ankawa

الحوار والراي الحر => المنبر الحر => الموضوع حرر بواسطة: حامد الحمداني في 22:25 28/01/2018

العنوان: صدام والفخ الأمريكي غزو الكويت وحرب الخليج الثانية الحلقة الخامسة
أرسل بواسطة: حامد الحمداني في 22:25 28/01/2018
صدام والفخ الأمريكي
غزو الكويت وحرب الخليج الثانية
الحلقة الخامسة
حامد الحمداني                                                                27/01/2018

عاشراً:جهود عربية لاحتواء الأزمة العراقية الكويتية:
بعد تصاعد الأزمة بين العراق والكويت، ووصولها إلى مرحلة الانفجار، بادر عدد من القادة العرب بالتحرك لاحتواء الأزمة، فقد تحركت المملكة العربية السعودية، بشخص الملك فهد، حيث أوفد وزير خارجيته [سعود الفيصل] إلى بغداد في 31 تموز 1990، حاملاً رسالة إلى صدام حسين عارضاً فيها إجراء محادثات على مستوى عالٍ بين الطرفين في جدة وتحت رعايته المباشرة من أجل التوصل إلى حل للأزمة، كما طلب الملك فهد من صدام حسين أن يعمل جهده لتهدئة الأوضاع،  وتهيئه الجو المناسب والهادئ لحل الخلافات بين البلدين الشقيقين.

 وبالفعل تم الاتفاق بين الأمير سعود الفيصل وصدام حسين على لقاء جدة، وجرى الاتفاق على أن يرأس الوفد العراقي نائب رئيس مجلس قيادة الثورة [عزت الدوري] فيما يرأس الوفد الكويتي، ولي العهد، ورئيس الوزراء الشيخ [سعد العبد الله الصباح]، وفي نفس الوقت، وصل وزير الدولة الكويتي [عبد الرحمن العوضي] موفدأ من الحكومة الكويتية، وأجرى مع المسؤولين العراقيين محادثات مطولة حول الأزمة وسبل حلها.

كما تحرك الملك الأردني حسين باتجاه العمل لمعالجة الأزمة، فغادر عمان إلى الإسكندرية، للقاء الرئيس مبارك، والتباحث معه حول الوضع الخطر على الحدود العراقية الكويتية، والذي يمكن أن ينفجر في أية لحظة، وجرى البحث في وسائل وسبل حل الخلافات العراقية الكويتية، وتم الاتفاق بينهما على أن يقوم الرئيس مبارك بزيارة بغداد، ولقاء صدام حسين.
وفي 24 تموز وصل الرئيس مبارك إلى بغداد، والتقى على الفور بصدام حسين، وأجرى معه نقاشاً مطولاً حول الأوضاع الملتهبة على الحدود العراقية الكويتية، وضرورة تهدئتها، والعمل على حل المشاكل بين البلدين بالطرق السلمية، وعدم اللجوء إلى استخدام القوة بين الأشقاء.

 كان اللقاء الذي جرى بين الرئيسين مغلقاً، ولذلك فقد فسّر كل طرف ما دار في ذلك اللقاء، بعد وقوع الغزو، كما يشاء. فقد ذكر الرئيس مبارك أن صدام حسين كان قد وعده بعدم استخدام القوة، فيما قال صدام حسين، بأنه كان قد قال لمبارك بأنه سوف لن يستخدم القوة، انتظاراً لما قد تسفر عنه مباحثات جدة.
كان صدام حسين خلال لقائه مع مبارك حانقاً جداً على أمير الكويت وحكومته، وفي الوقت نفسه حاول صدام أن يكسب مبارك إلى جانبه قائلاً له: {إن الشيخ جابر يملك ثروة مقدارها 17 بليون دولار، تصور يا أبا علاء ـ يقصد مبارك ـ لو كان هذا المبلغ تحت تصرف الشعب المصري فكم من الأزمات الخانقة يمكن حلها ؟}.

