الداعم المالي مع ابنة المقبور هدام للاعتصامات في الحويجة والرمادي وغيرها، وهذا ما صرحت به بنت المقبور هدام، وبعدها خنجر الذي يرشح نفسه للانتخابات ويشيد ويدافع عن اعتصامات الرمادي.
»دكتور، الاخبار تأتي من العراق  عن الحملة الواسعة لتطهير المنطقة الغربية من فلول القاعدة البعثية وإلقاء القبض على المجرم البعثي الطائفي ابو اللسان الطويل احمد العلواني، وقتل واسر العشرات من الارهابين وجثثهم متناثرة كالكلاب. يجب على كل وطني شريف ان يدعم هذه الحملة لأن الإرهابيين معادين للإسلامين والعلمانيين على حد سواء.
» قد نختلف مع المالكي من باب الحرص على تقويم وتصحيح العملية السياسية الديمقراطية الجارية مع كل السلبيات والأخطاء، ولكن يجب ان نحافظ على العملية السياسية بكل ما نستطيع وبأسناننا. إن القوى الرجعية من بعثيبن وغيرهم تتربص للعودة إلى الوراء، ولكن هيهات لان عجلة التاريخ لم تعد إلى الوراء. 
» سوف نسمع ونرى على شاشات التلفزة الأصوات الطائفية النشاز التي تدافع عن الإرهابيين وعن  الاعتصامات التي يجب فضها بالقوة وأفضل ان يقوم بذلك قائد الصحوات بالانبار الشيخ حميد الهايس، وعشائر الأنبار، وبمساعدتهم عسكريا، لكي يعرف اقطاب "كتلة العراقية" ومتحدون، وغيرهم من بعض اليسارين الطايحين الحظ، ان ابناء الرمادي هم انفسهم من فض هذه الاعتصامات التي كانت ولازالت وكر لإرهاربي القاعدة البعثية. وقد ضاق أهالي الأنبار ذرعا بهم وقرروا ازالتهم. اعتقد هذه الايام افضل فرصة لإزالة هذه البؤر الخبيثة.
»دكتور، اكيد أن هناء ادور راح تحزن لانها زارتهم ودافعت عنهم؟؟ والله أنها لمفارقة، إذ كيف لامرأة يسارية تدعم مجاميع ارهابية بعثية، وهي نفسها عانت من البعث؟؟ طز على هيج يسار طايح حظه.
وبالعكس، أني عرفت من قيادة منظمة الحزب الشيوعي في الدانمارك ان الحزب يدعم هذه الحملة
تحياتي لك دكتور«. أنتهى

جزيل الشكر للأصدقاء الذين وافوني بتعليقاتهم القيمة والتي هي مصدر إلهام لي ومكملة لمقالاتي، لذلك رأيت من المفيد نشرها لتوضيح الصورة وإكمالها، وتبيان موقف أبناء شعبنا الواعين مما يجري في بلادهم.
وبناءً على ما تقدم، أهيب بالسيد نوري المالكي رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، أن يفي بوعده حين قال:"هذه الجمعة هي آخر ايام ساحات الاعتصام ساحة الفتنة، ومن يريد الصلاة الموحدة مكانها الجوامع وليس في قطع الطرق لإقامة صلاة، داعيا العشائر الانبارية التي نصبت خيما في ساحة الفتنة مكرَهين أن يسحبوها حتى لا تتعرض للحرق اكراما لهذه العشائر قبل اللجوء إلى حرقها".
كما وأرجو من السيد المالكي عدم الإذعان للضغوط التي توجهها بعض المنظمات الشريرة المتعاطفة مع الإرهاب في العراق، وربما سيستميلون بعض الحكومات العربية والأحنبية ووسائل إعلامها لتشويه سمعة الحملة العسكرية، بفرض ضغوط على الحكومة العراقية لإيقاف الحملة وتحت مختلف الذرائع بغية إجهاض النصر في لحظة اقتطافه.
كذلك، أرجو من الإعلام العراقي المؤازر للديمقراطية في العراق عدم عرض أشلاء الإرهابيين الممزقة على شاشات التلفزة، لأن هذه المناظر مقززة ويستغلها الإعلام المضاد.
فألف تحية لقواتنا المسلحة الباسلة والأجهزة الأمنية وهي تقوم بأقدس حرب ضد أقذر مجموعات بشرية ضالة اتخذت من الولوغ بدماء أبناء شعبنا مدخلاً لهم في الجنة، أتمنى عليهم مواصلة نضالهم في سحق الإرهابيين بلا رحمة، وتطهير أرض العراق من رجسهم.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
عبدالخالق حسين: البعث والقاعدة وجهان لتنظيم إرهابي واحد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=619

مالوم ابو رغيف: العلواني هل يستحق كل هذا الجدل؟ 
http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=150155#axzz2owxs54Yy

صحيفة بريطانيــة: السعودية تدعم دعاة الحــــرب والفتنة الطائفية ضد الشيعة ومنها في العراق
السعودية وحلفاؤها تؤسس لحرب طائفية في العالم الإسلامي
http://alakhbaar.org/home/2013/12/160168.html

النسخة الأصلية باللغة الإنكليزية
PATRICK COCKBURN
Sunni monarchs back YouTube hate preachers: Anti-Shia propaganda threatens a sectarian civil war which will engulf the entire Muslim world
http://www.independent.co.uk/voices/comment/sunni-monarchs-back-youtube-hate-preachers-antishia-propaganda-threatens-a-sectarian-civil-war-which-will-engulf-the-entire-muslim-world-9028538.html

 

336
البعث والقاعدة وجهان لتنظيم إرهابي واحد
د.عبدالخالق حسين

أكاد أجزم أن ابتلاء العراق بسرطان البعث الفاشي منذ الخمسينات من القرن الماضي لا يقل وبالاً و كارثة عن غزو المغول لبغداد بقيادة هولاكو عام 1258م، أو عن أي طاعون يصيب البلاد. فمنذ أن سمعنا بهذا الحزب (الوباء الخبيث)، والشعب العراقي يعاني من القتل والدمار دون توقف، ابتداءً من خيانتهم لثورة 14 تموز 1958، ومحاولتهم لاغتيال قائدها الزعيم عبدالكريم قاسم عام 1959، ومروراً بانقلابهم الدموي الأسود في شباط 1963، واغتصابهم السلطة ثانية عام 1968، وزج العراق في حروب عبثية داخلية وخارجية، وانتهاءً بتحالفهم الشرير، بل اندماجهم الكلي مع أقذر تنظيم إرهابي عرفته البشرية، ألا وهو تنظيم القاعدة في حرب الإبادة ضد الشعب العراقي.

فتاريخ البعث حافل بالخبث والمكر والغدر والدمار، إذ ليس هناك أكثر خبرة ودهاءً وخبثاً من البعثيين في عقد التحالفات حينما يكونون ضعفاء وحسب الحاجة، وحتى مع أعداء سابقين ممن يختلفون عنهم آيديولوجيا، والتلون بمختلف الألوان التي تساعدهم على التمويه على وفق ما تقتضيه ظروفهم. ولكن ما أن تنتهي حاجتهم للحليف حتى وينقلبوا عليه ويمزقونه شر تمزيق، كما حصل في تحالفهم مع الحركة الكردية في عهد حكومة ثورة 14 تموز، ومع الشيوعيين والأكراد في السبعينات. وبعد 2003 تحالفوا مع القاعدة والحركات الإسلامية السنية، ومازالوا لحد الآن، ومغازلتهم للتيار الصدري على أمل استخدامه كحصان طروادة ضد التحالف الوطني.
واليوم يعتقد أغلب الناس، أن ما يجري في العراق من إرهاب وحروب إبادة هو من فعل القاعدة وحدها، ويقولون لنا أننا باتهامنا البعثيين بالإرهاب نعطيهم دوراً أكبر من حجمهم لا يستحقونه، وهم على خطأ. ولكن في الحقيقة، إن معظم الأعمال الإرهابية هي من صنع فلول البعث. وهذا لا يعني عدم وجود القاعدة في العراق، فالقاعد موجودة ولكنها ليست بهذه القوة والسعة، وهي تحت إشراف وقيادة البعث بعد أن ارتدى البعثيون ملابس الوهابية وأطالوا لحاهم وتظاهروا بالتدين الزائف لخدع الناس. ولهذا نؤكد على الاندماج الكلي بين البعث والقاعدة إلى حد التماهي بحيث صار البعث والقاعدة وجهان لتنظيم إرهابي واحد.
كما ونجح البعث في توظيف تعقيدات الوضع العراقي وتعددية مكوناته ومذاهبه لأغراضه، فراح يثير الفتن الطائفية ويشتم الشيعة بلغة طائفية بذيئة لا عهد لشعبنا بها طوال تاريخه المديد، والغرض من هذه السياسة الاجرامية هو إشعال حرب طائفية بين السنة والشيعة، فطرَح البعث نفسه بأنه الممثل الشرعي الوحيد للسنة العرب "المهمشين"، يحارب من أجل استرداد حقهم التاريخي في حكم العراق!!. يعني العراق كله ملك طابو دائم لمكونة واحدة فقط، والبقية مواطنون من الدرجة الثانية.
وقد استفاد البعثيون من الموقف الطائفي للدول الخليجية وعلى رأسها السعودية وقطر. فرغم أن السعودية وقطر تحاربان القاعدة في بلديهما، ولكنهما لأغراض طائفية تدعمانها في العراق وسورية. ورغم عداء السعودية لحزب الأخوان المسلمين في مصر، إلا إنها تدعم هذا الحزب في العراق وسوريا. وهكذا فقد نجح البعثيون في تجيير هذه التناقضات، العراقية والعربية لصالحهم.

وليكن معروفاً لدى الجميع أن الإرهاب الذي يُرتكب الآن باسم القاعدة (داعش، أو داعر أو عاهر) في العراق هو بالأساس يرتكبه البعثيون، فمعظم عناصر داعش كانوا ضباط بعثيون في الحرس الجمهوري، وهم مختفون اليوم وراء القاعدة لكي لا يتحملوا آثام الجرائم البشعة التي يرتكبونها بحق الشعب، على أمل أنهم إذا انتصروا سيقطفون ثمار النصر لهم وحدهم، ويلقون آثام جرائمهم على القاعدة. وهذا تحايل خبيث لا يجيده إلا البعثيون.

لقد أدمن البعثيون على السلطة خلال 35 سنة من حكمهم الجائر إلى حد الجنون، لذلك فهم أشبه بالمدمنين على المخدرات، لا يطيقون الفطام منها والحياة خارج السلطة. وهم على أتم الاستعداد لإبادة الشعب في سبيل استرجاع الحكم لهم. والبعث مثل الاخطبوط، له أقدام في كل مكان، في الكتل السياسية المشاركة في الحكومة والبرلمان باسم كتلة العراقية. ومنهم من ارتدى العمامة وادعى أنه رجل دين يصدر الفتاوى ليؤلب ضد الديمقراطية والانتخابات مثل المدعو الشيخ عبدالملك الساعدي وآخرين الذين استنجدوا بأردوغان "حفيد السلطان محمد الفاتح" ليحرر العراق ثانية من "الاحتلال الصفوي". وقد اعترافات رغد ابنة صدام، أن البعثيين هم الذين يقودون ساحات الإعتصامات في المحافظات الغربية.

كما وكشف رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة السيد نوري المالكي عن وجود معلومات دقيقة تؤكد على وجود اكثر من {30} قياديا بارزا من تنظيم القاعدة في ساحة الاعتصام في الانبار. وهم في الحقيقة بعثيون، إذ لا فرق بين الاسمين، القاعدة والبعث. وحسناً فعلت الحكومة بدعوة المعتصمين الذين لهم مطالب مشروعة، من غير البعثيين وأتباع القاعدة، بالانسحاب من ساحات الاعتصام وتركها للقاعدة البعثية لكي تواجهها القوات المسلحة باللغة التي يفهمونها. والجدير بالذكر أن الحكومة استجابت لجميع المطالب المشروعة، ولكن رغم ذلك استمرت الاعتصامات رافعة أعلام القاعدة.

فمنذ ظهور كتلة العراقية بقيادة البعثي، أياد علاوي بعد تحرير العراق، وقيادات ونواب هذه الكتلة، ومعها دعم إعلامي من جوقة المرتد فخري كريم في صحيفته المدى، ما انفكوا يدافعون عن الإرهابيين ويحاولون تبرئتهم من الجرائم، وتسهيل مهماتهم القذرة بمختلف الوسائل وتحت مختلف الإدعاءات الوطنية والإنسانية المزيفة. فقد وقف نواب كتلة العراقية منذ البداية ضد تجريم حزب البعث واجتثاثه، و مازالوا يطالبون الحكومة والبرلمان بإلغاء قانون ملاحقة الإرهاب، وإلغاء قانون العدالة والمساءلة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين والمحكومين بتهمة الإرهاب، بل وحتى إلغاء الدستور، وكل ما تحقق من منجزات بعد 2003. كما وتسبب نوابهم في البرلمان في عرقلة إصدار قوانين المشاريع الإعمارية، وبالتالي شل نشاط الحكومة ليقولوا أن الحكومة ضعيفة لا تستطيع تقديم الخدمات للشعب وحمايته من الإرهاب. وهو يصرخون في وسائل إعلامهم ليل نهار أن الشعب يعاني من الإرهاب وأن الحكومة عاجزة عن حمايته، ولكن ما أن تتحرك القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ضد الإرهابيين حتى وتصاعدت صيحاتهم أن الحكومة تضرب المدنيين، ويذرفون دموع التماسيح على حقوق الإنسان التي أهدرها الدكتاتور نوري المالكي على حد زعمهم، ليدعمهم السيناتور ماكين في الجانب الآخر من الأطلسي.

والبعثيون معروفون بقسوتهم وشراستهم في التعامل مع من لا يوافقهم على نهجهم، لذلك ارتكبوا القتل ضد كل سني خرج على سكتهم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قتلوا نجل الشيخ حميد الهايس (رئيس مجلس الإسناد في الأنبار)، وقائد الفرقة السابعة في الجيش العراقي اللواء الركن محمد احمد الكروي الذي نفذ عملية مداهمة برفقة مجموعة من الضباط والجنود على معسكر حوران التابع لتنظيم القاعدة غرب مدينة حديثة، الا ان عبوة ناسفة انفجرت لحظة دخول القوة بقيادة الكروي، ما اسفر عن مقتله والمجموعة التي كانت معه، كما وقتلوا الصحفية الشابة نورس النعيمي أمام بيتها في الموصل.

وما يؤكد وقوف كتلة العراقية مع الإرهاب هو موقفهم المخجل من جيشنا الباسل وهو يقوم بملاحقة فلول البعث والقاعدة حيث يشن نواب العراقية حملة تثبيط عزائم القوات المسلحة. ففي العمليات الأخيرة، طلع علينا النائب البرلماني عن كتلة العراقية حامد المطلك، بتصريحات غريبة لـ"السومرية نيوز"، ضد الجيش مدعياً إن "ما حصل في الانبار فشل أمني، ناتج عن عدم أخذ الجيش لمهامه الرئيسية بعين الاعتبار وانشغاله بالمهام الجانبية"، مدعياً ان "الجيش ترك مهامه الأساسية بضرب القاعدة وتوجه نحو الزيارة الأربعينية، الأمر الذي استغلته القاعدة لضربه في الانبار، ما اسفر عن مقتل قائد الفرقة السابعة وضباط بارزين الى جانب إصابة عدد كبير من الجنود".
وبهذه التصريحات فقد كشف حامد المطلك عن نواياه ونوايا كتلته الحقيقة في المطالبة بعدم حماية الملايين المشاركة في الزيارة الأربعينية، ليتمكن الإرهابيون من قتلهم. في الحقيقة لا علاقة لإرسال قوات لحماية الزيارة الأربعينية بأحداث الرمادي، فالمحافظة لها قواتها. ولكن القصد من هذه التصريحات الخبيثة البائسة هو إرباك السلطة وتضليل الرأي العام و تسهيل مهمة الإرهابيين. إذ كما قالت النائبة الوطنية الشجاعة السيدة عالية نصيف: إن "التشكيك في قدرات الجيش عبر وسائل الاعلام هو الوجه الآخر للإرهاب". وفي تصريح آخر لها طالبت بحق " قوات الجيش التي تنفذ عملية أمنية ضد المجاميع الإرهابية بإعدام عناصر تنظيم القاعدة و{داعش} ميدانياً بدلاً من الإحتفاظ بهم كسجناء، للحيلولة دون مطالبة حكومات الدول التي جاءوا منها بتسليمهم لها أو محاولة بقية المسلحين تهريبهم من السجون".
حبذا لو يتم تطبيق هذه النصيحة الرصينة العادلة. فالإرهابيون هم وحوش بأجساد بشرية، وإذا ما أسروا خصماً لهم في الميدان لا يتركونه حياً، بل يذبحونه وحتى يأكلون قلبه وكبده حقداً، وإقتداءً بهند آكلة الكبود.
والأسوأ من كل ذلك، هو البيان السيئ الصيت الذي أصدره مؤخراً أياد علاوي، زعيم كتلة العراقية التي يبدو أنها انتهت وصارت في خبر كان، فتم تبديل اسمها إلى (إئتلاف الوطنية)، إذ جاء بيانه بعنوان: (بيان صادر من الدكتور اياد علاوي رئيس ائتلاف الوطنية)، الذي فيه الكثير من اليأس والاستماتة، والتناقضات والمغالطات، وكأنه أنين من يستحضر في المقابر، إذ يدين فيه استخدام الجيش لضرب القاعدة، فيقول: ((...ان استهداف الجيش وضباطه ومراتبه هو خطاً احمراً، كما هو الحال عندما يُزج الجيش في الامن الداخلي ولهذا جاء في الدستور العراقي وبشكل واضح من ان الجيش هو للدفاع عن الوطن وليس الا.))
فالدكتور أياد علاوي (زعيم العراقية سابقاً وتحالف الوطنية حالياً)، لا يعتبر تعرض الشعب لحرب الإبادة سبباً كافياً لدعوة الجيش لمواجهة الإرهابيين. علماً بأنه عندما عينه بول بريمر رئيساً للوزراء استخدم هو الجيش بكل قسوة لضرب جيش المهدي في النجف، ومجموعات إسلامية أخرى في أرياف الفرات الأوسط، وقتل منهم أكثر من 700 عنصراً. وكان وزير دفاعه، اللص حازم الشعلان على رأس هذه القوات. والآن عندما يكون العراق مهدداً بما يسمى بقوات داعش، يستنكر علاوي استخدام الجيش لمواجهة الإرهابيين ويعتبره خطاً أحمراً. أليس في هذه الدعوة دعماً للإرهاب؟ وهل القوات المسلحة هي فقط لمواجهة الجيوش الكلاسيكية في الحروب بين الدول؟ فإذا كان الأمر كذلك، لماذا استخدمت بريطانيا جيشها ضد التمرد في أيرلندا الشمالية؟ ولماذا يحارب الجيش الباكستاني والأفغاني والقوات الدولية بقيادة أمريكا عصابات طالبان؟ ولماذا أرسلت الولايات المتحدة قواتها آلاف الأميال خارج حدودها لمحاربة الإرهابيين في كل أنحاء العالم؟ وكذلك أرسلت فرنسا قوات عسكرية إلى مالي لمحاربة الإرهاب الإسلامي القاعدي؟ فهل على الحكومة العراقية وحدها دون غيرها أن لا تستخدم قواتها المسلحة لحماية شعبها من الإرهابيين؟ أليس في هذه الدعوة دعماً للإرهاب، بل هو شكل من الإرهاب؟

والجدير بالذكر أن الحكومات الغربية وبعض منظمات حقوق الإنسان (التي صارت مهمتها الرئيسية الدفاع عن حقوق الإرهابيين، لا حقوق الضحايا)، قد تؤاخذ الحكومة العراقية على ضرب الاعتصامات البعثية القاعدية. وفي هذه الحال نحن نسأل: ماذا ستفعل هذه الحكومات لو حصل الشيء نفسه في بلدانها؟ إذ كما جاء في افتتاحية عرب تايمز أنه "عندما اعتصم ديفيد كورش قبل سنوات في كنيسته في تكساس ولم يسمح للشرطة بدخول مزرعته للتحقيق في اتهامات بوجود اسلحة وخمور غير قانونية، قامت الشرطة وبأمر من الرئيس كلينتون بالهجوم عليه بالدبابات ... وتم حرق المزرعة [والكنيسة] بمن فيها".
ولذلك نقول لا يحق لأية حكومة الاعتراض على الحكومة العراقية لملاحقة فلول الإرهابيين من أجل حماية أرواح أبناء شعبنا وممتلكاتهم. فهذه الاعتصمات لو كانت في الدول الغربية أو العربية لقصفتها بالطائرات، ولكنهم يطالبون الحكومة العراقية بالتساهل معها وضبط النفس باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
كتب لي صديق قائلاً: "بعد العملية الإرهابية في المنصورة، أعلنت الحكومة المصرية اعتبار حزب الاخوان المسلمين منظمة ارهابية رغم أنهم من اكثر الاحزاب المصرية اعضاءً ومؤيدين، وصوَّت لهم اكثر من 11 مليون ناخب. تصوروا لو أن الحكومة العراقية اعتبرت أي من الاحزاب او التنظيمات او المليشات السنية ارهابية لقامت القيامة من قبل حكومات العربان واعتبروا المالكي طائفي للنخاع، بينما لم يفتح اي عربي فمه ضد قرار مصري يطعن الديمقراطية بالصميم".
نعم، الحكومات العربية تحارب الإرهاب في بلدانها وتدعمه في العراق بدوافع طائفية لأن أغلب الضحايا من الشيعة. ولكن ماذا يقولون الآن والإرهاب بدأ يحصد أرواح أهل السنة أيضاً؟
 
لقد نفذ صبر الشعب من منح الحكومة عامين كمهلة للمعتصمين وقطعهم للطرق الخارجية، وابتزازهم للشعب، وقتلهم الأبرياء، فقد بلغ السيل الزبى، وآن الأوان لقواتنا المسلحة الباسلة أن تخوض معركة الشرف ضد الإرهابيين، وعلى الشعب والإعلاميين مؤازرة الجيش بكل قوة، وعلى الحكومة محاسبة كل من يؤازر الإرهابيين من الإعلاميين ومن السياسيين الذين لهم قدم في الحكومة وقدم مع الإرهاب.
فألف تحية للقوات العراقية المسلحة والأجهزة الأمنية الباسلة في معركة الشرف ضد الإرهابيين القتلة، والمجد والخلود لشهداء شعبنا، والخزي والعار للإرهابيين وكل من يؤازرهم ويدعمهم بالمال والسلاح والإعلام.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- لجنة الأمن والدفاع النيابية: لا علاقة بين حادثة مقتل الكروي والزيارة الاربعينية
http://alakhbaar.org/home/2013/12/159758.html

2- أمريكا تدعو قادة المنطقة لوقف تمويل وتسليح "داعش" والنصرة"
http://alakhbaar.org/home/2013/12/159823.html

3- فيديو لضربة جوية لمعسكرات "داعش" في صحراء الانبار
http://alakhbaar.org/home/2013/12/159830.html

وفيديو آخر: https://www.facebook.com/photo.php?v=233609766808997

وفيديو قصير آخر
http://www.youtube.com/watch?v=lhMS7k-zVr0

4- عبد الملك السعدي يدعو المتظاهرين على الثبات والاستمرار
http://www.qanon302.net/news/2013/12/25/7907

5- دولة القانون: الصدر اصبح جاهزا لان (يُستخدم) بضرب الوضع الشيعي
http://alakhbaar.org/home/2013/12/159867.html

6- نصيف تطالب بإعدام عناصر القاعدة و"داعش" ميدانياً بدلا من سجنهم
http://alakhbaar.org/home/2013/12/159880.html

7- حميد كشكولي: الزرقاوي و العروبيون: وحدة الأهداف واختلاف الأساليب
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=46072


337
العراق ولعبة الشركات الوهمية

د.عبدالخالق حسين

غني عن القول أن العراق الجديد ورث تركة ثقيلة جداً من العهد البعثي الفاشي البائد، فبعد 35 سنة من الحروب الداخلية والخارجية، والحصار الاقتصادي والتجويع والتشريد، وحرمان الركائز الاقتصادية والبنى التحتية من الصيانة والإدامة، إضافة إلى تفتيت النسيج الاجتماعي، وما أصاب العراق من دمار مادي وبشري شامل، فإن مجرد التفكير بحكم العراق، ناهيك عن اعماره، هو نوع من الكوابيس.

فبعد كل هذا الخراب، مازال البعض من الكتاب يتعاملون مع العراق كما لو كان بلداً طبيعياً ومستقراً، فإذا ما أرادوا انتقاد حكومته على النواقص، قارنوا وضعه بما يجري في الدول الأوربية الديمقراطية العريقة. نسي هؤلاء أو تناسوا عمداً، أن العراق يمر بحالة فريدة من نوعها، ولأسباب عديدة، منها ما أشرنا إليه في أعلاه، إضافة إلى الإرهاب البعثي- القاعدي المدعوم من الخارج، والصراع الطائفي، وتشرذم القوى السياسية إلى مئات من الكيانات المتصارعة على السلطة والنفوذ، وإستعداد البعض منها التعاون مع الإرهاب وإلحاق الأذى بالشعب نكاية بالحكومة، ودور البعث في تدمير الروح الوطنية وتصعيد الولاءات الثانوية على حساب الولاء الوطني.
كما وذكرنا مراراً عن خبرة البعثيين الفائقة في الإعلام المضاد، وتضليل الشعب والرأي العام، وتشويه سمعة خصومهم، وحتى قبل ظهور التقنية المعلوماتية الجديدة المتطورة، فهم يقومون بكل هذا التضليل باسم الوطنية، والحرص على مصلحة الشعب. والمؤسف أن هناك شريحة من الناس، وبدافع الحرص على المصلحة العامة يصدقون الإشاعات السامة ويساهمون في ترويجها.

وبعد كل هذا الخراب، لا شك أن العراق يحتاج إلى إعمار واسع في جميع المجالات، الاقتصادية والتنمية البشرية، تقدر تكاليفها بمئات المليارات من الدولارات، ولا يمكن تحقيق هذا الإعمار في بضع سنوات أو حتى بجيل، رغم أنه يتمتع الآن بموارد نفطية غنية تؤهله للقيام بهذه المشاريع.

ولكن المشكلة التي تواجهها حكومة الشراكة الوطنية المنتخبة، أنها محاصرة بالكثير من المعوقات التي تصد الشركات الكبرى من العمل في العراق رغم ما تقدمه الحكومة من مغريات مالية. ومن هذه المعوقات، البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي فُرض على العراق بسبب احتلال حكم البعث الصدامي للكويت عام 1990. ورغم خروج العراق من هذا البند الجائر مؤخراً، إلا إن تبعاته مازالت مستمرة، ومنها أن أية شركة عالمية تتقدم لبناء مشروع في العراق تفرض نسبة 40% زيادة على التكاليف التي تطلبها في البلدان التي تتمتع بظروف طبيعية، وهذه الزيادة تسمى بالعامل العراقي (Iraqi factor).
العامل الآخر الذي يمنع الشركات الكبرى من العمل في العراق هو الإرهاب. والعامل الثالث هو قيام بعض الشركاء في العملية السياسية بتحريض الشركات الأجنبية العالمية بعدم العمل في العراق، من أجل عرقلة الاعمار وإفشال العملية السياسية. إضافة إلى عوامل مثبطة أخرى مثل تفشي الفساد والرشوة واللابالية وقلة الخبرة...الخ
ونتيجة لهذه الأوضاع انتعش النصابون والمحتالون من أصحاب الشركات الوهمية والمفلسة، فاستغلوا الوضع العراقي للنهب والثراء السريع عن طريق توقيع عقود لبناء مؤسسات اقتصادية، غير قادرين على إنجازها. وعلى سبيل المثال، قام الدكتور جواد هاشم، وزير تخطيط سابقاً، قبل عامين بتنبيه المسؤولين العراقيين عن شركة وهمية مقرها في كندا، والتي وقعت عقداُ أو مذكرة تفاهم لبناء محطات كهربائية في العراق بتكاليف تبلغ 2 مليار دولار. وبذلك فقد أنقذ الرجل العراق مشكوراً من كارثة اقتصادية.

ولكن وجود شركات وهمية تسبب في الخلط بين الحق والباطل، بين شركات وهمية وأخرى تتمتع بمصداقية. وعلى سبيل المثال، بعد أن وقعت هذا العام، وزارة النفط مذكرة تفاهم مع شركة سويسرية "سا تارم"، لبناء مصفى نفطي في محافظة ميسان، قام أكاديمي عراقي آخر، وهو الدكتور مثنى كبة، وبدوافع وطنية، بالبحث عن إمكانية هذه الشركة ومصداقيتها، فاستنتج أن هذه الشركة غير مؤهلة لبناء هكذا مشروع تبلغ تكاليفه 6.5 مليار دولار. فكتب رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الوزراء والمسؤولين في وزارة النفط عن الموضوع بغية التأكد من حقيقة هذه الشركة وربما هي وهمية. بطبيعة الحال، أثارت هذه الرسالة قلقاً مشروعاً لدى العراقيين الحريصين على مصلحة الشعب العراقي.
إلا إن الرسالة هذه تم استغلالها إلى أقصى حد في تشويه سمعة الحكومة، ورئيس الوزراء بالذات من قبل أعداء العملية السياسية، ولعرقلة إعمار العراق.
كما يجب أن لا ننسى الضجة التي افتعلتها حكومة الإقليم، ومعها أنصارها من الكتاب، حول المفاوضات التي أجراها وفد عراقي برئاسة رئيس الوزراء مع الحكومة الروسية قبل عام لتجهيز الجيش العراقي بالطائرات وهليكوبترات مقاتلة لمواجهة الإرهاب، فأثاروا ضجة الرشوة والفساد، وكان القصد منها عرقلة تسليح الجيش العراقي، في الوقت الذي كان السيد مسعود بارزاني يتجول في الدول الأوربية لتسليح البيشمركة بالسلاح الثقيل. وقد أكد الدكتور سعدون الدليمي، وزير الدفاع وكالة، كذبة الفساد حول الصفقة الروسية، وهو إنسان وطني ونزيه لا يحتاج إلى شهادة أحد حول وطنيته ونزاهته.

وعلى قدر ما يهمني الأمر، فقد أرسلت رسالة الدكتور كبة إلى السيد علي الموسوي، المسؤول الإعلامي في مكتب رئيس الوزراء، مستفسراً عن حقيقة الموقف، راجياً منه إصدار توضيح حول الموضوع. فرد الرجل بجواب سريع جاء فيه: ((عزيزي د عبد الخالق المحترم، سأستفسر عن الموضوع من الجهات المختصة لكن ما أردت الإشارة اليه الآن هو ان المشروع المشار اليه مشروع استثماري وليس عقداً، اي ان الحكومة لا تلتزم إزاءه بأي التزام سوى تزويده بالنفط الخام وإعطائه قطعة ارض ينشأ عليها المصفى على ان تسحب منه بعد مضي أربعة اشهر اذا لم يقم بعمل يثبت انه ماض حقاً نحو بناء المشروع... تحياتي)) أنتهى

ولكن الكثير من العراقيين الذين عممتُ عليهم رسالة السيد الموسوي الجوابية لم يكتفوا بهذا الرد. ثم تلاه بيان من وزارة النفط (1)، ثم بيان رسمي من السيد علي الموسوي في وسائل الإعلام، يؤكد على ما جاء في توضيحه لي، إضافة إلى التأكيد على أن الشركة السويسرية ليست وهمية، بل تتمتع بقدرات مالية كبيرة وضمانات من البنوك السويسرية الكبرى المعتبرة، وتتمتع بدعم شركات عالمية ذات تاريخ في بناء المصافي النفطية في العالم ...الخ. وأخيراً، ظهر الدكتور حسين الشهرستاني، نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة، في لقاء تلفزيوني خاص على قناة العراقية، مساء 22/12/2013، أكد فيها المعلومات الواردة أعلاه. وأنا لا أعتقد أن الدكتور الشهرستاني، المعروف بمكانته العلمية والدولية، يكون من السذاجة بحيث يستطيع عدد من النصابين إيقاعه في فخ النصب والاحتيال.

رب ضارة نافعة
وبعد هذه الضجة التي استغلها البعثيون وحلفاءهم بحجة الحرص على المصلحة الوطنية، أرى أنها (أي الضجة) حققت بعض المنافع ومنها كالتالي:
أولاً، أن هناك رقابة شعبية من قبل وطنيين مخلصين في مختلف بقاع العالم، يتابعون ما تقوم به الحكومة العراقية من إبرام عقود ومذكرات تفاهم مع الشركات، فيقومون بدورهم المشرِّف للتأكد من مصداقية هذه الشركات وقدرتها على إنجاز هكذا مشاريع.

ثانياً، قيام الجهات الحكومية المسؤولة عن هذه العقود بحملة إعلامية لتوضيح المسألة للرأي العام، وعدم ترك المجال للمتصيدين بالماء العكر من البعثيين وحلفائهم يضللون الناس بغية عرقلة إعمار العراق وتركه خراباً ليقولوا أن الحكومة العراقية فاشلة ولا يمكن بناء المشاريع إلا بعودة البعثيين للسطلة...!!!

ثالثاً، هذه القضية تجعلنا نقترح على الحكومة عدم إهمال الجانب الإعلامي عند القيام بأي إجراء وخاصة في حالة توقيع عقود إعمارية واستثمارية مع الشركات الأجنبية. فمن المعروف، أن غياب الإعلام الصريح والشفافية من قبل الحكومة، يفتح المجال للتكهنات وتنتعش الإشاعة وخاصة تلك التي يبثها الأعداء، وتصبح هي الموجهة الرئيسية للرأي العام، وبذلك يقع الشعب والحكومة ضحية التضليل.

رابعاً، وبناءً على الفقرة (ثالثاً)، أقترح على دولة رئيس الوزراء أن يقدم حديثه الأسبوعي على شكل مؤتمر صحفي، أي يلقي حديثه عن نشاطات الحكومة خلال الأسبوع ويقدم ما عنده من أفكار...الخ، في مؤتمر صحفي، ليقوم الصحفيون بطرح الأسئلة عليه نيابة عن الشعب بصفتهم يمثلون الرأي العام ويحركونه، فيحيطون دولة رئيس الوزراء بما يدور من إشاعات وتساؤلات في الشارع العراقي، وبذلك يمكن الاستفادة من هذه الفرصة للتواصل بين رئيس الحكومة والشعب. لقد أعتاد أعداء الرئيس ومنافسوه توجيه اتهامات له بأن هذا الحديث أو المؤتمر الأسبوعي هو لأغراض انتخابية، كما هو شأنهم في كل ما يقوم به من نشاطات، أقول على رئيس الوزراء عدم الالتفات إلى هذه الاتهامات التي فقد قيمتها وصارت مثيرة للقرف، وليواصل سيره قدماً في كل ما يراه في صالح الشعب ومن صلب واجباته إزاء الوطن.

خامساً، وعطفاً على الفقرة (رابعاً)، أقترح على السيد علي الموسوي أيضاً، بصفته المسؤول الإعلامي لمكتب رئيس الوزراء، أن يعقد صباح كل يوم مؤتمراً صحفياً يلقي فيه ما استجد من نشاطات الحكومة. هذا ما يجري في الدول الغربية، حيث يقوم الناطق الرسمي باسم الحكومة بلقاء مختصر مع مراسلي الإعلام صباح كل يوم يطرح أمامهم أنباءً عن نشاطات الحكومة لذلك اليوم.

سادساً وأخيراً، طالما الرأي العام العراقي معرض لحملة واسعة من الدعايات المضادة، خاصة الإشاعات السامة التي تخرج من مصانع فلول البعث المتخصصة وبمهنية عالية في التضليل، أقترح  على المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء تعيين أشخاص لهم خبرة بالصحافة يتفرغون لمتابعة الإشاعات والافتراءات التي تنشر على الفضائيات ومواقع الانترنت، والرد عليها وتفنيدها أولاً بأول. 

أعتقد جازماً أنه إذا ما تم العمل بهذه المقترحات، فإن الحكومة ستنجح لحد كبير في حماية نفسها من الإشاعات المسمومة، وصيانة الرأي العام من التضليل.
 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة   
1- وزارة النفط: شركة استثمار مصفى ميسان مذكرة تفاهم وليس عقد كما روجت له بعض الجهات
http://akhbaar.org/home/2013/12/159504.html

2- محمد ضياء عيسى العقابي: وزارة النفط ومصفى ميسان والشركة السويسرية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=392193



338
مانديلا في مسيرته الطويلة إلى الحرية

د. عبدالخالق حسين

كل ما قيل من ثناء وتقدير بفضائل نيلسون مانديلا عن نضاله وتضحياته وحكمته ليس فيه أي مبالغة، بل يستحقه بكل جدارة واستحقاق، خاصة وأن معظم الإشادة به، جاءت من قيادات في مختلف المجالات الثقافية والدينية والسياسية من شتى أنحاء العالم، من رؤساء الدول، وبالأخص الدول الكبرى مثل أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا وغيرها، والتي قامت بتنكيس أعلامها بهذه المناسبة، وهذه من المناسبات النادرة، كما وحضر مهرجان تأبينه في جوهانسبرغ يوم 10/12/2013 قبل تشييع جثمانه زعماء لأكثر من 100 دولة. فقد قال عنه الرئيس أوباما: "اليوم، الولايات المتحدة فقدت صديقا قريبا، وجنوب أفريقيا فقدت محررا عظيما، والعالم فقد ملهما للحرية والعدل والكرامة الانسانية". أما رئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كامرون فقال عنه أنه ليس أعظم قائد في زماننا الحالي فحسب، بل وفي كل الأزمنة. وكذلك تصريحات من شخصيات دولية مثل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي قال: "إن مانديلا كان مصدر إلهام للعالم ،علينا أن نستلهم من حكمته وتصميمه والتزامه لنسعى إلى جعل العالم أفضل. " فمانديلا، يمكن مقارنته بالقديسين الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الخير للبشرية أجمع. ومن شدة إعجاب العالم به وصفه بوب غلدوف بـ "رئيس العالم".

لقد ضحى الرجل بحريته وحياته العائلية، وعرض حياته للموت في سبيل حرية شعبه، وضرب مثلاً في النزاهة وعفة النفس، والزهد في السلطة والمال والنفوذ، وصار مصدر إلهام  للشعوب المضطهدة في النضال ضد جميع أشكال الظلم. فعندما تمثل امام المحكمة العنصريه عام 1964 في جنوب افريقيا، والتي عرفت بمحكمة تريفونيا Trevonia مواجها حكم الاعدام، وقف مانديلا بكل شجاعة وبلاغة مدافعا عن قضية شعبه قائلا: "لقد حاربتُ ضد هيمنة البيض وحاربت ضد هيمنة السود، وأثمن قيمة وجود مجتمع ديمقراطي حر يعيش فيه الجميع في تناغم وفي ظل فرص متساوية.. إنها قيمة أتمنى أن أعيش من أجلها وأن أحققها، ولكن إذا ما استدعت الضرورة، فإنني مستعد للموت من أجلها". وبهذه الجملة أحرج القضاة والسلطة العنصرية وكسب الرأي العام العالمي.

فمن يقرأ مذكراته (المسيرة الطويلة إلى الحرية Long walk to Freedom) يعرف ما عاناه هذا الرجل العظيم الحكيم على أيدي الحكومة العنصرية، وفي تلك المحاكمة حكم عليه وعلى عدد من رفاقه بالسجن المؤبد حيث قضى 27 سنة من أثمن سنوات عمره في السجن (1964 – 1990) منها 18 سنة مع الأشغال الشاقة في جزيرة روبن (Robin Island) دون أن تكسر إرادته في سبيل قضيته العادلة.

كسب مانديلا شهرة عالمية بسبب مواقفه البطولية الصلبة في سبيل قضيته العادلة، فبدأت حملات شعبية واسعة في الغرب من قبل القوى السياسية التقدمية، ومنظمات المجتمع المدني، والمفكرين الأحرار، وفرق الموسيقية الشعبية، والروك أند رول في العالم، يقيمون المهرجانات الغنائية لحشد الجماهير المليونية، مطالبين بإطلاق سراحه وسراح رفاقه وتحقيق أهدافه النبيلة في الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية. ونتيجة لهذه الحملات بدأ المجتمع الدولي تدريجيا في تشديد العقوبات ضد نظام الفصل العنصري (الابارتايد)، التي بدأت في عام 1967.

وبعد 18 عاماً قضاها مانديلا، ورفاقه في قيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) في جزيرة روبن، ومع تزايد الضغوط الدولية، وتأثير الحصار الاقتصادي على النظام العنصري، اضطر هذا النظام إلى نقله ورفاقه عام 1982 إلى سجن خاص في كيب تاون يدعى (Pollsmoor prison) ، مع معاملة أفضل نسبياً.
وفي 7/12/1988 نقل مانديلا لوحده إلى بيت خاص تابع لسجن (Vector Verster prison) يبعد عن مدينة كيب تاون حوالي 50 كم، فيه الكثير من وسائل الراحة والرفاهية، وله طباخه الخاص، سمحوا له باستقبال عائلته وبعض الشخصيات لزيارته، الأمر الذي أثار شكوك البعض من رفاقه أن مانديلا باعهم إلى النظام العنصري، وتخلى عن مبادئه التي ضحى الكثير من أجلها، ولكنهم كانوا على خطأ، إذ كان هذا الإجراء محاولة النظام العنصري لتهيئة الأجواء إلى المفاوضات معه للخروج من المأزق. فكما أخبره الضابط المسؤول عن حراسته ومراقبته أن هذه الخطوة هي المرحلة الانتقالية من السجن إلى الحرية الكاملة.
وفي 4 تموز 1989 قابله رئيس النظام العنصري (بي دبليو بوتا) كخطوة أولى في بدء المفاوضات معه.
وفي 15 أكتوبر 1989 تم إطلاق سراح رفاق مانديلا الذين حُكموا معه في المحاكمة التي سميت بمحاكمة ريفونيا (Rivonia trialists).
وفي 13/12/1989 قابله الرئيس دي كلرك (خليفة بوتا)،
وفي 2 شباط 1990 رفع دكلرك الحظر عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي  والحزب الشيوعي، وحزب (PAC)،
وفي 11 شباط/فبراير 1990 تم إطلاق سراح مانديلا من سجن فكتر فرستر، لتبدأ مفاوصات مضنية بين الحكومة العنصرية برئاسة ديكلرك ووفد المؤتمر الوطني الأفريقي برئاسة مانديلا، لتنتهي بالنصر المؤزر، 
وعلى أثر نجاح المفاوضات، نال مانديلا ودكلرك جائزة نوبل للسلام في عام 1993، وليصبح مانديلا أول رئيس لجمهورية جنوب أفريقيا الديمقراطية، وبذلك يعتبر الأب المؤسس لهذه الجمهورية بعد تحريرها من نظام الفصل العنصري (Apartheid)، ونفذ مانديلا ما وعد به في التسامح والمصالحة حيث عفا عن كل من أساء له ولشعبه، بل وأقام علاقة صداقة حتى مع سجانيه وصار رمزاً وملهماً للوحدة الوطنية.
كما تلقى مانديلا أكثر من 250 جائزة، من بينها ميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية، ووسام لينين من النظام السوفيتي. يتمتع ماندبلا بالاحترام العميق في العالم عامة وفي جنوب أفريقيا خاصة، حيث غالبا ما يشار إليه بإسمه في عشيرته ماديبا أو تاتا ، وفي كثير من الأحيان يوصف بأنه "أبو الأمة".

فما السر وراء كل هذا الاعجاب بنيلسون مانديلا، سواء في حياته، أو التثمين غير المسبوق و الذي انفجر كالطوفان بعد وفاته، حيث خصصت كل وسائل الاعلام في جميع أنحاء العالم برامجها وصفحاتها عن فضائل هذا الرجل وتقديراً له؟ 

لم يكسب مانديلا هذا الاعجاب بقوته العضلية، ولا بقوته العسكرية وفتوحاته الحربية، ولم ينتصر على النظام العنصري عن طريق قيادة ثورة مسلحة في غابات أفريقيا الجنوبية، بل حقق كل هذه الانتصارات لشعبه ولشخصه بسلطته الأخلاقية (Moral authority) وسياساته الحكيمة، وصبره الجميل واستعداده للتضحية بحياته وحريته من أجل حرية شعبه ليصبح قدوة وملهماً للبشرية. لقد أحرج مانديلا النظام العنصري عندما وضع دستوراً لحزبه (حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ANC) للنضال من أجل قيام دولة ديمقراطية لا عنصرية، لا فرق بين مواطنيها بسبب اختلافهم في اللون أو الدين أو اللغة، الكل  فيها متساوون في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص أمام القانون. هذه السلطة الأخلاقية هي التي أكسبته إعجاب الجميع بمن فيهم أعداءه، وجعلت منه أشهر سجين في العالم من أجل العدالة لشعبه، ليقوم المجتمع الدولي بنبذ النظام العنصري ويفرض عليه الحصار الاقتصادي، الأمر الذي أرغم السلطة العنصرية على المباشرة في التفاوض مع مانديلا وترضخ لشروطه العادلة.

والجدير بالذكر، أن دعوته للمصالحة والعفو العام عن الذين أساؤوا له ولشعبه لم تكن عن ضعف أو جبن أو خوف، فخلال محاكماته كان متماسكاً وصوته هادراً وهو الذي حاكم النظام وليس العكس، وإثناء سجنه في جزيرة روبن فرض احترامه على الجميع بمن فيهم سجانيه ومن بينهم قساة. كذلك يجب أن نعرف أنه لما ارتكب النظام العنصري مجزرة رهيبة ضد مظاهرة سلمية في (Sharpeville) عام 1960 احتجاجاً على فرض بطاقات المرور على السود راح ضحيتها 69 قتيلاً و180 جريحاُ، عندئذ تبنى حزب مانديلا الكفاح المسلح ضد المؤسسات الحكومية فقط دون التعرض للمدنيين. وبسبب هذا الاعلان تم استدعاء مانديلا ورفاقه من السجن في تهمة سابقة، وأعيدت محاكمتهم هذه المرة بتهمة الإرهاب ضد السلطة، وكان المقرر أن يحكم عليهم بالإعدام، ولكن بسبب الضغوط الدولية استبدل الحكم من إعدام إلى السجن المؤبد.

لم تكن المفاوضات بعد إطلاق سراح مانديلا ورفاقه سلسة وسهلة، بل كانت معقدة استمرت نحو 3 سنوات، حاول النظام العنصري شق السود إلى كتل متنافسة وحتى إثارة صراعات دموية فيما بينهم ولكن بلا جدوى. كما وقام متطرف أبيض باغتيال المناضل الأسود كريس هاني (Chris Hani) الذي كان يتمتع بشعبية واسعة، على أمل تفجير الصراع بين السود والبيض ولكن بحكمة مانديلا خابت آمالهم.
ولم يكن ما تحقق من نصر هو تنازل من الرئيس العنصري ديكلرك بدوافع إنسانية أو يقظة ضمير، بل كان مضطراً لأنه كان تحت ضغوط دولية، وعزلة شبه كاملة مفروضة عليه، و كان يعرف أنه بدون الاستجابة لهذه الضغوط فإن نظامه سينهار اقتصادياً. وقد حاول ديكلرك خلال مفاوضاته مع مانديلا وضع دستور يجرد الديمقراطية من مضمونها، وذلك بفرض حق النقض (الفيتو) في الدستور للأقلية البيضاء، ولكن أصر مانديلا ورفاقه على رفض هكذا مادة.
ومن المفيد أن أشير هنا إلى حادثة تدل على خبث دكلرك خلال المفاوضات المارثونية، وقد ذكرها مانديلا في سِفره العظيم (المسيرة الطويلة إلى الحرية)، مفادها أن ديكلرك اتصل به تلفونياً قبل بدء إحدى الجلسة بساعات راجياً منه أن يسمح له بالكلمة الأخيرة في نهاية الجلسة. فوافق مانديلا برحابة صدر. ولما حانت اللحظة قام دكلرك وفاجأ الحضور بتهجم عنيف على مانديلا، واصفاً إياه بالغدر والمكر، وأنه غير أمين، مدعياً أن مانديلا يتفاوض مع الحكومة ويتآمر ضدها في نفس الوقت، ولذلك فمانديلا شخص لا يمكن الثقة به!! وبعد انتهاء دكلرك من كلمته قام مانديلا غاضباً وحتى دون السماح من رئيس الجلسة، ورد عليه قائلاً، من الذي يخون الأمانة ولا يستحق الثقة يا سيد ديكلرك، أنا أم انت؟ أنت الذي رجوتني قبل ساعات أن أسمح لك بالكلمة الأخيرة واستجبتُ لطلبك بحسن نية ولثقتي بك على حسن نواياك، لتستغل هذه المناسبة فتتهجم عليَّ وتصفني بكل ما قلت من كلام غير معقول، لذلك فمن الآن وصاعداً لن اسمح لك بذلك.

يحاول البعض التقليل من أهمية ما تحقق بقيادة الرئيس مانديلا بذريعة استمرار الفوارق الكبيرة بين الفقراء والأغنياء، وعدم تمكن مانديلا من القضاء على الفقر. في الحقيقة هذه الفوارق الطبقية لا يمكن التخلص منها في جيل أو حتى جيلين، بل تبقى الفوارق ومع تحسن حالة الطبقات الفقيرة. وكان مانديلا رغم تحالفه مع الشيوعيين في مرحلة النضال إلا إنه كان في جدال معهم حول طبيعة الصراع بين السود وحكومة البيض، فكان الشيوعيون يرونه صراعاً طبقياً، أما مانديلا فكان يراه عنصرياً ولكن تأثر بقراءات كتب ماركسية في السجن. المهم أن النضال بقيادة الرئيس مانديلا حقق أهم أهدافه وهو القضاء على نظام الفصل العنصري (Apartheid) وإعادة البلاد إلى سكانه الأصليين مع الاعتراف بوجود وحقوق المهاجرين البيض وغيرهم كمواطنين من الدرجة الأولى ضمن الوحدة الوطنية.

دروس من مانديلا
إن مسيرة الفقيد مانديلا غنية بالدروس والعبر يمكن أن تفيد الشعوب المناضلة في سبيل الديمقراطية والحرية والكرامة الانسانية، وخاصة تلك الشعوب التي تتميز بالتعددية الأثنية والدينية والمذهبية واللغوية مثل شعبنا العراقي.
الدرس الأول، هو تبني روح التسامح والمصالحة الوطنية. لقد أدرك مانديلا منذ أن غادر السجن أنه لا سلام في جنوبي أفريقا إلا بتطبيق مبدأ التسامح والمصالحة الوطنية، ونبذ روح الثأر والانتقام. وبدون هذه السياسة الكل في خسران مبين. ويبدو أن جميع الأطراف قد أدركوا هذه الحقيقة وآمنوا بها وتبنوها لحكم البلاد. ولذلك نجحوا بأقل ما يمكن من خسائر في الأرواح والممتلكات.
ولكن هناك عقبة تواجهنا في قضيتنا العراقية وهي قضية الثقافة الاجتماعية(culture) والأيديولوجيات السياسية المتشربة بروح الانتقام والثأر البدوي. فقد حاول الزعيم عبدالكريم قاسم قبل أكثر من خمسين سنة نشر مبدأ (عفا الله عما سلف) و(العفو عند المقدرة)، وطبقه على نفسه قبل غيره، فعفى حتى عن الذين تآمروا على حياته، وأراد أن يتخلص من الطائفية والعنصرية. ولكنه فشل، حيث استغلوا تسامحه وانتقموا منه ولم يتركوا له حتى قبراً يضم جسده الممزق برصاص رفاق الأمس الذين غدروا به. لذلك أكاد أجزم أنه لو كان مانديلا أو غاندي ولدا في العراق لما سمع بهما أحد، و لكان القتل نصيبهما من أول خطوة في النضال.
فهل يمكن للعراقيين إعادة التفكير في ثقافتهم الاجتماعية، وأن يستلهموا من فلسفة مانديلاً أن لا سلام لهم إلا بتبني روح التسامح والمصالحة الوطنية وقبول الآخر المختلف في اللون والدين والمذهب والعرق، و القبول بحكم صناديق الاقتراع، وإلا ليس هناك منتصر أو خاسر، بل الجميع خاسرون. 

الدرس الثاني، في انتصار نضال شعب جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا وهو دور العولمة والتضامن الأممي في مواجهة الظلم. فبفضل الثورة المعلوماتية وتقنية النشر والتواصل والمواصلات وتداخل مصالح الشعوب وثقافاتها، صار العالم قرية كونية صغيرة، ومشكلة كل شعب هي مشكلة دولية. فلولا المواقف المشرفة للأحزاب السياسية التقدمية، ومنظمات المجتمع المدني، والإعلام العالمي، وقرارات الأمم المتحدة، ودور المفكرين والمثقفين والفنانين التقدميين الذين أقاموا المهرجانات الغنائية في العواصم الكبرى في العالم لربما نجح النظام العنصري في إبادة شعب جنوب أفريقيا الأصليين كما نجح المحتلون الأوربيون في إبادة السكان الأصليين في أمريكا قبل قرون.

والجدير بالذكر أن الأحزاب اليمينية في الغرب مثل الحزب الجمهوري في أمريكا في عهد ريغن، وحزب المحافظين في بريطانيا في عهد السيدة تاتشر اعتبروا مانديلا وحزبه ANC إرهابياً. والمفارقة أن مانديلا وقادة حزبه بقيت أسماءهم على قائمة الإرهاب في أمريكا إلى عام 2008، وتم رفعها أخيراً بطلب من وزيرة الخارجية آنذاك، كونداليزا رايس لأنها وجدت المسألة محرجة لأمريكا.
والغريب أن اللورد نورمان تبت، أحد قادة حزب المحافظين في عهد تاتشر، المعروف بتطرفه اليميني علق قبل أيام أن موقف حزبه المناهض لمانديلا  كان صحيحاً وهو الذي ساعد على هذه النتائج الجيدة!!

والحقيقة، كان مانديلا كفاءة فكرية وأخلاقية لا تقدر، فبعد انتهاء فترة رئاسته للجمهورية عام 1999، وعدم الترشيح لدورة ثانية، استمر في نشاطه السياسي والاجتماعي لخير البشرية، فأسس جمعية خيرية لمكافحة مرض الأيدز المتفشي في أفريقيا خاصة، ونجح في كسب مؤسسات مالية وصيحة وشركات مصانع الأدوية ضد هذا المرض. وكان أحد ضحايا هذا المرض هو ابنه الوحيد الذي توفى ولم يتردد مانديلا عن الاعلان أن ابنه كان مصاباً بمرص الأيدز لكي يرفع الوصمة عن المصابين به.

وآخر نشاط قام به بمناسبة عيد ميلاده الـ 89 في عام 2007 أعلن أنه والمطران ديزموند توتو قاما بتشكيل مجموعة من كبار رجال الدولة في العالم – تضم كل من غراسا ماشيل، كوفي عنان، إيلا بهات، وغرو هارلم برونتلاند، جيمي كارتر، لى تشاو شينغ، وماري روبنسون و محمد يونس - للمساهمة بحكمتهم والقيادة المستقلة لمعالجة المشاكل الدولية الشائكة، وهذه المجموعة أن تتحدث "بحرية وجرأة، والعمل على حد سواء، علنا أو وراء الكواليس، عن كل ما تحتاج الإجراءات الواجب اتخاذها". وأن يترأس مجموعة الحكماء، المطران ديزموند توتو.

قال ذات مرة عن نفسه: "لم أكن المسيح، ولكني رجل عادي أصبح زعيما بسبب ظروف استثنائية".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــ
رابط فيديو ذو صلة
برنامج ممتع قدمه تلفزيون بي بي سي عن مسيرة نيلسون مانديلا النضالية، جدير بالمشاهدة، يستغرق ساعة واحدة.
Nelson Mandela: The Fight for Freedom
http://www.bbc.co.uk/iplayer/episode/b00ymjlj/Nelson_Mandela_The_Fight_for_Freedom/



339
الانتخابات القادمة والحملات التسقيطية

د.عبدالخالق حسين

من المقرر أن تُجرى الانتخابات البرلمانية المقبلة يوم 30 نيسان 2014. والانتخابات في الأنظمة الديمقراطية هي أشبه بالثورات لتبديل الحكام، ولكن يستخدم فيها الناخبون ورقة الاقتراع بدلاً من الرصاص (Ballot instead of Bullet) وبدون سفك دماء. وعادة تسبق الانتخابات فترة يقوم خلالها المتنافسون بحملات دعائية وإعلامية، أحياناً تكون شرسة، للترويج عن أنفسهم وبرامجهم، كل يعرض بضاعته للشعب.

وفي البلدان الديمقراطية العريقة المتحضرة يتنافس قادة الأحزاب المتنافسة في كسب الناخبين عن طريق نشر بيانات انتخابية واضحة غير قابلة للتأويل، يطرحون فيها برامجهم لحكم البلاد وتقديم الخدمات فيما لو فازوا بالسلطة، كما ويعملون على كشف سلبيات الخصوم إنْ وجدتْ دون اللجوء إلى الأكاذيب و الافتراءات، وإلا فالناتج ستكون معكوسة على مخترع السلبيات الكاذبة.

وفي العراق، يمكن اعتبار المناسبات الانتخابية، رغم ما يشوبها من مشاكل وإثارة، وأحياناً اضطرابات وتجاوزات، إلا إنها على العموم هي عبارة عن دورات دراسية عملية للجماهير والتنظيمات السياسية لتعلم قواعد لعبة الديمقراطية.
وبما أن الديمقراطية جديدة في العراق، ومجتمعنا متشرب بثقافة العنف، ومن تجارب السنوات الماضية منذ أول انتخاب برلماني عام 2005 وإلى الآن، فقد لاحظنا لجوء المتنافسين ليس إلى إبراز ما عندهم من إيجابيات في كسب الناخب بتقديم أفضل ما عندهم للصالح العام، بل التفنن في اختلاق السلبيات ضد الخصوم والعمل على تشويه سمعتهم، أي الاعتماد على الدعاية السلبية بشن حملات تسقيطية.

في الحقيقة، إن القوى السياسية هي في حالة حملات انتخابية دائمة تبدأ بعد تشكيل الحكومة مباشرة، فما هذه الصراعات بين الكتل السياسية داخل البرلمان و خارجه، وفي وسائل الاعلام، إلا حملات انتخابية غير معلنة، ولكن تتصاعد حدتها قبل الانتخابات بأشهر قليلة، أغلبها تسقيطية، فكل كتلة تحاول النيل من الكتل المنافسة لها، بحق أو بدونه، وحتى اللجوء إلى كيل الافتراءات والتلفيقات. وبالطبع، ستنال كتلة رئيس الحكومة حصة الأسد من هذه الأكاذيب والتهجم، ويبقى الرئيس مُراقَباً في جميع تنقلاته وسفراته وأفعاله وأقواله، والسعي لتحويلها إلى سلبيات ضده. وحتى إذا كانت نشاطات رئيس الوزراء في صالح الشعب ومن صلب واجباته الدستورية، فإنهم يطرحونها في وسائل الإعلام بأنها لأغراض انتخابية إلى حد أن امتنعت كتل نيابية التصويت على قوانين التنمية والإعمار، وتسببت في تعطيل الكثير من القوانين الضرورية نكاية برئيس الوزراء. بينما المفروض بهؤلاء المسؤولين المنافسة على خدمة الشعب لكسب الناخبين، وليكن لأغراض انتخابية، فإذا فازت كتلة سياسية بسبب ما كالت من الوعود المعسولة للشعب ومن ثم حنثت بتنفيذ وعودها فهذه الكتلة ستنتهي سياسياً في الانتخابات اللاحقة. كذلك للشعب حس غريزي يعرف تمييز الوعود الصادقة الممكن تحقيقها من الوعود الزائفة والتي هي من أجل الانتخابات ليس غير.

والملاحظ أيضاً، أنه مع كل دورة انتخابية جديدة هناك تصعيد في الدعايات السلبية التسقيطية. وقد بدأت بوادر هذا العنف الإعلامي التسقيطي منذ أشهر، تم فيها الطعن بالخصم إلى حد كسر العظم كما يقولون، استخدموا فيها حتى الأطفال لأغراض سياسية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، استلمتُ قبل أسابيع فيديو يظهر فيه طفل بريئ في عمر الروضة، تم تدريبه بمهارة ليقول ما لقنه به الكبار لأنه يكون أكثر تأثيراً على المتلقي مما لو خرج من أفواه الكبار. وفعلاً استلمت هذا الفيديو من بعض المعارف وهم من المثقفين لا يشك بوطنيتهم وعدائهم للبعث الفاشي، والمفترض بهم أن يدركوا الحيل والأساليب الخبيثة التي يلجأ إليها مرجو هذا النوع من الدعايات المضادة المضللة والأغراض السياسية منها. ولكن مع الأسف الشديد يتلقاه هؤلاء بحسن نية وبدون أي سؤال، معتقدين بأن ما قاله الطفل أمام الكاميرا هو من عنده أو"إلهام رباني"! وحقيقة غير قابلة للشك، و كأن هذا الطفل متابع للأحداث السياسية. بل استغل أحدهم فيديو آخر من هذا القبيل فكتب مقالة "عصماء" وبعنوان مثير، تعليقاً على ما قالته طفلة بريئة أنطقوها أقوالاً مفادها أن حياة العراقيين الآن هي جحيم لا يطاق أسوأ بآلاف المرات مما كانت عليه في عهد صدام!!. وقد رد عليه القارئ الكريم أحمد عبدالله بتعليق جاء فيه: "ألا تعتقد أن هذه الطفلة تم تلقينها لساعات وساعات بهذه الدعاية المضادة فهناك مؤلف ومدرب وملقن ومخرج، ومحطة تلفزيونية، دربوها على هذا الإلقاء المثير حتى أنت وغيرك تكتبون ما تكتبون من أجل التأليب على المسؤولين؟
في الدول المتحضرة يمنع استخدام الأطفال للدعايات السياسية، ولكن في العراق هذا العمل مباح وما تقوله الطفلة بعد تلقينها يعتبر حقائق ثابتة. هذه آخر ما تفتقت به عبقرية البعثيين في الحرب الدعائية التسقيطية... لا استبعد أن يأتوا غداً ببغاء ويلقنونه بهذه الكلمات لتقول: ألا تخجلون من أنفسكم حتى الببغاء يرفضكم؟ أجل، حتى الأطفال لم يسلموا من استغلالكم لهم في حملات الدعاية المضادة." انتهى

حقاً، إنه لأمر محزن محاولة استدراج ناس كانوا من ضحايا البعث وتسخيرهم لترويج الدعايات البعثية المضللة. ولا بد أن الكاتب قد اطلع على فيديو ظهر فيها إسلامي متطرف يستخدم طفلاً في شتم اليهود والدعاء عليهم بالهلاك، وبالتأكيد استهجن الكاتب هذا السلوك، فلماذا يقبله في الحالة العراقية لمجرد أنه للتأليب على خصومه السياسيين؟
فالمطلوب من قادة التنظيمات السياسية التي خسرت في الانتخابات السابقة أن يعملوا على إقناع الجماهير بالمنطق وبالتي هي أحسن للتصويت لهم في الانتخابات القادمة، وذلك بطرح البديل الأفضل من برامج انتخابية عملية قابلة للتنفيذ، وليس باستغلال الأطفال في الدعاية والتلاعب بمشاعر الناس بكيل الأكاذيب والافتراءات لتشويه سمعة الخصوم السياسيين في الدعاية المضادة، لأن هذه الأساليب الرخيصة هي اهانة لذكاء الناس.

وهذه الجهات هي نفسها بدأت تمطرنا هذه الأيام بالدعايات التسقيطية، فثروة الدكتور إبراهيم الجعفري بلغت مائة مليار دولار، والسيد علي الأديب، وزير التعليم العالي، أغنى رجل في العالم، أما ثروة الأخوين النجيفي فقد بلغت 22 مليار دولار. وآخر ما تم تعميمه هو صورة فوتوغرافية لـ"تقرير" زعم كاتبه ومصوِّره أنه نشر في صحيفة ليبراسيون الفرنسية، مفاده أن السيد أسامة النجيفي اشترى 50% من شركة سامسونغ الكورية بمبلغ 11 مليار يورو (=15 مليار دولار). يعني أن النجيفي استثمر كل ثروته التي نهبها من الشعب العراقي في شركة واحدة. وبلغة المستثمرين، وضع جميع بيوضه في سلة واحدة!! وهذا غير ممكن. نسي مؤلف هذه الكذبة أن الحكومات لا تسمح لأي أجنبي أن يستحوذ على نسبة قريبة من 50% من أسهم أية شركة في بلادها. ورغم غباء الكذبة إلا إنها عبرت على البعض للأسف الشديد.

كذلك هناك نوع من التحايل والتفنن في استخدام اللغة الطائفية لتسقيط قادة سياسيين وبدوافع طائفية مفضوحة وبالأخص من السياسيين الشيعة، ويستخدم لهذا الغرض كتّاب من نفس الطائفة، وأحياناً لكتاب يستعيرون أسماءً شيعية مثلما طلع علينا أخيراً كاتب باسم (عبدالحسين الملا لعيبي، وآخر باسم قاسم السهيل، وثالث باسم أحمد الحسيني... الخ)، يبدأ هؤلاء عادة بمناحة على الحسين وأهل البيت ومظلومية شيعتهم عبر التاريخ!!، ليستدرجوا القارئ إلى أن يصل إلى بيت القصيد وهو تسقيط السياسيين الشيعة ووصفهم بـ "اللصوص الحرامية الذين استغلوا أبناء طائفتهم لأغراضهم الشخصية...الخ". بطبيعة الحال لا ننكر أن هناك لصوص وحرامية، ولكن هذا ليس حصراً على سياسيين من طائفة واحدة، والشيعة تحديداً، بل هم موزعون على جميع المكونات الدينية والمذهبية والعرقية. والمقصود من هذه الكتابات ليس الفاسدين واللصوص الحقيقيين، بل الشرفاء من السياسيين فقط، أي بحرق الأخضر بسعر اليابس.   

لا أجافي الحقيقة إذا قلت أن معظم الحملات الإعلامية التسقيطية موجهة بالأساس ضد شخص واحد وهو السيد نوري المالكي، لتصفيته سياسياً واجتماعياً، وإن تمكنوا، حتى جسدياً، للتخلص منه لأنه أثبت كفاءة وجدارة وحرصه الشديد على إنجاح العملية السياسية والديمقراطية، وخدمة الشعب والحفاظ على أمواله. وخصومه يسعون لإزاحته عن الساحة واختيار شخص ضعيف بديلاً عنه يستطيعون توجيهه وفرض إراداتهم عليه كما يشاؤون. أما إذا جاء البديل من التيار الصدري، كما تردد مؤخراً اسم (قصي السهيل، نائب رئيس مجلس النواب) فعندئذ ستكون مصيبة المصائب واقرؤوا على العراق السلام. فقبل أسابيع وجه السيد مقتدى الصدر نقداً لاذعاً للسهيل، مما اضطر الأخير إلى تقديم استقالته من منصبه لولا تدخل زملائه وثنيه عن قراراه. وهذا يعني أنه إذا اختير رئيس الوزراء من التيار الصدري فمصيره بيد السيد مقتدى، واستمراره في رئاسة الحكومة يعتمد على مزاجية ونزوات السيد مقتدى وليس على قدرته في إدارة السلطة ودعم البرلمان له، أشبه بسيف ديموقليس معلقاً على رأسه بشعرة واحدة من حصان!!

على أي حال، أتوقع أن الحملة الانتخابية المقبلة ستكون شرسة جداً وقذرة جداً، يستخدمون فيها الأديان والمذاهب وكل ما في اللغة من مفردات قذرة لتشويه صورة الخصم وتلويث سمعته، لا يتورعون فيها عن استخدام الأطفال والحيوانات والببغاوات، وحتى رواديد اللطميات في مواكب العزاء.

نتمنى على أصحاب الشأن يكون قد تعلموا دروساً من التجارب السابقة، وأن يترفعوا عن الإساءات، وأن يتمسكوا بالقواعد الأخلاقية وتجنب الوسائل الرخيصة المبتذلة، وأن يضعوا أسساً صحيحة وشريفة في منافساتهم السياسية وبروح رياضية نزيهة، وأن لا يعتبروا الخسارة في الانتخابات الديمقراطية جريمة مخلة بالشرف. 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


340
الاتفاق النووي الإيراني انتصار للعقل والاعتدال

د.عبدالخالق حسين

وأخيراً، وبعد مفاوضات ماراثونية مضنية دامت عشر سنوات بين إيران والدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائداً المانيا، مجموعة(5+1)، انتهت بنجاح وذلك بالتوقيع على الاتفاق النووي الإيراني فجر يوم الأحد 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، الذي أرضى جميع الأطراف المتفاوضة.

ولاقى هذا الاتفاق ترحيباً عالمياً إلا من السعودية وإسرائيل واليمين الأمريكي المتشدد بقيادة جون ماكين، الذين اعتبروا الاتفاق هزيمة للغرب وانتصاراً لإيران. إذ جاء على لسان بنجامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بأن الاتفاق "خطأ تاريخي"، وأن العالم صار في خطر أكبر بسببه!! وهذا متوقع من نتنياهو الذي تشاءم جداً من فوز الدكتور حسن روحاني المعتدل والذي وعد بالانفتاح على العالم وبالأخص على العالم الغربي، لأن نتنياهو كيميني متطرف يعتمد في استمراره في السلطة على التوتر ووجود متشدد مثله في إيران كالرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، لذلك شن حملة إعلامية ضد روحاني مشككاً به وواصفاً له بأنه "الحمل في ثوب ذئب"! لأن نتياهو يرى أن التقليل من التوترات مع إيران يمكن أن يعيد الانتباه العالم إلى الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. إضافة إلى كون استخدام البعبع النووي الإيراني يدفع الدول الخليجية لشراء المزيد من الأسلحة الفتاكة بمئات المليارات دولار خدمة لشركات الأسلحة في الغرب.
بينما دافع عن الاتفاق الرئيس الأمريكي باراك أوباما في رده على انتقادات الجمهوريين قائلاً: "إن التحديات الكبيرة باقية، إلا أنه لا يمكننا الوقوف ضد الخيار الدبلوماسي، ولا يمكننا استبعاد الحلول الدبلوماسية للمشاكل التي يواجهها العالم". مشيراً إلى أنه "في الاشهر المقبلة، سنواصل جهودنا الدبلوماسية بهدف التوصل الى حل يعالج نهائيا تهديد البرنامج النووي الايراني". وأوضح "اذا انتهزت ايران هذه الفرصة وقررت الانضمام الى المجتمع الدولي، اذن يمكننا البدء بوضع حد للريبة الموجودة منذ اعوام طويلة بين بلدينا".(1).

لقد حققت إيران ما تريده، أهمها رفع العزلة الدولية التي عانت منها كثيراً خلال العشر سنوات الأخيرة، واعتراف المجتمع الدولي بحقها في امتلاك التقنية النووية، وحق تخصيب اليورانيوم إلى 5%، وهذه النسبة كافية للأغراض السلمية التي أكدت عليها إيران دائماً، والاحتفاظ بكل ما لديها من تكنولوجيا في هذا الخصوص. إضافة إلى أنها حققت رفع الحصار جزئياً مما يسمح لها بتصدير النفط وتحسين اقتصادها، حيث تم "الافراج عن ثمانية مليارات دولار من الودائع الايرانية المجمدة في البنوك الاميركية منذ سقوط نظام الشاه بعد التوقيع على اتفاق جنيف...كما وأعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان الاتحاد الاوربي سيرفع العقوبات الاقتصادية في شهر كانون الثاني المقبل." كل هذه المكاسب لإيران مقابل تجميدها التخصيب بنسبة 20%. والحقيقة إن إيران قبل عشر سنوات كانت تطالب بحقها في التخصيب بنسبة 5% فرفض الغرب ذلك وأصروا على وقف التخصيب كلياً، لذلك لعبت إيران ورقتها بذكاء، فراحت تخصب بنسبة 20% لكي يرضى الغرب بنسبة الـ 5% ، وهذا ما حصل، وهو انتصار لإيران وبدعم روسيا أيضاً.

كما ويرى المراقبون أن المفاوضات الأخيرة لم تكن من أجل منع إيران من صنع السلاح النووي فحسب، فالنووي كان مجرد عنوان لها، أما الأهم في هذه المفاوضات هو الدور السياسي الذي تلعبه إيران في المنطقة حيث تم الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي وخاصة الدول الكبرى كلاعب أساسي. وهذا هو سبب انزعاج وجنون إسرائيل والسعودية من الاتفاقية.

لقد فضحت الاتفاقية السعودية التي ما انفكت تدعي أنها حامية الحرمين، والإسلام والعروبة، والقضية الفلسطينية...الخ، إذ لم تسطع أن تخفِ نواياها الحقيقية في تحالفها مع إسرائيل. وفي هذا الخصوص (قال الأمير السعودي والملياردير العالمي، الوليد بن طلال، إن المسلمين السنة في العالم العربي يقفون وراء إسرائيل ويدعمون أي هجوم تقوم به على إيران لتدمير برنامجها النووي، ولو أنهم لا يصرحون بذلك علنا. وزعم بن طلال في حديث مع الصحفي الأميركي ـ الإسرائيلي الشهير "جيفري هيلدبرغ" لشبكة "بلومبيرغ" الاقتصادية من مقر إقامته في فندقه الخاص "فور سيزن" في شيكاغو بالولايات المتحدة، أن الرئيس الأميركي في ضائقة سياسية عشية الانتخابات البرلمانية التي ستبدأ حملتها في غضون شهرين، ولهذا اندفع إلى إبرام صفقة مع إيران!)(2).
لم يتجرأ الأمير السعودي بإطلاق هذه التصريحات الفجة ما لم يعرف أنها تمثل السياسة السعودية الرسمية. وليس من حقه أن يتحدث باسم أهل السنة العرب إذ لا أعتقد أن المسلمين السنة العرب سيقبلون بهذه التصريحات ليفضلوا الوقوف مع ألد عدو لهم نكاية بإيران التي برزت كأشد الداعمين للقضية الفلسطينية. وهذه فضيحة للسعودية ونصر لإيران.

أما الطاعنين بالموقف الإيراني في هذه الاتفاقية، والمقللين من أهميتها وما حققته من مكاسب لإيران، فحجتهم أن الاتفاق مؤقت، وأن إيران ربما لن تلتزم بتعهداتها..الخ. نعتقد أن هذه الطعون مجرد أفكار رغبوية وتمنيات من المشككين بجدوى الاتفاقية، إذ نعرف أن معظم الاجراءات المؤقتة تتحول إلى دائمة. فكلا الطرفين، الإيراني والأمريكي، يرغبان بصدق في التقارب وتطبيع العلاقات بعد أكثر من 30 سنة من القطيعة التي ألحقت الضرر بجميع الأطراف. واليوم على رأس أمريكا وإيران رئيسان مسالمان ومعتدلان، فالرئيس الإيراني حسن روحاني، وبعد عشرات السنين من معاناة الشعب الإيراني بسبب العزلة والحصار الاقتصادي، توصلا إلى قناعة بأن سياسة التطرف والتشدد ستلحق المزيد من الكوارث بالشعب الإيراني. ولا أعتقد هذا الاتفاق قد تم دون مباركة المرشد السيد علي خامنئي له.

أما الرئيس أوباما فهو لا يريد خلال ما تبقى من رئاسته الثانية والأخيرة، توريط أمريكا بالمزيد من الحروب في الشرق الأوسط، خاصة وقد عرف عنه أنه رجل سلام ويتمتع بالحكمة والصبر في مواجهة المشاكل. فمنذ فوزه الأول بعث برسائل ودية إلى الشعب الإيراني بغية التوصل إلى حل شامل بين بلديهما، ولكن تشدد الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، وتصريحاته الاستفزازية أحال دون ذلك.
كذلك هناك مقالات ودراسات من باحثين ومتنفذين في الإدارة الأمريكية من بينهم رايان كروكر(3)، تؤكد على مفاوضات سرية جرت بين إيران وأمريكا خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وحتى قبل سقوط حكم البعث العراقي عام 2003،  بينت أن إيران ساعدت أمريكا في مواجهة الإرهاب وخاصة في عملية إسقاط حكم الطالبان في أفغانستان، وكانوا قبل الإطاحة بنظام صدام حسين قريبين من تحقيق تقارب كبير يبشر بعودة العلاقات بين الشعبين لولا إعلان الرئيس جورج دبليو بوش في خطاب له قبيل إسقاط حكم صدام وضع فيه إيران ضمن (محور الشر الثلاثي: كوريا الشمالية وسوريا وإيران). وأن هذه الجملة نسفت كل الجهود التي بذلوها لسنوات، الأمر الذي دفع إيران وسوريا لدعم الإرهاب ضد القوات الأمريكية في العراق. ومع ذلك توصل الأمريكيون إلى قناعة أن النظام الإيراني عدو عاقل يمكن التعامل معه والاستفادة من إمكانياته. ولذلك اتصفت مفاوضات جنيف النفس الطويل والصبر الجميل، مع تنازلات بالأقساط من الطرفين وصولاً إلى توقيع الاتفاق.
إن هذا الاتفاق هو نتاج مفاوضات طويلة استغرقت عشر سنوات، توصلت فيها أمريكا والدول الغربية إلى قناعة أن إيران ليست مصدر خطر، وإنما الخطر الأكبر الذي يهدد الغرب والعالم هو الإرهاب الإسلامي الوهابي الذي تدعمه وتموله السعودية وقطر وجهات خليجية أخرى. فالإدارة الأمريكية التي تتمتع بأكبر جهاز استخباراتي في العالم (CIA)، لا يمكن أنها لا تعرف هذه الحقائق. كذلك أصدر مرشد الجمهورية الإسلامية السيد على خامنئي فتوى حرم فيها صنع القنبلة النووية. كما وأكد وزير خارجية إيران السيد محمد جواد ظريف لممثلي مجموعة(5+1) في جنيف أن امتلاك إيران للقنبلة النووية يعرض إيران للخطر وذلك لأنه سيطلق العنان في المنطقة في سباق التسلح وامتلاك القنبلة النووية من قبل السعودية ودول خليجية أخرى، لذلك فهم لا ينوون امتلاك هذا السلاح.

والجدير بالذكر أن التوقيع على هذا الاتفاق لم يكن بمعزل عن أمور سياسية أخرى في المنطقة، أهمها تخلي أمريكا عن سياسة إسقاط نظام بشار الأسد بالضربة العسكرية، والتركيز على مؤتمر جنيف2 يشارك فيه جميع الأطراف بما فيها العراق وإيران، وكذلك الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في نهاية عام 2014، وحاجة أمريكا للتعاون الإيراني في مواجهة الإرهاب واستقرار الوضع في العراق وأفغانستان.
كما وتزامن ذلك مع زيارة رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي إلى أمريكا والتي من ثمارها: محاولات الحكومة التركية لتحسين علاقتها مع العراق. وآخر الأنباء تفيد أن وزارة الخارجية الامريكية أعلنت اليوم الخميس (28/11/2013)، عن رفضها لتصدير النفط من أي مكان في العراق من دون موافقة وتصديق الحكومة الاتحادية في بغداد. وكذلك غيَّر رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان موقفه في التعامل المباشر مع حكومة اقليم كردستان في الصفقات النفطية، وانه سيتعامل في هذا الخصوص مع الحكومة الاتحادية.(4)
 
كل ذلك يجعلنا نعتقد أن المنطقة مقدمة على مرحلة جديدة يتم فيها حل المشاكل الكبرى العالقة، وأن سياسة التطرف التي تقودها إسرائيل والسعودية للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني بالضربة العسكرية، ودور السعودية في إشعال الحروب الطائفية، تقود إلى المزيد من الكوارث وسفك الدماء وعدم الاستقرار، الأمر الذي يهدد مصالح الجميع بما فيها المصالح الأمريكية في المنطقة. لذلك هناك استجابة من الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا في حل هذه المشاكل بالوسائل السلمية. إضافة إلى أن الدور السعودي في مد أمريكا بالنفط بدأ يقل، إذ هناك مصادر اخرى لإشباع حاجة أمريكا للطاقة منها الاعتماد على الانتاج المحلي، ومصادر أخرى غير النفط، وكذلك النمو المضطرد في إنتاج وتصدير النفط العراقي. ولكل هذه الاسباب جن جنون إسرائيل والنظام السعودي من السياسات العقلانية الخيرة التي تبنتها إدارة أوباما ازاء القضية السورية والنووي الإيراني وحلهما بالطرق الدبلوماسية السلمية. وبذلك فقد أثبت الرئيس أوباما أنه يستحق بجدارة جائزة نوبل للسلام التي نالها في السنة الأولى من حكمه.
خلاصة القول: إن الاتفاق النووي الإيراني انتصار للعقل والاعتدال، وهزيمة للتطرف الإسرائيلي  والسعودي واليمين الأمريكي.
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
   ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1) أوباما يدافع عن الاتفاق النووي الإيراني
http://alakhbaar.org/home/2013/11/158221.html

2) ) الأمير السعودي الوليد بن طلال: نحن "المسلمين السنة" سنقف مع إسرائيل إذا ما هاجمت إيران "الشيعية"، فإيران هي عدوتنا وليس إسرائيل
http://alakhbaar.org/home/2013/11/158277.html
3) الحديث إلى إيران هو الحل - ريان كروكر - الشرق الأوسط
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=12761&article=749043#.UpWvRNJdWgA

4) واشنطن "ترفض" تصدير النفط من أى مكان بالعراق دون موافقة الحكومة الاتحادية
http://akhbaar.org/home/2013/11/158346.html
روابط أخرى ذات علاقة
رسائل إيرانية للعالم (تقرير وفيديو) 
www.slabnews.com/article/48066

إيران: التوصل إلى اتفاقية في محادثات جنيف
http://alakhbaar.org/home/2013/11/158101.html

اتفاق نووي إيران: مصر والإمارات ترحب والسعودية ترفض
http://alakhbaar.org/home/2013/11/158126.html

التقارب الإيراني الأمريكي يمثل تحديا لنتنياهو
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2013/10/131001_israel_iran_us.shtml

رصد موجز لتاريخ العلاقات الأمريكية الإيرانية
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2013/09/130929_iran_us_ties_timeline.shtml


341
هل حقاً المالكي هو سبب الإرهاب السعودي في العراق؟

د.عبدالخالق حسين

هناك مبدأ خطير وهو (عدو عدوي صديقي)، والخطورة تأتي من كون هذه الصداقة مؤقتة، فكل طرف يوظّف الآخر لأغراضه سرعان ما تتحول إلى عداء بعد التخلص من العدو المشترك. وللأسف الشديد، وبسبب المنافسة الشرسة على السلطة والنفوذ، هناك كيانات سياسية عراقية تعمل وفق هذا المبدأ بقوة حتى مع حكومات أجنبية إلى حد التهديد بسلامة الشعب والوطن. لم نستغرب إذا تبنت كتلة "العراقية"هذا المبدأ في تقوية علاقتها مع ألد أعداء الشعب العراقي مثل السعودية وقطر مقابل الدعم السياسي والإعلامي والمالي، رغم صدور تصريحات لمسؤولين أمريكيين كبار يؤكدون فيها أن السعودية تدعم الإرهاب في العراق وتشن حرباً طائفية في المنطقة. ولكن من الغرابة أن يقوم كيان سياسي شيعي مثل التيار الصدري بالدفاع عن موقف السعودية التخريبي في العراق ويحمِّل المسؤولية على رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي.

تقول الحكمة: "يفعل الجاهل بنفسه كما يفعل العدو بعدوه". وها هو التيار الصدري بتزلفه للسعودية يفعل بنفسه وبالعراق ما يفعل العدو بعدوه. فالكل يعرف ما ارتكبه حكم البعث الصدامي من جرائم بحق الشعب العراقي، وقد نال آل الصدر الكثير من قتل وتعذيب وتشريد. ولكن المفارقة أنه عندما أسقطت أمريكا هذا النظام الجائر كان مقتدى الصدر أول من يقود تياره ومليشياته (جيش المهدي) لمحاربة القوات الأمريكية وزعزعة النظام العراقي الجديد. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل راحت مليشياته تنشر الرعب بين الناس في المحافظات الوسطى والجنوبية، وخاصة البصرة بفرض حكم الشريعة عليهم ومحاربة المسيحيين والصابئة، وفرض الحجاب على النساء وحتى على غير المسلمات، وتفجير محلات بيع الخمور وأقراص الموسيقى والغناء، ودور السينما وغيرها من أماكن الترفيه.. وفرض المحاكم الشرعية فحوَّل حياة الناس إلى جحيم، الأمر الذي دعى رئيس الوزراء السيد نوري المالكي للقيام بحملة (صولة الفرسان) ضد جيش المهدي في البصرة ومدينة الثورة (الصدر) عام 2008 فألحق بهم الهزيمة وأنقذ الناس من شرورهم، فتنفس الناس الصعداء وبذلك ارتفعت شعبية المالكي.

إن تقليم المالكي لمخالب مليشيات التيار الصدري هو سبب حقد نواب هذا التيار عليه بالرغم من أنهم ضمن كتلته (التحالف الوطني). وقد بلغ بهم الحقد إلى حد أنهم راحوا يدافعون عن النظام السعودي الوهابي الذي بدأ بحملة إثارة الفتنة الطائفية في العراق قبل إسقاط حكم البعث، ومنذ التحرير راح يرسل الإرهابيين والانتحاريين لقتل العراقيين بحجة تهميش السنة العرب، والغرض هو إفشال العملية السياسية ووأد الديمقراطية.

ورغم الحقائق التي يعرفها القاصي والداني عن دور السعودية في الإرهاب، والتي اعترف بها حتى المسؤولون الأمريكيون، طلع علينا السيد بهاء الأعرجي، رئيس كتلة الأحرار (التيار الصدري) البرلمانية، ليقول في لقاء تلفزيوني في (قناة السومرية) ان المالكي يتحمل مسؤولية ما تفعله القيادة السعودية بالعراق من تفجيرات واغتيالات وقتل وتخريب، لأنه لم يتصل بالسعودية ولم يرسل لهم مبعوثين ليشرح لهم توجه العراق وقيادة العراق!!. طبعا تناسى السيد الأعرجي ان للصدريين علاقات وثيقة مع السعودية، وسبق ان التقى مقتدى الصدر بملك السعودية والحكومة السعودية، وهو الزعيم الشيعي العراقي الوحيد الذي تستقبله السعودية كرجل دولة، لا لشيء إلا لأن وجدتْ فيه الشخص المناسب ليقوم بدور حصان طروادة لضرب الوحدة الوطنية والعملية السياسية وتمزيق التحالف الوطني. كما وأكد الأعرجي متباهياً ان الصدريين سيلتقون قريبا بالقيادة السعودية.

لا نريد الدفاع عن الحكومة العراقية، فالتيار الصدري جزء منها ولهم فيها أكثر من خمس وزارات خدمية، ولكن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فنحن نعرف منذ أن تولى السيد نوري المالكي رئاسة الحكومة عام 2006 وهو يطالب بتحسين العلاقة ليس مع السعودية فحسب، بل ومع جميع الدول العربية والإقليمية والعالم، ولكن في كل مرة تتعنت السعودية حتى أنها رفضت تمثيل بلادها في مؤتمر القمة العربي في بغداد بمستوى لائق.
وهناك أمثلة كثيرة تدحض ادعاءات بهاء الأعرجي في إلقاء اللوم على المالكي في الإرهابي السعودي في العراق، نذكر منها: إذ نعرف أن الإرهاب يحصد أرواح الشيعة في باكستان منذ انتشار تعاليم الوهابية وبتمويل من السعودية قبل أكثر من عشرين عاماً، علماً بأن علاقة الحكومة الباكستانية جيدة جداً مع السعودية، ولكن مع ذلك لم يسلم الشعب الباكستاني وخاصة الطائفة الشيعية والمسيحيين من الإرهاب المدعوم من السعودية لأسباب أيديولوجية.
كذلك كان الإرهاب في العراق على أشده عندما كان أياد علاوي المدعوم من السعودية، رئيساً للوزراء عام 2004-2005. فإذنْ، الإرهاب السعودي في العراق لا علاقة له بكون المالكي أو غيره، يتقرب أو لا يتقرب إلى النظام السعودي. والغريب أنه لما صرح السيد المالكي في الآونة الأخيرة بدعوته للنظام السعودي بتبادل الوفود لتحسين العلاقة، وأنه يرحب بزيارة أي شخصية من القيادة السعودية، وأنه مستعد للذهاب إلى السعودية إذا تلقى منها دعوة لحل المشاكل بيننا ونعيد العلاقة الطبيعية، قال السيد بهاء الأعرجي في ذلك اللقاء، أن هذه الدعوة ليست عراقية، بل فرضت عليه من أمريكا!! وهكذا فكل ما يقوم به المالكي أو يقوله هو خطأ في رأي هؤلاء. ولما سأله مقدم البرنامج (السيد غزوان جاسم) لماذا لم تصوتوا على قانون إعمار العراق؟ فلم يجد جواباً معقولاً، فأطلق كذبة مضحكة أنه حتى نواب من كتلة القانون امتنعوا عن التصويت على القانون!!.
فالسيد بهاء الأعرجي يطالب المالكي بإرسال الوفود إلى السعودية ويتذلل لها حتى دون أن يتلقى أي دعوة منها. ووفق هذا المنطق، فعندما يحصل برود في العلاقة بين دولتين فمن حق أي منهما إرسال الإرهابيين لإبادة شعب الدولة الأخرى!!. هذا منطق مغلوط ومفلوج ويدل على مدى حقد الصدريين بحيث تحالفوا مع ألد أعداء الشعب العراقي نكاية بالمالكي.
قلنا مراراً أن السعودية تحارب العراق لثلاثة أسباب: طائفية، وسياسية، واقتصادية. والسعودية هي وراء نشر التطرف الإسلامي الوهابي في العالم، وفي هذا الخصوص كتب الباحث الأمريكي فريد زكريا في التايم: " إذا كانت هناك جائزة للسياسة الخارجية الاكثر انعداما للمسؤولية، ستمنح بالتأكيد إلى المملكة العربية السعودية. فهي أكثر الدول المسؤولة عن صعود التطرف الإسلامي والتشدد في جميع أنحاء العالم. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تم استخدام الثروة النفطية الهائلة في المملكة لضمان تصدير الصورة المتطرفة والمتعصبة والعنيفة من الإسلام من خلال رجال دينها الوهابيين...إذهب إلى أي مكان في العالم - من ألمانيا إلى إندونيسيا - وستجد المراكز الإسلامية المنتعشة بأموال السعودية تنفث التعصب والكراهية." 
كما وأكدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وفق ما جاء في وثيقة سربها موقع ويكيليكس في شهر كانون الأول/ديسمبر 2009، أن المملكة العربية السعودية تبقى "القاعدة المالية الأساسية" للإرهاب وأن الرياض "اتخذت إجراءات محدودة فقط" لوقف تدفق الأموال إلى طالبان وجماعات أخرى مشابهة".

ويضيف السيد زكريا: (ومنذ هجوم تنظيم "القاعدة" المباشر في الرياض في العام 2003، قضى السعوديون على الارهاب في الداخل. لكنهم لم يوقفوا دعمهم لرجال الدين الوهابيين والمراكز والمدارس الدينية والمتشددين في الخارج. خلال حرب العراق، كان الكثير من الدعم للمتشددين السنة يأتي من مصادر سعودية.)

يجب أن يعرف بهاء الأعرجي وتياره، أن كل المسؤولين العراقيين الشيعة من وزراء ونواب وغيرهم في العراق الجديد يعتبرون إيرانيين (عجم) وفق النظرة الطائفية السعودية.. "لدرجة ان وزير خارجيتها قال مرة، في ندوة في واشنطن ان من يزور بعض الوزارات العراقية يحتاج الى مترجم للغة الفارسية، في اشارة مليئة بالنفس الطائفي للوزارات التي يتولاها شيعة" (من مقال للسيد سالم مشكور في جريدة الصباح).

وقبل سنوات أكد ديفيد بترايوس قائد القوات الدولية في العراق آنذاك، أن خمسين بالمائة من الإرهابيين الأجانب ومائة بالمائة من الانتحاريين هم من السعودية. كما وأكد السفير الأمريكي السابق في العراق رايان كروكر، أن السعودية تشن حرباً طائفية في العراق وسوريا.... وغيرها كثير من تصريحات الأمريكيين، فهل بعد كل هذا يبقى أي شك عن الموقف السعودي المعادي للعراق ونلقي اللوم على المالكي أنه لم يرسل وفوداً للسعودية للتفاهم مع حكومتها؟

ويقول حسن العلوي، كما نقلت عنه مواقع النت، أنه "بعد دعوة طارق الهاشمي للسعودية، ذهبتُ معه برفقة أعضاء آخرين في القائمة العراقية، وعند استقبالنا تقدم الملك السعودي نحو الهاشمي مباشرة فسلّم عليه وهو يقول له.. مليارين ونص اعطيتك ولا زال الشيعة في الحكم.. ثم اعاد الملك هذه العبارة مرة أخرى". يبدو أن السيد الاعرجي لا تهمه هذه الإهانة، ويصر على ضرورة وأهمية اللقاء مع قادة النظام السعودي لأغراض فئوية على حسب مصلحة الشعب والوطن.

والجدير بالذكر أن السعودية وجهت الدعوة لنحو ألف من شيوخ العشائر الشيعية بمناسبة موسم الحج، ليس حباً بهم وتقديراً لهم أو مرضاة لله،  بل في محاولة منها لشرائهم وكسبهم لضرب العملية السياسية. ولكن رؤساء العشائر الشرفاء أدركوا الغاية اللئيمة من هذه الدعوة الماكرة فرفضوها بإباء وشموخ. اعتقد السعوديون أن العراقيين دائماً مستعدون لبيع أنفسهم ووطنهم وشرفهم مقابل السحت الحرام كما حصل في 8 شباط 1963, وكما يحصل مع البعض الآن، لكن خاب أملهم.

الحقيقة التي يجب أن يعرفها الصدريون، حلفاء السعودية الجدد، وكما جاء في تقرير ندرج رابطه في الهامش، أن "هدف السعودية الأول، هو القضاء على الشيعة فكراً ووجوداً، ولن تغير هذا الهدف مهما تبدلت الأوضاع في المنطقة والعالم، فالسياسة السعودية متجمدة على عقلية المؤسسين لحكم العائلة
المالكة، والتي قامت على أساس الطائفية الصرفة". ويضيف التقرير: "السعودية اتخذت قراراً من قبل في قتل الشيعة، وهي اليوم تبدأ خطواتها العملية بهذا الاتجاه، إنها ماضية نحو حرب طائفية تشعل فيها المنطقة، مستغلة تراخي القيادات الشيعية، وعدم اكتراثها بما يدور حولها، لاسيما في العراق الذي يمثل منطقة القلب بالنسبة للشيعة، حيث تفرق قادتهم على كيانات متنافسة متخاصمة، مما يجعل اختراقهم سهلاً، وسيجعل ضربتهم متاحة في أي وقت".
فهل سيكون مقتدى الصدر حصان طروادة الجديد للسعودية بعد أن احترقت أوراق الحصان السابق طارق الهاشمي؟
ــــــــــــــــــــــــــ
راوبط ذات علاقة بالموضوع
سالم مشكور، تفجيرات بندرية
http://alakhbaar.org/home/2013/11/157945.html

فريد زكريا: السعوديون غاضبون؟ يا له من أمر جلل!
http://www.syriatruth.org/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D9%88%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/tabid/97/Article/11031/Default.aspx

Zakaria: The Saudis Are Mad? Tough!  (النسخة الإنكليزية)
http://content.time.com/time/magazine/article/0,9171,2156259,00.html

صحيفة أمريكية: كبير جواسيس الشرق الأوسط يشن حربا طائفية في العراق وسوريا
http://alakhbaar.org/home/2013/11/158019.html

السعودية تعمل على تشكيل "جيش محمد" لقتال الشيعة في المنطقة
http://www.m3arej.com/news/13154-

342
الفعل ورد الفعل في التجاوز على الشعائر الدينية

د.عبدالخالق حسين

أفادت وسائل الإعلام عن قيام مصري، و بريطاني، يعملان في شركة حماية (G4S) في حقول الرميلة النفطية، بالإساءة للشعائر الحسينية وعدم احترامهما لشهر محرم الحرام، والمشاعر الدينية للسكان مما أثار غضب الأهالي، فتم إبعادهما من العراق. وقد شاهدنا لقطات الفيديو لجمع من الشباب الغاضب الهائج ينهالون بالضرب على البريطاني وتسيل الدماء من وجهه مما أثار سخط واستنكار المشاهدين. والجدير بالذكر أن مدير الشركة رحب بطرد العاملين إلى بلديهم (1).

أشغلتْ هذه الأنباء والتعليقات عليها، حيزاً في الإعلام، وأثارت جدلاً واسعاً في المجتمع العراقي ومواقع التواصل الاجتماعي. كما وطالبني عدد من الأصدقاء أن أبدي رأيي بمقال عن هذه الأحداث المؤسفة لأن هناك من يستغلها للتصيد بالماء العكر وتجييرها للطعن بالعملية السياسية والإساءة لسمعة الشعب العراقي. فترددت في أول الأمر، لأنه في رأيي لا يمكن الدفاع عن أي من الطرفين. فالموظفان الأجنبيان اللذان أنزلا ومزقا الراية الحسينية ارتكبا تجاوزاً على المشاعر الدينية للسكان، إذ ظهر أن المصري هو من أخوان المسلمين، وتصرفه الأهوج هذا كان بدوافع طائفية مقيتة. أما تصرف البريطاني فكان بسبب التكبر والعجرفة والجهل بثقافة وأعراف الشعب العراقي وعدم احترامه للمشاعر الدينية لأهل البلاد، خاصة وأن البريطانيين وغيرهم من الشعوب الغربية ما انفكوا يرددون القول أن على المهاجرين احترام قوانين ومعتقدات وأديان وأعراف الشعب المضيف، ونحن نؤيدهم على ذلك بحرارة، فلماذا لم يحترم هذا الموظف البريطاني مشاعر الشعب العراقي وهو لا بد وأن يعرف دور الدين في حياة العراقيين وبالأخص في هذه الفترة الانتقالية العصيبة؟ إذ تفيد الحكمة:
"لا تنه عن خلق وتأتي مثله... عار عليك إذا فعلت عظيم"
كما وكان رد فعل العراقيين في ضرب الموظف البريطاني كان بشعاً ومثيراً للإستنكار.

كذلك كتب لي صديق مطَّلع على الوضع، ما يلي:
((استباقا لما قد تكتب عن موضوع ضرب الأجانب في حقول النفط في البصرة، أودّ تبيان بعض الأمور التي قد تفيد لمعرفة حقيقة ما يجري. فمن خلال عملي هناك لاحظت كثرة تجاوزات رجال الحمايات على من يعمل معهم من العراقيين كسواق وأعمال بسيطة اخرى. وقد توقعت ان تحصل مشكلة كبيرة في أحد الأيام، فكتبت الى مسؤول في الدولة واقترحت عليه ان يحجب الفيزا عن بعض من قليلي الأدب من الأجانب. وقد اجاب المسؤول قائلا: "ليذهبوا الى القضاء عند حصول اي تجاوز"، وهذا الاقتراح لا يمكن تنفيذه لأن من يقدم على خطوة كهذه سيخسر عمله فورا...)).
وأضاف الصديق في مكان آخر من رسالته: ((إن معظم المشاكل تأتي من شركات الحماية وهم في الغالب من العسكريين السابقين والمرتزقة الذين يعتاشون على أزمات الشعوب المغلوبة على أمرها. أما المهندسون وباقي الاختصاصات الأخرى فهم من ذوي الخبرة وقد عملوا في بلدان ذات ثقافات مختلفة، وهم غالبا بمنتهى الأدب وخاصة الأمريكان منهم. اما شركات الحماية فهم في الغالب أما من الاسكتلنديين او من جنوب افريقيا وهم بمنتهى النزق والشراسة. ولو كانت الحكومة تستمع للاختصاصيين لشكلت فرقة من الجيش لحماية حقول النفط بحيث نتحرك داخلها من دون الحاجة لجيوش الحمايات الأجنبية، وبذلك توفر أموالاً طائلة. ولو نظرت الى تقرير التعداد اليومي ستجد بأن عدد الخبراء لا يتجاوز العشرات، بينما هناك جيش من الحمايات. سمعت بان الراتب الشهري لكل فرد من أفراد الحماية يزيد على 20 ألف دولار، يعمل معهم سواق وحمايات عراقيون يتقاضون ٦٠٠ دولار في الشهر فقط وهم عرضة لابتزاز الارهابيين في محلاتهم ومدنهم الجنوبية....للعلم رجاء)). انتهى
إذنْ، هذه الحادثة وأمثالها كانت متوقعة بسبب سوء تصرفات البعض من الأفراد العاملين في شركات الحمايات الأجنبية ضد العراقيين.
لذلك وجدت من المفيد أن أدلو بدلوي فوجدتني لأول مرة أتفق مع ما صرح به السيد مقتدى الصدر كما نقلته (السومرية نيوز) بغداد – حيث وصف (حادثة إنزال راية الإمام الحسين "عليه السلام" من قبل عامل بريطاني في حقل الرميلة بـ"الشنيع والجريمة"، فيما أكد أن الاعتداء على الموظف كانت "اشنع وأفظع"، مشدداً على أن من قام بالاعتداء عليه "بلا قلب أو أدب أو عقل".) (2)

لا شك أن العراق يمر في مرحلة حساسة وعصيبة جداً من الصراعات الطائفية الدموية، وهناك فئات في الداخل، ومؤسسات دولية وحكومات أجنبية في الخارج تغذي هذه الصراعات ولا تريد للعراق الاستقرار، بل تعمل على إثارة المزيد من المشاكل، ودعم حرب الإبادة ضد الشعب العراقي وبالأخص الشيعة وإظهارهم بمظهر الوحوش لتبرير إبادتهم. إن المنظر المقزز في فيديو الاعتداء على الموظف البريطاني بشع لا يزيده بشاعة إلا فيديو عملية قتل الشيخ حسن شحاته وأربعة من أتباعه في مصر، والتي ارتكبها بوحشية مجرمون من السلفية وبتواطؤ من الرئيس المخلوع محمد مرسي العياط في تأجيج الطائفية، كجزء من مخطط دولي رهيب، شديد الاتقان، لإشعال حروب طائفية في دول المنطقة.

سيكولوجية الجماهير
إن ما يحصل في هذه الحالات من أعمال وحشية بشعة لها علاقة بسيكولوجية الجماهير. فمعظم الدراسات التي قام بها متخصصون في علم النفس الاجتماعي تؤكد أن الإنسان الفرد تذوب شخصيته ويفقد فردانيته في الجمهور. ومن المفيد هنا أن نشير إلى مقال للدكتورة حنان هلسة حول كتاب العالم الفرنسي غوستاف لوبون، الموسوم (سايكولوجية الجماهير) فتقول: 
(يرى لوبون أن للجماهير خصائص تميزها عن الافراد، حيث تتناول الخاصية الاولى ذوبان الشخصية الواعية للأفراد وتوجيه المشاعر والأفكار في اتجاه واحد. الجمهور النفسي "ايا تكن نوعية الافراد الذين يشكلونه، وايا يكن نمط حياتهم متشابها او مختلفا، وكذلك اهتماماتهم ومزاجهم او ذكاؤهم، فإن مجرد تحولهم جمهوراً يزودهم نوعاً من الروح الجماعية، هذه الروح تجعلهم يحسون ويتحركون بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التي كان سيحس بها ويفكر كل فرد منهم لو كان معزولا". في حالة الجمهور تتلاشى الشخصية الواعية للفرد وتصبح شخصيته اللاواعية في حالة من الهياج، ويخضع الجميع لقوة التحريض وتصيبهم عدوى انفلات العواطف، بحيث تلغى شخصية الفرد المستقل ويصبح عبارة عن انسان آلي ابتعدت ارادته عن القدرة على قيادته". (د. حنان هلسة، الحوار المتمدن، 6/2/2011)(3)

غني عن القول أن هذه الحالة العنفية ليست خاصة بشعب معين، كما يحاول البعض إلصاقها بالشعب العراقي دون غيره من الشعوب، بل هي عامة لها علاقة بالطبيعة البشرية في كل مكان وزمان وخاصة في مرحلة الثورات والهيجانات الجماهيرية، إذ حصلت في الثورة الفرنسية، وإثناء الحروب الطائفية في أوربا، والثورة الثقافية في الصين، وكذلك في العراق في السنة الأولى من ثورة 14 تموز 1958.
كذلك أعتقد أنه ليس كل الناس معرضين لعدوى الذوبان في الجمهور في مثل هذه الحالات، إذ هناك من لهم مناعة تحميهم من هذا السقوط، أشبه بالمناعة ضد الأوبئة، فمثلاً عندما يحل وباء الكوليرا في بلد ما لا يصاب به جميع السكان وإنما تصاب به نسبة منهم.

الموقف من الشعائر والطقوس الدينية
قد يعترض البعض على ممارسة هذه الشعائر، كما جاء في بعض التعليقات كقولهم أن الحسين قتل قبل 14 قرناً، فلماذا كل هذه المراسم والشعائر والطقوس وغيرها الآن ونحن في القرن الواحد والعشرين. أقول، بغض النظر عن كوننا نتفق أو نختلف مع هذه الشعائر والطقوس، فهذا الاعتراض غير مقبول، لأسباب عديدة منها أن تراجيدية مقتل الحسين وصحبه ومعظمهم من عائلته وأقربائه بينهم ستة من أخوته، لها رمزيتها ضد الظلم، ومصدر إلهام للمظلومين للثورة على ظالميهم، وثانياً، لأن الشعائر الدينية يجب احترامها في جميع الأحوال، فحق ممارسة الطقوس والشعائر الدينية جزء من حقوق الإنسان. فإذا كنا حقاً نطالب بحرية الأديان والعبادة وممارسة الطقوس والشعائر الدينية فعلينا احترام مشاعر الطائفة الشيعية أيضاً، وإلا سقطنا في الانتقائية والتحيز لطائفة دون أخرى. فهذه الشعائر والطقوس حتى ولو كانت خاطئة، لا يمكن التخلص منها عن طريق القسر والقوة والتجاوزات على من يمارسها، لأن هذه السياسة تؤدي إلى المزيد من التخندق والتعصب والإصرار على ممارستها. فما يجري الآن في العراق من تطرف ومبالغة في ممارسة هذه الطقوس هو رد فعل على سياسة البعث الطائفية لمنع الشيعة من ممارسة مراسم عاشوراء خلال 35 سنة وباسم التقدمية المزيفة. إذ كما قال لينين: "الدين كالمسمار في الخشبة فكلما طرقتَه زاد ثباتاً فيها".

ومما يجدر ذكره أن اللطم وضرب الجسم بالسلاسل والتطبير هو سلوك البعض من عوام الشيعة، لا علاقة له بالفقه الشيعي، فأغلب فقهاء الشيعة أصدروا فتاوى ضد هذه الممارسات. ولدي مجموعة كبيرة من هذه الفتاوى آخرها فتوى مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي حرم فيها التطبير والزحف على البطون أمام أضرحة الأئمة واعتبرهما بدعة وضلالة. كذلك أفتى المرحوم آية الله السيد محمد باقر الصدر، مؤسس حزب الدعوة الاسلامية قائلاً: "إن ما نراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو من فعل عوام الناس وجهالهم ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء بل هم دائبون على منعه وتحريمه". (4 و 5)

التعامل مع الشعائر والطقوس الدينية
من نافلة القول أن الطقوس والشعائر الدينية لها مكانة عميقة في نفوس المؤمنين بها، وفي حالة الطائفة الشيعية فهم يشكلون الغالبية العظمى من الشعب العراقي، ونسبة كبيرة منهم يؤمنون بها كما نلاحظ ذلك من زحف الجماهير المليونية في مناسبات عاشوراء وزيارة الأربعين. لذلك فهذه المسألة حساسة جدا يجب التعامل معها بمنتهى العقلانية والشعور بالمسؤولية. وقد قرأنا في الأدبيات السياسية أن الحزب الشيوعي العراقي في العهد الملكي كان يستثمر هذه المناسبات ويجيرها لصالح الحركة السياسية المناهضة للسلطة آنذاك، فكان الشيوعيون يتصدرون مواكب العزاء ويؤلفون الأهازيج (الردات) ويجعلون من ذكرى واقعة الطف مناسبة لربطها بما يجري في ذلك العهد من مظالم، ويحيلونها إلى تظاهرات وأهازيج سياسية ضد السلطة، والمعروف أن أغلب الرواديد كانوا متهمين بالشيوعية.
إن هذه الطقوس تنتهي تدريجياً بالتثقيف وتطور المجتمع وليس بالإكراه والقسر والاستعلاء والاستهانة بمعتقدات ومشاعر الناس الدينية، فالمردود في هذه الحالة يكون معكوساً، وعلى الأجانب الذين يعملون في العراق أن يحترموا معتقدات وأعراف المجتمع العراقي ويلتزموا بالحكمة: يا غريب كن أديب.
 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
 http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
مصادر:
1- شركة بريطانية ترحب بقرار طرد أحد عامليها لتمزيقه الرايات الحسينية في البصرة
http://alakhbaar.org/home/2013/11/157526.html

2- الصدر ينتقد ردة فعل المواطنين تجاه الموظف الأجنبي في حقل الرميلة
http://alakhbaar.org/home/2013/11/157530.html

3- حنان هلسة: سيكولوجية الجماهير
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=244767

4- أسامة مهدي، إيلاف: مرجع شيعي يفتي بحرمة التطبير
http://www.elaph.com/Web/news/2010/12/618056.html

5- أراء بعض المراجع لمسألة التطبير 
http://bahrainonline.org/showthread.php?t=196379

روابط ذات علاقة
المالكي يوجه بطرد مهندس أجنبي "مزق راية حسينية" في حقل الرميلة
http://akhbaar.org/home/2013/11/157377.html

عمليات البصرة تبعد موظفا مصري الجنسية إلى خارج العراق
http://akhbaar.org/home/2013/11/157394.html

343
زيارة المالكي لأمريكا، نجاح أم فشل؟

د.عبدالخالق حسين

لا شك أن السيد نوري المالكي أصبح اليوم من أكثر الشخصيات السياسية العراقية إثارة للجدل في كل ما يقوم به، ولعل زيارته الأخيرة لأمريكا كانت الأكثر إثارة للجدل العنيف بين السياسيين والكتاب. ففي رأي خصومه كل ما يفعله المالكي هو شر مطلق وتبذير لأموال الشعب!!.

يحكى أن ﺳﻔﻴﻨﺔ كانت تشق ﻋﺒﺎﺏ ﺍﻟﺒﺤﺮ وعلى متنها مائة بحار، 99 منهم من عشيرة واحدة، وواحد فقط من عشيرة معادية. فراح التسعة والتسعون بحاراً يدعون الله أن تغرق السفينة لكي يهلك هذا البحار. دائماً أتذكر هذه الحكاية وأقارنها بما يحصل لمن تضعه الأقدار رئيساً للحكومة العراقية، حيث يُلحِق خصومه أشد الأضرار بالشعب نكاية بهذا المسؤول.

يمكن التأكد من هذه الحقيقة بمراجعة سريعة لمواقف النواب البرلمانيين والعديد من الكتاب والإعلاميين. لقد رفض النواب في عدة مناسبات التصويت على قانون إعمار العراق، والكهرباء، وأي مشروع خدمي أو اقتصادي نافع للشعب، لاعتقادهم أن تمرير هذه القوانين يكون في صالح رئيس الوزراء نوري المالكي، تخدمه لأغراض انتخابية وتزيد من شعبيته، ولذلك يفضلون الإضرار بالشعب كله نكاية بالمالكي. وهكذا كل قانون في صالح الشعب لم يتم التصويت عليه إلا بعد أشهر من الصراعات والمعانات والتسويف والمماطلات والمقايضات... وفي المحصلة النهائية الشعب هو الذي يدفع الثمن.

ظاهرة إلحاق الأذى بالشعب بغضاً لرئيس الحكومة تجلت بأوضح أشكالها عند زيارة المالكي الأخيرة إلى واشنطن. فمن المعروف أن هذه الزيارة كانت بدعوة من الإدارة الأمريكية قبل عدة أشهر، وتم تأجيلها بطلب من المالكي إلى أن تحققت في يوم 29/10 2013. ولكن الخصوم لم يريدوا لهذه الزيارة أن تمر بسلام، لذا اثاروا حولها ضجيجاً عالياً للتقليل من أهميتها وما حققته من منافع للشعب العراقي وخاصة في مجال دحر الإرهاب. بدأت الحملة قبل الزيارة بأسابيع بمقالات لفخري كريم صاحب جريدة المدى، وجوقته، أدعو فيها أن الرئيس الأمريكي أوباما رفض لقاء المالكي في نيويورك بمناسبة اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة مما أدى إلى غضب المالكي ورفض السفر إلى نيويورك!!. طبعاً قصة مفبركة. ثم أذيعت أخبار زيارة المالكي إلى واشطن، وهنا راحوا يبحثون عما يخدمهم، فلم يحصلوا على شيء فراحوا يفبركون الأكاذيب، مرة أن المالكي هو الذي ألح على الزيارة، وأخرى أن الدعوة لم تكن من الرئيس أوباما، بل من جو بايدن نائب الرئيس، نسي هؤلاء أن القضية بروتكولية ليس غير، فالرئيس يوجه الدعوة لرؤساء الجمهوريات، أما نائب الرئيس الأمريكي فهو بمثابة رئيس الوزراء في النظام الأمريكي، وبالتالي هو الذي يوجه الدعوة إلى رؤساء الحكومات.

وأخيراً تمت الزيارة وشاهدنا اللقاءات الودية على شاشات التلفزة وترحيب المسؤولين الأمريكيين بالوفد العراقي بمن فيهم الرئيس أوباما، وكلها كانت ناجحة. ولكن الخصوم ركزوا هنا على رسالة رفعها خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بينهم جون مكين، في محتواها لا تختلف عما يردده رئيس الكتلة العراقية أياد علاوي وأمثاله في لقاءاتهم مع الإعلام مثل إدعائهم بتهميش الأقليات، وتفرد المالكي بالحكم ، وعلاقته بإيران...الخ، ويطالبون الرئيس أوباما أن يفرض بعض الشروط على المالكي مقابل الدعم الأمريكي له. وهذه المسألة جداً طبيعية في دولة مؤسسات ولوبيات مثل أمريكا، فبإمكان أية جهة شراء لوبيات وتسخير شركات العلاقات العامة بالمال. وحتى بعض المقالات السلبية التي نشرت في الصحافة الأمريكية ضد الزيارة، وكما قال جو بايدن، أن هذه الظاهرة نتاج الصراع الأمريكي- الأمريكي، وليس المقصود بها العراق أو السيد المالكي.
ثم تم اللقاء بين الوفدين العراقي برئاسة المالكي والأمريكي برئاسة أوباما، الذي استغرق أطول ما يسمح له من وقت في مثل هذه اللقاءات الرسمية، ولكن "جماعة الخير"، ولغاية في نفس يعقوب، ادعوا أن اللقاء كان مختصراً، وأن المالكي لم يرحب به مما اضطر إلى قطع زيارته قبل الموعد المحدد. وهذا أيضاً كذب في كذب، إذ كان قد خطط للزيارة أن تكون خمسة أيام من ضمنها يوم للذهاب ويوم للعودة، ولما أنجزوا كل ما يريدون عاد الوفد في وقته المحدد أيضاً. وقد بلغ بهم الحقد إلى حد ان راحوا يركزون في انتقادهم للمالكي عن لون بدلته، وعدد ابتساماته وأنه لا يعرف التحدث باللغة الإنكليزية، بل وحتى عن حركة يديه وغيرها من الهراء الفارغ الذي يدل على إفلاسهم الفكري والأخلاقي.

لم يكن هذا الموقف السلبي من بعض الجهات السياسية المعروفة بعدائها للمالكي وحكومته فحسب، بل وشمل حتى بعض المحسوبين على كتلة التحالف الوطني التي ينتمي إليها المالكي، مثل السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، والدكتور أحمد الجلبي رئيس حزب المؤتمر "الحزب الذي لا يعرف الناس عضوا آخر فيه غير رئيسه" على حد قول تقرير موقع المسلة(1). فالأول أصدر بياناً تهجم فيه على المالكي قال فيه: (إن المالكي ذهب إلى واشنطن "لاستجداء سلاح من أمريكا وأن زيارته كلفت ملايين الدولارات وأنه ذهب إلى واشنطن دون إذن من البرلمان". ورد بيان رئاسة الوزراء بأن "مثل هذه الزيارات تدخل في إطار مسؤولية رئيس الحكومة الذي لا يوجد مانع دستوري لها، كما أنها لا تحتاج إلى إذن من أحد." وأضاف البيان أن "العراق لم ولن يستجدي سلاحا من أية دولة... إنما يطلبه علنا للدفاع عن الشعب الذي استباحت دماءه وحرماته العصابات الارهابية." (2)

في الحقيقة إن بيان مقتدى الصدر يصب في صالح المالكي، فزعيم التيار الصدري كغيره من خصوم العراق الجديد، لا يريد أن يمتلك العراق أسلحة وأجهزة متطورة لمواجهة الإرهاب، ونحن نعرف أن أمريكا هي مصدر التكنولجيا في جميع المجالات، فإن لم نطلبها من أمريكا فكيف يمكن لقواتنا الأمنية مواجهة الإرهاب ودحره؟
أما الدكتور أحمد الجلبي فكتب على تغريدته أن زيارة المالكي كلفت 100 مليون دولار. ولا نعرف من أين حصل على هذه المعلومة. ربما ينبري أحدهم ليقول: ألم تسمع بويكيليكس؟ إذ صار مألوفاً لكل من يريد تمرير الأكاذيب فينسبها إلى ويكيليكس ليجعل من أكاذيبه حقائق ناصعة غير قابلة للدحض!!.
و رد السيد علي الموسوي، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء نوري المالكي على الجلبي قائلاً ان الكلفة الكلية لزيارة الوفد العراقي برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي الى واشنطن كانت 50 الف دولار فقط ، ... ". وأضاف الموسوي ان “حديث الجلبي يدل على الإفلاس وعدم دراية ونأسف لان يلجأ شخص كان يعتبر نفسه سياسيا مهما والآن هو نائب في البرلمان العراقي الى هذه الأكاذيب والمبالغة وخصوصا عندما يتحدث عن مبلغ 100 مليون دولار”.(3)

هل حقاً كانت الزيارة فاشلة؟

لا نريد أن نطيل في الرد على كل ما كتب عن هذه الزيارة من قبل الذين يرون النجاح فشلاً، فهذه خاصية عراقية بامتياز، فهم دائماً يعادون النجاح ويحاولون وضع العراقيل أمام أي إنسان يسعى لخير بلاده. فالغرض الرئيسي من الزيارة كان البحث في أهم الملفات: تسليح القوات العراقية بالأسلحة الحديثة، والتقنيات المتطورة لمحاربة الإرهاب، وتذكير واشنطن بالتزاماتها تجاه العراق في إطار الاتفاق الاستراتيجي، وبحث القضايا الإقليمية مثل القضية السورية، والنووي الإيراني."وتم البحث في جميع هذه الأمور، واستجابت الإدارة الأمريكية لكل طلبات الوفد العراقي، وصدر بيان ختامي بحقها(4).
وبشهادة الدكتور سعدون الدليمي، وزير الدفاع وكالة والعضو الأساسي في الوفد قال في لقاء في فضائية العراقية مساء الأربعاء 6 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أن الأمريكان استقبلوهم بكل حفاوة وحميمية، ومن علامات هذه الحميمية، أن اللقاء بين الوفدين: العراقي برئاسة المالكي، والأمريكي برئاسة أوباما كان المخطط له ساعة واحدة، دام 3 ساعات، وطرح كل شيء في هذا اللقاء. ندرج أدناه رابط لفيديو ينقل جزءً من هذا اللقاء.  فهل هذه علامة من علامات الفشل؟
كذلك اللقاء المغلق بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء المالكي، كان مخططاً له لمدة 45 دقيقة، فدام 3 ساعات أيضاً، وهذا نادر في اللقاءات الرسمية. فهل هذا يدل على فشل الزيارة؟
وأخيرا، وكما قال الدكتور الدليمي، أن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدين دعى الوفد العراقي إلى منزله لوجبة غذاء أو إفطار، وهذا أيضاً نادر جداً في الدول الغربية في تعامل المسؤولين مع الوفود الرسمية. فهل هذا دليل على الفشل وعدم الاحتفاء بالوفد العراقي؟
إضافة إلى لقاء الوفد مع وزير الدفاع جاك هاجل الذى دعا إلى عمل مشترك لدحر الإرهاب وزيادة التعاون والتنسيق لإلحاق الهزيمة بالقاعدة. كما واستضاف الجانب الأمريكي الوفد العراقي لزيارة معرض في البنتاغون لمشاهدة أرقى ما توصلت إليه أمريكا من تكنولوجياً المتطورة في جميع المجالات ومنها القضايا العسكرية، وفي محاربة الإرهاب، وقد استجابوا لكل طلبات العراقيين من أجهزة وأسلحة بما فهيا طائرات الهليكوبتر الأباتشي، أغلبها ستصل العراق في نهاية هذا الشهر ونهاية هذا العام، حسب ما صرح به الدكتور سعدون الدليمي للفضائية العراقية.
والجدير بالذكر وكما ذكرنا مراراُ أن هناك جهات في الداخل وحكومات في الخارج لا تريد الخير للعراق، فتعارض تسليح الجيش العراقي لإبقاء العراق ضعيفاً في مواجهة الإرهابيين، وليتهموا الحكومة العراقية بالضعف وعدم قدرته على حماية شعبه.
معلومة خطيرة أدلى بها الدكتور الدليمي للفضائية العراقية، أنه عندما تفاوضوا مع روسيا لشراء طائرات متطورة لا تبيعها روسيا للأجانب لأنها خاصة بالجيش الروسي، ومع ذلك وافقت حكومة الرئيس بوتين على بيعها للعراق. يقول أن حكومة عربية طلبت من روسيا عدم بيع العراق هذه الطائرات وأنها مستعدة لشرائها بضعف السعر الذي يدفعه العراق (ولم يذكر اسم هذه الدولة الحاقدة، ولكننا نعرف أنها إما السعودية أو قطر، فهما تمتلكان الأموال وتمولان الإرهاب في العراق وسوريا). فمتى يفهم العراقيون المخاطر التي تحيق بهم وما يخطط ضدهم؟ 

نعم لعلاقة استراتيجية متكافئة مع أمريكا(5)
مرة أخرى نذكِّر المسؤولين العراقيين، أن العراق يواجه حرب ابادة الجنس من قبل الإرهاب الدولي، لذلك فهو بأمس الحاجة إلى علاقة استراتيجية متكافئة مع الدولة العظمى، أمريكا، وبدون هذه العلاقة لا أمل للعراق في خلاصه من الإرهاب والتمزق والتشرذم، خاصة وأن الأمريكان هم الذين يلحون على هذه العلاقة وذلك لعلمهم بمستقبل العراق المشرق فيما إذا تم دحر الإرهاب ووحد العراقيون كلمتهم. فهناك مسؤولون عقلانيون في الإدارة الأمريكية يدركون هذه الحقيقة، ويعملون على هذا النهج، لأن أمريكا تتحمل مسؤولية أخلاقية لما يجري في العراق، إذ كما كتب السيد رايان كروكر، السفير الأميركي السابق في العراق قائلاً: "نحن مرتبطون بقوة بالنظام السياسي العراقي... لأننا ساعدنا في خلقه، ولدينا الآن فرصة لعلاقة جديدة تماما مع العراق وبحاجة للتعامل معه كحليف، وليس تركه لمصيره."

خلاصة القول، رغم كل ما قيل عن هذه الزيارة من قبل جوقة فخري كريم ومقتدى الصدر والبعثيين وحلفائهم من أقاويل وافتراءات وهذيانات كدليل على يأسهم وحقدهم على النجاح، نستنتج من كل ما تقدم، أن زيارة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي والوفد المرافق له إلى أمريكا كانت موفقة وناجحة، حققت كل الأغراض المرجوة منها لخدمة الشعب العراقي وعلى رأسها دحر الإرهاب، ولاقت ترحيباً سياسياً من قبل المسؤولين الأمريكان وعلى رأسهم الرئيس أوباما، كما هو واضح من هذا الفيديو، يرجى فتح الرابط: لقاء االمالكي - اوباما     http://wh.gov/lW6SS
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1 الجلبي.. من عراب تحالفات إلى مدوّن "فيسبوكي"
http://alakhbaar.org/home/2013/11/157101.html

2 المالكي يتهم الصدر بذكر "معلومات كاذبة" حول زيارته واشنطن
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2013/11/131104_iraq_maliki_sadr.shtml

3- الموسوي: تكلفة زيارة الوفد العراقي لواشنطن 50 الف دولار
http://qanon302.net/index.php

4 البيان العراقي الأمريكي المشترك حول زيارة ومباحثات رئيس الوزراء نوري المالكي لواشنطن
http://alakhbaar.org/home/2013/11/156879.html

5 عبدالخالق حسين: نحو علاقة عراقية-أمريكية متكافئة
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=570

6 عبدالخالق حسين: في عشية زيارة المالكي إلى واشنطن
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=607



344
قوانين لتكريس الصراعات الطائفية
د.عبدالخالق حسين

يبدو أن بعض السياسيين العراقيين لا همَّ لهم سوى الإصرار على مواصلة تمزيق ما تبقى من الوحدة الوطنية لأنهم ابتلوا بهواية الصراعات الأثنية والطائفية حتى صارت عندهم نوعاً من التسلية كالمهتمين بمشاهدة المباريات الرياضية.
إلا إن الفرق بين نوعي المنافسات (الطائفية والرياضية) هو أن الصراعات الطائفية والأثنية تتفشى في المجتمعات المتخلفة وتأخذ أشكالاً دموية، بينما المنافسات الرياضية تنتشر في المجتمعات المتقدمة وتأخذ أشكالاً حضارية، الغرض منها تفريغ الشحنات والطاقات لدى الشباب بأسلوب سلمي حضاري نافع.
في كتابه الموسوم (مهزلة العقل البشري)، خصص العلامة علي الوردي فصلاً كاملاُ عن (أنواع التنازع وأسبابه)، إذ قال: "والظاهر أن الإنسان مجبول على التنازع في صميم تكوينه فإذا قلَّ التنازع الفعلي في محيطه لجأ إلى اصطناع تنازع وهمي ليروِّح عن نفسه". وهذا بالضبط ما يفعله بعض السياسيين في العراق، رغم أن العراق لا تنقصه منازعات لكي يلجأ سياسيوها إلى اصطناعها، فهي كثيرة والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.  
فيبين الوردي أن التنازع بين البشر مسألة غريزية وتتخذ أشكالاً مختلفة حسب تطور المجتمعات. ففي المجتمعات البدائية يتخذ التنازع شكل الصراعات الدموية، القتل والإيذاء، ولكنه يتحول تدريجياً إلى أقل عنفاً، مثلاً إلى التحايل والسرقات..الخ. وفي المجتمعات الراقية يتخذ شكل حملات انتخابية، ودعايات ترويجية للشركات، ومباريات رياضية...الخ.

أما في العراق، وبسبب الردة الحضارية التي أصيب بها المجتمع خلال حكم البعث الفاشي لخمسة وثلاثين عاماً، فقد عاد القهقرى إلى القبلية وإحياء الصراعات الطائفية والأثينة الدموية، ومحاربة المنافسات الرياضية السلمية، لذلك لاحظنا هجوم  السيد مقتدى الصدر، وشيوخ الوهابية على الرياضة وبالأخص على سباقات كرة القدم.
مناسبة هذه المقدمة هي ما نشرت وسائل الإعلام عن مشروع (قانون الأحوال الشخصية والقضاء الجعفري)، كمحاولة للإلتفاف على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وخلق المزيد من الصراعات الطائفية.
 
نبذة تاريخية عن قانون الأحوال الشخصية
غني عن القول أن من أهم عوامل الوحدة الوطنية هو توحيد القوانين ومعاملة أبناء الشعب كمواطنين من الدرجة الأولى في دولة المواطنة وحكم القانون، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية (الأثنية)، والدينية والمذهبية. ولذلك، بعد ثورة 14 تموز 1958، فكرت قيادة الثورة بسن قانون للأحوال الشخصية يلائم ظروف العصر وتكوينات الشعب العراقي، فقامت بتشكيل لجنة من المختصين بالقوانين لكتابة هكذا قانون، وتم إصدار قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، الذي رد الاعتبار للمرأة.
وحسب ما أقر معظم علماء الاجتماع والحقوقيين أن هذا القانون كان من أحسن ما شرع من قوانين للتخلص من تعقيدات الأحوال الشخصية، يلائم الشعب العراقي المتعدد الأعراق والأديان والطوائف والمرحلة التاريخية.
ولكن لا بد لكل جديد أن يواجه معارضة من قبل شريحة من المجتمع وخاصة من قبل رجال الدين، وهذا ما حصل لهذا القانون وبالأخص من قبل رجال الدين الشيعة، وفي مقدمتهم المرجع الديني السيد محسن الحكيم، فاعتبروه خروجاً على الإسلام!. لذلك وبعد نجاح انقلاب 8 شباط 1963 الدموي، الطلب الوحيد الذي قدمه السيد الحكيم لحكومة الانقلابيين هو إلغاء هذا القانون. ولم يتجرأ الإنقلابيون إلغائه، فأجروا عليه بعض التعديلات ضد حقوق ال المرأة إرضاءً لرجال الدين الذين مهدوا بفتاواهم لهذا الانقلاب الدموي الذي أدخل العراق في نفق مظلم لم يخرج منه حتى الآن. ولكن بعد مجيء البعث الثاني للسلطة عام 1968 أجروا عليه بعض التعديلات الإيجابية في صالح المرأة، ولم يستطع رجال الدين الاعتراض عليهم.
وبعد إسقاط حكم البعث الفاشي عام 2003، وتشكيل مجلس الحكم، وجعل رئاسته دورية شهرية، وجاء دور المرحوم السيد عبدالعزيز الحكيم (نجل السيد محسن الحكيم) لرئاسة مجلس الحكم عام 2004، أول عمل قام به هو إصدار قرار رقم 137 يوم 1/1/2004، ألغى بموجه (قانون الأحوال الشخصية).
وقد أحدث هذا القرار سيئ الصيت رد فعل عنيف لدى الشعب وأوساط السياسيين والكتاب التقدميين، مما اضطر تدخل بول بريمر، رئيس الإدارة المدنية لقوات التحالف، فألغى مشكوراً القرار 137.

يبدو أن الجماعات الإسلامية، وخاصة الشيعية منها، لم يقر لهم قرار، وصار قانون الأحوال الشخصية رقم 188 شغلهم الشاغل، وكأن العراق أنتهى من كل مشاكله فلم يبق لديهم سوى هذا القانون للتخلص منه، فعادوا من جديد وخرجوا علينا بلعبة (قانون الأحوال الشخصية والقضاء الجعفري).

ما هي الحكمة من قانون لكل طائفة؟
ذكرنا أعلاه أن أهم عامل للوحدة الوطنية هو وحدة القوانين. ولكن يبدو أن الجماعة مصرون على تعددية القوانين وبأسماء طائفية مثيرة لتحقيق غرضهم الأساسي وهو تمزيق ما تبقى من الوحدة الوطنية. يقول النائب السيد حسين سلمان المرعبي في دفاعه عن القانون الطائفي: "ان نقطة القوة التي يجب ان نركز عليها في الترويج الى مشروع القضاء والأحوال الشخصية الشيعي هي ان القانون الجديد لا يلغي القانون السابق".
في الحقيقة، هذه نقطة ضعف وليست نقطة قوة في القانون الجديد، إذ يعني أن القانون السابق، أي قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، مازال صالحاً ويؤدي الغرض ويناسب أتباع جميع الطوائف والأديان، إذ كما قال عنه الخبير القانوني السيد طارق حرب في هذا الخصوص أن "القانون الحالي سليم الى حد ما، وأخذ تشريعاته من مذاهب اسلامية عدة، فبعضها استند الى المذهب الحنفي وأخرى الى الجعفري وغيرها اخذت من المذهب الظاهري ولم يقتصر القانون على مدرسة اسلامية واحدة".
ولتبرير القانون الجديد، يستشهد السيد النائب حسين سلمان المرعبي بالمادة (41) من الدستور حيث نصت على:"العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون".
في الحقيقة هذا الخيار موجود في القانون السابق، فمنذ العهد الملكي وإلى الآن هناك قضاة شرع حسب ديانات وطوائف المواطنين للنظر في قضايا الزواج والطلاق والإرث وغيرها. ألا يعني هذا أن الغرض من سن قانون باسم طائفة معينة هو العزف على الوتر الطائفي والإمعان في تمزيق الوحدة الوطنية الممزقة أصلاً؟
أما الشروط التي فرضها الإسلام، واستشهد بها السيد المرعبي، مثل تحريم تعدد الزوجات والزواج بالإكراه،  وتجريم النهوة العشائرية ...الخ، فهذه الشروط لا يحترمها أحد، لا في العراق ولا في أي بلد إسلامي. فالقرآن كما وصفه الإمام علي، (حمال أوجه)، كل رجل دين يستطيع أن يفسره كما يشاء، ويلقى فيه ما يشاء. وكذلك في الدستور العراقي هناك مواد كثيرة قابلة للتأويل. لذلك نطالب المخلصين من السياسيين أن في مثل هذه الأوضاع العاصفة التي يمر بها العراق الآن، أن يتجنبوا إثارة أية قضية من شأنها تكريس التفرقة وخلق المزيد منها.

فإصدار قانون الأحوال الشخصية والقضاء الجعفري، يعني أن يطالب أتباع الديانات والمذاهب الأخرى بإصدار قوانين خاصة بمذاهبهم وحسب متطلباتهم الدينية والطائفية، وهذا يعني تكريس الصراعات الطائفية وتمزيق الوحدة الوطنية. فالعراق اليوم بأمس الحاجة إلى دولة المواطنة التي وظيفتها الأساسية سن قوانين لإدارة شؤون المواطنين الدنيوية. أما مشاكلهم ما بعد الموت فأمرها بأيدي رجال الدين، وكل حسب دينه ومذهبه. أما أن تتدخل الدولة وتفرض على المواطنين قوانين دينية تم تشريعها لحل مشاكل مجتمع بدوي قبل 1400 سنة فهي عملية انتحارية لأنها ضد قوانين التطور.
هناك قول مأثور للإمام علي  قلما يذكره الإسلاميون وهو: (لا تقسروا أولادكم على عاداتكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم). وهذا دليل على أن الإمام كان مدركاً للتغيير ومتطلبات المستقبل.
كما ويخبرنا التاريخ أن الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب، أجرى أكثر من أربعين تعديلاً على الشريعة الإسلامية خلال عشر سنوات من وفاة الرسول (ص). ورغم القول أن (لا اجتهاد في النص) إلا إن عمر قد اجتهد في النص القرآني مثل الغائه زواج المتعة، وحصة المؤلفة قلوبهم من الغنائم وغيرها كثير. ونحن إذ نسأل: إذا كان عمر شعر بالحاجة الماسة إلى التغيير والتعديل بعد عشر سنوات فقط من وفاة الرسول، فكم من الأمور الأخرى التي سيقدم على تغييرها إذا ما جاء اليوم وبعد ما يقارب 14 قرناً من الزمان؟

وأخيراً، من الإنصاف هنا أن نذكر أنه ليس رجال الدين الشيعة الذين طالبوا بسن قانون الأحوال الشخصية والقضاء الجعفري، فهذه الفذلكة من "إبداعات" بعض السياسيين الشيعة المستفيدين من تكريس الصراعات الطائفية، لا حباً بأبناء طائفتهم، بل لضمان بقائهم في مناصبهم. وأفضل دليل على ذلك هو ما صرح به المرجع الديني الشيعي المعروف آية الله السيد حسين إسماعيل الصدر حيث طالب الدولة بعدم "إرغام" المواطنين على "الإيمان والالتزام بالشريعة"، مؤكدا ان هذا سـ"يخلصنا من الطائفية". وقال الصدر ردا على سؤال من احد اتباعه بشأن طرح مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفرية من قبل بعض الأحزاب للتصويت عليه، إن "الإيمان والتدين والالتزام بالشريعة أمر شخصي لا يصح للدولة المحاولة لإرغام المواطنين عليه". وأضاف الصدر أن "الأفضل أن تكتفي الدولة بتشريع قوانين مدنية عامة متوافقة مع الاتفاقيات الدولية ولا تخالف الشريعة الإسلامية في نفس الوقت، وتدع المسائل الشرعية لأهلها، ليتاح لكل من المؤمنين الرجوع إلى من يقلده في أعماله الشرعية"، مؤكدا أن "هذه الطريقة ستخلصنا من التنافس الطائفي وستضمن مصالح أتباع الأديان والمذاهب المختلفة في البلد جميعا".
يرجى فتح الرابط: الصدر: الالتزام بالشريعة أمر شخصي لا يصح إرغام المواطنين عليه
http://alakhbaar.org/home/2013/11/156858.html
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط مقالات أخرى للكاتب، ذات علاقة بالموضوع
1- اللهم أحفظِ العراق من العراقيين
http://www.ebaa.net/wjhat-nadar/12/527.htm

2- الاتفاق على تدمير العراق
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=475

3- إصرار العراقيين على تدمير أنفسهم
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=606




345
مَنْ الذي تسبب في كوارث العراق؟

د.عبدالخالق حسين

يتداول هذه الأيام عن طريق البريد الإلكتروني "تقرير" بعنوان (إحصائية مرعبة)عن الكوارث التي حلت بالشعب العراقي منذ عام 2003، يتضمن أرقاماً منها قد تكون قريبة للواقع مثل عدد الأرامل(1 مليون)، والأيتام (4 مليون)، وأخرى مبالغ فيها مثل: الشهداء(2.5 مليون)، والمفقودين (800 ألف)، والسجناء (340 ألف)، والمهجَّرين (4.5 مليون)، لاحظ التركيز على كلمة مهجَّرين وليس مهاجرين، أي أن الحكومة قامت بتهجيرهم قسراً...إلى آخر القائمة. كاتب التقرير لم يذكر اسمه، ويدعي أن كل هذه الكوارث حصلت بعد سقوط حكم البعث عام 2003، وأنها نتاج الاحتلال الأمريكي و"حكومة الاحتلال". كما ويدعي أنه استل هذه الأرقام من الوزارات المختصة في الحكومة ولغاية عام 2008. ولا أعرف كيف استطاع هذا "الخبير" أن يتسلل إلى أعماق الوزارات ويتصفح سجلاتها بهذه السهولة، علماً بأن الأرقام التي نشرتها الوزارات ذاتها والجهات الأجنبية مثل ويكيليكس ومنظمة (Iraq Body count)*، لم تبلغ في بعضها عشر هذه الأرقام.
 
لا ندعي أن العراق بخير منذ سقوط حكم البعث وإلى الآن.. وإلى أجل غير معروف، كلا، فرغم أن العراق تخلص بفضل التحالف الدولي بقيادة أمريكا، من أبشع نظام همجي في التاريخ، إلا إنه ابتلى بالإرهاب، والذي هو أساساً تمارسه أعداء الديمقراطية من فلول البعث وحليفه تنظيم القاعدة. وقد هيأ نظام البعث لهذا الوضع منذ تسلطه على الحكم عام 1968. ولكن من أسلوب التقرير التحريضي وتضخيم الأرقام، يفهم منه أن الغرض هو تشويه سمعة النظام الجديد والتأليب عليه، والغرض من تضخيم هذه الأرقام هو حث المتطرفين لرفد منظمات الإرهاب، وإظهار حكم البعث البائد وكأنه كان أفضل نظام عرفه الشعب العراقي في التاريخ، وتبرئته من كل الكوارث التي ورثها العهد الجديد، فكأنه لم تكن هناك حروب، ولا أنفال، ولا حلبجة، ولا حرق خمسة آلاف قرية كردستانية، ولا قصف السكان بالغازات السامة في مناطق الأهوار، ولا 4 ملاين مهاجر، ومليون مهجَّر لأسباب طائفية وعنصرية، وأكثر من 400 مقبرة جماعية اكتشفت لحد الآن. ففي رأي كاتب "الاحصائية المرعبة" أن كل هذه الكوارث وغيرها حلت بالعراق بعد عام 2003!!!... تقول الحكمة: "إذا كنت لا تستحي فقل ما تشاء". وبطبيعة الحال، البعثيون لا يستحون.
لقد عودنا البعثيون على أمور كثيرة لم يعرفها العالم ولا الشعب العراقي من قبل، منها مثلاً، أنهم يقتلون القتيل ويسيرون في جنازته، ويرتكبون أبشع الجرائم بحق الشعب ويلقون اللوم على خصومهم وحتى على الضحايا، ويرتكبون الإرهاب ليقولوا أن الحكومة ضعيفة لا تستطيع حماية الشعب. ويشوهون سمعة الديمقراطية ويضربون مؤسساتها ليقولوا أن الديمقراطية لا تصلح للشعب العراقي، ويدمرون المؤسسات الخدمية ليثبتوا أن الحكومة عاجزة عن تقديم الخدمات للشعب، ويحاولون بث اليأس في صفوف الشعب وإحباط معنوياته ليقولوا لا خلاص لكم من الإرهاب إلا بإلغاء الديمقراطية وعودة حكم البعث والمكونة الواحدة.

لا أريد هنا مناقشة كل ما جاء في "التقرير" لأن لا طائل من ذلك ومضيعة للوقت، بل أكتفي بمناقشة ثلاثة من هذه الإدعاءات، كمثال على الكذب والمبالغة:
أولا، يختتم الكاتب بيانه فيقول: "سيطر التخلف على المجتمع العراقي، فبعد أن كان العراق قد محى الأمية في العام 1977 وكان الدولة الأولى بالعالم التي تمحو الأمية بالكامل حسب منظمة اليونسكو".
يسند الكاتب هذا القول إلى منظمة اليونسكو. وربما أثنت المنظمة على العراق في السبعينات على حملته لمحو الأمية، ولكن لا يعقل أن العراق أول دولة في العالم تخلص من الأمية وسبق الدول الأوربية وشمالي أمريكا واليابان في هذا المجال.

ولكن مع ذلك دعونا نناقش هذه "المعلومة"... يقول أن العراق تخلص من الأمية عام 1977، وعادت إليه بعد عام 2003. ونحن الآن في نهاية عام 2013، أي بعد عشر سنوات على إسقاط البعث. فإذا كان الشعب كله يقرأ ويكتب لحد عام 2003، فهذا يعني أن عودة الأمية حصلت من خلال الأطفال الذين ولدوا بعد هذا العام، وإذا طرحنا الذين هم دون سن السادسة، أي دون سن الدراسة، ولا يمكن احتسابهم على الأمية، فيبقى الذين ولدوا بعد 2003 لحد 2006 وهم الآن في المدارس الإبتدائية، فكيف عادت الأمية والجهل للعراق بمجرد دخول الأمريكان إلى العراق؟ وهذا يعني أن نسبة من البالغين العراقيين وبقدرة قادر نسوا القراءة والكتابة وغاصوا في الجهل فجأة بعد عام 2003. نسي كاتبنا أن الأمية والجهالة لا يمكن إنتاجهما في شعب مثقف في سنة أو حتى في عشر سنوات، بل هي مسألة تراكمية ونتاج 35 سنة من التجهيل المتعمد خلال حكم البعث. أما حملة محو الأمية التي يتباهى بها الكاتب فكان القصد منها غسل أدمغة الأميين من ابناء شعبنا وحشوها بهذيانات ومبادئ حزب البعث. ولذلك كان الناس يسمونها بحملة (نحو الأمية).
ثانياً، يدعي الكاتب أن 40% من الشعب العراقي دون خط الفقر. بينما في الواقع أن رواتب جميع العاملين في الدولة تضاعفت مئات المرات عما كان عليه في عهد البعث. فراتب الأستاذ الجامعي، على سبيل المثال، لم يتجاوز 3 دولارات شهرياً في عهد حكم البعث، مما اضطر كثير منهم العمل كسواق تكسي وأشغال أخرى خارج الدوام الرسمي، أما الآن فقد بلغ راتبه نحو ألف دولار أو أكثر. كذلك نعرف من علامة بسيطة وهي انتشار تلفون النقال في العراق الذي كان ممنوعاً في عهد البعث، إذ تفيد إحصائية أمريكية لغاية منتصف عام 2011 أن عدد التلفونات النقالة التي كانت ممنوعة في العراق في عهد حكم البعث، بلغ نحو 26 مليون جهاز في شعب تعداده نحو 34 مليون، وهذا يعني أنه فقط الأطفال الصغار لا يملكون هذا الجهاز. ولا يمكن لإنسان يعيش دون خط الفقر أن يمتلك تلفون نقال على حساب قوت عياله.
ثالثاً، يقول في مكان آخر أن "هناك ثلاث حالات طلاق من كل أربع حالات زواج بعد الاحتلال". وهذا يعني أن 75% من حالات الزواج انتهت بالطلاق. بينما الواقع يؤكد على هبوط نسبة الزواج وتصاعد العنوسة بسبب الحروب والفقر في عهد البعث، وحصل العكس بعد 2003. تفيد الحكمة: "حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له".
ومن هذه الأمثلة نعرف أن الكاتب فضح نفسه، ولذلك إذا كانت هذه غير قابلة للتصديق، فبقية الأرقام هي الأخرى من هذه الشاكلة، أي كلها افتراءات. البعثيون يتاجرون بمشاكل الناس ويستغفلونهم ويستهينون بذكائهم في تمرير أكاذيبهم، ومع الأسف تمر على البعض.

وحتى تعددية المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية والوسائل الإعلامية التي هي في صالح الشعب وعلامة نجاح الديمقراطية، إلا أن الكاتب يجعلها مسائل سلبية، فيقول: هناك [550  كيان سياسي، و11,400 منظمة مجتمع مدني (رقم مبالغ به، يقال أن هناك 4000 منظمة)، و67  محطة راديو، و45  قناة تلفزيونية، و220  صحيفة وجريدة,,,الخ). و لكي يفرغ تعددية هذه المؤسسات من دلالاتها الإيجابية، يدعي أنها ممولة من أجهزة المخابرات الأجنبية. وهذه العقلية هي نتاج ثقافة الديكتاتورية.

بطبيعة الحال نحن ضد هذا العدد الهائل من الكيانات السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، لأن فيها تشرذم وتبديد للجهود والطاقات... ولكن هذه الظاهرة هي رد فعل على سياسة دكتاتورية الحزب الواحد واحتكار الحزب الحاكم للصحافة ومؤسسات المجتمع المدني لعشرات السنين. فقد حصلت هذه الظاهرة في معظم دول أوربا الشرقية بعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية الشيوعية التي كانوا يسمونها مجازاً بـ"الديمقراطيات الشعبية". ولكن هذه التعددية المفرطة حالة مؤقتة ستزول مع الزمن بعد استتباب الوضع وفهم الشعب لقواعد الديمقراطية. ولا نستبعد بعضها أن تكون ممولة من جهات أجنبية، ولكن ليس من الانصاف اتهامها جميعاً بالعمالة وحرق الأخضر بسعر اليابس.

نعم، هناك أرقام حقيقية رهيبة من الأرامل واليتامى والشهداء والمهاجرين، وليس مهجَّرين من قبل الحكومة الحالية، فالمهجَّرون داخل العراق وخارجه فروا بسبب الإرهاب البعثي- القاعدي، وتم التطهير الطائفي في بعض المناطق من الشيعة في بغداد من قبل الإرهابيين، وليس من قبل القوات الأمنية التي تجهد ليل نهار لتحقيق أمن المواطنين. ولكن تضخيم هذه الأرقام عشرات المرات حتى فاقت أرقام فضائية الجزيرة القطرية (1.5 مليون شهيد مثلاً)، هنا مسألة تثير الشكوك في صحة الأرقام التي قدمها الخبير الاحصائي العليم الفهيم! ولغاية في نفس يعقوب.

لقد أجرينا أكثر من مرة مقارنة سريعة بين العراق قبل اغتصاب البعث الصدامي للحكم والعراق في أواخر عهد البعث، ونرى من المناسب إعادة هذه المقارنة ليكون القراء على بينة مما قدمه حكم البعث للعراق من "منجزات".
أولاً، قبل اغتصاب البعث للحكم كان الدينار العراقي يعادل 3.5 دولار أمريكي، وصار الدولار في نهاية حكمه يعادل 3500 دينار، أي انهيار كامل للاقتصاد العراقي.
ثانياً، قبل حكم صدام بلغ رصيد العراق من العملات الأجنبية والذهب حوالي 45 مليار دولار، فبدد هذا الرصيد ومئات المليارات من واردات النفط على الحروب واستدان عليها، بحيث عند سقوطه بلغت الديون نحو 120 مليار دولار، إضافة إلى 400 مليار دولار تعويضات الحروب. يعني دولة مفلسة وغارقة بالديون.
ثالثاً، بلغ عدد قتلى العراقيين بسبب الحروب العبثية، الداخلية والخارجية، خلال حكم البعث نحو مليونين، وملايين من المعوقين واليتامى والأرامل، إضافة إلى الهجرة القسرية والاضطرارية نحو 5 ملايين، بحيث صار العراقيون يغامرون بحياتهم في الغرق عبر البحار على البقاء في عراق يحكمه البعث، والألوف منهم صاروا طعاماً للأسماك.
رابعاً، أما في مجال الجهل والردة الحضارية فقد أعاد البعث المجتمع العراقي إلى عهد القبلية والطائفية، وتفتيت النسيج الاجتماعي، والتجهيل المتعمد، والانهيار الفكري والأخلاقي، وتدمير روح المواطنة والوحدة الوطنية، والولاء للعراق...الخ، يدفع الشعب ثمنه الآن.
خامساً، كل ما ألحق بالعراق من خراب ودمار وأضرار وجرائم، منذ 8 شباط 1963 وإلى الآن، يتحمل مسؤوليته البعث الفاشي.
سادساً، لم يكتف حكم البعث بقتل البشر، بل نشر دماره على الشجر أيضاً. فالعراق الذي كان يسمى ببلاد السواد لكثرة نخيله حيث كان فيه نحو 40 مليون نخلة قبل مجيء البعث لم تبقى فيه غير 8 ملايين نخلة عند سقوط البعث. أرجو فتح الرابط أدناه لمشاهدة ما حل بمزارع النخيل من قبل أعداء الحياة، أعداء البشر والشجر. أرجو مشاهدة الصور إلى النهاية. إنها مقابر النخيل الجماعية
http://www.iraker.dk/aljezany/nakhel/nakhel.htm

فلو بقي حكم البعث لعشر سنوات أخرى لهلك هذا الشعب وفرغ العراق من سكانه عن طريق الإبادة، والجوع والحصار والهجرة. وبذلك لكانت خسائر عدم إسقاطه تفوق خسائر إسقاطه. كما وتؤكد الحقائق أن أكثر من 95% من الضحايا العراقيين بعد 2003 تم قتلهم على أيدي الإرهابيين البعثيين وحلفائهم من أتباع القاعدة الوافدين من السعودية وغيرها من البلدان العربية.
فبالله عليكم، إن حزباً هذا تاريخه البشع، ألحق بالشعب العراقي وشعوب المنطقة كل هذا الخراب والدمار الشامل، هل يستحق العطف والدفاع عنه والمطالبة بعودته أو حتى مشاركته في السلطة؟ غني عن القول إن من يدافع عن هكذا حزب فاشي هو إما مازوخي يستلذ بالتعذيب والعبودية والإهانة، والذلة، أو هو واحد منتفع من المافيا البعثية. وفي جميع الأحوال نحن ضد هؤلاء، ولا بد من العمل لتوفير الظروف الطبيعية لشعبنا ليستعيد عافيته ويبدأ حياة طبيعية كريمة أسوة بالشعوب المتحضرة.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* إحصائيات القتلى من منظمة Iraq Body Count لغاية 2013
http://www.iraqbodycount.org/


346
التقارب الإيراني الأمريكي وجنون البقر السعودي

د.عبدالخالق حسين

قالوا: "الجنون فنون"، فهناك نوع من الجنون يسمى بجنون البقر(Mad cow disease) الذي أصاب في أوائل التسعينات من القرن الماضي نحو 180 ألف من أبقار بريطانيا، فقتلت الحكومة 4.4 مليون بقرة لاستئصال المرض. ومثيله في الإنسان يسمى بـ(C.J.D.) نسبة إلى العالم الألماني (Creutzfeldt–Jakob ) الذي اكتشف المرض. المهم أن هذا المرض أنتقل هذه الأيام إلى حكام السعودية الذين فقدوا صوابهم لأن أمريكا اتخذت مواقف عقلانية مغايرة لما يريدون. وظهر ذلك جلياً عندما وافقت أمريكا على المشروع الروسي بعدم شن الحرب على سوريا مقابل تدمير السلاح الكيمياوي السوري، وكذلك بروز علامات التقارب والانفراج في العلاقة بين إيران وأمريكا.

إن إلصاق صفة الجنون بحكام السعودية ليس مني، بل من مسؤول أممي كبير، حيث (كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية عن انتقاد حاد وجهه وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان – وهو دبلوماسي أمريكي سابق- للسلطات السعودية اتهمها فيه بالحقد، مؤكدًا أن المسؤولين السعوديين جن جنونهم عندما رأوا علامات التقارب بين اميركا وجمهورية ايران الإسلامية).(1)

فالمضحك المبكي أن تدعي السعودية أنها تناضل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا أو في أي بلد عربي آخر. فالنظام السعودي هو قروسطي قبلي متخلف إلى أقصى حد، والدولة كلها بما فيها من بشر وأرض وممتلكات وثروات تعتبر ملك العائلة الحاكمة، فهناك نحو 10 آلاف أمير يسيطرون على مقدرات البلاد والعباد. والسعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تسمى باسم العائلة الحاكمة، والمرأة التي تشكل 50% من الشعب محرومة من أبسط حقوقها الإنسانية بما فيها حق قيادة السيارة والتي تعتبر في النظام السعودي جريمة تعاقب عليها المرأة بالسجن.

والجدير بالذكر، أن للسعودية دور كبير ورئيسي في عدم استقرار دول الشرق الأوسط، وبالأخص الدول العربية. فلو أمعنا النظر في تاريخ الصراعات في المنطقة، وخاصة في نشر التطرف الإسلامي والإرهاب الوهابي وتفريخه وحضانته وتصديره إلى العالم لوجدنا أن وراء هذه الكوارث هو النظام السعودي. وفي هذا الخصوص نشرت مجلة (ميدل ايست مونيتر، عدد يونيو/ يوليو 2007) دراسة تحليليه للسفير الأمريكي السابق لدى كوستريكا ( كورتين وينزر) والمبعوث الخاص للشرق الأوسط في بداية عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، بعنوان "السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية السنية"، استهلها بالقول إنه على الرغم من النجاح الذي حققته الولايات المتحدة حتى الآن في تدمير البنية التحتية لتنظيم القاعدة وشبكاتها الإرهابية، إلا أن عملية "التفريخ الأيديولوجي" للقاعدة ما يزال مستمرا على المستوى العالمي وإن جهود أمريكا لمواجهتها تظل قاصرة لأن مركز دعمها الأيديولوجي والمالي هو السعودية التي تقيم فيها العائلة الملكية الموالية للغرب ولسنوات طويلة تحالفا مع الوهابية الإسلامية، كما تحرص على تمويل انتشار الوهابية الى بلدان العالم بما فيها الولايات المتحدة.
ويورد وينزر على لسان اليكسي اليكسيف إثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003م  بأن "السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط . ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفيتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 بليون دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق اسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان.(1)
وهذه شهادة من أهلها، ولا ننسى أن 15 من 19 إرهابياً الذين نفذوا جريمة 11 سبتمبر 2001 في أمريكا هم من السعودية. وهذا ليس محض صدفة.
إن دور المملكة السعودية في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة هو أشبه بـدور جمهورية جنوب أفريقيا في عهد النظام العنصري ضد حركات التحرر في أفريقيا. لذلك أعتقد أنه لا تستقر الأوضاع في دول الشرق الأوسط وخاصة في الدول العربية إلا بتغيير النظام السعودي.

ومن علامات الجنون السعودي هو رفض السعودية مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي... حيث أشار المتحدث عن النظام لتبرير الموقف السعودي هذا إلى قضيتين؛ الأولى القضية الفلسطينية، والثانية الحالة السورية. وتناسى المتحدث التقارب الإيراني الأمريكي. في الحقيقة إن السعودية أرادت برفض المقعد في مجلس الأمن التعبير عن سخطها وغضبها على أمريكا لاتخاذ الأخيرة الموقف العقلاني الصحيح من إيران وسوريا. أما القضية الفلسطينية فهي آخر ما يشغل بال النظام السعودي الذي يعرف الجميع أنه أقرب إلى إسرائيل منها إلى الشعب الفلسطيني. فلو كانت السعودية حقاً مهتمة بمحنة الشعب الفلسطيني لرحبت بنيل عضوية المجلس لأنها ستوفر لها الفرصة للدفاع عن القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى بفعالية أكثر. لذا، فعذر السعودية أقبح من فعلها.   
وهذا التبرير السخيف يذكرني بطريفة ذكرها طه حسين في سيرته الذاتية (الأيام)، (وأنا إذ أنقل من الذاكرة)، أنه عندما كان طالباً في الجامعة أضرب الطلاب في أحد الأيام لسبب ما. ولما جاء أستاذ الدرس اللاتيني وهو إيطالي ليلقي المحاضرة، وجد الطلاب مجتمعين خارج القاعة، فطلب منهم الدخول ليلقي عليهم الدرس، فرفضوا وقالوا له أنهم مضربون. فقال لهم ولكن بإضرابكم تضرون أنفسكم فتخسرون المحاضرة. وأضاف مازحاً، أنكم أشبه بذلك الرجل الذي تشاجر مع زوجته وأراد أن يغيضها فأخصى نفسه!!! وقال طه حسين: فضحكنا، ومن يومه كرهتُ الإضرابات الطلابية.
وهذا بالضبط ينطبق على السعودية في رد فعلها للانتقام من أمريكا برفضها لعضوية مجلس الأمن.

إن موقف السعودية من الربيع العربي منافق إلى آخر درجة، فمن جهة تدعم السعودية الأخوان المسلمين والتطرف الإسلامي في سوريا والعراق وفي نفس الوقت تناهضهم في مصر. والسبب هو أنها تريد إشغال العرب بالحروب الداخلية لتبعد عن نفسها ثورة الشعب السعودي عليها. ولكن معظم المحللين الغربيين يؤكدون أن الثورة الشعبية على النظام السعودي قادمة لا بد منها، وإنها فقط مسألة وقت: متى؟

إن التقارب الإيراني الأمريكي هو نتاج انتصار العقل والحكمة على جنون المحرضين على الحروب. فقد توصل الإيرانيون وبعد 34 سنة من ثورتهم الإسلامية، ورفع شعارات متطرفة صبيانية مثل الموت لأمريكا، ووصفها بـ(الشيطان الأكبر)، تأكدوا أن هذه السياسة سوف لن تجلب لهم غير العزلة والدمار الاقتصادي. فلحد الآن خسرت إيران نحو مائة مليار دولار بسبب الحصار، وفقدت عملتها أكثر من 35% من قيمتها. وكما تفيد التقارير، أن الرئيس الإيراني الدكتور حسن روحاني عاش لعدة سنوات في بريطانيا ونال من إحدى جامعاتها درجة الدكتوراه، وهو إنسان معتدل ومعجب بالديمقراطية البريطانية وثقافتها...الخ. وكذلك الرئيس الأمريكي أوباما يسعى من جانبه لتجنيب زج أمريكا في حرب أخرى في العالم، وبالأخص في الشرق الأوسط. وحتى دول الوحدة الأوربية تريد إطفاء بؤر التوتر في المنطقة والتفرغ لدحر الإرهاب الذي بات يهدد الجميع. ولكن هذه التحولات في المواقف لا يفهمها البدو السعوديون الذين أغرتهم الثروات النفطية فظنوا أن بإمكانهم إخضاع الدولة العظمى والوحدة الأوربية لإرادتهم وجر أمريكا لحرب جديدة ضد سوريا وإيران نيابة عنهم. ولما فشل السعوديون في جر أمريكا إلى ما يريدون جن جنونهم.
خلاصة القول، أن السعودية وقطر ومن لف لفهما هم على الجانب الخطأ من التاريخ، وحان الوقت لسقوط هذه الأنظمة كأوراق الخريف عندما تهب العاصفة. إن ما يجري في دول المنطقة من صراعات عاصفة عبارة عن المخاض العسير للتحولات الاجتماعية والسياسية الثورية وولادة الديمقراطية، والتخلص من التخلف المتراكم عبر قرون. إذ كما قال هيغل: "إن ولادة الأشياء العظيمة مصحوبة بألم".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1- فيلتمان: حكام السعوديون حاقدون وجنوا من التقارب الأميركي الإيراني ...
http://www.observerme.com/modules.php?name=News&file=article&sid=44095

2-  كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية           http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

3- عبدالخالق حسين: السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=440

4- داود رمال (صحيفة السفير اللبنانية): هل يعمّم الأميركيون «التغيير القطري» في الخليج؟
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=2603&ChannelId=62949&ArticleId=2434&Author=%D8%AF%D8%A7%D9%88%D8%AF%20%D8%B1%D9%85%D8%A7%D9%84#.Um4_tHCpWrg

347
في عشية زيارة المالكي إلى واشنطن
د.عبدالخالق حسين

سيقوم رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بزيارته الثالثة إلى واشنطن في نهاية هذا الشهر (تشرين الأول/ أوكتوبر الجاري) أو مطلع الشهر المقبل، وأعتقد أنه في هذه المرة سيحضر اللقاء مع الرئيس أوباما وهو أقوى مما كان عليه في زيارته السابقة عام 2011، فالنقاط التي اختلف المالكي فيها مع أوبما في لقائمها الأخير أثبت الزمن صحة موقف المالكي وتبناها أوباما، وبالأخص فيما يتعلق بالأزمة السورية والموقف من إيران، حيث رفض المالكي التدخل الخارجي في إسقاط حكومة بشار الأسد، وأصر على ترك هذه المسألة إلى الشعب السوري ليقررها سلمياً بدلاً من الحرب. وهكذا ثبت للسيد أوباما وفريقه في الإدارة الأمريكية أنهم يتعاملون مع رجل دولة يستحق الاحترام وأن يحسب له ألف حساب.

فهاهي الأمور بدأت تتحسن نسبياً، فسوريا استجابت لقرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بتدمير السلاح الكيمياوي، كذلك خسرت المعارضة السورية بجناحها الإسلامي المتشدد مكانتها وسمعتها بسبب ما ارتكبته من جرائم بشعة ضد الإنسانية يندى لها الجبين. كذلك التطور الكبير الذي حصل في إيران بفوز المرشح الإصلاحي المعتدل الدكتور حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية، وما حصل من تفاهم وتقارب بين إيران وأمريكا، الأمر الذي أقض مضاجع المتشددين الصقور في إسرائيل وأمريكا وبعض السياسيين والإعلاميين العرب الضاربين على طبول الحرب، وبالأخص المسؤولين السعوديين الذين جن جنوهم من التقارب الإيراني الأمريكي، حسب تصريحات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان.(1)

كذلك كشف الزمن علاقة خصوم المالكي في حكومة الشراكة الوطنية مع المتطرفين وبالأخص الإرهابيين البعثيين وأتباع القاعدة، كما وتراجع خصوم المالكي في الخارج مثل سقوط أمير قطر الشيخ حمد، وما يواجهه أردوغان من معارضة في تركيا إلى حد أن بعث وفداً من بلاده إلى بغداد بغية التقارب حيث وجه دعوة للمالكي لزيارة أنقرة. كل هذه التغييرات جاءت في صالح المالكي الذي أثبت أنه رجل المرحلة وكسب ثقة الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية الأخرى بصبره وهدوئه في تعامله مع الأزمة العراقية ومعارضيه وما يجرب في المنطقة.

ولكن هذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام، فقادة الكتلة العراقية يحاولون أن يجعلوا لأنفسهم دوراً، وعلى الأغلب تخريبياً في محادثات المالكي مع الإدارة الأمريكية، إذ قرأنا أن السيد أياد علاوي، رئيس كتلة "العراقية" سيسافر إلى أمريكا لإجراء عملية جراحية على ركبته التي أصيبت إثناء محاولة اغتياله من قبل رجال صدام حسين في الثمانينات. فهذه الإصابة يجب استغلالها في هذه المناسبة. كذلك سمعنا أن دعوة وجهت إلى كل من السيدين مسعود بارزاني وأسامة النجيفي من قبل نائب الرئيس الأمريكي  جو بايدن لزيارة واشنطن، في محاولة منه أن يجمع الزعماء العراقيين هناك للوصول إلى حل للمعضلة العراقية وتقارب وجهات النظر بين الأخوة- الأعداء.

جدول أعمال الملكي في واشنطن
المواد المعلنة التي سيناقشها رئيس الوزراء والوفد المرافق له مع الإدارة الأمريكية، حسب ما أوضح النائب عبدالهادي الحساني، المقرب من الرئيس العراقي في تصريح لصحيفة «الحياة» أن "من أهم الملفات هي: تسليح القوات العراقية بالأسلحة الحديثة، والتقنيات المتطورة لمحاربة الإرهاب، وتذكير واشنطن بالتزاماتها تجاه العراق في إطار الاتفاق الاستراتيجي".

لا شك أن هناك مواد أخرى تخص دول المنطقة وخاصة الأزمة السورية، والملف النووي الإيراني، وتوحيد الجهود لمحاربة الإرهاب الذي صار يهدد البشرية كلها. فالعراق مرشح أكثر من غيره ليلعب دوراً رئيسياً في حل الأزمات المزمنة التي تعاني منها دول المنطقة، والحفاظ على المصالح الأمريكية. ولكن على قدر ما يهم العراق أننا نعتقد أن من مصلحة الشعب العراقي تكمن في تقوية العلاقة مع الدولة العظمى، أمريكا، ضمن إطار الاتفاق الاستراتيجي الذي تم توقيعه عام 2011 عشية انسحاب القوات الأمريكية.

فشعب العراق مهدد بالإبادة من قبل الإرهاب المحلي والعالمي المدعوم من قوى داخلية وخارجية، وخاصة من قبل السعودية وقطر وتركيا. وهذه الجهات تتمتع بإمكانيات كبيرة في دعم الإرهاب وإشاعة الفوضى والتخريب في العراق ولا تريد له خيراً وأن يسترد عافيته وينعم بالأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي. لذلك فهذه الحكومات رغم أنها تحارب الإرهاب في بلدانها، إلا إنها تدعمه في العراق وسوريا وتسميهم بالمجاهدين، إضافة إلى دور شيوخ الوهابية بإصدار الفتاوى لحث الجهلاء للذهاب إلى العراق لقتل الشيعة "الروافض"، وكذلك دور موظفي مداخل حدود بعض الدول العربية  في الشحن الطائفي بأن يسألوا القادم إلى بلادهم هل أنت سني أو شيعي، كما يحصل في الأردن ومطار الدوحة.(2)

وكما أكد السيد المالكي مراراً، أن الإرهاب هو دولي وليس مشكلة عراقية فقط، لذا لا يمكن دحره إلا بتكاتف جهود دولية. لذلك ونعتقد أن أمريكا، بما تملك من خبرات وتكنولوجية متطورة، هي المؤهلة أكثر من أية دولة أخرى في شن الحرب على الإرهاب ودحره ولا يمكن دحر الإرهاب بدون أمريكا. ومن هنا نرى ضرورة إقامة علاقة حميمة مع الدولة العظمى، وعلى السيد المالكي أن لا يستمع إلى الأطراف التي ربطت الوطنية بعنجهية معاداة أمريكا. فكثير من هؤلاء يشتمون أمريكا علناً ويخدمونها في السر، وأوضح مثال على ذلك هو ناجي الحديثي، وزير خارجية صدام حسين، الذي تبين أنه كان عميلاً للسي آي أيه .(يرجى فتح الرابط رقم 3 في الهامش). بل وحتى صدام حسين نفسه كان عميلاً للسي آي أيه، وبشهادة الأمريكان أنفسهم، شاهد الفيديو وأقرأ التقرير في الرابط رقم 4 في الهامش رجاءً.
إن مهمة السياسة هي البحث عن مصلحة الشعب وحمايته من أعدائه. فخطباء المساجد يدعون ليل نهار (اللهم أهلك أعدائنا)، وتبيَّن أخيراً لدى شيوخ الوهابية وعدد غير قليل من خطباء الإسلام السياسي السني، أن أعداءهم هم الشيعة واليهود، لذلك صار دعاءهم  في هذه الأيام : "اللهم أهلك الشيعة واليهود". بل قالوا أن الشيعة أخطر على الإسلام من اليهود (رابط الفيديو رقم 5). فواجب كل إنسان سوي وبالأخص المثقف إدانة الإرهاب وحروب إبادة الجنس ضد أية مجموعة بشرية. ولكن في العراق أنك ما أن تدين إبادة الشيعة حتى واتهموك بالطائفية!! ففي عرفهم يجوز إبادة الشيعة!!

فأمريكا لأول مرة في التاريخ التقت مصلحتها بمصلحة شعبنا، ولم تكتفِ بتحرير العراق من الفاشية البعثية فحسب، بل وعملت على تخفيض ديونه بنحو 90%، إضافة إلى إلغاء مئات المليارات من تعويضات حروب صدام العبثية. وهذا نصر عظيم للعراق بجهود أمريكا، وعلينا أن لا نكون ناكري الجميل.
وعليه، أعتقد أن العراق بحاجة ماسة إلى علاقة حميمة ومتكافئة مع أمريكا ضمن إطار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة بين البلدين عام 2011، وتفعيلها والاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن على أسس المصالح المشتركة بين دولتين ذات سيادة كاملة. فالعراق غارق بمشاكل متراكمة عبر قرون، وبالأخص ما ورثه من مخلفات البعث، وما يواجهه من إرهاب دولي يهدد وجوده بالفناء، وليس بإمكان حكومته حلها لوحدها بدون دعم أمريكا ومهما بلغ المسؤولون من دهاء وخبرة وإخلاص.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات علاقة بالموضوع
1- فيلتمان: حكام السعوديون حاقدون وجنوا من التقارب الأميركي الإيراني ...
http://www.observerme.com/modules.php?name=News&file=article&sid=44095
2-  سالم مشكور: المناخ الإقليمي.. طائفي
http://alakhbaar.org/home/2013/10/156342.html

3- ناجي الحديثي وزير خارجية صدام بحسب وثائقي البي بي سي جاسوس للسي آي أي
https://www.youtube.com/watch?v=TUvH66CKEOQ&feature=youtube_gdata_player

4- Iraq's Saddam Hussein: CIA Asset - Client Dictator On the US Payroll Since 1959.
http://www.forbiddenknowledgetv.com/videos/history/iraqs-saddam-hussein-cia-asset---client-dictator.html
5- فيديو إمام جامع يحرض  المسلمين في خطبة الجمعة على قتل الشيعة
https://www.facebook.com/photo.php?v=10201972332169527&set=vb.1221882258&type=2&theater


348
إصرار العراقيين على تدمير أنفسهم
د.عبدالخالق حسين

قبل عامين نشرتُ مقالاً بعنوان (الاتفاق على تدمير العراق)(1)، وأردت هذه المرة استخدام نفس العنوان، ولكني رأيت أن هناك تطوراً نحو الأسوأ، وهو اصرار العراقيين بقيادة فلول البعث ومن يناصرهم بعلم أو بدونه، على مواصلة سياسة الانتحار الجماعي التي إن نجحت فسيكون فيها دمارهم جميعاً، أي وفق مبدأ شمشون الذي أصر على هدم المعبد على رأسه وأعدائه قائلاً: "عليَّ وعلى أعدائي يا رب .. وليكن من بعدي الطوفان". وهذا ما عزم عليه العراقيون.

يتوهم من يعتقد أن نوري المالكي، هو سبب الأزمة، وأن هذا الصراع سينتهي بمجرد إزاحته عن رئاسة الحكومة بشكل وآخر. فصراع العراقيين هو ليس مع المالكي كزعيم كتلة سياسية وينتمي إلى مذهب ديني وسياسي معين، بل هو العداء للديمقراطية، وعداء الكل ضد الكل، وحرب الكل على الكل، وما التركيز على المالكي دون غيره الآن إلا لأنه في عين العاصفة كرئيس للسلطة التنفيذية، وفي العراق من الوطنية أن تخاصم السلطة حتى وإن كانت منتخبه من قبل الأغلبية الشعبية والبرلمانية ومتمسكاً بالدستور ويعمل لصالح الشعب.

فصراع العراقيين مع السلطة و فيما بينهم ليس جديداً، بل ضارب جذوره في عمق التاريخ، إذ قيل أن الإسكندر المقدوني عندما احتل وادي الرافدين في القرن الرابع قبل الميلاد، عانى كثيراً من شعبه، فقرر إبادته ونقل أناس من مناطق أخرى من العالم للسكن فيه ليغير طبيعة شعبه بتغيير سكانه. فاستشار أستاذه أرسطو الذي رد عليه أنه لو عمل ذلك، فبعد جيل أو جيلين سيعود الناس إلى نفس السلوك طالما عاشوا في نفس البيئة. كما وعزى الجاحظ صراع العراقيين مع السلطات إلى ذكائهم المفرط، على عكس أهل الشام الخانعين للحكام!!

على أي حال، إن صراع العراقيين فيما بينهم ومع السلطة هو نتاج عوامل تاريخية وجغرافية وسياسية، شاءت الظروف أن يتكون شعبه من مكونات مختلفة دينياً ومذهبياً وعرقياً ولغوياً، وهيمنة مكونة واحدة على السلطة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وحتى سقوطها عام 2003 وفق ما يسمى بالاستبداد الشرقي. وهكذا نظام لا بد وأن يتبع سياسة "فرق تسد"، وإشاعة العداء بين مكوناته، وفرض الوحدة الوطنية الخادعة المزيفة بالقوة والقمع. لذلك ما أن سقط حكم القمع حتى وأزيح الغطاء عن الحقيقة المرة.
لقد ذكرنا هذا الكلام مراراُ، ونعيده الآن لأن البعض يحاول أن يتخذ من الأسباب التاريخية مبرراً لمواصلة دكتاتوربة المكونة الواحدة على السلطة، ويعتبر اعتراضنا على هذا الاحتكار هو بدوافع طائفية. إذ كتب السيد خالد عبدالحميد العاني (على الأغلب الاسم مستعار) مقالاً بعنوان: (بكتابات الدكتور عبد الخالق حسين)، على موقع صوت العراق يوم 14/10/2013، مليء بالمغالطات والاتهامات الباطلة، جاء فيه: "لقد تعمد [عبدالخالق حسين] عدم الإشارة إلى الأسباب التاريخية والموضوعية لذلك الاحتكار السني للحكم". وهنا يعترف الكاتب أن كان هناك احتكار للحكم من قبل الطائفة السنية قبل 2003، ولكنه يتهمني بأني تعمدت عدم الإشارة إلى هذه الحقيقة، أي "الأسباب التاريخية"، فيضيف: "وفي هذا التعمد أيهام للقراء ودق للوتر الطائفي... كما وانه يعرف تماما ان لا ذنب للطائفة بكل ذلك وان الحسابات الدولية والسياسات الاستعمارية الخبيثة ...الخ" انتهى

يعرف متابعو كتاباتي أني أؤكد دائماً على الأسباب التاريخية، كما وأكدتُ أن السنة العرب هم وقعوا ضحية هذه "السياسات الاستعمارية الخبيثة"، إذ معظم الذين أصروا على السياسة الطائفية عند تأسيس الدولة العراقية كانوا من بقايا الأتراك والمماليك الذين استعرقوا واستعربوا، بل وتبنى قسم منهم ألقاباً عربية عريقة مثل (الهاشمي...الخ)، فتبنوا السياسة العثمانية التركية في عزل الشيعة وتهميشهم، والطعن بوطنيتهم وهم يشكلون نحو 60% من الشعب العراقي وأكثر من 80% من عرب العراق. والمؤسف أن عبرت هذه الحيلة على العرب السنة فسقطوا في الفخ الذي بسببه حرِّمَ الشعب العراقي من الاستقرار والتمتع بثرواته الهائلة وراح يدفع الثمن بالاقتتال الذي يهدد وجوده الآن. 

نحن لسنا ضد النقد وبالأخص نقد السلطة، لأن (النقد أساس التقدم) كما قال ماركس. ولكن يجب أن يكون النقد بناءً وهادفاً للإصلاح، إذ تقع على المثقف مسؤولية كبيرة في محاربة الزيف والكذب والتضليل، ويجب عليه نشر الوعي الصحيح بين أبناء الشعب. أما إذا لجأ الكاتب إلى الكذب، والكذب الصريح الذي لا يمكن تصديقه، فهذا عيب عليه ومردوده معكوس على سمعته. لذلك، فمشكلتنا أنه إذا قلنا لهذا الكاتب لا تكذب وإننا لا نصدق اتهاماتك لأنها غير صحيحة ومخالفة للعقل؟ أتهمك بالطائفية، فطالما يترأس السلطة التنفيذية رجل شيعي، وأنت لا تصدق الافتراءات والأكاذيب ضده فأنت طائفي. أما الشتائم الطائفية البذيئة التي يكيلها قادة الاعتصامات مثل العلواني، والبدراني، واللافي وغيرهم، فهي ليست طائفية في عرفهم، وإنما الاعتراض عليها هو موقف طائفي!! أليس هذا المنطق غريب وعجيب، خاصة إذا صدر من كتاب يدعون أنهم يساريون وعلمانيون، بل وحتى ليبراليون إلى حد النخاع!!

نسي هؤلاء السادة أن اللجوء إلى الكذب والافتراء على رئيس أو مسؤول سياسي كبير بدون أدلة كافية دليل على إفلاسهم الفكري والسياسي والأخلاقي، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر الأمثلة التالية:
1-  قرأنا حملة ضارية من مقالات هجومية مفادها أن حكومة نوري المالكي وافقت على جعل العراق مكباً للنفايات النووية لدول الوحدة الأوربية. وسبب هذه الحملة أن وزير العلوم والتكنولوجيا قدم طلباً إلى الوحدة الأوربية يستشيرهم في مساعدة الحكومة العراقية لبناء مكب للنفايات النووية الناتجة في العراق للأغراض السلمية، لأن ليس هناك دولة تحترم نفسها تقبل نفايات نووية من دولة أخرى، إذ يجب على كل دولة بناء مكب خاص في بلادها للتخلص من نفاياتها النووية. هذا ما قاله الوزير في مقابلة مع القناة الحرة - عراق.
لكن هذه الاستشارة العلمية تحولت عند عدد من الكتاب إلى دعوة للدول الأوربية لجعل العراق مكباً لنفاياتها النووية، حيث  استغل هؤلاء هذا الخبر للتضليل فكتب أحدهم: (استياء دولي من موافقة العراق لبناء مكب نووي: جريمة من نوع جديد بحق العراق الحبيب. هؤلاء الانذال يودون بيع العراق وتلويثه لعشرات السنين قادمة قبل ان يتركوا الكرسي، انهم خونه بحق الشعب، استياء دولي من اتفاق العراق مع الاتحاد الاوربي لبناء مكب للنفايات النووية.) وشارك في هذه الحملة كتاب كنا نتوسم فيهم الصدق والوطنية، ويعتقدون أنهم كباراً وضحوا في سبيل العراق!!! وإذا ما عارضتهم ورفضت تصديقهم اتهموك بالطائفية!

2-  العراق هو البلد الوحيد الذي قدم عدد من البرلمانيين طلباً إلى الاتحاد الأوربي بعدم توقيع اتفاق تعاون مع بلدهم كي لا يعد دعما لرئيس الحكومة. فلو قام نواب في أي بلد آخر بهذا العمل لعد خيانة وطنية، ولكن في العراق يعتبر هذا السلوك من الأعمال الوطنية، ومن يعترض عليه فهو طائفي يدافع عن المالكي!! (2)

3-  كذلك قرأنا عن نواب عراقيين طالبوا المستثمرين الأجانب بعدم الاستثمار في العراق لأن العراق غير مستقر وسيخسرون أموالهم!. هذا العمل وفق جميع المقاييس خيانة وطنية ولكن في العراق هو عمل من صلب النضال الوطني والقومي والإسلامي، والاعتراض عليه موقف طائفي.

4-  تقرير بعنوان: (الناشطة الجنسيه تصل العراق في إكمال مهمتها) ورئيس الوزراء نوري المالكي بالذات سمحوا لعاهرة بولونية دخول العراق لمدة خمسة أيام مع الحرس الخاص بها وقد استحصلت تأشيرة الدخول من السفارة العراقية في القاهرة (صحيفة الزمان، وعدد من مواقع الانترنت). (راجع مقال محمد ضياء عيسى العقابي: من أتى بآنيا ليوسكا إلى بغداد؟)(3)
طبعاً الخبر تلفيق من أوله إلى آخره، ولكن في عراق اليوم كل من يكذِّب هذه الفرية فهو طائفي!

5-  تسعى حكومة الاقليم الكردستاني لإيقاف صادرات العراق النفطية بمقدار 500000 برميل يومياً وذلك عن طريق الإيعاز لمقاتلي حزب العمال الكردستانيPKK  بتفجير الأنبوب النفطي إلى تركيا، ويتسبب في خسائر مالية تقدر بـ 16 مليار دولار سنوياً. وتستغل هذه الجريمة ليس فقط في إلحاق الضرر بالعراق مالياً، بل واستغلالها ضد الحكومة المركزية بتشويه الحقائق وذلك بتضخيم الخسائر إلى ثلاثة أضعاف بغية التحريض ضد الحكومة المركزية وإثارة النقمة عليها بتحميلها سبب هذه الخسائر والدكتور حسين الشهرستاني بالذات، (راجع تقرير صحيفة المدى: "التميمي: خسرنا 45 مليار دولار وازداد عجز الموازنة إلى الثلث بسبب تقديرات الشهرستاني".)
وإذا اعترضت على هذا التقرير اتهموك بالعنصرية والعداء لحكومة الاقليم. (راجع مقال الخبير النفطي الأستاذ حمزة الجواهري بعنوان: مستر5%) (4)

6- العراق هو البلد الوحيد الذي يقوم فيه نائب رئيس الجمهورية (طارق الهاشمي) استخدام وحدات من حمايته لأعمال إرهابية ضد الشعب ومؤسسات الدولة، وعندما يتم الكشف عنه يهرب إلى القسم الآخر من العراق (كردستان) ويواصل تحديه للحكومة المركزية وبدعم من حكومة الإقليم، ومن ثم يلجأ إلى تركيا ويتجول في أنحاء العالم حراً طليقاً يحرض ضد العراق مستمراً في تقديم نفسه نائباً لرئيس الجمهورية، بل ويستلم دعوة من الإتحاد الأوربي لتقديم خطاب عن "حقوق الإنسان"، نعم عن حقوق الإنسان، وهو الذي انتهك حقوق الإنسان في بلاده بأعماله الإرهابية، ومحكوم عليه بالإعدام وفق مادة 4 إرهاب لضلوعه بالإرهاب. لا تحصل هذه المهزلة إلا في العراق.

7- العراق هو البلد الوحيد الذي صوَّتَ وفده الرياضي ضد بلاده على قرار رؤساء الاتحادات الخليجية في المنامة، بنقل بطولة خليجي 22 الى جدة بدلاً من إقامتها في البصرة. لا شك أن هذه خيانة وطنية وفق جميع المعايير إلا في العراق فيعتبر عملاُ وطنياً وقومياً عظيماً يستحق الوفد عليه أعلى وسام الدولة. (5)

8- العراق هو البلد الوحيد الذي يقاطع فيه رئيس البرلمان (أسامة النجيفي) الجلسة الأولى للدورة الحالية بأمر من زعيم كتلته "العراقية"، ولم يعد إلا بعد أن اتصل به هاتفياً وزير خارجية بلد آخر (تركيا) وأمره بالعودة ومواصلة إدارة الجلسة؟
كما وحرض رئيس البرلمان في تلفزيون الحرة-عراق، ضباط ومراتب القوات المسلحة على عدم تنفيذ أوامر رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة. وكذلك يرفض رئيس البرلمان رفع الحصانة عن 17 برلمانياً لمواجهة القضاء لضلوعهم في الإرهاب. أليس هذا الموقف خيانة وطنية؟

9- العراق هو البلد الوحيد الذي يستطيع رئيس حكومة الإقليم أن يطالب الحكومة المركزية بسحب قواتها العسكرية من المناطق المتنازع عليها، لكي تحتلها قوات البيشمركة. وتعبير (المناطق المتنازع عليها) مصطلح جديد دخل القاموس السياسي العراقي، فحكومة الإقليم تتصرف وكأنها دولة مستقلة لا جزءً من العراق الفدرالي.

10-  العراق هو البلد الوحيد الذي يستطيع محافظ أية محافظة مطالبة الحكومة المركزية بسحب قواتها العسكرية من المحافظة، كما طالب محافظ الموصل بذلك، والغرض كي يسهل للإرهابيين احتلال المنطقة وارتكاب جرائمهم بحرية ودون ملاحقة من القوات الحكومية المسؤولة عن أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم. وإذا ما وقعت عملية إرهابية اتهموا الحكومة المركزية بالضعف والتقصير.

11- في العراق وحده يستطيع نواب كتلة برلمانية المطالبة بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب وإطلاق سراح جميع المعتقلين بتهم الإرهاب في الوقت الذي صار البلد مرتعاً للإرهاب... والغرض من ذلك طبعاً هو وضع العراق تحت سيطرة الإرهابيين الذين يعملون بإمرة هذه الكتلة البرلمانية.

12- العراق هو البلد الوحيد الذي ما أن تقع فيه عملية إرهابية حتى وتنبري صحافته بإلقاء التهمة على الحكومة وإبعادها عن الإرهابيين الحقيقيين. هذا ما تقوم به صحيفة المدى لصاحبها فخري كريم وهي تصدر علناً في بغداد، ومع ذلك يتهم الحكومة بالدكتاتورية، بل ويحرض ضد رئيس الحكومة كما جاء في مقال له بعنوان: (الدكتاتور يعلنُ موتَ الدولة: ظاهرة احمد نوري المالكي وشرعَنَة الفساد). في الحقيقة إن وجود محرضين من أمثال فخري كريم ورهطه بدون محاسبة هو من علامات موت الدولة.
********
ما ذكرنا أعلاه هو غيض من فيض من إصرار العراقيين على تدمير بلدهم وانفسهم، يقومون بكل هذه الأعمال بحجة محاربة (حكومة المحاصصة الطائفية)، بينما في الحقيقة هم أشد إصراراً وحرصاً على عودة الحكم الطائفي. فالسلطة التي يريدونها هي دكتاتورية الطائفة الواحدة كما كان قبل 2003، ولهذا يشنون إرهابهم ليوصلوا العراقيين إلى اليأس من الديمقراطية ويقبلوا بعودة حكم البعث. ولهذا نواجه هذه الأيام حملة ضارية لتشويه صورة الديمقراطية ومؤسساتها.

يعتبر البعض من الكتاب والسياسيين أنه من حقهم أن يكيلوا الشتائم ضد من يختلف معهم في الآراء ويعتبرون أنفسهم محصنين من النقد لأنهم من حزب كذا وعارضوا صدام... الخ. نسي هؤلاء أن معارضتهم لصدام لا تكفي، بل ما هو دورهم الآن في إنجاح العملية السياسية والديمقراطية ومحاربة الإرهاب لإيصال العراق إلى بر الأمان؟ بينما في الحقيقة نراهم يقفون مع الصداميين في ساحات الاعتصمات ويناصرونهم ويطلبون المنظمات الدولية بدعمها.

المشكلة أن أي كاتب، خاصة إذ كان من خلفية شيعية ولم يساير حملة الأكاذيب، اتهموه بالطائفية، ولكن لحسن الحظ هناك كتاب مسيحيين لا يخافون في الحق لومة لائم، وأخص منهم بالذكر الأستاذ عزت يوسف إسطيفان، الذي سخر قلمه في الدفاع عن الحق ومواجهة الباطل، وأيا كان مصدره. (6، 7)

لا ندعي أن الديمقراطية في العراق قد بلغت مرحلة النضج بعد أربعة عقود من الظلم المكثف، ولكننا نؤكد أن اصلاح الوضع لا يأتي عن طريق الهدم وكيل الافتراءات والأكاذيب، بل بالنقد البناء ونشر الوعي الوطني، والثقافة الديمقراطية، وروح التسامح وتوفير الظروف لإعمار العراق الذي دمره البعثيون. إذ كما أكدنا أعلاه، اللجوء إلى الكذب والتضليل وتزييف الحقائق دليل على الإفلاس الفكري والسياسي والأخلاقي.

في عام 1933 نشر الملك فيصل الأول مذكرة رفض فيها أن يسمي أهل العراق شعباً، فوصفهم بأنهم "كتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء، ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتقاض على أي حكومة كانت..."
فما الذي تغير بعد 80 سنة من كتابة تلك المذكرة؟ نعم، أضيفت المفخخات والإبادة الجماعية إلى الأحقاد والأباطيل الدينية.

المشكلة أن كل فريق مساهم في حملة التدمير يعتقد أنه بمجرد إسقاط هذه الحكومة ستتحقق أغراضه، بينما في الحقيقة غرض كل فريق يتقاطع مع أغراض الفرقاء الآخرين، وإذا ما نجحوا في التخلص من المالكي فستشتعل المعركة فيما بينهم وبمنتهى الدموية. إنهم يصرون على تدمير العراق وتدمير أنفسهم. ولذلك لا أرى أي بصيص أمل لإنهاء المأساة على المدى القريب وحتى المتوسط. وهذا ثمن الديمقراطية والحداثة والتخلص من الفاشية وتركمات الماضي البغيض، فلا بد من المرور بمرحلة الإرهاصات وعذابات المخاض الدموي العسير. إنه القدر المكتوب على هذا الشعب المبتلى بسياسييه ومثقفيه المؤدلجين. هذا هو العراق وهذه عقلية أهله المبتلى بالبعث الذي شعاره: (إما أن نحكمكم أو نبيدكم- وليكن من بعدي الطوفان).   
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالموضوع
1 عبدالخالق حسين: الاتفاق على تدمير العراق
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=382589

2 وثائق: برلمانيون طالبوا الاتحاد الأوربي بعدم توقيع اتفاق تعاون مع العراق كي لا يعد دعما للمالكي
  http://www.akhbaar.org/home/2013/2/142129.html

3 محمد ضياء عيسى العقابي: من أتى بآنيا ليوسكا إلى بغداد؟)
http://alakhbaar.org/home/2013/9/155110.html

4 حمزة الجواهري: مستر 5%
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=382589

5  فالح حسون الدراجي:وفد العراق يصوِّت ضد العراق
http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=145115#axzz2hlwe5gmW

6 عزت يوسف إسطيفان:  جاسم الحلفي بعيد عن الواقع !!! ــ 1ــ
http://alakhbaar.org/home/2013/8/153289.html

7 عزت يوسف إسطيفان: جاسم الحلفي بعيد عن الواقع !!!! ــ 2ــ
http://alakhbaar.org/home/2013/9/153406.html

8 وصلني تواً: إحصائية انفجارات اخوتنا العرب في العراق وهدياهم للعراقيين!!
http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=31263

9  فيديو جدير بالمشاهدة، يكشف ما يرتكبه الجناة البعثيون والقاعدة بحق أبناء شعبنا، اخترقوا القوات الحكومية وحتى يستخدمون ناقلات قوات سوات وملابسهم في إرتكاب جرائمهم.
https://www.facebook.com/photo.php?v=172332229626113&set=vb.146210315571638&type=2&theater


349
الفتنة أكبر من القتل

د.عبدالخالق حسين

يبدو أن العراق لم تكفه ما يواجهه من أزمات، وشرور وفتن طائفية وعنصرية والقتل الجماعي المستمر يومياً، لذلك يعمل البعض من أبنائه "الغيارى جداً" على تفعيل وتفجير ما تبقى من الألغام التاريخية المدفونة، وصنع المزيد منها؟
وفق جميع المقاييس يواجه العراق اليوم حرب الإبادة الجماعية، إبادة الجنس وعلى أيدي أبنائه الذين رضوا أن يبيعوا أنفسهم للشيطان ويكونوا مطايا للأجنبي لتنفيذ مخططات تآمرية كارثية لا تقل خطورة عما فعلوه في مؤامرة 8 شباط 1963، تحيكها نفس الجهات من قوى شريرة وراء الحدود.

علمونا منذ الدراسة الابتدائية أن الشعب العراقي هو الذي اخترع العجلة، والحروف الأبجدية، وعلَّم البشرية الكتابة، وسنَّ أول قانون في التاريخ...وأنه يقرأ الممحي، وما بين السطور ...الخ. وسؤالنا هنا لماذا ينخدع أبناء هكذا شعب ليكونوا مطايا لمن يريد بشعبهم الشر والهلاك؟ صحيح أن هؤلاء الأشرار أقلية، ولكن تأثيرهم التدميري كبير على أبناء الشعب، خاصة وأن وراءهم إعلام مضلل واسع، ويمتلكون قدرات تكنولوجية تدميرية كبيرة.

ليس عي العالم أي شعب متجانس عرقياً ودينياً ومذهبياً ولغوياً، ولو كانت التعددية مبرراً للاقتتال بين أبناء الشعب الواحد لأبيدت البشرية عن آخرها، ولكن الذي نلمسه لدى الشعوب المتحضرة هو العكس، فشعارهم (الوحدة في التعددية unity in diversity). فالتعددية سبب للوحدة والتماسك، والتحضر والتلاقح الفكري والحضاري، وإنتاج المزيد من الطاقات العقلية الخلاقة. ولذلك نلاحظ الشعب الأمريكي الذي هو شعب المهاجرين من كل القارات تفوَّق في جميع المجالات وأصبح صاحب أعظم دولة.

نقول إنها مؤامرات أجنبية، وهي لا شك كذلك، ولكن من الذي ينفذ مؤامرات الأجانب؟ أليسوا هم أبناء الوطن؟ فمن هم الذين يصبون يومياً المزيد من الزيت على نيران الفتن المشتعلة، أليسوا هم من أبناء هذا الوطن متسترين بالوطنية واليسارية، بل وحتى التقدمية، وبكاؤهم على "الديمقراطية الحقيقية" وحقوق الإنسان من أمثال جاسم الحلفي ورفيقته هناء إدوارد (محامية فراس الجبوري سفاح الدجيل)، الذين يزورون ساحات الاعتصامات الطائفية التي تقودها فلول البعث والقاعدة ويدافعون عنها بشهادات تزكية؟ أليس أحمد العلواني وسعيد اللافي وطارق الهاشمي ورافع العيساوي وهارون محمد، وكذلك عدنان حسين وغيره من شلة فخري كريم هم من أبناء هذا الوطن، فبدلاً من أن يسعوا لإطفاء الحرائق نراهم يساهمون مع أعداء العراق لوأد الديمقراطية وباسم الديمقراطية والوطنية؟

لو كان جاسم الحلفي كاتباً عادياً لهان علينا الأمر، ولكن المصيبة أنه عضو مكتب سياسي للحزب الشيوعي العراقي، الحزب الذي أدعى يوماً أنه حزب أوسع الجماهير، وعلم العراقيين معنى الوطنية!. إن شخصاً كهذا يقف في ساحة الاعتصامات إلى جانب أحمد العلواني وسعيد اللافي والبدراني، وأمثالهم من مشعلي الفتن الطائفية ويمنحهم الشرعية، أقول، إذا استطاع هكذا شخص أن يتبوأ موقع قيادي في الحزب فلا غرابة أن نرى شعبية هذا الحزب تراجعت وتدهورت إلى الحضيض.

أجل، يواجه العراق اليوم حرباً طائفية ضارية بتمويل دول معادية مثل السعودية وقطر وتركيا وغيرها، تدعمهم مشايخ الوهابية بالتحريض وإصدار الفتاواى لحقن الشباب وحثهم على الذهاب إلى العراق وتفجير أنفسهم لقتل الشيعة "الصفوية الروافضة المشركين" الذين يقتلون أهل السنة، كما يدعون. أرجو من القراء الكرام فتح الرابط أدناه قبل مواصلة القراءة ليتأكدوا إلى أي حضيض يقود هؤلاء الأئمة الضالين شعوبهم. (مدة الفيدو 5 دقائق)
https://www.facebook.com/photo.php?v=10201972332169527&set=vb.1221882258&type=2&theater

لاحظتم كيف مثّل الواعظ دوره خير تمثيل، حيث ألقي خطابه متظاهراً بالبكاء من شدة التأثر على ما يجري من قتل أهل السنة على أيدي الشيعة الروافض في العراق، فيصرخ بالدعاء: "اللهم اهلك الشيعة واليهود!!" وقد نجح أيما نجاح في إبكاء الحاضرين في المسجد من المؤمنين، وربما كان بينهم من يمثل أيضاً من أجل نشر عدوى البكاء في صفوف البسطاء لإبكائهم وإثارتهم. فهل حقاً يؤمن هذا الشيخ بما يقول؟ وهل حقاً لا يعرف أبناء أية طائفة يتعرضون يومياً للقتل الجماعي في العراق؟ ولماذا تم تصوير الخطبة في فيديو ونشره على أوسع نطاق؟ أليس الغرض منه هو تمزيق المسلمين بتحريضهم على قتل بعضهم بعضاً وباسم الإسلام؟ هل أمريكا وإسرائيل قالت لهذا "الإمام" الدجال أن يحرض على تمزيق المسلمين وتكفير من يختلف عنه في المذهب؟ فمن الحضور الواسع في المسجد،والعلنية والصراحة في إلقاء خطبة الفتنة نعرف أنه ما كان بإمكان هذا الإمام إلقاء موعظته التحريضية المسمومة ما لم يكن يحظى بموافقة ومباركة السلطة.

ولا شك أن الذين يقومون بحرب إبادة الشيعة في العراق وباكستان يحتاجون إلى مبرر ديني ليثبتوا به للبسطاء من أهل السنة أن الشيعة فعلاً كفرة، منحرفون، يشتمون الصحابة وزوجات الرسول، لذلك فقتلهم فرض عين على كل مسلم متمكن. ولهذا الغرض بالذات وكما تناقلت عدة مواقع التواصل الاجتماعي، تم نشر "مقطع فيديو يظهر فيه مجموعة من الشباب في إحدى مناطق بغداد يقودهم شخص يدعى ثائر الدراجي، وهم يحملون لافتات ويرددون هتافات بمكبرات الصوت عند مرورهم بالأعظمية ضد صحابة الرسول محمد (ص) وزوجته عائشة". *

بالتأكيد، إن الذين قاموا بهذا العمل الشنيع ليسوا جهلة ولا سذج كما أدعى البعض، بل هم خبثاء مرتزقة متآمرون جندوا أنفسهم لتمزيق شعبهم، ليمدوا دعاة الحروب الطائفية بالذريعة لتبرير جرائمهم ضد الشيعة مقابل المال الحرام.
وحسناً فعلت القيادات الشيعية (الدينية والسياسية والشعبية)، في إدانة هذه الفتنة وتجريمها واحتوائها بسرعة، إذ أفادت الأنباء أن المرجع الديني الشيعي الكبير آية الله السيستاني "استنكر ما قامت به مجموعة من الأشخاص بسب الصحابة، معتبرا ان ذلك يخالف ما أمر به اهل البيت لشيعتهم". (نفس المصدر)
وجاء في نفس التقرير: ((ندد رئيس الوزراء نوري المالكي، الأربعاء (9 تشرين الأول 2013)، بتجاوز "بعض المشبوهين" على الصحابة وتعدي على رموز دينية كبيرة، واصفا إياه بـ"العمل المشين" لتنفيذ مخطط يدعو الى الفتنة، فيما أكد صدور أوامر بإلقاء القبض ضد "ثائر الدراجي" لتقديمه للعدالة.)) وأضاف التقرير: ((كما قدم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في ( 8 تشرين الأول 2013)، اعتذاره للمسلمين من "أهل السنة" عن ما قام به بعض من وصفهم "بالسذج أصحاب العقول الناقصة" ومن "ارتفع عوائهم في منطقة الأعظمية بأمور استفزازية"، ولفت إلى أنهم يفعلون ما أمرهم به "أسيادهم"، لتأجيج "الكراهية"، وتثبيت "الملك"، وأكد "شجبه وتبرؤه منهم".)) (نفس المصدر)
كذلك دعا رئيس كتلة دولة القانون النيابية الشيخ خالد العطية مجلس النواب الى تشريع قانون خاص يشدد العقوبة على من يتطاول على الرموز الدينية لجميع الطوائف والأديان.

لم أتذكر أن قامت أية مجموعة شيعية أو رجل دين شيعي، بتحريض ضد أهل السنة أو سب الصحابة إلا في حالات نادرة كما حصل قبل سنوات من قبل رجل دين شيعي مشبوه في الكويت، وتم طرده وإدانته من قبل الجميع. بينما أصبح التحريض ضد الشيعة من قبل بعض المشايخ السنية وبالأخص الوهابية فرض ديني وغذاءهم اليومي المفضل دون أن يقابل بأية إدانة أو حتى النصيحة. فقبل عامين وفي مقابلة تلفزيونية مع البي بي سي، أباح إمام مكة قتل الشيعة وأسر نسائهم وأطفالهم وبيعهم في سوق النخاسة كما كانوا يفعلون في صدر الإسلام إثناء الفتوحات مع غير المسلمين، وغيرها كثير من حملات التحريض ضد الشيعة دون أن يحرك أي زعيم سني ساكناً، ولكن ما أن يصدر تصرف سخيف من نفر ضال أدعوا أنهم شيعة في ترديد هتافات مشينة ضد رموز دينية سنية حتى وانطلقت موجة الإدانات من كل حدب وصوب، وكأنهم كانوا على موعد مع الحدث، مثل اللعبة السخيفة التي قامت بها جماعة مشبوهة أخرى في الزبير ضد أفراد من عشيرة السعدون وتمت إدانتها واحتواءها بسرعة.
واستغلت قادة الاعتصامات في المحافظات الغربية هذه السلوك المشين من زمرة المدعو ثائر الدراجي،  فاستغلوه أشد اسغلال، إذ أفادت الأنباء عن (إضراب عام في محافظات العراق الغربية تنديدا بالإساءة إلى الصحابة).
أكاد أجزم أن ردود الأفعال هذه كان مخططاً لها مسبقاً، إذ كما جاء في مقال السيد فراس الخفاجي عن "مقطع الشاعر الفلوجي وهو يخاطب الجمهور في تمجيد البعث المخلوع وصدام المقبور عندما يقول له "اضل لحد القبر احب صدام ولحد المنية"، وهذا يدل على ان الجهة التي تمول امثال هؤلاء واحدة".

فالمطلوب من القيادات الدينية والسياسية من السنة والشيعة إدانة مثيري الفتن من أي مذهب كانوا. ولكن الذي يحصل أن القادة السنة (إذا ما استثنيا منهم فضيلة الشيخ خالد الملاّ)، يدينون فقط إذا كان الجاني شيعياً ضد أهل السنة، أما إذا كان مثير الفتنة سنياً ضد الشيعة فيقابلونه بالصمت المطبق وربما يبررونه. نتمنى على السيد أسامة النجيفي والقياديين الدينيين من السنة الذين سارعوا في إدانة فتنة (ثائر الدراجي)، ودعوا إلى إضرابات عامة، أن يدينوا الفتن الأخرى أيضاً ومن جميع مصادرها. وأن يواصل النجيفي في حث"المواطنين كافة ابداء روح التسامح والتهدئة ونبذ التفرقة وعدم انجرارهم وراء الفتنة الطائفية".

ليعلم العراقيون من جميع مكوناتهم، أن هذه الأعمال التآمرية هي مخططات ترسمها أيادي أجنبية شريرة من وراء الحدود، سواء باسم أهل السنة أو الشيعة، الغرض منها تدمير العراق وعلى أيدي العراقيين أنفسهم. لذلك نهيب بالعراقيين الشرفاء أن ينتبهوا إلى هذه اللعبة القذرة وما يحاك ضدهم، وعلى المسؤولين عن أمن الشعب القبض على هؤلاء المجرمين، سنة وشيعة، ومن أي مستنقع جاؤا، وإجراء التحقيق معهم وفضحهم أمام الشعب والعالم، وإنزال أشد العقوبات بحقهم بما فيه عقوبة الإعدام ليكونوا عبرةً لمن اعتبر، لأن في الإسلام وكما جاء في القرآن: "الفتنة أشد من القتل"، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب.
ــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو علاقة بالمقال
* المرجع السيستاني: سب الصحابة مستنكر ومدان ويخالف ما أمر به اهل البيت
http://alakhbaar.org/home/2013/10/155676.html


350
من يهن يسهل الهوان عليه

د.عبدالخالق حسين

عنوان هذا المقال مقتبس من صدر بيت شِعر للشاعر الحكيم أبو الطيب المتنبي حين قال:
من يهن يسهل الهوان عليه....... ما لجرح بميت إيلام
هذه الحكمة تنطبق كلياً على وضعنا العراقي البائس في علاقاته مع الحكومات العربية "الشقيقة". وقد ضعتُ كلمة الشقيقة بين قويسات التنصيص " "، لأنها تعني عكس معناها القاموسي، إذ صارت تعني للعراقيين أسوأ من داء الشقيقة (الصداع النصفي)، والعياذ بالله!

جاء في الأخبار، وأغلبها أخبار سيئة في هذا الزمن الأغبر، أنه عندما يدخل المسافر العراقي إلى الأردن يواجه أسئلة محرجة ومذلة من قبل المسؤولين الأردنيين في مداخل الحدود، ومنها على سبيل المثال: "هل أنت سني أو شيعي، وهل سافرت إلى إيران؟". لم يخطر على بالي أن الأردن الذي يصنف الغربيون حكومته بالليبرالية (ما شاء الله!)، أن يتصرفوا بهذا الأسلوب المخجل مع ضيوفهم من المسافرين، طبعاً مع العراقيين فقط.

هذه المعاملة الهمجية إن دلت على شيء فإنما تدل على تخلف هؤلاء، وأنهم يمارسون العصبية الطائفية والتي هي أسوأ من جميع أنواع العصبيات القبلية البدوية، والعنصرية والفاشية. كما وسمعنا أسوأ من ذلك مثلاً عندما ينفق (أو يفطس) أحد الإرهابيين الأردنيين مثل الزرقاوي وغيره في العراق تقيم عشيرته حفلات الأعراس وتقديم التهاني بدلاً من مجالس العزاء، ويجعلون من نفوقه في العراق مناسبة استقباله من قبل الرسول على بوابة الجنة، وزفافه على 72 عذراء!! مكافأة لهم على قتله أبناء شعبنا من "الصفويين الروافض!!" على حد تعبيرهم.
وقبل ذلك بفترة اطلعتُ على تقرير عما يعانيه أطفال الصابئة المندائيين العراقيين في الأردن من مضايقات في المدارس الأردنية ومعاملتهم كفجار وكفار، علماً بأن الأمم المتحدة تدفع مبالغ كبيرة للأردن مقابل قبوله اللاجيئن العراقيين، إضافة إلى ما تقدمه الحكومة العراقية من مساعدات اقتصادية كبيرة.
المؤسف هو سكوت الحكومة العراقية عما يرتكبه الأردنيون بحق العراقيين. فرد الفعل اليتيم الوحيد الذي اطلعتُ عليه من المسؤولين العراقيين هو ما صرح به النائب الشيخ همام حمودي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، في كلمة له نشرها على موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، قائلاً: "اننا نقول للأردن و بقوة ان النفط الذي تأخذونه من الجنوب وتهينون ابناءهم لديكم بعنوان أنهم شيعة، ويزورون إيران، غير مقبول"، و"أننا سيكون لنا موقفا من الأردن إذا استمرت معاملة العراقيين غير الجيدة عند دخولهم أراضيها".
والجدير بالذكر، أن الحكومة الأردنية "كانت قد رحبت في وقت سابق بقرار العراق منح المملكة مساعدة بقيمة 25 مليون دولار على شكل كميات من النفط الخام." ربما كان ذلك مقابل الإهانات التي قدمتها  المملكة الأردنية للعراقيين.
ولم يقتصر تساهل الحكومة العراقية مع من يذل العراقيين ويهينهم في الخارج، بل وحتى في الداخل هناك تساهل مع الإرهابيين البعثيين الطائفيين الذين يرتكبون حرب إبادة الجنس ضد الشيعة بغطاء القاعدة، وبحجة أنهم يدافعون عن "السنة المهمشين" على حد إدعائهم، فهناك تساهل غريب وعجيب إلى حد الإذلال، الأمر الذي شجع الجناة وإعلامهم في الإمعان بجرائمهم. لقد أكدنا مراراً أن ما يسمى بالقاعدة والدولة الإسلامية في العراق، وغيرها من تنظيمات الإرهابية ما هي إلا تنظيمات إرهابية بعثية.
إن البعثيين ليسوا ضد الشيعة فحسب، بل وحتى ضد أهل السنة الذين يرفضون مجاراتهم في جرائمهم، لذلك نسمع عن نشاطاتهم الإرهابية في المناطق السنية مثل تكريت وعنة وراوىَ وغيرها في هجومهم المتكرر على المؤسسات الحكومية، بل وحتى تفجير مساجد أهل السنة في ديالى لأنهم أدوا صلاة مشتركة مع الشيعة كإشارة منهم ضد الإرهاب الطائفي.

لقد طالبنا الحكومة بأن تعامل البعثيين بنفس الطريقة التي يعامل البعثيون خصومهم. فالعراق في حالة حرب الإبادة، يواجه عدواً شرساً لا يقيم لحياة الإنسان أية قيمة، ويتمتع بإعلام قوي متمرس في التضليل، ويرتكب أبشع الجرائم ليلقي التهمة على الحكومة وبدعم من الإعلام المضلل.
فالحكومة لديها دستور يحرم التحريض الطائفي والعنصري فلماذا تسكت عن العاملين في صحافة التضليل مثل صحيفة المدى وقناة الشرقية والبغدادية وغيرها؟ أليس من واجب الحكومة تقديم هؤلاء إلى العدالة ليلقوا جزاءهم العادل؟ أية دولة ديمقراطية عريقة تسكت عن صحيفة أو مؤسسة إعلامية تمارس الكذب والتضليل والتحريض الطائفي والعنصري؟
وحتى البعثيون وإعلامهم استغلوا تساهل الحكومة مع الإرهابيين لصالحهم إذ بعد كل عملية إرهابية يرتكبونها، يشن الإعلام البعثي وحلفاءهم هجوماً والإدعاء بأن الحكومة ضعيفة لا تستطيع مواجهة الإرهاب وحماية أرواح الناس وممتلكاتهم، بل و تدعي أن "مليشيات" الحكومة هي التي تقوم بالتفجيرات. فنحن في زمن يسمى الجيش العراقي بالمليشيات، وتنظيمات الإرهابيين بالجيش الشرعي!!!

وبودنا أن نذكر رئيس الوزراء السيد نوري المالكي أنه لما قام بـ(صولة الفرسان) عام 2008 وأنقذ أهل البصرة ومدينة الصدر من شرور الجيش المهدي لقي ترحيباً حاراً من الشعب، كسب على أثرها شعبية واسعة. واليوم يقوم المجرمون من فلول البعث باسم القاعدة بقتل أبناء شعبنا الأبرياء في اللطيفية وغيرها من مناطق مثلث الموت، والجيش العراقي وبقية الأجهزة الأمنية أقوى بعشرات المرات مما كان عليه عام 2008، لذا فالمطلوب من القائد العام للقوات المسلحة بالقيام بصولة فرسان أخرى في هذه المناطق وسحق الجناة. فالقتل يجري في مثلث الموت على الهوية الطائفية يومياً، ففي عملية واحدة تمت إبادة عائلة شيعية من 18 شخصاً. وبعد أيام من تلك الجريمة المروعة أفادت الأنباء عن تهجير نحو مائتين عائلة شيعية بتهديد من "القاعدة"، أنذروهم إما أن يرحلوا ويتركوا كل ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة كغنائم حرب، أو يبادوا عن آخرهم . فاختاروا الهجرة وتم اقتلاعهم من مناطق سكناهم لأسباب طائفية ليس غير. الغرض من هذه الجرائم هو التطهير الطائفي وتفريغ المناطق المختلطة من الشيعة إما عن قتلهم أو إرغامهم على الترحيل. هذه الجريمة استغلت من قبل أحد مرتزقة (المدى) ليكتب مقالاً يذرف فيه دموع التماسيح ليشن هجومه لا على الإرهابيين، بل على الحكومة بأنها ضعيفة لا تقوى على مواجهتهم وحماية أرواح الناس. كلمة حق أريد بها باطل.

ونحن لا ننكر تضحيات الجيش والأجهزة الأمنية وبطولاتهم في مقارعة الإرهاب، ولكن من حق المواطن أن يسأل، لماذا صمت الحكومة عن الكثير من الجرائم التي حصلت في اللطيفية؟ وما الغرض من وجود جيش وقوات أمنية تضم نحو مليون عنصر؟ لماذا لا تقوم هذه القوات بعمليات صولات فرسان أخرى لتطهير المناطق الموبوءة وكل العراق من الإرهابيين؟
لعل إقدام المالكي على صولة الفرسان ضد جيش المهدي لأنهم شيعة، فلا يتهمه أحد بأن حملته كانت بدوافع طائفية ضد السنة، الاتهام المحتمل توجيهه للمالكي فيما لو شن هجوماُ على فلول البعث/القاعدة في المحافظات السنية. ولكن هذه التهمة يجب أن لا توقف القائد العام من القيام بواجبه لحفظ أرواح الناس، فحتى في حالة الهجوم على جيش المهدي (الشيعي) لم يسلم المالكي من اتهام من نوع آخر، إذ اتهموه بأنه حارب الجيش المهدي ليزيح التيار الصدري المنافس له في المناطق الشيعية!!. ولكن أثبت الزمن تفاهة وسخف وهراء هذه التهمة. وبنفس المنطق نقول، على السيد المالكي أن يقوم بحملة أخرى ضد فلول البعث ولا يخاف في الحق لومة لائم، ومهما شن الإعلام البعثي القاعدي ومن ورائه من الإعلام العربي من ضجيج طائفي. فأهل السنة تم اختطافهم من قبل فلول البعث والقاعدة، وهم أيضاً يطالبون بإنقاذهم من شرور تحالف الإرهابيين البعثيين والقاعدة، وأفضل دليل على ذلك، ما ذكره الدكتور سعدون الدليمي بصفته وزير الدفاع بالوكالة، عن مطالبات أهل الموصل والأنبار وتكريت له لخلاصهم من ابتزاز البعثيين. 

وبالعودة إلى ما يتلقاه العراقيون من إذلال وإهانات على أيدي الأردنيين، ومقابل هذه الإهانات تقدم الحكومة العراقية مساعدات اقتصادية للحكومة الأردنية، الأمر الذي جعل إهانة العراقيين من قبل الأردن، وشن حرب الإبادة ضدهم من قبل البعثيين المتحالفين مع، والمتسترين وراء "القاعدة" أمراً سهلاً يتمادون فيه.
لقد وقع البلدان (العراق والأردن) في التاسع من نيسان الماضي اتفاقية إطارية لمد أنبوب لنقل النفط الخام العراقي من البصرة، جنوب العراق، إلى مرافئ التصدير في ميناء العقبة. وكان العراق قرر في 27 تشرين الثاني من العام الماضي تقديم مئة ألف برميل مجانا للأردن بهدف مساعدته في أزمته الاقتصادية. ويستورد الأردن حاليا حوالى عشرة آلاف برميل من النفط العراقي الخام وبأسعار تفضيلية {بفارق يقل عن 18 دولارا عن السعر العالمي للبرميل} وهي كميات تشكل 10 في المئة من احتياجاته النفطية التي يستورد معظمها من السعودية.
لا شك أن هذا الكرم الحاتمي العراقي للأردن جعل الأردنيين يتمادون في إهانة العراقيين.

الشعب العراقي وبالأخص المكون الشيعي منه، يواجه حرب الإبادة على أيدي البعث القاعدي، ومن الخطأ معاملة الإرهابيين كجناة عاديين، بل يجب معاملتهم كمجرمي حروب الإبادة، وهذا يعني على الحكومة العراقية ضرب الإرهاب في الداخل بيد من حديد، ومنح القوات المسلحة والأجهزة الأمنية صلاحية إبادتهم عند المواجهة، وتنفيذ حكم الإعدام بهم فور صدور حكم القضاء بحقهم دون تأخير أو تسويف.
كذلك يجب معاملة "الأشقاء" العرب بمثل ما يعاملون العراق، فهؤلاء يفسرون المعروف ضعفاً.
إذ كما قال زهير بن أبي سلمى قبل نحو 1400 سنة :
من يصنع المعروف في غير أهله... يكن حمده ذماً عليه ويندمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو علاقة بالموضوع:
الشيخ حمودي يستهجن رفض الاردن لدخول العراقيين الشيعة اراضيه ويقول انه امر غير مقبول
http://alakhbaar.org/home/2013/9/154201.html


351
التفاهم الإيراني – الأمريكي انتصار للسلام والحكمة

عبدالخالق حسين

منذ فوز الدكتور حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وإعلانه سياساته الوسطية المعتدلة برزت علامات تشير لأول مرة إلى بدء مرحلة جديدة في العلاقات الإيجابية بين إيران والعالم الغربي بقيادة أمريكا منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979. فقد بدأ الرئيس روحاني انفتاحه على العالم  خلال حملته الانتخابية، وبتصريحات عقلانية هادئة بعد فوزه، ومن ثم تأكيده عليها بخطابه في الأمم المتحدة، وما تلاه من اللقاء التاريخي بين وزيري خارجية البلدين: الإيراني محمد جواد ظريف، والأمريكي جون كيري، وتصريحاتهما الودية والإيجابية للصحفيين بعد ذلك اللقاء. وأخيراً تكللت هذه الجهود بالمكالمة الهاتفية مساء 27 أيلول الجاري، بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني، الأولى من نوعها منذ اربع وثلاثين عاما.
كما وكرر روحاني مرات عدة خلال زيارته إلى نيويورك ولقاءاته الصحافية المتعددة أنه «لا مكان للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في عقيدة إيران الدفاعية«. ومن جانبه أكد أوباما بعد المكالمة الهاتفية مع روحاني، أن من حق إيران امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية.

كذلك انتصار الدبلوماسية الروسية على متشددي اللوبيات الأمريكية من قارعي طبول الحرب في حل الأزمة السورية، هو الآخر يبشر بمرحلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط. وكذلك "تبني مجلس الأمن الدولي بالإجماع مشروع قرار يلزم سوريا بتفكيك ترسانتها من الأسلحة الكيمياوية، بعد موافقة منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية على جدول زمني لتنفيذ هذه العملية"، وإصرار المندوب الروسي بعدم اللجوء إلى استخدام القوة فيما لو خالفت سوريا الالتزام بوعودها إلا بقرار جديد من المنظمة الدولية.
 
لا شك أن كل هذه التطورات الإيجابية هي في صالح شعوب الشرق الأوسط، والتي تبشر بمرحلة جديدة من السلام والازدهار لم تألفها المنطقة من قبل.

ولكن يبدو أن هذه التحولات الإيجابية السريعة في العلاقات بين إيران وأمريكا وحلفائها، وحل الأزمة السورية سلمياً، أغاضت كثيرين من كتاب المقالات والإعلاميين العرب، وبالأخص مرتزقة السعودية ولوبيات مصانع وتجارة السلاح في أمريكا، الذين شغلهم الشاغل هو دق طبول الحرب، والتبشير بأن أمريكا وإسرائيل على وشك شن حرب على إيران لتدمير منشآتها النووية، وأن إيران ستقابل ذالك بالهجوم على حلفاء أمريكا في المنطقة...الخ.

ذكرنا مراراً في مقالات سابقة أن الغرض من إثارة مخاوف الدول الخليجية من البعبع النووي الإيراني هو حمل هذه الحكومات على شراء الأسلحة من الغرب وخاصة من أمريكا بمئات المليارات الدولارات، فما تحصل عليه الدول الخليجية من واردات نفوطها، يسترجعها الغرب ببيع السلاح عليها، والذي من غير المتوقع أن تستخدمه هذه الحكومات أبداً.

فبعد أن حققت أمريكا غرضها من بيع الأسلحة، وتم تدمير الجيش السوري على يد "جبهة النصرة" (القاعدة) بدعم خليجي (السعودية وقطر) نيابة عن إسرائل، وبعد أن انتصرت الدبلوماسية الروسية والصينية والإيرانية في حل المعضلة السورية سلمياً، وتأكد الرئيس أوباما أن البديل لنظام بشار الأسد هو نظام إسلامي متشدد بزعامة (جبهة النصرة) على غرار ما حصل في أفغانستان في عهد حكم طالبان، وما حصل من كوارث على أمريكا بعد كل ذلك، انتصر صوت العقل على صوت طبول الحرب. وها هو الرئيس أوباما لعب لعبته الحكيمة في الخروج من الأزمة مع حفظ ماء الوجه، ليجنب أمريكا من خوض حروب جديدة في عهده. ولهذا السبب تعرض أوباما خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى حملة إعلامية ضارية من قبل المتشددين في أمريكا، ومحاولة إظهاره بالرئيس الضعيف، وتشويه صورته... ولكن أثبت أوباما أنه يتمتع بالحكمة والصبر والحنكة السياسية إلى حد أن وصفه أستاذ في جامعة كولومبيا في كتاب له بماكيافيللي العصر. 

أجل، التقارب الإيراني- الأمريكي أغاض الكثيرين من مرتزقة لوبيات الحروب، وكتاب الأعمدة، فراح كل يفسره على هواه وحسب موقفه السياسي، وكما يشتهي ويتمنى أن يكون الوضع... أتفق مع بعض هذه المواقف وأختلف مع الآخر. أنقل أدناه بعضاً من هذه النماذج.

كتب السيد عبدالباري عطوان في صحيفته (القدس العربي)، مقالاً بعنوان: (أمريكا تغازل إيران، والعرب أضحوكة جديدة) جاء فيه: "بدأت الهجمة الدبلوماسية الايرانية التي يقودها الرئيس حسن روحاني تعطي ثمارها في كسر العزلة السياسية، تمهيدا لكسر الحصار الاقتصادي الخانق، وبما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الاعتراف بدور إيران كقوة اقليمية عظمى في منطقة الشرق الأوسط." وبحق، يتشمت السيد عطوان بالسعودية وغيرها من الدول الخليجية التي دفعت نحو عشرة مليارات دولار لتدمير سوريا، فيختتم مقاله بالقول: "فهنيئا للامريكان ولا عزاء للاغبياء".
وهذه من المرات القليلة التي أتفق فيها مع السيد عبدالباري عطوان، فلا عزاء لكم مني أيضاً أيها الأغبياء، وموتوا بغيضكم يا مرتزقة السعودية على الانفتاح الإيراني - الأمريكي، واحتقار أمريكا للسعودية وغيرها من الدول الخليجية.

مقال آخر في هذا الخصوص بعنوان: ((»التسوية«  الأميركيّة الروسيّة: إيران أكبر الرابحين والسعودية أول الخاسرين))، بقلم السيد ابراهيم ناصرالدين، على موقع (بانوراما الشرق الاوسط، يوم الاثنين 16 ايلول 2013)، هو الآخر يندب حظ السعودية، ويؤكد أن أمريكا تجاهلت استشارة حلفاءها الخليجيين حتى ولو من باب المجاملة في تفاهمها مع إيران.
في الحقيقة لم يبق أمام الملك السعودي لحفظ ماء الوجه سوى توجيه دعوة للرئيس روحاني للمشاركة في موسم الحج، واتخاذ هذه المناسبة فرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. وحتى في هذه الحالة تكون إيران هي المنتصرة أيضاً لأنه في حالة كسب رضا إيران، على السعودية أن تتخلي عن حملتها في إشعال الحروب الطائفية ضد الشيعة في دول المنطقة (العراق وسوريا ولبنان).

أما الموقف الثالث من التقارب الإيراني الأمريكي هو رأي (المدى) صحيفة فخري كريم، في مقال غفل من اسم الكاتب، مليء بالحقد والتوتر والتشنج والكذب، بعنوان: (أوساط البيت الأبيض: العد العكسي بدأ لمرحلة ما بعد المالكي). والمعروف عن صاحب المدى أنه كرس صحيفته وجوقته ضد نوري المالكي وكأن هناك عداء شخصي بينهما، فيصور الموقف كله كما لو أن التقارب الإيراني – الأمريكي مخطط خصيصاً للإطاحة بنوري المالكي!!!. إذ يبدأ التقرير بالقول: "تتجمع مؤشرات لافتة على أن التقاطعات الأمريكية ـ الإيرانية التي شكلت العامل الأساس في اسناد السلطة الى رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي قبل ثلاث سنوات، سقطت سقوطا كاملا، وعلى مسافة أشهر قليلة من انتخابات 2014 البرلمانية، كل شيء يدل على أن حسابات ما بعد المعركة لا تشبه ما قبلها".

يقول المثل العراقي (حِب واحكي، أكره واحكي). فأقل ما يقال عن هذا المقال أنه كشف عن رغبات فخري كريم وخياله المريض وحقده الدفين ضد شخص نوري المالكي. ولإثبات فنطازياته يذكر أن أوباما ألغى لقاءً كان مقرراً عقده مع المالكي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مما أثار غضب المالكي ...الخ. وحتى لو صح الخبر عن الغاء اللقاء، فقد ألغى أوباما ولأسباب خاصة به لقاءات مع رؤساء عديدين، منها لقاءه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، وآخر مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، وربما رؤساء آخرين، ولكن هذا لا يعني أن أمريكا تخطط للإطاحة بهؤلاء الرؤساء لمجرد إلغاء لقائهم مع الرئيس الأمريكي.

كذلك يصوِّر فخري كريم أن المالكي تم تنصيبه رئيساً للوزراء ليس من خلال صناديق الاقتراع، وتصويت الأغلبية البرلمانية، بل من قبل إيران وأمريكا. وطالما تم التقارب بين إيران وأمريكا فقد انتهى دور العراق ولا بد أن يتم إسقاط المالكي!!.
هذا الكلام فيه تجاوز على الشعب العراقي وملايين الناخبين العراقيين الذين تحدوا الإرهاب البعثي القاعدي، للإدلاء بأصواتهم. نسي أن عهد تنصيب الحكام من وراء الحدود قد ولى وإلى غير رجعة، ولهذا السبب خسر فخري كريم ومن لف لفه ثقة الجماهير، ولذلك انضم المفلسون سياسياً وفكرياً وأخلاقياً ومنهم فخري كريم وشلته إلى جماعات الإعتصمات الذين تبنوا الطائفية وسيلة لإعادة سلطتهم. وصارت صحيفتهم (المدى) لسان حال البعثيين وحلفائهم في ساحات الاعتصامات وبلا خجل.
نسي هؤبلء أن الشخص المفضل لدى أمريكا لتبوئ منصب رئاسة الحكومة كان أياد علاوي، ولكن الأغلبية البرلمانية هي التي قررت تنصيب نوري المالكي وليس علاوي رئيساً للحكومة.   

يتصور فخري كريم في تقريره وكأنه مشارك في لقاءات البيت الأبيض، أو على الأقل على علاقة مقربة مع الإدارة الأمريكية، أو هكذا يريد أن يوحي للقراء لتأكيد مصدر معلوماته!!، فيقول أنه بعد ما حصل من تفاهم وتقارب بين إيران وأمريكا، فلم تكن هناك حاجة للمالكي، وهذا التفاهم بداية رحيل المالكي!!.. في الحقيقية فضح فخري كريم نفسه في محاولة إظهار التقارب الأمريكي- الإيراني وكأنه موجه ضد العراق، وهذا ما يسمى بالأفكار الرغبوية (wishful thinking)، العكس هو الصحيح، فأي تقارب بين البلدين (إيران وأمريكا) هو في صالح العراق وجميع دول المنطقة.
ومن هنا فإننا نبارك لشعوب المنطقة هذا التقارب، لأنه من شأنه نزع فتيل الفتن الطائفية، وإلحاق الهزيمة بالمحور الطائفي السعودي-القطري-التركي، واعتباره انتصاراً لشعوب المنطقة. ولذلك نردد مع السيد عبدالباري عطوان: "لا عزاء للأغبياء".

الملاحظ أيضاً هذه الأيام، مع هزيمة المحور السعودي- القطري- التركي، تصاعد الحملة الضارية من قبل كتاب شيعة ضد السياسيين الشيعة. ففي مقال قيم له بعنوان (مخطط - حرق الأعشاش- الجديد) ذكر الكاتب الوطني المعروف الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي، قائمة من الإجراءات التي اتخذها أعداء النظام الديمقراطي في العراق الجديد، من ضمنها: (شراء مثقفين وكتاب من الشيعة وإبرازهم على أنهم ضد الأحزاب الشيعية في مسعى لخلخلة ثقة الناخبين الشيعة بسياسييهم ومرشحيهم ممن هم خارج دائرة الولاء لحزب البعث، فتوجيه اللوم والنقد للشيعة على لسان أشخاص من طائفتهم يلقى آذانا صاغية بعكس الأمر فيما لو تم ذلك من خلال أشخاص آخرين.)

في الحقيقة هذه الحملة مستمرة منذ مدة، سواءً من كتاب شيعة معروفين أو من كتاب طائفين يكتبون بأسماء شيعية مستعارة يبدؤون مقالاتهم الحاقدة بالمناحات على الحسين...!!، ولكن حصلت نقلة نوعية في الآونة الأخيرة بدخول عدد من الكتاب المحسوبين على اليسار للأسف الشديد، ودون أي مراعات لشيبتهم، إذ راحوا يستخدمون عبارات شتائمية وتهكمية نابية يندى لها الجبين ضد بعض السياسيين الشيعة، ما كنا نتمنى لهم هذا المنزلق وهم في أرذل العمر.

الخلاصة:
وكما أكد الزعماء الإيرانيون والأمريكيون، أن هناك مشاكل كبيرة وأزمة ثقة مزمنة بين البلدين عمرها 34 سنة، فمن غير المتوقع حلها بين يوم وليلة، ولكن في نفس الوقت جميع الأطراف متفائلون، وأكد الرئيس روحاني أنه يتوقع حل المشاكل ما بين 3-6 أشهر. وأعرب الجميع عن حسن نواياهم في هذا المجال. وعليه، أرى من واجب كل إعلامي شريف ومخلص لوطنه يريد الخير والاستقرار والازدهار لشعبه أن يرحب بأي تقارب بين إيران وأمريكا وجميع شعوب المنطقة. والتطورات الأخيرة هي في صالح العراق بالدرجة الأولى، لأنها تعتبر هزيمة للإرهابيين الطائفيين ومن يساندهم من أصحاب الأقلام والأبواق المأجورة، وتحت أية أيديولوجية تلحفوا، فرحلة الألف ميل بدأت بالخطوة الأولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1 - محمد ضياء عيسى العقابي: مخطط - حرق الأعشاش- الجديد
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=377289

2- عبدالباري عظوان: امريكا تغازل ايران علنا والعرب اضحوكة مجددا
http://www.raialyoum.com/?p=5897

3- عبدالخالق حسين: على أمريكا إما أن تحتل سوريا أو تتركها لحالها
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=601


352
على أمريكا إما أن تحتل سوريا أو تتركها لحالها

عبدالخالق حسين

"لا تترك عدوك جريحاً، فإما أن تقتله أو تصادقه" - مكيافيلي


كثير من الناس، وأنا منهم،  يتوسمون بالرئيس الأمريكي باراك أوباما سلامة السريرة والنوايا، وأنه رجل مسالم ومتعقل يحب أن يعم السلام ربوع العالم. وعلى هذا الأساس مُنِح أوباما جائزة نوبل للسلام خلال الأشهر الأولى من ولايته الأولى وحتى دون أن تنتظر لجنة نوبل للتأكد من سياساته اللاحقة، وقيل في وقته أن اللجنة منحته الجائزة كمحفز لدفعه إلى السلام. ولذلك أرى أن التحول المفاجئ في موقف أوباما من سوريا وحماسه الظاهري للضربة الخاطفة بتوريط أمريكا مرة أخرى في حروب لا يعرف كيف يخرج منها، ناتج عن ضغوط من التيار المتشدد في الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، ومختلف اللوبيات، وخاصة اللوبي الإسرائيلي، فهؤلاء هم الذين يحكمون من وراء الكواليس، و أوباما يعرف أنه إذا لم ينفذ ما يطلب منه، فسيكون مصيره كمصير الرئيس جون كندي، سيقتل، ويقتل القاتل مباشرة لإخفاء معالم الجريمة.

على أغلب الاحتمال، ستقوم أمريكا لوحدها بالضربة وحتى بدون موافقة الأمم المتحدة. إذ يبدو أن معظم حلفاء أمريكا في الناتو غير راغبين في المشاركة، لذلك راحوا يبحثون عن مخرج من هذا المأزق مع حفظ ماء الوجه كما خرجت بريطانيا بعد رفض البرلمان، وكذلك فرنسا بدأت تمهد لتبني النهج البريطاني، حيث صرح وزير خارجيتها لوران فابيوس "إنّ التقرير المتوقع من مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة حول الهجوم الكيماوي بسوريا سيكون مخيبا.." لأنه "لم يطلب من المفتشين التوصل لهوية منفذ الهجوم، وهذا هو السؤال الحاسم." منوِّهاً إلى أنه من المحتمل استشارة البرلمان قبل اتخاذ القرار.
وحتى لو صوتت غالبية أعضاء مجلس الأمن الدولي لصالح القرار الأمريكي، فمن المؤكد أن روسيا والصين ستستخدمان حق النقض (الفيتو)، وبذلك تكون الضربة الأمريكية غير شرعية، وربما سيتخذ أوباما هذه الحجة ذريعة للخروج من المأزق. فجميع الاحتمالات مفتوحة، وربما ستحصل الضربة كما يطالب بها التيار المتشدد في الإدارة الأمريكية ويمهد لها الإعلام الغربي.

ما الغرض من الضربة الأمريكية؟ وتحت أي غطاء؟

الغطاء هو اتهام نظام بشار الأسد باستخدامه السلاح الكيمياوي المحرم دولياً ضد شعبه، ولذلك يطالب أوباما المجتمع الدولي بالقيام بواجبه الأخلاقي ضد هذه الجريمة المنكرة  دفاعاً عن حقوق الإنسان في سوريا و أنه يريد إنقاذ الشعب السوري من قسوة دكتاورية متوحشة، وأن الضربة هي رسالة ردع لجميع المستبدين في العالم بأن المجتمع الدولي لن يسكت عن جرائمهم ضد الإنسانية.
 
وليكسب أوباما الرأي العام العالمي، وخاصة الشعب السوري، والجانب الأخلاقي للضربة العسكرية، يعيد القول بأنها ستكون ضربة محدودة، وخاطفة ودون احتلال الأرض أو إسقاط النظام، وأن الغرض منها تأديب بشار الأسد، وإضعاف قواته المسلحة لتغيير موازين القوى لصالح قوات المعارضة، وبالتالي لكي يسهل على الأخيرة إسقاط حكم البعث.

لا شك أن الأغراض المعلنة من الضربة هي مجرد واجهة إعلامية لتضليل الرأي العام، أما الأغراض الحقيقية والنتائج فستكون على العكس تماماً، أي إلحاق أشد الأضرار بالشعب السوري، ولصالح إسرائيل والسعودية... وهناك أخبار تفيد أن السعودية عرضت على أمريكا ستين مليار دولار مقابل شن الهجوم على سوريا.

خطة أوباما لسوريا هي تكرار لخطة كلينتون مع صدام
إذا كان الغرض من خطة ضرب سوريا هو إسقاط النظام وحماية الشعب السوري من شروره، فهي خطة فاشلة من الآن، لأن لدينا تجربة مشابهة للخطة الأمريكية الحالية للتعامل مع سوريا، وهي خطة إدارة الرئيس الأسبق بِل كلينتون مع نظام صدام حسين، باسم "ضربة ثعلب الصحراء" المحدودة والمكثفة جدا لمواقع عراقية عام 1998... حيث كانت القوات الأمريكية تقصف بغداد ومناطق أخرى، نتج عنها تدمير المنشئات الاقتصادية وغيرها، وألحقت المزيد من الكوارث بالشعب العراقي، ودون أن تضعف النظام. وهاهو أوباما يريد تكرار خطة كلينتون مع بشار والتي أثبتت فشلها مع صدام. لذلك كانت خطة الرئيس جورج دبليو بوش في إسقاط النظام الصدامي عن طريق الاحتلال أفضل بكثير من الضربات الصاروخية عن بعد وتدمير البلاد والعباد مع إبقاء النظام.

بالتأكيد يختلف كثيرون معي في الدعوة للاحتلال بدلاً من تدمير القوات العسكرية السورية، والسبب هو ما رافق التجربة العراقية من كوارث الإرهاب المنفلت بعد التحرير، والذي شنته فلول البعث وبهائم القاعدة، وعصابات الجريمة المنظمة، والاقتتال الطائفي...الخ، وأنكروا جميع محاسن هذه التجربة وفوائدها، واتخذوا منها بعبعاً لردع أية عملية مشابهة ومهما كانت الحاجة ماسة إليها، ولم يسألوا أنفسهم ماذا كان سيحصل للعراق لو لم يتم إسقاط البعث بالغزو الأمريكي؟ وإذا ما سُئِلوا، فيجيبون كما يتمنون وليس كما كان عليه الواقع.

هل حقاً فشلت التجربة العراقية؟

إن الذين شوهوا سمعة التجربة العراقية فريقان: الأول، هم أعداء التغيير والديمقراطية من داخل العراق، مثل فلول البعث وأعوانهم الذين أدمنوا على احتكار السلطة لطائفة معينة، تدعمهم جهات خارجية من حكومات ومؤسسات إعلامية وتنظيمات إرهابية، لا حباً بالبعث، بل كرهاً للديمقراطية ولأسباب طائفية وعنصرية واقتصادية لا يريدون للعراق أن ينهض.
الفريق الثاني، هم من أصحاب النوايا الحسنة الذين عارضوا حكم البعث الصدامي وكانوا من ضحاياه، وعانوا من ويلاته، ولكنهم كانوا يتصورون أنه بمجرد إسقاط حكم البعث سيتحول العراق بين عشية وضحاها إلى سويسرا... وهذا ما يسمى بالتوقعات غير الواقعية (high expectations)، وهي ظاهرة خطيرة تؤدي إلى الإحباط.

مشكلة هؤلاء الناس الطيبين أنهم لم يدركوا حجم الخراب الذي ألحقه حكم البعث بالمجتمع العراقي، وجبروت صدام وطغيانه وجنونه، واستعداده لإبادة الشعب في سبيل البقاء في الحكم، وصعوبة إسقاط حكم دكتاتوري همجي وحش، حكم العراق 35 سنة بالقبضة الحديدية، عانى شعبه خلالها من الحروب الداخلية والخارجية والحصار، وتفتيت النسيج الاجتماعي، والردة الحضارية وما رافق ذلك من احتقانات طائفية وعنصرية وعداء وأحقاد بين مكونات الشعب الواحد وفق مبدأ (فرق تسد)، ظهرت نتائجها بعد سقوط النظام، أشبه بالخرّاج الذي بمجرد أن لامسه مشرط الجراح راح القيح يتدفق مدراراً بروائحه العفنة. وبدلاً من دراسة هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها الحقيقية، راحوا يلومون الأمريكان والديمقراطية "المزيفة" وشخصنة المشاكل وإلقائها على عاتق من تضعه الأقدار في موقع المسؤولية العليا، ناسين أن إسقاط هكذا حكم وحشي لم يكن سهلاُ كما كان يحصل في الانقلابات العسكرية في العراق قبل 2003، ولا بد وأن ترافق إسقاط هكذا حكم مشاكل كثيرة وكبيرة. يقول المثل الإنكليزي: (After the event everybody is clever) أي بعد فوات الأوان كل واحد يدعي الذكاء.
ينكر هؤلاء أن المشاكل والتضحيات ومهما بلغت، فهي أقل بكثير مما لو ترك النظام يواصل سياسته الاجرامية بحق الشعب في نشر السجون والمقابر الجماعية وتشريد الملايين إلى الشتات حيث صار الألوف منهم طعاماً للأسماك.

كما ويعتقد آخرون أنه لو تُرِك صدام لاستطاع الشعب إسقاطه دون الحاجة إلى الاحتلال الأمريكي وما رافقه من اقتتال طائفي، ولأن حكمه كان ضعيفاً في أواخر أيامه، يحتاج إلى مجرد ركلة لإسقاطه (كذا).
هذا الكلام إما ناتج عن سذاجة وجهل في أحسن الأحوال، أو عن خبث وكذب في أسوئها. لقد ذكرت مراراً أن صدام كان يتمتع بعبقرية شريرة (criminal genius)، حيث استطاع مثل بطل السيرك، أن يروِّض الوحوش البعثية الضارية ويخضعها لطاعته المطلقة، وشكَّل منهم جيوشاً ومنظمات مدججة بالسلاح طوع بنانه دفاعاً عنه وعن نظامه حتى الموت، في مواجهة شعب أعزل جائع بالغَ في إذلاله بحكمه الجائر  والحروب وزوار الفجر والحصار الاقتصادي.
وقد اعترف صدام  باستحالة سقوط حكمه عندما خاطب رئيس المحكمة الجنائية العليا بلغته السوقية قائلا: (لو لا أمريكا، "لا إنت ولا أبوك " تستطيعان إحضاري للمحكمة). وهذا هو الواقع، فلولا أمريكا لبقي صدام  يواصل إجرامه بحق الشعب العراقي ومن بعده أبناءه وأحفاده إلى أجل غير مسمى.

وأقولها للمرة العاشرة، أنه من حسن حظ الشعب العراقي أن "تورطت" أمريكا في إسقاط حكم البعث، وهذا ما يسمى بمكر التاريخ. فلو سقط حكم البعث عن أي طريق آخر مثل موت طبيعي لصدام، أو انقلاب عسكري، أو انتفاضة شعبية...الخ، لكان مصير العراق أسوأ من مصير الصومال بعد الانقلاب على الدكتاتور محمد سياد بري، علماً بأن الشعب الصومالي متجانس قومياً ودينياً وطائفياً ولغوياً، ولم يكن سياد بري جائراً بدرجة صدام حسين. لذلك، فلو سقط حكم البعث بدون التدخل الأمريكي لقتل العراقيون بعضهم بعضاً عن آخرهم ودون وجود قوات دولية تحميهم من أنفسهم، وللحد من هذا القتل الجماعي.
وبناءً على ما تقدم، أعتقد جازماً أن كل ما حصل في العراق بعد سقوط حكم البعث، كان شراً لا بد منه وكان الحد الأدنى من الثمن الباهظ المطلوب من الشعب العراقي دفعه مقابل خلاصه من هذا النظام الهمجي الشرس، يحصل بعد سقوط أي نظام جائر، وما كان بالإمكان تفاديه في جميع الأحوال. أما الذين يتصورون العكس وأنه كان بالإمكان تجنب هذه الكوارث لو خطط بشكل أفضل كما يتصورون، فهذه الخطط كثيرة في التنظيرات ومخيلات الطوباويين الحالمين الذين أضاعوا حياتهم في طلب المحال. ولهذه الأسباب، أرى أن التدخل الأمريكي كان في صالح الشعب العراقي. ورغم كل الإعلام المعادي للعراق وما يتعرض له من إرهاب البعثيين، فلا بد للعملية السياسية أن ينتصر.

ما العمل في سوريا؟

وبالعودة إلى الأزمة السورية، أرى أن أوباما في ورطة، فالعالم، وحتى أقرب حلفاء أمريكا ليسوا مستعدين للتورط في حرب أخرى في منطقة الشرق الأوسط السريعة الاشتعال. وظهر ذلك جلياً من عزلة أوباما في مؤتمر مجموعة العشرين (G20) في سينت بيترزبورغ/ روسيا. وعلى الأغلب يتمنى أوباما لو يخرج من هذا المأزق بشكل وآخر مع حفظ ماء الوجه، إما برفض الكونغرس الأمريكي للضربة على غرار ما قام به البرلمان البريطاني الذي أنقذ ديفيد كاميرون من الاحراج، أو رفض مجلس الأمن الدولي للضربة، وفي جميع الأحوال أمام أوباما السناريوهات التالية:
السيناريو الأول، وهو المخطط الآن، ضربة سريعة تضعف حكومة بشار الأسد ، بتدمير جميع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمؤسسات الاقتصادية والخدمية، تتيح الفرصة للجيش السوري الحر والقاعدة (جبهة النصرة) إسقاط الحكومة، وما يترتب على ذلك من كوارث بشرية ومادية تشمل المنطقة بكاملها. وهذا السيناريو سيحول سوريا إلى أسوأ من الصومال، وربما ستعيد السيناريو الأفغاني بعد إسقاط الحكم الشيوعي فيه (1)، وتبدأ حروب إبادة الجنس (الجينوسايد) ضد جميع الأقليات الدينية، وهذه الأقليات وخاصة العلويين ليسوا مستعدين ليُذبحوا كالخراف، فلا بد وأنهم أخذوا الحيطة والاستعدادات لمواجهة هكذا احتمال، وبذلك فإن الأغلبية السنية ليست بمنجى عن الإبادة أيضاً. وبعد أن يبيد الجيش السوري الحر جميع الأقليات، ستنشب حرب الإبادة بين جناحيه، الديني المتشدد "جبهة النصرة (القاعدة) وهي الأقوى، وبين الجناح العلماني، وقد تمتد نيرانها إلى جميع دول المنطقة وبالأخص لبنان والعراق. ولهذا نرى أن الضربة الخاطفة جريمة بحق الشعب السوري وشعوب المنطقة.

السيناريو الثاني، عدم ضرب سوريا، وحل الأزمة بالمفاوضات السياسية أي العودة إلى (مؤتمر جنيف2). ومن المناسب أن أذكر هنا ما قدمه رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي من مقترحات لحل الأزمة السورية سلمياً من تسع نقاط، كما جاء في صحيفة الشرق الأوسط (2)

السيناريو الثالث: وإذا كان لا بد من إسقاط حكم البعث في سوريا بالقوة، فمن الأفضل إسقاطه بنفس الطريقة التي تم فيها إسقاط حكم البعث الصدامي في العراق مع الاستفادة من أخطائها لتجنبها، ولكن يجب أن نضع في الحسبان أن كل تجربة لها خصوصياتها، والقيام بهكذا عمل ضخم وخطير لا بد من حصول أخطاء ومشاكل من نوع جديد، ولكن ترك الحالة بلا حل أخطر.

وكما ذكرت أعلاه، إن هذا السيناريو سيلاقي معارضة من قبل الكثيرين وبالأخص من قبل الطوباويين، كذلك لا يريد أوباما السير على خطى سلفه جورج بوش، ولكني أعتقد جازماً أن هذا الحل يوفر وجود القوات الدولية بقيادة أمريكا للسيطرة على الوحوش الضارية والنزعات الانتقامية البدوية المنفلتة لإرتكاب جرائم إبادة الجنس. ولكن على الأغلب، لا الشعب الأمريكي ولا  الرئيس أوباما في مزاجية القيام بمثل هذا العمل.
وعليه فاختيار الحل السلمي بالمفاوضات السياسية هو الأسلم والأصوب.
ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالموضوع
1 عبدالخالق حسين: هل ستعيد أمريكا السيناريو الأفغاني في سوريا؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=512

2 المالكي يطرح مبادرة من تسع نقاط لحل الأزمة السورية
http://aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=12700&article=742375&feature=#.UigwHdLBMQM

353
هل ستقضي التكنولوجية على البشرية؟

د.عبدالخالق حسين

إن وضع البشرية اليوم مع التكنولوجية المتطورة وما يتعرض له من مخاطر، يذكرنا برواية "عقدة فرانكشتاين" للأديبة الإنكليزية ماري ولستونكرافت شلي عام 1818، والاسم مشتق من اسم بطل الرواية فيكتور فرانكشتاين الذي قام بابتكار "كائن ذكي" يفوق طاقة البشر، وكان شكله رهيباً جداً، لذا تخلى عنه مخترعه فيكتور مما أدى في نهاية المطاف إلى موته في الثأر بينه وبين مخلوقه.

ربما أرادت المؤلفة شرلي أن ترمز بهذه الرواية إلى أن الإنسان في سعيه الحثيث في التقدم العلمي والتكنولوجي سيقضي على نفسه في نهاية المطاف بهذه الاختراعات. إذ كما قال سومرست موم في هذا الخصوص: "كلما ازداد الإنسان ذكاءً تفنن في تعذيب نفسه". فالعلوم، والتكنولوجيا نتاج ذكاء الإنسان المبدع، ولكن، كأي شيء في الحياة، فهما سيف ذو حدين، يمكن استخدامه للخير وللشر معاً، يعتمد على المستوى الأخلاقي لدى المالك لهذا السلاح (التكنولوجيا) الذي أصبح امتلاكه سهلاً حتى من قبل الجهلة والأشرار والساقطين أخلاقياً.
هناك حقيقتان جديرتان بالذكر، الأولى، أن التقدم الحضاري لم يكن على مستوى واحد بين الشعوب والأمم. فهناك شعوب وصلت أعلى مراحل التطور والرقي في العلوم والتكنولوجية والفنون والآداب والفلسفة...الخ، وأخرى مازالت تراوح في العصر الحجري، والبقية موزعة على نقاط الخط البياني بين هذين المستويين، الأدنى والأعلى.
الحقيقة الثانية، هي أن التقدم المادي وخاصة في العلوم الطبيعية والتكنولوجية يسير بوتيرة أسرع من التقدم والرقي في الأخلاق والقيم الإنسانية. وهذا يعني أن أخطر تكنولوجيا يمكن أن تقع في أيدي أناس إرهابيين متخلفين ومنحرفين وساقطين أخلاقياً، تحركهم أيديولوجيات شريرة وغرائز حيوانية بدائية معادية للبشرية، تستخدم تكنولوجيا الدمار والإعلام لأغراض شريرة، وهذا ما هو حاصل الآن.

وأحسن مثال في هذا الخصوص ما تقوم به القوى الظلامية الإرهابية (الفاشية دينية والبعثية)، في الاستفادة من الانترنت والفضائيات لتضليل ونشر أيديولوجية الإرهاب. وكذلك في استخدام تكنولوجيا الدمار الشامل في قتل البشر، وعلى سبيل المثال: استخدمت أمريكا القنابل النووية في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان في هيروشيما ونكازاكي، وكانت الحصيلة قتل مئات الألوف في دقائق، إضافة إلى الدمار المادي الشامل للمدينتين وما نجم عن هذا السلاح من أضرار الإشعاع النووي بقي تأثيره المدمر لعشرات السنين.
كذلك السلاح الكيمياوي الذي استخدمه صدام حسين في حربه مع إيران، وحتى ضد شعبه حيث قتل الألوف في حلبجة والأهوار.
ونسمع هذه الأيام عن استخدام السلاح الكيمياوي (غاز الأعصاب- السارين) في سوريا... وبغض النظر عن الجهة التي استخدمته فهو كارثة بشرية مدانة، وأغلب الدلائل تشير إلى إن "جبهة النصرة (القاعدة)" هي التي استخدمته في "الغوطة"، إحدى ضواحي العاصمة دمشق بشهادة مراسلة وكالة الأسوشيتد برس، التي "نقلت عن والد أحد المقاتلين قوله إن ابنه"عبد المنعم"، قُتِل مع 12 آخرين على رأسهم السعودي "أبو عائشة" الذي كان يقود كتيبة في المنطقة، جاء يسأله قبل نحو أسبوعين عن رأيه بالأسلحة التي طلب منه أن ينقلها. ووصف تلك الأسلحة بأن بعضها كان على هيئة أنابيب بينما كان بعضها الآخر يشبه اسطوانات غاز ضخمة/ مشيرا إلى أن المتمردين كانوا يستخدمون المساجد والبيوت الخاصة للنوم، بينما كانوا يخزنون السلاح في الأنفاق. وقد أعلنت "جبهة النصرة" ( بلسان زعيمها "أبو محمد الجولاني")، أنها ستلجأ إلى الأمر نفسه مع "القرى العلوية" في الساحل السوري ردا على ما حصل في الغوطة". (1).
كذلك سمعتُ مساء 2/9/2013، من إذاعة (BBC Radio 4) في مقابلة مع مسؤول في الأمم المتحدة، قال أن سوريا مقدمة على حرب إبادة الجنس وبالأخص ضد الأقليات، ونقل عن قيادي في المعارضة قوله أنهم إذا ما أسقطوا نظام الأسد فسيبيدون العلويين بالغازات السامة، مما يؤكد ما نقلته مراسلة الأسوشيتد برس.
كما ونلاحظ ما يجري في العراق منذ إسقاط حكم البعث الفاشي عام 2003 من حرب الإبادة ضد الشيعة من قبل التحالف البعثي- القاعدي الوهابي، واستخدام البهائم البشرية من الانتحاريين، وزرع الألغام في الطرق، وتفخيخ السيارات وتفجيرها عن بُعد بالريموت كونترول في الأسواق الشعبية المزدحمة لتحقيق أكبر عدد ممكن من القتلى والإصابات، وهي بالتأكيد حرب إبادة الجنس ضد الشيعة.

لنتصور لو انتصرت قوى الردة  المتمثلة في التحالف بين البعث والقاعدة في العراق، وانتصار القاعدة (جبهة النصرة) في سوريا، فماذا سيحل بهذين البلدين؟
ليس لدي أدنى شك، أنهم في العراق سيستخدمون الغازات السامة والمفخخات للقتل الجماعي في حرب إبادة الجنس ضد الشيعة في الوسط والجنوب، وكذلك إبادة الأقليات الدينية والعرقية الأخرى. وهذا ما سيحدث في سوريا أيضاً، وصولاً إلى لبنان. وبعد انتصارهم على خصومهم سينقلبون على كافة القوى العلمانية من أهل السنة الذين لا يشاركونهم في أيديولوجيتهم الفاشية. وهذا ما حصل في الجزائر، وأفغانستان، وباكستان، والصومال ومالي، والآن في مصر وغيرها، والحبل على الجرار.

في عهد الحرب الباردة وسباق التسلح، كانت ترسانات أسلحة الدمار الشامل لدى المعسكرين، الشرقي    والغربي، ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية وما عليها من بشر والزرع والضرع لعدة مرات. ونحن الآن على أبواب حرب باردة جديدة بين الصين وروسيا وحلفائهما من جهة، وبين دول حلف الناتو بقيادة أمريكا من جهة أخرى.
والخطر هنا يكمن ليس فقط في الاستخدام المتعمد لهذه الأسلحة من قبل الحكومات في حروبها الساخنة القادمة، بل والخطر الأكبر يكمن أيضاً في احتمال نشوب حرب نووية عن طريق الخطأ في أجهزة الانذارات، إذ حصل مرة إنذار مزيف قبل انهيار المعسكر الاشتراكي عن هجوم نووي روسي على أمريكا بسبب خطأ في الكومبيوتر.
كذلك ممكن أن يقع السلاح النووي بأيدي الإرهابيين، وهو وارد في حالة باكستان وبعض دول آسيا الوسطى، فيما لو نجحت هذه القوى في اغتصاب السلطة.

وهناك مشاكل تفجير محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء نتيجة الخطأ والإهمال البشري كما حصل في تشيرنوبل عام 1986، أو نتيجة كوارث طبيعية كما في حالة التسونامي في اليابان عام 2011 وما نتج من تدمير محطات الطاقة النووية في مدينة فوكو شيما وانتشار كميات هائلة من الوقود المشعة تبقى تأثيراتها المدمرة على البشر والأحياء المائية لسنوات.

والغريب في الأمر أن الدولة العظمى، أمريكا، هي الأخرى انقلبت على القوى الديمقراطية والربيع العربي باسم الشرعية المزيفة لحزب الأخوان المسلمين في مصر، فهي تحارب القاعدة وطالبان في أفغانستان، ولكنها تريد أن تحارب في سوريا إلى جانب القاعدة، وتناصر حكم الأخوان المسلمين في مصر. وكذلك فرنسا تحارب الإرهاب الإسلامي في مالي ودول أفريقية أخرى، ولكنها متحمسة في ضرب سوريا لصالح جبهة النصرة الإرهابية. وهذا الموقف يزيد من احتمال وقوع تكنولوجية الدمار الشامل في أيدي الإرهابيين، وعندها نقرأ على الحضارة البشرية السلام.
وليت التحريض على استخدام تكنولوجية القتل الجماعي توقف على الجهلة من الإرهابيين المغسولة أدمغتهم، بل المصيبة أن أستاذ جامعي كويتي يدعو الإرهابيين في محاضرة له أمام جمع من المثقفين، يدعو إلى شن حرب جرثومية (أنثراكس)على أمريكا. رابط الفيديو في الهامش(3)

خطر تكنولوجي آخر يهدد البشرية، وهو حرب السايبر (Cybernetic war) عن طريق الانترنت، لا يقل خطراً عن أي إرهاب آخر، إذ يستطيع الهاكر زرع برنامج مساعد داخل آلاف الكومبيوترات واستخدامها من دون معرفة أصحابها لمهاجمة كومبيوترات أخرى. وإذا ما عرفنا أن صارت اليوم إدارة جميع أعمال الحكومات والمصارف، ومؤسسات القطاع الخاص والعام، والمستشفيات ووشركات الطيران، والمطارات، والقطارات، والمواني، والاتصالات، والكهرباء والماء، وحتى قيادة الطائرات في الجو مبرمجة مسبقاً من بدء إقلاعها من مطار بلد ما إلى أن تحط في مطار بلد آخر.. وغيرها كثير تعتمد كلياً في تسيير أعمالها على برامج كومبيوترية... يستطيع الهاكر شل نشاط  جميع هذه المؤسسات، وإحداث الفوضى في العالم، وسرقة مليارات الدولارات من المصارف ونقلها إلكترونياً إلى حسابه أين ما كان على الأرض.
وعلى سبيل المثال، وكما جاء في برنامج قدمته إذاعة البي بي سي، أن قامت جماعة بشن هجوم على المفاعلات النووية الإيرانية وأوقفتها عن العمل لعدة أيام. إلا إن الإيرانيين استطاعوا حل المشكلة، واعتقدوا أن الهجوم كان من الاستخبارات الأمريكية، فقاموا بالرد وذلك عن طريق شن هجوم مماثل على شركة أرامكو في السعودية التي تتركز فيها المصالح الأمريكية، لكي يشعروا الأمريكان بأنهم (أي الإيرانيون) يعرفون من كان وراء الهجمات السايبرية على مفاعلاتهم، وأنهم يمتلكون الخبرة للرد بالمثل.
فحروب السايبر هي حروب مستقبلية ومعارك جديدة بين الدول، والمؤسسات والشركات دون تحريك أية قطعة عسكرية أو إطلاق رصاصة. وحتى الحروب العسكرية تبدأ اليوم بحروب السايبر وذلك باختراق أجهزة كومبيوترات العدو وشلها منظوماتها وتعطيلها عن العمل وإحداث الفوضى والبلبلة في قوات العدو وشل إمكانياته.
فتصور لو وقعت هذه الخبرات في أيدي الإرهابيين من جماعة القاعدة أو فلول البعث، وهو ممكن، فماذا سيفعلون بالبشر؟

لا شك، إن الشعوب العربية هي أكثر الشعوب تعرضاً لخطر التكنولوجية لأسباب كثيرة، منها لأن هذه الشعوب صارت منبعاً للإرهاب وأكثر من غيرها تعرضاً له، إضافة إلى الجهل المتفشي فيما بينها، وما يمتلك أعداؤها من خبرات هائلة في تكنولوجية الدمار، وسهولة تحريك الفئات العربية ضد بعضها البعض  إذ كما طالبت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية: "دعوا العرب يقضون على أنفسهم بهدوء".
والجدير بالذكر، أنه رغم أن الإرهابيين يشكلون الأقلية، ولكن بسبب امتلاكهم لتكنولوجية التفجيرات والقتل الجماعي، ونزعتهم العدمية والعدوانية الشرسة، واحتقارهم للحياة، واستعدادهم لتدمير الذات على غرار "عليَّ وعلى أعدائي يا رب .. وليكن من بعدي الطوفان"، نرى تأثيرهم في القتل والتدمير يفوق حجمهم الحقيقي بآلاف المرات. وهذا ما يضع الحضارة البشرية على كف عفريت.

abdulkhaliq.hussein@gmail.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مراسلة"أسوشييتد برس" في عمان: السلاح الكيميائي الذي استخدم في "الغوطة" أرسلته السعودية للمتمردين
http://www.syriatruth.org/news/tabid/93/Article/10444/Default.aspx

2- جورج غالاوي في تحليل دقيق لحادثة الكيماوي بسوريا في مجلس العموم البريطاني
http://www.youtube.com/watch?v=aIwhLihx2f4&feature=share&desktop_uri=%2Fwatch%3Fv%3DaIwhLihx2f4%26feature%3Dshare&nomobile=1

3- الدكتور عبدالله النفيسي يدعو إلى ضرب أمريكا بالأنثراكس
http://www.youtube.com/watch?v=M32M-2B2mz8

4- "يديعوت أحرونوت": دعوا العرب يقضون على أنفسهم بهدوء
http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleno=156314

5- حروب «السايبر». ساحة المعارك الجديدة بين الدول
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=528342&eid=1103




354
حرب الناتو على سوريا بالنيابة عن إسرائيل والسعودية

د.عبدالخالق حسين

منذ مدة ودول حلف الناتو بقيادة أمريكا، تبحث عن مبررات "مشروعة" لشن الحرب على سوريا لإسقاط حكومة بشار الأسد على غرار ما عملوا في أفغانستان والعراق وليبيا، ولكن هذه المرة ستكون حرباً خاطفة ومدمرة ودون احتلال الأرض. فالحرب المخطط لها حسب ما نشرت عنها صحيفة الاندبندنت اللندنية: "تكون حرباً سريعة ومدمرة لن تدوم أكثر من ثلاثة أيام".

كما وتفيد الأنباء أن الهجوم سيستند إلى تحالف أميركي وبريطاني وفرنسي، مع دعم خارجي من تركيا ودول عربية أخرى، يتم فيه تدمير جميع المطارات والثكنات والمؤسسات العسكرية والاقتصادية، والموانئ، حرباً مشابهة لحرب الأيام الست في 5 حزيران/يونيو 1967، أو بالأحرى "حرب الساعات الست"، التي شنتها إسرائيل على مصر وتم فيها تدمير جميع القوات الجوية المصرية خلال الساعات الست الأولى من الحرب. ولكن هذه المرة ستقوم قوات حلف الناتو بقيادة أمريكا بالحرب على سوريا بدلاً من إسرائيل وذلك لكسب الأنظمة العربية إلى جانب الحرب وعدم استفزازها بالتدخل الإسرائيلي.

لقد بدؤوا المعارضة قبل أكثر من عام بتحذير الحكومة السورية من استخدام الغازات السامة ضد قوات المعارضة عندما أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن استخدام الكيمياوي خط أحمر لا يمكن تجاوزه. وبذلك التحذير كانوا يهيئون الرأي العام العالمي لتوظيف هذه التهمة لاحقاً. وكان الغرض من ذلك إيجاد مبررات لقيام حلف الناتو بالتدخل المباشر بما يجري في سوريا ولصالح المعارضة. وقبل أشهر أدعوا أن القوات الحكومية استخدمت غاز السارين، ولكن المدعية العامة السابقة في المحكمة الجنائية الدولية قالت أن مقاتلي المعارضة هم الذين استخدموا غاز السارين (1).

وبعد أن حققت القوات الحكومية انتصارات كبيرة على قوات المعارضة وبات انتصار الأخيرة ميئوساً منه، خرجوا بتهمة السلاح الكيمياوي، فأدَّعوا في 21 آب الجاري، أن القوات الحكومية استخدمت الغازات السامة في منطقة الغوطة الريفية في ضواحي دمشق، وأن هناك أكثر من ألف قتيل وثلاثة آلاف إصابة، ولكنهم لم يقدموا أي دليل مقنع لإثبات هذه التهمة لحد كتابة هذه السطور. فأية حكومة تقبل باستخدام السلاح الكيمياوي في ضواحي عاصمتها؟
كما وطالب الأمين العام للأمم المتحدة منح خبراء المنظمة الدولية أربعة أيام أخرى قبل إصدار أي قرار ضد سوريا للتأكد من استخدام هذا السلاح ومن الذي استخدمه. والجدير بالذكر أن ناطقاً باسم الحكومة الروسية قال: "إن مسلحي المعارضة هم المسؤولون عن الهجوم الكيماوي المفترض". وهناك من يقول أن النظام السعودي متورط في هذه الجريمة. كما وقال روبرت فيسك في الاندبندنت والمقيم في بيروت: "أن ثلاثة أعضاء من حزب الله اللبناني الذين كانوا يقاتلون إلى جانب النظام السوري أصيبوا بهذه الغازات السامة وهم يعالَجون الآن في مستشفى في بيروت. فكيف تستخدم الحكومة غازات سامة ضد قواتها وحلفائها وفي ضواحي عاصمتها؟" (2).
وقد مهدت حكومة واشنطن لتبرير عدم وجود الأدلة بالقول أن وصول خبراء الأمم المتحدة جاء متأخراً.

ومن كل ما تقدم نستنتج أن اتهام حكومة بشار الأسد باستخدام الكيمياوي هو لإيجاد ذريعة لشن الحرب على سوريا ولأسباب إنسانية!! بينما الغرض من هذه الحرب هو تدمير الجيش السوري كما دمروا جيوشاً عربية أخرى من قبل، لضمان أمن وسلامة إسرائيل، وجعل إسرائيل القوة العظمى الوحيدة في المنطقة.

وبتدمير الجيش السوري والمؤسسات الحكومية، سيمهدون الطريق لما يسمى بـ"الجيش السوري الحر" لإسقاط حكومة بشار الأسد، بنفس الطريقة التي مهدوا بها لإسقاط نظام القذافي وذلك بعدم إرسال جيش مشاة يحتل البلاد مباشرة كما حصل في أفغانستان والعراق. والجدير بالذكر إن وزيرة الخارجية الايطالية ايما بونينو صرحت أمام البرلمان أن "ايطاليا لن تشارك في اي حل عسكري دون تفويض من مجلس الامن الدولي". واعتبرت ان "حتى خيار التدخل المحدود قد يتحول الى تدخل غير محدود زمنيا" وقالت "ليس هناك حل عسكري للنزاع السوري، ان الحل الوحيد هو حل سياسي تفاوضي."(3)
 
قد يرى البعض أن في هذا المقال تحولاً في موقفي من أمريكا، إذ كنت من المؤيدين للدور الأمريكي في إسقاط حكم الطالبان في أفغانستان، وحكم البعث الصدامي في العراق، فلماذا أعارض اليوم أمريكا في قيامها بضرب سوريا تمهيداً لإسقاط حكم بشار الأسد وهو بعثي أيضاً؟
إن سبب هذه النظرة من قبل البعض هو أنهم لا يرون الأشياء إلا بالأسود والأبيض فقط. فطالما أيدتُ أمريكا في حربها على العراق وأفغانستان فعليَّ أن أؤيدها في حربها على سوريا أيضاً، وفي كل ما تفعله أمريكا...بغض النظر عن الصح والخطأ. ولتوضيح موقفي هذا أقول:
إني لست متعاطفاً مع نظام بشار الأسد، أو حليفه النظام الإيراني، إذ كما ذكرت سابقاً في عدة مقالات أن الوضع في الشرق الأوسط، لن يستقر إلا بعد تغيير الأنظمة الشمولية في سوريا وإيران والسعودية. وعن الأخيرة ذكرت في مقال بعنوان: (السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد).(4)

ولكن ما تخطط له أمريكا في سوريا، في رأينا، هو خطأ لا يمكن السكوت عنه تترتب عليه كوارث وخيمة ليس على الشعب السوري فحسب، بل وعلى جميع شعوب المنطقة. فالجهة الأقوى التي تقود المعارضة المسلحة في سوريا هي (جبهة النصرة) التي اعلنت قبل أشهر انضمامها إلى القاعدة، وبايعت أيمن الظواهري، خليفة بن لادن، كزعيم لها. لذلك فالبديل عن حكم بشار هو حكم القاعدة كما حصل في أفغانستان بعد سقوط النظام الشيوعي. كذلك قال زعيم حزب الأحرار البريطاني السابق، بادي أشداون: "أن الحرب في سوريا هي ليست من أجل الديمقراطية بل هي حرب طائفية". كما وكتب روبرت فيسك يوم أمس (27 آب الجاري) في الإندبندنت مقالاً بعنوان: هل يعلم أوباما أنه يحارب إلى جانب القاعدة؟"(2). لذا نرفض حرب الناتو على سوريا لأن البديل عن حكم الأسد هو حكم القاعدة الوهابية.

ونؤكد مرة أخرى، إننا مع أمريكا طالما تطابقت مواقفها ومصالحها مع مصالح شعوبنا، لذا نشكرها على دعمها لشعبنا العراقي في إسقاط حكم البعث الفاشي لأن لم يكن هناك حل آخر، ولم يكن البديل عن صدام حكم طالبان أو القاعدة، بل النظام الديمقراطي الذي هو الآن في حالة حرب مع القاعدة وفلول البعث أعداء الديمقراطية. ولكن من حقنا أن ننتقد أمريكا وغيرها، إذا ما اتخذت قراراً أو قامت بإجراء خاطئ ضد مصالح شعوبنا، لأن الحرب على سوريا ستؤدي إلى انتشار الحرب إلى دول أخرى في المنطقة وبالتالي إلى تدمير المنطقة بكاملها، وهي في صالح القاعدة التي تحاربها أمريكا في أفغانستان وكل أنحاء العالم وتساعدها في سوريا وتدعم الأخوان المسلمين في مصر، وهو موقف غريب.

كما ويعرف الجميع موقف السعودية الوهابية من انتفاضة الشعب العراقي في آذار (شعبان) 1991، والتي كادت أن تطيح بحكم صدام الفاشي، إلا إن النظام السعودي، وبدوافع طائفية بغيضة، أقنع الرئيس الأمريكي بوش الأب بالتخلي عن دعم الانتفاضة والسماح لصدام حسين بضربها. بينما يقف النظام السعودي اليوم ومشايخ الوهابية أصحاب الفتاوى التكفيرية مع "الثورة" السورية التي تقودها "جبهة النصرة" وهم وحوش يأكلون أعضاء بشرية علناً وأمام وسائل الإعلام بلا خجل أو حياء. وهذا يعني أن البديل عن نظام الأسد هو حكم القاعدة، تماماً كما حصل في أفغانستان بعد أن ساعدت الدول الغربية بقيادة أمريكا إسقاط الحكم الشيوعي بدعم منظمات المجاهدين ومن بينها تنظيم القاعدة بقيادة بن لادن، والذي مهد لمجيء حكم الطالبان، وكانت نتائجها كارثة 11 سبتمبر 2001.

يبدو أن أمريكا لم تستخلص أي درس من أخطائها في أفغانستان، فها هي تعمل على إعادة ذات الأخطاء في سوريا. وربما يفكر هؤلاء بمقولة: "اضرب رأس الأفعى بيد العدو"، فيستخدمون "جبهة النصرة" لإسقاط حكم بشار الأسد، ليقوموا فيما بعد بحرب أخرى لإسقاط حكومة جبهة النصرة، أي تكرار ما جرى في أفغانستان مع طالبان. هذه اللعبة خطيرة جداً، ومكلفة جداً، ولها نتائج مدمرة جداً على شعوب المنطقة وعلى الحركة الديمقراطية الناشئة. فهي حرب تشنها أمريكا بالنيابة عن المعارضة السورية وإسرائيل، والسعودية، تستفيد منها القاعدة وتنظيمات الأخوان المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالموضوع 
1- المدعية العامة السابقة في المحكمة الجنائية الدولية تقول ان مقاتلي المعارضة في سوريا استخدموا غاز السارين
http://www.akhbaar.org/home/2013/5/146694.html

2- Robert Fisk: Does Obama know he's fighting on al-Qa'ida's side?
http://www.independent.co.uk/voices/comment/does-obama-know-hes-fighting-on-alqaidas-side-8786680.html

3 روما ترفض اي تدخل عسكري في سوريا بدون تفويض من الامم المتحدة
http://alakhbaar.org/home/2013/8/153097.html

4 عبدالخالق حسين:  السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد
   http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=440

5 عبدالخالق حسين: هل تعيد أمريكا السيناريو الأفغاني في سوريا؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=512


6  سوريا: انتصار الخراب/صور مروعة عن الخراب في سوريا.
http://www.informationclearinghouse.info/article34758.htm


355
العراقي المغترب وحلم العودة.. هل ثمة ما يغري؟*

مقابلة من إعداد ابتسام يوسف الطاهر

* ظروف التغرب.. من الدراسة الى الإقامة
- الدكتور عبدالخالق حسين أمدني مشكورا، بأجوبته ووجهات نظره القيمة والصريحة في هذا الأمر، والتي تعبر عن حالة صادقة ومؤلمة بنفس الوقت. كما هو الحال بالنسبة للكثير من العراقيين الذين تغربوا في تلك المرحلة الظلامية. لعل البعض ممن يحن للماضي الاكثر ظلاما يفتح ضميره وعينيه ويفكر في عراق اليوم، ويقف بوجه كل من يعمل لجعل الحياة هناك أكثر حلكة وألما، وعن تجربة الدكتور في الغربة وظروف التغرب، قال:

جزيل الشكر على استفتائكم لرأيي عن تجربتي مع الغربة.
بدأت حياتي لأول مرة مع الغربة عندما غادرت العراق متوجهاً إلى بريطانيا يوم 5/1/1979 بغرض إكمال تدريبي في الجراحة ونيل شهادة الزمالة (FRCS) من إحدى الكليات الملكية البريطانية للجراحين وعلى نفقتي الخاصة. وقبل المغادرة كنت أعاني من مضايقات من حزب البعث الحاكم، إذ كنت منتمياً إلى اليسار ورفضت محاولات التبعيث. كما وظهر لي فيما بعد أن الحزب اليساري هذا كان ملغوماً بالبعثيين ويعرفون كل شيء عن أعضائه. ولم يدر بخلدي أني سأقضي ما تبقى من عمري في الغربة.

أتذكر في الليلة التي سبقت يوم سفري مع عائلتي، زارني مدير المستشفى في البيت ليودعني، وكان بعثياً رغماً عنه، ولكنه كان نظيفاً ونبيلاً لأنه كان من عائلة يسارية دفعت الكثير. فودعني بحرارة ونصحني بعدم العودة. ولا يمكن أن أنسى كلماته التي مازالت ترن في أذني حين قال: "روح إطلع وتصحبك السلامة، وأنصحك أن لا تعود إلى العراق حتى ولو اضطررت أن تعمل كصانع مطعم. وإذا رفضتْ بريطانيا منحك حق الإقامة فارحل إلى إسرائيل ولا تعد إلى العراق، لأن إسرائيل أشرف من حكم البعث بكثير... فإنهم (أي البعثيون)، يخططون لحرق العراق وإذلال شعبه وتدميره عن آخره". وحكى لي نماذج فظيعة تعرض لها عدد من أقاربه ومعارفه على أيدي البعثيين. فشكرته على ثقته الغالية بي ونصائحه الأخوية الصادقة.

وفي بريطانيا بعد عبوري امتحان تعادل الشهادات واللغة، عملت في الجراحة. ثم نلت شهادة التخصص (FRCS) بعد عام، ولم استطع العودة لأسباب معروفة منها ما حصل في العراق من طغيان البعث الصدامي، وظروف الحرب العراقية- الإيرانية. وكنا ننتظر الفرج لكي نعود ولكن كان الوضع في العراق يتدهور مع الزمن أكثر فأكثر، إلى حد أن بدأت موجات هجرة العراقيين تتدفق إلى الخارج بأعداد غفيرة غير مسبوقة وخاصة بعد غزو الكويت. لذلك كانت فكرة العودة غير حكيمة أو مستحيلة، لذا بقيت في بريطانيا التي عملت في مستشفياتها معززاً ومكرماً حتى التقاعد.

ظروفي في الغربة مريحة من جميع النواحي: العائلية، والسكن، والراتب التقاعدي، والمنطقة التي أسكن فيها، والعلاقات الاجتماعية...الخ. ينقل عن الإمام علي (ع) قوله: "الغني فى الغربة وطن .. والفقر فى الوطن غربة". ورغم أني لم أعاني من الفقر المادي في العراق قبل الهجرة، إلا إني كنت أشعر بالغربة والاغتراب لأن المواطنة في عهد البعث كانت على درجات مختلفة ومتفاوتة حسب الانتماء الحزبي والمذهبي والقبلي، والقرب أو البعد من المكونات الحاكمة.

* هل تفكر بالعودة؟ هل جربتها؟
- كلا لا أفكر بالعودة، ولم أجربها ولا أريد أن أجربها أو بالأحرى لا يمكن أن أجربها!!. فعراقيو الخارج لا يحتاجون إلى إثبات وطنيتهم وانتمائهم للعراق بالعيش فيه، لأن العراق يعيش فيهم ورغم بعدهم عنه بآلاف الأميال ولعشرات السنين. لا أعود لأسباب عديدة، منها أني غادرت العراق قبل 35 سنة، ونشأ أبنائي ودرسوا وبلغوا سن الرشد في بريطانيا، ويعملون فيها مرتاحين. وأنا بلغت عمراً غير قابل للتوظيف، ولا أملك في العراق أي سكن أو حتى قطعة أرض لبناء سكن، ولا أي مورد للعيش، ولا راتب تقاعدي رغم أني عملت في العراق نحو عشر سنوات، ودفعت جميع تكاليف دراستي، بما فيها كفالة العودة عند السفر ومقدارها ألفين دينار عندما كان الدينار يعادل 3.5 دولار.
لم أجرب العودة عدا أني قمت بزيارة قصيرة إلى بغداد لخمسة أيام فقط في نهاية عام 2009، بدعوة من وزارة الدولة لشؤون المصالحة الوطنية للمشاركة في ملتقى فكري.

* هل تفكر بالاستقرار في العراق؟ ولماذا لا يحصل ذلك الآن؟ وما هي الظروف التي تشجع العراقي على العودة لخدمة الوطن!؟
- كما ذكرت آنفاً، لا أفكر بالعودة إلى العراق لكي أستقر فيه، فأنا مستقر في بريطانيا، خاصة وإن جميع وسائل معيشتي متوفرة لي هنا في الغربة. والجدير بالذكر أن سبب هجرة الناس الآن من دول العالم الثالث إلى دول العالم الأول هو ليس الاضطهاد السياسي فقط، بل هناك أسباب كثيرة أخرى، منها الأمن والاستقرار، وسيادة حكم القانون، والديمقراطية، واحترام حرية الفرد وكرامته...الخ. بينما هذه المتطلبات الحضارية مفقودة في معظم بلدان العالم الثالث ومنها العراق. والخراب المادي والبشري الذي ورثه النظام العراقي الجديد من حكم البعث لا يمكن علاجه والتخلص منه بجيل أو جيلين. لذلك، لا أبالغ إذا قلت أن أمنية معظم سكان العالم الثالث، ومنه العراق، هي الهجرة إلى الغرب، خاصة إذا كان من أصحاب الكفاءات.

الأسباب التي تمنع العراقيين من العودة كثيرة، منها لأننا نعيش في مرحلة العولمة وما بعد الحداثة، حيث كل إنسان مهتم بشأنه الخاص قبل أي شيء آخر. فأنا طبيب جراح متقاعد مقييم في بريطانيا نحو 35 سنة، معززاً ومكرماً، ولا أملك في العراق أي شيء، ليست لي أية طموحات في المناصب أو الوظائف، خاصة وإن فلول البعث لم يكتفوا بإثارة الفتن والأحقاد والتمييز بين أبناء الشعب الواحد على أسس طائفية وعرقية فحسب، بل راحوا يؤلبون عراقيي الداخل ضد ضد عراقيي الخارج ويثيرون العداء ضدهم، وينظرون إليهم نظرة الريبة والشك والاتهامات، فلماذا أجازف بالعودة إلى العراق؟ فالبعث ترك العراق خرابة حقيقية، وشعبه مصاب بألف علة وعلة.
لذلك، لا أعتقد أن أي عراقي مستقر في الغرب سيعود إلى العراق. وحتى كردستان التي يعتبرونها مستقرة وصارت هونكونك العراق، مازال هناك مواطنون أكراد يهاجرون منها إلى الدول الغربية بحثاً عن حياة أفضل لهم ولأبنائهم. وحتى حكومة الإقليم طالبت الحكومات الغربية بعدم إجبار الأكراد المهاجرين على العودة.
ومن كل ما تقدم نعرف أن سبب عدم العودة إلى العراق هو ليس الاضطهاد السياسي، بل مجمل الأوضاع المحلية والدولية، وبعيداً عن المزايدات في الوطنية أقول: الذين استقروا في الدول الغربية وكسبوا جنسياتها لن يعودوا إلى العراق وحتى لو استقر الوضع فيه وتخلص من الارهاب والصراعات الطائفية المقيتة.
ومن الجانب الآخر، أرى فائدة كبيرة للعراق أن تكون له جاليات واسعة في الدول الغربية المتقدمة وخاصة من أصحاب الكفاءات. فهذه الجاليات تشكل جسراً يربط الدول الغربية المتطورة بالعراق الذي يحتاج إلى إعادة بناء وتعافيه من الإرث البعثي المدمر.
وشكراً.
عبدالخالق حسين
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت هذه المقابلة، مع شخصيات عراقية أخرى في الغربة، في صحيفة (الصباح الجديد) البغدادية يوم 24/8/2013، من إعداد الإعلامية ابتسام يوسف الطاهر. للإطلاع على المقابلة كاملة يرجى فتح الرابط التالي:
العراقي المغترب وحلم العودة.. هل ثمة ما يغري؟
http://www.newsabah.com/ar/2649/10/102080/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%AA%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%AD%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D9%87%D9%84-%D8%AB%D9%85%D8%A9-%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D8%BA%D8%B1%D9%8A%D8%9F.htm?tpl=13



356
في مواجهة الدعايات المضلِّلة(2)

د. عبدالخالق حسين

مرة أخرى أعود إلى موضوع التضليل الإعلامي وخطره على الشعب، وخاصة في مرحلة التحولات السياسية والاجتماعية العاصفة التي يمر بها العراق الآن. إذ تعرضتُ لهذا الموضوع بعدة مقالات وبمختلف العناوين، ولكني رأيت اخيراً التمسك بعنوان واحد، واعتبار هذه المقالة هي الثانية في سلسلة مقالات لاحقة في المستقبل كلما اقتضى الأمر في مواجهة التضليل. فالكل يعرف أنه ليس هناك أشطر من البعثيين في فن صناعة الإشاعات وترويج الأخبار الكاذبة بغية تسقيط خصومهم السياسيين والفكريين، ولن يتورعوا في سبيل ذلك عن استخدام أخس الوسائل الدنيئة لتحقيق أغراضهم الشريرة. فالبعثيون وبعد كل ما جلبوه على الشعب العراقي من كوارث، بشرياً واقتصادياً وبيئياً، يعرفون أنهم مفلسون فكرياً وسياسياً وأخلاقياً، وأنهم منبوذون من الشعب، ولا يملكون أي شيء يكسبون به العراقيين، لذلك يلجؤون إلى الكذب وتضخيم السلبيات واختلاق المزيد منها لتشويه صورة العراق الجديد وسمعة خصومهم.

ذكرت مراراً على سبيل المثال، حملة الإشاعات التي شنها البعثيون في الماضي على خصومهم وذكرت حملتهم على طاهر يحيى كمثال في الستينات لتشويه سمعته حيث اسبغوا عليه أسوأ الألقاب الدنيئة مثل حرامي بغداد، وأبو فرهود...الخ، وقد أثبت الباحث الأكاديمي حنا بطاطو في كتابه القيم (تاريخ العراق)، أن كل تلك الدعايات كانت كاذبة. وعن طريق الكذب أسقطوا أشرف وأنزه حكومة وطنية تتمتع بأوسع شعبية، ألا وهي حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم. فبعد استيلائهم على الإذاعة في صبيحة رمضانية وعطلة الجمعة، يوم 8 شباط 1963، أذاعوا أن عبدالكريم قاسم قد قتل، وراحوا يذيعون برقيات تأييد مزيفة أدعوا أنها من قادة الفرق وأمراء الألوية العسكرية، يعلنون فيها تأيدهم "للثورة"، وإسقاط "الطاغية الأرعن"، وكانت كذب في كذب.

فالبعثيون تفننوا في صناعة الإشاعات وبثها، متخفين وراء أسماء مستعارة، ليعزفوا على كل وتر حساس حسب المكونة التي يخاطبونها. فإذا أرادوا مخاطبة العرب السنة، استخدموا اللغة الطائفية ضد الشيعة مثل: "الشيعة الصفوية، عملاء الفرس المجوس.. تهميش السنة أصحاب الحق التاريخي في حكم العراق.. الخ". وإذا ما أرادوا مخاطبة الشيعة للحط من قياداتهم السياسية، تخفوا وراء أسماء شيعية مثل كاظم وعبد الحسين، وألقاب عشائر شيعية مثل الأسدي والركابي، ولكن أكثر الألقاب استخداماً هذه الأيام هو لقب (المالكي)، ليوحي للقراء أن الكاتب شيعي وحتى من عشيرة نوري المالكي، ولكنه يريد قول الحقيقة حتى ولو كانت ضد ابن عشيرته!! كما ويستخدمون عبارات مثل (الحسين المظلوم)، ونحن شيعة الحسين!! ويحلفون برأس الحسين!!... ويذرفون دموع التماسيح على الشيعة كقولهم: "ماذا قدمت القيادات الشيعية للشيعة الفقراء المساكين غير الفقر والقتل ... هذه الحكومة، حرامية، لصوص... إلى آخر المعزوفة... طبعاً لا حباً بالحسين أو الشيعة ولكن للعزف على وتر حساس يحقق لهم ما يريدون. 

وحتى الزعيم عبدالكريم قاسم الذي قتلوه شر قتلة ولم يتركوا له حتى قبراً يضم جسده الممزق برصاص الغدر، حاولوا سرقته منا واستخدامه كسلاح لمحاربة القيادات الشيعية. ففي أخر عينة من هذا التضليل، وصلتني رسالة من أستاذ أكاديمي محترم حريص كل الحرص على مصلحة العراق وشعبه، مع مقال بعنوان: (سخط شعبي كبير على المالكي لتوزيعه منتزه ألف ليلة و ليلة على حاشيته). يبدأ المقال بعبارة: "بادئ ذي بدء .. قام الزعيم الوطني خالد الذكر المغفور له بأذن الله تعالى، عبد الكريم قاسم، ببناء منتزه ألف ليلة وليلة على طريق قناة الجيش وبالتحديد في منطقة البلديات وملاصق لمستشفى الحبل الشوكي الوحيدة في العراق. ويعتبر هذا المنتزه المتنفس الوحيد لأهالي شرق بغداد وملاذهم الآمن من حرارة الصيف الكارثية في ضل انقطاع شبه تام للكهرباء حيث وصل اليوم إلى 20 ساعة." ويدعي الكاتب أن الخبر نشرته وكالات أنباء (صحيفة اخبار جهينة/ وكالات) وهي أسماء وهمية، أو مجرد مواقع بعثية على الإنترنت.
طالبني الصديق الذي أرسل لي "المقال" أن أكتب إلى السيد نوري المالكي أنصحه بالكف عن تبديد ممتلكات الشعب.
وبدوري رحت أبحث عن الخبر فيwww.google.com  عسى أن أعثر على التقرير في وكالة معروفة ذات مصداقية للتأكد من صحة الخبر فلم أفلح.

تقرير آخر مؤرخ في 30 تموز/ يوليو 2013، أدعى كاتبه أنه (بيان صحفي صادر عن استرون استيفنسون، رئيس هيئة العلاقات مع العراق في البرلمان الاوربي)، بعثه لي صديق آخر معروف بإخلاصه للعراق والديمقراطية، ومن ألد أعداء البعثيين، يسألني رأيي إن كان هذا التقرير حقيقة أم زيف؟ فبعد قراءتي له وجدته مشحوناً بلغة شتائمية وتلفيق مثل قوله "فحالياً خرج مواطنو المحافظات الشيعية في جنوب العراق إلى الشوارع بالملايين احتجاجا على نوري المالكي وحكومته. إن الاجواء في محافظات البصرة وذي قار وميسان وكربلاء  والمثنى متفجّرة ...إلى آخره". فهذه اللغة فيها انحياز واضح ضد حكومة المالكي لا يمكن لأي مسؤول غربي يحترم سمعته استخدامها في مثل هذه الحالات، ناهيك عن كونه رئيس هيئة العلاقات في البرلمان الاوربي. ولذلك كتبت للصديق بأن هذا التقرير ملفق لأنه يحمل نفس بعثي واضح. فأيدني بحرارة.
وهكذا يلجأ هؤلاء إلى انتحال حتى أسماء مسؤولين غربيين، مراهنين على أن القارئ سوف لا يتكلف عناء البحث للتأكد من مصداقية الخبر. 

ونظراً لعدم انضمامي إلى جوقة الطبالين في حملة الاشاعات ضد حكومة المالكي، حرصاً مني على العملية السياسية، والحذر من خطر عودة الفاشية، وشعوري بالمسؤولية لحماية الرأي العام من التضليل، اعتقد البعض أني أدافع عن المالكي، وأني مقرب منه، فيطالبونني بالكتابة إليه وأنصحه بكذا وكذا... والحقيقة ليست كذلك. إذ أرى أن مهمة المثقف هي قول الحقيقة وعدم السقوط في الفخ البعثي، وركوب الموجة والسير مع القطيع.

فلتر سقراط الثلاثي
قبل فترة وصلتني حكاية طريفة عن الحكيم اليوناني سقراط (399-469 ق.م) بعنوان "فلتر سقراط الثلاثي" تفيد الحكاية كالتالي:
"في أحد الأيام صادف الفيلسوف أحد معارفه الذي جرى له وقال له بتلهف: "سقراط ، أتعلم ما سمعت عن أحد طلابك؟"   
رد عليه سقراط: " انتظر لحظة قبل أن تخبرني أود منك أن تجتاز امتحان صغير يدعى امتحان الفلتر الثلاثي"   
"الفلتر الثلاثي؟"
تابع سقراط: "هذا صحيح قبل أن تخبرني عن طالبي لنأخذ لحظة لنفلتر ما كنت ستقوله. الفلتر الأول هو الصدق، هل أنت متأكد أن ما ستخبرني به صحيح؟"
رد الرجل: "لا، في الواقع لقد سمعت الخبر".
قال سقراط: " حسنا، إذا أنت لست أكيد أن ما ستخبرني صحيح أو خطأ. لنجرب الفلتر الثاني، فلتر الطيبة، هل ما ستخبرني به عن طالبي شيء طيب؟"
"لا،على العكس"
تابع سقراط : "حسنا إذاً ستخبرني شيء سيء عن طالبي على الرغم من أنك غير متأكد من أنه صحيح؟"
بدأ الرجل بالشعور بالإحراج .
تابع سقراط: "ما زال بإمكانك أن تنجح بالامتحان، فهناك فلتر ثالث، فلتر الفائدة، هل ما ستخبرني به عن طالبي سيفيدني؟"
"في الواقع لا"
 تابع سقراط: " إذاً، إذا كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح ولا بطيب ولا ذي فائدة أو قيمة، فلماذا تخبرني به من الأصل؟" فسكت الرجل وشعر بالهزيمة والإهانة. لهذا السبب كان سقراط فيلسوفا يقدره الناس ويضعونه في مكانة عالية.))
انتهى
قد تكون الحكاية خيالية، ولكنها لا تخلو من مغزى وحكمة. وبطيعة الحال ليس ممكناً أن يتحول كل منا إلى سقراط ليدخل كل ما يتلقى من أخبار وإشاعات في فلتره الثلاثي ليميز بين الحقيقة والزيف. ولكن أرى من واجبنا أن نبذل قصارى جهدنا لتفحص ما نتلقاه فيما إذا كان معقولاً أم لا. إذ كما تفيد الحكمة: "حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل".

يعتمد البعثيون في بث الاشاعات على ساكولوجية شريحة واسعة من المجتمع العراقي، سريعي التصديق بكل ما يصلهم من أخبار، ومهما كانت غير معقولة، يطلق عليهم باللغة الانكليزية (gullible). ولكن الأخطر أنهم تفننوا في إخراج الإشاعة إلى حد أنهم نجحوا في تمريرها أحياناً حتى على المثقفين والأكاديميين دون أن استثني نفسي، إذ تعرضت أكثر من مرة إلى مثل هذه الخديعة فعممت مادة استلمتها من شخص أثق به في حسن اختياراته، اعتقدت بصحتها، تبين فيما بعد أنها كذب... ولكني أحاول أن لا أكرر الخطأ قدر الإمكان.
 
على أي حال، نعود إلى الخبر حول توزيع المالكي لمنتزه ألف ليلة وليلة على حاشيته، وأي تقرير آخر من هذا النوع. فلو عرضناه على (فلتر سقراط الثلاثي) لما عبر الامتحان. أولاً، رفض الكاتب حتى الكشف عن اسمه حتى ولو اسم مستعار. فكل ما نعرف عنه أنه صدر في (صحيفة اخبار جهينة/ وكالات) وهي أسماء لجهات وهمية على الأغلب. ثانياً، لو كان الخبر صحيحاً لما سكتت عنه الصحافة ووكالات أنباء محترمة، وخاصة تلك المعارضة للمالكي.
والبعثيون يعملون على عدة جبهات، منها ابث الإشاعات، وحتى لهم وجود وامتداد في الحكومة، يعملون علة شلها وعلى سبيل المثال لا الحصر إقرأ هذا التقرير:
وثائق: برلمانيون طالبوا الاتحاد الأوربي بعدم توقيع اتفاق تعاون مع العراق كي لا يعد دعما للمالكي
  http://www.akhbaar.org/home/2013/2/142129.html

* أنا لا أدعي أن الحكومة معصومة من الأخطاء معاذ الله، فهي مؤلفة من أكثر من 40 كيان سياسي، أغلبها في صراعات فيما بينها (وكل فئة لعنت أختها)، ولكني أعتقد أنه في النظام الديمقراطي يجب على المثقفين معالجة الأخطاء بالنقد البناء لتحسين أداء المسؤولين، وليس بالهدم والتشهير والتلفيق والتخوين. فالتلفيق اعتراف ضمني من الملفقين أن ليس لديهم ما يحاسبوا الحكومة عليه فيلجئون إلى الافتراءات.

* حالتنا مع البعثيين النصابين في تشويه صورة العراق أشبه بحالة التعامل الصابين الذي فصلوا للامبراطور ثيابه الجديدة. فكل واحد صار مرغماً على إطراء ثياب الامبراطور غير الموجودة أصلاً لكيلا يتهم بالغباء وسوء الذوق. وهذه هي حالتنا العراقية إذ بلغ بنا الأمر إلى حد أنه من لا يصدق افتراءات البعثيين المحتالين فهو من مرتزقة الحكومة ومن وعاظ السلاطين!! والمشكلة أن سقط كثيرون في الفخ البعثي لأسباب أيديولوجية ومنافسات سياسية عملاً بمبدأ (عدو عدوي صديقي). وهذا المبدأ خطر جداً على العراق. يقول المفكر ج. مورتي: "ليس مقياساً سليماً لصحتك العقلية أن تكون متأقلماً بصورة جيدة مع مجتمع مريض للغاية".

* بعد نشر مقالي الأخير الموسوم: (دروس من أبو غريب) الذي طالبت فيه تنفيذ حكم الاعدام بحق الإرهابيين الذين صدر بحقهم هذا الحكم من قبل القضاء لكي نسد عليهم أبواب الهروب والعودة لقتل المزيد من أبناء شعبنا، فعلق أحدهم متهكماً: "أنها العودة إلى أيام إعدم...إعدم، جيش وشعب يحميك من كل ظالم)، الهتاف الذي كان يردده اليسار العراقي في عهد حكومة 14 تموز لمواجهة المؤامرات القذرة. وهذا الأخ طالما تباهى بانتمائه اليساري، وربما كان هو أحد المرددين لهذا الهتاف، ليتخذه اليوم ضد ما أطالب به في مواجهة مجرمين حقيقيين، أدانتهم المحاكم الجنائية بالإرهاب وقتل الألوف من أبناء شعبنا الأبرياء. إنه يخلط عمداً بين الحق والباطل، ونذكره بالمثل العراقي (مو كل مدعبل جوز!). فموقف صاحبنا هذا يؤكد أن للإرهابيين أقلام تدافع عنهم باسم الرحمة والعدالة وحقوق الإنسان. فأين هي حقوق ضحايا الإرهاب يا دعاة حقوق الإنسان؟ إذ كما قال الإمام علي (إنه قول حق أريد به باطل) في تحذيره لأصحابه من خدعة معاوية وعمرو بن العاص يوم رفعوا المصاحف على أسنة الحراب صارخين: "لا حكم إلا لله" ومطالبين بالتحكيم. واليوم هناك ألف ألف معاوية وعمر بن العاص يخدعون الناس باسم الوطنية وحقوق الإنسان.

* لقد أثبت التاريخ أن السياسة والأخلاق لا تلتقيان. طيبو القلب ينخدعون، وتلامذة ابن العاص وغوبلز يعيشون على الخديعة. قال الإمام علي في هذا الخصوص: "والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر، لكنتُ من أدهى العرب". وهكذا نجد القادة الذين يتمسكون بالأخلاق يذهبون ضحية أخلاقهم الرفيعة في السياسة. ولذلك خسر الإمام علي وعبدالكريم قاسم، ونجح معاوية وبن العاص والبعثيون ومن سار على دربهم في الغدر والمكر والفجور.

* ذكر الروائي العراقي الراحل ذوالنون أيوب في مذكراته، وكان مدير عام للإذاعة والتلفزيون في عهد الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم، أن الإعلام المصري وخاصة بوق (صوت العرب) أحمد سعيد، كانوا يصبون الحمم في حملة إعلامية مسعورة ضد العراق وبالأخص ضد شخص الزعيم، وكانون يسمونه بـ(قاسم العراق، وآثم العراق...الخ)، يقول أيوب أنه أبلغ الزعيم مرة بمخاطر السكوت عن هذه الحملة وطالبه بأن يسمح لهم بالرد عليهم، أو على الأقل التشويش على إذاعاتهم، فرفض الزعيم هذا الاقتراح قائلاً: ان هؤلاء جهلة وسيعودون يوماً إلى رشدهم نادمين. وكان ما كان. 

فمن نافلة القول، أن للإعلام المضلل تأثير مدمر على الرأي العام وتشويه صورة العراق الجديد والعملية السياسية والديمقراطية، وبالأخص في مجتمعات ما بعد حقبة الدكتاتورية مثل المجتمع العراقي، إذ هناك استعداد نفسي وأيديولوجي، وبدافع المنافسة لتصديق الدعايات المضللة وترويجها.

ومن كل ما تقدم، أعتقد أن من واجب المثقفين الحريصين على شرف الكلمة ومصلحة الشعب، التصدي لهذه الافتراءات وليس ركوب الموجة، أو كما يقول المثل العراقي "وعلى حس الطبل خفن يا رجلية!!".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذو علاقة بالموضوع
عبدالخالق حسين: في مواجهة الدعايات المضلِّلَة(1)
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=592

عبدالخالق حسين:  دروس من أبو غريب
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=595

****************************
ملحق
قائمة بالافتراءات ضد المالكي وحكومته
أدرج أدناه للمرة الثانية، قائمة من الافتراءات والإشاعات ضد حكومة المالكي، وهي غيض من فيض، أضيفت إليها افتراءات جديدة.
- المالكي أهدى أربع فرق عسكرية لمقتدى الصدر،
- عاجل عاجل... حجز صهر المالكي في مطار دبي ومعه اثار عراقية مهربة،
- صهر المالكي يصفع السفير العراقي في أمريكا في مكتب نائب الرئيس الأمريكي،
- ابن المالكي يشتري فنادق في دمشق ويفصل العمال العراقيين ويعين مكانهم إيرانيين،
- ابن بيان جبر يشتري عمارة بنصف مليار دولار في الإمارات،
- السيستاني يكشف عن وصيته: الحكيم يصلي على جنازتي.. وامنعوا المالكي وأعضاء حكومته من السير فيه،
- هكذا باع نوري المالكى سيارة الملك غازى وقبض ثمنها 8 مليون دولار،
- قيادات سياسية توجه بتصوير افلام جنسية فاضحة لمعارضيها،
- استبعاد المكون الشيعي من مجموع الطيارين الذين سيتم إرسالهم الى الولايات المتحدة الامريكية لغرض التدريب، (تقرير نشرته صحيفة المدى لصاحبها فخري كريم.)
- ثروة أسامة النجيفي بلغت 24 مليار دولار!!،
- ثروة السياسيين الجدد بلغت ما قيمته 700 مليار دولار،
- بريطانيا تضبط مقتنيات أثرية عراقية مرسلة إلى مقر حزب الدعوة في لندن،
- المالكي مشروع إيراني أم عراقي؟ (عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط)
- وزير التربية محمد تميم يهدم المدارس ويشتري لعشيقته منزلا بـ 350 الف دولار في بغداد
- حاكم العراق الإيراني  مقال افتتاحي في الشرق الأوسط بقلم طارق الحميد
- قاسم سليماني الجنرال الإيراني الذي يدير العراق سرا
- استياء دولي من موافقة العراق لبناء مكب نووي: جريمة من نوع جديد بحق العراق الحبيب. هؤلاء الانذال يودون بيع العراق وتلويثه لعشرات السنين قادمة قبل ان يتركوا الكرسي، انهم خونه بحق الشعب، استياء دولي من قيام العراق يتفق مع الاتحاد الاوربي بناء مكب للنفايات النووية. (وكالة الاستقلال للاخبار بتاريخ: الإثنين 07-01-2013 06:46 مساء) وتليه عبارة: (الرجاء حوِّل هذا الإيميل لأكبر عدد ممكن من معارفكم)،
* رئيس الوزراء نوري المالكي يتسلم أعلى راتب بين الرؤساء في العالم،
* إعتقال العطية بلندن بتهمة تبييض أموال الحسينيات (الأحد،23  حزيران، 2013)
الشيخ خالد العطية وهو قيادي من دولة القانون معمم وبجنطته مليون دولار جمعها من رواتبه ليتبرع بها الى حسينيات بريطانيا، السؤال هو كم عائلة شيعية نعم شيعية وليس سنية او مسيحيية بحاجة الى اعانة يسدون بها رمق اطفالهم؟ يا ناس يا عالم .. ان الله  يمهل ولا يهمل ...صدقوني وراس الحسين

* عاجل عاجل عاجل: المالكي يوجه تهديد باسم الشيعة الى اهل السنة. مخاطبا اهل السنة. لماذا السيارات المفخخة تستهدف الشيعة بالعراق فقط ولماذا لها اسناد شرعي من أهل السنة العراقيين والعرب .. جوابي لكم احذروا غضبنا وان فقدنا صبرنا والله ان ثرنا عليكم لم يبقى شخص منكم في ارض العراق- مجموعة العراق فوق خط احمر
* عاجل عاجل.... ايران تسرق نفط العراق بموافقة المالكي في تقرير من قناة العربية (السعودية).
* وأخيراً وليس آخراً، سخط شعبي كبير على المالكي لتوزيعه منتزه ألف ليلة و ليلة على حاشيته.
************************************
يقول غاندي: يستطيع الأعداء أن يوجهوا لي مائة تهمة، ولكن لا يستطيعون أن يثبتوا عليَّ واحدة.


357
المنبر الحر / دروس من أبو غريب
« في: 22:28 02/08/2013  »
دروس من أبو غريب

د.عبدالخالق حسين

إن الهجوم الإرهابي على سجن أبو غريب مساء يوم 21 تموز يعتبر كارثة حقيقية بكل معنى الكلمة وبجميع المعايير، وانتصاراً لقوى الشر المتمثلة بالتحالف البعثي- القاعدي، وأعداء العراق في الداخل والخارج، وهزيمة مؤقته للديمقراطية وأنصارها. وعندما نقول هناك تحالف بين البعث والقاعدة فليس ذلك تخميناً أو مجرد رأي أو تهمة، بل لمعرفتنا بسياسات البعث وتقلباته وتحالفاته حتى مع أشد أعدائه الأيديولوجيين كما حدث في السبعينات من القرن الماضي، وذلك حسب ما تمليه مصلحتهم وفق مستجدات المرحلة، كذلك اعترف عزة الدوري أخيراً بهذا التحالف.

التقارير الاخبارية التي نُشِرت عن هذا الهجوم ، أو كما وصفه البعض بـ(غزوة أبو غريب)، توحي أن هذا الهجوم، الغزوة، ليس من عمل عصابات إرهابية مستميتة فحسب، بل ومن قبل جيش نظامي محترف يقوده قادة عسكريون أكفاء في التخطيط وقيادة هكذا عمليات هجومية في حرب العصابات. هذه المواصفات متوفرة في قيادة فلول البعث بلا شك. فالبعث معروف بخبرته في التخريب واستخدامه للوسائل الجهنمية في ارتكاب المجازر ضد الشعب والظهور بمنظمات تنتحل أسماء دينية مثل «جيش رجال الطريقة النقشبندية»، و"جيش محمد"، و"جند الإسلام"...الخ. فهذه التنظيمات الوهمية هي مجرد أسماء دينية منتحلة يستخدمها البعثيون للتمويه كغطاء لهم، يرتكبون جرائمهم في حرب الإبادة ضد الشعب العراقي بجميع مكوناته. أما تنظيم "القاعدة" فقد توسع في العراق وصار مصدر خطر ليس على العراق وحده، بل وعلى دول المنطقة والعالم أجمع. وبالتأكيد هناك تحالف إلى حد الاندماج في المرحلة الراهنة بين فلول البعث و"القاعدة".
 
قال صدام حسين مرة في اجتماع لمجلس الوزراء أوائل السبعينات، ما معناه، أن ما حصل لحكم البعث في عام 1963 سوف لن يتكرر في المستقبل، وأنهم جاؤوا هذه المرة ليبقوا في السلطة إلى مئات السنين. ولذلك قاموا بتبعيث الدولة (دولة المنظمة السرية)، وتسخير كل إمكانياتها: المالية والعسكرية والتعليمية والإعلامية لهذا الغرض.
ومن الاجراءات التي اتخذها صدام حسين لضمان بقائه وحزبه في السلطة إلى "الأبد"، قام بتبعيث الجيش، وتشكيل فرقة عسكرية كاملة باسم (الحرس الجمهوري)، تم اختيار عناصرها بعناية فائقة وفق مواصفات خاصة من أقرب العسكريين إليه من ناحية القرابة العائلية والعشيرة والحزب والمدينة والمنطقة والطائفة...الخ، وخصَّ هذه الفرقة العسكرية بأعلى الامتيازات، من التدريب العسكري والتثقيف الحزبي والأيديولوجي، والانضباط، والشحن الطائفي، والولاء لصدام وحزبه. وجعل كل واحد منهم جاسوساً على رفاقه، كما وأغدق عليهم بالامتيازات وجهزهم بأحدث التقنية الحربية، والتدريب في حرب العصابات، تحسباً لأي طارئ يطرأ في المستقبل. وقد حرص صدام حسين على سلامة (الحرس الجمهوري) بعدم زجه في أية حرب من حروبه العبثية.

نُقِلَ عن أحد القياديين البعثيين أنه قُبَيْلَ سقوط حكمه، أصدر صدام حسين تعليمات إلى جيش الحرس الجمهوري بعدم خوض الحرب مع الجيش الأمريكي وجهاً لوجه، بل عليه أن يختفي عن الأنظار ويأخذ معه كل ما يستطيع حمله من أسلحة وعتاد وحتى معامل صنع المتفجرات...الخ، ليحتفظ بقوته وإمكانياته الحربية، ومن ثم يشن حرب العصابات على القوات الأمريكية والحكومة الجديدة "عملاء أمريكا وإيران". وهذا بالضبط ما حصل منذ سقوط حكم البعث عام 2003 وإلى الآن.

كما ويعتقد البعض بحق، أن البعثيين، وبأوامر وتخطيط من صدام قاموا بتشكيل حكومة سرية إلى جانب حكومتهم العلنية الرسمية، بعد اغتصابهم السلطة للمرة الثانية في عام 1968 إلى جانب الحرس الجمهوريتنفيذاً لمبدأ (دولة المنظمة السرية).
وهذه الحكومة السرية أعلنت عن نفسها بعد سقوط حكم البعث باسم (دولة الإسلام في العراق). وفي الحقيقة هذه "الحكومة" أو "الدولة" هي مظلة تضم مجموعات إرهابية تتألف من فلول البعث و"حكومة البعث السرية"، إضافة إلى مجموعات تابعة للقاعدة. وتفيد موسوعة الويكيبيديا أن هذه "الدولة" (تدعي أن لها وجودا في محافظات بغداد، ديالى، الأنبار، كركوك، نينوى، صلاح الدين وأجزاء من واسط وبابل. فيما أعلنت في أول الأمر أن بعقوبة هي "عاصمة" لها).

أخبرني بعض العارفين بالأمور، أن أغلب قيادات (دولة الإسلام في العراق) كانوا قياديين في حزب البعث، والآن أطالوا لحاهم، ولبسوا دشاديش قصيرة وسراويل طويلة مقلدين بها الوهابيين من أتباع القاعدة، وعدد منهم لبسوا العمائم وأدعوا أنهم رجال دين كبار، وتظاهروا بالتدين، والدفاع عن أهل السنة لاسترجاع "الحق إلى أهله" وبغداد إلى أهلها من الصفويين "بغداد النا وما ننطيها!!".

و من كل ما تقدم، نستنتج أن فلول البعث والقاعدة يتصرفون الآن كحكومة ثانية في العراق، باسم (دولة الإسلام في العراق)، تمتلك جيشاً محترفاً متماسكاً بالانضباط العسكري الحديدي والأيديولوجي، وهو (الحرس الجمهوري) يمتلك خزيناً هائلاً من الأسلحة والذخيرة، بل وحتى معامل صنع المتفجرات والصواريخ التي أسسوها في مناطق سرية مختلفة عندما كانوا في السلطة. إضافة إلى ما نهبوا من أموال الدولة بلغت نحو 30 مليار دولار عام 1990، حسب ما جاء في مذكرات الدكتور جواد هاشم، وزير التخطيط أوائل السبعينات.

والأخطر من كل ذلك، أن لهذه "الدولة السرية" و"الجيش السري" تمثيل وامتداد في البرلمان والحكومة وجميع مؤسسات الدولة، تعمل على شل الحكومة والبرلمان، وتنغيص حياة المواطنين بالفساد الإداري، وبث التذمر ضد الحكومة الشرعية المنتخبة ولتبييض وجه صدام وحزبه الفاشي. فهناك تسلل واختراقات تمتد إلى أعمق أعماق أجهزة الدولة الشرعية، بما فيها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والإدارية وإدارات السجون وحراسها..الخ.

إضافة إلى ذلك، فإن حكم البعث عمل خلال 35 سنة من حكمه المدمر على تدمير الشعور بالوطنية والمسؤولية، لذلك صار من السهل على فلول الإرهاب شراء ذمم بعض المسؤولين العاملين في أجهزة الدولة وتسخيرها لتنفيذ أغراضهم الشريرة. لذا، لا نستغرب عندما نسمع بين حين وآخر هروب جماعي من السجون العراقية.
مقابل دولة البعث والقاعدة هذه، هناك حكومة شرعية منتخبة ضعيفة لأنها غير متجانسة، ومتصارعة على الدوام في سبيل المصالح الفئوية والشخصية على حساب المصلحة العامة، تسمى بحكومة (الشراكة الوطنية)، حيث نجد قسماً غير قليل من هؤلاء "الشركاء" في السلطة الشرعية هم شركاء في الإرهاب أيضاً، غرضهم الرئيسي من المشاركة في السلطة هو شل عملها، وإيقاف إصدار القوانين والخدمات، وإفشال العملية السياسية، ووأد الديمقراطية تمهيداً لإعادة البعث إلى الحكم.
هذه باختصار شديد الصورة الحقيقية للوضع في العراق اليوم، وما كشفت عنه غزوة السجنين: التاجي وأبو غريب.
والجدير بالذكر، أن الهجوم على هذين السجنين سبقته منذ أواخر العام الماضي حملة إعتصامات في مدن المحافظات الغربية بتنظيم وقيادة فلول البعث والقاعدة بعد أن اختطفوا أهل السنة وطرحوا أنفسهم كممثلين شرعيين لأهل السنة، والسنة منهم براء. والمشكلة أن بعض القياديين في التحالف الوطني (الشيعي)، يطمحون بمنصب رئاسة الحكومة راحوا يغازلون قادة الاعتصامات، وفرضوا ضغوطاً على رئيس الوزراء لإطلاق سراح نحو 17 ألف من المعتقلين بتهمة الإرهاب ترضية لقادة الاعتصمات. ونحن نعرف أن البعث والقاعدة لا يمكن أن يكتفوا بهذه الإجراءات لأن غرضهم النهائي هو إلغاء كل ما تحقق بعد عام 2003 وإعادة حكمهم البغيض.

وكنتيجة مباشرة لإطلاق سراح هذه الأعداد الغفيرة من المعتقلين الإرهابيين، تصاعدت موجة حرب الإبادة في المناطق الشيعية، حيث بلغت أرقام الشهداء إلى نحو 2500  وأضعاف هذا العدد من المصابين خلال شهري مايس وحزيران فقط، 1057 لشهر تموز/يوليو. وهي أرقام تذكرنا بما حصل في أوج الحرب الطائفية في الأعوام 2006-2008. كما وأصدرت الأمم المتحدة قبل يومين تقريراً حديثاً جاء فيه: "توضح الأرقام أن 4137 قتلوا، وما يقرب من 10 آلاف آخرين أصيبوا منذ بداية العام الجاري، وكانت أكثر المدن تعرضا للتفجيرات والعمليات الانتحارية هي العاصمة بغداد". (الخبر منشور على موقع بي بي سي العربي، 1/8/2013)

نحن نقدر موقف رئيس الوزراء السيد نوري المالكي لما يتعرض له من ضغوط لإبداء المرونة والتساهل في التعامل مع الاعتصامات، وتبني سياسة "عفا الله عما سلف" إزاء أعداء العراق الجديد. ولكن، وكما قالها المالكي نفسه، أنه ليس من حقه أن يتنازل عن حقوق الضحايا وذويهم ويعفي عن المتهمين بالإرهاب. فهذه السياسة تبناها الزعيم عبدالكريم قاسم من قبل وجلبت الكوارث عليه وعلى الشعب، والآن العراق مهدد بالدمار الشامل نتيجة لهذه السياسة اللينة إزاء أعداء الشعب.

كما ونذكر السيد رئيس الوزراء أن الجماهير تحترم القائد القوي وترفعه على الأكتاف عندما يكون مرهوباً من قبل الأعداء. وهذا هو سبب تصاعد شعبية المالكي عندما شن حملة (صولة الفرسان) عام 2008 ضد عصابات مقتدى الصدر في البصرة ومدينة الصدر، ومن ثم في الموصل ضد فلول البعث والقاعدة. ونتيجة للانتصارات التي حققها على قوى الشر كسب المالكي شعبية واسعة ليس في المناطق الشيعية فحسب، بل وحتى في المحافظات السنية مثل الأنبار، فطالبوه بشن (صولة الفرسان) في الرمادي أيضاُ لإنقاذ الناس من شرور أتباع القاعدة.

أما الآن، وبعد كل ما حصل، وإظهار السيد المالكي برئيس لا حول له ولا قوة ازاء جبروت قطعان الوحوش الضارية من فلول البعث والقاعدة، وتخاذل بعض المسؤولين في الأجهزة الأمنية وإدارات السجون، وانتهازية بعض القياديين في الإئتلاف الوطني، فهذا الموقف ينعكس سلباً على السيد المالكي نفسه وربما يخسر حياته، ويخسر الشعب معه ليعود العراق إلى المربع الأول الذي بدأه في شباط 1963 الدموي الأسود.
كما واستغل خصوم العراق الجديد هذا الوضع المزري، ليلقوا اللوم  كله على المالكي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، وكذلك وجدها البعض فرصة لخلط الأوراق وإلقاء اللوم على أقوى حليف للعراق، والادعاء بأن أمريكا هي وراء تصاعد الإرهاب بما فيه هروب السجناء. لذلك، نعتقد أن على السيد المالكي تبني سياسة الحزم ازاء أعداء العراق الجديد ويضرب أعداء الشعب بيد من حديد. فالشعبية التي كسبها بعد صولة الفرسان عام 2008 من السهولة أن يخسرها اليوم بتساهله مع ما يجري على أيدي فلول البعث والقاعدة.
وفي هذا الخصوص، يقول المفكر الفرنسي الكبير غوستاف لوبون حول «سيكولوجية الجماهير» في كتابه الذي يحمل هذا العنوان «...أن الجماهير  تحترم القوة ولا تميل إلى احترام الطيبة التي تعتبرها شكلا من أشكال الضعف. وما كانت عواطفها متجهة قط نحو الزعماء الرحيمين والطيبي القلب، وإنما نحو المستبدين الذين سيطروا عليها بقوة وبأس. وهي لا تقيم النصب التذكارية العالية إلا لهم. وإذا كانت تدوس بأقدامها الديكتاتور المخلوع فذلك لأنه قد فقد قوته ودخل بالتالي في خانة الضعفاء المحتقرين وغير المهابين. إن نمط البطل العزيز على قلب الجماهير هو ذلك الذي يتخذ هيئة القيصر. فخيلاؤه تجذبها، وهيبته تفرض نفسها عليها، وسيفه يرهبها».