وعندما أنتهي اللقاء بينهما قال مبارك لصدام، لابد أن أذهب إلى الكويت، لكي أطمئن الحكومة الكويتية. لكن صدام حسين رد عليه قائلاً: { بالله عليك يا أبا علاء لا تفعل ذلك، فهؤلاء الناس لا يعرفون الحياء}.

غادر مبارك بغداد متوجهاً إلى الكويت، والتقى أميرها الشيخ جابر، وولي عهده الشيخ سعد، وأبلغهما بأن العراق لا ينوي استخدام القوة ضد الكويت، ورجاهما إتمام اللقاء في جدة، والعمل على حل النزاع، بروح من الأخوة والتفاهم،  ثم غادر مبارك إلى جدة، والتقى بالملك فهد، وتحدث معه حول لقائه بصدام حسين، وأكد على ضرورة العمل على إنجاح مؤتمر جدة، وقد رد عليه الملك فهد بأن الأمير سعود الفيصل قد طمأنه بأن صدام حسين لا ينوي استخدام القوة، غير أن استمرار تحركات القوات العراقية يثير الشكوك والقلق حول نوايا العراق.

وعندما بلغ الولايات المتحدة أمر المؤتمر المزمع عقده في جدة بين العراق والكويت، وتحت رعاية الملك فهد لتهدئة الأوضاع، وحل النزاع، سارعت بالطلب من أمير الكويت بأن يكون موقف حكومته صلباً تجاه المطالب العراقية، وأن يرفض تقديم أي تنازلات لصدام حسين، ولا يخضع لتهديداته، مؤكدة بأن باستطاعة الحكومة الكويتية الاعتماد على حماية الولايات المتحدة.(17)

كانت الولايات المتحدة تسعى جاهدة لإفشال لقاء جدة، قبل انعقاده، وإيصال الأزمة إلى مرحلة الانفجار، فبدون إقدام صدام حسين على مغامرته بغزو الكويت، لا تجد المبرر لضرب العراق.

وفي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تحث الكويتيين على عدم تقديم أي تنازلات لصدام حسين، وتدعوها للوقوف بصلابة أمام تهديداته، فإنها أوعزت إلى سفيرتها في بغداد[غريل كلاسبي] في 24 تموز أن تطلب مقابلة صدام حسين، بحجة إبلاغه بقلق الولايات المتحدة من تطور الأحداث بين العراق والكويت.
 إلا أن الحقيقة كانت غير ذلك، فقد كانت الولايات المتحدة تنتظر بفارغ الصبر أن يقدم صدام حسين على مغامرته بغزو الكويت، وكان الهدف من مقابلة السفيرة لصدام هو إبلاغه بأن الولايات المتحدة لا تنوي التدخل في الخلافات العربية، وأرادت بذلك أن توصل الإشارة لصدام بأنه حر اليدين في التعامل مع الكويت.
حادي عشر: السفيرة الأمريكية كلاسبي تلتقي وصدام
طلبت السفيرة الأمريكية [كلاسبي] المقابلة، وتمت الموافقة عليها في اليوم التالي، 25 تموز1990، وكان لدى صدام حسين شيئاً يريد أن يقوله للرئيس الأمريكي [جورج بوش]، قبل إقدامه على غزو الكويت،  فقد أراد أن يبلغ الرئيس بوش بأن العراق لا ينوي أبداً التعرض للمصالح الأمريكية في الخليج، وبصورة خاصة مصالحها النفطية كي يضمن حيادها!!.
وتمت المقابلة في 25 تموز، وبدأ صدام حسين الحديث مع السفيرة، مستعرضاً تطور العلاقات بين العراق والولايات المتحدة، منذُ أن قطعها العراق إثر حرب 5 حزيران عام 1967، وحتى إعادتها عام 1980، قبل قيامه بالعدوان على إيران بحوالي الشهرين، وكان صدام حسين خلال حديثه الذي أستغرق 45 دقيقة يعمل جاهداً لتوضيح موقف العراق من الولايات المتحدة، وضرورة تفهم بعضهم للبعض الأخر، وداعياً إلى إقامة علاقات جديدة من التعاون، والثقة المتبادلة،  والمصالح المشتركة بين البلدين.

كما تحدث صدام حسين عن حربه ضد إيران، مذكراً الولايات المتحدة أن النظام العراقي هو الذي وقف بوجه المطامع الإيرانية، ولولا العراق لما استطاعت الولايات المتحدة إيقاف اندفاع حكام إيران نحو الخليج !!، فالولايات المتحدة لا تستطيع تقديم عشرة آلاف قتيل، في معركة واحدة !!، لكن العراق قدم أضعاف مضاعفة لهذا الرقم لحماية المصالح الأمريكية في الخليج.

 كان لسان حال صدام حسين يقول للسفيرة، ألم نحارب 8 سنوات نيابة عنكم، وخدمة لمصالحكم؟ مضحين بأرواح نصف مليون مواطن عراقي، ذلك أن قيمة الإنسان لدى هكذا دكتاتور لا تساوي شيئاً.

وبعد استعراض العلاقة الأمريكية العراقية، أنتقل صدام حسين في حديثه مع السفيرة إلى الوضع الاقتصادي في العراق، بعد حربه مع إيران قائلاً:
{إن العراق يواجه اليوم حرباً اقتصادية، وأن الكويت والإمارات هما أدوات هذه الحرب، فالدولتان تجاوزتا حصص الإنتاج، وأغرقتا الأسواق العالمية بالنفط، بحيث سبب ذلك انهيارا في أسعاره، وبالتالي خسر العراق ما يزيد على 7 بليون دولار سنوياً، في وقت هو أحوج ما يكون لها لإعادة إعمار ما خربته الحرب، والنهوض بمشاريع التنمية، التي توقفت خلال الحرب، وأخيراً الديون التي تراكمت على العراق، وأوجبت أن عليه أن يدفع فوائد لتلك الديون بما يتجاوز 7 مليارات دولار سنوياً، وإن العراق لا يمكن أن يرضى بهذا الوضع، إنهم يهدفون إلى إذلال شعب العراق}.
 لقد تناسى صدام أنه قد أذل شعب العراق منذ جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري، وجعل من نفسه دكتاتوراً ليس له مثيل في عالم اليوم، وأشعل الحروب، وسبب لشعبه من المآسي والويلات والمصائب ما يعجز القلم عن وصفها.
وانتقل صدام إلى مسألة الحدود، موضحاً للسفيرة أن الكويت استغلت انشغال العراق في حربه مع إيران، وزحّفت حدودها نحو العراق، وقامت باستغلال حقل الرميلة الجنوبي، وسرقت من النفط ما قيمته 2400 مليون دولار.
 وأردف صدام قائلاً:{ إن حقوقنا سوف نأخذها حتماً، سواء غداً، أو بعد شهر، أو بعد عدة أشهر، فنحن لن نتنازل عن أي من حقوقنا}.

وأنتقل صدام بعد ذلك إلى محاولة تطمين الولايات المتحدة على مصالحها النفطية في الخليج قائلاً:{نحن نفهم تماماً حرص الولايات المتحدة على استمرار تدفق النفط، وحرصها على علاقات الصداقة في المنطقة، وأن تتسع مساحة المصالح المشتركة في المجالات المختلفة، ولكننا لا نفهم محاولات تشجيع البعض لكي يلحق الضرر بنا}.

ثم تحدث صدام بغرور كبير عن احتمالات المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة في المنطقة قائلاً:{ نحن نعرف أنكم دولة عظمى، ونحن دولة صغيرة، وأنتم قادرون على إيذائنا، غير أننا قادرون أيضاً على إيذائكم، على الرغم من كوننا دولة صغيرة، ونحن ندرك أنكم قادرون على جلب الطائرات، والصواريخ لضربنا، ولكننا سوف نستخف بكل هذا إذا شعرنا أنكم تريدون إلحاق الأذى بنا، فالموت أفضل لنا من الذل}. وأخيراً أختتم صدام حديثه بتوجيه التحية إلى الرئيس بوش، راجياً السفيرة أن ُتطّلع الرئيس على نص حديثه معها شخصياً.