ونحن لا نطالب المالكي بتبني الاستبداد، أبداً، ولكن يجب أن يعرف ومعه كل المخلصين العراقيين، أن الديمقراطية بلا تطبيق القانون تعني الفوضى والكارثة. فالشعب العراقي وحكومته المنتخبة يواجهون اليوم عدواً شرساً لا يعير أية قيمة للإنسان وللشعب، إذ كما خاطب صدام مرة مجموعة من الأطباء أن (قطع الأعناق أسهل عنده من قطع الخيار!). فحزب البعث وأتباع القاعدة لا يحترمون حياة الانسان، ولا رأي الشعب ويسخرون من الديمقراطية والشعبية. إذ يذكر المرحوم على كريم سعيد، وكان قيادياً في حزب البعث (الجناح السوري)، في كتابه الموسوم (عراق 8 شباط 1963، من حوار المفاهيم إلى حوار الدم..)، فيما يتعلق بسخرية البعثيين من الشعبية، نقلاً عن قاسم الجنابي (المرافق الأقدم للمرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم)، وهو شاهد عيان خلال حوار الإذاعة الذي وجهه أحد المشاركين في انقلاب 8 شباط الأسود، عبد الستار عبد اللطيف كلامه إلى عبد الكريم قاسم قائلاً: "إنك مسيطر والشعب معك، دبابة واحدة أسقطتك". فيعلق المؤلف: "كان ذلك بمثابة رسالة رعب لشعب أدّعوا أنهم ثاروا من أجله. فجاءت تلك، رسالة استفزاز همجية لا تنتمي إلى حضارة إنسانية عمرها ستة آلاف عام. وكأنها رسالة تقول: إن الحكومة الجديدة قاسية. كما إنها تعني بأن الثوار أذعنوا لفكرة: إن لهم الدبابة ولخصومهم التعاطف الشعبي..."
فيا دولة رئيس الوزراء، هذا هو العدو الذي يواجهه العراق الجديد ولا تنفع معه سياسة اللين وعفا الله عما سلف.

ما العمل؟
أعتقد أن العراق مهدد اليوم بالدمار الشامل وحرب إبادة الجنس على أيدي قطعان الوحوش الضارية أكثر من أي وقت مضى. وهذه القطعان تدعمها مؤسسات إعلامية مأجورة من اليمين واليسار، في الداخل والخارج، يساهمون في إرباك الوضع وتشويش وعي المواطنين، وبلبلة الرأي العام. فإذ لم يتخذ رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الاجراءات الفورية الحازمة الرادعة لإنقاذ الموقف ولحماية أرواح الناس وممتلكاتهم من عبث العابثين والإرهابيين، فسوف يخسر التعاطف الشعبي، والذين صوتوا له في الانتخابات السابقة، ويمكن أن يخسر حتى حياته، وبالتالي إدخال العراق في نفق مظلم أخطر من النفق السوري...وعليه نقترح اتخاذ الاجراءات التالية:
أولاً، تنفيذ حكم الإعدام فوراً بحق كل إرهابي أصدر القضاء عليه هذا الحكم. فرغم أني لا اعتبر الإعدام أشد قسوة من السجن المؤبد، إلا إني اعتقد جازماً بأن الإعدام في هذه المرحلة من تاريخ العراق العاصف، هو إجراء رادع لغيرهم من الإرهابيين المحتملين. كذلك التسويف في تنفيذ حكم الإعدام يعطي المحكوم عليهم الأمل بإطلاق سراحهم بطريقة ما، مثل دفع الرشى إلى الفاسدين من الإداريين وحراس السجون، أو عمليات الهجوم واستخدام القوة كما حصل في سجني التاجي وأبي غريب. ولماذا يتحمل الشعب تكاليف إطالة أعمار الارهابيين ومتطلبات معيشتهم وحراستهم في السجون؟
ثانياً، يجب أن تكون هناك شبكة استطلاعية استخباراتية للكشف عن المندسين من عملاء البعث والقاعدة والمخربين في الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة وجميع مؤسسات الدولة، والقيام بحملة تطهير مستمرة لهذه الأجهزة.
ثالثاً، تغيير قيادات الأجهزة الأمنية، ومدراء السجون على فترات متقاربة وبشكل مفاجئ أحياناً.
رابعاً، معاقبة المندسين والمتخاذلين من المسؤولين بشدة، وفضحهم في الإعلام، وتقديمهم للقضاء لمعاقبتهم.
خامساً، بما إن العراق في حالة حرب مع الإرهاب، وشعبه مهدد بالإبادة، لذلك أقترح إعلان حالة الطوارئ وبقرار من البرلمان. وكل من يتخاذل في دعم هذا القرار من البرلمانيين يعني أنه يدعم الإرهاب. وأن يقوم رئيس الوزراء بحملة شبيهة بحملة صولة الفرسان في كل مناطق العراق، وأن لا تأخذه في الحق لومة لائم.
بدون هذه الإجراءات الحازمة الصارمة، فالعراق مهدد بالدمار الشامل.
ألا هل بلغت، اللهم اشهد.

358
في وداع العفيف


د.عبدالخالق حسين

العفيف أسم على مسمى، كان عفيفاً في حياته وسلوكه وفكره وصراحته وعلاقاته مع الناس من أصدقاء وخصوم، كان عفيفاً وشجاعاً في نضاله الطويل في مقارعة الظلم والتخلف والجهل والتعصب بجميع أشكاله وخاصة التعصب الديني. قد لا يكون مناسباً أن يتفلسف الإنسان في كتابة التأبين خاصة إذا كان يتعلق بشخص عزيز عليه، ولكن عندما يكون الفقيد مفكراً كبيراً وفيلسوفاً فلا أرى ضيراً في ذلك. إذ يتذكر القراء أن العفيف نفسه استشهد مرة في أحد مقالاته قبل أشهر بقول للفيلسوف مونتنيه: "الفلسفة فن يعلمنا كيف نحيا جيداً وكيف نموت جيداً ". هذه الفلسفة طبقها العفيف على نفسه بكل صدق وإخلاص، فلم تفارقه الابتسامة وهو يتحدث عن الموت الذي كان يتوقعه في أية لحظة.

فالموت ليس مشكلة الميِّت، لأنه فيه راحة أبدية، إذ كما قال سقراط: "الموت نوم بلا أحلام"، بل هو مشكلة أحبائه ومريديه، وخاصة إذا كان الراحل مفكراً كبيراً من وزن وقامة العفيف، "المشاغب"، أو "محامي الشيطان" على حد تعبير الصديق العزيز الدكتور شاكر النابلسي. لذلك ربما سيكتب النابلسي نعياً بعنوان: (رحيل محامي الشيطان) إذ كتب قبل سنوات مقالاً عن العفيف قريباً من هذا العنوان. لذلك فأنا أتمثل بقول مارك توين عن الموت: "أنا لا أخاف من الموت، لأني إذا مت سأعود وكأني لم أولد، وأنا ما كنت مولوداً لمليارات السنين ولم يزعجني ذلك".

فكل مصلح هو مشاغب لأنه يتمرد على القبيلة ويخرج على المألوف، ويناضل من أجل إخراج المجتمع من التخلف ويدفعه إلى مستقبل أفضل. وفي هذه الحالة لا بد وأن يشق المجتمع إلى معسكرين، معسكر محافظ متمسك بالقديم، يريد إعادة المجتمع إلى الماضي الغابر، ومعسكر متجدد يتطلع إلى الحداثة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومساواة المرأة، ودولة المواطنة والقانون، لا فرق فيها بين المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية والأثنية. لذلك فهو في نظر المعارضين له إنسان مشاغب! ومتمرد على القبيلة.

لقد نذر العفيف نفسه منذ شبابه إلى مقارعة التخلف بالفكر المستنير. وعرف أن هذا الطريق محفوف بالمخاطر والمتاعب وربما الموت المبكر. لذلك لم يتزوج، راكباً صهوة المخاطر مهاجراً من بلد إلى بلد بعيداً عن وطنه تونس. أقتبس أدناه بعضاً من أقواله في حوار بينه وبين قرائه نشر في إيلاف عام 2004، أدرج الرابط في الهامش وهو جدير بالقراءة(1).

لقد عاش العفيف حياة صعبة في جميع مراحلها بدءً من طفولته في الريف التونسي الفقير إلى ساعة رحيله في باريس إلى عالم الخلود. فيقول عن نفسه: "توفي أبي وعمري 13 عاماً وكانت صدمة مروعة لم أنجح في إقامة الحداد عليه ربما حتى الآن، مات أبي في كوخنا المعزول، وعندما عدت إلى العاصمة تونس لمواصلة سنتي الثانية في التعليم الزيتوني كنت أذهب كل مساء إلى "سوق العصر" الذي يأتيه الفلاحون من إحدى الاحياء الفقيرة جداً "الملاسين" التي يسكنها الريفيون النازحون. وكلما رأيت فلاحاً يرتدي برنوساً ركضت لأنظر إليه من أمام عسي أن يكون هو أبي الذي دفنته بنفسي في مقبرة القرية. يعني ذلك أنني لم أصدق موته وهي حالة تقود عادة إلى الجنون."

من حسن الصدف أنه تلقى تعليماً على يد معلم تقدمي في عمر مبكر فيقول: "وكيتيم مفجوع اندفعت أبحث عن أب بديل أتماهي معه. تماهيت بالشيخ الفاضل بن عاشور الذي كان يأتي إلى الزيتونة يعطي درسه في حلقة التعليم العالي... وفي الوقت ذاته تماهيت بطه حسين إلى درجة الذوبان فكنت أضع عصابة على عيني كما لو كنت أعمي وأرتجل أمام زميل لي هو الهادي بالأخضر مقلداً طه حسن". كما وتماهى ببورقيبة مدافعاً عن خطه السياسي وخاصة "عندما أصدر غداة الاستقلال 1956 قوانين الأحوال الشخصية لتحرير المرأة التونسية" .

كما وعى العفيف الشاب "خطورة التعليم الديني العتيق فكتب مقالات في جريدة "العمل" في صفحة الشباب مطالباً بغلق جامع الزيتونة ودمج التعليم الزيتوني العتيق في التعليم الحديث الذي ورثته تونس المستقلة عن فرنسا، وفعلاً بعد بضعة شهور أصدر بورقيبه قراراً بتوحيد التعليم وغلق الزيتونة."

وكمصلح لا بد وأن يصطدم باليسار واليمين معاً، بما فيها سلطة أبورقيبة، الأمر الذي أجبره على الهجرة إلى عدن في عهد النظام الماركسي، فيقول: "في سنة 1969 حضرت اجتماع مجلس وزراء جنوب اليمن فنصحتهم بدلاً من الاشتراكية الماركسية اللينينية باتخاذ اجراءات حداثية منها إصدار قانون أحوال شخصية كالقانون التونسي ، فقال لي سالم ربيع رئيس الجمهورية مازحاً: هل أنت سفير لبورقيبه أم معارض له؟، فأجبته: الاثنان معاً. فطلب من وزير الخارجية أن يطلب من سفير تونس في عدن تزويدهم بنسخة من "مجلة" [قوانين الأحوال الشخصية التونسية] وفعلاً صدرت بعد ذلك قوانين شخصية يمنية مشابهة جداً للقوانين الشخصية التونسية".

وقد عانى كثيراً من الفقر المدقع، لذلك راح يبحث عن أسبابه وعلاجه. ولعله أول من انتبه إلى خطورة الانفجار السكاني على العالم العربي، فحذر من مخاطره، ولكن لا حياة لمن تنادي، فقال في هذا الخصوص: "طبعاً أعي الآن أفضل الأسباب الموضوعية لهذا الفقر الكوني: الانفجار السكاني. لكن ذلك لا يعفي أغنياء العالم دولاً وشركات وأفرادً من خطيئة عدم التفكير في نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني."
 
ماركسية العفيف
وعلى سؤال من السيد عبد القادر الجنابي: "ماذا تبقى اليوم من ماركسيتك التي اعتنقتها ودافعتَ عنها طوال السبعينات..؟" فيجيب قائلاً: "فقري الذي مازال رفيق حياتي كان وربما مازال وراء قناعاتي الماركسية التي وصلت إليها في 1963... إذن لم أكن مدفوعاً بقناعات نظرية عميقة بل بغريزة طبقية فقط. .. فقد بلورت قناعاتي النظرية بعدما آمنت سلفاً بالماركسية.. ولكن، منذ الستينات بدأت أتساءل عن مدى اشتراكية المعسكر الاشتراكي."  ويضيف: "... من زيارة لتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية اللذين وجدتهما أشبه بالمعتقل لسكانهما منهما بالمجتمع. قالت لي فتاة تشيكوسلوفاكية عاملة عندما سألتها إن تعرِّف لي النظام الذي يحكمها: "نظاماً فاشياً". أما في ألمانيا الشرقية، وقد كنت يومياً أستمع إلى نكات العمال على حساب "جنة الاشتراكية الألمانية". في برلين الغربية كنت في حانة نحتسي البيرة فسألت مجموعة من العمال الشباب عن رأيهم في الماركسية فقادني أحدهم إلى خارج الحانة وأشار بسبابته إلى جدار برلين الشهير قائلاً: "هذه هي الماركسية".. في الحقيقة كانت أوهامي عن الماركسية اللينينية في الاتحاد السوفيتي والصين وكوريا .. الخ، والأحزاب الشيوعية في العالم العربي والعالم قد تلاشت قبل ذلك. دخلت مع المعسكر الاشتراكي والأحزاب الشيوعية العربية في سجال عنيف. وردوا إليّ الصاع صاعين فاتهموني في 1967 بأني عميل لألمانيا الغربية بسبب موقفي من ألمانيا الشرقية.. باختصار حاربتني الأحزاب الشيوعية بالشائعات. كانت مشاعري إزاء ذلك مزيجاً من الشعور بالاضطهاد والعزلة والاعتزاز. الاعتزاز بأنني غير مفهوم وأكلف الشرق والغرب مشقة فهمي: الغرب يرفضني لأنني ماركسي والماركسيون اللينينيون يرفضونني لأنني عميل للغرب. ساعدني ذلك على أن أفكر بنفسي باستقلال عن المرجعيتين الشرقية والغربية."

عاش العفيف عدة سنوات في بيروت ثائراً ينشر الأفكار التقدمية في ندوات أسبوعية، ومقالات ناقداً فيها الماركسية اللينينية والأنظمة العربية، ووصفه للاتحاد السوفيتي والصين بأنهما إمبرياليان في مجلة "دراسات عربية"، مما أخرج المتعاطفين مع هذه الاتجاهات عن طورهم. "كان اليسار يرى فيّ يمينياً واليمين يرى فيّ يسارياً متطرفاً".

موقف العفيف من الإسلام السياسي:
رأى العفيف "أن إسلام القرون الوسطي يشكل عائقاً دينياً هائلاً يعتقل عقول المسلمين فلا تعود قادرة على التفكير الواقعي فضلاً عن العقلاني في أمور دينها ودنياها.. فالمرأة المسلمة وغير المسلمين يعاملون في بداية الألفية الثالثة معاملة أكثر ضراوة بما لا يقاس من معاملة الرأسمالية المتوحشة في القرن التاسع عشرة للنساء والأطفال".
والجدير بالذكر أن مشكلة العفيف هي مع الإسلام السياسي وليس مع الإسلام كدين الذي يؤكد أن "العلم يعترف بالدين في مجاله الخاص، الذي هو الروحانيات وتقديم العزاء والسلوى للحزانى..." ولكنه ينتقد الإسلام السياسي  فيقول: "الاتجاه المضاد الذي يقوده الإسلام السياسي والإرهابي الهادف إلى العودة إلى عصر ذهبي موهوم في ماضيه السحيق لا يبدو أنه يمتلك زمام المستقبل... وكارثة على المسلمين لأن المسيحيين بينهم هم خميرة الحداثة أي العلمانية والديمقراطية والمساواة بين الجنسين والمساواة بين المسلم وغير المسلم".
أما الحل لهذه الأزمة فهو في التخلص من التعليم الجهادي التكفيري "والمطالبة بتعليم ديني بديل متصالح مع العلم ومع المرأة ومع غير المسلم ومع الديمقراطية ومع حقوق الإنسان ومع علوم الحداثة العقلانية والإنسانية وهذا ممكن" ويؤكد على  "أن للدين وظائف روحية ونفسية مازالت قوية في النفسية البشرية المسكونة بإعطاء حياتها معني بعد الموت: الخلود في عالم البقاء. ولا ضير من ذلك عندما لا يعترض الدين المعلمن والمرشد عن إعطاء الآخرين معني لحياتهم في الحياة لا فقط بعد الممات".
 
اللقاء مع العفيف
لا شك أن اللقاء مع مفكر كبير متعة فائقة، خاصة إذا كنت منسجماً معه فكرياً إلى حد التماهي. فأول ما قرأت للعفيف كان مقالاً له نشر في الحياة اللندنية قبل نحو 15 سنة، ومن تلك المقالة أصبت بالإدمان على قراءة كل ما ينشر للعفيف، إذ كان له عمود أسبوعي في الصحيفة المذكورة. ولسوء حظنا، أنه منع من النشر في تلك الصحيفة بأمر مالكها الأمير السعودي خالد بن سلطان، لأنه انتقد في إحدى مقالاته التخلف السعودي.
وبعد ذلك ظهرت مقالاته في إيلاف بشكل منتظم لعدة سنوات إلى أن توقفت إيلاف عن نشر كتاباته لأسباب لا نعرفها. وأخيراً ظهر في الحوار المتمدن بشكل منتظم إلى رحيله.

مشكلة العفيف الشخصية أنه لم يكن على وئام مع التكنولوجيا، فلم يطق الكومبيوتر واستخدام الكيبورد، بل تمسك بالقلم في كتابة مقالاته. ثم أصيب قبل سنوات بعجز في يديه فلم يستطع الكتابة لفترة، ولم ينشر إلا بمساعدة بعض أصدقائه الذين يزورونه فيملي عليهم مقالاته بين حين وآخر. وعندها تشمت به رئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، أن الله شل يديه عقاباً له على كفره!! وهكذا عامل الغنوشي الله كبشر يغضب وينتقم..!!
وأخيراً تعافى العفيف واستعاد قوة يديه وعاد للكتابة والنشر. وكان يبحث عن سكرتيرة ليملي عليها فلم يفلح إلا في الآونة الأخيرة وبمساعدة أحد أصدقائه الخيّرين. لذلك لاحظنا في الأشهر الأخيرة من حياته نشاطاً ملحوظاَ في نشر سلسلة من المقالات الطويلة وهي عبارة عن فصول لكتاب له كان ينوي نشره.

وفي نهاية العام الماضي (ديسمبر 2012) أسعفني الحظ بلقائه مع نخبة ممتازة من المفكرين الإصلاحيين العرب وغير العرب، فتحققت الأمنية بمناسبة حضورنا مؤتمر روما للإصلاح الإسلامي الذي نظمه الدكتور ستفين ألف، مدير مؤسسة الإصلاح، فكانت حقاً فرصة سعيدة جداً. ورغم معاناته من المرض إلا إنه كان مفعماً بالنشاط الفكري، مرحاً والابتسامة لم تفارقه.

عاش متمرداً ومات متمرداً، إذ تمرد حتى على الموت. فقد أخبرني عن مرضه، وأن الأطباء أبلغوه بأن لم يبق له سوى ستة أسابيع فقط. لذلك كان في سباق مع الزمن والموت لإنجاز سلسلة من مقالات ودراسات عن الإصلاح الديني. فحاول أن ينشر أكبر ما يمكن خلال ما تبقى من عمره فتحدى الموت والأطباء معاً وبقى أكثر من 8 أشهر بدلاً من ستة أسابيع، أنجز خلالها أفضل مقالاته في مقارعة الفكر الظلامي.
سألته مرة ونحن في مصعد الفندق، ما رأيك بدور الفرد في التاريخ؟ فقال وهو يضحك: هذا السؤال شغلني نحو ستين سنة. باختصار فإن كلما يستطيع الفرد عمله هو أن يفهم متطلبات المرحلة التاريخية ويتكيف مع مسارها.

وأخيراً، من هو العفيف الأخضر؟
وفي حواره مع القراء سأله الكاتب الصديق أشرف عبدالقادر: "يتهمك الكثيرون بأنك تغيِّر أفكارك، حتى إن أحدهم قال لك في فضائية الجزيرة، بأنك أخضر، وأصفر، وأحمر، فهل على الكاتب أو المفكر أن يراجع أفكاره أم يتراجع عنها؟ وهل هناك فرق بين التراجع والمراجعة؟
فأجاب قائلاً: " نعم أغيِّر أفكاري بمجرد أن أكتشف أن الواقع تجاوزها أو لم تكن متكيفة معه، تذكر يا أشرف كلمة ماركس الجميلة" كل شيء يتغير إلا قانون التغير"، في نظري من يكابر أمام الوقائع والواقع لا يمكن أن يكون مثقفاً حقاً، ذكرتني بالإسلاموي الذي وصفني بالأخضر والأصفر والأحمر وبكل ألوان الطيف .. لا بأس، فأنا ثوري ورجعي، متدين وملحد، مادي وروحي، شاعر سراً وناثر جهراً، فأنا كتلة متفجرة من المتناقضات المتعايشة سلمياً ..أنا ثوري عندما يتعلق الأمر بالوقوف بحزم ضد حروب العرب الانتحارية ضد إسرائيل وغيرها، و"رجعي" عندما يتعلق الأمر بتوقيع السلام، فأنا مع السلام بأي ثمن كان لأن السلام هو أثمن ثمن. ... وأنا متدين بكل دين يكون ملاذاً روحياً للغلابي والحزاني والمتألمين، ديناً يكون زفرة الإنسان المكبل بالأغلال وقلباً في عالم لا قلب له وروحاً لحقبة لا روح فيها، فأنا متدين بكل دين روحي، أي فصل بين الزمني والدنيوي وعانق فيه يسوع روح الله غاندي .. دين هو :"من يرتضي غير التسامح ديناً فلن يقبل منه، كما قال صديقي د. محمد عبد المطلب الهوني" وتذكر قول ابن عربي :
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي / إذا لم يكن ديني إلى دينه دانى
وقد صار قلبي قابلاً كل صورة / فمرعي لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف / وألواح توراة ومصحف وقرآن
أدين بدين الحب أنّي توجهت / ركائبه ، فالحب ديني وإيماني
فأنا على دين ابن عربي. وأنا ملحد بكل دين يكون دين دولة، يكون دين تعصب، وبكل دين جهادي واستشهادي، وبكل دين يضطهد الفرد والمرأة وغير المسلم بغرائزه البدائية وعقوباته البدنية. وأنا مادي بالمعني الفيزيائي للمادة القائل بأن "المادة هي الطاقة التي تأخذ شكلاً"، وأنا روحي بمعني أن الروح هو الطاقة التي تسري في العالم،على الكاتب أن يعيد التفكير في أفكاره دون توقف، أي أن يراجع أفكاره دائماً ليمتحنها على ضوء حركة الواقع وأن يتراجع عنها كلما اكتشف أنها لم تعد أو لم تكن أصلاً متكيفة مع الواقع. إذاً لا وجود لفارق جوهري بين المراجعة والتراجع فالهدف هو دائماً واحد: البحث عن الحقيقة التي هي دائماً تاريخية، أي نسبية. لماذا؟ لأن معرفتنا بالواقع نسبية وقدرة عقولنا على الإحاطة به والأدوات التي تستخدمها لإدراكه بها نسبية هي الأخرى، فلا يمكننا إدعاء امتلاك الحقيقة التي لا تحول ولا تزول إلا إذا سقطنا في مهاوي التعصب والعياذ بالله." انتهى

نعم، هذا هو العفيف الأخضر. أنه مع قانون التغيير. ولذلك فالعفيف لم يمت، لأنه باحث عن الحقيقة التاريخية (النسبية) بلا تعصب، وسوف يبقى حياً في وجدان محبيه ومريديه، إذ تبقى أفكاره التنويرية مشاعل تنير الدرب للمناضلين في سبيل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والانعتاق والتجديد.
موت هذا المفكر العملاق خسارة لنا جميعاً لا تعوض. عزاؤنا الحار لأهله وأصدقائه وقرائه ولأنفسنا، وله الذكر الطيب.


العفيف الأخضر وعبدالخالق حسين مساء يوم 8/12/2012 في روما

 
الاخضر في مؤتمر روما ديسمبر 2012 بمصاحبة (من اليمين إلى اليسار):
هاشم صالح، شاكر النابلسي وعبد الخالق حسين

ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- حوار ساخن أجراه معه قراء إيلاف، نشر يوم الثلاثاء 30 مارس 2004
http://www.elaph.com/Web/opinion/2013/6/820723.html#sthash.w8YzR2ay.dpuf

2- العفيف الأخضر (1934-2013)
http://www.almuslih.net/index.php?option=com_content&view=article&id=281:-1934-2013&catid=38:obstacles-to-reform&Itemid=207



359
رحيل المفكر التونسي العفيف الأخضر


ببالغ الحزن والأسى أنتقل إلى عالم الخلود صباح اليوم، 26/7/2013، في باريس، المفكر والمناضل التونسي الكبير الأستاذ العفيف الأخضر (1934- 2013) عن عمر ناهز 79 عاماً، بعد صراع طويل مع مرض عضال دام عدة سنوات. ورغم صراعه مع المرض الخبيث إلا إنه كان يواصل بشجاعة وصلابة كتابة المقالات التنويرية ونشرها في مواقع الإنترنت العربية وخاصة موقع الحوار المتمدن في السنوات الأخيرة، وكان يعلم أنه في سباق مع الموت، حيث أبلى بلاءً حسناً ضد التطرف الإسلامي وفي سبيل الإصلاح الديني.
قضى فقيدنا معظم سنوات حياته في الغربة منها في بيروت، ومن ثم في باريس منذ السبعينات إلى وافته المنية صباح اليوم 26/7/2013.
عزاءنا الحار إلى ذويه وأصدقائه وقرائه في شتى أنحاء العالم، ولفقيدنا العزيز الذكر الطيب.

عبدالخالق حسين  

 


360
المنبر الحر / لا يصح إلا الصحيح
« في: 13:03 16/07/2013  »
لا يصح إلا الصحيح

د.عبدالخالق حسين

البقاء للأصلح (survival of the fittest) مقولة خالدة خلدت اسم قائلها الفيلسوف وعالم الاجتماع الإنكليزي  هربرت سبنسر، والتي استعارها داروين فيما بعد لنظريته (أصل الأنواع وفق الاختيار الطبيعي). الملاحظ هنا أنه لم يقل البقاء للأقوى أو الأضخم، بل أكد على (الأصلح)، أي الذي يستطيع التكيف مع ما يطرأ من تغيرات على البيئة، فالأحياء في منافسة شرسة فيما بينها على مصادر العيش، والأنواع التي لا تستطيع التكيف تنقرض كما انقرضت الدينصورات وغيرها من الأنواع (species). ونفس المنطق ينطبق على العلوم الاجتماعية و(منها السياسة)، فعبارة (البقاء للأصلح) في علم البيولوجيا تقابلها عبارة (لا يصح إلا الصحيح) في حركة التاريخ، إذ هناك علم في هذا الخصوص باسم (الداروينية الاجتماعية Social Darwinism). ورغم ما يحصل من انتكاسات وتراجعات بين حين وآخر  في الخط البياني لمسار التاريخ البشري، إلا إن على العموم، الحضارة البشرية في تطور وتقدم نحو الأفضل على المدى المتوسط والبعيد، أي أن مسار التاريخ هو تقدمي.

في أكثر من مقال ذكرتُ أن الجهات التي ناهضت الشعب العراقي بعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة، بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم، هي نفسها تناهض العراق الديمقراطي اليوم. والمشاكل التي واجهت الزعيم قاسم هي نفسها تقريباً تواجه السيد نوري المالكي. هذه المقاربة والمقارنة أغاضت الكثيرين مع الأسف الشديد، وحتى من الذين ناهضوا الزعيم قاسم في وقته ليستغلوا نزاهته في الطعن بالعراق الجديد لما يواجهه من مشاكل الإرهاب والفساد، وذلك بشخصنة هذه المشاكل وإلقائها على كاهل من وضعته الأقدار في موقع المسؤولية.

لم أقل أن السيد نوري المالكي هو نسخة من الشهيد عبدالكريم قاسم، فلكل إنسان شخصيته وظروفه. ولكن من المؤكد أن القوى الظلامية التي تكالبت على العراق في الداخل والخارج في عهد الزعيم قاسم هي نفسها اليوم تثير له المشاكل، مع الاختلاف في الوسائل وتسمية الاتهامات. فالتهمة في عهد تموز هي هيمنة الشيوعية على السلطة وأن قاسم شيوعي، والعراق صار تابعاً للإتحادي السوفيتي. أما اليوم فالتهمة هي هيمنة الشيعة على السلطة، والمالكي هو مشروع إيراني، والعراق صار مستعمرة إيرانية! وكذلك الجهات المتكالبة هي نفسها، البعث وحلفائه في الداخل، والحكومات الاقليمية مثل السعودية وقطر وتركيا وغيرها في الخارج.

والاختلاف بين العهدين، في عهد تموز كان التدخل عن طريق التآمر والانقلاب العسكري، أما اليوم فعن طريق المفخخات وإرسال الإرهابيين الوهابيين من بهائم القاعدة في حرب الإبادة الطائفية، والعبث بأمن العراق وقتل شعبه وتدمير مؤسساته الاقتصادية، وعرقلة تقدمه، وتنظيم الاعتصامات وإثارة الفتن الطائفية لضرب الوحدة الوطنية. 
 
ومع الأسف الشديد، انخدع البعض وحتى من المحسوبين على اليسار، متلحفين بلباس التقدمية وخاصة من دعاة الماركسية، فتراهم يفسرون النصوص الماركسية حرفياً بنفس طريقة الإسلاميين التكفيريين في التفسير الحرفي للنصوص الدينية. كذلك يحاولون استنساخ التجارب الثورية من بلدان أخرى دون أي اعتبار لاختلاف الظروف الموضوعية. فما قاله ماركس لحل مشاكل القرن التاسع عشر في أوربا يصلح لمشاكل القرن الواحد والعشرين وفي كل زمان ومكان!! وهذا في رأيي أحد أهم أسباب تراجع اليسار وانحساره في العراق والمنطقة العربية. فالصراع الطبقي ليس السبب الوحيد في حركة التاريخ، بل هناك عوامل أخرى مثل الصراعات العنصرية والدينية والطائفية وغيرها.

إن مهمة اليسار في العراق اليوم هي النضال من أجل العدالة الاجتماعية، وحماية ما تحقق من مكتسبات ديمقراطية وتطويرها، ومعالجة المشاكل التي تعرقل مسيرته نحو الأفضل. ولكن كالعادة، واصل هذا اليسار نفس النهج القديم الذي مارسه في العهد الملكي، أبلسة السلطة وإظهارها بالشر المطلق، أي نفس النهج الذي تمارسه فلول البعث والقاعدة اليوم في تخوين وتكفير الخصم لتبرير إبادته. فالمفروض بالقوى السياسية التقدمية مواجهة النواقص والخلل بالنقد البناء وتشخيص المشاكل ومعالجتها، بينما الذي يجري هو ترديد ونشر نفس الاتهامات التي تصنع في مختبرات البعثيين والطائفيين. وحلهم الوحيد لمعالجة المشاكل المتفاقمة والمتراكمة عبر قورن هو إسقاط النظام القائم ودون أن يكون لديهم البديل المعقول. فبالنسبة للبعثيين وحلفائهم هو عودة البعث للسلطة! 

يحاول هؤلاء عرقلة مسيرة العراق الجديد بأية وسيلة كانت ومها كلف الأمر، فما أن تحصل انتفاضة في أي بلد عربي حتى وراحوا يدعون الشعب العراقي بتقليدها والقيام بمثلها. فعندما حصلت انتفاضة الشعب المصري في 25 يناير 2011، التي أطاحت بحكم حسني مبارك، قاموا بتنظيم مظاهرات في ساحة التحرير في بغداد ومدن عراقية أخرى واختاروا يوم 25 شباط 2011، تقليداً لرقم 25 يناير للانتفاضة المصرية، وأما شباط، فكان لرد الاعتبار لشهر شباط الأسود وما يمثله من ذكريات مؤلمة للشعب العراقي إثر انقلاب الفاشيست عام 1963. طبعاً فشلوا، ولكن المهزلة أنه بعد أشهر، كتب أحد كتاب صحيفة (المدى) المعارضة، تمجيداً لتظاهرة 25 شباط 2011 فأطلق عليها صفة الانتفاضة الشعبية، وأن التاريخ سيذكرها في المستقبل كواحدة من ملاحم شعبنا الكبرى مثل ثورة العشرين!! (كذا)! وهي في الحقيقة لم تكن أكثر من عاصفة في فنجان نظمها البعثيون وأتباع القاعدة الذين نظموا فيما بعد الاعتصامات في المنطقة الغربية، وما دور اليسارويين إلا تابعين حيث ركبوا الموجة بحجة أنهم دائماً مع الجماهير!!.
وبعد انتفاضة الشعب المصري الثانية يوم 30 يونيو(حزيران) 2013 التي أطاحت بحكم محمد مرسي، تحركت شهية هؤلاء ثانية،لإعادة نفس التجربة الفاشلة، فراحوا يدعون شعبنا بالاقتداء بالشعب المصري والقيام بانتفاضة مماثلة للإطاحة بنوري المالكي!!

نسي هؤلاء أن لكل شعب ظروفه الموضوعية الخاصة ومبرراته المشروعة. فالثورات لا تقوم بإصدار فرمانات من أحد، بل هي نتاج ظروف موضوعية وتاريخية، لا يمكن أن يكتب لها النجاح ما لم تكتمل لها شروط نجاحها. فالربيع العراقي سبق الربيع العربي بـ 21 عاماً عندما هب الشعب بانتفاضته الكبرى في شهر آذار (شعبان) 1991، يوم سيطر الثوار على 14 محافظة من مجموع 18، ولولا تدخل السعودية، ولأسباب طائفية، في إقناع الرئيس الأمريكي بوش الأب في التخلي عنها، لسقط النظام البعثي منذ ذلك الوقت، ولما احتاج بوش الابن إلى حرب دولية أخرى لاسقاطه عام 2003. والجدير بالذكر أن نفس المحافظات التي عارضت الانتفاضة على صدام عام 1991 وقفت ضد تحرير العراق عام 2003، وهي نفسها التي وفرت المأوى لفلول البعث والقاعدة، والذين ينظمون فيها الآن الاعتصامات ضد النظام الديمقراطي بحجة التهميش و"تحرير العراق" من هيمنة الشيعة الصفوية وإيران المجوسية!!.

ينكر هؤلاء أن ما تريده الجماهير المصرية اليوم قد تحقق في العراق قبل عشر سنوات، فلأول مرة في التاريخ يمارس العراقيون ديمقراطية حقيقية، ليس عبر صناديق الاقتراع فحسب، بل وجميع الحقوق التي هي من صلب الديمقراطية. الاستنساخ الببغاوي يقود إلى كوارث، إذ تقول الحكمة: "التقليد هو تحية الأغبياء للأذكياء".

نصحنا مراراً أنه إذا كان غرض هؤلاء السادة من الدعوات للانتفاضة والحملات الاعلامية المضللة، وبث الإشاعات السامة هو إسقاط المالكي (وغيره من السياسيين)، فيمكن تحقيق ذلك ديمقراطياً وذلك بسحب الثقة منه ومن حكومته تحت قبة البرلمان. ولكن يبدو أنهم لم يجدوا على المالكي وفريقه مخالفات دستورية لإثارة غضب غالبية الشعب عليه، لذلك لجئوا إلى اختلاق الأكاذيب ونشر الإشاعات. نحن لا نريد الدفاع عن المالكي وغيره من السياسيين، إذ هناك فساد وإرهاب، ولكن لا يمكن معالجة هذه الأمراض بالإشاعات المسمومة والهدم والحملات التسقيطية، بل بالنقد الإيجابي البناء والمساهمة في إصلاح الوضع.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا بقى المالكي على رأس السلطة التنفيذية لحد الآن رغم المعارضة الشرسة ضده، بينما معارضوه في تراجع وانحسار؟
في يوم 18/6/2013 ظهر أياد علاوي في برنامج (Hard talk) لبي بي سي، وكانت تلك الحلقة من تقديم الإعلامية القديرة سارة مونتكيو. فسألته عن سبب توتر العلاقة بينه وبين المالكي، فقال: أن المالكي دكتاتور ومدعوم من إيران. ولما سألته عن سبب فشله في كسب الكتل السياسية مثل الكتلة الكردستانية لتشكيل الحكومة برئاسته بينما نجح المالكي في ذلك؟ فردد نفس الحجة: "تدخل إيران!". وراح يلقي على إيران فشله في كل مجال. فسألته: إذا كان المالكي دكتاتوراً ومدعوماً من إيران، فلماذا شاركتَ في حكومته؟ فأجاب: "أن كتلته اسحبت من حكومة المالكي". فردت عليه: "ولكن ثلاثة من وزراء كتلتك مازالوا في الحكومة؟". فقال أنه فصلهم ولم يعودوا أعضاء في كتلته. ومن هنا جاءت الضربة القاضية إذ ردت عليه قائلة: "إذنْ، أنت فقدتَ السيطرة على كتلتك، وحتى وزرائك لم يطيعوك، وفي جميع الأحوال تلقي اللوم على المالكي وإيران؟". 
حقاً كان موقفاً بائساً ومحرجاً لعلاوي كشف فيه ضعفه إلى حد أني لأول مرة شعرت بالشفقة عليه. السبب الحقيقي الذي ينكره علاوي لفشله هو أنه لا يختلف عن صدام حسين، واستخدامه أساليب بعثية في زمن غير بعثي. والكتل السياسية الأخرى وغالبية الشعب يعرفون أنه لو كان قد نجح في تشكيل الحكومة برئاسته لأعاد البعثيين إلى السلطة وتحت أسماء أخرى وبلباس ديمقراطي زائف. 

إن سبب بقاء المالكي صامداً في وجه الأعاصير رغم كل المحاولات الداخلية والخارجية للإطاحة به هو لأنه يقف إلى الجانب الصحيح من حركة التاريخ، بينما خصومه في تراجع وانحسار لأنهم يقفون في الجانب الخطأ من التاريخ. فنحن نعيش في قرن الحادي والعشرين، قرن الديمقراطية وانتصار الشعوب. ولذلك راح أعداء الديمقراطية وأعداء المالكي يسقطون الواحد تلو الآخر في الداخل والخارج. فها هو خصمه اللدود أياد علاوي تفككت كتلته وتخلى عنه حتى وزراءه وانضموا إلى حكومة المالكي. وقادة الاعتصامات يبحثون الآن عن مخرج يحفظ لهم ماء الوجه بعد أن سقط ممولوهم. أما أعداءه في الخارج، فهاهو بشار الأسد الذي كان يرسل الإرهابيين إلى العراق انقلبوا عليه وهو في محنة، أما أردوغان الذي كان يدعم ويثير الفتن الطائفية ويأوي قادة الإرهابيين مثل طارق الهاشمي وعدنان الدليمي، وينظم لهم المؤتمرات للإطاحة بحكومة المالكي، يواجه اليوم انتفاضة شعبية في بلاده يمكن أن تسقطه، وأما الشيخ حمد بن خليفة، أمير قطر، فقد أزيح عن الحكم وصار في خبر كان، ومفتي الإرهاب،  القرضاوي طرد تلاحقه لعنات ذوي الشهداء،  ومحمد مرسي الذي كان أحد مثيري الفتن الطائفية سقط إلى غير رجعة.
ومقابل سقوط هؤلاء، بقي المالكي صامداً يواصل عمله بهدوء وحكمة وصبر جميل مع السياسيين المخلصين في حل الملفات العالقة، والمشاكل المتراكمة، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.

دروس وعبر
ومن كل ما تقدم، نستنتج عدة دروس جديرة بالاعتبار إذا تبناها من يهمهم الأمر من سياسيين وكتاب، وفرنا على شعبنا الكثير من الآلام والخسائر في الجهد والوقت، وعجلنا في بناء دولته العصرية الديمقراطية التي نحلم بها. على المثقفين أن يتخذوا موقفاً تقدمياً منسجماً مع حركة التاريخ. فالتقدمية ليست ادعاءات وشعارات براقة، والتمسك الأعمى بأيديولوجيات انتهى مفعولها، بل القدرة على فهم المرحلة التاريخية التي نعيش فيها، والتجاوب الصحيح مع متطلباتها. وأخيراً، نعيد ما قلناه في مقالنا السابق: أن كل ما بني على باطل فهو باطل، وفي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


361
في مواجهة الدعايات المضلِّلَة

د.عبدالخالق حسين

بين حين وآخر أعود إلى موضوع الدعايات المضادة والإشاعات المسمومة كلما استجد منها، والتي يصنع معظمها ويبثها فلول البعث والمتعاطفون معهم من الإعلام العربي لتشويه صورة العراق الجديد. ولدي قائمة طويلة من هذه الاشاعات والأكاذيب، وهي غيض من فيض ولولا الرغبة في تفادي الإطالة لأدرجتها في الهامش، وقد ذكرت بعضاً منها في مقالات سابقة.

تضليل الرأي العام في الدعاية المضادة هو جزء من الحرب الإعلامية والنفسية بين الخصوم السياسيين، تستخدم في كل زمان ومكان، ولكن درجة تأثيرها يعتمد على مهارة صناع الإشاعة ودقة فبركتها، ومستوى الوعي الثقافي والسياسي للشعب الذي يتلقى هذه الدعاية. وللأسف، فإن ذهنية الشعب العراقي خصبة جداً لتصديق الإشاعات، خاصة إذا كانت موجهة ضد الحكومة وأيٍة حكومة كانت، وذلك بسبب الموروث الاجتماعي من العداء الدائم بين الشعب والسلطة منذ قديم الزمان. كما وساعدت التكنولوجيا على تسهيل فبركة الأكاذيب وإظهارها وكأنها حقيقة لا تقبل الشك، إذ يقول المثل" كذب مسفط خير من صدق مخربط"، إضافة إلى سهولة نشر هذه التلفيقات بسرعة البرق وعلى أوسع نطاق عن طريق الفضائيات والانترنت.

حقيقة أخرى جديرة بالذكر، وهي أن في العراق كل من يرفض تصديق الأكاذيب الموجهة ضد مسؤول حكومي يتهم بأنه يدافع عن الحكومة، فالمفروض بمتلقي الإشاعة أن يصدقها، أو على الأقل أن يسكت!. سأذكر في هذا المقال نماذج "طازجة!" من هذه التلفيقات، نشرت مؤخراً في وسائل الإعلام، أو وصلتنا عن طريق الإيميل، وسأدرج روابط ما توفر منها في الهامش، تاركاً الحكم للقراء الكرام. ودوري هنا لا يتعدى نقل بعض هذه التلفيقات بإيجاز شديد، وردود بعض السادة الأفاضل ممن يهمهم الأمر، ومن أصحاب الخبرة الذين تصدوا لها مشكورين لتنوير الرأي العام في قول الحقيقة، عملاً بالحديث الشريف: "الساكت عن الحق شيطان أخرس".

فمنذ سقوط حكم البعث نشاهد حملة تسقيطية واسعة وشرسة لتشويه صورة العراق الجديد، وضد المسؤولين في الدولة وخاصة الذين من خلفية مذهبية معينة، وبدوافع سياسية وطائفية، الغرض منها تصفية حسابات. هناك مبدأ قانوني يفيد: "المتهم بريء حتى تثبت إدانته". ولكن في العراق يريد الإعلام أن يكون هو القضاء وهو الحكَم، وإذا ما برأت المحكمة المتهم، اتهموا القضاء بأنه مسيَّس. في العالم المتحضر لا يجوز ترك الأحكام إلى الإعلام، وقد عاقب القضاء في الغرب العديد من المؤسسات االإعلامية بغرامات كبيرة جداً عندما وجهوا تهماً لشخصيات أثبت القضاء زيفها وبراءة المفترىَ عليه.

أدناه نماذج من الافتراءات الجديدة:
1- خبر مفاده قيام وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني بمحاولة شراء نادي سوانزي سيتي، أجتزئ من التقرير ما يلي:
لندن/ المستقبل نيوز: "رفضت محكمة سوانزي مشروع بيع نادي سوانزي سيتي بطل كأس الأندية المحترفة وتاسع الدوري الإنكليزي البريمر ليغ للموسم 2012 – 2013 للقيادي في حزب الدعوة ووزير التجارة السابق عبدالفلاح السوداني المطلوب للقضاء العراقي لإدانته بالفساد...." (1)
ومن قراءة التقرير، وما تلاه من مقالات، يلمس القارئ اللبيب أن التقرير ملفَّق. و رد عليه الشاعر والإعلامي المعروف الأستاذ فالح حسون الدراجي في مقال له بعنوان: (فلاح السوداني .. شهيد الخلافات السياسية!!)(2)، جاء فيه: "... إن الأمور إتضحت على حقيقتها أمس، حين أتصل بي أحد الزملاء الصحفيين العراقيين المقيمين في لندن، ليخبرني بأنه اتصل بإدارة النادي أمس، وعرض عليها الخبر المنشور في عدد من الصحف العراقية، ومواقع الأنترنيت، مستفسراً عن مدى صحته، فجاءه الجواب، مصحوباً بالدهشة والإستغراب، وبالنفي القاطع جملة وتفصيلاً لما نشر، مع النفي الأشد لفكرة بيع النادي!! ". ويضيف الأستاذ الدراجي في ختام المقال: " نعم، لقد ظلِم السوداني، ولم يزل يُظلَم حتى هذه الساعة، بخاصة وإنه الضحية الأكبر في مسلخ الخلافات، والحروب، والتنافسات السياسية والطائفية والمصلحية.. فهو البريء من الوريد الى الوريد، بشهادة القاضي ستار ورور رئيس محكمة جنايات الرصافة السابق، الذي أعلنها بصراحة أمام العالم كله حين قال: لقد أشرفت على محاكمة عبد الفلاح السوداني شخصياً، وتابعت ملفه القضائي مفردة مفردة، ولم أترك، أو أهمل شاردة، أو واردة في قضيته إلا وعالجتها، فلم أرَ له غير البراءة قط. فهو ليس بريئاً فحسب إنما هو مظلوم أيضاً." (2)

2 - إعتقال العطية بلندن بتهمة تبييض أموال الحسينيات (الأحد، 23  حزيران، 2013).
تلقيت هذا الخبر عبر البريد الإلكتروني (الإيميل) جاء فيه: "اعتقلت السلطات البريطانية خلال الساعات الاخيرة رئيس كتلة ائتلاف دولة القانون البرلمانية ‏‏"ألشيخ" خالد العطية في مطار هيثرو بلندن حاملا اوراقا نقدية بمليون دولار واتهمته بممارسة عمليات ‏تبييض اموال.‏.. الشيخ خالد العطية وهو قيادي من دولة القانون معمم وبجنطته مليون دولار جمعها من رواتبه ليتبرع بها الى حسينيات بريطانيا.." . ويسأل كاتب الرسالة: "السؤال هو كم عائلة شيعية نعم شيعية وليس سنية او مسيحية بحاجة الى اعانة يسدون بها رمق اطفالهم؟ يا ناس يا عالم .. ان الله  يمهل ولا يهمل ...صدقوني وراس الحسين."

تبين فيما بعد أن مصدر هذا "الخبر" هو صادق الموسوي أدلى به خلال مقابلة مع قناة البغدادية. وللأسف الشديد، نجح في تمرير هذا التلفيق التحريضي على الكثيرين وبينهم أشخاص حذرون لا يشك في إخلاصهم للعراق، فراحوا يعممونه كل حسب دوافعه. وأخيراً جاء الرد من الشيخ خالد العطية نفسه في تقرير نشر على وسائل الإعلام، أدرج رابطه أدناه، (3)، جاء فيه: "بغداد (المسلة) - اكد رئيس كتلة دولة القانون النيابية الشيخ خالد العطية، الاثنين، انه أقام دعوى قضائية ضد رئيس مؤسسة العراق للإعلام صادق الموسوي في المحاكم البريطانية على خلفية ادعاء الاخير بتوقيف العطية في مطار هيثرو بلندن بسبب اصطحابه لحقيبة تحوي ملايين الدولارات في برنامج عرض من على شاشة قناة البغدادية. واضاف ان "خبر حملي لحقيبة مليئة بالدولارات غير صحيح ومفبرك ولم احمل اي حقيبة فيها اي مبلغ وهذا الخبر يكذب نفسه بنفسه حيث لم تتطرق له أي وسيلة اعلام ولا قنوات الحكومة البريطانية والحقيبة الدبلوماسية لا يحملها إلا دبلوماسي مسجل في السفارة وأنا لست بدبلوماسي".

3-  ايران تسرق نفط العراق بموافقة المالكي
تقرير آخر يبدأ بعبارة: (عاجل عاجل)، وصلني عبر البريد الإلكتروني من صديق معروف بمناهضته  للبعثيين، وحرصه على العراق، وقدعمم هذا التقرير التلفزيوني بدوافع وطنية، جاء فيه: "إيران تسرق النفط العراقي ومن ثم تعود لبيعه للعراق وبموافقة عراقية. برفض العراق الى مراقبة استخراج النفط عبر الاقمار الصناعية، او بوضع عداد الكتروني على بعض الحقول المشتركة. تنبيه هام: هناك حقول هي عراقية وتقع في الاراضي العراقية وليست مشتركة. من لا يصدق، عليه بمشاهدة هذا الفديو".

والفيديو بثته قناة العربية السعودية، ومن يشاهده يرى مدى التألم الكاذب على وجه مقدم التقرير المدعم بالصور والخرائط تداخلت فيه عمليات البرمجة الإلكترونية (animation)، ليضمن تمريرها على المشاهدين، خاصة وأن أدعى أن التقرير من تأليف "مركز دراسات" في الغرب!. الملاحظ من أول التقرير إلى آخره أن الغرض هو إثارة عداء العراقيين والعرب ضد إيران والسيد نوري المالكي.(3).

وأخيراً رد الخبير النفطي العراقي الأستاذ حمزة الجواهري مشكوراً، في رسالة موجزة بعثها للصديق الذي عمم التقرير جاء فيها: "هذا التقرير اعدته [الفضائية] العربية، وكما هو معروف أن العربية همها الأول والأخير الإيقاع بين العراق وإيران. التقرير يقول أن حجم المشتقات الإيرانية التي تباع للعراق هو أربعة ملايين برميل يوميا، وهذا يفضح مدى الكذب والفبركة في التقرير، لأن كل التصدير العراقي لا يزيد على مليونين ونصف برميل يوميا، ولا يملك العراق موانئ لتصدير المشتقات اطلاقا، فإذا كان العراق لا يستطيع تصدير اكثر من مليونين ونصف مليون برميل نفط خام، كيف يستطيع تصدير اربعة ملايين برميل مشتقات لصالح إيران؟ التقرير تنقصه اللغة المهنية والمعلومات والكثير من المعلومات التي وردت به ما انزل بها من سلطان، فهو تقرير اعلامي بامتياز وتحريضي خبيث بامتياز أيضا."

ثم جاء رد ثان تأييداً لرد الأستاذ حمزة الجواهري من خبير نفطي آخر وهو الأستاذ ضياء البكاء، مدير عام سابق في وزارة النفط، في رسالة جاء فيها:
"فعلا إن تقرير العربية يستفز كل من يتوخى الموضوعية والمهنية وهو تقرير دعائي لا يستند إلى الحقيقة بل الى الفبركة والتهويل وإلى مركز دراسات لا نعرف من هو القائم بإدارته ولا درجة الوثوق بإستنتاجاته. ومن أبرز نقاط ضعف التقرير هو إنه يجعل حجم السرقة المزعومة من الحقول الحدودية أكبر حتى من  مجموع إنتاج هذه الحقول مجتمعة وهذا ما لا يقبله المنطق، ولا يبين التقرير أيضا كيف يتم نقل الكميات" المسروقة" وهي كبيرة وبأي واسطة !!؟؟ كذلك  لا نعرف كيف أحتسب التقرير "مركز الدراسات" إحتياطيات الحقول الحدودية  بأكثر من 100 مليار برميل أي حوالي 70 بالمئة من الإحتياطيات النفطية الإجمالية في العراق علما أن غالبية الحقول الحدودية ذات إحتياطيات متوسطة، وكيف يخطأ في حجم  إستيراد العراق للمنتجات النفطية (الديزل) من  إيران من واقع 2-4 مليون لتر يوميا حوالي 12 - 25  الف برميل يوميا إلى 4 مليون برميل يوميا " البرميل حوالي 160 لتر" أليس ذلك من قبيل المبالغة والتهويل؟" .

4- الخطاب المنسوب للجنرال الأمريكي جورج كيسي، والمزعوم أنه ألقاه في احتفال "منظمة مجاهدي خلق" الإيرانية في باريس، والذي ادعى فيه أن إيران هي التي فجرت المرقدين في سامراء، يبدو أنه ملفق. فبعد نشر مقالي السابق بعنوان: (لماذا الآن اتهام إيران بتفجير المرقدين في سامراء؟) كتب لي صديق، وهو إعلامي قدير قائلاً: 
"تابعت هذا الموضوع وبحثت طويلا عن مصدر يؤكد الفيديو الذي بثته القناة الاخبارية المشبوهة
وفيه ترجمة مركبة على صوت قديم للجنرال كيسي، فلم اجد اي شيء، ولم يصدر عن امريكا ما يؤكد وقوع مثل هذا الخطاب. عندي معلومات ان وراء فبركة ونشر الفيلم هو (....  ....) شخصيا" [وذكر اسم الشخص، أتحفظ على ذكره لأسباب قانونية]. ويضيف الصديق: "اكرر القول هنا، الفيلم مصنوع، يمكنك ان تخاطب وزارة الخارجية الامريكية وتسألهم عن حقيقة الخطاب وسترى بماذا يجيبوك". أنتهى
 
وبدوري راجعت غوغل عسى أن أعثر على الخطاب المنسوب للجنرال كيسي فلم أفلح. كما ويوجد عندي رابط عن احتفالات "مجاهدي خلق" في باريس ليس فيه أية إشارة إلى حضور الجنرال الأمريكي، لذا وعلى الأغلب، فالخطاب المزعوم هو ملفق رغم أني صدقت به في أول الأمر، بسبب الضجة التي افتعلها المعتصمون في المنطقة الغربية حول تصريحات الجنرال الأمريكي المزعومة.

5- محاولة البعض المتاجرة بمآسي الآخرين وتجييرها لأغراضهم الطائفية والسياسية.

وأخيراً وليس آخراً، وصلتني قبل أيام من صديق عزيز، رسالة مؤلمة عن فاجعة اغتيال الدكتور أحمد شاكر، بعنوان: "امام انظاركم الكريمة تعليق لعراقي أصيل .. وحسب علمي انه يعرف الشهيد المغدور حق المعرفة. خبر مؤلم عن استشهاد الدكتور أحمد شاكر". بقلم الدكتور محمد الحسوني، (لست متأكداً، هل هو اسم حقيقي أو مستعار).
وأنا إذ أعرب عن حزني العميق لإستشهاد الزميل الدكتور أحمد شاكر، وأدين الجريمة بأشد ما يمكن من كلمات، وأصب اللعنات على المجرمين القتلة الذين عاثوا بأمن بلادنا واغتالوا الأبرياء من جميع الفئات، ومنهم أصحاب الخبرات لشل العقل العراقي، ولكن في نفس الوقت أدين كل من يتاجر بمأساة الضحايا من أبناء شعبنا لأغراض طائفية وسياسية ويستخدمها لإشعال الفتن.
يبدأ كاتب الاستغاثة بعبارة: "ساسة طائفيون سفلة يقايضون أمننا وسلمنا الاجتماعي بصمتنا عن الفساد واللصوصية والفشل". ثم يطرح أسئلة من نوع (قول حق يراد به باطل)، وتلافياً للإطالة، أذكر بعضاً من هذه الأقوال (الأسئلة) مع تعليقي عليها.
لا بد وأن يلمس القارئ اللبيب النفس الطائفي في تجيير هذه الفاجعة الأليمة لصالح البعث وحلفائه، إذ نعرف قدرة البعثيين على قتل القتيل والسير في جنازته، وإلقاء التهمة على خصومهم.
معظم الأسئلة هي تحريضية ضد طائفة معينة، وضد أناس لا ذنب لهم في هذه الجريمة لخلط الأوراق، إذ يقول: "هل تعلمون أنه (أي الشهيد المغدور) إختصاص غدد صماء يا أهل العقول الصماء؟".

يا ترى، من هم أهل العقول الصماء؟ إذا كان يقصد القتلة المجرمين الحقيقيين فأنا معه. ولكن من قراءة الأسئلة اللاحقة نرى أنه يريد إبعاد التهمة عن المجرمين الحقيقيين وإلقائها على أناس هم أنفسهم مشاريع ذبح من قبل البعثيين وحلفائهم التكفيريين، حيث يواصل طرح أسئلته متظاهراً بحرقة من هول الفاجعة فيقول: "هل تعلم أنه استاذ كلية طب بغداد يا وزير التعليم الأصم؟". و"هل تعلمون أنه طبيب يا نقابة الأطباء الصماء البكماء؟". إذنْ، وزير التعليم "الأصم" ونقابة الأطباء "الصماء البكماء" هم الذين يوجه لهم تهمة قتل الشهيد الدكتور حامد شاكر، أو كان بإمكانهم حمايته من القتل.
ولكن هذا ليس نهاية بيت القصيد، فيضيف: "هل تعلمون أنه (أي القتيل) سني وسمى ولديه منتظر والسجاد يا أصحاب العقائد الصماء؟"
يعني أن القتلة هم شيعة والمغدور هو سني ولم يسلم السني من انتقام الشيعة له حتى ولو سمّى ولديه أسماءً شيعية (منتظر والسجاد). أي أن الشيعة "أصحاب العقائد الصماء" هم الذين قتلوه!! وبذلك يبعد التهمة عن القتلة الحقيقيين من البعثيين والقاعدة التكفيريين، ولا استبعد أنهم قتلوه لأنه سمى ولديه بأسماء شيعية.

والأشد هولاً هو دعوته للأطباء بالإضراب العام!! إذ لا أعرف كيف يسمح كاتب "الاسثغاثة" لنفسه، وعلى الأغلب هو طبيب، إذ وضع لقب (دكتور قبل اسمه)، بتحريض الأطباء على الإضراب لشل عمل المستشفيات. فهذا ليس منطق طبيب أدى القسم الطبي (قسم أبوقراط) يوم تخرجه من كلية الطب (أن لا يلحق ضرراً بمريض). فما ذنب ألاف المرضى بجريمة بشعة ارتكبها إرهابيون سفلة نعرف لأية جماعة قتل ينتمون، ومن يفتي لهم ويغريهم بأن قتل العراقيين هو مفتاح لبوابة الجنة، والتمتع بحور العين!!.

وراح "المستغيث" الدكتور محمد الحسوني في تساؤلاته إلى أبعد من ذلك، يدعو الشعب العراقي كله ويحاول أن يحرك فيهم "الغيرة" لينتفضوا على "رأس السلطه التنفيذية " ويقصد نوري المالكي طبعاً، كما انتفض الشعب المصري على مرسي، فيقول: ((أيها العراقيون وهل تعلمون شيئاً بسيطاً هو أن الشعوب تقرر مصيرها... أخيراً هل تشاهدون شعباً يظهر على التلفزيون اسمه شعب مصر؟ .. ألا تغارون؟.. لم يقتلوا منهم أستاذاً أو مئات الأطباء والأساتذة ولم يسرقوهم لـ 10 سنوات ..سنة واحدة فقط بعده مرسي ماحاك راسه ...لا ماكو داعي المقتول طبيب سني اسمه أبو منتظر أبو السجاد ....من المسؤول عن أمنه؟ محمد مرسي !!!!!؟ )).
ثم يحرض على الإضراب العام فيقول: "هل تم إلغاء مصطلح الإضراب وحل مكانه مصطلح الإرهاب ...اليوم على د.احمد وغداً على الباقين...أضربووووووووا يا أطباء العراق، أضربوا لكي تتحرك غيرة المسؤولين لحمايتكم متى تضربون؟؟؟  كفى دم." أنتهى.

السؤال هنا، هل هذه هي الطريقة الصحيحة لتأبين عزيز استشهد على أيدي شذاذ الآفاق من القتلة، ونحن نعرف أية طائفة عانت أكثر من الإرهاب البعثي- الوهابي ودفعت عشرات الألوف من القتلى؟ وهل يقبل أهل الشهيد الدكتور أحمد شاكر أن يستغل أحد فاجعتهم، ودم فقيدهم لأغراض طائفية وسياسية يتاجر بها بهذا الشكل المفضوح؟
لم أسمع بالدكتور محمد الحسوني من قبل، وقد يكون هذا اسمه الحقيقي، ولكني أشك في ذلك، وأعتقد أن اختياره لهذا الاسم ليس صدفة، وإنما لغرض. فقد أختار اسماً قريباً من اسم طبيب معروف وهو الصديق الدكتور محمد حسون، (وليس الحسوني)، ليوهم القراء أن الذي يتهم الشيعة "أصحاب العقائد الصماء" بقتل طبيب سني هو أيضاً شيعي وليس بدوافع طائفية!!؟

ما العمل؟
إن ما يواجهه العراق اليوم من حملات التضليل والتشويه يشبه ما واجهه العراق في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم من أبواق الدعاية المصرية الناصرية التي كانت تشنها إذاعة صوت العرب والبوق الأكبر أحمد سعيد، إضافة إلى الاعلام العربي وبقية الجوقة في الداخل والخارج. واليوم الدعاية أشد ضراوة وشراسة، نظراً للتطور المذهل في تكنولوجية صنع الأكاذيب ووسائل الاتصال. صحيح أن مواجهة الإعلام المضلل واجب جميع المثقفين الوطنيين، ولكن المثقفين هم أيضاً منقسمون على أنفسهم شأنهم شأن السياسيين. لذلك أقترح على المسؤولين في الإعلام الرسمي تشكيل جهة تضم عدداً من إعلاميين نهمتهم مراقبة وسائل الإعلام، وخاصة ما ينشر على مواقع الانترنت من أكاذيب وإشاعات مسمومة، لمحاربتها وفضحها وتفنيدها أولاً بأول.
نؤكد للسادة من صناع الإعلام المضلل أن كل ما بني على باطل فهو باطل، فحبل الكذب قصير، وفي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالموضوع
1 بريطانيا ترفض بيع نادي «سوانزي سيتي» لفلاح السوداني
: http://www.sotaliraq.com/mobile-news.php?id=106720#ixzz2XuIBPofP

2 فالح حسون الدراجي : فلاح السوداني .. شهيد الخلافات السياسية !!
http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=25055

3 ايران تسرق نفط العراق بموافقة المالكي
http://www.youtube.com/watch?v=gjv1vUTp2gU

362
مصير الديمقراطية في مصر

د.عبدالخالق حسين

منذ بدء الانتفاضة المصرية الثانية يوم 30/6/2013 لخلع الرئيس المنتخب السيد محمد مرسي، وأنظارنا، كما أنظار كل العالم، متجهة إلى مصر المحروسة، وأيدينا على قلوبنا خوفاً من أن يحصل المكروه، إذ هناك من يراهن على الحرب الأهلية. فبعد عام من فوز حزب الأخوان المسلمين بالسلطة عبر صناديق الاقتراع، نفذ صبر الشعب المصري من سوء أدائهم فقام بالمرحلة الثانية من ثورته التي بدأها يوم 25 يناير 2011 لخلع الرئيس الأسبق حسني مبارك، من أجل ثلاثة أهداف رئيسية: "الخبز، والحرية، والعدالة الاجتماعية"، إذ فشل الرئيس مرسي (الأخواني) وحزبه الحاكم في تحقيق أي من هذه الأهداف.

كانت الاحزاب الإسلامية تردد منذ عشرات السنين أن "الإسلام هو الحل"، أي حل مشاكل القرن الحادي والعشرين بقوانين مر عليها 14 قرناً، ودون الاعتراف بالعلم وما حصل من تطورات مذهلة على الحياة في جميع المجالات. فالشعوب العربية تطغي عليها نزعة المحافظة والتدين، وقد عانت الكثير من استبداد حكومات فاسدة وجائرة أدعت العلمانية، لذلك تأثرت نسبة كبيرة من هذه الشعوب بشعارات الأحزاب الإسلامية فمنحتها أصواتها في الانتخابات بعد انتصار ثورات الربيع العربي.

أكدنا مراراً على أن أفضل طريقة للتخلص من الإسلامويين هو استلامهم السلطة لوضع شعاراتهم على المحك، لأننا كنا واثقين من أنهم سيفشلون، إذ لا يمكن معالجة أمراض اليوم إلا بطب الحديث، وليس بوصفات القرون الغابرة مثل الحروز والتعاويذ والطلاسم، وحفلات الزار...الخ!!. لذلك نعتقد أن فوز الإسلاميين في تونس ومصر قبل عام كان خطوة "رائعة" وفق مقولة "رب ضارة نافعة" للتخلص منهم، وإلا سيواصلون التأثير على ذهنية الجماهير برفع شعارهم: (الحل في الإسلام) وامنحونا الفرصة لنجرب!.

كذلك نعرف من التجربة الجزائرية الدموية المريرة عندما حصد الإسلاميون في الجولة الأولى من الانتخابات عام 1992 غالبية الأصوات، مما أثار رعب الكثيرين في الجزائر وخارجها من الهجرة الجماعية، وفرض حكم "الشريعة"، لذا قامت الحكومة العسكرية بإلغاء الانتخابات ونتائجها، وكان ذلك في رأينا، خطأً كبيراً لأنه أدى إلى حرب أهلية دامت أكثر من عشر سنوات راح ضحيتها نحو ربع مليون قتيل. أعتقد أن مرحلة استلام الاسلاميين للسلطة ما بعد إسقاط الحكومات العربية المستبدة عقب انتفاضات الربيع العربي، مرحلة لا بد منها، بل وربما ضرورية لفضح حقيقة الإسلاميين.

إن مشاكل الشعب المصري، وكأي شعب من الشعوب العربية والعالم الثالث، كبيرة جداً وخاصة الاقتصادية منها، لا يمكن حلها بعصا سحرية، وبعقلية ميتافيزيقية دينية لا تؤمن بالوسائل العلمية والحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان و تحرر المرأة...الخ، خاصة ونحو 70% من السكان لم يتجاوزوا الثلاثين من العمر، وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب نحو 40% أغلبهم من المتعلمين وخريجي الجامعات، بلا أمل في المستقبل، وفي هذه الحالة لا بد وأن يثوروا، إذ ليس لديهم ما يخسرونه.

لقد منح الشعب المصري الإسلاميين، الفرصة للكشف عن نواياهم الحقيقية من الديمقراطية، وقدراتهم على حل مشاكل الشعب الاقتصادية المتفاقمة. بالتأكيد لا يمكن لأي نظام حكم أن يحل مشاكل الشعب المصري في سنة واحدة، ولكن هذه السنة أكدت فشل الرئيس الأخواني الدكتور محمد مرسي وفريقه في هذا الامتحان. إذ فشلوا في الديمقراطية، لأن مرسي تصرف وكأنه حاكم مستبد يتخذ القرارات كما يشاء، وأنه رئيس للإسلاميين فقط وليس لكل الشعب المصري، وضيَّق الخناق على الحريات وعلى السلطة القضائية وعلى الإعلام، وراح يحكم مصر بنظام إسلامي صارم لا يختلف عن حكم طالبان في أفغانستان. ونتيجة لهذا الفشل، نفد صبر المعارضة التي انضمت إليها غالبية الشعب بمن فيهم نسبة كبيرة من الذين صوتوا لمرسي، فنظمت الحراك الجماهيري الأخير في غاية الحكمة والتنظيم والتكتيك، وقامت بانتفاضتها الثانية يوم 30/6/2013. كما وقام الأخوان المسلمون بمظاهرات مضادة، مما أدى إلى صدامات بين جماهير المعارضة لمرسي والجماهير المؤيدة له، فوقع نحو 30 قتيلاً ومئات الجرحى، الأمر الذي هدد بانزلاق البلاد إلى حرب أهلية خطيرة. وفي هذه الحالة، فالجيش المصري لا يمكن أن يبقى متفرجاً، إذ من واجبه الوطني التدخل وحماية الشعب من كارثة محتملة. وهكذا فإن الانتفاضة الشعبية سبقت تحرك الجيش، أي أن الجيش استجاب لرغبات الغالبية العظمى من الشعب في لحظة تاريخية حاسمة بل وضرورية لتجنب الانزلاق إلى حرب أهلية.

لذلك فقد تصرف الجيش بقيادة وزير الدفاع، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بحكمة وعقلانية، لإخراج البلاد من أزمته، ومنح الرئيس مرسي وقيادات المعارضة 48 ساعة مهلة للتباحث والوصول إلى حل معقول، وإلا فإنه سيتدخل لحل الأزمة على طريقته وفق "خارطة الطريق" التي تضمنت، كما تبين فيما بعد: "تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، ومراجعة تعديلات دستورية مقترحة، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة."

كان المفروض بالرئيس مرسي تبني المرونة والتصرف بحكمة، ووضع مصلحة الشعب والديمقراطية فوق مصلحته الشخصية والحزبية، ولكنه بدلاً من ذلك واجه العاصفة بتعنت، فألقى خطابا طويلاً ومملاً عشية انتهاء المهلة، شدد فيه على تمسكه بـ"الشرعية" التي اكتسبها عبر صناديق الاقتراع في انتخابات الرئاسة العام الماضي، وأنه مستعد أن يموت في سبيلها.

كان على مرسي الاجتماع  بقادة المعارضة لبحث الأزمة معهم، وتشكيل حكومة إئتلافية، أو من التكنوقراط المستقلين، وإعلان موعد لانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، وكان من حقه إعادة ترشيح نفسه. أعتقد لو اتخذ مرسي هذا القرار، لما تدخل العسكر، ولما أوصل البلاد إلى هذا الوضع المخيف الذي يهدد بحرب أهلية على غرار ما حصل في الجزائر في التسعينات.

لقد فاز مرسي بنسبة 52% من الذين شاركوا في انتخابات العام الماضي، وإذا ما أخذنا في نظر الاعتبار أن نسبة المشاركين كانت في حدود 50% من الذين يحق لهم التصويت، لعرفنا أن الذين صوتوا لمرسي لا يزيد على 26% من الذين يحق لهم التصويت، أي أن نحو ثلاثة أرباع الشعب المصري لم يصوتوا له، وهذا يجعله في موقف ضعيف، كان عليه أن يتصرف بمنتهى الحكمة.

ومهما قيل عن تحرك الجيش بعزل محمد مرسي مساء الأربعاء، 3/7/2013 بعد انتهاء المهلة، هو في رأينا انقلاب عسكري رغم أن العسكر ينفون ذلك، ولكنه انقلاب ضروري ومبرر جاء في لحظة تاريخية حاسمة وخطيرة، استجابة لرغبة غالبية الشعب لدرء ما هو أسوأ. وحسناً فعل العسكر في عدم تسلمهم أي منصب في السلطة الانتقالية، إذ تم تكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور لتولي منصب رئيس البلاد بصورة مؤقتة، والذي أدى اليمين الدستورية يوم الخميس 4/7/2013.



اعتراضات على تدخل الجيش
هناك اعتراضات كثيرة مشروعة من مؤيدي مرسي، ومن خارج البلاد أيضاً على تدخل الجيش وعزل رئيس منتخب من الشعب ومهما كانت نسبة الذين صوتوا له. ولكن السؤال هو حول مدى عدالة وسلامة هذا الموقف؟ أيهما أفضل، التمسك بالدوغمائية "الشرعية" وترك البلاد تنزلق في فوضى عارمة وحرب أهلية لا تعرف عواقبها الوخيمة، أم أن يتدخل الجيش لفرض النظام، وحل معقول لحماية الشعب ومستقبل الديمقراطية نفسها؟
أعتقد أن الحل الثاني هو الصحيح لأن اختارته غالبية الشعب المصري. قد يبدو غريباً أن يرحب الشعب بتدخل العسكر ليخلصهم من رئيس منتخب ديمقراطياً. ولكن يجب أن نعرف أن الانتخابات وحدها لا تعني كل شيء في الديمقراطية، إذ هناك حقوق الأغلبية والأقلية، ولا تعني أن يتصرف الحاكم المنتخب كدكتاتور، وإلا صارت دكتاتورية منتخبة. لا ننسى أن هتلر جاء إلى السلطة عن طريق الانتخابات ولكنه قاد إلى كوارث الحرب العالمية الثانية. فهل يعتبر خطأً لو كان الجيش الألماني قد بانقلاب ضد هتلر المنتخب وتجنيب العالم حرباً عالمية؟ وفعلاً كانت هناك محاولات من قبل البعض للتخلص من هتلر، ولكن تم اكتشاف محاولتهم واعدموا. لذلك أرى أن تدخل الجيش المصري كان عملاً صحيحاً فرضته ظروف خاصة لحماية الشعب من حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

ومن أخطاء مرسي أن حزبه ساهم في إثارة التفرقة الطائفية، وتفشي العنف والتمادى في شق صفوف الشعب عبر وسائل إعلامه مثل "فضائية الناس" التي تم إغلاقها مؤخراً لهذا السبب. لذا لقي تدخل الجيش تأييداً كبيراً من غالبية الشعب. وعندما نقول غالبية الشعب فليس ذلك من باب التخمين أو التحيز، بل لما رأيناه من حجم الجماهير المشاركة في التظاهرات المليونية في شتى أنحاء البلاد ضد مرسي، وكذلك من عدد الموقعين على النداء الذي نظمته قيادة المعارضة والذي بلغ 22 مليوناً، لمطالبته بالتنحي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. لذا فهذا الرفض الشديد من 22 مليوناً هو بمثابة تصويت على سحب الثقة بالرئيس المنتخب وفقدانه لشرعيته.

كما وفسر البعض تدخل الجيش لإزاحة رئيس منتخب هو إعلان عن موت الديمقراطية في مصر، أو على الأقل أن الشعب المصري مازال لم يكن مؤهلاً للديمقراطية بعد. أعتقد أن هذا الحكم غير دقيق، فليس هناك شعب مؤهل وآخر غير مؤهل للديمقراطية، بل الديمقراطية لن يتعلمها أي شعب إلا من خلال الممارسة، إذ نعرف من تاريخ الشعوب الأوربية التي سبقتنا في هذا المضمار أنها في بداية ممارساتها للديمقراطية مرت بنفس المراحل المؤلمة التي تمر بها الشعوب العربية الآن، ثم تعودت عليها حتى صارت جزءً من ثقافتها الاجتماعية. فالديمقراطية لم تولد ناضجة ولم تكتمل دفعة واحدة، ولم تكن بلا ثمن، إذ كما قال الفيلسوف الألماني هيغل: "أن ولادة الأشياء العظيمة دائماً مصحوبة بألم". ولا شك أن الديمقراطية من أعظم ما أنجزته الحضارة البشرية، لذا لا بد وأن تكون ولادتها عسيرة ومؤلمة وفي أغلب الأحيان تتم بعملية جراحية قيصرية.

كذلك يجب أن نعرف أن الحكومات العربية اعتمدت في حكم شعوبها على سياسة "فرق تسد"، لذلك فهذه الشعوب تحتاج إلى عشرات السنين للتخلص من حالة التمزق والتشتت، والتركة الثقيلة التي ورثها من الحكومات المستبدة.

وبناءً على ما تقدم، أرى أن ما قامت به جماهير الشعب المصري مؤخراً كان عملاً عظيماً وفي الاتجاه الصحيح. والمفرح في هذه الانتفاضة هو النسبة العالية لمشاركة النساء فيها تكاد تكون مساوية للرجال. وهذا دليل على أن حاجز الخوف قد انهار، ونحن نشهد مرحلة جديدة لجيل جديد واع لا يهاب الخروج على السلطات الجائرة، وأن الشعوب العربية حقاً دشنت مرحلة خوض المعركة من أجل الحداثة والديمقراطية والتخلص من الإذلال والتخلف.

*****************************
ملاحظة ما بعد كتابة هذا المقال Postscript:
بعد كتابة هذا المقال بيوم حصلت تطورات متسارعة إذ بدأ أنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي يستخدمون العنف والتحريض عليه والدعوة إلى حرب الجهاد. وللأسف الشديد، آخر الأنباء تفيد عن سقوط عشرات القتلى وأكثر من ألف إصابة في عدد من المدن المصرية أكثرها في القاهرة. يبدو أن الإسلامويين ينوون جر مصر إلى حرب أهلية على غرار ما حصل في الجزائر في التسعينات. أدناه رابط لفيديو معتصمي رابعة العدوية حيث مكان تجمع (الأخوان المسلمين) يهددون بحرب "جهادية" في مصر على طريقة طالبان والقاعدة في أفغانستان.
 https://www.youtube.com/watch?v=v90HtmrJPOs

 

363
لماذا الآن اتهام إيران بتفجير المرقدين في سامراء؟

عبدالخالق حسين

يواجه المثقف العراقي حالة من الابتزاز إذا ما أراد احترام عقله في قول الحقيقة، وتفنيد اتهامات باطلة موجهة إلى جهات تعتبر معادية تمَّت أبلستها وإبرازها بالشر المطلق مثل إسرائيل وأمريكا وإيران، وطبعاً السياسيين الشيعة "الصفويين" في العراق، ومهما بدت هذه الاتهامات غير معقولة. فإسرائيل عدوة للعرب لأنها اغتصبت أرض فلسطين، ومازالت تحتل الجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية. وأمريكا هي حليفة إسرائيل في السراء والضراء، لذا فهي الأخرى عدوة. لذلك صار من السهولة على أية غاشمة أو منظمة إرهابية مثل فلول البعث والقاعدة ارتكاب أية جريمة بشعة في العراق وغيره، وإلقاء التهمة على أمريكا وإسرائيل، ومن لا يصدق هذه الاتهامات ويحاول تفنيدها، فهو عميل لهما!.

أما إيران، ورغم أنها تعرضت لمعاداة الغرب، والحصار الاقتصادي بسبب برنامجها النووي ومواقفها المتشددة من إسرائيل، ومساعداتها غير المشروطة للشعب الفلسطيني، فهي الأخرى تم ضمها إلى جبهة إسرائيل – أمريكا في تعليق الغسيل على شماعتها. فإيران الآن، في رأي الكثير من الحكومات العربية ووسائل إعلامها ووعاظها، هي أخطر من إسرائيل على الشعوب العربية! لذلك فكل من لا يصدق التهم الباطلة الموجهة ضد إيران، فهو عميل إيراني!.

وقد بلغ الأمر في العراق في سعار الشحن الطائفي حداً أن أي كاتب من خلفية شيعية لم يساهم في شتم إيران وإلصاق التهم بها ومهما كانت غير معقولة، ولا يشارك في تشويه سمعة السياسيين الشيعة، فهو طائفي صفوي وعميل للفرس المجوس!!. وآخر مصطلح خرج من مختبرات البعث الوهابي في هذا الخصوص هو (الصهيوصفوي) من قبل مرشح لمجلس محافظة الرمادي... ولله في خلقه شؤون.

فهؤلاء مازالوا يصرون على العداء لإيران، وجعل العراق "حارس البوابة الشرقية للأمة العربية!" كما كان في عهد حكم البعث الصدامي يوم ضحك عليه فهد، ملك السعودية، عندما قال له: "منا المال ومنك العيال -الرجال!". والمال الذي دفعوه لإدامة الحرب العراقية-الإيرانية طالبوا به بعد سقوط صدام واعتبروه ديناً مع أرباحها التي تجاوزت حجم الديون الأصلية. وهكذا يريد هؤلاء أن يكون الشعب العراقي كبش الفدى لهم وفي حالة حرب دائمة مع إيران.

شخصياً، لا أحتاج إلى شهادة تزكية من أحد لأثبت موقفي المناهض لنظام الحكم الإسلامي في إيران أو حكم البعث في سوريا، إذ نشرتُ عدة مقالات في هذا الخصوص، مؤكداً أن لا استقرار للمنطقة إلا بتغيير هذين النظامين بالبديل الديمقراطي. ولكن أن يطالبني البعض بتصديق اتهامات لامعقولة ضد إيران وسوريا، فهذا غير ممكن، وذلك لأني أحترم عقلي وأحافظ على استقلاليتي الفكرية، إذ لا يمكن أن أصدق كل ما أقرأ لا لشيء إلا لأنه ضد الثلاثي، أمريكا وإسرائيل وإيران، وإلا فأنا عميل وطائفي. من نافلة القول، أن لغة تخوين المختلف أصبحت مفضوحة، وسلاح المفلسين فكرياً وسياسياً وأخلاقياً.

مناسبة هذه المقدمة هي ما قرأنا مؤخراً في وسائل الإعلام عن «انضمام الأنبار إلى محافظة صلاح الدين في سعيها لتدويل قضية تفجير مرقدي سامراء، إثر تصريحات منسوبة إلى القائد العسكري الأميركي السابق في العراق الجنرال جورج كيسي بشأن «ضلوع» فيلق القدس الإيراني في تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء في 22 فبراير (شباط) 2006، وينوي معتصمو محافظة صلاح الدين رفع دعوى في المحاكم الدولية بذلك.» (الشرق الأوسط، 26/6/2013). (1)
 
والجدير بالذكر أن الجنرال كيسي أطلق هذه الاتهامات خلال مشاركته في مؤتمر للمعارضة الإيرانية (منظمة مجاهدي خلق) الذي عقد في باريس السبت الماضي (22/6/2013)، قائلاً أن النظام الإيراني «متورط بتنفيذ التفجيرات التي استهدفت مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء... ومسؤول عن أغلب الهجمات المسلحة في العراق التي تستهدف المواطنين الأبرياء» (نفس المصدر).

ونتيجة لهذه التصريحات، تحرك "الغيارى" من قادة الاعتصامات في صلاح الدين والأنبار لتدويل القضية وذلك لفضح المجرم الحقيقي، أي إيران في هذه الجريمة الشنيعة. كما وذكر المتحدث باسم المعتصمين، أن «أهالي صلاح الدين عامة وسامراء خاصة سيكلفون أعضاء مجلس النواب عن المحافظة برفع دعوى قضائية ضد فيلق القدس الإيراني، لتدويل القضية»

السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: لماذا سكت الجنرال الأمريكي كل هذا الوقت ولم يصرح بهذه التهمة إلا بعد سبع سنوات من الجريمة الشنيعة؟
ألسبب هو أن الحرب الأهلية في سوريا بلغت ذروتها وهي حليفة إيران في المنطقة، وبانت علامات هزيمة "جبهة النصرة"، ومحاولات الغرب تسليح المعارضة السورية، وبعد أن رفعت أمريكا منظمة مجاهدي خلق من قائمة الإرهاب لاستخدامها ضد إيران، بنفس الطريقة التي استخدمت فيها "القاعدة" و"منظمة طالبان" ضد النظام الشيوعي في أفغانستان. فها هي أمريكا تعيد نفس الخطأ الآن في سوريا، وربما في إيران مستقبلاً، لذلك رفعت "تنظيم مجاهدي خلق" من قائمة الإرهاب لاستخدامه كحليف محتمل. وإذا كانت التهمة بتورط إيران في التفجيرات في العراق صحيحة، فيجب محاسبة الجنرال كيسي على سكوته طيلة هذا الوقت.

نرى اتهام إيران بتفجير المرقدين في سامراء وتحميلها مسؤولية أغلب الهجمات المسلحة في العراق، تهمة من الصعوبة هضمها. فالبعثيون والمتعاطفون معهم يصفون الشيعة بعملاء إيران، وأن العراق صار مستعمرة إيرانية، وحاكمها الحقيقي هو الجنرال سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، ...الخ، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تقوم إيران الشيعية الصفوية المجوسية بقتل عملاءها الشيعة الصفويين في العراق وتفجر مراقد أئمتهم، المقدسين لدى الشعب الإيراني أيضاً؟ تفيد الحكمة: "حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له".

إن حقيقة التفجيرات هي كما نقل التقرير عن مسؤول أمني قوله: «الثابت لدينا أن تنظيم القاعدة هو الذي قام بتنفيذ هذه الجريمة التي أدت إلى إشعال الفتنة الطائفية في البلاد للسنوات 2006 – 2008». وأن «من نفذ العملية تم اعتقاله، وقد اعترفت المجموعة بكاملها، وهي نفسها التي اغتالت الصحافية العراقية أطوار بهجت في اليوم التالي»، مبديا استغرابه «من شهادة كيسي الآن ولماذا لم يعلن ذلك في وقته».

والسؤال الآخر هو، لماذا تقوم  قيادات الاعصامات في تكريت والرمادي بحملة تبرئة المجرم الحقيقي من جرائم تفجير المرقدين في سامراء وحرب الإبادة ضد الشيعة؟ فالمتهمون معروفون لكل ذي عقل سليم، وقد ألقي القبض على الألوف منهم وهم من فلول البعث وحلفائهم من أتباع "القاعدة". ألا يعني ذلك أن المعتصمين متعاطفون مع المجرمين الحقيقيين، إن لم يكونوا منهم ؟

إن لعبة توجيه الاتهامات إلى إيران في جرائم البعث ليست جديدة. فعندما استخدم صدام الغازات السامة في حلبجة ألقى التهمة على إيران، وكانت أمريكا على علاقة ودية مع صدام آنذاك، حيث ساعدته عسكرياً وإعلامياً واستخباراتياً في حربه على إيران، فأيدت اتهام إيران بالجريمة. ولكن بعد ان تغير الوضع بارتكاب صدام حسين جريمة غزو الكويت، غيرت أمريكا موقفها منه فاتهمته بجريمة حلبجة. ونفس اللعبة تقوم بها بعض الجهات الأمريكية ضد إيران اليوم، وما تصريحات الجنرال كيسي إلا جزء من هذه اللعبة. فالعرب مغفلون يمكن التلاعب بعقولهم، ولماذا لا يعاد إنتاج الكذبة بإلقاء تهمة التفجيرات في العراق على إيران الآن؟

وتكررت محاولة إبعاد التهمة عن المجرم الحقيقي وإلقاءها على إسرائيل في حملة روج لها الإعلام البعثي وأعداء العراق الجديد في جريمة قتل المئات من أصحاب الكفاءات العلمية والطبية بعد سقوط حكم البعث. فقام هؤلاء بإلقاء التهمة تارة على إسرائيل، وأخرى على أمريكا، وثالثة على إيران ومليشياتها "الشيعة الصفوية"! جاء ذلك في تقرير مفبرك بعناية فائقة ألقيت التهمة على الموساد، وبعنوان مطوَّل: (ما لا تعرفه عن تشريح قضية مقتل 730 عالم وأكاديمي عراقي على يدِ الموساد.. وتخطيط بياني موثق لمن تمّ استهدافهم ولماذا.! - صور بيانية مرفقة ) (2)، مع صور وجداول وخطوط بيانية "أكاديمية" في محاولة من مؤلفيها لخدع العراقيين وغيرهم، وإبعاد التهمة عن المجرمين الحقيقيين الذين هم فلول البعث، الذين قرروا تدمير العقل العراقي بعد أن دمروا المؤسسات الاقتصادية وقتلوا مئات الألوف من أبناء شعبنا. وقد فضحنا أكذوبتهم هذه في مقالنا الموسوم: (من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟)(3).

فكعراقيين، نحن أعرف من غيرنا بتاريخ البعثيين وأخلاقيتهم وطرقهم الخبيثة في قتل الخصم والسير في جنازته، وإلقاء التهمة على جهات معادية لهم، لتبرئة أنفسهم من الجريمة وبذلك يرمون عصفورين بحجر واحد.

على أثر انتقادي لأمريكا على محاولتها لتسليح المعارضة السورية، كتب أحد المعلقين على المقال بأني غيرت موقفي من أمريكا !. في الحقيقة أنا مازلت أعتقد أن أمريكا تحارب الإرهاب، وتعمل على نشر الديمقراطية في العالم وبالأخص في دول الشرق الأوسط. ولكن المشكلة في غاية التعقيد. فأمريكا دولة ليبرالية، وأنا كإنسان مؤمن بالديمقراطية الليبرالية، أمتلك الحق في تأييد أمريكا عندما تقوم بعمل أراه صحيحاً، وانتقدها إذا ما ارتكبت أخطاءً من وجهة نظري، خاصة إذا كانت هذه الأخطاء تمس مصلحة العراق ودول المنطقة، ومستقبل الديمقراطية فيها. النظام الأمريكي ليس ضد النقد مطلقاً، فالنقد أساس التقدم، وبدونه لا يمكن تصحيح الأخطاء.

قلنا مراراً أن أمريكا ليست جمعية خيرية، بل هي دولة عظمى، ودولة مؤسسات، تتكون من جهات عديدة متصارعة فيما بينها، ومختلفة في مواقفها من القضايا العالمية حسب ما تقتضيه مصالحها. والذين يعتقدون أني غيرت موقفي من أمريكا لا يرون الأمور إلا بلونين، الأبيض والأسود، غير قادرين على رؤية الألوان الأخرى. فإذا كان يحق لحزب أمريكي معارض، وحتى أعضاء في الحزب الحاكم أن ينتقد الإدارة الأمريكية على بعض سياساتها في منطقتنا، فلماذا لا يحق لنا، نحن أصحاب القضية، أن ننتقدها عندما نرى أنها ترتكب خطأ يمس مصلحتنا، بل وحتى مصلحتها على المدى المتوسط والبعيد؟ فالنقد ليس عداءً كما يراه العقل العربي الذي لا يميز بين النقد والعداء.
عندما انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمريكا في مؤتمر صحفي مع كاميرون في لندن بقوله: "أمريكا تقاتل الإسلاميين في أفغانستان.. و تحاصرهم في غزة.. و تحاربهم في مالي .. وتناصرهم في مصر .. و تسلحهم في سوريا"، فهذا ليس رأياً قابل للاختلاف والجدال، بل معلومة نعرفها من وسائل الإعلام وهي حقيقة على أرض الواقع. لذلك ننتقد أمريكا في هذه السياسة لأننا نعتقد أنها على خطأ هذه المرة في تعاملها مع الإسلاميين بمعايير مختلفة. وحتى تشرتشل الذي كان أقرب حليف لأمريكا أنتقد الأمريكيين بقوله: "الأمريكيون ينتهون بالعثور على الحل الجيد لكن بعد أن يكونوا قد استنفدوا جميع الحلول السيئة".

إن الغرض من شحن الناس بالعداء ضد إسرائيل وأمريكا وإيران، هو لتبرئة البعثيين وحلفائهم أتباع القاعدة من الجرائم الشنيعة التي يرتكبونها ضد الشعب العراقي، ومن يعارضهم على ذلك يلصقون به  صفة العمالة لأمريكا والصهيونية وإيران!!
إن رفضنا تصديق اتهامات غير معقولة ضد إيران أو إسرائيل أو أمريكا هو لأننا نحترم عقولنا، فكيل هذا النوع من الاتهامات ضد الخصوم إهانة لذكاء جمهور القراء، ونحن نرفض أن نكون من السذج  الذين يصدقون كل ما يتلقون دون إعمال عقولهم لمعرفة الحقيقة من أكاذيب البعثيين.

كذلك هناك جماعة تتظاهر بالبساطة المصطنعة، فيردون: يا أخي البعث انتهى منذ عشر سنوات وأنت باتهامك البعثيين بكل مصائبنا تمنحهم شرفاً لا يستحقونه!! في الحقيقة، هذا الكلام ليس بريئاً، بل هو جزء من محاولة البعثيين لتمرير أكاذيبهم. فالبعثيون الآن مندمجون مع القاعدة بحيث من الصعب التمييز بين البعثي والقاعدي، ويعملون علناً باسم أهل السنة تحت يافطة الاعتصامات التي يقودونها بحجة تهميش العرب السنة، والغرض الحقيقي من أعمال الشغب هذه هو إسقاط النظام الديمقراطي، وعرقلة الاستقرار وإشعال حرب طائفية على أمل إعادة حكمهم الساقط... ولكن هيهات. 
 ـــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالموضوع
1- الأنبار تنضم إلى محافظة صلاح الدين في سعيها لتدويل ... - الشرق الأوسط
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=12629&article=733867#.Uc3MQTuThdE
2- ما لا تعرفه عن تشريح قضية مقتل 730 عالم وأكاديمي عراقي على يدِ الموساد.. وتخطيط بياني موثق لمن تمّ استهدافهم ولماذا.! - صور بيانية مرفقة
http://www.almorabit.com/main/ar/almorabit-arabic-articles/34-articles-cat-ar/9839--730-.html

3- عبدالخالق حسين: من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=533



364
حول الرواتب التقاعدية الفاحشة للبرلمانيين

د. عبدالخالق حسين

العراق بلد الغرائب والعجائب، ومن هذه الغرائب غياب العدالة في توزيع الثروة بين أبناء شعبه، وأوضح مثال على ذلك هو التمييز الجائر في الرواتب التقاعدية بين أصحاب المناصب السياسية وغير السياسية. فالسياسيون على مختلف مواقعهم (مجلس الرئاسة، مجلس الوزراء، أعضاء البرلمان، وأعضاء مجالس الحكومات المحلية)، يتمتعون برواتب خيالية ضخمة إثناء الخدمة، تتراوح ما بين عشرة ملايين وعشرين مليون دينار شهرياً، لا تتناسب إطلاقاً مع ما يقدمونه من خدمات للشعب، مقارنة بفئات أخرى من العاملين في مؤسسات الدولة من عمال وموظفين في مختلف المجالات والدرجات.

وعند التقاعد يكون الراتب التقاعدي للسياسيين يعادل 80% من رواتبهم إثناء الخدمة، أي في حدود 8 - 16 مليون دينار شهرياً على الأقل، بغض النظر عن مدة خدمتهم حتى ولو كانت أسبوعاً واحداً!. وهذا النظام فريد من نوعه، لا مثيل له في جميع أنحاء العالم. والأسوأ من ذلك، أن هناك عدد غير قليل من النواب لم يحضروا جلسات البرلمان أصلاً، ومنهم على سبيل المثال السيد أياد علاوي، رئيس كتلة العراقية، الذي لم يحضر جلسات هذه الدورة أكثر من مرتين. كذلك هناك عدد غير قليل من النواب يتسكعون في شوارع عمان/الأردن، ويتمتعون برواتب خيالية وامتيازات ضخمة مقابل لا شيء، أو القيام يأعمال التخريب والتآمر على العراق، إذ هناك وزراء ونواب شاركوا في الإرهاب مثل رافع العيساوي، وعدنان الدليمي، ومحمد الدايني، وطارق الهاشمي وقريبه أسعد الهاشمي، وغيرهم كثيرون، تدفع لهم الدولة رواتب خيالية لقاء ما يقومون به من إرهاب.

لذلك، فمن حق الناس أن يسألوا لماذا يتمتع البرلمانيون بكل هذه الامتيازات دون أي استحقاق، خاصة وقد تسببوا في عرقلة المصادقة على الكثير من القوانين ومنها قانون الموازنة لهذا العام (2013 ) الذي تأخر لعدة أشهر، وهذا التأخير كلف الشعب العراقي نحو 25 مليون دولار يومياً (راجع مقالنا: غيابهم أفضل من حضورهم)( رابط رقم 1). هذه التصرفات، والامتيازات أدت إلى جلب نقمة الشعب عليهم والإساءة إلى سمعتهم وسمعة السياسة، ليس في العراق فحسب، بل وصل سوء سمعتهم إلى القارات الخمس، حيث كتبت صحيفة (الديلي ميل) البريطانية قبل عامين تقريراً بعنوان: (السياسيون العراقيون يكلفون البلد ألف دولار كل دقيقة..) جاء فيه: "أن الساسة العراقيين يحصلون على ألف دولار للدقيقة الواحدة من دون أن يضعوا ‏قانونا واحدا يهم البلد، ويسكنون مجانا في أرقى فنادق بغداد‎.‎.. وحصلوا على رسوم بمقدار 90000 دولار، وراتب شهري قدره 22500 دولار، وسكنوا أرقى ‏فنادق بغداد، وبعد الاستقالة يحصلون على 80 في المائة من رواتبهم الشهرية مدى الحياة، ويسمح لهم ‏بالاحتفاظ بجوازاتهم وجوازات عائلاتهم الدبلوماسية، في حين يفتقر البسطاء إلى الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء." (الرابطان رقم 2 و3)
وهذا لا يعني أن جميع البرلمانيين سيئون، إذ لا بد وأن يكون من بينهم أعضاء شرفاء مخلصون للشعب، خاصة وإن استنكار الرواتب الفاحشة جاء من عضو برلماني، وهي النائبة الشجاعة الدكتورة حنان الفتلاوي التي قدمت اقتراحاً باسم كتلتها (دولة القانون) بإلغاء الرواتب التقاعدية للبرلمانيين. إذ أفادت الأنباء "أن ائتلاف دولة القانون، قدم الثلاثاء، 18 يونيو/ حزيران 2013 اقتراحاً للبرلمان يقضي بإلغاء الرواتب التقاعدية لأعضائه، وأعضاء مجالس المحافظات،.. وقالت النائبة عن الائتلاف حنان الفتلاوي في مؤتمر صحافي عقده في مبنى البرلمان ان "هذه الرواتب تكلف موازنة الدولة أكثر من 100 مليار دينار سنويا". داعية هيئة رئاسة البرلمان إلى "التعامل مع المقترح بشكل جدي لأنه مطلب شعبي ولا يخص نائباً أو كتلة".(رابط رقم 3) 

والجدير بالذكر أن هذا الاقتراح تلقى ترحيباً شعبياً واسعاً، حيث قامت جماعة من المثقفين بحملة تواقيع لتأييد الحملة الوطنية لإلغاء تقاعد البرلمانيين، نُشِرت على موقع (الحوار المتمدن) (رابط رقم 4). و خلال ساعات قليلة من نشر نداء الحملة بلغ عدد الموقعين عليه أكثر من الفين. وهذا دليل على مدى تذمر وسخط الشعب على السياسيين من الامتيازات التي يتمتعون بها دون استحقاق، خاصة وهناك الملايين من والعاطلين عن العمل والفقراء والأرامل والأيتام والمعوقين بسبب الحروب العبثية التي شنها النظام الساقط، وإرهاب أيتامه بعد سقوطه. رابط النداء في الهامش(رابط رقم 5).

لنكون واقعيين، اعتقد أن إلغاء الراتب التقاعدي كلياُ غير ممكن، إذ لا بد للمتقاعد من راتب تقاعدي يعيش عليه في حالة تقاعده لأي سبب، لعجزه عن العمل بسبب العمر أو المرض، أو لعطل جسمي من أي نوع، إلا إذا كان له مصدر آخر للرزق كأن يكون صاحب تجارة أو حرفة ومازال في عمر وصحة يسمحان له بمزاولة العمل، مثل، الأطباء والمهندسين وغيرهم من أصحاب المهن.

لا أعرف شيئاً عن قانون تقاعد العمال والموظفين في العراق، ولكني أعرف أن هناك قانوناً ظالماً يمنح السياسيين، (وزراء ونواب وأعضاء مجالس الحكومات المحلية)، راتب تقاعدي يعادل 80% من راتبهم إثناء الخدمة حتى ولو كانت مدة خدمتهم لا تتجاوز الأسبوع الواحد كما ذكرنا آنفاً. وهذا ظلم فاحش مقارنة بفئات العاملين الآخرين في مؤسسات الدولة مثل العمال والموظفين. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أعرف أستاذاً في الطب، له من الخدمة 45 سنة، منها 15 سنة في الجيش، و30 سنة كأستاذ في الكليات الطبية العراقية، تخرج على يديه آلاف الأطباء، اضطر أن يهاجر إلى بريطانيا في التسعينات والعمل فيها كطبيب استشاري. وبعد سقوط حكم البعث قدم طلباً للدوائر المختصة في العراق للتقاعد، فلم يستجاب لطلبه بحجج واهية وسخيفة، وهو الآن تجاوز الثمانين، يعيش على راتبه التقاعدي من عمله في بريطانيا. كذلك أعرف أساتذة جامعيين متقاعدين في العراق خدموا عشرات السنين، راتبهم التقاعدي أقل من 10% من الراتب التقاعدي للنائب البرلماني بغض النظر عن مدة خدمته حتى ولو كانت لأسابيع.

وبناءً على ما تقدم، اقترح تخفيض الراتب التقاعدي ليس للنواب فحسب، بل ولجميع الوزراء والمدراء العامين، وأعضاء مجالس المحافظات والأقضية والنواحي وغيرهم، وفق قانون منصف يحدد رواتب السياسيين بما يتناسب مع مدة الخدمة وغلاء المعيشة أسوة ببقية العاملين في الدولة العراقية من غير السياسيين. ولتحقيق ذلك، أقترح سن قانون عادل للتقاعد، والاستفادة من القوانين المعمول بها في هذا الخصوص في البلدان الديمقراطية المتحضرة، مثل بريطانيا وغيرها بحيث يتناسب الراتب التقاعدي مع مدة الخدمة. ففي بريطانيا، يحدد راتب المتقاعد وفق المعادلة التالية:
مجموع الرواتب للسنة الأخيرة من الخدمة، يقسم على 80، ويضرب الناتج في عدد سنوات الخدمة، يساوي الراتب التقاعدي السنوي. مثلاً إذا كان راتب الموظف للسنة الأخيرة من الخدمة 60 ألف جنيه، ومدة الخدمة في الدولة أو أية مؤسسة 30 سنة، يحسب راتبه التقاعدي كالتالي:
60000 ÷ 80=  750
750 ×  30 (عدد سنوات الخدمة) = 22500 جنيه الراتب التقاعدي السنوي
22500 ÷ 12= 1875 جنيه الراتب الشهري
ويلحقه راتب تقاعدي آخر من الدولة عندما يبلغ المواطن الخامسة والستين من العمر، يسمى بـ (State pension) يعتمد على ما دفعه للضمان الاجتماعي الوطني (National Insurance) إثناء الخدمة، لا يتجاوز هذا الراتب الـ 150 جنيهاً في الأسبوع.

أعتقد أن هذا القانون عادل، ويستحق الاستفادة منه في العراق. أما معاملة العراقيين بقوانين مختلفة، بمنح السياسيين امتيازات خاصة لا يستحقونها، فهذا نوع من التمييز لا يختلف عن التمييز العنصري والطائفي، يثير نقمة الشعب عليهم. ونحن نريد من السياسيين أن لا يستغلوا مناصبهم لمكاسب وامتيازات شخصية، ففي الأنظمة الديمقراطية، السياسيون هم خدام الشعب وليسوا أسياده.

إن العراق يحتاج إلى إعمار ما خربه البعث لعشرات السنين، وإيجاد وظائف للعاطلين لكي يحموا الشباب من السقوط في براثن تنظيمات الإرهابيين، وهو بلد غني يطفو على بحر من النفط، وكل ما يحتاجه هو إلى سياسيين مخلصين، يعملون على استثمار ثرواته المحدودة بعقلانية وعلم وحرص دون التفريط بها، وليس إلى تحويل هذه الثروات إلى رواتب خيالية لجيش عرمرم من المتقاعدين السياسيين، من وزراء ونواب وأعضاء مجالس المحافظات والأقضية والنواحي. فمنح هؤلاء امتيازات خاصة ظلم فاحش يثير نقمة الشعب عليهم، وله عواقب وخيمة على الجميع، إذ كما يقول المثل: الظلم لو دام دمر، يحرق اليابس والأخضر.
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذات علاقة
1- عبدالخالق حسين: غيابهم أفضل من حضورهم
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=577

2- نشطاء عراقيون يطلقون حملات مدنية لإلغاء قانون تقاعد البرلمانيين
http://www.akhbaar.org/home/2013/6/149395.html

3- How Iraqi politicians get paid $1,000 a minute, don't make laws and live it up for free at Baghdad's finest hotel.  MailOnline
 http://www.dailymail.co.uk/news/article-1325597/How-Iraqi-politicians-paid-1k-minute-live-free-Baghdad.html#ixzz1EOPy4Rds

4- دولة القانون يقدم اقتراحا للبرلمان يقضي بإلغاء الرواتب التقاعدية لأعضائه
http://www.akhbaar.org/home/2013/6/149112.html

5- حملة تواقيع لتأييد الحملة الوطنية لالغاء تقاعد البرلمانيين
http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=400




365
هستيريا فتاوى الحرب الطائفية، لمصلحة من؟

د.عبدالخالق حسين

لأول مرة في التاريخ العربي- الإسلامي تطلق نداءات وفتواى صريحة بكل وقاحة وصلافة تدعو إلى إشعال حروب طائفية في المنطقة. والملاحظ أن هذه الدعوات الهستيرية تتلقى الدعم بشكل مباشر وغير مباشر من حكومات عربية، بعضها أخوانية تدق طبول الحرب، ليس بين دولة وأخرى فحسب، بل والتحريض على الحرب بين مكونات كل شعب من شعوب المنطقة تكون عواقبها كارثية على الجميع. والملاحظ أن حمى هذه الفتاوى تزامنت مع مطالبة أمريكا وحلفائها بتسليح المعارضة السورية، مما يدل أن هذه الفتاوى جاءت بأوامر من العواصم الغربية، خاصة وأن معظم شيوخ الفتاوى مقيمون أما في الغرب أو في دول هي حليفة للغرب.

بدأت دعوات لهذه الحرب عشية إسقاط حكم البعث الصدامي الفاشي في العراق، حيث شن شيوخ الوهابية في السعودية حملات تحريضية متواصلة على شكل خطابات دينية في المساجد، تدعو مسلمي العالم للجهاد كفرض عين للمتمكن والتوجه إلى العراق لنجدة أخوتهم في الدين من أهل السنة من "الروافض الصفويين!!" عملاء إيران وأمريكا والصهيونية!!، إضافة إلى فتوى مشتركة وقعها أكثر من ثلاثين رجل دين سعودي بنفس المضمون. وفعلاً توجهت الألوف من الإرهابيين العرب وغير العرب من أتباع القاعدة بعد سقوط حكم البعث حيث شهد العراق موجة عارمة رعناء من الإرهاب أودت بحياة عشرات الألوف، إن لم نقل مئات الألوف من أبناء وبنات شعبنا، وأغلب هذه التفجيرات كانت ومازالت في المناطق الشيعية، و مستمرة لحد الآن.

ولكن الجديد في الأمر، أنه بعد اندلاع الحرب الطائفية في سوريا، أخذت هذه الدعوات أبعاداً جديدة لم تألفها شعوب المنطقة من قبل. فمنذ شهر نوفمبر 2012، بدأت تظاهرات ما يسمى بـ"الربيع السني" في المناطق الغربية من العراق، احتجاجاً على الحكومة التي يقودها "الصفويون عملاء الفرس المجوس"، بحجة تهميش أهل السنة في حكم العراق...الخ، شارك فيها معممون أدَّعوا أنهم رجال دين كبار، ومنهم الشيخ عبدالملك السعدي، العراقي المقيم في الأردن، والذي طرح نفسه كمرجعية دينية لأهل السنة في العراق، متظاهراً بالعقلانية والإعتدال، وأنه يدعو المعتصمين بالالتزام بالقانون، وعدم استخدام العنف.. لذلك استبشرنا به خيراً. ولكن تدريجياً بدأت حقيقة الرجل تتكشف إذ راح يطرح شروطاً تعجيزية على الحكومة ويتهمها بشتى الاتهامات، رغم أن حكومة المالكي أبدت الليونة والمرونة وروح التسامح مع المعتصمين، واستجابت لأغلب المطالب المشروعة، بل وأكثر من ذلك حيث أطلقت سراح نحو 17 ألف من المعتقلين بتهمة الإرهاب، وحتى بدون محاكمة أو تحقيق للتأكد من براءتهم من التهم الموجهة لهم، وأغلبهم قد ألقي القبض عليهم بالجرم المشهود.
والجدير بالذكر أن إطلاق سراح هؤلاء المتهمين بدون تحقيق أو محاكمة كانت له عواقب وخيمة على الشعب العراقي حيث تصاعدت موجة التفجيرات في الآونة الأخيرة، إذ بات معروفاً أن أغلب الإرهابيين الذين يطلق سراحهم يعودون للإرهاب.

مناسبة هذه المقالة هي الفتوى الخطيرة التي أصدرها الشيخ مساعد آل جعفر، رجل دين سني عراقي مقيم في الخارج، أفتي بـ"الجهاد المسلح ضد الحكومة ثأرا لدماء القتلى في الحويجة" كما ادعى (1). جاء ذلك في بيان نشر على الموقع الالكتروني للشيخ عبد الملك السعدي، ردا على استبيان رأي تقدمت به اللجان الشعبية للمحافظات الغربية المعتصمة بشأن موقف العلماء من تبني خيار "إقامة الإقليم أو الجهاد المسلح"، فقال: إن "المطالبة بإقليم منفصل هو هروب وتخل عن المسؤولية وتنازل عن حق الضحايا المغدورين في الفلوجة والحويجة والموصل وديالى والبصرة ولهذا فإن المطالبة وفقا لهذه الظروف تحرم شرعا". وقال إن الوقت حان «لإعداد العدة والتجهز للعدو» و«الكفاح المسلح». والجدير بالذكر، أن الشيخ مساعد آل جعفر هو عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومقرب من المرجع السني الشيخ عبد الملك السعدي، ولذلك فموقفه هو انعكاس لموقف الشيخ السعدي "المعتدل".

قلنا في مقال سابق، أن البعثيين وأتباع القاعدة هم ضد تقسيم العراق، ولم يكونوا مع نظام الأقاليم. وأكدنا أن موقفهم هذا ليس من باب الحرص على الوحدة الوطنية وحبهم للعراق أن يكون موحداً، أرضاً وشعباً، وإنما على أمل استعادة حكمهم ليحكموا قبضتهم الحديدية على العراق كله ببشره وثرواته. وإذا ما تم لهم ذلك، لا سامح الله، فإنهم سيعودن هذه المرة مطعمين بجرعة كبيرة من الفكر السلفي الوهابي المدمر ليقوموا بحملة واسعة لتصفية الشيعة عن آخرهم بعمليات إبادة الجنس والتهجير القسري ضدهم كما فعلوا خلال حكمهم الجائر لخمسة وثلاثين سنة، في محاولة منهم لتغيير ديموغرافية العراق كلياً. فالعراق مازال عند هؤلاء "بستان قريش"، وشعب العراق من غير العرب السنة، هم عبيد، أما من بقايا الساسانيين الفرس، أو "هنود جلبهم محمد القاسم مع الجواميس من الهند" كما روجت له صحيفة (الثورة) عام 1991 في سلسلة مقالات سيئة الصيت بعنوان: (لماذا حصل ما حصل)، ويوم رفعوا شعار "لا شيعة بعد اليوم".

وهذا بالضبط ما جاء في فتوى الشيخ مساعد آل جعفر، الذي قال في هذا الخصوص: أن "تشكيل الإقليم يحرم الآن كونَهُ بيعٌ غيرُ شرعي لأرض إسلامية استمر فيها الدينُ منذُ فتحها الصحابة الأوائل إلى يومنا هذا وتسليمها رسميّا لأعداء الدينِ [يقصد الشيعة طبعاً]، فتخرجُ بذلك بصورة رسميّة من ذمّتكم إلى ذمتهم ".

الملاحظ هنا أن الشيخ وصف الشيعة الذين يشكلون غالبية الشعب العراقي بـ"أعداء الدين"، أي أعداء الإسلام. وهذا يعني في نظره أن الشيعة ليسوا مسلمين، وبذلك فهو يبرر لأتباعه وأتباع القاعدة، إبادة الشيعة كضنان لدخول القتلة إلى الجنة. وقبله أفتى صديقه الشيخ حارث الضاري أن "القاعدة منا ونحن منها". كما وشاهدنا على شاشات التلفزة وما نقله اليوتيوب، شيوخ آخرون في الموصل والرمادي يطالبون أردوغان بتحرير العراق من الصفوية على خطى جده محمد الفاتح!!
في الحقيقة أن هؤلاء الشيوخ لا يختلفون عن الداعية السلفي الموتور محمد العريفي الذي كتبتْ صحيفة "عكاظ" السعودية هازئة منه واصفة اياه بـ" شيخ المجاهدين في البيكاديلي" احد شوارع العاصمة البريطانية. والعريفي هو صاحب فتوى "جهاد المناكحة" كما هو معروف، ويقضي عطلته الصيفية الآن في لندن حسب الصحيفة السعودية.

لنتصور أن هذه الفتاوى التحريضية صدرت من مرجع ديني شيعي، مثل آية الله السيد علي السيستاني، يدعو الشيعة إلى "الجهاد المسلح"، وينعت أهل السنة والجماعة بـ"أعداء الدين"، فماذا سيكون رد فعل العالم العربي والإسلامي؟
بينما في الحقيقة اتخذ السيد السيستاني وغيره من المراجع الشيعية دائماً موقفا مسؤولاً دعوا الشيعة إلى الصبر وضبط النفس حتى في أشد فترات تصعيد عمليات القتل على الهوية وتفجير أضرحة أئمتهم في سامراء، خيث قال السيد السيستاني أكثر من مرة "أن السنة هم نحن". وبالمقابل هناك رجال دين سنة شرفاء من أمثال الشيخ الدكتور خالد الملا أدان الدعوات الطائفية البغيضة.

والسؤال هو: من المستفيد من هذه الفتاوى التحريضية الطائفية؟
لقد جاءت هذه الدعوات في حملة هستيرية منسقة، تزامناً مع مؤتمر قمة مجموعة الدول الثمانية (G8) في أيرلندا الشمالية برئاسة الحكومة البريطانية، مع التحضير لدعم المعارضة السورية بالسلاح من قبل أمريكا وبريطانيا وفرنسا بحجة استخدام النظام السوري للسلاح الكيمياوي ضد المعارضة!. وهي تهمة نفتها مندوبة الأمم المتحدةز والحقيقة أن المعارضة هي المتهمة الآن باستخدام الكيمياوي لإلقاء التهمة على بشار الأسد وذلك بإيعاز من أمريكا لتوفير الذريعة لتسليح المعارضة.
وبالإضافة إلى فتوى الشيخ آل جعفر، تبنى في محافظة الرمادي أحد المرشحين في دعايته الانتخابية شعار "لا للمد الصهيوصفوي”. كما وأعلن الرئيس المصري قطع العلاقة الدبلومسية مع سوريا، ورفعت شعارات ونداءات الجهاد ضد الشيعة في المنطقة. كذلك كشفت قائمة "العراقية" عن وجهها البعثي الحقيقي، فأعلنت أنها ترفض تمرير قانون حظر البعث... والمعروف أن كتلة "العراقية" تدعم حملة الاعتصامات في المناطق الغربية، والتي كما تبين أنها عبارة عن تمارين إحماء وتحضير لإشعال حرب أهلية في العراق على غرار ما يجري في سوريا.
لذا نسأل: من المستفيد من هذه الفتنة الطائفية؟ الجواب واضح، إذ كل الدلائل تشير إلى أن النظام السوري لم ولن يسقط بالطريقة التي خطط لها اللوبي الصهيوني الإسرائيلي في واشنطن ولندن وباريس.
إن تزامن إصدار هذه الفتاوى الجنونية للجهاد المسلح ضد "أعداء الدين" مع النشاطات والمؤتمرات الدولية حول ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، لم يكن صدفة أبداً. وإنما جاء بتنسيق مركزي دقيق يدفع لمصدري الفتاوى ملايين الدولارات. فها هو وزير خارجية فرنسا السابق لوران دوما، أعلن من تلفزيون (LCP) الفرنسية، أن بريطانيا كانت تخطط للحرب الأهلية في سوريا عامين قبل الربيع العربي(2). كما وذكرت صحيفة الفايننشيال تايمز أن قطر دفعت أكثر من مليارين دولار لتسليح المتمردين في سوريا، والمعروف أن أمير قطر دفع ومازال يدفع مئات الملايين الدولارات لزعزعة الأمن في العراق كما كشف ذلك محافظ صلاح الدين أمام حشد من شيوخ العشائر والإعلام، وأقسم بالقرآن على صحة قوله.

والسؤال الآخر هو: هل حقاً هؤلاء الشيوخ الذين يكفرون الشيعة ويصدرون فتاوى دينية لإشعال فتنة طائفية وإغراق شعوب المنطقة في حرب طائفية، هل هم حقاً يؤمنون بجوهر الإسلام؟ هل هذه هي رسالة الإسلام من أجل السلام وسعادة البشر؟ أليست هذه الفتاوى تخدم منظمة القاعدة التكفيرية الإرهابية وقتل كل من لا يسيرعلى سكتهم؟ هل من الإسلام والوطنية بشيء الدعوة لحرب طائفية تهلك الحرث والنسل في العراق والمنطقة؟ أليس هناك حلول حضارية أسلم وأفضل لحل الخلافات وتحقيق الحقوق المشروعة غير الحرب الطائفية؟.

أقولها صراحة، أن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم "علماء" هم في الحقيقة رجال دين ضالين، ومن وعاظ الشياطين، وظيفتهم تمزيق شعوبهم خدمة لألد أعداء الشعوب العربية والإسلامية ألا وهي إسرائيل. فبدلاً من أن تقوم إسرائيل بشن حرب على الشعوب العربية، ها هم المتطفلون على الدين يقومون بنفس الدور وذلك بإصدار فتاوى لإشعال حروب طائفية طاحنة لتفتيت شعوبهم وتدمير طاقاتها البشرية والاقتصادية كما عمل حكم البعث الصدامي في الحرب العراقية الإيرانية وغزوه للكويت. ونحن اليوم نشهد تصعيداً من نوع جديد لتفتيت الشعوب العربية والإسلامية بواسطة علماء دين ضالين باعوا أنفسهم للشيطان مقابل البترودولار، نيابة عن إسرائيل. إذ كما كتب أحد الإسرئيلين: "دعوا العرب يقضون على أنفسهم بهدوء" 

إن رجل الدين الحقيقي هو الذين يعمل على وحدة صف وسعادة شعبه لا لتمزيقه، فكما قال رجل الدين السني الشريف، الشيخ الدكتور خالد الملا رئيس جماعة علماء العراق، إن «العراق يتعرض لهجمة إرهابية دولية تستخدم الطائفية غطاء لها»، وأن هناك رجال دين الصقوا بـ”أنفسهم مناصب دينية كبيرة" وهم ليسوا كذلك. وقبله بسنوات حذر رجل الدين الشيعي المرحوم الشيخ الدكتور أحمد الوائلي العالم الإسلامي من مغبة هذه الحملة الطائفية، في حديث له في فيديو جدير بالمشاهدة والاعتبار، وحبذا لو يطلع عليه جميع المسلمين، يرجى فتح الرابط في الهامش (3 و4)

ما العمل؟
إن تمادي هؤلاء في إصدار فتاوى تحريضية لإشعال الفتن الطائفية ناتج عن سكوت الحكومة عنهم، (راجع مقالنا: من أمن العقاب مارس الإرهاب). إذ جاء في الدستور [المادة(7):- اولاً :ـ يحظر كل كيانٍ او نهجٍ يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير أو التطهير الطائفي، او يحرض أو يمهد أو يمجد او يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.]

لذلك، ومن أجل وضع حد لهذه الحملة الخطيرة وعزل وفضح ومعاقبة مثيري الفتن الطائفية ومشعلي الحروب الأهلية نقترح على الحكومة اتخاذ الاجراءات التالية:

أولاً، محاسبة المحرضين على الفتن الطائفية وتقديمهم إلى القضاء، دون أي تساهل أو تراخي. أما الذين في الخارج من أمثال الشيخ مساعد آل جعفر وحارث الضاري وعدنان الدليمي وغيرهم، فيجب تبليغ الشرطة الدولية (الإنتربول) عنهم لإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة.

ثانياً، حل مشكلة الفقر والبطالة في البلاد، لأن الإرهابيين يجدون فرصتهم في استغلال حاجة العاطلين من الشباب إلى المال فيورطونهم في أعمال إرهابية. وهذا الموضوع سأعود إليه في مقال مستقل قريباً.

ثالثاً، الكف عن إطلاق سراح المعتقلين بتهم الإرهاب إلا بعد إجراء التحقيق معهم من قبل السلطات القضائية ومن تثبت براءته فقط. إذ كما أشرنا آنفاً، تزامن تصعيد الإرهاب خلال الشهرين الماضيين مع إطلاق سراح أعداد كبيرة من المعتقلين المتهمين بالإرهاب دون التأكد من براءتهم، ولا شك فإن نسبة كبيرة من هؤلاء عادوا إلى الإرهاب.

رابعاً، تصلني أخبار من جهات عليمة في العراق أن عصابات البعث والقاعدة هم أقلية جداً، ولكنهم يمتلكون الخبرة والشراسة والعدوانية وكل الوسائل المادية لتحقيق أغراضهم، وأغلبهم من قياديين بعثيين وضباط في الحرس الجمهوري، كانوا قد أعدوا أنفسهم وحتى بتشكيل حكومة سرية بتعليمات وتخطيط من صدام حسين منذ اغتصابهم للسلطة عام 1968، تحسباً لمثل هذه الظروف. وهم الآن يقومون بفرض إرادتهم على الجماهير الواسعة من أهل السنة والجماعة في المناطق الغربية، ومن يخالفهم يتعرض للإرهاب بما فيه القتل. وقد قتلوا الكثير ممن لم يستجب لهم. وحتى أغلب المشاركين في ساحات الاعتصامات هم مرغمون بالقوة من قبل هذه العصابات. وقد أشار السيد وزير الدفاع وكالة، الدكتور سعدون الدليمي إلى ذلك في مؤتمر صحفي سابق إلى حاجة الجماهير إلى الحماية من بلطجية البعث والقاعدة. والحل في هذه الحالة، على الحكومة توفير الحماية لهؤلاء وملاحقة الإرهابيين ودحرهم.
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملحق
وصلتني اليوم مجموعة من الأقوال المأثورة ذات مغزى وعلاقة بالمقال، أود أن أشارك بها القراء الكرام لتعميم الفائدة، وحبذا لو يقرأها أصحاب الفتاوى عسى أن يريحوا ويستريحوا.

* تلك الجريمة التي يسمونها " كفر، زندقة، هرطقة " قد اخترعها الكهنة من أجل الدفاع عن مذاهب غير قادرة أن تدافع عن نفسها بنفسها. - روبرت انجرسول

* “عندما يشب حريق في بيتك، ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع الى الله، ينبغي عليك ان تعلم أنها دعوة خائن، فكيف الى عمل آخر؟ فالاهتمام بغير إطفاء الحريق، والإنصراف عنه الى عمل آخر، ما هو الا استحمار، وإن كان عملاً مقدساً أو غير مقدس" – علي شريعتي

* عمرها ما كانت مشكلتنا مع الله، مشكلتنا مع الذين يعتبرون أنفسهم بعد الله – محمد الماغوط

* مع بدايات القرن التاسع عشر بدأت مصر نهضتها مع اليابان، ثم حدث أن اليابان انضربت بالقنابل الذرية ومصر انضربت بالتعصب الدينى، فحدث الفارق - جلال عامر

* المختبرات الفضائية تصل إلى الزهرة والمريخ والمشتري وعطارد ونحن غارقون في فلان سني وفلان شيعي وفلان درزي وفلان علوي وفلان مسيحي وفلان اسماعيلي وفلان مرشدي وفلان شافعي وفلان حنبلي وفلان سرياني وفلان تركماني، وفلان من هذه العشيرة وفلان من تلك القبيلة وهذا من تلك الفخذ وذاك من هذا البطن حتى لأشعر بأني أنتمي إلى القوارض الخشبية والتجمعات الحشرية اكثر مما انتمي لهذه الأمة.- محمد الماغوط

* لا يوجد أي فهم تاريخي عقلاني للإسلام في العالم العربي أو الإسلامي ككل، الموجود هو مخيال عاطفي جبار يحرك الشارع بالملايين. – محمد أركون

 *الغريب في الأمر إن الله سبحانه يبحث عن أي سبب ليغفر لنا ويرحمنا، فيما المتحدثون بإسمه يبحثون عن أي سبب ليكفرونا ويخرجونا من رحمته. - تركي الحمد، كاتب سعودي، من سجناء الضمير في السعودية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1 - تصعيد طائفي خطير : الشيخ مساعد آل جعفر، رجل دين المقرب من عبد الملك السعدي، يفتي بالجهاد ضد الحكومة ثأرا لدماء القتلى في الحويجة ويعتبر الدعوة إلى الإقليم تراجعا وتنازلا عن تلك الدماء....
http://www.albadeeliraq.com/article23073.html
2- فيديو (دقيقة ونصف) من المقابلة التلفزيونية للسيد لوران دوما، مترجمة إلى العربية يرجى فتح الرابط:
http://www.youtube.com/watch?NR=1&v=1rMnoUYlsVY&feature=endscreen

3 - درجة الهستيريا الطائفية في اعلى مراحلها...
https://www.facebook.com/video/video.php?v=126578570879433

4- اعلان بدء  نحر الرافضة  في الكويت ــ الشيخ شافي العجمي
http://www.youtube.com/watch?v=6coFXFffRoo
5 -  صوت عقلاني، لقطة فيديو (اربع دقائق) من حديث الشيخ أحمد الوائلي قبل سنوات حذر فيه
العالم الإسلامي من مغبة هذه الحملة الطائفية http://www.youtube.com/watch?v=MCgJrlRcVl8&feature=youtu.be

6- وصوت عقلاني آخر من رجل دين سني إماراتي جدير بالمشاهدة
عالم دين اماراتي يرد بعنف على فتاوى التكفير ضد الشيعة في سوريا ويكشف حقائق خطرة
   http://www.youtube.com/watch?v=L_ZmSvcpwRA




366
المحنة السورية إلى أين؟

د.عبدالخالق حسين

المتتبع للحرب الأهلية المدمرة في سوريا يعلم أنها مأساة بشرية حقيقية كبرى فاقت كل الحدود والتصورات والتحمل من جميع النواحي: الخسائر البشرية (نحو مائة ألف قتيل لحد الآن)، و فرار الملايين من السكان، والخراب الشامل للبنى والركائز الاقتصادية، ووحشية وشراسة "المجاهدين الثوار" في التعامل مع الضحايا، ابتداءً من جرائم هتك الأعراض ودعمها بالفتاوى الدينية الوهابية مثل "جهاد المناكحة"، إلى التمثيل بجثث القتلى وأكل أحشائهم أمام الكاميرات للدلالة على وحشية وهمجية "المجاهدين" أكالين لحوم البشر(cannibalism). ومع مرور الوقت وإطالة المأساة، بدأت خيوط المؤامرة تتكشف أكثر فأكثر، أن هذه الحرب ليست من أجل الديمقراطية كما يدعون، بل هي حرب لتدمير المنطقة بكاملها، وإغراقها في حرب طائفية بين السنة والشيعة لا تبقي ولا تذر، ولصالح إسرائيل.

عندما ننتقد العرب على ولعهم بنظرية المؤامرة، لا نعني أن لا توجد مؤامرات، فهناك كوارث كثيرة حصلت في بلداننا الشرق أوسطية نتيجة لمؤامرات قذرة، وبالأخص من قبل الدول الغربية الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا. ولكن انتقادنا ينصب على تعلق العرب بنظرية المؤامرة إلى حد الوسواس في تعليق غسيلهم وتخلفهم وفشلهم عبر التاريخ على شماعة الآخرين، وولعهم بهذه النظرية ابتداءً من مقتل الخليفة عثمان بن عفان واختراعهم لشخصية وهمية باسم "عبدالله بن سبأ" ولحد الآن.

فتاريخ منطقتنا حافل بالمؤامرات الحقيقية، مثل التآمر على حكومة الزعيم الوطني الإيراني محمد مصدق عام 1953، وبعدها على حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم في العراق، وكذلك دور الغرب في إسقاط النظام الشيوعي في أفغانستان، ودعمهم للجهاديين بمن فيهم القاعدة وطالبان ...الخ. وفي جميع هذه الحالات دفعت شعوب تلك الدول ثمناً باهظاً في الأرواح والبنى الاقتصادية. أما نتائجها على الحكومات الغربية فكانت كارثية أيضاً. إذ لولا إسقاط حكومة مصدق لما وُجد النظام الإسلامي في إيران، ولولا إسقاط حكم الزعيم عبدالكريم قاسم، التقدمي العادل، الواعد بالديمقراطية، لما جاء حكم البعث الفاشي الذي تسبب في كوارث هائلة للمنطقة وللعالم من حروب وغزو الكويت، ولولا إسقاط النظام الشيوعي في أفغانستان لما جاء حكم طالبان والقاعدة وبالتالي لما كانت كارثة 11 سبتمبر 2001 في أمريكا نفسها... ولما حصل هذا التصعيد الجنوني للإرهاب الإسلامي الذي يهدد الحضارة البشرية... وهكذا وهكذا... فالقائمة تطول من الأسباب والنتائج أشبه بسقوط قطع الدومينو.
ولكن يبدو أن هذا الغرب لم يستفد من دروس الماضي، ولم يستخلص أية عبرة من تسبب مؤامراته للكوارث في دول المنطقة.
لا نريد هنا أن ندافع عن نظام بشار الأسد البعثي المستبد، فهو نظام خارج الزمن، ونحن نشهد بزوغ فجر الديمقراطية في المنطقة لا بد وأن يسقط إن عاجلاً أم آجلاً. ولكن في نفس الوقت لا نريد أن يكون بديل البعث السوري هو "جبهة النصرة" التي اعلنت ولاءها لأيمن الظواهري، زعيم منظمة القاعدة الإرهابية. إذ لا يمكن بناء ديمقراطية بدعم أشد أعداء الديمقراطية في المنطقة من أمثال النظامين الوهابيين: السعودي والقطري.

والغرب يتخذ من جرائم بعض الحكام الطغاة في العالم العربي ضد شعوبها ذريعة ليتدخل عسكرياً لاسقاطها، بشكل مباشر مثل حالة صدام حسين، والقذافي، وغير مباشر لحد الآن، في حالة بشار الأسد، حيث يسعى للتدخل المباشر أيضاً باختلاق ذرائع جديدة مثل الادعاء باستخدام الأسد الغازات السامة ضد "المعارضين". فهناك تقارير غربية تفيد أن أمريكا طلبت من "الثوار" استخدام الغازات السامة لاتهام بشار بها، وهذا ما تم مؤخراً. رابط التقرير في الهامش(1)

وفي مقابلة تلفزيونية مع المحطة الفرنسية (LCP)، كشف الوزير الفرنسي للشؤون الخارجية السابق رولان دوما، أنه تم التخطيط للحرب ضد سوريا قبل عامين من "الربيع العربي"، إذ قال: "كنت في إنجلترا لأعمال الأخرى قبل عامين من بدء العنف في سوريا. التقيت مع كبار المسؤولين البريطانيين الذين اعترفوا لي أنهم كانوا يستعدون لشيء في سوريا... وكان ذلك في بريطانيا وليس في أمريكا. وكانت بريطانيا تقوم بتنظيم المتمردين لغزو سوريا. وطلبوا مني إذا كنت راغباً في المشاركة على الرغم من أنني لم أعد وزير الشؤون الخارجية آنذاك،... وبطبيعة الحال رفضتُ، وقلت أنا فرنسي لا مصلحة لي في هذا الشأن''. التقرير الكامل في الهامش(2)، ولقطة فيديو قصيرة (دقيقة ونصف) مترجم إلى العربية (3).
لقطة فيديو (دقيقة ونصف) مترجمة إلى العربية من المقابلة التلفزيونية للسيد لوران دوما، يرجى فتح الرابط:
http://www.youtube.com/watch?NR=1&v=1rMnoUYlsVY&feature=endscreen


كما ونلاحظ الحماس البالغ والمتزايد في بريطانيا وأمريكا وفرنسا لمد "الثوار" بالأسلحة. وهذا في رأي بعض المعارضين الديمقراطيين السوريين يؤدي إلى تمديد مأساة الشعب السوري. إذ قالت سيدة سورية مقيمة في لندن، وهي عضو في قيادة المعارضة ضد نظام بشار الأسد، في مقابلة لها مع (BBC Radio 4) أنها ترفض مد الثوار بالسلاح لأن الغرض من ذلك ليس إقامة نظام ديمقراطي في سوريا، وإنما لإشعال حرب بالوكالة بين أمريكا وروسيا في وطنها يكون الشعب السوري ضحية لها.

وقد حاول رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للتخلى عن موقفه الرافض لتسليح المعارضين، فأصر الأخير على موقفه، وفي مؤتمر صحفي مشترك بعد اللقاء مع كاميرون في لندن: "حذر الرئيس الروسي الغرب من الإقدام على تسليح حركات المعارضة المسلحة في سوريا. وقال إنهم "يأكلون أعضاء بشرية" ولا يجب أن يحضوا بالدعم، في إشارة إلى مقطع فيديو أثار انتقادات دولية ظهر فيه أحد المعارضين السوريين يقطع قلب وكبد أحد قتلى جنود القوات النظامية." (تقرير بي بي سي)(4 و5)

ومن جانب آخر، هناك تقارير تفيد أن الغالبية العظمى من الثوار هم أجانب، إذ تخلى معظم السوريين عن موقفهم المعارض لنظام بشار الأسد بعد معاناتهم من الجرائم الوحشية التي ارتكبتها "جبهة النصرة"، ولاقتناعهم بأن البديل سيكون أسوأ بكثير من نظام بشار. وفي هذا الخصوص كشف تقرير بعنوان (الحرب الطائفية المزيفة -  Syria's Fake Sectarian War) أشار إلى استطلاع رأيي جاء فيه: "تشير بيانات العاملين في المجال الإنساني في سوريا التي جمعتها منظمة حلف شمال الأطلسي إلى أن: 70% من السوريين يدعمون نظام الأسد. واعتبرت 20 في المائة أخرى محايدة، وأعرب عن 10 في المائة المتبقية دعمهم للمتمردين ".والـ 70 في المائة الموالية للأسد هي في معظمها سنية. وهذه البيانات يتجاهلها الاعلام الغربي في مواجهة حملة تشويه مستمرة في الغرب حول ما يحدث في سوريا." ويضيف التقرير: "إن السنة لا يكنون الحب للأسد، ولكن الغالبية العظمى منهم انسحبوا من التمرد... والباقي من المقاتلين هم أجانب برعاية قطر والسعودية، ينظر إليهم من قبل أهل السنة بأنهم أسوأ من الأسد بكثير. "(6)

وبناءً على ما تقدم، نستنتج أن الغرض من الحرب القذرة في سوريا هو ليس لإقامة نظام ديمقراطي وإنما لإشعال حرب طائفية ماحقة بين السنة والشيعة في المنطقة لتحل محل الصراع العربي الإسرائيلي وإدخال المنطقة العربية في صراعات عرقية وطائفية تهلك الحرث والنسل، ولتدمير الطاقات البشرية والاقتصادية لهذه الشعوب، كخطوة أولى لشن حرب على إيران وتدمير برنامجها النووي، وذلك من أجل حماية إسرائيل وإبقائها الدولة العظمى الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وإعادة بقية شعوبها إلى عهد الجمال والحمير.
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1
Deleted Daily Mail Online Article: “US Backed Plan for Chemical Weapon Attack in Syria to Be Blamed on Assad”
http://www.globalresearch.ca/deleted-daily-mail-online-article-us-backed-plan-for-chemical-weapon-attack-in-syria-to-be-blamed-on-assad/5339178

  2
  Former French Foreign Minister: The War against Syria was Planned Two years before “The Arab Spring”
http://www.globalresearch.ca/former-french-foreign-minister-the-war-against-syria-was-planned-two-years-before-the-arab-spring/5339112

3 لقطة فيديو (دقيقة ونصف) مترجمة إلى العربية من المقابلة التلفزيونية للسيد لوران دوما:
قنبلة فرنسية فجرها لوران ديما وزير خارجية فرنسا السابق تتعلق بما يجري بسورية
http://www.youtube.com/watch?NR=1&v=1rMnoUYlsVY&feature=endscreen
 
 4 بوتين يحذر الغرب من تسليح المعارضة في سوريا
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2013/06/130616_syria_putin_cameron_meeting.shtml

5 روسيا ترفض بشدة إقامة منطقة حظر طيران في سوريا
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2013/06/130617_russia_syria_noflyzone.shtml
 
6
Syria's Fake Sectarian War, Triggered by Washington | Global ...
http://www.globalresearch.ca/syrias-fake-sectarian-war-triggered-by-washington/5338097













367
الفرق بين الربيعين: التركي والعربي

د.عبدالخالق حسين

لا شك أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمر في مرحلة تحولات اجتماعية وسياسية عاصفة وبوتيرة متسارعة، وذلك بفضل العولمة التي هي نتاج الثورة المعلوماتية والتطور المذهل في وسائل الاتصال والنقل، والاختلاط بين الشعوب بشكل غير مسبوق.

فثورات الشعوب العربية كانت ضد حكومات علمانية مستبدة، تمادت في قمع شعوبها، وفشلت في حل مشاكلها وبالأخص الاقتصادية منها، الأمر الذي بلغ نقطة الانفجار، بدأت بقيام الشاب التونسي محمد بوعزيزي بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على ما ناله من تعسف على يد السلطة المحلية، فكان بمثابة الشرارة التي أشعلت براميل البارود في تونس ومنها انتقلت إلى بلدان عربية أخرى فكان ما كان مما سمي بالربيع العربي وإسقاط حكومات جائرة. أما الربيع التركي فهو يختلف عن الربيع العربي في الأهداف والنتائج والاستحقاق التاريخي، نوضحه كالتالي.

إن انتفاضات الربيع العربي قامت بها جماهير من مختلف الأعمار، وخاصة الشباب الذين يشكلون القسم الأعظم من الشعوب العربية، وكانت عفوية، ذات أهداف حداثوية وديمقراطية واقتصادية. ولكن مشكلتهم أنهم لم يكونوا منظمين في أحزاب، ولم يملكوا خبرة سياسية ولا قيادة موحدة، ولا أهداف محددة متفق عليها مسبقاً. وحتى الأحزاب العلمانية الديمقراطية التي شاركت في الانتفاضات كانت ضعيفة ومفككة بسبب ما نالها من قمع السلطات الجائرة على مدى طويل. لذلك استطاعت الأحزاب الإسلامية اختطاف الانتفاضات العربية، والسيطرة عليها وقطف ثمارها، وذلك لتمتع الأحزاب الإسلامية بحسن التنظيم والتماسك الفكري والأيديولوجي وقيادة موحدة، وانضباط حديدي وطاعة عمياء للقيادة. كذلك استفاد الإسلاميون من سكان الأرياف الذين يشكلون نسبة كبيرة من الشعوب العربية وهم على العموم ذو وعي سياسي متدني، وديني محافظ، مما ساعد الإسلاميين على الفوز عبر صناديق الاقتراع، وبالتالي انتقال السلطة من حكومات علمانية جائرة إلى حكومات إسلامية لا تقل جوراً، وتعادي الحداثة والديمقراطية والمرأة وحقوق الإنسان، وليست لديها أية حلول علمية لمشاكلها الاقتصادية.

أما الوضع في تركيا فيختلف تماماً عما عليه في البلاد العربية. فالشعب التركي تشرب بالثقافة الديمقراطية العلمانية منذ تأسيس الجمهورية في أعقاب سقوط الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. ولكن في نهاية القرن العشرين حصل فساد إداري وتفاقمت أزمات اقتصادية، فعاقب الناخبون الأحزاب العلمانية الحاكمة بالتصويت لحزب (العدالة والتنمية) الإسلامي، خاصة وقد وعد أردوغان، زعيم الحزب، بحماية العلمانية والحريات الشخصية. إذ قال «في عام 2002 بأنه يريد ويحلم بتركيا التي لا يوجد فيها قوانين تحد من حرية الفرد»، فصدقه الناخبون. وبتعبير آخر، فما تحقق في البلدان العربية عن طريق انتفاضات الربيع العربي، تحقق في تركيا عام 2002 بهدوء عبر انتخابات نزيهة وعادلة وبدون ثورات أو انتفاضات.

والجدير بالذكر، أن حزب (العدالة والتنمية) لم يحصل على الأغلبية المطلقة (50+) من الأصوات، وإنما بالأغلبية النسبية، أي دون الخمسين بالمائة. وهذا يعني أن غالبية الناخبين لم يصوتوا لحزب أردوغان. إذن، ما الذي حصل وأدى إلى تفجير الوضع ضد أردوغان الآن؟
لقد تخلى أردوغان عن جميع وعوده بحماية العلمانية والحريات الشخصية، وقاد تركيا إلى نظام قريب من حكم الفرد المستبد والنظام الإسلاموي، وحتى هناك تذمر من قياديين داخل حزبه.


قلنا في مقال سابق: "أن التظاهرات التي اجتاحت المدن التركية هي ليست احتجاجاً على "تحويل حديقة تاريخية تدعى (غازي بارك) في اسطنبول إلى مركز ثقافي وتجاري" فحسب، وإنما كانت هناك تراكمات تغلي تحت السطح، وتذمر شعبي واسع ينمو بصمت، وما قضية تغيير حديقة تاريخية في اسطنبول إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، والشرارة التي أشعلت فتيل الانتفاضة، إذ هناك أسباب كثيرة. لقد تمادت حكومة أردوغان في الاستبداد، والتضييق على الحريات الشخصية، وتقليص العلمانية، وتطبيق أحكام دينية تدريجياً... كذلك زجت حكومة أردوغان بالمئات من الضباط والصحفيين والكتاب العلمانيين في المعتقلات بتهمة التآمر على النظام الديمقراطي، وفصل الكثير من القضاة وتعيين المتعاطفين مع أيديولوجية حزبه مكانهم، الأمر الذي بات يهدد النظام العلماني الذي تشرب الشعب التركي بثقاته منذ مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة وإلى الآن." (1)

وهناك خطر آخر على أردوغان من الجيش، إذ ذكرت صحيفة (SPIEGEL ONLINE) الالمانية في تقرير لها بعنوان: (قبضة أردوغان على السلطة بدأت تضعف)، أن هناك تهديداً لحكومة أردوغان، إذ بدأ الناس يتهامسون أن الجيش يوزع كمامات واقية ضد الغازات المسيلة للدموع على المتظاهرين وليس على البوليس، الرسالة التي تعني أن الجيش يدعم المحتجين.(2)

والاختلاف الآخر بين انتفاضات الربيع العربي والربيع التركي هو أن في تركيا أحزاب علمانية عريقة وقوية كانت تحكم تركيا قبل مجيء حزب أردوغان الإسلامي للسلطة، مثل حزب الشعب الجمهوري، وأحزاب أخرى، إضافة إلى وجود نقابات العمال والحرفيين، ومنظمات المجتمع المدني، المستقلة تماماً عن تأثير الحكومات، الحالية والسابقة.

يحاول بعض المعلقين الإسلاميين، الأتراك والعرب، الطعن بمبررات انتفاضة الشعب التركي وشرعيتها بوصفها أنها من أجل المشروبات الكحولية!! وذلك لأن بعض الشباب والشابات تعمدوا في أخذ قناني البيرة معهم إثناء تظاهراتهم في ساحة تقسيم في اسطنبول كدلالة رمزية في تحد لقرارات أردوغان في الحد من الحريات الشخصية.
إن وصف الإسلاميين الانتفاضة بأنها من أجل مشروبات كحولية دليل على سطحية تفكيرهم، وكمحاولة منهم لتشويه سمعة الانتفاضة الشعبية. إذ كما أكد جورسال تكين، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية في حديث مع صحيفة «الشرق الأوسط»: « إن ما يحصل هو ثورة على العقلية الأردوغانية التي تستمد قوة استمرارها من منع كل شيء، مثل منع الكحول وتطبيق نظام التعليم 4+4 وتشبيهه معدي الدستور القديم [كمال أتاتورك وعصمت اينونو] بأنهما اثنان من المخمورين، وتطاوله على المذاهب الأخرى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتحويل الحكم البرلماني في تركيا إلى حكم الرجل الواحد، ومحاولة جمع كل الصلاحيات بيده. جميع هذه السلبيات أدت إلى انفجار الوضع في جميع أنحاء البلاد».(الشرق الأوسط، 11/6/2013)(3).
كذلك لتدخلات أردوغان بشؤون دول الجوار، العراق وسوريا، وجر تركيا إلى صراعات طائفية وإقليمية دور في هذه الانتفاضة، إذ أجاب القيادي في حزب الشعب الجمهوري قائلاً: «عندما ننظر إلى خريطة الشرق الأوسط نرى بجوارنا سوريا والعراق وإيران، وجميعها يوجد لنا معهم صلة قرابة بين العائلات. فبعضها (العائلات) يعيش في تركيا والآخر يعيش في سوريا أو العراق أو إيران. والتصعيد يخلق مشكلات وعداء مع هؤلاء الجيران وهذا ليس بالمعقول ولا بالمنطق. ولهذا ستجبر حكومة تركيا على تغيير سياستها العدائية التي تمارسها حيال الجيران خاصة بعد هذا الانفجار الذي عم جميع مدن تركيا. » (نفس المصدر).

وأخيراً، تدخل الشيخ يوسف القرضاوي على الخط في دعم حكومة أردوغان، فأصدر رسالة باسم (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي يترأسه، شن فيها هجوماً حاداً على عشرات الآلاف من المتظاهرين الاتراك المطالبين بالديمقراطية واتهمهم بالانسياق وراء "مؤامرات خارجية". والجدير بالذكر أن القرضاوي دعم الأعمال الإرهابية في سوريا والعراق، والاعتصامات في العراق، وأفتى بقتل الشيعة.(4)

والمضحك المبكي أن أردوغان وصف المتظاهرين، بأنهم أقلية متمردة على الديمقراطية، وأنهم إرهابيون ومتطرفون ولصوص..الخ، علماً بأن التظاهرات شملت نحو 40 مدينة تركية، ولكنه (أردوغان) في نفس الوقت يدعم تظاهرات الأقلية الرافضة للديمقراطية في العراق ويدعمها بجميع الوسائل. كما وقابل أردوغان التظاهرات السلمية في بلاده بمنتهى الوحشية مما أثار سخط وانتقاد الحكومات الديمقراطية في العالم وخاصة دول الاتحاد الأوربي. (شاهد رجاءً الفيديو في الهامش وحشية تعامل البوليس التركي مع المتظاهرين)(5 و6).

دروس الربيع التركي
هناك عدة دروس يمكن استخلاصها من انتفاضة الشعب التركي. أولاً، أثبتت أنه لا يمكن التنبؤ بأي ثورة أو انتفاضة شعبية. ثانياً، أعطت الانتفاضة درساً بليغاً للحكام، أن لا يأخذهم الغرور حتى وإن جاؤوا عبر انتخابات نزيهة. لأن فوزهم هذا لا يمنحهم الحق في التجاوز على الديمقراطية والحريات الشخصية، والاستبداد والتفرد في الحكم، فالجماهير التي أتت بهم يمكن أن تركلهم عندما يتجاوزون حدودهم. وكل الدلائل تشير إلى أن أردوغان أصابه الغرور وتجاوز صلاحياته إلى حد أن لم يتحمله الشعب فثار عليه، وهو في طريقه إلى السقوط لا محال.
رابعاً، يمكن اعتبار الربيع التركي هو انتفاضة على الحكم الإسلامي والعودة إلى حكم العلمانيين، ومن المتوقع أن يحصل الشيء ذاته في بلدان الربيع العربي في المستقبل القريب كمرحلة ثانية لإتمام المشوار، أي للإطاحة بحكم الأحزاب الإسلامية وإقامة حكم ديمقراطي علماني صحيح.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالموضوع
1 عبدالخالق حسين: هل يطيح الربيع التركي بأردوغان؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=585

2- تقرير صحيفة اشبيغل الألمانية
Revolt in Turkey: Erdogan Losing Grip on Power - SPIEGEL ONLINE
http://www.spiegel.de/international/world/revolt-in-turkey-erdogan-losing-grip-on-power-a-903553.html
 3- جورسال تكين: ما يحصل ثورة على الأردوغانية.. ولا حل أمامه سوى التراجع
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=731976&issueno=12614#.UbbzkOeThdE

4 القرضاوي يحرّم الربيع التركي ويصف التظاهرات بـ ( المؤامرة(!
http://www.akhbaar.org/home/2013/6/148799.html
 
5 فيديو: الديمقراطية التركية، قمع بوليسي للمتظاهرين
  http://safeshare.tv/w/GWrJiyDNKJ

 6 فيديو يكشف عن وحشية تعامل البوليس التركي مع المتظاهرين
Turkish Revolution - police brutality COLLECTION - Istanbul Taksim #Occ
A shocking 10 minute video from TURKEY and the Police Savagery. Make sure to see what happens at the minutes of 5:42, 6:22, 7:00 and 8:00. Absolutely sad and horrible...
 http://youtu.be/iu-wDrZ-bsM




368
هل سيطيح الربيع التركي بأردوغان؟

د.عبدالخالق حسين

وأخيراً وصلت شرارة الربيع العربي إلى تركيا، حيث اجتاحت تظاهرات حاشدة مدينة اسطنبول أولاً، ثم انتشرت إلى مدن تركية أخرى مثل أنقرة وأنطاكيا وأزمير وغيرها، احتجاجا (كما بدى في أول الأمر) على مشروع حكومي يقضي بتحويل حديقة تاريخية تدعى (غيزي بارك) إلى مركز ثقافي وتجاري، ولكن المشكلة أكبر من ذلك إذ تبين أن هناك أسباباً متراكمة أخرى سنأتي على ذكرها لاحقاً.

وقد واجهت حكومة أردوغان التظاهرات السلمية بالعنف من قبل قوات الشرطة، مما تسبب في اصابة العشرات خلال اشتباكات وقعت بين المتظاهرين وقوات الأمن، تطلب إدخال العشرات من المصابين إلى المستشفيات، واعتقال أكثر من ألف وسبعمائة. ولحد كتابة هذه السطور (4/6/2013) دخلت الاحتجاجات يومها الخامس، وقتل شخصان، كما و"أعلن اتحاد نقابات القطاع العام، وهو من أكبر اتحادات العمال في تركيا، عن إضراب لمدة يومين في إطار دعمه للاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة. ويشمل الإضراب المقرر الثلاثاء والأربعاء المدارس والجامعات وكافة المؤسسات الحكومية... ويتهم الإتحاد الحكومة بأنها تقترف "إرهاب الدولة". ولا تزال الاشتباكات مستمرة بين المتظاهرين والشرطة لليوم الخامس على التوالي." ويطالب المحتجون باستقالة رئيس الوزراء التركي أردوغان، الذي ندد في وقت سابق بالمتظاهرين، واعتبرهم مناوئين للديمقراطية. واستخدمت قوات الأمن خراطيم المياه وعشرات من قذائف الغاز المسيل للدموع للتصدي لحشود المتظاهرين. وتحولت المساجد والجامعات والمحال التجارية إلى مستشفيات مؤقتة لمعالجة جرحى الاشتباكات" (تقارير البي بي سي) (روابط: 1 و2 و3 و4 في الهامش).

والسؤال الملح هو: هل وصل الربيع العربي إلى تركيا؟
فمعظم تعليقات المعلقين السياسيين ومراسلي وكالات الأنباء، تشير إلى أن التظاهرات التي اجتاحت المدن التركية هي ليست احتجاجاً على "تحويل حديقة تاريخية تدعى (غيزي بارك) إلى مركز ثقافي وتجاري" فحسب، وإنما كانت هناك تراكمات تغلي تحت السطح، وتذمر شعبي واسع بصمت، وما قضية تغيير حديقة تاريخية في اسطنبول إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، والشرارة التي أشعلت فتيل الانتفاضة، إذ هناك أسباب كثيرة. لقد تمادت حكومة أردوغان في الاستبداد، والتضييق على الحريات الشخصية، وتقليص العلمانية، وتطبيق أحكام دينية تدريجياً، رغم وعوده في البداية أنه حريص على العلمانية والحريات الشخصية. كذلك زجت حكومة أردوغان المئات من الضباط والصحفيين والكتاب العلمانيين في المعتقلات بتهمة التآمر على النظام الديمقراطي!! وفصل الكثير من القضاة وتعيين المتعاطفين مع أيديولوجية حزبه مكانهم، الأمر الذي بات يهدد النظام العلماني الذي تشرب الشعب التركي بثقاته منذ مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة وإلى الآن، مع التزامه بتعاليم الإسلام المعتدل كدين وليس كسياسة لفرض نظام ثيوقراطي قروسطي.
 
كذلك، استغل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الربيع العربي، فطرح نفسه مع أمير دويلة قطر، أنه من أنصار الديمقراطية في البلاد العربية، ويدعو إلى تصالح الإسلام السياسي مع الديمقراطية والحداثة. والمضحك المبكي أن أردوغان وأمير قطر، يريدان تحقيق الديمقراطية في سوريا والعراق على أيدي تنظيمات تابعة للقاعدة مثل "جبهة النصرة" في سوريا، وفلول البعث والقاعدة في العراق، وهي تنظيمات معروفة بعدائها الشديد للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. كما وطرح أردوغان نفسه كوريث شرعي لسلاطين الدولة العثمانية، والوصي الملكف لحماية أهل السنة في بلاد الشام والعراق.

وبعد نجاحات نسبية في سياساته الداخلية والخارجية، أصيب أردوغان بالغرور، فاعقتد أنه سياسي محنك يضع معاوية وماكيافيللي في جيبه. إذ نتذكر الغضبة المسرحية التي افتعلها قبل سنوات مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرز في لقاء دافوس، وخرج من اللقاء احتجاجاً على مدير الندوة، أنه لم يمنحه وقتاً كافياً لإلقاء مداخلته معادلاً لما منحه للرئيس الإسرائيلي. وعند عودته إلى بلاده استقبلته جماهير حزبه في مطار أنقرة استقبال الأبطال الفاتحين! بينما نعرف حقيقة العلاقة الودية الاستراتيجية بين تركيا وإسرائيل. ومن ثم طرح أردوغان نفسه المدافع الشرعي عن حقوق الشعب الفلسطيني، ولعبته في إرسال المساعدات عن طريق البحر لسكان غزة، وتعرض القوات الإسرائيلية لها. كذلك رفعه شعار الإسلام المعتدل، وغيره من الوسائل التي استبشر الجميع بها خيراً، فصار أردوغان مثالاً يقتدى به من قبل الديمقراطيين العرب. وأخيراً تبين أن كل هذه الأساليب ما هي إلا لكسب الوقت، حيث كشف أردوغان عن وجهه الحقيقي تدريجياً كأي إسلامي أخواني.

لقد كشف أردوغان عن خبثه في موقفه من العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية نهاية عام 2011، فراح يلعب بالورقة الطائفية، ويدعم الفئات المعارضة للعملية السياسية، وخاصة تلك التي تستخدم العنف، بدأ بإطلاق تصريحات بذيئة ضد رئيس الوزراء العراقي لا تليق بمسؤول كبير يحترم نفسه، وتعاونه مع جميع الأطراف المعادية للحكومة المركزية في بغداد. كما وجعل من بلاده ملجأً للإرهابيين العراقيين الهاربين من وجه العدالة من أمثال الإرهابي طارق الهاشمي وعدنان الدليمي، وملتقى لعقد المؤتمرات للتآمر على الحكومة العراقية المنتخبة... وبلغ تدخل أردوغان السافر في الشأن العراقي ودعمه لأعداء الديمقراطية إلى حد أن رفع المتظاهرون في ساحات الاعتصامات في المناطق الغربية صوره وأعلام تركيا، إلى جانب صور وأعلام صدام حسين، بل وخاطبه أحد خطباء الاعتصامات في الرمادي بحفيد السلطان محمد الفاتح، وناشده بالتوجه إلى العراق لتحريره من "الاحتلال الصفوي".

من نافلة القول أن اللعب بنار الطائفية خطر كبير، و تركيا الأردوغانية ليست محصنة ضد إشعال الفتنة الطائفية. فنحو 30% من الشعب التركي هم بكتاشيون (علويون)، أي من نفس مذهب العلويين في سوريا، ولا شك أنهم يتعاطفون مع نظرائهم في سوريا وما يتعرضون لحرب الإبادة بسبب فتاوى يصدرها شيوخ الوهابية، وعلى رأسهم يوسف القرضاوي الذي أصدر فتوى أحل بها قتل (النصيرية) ويقصد (المسلمين العلويين)، ووصفهم بأنهم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى!. ولذلك فالذين يلعبون بالنار الطائفية في العراق وسوريا، يجب أن يعلموا أنهم يجلبون البلاء على أنفسهم وعلى شعوبهم.

لقد حذرنا مراراً أن الديمقراطية لا يمكن إقامتها عن طريق فلول البعث والقاعدة، وأن هذه الحرب المشتعلة في سوريا والتي صرف عليها أمير دويلة قطر نحو ثلاثة مليارات دولار حسب ما جاء بتقرير في صحيفة (فايننشال تايمز) اللندنية، تحت عنوان: "قطر أنفقت نحو ثلاثة مليارات الدولار في العامين الماضيين لتمويل الانتفاضة السورية"(4).

نؤكد مرة أخرى أن هذه الحرب التي تدور رحاها في سوريا، والتي يخطط لها في العراق أيضاً، ليست من أجل الديمقراطية. وقد تبين الآن أن الغرض من إسقاط نظام بشار الأسد، هو لأسباب عديدة مختلفة ليست الديمقراطية من بينها، فلكل جهة متورطة بهذه الحرب هدفها الخاص بها، لا يستفيد منها أي شعب في المنطقة، ناهيك عن الشعب السوري، ومنها مثلاً:
أولاً، مد أنابيب الغاز القطري إلى أوربا و إسرائيل عبر العراق وسوريا،
ثانياً، الحرب في سوريا والعراق بالوكالة بين السعودية والدول الخليجية من جهة، وبين إيران وحزب الله والعراق من جهة أخرى.
ثالثاً، إشعال حرب طائفية في المنطقة لصالح الوهابية السعودية والقطرية، وإسرائيل،
رابعاً، إسقاط نظام بشار الأسد كخطوة أولى لعزل الحكومة الإيرانية تمهيداً لإسقاطها وتدمير برنامجها النووي، على غرار إسقاط حكم البعث الصدامي، والذي ما كان ممكناً إلا بعد عزله إقليمياً وعالمياً.

ولكن للتاريخ منطقه، إذ لا يصح إلا الصحيح، و"تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن". فكما حذرنا، أن من يشعل الحرائق في بيت جاره لا بد وأن تصل النيران إلى بيته، وأفضل مثال هو بشار الأسد. وقد شارك أردوغان، مع حليفة أمير قطر، بنشاط وخبث في إشعال الحرائق في سوريا والعراق، والآن وصل الحريق إلى بيته. وهاهو السلطان أردوغان "حفيد محمد الفاتح" يواجه غضبة الشعب التركي، ولا شك أنها انتفاضة الربيع التركي على غرار انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بعدد من الأنظمة العربية الجائرة.

والجدير بالذكر، أن أردوغان وصف المحتجين في بلاده قائلا: "كل الطرق ماعدا صناديق الاقتراع تظل غير ديموقراطية"، أي أنه لا يتأثر بالاحتجاجات وإنما الحكم لصناديق الانتخابات. ولكن أردوغان هذا أنكر حكم الديمقراطية وصناديق الاقتراع في العراق، إذ وقف دائماً مع التظاهرات والاعتصامات الطائفية، أعداء الديمقراطية، ونظم لقادتها المؤتمرات للإطاحة بنظام منتخب من الشعب العراقي ديمقراطياً. وهذه هي إزدواجية أردوغان. (4 و5و6).

فهل سيطيح الربيع التركي بأردوغان؟
لم يبق من حكمه إلا فترة قصيرة، فالانتخابات القادمة قريبة، وبالتأكيد ستشغله هذه التظاهرات عن تدخلاته السافرة في شؤون دول الجوار، و هي بداية النهاية لمرحلة أردوغان وحزبه الإسلامي الأخواني "المعتدل"، ومن المرجح أن حزبه سيفشل في الانتخابات القادمة إن لم يطاح به بهذه الانتفاضة.
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة
1- اشتباكات بين الشرطة التركية والمحتجين في إسطنبول وأنقرة
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2013/06/130602_turkey_taksim_clashes.shtml
2- استمرار الاحتجاجات العنيفة في تركيا ضد سياسات الحكومة
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2013/06/130603_turkey_protests_third_day.shtml
3- إضراب عمالي في تركيا دعما للاحتجاجات الشعبية
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2013/06/130604_turkey_protest_strike.shtml

4- - مظاهرات ضد السعوديه في تركيا وصور الملك تحرق وتداس
https://www.youtube.com/watch?v=PdcqOKpXNyk&feature=player_embedded

5-  بعدما أنفقت ثلاثة مليارات دولار في سوريا... أميركا: وداعًا قطر! - إيلاف
http://www.elaph.com/Web/news/2013/5/812757.html

6- تركيا تجمع مطلوبين للقضاء في مؤتمر يدعو لتغيير النظام بالعنف بينهم الهاشمي والجنابي والكربولي والدايني
http://www.akhbaar.org/home/2013/5/147948.html

7- العراق يفكك "خلية للقاعدة كانت تنتج سلاحا كيمياويا"
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2013/06/130601_iraq_gas_qaeda.shtml


369
عن مواقف النجيفي اللادستورية
د.عبدالخالق حسين

أثبت السيد أسامة النجيفي، منذ تسلمه رئاسة البرلمان نهاية عام 2010 حسب ديمقراطية التوافق والمحاصصة، أنه مخالف للدستور في معظم مواقفه، وأن ولاءه لتركيا وليس للعراق، وبذلك فهو يشكل خطراً على أمن وسلامة ومستقبل العراق.
يبدو أن نزعة الولاء لتركيا في النجيفي وراثية وفق ما ذكره الكاتب العراقي العروبي، هارون محمد في مقال له بعنوان: (آل النجيفي وعروبة الموصل من الجد الى الحفيد!)، نقلاً من مذكرات متصرف (محافظ) الموصل، عبدالعزيز القصاب من كانون الثاني 1924 الى حزيران 1926 عن يوميات عمل لجنة عصبة الأمم لحل مشكلة الموصل التي كانت قائمة بين الحكومة العراقية وحكومة أتاتورك الذي طالب بالموصل، فقال أن معظم الناس كانوا مع عراقية الموصل، ما عدا محمد النجيفي [جد أسامة] الذي كان متحمساً لتتريكها، ويضيف: "وللمعلومات فقط ، فان محمد النجيفي يكاد يكون الوحيد من أغنياء الموصل الذي صّوَّت لفصل أم الربيعين عن العراق وإلحاقها بتركيا!" (رابط المقال في الهامش).(1)

وللمعلومات أيضاً، نقول، أن هارون محمد هذا ليس شيعياً أو "رافضياً صفوياً"، فهو من غلاة الطائفيين ضد الشيعة إذ لم يتردد في شتم الشيعة كما في مقال له نشر قبل أشهر بعنوان: (يا رافع العيساوي هل يستوي أولاد المتعة مع أبناء الأصالة والعراقة؟) رابط المقال في الهامش.(2)

مناسبة هذه المقدمة هي تمادي السيد أسامة النجيفي في إلحاق الضرر بالعراق ووأد الديمقراطية كما هو واضح من دعمه للمعتصمين في ساحات الاعتصامات، المطالبين بإلغاء الدستور والديمقراطية...الخ، ولقاءاته المتكررة مع حكام تركيا وقطر الذين يتآمرون على العراق، واتهامه لمن لا يوافقه على مواقفه بالتمرد على الدستور، وفق القول المصري: (ضربني وبكى، سبقني واشتكى).

فخلال الدورة البرلمانية الأولى، كنا قد استغربنا من تصرفات الدكتور محمود المشهداني، رئيس البرلمان العراقي السابق، الذي فاجأ الرأي العام بتصرفاته الغريبة، سواءً في تعامله مع وسائل الإعلام، أو استخدامه الفاضاً نابية بذيئة إثناء إدارته جلسات البرلمان، لا تليق بشخص يتبوأ منصباً لأخطر مؤسسة في الدولة، كمنصب رئيس السلطة التشريعية (البرلمان). ومن ألفاضه أنه هدد النواب مرة بقوله أن "أي قانون يخالف الإسلام نضربه بالقندرة"، أي (الحذاء). ثم تكاثرت عليه المشاكل إلى أن أرغم على الاستقالة، مقابل راتب شهري خيالي لا يتصوره العقل في دولة من دول العالم الثالث، وقيل أنه يعادل حوالي 40 ألف دولار شهرياً. (3) أي راتبه اليومي ضعف الراتب الشهري لأستاذ جامعي متقاعد خدم في المهنة أربعين سنة.

وفي الدورة الثانية (الحالية) للبرلمان تم انتخاب السيد أسامة النجيفي من قائمة العراقية، حسب مبدأ التوافق والمحاصصة. وقد استبشرنا خيراً في أول الأمر، ولكن تبين بعد فترة قصيرة أن شهاب الدين (أ...ط) من أخيه! أو كما يقول الشاعر العربي:
بُليتُ بأحمق فعجزت منه... فكيف إذا بُليت بأحمقين!
والله في عون المخلصين للعراق.

فإذا كان الدكتور محمود المشهداني بذيء اللسان، إلا إنه، وكما تبين فيما بعد، طيب السريرة، أقرب إلى السذاجة منه إلى الخبث واللؤم، إذ كما يقول العراقيون، قلبه على لسانه، فهو من النوع الذي يتكلم قبل أن يفكر. أما السيد أسامة النجيفي فقد أثبت أنه من ألد أعداء العراق الجديد، والنظام الديمقراطي، فهو من الذين انضموا للعملية السياسية لتدميرها من الداخل وشل الحكومة، وبالأخص لعرقلة سن القوانين اللازمة للعراق الديمقراطي. فالنجيفي لم يلتزم بصلاحياته الدستورية، وحدود مسؤولياته كرئيس برلمان، مهمته تنظيم جدول أعمال المجلس، وإدارة الجلسات بحيادية، وأنه يترأس مؤسسة تشريعية تمثل كل الشعب، ورئيسها يجب أن يتخلى عن انحيازه لانتماءاته الحزبية والطائفية، ولو في الظاهر على الأقل، وإنما راح يتصرف كما لو كان رئيساً مطلقاً للسلطة التنفيذية والتشريعية، يتنقل من عاصمة إلى أخرى، يطلق تصريحات مشوشة ومتناقضة، ومعادية للنظام الديمقراطي، وفي أغلب الأحيان تحريضية ذات نفس طائفي.

نذكر أدناه على سبيل المثال لا الحصر، عدداً من تصرفاته التي تكشف انحيازه الطائفي ومخالفاته للدستور:
1-  صمته المطبق عن تفجيرات الإرهابيين التي قامت بها فلول البعث والقاعدة خلال السنوات العشر الماضية وإلى الآن، والتي أودت بحياة عشرات الألوف من العراقيين الأبرياء، وخاصة في المناطق الشيعية، والتي تحمل كل مواصفات حرب إبادة الجنس (genocide)، لم يحرك النجيفي ساكناً، ولكن ما أن حصل انفجار واحد قرب مسجد لأهل السنة في ديالى حتى وتحركت عنده النخوة "العربية"، فسارع بدعوة البرلمان لعقد جلسة استثنائية، واستدعاء رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة للمساءلة. نحن مع هذه الدعوات، لأن من حق البرلمان، بل ومن واجبه، محاسبة المسؤولين في مثل هذه الحالات، ولكن لماذا هذه المرة فقط؟ إذ كان الغرض واضحاً من دعوة النجيفي لهذه الجلسة، وهو تحويلها إلى ساحة مباراة للخطابة والمهاترات وتبادل الاتهامات الطائفية. وقد عرف رئيس الوزراء السيد نوري المالكي هذه المقاصد وخطورتها في صب المزيد من الزيت على نار الفتنة الطائفية المشتعلة أصلاً. لذا دعا المالكي النواب إلى مقاطعة هكذا جلسة لأن الغرض منها شق الصف الوطني وإبعاد التهمة عن الإرهابيين الحقيقيين.
والجدير بالذكر أن من حق رئيس الوزراء، كرئيس أية كتلة سياسية، توجيه هكذا دعوة، فهي قانونية ولكنها غير ملزمة للنواب. وفي المحصلة النهائية لم يحضر الجلسة إلا عدد قليل، دون الحد الأدنى المطلوب لاكتمال النصاب، مما أثبت أن الغالبية العظمى من النواب استجابوا لدعوة رئيس الوزراء، ورفضوا دعوة رئيس البرلمان. الأمر الذي أثار حنق وغضب النجيفي، فوصف موقف رئيس الوزراء بـ"التمرد على الدستور"، وهدد بتقديمه إلى القضاء!!، علماً بأن قيادة كتلة النجيفي أمرت نواب الكتلة بعدم حضور جلسات البرلمان منذ أشهر، على أن لا يحضروا إلا في حالة عقد جلسة لسحب الثقة من رئيس الوزراء. فإذا كانت الدعوة لمقاطعة جلسة استثنائية للبرلمان تمرداً على الدستور، فالنجيفي ورئيس كتلته (أياد علاوي) هم أول المتمردين على الدستور، ويجب مقاضاتهم. وللنجيفي وكتلته سوابق كثيرة في هذا الخصوص كما في الفقرة التالية. 

2- خروج النجيفي، مع نواب كتلته، في الجلسة الأولى عام 2010 للدورة البرلمانية الحالية، بعد أن تم انتخابه رئيساً للبرلمان، حيث رتبت كتلته "العراقية" الانسحاب من الجلسة بعد تحقيق أغراضهم، لعرقلة تنفيذ المواد الأخرى في جدول أعمال الجلسة ومنها انتخاب رئيس الجمهورية والذي بدوره يقوم بترشيح المالكي لتشكيل الحكومة حسب اتفاق مسبق بين قيادات الكتل السياسية الكبرى. ولم يعُد النجيفي إلا بعد أن اتصل به وزير خارجية تركيا، السيد أحمد داوود أوغلو تلفونياً، وأمره بالعودة إلى البرلمان لمواصلة إدارة الجلسة. وبذلك فقد أثبت النجيفي أنه كان يمثل كتلته وليس الشعب، ويستجيب لأوامر من تركيا وليس ما يمليه عليه واجبه إزاء الشعب العراقي.

3- وقوفه على منصات الخطابة في ساحات الاعتصامات ومشاركته مع قادتها في تحريض المعتصمين وتسميته العصيان بـ"الثورة"، وإلقائه خطباً تحريضية ضد الحكومة المنتخبة. علماً بأن الدستور طرح آليات ديمقراطية حضارية تحت قبة البرلمان لحل الخلافات وتحقيق المطالب المشروعة بالتفاهم والحوار دون الحاجة إلى العنف. والجدير بالذكر أن هذه الاعتصامات اتسمت بالطائفية، وبذلك فقد طرح النجيفي نفسه كطائفي منحاز لطائفته، وليس رئيساً لبرلمان يمثل الشعب العراقي، ولم يستطع السيطرة على تحيزه الطائفي كما يتطلب منصبه.

4- مطالبته وزراء كتلته "العراقية" بالانسحاب من حكومة المالكي على أمل إسقاطها، مع احتفاظه هو بمنصبه كرئيس للبرلمان للاستفادة من امتيازات المنصب، الأمر الذي انتبه إليه إثنان من وزراء كتلته المستقيلين وهما: وزير التربية محمد تميم، ووزير الزراعة عز الدين الدولة، فصححا الخطأ وعادا إلى الحكومة رغم اعتراض قيادة كتلتهم. والسيد عز الدين الدولة انسحب حتى من كتلته (متحدون).

5- ظهور النجيفي على شاشة تلفزيون الحرة- عراق، " وهو يدعو القوات المسلحة إلى عدم إطاعة أوامر "القائد" على حد تعبيره. إن أداة التعريف هنا تعني بوضوح القائد العام للقوات المسلحة." (راجع مقال السيد محمد ضياء عيسى العقابي: أتهمُ السيد أسامة النجيفي بالخيانة العظمى فحاكموه) (4) .
أتفق مع الأستاذ العقابي بأن هذه الدعوة بحد ذاتها كافية لتقديمه إلى القضاء بتهمة الخيانة العظمى، والتمرد على الدستور والسلطة المنتخبة، والتحريض على العنف في دولة هو رئيس برلمانها!.

6- المفترض برئيس البرلمان أن يكون أعرف من غيره بمواد الدستور، وحرصاً عليه والتزاماً بتطبيقه. ولكن السيد أسامة النجيفي هو أول من خالف الدستور، وتمرد عليه حين أصدر دعوته لحل الحكومة والبرلمان، وتشكيل حكومة مصغرة مؤقتة تهيئ لانتخابات مبكرة. فدعوته هذه مخالفة للمادة (64) من الدستور، التي الزمت رئيس الجمهورية وليس رئيس البرلمان توجيه مثل هذه الدعوة لحل المجلس وإلى إجراء انتخابات عامة في البلد خلال 60 يوما من تاريخ الحل. كذلك من واجب الحكومة أن تستمر بتصريف الاعمال لحين تشكيل حكومة جديدة استنادا للأحكام المادة 76 من الدستور اي بعد اجراء الانتخابات". وبعبارة أخرى، إن احكام الدستور لم تسمح مطلقا بتشكيل حكومة مؤقتة. لذلك فدعوة النجيفي تعتبر "خروجا عن الشرعية الدستورية والمبادئ الديمقراطية التي تضمنها ".

7- وكما جاء في مقال للنائب ياسين مجيد:" نسأل النجيفي عن الأسباب التي منعته من عدم اعتبار عدد كبير من مطالب وشعارات المعتصمين في الانبار وسامراء والموصل تمرداً على الدولة العراقية والدستور ومنها على سبيل المثال: الغاء الدستور – الغاء العملية السياسية – الغاء قانون مكافحة الارهاب – الغاء قانون المساءلة والعدالة – سيطرة القاعدة والبعث والنقشبنديين على الاعتصامات – العصيان المدني – العصيان العسكري – رفع أعلام البعث – رفع صور الطاغية – رفع صور اردوغان والتمجيد بالدولة العثمانية – التمجيد للحرس الجمهوري – طرد الجيش والشرطة الاتحادية من الانبار والموصل وسامراء – قتل واختطاف الجنود – رفع اعلام الجيش العراقي الحر – اعتبار النجيفي الجيش العراقي أداة قتل – تشكيل جيش العشائر – اقامة الاقليم السني – تقسيم العراق – التهديد بالحرب ضد الحكومة الاتحادية – الزحف الى بغداد – اتهام اكبر مكون اجتماعي في العراق بالعمالة وانهم خنازير واولاد زنا – منع دخول عبد الزهرة الى الانبار، يعني الدعوة لاقامة كانتونات طائفية – اهانة شـــيوخ عشائر الوسط والجنوب – وصف الاعتصامات بالثورة"(5).
لا شك أن هذه الشعارات والمطالبات مخالفة للدستور، والتي تهدد أمن وسلام الشعب العراقي، ولكن مع كل ذلك، أيدها رئيس البرلمان العراقي السيد أسامة النجيفي، المفترض به أن يكون حامياً للدستور.

7- صمته عن إهانة تركيا للسيادة الوطنية العراقية حين عقد رجب طيب أردوغان، رئيس الحكومة التركية، اتفاقاً مع زعيم حزب العمال الكردستاني PKKK عبدالله أوجلان السجين، لترحيل مقاتلي الحزب إلى منطقة جبال قنديل في كردستان العراق، دون أخذ موافقة الحكومة المركزية في بغداد. ولعل الغرض الرئيسي من دعوة النجيفي لعقد جلسة برلمانية استثنائية، هو لتصعيد الصراعات الطائفية وإبعاد انتباه الرأي العام عن إتفاقية أردوغان- أوجلان، وانتهاك السيادة العراقية. كذلك سفراته المتكررة إلى ألد أعداء العراق مثل تركيا وقطر، وتلقيه الأوامر من حكام هذين البلدين.

8- دور النجيفي بصفته رئيس البرلمان عرقل عرض لوائح قانونية قدمها مجلس الوزراء لقراءتها ومناقشتها من قبل أعضاء السلطة التشريعية لتحويلها إلى قوانين، ومنها لوائح تخص تجريم البعث وغيره.

9- امتناع النجيفي رفع الحصانة عن عدد من النواب المتهمين بالإرهاب، لمقاضاتهم بالمحاكم الجنائية. وهذا يعني أن النجيفي يتعاون مع الإرهاب وكل من يدعم الإرهاب من المشاركين في العملية السياسية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كان هذا هو موقف أحد كبار المسؤولين بالدولة العراقية، حيث يقف مع أعداء العراق الجديد ويتآمر عليه، معرضاً مصلحة كل الشعب العراقي للخطر في سبيل مصلحة فئة واحدة منه كما يزعم، والحقيقة أن تصرفاته هذه هي ضد حتى أبناء طائفته، أقول إذا كانت هذه عقلية ومواقف شريك كبير في حكم العراق، فكيف يمكن تحقيق الأمن والسلام والازدهار؟ وأي رئيس حكومة تنفيذية يمكن أن ينجح في حكم العراق وهو مكبل بهؤلاء الشركاء؟
كما ونسأل، هل السياسة التي تبناها النجيفي وزملائه في القائمة العراقية من العملية السياسية تدل على الذكاء، و الحرص على المصلحة الوطنية، أو اختلاف في وجهات النظر والاجتهاد؟ أبداً، وإنما سلوكه هذا ناتج عن قصر نظر وتنفيذ أجندات أردوغان وحاكم قطر لحرق البلاد والعباد.

لا شك أن النجيفي ومن على شاكلته في كتلة "العراقية" يعتقدون بأنهم أذكياء، وشطار، وهي صفة ملازمة  لنزعة "التغالب" السائدة في سلوك شريحة واسعة من العراقيين، كما شرحها العلامة علي الوردي في تحليله للشخصية العراقية. لكن نؤكد للسيد النجيفي وزملائه أن هذا السلوك خاطئ ويجلب عليهم الكوارث، إذ كما قال الوردي أيضاً: "كلما ازداد الإنسان، غباوةً أعتقد أنه أذكى من غيره" أنظروا إلى حال بشار الأسد الذي كان يدعم القاعدة وفلول البعث العراقي ليقتلوا العراقيين، كيف انقلبوا عليه عندما غيرَّ دافع رواتبهم موقفه من النظام السوري. هذا هو المصير الذي ينتظر النجيفي وزملائه الذين يساهمون في وأد الديمقراطية، إذ كما تفيد الحكمة: "من حفر جباً لأخيه وقع فيه".
وبالتأكيد، لو كان النجيفي في بلد ديمقراطي آخر لأحيل إلى القضاء بتهمة الخيانة العظمى.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــ
روابط ذات علاقة بالمقال
1- هارون محمد: آل النجيفي وعروبة الموصل من الجد الى الحفيد!
http://alnahdah.net/NewsDetails.aspx?ID=1985

2-  هارون محمد: يا رافع العيساوي هل يستوي أولاد المتعة مع أبناء الأصالة والعراقة؟
http://www.m3arej.com/article/2010-07-15-21-43-19/5951-%D9%87%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF.html

3- عبدالخالق حسين: الخراب البشري في العراق: محمود المشهداني نموذجاً
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/10/181737.htm

4- محمد ضياء عيسى العقابي:  أتهمُ السيد أسامة النجيفي بالخيانة العظمى فحاكموه
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=355968

5- ياسين مجيد: من هو المتمرد على الدستور؟
http://www.akhbaar.org/home/2013/5/147895.html

6- فيديو: محافظ صلاح الدين يفضح بعض السياسيين باستلامهم ملايين الدولارات من قطر وغيرها لقتل الشعب العراقي والسوري
http://www.burathanews.com/news_article_196615.html



370
تقسيم العراق بين الممكن والرغبات

د. عبدالخالق حسين

يقول المفكر الألماني اريش فروم، أن الإرهابيين لا يعتمدون على ما تسببه أفعالهم من أضرار مباشرة، بل على ما تسببه ردود أفعال المجتمع. وهذا ينطبق على حالتنا العراقية. فغرض الإرهابيين البعثيين وأتباع القاعدة، هو تمزيق الشعب العراقي إلى كتل متصارعة، وبالتالي إلى تقسيم العراق إلى دويلات صغيرة متحاربة فيما بينها يسهل ابتلاعها من قبل الدول إقليمية التي تغذي هذا الإرهاب.

فبعد نشر مقالي الموسوم (هل ينجح البعث في إشعال حرب أهلية؟؟) اطلعتُ على عدد من التعليقات في الفيسبوك، أنقل خلاصة البعض منها كما يلي:
يرى السيد محسن المالكي، أن لا حل إلا بالتقسيم... " وليعيش كل واحد في مكانه يعيل نفسه بنفسه بدلا من هذا الدم والموت، ونسقط هذا التقديس الفارغ لهذه الخريطة التي تسمى العراق والتي اسسها الانكليز".
وجاء تأييد حار لهذا الحل من القارئة، السيدة بشري التميمي بقولها: "... ولنسقط هذا المسخ غير الشرعي الذي اسمه العراق، ليرتاح الناس، ولتسقط الاقنعة القذرة التي تتلذذ يوميا بدماء العراقيين".
وتعليق ثالث من السيد علي الجنابي، ينكر فيه دور البعث في الأحداث المأساوية ويصف ما ذكرته في المقال بالتضخيم والهروب من الواقع. وكأغلب المعلقين والسياسيين، يوعز سبب البلاء إلى "... بناء العملية السياسية على أساس عرقى وطائفى لا على أساس المواطنة الحقة...". ويطالب بالكف عن التحدث عن "المظلومية والمقابر الجماعية والأنفال والأسلحة الكيمياوية". كما وينتقد " القائمين بالحراك الحالى فى المناطق الغربية والشمالية تحت شعار التهميش، و إبعاد أهل السنة عن المسؤولية". ويضيف: "في الواقع انهم مشاركون أساسيون فى حكومة المحاصصة الطائفية...الخ".

أتفق جزئياً مع هذه التعليقات، مع بعض التحفظات عليها والتي سأبينها لاحقاً ضمن سياق هذه المناقشة وباختصار شديد كالتالي:
لفهم الأزمة العراقية لا بد وأن نرجع إلى التاريخ، مع الحاجة إلى اعادة بعض الأفكار التي ذكرناها في مقالات سابقة وذلك لتوضيح الصورة. في البدء أقول، من السذاجة اعتبار الأزمة الحالية هي وليدة اللحظة أو سقوط حكم البعث عام 2003، فالأزمة التي نعيشها اليوم هي نتاج الجغرافية والتاريخ منذ أمد بعيد.
جغرافياً، ساعد موقع العراق المتميز بمناخه المعتدل، وأنهاره الكثيرة، ومياهه الغزيرة على جذب مختلف الأقوام للسكن فيه، وكذلك الغزوات والفتوحات على مختلف العصور، ولذلك تميز أهل العراق بالتعددية المفرطة، أثنياً، ودينياً ومذهبياً. والصراعات الدموية ليست جديدة، إذ كان سكان العراق في حرب دائمة وخاصة في العهد العثماني، كما يؤكد ذلك عالم الاجتماع علي الوردي.

وعليه فلا بد وأن اتفق مع الرأي القائل بأن العراق لم يكن موحداً، و"أهله لم يبلغوا بعد مرحلة الشعب"، على حد تعبير الملك فيصل الأول.
ففي العهد العثماني كان العراق مقسماً إلى ثلاث ولايات، كل منها مرتبطة مباشرة بأسطنبول العاصمة. وكأية دولة مستعمرة، تبنى الأتراك سياسة "فرق تسد" في حكم جميع الشعوب الخاضعة لحكمهم. ففي العراق مارسوا التمييز الطائفي فقربوا أهل السنة واضطهدوا بقية الطوائف، وبالأخص الشيعة حيث اعتبرتهم الدولة ملة منحرفة عن الإسلام الصحيح وقتلهم حلال! وقصة السلطان سليم الأول معروفة حيث أعلن «أن قتل شيعي يثاب بثواب قتل سبعين مسيحيا»!!

ولما احتل الإنكليز العراق في الحرب العالمية الأولى، ورغم اضطهاد الأتراك للشيعة لأربعة قرون، ارتكب قادة الشيعة خطأً تاريخياً، إذ تطوعوا للدفاع عن الحكم العثماني المسلم، ضد المحتل البريطاني "الكافر". كذلك استقر في العراق بقايا العثمانيين من المماليك والأتراك، وكان معظمهم ضباط في الجيش العثماني، وأصحاب خبرة في السياسة والإدارة، فبعد انهيار الدولة العثمانية، رأوا من مصلحتهم دعم الاحتلال الجديد وتغيير جلودهم، وحتى انتمائهم القومي، فأدعوا العروبة، وتبنوا النهج العثماني في التمييز الطائفي ضد الشيعة في الدولة الوليدة. وراحوا يغذون العداء الطائفي لدى المكون العربي السني ضد الشيعة، وبذلك نجحوا في توظيف العرب السنة لمصلحتهم على حساب أبناء قوميتهم من الشيعة. وجلبوا العديد من الكتاب لنشر النعرة الطائفية وتصعيد العداء ضد الشيعة، والتشكيك في دينهم وقومتهم، وحتى في ولائهم للعراق. وبذلك فقد زرعوا الألغام الناسفة مع حجر الأساس للدولة العراقية الحديثة عام 1921.
وخلال 80 سنة كانت الوحدة الوطنية المزعومة مزيفة وخادعة لأنها كانت مبنية على حكم المكونة الواحدة التي فرضت هويتها على بقية المكونات بالإكراه تحت شعار صهر الجميع في بوتقة الوحدة الوطنية !. وكانت النتيجة على الضد تماماً من الغاية المرجوة، إذ تخندق الناس في هوياتهم الثانوية (الدين والمذهب والقومية) على حساب الولاء الوطني العراقي.

ويخطأ من يدعي أن حكم البعث لم يكن طائفياً لأن كذا عدد من الشيعة كانوا في الحزب والجيش والدولة، فبوجود صدام حسين على رأس الدولة كان دور هؤلاء صفر على الشمال. لذلك، ما أن سقط حكم البعث، وقامت الدولة الجديدة على أسس ديمقراطية، وصار الناس أحراراً في التعبير عن مشاعرهم ومواقفهم دون قيد أو خوف، حتى وانكشفت الشروخ والعيوب في المجتمع العراقي، وتأكد أن كل تلك الأناشيد بالوحدة الوطنية كانت لغواً فارغاً وكذب في كذب.

وأمام هذه الفضيحة أصيب العراقيون بالصدمة والذهول، ولم يصدقوا ما يرونه من مخازي بهذه الفضاعة. إذ كيف نفسر ظهور عراقي يضع قبل اسمه لقب (دكتور)، مثل المدعو طه الدليمي: ليقول في تلفزيون خليجي: أن"محافظة الأنبار تمثل أهل السنة بامتياز لأنها تكاد تكون خالية من قذارة الشيعة!.. .. بقية المحافظات فيها لوثة... محافظة الأنبار تمثل حاجز أمام السرطان الإيراني والسرطان الشيعي... لو قام هذا الإقليم سيكون ذو أثر فاعل في الأمن السوري القادم إن شاء الله، بعد سقوط حثالات الشيعة في دمشق عاصمة الأمويين.. الفرات اليوم، يمكن قطعه، نموّت كل الجنوب!" يرجى الضغط على هذا الرابط:    http://www.youtube.com/watch?v=Oe-zdvO6V0o&sns=em

هذا ليس سلوك فردي، فما قاله طه الدليمي صراحة يقوله كثيرون في مجالسهم الخاصة. والدليل على ذلك هو ظهور جماعة في اعتصامات الأنبار وهي تحمل لافتة مكتوب عليها: (كلنا الشيخ طه الدليمي). ولأجل التخفيف من وطأة الصدمة، نقول أن هذا موقف الأقلية وليس الأغلبية من أهل السنة. على أية حال، وأمام هذه الفضيحة، وليبرئ العراقيون أنفسهم من هذه العيوب الشنيعة راحوا يرددون أن شعبنا ما كان يعرف الطائفية والعنصرية من قبل وإنما جلبها الأمريكان، وفرضها الحاكم المدني للقوات الدولية، بول بريمير، وراحوا يكيلون له الشتائم.

وآخرون يقولون، نعم كانت الطائفية موجودة، ولكنها كانت نائمة، ويستشهدون بالحديث النبوي: "الفتنة خامدة ولعن الله من أيقضها"، ويقصدون الأمريكان طبعاً، ويبرؤون حكم البعث من إيقاضها. بينما الحقيقة تؤكد أن البعث الصدامي هو أول من أيقضها عندما رفع شعار "لا شيعة بعد اليوم" منذ عام 1991، ومارس الطائفية ضد الشيعة في القتل والتهجير القسري منذ السبعينات بحجة التبعية الإيرانية، ومقالات صحيفة الثورة بعنوان (لماذا حصل ما حصل) السيئة الصيت. وكذلك ممارسة العنصرية ضد الأكراد بشنه حروب الإبادة مثل الأنفال، واستخدام الغازات السامة في حلبجة والأهوار.

لذلك نرى من الخطأ مطالبة الناس بالكف عن التحدث بالمظلومية والمقابر الجماعية والشكوى من الانفال والأسلحة الكيمياوية، لأن السكوت عن هذه الجرائم يصب في خدمة البعث، وإجحاف بحق الضحايا. لذا نعتقد أنه من واجب كل مثقف وطني وتقدمي وإنساني أن يواصل فضح الجرائم التي ارتكبها البعث الفاشي في العراق، لا لإثارة العداء بين مكونات الشعب، فالبعث لا يمثل أية مكونة، بل كي لا تتكرر هذه الجرائم في المستقبل. إذ هكذا فعلت الشعوب الأوربية التي أنكوت بنيران الفاشية والنازية، فنراهم ليل نهار، بمناسبة وبدونها، وبجميع وسائل النشر والإعلام والتثقيف والتعليم، يذكِّرون شعوبهم  بتلك الجرائم لكي لا تتكرر. فسياسة النعامة لا تخدم إلا مرتكبي الجرائم.
كذلك من الخطأ القول أن "تضخيم دور البعث الفاشى فى الاحداث المأساوية فى عراقنا العزيز هروبا من الواقع..." لأنه يعني تبرئة البعث والقاعدة مما يجري من قتل يومي على الهوية لأبناء شعبنا بشكل عشوائي في مناطق الشيعة. فمن وراء هذه الجرائم غير البعث والقاعدة؟

نعم، الحكومة مبنية على أساس المحاصصة الطائفية والأثنية، ولكن هذه المحاصصة مفروضة بحكم الواقع السياسي والجغرافي، وليس من صنع فرد معين أو جماعة معينة. فجميع الأحزاب الكبيرة الفاعلة قبل سقوط البعث كانت على أسس مذهبية، والأحزاب الكردية على أسس أثنية، لأن حكم البعث اضطهد الشعب وفق الانتماء الديني والمذهبي والأثني. ولا يمكن حل هذه المعضلة بمجرد المطالبة بإلغاء المحاصصة والأحزاب الإسلامية، لأن هذا الواقع المؤلم لا يمكن تغييره بالتمنيات والرغبات، وإنما بعد أن تهدأ العاصفة، ويستقر الوضع، وعندها يمكن إعادة إصطفاف القوى والتكتلات السياسية على أسس وطنية شاملةأ وليس على أساس الاستقطاب الطائفي، وهذا يحتاج إلى وقت وليس بكيل الشتائم والتخوين والتكفير.

كذلك، لا أجافي الحقيقة إذا قلت أن الدولة العراقية بنيت منذ عام 1921 على أساس المحاصة. ولكنها كانت محاصصة غير عادلة يفرضها الدكتاتور المستبد القابض على زمام الحكم، سواءً في العهد الملكي أو العهد الجمهوري. وفي هذا الخصوص ينقل لنا الجواهري في مذكراته: (لقد وقف نوري السعيد ذات يوم [في البرلمان] وقد ضاق صدره من هذا المعارض أو ذاك ليقول بالحرف الواحد: " هل بالإمكان أناشدكم الله، أن يخرج أحدنا مهما كانت منزلته في البلاد، ومهما كانت خدماته في الدولة، ما لم تأت الحكومة وترشحه؟ فأنا أراهن كل شخص يدعي بمركزه ووطنيته، فليستقيل الآن ويخرج، ونعيد الانتخاب، ولا ندخله في قائمة الحكومة، ونرى هل هذا النائب الرفيع المنزلة الذي وراءه ما وراءه من المؤيدين يستطيع أن يخرج نائباً.")

وكان النواب الذين يمثلون المحافظات الشيعية معظمهم من المحافظات الشمالية الغربية. وكان يتم تعيين عدد من الاقطاعيين أو شخصيات شيعية معروفة بمكانتهم السياسية والاجتماعية للديكور فقط. وينقل المرحوم عبدالكريم الأزري في مذكراته أنه في مرحلة ما كان هناك أربعون سفيراً ليس من بينهم شيعي واحد. وكان ممنوعاً التحدث عن المظلومية والتمييز الطائفي رغم ممارستهما من قبل الحكام الطائفيين.

أما بعد 2003 فصارت المحاصصة عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع، ولكل مكونة حسب نسبتها السكانية وللأسباب التي ذكرناها آنفاً. ولكن الأزمة المشتعلة اليوم سببها أن المكونة التي ادمنت على احتكار السلطة لثمانين سنة اعتبرت الحكم من استحقاقها التاريخي، وأن الأغلبية ليست للمكونة من داخل العراق، وإنما لتلك التي لها الامتداد العربي السني خارج العراق. لذلك رفع العرب السنة راية القومية العربية ونعتوا الشيعة بالشعوبية والصفوية وأنهم من بقايا الساسانين، لذلك فهم أجانب، والأجانب لا يحق لهم المشاركة في حكم البلد!! واغتالوا ثورة 14 تموز باسم الوحدة العربية لأن قيادتها حاولت إلغاء التمييز الطائفي بالتدريج، ولكن عندما هيمنوا على السلطة بعد إنقلابهم في 8 شباط 1963 الأسود، تنكروا للوحدة العربية، وحاربوا حتى التضامن العربي بحده الأدنى.

ومن كل ما تقدم نعرف أن رفعهم لشعار القومية والوحدة العربية بالأمس، وشعار الطائفية ومحاربتهم للديمقراطية اليوم هو لغرض واضح، وهو إعادة هيمنتهم على السلطة ورفضهم مشاركة الآخرين بنسب عادلة وفق ما تقرره صناديق الاقتراع. ولذلك نراهم يحاربون الديمقراطية ويعتبرونها "غريبة على تراثنا العربي المجيد" مفروضة من أمريكا "عدوة الشعوب"!.

هل ممكن تقسيم العراق؟
من حيث المبدأ، أنا لست ضد تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات أو أقاليم عندما يواجه التعايش معاً في دولة واحدة كل هذه الصراعات والصعوبات، والمجازر، إذ كما جاء في الحديث: "أبغض الحلال عند الله الطلاق". ولكن، هل التقسيم ممكن عملياً؟ وهل غالبية الشعب العراقي يريدون التقسيم؟ ثم، ماذا بعد التقسيم؟ هل سيضع حداً للأزمة؟ هل التقسيم سيوقف الإرهابيين من ارتكاب المجازر؟  وهل من السهولة رسم الحدود؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة: كلا، وألف كلا...

نقولها للمرة العاشرة، أن التصعيد الحالي للأزمة هو مفتعل وراءه أجندات تركيا وقطر، وربما دول أخرى، وأداة تنفيذها البعث والقاعدة، وعدد من المشاركين في العملية السياسية الذين باعوا أنفسهم للشيطان، من أمثال طارق الهاشمي، ورافع العيساوي والأخوين النجيفي وغيرهم من أجل مصالح شخصية زائلة على حساب الشعب والوطن. لقد أفتعل هؤلاء هذه الأزمة ومارسوا الإرهاب بحجة الدفاع عن حقوق العرب السنة، وإدعاء التهميش...الخ، بينما في الحقيقة ليس هناك أي تهميش، ولا يمكن أن يكون هناك تهميش في النظام الديمقراطي لأية مكونة. فالعرب السنة مشاركون أساسيون في البرلمان والحكومة المركزية وكل مؤسسات الدولة ومرافقها وفق نسبتهم السكانية كما أفرزته الانتخابات.
أما الحكومات المحلية، فكل أعضاء مجالسها ورؤساء الوحدات الإدارية، (محافظون، وقائم مقام، ومدراء النواحي) فيتم ترشحيهم وانتخابهم من قبل أهالي هذه المناطق ولا يمكن فرض أي شخص آخر من خارجها. وإذا كان هناك تقصير في الأمن والخدمات في هذه المناطق، فالمسؤولية تقع على عاتق الحكومات المحلية والتي هي منتخبة من السكان. وإذا كان الأمر كذلك، فأين التهميش ودكتاتورية المالكي؟

وبناءً على ما تقدم، نؤكد أن حل هذه الأزمة ليس بالتقسيم، لأنه عملياً غير ممكن، ولا بإقامة إقليم للعرب السنة، رغم رفع هذه الشعارات من قبل البعض بين حين وآخر مثل (أما الانفصال أو الحرب)، فهذه مطالب رفعها أفراد قليلون موتورون من أمثال أحمد العلواني ومن على شاكلته، منبوذون من أهل السنة  لأنهم ووجهوا بالمعارضة الشديدة حتى من قبل المعتصمين أنفسهم. فغرض البعثيين والقاعدة من تصعيد الإرهاب ليس التقسيم أو إقامة الإقليم، بل يريدون وأد التجربة الديمقراطية، وإعادة حكمهم الزائل للهيمنة على كل العراق، وليس على جزء منه. أما القاعدة، فهدفها إبادة كل من لا يدين بمذهبهم الوهابي، ويشاركهم في الإرهاب على العالم. يعني حتى أهل السنة لن يسلموا من شرور البعث والقاعدة.
ونؤكد أن أهل الغالبية العظمى من العرب السنة معتدلون، شأنهم شأن بقية مكونات الشعب العراقي، يريدون العيش بسلام في عراق موحد آمن مزدهر. وهذا الذي سيتحقق ولو بعد مخاض عسير.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


371
هل ينجح البعث في إشعال حرب أهلية؟؟

د.عبدالخالق حسين

منذ بدء الاعتصامات في المناطق الغربية رحت استلم رسائل من قراء عراقيين يعربون عن قلقهم العميق والمشروع، من احتمال اندلاع حرب أهلية في العراق لا تبقي ولا تذر، خاصة بعد الاستعراض العسكري لمليشيات سموها بـ"جيش الكرامة" في الرمادي، مدعوماً بنفر طلعوا علينا في ساحات الاعتصامات بالزيتوني والعمامة، أدعو أنهم رجال دين كبار، راحوا يلهبون حماس الجماهير بالخطابات النارية الطائفية، مطالبين العشائر برفد هذا الجيش، بمائة شاب من كل عشيرة،  للدفاع عن أهل السنة من "الغزو الصفوي الجديد". وبالتأكيد، فالأسلوب هو تكتيك بعثي بامتياز، والسؤال هو: هل سينجح البعثيون وحلفاؤهم أتباع القاعدة في إشعال هذه الحرب؟... لنرى.

الملاحظ أنه كلما حصل تصعيد جديد في العمليات الإرهابية في العراق راح الإعلام العربي وعدد من الكتاب، يوعزونه إلى صراع جديد بين الكتل السياسية الحاكمة، رغم أن الإرهاب متواصل منذ إسقاط حكم البعث وإلى الآن، مع صعود وهبوط في الخط البياني له. فبعد انسحاب القوات الأمريكية، أوَّلوا أية عملية إرهابية إلى انسحاب الأمريكان، رغم أن ذروة الإرهاب كانت إثناء وجود هذه القوات. وتكرر نفس الشيء بعد اعتقال عناصر من حماية طارق الهاشمي، ومن ثم رافع العيساوي لضلوعهم في الإرهاب، حيث حصل تصعيد غير مسبوق في الأزمة هذه المرة على شكل اعتصامات في المناطق الغربية، رافقتها أعمال عنف من قتل واختطاف وتفجيرات رغم ادعاءاتهم بأنها اعتصامات سلمية!.

وفريق آخر من الكتاب، اتخذوا الأسهل في تفسير ظاهرة تصعيد الأزمة العراقية بين حين وآخر، وهو: المحاصصة الطائفية، و"تشبث" المالكي بالسلطة، فطالبوا بسحب الثقة منه، ولما يئسوا من الوسائل الديمقراطية لإسقاطه، لجأوا إلى تصعيد الضغوط عبر التظاهرات والاعتصامات وشن الحملات الاعلامية ضده، مطالبينه بالاستقالة!! وفريق ثالث من الكتاب اعتادوا على الانتهازية، والتظاهر بالحيادية والعقلانية، والحكمة، فمسكوا العصا من وسطها، يساوون بين المعتدي والمعتدىَ عليه، ولا شك أن المحايد في هذه الحالة يخدم المعتدي، لذا فقدوا مصداقيتهم.غني عن القول، إن الغرض من كل هذه المحاولات هو تضليل الرأي العام، والتعتيم على السبب الرئيسي للأزمة، لإغراق البلاد في فوضى عارمة لتحقيق أجندات أجنبية، وتكرار السيناريو السوري في العراق.

فما هو السبب الرئيسي للأزمة؟
منذ سقوط البعث راح الإعلام العربي، والسياسيون الذين فشلوا في الانتخابات، وعدد غير قليل من كتاب عراقيين وعرب من الذين لا يريدون الاستقرار للعراق، يروجون ليل نهار بأن الشيعة ما أن تخلصوا من حكم البعث وهيمنوا على السلطة حتى وتحولوا من مظلومين إلى ظالمين، فانفردوا بالسلطة وراحوا ينتقمون من العرب السنة، ويمعنون في تهميشهم وعزلهم، ودليلهم الذي تعكزوا عليه في خطاباتهم التحريضية، هو أن معظم المعتقلين بتهمة الإرهاب هم من السنة! علماً بأن رئيس الوزراء، السيد نوري المالكي شن حرباً ضد مليشيات جيش المهدي في البصرة وبغداد وهم شيعة. ولكن ماذا على الحكومة أن تفعل إذا كان أكثر الإرهابيين والبعثيين الذين تلوثت أيدهم بدماء العراقيين هم من السنة؟ فهل الحل هو جلب عدد مساوي لهم من الشيعة واعتقالهم بتهمة الإرهاب من أجل تحقيق التوازن في هذا الأمر؟ علماً بأنه لا يتم اعتقال أي متهم إلا بأمر قضائي، وأن أغلب أعضاء الهيئات القضائية العليا هم من السنة؟

نؤكد مرة أخرى أن الاستقطاب الطائفي الحالي ليس جديداً وهو من الثمار السيئة لسياسات البعث الساقط خلال 35 سنة من حكمه الطائفي الفاشي الجائر. فالبعث منذ اغتصابه السلطة للمرة الثانية عام 1968، تبنى العشائرية والطائفية لتثبيت حكمه، ولسوء حظ أهل السنة أن معظم البعثيين الذين تلوثت أيديهم بدماء العراقيين هم من المناطق الغربية. كما ونجح البعثيون بعد انهيار حكمهم طرح أنفسهم كممثلين شرعيين عن العرب السنة، ولذلك لم يتركوا أية مفردة طائفية بذيئة إلا واستخدموها ضد الشيعة وبمنتهى البذاءة والعلنية وبشكل غير مسبوق. وراحوا يحاربون العملية السياسية والديمقراطية باسم أهل السنة. ومما زاد في الطين بلة، هو تدخل حكومات أجنبية في الشأن العراقي، فراحوا يرسلون آلاف الإرهابيين لشن حرب الإرهاب على الشعب العراقي باسم الدفاع عن حقوق العرب السنة، وحتى تدمير أضرحة أئمتهم لإشعال الفتنة الطائفية وبالتالي إشعال حرب أهلية بين السنة والشيعة، لأن البعث لن يتورع في توظيف أخس الوسائل لتحقيق أغراضه.

في أول الأمر امتنع السياسيون السنة من المشاركة في العملية السياسية وقاطعوا الانتخابات البرلمانية الأولى عام 2004، ولكن بعد ذلك انتبه عقلاؤهم، فرأوا أن من مصلحتهم المشاركة الفعالة بها، وأن لا يعيدوا الأخطاء التي أرتكبها زعماء الشيعة بعد تأسيس الدولة العراقية في العشرينات من القرن الماضي. لذلك شاركوا في السلطة، وكان غرض البعض منهم، وخاصة من الذين تسللوا من خلفيات بعثية، أن يفشلوا العملية السياسية من الداخل. ففي النظام الديمقراطي لا بد وأن تكون نسبة المشاركة في السلطة وفق ما تفرزه صناديق الانتخابات، الأمر الذي يرفضه الذين أدمنوا على احتكار السلطة خلال 80 سنة لذلك شنوا حملة إعلامية شعواء لتشويه صورة الديمقراطية بغية التخلص منها في محاولة منهم لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لذلك استغل البعثيون تعقديدات الوضع، فطرحوا أنفسهم كمدافعين عن المكون السني، لا لإنجاح العملية السياسية، بل لتخريبها من الداخل، ولذلك كان ما كان من دور البعض منهم في الإرهاب وهم يحتلون أعلى المناصب في الدولة، من أمثال: طارق الهاشمي، وأسعد الهاشمي، ومحمد الدايني، وأخيراً رافع العيساوي وغيرهم.

ومن كل ما تقدم، نستنتج أن العلة ليس في كون الحكومة مبنية على المحاصصة الطائفية، أو تهميش أهل السنة، وأن لهم مطالب مشروعة...الخ، بل لأن هناك تحالف اندماجي بين البعث والقاعدة لنشر الإرهاب وإرباك السلطة والأجهزة الأمنية، ودفع المواطنين إلى اليأس من جدوى الديمقراطية، وبالتالي إعادة العراق إلى هيمنة البعث مرة أخرى بعد أن تبنى هذا البعث أيديولوجية "القاعدة" فكراً وتطبيقاً ولحكم العراق بصيغة طالبانية.
ولذلك نؤكد لأصحاب النوايا الحسنة، أن أي تنازل تبديه الحكومة لقادة الاعتصامات لن يحل المشكلة، بل يزيدهم إمعاناً وتأليباً وتصعيداً في المطالب التعجيزية، لأن أغراضهم كما قالوها صراحة هي ليست المطالب المشروعة، بل المطالب غير المشروعة وهي :(إسقاط الحكومة، وتقسيم العراق، وإقامة الاقليم السني والحرب.)

هل ما يجري في العراق حرب أهلية طائفية؟
أولاً، علينا أن نعرف ما هي الحرب الأهلية؟ فإذا كانت العمليات الإرهابية والتفجيرات العشوائية في المناطق الشيعية، وأحياناً سنية، تعتبر حرب أهلية، فهذه الحرب مستمرة منذ سقوط حكم البعث ولحد الآن، حيث مسلسل القتل يشمل العراقيين، سنة وشيعة ومسيحيين وغيرهم مع الاختلاف بالنسب. وفي هذه الحالة، فمعظم دول العالم التي تعرضت وما تزال تتعرض للإرهاب، هي في حالة حرب أهلية. ولكن المشكلة ليست بهذه البساطة. فما هي الحرب الأهلية إذنْ؟
الحرب الأهلية، وفق موسوعة ويكيبيديا: "هي الحرب الداخلية في بلاد ما التي يكون أطرافها جماعات مختلفة من السكان. كل فرد فيها يرى في عدوه، وفي من يريد أن يبقى على الحياد، خائنا لا يمكن التعايش معه ولا العمل معه في نفس التقسيم الترابي... يكون الهدف لدى الأطراف السيطرة على مقاليد الأمور وممارسة السيادة. أما أسباب الحرب، فقد تكون سياسية أو طبقية، أو دينية، أو عرقية، أو إقليمية أو  مزيج من هذه العوامل". انتهى.
قد نرى جزءً من هذا التعريف ينطبق على الحالة العراقية، خاصة وأن ما يجري هو تحت غطاء طائفي، وأغلب الضحايا من طائفة معينة. ولكن لو أمعنا النظر لوجدنا أن هذا الصراع بين السنة والشيعة ليس لاختلافات دينية، وإنما ارهاب تشنه كتلة سياسية مؤلفة من فلول البعث والقاعدة، ضد جميع مكونات الشعب الأخرى، سنة وشيعة. ومن المؤكد أن الجهة التي قامت بتفجيرات ضد المساجد السنية هي نفسها التي تقوم بقتل الشيعة واستهداف الحسينيات، والغرض هو جر أهل السنة ضد الشيعة على أمل إشعال حرب طائفية.

فالإرهابيون لا يدافعون عن حقوق أهل السنة، بل العكس هو الصحيح إذ يستغلون السنة ويحاولون جرهم إلى مواقعهم لخدمة أغراضهم. لقد "اكد وزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي، ان الارهابيين باتوا يمارسون اساليب ابتزاز ضد المواطنين في مدن عديدة ومنها الأنبار والموصل وان الناس في هذه المدن تستغيث بالجيش منهم. وقال خلال حفل تكريم عدد من ذوي شهداء الجيش العراقي ان هؤلاء الارهابيين لن يفلتوا من العقاب. ومن جانبهم طالب ذوو الضحايا قوات الجيش بملاحقة الارهابيين كما طالبوا السلطات القضائية بالقصاص منهم..." (رابط الفيديو في الهامش)(1)

هل سينجحون في إشعال حرب طائفية؟
لا أعتقد أنهم سينجحون في إشعال هذه الحرب وذلك لأن الشعب العراقي بجميع مكوناته، الأثنية، والدينية، والمذهبية، عرف أسباب اللعبة الخبيثة وأغراضها الدنيئة، ودور البعث والقاعدة والقوى الأجنبية فيها. وفي هذا الخصوص يذكر الكاتب الأمريكي، مايكل روبن، المطلع  على الشأن العراقي، في مقال له جاء فيه: "وقد احتجت القوى السنية لعدة أشهر في سلام نسبي. وتظهر أشرطة الفيديو المتظاهرين مناصرين لتنظيم القاعدة. وقد تساهلت الحكومة مع المعارضة لعدة أشهر وهو أمر لم يكن ممكنا في ظل الديكتاتورية السابقة. ولم تكن الحويجة واحة سلام أبدا. وفي الواقع، ربما كانت أكثر المدن المتشددة في العراق. لقد كانت واحدة من المدن التي لم تتزحزح عنها القاعدة يوما. ومنذ فترة طويلة كانت تُعدُّ منطقة محظورة على العراقيين وعلى الأكراد العراقيين والأجانب. ومع كل هذا كانت الحكومة العراقية تَضبط نفسها: وبدأ الهجوم على مخيم الاحتجاج بخراطيم المياه - وتصاعد فقط عندما رد المتظاهرون الذين كان يفترض انهم مسالمون بأسلحة فتاكة عن قصد وتصميم." (2)

ورغم ما حصلت عليه الاعتصمات من إعلام واسع ومحاولة الاعلاميين إعطاء تبريرات مشروعة لها بشكل مبالغ، إلا إنه وكما قال الكاتب، االسيد عبد الغني علي يحيى، في مقال له بعنوان: (تحليل إعتصامات أهل السنة والجماعة في العراق) جاء فيه: "عدا المبالغة في سعة رقعة الاعتصامات، فأن الذي يشوه  من عدالة قضية السنة، ان مطالب الأخيرة، تكاد تختزل لنصرة البعث المحظور والأرهابيين، كدعوتهم الى الغاء المادة (4) إرهاب، وقانون المساءلة والعدالة واجتثاث البعث، واطلاق سراح منفذي جرائم الأنفال وقتل الكرد والشيعة بالجملة والمفرد، انهم بهذه المطالب اثاروا حفيظة الأكثرية الساحقة من العراقيين ضدهم. ومن عوامل ضعفهم، تعددية قياداتهم: القاعدة، البعث، الضاري، الأخوان المسلمون.. الخ... إضافة إلى ركوب شيوخ العشائر ورجال الدين، والملثمين القابضين على الرشاشة والسكين، ... فالديمقراطية والحريات وحقوق الانسان والحداثة والعصرنة لا يمكن ان تخرج من عباءة شيخ العشيرة ولا من  جبة رجل الدين، ولن تتحقق على يد الملثم الأرهابي. وإذا أراد  السنة لقضيتهم العادلة النصر فما عليهم إلا أن يعيدوا بشيخ العشيرة الى مضيفه، ورجل الدين الى مسجده، ويزجوا بالملثم في السجن." (3)

كذلك هناك تذمر واسع من شيوخ العشائر في مناطق الاعتصامات، وعلى سبيل المثال، أكد الشيخ محمد الهايس، شيخ عشائر البوذياب وأحد قادة أبناء العراق التي تم تشكيلها بالتنسيق مع الحكومة، أن «(القاعدة) لا تزال هي اللاعب الأكبر في المظاهرات».(4)
 
الاستنتاج
وبناءً على كل ما تقدم، نستنتج ما يلي:
أولاً، إن ما يسمى باعتصامات أهل السنة في المناطق الغربية لا علاقة لها بحقوق أهل السنة والجماعة، إذ ليس هناك تهميش ولا عزل، وهم مشاركون في السلطة على جميع المستويات وحسب ما أفرته صناديق الاقتراع. وإنما هي حركة فاشية تقودها فلول البعث والقاعدة، مبنية على أغراض ضد حركة التاريخ، ومنها إلغاء الديمقراطية وإعادة العراق إلى حكم البعث المندمج بالقاعدة. لذلك فهذه الحركة محكوم عليها بالفشل الذريع ومهما بالغوا في إطالة عذابات شعبنا.

ثانياً، لا يشرف أهل السنة قيام تحالف من البعث و"القاعدة" الموغلة أيدهم بدماء العراقيين، بالادعاء بالدفاع عن مصالحهم. لذلك نهيب بأهل السنة الشرفاء أن ينتبهوا إلى هذه اللعبة القذرة ويتبرؤوا من هؤلاء المجرمين وينأوا بأنفسهم عن البعث والقاعدة، فهؤلاء هم خوارج العصر.

ثالثاً، لقد سأم شعبنا بجميع مكوناته من عدم الاستقرار، وأنهكته الحروب والعمليات الإرهابية، فليس بمزاجية الدخول في حرب أهلية والقبول بحكم البعث القاعدي، لذلك، ومهما بالغ البعثيون والقاعديون في الإجرام في حرب المساجد والحسينيات، وأوغلوا في دماء العراقيين، لا يمكنهم أن ينجحوا في استدراج شعبنا إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. فهذه الحركة الإجرامية الفاشية محكوم عليها بالهزيمة، ومعها كل أصحاب الأقلام المأجورة الذين ارتضوا دعم الفاشية لأغراض شخصية رغم تلبسهم بلبوس اليساروية وتظاهرهم بالحكمة، والدفاع عن الديمقراطية!!.

رابعاً، لا خوف من تجزئة العراق لأنها غير ممكنة، فالبعث لا يريد التجزئة، لا لحرصه على الوحدة الوطنية، بل للإنفراد بحكمه، واستعباد شعبه ونهب ثرواته وصرفها على وسائل الدمار كما عملوا خلال حكمهم السابق حيث أهلكوا الحرث والنسل. وسواء كان البعث مع التجزئة أو ضدها، فدوره صفر على الشمال، لا يعتد به لأنه كأية حركة عنصرية فاشية، محكوم عليه بالزوال والسقوط في مزبلة التاريخ. وكذلك شعبنا العراقي، ورغم ما يجري من صراعات وأزمات، غير قابل للتجزئة، لأن تكاليف التجزئة في الأرواح والممتلكات سيكون أكثر من تكاليف العيش في دولة واحدة، ولذلك فالشعب العراقي محكوم عليه بالعيش معاً في دولة واحدة، رغم هذه الأزمات، ولا بد وأن يعود الوعي المغيب، وعندها لا بد للديمقراطية أن تنجح.

خامساً، على الحكومة أن تخرج من تساهلها مع الإرهابيين بقصد عدم إثارة الجانب الآخر، خاصة وبعد أن انفضح دور بعض الشركاء في العملية السياسية من أمثال النجيفي والمطلك وعلاوي، فالبعثيون والقاعدة لا يفهمون إلا لغة القوة، وإلا فإن هذا التساهل سيؤدي إلى زعزعة معنويات الجيش والأجهزة الأمنية.
وختاما، لقد أدرك شعبنا بجميع مكوناته، قواعد اللعبة القذرة، وكلما يحتاجه الشعب هو الأمن والاستقرار، وتوفير الخدمات، وهذا لن يتحقق إلا بتطبيق حكم القانون بالقوة للحفاظ على أمن وسلامة المواطنين ودحر الإرهابيين.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
 ــــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالمقال
1-  وزير الدفاع وكالة يؤكد ان الارهابيين لن يفلتوا من العقاب وذوو الضحايا يطالبون بالقصاص العادل
http://www.alfayhaa.tv/news/iraq/98726.html
 
2- مايكل روبن: أحزاب تفشل في الصناديق فتسعى للسلاح للتعويض.. مؤسسة أميركية تتهم أطرافا بالسعي لتفتيت العراق
http://www.akhbaar.org/home/2013/5/147424.html

3-  عبد الغني علي يحيى: تحليل إعتصامات أهل السنة والجماعة في العراق 
http://www.akhbaar.org/home/2013/5/146962.html

4- شيوخ في الأنبار: تنظيم القاعدة يدير دفة المظاهرات
http://www.akhbaar.org/home/2013/5/147115.html


372
الإعتصامات في خدمة الديمقراطية والمالكي

د.عبدالخالق حسين

رغم أن الاعتصامات في المناطق الغربية (العربية السنية) تثير القلق وتهدد بحرب أهلية طائفية لما صاحبها من الشحن الطائفي ضد أكبر مكونة من مكونات شعبنا، وبدفع من خارج الحدود لخدمة أعداء العراق الجديد، إلا إن نتائجها جاءت على الضد تماماً مما خطط لها منظموها وقادتها، ولذلك فإني متفائل أن هذه الحرب لن تقع، وأن الاعتصمات وغيرها من الآلام، هي جزء من المخاض العسير لولادة مجتمع عراقي جديد يؤمن بالولاء الوطني والديمقراطية، لأن في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.

ففي آخر تطور للأحداث سقط ورق التوت عن عورات الذين لهم قدم في السلطة وأخرى في الإرهاب، إذ قال وزير الدفاع وكالة، سعدون الدليمي في مؤتمر صحفي عقده قبل أيام "ان نائب رئيس الوزراء صالح المطلك طلب منه شخصيا عدم تفتيش ساحة الاعتصام في الحويجة وتسهيل خروج الارهابيين والقتلة. ووجه الدليمي رسالة الى أهالي المناطق التي تشهد اعتصامات بأن يكون دورهم مهماً في التصدي للمؤامرات التي تحاك ضدهم وضد الوطن لأن ما يراد لهم يمثل كارثة حقيقية، وأن على العشائر ان تتصدى لدورها الحازم تجاه من يريدون الاساءة للقيم الوطنية". يرجى فتح الرابط لمشاهدة الفيديو (3 دقائق).
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=yjji2dhASqo

ومن لقبه، (الدليمي)، نعرف أن الدكتور سعدون هو من عشيرة الدليم، ومن الرمادي، ومن أهل السنة والجماعة، و ليس شيعياً، أو "رافضياً"، ولا "صفوياً"، ولا "عجمياً" .. إلى آخر النعوت التي يكيلونها للشيعة ليل نهار، ولا يعقل أنه يتلقى أوامره من (ولي الفقيه، السيد علي خامنئي!!)، أو اللواء قاسم سليماني، (قائد الحرس الثوري الإيراني) في طهران، ولا أحد يستطيع أن يزايد على وطنيته، أو قوميته، أو دينه أو مذهبه. لقد أثبت الرجل أنه سياسي واقعي، وذو وعي وطني، وضمير حي، حريص على الوحدة الوطنية، وخدمة شعبه، وإنجاح العملية السياسية وإنضاج الديمقراطية.

لقد وقعت نصائح الدكتور سعدون الدليمي على أذن صماء. وهذا يدل على أن غرض قادة الاعتصامات
من أمثال رافع العيساوي، والعلواني، والبدراني، والنجيفي، وأحمد أبو ريشة، وعلي حاتم سليمان، واللافي ومن لف لفهم، ليس المطالب المشروعة التي يطالب بها كل المواطنين الشرفاء، ومن كل مكونات الشعب العراقي، مثل: إطلاق سراح الأبرياء من المعتقلين، وتوفير الأمن والخدمات، وتحسين أحوال المعيشة بإيجاد الوظائف للعاطلين...الخ، بل غرضهم الرئيسي هو المطالب غير المشروعة المخالفة للدستور، ومنها الحرب وتمزيق العراق.

في الحقيقة، لقد قدم قادة الاعتصامات من أيتام صدام وبن لادن، من حيث لا يدرون و لا يريدون، خدمة جليلة إلى عدوهم  اللدود السيد نوري المالكي، وللعملية السياسية من عدة جوانب. فمن جهة نجح رئيس الوزراء، في إدارة الأزمة بكفاءة، وتعامل مع قادة منظمي الاعتصامات بكل صبر وحكمة، وحاصرهم في الزاوية، حيث استجاب للمطالب المشروعة، وبذلك جر البساط من تحت أقدام أصحاب الأغراض الشريرة، وأثبت للمواطنين الشرفاء بأن غرض هؤلاء ليس المطالب المشروعة، بل المطالب غير المشروعة التي كشفوا عنها مؤخراً بصراحة وصلافة وصفاقة، ودون حياء أو خجل، فسمّوها بـ(الخيارات المفتوحة)، وجميعها (خيارات عدوانية) على حد تعبير النائب من دولة القانون، السيد ياسين مجيد، وهي: (إسقاط الحكومة، وتقسيم العراق، وإقامة الاقليم السني والحرب.)(1)

والجدير بالذكر أن فلول البعث، ومنذ سقوط صنمهم ونظامهم، لم يطلقوا أية تسمية من مفرداتهم ورموزهم البعثية على أي تنظيم إرهابي من تنظيماتهم، وذلك لعلمهم الأكيد بأن حزبهم، وبسبب جرائمه الكثيرة ضد الشعب والمنطقة، بات مكروهاً وذو سمعة سيئة يثير قرف المواطنين، لذلك أطلقوا أسماء إسلامية على عصاباتهم الإرهابية مثل: "جيش محمد"، و"جند الإسلام"، و"دولة العراق الإسلامية"، وأخيراً وليس آخراً، "جيش النقشبندية" الذي يقوده الهارب من وجه العدالة، عزت إبراهيم الدوري.
لقد جاء في تقرير نشر على موقع (abc news) أن هذا التنظيم مكوَّن من ضباط الحرس الجمهوري الذي اعتمد عليه صدام في حماية نظامه(2)، ولا علاقة له بالنقشبندية، الطريقة الصوفية الإسلامية المسالمة. فهذا ديدن البعث في التلحف بغطاء إسلامي في ارتكاب جرائمهم، والإسلام منهم براء. كما أثبتت الأحداث إن هذه الاعتصمات لها إرتباطات مباشرة بالمنظمات الإرهابية في سوريا مثل "جبهة النصرة" التي أعلنت مبايعتها للقاعدة، والتي ارتكبت أبشع الجرائم بحق الإنسانية ضد الشعب السوري وليس آخرها استخدام الغازات السامة. فها هي المدعية العامة السابقة في المحكمة الجنائية الدولية والعضو في لجنة التحقيق الدولية في انتهاكات حقوق الانسان في سوريا (كارلا ديل بونتي)، قالت في مقابلة اجرتها معها الاذاعة السويسرية الايطالية ليل الاحد الاثنين (5/5/2013) انه "بحسب الشهادات التي جمعناها، فان المقاتلين استخدموا اسلحة كيميائية مستعينين بغاز السارين".  وهذا ما يخططونه للعراق أيضاً(3 و4).

وفائدة أخرى غير مقصودة لهذه الاعتصامات "السلمية"، أنها كشفت حقيقة العديد من الكتاب المتياسرين المستميتين في الدفاع عن مرتكبي التجاوزات، بمقالات تلفيقية لتضليل الرأي العام، وخاصة جوقة فخري كريم في (المدى)، وعدد من كتاب آخرين يترزقون من بعض الصحف الخليجية، غير مبالين بما يلحقون بالشعب والوطن من أضرار، وخاصة دورهم في الشحن الطائفي رغم علمانيتهم. فهؤلاء مازالوا يذرفون دموع التماسيح على "ضحايا الاعتصامات السلمية" في الحويجة، والتي شبهها أحدهم، بالاعتصامات السلمية التي قادها المهاتما غاندي في الهند ضد سلطات الاستعمار البريطاني!! ويا للهول، أين الإنصاف في تشبيه حكومة وطنية منتخبة بالاستعمار، واعتصام يقوده دمويون من فلول البعث والقاعد بحركات اللاعنف التي قادها غاندي؟ ينكر صاحبنا أن فلول البعث وأتباع القاعدة الدمويين هم الذين تعرضوا للجيش، وقتلوا عدداً من الجنود في نقاط التفتيش مما اضطر الجيش للرد عليهم، فلقنهم درساً لن ينسوه. ولن استبعد أن يدعي صاحبنا، أن الذين قتلوا الجندي في الحويجة، والجنود الخمس في الأنبار هم مندسون من رجال حكومة المالكي لتشويه سمعة الاعتصامات "السلمية الغاندوية"!! (نسبة إلى غاندي)، وربما سيردد هؤلاء ما ردده محامو الإرهاب أن جميع التفجيرات في العراق هو من تدبير حكومة المالكي... وكما نقل لنا الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي: "تعقيب الدكتور صالح المطلك على اعتداءات الأربعاء الدامي بأن الشيعة يفجرون حسينياتهم والمسيحيين يفجرون كنائسهم ليتهموا بها الغير!!!" (5)... ولله في خلقه شؤون.

أدناه فيديو (6)، نرجو مشاهدته ليروا كيف ينتقم "المحتجون المسالمون" في هجومهم على إحدى نقاط التفتيش وهم الذين قتلوا جنودنا الأبرياء عند مرورهم بالرمادي من قبل مسلحين "مندسين" داخل هذه الاعتصامات، والمطلوب من الجيش حسب ما يطرحه هؤلاء السادة الكتاب، عدم الرد على الإرهابيين!!

والجدير بالذكر، أن هؤلاء الكتاب كالوا المديح والثناء لأياد علاوي عندما كان رئيساً للوزراء عام 2004، والذي شن هجوماً ضارياً على جيش المهدي في النجف الأشرف، والإرهابيين في الفلوجة، بينما تهجموا على المالكي عندما قام الجيش بالدفاع عن نفسه، واعتبروا هذه الاجراءات انتقامات طائفية، وطالبوا بمحاكمة القائد العام للقوات المسلحة!! وإذا ما تدخل الجيش الإتحادي لحماية المواطنين من شرور الإرهابيين، اتهموا المالكي بتسييس الجيش وزجه في قضايا سياسية، ولكن عندما تحتل البيشمركة مواقع في كركوك والموصل، فهذا العمل ليس تسييساً، بل لحماية أمن المواطنين، وملء الفراغ الذي تركه الجيش بعد إنسحابه! هذا معناه تدمير هيبة الدولة، وشل الجيش العراقي وإضعاف معنويات منتسبيه، في الوقت الذي قرأنا فيه تقارير تفيد أن العشائر العربية تتوسل بالجيش والقوات الأمنية الحكومية بالبقاء لحمايتهم من الإرهابيين.

يراهن كتاب الاعتصامات على استغفال المواطنين، ولكن لحسن الحظ أثبت المواطنون أنهم أكثر وعياً وإدراكاً بما يخطط ضدهم من قبل قادة الاعتصامات، ومرتزقتهم من أصحاب الأقلام المأجورة، أعداء العراق الجديد، حيث كشفت انتخابات مجالس المحافظات تنامي شعبية المالكي، وكتلته (دولة القانون) في ثمان محافظات من مجموع 12 محافظة، وحتى في محافظة ميسان (العمارة) التي جاء فيها التيار الصدري بالمرتبة الأولى، فالفارق بين كتلة المالكي والتيار الصدري هو مقعد واحد ليس أكثر، والفضل في ذلك يعود إلى المحافظ الشهم المتواضع من التيار الصدري، الذي أثبت إخلاصه، فراح يعمل مع عمال البناء في إعمار محافظته، الأمر الذي قيمه الناخبون عالياً، وهو يستحق التقدير.

كذلك كشفت هذه الإعتصامات عن الوجوه الكالحة لأدعياء الدين الذين وصفهم بحق، الشيخ خالد الملا، أمين عام جماعة علماء العراق، إن "بعض الأشخاص الذين يلصقون بأنفسهم بعض المناصب الدينية الكبيرة، ويتهمون أبناء الجيش العراقي المعروف بعمق التاريخ بتهم تحاول تشويه حقيقته، هي شخصيات لا تمثل الصوت العراقي ولا تمثل إرادة أبناء الشعب العراقي". فهم في الحقيقة رجال دين مزيفين، ظهروا لنا بالزيتوني والعمامة، وراحوا يسممون عقول الناس وبث التفرقة لإشعال الفتنة الطائفية، إذ أفادت الأنباء أن المصلين قد رشقوا إمام مسجد في الفلوجة بالقناني الفارغة حينما دعا في خطبة الجمعة بإقليم سني، ففر "الإمام"، وحل محله آخر راح يصرخ بالجهاد ضد المالكي!!.

لقد فضح هؤلاء أنفسهم وانكشفت حيلهم وأحابيلهم، لذلك ابتعدت عنهم الجماهير، إذ أفادت الأنباء عن ((رفض مجلس عشائر الأنبار ومجلس انقاذ الانبار، والعشائر العربية في محافظة كركوك فكرة تقسيم العراق الى نظام الاقاليم مؤكدا "اهمية التمسك بوحدة العراق". كما وقَّع المئات من شيوخ العشائر من مختلف المحافظات على وثيقة عهد تحرم الدم العراقي وتدعم وتساند القوات الامنية وتمنع منح الدعم للارهابيين. جاء ذلك خلال مشاركتهم في المؤتمر الثاني لشيوخ عشائر العراق.)). وهكذا فالعشائر العراقية انتبهت أخيراً إلى لعبة البعثيين وأتباع القاعدة، فحبل الكذب قصير.

قلنا مراراً أن الديمقراطية ليست بلا أخطاء، ولكنها تمتلك آلية لتصحيح أخطائها، وفضح أعدائها. ونحن لا نعتب على فلول البعث والقاعدة في محاولاتها لتمزيق العراق ومحاربة الديمقراطية، فهذا ديدنها، ولكن من حقنا أن نعتب على، بل ونستغرب من كتاب لهم ماض في اليسار العراقي، نراهم اليوم وهم في خريف العمر، يقفون وقفة مخجلة مع اليمين الفاشي المتطرف المتمثل بالبعث والقاعدة، بغضاً للمالكي وتطبيقاً للمبدأ الخاطئ :(عدو عدوي صديقي)، يحاولون إقناعنا بأن الاعصامات سلمية غاندوية حد النخاع!!  ومطالبها مشروعة، وأن حكومة المالكي تقتل الأبرياء بدافع "الانتقام السياسي والثأر الطائفي..."، وآخر يكتب في صحيفة إماراتية مقالاً بعنوان: "الحويجة... مجزرة وفق الدستور أيضاً)، وغيرها من المقالات المضللة التي من شأنها الشحن الطائفي.

خلاصة القول، لقد حققت الاعتصامات على الضد مما خطط لها منظموها وقادتها، لأن (ما بُنيَ على باطل فهو باطل)، كما وأثبتت عزلة العديد من الكتاب وانفصامهم التام عن الجماهير الشعبية التي طالما تغنوا بها أيام زمان، ومازالوا يعتقدون خطأً أنهم يعبرون عن آمالها! حقاً، "رب ضارة نافعة".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالمقال

1- ياسين مجيد: الخيارات العدوانية
http://www.akhbaar.org/home/2013/5/146616.html

2- ADAM SCHRECK Associated Press: Group Tied to Old Guard Could Gain in Iraq Unrest
http://abcnews.go.com/International/wireStory/group-tied-guard-gain-iraq-unrest-19055602#.UXu4dEq65Fg
 
3- سوريا: انتصار الخراب/صور مروعة عن الخراب في سوريا. الصور تتحدث عن نفسها.
http://www.informationclearinghouse.info/article34758.htm

‫4- المعارضة السورية تهلل و تكبر في التلفزيون الصهيوني بعد القصف الإسرائيلي لمواقع عسكرية سورية
http://www.youtube.com/watch?v=6wAkEIashkw&feature=em-share_video_user

5- محمد ضياء عيسى العقابي: التآمر على العراق في ورطة كبيرة!!
http://www.baghdadtimes.net/Arabic/index.php?sid=136701

6- هجوم "المسالمين" على نقطة تفتيش
http://www.facebook.com/l.php?u=http%3A%2F%2Fwww.youtube.com%2Fwatch%3Fv%3Dae9vIez0_-E&h=SAQHN2CTW&s=1

7- داعية يمني : يحق للمسلمين الفرح بضرب إسرائيل لسوريا
http://mz-mz.net/141531/


373
لماذا مطالبة المالكي بالاستقالة؟

د.عبدالخالق حسين

أنا متهم بالدفاع عن رئيس الحكومة العراقية، السيد نوري المالكي. وليس خافياً على أحد، أن هذه التهمة شنيعة في العرف العراقي، ترقى إلى الخيانة الوطنية معاذ الله، حتى وإن كان الرجل منتخباً من الشعب والبرلمان، ومازال يتمتع بشعبية أكثر من منافسيه في 8 محافظات بما فيها بغداد العاصمة. وقد أكدتُ مراراً وتكراراً بأن لا علاقة شخصية لي بالسيد المالكي، أو بحزبه أو كتلته، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وإنما موقفي منه ناتج عن التزامي بالمنطق السليم، وحرصي على مستقبل العراق، والديمقراطية التي أريد لها النجاح، ولعلمي بأن عراقاً لم يعرف الديمقراطية من قبل، لا يمكن أن يتحول إلى سويسرا بين عشية وضحاها، فلا بد وأن يمر بمخاض عسير. فخصوم المالكي يصورون الوضع العراقي المعقد وكأنه هو وحده المسؤول الأول والأخير عن كل مشاكل العراق بما فيه الانقسام العربي- الكردي، والصراع السني – الشيعي، والمحاصصة الطائفية، وحتى الإرهاب وفلول البعث والقاعدة.

فمن يتابع مقالات صحيفة (المدى)، على سبيل المثال لا الحصر، وهي بالمناسبة تصدر من بغداد، وتكيل يومياً أخطر الاتهامات ضد المالكي وحكومته، وبالأخص مقالات السيد عدنان حسين، ومع ذلك يقولون أنه لا توجد في العراق ديمقراطية ولا حرية الصحافة. ففي  مقال له في (المدى) يوم 28/4/2013، بعنوان (تريدون الإنفصال...ليكون ودياً)، وهو عنوان يوعد بنصيحة حكمية موجهة إلى مكونات الشعب العراقي المتصارعة، أن كل من يريد الانفصال فبه، وليكن ذلك ودياً، ولا داعي للعنف المسلح. ولكن الشيطان في التفاصيل، كما يقولون.

إذ يبدأ السيد حسين مقاله: «لا أظن أن أحداً يتمتع بكامل قواه العقلية لا يرى أن البلاد ماضية في اتجاه التقسيم الى ثلاث دويلات إذا ما بقيت الحال على ما هي عليه الآن: حكومة ضعيفة سياسياً تراهن على قوة عسكرية شبه موهومة في تركيع خصومها الذين لا تنقصهم القوة سياسياً وجغرافياً وعسكرياً.
التقسيم حاصل ما لم ينزل رئيس هذه الحكومة من بغلته ويجلس على الأرض ويتحسس ترابها وصخرها ليدرك انه ليس "سوبرمان" الخارق أو "باتمان" الذكي.»

فالكاتب يصور للقراء بأن المالكي هو سبب جميع الأزمات وخاصة (ضعف الحكومة وقوة خصومها)، وبقاءه رئيساً للحكومة يهدد بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، وما أن "ينزل من بغلته" ويستقيل حتى ويتخلص العراق من جميع مشاكله. والكاتب هنا يعترف بأن مشاكل العراق لا يقدر على حلها حتى السوبرمان، وهذا اعتراف ضمني منه أن البديل القادم ليس سوبرمان، فيوجِد له العذر في عدم قدرته على حل مشاكل العراق إذا ما فشل، ولا بد وأن يفشل، لأن منظمي الاعتصامات في المنطقة الغربية، وقادة الإرهاب في العراق، لن يقبلوا بغير إعادة العراق إلى ما قبل 2003، ولكنه يريد من المالكي أن يحلها الآن الآن وليس غداً، وإلا فليستقيل لأنه ليس سوبرمان!.

لا شك أن عدنان حسين كصحفي محترف لعشرات السنين، يعرف كيف ينمق الكلام، ويدبج المقالات النارية التحريضية، ولكن للأسف الشديد، بدلاً من أن يوظف إمكانياته الكتابية لخدمة الحقيقة وشعبه، وتوضيح الأزمة العراقية وأسبابها، وبث الوعي الوطني الصحيح في القراء وتنويرهم ، وترسيخ الديمقراطية، وتهدئة الوضع، أقول، بدلاً من كل ذلك، انضم إلى جوقة فخري كريم لتضليل الرأي العام وتشويه الحقائق، وتمزيق شمل العراقيين، وصب الزيت على نار الفتنة الطائفية المشتعلة أصلاً والتي تفتك بشعب العراق.

وبالتأكيد لم يجهل السيد عدنان حسين كيف يتم تعيين رئيس الحكومة في الأنظمة الديمقراطية، خاصة وأنه قد عاش أكثر من عشرين سنة في بريطانيا، قلعة الديمقراطية الحديثة، عندما كان يعمل في صحيفة الشرق الأوسط السعودية. فمطالبة السيد عدنان حسين للمالكي بـ"النزول عن بغلته" وليس عن طريق البرلمان بسحب الثقة عنه، لدليل واضح على علمه بأن أغلبية البرلمانيين لن يسحبوا الثقة من رئيس الحكومة، ولذلك يرفض السيد عدنان ومن على شاكلته، الأساليب الديمقراطية في إزاحة المالكي، فيطالبونه بالاستقالة وليس عن طريق البرلمان... ولكن السؤال: ماذا بعد الإستقالة، وأين هو "السوبرمان" الذي يحلم به عدنان حسين وأماثله؟ الجواب معروف، وهو أن قصدهم ليس إزاحة المالكي فحسب، بل تخريب العملية السياسية برمتها، وإغراق العراق في فوضى عارمة تلبية لأجندات خارجية وخدمة لأولياء النعمة خارج الحدود على حساب الشعب والوطن. إن سبب تركيز حملتهم التحريضية الشرسة ضد المالكي لأنه أثبت صموده العجيب أمام كل هذه العواصف السوداء خلال ما يقرب من سبع سنوات، وأثبت فشل محاولات خصومه.

وقد جاء مقال السيد عدنان حسين في صحيفة (المدى) متزامناً مع مقال رئيسه السابق، طارق الحميد في صحيفة (الشرق الأوسط) بعنوان: (لماذا لا يرحل المالكي؟) وبنفس المضمون تقريباً ولو بعبارات مختلفة، وكأنه بينهما اتفاق مسبق، إذ يقول الحميد: « ها هو رئيس الوزراء العراقي يسير على خطى جاره وحليفه الطائفي بشار الأسد، حيث تقوم قواته بقتل المتظاهرين العراقيين ثم يطالب بالحوار، محذرا من الطائفية و«القاعدة»، ... والحقيقة أن لا فارق بين المالكي والأسد؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة، حيث يحاولان التذاكي سياسيا، وكلاهما حليف لإيران، ويلعبان على ورقة الطائفية، ويريدان الحكم ولو بإراقة الدماء وتخويف الآخرين من الطائفية و«القاعدة» والمخططات الخارجية، ... ».
وهذا يعني أن في العراق لا توجد صراعات طائفية، ولا «القاعدة» ولا المخططات الخارجية، ولا جيش "النقشبندية"، وإنما هذه كلها أكاذيب سياسية من صنع المالكي... وما أن يرحل المالكي على حد تعبير الحميد، أو "ينزل من بغلته" بتعبير عدنان حسين، حتى ويستقر العراق وكأن شيئاً لم يكن!!

نسي السيد طارق الحميد، أن المملكة العربية السعودية هي أكبر دولة مصدرة وحاضنة للإرهاب، وأكبر دولة طائفية في العالم، فالشيعة الذين يشكلون 20% من الشعب السعودي لا تُقبل منهم حتى شهادتهم في المحاكم، ويعاملون دون مستوى البشر لأنهم، وفق مذهب الدولة الوهابي، كفار أسوأ من اليهود والنصارى!! على حد تعبير مشايخ الوهابية. والحميد مازال يريد من العراق أن يكون "حارس البوابة الشرقية للأمة العربية" ضد إيران، كما كان في عهد المقبور صدام حسين، فلم تكفهم ثمان سنوات من الحروب العبثية الطاحنة، حين خاطب الملك فهد صداماً قائلاً له: "منك الرجال ومنا المال". وبعد سقوط صدام انتقموا من الشعب العراقي ثانية، باحتساب تلك المساعدات المالية ديوناً مع أرباحها المتراكمة التي فاقت حجم الديون الأصلية.

والأشنع من ذلك، أنه في الوقت الذي شكل الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وفداً برئاسة وزير الخارجية الأسبق، جيمس بيكر، للتفاوض مع الدول الدائنة متوسلاً منها بالتخلي عن ديونها أو بعضا منها على العراق، وحقق نجاحاً باهراً في مساعيه حيث أطفأ نحو 90% من تلك الديون البالغة 120 مليار دولار، راح عدنان حسين، يدبج المقالات في صحيفة (الشرق الأوسط) التي كان يعمل فيها آنذاك (عام 2003)، يطالب فيها السعودية والكويت وغيرهما من الدول الدائنة بعدم التنازل عن ديونها على العراق!! أما تبريره: كي لا يتجرأ الشعب العراقي ثانية فينجب دكتاتوراً أخر مثل صدام في المستقبل!! فرددتُ عليه معاتباً بمقال ودي بعنوان: (هل من الإنصاف معاقبة الشعب العراقي بجرائم صدام؟) مذكراً إياه: "وهل استلم صدام حكم العراق عن طريق الانتخابات الديمقراطية النزيهة، أو استفتى الشعب العراقي في حروبه لكي يتحمل هذا الشعب تبعات حروبه العبثية". فغير المحرر عنوان مقالي إلى (العراق غير قادر على دفع الديون والتعويضات؟)، وهذا لا يهم، ولكن رد عليَّ عدنان حسين وفي نفس العدد من صحيفة (الشرق الأوسط، يوم 21/11/2003) بمقال عنوانه: (وهل الإنصاف في معاقبة ضحايا صدام؟). أضع روابط المقالات المتبادلة أدناه ليطلع العراقيون على الحقائق ومدى "حرص" عدنان حسين على مصلحة العراق. (روابط في الهامش: 2، 3، 4).

يقول السيد عدنان حسين في مداهنة واضحة للكرد والسنة: «الكرد أعادوا أنفسهم وإقليمهم الى الدولة بإرادتهم الحرة وقرارهم الحكيم، وكان يمكن لهم أن يمتطوا صهوة حصان التطرف القومي ويستغلوا انهيار الدولة وما فيها قبل عشر سنوات ليبقوا على كيانهم الذي تمتع باستقلال حقيقي. كان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك لو خضعت قيادتهم لنزق، أو قصر نظر، بعض قومييهم.
«السنة (أو ما يطلق عليهم تسمية سكان المناطق الغربية)، كان في مستطاعهم هم أيضاً أن يدوّخوا الدولة الجديدة التي وُلدت كسيحة بفعل مرض المحاصصة الطائفية والقومية، فيواصلوا مقاطعة العملية السياسية وينضووا جميعاً تحت أعلام "القاعدة" وفلول النظام السابق، مستندين الى دعم فعال من وراء الحدود الغربية والجنوبية (1800 كيلو متر) المفتوحة على تضاريس صحراوية صعبة. لكنهم عادوا الى الرشد بعد حين قصير وانضموا الى العملية السياسية..»

لم يوضح لنا السيد عدنان لماذا «عادوا إلى الرشد بعد حين قصير وانضموا إلى العملية السياسية». إن سبب إنضمامهم إلى العملية السياسية يا سيد عدنان هو ليفجروها من الداخل، مع استثناء بعض الشرفاء العقلاء من أهل السنة الذين انضموا بنوايا وطنية شريفة، وهؤلاء الآن معزولون مع الأسف. وبالطبع إن ما يجري الآن من تظاهرات واعتصامات في الحويجة، والمناطق الغربية، وقتل الجنود العزل سببه المالكي في نظر عدنان حسين وزميله طارق الحميد ومن لف لفهما، إرضاءً لأسيادهم من أصحاب المخططات الخارجية.

ويرد قارئ لبيب باسم (مدقق) في قسم التعليقات في (المدى) على مقال عدنان حسين قائلاً: «لقد فاتك سيدي الكويتب بان العراق كله يعيش من خيرات أهل الجنوب .. وأن الاكراد لو كانوا يستطيعون الانفصال لما تأخروا في اعلان دولتهم، ولكن الهراوة التركية والعصا الايرانية هي من ارجعتهم مرغمين وليس بإرادتهم الى العراق... اما المناطق الشمالية والغربية فلا يستطيعون اعلان دولتهم لأنهم معدمون اقتصاديا ولا موارد لهم. اما ما يتكلمون عنه من تشكيلهم جيشا فهو مجرد ميليشيات ارهابية تريد عودة السنة الى الحكم وهذا هو الهدف الحقيقي غير المعلن لكل التظاهرات ... فهؤلاء وانتم معهم لديكم عقدة الحق التاريخي لحكم السنة ولا تستطيعون التعايش في دولة يشارك فيها الشيعة في الحكم ولا تبقوا تنظروا وتتحدثوا بكلام مزيف .. ».

والسؤال الذي أوجهه إلى السيدين عدنان حسين، وزميله السعودي طارق الحميد، هل مجرد "نزول المالكي من بغلته" سيحيل فلول البعث، وعلى رأسها عزت الدوري ومنظمته "النقشبندية" الإرهابية، وفصائل الموت الأخرى، و"دولة العراق الإسلامية" البعثية، والقاعدة في بلاد الرافدين، وجيش العز والكرامة بقيادة سعيد اللافي ومحمد خميس ابو ريشة، وقصي الزين وغيرهم من المتورطين بقتل الجنود الخمس... أقول : هل رحيل المالكي سيحيل هؤلاء إلى قوى ديمقراطية تقبل بصناديق الاقتراع؟
إذ كنت تعتقد ذلك فأنت في منتهى الجهل والسذاجة في أحسن الأحوال، أو أنك أحدهم في أسوئها.

نسي عدنان حسين أن المالكي استلم الحكومة وكانت المحاصصة الطائفية والأثنية والإرهاب والصراعات بين الكتل السياسية حقيقة قائمة على أرض الواقع منذ تشكيل مجلس الحكم بعيد سقوط الفاشية، ولم يكن بإمكانه ولا إمكان أي "سوبرمان" إلغاءها. لقد استلم المالكي رئاسة الحكومة بعد استقالة إبراهيم الجعفري القسرية عام 2006، التي فرضت عليه من قبل كتلة التحالف الكردستاني لأنه تجرأ كرئيس للوزراء فقام بزيارة إلى تركيا دون أن يأخذ موافقة السيد بارزاني. والمالكي لم يفرض نفسه، بل وقع عليه الاختيار من قبل زملائه في كتلة الإئتلاف الوطني آنذاك، وصوتت له الأغلبية البرلمانية، وبنفس الطريقة أعيد انتخابه للدورة الثانية عام 2010. لذلك فتحميل المالكي كل أمراض العراق الاجتماعية والسياسية موقف يجافي الحقيقة لا يخلو من خبث وسوء المقاصد.

وختاماً

 بتاريخ 30/8/2011، نشرت مقالاً على مواقع الإنترنت، بعنون: (أفضل طريقة لإسقاط حكومة المالكي!)(1) وجهت في ختامه نصيحة لخصوم المالكي الذين كانوا يطالبونه بالاستقالة، وأعيدها لهم اليوم عسى أن يستفيدوا منها، وهي كما يلي:
أننا نقدم للسادة المطالبين بإسقاط أو استقالة المالكي النصيحة التالية: إذا كنتم حقاً تؤمنون بالديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، وبما إن المالكي وكتلته (دولة القانون) حصلا على أعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات العامة، ونال ثقة الأغلبية البرلمانية، لذلك يجب اتباع نفس الطريقة الديمقراطية لإزاحته عن المسؤولية، إذ توجد في النظام الديمقراطي آلية سهلة دستورية مشروعة لتغيير الحكومة، وذلك من خلال البرلمان بسحب الثقة من رئيس الوزراء وحكومته، وكفى الله المؤمنين شر الجدال والقتال. فإذا صوتت الأغلبية البرلمانية ضد المالكي وحكومته، فبها، أما إذا صوتت لصالحه وحكومته، فيجب أن تحترموا قرار البرلمان، وأن تعلموا بأن أسلوب التأليب والترهيب والتهديد وتهييج الشارع وإغراق البلاد في فوضى عارمة، هو سلاح تستخدمه الأقلية المفلسة سياسياً وأخلاقياً لفرض إرادتها على الأغلبية بالقوة والبلطجة، وهو أسلوب أثبت فشله طيلة السنوات السابقة ولن يكتب له النجاح، لا الآن ولا في المستقبل.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات صلة بالموضوع
1- عيدالخالق حسين: أفضل طريقة لإسقاط حكومة المالكي! 
http://abdulkhaliqhussein.nl/?news=476

2-عدنان حسين : من يرفع الصوت ضد مقتدى الصدر؟  (ملاحظة: عنوان المقال عن مقتدى الصدر، ولكن النصف الثاني منه يطالب الكاتب الدول الدائنة بعدم التخلي عن ديونها على العراق)
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=197808&issueno=9087
 
3- عبد الخالق حسين العراق غير قادر على دفع الديون والتعويضات؟
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=204105&issueno=9124
 
4- عدنان حسين .... وهل الإنصاف في معاقبة ضحايا صدام؟ http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=200375&issueno=9102
 



374
المنبر الحر / العراق إلى أين؟
« في: 14:58 26/04/2013  »
العراق إلى أين؟

عبدالخالق حسين

إن تصعيد العنف المسلح وإسالة دماء العراقيين من جميع الأطراف، (القوات الأمنية والمعتصمين)، كما حصل في بلدة الحويجة قرب كركوك مؤخراً، وتكثيف هجمات مسلحين على مراكز الشرطة ونقاط الجيش في ديالى ونينوى وصلاح الدين، لدليل على إصرار البعثيين وحلفائهم "القاعدة"، والطائفيين، ومن يدفعهم من قوى خارجية إلى تدمير العراق وإعادة سيناريو ما يجري في سوريا. فشعار البعثيين هو "إما أن نحكم العراق أو ندمره"، تنفيذاً لما وعد به سيدهم المقبور صدام حسين.

فـفي بيان أعلنت وزارة الدفاع العراقية، عن مقتل 12 ضابطا وتسعة جنود و 26 مسلحا من المتظاهرين والقبض على 75 آخرين، فضلا عن العثور على عدد كبير من الاسلحة والمتفجرات في ساحة اعتصام الحويجة"... كما وأفادت الأنباء عن ((إعلان جيش الطريقة النقشبندية بقيادة عزة الدوري مسؤوليته عن الهجمات المسلحة ضد القوات العراقية في مناطق مختلفة من المحافظات الغربية والشمالية الأمر الذي اضطر السلطات الى حظر التجوال فيها... ودعا تنظيم رجال الطريقة النقشبندية الجناح العسكري للدوري المتظاهرين الى حمل السلاح وقال المتحدث باسم التنظيم في شريط فيدو إنه على جميع "المجاهدين" حمل السلاح، وقال أن النيران ستطال كل جندي وشرطي يرفض تسليم سلاحه أو الانسحاب من ثكناته العسكرية وبخاصة في بلدة الحويجة)).

وفي هذا السياق، ((أكد قائد القوات البرية علي غيدان في تصريح صحفي أن “الجثث التي دفنت في الحويجة يوم أمس (24/4/2013) وعددها 26 جثة هم من تنظيم النقشبندية الإرهابي وأكد أن “6 منهم هم من قادة النقشبندية المطلوبين”.وأضاف غيدان”هؤلاء الناس هم الذين فتحوا النار وهم الذين قاوموا القطعات العسكرية أثناء تفتيشها للخيم وهم فتحوا النار عليها وتم مقاومتهم وتم قتلهم في المكان. وهذا خير دليل يثبت ان الطريقة النقشبندية لهم تواجد في معظم ساحات الاعتصام”.وتوعد غيدان “اني احذر جماعة النقشبندية من رد فعل قوي للجيش”، مؤكدا “لدينا معلومات بأن النقشبندية لديها تواجد وعمل في سليمان بيك وتم محاصرتهم سنتمكن من القضاء عليهم )).( بغداد/ شبكة أخبار العراق، 25/4/2013)
(روابط ذات صلة في الهامش).

والجدير بالذكر أن تنظيم النقشبندية يعد احدى التنظيمات المسلحة التي برزت في ديالى بعد عام 2006 وهي مرتبطة بنائب رئيس النظام السابق عزة الدوري ومتورطة بالعديد من أعمال العنف. على إن لعبة النقشبندية باتت مفضوحة، وخاصة لدا العقلاء من رجال الدين السنة، ففي هذا الخصوص "اتهم الشيخ خالد الملا، امين عام جماعة علماء العراق، في تصريح صحفي له يوم الخميس (25/4/2013) رجال دين الصقوا بـ”أنفسهم مناصب دينية كبيرة” بالتحريض على قتل القوات العسكرية مقابل "أموال" تسلموها مسبقاً". وقال: "إن هؤلاء يتهمون أبناء الجيش العراقي المعروف بعمق التاريخ بتهم تحاول تشويه حقيقته، هي شخصيات لا تمثل الصوت العراقي ولا تمثل إرادة أبناء الشعب العراقي". وأضاف: "إن الجيش العراقي سيطهر البلاد من هؤلاء الأشخاص الذين ظهروا في ساحات الاعتصام يحملون باجات لجيش الطريقة النقشبندية وحزب البعث”. (1)

من نافلة القول، أن التظاهرات والإعتصامات في المناطق الغربية وبلدة الحويجة ليست من أجل رفع "الظلم أو التهميش" عن أهل السنة كما يدعون، بل من أجل إلغاء الديمقراطية، وإعادة الوضع إلى ما قبل 2003. فالصراع هو بين فلول البعث والقاعدة من جهة، وبين الحكومة المنتخبة من جهة أخرى. والجدير بالذكر أن حصل اندماج بين فلول البعث والقاعدة في بلاد الرافدين. وما يسمى بـ"دولة العراق الإسلامية" هو تنظيم مزيج من فلول البعث والقاعدة يديره أشخاص كانوا في قيادة البعث. واستغل هؤلاء مشاعر البعض من العرب السنة فطرحوا أنفسهم كمدافعين عن حقوقهم ورفعوا شعار المظلومية والتهميش، وهو شعار زائف ومفتعل، (قول حق يراد به باطل)، الغرض منه هو إلغاء كل ما تحقق بعد 2003. 

فالسلطة العراقية كانت بأيدي السياسيين من هذه المنطقة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى 2003، لذلك يرى هؤلاء أنهم أولى من غيرهم في حكم البلاد. ولكن الملاحظ أنهم خلال 80 سنة من حكمهم، فشلوا في بناء شعب متماسك، وتحقيق الوحدة الوطنية، لأن هذه الأقلية الحاكمة، وبدوافع من أنانيتها وقصر نظرها، انفردت بالحكم وعاملت الغالبية العظمى من الشعب العراقي كمواطنين من الدرجة الثانية. وكانت وسيلتهم الوحيدة لتبادل السلطة بين مختلف النخب الحاكمة المتنافسة فيما بينهم على السلطة وهم من نفس المنطقة، هي الدبابة والمدفع عن طريق الانقلابات العسكرية، ومقتهم الشديد للديمقراطية ومبدأ (صناديق الاقتراع بدلاً من الرصاص).

ولذلك، فمنذ سقوط حكم البعث الفاشي، شن البعثيون وحلفاؤهم أتباع القاعدة، والطائفيون من المنطقة الغربية، ومعهم، ويا للمفارقة، نفر من المتياسرين وأدعياء الديمقراطية الذين لم يحالفهم الحظ في الانتخابات السابقة، شنوا حملة شعواء ضد الديمقراطية الناشئة وبالأخص على الانتخابات، بحجة أن الديمقراطية لا تعني الانتخابات فقط...الخ. وقد أجبناهم مراراً وتكراراً، بنعم، أن الانتخابات ليست كل شيء في الديمقراطية، ولكن لا ديمقراطية بدون انتخابات. فجميع شروط الديمقراطية موجودة الآن في العراق، مثل تعددية الأحزاب، وحرية التعبير والإعلام، ومنظمات المجتمع المدني، وضمان حقوق الإنسان والأقليات، ومشاركة الجميع في السلطة...الخ، ولكنها في نفس الوقت تعني أيضاً حكم الأغلبية السياسية حسب ما تفرزه صناديق الاقتراع، ويجب على الجميع احترام نتائج الانتخابات، ومن حق الذين لم يحالفهم الحظ في الفوز أن يسعوا سلمياً، ونؤكد على كلمة (سلمياً)، لتغيير آراء الناخبين عسى أن يفوزوا في  الانتخابات اللاحقة. ولكنهم يرفضون هذا المنطق، ويصرون على التخريب بالعنف المسلح، وشعارهم "إما أن ألعب أو أخرب الملعب".

لذلك، فالتظاهرات في المناطق الغربية ليست من أجل رفع المظلومية أو التهميش، أو ضد الاستبداد، كما يدَّعون، لأنه ليس هناك تهميش ولا مظلومية، ولا يمكن أن يكون هناك استبداد بوجود الآليات الديمقراطية. فهذه التظاهرات هي ليست إمتداداً للربيع العربي، كما يدعون، بل هي على ضد تماماً من انتفاضات الربيع العربي، لأنها ضد الديمقراطية، فالمعتصمون رفعوا صور الطاغية صدام وعلمه، وطالبوا بإلغاء الدستور وقانون ملاحقة الإرهاب، وقانون العدالة والمساءلة، أي كل ما من شأنه محاسبة الإرهابيين من البعثيين وأتباع القاعدة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين بتهمة الإرهاب بدون أي تحقيق معهم. كذلك رفعوا شعارات، ورددوا هتافات طائفية شتائمية بذيئة ضد الشيعة الذين يشكلون أكثر من 60% من الشعب، ولما انفضحوا بهذه الشعارات الطائفية، بدلوا نغمتهم وراحوا يرددون أنهم من أنصار الحسين وأهل البيت!!. ندرج أدناه روابط تفضح الذين رددوا مثل هذه الخطابات والشعارات، ومنهم من طالب الرئيس التركي أردوغان "حفيد السلطان العثماني التركي محمد الفاتح" على حد تعبير رجل دين من الرمادي، "ليحرر العراق من الاحتلال الصفوي والفرس المجوس!!". فمشاركة الشيعة في الحكم وفق صناديق الاقتراع هو استعمار صفوي في رأيهم. والمؤسف أن البعض من الكتاب العرب المحسوبين على الليبرالية راحوا يرددون نفس هذه الدعوات الباطلة وبدوافع طائفية.

في الحقيقة هذه التظاهرات ما هي إلا تمارين إحماء وتمهيد لحرب أهلية في العراق على غرار ما يجري في سوريا، والتي هي ليست من أجل الديمقراطية، وليست امتداداً للربيع العربي، بل على العكس تماماً، لذبح الديمقراطية في العراق وإعادة حكم البعث – الوهابي السلفي مندمجاً بالقاعدة. ولذلك ما أن أعلنت "جبهة النصرة" في سوريا مبايعتها للظواهري، زعيم القاعدة، حتى وأعلنت "القاعدة في العراق" اندماجها مع "جبهة النصرة". ونؤكد هنا أن ما يسمى بـ"قاعدة العراق" و"دولة العراق الإسلامية"هو مزيج من بقايا فلول البعث  وأتباع القاعدة. فالشعارات البعثية العلمانية البراقة (وحدة، حرية، اشتراكية) ما هي إلا لخدع الناس. فهدفهم الأول والأخير هو الاستيلاء على السلطة وتحت أي شعار كان، ديني أو علماني.

لقد نجحت "القاعدة" المتمثلة بجبهة النصرة اختطاف الثورة السورية، وهذا ما أكده الإعلام الغربي والحكومات الغربية. وفي هذا الخصوص "قال منسق شؤون مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كيرتشوف لبي بي سي إن مئات الأوروبيين يقاتلون حاليا في صفوف المعارضة المسلحة في سوريا ضد حكم الرئيس بشار الأسد. وأوضح أن عدد هؤلاء يقدر بنحو 500 شخص...ويساور مسؤولو الاستخبارات القلق بأن البعض قد ينضم لجماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة ويعودون لاحقا إلى أوروبا لشن هجمات إرهابية." (تقرير بي بي سي العربي يوم 24/4/2013).

أجل، يمر العراق الآن في أسوأ وأخطر مرحلة تاريخية، فالشركاء في السلطة وتحديداً زعماء قائمة "العراقية" هم مع الإرهابيين، ويعملون على شل الحكومة بغضاً لرئيسها المالكي، وها هو أسامة النجيفي رئيس البرلمان، تزامناً مع نداء عزت الدوري، طالب الجيش صراحة وبلا خجل من قناة (الحرة- عراق) بعدم تنفيذ الأوامر الصادرة من ضباطهم، يعني عدم تنفيذ أوامر القائد العام للقوات المسلحة، وهذا تمرد خطير جداً من مسؤول كبير في الدولة، ومخالف للدستور ويهدد أمن وسلامة الدولة. (راجع مقال السيد محمد ضياء عيسى العقابي) (5).

والملاحظ أنه ما أن تقع عملية إرهابية في بغداد أو أي مكان آخر في العراق، حتى ويسارع قادة كتلة العراقية والاعتصامات في المناطق الغربية إلى اتهام الحكومة بهذه التفجيرات وإلقاء اللوم على الجيش والأجهزة الأمنية، وإبعاد التهمة عن الإرهابيين. يبدو أن هناك تنسيق في توزيع الأدوار بين بعض الكتل السياسية لدعم الإرهاب وإرباك الحكومة والأجهزة الأمنية، فمن جهة إذا وقعت عمليات إرهابية اتهموا الحكومة والأجهزة الأمنية بالضعف، وإذا اتخذت الحكومة إجراءات رادعة ضد الإرهابيين اتهموها بأنها تسيِّس الجيش ضد تظاهرات الجماهير الشعبية "السلمية"، وطالبوا بإقالة المالكي لأنه يشكل خطراً على وحدة البلاد!!
وتأكيداً لكلامنا هذا، قال عضو اللجنة القانونية النيابية لطيف مصطفى أمين: " إن ما حصل في قضاء الحويجة أثبت أن رئيس الوزراء نوري المالكي بات يشكل خطرا على العراق". كما ودعت حركة الوفاق الوطني العراقي [بقيادة أياد علاوي]، حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي إلى تقديم استقالتها فوراً "حفاظاً على وحدة العراق وشعبه"، في حين حذرت من تداعيات مواجهة الجيش للاعتصامات والاحتجاجات "السلمية"، أكدت أن الأجهزة الأمنية "فشلت" في ضبط الأمن في البلاد. (السومرية نيوز- بغداد، 24/4/2013)

ورداً على هذه الادعاءات والاتهامات، قال رئيس الوزراء السيد نور المالكي: "من المؤسف عندما يحصل خرق أمني لا يدان الارهاب ولا يتحدثون عن القاعدة او حزب البعث، وانما يتحدثون عن الضابط، من أجل ان يكسروا هيبة الضابط والجندي ويدينوه ولا يدينوا الارهاب، ودائماً ما نسمع عندما تحصل عملية أمنية، مباشرة الادانة تطلق على القائد العام للقوات المسلحة وعلى الوزير والضابط، وكأنما هم ليسوا شركاء في هذا الجيش الذي يمثل جميع مكونات الشعب العراقي”. (6)

ما العمل؟
إن فلول البعث والقاعدة وعدد من قادة "العراقية" من الطائفيين في المناطق الغربية يدفعون الوضع إلى الانتحار الجماعي، وشعارهم "عليَّ وعلى أعدائي يا رب"، و"ليكن من بعدي الطوفان". وهم وراء هذه الاعتصامات، وعمليات الإرهاب، ويتلقون الدعم من عدد من دول المنطقة: (تركيا، وقطر والسعودية)، في محاولة لإشعال حرب طائفية في العراق على غرار ما يجري في سوريا من دمار شامل.

ولتفادي هذه الكارثة ننصح جميع الأطراف من أصحاب الحل والعقد بما يلي:
أولاً، على عقلاء العرب السنة أن يلعبوا دورهم، وعدم ترك الأمور بأيدي سفهاء القوم من البعثيين وأتباع القاعدة، لأنه إذا تحقق ما يريد هؤلاء المخربون المجرمون فالحريق سيشمل الجميع، وسيندمون يوم لا ينفع فيه الندم.

ثانياً، قال السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء في مقابلة تلفزيونية مع قناة العراقية، أنه يمتلك ملفات السياسيين الداعمين للارهاب، ولكنه "يمتنع عن كشفها خوفا من انقلاب الدنيا". صراحة، نقول للسيد المالكي أن هذا الخوف غير مبرر، وعليه كشف هذه الملفات في البرلمان وأمام الإعلام العراقي والعالمي، ولتنقلب الدنيا على رؤوس المتورطين في الإرهاب بدلاً من أن تنقلب على رأسه هو، وعلى رؤوس أبناء الشعب المساكين، وإلا سيكون مصيره كمصير الشهيد عبدالكريم قاسم.

ثالثاً، يجب أن يعرف أعداء الديمقراطية أن محاولاتهم لوقف عجلة التاريخ محكوم عليها بالفشل، فالمرحلة هي مرحلة الديمقراطية والتي لا بد لها أن تنجح رغم كل المعوقات. فكل ما يستطيع أعداء الديمقراطية من فلول البعث والقاعدة والمتعاطفين معهم عمله بمحاولاتهم الإرهابية هو إطالة عذابات الشعب ومعاناته، ولكنهم لن يستطيعوا إيقاف الديمقراطية مطلقاً.

رابعاً، على أنصار الديمقراطية من اليساريين والليبراليين، وقيادة التحالف الكردستاني، وعقلاء العرب السنة  أن يتركوا جميع خلافاتهم جانباً، فالعراق يمر بأخطر مرحلة تاريخية عاصفة، ومهدد بمؤامرة قذرة لتدميره لا تقل خطورة عن انقلاب 8 شباط 1963، وإذا لم يوحدوا صفوفهم وكلمتهم، ويصغوا إلى صوت العقل وينقذوا العراق من مجرمي البعث والقاعدة والطائفيين، فإن كارثة شاملة قادمة لا تبقي ولا وتذر، ويزجون العراق في نفق مظلم آخر كما عملوا عام 1963، وعندها يجب أن لا يلوموا إلا أنفسهم. 

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة بالموضوع
1- الملا: الجيش العراقي سيطهرالبلاد من هؤلاء الأشخاص الذين ظهروا في ساحات ...
http://iraqiuon.com/index.php/permalink/4222.html

2- مخاوف من تصاعد وتيرة "العنف الطائفي" في البلاد .. مقتل وإصابة 225 شخصاً بينهم 50 جنديا حصيلة أحداث الحويج
http://www.akhbaar.org/home/2013/4/145918.html 

3- جيش النقشبندية بقيادة الدوري يؤكد مسؤوليته عن الهجمات ضد الجيش العراقي
http://www.akhbaar.org/home/2013/4/145980.html
4- قائد القوات البرية يؤكد ان الجثث التي شيعت ودفنت يوم أمس تعود لإرهابيين
http://www.faceiraq.com/inews.php?id=1627880

5- لقطة فيدو قوات سوات تحاصر الحويجة
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=p1b5k5K5Gu4

6- فيديو يبين مدى طائفية احمد العلواني  (4 دقائق)
http://www.youtube.com/watch?v=SOh-gEYTVG0

7- اهل الانبار نحن وهابية نحن جماعة الكاتم
http://www.youtube.com/watch?v=TlYA7yKwO9Y

8- محمد ضياء عيسى العقابي:  أتهمُ السيد أسامة النجيفي بالخيانة العظمى فحاكموه
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=355968

9- المالكي: كل قطرة دم عراقية تشرف الذين يخونون الامانة من سياسيين وغير سياسيين
http://www.akhbaar.org/home/2013/4/145914.html

10- أ. د. عبد الحميد العباسي  ماذا وراء تزامن الفلتان الامني مع إشتداد الخلاف بين الكتل:ما لم نقلهُ بعد!!.
http://www.akhbaar.org/home/2013/4/145897.html


375
هل حقاً فشلت التجربة الأمريكية في العراق؟

د.عبدالخالق حسين


لم أستغرب عندما أقرأ عشرات العناوين لمقالات كتبها أعداء التغيير في العراق وهم يطبلون بفشل التجربة الأمريكية. فهؤلاء طبلوا بالفشل وحتى قبل البدء بعملية تحرير العراق يوم 19/3/2003، وذلك لمختلف الأسباب: الطائفية، والسياسية، والاقتصادية، والأيديولوجية والانتهازية...الخ. ولكننا نصاب بالاستغراب، بل وبالصدمة والدهشة عندما نقرأ مقالاً من هذا القبيل لمن كان لحد وقت قريب من أشد المتحمسين للمشروع الأمريكي في الإطاحة بالأنظمة المستبدة في منطقة الشرق الأوسط، بدءً بأشرس نظام همجي عرفه التاريخ، ألا وهو نظام البعث الصدامي في العراق.

فقبل أيام قرأت للمفكر المصري الأمريكي المعروف، الصديق العزيز الأستاذ مجدي خليل، مقالاً في الحوار المتمدن بعنوان: (عشر سنوات للحرب على العراق: هل فشل النموذج الأمريكى؟)، وعنوان ثانوي: (لماذا فشل النموذج الأمريكى فى العراق؟).
ومن العنوان الثانوي هذا، يحاول الأخ الكاتب أن يوحي للقارئ أن فشل التجربة الأمريكية في العراق حصل بدون أي شك!! ولكن دوره هنا فقط ليناقش أسباب هذا الفشل!

أرى من واجبي الرد على المقال لتوضيح ما يجري في العراق، وأرجو من الصديق العزيز الأستاذ مجدي خليل أن يسع صدره لحق الاختلاف، إذ كما قال سعد زغلول: "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية".

إن سبب موقف أعداء التغيير في العراق والتبشير بفشله معروف، وهو أن أمريكا قضت على أهم مصدر من مصادر رزقهم عندما أطاحت بصدام حسين ونظامه الفاشي، صدام الذي حرم العراقيين من التمتع بمواردهم الهائلة، وأنفقها واستدان عليها عشرات المليارات الدورات على عسكرة المجتمع، والحروب العبثية، وشراء ذمم آلاف الصحفيين والسياسيين ومنظمات عربية ودولية بمنحهم كوبونات نفطية لدعم سياساته الطائشة. وبالتأكيد، فإن الأخ مجدي لم يكن من هؤلاء، بل كان أحد ضحايا النظام العربي الدكتاتوري في مصر والذي تم إسقاطه أخيراً بثورات الربيع العربي، وهو من مناصري الديمقراطية الليبرالية في الشرق الأوسط.

فإذن، ما السبب الذي جعل الأخ مجدي خليل يغير موقفه من التغيير في العراق مؤخراً، وينضم إلى جماعات المبشرين بفشل التجربة الأمريكية؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال، دعونا نناقش مبررات فشل التجربة الأمريكية في العراق كما يراها الصديق مجدي. وأنا إذ أتفق مع معظم الأسباب التي ذكرها الكاتب، إلا إني أختلف معه في أن هذه الأسباب لم تؤدِ إلى فشل التجربة، ولكنها خلقت عراقيل وصعوبات أمام العراق الجديد، إلا إن التجربة نجحت ومازالت تحث الخطى باضطراد في طريق النجاح والنضج. لنناقش الآن بعض ما ورد في مقال الصديق و ذلك كما يلي:

1- يقول الأخ مجدي في مقدمة مقاله: "يحار المرء فى فهم الاسباب الحقيقية وراء غزو أمريكا للعراق، أما الاسباب المعلنة فهى معروفة وتتلخص فى ثلاثة أسباب رئيسية وهى اسلحة الدمار الشامل الموجودة لدى نظام صدام والتى ثبت عدم صحتها، والعلاقة بين صدام والقاعدة والتى ثبت عدم صحتها أيضا، والسبب الثالث وهو نشر الديمقراطية فى العراق وفى الشرق الأوسط. فى تقديرى الشخصى أن السبب الثالث هو من أهم الاسباب الحقيقية والمعلنة لغزو العراق..." انتهى

ليست هناك أسباب غير معلنة، فمسألة أسلحة الدمار الشامل إن صحت أو لم تصح، كان صدام هو الذي روج لها وقيل فيما بعد أنه أراد تخويف إيران!!، والأمريكان لا يتركون الأمور للصدف والتخمينات، بل يأخذون تهديدات صدام وأمن بلادهم وأمن أصدقائهم في المنطقة مأخذ الجد. وكان بالتأكيد يمتلك برنامج لصنع السلاح النووي. أما علاقته بالقاعدة، فنشير عليه الاستماع إلى ما صرح به عالم الاجتماع العراقي الدكتور فالح عبدالجبار في مقابلة له مع فضائية العربية، أن نظام البعث العراقي قبل سقوطه استضاف 6 آلاف مقاتل للقاعدة (الرابط في الهامش) (1). كما وأطلق صدام حسين سراح نحو مائة وأربعين ألف سجين جنائي من عتاة المجرمين ليعيثوا في العراق فساداً بعد سقوطه، وأعدم جميع السجناء السياسيين.
 
2- يقول الأخ الكاتب: "قررت الادارة الأمريكية بعد ما حدث فى 11 سبتمبر أن هذا الشرق الأوسط المصدر للإرهاب والعنف والكراهية لابد أن يتغير، وكان حلمهم وقتها أن يتغير بما سماه جورج بوش "أجندة الحرية"،أى دمقرطة المنطقة التى تبدأ من العراق وتنتشر بنظرية الدومينو، وفى نفس الوقت محاصرة مراكز تصدير الإرهاب فى السعودية وإيران من أرض العراق."

نعم، كان لما حدث في 11 سبتمبر دور كبير في القرار الأمريكي لإسقاط حكم البعث، وتم ذلك بسهولة، إذ لم يدافع الشعب العراقي، ولا جيشه عن نظام البعث، عدا بعض المناوشات الخفيفة في الجنوب من قبل بعض المراهقين المخدوعين لما يسمى بـ"فدائيي صدام". وفعلاً سقطت أنظمة أخرى وفق نظرية الديمنو. والقرار الأمريكي بدمقرطة المنطقة صحيح بلا شك، لا حباً بشعوب المنطقة أو رغبة في نشر الديمقراطية، ولكن لأن أمريكا توصلت إلى قناعة مفادها أن الأنظمة المستبدة التي دعمتها في عهد الحرب الباردة، هي التي وفرت البيئة المناسبة لإنتاج الإرهاب، والحاضنة لتفريخه. والحل هو إسقاط هذه الأنظمة ونشر الديمقراطية للتخلص من شرور الإرهاب.
إلا إني أختلف مع الصديق مجدي في قوله: "وعندما فشلت هذه النظرية – نظرية الدومينو- فى تغيير الشرق الأوسط، استعانوا بالبديل الاحتياطى وهو إغراق الشرق الأوسط فى الفوضى والخراب بدون طلقة واحدة وذلك بترك المنطقة تُحكم من قبل أوغادها المخربين، ومن ثم فإن المشهد الذى نراه حاليا فى الشرق الأوسط هو نتيجة غير مباشرة لما حدث فى العراق، والذى هو بدوره نتيجة لما حدث فى 11 سبتمبر." أنتهى

نعم، إن ما حصل من انتفاضات الربيع العربي هو نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لما حدث فى العراق، ولكن النظرية لم تفشل، ولم يتم إغراق المنطقة بالفوضى والخراب كما قال الأخ مجدي خليل. وإذا ما اعتبر انتفاضات "الربيع العربي" فوضى وخراب من صنع أمريكا، [أو من صنع الفيلسوف الفرنسي برنارد هنري ليفي، كما يردد آخرون]، فأنا أختلف معهم، لأن في هذا الادعاء إنكار وجود أنظمة عربية مستبدة، وإساءة وإهانة لذكاء هذه الشعوب وإظهارها وكأنها مجرد دمى تستطيع أية دولة غربية أو مفكر غربي تحريكها وإثارة الثورات أو (الفوضى)  فيها كما يريد، وفي أي وقت يشاء. إن سبب انتفاضات الربيع العربي هو ظلم الحكام المستبدين، وبلوغ وعي الشعوب العربية درجة الانفجار بفضل التقنية المتطورة والثورة المعلوماتية، وما حصل في العراق من ديمقراطية حقيقية، أي نجاح التجربة الأمريكية.

وسبب خيبة أمل الأخ الكاتب من انتفاضات الربيع العربي "..بترك المنطقة تُحكم من قبل أوغادها المخربين"،على حد تعبيره، هو فوز الأخوان المسلمين في السلطة في مصر وتونس، ووجود رئيس وزراء من حزب إسلامي شيعي وهو حزب الدعوة، في العراق.
وعلى قدر ما يخص التجربة العراقية، لقد ساعدت أمريكا الشعب العراقي بإسقاط نظامه الجائر ووفت بوعدها في إقامة النظام الديمقراطي، حيث فسحت له المجال لينتخب حكامه عبر صناديق الاقتراع بمنتهى الحرية، وهذا ما حصل بالضبط بشهادة المراقبين الدوليين. كما حصل في تونس ومصر بعد الإطاحة بالحاكمّيْن المستبدَيْن، بن علي ومبارك على التوالي.
ولكن، المشكلة، أن أعتاد الكتاب العرب، مؤدلجين وليبراليين، مسلمين ومسيحيين لا فرق، إلقاء اللوم على أمريكا في كل شيء بما فيه فوز الإسلاميين في الانتخابات ومهما كانت هذه الانتخابات حرة ونزيهة. ولكن من المسؤول عن فوز الإسلاميين في هذه الانتخابات؟ أليس الناخبون أنفسهم؟ هل من الديمقراطية أن نعتبر الانتخابات حرة ونزيهة فقط إذا فاز بها العلمانيون أو المرشحون الذين نرضى عنهم نحن، ونعتبرها مزيفة، ونشتم أمريكا ونعتبر تجربتها فاشلة إذا فاز فيها الإسلاميون؟
وهل حقاً نظام الحكم في العراق إسلامي لمجرد وجود شيعي يترأس مجلس الوزراء، والشيعة يشكلون أكثر من 60% من الشعب؟ لمعلومات الأخ مجدي، وكل من يعتقد أن نظام الحكم في العراق هو نظام الحزب الواحد وهو حزب الدعوة، فهو على ضلال وخطأ كبير. فحصة حزب الدعوة في السلطة لا تتجاوز ثلاثة وزراء من مجموع 32 وزارة، وكل الوزراء الآخرين من أحزاب أخرى، معظمهم علمانيون، وحتى كان من بينهم وزير شيوعي في الحكومات قبل الحالية. فهل من الإنصاف، والحالة هذه، أن تسمي هذه الحكومة إسلامية وحكومة الحزب الواحد؟
أما فوز الأخوان المسلمين في تونس ومصر فكان بسبب موقف الناخبين العلمانيين المتخاذل يوم رفض 50% منهم الإدلاء بأصواتهم، مما فسح المجال لمرشحي الإسلاميين بالفوز. والمفرقة أنه مازال قادة العلملنيين المصريين يطالبون أتباعهم بمقاطعة الانتخابات القادمة، فمن المستفيد من هذه الدعوات الانتحارية السياسية، أليس الإسلاميون؟. يقول الفيلسوف الإيرلندي إدموند بيرك: "كل ما يحتاجه الشر لينتصر على الأخيار أن يعملوا لا شيء."

3- ثم يسأل الأخ مجدي: "ولكن السؤال المطروح لماذا فشلت أجندة الحرية ونظرية فرض الديموقراطية من العراق؟". ويجيب: "أول هذه الأسباب وأهمها فى تقديرى هو تحالف كل الديكتاتوريات فى المنطقة لإفشال المشروع الأمريكى للديموقراطية، حتى الد الأعداء كالسعودية وإيران اتفقوا على افشال المشروع الأمريكى. وكان الحل الذى يفهمه هؤلاء لعرقلة عدوى الديموقراطية هو تصدير الإرهاب الإسلامى إلى العراق واغراقه فى العنف والفوضى والقتل والتخريب، عشرات الآلاف من الإرهابيين تم اطلاقهم من السعودية وإيران وسوريا وقطر وتركيا لتخريب التجربة العراقية..." (انتهى)

أتفق مع الأخ مجدي في اتفاق أعداء الديمقراطية (السعودية وغيرها) على إفشال التجربة، ولكن ما ذنب أمريكا في هذه الحالة؟ ولماذا نحملها مسؤولية جرائم السعودية وإيران وغيرهما من أعداء الديمقراطية؟ كذلك أؤكد للكاتب مرة أخرى، أنهم لم ينجحوا مطلقاً، إذ انقلب السحر على الساحر، وها هي سوريا التي كانت تدرب الإرهابيين وترسلهم لإشعال الحرائق في العراق أصبحت هي نفسها ضحية الإرهاب وتلعق جراحها، ولا شماتة... أما الدول الأخرى فسيصلها الحريق قريباً. وأما العراق الجديد فيحث الخطى قدماً في طريق النجاح رغم المعوقات.

4- يقول الكاتب: ((وثانى أسباب فشل المشروع الأمريكى فى العراق هى القراءة الأمريكية السطحية للثقافة العربية الإسلامية، حيث تصورتْ أمريكا أنها قادرة على إعادة خلق النماذج الديموقراطية التاريخية كما حدث فى المانيا واليابان وكوريا الجنوبية، ولم تفهم الفروق الشاسعة بين هذه الثقافات والثقافة العربية الإسلامية، حيث أن الأخيرة تعادى بدرجة كبيرة الغرب وتعادى بدرجة أكبر النموذج الغربى للحريات والديموقراطية، كما أنها تعادى العولمة والحداثة وانفتاح رعاياها على النادى الإنسانى.)) انتهى

الجواب: أمريكا لم تخطأ في قراءة الثقافة العربية- الإسلامية، فلديها عشرات مراكز البحوث، ومئات كتب المستشرقين، السابقين واللاحقين، عن الثقافة العربية - الإسلامية المعادية للغرب والحضارة الغربية وللعولمة...الخ. ولكن في نفس الوقت توصل الخبراء والقادة الأمريكيون وغيرهم إلى نتيجة مفادها أن هذه الثقافة يجب أن تتغير، ولا يمكن أن تتغير من تلقاء نفسها، بل بمساعدة الغرب ولو بالقوة إذا تطلب الأمر. وفي هذا الخصوص قال المفكر الفرنسي، جان بيار شوفينمان مرة للبرلمانيين: "لن تغسل الشعوب العربية إذلالها الذي عمره قرونا إلا إذا تداركت تخلفها، ولن تتدارك تخلفها إلا إذا ساعدها الغرب بقوة على ذلك." كذلك نعرف أن الثقافة العربية هي بدوية الأصل والمنشأ، والتي وصفها أرنولد توينبي بأنها "حضارة متجمدة".
لذلك، فلو تُرك العرب لحالهم أن يتخلصوا من تخلفهم بأنفسهم وبمحض اختيارهم لما تخلصوا إلى الأبد، ولنالت شرور إرهابهم العالم كله. والعالم الغربي ليس مستعداً أن يجامل العرب على تخلفهم، ويترك الحضارة البشرية مهددة بإرهابهم. فالتدخل الأمريكي كان نتاج دراسات عميقة محسوب لها ألف حساب، ونتاج قوة غير مرئية محركة لمسار التاريخ يمكن أن نسميها بمكر التاريخ ولصالح البشرية وبالأخص للشعوب العربية نفسها، إذ كما قال آدم سميث: "نتائج غير مقصودة لأفعال مقصودة، ولكن في نهاية المطاف تكون لصالح المجتمع البشري".
 
5- يقول الأخ مجدي خليل: "من أسباب فشل دمقرطة العراق كذلك الأخطاء الجسيمة التى وقعت فيها الأدارة تحت قيادة السفير بول بريمر فى العراق وخاصة قرار اجتثاث البعث وحل الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية بتحريض ومشورة سيئة من القيادات الشيعية التى كانت ملتفة حول بوش وبريمر، وكان البديل هو الفوضى ثم المليشيات الطائفية ثم جيش طائفى وأجهزة أمنية طائفية تتسم بالانحياز المفرط للشيعة ولا تعكس التوازن فى تمثيل الاطياف العراقية بشكل عادل." انتهى.

مع الأسف الشديد، يبدو أن الإعلام البعثي والعربي الطائفي المغرض، المعادي للديمقراطية، قد نجح حتى في إقناع السيد مجدي خليل بهذه الدعايات المضللة. هذه الفقرة تحتاج إلى عدة مقالات وقد كتبت عنها الكثير، ولكن لا بد من الإشارة السريعة في هذه العجالة إلى بطلان هذا الكلام.
أولا، إن تعبير (اجتثاث البعث) جاء ترجمة حرفية للتعبير الإنكليزي debaathification وهو ترجمة حرفية لتعبير denazification في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. والكل يعرف أن حزب البعث كان أسوأ فاشية وعنصرية من الحزب النازي الألماني. فإذا جاز اجتثاث النازية في ألمانيا لماذا لا يجوز اجتثاث البعث في العراق وهو أسوأ حزب عنصري فاشي في التاريخ؟
أما حل الجيش والقوات الأمنية البعثية، فلم يحلها بريمر، بل هي حلت نفسها واختفت وفق تعليمات صدام حسين بعد أن نهبت مخازن الجيش، وحملت سلاح "المقاومة الوطنية الشريفة" على شكل عصابات الجريمة المنظمة، وأحرقت المكتبات ومراكز الوثائق والذاكرة العراقية وغيرها. وجاء قرار بريمر بحل الجيش بعد ثلاثة أشهر من سقوط النظام بمثابة توقيع شهادة وفاة لهذا الجيش ليس غير، وليس بـ"مشورة سيئة من القيادات الشيعية" كما قال الأخ مجدي. أدرج أدناه رابط لمقال لي حول هذا الموضوع (1).
والجيش الجديد لم يكن طائفياً ومنحازاً للشيعة كما قال الأخ مجدي، بل يضم جميع مكونات الشعب العراقي بدون تحيز لأية لمكونة، وتم تدريبه وتثقيفه على أيدي مدربين أمريكان وبريطانيين لحماية النظام الديمقراطي والدفاع عن حدود الوطن، وليس للعدوان على دول الجوار كما كان في عهد حكم البعث.

6- ويضيف الصديق الكاتب: ((وأخيرا كان من أسباب فشل الديموقراطية فى العراق الكراهية المحبوسة والمكتومة بين مكونات التركيبة العراقية، فقد تسبب القمع الشديد تحت حكم صدام وإضطهاد الشيعة والاكراد، إلى نمو الظلم وتحوله إلى كراهية عميقة تحت السطح، وبمجرد رفع الغطاء عن المرجل بعد الغزو الأمريكى خرجت أبخرة الكراهية السوداء لتعمى عيون العراقيين عن التعايش والمشاركة عبر الديموقراطية الحقيقية وحل محل ذلك الكراهية والعداء والاقتتال من أجل المغالبة بديلا عن المشاركة.)) انتهى
ما تفضل به الأخ مجدي صحيح جداً، إذ كان حكم البعث حكم الحزب الواحد والمكونة الواحدة واضطهاد المكونات الأخرى، واعتماد سياسة (فرق تسد) كما هو حكم البعث في أي مكان وزمان، العراق سابقاً، و سوريا الآن. فما العمل في هذه الحالة؟ هل ترك حزب البعث يواصل ظلمه للشيعة والكرد إلى ما لا نهاية كي لا نستفز المكونة المستفيدة من حكم البعث؟
لقد كان الوضع أشبه بخراج مليء بالقيح ينتظر مشرط جراح ماهر. ولكن السؤال هو: ما الحل إزاء هذه المشكلة؟ وإلى متى يجب ترك هذا الخراج بدون علاج خوفاً من تدفق القيح العفن؟ ولكوني جراحاً أعرف أن الحل الوحيد للخراج هو الفتح وترك القيح السام يخرج إلى أن يتحقق الشفاء وإلا سيقتل المريض. لذلك جاء الجراح الأمريكي وفتح هذا الخراج فتدفق القيح العراقي العفن على شكل "الكراهية والعداء والاقتتال من أجل المغالبة بديلا عن المشاركة" على حد تعبير الأخ مجدي. وفي رأيي لم يكن هناك أي بديل آخر عن مشرط الجراح الأمريكي.

7- وما حصل بعد إسقاط النظام من إرهاب ليس بسبب خطأ بوش أو بريمير، إذ اعترف السيد مجدي في بداية مقاله دور دول المنطقة: (السعودية، وقطر وسوريا وإيران وتركيا" فى إفشال التجربة الأمريكية فى العراق. ونؤكد هنا أن ما حصل في العراق من إرهاب واقتتال وصراعات طائفية وعرقية كانت مرحلة حتمية لا بد منها، وما كان ممكناً تفاديها إلا في مخيلة الطوباويين. فتغيير هكذا نظام فاشي عنصري جائر لا يمكن تبديله بنظام ديمقراطي ناضج بين يوم وليلة وبدون مشاكل. ونعيد للمرة الألف، أن صدام حسين كان قد خطط للعراق أنه لا يصلح إلا لحكمه بالقبضة الحديدية، ولذلك أطلق قوله المشهور "أن من يحكم العراق من بعده سيستلمه أرضاً بلا بشر". ومقارنة العراق الآن بما خطط له من قبل صدام نعرف أن العراق بخير... والخير هنا مسألة نسبية.

الإستنتاج
ومن كل م تقدم نستنتج ما يلي:
أولا، ما يمر به العراق من إرهاصات وصراعات هي مرحلة لا بد منها كالقدر المكتوب، وكل الدلائل تشير إلى أنه سيخرج منها سالماً معافى، إذ هكذا بدأت الديمقراطية في الدول الغربية حيث واجهت الصعوبات لقرون إلى أن صارت الديمقراطية جزءً لا يتجزأ من ثقافتها.

ثانياً، كل هذا الصراخ العربي حول تهميش المكون العربي السني هو مفتعل وافتراء باطل، فالعرب السنة في العراق أدمنوا على احتكار السلطة لثمانين سنة وتهميش المكونات الأخرى وبالأخص المكون الشيعي الذي يشكل أكثر من 60% من الشعب كمواطنين من الدرجة الثانية أو حتى اعتبارهم أجانب (صفويين!). ولما جاءت الديمقراطية رفض أصحاب الامتيازات القبول بمساواتهم مع بقية مكونات الشعب وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع، لذلك شهروا السلاح بوجه الديمقراطية بحجة مقاومة الاحتلال. ومن المفيد أن أذكر هنا المعلومة التالية: " في العام 2005 وصل العاصمة الأميركية وزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي [الذي سرق 300 مليون دولار وهرب بها إلى أمريكا]، قائلا انه يحمل رسالة "المقاومة الشريفة " الى الاميركيين. وفي اجتماع مغلق في أحد مراكز الفكر القريبة من مصادر القرار السياسي افصح عن مضمون الرسالة وهو : "المقاومة ليست ضد الأميركان ولا تقتل جنودهم في العراق بل ان حربها هي مع الاحتلال الصفوي في الوسط والجنوب، وان مصالح واشنطن هي معها وليس مع الحكام الجدد". (من مقال سالم المشكور، في جريدة الصباح، 4/4/2013). وكذلك طالب طارق الهاشمي الرئيس بوش أن يعيد السلطة للسنة كما كان قبل 2003 وسيدعمون المصالح الأمريكية في المنطقة، وأن الشيعة هم عملاء إيران. فرد عليه بوش أن حكم المكونة الواحدة قد أنتهى في العراق الجديد.   

ثالثاً، لم تفشل التجربة الأمريكية في العراق، إذ انتهى حكم البعث، وحكم الحزب الواحد، والمكونة الواحدة للسلطة إلى الأبد، فهناك  دستور دائم صوت عليه الشعب، وبرلمان منتخب، وحكومة شراكة وطنية، وفي الانتخابات القادمة نأمل أن تتشكل حكومة الأغلبية بدلاً من حكومة الشراكة الشاملة التي حاول بعض الشركاء إفشالها، فكان لهم رجل في السلطة ورجل مع الإرهاب والتحريض الطائفي. والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية ليست طائفية كما يروج الإعلام العربي المغرض، بل هي مؤلفة  من جميع مكونات الشعب العراقي دون تمييز.

رابعاً، تكون التجربة قد فشلت إذا ما أعيد حكم العراق إلى ما قبل 2003، وهذا من سابع المستحيلات. نرجو مراجعة مقالنا (هل كان إسقاط البعث يستحق كل هذه التضحيات؟ (2-2)؟) (2).

خامساً، نعم، الديمقراطية العراقية مازلت ناشئة، وهي ليست بمستوى الديمقراطيات الناضجة في الدول الغربية العريقة، ولا يمكن أن تكون هكذا خلال السنوات العشر الأولى من عمرها بعد عشرات السنين من الاستبداد والحروب والحصار والإذلال...الخ ، ولكنها تسير قدماً بثبات نحو النضج. فالديمقراطية لن تتعلمها الشعوب عن طريق قراءة الكتب، أو كما يردد البعض "ثقف الشعب أولاً ثم امنحه الديمقراطية"، هذا الكلام هراء في هراء. فالديمقراطية مثل السباحة، لن يتعلمها الإنسان إلا بالممارسة. وفي هذا الخصوص يقول المفكر الهندي Amartya Kumar Sen الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 1998: "يجب ألا نسأل هل شعب ما مؤهلاً للديمقراطية أم لا، وإنما يجب أن نعرف أنه لن يصبح أي شعب مؤهلاً للديمقراطية إلا من خلال ممارسته لها. لذلك، فالديمقراطية هي ليست الهدف فقط، بل هي أيضاً الوسيلة لتحقيقها".

خلاصة القول أن التجربة الأمريكية في العراق لم تفشل، والديمقراطية العراقية صامدة تتحدى كل العقبات، وهي تحث الخطى في طريق النجاح.
أما الربيع العربي فهو الآخر يعتبر قفزة نوعية نحو الديمقراطية، فرحلة الألف ميل قد بدأت بالخطوة الأولى، ولا بد أن ينجح، وهذا يستحق منا مقال مستقل.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالموضوع
1- فالح عبدالجبار: نظام البعث العراقي استضاف 6 آلاف مقاتل من "القاعدة"
http://www.alarabiya.net/articles/2011/11/03/175228.html

2- عبدالخالق حسين: هل حقاً أمريكا قامت بحل الجيش العراقي السابق؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=484

3- عبدالخالق حسين: هل كان إسقاط البعث يستحق كل هذه التضحيات؟ (2-2)؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=576
 
4- طلال شاكر: عشر سنوات على انقاذ العراق من الدكتاتورية..
http://www.akhbaar.org/home/2013/4/144976.html



376
غيابهم أفضل من حضورهم

د.عبدالخالق حسين

ممارسة الديمقراطية ليست سهلة، خاصة في شعب لم يمارسها من قبل، حيث كان ضحية الاستبداد طوال تاريخه. لقد أذل حكم البعث العراقيين أيما إذلال، وحاول صدام إخصاءهم. فالشعب العراقي الذي تشكل قيم البداوة أهم ركن من أركان شخصيته وثقافته، يمثل عنده شيخ العشيرة والضابط العسكري قمة الرجولة، حاول صدام إذلال هاتين الشريحتين من الرجال، فمنح نفسه أعلى رتبة عسكرية (مهيب ركن) يعادل رتبة مارشال، وهو لم يخدم يوماً واحدا في الجيش، وللإمعان في إذلال العسكر، منح مرافقه رتبة فريق ركن، يرافقه كظله، وفي الاجتماعات يقدم له الكرسي، ويقف خلفه كالتمثال أو الصنم. أما إذلاله لشيوخ العشائر فكان قد حقق قفزة حضارية كبرى ولكن إلى الوراء، حيث أعاد العراق إلى مرحلة القبلية، ونصب على كل عشيرة أحد مرتزقته من تلك العشيرة، وحوَّل العراق  إلى إتحاد مشيخات، ونصب من نفسه شيخ المشايخ، فأحيى قانون العشائر الذي ألغته ثورة 14 تموز قبل أكثر من خمسين سنة، حيث منح الشيوخ الحق في حل المنازعات بين أفراد عشائرهم، متجاوزاً بذلك السلطة القضائية والمحاكم المدنية. وكان صدام يدعو الشيوخ بين حين وآخر إلى بغداد ليقدموا أمامه رقصات ذليلة مع ترديد أهازيج يمجدون بها شخصه، ليشعرهم بإخصائهم وبأنه هو وحده الفحل في العراق!!.

هذه العقدة النفسية وغيرها من العقد لازمت هؤلاء بعد سقوط صدام في الحفرة التاريخية، وستبقى تلازمهم طيلة حياتهم حتى ولو تسنموا أعلى المواقع في السلطة والعشيرة. لذلك فبعد إسقاط حكم البعث وقيام الديمقراطية وإطلاق الحريات بلا ضوابط ، واكتشاف حقيقة صدام بعد إخراجه من حفرة حقيرة منفوش الشعر أشبه بمجنون، حاول من أذلهم صدام أن يتخلصوا من عقدة النقص والشعور بالدونية، لا بخدمة بلادهم والتجاوب مع الديمقراطية والحرية بمفهومها كمسؤولية، بل اساءوا استخدام الحرية والديمقراطية للتمرد على الحكومة المنتخبة التي هم يشاركون فيها، وأساءوا حتى للشعب الذي انتخبهم. لقد وجد هؤلاء رجولتهم في مخالفة السلطة ومشاكستها في الحق والباطل، ليثبتوا أنهم رجال شجعان وليسوا مخصيين كما أراد لهم صدام.

ويمكن التأكد من صحة ما ذكرنا أعلاه من تصرفات نواب بعض الكتل السياسة في البرلمان، وتصريحات قادة ما يسمى بتظاهرات المناطق الغربية أو "الربيع السني". فمن الأساليب التي اتبعها هؤلاء النواب معارضتهم لأي مشروع قانون تقدمه الحكومة للبرلمان، وعرقلته، لمجرد معارضتهم للحكومة رغم أنهم شركاء فيها.

وعلى سبيل المثال، لقد حاول نواب بعض الكتل السياسية عرقلة قانون الموازنة لأربعة أشهر، لا لسبب إلا نكاية برئيس الوزراء نوري المالكي، وهو تصرف غريب وغير لائق، أضر بالشعب العراقي وكلفه نحو 25 مليون دولار يومياً. فتصور عزيزي القارئ حجم الخراب البشري الذي أصاب هؤلاء النواب لإلحاق الأذى بناخبيهم وحتى بأنفسهم. ولم يقتصر هذا السلوك على نواب التيار الصدري طبعاً، بل شمل نواب ما تبقى من كتلة العراقية، وحتى نواب التحالف الكردستاني باستثناء أولئك النواب الذين انشقوا عن كتلة العراقية، وكذلك نواب كتلة التغيير الكردستانية، الذين فضلوا المصلحة الوطنية على مزاجية قادتهم، فبقوا في الجلسة التي تم فيها التصويت على قانون الموازنة رغم غياب النواب المشاكسين.

والغريب أنه لما تم التصويت على الموازنة بنجاح يوم 7/3/2013، انزعج النواب الكرد الذين قاطعوا الجلسة على أمل عدم اكتمال النصاب، راحوا يعترضون أنه تم تهميشهم، وأنه لا يجوز التصويت على قانون الموازنة بغيابهم!!. ولكن أيها السادة، من همشكم؟ ومن همش من؟ أنتم الذين اخترتم مقاطعة الجلسة بملء إرادتكم لإفشالها، وبالتالي لعرقلة التصويت على قانون الموازنة، وليذهب الشعب إلى الجحيم!!
وحين تم التصويت بدونكم، خرجتم إلى وسائل الإعلام صارخين: "يا عالم لقد تم تهميشنا وهذه مخالفة للديمقراطية!!". نعم، كانت مخالفة لديمقراطية التوافقات سيئة الصيت، ولكنها ليست مخالفة للدستور، ولا للديمقراطية الحقيقية التي تمارس في أرقى الدول الديمقراطية العريقة. لذلك نرجوكم أن تواصلوا مقاطعتكم للجلسات القادمة لما تبقى من عمر هذه الدورة البرلمانية، ففي غيابكم عنها خدمة لا تقدر للشعب العراقي الذي أخطأ في انتخابكم.

إن ما تحقق يوم 7/3/2013  من إصدار قانون الموازنة، ومجموعة قوانين أخرى بفضل مقاطعة المشاكسين المعرقلين كان خطوة إلى الأمام، وفي الاتجاه الصحيح لإنضاج الديمقراطية، وتصحيح مسارها، واختباراً عملياً رائعاً أثبت فشل الديمقراطية التوافقية، وأن لا ديمقراطية حقيقية إلا بحكومة الأغلبية.

لا شك أن الديمقراطية العراقية مازالت ناشئة، وفي مراحلها الأولية رغم مرور عشر سنوات على ولادتها، فعشر سنوات فترة قصيرة في تجارب الشعوب، وبالأخص في تكريس الديمقراطية في شعب لم يمارسها من قبل... على أي حال، إن ما تحقق يوم 7/3/2013 أثبت بدون أي شك أن حكومة الشراكة الوطنية الشاملة هي فاشلة ومعرقلة للديمقراطية، وقد فرضتها مرحلة تاريخية معينة بعد إسقاط  الفاشية. وعشر سنوات فترة كافية أثبتت فشلها، ويمكن التعلم من هذه التجربة الرائدة وتصحيح مسارها، وأنه قد حان الوقت لحكومة الأغلبية، يشارك فيها نواب كتل سياسية توافق على برنامج انتخابي معين، تعمل على تنفيذه خلال أربع سنوات من عمر الدورة البرلمانية القادمة. وفي نفس الوقت يشكل نواب الكتل غير المشاركة في الحكومة جبهة المعارضة الديمقراطية تحت قبة البرلمان لمراقبة نشاطات الحكومة. وهذه هي الديمقراطية الحقيقية.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


377
هل كان إسقاط البعث يستحق كل هذه التضحيات؟(1-2)


د.عبدالخالق حسين

بمناسبة مرور عشر سنوات على إسقاط حكم البعث الفاشي في العراق، وما نجم عنه من تداعيات، ومضاعفات، وصراعات، وعمليات إرهاب، وفضح المستور من عيوب المجتمع العراقي، وخاصة الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة، والأثنية بين الكرد والعرب، ومعانات الأقليات الدينية، يطرح المحللون السياسيون في الغرب، المتابعون للأزمة العراقية، فيسألون: هل ما تحقق بعد إسقاط حكم البعث كان يستحق كل هذه التضحيات التي دفعها الشعب العراقي من أرواح أبنائه وممتلكاته، وتخريب مؤسساته الاقتصادية والخدمية؟ (Was it worth it?)، أما كان الأفضل الانتظار ليسقط حكم البعث بطريقة وأخرى أقل خطراً مما حصل؟ وهل العراق اليوم أفضل من عراق في عهد صدام؟ وهل العالم اليوم أفضل مكاناً للعيش بإزاحة البعث عن الحكم في العراق؟

بالتأكيد من غير المتوقع أن تحصل على اتفاق في الجواب على كل هذه الأسئلة، فالناس يختلفون في مواقفهم من كل شيء، فكيف من قضية مثيرة للجدل إلى حد العداء والاقتتال مثل قضية تحرير العراق، خاصة وقد تم هذا التحرير على يد أمريكا، الدولة العظمى، التي أدمن المؤدلوجون في العراق والبلاد العربية على معاداتها مع حليب الرضاعة؟

ولكن على قدر ما يخصني الأمر، ففي رأيي، الجواب على جميع هذه الأسئلة: نعم، العراق أفضل الآن مما كان عليه في عهد صدام، وتحقق الكثير خاصة في مجال الديمقراطية. فالعراق يكاد يكون البلد الوحيد في المنطقة العربية والشرق الأوسط الذي يتمتع شعبه بالحرية والديمقراطية، ولكن كما قال الكاتب السياسي الإيراني المعروف أمير طاهري: "العراق ليس طريقا مفروشا بالورود.. لكنه في طريقه نحو الأحسن".(1)
صحيح أن حياة العراقيين لم ترق إلى ما كنا نتمناه ونطمح إليه، ولكن هذا النقص ليس بسبب الحكومة المنتخبة، بل بسبب أعداء الديمقراطية الذين هيمنوا على السلطة لعشرات السنين بالقبضة الحديدية، ورأوا في الديمقراطية ضرراً عليهم. لذلك فبمقارنة منصفة بين العهدين نعرف مدى التغييرات الإيجابية التي طرأت على حياة العراقيين، اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً وخاصة في حرية التعبير والتنظيم. فهناك عشرات الفضائيات، والإذاعات، ومئات الصحف، وأغلبها ملك القطاع الخاص، إضافة إلى آلاف المواقع الإنترنت،  تمارس الحرية في نقد الحكومة بما فيها أعلى الرئاسات في الدولة، بل وحتى كيل الشتائم والافتراءات على الحكومة والتحريض ضدها، والدعوة لإسقاطها ودون أية محاسبة. كذلك هناك مئات الأحزاب السياسية، وأكثر من أربعة آلاف منظمة اجتماعية وثقافية، ناهيك عن الهاتف النقال الذي بلغ عدده ما يقارب ثلاثة أرباع عدد سكان العراق إذا ما طرحنا منه الأطفال دون سن السادسة. وهذه الحالة لم يعرفها العراق في تاريخه من قبل.

يحاول أعداء الديمقراطية تضخيم السلبيات، واختلاق الكثير منها وإنكار الايجابيات التي تحققت خلال السنوات العشر الأخيرة، بل واستعاروا جميع التركة الثقيلة التي ورثها العراق من حروب البعث الصدامي، الخارجية والداخلية، من ملايين المعوقين والأرامل والأيتام والخراب في البنى التحية، ونسبوها إلى العهد الجديد وتبرئة حكم البعث منها.
إذ كما قال توني بلير قبل أسابيع للبي بي سي: "...أن قضية العراق تبقى خلافية... لقد اقتنعتُ منذ مدة بعدم جدوى محاولة إقناع الناس بأن القرار الذي اتخذناه كان صائبا." ولكنه يضيف: " فلو أننا لم نزح صدام حسين من السلطة، ما الذي كان سيحدث لو أن هذه الثورات العربية قائمة، وصدام حسين، يحاول قمع انتفاضة في العراق، مع العلم أنه أسوأ من بشار الأسد في سوريا 20 مرة."

في الحقيقة كلنا نعرف أن صدام ليس أسوأ من بشار بعشرين مرة، بل آلاف المرات، فصدام لا مثيل له في القسوة، وربما أقرب شخص له هو ستالين وبولبوت. فعدد القتلى من الانتفاضة السورية بلغ نحو 70 ألفاً خلال عامين، ونسبة كبيرة من الضحايا قتلوا على أيدي الجيش السوري الحر، و"جبهة النصرة" التابعة للقاعدة. بينما قتل صدام حسين من العراقيين خلال انتفاضة آذار (الشعبانية) عام 1991، نحو 300 ألف خلال ستة أسابيع فقط. وصدام كان مستعداً لإبادة كل الشعب العراقي في سبيل بقائه في السلطة. والذي ينكر هذه الحقيقة إما جاهل، أو مع إبقاء حكم البعث الفاشي.

ليس هناك إنسان سليم العقل يرغب بالحرب، وخاصة على بلاده، ولكن ما العمل إذا كان البديل هو الأسوأ شراً. لذلك، نعتقد أن حرب تحرير العراق كان لا بد منها ومبررة. فنظام البعث كان حرباً دائمة على الشعب العراقي، إضافة إلى حروبه الخارجية حيث شن حرباً على إيران دامت 8 سنوات أهلكت الحرث والنسل، كذلك احتل الكويت، وتسبب في فرض الحصار الاقتصادي الأممي على الشعب العراقي لـ 13 سنة. وفي هذه الحالة كانت الحرب عادلة على حرب عبثية جائرة. وفي هذا الخصوص يقول الفيلسوف الكوبي خوسيه مارتي، صاحب جائزة  السلام باسمه: "مجرم من يخوض حربا يمكن تفاديها. ومجرم من لا يخوض حربا لا يمكن تفاديها." لا شك أن الحرب على الفاشية البعثية ما كان بالإمكان تفاديها في جميع الأحوال، لأن هذا النظام المجرم قد أذل الشعب العراقي إلى أبعد الحدود.

اعتراضات أعداء تحرير العراق
يعترض أعداء تحرير العراق بالقول أن بوش وبلير قد رتبا إسقاط صدام على الكذب بامتلاك صدام أسلحة الدمار الشامل، ولم يكن لسواد عيون العراقيين، أو لإقامة نظام ديمقراطي، بل لنهب نفط العراق واسعتباد شعبه وقتله، ولخدمة إسرائيل، والحرب غير مشروعة لأنها لم تحصلا على تخويل من الأمم المتحدة...الخ، ويرددون القول: "ما بني على باطل فهو باطل"، وهو منطق ينطبق على موقف البعثيين وحلفائهم بالدرجة الأولى. على أي حال، لنناقش هذه الاعتراضات ونرد عليها كالآتي:

أولاً، مسألة عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل
صحيح، لم يعثر المفتشون الدوليون بعد إسقاط حكم البعث على هذه الأسلحة، وهذا لا يعني أن صدام ما كان يمتلكها قبل سقوطه، ولكنه دمرها أو أخفاها في رمال الصحراء الواسعة فيما بعد. وبالتأكيد كان يخطط لامتلاكها، فقد بدد الطاغية ثروات البلاد على برنامجه النووي بشهادة الخبراء العراقيين في الفيزياء النووية الذين عملوا في هذا المجال. وفي هذه الأيام هناك شهادة لخبير أمريكي قال أنه من المحتمل أن صدام أخفى أسلحته النووية لدى سوريا بنصيحة من روسيا. رابط التقرير في الهامش.(2).
والجدير بالذكر، أن سلاح الدمار الشامل لا يعني القنبلة النووية فقط، بل يعني أيضاً، الأسلحة الجرثومية والغازات السامة. والمعروف أن صدام استخدم الغازات السامة المحرمة دولياً ضد الكرد في حلبجة، وضد عرب الأهوار، وضد الجيش الإيراني في حربه مع إيران. وهذه حقائق مثبتة لا جدال فيها. وحتى لو سلمنا جدلاً بعدم وجود السلاح النووي، فصدام هو الذي جعل العالم يعتقد بامتلاكه له، أو كان يخطط لامتلاكه، حيث كان يتباهى أمام الإعلام العالمي مهدداً بحرق نصف إسرائيل بالسلاح النووي. أما إذا تبين أن تهديداته كانت فارغة ولتخويف إيران كما أدعى أتباعه فيما بعد، فالذنب والمسؤولية في هذه الحالة يقعان عليه هو، وليس على من عامل تهديداته بالجدية.
أما أمن إسرائيل فهو جزء من إستراتيجية أمريكا وكل الدول الغربية، وهذا ليس سراً يخفونه. ولكن، هل حقاً، كان صدام حسين يشكل خطراً على أمن إسرائيل؟ الحقيقة المرة هي أن سياسات صدم الطائشة كانت قد خدمت إسرائيل وأضرت بالقضية الفلسطينية، وذلك عن طريق إدعاءاته الزائفة بحرق إسرائيل، ودعمه للمتطرفين الفلسطينيين من أمثال عصابة أبو نضال وغيره، وكذلك دوره التخريبي في لبنان إثناء الحرب الأهلية اللبنانية.

ثانياً، أمريكا لم تسقط حكم البعث لسواد عيون العراقيين!.
هذا الاعتراض صحيح، ولم ينكره أحد، وقد أكدناه مراراً بالقول أن في السياسة لا يوجد شيء اسمه (سواد عيون)، بل مصالح، إذ كما يقول الإنكليز: لا توجد وجبة مجانية (There is no free lunch). وكعراقي، لا يهمني أن ما قام به بوش وبلير لسواد عيون العراقيين، أو لوجه الله، أو لمصلحة بلدانهم، أو لدمقرطة العراق والمنطقة، وإنما الذي يهمني هو: أن إسقاط حكم البعث كان أكبر خدمة للشعب العراقي وشعوب المنطقة، فلأول مرة في التاريخ تتطابق مصلحة الشعب العراقي مع مصلحة الدولة العظمى بعد انتهاء الحرب الباردة. لذلك، فمن الجنون والعبث تفويت الفرصة وعدم الاستفادة منها، بغض النظر عن أغراض الآخرين من هذه العملية. فالعراق كان محتلاً من قبل حزب البعث الذي ألحق به أشد الدمار الشامل وأذل شعبه.

ثالثاً، جاءت أمريكا لنهب النفط العراقي!
هذه الحجة هي الأخرى لم تصمد أمام أية مناقشة منطقية منصفة. والسؤال هنا: هل حقاً منع صدام النفط عن أمريكا؟ الجواب: كلا وألف كلا، فاغتصاب حزب البعث للسلطة لم يتم إلا بمساعدة الاستخبارات الأمريكية بسبب منافسة الشركات الأمريكية للشركات الفرنسية التي تعاملت حكومة الرئيس الراحل عبدالرحمن عارف مع الأخيرة، ودعم أمريكا لصدام معروف في الحرب العراقية- الإيرانية. وحتى لو سلمنا جدلاً، بأن أمريكا جاءت من أجل النفط، فما الضير في ذلك؟ إذ نحمد الله على أنه وهب العراق شيئاً يجذب أمريكا لتحريره من طغيان حكم البعث الصدامي. وهل أمريكا تريد النفط مجاناً، فإذا لم نبعه على أمريكا وغيرها، فماذا عسى أن يعمل الشعب العراقي بنفطه، خاصة وقد عانى الشعب أشد المعاناة إثناء الحصار؟
كذلك هناك مبالغة في دور النفط، إذ، صعدت أسعار النفط بعد سقوط حكم البعث أرقاماً قياسية خلقت أزمة اقتصادية لأمريكا وللعالم، وهذا يؤكد الحقيقة أن أسعار النفط لا تتحكم بها أمريكا، بل يقررها قانون السوق (العرض والطلب). كما وأثبتت صفقات استثمار النفط التي وقعتها الحكومة العراقية مؤخراً، أنها تمت مع شركات تابعة لدول وقفت ضد الحرب على صدام، (روسيا والصين خاصة)، أما الشركات الأمريكية فكانت هي المتضررة. وهذا يدحض جميع الإدعاءات القائلة أن أمريكا أسقطت صدام من أجل نهب ثروات العراق النفطية، كما ويدحض القول بأن الحكومة العراقية الحالية هي عميلة، نصبها الاحتلال وتأتمر بأوامره!!. والمفارقة أن آخرين يدعون أن هذه الحكومة نصبتها إيران، عدوة أمريكا الأولى، وتأتمر بأوامرها، وهنا التناقض في أقوال أعداء العراق، ومعظمهم من سجناء كهوف الأيديولوجيات الشمولية المظلمة التي فضلت إبقاء الطاغية صدام في الحكم يضطهد الشعب العراقي على تحريره من قبل أمريكا.

رابعاً، الحرب على صدام غير مشروعة لأنها لم تحظى بالموافق الدولية!
يقولون أن هذه الحرب لم تحظ على موافقة مجلس الأمن الدولي، ولذلك فهي غير مشروعة. الكل يعرف أن أصدقاء صدام في المجلس من الدول الكبرى (روسيا، والصين وفرنسا) كانوا مستعدين لاستخدام حق النقض (فيتو) ضد القرار لو حاز بأكثرية الأصوات. كذلك نعرف أن توني بلير وبل كلنتون شنا حرباً على حكومة الفاشي الصربي ميلوسوفيج لإنقاذ شعوب البلقان (بوسنيا وكوسوفو وغيرهما) بدون الموافقة الدولية، إذ كما قال علي عزت بيغوفيتش، أول رئيس جمهورية للبوسنة والهرسك، لو انتظر الحلفاء موافقة مجلس الأمن، أو الوحدة الأوربية لأبيدت شعوب البلقان. وحتى لو كانت أمريكا قد حصلت على التخويل الدولي لقالوا أن الأمم المتحدة تابعة لأمريكا وطعنوا في القرار.

إذَنْ، لماذا أقدمت أمريكا على إسقاط حكم البعث؟
السبب واضح، وهو أن صدام هو الذي جعل القضية العراقية قضية دولية، بشنه الحرب على إيران وغزوه للكويت وبرناوجه النووي، وادعائه الزائف بحرق إسرائي. لذا، فحتى بعدم العثور على أسلحة الدمار الشامل، إلا إنه هو الذي أشاع هذه الفكرة، وبالتأكيد كان يعمل على امتلاكها، وهذا خط أحمر لا يسمح به لأية دولة مارقة في المنطقة. وفي هذا الخصوص ذكر صموئيل هانتنغتون، أنه لو أجَّل صدام حسين احتلال الكويت لثلاث سنوات لما استطاعت أمريكا إخراجه منها، لأنه كان سيمتلك السلاح النووي في نهاية هذه المدة، وعندئذ لم يكن بمقدور أمريكا مواجهة محتل يمتلك السلاح النووي، ولأقدم صدام على احتلال كل الدول الخليجية بما فيها السعودية، وهيمن على كل نفط الخليج، وهذا ما يعرفه جيداً واضعو إستراتيجية الدول الغربية، ويعتبرونه كابوساً لم ولا ولن يسمحوا له أن يحصل. كذلك لا ننسى دور عملية 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في تغيير موقف أمريكا من الأنظمة المستبدة المارقة، مثل حكومة طالبان وصدام والقذافي وغيرهم، والمنظمات الإرهابية التي كانت تدعمها وترعاها إبان الحرب الباردة، فصارت هذه الدول والمنظمات تهدد أمن أمريكا نفسها، حيث انقلب السحر على الساحر، وفي هذه الحالة، فالشعوب المضطهدة من قبل هذه الأنظمة المستبدة، هي المستفيدة من هذا التحول، وهذا هو حكم التاريخ العادل، أو ما يسمى بمكر التاريخ.

ما هو ثمن الخلاص من حكم الطغيان؟
لا شك أن ثمن إسقاط حكم البعث كان باهظاً، ومازال الشعب الشعب العراقي يدفع، وفي هذا الخصوص يسأل توني بلير في مذكراته: "هل كان من الأفضل ترك صدام يحكم العراق ويضطهد شعبه، ويشكل خطراً على شعوب المنطقة؟" فيجيب: "كنا نعرف أن إزالة حكم صدام لها عواقب، ولكن عواقب عدم إزالته أوخم وأسوأ."