وبعد أن انتهي صدام من حديثه، جاء دور السفيرة كلاسبي، التي شكرت بادئ الأمر صدام على حديثه معها، وأعربت عن حرص الولايات المتحدة على صداقتها مع العراق، وتطوير العلاقات معه في مختلف المجالات. ثم أضافت قائلة: { سيدي الرئيس أود أن أعلق على نقطتين أساسيتين وردت في حديثكم، النقطة الأولى حول موضوع الحرب الاقتصادية التي ذكرتموها، وأود هنا أن أقول باسم حكومتي، أن الرئيس بوش لا يرمي إلى الحرب الاقتصادية ضد العراق، وإنما يود أن تكون هناك علاقات أفضل بين البلدين، لكن الولايات المتحدة لا تريد أسعاراً عالية للنفط، وتود أن يكون هناك استقراراً لسوق النفط، فإن أي اضطراب لسوق النفط، وللأسعار، يؤثران تأثيراً بالغاً، ليس على اقتصادنا فحسب، بل اقتصاد جميع الدول الأخرى}. (18)

 وقد رد صدام حسين قائلاً: { أن سعر 25 دولار للبرميل ليس غالياً}.
 ثم انتقلت السفيرة إلى النقطة الثانية، والتي هي بيت القصيد في تلك المقابلة، فقد تحدثت عن الخلافات العربية- العربية، قائلة: {إن التوجيهات الموجهة إلينا، هي إننا لا ينبغي أن نبدي رأياً حول القضية، فلا علاقة للولايات المتحدة بها، ونحن نتمنى حل المشاكل بينكم بأي طريقة مناسبة، فنحن لا ننوي التدخل في هذه المشاكل}.(19)
لقد أرادت السفيرة أن تقول لصدام حسين، أنه حر في تصرفاته إزاء الأزمة مع الكويت، وفهم صدام أن الضوء الأخضر قد فتح أمامه ليقوم بمغامرته، التي كانت الولايات المتحدة تنتظرها بفارغ الصبر.

 وفي الوقت نفسه ضغطت الولايات المتحدة على حكومة الكويت لكي لا تقدم أي تنازلات للعراق مهما كانت خلال محادثات مؤتمر جدة المنوي عقده في 31 تموز، ومما يؤكد ذلك الموقف هوالخطاب الذي تم العثور عليه في مكتب أمير الكويت، بعد الغزو، والموجه من الأمير إلى الشيخ سعد، رئيس الوفد الكويتي المفاوض في مؤتمر جدة، والذي جاء فيه:

{نحن نحضر الاجتماع بنفس شروطنا المتفق عليها، والمهم بالنسبة لنا مصالحنا الوطنية، ومهما ستسمعون من السعوديين والعراقيين، عن الأخوة، والتضامن العربي، لا تصغوا إليه، فكل واحد منهم له مصالحه، السعوديين يريدون إضعافنا، واستغلال تنازلنا للعراقيين، لكي نتنازل لهم مستقبلاً عن المنطقة المقصودة، والعراقيون يريدون تعويض خسائر حربهم على حسابنا، وهذا لا يحصل، ولا ذاك،  وهذا رأي أصدقائنا في واشنطن ولندن. أصروا على موقفنا في مباحثاتكم، فنحن أقوى مما يتصورون}. (20)

 ومعلوم أن الشيخ جابر ما كان ليجرأ على تحدي العراق بهذا الشكل لولا الضغط والدعم الأمريكي!، فالكويت أضعف من أن تقف أمام جيش العراق حتى ولو ليوم واحد، لكن التوجيهات الأمريكية هي التي فرضت ذلك، وقد وضعت المخابرات الأمريكية خطة الحماية لحكام الكويت لتخرجهم سالمين، عند أول تحرك للقوات العراقية، لكي لا يقعوا بأيديهم، ولتكن ذريعة بيد الولايات المتحدة لإعادة الشرعية للبلاد.