وقد ذكرنا سابقاً عن عواقب عدم إسقاطه، فلو بقي حكم البعث عشر سنوات أخرى لهلك هذا الشعب وأغلب الاحتمال لفرغ العراق من سكانه عن طريق الإبادة، والحصار والهجرة. وبذلك فخسائر عدم إسقاطه فاقت خسائر إسقاطه. كما وتؤكد الحقائق أن أكثر من 95% من الضحايا العراقيين تم قتلهم على أيدي الإرهابيين البعثيين وحلفائهم من أتباع القاعدة الوافدين من السعودية وغيرها من البلدان العربية.
 
وفي المحصلة النهائية، لو قارنا الأعداد الهائلة من القتلى، والمصابين والمعوقين والأرامل والأيتام في العراق، التي حصلت في عهد حكم البعث، نراها تفوق عشرات المرات مما حصل بعد إسقاطه، خاصة وأن البعث كان قد خطط في سبيل بقائه في السلطة حتى ولو كلف العراق الدمار الشامل. فالبعث قد مارس إرهاب الدولة يوم كان في الحكم، ويمارسه الآن وهو خارج الحكم وبأسماء منظمات إسلامية وهمية، ومنظمة القاعدة الإرهابية، علماً بأن أتباع القاعدة هم تحت سيطرة وقيادة فلول البعث.

قد يعترض القارئ الكريم، فيقول: أنت لا تهتم بما يدفعه الشعب في الداخل من تضحيات، لأنك تعيش في الخارج، وهل توافق أن تكون من بين الضحايا؟ جوابي هو كالتالي: إن فلسفتي في الحياة أن أعيش حراً، وأني أؤمن إيماناً عميقاً بأن حياة الذل والعبودية لا تستحق أن تعاش، فالعبرة ليست في بقاء الإنسان حياً لأطول فترة، بل لنوعية الحياة التي يعيشها. ولذلك أقسم بكل مقدساتي، أنه لو كنت مخيراً بين العيش تحت حكم البعث الصدامي عبداً ذليلاً، أو الموت، لفضلت الموت، سواءً عن طريق الانفجارات أو غيرها. ومن المؤكد، أني لو لم أخرج من العراق عام 1979، لكنت واحداً من الذين قتلهم حكم البعث.

كان الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانت Kant قد رحب بالثورة الفرنسية عام 1789م، وحينما نقلوا له صور الرعب والرؤوس المتطايرة على المقصلة، أجابهم قائلاً: "إن كل هذه الفظاعات لا تقترب بشيء من استمرار حكم الطغيان؟". علماً بأن الملك لويس السادس عشر كان أقل ظلماً من جميع أسلافه من ملوك فرنسا، وجميع ملوك أوربا في زمانه، ويعتبر ملاكاً مقارنة بصدام حسين.

نعم، كل ما يواجهه الشعب العراقي من فظاعات على أيدي الإرهابيين، هو ثمن كان عليه أن يدفعه ليتخلص من حكم الطغيان البعثي الصدامي، وكان يدفعه في جميع الأحوال حتى في عدم إسقاطه وربما بأرقام مضاعفة، وعدم إسقاطه كان مجرد ترحيل السقوط إلى جيل آخر ليدفع الثمن أكثر، ولو سقط نظامه على أيدي الشعب العراقي لصار العراق نسخة من الصومال. لذلك فإسقاطه على يد أمريكا كان في صالح الشعب العراقي، ويستحق التضحيات، فالشعب الآن عرف طعم الحرية ولن يتخلى عنها، ومستعد لبذل المزيد في سبيلها، إذ كما قال الشاعر التونسي الخالد، أبو القاسم الشابي:
ومن يتهيب صعود الجبال... يعش أبد الدهر بين الحفر

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالموضوع
1-  أمير طاهري: العراق ليس طريقا مفروشا بالورود.. لكنه في طريقه نحو الأحسن
http://aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=12533&article=721778&feature=

2-  Saddam hid his WMD in Syria
* http://www.rawstory.com/rs/2013/03/22/fox-news-analyst-very-high-probability-iraq-hid-wmds-in-syria/

3- عبدالخالق حسين: في الذكرى العاشرة لتحرير العراق من الفاشية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=574


378
في الذكرى العاشرة لتحرير العراق من الفاشية

د.عبدالخالق حسين

تمر هذه الأيام الذكرى العاشرة على تحرير الشعب العراقي من الفاشية البعثية، على أيدي قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، نفس القوات التي حررت أوربا في الحرب العالمية الثانية من النازية الألمانية، والفاشية الإيطالية، وحررت اليابان من العسكرتارية. ولكن المشكلة أن عملية تحرير العراق كانت وما زالت مثيرة للجدل، وحتى يستكثر علينا البعض استخدام كلمة (التحرير)، إذ يفضلون عليها كلمة "الاحتلال"، أو "الغزو" مع كلمات الإدانة مثل "الغاشم"...الخ. والمؤسف أن هذه الإدانة تأتي حتى من قبل بعض ضحايا النظام البعثي، ومن عناصر خيرة من بعض المثقفين في العالم، وبالأخص من اليساريين. وسبب هذا الاختلاف هو أن الناس ينسون بسرعة معاناتهم على يد النظام الساقط وينشغلون بهمومهم الحاضرة. وهذا الجدل مستمر لحد الآن.

وعذرهم في استخدام كلمة "احتلال"، أن أمريكا نفسها تستخدم هذا التعبير، ويتهموننا بأننا ملكيون أكثر من الملك!! نسي هؤلاء أن سبب استخدام أمريكا لكلمة (الاحتلال) هو لأسباب قانونية دولية كي تحصل على تخويل قانوني من الأمم المتحدة لحماية العراق خلال الفترة الانتقالية إلى أن يتم تسليم الحكم إلى أهله. وهذا ما حصل بعد عام ونصف العام من إسقاط حكم البعث. لذا فبالنسبة لي كعراقي، فالعراق كان محتلاً احتلالاً داخلياً من قبل عصابة البعث المافيوية لخمس وثلاثين سنة، وكان أبشع احتلال. 

على كل حال، هناك أسباب كثيرة لاستمرار الجدل حول تقييم تحرير العراق من البعث الفاشي، وهي كالتالي:
1- تم التحرير بقيادة الدولة العظمى، أمريكا وبريطانيا، وهناك اسباب تاريخية لعداء مزمن من القوى السياسية المؤدلجة في العراق، اليسارية، والقومية، والإسلامية ضد أمريكا والغرب عموماً، فمن الشعارات التي رفعها الحزب الشيوعي العراقي قبل التحرير مثلاً، شعار: (لا للحرب ..لا للدكتاتورية). والكل يعرف أن الشعب العراقي حاول مراراً تحرير نفسه بقواه الذاتية، ولكن النتيجة كانت حرب الإبادة ومئات الألوف من القتلى ونحو 500 مقبرة جماعية تم اكتشافها لحد الآن.

2- أدَّعوا أن هدف أمريكا من احتلال العراق هو نهب ثرواته النفطية واستعباد شعبه وقتله، "وليس لسواد عيون العراقيين...!" ونحن نعرف أن أمريكا لم تنهب النفط، بل تشتريه بالعملة الصعبة، وارتفع سعر النفط إلى أضعاف سعره عما كان عليه قبل التحرير. كذلك دفعت أمريكا نحو 60 مليار دولار لإعمار العراق، إضافة إلى ما دفعته من تكاليف الحرب، البشرية والمالية. كذلك ساعدت أمريكا على إطفاء 90% من ديون العراق. فهل هذا احتلال استعماري كما يدعي أعداء العراق الجديد؟ 

3- شن أعداء تحرير العراق من فلول البعث وحلفائهم أتباع القاعدة، حرب الإرهاب وإثارة الفتنة  الطائفية، بدعم من الحكومات الخليجية ومؤسساتها الإعلامية مثل قناة الجزيرة وغيرها، المعادية للديمقراطية في العراق الجديد لأسباب طائفية وسياسية واقتصادية، حاولت إفشالها بمختلف الوسائل.

4- بأوامر من حكوماتهم، أصدر رجال الدين السعوديون وغيرهم من أمثال القرضاوي، فتاوى لقتل العراقيين الشيعة ووصفوهم بـ"الروافض" و"الشيعة الصفوية، و"عملاء الفرس المجوس"، وقاموا بتدمير البنى الاقتصادية والركائز التحية بذريعة محاربة الاحتلال، وباسم "المقاومة الوطنية الشريفة". بينما الحقيقة تؤكد أن أعمالهم تلك كانت ومازالت حرباً طائفية وعنصرية بدليل أنه حتى بعد رحيل القوات الدولية نهاية عام 2011، استمرت حرب الإبادة ضد الشيعة، وهذه المرة  بحجة مقاومة "الاحتلال الصفوي". وكذلك الشعارات والشتائم الطائفية البذيئة التي رفعها البعثيون والقاعدة في التظاهرات الأخيرة في المناطق الغربية. والمخزي والمخجل، أن هذه التظاهرات الطائفية وما رفع فيها من شعارات ومطالبات مخالفة للدستور، نالت مباركة اليساريين العراقيين الذين أدعوا أنها مطالب مشروعة، رغم أن من بينها مطالب مثل: إسقاط الدولة العراقية وإلغاء الدستور، وإطلاق سراح جميع المتهمين بالإرهاب بدون تحقيق، وإلغاء قانون العدالة والمساءلة، بل وحتى المطالبة بمنع الشيعة من ممارسة طقوسهم المذهبية بحجة أنها شعائر طائفية ضد أهل السنة!!. فهل هذه المطالب مشروعة؟
 
5- مبالغة الإعلام العربي بحجم القتلى العراقيين إلى مليون ونصف المليون، والادعاء أن القتل حصل على أيدي القوات الأمريكية وحلفائهم "الصفويين"، وأن ومعظم الضحايا هم من العرب السنة حسب ادعائاتهم. بينما الحقيقة تؤكد أن حرب الإبادة حصلت ضد الشيعة، وعلى أيدي فلول البعث الطائفيين، وحلفائهم الإرهابيين من القاعدة، المدعومة من الحكومات الخليجية وخاصة السعودية وقطر، وكذلك تركيا منذ انسحاب القوات الأمريكية نهاية عام 2011.

6- لقد اثبتت الاحصائيات التي قامت بها جهات دولية محايدة مثل منظمة (Body count)، أن عدد القتلى بلغ حدود 100 ألف خلال العشر سنوات الماضية. وبالتأكيد هذا الرقم يشكل فاجعة كبيرة على الشعب العراقي، فقتل كل نفس بريئة من بنات وأبناء شعبنا كارثة إنسانية رهيبة، ولكن أين هذا الرقم من مليون ونصف المليون ضحية؟ إن الغرض من تضخيم أرقام الضحايا ليس تألماً على شعبنا أو دفاعاً عنه، بل للتحريض ضده، واعتبار معظم الضحايا من السنة، قتلوا على أيدي القوات الأمريكية والشيعة "الفرس المجوس"، للشحن الطائفي، وإثارة غضب العرب والمسلمين وتحريضهم لرفد الإرهاب في العراق... وحققوا النجاح في ذلك.

7- منذ سقوط البعث الفاشي، ادعوا أن الشيعة همشوا السنة في المشاركة في الحكم. والحقيقة أن السنة هم همشوا أنفسهم في أول الأمر، حيث قاطعوا العملية السياسية، ورفضوا المشاركة في السلطة والانتخابات على أمل إسقاط النظام الجديد وإعادة التاريخ إلى ما قبل 2003... وأخيراً انتبه العقلاء من أهل السنة، فشاركوا في العملية السياسة، ولكن اندس البعثيون في صفوفهم لغرض إسقاط العملية السياسية من الداخل باستخدام الورقة الطائفية. فرغم مشاركتهم في السلطة، ووفق ما افرزته صناديق الانتخابات، إلا إنهم شاركوا في الحكومة من أجل شلها وتفجيرها من الداخل كحصن طروادة، وفي نفس الوقت مارسوا الإرهاب. وجرائم طارق الهاشمي ورافع العيساوي ومحمد الدايني وأسعد الهاشمي باتت معروفة للجميع... فمعظم العمليات الارهابية التي جرت وتجري في المناطق الشيعية تدار من قبل المشاركين في السلطة، تنفذ من قبل حماياتهم وأتباعهم من الإرهابيين.

8- شن أعداء الديمقراطية من البعثيين وحلفائهم حملة ضارية لتشويه صورة الديمقراطية وشيطنتها، وإيعاز جميع الشرور والجرائم التي ارتكبوها مع القاعدة ضد الشعب إلى الديمقراطية، والمحاصصة، والحكومة أو بالأحرى إلى رئيسها، والإدعاء أن الإرهاب والفساد والنهب نتاج هذه الديمقراطية التي جلبتها "أمريكيا سيئة الصيت!".   
في الحقيقة كل فقرة أعلاه تستحق أن تكون مقالاً مستقلاً، وقد مررنا على الكثير منها في مقالات سابقة.

من جرائم البعث
لقد توفرت لحزب البعث، خلال 35 سنة من حكمه، أفضل الفرص والظروف السياسة والاقتصادية والدولية ليطور العراق ويخرجه من دولة متخلفة إلى مستوى الدول المتقدمة في العالم الأول، ولكن بدلاً من ذلك، بدد البعث الثروات الهائلة على عسكرة المجتمع، وسباق التسلح، والحروب العبثية والخراب الشامل، وارتكب قائمة طويلة من الجرائم التي لا تعد ولا تحصى بحق الشعب العراقي وشعوب المنطقة وخاصة الشعبين الإيراني والكويتي.
لقد جلب حكم البعث على العراق خلال 35 سنة من حكمه الجائر، وباختصار شديد الكوارث التالية:
أولاً، قبل اغتصاب البعث للسلطة عام 1968 كان الدينار العراقي يعادل 3.5 دولار أمريكي، بدأ سعر الدينار بالهبوط منذ استلام صدام رئاسة الدولة إلى أن بلغ في الأيام الأخيرة من حكمه مستوى الصفر حيث صار سعر الدولار يعادل 3500 دينار، أي صارت القوة الشرائية للدينار العراقي دون سعر الورق الذي يطبع عليه، أي إفلاس تام وانهيار كامل لاقتصاد بلد عائم على بحر من النفط. فهل هناك فساد وفشل أسوأ من ذلك؟
ثانياً، لقد بلغت واردات النفط أرقاماً عالية غير مسبوقة في عهد حكم البعث، فقبل أن يسيطر صدام على رئاسة الجمهورية عام 1979، بلغ رصيد العراق من احتياطي العملة الصعبة والذهب نحو 45 مليار دولار، ولكن نتيجة لسياساته الطائشة، عند سقوط حكمه بلغت الديون نحو 120 مليار دولار، إضافة إلى مئات المليارات من تعويضات الحروب، يعني دولة مفلسة.
ثالثاً، بلغ عدد قتلى العراقيين خلال حكم البعث نحو مليونين، إضافة إلى الهجرة القسرية والطوعية التي بلغت نحو 5 ملايين.
رابعاً،، حقق حكم البعث قفزة كبرى إلى الوراء، حيث أعاد المجتمع العراقي إلى عهد العشيرة والقبلية والطائفية، وتفتيت النسيج الاجتماعي، والتجهيل المتعمد، وما حصل من ردة حضارية، وانهيار فكري وأخلاقي، وتدمير روح المواطنة والولاء للعراق...الخ الذي يدفع الشعب ثمنه الآن.

خامساً، كل ما ألحق بالعراق من خراب ودمار وأضرار وجرائم، منذ 8 شباط 1963 وإلى الآن، يتحمل مسؤوليته البعث الفاشي.

لقد أثبت البعثيون خلال 35 سنة من حكمهم الجائر وهم في السلطة، وعشر سنوات من إرهابهم وهم خارج السلطة، أن البعث ليس حزباً سياسياً، بل عبارة عن مافيا إجرامية مسلحة أدعت بعض المبادئ السياسية، وتقمصت السياسة، وبغفلة من الزمن، وبمساعدة ظروف دولية شاذة، استطاعت أن تغتصب السلطة بانقلاب عسكري، وتحكم الشعب العراقي بالنار والحديد، وتنهب ثرواته وقتل شعبه وتشريد الملايين من أبنائه. لذلك فنحن لا نتجاوز على الحقيقة إذا قلنا أن حكم البعث كان أبشع أنواع الاحتلال، وعليه، كان واجباً أخلاقياً على المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى تحرير الشعب العراقي من أبشع احتلال فاشي جائر عرفه التاريخ.

بالله عليكم، إن حزباً هذا تاريخه البشع، وألحق بالشعب العراقي وشعوب المنطقة الخراب والدمار الشامل، هل يستحق العطف والدفاع عنه والمطالبة بعودته أو حتى مشاركته في السلطة؟ غني عن القول إن من يدافع عن هكذا نظام جائر هو إما مازوخي (Masochistic) يستلذ بالتعذيب والعبودية والإهانة، أو هو واحد من المافيا البعثية. وفي جميع الأحوال نحن ضد هؤلاء، ولا بد من العمل لتوفير الظروف الطبيعية لشعبنا ليبدأ حياة طبيعية كريمة أسوة بالشعوب المتحضرة.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

379
قراءة في كتاب: إغلاق عقل المسلم

د.عبدالخالق حسين

لم يكن اهتمام الغرب بالإسلام جديداً، إذ سمعنا كثيراً عن المستشرقين ومؤلفاتهم في هذا الخصوص، إلا إن ذلك كان محصوراً في نخبة ضيقة من الاختصاصيين والأكاديميين. ولكن في أعقاب جريمة 11 سبتمبر 2001، حصل اهتمام واسع النطاق في الغرب للتعرف على الإسلام كدين وفهمه، ليس من قبل الانتلجنسيا فحسب، بل وحتى من قبل العوام، وذلك لمعرفة الأسباب التي دفعت 19 شاباً عربياً مسلماً، من حملة شهادات عالية من جامعات غربية، ومن عائلات ميسورة، إلى ارتكاب هذه الجريمة الشنيعة، يضحون بأنفسهم ويقتلون نحو ثلاثة آلاف من الأبرياء. فالإنسان السليم لا يستطيع فهم هذه الظاهرة بسهولة، ناهيك عن الإنسان الغربي الذي يعتبر حياة الإنسان قيمة مطلقة.

لذلك خصصتْ الحكومات الغربية، وجامعاتها ومراكز البحوث فيها، قسطاً وافراً من طاقات منتسبيها وأموالها لدراسة هذه الظاهرة، لغايات عديدة منها:
أولاً، لحماية شعوبهم والحضارة البشرية من شرور الإرهاب الذي يرتكب باسم الله والإسلام،
ثانياً، لمعرفة الإسلام نفسه كدين، ولماذا وصل به الأمر إلى هذه الأزمة... وأين يكمن الخطأ؟
ثالثاً، لماذا يدعو الإسلام المسلمين إلى احتقار الحياة وتمجيد الموت، والتضحية بالنفس وقتل الآخر لمجرد أنه يختلف عنهم في الدين والمذهب؟

ولفهم هذه الظاهرة، صدرت مئات الكتب والبحوث، وآلاف الدراسات والمقالات، ومنها كتاب قيم نحن بصدده في هذه القراءة، صدر في عام 2011، بعنوان: (إغلاق عقل المسلم) وعنوان ثانوي: (كيف خلق الانتحار الثقافي أزمة الإسلام الحديثة)، للباحث والأكاديمي الأمريكي، الدكتور روبرت رايلي (Robert R. Reilly).

من حسن الصدف أني التقيت بالمؤلف في مؤتمر روما لإصلاح الإسلام في نهاية العام الماضي، ومن خلال محادثاتي معه، و قراءتي لكتابه فيما بعد، عرفته ذا إطلاع واسع في تاريخ الإسلام، مع فهم عميق للعقل العربي والإسلامي بصورة خاصة. لذلك، رأيت من المفيد تقديم عرض لهذا الكتاب القيم، لفائدة كل من له اهتمام بالمشكلة التي تعرض لها المسلمون والعالم من الإرهاب.

يرى المؤلف أن سبب الإرهاب الإسلامي اليوم لم يكن جديداً، وليس لأسباب اجتماعية مثل الفقر...الخ، وإنما لخلل أصاب عقل المسلم كنتيجة لسلسلة من التطورات حصلت في الفكر الإسلامي، بدأت في القرن التاسع الميلادي، وقد وصل إلى ما هو عليه اليوم كنتيجة حتمية لهذه العقلية. لذا فيتتبع المؤلف جذور المشكلة من خلال انعطافات تاريخية منذ بداية ظهور الإسلام، مع التركيز على التطورات الفكرية في العصر العباسي.

يقول المؤلف في المقدمة، أنه يبحث في واحدة من أعظم الدراما في التاريخ البشري، مسرحها عقل المسلم، وكيف تعامل السلف من فقهاء الإسلام مع العقل، خاصة بعد تعرضه للفكر اليوناني في عهد الخليفة العباسي، المأمون، العملية التي يسميها بـ(Helenization of Islam)، أي تلقيح الثقافة الإسلامية بالفلسفات اليونانية (الهيلينية) القديمة، وبالأخص فلسفة أرسطو، كما حصل للمسيحية في أوربا.
فيقارن المؤلف بين الحضارتين، الغربية والإسلامية، ويؤكد الفكرة السائدة أن الحضارة الغربية نشأت من أربعة مصادر: الديانة المسيحية، والديانة اليهودية، والفلسفة اليونانية والقانون الروماني. هذه الحضارة ازدهرت ثم تفسخت في القرون الوسطى، لتنهض من جديد في عصر النهضة والأنوار إلى أن بلغت هذا المستوى المتفوق اليوم من التقدم العلمي والتقني والفني والفلسفي، وحقوق الإنسان، والحرية والديمقراطية...الخ. ويرى أن ما كان لهذا التقدم أن يحصل لولا اهتمام فلاسفة الغرب بالعقل والعقلانية.

أما الإسلام الذي بدأ في القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربية، ورغم أنه حقق نهضة سريعة، فخلال ثلاثة قرون انتشرت الحضارة الإسلامية في شمال افريقيا، والشرق الأوسط، ومناطق نائية في وسط وشرقي آسيا، وحتى غربي أوربا، وأسست المدن والمعاهد العلمية والمكتبات، ثم انهارت هذه الحضارة في القرن الثاني عشر الميلادي وغاص العالم الإسلامي في ظلام دامس، ولم تنهض كما نهضت الحضارة الأوربية.

لذا يسأل المؤلف: لماذا لم تحصل النهضة في العالم الإسلامي بعد كبوته على غرار ما حصل للغرب؟

يركز المؤلف على ما حصل للفكر الإسلامي من تطور في العهد العباسي، وبالأخص في فترة الخليفة المأمون، حيث صعدت حركة المعتزلة الفكرية العقلانية، وهي امتداد لحركة القدرية (من القدرة والإرادة الحرة في أخذ القرار). فالمعتزلة هم دعاة منح الأولوية للعقل على النقل، وفلسفتهم تتركز على أن الإنسان مخيَّر ويتمتع بالإرادة الحرة، لأنه يمتلك العقل الذي بواسطته يستطيع التمييز بين الخير والشر، والعدالة والظلم، لذالك فهو مسؤول عن نتائج أعماله وفق الآية: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يرى ومن يعمل مثقال ذرة شر يرى)، وبدون هذه الإرادة الحرة في الاختيار، فالإنسان غير مسؤول عن أعماله، ولذلك ليس من العدالة معاقبته إذا ارتكب جرماً. وهذه المدرسة هي على خلاف المدرسة الفكرية الأخرى التي تسمى بـ(الجبرية) التي تقول أن الإنسان مسيَّر، ولا إرادة له في أخذ قراراته وصنع أعماله، لأن كل ما يعمله ويتعرض له هو مكتوب عليه من الله منذ الأزل وقبل ولادته. والجدير بالذكر، أن خلفاء بني أمية شجعوا هذه المدرسة الفكرية لتبرير ظلمهم، بأنهم إذا كانوا ظالمين فإن الله هو الذي سلطهم على رقاب المسلمين، فالظلم ليس ذنبهم، بل بإرادة الله!.
 
والخليفة عبدالله المأمون نفسه كان معتزلياً عقلانياً، محباً للفلسفة ومن أنصار العقل، حيث ازدهرت الثقافة والحركة الفكرية في عصره، فأسس بيت الحكمة في بغداد، وشجع ترجمة الكتب من مختلف الثقافات، الهندية، والفارسية واليونانية.
ويقال أن سبب تحول المأمون إلى المعتزلة والعقل ضد النقل، أنه رأى أرسطو في المنام، فنصحه بأن العقل هو أهم مصدر لمعرفة الحقيقة، فالفرق بين الإنسان والحيوان هو العقل. لذا أيد المعتزلة ودعم حركتهم، وأسند لهم المناصب وخاصة في القضاء. والمعتزلة روجوا لفرضية (خلق القرآن) التي آمن بها المأمون بقوة، حيث فرضها كعقيدة رسمية للدولة، إلى حد أن راح المعتزلة يمتحنون الناس، وكل من لا يقر بهذه الفرضية كان يتعرض للعقاب. لذلك سمي ذلك العهد بعهد المحنة، (من الامتحان). ومفاد هذه النظرية أن الله خلق القرآن وأنزله على محمد بلسان عربي مبين. ولكن يرى خصومهم أن القرآن كان موجوداً منذ الأزل مع وجود الله. ويستند المعتزلة في دعم رأيهم إلى الآية: (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)، ويفسرون كلمة (جعل) بأنها تعني (خلق)، ولا فرق بينهما في المعنى. وقد يبدو هذا الجدال سفسطائياً، إلا إنه أثار فتنة واسعة في وقته. والجدير بالذكر أن الشيعة يعتقدون بخلق القرآن، فالمعتزلة ليسوا من مذهب واحد، بل يوجد بينهم من السنة والشيعة.

ومن أبرز الذين عارضوا فرضية خلق القرآن، هو الإمام أحمد بن حنبل، مؤسس المذهب الحنبلي، فتعرض من جراء ذلك إلى السجن والتعذيب، وصمد بشجاعة، مما كسب إعجاب الناس، ونال شعبية واسعة بين أهل بغداد. وتميز الحنابلة (أتباع مذهب ابن حنبل) عن غيرهم من أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، بميلهم إلى استخدام العنف ضد من يختلف معهم. وفي عصرنا الحاضر، الوهابية هي امتداد للمذهب الحنبلي، لذلك لا غرابة في تبنيهم للعنف بما فيه الإرهاب.

اعتمد المعتزلة على العقل في تفسير النصوص الدينية (الكتاب والسنة- أي الأحاديث النبوية)، بدلاً من الاعتماد على ما نقل إليهم من السلف. ومن هنا بدأ الصراع بين المعتزلة (العقلانيين)، وأهل السنة الذين يعتمدون على ما نقل إليهم من السلف في التفسير الحرفي للنصوص الدينية بغض النظر عن تعارض المنقول مع العقل، ويأخذون بكل ما نقل إليهم من أحاديث نسبت إلى النبي محمد، وأغلبها في رأي بعض الفقهاء مشكوك بصحتها، وبالأخص الإمام أبو حنفية (مؤسس المذهب الحنفي) الذي لم يأخذ من الأحاديث النبوية سوى 17 حديثاً فقط، ورفض الباقي. وكان المعتزلة يسمون أنفسهم بأهل (العدل والتوحيد)، كما أطلق اسم (أهل السنة) على المحدثين، أي الذين يعتمدون على ما نقل إليهم من الأحاديث النبوية.

تصاعد الصراع، وأخذ منحىً جديداً بين المعتزلة وأهل الحديث (السنة) عندما انشق أحد المعتزلة، أبو الحسن الأشعري (260هـ- 324هـ) في القرن التاسع الميلادي، وهو المنظِّر الأول لمواقف أهل السنة، ومؤسس المذهب المعروف باسمه (الأشعرية)، بعد أن انشق عن المعتزلة إثر خلاف بينه وبين شيخه، أبو الهٌذَيل العلاف. وكما اعتنق المأمون العقلانية بعد أن رأى أرسطو في المنام، كذلك الأشعري غيَّر موقفه من المعتزلة بعد أن رأى النبي في المنام ثلاث مرات، معاتباً إياه في المرتين الأولى والثانية على تخليه عن أحاديثه، وأمره بالدفاع عن سنته، ولما عمل الأشعري بما أمره النبي، جاءه في المرة الثالثة وطالبه بالدفاع عن أحاديثه مع الالتزام بالعقلانية. لذلك أقام الأشعري مذهبا وسطا جمع بين منهج المعتزلة في العقلانية والفكر السني المعتمد على الرواية والحديث مع معاداة المعتزلة كمذهب.

بلغ الصراع أشده في عهد المتوكل، حيث اضطهد المعتزلة وطاردهم، وقتل عدداً منهم، وفر من نجى، ليختفوا في المناطق النائية من الدولة العباسية، وذاب كثير منهم في المذهب الشيعي. كما و أحرقوا مؤلفاتهم، ولم يبقَ منها سوى تلك النتف القليلة التي اقتبسها خصومهم لتفنيد آرائهم. وعلى سبيل المثال، كان الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر البصري (159هـ-255هـ) معتزلياً، وقد ألف خلال عمره المديد نحو مائة كتاب، أكثرها في الفقه الإسلامي وفق منظور المعتزلة، إلا إنهم أحرقوا معظم كتبه ولم يتركوا منها إلا تلك الكتب التي لم تتعرض للدين، مثل كتاب الحيوان، والبخلاء، والبيان والتبيين وغيره.

وكانت تلك الحملة ضد المعتزلة هي ردة في تاريخ الفكر العربي- الإسلامي، وبداية اغلاق عقل المسلم، والانحطاط الحضاري والفكري، وضعف الدولة العباسية، وتمهيداً لسقوطها الأبدي بركلة من هولاكو عام 1258م. ولم يتعافى العقل العربي من هذا الانحطاط لحد الآن، وما بن لادن ومنظمته الإرهابية (القاعدة) إلا ثمرة سامة من ثمار هذا الانحطاط الذي بدأ قبل 11 قرناً على يد الأشعري فكرياً، والمتوكل سياسياً.

وفي القرن الثاني عشر جاء الإمام أبو حامد الغزالي (1058م-1111م)، فشن حرباً شعواء على الفلسفة والعقل والعقلانية، فألف كتاباً بعنوان: (تهافت الفلاسفة) لهذا الغرض. والجدير بالذكر أن الغزالي نفسه كان فيلسوفاً، واسع الاطلاع على علوم زمانه، فقد قرأ كتب الفلسفة إلى جانب ثقافته الواسعة بالمعارف الإسلامية، إلى حد أن يعتبره البعض أعظم مثقف في الإسلام، لذلك لقبوه بحجة الإسلام. ولكن حصلت له أزمة نفسية عندما بدأ يشك في الدين والوحي نتيجة لقراءته كتب الفلسفة والمنطق، ثم صار صوفياً واعتزل العالم في دمشق. وكان يتمتع بمكانة متميزة بين رجال الدين وطلبة العلوم الإسلامية، لذلك كان لانقلابه على العقل تأثير مدمر على الفكر الإسلامي. ومنذ ذلك الوقت وضع الغزالي الختم على عقل المسلم. فالعقل بالنسبة للغزالي هو العدو الأول للإسلام، لذا رأى أن على المسلم الإستسلام الكلي إلى إرادة الله، أي كل ما جاء في الوحي من قرآن وسنة النبي، ومن السلف الصالح من تفسير للنصوص والشريعة بدون أي سؤال أو مناقشة.

تهجم الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة) على افلاطون وأرسطو وأتباعهما، وقال أن الفلسفة لا تنقذ الإنسان من الظلام والتناقض وإنما الوحي وحده ينقذه.
ثم جاء ابن تيمية (1263م-1328م)، وهو أحد كبار فقهاء أهل السنة من المذهب الحنبلي المتشدد، فأطلق مقولته: (كل من تمنطق فقد تزندق).

وبعد أقل من قرن من وفاة الغزالي، ظهر ابن رشد ( 1126م - 1198م) في الأندلس، وكان فيلسوفاً متنوراً، ترجم بعض أعمال أرسطو إلى العربية، إضافة إلى مؤلفاته الغزيرة، حاول أن يرد الاعتبار إلى الفلسفة والعقلانية، فرد على كتاب الغزالي (تهافت الفلاسفة) بكتاب (تهافت التهافت). إلا إن أغلبية المسلمين في ذلك الوقت كانوا قد اعتنقوا الأشعرية التي جعلت الإيمان أكثر قبولاً بدون عقل. فوقفت السلطة الحاكمة ضد ابن رشد وسجنته وجمعت مؤلفاته (نحو 108 كتاباً) في ساحة المدينة (قرطبة) وأشعلت فيها النيران. وهكذا انتصر الغزالي والأشعري على ابن رشد، وانتصر النقل على العقل.
 
وفي تلك الفترة (أوائل القرن الثاني عشر الميلادي) أغلق باب الاجتهاد لدى فقهاء الإسلام السني بدعوة من الغزالي، وقالوا أن السلف لم يتركوا شيئاً إلا ووضعوا له تفسيراً وحلاً، وأن أي تفسير جديد للشريعة غير مقبول، فما كان صحيحاً في القرن الثاني عشر هو صحيح في كل زمان ومكان. يعني بلغة اليوم، أنهم وصلوا إلى نهاية التاريخ، حسب تعبير فوكوياما! فالاجتهاد كان وسيلة تسمح للفقهاء إجراء بعض التعديلات حسب ما يتطلبه الوقت وما يفرزه من مستجدات، ولكن حتى هذا الهامش البسيط من الحرية تم إلغاءه.

وفي القرن الثامن عشر الميلادي ظهر في نجد محمد ابن عبدالوهاب (1703م - 1791م) فأسس الحركة الوهابية، دعا فيها إلى العودة إلى أصول الإسلام في عهد الصحابة والرسول، مبرراً استخدام العنف ضد المختلف. والجدير بالذكر أن الوهابية هي وراء الحركات الجهادية، ومنها منظمة (القاعدة) التي أسسها بن لادن في أواخر القرن العشرين، ومازالت تنشر الإرهاب في العالم.

وفي عام 1928 برز في مصر الشيخ حسن البنا، وأسس حزب الأخوان المسلمين. وفي منتصف القرن العشرين، ظهر سيد قطب، وهو منظر الحركات الجهادية وصاحب كتاب (معالم في الطريق) الذي أدان فيه الحضارة الغربية ودعا إلى الجهاد لقيام حكم إسلامي على غرار الخلافة الراشدية. طالب سيد قطب المسلمين أن ينفضوا عنهم تراكم العصور من التخلف، ويعودوا إلى عصر الصحابة ويسيطروا على العالم من جديد ويعيدوا عصر الخلافة. وكغيره من الإسلاميين المولعين بنظرية المؤامرة، أوعز سيد قطب سقوط الخلافة العثمانية إلى تآمر اليهود في اسطنبول. وكداعية للعنف الجهادي، نعت سيد قطب المسلمين غير المتدينين بالأعداء من الداخل الذين يجب التخلص منهم من أجل تحضير الجبهة الداخلية لمواجهة الغرب الكافر دون التلوث بالأيديولوجية الغربية.
وأخيراً ظهر الشيخ محمد قطب، وهو شقيق سيد قطب، وأستاذ بن لادن، وصاحب كتاب (جاهلية القرن العشرين) الذي اعتبر كل ما أنتجه الغرب من معارف وثقافات وفلسفات وعلوم وتكنولوجيا وحضارة وحداثة...الخ، منذ ما قبل سقراط وإلى الآن، هو جهل في جهل، وأن الثقافة الحقيقية هي الإيمان بالقرآن والسنة فقط. 

يستدرك المؤلف أن هذا لا يعني أن عقل كل مسلم منغلق، أو لا توجد مذاهب أخرى في الإسلام فيها انفتاح، وإنما يعني القطاع الأكبر من الإسلام السني الذين أغلقوا العقل وسدوا باب الاجتهاد، وحاربوا الفلسفة، ويستثني الشيعة لأنهم تركوا باب الاجتهاد مفتوحاً، وأشار إلى أن الإسلام الشيعي يحتاج إلى بحث مستقل.

وهنا أود توضيح مسألة لم يشر إليها المؤلف وهي، أن فقهاء الشيعة، رغم إبقائهم باب الاجتهاد مفتوحاً، إلا إنهم نادراً ما يستخدمونه بشكل فعال، أو يجرون أي تغيير يذكر وذلك خوفاً من العامة، لأن وارداتهم المالية تأتي من العوام، وليس من الحكومات كما في حالة رجال الدين السنة.

وبالعودة إلى السؤال الذي طرحه المؤلف: لماذا لم تحصل النهضة في العالم الإسلامي على غرار ما حصل في أوربا؟

يؤكد المؤلف على أن السبب هو تعطيل دور العقل في العالم الإسلامي. فالإنسان يتمتع بغريزة حب الاستطلاع، الفضول curiosity، وكسب المعرفة، واكتشاف أسرار الطبيعة، وإخضاع كل شيء للسؤال، وتوسيع مداركه بالمعارف، ولولا هذا الفضول عند الإنسان لما حصل هذا التقدم الحضاري والعلمي، والاكتشافات والاختراعات، ولبقي الإنسان بدائياً همجياً إلى الأبد. ولكن من الجانب الآخر، يرى الكاتب أن إعمال العقل في البحث والتنقيب والمناقشة والمحاجة، يؤدي بالتالي إلى زعزعة الإيمان الديني الموروث من الآباء.

وهنا يسأل المؤلف: هل من غرابة بعد كل هذا الجمود واغلاق العقل، أن تصدر فتاوى عجيبة وغريبة مثل فتوى إرضاع الكبير، وانتشار الإرهاب؟ كذلك أدمن المسلمون على نظرية المؤامرة، إذ اعتادوا على إلقاء اللوم في تخلفهم على الغرب، بينما يرى أن اللوم  يجب أن لا يقع على الغرب لنجاحه، بل على العالم الإسلامي لفشله. وهذا الفشل لم يكن نتيجة للإسلام كدين، وإنما نتيجة حتمية للانتحار الثقافي والعقلي الذي حصل قبل 11 قرناً.

كما يشخص المؤلف أن هناك مسلمون يعرفون العلة والعلاج، ولكنهم بلا جمهور، ولا أنظمة سياسية حاكمة ترغب في الإصغاء إليهم أو تحميهم. فهناك معركة حامية داخل الإسلام نفسه. وهذا الكتاب يعمل لفهم هذه المعركة ونتائجها. فيستشهد المؤلف بقول لباحث أكاديمي باكستاني وهو الأستاذ فضل الرحمن: "إن شعباً يحرم نفسه الفلسفة لا بد وأن يحرم نفسه من الأفكار الحديثة، أو بالأحرى يرتكب انتحاراً ثقافياً".

يقول المؤلف، هناك سبيلان لإغلاق العقل، الأول، هو إنكار قدرة العقل على إدراك الواقع والحقيقة. والثاني، إنكار وجود الواقع الذي يمكن إدراكه. ويسأل: هل بإمكان العقل إدراك  الحقيقة؟ وهل بإمكان معرفة الله عقلياً؟ ومن هنا حصل شرخ كبير بين العقل والحقيقة، أي بين العقل وبين الله. هذا الإنفصام ليس في القرآن، بل في الثيولوجيا الإسلامية المبكرة، والذي أدى إلى إغلاق عقل المسلم.

من الأشعري إلى بن لادن
ومن كل ما تقدم، يستنتج المؤلف، أن الإرهاب الإسلامي الذي نشهده اليوم هو نتاج إغلاق عقل المسلم الذي بدأ في القرن التاسع الميلادي على يد الأشعري. فالمشكلة فكرية كبيرة لأنها تشمل حرمان المسلمين من التطور والنمو العلمي، ونشوء أنظمة ديمقراطية ذاتياً. إن إغلاق العقل هو السبب الرئيسي لتخلف العرب، وانحدارهم إلى أسفل سلم التنمية البشرية وخاصة في العلوم، مستشهداُ  بتقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية في العالم العربي لعام 2002. ويرى أن هذا هو سبب عدم تصديق العرب لحد الآن بنزول الإنسان على سطح القمر مثلاً، أو كروية الأرض ودورانها حول محورها كل 24 ساعة، وحول الشمس كل 365 يوماً وربع اليوم، ويعتقدون أن الكوارث الطبيعية مثل إعصار كاترينا، هو انتقام من الله على البشر لمخالفتهم أوامره.

ويسأل الدكتور رايلي: هل الإرهاب الإسلامي هو نتاج الإسلام كدين، أم الإسلاموية، أي الإسلام السياسي؟ وهل الإسلاموية هي صورة مشوهة من الإسلام؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين أتى هذا التشويه؟ ولماذا الإسلام دون غير من الأديان معرض إلى هذا النوع من التشويه؟ ويحاول الإجابة على هذه التساؤلات  في القسم الأخير من الكتاب.   

المشكلة الأخرى عند العرب هي تحفظهم وريبتهم من كل شيء غير عربي. فلما بدأ الانفتاح على الثقافة الهيلينية في عهد المأمون، ونظراً لعدم معرفتهم بالعلوم، أطلقوا عليها تعبير: "العلوم الدخيلة". والمؤسف أنه لحد الآن يستخدمون هذا التعبير التسقيطي للحط من المعارف التي يتلقاه المسلم من بلدان غير مسلمة.

ونستنتج من كل ما تقدم، أنه لولا الأشعري وحربه على المعتزلة، والغزالي وحربه على الفلسفه والعقل، ولو استمر المعتزلة في نهج العقلانية، ولو انتصر ابن الرشد على الغزالي، لما انغلق عقل المسلم، ولما تم تعطيل العقل وشل الفكر، ولما ابتلى المسلمون بنظرية المؤامرة، وإلقاء كل كوارثهم وتخلفهم وفشلهم على الأجانب والمؤامرات الدولية... والصهيونية وغيرها، و لكان وضع المسلمين مختلف الآن. فعقل المسلم هو عقل اتكالي، لا يثق بنفسه، مما أدى إلى حالة الركود والجمود الدائمين.

وهكذا نجد أن هناك سلسلة من التحولات الفكرية التي بدأت في القرن التاسع الميلادي، وكل تحول أدى إلى تحول لاحق أشد ضرراً،(السبب والنتيجة)، أشبه بسلسلة التفاعلات النووية (chain reaction)، ابتداءً بالأشعري، ومروراً بالغزالي، وابن تيمية، ومحمد بن عبدالوهاب، وحسن البنا، وسيد قطب، وصولاً إلى بن لادن، مؤسس وزعيم منظمة (القاعدة) الإرهابية.

علاقة إغلاق العقل بالاستبداد
يرى المؤلف أن انتصار الغزالي على ابن رشد في إلغاء العقل والعقلانية أعطى الحكام ذريعة للاستبداد، والتمسك بأيديولوجية المكتوب من الله، أي(الجبرية). ولذلك عندما جاء كمال أتاتورك للسلطة في تركيا بعد انهيار الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، منع ترجمة كتب الغزالي إلى اللغة التركية.
ويسأل: لماذا لم تنشأ الديمقراطية في البلدان الإسلامية ذاتياً أي من الداخل؟ وهل تنجح اليوم؟ ويجيب أن إن السبب يكمن في تفوق سلطة القوة على سلطة العقل في الثقافة العربية- الإسلامية. وهذا يعني أن الأشعرية اليوم هي مذهب سائد، ولكن تأثيرها تضاعف في الوهابية التي هي أشد عداءً للعقل من الأشعرية. والجدير بالذكر أن محمد بن عبدالوهاب قال في أحد كتبه: "الفكر والكفر سيان لأنهما من نفس الحروف".
كما ويؤكد المؤلف أن منح الأولوية للعقل شرط أساسي للتقدم الحضاري ونجاح الديمقراطية، إذ لا ديمقراطية بدون عقلانية. وبدون العقل لا يمكن بناء مؤسسات علمية، ولا حكومة دستورية، ولا دولة مؤسسات. فإلغاء السبب المباشر وإيعاز كل شيء إلى إرادة الله، يلغي وظيفة العقل. وأولوية القوة على العقل في العالم الإسلامي السني له نفس العواقب الوخيمة. فبدون سبب ثانوي مباشر لا يمكن أن يحكم الإنسان نفسه ويفكر بحرية ومسؤولية، وبالتالي لا يستطيع أن ينمي قابلياته ويبدع، فالإبداع من البدعة، وفي الإسلام (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).

ما أخذه الإسلام السياسي من الغرب
رغم عداء الإسلام السياسي للغرب، إلا إنه كان انتقائياً في أخذ الكثير من تعاليم الشيوعية والفاشية رغم أنهما من نتاج  الحضارة الغربية، حيث أخذ منظرو الأيديولوجية الإسلاموية منهما الكثير من الأفكار دون الإشارة إليهما. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أخذ سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق) فكرة (حزب الطليعة – الأخوان المسلمون)، لقيادة المسلمين إلى الحكم الإسلامي، وهي فكرة لينينية في تأسيس حزب الطليعة، الشيوعي لقيادة جماهير البروليتاريا. وكذلك هناك أفكار أخرى أخذها الإسلام السياسي من الأيديولوجيات الغربية لا مجال لذكرها.

يطرح المؤلف سؤلاً مهماً وهو: لماذا لم يأخذ الإسلام السياسي من الغرب الديمقراطية بدلاً من بعض الأفكار من الأيديولوجيات الشمولية؟
ويجيب كما يلي:
أولاً، لأن هناك تشابه بين بعض الأفكار في الأيديولوجيات الشمولية الغربية والأشعرية في الإسلام، فعلى سبيل المثال يذكر المؤلف أن الأشاعرة حطوا من دور العقل، ومنحوا الأهمية للإرادة الخالصة لله، وهي نظرية مطابقة للنيتشوية (نسبة إلى الفيلسوف الألماني، فردريك نيتشة) التي تؤمن بالإرادة وأداتها القوة. والأداة السياسية المنفذة لهذه الإرادة هي الحزب النازي الألماني، إذ كما قال هانس فردريك بلانك، رئيس القسم الأدبي للفترة (1933-1935): "هذه الحكومة ولدت من خلال معارضتها للعقلانية".
وفي هذه الحالة إذا كانت الإرادة والقوة من أولويات الواقع، ففي خطوات متعاقبة يؤدي إلى النظام الشمولي (التوتاليتاري)، سواءً كانت الأيديولوجية دينية أو علمانية، فالغاية السياسية واحدة. فعندما تكون الإرادة الخالصة (وليس العقل) هي أساس الواقع، فستؤدي إلى طغيان حكم الاستبداد. وهكذا فالحركات الإسلامية قلدت الأيديولوجيات التوتاليتارية الغربية في هذا الخصوص، أي اتخذت الفاشية والشيوعية مثالاً لها للتقليد، فتبنوا مبدأ حزب الطليعة لقيادة الجماهير والاستبداد في الحكم.

كذلك هناك تشابه وتطابق في الأيديولوجيات الشمولية، الشيوعية والفاشية، مع الثقافات والتقاليد والأعراف الشرقيه. والأهم، أن هذه الأيديولوجيات تنسجم مع فكرة إلغاء العقل، وتبني مبدأ الإرادة والقوة، بينما الديمقراطية لا يمكن تحقيقها إلا بالعقلانية.

يقع الكتاب في 244 صفحة من الحجم المتوسط، جدير بالقراءة، حبذا لو تقوم دار نشر عربية بترجمته إلى اللغة العربية ونشره على أوسع نطاق، وحتى بالنسخة إلكترونية على الانترنت، لتعميم الفائدة.
The Closing of The Muslim Mind
How Intellectual Suicide Created the Modern Islamist Crisis
By Robert R. Reilly, Paperback edition, February 2011
Wilmington, Delaware
لمشاهدة صورة الغلاف يرجى الضغط على الرابط التالي
http://www.amazon.com/The-Closing-Muslim-Mind-ebook/dp/B003Y8XQLK/ref=sr_1_3?s=digital-text&ie=UTF8&qid=1362739414&sr=1-3

البريد الإلكتروني: abdulkhaliq.hussein@btinternet.com





380
نحو علاقة عراقية-أمريكية متكافئة
د.عبدالخالق حسين
توضيح
في أوائل شهر كانون الثاني من هذا العام، استلمت دعوة كريمة من (المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية)، لحضور مؤتمر بعنوان ((نحو بيئة اقليمية آمنة)) للفترة من 23 - 24  شباط فبراير-2013  فى بغداد. وقد أعد الأخوة منظمو المؤتمر قائمة من المحاور وتركوا لي الخيار في اختيار المحور الذي أود التطرق إليه. فاخترت محور (الـدور الأمريكي والأوروبي المستقبلي في المنطقـــــة وتأثيره في العلاقات البينية لدولها). ولكن مع الأسف الشديد، ولأسباب شخصية خارجة عن إرادتي، لم استطع حضور المؤتمر الموقر، وقبل الأخوة الأعزاء اعتذاري مشكورين. وعليه، أقدم مداخلتي هنا كمقال، متمنياً أن تصل الفكرة إلى من يهمهم الأمر.
*****************

علاقة العراق بالغرب معقدة جداً، بين مد وجزر، مرت بأزمات شديدة، شابتها مشاعر العداء في أكثر الأحيان، منذ الحرب العالمية الأولى وإلى الآن. وللعداء مع الغرب أسباب عديدة، منها التاريخ الاستعماري، وتحيز الغرب لإسرائيل في الصراع العربي- الإسرائيلي، وتفشي الأيديولوجيات الثلاث: الشيوعية، والقومية والإسلامية. فرغم العداء المستفحل بين هذه الأيديولوجيات التي ساهمت في تمزيق الولاء الوطني، إلا إنها متحدة في عدائها للغرب الرأسمالي الديمقراطي، وبالأخص ضد أمريكا التي في نظرهم تمثل الشر المطلق، وحتى صار العداء لأمريكا وحليفتها بريطانيا شرطاً للوطنية، والمطالبة بعلاقة جيدة معهما مرادفة للعمالة والخيانة الوطنية!.

ولكن، في السياسة لا توجد عداوات دائمة، ولا صداقات دائمة، بل هناك مصالح دائمة. فبعد المظالم التي لحقت بالشعب العراقي على يد نظام البعث الفاشي الجائر، وحروبه العبثية، الداخلية والخارجية، تأكد لنا، ولو بعد فوات الأوان والخراب الشامل والتشرد، أن الدول الغربية هي التي مدت يد العون للعراقيين المشردين، وآوتهم، ووفرت لهم الأمان والعيش بكرامة، وكانت أمريكا هي التي قادت التحالف الدولي لتحرير الشعب العراقي وخلاصه من ذلك النظام الفاشي.

وبغض النظر عن مقاصد أمريكا في تحرير العراق، إذ بات مؤكداً لدى الجميع أن الشعب العراقي ما كان بمستطاعه التخلص من هذا النظام بقواه الذاتية، وقد حاول مراراً انتهت محاولاته بقتل مئات الألوف ومئات المقابر الجماعية، وتشريد الملايين في الشتات، إذ كان حزب البعث أو العبث الصدامي مستعداً للقضاء على الشعب كله في سبيل البقاء في السلطة، لذلك أطلق صدام قوله المشهور: "من يحكم العراق من بعده يستلمه خرائب بلا بشر."

مازال البعض يبرر العداء لأمريكا بأن أمريكا هي التي أسست حزب البعث، وهي التي جاءت به إلى السلطة، وعملت كذا وكذا. وهذا صحيح، ولكن كان ذلك في زمن الحرب الباردة، والصراع العنيف بين المعسكرين، الشرقي، الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربي، الرأسمالي الديمقراطي بقيادة أمريكا. وصار العراق ضحية في هذا الصراع. ولكن تبدلت الأحوال، وانقلب السحر على الساحر، فوجدت أمريكا أن من مصلحتها التخلص من حكم البعث بعد أن بات يشكل خطراً على مصالحها في المنطقة. لذا فمن الحكمة أن نستفيد من أمريكا في حالة توافق مصالحها مع مصالح شعبنا، وهي القضاء على نظام البعث الفاشي الجائر حتى ولو بمساعدة أمريكا التي جاءت به من قبل، وإلا نبقى نعاني من الجور والجوع والضياع في الشتات إلى أجل غير معلوم، بذريعة أننا لا نريد الخلاص بدعم أمريكا. فالحكمة تفيد: إذا كان بيتي يحترق، لا تهمني هوية فريق الإطفاء، بل ومن الجنون أن أرفض هذا الفريق لأنه من أمريكا.

قالوا أن أمريكا عملتْ ذلك للهيمنة على نفط العراق، وليس لسواد عيون العراقيين!. وجوابنا هو: هل أمريكا تريد النفط بلا مقابل، أم تشتريه بسعر السوق الذي قفز عدة أضعاف بعد تحرير العراق، وليس لأمريكا أي دور في تحديده، بل يتحدد سعر برميل النفط وفق مبدأ السوق: (العرض والطلب"؟
 ثم ماذا يفعل العراق بنفطه إن لم يبعه على أمريكا وغيرها؟ فخلال 13 سنة من الحصار، عم العراق الخراب الشامل، وألوف العراقيين صاروا طعاماً للأسماك لأنهم فضلوا الفرار، ومخاطر البحار على البقاء ليموتوا جوعاً وذلاً وقهراً في عراق البعث.

أمريكا ساهمت مع الحلفاء في تحرير أوربا من النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية التي كلفت الشعوب الأوربية نحو 55 مليون ضحية، وعشرات المدن سويت بالأرض. فالحرية ليست بلا ثمن. وكذلك حررت أمريكا اليابان من الفاشية العسكرتارية، وقصفت أمريكا اليابان بالقنابل النووية، ومازالت قواعدها العسكرية متواجدة فيها، ومع ذلك هناك علاقة حميمة بين اليابان وأمريكا. ومن ثمار هذه العلاقة أن صارت اليابان من أغنى الدول في جميع المجالات. وكذلك حررت أمريكا كوريا الجنوبية، ولنقارن بين كوريا الجنوبية والشمالية، فأيهما أفضل؟

قد يعترض البعض أنه لا توجد في هذه الدول صراعات سنة وشيعة، ولا كرد وعرب..الخ. فإذاً، في هذه الحالة، الخطأ مما يجري في العراق سببه ليس أمريكا، بل الخطأ في الشعب نفسه الذي تمسك بالصراعات الطائفية والعرقية على حساب المصلحة الوطنية. فأمريكا حررت الشعب العراقي من جور البعث الفاشي وتركت له المجال ليختار حكامه بإرادته الحرة في نظام ديمقراطي حر. وهذا موضوع طويل تطرقنا إليه عشرات المرات. وإننا نعتقد أن هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها العراق من صراعات هي حتمية لا مناص منها، ولكن في نهاية المطاف لا بد وأن يعود السياسيون إلى وعيهم ورشدهم، وسيدركون أنه لا بد من التعايش معاً بسلام بعد أن يتمرنوا على الديمقراطية ويتعلموا قواعدها. فبعد عشرات السنين من دكتاتورية البعث، من المستحيل القفز إلى ديمقراطية ناضجة بين عشية وضحاها.

ولم تكتفِ أمريكا بتحرير العراق من الفاشية، بل وعملت على تخفيف ديونه البالغة نحو 120 مليار دولار، إضافة إلى مئات المليارات من تعويضات الحروب العبثية، والتي كبله بها نظام البعث والعبث. فشكل الرئيس جورج دبليو بوش وفداً برئاسة جيمس بيكر، وزير الخارجة الأسبق، الذي قام بجولة في عواصم البلدان الدائنة، ونجح في تخفيض الديون بنحو 90%، وهذا نصر عظيم للعراق بجهود أمريكا.
 
وعليه، أعتقد أن العراق بحاجة ماسة ومصيرية إلى علاقة متكافئة بعيدة المدى في إطار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة بين البلدين عام 2011، وتفعيلها والاستفادة منها إلى أقصى حد على أسس المصالح المشتركة بين دولتين ذات سيادة كاملة. فالعراق غارق بمشاكل متراكمة عبر قرون، وبالأخص ما ورثه من مخلفات البعث، وليس بإمكان حكومته حلها دون دعم خارجي ومهما بلغ المسؤولون من دهاء وخبرة وإخلاص.

بعض الأسباب الملحة لعلاقة حميمة مع أمريكا

أولاً، بعد عشرات السنين من سياسة البعث (فرق تسد)، هناك أزمة ثقة وصراعات طائفية وأثنية وقبلية على السلطة والثروة. وإذا كانت هذه المكونات ساكتة نسبياً قبل 2003، فلا يعني ذلك أنها كانت راضية ومقتنعة بنصيبها وحظها العاثر، وإنما كانت مرغمة على السكوت بسبب شراسة قمع دكتاتورية المكونة الواحدة. وفي الحقيقة كانت تحصل انفجارات بين حين وآخر، والثورة الكردية كانت دائمة. أما في النظام الديمقراطي فالكل وجد الفرصة متاحة له ليتظاهر ويصرخ أين حقي، وليس بإمكان الحكومة الديمقراطية إسكات الناس من حق وفره لهم الدستور.

ثانياً، الملاحظ أن كل كتلة  سياسية تستقوي بحكومة أو حكومات أجنبية لتدمير الدولة والمكونات الأخرى لتحقيق مآربها. كما وبات معروفا أن إثارة هذه المشاكل والصراعات وراءها مؤسسات وحكومات خارجية في المنطقة مثل تركيا والسعودية وقطر، تعمل على إبقاء العراق مفككاً وغارقاً في مشاكله، وعاجزاً عن تحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي. فالعراق مليء بالألغام، وبإمكان هذه الدول تفعيل وتفجير هذه الألغام الطائفية والأثنية في أي وقت تشاء، كما هو حاصل الآن في المناطق الغربية.

ولا أستبعد أن تكون لأمريكا يد في هذا التأجيج الطائفي. فأمريكا دولة مؤسسات، وبعض هذه المؤسسات ليست بالضرورة تعمل بعلم وأوامر مباشرة من الإدارة، قد تعمل على خلق المشاكل للحكومة العراقية كتحذير لها أنهم بإمكانهم وضع العراقيل أمامها ما لم تكن على علاقة جيدة مع أمريكا. إذ لا يمكن لتركيا والسعودية ودويلة صغيرة مثل قطر، السائرة في ركاب أمريكا، أن يخلقوا كل هذه المشاكل للعراق بدون ضوء أخضر من أمريكا.
وعلى سبيل المثال، المشاكل التي خلقتها الكويت للعراق، مثل إبقاء العراق مكبلاً بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة رغم زوال الأسباب، وكذلك بناء ميناء المبارك في خور عبدالله لخنق الموانئ العراقية، والمشاكل التي أثارتها ضد الخطوط الجوية العراقية، والتجاوزات على الأراضي العراقية... وغيرها كثير... أقول لا يمكن للكويت وغيرها من دول المنطقة خلق هذه المشاكل للعراق بدون موافقة أو حتى بإيعاز من أمريكا.

نعم، أمريكا حريصة على إنجاح الديمقراطية في العراق لأن هذا النجاح يتعلق بسمعتها، ولكن في نفس الوقت هي أكثر حرصاً على مصالحها في المنطقة من مصلحة العراق، لذلك تريد علاقة حميمة مع العراق وفق المصالح المشتركة. لذا، فبإمكان العراق التخلص من معظم هذه المشاكل بكسب أمريكا إلى جانبه، ولا أعتقد أن ذلك يخدش من سيادة العراق، بل العكس هو الصحيح، فإبقاء العراق ضمن الفصل السابع هو الذي يجعل السيادة منقوصة.

قبل أيام عممت على أصدقائي ومعارفي مقالاً بعنوان (لماذا ايران فوبيا، وليس إسرائيل فوبيا؟)(1) للكاتب السيد مروان الجنابي، فبعث لي أحد الأصدقاء تعليقاً قال فيه: ((اسرائيل عزيزة على الغرب و خاصة أمريكا بغض النظر عن الأسباب. فالذين يجاهرون بعدائهم لإسرائيل هم الشيعة فقط ممثلين بإيران و حزب الله و مقتدى الصدر. في المقابل، الحكومات السنية لهم علاقات علنية او سرية مع إسرائيل، مع ان الفلسطينيين سنة. و بهذا كسبوا رضى الغرب. إن معاداة ايران لإسرائيل لا نفع منه وعلى العكس، فيه كل الضرر. فلو غيرت ايران و نصر الله و مقتدى موقفهم من اسرائيل لتغيرت سياسة الغرب العدائية نحو الشيعة.))

لا شك في صحة هذا القول، فهو صحيح في رأيي مائة بالمائة. والدليل على ذلك، أن في عهد الشاه، استولت الحكومة الإيرانية على ثلاث جزر إماراتية، ونصب الشاه نفسه شرطي الحراسة على الخليج، فأرسل قوات مسلحة لحماية عُمان (مسقط) من ثورة ظفار الماركسية، وكل هذه الأعمال لم تحرك ساكناً من قبل الدول العربية، ولم تثر أية ضجة طائفية ضد الشيعة، رغم أن الشعب الإيراني كان شيعياً أيضاً في عهد الشاه!!، بل سكتوا عن كل ذلك لأن الشاه كان على علاقة حميمة مع أمريكا، ومع إسرائيل، وحتى كانت لإسرائيل سفارة في طهران. ولكن بعد الثورة الإيرانية طردت الحكومة الإسلامية البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية لتحل محلها ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية. ولذلك كسبت إيران ليس عداء الغرب وأمريكا فحسب، بل وعداء العرب أيضاً، فسخروا صدام حسين لشن حرب جنونية على إيران، "لحماية البوابة الشرقية للأمة العربية من الفرس المجوس!!"، وقال الملك فهد لصدام يوم ذاك: "منا المال ومنك الرجال". وبعد سقوط حكم صدام حولوا كل تلك المساعدات المالية إلى ديون باهظة على الشعب العراقي مع فوائدها المتراكمة التي فاقت الديون الأصلية.

ثالثاً،
قضية تكبيل العراق بالفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. المعروف أن أمريكا هي التي كبلت العراق بهذا البند عقاباً لصدام حسين عندما غزى الكويت يوم 2/8/1990. وعليه فأمريكا وحدها القادرة على إخراج العراق من هذا البند.
ولكن، وكما ذكرنا مراراً، أن أمريكا ليست مؤسسة خيرية، بل هي دولة كبرى تبحث عن مصالحها. لذا فقد أبقت العراق مكبلاً بهذا البند الجائر لتستخدمه عند الحاجة حسب موقف الحكومة العراقية منها في المستقبل. يعني أشبه بلعبة الشطرنج، فإذا حاولت الحكومة العراقية أخذ أي موقف ضد أمريكا، فأمريكا تمتلك سلاح البند السابع ضده، وتقول له:(كش ملك!). وإبقاء العراق مكبلاً بهذا الفصل يخلق مشاكل اقتصادية وسياسية كثيرة له، إضافة إلى المس بسيادته الوطنية. فمثلاً، قرأت مقالاً لخبير اقتصادي جاء فيه، أن الشركات الأجنبية لا تقبل أية مقاولة في العراق ما لم يضاف إلى التكاليف بنسبة 40% ، وهذا يسمى بـ(العامل العراقي) بسبب البند السابع. يعني إذا كان مشروع ما يكلف 100 مليون دولار في الأردن مثلاً، يكلف العراق 140 مليون دولار. لذا فيمكن أن نتصور حجم الخسائر التي تلحق بالعراق بسبب تكبيله بهذا الفصل وهو مقبل على الإعمار الذي يكلف مئات المليارت.

ومن هنا لا بد من علاقة جيدة مع أمريكا للتخلص من هذا الفصل. إذ كما قال الباحث الأستاذ خدر شنكالى عن قرارات الأمم المتحدة ضد العراق بعد غزوه للكويت، في مقال له بعنوان: (العراق والفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة): "ان جميع هذه القرارات قد صدرت ضمن الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ولازالت سارية المفعول تجاه العراق وان آثارها لا يزال يعاني منها الشعب العراقي. وان بقاء العراق تحت طائلة هذه القرارات والعقوبات المفروضة بموجبها، والتي لا مبرر لبقائها لحد الآن، بالتأكيد سوف يعرقل نموه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتكنولوجي وحتى العسكري ولا يستطيع ان يسترد عافيته وسيادته الكاملة، وان يكون عراقا حرا إلا بعد التخلص من تبعات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة وبشكل كامل...".(2)

المفارقة أن معظم العرب والإعلام العربي يشتمون أمريكا ليل نهار، ويعيبون على العراق علاقته بأمريكا، إذ كشفت دراسة أن 80% من العرب يكرهون أمريكا ويناصبونها العداء، ولكن في نفس الوقت يتمنى 60% منهم الهجرة إليها والعيش فيها كما أظهر ذلك تقرير التنمية العربية للأمم المتحدة لعام 2002. وأنا أعتقد أن النسبة أكثر من ذلك بكثير، بل وحتى الحكام العرب أنفسهم يحلمون بالعيش في أمريكا. فلولا أمريكا لكان صدام يحكم الآن كل دول شبه الجزيرة العربية، ويمارس هوايته المفضلة في نشر المقابر الجماعية. [راجع مقالنا: لولا أمريكا،(3)]
وحتى الشيوعيون العراقيون، الأعداء التقليديون للغرب والرأسمالية "المتوحشة"، وفي عز الكتلة الإشتراكية،  كانوا يفضلون اللجوء إلى الدول الغربية على الدول الشيوعية.

المفارقة الثانية، أنه ليس الإعلام العربي وحده يعيب على العراق علاقته بأمريكا، بل هناك دول عربية مثل دولة قطر أو بالأحرى، دولة فضائية الجزيرة، القناة التي خصصت معظم برامجها للتأليب على أمريكا وعلى العراق الجديد. والحقيقة أن تأليب قناة الجزيرة القطرية على أمريكا هو تمثلية مفضوحة لذر الرماد في العيون، فعلى بعد أمتار من هذه الفضائية توجد لأمريكا أكبر قاعدة عسكرية. ونعرف أن حكومة قطر هي وراء إشعال الفتن الطائفية في سورية والعراق.

وللأسباب أعلاه وغيرها كثير، أعتقد جازماً، أنه لا يمكن للعراق أن يتغلب على مشاكله ويعيش بسلام واستقرار إلا بمساعدة الدولة العظمى. فالعراق بحاجة إلى أمريكا، وأمريكا بحاجة إلى العراق، وأمريكا ليست الشر المطلق كما يتصور البعض، وأنا أيضاً كنت أحمل هذا التصور الخاطئ في الماضي بتأثير الدعاية الشيوعية. ولي مبرراتي في تغيير موقفي من أمريكا ذكرتها في مقالات عديدة، أدرج رابط أحدها في الهامش(3). فلأمريكا الفضل في تحرير العراق، وإطفاء 90% من ديونه، والمساعدة في بناء جيشه وقواته الأمنية. لقد ترك البعث العراق خرائب وأنقاض، ويحتاج إلى عشرات السنين لإعادة بنائه، وشعبه منقسم على نفسه. لذا فالأولوية الأولى للحكومة العراقية هي مصلحة العراق وإعادة إعماره أولاً وأخيراً، وليس زجه في صراعات إقليمية ومعاداة أمريكا أو أية دولة أخرى.

كذلك، وكما ذكر سفيرنا في واشنطن، الدكتور جابر حبيب جابر في مقال له(4) أن من مصلحة البلدين بناء علاقة حميمة بينهما ضمن إطار الاتفاقية الإستراتيجية الموقعة بينهما عام 2011. فالعراق يستطيع أن يلعب دوراً إيجابياً لصالح أمريكا في المنطقة، وبالأخص مع إيران، إذ يمكن العراق أن يؤثر على إيران حول برنامجها النووي. والسؤال الملح هو: ماذا ستكسب إيران لو امتلكت السلاح النووي، والذي بسببه تعرضت إلى هذا الحصار الجائر، فبإمكان الحكومة الإيرانية أن تستفيد من تجربة صدام الذي كان يسعى لامتلاك السلاح النووي، وهو الذي صرح متباهياً أنه سيحرق نصف إسرائيل، وبالتالي أحرق الكويت والعراق، وانتهى في حفرة حقيرة.

والجدير بالذكر، أن هناك إشارات إيجابية من إدارة الرئيس أوبابا في اتجاه تخفيف التوتر في المنطقة. فإصراره على تعيين جاك هاغل (chuck hagel) وزيراً للدفاع، رغم اتهامه من قبل اليمين الأمريكي واللوبي الإسرائيلي "بعدم اقترابه بما يكفي من إسرائيل، وبسذاجته حيال الموقف من إيران"، فيه أكثر من إشارة إلى أن الإدارة الأمريكية تريد السلام في المنطقة وليس إشعال الحروب.

وختاماً، أتذكر، وأنا في مرحلة المتوسطة إثناء حكومة ثورة 14 تموز، وكان الشهيد فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب يحاكم المرحوم محمد فاضل الجمالي، رئيس وزراء سابق في العهد الملكي. وكنا نتابع المحاكمة من الراديو، فقال له المهداوي أنك عميل لأمريكا. فأجاب الجمالي: لا يا سيادة الرئيس، أنا لست عميلاً لأمريكا بل صديقاً لها لأني أعتقد أن مصلحة بلادي تقتضي علاقة جيدة مع هذه الدولة العظمى للإستفادة من إمكانياتها. وكان الجمالي هو أول سياسي عراقي يحمل شهادة دكتوراه من أمريكا، وقد تتلمذ على يد الفيلسوف الأمريكي المعروف جون ديوي. لذلك عندما صار رئيساً للوزراء في الأربعينات، حاول تطبيق الديمقراطية الليبرالية تدريحياً، ولكن نوري السعيد ورهطه من مخلفات العهد العثماني كانوا أقل من أن يستوعبوا هذه السياسة وفوائدها، ولولا إجهاض نوري السعيد لمحاولات الجمالي في دمقرطة العراق لما مر العراق بكل هذه الإرهاصات والكوارث، إذ كما قال الشهيد الزعيم عبدالكريم قاسم: "لو كنا نعلم أن هناك حلولاً سلمية للأزمة لما قمنا بالثورة".

مسك الختام، سيداتي وسادتي، لن يتمكن العراق من حل مشاكله المتراكمة لوحده وهو محاط بالأعداء، إلا بمساعدة أمريكا وذلك بقيام علاقة استراتيجية حميمة معها. فوظيفة السياسة تحقيق أكبر قدر من المصالح للشعب، وفق فن الممكن.
ألا هل بلغت، اللهم أشهد.

العنوان الإلكتروني: abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
الموقع الشخصي: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن:  http://www.ahewar.org/m.asp?i=26   
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1-- مروان الجنابي: لماذا ايران فوبيا بدل اسرائيل فوبيا؟
http://www.wasatonline.com/index.php?option=com_content&view=article&id=183313:2013-02-22-01-11-51&catid=42:2009-10-14-13-57-23&Itemid=120

2- خدر شنكالى : العراق والفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة
http://www.kbreahaliraq.com/vb/showthread.php?t=31094
3- عبدالخالق حسين - لولا أمريكا...
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=59875

4- JABIR HABEB : Ten years after overthrowing Saddam, Iraq and the U.S. must build partnership
http://www.kentucky.com/2013/02/27/2533801/ten-years-after-overthrowing-saddam.html#storylink=cpy


381
في العراق فقط، الخيانة الوطنية عمل وطني!

د.عبدالخالق حسين

في البدء، أود التوكيد أني ضد إطلاق الاتهامات جزافاً على أناس لمجرد أنهم يختلفون معي في الرأي، فـ"الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" كما تفيد الحكمة. ولكن ما أقصده في هذا المقال عن الخيانة الوطنية، وعلى قدر فهمي لها، هي: قيام المواطن بعمل ما بقصد إلحاق الضرر بالمصلحة الوطنية، بشرياً، أو مادياً، أو معنوياً، خدمة لمصلتحه الشخصية والفئوية. ومَنْ عنده تعريف أفضل فليأت به، لأني أريد أن أتعلم من المهد إلى اللحد.

قبل ما يقارب التسع سنوات نشرتُ مقالاً بعنوان: (اللهم احفظ العراق من العراقيين)، عاتبني البعض عليه بأني أشكك في اخلاص وحب العراقيين لوطنهم. في الحقيقة أنا لا أنكر على العراقيين حبهم وإخلاصهم لشعبهم ووطنهم، فجحافل شهدائهم تشهد بذلك، ولكن هناك الكثير منهم ساهموا ومازالوا يساهمون في تدمير العراق باسم الوطنية، كذباً وزوراً.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، قرأنا قبل أسابيع، مقالات وتقارير تفيد أن موظفي مكاتب الخطوط الجوية العراقية تصد المسافرين عن حجز تذاكر السفر على خطوطهم قائلين أن جميع المقاعد محجوزة، وهي ليست كذلك، بل خدمة لشركات الخطوط الجوية الأجنبية مقابل المال الحرام. وهذا لم يحصل إلا في العراق، وهو عمل خياني بحق الوطن بالتأكيد.

كما قرأنا أن دبلوماسيين يعملون في سفارات عراقية ينصحون الشركات الأجنبية بعدم الاستثمار في العراق كي لا يخسروا أموالهم!، وآخرون يحرضون ضد الحكومة العراقية المنتخبة ويصفونها بأسوأ الصفات. وفيما يخص وزراء فاسدين ينهبون أموال الدولة ويفرون للعيش في الخارج فصار حديث العصر وضربوا رقماً قياسياً.

أما قائمة الافتراءات والإشاعات السامة لتشويه سمعة العراق الجديد والحكومة المنتخبة وتشويه صورة الديمقراطية، فحدث ولا حرج، وقد ذكرت العديد منها في مقالات سابقة. ولكن أود أن أشير هنا إلى فرية جديدة مازالت (طازجة!!) تتناقل بالإيميلات على شكل "تقرير" بعنوان: (استياء دولي من موافقة العراق لبناء مكب نووي) جاء فيه: "جريمة من نوع جديد بحق العراق الحبيب. هؤلاء الانذال يودون بيع العراق وتلويثه لعشرات السنين قادمة قبل ان يتركوا الكرسي، انهم خونه بحق الشعب، استياء دولي من قيام العراق يتفق مع الاتحاد الاوربي بناء مكب للنفايات النووية. (وكالة الاستقلال للاخبار، 07-01-2013) وتليه عبارة: (الرجاء حوِّل هذا الإيميل لأكبر عدد ممكن من معارفكم).
إن وكالة أخبار مستقلة تحترم نفسها، وتسعى لكسب ثقة الناس لا يمكن أن تنشر هكذا خبر، وبهذه اللغة الركيكة و الشتائمية السوقية البذيئة، فهي لغة أيتام البعث بامتياز. ولكن المؤسف أن التقرير المزعوم من "وكالة مستقلة" صدق به ناس معروفون بوطنيتهم وإخلاصهم لشعبهم، ومع ذلك يبدو أنهم غير محصنين ضد الإشاعات والافتراءات، فيصدقون كل ما يقرؤون، ويساهمون بحماس في تعميمه وبدوافع وطنية طبعاً.

وأخيراً، وليس آخراً، الطامة الكبرى، إذ قرأنا عن رسالة وقعها نواب من الكتلة "العراقية"، نعم نواب منتخبون من أبناء الشعب، المفترض بهم أن يكونوا قدوة في خدمة الشعب والوطن، وجهوا رسالة إلى البرلمان الأوربي، طالبوا فيها بالامتناع عن توقيع اتفاق الشراكة والتعاون مع العراق، كي "لا يبدو الأمر وكأن الاتحاد يدعم حكومة نوري المالكي". والرسالة موجهة إلى رئيس لجنة العلاقات مع العراق في الاتحاد الأوربي ستراون ستيفنسن، وموقعة من قبل النواب: أحمد العلواني، ولقاء مهدي، وأحمد المساري، وطلال الزوبعي، وحامد جاسم، وعتاب جاسم، وحسن الجبوري، والمؤرخة في 14 كانون الثاني 2012 . (السومرية نيوز، بغداد، 12/2/2013).
لا شك أن هكذا عمل يعتبر في جميع دول العالم، ووفق جميع المعايير الدولية، خيانة وطنية، لأن القصد منه إلحاق الضرر بالشعب والوطن.

في الأنظمة الديمقراطية لا بد من منافسة بين الكتل السياسية، فمن يراقب المجادلات في البرلمانات الأوربية، يعرف مدى شراسة المنافسة بين نواب أحزاب السلطة وأحزاب المعارضة. ولكن المنافسة هنا نزيهة وتهدف إلى إقناع الناس بمن هو الأكفأ لحكم البلاد لتقديم أفضل الخدمات للشعب. ولكن حالما يبرز خطر يهدد المصلحة الوطنية، فسرعان ما تقف أحزاب الحكومة وأحزاب المعارضة صفاً واحداً لدرأ الخطر. هذه القاعدة عامة في الديمقراطيات الناضجة والناشئة ما عدا العراق. فهؤلاء النواب العراقيون الذين وجهوا رسالة عدم التعاون مع العراق، و رغم مشاركتهم في السلطة، فضلوا إلحاق الضرر بشعبهم بغضاً لرئيس الوزراء لأنه ليس من طائفتهم.

فلو كان رئيس الوزراء، السيد نوري المالكي من مذهب هؤلاء الموقعين على الرسالة، لما أقدموا على عملهم الشنيع هذا. فطائفيتهم واضحة من قائمة الشتائم التي وجهوها إلى 65% من الشعب العراقي دون خجل، ونعتهم لهم بالفرس المجوس، والصفوية، واتهامهم بالعمالة لإيران...الخ، إلى حد أن قال أحد قادة التظاهرات في الرمادي، الشيخ أحمد أبو ريشة، أنهم يريدون مخاطبة الحكومة وكتابة شعاراتهم باللغة الفارسية !!! في إشارة خبيثة إلى أن الحكومة التي يترأسها السيد المالكي هم إيرانيون لا يفهمون العربية!!. وهذه التهمة الغبية ليست جديدة، بل برزت منذ تأسيس الدولة العراقية وإلى الآن في الطعن بعراقية وعروبة شيعة العراق. وهذا عيب شنيع عليهم، ويضرهم أكثر من غيرهم، إذ لو صدق قولهم، فهذا يعني أن نسبة "العرب الأقحاح- السنة فقط" في العراق لا يزيد على 15%، وفي هذه الحالة لا يحق لهم اعتبار العراق بلداً عربياً، بل ويحق لإيران إلحاق المناطق الشيعية من العراق بها كما عملت تركيا باحتلال الجزء التركي من جزيرة قبرص!! 

فإذنْ، كل هذه الضجة هي لأسباب طائفية ليس غير. وهذا دليل على أن الطائفية عندهم أقوى من الوطنية، بل وحتى لأقوى من القومية التي كانوا يتشدقون بها، وذبحوا ثورة 14 تموز  باسمها. والمؤسف أنه حتى رئيس البرلمان، المفترض به أن يمثل كل العراقيين وليس مكونة واحدة منهم، لم يستطع إخفاء مشاعره الطائفية، إذ وقف إلى جانب النائب أحمد العلواني الطائفي عندما كان يكيل الشتائم للشيعة.

ولذلك، لا نستغرب من هؤلاء حقدهم الشديد على الديمقراطية. فالديمقراطية تعني حكم الأغلبية وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع، وهذا ليس في صالحهم، خاصة وقد أدمنوا على احتكار السلطة خلال 80 سنة، وعاملوا بقية المكونات من الشعب العراقي كمواطنين من الدرجة الثانية أو العاشرة، أو حتى أجانب لا يحق لهم المشاركة في حكم بلادهم. فمشكلة هؤلاء أنهم مازالوا يعتبرون العراق مستعمرة لهم، وشعبه عبيد في خدمتهم. ننصحهم أن يتكيفوا مع الزمن وفق المستجدات، وأن يتخلصوا من عقلية عفا عليها الزمن، وان يقبلوا بالديمقراطية ودولة المواطنة ومعاملة الجميع بالتساوي أمام القانون والواجبات وتكافؤ الفرص، إذا ما أرادوا أن يعيشوا بأمن وسلام ودولة الرفاهية والازدهار. فمن لم يتطور ويتكيف مع المستجدات ينقرض كما انقرضت الدينصورات.

يوعز البعض من أصحاب النوايا الحسنة انفجار الطائفية إلى الأحزاب الإسلامية وخاصة الشيعية منها. طيب، وهل النائب أحمد العلواني، والهارب من وجه العدالة طارق الهاشمي، ومحمد الدايني وغيرهم كثيرون، هم من أحزاب إسلامية؟ أليسوا علمانيين كما يدعون؟
لذلك نقولها مرة أخرى، أن الطائفية لا علاقة لها بالأحزاب الدينية أو العلمانية، وإنما لها علاقة بوعي وثقافة الإنسان وتربيته العائلية.

لذلك نهيب بالمسؤولين الحريصين على مصلحة وسمعة العراق، العمل على تجريد النواب الذين قدموا الرسالة إلى البرلمان الأوربي لإلحاق الضرر بالعراق، من الحصانة البرلمانية، وتقديمهم للقضاء بتهمة الخيانة الوطنية ومخالفة الدستور، والحنث باليمين الدستورية والانقلاب على الديمقراطية.

أما الذين رددوا شتائم طائفية ضد الأغلبية الشعبية، فبالتأكيد يعتبر عملهم هذا خيانة وطنية، لأن القصد منه تفتيت الوحدة الوطنية، وإشعال حرب طائفية لا تبقي ولا تذر. فهناك مادة دستورية يجب تطبيقها بحقهم، إذ تنص المادة 7، أولاً : "يحظر كل كيانٍ او نهجٍ يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير أو التطهير الطائفي، او يحرض أو يمهد أو يمجد او يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون."

كذلك يطالب النائب أحمد العلواني وغيره من قادة التظاهرات والاعتصامات في المحافظات الغربية، بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب، وقانون المساءلة والعدالة...الخ، وهذه الطلبات هي الآخرى ضد الدستور، والمصلحة الوطنية، إذ جاء في نفس المادة 7، ثانياً: "تلتزم الدولة بمحاربة الارهاب بجميع اشكاله، وتعمل على حماية اراضيها من ان تكون مقراً أو ممراً أو ساحةً لنشاطه".
ولا نقول ذلك بطراً ضد أحمد العلواني، بل نؤكده بالصوت والصورة، حيث وضعنا في الهامش رابطاً لمقابلة تلفزيونية معه، يرجى فتحه لمشاهدة اللقاء الذي يفضح موقفه المحرج عندما حاصره المذيع بمنتهى الحرفية بالأدلة الدامغة حول تحريضه الطائفي.(3) 
 
نعم، يرتكب هؤلاء جرائهم بحق الشعب والوطن باسم الوطنية...
حقاً ما قاله صموئيل جونسون: "الوطنية آخر ملاذ للأوغاد".

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــ
1-  وثائق: برلمانيون طالبوا الاتحاد الأوربي بعدم توقيع اتفاق تعاون مع العراق كي لا يعد دعما للمالكي
http://www.akhbaar.org/home/2013/2/142129.html

 2- محمد ضياء عيسى العقابي: دعوة نواب إئتلاف العراقية الإتحادَ الأوربي لمحاصرة العراق
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=345090

3- مقابلة تلفزيونية مع النائب أحمد العلواني، يرجى فتح الرابط
http://www.youtube.com/watch?v=WliUDkLaZVk


382
هل صححت السعودية سياستها إزاء العراق؟

د.عبدالخالق حسين

منذ أسابيع ونحن نلاحظ توقف الصحافة السعودية بوصف رئيس وزراء العراق السيد نوري المالكي بأنه رجل إيران، بعد سنوات من الحملات الإعلامية الظالمة ضد العراق الجديد. ذكرنا في مناسبات عديدة أن هناك ثلاثة أسباب للموقف السعودي المعادي من العراق الديمقراطي: سياسي، ضد الديمقراطية، وطائفي ضد مشاركة الشيعة في الحكم، واقتصادي، لأن العراق مقدم على زيادة إنتاج وتصدير النفط في حدود 12 مليون برميل يومياً، وهذا ليس في صالح النظام السعودي.

لذلك، وخلال السنوات العشر الماضية كانت السعودية تشن حرباً بلا هوادة على العراق وعلى جميع الصعد، سياسية، حيث امتنعت السعودية وقطر بالمشاركة في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بغداد بمستوى لائق، إضافة إلى تصريحات تحريضية طائفية بالادعاء أن حكومة المالكي فشلت في تحقيق التوازن السياسي بين مكونات الشعب العراقي، ونحن نعرف أن السعودية لا تقبل حتى شهادة الشيعي في المحاكم في بلادها رغم أن الشيعة يشكلون نحو 15% من السكان، ناهيك عن رفضهم الشيعي في أية وظيفة حكومية. وإعلامية لتشويه سمعة حكومة المالكي، وإرهابية، لزعزعة الوضع في العراق عن طريق إرسال الإرهابيين العرب، ودعم عصابات الجريمة المنظمة وفلول البعث بالمال والسلاح لقتل العراقيين وتدمير ممتلكاتهم، وزعزعة الأمن والاستقرار.

وإنصافاً  للحقيقة وللرجل، فقد واجه المالكي، كل هذه الحملات الظالمة بالحكمة وصبر أيوب. ويبدو أن هذه السياسة نجحت، فهاهم صناع القرار السياسي في السعودية وصلوا إلى قناعة أن سياستهم هذه تعود عليهم بالضرر الشنيع، وإن استمروا عليها فهم أول من يدفع ثمنا باهظاً. لقد أدركوا أن طموحات أخوان المسلمين لا تقف عند حد، فهم يستخدمون السعودية ودولاً أخرى لأغراض تكتيكية مؤقتة، الغاية منها إسقاط حكومات عربية فاسدة كما حصل في انتفاضات (الربيع العربي)، والتي نجح الأخوان المسلمون في اختطافها وتحويلها إلى ربيع لهم. وهاهي السعودية نفسها صارت هدفاً للأصوليين المتطرفين، ولا بد من أن يصلها الحريق إذا ما واصلت سياستها الداعمة للإرهاب في العراق وسوريا.

إن الدور القذر الذي تلعبه تركية أردوغان، وقطر حمد باللعب بالورقة الطائفية ضد الشيعة، سوف لا يتوقف عند سوريا والعراق، بل ستشمل دول المنطقة كلها دون استثناء بما فيها اللاعبون الكبار وعملائهم الصغار. وهذا ما أدركته أمريكا في الآونة الأخيرة، لذلك جاء تحذير السفير الأمريكي في أنقرة، فرانسيس ريتشاردوني، للحكومة التركية بـ(تسوية الأمور مع بغداد). وهذا التحذير لم يأت من فراغ.(1)

ومن علامات تغير الموقف السعودي من العراق إيجابياً، وبالأخص من رئيس الوزراء العراقي السيد المالكي، قامت صحيفة الشرق الأوسط السعودية بإجراء مقابلة صحفية مع السيد نوري المالكي إثناء تواجده في القاهرة لحضور مؤتمر القمة الإسلامي (2). ومن طبيعة الأسئلة وسياق الإجابات، نعرف أن هذا اللقاء هو الآخر علامة طيبة في تحسن العلاقة بين البلدين. فهناك معلومات تفيد أن أكبر الدول العربية مستهدفة من قبل تآمر دولي، استخدموا له حزب الأخوان المسلمين والقاعدة وفروعها (جبهة النصرة وغيرها)، أداة للتنفيذ، والدول المستهدفة هي: مصر والسعودية والعراق وسورياً. وما يجري في العراق من تظاهرات واعتصامات بحجة مطالب الجماهير المشروعة، ما هو إلا خطوة من خطوات عديدة لتنفيذ هذا المخطط الجهنمي، وهو يشبه إلى حد ما التآمر الدولي الذي تعرض له العراق في شباط 1963 والذي اغتالوا به أشرف حكومة وأنزه قيادة وطنية عرفهما العراق طوال تاريخه. والملاحظ أن المتآمرين في معظم العهود كانوا من المحافظات الغربية "البيضاء" ضد محافظات الوسط والجنوب "السوداء" على حد وصف سيدهم المقبور صدام، وبدوافع طائفية. لذلك، نراهم اليوم يستخدمون نفس الوسائل والأساليب المستهجنة، الكذب، وكيل الاتهامات الباطلة مثل الادعاء بـ: دكتاتورية رئيس الحكومة، والاعتداء على شرف الماجدات المجاهدات (حسنة ملص في عهد تموز، وصابرين الآن)، والإدعاء بقتل أطفال السنة، وكيل أبشع الشتائم ضد أكبر مكونة في الشعب العراقي دون أدنى خجل. فمن نافلة القول، أنه لا يمكن الدفاع عن مطالب مشروعة بالوسائل الباطلة. وإذا نجحت أساليبهم الشريرة في الماضي فلا يمكن أن تنجح هذه المرة، لأن عراق اليوم هو غير عراق ما قبل 2003، لأنها قضية حياة وموت، أن يبقى العراق أو يزول، ولا يمكن لهذا الشعب أن يزول.

كذلك لاحظنا تحسن العلاقة بين العراق واالسعودية من إجابات السيد نوري المالكي في المقابلة المذكورة عندما سأله مراسل الصحيفة: "وماذا عن العلاقة مع السعودية؟" فأجاب: "لدينا مع السعودية تحسن وتطور في العلاقة، ومنذ البداية كنا نرغب في هذه العلاقة، وأول زيارة لي قمت بها الى السعودية، لأنني أعلم أن العلاقة الطيبة بين البلدين، سوف تنعكس بالقوة على المنطقة والوضع العربى... والآن مازلنا في نية البحث عن أفق لعلاقات قوية مع السعودية، ونسعى لأن يكون هناك تعاون مع الدول نعتقد أنها في ظل التطورات الحديثة مثلت حالة الاعتدال، والسعودية تمثل هذا."

خلاصة القول، نتمنى أن نكون قد أحسنا التقدير بإقدام الحكومة السعودية على تصحيح سياستها من العراق، لأن في ذلك مردود إيجابي، ليس على الشعبين الشقيقين فحسب، بل وعلى جميع شعوب المنطقة التي هي بأمس الحاجة إلى الأمن والاستقرار، وبالتالي لتنعم باستثمار ثرواتها الهائلة في الإعمار، والازدهار الاقتصادي، والتنمية البشرية، بدلاً من تبديها في الحروب وتصدير الإرهاب.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
1- واشنطن : نريد من انقرة تسوية الامور مع بغداد لتكون بديلا عن هرمز ونحن قريبون جدا من المالكي
http://www.faceemirates.com/inews.php?id=1384916
 
2- المالكي في حوار مع «الشرق الأوسط»: النظام السوري لن يسلم.. أو ينسحب‎
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=12492&article=716568



 


383
هل الحل في تقسيم العراق؟

د.عبدالخالق حسين

أوعدتُ في مقالي السابق الموسوم (العراق في مفترق الطرق )، أن أطرح حلولاً لما يواجهه الشعب العراقي من تصعيد غير مسبوق لأزمته الدائمة في صراعاته الطائفية والأثنية، إلى حد أن رفع الأخوة الأعداء شعارات وهتافات شتائمية بذيئة إلى كسر العظم كما يقولون. فما الحل الآن بعد أن وصل العراق إلى مفترق الطرق. أي طريق يسلك؟ هل الحل في تقسيم العراق إلى ثلاث دول، أو دويلات مستقلة، أو دولتين، واحدة عربية وأخرى كردية؟ أم فيدراليات، أو كونفيدراليات، أو التعايش مع هذا الوضع المزري إلى أن يجتاز العراقيون المراهقة السياسية ويبلغوا سن الرشد؟

بعد نشر المقال المشار إلمشار إيه أعلاه، استلمت جملة من الأفكار ومشاريع حلول، كما وقرأت العديد من مقالات لكتاب أكاديميين ومفكرين، وصحفيين، وكذلك تصريحات بعض السياسيين، وتعليقات ورسائل الكثير من القراء الكرام.
على العموم، يمكن تقسيم الآراء والمواقف إلى قسمين: الأول مع التقسيم، والثاني ضد القسيم... أحاول عرض البعض منها بإيجاز نظراً لأهميتها وقوة طرحها، ومناقشتها للوصول إلى استنتاج.

دعاة التقسيم
يرى دعاة التقسيم أن الشعب العراقي في هذه المرحلة غير قابل للتعايش في دولة واحدة بإرادته الحرة وفي ظل نظام ديمقراطي وفر لجميع مكونات الشعب حق الاختيار في العيش معاً أو افتراقاً. ويرى هؤلاء أن الوحدة الوطنية غير مقدسة، وأنها غير موجودة أصلاً لتكون مقدسة أو غير مقدسة لكي نحافظ عليها. فبعد كل هذا الطوفان من الحقد الطائفي الذي طفح على السطح مؤخراً، وصبه المتظاهرون في المثلث السني على الشيعة، فما الذي يجمع هؤلاء الأخوة الأعداء في دولة واحدة إذا كان البديل (الانفصال) ممكناً؟
وفي هذا الخصوص: "اعرب النائب عن التحالف الوطني، جواد البزوني في تصريح خطير ان حل الازمة التي يمر فيها العراق هو تقسيمه الى ثلاث دول، متهما ارادات وأجندات داخلية وخارجية بالعمل من اجل تقسيم البلد، مشيرا الى ان تقسيم العراق بات اليوم مطلبا سياسيا وشعبيا، حسب قوله، داعيا الشيعة في محافظتي نينوى وكركوك الى "الهجرة للجنوب".

ففي عصرنا كانت هناك شعوب وقوميات موحدة في فيدراليات، مثل الاتحاد السوفيتي، ويوغوسلافيا، ولكن ما أن انهارت الأنظمة الشيوعية حتى وانفرط عقد هذه الفيدراليات، وانتهت بتكوين دولها القومية إما بالوسائل السلمية كما في جمهوريات الإتحاد السوفيتي سابقاً، أو عن طريق حروب إبادة الجنس، وتدخل دول أجنبية كما حصل في بلاد البلقان، أو عن طريق حروب طويلة المدى كما حصل في تقسيم السودان. 

ومما يجدر ذكره، أن التقسيم ليس خاصاً بدول العالم الثاني والثالث، أو نتيجة التخلف الحضاري..الخ، بل ويحصل حتى في العالم الأول المتقدم كما هو المخطط في سكوتلاندة التي تطالب بالانفصال من المملكة المتحدة (بريطانيا) وتم ترتيب إجراء استفتاء شعبي في العام القادم، وكذلك مقاطعة كتالونيا تطالب بالانفصال من أسبانيا. ففي عصر العولمة يسير العالم في طريق ذي اتجاهين متعاكسين، اتجاه نحو التقارب بين الدول بتكوين فيدراليات اقتصادية بمحض اختيار وإرادة شعوبها، مثل الاتحاد الأوربي، واتحاد أمريكا اللاتينية، واتحاد أمريكا الشمالية، والوحدة الأفريقية، واتحاد جنوب شرقي آسيا...الخ، واتجاه آخر معاكس يقود إلى انفصال شعوب تنتمي إلى دولة واحدة تحلم بتحقيق دولها القومية، مثل كتالونيا وسكوتلاندا وكردستان...

يتكون الشعب العراقي من ثلاث مكونات كبيرة متصارعة فيما بينها، موزعة جغرافياً: العرب الشيعة (محافظات الوسط والجنوب)، العرب السنة (الحافظات الشمالية الغربي)، الكورد (المحافظات الشمالية الشرقية). إضافة إلى أقليات قومية ودينية أخرى، التركمان، والمسيحيين، والصابئة، والأيزيديين، والشبك  وغيرهم.

فبالنسبة لإقليم كردستان، كتب لي صديق رداً على من يعارض التقسيم، قائلاً:
((هل العراق هو موحد حاليا؟ هل يمكن لشرطي عراقي أن يدخل كردستان؟ فحتى المواطن العراقي من المحافظات العراقية غير الكردستانية لا يسمح له دخول كردستان إلا بتأشيرة دخول (فيزة) كأي أجنبي. وهل وهل...الخ؟ بنظري أن العراق مقسم حاليا، فالأكراد مستقلون فعليا وعمليا في موطنهم التأريخي كردستان، و لا سلطة للحكومة الفدرالية على كردستان. وحق تقرير المصير مبدأ كفلته منظمة الأمم المتحدة، فلماذا لا تكون عندنا الشجاعة الكافية ونعترف بالواقع؟ أرى انه من الأفضل ان نفترق وديا وعقلانيا كما فعل الجيك والسلاف عبر مفاوضات مفصلة تعيِّن الحدود والصلاحيات والعلاقات، و نبقى اصدقاء تربطنا بهم علاقات ود و صداقة وتجارة واقتصاد الخ.. هذا هو الحل الحضاري لوضع العراق. و أرى انه أولى بالحكومة المركزية ان تبادر بالخطوة الاولى و تقترح ذلك على حكومة كردستان باستقلال كردستان، الدولة الصديقه التي تربطنا بها علاقات اقتصادية وثيقة سوف لا يكون للأكراد اي نفوذ أو وزراء، أو أعضاء في الحكومة المركزية، او البرلمان المركزي، و لا ندفع  17بالمائة...الخ من قوت ابن الوسط و الجنوب. هذا ما اراه صالحا للعراق و هذا ما اراه قادماً، اي انفصال كردستان عن العراق شئنا ام أبينا، و لكن ارجو ان يكون ذلك سلميا"- مع تحياتي القلبية)) أنتهى.

مناقشة: هذا الكلام سليم جداً، وأنا أتفق معه. فقد حرَّم الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) في معاهدة لوزان عام 1923، الشعب الكردي من التمتع بحقه في إقامة دولته القومية أسوة ببقية الأمم. وقسموا كردستان على أربع دول: تركيا، وإيران، والعراق وسوريا. ومنذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، لم يتوقف الاقتتال بين الحكومة المركزية والحركة الكردية إلا في بعض فترات الهدنة. وإذا كان الصراع قبل 2003 بين الحركة الكردية والحكومات العراقية المركزية المتعاقبة، فإن الصراع يهدد الآن ولأول مرة بالتحوَّل إلى ما بين الشعبين، العراقي والكردي، وحتى يرفض الكرد اعتبار أنفسهم عراقيين، ويفضلون عليه تعبير(مواطنو كردستان الجنوبية) وهذا من حقهم.

ومنذ تحرير العراق من حكم البعث الفاشي، لعب السيد مسعود البرزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، ورئيس الإقليم، دوراً فعالاً في عدم استقرار العراق، وتحت مختلف الحجج. فهو على الدوام ضد الحكومة الفيدرالية، وأياً كان رئيسها، وضد تسليح الجيش الوطني، وضد تحركات الجيش العراقي في المناطق الشمالية من العراق لملاحقة الإرهاب... الخ، ويقف مع أية حركة في بقية مناطق العراق من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار في العراق كما تجلى ذلك في موقفه من تظاهرات المثلث السني الآن، حيث قام بتوجيه دعوة إلى الطائفي، الشيخ يوسف القرضاوي، العدو اللدود لشعبنا العراقي، ليزور كردستان وليستخدمه في دعم ما يسمى بانتفاضة "الربيع السني"، لإشعال الفتنة الطائفية في العراق. فهكذا وحدة بالتأكيد غير مرغوب فيها، وهي الضد من مصلحة الشعبين، العراقي والكردستاني. وإذا كان الشعب الكردستاني يختار الانفصال بدولته القومية المستقلة فبه، وليكن الانفصال سلمياً، وألف مبروك عليهم.

ولكن،
ولكن، يجب أن نضع في نظر الاعتبار، أن انفصال كردستان سوف لا يكون على طريقة الجيك والسلاف الحضارية والودية كما تصوَّر الصديق، ولا حتى على طريقة انفصال السودان الجنوبية عن السودان الشمالية، فهناك عشرات المناطق المتنازع عليها، ولا على طريقة دول البلقان بعد انهيار يوغوسلافيا، بل سيكون على طريقة الهند وباكستان. فالسيد مسعود برزاني هيأ من الآن قائمة طويلة من مشاريع لحروب مستقبلية لسفك أنهار من الدماء، وتبديد ثروات البلدين في حروب طاحنة بدلاً من صرفها على الإعمار والازدهار الاقتصادي لرفاه الشعبين المتجاورين. ففي رأي برزاني، صارت أجزاءً من الشريط الحدودي الشرقي من العراق تابع لإقليم كردستان يطلق عليها (المناطق المتنازع عليها) ابتداءً من شمال شرق محافظة البصرة مروراً بمحافظة ميسان (العمارة)، والكوت إلى أطراف شرق بغداد وصلاح الدين والموصل. (يمكن التأكد من ذلك بتنضيد عبارة: "خارطة كردستان الكبرى" في مساحة البحث في google)، بل وحتى بدأ الأخوة الكرد يستخدمون عبارة (المناطق المستقطعة) بدلاُ من المناطق المتنازع عليها. 

فالوضع الراهن بين إدارة الإقليم والحكومة المركزية شاذ وغير مقبول مطلقاً بالنسبة للشعب العراقي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان الإقليم يستلم من واردات النفط من الأمم المتحدة في عهد الحصار الاقتصادي زمن صدام نحو 12% من ميزانية العراق، وفي عهد بول بريمر، الحاكم المدني لقوات التحالف، صارت في حدود 13% ، ولكن في عهد تولي الدكتور أياد علاوي أبرم صفقة مع البرزاني فصعدت الحصة إلى 17%. بينما تفيد دراسة أن "في 12 حزيران 2012، نشر تقرير لبرلمان كردستان عن إحصاء حديث لسكان الإقليم جاء فيه: "عدد سكان اقليم كردستان يبلغ 4 ملايين و189 الف شخص، ويشكلون 12.6% من مجموع سكان العراق". حسبما نشرته أكنيوز." (من مقال للكاتب السيد صائب خليل، نشر يوم 11/11/2012 على مواقع الإنترنت).
ولكن الإقليم يستلم 17% بدلاُ من 12.6% وهذا يعني أنه يستقطع من حصة المحافظات الأخرى دون وجه حق، إضافة إلى استحواذ حكومة الإقليم على واردات كمارك الحدود، والتي تبلغ مئات الملايين من الدولارات شهرياً.

نفهم مما تقدم، أن حكومة الإقليم الكردستاني مستقلة ولا نفوذ للحكومة المركزية عليها مطلقاً، و أن حكومة الإقليم هي التي لها حصة الأسد في حكومة المركز. وعليه فهذا الوضع لا ينسجم مع نظام فيدرالي عادل وفق الدستور الذي صوت عليه الشعب. لذا يجب على الحكومة المركزية أخذ المبادرة بالمطالبة باستقلال كردستان ضمن حدود قبل 9/4/2003. أما إذا كانت حكومة الإقليم لا تريد الانفصال الآن لأن الظروف الداخلية والدولية لا تساعدهم على ذلك، ففي هذه الحالة يجب على القيادة الكردستانية أن تراعي مصالح الشعب العراقي وتلتزم بالدستور، وتعترف أن كردستان جزء من الدولة العراقية الفيدرالية، وأن لا تتصرف وكأنها دولة مستقلة وتهيمن على دولة أخرى، ولا تقف عقبة أمام بناء مؤسسات الدولة العراقية الديمقراطية من قوات مسلحة ومحاربة الإرهاب، وأن تحل جيشها الخاص بها (البيشمركه)، أو تضعه تحت تصرف الحكومة المركزية كجزء من الجيش الوطني. وكذلك الحال في التصرف بالثروات الوطنية والعلاقات الخارجية وإبرام الاتفاقيات الاقتصادية وخاصة النفطية، تكون من شأن الحكومة المركزية فقط.

وفي حال اختيار الكرد للإستقلال، يجب تحل قضية المناطق المتنازع عليها، بما فيها كركوك وجلولاء والسعدية وبدرة وجصان، وعشرات المناطق الأخرى غيرها، بالوسائل السلمية، وذلك بتطبيق المادة 140 من الدستور، أي بإجراء إحصاء سكاني عام لسكان العراق في ظروف أمنية ملائمة، ومن ثم إجراء استفتاء لسكان المناطق المتنازع عليها تحت إشراف الأمم المتحدة فيما إذا يريدون البقاء مع العراق أو الالتحاق بجمهورية كردستان. ويجب على جميع الفرقاء احترام نتائج الاستفتاء والتعامل معها بطرق حضارية.

التقسيم الشيعي- السني
في الوقت الذي أرى فيه إمكانية، بل وضرورة، استقلال كردستان سلمياً وبمساعدة أمريكا، والوحدة الأوربية، والأمم المتحدة، ولكن في نفس الوقت أرى استحالة التقسيم بين الشيعة والسنة،لأسباب كالآتي:
العلاقة بين السنة والشيعة أكثر تعقيداً وتشابكاً، حيث تتداخل فيها أمور كثيرة، وليس هناك حل سحري لهذه المعضلة العصيبة المعقدة. قد يبدو أن الحياة المشتركة في دولة واحدة شبه مستحيلة الآن، ولكن لو تأملنا المشكلة بإمعان نرى أن الجهة المهيمنة على القرار السني حالياً هي فلول البعث وحلفاؤهم من أتباع القاعدة، مستخدمين التحريض الطائفي ضد الشيعة، يحاولون إسكات الأصوات السنية العاقلة والمعتدلة بالبلطجة. وقد بات من المؤكد أن هؤلاء ينفذون أجندات أجنبية لإشعال حروب طائفية على مستوى المنطقة تمتد نيرانها من إيران إلى لبنان، ووراءها بعض الدول الكبرى ولا نستبعد دور بعض المؤسسات الأمريكية، والشركات النفطية الغربية تقوم بنفس الأدوار التي لعبتها في الستينات من القرن الماضي والتي قامت بانقلاب 8 شباط 1963، وإنقلاب 17-30 تموز 1968. فحزب البعث هو الأداة الضاربة الشرسة للمؤسسات الغربية، تدعمها اليوم بعض الدول الخليجية وتركيا لتقدم خدماتها للأسياد على حساب شعوب المنطقة وبالأخص الشعب العراقي، وبالتالي سيكون العرب السنة هم من أكثر المتضررين.

فعرب العراق خليط من السنة والشيعة، وليس في العراق عشيرة عربية ليس فيها سنة وشيعة، كذلك هناك مدن في الشمال، غالبية سكانها شيعة محاطة بمدن غالبية سكانها من أهل السنة. ونفس الكلام ينطبق على التركمان في الشريط المحصور بين كردستان والمناطق العربية السنية شرقي دجلة، مثل طوزخرماتو، إضافة إلى تلعفر شمالي الموصل. أما مناطق الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية، فهناك مئات الألوف من العرب السنة اختلطت دماؤهم بدناء أخوتهم الشيعة بالمصاهرة. فكيف يتم حل هذه المشكلة؟ هل بالتطهير الطائفي؟ هذه جريمة ومأساة بشرية كبرى. كيف تحل قضية بغداد وديالى والبلد والدجيل وغيرها من المدن والقرى المختلطة؟
كذلك كان صدام حسين، وبعقليته الاجرامية الخبيثة، زرع مشاكل مستقبلية وكأنه كان يخطط لمثل هذا المصير فقام بإعادة ترسيم حدود المحافظات، فاستقطع مساحات واسعة من محافظة كربلاء وألحقها بمحافظة الأنبار (الرمادي)... وغيرها من المشاكل.

ومن الجانب الآخر، نعتقد أن هذه الموجة الجنونية في الشحن الطائفي لا تمثل مواقف الغالبية العظمى من أهل السنة. فليس بين الشيعة والسنة خلاف ديني جوهري يستوجب الاقتتال أو التقسيم، وإن وجد فلا يدعو إلى هذا الصراع، مع التأكيد أن السياسيين المتصارعين غير مهتمين بالخلافات الفقهية المذهبية ولا يفهمونها وغير معنيين بها أصلاً، بل كل همهم هو تحقيق أكبر قدر ممكن من النفوذ والمصالح السياسية على حساب الطرف الآخر. ولو تأملنا جيداً لتأكد لنا أن أهل السنة هم محبو أهل البيت، وتأريخياً كل أهل العراق، سنة وشيعة، كانوا من أتباع الإمام علي ضد معاوية كما أوضح ذلك فضيلة الشيخ أحمد الكبيسي في لقاء تلفزيوني، الأمر الذي أثار غضب الوهابيين ضده، والذين هم وراء إشعال الفتنة الطائفية في العراق. وكذلك الشيعة هم من أتباع السنة النبوية، إذ كما نقل عن آية الله السيد السيستاني قوله: "السنة هم أنفسنا"!
والجدير بالذكر، أن معظم الباحثين في قضية (الطائفية السياسية)، وأنا منهم، استنتجوا أن الصراع ليس دينياً ولا فقهياً، وإنما هو سياسي، حيث يستغل السياسيون الطائفيون أبناء طائفتهم لأغراضهم السياسية. ولو لم يكن هناك انقسام مذهبي لاخترعوا سبباً آخر لهذا الغرض مثل الانقسام المناطقي، أو الجهوي: شمال وجنوب...الخ

فالجهات التي تساعد على إشعال الصراع السني- الشيعي بغية إلحاق الضرر بالشيعة، وفيما لو نجحت الأجندات الأجنبية في تقسيم العراق وإقامة ثلاث دول، يجب أن يعرفوا، وخاصة أبناء المحافظات الغربية أنهم سيكونون من أشد المتضررين بالتقسيم إلى دولة سنية ودولة شيعية، لأن التقسيم سيضع الأكراد والعرب السنة في مواجهة دموية مباشرة، كما وسيضع الكرد في مواجهة مماثلة مع تركيا. إذ كما نقل لنا الأستاذ سالم المشكور: «يوحي أردوغان اليوم بالانفتاح غير المحدود على كردستان لدرجة انتهاك السيادة العراقية والتعامل مع الاقليم ككيان مستقل عن العراق، لكن مسؤولاً في الخارجية التركية انتفض بشدة عندما أخبره سياسي عراقي بان الشارع العربي في العراق بات يدفع باتجاه استقلال الاقليم. نهض من كرسيه بغضب قائلا: "هذا خطر كبير عليكم وعلينا ونحن لن نسمح بذلك ".»
إذنْ، لا نتحاج إلى عبقرية خارقة لنعرف أن تركيا تستغل الأوضاع لصالحها وضد مصالح مكونات الشعب العراقي.

وربما سيكون الشيعة في المحافظات الوسطى والجنوبية من أكثر المستفيدين بالتقسيم، حيث 80% من ثروات العراق من البصرة والعمارة، وهما محرومتان من الاعمار، إذ أخبرني مطلع أنه يتم إعادة نحو 80% من الميزانية المخصصة لإعمار البصرة إلى الخزينة المركزية، لأن وزارة المالية ترفض المصادقة على الصرف. لذلك فباستقلال المربع الشيعي سيستفيد الشيعة من ثرواتهم دون مشاركة غيرهم فيها، إضافة إلى كونهم سيتخلصون من كل مشاكل الشمال بين العرب والكرد وتركيا.

ولكن مع ذلك نلاحظ أن الشيعة هم أشد المعارضين للتقسيم. فقد أثبتت الأحداث التاريخية ان الشيعة قد يكونون سذج وبسطاء معرضين للخديعة طوال تاريخهم، إلا إنهم ليسوا طائفيين بمعنى العداء لأهل السنة أو لأتباع الأديان الأخرى بدليل أنهم رغم اضطهاد الدولة العثمانية لهم لأربعة قرون، واعتبارهم فرقة منحرفة، إلا إن شيعة العراق، وليس غيرهم، هم الذين شنوا حرب الجهاد وثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني للذود عن الإسلام والدولة الإسلامية، ودفعوا الثمن باهظاً فيما بعد، بينما وقف قادة أهل السنة مع الاحتلال البريطاني، ولقبوه (أبو ناجي) لأنه أنجاهم من الترك، وحصدوا الفوائد.

ويا للمفارقة، أنه حتى إثناء حرب تحرير العراق بقيادة أمريكا من الفاشية البعثية قاومت المحافظات الشيعية "السوداء" لثلاثة أسابيع، بينما سلمت محافظات المثلث السني "البيضاء" بدون أية مقاومة.
كما ونؤكد أن غالبية أهل السنة هم ليسوا طائفيين ولا مع التقسيم، ولكن لسوء حظهم أن معظم فلول البعث هم من السنة، وهم الذين نشروا المقابر الجماعية، وطرحوا أنفسهم بعد التحرير كمدافعين عن أهل السنة مستخدمين السلاح الطائفي، ومن ورائهم بعض دول المنطقة. فالشيعة تخندقوا بالمذهب لأنهم عانوا من ظلم حكم البعث الصدامي بسبب انتمائهم الشيعي. والسنة تخندقوا بالطائفة اليوم خوفاً من التهميش من قبل الشيعة، وهو وهم بثه البعثيون وحكومات المنطقة. لذا فالشعب العراقي يحتاج إلى فترة زمنية لاستعادة الثقة بنفسه.

هل التقسيم السني- الشيعي ممكن؟
بات واضحاً لكل ذي بصيرة إن ما يجري في المثلث السني من تظاهرات واعتصامات واستخدام الشحن الطائفي، هو مؤامرة قذرة وراءها حكومات ومؤسسات خارجية، الغرض منها إسقاط الدولة والدستور، وبالتالي تدمير العراق وتحويله إلى دولة طالبانية. وهذا السلوك ناتج عن القصور في التفكير السليم من قبل قادة هذه التظاهرات. فصدام حسين منع العراقيين من التفكير واستخدام عقولهم لخمسة وثلاثين سنة، وصار هو وحده يفكر نيابة عنهم. وفي الطب نعرف أن عدم استخدام أي عضو في الجسم يؤدي إلى ضموره (disuse atrophy)، وكذلك عدم توظيف العقل يؤدي إلى ضموره وتوقفه عن التفكير السليم. إضافة إلى دور حكم البعث في التضليل، وتفتيت النسيج الاجتماعي، والتجهيل المتعمد، ومحاولة القضاء على الشعور بالوطنية، وتكريس القبلية والطائفية.   
لذلك، نعتقد أن هذه الأزمة السياسية والفكرية والعقلية والطائفية والأخلاقية هي مؤقتة، وعلى أبناء شعبنا، وخاصة القادة السياسيين ورجال الدين، ورؤساء العشائر أن لا يسقطوا في الفخ، بل أن يصمدوا ويقاوموا هذه الموجة الجنونية بالصبر والحكمة، فهي ستفشل إن عاجلاً أم آجلاً، وقريباً سينتبهون من غفلتهم ويندمون كما ندم أغلب الذين ساهموا في تنفيذ مؤامرة 8 شباط 1963، و17-30 تموز 1968، وبعد أن دفعوا الثمن باهظاً.
لذا، فثقتنا كبيرة بأبناء شعبنا أنهم لن يسمحوا للمتآمرين بتمرير أجنداتهم هذه المرة، فتقسيم المحافظات العراقية العربية إلى كانتونات سنية وشيعية له نتائج كارثية لا توصف. ولحسن الحظ لا يمكن تحقيقها لسبب مهم، وهو أن التقسيم السني- الشيعي غير ممكن عملياً إطلاقاً. فالعراقيون، شيعة وسنة محكوم عليهم أن يتعايشوا معاً في السراء والضراء، في دولة واحدة إلى أن يبلغوا سن الرشد والنضج السياسي، وعندها سيتذكرون تصرفاتهم المخجلة هذه بندم شديد.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


384
العراق في مفترق الطرق
د.عبدالخالق حسين

العراق بلد مأزوم طوال تاريخه المدوَّن، ولكن التصعيد الجديد للأزمة يمثل مرحلة جديدة غير مسبوقة في خطورتها، يهدد الدولة بالزوال والسقوط في مستنقع حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. فقد وصل العراق الآن مفترق الطرق، إما أن يكون أو لا يكون، إما التقسيم إلى ثلاث دول أو الصوملة وخروج مكونة واحدة "منتصرة" تهيمن على بقية المكونات كما كان الوضع قبل 2003. فمن مراجعة سريعة لتاريخه الحديث منذ الحرب العالمية الأولى وإلى الآن، نعرف أن الشعب العراقي غير متصالح مع نفسه، وفيه من الصراعات الطائفية والقومية أكثر من أي شعب آخر. فأي موقف يتخذه الشيعة في الوسط والجنوب، يتخذ سكان المحافظات الغربية (العربية السنية) العكس تماماً. حصل ذلك في الحرب العالمية الأولى، حيث حرب الجهاد، وثورة العشرين في الفرات الأوسط، وكذلك الموقف المتباين للمكونين من ثورة 14 تموز 1958-1963، وانتفاضة آذار (شعبان) 1991، وبعد إسقاط حكم البعث 2003، وأخيراً التصعيد الجديد، حيث تم رفع الشعارات الطائفية الصريحة في المحافظات السنية بإسقاط الدولة والدستور.

خلال أربعة قرون من حكم الاستعمار التركي العثماني كان العراق مقسماً إلى ثلاث ولايات، الموصل وبغداد والبصرة. وعند تأسيس الدولة العراقية الحديثة، لم تكن الوحدة الوطنية العراقية خياراً شعبياً، بل فرضت على الشعب العراقي بالقوة عن طريق المولدة (القابلة) البريطانية، ومن ثم دكتاتورية المكونة الواحدة التي اضطهدت المكونات الأخرى بذريعة صهرها في بوتقة "الوحدة الوطنية". والنتيجة كانت العكس، حيث تخندق العراقيون في خندق الأثنية والطائفة على حساب الوحدة الوطنية. والآن تأكد لنا أن كل ما قيل في تمجيد الوحدة الوطنية كان كذباً ونفاقاً كما تجلى ذلك بعد سقوط الدكتاتورية عام 2003، حيث مارس الشعب العراقي الديمقراطية الحقيقية لأول مرة في تاريخه، إذ كما ذكرنا في مقال سابق، الديمقراطية تكشف حقيقة الإنسان والمجتمع.

في عام 1933 عمم الملك فيصل الأول مذكرة على عدد من الشخصيات المقربة منه، قال فيها عن شعب العراق: "وفي هذا الصدد، أقول وقلبي ملآن أسى: إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء، ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت، فنحن  نريد والحالة هذه أن نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه وندربه ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف، يجب أن يعلم أيضاً عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل. هذا هو الشعب الذي أخذتُ مهمة تكوينه على عاتقي… " 

فما الذي تغير في الشعب العراقي خلال الثمانين سنة الماضية؟ التغيير هو نحو الأسوأ، فقد تحولت الصراعات من مقالات وكتب تشكك بعراقية، وعروبة، وحتى بديانة الشيعة إلى شتائم طائفية صريحة، وتفجيرات ومفخخات وحروب إبادة ضدهم. نؤكد للمرة المائة أن ما يجري من تظاهرات في المحافظات الغربية هو ليس ضد نوري المالكي كشخص، بل ضده كشيعي، لأن في الموروث التركي لا يجوز للشيعي أن يكون رئيساً للحكومة. فالدولة تعتبر شيعية طائفية طالما رئيس وزرائها شيعي، علماً بأن رؤساء أربع من خمس سلطات هم من السنة. فرئيس الجمهورية، ورئيس البرلمان، ورئيس الإقليم الكردستاني، ورئيس السلطة القضائية هم من السنة، ناهيك عن نسبة الوزراء والنواب...الخ، ومع ذلك لا يتحملون شيعياً على رأس سلطة واحدة وهي السلطة التنفيذية، و لا يعتبرون معارضتهم هذه ممارسة طائفية.

يدعي العلمانيون الديمقراطيون واليساريون، أن هذا الصراع هو نتاج حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية، والتخلص من المحاصصة ينهي الأزمة!!. أكدنا لهم أن العكس هو الصحيح، أي أن المحاصة هي نتيجة الصراعات الطائفية المزمنة في العراق وليست السبب لها. فهذا الصراع وكما بينا، كان موجوداً منذ تأسيس الدولة العراقية بل وقبلها بمئات السنين، وشهد بذلك عالم الاجتماع على الوردي، أعيد ما قاله صراحة قبل 50 عاماُ كما يلي:
"إن الشعب العراقي منشق على نفسه، وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر مما في أي شعب عربي آخر- باستثناء لبنان- وليس هناك من طريقة لعلاج هذا الانشقاق أجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه، حيث يتاح لكل فئة منه أن تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية. ينبغي لأهل العراق أن يعتبروا بتجاربهم الماضية، وهذا هو أوان الاعتبار! فهل من يسمع؟"

ولكن حتى هذا الحل الذي اقترحه عالم الاجتماع لم يوافق عليه المدمنون على السلطة بالقوة، لذلك تحججوا بمختلف الذرائع في شن حربهم على الديمقراطية والحكومة المنتخبة، تارة بأنها عميلة نصبها الأمريكان، وأخرى بأنها عميلة لإيران، إضافة إلى قائمة الشتائم الطائفية البذيئة الصريحة.

و حتى السيد مسعود البرزاني، المستفيد الأكبر من العراق الجديد، يعمل الآن على تدميره تحت مختلف الحجج. فبالإضافة إلى تعاونه مع حكومات المنطقة (تركيا والسعودية وقطر) لزعزعة الدولة العراقية وإسقاط حكومة المالكي، نراه ركب موجة التظاهرات الطائفية في المحافظات الغربية، ووجه الدعوة إلى الطائفي الشيخ يوسف القرضاوي لزيارة كردستان. لا شك أن سبب الدعوة ليس حب البرزاني للقرضاوي، بل كرهه للمالكي والحكومة المركزية، فالغرض من هذه الزيارة هو وضع الشيخ قريباً من الأحداث الساخنة في المثلث السني ليشعلها حرباً طائفية لا تبقي ولا تذر.
فما فائدة الشعب الكردي من زيارة هذا الزعيم الديني الطائفي لكردستان، خاصة وقد " اطلق القرضاوي اثناء انعقاد المؤتمر الثالث للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في اسطنبول في 25-6-2010 ، تهمة الارهاب على نضال الشعب الكردي من اجل حقوقه المشروعة في شمال كردستان."؟(1)
لا شك أن السيد مسعود البرزاني يعتبر مبادرته هذه تكتيك سياسي ذكي باستخدام الشيخ القرضاوي كأداة مساعدة لتدمير العراق، وقد نسي أنه بتدميره للعراق الديمقراطي يكون الشعب الكردي، كغيره من مكونات الشعب العراقي، من أشد المتضررين، كما حصل له في تعاون والده مع البعثيين الذين تآمروا على ثورة 14 تموز وذبحوا قيادتها الوطنية النزيهة.
[بالمناسبة: أصدرت رئاسة كردستان بياناً نفت فيه دعوتها الشيخ القرضاوي لزيارة الإقليم، وجاء في البيان: "أن شخصا قام وانتحل صفة مستشار لرئيس إقليم كردستان..". وعلقت صحيفة (الشرق الأوسط) التي نشرت البيان قائلة:"... وعلى الرغم من أن البيان لم يشر إلى اسم أي شخصية وجهت له الدعوة لزيارة كردستان، ولكن الواضح أن المقصود به هو الشيخ يوسف القرضاوي الذي وجه إليه الإعلامي الكردي كفاح محمود سنجاري، الذي يدعي كونه من مستشاري رئاسة إقليم كردستان...الخ" (الشرق الأوسط، 29/1/2013).
ونحن لا نعتقد أن السيد كفاح محمود سنجاري يتجاوز حدوده، ويتصرف بهذا الشكل دون أوامر من البرزاني وهو يعرف ما سيتخذه السيد رئيس الإقليم من عقوبات شديدة ضد كل من يتجاوز حدوده وهو مقيم في كردستان. في رأينا صدور بيان النفي حاء لامتصاص غضب الشارع الكردي الذي كان رد فعله ساخطاً ضد توجيه دعوة إلى القرضاوي الذي هو أحد ألد أعداء الشعب الكردي خاصة، والعراقي عامة.]

غني عن القول أن ما يجري في العراق من فوضى عارمة في المحافظات الغربية، بدفع وتخطيط من حكومات المنطقة، وبالأخص تركيا وقطر. فحكومة أردوغان تتدخل بمنتهى الصلافة والصفاقة بالشأن العراقي بشكل علني وفض لا يجب على الحكومة العراقية السكوت عنها. فقد أفادت الأنباء أن شهدت اسطنبول "يوم 26/1/2013 عقد مؤتمر ثان تحت عنوان نصرة انتفاضة الشعب العراقي والذي دعا خلاله رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان الى اقامة حكومة راشدة في العراق". رافق ذلك التصعيد السياسي للقائمة العراقية بعد ان انسحبت من الحكومة وعلقت حضورها في البرلمان. لا شك الغرض من ذلك هو إرباك الحكومة تمهيداً لإسقاطها، وبالتالي إسقاط الدولة وإغراق العراق في فوضى عارمة تهلك الحرث والنسل.
ومن مخططات قادة التظاهرات التحرش بالجيش الوطني لاستدراجه للصدام المسلح كما حصل في الفلوجة قبل أيام، واتخاذه ذريعة لإشعال حرب طائفية طاحنة على غرار ما يجري الآن في سوريا الجريحة، ومن قبل نفس الجهات والحكومات، فهذه الخطة معدة سلفاً، وفي جميع الأحوال، يكون الجيش هو الملام حتى ولو أدى واجباته لحماية أرواح وممتلكات المواطنين.
 
بات من المؤكد أن قادة التظاهرات هم من البعثيين وحلفائهم أتباع القاعدة، وبينهم عراقيون مستعدون ليكونوا أدوات طيعة بيد الحكومات المعادية لتدمير العراق وشعبه مقابل مكاسب شخصية وآنية، وإلا كيف يرضى شخص يدعى (الدكتور طه الدليمي) أن يكيل أبشع الشتائم الطائفية ضد أكبر مكونة من مكونات الشعب العراقي من تلفزيون خليجي، وتظهر جماعة في تظاهرة الرمادي يحملون لافتة مكتوب عليها: (كلنا الشيخ طه الدليمي) في إشارة إلى أن شتائم الدليمي ضد الشيعة ليست تصرفاً شخصياً، بل تمثل موقف كيان سياسي وسحبه على أهل السنة، وهم براء. فهل هذه الهتافات جاءت عفوية أم وراءها مخططات إقليمية لإشعال حرب طائفية تحرق الأخضر بسعر اليابس؟ وهذا يعني أن في العراق أناس على أهبة الاستعداد لحرق بلادهم تنفيذاً لأوامر أمير قطر، والرئيس التركي أردوغان.

وفي جميع الأحوال فهذه التظاهرات ليست من أجل الديمقراطية، كما يدعي البعض، بل لإجهاضها. ولكن مع ذلك نلاحظ أدعياء الديمقراطية والعلمانية وحتى البعض من أدعياء اليسارية، يدعمون هذه التظاهرات ويمنحونها صفة الشرعية، ويدّعون أن مطالبها مشروعة، حتى ولو تضمنت أهدافاً غير مشروعة مثل إسقاط الدولة والدستور، إضافة إلى رفع شعارات طائفية صريحة. ولكنهم في نفس الوقت يستنكرون تظاهرات الجماهير في محافظات الوسط والجنوب المساندة للحكومة المنتخبة. فنحن أمام مفارقة غريبة وعجيبة، نرى ديمقراطيين يساريين يدعمون تظاهرات يقودها أعداء الديمقراطية، ويستنكرون تظاهرات لدعم الديمقراطية.

وفي خضم تصاعد ضجيج دعاة العنف والطائفية، ورغم وجود عدد غير قليل من العقلاء والحكماء في المكون السني من أمثال المفتي الشيخ مهدي الصميدعي، والشيخ حميد الهايس وخلف العليان وغيرهم، إلا إن البلطجية من دعاة العنف والفوضى وتدمير العراق مازالوا هم الأقوى، وصوتهم هو الأعلى صخباً وضجيجاً، ويقتلون كل من لا يسايرهم كما قتلوا النائب المعتدل عيفان العيساوي.

ومما شجع المتظاهرين على التمادي في نشاطهم التخريبي هو تساهل الحكومة واستجابتها لكثير من طلباتهم وتقديم المزيد من التنازلات لهم. بينما الحقيقة إن الغرض من هذه التظاهرات ليس المطالبات المشروعة مثل إطلاق سراح (المعتقلين الأبرياء..الخ)، بل الطلبات التعجيزية غير المشروعة مثل إلغاء قانون الإرهاب، وقانون المساءلة والعدالة...الخ. كما لم تكن غايتهم إسقاط المالكي فحسب، فهذا الطلب يمكن تحقيقه بسحب الثقة منه في جلسة برلمانية واحدة لو أرادوا، ولكن الغرض الرئيسي هو، وكما قالوها صراحة، إسقاط الدولة والدستور. فهل الحكومة مستعدة لتحقيق ذلك لهم؟

كذلك تأكدت لجنة الحكماء وهم من السنة، أن الإدعاء بالاعتداء على شرف السجينات كان باطلاً، إذ أفادت الأنباء أن: "كشف رئيس هيئة إفتاء أهل السنة والجماعة في العراق ورئيس لجنة الحكماء الخاصة بملف المعتقلات، الشيخ مهدي الصميدعي، يوم الخميس [25/1/2013]، أن إحدى القنوات الفضائية عرضت على إحدى المعتقلات المفرج عنهن في الغزالية ببغداد، مبلغ 20 الف دولار مقابل أن "تدعي" بوجود حالات اغتصاب داخل السجون، وأكد أن اللجنة سترفع دعوى قضائية ضد القنوات التي روجت لذلك، نافيا قيام لجنة الحكماء بـ"مقايضة النساء بالمال" مقابل "الستر".(2)
وهذا غيض من فيض من المؤامرة.
فإلى أين يسيرون بالعراق؟ وهل هناك نهاية سلمية لهذه "الانتفاضة" التي يحلو للبعض تسميتها بـ(الربيع السني؟)

ما الحل؟
الآن وصل العراق في مفترق الطرق. أي حل يسلك؟ هل الحل هو في تقسيم العراق إلى ثلاث دول أو دويلات مستقلة، أم فيدراليات، أو كونفيدراليات، أو التعايش مع هذا الوضع المزري إلى مستقبل غير منظور؟؟
هذا هو موضوع مقالنا القادم

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالمقال:
1) شه مال عادل سليم: دعوة القرضاوي لزيارة اقليم كردستان تثير ردود فعل غاصبة ..!
 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=342805

2) الشيخ مهدي الصميدعي: احدى القنوات عرضت 20 الف دولار على معتقلة مفرج عنها
 http://www.sotaliraq.com/mobile-news.php?id=86032#axzz2IsXRVXhg
 
3) فيديو: اخطر 6 دقائق ستسمعها من المالكي عن العراق
http://www.youtube.com/watch?v=t_77uIAtNUk



385
رد متأخر على مقال: أسباب اضطهاد الشيعة

د.عبدالخالق حسين

نشر الدكتور نزار أحمد مقالة له على مواقع الانترنت قبل أكثر من عامين، وتحديداً يوم 25/10/2010، بعنوان (أسباب إضطهاد الشيعة)، رد بها على فصل من كتابي الموسوم (الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق) والذي نشرتْ فصوله على مواقع الإنترنت في نفس السنة، تطرقت فيه إلى تاريخ التمييز الطائفي في مختلف العهود منذ العهد العثماني وإلى الآن. وكنت قد اطلعتُ على مقالة الدكتور نزار أحمد في وقتها إلا إني لم أتصور أنها كانت بحاجة إلى رد أو توضيح مني، خاصة وهي أصلاً رد على مقالي. ولكن الغريب في الأمر أن عاد تعميم المقالة مجدداً خلال الأسبوعين الماضيين، وراحت تصلني حتى من أصدقاء مقربين لي بمعدل ثلاث مرات يومياً تزامنا مع اندلاع ما يسمى بـ(الانتفاضة الشعبية) في المحافظات الغربية، والتي يسميها البعض بـ"ثورة الربيع السني" اتسمت برفع شعارات، وإطلاق هتافات مسيئة، وشتائم طائفية ضد الشيعة. لذا شعرتُ أن إعادة التعميم بشكل مكثف لها علاقة بما يجري على الساحة الآن من الشحن الطائفي وإثارة الفتنة الطائفة وبالتالي إلقاء اللوم على الشيعة.
كما وطالبني البعض بتوضيح موقفي، لذا رأيت من المناسب كتابة هذا الرد ولو متأخراً.

يبدأ السيد الكاتب مقاله بنوع من الإطراء بحقي مشكوراً، قائلاً: ((لفت انتباهي حديثا مقال جميل للكاتب عبد الخالق حسين تطرق فيه الى ما اسماه "طائفية العهد الملكي"))... ويضيف: ((لا غبار على صحة ودقة الارقام والإحصائيات التي استند عليها الكاتب لأنها اخذت من مصادر موثوقة. مضافا اليها حقيقة تعرض المكون الشيعي الى اهمال اقتصادي وثقافي خلال العهد الملكي والى اضطهاد دموي خلال الحقبة البعثية.))

كذلك ذكر الكاتب بعض الحقائق التي أتفق ويتفق معه كل قارئ علماني تقدمي منصف يريد الخير للعراق، مثل تأكيده على ضرورة تبني العلمانية والديمقراطية وذمه للطائفية.. الخ. ولكن بعد ذلك بقليل نجد أن الغرض من هذه العبارات القيمة هو لكسب ثقة القارئ بأنه محايد في هذا الموضوع، وأنه لا يقول إلا الحق ولمصلحة الجميع، وبذلك يسهل عليه تسويق أفكاره التي في معظمها مجافية للواقع والحقيقة، إذ كالعادة في مثل هذه الحالات، يلجأ هؤلاء إلى إلقاء اللوم على الضحية وتبرئة الجاني، فيقول: 
((ولكن الكاتب لم يوفق اطلاقا في تفسير اسباب هيمنة المكون السني على الوظائف الحكومية بما فيها الحكومات العراقية التي تلاحقت على حكم العراق منذ نشأته الحديثة. ايضا اهمل الكاتب عن قصد (كذا) تحليلات الدكتور علي الوردي بانيا بدلا عنها فرضيات غير موضوعية في تفسيره لهذه الاحصائيات الواردة في مؤلفات الوردي مناقضا وهاملاً تفسيرات الوردي بهذا الخصوص.))

كنت أنتمنى على السيد الكاتب، لو تفضل علينا بذكر مثال واحد مما أدعى من إهمالي المتعمد لأقوال الوردي ليثبت صحة إدعاءاته.
فإذا كان يقصد بذلك دور بعض القيادات الدينية الشيعية في عزل أبناء طائفتهم، فأنا لم أهمل ذلك، إذ خصصت فصلاً كاملاً من الكتاب في هذا الخصوص بعنوان (دور الفقهاء الشيعة في العزل الطائفي)(1) ولم أهمل أي دور أو تقصير من قبل القيادات الدينية الشيعية، ولمتهم على ذلك، وبالأخص الشيخ مهدي الخالصي، مما دفع أحد الكتاب من أتباع الشيخ الرد عليَّ في هذا الخصوص بمنتهى التشنج بمقال عنوانه: (رداً على مقالة دور الفقهاء الشيعة في العزل الطائفي) وتحت العنوان عبارة: (رداُ على تلبيسات أدعياء الثقافة اليساريين الساقطين في أحضان الإمبريالية). بإمكان القارئ الكريم نقل العنوان إلى مساحة البحث في غوغل للإطلاع على المقالين.
يحاول الدكتور نزار أحمد إلقاء كل ما لحق بالشيعة من عزل وحرمان من حقوق المواطنة، على مرجعيتهم الدينية، فيقول:
((السؤال الذي يطرح نفسه هو هل هذه الهيمنة التي استمرت لأكثر من ثمانين عاما اسبابها كانت طائفية ام ان هناك اسبابا حقيقية اخرى تقف وراء هذه الهيمنة؟ ويجيب: "المجتمع الشيعي ومنذ ولاية الدولة العثمانية يختلف عن المكونين السني والكردي حيث تتحكم به مؤسستان، الأولى المؤسسة الدينية والثانية نظام العشائر. المؤسسة الدينية حاولت ولازالت تنتهج سياسة ابقاء المكون الشيعي متخلفا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا لأن ذلك يمثل مفاتيح التحكم به ويعتبر اهم عوامل قوتها واستمرارية ديمومتها وهيمنتها.)) (أنتهى).

هذا الكلام غير دقيق إطلاقاً، فهو ينفي عن العرب السنة والكرد صفة العشائرية والقبلية وحتى طاعتهم لمرجعياتهم الدينية. بينما الواقع يؤكد أن معظم الشيعة والسنة العرب ينتمون إلى نفس العشائر. ففي كل عشيرة (جبور، شمر، الزبيد، وحتى الدليم) هناك سنة وشيعة، يعتمد على التوزيع الجغرافي. مثلا أبناء عشائر الجبور في الوسط والجنوب شيعة، وفي الشمال سنة، وهكذا عن بقية العشائر. وكذلك الأكراد هم عشائر، سنة وشيعة.
أما اختلاف الشيعة العرب عن السنة منذ ولاية العهد العثماني فسببه ليس المرجعية كما أدعى الكاتب، بل عاملت الدولة العثمانية الشيعة كطائفة منحرفة عن الإسلام، واضطهدتهم ومنعتهم من دخول المدارس ووظائف الدولة. وحاولت السلطات الطائفية في العهد الملكي السير على النهج العثماني. (راجع مقالنا: الطائفية في العهد الملكي) الرابط أدناه.(2) 

ويضيف الكاتب: ((لهذا نبين بعضا من سياسات المرجعية والتي كانت نتائجها هيمنة المكون السني
اولا: عند نشأة الدولة العراقية عام 1921, المؤسسة الدينية الشيعية قاطعت العملية السياسية برمتها وحرمت الانتماء الى مؤسسات الدولة العراقية او حتى التعامل معها.
)) أنتهى.

هذا الكلام يمثل نصف الحقيقة، إذ كان الشيخ مهدي الخالصي وعدد من رجال الدين الشيعة اتخذوا هذا الموقف المتشنج من الدولة الوليدة التي هم ساهموا في ولادتها بثورة العشرين، وتم تهجيرهم إلى إيران بتهمة التبعية الإيرانية. ولكن في نفس الوقت كان هناك رجال دين شيعة مثل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والسيد محمد الصدر، والشيخ محمد رضا الشبيبي، والزعيم السياسي المعروف جعفر أبو التمن وغيرهم كثيرون، كانوا يسعون لإنصاف أبناء طائفتهم ومشاركتهم في صنع القرار السياسي والوظائف الحكومية، ولكن كانت مطالباتهم تواجه بالقمع والرفض الشديد. إضافة إلى جلب كتاب طائفيين من البلاد العربية لتأليف كتب تحط من قدر الشيعة وتؤلب عليهم، وتعتبرهم من بقايا الفرس الساسانيين. وفتنة أنيس النصولي وغيره معروفة لكل من قرأ تاريخ العراق الحديث.
فكان ومازال هناك اتجاه في الوسط السني معارض لمشاركة الشيعة بالسلطة بما يناسب ثقلهم السكاني، وما تفرزه صناديق الاقتراع. وكل ما نشاهده ونقرأه هو نزعة الحط من الشيعة واتهامهم بالتبعية الإيرانية ونعتهم بالصفوية، وحتى التشكيك بعروبتهم وانتمائهم للعراق، دون أن نسمع أو نقرأ أية إدانة من السياسيين والكتاب العرب السنة، بمن فيهم العلمانيون، لهذه الحملة الضارية التي بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولحد الآن. ففي الثلاثينات من القرن الماضي نشر المدعو (عبدالرزاق الحصان)، وبدعم عدد من رجال السلطة في ذلك العهد كتاباً بعنوان (العروبة في الميزان) واصفاً فيه الشيعة بأنهم “شعوبيون بالإجماع، فرس بالإجماع، وهم من بقايا الساسانيين في العراق، ولا حق لهم في السلطة، أو أي تمثيل في السلطة!! لأن الأجنبي ليس من حقه المساواة مع ابن البلد”.
أي أنه اعتبر الشيعة الذين قادوا ثورة العشرين أجانب!
ونحن بدورنا نسأل السيد نزار أحمد، ما علاقة هذا الكلام بالمرجعية الشيعية؟ الغرض هو تبرئة الطائفيين الذين زرعوا الطائفية مع وضع حجر الأساس منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وإلقاء اللوم كله على الضحية. فما الذي تغير الآن؟ لقد تحولت محاربة الشيعة من حروب كلامية عن طريق مقالات والكتب في العهد الملكي إلى حروب إبادة حقيقية بالمتفجرات في الوقت الراهن.
ثم يأتي الكاتب على: ((ثانيا: تحريم او عدم التشجيع على الانتساب الى الكليات العسكرية. خصوصا اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الكليات العسكرية سواءً كانت في العهد الملكي او الحكومات الشمولية التي لحقته كانت تقبل جميع المتقدمين اليها والذين يجتازون الفحص الطبي، كذلك فإن الترقية في الجيش العراقي كانت تلقائيا ولا تفرق بين عمر وزيد.)) أنتهى.

هذه أيضاً مغالطة مقصودة ومضللة. فالمعروف أن المرجعية الشيعية ليست موحدة، بل كل من بلغ مرحلة الإفتاء في التراتبية الشيعية (آية الله) له أتباعه من الشيعة. وكما بينا، ليس كل فقهاء الشيعة منعوا أبناء طائفتهم من الالتحاق بالجيش، أو التقديم للكليات العسكرية، وهذا معروف. وإذا كان الأمر كما قال الكاتب في السنوات الأولى من العهد الملكي، فلماذا استمر عدم قبول المتقدمين الشيعة إلى نهاية العهد الملكي إلا نادراً. وهنا أعيد المثال الذي ذكرته في مقالي (الطائفية في العهد الملكي) والذي أغفله الكاتب قصداً، كالتالي:
روي لي الأستاذ عادل حبه (قيادي سابق في الحزب الشيوعي العراقي)، أنه حين أنهى مرحلة الدراسة الثانوية في الخمسينات، وحاز على معدل عال يؤهله للقبول بأية كلية يرغبها، قرر بناءاً على توجيه الحزب الشيوعي تقديم طلب قبول إلى الكلية العسكرية ليتخرج ضابطاً في الجيش، وجرى اجتيازه لكل الاختبارات بما فيها الفحوصات الطبية بنجاح، وعند مقابلته آمر الكلية العسكرية في المقابلة النهائية، لتدقيق أوراقه ومعدلاته والفحوصات الطبية، أبلغه أنه مستوفي كافة شروط القبول في الكلية العسكرية، لكن فاجأه بسؤال: هل أنت سني أم شيعي؟ فأجاب أنه شيعي. فأبلغه أن طلبه للالتحاق بالكلية العسكرية مرفوض.
كما ونقل لنا المرحوم عدنان عليان في كتابه (الشيعة والدولة العراقية الحديثة) شهادة من عراقي سني، وهو الراحل ثابت حبيب العاني، قيادي شيوعي سابق، ذكرها في ندوة فكرية عام 1993 في لندن، بمناسبة ذكرى ثورة 14 تموز 1958، تعرض للمسألة الطائفية وأكد وجودها في إطار التطبيق والممارسة، بكل مرافق الدولة، وبالخصوص القبول في الكلية العسكرية، فأورد حادثة حصلت له حين تقدم للكلية العسكرية هو وزميل له، فقبل هو فوراً، ورفض صاحبه، والسبب أن اسمه العاني، واسم زميله عبدالحسين (لا يسمى به إلا الشيعة)، في حين أكد العاني أن زميله كان أفضل منه من ناحيتين، اللياقة البدنية، والناحية العلمية.
ولا شك أن هناك الكثير من القصص المماثلة التي تعرَّضَ لها الناس بسبب التمييز الطائفي في ذلك العهد.

ثم يأتي الكاتب على ((ثالثا: تأييد المرجعية للإقطاع المسؤول الأول والأخير عن تخلف المجتمع الريفي العراقي... ورابعا: محاربة المرجعية لعبد الكريم قاسم الذي قضى على الاقطاع وحاول القضاء على هيمنة النظام العشائري وأحداث تنمية ثقافية واقتصادية.
((خامسا: محاربة المرجعية للعمل الحزبي وخصوصا الاحزاب العلمانية والليبرالية واليسارية. فمن منا لا ينسى فتوى المرجعية والتي اعتبرت الانتماء الى الحزب الشيوعي كفرا والحادا. لحد هذه اللحظة يعاني الحزب الشيوعي من آثار هذه الفتوى الجائرة
))

جوابنا هو: من المعروف أن معظم رجال الدين في العراق وخارج العراق، سنة وشيعة هم مع الإقطاع، والقوى الرجعية. وهذه الصفة لا ينفرد بها رجال الدين الشيعة في العراق إلا نادراً. أما موقف المرجعية من الأحزاب العلمانية فهو الآخر معروف، ولماذا ينسحب هذا الموقف على الشيعة وحدهم؟ فالشيعة لم يطيعوا قيادتهم الدينية في هذا الخصوص، إذ معظم الجماهير التي دافعت عن عبدالكريم قاسم وحكومته هم من الشيعة، و80% من المنتمين للحزب الشيوعي وغيره من الأحزاب العلمانية وحتى حزب البعث، هم من الشيعة. فلو كان للمرجعية كل هذا التأثير على الشيعة لتغيرت هذه الأرقام. ونشعر أن في كلام الكاتب هذا محاولة لاستمالة اليسار إلى موقف طائفي ضد الشيعة، نتمنى عليه تجنبها. أما سبب معاناة الحزب الشيوعي وانحسار شعبيته لحد الآن فليس فتاوى المرجعية، بل السياسات الخاطئة التي تبناها الحزب الشيوعي في معظم مراحل تاريخه، وبالأخص في تحالفاته مع الفاشية البعثية في السبعينات، وانهيار الأيديولوجية الشيوعية وبطلان مفعولها عالمياً.

ثم يصل الكاتب إلى بيت القصيد وهو التحريض على السياسيين الشيعة دون غيرهم فيقول:
((والآن وبعد ثمان سنوات من وصول الحكومات الشيعة إلى دفة الحكم محمولة على دبابات العم سام، ماذا قدمت هذه الحكومات للمكون الشيعي غير الفقر والتشرذم والتخلف والأمراض والبطالة ونقص الخدمات والركود الاقتصادي والفقر الثقافي واغتصاب الاوجه الترفيهية وتقسيم المجتمع الشيعي الى بؤرات دينية متناحرة وإعادة هيمنة النظام العشائري.)) انتهى

هناك عدة مغالطات في هذه الأقوال. الأولى، هل حقاً الحكومات منذ ثمان سنوات هي شيعية أم تضم ممثلين من جميع مكونات الشعب؟ وهل مجرد كون رئيس الوزراء شيعي، صارت الحكومة كلها شيعية؟ لا نريد ذكر انتماءات الوزراء الدينية والمذهبية، فهذه الحقائق معروفة للجميع، ولكن الإصرار على وصفها بأنها حكومة شيعية، رغم أن رئيس الجمهورية سني كردي، ورئيس البرلمان سني عربي، وأكثر من 60% من الوزراء هم من السنة (عرب وكرد وغيرهم). فهل كون رئيس البرلمان عربي سني، صار السنة العرب مهيمنين على البرلمان؟ المشكلة هنا أن الجماعة لا يمكن أن يقبلوا شيعياً رئيساً للوزراء.

أما المغالطة الأخرى فهي قوله أن هذه الحكومات الشيعية جاءت إلى دفة الحكم محمولة على دبابات العم سام.
أولاً، يجب أن يعرف السيد نزار أحمد وغيره من الذين يرددون هذه الأقوال ليل نهار، أن النظام البعثي هو بالأساس من صنع العام سام. وباعتراف زعيم حزب البعث الأسبق، علي صالح السعدي، أنهم جاؤوا إلى الحكم عام 1963 على القطار الأمريكي. وهناك بحوث وشهادات تؤكد أنه حتى مجيئهم للحكم عام 1968 كان بتخطيط ودعم العام سام وبدفع من الشركات النفطية الأمريكية والبريطانية. وما حملة الاغتيالات لبعض المشاركين في ذلك الانقلاب (ناصر الحاني، وعبدالرزاق النايف وغيرهما) فيما بعد، إلا لإخفاء دور العام سام.
كما واعترف الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلتنون، أن أمريكا تتحمل مسؤولية أخلاقية لمساعدة الشعب العراقي بتحرير العراق من حكم صدام الجائر، لأن أمريكا هي التي أوصلته إلى الحكم ومدته بالدعم.
وثانياً، صحيح أن القوات الدولية بقيادة أمريكا هي التي اسقطت حكم البعث الفاشي، وهي نفسها التي حررت أوربا من الفاشية والنازية الهتلرية، إلا إن الحكومة منذ 2004 وإلى الآن هي نتاج صناديق الاقتراع. والإصرار على ترديد القول أن الحكومة نصبتها أمريكا (وإيران كما يدعي البعض الآخر) هذه الأقوال مغرضة وكيدية ودليل على معاداة هؤلاء للديمقراطية والانتخابات، وإلغاء شرعية الحكومة المنتخبة لتبرير إسقاطها بالإرهاب.

ويضيف الكاتب بنبرة تحريضية قائلاً: ((من يذهب الى مدن الثورة والشعلة والجمهورية (البصرة) والحي (الكوت) وعلي الغربي (ميسان) لا يجد فرقا بين الامس واليوم بل يجد احوالها اسوأ مما كانت عليه حتى في عهد البعثية. ثمان سنوات ليس بالزمن القصير مقارنة مع عهود عبد الكريم قاسم والعارفين والبكر. كذلك لا يمكن التحجج بتدني الوضع الامني لان مناطق الجنوب والوسط مستقرة امنيا ومنذ يوم سقوط الصنم (كما يسموه) وان كانت تحدث اعمال شغب فسببها خلافات وتناحرات مليشيا احزاب الاسلام السياسي الشيعية.)) (انتهى)

دعونا نناقش هذه النقاط واحدة واحدة:
لقد أهمل حكم البعث جميع الخدمات والبنى التحية والركائز الاقتصادية منذ تورطه بحربه العبثية مع إيران عام 1981، إلى سقوطه عام 2003. إضافة إلى 13 سنة من الحصار الاقتصادي، والخراب البشري. فمن المستحيل تغيير الوضع في ثمان سنوات أو عشر سنوات، ومع ذلك هناك تحسن ملموس في جميع الميادين، ولكن هناك حملة إعلامية مضادة لإنكار الإيجابيات، وتضخيم السلبيات، واختلاق المزيد منها لإظهار العهد البعثي بالعهد الزاهر. بينما يجب على البعثيين أن يتواروا عن الأنظار بعد كل هذا الخراب والمجازر والحروب والدمار الذي ألحقوه بالعراق والمنطقة. فماذا أبقى البعثيون ليواجهوا به الشعب العراقي؟

ثم يذكر الكاتب شهيد الوطنية العراقية الزعيم عبدالكريم قاسم وما حققه من مكتسبات للشعب خلال 4 سنوات ونصف السنة من حكمه القصير. كان الزعيم قاسم قد اعتمد على شخصيات تكنوقراط وطنية فذة مثل محمد حديد، وإبراهيم كبة، وهديب الحاج حمود، وعبداللطيف الشواف، ومصطفى علي وغيرهم كثيرين. ولم يكن لعبدالكريم قاسم برلمان مشاكس له يمتنع عن التصويت على برنامجه الإعماري لكي لا يكون دعاية يستفيد منها رئيس الوزراء كما هو الحال اليوم مع المالكي. كذلك لم يجرأ أحد من وزراء الزعيم قاسم أن تكون له رجل في الحكومة ورجل في الإرهاب، وكذلك لم تكن هناك القاعدة الوهابية الإرهابية  والتفجيرات والمفخخات وغيرها. لذلك فمن المغالطة القول أن غياب الأمن لا علاقة له بالتلكؤ بالبناء والإعمار. والجنوب كغيره من المناطق العراقية لا ينعم بالأمن كما ادعى الكاتب. ومع ذلك لم يسلم الزعيم قاسم من مؤامرات البعثيين المجرمين. فالبعث هو أخطر وأخبث سرطان أصاب الجسد العراقي.
أما البكر فكان يحكم العراق بالحزب الواحد الذي يحصي على الناس أنفاسهم. فالإرهابيون اليوم هم الذين كانوا يحكمون في عهد البكر لذلك شعارهم: (إما أن نحكم العراق أو ندمره). ولذلك تراهم يعادون الديمقراطية لأنهم لا يستطيعون الوصول للسطلة عن طريق الانتخابات النزيهة.

ويسأل الكاتب: "لماذا لا يمثل الشيعة غير الاسلامي؟"
وجوابنا هو: من قال لك لا يمثل الشيعة غير الإسلامي؟ فهناك نحو 30 نائباً من القائمة "العراقية" هم من الشيعة من بغداد ومحافظات الوسط والجنوب. كذلك نسبة كبيرة من كتلة دولة القانون، والإئتلاف الوطني (الحكيم) هم علمانيون شيعة وحتى بينهم سنة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، الدكتور مهدي الحافظ من كتلة دولة القانون، وهو قيادي شيوعي سابق.
كذلك، كون الحزب إسلامياً لا يعني أنه طائفي، إذ أكد رئيس الوزراء نوري المالكي مراراً وتكراراً أنه يسعى لبناء دولة مدنية (أي علمانية). كذلك أكد قياديون سنة من كتلة "العراقية" مثل الشيخ خلف العليان، والشيخ حميد الهايس، أن المالكي ليس طائفياً بل زعيماً وطنياً. كذلك يمكن القول أن الحزب العلماني لا يعني أنه غير طائفي. فالذين حكموا العراق قبل 2003 لم يكونوا إسلاميين، بل كانوا علمانيين حد النخاع، ولكنهم  كانوا طائفيين حد النخاع أيضاً (عدا حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم).
إذ كما قال العلامة علي الوردي: " الإنسان العراقي أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى".(شخصية الفرد العراقي، ص 47).
فهل الذين رفعوا صور صدام حسين ورددوا هتافات طائفية ضد الشيعة في تظاهرات الرمادي والفلوجة هم من أحزاب إسلامية؟ كلا، بل معظمهم بعثيون لا دينيون. ومن الجانب الآخر، هل سمعتم يوماً هتافاً طائفياً من حزب إسلامي شيعي ضد أهل السنة؟ أبداً.

يدعي السيد نزار أحمد ((أن تحكم المؤسسة الدينية وسياستها هما سبب ابقاء المجتمع الشيعي متخلفا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا. هذه السياسة مهدت للهيمنة السنية في العهود الماضية ولازالت تضطهد المجتمع الشيعي اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ولا فرق ان كان الحاكم شيعيا ام سنيا ام كورديا.)) (انتهى)

إذنْ، المجتمع الشيعي في رأي الكاتب متخلف اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا. ولكن بعد فقرات قليلة يقول لا فظ فوه: ((الطائفة الشيعية زاخرة بالعقول العلمية والثقافية والأدبية والإدارية والاقتصادية والأكاديمية ...)).

أما فيما يخص وضعهم الاقتصادي، فنذكر الكاتب أن معظم تجار الشورجة الذين أمم عارف ممتلكاتهم، ومن ثم هجرهم صدام حسين بتهمة التبعية الإيرانية لأسباب طائفية، كانوا من الشيعة. أما عامة الشيعة فحالهم كحال العامة من بقية مكونات الشعب، فهم الفقير وفيهم الغني وفيهم البين بين، ولا أعتقد للمرجعية أية علاقة بوضعهم الاقتصادي.
وفيما يخص تصاعد دور العشائر في هذه المرحلة فسببه ليس "الحكومة الشيعية" بل حكم البعث الذي أحيا القبلية والعشائرية وأعاد الشعب العراقي إلى ما قبل تكوين الشعوب. وهذه الكارثة لا يمكن التخلص منها بإصدار فرمان من رئيس الحكومة، ولا في عشر سنوات، بل يستغرق وقتاً طويلاً.

يقول الكاتب: "المرجعية هي التي صنعت الدستور العراقي؟"
وهذا غلط كبير. المرجعية ساهمت وبطلب من السياسيين، أن تلعب دوراً في دمقرطة البلاد وكتابة الدستور. فالمرجعية أصرت على أن يكتب الدستور من قبل نواب منتخبين من الشعب. ولذلك فقد ساهم أكثر من سبعين نائباً من جميع مكونات الشعب العراقي، في كتابة الدستور الذي صوت عليه الشعب. وهذه هي الديمقراطية. ومع ذلك، فلو تقرأ الدستور لا تجد فيه أي أثر شيعي سوى الديباجة (المقدمة)، وهي لا تقدم ولا تؤخر.
ولم يكتف الكاتب بإلقاء اللوم على المرجعية في كل شيء، إذ يلومها حتى على الفساد. وكأن الفساد من طائفة واحدة فيقول: ((فواجب المرجعية هو حماية والدفاع عن حقوق المواطن المؤمن وليس الحياد عن فساد الساسة وتكاثر برجوازيتهم)). 
فمن جهة يطالب الكاتب المرجعية بعدم التدخل في السياسية، ومن جهة أخرى يطالبها بالتدخل للتخلص من الفساد.
نؤكد للسيد نزار أحمد، أني لا أريد الدفاع عن المرجعية، فهي لا تحتاج دفاعي، ولكن الحقيقة يجب أن تقال. فلحد علمي، وفيما يخص السيد علي السيستاني أنه لا يرغب التدخل في السياسة، وضد حكم ولاية الفقيه. ولكن ظروف المرحلة القاهرة، وعدم وجود زعيم سياسي يتمتع بالاحترام العميق لدى الجميع، اضطر السياسيون الشيعة، اللجوء إلى المرجعية لما لها من المكانة الروحية والتأثير على أتباعهم، وكان دور المرجعية إيجابياً في جميع المناسبات، وأهمها مطالبتهم الشيعة بالصبر وضبط النفس عندما تعرضوا ومازالوا لمجازر الإرهاب وهدم أضرحة أئمتهم.

أما سبب التفاف الشيعة حول الأحزاب الإسلامية فهو من أجل البقاء. وهذه غريزة طبيعية (داروينية) ينفذها الكائن الحي حتى بدون وعي. فعندما يرى الشيعي وجوده مهدداً لا لشيء إلا لأنه شيعي، وهو في نظر السني أجنبي إيراني، صفوي، ابن المتعة وخنزيز وابن خنزير، عندئذ لا يرى بداً سوى التخندق في حزب الطائفة. وهذا هو سبب هزيمة الأحزاب العلمانية في المحافظات ذات الغالبية الشيعية. ولذلك يتمتع التحالف الوطني (دولة القانون+ الإئتلاف الوطني) بأكبر عدد من المقاعد (159). ولا أتوقع أن تكون النتائج أقل من ذلك في الانتخابات القادمة.

يقول الكاتب: ((أن التيار الصدري يمثل صوت ايران في الحكومة العراقية ولا تهمه مصلحة الشيعة بقدر ارضاء النظام الايراني.))
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا ترحب به "العراقية" وهي تمثل العرب السنة، والصدر أحد الزعماء الثلاث (علاوي وبارزاني والصدر) لسحب الثقة من المالكي؟ هل إيران تريد سحب الثقة من المالكي؟ إذنْ، لماذا يصرخون ليل و نهار أن المالكي عميل إيراني؟

ثم يعترف الكاتب أن "المكون الشيعي لم يعد مكونا موحدا وانما اصبح متكون من مكونات مذهبية متناحرة مع بعضها البعض".
ونحن نوافقه على ذلك، فشأن الشيعة كبقية مكونات الشعب العراقي، منقسم على نفسه.


ويختم الكاتب مقاله بملاحظة فيقول: ((شخصيا انا ضد جميع اشكال الطائفية سواء كانت قومية او دينية او مذهبية او عشائرية ولكن تطرقي الى الطائفية انطلق من واقعية الوضع الراهن. كذلك احترم حرية المواطن بممارسة العقائد الدينية التي تناسب اعتقاده الشخصي ولكني اقف ضد تسيس الدين وضد الاكراه في الدين واستغلاله لغسل عقل المواطن والتحكم به. في دولة المواطنة الشخص حر في سلوكه وتصرفاته واعتقاداته وافكاره مهما كانت بضمنها الالحادية او ممارسة العقائد غير السماوية. فهل تقبل المرجعية بذلك؟ شخصيا لا اعتقد واكاد اجزم)).

وأنا أتفق كلياً مع الكاتب في هذه الخاتمة الجميلة، ولكن يجب عليه دعم الأقوال بالأفعال. فالمسألة ليست بالتمنيات وترديد مقولات ضد الطائفية، ولا بيد المرجعيات الدينية، بل نتيجة الظروف الموضوعية التي يعيشها الشعب، ومدى تطور وعي الشعب سياسياً وفكرياً وأمنياً واقتصادياً. وقد صدق من قال :"غيِّر ظروف الإنسان تتغيَّر أخلاقه." فالحل الوحيد للتخلص من الأحزاب الإسلامية الشيعية هو نبذ الصراع الطائفي، ودحر الإرهاب الذي يشنه البعث وحليفته القاعدة لإبادة الشيعة، والعمل على إرساء دولة المواطنة والنظام الديمقراطي. فطالما يشعر الشيعي أنه معرض للإبادة بسبب مذهبه، فلا
يرى غير الأحزاب الإسلامية ملاذاً له من أجل البقاء، وكل ما عدا ذلك هراء في هراء.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات علاقة بالموضوع
1) د.عبدالخالق حسين: دور الفقهاء الشيعة في العزل الطائفي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/news/408.html

2)د.عبدالخالق حسين: الطائفية في العهد الملكي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=411


386
لماذا يطالبون المالكي بالاستقالة؟
د.عبدالخالق حسين

بدأت الحملة من قبل الشركاء في الحكومة بإسقاط السيد نوري المالكي، وإزاحته عن المسرح السياسي، حتى قبل تشكيل حكومته الثانية نهاية عام 2010، إذ عرقلوا تشكيلها نحو 10 أشهر. والجدير بالذكر أن سبب موافقتهم عليه في تشكيل حكومته الأولى عام 2006 كبديل للدكتور إبراهيم الجعفري هو لعدم معرفتهم الكافية به، إذ كانوا يتصورونه شخصاً ضعيفاً (على قدر أيديهم!) يمكنهم السيطرة عليه وتوجهيه كما يشاؤون!. ولما أثبت الرجل كفاءته، ويعرف كيف يتعامل مع الأزمات، ويتواصل مع الجماهير كخطيب متمكن، ويتعامل  مع الإعلام كمتحدث لبق سريع البديهة، وأنه شخصية قوية، ويتعلم بسرعة، وصار ذا خبرة وحنكة سياسية يحسب له ألف حساب، هنا عقدوا العزم على التخلص منه بأي ثمن لأنهم لم يريدوا حكومة مركزية قوية يرأسها شخص قوي مثل المالكي. ولما لم يجدوا عليه تجاوزات قانونية، لذلك بدأت الحملة بتوجيه شتى الاتهامات الوهمية ضده مثل أنه دكتاتور مستبد، متمسك بالكرسي، محتكر لجميع السلطات، ونسخة من صدام حسين، بل وأسوأ منه!! وحتى ألقوا عليه تبعية المحاصصة والفساد، وكل ما ورثه العراق من مشاكل عبر قرون.

لقد بات معروفاً لدى الجميع أن مشاركة كتلة "العراقية" البعثية في العملية السياسية كانت من أجل تخريبها من الداخل وإفشالها برمتها، وشعارهم هو شعار البعث: (إما أن نحكم العراق أو ندمره). وهم يعرفون جيداً أن الديمقراطية ليست في صالحهم، لذلك راحوا يحاربونها بشتى الوسائل والحجج ومعهم الدول المعادية للعراق وللديمقراطية.

وعلى سبيل المثال، يتذكر القراء الكرام الاجتماع الأول للبرلمان الحالي الذي عقد نهاية العام 2010 كيف لعبت الكتلة العراقية دوراً خبيثاً لعرقلة جدول أعمال الجلسة إذ كان المقرر انتخاب السيد أسامة النجيفي رئيساً للبرلمان، والسيد جلال طالباني رئيساً للجمهورية لولاية ثانية، والذي بدوره يرشح السيد نوري المالكي رئيساً للحكومة لولاية ثانية أيضاً. ولكن ما أن تم انتخاب صاحبهم السيد النجيفي حتى وغادرت أكثرية نواب الكتلة العراقية الجلسة لمنع اكتمال النصاب، وبالتالي عرقلة تنفيذ بقية جدول الأعمال. ولكن لحسن الحظ خاب أملهم، إذ تمرد نحو 30 نائباً وطنياً شريفاً من الكتلة العراقية على قيادتهم، وأصروا على البقاء والمشاركة في بقية أعمال الجلسة. وهكذا فاز السيد جلال طالباني رئيساً للجمهورية رغم غياب كتلة العراقية، والذي بدوره رشح المالكي لتشكيل الحكومة، وبذلك باء رئيس الكتلة أياد علاوي بهزيمة شنيعة، وأثبت أن حضوره وغيابه سيان. وهذا يذكرنا بقول الشاعر:
ما زاد حنون في الإسلام خردلة.... ولا النصارى لهم شأن بحنون

وبعد ذلك بدأت اجتماعات أربيل والنجف لسحب الثقة من المالكي. ومما يجدر ذكره في هذا الخصوص، أن تقريراً نشرته صحيفة "البوليتيكو" الأمريكية ومحطة إذاعة "أوستن" النرويجية، أفاد أن السعودية وقطر وتركيا الأردوغانية قدمت ثلاثة مليارات دولار للمشتركين في مؤتمر أربيل الثاني الذي قرر سحب الثقة من الرئيس المالكي؛ وتقديم مليوني دولار لكل نائب يصوت لسحب الثقة منه، ومع ذلك فشلت جهودهم. فإن صح هذا التقرير فهذا يعني، ورغم الحملة الضارية لتشويه سمعة النواب، أن الأغلبية الساحقة من النواب وطنيون شرفاء فضلوا إنقاذ العملية السياسية، والتمسك بالمالكي، على بيع شرفهم بمليوني بترو- دولار سعودي.   

ولما فشلوا في محاولة سحب الثقة راحوا يخلقون للمالكي المشاكل على جميع الصعد، فكانت قضية طارق الهاشمي ومنحه الملاذ الآمن في كردستان، ثم قضية عمليات دجلة... وأخيراً وليس آخراً، اعتقال عشرة من حماية رافع العيساوي، وزير المالية بتهم الإرهاب، والذي أشعل فتيل التظاهرات في المناطق الغربية والتي طغت عليها الهتافات والشعارات البعثية والطائفية بشكل صريح ومخجل لم يألفه الشعب العراقي طوال تاريخه.

يعتقد البعض أنه كان من الخطأ اعتقال حماية العيساوي في هذه الظروف وذلك للحفاظ على "اللحمة الوطنية"، وأنه كان الأجدر بالسلطة غظ النظر عنهم. نؤكد لهؤلاء أن ما يجري في المحافظات الغربية من تظاهرات، وأفعال وردود أفعال، لا علاقة لها باعتقال حماية العيساوي، ولا بالمطالب المشروعة أو غير المشروعة، بل بات مؤكداً أنه حتى لو لم يتم الاعتقال لفبركوا حكاية أخرى، بدليل أنه تم إلقاء القبض على حماية طارق الهاشمي في العام الماضي، وحتى محاولة القبض على الهاشمي نفسه، بل وصدر عليه الحكم بالإعدام، فلم تخرج أية تظاهرة احتجاج، فلماذا كل هذا التجييش والتحشيد الآن؟ السبب هو أن كل تصعيد للأزمة ينتظر وقته المناسب المخطط له من قبل الأسياد في الخارج للشحن الطائفي وصولاً إلى حرب طائفية لا تبقي ولا تذر. لذلك فعلاقة هذه الحملة ليست بشخص المالكي فحسب، بل بمذهب المالكي أيضاً، لأن وجود شيعي في منصب رئاسة الحكومة هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه، يرفضه الطائفيون الذين أدمنوا على احتكار السلطة لسبعين سنة، خاصة ووراءهم السعودية وتركيا الأردوغانية وقطر وغيرها.

المطالبة بالاستقالة
ولما باءت جهودهم بسحب الثقة بالفشل الذريع، لجؤوا إلى مطالبته بالاستقالة، أي أن يقوم المالكي بانقلاب على نفسه بأن يقدم الاستقالة!. وقد بلغ بهم الأمر إلى حد فراحوا يتوسلون برجل الدين السني الجليل الشيخ أحمد الكبيسي، المقيم في دولة الإمارات بتقديم التماس للمالكي عبر فضائية إماراتية يحثه على الاستقالة قائلاً: أن "لدى المالكي فرصة تأريخية يستطيع استثمارها ودخول التاريخ من أوسع ابوابه وهو الظهور على الشاشة في هذه الليلة ويعتذر للعراقيين عن عدم استطاعته تصليح الوضع الداخلي للبلد ويعلن عن استقالته من منصبه كرئيس للحكومة العراقية"، لافتا انه "بذلك يصبح اعظم زعيم عراقي على مدى التاريخ".(موقع الشبابيك).(1).
يعني (شيم البدوي وخذ عباته)، معتقداً أن هذه الطريقة ستنجح مع المالكي، وكأن بديل المالكي يستطيع أن يحل مشاكل العراق بعصى سحرية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا زجوا بالشيخ الدكتور أحمد الكبيسي، وهو معروف بالرصانة والرزانة والكياسة وابتعاده عن السياسة؟ السبب هو أن الرجل منصف ومتفقه في الدين والتاريخ ومحترم من قبل العراقيين سنة وشيعة، فتجرأ قبل أشهر أن يظهر على إحدى الفضائيات متحدثاً في قضية تاريخية مثيرة للجدل وهي أن سبب الصراع السني-الشيعي هو تمرد معاوية بن أبي سفيان على خليفة زمانه الإمام علي بن أبي طالب، حيث أشعل حرب صفين بين المسلمين. وأدان الشيخ أحمد الكبيسي معاوية، وحمَّله مسؤولية شق المسلمين، وأن الحق كان مع الإمام على. وهذا الموقف جعله في حالة صدام مع المؤسسة الوهابية في الخليج، فمنع من الظهور في الإعلام. لذلك فظهوره الجديد مطالباً المالكي بالاستقالة دليل على أنه تعرض إلى ضغوط شديدة من قبل السلطات الخليجية للقيام بهذه المهمة المحرجة له، مقابل أن يغفروا له ما قاله قبل أشهر بحق علي ومعاوية.(1)
وإنصافاً للرجل، أن الشيخ الكبيسي لم يلجأ إلى منح المالكي صكوك الغفران، وكيل الوعود له بالجنة وحور العين العين كما يفعل فقهاء الإرهاب من مشايخ الوهابية في مثل هذه الحالات. وهذه نقطة في صالح الشيخ الكبيسي.

هل يحق للمالكي أن يستقيل؟

طبعاً يحق له متى ما شاء لأسباب صحية أو عائلية أو شخصية، ولكن ليس بسبب الضغوط من خارج البرلمان. فالمالكي تحمل مسؤولية رئاسة الحكومة، في ظروف صعبة جداً، عن طريق الانتخابات الديمقراطية، حيث حصد نحو 700 ألف صوت من منطقة بغداد وحدها، وهو أعلى رقم ناله زعيم كتلة سياسية. إضافة إلى أنه صوتت له الأغلبية البرلمانية. لذلك، إذا أقدم المالكي على الاستقالة بطلب من الشيخ الكبيسي أو تظاهرات الرمادي وغيرها، فهذا يعني أنه خذل الذين وضعوا ثقتهم به، وصوتوا له من الناخبين والنواب. ففي العرف الديمقراطي، يجب أن يتم إزاحة رئيس الوزراء أو أي مسؤول كبير في الدولة، بنفس الطريقة التي استلم بها رئاسة الحكومة، أي تحت قبة البرلمان وليس عن طريق تأليب الشارع بكتابة مقالات أو مظاهرات خارج البرلمان. صحيح أن المتظاهرين هم جزء من الشعب ولهم حق التظاهر وعرض مشاكلهم ومطالبهم، ولكنهم لا يمثلون كل الشعب، فالقرار النهائي هو لأعضاء البرلمان الذين يمثلون الشعب، ولهم وحدهم الحق في انتخاب أو سحب الثقة من رئيس الحكومة أو أي مسؤول آخر.

والسؤال الآخر الذي نود طرحه على قيادات الكتل السياسية المشاركين في السلطة والمطالبين باستقالة المالكي، وملأوا الدنيا جيجاً وصراخاً وتأليباً أن حكومة المالكي هي حكومة المحاصصة الطائفية وفاسدة ومليشياوية، فلماذا وافقوا على الاشتراك بهكذا حكومة، ولماذا لا يسحبون وزراءهم منها لتبرئة ذمتهم من الفساد والمحاصصة؟ ولماذا كل هذا اللف والدوران وتهييج الشارع، والشحن الطائفي برفع شعارات طائفية وعنصرية، واللجوء إلى رجال الدين والتوسل إليهم لمطالبة المالكي بالاستقالة مقابل ضمان دخوله في التاريخ من أوسع أبوابه؟

في الحقيقة، إن إلحاح خصوم المالكي على مطالبته بالاستقالة دليل على إفلاسهم السياسي والفكري، ومعاداتهم للديمقراطية وآلياتها لحسم المنازعات. لذلك، نراهم يركزون هجومهم دائماً على الانتخابات والادعاء بتكرار ممل أن الديمقراطية لا تعني الانتخابات. وقد أجبناهم مراراً وتكراراً كذلك، بأنه نعم الديمقراطية لا تعني الانتخابات فقط، ولكن لا ديمقراطية بدون انتخابات التي يجب أن تحترم نتائجها من قبل جميع الأطراف، الفائزة والخاسرة.

خلاصة القول
 لقد أثبت المالكي صموده في مواجهة هذه الأزمات المفتعلة بمنتهى الصبر والحكمة والشجاعة، ونهيب به الإستمرار على هذا النهج، وأن لا يذعن لمطالب خصومه بالاستقالة، بل أن يجعل صناديق الاقتراع هي الفيصل. ودعوته الأخيرة لحل البرلمان وتشكيل حكومة تصريف أعمال وإجراء انتخابات مبكرة هو الحل الصحيح.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
http://www.ahewar.org/m.asp?i=26أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مادة ذات علاقة بالمقال
فيديو: الشيخ احمد الكبيسي يطالب رئيس الوزراء العراقي بالاستقالة لدخول التاريخ من اوسع ابوابه
http://www.shababek.de/s3/modules/xnews/article.php?storyid=1333




387
إنتفاضة شعبية، أم فتنة بعثية طائفية؟


د.عبدالخالق حسين

في البدء، أود التوكيد على حق الجماهير في التظاهرات السلمية كحق كفله لها الدستور، ووسيلة من وسائل الضغط لتحقيق مطالبها المشروعة. ونؤكد هنا على كلمتين: "السلمية" و"المشروعة"، أي المطالب التي لا تتعارض مع الدستور. فهل توافرت هذه الشروط في التظاهرات الأخيرة التي جرت في مناطق معينة توصف بأنها مناطق عربية سنية دون غيرها؟

أعتقد أن هذه التظاهرات فقدت صفة السلمية لأنها قامت بسد الطرق الدولية التي تربط العراق بسوريا والأردن، كما واستخدمت فيها الأسلحة النارية في محاولة لاغتيال أحد قادتهم (صالح المطلك) مما يكشف عن الصراعات الحادة بين قادة تلك "الانتفاضة". وهنا من حق الدولة استخدام القوة لحماية السلم الاجتماعي ومصلحة الشعب. ولكن مع ذلك نصح السيد رئيس الوزراء، نوري المالكي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، نصح الجيش والأجهزة الأمنية بضبط النفس والتحلي بالصبر. كما وفقدت التظاهرات مشروعية مطالبها لأن معظمها تهدف إلى إشعال فتنة طائفية يحاسب عليها الدستور الذي صوت عليه الشعب، بغض النظر عن معارضتنا لبعض مواده، إذ يجب العمل بهكذا دستور إلى أن يتم تغييره باستفتاء شعبي.

يحاول البعض من المدافعين عن هذه التظاهرات إضفاء صفة "الانتفاضة الشعبية" عليها، وتبرئتها من دور البعثيين فيها، والإدعاء بـ"ان فلول البعث، وتنظيمات عزت الدوري حاولت، وتحاول ركوب الموجة، وحرف المطالب الشعبية باتجاه عنصري، وطائفي بحديثه، وحديثهم عن الصفوية."

في الحقيقة إن فلول البعث لم يحاولوا ركوب الموجة، بل أن هذه التظاهرات هي من الأساس بعثية المنشأ والتنظيم والأهداف والأغراض، ومن إنتاج فلول البعث ومن يدعمهم في الداخل والخارج، إذ كما قال الإعلامي السيد سالم المشكور: ((أن اسئلتنا تتناول من يوجهون التظاهرات ويحددون شعاراتها ومطاليبها. بيان عزة الدوري المتلفز اعلنها صراحة: هم أيتام النظام البائد الداخلون في العملية السياسية لتخريبها من الداخل، تنفيذا لما تعاهدوا عليه في اجتماعهم في عمان نهاية العام 2009. ذلك الاجتماع الذي عقد في منزل واجهة التمويل العراقية، ساعي البريد المالي بين الخليج وبقايا حزب البعث. الاجتماع الذي كشف تفاصيله وزير الثقافة الحالي ونشرته احدى الصحف حينها: "فقدنا الامل في إنقلاب عسكري وليس أمامنا سوى التوغل في العملية السياسية والعمل ككتلة واحدة على تخريبها من الداخل". الراعي القطري - التركي كان صاحب هذه الفكرة التي نشهد فصول تطبيقها منذ الانتخابات النيابية ومخاض تشكيل الحكومة مرورا  بإعاقة عملها رغم مشاركة "الانقلابيين" فيها بكثافة.))(1) انتهى

فهل ما زلتم تعتقدون أن هذه التظاهرات هي انتفاضة شعبية لتلبية مطاليب الجماهير المشروعة؟
وإليكم بعضاً من هذه المطاليب لنرى فيما إذا كانت حقاً "مشروعة":
"إلغاء قانون مكافحة الارهاب وخاصة المادة 4 إرهاب، اطلاق سراح كل المعتقلين دون استثناء، إلغاء قانون المساءلة والعدالة، إعادة كافة منتسبي جيش صدام دون استثناء، اقرار قانون العفو العام"، أما الشعارات: فهي "إسقاط النظام - إسقاط الدستور". وهتاتفات هابطة مثل: "يا ايران يا ايران جيش محمد هب الآن" إضافة إلى شتائم ذات طابع طائفي مثل: زاحفون إلى بغداد لسحق الخنازير، أولاد الزنا، بغداد إلنا وماننطيها، عبدالزهرة لا يدخل الرمادي، وكذلك رفع علم صدام وصوره وصور أردوغان...الخ (2)
بإختصار: العمل من أجل إعادة حزب البعث للحكم بثوبه القاعدي الوهابي.
وأخيراً جاء خطاب عزة الدوري الذي تضمن كل مطاليب "الإنتفاضة" مما قدم دليلاً ساطعاً على أن هذه التظاهرات هي من صنع فلول البعث، وهي تنفيذ لمخطط ذي أبعاد خطيرة تمهد لعودة البعث وإدخال العراق من جديد في نفق بعثي مظلم من كوارث بعثية معروفة. فأين الشرعية في هذه المطاليب؟

يعترف أحد الكتاب المدافعين عن التظاهرات بقوله "أن رفع علم صدام نذير شؤم بالتحضير لحرب اهلية ثانية لا تبقي ولا تذر".  ولكنه في نفس الوقت يدافع عن هذا الشؤم بإيجاد تبريرات له فيقول أنه "دليل على عفوية التظاهرات، وعدم قدرة الداعين اليها على السيطرة عليها". عجبي.

كما ويعترف الكاتب نفسه بدور تنظيمات القاعدة، ومحاولة نقل التجربة السورية، ورفع شعاراتها، وأعلامها الطائفية... ورفع علم اقليم "كردستان"، والتهديد بالاقليم السني...الخ،  وأن ".. كل المطالب حتى الآن لها طابع طائفي، ومحلي، بل شخصي. مثل اطلاق سراح حماية العيساوي، والعفو عن الهاشمي، واطلاق سراح "السجينات" والغاء قانون المسائلة والعدالة...".
ونحن إذ نسأل الأخ الكاتب: وبعد كل هذه القائمة الطويلة من الأهداف الطائفية الخطيرة، فماذا أبقيتَ من مشروعية هذه التظاهرات حتى تسميها بـ"الانتفاضة الشعبية؟". وهل حقاً حصل كل ذلك نتيجة "لعفوية التظاهرات، وعدم قدرة الداعين اليها على السيطرة عليها"؟
 
وعن موقف الإقليم الكردستاني يقول صاحبنا بحق: "ان صمت المدن الكردية دليل واضح على المكر، والخديعة، ومحاولة ضرب الاطراف ببعضها للاستفادة الانانية والمساومات". ولكن حتى هذا الموقف الانتهازي لقيادة الإقليم يحاول الكاتب إلقاء اللوم فيه على المالكي لأنه: "كسب قيادات المنطقة الغربية قبل فترة عن طريق التحريض على الاكراد، وقياداتهم، واستخدام ضباط جيش النظام السابق، وهم بمجملهم من المنطقة الغربية لكسب المنطقة، وإرهاب الزعامات الكردية، التي استفادت هي بدورها من بعض الضباط الذين كانوا في سوريا."
إذاً، فالمالكي هو السبب والملام في جميع الأحوال، حتى عندما يتخذ إجراءات لمحاربة الإرهاب مثل عمليات دجلة، اعتبر تحريضاً على الأكراد، بل ونقرأ إلقاء اللوم على المالكي حتى عند حصول كوارث طبيعية مثل غرق بغداد بسقوط أمطار غزيرة غير مسبوقة، وحتى خسارة فريق رياضي في سباق دولي.

في الوقت الذي نؤيد فيه الكاتب على: "ان المطالب الشعبية الآنية هي توفير الخدمات، وتحسينها. ابقاء البطاقة التموينية مع تحسينها. القضاء على الفساد، محاربة البطالة، والشروع بالبناء، والعمران، وتوفير الامن والامان، ...الخ" إلا إننا نتساءل: كيف يمكن للحكومة تحقيق كل هذه المطاليب مع المطالبة بإطلاق سراح جميع السجناء المتهمين بالإرهاب، وإلغاء قانون الإرهاب... وغيرها من المطاليب التي يطالب بها منظمو "الانتفاضة الشعبية"؟

قلنا مراراً، أن ليس هناك شعب في العالم متجانس أثنياً ودينياً ومذهبياً مائة بالمائة. وهذه الانقسامات أشبه بألغام مدفونة وتبقى خامدة إلى أن يوقظها مشعلو الفتن. ولذلك قيل "الفتنة نائمة ولعن الله من أيقظها". ولكن من الذي أيقظها؟ ليس هناك أشطر من البعثيين وأكثرهم خبرة وخبثاً في إيقاظ الفتن بتفعيل هذه الألغام وتفجيرها في المجتمع في الوقت الذي يناسبهم. لذلك فخطابات أحمد العلواني والشعارات الطائفية التي رفعوها ليست عفوية، بل هي بعثية وهابية بامتياز، يراد منها إشعال حرب أهلية طاحنة على غرار ما يجري في سوريا الآن.

خلاصة القول، إن ما يسمونه بـ"انتفاضة شعبية" هي ليست انتفاضة ولا شعبية، بل فتنة طائفية وراءها البعث والقاعدة، شاركت فيها جهات أجنبية (السعودية وقطر وتركيا) والإعلام العربي، وهي نفس الجهات التي تذبح الشعب السوري الآن، ونفس الجهات التي اغتالت ثورة 14 تموز المجيدة عام 1963، تعود اليوم لتغتال العراق الديمقراطي الجديد. ولكن فاتهم أن العراق اليوم هو ليس سوريا، ولا عراق الستينات. فالانقلابات العسكرية انتهى دورها، وتفجير الوضع من الداخل بشعارات طائفية بات مفضوحاً، وهاهي التظاهرات المضادة انطلقت في البصرة ومطالبها على الضد تماما من مطالب المحافظات الغربية، وهي مجرد البداية، والبقية تأتي في محافظات الوسط والجنوب الأخرى. وهذا بالضبط ما يريده البعث الإرهابي من ردود أفعال لإشعال الفتن الطائفية، لأن البعث لا يمكن له البقاء إلا بالأزمات.
يقول أينشتاين: "الغباء هو أن تفعل نفس الشئ مرتين بنفس الأسلوب، ونفس الخطوات، وانتظار نتائج مختلفة".
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقال ذو علاقة بالموضوع
1) سالم المشكور:
شكراً عزّت الدوري !
http://www.newsabah.com/ar/2467/8/87676/%D8%B4%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%8B-%D8%B9%D8%B2%D9%91%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%8A-!.htm?tpl=13
2) فيديو: النائب ياسين مجيد يطالب رئاسة مجلس النواب لمناقشة الشعارات التي رفعها المتظاهرون
http://www.youtube.com/watch?v=SuRFEOocWDo&list=UUgbMOpF5nb5RFWXE9qd0LDg&index=6
 
3) علاء الخطيب :اقتلوا المالكي فقد كفر
http://nasiriyah.org/ara/post/26516

4) مجموعة صور لجانب من المظاهرات الداعمة للحكومة و موقفها من الارهاب في محافظات الوسط والجنوب
http://iraq2003.net/showthread.php?t=24727


388

أيها الديمقراطيون، هل اتضحت لكم الصورة الآن؟

د.عبدالخالق حسين

حذرنا، مع غيرنا من الكتاب الأفاضل، مراراً وتكراراً، أبناء شعبنا، وسياسييه وكتابه الحريصين على الديمقراطية، حذرناهم من خطر وقوع كارثة شباطية جديدة، وأن الغرض مما يجري على الساحة العراقية من صراعات، وافتعال أزمات متواصلة من قبل جهات متعددة، داخلية وخارجية معروفة، هو ليس لإزاحة المالكي فحسب، وإنما الغرض الرئيسي هو العراق كله، وإفشال العملية السياسية، ووأد الديمقراطية الناشئة، وحرمان شعبنا من الأمن والاستقرار، ولكل من صانعي هذه الأزمات أسبابه الخاصة به.
فالبعثيون الطائفيون أدمنوا على احتكار السلطة بالاعتماد على المؤامرات والانقلابات العسكرية والقوة الغاشمة. وتيار السيد مسعود البرزاني يعمل لإضعاف الحكومة الفيدرالية وإخضاعها لسيطرة الإقليم . وهناك الشركات النفطية التي تفضل الأرباح المغرية التي قدمها لها رئيس الإقليم على ما قدمته حكومة بغداد من عقود. وكذلك، الديمقراطيون الذين لم يحالفهم الحظ في الانتخابات، اتخذوا من المحاصصة والفساد ذريعة لهم للوقوف إلى معسكر إجهاض العملية السياسية، وهناك المنافسات بين حلفاء المالكي من داخل التحالف الوطني على منصب رئاسة الحكومة. وأخيراً، والأخطر، الجهات الخارجية (السعودية، وقطر، وتركية أردوغان)، تريد تفتيت العراق وجعله كياناً هزيلاً تحت سيطرتهم كي لا تقوم له قائمة.

خلاصة ما أكدناه عبر مقالاتنا للسادة الذين طرحوا أنفسهم كديمقراطيين، ويساريين، أن العراق هو المستهدف الرئيسي من هذه الهجمة الشرسة المستمرة، وما تركيزهم على المالكي، واتهامه بالديكتاتورية والطائفية والصفوية، والعمالة لإيران، وخرافة تهميشه للعرب السنة...الخ، إلا لأنه أسهل عليهم مهاجمة شخص واحد، بدلاً من إبراز مقاصدهم الحقيقية من هذه المؤامرات، وعليه فقد بالغوا بإظهار الوضع بالدمار الشامل، وأن سببه هو "المستبد بأمره" المالكي وحده وليس غيره، فما أن يختفي من الساحة حتى ويتخلص العراق بسحر ساحر من جميع مشاكله المتراكمة عبر قرون. ولأننا قلنا الحقيقة ولم نركب موجة الطبالين، اتهموننا بأننا من وعاظ السلاطين ومرتزقة المالكي،... بل راح البعض يتهمنا بأننا نعتبر المالكي هو العراق، والعراق هو المالكي...! فليس صعباً على هؤلاء استعارة الاتهامات الجاهزة وقذفها على كل من لا يسايرهم.

ولا أعرف ما هو موقفهم الآن بعد أن اتضحت الصورة بكل تفاصيلها، وكشف صناع الأزمات عن وجوههم الطائفية الكالحة، فبات كل شيء يطرح على المكشوف وبدون خجل. فما هو موقفهم من خطابات النائب أحمد العلواني، قائد "الربيع السني"، وهو يصف الشيعة بالخنازير، وعملاء إيران، وآخر يصفهم بأبناء المتعة وأبناء الزنا،... وفي تظاهرات الرمادي رفعوا صور صدام حسين وعلمه، وصور أردوغان وعلم الإقليم الكردستاني، كما وصعَّدوا من قائمة طلباتهم بالغاء قانون المساءلة والعدالة، واقرار قانون العفو العام، والغاء قانون مكافحة الارهاب، وإعادة جميع الضباط البعثيين،... أي عودة البعث للحكم. كل هذا يقدم لنا دليلاً ساطعاً على أن التظاهرات الأخيرة في المحافظات الشمالية الغربية وراءها دول إقليمية تريد إشعال الفتنة الطائفية لحرق العراق.
غني عن القول أن مغازلة الطائفيين لرئيس الإقليم، ورفع علمه في المظاهرات، وما عبر عنه عزة الدوري من حرصه الزائف على الشعب الكردي في خطابه الأخير، كل ذلك تكتيك وقتي مثل تكتيكهم في إنقلاب 8 شباط 1963، فبعد أن يتخلصوا من عدوهم الرئيسي "الشيعة الصفوية" سينقلبون على الكرد كما انقلبوا عليهم من قبل. فهل يتعظ الأخوة الكرد من أخطائهم السابقة؟

صناعة الأكاذيب
لقد ملأ المتظاهرون الدنيا صراخاً وضجيجاً على هتك أعراض السجينات "المجاهدات"!!! فهل حقاً حصلت هذه الإنتهكات؟
تفيد الأنباء أن ((أكد عضو لجنة الحكماء الشيخ خالد الملاَّ، (وهو عربي سني) يوم الخميس (3/1/2013)، [بعد زيارتهم لسجون النساء] انه لا توجد أية عملية اغتصاب بحق السجينات، مبينا أن مديرية الإصلاح بوزارة العدل ستقاضي القنوات الفضائية التي روجت "لمثل هذه الأكاذيب")).(1)

والجدير بالذكر أنه بعد صدور قرار لجنة الحكماء المختصة بمتابعة قضية تعذيب المعتقلين والمعتقلات، علق أحد ذوي النوايا الحسنة قائلاً: "لو فتحت سجون النساء امام لجنة محايدة لتوضح الحقائق امام الرأي العام، لما وصل الأمر الى هذا الحد من التجييش للشارع ... ولتم سد الطريق على المتصيدين في الماء العكر". يعتقد الأخ المعلق أن هذا التجييش هو فعلاً من أجل السجينات وليس مخطط لإشعال الفتنة باسمهن، بدليل أنه بعد صدور القرار سرعان ما "اتهم القيادي في القائمة العراقية حامد المطلك، لجنة الحكماء "بتضليل الحقائق وعدم الإفصاح عن الحقيقة"، واصفا إياها بـ"الفاشلة". فهؤلاء لن يقتنعوا بأي تحكيم ما لم يكن مؤيداً لرغباتهم. "لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم".

وقبل كذبة اغتصاب "المجاهدات" بسنوات، روجوا كذبة "المجاهدة" صابرين، وكذبة أبو الدرع والتعذيب بالدريل. في الحقيقة، إن الذين نظموا المظاهرات هم أعرف من غيرهم بعدم وقوع هذه الانتهاكات، ولكنهم خبراء في صنع الافتراءات والإشاعات لإثارة الفتنة الطائفية. وحتى شهادة لجنة الحكماء لم تسكتهم، لأن لتظاهراتهم أبعاداً وأهدافاً بعثية وإقليمية أكثر بكثير من الدفاع عن السجينات.

وبمناسبة صناعة الأكاذيب في مختبرات الإشاعات البعثية، ينقل لنا الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي في مقال له قائلاً: ((سيتساءل الناس: أين التعذيب الذي تدعونه وقد اعترف عرّاب إئتلاف العراقية السيد خميس الخنجر، القاطن في الأردن، للسيد باقر جبر الزبيدي، وكان راقداً في إحدى مستشفيات عمّان، بحضور الدكتور صالح المطلك، بأنه، أي الخنجر، هو الذي اخترع وسوَّق أكذوبة التعذيب بـ"الدريل" اثناء تولّي السيد الزبيدي حقيبة وزارة الداخلية؟ لماذا لم يكذِّب السيد المطلك هذه المعلومة والمعلومة التي ستلي اللتين أطلقهما السيد الزبيدي في فضائية "الحرة – عراق" برنامج "حوار خاص" وقد مضت على إطلاقهما عدة شهور؟ سيتساءل الناس: ما معنى أن يرشح السيدُ خميس الخنجر السيدَ باقر الزبيدي لرئاسة الوزارة (اثناء محاولة سحب الثقة من الرئيس المالكي) للشيخ حمد أمير قطر لإستحصال موافقته حتى دُهش الشيخ حمد وصاح (والكلام مازال للسيد الخنجر): "كيف ترشحونه وهو الذي كان يعذّب بالدريل"؟، هنا ضحك السيد الخنجر أمام الشيخ وقال له: "سيادة الأمير نحن الذين اخترعنا وسوَّقنا هذا الإتهام لتشويه سمعة وزير الداخلية الزبيدي؟")).
ونحن إذ نتساءل: إلى متى يمكن خدع العراقيين والعالم بهذه الأكاذيب؟
إذنْ، نحن الآن، كما في كل وقت، نواجه معركة شرسة مع خبراء في صناعة الأكاذيب والأوهام، مثل "انتهاك أعراض المجاهدات"، والتعذيب بالدريل، ومعهم مئات الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام، وجيش جرار من الإعلاميين لتضليل الناس، والشارع العراقي والعربي. والمشكلة الأخطر أننا إذا ما نبهنا عن خطورة هذه الأكاذيب وصفونا بأننا مرتزقة المالكي. فيا أيها الديمقراطيون، إن كنتم حقاً حريصين على الديمقراطية ومستقبل العراق، هل مازلت الشكوك تخامركم بأن المستهدف هو العراق والديمقراطية الوليدة، وما المالكي إلا الواجهة لتسويق بضاعتهم الكاسدة الفاسدة ضده؟؟.

الحروب الطائفية القادمة
المتتبع لما يجري في العراق منذ 2003 ولحد الآن، يعرف أن هناك مخططاً خبيثاً وضع بمنتهى الدقة، يتم تنفيذ فصوله حسب المرحلة. فما يجري من تظاهرات في المحافظات العربية السنية ليست بمعزل عما يجري في سوريا والمنطقة عموماً. والهدف النهائي هو عودة حكم المكون الواحد، وهو حكم البعث العربي السني بثوبه الجديد، الوهابي القاعدي، وبالتالي ضرب إيران.

فالمشكلة التي أشرنا إليها مراراً وتكراراً أن العرب السنة في العراق، ومعهم الحكومات العربية، لا يتحملون وجود شيعي على رأس السلطة التنفيذية حتى صار عندهم بمثابة الخط الأحمر لا يمكن تجاوزه منذ تأسيس الدولة العراقية، وما حصل للراحل صالح جبر في الأربعينات من القرن الماضي دليل واضح على صحة ما نقول. بل ويذكر حنا بطاطو أنه منع على الشيعة في العهد الملكي حتى رئاسة حزب معارض. ولذلك، أتهم عزة الدوري الحكومة العراقية بزعامة نوري المالكي، بتنفيذ ما وصفه بـ"مشروع صفوي فارسي لتقسيم العراق إلى دويلات منذ 7 سنوات".
يقول المثل: "رمتني بدائها وانسلت". فالبعثيون خبراء في الجرائم وصنع الأزمات، وسباقون في اتهام غيرهم بجرائمهم. فهم الذين يعملون الآن لتقسيم العراق.

وفي هذا الخصوص نشر براين دونغ في صحيفة هيرالد تربيون الأمريكية، تقريراً بعنوان: (تحذير أميركي: المسلحون السُنّة سيواصلون القتال في العراق بعد الاطاحة بالأسد) جاء فيه: "أن المجموعات المسلحة السورية، بعد أن تجد نفسها وقد حققت انتصارا على الأسد، قد تكون تواقة الى مواصلة عملها في أماكن اخرى ـ اما لأسباب ايديولوجية أو لأسباب مالية". ولفت دونغ الى إن "الحماس الديني صار أكثر وضوحا مع تواصل القتال وارتكاب الفظائع. اذ تنقل تقارير ان المجموعات المسلحة أسست شرطة دينية على الطراز السعودي (المطاوعين) في بعض المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، ما يشير الى موقف متشدد ولربما الى نفوذ اجنبي ايضا. وقد تجتذبهم الاراضي المجاورة للبنان والعراق".
ورجح الكاتب أن يكون "العراق مسرح العمليات المستقبلي. فالاقتتال الطائفي قد بدأ فيه منذ أن نزعت الولايات المتحدة عن الاقلية السنية احتكارها لشؤون البلد الوطنية الذي تمتعت به منذ استقلال البلد بعد الحرب العالمية الاولى". ولاحظ ان "السنة العراقيين يشنون حملات تفجير ضد الحكومة الشيعية ببغداد، ويكاد يكون من المؤكد انهم يحصلون في هذا على دعم من دول الخليج السنية، فيما ينخرط بعض السنة العراقيين في القتال داخل سورية ايضا". وقال ان "المسلحين العراقيين الموجودين الآن في سورية سوف يعودون الى البلد بمهارات كبيرة ودعم أكثر رسوخا". وتابع أن "هدفهم سيكون اقامة منطقة حكم ذاتي سنية او ربما حتى دولة سنية مستقلة مرتبطة بدولة ذات غالبية سنية في سورية وبالطبع بدول الخليج السنية ايضا".)(2)

لذلك فرفع أعلام ما يسمى بـ"جيش العراق الحر" و"جيش سوريا الحر" في تظاهرات المحافظات السنية العربية ليس إلا جزء من العملية التمهيدية التي خطط لها بدقة متناهية لتهيئة الأجواء للحرب الطائفية القادمة في العراق والمنطقة وتمزيق العراق إلى كانتونات أو دويلات الطةائف.

كما وأفادت وكالة (رويترز)من الرياض –  أن"حذرت السعودية يوم السبت (5/1/2013) العراق من التطرف الطائفي بعد اسبوعين من الاحتجاجات التي نظمها السنة ضد الحكومة المركزية التي يقودها الشيعة. وقال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل: "قناعتنا هي أن العراق لن يستتب أمره حتى يتعامل العراق خارج المذهبية والتطرف المذهبي الذي للأسف دب بين العراقيين. وحتى أن تعالج هذه القضية لا نعتقد أنه سيكون هناك استقرار في العراق وهذا يؤلمنا." (3)

ومن معرفتنا لموقف السعودية من الطائفية في العراق نعرف ماذا يعني وزير خارجيتها بقوله: " أن العراق لن يستتب أمره حتى يتعامل العراق خارج المذهبية والتطرف المذهبي"، وهو قول حق يراد به باطل، أي عدم السماح لشيعي تبوئ منصب رئاسة الحكومة، وإعادة الوضع كما كان قبل 2003.
المشكلة عند هؤلاء أن ممارسة الطائفية في الحكم خلال ثمانين سنة من تاريخ العراق الحديث لا تعتبر طائفية، ولكن مجرد الشكوى منها وفضحها وإدانتها تعتبر طائفية.

كما وأشار اللورد (Paddy Ashdown)، الزعيم الأسبق لحزب الديمقراطيين الأحرار البريطاني، في مقال له نشر في صحيفة التايمز اللندنية يوم 12/12/2012 ، أن ما يجري في سوريا من حرب ليس صراع من أجل الديمقراطية، بل حرب طائفية بين الشيعة والسنة، والحروب القادمة في الشرق الأوسط هي حروب بين السنة والشيعة أيضاً. ويتساءل الكاتب في عنوان مقاله: أية جهة ندعم في هذه الحرب بين السنة والشيعة؟ (4) Who should we back in this Sunni-Shia war?

إذنْ، باتت الصورة واضحة، أن ما يجري في العراق من صراعات وأزمات متواصلة ومتصاعدة، سببها الرئيسي هو طائفي، وليس المالكي أو أي شخص شيعي آخر يحتل منصب رئاسة الحكومة. كما ونؤكد إنه ليس بإمكان حل هذه المشكلة بإصدار فرمان من نوري المالكي لإلغاء المحاصصة، وتحويل الأحزاب الدينية إلى أحزاب علمانية بجرة قلم كما يطالب البعض، لأن الشعب وقواه السياسية في هذه المرحلة العاصفة منقسم على هذا الأساس. فالطائفية ليست نتيجة وجود أحزاب دينية، بل العكس تماماً، الأحزاب الدينية والمحاصصة الطائفية هي نتاج ممارسة السياسات الطائفية عبر عقود من قبل الحكومات المتعاقبة قبل 2003. والجدير بالذكر أن معظم الطائفيين هم علمانيون، وهذه حقيقة معروفة.

لم نقرأ لأي من الكتاب الديمقراطيين أي مقال يدينون فيه الخطابات الطائفية النارية والشتائم البذيئة ضد أكثر من 60% من الشعب العراقي. فتصوروا لو كانت هذه البذاءات قد صدرت من سياسي أو كاتب شيعي ضد أهل السنة، فماذا كان ردود أفعال أهل السنة والحكومات العربية ووسائل إعلامها؟ ولكن مع ذلك، وبدلاً من إدانة هذه الشتائم ومطلقيها، نرى التبريرات لهذا التأجيج الطائفي وشتائمهم وكالعادة، إلقاء اللوم على الضحية.
وكما تفيد الحكمة: "ربَّ ضارة نافعة"، فالذين أشعلوا التظاهرات الطائفية بغية إسقاط المالكي فضحوا أنفسهم ومقاصدهم المشبوهة أمام الشعب العراقي، وبالأخص أمام الشرفاء من أبناء السنة العرب الحريصين على الوحدة الوطنية العراقية. وفي نفس الوقت قدموا خدمة لا تقدر لخصمهم اللدود السيد نوري المالكي الذي عرف كيف يواجه الأزمة بمنتهى الهدوء والحكمة، فازدادت شعبيته، ليس في وسط المناطق ذات الأغلبية الشيعية فحسب، بل وحتى في المناطق ذات الأغلبية السنية.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
1) لجنة الحكماء: لا توجد أية عملية اغتصاب بحق السجينات والعدل ستقاضي المروجين لذلك

 http://www.akhbaar.org/home/2013/1/140314.html
2) تحذير أميركي: المسلحون السُنّة سيواصلون القتال في العراق بعد الاطاحة
http://www.uragency.net/index.php/2012-03-11-16-32-27/2012-03-11-16-36-53/14963-2013-01-05-08-19-31

3) السعودية: الطائفية ستطيل أمد الاضطراب في العراق
http://www.akhbaar.org/home/2013/1/140402.html

4) Paddy Ashdown: Who should we back in this Sunni-Shia war? | The Times
http://www.thetimes.co.uk/tto/opinion/columnists/article3628215.ece


389
من المستفيد من إفشال العملية السياسية في العراق؟

د.عبدالخالق حسين

منذ اليوم الأول من إسقاط حكم البعث الفاشي، هب أيتام البعث وحلفاؤهم من أتباع القاعدة الوهابيين الوافدين من السعودية وغيرها، لمحاربة العراق الجديد بحجة تحرير العراق من المحتل الأمريكي الكافر وعملائه !. ولكن مع سقوط هذه الحجة بانسحاب القوات الأمريكية نهاية عام 2011، استمرت العمليات الإرهابية، وفي هذه المرة بحجة محاربة عملاء إيران الصفويين!! والمقصود بهذا الشعار الطائفي هو محاربة آخر شيعي عراقي يخرج على المألوف العثماني فيشترك في حكم وطنه العراق، كما توضَّح ذلك جلياً مؤخراً في خطابات النائب من كتلة "العراقية"، أحمد العلواني، الذي قاد مظاهرات صاخبة في الفلوجة، وبشعارات طائفية صريحة لا لبس فيها، دعى الجماهير للزحف شرقاً لسحق عملاء إيران وصولاً إلى طهران!! جاءت هذه التظاهرات الاحتجاجية على أثر إعتقال عدد من حماية وزير المالية الدكتور رافع العيساوي بتهمة الإرهاب. وحسبما اوردت وكالة رويترز، فقد رفع المتظاهرون في الرمادي صور رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، الذي دأب على انتقاد المالكي في الفترة الاخيرة.

على إن محاربة العراق الجديد لم تقتصر على أيتام البعث وأتباع القاعدة الوهابيين، بل نجح أعداء العراق بتجنيد مختلف الجهات السياسية، مستغلين تعقيدات الوضع والصراعات بين مختلف مكونات الشعب، الدينية والقومية، والكيانات السياسية، فهناك كثيرون يفضلون مصالحهم الشخصية والفئوية على المصلحة الوطنية. لذلك ليس صعباً على السعودية وقطر وتركيا، شراء الذمم من سياسي العراق لتدمير وطنهم وتحت واجهات حق مثل محاربة الطائفية والفساد، ولكن يراد بها باطل.

والأكثر غرابة أن نرى شخصيات سياسية، رغم أنها ساهمت في معارضة حكم البعث الجائر، ولكنها رضيت اليوم أن تساهم مع أيتام البعث في إفشال العملية السياسية ووأد الديمقراطية الوليدة وتحت مختلف الذرائع، تارة بحجة أنهم ضد المحاصصة الطائفية والعنصرية، وأخرى بحجة تفشي الفساد!!. فمنذ أكثر من عام، جند فخري كريم كتّابه في صحيفته (المدى) لشن حملة ضارية ضد رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، مردداً اتهامات رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البرزاني له بالدكتاتورية. إذ لا يخلو عدد من الصحيفة المذكورة من مقالات نارية ضد المالكي. والكل يعرف أن إلصاق تهمة الدكتاتورية باطلة، لأنه لا يستطيع أي كان رئيساً للوزراء في الظروف الراهنة أن يكون دكتاتوراً وذلك لأن عدد نواب المعارضة يفوق المؤيدين له، وبإمكانهم إسقاطه في أي وقت أرادوا، وإنما سبب عدم إسقاطه هو أن العداء المستفحل فيما بين الكتل المعارضة أشد من عدائهم ضد خصمهم المالكي، وليس بإمكانهم ترشيح البديل الذي يرضيهم جميعاً أو يرضي حتى الأكثرية البرلمانية البسيطة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، طلع علينا مرة السيد عدنان حسين (أحد كتاب المدى) وهو يحرض صراحة على إفشال العملية السياسية. والجدير بالذكر أن عدنان حسين هذا يكتب دائماً بما يرضي أولياء النعمة. فعندما كان يعمل في صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية، كتب أكثر من مقال طالب فيه السعودية والكويت وجميع الدول الدائنة بعدم التخلي عن ديونها على العراق ليكون درساً للشعب العراقي بعدم إنتاج صدام آخر في المستقبل (كذا)، وكأن صدام حسين استلم السلطة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، وشن حروبه العبثية بموافقة الشعب، لذلك طالب عدنان حسين بمعاقبة هذا الشعب وحتى الأجيال القادمة على جرائم صدام.

واليوم طلع علينا سياسي مخضرم آخر بمقال طالب فيه بمقاطعة الانتخابات القادمة، بذريعة الدفاع عن الديمقراطية بعنوان: (من أجل الديمقراطية في العراق قاطعوا الانتخابات القادمة)، وعلى العكس من هؤلاء، أكد الراحل علي الوردي في معرض دفاعه عن الديمقراطية قائلاً: لو كنت رجل دين لأفتيت بجعل المشاركة في الانتخابات واجباً دينياً.
والسؤال الذي نود طرحه هو: لمصلحة من يريد هؤلاء إفشال العملية السياسية، ومقاطعة الانتخابات، ووأد الديمقراطية الوليدة؟
يردد هؤلاء بتكرار ممل أن الانتخابات ليست كل شيء في النظام الديمقراطي. وهذا صحيح، ولكن يجب أن يعرف هؤلاء السادة أنه لا ديمقراطية بدون انتخابات. فماذا يبقى من الديمقراطية إذا ألغيت منها الانتخابات؟ أما إذا كانت هناك نواقص في الديمقراطية العراقية، فيجب أن يتحمل وزرها جميع الشركاء في العملية السياسية وليس رئيس الوزراء وحده.
قلنا مراراً أننا لا ندعي أن الديمقراطية في العراق ناضجة تنافس الديمقراطيات الغربية، فبعد عشرات السنين من الخراب المادي والبشري، والتجهيل المتعمد، والردة الحضارية، وتكالب دول الجوار على العراق، لا يمكن أن يكون الوضع مثالياً... ولكن هناك بعض الحقائق لا بد من ذكرها:
أولاً، نعرف من تاريخ الدول التي سبقتنا في هذا المضمار أن ولادة الديمقراطية في أي بلد ليست عملية سهلة، بل غالباً ما تتم بعملية جراحية قيصرية مصحوبة بآلام ودماء.
ثانياً، لم يمارس الشعب العراقي الديمقراطية طوال تاريخه قبل 2003، وحتى في العهد الملكي الذي يحلو للبعض وصفه بالعهد الديمقراطي الليبرالي، وأنه كان العهد الذهبي في تاريخ العراق، إذ في معظم الأحيان كان رئيس الوزراء الجديد يحل البرلمان ويعين معظم النواب بعملية انتخابية صورية مزيفة. وهذا ما شهد به معظم رجال العهد الملكي الذين نشروا مذكراتهم مثل الراحل عبدالكريم الأزري وغيره.

الحقيقة الثالثة، لا تولد الديمقراطية متكاملة وناضجة، ولن تكتمل أبداً، ويحتاج الشعب العراقي إلى سنوات طويلة في التمرن إلى أن يتعود عليها، ويقبل بنتائجها وتصبح جزءً من ثقافته الاجتماعية.

الحقيقة الرابعة، أن شعباً منقسماً على نفسه ومتخاصماً فيما بين مكوناته، وأزمة الثقة بين قادته السياسيين، كشعب العراق، لا بد وأن تحصل كل مكونة على حصتها في السلطة وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع حتى ولو أطلقوا على هذه العملية اسماً تسقيطياً مثل المحاصصة. فهذا الوضع هو نتاج التاريخ والجغرافية وليس من نتاج المالكي أو من سبقه في رئاسة الحكومة مثل إبراهيم الجعفري وأياد علاوي، أو حتى بول بريمر. فمعظم الكتل السياسية تشكلت وفق الاستقطاب الديني والقومي، وأتحدى أية جهة تستطيع تغيير هذه التركيبة في حكم العراق في الوقت الحاضر أو المستقبل المنظور. أما الذين يطالبون بحكومة ديمقراطية شبيهة بحكومة السويد فعليهم تحويل الشعب العراقي إلى ما يشبه الشعب السويدي، خالياً من هذه الانقسامات الطائفية والقومية، وبعصى سحرية كن فيكون!.

في الحقيقة إن غرض الذين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات هو لتخريب العملية السياسية، ولإنقاذ ماء وجوههم من الفشل، فهم يعرفون مسبقاً أن دورهم السياسي قد انتهى، فتاريخهم حافل بالهدم، وهم يتحملون حصة الأسد فيما حل بالعراق من خراب ودمار، سواء كانوا من خلفية اليسار الشيوعي أو اليمين البعثي. ولذلك يريدون تبرير هزيمتهم في الانتخابات القادمة، كما انهزموا في الانتخابات السابقة، ليقولوا أنهم هم الذين رفضوا المشاركة في الانتخابات، وهم الذين طالبوا بالمقاطعة، بحجة أن العملية السياسية هي محاصصة طائفية وفاسدة لن يرتضوها.

حكاية تزييف الانتخابات:

يدعي هؤلاء أن الانتخابات تم تزييفها بشهادة زعيمي أكبر الكتلتين، المالكي وعلاوي.!!!
نقول لهؤلاء، إذا كان هناك تزييف فالتزييف تم بدهاء وذكاء وعلى حساب كتلة دولة القانون فقط لخلق مشكلة. وعلى سبيل المثال، يعرف الجميع أن في نظام التمثيل النسبي، تكون حصة كل كيان سياسي من المقاعد البرلمانية تتناسب مع نسبة الأصوات الانتخابية. فالكيان السياسي الذي يحصل على 10% من الأصوات يحتل 10% من المقاعد البرلمانية, ولكن الذي جرى هو أن التيار الصدري مثلاً حصل في الانتخابات الأخيرة على 6% من الأصوات الانتخابية، بينما نال 12% من المقاعد البرلمانية..كيف؟ علمه عند المفوضية الانتخابية! أما الكيانات التي فشلت في الحصول على القاسم الانتخابي، فلم يتم إجحافهم كما يدعون. وهذه القاعدة متبعة في جميع الدول الديمقراطية التي تطبق نظام التمثيل النسبي. لذلك فالذين يطالبون بمقاطعة الانتخابات بحجة التزوير أو سرقة أصواتهم، فهم لا يخدعون إلا أنفسهم، وغرضهم إيجاد مبرر لهزيمتهم المتوقعة، فالحقيقة الناصعة تؤكد المثل العراقي: "الماينوش العنب يقول حامض".

درس من مصر في المقاطعة

لو كان دعاة مقاطعة الانتخابات على حق، ويعرفون أنهم يتمتعون بشعبية واسعة لما رفعوا شعارات تخريبية مثل الدعوة للمقاطعة. فالمقاطعة لا يستفيد منها إلا أعداء الديمقراطية. وما حصل في مصر خلال الانتخابات الرئاسية، والاستفتاء الشعبي على الدستور خير دليل على ما نقول. لقد فاز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية بنسبة 26% فقط من الذين يحق لهم التصويت، لأن نحو 50% منهم قاطعوا الانتخابات، أما الاستفتاء على الدستور فقد شارك فيه 33% فقط من الذين يحق لهم التصويت، وصوت لصالح دستور الرئيس مرسي ثلثا الثلث (66%) أي ما يعادل 22% فقط من الذين يحق لهم التصويت. ومعظم الذين يؤمنون بالديمقراطية يعرفون أن سبب فوز الرئيس المصري ودستوره هو مقاطعة خصومه للإستفتاء. لذلك فمقاطعة الانتخابات تخدم أعداء الديمقراطية.

وهذا درس لدعاة المقاطعة في العراق. فالذين رفعوا شعار: (من أجل الديمقراطية في العراق قاطعوا الانتخابات القادمة) غرضهم إفشال الديمقراطية والعملية السياسية بحجة دعم الديمقراطية. إن ماضي هؤلاء لا يبشر بخير، فطوال تاريخهم منذ العهد الملكي وإلى هذه اللحظة كان عملهم هو الهدم والتخريب، ولم يجيدوا عملاً غيره في نشاطهم السياسي، وهم يمارسون هذا التخريب باسم الوطنية والديمقراطية ومن أجل البؤساء والمساكين من أبناء شعبنا، كما يدعون، بينما في الحقيقة قصدهم هو عكس شعاراتهم تماماً، إذ يعرفون جيداً أن الديمقراطية ليست في صالحهم، ولذلك فهم يحاربونها.

خلاصة القول، أن المستفيدين من إفشال العملية السياسية هم أعداء العراق في الخارج مثل السعودية وقطر وأردوغان، وأعداء الديمقراطية المتضررين بها في الداخل الذين استحوذوا على السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية، لا عن طريق صناديق الاقتراع، فحكموا الشعب بالنار والحديد. أما الذين يدعون حرصهم على الديمقراطية فعليهم أن لا يقعوا في الفخ للمرة العاشرة، فحركة التاريخ في صالح الديمقراطية، والذين يحاولون محاربتها وتحت مختلف الذرائع الواهية الزائفة فلا يخدعون إلا أنفسهم ومصيرهم الفشل الذريع.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 


390
غفلة الغرب عن مخاطر الإسلام السياسي

د. عبد الخالق حسين

توضيح لا بد منه
قدمتُ هذه المداخلة في مؤتمر روما "لإصلاح الإسلام" الذي نظمه مشروع "المصلح" البريطاني برئاسة المستشرق والباحث في الدراسات الإسلامية، الدكتور ستيفن أولف، والذي انعقد في جامعة الفاتيكان ما بين 7- 8 ديسمبر 2012، ودعي إليه عدد من المفكرين العرب والغربيين لوضع إستراتيجية من أجل مصالحة الإسلام مع الحرية والعلمانية والديمقراطية والمرأة والحداثة وما المطلوب من الغرب تقديمه لمساعدة المصلحين المسلمين في مجال الإصلاح. و في مداخلتي هذه، وبناءً على طلب من منظم ورئيس المؤتمر، لم أتطرق إلى الإصلاح، لأننا كنا نعرف مسبقاً، أن معظم أوراق الزملاء الآخرين، ستصب في هذا المجال، لذا طلب مني تركيز مداخلتي على تكتيكات الإسلاميين لتوظيف ما في الغرب من تسهيلات لصالحهم، وغفلة الغربيين عن مخاطر الإسلام السياسي.
ــــــــــــــــــ
مقدمة
يواجه العالم المتحضر اليوم خطر الإسلام السياسي المتطرف و"المعتدل". ولتحقيق أغراضهم سلك الإسلاميون عدة وسائل، وتظاهروا بعدة أشكال، منها عن طريق الإرهاب (القاعدة وفروعها)، ومنها بالوسائل السلمية بإدعاء الاعتدال (حزب الأخوان المسلمين وتفرعاته تحت مختلف الأسماء والواجهات)، وذلك بتوظيف ما وفرته لهم الدول الغربية من ديمقراطية وحقوق الإنسان...الخ، ولكن الغاية النهائية واحدة، وهي أسلمة العالم وفرض حكم الشريعة، وبالأخص على الغرب.

في البدء، أود التأكيد على أن مشكلتنا هي ليست مع الإسلام كدين، وإنما مع الإسلام السياسي فقط. فنحن، كعلمانيين وليبراليين، مع حرية الأديان والعبادة، نسعى لإنقاذ الإسلام الديني، والحضارة البشرية من الإسلام السياسي. فالإسلاميون يوظفون الدين لأغراضهم السياسية، ومصالحهم الشخصية لفرض سلطتهم الاستبدادية على الشعوب باسم الله والدين وإعادة مجتمعاتهم إلى الماضي البعيد. لذا، فغايتنا تحرير الدين من السياسة، وتحرير السياسة من الدين.

ولتحقيق أغراضهم، استغل الإسلاميون جميع الوسائل المتاحة لهم في الغرب بمنتهى الذكاء والدهاء، ولتوضيح ذلك نشير إلى النقاط التالية:

1-  صراع الثقافات... ولماذا نحن هنا؟

لا شك أن السبب الرئيسي لهجرة معظم العرب والمسلمين إلى الغرب هو ظلم الحكام في بلدانهم الأصلية، وبؤس أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. وهذا الظلم والبؤس لم يأتيا من فراغ، بل هما نتاج ثقافاتهم الاجتماعية الموروثة (culture)، والذي يشمل الدين والمذهب أيضاً. فهناك حديث منسوب للنبي محمد: "اسمع وأطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك". على الأغلب، هذا الحديث ملفق تمت فبركته من قبل وعاظ السلاطين لخدمة أولياء نعمتهم من الحكام الطغاة، ولكن، شئنا أم أبينا، صار هذا القول جزءً من الثقافة العربية- الإسلامية التي تطالب المواطنين "الرعايا" بالطاعة العمياء للحاكم ومهما كان جائراً، بمعنى أن هذه الثقافة هي سبب هجرتنا. وبالمقابل، فالقوة التي جذبتنا إلى الدول الغربية هي الثقافة الغربية وقيمها الحضارية الإنسانية النبيلة التي تشمل: الديمقراطية، والحرية، والتقدم، وحكم القانون، ...الخ، والتي وفرت لنا الحرية والعيش بكرامة.

ولكن المشكلة أنه ما أن يستقر المقام ببعض المسلمين المهاجرين في الغرب، حتى ويبدؤون بمحاربة الثقافة الغربية وقوانينها، والعمل على فرض ثقافتهم عليها، تلك الثقافة التي كانت السبب الرئيسي لفرارهم من بلدانهم، أي أنهم يعملون على أسلمة أوربا وفرض حكم الشريعة عليها.
وهنا أرى من المفيد التذكير بما قالته رئيسة وزراء أستراليا (جوليا غيلارد) للإسلاميين المطالبين بفرض الشريعة هناك، أنهم لم يأتوا إلى أستراليا بدعوة من أحد، وإنما جاؤوا برغبتهم، لذا يجب عليهم أن يحترموا ثقافات وقوانين وأعراف البلد الذي آواهم، لا أن يحاولوا فرض قوانينهم ودياناتهم على شعبنا. وكل من يريد حكم الشريعة عليه أن يرحل إلى البلد الذي يقبل بهذا الحكم.

2- محاولات أسلمة أوربا
هناك محاولات منظمة ومنسقة من الإسلام السياسي، وتحديداً (حزب الأخوان المسلمين) والمنظمات المتفرعة منه تحت مختلف الأسماء والواجهات، لتغيير الثقافة الغربية وفرض الثقافة الإسلامية محلها، أو ما يسمى بحكم الشريعة. تساعدهم في ذلك مجموعة من العوامل، والتي هي ضد المجتمعات الغربية: فمن جهة، كسبت الجهات الإسلامية خبرة فائقة في توظيف ما في الغرب من قيم الحضارة الحديثة مثل، الديمقراطية، وحرية التعبير، وحقوق الإنسان، وحرية العبادة، وتغيير الدين والمعتقد، والاعتراف بتعددية الثقافات multi-culturalism وغيرها من التسهيلات، يقابل ذلك، حسن نوايا الغربيين، وبيروقراطية إجراءاتهم الإدارية والقضائية، وغفلتهم عن مخاطر ما يبيته لهم الإسلاميون من مخططات على المدى المتوسط والبعيد. فالغربيون يسيرون نحو الهاوية معصوبي الأعين sleepwalking into abyss، وكما قيل: "الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة." إضافة إلى قدرة الإسلاميين على  مخاطبة الغربيين باللغة التي يفهمونها وتسرهم. وسأوضح ذلك لاحقاً.

هناك أمثلة كثيرة تؤكد على بيروقراطية وغفلة الغربيين بما يحيق بهم من مخاطر الإسلاميين، فقد منحوا اللجوء إلى قادة الإسلام السياسي، وبعضهم إرهابيون، بغض النظر عن مخاطرهم على الغرب وعلى بلدانهم الأصلية ودورهم في الإرهاب. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أبو حمزة المصري الذي منح اللجوء في لندن، وكانت هناك أدلة كثيرة تثبت علاقته بتنظيم القاعدة، ودوره في تفجير البارجة الحربية الأمريكية (كول) في ميناء عدن، إضافة إلى مساهماته بأعمال إرهابية أخرى، وكان مطلوباً من قبل السلطات الأمريكية. هذه القضية كلفت الحكومة البريطانية ملايين الدولارات، واستغرقت نحو ثمان سنوات من المداولات والمحاكمات إلى أن أصدرت المحكمة قراراً نهائياً قبل شهرين بترحيله إلى واشنطن ليواجه العدالة. مثال آخر، أبو قتادة الأردني، وهو متهم بالإرهاب، وهارب من وجه العدالة في بلاده الأردن، وكان ومازال مقيماً مع عائلته في لندن. ترفض السلطات القضائية البريطانية ترحيله إلى الأردن خوفاً عليه من تعريضه إلى التعذيب هناك. والجدير بالذكر أن عائلته تقيم في سكن فخم يبلغ سعره في حدود مليون جنيه استرليني، أي نحو(مليون ونصف المليون دولار).

3 - قدرة الإسلاميين على التحدث بلسانين، وحتى الكذب
عامل آخر يساعد الإسلام السياسي على خدع الغربيين هو الازدواجية وقدرتهم على التحدث بلسانين، فقد تعمقوا في فهم الذهنية الغربية، وكيفية مخاطبة الغربيين بما يسرهم ويكسبوا رضاهم لتحقيق أغراضهم. فتمكن الإسلاميون من إيصال شخصيات أكاديمية إسلامية إلى منصب الأستاذية في أعرق الجامعات الغربية مثل جامعة أكسفورد الإنكليزية العريقة. وهؤلاء يستطيعون التحدث مع الغربيين بلغة ترضيهم مثل إدعائهم أنهم مع الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص...الخ
كما ولاحظتُ في بعض الندوات التي تنظمها مؤسسات ثقافية في الغرب، والتي تصلنا عن طريق اليوتيوب، أنهم يجلبون فتيات مسلمات سافرات (مودرن)، يشاركن في مناظرات تلفزيونية، يدافعن عن الإسلام السياسي بشكل غير مباشر، ويدعين أن القيم الغربية هي إسلامية. والمقصود هنا تجميل وجه الإسلام السياسي طبعاً. ولكن حينما يتحدثون إلى شعوبهم الإسلامية في بلدانهم الأصلية، عندئذ تتغير اللغة واللهجة، فيكشفون عن حقيقتهم، وعلى سبيل المثال: صرح مرة الشيخ مهدي عاكف، مرشد حزب الأخوان المسلمين السابق في مصر، أنه يفضل رجل ماليزي مسلم أن يكون رئيساً لمصر على القبطي المسيحي المصري. كذلك قيام الرئيس المصري، محمد مرسي، مؤخراً بتركيز السلطات الدستورية في يده متجاوزاً حتى السلطة القضائية.

4- قبول الجامعات الغربية تبرعات بملايين الدولارات من قبل الدول الخليجية النفطية لإنشاء مراكز بها لدراسة الإسلام. هذه التبرعات حلت مشاكل مالية عديدة للجامعات، فردت الجامعات الجميل بأن جعلت نقد الإسلام في الحرم الجامعي نوعاً من التابو قد يؤدي إلى فقد الوظيفة. ومقابل هذا الدعم المالي، غضت الجامعات الطرف عن نشاطات الطلاب الإسلاميين في الحرم الجامعي واستعمال العنف اللفظي، وحتى البدني لترهيب وتهميش أية معارضة لهم. أحسن دليل على ذلك هو اعترافات طلاب إسلاميين سابقين كانوا ينتمون إلى حزب التحرير في بريطانيا، مثلاً Ed Hussein في كتابه الموسوم The Islamist

5- تخويف الليبراليين من نقد الإسلام عن طريق مكاتب محامين ورفع الدعاوى القضائية عليهم وجعلهم يتحملون مصروفات الدفاع عن أنفسهم وبالتالي تكبيلهم مادياً حتى لا يجرؤون مرة أخرى على نقد الإسلام السياسي. ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك. (راجع مقالة المستشرقة الإيطالية الأستاذة فالانتينا كولومبو) (1)

6- النظرة التحقيرية للثقافة الغربية ولغير المسلمين
ينظر الإسلام السياسي لغير المسلمين، وحتى المسلمين الذين لا يسيرون على نهجهم، وبالأخص الليبراليين منهم، نظرة عدائية إلى حد إباحة قتلهم ما لم يعلنوا إسلامهم الذي يقره الجهاديون. كذلك نظرتهم التحقيرية للثقافة الغربية. ففي كتابه الموسوم: (جاهلية القرن العشرين) للشيخ محمد قطب (شقيق سيد قطب، وأستاذ بن لادن)، يعتبر كل ما أنتجه الغرب من معارف وثقافات وفلسفات وعلوم وتكنولوجيا وحضارة وحداثة...الخ، منذ ما قبل سقراط وإلى الآن، هو جهل في جهل، وأن الثقافة الحقيقية هي الإيمان بالقرآن والسنة فقط. ووفق نظرتهم هذه، فإن غير المسلمين، وحتى المسلمين الشيعة، يجب إنذارهم، ومنحهم مهلة ثلاثة أيام بأن يتحولوا إلى مسلمين سنة، وإلا يجب قتلهم، وسبي نساءهم وأطفالهم وبيعهم في أسواق النخاسة، تماماً كما كانوا يعملون قبل 14 قرناً من الزمان. هذا ما صرح به إمام مكة في مقابلة له مع تلفزيون بي بي سي العربية قبل أشهر. هذه الدعوة وفق معايير اليوم تعتبر فاشية تهدد الحضارة البشرية.
سئِلَ أبو حمزة المصري إذا كان يكره ويحتقر الغرب إلى هذا الحد، فلماذا هو مقيم في بريطانيا؟ فأجاب أن وجوده في الغرب مؤقت، و بريطانيا بالنسبة له عبارة عن مرحاض لقضاء الحاجة!!. هذا هو رده على الجميل البريطاني!
كما ويرددون قولاً لابن تيمية:"إذا اقمت في دار الكفر للتعلم أو التطبب أو التجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم". بالمناسبة، هذا القول يدرِّسون به أطفال المدارس في السعودية.
7- العداء للديمقراطية
الإسلام السياسي لا يعترف بالديمقراطية، وإذا ما أعلن قادتهم قبولهم بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فهذا تكتيك مرحلي لكسب الغرب، ولكن ما ان يستلموا السلطة حتى ويتنكرون لجميع وعودهم.
فآية الله السيد روح الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية في إيران، عندما كان لاجئاً في باريس، سأله صحفي فرنسي في مقابلة معه عن النظام الذي يريد إقامته في إيران بعد إسقاط حكم الشاه، أجاب أنه نظام ديمقراطي يشبه تماماً النظام الموجود في فرنسا. وكلنا نعرف ما حصل فيما بعد من ديكتاتورية ثيوقراطية. كذلك سمعنا وقرأنا تصريحات الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية عندما كان مقيماً في لندن، ونعرف ما حصل في تونس من مضايقات على النساء وطالبات المدارس والجامعات، ومحاولات فرض الحجاب، والعزل بين الطلاب والطالبات...الخ
فالإسلام السياسي لا يؤمن بالديمقراطية، ويعتبرها كفراً وإلحاداً حسب تصريحات الكثير من قادتهم وشيوخهم، فهم يتظاهرون بقبول الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وغيرها من قيم الحضارة الغربية كتكتيك مرحلي حينما يكونون في المعارضة وفي حالة الضعف، ولكنهم ما أن يستلموا السلطة ويصبحوا في موقع القوة حتى ويتنكرون لجميع وعودهم وعهودهم السابقة.
فالإسلاميون، سنة وشيعة، يعتبرون الشعب جاهلاً، يعاملونهم كأطفال قاصرين لا يعرفون ما يفيدهم وما يضرهم، وأنهم غير مؤهلين لسن القوانين، وأن الله وحده المشرِّع، والقرآن هو كلام الله وهو الدستور.
فالإسلام السياسي الشيعي يؤمن بما يسمى بـ(حكم ولاية الفقيه) الذي اعتبره الخميني أهم ركن من أركان الإسلام، والذي يشبه مبدأ (الحاكمية لله) عند الإسلام السياسي السني، أي الأخوان المسلمين.

8- ممارسة العدوان لتحقيق الأغراض، أي الماكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة):
منذ ما يسمى بالربيع العربي والذي تحول إلى (الربيع الإسلامي) حيث اختطف الإسلاميون الثورة، وفازوا في الانتخابات في مصر وتونس، لأنهم كانوا أحسن تنظيماً وتنسيقاً وخبرة من منافسيهم العلمانيين الديمقراطيين، لاحظنا تصاعد موجة الاعتداءات على النساء السافرات بما فيها جرائم التحرش الجنسي في هذين البلدين. والغرض من هذه التجاوزات هو إرغام السافرات على الحجاب والزي الإسلامي.

مخاطر غفلة الغرب عن الإسلام السياسي

مشكلة الشعوب الغربية وحكوماتها أنهم لا يدركون حيل وأحابيل الإسلاميين. فكما ذكرتُ آنفاً، الإسلاميون يستغلون جميع الوسائل والقوانين، والقيم الحضارية الغربية وأنظمتها، بما فيها الديمقراطية، وجمعيات حقوق الإنسان، وحرية التعبير والنشر...الخ، يوظفونها لمصالحهم في رفد منظماتهم، ونشر التطرف الإسلامي.
- كذلك قام الإسلاميون بفرض حكم الشريعة على بعض المناطق في لندن كتب عليها (شريعة زون)، والسلطات ساكتة عن هذه التجاوزات.
- قبل سنوات قامت الحكومة البريطانية بتعيين عدد من رجال دين مسلمين برواتب سخية من أجل إصلاح وتأهيل السجناء الجنائيين المسلمين في السجون، وأغلبهم من الشباب. فقام عدد من رجال الدين المسلمين بنشر ثقافة التطرف بين هؤلاء السجناء، ونجحوا في تحويل عدد منهم إلى إرهابيين.
- كذلك يطالب بعض الإسلاميين بعدم الترويج لاحتفالات كرسمس لأن هذه الاحتفالات تؤذي مشاعر المسلمين!! حسب رأيهم.
- وهناك من طالب بتأسيس مدارس خاصة بأطفال المسلمين تمولها الدولة. لا شك أن فتح هكذا مدارس يؤدي إلى عزل الأطفال المسلمين عن بقية مكونات المجتمعات الغربية وعدم اندماجهم بها، ونشر ثقافة الكراهية، وبالتالي عزلهم في غيتوات شبيهة بغيتوات اليهود في أوربا في الماضي، تلك السياسة التي أدت إلى تصاعد العداء ضد اليهود انتهت بالهولوكست.

أما قيام المتطرفين الإسلاميين بعمليات إرهابية مثل أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، وتفجيرات قطارات الأنفاق في لندن، وقطار في مدريد، وذبح المخرج الهولندي ثيو فان جوخ في هولندا، وغيرها من الأعمال الإرهابية، أدت إلى ردود أفعال عنيفة لدى مواطني هذه البلدان، كان من نتائجها تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة ضد المهاجرين وبالأخص ضد المسلمين بمن فيهم الليبراليون، فمن ملامح الوجه والاسم يكفي لتعريض المسلمين جميعاً إلى خطر اليمين المتطرف.

ما العمل لدرء خطر الإسلاميين على الغرب؟
أولاً، العمل على تحقيق برنامج (المصلح) في الإصلاح الديني، والذي قدمه عدد من الإصلاحيين المسلمين الليبراليين وبمساعدة زملائهم المثقفين الغربيين في مؤتمر روما 8-9 ديسمبر 2012، وتوصياته.

ثانياً، يجب علينا، كمثقفين علمانيين مسلمين، مد الجسور مع زملائنا الغربيين العاملين في المؤسسات الإعلامية والثقافية، لشن حملة إعلامية وتثقيفية لإيقاظ الشعوب الغربيىة وحكوماتها من غفلتهم، وتنبيههم بما يحيق بهم من مخاطر الأسلمة. فالإسلام السياسي هو نسخة متطرفة من الفاشية والنازية، بل هو أسوأ وأخطر منهما، لأن الجهاديين يطمحون في ثواب الآخرة أي المكافئة بجنة الخلد وحور العين.

ثالثاً، يجب وقف إنتاج التطرف في بلد المنبع، إذ لا يكفي مواجهة التطرف الإسلامي في الغرب فقط، بينما تأتي موجات جديدة من المهاجرين يحملون معهم التطرف من بلدانهم الإسلامية، وهذا يتطلب مساعدة التيارات الديمقراطية العلمانية الليبرالية في العالمين، العربي والإسلامي، على نشر أفكارهم التنويرية في تلك البلدان، ومطالبة الحكومات الغربية، وخاصة أمريكا ودول الوحدة الأوربية، بربط المساعدات الاقتصادية لهذه الحكومات باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير، وعدم ترك القوى الإسلامية تصول وتجول كما تريد في اضطهاد القوى العلمانية، ونشر ثقافة التطرف والتعصب والكراهية ضد الآخر، والتجاوز على حقوق الإنسان وبالأخص حقوق المرأة في البلدان الإسلامية.

رابعاً، هناك دراسات، وأدلة كثيرة تؤكد أن للمملكة العربية السعودية الدور الأكبر في نشر التطرف الديني والإسلام السياسي في العالم. ففي دراسة للسفير الأمريكي السابق في كوستاريكا (Curtin Winsor, Jr.)، أشار إلى (شهادة أحد الخبراء أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003 م  بأن "السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط). ويقارن الباحث ذلك بما أنفقه الاتحاد السوفيتي والبالغ سبعة مليار دولار على نشر الأيديولوجيا الشيوعية خلال 70 سنة. (2)
لذلك أكاد أجزم أنه لولا  الدعم السعودي لأحزاب الإسلام السياسي ونشر التطرف الديني الوهابي، لما كان العالم يواجه اليوم هذا الخطر الداهم. وعليه يجب مطالبة الحكومات الغربية بفرض الضغوط على السعودية لوقف الدعم المالي لنشر التطرف الديني والإسلام السياسي.

الخاتمة
إذا ترك الوضع على هذه الحالة ولم نتخذ، نحن من خلفيات إسلامية، إجراءات لوقف هذا الجنون، فصبر الغرب محدود، وربما سيؤدي في المستقبل إلى انفجار الوضع، وظهور أحزاب نازية وفاشية تستلم السلطة مثلما حصل في النصف الأول من القرن العشرين، ويحصل لنا تماماً كما حصل ليهود أوربا، يكون العرب والمسلمون المقيمون في الغرب هم حطباً لمحارق الهولوكوست القادمة.
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
References:
1) Valentina Colombo: Jihad by court is spreading in Europe and needs a counter-jihad
http://www.annaqed.com/en/content/show.aspx?aid=16182

2) Ambassador Curtin Winsor, Jr.,  Saudi Arabia, Wahhabism and the Spread of Sunni Theofascism
http://www.onlineopinion.com.au/view.asp?article=6107

مقالات ذات علاقة بالموضوع
1) العفيف الأخضر: اصلاح الإسلام ضروري وممكن
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=336211

2) هاشم صالح: مؤتمر روما وحوار الحضارات -
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=708324&issueno=12433

3- د.عبدالحميد الأنصاري : الإصلاح الإسلامي في روما
http://www.al-watan.com/viewnews.aspx?n=08C114FB-4EA6-4942-AA92-7BF73CB149F5&d=20121217&writer=0

391
قول الصدق في زمن الخديعة عمل ثوري

د.عبدالخالق حسين

عنوان المقال هو قول لجورج أرويل. ونحن فعلاً نعيش اليوم في زمن الخديعة، حيث صار الكذب فن من الفنون الإعلامية في تضليل الرأي العام. بل ونجح إنقلابيو 8 شباط 1963 في إسقاط أشرف حكومة وطنية كانت تتمتع بأوسع شعبية في تاريخ العراق عن طريق الكذب عندما أذاعوا برقيات تأييد كاذبة من قادة الفرق العسكرية.

من المؤسف حقاً أن السيد فخري كريم رضي أن يقوم بدور غوبلز في العراق الديمقراطي حيث أساء البعض لحرية التعبير بنشر الكذب والتضليل والقذف بالشخصيات السياسية. غوبلز هذا هو وزير الدعاية في حكومة هتلر، وصاحب القول المشهور: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس!". وهذا بالضبط ما يقوم به فخري كريم، رئيس تحرير صحيفة (المدى) البغدادية. وقد نسي أن حبل الكذب قصير، فلا بد وأن تنكشف الكذبة وينتهي الكذاب كما انتهى غوبلز في مزبلة التاريخ.

فمعظم الشيوعيين العراقيين يعرفون من هو فخري كريم، ويتشاءمون منه، ويتجنبونه قدر الإمكان، وأصدق شهادة في هذا الخصوص قدمها الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي الأسبق، السيد بهاء الدين نوري، في مذكراته التي نشرها على حلقات في (الحوار المتمدن)، أنه عندما وصل دمشق عام 1988، قائلاً: "ولم أحاول إقامة أي صلة مع فخري كريم، الذي كان من أبرز الشيوعيين العراقيين هناك وكان متنفذا وعلى علاقات جيدة مع نظام البعث ومع جهاز المخابرات بوجه خاص".
كما ويتهمه البعض بالسطو على مالية الحزب حيث صار يلقب بالشيوعي المليونير. كذلك كتب ضده القيادي الشيوعي الأسبق، الراحل رحيم عجينة في مذكراته. وبإمكان القارئ الكريم أن يقرأ مقالة القيادي الشيوعي الآخر، السيد باقر إبراهيم الموسوي الذي لخص الكثير عن هذا الرجل في مقال له بعنوان: (فخري كريم .. وسيناريو التازيم). (1).

ذكرت في مقال سابق لي نشر على مواقع الانترنت يوم 5/11/2012، بعنوان: (في مواجهة الحرب الإعلامية التسقيطية): "أن العراق سيواجه حملة إعلامية تضليلية قذرة، وقذرة جداً، تمس الأعراض والنواميس والمقدسات، والثوابت الوطنية، الغرض منها إسقاط وتصفية خصوم سياسيين وإفشال الديمقراطية، وتدمير العراق، تمهيداُ للقيام بمجزرة جديدة على غرار مجزرة 8 شباط 1963". وحذرت قائلاً: "فهل سينتبه العراقيون إلى هذه اللعبة القذرة ويمنعوا الكارثة، أم سيقعون مرة أخرى ضحية النصابين والمؤامرات الداخلية والدولية؟".(2)

وهاهو حدسي فقد تحقق مع الأسف الشديد، وأفضل مثال هو ما تنشره صحيفة المدى، لصاحبها فخري كريم، وآخر ما نشره من هذا الوزن الثقيل هو مقاله اليوم ( 12/12/2012)، الموسوم: (السـيـاسة ليست كلّها لعباً..على الحبــال علـى المالـكـي أن يتذكّــر). فتصور عزيزي القارئ، فخري كريم يقدم مثل هذه النصائح الأخلاقية إلى رئيس الوزراء العراقي!! على غرار قصيدة: (برز الثعلب يوماَ... في ثياب الواعظينا).
يقول السيد فخري كريم في معلقته العصماء:
((واسترجاع ما قاله المالكي في لقاء جمعني به مع الرئيس، وهو لقاء من عدة لقاءات لتبادل الرأي والتداول في المسعى لإمرار ولايته الثانية، ويا لها من كبوةٍ لا اغفرها لنفسي، اذكره بالحرف وهو يقول موجهاً الكلام الى الرئيس بحضوري:" ان على الاخوة في الاقليم ان لا يضعوا المادة ١٤٠ شرطاً في الاتفاقيات، لانه ملزمٌ دستورياً، ورغم انف الجميع لابد من تطبيقه، وسأفعل كل المطلوب لتحقيق ذلك في الولاية الثانية". ثم استطرد، وهنا "مربط الفرس" الذي لا بد من اعتباره الأخطر في النهج السياسي الذي يريد المالكي إمراره في ظل غياب الوعي لدى أوساط غير قليلة، من القادة والناس، وانعدام الجرأة لدى قيادات وملوك طوائف: "إنني لا أرى في استعادة المناطق المستقطعة من كردستان مصلحة لناً وفرضاً علينا فحسب، بل انا اقول صراحة وصدقاً، ان علينا ان نعمل معاً لامتداد اقليم كردستان ليضم محافظة نينوى.!، لان هؤلاء - ويعني بهم أهل الموصل الحدباء - هم أعداء لنا، وسيظلون رغم كل شيء سنة وقومجية عربان، وملجأ للبعث والمتآمرين على حكمنا .! "
ويضيف فخري كريم: "هكذا قال المالكي بالحرف، كاشفاً عن دخيلته باعتباره مجرد حاكم عابث، لم يتراجع عن وجهته هذه، حتى بعد أن أوضح له الرئيس ان علينا أن نحفظ للإخوة السنة مواقعهم ودورهم في العملية السياسية، قائلاً له "ولا تنسى أبا إسراء أننا سنة أيضاً". ومن جانبي استدركت وقلت:"خلينا في كركوك ابو إسراء" !.ومن المستور ما يفيض ..وعسى أن تنفع الذكرى
!)). انتهى الاقتباس.

في الماضي السحيق عندما كان البشر غارقين في ظلام الجهل الدامس، كان بإمكان أي دجال ونصاب أن يمرر أكاذيب من هذا النوع على الناس ويستغلهم لمصالحه، ويدق فيهم "عطر منشم"، ويشغلهم في حروب مدمرة لعشرات السنين على قتل ناقة.
ولكن يبدو أن فخري كريم يستخدم أساليب الزمن الغابر في الزمن الخطأ، أي في قرن الحادي والعشرين. صحيح أن البعث دمر العقل والأخلاق والنسيج الاجتماعي لشرائح واسعة من العراقيين، ونجح دجالون في خدعهم، ولكن أن يأتي فخري كريم بكذب من هذا الوزن الثقيل أن رئيس الوزراء يريد التخلص من محافظة الموصل لأنهم  "سنة وقومجية عربان، وملجأ للبعث والمتآمرين على حكمنا .! "فهذا كما يقول الإنكليز: too much ، أي كلام لا يمكن أن يصدقه أي عاقل. وحتى لو افترضنا جدلاً أن نوري المالكي ليس على وئام مع أهل الموصل، فهل بلغت به السذاجة إلى هذا الحد بحيث ينطق بمثل هذا الكلام الخطير أمام رجل إعلامي معروف تاريخه مثل فخري كريم؟ تقول الحكمة: "حدث العاقل بما لا يليق، فإن صدق فلا عقل له".
والسؤال الآخر هو: ما هو موقف فخري كريم إذا نفى السيد رئيس الجمهورية إدعاءه؟ فهل سيقوم بتكذيب رئيس الجمهورية، أم سيصفه بالنسيان لأنه يعاني من مشاكل صحيحة؟

المطلوب من السيد رئيس الجمهورية توضيح الأمر لنعرف الحقيقة، وإذا تأكد صدق إدعاء فخري كريم، فسيكون لنا موقف آخر من السيد نوري المالكي، وإن تأكد كذبه فعلى المالكي مقاضاته لأنه استخدم صحيفته لنشر الكذب وتضليل الرأي العام وإثارة الفتن، والفتنة أشد من القتل... وهذه القنبلة ليست الأخيرة بل هي واحدة من القنابل الانشطارية في الافتراءات لتحطيم الخصوم السياسيين التي يجيدها فخري كريم ومن لف لفه. حقاً نحن نعيش في زمن الخديعة واللا أخلاق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحق

مكتب المالكي ينفي تصريحات نسبت اليه من قبل رئيس تحرير”المدى”
14/12/2012
“البوابة العراقية” بغداد – قال مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي في بيان اصدره اليوم الجمعة ان “رئيس تحرير صحيفة المدى نسب في مقال له يوم الاربعاء الماضي  لرئيس الوزراء أشياء وأقوال كاذبة وعارية عن الصحة”.
واوضح اننا “في الوقت الذي نكذب فيه هذه التقولات نؤكد ان مثل هذه المحاولات البائسة لا يمكنها حجب الحقيقة والتشويش على مواقف دولة رئيس الوزراء الوطنية”.
ودعا البيان “جميع الكتاب ووسائل الاعلام الى الترفع عن اسلوب الدعاية المبتذل والارتقاء الى المستوى المهني المسؤول”.
http://www.albawwaba.net/news/118555/

مصادر
1) باقر إبراهيم، رد على فخري كريم .. وسيناريو التازيم
http://www.faceiraq.com/inews.php?id=574263

2) عبدالخالق حسين: في مواجهة الحرب الإعلامية التسقيطية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=551






392
هل سيحقق البارزاني نبوءة صدام؟

د.عبدالخالق حسين

تنبأ صدام حسين "أن الذي يحكم العراق من بعده سيستلمه أرضاً بلا بشر". وسبب اعتقاده بهذا المصير الأسود للعراق من بعده، هو أن حزب البعث بقيادته عمل خلال 35 سنة من حكمه الجائر على تحويل المجتمع العراق إلى مجتمع غير قابل للحكم إلا بالقبضة البعثية الصدامية الحديدية. ولحد وقت قريب، ورغم تداعيات سقوط حكم البعث، كنا نعتقد أن الشعب العراقي، بقيادة ساسته على مختلف انتماءاتهم، قد نجحوا في منع تحقيق هذه النبوءة السوداء.

ولكن التصعيد الأخير في الأزمة بين الحكومة الفيدرالية بقيادة المالكي، وحكومة الإقليم الكردستاني بقيادة البرزاني، وما يرافقه من تحشيد وتحريض وانقسامات وافتراءات وإشاعات، وحملات إعلامية تسقيطية بشعة، يشير إلى احتمال كبير تحقيق هذه النبوءة الصدامية.

كنت متفائلاً جداً بالسيد مسعود البرزاني، معتقداً بحرصه على إنجاح الديمقراطية في العراق الموحد، خاصة بعد ما قرأت له عن حبه وتقديره للزعيم عبدالكريم قاسم وثورة 14 تموز، وموقفه الناقد للقيادة الكردستانية في مرحلة ثورة تموز، حيث قال بحق: "...كان خطأً كبيراً السماح للسلبيات بالتغلب على الإيجابيات في العلاقة مع عبدالكريم قاسم، مما ساعد على تمرير مؤامرة حلف السنتو وعملائه في الداخل، والشوفينيين وإحداث الفجوة الهائلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبدالكريم قاسم..."

صحيح أن المالكي ليس عبدالكريم قاسم، فلكل زمن رجال وأساليب حكم، ولكن لو تأملنا الوضع جيداً لوجدنا الجهات التي تكالبت على العراق في عهد الزعيم قاسم، وقادت إلى كارثة 8 شباط 1963، هي نفسها متكالبة اليوم على العراق وتحت واجهات وأسباب مختلفة ولكنها تهدف إلى نفس المصير، أي تدمير العراق.
فهاهو الابن (مسعود) يسير على خطى الأب (الملا مصطفى)، في تحالف مع نفس الأعداء السابقين الذين أطاحوا بثورة تموز، لإعادة نفس الغلطة الكبرى، وبالتأكيد ستجلب نفس النتائج الكارثية على الجميع.

ليس هناك عراقي منصف ينكر ما نال الشعب الكوردي من ظلم وإجحاف وحروب إبادة على أيدي الحكومات العراقية المتعاقبة قبل 2003، وخاصة حكم البعث. ولكن، هل الشعب الكوردي وحده تعرض للظلم، مع الاختلاف بالدرجة، من هذا الحكم الفاشي الجائر؟ ولماذا يحاسب السيد بارزاني الحكومة الديمقراطية اليوم بجرائم حلبجة والأنفال وغيرها التي ارتكبها حكم البعث؟ وهل دور الكورد في الحكومة الاتحادية الحالية هو للديكور فقط كما كان في عهد صدام، أم هو شريك أساسي وفعال؟
لا ندعي أن الوضع الحالي هو مثالي، ولا يمكن أن يكون كذلك بعد عشرات السنين من الظلم والقهر والاستلاب، والتخريب والتجهيل المتعمد، ولكن هل المطلوب إصلاح الوضع بالتعاون والنقد البناء، أم بإشعال الحروب لحرق العراق وتدميره كما تنبأ به المجرم صدام حسين؟

الجميع يطالبون المالكي بالقضاء على الإرهاب والفساد وإلا فهو ضعيف، ويطالبونه بالتخلى عن المنصب لغيره أكثر كفاءة!!ّ ولكن في نفس الوقت يرفض هؤلاء السادة، وفي المقدمة منهم، السيد مسعود بارزاني، تسليح الجيش العراقي والأجهزة الأمنية، وحرية حركة القوات المسلحة لملاحقة فلول الإرهاب، بحجة أنهم لا يريدون تكرار الأنفال وحلبجة!
والآن اتخذوا من ورقة الفساد ذريعة لوضع العراقيل أمام تسليح الجيش العراقي، خاصة وأن ذهنية الشعب العراقي صارت جاهزة لتقبل أية إشاعة عن الفساد وضد أيٍ كان، وبذلك يتم حرق الأخضر بسعر اليابس وتصفية الخصوم بهذه الذريعة. إذ ما أن تعقد الحكومة أية صفقة في هذا الخصوص مع أية دولة إلا وشهروا هذه الورقة بوجهها، سواءً كانت التهمة صحيحة أو كاذبة، ستبقى سيفاً مسلطاً على رقبة الحكومة لمنع تسليح الجيش وإبقائه ضعيفاً مشلولاً إلى الأبد. والجدير بالذكر  أن رئيس الحكومة نوري المالكي، أكد الخميس 29/11/2012، "عدم وجود دليل قاطع عن الفساد بشأن صفقة الأسلحة الروسية.."، وانه "سيتابع هذا الموضوع حتى يتم الحصول على دليل بشأن ذلك".
ولكن، في نفس الوقت يسعى السيد مسعود البارزاني إلى تسليح جيشه البيشمركة، ومطالبة الحكومة المركزية بدفع نفقات تسليحه وميزانيته ودون أن يكون هذا الجيش خاضعاً لقيادة المركز. والجدير بالذكر أن قوات البيشمركة استحوذت على جميع الأسلحة الثقيلة والخفيفة للجيش العراقي بعد انسحابه من كردستان حين إعلان منطقة الملاذ الآمن عام 1991، وترفض إعادتها للحكومة المركزية.

ولم يكتف السيد مسعود بعرقلة تسليح الجيش العراقي فحسب، بل ويأوي قادة الإرهابيين من أمثال طارق الهاشمي وغيره، ويجعل من الإقليم مرتعاً لإيواء الفاسدين واللصوص من أمثال حازم الشعلان وغيره الذين فروا إلى الخارج عبر كردستان. وهناك تقارير تفيد أن ما يسمى بـ"المناطق المتنازع عليها" صارت ملاذاً آمناً للإرهابيين يشنون منها عملياتهم الإرهابية على بقية مناطق العراق عدا كردستان. وإذا ما حركت الحكومة المركزية بعض قواتها مثل قوات عمليات دجلة لملاحقة الإرهابيين في هذه المناطق، قامت قيامة حكومة الإقليم، وادعت أن هذه العمليات هي موجهة ضد الشعب الكوردي، ولن يسمحوا لها أن تمر. والملاحظ، أن السيد بارزاني صعَّد من لهجته في التوتر بين الإقليم والمركز، إذ راح يسمي المناطق المتنازع عليها بـ"المناطق المستقطعة".

والمؤسف حقاً أنه حتى السيد رئيس الجمهورية لم يسلم من الانحياز في الصراع بين المركز والإقليم، إذ نشر تصريحاً له اعتبر فيه عمليات دجلة ضد الشعب الكوردي، وإذا ما رد أحد مساعدي رئيس الوزراء على اتهامات البارزاني وقف السيد طالباني مع البارزاني ضد من يرد عليه. بينما المطلوب من رئيس الجمهورية أن يكون رئيساً لكل العراق والعراقيين، ويقف على مسافة واحدة من القوى المتصارعة والعمل على حل الخلافات بينهم، لا أن ينحاز إلى هذه الجهة ضد جهة أخرى بدوافع قومية. كذلك نلاحظ أن زيارات رئيس الجمهورية مخصصة للمدن الكردستانية فقط، إذ لم يقم بأية زيارة لأية مدينة عراقية عربية.
 
والجدير بالذكر، أن السيد البارزاني يرفض عملياً اعتبار إقليم كردستان خاضعاً للدولة العراقية الفيدرالية حيث جعل من الاقليم دولة منافسة للدولة العراقية، لذا قام بعقد الصفقات مع الشركات النفطية الدولية الكبرى مثل شركة أكسون موبيل الأمريكية المعروفة، تحقق أرباحاً مغرية لها على حساب العراق والإقليم، الأمر الذي كلف الخزينة المركزية مليارات الدولارات دفعتها الدولة لعقود خاسرة أبرمتها حكومة الإقليم خلافاً للدستور. وعلى أثر هذه الصفقات، قال السيد بارزاني مهدداً الحكومة المركزية: أن "شركة أكسون موبيل لها قوة تعادل عشر فرق عسكرية وإذا دخلت بلداً فلا تغادره". ما كنا نتمنى على السيد مسعود أن يطلق مثل هذه التصريحات، الغرض منها ابتزاز الحكومة الفيدرالية والإستقواء بهذه الشركات، فهذا يعني أنه  اتخذ نفس موقف والده حين تحالف مع الشركات النفطية التي ساهمت في الإطاحة بالزعيم عبدالكريم قاسم بعد إصداره قانون رقم ثمانين لعام 1961... والنتائج باتت معروفة للجميع.

 كذلك، قيام السيد بارزاني بالوقوف مع الدول التي تعمل على إفشال العملية السياسية في العراق مثل تركيا وقطر والسعودية. وهنا نود أن نسترعي انتباه السيد رئيس الإقليم إلى ما صرح به القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، السيد عادل مراد: "علينا ان لا ندير ظهورنا لرفاق الأمس و حلفاء اليوم بل علينا ان نعزز اواصر علاقاتنا و العمل معا للقضاء على الإرهاب المصدر الينا من دول باتت معروفه بعدائها لديمقراطيتنا الفتيه في العراق... والأهم هو ان نكون يقظين لمنع اية محاوله لجر قضيتنا الكردية الى مهالك الحروب الطائفيه التي بدأت تحرق الأخضر و اليابس في منطقتنا.. ان قضية شعبنا الكردي قضية سياسية لا ربط لها بمسائل طائفيه مقيتة ... لا احد يعلم  الى اين تنتهي. انها حرب خطيرة و كارثية لن ينجو منها احد. انها مؤامرة مدمره تمولها و بقوه كل من السعوديه و قطر و تركيا... "

من المؤسف أن يقف البارزاني مع الثلاثي (السعودية وقطر وتركيا) لتدمير العراق، لا شك أنه يعتبر موقفه هذا تكتيكاً سياسياً ذكياً بتطبيق المبدأ المكيافيللي:(الغاية تبرر الوسيلة)، وأنه بعد الإطاحة بحكومة بغداد وإضعافها، سيضحك عليهم، تماماً كما اعتقد صدام أنه يستخدم أمريكا لأغراضه في حربه ضد إيران، ومن ثم سيضحك عليها!! فيا ترى، من ضحك على من في النهاية؟ وأين صدام الآن، ولماذا لا يستخلص السيد مسعود بارزاني الدروس والعبر من أخطاء صدام ومصيره الأسود؟

مشكلة العراقيين أن كل منهم يريد أن يكون رئيساً. وهذه الحقيقة أدركها الحاكم المدني الأمريكي لقوات التحالف، بول بريمر، لذلك جعل لمجلس الحكم رئيساً في كل شهر لإشباع رغبتهم في السلطة. فكيف يمكن حكم العراق وهذه سايكولوجية ساسته؟ هناك نحو أربع كتل سياسية كبيرة مشاركة في الحكم، وكل كتلة تضم العشرات من التنظيمات السياسية المتنافسة فيما بينها، ورئيس كل تنظيم يسعى لتدمير منافسه على أمل أن يستلم الموقع الأول في الحكومة، وحتى قادة التنظيمات من نفس كتلة رئيس الوزراء يسعون للإطاحة به على أمل أن يحتلوا مكانه. لذلك نسمع هذه الأيام مغازلات من الدكتور عادل عبدالمهدي وباقر صولاغ جبر للبارزاني لكي يفوزوا بموافقته في حالة ترشيحهم إلى المنصب. ولا أدري، هل يقبل أي من هؤلاء فيما لو احتل منصب رئاسة الحكومة الفيدرالية، أن يكون تحت رحمة رئيس حكومة الإقليم، مكبل اليدين، ويبقي الجيش العراقي ضعيفاً، وبلاده مرتعاً للإرهاب والفساد، ويزاح من رئاسة الحكومة متى ما غضب عليه السيد البارزاني؟

وختاماً نقول، المطلوب من السيد مسعود البارزاني أن يستفيد من دروس الماضي، وأن لا يتأثر بما يدبج له وعاظ السلاطين الإنتهازيين من مقالات تشجيع على نهجه التدميري. ففي الوقت الذي نرى فيه أن من مصلحة الشعب الكوردي أن يبقى ضمن الفيدرالية العراقية، ولكن إذا ما شاء هذا الشعب وقيادته السياسية تحقيق طموحه في قيام دولته القومية، وهذا من حقه، فنحن نبارك لهم دولتهم، ولكن نطالبهم أن يتم ذلك بالطرق السلمية. إلا إنه من المؤسف، أن السيد مسعود بارزاني ومؤيديه في القيادة الكردستانية يعتقدون أن من مصلحة الشعب الكوردي تدمير الدولة العراقية وتفتيتها وجعلها هزيلة لا حول لها ولا قوة، لتكون لقمة سائغة لدول الجوار. أما في حالة بقاء كردستان مع الفيدرالية لإعتقادهم أن الظروف الدولية لا تساعد على الإنفصال، ففي هذه الحالة يريد السيد بارزاني أن تكون حكومة بغداد خاضعة لإرادة حكومة الإقليم، وهو الذي يقرر من يترأس حكومة المركز، ويزيحه متى شاء.

يجب أن يتم تحقيق طموح الشعب الكردي بالطرق السلمية وليس عن طريق تحقيق نبوءة صدام حسين بحرق العراق والتحالف مع أعدائه ضد حكومة بغداد، لأن جميع الذين أشعلوا الحرائق في العراق من أمثال بشار الأسد، ومحمود أحمدينجاد وغيرهما انتقلت النيران إلى بلادهم. فهاهي سوريا صارت نسخة من الصومال، وهذه إيران تواجه نفس الحصار الاقتصادي الأممي الذي واجهه صدام حسين قبل سقوطه. لذا أرجو أن لا يعتقد أي زعيم سياسي من العالم الثالث أنه يستطيع أن يضحك على أمريكا وحلفائها ويجيرها لمصلحته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
http://www.ahewar.org/m.asp?i=26أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن: 


393
خطط مُبيَّتة لنهب ثروات العراق

د.عبدالخالق حسين

منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 تعرض العراق ومازال لمؤامرات خارجية تم تنفيذها على أيدي العراقيين أنفسهم. وما انقلاب 8 شباط 1963 إلا المثال الواضح لذلك. ومنذ سقوط حكم البعث الفاشي إلى الآن يتعرض العراق إلى تآمر من نوع جديد، تموله وتخططه وتقوده دول الجوار ليتم تنفيذها على أيدي أبناء الوطن. والسؤال هو: لماذا العراق وحده يتعرض إلى كل هذه المؤامرات دون غيره؟
الجواب هو أن العراق عائم على بحر من النفط، وشعبه غير متصالح مع نفسه، وتنظيماتها السياسية هي وفق الاستقطاب الأثني والطائفي، متعادية فيما بينها، ويسهل توظيف القادة السياسيين لكل مكونة ضد بقية المكونات الأخرى، وشراء ولائها لهذه الدولة و تلك من دول الجوار وحسب التماثل القومي والمذهبي، لذلك فالثروات العراقية الهائلة جعلت من العراق هدفاً جذاباً للطامعين، ففي الماضي كان يتم ذلك عن طريق الغزوات والاحتلالات، واليوم يتم عن طريق المؤامرات.

ومن متابعتنا لما حصل في العراق منذ سقوط حكم البعث وإلى الآن نرى أن هناك خطة أو خطط مُحكمة وضعت في منتهى الدقة والدهاء لتدمير العراق، ونهب ثرواته، ودق الإسفين بين أبناء شعبه لكي لا تقوم لهم قائمة. وهذه الخطة تم تنفيذها على المراحل التالية:

المرحلة الأولى، مرحلة الفرهود: فبعد إسقاط حكم البعث الجائر وأصنام الدكتاتور، قام الجياع بعمليات الفرهود (النهب) لمؤسسات الدولة انتقاماً منها، لأن الحكومات المتعاقبة جعلتهم يشعرون أن هذه الدولة ليست دولتهم بل عدوة لهم، لذا حان الوقت للانتقام منها، والمؤسف أن القوات الدولية بقيادة أمريكا سمحت لعمليات الفرهود والتدمير التي طالت حتى المتحف الوطني والمكتبات الوطنية التي أشعلوا فيها النيران. 
المرحلة الثانية، مرحلة تفشي الفساد والرشوة بين الموظفين، وقيام بعض المسؤولين، وزراء ونواب وغيرهم، بالنهب للثروة والفرار بها إلى الخارج من أمثال وزير الدفاع السابق حازم الشعلان (مليار دولار)، ووزير الكهرباء أيهم السامرائي (300 مليون دولار)...الخ

المرحلة الثالثة، منح رواتب خيالية للوزراء والنواب تفوق رواتب نظرائهم في أغنى دولة في العالم، ويتمتع هؤلاء عند تقاعدهم بـ 80% من تلك الرواتب حتى ولو خدموا في مناصبهم لأسابيع قليلة، وبعض النواب لم يحضروا جلسات البرلمان أصلاً، بل يقيمون في عمان وبلدان أخرى، إضافة إلى الامتيازات الخيالية من رواتب الحماية، والمستشارين، وصرفيات المكاتب التي تقدر بالملايين من الدولارات.

المرحلة الرابعة، نهب ثروات البلاد عن طريق عقد مقاولات مع شركات وهمية تقدر بالمليارات من الدولارات،

المرحلة الخامسة: تهريب العملات الصعبة إلى الخارج بمعدل مليار دولار أسبوعياً وبمباركة البنك المركزي والمصارف العراقية الأخرى، ودعم وترويج بعض الاقتصاديين الذين يدعون أن التحويلات الخارجية هذه تؤدي إلى دعم ورفع قيمة الدينار العراقي!!! بينما الذي نعرفه من خبراء الاقتصاد الحريصين على مصلحة الوطن، أن قيمة الدينار تعتمد على حجم الاحتياطي من العملات الصعبة في البنك المركزي وليس بيعها أو تهريبها.
المرحلة السادسة: التحضير لتبديد الثروات النفطية بذريعة توزيعها على أبناء الشعب تحت واجهة ثروة الشعب للشعب! كخطوة أولى للهيمنة عليها من قبل الدهاة الذين يخططون لهذا المصير الأسود، حيث سخروا لها أقلاماً تظهر بمظهر الملائكة والحرص على مصلحة الشعب. وسنركز على هذه المرحلة الخطيرة بالذات.

قبل أيام نشرت مقالاً بعنوان: (حول "إلغاء" البطاقة التموينية)(1) أشرت فيه إلى أن هناك دعوات لخصخصة الثروة النفطية ولحسن الحظ باءت بالفشل، فتلتها دعوات أخرى طالبت بتمليك هذه الثروات لأبناء الشعب على شكل أسهم على طريقة ألاسكا، ولما فشلت، طلع علينا آخرون يطالبون بتوزيع واردات هذه الثروات على أبناء الشعب نقداً. وفي مقالي المشار إليه أعلاه، وصفت هذه الدعوات بالمشبوهة، الأمر الذي أثار ثائرة الكاتب السيد عصام الخفاجي، فنشر مقالاً غاضباً وهجومياً تهكميا في الحوار المتمدن بعنوان: (أنا مشبوه)، اعتبر مقالي نوعاً من الإرهاب الفكري ضد حرية التعبير، وأن كلمة "المشبوهة" تعني الاتهام بالجريمة!!

في الحقيقة أنا لم أتابع مقالات السيد الخفاجي، ولم أشر إليه في مقالي السابق، لا من قريب ولا من بعيد، ولم أعرف أنه متحمس لفكرة الخصخصة أو توزيع الثروات النفطية على أبناء الشعب، على شكل أسهم أو نقداً، وقد دعمت مقالي بمناقشة هادئة وبالأدلة لإثبات وجهة نظري.
يبدو أن السيد الخفاجي لم يجد ما يبرر هجومه عليَّ فراح يبحث عن ذريعة تبرر له ذلك، فعثر على كلمة "المشبوهة"، وتمسك بها، واعتبرها موجهة ضده بالذات، ليبرر من خلالها هجومه.

نحن نقرأ يومياً عشرات العناوين لمقالات وتقارير عن تفشي الفساد، ونهب الثروات في العراق من قبل سياسيين ومقاولين (حقيقيين ووهميين، ونصابين ومافيات ولصوص..) وغيرهم. فهل حقاً، وبعد كل هذا الفساد، لا يوجد بين هؤلاء أناس من تنطبق عليهم صفة "الشبهة" أو"المشبوهين"؟ وإذا كان جميع المسؤولين ومن تنطلق منهم هذه الدعوات هم ملائكة غير مشبوهين، فلماذا إذنْ كل هذه الضجة ضد الفساد والفاسدين في البلاد؟

لقد جاهد السيد الخفاجي لتفسير كلمة (مشبوهة) بما يخدم غرضه فجعلها مرادفة لكلمة الجريمة، وبالتالي على أني وصفت أصحاب تلك الدعوات المشبوهة بالمجرمين! بل وراح إلى أبعد من ذلك، حيث اتهمني أني أعتبر كل من يختلف معي في الرأي هو مشبوه وبالتالي فهو مجرم!. غني عن القول أن هذه المحاولة لا تدل على العلمية في البحث عن الحقيقة، ناهيك عن الحوار الحضاري الذي يدعونا إليه السيد الخفاجي. فالدعوة إلى الحوار الحضاري شيء والممارسة شيء آخر.

فتعبير (دعوات مشبوهة) تعني دعوات مشكوك بها أو بنواياها، ولا تعني التهمة بقيام جريمة كما حاول تفسيرها الكاتب. ولذلك لا نرى أي مبرر لغضبته العارمة، وربما هي مفتعلة لغاية في نفس يعقوب. فكلمة مشبوهة في القواميس تعني الشك أو الريب، ولا تعني التهمة بارتكاب جريمة. والمعروف أن الفيلسوف الألماني عمانئيل كانت، هو أول من وضع أسس فلسفة الشك، وطالب بأن نخضع كل شيء إلى الشك والمناقشة. كذلك قال نيتشة: «ليس الشك، وانما اليقين، هو الذي يقتل!». وكذلك نشر عالم الاجتماع الماركسي البريطاني المعروف، رالف مليباند في التسعينات كتاباً بعنوان (الإشتراكية في عصر شكاك). (وهو بالمناسبة، والد إد مليباند، الزعيم الحالي لحزب العمال البريطاني).
فهل كل هؤلاء على خطأ عندما تحدثوا عن الشك وحثوا عليه؟ وهل يجب أن نحرق كتب عمانوئيل كانت لأنه طالبنا بأن نشك بكل شيء؟
الحقيقة، أن غاية السيد الخفاجي هي ليست الدعوة إلى الحوار الحضاري وتجنب كلمات اتهامية كما ادعى، وإنما هناك تصفية حسابات و ربما غايات أخرى هو أعرف بها.

إذ لمَّح السيد الخفاجي في مقاله إلى أن له (مع عبدالخالق حسين تجربة لا يود الإشارة إليها حول طريقته في كتابة ما يسميها "دراسات"). فما هي هذه التجربة التي خاضها السيد الخفاجي معي ولا يريد الإشارة إليها؟ إليكم هذه "التجربة".
قبل حوالي السنة، استلمت منه رسالة ودية دون أن أسمع به من قبل، ولا صغراً به، أيدني فيها على مقال لي كنت قد نشرته آنذاك أدعو فيه اليسار العراقي إلى ترك النقاء الأيديولوجي، وتبني الواقعية وفق ما تتطلبه الظروف الموضوعية التي يمر بها العراق. أيد السيد الخفاجي هذا الطرح، وبعث لي مع رسالته مقالاً له حول نفس الموضوع مطابقاً لآرائي!!. فشكرته على ذلك، وتكرر بيننا تبادل الرسائل الودية، واعتبرت تلك المبادرة منه بداية صداقة بيننا. والحمد لله أني أتمتع بعدد كبير من الأصدقاء الرائعين من كتاب وأكاديميين وقراء، يتابعون مقالاتي ويتحفونني بتعليقاتهم القيمة التي استفيد منها كثيراً، وغالباً ما تكون مصدر إلهام لي في كتابة مقالات أخرى. وعلى بساطتي أو سذاجتي، وحسن نيتي، طلبت من السيد عصام أن يقرأ مقالاً كنت ثد نشرته قبل سنوات بعنوان: (دور الانفجار السكاني في حروب الإبادة) لأستفيد من رأيه، خاصة وقد قدم نفسه أنه متخصص في علم الاجتماع، وأنا من هواة هذا العلم بفضل أستاذنا الراحل الدكتور علي الوردي، وتعلقي الشديد بمؤلفاته وأفكاره الرصينة.

ولكن، وبعد انتظار دام أكثر من أسبوع، جاء رده بلغة استعلائية مخيباً للآمال، وغاضباً ضد المقال، ولامني أني ضيَّعتُ وقته، وأنه لا يؤمن بالمالتوسية...الخ. أعترف أن هذه النظرية مثيرة للجدل، حيث واجهتْ معارضة شديدة في وقتها، وحتى وقت قريب، إذ لم يكن هناك خطر إنفجار سكاني في القرن الثامن عشر وذلك بسبب الأوبئة التي كانت تفتك بالبشر. أما في القرن العشرين حيث التحسن في الخدمات الطبية، والتلقيحات، ورفع المستوى المعيشي...الخ، حصلت زيادة هائلة في السكان إلى حد الانفجار، وبالأخص في العالم الثالث، الذي تسبب في إثارة الصراعات الدموية والحروب. على أي حال، اعتذرت له وانتهى كل شيء عند هذا الحد. والجدير بالذكر أن مقالي عن خطر الانفجار السكاني نال اهتمام العديد من الباحثيين والصحف، فبعد نشره على مواقع الانترنت، استلمت طلبات من عدد من الجرائد والمجلات، في العراق والبلاد العربية، للسماح لهم بإعادة نشره، فتم لهم ذلك مشكورين. ومازلت أؤمن أن الانفجار السكاني يلعب دوراً خطيراً جداً في عدم الاستقرار السياسي في دول العالم الثالث، والذي أسماه الصديق الكاتب المصري سامي البحيري بحق بـ(الدمار الشامل).

وقبل أيام بعث لي صديق مقالاً للسيد عصام الخفاجي بعنوان (أنا مشبوه) قائلاً لي أنه يخصني. فاطلعت عليه وعلى التعليقات، واستغربت من أسلوبه التهكمي والهجومي، علماً بأني لم أشر إليه، لا في مقالي الأخير ولا في أي مقال آخر لي كما أشرت آنفاً، ولم أعرف أنه مع أو ضد خصخصة الثروات النفطية، أو توزيع مواردها على أبناء الشعب. لذا فقد أصبت بالدهشة من هذا المقال. ولله في خلقه شؤون.

لماذا الشك في دعوات خصخصة قطاع النفط أو توزيع موارده؟
قبل عامين، اتصل بي صديق من بلد عربي مقيم في أمريكا، وهو كاتب وباحث معروف من الوزن الثقيل، طرح عليَّ مشروعاً قال قد وضعه عدد من الخبراء في أمريكا لمساعدة الشعب العراقي وذلك بجعل العراق نموذجاً لنجاح الديمقراطية في المنطقة، ونسخة من دبي في الازدهار الاقتصادي. والمشروع يطالب بخصخصة الثروة النفطية، وإلغاء الضرائب على الصادرات والواردات، وجعل الموانئ العراقية وجميع المداخل من مطارات ونقاط الحدود مناطق حرة، والسماح للأجانب بشراء الأسهم والاستثمار...الخ، وبذلك سيتحول العراق إلى دبي !! والمطلوب مني أن أقوم بالترويج للفكرة في الإعلام العراقي، وأدعو بعض الكتاب العراقيين للمشاركة في هذه الحملة لإقناع المسؤولين العراقيين بتبني المشروع وتنفيذه! فعرضت رسالة الصديق العربي على عدد من أصدقائي من الخبراء العراقيين في شؤون النفط والاقتصاد، راجياً منهم إبداء آرائهم حول المشروع. معظم الأجوبة التي وصلتني كانت على الضد من الفكرة، وأنها مؤامرة على العراق لسرقة ثرواته. لذلك اعتذرت للصديق عن عدم المشاركة.

وبناءً على ما تقدم، وما تعرض له العراق من عمليات فرهود ونهب وفساد وسرقة أموال من قبل مسؤولين كبار وصغار، ومقاولات مع شركات وهمية لا وجود حقيقي لها على أرض الواقع، أقول، وبعد كل هذه الكوارث، ألا يحق لنا أن نشك في هذه الدعوات ونطرحها للمساءلة لنعرف الحق من الزيف؟ فلماذا كل هذه الثورة لمجرد ورود كلمة "مشبوهة"؟

أنا نادراً ما أرد على المقالات التي تتعرض لي بالهحوم، وغالباً لا أعرف عنها والحمد لله، ولكن يصلني القليل منها من قبل الأصدقاء كما في حالة مقال السيد عصام الخفاجي. فبعد قراءتي لها وتعليقات القراء وجدت معظم هذه التعليقات هي في صالحي، خاصة تعليق الأستاذ الدكتور صادق الكحلاوي، وهو أستاذ في علم الاقتصاد، وكذلك تعليقين للكاتب المتميز الأستاذ مالوم أبو رغيف، وتعليقات قراء آخرين، كلها ردود شافية على كاتب المقال، أشكرهم عليها، ولذلك لم أر حاجة للرد على الكاتب، ولكن بعد أيام وجدت من المفيد الاستفادة من الفرصة بكتابة هذا المقال لألقي المزيد من الضوء على ما يتعرض له العراق من محاولات لتبديد ثرواته وتحت مختلف التبريرات والحجج.

نعم، أنا مازلت ضد الدعوات لخصخصة قطاع النفط، أو حتى توزيعه على أبناء الشعب على شكل أسهم كما طالب به الدكتور أحمد الجلبي، أو توزيع عوائده كما يطالب به السيد مقتدى الصدر، والسيد عصام الخفاجي وآخرون.
فالخصخصة تعني بيع (بيع مجوهرات العائلة) على حد تعبير هارولد مكاميلان، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، في تعليقه على إجراءات السيدة تاتشر عندما باعت المؤسسات الاقتصادية الكبرى في الثمانينات في سوق البورصة. فالعراق مازال من دول العالم الثالث، يفتقر إلى الكوادر الكفوءة لإدارة هذه المشاريع العملاقة وحمايتها من النهب من قبل النصابين والمافيات، في حالة بيعها على القطاع الخاص كما حصل في روسيا بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي حيث أثرى من عمليات الخصخصة اللصوصية نفر قليل من المحتالين صاروا يمتلكون عشرات المليارات الدولارات في غمضة عين، فروا بها إلى الغرب.
أما توزيع القطاع على شكل أسهم على أبناء الشعب، فهو الآخر خطأ عارضه حتى السيد عصام الخفاجي حين قال: "أن هذه الدعوة شديدة الخطورة إذ تقود العراق إلى الوقوع في نمط رأسمالية النهب التي قام عليها نظام بوريس يلتسن في روسيا. إذ أن الطغم المالية والمافيات ستتمكن من عرض مبالغ مغرية على الفقراء والعاطلين ومحدودي الدخل وحتى متوسطيه للإستيلاء على تلك الأصول وتحويلها إلى احتكارات خاصة."
وأنا إذ أؤيد السيد الخفاجي على ذلك، ولكني أخالفه على ترشيحه الطريقة الثالثة حيث قال: "أما توزيع العوائد فسيمكّن الدولة من فرض ضريبة دخل، لنقل أنها ستكون ثلاثين بالمئة، ...الخ"

أعتقد أن هذه الطريقة هي الأخرى فاشلة وشديدة الخطورة، حتى ولو فرضت الحكومة ضريبة بمقدار ثلاثين بالمائة على هذه الحصص. ففي الوثت الذي ينتقد فيه السيد الخفاجي الحكومة على أنها هي أكبر مصدر للتوظيف، وأن معظم هذه الوظائف هي بطالة مقنعة، ولكن الحل الذي يقترحه هو أكثر خطورة، إذ يطالب بتوزيع الثروة على المواطنين العاطلين والعاملين، فقراء وأغنياء على حد سواء، ومن ثم سحب 30% من تلك الحصص كضريبة. يعني ضاعفنا العمل، وبددنا المزيد من الأموال، إضافة إلى إحتمال التلاعب بالضريبة والتهرب من دفعها بشتى الوسائل والحيل، وأحلنا الناس إلى جيش من العاطلين والطفيليين يعتاشون على هذه الحصص وبدون عمل.
بينما الحل الصحيح هو الذي اقترحته في مقالي السابق، وأيدني فيه الأستاذ مالوم أبو رغيف في تعليقه على مقال السيد الخفاجي، وهو: "أن ثروة الشعب يجب أن تبقى بيد الحكومة المنتخبة لتصرفها على الإعمار، والخدمات، ورفع المستوى المعيشي، والتعليمي والصحي وإيجاد فرص التوظيف...الخ، وليس توزيعها نقداً على الناس كرشوة لشراء الأصوات في الحملات الانتخابية".

والجدير بالذكر، أن الركائز الاقتصادية العراقية عانت من الإهمال منذ الحرب العراقية- الإيرانية عام 1981، وإلى 2003، لذلك فيقدر بعض الخبراء أن إعمار العراق يحتاج إلى ترليون دولار (2). وإذا كان الأمر كذلك فكيف يتم إعماره بتوزيع العائدات النفطية على أبناء الشعب وتحويل الناس إلى إتكاليين على هذه الحصص بدلاً من صرف هذه العائدات على الإعمار؟

خطر آخر يهدد العراق من توزيع العوائد النفطية وهو، أنه يجعل العراق قبلة لهجرة الأجانب إليه، وطلب الجنسية العراقية تحت مختلف التبريرات مثل الزواج والإقامة لمدة معينة، وكذلك الرشوة، إذ يمكن شراء الجنسية العراقية بمبلغ معين في بيئة مشحونة بالفساد. كذلك، هناك منافسة شديدة بين مكونات الشعب حول النسبة السكانية، فكل مكونة تريد أن تزيد نسبتها في الشعب للحصول على المزيد من العوائد النفطية، وبذلك فبعد عشر سنوات يتضاعف عدد السكان إلى 70 مليون نسمة، نصفهم أجانب جاؤوا للحصول على الحصة من عوائد النفط.

أنا مع تشجيع القطاع الخاص، ولا يجب أن تبقى الدولة هي المصدر الوحيد للتوظيف، بل على الدولة تشجيع أبناء الشعب على فتح شركات ومؤسسات إنتاجية وخدمية وتعليمية ومستشفيات...الخ، وتساعدهم مالياً بقروض، وبذلك يمكن بناء القطاع الخاص لتنشيط الاقتصاد وخلق ملايين فرص العمل للعاطلين. وهذا لا يتم عن طريق التفريط بالمؤسسات النفطية وغيرها من الثروات الطبيعية والركائز الاقتصادية عن طريق بيعها كأسهم أو توزيع عوائدها كحصص على الناس.

اختتمَ السيد عصام الخفاجي مقاله بالقول: "أختم بشكر الأستاذ عبد الخالق حسين الذي، لولا اتهامه لمن يخالفه الرأي بكونه مشبوها، لما شحذت فكري وتوسّعت في بلورة أفكاري. وأضيف إلى هذا شكري له لأنه ساعدني على تحذير القارئ من طرح أي فكرة قبل استشارته. فكلنا مشبوهون حتى يصدر الأستاذ حسين فتوى ببراءتنا".
كنت أتمنى على الكاتب أن يترفع عن هذه اللغة الرخيصة التهكمية التأليبية، فهي لا تليق بمن يتباهى أنه "دخل في نقاشات أكاديمية لا حصر لها مع أعلام كبار مثل حنا بطاطو وسمير أمين ومهدي عامل وكثير غيرهم من العلماء ...الخ"، فهل استخدم مع هؤلاء السادة الأفاضل هذه اللغة "الحضارية" جداً؟؟.
أؤكد له وللقراء الكرام أني لا أتهم كل من يختلف معي بالرأي بأنه مشبوه، بل بينت الأسباب التي جعلتني أشك في دعوات الذين يريدون تبذير ثروات الشعب تحت مختلف الواجهات والتبريرات الواهية. فحرية الرأي تبيح لنا جميعاً، في حالة الاتفاق أو الاختلاف، أن نعبر عن آرائنا. والرد على الرأي المختلف لا يعني إلغاء الرأي الآخر، أو إرهاب فكري معاذ الله!.

الخاتمة
1- يمر العراق بمرحلة تاريخية صعبة جداً، تكالبت عليه قوى الشر في الداخل والخارج، وقد تركه البعث خرائب وأنقاض، وشعبه مصاب بألف علة وعلة. لذلك فالعراق يحتاج إلى وارداته النفطية للإعمار والبناء، وخلق ملايين فرص العمل للعاطلين، وهذا لا يتم عن طريق توزيع العائدات النفطية على المواطنين.

2- نحن نرحب بالجدل الحضاري، ممارسة وليس بالإدعاء فقط، إذ نلمس تناقضاً في أقوال السيد عصام الخفاجي حين قال في رده على تعليقات القراء: "كم علينا الإنتظار لنرتقي بمناقشاتنا إلى هذا المستوى الحضاري العلمي؟". فرد عليه القارئ الكريم محمد عباس الشمري، مذكراً إياه بقول الإمام علي (ع): "من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره."
أتمنى على السيد الخفاجي الالأخذ بهذه النصيحة.

3- وأخيراً، أذكِّر السيد الخفاجي، أن أخطر ما يهدد الكاتب، أو أي إنسان آخر هو: النرجسية، والغرور، ومخاطبة الآخرين بلغة استعلائية فجة. ورحم الله المرحوم علي الوردي حين قال: "إن أحدهم قد يتمشدق بأرقى ما جاءت به الحضارة من مبادئ ومفاهيم، ولكن ذلك ليس سوى طلاء سطحي حيث تعكس تحته الشخصية الزقاقية، فلا تكاد تمس بعض الأوتار الحساسة منها حتى ينتفض صاحبها "سبعاً" ضارياً كأنه من "أشقياء " ذلك الزمان."
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مقال ذو علاقة بالموضوع
1- عبدالخالق حسين: حول "إلغاء" البطاقة التموينية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=552

2- Iraq Needs $1 Trillion to Rebuild
http://www.iraq-businessnews.com/2012/11/09/al-araji-iraq-needs-1-trillion-to-rebuild/


394
حول "إلغاء" البطاقة التموينية

د.عبدالخالق حسين

أفادت الأنباء "أن مجلس الوزراء قرر يوم (6 تشرين الثاني 2012)، استبدال البطاقة التموينية المطبقة حالياً بمبالغ نقدية توزع على المشمولين بالنظام المذكور بواقع (15) ألف دينار لكل فرد... واعتبر المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ، أن هذا القرار جاء للقضاء على حالات الفساد المرافقة لتوزيعها، مشيراً إلى إن الحكومة أضافت مبلغ 3 آلاف دينار لكل فرد على سعر المواد التموينية والمقدر بنحو 12 ألف دينار."
أرجو ملاحظة العبارة التي وردت في قرار مجلس الوزراء: "استبدال البطاقة التموينية المطبقة حالياً بمبالغ نقدية" وليس إلغاء البطاقة التموينية، كما ورد في معظم المقالات، ولذلك وضعت كلمة إلغاء بين قويسات التنصيص " "، للدلالة على عكس المعنى.

وكأي عمل تتبناه الحكومة، (صح أو خطأ)، لقي هذا القرار معارضة تباينت بين الشدة والاعتدال، منها بدافع الحرص على مصلحة الفقراء، ومنها بدوافع انتهازية لتوظيف هذا القرار للكسب السياسي. لذا، أرى من المفيد مناقشة هذه المسألة بهدوء وموضوعية للوصول إلى وضع حل عادل يحمي الفقراء من العوز، ويحمي أموال الشعب من الضياع والفساد.

إن نظام البطاقة التموينية جاء كضرورة لا بد منها بعد فرض الحصار الاقتصادي الأممي على العراق على أثر غزو صدام حسين للكويت عام 1990. واستجابة لمطالبة المعارضة العراقية آنذاك، وضعت المنظمة الدولية (برنامج النفط مقابل الغذاء) بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 986، لعام 1995؛ وهو برنامج يسمح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة. ولهذا السبب وضعت حكومة البعث نظام البطاقة التموينية لمنع ثورة الجياع، وإلا لحلت كارثة مروعة في الشعب العراقي.

وبعد سقوط حكم البعث عام 2003 استمرت الحكومات المتعاقبة بالعمل على هذا النظام لأسباب كثيرة منها، وجود شرائح واسعة من الفقراء والعاطلين عن العمل. ولكن مع ذلك، لم يخلو هذا النظام من سلبيات، منها: خلق مجال للفساد المالي، وجلب مواد غذائية فاسدة، ووصول هذه المساعدات إلى أناس هم بالأساس لا يحتاجونها لأنهم يتمتعون بدخول جيدة.

كذلك نسمع بين حين وآخر، تصريحات يطلقها قادة سياسيون يطالبون بتوزيع الثروات النفطية على الشعب بذريعة أن النفط ملك الشعب...الخ. وهذه الدعوات مشبوهة ولأغراض انتهازية ومكاسب سياسية حزبية ضيقة. فثروة الشعب يجب أن تبقى بيد الحكومة المنتخبة لتصرفها على الإعمار، والخدمات، ورفع المستوى المعيشي، والتعليمي والصحي...الخ، وليس توزيعها نقداً على الناس كرشوة لشراء الأصوات في الحملات الانتخابية.

لا شك أن مخلفات العهد البعثي البائد لا يمكن التخلص منها في سنوات، فهناك شرائح واسعة من الفقراء والأيتام والأرامل والمعوقين من الحروب العبثية والعمليات الإرهابية... وأصحاب الدخل المحدود دون مستوى خط الفقر. ولكن صحيح أيضاً أن ليس كل الذين يستلمون البطاقات التموينية هم فقراء كما أشرنا أعلاه، لذا فنظام البطاقات التموينية يحتاج إلى إصلاح دون شك. فلو استمر نظام التموين على وضعه الحالي بدون ضوابط، و استجيبت مطالبات توزيع الثروات النفطية على الناس، فهذا يعني تحويل الإنسان العراقي إلى إنسان يعيش ليأكل بدلاً من أن يأكل ليعيش. وهذا يؤدي إلى تفشي الكسل والخمول، وبالتالي القضاء على المحفزات التي تدفع الإنسان للعمل والبناء والإبداع والتقدم.
لذا، فترك نظام التموين على وضعه الحالي أمر غير مقبول، وكذلك منح كل فرد 15 ألف دينار بغض النظر عن وضعه المالي، كما جاء في قرارا الحكومة، أمر غير عادل.

من الحكايات التي كنا نسمعها في المقارنة بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي في مساعدة الشعوب الفقيرة، أن الرأسمالي إذا أراد مساعدة شخص فقير قدم له المال نقداً لشراء احتياجاته، فما ان ينتهي هذا المال حتى ويعود الفقير الجائع إلى الرأسمالي يطالب بالمزيد، وهكذا يبقى مصير الشعوب الفقيرة بيد الأنظمة الرأسمالية. أما الدول الإشتراكية، فتساعد الفقير العاطل عن العمل بأن تقدم له عدة صيد السمك مثلاً، وتدربه، وتشجعه على العمل ليعيش من وراء هذا العمل. وهذا يعني أن الدول الإشتراكية كانت تساعد الشعوب الفقيرة بتقديم المساعدات على شكل بناء معامل ومدارس ومعاهد تدريب... الخ، كي تنهض هذه الشعوب وتتعلم كيف تحل مشاكلها الاقتصادية بنفسها.

هذه السياسية صحيحة حتى في العلاقة بين الحكومة والشعب في الدولة الواحدة. نعم، الثروة النفطية وغيرها من الثروات الوطنية هي ملك الشعب كما جاء في الدستور، ولكن هذا لا يعني أن تقوم الحكومة بتوزيع هذه الثروة على الناس على شكل هبات نقدية دون ضوابط. فالثروة النفطية هي ثروة ناضبة وليست ملك هذا الجيل فقط، وإنما هي ملك الأجيال القادمة أيضاً، ويجب أن لا يرحل هذه الجيل مشاكله المالية إلى الأجيال القادمة.

فمن واجب الحكومة أن تتصرف بهذه الثروة بعقلانية، وذلك عن طريق استثمارها ببناء الركائز الاقتصادية، مثل المعامل، والطرق، والمدارس، والمعاهد، والجامعات، والمحطات الكهربائية، ومشاريع إسالة الماء، والصرف الصحي وتقديم الخدمات...الخ، وبذلك تخلق ملايين الوظائف للعاطلين. كذلك مطلوب من الحكومة مساعدة الطلبة الفقراء بفتح الأقسام الداخلية المجانية للطلبة، وحتى تقديم المساعدات المالية لهم لتوفير تكافؤ الفرص أمامهم لإكمال دراساتهم الجامعية...الخ، وليس بتبديد الثروة بتوزيعها على الناس كيفما اتفق كما يطالب بها بعض السياسيين لأغراض انتهازية ودعائية حزبية رخيصة.

ولحسن الحظ، انتبه شعبنا إلى هذه الدعوات المشبوهة، ففي انتخابات عام 2005 رفع الدكتور أحمد الجلبي، رئيس حزب المؤتمر العراقي، شعار: (توزيع واردات النفط على الشعب) وتطبيق ما يسمى بنظام ألاسكا...الخ، وحاول كسب أهل البصرة في دعايته الانتخابية برفع شعار (نفط البصرة لأهل البصرة)، ولكن مع ذلك لم يفز حزب الجلبي حتى بمقعد واحد في تلك الانتخابات. وهذا دليل على أن شعبنا لم يعد تنطلي عليه هذه الشعارات المشبوهة، ولا مقالات المتزايدين والمتاجرين بمآسي وبؤس الفقراء.

ما العمل؟
وعليه فالحل الصحيح في رأيي هو، وضع نظام يشبه ما هو متبع في الغرب مثل الضمان الاجتماعي (social security)، ودفع مساعدات مالية للعاطلين عن العمل (unemployment benefit).
وهذا يتطلب وضع دراسة علمية رصينة من قبل خبراء الاقتصاد والمال والاجتماع لمعرفة المستوى اللائق من الدخل للعائلة العراقية وفق معدلات التضخم الاقتصادي والمستوى المعيشي في العراق. ومن هذه الدراسة يمكن معرفة خط الفقر، وعلى ضوئه تمنح الحكومة المساعدات المالية للعوائل والأفراد الذين يعيشون دون مستوى هذا الخط. أما منح هذه المساعدات على شكل هبات مالية بدون ضوابط، وحتى للمقتدرين مالياً فهذا تبذير بل سرقة لأموال الشعب. إن ضخ الترليونات من الدنانير في السوق يؤدي إلى تضخم إقتصادي مريع (inflation) من نتائجها هبوط قيمة العملة ورفع أسعار السلع، وبالتالي تكون النتائج معكوسة، وأول المتضررين منها هم الفقراء.
 abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحق
إلى الذين نصبوا سرادق العزاء للبطاقة التموينية

حسن أسد

عشرون عاماً كانت قد مضت على هروبي من وطني حين عدت إليه بعد تحريره من أعتى وأقسى طاغية عرفته الدنيا والتاريخ، صدام حسين . بفضل الرئيس الأمريكي جورج بوش سنة 2003 ..
لأن الموضوع الذي اخترت الخوض فيه هو قرار الحكومة العراقية إلغاء البطاقة التموينية اعتباراً من شهر آذار 2013 فلا داعي للتطرق إلى مشاهداتي وملاحظاتي التي قد يجدها القاريء العزيز هي محاولة مني لإطالة المقالة ليس إلا ...
خلال تجوالي في الشوارع والأزقة التي اشتقت لرؤيتها صادفت عربات تجرها الأحصنة أو الحمير، بأيدي قوادها قضبان حديدية يطرقون بها على قطعة اُخرى من نفس المعدن فتصدر صوتا عالياً ليتنبه السامعون لما سيصرخ به وهو: طحين ، تمن (رز)، حليب ، وكل شي، نبدلها بفلوس او بملابس وحاجيات منزلية جديدة !!!
تعجبت حين استجاب البعض لندائه !!!!
استغربت من هذه الحالة، فاستفسرت من رفيقي عن سبب بيعهم لمواد البطاقة التموينية وتساءلتُ عن كيفية معيشتهم حتى الموعد الآخر بعد شهر ؟؟؟؟
رد عليَ قائلاً .. إنهم يبيعون الفائض منها، فالكمية التي تستلمها كل عائلة تزيد عن حاجتهم !!!!!
قلت: ولكننا في الخارج نسمع الكثير من العراقيين عند ظهورهم على شاشات الفضائيات يشكون من قلة المواد التموينية او فقدانها فنتألم لوضعكم ؟!!
إبتسم وهو يجيب: لسنا أوربيون او يابانيون كي نرضى بالواقع وقت الأزمات، بل نحن عراقيون شكاة متذمرون. في العهد السابق كانوا يخرجون في تظاهرات شكر لصدام حين كان يزيد حصة كل عائلة عراقية دجاجة في شهر رمضان (كمكرمة) منه، أما الآن فبإمكان كل فرد شراء دجاجة يومياً مع ذلك تجدهم يتذمرون. الناس في العراق الجديد صاروا كنار جنهم حين تُسأل: هل إمتلأتي فتجيب: هل من مزيد ؟!!!!
وأضاف: ألم يلفت نظرك إنتزاع شبابيك غرف البيوت المطلة على الأزقة والشوارع من قبل أصحابها ليحولونها إلى سوبر ماركتات؟. حدق في اللافتات الموضوعة فوقها، هذه سوبر ماركت اُم عطية، وتلك سوبرماركت الحاج راضي، وهناك سوبر ماركت ابو محمود. ملاكها ينافسون اصحاب العربات الذين يشترون المواد التموينية من الراغبين ببيعها. المضحك هو أن غالباً ما يعود الذي باع حاجياته لشراء بعضها من المشتري بضعف سعرها حينما يزوره ضيف لم يتوقع قدومه !!!!
رفيقي طرح عليَّ السؤآل التالي: كم تعتقد هو عدد العراقيين المتواجدين في خارج الوطن؟
اجبته: يقال بأن عددهم يتجاوز الخمسة ملايين فرد ..
قال: صدقني إذا قلت لك بأن أكثر من سبعين بالمائة منهم يستلم أهاليهم او أقربائهم او معارفهم حصصهم التموينية هنا في العراق!!
هنا التفتَ إلىً متسائلاً: خلال وجودك هنا، ألم يطلب منك أحد ممن كنت عندهم عن هويتك الشخصية؟
أجبته: نعم ، فلقد طرح عليَ هذا السؤآل عدة مرات عند زياراتي لمعارفي .. وكنت أرد عليهم بالنفي. ولكن لم أعرف لحد الآن سبب سؤآلهم عن هويتي، هل ليتأكدوا من أني حسن أسد ؟؟
قهقه رفيقي قائلاً: لا يا حبيبي، بل ليحصلوا بها على بطاقة تموينية كما فعلوا مع الآخرين كما قلت لك سالفاً !!!!!!
هنا تذكرت واقعة حدثت ليَ في السويد إذ قال أصحابي الذين قدمت لهم لبناً صنعته بنفسي من حليب طازج اشتريته من راعي أبقار مباشرة طالباً منهم إبداء رأيهم بطعمه.
إن اُم حسين تصنع لبناً أطيب مذاقاً من لبنك ..
اتصلت باُم حسين مستفسراً منها عن نوعية الحليب الذي تستخدمه في صنع لبنها، فأجابت: ابني، هذا الحليب لا يوجد منه في السويد!
قلت: أين يتواجد إذنْ ؟؟؟
قالت: في العراق، إنه حليب مجفف ضمن الحصة التموينية التي توزع على العراقيين... ابنتي التي هناك تبعث لي شهرياً حصتنا منها .....
مناسبة كتابتي لهذا المقال هي إستلامي لإيميل يطالبني مرسله التوقيع على مطالبة الحكومة العراقية إلغاء قرار بإنهاء العمل بالبطاقة التموينية إعتباراً من شهر آذار 2013 ..
العجيب والغريب هو أن المطالبين بالإبقاء على البطاقة التموينية هم أنفسهم الذين لطالما دبجوا المقالات الهجومية على فساد الوزارات والهيئات وجميع مسؤولي عملية البطاقة التموينية واتهموهم بالثراء والسرقة من جراء حصولهم على الكومشين عند توقيع العقود مع المستوردين لموادها وطالبوا في كتاباتهم الحكومة إلى إلغائها وإيجاد بدائل لها ..
واليوم وبعد أن قررت الحكومة إستبدال البطاقة بالمال نقداً، نجد نفس تلك الأقلام تشن هجوماً شرساً على القرار وتدعو إلى إبطاله !!!!

وأخيراً، إن الذي يرفض إلغاء عملية البطاقة التموينية إنما يعمل لتكريس ثقافة إذلال المواطن العراقي بإبقائه مستمراً على انتظار قدوم قوته إليه بدل الذهاب بنفسه بحثاً عنه.
يقول برناردشو : "يلوم الناس ظروفهم على ما هم فيه من حال، ولكني لا اُؤمن بالظروف، فالناجحون في هذه الدنيا اُناس بحثوا عن الظروف التي يريدونها، فإذا لم يجدوها وضعوها بأنفسهم".
في الختام أقول: لتصير قيلولة ظهيرة العراقي أقل وقتاً من نوم ليله ..

حسن أسد


395
في مواجهة الحرب الإعلامية التسقيطية

د,عبدالخالق حسين

الحرب الإعلامية ضد عراق ما بعد البعث بدأت حتى قبل سقوط حكم البعث، تم تدشينها من قبل مشايخ الوهابية في السعودية بإصدار فتوى وقَّع عليها أكثر من ثلاثين شيخاً، دعوا فيها الشباب المسلمين في جميع أنحاء العالم بالتوجه إلى العراق للجهاد في سبيل الله ولإنقاذ أخوتهم أهل السنة من الاحتلال الأمريكي وعملائهم "الروافضة". ومنذ صدور تلك الفتوى وفتاوى متتالية أخرى، بدأ زحف الجراد الوهابي الإرهابي على العراق ليهلك الحرث والنسل. وقد رافقت عمليات الإرهاب حملات إعلام ضد العراق الجديد، وبالأخص لتشويه صورة شريحة من السياسيين من طائفة معينة دون غيرهم.

وقد سعت السعودية وغيرها من دول الجوار والمنطقة بكل الوسائل لإفشال العملية السياسية وإعادة الأمور إلى ما قبل 2003، ولكنها فشلت. كما ولجأت إلى شراء قادة بعض الكتل السياسية، فكان مؤتمر أربيل وغيره في محاولة لسحب الثقة من رئيس الوزراء السيد نوري المالكي وإسقاط حكومته لإغراق البلاد في فوضى عارمة، ولكن بلا جدوى، حيث ارتدت سهامهم إلى نحورهم خائبين.

وأخيراً، تأكدوا أنه لم يبق أمامهم غير محاولة التركيز على الانتخابات البرلمانية القادمة والعمل على تضليل الناخب العراقي بما يخدم أغراضهم. وهذا يحتاج إلى حرب إعلامية تسقيطية شرسة لتضليل الشعب العراقي، وإرباك الوضع، وتسقيط من يريدون إزاحته عن المسرح السياسي العراقي. ولهذا الغرض، عقد قبل أسابيع في الدوحة/قطر، عاصمة "الديمقراطية العربية" مؤتمر بعنوان "الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي"، تم فيه التركيز على مفهوم "الأغلبية والأقلية". ورغم أنهم طرحوا هذا المفهوم ليشمل الديمقراطية في البلاد العربية كلها، إلا إنه واضح من المقالات التي تلت عقد المؤتمر، أن العراق وحده المستهدف من هذا اللقاء، وذلك للالتفاف على الديمقراطية وتفريغها من مضمونها الحقيقي، ورفض ما تفرزه صناديق الاقتراع، حيث خرج علينا أحد المشاركين في ذلك المؤتمر بمقال يؤكد على هذا المعنى. والجدير بالذكر، أن كاتب المقال هذا سخر قلمه منذ سقوط حكم البعث في العراق إلى اليوم في تدبيج المقالات يشتم أو يمدح فيها المشاركين في العملية السياسية حسب انتمائهم المذهبي.

لقد خططوا لهذه الحملة بمنتهى الخبث والدهاء، وتنفيذها بحرفية عالية لتحقيق أغراضهم، حيث تم توزيع الأدوار في نشر مقالات تسقيطية، منها بأسماء كتاب معروفين، ومنها بأسماء مستعارة، وأخرى تنتحل أسماء وألقاب خاصة بالشيعة لكسب ثقة القراء بأن نقده للسياسيين الشيعة ليس بدوافع طائفية، فهو شيعي ولكنه يريد أن يقول الحقيقة!!، وكتابات أخرى على شكل رسائل الإيميل دون ذكر أسماء أصحابها، ولكن كلها يجمعها قاسم مشترك واحد وهو تشويه سمعة السياسيين الشيعة وتصفيتهم سياسياً واجتماعياً. ولم يسلم من الطعن والتدنيس والتدليس حتى مقدساتهم ومذهبهم وشعائرهم الدينية، بل وشملت حتى مرجعيتهم الدينية مثل السيد على السيستاني الذي عمل كصمام أمام يدعو أبناء طائفته إلى ضبط النفس، وعدم الرد على الأعمال الإرهابية التي استهدفتهم في حرب إبادة الجنس وهدم أضرحة أئمتهم.

واستغلوا ما يعانيه الشعب من مشاكل الفساد ونقص الخدمات، والاستعداد النفسي لدى البعض لتصديق كل ما يروج في هذا الخصوص، وتضخيمه وتحميل رئيس الوزراء ومساعديه وحدهم مسؤولية كل مشاكل العراق المتراكمة عبر قرون. وللأسف نجحوا في تمرير مقالات مقذعة مليئة بالطعن والدس والتسقيط، فصدقها البعض وقام بتوزيعها على أوسع نطاق غير مدرك أنه هو المستهدف بهذه السموم.

في هذه المداخلة أجتزئ مقتطفات بإيجاز شديد من بعض هذه المقالات التي يحاول كتابها الظهور بالحرص على الديمقراطية "الحقيقية" وفق منظورهم.

أولاً، نشير إلى مقال أحد المشاركين في مؤتمر الدوحة، ومنه نعرف أن المؤتمر كان قد عقد من أجل العراق وحده، لتنظيم حملة إعلامية منسقة وقذرة لتسقيط سياسيين معينين، وإزاحتهم عن الساحة في الانتخابات القادمة. يقول هذا الكاتب في مقال له بعنوان: (الأغلبيّة والأقليّة .. تصويب مفاهيم خاطئة): "لا يمكن أبدا استخدام كل من هذين المصطلحين في أي مجتمع من المجتمعات، للتفرقة على أساس الدين أو العرق أو المذهب أو الطائفة أو الثقافة.. الخ، وإلا نكون قد أدخلنا أنفسنا في مأزق تاريخي خطير، كما حدث في لبنان والعراق، وما يمكن أن يكون عليه الحال في بلدان عربية أخرى. إن قياس “الأغلبية والأقلية” لا يتم إلا على أسس سياسية، سواء في الحياة العامة، أو الانتخابات والبرلمانات،...".

ونحن نتفق مع هذا الطرح، وندين التمييز بين أبناء الشعب الواحد على أساس الدين والمذهب والعرق، ولكم مع تحفظنا على النوايا، خاصة إذا صدر هذا الكلام من شخص عرف بعدائه الشديد لسياسيين من طائفة معينة ودعمه لآخرين من طائفة أخرى. فهو من نوع "كلام حق أريد به باطل". ففي حالتنا العراقية، أين الحزب السياسي الذي يضم في صفوفه أعضاء من جميع مكونات الشعب العراقي بما يضمن له كتلة برلمانية كبيرة كما في الديمقراطيات الغربية الناضجة؟

وحتى لو أخذنا بتعبير "الأغلبية السياسية"، فما هو موقفنا إذا كانت هذه "الأغلبية السياسية" موجودة الآن ولكنها مبنية على أسس طائفية وعنصرية كما في العراق اليوم، وليس هناك البديل الآخر إلا كرغبة لدى شريحة من الديمقراطيين الليبراليين الذين لا يتمتعون بأي ثقل سياسي في الشارع العراقي؟ فما العمل في هذه الحالة؟... هل نلغي الديمقراطية ونعود إلى ما كان عليه الحكم قبل 2003 حيث كان حكم طائفة واحدة بشهادة المرحوم الملك فيصل الأول عندما قال في مذكرة له: "العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية...الخ"؟
وخلال 80 سنة من عمر الدولة العراقية الحديثة كان الطائفيون يسخرون أقلامهم لتكريس هذا النظام الطائفي، ويطعنون بوطنية وانتماء نحو 60% من أبناء العراق لهذا السبب، ولكن ما أن تحقق لهم نظام ديمقراطي بعد 2003 والذي أتاح لجميع أبناء الشعب بالمشاركة الفعالة في حكمه، حتى وطلع علينا فرسان البيان الذين لم تعجبهم مشاركة المكونات الأخرى في الحكم، فاخترعوا عبارات تضليلية منمقة مثل "حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية" لتقبيح الديمقراطية وتشويه صورتها.
وعلى هذا الأساس، فحتى لو تحققت هذه "الأغلبية السياسية" غير الدينية والعرقية، فإنها بالتأكيد لن تسلم من الطعن، بل سيخرج علينا المتضررون من الديمقراطية بتعابير منمقة أخرى للطعن بهذه الأغلبية السياسية.
وفعلاً مهدوا من الآن لهذا في خطوة استباقية، إذ كتب أحدهم في هذا الخصوص قائلاً: "وإذا ما كان صحيحا معرفة القول من قائله فسيكون من الصعوبة حقا أن نصدق بحكاية إسمها الأغلبية السياسية لمجرد أنها وصلت إلى أسماعنا، بل ان علينا أن نتجاوز دور عريس الغفلة الذي بتنا نلعبه ببراعة متناهية، وأن نقوم بفحص صدقية هذا المشروع الجديد وذلك على ضوء قدرة أصحابه على الإجابة على بضعة أسئلة مشروعة، وفي مقدمتها لماذا هذا المشروع الآن وعلى يد من سوف يتحقق."
نعم، هذا هو بيت القصيد، "على يد من سوف يتحقق؟". وهذا دليل على أن الجماعة لا يريدون الديمقراطية أساساً ولا يعترفون بنتائج الانتخابات ما لم تكن في صالحهم، وتعيد الوضع إلى ما قبل 2003. أما إذا جاءت نتائج الانتخابات لصالح منافسيهم، فعندئذ فالأغلبية السياسية هي دينية وعرقية مرفوضة.

كما وطلع علينا كاتب آخر باسم "قاسم السهيل" بمقال بعنوان: (الشيعة يرسمون نهايتهم، ونهاية الوطن العراقي)، طرح نفسه أنه شيعي ليوحي إلى القارئ أن انتقاده للسياسيين الشيعة ليس بدوافع طائفية، بل لحرصه على مصلحة الشيعة والعراق. وهذا تكتيك يجيده البعثيون الطائفيون. يبدو أنه نجح في كسب العديد من الناس وخاصة من الشيعة، بغض النظر عن مكانتهم الثقافية، فراح يعزف على وتر حساس لديهم ليكسب ثقتهم، ومن ثم ليوجه نيرانه على الشيعة ورموزهم السياسية والدينية بلا استثناء.

بدأ الكاتب مقاله بالتالي: "منذ سنوات طويلة، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام وطائفتنا الشيعية تبكي المظلومية وتضرب برسالة الحسين العادلة مثلا. فتقيم مآتم العزاء وتحرض المشاهدين والمستمعين على الأعداء وعلى أعداء الحسين وأعداء أهل بيت الرسول الذين هم الأولى بالحكم والسلطة كونهم أحفاد الرسول وحاملي رسالته العادلة التي حاول حفيده الحسين إعادة الاعتبار لها بعد أن تدهور الحال في المجتمع الإسلامي فخرج الحسين من المدينة متوجها إلى العراق وهو يقول "لم أخرج أشرا ولا بطرا، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر" ويدعي شيعتنا أنهم حاملو هذا الهدف وهذه الرسالة."

بهذه المقدمة نجح الكاتب في كسب ثقة البسطاء ليفرغ بعد ذلك سمومه الطائفية ليقول: "يأتي الأمريكيون والمجتمع الغربي المسيحي ليحرروا لهم العراق ويطيحوا بالدكتاتور ممثل الطرف السني في المعادلة المعاصرة. وتسلم للشيعة العراقيين مقاليد الحكم السياسي...". ليضيف في مكان آخر: "تربع الشيعة لأول مرة في تاريخهم على كرسي الحكم، لكنه كرسي بخازوق. جلسوا مرتاحين عليه ولم يفكروا بإزالة هذا الخازوق ويبدو أنه يزيد رعشة النشوة في وجدانهم بعد انتظار لهذا الكرسي أستمر لأكثر من ألف وأربعمائة عام."

فهل حقاً سلَّم الأمريكيون مقاليد الحكم للشيعة دون غيرهم، أم قاموا بإشراك جميع ممثلي مكونات الشعب بالحكم دون تمييز؟ وهل الشيعة وحدهم يحكمون أم هم جزء من كل؟ وهل حقاً الأمريكيون هم الذين فرضوا الحكام الجدد، أم 12 مليون ناخب عراقي جازفوا بحياتهم وتحدوا الإرهابيين وشاركوا في انتخابات حرة ونزيهة؟
إن كل ما قام به الأمريكيون هو مساعدتهم للشعب العراقي بإسقاط النظام الفاشي الجائر الذي عجز الشعب إسقاطه بقواه الذاتية، ثم فسحوا المجال للعراقيين أن يحكموا أنفسهم بإرادتهم الحرة عبر صناديق الاقتراع.

واضح من مقال المتخفي وراء اسم "قاسم السهيل"، أن الغرض من هذه الافتراءات هو الطعن بالديمقراطية وتجريدها من مضمونها، وليصل إلى بيت القصيد وهو ما يردده البعثيون الطائفيون الذين لبسوا الآن ثياب الوهابية، وصاروا يتحدثون باسم "دولة العراق الإسلامية"، فيقول: "تعرض الشيعة عبر التاريخ للاضطهاد كما يروون هم أو كما يدعون أو يبالغون حتى يعطوا المظلومية بعدا تراجيديا وملحميا". هنا فضح الكاتب نفسه عندما قال: " كما يروون هم أو كما يدعون أو يبالغون". يعني كل هذه المظلومية عبر قرون هي كذب في كذب.
ويضيف: "لقد ظهر دعاة المظلومية على حقيقتهم اليوم، وكشفهم الأمريكيون والمجتمع الغازي للعراق عندما أعطوهم مفاتيح النفط، وطلبوا منهم أن يسرقوه ويحولوه باتجاه المصارف في بلدانهم، ويمنحونهم مقابل بيع الوطن جنسية مواطنة وبيتا ومصروفات زيجات المتعة والمساجات مقابل المليارات التي تهرب خارج العراق."
نترك الحكم للقارئ الكريم ليعرف حقيقة هذا الكاتب ومن أي مستنقع طائفي ينفث كل هذا الحقد بعد أن لبس ثوباً شيعياً مزيفاً ومهلهلاً لا يغطي عوراته.
ويقول في مكان آخر طاعنا بالناخبين الشيعة دون غيرهم: "لقد أنتخب المواطن الشيعي صاحب الأكثرية السكانية من نفوس العراق برلمانيين كلهم من اللصوص دونما استثناء. لصوص بقانون وبتشريع....شلة من اللصوص الذين نهبوا العراق بدون ضمير، فخاب ظني أنا المواطن الحالم بأن الشيعة أكثر مواطني العراق حبا لوطنهم... ليعودوا اليوم بعد أن حماهم مبدأ التقية، يعودون شيعة لصوص ينظمون إلى جوقة الحرامية القابعين في ما يسمى بالمنطقة الخضراء وداخل بناء البرلمان وفي المحافظات وفي مبنى وزارة الخارجية سيئة الصيت، يسير وراء كل حاكم جاهل من نفايات سقط المتاع وسكان السجون ومغتصبي الصبية من اللوطيين، يسير وراءهم رجال الحماية مدججون بالسلاح وتحميهم لدى الله وتباركهم لدى رسوله طبقة من رجال الدين المعممين الذين يتقنون اللغة الفارسية من الأغوات وعناصر حرس الثورة الإيرانية، يباركون عمليات النهب ويبكون الإمام الحسين ويرشونه بأبواب الذهب وشبابيك الفضة!"

إذنْ، النواب الذين انتخبهم الشيعة هم لصوص ولوطية وجوقة الحرامية، أما الذين انتخبهم غير الشيعة فهم شرفاء ومخلصون... ويتابع هذا "الشيعي" قوله: "أن الشيعة العراقيين وشيعة الفرس والصفويين تمكنوا من خلال غباء مطبق وتخلف نادر وأنانية مقيتة من الإجهاز على مكونات الحياة ... إن المرحلة الراهنة التي يعيشها العراق هي مرحلة ليست كالمراحل، ولأول مرة تشرعن الجريمة ويشرعن النهب ويشرعن الجهل ويشرعن اللواط.. وكل شيء بقانون... والشيعة هم الذين جعلوا الطريق سالكا نحو وطن مهدم وبقايا مراقد ستزول وستتحول إلى مواقع لقضاء الحاجة!"
ما معنى الجملة الأخيرة؟ مرة أخرى فضح الكاتب نفسه، إذ يعني أنهم يخططون لإزالة مراقد الشيعة وتحويلها إلى "مواقع لقضاء الحاجة"... أي إلى مراحيض. بالله عليكم هل هذا كلام يصدر من كاتب يحترم نفسه ما لم يكن مدفوعاً بدوافع بعثية طائفية قذرة؟ والغريب أن العديد من الأكاديميين راحوا يعممون هذه السموم معتقدين أنهم يقدمون خدمة جليلة للشعب العراقي.

وحتى المرجعية الدينية الشيعية لم تسلم من هجوم هذا الكاتب، فختم مقاله بالتالي: "إن المرجعية الشيعية التي أفتت في الماضي بتحريم الفكر الشيوعي، لماذا لا تفتي بتحريم الفساد وسرقة أموال الفقراء، كل الفقراء من أهل العراق، وإحالة لصوص العراق للعدالة أم هي تشكل مفصلا من الشيعة الذين يرسمون نهايتهم وبجدارة نادرة يكون العراق فيها هو الضحية أكلت النمور جانبا من جسد الغزال وسيأكل حملة الرماح بقايا الغزال الجميل.. الوطن العراقي، وطن الأنبياء والمبدعين ؟!"

هؤلاء يعرفون جيداً كيف يستخدمون أقوال حق لخدمة أغراضهم الباطلة السيئة. فالكاتب ينتقد المرجعية على فتوى بتحريم الفكر الشيوعي في أوائل الستينات، وأنا واثق أنه كان من نفس الجوقة الذين رقصوا لهذه الفتوى وروجوها على أوسع نطاق، ليأتي اليوم ويستخدمها لأغراضه وذلك بالطعن بالمرجعية. أما بخصوص إصدار فتوى ضد الفساد، فالمرجعية الشيعية لم تقصر ولم ينكر هذا الموقف إلا من كان في قلبه مرض. إنهم يستغلون كل شي ء لخدمة أغراضهم وتضليل البسطاء من الناس وفي مختلف المناسبات. فلو تأمل القارئ اللبيب محتوى مقال المدعو "قاسم السهيل"، يراها مقتبسة من سلسلة المقالات التي نشرتها صحيفة الثورة عام 1991 بعنوان (لماذا حصل ما حصل)، والتي يعتقد أن صدام حسين كتبها بنفسه. فهو لا شيعي ولا سني، وإنما بعثي- وهابي يريد إشعال فتنة طائفية.

ونموذج آخر من المقالات، بعنوان: (رسالة مفتوحة إلى السيد علي السستاني) أدعى كاتبها أن اسمه (اسماعيل مصبح الوائلي، شقيق محافظ البصرة الذي اغتيل مؤخرا)، يشكو إلى المرجع الشيعي السيد علي السيستاني من تصرفات نجله السيد محمد رضا، ودوره في الفساد والنهب، وتدخلاته في شؤون الدولة العراقية. ويوجه للمرجع الأكبر 15 سؤالاً عن نجله كلها تبدأ بـ (هل تعلم أن...)، ومن هذه الأسئلة أدرج سؤالين بإيجاز:
((هل تعلم ان بريمر حاكم العراق السابق وسفراء بريطانيا وإيران وأمريكا يتصلون بولدكم السيد محمد رضا لغرض اصدار بيانات وتوجيهات باسمكم ولا زال هذا الاتصال مستمر ولم ينقطع؟
((هل تعلم ان ولدكم السيد محمد رضا يتقاضى دولارين على كل برميل نفط يصدر ـ أي ما يعادل مليار وخمسمائة مليون دولار سنويا؟....الخ)).
وللأسف الشديد، هذه "الرسالة المفتوحة" هي الأخرى مرت على الكثيرين من الناس الطيبين فراحوا يعممونها ظناً منهم أنهم يخدمون القضية الوطنية، دون أن يسألوا أنفسهم: كيف حصل الكاتب على كل هذه المعلومات التي إن صحت فلا بد وأن تكون في منتهى السرية؟ إذ كيف علم أن بول بريمر وسفراء إيران وبريطانيا وأمريكا يتصلون به لإصدار بيانات باسم والده...الخ؟ فهذه المعلومات لا يمكن أن يحصل عليها أحد إلا إذا كان يعمل أمين سر مكتب السيد محمد رضا السيستاني... وهذا مستحيل. إذنْ، فكل ما أدعاه الكاتب هو كذب وافتراء. يبدو أن هؤلاء يعتمدون في نشر أكاذيبهم على جهل وسذاجة وبساطة وسرعة تصديق شريحة من العراقيين. ومهما كانت هذه الشريحة صغيرة إلا إنها تكفي لعمل ضجيج واسع تشغل الناس الجادين عن قضاياهم الوطنية.

مقالة أخرى في منتهى القذارة والشحن الطائفي بعنوان: (حديث سمر بين الشيطان والشروكي عبد شناوه...) نكتفي بذكر العنوان فقط ليعرف القراء ما يخططه كتاب هذه السموم لتدمير العراق.

وفي مجال الإيميلات، تتداول هذه الأيام رسائل تسقيطية فاحشة لأغراض الشحن الطائفي، رغم أن كتابها يحاولون تبرئة أنفسهم من الطائفية، ولكن الغرض واضح من سياق التحريض، أذكر ثلاث منها على سبيل المثال لا الحصر:

الأولى، رسالة بعنوان: (شلون ويه المشرگة؟.. مخلوقات عراقیة أيام العيد..! – صور) جاء فيها: "في عراقنا المنكوب هناك مجتمعان.. متحضرون وشروكية.. والشروكي هو ليس شخصا قادما من منطقة معينة أو ينتمي لمذهب معين، إنما هي حالة أخلاقية وتربوية تبيح لأصحابها السرقة والقتل والعمالة وانتهاك الحرمات دون رادع من دين أو أخلاق، وبذلك يشمل هذا التعريف شخصيات كبيرة بدءا بالمالكي وانتهاءا بكثير من سياسيي المزبلة الخضراء. وبسبب انعدام أي منظومة أخلاقية أو حضارية لهذه الفئة، فقد كان (الشروكية) من أكبر المساهمين في ظواهر (الفرهود) قديما وحديثا، وعاثوا في العراق قتلا وفسادا وتخريبا من خلال عملهم في جيش المهدي، ولم يكن للمشروع الطائفي أن ينجح في العراق لولا وجود هذه الثلة من القتلة والمجرمين، والذين يطوقون الآن بغداد بأعداد هائلة في أحياء الثورة والشعلة وغيرها..."
ومع هذه الفقرة عدة صور لشباب تبدو من ملامحهم أنها مأخوذة من مجلات أجنبية، ولكن صاحب الرسالة ينسبها إلى "الشراكوة". ولا يحتاج القارئ أن يكون عبقرياً ليعرف من المستهدف من هذه الأقوال البذيئة. فالبعثيون منذ اغتصابهم السلطة عام 1968، شنوا حملة احتقار لشريحة من الشعب العراقي وأطلقوا عليهم "شراكوة" لتشمل هذه التسمية كل شيعة العراق. تذكروا الشينات الثلاثة، (شيعي شيوعي شروكي).

ورسالة أخرى تقول: "كشف مصدر مقرب في مكتب الصدر ببغداد، عن تورط قيادات صدرية بفضائح جنسية داخل الهيئة الاجتماعية التي تعنى بتوزيع المساعدات على الارامل والمطلقات. وقال الشيخ(م.د) لمراسل قراءات في جلسة خاصة، أمس الاثنين، ان قيادات في التيار تساوم مطلقات وأرامل على شرفهن مقابل منحهن مساعدات مادية."
لا شك أن عدم تصديقنا لهذه الإشاعة المغرضة يجعلنا في خانة التيار الصدري!

نموذج ثالث من هذه الرسائل: شتيمة موجهة لطائفة معينة على شكل بطاقة "تهنئة" وفيها دس طائفي خبيث مقذع جاء فيها ما يلي: [تتقدم أسرة "العــالم" بوافر التهاني إلى الباحث الشاعر والزميل مجاهد أبو الهيل مدير دائرة تنظيم المرئي والمسموع في هيئة الإعلام والاتصالات لمناسبة نيله شهادة الماجستير عن رسالته المعنونة (المثلية في مراسم الزيارة الأربعينية- دراسة اجتماعية ميدانية).]

ما ذكرته أعلاه هو غيض من فيض مما ينشر هذه الأيام من سموم، الغرض منها الشحن الطائفي، وتسقيط رموز سياسية ودينية لأتباع مذهب معين، وهو جزء من حملة إعلامية تسقيطية قذرة استعداداً للانتخابية القادمة.

المشكلة أن السادة الذين يعتبرون أنفسهم حريصين على إقامة عراق علماني ديمقراطي، يسكتون عن هذه الافتراءات ولا يعتبرونها كتابات طائفية، ولكنهم يتهمون كل من يتصدى لها ويفضحها بالطائفي.

والجدير بالذكر، أن الحملة التسقيطية الجارية الآن لا تعتمد على الإعلام وحده، بل تشمل كل المجالات، منها العمل على إيقاف قانون التنمية، وعرقلة الإعمار، وتمير الاقتصاد العراقي بتهريب العملة الصعبة إلى الخارج، وما قضية البنك المركزي الأخيرة وتهريب نحو 800 مليون دولار أسبوعيا إلى الخارج، حسب تقرير صحيفة نيويورك تايمز، إلا دليل على مخطط واسع النطاق وراءه دول، وقوى سياسية داخلية مشاركة بالسلطة لتنفيذه.

ومن كل ما تقدم، نفهم أن الفترة الممتدة من الآن إلى الانتخابات القادمة، سيواجه العراق حملة إعلامية تضليلية قذرة، وقذرة جداً، تمس الأعراض، والنواميس، والمقدسات، والثوابت الوطنية، الغرض منها إسقاط وتصفية سياسيين وإفشال الديمقراطية، وتدمير مستقبل العراق، بل وحتى القيام بمجزرة جديدة على غرار مجزرة 8 شباط 1963. 
فهل ينتبه العراقيون إلى هذه اللعبة القذرة ويمنعوا الكارثة، أم يقعوا مرة أخرى ضحية النصابين والمؤامرات الدولية؟

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
  http://www.ahewar.org/m.asp?i=26أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن:
ـــــــــــــــــــــ
مقال ذو علاقة بالموضوع
محمد ضياء عيسى العقابي : هل هي مشكلة البنك المركزي أم مشكلة المثقفين العراق... 
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=330944




396
من يحاكم المتَّهّم...القضاء أَم الإعلام؟

د.عبدالخالق حسين

في الأنظمة الديمقراطية لا بد من وجود معارضة ديمقراطية مسؤولة، تراقب نشاطات الحكومة وتحاسبها على كل صغيرة وكبيرة، إذ لا توجد حكومة جيدة إلا بمعارضة جيدة. ولكن في العراق، العلاقة بين السلطة والمعارضة تشبه لعبة القط والفأر، أقرب إلى العداء منه إلى معارضة ديمقراطية حريصة على مصلحة الشعب، فهدف المعارضة هنا الطعن في كل ما تفعله وما لا تفعله السلطة، تتصف باستخدام العنف في الخطاب، ولغة التسقيط والتحقير والتخوين، والتأليب، وحتى بعضها يلجأ إلى العنف المسلح، والتعاون مع حكومات أجنبية للإطاحة بحكومة وطنية منتخبة والمعارضة مشاركة بها. فالحالة العراقية فريدة من نوعها، إذ يمكن لأي كيان سياسي أن يكون مشاركاً في السلطة ومعارضاً لها، وحتى يتآمر عليها في نفس الوقت.

والعنف في خطاب المعارضة ليس جديداً، بل ولد مع ولادة الدولة العراقية المشوهة على يد القابلة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى، وكنتاج مباشر لثورة العشرين، واستمر هذا العنف إلى يومنا هذا. وكل ما تغير هو الجهة التي نتهم السلطة بالعمالة لها. ففي نظر المعارضة، كان حكام العهد الملكي عملاء للاستعمار البريطاني، وفي عهد ثورة 14 تموز كان الزعيم عبدالكريم قاسم عميلاً للسوفيت، أراد إعلان الشيوعية، أما اليوم فنوري المالكي هو عميل لإيران، يريد إقامة حكم ولاية الفقيه، وينفذ أوامر السيد علي خامنئي. هذه هي لغة المعارضة بالأمس واليوم دون تغيير.

والملاحظ أيضاً، أن المعارضة تحاول إبراز كل قضية وكأنها صراع بين شخصين، أحدهما يمثل الشر المطلق، وعادة هو رئيس الوزراء، والآخر يمثل الخير المطلق وأياً كان حتى ولو كان إرهابياً مثل طارق الهاشمي! فالمعارضة تتهجم على الحكومة عند حصول أية عملية إرهابية، أو فساد مالي وإدراري، وتتهمها بالضعف والتهاون، وتطالب رئيس الوزراء بالاستقالة لأنه فشل في دحر الإرهاب. ولكن ما أن تقوم الأجهزة الأمنية بإلقاء القبض على المشتبه بهم في الإرهاب أو الفساد حتى وترفع بعض أطراف المعارضة عقيرتها بالصراخ وتتهم الحكومة بإلقاء القبض على أناس أبرياء، والتجاوز على حقوق الإنسان، وتطالب بإطلاق سراحهم دون محاكمة، وقد حصل هذا حتى في حالة سفاح الدجيل.   

وآخر صراع نشهده في هذه الأيام هو ما يخص قضية البنك المركزي ومحافظه، الدكتور سنان الشبيبي، حيث أثيرت حولهما ضجة واسعة على شكل مقالات، ورفع مذكرات احتجاجية، وحملة تواقيع على نداءات للدفاع عن الشبيبي، المتهم، وحتى قبل أن تتضح حيثيات المشكلة. وكأية أزمة عراقية، تمت شخصنتها، فطرحت على أنها صراع شخصي بين رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، ومحافظ البنك المركزي، الدكتور سنان الشبيبي. وحجة المدافعين عن الأخير هي أن رئيس الوزراء يريد الانتقام لأنه طلب قرضاً بـ 15 مليار دولار، فرفض محافظ البنك ذلك حرصاً منه على أموال الشعب، ثم نشرت مقالات أخرى رفعوا المبلغ إلى 65 مليار دولار! ربما كتاب هذه المقالات لم يعرفوا ضخامة هذه الأرقام، ولا يدرون أن صرف أي مبلغ لا يتم إلا بموافقة البرلمان وبمنتهى الشفافية والعلنية.

المشكلة هنا، أنك إذا ما تورطت في الكتابة عن أية قضية عراقية، ولم تساير التيار المعارض في كل ما يقولون ضد السلطة، فأنت متهم بالعمالة للسلطة ومنتفع منها، علماً بأن العديد من هؤلاء المعارضين يستلمون رواتب سخية من سلطة إقليم كردستان، ومنهم برتبة وزير متقاعد...الخ.
على أي حال، تعالوا نستعرض الأمور عسى أن نتوصل إلى الحقيقة، ولنبدأ ببعض الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان وهي:
أولاً، البنك المركزي هيئة مستقلة، ولكن هذا لا يعني أنه محصن من الفساد وطليق اليدين غير خاضع لأية جهة مراقبة ومساءلة. فالبرلمان أعلى سلطة تشريعية منتخبة في البلاد من حقه، بل ومن واجبه، مراقبة أية هيئة، مستقلة أو غير مستقلة.

ثانياً، تركزت كتابات معظم المدافعين عن الدكتور سنان الشبيبي، محافظ البنك، على انتمائه العائلي وحسبه ونسبه. ومع احترامنا الكبير لأسرة الشبيبي، ومكانتها المرموقة، وتضحياتها في سبيل القضايا الوطنية، إلا إنه من نافلة القول أن الانتماء العائلي لا يمنح الشخص المناعة ضد الفساد. وهذا لا يعني أني أشك بنزاهة الدكتور الشبيبي، فالرجل صاحب كفاءة ونزاهة، التقيته مرة بشكل سريع في مؤتمر المعارضة العراقية عام 1999 في نيويورك، وهو معروف بالكفاءة والخلق الكريم. ولكن ما أريد قوله هو أن كيل المديح لشخص بالاعتماد على الحسب والنسب هو أسلوب بدوي قديم غير مقبول في عصرنا الراهن، إذ ليس هناك شخص معصوم عن الخطأ و فوق المساءلة، وهذه قاعدة عامة في المجتمعات المتحضرة وخاصة الديمقراطية منها. لذلك أعتقد أن الذين دافعوا عن الشبيبي من منطلق انتمائه العائلي فقد أساءوا له أكثر مما أفادوه.

ما هي المشكلة؟
لتوضيح الصورة للقارئ الكريم، أرى من المفيد أن أذكر شيئاً عن المشكلة ولو بإيجاز شديد كما نشرتها وكالات الأنباء، وهي كما يلي:
أولاً، قبل أشهر تصاعدت وتيرة الاتهامات بشأن عمليات تهريب العملة التي أثرت على أسعار بيع الدولار في الأسواق المحلية وأدت إلى زيادة سعر صرفه، مما طالب نواب بضرورة أن تبادر الحكومة إلى إيقاف عمليات بيع العملة في مزادات البنك المركزي، لأن العراق يخسر أموالاً كبيرة جراء تهريبها يومياً إلى خارج الحدود.
ثانياً، طلب الدكتور سنان الشبيبي، محافظ البنك المركزي، من رئيس الوزراء فصل 4 مدراء عامين في مؤسسته، ولم ينفذ الطلب.
ثالثاً، كشف رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي في (7 تشرين الأول 2012)، عن وجود شبهة فساد في عمل البنك المركزي العراقي، مشيراً إلى أن المجلس باشر بتحقيق "معمق" في سياسة البنك المركزي منذ العام 2003، وتعهد بمتابعة التحقيق "شخصيا" لأهمية القضية.
رابعاً، كان عضو اللجنة التحقيقية بشأن عمل البنك المركزي هيثم الجبوري أكد في 14 تشرين الأول الحالي، صدور مذكرات اعتقال ومنع سفر بحق محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي ومسؤولين في البنك، وفيما اعتبر أن بقاء المحافظ في الخارج سيثبت تهم الفساد.

وكما ذكرنا أعلاه، أن خصوم المالكي من الكتاب والسياسيين، يقتنصون كل فرصة لتوظيفها من أجل الطعن والهجوم عليه وتحميله مسؤولية الأزمة. لذلك طرحوا قضية البنك المركزي وكأنها مسألة خصومة وثأر بين رئيس الوزراء ومحافظ البنك، وتبين أن الأمر ليس كذلك.

ففي لقاء له مع الصحافة، أكد رئيس الحكومة نوري المالكي، الاربعاء، (24 أكتوبر/ تشرين الأول 2012 السومرية نيوز، بغداد) – ["عدم صلة حكومته بمذكرة اعتقال محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي، موضحا أن الاضطراب الذي حدث بسعر العملة العراقية حفز العديد من الجهات الرقابية للتحقيق في نشاط البنك". وأضاف المالكي أن "اللجنة رفعت تقريرها الموقع من قبل رئيس البرلمان أسامة النجيفي، الى هيئة النزاهة مباشرة دون ان يمر على الحكومة"، مبينا أن"الهيئة رفعت هي الأخرى تقريرها مع تقرير اللجنة الى محكمة التحقيق الخاصة بقضايا النزاهة في مجلس القضاء الاعلى... وأن المحكمة أصدرت اوامر القبض بحق محافظ البنك سنان الشبيبي وعدد من موظفي البنك للتحقيق معهم"، مشيرا إلى أن "مجلس الوزراء صوَّت بالإجماع تقريبا بعد حصول هذه التطورات على تكليف عبد الباسط تركي رئيس ديوان الرقابة المالية للقيام بمهام محافظ البنك حتى اشعار اخر".(1)
ومن كل ما تقدم، نفهم أن الهجوم الذي شنه مناصرو الدكتور الشبيبي على المالكي كان مخالفاً للواقع، وإنه كان بدوافع كيدية وليس الدفاع عن السيد الشبيبي. ومن هنا خسر هؤلاء السادة مصداقيتهم.

من الرابح والخاسر من هذه الضجة؟
لا شك أن الضجة مفتعلة ولا مسوغ لها، ولو من حق الكتاب والسياسيين إدلاء آرائهم في كل ما يخص الشأن العام، ولكن الطريقة التي تعاملوا بها مع الأزمة كانت تنم عن نوايا انتقامية، وكان مردودها معكوساً على المعارضين أنفسهم. ولعل أكثر الخاسرين هو السيد سنان الشبيبي بسبب توظيف قضيته لأغراض سياسية وللكسب السياسي، بينما كان المفروض معالجة الأزمة دون تحزب وإثارة، وترك الأمور للسيد الشبيبي نفسه ليختار الطريقة الصحيحة لمواجهة الأزمة بالطرق القانونية لتبرئة ساحته. والرابح هنا هو المالكي حيث ترك خصومه يصعدون من حملتهم ضده في قضية لا علاقة له بها أصلاً كما أثبت ذلك في تصريحاته الأخيرة المشار إليها أعلاه، وبذلك فقد سحب البساط من تحت أقدامهم، وخسروا مصداقيتهم أمام الرأي العام العراقي. 

ما المطلوب عمله؟
لا أحد يشك بنزاهة الدكتور سنان الشبيبي وبراءته من التهمة، لذلك فالمطلوب منه أن يعود إلى العراق، ويواجه التحقيق بنفسه ليثبت براءته. أما إذا اختار البقاء في الخارج وعدم حضوره التحقيق فإنه سيحاكم غيابياً، وفي هذه الحالة ستثبت عليه التهمة، ونحن لا نريد له هذا المصير. أما الذين تظاهروا بالدفاع عنه فكان غرضهم ليس الدفاع عن الشبيبي، بل نكاية بالمالكي الذي أثبت أنه لم يكن طرفاً في الصراع. وأنا واثق لو كان المالكي قد دافع عن سنان الشبيبي منذ البداية، لاتخذ المدافعون عنه اليوم موقفاً مغايراً منه، ومشابهاً لموقفهم من عبدالفلاح السوداني، وزير التجارة السابق.
إن أخطر ما يهدد العدالة هو عندما يتدخل الإعلام في شأن القضاء ويحاول فرض الضغوط عليه لتحريف سير التحقيق. فالقضاء هو وحده المسؤول للبت في هذه الأمور وليس الإعلام.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
http://www.ahewar.org/m.asp?i=26أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن:
ـــــــــــــــــــــــ
1- المالكي: لا علاقة لنا بمذكرة اعتقال الشبيبي
http://www.akhbaar.org/home/2012/10/137257.html


397
عبد الخالق حسين للطيف: الشريعة الإسلامية غير صالحة للقرن الحادي والعشرين(2-2)

اجرى الحوار : معد الشمري
 عبد الخالق حسين كاتب عراقي مثير للجدل. بدأ حياته يساريا منتميا إلى الحزب الشيوعي العراقي، لكنه غادر الحزب الشيوعي منتصف التسعينيات وتحول إلى الديمقراطية الليبرالية مع الإبقاء على حبه واعجابه السابق بالزعيم عبد الكريم قاسم الذي ألف فيه كتابا قبل عشر سنوات. وأثناء المعارضة لنظام صدام حسين، أيد عبد الخالق حسين، الشيوعي السابق، الرأسمالي المليونير أحمد الجلبي، زعيم المؤتمر الوطني العراقي. أما الآن فهو يؤيد رئيس الوزراء العراقي الإسلامي نوري المالكي مع البقاء علمانيا ليبراليا معارضا للحكم الديني. هذه القفزات الفكرية والسياسية لم تؤثر على شعبية عبد الخالق حسين بل رفعتها وازداد عدد قرائه أضعافا بمرور الزمن. الجميع يقرأ لعبد الخالق حسين، نقاده قبل مؤيديه ولكن يا ترى ما السبب؟ ولماذا تحول عبد الخالق من الشيوعية إلى الرأسمالية ثم إلى تأييد حكم يقوده حزب إسلامي؟ كل هذا جعل صحيفة الطيف تطرق أبواب هذا الطبيب الستيني المتقاعد الذي يعيش مرفها، كما قال، شمالي إنجلترا، وكان لنا معه هذا الحوار، الذي ننشره على حلقتين لتشعبه واتساعه. 

عبد الخالق حسين:
-أعارض تطبيق الشريعة الإسلامية في العراق، وفي أي مكان آخر في العالم
- لست طائفياً وأدين الطائفية بقوة لأنها سبب خراب العراق، وانقسام شعبه
- اتهموني بالتحول من العلمانية إلى الإسلام السياسي، لأنني تحدثت بــ (المظلومية)
- لا يمكن تجاوز المرحلة الراهنة عبر تحدي المشاعر الدينية
- أنا واثق من انتصار الديمقراطية في النهاية، لأن ليس للعراق حل آخر
- الكتاب الشيعة الذين يهاجمونني مصابون بعقدة النقص
- أنا علماني ديمقراطي ليبرالي أؤمن بحرية الفرد وحقوق الإنسان والحيوان
- كامل الجادرجي  يتهم صالح جبر بالطائفية لأنه تزعم حزباً سياسياً

 
* الطيف: انت متهم بالانحياز للمالكي ولهذا الاتهام ما يبرره إذ أصبحت مقالاتك تنشر على موقع (عراق القانون) المتشدد في دعمه للمالكي؟
 عبد الخالق حسين: وكذلك مقالاتي تنشر على مواقع متشددة في عدائها للمالكي، فأنا أنشر في أكثر من ثمانين موقعاً وبدون مقابل، بينما يكتب خصوم المالكي مقابل مكافئات سخية لقاء هجومهم على المالكي في الصحف الخليجية وغيرها، ليعاد نشرها على بعض المواقع العراقية التي صارت ذيولاً أو ملاحق لتلك الصحف. فغاية الكاتب إيصال أفكاره إلى أكبر عدد ممكن من القراء، ولا يهمه الموقع. وإذا كان أعضاء هيئة تحرير موقع عراق القانون يرحبون بمقالاتي فأنا أشكرهم، وأشكر أي موقع آخر ينشر لي ومنهم صحيفة الطيف الغراء، فهل صحيفة الطيف متشددة في دعم المالكي؟
بالمناسبة، لو تزور موقع عراق القانون ستجد فيه مقالات وتقارير وتعليقات ضد المالكي وضد كتلة دولة القانون. فهذه التعددية في الآراء تجربة ديمقراطية جديدة على العراقيين، يجب أن نرحب بها، لا أن نتطير منها.

* الطيف: مالذي يجمعك، وأنت العلماني اليساري، مع الإسلاميين الذين يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية في العراق التي كنت تعارضها؟

عبد الخالق حسين: أنا مازلت أعارض تطبيق الشريعة الإسلامية في العراق، وفي أي مكان آخر في العالم، لأن الشريعة فشلت في التطبيق حتى في عهد الخلافة الراشدة، ولذلك قتل ثلاثة خلفاء راشديين من أربعة. فالشريعة الإسلامية كتبت لحل مشاكل قبل 15 قرناً، ولا تصلح لحل مشاكل القرن الحادي والعشرين، فهل يقبل أي مريض اليوم بأن يعالج بطب مورس قبل 15 قرناً؟ كذلك إني واثق من أن الإسلاميين (سنة وشيعة)لا يستطيعون تطبيق الشريعة في العراق، لأن المعارضة العلمانية في البرلمان وخارجه أوسع من قدرات الإسلاميين. ولكن من حق الإسلاميين أن يبشروا بأيديولوجيتهم، فكل تيار يسعى لتطبيق أيديولوجيته التي يتبناها ويبشر بها، الإسلاميون يريدون تطبيق الشريعة، والشيوعيون يريدون تطبيق الماركسية- اللينينة، والبعثيون والقوميون العرب يريدون إلغاء الدولة العراقية وصهرها في بوتقة الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، والعلمانيون الديمقراطيون، وأنا منهم، يريدون تطبيق النظام العلماني الديمقراطي، والحفاظ على وحدة الدولة العراقية أرضاً وشعباً. وهكذا نرى كل حزب بما لديهم فرحون. وأنا أعتقد أنه يجب التمسك بالديمقراطية وإنجاحها، لأن الديمقراطية، رغم أنها لا تخلو من أخطاء، إلا إنها تمتلك آلية تصحيح أخطائها. وأنا واثق من انتصار الديمقراطية لأن ليس للعراق حل آخر، وفي نهاية المطاف، لا يصح إلا الصحيح.

* الطيف: بعد كل هذا التأييد للمالكي، هل ما زلت علمانيا أم أن تحولا أيديولوجيا قد طرأ على أفكارك؟

عبد الخالق حسين: كما بينت في الاجابة السابقة، أنا علماني، ديمقراطي، ليبرالي، أؤمن بحرية الفرد، وحرية التعبير، وحقوق الإنسان، وحقوق الحيوان، وحماية البيئة…الخ، ولكن هناك البعض لم يجد عليَّ شائبة فاضطر إلى تلفيق إدعاءات باطلة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، اتهمني أحدهم بالتحول من العلمانية إلى الإسلام السياسي، ودليله هو أن وردت كلمة (المظلومية) في إحدى مقالاتي، وادعى أن هذه الكلمة هي إسلامية ودليل على انتمائي الإسلامي!! والمفارقة، أرسل لي أحد الأصدقاء مقالاً لنفس الكاتب، بعنوان: (أسئلة حول مقالة من الاصلح للدكتور عبد الخالق حسين)، نشر قبل مقالي المشار إليه بعامين، وكان قد استخدم فيه كلمة (المظلومية) عدة مرات. فتصور مدى الإسفاف وبؤس فكر هؤلاء وحججهم.

* الطيف: هناك من يتهمك بالطائفية لأنك تقف مع الأحزاب الشيعية رغم اختلافك السياسي معها فكيف ترد؟

عبد الخالق حسين : شكراً على هذا السؤال المهم جداً، لأن هذه التهمة تتردد عند البعض، وخاصة من قبل كتاب منحدرين من خلفيات شيعية. ومشكلتي أني أيضاً منحدر من خلفية شيعية، ويبدو أن هذه الخلفية لا تخلو من خطورة. لذلك أرجو أن تسمح لي بأن أتوسع في الإجابة على هذا السؤال، وربما يصلح ليكون مقالاً مستقلاً بذاته.

الطائفية سبب خراب العراق
 كلا، أني لست طائفياً، وأدين الطائفية بقوة، فالطائفية هي سبب خراب العراق، وانقسام شعبه على نفسه. والطائفية أساس معظم مشاكل العراق، وإذا قال كارل ماركس “أن تاريخ البشرية هو نتاج الصراع الطبقي”، فأنا أقول: “أن تاريخ العراق الحديث هو نتاج الصراع الطائفي”. ولذلك، أعتقد أنه لا يمكن حل مشكلة الحكم في العراق إلا بالتخلص من الطائفية. وهذا الحل لا يأتي بالسكوت عن الطائفية، كالنعامة التي تطمس رأسها بالرمال وتكشف مؤخرتها للصياد. فالطائفية مرض اجتماعي وبيل لا بد من تشخيصه وفضحه، وبالتالي إيجاد العلاج الناجع له. ولكن، وللأسف الشديد، يرى بعض المثقفين والسياسيين، وخاصة المنتفعين منها، أن من يتعرض للطائفية هو كمن يدعو لها، ولم يسلم من إلصاق تهمة الطائفية به.
لقد أكدت في كتابي (الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق)، أنه نظراً لتعددية مكونات الشعب العراقي، الدينية والمذهبية والعرقية والسياسية، لا يصلح للعراق إلا نظام حكم علماني ديمقراطي ليبرالي. والمفارقة، أني عندما أنشر مقالاً أدافع فيه عن الأقليات الدينية، والأثنية المضطهدة في العراق، أو عن الأقباط في مصر، أو أي مكان آخر في العالم، تصلني رسائل الثناء والإطراء والشكر. ولكن ما أن أنشر مقالاً أفضح وأدين فيه مظلومية الشيعة عبر التاريخ في العراق والبحرين والسعودية ومصر، وما يتعرض له الشيعة من حرب الإبادة من قبل الإرهاب البعثي- القاعدي في العراق، حتى ويشهر في وجهي سيف تهمة الطائفية، والانحياز للشيعة، وكأن الشيعة ليسوا بشراً، ولا يجوز الدفاع عنهم في حالة تعرضهم إلى الظلم، ولا تشملهم مواثيق ومبادئ حقوق الإنسان الدولية.

نقادي الشيعة مصابون بعقدة النقص
والمفارقة الأخرى، أن معظم موجهي هذه الاتهامات الشنيعة لي هم من الكتاب الشيعة ولأغراض سياسية انتهازية، وهذا ناتج عن إصابتهم بعقدة النقص والشعور بالدونية بسبب تعرضهم للمظالم طوال التاريخ حتى صار عندهم تعرض الشيعة إلى الاضطهاد أمر طبيعي ومسلم به، لا داعي لإثارته والاحتجاج عليه للتخلص منه. وصار في عرفهم، أن أية إثارة لمشكلة الطائفية، خاصة من قبل كاتب صادف أن يكون من خلفية شيعية، فلا بد وأن تلصق به تهمة الطائفية والترويج لها. فالفئات التي حكمت العراق ومارست الطائفية عملياً لم تسمح بالحديث عنها، بل فرضت الصمت على ضحايا الطائفية، وإذا ما تجرأ كاتب ولو بالشكوى منها، شهروا سيف تهمة الطائفية عليه لإسكاته. وهذا خطأ، فكما ذكرت، أن الطائفية مرض سياسي عضال لا ينتهي بالسكوت عنه، بل بتشخيصه وفضحه وإيجاد العلاج الناجع له.

معظم مرتكبي جرائم الإرهاب هم من السنة
كذلك ربطوا تهمة الطائفية بتهمة التهجم على العرب السنة. وهذه التهمة طبعاً باطلة وشنيعة ولا أساس لها من الصحة، يراد منها الابتزاز وممارسة التخويف والإرهاب الفكري، فأنا أفضح جرائم البعثيين الذين تسببوا في تدمير العراق. ولسوء حظ الجميع، أن معظم البعثيين الذين ارتكبوا الإرهاب ضد الشعب العراقي بعد سقوط حكم البعث هم من السنة، وتلقوا الدعم من السنة وبعض الشيعة والدول العربية، بحجة مقاومة الإحتلال، ولكن أكثر الضحايا كانوا من الشيعة، وهذا معروف لا يختلف عليه اثنان. وهذه السياسة هي ضمن تكتيكات حزب البعث. فالمعروف أن البعث يستميل له الأقلية في كل بلد عربي يهيمن فيه على السلطة، ويستغلها لدعم سلطته، فيغدق عليها بالمال والنفوذ والمناصب في السلطة ليربط مصيرها بمصير الحزب. ففي سوريا مثلاً، ربط البعث السوري مصير العلويين به، وأكد لهم أنه إذا ما ذهب الحزب فسيبادون. ولذلك نرى العلويين في سوريا متفانين في الدفاع عن حكم البعث لأنهم في هذه الحالة يدافعون عن أنفسهم. وحصل الشيء نفسه في العراق. وقد نجح البعثيون بعد سقوط حكمهم، في طرح أنفسهم بأنهم الممثلون الشرعيون للسنة العرب في العراق. وقد وقع العرب السنة في هذا الفخ البعثي، فراح كثيرون منهم يدافعون عن البعثيين ويأوون الإرهابيين الجناة الوافدين من السعودية وغيرها من أتباع القاعدة لقتل الشيعة، وأعلنوا أن قانون اجتثاث البعث هو اجتثاث للعرب السنة. ليس هذا فحسب، بل راح البعثيون والمتعاطفون معهم يعتبرون أي نقد للبعث هو تهجم على السنة العرب. لذلك كتبتُ في مناسبات عديدة حذرتُ أنه على العرب السنة أن ينأوا بأنفسهم عن البعثيين، ويدينوا جرائمهم، ولكن دون جدوى…

السنة يعتقدون أنهم وحدهم لهم الحق في الحكم
والمشكلة الأخرى التي نواجهها في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية وإلى الآن هي، أن الكثير من السياسيين العرب السنة صارت عندهم عقيدة راسخة أشبه بالبديهية المسلَّم بها ولا تقبل النقاش، مفادها أنهم وحدهم يحق لهم حكم العراق، واستلام المناصب الرئيسية في الدولة، والتفرد بصنع القرار السياسي، وبالأخص منصب رئيس الوزراء الذي صار عندهم خط أحمر لا يجوز التجاوز عليه، ولا يمكن أن يخرج منهم. وهذا الموقف تبنوه منذ العهد الملكي، فأقاموا الدنيا ضد رئيس الوزراء الشيعي صالح جبر عام 1948 بحجة الاعتراض على معاهدة بورت سموث، بدليل أنه حتى بعد إلغاء هذه المعاهدة، وإسقاط حكومة صالح جبر، وتبديله بشيعي آخر وهو السيد محمد الصدر لتهدئة الوضع وامتصاص غضب الشارع العراقي، ولكن بعد ثلاثة أيام من تعيين الصدر رئيساً للوزراء، وكما أخبرني شاهد عيان ثقة، خرجت مظاهرة من جامع الشيخ عبدالقادر الكيلاني ضد الصدر، يرددون هتاف (ردناك عون، طلعت فرعون يا بو لحية النايلون)!!
وحتى في عهد الرئيس الراحل عبدالرحمن محمد عارف، عندما اختير الفريق ناجي طالب، القومي العروبي الشيعي، رئيساً للوزراء، خرجت مظاهرة في الأعظمية تطالب بإقالته لأنهم لا يريدون حكومة يرأسها “شروكي!!” على حد قولهم. المشكلة أنهم لا يعتبرون رفضهم الشيعي لمنصب رئاسة الوزراء سلوكاً طائفياً، ولكنهم يتهمون كل من يعارض هذا السلوك طائفياً، يعني: “رمتني بدائها وانسلتْ”.
لذلك، أعتقد أنه يجب الوقوف بحزم إزاء هذا الموقف الطائفي الخطير، والذي هو موروث تركي، إلى أن يتم التخلص منه، ومن هذا الادمان على احتكار السلطة واحتقارهم للشيعة. فالشيعة عندهم شراكوة، وعجم، وتبعية إيرانية، وصفوية… إلى آخر النعوت التي ما أنزل الله بها من سلطان. فإطلاقهم هذه التسميات على أكثر من 60% من الشعب العراقي لا يعتبر موقف طائفي وإهانة للشعب، ولكن من يطالب بالتخلص منها هو طائفي!!

على السياسي الشيعي أن يضطهد الشيعة كي يثبت عدم طائفيته
كذلك نشروا مفهوماً آخر راحوا يرددونه باستمرار حتى صار أشبه بالبديهية، وهو أن كل شيعي سياسي، هو طائفي. وليثبت هذا السياسي الشيعي عدم طائفيته لا بد وأن يساهم في اضطهاد الشيعة إذا كان في السلطة، كما شاهدنا ذلك في لقطات الفيديو الذي بيَّن سلوك عزيز صالح نومان الخفاجي، ومحمد حمزة الزبيدي، حيث كانا يتنافسان مع علي حسن المجيد (الكيمياوي) في ركل وتعذيب ثوار انتفاضة آذار 1991. وإذا كان الشيعي كاتباً، فهو طائفي ما لم يساهم في شتم السياسيين الشيعة ويتهمهم بالطائفية، والتبعية الإيرانية، وأنهم يريدون تطبيق حكم ولاية الفقيه…الخ. وقد بلغ الأمر حداً أنه حتى السيد حميد مجيد موسى، زعيم الحزب الشيوعي العراقي، لم يسلم من هذه التهمة، إذ أخبرني صديق أن شيوعياً سنياً ترك الحزب، ولما سألوه عن السبب قال: ما كنت أعرف أن سكرتير الحزب شيعي طائفي… فتصور لا يجوز للشيعي أن يتبوأ حتى زعامة حزب معارض مثل الحزب الشيوعي، المفترض به فوق القوميات والأديان والطوائف!!
خلاصة القول، إذا أراد العراقيون بمختلف أديانهم وطوائفهم وأعراقهم أن يعيشوا بسلام، عليهم أن يتحلوا بروح التسامح، ويتقبلوا التعددية والاختلاف في الأديان والمذاهب، واعتبارها معتقدات شخصية بين الإنسان والإله، وليس من حق السياسيين، أو أي إنسان آخر التدخل فيها، ومن حق الإنسان أن يؤمن بما يشاء، إذ (لا إكراه في الدين)، وعلى العراقيين أن يدركوا أن العراق وطنهم جميعاً، ويركزوا على ما يوحدهم، وهو الانتماء للعراق والولاء له، ليعيشوا بسلام آمنين مرفهين، ويتبنوا الشعار (الدين لله والوطن للجميع).
 
* ألا تعتقد أن اتهامك للعرب السنة بأنهم وحدهم يحق لهم حكم العراق فيه قدر من الظلم والاجحاف لأنك وضعتهم كلهم في خانة واحدة بينما هم يختلفون حول الأمور السياسية وغيرها كباقي شرائح المجتمع؟ ألا ترى في هذا الطرح نوعا من الطائفية التي تقول إنك تعارضها؟

عبدالخالق حسين: بالتأكيد هناك عرب سنة علمانيون، وضد الطائفية، ومع مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في الحكم وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع، وأنا لم أضعهم جميعاً في خانة واحدة، معاذ الله، كما جاء في سؤالك. ولكن المشكلة أن أغلب هؤلاء، صامتون وإن كتبوا فأغلب نقدهم للطائفية موجه ضد الأحزاب الشيعية، فالإنسان يرى القشة في عين غيره ولا يرى الخشبة في عينه.
فالأكثر شيوعاً هو الاتجاه المعارض لمشاركة الشيعة بالسلطة بما يناسب ثقلهم السكاني، وما تفرزه صناديق الاقتراع. وكل ما نشاهده ونقرأه هو نزعة الحط من الشيعة واتهامهم بالتبعية الإيرانية ونعتهم بالصفوية، وحتى التشكيك بعروبتهم وانتمائهم للعراق، دون أن نسمع أو نقرأ أية إدانة من السياسيين العرب السنة، بمن فيهم العلمانيون، لهذه الحملة الضارية التي بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولحد الآن. ففي الثلاثينات من القرن الماضي نشر كاتب يسمى (عبدالرزاق الحصان)، وبدعم عدد من رجال السلطة في ذلك العهد كتاباً بعنوان (العروبة في الميزان) واصفاً فيه الشيعة بأنهم “شعوبيون بالإجماع، فرس بالإجماع، وهم من بقايا الساسانيين في العراق، ولا حق لهم في السلطة، أو أي تمثيل في السلطة!! لأن الأجنبي ليس من حقه المساواة مع ابن البلد”. أي أنه اعتبر الشيعة الذين قادوا ثورة العشرين أجانب!

* وهل يجوز أن تلام طائفة على أفكار شخص كتب كتابا قبل ثمانين عاما؟
عبد الخالق حسين: لو تقرأ تاريخ العراق الحديث، وخاصة كتاب حنا بطاطوا، وكتب حسن العلوي، والدكتور سعيد السامرائي، وعبدالكريم الأزري…وآخرين، مروراً بسلسلة مقالات صحيفة الثورة عام 1991 بعنوان (لماذا حصل ما حصل)، وإلى الآن ما ينشر من شتائم ضد الشيعة على مواقع الانترنت، تجد الاتجاه المناهض للشيعة هو السائد لدى أغلب السياسيين العرب السنة إلا ما ندر. وحتى الراحل كامل الجادرجي، الديمقراطي الليبرالي، لم يخفِ مشاعره المعادية لصالح جبر (الشيعي)، واتهامه بالطائفية، لا لشيء إلا لأن الأخير تزعم حزباً سياسياً. كما وإن الجادرجي رفض مذكرة الشيخ محمد رضا الشبيبي عام 1965 في عهد الرئيس عبدالسلام عارف، والتي طالب فيها بالإصلاح السياسي والتخلص من الطائفية. وتهكم مرة حول مطالبة زعماء الشيعة بحقوقهم، قائلاً أن الشيعة طلاب وظائف في الدولة. وكأن الشيعة العراقيين لا تشملهم حقوق المواطنة ولا يحق لهم الحصول على وظائف في الدولة. وإذا كان هذا هو موقف الجادرجي، رائد الديمقراطية الليبرالية من الشيعة، فما بالك بمواقف غير الديمقراطيين؟ وهنا نشير إلى قراءة كتاب الراحل عبدالكريم الأزري، الموسوم (مشكلة الحكم في العراق)، الذي خصص فصلاً كاملاً لهذا الموضوع. وهناك كتب كثيرة أخرى تؤكد على هذا الموقف المعادي للشيعة وضد مشاركتهم في الحكم حسب استحقاقهم الانتخابي. لذلك أؤكد مرة أخرى أنه لا تقوم للعراق قائمة، ما لم يتخلص الجميع من نزعة احتكار السلطة من قبل طائفة معينة، وأياً كانت هذه الطائفة، سنة أم شيعة. إن اتهام كل من يدين الطائفية بالطائفي هو بحد ذاته موقف طائفي ومسعى لتكريس الطائفية، وابتزاز كل من يدينها. ولهذا السبب وكما قال حسن العلوي: “يتحاشى معظم الشيعة بحث موضوع كهذا لكي لا يتهموا بالطائفية التي تلاحقهم وتثير فيهم الرعب”.

* الطيف: ولكن بعد كل هذا الكلام عن طائفية السنة، ألا تعطي الحق لمن يتهمك بالطائفية وهو يجد هذا التناقض الكبير بين مدعيات عبد الخالق حسين بالعلمانية ومواقفه الحقيقية المؤيدة للحكم الشيعي؟
عبد الخالق حسين: أين هو التناقض؟ للأسف الشديد، اعتاد العراقيون على التعامل مع الرأي الآخر المختلف بالعنف، سواء عنف الخطاب، أو العنف الجسدي، وتاريخنا مليء بالأمثلة المؤلمة. فلغة التخوين والعمالة والارتزاق، أصبحت هي السائدة في القاموس السياسي العراقي والعربي، يطلقونها بسهولة على كل من يختلف معهم في رأي أو موقف، ودون رادع من أخلاق أو وازع من ضمير. فكل إنسان يبحث عن تبريرات للطعن بخصمه، وتلفيق اتهامات ضده لتشويه صورته، وابتزازه، وتصفيته اجتماعياً وسياسياً، وحتى جسدياً لو تمكن من ذلك. ولكن، ولحسن الحظ، مقابل الذين يتهمونني بالطائفية والتناقض بين الأفكار والمواقف، هناك أضعاف مضاعفة من الأخيار الشرفاء الذين يتفقون معي، ويطالبونني بالاستمرار على نهجي الصريح في التصدي للأفكار الشوفينية والمواقف الخاطئة. فالسياسة موضوع مثير للجدل والاختلاف، ومن يخوضها، تنظيراً أو ممارسة، لن يسلم من النقد والهجوم الاتهامات الشنيعة. ومن يريد تجنب النقد، يجب عليه أن يكتب عن الأزهار والحدائق والطبخ، بدلاً من الكتابة في الشأن العام المثير للجدل والاختلاف وحتى الخصومة، إذ كما قيل: “رضى الناس غاية لا تدرك”.

* الطيف: هناك من يقول إن عبد الخالق حسين يعيش مرفها وحرا في دولة علمانية كبريطانيا بينما يؤيد نظاما إسلاميا قاسيا في العراق لأنه بصراحة غير متضرر منه ولو عاش هناك لكان له موقف مختلف؟
عبد الخالق حسين: نعم، أنا أعيش حياة مريحة نسبياً في بلاد متقدمة بلغت مبلغاً عظيماً في الحضارة والديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان. ولكن حياتي هذه لم تنزل عليَّ من السماء بطبق من ذهب، بل بذلتُ في سبيلها جهداً وعرقاً شديدين طوال حياتي الدراسية والعملية، سواءً في العراق أو في بريطانيا. وأنا من أشد المتضررين من الحكومات المتعاقبة في العراق وإلى الآن. وموقفي من الحكومة الحالية لا علاقة له بالأشخاص، وإنما بالعراق وشعبه فقط، فكل ما نريده للعراق هو أن يخرج من هذه المرحلة العصيبة بأقل الأضرار، إلى أن يستقر ويتحقق حلم العراقيين في بناء دولتهم الديمقراطية المزدهرة.
وهناك من يقول أن عراقيي الخارج لا يعرفون ما يجري في العراق. وهذا خطأ، فنحن نعيش في عصر التقنية المعلوماتية، والانترنت، والفضائيات، وعلى اتصال دائم مع أهلنا وأصدقائنا في الداخل، ونتابع كل صغيرة وكبيرة لما يجري في العراق أولاً بأول. والتقنية المعلوماتية المتطورة قضت على الحواجز والمسافات والحدود، فحوَّلت العالم إلى قرية كونية صغيرة. لذا فتهمة كوني لا أعرف ما يجري في العراق لأني بعيداً عنه لا تصمد أمام أية مناقشة منصفة في ظروفنا الحالية.

* الطيف: هل لديك نية بالعودة النهائية إلى العراق خصوصا وأنك تؤيد حكومته الحالية؟
 عبد الخالق حسين: لا نية لي للعودة إلى العراق وذلك، لأني لا أملك أي شيء مادي فيه يساعدني على العيش هناك، لا أرض ولا سكن ولست في عمر التوظيف، إذ أني متقاعد الآن، وهذا لا علاقة له بموقفي من الحكومة، الحالية واللاحقة.
* الطيف: لماذا لا تعود وتشارك الشعب العراقي شظف العيش وتؤيد الحكومة من الداخل؟
 عبد الخالق حسين: أحيل القارئ الكريم إلى جوابي على السؤال السابق. وأضيف هنا أني على اتصال بالعراقيين في الداخل، مع الأهل والأصدقاء، وكذلك أستلم رسائل الإيميل من القراء في العراق، والغالبية تؤكد لي أن المستوى المعيشي تحسن كثيراً عما كان عليه في عهد البعث بمئات المرات. فالأستاذ الجامعي الذي كان راتبه لا يزيد عن ثلاثة دولارات شهرياً، وكان يضطر لبيع أثاث بيته، ويعمل سائق تاكسي في الليل، بلغ الآن نحو ألف دولار وأكثر. وهكذا بالنسبة للفئات الأخرى، وكل حسب وظيفته وإمكانياته. لذلك، وبعد أن نسي الناس مصائب شظف العيش والاضطهاد أيام البعث الفاشي، استغل معارضو الحكم المشاكل الجديدة فراحوا يبالغون في الادعاءات عن التدهور المعيشي. ويمكن أن نعرف التحسن الكبير في مداخيل الناس من تصاعد أسعار العقارات والأراضي في المدن، وخاصة في بغداد، إلى مستويات خيالية تنافس حتى أسعار العقارات في لندن وباريس ونيويرك. وهذا دليل على ضخ كميات هائلة من النقد في السوق، حيث بلغ الناتج الوطني الإجمالي GDP لهذا العام نحو 12% وهو أعلى نسبة في العالم، في الوقت الذي يعاني فيه العالم من الكساد الاقتصادي. طبعاً هذا الكلام يغيض أولئك الذين لا يستبشرون بالأخبار السارة للعراق، إذ صار كل همهم وديدنهم العزف على وتر التشاؤم، وبث الأخبار السيئة، والتأكيد على أن الحكومة الحالية هي أسوأ من حكومة صدام حسين، على حد قول أحدهم.

* الطيف: هل تعقتد أن آراءك وأفكارك المؤيدة للمالكي ربما تتغير لو كنت تعيش في العراق؟

عبد الخالق حسين: في سؤال سابق قلت أني تغيرت لصالح المالكي بسبب زيارتي لبغداد قبل ثلاث سنوات، وفي هذا السؤال تقول أني لو ذهبت إلى العراق لتغيرت أفكاري ضد المالكي!!، أليس في ذلك تناقض؟ على أي حال، جوابي هو: كلا، لا أعتقد ذلك، وكما بينت أعلاه، المالكي لم يفرض نفسه على أحد، بل اتفقت عليه الكتل السياسية، أي وضعته الأقدار في موقف صعب جداً، فالعراق يمر بمرحلة تاريخية عاصفة، ومن السهولة لأية كتلتين كبيرتين سحب الثقة منه وإسقاط حكومته لو أرادوا، ولكنهم لم يعملوا ذلك لأنهم لم يعثروا على البديل الأفضل. وأعداء العراق هم الذين أثبتوا أن المالكي مخلص للعراق بدليل تكالبهم عليه لإزاحته والتخلص منه لتخلو لهم الساحة لتدمير العراق مرة أخرى.

* الطيف: وكيف تستشرف عراق ما بعد هذه الأزمات؟
عبد الخالق حسين: الأزمات لن تنتهي، فالعراق بلد مأزوم منذ فجر التاريخ، ولكن هناك صعود وهبوط في الخط البياني للأزمات. وأنا متفائل بأن العراقيين سيتمرنون على الديمقراطية ويحسنون ممارستها واحترام نتائجها، إذ هكذا بدأت الديمقراطية في الدول الغربية المتقدمة، حيث مرت بمراحل صعبة، حروب وثورات، إلى أن تعودوا عليها وصارت جزءً من ثقاتهم وتقاليدهم. والعراقيون كغيرهم من البشر، لا بد وأن يتعودوا على الديمقراطية ويقبلوا بنتائجها، ويعيشوا معاً بسلام في السراء والضراء.

* الطيف: ماذا يفعل عبد الخالق حسين حاليا؟

عبد الخالق حسين :أنا أعتبر نفسي محظوظاً جداً لأني مدمن على القراءة، فبالإضافة إلى متابعتي للشأن العراقي، وما يجري في العالم من أحداث، أقرأ كتباً في مختلف المجالات، السياسية والفلسفية والاجتماعية والتاريخية، والعلمية، والأدبية. كذلك أحاول تنقيح مقالاتي، وإعادة تصنيفها وتبويبها حسب المحاور على أمل نشرها في كتب بعد العثور على ناشرين.
http://www.alteif.com/?p=12584
لمتابعة الجزء الأول من اللقاء:
عبد الخالق حسين للطيف: لست تابعاً للمالكي.. والعلمانية أفضل نظام لحكم العراق(2-1)
http://www.alteif.com/?p=12410
 






398
من وراء رفع صور خامنئي في العراق؟

د.عبدالخالق حسين

تفشت في العراق في الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة وهي ظاهرة انتشار صور رجال الدين الإيرانيين، السيد الخميني، قائد الثورة الإسلامية في إيران، والسيد علي خامنئي، مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، في مناطق عديدة من بغداد والعراق، وخاصة في تلك التي تسكنها أغلبية شيعية. وقد أثارت هذه الظاهرة استغراب واشمئزاز العراقيين من كل الأديان والمذاهب، وكذلك إزاء سكوت المسؤولين الحكوميين عنها وعدم مواجهتها بحزم.

فما هي الجهات التي تقوم بطبع ونشر هذه البوسترات الكبيرة بكثرة ودفع تكاليفها الباهظة وفي هذه الفترة بالذات؟
لحد كتابة هذه السطور، ولحد علمي، لم تعلن أية جماعة مسؤوليتها عن هذه الحملة، لذلك، ولمعرفة القائمين بها، علينا إخضاع هذه العملية لمناقشة منطقية وعقلانية، والرجوع إلى تاريخنا الحديث والتجارب السابقة. وفي هذه الحالة يجب أن نبحث عن المستفيد، والمتضرر من هذه الظاهرة.
المستفيدون هم أعداء العملية السياسية والديمقراطية في العراق، وهم معروفون لدينا: المليشيات التي تدعمها إيران، وفلول البعث.
والمتضررون هم الشعب العراقي والحكومة العراقية.

الاحتمال الأول، وهو تورط المليشيات التي تدعمها إيران بالمال والسلاح والتدريب، وخاصة تلك التي تفرعت من التيار الصدري وجيش المهدي، والتي عاثت بأمن المواطنين قبل سنوات مما اضطر رئيس الحكومة، السيد نوري المالكي شن حملة (صولة الفرسان) عليهم ودحرهم. والجدير بالذكر أن معظم المنتسبين لهذه العصابات هم من البعثيين الشيعة الذين وجدوا في التيار الصدري ملاذاً آمناً لهم. لذلك فهم يريدون الانتقام من الحكومة ورئيسها بمختلف الوسائل. وهؤلاء يتلقون أوامرهم من أولياء نعمتهم في إيران وعن غباء وقصر نظر. نقول عن غباء، لأن رفع صور قادة إيرانيين في العراق له مردود معاكس لما يريدون، فهكذا عمل يستفز مشاعر العراقيين، ويعتبر تجاوزاً على السيادة الوطنية، إضافة إلى ما يسببه من إحراج للحكومة العراقية التي رفضت معاداة إيران، وحرصت على إقامة علاقة حسن الجوار، مبنية على المصالح المتبادلة وعدم التدخل في شأن الآخر.

الاحتمال الثاني، هو قيام فلول البعث بنشر هذه الصور. وقد يتساءل القارئ الكريم،  لماذا البعث، وهم من ألد أعداء إيران ورجال الدين الشيعة، وبالأخص الإيرانيين منهم؟
والجواب هو: أننا نعرف أساليب البعثيين الخبيثة في توظيف جميع الوسائل بما فيها استخدام المشاعر الدينية والطائفية والسياسية وغيرها في إثارة المشاكل ضد خصومهم، وتشويه سمعتهم، منذ ان سمعنا بالبعث أيام ثورة 14 تموز 1958 ولحد الآن. فخلال ثورة تموز، وعند نشوب الصراع الدموي بين التيار القومي العروبي، والتيار الوطني الديمقراطي اليساري، مارس البعثيون مختلف الوسائل الخبيثة لتشويه سمعة الشيوعيين، وحكومة الزعيم عبدالكريم قاسم، فاندسوا في صفوف الشيوعيين خلال المظاهرات، وأطلقوا هتافات غوغائية كانت موضع إدانة واستهجان سُجِّلتْ على الشيوعيين. ويذكر حسن العلوي (وهو بعثي سابق) في هذا الخصوص، أن البعثيين ساهموا مساهمة فعالة في بث الإشاعات، ونشر شعارات، وهتافات غوغائية، بل وحتى قاموا بتمزيق القرآن وإلصاق التهمة بخصومهم الشيوعيين، وحبسهم من قبل محكمة شمس الدين عبد الله. (حسن العلوي، عبد الكريم قاسم.. رؤية بعد العشرين، ص57.)
كما ويذكر العلوي مثالاً آخر على خبث البعثيين في هذا المجال، فيقول: "البعثيون يتقمصون سلوك الشيوعيين في تشويه سمعة الشيوعيين، كبة حلب أم كبة موسكو!! حدث في تلك الفترة، وكانت مجاميع من أنصار الحكومة تحكم سيطرتها على الشارع. فدخلنا مطعم تاجران في الباب الشرقي، بعد أن تسلحنا بوضع حمامات السلام على صدورنا، والتي كانت تباع على قارعة الطريق، حتى إذا أخذنا مكاننا على مائدة وسط الصالة، وحضر العامل لإستطلاع رغباتنا، بادره أحدنا، حميد رجب الحمداني.. جيب كبة موسكو… فاعتدل العامل بدهشة.. متأسفين لا توجد مثل هذه الكبة. فاصطنع حميد الانفعال وعلا صوته.. لماذا يا ناس، كبة موسكو لا توجد؟ ماذا عندكم يا متآمرين. هنا حضر صاحب المطعم وقد تدلى كرشه إلى الأمام، وهو يعتذر بخوف وانتهازية عن التقصير قائلاً: هل تسمحون بوصف هذه الكبة حتى أحضرها لكم غداً؟ قال حميد.. هات قائمة المأكولات .. وأشار بإصبعه إليها قائلاً هل فهمتم؟ هذه التي كان أعداء الجمهورية والزعيم يسمونها كبة حلب. ولم يكن من صاحب المطعم إلا أن يبادر على الفور لشطب حلب وكتابة الاسم الجديد." (نفس المصدر).

وكذلك نعرف دور البعث إثناء حكمهم، في الحط من مكونات الشعب العراقي، وبالأخص سكان الوسط والجنوب. فنظام البعث المقبور شن حملة تسقيطية ضد الشيعة بعد انتفاضة آذار الشعبانية عام 1991، ووصفهم بعملاء "الفرس المجوس"، وأبشع النعوت البذيئة في سلسلة مقالات في صحيفة الثورة، بعنوان (لماذا حصل ما حصل). كذلك ساهم بعض الحكام العرب في هذه الحملة التسقيطية ضد العرب الشيعة والعراق الجديد، إذ صرح الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، أن ولاء العرب الشيعة ليس لأوطانهم العربية بل لإيران. وكذلك الملك الأردني عبدالله الثاني صاحب مقولة (الهلال الشيعي).

إذنْ، الغاية من رفع هذه الصور ليؤكد البعثيون، ومن يساندهم من المشاركين في السلطة، للرأي العام، ولأمريكا بالذات، أن ولاء الشيعة وحكومة المالكي هو لإيران وليس للعراق، وأنه منذ سقوط حكم البعث بفضل أمريكا، صار العراق مستعمرة إيرانية، وأن الحكومة العراقية التي يرأسها رجل شيعي، هي تابعة لحكومة ولاية الفقيه، والامتثال لأوامرها وتعليماتها!!
كذلك لرفع هذه الصور في المناطق الشيعية من العراق وفي هذه المرحلة بالذات، علاقة بتصاعد الأزمة بين الغرب بقيادة أمريكا وإيران حول برنامج الأخيرة النووي، واحتمال اندلاع حرب تحرق المنطقة كلها. لذا، فالقائمون بنشر هذه الصور يريدون أن يقولوا لأمريكا أن حكومة المالكي هي متعاونة مع إيران ضدكم وهذا هو الدليل!

مثال آخر في حملة نشر الصور بأساليب خبيثة ولغايات بعثية معروفة، نشرت صحيفة أمريكية قبل أشهر، تقريراً جاء فيه أن خصوم المالكي يقومون بالليل بلصق صوره على الجدران في شوارع بغداد، ليقولوا للعراقيين أن المالكي دكتاتور نرجسي مثل صدام حسين. وأضافت الصحيفة أن أنصار المالكي كانوا يقومون بإزالة هذه الصور من الشوارع في النهار.

وفي عام 2009، قامت مجموعة عسكرية في الموصل بحمل بوستر كبير للمالكي على الأكتاف، تتقدم مسيرة عسكرية تشبه تماماً ما كان يجري لصدام حسين في عهده البائد، في محاولة متعمدة ومخططة مسبقاً لأغراض كيدية، لمنح خصوم المالكي ذريعة للهجوم عليه وتشبيهه بصدام. قارن رجاءً بين الصورتين في هذا الرابط:
http://akhbaar.org/home/2012/10/136434.html

وفعلاً نشرت صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية في اليوم التالي (2/7/2009) تقريراً يضم تلك الصورة لتشبيه المالكي بصدام، واعتبرت المالكي معادياً لأمريكا. وقد حذرنا في وقتها المسؤولين من هذه اللعبة بمقال لنا بعنوان: (هذه الصورة ليست في صالح المالكي).

ونفس العملية تتكرر اليوم، فيتهم البعثيون الشيعة وقادتهم بالعمالة لإيران، و يقومون برفع صور الخميني وخامنئي في بغداد والنماطق الجنوبية، ومع الأسف وقع بعض السياسيين الشيعة في الفخ البعثي فراحوا يدافعون عن تلك الظاهرة بدلاً من إدانتها، رغم صدور أوامر من رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بإزالتها.

خلاصة القول، نستنتج من كل ما تقدم، أن الغرض الرئيسي من نشر صور الخميني وخامنئي في المدن العراقية هو لإثارة بلبلة فكرية، وإشعال فتنة طائفية، وتشويه سمعة الحكومة العراقية وإرباكها، وكذلك له علاقة بالصراع بين الكتل السياسية حول المناصب، والصراع الإيراني - الأمريكي، ولتحريض أمريكا ضد المالكي وإظهاره بأنه متعاون مع إيران ضد أمريكا، وها هي الصور تشهد بذلك!

لذا نطالب الحكومة، وكافة المسؤوليين في المحافظات، وكل الخيرين الحريصين على مصلحة العراق وشعبه عدم السقوط في الفخ البعثي وأنصار البعث، بل مواجهة هذه الظاهرة بحزم، وذلك بإزالة جميع صور الزعماء الأجانب فوراً، والبحث عن القائمين بهذه اللعبة القذرة، ومعاقبتهم والتشهير بهم، ليكونوا عبرة لمن اعتبر.
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/m.asp?i=26



399
عراقيو الداخل...عراقيو الخارج

د.عبدالخالق حسين

يبدو أن الشعب العراقي لم تكفه الانقسامات المتعددة لمكوناته: الدينية، والطائفية، والعرقية واللغوية...الخ، لذا تفتقت عبقرية البعض على خلق انقسام جديد من نوعه، وهو: عراقيو الداخل ضد عراقيي الخارج، على غرار الفيلم الأمريكي (Kramer versus Kramer).

أكاد أجزم أنه ليس في العالم شعب منقسم على نفسه مثل الشعب العراقي. والسبب ليس لتعددية مكوناته فحسب، إذ نادراً ما يوجد شعب في العالم متجانس، مكوَّن من أثنية واحدة، ودين واحد، وطائفة واحدة، ولكن سبب الصراع بين مكونات الشعب العراقي هو حكم الاستبداد طوال تاريخه، ومحاولة الحكم الجائر االاعتماد على مكونة واحدة واستخدامها لإخضاع واضطهاد المكونات الأخرى، وبث الفرقة والعداء بينها وفق مبدأ(فرق تسد). والحجاج المشهور بجوره، هو الذي وصف العراقيين بقوله: "أهل شقاق ونفاق". وحاول البعض جزافاً أن ينسب هذا القول إلى الإمام علي بن أبي طالب، ولكن ما قاله الإمام لأهل العراق: " قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً وشحنتم صدري غيظاً... ". كما ويحدثنا التاريخ أن معظم الذين حكموا العراق قُتلوا، كدليل على صعوبة حكم العراق.

مناسبة هذه المقدمة، هي قيام البعض بشن حملة جائرة ضد عراقيي الخارج، والتشكيك بولائهم لوطنهم بل، وحتى ربط كل مشاكل العراق من فساد بهم. وهذه الحملة ليست جديدة، بل بدأتها فلول البعث منذ سقوط حكمهم الجائر في 9 نيسان 2003. ولكن للأسف الشديد أنه حتى بعض ضحايا العهد البعثي البائد أصيب بعدوى فايروسات هذا الوباء الوبيل في دق الأسفين بين العراقيين.

وسبب حقد البعثيين على عراقيي الخارج معروف، وهو دورهم الفعال في حث المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى، أمريكا، في إسقاط حكمهم الجائر، لذلك فهم يريدون الثأر البدوي للانتقام منهم، وذلك بشن حملة تشويه سمعتهم، ومنعهم من المساهمة في إعمار بلدهم، وإعادة بنائه، بل وحتى حرمانهم من الشعور بالانتماء إلى وطنهم. أما سبب حقد بعض المسؤولين في البرلمان على عراقيي الخارج فهو المنافسة على المناصب، خاصة وأن عراقيي الخارج توفرت لهم الفرصة في كسب الخبرة والكفاءة والشهادات الجامعية العالية. ولا شك أنه من مصلحة العراق وشعبه توظيف هذه الكفاءات والطاقات في الإعمار والبناء، إضافة إلى كون عراقيي الخارج يشكلون جسراً بين العراق والشعوب الغربية المتقدمة، وبذلك يقومون بدور فعال للتعجيل في البناء والتعويض عما فات العراق من الوقت الضائع خلال حكم الفاشية الذي أعاده قروناً إلى الوراء.

نشرت صحيفة المدى البغدادية خبراً بعنوان: (النزاهة تخيّر المسؤولين: إما إسقاط الجنسية المكتسبة أو الاستقالة) جاء فيه: "دعت لجنة النزاهة النيابية، جميع الوزراء ووكلاء الوزراء والنواب والمستشارين الذين يمتلكون الجنسية المكتسبة إلى إسقاطها بأسرع وقت ممكن، لافتة إلى أن بعض المسؤولين يستخدمون الجنسية المزدوجة كحصانة لهم في سرقة أموال الشعب والهرب الى الخارج والاحتماء بالدول التي منحتهم هذه الجنسية."

إن صح هذا الخبر، فهو يدل على العقلية العدوانية المريضة لدا البعض الذين لا يريدون الوحدة الوطنية، بل يجهدون ليل نهار لخلق المزيد من الوسائل لتمزيق مكونات الشعب العراقي، وهو إبداع تسجل براءة اختراعه إلى (لجنة النزاهة النيابية). فكما ذكرنا أعلاه، الشعب العراقي لا تنقصه صراعات وانقسامات عرقية ودينية وطائفية ومناطقية، واليوم تتفتق عبقرية لجنة النزاهة النيابية باختراع صراع جديد بين عراقيي الداخل وعراقيي الخارج. والعذر هنا "سرقة أموال الشعب والهرب الى الخارج والاحتماء بالدول التي منحتهم هذه الجنسية." وكأن المسؤولين الذين لم يغادروا العراق ملائكة محصنون من السرقة والرشوة والفساد. لا شك أن موضوع اسقاط الجنسية المكتسبة خطير جداً، الهدف منه هو إفراغ العراق من أصحاب الكفاءات والطاقات الخلاقة، بل ومن كل من عارض حكم البعث الصدامي.

نسي أصحاب هذا الاقتراح المريب أن سرقة الأموال والهرب إلى الخارج لا تحتاج إلى جنسية دولة أجنبية، فأغلب اللصوص، سواء في العراق أو غير العراق، سرقوا المليارات من خزائن شعوبهم وهربوا، ومُنِحوا اللجوء وعاشوا في بحبوحة من العيش في الدول المضيفة دون أن يحملوا جنسيتها. فإسقاط جنسية الدولة المضيفة أيها السادة لا يمنع اللصوص من السرقة والفساد. وأفضل مثال على ذلك هو عمرو ديكو، وزير مالية نايجيريا الأسبق، الذي سرق أربعة مليارات دولار وهرب بها إلى بريطانيا، ونجى من العقوبة والملاحقة، ولم يكن قبل ارتكاب الجريمة حاملاً للجنسية البريطانية.
كذلك، معظم مرتكبي الجريمة المنظمة والسرقة والفساد والإرهاب في العراق ليسوا من عراقيي الخارج ولا من حملة جنسيات أجنبية، وأحسن مثال على ذلك هو طارق الهاشمي الذي تبوأ منصب نائب رئيس الجمهورية، ورجال حمايته الذين حكمت عليهم المحكمة الجنائية بالإعدام لإرتكابهم جرائم الإرهاب بحق الشعب، لم يغادروا العراق ولم يحملوا جنسية أية دولة أجنبية. فالإرهاب واللصوصية لا دين ولا جنسية لهما.

ولذلك فالغرض من هذا الاقتراح هو ليس لمنع الفساد والسرقة كما يدعي أصحابه، بل هناك حملة مريبة ضد عراقيي الخارج لتمزيق اللحمة الوطنية وحرمان العراق من التعافي. وهذه الحملة ليست جديدة فقد بدأت حتى قبل 9 نيسان 2003. لأن البعثيين أدركوا أن عراقيي الخارج كان لهم دور مؤثر في إقناع المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى، أمريكا، لإسقاط حكم البعث الصدامي، كما أسقطت النازية الألمانية والفاشية الإيطالية وحررت الشعوب الأوربية من طغيانهما من قبل.

ومن نافلة القول، أن عراقيي الخارج لم يغادروا بلدهم للسياحة والنزهة والبطر، بل فروا بجلودهم لمعارضتهم للنظام البعثي الجائر، وإلا كان معظمهم من ضحايا المقابر الجماعية. وهم لم يسكتوا ولم يستكينوا في الخارج متفرجين، بل شكلوا تنظيماتهم السياسية لمعارضة فعالة ضد أشرس نظام دكتاتوري همجي في العالم، وشنوا النضال ضد الفاشية البعثية إلى أن أسقطوها. كذلك لا ينكر أحد دور عراقيي الخارج في دعم أهاليهم في الداخل زمن الحصار الاقتصادي الذي أذل الإنسان العراقي، حيث غامر كثيرون للهرب حتى صار البعض منهم طعاماً لأسماك البحار... إن الجنسية التي تتحدثون عنها ما هي إلا ورقة رسمية تساعد العراقي على التنقل بحرية دون مصاعب، وهم ليسوا ناكري الجميل للشعوب التي آوتهم ووفرت لهم العيش بكرامة. أما اسقاط هذه الجنسية فلا يغير من أخلاقية حاملها سلباً أو إيجاباً، وإنما هذه الدعوة مشبوهة والغرض منها تحريك الغرائز البدائية عند بعض العراقيين لأغراض انتخابية، فتارة يعزف هؤلاء على الوتر الطائفي وأخرى على الوتر العنصري، واليوم على وتر إثارة الحقد على عراقيي الخارج.

يتعكز هؤلاء على (الفقرة رابعاً) من (المادة  18) من الدستور النافذ، التي تنص:"يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصبا سياديا أو امنيا رفيعا التخلي عن أي جنسية أخرى وينظم ذلك بقانون".
هذا القانون لم يتم سنه لحد الآن، لأن هذه المادة خاطئة بالأساس وغير قابلة للتطبيق، وهي لغم زرعوه في الدستور لدق الاسفين في الوحدة الوطنية في الوقت المناسب. لذلك فمن مصلحة الشعب العراقي إلغاء هذه المادة الجائرة عند توافر أول فرصة لتعديل الدستور من جميع مواده الضارة. إن الغرض من حرمان العراقي حامل الجنسية المكتسبة ليس منعه من منصب سيادي وأمني فحسب، بل لمنع أي عراقي في الخارج من تسلم أي منصب كان حتى ولو موظف من الدرجة الخامسة. فهذه الحملة مجرد البداية، وأول الغيث قطر ثم ينهمر.

ومما يجدر ذكره، أن امتداد أي شعب خارج الوطن هو لصالح الشعب في داخل ذلك الوطن، وهناك أمثلة كثيرة في العالم. فالشعب اللبناني في الداخل لا يزيد تعداده على أربعة ملايين، بينما الجاليات اللبنانية في الخارج يزيد تعداد نفوسها على 14 مليون نسمة، ولولاها لكان لبنان بلداً فقيراً. كذلك تأثير اليهود خارج إسرائيل على دول العالم وبالأخص يهود أمريكا، في دعم إسرائيل. لذا فالغاية من هذه الحملة، حرمان العراق من الاستفادة من أصحاب الكفاءات وإثارة الغرائز البدائية عند البعض لأغراض انتخابية ليس غير.

وكجزء من الحملة التسقيطية ضد عراقيي الخارج، نلاحظ منذ مدة مقالاً يتناقل عبر البريد الإلكتروني يحاول كاتبه الظهور بمظهر الإنسان الفقير البسيط (من أهل الله يا محسنين!)، وحتى بدون اسم، ولكنه كتب بأسلوب كاتب بعثي محترف في الخبث والدهاء، يجيد دس السم بالعسل، وتمريره على الناس الطيبين، وحتى المثقفين منهم، مما أثبت أنه ليس هناك أي عراقي محصن ضد ألاعيب البعثيين في التضليل والمراوغة باستخدام الأساليب الفنية الشيقة في كسب ثقة القارئ وبث سمومهم.
وإزاء تفشي موجة الإجرام بعد سقوط البعث الفاشي، يقول الكاتب: "ولقد شملتني حمى الخوف على الرغم من إني لم أكن أملك مالاً ...كل ما أملكه هو سيارة عتيقة أعمل بها كسيارة أجرة، وكان كل من يركب بها يقسم أغلظ الإيمان أن لا يركب بها مرة أخرى لأنها ببساطة سيارة مصابة بمرض باركنسن، لأن كل جزء منها يرتجف على حده أعان الله من ركب بها مرة."
نصحه صديق له: "إقتني لك كلباً يعينك على الحراسة ليلاً وينبهك في حالة غفلتك.." أعلن رغبته باقتناء كلب فبادر أحدهم وأرسل له كلباً كبيراً..اعتنى به وأطعمه إلى أن تعود عليه. ولكن مع ذلك سرقت سيارته، فسجل شكوى في مركز الشرطة، (سألني ضابط الشرطة وهو يقف أمام منزلي "يبدو إنَّ لديك كلباً"، فأجبته بالإيجاب وعاد يسألني "ألم ينبح كلبك أثناء الليل؟". أجبته بالنفي.). وأخيراً عثر الشرطة على سيارته، وعلى سارقها أيضاً، الذي "كان شقيق الرجل الطيب الذي أهداني الكلب".

وهنا يصل الكاتب إلى بيت القصيد: (قال لي رجل حكيم: "إياك والكلب ذو الصاحبين، أتعرف لماذا؟ لأنك لو ربيت كلباً وهو صغير فسيكون انتمائه وولائه لك، أما إذا أخذت كلباً وهو كبير فسيكون انتمائه لك ولكن ولائه لغيرك فهو يدرك غريزياً أنه إذا احترق بيتك أو سرق سيكون دوماً هنالك دار أخرى له". ويضيف كاتبنا قائلاً: "لهذا يا عزيزي إنَّ كلبك الشرس لم ينبح على اللصوص لأنهم  بكل بساطة..أهله." ويختتم مقاله بملاحظة: "إهداء  لكل الساسة العراقيين الذين أتونا من بلدان أخرى يحملون جنسياتها". 

فمن المقصود من كل هذا الكلام؟ المقصود هو أن الخمسة ملايين عراقي في الخارج الذين شردهم البعث الصدامي، هم كلاب ذو صاحبين وولائين، انتماءهم للعراق ولكن ولاءهم للدول التي آوتهم  ووفرت لهم الخبز والحرية والكرامة، حسب رأي هذا البعثي الذي يدس السم بالعسل ليحرمنا حتى من حقنا في الولاء للعراق وليجردنا من عراقيتنا وانتمائنا إلى وطننا!!

من المناسب هنا أن استشهد بما كتبه الصديق ليث رؤوف حسن في تعليق له في هذا الخصوص فقال بحق: ((أما كون البعض منا قد هاجر وسكن رغما عنه خارج الوطن، يسمى بأجنبي فهذا مالا أستطيع أن أطيقه. هل يشكك البعض بعراقيتي بالرغم من تشردي ومعيشتي ولو كأمير في هذا البلد أو ذاك، لن ولا يجعلني غير قادر على أن أفكر أو أعمل لخير العراق، بل بعضاً أحسن من الذي قاسى وعانى وتعب وشقى داخل الوطن والعكس أيضا صحيح. هؤلاء الذين قدموا للعراق للعمل من أجل عراق مستقل ومستقبل زاهر ليسوا كلهم أو حتى بعضهم غريبا عن العراق. عاش صديِّم ومات في العراق ولكن!!! هل كان هناك أسوأ منه في تأريخ العراق كله؟؟؟ حتى هولاكو لم يتسبب بهكذا كوارث ومقاتل للعراقيين  كالتي سببها حزب الأفاكين والقتلة البعثفاشي!!! الملك فيصل الأول لم يكن عراقيا بالولادة ولكنه خدم العراق بإخلاص. فكيف بشخص ترك العراق مرغماً، ألا يحق له العودة والعمل من أجل العراق بصدق وإخلاص؟؟؟))

إن ما يحتاجه العراق هو خلق أفكار تساعد على وحدته، لا إلى تمزيقه وتشرذمه.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/m.asp?i=26 
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقال ذو علاقة بالموضوع
أ.د. محمد الربيعي: هل يريد الوطن الاستفادة من علمائه وكفاءاته فـي الخارج حقا؟
http://www.alrafidayn.com/2009-05-26-22-21-36/20756-2010-08-11-23-00-23.html


400
مخاطر تمرير قانون العفو العام عن مرتكبي الإرهاب والفساد

د.عبدالخالق حسين

يدور في الرأي العام العراقي سجال محتدم هذه الأيام حول إصدار قانون العفو العام عن المتهمين بجرائم الإرهاب والسرقة والفساد. وكالعادة، نلاحظ أن أغلب المطالبين بإصدار هذا القانون وإعفاء المجرمين من العقاب هم من كتلة "العراقية". وقد عودنا هؤلاء عند اندلاع كل أزمة سياسية، بالتهديد تلميحاً أو تصريحاً بأن إذا لم تحل الأزمة وفق شروطهم فإن البلاد مقدمة على موجة جديدة من الإرهاب والحرب الطائفية!. وفعلاً تحصل هذه الموجة ويقتل فيها المئات من الأبرياء، وأغلبهم من طائفة معينة ومن مناطق معينة. وقد توضح دور كتلة العراقية في الإرهاب بشكل واضح عندما افتضح أمر طارق الهاشمي في هذا الخصوص، وهو أحد قياديي الكتلة المذكورة. والجدير بالذكر أن الهيئة القضائية أصدرت يوم الأحد 23-09-2012 تقريراً كشفت فيه تفاصيل تورط طارق الهاشمي وحمايته بنشاطات إرهابية.(1)

وعندما ورد في الأخبار أن في نية السلطة تنفيذ حكم الإعدام بحق عدد من الجناة الذين صدرت بحقهم أحكام الإعدام لقيامهم بجرائم الإرهاب، سارع عدد من البرلمانيين في كتلة "العراقية" مطالبين بالتريث في التنفيذ إلى ما بعد صدور قانون العفو العام على أمل أن يشملهم العفو. وهذا يدل بشكل واضح تعاطف هؤلاء النواب مع الإرهابيين، وعدم اهتمامهم بدماء الضحايا الأبرياء من فقراء عمال المسطر والعسكريين ورجال الأمن وغيرهم من الذين لقوا حتفهم على أيدي الإرهابيين بكواتم الصوت، والمفخخات والبهائم الانتحاريين.

وآخر ما قرأنا في هذا الصدد، تصريحات لنائبة عن "كتلة العراقية" تصف فيها قانون العفو العام بـ"السياسي"، ودعت إلى الإسراع بالإفراج عن الأبرياء في السجون. طبعاً هنا يختلف الموقف عما يقصدونه بالأبرياء. ننقل للقراء الكرام فقرة من مشروع القانون ليكونوا على بينة، وكم صار الدم العراقي رخيصاً في نظر حماة الإرهابيين. "تنص الفقرة الأولى من القانون بعد التعديل المقترح لهذه المادة على أن يعفى عفوا عاماً وشاملاً عن العراقيين (المدنيين والعسكريين) الموجودين داخل العراق أو خارجه من المحكومين سواء كانت أحكامهم وجاهية أوغيابية ويعفى عما تبقى من مدة محكوميتهم سواء اكتسبت درجة البتات أم لم تكتسب".
"كما تنص المادة الثانية من القانون على أن تسري أحكام المادة (1) من هذا القانون على المتهمين كافة الموقوفين منهم ومن لم يلق القبض عليه ويعفون من الجرائم كافة مهما كانت درجتها سواء اتخذت فيها الإجراءات القانونية أم لم تتخذ إلا ما ورد منها استثناء بموجب هذا القانون وتوقف الإجراءات القانونية بحقهم كافة، فيما تضمن التعديل المقترح للمادة الثانية أن يتم إيقاف الإجراءات القانونية المتخذة بحق المتهمين سواء كانت دعاواهم في مرحلة التحقيق أو المحاكمة أو الذين لم تتخذ بحقهم الإجراءات القانونية." (2) لاحظ عبارة: "ويُعفَون من الجرائم كافة مهما كانت درجتها".

يدافع هؤلاء عن المتهمين المعتقلين والهاربين وكأنهم متهمون في قضايا بسيطة مثل المخالفات المرورية، أو كما جاء في تعليق السيد هيثم الغريباوي على مقال السيد حسن حاتم المذكور، قائلاً: "...اتساءل معك استاذ حسن عن نوع العراقيين الذين تكتظ بهم السجون اليوم، فهل هم معتقلون بسبب التهجم على القائد الرمز؟ أم ممن نظروا شزراً الى صورة "السيد الرئيس"، أم من رأى في المنام وقوع انقلاب على الحزب والثورة؟، أم ممن حكى نكتة على "أمّ المناضلين" وضحك لها القوم فزُجّ بهم في غياهب الموت؟ ليسوا احداً من أولئك كلهم. فالسجون والمواقف تكتظ بجملة من الارهابيين والزناة والقتلة والسُرّاق والخاطفين والمتاجرين بالنساء والأطفال، والمخدرات والمهربين. لقد دعونا البرلمان العراقي المملوك لرؤساء كتلهم ان يجتهدوا بدلاً من اصدار قانون عفو غير مبرر، دعوناهم الى دعم المؤسسة الأمنية والقضائية في حسم قضايا أولئك الذين سقطوا غفلة في زحمة العنف اليومي وقذارة اساليب الارهابيين اللا اخلاقية في حرق الاخضر واليابس. ولكن اثنّي كما باقي العراقيين على حقيقة تورط برلمانيين في كل ذلك الجنون". (3)

مخاطر تمرير القانون؟
في البدء، أود التوكيد أننا مع العدالة، ولسنا ضد العفو عن الأبرياء الحقيقيين من الموقوفين، ولكن أن يصدر قانون بإيقاف التحقيقات عن الموقوفين المتهمين بجرائم الإرهاب والفساد، واعتبارهم جميعاً أبرياء، فهذا ضد القانون وضد العدالة، بل وضد مبدأ  "المتهم بريء حتى تثبت إدانته". وبالتأكيد ليس كل المعتقلين مجرمين، إذ يحتمل أن يكون من بينهم أبرياء، ولكن كيف يمكن التمييز بين البريء والمذنب ما لم تجرى لهما محاكمة قانونية عادلة؟ إذنْ، غرض المطالبة بإلغاء التحقيق ومحاكمة المتهمين هو من أجل خلط المجرمين بالأبرياء ومعاملتهم كأبرياء دون المرور بمحاكمة عادلة، وبالتالي تضييع حقوق الضحايا وذويهم.

إن جميع الشرائع السماوية والوضعية تؤكد على العدالة، والعدالة تعني تطبيق القوانين الجيدة على المواطنين بدون أي تمييز. لذلك، وإذا ما تم التصويت على هذا المشروع السيئ وتحوَّل إلى قانون بصيغته الحالية، فهناك ثلاثة مخاطر نحذر المشرعين منها:
الأول، انهيار ثقة الشعب بأعضاء البرلمان، لأن في حالة تصويتهم على قانون جائر يعني أنهم غير مكترثين بحياة وأمن وسلامة المواطنين وأعراضهم وأموالهم، وهو بلا شك استهتار بدماء العراقيين التي صارت أرخص من ماء البحر.

ثانياً، هذا القانون يشجع الجناة على ارتكاب المزيد من الجرائم طالما هناك من يحميهم في السلطتين، التشريعية والتنفيذية،  بإصدار قانون العفو العام. وهنا نذكر من يهمهم الأمر بمبدأ الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم:"عفا الله عما سلف" حيث عفا حتى عن الذين تآمروا على قتله. أراد الزعيم بذلك أن يحقق سابقة تاريخية بنشر روح التسامح في مجتمع قبلي تشبع بروح الثأر والانتقام. ونحن نعرف ما حصل له وللعراق جراء هذه السياسة، فوفق هذا المبدأ ابتلى العراق بحكم البعث الفاشي الذي جلب له الدمار الشامل، ومازال الشعب يدفع تبعاته وتداعيات سقوطه. والحكمة تفيد (لا يلدغ العاقل من جحر مرتين). كذلك أثبتت التجربة العراقية وتجربة غوانتينامو أن نسبة كبيرة من المتهمين بجرائم الإرهاب والذين أطلق سراحهم لمختلف الأسباب، عادوا إلى الإرهاب ثانية. لذلك فلا أمان لهؤلاء إلا إذا أثبت القضاء براءة البعض منهم. وعلى كل من تلوثت يداه بدماء العراقيين الأبرياء أن يتلقى جزاءه العادل.

ثالثاً، والأخطر من كل ذلك ، إذا تم الإعفاء عن الإرهابيين القتلة، فمن المحتمل أن تنفجر الجماهير، وخاصة ذوي الضحايا، فيخالفون القانون السيئ ويقومون بالثأر والانتقام لضحاياهم بأنفسهم، وفي هذه الحالة ستحصل أعمال الانتقام بصورة عشوائية، خاصة في مجتمع تم فيه إحياء القيم والتقاليد والأعراف العشائرية والقبلية من قبل البعث المقبور... يعني سيتم حرق الأخضر بسعر اليابس، ويذهب البريء باسم المجرم.

من المفيد هنا أن نذكر السادة مشرعي القوانين بموقف القس مارتن لوثر كينغ، زعيم حركة السود في أمريكا في الستينات، عندما دعا أتباعه إلى مخالفة القوانين السيئة، قائلاً: (يمكن للمرء أن يتساءل: "كيف يمكنك أن تدعو لمخالفة بعض القوانين وطاعة قوانين أخرى؟ الجواب هو أن هناك نوعان من القوانين: قوانين عادلة، وقوانين جائرة. وأنا أتفق مع القديس أوغسطين أن "القانون الجائر ليس قانونا على الإطلاق.")
 
ولهذه الأسباب مجتمعة، نطالب أعضاء السلطة التشريعية، وقيادات الكتل السياسية بعدم الاستهانة بدماء العراقيين، وأن يضعوا العدالة نصب أعينهم، وأن يفكروا في جميع الاحتمالات الكارثية التي يمكن أن تترتب على إصدار مثل هذا القانون الجائر، قبل الإقدام على التصويت عليه وتمريره. فالقانون الجائر يستفيد منه الإرهابيون الأشرار ومن يدافع عنهم، ويتضرر منه الأبرياء. فالقانون الجائر ليس قانوناً على الإطلاق، ولذلك من حق الجماهير مخالفته والثورة عليه.
ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي للكاتب:
أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/m.asp?i=26
ـــــــــــــــــــــ
المصادر
1- الهيئة القضائية تكشف تفاصيل تورط الهاشمي وحمايته بنشاطات ارهابية
http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=22467
   
2- نائبة عن العراقية تصف قانون العفو بـ"السياسي" وتدعو إلى الإفراج عن الأبرياء
http://www.akhbaar.org/home/2012/9/135899.html

3- حسن حاتم المذكور: دم الضحايا على طاولة العفو العام
http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=22385


401
بهنام أبو الصوف في ذمة الخلود

أنتقل إلى عالم الخلود في عمان/الأردن، يوم الأربعاء 19/9/2012، العالِم الآثاري الدكتور بهنام أبوالصوف عن عمر ناهز الثمانين سنة على أثر أزمة قلبية لم تمهله طويلاً. وهو واحد من أعلام العراق ورمزا للعالِم والباحث والاستاذ الجامعي المتفاني.

عرف الفقيد بحبه للعراق وتعلقه بتاريخه، لذلك نذر حياته في التخصص بتاريخ العراق القديم، دراسة وتخصصاً وبحثاً وتنقيباً، وإدارة للمتاحف، وأستاذاً في جامعاتها، ومؤلفاً للعديد من البحوث والكتب في تاريخ العراق القديم.

تفيد خلاصة سيرته الشخصية أنه ولد في مدينة الموصل، قرب جامع النبي جرجيس، عام 1931، وكان والده تاجرا يأتي بالأخشاب من إطراف ديار بكر وجزيرة ابن عمر حيث كان سكن العائلة الأصلي كما كان يتاجر بالأصواف.

أكمل دراسته الابتدائية، والمتوسطة والثانوية في الموصل، ودخل جامعة بغداد/ كلية الآداب/ قسم التاريخ - وتخرج متخصصا بالتاريخ القديم والآثار سنة 1955. وكان من أساتذته الذين تعلم على أيديهم الأستاذ طه باقر، والأستاذ فؤاد سفر، وهما من أثارا في نفسه حب التنقيب عن الآثار. وكذلك الدكتور صالح احمد العلي.

سافر إلى بريطانيا عام 1960 بمنحة دراسية في جامعة كمبريدج الإنكليزية الشهيرة، حيث حصل منها على درجة الدكتوراه بامتياز في موضوع "جذور الحضارة وعلم الأجناس البشرية"، عام 1966، وكانت أطروحته بعنوان: "أصالة عصور ما قبل التاريخ في العراق"، تناول فيها نواة الحضارات و(علم الإنسان: انسان العراق القديم). وكانت حضارة الوركاء هي العمود الفقري في منهجه واطروحته، لان عصر الوركاء يعد عصرا متميزا في ماضي العراق القديم وازدهار الحضارة الانسانية عموما.

عمل الراحل لسنوات عديدة في التنقيب عن الآثار في عدد من مواقع العراق الأثرية في وسط وشمال العراق، وكان مشرفا علميا على تنقيبات إنقاذية واسعة في حوضي سدي حمرين (في محافظة ديالى)، وأسكي الموصل على نهر دجلة في أواخر السبعينات وحتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وكشف عن حضارة جديدة من مطلع العصر الحجري الحديث في وسط العراق في أواسط الستينات، بالتحديد في تل الصوان في سامراء حيث كشف عن بقايا قرية من العصر الحجري الحديث، تعود الى مطلع الألف السادس قبل الميلاد،، كما ادى عمله في موقع قاينج آغا قرب قلعة اربيل الى الكشف عن مستوطن واسع من عصر الوركاء، مع معبدين قائمين وسط حي سكني مقام على مسطبة من اللبن تشكل بدايات الزقورات (الابراج المدرجة) في وادي الرافدين.

وله مؤلفات عدة منها: فخاريات عصر الوركاء...أصوله وانتشاره (بالإنكليزية)، ظلال الوادي العريق (بالعربية)، العراق: وحدة الأرض والحضارة والإنسان (بالعربية)، قراءات في الآثار والحضارة، تاريخ من باطن الأرض.
اشرف على عدد كبير من الرسائل للدكتوراه  والماجستير  لطلبة العراق وعدد كبير من الطلبة العرب والأجانب،  
أسهم وأقام العديد من المؤتمرات  والحلقات الدراسية داخل وخارج العراق.


من المحزن أن صار موت العراقيين في الغربة بعيداً عن الأهل والوطن حدثاً مألوفاً. نرجو من حكومتنا أن تتكفل بنقل جثمان الفقيد إلى مدينة الموصل الحدباء حيث مسقط رأسه ليدفن فيها، كما نرجو من المؤسسات العلمية والثقافية العراقية منحه بما يستحقه من التقدير.
وبهذه المناسبة الأليمة، نقدم عزاءنا الحار لأسرة الفقيد، وأهله، وأصدقائه، وتلامذته، وكافة محبيه، داعين لهم بالصبر والسلوان، ولفقيدنا الذكر الطيب.

د. عبدالخالق حسين، كاتب سياسي، بريطانيا
أ. د. علي الشيخ حسين الساعدي - بروفسور قانون واقتصاد
أ.د. محمد الربيعي، بروفسور علم البايوتكنولوجي/جامعة دبلن
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المدونة الشخصية للراحل الدكتور بهنام أبو الصوف
http://www.abualsoof.com/


402
الفلم المسيء والرد الأسوأ

د.عبدالخالق حسين

المتوفر من اللقطات القصيرة من الفيلم المسيء للنبي محمد (ص) والإسلام والمسلمين، والذي يحمل اسم "براءة المسلمين"، كشف عن هزالة وغباء القائمين بإنتاجه وإخراجه وتمثيله، فهي لقطات مثيرة للقرف والاشمئزاز. وكذلك كشف الفيلم عن النوايا والأغراض السيئة من انتاج الفيلم، كما فضح هشاشة ردود الأفعال العنيفة من قبل الجماهير في البلاد العربية والإسلامية والتي أقل ما يقال عنها أنها أفعال انعكاسية reflex actions، وليست أفعال إرادية صادرة عن العقل والتفكير السليمين.

الفيلم هو من إنتاج ناس متطرفين محسوبين على الديانة المسيحية، كما تحسب منظمة القاعدة الإرهابية على الإسلام. والمعروف أن الديانة المسيحية مرت بمرحلة تبنت فيها العنف في مواجهة الخصوم بمن فيهم المفكرين من الفلاسفة الإصلاحيين، وأبشع مرحلة مرت بها المسيحية الأوربية هي مرحلة محاكم التفتيش، وبيع صكوك الغفران، والحروب الطائفية بين الكاثوليك والبروتستانت عند نشوء المذهب الأخير في القرن السادس عشر. ولكن أوربا المسيحية تعلمت من كوارثها، وحروبها، وأخطائها، وخيباتها، ونجحت أخيراً في فصل الدين عن السياسة والدولة، واليوم الديانة المسيحية معروفة بتسامحها وسعيها للسلام على الأرض. والشعوب العربية والإسلامية تمر الآن بنفس المرحلة العنفية التي مرت بها أوربا قبل قرون، وكأنها مرحلة لا بد أن تمر بها الشعوب في تطورها للوصول إلى سن الرشد الحضاري.

والمؤسف أنه حتى في الدول المتحضرة، هناك حالات شاذة واستثناءات تطفح على السطح هنا وهناك بين حين وآخر من أعمال مسيئة تصدر من قبل أشخاص محسوبين على الديانة المسيحية رغم التقدم الحضاري في الغرب، مثل نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد في الدنيمارك قبل سنوات، وحرق القرآن على يد القس الأمريكي المتطرف تيري جونز، واليوم انتاج فيلم مسيء لمشاعر المسلمين.

يقابل هذا العنف عنف غير مبرر في الجانب الآخر (الإسلامي). وفي هذه الحالة، وكما عودنا المتطرفون الإسلاميون، أنهم يردون بعنف مضاعف وبشكل إنفعالي وغوغائي، وأعمال انتقامية منفلتة دون مبرر، يذهب ضحيتها أبرياء لا علاقة لهم بالأفعال المسيئة التي قام بها متطرفون في الغرب، وهذا مخالف لتعاليم الإسلام نفسه الذي يؤكد: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
 
وأول هذه الأفعال الإنعكاسية اللاعقلانية هو الهجوم المسلح على القنصلية الأمريكية في بنغازي/ليبيا، وقتل السفير الأمريكي، وثلاثة من زملائه، إضافة إلى تدمير القنصلية بإشعال الحرائق فيها. وتكررت المظاهرات المصحوبة بالعنف ضد سفارات أمريكا وبريطانيا وألمانيا في بلدان عربية وإسلامية عديدة ذهب ضحيتها العشرات وخاصة من بين المتظاهرين أنفسهم في صدامات مسلحة مع الشرطة.

إن ردود أفعال المسلمين قدمت خدمات لا تقدر لأعدائهم. ففي عام 1989 كانت حكاية رواية (الآيات الشيطانية) للروائي البريطاني من أصل هندي، سلمان رشدي، حيث انفجرت التظاهرات الاحتجاجية من قبل المسلمين في جميع أنحاء العالم، وأصدر الإمام الخميني فتوى بقتل المؤلف، الأمر الذي جعل من سلمان رشدي أشهر من نار على علم بعد أن كان كاتباً مغموراً لم يسمع به أحد، وصارت الناس في كل أنحاء العالم تتسابق على قراءة روايته. وهكذا بالنسبة لبقية الأفعال الأخرى المسيئة للمسلمين في الغرب. فهذه الأفعال اللاعقلانية ضد السفارات الأمريكية، والأوربية الأخرى، قدمت خدمة لا تقدر لهذا الفيلم الهابط البذيء، وبذلك نجح منتجو الفيلم في تسخير المسلمين أنفسهم لأغراضهم الإعلامية والدعاية للفيلم ومضمونه، فلو كانوا عارضوه بالوسائل الحضارية السلمية لكان أفضل لهم ولما سمع به أحد.

إن الأفعال السيئة وردود الأفعال الأسوأ، يقوم بها متطرفون من الجانبين لأنهم يعرفون بأنهم لا يملكون أسباب عقلانية مشروعة وسليمة لنشر دعوتهم وكسب الجماهير لهم، فيلجئون إلى أعمال مسيئة لمشاعر الجماهير من الطرف الآخر بقصد استفزازها، ودفع التطرف الآخر ليقوم بعمل مسيء مشابه أكثر تطرفاً، على أمل أن ينجح كل طرف في استقطاب جماهير بلاده لقضيته.

حجة التطرف الغربي هو وجود الإرهاب الذي تقوده المنظمات الإرهابية باسم الإسلام، وهي نتاج تعاليم الوهابية مثل القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان وباكستان وفروعها في العالم. والجدير بالذكر أن الأضرار التي ألحقتها هذه المنظمات الإرهابية بالبشرية ليس في البلدان الغربية فحسب، بل وأغلبها في البلدان الإسلامية، إذ تفيد دراسة أكاديمية أن نحو 80% من ضحايا إرهاب التطرف الإسلامي هم من المسلمين.

فالغرض الأساسي من هذا الفيلم، وغيره من الأعمال التي سبقته، هو إشعال الفتن الدينية والطائفية، والتي يأمل منها تأجيج مشاعر المسلمين الدينية ضد المسيحيين، وبالتالي رفد منظماتهم الإرهابية بالمزيد من الانتحاريين المستعجلين لدخول الجنة بأقصر طريق والزواج من حور العين. ولم استبعد أن يكون هناك جهة واحدة مشتركة وراء هذا التطرف في الجانبين، فتحرك كل طرف لإثارة الطرف الآخر ودفعه للقيام  بعنف معاكس.

والجدير بالذكر أن المتطرفين الإسلاميين يستخدمون المواطنين المسيحيين في بلدانهم الإسلامية كرهائن، فما أن يقوم متطرف في الغرب بعمل مسيء للمسلمين حتى وسارع الإسلاميون بالانتقام من مواطنيهم المسيحيين، والقيام بأعمال يندى لها الجبين مثل القتل وحرق الكنائس، وهم يعتبرون أعمالهم هذه شجاعة وبطولة وتضحيات في سبيل الإسلام، بينما في الحقيقة هي أعمال وحشية تدل على الجهل والجبن والتهور ومخالفة لتعاليم دينهم الذي يدعون الدفاع عنه.

إن الإعلان عن الفيلم المسيء، ونشر لقطات منه على الانترنت، والهجوم على السفارات الأمريكية في العالم، والذي دشنه متطرفون بالهجوم المسلح على القنصلية الأمريكية ببنغازي، وقتل السفير وزملائه، لم تكن عفوية ومحض صدفة، إذ كما قال مسؤولون أمريكيون لرويترز، إن ثمة مؤشرات إلى أن عناصر ميليشيا يطلق عليها "انصار الشريعة" قد خططت للهجوم منذ فترة، وأن وقوع كل هذه الأعمال في وقت واحد لدليل على أنها مدبرة بمنتهى الدقة، خاصة وقد جاءت متزامنة مع ذكرى جريمة 11 سبتمبر، فتم استغلال الفيلم كتبرير لهذا الهجوم.

قالوا أن وراء هذا الفيلم أقباط مصريون يقيمون في الخارج، وهذا افتراء، وحتى لو وجد شخص قبطي واحد أو أكثر في إنتاج هذا الفيلم فلا يجب أن نسحب هذه الجريمة على الأقباط في مصر أو أقباط الخارج، فهم أناس مسالمون، خاصة وقد أصدرت الكنيسة القبطية في مصر، وكذلك الجاليات القبطية في الغرب بيانات نددت فيها بإنتاج الفيلم عقب التقارير التي أشارت إلى أن بعض الأقباط في الولايات المتحدة شاركوا في تمويله.
لا شك أن الغرض من اتهام الأقباط بهذا الفيلم هو لإثارة الإسلاميين المتشددين في مصر ضد الأقباط الذين يشكلون أكثر من 10% من الشعب، خاصة وقد تعرضوا للعدوان على أيدي المتطرفين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، مما أدى إلى هجرة الملايين منهم إلى الخارج طلباً للسلامة والكرامة. كذلك يعرِّض هذا الفيلم المسلمين في الغرب للانتقام من قبل المنظمات اليمينية الأوربية المتطرفة. لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: أية فائدة ترجى للأقباط أو المسيحيين في البلدان الإسلامية من هذا الفيلم المسيء؟ الغرض واضح وهو التأجيج والتأليب على الأقليات وإشعال الحرائق، ومنع الشعوب الإسلامية من التفرغ لحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية، وإبقائها متخلفة مبتلية بصراعات دينية وطائفية وعنصرية لا نهاية لها.

أما اتهام أمريكا بهذا الفيلم، فهو الآخر لم يصمد أمام أية مساجلة منطقية ومنصفة. فإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومنذ يومها الأول، تبنت سياسة التصالح والتقارب "بحثاً عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استنادا إلى الاحترام المتبادل". وقد دشن الرئيس أوباما حملته السلمية التصالحية مع العالم الإسلامي بخطابه المشهور في جامعة القاهرة، في 4 حزيران 2009. تبعت ذلك تعليمات من إدارة أوباما يمنع بموجبها الربط بين الإرهاب والإسلام. ولكن هناك ناس متطرفون من الجانبين لا يريدون السلام، وتحسين العلاقات بين الشعوب والحكومات، ولا يريدون إعلاء صوت العقل والاعتدال على صوت التطرف والتشدد والتزمت والعدوان.

لا شك أن أكبر إساءة وجهت للإسلام والمسلمين هي على أيدي المنظمات الإرهابية الوهابية التي أسستها ورعتها المملكة العربية السعودية. فهذه المنظمات تبرر عداءها لأمريكا بأن الأخيرة تدعم إسرائيل، بينما معظم جرائم القتل والعدوان حصلت في البلدان الإسلامية وبالأخص في العراق لقتل الشعب العراقي، ولم تقم هذه المنظمات بأية عملية ضد إسرائيل، أو لتحرير الجولان وغيرها من الأراضي العربية المغتصبة.
والجدير بالذكر أن السفير الأمريكي السابق لدى كوستاريكا، كورتين وينزر، أورد في بحث  له "على لسان اليكسي اليكسيف أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003م  بأن "السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط. ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفيتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 بليون دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق آسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان. وتقول هذه الدراسة إن خريجي المدارس الوهابية كانوا وراء الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات لندن في يوليو 2005م واغتيال الفنان تيودور فان جوخ الهولندي عام 2004م." (1).

خلاصة القول، في الوقت الذي ندين فيه هذا الفيلم المسيء البائس والهابط في كل شيء، كذلك ندين ردود أفعال المسلمين ضد السفارات الغربية، لأنها كانت أبشع من الفعل، وخدمت الفيلم بالترويج له، وإظهار المسلمين بأنهم أناس همج سريعو الانفعال، تحركهم غرائزهم البدائية. كما واستغلت منظمات التطرف الإسلام السياسي هذا الفيلم لأغراض سياسية بتعبئة الجماهير العربية والإسلامية وشحنها بالحقد والعداء ضد الولايات المتحدة خاصة، والغرب عامة. فما يحتاجه العرب والمسلمون هو التخلص من التطرف، وإعمال العقل في مواجهة ما يسمى بصراع الحضارات والثقافات.

أضع في الهامش رابطاً لخطاب مفتي سوريا في البرلمان الأوربي الذي يدعو فيه إلى التقارب والتآلف بين الثقافات والأديان والمذاهب، وبين الشرق والغرب، فنحن بأمس الحاجة الآن إلى صوت العقل والاعتدال كصوت هذا المفتي، لا إلى التحريض وتهييج الجماهير ودفعها إلى حتفها بإشعال الفتن الدينية والطائفية.(2)

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/m.asp?i=26
ـــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالموضوع
1-  كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

2- خطاب سماحة المفتي السوري في البرلمان الأوربي و كلمات ألهبت القاعة، فيديو يستحق المشاهدة
http://www.youtube.com/watch?v=1ZoQBnPSbxc


403
حول إغلاق النوادي الاجتماعية في بغداد

عبدالخالق حسين

أفادت وكالات الأنباء "أن قوات مسلحة يرتدي أفرادها زي الشرطة الاتحادية قد هاجمت في (4 أيلول 2012)، العديد من النوادي الاجتماعية في بغداد وقامت بالاعتداء على مرتاديها بالضرب وإطلاق الرصاص في الهواء لإخافتهم، فيما ذكر شاهد عيان أن أفراد الشرطة حاصروا العديد من رواد النوادي وانهالوا عليهم بالضرب المبرح."

ويذكر أن مجلس محافظة بغداد قام في (26 تشرين الثاني 2010) بإغلاق النوادي الليلية ومحال بيع المشروبات الكحولية في بغداد بحجة أنها لا تملك إجازة بممارسة المهنة. وكتبنا في وقتها خطاباً مفتوحاً للسيد رئيس الوزراء، طالبناه بالتدخل الشخصي لوقف تلك الممارسات التعسفية المناوئة لأبسط الحريات الشخصية وحقوق الإنسان(1). والجدير بالذكر أنه منذ سقوط حكم البعث ظهرت عصابات مسلحة فرضت أحكامها القرقوشية على الناس بالقوة بفرض الحجاب حتى على النساء غير المسلمات، ومنعوا الموسيقى والغناء، وأغلقوا محلات بيع الخمور، وفجروا عدداً منها كما وقتلوا العديد من أصحاب هذه المحلات. وكنا نأمل في وقتها أن هذه الأعمال الاجرامية ستزول بمجرد استعادة السلطة الجديدة نفوذها وتعمل على فرض القانون لحماية أرواح الناس وممتلاكاتهم وحقوقهم وحرياتهم. ولكن، وللأسف الشديد تكررت الممارسات نفسها، وفي عدد منها ليس من قبل المليشيات المنفلتة، بل وحتى من قبل القوات الأمنية المفترض بها حماية أمن الناس وحرياتهم الشخصية.

قد يستغرب البعض من موقفي الناقد للسلطة على هذه الممارسات، وخاصة من قبل المؤيدين لها لأسباب دينية وشخصية، وفق مبدأ: "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، ولكن الذي أفهمه عن نصرة أخيك الظالم أن تنصحه بتجنب الظلم، لا أن تؤيده وتشجعه عليه. وآخرون من التطرف الآخر لم يرضيهم النقد الهادئ، إذ يريدونني أن أنضم إلى جوقة التأجيج والتأليب على السلطة، والصراخ بالويل والثبور وعظائم الأمور، أن هذه السلطة هي أسوأ من نظام صدام! فهؤلاء وأولئك لا يرون الأشياء إلا بالأسود والأبيض فقط.

ومما يؤاخذ على المسؤولين، أنه لا يوجد تنسيق بينهم عن هذه الحوادث المأساوية. فكل مسؤول يصرح بشكل مناقض لما صرح به زميله في المؤسسة الحكومية الأخرى، إذ ["قال رئيس لجنة التخطيط في مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "مجلس المحافظة والشرطة المحلية ليس لديهما علم بخطة الجهات الأمنية بمهاجمة النوادي الاجتماعية في الكرادة"، معتبراً أن "ذلك لا يرتقي إلى مستوى الدولة والمؤسسات والقانون والإنسانية ولا تقوم به إلا السلطات الدكتاتورية"] (2).

ولكن بعد يوم واحد فقط، وصلَنا عن طريق البريد الإلكتروني بيان منسوب إلى الناطق الرسمي لمكتب دولة رئيس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة، جاء فيه ما يلي:
((ان إجراءات غلق النوادي الاجتماعية والمطاعم الليلية في بغداد خلال الايام الماضية جاءت استنادا لأوامر قضائية واستجابة لشكاوي المواطنين المتضررين من تواجد الحانات والمطاعم والنوادي الليلية غير المرخصة في مناطق سكناھم وبما يتنافى مع التقاليد والأخلاق والقيم الاجتماعية السائدة وأصبح بقائها مثار قلق وإزعاج وتجاوز على الحريات العامة، والأجهزة الأمنية المسؤولة عن تطبيق القانون وحماية الامن نفذت الاوامر الصادرة من القضاء بمهنية وانضباط عالي، والمراجع العسكرية العليا تتابع باھتمام وتتقصى الحقيقة حول ما اثير في الاعلام عن حدوث تجاوزات خلال عملية الغلق وتؤكد ان ما روج من صور وافلام وتقارير مضللة عن الموضوع هي جزء من حملة مغرضة ومريبة تستهدف سمعة المؤسسة الامنية التي ستحاسب بشدة من تثبت ادانته في ھذا الأمر مؤكدة ان من يسيء الى المواطن لا يمثل قيم وتقاليد المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية التي تعتز بواجبها  في خدمة وحماية المواطن والدفاع عن الوطن، وعلى أصحاب المحال المشمولة بالغلق مراجعة هيئة السياحة لاستصدار إجازات ممارسة المهنة وفقا للقانون.)) والجدير بالذكر، وكما نشرت صحيفة المدى، أن مجلس القضاء الأعلى تبرأ من قرار غلق النوادي.

كذلك أعلن القيادي في المجلس الأعلى الاسلامي، ورجل الدين السيد صدر الدين القبانجي، خلال خطبة صلاة الجمعة (7/9/2012)، أن الإجراءات التي اتخذتها القوات الأمنية بحق النوادي الليلية في العاصمة بغداد تمثل موقفاً صحيحاً وينطلق من الدستور، داعيا إلى غلقها في جميع أنحاء البلاد وإحياء "سنة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر". (السومرية نيوز، 7/9/2012)(3)

كما وقرأنا تقريراً بعنوان: "الأوقاف النيابية تكشف عن مقترح قانون لمكافحة الخمور". ونتمنى أن لا يعني ذلك منع الخمور كما في السعودية وإيران والسودان، بل عدم تشجيع تناول الخمور عن طريق التثقيف والتحذير بمخاطرها. وسنأتي على هذه النقطة لاحقاً.

ومن كل ما تقدم، نعرف أنه تم إغلاق نوادي اجتماعية بشكل استفزازي مخالف للقوانين، وهذا العمل يعتبر إجراء تعسفياً ضد أبسط حقوق الإنسان والحريات الشخصية، إضافة إلى الفوضى في المواقف والتصريحات الرسمية، ودعوات من رجال الدين الذين لهم نفوذ في السلطة، مثل السيد القبانجي، بإغلاق النوادي في جميع أنحاء البلاد وإحياء "سنة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر"، أي تطبيق النظام السعودي والإيراني في العراق.

لا نعرف ما هي المبررات الحقيقية وراء هذه الحملة، مما يفسح المجال للتكهنات أن الدافع هو أيديولوجي ديني تحت غطاء أن بعض النوادي التي تم إغلاقها غير مرخصة، وان بعضها أثارت استياء السكان  فقدموا شكاوى إلى المسؤولين الأمنيين، وأن هذه الاجراءات جاءت استجابة لطلبات السكان! على أي حال، أن ردود الأفعال لم تكن في صالح الحكومة ولا للبلاد. فلا شك أن هذه السياسة تقود البلاد إلى الهاوية، وتلحق أشد الأضرار بالعراق وشعبه ومستقبله، لا لأن مستقبل العراق يعتمد على النوادي والملاهي والخمور، بل لأن هذه الاجراءات التعسفية تعطي الذخيرة الحية لأعداء العراق الجديد للتصيد بالماء العكر. فالحكومة العراقية، وبالأخص رئيسها السيد نوري المالكي لا ينقصهما أعداء. فأعداء المالكي كثيرون في الداخل والخارج، يتربصون به الدوائر ويستغلون كل صغيرة وكبيرة لشن حملات التأليب والتشويه ضده، بل وحتى اختلاق المزيد منها وتحويلها إلى مواد صحفية دسمة للنيل منه ومن حكومته وكتلته، بل وحتى من الطائفة التي ينتمي إليها. فكثيراً ما نسمع أن الشيعة كانوا مظلومين في عهد حكم البعث الصدامي، ولكن بعد أن تخلصوا من البعث وشاركوا في السلطة تحولوا إلى ظالمين، وأنهم فشلوا في الحكم!!
فالسيد المالكي ومساعدوه وحزبه وكتلته (التحالف الوطني) يعرفون جيداً أن لهم أعداء شرسون يتمتعون بالخبرة الواسعة في التضليل، ويمتلكون وسائل إعلام مؤثرة في استغلال الفرص للنيل منهم. وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر بعضاً من هذه الأقلام:
كتب السيد عدنان حسين  في صحيفة (المدى) مقالاً بعنوان: (أسوأ من نظام صدام)، جاء فيه:
"حكومة السيد نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامية وائتلاف "دولة القانون" تُثبت من جديد انها حكومة سيئة للغاية، تفوق نظام صدام حسين في السوء، فالنظام الساقط منذ نحو عشر سنوات لم يتجرأ على التجاوز بهذا القدر من الصلافة على الحريات الشخصية."
ففي رأي السيد عدنان حسين، النظام الحالي أسوأ من نظام صدام لأن صدام لم يغلق نوادي ليلية، ولكننا نعرف أنه أغلق الحسينيات، ونشر المقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها، وتسبب في قتل نحو مليونين عراقي، وتشريد نحو 4 ملايين عراقي إلى الشتات، وهجَّر مليون من الشيعة العرب والكرد الفيلية بتهمة التبعية لإيران، وأهلك الزرع والضرع، ودمر الاقتصاد العراقي حيث صارت قيمة  الدينار العراقي لا تساوي قيمة الورقة التي طبع عليها...الخ، فهذه الجرائم دون غلق عدد من النوادي في رأيي كاتب المدى، ولذلك فالنظام الحالي أسوأ من نظام صدام!!

وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل ادعى زميل له في نفس الصحيفة أن مدير مكتب المالكي قال "لا مكان للمسيحيين في العراق" جاء فيه: " إذنْ ليس علينا إلا أن نسمع و نطيع، فقد تصور الفريق فاروق الاعرجي مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة، أن اهالي بغداد مجموعة من السبايا والعبيد في مملكته، ليس مطلوبا منهم سوى الاستماع إلى تعليماته و تنفيذ ما يأمر به، و أن يقولوا له بصوت واحد: سمعاً و طاعة يا مولانا.. أعطنا يدك لنقبلها".

كما واستعار البعض مجموعة من صور لكنيسة في الكرادة احتلها الإرهابيون ودمروا اثاثها ومحتوياتها قبل سنوات، فقاموا الآن بتوزيعها بالبريد الإلكتروني بعنوان: (المالكي يأمر بإرهاب عوائل وأطفال ألمسيحيين بغية تهجيرهم من وطنهم الاصلي)، والإدعاء بأن تدمير الكنيسة حصل حديثاً من قبل رجال المالكي لإجبار المسيحيين على الهجرة.

وبناءً على هذه التداعيات وغيرها كثير، نرى أن قرار غلق النوادي والملاهي ومحلات بيع الخمور كان تعسفياً وغير مدروس، وقد أحرج موقف الذين يدعمون العملية السياسية، ويسعون لدعم الديمقراطية وإنجاحها، وأعطوا ذرائع لأعداء الديمقراطية للتأليب على السطة وابتزازها. فهل انتهت الحكومة من كل مشاكل العراق مثل الإرهاب البعثي- الوهابي، ووفرت الخدمات للشعب كي تتوجه الآن إلى قضية النوادي؟ وهل غلق النوادي له أولوية على الإرهاب، وهل رواد النوادي يشكلون تهديداً على الأمن الوطني؟
لهذه الأسباب نعتقد أنه كان على الذين اتخذوا هذا القرار أن يستشيروا المختصين في علم الاجتماع وعلم النفس، والتربويين وغيرهم من أصحاب الخبرة في هذا المجال وتدارسه، وإذا كانت هناك نواد غير مجازة كان يجب إنذارها مباشرة وفي الصحف قبل الإقدام على أخذ هذا الاجراء. فنحن نعيش في عصر العلم ولسنا في العصور الغابرة، ولا يمكن استعارة حلول من الأزمنة الغابرة لمواجهة مشاكل القرن الحادي والعشرين، إضافة إلى كون العراق الآن يحكمه نظام ديمقراطي المفترض به أن يحترم حق التنوع في كيفية ممارسة الناس لحياتهم، وحقهم في الاختلاف.

إن النوادي والملاهي والمقاهي والمسارح وغيرها، لها وظائف اجتماعية ترفيهية يلجأ إليها الناس بعد عناء العمل للترويح عن النفس وتخفيف المتاعب، ليقضوا ساعات ممتعة مع أصدقائهم وزملاءهم، وهي صمام أمان لتخفيف الضغوط النفسية التي إن تركت تتراكم ستتحول إلى أمراض وعقد نفسية. ففي الدول المتحضرة تقدم المسارح والتلفزيونات مسلسلات فكاهية حيث يقف فنان كوميدي على المسرح يضحك الناس لساعة أو أكثر، وهذه البرامج تعتبر علاجاً نفسياً للناس.

أما الخمور، فرغم أني لست من مشجعيها لما لها من أضرار صحية واجتماعية، ولكني قطعاً ضد منعها بقوانين صارمة لأن كل ممنوع متبوع، حيث أثبتت البحوث أن استهلاك الخمور في الدول التي فرضت المنع أكثر مما في الدول التي تسمح بتناولها. وفي هذا الخصوص كتب الأستاذ الدكتور حسين رستم، المختص في الأمراض النفسية: "هناك حلان لمعالجة اضرار المشروبات الكحولية، الاول هو منع انتجاها وبيعها واستهلاكها  باسم الدين او القانون. والثاني، السيطرة على انتاجها وبيعها واستهلاكها للحد من ضررها. الحل الاول ثبت فشله، و دول الخليج، وخاصة السعودية دليل على ذلك. في دول الخليج المنع العلني يرافقه استهلاك سرّي اكبر من الاستهلاك العلني في بلد مثل لبنان، وما علينا إلا الاخذ بالحل الثاني."

لذلك، فأفضل طريقة لمعالجة أضرار الخمور هي عن طريق التثقيف ورفع أسعارها، والتحذير من مخاطرها. أما الطريقة التي تريد الأوقاف النيابية فرضها لمكافحة الخمور فهي طريقة فاشلة ونتائجها وخيمة وعلى الضد مما يتوخون منها. ففي حالة المنع القسري يلجأ الناس إلى التهريب، وإلى صناعة الخمور في البيوت، وحتى إلى تناول بعض المواد السامة مثل القولونيا وغيرها بغية السكر، إذ نسمع بين حين وآخر عن حوادث مؤسفة بموت العشرات في باكستان أو السعودية وغيرهما من الدول التي منعت الخمور. كذلك تفيد التقارير أن أكبر نسبة من المدمنين على المخدرات هي في إيران الإسلامية وليس في تركيا العلمانية التي تبيح بيع الخمور.

وبالعودة إلى إغلاق النوادي، نقول، لا نتوقع من رجل دين مثل السيد صدرالدين القبانجي أن يدافع عن النوادي والملاهي ويتخذ موقفاً متساهلاً من الخمور، فمسؤوليته الدينية لا تسمح له بذلك، ولكن من الجانب الآخر، نقول إنما الدين النصيحة، ولا إكراه في الدين، وفي هذه الحالة، فدور رجل الدين ينحصر في تقديم النصيحة وليس فرض آرائه بالقوة، وما على الرسول إلا البلاغ. فالحياة ليست فقط عبادة ولطم وعزاء ومناحات وبكاء على كوارث ومظالم حصلت في الأزمنة الغابرة، إذ قال الله تعالى: "ولا تنس نصيبك من الدنيا".

أما موقف الإسلاميين المعادي للموسيقى والغناء والمرح والضحك والترفيه، فهو الآخر مدمر للإنسان والمجتمع. لذلك، اعتقد جازماً أن لهذا الموقف المتزمت دوراً كبيراً في تخلف العرب والمسلمين، وتفشي الأمراض النفسية والعنف في مجتمعاتهم. إذ هناك بحوث علمية تفيد أن الموسيقى تزيد من ذكاء الإنسان بنسبة 40%. فالموسيقى غذاء للروح وتهذيب للنفوس، بل وتفيد حتى في علاج العديد من الأمراض النفسية والتوترات العصبية. قال نيتشة في هذا الخصوص: "لولا الموسيقى لكانت الحياة ضربا من الخطأ"، وعن حاجة الإنسان إلى المرح والضحك قال: "في كل انسان حقيقي يختبئ طفل صغير يبحث عن المرح".

إن مشكلة حملة الأيديولوجيات الشمولية أنهم إذا ما جاؤوا إلى السلطة يريدون قولبة المجتمع وفق أيديولوجيتهم بالقوة، ويعاملون شعوبهم كأطفال قاصرين، يفرضون عليهم طريقة حياتهم وتفكيرهم، وماذا يلبسون ويأكلون ويشربون. وهذا خطأ. نؤكد لهؤلاء أنه لا يمكن إيقاف الحضارة فهي كالقدر المكتوب وأي شعب لا يتقدم ينقرض، فالحضارة حتمية وتسحق بعجلاتها الثقيلة كل من يقف سداً مانعاً بوجهها.
فكما يختلف البشر بأشكالهم، كذلك يختلفون في آرائهم وأفكارهم وطريقة حياتهم. وقد أكد الله تعالى هذه الحقيقة في الآية: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"(هود/118). ألم يقل النبي محمد (ص): "إختلاف أمتي رحمة"؟

لذلك، نذكر السادة المسؤولين أن لكل مشكلة حل خاص بها، ولا يمكن تطبيق نفس الحل بالقسر والإكراه على كل القضايا. يقول السايكولوجست الأمريكي أبراهام ماسلو: "إذا كانت المطرقة هي آلتك الوحيدة، فتعامل كل شيء كمسمار." يبدو أن المسؤولين في بغداد طريقتهم الوحيدة لمواجهة المشاكل هي إغلاق النوادي الاجتماعية ومحلات بيع الخمور ومنع الموسيقى والغناء. والسؤال الذي نود طرحه على المسؤولين هو: من الأكثر خطراً على أمن وسلامة الناس، الإرهابيون أم النوادي الاجتماعية؟ بالطبع الإرهابيون. لذلك كان على رجال الأمن توفير طاقاتهم لمحاربة الإرهاب بدلاً من إشغال أنفسهم بملاحقة ناس مسالمين يبحثون عن ساعات قليلة من المتعة والترويح عن النفس.

ومن كل ما تقدم نستنتج أنه من الخطأ إغلاق النوادي ومحلات بيع الخمور، ومحاربة الفنون الجميلة وفرض الحجاب وغيره بالقوة على الناس، خاصة في بلد ديمقراطي، شعبه يتكون من عدة مكونات دينية. فليس من حق أية مكونة فرض إرادتها وطقوسها الدينية وأسلوب حياتها على المكونات الأخرى، فالخمور ليست محرمة في المسيحية وغيرها. كذلك، هناك شريحة واسعة من المسلمين غير متدينين يشربون الخمر، ومنعهم بالقوة يعتبر تجاوزاً على حقوق الإنسان، إضافة إلى أنه يتسبب بنتائج عكس المراد منه، وتخلق السلطة لنفسها المزيد من الأعداء بدون مبرر معقول.
لذلك ننصح المسؤولين بعدم اتخاذ مثل هذه الاجراءات التعسفية لأن نتائجها ستكون وبالاً عليهم وعلى الشعب.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
http://www.ahewar.org/m.asp?i=26  أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
1- عبدالخالق حسين: خطاب مفتوح إلى دولة رئيس الوزراء
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=424

2- بغداد تنفي علمها بخطة مهاجمة النوادي الاجتماعية وتحذر من هجرة الأقليات إلى الخارج
http://www.akhbaar.org/home/2012/9/135127.html

3- الأوقاف النيابية تكشف عن مقترح قانون لمكافحة الخمور
http://www.akhbaar.org/home/2012/9/135086.html

4- القبانجي يدعو إلى غلق النوادي الليلية وإحياء "سنة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر"
http://www.akhbaar.org/home/2012/9/135176.html

5- أ.د. حسين رستم: المشروبات الكحولية وأضرارها
http://www.akhbaar.org/home/2012/9/135210.html




404
في مواجهة حرب الإشاعات

عبدالخالق حسين

يواجه العراق، ومنذ تحريره من حكم البعث الفاشي، مخاطر كثيرة وجسيمة، أهمها: الإرهاب، والفساد، وحرب الإشاعات. كتب الكثير عن الأول والثاني، أما الثالث، حرب الإشاعات، فكتب القليل عنه. لذلك أود في هذه المداخلة التركيز على هذا الخطر الداهم الذي ساهم في تشويش وبلبلة عقول وضمائر شريحة واسعة من الناس، بمن فيهم أناس كانوا ومازالوا من ألد خصوم البعث.

الإشاعة سلاح ماض وخطير له دوره الفعال في مواجهة الخصم وتشويه صورته وإنهائه سياسياً واجتماعياً. والمعروف أن ذهنية المجتمع العراقي خصبة ومهيأة لتصديق الإشاعات، ومهما كانت غير معقولة. وما يجعل سوق الإشاعة رائجة هو انقسام الشعب العراقي على نفسه إلى مكونات دينية وطائفية وعرقية متصارعة، إضافة إلى كيانات سياسية متنافسة على السلطة والنفوذ والمال. وقد أثبت الواقع بعد أن سقطت سلطة القمع، ومعها سقطت ورقة التوت عن عورات المجتمع العراقي، تبين أن هذه المكونات هي متعادية فيما بينها، لذلك فكل جماعة عندها الاستعداد والأذن الصاغية لتصديق أية إشاعة ومهما كانت بذيئة وغير معقولة ضد الخصم والترويج لها. وإذا ما احترم الإنسان عقله وتصدى للإشاعة ونبه الآخرين عن زيفها ومخاطرها، فسرعان ما توجه له تهمة العمالة لهذه الجهة أو تلك ما لم يسبح مع التيار والمساهمة في ترويج الإشاعة.

ليس هناك أكثر خبرة من البعثيين في صناعة الإشاعة ونشرها على أوسع نطاق، فمنذ تأسيس حزبهم وخاصة خلال الستينات أيام حكم الأخوين عارف، وهم خارج السلطة، كانوا نشطين في هذه الصناعة. وخلال 35 سنة من استحواذهم على السلطة، أرسلوا آلاف البعثات الدراسية للغرب وبالأخص لألمانيا الشرقية في التخصص في الإعلام والتجسس والتدرب على التعذيب والحرب النفسية، والتفنن بتلفيق الإشاعات للسيطرة على عقول الناس، وإثارة الصراعات بين خصومهم (فرق تسد)، لإضعاف المجتمع  وإخضاعه لحكم البعث. وفي عهدنا هذا استفادوا كثيراً من تقنية نقل المعلومات مثل الانترنت والبريد الإلكتروني والفضائيات، وبرامج الكومبيوتر للتلفيق وتزوير الوثائق والتلاعب بعقول الناس.

الخبرة الأخرى التي امتلكوها هي، معرفتهم للعزف على الوتر الحساس لكل مكونة من مكونات المجتمع، واللغة التي يمكن أن تؤثر في كل منها. فإذا كانت الإشاعة موجهة للعرب السنة ضد الشيعة، يستخدمون تعابير مثل: "الصفيون"، و"الفرس المجوس"، و"عملاء إيران"، والنفوذ الإيراني،...الخ، أما إذا كانت الإشاعة موجهة لمخاطبة الشيعة لإثارة فئة ضد أخرى، أو ضد زعيم سياسي شيعي، وفي أكثر الحالات يكون السيد نوري المالكي هو المستهدف، فهنا يستخدمون عبارات من القاموس الشيعي، مثل أسماء بعض المرجعيات الشيعية لتتبعها عبارة "قدس الله سره"...الخ، واختيار أسماء خاصة بالشيعة لكاتب الإشاعة أو صاحب التصريحات المزيفة التي يراد تمريرها. المهم في هذه الحالة اعتماد كل الوسائل لإقناع المتلقي بصحة الإشاعة.

وعلى سبيل مثال لا الحصر، استلمنا قبل أيام تقريراً بعنوان: "السيستاني يكشف عن وصيته: الحكيم يصلي على جنازتي.. وأمنعوا المالكي وأعضاء حكومته من السير فيه". نجتزئ بعض الجمل من هذه "الوصية" التي زعم كاتبها أنها وصية المرجع الشيعي المعروف، آية الله السيد علي السيستاني.
يبدأ التقرير: " بغداد/ المستقبل نيوز: ذكر السيد باقر العلوي وكيل المرجع الشيعي الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني في نيوزيلندا ان "سماحة المرجع الأعلى كتب في وصيته لذويه ان يدفن كما دفنت جدته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) دون ضجة"، وأضاف خلال خطبة مناسبة الليلة الثالثة من ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في مسجد وحسينية الإمام المنتظر في مدينة أوكلاند، ان "سماحته أوصى بأن يصلي عليه صلاة الجنازة سماحة المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الحكيم".
الملاحظ هنا اسم وكالة الأنباء (مستقبل نيوز)، ولم اسمع بهذه الوكالة من قبل، وإن وجدت فهي واحدة  من عشرات "الوكالات البعثية" التي هي مجرد أسماء وهمية لهذا الغرض. الثاني، اختيار اسم "السيد باقر العلوي"، والإدعاء أنه وكيل السيد السيستاني، ليس في النجف الأشرف، ولا كربلاء، ولا في أية مدينة عراقية، بل في نهاية العالم، في نيوزيلندا. وإذا كان السيد السيستاني حقاً قد كتب هذه الوصية، فلماذا لم يسلمها لأحد وكلائه المقربين منه في العراق، ولماذا يرسلها إلى وكيل لم يسمع به أحد مقيم في نيوزيلندا؟

جملة أخرى جديرة بالتأمل: "وأضاف خلال خطبة مناسبة الليلة الثالثة من ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في مسجد وحسينية الإمام المنتظر في مدينة أوكلاند،...". هل حقاً هناك حسينية وبهذا الاسم في مدينة أوكلاند؟ وأي قارئ يريد أن يتحقق من ذلك؟

المهم هنا هو التركيز على اسم الشخص المستهدف من هذه "الوصية"وهو السيد نوري المالكي، فيقول: [وبيَّن وكيل المرجع إن "السيد السيستاني أشار في وصيته الى جملة من الأمور منها رفضه سير رئيس وأعضاء حكومة المالكي خلف جنازته،.."]. لماذا؟ فيوضح قائلاً: " وذكر السيد باقر العلوي إن "المرجع الأعلى ممتعض جداً من فشل المالكي وعلى مدار أكثر من ست سنوات من تحقيق أي منجز يذكر للشعب العراقي". فالبعثيون يبكون دماً على الشعب العراقي! وقال العلوي ان "المالكي يمتاز بالمكر والخديعة والقدرة على التفرقة بين الآخرين".] وهذا هو بيت القصيد من هذه الإشاعة.

والجدير بالذكر، أني استلمت هذه "الوصية" من كاتب يدعي الموضوعية، واليسارية، ومحاربة حكومة المحاصصة الطائفية والفساد، وكان قد عاتبني مرة وبمرارة، بل وكتب مقالاً ينتقدني دون أن يذكر اسمي، لأني كتبت ضد طارق الهاشمي، وقال أنه كان عليَّ أن أكون منصفاً، وأن لا أتخذ هذا الموقف من الهاشمي قبل إدانته قضائياً!! فالمتهم بريء حتى تثبت إدتانته!. نسي صاحبنا الموضوعي هذا، أن الهاشمي هو الذي أدان نفسه بهروبه من وجه العدالة، واللجوء إلى أسياده في قطر والسعودية وتركيا، فلو كان بريئاً حقاً من التهم الموجهة له، لصمد واستقال من منصبه، وواجه القضاء وأثبت براءته، تماماً كما فعل الدكتور فلاح السوداني، وزير التجارة السابق. ولكن هذا الكاتب الموضوعي لم يتردد بتوزيع إشاعات البعثيين التافهة التي لا يمكن أن يصدقها أي عاقل.

على أي حال، تبين أن هذه "الوصية" قديمة، كانت متداولة منذ نهاية العام الماضي، وكان مكتب السيد السيستاني قد أصدر بياناً جاء فيه: "نفى مكتب المرجع الديني السيد علي السيستاني أمس صحة ما تداولته مواقع اخبارية بشأن وصية السيستاني، معرباً عن اسفه لنشر تلك المعلومات نقلاً عن شخص زعم انه وكيل المرجعية في نيوزيلندا." وأضاف "ان هذا الخبر مفبرك جملة وتفصيلا ولا يوجد لسماحته وكيل في نيوزلندا في الاسم المذكور ".المصدر:الصباح.(1)

إشاعة الأخرى قيد التداول هذه الأيام بعنوان: "هكذا باع نوري المالكى سيارة الملك غازى وقبض ثمنها 8 مليون دولار". وقد أخبرني صديق وهو ضد المالكي، أن سيارة الملك غازي استحوذ عليها عدي صدام حسين في التسعينات، وباعها. وهكذا راح هؤلاء يستعيرون جرائم أسيادهم وينسبونها للمالكي.

طبعاً، هذا غيض من فيض من موجة الإشاعات، إذ كما صرح أحد النواب، أنهم واجهوا نحو عشرين إشاعة خلال عيد الفطر هذا العام.

على أن الإشاعات ليست مقتصرة على البعثيين فقط، إذ هناك من يحاول منافستهم في هذا المضمار. فقد عودتنا صحيفة المدى، لصاحبها فخري كريم بإشاعات من الوزن الثقيل ضد الحكومة، ورئيسها تحديداً. وقد أشرنا إلى موضوع إرسال إستبعاد الشيعة من بعثة الطيارين للتدريب في أمريكا..الخ، الخبر الذي نفاه آمر القوة الجوية، ولكن الصحيفة لم تتوقف عن هذا السلوك، فنشرت بعد أيام خبراً آخر بعنوان: (منع غير المحجبات من دخول الكاظمية يثير استغراب الأهـــالـي ويــزعــج التــجــار)، جاء فيه: "أعلنت الحكومة المركزية والمحلية منع دخول النساء السافرات في عموم مدينة الكاظمية تلبية لطلب احد القادة الأمنيين الذي كان قد حضر مجلس عزاء بمدينة الكاظمية واثناء تجواله بالمدينة شاهد امرأة غير محجبة فطلب منع دخول غير المحجبات إلى عموم مدينة الكاظمية... وطالب باستحداث شرطة اطلق عليها اسم شرطة الآداب". وعند صدور مثل هذه الإشاعة لا بد وأن تتبعها ردود أفعال بين إدانة وتأييد، وإثارة الرأي العام وتضليله وإشغاله بمثل هذه الأمور.
هذا الخبر، هو الآخر تبين أنه مفبرك، حيث نفته وزارة الداخلية جملة وتفصيلاً، إذ كما جاء في السومرية نيوز: (الداخلية تنفي منع دخول النساء "غير المحجبات" إلى مدينة الكاظمية)، ورد فيه: "نفت وزارة الداخلية العراقية، الأربعاء، (29/8/2012) الأنباء التي تحدثت عن منعها النساء غير المحجبات (السافرات) والشباب الذين يرتدون ملابس الموضة والقصيرة من الدخول إلى مدينة الكاظمية، وفي حين أكدت أن ذلك يدخل ضمن الحريات الشخصية، أشارت إلى أنها لا تضم في تشكيلاتها شرطة الآداب".

والسؤال هنا: ما الغاية من نشر هذه الإشاعات والأخبار الكاذبة، ومن المستفيد منها؟ الغاية واضحة، وهي التصيد بالماء العكر لإفشال العملية السياسية والديمقراطية بغطاء الدفاع عن الديمقراطية "الحقيقية". والديمقراطية الحقيقة في رأي هؤلاء هي أن تكون حسب مقاسات البعثيين، ومقاسات صاحب المدى، وليس حسب ما تفرزه صناديق الاقتراع. وحجتهم أن رئيس الوزراء هو من حزب الدعوة، أي إسلامي، وأن الإسلاميين لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين، ويرددون مقولة (فاقد الشيء لا يعطيه). ولا أدري متى كان البعثيون وحلفاؤهم، ومن لف لفهم، كانوا ديمقراطيين حقيقيين؟
كما ونود أن نؤكد لهؤلاء السادة "الديمقراطيين الحقيقيين" أن الدولة الديمقراطية لا يمكن بناؤها على الإشاعات وتلفيق الأخبار الكاذبة. فهذه الحملة ليست نزيهة، ودليل على أن المستهدف منها هو على حق، لذلك يلجأ خصومه إلى التلفيق ومحاربة الحقيقة. وهم على خطأ، لأن ما بني على باطل فهو باطل، ودليل على الإفلاس الفكري والسياسي والأخلاقي.

والجدير بالذكر، فيما يخص صحيفة المدى، أن نشرت قبل أسابيع (Middle East On line) مقالاً لأستاذ في جامعة إنديانا/بنسلفانيا، بعنوان: (Can Maliki Survive Washington’s Designs?)(2)، استشهد الكاتب بخبر نقلته صحيفة المدى، مفاده أن أمريكا مازالت تتمتع بنفوذ في العراق. وليعطي الكاتب دلالة للخبر، وصف الصحيفة بأنها مقربة من واشنطن:
(the Iraqi newspaper, al Mada which is closely connected to Washington). وأنا لست ضد التقارب من أمريكا، بل أدعو الحكومة العراقية إلى بناء علاقة استراتيجية حميمة مع أمريكا، فلأمريكا الفضل في خلاص الشعب العراقي من أبشع نظام دكتاتوري فاشي عرفه التاريخ، وبدون الدعم الأمريكي لا يمكن للعراق أن يتخلص من مشاكله مع الإرهاب ودول الجوار التي تريد له الشر، ولكن أن يأتي صاحب (المدى) الذي كان حتى وقت قريب قيادياً في الحزب الشيوعي العراقي الذي اعتبر معاداة أمريكا والغرب و"الرأسمالية المتوحشة" جزءً مهماً من أيديولوجيته، وشرطاً أساسياً من شروط الوطنية، يوصف اليوم بأنه مقرب من واشنطن، هذه مسألة مثيرة للحيرة والتساؤل. وهنا نود أن نذكِّر أحد كتاب المدى الذي تهجم علينا قبل أيام في مقال بائس، قائلاً: " يبدو أن منظّر دولة القانون السيد عبد الخالق حسين نسي القراءة بالعربية جيدا، او ان ثقافته الانكليزية التي ظلت تراوح بين ادعاء الماركسية والتغزل بالرأسمالية،...ألخ". ندعوه ليعرف أن ولي نعمته الذي كان يدعي الماركسية، هو الآن يتغزل بالرأسمالية ويتقرب من أمريكا.

خلاصة القول، أن العراق الجديد يواجه هجمة ضارية من الشباطيين، القدامى والجدد، في تضليل الناس بنشر الإشاعات، والأخبار المفبركة، القصد منها إرباك القيادة السياسية، وتضليل الناس، وخدعهم لإفشال العملية الديمقراطية، وتمهيد الطريق لعودة حكم البعث الفاشي. وحسناً فعل مكتب آية الله السيد السيستاني بالرد السريع وتكذيب الإشاعة عن الوصية المزعومة. لذلك نقترح على من يهمه الأمر، وخاص مكتب رئاسة الحكومة، تشكيل لجنة من الإعلاميين مهمتها ترصد الإشاعات والأخبار الكاذبة، والتصدي لها وفضحها وهي في المهد، وملاحقة صناعها ومقاضاتهم لحماية الرأي العام من التضليل.

لا شك أن مواجهة الخرافة والإشاعة عملية صعبة، لأن السباحة عكس التيار أصعب من السباحة مع التيار، ولكن يجب أن لا تثنينا هذه الصعوبات عن أداء واجبنا الوطني وإرضاء ضميرنا، إذ كما قال جورج أورويل: "قول الصدق في زمن الخديعة عمل ثوري".

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
أرشيف الكاتب على الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/m.asp?i=26
ــــــــــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالموضوع
1- مكتب السيستاني ينفي صحة معلومات بشأن وصية المرجع الأعلى
http://www.faceiraq.com/inews.php?id=89031

2- Middle East Online::Can Maliki Survive Washington's Designs?
http://www.middle-east-online.com/english/?id=50432


405
انفصام بعض السياسيين العراقيين عن الواقع

عبدالخالق حسين

لكي أتجنب التعميم، أقول أن بعض السياسيين العراقيين، وليس كلهم، يعانون من الانفصام عن الواقع العراقي، فمازالوا يبحثون عن الفخفخة والأبهة على حساب معاناة الجماهير. ولتحقيق أغراضهم هذه راحوا يطلقون تصريحات ودعوات الغرض منها الظهور في الإعلام. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قرأت على مواقع الانترنت خبراً مفاده أن الأمين العام للكتلة البيضاء، السيد جمال البطيخ، طالب وفد العراق في قمة عدم الانحياز الى دعوة القمة لاستضافة العراق لدورتها المقبلة". وأضاف:"أن استضافة العراق لاجتماعات القمة العربية ومن ثم اجتماعات 5+1 خير دليل على قدرته لاستضافة اعمال قمة عدم الانحياز المقبلة" ، مشدداً على " ضرورة ان يكون العراق المستضيف القادم للدورة المقبلة".(1)

يبدو أن السيد النائب، جمال البطيخ منفصل تماماً عن الواقع العراقي المؤلم، ولا يحس بآلام الملايين من الفقراء والأرامل واليتامى والمعوقين الذين هم نتاج حروب البعث العبثية أيام حكمه الجائر، وأعمال فلوله الإرهابية بعد سقوطه. فمن قراءة تعليقات القراء على هذا البيان العتيد، يعرف كل ذي عقل سليم، أن السيد البطيخ غير مهتم بآلام وآمال هذه الشريحة الواسعة من العراقيين الذين هم أولى بالمال العراقي من صرفه على المؤتمرات الدولية. كما نعرف من تعليقات القراء أيضاً، أن الجماهير هم أكثر وعياً واهتماماً ومعرفة بالأولويات من السياسيين الذين يمثلونهم في البرلمان. فجميع التعليقات التي قرأتها على موقع عراق القانون مثلاً، تسخر من السيد النائب جمال البطيخ على اقتراحه، عدا تعليق واحد، قائلاً: (اقتراح رائع)، وعلى الأغلب أراد به التهكم. فهل انتهت مشاكل العراق المهمة التي مازالت تهدد وجوده كدولة، لكي تصرف المليارات من أموال الشعب على مؤتمرات لا تسمن ولا تغني من جوع؟

فالقمة العربية كلفت الخزينة العراقية نحو مليار دولار، إضافة إلى إشغال الأجهزة الأمنية بأمن وحراسة الضيوف، وتعطيل الدوام الرسمي وحركة المرور في بغداد لمدة أسبوع. وهذه الإجراءات كلفت الخزينة مبالغ ضخمة بجميع المقاييس. والله يعلم كم كلفت (اجتماعات 5+1). وإذا أرادت الحكومة تنفيذ طلب السيد النائب البطيخ باستضافة مؤتمر عدم الانحياز القادم، وعدد هذه الدول نحو 120 دولة، ونحو 17 دولة بصفة مراقب، يعني عقد هكذا مؤتمر سيكلف خزينة الدولة أضعاف ما كلفته القمة العربية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا هذا البذخ الحاتمي؟ وما فائدة العراق من عقد هذا المؤتمر في عاصمته؟ يقول المثل العربي: (وهب الأمير ما لا يملك).

لقد كتب المفكر البحريني، الدكتور عبدالله المدني، مقالاً قيماً حول عقد مؤتمر حركة عدم الانحياز في طهران بعنوان: (الحركة التي خف بريقها وانتهت صلاحيتها) قال بحق: "كان للحركة بريقها وجدواها ومبرراتها زمن الحرب الباردة، وفي حقبة الثنائية القطبية والتنافر الايديولوجي ما بين المعسكرين الشرقي والغربي، مثلما كانت لها دواعيها في عصر حروب الاستقلال التي خاضتها دول وشعوب العالم الثالث للإنعتاق من قيود المستعمر الاجنبي وجبروته، خصوصا قبل إختفاء آبائها المؤسسين موتا أو إغتيالا أو نفيا أو خروجا من السلطة. غير أن كل هذه العوامل التي أملت في خمسينات وستينات القرن الماضي قيام الحركة، بدءا من الإجتماع التمهيدي في قمة الدول الأفرو آسيوية في باندونغ في إبريل عام 1955 التي خصصت لوضع الخطوط العريضة للسياسات الخارجية لدول العالم الثالث المتحررة وفق المباديء الخمسة المعروفة بإسم "البانجشيلا" (السلام والتعايش السلمي، تعزيز المصالح المشتركة وتبادل المنافع، إحترام سيادة الدول وإستقلالها، الإمتناع عن تهديدها أو الإعتداء عليها، عدم التدخل في شئونها الداخلية) ومرورا بإجتماعات قادة هذه الدول في نيويورك على هامش الدورة السنوية الخامسة عشرة للأمم المتحدة في أكتوبر عام 1960، وإنتهاء بأول قمة رسمية للحركة في بلغراد في سبتمبر عام 1961، صارت شيئا من الماضي الذي لا نجد له ذكرا سوى في الكتب العتيقة."(2)

نعم، ما هي مبررات وجود هذه الحركة الآن بعد انتهاء الحرب الباردة، واختفاء القطب السوفيتي؟ في الحقيقة لا يوجد أي مبرر لهذه الحركة الآن، ناهيك عن عقد مؤتمراتها الباهظة التكاليف، وبالأخص في بغداد. يجب على سياسينا أن يكونوا في حالة تماس مباشر مع الجماهير والكف عن تبذير الأموال لأغراض دعائية وشخصية، وعليهم الاهتمام بالأولويات التي لها علاقة مباشرة بحياة المواطنين.

فبالنسبة لملايين الناس الذين يعانون من فقدان الأمن والخدمات، والسكن اللائق، أرى أولويات الحكومة وحسب أهميتها كالتالي:
أولاً، تحقيق الأمن ودحر فلول الإرهاب. صحيح أن الحكومة حققت نجاحات لا يستهان بها في هذا المضمار، ولكن الإرهاب مازال ينغص حياة أبناء الشعب.
ثانياً، بناء المؤسسات والأجهزة الأمنية، الجيش والقوات المسلحة والشرطة والاستخبارات، وغيرها من أجل دحر الإرهاب بشكل كامل، وحماية حدود البلاد من العدوان الخارجي.
ثالثاً، توفير الخدمات، الكهرباء والماء ومجاري الصرف الصحي، وشن حملة تنظيف المدن من تراكم القمامة والأوساخ.
رابعاً، توفير حياة كريمة لشريحة واسعة من الأرامل واليتامى والمعوقين، وذلك ببناء دور سكنية للذين لا سكن لهم، خاصة من سكنة بيوت الصفيح، والذين احتلوا أبنية حكومية مرغمين،
خامساً، توفير العمل للعاطلين، وخاصة عشرات الألوف من خريجي الجامعات. إذ ما الفائدة من صرف مليارات الدولارات على أكثر من عشرين جامعة، وفتح المزيد منها، دون وجود عمل للخريجين؟

خلاصة القول، من الخطأ صرف أموال الشعب على استضافة مؤتمرات دولية لا نفع ولا جدوى منها، إلا بعد تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه، فأبناء الشعب العراقي هم أولى بأموالهم من صرفها على أمور دعائية تافهة مثل عقد مؤتمرات دولية لا تسمن ولا تغني من جوع.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالمقال
1-  الكتلة البيضاء تطالب باستضافة اعمال قمة عدم الانحياز المقبلة
http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=21340

2- د. عبد الله المدني: الحركة التي خفت بريقها وانتهت صلاحيتها
http://www.akhbaar.org/home/2012/8/134726.html

406
من المستفيد من الفتنة الطائفية؟

د.عبدالخالق حسين

لا شك أن شعوب الشرق الأوسط، وبالأخص الشعب العراقي، مهددة بإشعال نار فتنة طائفية لا تبقي ولا تذر. والمستفيد الأكبر من هذه الفتنة في العراق هو البعث، والدول الإقليمية التي تدعمه لأغراضها السياسية، مثل السعودية وقطر وتركيا، فشعار هذه العصابة "ليكن من بعدي الطوفان". ورغم أن حزب البعث معروف عنه، نظرياً على الأقل، أنه حزب قومي عربي علماني فوق الديانات والطوائف، إلا إنه لن يتردد في توظيف أشد الوسائل خسة ودناءة لتحقيق أغراضه وذلك بتطبيق المبدأ الماكيافيلي: "الغاية تبرر الوسيلة"، حتى ولو كانت الوسيلة حرق البلاد والعباد، باستخدام الدين والطائفية. وهناك أدلة كثيرة تبناها قادة البعث، وخاصة الجناح الذي قام بانقلاب 17- 30 تموز 1968، منها جرائم التهجير القسري ضد الشيعة من مختلف القوميات، بتهمة التبعية الإيرانية، إضافة إلى الحملات الإعلامية ضدهم مثل سلسلة مقالات صحيفة الثورة بعد انتفاضة 1991 بعنوان: (لماذا حصل ما حصل)، وتسمية المحافظات العراقية إلى محافظات بيضاء ومحافظات سوداء حسب الانتماء المذهبي لغالبية سكانها. كما ورفعوا لافتات على الدبابات في مدينة كربلاء إبان الانتفاضة كتب عليها (لا شيعة بعد اليوم)... إلى آخره من الوسائل الدنيئة لإثارة طائفة ضد أخرى، فالبعث لا يستطيع أن يحكم إلا من خلال سياسة (فرق تسد).

هناك معلومات تفيد عن استعدادات داخلية وخارجية لتأسيس ما يسمى بـ(الجيش العراقي الحر) على غرار (الجيش السوري الحر)، إذ اتهم النائب عضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية اسكندر وتوت، السبت (25/8/2012)، السعودية بالتمهيد لتأسيس فصائل مسلحة تحت مسمى" الجيش العراقي الحر" لتنفيذ عمليات ارهابية في العراق .وقال وتوت في تصريح نشرته البغدادية نيوز اليوم: "نمتلك معلومات تفيد بوجود نوايا لدى كل من السعودية وقطر وتركيا لتجنيد بعض الفصائل المسلحة والمجاميع الإرهابية وتنظيمهم تحت مسمى " الجيش العراقي الحر" على شاكلة الجيش السوري الحر وذلك لتنفيذ "مؤامرة ضد العراق والعملية السياسية ".
وتابع ان " لجنة الامن والدفاع اخطرت الجهات الامنية في محافظات الفرات الاوسط لغرض القيام بحملة توعية في تلك المحافظات ضد " تجار السلاح " الذين عمدوا الى افراغ المحافظات من الاسلحة الخفيفة من خلال اغراء اهالي تلك المناطق بالمال مقابل التخلي عن اسلحتهم الشخصية في محاولة من بعض الجهات المرتبطة بالسعودية وقطر وتركيا تحديدا، لإفراغ المنطقة من السلاح تمهيدا لتنفيذ مؤامرة تستهدف العراق بأكمله"]. انتهى

فمن هي القوى الداخلية التي ستعتمد عليها السعودية وقطر وتركيا لتشكيل الجيش العراقي الحر غير فلول البعث التي تشكل فصائل الإرهاب، وفي نفس الوقت متخفية في كتلة "العراقية"، وما فضيحة طارق الهاشمي إلا غيض من فيض؟

فالبعث، كأي تنظيم إرهابي، لا دين له ولا مذهب سوى السلطة، ففي مرحلة أوج قوتهم لم يسلم من جورهم، لا سنة ولا شيعة، وقد أعدموا الشيخ عبدالعزيز البدري (السني)، كما أعدموا الشيخ رافع البصري (الشيعي) وغيرهما من فقهاء المذهبين. ولكن عندما تشتد عليهم الأزمة، لن يتورعوا بتوظيف ورقة الطائفية والإدعاء بأنهم حماة حقوق العرب السنة في العراق. والمؤسف أنهم نجحوا في تمرير كذبتهم، فتحالفوا مع القاعدة الوهابية، وشنوا حرباً ضروساً لإبادة الشيعة بشكل عشوائي. ولكن في نفس الوقت لم يترددوا في قتل كل من يرفض التعاون معهم من العرب السنة، إذ هناك مئات الحوادث الإرهابية ضد السنة العرب، وآخرها العملية الإرهابية الخسيسة التي استهدفت رئيس هيئة إفتاء أهل السنة والجماعة في العراق، الشيخ مهدي الصميدعي إلا لغرض استهداف رموز الاعتدال، كما جاء في بيان (جماعة علماء العراق) الذي حذر من وقوع البلاد في منزلقات الحرب الطائفية و"انهيار جدار الاعتدال السني". كذلك نعرف أن فلول البعث قاموا بقتل البعثيين السابقين الذين رفضوا التعاون معهم، وما حملة قتل الطيارين والعلماء والأكاديميين والأطباء العراقيين إلا أمثلة حية على صحة ما نقول، وإلقاء الجريمة على الموساد والاحتلال الأمريكي "الغاشم" و"الفرس المجوس" وحتى الحكومة العراقية المنتخبة "العميلة لإيران وأمريكا". (راجع مقالنا: من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟).

يعترض المدافعون عن البعث، وتحت مختلف الأسماء الحقيقية والوهمية، بأن البعث انتهى قبل عشر سنوات، واتهامي بالعداء الشخصي ضد البعث...الخ، نسي هؤلاء أن البعث ترك إرثاً ثقيلاً لا يمكن إزالته بجيل أو حتى بجيلين، كذلك فلولهم المسلحة التي تحارب العراقيين تحت أسماء إسلامية، وهي في الحقيقة بعثية صرفة.

ولإثارة الفتنة الطائفية، لن يتورع البعثيون في نشر قصص وحكايات يستلونها من كتب التراث العربي- الإسلامي المشحون بالفتن والصراعات الدموية. فيطلع علينا كاتب بلباس سني يطلق شتيمة ضد الشيعة، وليطلع ثانية وبلباس شيعي، فيرد على الشتيمة الأولى ويشتم رموز أهل السنة. وبهذه الطريقة يستدرج كتاب ورجال دين من الفريقين للمشاركة في تبادل الشتائم والإساءة إلى رموزهم الدينية التاريخية لتهييج الجماهير من الطائفتين، وصب المزيد من الزيت على نار الطائفية المشتعلة. إذ كما استشهدنا في مقال سابق، أن الإرهابي لا يعتمد على نتائج أفعاله المباشرة فقط، بل على ردود الأفعال.

استلمت قبل أيام عن طريق البريد الإلكتروني، محاورة بعنوان (فضّال يُخجِل أبا حنيفة) يبدو أنها منقولة من كتب التراث المليء بالكذب والزيف، أنقلها النص كالآتي: 
(( كان فضّال بن الحسن الكوفي، أحد أبرز تلامذة الإمام الصادق (ع)، مرّ بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يُملي عليهم شيئاً من فقهه وحديثه. فقال لصاحبه الذي معه: والله لا أبرح أو أُخجل أبا حنيفة!! فدنا من مجلس أبي حنيفة وسلّم عليه فرد القوم بأجمعهم السلام عليه.. فقال فضّال: يا أبا حنيفة، رحمك الله، إن لي أخاً يقول: إن خير الناس بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب. وأنا أقول: إن أبا بكر خير الناس وبعده عمر. فما تقول أنت ؟!. قال أبو حنيفة: قل لأخيك .. كيف تقدم علياً على أبو بكر وعمر فإنهما كانا يجلسان في الحروب إلى جنب رسول الله (ص) في حين يبعث الرسول (ص) علياً إلى الحرب والقتال، وهذا يعني أنه (ص) كان يحبهما أكثر وسعى لإبعادهما عن مواطن الخطر.. قال فضّال: وأنا قلت ذلك لأخي، فأجابني إن القرآن الكريم فضّل المجاهدين في قوله: "وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً" (النساء 95). فأطرق أبو حنيفة ملياً ثم رفع رأسه فقال: كفى بمكانهما من رسول الله (ص) كرماً وفخراً. أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره، فأي حجة لك أوضح من هذه ؟!. فقال له فضّال: إني قد قلت ذلك لأخي، فقال: يقول القرآن الكريم: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} (الأحزاب 53)، ومعلوم أن قبر النبي (ص) في بيته ولم يصدر منه إجازة بدفنهما قطعاً ولا من الورثة.. قال أبو حنيفة : قل لأخيك إن عائشة وحفصة قد بقي لهما شيئاً من مهرهما عند النبي (ص) فاستحقتا بذلك مقداراً من أرض البيت و وهبت كل واحدة هذا المقدار لأبيها.. قال فضّال: لقد قلت ذلك لأخي، فقال: ألم تقرأ القرآن حيث يقول: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}. (الأحزاب 50)، وبهذا يكون النبي (ص) قد أعطى كل واحدة من زوجاته مهرها في حياته.. فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال: إنهما نظرا حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع وبحقوق ابنتيهما.. فقال فضّال: قد قلت له ذلك، فقال: أنت تعلم إن النبي (ص) مات عن تسع نساء ونظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ومن ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر .. فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك ؟!!!. وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله (ص) وفاطمة (ع) إبنته تُمنع من الميراث؟!!!. فقال أبو حنيفه: يا قوم, نحّوه عني فإنّه رافضيّ خبيث!!! 
قال (ص): {البخيل من ذُكرت عنده و لم يصلّ عليّ}. اللهم صلّ على محمد وآل محمد. أرسلها على حب أمير المؤمنين.)) انتهى.

ولنناقش مدى صحة هذا النقل. فالمعروف عن أبي حنيفة أنه كان من أنصار الإمام علي وأهل بيته، أو إذا جاز التعبير من شيعته، فجميع سنة العراق كانوا مع الإمام علي في حربه على معاوية، وأبو حنيفة أفتى ينصرة الثائر الإمام زيد بن علي في ثورته على دولة بني أمية، وساعده بالمال والفتيا في الثورة على عبدالملك بن مروان، ومن ثم ناصر أهل البيت في العهد العباسي، وسجن وعذب مع الإمام موسى الكاظم (الشيعي) ولنفس السبب. فكيف لهذا الفقيه المحترم من جميع المسلمين، أن يدخل في هكذا حوار؟
كذلك فلو تأملنا النص، نجده وضع بشكل مفبرك وكأن فضال بن الحسن الكوفي كان يعرف مسبقاً أجوبة أبي حنيفة على أسئلته، لذلك رتبها وفق ما كان يتوقع أن يسمع من إجابات، وفق اعتراضات أخيه المفترضة. ولذلك، ومن قراءة متأنية لهذا الحوار، نعرف أنه منحول وكتب ربما عشرات أو مئات السنين بعد موت الإمام أبي حنيفة، من قبل أناس يريدون دق الأسفين بين الشيعة والسنة. وفي عصرنا هذا راح هؤلاء ينبشون في بطون كتب التراث للحصول على ما ينفعهم لإثارة طائفة على أخرى. وحتى لو سلمنا جدلاً بصحة هذه الرواية، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الغاية والفائدة والحكمة من ترويجها، خاصة في هذا الوقت؟
 
وقد ذكر الدكتور علي الوردي الكثير من هذا النوع من محاولات مؤججي الفتن الطائفية بين المسلمين، مثلاً كان معاوية يدس بعض جواسيسه في جيش الإمام علي في صفين، يناقشون الإمام حول الشيخين (أبو بكر وعمر) وأفضليته في الخلافة منهما. وكان غرض معاوية أن يصدر من الإمام علي كلام ضد الشيخين ليشهر به بين المسلمين وإثارتهم ضده. فكان الإمام يعرف غرض هؤلاء المندسين فيردهم بذكر فضائل أبي بكر وعمر وبذلك كان يخيب آمالهم. كذلك استشهد الوردي بالكثير من أقوال وأشعار أئمة أهل السنة الأربعة، وهم يؤكدون فيها حبهم للإمام علي وأهل البيت. لذلك علينا أن لا نقع في فخ المتصيدين بالماء العكر.

والسؤال هنا، ما هي الغاية من نشر حكايات وقصص المقارنة بين الإمام علي وبقية الخلفاء الراشدين والتحيز لهذا الجانب أو ذاك وفي هذه الفترة العصيبة بالذات؟
لا شك أن الحملة الإعلامية في نشر هذه المحاورات المشبوهة هي مرتبطة بالإرهاب الطائفي، وما تقوم به السعودية وقطر وتركيا من محاولات لحرق العراق وسوريا بنيران حروب طائفية. وبدورنا نحذر هؤلاء الحكام، وننصحهم أن يتعلموا من أخطاء الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان يرسل أتباع القاعدة لإشعال الحرائق في العراق، وها هو اليوم مبتلى بالحرائق، وعلى أيدي نفس الجماعات التي كان يرعاها ويرسلها إلى العراق. وها هي الأنباء ترد عن إشعال الحرائق في تركيا أيضاً، أما السعودية وقطر فليستا محصنتين من الحرائق القادمة ولا بد أن تصلهما.

وللإجابة على السؤال من الأولى بالخلافة علي أو أبي بكر، من المفيد أن نسترشد بالمصلح الإسلامي الكبير، جمال الدين الأفغاني، وكما يقول عنه علي الوردي: [على الرغم من أصله الشيعي إلا إنه لا يتعصب للتشيع تعصباً أعمى، وكان الأفغاني يعتقد أن إثارة قضية الخلافة بعد وفاة النبي أمر يضر المسلمين في الوقت الحاضر ولا ينفعهم، وهو يتساءل في ذلك قائلاً: "لو أن السنة وافقوا الشيعة الآن على أحقية علي بالخلافة فهل يستفيد الشيعة من ذلك شيئاً؟!! أو أن الشيعة وافقوا أهل السنة على أحقية أبي بكر فهل ينتفع أهل السنة؟!!" ويهتف الأفغاني بعد ذلك قائلاً: "أما آن للمسلمين أن ينتبهوا من هذه الغفلة؟! ومن هذا الموت قبل الموت؟!.."]

حقاً ما قاله أبو العلاء المعري:
إن الشرائع ألقت بيننا إحنا   وعلمتنا أفانين العداواتِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي

هامش
أدناه، رابط لفلم نادر لا علاقة له بالموضوع، إنه فلم أكثر رعباً من أفلام الفريد هتشكوك، فحكم البعث ليس رعباً للشعب فقط ، بل هو رعب حتى للبعثيين أنفسهم، وبالأخص القياديين منهم. يظهر هذا الفيلم وحشية صدام حسين حتى مع اعز اصدقائه ورفاقه، ونفاق الأعضاء والتزلف له من أجل الحفاظ على حياتهم، ستشاهدون عضو القيادة القطرية محيي عبدالحسين المشهداني مرعوباً، وهو يقدم اعترافات "المتآنرين". وبدورنا نهدي هذا الفيلم إلى أصحاب "النوايا الحسنة" الذين يبالغون بسلبيات العراق الجديد، ويتمنون عودة حكم البعث. مدة الفيلم 45 دقيقة، القسم الأول 38 دقيقة، فيه لقطات من مؤتمر القيادة القطرية، بعد استلام صدام رئاسة الجمهورية وإزاحة البكر عام 1979 حيث دشن رئاسته بإعدام نحو 19 قيادياً في الحزب. أما دقائق السبع الأخيرة فهي لقطات عن الأعمال الوحشية التي قام بها الجزارون ببتر أطراف الضحايا، وهي مناظر بشعة لا أنصح بمشاهدتها.
http://www.youtube.com/watch?NR=1&feature=endscreen&v=Ho6zxuB8_Xg



407
من هم سماسرة الطائفية؟

د.عبدالخالق حسين

قلنا مراراً، أن العراق يحوم عليه شبح فتنة طائفية التي عانى منها كثيراً في مختلف مراحل تاريخه. وللأسف، هناك من يعمل بشتى الوسائل لإشعال هذه الفتنة بعد تحرير العراق من الفاشية البعثية، تنفيذاً لأجندات أجنبية لقاء المال الحرام على حساب وطنهم وشعبهم. ومن هذه الوسائل نشر أخبار كاذبة، القصد منها تحريض طائفة على أخرى، بينما المطلوب من المثقفين، وبالأخص الإعلاميين منهم، تهدئة الوضع وتجنب صب الزيت على النار. وفي مقال سابق لنا، أشرنا إلى خبر ملفق نشرته صحيفة (المدى) مفاده: "استبعاد المكون الشيعي من مجموع الطيارين الذين سيتم إرسالهم الى الولايات المتحدة الامريكية لغرض التدريب." والذي نفاه قائد القوة الجوية، جملة وتفصيلاً.

وبعد نشر مقالنا، خرج علينا أحد كتبة الصحيفة المذكورة بمقال هجومي رخيص وبذيء بعنوان: (سماسرة الطائفية)، بدأه قائلاً: " يبدو أن منظّر دولة القانون السيد عبد الخالق حسين نسي القراءة بالعربية جيدا، او ان ثقافته الانكليزية التي ظلت تراوح بين ادعاء الماركسية والتغزل بالرأسمالية، والوقوف على أبواب السلطان، ....الخ". يبدو واضحاً من عنوان ومضمون مقاله، اتهامي بالترويج للطائفية، ولا شك أن هذه التهمة خطيرة ولها عواقب وخيمة، لذلك عدت إلى الموضوع، لا للدفاع عن نفسي إزاء هذه التهمة السخيفة، بل لحماية الرأي العام من التضليل، وفضح سماسرة الطائفية الحقيقيين. أما الاتهامات الأخرى التي وجهها لي كاتب المدى، فهي في منتهى السخف والإسفاف لا تستحق حتى الإشارة إليها. فأنا كاتب مستقل حر، أكتب وفق قناعاتي وما يمليه عليَّ ضميري، وواجبي الوطني. ولست من أولئك الذين لا يرون الأشياء إلا بالأسود والأبيض، إذ هناك ألوان أخرى، فالوضع العراقي معقد ومتشابك يحتاج إلى إعمال العقل، بعيداً عن المزايدات الرخيصة، ورفع شعارات براقة، شبعنا منها وجلبت على الشعب العراقي الكوارث.

من المؤسف القول، أن هؤلاء السادة استخدموا أقلامهم للتضليل بدلاً من التنوير. فهم الذين يشعلون نيران الفتنة الطائفية بنشرهم أخبار ملفقة، ويتهمون كل من يقف في وجوههم بالطائفية، أي كما يقول المثل: "رمتني بدائها وانسلت".

ولافتقاره إلى أدلة مادية وعقلية لتفنيد مقالنا، والدفاع عن الخبر الملفق الذي نشرته صحيفته، لجأ محامي الشيطان إلى استخدام السخرية الرخيصة والإساءة الشخصية بدلاً من اعتماد المنطق السليم لإقناع القارئ بوجهة نظره، إذ قال: [لا يهمنا إذا كان "المستر عبد الخالق" (كذا) يقرأ بعقله أو بجيبه، ولا الثمن الذي يقبضه بعد كل مقالة له تسبح بحمد اولي الامر، فهذا شأنه وهو رزق لا نحسده عليه،...].
إن اللجوء إلى هذا الأسلوب الرخيص دليل على الإفلاس الفكري والأخلاقي، ونحن إذ نترك الحكم للقراء الكرام ليحكموا من الذي يدفع له مقابل كل مقال ينشره.

ويضيف قائلاً: "لكن ما يخصنا أن الخبر الذي نشرناه له اسانيد لا يريد المستر (كذا) ان يعترف بها، اول هذه الأسانيد ما صرح به نائب عن التحالف الوطني قبل نشر خبر المدى حيث قال النائب عن كتلة المواطن كريم عليوي ان: "الاقصاء الواضح للشيعة في عملية اختيار الطيارين الذين سيرسلون الى الولايات المتحدة الامريكية للتدريب على قيادة الطائرات الامريكية يأتي ضمن مخاوف أمريكية واضحة من منح الشيعة قدرة استخدام تلك الطائرات". كما واستشهد بتصريحات سياسيين من قائمة دولة القانون نشرت بعد نشر الخبر وليس قبله، وهنا بيت القصيد، والدليل هو أنهم عندما نشروا الخبر أدعوا أنهم حصلوا عليه من قيادي في التحالف الوطني رفض الإفصاح عن اسمه.

يقول الفيلسوف الألماني، إريش فروم (Erich Fromm) "أن الإرهابي لا يعتمد على الأضرار الناتجة من فعله مباشرة، بل على ردود الأفعال). فردود الأفعال هي الأخطر، إذ تشبه سلسلة التفاعلات النووية (Chain reactions). وهذا بالضبط ما يعتمد عليه الإرهاب الفكري ومروجو الفتن الطائفية. فهم يطلقون كذبة لإثارة فتنة طائفية مثل كذبة استثناء الشيعة من التدريب على قيادة الطائرات الأمريكية، فصدقهم بعض القياديين في التحالف الوطني، لذا أطلقوا تصريحات مضادة بعضها نارية كرد فعل للخبر، ليتخذها كاتب (المدى) دليلاً لإسناد خبره وتفنيد مقال "مستر عبدالخالق حسين!!"على حد قوله، وتبرئة صحيفته من التلفيق!!.

وبالعودة إلى عنوان المقال: من هم سماسرة الطائفية؟
 إن سماسرة الطائفية هم أولئك الذين يتظاهرون بمحاربة الطائفية قولاً، ويمارسونها عملاً، وعن طريق فبركة الأخبار الكاذبة لإثارة وتحريض طائفة ضد طائفة أخرى. هم أولئك الذين يعملون على إجهاض الديمقراطية بغطاء الحرص على الديمقراطية والعلمانية لا لشيء إلا لأن رئيس الوزراء شيعي استلم المهمة وفق ما أفرزته صناديق الاقتراع، وحاز على ثقة الأغلبية البرلمانية. وقد صار في عرفهم أن أي سياسي شيعي هو طائفي حتى ولو كان شيوعياً، إلى حد أنه حتى السيد حميد مجيد موسى، زعيم الحزب الشيوعي العراقي، لم يسلم من هذه التهمة السخيفة لا لشيء إلا لأنه منحدر من عائلة شيعية، وهذه جريمة في هذا الزمن الطائفي العاهر.

قلنا مراراً أن المستهدف من هذه الحملة الضارية هو العراق كله لتنفيذ أجندات دول الجوار المعادية للديمقراطية الوليدة بغية إجهاضها، ولكن هؤلاء لا يستطيعون معاداة الديمقراطية علناً، لذلك راحوا يتهجمون على الديمقراطية العراقية بالادعاء أنها مزيفة ومستوردة فرضتها أمريكا!. وسبب آخر لعداء كتاب المدى، ومن لف لفهم للديمقراطية هو أن الذين فازوا بالانتخابات ليسوا وفق مقاساتهم التي يريدون فرضها على الشعب العراقي، لذلك يلجؤون إلى التضليل وفبركة الأخبار الكاذبة لإرباك الوضع وتشويه سمعة الديمقراطية العراقية. ننصح الذين يتهموننا بالطائفية إلى مراجعة كتابنا (الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق) الذي ذكرت في الاستنتاج، أن نظراً لتعددية مكونات الشعب العراقي، فالحل الوحيد لمشكلة الحكم في العراق هو النظام الديمقراطي العلماني الليبرالي، ووفق ما تفرزه صناديق الاقتراع.

يجب أن يعرف هؤلاء البلطجية أن بلطجتهم لن تخيفنا، ولن تزعزعنا عن مواقفنا التي نؤمن بصحتها قيد شعرة، وكلما أمعنوا في إرهابهم الفكري، تمسكنا أكثر بمواقفنا الصحيحة وفضح أعداء الديمقراطية.

خلاصة القول، إن سماسرة الطائفية هم الذين يرفعون عقيرتهم بالصراخ ضد حكومة أفرزتها صناديق الاقتراع بحجة أنها حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية، ولكنهم يدافعون عن قيادة سياسية تمارس أبشع أنواع العنصرية والشوفينية ضد الحكومة المركزية المنتخبة.
حقاً ما قاله الروائي الفرنسي بلزاك: "حذار من إمرأة تتحدث عن الشرف كثيرا".
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي


408
البعث والموساد والذئب الذي لم يأكل يوسف

د.عبدالخالق حسين

بعد نشر مقالي الموسوم: (من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟)*، استلمت عشرات التعليقات، نشر البعض منها على مواقع الإنترنت، وخاصة موقع عراق القانون، أو وصلتني على شكل رسائل إلكترونية، منها مؤيدة للمقال، ومنها معارضة وتدافع عن البعث، وآخرون لا يبرؤون البعث ولكن في نفس الوقت لا يبرؤون الموساد أيضاً، رغم اعترافهم بأساليب البعث الشيطانية في ارتكاب أبشع الجرائم وإلقائها على الآخرين. وفريق ثالث يعتقد أن قتل أصحاب الكفاءات من العراقيين، هو مؤامرة دولية شاركت فيها كل من أمريكا وإيران وإسرائيل والحكومة العراقية!!
وتجنباً للإطالة، اخترت القليل من التعليقات لمناقشتها، وكنت أنوي في البداية أن يكون العنوان (حوار مع القراء) حيث نشرت في الأعوام الماضية نحو ست مقالات بهذا العنوان، ولكني رأيت هذه المرة التغيير ولأسباب سأذكرها في الخاتمة.

أبدأ بتعقيب الصديق جواد كاظم خلف، المنشور على موقع عراق القانون، لأنه يشكل القاسم المشترك لمعظم التعليقات التي لا تبرئ الموساد بمختلف التفسيرات، جاء فيه ما يلي:
«قرأت أكثر من تصريح منذ عام 2003 لمسؤولين إسرائيليين كبار وصراحة لا أميز لمن، لكنها وردت بمصادر موثوقة وكلها من صحف ووسائل أعلام غربيه وأحدها يقول: لقد حققت إسرائيل بالعراق مما لم تحققه منذ قيامها !.. ما الذي حققته إسرائيل في العراق؟ ...بناء مستشفيات مثلآ ؟!
2 ـ لا يختلف إثنان إن إحدى الأيادي التي كان لها باع طويل بسرقة آثار العراق هي إسرائيل، فما الذي يمنعها من اغتيال من يحاول عرقلة هذه السرقات؟
3 ـ لننظر بالأمور لا بالأبيض ولا بالأسود فقط، وحقيقة اغتيال علماء العراق ومفكريه والشخصيات النافذة فيه تمت من عدة جهات، نعم البعثيين والقاعدة لهم حصة كبيرة، تصفيات طائفية وقومية، لها أسبابها المختلفة، والكل مارسها، كرد، سنه، شيعة، ولكن حصصهم تختلف وكلمن وشطارته!!... الموساد ليس جمعية خيرية وله حصته، مخابرات الجوار من أجل تأمين مصالحها ليست معفاة أيضآ. وأخيرآ الشركات الكبرى، وحتى الصغيرة، وأصحاب الدكاكين لم يقصروا !!! يتضح مما سبق إن تبرئة طرف ما مهمة مستحيلة ويبقى التساؤل: ما هي حصة كلآ منهم بالضبط؟»- انتهى.

شكراً للصديق على تعليقه الذي أشار به إلى جميع الجهات التي لها مصلحة بتدمير العراق. ولكن اختلافي معه أن خلط الأوراق وتوزيع الاتهامات في جريمة معينة مثل قتل أصحاب الكفاءات على جميع الأطراف، يكون دائماً في صالح المجرم الحقيقي. فعندما نلقي اللوم على المجرم الحقيقي (البعث) لا يعني أننا نعتبر الموساد جمعية خيرية!، إذ هناك آلاف التنظيمات الاستخباراتية، والمافيات الموغلة في الإجرام في العالم، ولكن هذا لا يعطينا الحق لشمول كل هذه التنظيمات المافيوية فيما حصل ويحصل في العراق، لا لشيء إلا لأنها ليست جمعيات خيرية... كما وهناك منظمات إجرامية تختفي وراء أسماء خيرية، مثل بنوك ومصارف بأسماء إسلامية تمول القاعدة، أو تنظيمات إرهابية أخرى. وكذلك معظم المنظمات البعثية الإرهابية في العراق تحمل أسماء إسلامية. وحتى ما يسمى بـ"دولة العراق الاسلامية" هي بعثية، مجرد بدلوا الاسم ليلقوا غسيلهم على القاعدة، فالبعثيون يجيدون لعبة تغيير الأسماء والألوان وفق ما يناسبهم. يجب أن لا ننسى الحملة الإيمانية التي أعلنها صدام في التسعينات من القرن المنصرم.

أما تصريحات مسؤولين إسرائيليين بأن ما حصل في العراق من كوارث كان في صالح إسرائيل، فهذه حقيقة معروفة لا جدال فيها، إذ كلنا نعرف أن البعث الصدامي، وحتى قبل سقوطه، قدم مثل هذه الخدمات لإسرائيل وذلك بتمزيق التضامن العربي، وتدمير طاقات الشعبين، العراقي والإيراني في حرب عبثية طويلة أهلكت الحرث والنسل، وتهديداته العنترية الزائفة بحرق نصف إسرائيل، دليل على صحة ما نقول. ولكن هذا لا يعني أن إسرائيل ضالعة في قتل العلماء العراقيين لكي تتخلص من خطرهم في بناء سلاح نووي عراقي في المستقبل. إذ كان نصيب الأطباء والأكاديميين الآخرين من القتل يفوق حصة علماء الذرة عشرات المرات.
لذا، دعونا نركز على قضية معينة وهي: (من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟).  نحن نعرف أن الموساد يرتكب جرائم بحق العرب والفلسطينيين، ولكن هذا لا يبرر لنا إلقاء جرائم البعث على الموساد لأن "الموساد ليست جمعية خيرية!" ولأنها ضالعة في الإجرام ضد الفلسطينيين.
يقول الأخ جواد: «لايختلف إثنان إن إحدى الأيادي التي كان لها باع طويل بسرقة آثار العراق هي إسرائيل، فما الذي يمنعها من اغتيال من يحاول عرقلة هذه السرقات؟».
يقول "لا يختلف إثنان..." ولا أعرف على أي مصدر علمي موثق اعتمد في هذا القول. وحتى لو افترضنا أن إسرائيل شاركت في سرقة الآثار، فهل كان العلماء والأكاديميون العراقيون والأطباء قد شكلوا دروعاً بشرية حول المتحف العراقي لحماية الآثار من السراق كي تقتلهم الموساد ليتسنى لهم سرقة المتحف؟
لا أبرئ إسرائيل في سرقة الآثار، وخاصة تلك التي تتعلق بتاريخ اليهود في العراق، ولكن سرقة الآثار بدأها البعثيون وهم في السلطة، ونشير هنا إلى كتاب البعثي السابق، السيد حسن العلوي، الموسوم: (دولة المنظمة السرية)، بغض النظر عن اختلافنا معه في تقلباته السياسية، ولكنه كشخص مقرب من سلطة البعث، قد أفادنا كثيراً بكشف جرائم هذه المنظمة السرية المافيوية.

ورداً على تعقيب الأخ جواد، علق أحد الأخوة باسم (ابن العراق) في نفس الموقع قائلاً: «... وهنا أتساءل، لو أفترضنا جدلا بأن المسؤل عن اغتيال شريحة العلماء في العراق هو اسرائيل، إذنْ، من المسؤل عن اغتيال شريحة من الاطباء في العراق، وهل سمعتم عن ذهاب مرضى لإسرائيل للعلاج؟ ومن المسؤل عن اغتيال شريحة من القضاة في العراق، وما هي مصلحة اسرائيل من اغتيالهم؟ وما فائدة اغتيال عالم وهو في بلد لا يمكن له ان يقدم شيئا، فالسيد حسين الشهرستاني، عالم نووي معروف، فلماذا لم تغتاله اسرائيل؟ هل تبخر ما في ذهنه من معلومات، واسرائيل اصبحت مطمئنة من جانبه؟؟؟».

أجل، هذه الأسئلة، وعشرات غيرها تؤكد لنا أن المجرم الحقيقي وراء قتل أصحاب الكفاءات من العراقيين هو البعث، وليس غير البعث وذلك لشل العقل العراقي بمثل ما دمروا ركائزه الاقتصادية، لأن شعارهم: (عليَّ وعلى أعدائي يا رب، وليكن من بعدي الطوفان).
كما وأذكر شهادة معلق آخر باسم (زائر) يؤكد دور البعثيين في قتل أصحاب الكفاءات، قائلاً: «نعم، البعض الذين تم قتلهم قالوا لعوائلهم قبل مماتهم، او الذين أنقذوا بجلودهم، انهم هُدِدوا من قبل البعث للتعاون معهم وعدم الشغل مع الحكومة من بعد 2003، وأول ضحية لهم كان طبيبا بعثيا في زمنهم، ولم يطيعهم ان يستمر معهم، ولا ابرئ اليهود من ذلك أيضا، ولكن هم (البعثيون) فلشوا العراق، فلماذا الخوف منه اذنْ؟ ومثل ما قال الكاتب، الوطن العربي فيه الكثير من الكفاءات، فلماذا يقتلون هذا العدد الهائل من العلماء العراقيين فقط، ويجب ان لا نهمل الجزء المهم من هذه العمليات، وهو انهم عرفوا الذين قتلوا انه بسبب عدم تعاونهم مع البعث ادى الى حتفهم. مقال جريء لأن البعض لا يعجبه، لأنهم تعودوا على اسم الموساد وكأنه رامبو العصر».

وتأكيداً على كون البعثيين أخذوا قراراً بتصفية كل بعثي لم يتعاون معهم، ورضي بالتعاون مع الحكومة، أنقل في نهاية المقال، (ملحق)، النص الكامل لتعليق أستاذ جامعي متمرس، باسم (أكاديمي مخضرم) مطلع على أفانين البعث، وذلك نظراً لأهميته.
 
ويدين قارئ آخر باسم (نديم) مقالي قائلاً بانفعال: «اتق الله يا دكتور .. اتق الله .. اتق الله فينا وفي عقولنا ..انت مسؤوليتك الانسانية والأخلاقية كطبيب تخفيف آلام البشر وليس الامعان في نكأ جراحه وتأجيج آلامه...اسرائيل تصهر اجساد اطفالنا بالنابالم .. وانت تصهر عقولنا بكلام مصرطن ..
نعم .. لقد خنت واجبك الانساني .. فها انت تحاول قتلنا من خلال صرطنة عقولنا؟ - نديم».

لا أريد التعليق على ما قاله القارئ نديم، بل أكتفي بذكر ما جاء في رسالة صديق حول هذه الاتهامات، يحذرني قائلاً:
«...انك ستتعرض لهجوم على انك تحاول تبرئة الموساد مما يحدث، وسيأتي هذا الاتهام من اعوان الموساد بالدرجة الأولى، الظالعون في القتل كثيرو المشارب، ولكل دوافعه. ثم هناك أمر آخر وهو، أن موضوع العلماء العراقيين قد بولغ فيه، فكل من يحمل شهادة علمية سمي عالم، وهو ترجمة حرفية لكلمة   scientistففهِمتْ على انها تعني خبير أو رائد في تخصص علمي، وبمستوى نادر، وهذا غير الواقع بالعراق...».
 
وقارئ آخر باسم (أبو علي العراق)، يدافع عن البعث، فيقول:
«حقدك على البعث يا دكتور ضيَّع عليك المسلك الصحيح. الموساد دخل كل المدن العراقية ومازال وتحت يافطات مختلفة .الفِرَق التي دربها الموساد والمخابرات الأمريكية ومنها فرق احمد الجلبي فعلت الأفاعيل. شيطنة البعث ورمي كل مصائبنا عليه لم تجري على اي حزب آخر !!!!!! هل سيُنصف هذا الحزب في يوم ما؟ الغريب في الأمر ان استاذاً مثل الدكتور عبد الخالق  يبتعد عن لغة البحث العلمي ويتناول الموضوع وكأنه موضوع عداوة شخصية مع البعث !!!!! تمر على الاحتلال 10 سنوات تقريبا ونحن لا نعرف حقيقة ما حصل، والسبب هو عدم اعتماد لغة البحث العلمي في الوصول الى الحقيقة. يا دكتور كل العراقين انتموا للبعث، هل كلهم أشرار؟ صدقني لم نؤذي انسان ولا حيوان ولا حجر بمقدار ذرة واحدة، وخدمنا العراق بكل ما نملك. كلامك يا دكتور مسبة وشتيمة لكل العراقيين، وأنت الرجل الرشيد، حتى وان اختلفتَ مع البعث. لا تقوم لنا قائمة يا دكتور حتى نتعلم كيف ننصف انفسنا وننصف حتى اعدائنا.»

هذه هي لغة البعثيين، يجيدون استخدام العبارات المنمقة، والتظاهر بالحمل الوديع، والتحدث بلغة "علمية"، يذكرون فيها بعض الحقائق لتمرير الكثير من الأباطيل، فالعلمية التي يدعونها هي علمية مزيفة (pseudoscience)، لغة يستخدمها أصحاب الأيديولوجيات الشمولية، الفاشية وغيرها.
فنحن لا ننكر تورط نحو مليونين من العراقيين في الانتماء إلى حزب البعث مرغمين، ولكن ليس كل الشعب العراقي كما أدعى صاحب التعليق. وقد طالبتُ بعدة مقالات بإنصاف هؤلاء لأنهم اضطروا للانتماء لضمان سلامتهم ومعيشة عوائلهم. وفعلاً تم إنصافهم، فمعظمهم بقوا في وظائفهم. لذلك فعندما نوجه تهمة قتل العراقيين إلى البعثيين، لا نعني هذه الجمهرة الواسعة من الذين انتموا مرغمين، أو أن كلامنا "مسبة وشتيمة لكل العراقيين"، بل نقصد فقط البعثيين الذين تلوثت أيديهم بدماء العراقيين، وما زالوا يواصلون جرائمهم. وهذه الحقيقة يعرفها البعثيون قبل غيرهم.
يقول نفس القارئ بأني "أتناول الموضوع وكأنه موضوع عداوة شخصية مع البعث." وقارئ آخر يتهمني بأني أعاني من فوبيا من البعث!!
إذا كان المقصود بالفوبيا (الخوف المرضي – العصابي-) فأنا سليم من هذا المرض والحمد لله، إذ لم أعاني من أي نوع من الفوبيات. ولكنني أخاف من عودة البعث، ولي أسباب حقيقية معروفة يشاركني فيها معظم العراقيين لتكون لي عداوة مع البعث، والخوف من عودته للسلطة. ولا بد أن يستغرب القراء من قول صاحب التعليق حين قال: "صدقني لم نؤذي انسان ولا حيوان ولا حجر بمقدار ذرة واحدة، وخدمنا العراق بكل ما نملك." ولكن الحقيقة الناصعة تؤكد أن البعث دمر العراق وشعب العراق، وأعاق تطوره، وأعاده قروناً إلى الوراء، وقائمة جرائم البعثيين معروفة وطويلة، منذ أيام ثورة 14 تموز، ومروراً بانقلابهم الأول في 8 شباط 1963، و17 تموز 1968، وحروبه العبثية وإلى الآن. لذلك فلنا تجربة مؤلمة وقاتلة مع البعث، ولهذه الأسباب وغيرها كثير، لا يمكن أن يأتي أي يوم ينصف فيه البعث، فأي خير عمله البعث للعراق لكي ينصفه التاريخ؟

خاتمة
ذكرت في المقدمة أني كنت أنوي جعل العنوان (حوار مع القراء)، ولكني اخترت العنوان (البعث والموساد والذئب الذي لم يأكل يوسف)، وذلك لغاية في نفس يعقوب!، كما يقولون. وقصة الذئب ويوسف معروفة وردت في التوراة والقرآن، ومفادها أن يوسف كان له 11 أخا، وكان أبوه (النبي يعقوب) يحبه كثيرا مما أثار حسد أخوته وحقدهم عليه، فاتفقوا على أن يلقوه في الجب. وفعلوا ذلك في إحدى رحلاتهم، وادعوا أن أكله الذئب. والحقيقة أن الذئب لم يأكل يوسف. لذلك صار مثلاً، كقولهم في براءة متهم ما بأنه (بريء كبراءة الذئب من دم بن يعقوب). وتبرئة الذئب في هذه الحالة لا تعني أنه تحول من حيوان وحش مفترس إلى حيوان أليف، بل ليبين أن الذئب لم يفترس يوسف كما ادعى أخوته. وبنفس المنطق، فعندما نقول أن الموساد ليس وراء قتل أصحاب الكفاءات من العراقيين، فإننا لا نعني أن الموساد صار جمعية خيرية، وأن إسرائيل دولة مسالمة، بل لكي لا يضيع الحق، ولا ينجح الجاني الحقيقي في اخفاء جنايته وإلقائها على الآخرين. فالبعثيون هم وراء جميع مصائب العراق، وغرضهم من قتل العلماء والأساتذة الجامعيين والأطباء والأدباء هو شل العقل العراقي بعد أن دمروا مؤسساته الاقتصادية والخدمية، ليقولوا للشعب العراقي أن العراق لا يصلح له إلا حكم البعث.

***********************
ملحق
أدناه، تعليق لأستاذ جامعي متمرس، ينشر تعليقات قيمة باسم (أكاديمي مخضرم). وتعليقه هذا نشر على موقع عراق القانون، بعنوان: (صحيح، البعث صاحب المشروع الاجرامي). ولأسباب شخصية تتعلق بسلامته، فضل عدم الإفصاح باسمه الحقيقي، وهذا دليل على إرهاب البعثيين لكل من لا يسير على سكتهم.

صحيح، البعث صاحب المشروع الاجرامي

أكاديمي مخضرم

تحيات من القلب لأخينا المفكر والكاتب العراقي الحر د عبد الخالق حسين - الذي نذر نفسه  لمهمة كبرى في هذا الظلام الاظلم الذي يحاول اعداء العراق لف العراقي به- وهو ايضاح الحقيقه وإنارة وإضاءة الطريق لمخلصي العراق في السير بثبات على طريق بناء دولة القانون والعدالة، دولة الديمقراطية والرفاه والثقافة الانسانية.
نعود لموضوعنا اليوم حول (من قتل ويقتل الاكاديميين العراقيين)، ناهيك عن البقية كالاطباء والمحامين واليوم القضاة.
ان قتل الاكاديميين وباقي المهنيين الضروريين لبناء العراق وتعليمه وصحته وكوادره هو جهة منظمة صاحبة مشروع إستراتيجي أساسي وداخلي، وهذا يعتبر هو القاتل الرئيسي، والبقية خردوات دون التقليل من ضررهم.
البعث حكم العراق 40 سنه منذ 8 شباط  1963إلى 9 نيسان 2003، ولولا القوة الاميركية التي فككت كيانه- وكيان البعث الذي هو دولة العراق وجيشه وقواه الضاربة حينئذ، وتلك الدولة والقوى الضاربة لم تكن عراقية، ولا تعود بأي خير للعراقيين، انها كانت قوى ودولة بعثية شريرة موجهة ضد العراقيين، وضد كل ما هو خير وشريف في العراق والمنطقة والعالم.
ويقال ان البعث أخذ على حين غرة، لذالك فبعد بضعة أيام وأسابيع، اخذ يلملم نفسه ويقرر العودة الى السلطة المفقودة - ليعود ويجعلها نعمة عفلقية صدامية أبدية. وأقولها بصراحة، فقد جلستُ مع بعض البعثيين، ممن كان يخطط لعملية العودة، وكانوا يريدون توريط جهات عراقية أخرى وذالك باسم الوطنية العراقية، وباسم معاداة الاحتلال.
وقد خُدِع بهم البعض القليل، وجاء الاكثر من جانب الشريرين الطائفيين، وجعلوا من حملة عودة البعث قضية دينية، حتى سموا اوكارهم بـ"دولة العراق الاسلامية"، فظهر الزرقاوي، وظهر حارث الوحش الضاري، بل وظهر الجيش الاسلامي بقيادته من ضباط مخابرات صدام، وقواعده من قواعد حزب الاجرام البعثي.
الخطه كانت تنطلق من عدم السماح بأي استقرار في العراق، وإخلاء العراق من الكفاءات، وفي المقدمة الاكاديميين ومعهم الاطباء، ناهيك عن الآخرين. وهكذا كانت الاشارة بقتل رئيس جامعة بغداد الأسبق، المرحوم الدكتور محمد الراوي في عيادته، فقد كان الفقيد يجمع في شخصه الجامعة ومهنة الطبيب. ورغم كونه صديقا للبعث، ولكن كان لقتله صدى أوسع. وهكذا قتلوا البعثية السابقة عقيلة الهاشمي، وأمثالها كثيرين كالدكتور ضياء صافي مكوطر، وهلمجرا، لأنهم رفضوا التعاون مع البعثيين، وفضلوا التكيف مع الوضع الجديد.
الخطه كانت تتضمن عدم السماح للكوادر البعثية السابقة بالتكيف مع الواقع السياسي الجديد، لذالك كان قتل مقصود لكوادر بعثية ارادت- أن تعيش- ولكن البعث كمنظمة مجرمة تخطط للعودة لاختطاف العراق، لا تعرف الرحمة. صحيح ان هنالك بعثيين معروفين مثل محمد طاقه- وليس وحده، تركوا ومع ممتلكات حزب البعث كلية الاقتصاد الأهلية، ومنهم ايضا بعثي كبير كان سكرتيرا لبرزان التكريتي تقلد منصب نائب رئيس جامعة بغداد لأهم القضايا حساسية، هؤلاء كان عليهم ان يكونوا ضباط ارتباط بين الداخل والخارج ولإيصال الرسائل التنظيمية حتى لأزلامهم في اميركا وأوربا، ولكن عملهم الرئيسي هو القتل العشوائي لكل الاكاديميين فطفشوا الآلاف، وحتى اصبح العراق يتعاقد مع اطباء هنود لتقديم بعض الخدمات لمواطنيه.
صحيح ليس فقط الموساد قتل ويقتل العراقيين، بل هناك البرزاني - العائلة الخادمة لكل من يعادي العراق، قتلت العديد من الأكاديميين، خصوصا من بعض الاكراد وبعض التركمان، وخاصة في كركوك بنفس التوجه البعثي للهيمنة.
الموساد شيطان وليس اخرساً او غبياً لأنه يعرف ان العراق يمكنه بعشرة أو عشرين سنة اعادة بناء كفاءاته وقاعدته العلمية، فقتل الكفاءات ليس العلاج، والشياطين العنصريين من الموساد يعرفون ان الجريمة ستنكشف يوما، وربما قريبا، وأنهم لا يريدون تراكم العداوات مع العراقيين، الشعب الحي الوحيد في منطقتنا الى جوار سوريا - مكملة مفهوم بلاد الرافدين في الجغرافية والتاريخ. وهذا ليس تبرئة لذمة المجرمين من الصهاينة العنصريين لأننا للأسف نعمل غالبا بالعاطفة فقط، والموساد يعمل بالطرق العلمية الحديثة.
ولقد انصبت التهم على آخرين ايضا مثل إلقاء قتل الطيارين على إيران، وهذا كذب محض الغرض منه خلق العداوات مع واحد من اعظم شعوب ومجتمعات الشرق، الغني، حاضراً وتاريخياً. ورغم كرهنا ومقتنا لفاشية دولة ولاية الفقيه السفيه، ولكن ولاية الفقيه ليست نهاية العالم إذ لا بد وان سيتوصل شعب وقيادات ايران العظيم الى التخلص من سفاهة واجرامية كل نظام فاشي دكتاتوري عفلقيا كان او باسم ولاية الفقيه.
ان حملة قتل الاكاديميين العراقيين وباقي الكفاءات فشلت إستراتيجيا، والآن على من بيده الحكم في العراق، حتى ولو كان على مستوى وزير التعليم العالي، الدكتور على الأديب، ان يتعظ ويوسع افقه ولا يجعله كأفق البعث الساقط الضيق. عليه أن لا يجعل تطور العلم والبحث العلمي يسيران وفقا لفكر "الحزب القائد"، وبرجال مطبلين مصفقين له ولأيديولوجيته كما كان في عهد البعث، وإنما وكما كتبت له اكثر من مرة، ان ينفتح على العالم الناجح في أميركا وأوربا، وبعض بلدان آسيا مثل كوريا الجنوبية، واليابان. وقد انجز الاستاذ الاديب خطوات هامة نافعة في هذا المضمار، ولكنه لم يتحرر بعد من اولوية التصفيق والأيديولوجية المقيتة. كل الأيديولوجيات الثلاث مقيتة حينما تتحول من معتقدات شخصية الى آليات لإدارة الدولة والمجتمع.
فلتتوحد قوانا من اجل خير العراق، فقد شبعنا، وشبع شعبنا ضيما وعوزا. ألا يكفي اننا ببلد غني، وفي القرن الواحد والعشرين، وشعبنا لا يجد ما يشبع حاجته من الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء النظيف.
والسلام عليكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي

مقال ذو علاقة بالموضوع
* عبدالخالق حسين: من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=533



409
من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟

عبدالخالق حسين

أعرف مسبقاً أن خوض هكذا موضوع حساس وشائك ومعقد يعتبر مجازفة لا تخلو من خطورة توجيه تهمة العمالة إلى أمريكا وإسرائيل، والصهيونية، والموساد، والاستعمار و"الفرس المجوس" وحتى الطائفية وغيرها من الاتهامات الجاهزة. فهذه الاتهامات جاهزة في كل وقت، لترمى بوجه كل من لا يتفق مع ما تنتجه مختبرات الإشاعات البعثية. فالموساد (وكالة المخابرات الإسرائيلية)، معروفة بإمكانياتها التجسسية، وملاحقاتها لأعداء إسرائيل إلى آخر الدنيا!!. وقد تم تضخيم إمكانيات هذه المؤسسة إلى حد الأسطورة، حتى بدت وكأنها فاقت إمكانيات الـ(CIA)!. وقد نجحت إسرائيل حتى في توظيف أعدائها من العرب للمساهمة في بث هكذا دعاية لتضخيم قدرات جهازها الاستخباراتي، وبعملهم هذا، يعتقد العرب أنهم يناضلون ضد إسرائيل ويفضحون أساليبها العدوانية، و يقدمون خدمة لأمتهم العربية، والقضية الفلسطينية، والويل والثبور لمن يشكك في طروحاتهم هذه. بينما الحقيقة هي على الضد من ذلك، إذ يقدمون خدمة مجانية لإسرائيل. والمعروف عن حزب البعث الصدامي أنه خدم إسرائيل وأضر بالقضية الفلسطينية أكثر من أية جهة صهيونية أخرى.

منذ مدة وأنا أستلم عن طريق بريدي الإلكتروني، تقريراً بعنوان: (ما لا تعرفه عن تشريح قضية مقتل 730 عالم وأكاديمي عراقي على يدِ الموساد..  )*.
كما واستلمت رسالة إيميل من صديق عزيز، حذِرٌ جداً من أحابيل البعثيين، مرفقة بنسخة من التقرير نفسه، يسألني عن رأيي في مدى صحته.

التقرير ليس جديداً، ولكن يعاد نشره وتعميمه بين حين وآخر. وبقراءة متأنية، وجدته مكتوباً بعناية فائقة وحرفية عالية في الخبث، مرفقاً بجداول وتخطيطات وصور بيانية، صممت ببرامج كومبيوترية بمهنية، اقتبسها الكاتب من بحث لطبيب عراقي مقيم في بريطانيا، يدعي أنه قدمه في مؤتمر دولي عن مصرع العلماء والأكاديميين العراقيين، دون أن يذكر لنا فيما إذا كان الطبيب العراقي هذا قد اتهم الموساد في هذه الجريمة، أم لا. والجدير بالذكر أن الطبيب الذي يذرف الدموع على القتلى العراقيين من العلماء في المؤتمرات الدولية، هو نفسه شن حملة قبل سنوات يطالب الحكومة البريطانية بعدم قبول المترجمين العراقيين الذين عملوا مع الجيش البريطاني في البصرة كلاجئين، حيث كانوا مهددين بالقتل على أيدي الإرهابيين، وفعلاً قتل العديد منهم لتعاونهم مع الجيش البريطاني كمترجمين ليس غير، وبذلك فكان هذا الطبيب يفضل ترك هؤلاء المترجمين يقتلون في العراق لأنه اعتبرهم خونة يستحقون القتل على أيدي "المقاومة الوطنية"، وربما ليدافع عنهم في المؤتمرات الدولية فيما بعد، واتهام الموساد بقتلهم!!. 
نعم، كتب التقرير بعناية ليوحي للقارئ أنه علمي وموثق لا يقبل أي شك في صحته. وفعلاً حقق نجاحاً لا يستهان به في إقناع البعض وذلك بخلط الحقيقة مع الخيال لتبرئة المجرم الحقيقي وراء هذه الجريمة النكراء بحق العلماء والأكاديميين والأطباء والأدباء العراقيين.

يبدأ التقرير بالفقر التالية:
"هذا ما بقي من علماء وأكاديميي العراق بعد أن نشطت فرق الموت الإسرائيلية ضد علماء العراق منذ أول أيام الاحتلال وأشار آخر فصل كشف عنه يوم الثلاثاء 14/6/2005 من قبل مركز المعلومات الفلسطيني إلى تقرير أعدته وزارة الخارجية الأميركية لإطلاع الرئيس الأمريكي الى قيام عناصر إسرائيلية وأجنبية أرسلت من قبل الموساد بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى العراق باغتيال على الأقل 530 عالما عراقيا وأكثر من 200استاذ جامعة وشخصيات أكاديمية أخرى". أنتهى

 الملاحظ هنا، أن الكاتب تجنب ذكر اسمه حتى ولو باسم وهمي، ورغم حرصه على وضع صور وتخطيطات بيانية، والاستشهاد بتقارير أدعى أنها من المركز الفلسطيني، والذي بدوره اأخذ المعلومات من تقرير أعدته وزارة الخارجية الأميركية...الخ. فلو كان التقرير صحيحاً، لذكر لنا الكاتب روابط التقريرين، الفلسطيني والأمريكي على الأقل لنتأكد من مدى صحة هذه الادعاءات، وهذا ليس صعباً في عصر الانترنت. كما تحاشى الكاتب وضع قائمة الضحايا أو حتى جزءً منها، لأن معظمهم من طوائف دينية معينة وبالأخص من الطائفة الشيعية. فلماذا تستهدف الموساد الشيعة والمسيحيين والأيزيديين مثلاً؟ وهل طال القتل العلماء والأكاديميين والأطباء فقط؟ الحقيقة تؤكد أن جميع شرائح المجتمع العراقي تعرضت لحرب الإبادة منذ سقوط حكم البعث الجائر. 

مثال آخر على أساليب البعثيين في التضليل وفق ما يتطلبه المقام (فلكل مقام مقال!) كما يقولون، فقد استلمتُ أيضاً مقالاً بعنوان: (بالدليل المرفق: مفاجأة تحريم الانتماء لحزب الدعوه الاسلاميه!)- لكاتب انتحل اسم: "ابو مهند البغدادي"، حاول فيه تقمص شخصية دينية شيعية من أتباع الشهيد السيد محمد باقر الصدر، جاء فيه:
" استبشرنا خيراً بعد سقوط النظام البائد بقدوم احزاب اسلاميه عريقة الى سدة الحكم وعلى رأسها حزب الدعوة، وكنت اعتبر وصول هذه الاحزاب الى قيادة العراق هو ضرب من الخيال لكن بحمد الله تحقق هذا الحلم وكوني من محبي وعشاق الشهيد الصدر الاول(قدس) فكنت من السائرين والمنظرين والعاشقين لحزب الدعوة الاسلاميه كون اسم هذا الحزب يذكرني بالشهيد الصدر الاول بالاضافه الى احساسي بأن الشهيد الاول بعد هذه السنوات من التضييع والتغييب بدء يتجدد ويولد من جديد بتسلم حكم العراق الحبيب من قبل حزبه حزب الدعوه الاسلامية.. لكن بعد فترة صدمت عندما عثرت على وثيقه تتضمن فتوى من قبل الشهيد الصدر الاول تقضي بتحريم الانتماء لحزب الدعوة الاسلامية واليكم نص هذه الفتوى: (يرجى فتح الرابط).
 http://im13.gulfup.com/2012-05-13/1336908436572.jpg

طبعاً، وكما عودنا هؤلاء، الفتوى بخط اليد مع ختم...الخ، لتوحي بأنها نسخة طبق الأصل!!.
والسؤال هنا، هل يعقل أن الشهيد الصدر الذي يعتبر المؤسس والمنظر لحزب الدعوة في الخمسينات وما بعدها، والذي أعدمه الطاغية صدام مع أخته الشهيدة بنت الهدى في الثمانينات بصورة وحشية، أصدر مثل هذه الفتوى؟ لا شك إذا عرفنا البعث وأساليبه الغوبلزية بطل العجب!

وبالعودة إلى اتهام الموساد بقتل العلماء والأكاديميين العراقيين، أرى من المفيد مناقشة هذا التقرير لنعرف مدى صحته، بغية حماية الرأي العام من التضليل، وإلا صار سهلاً على فلول البعث تمرير أكاذيبهم وإشاعاتهم المغرضة، ليس على الناس البسطاء فحسب، بل وحتى على المثقفين والأساتذة الأكاديميين مع الأسف الشديد. فالإنسان العراقي بحكم حرصه على مصلحة شعبه، وعدائه للموساد والصهيونية، معرض لتصديق مثل هذه الإشاعات، خاصة وأنها تقدم لهم بفضل التقنية المعلوماتية، لتبدو وكأنها حقائق موثقة، حتى صار من الصعوبة التمييز بين الكذب والصدق.

نحن نعرف قدرات البعثيين الهائلة في التضليل، وحتى قبل دخول الانترنت والفضائيات، في توظيف التراث، والذهنية السائدة في المجتمع الذي "يقرأ الممحي!!"، والصراع العربي- الإسرائيلي، وكل شيء لخدمة أغراضهم وبث إشاعاتهم المغرضة. كما ويعرف الجميع كيف يقوم البعثيون بقتل خصومهم ويسيرون في جنائزهم وهم يذرفون دموع التماسيح. كذلك نعرف من هم وراء حرب الإبادة ضد الشعب العراقي، وبالأخص الشيعة منذ 2003 وإلى الآن عن طريق القتل والتهجير القسري. فالبعثيون خبراء في ارتكاب الإرهاب وإلقاء التهمة على خصومهم، بل وحتى على ذوي الضحايا. فقد شاهدناهم بعد كل عملية إرهابية كبيرة، يقومون بتسجيل لقطات فيديو تنقل على اليوتيوب، أعدوا لها مسبقاً على شكل مقابلات مع أشخاص يتظاهرون بأنهم من الناس البسطاء دون سابق معرفة، ليقولوا بالعامية: (هذي التفجيرات ليست من أعمال البعث، ولا القاعدة... عمي يا بعث يا قاعدة!! البعث انتهى من زمان!، هذي من أعمال الحكومة!!) وليوجهوا اصبع الاتهام إلى الحكومة "العملية" وإيران "الفرس المجوس"، وأخيراً وجهوا التهمة إلى الموساد.
فالبعث لم يكتفِ بحرب الإبادة ضد الشعب، وتدمير الركائز الاقتصادية، بل قرروا شل العقل العراقي وذلك بقتل علمائه وأطبائه ومثقفيه، وإلقاء التهمة على إسرائيل وأمريكا.

أخبرني أصدقاء أساتذة جامعيون يسكنون في بغداد، أنهم استلموا خلال السنوات الأولى من سقوط حكم البعث، رسائل تهديد، تخيِّرهم بين القتل أو الرحيل من العراق، في خطة جهنمية للتطهير الطائفي، وإفراغ بغداد من الشيعة. فغادر عدد كبير من الأكاديميين العراق حفاظاً على حياتهم، وقتل العديد من الذين لم يغادروا. ويضيف أحد هؤلاء الأصدقاء، ورغم نفوره من التيار الصدري، أنه لولا وقوف جيش المهدي في وجه حملة الإبادة والتهجير لما بقي في بغداد شيعي واحد. وهذا هو سبب تصاعد شعبية التيار الصدري الذي حصد أكثر من غيره من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

وعندما نؤكد براءة الموساد من قتل العلماء العراقيين، ليس دفاعاً عن الموساد أو إسرائيل، وإنما لأن البعثيين يوجهون التهمة إلى الموساد وأمريكا ليتخذوا من هذه التهمة سلاحاً يرهبون به كل من لا يسايرهم على نهجهم، وهو نوع من الإرهاب الفكري ضده واتهامه بأنه عميل للموساد!.

والسؤال الآخير الذي يجب طرحه هو: لماذا تريد إسرائيل وأمريكا قتل العلماء والأكاديميين والأطباء والأدباء العراقيين دون غيرهم من الشعوب العربية الأخرى، خاصة وقد أصبح العراق في علاقة جيدة مع أمريكا والغرب؟ ولماذا لم تقُم الموساد بقتل العلماء والأكاديميين والأطباء والأدباء المصريين، والجزائريين والأردنيين وغيرهم من العرب؟ لماذا العراق وحده دون غيره؟ الجواب واضح، وهو لا توجد في البلاد العربية الأخرى فلول البعث أزيحوا عن السلطة للقيام بالارهاب انتقاماً من الشعب، بينما العراق مبتلى بهذه الفلول.
والغرض الرئيسي من إلقاء تهمة قتل العلماء على الموساد وأمريكا هو لتبرئة القتلة الحقيقيين، البعثيون وحلفائهم من أتباع القاعدة من قتل العراقيين. هذا هو السبب الحقيقي وراء هذه الحملة. يقتلون العراقيين ويذرفون دموع التماسيح عليهم ويلقون التهمة على غيرهم. هذا هو أسلوب البعث بامتياز.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما لا تعرفه عن تشريح قضية مقتل 730 عالم وأكاديمي عراقي على يدِ الموساد.. وتخطيط بياني موثق لمن تمّ استهدافهم ولماذا.! - صور بيانية مرفقة
http://www.almorabit.com/main/ar/almorabit-arabic-articles/34-articles-cat-ar/9839--730-.html



410
المنبر الحر / القاعدة في سوريا
« في: 22:49 04/08/2012  »
القاعدة في سوريا

د.عبدالخالق حسين

وأخيراً، اعترف الإعلام الغربي بوجود تنظيم القاعدة في سوريا، وآخر تقرير في هذا الخصوص نشرته صحيفة الغارديان اللندنية *. في الحقيقة لم تكن علاقة منظمة "القاعدة" الإرهابية بسوريا جديدة، إذ دخلتها بسلام آمنين، وبدعوة "كريمة" من الحكومة السورية نفسها، في حلف غير مقدس لقتل العراقيين، والذي  بدأ بين الطرفين، السوري والقاعدة، منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، ومع تحضيرات أمريكا لقيادة الحملة العسكرية الدولية لإسقاط حكم طالبان في أفغانستان، ومن ثم حملة تحرير العراق من حكم البعث الصدامي، وعندما وضع الرئيس بوش إيران وسوريا ضمن محور الشر وأن دورهما سيأتي بعد صدام. وعندها بدأت الحكومة السورية إيواء أتباع القاعدة ومدهم بالمال والسلاح والتدريب، وإرسالهم إلى العراق لقتل العراقيين الأبرياء لإفشال العملية السياسية على أمل إغراق أمريكا في المستنقع العراقي!! إلى أن أنقلب السحر على الشاطر السوري!!.

نشر السيد غيث عبدالأحد، مراسل صحيفة الغارديان البريطانية في 30/7/2012، تحقيقاً صحفياً وافياً عن تواجد القاعدة في سوريا، ومحاولتها سرقة انتفاضة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد. ففي مقال سابق لنا بعنوان: (هل تعيد أمريكا السيناريو الأفغاني في سوريا؟) أشرنا إلى ما تقترفه أمريكا من أخطاء (كما تبدو لنا)، ارتكبتها في أفغانستان يوم دعمت منظمات الجهاديين الإسلاميين، ومنها القاعدة وطالبان، لإسقاط الحكومة الشيوعية فيها وفق سياسة الحرب الباردة ضد المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك. ثم دفعت أمريكا الثمن باهضاً بعد أن هيمنت طالبان على أفغانستان التي صارت حاضنة لمنظمة القاعدة، الأمر الذي أرغمها للعودة إلى أفغانستان وإسقاط حكم طالبان والقاعدة فيها. وها هي أمريكا تعيد نفس السياسة القاتلة في سوريا. فهل حقاً أمريكا بهذا الغباء لتكرر الأخطاء ذاتها؟ سأجيب على هذا السؤال لاحقاً.

التقى مراسل الغارديان بالقيادي القاعدي (أبو خضر) في إحدى ضواحي دير الزور، المحاذية للعراق، ويطلق على أتابعه اسم (الغرباء)، وهم في منتهى الانضباط والطاعة. يقول أن الجيش السوري الحر حاولوا في البداية إخفاء وجود أتباع القاعدة في صفوفهم خوفاً من أن ينكشف أرمهم ويعرف الغرب بهم، ولكن صاروا أخيراً القوة الضاربة ضد القوات الحكومية. وقال القيادي القاعدي أبو خضر لعبدالأحد، بحضور عدد من المعارضين:"إن مسلحيه قدموا المساعدة لمقاتلي الجيش الحر كعربون صداقة وزودوهم بشاحنتين مفخختين، وكانت النتيجة إنفجارات هائلة في القاعدة العسكرية أدت إلى جلاء قوات النظام عن البلدة في اليوم التالي." ويقاتل مسلحو التنظيم الجهادي المتطرف بسرية تامة تحت ألوية الجيش الحر خشية إحداث رد فعل عكسي لمعارضي ايديولوجيتهم."

ويضيف أبو خضر: "في البداية كان عدد المجاهدين قليلاً، والآن، ما شاء الله، مهاجرون كثيرون من أصحاب الخبرة، رجال من اليمن، والسعودية والعراق والأردن. اليمانيون أفضلهم انضباطاً والتزاماً بالدين. أما العراقيون فهم الأسوأ في كل شيء وحتى في الدين". وهنا سأل أحد الحضور: "وماذا تنوون عمله في سوريا، هل أنتم مقدمون على قطع الأيدي وتقيمون نظاماً كما في السعودية؟ وهل هذه هي غاية الثورة التي نقاتل من أجلها؟" أجاب أبو خضر: "هدف القاعدة إقامة الدولة الإسلامية وليس الدولة السورية... الذين يخافون تنظيم القاعدة يخافون تطبيق شرع الله. إذا لم ترتكب إثماً فلا خوف عليك."*

موقف الحكومة العراقية
استغرب كثيرون من الكتاب من موقف الحكومة العراقية غير الداعم للانتفاضة السورية، بل حاول البعض اتهام المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم السيد نوري المالكي بدعم نظام بشار الأسد، وأن هذا تناقض في الموقف العراقي، خاصة وأن بشار الأسد كان يرسل الإرهابيين لقتل العراقيين وإفشال العملية السياسية. وراح البعض يتهم الموقف العراقي أنه استجابة لضغوط إيران حليفة سوريا.

الحقيقة، وحسب معطيات الواقع، وتصريحات المقربين من الحكومة العراقية ورئيسها السيد نوري المالكي، أن المسؤولين العراقيين ليسوا على علاقة حميمة مع نظام بشار الأسد، وأنهم مع حرية الشعب السوري، ولكنهم في الوقت الحاضر هم أمام خيارين، كلاهما شر، وفي هذه الحالة من الحكمة القبول بأقل الشرين. وبالتأكيد فإن نظام بشار الأسد هو أقل شراً على العراق وعلى الشعب السوري من حكم القاعدة على حدوده. وهناك تصريحات من بعض قادة القاعدة في سوريا، أنهم بعد إسقاط البعث السوري، سيستحوذون على الغازات السامة لاستخامها في العراق.

الموقف الأمريكي من القاعدة في سوريا
والسؤال الآخر الذي نود الإجابة عليه هو: هل الإدارة الأمريكية بمخابراتها العملاقة مثل (CIA) غافلة عن وجود الجهاديين في الجيش السوري الحر؟ وهل حقاً أمريكا غبية إلى هذا الحد بحيث تسمح بتكرار السيناريو الأفغاني في سوريا؟

رغم أننا نلوم أمريكا على أمور كثيرة، وأنها بالتأكيد ارتكبت أخطاءً بحق الشعوب، وخاصة في مرحلة الحرب الباردة، وفق مصالحها، ولكن يجب أن لا ننسى أن أمريكا هي دولة مؤسسات بغض النظر عمن في السلطة. وهي لم تصبح الدولة العظمى من لا شيء، وكذلك تفوقها العلمي والفني والعسكري والاقتصادي والحضاري. إن تفوق أمريكا تشهد له ما حصدته من جوائز نوبل في العلوم، والأوسمة والمداليات في الدورات الأولمبية. فهكذا شعب غني في جميع المجالات لا يمكن أن يكون غبياً وينتخب حكومة غبية كما يعتقد البعض. إن نعت أمريكا بالغباء ناتج عن النزعة العدائية للدولة العظمى، وهو من تركة الحرب الباردة، وناتج عن الأفكار الرغبوية (wishful thinking). فالسياسة لا تسير وفق التمنيات والأفكار الرغبوية، بل وفق تخطيط علمي رصين. وكما أشرنا أعلاه، أمريكا هي دولة مؤسسات، تديرها تنظيمات واسعة من الخبراء الأكاديميين المتخصصين الجامعيين في مختلف المجالات. لذلك فليس من المعقول أن أمريكا غافلة عن وجود القاعدة في سوريا، أوأنها تريد تكرار السيناريو الأفغاني في سوريا عن جهل.

إذنْ لماذا تتبع أمريكا هذه السياسية في سوريا؟
أعتقد أن أمريكا تطبق مبدأ: "أضرب رأس الحية بيد العدو". أي توظيف عدو لضرب عدو آخر. وبعد أن يتم القضاء على العدو الأقوى، يسهل القضاء على العدو الآخر مباشرة. وهكذا ساندت أمريكا الجهاديين الإسلاميين بأموال الدول الخليجية لإسقاط النظام الشيوعي في أفغانستان، والذي بدوره استنزف طاقات الاتحاد السوفيتي الاقتصادية والعسكرية، وبالتالي إلى انهياره. ولما انقلب الجهاديون الإسلاميون على أمريكا، أوقعوا أنفسهم في الفخ الأمريكي، خاصة وقد حضت أمريكا بعطف وتأييد العالم بعد جريمة 11 سبتمبر 2001، فشنت حملتها العسكرية على دولة طالبان وقضت عليها بالضربة القاضية وبسهولة. أما استمرار الإرهاب الذي تشنه القاعدة وطالبان فهذا لا يعني هزيمة أمريكا، فالمعركة لم تنتهي بعد، والنتائج تعرف في النهاية وليس في بدية أو منتصف المعركة.

ونفس السيناريو يتكرر الآن في سوريا، فها هي أمريكا تستثمر الطاقات الضاربة والشراسة الكامنة في رجال القاعدة، والجيش السوري الحر، وبتمويل من السعودية وقطر، ودعم من تركيا، لإسقاط نظام بشار الأسد، وعندها ليس من الصعب على أمريكا ضرب القاعدة في سوريا أو العراق أو أي بلد آخر. فالتاريخ القريب يؤكد لنا أن ومصير كل من تمرد على أمريكا بات معروفاً، ابتداءً من صدام حسين، ومروراً ببن لادن ومعمر القذافي... وغيرهم. وبشار الأسد ليس استثناءً.

العنوان الإلكتروني: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
 الموقع الشخصي: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تقرير صحيفة الغارديان اللندنية عن وجود القاعدة في سوريا
The Guardian: Al-Qaida turns tide for rebels in battle for eastern Syria
http://www.guardian.co.uk/world/2012/jul/30/al-qaida-rebels-battle-syria?newsfeed=true


411
رايح زايد ويه المالكي!!!

د.عبدالخالق حسين

نشر الأستاذ حسن حاتم المذكور مقالاً بعنوان (ملفات للابتزاز) على مواقع الانترنت بتاريخ 24/7/2012، جاء فيه أن صاحب موقع ينشر فيه منذ عامين، اتصل به وجرى بينهما الحديث التالي:
[" استاذ حسن ... انا احبك واحترمك ... وأنا خايف عليك كلش ... "
ـــ ولماذا الخوف...؟
" لأنك رايح زايد ويه المالكي... " .
ـــ وما علاقة ذلك بكل تلك المخاوف... ؟ .
" اتصلوا بي بعض الأشخاص ... قالوا عندهم ملفات من وزارة الثقافة تتعلق بيك و عبد الخالق حسين ... وسينشروها .. "]
ويضيف الكاتب: "رجوته الا يخاف وشكرته لإيصال الرسالة وتمنيت الا تتكرر .."

لم يذكر السيد الكاتب اسم الشخص أو الموقع، ونظراً لورود اسمي كطرف معرَّض لهذا الابتزاز، رأيت من المفيد أن أدلو بدلوي حول ما يتبناه البعض من أساليب التهديد والوعيد، حيث يقومون بحملة تشويه سمعة كل من لا يسير على سكتهم، وتلفيق شتى الاتهامات ضده بغية تصفيته سياسياً واجتماعياً، وحتى جسدياً إن استطاعوا..، وهذا نهج بعثي بامتياز.
في الحقيقة أنا أيضاً أتصل بي صديق قبل عام، وهو صاحب موقع احترمه ويحترمني أيضاً، وقد أسدى لي نفس النصيحة مع فارق بسيط وهو عدم ذكره "ملفات في وزارة الثقافة سينشرونها قريباً!!" إذ قال أنه تلقى شكاوى من جهات ضدي مفادها أني "رايح زايد ويه المالكي"، ورجاني أن ابتعد عن هذا النهج!! وأن لا أدافع عن المالكي رئيس حكومة الحرامية!!

بطبيعة الحال، ما تعرض له الصديق الأستاذ حسن حاتم المذكور هو نقلة نوعية جديدة في طريقة التعامل مع الرأي الآخر المختلف وحرية التعبير والتفكير، وذلك بالتلويح بالابتزاز، والتهديد بنشر ملفات!!، وهو أمر مؤسف جداً أن يلجأ أناس محسوبين على الثقافة، المفترض بهم أن يكونوا قدوة حسنة في حق الاختلاف في المواقف والأفكار والآراء السياسية، وإذا بهم يلجؤون إلى هذه الأساليب الرخيصة. لقد جربوا معنا مختلف الوسائل، بدءً بحملة المقالات الهجومية المنسقة، والتعليقات البذيئة على المقالات، سواء بأسمائهم الصريحة أو الوهمية، وصولاً إلى الابتزاز بنشر ملفات.. وعلى حد علمنا ليست هناك ملفات، إذ لا علاقة لنا بأية جهة حكومية أو غير حكومية، وإنما نكتب بدافع قناعاتنا ورؤانا الفكرية، ووفق ما تمليه علينا ضمائرنا ومواقفنا الوطنية، فإن وجدت ملفات فلا شك أنها من انتاج مختبرات البعث، كتلك الإشاعات التي تنهال علينا يومياً عن طريق الإنترنت والإيملات.

كذلك، استلم بين حين وآخر، رسائل ومكالمات تلفونية من أشخاص بعضهم أصدقاء وبعضهم معارف، يعتقدون أني تخليت عن علمانيتي وأني (رايح زايد ويه المالكي!!)، بل راح البعض إلى أبعد من ذلك، إذ يتهمني بالطائفية خاصة بعد أن نشرتُ كتاباً عن (الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق) والذي ظهرت طبعته الأولى في العام الماضي، ولقي نجاحاً باهراً حيث نفذ من الأسواق بعد أشهر قليلة من تاريخ نشره. ففي رأي هؤلاء أننا يجب عدم التطرق لأمراضنا الاجتماعية والسياسية، مثلهم كمثل النعامة التي تطمس رأسها في الرمال ظناً منها أنها تحمي نفسها من الصياد.
 
قبل كل شيء، وكما ذكرتُ مراراً أني لم أدافع عن المالكي، وإنما كل دوري يتركز حول رفضي للأكاذيب التي يروجها خصوم العملية السياسية في العراق الجديد. يقول جورج برنادرشو أن بعض الناس إذا رأوا الحقيقة ضده ما يريدون،  فيلجأون إلى الأكاذيب، ومحاربة كل من يتمسك بالحقيقة. وهذا بالضبط ما يحصل الآن في العراق من قبل أعداء الديمقراطية.

لحسن الحظ أني لست وحدي في هذا الصراع، إذ هناك عدد غير قليل من الزملاء الكتاب المتهمين بأننا (رايحين زايد ويه المالكي)، نرى أن من واجب الكاتب الذي يحترم نفسه وقراءه، أن يقف بصلابة وحزم ضد الإشاعة والتلفيقات، إذ لا يمكن أن تبني نظاماً ديمقراطياً على الأكاذيب والإشاعات البذيئة. ففي عصر تكنولوجية المعلومات أصبح من السهل جداً على أي شخص مغرض بث أبشع إشاعة وإخراجها وكأنها حقيقة، ونشرها على أوسع نطاق!! فكلنا نستلم يومياً تقريباً إيميلات ومقالات مدعومة بالصور و"الوثائق" حول الفساد والنهب من قبل المقربين من المالكي لممتلكات الدولة، وشراءهم عمارات وفنادق خمس نجوم تقدر بمليارات الدولارات في دول الخليج وغيرها. فلو كانت هذه الإشاعات صحيحة لأفلست الدولة العراقية ولما كان هناك عراق منذ سنوات.
نعم، هناك فساد مستشري في جميع مفاصل الدولة العراقية، وهي مسؤولية الجميع، ولكن المبالغة في حجم هذا الفساد، وبأرقام فلكية لا يمكن أن أصدقها احتراماً لعقلي وعقول القراء. وعلى سبيل المثال، قرأت قبل أسبوعين، أن ثروة الأخوين، أسامة وأثيل النجيفي بلغت 22 مليار دولار!! دون أن يخبرونا كيف استطاع الشقيقان جمع كل هذه الثروة وبهذه الفترة القياسية؟ وهل عدم تصديقي لهذا الخبر يعني أني صرت أدافع عن الأخوين النجيفي؟

ولدي قائمة طويلة من هذه الافتراءات المضحكة المؤلمة التي لا يصدقها كل ذي عقل سليم، وقد ذكرت العديد منها في مقالات سابقة، ولكن يكفي أن أذكر هنا بعض ما استجد من هذه الأكاذيب في هذه العجالة، فعلى سبيل المثال: وردني من صديق تقرير مصور بعنوان: "بريطانيا تضبط مقتنيات أثرية عراقية مرسلة إلى مقر حزب الدعوة في لندن". ومن قراءة التقرير تعرف أنه صناعة بعثية بامتياز. وقد اعتبره المرسل أنه حقيقة لا شك فيها وذلك بدافع حرصه على الوطن!!

كذلك قرأنا قبل أيام، أن الأموال التي نهبها الإسلاميون في حكومة المالكي تقدر بـ 700 مليار دولار. المشكلة أنه ليس الناس البسطاء وحدهم يصدقون هذا الإشاعات، بل وحتى كتاب مثقفون من وزن السيد نبيل ياسين، على سبيل المثال، والذي كتب قبل أيام مقالاً بهذا الخصوص. وليكون منصفاً وقابلاً للتصديق رفض السيد نبيل ياسين الرقم الفلكي 700 مليار، فقسم المبلغ إلى نصفين، وتمسك بـ 350 مليار كسرقات الحكومة لأموال الدولة. وصلني المقال أكثر من عشر مرات، وأخيراً قرأته لأن المرسل صديق أحترم اختياراته. ولكن بعد انتهائي من المقال، تألمت جداً لنجاح مروجي مثل هذه الافتراءات في اقناعهم حتى المثقفين المخلصين الشرفاء الحريصين على إنجاح العملية السياسية.
لم يسأل أحد هؤلاء الأخوة نفسه، من أين جاء هذا المبلغ الفلكي 700 مليار دولار، أو حتى 350 مليار حسب تقديرات السيد نبيل ياسين؟
تعالوا يا جماعة الخير لنتحاسب!!
قبل عامين، ذكر الدكتور حسين الشهرستاني (وزير النفط آنذاك) أن جميع الواردات النفطية منذ 2006 بلغت 192 مليار دولار. وإذا أضفنا إلى هذا المبلغ مائتي مليار دولار للسنتين الأخيرتين، فيكون المجموع في حدود 400 مليار دولار على أكبر تقدير.
نحن نعرف أن الحكومة تدفع رواتب لنحو خمسة ملايين من العاملين في مؤسساتها، إضافة إلى الملايين من المتقاعدين ومعوقي الحروب والإرهاب..الخ، إضافة دفع المليارات لمشاريع الإعمار، وهذه الدفوعات والرواتب تبلغ عشرات المليارات سنوياً، فإذنْ، من أين جاء الـ 700 مليار أو 350 مليار دولار الذي نهبه المسؤولون في الحكومة؟

نقلت لي سيدة عراقية مقيمة في مصر تعليقاً على مقال لي حول المبالغة في حجم الفساد، أجتزئ منها ما يلي:
[مقالتك اعادت الى ذاكرتي ما حدث في القاهرة على باب القنصلية العراقية...، فلقد ذهبت للقنصلية وكانت لدي معاملة متأخرة نتيجة الاحداث في مصر، وفوجئت ان ميدان الثورة مغلق تقريبا من الاعداد الكبيرة لسيارات المقيمين العراقيين، كلهم مصطف لاستلام منحة الحكومة العراقية والتي كانت 200 دولار لمساعدة اللاجئين العراقيين في مصر، وكان لسان حال كل الموجودين "روحوا استلموا المنحة قبل ما يلغفها الموظفين الحرامية"... وبعد أن شاهدت الوضع أدركت ان قسم من الموجودين لم يكن واقفا لاستلام منحة بل جاؤا لأهداف أخرى .. لتحريك الناس وتحشيدها ضد الحكومة بدعوى انها حكومة سراق. وكان الكثير منهم يتحدث عن مظاهرات عارمة ستزلزل الدنيا في العراق. وحاولت ان ابلغ الشخص الذي كان يبدو مثقفا ان هنالك اختلاف كبير بين الحالة العراقية والحالة المصرية، خاصة وان الحكومة العراقية قد تشكلت قبل اشهر قليلة إلا انه رفض ان يسمع، وتحدث عن الزلزال القادم. ثم قامت جماعة منهم بالهجوم على القنصلية مما استدعى غلقها وقيام مدرعات من الجيش المصري بحمايتها ولسان حال المصريين يقول "هو احنا ناقصيكم انتو  كمان".] انتهى.
فهل هذه السيدة الفاضلة رايحة زايد ويه المالكي؟!!

لا شك أن الغاية من تضخيم حجم الفساد هو اعطاء انطباع للشعب العراقي والعالم أن أنزه نظام جاء لحكم العراق هو النظام البعثي الصدامي، وإظهار الحكومة المنتخبة بأنها فاسدة تستحق الإطاحة بها، وأن الشعب العراقي غير صالح للديمقراطية بعد لذا يجب العودة إلى حكم البعث. نقول لهؤلاء أن نظام البعث الذي تروجون له فشل فشلاً ذريعاً في حكمه، وهو المسؤول عن تدمير العراق خلال 35 سنة من حكمه الجائر، ويكفي أن أذكر مثالاً واحداً على فشله الذريع ألا وهو انهيار قيمة العملة العراقية في عهده. فقبل اغتصاب البعث للسلطة عام 1968 وكان الدينار العراقي يساوي 3.5 دولار أمريكي، وفي أيامه الأخيرة من حكمه صار سعر الدولار يعادل 3500 دينار، يعني صار الدينار العراقي دون سعر الورق الذي طبع عليه، أي إفلاس تام وانهيار مطلق لاقتصاد بلد عائم على بحر من النفط. فهل هناك فساد وفشل أسوأ من ذلك؟

وعندما يتهم كاتب سعودي المالكي بأنه مشروع إيراني، فهل هذه التهمة هي حقاً موجهة ضد المالكي كشخص أم ضد طائفة بأكملها؟ وهو بذلك يسعى لدق الاسفين الطائفي في العراق بغطاء الحرص على الطائفة الأخرى التي تدعي السعودية حرصها على مصلحتها. فهل إذا قمتُ بتفنيد اتهامات هذا الكاتب السعودي يعني أنني (رايح زايد ويه المالكي)، أم أنه واجب وطني لحماية الرأي العام العراقي والعربي من التضليل؟
فما هو دور المثقف في هذا الحالة إذنْ؟ هل عليه أن يركب الموجة ويسير مع التيار ويتخلى عن عقله؟ أليس من واجب المثقف العمل على قول الحقيقة وحماية الرأي العام من التضليل؟
يقول غوبلز: "اكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس، بل وحتى تصدق نفسك". وهذا بالضبط ما يجري في العراق الآن من قبل البعثيين وحلفائهم الجدد والقدامى.

وبالعودة إلى من يهددون بـ"ملفات الابتزاز.."، نقول مشكلتهم أنهم يعيشون في العقلية القديمة التي عفى عليها الزمن، إذ مازالوا يعتقدون أن بإمكانهم خدع الأغلبية بهذياناتهم، وتهديداتهم، وأكاذيبهم، وإشاعاتهم المغرضة، غير مدركين أن الدنيا قد تغيرت ومعها تغير الشعب حيث أدركت الغالبية العظمى من الشعب الحقيقة بفضل التقنية المعلوماتية.
فهناك العشرات من الكتاب الأفاضل، ومعظمهم من خلفيات يسارية، كما كاتب هذه السطور، أدركوا أن المستهدف من هذه الهجمة الشرسة ليس المالكي وحده، بل هو أبعد وأخطر من المالكي، وهو العراق، والعملية السياسية برمتها، لإعادة العراق إلى حكم البعث بنسخته الجديدة الوهابية، وإلى حظيرة محور الشر (السعودي- القطري- التركي) الذي راح يغازل ويستدرج بعض القيادات السياسية مثل بارزاني، وعلاوي، والصدر لهذا الغرض الخبيث. وما احتضان بارزاني للإرهابي طارق الهاشمي، المدعوم من هذا المحور، إلا الجزء المرئي من المؤامرة الخبيثة على العراق.

لقد ذكرنا مراراً أن ما يتعرض له العراق من مؤامرات، يشبه إلى حد كبير ما تعرض له أيام ثورة 14 تموز مع بعض الفوارق بحكم الزمن، مثل انتهاء الحرب الباردة وموقف الدولة العظمى من العراق الجديد. ثم جاء التأكيد على هذا التشبيه من القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الأستاذ عادل مراد في تصريح له لصحيفة (الشرق الأوسط)، السبت 14 يوليو/ تموز 2012 جاء فيه: "أن العراق يواجه نفس الظروف التي أطاحت بثورة 14 تموز". وانتقد جماعة أربيل وخضوعهم للمحور السعودي-القطري- التركي. وهذا التشبيه أفقد الكتاب المتياسرين، وفلول البعث صوابهم، فجن جنونهم، وراحوا يدبجون المقالات المطولة المملة في محاولة يائسة لنفي التشابه، واكتفوا بالتركيز على نقاط الاختلاف فقط، مرددين نفس المقولات التي حفظوها عن ظهر القلب في مرحلة الحرب الباردة يوم كان العراق ضحية الصراع بين المعسكرين العملاقين. نعم هناك اختلاف عن عهد 14 تموز، ولكن أهم هذا الاختلاف هو أن الدولة العظمى، أمريكا، والدول الغربية الأخرى تقف اليوم معنا لصالح العملية السياسية في العراق، وهذا ما يجعلنا نعتقد أننا نقف على الجانب الصحيح من التاريخ، وأنكم يا حلفاء البعث ضد حركة التاريخ ومصيركم الفشل الذريع.

ملاحظة أخرى جديرة بالذكر وهي، أن المتياسرين الذين يسعون لتدمير العراق باسم العلمانية والديمقراطية "الحقيقية"، حاولوا اتخاذ الحزب الشيوعي هراوة لهم للصدام مع الحكومة ومع المالكي تحديداً، بحجة دفاعهم عن الحزب. وأخيراً أدرك الحزب الشيوعي خطورة الوضع المعقد، وأنه لا يمكن حله بالأساليب الشوارعية الغوغائية والديماغوجية، بل بالحوار البناء والتفاهم، ولكن ما أن التقى وفد من قيادة الحزب برئيس الوزراء حتى وكشف هؤلاء عن حقيقتهم، فانقلبوا على الحزب الذي ملؤوا الدنيا صراخاً في الدفاع عنه وحمايته من "حكم الملالي عملاء إيران"، فراحوا ينتقدون قيادة الحزب بشدة على هذا اللقاء. وبذلك فقد اسفروا عن نواياهم الحقيقية في تأزيم الوضع أملاً في إسقاط الحكومة تنفيذاً لإرادة أولياء النعمة. لقد أثبت هؤلاء أنهم يعيشون على الأزمات، ولذلك يسعون لإدامة الأزمة وصب الزيت عليها وخلق المزيد منها، فهذا ديدنهم منذ العهد الملكي ولحد الآن.

تفيد الحكمة، أن الساكت عن الحق شيطان أخرس. ولكن مع الأسف الشديد، في عصرنا هذا من لا يساير الشيطان فهو مهدد بـ"ملفات الابتزاز...!!" لا شك أن الذي ادعى بوجود ملفات ضدنا في وزارة الثقافة فقد فضح نفسه، لأن هذا يدل على إنه هو على علاقة وطيدة بتلك الوزارة، ونحن في هذه الحالة نتمنى على هذا الشخص أو الأشخاص، أن ينشروا تلك الملفات بأسرع وقت ممكن. فنحن واثقون من أنفسنا أننا مفكرون مستقلون، ولن نتخلى عن استقلاليتنا ونهجنا الوطني مهما حاول المتطفلون على الثقافة، ابتزازنا. فكما بينا أعلاه، لقد استخدموا معنا مختلف الوسائل لجرنا إلى مواقفهم، منها الحوارات الودية، ثم تقديم "النصائح الأخوية!!"، وأخيراً لجؤوا إلى التهديد بـ"ملفات الابتزاز". وهذا هو الإرهاب الفكري بكل معنى الكلمة، وهو دليل على إفلاسهم الفكري والسياسي والأخلاقي. ونحن بدورنا نؤكد لهم أننا لم ولن ولا نخضع لأي ابتزاز، فمحاولاتهم اليائسة البائسة هذه تزيدنا إصراراً على الثبات على مواقفنا الوطنية الصائبة التي نؤمن بصحتها، ودليل على هزيمتهم، فمثلهم كمثل من يبصق نحو السماء ويمسح وجهه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
مواد ذات علاقة بالموضوع
1- حسن حاتم المذكور: ملفات للابتزاز...!!
http://www.akhbaar.org/home/2012/7/133378.html

2- قيادي كردي: العراق يواجه نفس الظروف التي أطاحت بثورة 14 تموز ...
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=12282&article=686337

3- ملحق
وصلني تعليق قيم من الأستاذ علي الأسدي، على الموضوع، وإني أشكره على سماحه لي بنشره وباسمه الصريح، جاء فيه ما يلي:
اقدر عاليا اصرارك في الدفاع عن العراق شعبا ووطنا ومقدسات، برغم  السهام الكثيرة التي اصابتك بسبب ثباتك وعدم انصياعك. ان  طريقة تفكيرنا ووزننا كشعب لا يستكين ولا ييأس رغم ما أصابه من ظلم هو ما يستهدفه  المعسكر الرجعي المتخلف المكون من بلدان الخليج بقيادة قطر والسعودية، وللأسف وكما تفضلتَ ان الكثيرين من مثقفي هذا الزمن النتن لا يشعرون بخطورة المرحلة التي يمر بها العراق. ومثالك عن الوضع في العراق قبل انقلاب البعث عام 63 هو خير اشارة وتذكير لأولئك، لعلهم يدركوا قبل فوات الأوان أن البديل القادم  لا يخرج عن نموذجين: إما ديكتاتورية دموية بعثية، أو ديكتاتورية إخوانية بوحي من السعودية وتركيا. 
بعد زيارة قصيرة لي لبغداد كتبت لصديق انطباعاتي عنها، لم تكن متفائلة ولا متشائمة، ومما ذكرته له أن آلاف السيارات الحديثة في الشوارع، وهي ظاهرة لا تدل على فقر أو مجاعة، وأن  بائعة الخبز ومنظفات المنازل وعمال القمامة أصبحوا يستخدمون الموبايل، وهو ليس مزاحا، فربات البيوت  بالفعل يتصلن بالخبازة  لتزودهم بالخبز، وكذلك موزعي الحليب، ومنظفات المنازل عن طريق الموبايل. لقد أرسل لي الصديق ذاك رسالة قال فيها بعد زيارتك لبغداد عدتَ دعوجي (يعني صرت من حزب الدعوة)، وأدعى أن ملايين الناس تسكن المقابر وليس لها ما تأكله...؛ ولم يتصل بي بعد ذلك مع  أني لم أذكر اسم المالكي أو حزب الدعوة أو أشيد بالحكومة التي وصفها بعميلة ايران. أن معرفتي بذاك الصديق تمتد الى منتصف السبعينيات. فليس غريبا عزيزي دكتور عبد الخالق أن تسمع ما سمعته،  ففي عالم اليوم بكل ما فيه من تقدم علمي وسياسي وثقافي فيه أيضا ضيق أفق وجحود وقلة حياء.
تقبل تحياتي وتقديري
اخوكم
علي الأسدي   .


412
هل ما حدث يوم 14 تموز ثورة أَم انقلاب؟

د.عبدالخالق حسين


مقدمة
تمر علينا هذه الأيام الذكرى الرابعة والخمسين لثورة 14 تموز المجيدة. وفي هذه المناسبة تتوفر الفرصة لأنصار الثورة وخصومها للمساهمة في الكتابة عنها، خاصة بعد أن تحرر شعبنا من نظام البعث ومعاناته الطويلة. والملاحظ أن خصوم الثورة، التقليديون والجدد، راحوا ينتقصون منها ويحملونها تبعات جرائم البعثيين الصداميين، علماً بأن الثورة كانت الضحية الأولى لهؤلاء الفاشيست.

هناك فريقان يحاولان الطعن بما بثورة 14 تموز 1958، الفريق الأول، ويضم الخصوم التقليديين وهم أنصار الملكية من الذين استفادوا من ذلك العهد، وتضرروا من الثورة، من اقطاعيين وملاك العقارات، وذوي المناصب والطبقة الحاكمة. وحجة هؤلاء أن النظام الملكي كان ديمقراطياً واعداً بالخير، فقام العسكر بوأده وجلبوا علينا الكوارث وفتحوا باب الانقلابات وحكم العسكر، وكأن العراق لم يعرف الانقلابات العسكرية قبل هذا الحدث.
أما الفريق الثاني، فهم من الذين رحبوا بالثورة وصفقوا وطبلوا لها في البداية، ولكن بعد أن تم ذبح الثورة يوم 8 شباط 1963، وإدخال البلاد في نفق مظلم من الكوارث، تنكروا لها، وراحوا يلقون اللوم عليها في كل ما أصاب العراق بعد ذلك اليوم الشباطي الأسود. وهذا الفريق هم الأخطر، إذ يحاولون الظهور بمظهر الموضوعية والعلمية والحيادية، واليسارية...الخ، ولكن في حقيقة الأمر هم قصيرو النظر، يطلقون أحكامهم بتأثير العاطفة ليس غير.

يخطأ من يعتقد أن ما حدث يوم 14 تموز كان نتاج مؤامرة قام بها نفر من الضباط العسكريين الطامعين بالسلطة، بل كان حتمية بسبب الأوضاع الشاذة في العهد الملكي، (راجع مقالنا: أسباب ثورة 14 تموز، الرابط 1و2 في الهامش). وقد تنبأ بالثورة وحرض لها كثير من المثقفين من مختلف الاتجاهات، وعلى رأسهم شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، والشاعر معروف الرصافي وغيرهما.

هناك بديهية مفادها أن كل مرحلة تاريخية هي وليدة المرحلة السابقة، وإذا ما استنفدت المرحلة شروط وجودها تنتهي لتفسح المجال لمرحلة جديدة. لذا، فمن نافلة القول أن بذور ثورة 14 تموز نمت في رحم العهد الملكي نفسه. والبديهية الأخرى هي أن الثورات لا يمكن تفجيرها "حسب الطلب" أو بفرمان من أحد، وإنما هي نتاج شروط موضوعية من تراكمات ومظالم ومتطلبات سياسية واجتماعية واقتصادية تلح بالتغيير، وعندما تنتفي الوسائل السلمية الديمقراطية لتحقيق التحولات المطلوبة، وتتوفر لها الظروف الموضوعية والعوامل الذاتية، عندئذِ يحصل التغيير بالعنف الدموي وما يصاحب ذلك من هزات عنيفة، واضطرابات خطيرة في المجتمع، بغض النظر عن النتائج والعواقب، وهل هذه الثورة تواصل مسيرتها أم تفشل.

 وفي هذا الصدد يقول المفكر الأمريكي بيتر دروكر في في كتابه الموسوم: (عصر القطيعة مع الماضي): "أن الثورة لا تقع ولا تصاغ ولكنها (تحدث) عندما تطرأ تغييرات جذرية في الأسس الاجتماعية  تستدعي (إحداث)  تغييرات في البنية الاجتماعية الفوقية تتماشى مع (التغييرات) التي حدثت في أسس البنية المجتمعية، فإن لم يُستَبقْ إلى هذه الأحداث، تنخلق حالة من التناقض بين القواعد التي تتغير وبين البنية الفوقية التي جمدت على حالة اللاتغيير. هذا التناقض هو الذي يؤدي إلى الفوضى الاجتماعية التي تقود بدورها إلى حدوث الثورة التي لا ضمانة على أنها ستكون عملاً عقلانياً ستثمر أوضاعاً إنسانية إيجابية." (من كتاب: إعادة البناء التربوي للعراق، دكتور محمد جواد رضا).

مفهو الثورة والانقلاب
لقد تطرقت أكثر من مرة إلى هذا الموضوع نظراً لأهميته، ولكن مع ذلك يطلع علينا بين حين وآخر، نفر من الكتاب يرددون نفس الأطروحة، واصفين ما حدث يوم 14 تموز بالانقلاب العسكري ويلقون عليها باللائمة على كل ما حصل للعراق في عهد البعث الصدامي. لذا أرى من الضروري العودة لهذا الموضوع لتوضيح هذين المصطلحين (الانقلاب والثورة)، ولو بإيجاز شديد، من أجل إزالة الالتباس والتشويش في فهم ما حصل يوم 14 تموز 1958 وتحديد موقفنا منه. فماذا حصل بالضبط في ذلك اليوم التاريخي الفاصل بين مرحلتين مختلفتين كل الاختلاف في تاريخ العراق الحديث: هل كان انقلاباً كما يرى الخصوم؟ أم ثورة كما يرى الأنصار؟

لقد أسيء استخدام هذين المصطلحين (الثورة والانقلاب) أيما إساءة وذلك بناءً على الموقف العاطفي لا الموضوعي، الذي يتخذه الشخص مما حدث في ذلك اليوم، فإن كان مؤيداً له استخدم كلمة ثورة، و إن كان معارضاً، قال أنه مجرد انقلاب عسكري جلب علينا الكوارث!. إن هذين المصطلحين، الإنقلاب والثورة، لهما مدلولاتهما العلمية والتاريخية، يجب عدم ترك استخداماتهما للعواطف التي هي عادةً نتيجة خيبة أمل.

الإنقلاب Coup، يعني تبديل رجال الحكم فقط، إما بالعنف المسلح، وغالباً بعملية عسكرية military coup، مثل الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق بكر صدقي عام 1936 في عهد الملك غازي. أو ما يسمى بانقلاب القصر coup d'état، يقوم رجال من نفس الطبقة الحاكمة بعملية تغيير الحكام نتيجة للصراعات فيما بينهم على السلطة، مثل ما قام به نوري السعيد على رئيس الوزراء أرشد العمري بعد انتخابات 1954 حيث فاز 11 نائباً من المعارضة من مجموع 135 نائباً، فلم يتحمل نوري السعيد هذا العدد القليل من المعارضين في البرلمان، فقام بانقلاب القصر بعد 24 ساعة من خطاب العرش. المهم أن في كلتا الحالتين، انقلاب القصر أو الانقلاب العسكري، تكون العملية غير مصحوبة بأي تغيير للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

أما الثورةRevolution ، فهي عملية تبديل الحكام وقد يتم بالعنف المسلح أو بدونه، ولكن بالضرورة تكون مصحوبة بتغيير النظام السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي. فالمهم هنا تغيير القاعدة الإقتصادية والإجتماعية وتطورها من مجتمع قبلي متشظي ذو سمات شبه إقطاعية في الريف وعلائق كومبرادورية في المدينة، إلى مجتمع قائم على تعددية الأنماط الاقتصادية نحو العصرنة والتحديث وبالتالي تغيير الفئات الحاكمة من حيث جذر الإنتماء الطبقي.

وعليه، ماذا حصل في يوم 14 تموز وما تلاه؟
إن "الحدث" الذي حصل في ذلك اليوم يجب أن ينظر إليه من منظورين أساسيين، الأول، موقف الجماهير الشعبية منها، هل كانت الجماهير ضد الحدث أو معه، متفرجة أو مؤيدة له بحماس؟ الثاني، ما حصل من تغييرات بعد ذلك اليوم بسبب الحدث في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصداية.
فبالنسبة لموقف الجماهير، ما أن أذيع البيان الأول لـ"لحدث" حتى ونزلت الجماهير من أقصى العراق إلى أقصاه في الشوارع والساحات، مؤيدة بحماس منقطع النظير لما جاء في البيان. وفي هذه الحالة، وكما يقول حنا بطاطو: كانت العملية انقلاباً عسكرياً في لحظة وقوعها، ولكن حولتها الجماهير في لحظات إلى ثورة جماهيرية التحمت فيها الجماهير بالقوات العسكرية المسلحة، الأداة المنفذة للعملية. والجدير بالذكر أن القيادة العسكرية للثورة كانت على اتصال وتنسيق وتفاهم مع قيادة جبهة الاتحاد الوطني التي كانت تضم الأحزاب الوطنية المعارضة.

أما ما حصل من تغيير بسبب ذلك الحدث، فقد حصل ما يلي: اسقاط النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري، وتبنى سياسة عدم الإنحياز، وإلغاء جميع المعاهدات الاستعمارية الجائرة المخلة بالاستقلال الوطني، والخروج من الأحلاف العسكرية (حلف بغداد)، وتحقيق الإستقلال السياسي التام والسيادة الوطنية الكاملة، وتحرير الاقتصاد والعملة العراقية من الكتلة الإسترلينية، وإلغاء حكم العشائر، والنظام الاقطاعي، وتحرير الملايين من الفلاحين الفقراء من سيطرة الإقطاعيين بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وتحرير 99.5% من الأراضي العراقية من سيطرة الشركات النفطية الاحتكارية بإصدار قانون رقم 80، وتحرير المرأة بإصدار قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وازدهار الصناعة، وبناء عشرات الأحياء السكنية للفقراء، والتفاف الجماهير حول قيادة الثورة وحماية منجزاتها…وغيرها والقائمة تطول… (راجع مقالنا: منجزات ثورة 14 تموز) (3).
وبعد كل هذه المنجزات والتغييرات التي حصلت في المجتمع العراقي بعمق، هل من الموضوعية بشيء تسمية ما حدث في ذلك اليوم بالانقلاب؟ لذلك نعتقد أنه لا يمكن لأي باحث منصف إلا وأن يعترف بأن ما حصل في يوم 14 تموز 1958، كان ثورة بكل معنى الكلمة.

ولعل أدق شهادة بهذا الخصوص جاء من المستشرق الفرنسي المعاصر البروفيسور مكسيم رودنسون الذي قال: بأن "ثورة 14 تموز العراقية هي الثورة الوحيدة في العالم العربي"، وأيد ذلك بقوة الموضوعية الباحث البروفيسور في العلوم السياسية حنا بطاطو عندما سأل: "هل ترقى أحداث 14 تموز (يوليو) إلى مستوى الثورة أم أنها مجرد انقلاب؟ ويجيب قائلاَ: "والواقع إن إلقاء نظرة سريعة على الآثار اللاحقة، يكفي لجعلنا نعرف أننا أمام ثورة أصيلة. ولم يكن لظاهرة سياسية سطحية أن تطلق كل تلك المشاعر بهذا العنف... والواقع إن 14 تموز أتى معه بأكثر من مجرد تغيًر في الحكم. فهو لم يدمرً الملَكية أو يضعف كل الموقع الغربي في المشرق العربي بطريقة جذرية فحسب، بل أن مستقبل طبقات بأسرها ومصيرها تأثر بعمق. ولقد دمرت إلى حد كبير السلطة الاجتماعية لأكبر المشايخ، ملاكي الأراضي، ولكبار ملاكي المدن، وتعزز نوعياً موقع العمال المدنيين، والشرائح الوسطى والوسطى الدنيا في المجتمع. وتغير كذلك نمط حياة الفلاحين نتيجة لانتقال الملكية من ناحية، ولإلغاء أنظمة النزاعات القبلية، وإدخال الريف في صلب القانون الوطني من ناحية أخرى [4]. لذا فإننا ننظر إلى إنجازات الثورة بالإرتباط إلى ما حققته من تحولات كبيرة في المجتمع العراقي، وبقيت تأثيراتها حتى اليوم رغم الثورات المضادة." فهذه هي شهادات الباحثين الموضوعيين المحايدين بحق ثورة 14 تموز المجيدة.

ومن كل ما تقدم، نستنج أن ما حصل في يوم 14 تموز 1958 كان ثورة حقيقة بكل معنى الكلمة. أما كون الثورة أغتيلت بانقلاب 8 شباط 1963، وما حصل بعد ذلك من كوارث فاللوم يقع على عاتق المجرمين الفاشيين الذين استفادوا من ظروف الحرب الباردة، فكانت الثورة ضحية لتلك المؤامرات القذرة. ولكن مع الأسف الشديد هناك حتى من المحسوبين على اليسار راحوا يلقون باللائمة على الضحية بدلاً من إلقائها على المجرمين الحقيقيين، ألا وهم متآمرو 8 شباط الأسود.

ومهما قيل عن هذه الثورة وقيادتها الوطنية، فإنها تعتبر الحدث الأهم في تاريخ العراق الحديث، ويبقى قائدها شهيد الوطنية العراقية، الزعيم عبدالكريم قاسم خالداً في ضمير الشعب، كرمز للوطنية والنزاهة والإخلاص للشعب والوطن.
المجد والخلود لثورة تموز وشهداء الحركة الوطنية الأبرار.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالموضوع
1- د.عبدالخالق حسين: أسباب ثورة 14 تموز 1958 الحلقة الأولى
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=468

2- د.عبدالخالق حسين: أسباب ثورة 14 تموز 1958 الحلقة الثانية
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=469

3- د.عبدالخالق حسين: منجزات ثورة 14 تموز 1958
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=389

4- - حنا بطاطو، الطبقات الإجتماعية والحركات الثورية في العراق، ج3، ترجمة عفيف الرزاز، ط1، مؤسسة الأبحاث العربية-بيروت، ص 116.


413
دلالات فوز المرشح الإسلامي في مصر

د.عبدالخالق حسين

يعتبر يوم 24/6/2012 يوماً مشهوداً في تاريخ الشعب المصري، وثورات الربيع العربي. ففي هذا اليوم أعلنت اللجنة العليا للانتخابات، نتائج الانتخابات الرئاسية بفوز المرشح الإسلامي الدكتور محمد مرسي بنسبة 51.73%، وخسارة المرشح العلماني الدكتور أحمد شفيق بفارق قليل جداً حيث حصد ما نسبته 48.27% من مجموع المشاركين في عملية التصويت. وهذا دليل على نزاهة وعدالة الانتخابات.
فلأول مرة في تاريخ مصر تختفي نسبة 99.99% التي كان يفوز بها الرؤساء السابقون، ولأول مرة في تاريخ الشعوب العربية يقدم المرشح الخاسر التهنئة لمنافسه الفائز دون الطعن والتشكيك بالنتائج، وهذا خروج على التقليد العربي، لذلك فالدكتور أحمد شفيق حقق سابقة يستحق عليها الثناء والتقدير منا جميعاً. وهذه تعتبر خطوة كبيرة إلى الأمام في رحلة الألف ميل لتحقيق الديمقراطية التي ناضل من أجلها الشعب المصري بثورته يوم 25 يناير 2011، ودفع شباب الثورة تضحيات جسام بدمائهم الزكية.

وكديمقراطي ليبرالي، كنت أتمنى فوز المرشح العلماني، الدكتور أحمد شفيق، رغم ارتباطه بنظام حسني مبارك. ولكن الخير ما اختاره الشعب المصري الذي نقدم له التهنئة الحارة بهذه المناسبة المباركة، متمنين له المزيد من الانتصارات في طريق الديمقراطية والاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي. كما ونهيب بأنصار الديمقراطية أن يحترموا رأي أغلبية الشعب، وما تفرزه صناديق الاقتراع حتى ولو كانت النتائج ضد رغباتهم وتمنياتهم، فهذه هي الديمقراطية.

لقد أثبتت ثورات الربيع العربي أن العنف الذي يرافق التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية يتناسب طردياً مع قسوة وجور الأنظمة الدكتاتورية، أي كلما كان النظام أكثر جوراً، كان التحول أكثر عنفاً ودموية. ففي تونس ومصر كانت العملية مصحوبة بأقل ما يمكن من العنف الدموي مقارنة بما حصل في العراق واليمن وليبيا وسوريا. وهذا يدل على أن الرئيسين المخلوعين، التونسي زين العابدين بن علي، والمصري حسني مبارك، كانا أقل جوراً وقسوة من نظرائهما من الحكام العرب الجائرين المخلوعين والذين في طريقهم إلى السقوط.

 وكما ذكرنا في مقالات سابقة، أن الطريق الوحيد لتجنب العنف في مرحلة الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية هو إذا قام رأس النظام المستبد نفسه بعملية التحولات الديمقراطية تدريجياً. ولكن هذا نادراً ما يحصل في التاريخ، لأن الحاكم المستبد مدمن على السلطة، ومن الصعوبة أن يتنازل عن سلطاته وامتيازاته بإرادته الحرة. وحتى هذا الأسلوب لو حصل، فهو غير مضمون للتحول السلمي، لأنه حالما يبدأ المستبد بإرخاء قبضته، حتى وتتسارع الأحداث وتنطلق الجماهير للمطالبة بالمزيد من الحقوق، ويفقد المستبد السيطرة عليها فينهار نظامه ويحدث الطوفان والغليان.

دلالات فوز المرشح الإسلامي
إن فوز المرشح الإسلامي، الدكتور محمد مرسي، له دلالات عديدة ومهمة، منها أن الشعب المصري هو شعب محافظ ومتدين، وقد استفاد الإسلام السياسي من النزعة الدينية لدا الجماهير المصرية، لاسيما وأن حزب الأخوان المسلمين هو الحزب الوحيد العريق والمنظم بشكل تراتبي هرمي، وانضباط حديدي. والدلالة الثانية، أن هناك تطور سريع حصل في وعي الشعب المصري خلال أشهر قليلة، وذلك بتغيير موقفه من الإسلام السياسي، ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حقق الإسلاميون (الأخوان المسلمون والسلفيون) فوزاً ساحقاً حيث حصلوا على نحو ثلثي أصوات الناخبين، وثلثي مقاعد البرلمان (مجلس الشعب)، بينما انخفضت هذه النسبة في الانتخابات الرئاسية للمرشح الإسلامي إلى النصف تقريباً (51.73% ) من الذين شاركوا في التصويت، علما بأن الذين أدلوا بأصواتهم يشكلون نصف من يحقهم لهم التصويت، والذين تغيبوا عن التصويت هم في غالبيتهم من العلمانيين، لأن المؤيدين للإسلاميين يعتبرون المشاركة في الانتخابات فرض عين واجب عليهم. وهذا يعني أن الذين صوتوا للمرشح الإسلامي يمثل نحو ربع من يحق لهم التصويت. لذلك فمن المؤكد أن سبب خسارة المرشح العلماني هو امتناع غالبية العلمانيين عن المشاركة في التصويت لعدم قناعتهم بالدكتور أحمد شفيق بسبب ارتباطه بالنظام السابق، وما رافق الحملة الانتخابية من دعاية مضادة له أن فوز شفيق يعني عودة نظام مبارك من الشباك!!

وبعملية رياضية بسيطة، نعرف أن شعبية الإسلاميين هبطت خلال أشهر قليلة من ثلثي المصوتين في الانتخابات البرلمانية إلى نحو ربع في الانتخابات الرئاسية، أي أن نحو ثلاثة أرباع الذين يحق لهم التصويت لم يصوتوا للرئيس الفائز. وهذا انتصار للعلمانيين.
لذا، فعلى العلمانيين الساخطين على فوز المرشح الإسلامي، والذين لم يشاركوا في التصويت، أن لا يلوموا إلا أنفسهم، إذ كان عليهم المشاركة بكثافة من أجل دحر الإسلاميين، حتى ولو كان المرشح العلماني دون طموحهم. فالسياسة فن الممكن، ولا يمكن تحقيق ديمقراطية ناضجة  بسرعة، أما سياسة (كل شيء أو لا شيء) فدائماً تؤدي إلى لا شيء. على أي حال، هذه هي الديمقراطية، يجب على جميع الأطراف احترام نتائجها.

الديمقراطية تصحح أخطاءها
ينقل عن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق تشرتشل قوله: "أن الحكومة الديمقراطية هي ليست الحكومة المثالية الفاضلة، ولكن لحد الآن لا توجد حكومة أفضل منها". وهذا يعني أن الحكومة الديمقراطية ليست معصومة من الأخطاء، بل وحتى الجرائم، ولكن الديمقراطية تمتلك آلية تصحيح أخطائها، وذلك بفضح الأخطاء والجرائم التي ترتكب باسمها. فالديمقراطية لا تعني الانتخابات لمرة واحدة، بل تعاد بشكل دوري، عادة كل 4- 5 سنوات، وإذا ما فشلت القوى السياسية التي انتخبتها الأغلبية في حل مشاكل الشعب، والالتزام بوعودها فسوف تخسر في الانتخابات اللاحقة. والجدير بالذكر أن فوز الإسلاميين في الانتخابات في البلاد العربية هو رد فعل الجماهير لفشل الحكومات العلمانية المستبدة في حل مشاكل الشعب المتفاقمة، في الوقت الذي رفع فيه الإسلام السياسي شعار (الإسلام هو الحل). لذلك، فالتجربة خير برهان، ولا يمكن إقناع الجماهير بعدم قدرة الإسلاميين على حل المشاكل إلا بوضعهم على المحك، أي بوضعهم في الحكومة وتحمل المسؤولية.

إن المشاكل التي يواجهها الرئيس المصري الجديد وحكومته، كبيرة جداً، ومنها: الانفجار السكاني، والأزمة الاقتصادية، إذ كما صرح السيد سامي رضوان، وزير مالية سابق لراديو بي بي سي، أن نسبة البطالة نحو 12% حسب الأرقام الرسمية، ونحو 42% من الشعب دون خط الفقر. وكان لدى الحكومة رصيد من العملة الصعبة بنحو 45 مليار دولار قبل الثورة الشعبية، هبط إلى نحو 15 مليار الآن، والسياحة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد المصري شبه متوقفة الآن. والمعروف أن الإسلاميين يصدون السواح الغربيين، لذلك، فالإسلام السياسي هو أعجز من أن يحل مشاكل الجماهير الاقتصادية المتفاقمة، إضافة إلى موقف الإسلاميين السلبي من الأقباط والمرأة رغم تأكيدات الرئيس المنتخب في كلمته عقب إعلان فوزه عكس ذلك لطمأنة الرأي العام. فمن نافلة القول أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي بدون الاستقرار الاقتصادي، وتحقيق دولة المواطنة، ومعاملة جميع المواطنين بالمساواة أمام القانون دون أي تمييز ديني أو عرقي أو جندري.

ماذا لو كان أحمد شفيق هو الفائز؟
اعتقد أنه لحسن حظ الشعب المصري، والديمقراطية، والدكتور أحمد شفيق أنه لم يفز، فلو كان الدكتور شفيق هو الفائز لرفض الإسلاميون النتائج، وخرجوا في انتفاضة مسلحة على غرار ما حصل في الجزائر عام 1992، ولأغرقوا الشعب المصري بأنهار من الدماء. لذا ففي فوز المرشح الإسلامي الدكتور مرسي فوائد كثيرة و(رب ضارة نافعة)، منها: حقن للدماء، ووضع الإسلاميين على المحك أي في موقع المسؤولية، وعلى الأغلب سيفشلون فيما وعدوا به من حلول لمشاكل الفقر والبطالة. والمطلوب من القوى العلمانية الديمقراطية منح الإسلاميين الوقت الكافي (مدة سنة على الأقل)، وهذا لا يعني أن يحلوا مشاكل مصر خلال سنة، بل كاختبار لهم ليثبتوا حسن نواياهم وقدرتهم على الإيفاء بوعودهم، وعلى الأغلب سيفشلون لأن المشاكل الاقتصادية المتفاقمة هي أكبر من قدراتهم المحدودة، خاصة وأنهم يريدون إعادة المجتمع إلى الوراء 1400 سنة، وحل مشاكل اليوم المعقدة، بقوانين وضعها السلف قبل 14 قرناً.
إن فوز المرشح الإسلامي وإن بدا لنا خسارة كبيرة للعلمانيين، وأمر غير مرحب به، إلا إنه فيه جوانب إيجابية كثيرة، إذ كما قال آدم سميث: "نتائج غير مقصودة لأفعال مقصودة، ولكن في نهاية المطاف ستكون في صالح المجتمع".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالموضوع
1- تقرير موقع بي بي سي: اللجنة العليا للانتخابات تعلن فوز محمد مرسي برئاسة مصر
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2012/06/120624_egypt_election_result.shtml

2- مرسي دعوتنا سلفية والشيعة أخطر على الإسلام من اليهود
http://www.youtube.com/watch?v=8eewsii6Nb8&feature=youtube_gdata_player

3- مطالب السلفيين أمام مرسي: طرد الشيعة والبهائيين وهدم الاهرامات
http://www.elaph.com/Web/NewsPapers/2012/6/744787.html?entry=editorchoice

4- عبدالخالق حسين: فوز الإسلاميين، نعمة أَمْ نقمة؟
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=498

414
هل الحل في حكومة الأغلبية؟

د.عبدالخالق حسين

أثبت التاريخ أن الديمقراطية في أي بلد في العالم لم تتحقق بسهولة، بل عبر مخاض عسير، وفي معظم الحالات بعملية جراحية، عن طريق الحروب والثورات والانتفاضات المسلحة، لأن الحاكم المستبد لن يتنازل عن سلطته ونفوذه طوعا، ليمهد للانتقال التدريجي السلمي إلى النظام الديمقراطي بسلاسة ودون هزات عنيفة. ولا الشعب المحكوم طوال تاريخه بالظلم والجور قادر على ممارسة الديمقراطية عند ولادتها وتطبيقها بسهولة. لذلك فالمرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديمقراطية الناضجة لا بد وأن تكون مليئة بالاضطرابات والآلام إلى أن يتدرب الشعب على ممارستها، وتصبح الديمقراطية جزءً من ثقافتها الاجتماعية، وهذا ما حصل حتى في الدول الديمقراطية العريقة.

ومما يزيد الطين بلة في حالتنا العراقية، أن حكم البعث أعاد الشعب العراقي إلى ما قبل نشوء الدول والأمة، فأحيى فيه القبلية والعشائرية التي أصدرت ثورة 14 تموز  شهادة وفاتها بإصدار قانون إلغاء حكم العشائر عام 1958. ولكن باغتصاب البعث للسلطة عام 1968، تم بعث القبلية والعشائرية، وتحويل العراق إلى إتحاد عشائري، وصار صدام حسين شيخ المشايخ. كذلك وزع البعث ظلمه على الشعب العراقي حسب انتماءاتهم القبلية والأثنية والطائفية، إضافة إلى انتعاش النزعة الدينية، وبالتالي ظهور الإسلام السياسي، فمن الطبيعي في هذه الحالة أن يجد الناس ملاذهم الآمن بالتخندق في القبيلة والعشيرة والطائفة والأثنية. وكل هذه العوامل تعتبر معوقات للديمقراطية.

لقد رأت القابلة الأمريكية التي أشرفت على ولادة الديمقراطية في العراق، أن تُشرِك لأول مرة جميع مكونات الشعب العراقي وكياناته السياسية في الحكم دون إقصاء أو إستثناء، وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع. ولكن المشكلة، أن هناك بعض الشركاء شاركوا في العملية السياسية لإفشالها وإعادة التاريخ إلى الوراء. وقد أثبتت تجارب السنوات التسع أن هناك كتل سياسية مشاركة في السلطة، وتهيمن على معظم الوزارات الخدمية، ولكنها في نفس الوقت تعمل على شل عمل الحكومة، ونهب الثروات، وحرمان المواطنين من الخدمات، والعمل على نشر الفساد المالي والإداري بغية إثارة تذمر الشعب ضد الحكومة المنتخبة التي يشاركون فيها بحصة الأسد، وليثبتوا للمواطنين أن الديمقراطية لا تصلح للعراق، ولا يمكن حكمه إلا بحكم البعث المستبد، وقائد سياسي مثل صدام حسين بالقبضة الحديدية.

في الحقيقة، عمل حزب البعث خلال 35 سنة من حكمه الجائر على تأكيد وتكريس هذا الاعتقاد (عدم ملائمة الديمقراطية للشعب العراقي) في صفوف الشعب، وذلك بتفتيت النسيج الاجتماعي، والتجهيل المتعمد، ونشر ثقافة العنف، وروح الاستسلام والعدمية، وإضعاف النزعة الوطنية، وجعل المواطنين يعتقدون أنه لا مناص لهم من الاستسلام التام لحكم البعث، واعتباره كالقدر المكتوب، وبالتالي لا يمكن حكم هكذا مجتمع متشرب بالعنف إلا بالقبضة الحديدية، وبالتالي لا تصلح الديمقراطية للشعب العراقي.

إن مشاركة جميع الكتل السياسية من مختلف أطياف الشعب دون استثناء أو إقصاء، في (حكومة الشراكة الوطنية الشاملة) لا يخلو من إيجابيات، فهكذا حكومة تضم ولأول مرة في تاريخ العراق، كل الكتل السياسية التي تمثل جميع مكونات الشعب وأطيافه وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع. ولكن الجانب السلبي لهذه الحكومة، أن نسبة كبيرة من المشاركين فيها غرضهم من المشاركة هو شل الحكومة وإفشال العملية السياسية وإعادة التاريخ إلى عهد البعث الصدامي وتحت مختلف الواجهات والذرائع.
 
يقول المفكر الهندي Amartya Kumar Sen ، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 1998: "يجب ألا نسأل أنفسنا هل شعب ما مؤهل للديمقراطية أم لا، وإنما يجب أن نعرف أنه لا يصبح أي شعب مؤهلاً للديمقراطية إلا من خلال ممارسته لها. لذلك، فالديمقراطية هي ليست الغاية فحسب، بل والوسيلة لتحقيقها"، أي لا يمكن تحقيق الديمقراطية في بلد ما إلا من خلال الديمقراطية نفسها، وفي هذه الحالة لا بد من وقوع أخطاء، والشعوب تتعلم من أخطائها.

وهذا ما نلاحظه في التجربة العراقية. فمنذ سقوط حكم البعث الفاشي إلى اليوم، وخلال تسع سنوات، ورغم الحملات الإعلامية العربية الظالمة لتضليل الشعب العراقي، والرأي العام العربي والعالمي، وتشويه صورة الديمقراطية والحكومة المنتخبة، إلا إن الأحداث بدأت توقظ الشعب العراقي، فبدأ العراقيون يدركون ما يحاك ضدهم، ويميزون بين السياسيين المخلصين للعراق، وأولئك الذين يريدون  به شراً، ويعيدونه إلى العهد البعثي الصدامي، وخدمة لمصالح بعض دول الجوار، ولأغراض شخصية وفئوية، وطائفية، وعنصرية على حساب المصلحة الوطنية.
 فهؤلاء الشركاء لهم قدم في السلطة وأخرى في المعارضة، بل وحتى في الإرهاب. وقد أثبتت السنوات الماضية أن هكذا حكومة لا يمكن لها أن تنجح في تقديم الخدمات، وتوفير الأمن والاستقرار والتخلص من الفساد والإرهاب، لأن في هذه الحكومة وزارات تابعة لكتل سياسية معادية للديمقراطية، تعمل على شل عمل الحكومة، أي أن نصف الحكومة يشل عمل النصف الآخر، فلا بد في هذه الحالة أن تكون المحصلة صفر. وهذا ما حصل كنتيجة لحكومة تضم جميع الكيانات السياسية، المؤيدة والمعادية للديمقراطية دون تمييز.

ما الحل؟
لا يمكن للحكومة أن تراوح في مكانها لتسع سنوات على حساب المواطن الذي يدفع الثمن، وحرمانه من الخدمات والعيش بكرامة رغم توافر الأموال الهائلة. فطالما فشلت (حكومة الشراكة الوطنية الشاملة)، يجب تجربة البديل الآخر، وهو (حكومة الأغلبية). فالمعروف في الأنظمة الديمقراطية، أن لا بد من معارضة ديمقراطية تحت قبة البرلمان من نواب الكتل السياسية غير المشاركة في السلطة، وخارج البرلمان من منظمات المجتمع المدني، و الصحافة الحرة التي تمثل الرأي العام، تراقب نشاط الحكومة والأحزاب عن كثب، وتحاسبها على كل صغيرة وكبيرة. وبدون هذه المؤسسات لا توجد ديمقراطية.

وما يشجع على تشكيل حكومة الأغلبية، والتخلي عن حكومة المشاركة الشاملة، أن هناك عدد غير قليل من نواب كتلة "العراقية" والتيار الصدري، والتحالف الكردستاني، أدركوا ما يحاك ضد العراق الديمقراطي الفيدرالي من مؤامرات قذرة من قبل السعودية وقطر وتركيا وغيرها، وأن المستهدف هو مستقبل العراق والديمقراطية. لذا نشاهد بروز حراك سياسي لإعادة اصطفاف القوى السياسية في تحالفات جديدة. لذلك فشلت محاولات (جماعة أربيل) بقيادة (البرزاني-علاوي- الصدر-النجيفي- الهاشمي) وبتحريض ودعم ومباركة السعودية وتركيا وقطر، في سحب الثقة من رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، كما قرأنا ذلك في رسالة فخامة رئيس الجمهورية السيد جلال طالباني*.
لذا فالحل الأنسب، في رأينا ورأي الكثيرين من السياسيين والكتاب، هو تشكيل حكومة الأغلبية.

والجدير بالذكر، أن هناك من يدعي أن (حكومة الأغلبية) هي حكومة تكريس الطائفية، ولكن هؤلاء أنفسهم ملئوا الدنيا ضجيجاً بوصف (حكومة الشراكة الشاملة) بحكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية. فهؤلاء في جميع الأحوال هم ضد أية حكومة منتخبة، أغلبية أو شاملة، لأن غرضهم هو إفشال العملية السياسة برمتها وباسم الديمقراطية. ووفق الاصطفافات الجديدة التي يمكن تشكيل حكومة الأغلبية تضم ممثلين عن جميع أطياف الشعب دون استثناء. لذلك، فالادعاء بأن حكومة الأغلبية تعني عزل مكونة أو طائفة معينة إدعاء باطل وهراء فارغ، القصد منه تكريس شل الحكومة.

خلاصة القول، إن حكومة الأغلبية المنسجمة تعمل بانسجام أفضل بكثير من حكومة الشراكة الشاملة المتنافرة، نصفها يشل النصف الآخر.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
ـــــــــــــــــــــ
 * نص رسالة طالباني للقادة المطالبين بسحب الثقة من المالكي
http://almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=65097:2012-06-16-06-36-32&catid=42:2009-05-23-11-31-27&Itemid=214


415
حول دور الأنصار في إسقاط الفاشية البعثية
د.عبدالخالق حسين

مقدمة
التحاور بين المثقفين في المسائل الخلافية مسألة طبيعية ومفيدة، خاصة إذا التزم المتحاورون بأدب الحوار، وكان غرضهم الوصول إلى الحقيقة، وتنوير الرأي العام، وخدمة القضية التي يختلفون عليها، وفي حالتنا هذه هي الأزمة العراقية المحتدمة. ولذلك أدخل بين حين وآخر في جدال مع بعض الكتاب الذين يردون على مقالاتي، ويلتزمون بأدب الحوار، وآخرهم كان الأستاذ دانا جلال، مشكوراً.

ولكن المشكلة تبرز، حينما يدخل على الخط أناس متطفلون على الثقافة والسياسة، فيتعاملون في جدالهم مع الاختلاف الفكري والسياسي كعداء شخصي، وعلى طريقة البلطجة البعثية، إذ يلجأون إلى المهاترات والشتائم، وإطلاق ألقاب بذيئة على من يختلفون معهم! وفي هذه الحالة، من الأسلم للمثقف الجاد أن يتجاهلهم، فهم يسلكون هذا السلوك الفج لأنهم لا يمتلكون القدرة على مواجهة الحجة بالحجة، وهو دليل على إفلاسهم الفكري والسياسي والأخلاقي، لذلك يلجأون إلى التأليب والشتائم والبذاءات، وهذا كل ما عندهم، إذ كما تفيد الحكمة: "الإناء ينضح بما فيه".

منذ مدة، وأنا أتعرض لحملة مسعورة منسقة على غرار "فزعة عرب"، من قبل أيتام البعث وحلفائهم الوهابيين، والبعض من المحسوبين على اليسار،لا لشيء إلا لأني أدافع عن العملية السياسية والديمقراطية الوليدة في عراق ما بعد صدام في محاولة منهم لفرض نوع من الإرهاب الفكري. يحسب هؤلاء أنفسهم متحضرين وتقدميين، بل وحتى ديمقراطيين!! والحقيقة، ما هذه الصفات التي يدعونها إلا غشاءً خفيفاً تختبئ تحته صلافة وجلافة ذلك البدوي المحروم من نعمة الثقافة.

تواجه الديمقراطية الوليدة في العراق حملة ضارية لوأدها، تحالفت عليها مختلف القوى السياسية في الداخل والخارج، ودول الجوار، مثل إيران وتركيا والسعودية وغيرها (وسوريا سابقاً قبل أن ينقلب عليها السحر على الساحر)، تشبه تماماً ما تعرضت لها ثورة 14 تموز وقيادتها الوطنية (1958-1963) من مؤامرات. وكل ذلك يتم تحت شعار حماية الديمقراطية لمنع عودة الدكتاتورية والأنفال وحلبجة وغيرها من كوارث الأنظمة الفاشية.

إن عملية تدمير الديمقراطية بغطاء ديمقراطي ليست جديدة، وهي تشبه ما كان يجري في مرحلة الحرب الباردة، عندما أسست الاستخبارات الإيرانية (سافاك) في عهد الشاه حزباً شيوعياً مزيفاً موازياً لحزب (تودة) وبنفس الاسم، جعلت منه فخاً لاصطياد الشيوعيين، والقضاء على الحركة الشيوعية في إيران، وحققت في ذلك نجاحاً لا يستهان به. كذلك أسست وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) أحزاباً ماركسية مزيفة في دول أمريكا اللاتينية لضرب الحركات الماركسية الحقيقية. وها نحن نشهد اليوم نفس السيناريو يتكرر في العراق من قبل منظمات وقوى سياسية محسوبة على اليسار، وقوى تقدمية وديمقراطية، وقعت في نفس الفخ، تقوم بخدمة أجندات سعودية وتركية وإيرانية، وقوى داخلية بعثية خسرت مواقعها في احتكار السلطة، همها الوحيد تدمير العملية السياسية، وحجتهم في ذلك أن حكومة بغداد ليست بمستوى حكومة سويسرا والسويد، ولمنع قيام دكتاتورية جديدة وتكرار الكوارث!!

عودة إلى موضوعة الأنصار
طرح الأخ دانا جلال في رده الأول على مقال لي، دور الأنصار الشيوعيين في إسقاط حكم البعث الفاشي، قائلاً:  "حقيقة لا نعرف أي خندق اختار الدكتور عبد الخالق حسين فترة النضال ضد الفاشية، ولكني اجزم بأنه لم يكن في ذات الخندق الذي كان فيه اغلب الحاضرين لمؤتمر التجمع العربي، حيث كان عددا كبيرا منهم ضمن فصائل الانصار الشيوعية ضد الفاشية او في الخلايا السرية لأحزاب اليسار العراقي والعربي."
فأكدت له أن مواصفاته للنضال ضد الفاشية، إذا كانت صحيحة، فهي تنطبق عليَّ أيضاً، لأني في ذلك الوقت كنت منتمياً للحزب الشيوعي العراقي، وعندما تركت الحزب في منتصف الثمانينات وأنا في بريطانيا، انتميت إلى (التجمع الديمقراطي العراقي) الذي كان على يسار الحزب الشيوعي في التسعينات، وله حضور متواضع مع الأنصار في كردستان. ...الخ
وأوضحت للأخ الكريم، ومع احترامي للذين كانوا ضمن فصائل الأنصار، وتقديري العميق لتضحياتهم، إلا إن العلاقة بين قوات الأنصار، وقوات الحركة الكردستانية لم تكن سلسة، ولا على انسجام دائم، بل كانت معقدة تتراوح بين المد والجزر، وحتى شابتها فترات اقتتال بينهم، راح ضحيتها أبرياء، كما حصل في مجزرة بشت آشان. كذلك حصل أيام الجبهة "العتيدة" في السبعينات، أن اصطف الأنصار الشيوعيون مع القوات البعثية الفاشية في خندق واحد لمحاربة قوات بيشمركة الكردية. وفي التسعينات استنجد السيد مسعود بارزاني بصدام حسين ودعاه لإرسال قواته لاحتلال أربيل، وتحريرها من قوات غريمه السيد جلال طالباني... وحصل ما حصل من مآسي ضد قوات المعارضة يندى لها الجبين.

كذلك نقرأ بين حين وآخر، مقالات لكتاب، ورسائل وتعليقات لقراء، عملوا ضمن فصائل الأنصار الشيوعيين، يعربون فيها بمرارة شديدة عن تذمرهم من تلك التجارب القاسية التي خاضوها بنوايا حسنة، ولكن نتائجها كانت مخيبة لآمالهم، وما عانوه من حلفائهم، وحتى على أيدي قادتهم الشيوعيين.

ذكرتُ في مقالات سابقة أني لم أؤمن بالكفاح المسلح. ومع الأسف الشديد كان اليساريون يؤمنون باستنساخ التجارب مثل التجربة الصينية الماوية، والكوبية الكاستروية، والجيفارية وغيرها، ولا يبالون بالتضحية بحياة رفاقهم، حتى ولو كانوا من أكاديميين غير مؤهلين لحمل السلاح والاقتتال في كردستان، أو أي مكان آخر. وبذلك فقد ضحوا بكوادر علمية ما كان يجب الإفراط بها، ناهيك عن المواطن العادي الذي انتمى للحزب من أجل العدالة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أعرف من الضحايا الدكتور محمد بشيِّش، الطبيب الذي كان لاجئاً مع عائلته في عدن في الثمانينات، لبى نداء الحزب ليلتحق بقوات الأنصار، فترك عائلته هناك ليُقتل في مجزرة بشت آشان. كذلك الدكتور سلمان (مسيحي من الناصرية)، أستاذ في جامعة القسطنطينة في الجزائر، استجاب لنداء حزبه للالتحاق بالأنصار، قتل من قبل دورية تركية في المثلث بين سوريا وتركيا والعراق وحتى قبل أن تطأ قدمه كردستان العراق والتحاقه بالأنصار. والسؤال هنا: ما الذي حققته حركة الكفاح المسلح من التضحية بهؤلاء الأبرياء وأغلبهم شباب في أوج عطائهم؟

وهل حقاً ما تحقق للشعب الكردي من حرية وأمان فيما بعد كان نتيجة الكفاح المسلح من قبل البيشمركة والأنصار؟
إذا أردنا الإنصاف، ودون التقليل من تضحيات المناضلين ونواياهم الطيبة، فالحقيقة المرة التي لا يريد الاعتراف بها الأستاذ دانا جلال ورفاقه، هي أن الجهة التي فرضت (منطقة الملاذ الآمن) وطردت القوات العراقية البعثية من كردستان عام 1991، كانت أمريكا وبريطانيا "الاستعماريتين!!"، ومن ثم قادتا التحالف الدولي وحررتا كل العراق من الفاشية عام 2003. هذه الحقيقة لا يجب نكرانها، وإلا نقع في خانة نكران الجميل لمن أحسن إلينا. كثيراً ما يردد أعداء تحرير العراق، والبعض من اليساريين بدافع العداء لأمريكا، أن الأخيرة لم تسقط حكم البعث الصدامي لسواد عيون العراقيين، بل لمصالحها، وهذا صحيح. ولكن أليست السياسة وراء المصالح؟ فما الخطأ لو استثمر العراقيون هذا التحول في الموقف الأمريكي لمصلحة الشعب العراقي؟

رسالة من نصير شيوعي سابق
وتأكيداً لما تقدم، أرى من المفيد أن أنشر هنا رسالة استلمتها قبل أشهر من أحد الأنصار الشيوعيين، أرمز له بالحرفين: (ع.ح.) تعقيباً على مقال لي في هذا الخصوص وتأييداً له، أنشرها على حالها، دون أن أجري عليها أي تعديل عدا تصحيح بعض الأخطاء المطبعية والنحوية، والترقيم (punctuation)، وهذا نصها: 

تحية الى الاستاذ عبد الخالق حسين المحترم
المقالات والبحوث التي تنورنا بها، فعلآ تستحق الاحترام والتقدير لاحتوائها على البراهين والحجج ارجو ان تنور قراءك بالمزيد. اليوم قرأتُ لك مقالة بعنوان: (حول حملة الاستخبارات العراقية ضد الشيوعيين) وذكرتَ فيها اربعة اسباب لعزل الحزب وفشله في الانتخابات.
سيدي عندي بعض الملاحظات قد تكون نتوشات لمقالتك، واذا كنتُ مخطئآ أرجو ان تسامحني لان السياسة اصبحت صعوبة الفهم والادراك للسياسين على الخصوص، فكيف على عامة الناس، الله لهم العون.عنوان ملاحظاتي اطلق عليها اسم( مشوار من حياتي). وقبل ان ادخل في الموضوع ارجوك ان تسامحني على الاخطاء والصياغة لأنني لست كاتبآ ولا أديباً:
أولاً، استاذي انت تطرقتَ الى شباط والشباطيون في امكنة كثيرة عبر مقالاتك وبحوثك، فلا اريد الدخول الى هذا الموضوع. فالشيوعيون اصبحوا خارج الزمن، ولم يستفيدوا، لا من تاريخهم الطويل، ولا من حاضرهم. هل يعقل انسان يدعي الوعي ان يضع تاريخ احتفالي في يوم من ايام شباط الأسود؟ زوجتي عيد ميلادها 4 شباط، احتفل معها دائماً ولكنها تراني مهموماً، فتسألني ما بك؟ لا اجيبها لأنها اجنبية لا تفهم حتى وان شرحت لها السبب، فكيف للناس الذين فقدوا وتعذبوا في هذا الشهر. زوجة ابي من موروث الاسود لهذا الشهر، كم من الذين فقدوا حياتهم وأحباءهم في شباط الأسود، لماذا لم يتعظوا بعد ان عرفوا ان فليح الجبوري بطل عرس الدجيل، قائد مظاهراتهم في ساحة التحرير، وممثل الاستاذ علاوي في الدفاع عن حقوق الانسان والمساجين؟

ثانياً، الانتخابات: سيدي كيف اسمح لنفسي ان انتخب فرسان 8 شباط بقيادة السيد علاوي عندما دخل حميد مجيد موسى معه في قائمة واحدة في انتخابات 2005؟ اعرف عشرات من اصدقائي اليساريين احجموا عن التصويت او اعطوا اصواتهم الى الاحزاب الدينية. اما الاكراد اليساريون 90% منهم صوتوا على مشروع ونهج مسعود برزاني...عندي صديق اعرفه لأكثر من 27 سنة في موسكو وشمال العراق من اهالي الكوت، بعد المؤتمر رأيته وفي يده كتاب احمر صدر في نيقوسيا عام 1995على ما اعتقد، اراد احد الرفاق أن يلتقط فقط عنوانه او اسمه. يقول الطلفح عبد الرزاق ان هذا الكتاب يسوى أفكاركم، والرفاق الحضور على الاطلاق خريجو معاهد عليا. سيدي كما قلتُ، فإنني عشت 6 سنوات في كردستان في الثمانينات أيام الحرب العراقية- الإيرانية، وكان الايرانيون يصولون ويجولون مع ادلائهم من جماعة مسعود، يفتحون الطرق 3 الى 10 امتار عن مقراتنا، لم يتصدى لهم أحد او نعترض على هذا التصرف من قبل الايرانيين والقيادة الكردية على الاطلاق. 
وبعد اي هجوم ايراني تعم الفرحة فيما بينهم عسى وان يسقط النظام. اتذكر في معارك الفاو قلت لهم هذا لا يجوز انها مطاحن بنا وباخواننا، اقصد الجنود العراقيين، كان احد اعضاء اللجنة المركزية مسيحي يستهزئ من القتلى، وبعدها عرفتُ ان اخي من ضمن مطاحن الفاو.
في احدى المرات كنت في ذلك اليوم خبازاً، فاعتاد الرفاق، ومن ضمنهم اعضاء المركزية لأخذ رغيف من الخبز الحار نتيجة الجوع، فكان أحدهم دائماً يتلاطف معي بالحديث، فبدأ الحديث معي بجد في ذلك اليوم، وكنت اعمل واسمع ماذا يريد، فقال: انت خوش ولد، قلت انا اعرف نفسي شكرآ، فقال: انت مكانك مو هنا، شنو رأيك ان تذهب الى الداخل للعمل هناك؟ أجبته على السريع: انني ثرثار وفوضوي مع العلم انا نقيض كفاحكم المصلخ، لا اؤمن به، فكيف تريدني ان اعمل في العمل السري في الداخل؟
بعد هذا اللقاء بعدة سنوات التقيت بهذا الرجل الذي دعاني للعمل السري في الداخل، التقيته في بهو معهد الإستشراق في موسكو ينتظر زوجته مع مشرفها لتحظير رسالتها العلمية، فبدأ الحديث قائلاً: الآن يتطلب منا العمل سويا لدعم النظام والدفاع عن الوطن. فقلت له: انت الذي دعوتني بالأمس للذهاب للعمل السري لإسقاط النظام، واليوم تدعوني لدعم النظام.. كيف الآية تغيرت؟؟.
فهذه هي قيادتنا التي يجب دعمها في الانتخابات وأصبحوا قيادة يداً بيد مع علاوي ومسعود .(انتهت الرسالة).
********************
تعليق
أتمنى من الأخوة الشيوعيين وأصدقائهم أن لا يتهموا صاحب الرسالة بالتخاذل أو الثرثرة، أو أنه يحمل ذهنية برجوازية أو فلاحية متذبذبة، كما عودونا على هذه الأقوال في مثل هذه الحالات. أعتقد أن الرجل، ورغم إمكانياته البسيطة في الكتابة، عبَّر بعمق، وبمنتهى الصدق عن واقع الحال، أفضل ألف مرة من المقالات المطولة المملة التي يتشدق بها المتحذلقون وأدعياء الثقافة والمعرفة، والمصابون بإسهال الكلام. أتمنى عليهم، وخاصة أولئك المتحذلقون الذين يستخدمون البذاءات في جدالاتهم، أن يعترفوا بالحقيقة، إذ كما عبر صاحب الرسالة السيد (ع.ح.) بصدق، أنهم خارج الزمن.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي


416
مؤتمر التجمع العربي لنصرة الشعب الكردي أم لنصرة حكامه؟

د. عبدالخالق حسين

نظمت جماعة من المثقفين العراقيين العرب، مؤتمراً في أربيل بتاريخ 4-5/5/ 2012 باسم (مؤتمر التجمع العربي لنصرة القضية الكردية)، وهو موقف محمود أن ينتصر العرب لأخوتهم في الوطن والإنسانية إذا ما تعرضوا للاضطهاد كما كانوا في العهود السابقة. ولكن عقد هكذا مؤتمر وفي هذه الظروف، ,والمكان والزمان ومصدر التمويل، وبعد أن تحرر الكرد من اضطهاد الحكومات المركزية في بغداد،  أثار تساؤلات كثيرة حول النوايا الحقيقية الخفية من وراء هذا العمل، ليس لدا بعض الكتاب العراقيين العرب فحسب، بل وحتى من قبل كتاب أكراد، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الأستاذ هفال زاخويي، وهو رئيس تحرير صحيفة الأهالي الليبرالية، الذي نشر مقالاً بعنوان: (أصدقاء الشعب الكردي أم أصدقاء النظام السياسي الكردي؟)(1)

فهل حقاً عقد هذا المؤتمر لنصرة الشعب الكردي أم لنصرة حكامه؟
لقد بدأت التحضيرات لعقد هذا المؤتمر تزامناً مع الحرب الكلامية التي شنها السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان على الحكومة الاتحادية في بغداد، وتحديداً على رئيسها السيد نوري المالكي، رافقتها تحركات البارزاني المتواصلة على شكل سفرات إلى السعودية ودول خليجية أخرى، لقاءات لمنافسي المالكي على رئاسة الحكومة مثل السيد أياد علاوي، ومستعطفاً مقتدى الصدر، وعمار الحكيم وغيرهما من قادة الكيانات السياسية في التحالف الوطني في محاولة منه لعزل المالكي وشق التحالف الوطني (الشيعي). وقبل هذه اللقاءات قدم البارزاني دعمه إلى طارق الهاشمي وأعوانه، المطلوبين من القضاء في بغداد بتهمة الإرهاب وقتل العراقيين. وبذلك جعل البارزاني اقليم كردستان ملاذاً آمناً للإرهابيين الفارين من وجه العدالة من المتهمين بقتل العراقيين.

والسؤال الذي طرحناه في مقال سابق ونعيده اليوم، هو: ما الذي أثار حماسة السادة منظمي المؤتمر لدعم البرزاني ضد المالكي والحكومة الفيدرالية المركزية؟ وهل كان حقاً من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الكردي وهو يتمتع الآن بأوسع الحقوق الممكنة في جميع مراحل تاريخه وفي المنطقة، إضافة إلى دور الكرد في حكم العراق ككل؟؟ فأين كان هؤلاء يوم تعرض الشعب الكردي إلى حرب الإبادة من قبل نظام صدام حسين، مثل حملة الأنفال وحلبجة وغيرها؟ والسؤال الآخر هو: أي قسم من الشعب العراقي يتعرض الآن لحرب الإبادة وبدعم من السعودية وتركيا وإيران ويحتاج إلى نصرته؟ أليس هو القسم العربي؟

إن ما يجري الآن في العراق هو أن الضحية تلبست بلبوس الجلاد، والسيد البارزاني وأنصاره في (التجمع العربي لنصرة الشعب الكردي) وجهوا سهامهم نحو الهدف الخطأ، وفي الزمن الخطأ، فغايتهم إضعاف الدولة العراقية بحجة منع ظهور صدام آخر في المستقبل، بينما الحقيقة الناصعة التي يراها كل منصف وذي بصر وبصيرة هي أن مسعود البارزاني أنضم إلى القوى التي تسعى لتدمير الدولة العراقية، بعد أن حقق نجاحاً باهراً في تأسيس دولة كردية قوية ضمن الدولة العراقية الضعيفة التي اتخذ منها مجرد غطاء لحماية دولته من الابتلاع من قبل إيران وتركيا، مستغلاً انشغال عرب العراق بالصراعات الطائفية الغبية، إذ كما قال الأستاذ طلال شاكر في مقاله القيم في هذا الخصوص، المنشور على الحوار المتمدن: ((أن كردستان الآن هي دولة حقيقية داخل دويلة العراق الهشة، والأكراد يتحكمون بمصيرهم ومصير بغداد ،وقادتهم مترعون بكأس الغرور وفائض القوة مستعرين بهوس قوماني جارف ولا أدل من ذلك تصريحات السيد مسعود البارزاني المتكررة والقادة الاكراد الابتزازية التي باتت لأغلبية العراقيين معروفة وموثقة وممجوجة.. وبإيجاز، أقول لم تعد هنالك قضية كردية عراقية بالمعنى النمطي التاريخي ليجري مؤازرتها أو تشكيل تجمع يتداعى لنصرتها. ومفهوم (القضية الكردية) مفهوم عائم وفكرة مصطنعة في الظروف الحالية ،ولو كان الامر يتعلق مثلاً بتجمع عربي لنصرة التجربة الديمقراطية في كردستان لهان الأمر، ويمكن تفهمه في ضوء الاجتهاد المفتوح..)). (2).

لقد انتصر الشعب الكردي بنضال أبنائه ودعم المجتمع الدولي له بقيادة أمريكا وبريطانيا في عام 1991 عندما جعلوا من كردستان الملاذ الآمن لشعبه، وحرروها من سلطة الفاشية البعثية، يوم كان الشعب العراقي في الوسط والجنوب يتعرض لحرب الإبادة، حيث قتلت القوات البعثية نحو 700 ألف من أبناء الانتفاضة، وقسَّم النظام العراق إلى محافظات بيضاء ومحافظات سوداء.

نعم، الشعب الكردي يحتاج اليوم إلى أصدقاء لنصرة قضيته، ولكن ليس بتحريض حكومة الإقليم على الحكومة الفيدرالية، بل بمطالبة حكامه بدعم الديمقراطية واحترام حقوق الانسان في كل العراق وبالأخص في كردستان. ونحن نعلم أن معظم الذين حضروا المؤتمر كان دافعهم الخير وبنوايا حسنة، وبتأثير من شعارات براقة خادعة، ظاهرها نصرة الشعب الكردي، وباطنها زعزعة الوضع في العراق وإضعاف الحكومة الفيدرالية. فهل قدم المؤتمرون نصائح أخوية سليمة إلى حكام كردستان، أن الديمقراطية لا تقوم على قمع المتظاهرين كما حصل في السليمانية ومناطق أخرى من كردستان في العام الماضي، حيث قوبلت التظاهرات بالرصاص؟ وهل قالوا لهم لا يجوز في الديمقراطية اغتيال صحفي شاب مثل سردشت عثمان، وسجن أستاذ جامعي مثل الدكتور كمال قادر لثلاثين سنة لأنهما انتقدا العائلة الحاكمة في أربيل؟ وإذا كانت كردستان تنعم بالأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي كما يدعي رئيس الإقليم، وأن حكام بغداد فاشلون ويغارون من نجاح حكومة الإقليم، فهل سأل المؤتمرون: إذَنْ، لماذا مازال الكرد يفرون إلى الدول الغربية بحثاً عن الأمن والعيش بكرامة؟ ولماذا طالب السيد البارزاني الحكومات الغربية بعدم إعادة اللاجئين الكرد إلى كردستان؟

كان المفروض بالسادة في حكومة كردستان وأصدقائهم في التجمع العربي دعم الديمقراطية في العراق، والفيدرالية في كردستان وليس إضعاف الحكومة المركزية في بغداد، خاصة وهم يعرفون أن عهد الدكتاتورية قد ولىّ إلى غير رجعة، ولكن قصر النظر هو الذي دفع السيد مسعود البارزاني إلى اختلاق المشاكل والأزمات مع الحكومة الفيدرالية، والوقوف إلى صف أعداء العراق مثل السعودية وقطر وتركية، وذيول هذه الحكومات داخل العراق مثل قادة كتلة "العراقية"، فهؤلاء لا يريدون للعراق خيراً.

والملاحظ أيضاً أن عراب المؤتمر يتهم كل من يوجه نقداً له أو لمؤتمره، أنه من كتاب السلطة ووعاظ السلاطين!!. والآن ثبت للجميع من هم كتاب السلطة ووعاظ السلاطين. فالسلطة هي سلطة سواءً في بغداد أو في أربيل. ونحن نؤكد أننا لسنا بصدد دعم جماعة ضد جماعة أخرى من السياسيين، بل نرى أن العراق مهدد بالفوضى والدمار من المناورات التي يقوم بها السيد مسعود البارزاني، وبدعم من بعض دول الجوار لمنع قيام حكومة عراقية قوية تحقق للشعب العراقي الأمن والاستقرار والخدمات، ليقولوا للشعب نحن نجحنا وحكام بغداد فاشلون!!

إن الحقيقة الناصعة للعيان تؤكد أن مؤتمر التجمع العربي لم يعقد لنصرة الشعب الكردي، بل لنصرة رئيس الإقليم وعائلته المهيمنة على كل مرافق الحياة في كردستان، ومساندته في صراعه مع الحكومة المركزية لتدمير الدولة العراقية، وأن لا تقوم للعراق قائمة بحجة منع ظهور صدام آخر في المستقبل. فالبارزاني في كردستان اليوم يقوم بدور صدام في العراق أيام حكمه البغيض.

وإذا كان مؤتمر التجمع العربي قد عقد لنصرة القضية الكردية كما يدعون، فقد جاء بعد فوات الأوان، أي بعد أن حقق الشعب الكردي جميع أهدافه في التحرر، فهو يتمتع اليوم بحق تقرير المصير وتأسيس دولته المستقلة. لذا فالغرض من هذا المؤتمر ليس لنصرة الشعب الكردي، بل لنصرة السيد مسعود البارزاني ودعمه في زعزعة الدولة العراقية، وجعل حكومة الإقليم أقوى من الحكومة الفيدرالية، والجزء أقوى من الكل.
*********************
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي
ـــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات علاقة بالموضوع
1- هفال زاخويي: أصدقاء الشعب الكردي أم أصدقاء النظام السياسي الكردي؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=304050

2- طلال شاكر: التجمع العربي لنصرة القضية الكردية.. وصناعة الأوهام

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=309082

3-  راديو اوستن النرويجي : السعودية تستخدم المال لاسقاط المالكي

http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=17188



417
الحملة المسعورة ضد دمقرطة العراق
د. عبدالخالق حسين
[29-03-2006]

قلت في مناسبة سابقة أن للجغرافية دوراً كبيراً في مسار أي بلد في تطوره الحضاري. فموقع العراق الجغرافي هو الذي اختاره ليكون مهداً للحضارة البشرية قبل 7 آلاف سنة، ولنفس السبب، صار العراق مهبط الأنبياء، ثم عاصمة الدنيا في العصر العباسي، ومركزاً لتأسيس المذاهب الإسلامية والحركات الفكرية في الإسلام... الخ. ولذلك ليس صدفة أن يصبح العراق في بداية القرن الحادي والعشرين البلد الأول في الشرق الأوسط الذي تولد فيه الحداثة والديمقراطية ويتحول إلى ساحة حرب طاحنة بين الحضارة والهمجية، بين أنصار الحداثة والديمقراطية ضد أنصار الاستبداد والإرهاب.

وما أشبه اليوم بالبارحة. يوم 14 تموز 1958 انطلقت الثورة العراقية ضد التخلف وحكم الإقطاع لإدخال العراق إلى عصر الحداثة والديمقراطية. الثورة التي قال عنها المستشرق الفرنسي، مكسيم رودنسون، أنها الثورة الوحيدة في البلاد العربية. فتكالبت عليها الدنيا وتحالفت ضدها أكثر من أربعين جهة لا يجمعها أي جامع سوى العداء لدمقرطة العراق وتحريره من التخلف. فتشكل حلف غير مقدس يجمع الجهات المتناقضة من عبدالناصر إلى شاه إيران وكميل شمعون والإستخبارات الغربية إلى الحركة الكرستانية والحوزة العلمية في النجف وغيرها. كل هذه الجهات ناصبت العداء للثورة العراقية ولأسباب مختلفة.. إلى أن تضافرت جهودهم فاغتالوا الثورة الوطنية التحررية في انقلابهم الدموي يوم 8 شباط 1963 الأسود. ومنذ ذلك اليوم الدامي دخل العراق في نفق مظلم وبلغ الظلم ذروته في عهد جرذ العوجة جلاد شعبنا صدام حسين.

واليوم يعيد التاريخ نفسه وعلى شكل مأساة وملهاة. ذات الجهات والجماعات التي تحالفت على ذبح العراق قبل 43 عاماً تحالفت اليوم لذبحه ولكل طرف أسبابه الخاصة به لإفشال تحرير العراق ودمقطته. والغريب أن حتى ضحايا صدام حسين من السنة والشيعة تقوم اليوم بذات الدور الذي لعبته قبل أكثر من أربعة عقود، فلم يتعلموا درساً ولم يستخلصوا عبرة من أخطائهم الماضية وهي مازالت حية في الذاكرة.

نعم، الكل يعمل جاهداً لإفشال العملية السياسية في العراق ويسيرون نحو الهاوية وهم نيام ويرقصون رقصة الموت وهم سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله لشديد. زعماء الدول العربية رغم كرههم لنظام صدام حسين، إلا إنهم يفضلون عراقاً منهكاً مفتتاً على عراق ديمقراطي مستقر مزدهر، وذلك خوفا من وصول عدوى الديمقراطية إلى شعوبهم وانهيار أنظمتهم المستبدة، لذلك يبعثون الإرهابيين للإمعان في قتل العراقيين وإفشال العملية السياسية.
إيران وسوريا تعملان على تدمير العراق وتثيران فيه القلاقل وتدعمان الإرهاب خوفاً من أن تعيد أمريكا التجربة ذاتها في بلديهما فأصرتا على إفشال العملية السياسة وبأي ثمن كان.
الأحزاب العربية السنية العراقية تعمل على إفشال العملية السياسية لأن السنة العرب يرفضون أن يكونوا متساوين مع بقية مكونات الشعب العراقي، بل يريدون أن يعيدوا عجلة التاريخ إلى الوراء لإعادة مجدهم الغابر في حكم العراق لوحدهم والاستحواذ على السلطة والثروة ومعاملة الآخرين كمواطنين من الدرجة العاشرة وأن يكون هم السادة وغيرهم عبيد.
الأحزاب الشيعية تريد إفشال الديمقراطية لأنها تحلم بحكم ولاية الفقيه وتسبح بحمد سيدها علي خامنئي وتدين له بالولاء وليس للعراق. فكما ذكر السيد أياد جمال الدين أن الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق أبقت في دساتيرها المادة الخاصة بالولاء لحكم ولاية الفقيه، أي مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران. ولا ننسى أن إيران تدفع الملايين بل المليارات للمليشيات الشيعية، مثل فيلق بدر وجيش المهدي، والتي تعمل ضد مصالحها الوطنية لخدمة القادة الإيرانيين، أولياء نعمتهم.
الحركات الإسلامية العربية ضد العراق الجديد لأنها تحلم بإقامة دولة الخلافة الإسلامية في العراق على غرار إمارة الطالبان في أفغانستان، ومنه ينطلق "المجاهدون" لتوسيع دولة الخلافة المنتظرة إلى باقي الدول الإسلامية وبقية العالم. وفلول البعث يحاربون العراق لأنهم فقدوا "فردوسهم" فيعملون لهدم المعبد عليهم وعلى أعدائهم متمثلين بقول شمشون "عليّ وعلى أعدائي يا رب، وليكن من بعدي الطوفان".

اليسار الأوربي والعالمي، يجهد ليل نهار لإفشال التجربة العراقية لأنها جاءت على يد أمريكا، فهي حاقدة على أمريكا ولا تريد النجاح لأية عملية تأتي عن طريق أمريكا حتى وإن كانت ديمقراطية لصالح الشعوب. فهذا اليسار مازال يلعق جراحه بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ويلقي باللائمة على أمريكا أنها هي التي عملت على إسقاط الاتحاد السوفيتي والأنظمة السائرة في فلكه. بينما الحقيقة أن المعسكر الاشتراكي أنهار من الداخل ولأسباب داخلية بحتة تتعلق بالإفلاس السياسي والاقتصادي والاخلاقي للأيديولوجية الشيوعية الشمولية. وكما فشلت هذه الأيديولوجية، فسوف تفشل جميع الأنظمة الأخرى ذات الأيديوليجيات الشمولية، الفاشية والنازية والإسلاموية وغيرها، إذ يجهل هؤلاء أن المستقبل للإنسانية وللعلم. ولم تبلغ الشعوب الغربية من تطور مدهش في الحضارة والحداثة والتقدم العلمي والتكنولوجي إلا بعد أن تحررت من الفاشية وفصلت الدين عن الدولة وتبنت الليبرالية والعلمانية الديمقراطية التي أطلقت العنان للعقل البشري للإبداع في جميع المجالات.

أجل، هناك تحرك مسعور في الغرب ضد تحرير العراق وتحت مختلف المسميات والذرائع والحجج. من ضمن هذه الحملة المسعورة، أثار الصديق جواد خلف انتباهنا إلى تحرك مشبوه في فرنسا، يقوم بها خليط من جهات لا يجمعها أي جامع سوى العداء لتحرير العراق وتحت اسم (مناهضة الحرب على العراق ولدعم الشعب العراقي). كتب الأخ جواد خلف مقالاً بهذا الخصوص، (الرابط في نهاية هذه المداخلة)، أنه دعي لحضور ندوة في مدينته في فرنسا، يتحدث فيها عريف أمريكي خدم في العراق وقام بتأليف كتاب "يفضح" فيه ممارسات الجيش الأمريكي. وكانت الأمسية من تنظيم اللجنة المعادية للحرب... تضم شيوعيين وأشتراكيين، وإسلامويين ومواطنة عراقية ادعت أنها أستاذة جامعية ... والمتحدث هو العريف الأمريكي، الذي اعترف أنه قتل عدداً من العراقيين بأوامر من قادته، وأنه نادم ولذلك ألف كتاباً لفضح الحرب. وما أن بدأ الصديق جواد خلف يوجه أسئلة محرجة للعريف الأمريكي حتى (أعترض المنظمون الشيوعيون الفرنسيون على أسئلته ولم يتمكن من مواصلة حديثه فانسحب). والمقرر من مناهضي الحرب أن يقيموا هذه الندوة في جميع المدن الفرنسية والترويج لكتاب هذا العريف الأمريكي، لإثارة الرأي العاما الفرنسي ضد القوات العربية التي حررت العراق من نظام البعث الفاشي، و ربما لتجنيد إرهابيين للذهاب إلى العراق وقتل شعبه وجمع التبرعات للإرهابيين، بحجة الدفاع عن الشعب العراقي.

حكاية العريف الأمريكي هذه تذكرني بقصة كتب عنها قبل سنوات الصديق يوسف أبو الفوز عن مقابلة صحفية مع تلميذة روسية في السنة الأخيرة من الدراسة الإعدادية. سألها الصحفي عما تريد أن تكون في المستقبل. فأجابت أنها تريد أن تمارس الدعارة لمدة عامين، لتجمع كمية من المال لكي تشتري شقة لها ومن ثم تتزوج وتعيش بشرف!!
هذه قيمة الشرف في زمن ضاعت فيه المعايير والقيم. فيمكن للإنسان ممارسة أخس الأعمال انحطاطاً ومن ثم يعيش "بشرف" . فأي شرف هذا؟ الجندي الأمريكي تطوع في الجيش بملء إرادته وتوجه إلى العراق وقتل عراقيين على حد زعمه، ولم يقل لنا من هم هؤلاء العراقيون الذين قتلهم. هل هم من الإرهابيين من أتباع الزرقاوي؟ هل هم من فلول النظام البائد؟ أم من الأبرياء؟ فإن كان الضحايا أبرياء فهو عاهر ومجرم حرب ولا يستحق كل هذه الحفاوة به وبكتابه، وإن قتل إرهابيين فهذا واجبه ولم الندم؟ فهذا هو واجب الجندي في الحرب، خاصة في الحرب على الإرهاب. ولكن لهذا الجندي قصد آخر.. فكما استفاد من دوره في الحرب، يريد الآن أن يضاعف أرباحه لما بعد الحرب، فبعد أن تسرح من الجيش، ألف كتاباً وراح يبيع شرفه لمن يشتريه من مناهضي الحرب على البعث، ليعلن أنه كان "مجرم حرب". فهل حقاً تأنيب الضمير هو الدافع وراء تأليف كتابه هذا وخيانة واجبه ووطنه كجندي؟ أم أنه تصرف مثل تلك التلميذة الروسية، تمارس الدعارة يوماً لتعيش "بشرف" يوماً آخر وتستفيد من جميع الظروف؟

أجل، نحن في زمن ضاعت فيه القيم والمعايير وتساوى فيه الشرف والدعارة. فالانحياز للإرهاب والقيام بحملات جمع تبرعات تحت مختلف المسميات هي عملية إنسانية وتقدمية تسمى (مناهضة الحرب على الشعب العراقي)، لتذهب هذه الأموال إلى الإرهابيين الذين يذبحون العراقيين وغير العراقيين من الأبرياء، ذبح النعاج وأمام الكاميرات لتنشر على شاشات التلفزة وبصيحات الله اكبر وبمباركة من اليسار الأوربي وأئمة المساجد وفقهاء الإرهاب ودعاة الموت وأعداء الحياة.

مسألة أخرى تشير إلى ضياع المعايير في هذا الزمن الأغبر. إذ سمع الجميع بقصة نورمان كمبر Norman Kember الإنكليزي المناهض للحرب و الذي ذهب إلى العراق مع ثلاثة زملاء له، أمريكي وإثنين من كندا يعملون في منظمة تطلق على نفسها (فرق صانعي السلام المسيحي Christian Peacemaker Teams)، فتم اختطافهم من قبل جماعة إرهابية في بغداد تدعى بـ(كتيبة الحق) في تشرين الثاني/نوفمبر 2005 وقتلوا الأمريكي توم فوكس، وتم تحرير الثلاثة الآخرين من قبل قوات SAS البريطانية قبل أيام في عملية معقدة استغرقت عدة أشهر وكلفت دافعي الضرائب البريطانيين عدة ملايين من الدولارات. ولكن بعد تحريرهم، رفض نورمان كمبر حتى تقديم الشكر إلى منقذيهم، مما أثار سخط الرأي العام البريطاني عليه، فاضطر أخيراً توجيه الشكر للجنود تحت ضغط الرأي العام وعلى مضض. وبهذا الخصوص كتبت الصحفية البريطانية ميلاني فيليبس، في الديلي ميل اللندنية يوم 27/3 مقالاً بعنوان (مناهضو الحرب المزيفون The phony pacifists) انتقدت فيه منظمة (فرق صانعي السلام المسيحي) قالت فيه: "أن غرض هؤلاء (كمبر ورفاقه) من الذهاب إلى العراق ليس لتنبيه العالم ضد شرور العنف في العراق، بل لإثارة سخط العالم ضد القوات الغربية، ليس ضد شرور الإرهاب، بل ضد الحملة في مواجهة الإرهاب، ليس ضد شرور القاعدة، بل ضد الديمقراطية الغربية..." وأضافت الكاتبة: "وكما قال العراقيون في كندا في بيان لهم عن "صانعي السلام، أن هؤلاء يشاركون الجهاديين في خطابهم، وحتى لو كانت بدافع السذاجة. إن فرق السلام المسيحي وقفوا بقصد إلى جانب الفاشييين، الموالين إلى صدام حسين والقاعدة في العراق" وأن موقف مناهضي الحرب ضد الغرب ليس بالأمر الجديد، إذ له سوابق. ففي عام 1945، كتب جورج أوريل: إن دعاية مناهضي الحرب تميل إلى القول أن أي جانب من المحاربين لا يقل سوءاً عن الجانب الآخر، ولكن إذا نظرنا بتأمل وعن قرب إلى كتابات الشباب من مناهضي الحرب، نرى أنهم ليسوا محايدين في رفضهم، بل إن رفضهم موجه كلياً ضد بريطانيا وأمريكا." وتواصل الكاتبة قولها: " نشكر الله أن نورمان كمبر حي وآمن. وعلى أي حال، فالأيديولوجية التي قادته إلى هذا الخطر، تبقى تهديداً خطيراً لأولئك الذين ساهموا في النضال العسير من أجل الحياة والحرية".
أجل، إن أيديولوجية مناهضي الحرب ومعاداة تحرير العراق ودمقرطته، وتحت مختلف الأسماء، تدعي أنها ضد الحرب وتذرف دموع التماسيح على الشعب العراقي، ولكن في الحقيقة هي تدافع عن الإرهابيين وأعداء الحرية والديمقراطية والذين يعملون على تدمير الحضارة وعودة البشرية إلى شريعة الغاب.

عود على بدء، أود تذكير الجهات والجماعات المتحالفة في هذا الحلف غير المقدس، أن هناك حقيقة واحدة لصالح دمقرطة العراق ونجاح العملية السياسية فيه. نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين وقد دارت بوصلة التاريخ 180 درجة في الاتجاه المعاكس لما كانت عليه قبل 43 عاماً. فإذا كانت ظروف الحرب الباردة والصراع مع المعسكر الاشتراكي آنذاك قررت وقوف أمريكا وبريطانيا إلى جانب أعداء العراق وذبح ثورتنا، ثورة 14 تموز المجيدة وقيادتها الوطنية المخلصة وعلى رأسها الشهيد الزعيم عبدالكريم قاسم، فاليوم وبعد انتهاء الحرب الباردة لصالح الغرب وانهيار المعسكر الاشتراكي، فالدولة العظمى، أمريكا وحليفتها بريطانيا اقتضت مصلحتهما أن تقفا إلى جانب شعبنا في معركته المصيرية من أجل الحرية والديمقراطية. لذلك وبجهود الطلائع المتنورة من قوى شعبنا ودعم حلفائنا فستكون الهزيمة من نصيب أعداء، والنصر المؤزر سيكون حتماً إلى جانب شعبنا المناضل.[/b][/size][/font]


صفحات: [1]